الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تعالي
*
(باب زكاة الذهب والفضة)
(زكاة الذهب والفضة: تجب الزكاة في الذهب والفضة لقوله عز وجل (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) ولان الذهب والفضة معد للنماء فهو كالابل والبقر السائمة ولا تجب فيما سواهما من الجواهر كالياقوت والفيروزج واللؤلؤ والمرجان لان ذلك معد للاستعمال فهو كالابل والبقر العوامل ولا تجب فيما دون النصاب من الذهب والفضة ونصاب الذهب عشرون مثقالا لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال (ولا في أقل من عشرين مثقالا من الذهب شئ) ونصاب الفضة مائتا درهم والدليل عليه مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذا بلغ مال أحدكم خمس أواق مائتي درهم ففيه خمسة دراهم) والاعتبار بالمثقال الذى كان بمكة ودراهم الاسلام الذى كل عشرة وزن سبع مثاقيل لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (الميزان ميزان أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة) ولا يضم أحدهما الي الآخر في اكمال النصاب لانهما جنسان فلم يضم أحدهما الي الآخر كالابل والبقر وزكاتهما ربع العشر نصف مثقال عن عشرين مثقالا من الذهب وخمسة دراهم عن مائتي درهم وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم في كتاب الصدقات (في الرقة ربع العشر) وروى عاصم بن
ضمرة عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ (ليس في أقل من عشرين دينارا شئ وفى عشرين نصف دينار) ويجب فيما زاد علي النصاب بِحِسَابِهِ لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَوَجَبَ فيما زاد بحسابه ويجب في
الجيد الجيد وفى الردئ الردئ فان كانت أنواعا قليلة وجب في كل نوع بقسطه وان كثرت الانواع أخرج من الوسط كما قلنا في الثمار وان كان له ذهب مغشوش أو فضة مغشوشة فان كان الذهب والفضة فيه قدر الزكاة وجبت الزكاة وان لم تبلغ لم تجب وان لم يعرف قدر ما فيه من الذهب والفضة فهو بالخيار ان شاء سبك ليعرف الواجب فيخرجه وان شاء اخرج واستظهر ليسقط الفرض بيقين)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا حَدِيثُ فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ بِطُولِهِ فِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ الْإِبِلِ وَالرِّقَةُ بِتَخْفِيفِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ هِيَ الْوَرِقُ وَهُوَ كُلُّ الْفِضَّةِ وَقِيلَ الدَّرَاهِمُ خَاصَّةً وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا الرِّقَةُ هِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَغَلَطٌ فَاحِشٌ وَلَمْ يَقُلْ أَصْحَابُنَا وَلَا أَهْلُ اللُّغَةِ وَلَا غَيْرُهُمْ إنَّ الرِّقَةَ تُطْلَقُ عَلَى الذَّهَبِ بَلْ هِيَ الْوَرِقُ وَفِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْته وَأَصْلُهَا وِرْقَةٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ كَالزِّنَةِ مِنْ الْوَزْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ (الْمِيزَانُ مِيزَانُ أَهْلِ مَكَّةَ) إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ أَبُو دَاوُد وَرُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الزَّكَاةِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ وَقَفَهُ عَلَى عَلِيٍّ وَهُوَ مَرْفُوعٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
* وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَابْنِ عُمَرَ فَغَرِيبَانِ وَيُغْنِي عَنْهُمَا الْإِجْمَاعُ فَالْمُسْلِمُونَ مُجْمِعُونَ عَلَى مَعْنَاهُمَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) وَفِي
مُسْلِمٍ مِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَالْأُوقِيَّةُ الْحِجَازِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ أَرْبَعُونَ بِالنُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إما إلي الجنة وإما إلي النار) وأما أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَاللُّؤْلُؤُ فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ قُرِئَ بِهِنَّ فِي السَّبْعِ لُؤْلُؤ بِهَمْزَتَيْنِ وَلُولُو بِغَيْرِ هَمْزٍ وَبِهَمْزِ أَوَّلِهِ دُونَ ثَانِيه وَعَكْسُهُ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ اللُّؤْلُؤُ الْكِبَارُ وَالْمَرْجَانُ الصِّغَارُ وقيل عكسه (وقوله) وَدَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ الَّتِي كُلُّ وَزْنِ عَشْرَةٍ سَبْعَةُ
مَثَاقِيلَ هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ هُنَا كُلُّ أُوقِيَّةٍ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَهَكَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِيهِ وَفِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَلَعَلَّهُ صُحِّفَ فِي نُسْخَةٍ وَشَاعَتْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ احتراز من الماشية (وقوله) في الردئ الردئ هُوَ مَهْمُوزٌ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ النُّصُوصُ وَالْإِجْمَاعُ وَسَوَاءٌ فِيهِمَا الْمَسْكُوكُ وَالتِّبْرُ وَالْحِجَارَةُ مِنْهُمَا وَالسَّبَائِكُ وَغَيْرُهَا مِنْ جِنْسِهَا إلَّا الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِيَةُ) لَا زَكَاةَ فِيمَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ الْجَوَاهِرِ كَالْيَاقُوتِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ وَالزُّمُرُّدِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وسائر النحاس والزجاج وإن حسنت صنعتها وَكَثُرَتْ قِيمَتُهَا وَلَا زَكَاةَ أَيْضًا فِي الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا فِي حِلْيَةِ بَحْرٍ قَالَ أَصْحَابُنَا مَعْنَاهُ كُلُّ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ فَلَا زَكَاةَ فيه ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ الْخُمْسُ فِي الْعَنْبَرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَذَلِكَ اللُّؤْلُؤُ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ الْخُمْسُ فِي كُلِّ مَا يَخْرُجُ
مِنْ الْبَحْرِ سِوَى السَّمَكِ وَحَكَى الْعَنْبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) كَمَذْهَبِ الْجَمَاهِيرِ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إذا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا حَتَّى فِي الْمِسْكِ وَالسَّمَكِ ودليلنا الاصل ان لا زكاة الافيما ثَبَتَ الشَّرْعُ فِيهِ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي العنبر زكاة انما هو شئ دَسَرَهُ الْبَحْرُ وَهُوَ بِدَالٍ وَسِينٍ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ أَيْ قَذَفَهُ وَدَفَعَهُ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عن عمر وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ فَضَعِيفٌ جِدًّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَبَيَّنَ ضَعْفَهُ (الثَّالِثَةُ) لَا زَكَاةَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ نِصَابًا وَنِصَابُ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا وَنِصَابُ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَهِيَ خَمْسُ أَوَاقٍ بِوَقِيَّةِ الْحِجَازِ وَالِاعْتِبَارُ بِوَزْنِ مَكَّةَ فَأَمَّا الْمِثْقَالُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ وَقَدْرُهُ مَعْرُوفٌ وَالدَّرَاهِمُ الْمُرَادُ بِهَا دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ الَّتِي كُلُّ عَشْرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَسَأُفْرِدُ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَصْلًا نَفِيسًا أَذْكُرُ فِيهِ أَقَاوِيلَ الْعُلَمَاءِ فِي حَالِ الدِّينَارِ والدرهم وقدرهما وما يتعلق بتحقيقهما قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ نَقَصَ عَنْ النِّصَابِ حَبَّةً أَوْ بَعْضَ حَبَّةٍ فَلَا زَكَاةَ بِلَا خِلَافٍ عندنا وإن راج رواج الوزن وَزَادَ عَلَيْهِ لِجَوْدَةِ نَوْعِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ نَقَصَتْ الْمِائَتَانِ مِنْ الْفِضَّةِ حَبَّةً وَحَبَّتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يُتَسَامَحُ بِهِ وَيَرُوجُ رَوَاجَ الْوَازِنَةِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ وَعَنْهُ إنْ نَقَصَتْ دَانَقًا أَوْ دَانَقَيْنِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهَا إذَا نَقَصَتْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ واحتج لهما بأنها كالمائتين في المعاملة (احتج) أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الْبَابِ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَهَذَا دُونَ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يُسَامِحُ بِهِ صَاحِبُهُ إذَا نَقَصَ تَبَرُّعًا فَلَوْ طَالَبَ بِنُقْصَانِ الْحَبَّةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَوَجَبَ دَفْعُهَا إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ نَقَصَ نِصَابُ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ حَبَّةً وَنَحْوَهَا فِي بَعْضِ الْمَوَازِينِ وَكَانَ تَامًّا فِي بَعْضِهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ لَا تَجِبُ
لِلشَّكِّ فِي بُلُوغِ النِّصَابِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَعَدَمُ النِّصَابِ وَالثَّانِي تَجِبُ وَهُوَ قَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ حَكَاهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَلَّطَهُ فِيهِ وَشَنَّعَ عَلَيْهِ وَبَالَغَ فِي الشَّنَاعَةِ وَقَالَ الصَّوَابُ لَا تَجِبُ لِلشَّكِّ فِي النِّصَابِ (الرَّابِعَةُ) لَا يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ وَلَا هِيَ إلَيْهِ فِي إتْمَامِ النِّصَابِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَا يُضَمُّ التَّمْرُ إلَى الزَّبِيبِ وَيَكْمُلُ النَّوْعُ من أحدهما بالنوع الآخر والجيد بالردئ وَالْمُرَادُ بِالْجَوْدَةِ النُّعُومَةُ وَالصَّبْرُ عَلَى الضَّرْبِ وَنَحْوُهُمَا وبالردائة الْخُشُونَةُ وَالتَّفَتُّتُ عِنْدَ الضَّرْبِ وَنَحْوُهُمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) وَاجِبُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ سَوَاءٌ كَانَ نِصَابًا فَقَطْ أَمْ زَادَ زِيَادَةً قَلِيلَةً أَمْ كَثِيرَةً وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ (السَّادِسَةُ) يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ زَكَاتِهِمَا أَنْ يَمْلِكَهُمَا حَوْلًا كَامِلًا بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ مَلَكَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مُعْظَمَ السَّنَةِ ثُمَّ نَقَصَتْ وَلَوْ نُقْصَانًا يَسِيرًا ثُمَّ تَمَّتْ بَعْدَ سَاعَةٍ انْقَطَعَ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَلَا زَكَاةَ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهَا حَوْلٌ كَامِلٌ مِنْ حِينِ تَمَّتْ نِصَابًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَدْ أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ هُنَا وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ (السَّابِعَةُ) إذَا كَانَ الذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كُلُّهُ جَيِّدًا أَخْرَجَ جَيِّدًا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ أَخْرَجَ دُونَهُ مَعِيبًا أَوْ رَدِيئًا أَوْ مَغْشُوشًا لَمْ يُجْزِئْهُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ وَحَكَاهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَعْضُ جَيِّدًا وَالْبَعْضُ رَدِيئًا فَأَخْرَجَ عَنْ الْجَمِيعِ رَدِيئًا قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ يُجْزِيهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا عِنْدِي خَطَأٌ مَحْضٌ صَرِيحٌ إذَا اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ فَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ له استرجاع المعيب والردئ وَالْمَغْشُوشِ فِيهِ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ مَحْكِيَّانِ فِي الْحَاوِي وَالشَّامِلِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهِمْ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ
(أَحَدُهُمَا)
لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْمَعِيبَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِرْجَاعُهُ كَمَا لَوْ لَزِمَهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ سَلِيمَةٍ فَأَعْتَقَ مَعِيبَةً فَإِنَّهَا تُعْتَقُ وَلَا تُجْزِيهِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ (وَالثَّانِي) لَهُ الرُّجُوعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الزَّكَاةِ فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ كَمَا لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ فَتَلِفَ ما له قَبْلَ الْحَوْلِ.
قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إذَا بَيَّنَ عِنْدَ الدَّفْعِ كَوْنَهَا زَكَاةَ هَذَا الْمَالِ بِعَيْنِهِ فَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَتَوَجَّهْ الرُّجُوعُ وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ بِهَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّ لَهُ اسْتِرْجَاعَهَا فَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً أَخَذَهَا
فَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا الْمَسَاكِينُ أَخْرَجَ التَّفَاوُتَ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَكَيْفِيَّةُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يُقَوَّمَ الْمُخْرَجُ بِجِنْسٍ آخَرَ فَيُعْرَفُ التَّفَاوُتُ مِثَالُهُ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ جَيِّدَةٍ فَأَخْرَجَ عَنْهَا خَمْسَةً مَعِيبَةً فَقَوَّمْنَا الْخَمْسَةَ الْجَيِّدَةَ بِذَهَبٍ.
فَسَاوَتْ نِصْفَ دِينَارٍ وَسَاوَتْ الْمَعِيبَةُ خُمُسَيْ دِينَارٍ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ جَيِّدٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ كُلُّ مَالِهِ جَيِّدًا فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ رَدِيئًا كَفَاهُ الاخراج من نفسه أو من ردئ مثله وهذا الاخلاف فِيهِ وَإِنْ تَبَرَّعَ فَأَخْرَجَ أَجْوَدَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَكَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ أَوْ الذهب أنواعا بعضها جيد وبعضها ردئ أَوْ بَعْضُهَا أَجْوَدُ مِنْ بَعْضٍ فَإِنْ قَلَّتْ الْأَنْوَاعُ وَجَبَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ وَإِنْ كَثُرَتْ وَشَقَّ اعْتِبَارُ الْجَمِيعِ أَخْرَجَ مِنْ أَوْسَطِهَا لَا مِنْ الْأَجْوَدِ وَلَا مِنْ الْأَرْدَأِ كَمَا سَبَقَ فِي الثِّمَارِ وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الصَّحِيحِ عَنْ الْمَكْسُورِ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ بَلْ إذَا لَزِمَهُ دِينَارٌ جَمَعَ الْمُسْتَحَقِّينَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ بِأَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى وَاحِدٍ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ وَإِنْ وَجَبَ نِصْفُ دِينَارٍ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ دِينَارًا كَامِلًا نِصْفُهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَنِصْفُهُ يَبْقَى لَهُ مَعَهُمْ أَمَانَةً فَإِذَا تَسَلَّمُوهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ الزَّكَاةِ ثُمَّ يَتَفَاصَلُ هُوَ وَهُمْ فِي الدِّينَارِ بِأَنْ يَبِيعُوهُ لَأَجْنَبِيٍّ وَيَتَقَاسَمُوا ثَمَنَهُ أَوْ يَشْتَرُوا مِنْهُ نَصِيبَهُ أَوْ يَشْتَرِي نَصِيبَهُمْ لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ شِرَى صَدَقَتِهِ مِمَّنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي آخِرِ قِسْمِ الصَّدَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْمُكَسَّرُ عَنْ الصَّحِيحِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحُكِيَ (وَجْهٌ ثَانٍ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ إلَى كُلِّ مِسْكِينٍ حِصَّتَهُ مُكَسَّرًا (وَوَجْهٌ ثَالِثٌ) أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ لَكِنْ مَعَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمُكَسَّرِ (وَوَجْهٌ رَابِعٌ) أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمُكَسَّرِ فَرْقٌ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ (الثَّامِنَةُ) إذَا كَانَ لَهُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ مَغْشُوشَةٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهَا نِصَابًا هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْمُصَنِّفُ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا السَّرَخْسِيَّ فَقَالَ فِي الْأَمَالِي لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مِائَتَيْنِ مِنْ الْفِضَّةِ الْمَغْشُوشَةِ وَمَتَى تَجِبُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) إذَا بَلَغَتْ قَدْرًا تَكُونُ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ فِيهَا مِائَتَيْنِ وَلَا تَجِبُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ
(وَالثَّانِي)
إذَا بَلَغَتْ قَدْرًا لَوْ ضُمَّتْ إلَيْهِ قِيمَةُ الْغِشِّ مِنْ النُّحَاسِ أَوْ غَيْرِهِ لَبَلَغَ نِصَابًا تَجِبُ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ غَلَطٌ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم
(لَيْسَ فِيمَا دُونَ خمس اواق من الورق صدقه) والله تعالي أَعْلَمُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَغْشُوشَةٌ فَأَخْرَجَ عَنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ خَالِصَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَجْزَأَهُ وَقَدْ زَادَ خيرا وهو متطوع بالزيادة ولو أخرج عن مِائَتَيْنِ خَالِصَةٍ خَمْسَةً مَغْشُوشَةً فَقَدْ سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ أَنَّهُ لَا يُجْزِيه وَأَنَّ
لَهُ اسْتِرْدَادَهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْ الالف المغشوشة يَعْلَمُ أَنَّ فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ رُبْعَ الْعُشْرِ أَجْزَأَهُ بِأَنْ كَانَ الْغِشُّ فِيهَا سَوَاءً فَأَخْرَجَ مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ الْفِضَّةِ فِيهَا مَعَ عِلْمِهِ بِبُلُوغِهَا نِصَابًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بين أن يسبكها ويخرج ربع العشر خَالِصِهَا وَبَيْنَ أَنْ يَحْتَاطَ وَيُخْرِجَ مَا يَتَيَقَّنُ أن فِيهِ رُبْعُ عُشْرِ خَالِصِهَا فَإِنْ سَبَكَهَا فَفِي مؤنة السبك وجهان حكاهما صاحبا الْحَاوِي وَالْمُسْتَظْهَرَيْ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا أَنَّهَا عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهَا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ فَكَانَتْ عَلَى الْمَالِكِ كَمُؤْنَةِ الْحَصَادِ
(وَالثَّانِي)
تَكُونُ مِنْ الْمَسْبُوكِ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ الْمُشْتَرَكِ (قَالَ أَصْحَابُنَا) وَمَتَى ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ أَنَّ قَدْرَ الْخَالِصِ فِي الْمَغْشُوشِ كَذَا وَكَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ اسْتِحْبَابًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لَا أَعْلَمُ قَدْرَ الْفِضَّةِ عِلْمًا لَكِنِّي اجْتَهَدْتُ فَأَدَّى اجْتِهَادِي إلَى كَذَا لَمْ يَكُنْ لِلسَّاعِي أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ لَهُ إنَاءٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَزْنُهُ أَلْفٌ مِنْ أَحَدِهِمَا سِتُّمِائَةٌ وَمَنْ الْآخَرِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَلَا يَعْرِفُ أَيُّهُمَا الذَّهَبُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ احْتَاطَ فَزَكَّى سِتَّمِائَةَ ذَهَبًا وَسِتَّمِائَةَ فِضَّةً أَجْزَأَهُ فَإِنْ لَمْ يَحْتَطْ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُمَيِّزَهُ بِالنَّارِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَيَقُومُ مَقَامَ النَّارِ الِامْتِحَانُ بِالْمَاءِ بِأَنْ يُوضَعَ قَدْرُ الْمَخْلُوطِ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ فِي مَاءٍ وَيُعَلَّمَ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَرْتَفِعُ إلَيْهِ الْمَاءُ ثُمَّ يُخْرَج وَيُوضَع مِثْلُهُ مِنْ الفضه الخالصة ويعلم علي موضع الارتفاع وهذه العلامة تقع فَوْقَ الْأَوْلَى لِأَنَّ أَجْزَاءَ الذَّهَبِ أَكْثَرُ اكْتِنَازًا ثُمَّ يُوضَعَ فِيهِ الْمَخْلُوطُ وَيُنْظَرَ ارْتِفَاعُ الْمَاءِ بِهِ أَهُوَ إلَى عَلَامَةِ الذَّهَبِ أَقْرَبُ أَمْ إلَى عَلَامَةِ الْفِضَّةِ وَيُزَكَّى كَذَلِكَ وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْأَكْثَرُ مِنْهُمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْعِرَاقِيُّونَ إنْ كَانَ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ فَلَهُ اعْتِمَادُ ظَنِّهِ وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى السَّاعِي لَمْ يُقْبَلْ ظَنُّهُ بَلْ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ أَوْ التَّمْيِيزُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ أَئِمَّتُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ ظَنِّهِ قَالَ ويحتمل ان يجوز الاخذ بما شَاءَ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ لِأَنَّ
اشْتِغَالَ ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَجَعَلَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَجْهًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ ولان فيه افسادا للنقود واضرار ابذوى الْحُقُوقِ وَغَلَاءَ الْأَسْعَارِ وَانْقِطَاعَ الْأَجْلَابِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْإِمَامِ وَلِأَنَّ فِيهِ افْتِئَاتًا عَلَى الْإِمَامِ وَلِأَنَّهُ يَخْفَى فَيَغْتَرُّ بِهِ النَّاسُ بِخِلَافِ ضَرْبِ الْإِمَامِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ
فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ أَيْضًا لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وإن كَانَتْ خَالِصَةً لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ وَلِأَنَّهُ لا يؤمن فيه لغش وَالْإِفْسَادُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَنْ مَلَكَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً كُرِهَ لَهُ إمْسَاكُهَا بَلْ يَسْبِكُهَا وَيُصَفِّيهَا قَالَ الْقَاضِي إلَّا إذَا كَانَتْ دَرَاهِمَ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةً فَلَا يُكْرَهُ إمْسَاكُهَا وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه عَلَى كَرَاهَةِ إمْسَاكِ الْمَغْشُوشِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يغربه وَرَثَتَهُ إذَا مَاتَ وَغَيْرَهُمْ فِي الْحَيَاةِ كَذَا عَلَّلَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمُعَامَلَةُ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ فَإِنْ كَانَ الْغِشُّ فِيهَا مُسْتَهْلَكًا بِحَيْثُ لَوْ صُفِّيَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صُورَةٌ كَالدَّرَاهِمِ الْمَطْلِيَّةِ بِزِرْنِيخٍ وَنَحْوِهِ صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ وُجُودَ هَذَا الْغِشِّ كَالْعَدَمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَهْلَكًا كَالْمَغْشُوشِ بِنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَنَحْوِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ فِيهَا مَعْلُومَةً لَا تَخْتَلِفُ صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ عَلَى عَيْنِهَا الْحَاضِرَةِ وَفِي الذِّمَّةِ أَيْضًا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ الَّتِي فِيهَا مَجْهُولَةً فَفِي صِحَّةِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا مُعِينَةٌ وَفِي الذِّمَّةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) الْجَوَازُ فِيهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَوَاجُهَا وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَاطُهَا بِالنُّحَاسِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَعْجُونَاتِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْرَادُهَا مَجْهُولَةَ الْمِقْدَارِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْفِضَّةُ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ كَمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ لِأَنَّ مقصوده الفضه وهى مجهولة وكما لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ الْمَخْلُوطِ بِالْمَاءِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ (وَالثَّالِثُ) تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ بِأَعْيَانِهَا وَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْجَوَاهِرِ وَالْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ مَعِيبَةً وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا وَلَا قَرْضُهَا (وَالرَّابِعُ) إنْ كَانَ الْغِشُّ فِيهَا غَالِبًا
لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا فَيَجُوزُ (قَالَ أَصْحَابُنَا) فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ فَبَاعَهُ بِدَرَاهِمَ مُطْلَقًا وَنَقْدُ الْبَلَدِ مَغْشُوشٌ صَحَّ الْعَقْدُ وَوَجَبَ مِنْ ذَلِكَ النَّقْدِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْآخَرِينَ لَمْ يَصِحَّ هَكَذَا ذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ الْمَسْأَلَةَ قَالَ الصيتمرى وَصَاحِبُهُ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا كَانَ قَدْرُ الْفِضَّةِ فِي الْمَغْشُوشَةِ مَجْهُولًا فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يكون الغش بشئ مَقْصُودٍ لَهُ قِيمَةٌ كَالنُّحَاسِ وَهَذَا لَهُ صُورَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ غَيْرَ مُمَازِجَةٍ لِلْغِشِّ كَالْفِضَّةِ عَلَى النُّحَاسِ فَلَا تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ بِهَا لَا فِي الذِّمَّةِ وَلَا بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الآخر
غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مُشَاهَدٍ فَلَا تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ بِهَا كَالْفِضَّةِ الْمَطْلِيَّةِ بِذَهَبٍ (الثَّانِيَةُ) أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ مُمَازِجَةً لِلنُّحَاسِ فَلَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ بِهَا فِي الذِّمَّةِ لِلْجَهْلِ بِهَا كَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْمَعْجُونَاتِ وَفِي جَوَازِهَا عَلَى أَعْيَانِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وأبو علي ابن أَبِي هُرَيْرَةَ يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ حِنْطَةٍ مَخْلُوطَةٍ بِشَعِيرٍ وَكَالْمَعْجُونَاتِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ بِخِلَافِ تُرَابِ الْمَعَادِنِ لِأَنَّ التُّرَابَ غَيْرُ مَقْصُودٍ (الحال الثاني) أن يكون الغش بشئ مستهلك لاقيمة لَهُ حِينَئِذٍ كَالزِّئْبَقِ وَالزِّرْنِيخِ فَإِنْ كَانَا مُمْتَزِجِينَ لَمْ تَجُزْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا فِي الذِّمَّةِ وَلَا مُعَيَّنَةٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ مُمْتَزِجٌ كَتُرَابِ الْمَعْدِنِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُمْتَزِجَيْنِ بَلْ كَانَتْ الْفِضَّةُ عَلَى ظَاهِرِ الزِّرْنِيخِ وَالزِّئْبَقِ صَارَتْ الْمُعَامَلَةُ بِأَعْيَانِهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُشَاهَدٌ وَلَا يَجُوزُ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَجْهُولٌ: هَذَا كُلُّهُ لَفْظُ صَاحِبِ الْحَاوِي قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَالْحُكْمُ فِي الدَّنَانِيرِ الْمَغْشُوشَةِ كَهُوَ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ كَمَا سَبَقَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَلَا بالدنانير الخالصة وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةٍ بِمَغْشُوشَةٍ وَلَا بِخَالِصَةٍ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي بَابِ الرِّبَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَلَوْ أَتْلَفَ الدَّرَاهِمَ الْمَغْشُوشَةَ إنْسَانٌ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا ذَهَبًا لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهَا هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ مَضْبُوطَةً فَيَجِبُ مِثْلُهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
جَرَتْ عَادَةُ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِتَفْسِيرِ الْكَنْزِ الْمَذْكُورِ في قوله تبارك وتعالي (الذين يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فبشرهم بعذات اليم) وَجَاءَ الْوَعِيدُ عَلَى الْكَنْزِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ الْمُرَادُ بِالْكَنْزِ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى
زَكَاتُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَدْفُونًا أَمْ ظَاهِرًا فَأَمَّا مَا أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بكنز سواء كان مدفونا أم بارز أو ممن قَالَ بِهِ مِنْ أَعْلَامِ الْمُحَدِّثِينَ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ في ضحيحه مَا أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ) ثُمَّ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صحيحه أن اعرابيا قال لابن
فَوَيْلٌ لَهُ إنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا نَزَلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى طُهْرًا لِلْأَمْوَالِ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُسْنَدٌ مُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ وَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْمُصَنَّفِينَ فِي أَحْكَامِ الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَسَبَبُ غَلَطِهِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ قَالَ أحمد بن شبيب وذكر اسناده وأحمد اين شَبِيبٍ أَحَدُ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ الْمَشْهُورِينَ وَقَدْ عَلِمَ أهل العناية بصنعة الْحَدِيثِ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الصِّيغَةِ إذَا اسْتَعْمَلَهَا الْبُخَارِيُّ فِي شَيْخِهِ كَانَ الْحَدِيثُ مُتَّصِلًا وَإِنَّمَا الْمُعَلَّقُ مَا أُسْقِطَ فِي أَوَّلِ إسْنَادِهِ وَاحِدٌ فأكثر وكل هذا موضح فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما وَهُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْكَنْزِ مَا هُوَ فَقَالَ (هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا أَدَّيْت زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْت مَا عَلَيْك) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حديت حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هذه الآية (الذين يكنزون الذهب والفضة) كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه أَنَا أُفَرِّجُ عَنْكُمْ فَانْطَلَقُوا فَقَالُوا يا نبى الله انه اكبر علي أصحابك هذه الْآيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ الزَّكَاةَ إلَّا لِيُطَيِّبَ بِهَا مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا فَرَضَ الْمَوَارِيثَ لِتَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ فَكَبَّرَ عُمَرُ رضي الله عنه ثُمَّ قَالَ (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ مَا يُكْنَزُ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (كُنْت أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فقلت يارسول اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ فَقَالَ مَا بَلَغَ أَنْ تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز) رواه أو دَاوُد فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ الشَّافِعِيُّ الْكَنْزُ مَا لَمْ تُؤَدِّ زَكَاتَهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا وَمَا أَدَّيْت زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا قَالَ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ دَاوُد فَقَالَ ابْنُ دَاوُد الْكَنْزُ فِي اللُّغَةِ
الْمَالُ الْمَدْفُونُ سَوَاءٌ أَدَّيْت زَكَاتَهُ أَمْ لَا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الْكَنْزُ الْمُحَرَّمُ فِي الْآيَةِ هُوَ مَا لَمْ تُنْفِقْ منه في سبيل الله في الغز وقال وكل من الاعتراضين غلط والصواب قال الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ والله اعلم
*
(فَصْلٌ)
فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَمَبْدَأُ أَمْرِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ وَضَبْطُ مِقْدَارِهِمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ فِي بَابِ
* الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ أَهْلِ مَكَّةَ
* قَالَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَزْنَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الزَّكَاةِ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ وَهِيَ دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ الْمُعَدَّلَةِ مِنْهَا الْعَشَرَةُ بِسَبْعَةِ مَثَاقِيلَ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ مُخْتَلِفَةُ الْأَوْزَانِ فِي الْبُلْدَانِ فَمِنْهَا الْبَغْلِيُّ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ وَالطَّبَرِيُّ أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ وَمِنْهَا الْخُوَارِزْمِيُّ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَنْوَاعِ وَدَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ سِتَّةُ دَوَانِيقَ وَهُوَ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ الْجَارِي بَيْنَهُمْ وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَتَعَامَلُونَ بِالدَّرَاهِمِ عَدَدًا وَقْتَ قُدُومِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي قِصَّةِ شِرَاهَا بَرِيرَةَ إنْ شَاءَ أَهْلُك أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً فَعَلْت تُرِيدُ الدَّرَاهِمَ فَأَرْشَدَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى الْوَزْنِ وَجَعَلَ الْمِعْيَارَ وَزْنَ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي حَالِ الدَّرَاهِمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ تَزَلْ الدَّرَاهِمُ عَلَى هَذَا الْعِيَارِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا غَيَّرُوا السِّكَكَ وَنَقَشُوهَا بِسِكَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَلِهَذَا قال النبي صلي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) وَهِيَ مِائَتَا دِرْهَمٍ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعِنَايَةِ بِأَمْرِ النَّاسِ مِمَّنْ يَعْنِي بِهَذَا الشَّأْنِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ضَرْبَيْنِ الْبَغْلِيَّةُ السَّوْدَاءُ ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ وَالطَّبَرِيَّةُ أَرْبَعَةٌ وَكَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهَا مُنَاصَفَةً مِائَةٌ بَغْلِيَّةٌ وَمِائَةٌ طَبَرِيَّةٌ فَكَانَ فِي الْمِائَتَيْنِ مِنْهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ زَكَاةً فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ بَنِي أُمَيَّةَ قَالُوا إنْ ضَرَبْنَا الْبَغْلِيَّةَ ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهَا الَّتِي تُعْتَبَرُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَيَضُرُّ الْفُقَرَاءَ وَإِنْ ضَرَبْنَا الطَّبَرِيَّةَ ضُرَّ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ فَجَمَعُوا الدِّرْهَمَ الْبَغْلِيَّ وَالطَّبَرِيَّ وَجَعَلُوهُمَا دِرْهَمَيْنِ كُلُّ دِرْهَمٍ سِتَّةُ دَوَانِيقَ وَأَمَّا الدِّينَارُ فَكَانَ يُحْمَلُ إلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فَلَمَّا أَرَادَ عبد الملك ابن مَرْوَانَ ضَرْبَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ سَأَلَ عَنْ أَوْزَانِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَجْمَعُوا لَهُ عَلَى أَنَّ الْمِثْقَالَ اثْنَانِ وعشرون قيراطا الاحبة بِالشَّامِيِّ وَأَنَّ عَشَرَةً مِنْ الدَّرَاهِمِ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ فَضَرَبَهَا كَذَلِكَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: اسْتَقَرَّ فِي الْإِسْلَامِ وزن الدراهم سِتَّةُ دَوَانِيقَ كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ اسْتِقْرَارِهَا عَلَى هَذَا الْوَزْنِ فَقِيلَ كَانَتْ فِي الْفُرْسِ ثَلَاثَةُ أَوْزَانٍ مِنْهَا دِرْهَمٌ عَلَى وَزْنِ الْمِثْقَالِ عِشْرُونَ قِيرَاطًا وَدِرْهَمٌ اثْنَا عَشَرَ وَدِرْهَمٌ عَشَرَةٌ فَلَمَّا اُحْتِيجَ فِي الاسلام
إلَى تَقْدِيرِهِ أُخِذَ الْوَسَطُ مِنْ جَمِيعِ الْأَوْزَانِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ قِيرَاطًا فَكَانَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا مِنْ قَرَارِيطِ الْمِثْقَالِ وَقِيلَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه رَأَى الدَّرَاهِمَ مُخْتَلِفَةً مِنْهَا الْبَغْلِيُّ ثَمَانِيَةُ دَوَانِيقَ وَالطَّبَرِيُّ أربعة المعربى ثَلَاثَةُ دَوَانِيقَ وَالْيَمَنِيُّ دَانِقٌ وَاحِدٌ فَقَالَ اُنْظُرُوا أَغْلَبَ مَا يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهِ مِنْ أَعْلَاهَا وَأَدْنَاهَا فَكَانَ الْبَغْلِيُّ وَالطَّبَرِيُّ فَجَمَعَهُمَا فَكَانَا اثْنَيْ عَشَرَ دَانِقًا فَأَخَذَ نِصْفَهُمَا فَكَانَ سِتَّةَ دَوَانِيقَ فجعله درهم الْإِسْلَامِ قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ ضَرَبَهَا فِي الْإِسْلَامِ فَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ ضَرَبَهَا فِي الْإِسْلَامِ عَبْدُ الملك بن مروان قال أبو الزياد أَمَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِضَرْبِهَا فِي الْعِرَاقِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ بَلْ ضَرَبَهَا فِي آخِرِ سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِضَرْبِهَا فِي النَّوَاحِي سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ قَالَ وَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَهَا مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِأَمْرِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ سَنَةَ سَبْعِينَ عَلَى ضَرْبِ الْأَكَاسِرَةِ ثُمَّ غَيَّرَهَا الْحَجَّاجُ: هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْأُوقِيَّةُ وَالدَّرَاهِمُ مَجْهُولَةً فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي أَعْدَادٍ مِنْهَا وَتَقَعُ بِهَا الْبِيَاعَاتُ وَالْأَنْكِحَةُ كَمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.
قَالَ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً إلَى زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَنَّهُ جَمَعَهَا بِرَأْيِ الْعُلَمَاءِ وَجَعَلَ كُلَّ عَشَرَةٍ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ وَوَزْنُ الدِّرْهَمِ سِتَّةُ دَوَانِيقَ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا مَعْنَى مَا نُقِلَ من ذلك أنه لم يكن منها شئ مِنْ ضَرْب الْإِسْلَامِ وَعَلَى صِفَةٍ لَا تَخْتَلِفُ بَلْ كَانَتْ مَجْمُوعَاتٍ مِنْ ضَرْبِ فَارِسٍ وَالرُّومِ وَصِغَارًا وَكِبَارًا وَقِطَعَ فِضَّةٍ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ وَلَا منقوشة ويمنية ومغربية فرأو اصرفها إلَى ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَنَقْشِهِ وَتَصْيِيرَهَا وَزْنًا وَاحِدًا لَا يَخْتَلِفُ وَأَحْيَانًا يُسْتَغْنَى فِيهَا عَنْ الْمَوَازِينِ فَجَمَعُوا أَكْبَرَهَا وَأَصْغَرَهَا وَضَرَبُوهُ عَلَى وَزْنِهِمْ قَالَ الْقَاضِي وَلَا شَكَّ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ حِينَئِذٍ مَعْلُومَةً وَإِلَّا فَكَيْفَ كَانَتْ تُعَلَّقُ بِهَا حُقُوقُ الله تعالي في الزكاة وغيرها وحقوق المعباد
وَهَذَا كَمَا كَانَتْ الْأُوقِيَّةُ مَعْلُومَةً أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى التَّقْدِيرِ بِهَذَا الْوَزْنِ وَهُوَ أَنَّ الدِّرْهَمَ سِتَّةُ دَوَانِيقَ كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمِثْقَالُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا الْإِسْلَامِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ اعْتِمَادُهُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الْمُطْلَقَةَ فِي زَمَنِ رَسُولِ الله كَانَتْ مَعْلُومَةَ الْوَزْنِ مَعْرُوفَةَ الْمِقْدَارِ وَهِيَ السَّابِقَةُ
إلَى الْأَفْهَامِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَبِهَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْحُقُوقِ وَالْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا كَوْنُهُ كَانَ هُنَاكَ دَرَاهِمُ أُخْرَى أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْقَدْرِ فَإِطْلَاقُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الدَّرَاهِمَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَفْهُومِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ كُلُّ دِرْهَمٍ ستة دوانيق كل عَشَرَةٍ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى يَوْمِنَا عَلَى هَذَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: وَأَمَّا مِقْدَارُ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ يَعْنِي ابْنَ حَزْمٍ بَحَثْت غَايَةَ الْبَحْثِ عَنْ كُلِّ مَنْ وَثِقْت بِتَمْيِيزِهِ فَكُلٌّ اتَّفَقَ عَلَى أَنَّ دِينَارَ الذَّهَبِ بمكة وزنه ثنتان وَثَمَانُونَ حَبَّةً وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ مِنْ حَبِّ الشَّعِيرِ وَعُشْرُ عُشْرُ حَبَّةٍ فَالرِّطْلُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَهُوَ تِسْعُونَ مِثْقَالًا وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي
نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
وَفِيهِ مَسَائِلُ
(إحْدَاهَا) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَأَنَّ فِيهِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ على المائتين فقال الجمهور يخرح مِمَّا زَادَ بِحِسَابِهِ رُبْعَ الْعُشْرِ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَمْ كَثُرَتْ مِمَّنْ قَالَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أبي طالب وابن عمر والنخعي وَمَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ قَالَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ والحسن
البصري والشعبى ومكحول وعمرو ابن دينار والزهرى وابو حنيفة لا شئ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مِائَتَيْنِ حَتَّى
تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا دِرْهَمٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي (الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ) وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا الذَّهَبُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ نِصَابَهُ عِشْرُونَ مِثْقَالًا ويجب فيما ما زاد بحسابه ربع العشر قلت الزيادة أم كَثُرَتْ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ إذَا كَانَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا وَقِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ إلَّا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ الْحَسَنِ فَرُوِيَ عَنْهُ هَذَا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا هُوَ دُونَ أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا لَا تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ (1) وَفِي دُونِ عِشْرِينَ إذَا سَاوَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ وَإِنْ بلغت مائى دِرْهَمٍ وَتَجِبُ فِي عِشْرِينَ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهَا مِمَّنْ قَالَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنُ سِيرِينَ وَعُرْوَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وابو حنيفة
(1) كذا بالاصل ولعل الصواب واختلفوا الخ
وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ
* وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَأَيُّوبُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ يَجِبُ رُبْعُ الْعُشْرِ فِي الذَّهَبِ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَإِنْ كَانَ دُونَ عِشْرِينَ مثقالا فلا شئ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ
* وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ تَنْقُصُ عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَالذَّهَبُ يَنْقُصُ عَنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا نَقْصًا يَسِيرًا جِدًّا بِحَيْثُ يَرُوجُ رَوَاجَ الْوَازِنَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أن مذهبنا أنه لا زكاة وبه قال استحاق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْجُمْهُورُ
* وَقَالَ مَالِكٌ تَجِبُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُكْمَلُ نِصَابُ الدَّرَاهِمِ بِالذَّهَبِ وَلَا عَكْسُهُ حَتَّى لَوْ مَلَكَ مِائَتَيْنِ إلَّا دِرْهَمًا وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا إلَّا نِصْفًا أَوْ غَيْرَهُ فَلَا زَكَاةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَشَرِيكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ يَضُمُّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمِّ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُخْرِجُ رُبْعَ عُشْرِ كُلِّ وَاحِدٍ فَإِذَا كَانَتْ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةَ دَنَانِيرَ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَضُمُّ الْقَلِيلَ إلَى الْكَثِيرِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِي حنيفة انه يَضُمُّ الذَّهَبَ إلَى الْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ فَإِذَا كَانَتْ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَلَهُ ذَهَبَ قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ
يَضُمُّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ بِالْأَجْزَاءِ فَإِذَا كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ أَوْ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا ضَمَّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَلَا ضَمَّ
* دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (ليس فبما دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ)(الثَّالِثَةُ) مذهبنا ومذهب
الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْوَزْنِ لَا بِالْعَدَدِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وغيره من أصحابنا عن المغربي وَبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ الْمُعْتَزِلِيِّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عددا وَزْنًا حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ عددا وزنها مائتان فلا شئ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مِائَتَانِ عَدَدًا وَزْنُهَا مِائَةٌ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُمَا لِمُخَالَفَتِهِ النُّصُوصَ وَالْإِجْمَاعَ فَهُوَ مَرْدُودٌ (الرَّابِعَةُ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْمَغْشُوشِ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابًا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْغِشُّ مِثْلَ نِصْفِ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا زَكَاةَ حَتَّى يَبْلُغَ الْخَالِصُ نِصَابًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ إذَا بَلَغَ بِغِشِّهِ نِصَابًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْغِشَّ إذَا نَقَصَ عَنْ النِّصْفِ سَقَطَ حُكْمُهُ حَتَّى لَوْ اقْتَرَضَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَا غِشَّ فِيهَا فَرَدَّ عَشَرَةً فِيهَا سِتَّةٌ فِضَّةً وَالْبَاقِي غُشَّ لَزِمَ الْمُقْرِضَ قَبُولُهَا وَيَبْرَأُ الْمُقْتَرِضُ بِهَا وَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْنِ خَالِصَةً فَأَخْرَجَ زَكَاتَهَا خَمْسَةً مَغْشُوشَةً قَالَ تَجْزِيهِ قَالَ الماوردى وفساد هَذَا الْقَوْلِ ظَاهِرٌ وَالِاحْتِجَاجُ عَلَيْهِ تَكَلُّفٌ وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ)(الْخَامِسَةُ) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَالِ الَّذِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَاشِيَةِ وُجُودُ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ فَإِنْ نَقَصَ النِّصَابُ فِي لَحْظَةٍ مِنْ الْحَوْلِ
انْقَطَعَ الْحَوْلُ فَإِنْ كَمُلَ بَعْدَ ذَلِكَ اُسْتُؤْنِفَ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ يَكْمُلُ النِّصَابُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمُعْتَبَرُ وُجُودُ النِّصَابِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ وَلَا يَضُرُّ نَقْصُهُ بَيْنَهُمَا حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَتَلِفَتْ كُلُّهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ إلَّا دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعُونَ شَاةً فَتَلِفَتْ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ إلَّا شَاةً ثُمَّ مَلَكَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ تَمَامَ الْمِائَتَيْنِ وَتَمَامَ الاربعين وجبت زكاة الجميع وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ كَانَ له دين نظرت فان كان دينا غير لازم كمال الكتابة لم يلزمه زكاته لان ملكه غير
تام عليه فان العبد يقدر أن يسقطه وان كان لازما نظرت فان كان علي مقر ملئ لزمه زكاته لانه مقدور على قبضه فهو كالوديعة وان كان علي ملئ جاحد أو مقر معسر فهو كالمال المغصوب وفيه قولان وقد بيناه في زكاة الماشية وان كان له دين مؤجل ففيه وجهان قال أبو اسحق هو كالدين الحال علي فقير أو ملئ جاحد فيكون علي قولين وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا تجب فيه
الزكاة فإذا قبضه استقبل به الحول لانه لا يستحقه ولو حلف أنه لا يستحقه كان بارا والاول أصح لانه لو لم يستحقه لم ينفذ فيه ابراؤه وان كان له مال غائب فَإِنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَى قَبْضِهِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يرجع إليه وان لم يقدر عليه فهو كالمغصوب)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الدَّيْنُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) غَيْرُ لَازِمٍ كَمَالِ الْكِتَابَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ لَازِمًا وَهُوَ مَاشِيَةٌ بِأَنْ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ أَرْبَعُونَ شَاةً سَلَمًا أَوْ قَرْضًا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ شَرْطَ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ السَّوْمُ وَلَا تُوصَفُ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ بِأَنَّهَا سَائِمَةٌ (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ عَرْضَ تِجَارَةٍ وَهُوَ مُسْتَقَرٌّ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْقَدِيمُ) لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الدَّيْنِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ (وَالْجَدِيدُ) الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الدَّيْنِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَتَفْصِيلُهُ أَنَّهُ إنْ تعذر استيفاؤه لا عسار مَنْ عَلَيْهِ أَوْ جُحُودِهِ وَلَا بَيِّنَةَ أَوْ مَطْلِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ فَهُوَ كَالْمَغْصُوبِ: وَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ طُرُقٌ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ زَكَاةِ الماشية والصحيح وجوبها وقيل يجب في الممطول والدين علي ملئ غَائِبٍ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا سِوَاهُمَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَذْهَبُ طَرْدُ الْخِلَافِ فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَهُوَ الْوُجُوبُ لَمْ يَجِبْ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ حُصُولِهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ (1) فِي يَدِهِ أَخْرَجَ عَنْ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ هَذَا مَعْنَى الْخِلَافِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ اسْتِيفَاؤُهُ بِأَنْ كَانَ عَلَى ملئ بَاذِلٍ أَوْ جَاحِدٍ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَ الْقَاضِي يَعْلَمُهُ وَقُلْنَا الْقَاضِي يَقْضِي بِعِلْمِهِ فَإِنْ كَانَ حَالًّا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ بِلَا شَكٍّ وَوَجَبَ إخْرَاجُهَا فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَغْصُوبِ (أَصَحُّهُمَا) يجب الزكاة (والثاني) لا تجب أو هذه طريقة أبى اسحق المروزى
(1) كذا في الاصل ولعل الصواب إذا حصل الخ
(وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا زَكَاةَ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا كَالْمَالِ الْغَائِبِ الَّذِي يَسْهُلُ إحْضَارُهُ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فَهَلْ يَجِبُ إخْرَاجُهَا فِي الْحَالِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَالْمَغْصُوبِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِأَنَّ الْخَمْسَةَ نَقْدًا تُسَاوِي سِتَّةً مُؤَجَّلَةً وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يسلم أربعة نقدا نساوي خَمْسَةً مُؤَجَّلَةً فَوَجَبَ تَأْخِيرُ الْإِخْرَاجِ إلَى الْقَبْضِ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَ فَقِيرًا عَنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ لِيُوقِعَهُ عَنْ الزَّكَاةِ لَمْ يَقَعْ عَنْهَا لِأَنَّ شَرْطَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ أَنْ يَتَضَمَّنَ تَمْلِيكًا مُحَقَّقًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَأَمَّا الْمَالُ الْغَائِبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْدُورًا عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِ الطَّرِيقِ أَوْ انْقِطَاعِ خبره فهو كالمغصوب هكذا قاله الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقِيلَ تَجِبُ الزَّكَاةُ قَطْعًا لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهِ نَافِذٌ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ قَبْلَ عَوْدِهِ وَقَبْضِهِ وَإِنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَى قَبْضِهِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَوَجَبَ إخْرَاجُهَا فِي الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ وَيُخْرِجُهَا فِي بَلَدِ الْمَالِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا فِي غَيْرِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ نَقَلَ الزَّكَاةَ
* هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُسْتَقِرًّا فَإِنْ كان سائرا غير مستقر لم تجب إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ فَإِذَا وَصَلَ أَخْرَجَ عَنْ الْمَاضِي بِلَا خِلَافٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَسْأَلَةِ الْغَائِبِ وَمَا وَجَدْته خِلَافُهُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ فَنَزِّلْهُ عَلَيْهِ وَمِمَّا يُظَنُّ مُخَالِفًا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (فَإِنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَى قَبْضِهِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ) وَهَكَذَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَكَلَامُهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانَ سَائِرًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْمَكَارِمِ فِي الْعِدَّةِ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ يُخْرِجُهَا فِي الْحَالِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُسْتَقِرًّا فِي بَلَدٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَالَ) أَصْحَابُنَا كُلُّ دَيْنٍ وَجَبَ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَجَبَ ضَمُّهُ إلَى مَا مَعَهُ مِنْ جِنْسِهِ لِإِكْمَالِ النِّصَابِ وَيَلْزَمُهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِمَا فِي الْحَالِ وَكُلُّ دَيْنٍ لَا يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَيَجِبُ بَعْدَ قَبْضِهِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ جِنْسِهِ مَالًا يَبْلُغُ وَحْدَهُ نِصَابًا وَيَبْلُغُ بِالدَّيْنِ نِصَابًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَا يَلْزَمُهُ زَكَاةُ مَا مَعَهُ فِي الْحَالِ فَإِذَا قَبَضَ الدَّيْنَ لزمه زكاتهما عن الماضي شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَوْ فِي الضَّمَانِ إنْ قلنا
إخْرَاجُ قِسْطِ مَا مَعَهُ قَالُوا وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَوْ فِي الضَّمَانِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَحْصُلَ الدَّيْنُ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي لَزِمَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَكُلُّ دَيْنٍ لَا زَكَاةَ فِيهِ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ عَوْدِهِ عَنْ الْمَاضِي بَلْ يَسْتَأْنِفُ لَهُ الْحَوْلَ إذَا قَبَضَ فَهَذَا لَا يَتِمُّ بِهِ نِصَابُ ما معه وإذا قبضه لا يزكيهما عَنْ الْمَاضِي بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَسْتَأْنِفُ لَهُمَا الْحَوْلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ حَاضِرَةٌ وَمِائَةٌ غَائِبَةٌ فَإِنْ كانت الغائبة مقدورا عليها لزمه زكاة الحاضرة في الحال في موضعها والغائبه فِي مَوْضِعِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْنَا لَا زَكَاةَ فِيهِ إذَا عَادَ فَلَا زَكَاةَ فِي الْحَاضِرِ لِنَقْصِهِ عَنْ النِّصَابِ وان قلنا تجب زَكَاتُهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْحَاضِرِ فِي الْحَالِ فيه الوجهان
السَّابِقَانِ فِي الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّمَكُّنَ شرط في الوجوب ام الضَّمَانُ فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهَا فِي الْحَالِ أَوْجَبْنَاهَا فِيهِ وَفِي الْغَائِبِ إنْ عَادَ وَإِلَّا فَلَا * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أُجْرَةُ دَارٌ لَمْ يَسْتَوْفِ الْمُسْتَأْجِرُ مَنْفَعَتَهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا مِلْكًا تَامًّا وَفِي وُجُوبِ الْإِخْرَاجِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ يَجِبُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا مِلْكًا تَامًّا فَأَشْبَهَ مَهْرَ الْمَرْأَةِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ لَا يَجِبُ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ لِأَنَّهُ قَدْ تَنْهَدِمُ الدَّارُ فَتَسْقُطُ الْأُجْرَةُ فَلَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِيهِ كَدَيْنِ الْكِتَابَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ هَذَا يَبْطُلُ بِالصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ بِالرِّدَّةِ وَيَسْقُطُ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ يَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ)
* (الشَّرْحُ) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ يَلْزَمُهَا زَكَاةُ الصَّدَاقِ إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَيَلْزَمُهَا الْإِخْرَاجُ عَنْ جَمِيعِهِ فِي آخِرِ كل حول بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا يُؤَثِّرُ كَوْنُهُ مُعَرَّضًا لِلسُّقُوطِ بِالْفَسْخِ بِرِدَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ وَأَمَّا إذَا أَجَّرَ دَارِهِ أَوْ غَيْرَهَا بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ وَقَبَضَهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي كَيْفِيَّةِ إخْرَاجِهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بدليلهما (مِثَالُهُ) آجَرَهَا أَرْبَعَ سِنِينَ بِمِائَةٍ وَسِتِّينَ دِينَارًا كُلُّ سَنَةٍ بِأَرْبَعِينَ (أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ) يَلْزَمُهُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ حِينِ مِلْكِ الْمِائَةِ وَقَبْضِهَا زَكَاةُ جَمِيعِ الْمِائَةِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي البويطى قال صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْمُصَنَّفِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ تَمَامِ كُلِّ سَنَةٍ إلَّا إخْرَاجُ زَكَاةِ الْقَدْرِ الَّذِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَفِي غَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ وَنَقَلَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ فَعَلَى هَذَا يُخْرِجُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ حِصَّةِ السَّنَةِ وَهُوَ دِينَارٌ عَنْ أَرْبَعِينَ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ فَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَى ثَمَانِينَ سَنَتَيْنِ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهَا السنتين وهى أربع دَنَانِيرَ لِكُلِّ سَنَةٍ دِينَارَانِ وَقَدْ أَخْرَجَ فِي السنة الاولي دينار افيسقط عَنْهُ وَيُخْرِجُ الْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ الثَّالِثَةُ فَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَوَاجِبُهَا تِسْعَةُ دَنَانِيرَ لكل سنة ثلاثة وَقَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا فِي السَّنَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ أَرْبَعَةً فَيُخْرِجُ الْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ الرَّابِعَةُ فَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَى مِائَةٍ وستين دينارا في السنين الماضية تِسْعَةُ دَنَانِيرَ فَيَجِبُ إخْرَاجُ الْبَاقِي وَهُوَ سَبْعَةُ دَنَانِيرَ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا إذَا أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِ الْأُجْرَةِ فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْهَا وَاجِبَ السَّنَةِ الْأُولَى فَعِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى سِوَى مَا أَخْرَجَ مِنْهَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَزَكَاةَ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةَ لِسَنَتَيْنِ وَعِنْدَ السنة الثالثة والرابعة يقاس بما ذكرناه امام إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ الْمِائَةِ وَالسِّتِّينَ وَكَذَا فِي كُلِّ سَنَةٍ يُخْرِجُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ إنْ أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْهَا زَكَّى كُلَّ سَنَةٍ مَا بَقِيَ وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَالْمُصَنِّفَ وَالْجُمْهُورَ قَالُوا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْجَمِيعِ بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاجِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ الْقَوْلَانِ فِي نَفْسِ الْوُجُوبِ وَالْإِخْرَاجُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِمَا إنْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ وَإِلَّا فَلَا هَذَا كله إذا كانت الاجرة مساوية فِي كُلِّ السِّنِينَ كَمَا مَثَّلْنَاهُ أَوَّلًا فَإِنْ تَفَاوَتَتْ زَادَ الْقَدْرُ الْمُسْتَقِرُّ فِي بَعْضِ السِّنِينَ علي ربع المائة فِي بَعْضِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ هَلْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ نَقَدَهَا أَوْ كَانَتْ مُعِينَةً أَمْ لَا فَرْقَ فَالْجَوَابُ أَنَّ كَلَامَ نَقَلَةِ الْمَذْهَبِ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ وَلَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا وَتَفْصِيلًا إلَّا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَجِبُ زَكَاةُ كُلِّ الْمِائَةِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُسْتَقِرٌّ عَلَى مَا أَخَذَ
حَتَّى لَوْ انْهَدَمَتْ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ بَلْ لَهُ رَدُّ مِثْلِهِ وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ حُكْمُ الزَّكَاةِ حُكْمُهَا فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لَأَنْ يَعُودَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ وَبِالْجُمْلَةِ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَحَقُّ بالخلاف من الاولى وما ذكره القاضى اختيار مِنْهُ لِلْوُجُوبِ فِي الْحَالَتَيْنِ جَمِيعًا هَذَا آخِرُ كلام
الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَلَكَ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ الْحَالَّةِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَكِنْ فِي مِلْكِهِ قَوْلَانِ نُصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَلَكَهَا مِلْكًا مُسْتَقِرًّا كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَكَالصَّدَاقِ لِأَنَّهُ جَائِزُ التَّصَرُّفِ فِيهَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَمَةً جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ مُسْتَقِرٌّ وَنُصَّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ مِلْكًا مَوْقُوفًا فَإِذَا مَضَى زَمَانٌ مِنْ الْمُدَّةِ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَى مَا قَابَلَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ وَمِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ عَلَى الْمَنَافِعِ لِأَنَّهَا لَوْ فَاتَتْ بِالِانْهِدَامِ رَجَعَ بِمَا قَابَلَهَا مِنْ الْأُجْرَةِ وَلَوْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا قَابَلَهَا كَمَا لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي إذَا اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ بِالْقَبْضِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأُجْرَةِ وَالصَّدَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
أَنَّ مِلْكَ
الزَّوْجِ عَلَى الصَّدَاقِ مُسْتَقِرٌّ لِأَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ لِبِضْعِهَا مُسْتَقِرٌّ بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَتْ لم يرجع بشئ مِنْ صَدَاقِهَا وَلَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ رَجَعَ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالثَّانِي أَنَّ رُجُوعَ الزَّوْجِ بِالصَّدَاقِ إذَا عَرَضَ فَسْخٌ أَوْ بِنِصْفِهِ إذَا عَرَضَ طَلَاقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ إنَّمَا هُوَ ابتداء جلب ملك فلا يمنع استقرارا مِلْكِ الزَّوْجَةِ عَلَى الصَّدَاقِ قَبْلَ الْفِرَاقِ وَأَمَّا رُجُوعُ الْمُسْتَأْجِرِ بِقِسْطِ الْأُجْرَةِ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ فَإِنَّمَا هُوَ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فرع)
لو انهدمت الدار في أثاء الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ وَلَا يَنْفَسِخُ في الما عَلَى الْمَذْهَبِ وَبَيَّنَّا اسْتِقْرَارَ مِلْكِهِ عَلَى قِسْطِ الْمَاضِي وَالْحُكْمُ فِي الزَّكَاةِ كَمَا سَبَقَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْأَصْحَابُ فَلَوْ كَانَ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْجَمِيعِ قَبْلَ الِانْهِدَامِ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ اسْتِرْجَاعِ قِسْطِ مَا بَقِيَ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَزِمَهُ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَوْ أَجَّرَ الدَّارَ أَرْبَعَ سِنِينَ مَثَلًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَبَضَهَا وَلَمْ يُسَلِّمْ الدَّارَ
حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ وَلَزِمَهُ رَدُّ الْأُجْرَةِ قَالَ وَأَمَّا زَكَاتُهَا فَإِنْ قُلْنَا بِنَصِّهِ فِي الْأُمِّ إنَّ مِلْكَهُ
غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ إلَّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلَا زَكَاةَ لانه كلما مَضَى مِنْ مُدَّةٍ قَبْلَ التَّسْلِيمِ زَالَ مِلْكُهُ عَمَّا يُقَابِلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِنَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ إنَّ مِلْكَهُ مُسْتَقِرٌّ فَحُكْمُهُ عَكْسُ مَا سَبَقَ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ الْأُولَى قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَقَدْ كَانَ مِلْكُهُ مُسْتَقِرًّا عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ وَزَالَ عَنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَيُزَكِّي الْبَاقِي وَهَكَذَا فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِصَّتِهَا فَإِذَا مضتت السنة الرابعة زال ملكه عن ما بَقِيَ مِنْ الْمِائَةِ فَلَا يُزَكِّيه وَلَا رُجُوعَ بِمَا أَخْرَجَ مِنْ زَكَاتِهَا قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَزِمَهُ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِنِصَابٍ مِنْ النَّقْدِ وَقَبَضَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ السِّلْعَةَ حَتَّى حَالَ حَوْلٌ عَلَى الثَّمَنِ فِي يَدِهِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْبَائِعَ إخْرَاجُ زَكَاةِ النَّقْدِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْأُجْرَةِ لان الثمن
قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ شِرَاءُ السِّلْعَةِ لِلتِّجَارَةِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْهَا قَبْلَ قَبْضِهَا فِيهِ الْقَوْلَانِ إنْ قُلْنَا إنَّ مِلْكَ الْأُجْرَةِ مُسْتَقِرٌّ وَلَا يُنْظَرُ إلَى احْتِمَالِ الْفَسْخِ فَمِلْكُ الثمن والسلعة مستقر فيجب زكاتهما وَإِنْ احْتَمَلَ الْفَسْخَ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ فِي الْأُجْرَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فَكَذَا الثَّمَنُ وَالسِّلْعَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَسْلَمَ نِصَابًا فِي ثَمَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِلتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَحَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ تَعَذُّرَ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْخِيَارَ وَجَبَتْ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ زَكَاةُ النِّصَابِ الَّذِي قَبَضَهُ بِلَا خِلَافٍ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ وَإِنْ قُلْنَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَفِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ الْقَوْلَانِ كَالْأُجْرَةِ فَأَمَّا الْمُسْلَمُ فَلَا تَلْزَمُهُ زَكَاةُ الثَّمَرَةِ الْمُسْلَمِ فِيهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ لِأَنَّ تأجيل الثمر يمنع وجو ب زَكَاتِهِ فَإِذَا قَبَضَهُ اسْتَقْبَلَ بِهِ الْحَوْلَ وَاَللَّهُ تعالى اعلم
*
(فَرْعٌ)
إذَا أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِنِصَابٍ وَمَاتَ الْمُوصِي وَمَضَى حَوْلٌ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ يَحْصُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ فَعَلَى الْمُوصَى لَهُ الزَّكَاةُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ
يَبْطُلُ بِرِدَّةٍ وَإِنْ قُلْنَا يَحْصُلُ بِالْقَبُولِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ثُمَّ إنْ أَبْقَيْنَاهُ عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي فَلَا زَكَاةَ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِزَكَاةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لِلْوَارِثِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا لِضَعْفِهِ بِتَسَلُّطِ الْمُوصَى لَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مَوْقُوفٌ فَقَبِلَ بَانَ أَنَّهُ مَلَكَ بِالْمَوْتِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ لِوُجُودِ الْمِلْكِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَصَدَقَ امْرَأَتَهُ أَرْبَعِينَ شَاةً سَائِمَةً بِأَعْيَانِهَا لَزِمَهَا الزَّكَاةُ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا من يوم الاصداق
سواء دخل بِهَا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ قَبَضَتْهَا أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي قِيَاسِهِ وَفِيهِ قَوْلٌ مُخْرِجٌ مِنْ الْأُجْرَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهُوَ كَالْأُجْرَةِ عَلَى مَا سَبَقَ وَحُكِيَ وَجْهٌ أَنَّهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهَا لَا زَكَاةَ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الزَّوْجِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ مَضْمُونٌ ضَمَانَ الْعَقْدِ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ نَظَرَ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ عَادَ نِصْفُ الْمَاشِيَةِ إلَى الزَّوْجِ فَإِنْ لَمْ يميز فهما خليطان فعليهما عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ الْإِصْدَاقِ نِصْفُ شَاةٍ وَإِنْ طَلَّقَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ تَكُونَ قَدْ أَخْرَجَتْ الزَّكَاةَ مِنْ نَفْسِ الْمَاشِيَةِ فَفِيمَا يَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) نِصْفُ الْجُمْلَةِ فَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَةُ الْغَنَمِ أَخَذَ مِنْهَا عِشْرِينَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَخَذَ النِّصْفَ بِالْقِيمَةِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ
(وَالثَّانِي)
نِصْفُ الْغَنَمِ الْبَاقِيَةِ وَنِصْفُ قِيمَةِ الشَّاةِ الْمُخْرَجَةِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأُمِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ هُوَ الْأَقْيَسُ لِأَنَّ حَقَّهُ يَتَعَلَّقُ بِنِصْفِ عَيْنِ الصَّدَاقِ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعَيْنِ فَيَرْجِعُ فِي نِصْفِ مَا بَقِيَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ الْجَمِيعَ وَيَرْجِعَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ هَذَا إذَا كَانَ الْمُخْرَجُ مِنْ جِنْسِ مَالِ الصَّدَاقِ فَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ بِأَنْ أَصْدَقهَا خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَحَالَ الْحَوْلُ فَبَاعَتْ بَعِيرًا وَاشْتَرَتْ مِنْ ثَمَنِهِ شَاةً أَخْرَجَتْهَا زَكَاةً فَنَقَلَ السَّرَخْسِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِهِ يَنْصَرِفُ الْمُخْرَجُ إلَى حِصَّتِهَا وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِعَشْرَيْنِ شَاةً فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا
الحكم كما سبق من القولين الباقيبن مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَنْصَرِفُ هُنَا إلَى نَصِيبِهَا وَإِنْ لَمْ يَنْصَرِفْ هُنَاكَ فَيَرْجِعَ الزَّوْجُ بِعِشْرِينَ كَامِلَةً لِأَنَّهَا بِاخْتِيَارِهَا صَرَفَتْ الْمُخْرَجَ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ فَوَجَبَ اخْتِصَاصُهُ بِهَا (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ أَخْرَجَتْ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فالمذهب وبه قطع العراقيون وغيرهم بأخذ نِصْفَ الْأَرْبَعِينَ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يَرْجِعُ إلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ لَا تَخْرُجُ الزَّكَاةُ أَصْلًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّ نِصْفَ الْأَرْبَعِينَ تَعُودُ إلَى الزَّوْجِ شَائِعًا فَإِذَا جَاءَ السَّاعِي وَأَخَذَ مِنْ عَيْنِهَا شَاةً رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فَلَوْ اقْتَسَمَاهَا قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهَا فَفِي صِحَّةِ الْقِسْمَةِ وَجْهَانِ مُخْرَجَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ أَوْ الذِّمَّةِ إنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَالْقِسْمَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالذِّمَّةِ فَصَحِيحَةٌ فَعَلَى هَذَا لَهُمَا عِنْدَ مُطَالَبَةِ السَّاعِي بِالزَّكَاةِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ
(أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقِيًا فِي يَدِهِ فَيَأْخُذُ السَّاعِي الزَّكَاةَ مِمَّا فِي يَدِهَا دُونَ مَا فِي يَدِ الزَّوْجِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا فَإِذَا أَخَذَهَا مِنْهَا اسْتَقَرَّ مِلْكُ الزَّوْجِ عَلَى مَا فِي يَدِهِ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ نَصِيبَاهُمَا تَالِفَيْنِ فَأَيُّهُمَا يُطَالَبُ بِالزَّكَاةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الزَّوْجَةُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهَا وَالثَّانِي لِلسَّاعِي مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِيمَا كَانَ بِأَيْدِيهِمَا فَإِنْ طَالَبَ الزَّوْجَةَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ طَالَبَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ رَجَعَ عَلَى الزَّوْجَةِ (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ مَا فِي يَدِهَا بَاقِيًا دُونَ مَا فِي يَدِهِ فَيَأْخُذُ السَّاعِي مِنْهَا وَلَا رُجُوعَ لَهَا (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ مَا فِي يَدِ الزَّوْجِ بَاقِيًا دُونَ مَا فِي يَدِهَا فيأخذ الساعي الزكوة مِمَّا فِي يَدِ الزَّوْجِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَعَلَّقَتْ بِمَا فِي يَدِهِ فَإِذَا أَخَذَهَا فَفِي بُطْلَانِ الْقِسْمَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِسَبَبٍ متقدم فصار قدر الزكوة كَالْمُسْتَحَقِّ حَالَ الْقِسْمَةِ فَعَلَى هَذَا بُطْلَانُ الْقِسْمَةِ يكون لوجود الزوج بعض الصداق دُونَ بَعْضِهِ فَيَكُونُ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي ذِمَّتِهَا وَأَخْذُ السَّاعِي كَانَ بَعْدَ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ فلم يبطلها كما لو اتلفت المرأة شيأ مِمَّا فِي يَدِ الزَّوْجِ بِقِسْمَةٍ فَعَلَى هَذَا لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجَةِ بِقِيمَةِ الشَّاةِ المأخوذة ان كَانَتْ مِثْلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا فَإِنْ أَخَذَ السَّاعِي مِنْهُ زِيَادَةً لَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّ السَّاعِيَ ظَلَمَهُ بِهَا فَلَا يَجُوزُ رُجُوعُهُ عَلَى غَيْرِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْحَاوِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْأَصْحَابُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ
الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وقل إخْرَاجِ الزَّكَاةِ فَتَقَاسَمَا قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ صَحَّتْ الْمُقَاسَمَةُ عَلَى ظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَعَلَيْهِ فَرَّعَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه لَكِنْ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ صَحَّتْ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا بَيْعٌ فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي بَيْعِ مَالِ الزَّكَاةِ فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْقِسْمَةِ فَجَاءَ السَّاعِي لِأَخْذِ الزَّكَاةِ فَإِنْ وَجَدَ فِي مِلْكِ الْمَرْأَةِ مِنْ عَيْنِ الصَّدَاقِ أَوْ غَيْرِهِ قَدْرَ الزَّكَاةِ أَخَذَهَا مِنْهَا وَإِلَّا فَمِمَّا أَخَذَهُ الزَّوْجُ ثُمَّ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِقِيمَةِ الْمَأْخُوذِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَدَاقٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ أَصْدَقهَا أَرْبَعِينَ شَاةً فِي الذِّمَّةِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ مَضَتْ أَحْوَالٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يُشْتَرَطُ فِي زَكَاتِهِ السَّوْمُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً فَلَا زَكَاةَ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
قال المصنف رحمه الله تعالي
* (ومن ملك مصوغا من الذهب والفضة فان كان معدا للقنية وجبت فيه الزكاة لانه مرصد للنماء فهو كغير المصوغ وان كان معدا للاستعمال نظرت فان كان لاستعمال محرم كأواني الذهب والفضة وما يتخذه الرجل لنفسه من سوار أو طوق أو خاتم ذهب أوما يحلي به المصحف أو يؤزر به المسجد أو يموه به السقف أو كان مكروها كالتضبيب القليل للزينه وجبت فيه الزكاة لانه عدل به عن اصله بفعل غير مباح فسقط حكم فعله وبقى علي حكم الاصل وان كان لاستعمال مباح كحلي النساء وما اعدلهن وخاتم الفضة للرجال ففيه قولان (احدهما) لا تجب فيه الزكاة لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال (ليس في الحلي زكاة ولانه معد لاستعمال مباح فلم تجب فيه الزكاة كالعوامل من الابل والبقر (والثاني) تجب فيه الزكاة واستخار الله فيه الشافعي واختاره لما روى ان امرأة من اليمن جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم معها ابنتها في يدها مسكتان غليظتان من الذهب فقال لَهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اتعطين زكاة هذا فقالت لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ايسرك ان يسورك الله بهما سوارين من نار فخلعتهما والقتهما إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَتْ هما لله ولرسوله ولانه من جنس الاثمان فاشبه الدراهم والدنانير وفيما لطخ به اللجام وجهان قال أبو الطيب بن سلمة
هو مباح كالذى حلي به المنطقة والسيف فيكون على قولين وقال أبو إسحق لا يحل وهو المنصوص لان هذا حلية للدابة بخلاف السيف والمنطقة فان ذلك حلية للرجل في الحرب فحل وإن كان للمرأة حلي فانكسر بحيث لا يمكن لبسه الا انه يمكن اصلاحه للبس ففيه قولان
(أحدهما)
تجب فيه الزكاة لانه لا يمكن لبسه فوجبت فيه الزكاة كما لو تفتت
(والثانى)
لا تجب لانه للاصلاح واللبس اقرب وان كان لها حلي معد للاجارة ففيه طريقان أحدهما انه تجب فيه الزكاة قولا واحدا لانه معد لطلب النماء فأشبه إذا اشتراه للتجارة والثانى انه علي قولين لان النماء المقصود قد فقد لان ما يحصل من الاجرة قليل فلم يؤثر في ايجاب الزكاة كأجرة العوامل من الابل والبقر وإذا وجبت الزكاة في حلي تنقص قيمته بالكسر ملك الفقراء ربع العشر منه ويسلمه إليهم بتسليم مثله ليستقر ملكهم عليه كما قلنا في الرطب الذى لا يجئ منه تمر وقال أبو العباس يخرج زكاته بالقيمة لانه يشق تسليم بعضه والاول أظهر)
*
(الشرح) أما الاحاديث ولآثار الْوَارِدَةُ فِي زَكَاةِ الْحُلِيِّ وَعَدَمِهَا فَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مُسْكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهَا أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا قَالَتْ لَا قَالَ (أَيَسُرُّك أَنْ يُسَوِّرَك اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَتْ هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ عن خالد بن الحرب عَنْ حُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا إسناد حسن وراه التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا رواه الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَالْمُثَنَّى وَابْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفَانِ قَالَ وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شئ هَذَا آخِرُ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ وَهَذَا التَّضْعِيفُ الَّذِي ضعفه الترمذي بناه عَلَى انْفِرَادِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَالْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ به وليس هو منفردا بَلْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَحُسَيْنٌ ثِقَةٌ بِلَا خِلَافٍ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ مَرْفُوعًا كَمَا سَبَقَ
وَمِنْ رِوَايَةِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ مُرْسَلًا ثُمَّ قَالَ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِنْ مُعْتَمِرٍ وَحَدِيثُ مُعْتَمِرٍ أَوْلَى بِالصَّوَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ فَقُلْت صُغْتهنَّ أَتَزَيَّنُ لَك يارسول اللَّهِ قَالَ أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ قُلْت لَا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ هُوَ حَسْبُك مِنْ النَّارِ
* وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كُنْت أَلْبَسُ أوضاحا من ذهب فقلت يارسول اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ فَقَالَ مَا بَلَغَ أَنْ يُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ نَافِعٍ وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ ورى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ تُحَلِّي بَنَاتَ
أَخِيهَا يَتَامَى فِي حِجْرِهَا لَهُنَّ الْحُلِيُّ فَلَا تُخْرِجُ مِنْهُ الزَّكَاةَ) وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَرَوَى الدارقطني بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنها أنها كانت تحلى بنانها الذَّهَبَ وَلَا تُزَكِّيه نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ أَلْفًا وَرَوَى الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ فِي الْأُمِّ وَرَوَاهَا عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عمرو ابن دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت رَجُلًا يَسْأَلُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْحُلِيِّ أَفِيه زَكَاةٌ فَقَالَ جَابِرٌ لَا فَقَالَ وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ جَابِرٌ كَثِيرٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَلَا أَدْرِي أَثَبَتَ عَنْهُمَا مَعْنَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةً قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْهُمَا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمْ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ وَرَوَى فِيهِ شَيْئًا ضَعِيفًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ السَّابِقَ ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ من رواية حسين المعلم عن عمرو ابن شُعَيْبٍ كَمَا سَبَقَ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ بِبَعْضِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ حُسَيْنُ أَوْثَقُ مِنْ الْحَجَّاجِ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ كَالْمُتَوَقِّفِ فِي رِوَايَاتِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ إذَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهَا لِأَنَّهُ قِيلَ إنَّ رِوَايَاتِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهَا صَحِيفَةٌ كَتَبَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ الْبَيْهَقِيُّ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ عَمْرِو مِنْ أَبِيهِ وسماع أبيه من جده عبد الله ابن عَمْرٍو قَالَ وَقَدْ انْضَمَّ إلَى حَدِيثِهِ هَذَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الْفَتَخَاتِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ مَنْ قَالَ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ زَعَمَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ الْوَارِدَةَ فِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ كَانَتْ حِين كَانَ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ حَرَامًا عَلَى النِّسَاءِ فَلَمَّا أُبِيحَ لَهُنَّ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ مَعَ حَدِيثِ عَائِشَةَ إنْ كَانَ ذِكْرُ الْوَرِقِ فيه محفوظا غير ان رواية القسم وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي تَرْكِهَا إخْرَاجَ زَكَاةِ الْحُلِيِّ مَعَ مَا ثَبَتَ مِنْ مدهبها مِنْ إخْرَاجِ زَكَاةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى يُوقِعُ رِيبَةً فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمَرْفُوعَةِ فَهِيَ لَا تُخَالِفُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَتْهُ عنه الافيما عَلِمَتْهُ مَنْسُوخًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ زَكَاةُ الْحُلِيِّ عَارِيَّتُهُ رُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَاَلَّذِي يَرْوِيه فُقَهَاؤُنَا عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ لَا أَصْلَ لَهُ إنَّمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ وَاَلَّذِي يُرْوَى عَنْ عَافِيَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا لَا أَصْلَ لَهُ وَعَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ مَجْهُولٌ فَمَنْ احْتَجَّ بِهِ مَرْفُوعًا كَانَ مُغَرَّرًا بِدِينِهِ دَاخِلًا فِيمَا نَعِيبُ بِهِ الْمُخَالِفِينَ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ الْكَذَّابِينَ وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا مِنْ أَمْثَالِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَحَصَلَ فِي ضِمْنِهِ بَيَانُ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَحَدِيثُ جَابِرٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَمَقْصُودُهُ بَيَانُ مَا يَجُوزُ لُبْسُهُ مِنْ الْحُلِيِّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَمَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً أَوْ لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً وَمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهُ: قَدْ سَبَقَ بَيَانُ جُمَلٍ مِنْهُ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمهمْ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَحِلُّ مِنْ الْحُلِيِّ وَيَحْرُمُ فِي هَذَا الْبَابِ لِيُعْلَمَ حُكْمُ الزَّكَاةِ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَكُلُّ مُتَّخِذٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْ حُلِيٍّ وَغَيْرِهِ إذَا حَكَمَ بِتَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلُوا فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ مُبَاحًا كَحُلِيِّ النِّسَاءِ وَخَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ وَالْمِنْطَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ قولان مشهوران أصحهما عند الاصحاب لا كمالا تَجِبُ فِي ثِيَابِ الْبَدَنِ وَالْأَثَاثِ وَعَوَامِلِ الْإِبِلِ والبقر وهذا مع الانار السَّابِقَةِ عَنْ
الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَهَذَا نصه في البويطي والقديم قال السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُزَنِيّ وَابْنُ الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ
وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَآخَرُونَ لَا يُحْصَوْنَ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمُصَنِّفُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّحْرِيرِ وَالْبُلْغَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَآخَرُونَ وَأَمَّا قَوْلُ الْفُورَانِيِّ إنَّ الْقَدِيمَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَالْجَدِيدَ لَا تَجِبُ فَغَلَطٌ صَرِيحٌ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ بَلْ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ لَا تَجِبُ وَفِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ نُصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ وَنُصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ كَمَا نُصَّ فِي الْقَدِيمِ وَالْمَذْهَبُ لَا تَجِبُ كَمَا ذَكَرْنَا هَذَا إذَا كَانَ مُعَدًّا لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ اتَّخَذَ حُلِيًّا وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ اسْتِعْمَالًا مُحَرَّمًا وَلَا مَكْرُوهًا وَلَا مُبَاحًا بَلْ قصد كنزه واقتناءه فالمذهب الصحيح المشهور لذى قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى فِيهِ خِلَافًا وَلَوْ اتَّخَذَ حُلِيًّا مُبَاحًا فِي عَيْنِهِ لَكِنْ لم يقصد به استعمالا ولا كنز أو اقتناء أو اتخذه لِيُؤَجِّرَهُ فَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ لِلِاسْتِعْمَالِ الْمُبَاحِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا زَكَاةَ فِيهِ كَمَا لَوْ اتَّخَذَهُ لِيُعِيرَهُ وَلَا أَثَرَ لِلْأُجْرَةِ كَأُجْرَةِ الْمَاشِيَةِ الْعَوَامِلِ وَالثَّانِي تَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلنَّمَاءِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالْأَصَحُّ لَا زَكَاةَ فِيهِ صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ بِأَنَّ الْمُتَّخَذَ لِلْإِجَارَةِ مُبَاحٌ وَفِي زَكَاتِهِ الْقَوْلَانِ
*
(فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ إنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ مُحَرَّمًا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَلَا زكاة في الاصح قال أصحابنا والمحرم نَوْعَانِ مُحَرَّمٌ لَعَيْنِهِ كَالْأَوَانِي وَالْمَلَاعِقِ وَالْمَجَامِرِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَمُحَرَّمٌ بِالْقَصْدِ بِأَنْ يَقْصِدَ الرَّجُلُ بِحُلِيِّ النِّسَاءِ الَّذِي يَمْلِكُهُ كَالسِّوَارِ وَالْخَلْخَالِ أَنْ يَلْبَسَهُ أَوْ يُلْبِسَهُ غِلْمَانَهُ أَوْ قَصَدَتْ الْمَرْأَةُ بِحُلِيِّ الرِّجَالِ كَالسَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ أَنْ تَلْبَسَهُ أَوْ تُلْبِسَهُ جَوَارِيهَا
أَوْ غَيْرَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ أو أعد الرجل لِنِسَائِهِ وَجَوَارِيه أَوْ أَعَدَّتْ الْمَرْأَةُ حُلِيَّ النِّسَاءِ لِزَوْجِهَا وَغِلْمَانِهَا فَكُلُّهُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ اتَّخَذَ حُلِيًّا وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ اسْتِعْمَالًا بَلْ قَصَدَ كَنْزَهُ وَاقْتِنَاءَهُ أَوْ إيجَارَهُ فَفِيهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ الْقَصْدِ الطَّارِئِ بَعْدَ الصِّيَاغَةِ فِي جمع مَا ذَكَرْنَا حُكْمُ الْمُقَارَنِ فَلَوْ اتَّخَذَهُ بِقَصْدِ اسْتِعْمَالٍ مُحَرَّمٍ ثُمَّ قَصَدَ مُبَاحًا بَطَلَ الْحَوْلُ إذَا قُلْنَا لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ فَلَوْ عَادَ الْقَصْدُ الْمُحَرَّمُ ابْتَدَأَ الْحَوْلُ وَكَذَا لَوْ قَصَدَ الِاسْتِعْمَالَ ثُمَّ قَصَدَ كَنْزَهُ ابْتَدَأَ الْحَوْلُ وَكَذَا نَظَائِرُهُ وَلَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ حُلِيَّ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةُ حُلِيَّ الرِّجَالِ بِلَا قَصْدٍ وَقُلْنَا لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ فَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَاحْتَجَّ الْبَغَوِيّ بِأَنَّ الِاتِّخَاذَ مُبَاحٌ فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ الزَّكَاةِ بِالشَّكِّ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ فَانْكَسَرَ فَلَهُ أَحْوَالٌ (أحدها) أن ينكسر بحيث لا يُمْنَعُ الِاسْتِعْمَالُ فَلَا تَأْثِيرَ لِانْكِسَارِهِ بِلَا خِلَافٍ ويبقي في زكاته القولان (الثاني) ينكسر بحيث يمنع الِاسْتِعْمَالُ وَيَحُوجُ إلَى سَبْكٍ وَصَوْغٍ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ وَأَوَّلُ الْحَوْلِ وَقْتَ الِانْكِسَارِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ
(أَحَدَهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِي الْحَالِ الثَّالِثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (والثالث) ينكسر بحيث يمنع الاستعمال لكن لَا يَحْتَاجُ إلَى صَوْغٍ وَيَقْبَلُ الْإِصْلَاحَ بِالْإِلْحَامِ فَإِنْ قَصَدَ جَعْلَهُ تِبْرًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ كَنْزَهُ انْعَقَدَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ الِانْكِسَارِ وَإِنْ قَصَدَ إصْلَاحَهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا زَكَاةَ وَإِنْ تَمَادَتْ عَلَيْهِ أَحْوَالٌ
لِدَوَامِ صُورَةِ الْحُلِيِّ وَقَصَدَ الْإِصْلَاحَ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَا وَلَا ذَاكَ فَفِيهِ خِلَافٌ قِيلَ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَصْلٌ)
فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْحُلِيِّ فَالذَّهَبُ أَصْلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَعَلَى الْإِبَاحَةِ لِلنِّسَاءِ وَيُسْتَثْنَى عَنْ التَّحْرِيمِ عَلَى الرِّجَالِ مَوْضِعَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ لِمَنْ قُطِعَ أَنْفُهُ اتِّخَاذُ أَنْفٍ مِنْ ذَهَبٍ وَإِنْ أَمْكَنَهُ اتِّخَاذُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَفِي مَعْنَى الْأَنْفِ السِّنُّ وَالْأُنْمُلَةُ فَيَجُوزُ اتِّخَاذُهُمَا ذَهَبًا بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ قُطِعَتْ رِجْلُهُ أو يده لى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَمَا جَازَ مِنْ هَذَا مِنْ الذَّهَبِ فَمِنْ الْفِضَّةِ أَوْلَى وَقَدْ سَبَقَتْ
هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَبَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ (الْمَوْضِعُ الثَّانِي) تَمْوِيهُ الْخَاتَمِ وَالسَّيْفِ وغيرهما للرجل ان كان يحصل منه شئ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ التَّحْرِيمُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) التَّحْرِيمُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ (هَذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَشْبَاهِهِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ (وَالثَّانِي) الْإِبَاحَةُ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ وَأَمَّا اتِّخَاذُ سِنٍّ أَوْ أَسْنَانٍ لِلْخَاتَمِ فَقَطَعَ الْأَصْحَابُ بِتَحْرِيمِهِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَبْعُدُ تَشْبِيهُهُ بالضبية الصَّغِيرَةِ فِي الْإِنَاءِ وَهَذَا ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا الْفِضَّةُ فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ التَّخَتُّمُ بِهَا وَهَلْ لَهُ مَا سِوَى الْخَاتَمِ مِنْ حُلِيِّ الْفِضَّةِ كَالدُّمْلُجِ وَالسِّوَارِ وَالطَّوْقِ وَالتَّاجِ فِيهِ وَجْهَانِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِالتَّحْرِيمِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيه يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْفِضَّةِ إلَّا تَحْرِيمُ الْأَوَانِي وَتَحْرِيمُ الْحُلِيِّ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ التَّشَبُّهَ بِالنِّسَاءِ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَحْلِيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ بِالْفِضَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إرْعَابِ الْعَدُوِّ وَإِظْهَارِ الْقُوَّةِ وَذَلِكَ كَتَحْلِيَةِ السَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَأَطْرَافِ السِّهَامِ وَالدِّرْعِ وَالْمِنْطَقَةِ وَالْجَوْشَنِ وَالْخُفِّ وَالرَّانِينَ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِي مَعْنَاهَا وَفِي تَحْلِيَةِ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالثُّفْرِ لِلدَّابَّةِ بِالْفِضَّةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قال أبو الطيب ابن سَلَمَةَ مُبَاحٌ كَحِلْيَةِ السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ
وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَقَدْ نُصَّ عَلَيْهِ فِي ثَلَاثَةِ كُتُبٍ فِي رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ وَالرَّبِيعِ وَمُوسَى بْنِ أَبِي الْجَارُودِ لِأَنَّ هَذَا حِلْيَةٌ لِلدَّابَّةِ لَا لِلرَّجُلِ بِخِلَافِ الْمِنْطَقَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي الرِّكَابِ وَبَرَّةِ النَّاقَةِ مِنْ الْفِضَّةِ وَالْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَيَجْرِيَانِ فِي تَحْلِيَةِ أَطْرَافِ السُّيُورِ وَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُ الْقِلَادَةِ لِلدَّابَّةِ مِنْ الْفِضَّةِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَلَا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ تحلية شئ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِالذَّهَبِ وَكَذَا بِالْفِضَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ فِي اسْتِعْمَالِهِنَّ ذَلِكَ تَشَبُّهًا بِالرِّجَالِ وَالتَّشَبُّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِنَّ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَقَالَ آلَاتُ الْحَرْبِ إمَّا أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُهَا وَاسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ الْحَرْبِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ وَالْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ بَاطِلٌ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ مَلَابِسِ الرَّجُلِ إنَّمَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ دُونَ التَّحْرِيمِ الايرى أَنَّ الشَّافِعِيَّ
رضي الله عنه قَالَ فِي الْأُمِّ وَلَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ فَلَمْ يُحَرِّمْ زِيَّ النِّسَاءِ عَلَى الرَّجُلِ وَإِنَّمَا كَرِهَهُ وَكَذَا عَكْسُهُ قَالَ الشَّاشِيُّ وَلِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ جَائِزَةٌ لِلنِّسَاءِ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي جَوَازِهَا جَوَازُ لُبْسِ آلَاتِهَا وَإِذَا جَازَ اسْتِعْمَالُهَا غَيْرَ مُحَلَّاةٍ جَازَ مَعَ الْحِلْيَةِ لِأَنَّ التَّحَلِّيَ لِلنِّسَاءِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّاشِيُّ هُوَ الْحَقُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قُلْت) وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَمَا قَالَهُ الشَّاشِيُّ وَالرَّافِعِيُّ بَلْ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ تَشَبُّهَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ حَرَامٌ وَعَكْسُهُ كَذَلِكَ لِلْحَدِيثِ الصحيح أَنَّ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهَات مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ) وَاللَّعْنُ لَا يَكُونُ عَلَى مَكْرُوهٍ وَأَمَّا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِهَذَا لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ وَاَللَّهُ تعالى أعلم
*
(فَرْعٌ)
أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُ أَنْوَاعِ الْحُلِيِّ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ جَمِيعًا كَالطَّوْقِ وَالْعِقْدِ وَالْخَاتَمِ وَالسِّوَارِ وَالْخَلْخَالِ وَالتَّعَاوِيذِ وَالدَّمَالِجِ وَالْقَلَائِدِ وَالْمَخَانِقِ وَكُلِّ مَا يُتَّخَذُ فِي الْعُنُقِ وَغَيْرِهِ وَكُلِّ مَا يَعْتَدْنَ لُبْسَهُ وَلَا خِلَافَ في شئ مِنْ هَذَا وَأَمَّا لُبْسُهَا نِعَالَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي التَّحْرِيمُ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّرَفِ الظَّاهِرِ وَالْخُيَلَاءِ وأصحهما عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ الْإِبَاحَةُ كَسَائِرِ الْمَلْبُوسَاتِ وَأَمَّا التَّاجُ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْأَصْحَابُ إنْ جَرَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ بِلُبْسِهِ فَمُبَاحٌ لَهُنَّ لُبْسُهُ وَإِلَّا فَحَرَامٌ لِأَنَّهُ لِبَاسُ عُظَمَاءِ الْفُرْسِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَأَنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِعَادَةِ أَهْلِ النَّوَاحِي فَحَيْثُ جَرَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ بِلُبْسِهِ جَازَ لَهُنَّ لُبْسُهُ وَحَيْثُ لَمْ تَجْرِ لَا يَجُوزُ لانه تشبيه بالرجال وَفِي لُبْسِ الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ لِلْمَرْأَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) الْإِبَاحَةُ كَالْحُلِيِّ لِأَنَّهَا لِبَاسٌ حَقِيقِيٌّ
(وَالثَّانِي)
التَّحْرِيمُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا اتِّخَاذُ زِرِّ لقميص وَالْجُبَّةِ وَالْفَرْجِيَّةِ مِنْ ذَهَبِ وَلَا فِضَّةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَعَلَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ تَحْرِيمُ لِبَاسِ الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ بِهَا (قُلْت) إنْ تَكُنْ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَإِذَا جَازَ الثَّوْبُ الْمَنْسُوجُ فَالزِّرُّ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ حُلِيٍّ أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ فَإِنَّمَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ سَرَفٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ كان
كلخلخال وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ تَحْرِيمُهُ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ مُبَاحٌ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ خَوَاتِيمَ كَثِيرَةً أَوْ الْمَرْأَةُ خَلَاخِلَ كَثِيرَةً ليلبس الواحد منها بَعْدَ الْوَاحِدِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْمَذْهَبُ القطع بالجواز لعموم النصوص المطلقة والثاني فيه وَجْهَانِ كَالْخَلْخَالِ الَّذِي فِيهِ سَرَفٌ ظَاهِرٌ
* (فَرْعٌ)
جَمِيعُ مَا سَبَقَ هُوَ فِيمَا يَتَحَلَّى بِهِ لُبْسًا فَأَمَّا غَيْر اللُّبْسِ فَمِنْهُ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا وَكَذَا اتِّخَاذُهَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ بَيَانُ حُكْمِ الْمُضَبَّبِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ سَكَاكِينِ الْمِهْنَةِ وَسِكِّينِ الْمِقْلَمَةِ وَالْمِقْرَاضِ وَالدَّوَاةِ وَالْمِرْآةِ وَنَحْوِهَا فَحَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ بِالذَّهَبِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْفِضَّةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا
التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُ هَذِهِ كُلِّهَا عَلَى الْمَرْأَةِ وَقِيلَ هِيَ كالرجل فيكون فيها الوجهان الا فِي حَقِّهَا وَحَقِّ الرَّجُلِ سَوَاءٌ وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِمَا وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا إذَا حُلِّيَتْ بِذَهَبٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اتَّخَذَ مُدْهِنًا أَوْ مُسْعِطًا أَوْ مُكْحُلَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكَذَا ظَرْفُ الْغَالِيَةِ اللَّطِيفِ حَرَامٌ أَيْضًا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُمْهُورُ هُنَا وَسَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُ الصَّغِيرِ مِنْ الْفِضَّةِ كَمُكْحُلَةٍ وَظَرْفِ غَالِيَةٍ وَنَحْوِهَا وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِوَاءِ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ فِي هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهَا تَحْلِيَةُ رُبْعِهَا بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ قَطْعًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ مِيلًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَتَجِبُ زَكَاتُهُ إلَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي لِجَلَاءِ عَيْنِهِ فَيَكُونُ مُبَاحًا كَاسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ فِي رَبْطِ سِنِّهِ وَيَكُونُ فِي زَكَاتِهِ الْقَوْلَانِ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِتَحْرِيمِ الْمِيلِ البندنيجي
*
(فَرْعٌ)
فِي تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالْفِضَّةِ (وَجْهَانِ) أَوْ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا الْجَوَازُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ وَنُصَّ فِي سنن الْوَاقِدِيِّ وَهُوَ أَحَدُ كُتُبِ الْأُمِّ عَلَى التَّحْرِيمِ وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ الْكِتَابِ إلَى الْقَطْعِ بِهَذَا فَإِنَّهُ جَزَمَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ وَهَذَا شُذُوذٌ مِنْهُ فَلْيُعْرَفْ وَأَمَّا تَحْلِيَتُهُ بِالذَّهَبِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ إنْ كَانَ لِامْرَأَةٍ جَازَ وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ فَحَرَامٌ
(وَالثَّانِي)
يَحِلُّ مُطْلَقًا وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ (وَالثَّالِثُ) يَحْرُمُ مُطْلَقًا (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ تَحْلِيَةُ نَفْسِ الْمُصْحَفِ دُونَ غِلَافِهِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ غِلَافِهِ بِالذَّهَبِ فَحَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ حِلْيَةً لِلْمُصْحَفِ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ بَاقِي الْكُتُبِ غير القرآن فحرام باتفاق الاصحاب ومن نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ قَالَ وَأَشَارَ الْغَزَالِيُّ إلَى طَرْدِ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الدَّوَاةِ وَالْمِقْلَمَةِ هُنَا وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ مَا سَبَقَ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ الْكَعْبَةِ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَمْوِيهُ سَقْفِهِ وَتَعْلِيقُ قَنَادِيلِهَا فِيهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أصحهما) التحريم وبه قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ سُنَّةٌ وَلَا عَمِلَهُ أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) الْجَوَازُ تَعْظِيمًا لِلْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ وَإِعْظَامًا لِلدِّينِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى سَتْرِ الْكَعْبَةِ بِالْحَرِيرِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا حَرَامٌ وَجَبَتْ زكاته بلا خلاف والا فعلي القولين في الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ هَذَا إذَا كَانَ التَّمْوِيهُ وَالْقَنَادِيلُ وَنَحْوُهَا بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ فَاعِلِهَا
فَإِنْ كَانَتْ وَقْفًا عَلَيْهِ إمَّا مِنْ غَلَبَةٍ وَإِمَّا بِأَنْ وَقَفَهَا الْفَاعِلُ فَلَا زَكَاةَ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ الْمَالِكِ الْمُعَيَّنِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَفِي صِحَّةِ وَقْفِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى هذه الجهة مع تحريمهما نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَرَادَ الْفَاعِلُ إخْرَاجَ زَكَاتِهِ أَخْرَجَهَا بِالِاسْتِظْهَارِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَهُ وَإِلَّا فَلْيُمَيِّزْهُ بِالنَّارِ
فَإِنْ كَانَ لَوْ ميز لم يجتمع منه شئ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يجتمع منه شئ وصار مستهلكا فلا يحرم استدامته والله تعالي أَعْلَمُ وَأَمَّا تَمْوِيهُ سَقْفِ بَيْتِهِ وَجِدَارِهِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَحَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ الاتفاق عليه قالوا ولا يجئ فِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَجْهَ لِإِعْظَامِ الْمَسْجِدِ كَمَا جَازَتْ تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ حيت جَوَّزْنَاهُ دُونَ سَائِرِ الْكُتُبِ (قَالَ) الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ كان المموه مستهلكا لا يحصل منه شئ بالسبك لَمْ يَحْرُمْ اسْتِدَامَتُهُ وَلَمْ يَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ وَإِلَّا حَرُمَتْ وَوَجَبَتْ زَكَاتُهُ إنْ بَلَغَ وَحْدَهُ نِصَابًا أَوْ بِانْضِمَامِ مَالٍ آخَرَ لَهُ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ وَقَفَ حُلِيًّا عَلَى قَوْمٍ يَلْبَسُونَهُ لُبْسًا مُبَاحًا أَوْ يَنْتَفِعُونَ بِأُجْرَتِهِ الْمُبَاحَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ قَطْعًا لِعَدَمِ الْمَالِكِ الْحَقِيقِيِّ الْمُعَيَّنِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ حَلَّى شَاةً أَوْ غَزَالًا أَوْ غَيْرَهُمَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةِ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ
* (فَرْعٌ)
حَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِي تَحْلِيَةِ ولي الصِّبْيَانَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَمَا سَبَقَ فِي إلْبَاسِهِمْ الْحَرِيرَ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَقَدْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِالْجَوَازِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَسَبَقَ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ دليل الاوجه (وأصحها) جَوَازُ تَحْلِيَتِهِمْ مَا دَامُوا صِبْيَانًا وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه (وَالثَّانِي) تَحْرِيمُهُ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ قَبْلَ سَبْعِ سِنِينَ
* (فَرْعٌ)
الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُ حُلِيِّ الرِّجَالِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا لُبْسُ حُلِيِّ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُنَّ لِكَوْنِهِنَّ مُرْصَدَاتٍ لِلتَّزَيُّنِ لِلْأَزْوَاجِ وَالسَّادَةِ هَكَذَا قَطَعَ بِتَحْرِيمِهِ الْقَاضِي أَبُو الفتوح والبغوى وصاحب البيان وآخرون وهو مباحا له في صغره ولم يتحقق تحريمه الصواب الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ فِي الصِّغَرِ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ وَقَدْ زَادَ ذَلِكَ بِالْبُلُوغِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ تَحْرِيمُهُ فَفِي زَكَاتِهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَرَجَّحَ الرَّافِعِيُّ وُجُوبَهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حُلِيٌّ مُحَرَّمٌ
(وَالثَّانِي)
فِي وُجُوبِهَا لقولان فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحُ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ تَحْرِيمَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِاحْتِمَالِ
أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ وإنما حرمناه للاحتياط والله تعالي أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْمُعَدَّةِ لِلِاسْتِعْمَالِ يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَأَمَّا الْمُتَّخَذَةُ لَا لِلِاسْتِعْمَالِ فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ تَحْرِيمُ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ اسْتِعْمَالِ
وَفِي وَجْهٍ أَوْ قَوْلٍ أَنَّهُ يَجُوزُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ جَوَّزْنَا اتِّخَاذَهُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ اتِّخَاذُهُ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ فَهُوَ لِلْقُنْيَةِ وَمَكْرُوهٌ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ وَالْمُتَّخَذَ لِلْقُنْيَةِ يَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي فَقَالَ إذَا جَوَّزْنَا اتِّخَاذَهُ فَفِي زَكَاتِهِ الْقَوْلَانِ كَالْحُلِيِّ وَهَذَا غَلَطٌ مَرْدُودٌ لَا يُعَدُّ وَجْهًا وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَلَيْسَ كَالْحُلِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الزَّكَاةُ لِكَوْنِهِ مُعَدًّا لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ بِخِلَافِ الْأَوَانِي فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ زَكَاتِهِ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا اتِّخَاذَهُ أَمْ لَا وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ اتِّخَاذِهِ فِي ثُبُوتِ الْأُجْرَةِ لِصَانِعِهِ وَالْأَرْشِ عَلَى كَاسِرِهِ وَكَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَاضِحًا وَيَظْهَرُ فِي كَيْفِيَّةِ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي الْفَرْعِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
إذَا أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ فَاخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُ وَوَزْنُهُ بِأَنْ كَانَ لَهَا خَلَاخِلُ وَزْنُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهَا ثَلَاثُمِائَةٍ أَوْ فُرِضَ مِثْلُهُ فِي الْمَنَاطِقِ الْمُحَلَّاةِ لِلرِّجَالِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِ الْحُلِيِّ مَتَاعًا بِأَنْ سَلَّمَهُ كُلَّهُ إلَى السَّاعِي أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ نَائِبِهِمْ فَإِذَا تَسَلَّمَهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ الزَّكَاةِ ثُمَّ يَبِيعُ السَّاعِي نَصِيبَ الْمَسَاكِينِ إمَّا لِلْمَالِكِ وَإِمَّا لِغَيْرِهِ أَوْ يَبِيعُونَهُ هُمْ إنْ قَبَضُوهُ هُمْ أَوْ وَكِيلُهُمْ وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ مَصُوغًا كَخَاتَمٍ وَسِوَارٍ لَطِيفٍ وَغَيْرِهِمَا وَزْنُهُ خَمْسَةٌ وَقِيمَتُهُ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْسِرَهُ وَيُخْرِجَ خَمْسَةً مِنْ نَفْسِ الْمَكْسُورِ وَلَا يَجُوزُ لِلسَّاعِي وَلَا لِلْمَسَاكِينِ طَلَبُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِهِ وَبِهِمْ وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ جَيِّدَةً لجودة سبكها ولينها بحيث تساوى سبعة ونصفا اجزاءه لِأَنَّهُ يُقَدِّرُ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْهُ ذَهَبًا يُسَاوِي سَبْعَةَ دَرَاهِمَ وَنِصْفًا لَمْ يَجُزْ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَجَوَّزَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ لِلْحَاجَةِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ والاصحاب والمذهب الاول ويندفع الْحَاجَةُ بِمَا ذَكَرْنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ له إناء وزنه مائتان ويساوى ثلثمائة
فَإِنْ جَوَّزْنَا اتِّخَاذَ الْإِنَاءِ فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ وَكَيْفِيَّةُ إخْرَاجِهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْحُلِيِّ وَإِنْ حَرَمْنَاهُ وَهُوَ الاصح ولا قيمة لصنعة شَرْعًا فَلَهُ إخْرَاجُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَفِيسَةً وَلَهُ كَسْرُهُ وَإِخْرَاجُ خَمْسَةٍ مِنْهُ وَلَهُ إخْرَاجُ رُبْعِ عُشْرِهِ مُشَاعًا وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الذَّهَبِ بَدَلًا عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ حُلِيٍّ حَرَّمْنَاهُ عَلَى كُلِّ النَّاسِ فَحُكْمُ صَنْعَتِهِ حُكْمُ صَنْعَةِ الْإِنَاءِ وَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهَا عَلَى كَاسِرِهَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْإِنَاءِ إنْ جَوَّزْنَا وَجَبَ وَإِلَّا
فَلَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمَا يَحِلُّ لِبَعْضِ النَّاسِ كالرجال دون النساء وعكسه ويجب عَلَى كَاسِرِهِ ضَمَانُ صَنْعَتِهِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا الضَّبَّةُ الَّتِي عَلَى الْإِنَاءِ إذَا حَكَمْنَا بِكَرَاهَتِهَا فَلَهَا حُكْمُ الْحَرَامِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ الْبَغَوِيّ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمُبَاحِ وَإِذَا حَكَمْنَا بِإِبَاحَتِهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ فَفِي وُجُوبِ زَكَاتِهَا الْقَوْلَانِ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الصَّيْمَرِيُّ ثُمَّ الْمَاوَرْدِيُّ وَمُتَابِعُوهُمَا هُنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ إذَا أَكْرَى حُلِيَّ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَنْ لَا يُكْرِيَهُ بِجِنْسِهِ بَلْ يُكْرِيَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ فَلَوْ أَكُرَى الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
بُطْلَانُهُ حَذَرًا مِنْ الرِّبَا وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَوْلُ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يَدْخُلهُ الرِّبَا وَلِهَذَا يَجُوزُ إجَارَةُ حُلِيِّ الذَّهَبِ بِدَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ الربا هُنَا مَدْخَلٌ لَمْ يَجُزْ هَذَا
* (فَرْعٌ)
إذَا اتَّخَذَ أَنْفًا أَوْ سِنًّا أَوْ أُنْمُلَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ شَدَّ سِنَّهُ بِهِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَمَّا زَكَاتُهُ فَإِنْ ثَبَتَ فِيهِ الْعُضْوُ وَتَرَاكَبَ عَلَيْهِ صَارَ مُسْتَهْلَكًا وَلَا زَكَاةَ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي زَكَاةِ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَجَابِرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهم وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٌ والشعبي ومحمد ابن عَلِيٍّ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ ومالك واحمد واسحق وابو ثور وابو عبيد وبن
والمنذر وَقَالَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أيضا عن ابى الْمُسَيِّبِ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَالزُّهَرِيِّ وَاحْتَجَّ كُلُّ فَرِيقٍ بِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي اول الفصل والآثار وروى البيهقى عن بن عمر وبن الْمُسَيِّبِ أَنَّ زَكَاةَ الْحُلِيِّ عَارِيَّتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم
*
(باب زكاة التجارة)
* قال المصنف رحمه الله
* (تجب الزكاة في عروض التجارة لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (في الابل صدقتها وفى البقر صدقتها وفى البز صدقته ولان التجارة يطلب بها نماء المال فتعلقت بها الزكاة كالسوم في الماشية)
* (الشرح) هذا الحديث رواه الدارقطني فِي سُنَنِهِ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدِهِمْ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادَيْنِ ثُمَّ قَالَ هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ صَحِيحَانِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (قَوْلُهُ) وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَبِالزَّايِ هَكَذَا رَوَاهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ وَصَرَّحَ بالزاى الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه الْقَدِيمَةُ وَالْجَدِيدَةُ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي القديم اخلتف النَّاسُ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا هَذَا نَصُّهُ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ هَذَا تَرْدِيدُ قَوْلٍ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْقَدِيمِ قَوْلَانِ فِي وُجُوبِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُثْبِتْ هَذَا الْقَدِيمَ وَاتَّفَقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكُلُّ مَنْ حَكَى هَذَا الْقَدِيمَ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهَا تَجِبُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ وَالْمَشْهُورُ لِلْأَصْحَابِ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وُجُوبُهَا وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَنْقُولِ عَنْ الْقَدِيمِ إثْبَاتُ قَوْلٍ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ اخْتِلَافِ النَّاسِ وَبَيَّنَ أَنَّ مَذْهَبَهُ الْوُجُوبُ بِقَوْلِهِ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالْوُجُوبِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ
أَجْمَعِينَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ قال رويناه عن عمر بن الخطاب وبن عباس والفقهاء السبعة سعيد بن المسيب والقسم بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي بَكْرِ بن عبد الرحمن بن الحارث وجارحة بْنِ زَيْدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وسلمان بْنِ يَسَارٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَطَاوُسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَمَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ وَالنَّخَعِيِّ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ والاوزاعي والشافعي والنعمان واصحابه وأحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَجِبُ وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ لَا زَكَاةَ في عروض التجارة ما لم تنض وتصير دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَإِذَا نُضَّتْ لَزِمَهُ زَكَاةُ عَامٍ وَاحِدٍ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ وهو في الصحيحين وقد سبق بيانه وربما جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ وَاحْتَجَّ
أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الْمَذْكُورِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ سَمُرَةَ قَالَ أَمَّا بَعْدُ (فان رسول الله صلي الله عليه سلم كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَفِي إسْنَادِهِ جَمَاعَةٌ لَا أَعْرِفُ حَالَهُمْ وَلَكِنْ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ وَعَنْ حِمَاسٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ وَكَانَ يَبِيعُ الْأُدُمَ قَالَ قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا حماس اد زكاة مالك فقلت مالي مَالٌ إنَّمَا أَبِيعُ الْأُدُمَ قَالَ قَوِّمْهُ ثُمَّ أَدِّ زَكَاتَهُ فَفَعَلْتُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْحَافِظُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ إلَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ (لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ) فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ وَمَعْنَاهُ لا زكاة في عينه بخلاف الانعمام وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَأَمَّا قول بن عَبَّاسٍ فَهُوَ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ ضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى عَرَضٍ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ لِيُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ السَّالِفَةِ وَلِمَا رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ مِنْ وُجُوبِ زَكَاةِ التجارة كما سبق وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى
*
(ولا يصير العرض للتجارة الا بشرطين أحدهما ان يملكه بعقد فيه عوض كالبيع والاجارة والنكاح والخلع والثاني ان ينوى عند العقد انه تملكه للتجارة وأما إذا ملكه بارث أو وصية أو هبة من غير شرط الثواب فلا تصير للتجارة بالنية وإن ملكه بالبيع والاجارة ولم ينو عند العقد انه للتجارة لم يصر للتجارة وقال الكرابيسي من أصحابنا إذا ملك عرضا ثم نوى انه للتجارة صار للتجارة كما إذا كان عنده متاع للتجارة ثم نوى القنية صار للقنية بالنية والمذهب الاول لانه ما لم يكن للزكاة من أصله لم يصر للزكاة بمجرد النية كالمعلوفه إذا نوى إسامتها ويفارق إذا نوى القنية بمال التجارة لان القنية هي الامساك بنية القنية وقد وجد الامساك والنية والتجارة هي التصرف بنية التجارة وقد وجدت النية ولم يوجد التصرف فلم يصر للتجارة)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ مِنْ أَصْلِهِ احْتِرَازٌ مِنْ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا قُلْنَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فَنَوَى اسْتِعْمَالَهُ فِي حَرَامٍ أَوْ نَوَى كَنْزَهُ واقتناه فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا سَبَقَ لِأَنَّ أَصْلَهُ الزَّكَاةُ قَالَ أَصْحَابُنَا مَالُ التِّجَارَةِ هُوَ كُلُّ مَا قُصِدَ الِاتِّجَارُ فِيهِ عِنْدَ تَمَلُّكِهِ بمعاوضة محضة وتفصيل هذه القيودان مُجَرَّدَ نِيَّةِ التِّجَارَةِ لَا يَصِيرُ بِهِ الْمَالُ لِلتِّجَارَةِ فَلَوْ كَانَ لَهُ عَرَضُ قُنْيَةٍ مَلَكَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَجَعَلَهُ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَصِرْ للتجارة هذا هو
لمذهب وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْكَرَابِيسِيُّ يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ وهو مذهب احمد واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْوَجْهَيْنِ أَمَّا إذَا اقْتَرَنَتْ نِيَّةُ التِّجَارَةِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّ الْمُشْتَرَى يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْحَوْلِ بِنَفْسِ الشِّرَى سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ أَوْ نَقْدٍ أَوْ دَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ وَإِذَا صَارَ لِلتِّجَارَةِ اسْتَمَرَّ حُكْمُهَا وَلَا يَحْتَاجُ فِي كُلِّ مُعَامَلَةٍ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى بِلَا خِلَافٍ بَلْ النِّيَّةُ مُسْتَصْحَبَةٌ كَافِيَةٌ وَفِي مَعْنَى الشِّرَى مَا لَوْ صَالَحَ عَنْ دَيْنٍ لَهُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ عَلَى عِوَضٍ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بلا خلاف سواء كان الدَّيْنُ قَرْضًا أَوْ ثَمَنَ مَبِيعٍ أَوْ ضَمَانَ مُتْلَفٍ وَهَكَذَا الِاتِّهَابُ بِشَرْطِ الثَّوَابِ إذَا نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ صَارَ لِلتِّجَارَةِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا الْهِبَةُ بِلَا ثَوَابٍ وَالِاحْتِطَابُ وَالِاحْتِشَاشُ وَالِاصْطِيَادُ فَلَيْسَتْ مِنْ أَسْبَابِ التِّجَارَةِ وَلَا أَثَرَ لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِهَا وَلَا يَصِيرُ الْعَرَضُ لِلتِّجَارَةِ بِلَا خِلَافٍ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْمُعَاوَضَةُ وَهَكَذَا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَالِاسْتِرْدَادُ فَلَوْ بَاعَ عَرَضَ قُنْيَةٍ بِعَرَضِ قُنْيَةٍ ثُمَّ
وَجَدَ بِمَا أَخَذَهُ عَيْبًا فَرَدَّهُ وَاسْتَرَدَّ الْأَوَّلَ عَلَى قَصْدِ التِّجَارَةِ أَوْ وَجَدَ صَاحِبُهُ بِمَا أَخَذَ عَيْبًا فَرَدَّهُ فَقَصَدَ الْمَرْدُودَ عَلَيْهِ بِأَخْذِهِ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ ثَوْبُ قُنْيَةٍ فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ الثَّوْبَ بِالْعَيْبِ انْقَطَعَ حَوْلُ التِّجَارَةِ وَلَا يَكُونُ الثَّوْبُ لِلتِّجَارَةِ بخلاف مالو كَانَ الثَّوْبُ لِلتِّجَارَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَبْقَى حُكْمُ التِّجَارَةِ فِيهِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَرَضَ التِّجَارَةِ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ عَرَضًا آخَرَ وَكَذَا لَوْ تَبَايَعَ التَّاجِرَانِ ثُمَّ تَعَامَلَا يَسْتَمِرُّ حُكْمُ التِّجَارَةِ فِي الْمَالَيْنِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ ثَوْبُ تِجَارَةٍ فَبَاعَهُ بِعَبْدٍ لِلْقُنْيَةِ فَرَدَّ عَلَيْهِ الثَّوْبَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَعُدْ إلَى حُكْمِ التِّجَارَةِ لِأَنَّ قَصْدَ الْقُنْيَةِ حَوْلُ التِّجَارَةِ وَلَيْسَ الرَّدُّ وَالِاسْتِرْدَادُ مِنْ التِّجَارَةِ كَمَا لَوْ قَصَدَ الْقُنْيَةَ بِمَالِ التِّجَارَةِ الَّذِي عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قُنْيَةً بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ نَوَى بَعْدَ ذَلِكَ جَعْلَهُ لِلتِّجَارَةِ لَا يُؤَثِّرُ حَتَّى تَقْتَرِنَ النِّيَّةُ بِتِجَارَةٍ جَدِيدَةٍ وَلَوْ خَالَعَ وَقَصَدَ بعرض الْخُلْعِ التِّجَارَةَ فِي حَالِ الْمُخَالَعَةِ أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ أَوْ تَزَوَّجَتْ الْحُرَّةُ وَنَوَيَا حَالَ الْعَقْدِ التِّجَارَةَ فِي الصَّدَاقِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ يَكُونُ مَالَ تِجَارَةٍ وَيَنْعَقِدُ الْحَوْلُ مِنْ حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ ثَبَتَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ كَالْبَيْعِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي طَرِيقَةِ الخراسانيين وذكر بعض العراقيين فيه (وجهان) أَصَحُّهُمَا هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ عُقُودِ التِّجَارَاتِ وَالْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ وَطَرَدَ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَالِ الْمُصَالَحِ بِهِ عَنْ الدَّمِ وَاَلَّذِي آجَرَ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ مَالَهُ إذَا نَوَى بِهِمَا التِّجَارَةَ وَفِيمَا إذَا كَانَ يَصْرِفُهُ فِي الْمَنَافِعِ بِأَنْ كَانَ يَسْتَأْجِرُ الْمُسْتَغَلَّاتِ وَيُؤَجِّرُهَا لِلتِّجَارَةِ فَالْمَذْهَبُ فِي الْجَمِيعِ مَصِيرُهُ لِلتِّجَارَةِ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا يَصِيرُ بِهِ الْعَرْضُ لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ إذَا صَارَ لِلتِّجَارَةِ وَنَوَى بِهِ الْقُنْيَةَ صَارَ لِلْقُنْيَةِ وَانْقَطَعَ
حُكْمُ التِّجَارَةِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تعالى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تعالي
* (إذا اشترى للتجارة ما تجب الزكاة في عينه كنصاب السائمة والكرم والنخل نظرت فان وجد فيه نصاب احدى الزكاتين دون الاخرى كخمس من الابل لا تساوي مائتي درهم أو اربع من الابل تساوى مائتي درهم وجبت فيه زكاة ما وجد نصابه لانه وجد سببها ولم يوجد ما يعارضه فوجبت وان وجد نصابهما ففيه طريقان قال أبو اسحق ان سبق حول التجارة بان يكون
عنده نصاب من الاثمان مدة ثم اشترى به نصابا من السائمة وجبت زكاة التجارة فيه وان سبق وجوب زكاة العين بان اشترى نخلا للتجارة فبدا فيها الصلاح قبل ان يحول حول التجارة وجبت زكاة العين لان السابق منهما قد وجد سبب وجوب زكاته وليس هناك زكاة تعارضها فوجبت كما قلنا في ما وجد فيه نصاب احدى الزكاتين دون الاخرى وان وجد سببهما في وقت واحد مثل ان يشترى بما تجب فيه الزكاة نصابا من السائمة للتجارة ففيه قولان (قال) في القديم تجب زكاة التجارة لانها أنفع للمساكين لانها تزداد بزيادة القيمة فكان ايجابها أولي (وقال) في الجديد تجب زكاة العين لانها اقوى لانها مجمع عليها وزكاة التجارة مختلف في وجوبها ولان نصاب العين يعرف قطعا ونصاب التجارة يعرف بالظن فكانت زكاة العين اولي وقال القاضى أبو حامد في المسألة قولان سواء اتفق حولهما أو سبق حول أحدهما (والاول) اصح فان كان المشترى نخيلا وقلنا بقوله القديم قوم النخيل والثمرة واخرج الزكاة عن قيمتها وإن قلنا بقوله الجديد لزمه عشر الثمرة وهل يقوم النخيل فيه قولان (احدهما) لا يقوم لان المقصود هو الثمار وقد اخرجنا عنها العشر والثاني يقوم ويخرج الزكاة من قيمتها لان العشر زكاة الثمار فاما الاصول فلم يخرج زكاتها فوجب ان تقوم وتخرج عنها الزكاة)
* (الشرح) قال أصحابنا رحمهم الله تعالى إذا كَانَ مَالُ التِّجَارَةِ نِصَابًا مِنْ السَّائِمَةِ أَوْ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ لَمْ يُجْمَعْ فِيهِ بَيْنَ وُجُوبِ زَكَاتَيْ التِّجَارَةِ وَالْعَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ إحْدَاهُمَا وَفِي الْوَاجِبِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الْقَدِيمِ تَجِبُ زَكَاةُ الْعَيْنِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْقَدِيمِ تَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَدَلِيلُ الْعَيْنِ أَنَّهَا أَقْوَى لِكَوْنِهَا مُجْمَعًا عَلَيْهَا وَلِأَنَّهَا يُعْرَفُ نِصَابُهَا قَطْعًا بِالْعَدَدِ وَالْكَيْلِ وَأَمَّا التِّجَارَةُ فَتُعْرَفُ ظَنًّا وَدَلِيلُ التِّجَارَةِ أَنَّهَا أَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ فَإِنَّهُ لَا وَقْصَ فِيهَا
فَإِنْ قُلْنَا بِالْعَيْنِ أَخْرَجَ السِّنَّ الْوَاجِبَةَ مِنْ السائمة ويضم السِّخَالِ إلَى الْأُمَّاتِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالتِّجَارَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يُقَوَّمُ فِي الثِّمَارِ الثَّمَرَةُ وَالنَّخِيلُ وَالْأَرْضُ وَفِي الزَّرْعِ يُقَوَّمُ الْحَبُّ وَالتِّبْنُ وَالْأَرْضُ وَفِي السَّائِمَةِ تُقَوَّمُ مَعَ دُرِّهَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا وَمَا اُتُّخِذَ مِنْ لَبَنِهَا وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ النِّتَاجَ
مَالُ تِجَارَةٍ وَفِيهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا تَأْثِيرَ لِنَقْصِ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ نِصَابَ الْعَرَضِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْحَوْلِ وَلَوْ اشْتَرَى نِصَابًا مِنْ السَّائِمَةِ لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا عَرَضًا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا فَعَلَى (قَوْلِ) اعْتِبَارِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ وَعَلَى (قَوْلِ) الْعَيْنِ يَنْقَطِعُ وَيَبْتَدِئُ حَوْلُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ مِنْ حِينِ مِلْكِ الْعَرَضِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا مَلَكَ نِصَابَ الزَّكَاتَيْنِ وَاتَّفَقَ الحولان أما إذا لم يكمل الانصاب أَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَ الْمَالُ أَرْبَعِينَ شَاةً وَتَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ أَوْ كَانَ دُونَ أَرْبَعِينَ شَاةً وَتَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابًا فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ زَكَاةِ مَا بَلَغَتْ بِهِ نِصَابًا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي مُعْظَمِ الطُّرُقِ وَقِيلَ فِي وُجُوبِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِذَا قُلْنَا بِزَكَاةِ الْعَيْنِ فَنَقَصَتْ الْمَاشِيَةُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ عَنْ نِصَابِهَا ونقلناها الي زكاة فَهَلْ يَبْنِي حَوْلَهَا عَلَى حَوْلِ الْعَيْنِ أَمْ يَسْتَأْنِفُ حَوْلَ التِّجَارَةِ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لَا لِلتِّجَارَةِ فَاشْتَرَى بِهِ عَرَضَ تِجَارَةٍ هَلْ يَبْنِي حَوْلَ التِّجَارَةِ عَلَى حَوْلِ السَّائِمَةِ (أَصَحُّهُمَا) يَسْتَأْنِفُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ لِنُقْصَانِ الْمَاشِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ لِلتِّجَارَةِ عَنْ النِّصَابِ ثُمَّ بَلَغَتْ نِصَابًا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِالنِّتَاجِ وَلَمْ تَبْلُغْ الْقِيمَةُ نِصَابًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا زَكَاةَ لِأَنَّ الْحَوْلَ انْعَقَدَ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ
(وَالثَّانِي)
يَنْتَقِلُ إلَى زَكَاةِ الْعَيْنِ لِإِمْكَانِهَا فَعَلَى هَذَا هَلْ يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ نَقْصِ الْقِيمَةِ عَنْ النِّصَابِ أَوْ مِنْ وَقْتِ تَمَامِ النِّصَابِ بِالنِّتَاجِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا إذَا كَمُلَ نِصَابُ الزَّكَاتَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْحَوْلَانِ بِأَنْ اشْتَرَى بِمَتَاعِ التِّجَارَةِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ نِصَابَ سَائِمَةٍ أَوْ اشْتَرَى بِهِ مَعْلُوفَةً لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ أَسَامَهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وصححه البغوي والرافعي وآخرون وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا لَوْ اتَّفَقَ حَوْلُهُمَا وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه لَمْ يُفَرِّقْ وَلِأَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ وَيَبْعُدُ اتِّفَاقُ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَوْلِ التِّجَارَةِ مَعَ أَوَّلِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (والطريق الثاني) وبه قال أبو إسحق وأبو علي وابن أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ حَكَاهُ عَنْهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَطَعَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ
الْقَوْلَيْنِ مَخْصُوصَانِ بِمَا إذَا اتَّفَقَ الْحَوْلَانِ بِأَنْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ لِلْقُنْيَةِ نِصَابَ سَائِمَةٍ لِلتِّجَارَةِ فَعَلَى هَذَا يُقَدِّمُ أَسْبَقَهُمَا حَوْلًا فَفِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ يَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ لِسَبْقِ حَوْلِهَا وَحُجَّةُ هَذَا الطَّرِيقِ أَنَّهُ أَرْفَقُ بِالْمَسَاكِينِ فَإِنْ قُلْنَا بِطَرْدِ الْقَوْلَيْنِ فَسَبَقَ حَوْلُ التِّجَارَةِ فَإِنْ غَلَّبْنَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ أُخِذَتْ زَكَاتُهَا وَإِنْ غَلَّبْنَا الْعَيْنَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
تَجِبُ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا وَيَبْطُلُ مَا سَبَقَ مِنْ حَوْلِ التِّجَارَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) تَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا هَذَا لِئَلَّا يَبْطُلَ بَعْضُ حَوْلِهَا وَيَفُوتُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَعَلَى هَذَا يُسْتَفْتَحُ حَوْلُ زَكَاةِ الْعَيْنِ بَعْدَ انْقِضَاءِ حَوْلِ التِّجَارَةِ وَتَجِبُ زَكَاةُ الْعَيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الْمُسْتَقْبَلَةِ أَمَّا إذَا اشْتَرَى نَخِيلًا لِلتِّجَارَةِ فَأَثْمَرَتْ أَوْ أَرْضًا مَزْرُوعَةً فَأَدْرَكَ الزَّرْعَ وَبَلَغَ الْحَاصِلُ نِصَابًا فَهَلْ الْوَاجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ أو العين فيه القولان (الْأَصَحُّ) الْعَيْنُ فَإِنْ لَمْ يَكْمُلْ أَحَدُ النِّصَابَيْنِ أَوْ كَمُلَا وَاخْتَلَفَ الْحَوْلَانِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ هَذَا إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ حَاصِلَةً عِنْدَ الشِّرَى وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ أَمَّا إذَا أَطْلَعَتْ بَعْدَ الشِّرَى فَهَذِهِ ثَمَرَةٌ حَدَثَتْ مِنْ شَجَرِ التِّجَارَةِ وَفِي ضَمِّهَا إلَى مَالِ التِّجَارَةِ خِلَافٌ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْأَصَحُّ) ضَمُّهَا (قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَعَلَى هَذَا هِيَ كَالْحَاصِلَةِ عِنْدَ الشِّرَى وَتُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ زِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ أَوْ أَرْبَاحٍ مُتَحَدِّدَةٍ فِي قِيمَةِ الْعَرْضِ وَلَا تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ رِبْحٍ يَنِضُّ لِيَكُونَ فِيهَا الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ فِي ضَمِّ الرِّبْحِ النَّاضِّ وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَتْ مَالَ تِجَارَةٍ وَجَبَتْ زَكَاةُ الْعَيْنِ فِيهَا وَتَخْتَصُّ زَكَاةُ التِّجَارَةِ بِالْأَرْضِ وَالْأَشْخَاصِ (قَالَ) أَصْحَابُنَا فَإِنْ غَلَّبْنَا زَكَاةَ الْعَيْنِ أَخْرَجَ الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَهُ مِنْ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَهَلْ يَسْقُطُ بِهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ عَنْ قِيمَةِ جِذْعِ النَّخْلَةِ وَتِبْنِ الزَّرْعِ فِيهِ (وَجْهَانِ) مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ هُمَا قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ الْمُخْرَجَ زَكَاةُ الثَّمَرَةِ وَبَقِيَ الْجِذْعُ وَالتِّبْنُ بِلَا زَكَاةٍ وَلَا يُمْكِنُ فِيهَا زَكَاةُ الْعَيْنِ فَوَجَبَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ كَمَا لَوْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ مُنْفَرِدًا
(وَالثَّانِي)
تَسْقُطُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الثَّمَرَةُ وَالْحَبُّ وَقَدْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُمَا وَفِي أَرْضِ النَّخِيلِ وَالزَّرْعِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْجِذْعِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَآخَرُونَ من الخراسانيين تجب الزكاة فيها وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ أَصْلًا لِلثَّمَرَةِ وَالْحَبُّ بِخِلَافِ الْجِذْعِ (قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ ذَلِكَ بِمَا يَدْخُلُ فِي الْأَرْضِ الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَ النَّخِيلِ
فِي الْمُسَاقَاةِ وَمَا لَا يَدْخُلُ فَمَا لَا يَدْخُلُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِلَا خِلَافٍ وَمَا يَدْخُلُ فَهُوَ عَلَى الطَّرِيقِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِنَقْلِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ إذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ بَيَاضٌ
غَيْرُ مَشْغُولٍ بِزَرْعِ وَلَا نَخْلٍ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ وَجْهًا وَاحِدًا فَإِذَا أَوْجَبْنَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ فِي الْأَرْضِ وَالْجِذْعِ وَالتِّبْنِ وَنَحْوِهَا فَلَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا نِصَابًا فَهَلْ تُضَمُّ قِيمَةُ الثَّمَرَةِ وَالْحَبِّ إلَيْهَا لِإِكْمَالِ النِّصَابِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
لَا لِأَنَّهُ أَدَّى زَكَاتَهُمَا
(وَالثَّانِي)
تُضَمُّ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا لِإِيجَابِ زَكَاةٍ أُخْرَى فِي الثَّمَرَةِ وَالْحَبِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِذَا قُلْنَا بِزَكَاةِ الْعَيْنِ فَزَكَاهَا لَا يُسْقِطُ اعْتِبَارَ زَكَاةِ التجارة عن الثمرة وَالْحَبِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِي الْأَحْوَالِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ حَوْلِ التِّجَارَةِ مِنْ وَقْتِ إخْرَاجِ الْعُشْرِ لَا مِنْ وَقْتِ بُدُوِّ الصِّلَاحِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ تَرْبِيَةُ الثِّمَارِ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْسَبَ عَلَيْهِ زَمَنُ التَّرْبِيَةِ فَأَمَّا إذَا غَلَّبْنَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ فَتُقَوَّمُ الثَّمَرَةُ وَالْجِذْعُ وَيُقَوَّمُ فِي الزرع الحب والتبن وتقوم الْأَرْضَ فِيهِمَا جَمِيعًا وَسَوَاءٌ اشْتَرَاهَا مَزْرُوعَةً لِلتِّجَارَةِ أَمْ اشْتَرَى بَذْرًا وَأَرْضًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهُ فِيهَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا كُلِّهِ وَلَوْ اشْتَرَى الثِّمَارَ وَحْدَهَا لِلتِّجَارَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ثُمَّ بَدَا فِي مِلْكِهِ جَرَى الْقَوْلَانِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ الْعُشْرُ أَمْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا لِلتِّجَارَةِ فَزَرَعَهَا بِبَذْرٍ لِلْقُنْيَةِ وَجَبَ الْعُشْرُ فِي الزَّرْعِ وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ فِي الْأَرْضِ بِلَا خِلَافٍ فِيهِمَا
* (فَرْعٌ)
لَوْ اتَّهَبَ نِصَابًا مِنْ المسائمة بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ لَزِمَهُ زَكَاةُ الْعَيْنِ إذَا تَمَّ حَوْلُهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ حَوْلَ التِّجَارَةِ لَا يَنْعَقِدُ بِالِاتِّهَابِ وَاحْتَجَّ الْبَغَوِيّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى نَخِيلًا أَوْ أَرْضًا مَزْرُوعَةً أو سائمة للتجارة فوجب نصاب احديهما دُونَ الْأُخْرَى وَجَبَتْ زَكَاتُهَا لِإِمْكَانِهَا دُونَ الْأُخْرَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اشْتَرَتْ الْمَرْأَةُ حُلِيًّا يُبَاحُ لَهَا لُبْسُهُ لِلتِّجَارَةِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَتْ تَلْبَسُهُ كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ الرَّجُلُ دَوَابَّ التِّجَارَةِ ثُمَّ إنْ قُلْنَا الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَجَبَتْ هُنَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ بِلَا خِلَافٍ إذَا بَلَغَ نِصَابًا وَإِنْ قُلْنَا فِيهِ زَكَاةٌ فَهَلْ تَجِبُ هُنَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ أَمْ الْعَيْنِ فِيهِ الْقَوْلَانِ قَالَ
صَاحِبُ الْحَاوِي تَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِي الصِّيغَةِ إنْ قُلْنَا بِالتِّجَارَةِ اعتبرت الصيغة وَإِلَّا فَلَا
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ اشْتَرَى عبدا للتجارة وجبت عليه فطرته لوقتها وزكاة التجارة لحولها لانهما حقان يجبان بسببين مختلفين فلم يمنع
(أحدهما)
الآخر كالجزاء والقيمة وحد الزنا والشرب)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ عُمُومِ النُّصُوصِ الثَّابِتَةِ فِي زَكَاةِ فِطْرِ
الْعَبِيدِ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْقِيمَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ وَالْجَزَاءُ لِلْمَسَاكِينِ وَلِأَنَّهُ يُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ اشْتَرَى للتجارة عرضا لا تجب فيه الزكاة لم يخل اما أن يشترى بعرض أو نقد فان اشتراه بنقد نظرت فان كان نصابا جعل ابتداء الحول من حين ملك النصاب من النقد ويبنى حول العرض الذى اشتراه عليه لان النِّصَابَ هُوَ الثَّمَنُ وَكَانَ ظَاهِرًا فَصَارَ فِي ثمن السلعة كامنا فبنى حوله عليه كما لو كان عينا فاقرضه فصار دينار وان اشتراه بدون النصاب انعقد الحول عليه من حين الشراء سواء كانت قيمة العرض نصابا أو اقل (وقال) أبو العباس لا ينعقد الحول إلا أن يكون قيمته من أول الحول الي آخره نصابا كسائر الزكوات والمنصوص في الام هو الاول لان نصاب زكاة التجارة يتعلق بالقيمة وتقويم العرض في كل ساعة يشق فلم يعتبر إلا في حال الوجوب ويخالف سائر الزكوات فان نصابها في عينها فلم يشق اعتباره في جميع الحول وإن اشتراة بعرض للقنية نظرت
فان كان من غير أموال الزكاة انعقد الحول عليه من يوم الشراء وان اشتراه بنصاب من السائمة ففيه وجهان قال أبو سعيد الاصطخرى يبنى حول التجارة علي حول السائمة لان الشافعي رحمه الله قال في المختصر ولو اشترى عرضا للتجارة بدراهم أو دنانير أو بشئ تجب فيه الصدقة لم يقوم عليه حتى يحول عليه الحول من يوم ملك ثمن العرض والدليل عليه أنه ملكه بما يجزى في الحول فبنى حوله علي
حوله كما لو اشتراه بنصاب من الاثمان وقال اكثر اصحابنا لا يبنى علي حول السائمة وتأولوا قوله في المختصر والدليل عليه أن الزكاة تتعلق بقيمة العرض والماشية ليست بقيمة فلم يبن حوله علي حولها ويخالف الاثمان لانها قيمة وانما كانت عينا ظاهرة فخفيت كالعين إذا صارت دينا)
* (الشَّرْحُ) النِّصَابُ وَالْحَوْلُ مُعْتَبَرَانِ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ بِلَا خِلَافٍ لَكِنَّ فِي وَقْتِ اعْتِبَارِهِ النِّصَابَ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ وَسَمَّاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَقْوَالًا وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ أَوْجَهُ لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْهَا مَنْصُوصٌ وَالْآخَرَانِ مُخْرَجَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْقِيمَةِ وَتَقْوِيمُ الْعَرْضِ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَشُقُّ فَاعْتُبِرَ حَالُ الْوُجُوبِ وَهُوَ آخِرُ الْحَوْلِ بِخِلَافِ سَائِرِ الزَّكَوَاتِ لِأَنَّ نِصَابَهَا مِنْ عَيْنِهَا فَلَا يَشُقُّ اعْتِبَارُهُ (وَالثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَمَتَى نَقَصَ النِّصَابُ فِي لَحْظَةٍ مِنْهُ انْقَطَعَ الْحَوْلُ قِيَاسًا عَلَى زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالنَّقْدِ (وَالثَّالِثُ) يُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ دُونَ مَا بَيْنَهُمَا فَإِذَا كَانَ نِصَابًا فِي الطَّرَفَيْنِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَلَا يَضُرُّ نَقْصُهُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَوَافَقَ الْمُصَنِّفَ عَلَى حِكَايَةِ الثَّانِي عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَيْضًا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَبَقَهُمَا بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ فَاشْتَرَى عَرْضًا للتجارة بشئ يَسِيرٍ جِدًّا انْعَقَدَ الْحَوْلُ فَإِذَا بَلَغَ نِصَابًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَلَوْ كَانَ عَرْضُ التِّجَارَةِ دُونَ النِّصَابِ فَبَاعَهُ بِسِلْعَةٍ أُخْرَى دُونَ نِصَابٍ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَالْمَذْهَبُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ الْحَوْلُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ خلافا سنذكره كذا في نسختين إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ فَإِنْ مَلَكَ عَرْضَ التِّجَارَةِ بِنِصَابٍ مِنْ النَّقْدِ بان اشتراه بعشرين دينارا أو بمأتى درهم فابتدأ
لحول مِنْ حِينِ مَلَكَ ذَلِكَ النَّقْدَ وَيَبْنِي حَوْلَ التِّجَارَةِ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ النِّصَابَ هُوَ الثَّمَنُ وَكَانَ ظَاهِرًا فَصَارَ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ كَامِنًا فَوَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ عَيْنًا فَأَقْرَضَهُ مَلِيئًا فَصَارَ دَيْنًا هَذَا إذَا اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ النَّقْدِ فَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَدَفَعَهُ فِي ثَمَنِهِ انْقَطَعَ حَوْلُ النَّقْدِ وابتداء حَوْلُ التِّجَارَةِ مِنْ حِينِ الشِّرَى بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ النَّقْدُ الَّذِي اشْتَرَى بِعَيْنِهِ دُونَ نِصَابٍ فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ النِّصَابَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ انْعَقَدَ مِنْ حِينِ الشِّرَى وَإِنْ قُلْنَا يُعْتَبَرُ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ فِي الْجَمِيعِ لَمْ
يَنْعَقِدْ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ قَبْلَ الشِّرَى لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يكن مال تجارة لِنَقْصِهِ عَنْ النِّصَابِ وَإِنْ اشْتَرَى بِغَيْرِ نَقْدٍ فَلِلثَّمَنِ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ فَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ حِينِ مَلَكَ عَرْضَ التِّجَارَةِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ نِصَابًا أَوْ كَانَتْ دُونَهُ وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّ النِّصَابَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ الْحَالُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ بِأَنْ مَلَكَ بِنِصَابٍ مِنْ السَّائِمَةِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وجمهور أصحابنا المتقدمين وصححه جميعا الْمُصَنِّفِينَ أَنَّ حَوْلَ الْمَاشِيَةِ يَنْقَطِعُ وَيَبْتَدِئُ حَوْلُ التِّجَارَةِ مِنْ حِينِ مَلَكَ عَرْضَ التِّجَارَةِ وَلَا يَبْنِي لِاخْتِلَافِ الزَّكَاتَيْنِ قَدْرًا وَوَقْتًا بِخِلَافِ بِنَاءِ التِّجَارَةِ عَلَى النَّقْدِ (وَقَالَ) أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ يُبْنَى عَلَى حَوْلِ الْمَاشِيَةِ كَمَا يُبْنَى عَلَى النَّقْدِ وَاحْتَجَّ لَهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ اشْتَرَى العرض بدراهم أو دنانير أو شئ يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ لَمْ يُقَوَّمْ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ مَلَكَ ثَمَنَ الْعَرَضِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُرَادَ إذَا اشْتَرَى مَاشِيَةً ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا عَرْضَ التِّجَارَةِ فِي الْحَالِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ المراد بثمن العرض الدراهم والدناينر خَاصَّةً وَهَذَا مُعْتَادٌ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنْ يَذْكُرَ مَسَائِلَ وَيَعُودَ الْجَوَابُ أَوْ التَّفْرِيعُ إلَى بَعْضِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَوْلُ التِّجَارَةِ وَالنَّقْدِ يُبْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَبِنَاءُ التِّجَارَةِ عَلَى النَّقْدِ سَبَقَ تَصْوِيرُهُ وَبِنَاءُ النَّقْدِ عَلَى التِّجَارَةِ أَنْ يَبِيعَ عَرْضَ التِّجَارَةِ بِنِصَابٍ مِنْ النَّقْدِ لِلْقُنْيَةِ فَيُبْنَى حَوْلُ النَّقْدِ عَلَى حَوْلِ التِّجَارَةِ كعكسه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
قال المصنف رحمه الله
* (إذا باع عرض التجارة في أثناء الحول بعرض للتجارة لم ينقطع الحول لان زكاة التجارة تتعلق بالقيمة وقيمة الثاني وقيمة الاول واحدة وإنما انتقلت من سلعة الي سلعة فلم ينقطع الحول كمائتي درهم انتقلت من بيت إلى بيت وان باع العرض بالدراهم أو الدنانير نظرت فان باعه بقدر قيمته بنى حول الثمن على حول العرض كما يبنى حَوْلَ الْعَرْضِ عَلَى حَوْلِ الثَّمَنِ وَإِنْ بَاعَهُ بزيادة مثل أن يشترى العرض بمائتين فباعه في أثناء الحول بثلثمائة ففيه طريقان
من أصحابنا من قال يزكي المأتين لحولها ويستأنف الزيادة قولا واحدا وقال أبو إسحق في الزيادة قولان (احدهما) بزكيها لحول الاصل لانه نماء الاصل فيزكى يحول الاصل كالسخال
(والثانى)
يستأنف الحول بها لانها فائدة غير متولدة مما عنده فلا يزكي بحوله كما لو استفاد الزيادة بارث أو هبة فإذا قلنا يستأنف الحول للزيادة ففى حولها وجهان
(أحدهما)
من حين ينض لانه لا يتحقق وجودها قبل أن ينض
(والثانى)
من حين يظهر وهو الاظهر لانه قد ظهر فإذا
نض علمنا انه قد ملكه من ذلك الوقت فان كان عنده نصاب من الدراهم فباعه بالدراهم أو بالدنانير فان فعل ذلك لغير التجارة انقطع الحول فيما باع واستقبل الحول فيما اشترى وإن فعله للتجارة كما يفعل الصيارف ففيه وجهان
(أحدهما)
ينقطع الحول لانه مال تجب الزكاة في عينه فانقطع الحول فيه بالمبادلة كالماشية
(والثانى)
لا ينقطع الحول لانه باع مال التجارة للتجارة فلم ينقطع الحول لو باع عرض بعرض)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ يَنِضُّ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا بَاعَ عَرْضَ التِّجَارَةِ بِعَرْضٍ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ هَذَا شَأْنُ التِّجَارَةِ (الثَّانِي) إذَا بَاعَ الْعَرْضَ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَإِنْ بَاعَهُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ وَهِيَ رَأْسُ الْمَالِ بَنَى حَوْلَ الثَّمَنِ عَلَى حَوْلِ الْعَرْضِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا بَنَى حَوْلَ الْعَرْضِ عَلَى حَوْلِ الثَّمَنِ وَإِنْ بَاعَهُ بِزِيَادَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ فِي اثناء الحول بثلثمائة ففيه طريقان مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُزَكِّي الْمِائَتَيْنِ لِحَوْلِهَا وَيُفْرِدُ الرِّبْحَ بِحَوْلٍ (وَالثَّانِي) يُزَكِّي الْجَمِيعَ بِحَوْلِ الْأَصْلِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ عَنْهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يُفْرِدُ الرِّبْحَ قَوْلًا وَاحِدًا فَإِذَا قُلْنَا يُفْرِدُ الرِّبْحَ بِحَوْلٍ فَفِي ابْتِدَائِهِ وَجْهَانِ مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أَصَحُّهُمَا) مِنْ حِينِ النُّضُوضِ (وَالثَّانِي) مِنْ حِينِ الظهور وهذا الوجه قول ابن سريح وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ هَذَا إذَا أَمْسَكَ النَّاضَّ حَتَّى تَمَّ الْحَوْلُ فَلَوْ اشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً لِلتِّجَارَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمَا
لَوْ أَمْسَكَ النَّاضَّ فَيَكُونُ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يُزَكِّي الْجَمِيعَ بِحَوْلِ الْأَصْلِ هَذَا كُلُّهُ إذَا
نَضَّ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَلَوْ نَضَّ بَعْدَهُ نظران ظَهَرَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ زَكَّى الْجَمِيعَ بِحَوْلِ الْأَصْلِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ ظَهَرَتْ بَعْدَ تمامه فوجهان حكاهما الرافعى (احدهما) هكذا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْأَصَحُّ يَسْتَأْنِفُ لِلرِّبْحِ حَوْلًا هَذَا كُلُّهُ إذَا صَارَ الْمَالُ نَاضًّا مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ فَبَاعَهُ بِدَرَاهِمَ أَمَّا إذَا صَارَ نَاضًّا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ بِأَنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ فَبَاعَ الْعَرْضَ بِدَنَانِيرَ فَيُقَوِّمُهَا إذَا انْقَضَى الْحَوْلُ بِالدَّرَاهِمِ وَيُزَكِّي رِبْحَهَا لِحَوْلِ الْأَصْلِ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْعَرْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ إذَا كَانَ دَرَاهِمَ لَا يُقَوَّمُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ إلَّا بِهَا فَالدَّنَانِيرُ كَالْعَرْضِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْأَكْثَرُونَ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ فِي ضَمِّ الرِّبْحِ إلَى حَوْلِ الْأَصْلِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ فِيمَا إذَا كَانَ النَّاضُّ مِنْ جِنْسِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ هَذَا كُلُّهُ إذَا نَضَّ مَالُ التِّجَارَةِ وَفِيهِ رِبْحٌ: أَمَّا إذَا حَصَلَ رِبْحٌ فِي قِيمَةِ الْعَرْضِ وَلَمْ يَنِضَّ بِأَنْ اشْتَرَى عَرْضًا بِمِائَتَيْنِ وَلَمْ يَنِضَّ حَتَّى تَمَّ الْحَوْلُ وهو يساوى ثلثمائة فيحسب زكاة ثلثمائة عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ رَأْسِ الْمَالِ بِلَا خِلَافٍ سواء كانت الزِّيَادَةُ فِي نَفْسِ الْعَرْضِ كَثَمَنِ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَالدَّابَّةِ وَكِبَرِ الشَّجَرَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ بِارْتِفَاعِ السُّوقِ وسواء كانت الزِّيَادَةُ فِي الْقِيمَةِ حَاصِلَةً يَوْمَ الشِّرَى أَوْ حَدَثَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ أَوْ قَصِيرٍ حَتَّى يَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ لَحْظَةٍ فَفِي كُلِّ هَذَا يُضَمُّ الرِّبْحُ إلَى الْأَصْلِ وَيُزَكَّى الْجَمِيعُ لِحَوْلِ الْأَصْلِ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ نَمَاءٌ فِي السِّلْعَةِ فَأَشْبَهَ النِّتَاجَ فِي الْمَاشِيَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَكَى الْأَصْحَابُ الْقَطْعَ بِهَذَا لَكِنَّ مَنْ يَعْتَبِرُ النصاب في جميع الحول قَدْ لَا يُسَلِّمُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الرِّبْحِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَقُولَ ظُهُورُ الرِّبْحِ فِي أَثْنَائِهِ كَنَضُوضِهِ فَيَكُونُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ قَالَ وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ (قُلْتُ) وَهُوَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الَّذِي أَبْدَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ احتمال
ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي النِّتَاجِ فَإِنَّ النِّصَابَ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَاشِيَةِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ بِالِاتِّفَاقِ وَالنِّتَاجُ مَضْمُومٌ إلَى الْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَمَّا إذَا ارْتَفَعَتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ فَالرِّبْحُ مَضْمُومٌ إلَى الْأَصْلِ
فِي الْحَوْلِ الثَّانِي لَا فِي الْأَوَّلِ كَالنِّتَاجِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلْقُنْيَةِ فَبَاعَهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِنِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ الْجِنْسِ الْآخَرِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التِّجَارَةَ انْقَطَعَ الْحَوْلُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ بَادَلَ بِالْمَاشِيَةِ ثُمَّ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ فَلَا كَرَاهَةَ وَإِنْ قَصَدَهُ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ تَحْرِيمٍ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَإِنْ بَاعَهُ بِقَصْدِ التِّجَارَةِ كَالصَّيْرَفِيِّ وَنَحْوِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ فِي الْبَيْعِ وَيَسْتَأْنِفُ حَوْلًا لِمَا اشْتَرَاهُ فَإِنْ بَاعَ الثَّانِيَ قَبْلَ حَوْلِهِ لِلتِّجَارَةِ انْقَطَعَ حَوْلُهُ وَاسْتَأْنَفَ حَوْلًا آخَرَ لِمَا اشْتَرَاهُ وَهَكَذَا أَبَدًا (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بَلْ يُبْنَى الثَّانِي عَلَى حَوْلِ الْأَوَّلِ وَهَذَا قول ابي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَصَحَّحَهُ الشَّاشِيُّ وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ وَالْجُمْهُورَ حَكَوْهُمَا وَجْهَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ قَوْلَيْنِ فَقَالَ الْجَدِيدُ يَنْقَطِعُ وَالْقَدِيمُ لَا يَنْقَطِعُ
* (فَرْعٌ)
لِابْنِ الْحَدَّادِ وَشَرَحَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله إذَا مَلَكَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَاشْتَرَى بِهَا عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا وَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً أُخْرَى ثُمَّ بَاعَهَا بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَإِنْ قُلْنَا ان الربح من الناض لا يفرد بحول فَعَلَيْهِ زَكَاةُ جَمِيعِ الْمِائَةِ لِحَوْلِ الْأَصْلِ وَإِنْ قلنا يفرد فَعَلَيْهِ زَكَاةُ خَمْسِينَ دِينَارًا لِأَنَّهُ اشْتَرَى السِّلْعَةَ الثَّانِيَةَ بِأَرْبَعِينَ مِنْهَا عِشْرُونَ رَأْسُ مَالِهِ الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعِشْرُونَ رِبْحٌ اسْتَفَادَهُ يَوْمَ بَاعَ الْأَوَّلَ فَإِذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَقَدْ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى نِصْفِ السِّلْعَةِ فَيُزَكِّيَهُ بزيادته وزيادته ثلاثون دينارا لانه ربح للعشرينين سِتِّينَ وَكَانَ ذَلِكَ كَامِنًا وَقْتَ تَمَامِ الْحَوْلِ ثُمَّ إذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْعِشْرِينَ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ حَوْلَهَا حِينَئِذٍ وَلَا يَضُمُّ إلَيْهَا رِبْحَهَا لِأَنَّهُ صَارَ نَاضًّا قَبْلَ تمام حولها فإذا مضت ستة
شهر أُخْرَى فَعَلَيْهِ زَكَاةُ رِبْحِهَا وَهِيَ الثَّلَاثُونَ الْبَاقِيَةُ فَإِنْ كَانَتْ الْخَمْسُونَ الَّتِي أَخْرَجَ زَكَاتَهَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بَاقِيَةً عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهَا أَيْضًا لِلْحَوْلِ الثَّانِي مَعَ الثَّلَاثِينَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هو قول الْحَدَّادِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ النَّاضَّ لَا يُفْرَدُ رِبْحُهُ بِحَوْلٍ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ ضَعِيفَيْنِ ضَعَّفَهُمَا
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) يُخْرِجُ عِنْدَ الْبَيْعِ الثَّانِي زَكَاةَ عِشْرِينَ فَإِذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَخْرَجَ زَكَاةَ عِشْرِينَ أُخْرَى وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ رِبْحًا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَخْرَجَ زَكَاةَ السِّتِّينَ الْبَاقِيَةَ لِأَنَّهَا إنَّمَا اسْتَقَرَّتْ عِنْدَ الْبَيْعِ الثَّانِي فَمِنْهُ يَبْتَدِئُ حَوْلَهَا فِيهِ (وَالْوَجْهُ الْآخَرُ) أَنَّهُ عِنْدَ الْبَيْعِ الثَّانِي يُخْرِجُ زَكَاةَ عِشْرِينَ ثُمَّ إذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ زَكَّى الثَّمَانِينَ الْبَاقِيَةَ لِأَنَّ السِّتِّينَ الَّتِي هِيَ رِبْحٌ حَصَلَتْ فِي حَوْلِ الْعِشْرِينَ الَّتِي هِيَ الرِّبْحُ الْأَوَّلُ فَضُمَّتْ إلَيْهَا فِي الْحَوْلِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَكِنَّهُ لَمْ يَبِعْ السِّلْعَةَ الثَّانِيَةَ فَيُزَكِّي عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ خَمْسِينَ كَمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ الثَّانِي الْخَمْسِينَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّ الرِّبْحَ الْأَخِيرَ مَا صَارَ نَاضًّا: وَلَوْ اشْتَرَى بِمِائَتَيْنِ عرضا فباعه بعد ستة أشهر بثلثمائة وَاشْتَرَى بِهَا عَرْضًا آخَرَ وَبَاعَهُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِسِتِّمِائَةٍ فَإِنْ لَمْ يُفْرِدْ الرِّبْحَ بِحَوْلٍ أَخْرَجَ زَكَاةَ سِتِّمِائَةٍ وَإِنْ أَفْرَدْنَاهُ أَخْرَجَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ فَإِذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ زَكَّى مِائَةً فَإِذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى زَكَّى الْمِائَةَ الْبَاقِيَةَ هَذَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَيُزَكِّي عِنْدَ البيع الثاني ما تبين ثُمَّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ زَكَّى مِائَةً ثُمَّ إذَا مَضَتْ سِتَّةٌ أشهر أخرى زكى ثلثمائة وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي إذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ الْبَيْعِ الثَّانِي زَكَّى الْأَرْبَعَمِائَةِ الْبَاقِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِخَمْسِينَ مِنْهَا فَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مِائَةً وَخَمْسِينَ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَى مَا دُونَ النِّصَابِ لَزِمَهُ زَكَاةُ الْجَمِيعِ فَلَوْ اشْتَرَى الْعَرْضَ بِمِائَةٍ فَلَمَّا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ اسْتَفَادَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَمَّا تَمَّ حَوْلُ الْعَرْضِ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَلَا زَكَاةَ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ الْمُسْتَفَادَةَ لَمْ يَتِمَّ حَوْلُهَا لِأَنَّهَا وَإِنْ ضُمَّتْ إلَى مَالِ التِّجَارَةِ فَإِنَّمَا تُضَمُّ إلَيْهِ فِي النِّصَابِ لَا فِي الْحَوْلِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِ الْعَرْضِ وَلَا مِنْ رِبْحِهِ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْخَمْسِينَ زَكَّى الْمِائَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مائة درهم
فَاشْتَرَى بِهَا عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ اسْتَفَادَ مِائَةً أَوَّلَ صَفَرٍ فَاشْتَرَى بِهَا عَرْضًا ثُمَّ اسْتَفَادَ مِائَةً ثَالِثَةً فِي أَوَّلِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَاشْتَرَى بِهَا عَرْضًا آخَرَ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْمِائَةِ الْأُولَى فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ عَرْضِهَا نِصَابًا زَكَّاهَا وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَلَا زَكَاةَ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ قَوَّمَ عرضها فان بلغت قيمته
مع الاولي نِصَابًا زَكَّاهُمَا وَإِنْ نَقَصَا عَنْهُ فَلَا زَكَاةَ فِي الْحَالِ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ نِصَابًا زَكَّاهُ وَإِلَّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ اشْتَرَى عَرْضًا بِنِصَابٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَصَارَ نَاضًّا فِي خِلَالِ الْحَوْلِ نَاقِصًا عَنْ النِّصَابِ فَإِنْ نَضَّ بِغَيْرِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ بِأَنْ اشْتَرَى عَرْضًا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَنَضَّ بِغَيْرِهِ دَنَانِيرَ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ تُقَوَّمُ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ نَضَّ بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ بِأَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ بِأَنْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ كَمَا لَوْ نَضَّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَكَمَا لَوْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ وَلَمْ يَنِضَّ
(وَالثَّانِي)
يَنْقَطِعُ لِأَنَّ الْحَوْلَ انْعَقَدَ عَلَى عَيْنِ الدراهم وقد نقص نصابها بخلاف مالو نَضَّ مِنْ غَيْرِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ الْحَوْلَ هُنَاكَ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى عَيْنِهِ إنَّمَا انْعَقَدَ عَلَى قِيمَتِهِ وَنِصَابُ الْقِيمَةِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ لَا يَنِضُّ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ وَلَوْ اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا فَتَمَّ الْحَوْلُ وَهِيَ فِي يَدِهِ قُوِّمَتْ الدَّنَانِيرُ بِالدَّرَاهِمِ كَالْعُرُوضِ فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا مِنْ الدَّرَاهِمِ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ وَإِلَّا فَهَلْ يَسْقُطُ حُكْمُ الْحَوْلِ أَمْ لَا يَسْقُطُ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ نِصَابًا لَزِمَهُ الزَّكَاةُ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا يَسْقُطُ بِتَبَدُّلِ الْحَوْلِ فَهَلْ تَنْتَقِلُ الزَّكَاةُ مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَى الدَّنَانِيرِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا كَمَا لَوْ كَانَ عَرْضًا وَلَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ نِصَابًا لَا يَنْتَقِلُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ (وَالثَّانِي) يَنْتَقِلُ وَيَبْطُلُ حول الدراهم حيت لم يبلغ قيمة مافى يَدِهِ نِصَابًا وَالدَّنَانِيرُ فِي نَفْسِهَا فَاعْتِبَارُهَا بِنَفْسِهَا أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ قِيمَتِهَا فَإِنْ قُلْنَا تَنْتَقِلُ الزَّكَاةُ إلَى الدَّنَانِيرِ فَمِنْ أَيِّ وَقْتٍ يُحْسَبُ حَوْلُ الدَّنَانِيرِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مِنْ وَقْتِ التَّقْوِيمِ لِأَنَّ حَوْلَ الدَّرَاهِمِ بَطَلَ عِنْدَ التَّقْوِيمِ وَالثَّانِي مِنْ حِينِ نَضَّتْ الدَّنَانِيرُ هَذَا كَلَامُ البغوي والوجه الاول أصح والله أعلم
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
(إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى عَرْضِ التِّجَارَةِ وَجَبَ تقويمه لاخراج الزكاة فان اشتراه بنصاب من الاثمان قوم به لانه فرع لما اشترى به فوجب التقويم به وان اشتراه بعرض للقنية قوم بنقد البلد لانه لا يمكن تقويمه باصله فوجب تقويمه بِنَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ قوم باكثرهما معاملة وان
كانا متساويين نظرت فان كان باحدهما يبلغ نصابا وبالآخر لا يبلغ نصابا قوم بما يبلغ به لانه قد وجد نصاب تتعلق به الزكاة فوجب التقويم به وإن كان يبلغ بكل واحد منهما نصابا ففيه اربعة أوجه
(أحدهما)
انه يقوم بما شاء منهما وهو قول ابي اسحق وهو الاظهر لانه لامزية لاحدهما علي الآخر فخير بينهما (والثاني) يقوم بما هو أنفع للمساكين كما إذا اجتمع في النصاب فرضان أخذ ما هو أنفع للمساكين (والثالث) يقوم بالدراهم لانها اكثر استعمالا (والرابع) يقوم بنقد اقرب البلاد إليه لان النقدين تساويا فجعلا كالمعدومين فان قومه ثم باعه بزيادة علي قيمته قبل اخراج الزكاة ففيه وجهان (احدهما) لا يلزمه زكاة تلك الزيادة لانها زيادة حدثت بعد الوجوب فلم تلزمه زكاتها كالسخال الحادثة بعد الحول
(والثانى)
تلزمه لان الزيادة حَصَلَتْ فِي نَفْسِ الْقِيمَةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الوجوب فهو بمنزلة الماشية إذا سمنت بعد الحول فانه يلزمه اخراج فرض سمين وان اشتراه بما دون النصاب من الاثمان ففيه وجهان
(أحدهما)
يقوم بنقد البلد لانه ملكه بما لا تجب فيه الزكاة فاشبه إذا ملكه بعرض للقنية
(والثانى)
انه يقوم بالنقد الذى اشتراه به لانه اصل يمكن ان يقوم به فيقوم به كما
لو كان نصابا فان حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْعَرْضِ فَقُوِّمَ فَلَمْ يَبْلُغْ النصاب لم تجب فيه الزكاة فان زادت قيمته بعد الحول بشهر فبلغت نصابا ففيه وجهان قال أبو اسحق لا تجب الزكاة حتى يحول عليه الحول الثاني مِنْ حِينِ حَالَ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْحَوْلَ يبتدئ من حين الشراء وقد تم الحول وهو ناقص عن النصاب فلم تتعلق به الزكاة وقال أبو علي بن ابي هريرة إذا بلغت قيمته نصابا بعد شهر وجبت فيه الزكاة لانه مضي عليه حول بعد الشراء بشهر وهو نصاب فوجبت فيه الزكاة)
* (الشرح) قال اصحابنا رحمهم الله إذَا أَرَادَ التَّقْوِيمَ فَلِرَأْسِ الْمَالِ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) يَكُونُ نَقْدًا نِصَابًا بِأَنْ اشْتَرَى عَرْضًا بِمِائَتَيْ درهم أو عشرين دينارا فيقوم في آخر الحول بِرَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ بَلَغَ بِهِ نِصَابًا زَكَّاهُ وَإِلَّا فَلَا: فَلَوْ نَقَصَ بِهِ عَنْ النِّصَابِ وَبَلَغَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ نِصَابًا فَلَا زَكَاةَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَرْضًا فَبَاعَهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَقَصْدُ التِّجَارَةِ مُسْتَمِرٌّ فَحَالَ الْحَوْلُ وَالدَّنَانِيرُ فِي يَدِهِ وَهِيَ نَقْدُ الْبَلَدِ وَلَا تَبْلُغُ قِيمَتُهَا بِالدَّرَاهِمِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَلَا زَكَاةَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ
الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَحَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ (قَوْلًا غَرِيبًا) أَنَّ التَّقْوِيمَ أَبَدًا يَكُونُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ سَوَاءٌ كان رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا أَمْ لَا وَحَكَى الشَّيْخُ أبو حامد الماوردى وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ هَذَا وَجْهًا عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحْتَجَّ له بالقياس علي مالو أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ شَيْئًا مُتَقَوِّمًا فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ لَا بِمَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَاحْتَجَّ الاصحاب للمذهب بان العرض لما فرع
ما اشْتَرَاهُ بِهِ وَإِذَا أَمْكَنَ تَقْوِيمُهُ بِأَصْلِهِ كَانَ أَوْلَى بِخِلَافِ الْمُتْلَفِ فَإِنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فَوَجَبَ تَقْوِيمُهُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ نَقْدًا دُونَ نِصَابٍ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يُقَوَّمُ بِرَأْسِ الْمَالِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ (وَالثَّانِي) يُقَوَّمُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَهُوَ قول ابي اسحق الْمَرْوَزِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُبْنَى حَوْلُهُ عَلَى حَوْلِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ (قَالَ) الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَمَوْضِعُ الْوَجْهَيْنِ مَا إذَا مَلَكَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ فَإِنْ مَلَكَ بِأَنْ اشْتَرَى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَرْضًا وَهُوَ حِينَئِذٍ يَمْلِكُ مِائَةً أُخْرَى فَلَا خِلَافَ أن التقويم يَكُونُ بِرَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِبَعْضِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ مِلْكِ الدراهم (قلت) ويجئ فِيهِ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَمْلِكَ بِالنَّقْدَيْنِ جَمِيعًا وَهَذَا ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا فَيُقَوَّمُ بِهِمَا جَمِيعًا عَلَى نِسْبَةِ التَّقْسِيطِ يَوْمَ الْمِلْكِ وَطَرِيقَةُ تَقْوِيمِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ مثل مالو اشْتَرَى الْعَرْضَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدَّرَاهِمِ عِشْرِينَ دِينَارًا فَنِصْفُ الْعَرْضِ مُشْتَرًى بِدَنَانِيرَ وَنِصْفُهُ بِدَرَاهِمَ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدَّرَاهِمِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَثُلُثَاهُ مُشْتَرًى بِدَرَاهِمَ وَثُلُثُهُ مُشْتَرًى بِدَنَانِيرَ وَهَكَذَا يُقَوَّمُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَلَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخِرِ فَإِنْ نَقَصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي آخِرِ الْحَوْلِ عَنْ النِّصَابِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ قُوِّمَ بِأَحَدِهِمَا لَبَلَغَ نِصَابًا لِمَا سَبَقَ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَيَكُونُ حَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ حِينِ مِلْكِ ذَلِكَ النَّقْدِ (وَالضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دون النصاب فان قلنا بقول أبى اسحق إنَّ مَا دُونَ النِّصَابِ كَالْعَرْضِ يُقَوَّمُ الْجَمِيعُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ كَالنِّصَابِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُقَوَّمُ مَا قَابَلَ الدَّرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ وَمَا قَابَلَ الدَّنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ (وَالثَّانِي) يُقَوَّمُ الْجَمِيعُ بِالدَّرَاهِمِ
لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَنُصُوصُ زَكَاتِهَا صَرِيحَةٌ (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا وَالْآخَرُ دُونَهُ
فَيُقَوَّمُ مَا مَلَكَهُ بِالنَّقْدِ الَّذِي هُوَ نِصَابٌ بِرَأْسِ مَالِهِ وَمَا مَلَكَهُ بِالنَّقْدِ الْآخَرِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) بِرَأْسِ مَالِهِ
(وَالثَّانِي)
بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ إنْ كَانَ فِضَّةً قُوِّمَ بِهَا وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا قُوِّمَ بِالْفِضَّةِ أَيْضًا وَهُوَ الْوَجْهُ الْمَحْكِيُّ قَرِيبًا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُقَوَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي آخِرِ حَوْلِهِ وَيَكُونُ حَوْلُ الَّذِي مَلَكَهُ بِنِصَابٍ مِنْ حِينِ مَلَكَ ذَلِكَ النِّصَابَ وَحَوْلُ الْمَمْلُوكِ بِمَا دُونَ النِّصَابِ مِنْ حِينِ مَلَكَ الْعَرَضَ وَإِذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمُقَوَّمِ بِهِ فَلَا ضَمَّ (الْحَالُ الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ غَيْرَ نقد بان ملك العرض بعرض قُنْيَةٍ أَوْ مَلَكَهُ بِخُلْعٍ أَوْ نِكَاحٍ بِقَصْدِ التِّجَارَةِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَصِيرُ مَالَ تِجَارَةٍ فَيُقَوَّمُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ فَيُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَغْلَبَ قُوِّمَ بِالْأَغْلَبِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ واتفق عليه الاصحاب سواء كان دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَإِنْ بَلَغَ بِهِ نِصَابًا وَجَبَتْ زَكَاتُهُ وَإِنْ نَقَصَ بِهِ عَنْ النِّصَابِ وَبَلَغَ بِنَقْدٍ آخَرَ غَيْرِ الْغَالِبِ نِصَابًا فَلَا زَكَاةَ بِالِاتِّفَاقِ: وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ مُتَشَابِهَانِ فِي الرَّوَاجِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَغْلَبَ مِنْ الْآخَرِ فَإِنْ بَلَغَ بِأَحَدِهِمَا نِصَابًا دُونَ الْآخَرِ قُوِّمَ بِمَا بَلَغَ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بلغ بكل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرِينَ من الاصحاب وهو قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ فَيُقَوِّمُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا لانه لا مزيد لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخِرِ
(وَالثَّانِي)
يُقَوَّمُ بِالْأَنْفَعِ لِلْمَسَاكِينِ كَمَا سَبَقَ فِي اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ (وَالثَّالِثُ) يَتَعَيَّنُ التَّقْوِيمُ بِالدَّرَاهِمِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَلِأَنَّهَا أَرْفَقُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ الدَّرَاهِمَ ثَبَتَتْ زَكَاتُهَا بِالنُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِخِلَافِ الذَّهَبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الِاسْتِدْلَال بَاطِلٌ لِأَنَّ زَكَاةَ الذَّهَبِ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (وَالرَّابِعُ) يُقَوَّمُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ لِأَنَّهُمَا تَعَارَضَا فَصَارَا كَالْمَعْدُومَيْنِ فَانْتَقَلَ إلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ (الْحَالُ الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا أَوْ غيره
بِأَنْ اشْتَرَى بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَبْدَ قُنْيَةٍ فَمَا قَابَلَ الدَّرَاهِمَ يُقَوَّمُ بِهَا وَمَا قَابَلَ الْعَبْدَ يُقَوَّمُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ
كَانَ النَّقْدُ دُونَ نِصَابٍ عَادَ الْوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) يُقَوَّمُ بِرَأْسِ مَالِهِ
(وَالثَّانِي)
بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَكَمَا يَجْرِي التَّقْسِيطُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَجْرِي عِنْدَ اخْتِلَافِ الصِّفَةِ بِأَنْ اشْتَرَى بِنِصَابٍ دَنَانِيرَ بَعْضُهَا صِحَاحٌ وَبَعْضُهَا مُكَسَّرَةٌ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فَيُقَوَّمُ مَا يَخُصُّ الصَّحِيحَ وَمَا يَخُصُّ الْمَكْسُورَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَوَّمَ الْعَرْضَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ ثُمَّ بَاعَهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى قِيمَتِهِ فَإِنْ كان البيع بعد اخراج الزكاة فلا شئ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَنْ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَكِنَّهَا تُضَمُّ إلَى الْمَالِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ زَكَاةُ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي نَفْسِ الْقِيمَةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الْوُجُوبُ فَأَشْبَهَتْ الْمَاشِيَةَ إذَا سُمِّنَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ سَمِينَةٌ بِلَا خِلَافٍ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابِ لَا تَلْزَمُهُ زَكَاةُ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاتُهَا كَالسِّخَالِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَيُخَالِفُ السِّمَنَ فَإِنَّهُ وَصْفٌ تَابِعٌ وَلَوْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ بَعْدَ أَنْ قَوَّمَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَبَاعَهَا بِنَقْصٍ عَمَّا قَوَّمَهَا بِهِ نُظِرَ إنْ نَقَصَتْ نَقْصًا يَسِيرًا وَهُوَ الْقَدْرُ الذى لا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا زَكَاةُ مَا بِيعَ بِهِ لِأَنَّ هَذَا قِيمَتُهُ وَإِنْ نَقَصَتْ نَقْصًا كَثِيرًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ بِأَنْ قَوَّمَهَا بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا ثُمَّ نَقَصَتْ فَبَاعَهَا بخمس وَثَلَاثِينَ لَزِمَهُ زَكَاةُ الْأَرْبَعِينَ الَّتِي قُوِّمَ بِهَا لِأَنَّ هَذَا النَّقْصَ بِتَفْرِيطِهِ هَكَذَا فَصَّلَهُ أَصْحَابُنَا وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ البيان
*
(فَرْعٌ)
إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْعَرْضِ فَقُوِّمَ فَلَمْ يَبْلُغْ قِيمَتُهُ نِصَابًا فَلَا زَكَاةَ فِي الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ فَبَلَغَتْ بَعْدَ ذَلِكَ نِصَابًا فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عن ابن أَبِي هُرَيْرَةَ والماسرجسي تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ عِنْدَ تَمَامِ النصاب فخرج عَنْ الْمَاضِي وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْوَقْتِ وَقَدْ زَادَ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا إذا وجبت فِي اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَفِي أَكْثَرَ أَوْلَى (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ والاصحاب وبه قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ حَتَّى يَحُولَ حَوْلٌ ثَانٍ مِنْ حِينِ حَالَ الْحَوْلُ
الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْحَوْلَ الْأَوَّلَ انْقَضَى وَلَا زَكَاةَ فِيهِ فَوَجَبَ ان لا يجب شئ حَتَّى يَتِمَّ الْحَوْلُ الثَّانِي ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ وَشَيْخَهُ الْقَاضِيَ وَمَنْ تَبِعَهُمَا فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا زَادَ قِيمَتُهُ فَبَلَغَتْ نِصَابًا بَعْدَ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ وَنَحْوِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ مَتَى زَادَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ تَمَامِ الثَّانِي فَفِيهِ وجهان
*
* قال المصنف رحمه الله
* (إذا قوم العرض فقد قال في الام يخرج الزكاة مما قوم به وقال في القديم فيه قولان
(أحدهما)
يخرج ربع عشر قيمته (والثاني) يخرج ربع عشر العرض وقال في موضع آخر لا يخرج الا العين والورق والعرض فمن أصحابنا من قال فيه ثلاثة أقوال (أحدها) يخرج من الذى قوم به لان الوجوب يتعلق به
(والثانى)
يخرج من العرض لان الزكاة تجب لاجله (والثالث) يخير بينهما لان الزكاة تتعلق بهما فيخيره بينهما وقال أبو اسحق فيه قولان
(أحدهما)
يخرج مما قوم به (والثاني) انه بالخيار فقال أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ قَوْلَانِ (احدهما) يخرج مما قوم به (والثاني) يخرج العرض)
* (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ زَكَاةُ عَرْضِ التِّجَارَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا وَقْصَ فِيهِ كَالنَّقْدِ وَفِيمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ طُرُقٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حَاصِلُهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَهُوَ الْجَدِيدُ وَبِهِ الْفَتْوَى وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ يَجِبُ رُبْعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ مِمَّا قُوِّمَ
*
بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ نَفْسِ الْعَرْضِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ الْإِخْرَاجُ مِنْ نَفْسِ الْعَرْضِ ولا تجزى الْقِيمَةُ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ قَدِيمَانِ ضَعِيفَانِ وَحَكَى الصَّيْمَرِيُّ (طَرِيقًا رَابِعًا) وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْعَرْضُ حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ مِمَّا يَنْفَعُ الْمَسَاكِينَ أَخْرَجَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ حَيَوَانًا فَمِنْ الْقِيمَةِ نَقْدًا
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ تَفْرِيعًا عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ قَالُوا إذَا اشْتَرَى بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِائَتَيْ قَفِيزِ حِنْطَةٍ أَوْ بِمِائَةٍ وَقُلْنَا يُعْتَبَرُ النِّصَابُ آخِرَ الْحَوْلِ فَقَطْ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهِيَ تُسَاوِي مِائَتَيْنِ فَعَلَى الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ عَلَيْهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ وَعَلَى الثَّالِثِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا (قَالُوا) فَلَوْ أَخَّرَ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ حَتَّى نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فَعَادَتْ إلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ نُظِرَ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ إمْكَانِ
الْأَدَاءِ وَقُلْنَا الْإِمْكَانُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ لِلضَّمَانِ لَا لِلْوُجُوبِ لَزِمَهُ عَلَى الْجَدِيدِ الصَّحِيحِ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ وَعَلَى الثَّالِثِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْإِمْكَانِ لَزِمَهُ عَلَى الْجَدِيدِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّ النُّقْصَانَ مِنْ ضَمَانِهِ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ نُقْصَانِ الْقِيمَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ كَالْغَاصِبِ وَعَلَى الثَّالِثِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَخَّرَ الْإِخْرَاجَ فَبَلَغَتْ الْقِيمَةُ أَرْبَعَمِائَةٍ فَإِنْ كان قبل امكان الاداء وقلنا هو شَرْطُ الْوُجُوبِ لَزِمَهُ عَلَى الْجَدِيدِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ وَعَلَى الثَّالِثِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ لَزِمَهُ عَلَى الْجَدِيدِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ قِيمَتُهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي مَالِهِ وَمَالِ الْمَسَاكِينِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَكْفِيهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ قِيمَتُهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ حَدَثَتْ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَهِيَ مَحْسُوبَةٌ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي وَعَلَى الثَّالِثِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ بَلَغَتْ الْحِنْطَةُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَقِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ فَصَارَتْ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ عَلَى الْجَدِيدِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّهَا الْقِيمَةُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ قِيمَتُهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَعَلَى الثَّالِثِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
* (إذا دفع الي رجل الف درهم قراضا على أن الربح بينهما نصفان فحال الحول وقد صار ألفين بنيت علي ان المضارب متى يملك الربح وفيه قولان
(أحدهما)
يملكه بالمقاسمة (والثاني) يملكه بالظهور فان قلنا بالاول كانت زكاة الجميع علي رب المال فان أخرجها من عين المال فمن أين تحسب فيه ثلاثة أوجه (أحدها) انه تحسب من الربح لانها من مؤن المال فتحتسب من الربح كأجرة النقال والوزان والكيال (والثاني) تحتسب من رأس المال لان الزكاة دين عليه في الذمة في أحد القولين فإذا قضاه من المال حسب من رأس المال كسائر الديون (والثالث) انها تحسب من رأس المال والربح جميعا لان الزكاة تجب في رأس المال والربح في حسب المخرج منهما (وان قلنا) ان العامل يملك حصته من الربح بالظهور وجب علي رب المال زكاة ألف وخمسمائة واخراجها على ما ذكرناه وتجب علي العامل زكاة خمسمائة غير انه لا يلزمه اخراجها لانه لا يدرى هل يسلم له أم لا فلم يلزمه اخراج زكاته
كالمال الغائب فان أخرج زكاته من غير المال جاز وان أراد أخراجه من المال ففيه وجهان
(أحدهما)
ليس له لان الربح وقاية لرأس المال فلا يخرج منه الزكاة (والثاني) ان له ذلك لانهما دخلا علي حكم الاسلام ووجوب الزكاة)
*
(الشرح) عامل القراض لا بملك حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا بِالْقِسْمَةِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَفِي الثَّانِي يَمْلِكُهَا بِالظُّهُورِ فَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ نَقْدًا قِرَاضًا وَهُمَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ (فَإِنْ قُلْنَا) الْعَامِلُ لَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا بِالْقِسْمَةِ لَزِمَ الْمَالِكَ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ جَمِيعًا فَإِنَّ الْجَمِيعَ مِلْكُهُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى احْتِمَالٍ فِي تَخْرِيجِ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَالِكِ فِي نَصِيبِ الْعَامِلِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمَجْحُودِ لِتَأَكُّدِ حَقِّ الْعَامِلِ فِي حِصَّتِهِ وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَوْلُ الرِّبْحِ مَبْنِيٌّ عَلَى حَوْلِ الْأَصْلِ إلَّا إذَا صَارَ نَاضًّا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ ثُمَّ إنْ أَخْرَجَ الْمَالِكُ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَذَاكَ وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ نَفْسِ مَالِ الْقِرَاضِ فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي حُكْمِ الْمُخْرَجِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْبَغَوِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُحْسَبُ مِنْ الرِّبْحِ كَالْمُؤَنِ الَّتِي تَلْزَمُ الْمَالَ كَأُجْرَةِ حَمَّالٍ وَكَيَّالٍ وَوَزَّانٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَمَا أَنَّ فُطْرَةَ عَبِيدِ التِّجَارَةِ مِنْ الرِّبْحِ بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وكذا اروش جناياتهم
(والثانى)
بحسب مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ دَيْنٌ عَلَى الْمَالِكِ فَحُسِبَ عَلَى الْمَالِكِ كَمَا لَوْ أَخَذَ قِطْعَةً مِنْ الْمَالِ وَقَضَى بِهَا دَيْنًا آخَرَ (وَالثَّالِثُ) يُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ جَمِيعًا لِأَنَّهَا تَجِبُ فِيهِمَا فَحُسِبَتْ فِيهِمَا وَيَكُونُ الْمُخْرَجُ كطائفة مِنْ الْمَالِ اسْتَرَدَّهَا الْمَالِكُ وَيُقَسَّطُ عَلَيْهِمَا مِثَالُهُ رَأْسُ الْمَالِ مِائَتَانِ وَالرِّبْحُ مِائَةٌ فَثُلُثَا الْمُخْرَجِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَثُلُثُهُ مِنْ الرِّبْحِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ أَمْ بِالذِّمَّةِ (إنْ قُلْنَا) بِالْعَيْنِ فَكَالْمُؤَنِ وَإِلَّا فَهُوَ اسْتِرْدَادٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ (ان قلنا) بالعين فكالمؤن وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْبِنَاءَ وَقَالَ لَيْسَ هُوَ بِمَرْضِيٍّ قَالَ وَلَا يَمْتَنِعُ إثْبَاتُ الْخِلَافِ عَلَى قَوْلِ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ مِنْ جِهَةِ شُيُوعِ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ فِي الْجَمِيعِ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا الْعَامِلُ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ بِالظُّهُورِ فَعَلَى الْمَالِكِ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ
وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَلْزَمُهُ زَكَاةُ حِصَّةِ الْعَامِلِ بِلَا خِلَافٍ
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَحُكْمُ الْإِخْرَاجِ وَالْحَوْلِ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ بَقِيَتْ السِّلْعَةُ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ زَكَّى الرِّبْحَ بِحَوْلِ الْأَصْلِ وَإِنْ نَضَّ الرِّبْحُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَهَلْ يُضَمُّ إلَى حَوْلِ الْأَصْلِ أَمْ يُفْرَدُ بِحَوْلٍ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ ثُمَّ إنْ أَرَادَ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ مِنْ أَيْنَ يُحْسَبُ فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ هَذَا حُكْمُ الْمَالِكِ (وأما)
الْعَامِلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ زَكَاةُ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ فِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ حَكَاهَا الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (وَأَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَغَيْرُهُمْ الْقَطْعُ بِوُجُوبِهَا لِأَنَّهُ مَالِكٌ قَادِرٌ عَلَى الْفَسْخِ وَالْمُقَاسَمَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فِي نَصِيبِهِ فَلَزِمَهُ الزَّكَاةُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَجْحُودِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ فِي الْحَالِ مِنْ كَمَالِ التَّصَرُّفِ (وَالثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِعَدَمِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ لِاحْتِمَالِ الْخُسْرَانِ فَأَشْبَهَ الْمُكَاتَبَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَفَّالِ وَضَعَّفَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَحَصَلَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِيجَابُ عَلَى الْعَامِلِ وَفِي ابْتِدَاءِ حَوْلِهِ فِي نَصِيبِهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) الْمَنْصُوصُ مِنْ حِينِ الظُّهُورِ لِأَنَّهُ مَلَكَ مِنْ حِينَئِذٍ
(وَالثَّانِي)
مِنْ حِينِ يُقَوَّمُ الْمَالُ عَلَى الْمَالِكِ لِأَجْلِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الرِّبْحُ إلَّا بِذَلِكَ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ أَيْضًا وَالْأَصْحَابُ مِنْ حِينِ الْمُقَاسَمَةِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ إلَّا مِنْ حِينَئِذٍ وَهَذَا غَلَطٌ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الْعَامِلَ لَا زَكَاةَ فِي نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْمُقَاسَمَةِ لَيْسَ بِعَامِلٍ بَلْ مَالِكٍ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا كَامِلِ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حَوْلُهُ إلَّا مِنْ الْمُقَاسَمَةِ رُجُوعٌ إلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) حَوْلُهُ حَوْلُ رَأْسِ الْمَالِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا أَيْضًا غَلَطٌ صَرِيحٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا فَكَيْفَ يُبْنَى مِلْكُهُ وَحَوْلُهُ عَلَى حَوْلِ غَيْرِهِ ولا خلاف ان حول الانسان يبنى على حول غيره لا الْوَارِثُ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ لِكَوْنِهِ قَائِمًا مَقَامَ المورث والخامس أَنَّهُ مِنْ حِينِ اشْتَرَى الْعَامِلُ السِّلْعَةَ حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَهُوَ غَلَطٌ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ إذَا تَمَّ حَوْلُ الْعَامِلِ وَنَصِيبُهُ لَا يَبْلُغُ نِصَابًا لَكِنَّهُ مَعَ جُمْلَةِ الْمَالِ يَبْلُغُ نِصَابًا فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْخُلْطَةَ فِي النَّقْدَيْنِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ
مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ وَهَذَا إذَا لَمْ نَقُلْ ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِنْهَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْخُلْطَةِ قَالَ أصحابنا وإذا أوجبنا الزكاة علي الحامل لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْجُمْهُورُ فَإِذَا اقْتَسَمَا زَكَّى مَا مَضَى وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ فِي الْحَالِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْقِسْمَةِ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ حَكَاهُ صَاحِبُ الابانة والبيان وَآخَرُونَ عَنْهُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ في يده ولا تصرفه فلا يكون أكثر مِنْ الْمَالِ الْغَائِبِ الَّذِي تُرْجَى سَلَامَتُهُ
وَيُخَافُ تَلَفُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَذَاكَ وَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَهَلْ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِهِ أَمْ لِلْمَالِكِ مَنْعُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ يَسْتَقِلُّ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِيهِ وَلِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْقِرَاضِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ
(وَالثَّانِي)
لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلِلْمَالِكِ مَنْعُهُ لِأَنَّ الرِّبْحَ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ فَلَعَلَّهُ يَخْسَرُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ هَلْ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَمْ بِالذِّمَّةِ إنْ قُلْنَا بِالْعَيْنِ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا وبهذا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ جَمِيعًا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَالِكُ مِنْ أَهْلِهَا دُونَ الْعَامِلِ وَقُلْنَا الْجَمِيعُ لِلْمَالِكِ مَا لَمْ يُقْسَمْ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْجَمِيعِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْآخَرِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ وَنَصِيبُهُ مِنْ الرِّبْحِ وَلَا يَكْمُلُ نَصِيبُهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا بِنَصِيبِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فَلَا تَصِحُّ خُلْطَتُهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَامِلُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ دُونَ الْمَالِكِ فَإِنْ قُلْنَا كُلُّهُ لِلْمَالِكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ قُلْنَا لِلْعَامِلِ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا فَذَلِكَ إذَا بَلَغَتْ حِصَّتُهُ نِصَابًا أَوْ كَانَ لَهُ مَا يَتِمُّ بِهِ نصاب ولا تثبت الخلطة ولا يجئ فِي اعْتِبَارِ الْحَوْلِ هُنَا إلَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ عَلَى إخْرَاجِ زَكَاةٍ مِنْ الْمَالِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَانِعُ مَنْعُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَامَلَ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَاَللَّهُ أعلم
* (فرع)
في
مسائل تتعلق بزكاة التجارة
إحدها إذَا بَاعَ عَرْضَ التِّجَارَةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا فَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ صِحَّةُ بَيْعِهِ قَوْلًا وَاحِدًا
(وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي بَيْعِ غَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا كَبَيْعِ السَّائِمَةِ وَالثَّمَرَةِ وَالْحَبِّ وَالنَّقْدِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (وَالثَّالِثُ) إنْ قُلْنَا يُخْرِجُ زَكَاةَ التِّجَارَةِ مِنْ نَفْسِ الْعَرْضِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَإِنْ قُلْنَا يُخْرِجُ مِنْ الْقِيمَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَبَتْ شَاةٌ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَبَاعَهَا قَبْلَ إخْرَاجِ الشَّاةِ وَفِيهِ طَرِيقَانِ سَبَقَا فِي مَوْضِعِهِمَا وَهَذَا الطَّرِيقُ قَالَهُ (1) وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَانِ الطَّرِيقَانِ شَاذَّانِ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَسَوَاءٌ بَاعَ بِقَصْدِ التِّجَارَةِ أَمْ بِقَصْدِ اقْتِنَاءِ الْمَالِ أَمْ بِلَا قَصْدٍ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِهِ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ صَارَ مَالَ قُنْيَةٍ كَمَا لَوْ نَوَى الِاقْتِنَاءَ بِلَا بَيْعٍ وَلَوْ وَهَبَ مَالَ التِّجَارَةِ أو أعتق عبدها قال الرافعي هو
(1) بياض بالاصل فحرر
كَبَيْعِ الْمَاشِيَةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالْإِعْتَاقَ يُبْطِلَانِ مُتَعَلِّقَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ كَمَا أَنَّ بَيْعَ الْمَاشِيَةِ يُبْطِلُ مُتَعَلِّقَ زَكَاتِهَا قَالَ وَلَوْ بَاعَ مَالَ التِّجَارَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا بِمُحَابَاةٍ فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ كَالْمَوْهُوبِ فَإِنْ لَمْ تُصَحَّحْ الْهِبَةُ بَطَلَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرُ وَفِي الثَّانِي قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ مَالُ التِّجَارَةِ حَيَوَانًا فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ كَنِصَابِ الْمَاشِيَةِ وَسَبَقَ حكمه (الثاني) أن لَا يَجِبُ فِي عَيْنِهِ كَالْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي وَالْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَالْمَعْلُوفَةِ مِنْ الْغَنَمِ فَهَلْ يَكُونُ نِتَاجُهَا مَالَ تِجَارَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا يَكُونُ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْ أُمِّهِ قَالُوا وَالْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَةُ الْأُمِّ بِالْوِلَادَةِ فَإِنْ نَقَصَتْ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا فَصَارَتْ بِالْوِلَادَةِ ثَمَانَمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ مِائَتَانِ جَبَرَ نَقْصُ الْأُمِّ بِالْوَلَدِ وَزَكَّى الْأَلْفَ وَلَوْ صَارَتْ قِيمَةُ الْأُمِّ تِسْعَمِائَةٍ جُبِرَتْ الْمِائَةُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ وَمُقْتَضَى قَوْلِنَا إنَّهُ لَيْسَ مَالَ تِجَارَةٍ لَا يُجْبَرُ بِهِ الْأُمُّ كَالْمُسْتَفَادِ بِسَبَبٍ آخَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَثِمَارُ أَشْجَارِ التِّجَارَةِ كَأَوْلَادِ حَيَوَانِهَا فَفِيهَا الْوَجْهَانِ فَإِنْ لَمْ يُجْعَلُ الْأَوْلَادُ وَالثِّمَارُ مَالَ تِجَارَةٍ فَهَلْ يَجِبُ فِيهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَمَا بَعْدَهَا زَكَاةٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الظَّاهِرُ أَنَّا لَا نُوجِبُ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْ تَبَعِيَّةِ الْأُمِّ وَلَيْسَ أَصْلًا فِي التِّجَارَةِ وَأَمَّا إذَا ضَمَمْنَاهَا إلَى الْأَصْلِ وَجَعَلْنَاهَا مَالَ تِجَارَةٍ فَفِي حَوْلِهَا طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) حولها حول الاصل
كنتائج السائمة وكلزيادة الْمُتَّصِلَةِ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْ رِبْحِ النَّاضِّ فَعَلَى أَحَدِهِمَا ابْتِدَاءُ حَوْلِهَا مِنْ انْفِصَالِ الْوَلَدِ وَظُهُورِ الثِّمَارِ (الثَّالِثَةُ) حَكَى الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ فَرْعًا وَوَافَقُوهُ عَلَيْهِ وَهُوَ إذَا اشْتَرَى شِقْصًا مَشْفُوعًا بِعِشْرِينَ دِينَارًا لِلتِّجَارَةِ فَحَالَ الْحَوْلُ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ لَزِمَهُ زَكَاةُ مِائَةٍ وَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِعِشْرِينَ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ لَزِمَهُ زَكَاةُ عِشْرِينَ وَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِمِائَةٍ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ فِي الصُّورَةِ ثُمَّ قَالَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَ قَوْلًا إنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُعَرَّضٌ لِلزَّوَالِ بِتَسَلُّطِ الشَّفِيعِ عَلَيْهِ وَلَوْ تَصَرَّفَ فِي الدار فتصرفه معرض للنقص مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ بِخِلَافِ الصَّدَاقِ فَإِنَّ تَصَرُّفَ المرأة فيه لا ينقص لَوْ فُرِضَ فُرْقَةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ يُتَوَجَّهُ تَفْرِيعُهُ فَالْوَجْهُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ قَدْرُ عِشْرِينَ دِينَارًا فان ملكه وان كان معرضا في لزوال في الشقص فيبذل في مقابلته عشرون دينار أو عين الْمَالِ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ وَإِنَّمَا المقصود المالية وهى موجودة دائمة في مقدار
عِشْرِينَ دِينَارًا قَالَ الْإِمَامُ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَجْهًا أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ قَدْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي مَالِيَّةِ الدَّارِ فَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ كَنُقْصَانِ صِفَةٍ فِي الشقص فيأخذه الشَّفِيعُ الْبَاقِيَ بِجَمِيعِ الْعِشْرِينَ كَمَا لَوْ نَقَصَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ نَقْصَهُ بِالزَّكَاةِ بِسَبَبِ قَصْدِهِ التِّجَارَةَ لَا في نفسه والله أعلم
*
(باب زكاة المعدن والركاز)
* قال المصنف رحمه الله تعالى
* (إذا استخرج حر مسلم من معدن في موات أو في أرض يملكها نصابا من الذهب أو الفضة وجبت عليه الزكاة لان النبي صلى الله عليه وسلم اقطع بلال بن الحرث المزني المعادن القبلية واخذ منه الزكاة فان استخرجها مكاتب أو ذمى لم يجب عليه شئ لانها زكاة والزكاة لا تجب علي مكاتب ولا ذمى وان وجده في أرض مملوكة لغيره فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَيَجِبُ دَفْعُهُ إلَيْهِ فَإِذَا أخذه مالكه وجبت عليه زكاته)
*
(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ شَيْخِهِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم أقطع لبلال ابن الحرث الْمُزَنِيِّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرْعِ فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا الزَّكَاةُ إلَى الْيَوْمِ هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ هَكَذَا ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَلَوْ أَثْبَتُوهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا إقْطَاعُهُ فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِي الْمَعْدِنِ دُونَ الْخُمْسِ وَلَيْسَتْ مَرْوِيَّةً عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ مَوْصُولًا فرواه البيهقى عن ربيعة عن الحرث بن بلال بن الحرث عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ مِنْ الْمَعَادِنِ الْقَبَلِيَّةِ الصَّدَقَةَ وانه أقطع بلال بن الحرث الْعَقِيقَ أَجْمَعَ وَالْمَعَادِنُ الْقَبَلِيَّةِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ تُصَحَّفُ والفرع بضم الفاء واسكان الراء وبالعين المعجمة بِلَادٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَمُشْتَقٌّ مِنْ الْعُدُونِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى جنات عدن وَسُمِّيَ مَعْدِنًا لِأَنَّ الْجَوْهَرَ يَعْدِنُ فِيهِ أَيْ يُقِيمُ وَقَوْلُهُمْ زَكَاةُ الْمَعْدِنِ أَيْ زَكَاةُ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الْمَعْدِنِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْدِنِ وَشَرْطٌ للذى يجب
عليه ان يكون حرا مسلما والمكاتب وَالذِّمِّيُّ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا لِمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ خِلَافٌ وَهُوَ جَارٍ هُنَا وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَخْرَجُ عَبْدًا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَى سَيِّدِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَلَوْ أَمَرَهُ السَّيِّدُ بِذَلِكَ لِيَكُونَ النَّيْلُ لَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ هُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ بِتَمْلِيكِ السيد فان قُلْنَا لَا يَمْلِكُ فَالْمِلْكُ لِلسَّيِّدِ وَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى السَّيِّدِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ والله علم
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إذَا كَانَ مَوَاتًا أَوْ مِلْكًا لِلْمُسْتَخْرِجِ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَيَجِبُ دَفْعُهُ إلَيْهِ فَإِذَا أَخَذَهُ مَالِكُهُ لَزِمَهُ زَكَاتُهُ
* (فَرْعٌ)
قال أصحابنا لا يمكن الذمي من حَفْرُ مَعْدِنٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا الْأَخْذُ مِنْهَا كَمَا لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْإِحْيَاءِ فِيهَا وَلَكِنَّ مَا أَخَذَهُ قَبْلَ إزْعَاجِهِ يُمَلَّكُهُ كَمَا لَوْ احْتَطَبَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُمَلَّكُهُ حَكَاهُ
الْمَاوَرْدِيُّ وَسَنُعِيدُهُ فِي فَصْلِ الزَّكَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُمَلَّكُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَقُّ الْمَعْدِنِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ يُبْنَى عَلَى أَنَّ مَصْرِفَ حَقِّ الْمَعْدِنِ مَاذَا فَإِنْ أَوْجَبْنَا فِيهِ رُبْعَ الْعُشْرِ فَمَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الزَّكَوَاتِ وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْخُمْسَ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ مَصْرِفُ الزَّكَوَاتِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) مصرف خمس الفئ وَبِهَذَا قَالَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ عَنْهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ فَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا أُخِذَ مِنْ الذِّمِّيِّ الْخُمْسُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ مَصْرِفُ الزَّكَوَاتِ لَمْ يُؤْخَذْ منه شئ قال الماورى فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ الذِّمِّيُّ مَمْنُوعًا مِنْ الْمَعْدِنِ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِحْيَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَلَّكَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ كَمَا لَا يُمَلَّكُ مَا أَحْيَاهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ ضَرَرَ الْإِحْيَاءِ مُؤَبَّدٌ فَلَمْ يُمَلَّكْ بِهِ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ عَلَى الْمَذْهَبِ يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِيهِ كسائر الزكوات وإذا قلنا مصرف الفئ فَلَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْمَعْدِنِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ قَالَ الْمَرْوَزِيُّ (فَإِنْ قِيلَ) فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَجِدَ الْمُكَاتَبُ مَعْدِنًا أَوْ رِكَازًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَبَيْنَ أَنْ يَغْنَمَ غَنِيمَةً مِنْ الْكُفَّارِ فَيَجِبُ فِيهَا الْخُمْسُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ يَمْلِكُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا أَوَّلًا وَيَمْلِكُ أَهْلُ الْخُمْسِ حِينَئِذٍ الْخُمْسَ وَفِي الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ يَمْلِكُ كُلَّهُ بِالْوُجُودِ وَلَكِنْ يَجِبُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْحُرِّ إخْرَاجُ وَاجِبِهِ زَكَاةً وَالْمُكَاتَبُ لَا زكاة عليه فيما ملكه كسائر أملاكه هذا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُ الْمُكَاتَبَ زَكَاةُ المعدن
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ اشْتَرَى الْحُرُّ الْمُسْلِمُ أَرْضًا فَظَهَرَ فِيهَا مَعْدِنٌ فَهُوَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فَإِنْ شَاءَ عَمَلَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَلَا يتعرض له في واحد منهما
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ وُجِدَ شيئا غير الذهب والفضة كالحديد والرصاص والفيروزج والبلور وغيرهما لم تجب فيه الزكاة لانها ليست من الاموال المزكاة فلم بحب فيها حق المعدن وان وجد دون النصاب لم يلزمه الزكاة لانا بينا أن ذلك زكاة فلا يجب في غير النصاب ولانه حق يتعلق بالمستفاد من الارض فاعتبر فيه النصاب كالعشر)
*
(الشَّرْحُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَخْرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ إذَا كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ الْجَوَاهِرِ كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْبِلَّوْرِ وَالْمَرْجَانِ وَالْعَقِيقِ وَالزُّمُرُّدِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْكُحْلِ وَغَيْرِهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ وَبِهِ قَطَعَ جماهير الاصحاب في الطرق كلها وقال الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي وجوب الزكاة فيها قولين قَالَ وَنَقَلَ الْقَيْصَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ الْقَدِيمِ قَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِهَا كَالزَّكَاةِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا مُنْكَرًا أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مُسْتَخْرَجٍ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجِبُ فِي الْمُنْطَبِعَاتِ كَالْحَدِيدِ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي كُلِّ مُسْتَخْرَجٍ
* دَلِيلُنَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَقَدْ ثَبَتَ في الذهب والفضة بالاجماع فيه بِالْإِجْمَاعِ فَلَا تَجِبُ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَرِيحٍ وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْمُسْتَخْرَجِينَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ النِّصَابُ فِيهِ طَرِيقَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ اشْتِرَاطُهُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) اشْتِرَاطُهُ (وَالثَّانِي) لَا قَالَ أَصْحَابُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ وَاجِبَهُ الْخُمْسُ أَوْ رُبْعُ الْعُشْرِ (إنْ قُلْنَا) رُبْعُ الْعُشْرِ فَالنِّصَابُ شَرْطٌ وَإِلَّا فَلَا وَالْمَذْهَبُ اشْتِرَاطُهُ مُطْلَقًا لِعُمُومِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ) وَبِالْقِيَاسِ الذى ذكره المصنف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ وُجِدَ النصاب في دفعات نظرت فان لم ينقطع العمل ولا النيل ضم بعضه إلى بعض في
اتمام النصاب وان قطع العمل لعذر كاصلاح الاداة ضم ما يجده بعد زوال العذر إلى ما وجده قبله وان ترك العمل فيه لغير عذر لم يضم ما وجده بعد الترك الي ما وجده قبله وان اتصل العمل وانقطع النيل ثم عاد ففيه قولان (قال) في القديم لا يضم الثاني الي الاول لانه إذا لم يضم ما وجده بعد قطع العمل الي ما وجده قبله فلان لا يضم ما وجده بعد قطع النيل بغير اختياره وهو المقصود أولي وقال في الجديد يضم لان انقطاع النيل بغير اختياره وانقطاع العمل
باختياره)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ مِنْ شَرْطِ نِصَابِ الْمَعْدِنِ أَنْ يُوجَدَ دَفْعَةً وَاحِدَةً بَلْ مَا نَالَهُ دَفَعَاتٍ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَاتِّصَالُ الْعَمَلِ إنْ تَتَابَعَ الْعَمَلُ وَالنَّيْلُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْمُسْتَخْرَجِ فِي مِلْكِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَاتِّصَالُ الْعَمَلِ هُوَ إدَامَتُهُ في الوقت الذى جرت المعادة بِالْعَمَلِ فِيهِ وَاتِّصَالُ النَّيْلِ هُوَ أَنْ لَا يحفد المعدن وخفده أن يُخَرِّجُ مِنْهُ بِالْعَمَلِ شَيْئًا وَأَمَّا إذَا تَتَابَعَ العمل ولم يتواصل النيل بل خفد الْمَعْدِنُ زَمَانًا ثُمَّ عَادَ النَّيْلُ فَإِنْ كَانَ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ يَسِيرًا ضُمَّ أَيْضًا وَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ إذَا بَلَغَ الْمَجْمُوعُ نِصَابًا وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا كاليومين والثلاثة (قولان) الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ الضَّمُّ (وَالْقَدِيمُ) لَا ضَمَّ وَذَكَرَ المصنف دليلهما أما إذَا انْقَطَعَ الْعَمَلُ وَكَانَ النَّيْلُ مُمْكِنًا بِحَيْثُ لَوْ عَمِلَ لَنَالَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْعَمَلِ فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ بِلَا عُذْرٍ لَمْ يُضَمَّ سواء طال الزمان أم لا قَصُرَ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ وَإِنْ قُطِعَ لِعُذْرٍ ضُمَّ سواء طال الزمان ام لا مادام التَّرْكُ لِعُذْرٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَحَكَى فِيهِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لَا ضَمَّ قَالَ وَفِي حَدِّ الطُّولِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا الرُّجُوعُ إلَى الْعُرْفِ
(وَالثَّانِي)
ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ (وَالثَّالِثُ) يَوْمٌ كَامِلٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْأَعْذَارُ كَإِصْلَاحِ الْآلَةِ وَهَرَبِ الْعَبِيدِ والاجراء وهذه أَعْذَارٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ السَّفَرُ وَالْمَرَضُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِمَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عذران
(والثانى)
لا وقطع الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُمَا مِنْ الْأَعْذَارِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى حَكَمْنَا بِعَدَمِ الضَّمِّ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُضَمُّ إلَى الثَّانِي
* وَأَمَّا الثَّانِي فَيُضَمُّ إلَى الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يُضَمُّ إلَى مَا يَمْلِكُهُ مِنْ غَيْرِ الْمَعْدِنِ
* (فَرْعٌ)
وَلَوْ وَجَدَ رَجُلَانِ مِنْ الْمَعْدِنِ دُونَ نِصَابَيْنِ وَبَلَغَ نِصَابًا (فَإِنْ قُلْنَا) بِإِثْبَاتِ الْخُلْطَةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ زَكَّيَا زَكَاةَ الْخُلْطَةِ إنْ كَانَا مِنْ أَهْلِهَا وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عليهما الا أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِهِ مَا يُتِمُّ بِهِ النِّصَابَ
*
(فَرْعٌ)
فِي ضَمِّ الْمَمْلُوكِ مِنْ الْمَعْدِنِ إلَى غَيْرِهِ مِمَّا يَمْلِكُهُ الْوَاجِدُ وَهُوَ مُفَرَّقٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَقَدْ لَخَصَّهُ الرَّافِعِيُّ وَاخْتَصَرْتُ كَلَامَهُ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ إذَا نَالَ مِنْ الْمَعْدِنِ دُونَ نِصَابٍ وَهُوَ يَمْلِكُ
مِنْ جِنْسِهِ نِصَابًا فَصَاعِدًا فَإِمَّا أَنْ يَنَالَهُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَوْلِ مَا عِنْدَهُ أَوْ بَعْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ أَوْ قَبْلَهُ فَفِي الْحَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يَصِيرُ مَضْمُومًا إلَى مَا عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ النَّقْدِ زَكَاتُهُ وَعَلَيْهِ أَيْضًا فِيمَا نَالَهُ حَقُّهُ بِلَا خِلَافٍ لَكِنَّ حَقَّ النَّقْدِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَحَقَّ الْمَعْدِنِ فِيهِ الْأَقْوَالُ: الصَّحِيحُ رُبْعُ الْعُشْرِ
* وَأَمَّا إذا ناله قبل تمام الحول فلا شئ عَلَيْهِ فِيمَا عِنْدَهُ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلَهُ وَفِي وُجُوبِ حَقِّ الْمَعْدِنِ فِيمَا وَجَدَهُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجِبُ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ فِيمَا عِنْدَهُ رُبْعُ الْعُشْرِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ وَفِيمَا نَالَهُ ربع العشر عند تمام حوله وبهذا كان ما يَمْلِكُهُ مِنْ جِنْسِهِ دُونَ نِصَابٍ بِأَنْ مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَنَالَ مِنْ الْمَعْدِنِ مِائَةً نُظِرَ إنْ نَالَهَا بَعْدَ تَمَامِ حَوْلِ مَا عِنْدَهُ فَفِي وُجُوبِ حَقِّ الْمَعْدِنِ فِيمَا نَالَهُ الْوَجْهَانِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ فِي الْمَعْدِنِ حَقٌّ وَيَجِبُ فِيمَا كَانَ عِنْدَهُ رُبْعُ الْعُشْرِ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ مِنْ حِينِ كَمُلَ النِّصَابُ بِالنَّيْلِ وَعَلَى الثاني لا يجب شئ فِي الْجَمِيعِ حَتَّى يَمْضِيَ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ النَّيْلِ فَيَجِبَ فِي الْجَمِيعِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْإِفْصَاحِ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا نَالَهُ حَقُّهُ وَفِيمَا كَانَ عِنْدَهُ رُبْعُ الْعُشْرِ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ كَمُلَ بِالنَّيْلِ وَقَدْ مَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ دُونَ نِصَابٍ فلم يكن في حوله قلت وهذا لوجه الْمَنْسُوبُ إلَى أَبِي عَلِيٍّ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُصَنَّفُ فِي فَصْلِ الرِّكَازِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارُوهُ وَرَجَّحُوهُ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لا شئ فِيمَا كَانَ عِنْدَهُ حَتَّى يَحُولَ حَوْلُهُ مِنْ حِينِ كَمُلَ نِصَابًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا إذَا نَالَهُ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِ الْمِائَةِ فَلَا يَجِبُ في المائة التى كانت عنده شئ بلا خلاف ولا يجئ وَجْهُ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ وَأَمَّا الْمِائَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ المعدن فيجئ فِيهَا الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ نَقَلَهُ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَ مُعْظَمَهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَنَسَبَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى السَّهْوِ وَقَالَ إذَا كَانَ مَا يَمْلِكُهُ دُونَ نِصَابٍ فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ حَوْلٌ حَتَّى يُفْرَضَ لَهُ وَسَطٌ وَآخِرٌ أَوْ يُحْكَمَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ يَوْمَ النَّيْلِ وَلَا شَكَّ فِي بُعْدِ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ للنيل لكن الشَّيْخَ أَبُو عَلِيٍّ لَمْ يَنْفَرِدْ بِنَقْلِهِ وَلَا اخْتَارَهُ حَتَّى يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا
نَقَلَهُ مُتَعَجِّبًا مِنْهُ مُنْكِرًا لَهُ (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو عَلِيٍّ وَالرَّافِعِيُّ مِنْ الْإِفْرَاطِ فِي رَدِّ
الْوَجْهِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْإِفْصَاحِ وَجَعْلُهُ غَلَطًا شَاذًّا لَا يُعْرَفُ لَيْسَ كما قالوه بل هو منصوص ما قَدَّمْنَاهُ عَنْ نَقْلِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِمَا وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ
* وَأَمَّا إذَا كَانَ الذي عنده مال تجارة فيجئ فِيهِ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ وَإِنْ كَانَ دُونَ نِصَابٍ بِلَا إشْكَالٍ لِأَنَّ الْحَوْلَ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ دُونَ نِصَابٍ وَلَا يُعْتَبَرُ نِصَابُهُ إلَّا فِي آخِرِ الْحَوْلِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ فَإِذَا نَالَ مِنْ الْمَعْدِنِ شَيْئًا فِي آخِرِ حَوْلِ التِّجَارَةِ فَفِيهِ حَقُّ الْمَعْدِنِ وَفِي مَالِ التِّجَارَةِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ إنْ كَانَ نِصَابًا وَكَذَا إنْ كَانَ دُونَهُ وَبَلَغَ بِالْمَعْدِنِ نِصَابًا وَاكْتَفَيْنَا بِالنِّصَابِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَإِنْ نَالَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَفِي وُجُوبِ حَقِّ الْمَعْدِنِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ وَإِنْ نَالَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ نُظِرَ إنْ كَانَ مَالُ التِّجَارَةِ نِصَابًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَجَبَ فِي النَّيْلِ حَقُّ الْمَعْدِنِ لِانْضِمَامِهِ إلَى مَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا وَنَالَهُ بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْحَوْلِ الثَّانِي بُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ أَنَّ عَرْضَ التِّجَارَةِ إذَا قُوِّمَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَنَقَصَ عَنْ النِّصَابِ ثُمَّ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَلَغَ نِصَابًا هَلْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ بُلُوغِهِ نِصَابًا أَمْ يُنْتَظَرُ مُضِيُّ الْحَوْلِ الثَّانِي بكماله (فان قُلْنَا) بِالثَّانِي وَهُوَ انْتِظَارُ مُضِيِّ الْحَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ فَفِي وُجُوبِ حَقِّ الْمَعْدِنِ الْوَجْهَانِ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ الْحَوْلَ لَا يُعْتَبَرُ فِي زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ انْعَقَدَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ وَجَدَهُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رحمه الله وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي فَصْلِ الركاز وفى كلامه مخالفة للراجح في الْمَذْهَبِ فَلْيُحْمَلْ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ هُنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ الرِّكَازِ فِي إتْمَامِ النِّصَابِ حُكْمُ الْمَعْدِنِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَفَاقَا وَخِلَافًا بلا فرق وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (ويجب حق المعدن بالوجود ولا يعتبر فيه الحول في أظهر القولين لان الحول يراد لكمال النماء وبالوجود يصل الي النماء فلم يعتبر فيه الحول كالمعشر وقال في البويطي لا يجب حتى يحول عليه الحول لانه زكاة مال تتكرر فيه الزكاة فاعتبر فيه الحول كسائر الزكوات)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ تَتَكَرَّرُ فِيهِ الزَّكَاةُ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَعْشَرِ وَقَوْلُهُ كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ لَوْ قَالَ
كَزَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالنَّقْدِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّ قَوْلَهُ كسائر الزكوات يدخل فيه المعشر ولا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ مَشْهُورَانِ (وَالصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَجِبُ فِي الْحَالِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَالْمُزَنِيِّ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (إنْ قُلْنَا) فِيهِ الْخُمُسُ لَمْ يُعْتَبَرْ الْحَوْلُ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ والمذهب أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَفِي زَكَاتِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَجِبُ رُبْعُ الْعُشْرِ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ زَكَاةٌ وَزَكَاةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ لِأَنَّهُ مال تجب كالركاز فيه بالوجود فتقدرت زكاته بالخمس كالزكاة (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ إنْ أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ وجب فيه الخمس وان أصابه بثعب وَجَبَ فِيهِ رُبْعُ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَفَادِ مِنْ الْأَرْضِ فَاخْتَلَفَ قَدْرُهُ بِاخْتِلَافِ الْمُؤَنِ كزكاة الزرع
*
(الشَّرْحُ) هَذِهِ الْأَقْوَالُ مَشْهُورَةٌ وَالصَّحِيحُ مِنْهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ رُبْعِ الْعُشْرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ نَصُّهُ (فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي ضَبْطِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُؤْنَةِ وَعَدَمِهَا الْحَاجَةُ إلَى الطَّحْنِ وَالْمُعَالَجَةِ بِالنَّارِ وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنْهَا فَمَا احْتَاجَ فَرُبْعُ الْعُشْرِ وَمَا اسْتَغْنَى عَنْهَا فَالْخُمُسُ *
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
(ويجب اخراج الحق بعد التميز كما قلنا في العشر انه يجب فيه التصفية والتجفيف)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْحَوْلَ لَا يُشْتَرَطُ فِي زَكَاةِ الْمَعْدِنِ فَوَقْتُ الْوُجُوبِ حُصُولُ النَّيْلِ فِي يَدِهِ بِتُرَابِهِ وَوَقْتُ الْإِخْرَاجِ التَّخْلِيصُ وَالتَّصْفِيَةُ فَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ التُّرَابِ وَالْحَجَرِ قَبْلَ التَّنْقِيَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَكَانَ مَضْمُونًا عَلَى السَّاعِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ
الْأَصْحَابُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ قَالُوا فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ قَبْلَ التَّلَفِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّاعِي بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا زَادَ فَلَوْ مَيَّزَ السَّاعِي الْقَدْرَ الَّذِي قَبَضَهُ وَخَلَّصَهُ مِنْ التُّرَابِ أَجْزَأَ عَنْ الزَّكَاةِ إنْ كَانَ قَدْرَ الْوَاجِبِ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ اسْتَرْجَعَ الزِّيَادَةَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَزِمَ المالك الاتمام ولا شئ لِلسَّاعِي بِعَمَلِهِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ
* وَإِذَا تَلِفَ فِي يَدِ السَّاعِي قَبْلَ التَّمْيِيزِ وَغَرِمَهُ فَإِنْ
كَانَ تُرَابَ فِضَّةٍ قُوِّمَ بِذَهَبٍ وَإِنْ كَانَ تُرَابَ ذَهَبٍ قُوِّمَ بِفِضَّةٍ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّاعِي لِأَنَّهُ غَارِمٌ هَكَذَا نَقَلَهُ كُلَّهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا السَّرَخْسِيَّ فَحَكَى فِي الْأَمَالِي وَجْهًا عَنْ أَبِي اسحق أَنَّهُ إذَا مَيَّزَهُ السَّاعِي أَوْ الْمَسَاكِينُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَالَ الْإِخْرَاجِ عَلَى هَيْئَةِ الْوَاجِبِ كَمَنْ لَزِمَهُ جَذَعَةُ ضَأْنٍ فَأَخْرَجَ سخلة فبقيت
فِي يَدِ الْمَسَاكِينِ حَتَّى صَارَتْ جَذَعَةً فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَعْدِنِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّخْلَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَلَى الصِّفَةِ الْوَاجِبَةِ وَحَقُّ الْمَعْدِنِ كَانَ عَلَى الصِّفَةِ لَكِنْ مُخْتَلَطٌ بِغَيْرِهِ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ تَمْرٌ فَأَخْرَجَ رُطَبًا وَبَقِيَ فِي يَدِ السَّاعِي أَوْ الْمَسَاكِينِ حَتَّى صَارَ
تَمْرًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الماوردى وغيره وحكى السرخسى فيه وجهان عن أبي اسحق قَالَ أَصْحَابُنَا وَمُؤْنَةُ التَّخْلِيصِ وَالتَّنْقِيَةِ عَلَى الْمَالِكِ بلا خلاف كمؤنة الحصاد والدباس ولا يحسب شئ مِنْهَا مِنْ مَالِ الْمَعْدِنِ فَلَوْ أَخْرَجَ مِنْهُ شَيْئًا فِي الْمُؤْنَةِ كَانَ آثِمًا ضَامِنًا قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ قَبْلَ التَّمْيِيزِ فَهُوَ كَتَلَفِ بَعْضِ الْمَالِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ وَلَوْ امْتَنَعَ من التخليض أجبر عليه والله أعلم
* (فرع)
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدِنِ
(إحْدَاهَا) الْحَقُّ الْمَأْخُوذُ مِنْ وَاجِدِهِ زَكَاةٌ عِنْدَنَا
هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَسَوَاءٌ قُلْنَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ أَمْ رُبْعُ الْعُشْرِ (وَقِيلَ) إنْ قُلْنَا بِرُبْعِ الْعُشْرِ فَهُوَ زَكَاةٌ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) زَكَاةٌ (وَالثَّانِي) تُصْرَفُ فِي مصارف خمس خمس الفئ وَهُوَ
قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ من أصحابنا وقد سبق عَنْهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ
* وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَصْرِفِهِ وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى الذِّمِّيِّ كَمَا سَبَقَ (الثَّانِيَةُ) إذَا وَجَدَ مَعْدِنًا أَوْ رِكَازًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ الْمَوْجُودِ أَوْ (1) يُنْقِصُهُ عَنْ النِّصَابِ فَفِي مَنْعِ الدَّيْنِ زَكَاتَهُمَا الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي سَائِرِ الزَّكَوَاتِ (الْأَصَحُّ) لَا يُمْنَعُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ قَبْلَ التَّخْلِيصِ
لَا بِذَهَبٍ وَلَا بِفِضَّةٍ وَلَا بِغَيْرِهِمَا هَذَا مَذْهَبُنَا
* وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ
* دَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ غَيْرُ التُّرَابِ وَهُوَ مَسْتُورٌ بِلَا مَصْلَحَةٍ لَهُ فِي بَقَائِهِ فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَتُرَابِ الصَّاغَةِ فَإِنَّ مَالِكًا وَافَقَ عَلَيْهِ
* وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِجَوَازِ بَيْعِ حِنْطَةٍ مُخْتَلِطَةٍ بِشَعِيرٍ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ وَإِنَّمَا نَظِيرُ الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بَيْعُ الذَّهَبِ مُخْتَلَطًا بِالْفِضَّةِ وَهُوَ جَائِزٌ بِغَيْرِهِمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ فَأَمَّا إذَا بَاعَ تُرَابَ الْمَعْدِنِ بَعْدَ التَّمْيِيزِ وَأَخَذَ مَا فِيهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ثُمَّ وُجِدَ فِيهِ فُتَاتٌ يَسِيرٌ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْسُ التُّرَابِ دُونَ مَا فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ يَجُوزَ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فيه شئ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي جَلَاءِ الصُّفْرَةِ (الرَّابِعَةُ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَعْدِنِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا اخْتِصَاصُ الْوُجُوبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَوْجَبَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي كُلِّ مُنْطَبِعٍ كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَفِي الزِّئْبَقِ رِوَايَتَانِ وَأَوْجَبَهُ أَحْمَدُ فِي كُلِّ مُسْتَخْرَجٍ وَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّ وَاجِبَ الْمَعْدِنِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَحْمَدَ واسحق وابو ثور
* وقال أبو حنيفة الخمس وحكاه (1) ابن الزهري وابو عبيد واصحاب الرأى وَالْوَاجِبُ عِنْدَنَا فِي الْمَعْدِنِ زَكَاةٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ في وَالنِّصَابُ عِنْدَنَا شَرْطٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ واسحق وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُشْتَرَطُ وَالْحَوْلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ دَاوُد وَالْمُزَنِيُّ يُشْتَرَطُ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِلشَّافِعِيِّ سَبَقَ
* قَالَ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا حَقُّ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الزَّكَوَاتِ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ صَرْفُهُ إلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ حَقُّ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ دُونَ الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ يَجُوزُ
أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ جَمِيعُ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ والذمى إذا اخذا من المعدن شيئا فلا شئ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَمُؤْنَةُ تَخْلِيصِ نَيْلِ الْمَعْدِنِ عَلَى الْمَالِكِ عِنْدَنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْهُ كَأُجْرَةِ نَقْلِ الْغَنِيمَةِ وَبِنَاؤُهُ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ كَالْغَنِيمَةِ وَعِنْدَنَا هُوَ زَكَاةٌ كَمُؤْنَةِ الْحَصَّادِينَ وَلَوْ وَجَدَ الْمَعْدِنَ فِي مِلْكِهِ وَجَبَ فِيهِ الْحَقُّ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ وَبِهِ قال ملك وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ حَتَّى يَحُولَ حَوْلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (ويجب في الركاز الخمس لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (وفى الركاز الخمس) ولانه اتصل إليه من غير تعب ولا مؤنة فاحتمل فيه الخمس ولا يجب ذلك إلا علي من تجب عليه الزكاة لانه زكاة ولا تجب إلا فيما وجد في موات أو مملوك لا يعرف مالكه لان الموات لا مالك له وما لا يعرف مالكه بمنزلة مالا مالك له فأما إذا وجده في أرض يعرف مالكها فان كان ذلك لحربي فهو غنيمة وان كان لمسلم أو لمعاهد فهو لمالك الارض فان لم يدعه مالك الارض فهو لمن انتقلت الارض منه إليه)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالرِّكَازُ هُوَ الْمَرْكُوزُ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْمَثْبُوتُ وَمِنْهُ رَكَزَ رُمْحَهُ يَرْكُزُهُ بِضَمِّ الْكَافِ إذَا غَوَرَهُ وَأَثْبَتَهُ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ وَيَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ بِلَا خِلَافٍ عندنا قال المنذر وبه قال جميع لعلماء قَالَ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِيهِ إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَقَالَ إنْ وُجِدَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَفِيهِ الْخُمُسُ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ إلَّا علي من عليه الزكاة سواء كان رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً رَشِيدًا أَوْ سَفِيهًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَحُكْمُ وُجُودِ الْعَبْدِ مَا سَبَقَ فِي الْمَعْدِنِ وَلَا يَجِبُ عَلَى مُكَاتَبٍ وَذِمِّيٍّ وَفِيهِمَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَوَجْهٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ حَكَاهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يَحْكِ عَنْهُ خِلَافَهُ بَلْ زَادَ وَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى الذِّمِّيِّ وَهَذَا لَفْظُهُ فِي الْأَشْرَافِ قَالَ: قَالَ كل ما أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إنَّ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَغَيْرُهُمْ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ
* قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ
عَلَى ان سبيل الركاز سبيل الفئ لَا سَبِيلُ الصَّدَقَاتِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ
غَرِيبٌ مَرْدُودٌ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجْهًا أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَمْلِكُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ كَمَا لَا يَمْلِكُ بِالْإِحْيَاءِ وَهَذَا غَلَطٌ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَنْ صَاحِبِ الْحَاوِي وَأَمَّا السَّفِيهُ فَيَمْلِكُ الرِّكَازَ كَمَا يَمْلِكُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وحكى الماوردى عن سفين الثوري ان المرأة والعبد ولصبي لَا يَمْلِكُونَ الرِّكَازَ وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ الرِّكَازَ كسب لو اجده وهولاء مِنْ أَهْلِ الِاكْتِسَابِ كَمَا يَكْسِبُونَ بِالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ وَإِذَا مَلَكُوا بِالِاكْتِسَابِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِهَا وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الرِّكَازُ فقال أصحابنا له حالان (حداهما) أَنْ يَكُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ وَجَدَهُ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَعْمُرْهُ مُسْلِمٌ وَلَا ذُو عهد فهو ركاز سواء كان مَوَاتًا أَوْ مِنْ الْقِلَاعِ الْعَادِيَّةِ الَّتِي عَمَرَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَفَّالُ أَنَّهُ لُقَطَةٌ وَقِيلَ رِكَازٌ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لُقَطَةٌ (وَالثَّانِي) رِكَازٌ وَلَوْ وَجَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَلُقَطَةٌ هَذَا هو المذهب وهب قطع البغوي والجمهور قال الرافعي ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي فِي الطَّرِيقِ أَنَّهُ رِكَازٌ وَمَا عَدَا هَذَا الْمَوْضِعَ قِسْمَانِ مَمْلُوكٌ وَمَوْقُوفٌ والملوك نَوْعَانِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ فَاَلَّذِي لِغَيْرِهِ إذَا وَجَدَ فِيهِ كَنْزًا لَمْ يَمْلِكْهُ الْوَاجِدُ بَلْ إنْ دعاه مَالِكُ الْأَرْضِ فَهُوَ لَهُ بِلَا يَمِينٍ كَالْأَمْتِعَةِ الَّتِي فِي دَارِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كونه بلايمين مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ فَهُوَ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْهُ مِلْكُ الْأَرْضِ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ فَلِمَنْ قَبْلَهُ وهكذا حتي ينتهى الي الذى احي الْأَرْضَ فَيَكُونَ لَهُ سَوَاءٌ ادَّعَاهُ أَمْ لَا لان بالاحياء ملك مافى الْأَرْضِ وَبِالْبَيْعِ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ مدفون منقول لا يعد جزء مِنْ الْأَرْضِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي انْتَقَلَ مِنْهُ الْمِلْكُ مَيِّتًا فَوَرَثَتُهُ قَائِمُونَ مَقَامَهُ فَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ لِمُوَرِّثِنَا وَأَبَاهُ بَعْضُهُمْ سُلِّمَ إلَى الْمُدَّعِي نَصِيبُهُ وَسُلِكَ بِالْبَاقِي مَا ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْكَلَامَ ثُمَّ قَالَ هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا وَإِشَارَةً قَالَ وَمِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِأَنَّ الرِّكَازَ يُمْلَكُ
بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ الْقَفَّالُ وَرَأَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَخْرِيجَ ملك الركاز بالاحياء علي مالو دَخَلَتْ ظَبْيَةٌ
دَارًا فَأَغْلَقَ صَاحِبُهَا الْبَابَ لَا عَلَى قَصْدِ ضَبْطِهَا وَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَمْلِكُهَا لَكِنْ يَصِيرُ أَوْلَى بِهَا كَذَلِكَ الْمُحْيِي لَا يَمْلِكُ الْكَنْزَ لَكِنْ يَصِيرُ أَوْلَى بِهِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ فَعَلَى هَذَا إذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْأَرْضِ وَجَبَ طَلَبُهُ وَرَدُّ الْكَنْزِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ عَنْ رَقَبَةِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُهُ وَيَصِيرُ أَوْلَى بِهِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْ رَقَبَةِ الْأَرْضِ بَطَلَ اخْتِصَاصُهُ كَمَا أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الظَّبْيَةِ إذَا قُلْنَا لَا يَمْلِكُهَا فَفَتَحَ الباب وافلقت مَلَكَهَا مَنْ اصْطَادَهَا قُلْتُ وَهَذَا احْتِمَالٌ أَبْدَاهُ إما الْحَرَمَيْنِ وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْكَنْزَ بِالْإِحْيَاءِ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ كَالْبَيْعِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ قَالَ الرَّافِعِيُّ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمُحْيِي لَا يَمْلِكُ الْكَنْزَ بِالْإِحْيَاءِ فَإِذَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ أَخْرَجَ الْخُمُسَ (وَإِنْ قُلْنَا) يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ فَإِذَا احْتَوَتْ يَدُهُ عَلَى الْكَنْزِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِلْأَرْضِ وَقَدْ مَضَتْ سُنُونَ وَجَبَ إخْرَاجُ خُمُسِ الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ مَلَكَهُ وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ السِّنِينَ إلَى أَنْ صَارَ فِي يَدِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ زَكَاةُ رُبْعِ الْعُشْرِ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ فيه الخالاف
لسابق فِي الضَّالِّ وَالْمَغْصُوبِ وَفِي الْخُمُسِ كَذَلِكَ إنْ قُلْنَا لَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ وَإِنْ عَلَّقْنَاهَا بِهَا فَعَلَى مَا سَبَقَ مِنْ زَكَاةِ الْمَوَاشِي فِيمَا إذَا مَلَكَ نِصَابًا وَتَكَرَّرَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ (النَّوْعُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لَهُ فَإِنْ كَانَ أَحْيَاهَا فَمَا وَجَدَهُ رِكَازٌ وَعَلَيْهِ خُمُسُهُ وَالْبَاقِي لَهُ وَيَجِبُ الْخُمُسُ فِي وَقْتِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ كَمَا سَبَقَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى احتمال الامام الذي سبق بيانه ولصحيح مَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ بَلْ يلزمه عرضه على من ملك الارض عنه ثُمَّ الَّذِي قَبْلَهُ إنْ لَمْ يَدَّعِهِ ثُمَّ هَكَذَا يَنْتَهِي إلَى الْمُحْيِي كَمَا سَبَقَ (الْقِسْمُ الثَّانِي) إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مَوْقُوفَةً فَالْكَنْزُ لِمَنْ في يده الارض كذا ذكره البغوي (الحال الثَّانِيَةُ) أَنْ يَجِدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَنْظُرَ إنْ وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ فَإِنْ كَانُوا لَا يَذُبُّونَ عَنْهُ فَهُوَ كَمَوَاتِ دَارِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ غَنِيمَةٌ وَلَا يُخْمَسُ بَلْ كُلُّهُ لِلْوَاجِدِ
* وَقَالَ مَالِكٌ يكون بين الجيش وقال الاوزارعى يُؤْخَذُ خُمُسُهُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَيْشِ
* دَلِيلُنَا عُمُومُ الْحَدِيثِ (وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ) وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمَوْجُودِ فِي دَارِ أَهْلِ الْعَهْدِ فَقَدْ وَافَقُونَا فِيهَا وان كانوا يذبون عنه ذَبِّهِمْ عَنْ الْعُمْرَانِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ
جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ أَنَّهُ رِكَازٌ كَاَلَّذِي لَا يَذُبُّونَ عَنْهُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ هُوَ كَعُمْرَانِهِمْ وَإِنْ وُجِدَ فِي مَوْضِعٍ مَمْلُوكٍ لَهُمْ نُظِرَ إنْ أُخِذَ بِقَهْرٍ وَقِتَالٍ فَهُوَ غَنِيمَةٌ كَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ وَنُقُودِهِمْ مِنْ بُيُوتِهِمْ فَيَكُونُ خُمُسُهُ لِأَهْلِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ واربعة أخماسه لواحده وَإِذَا أُخِذَ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا قَهْرٍ فَهُوَ فئ ومستحقه أهل الفئ كذا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِغَيْرِ أَمَانٍ أَمَّا إذَا دَخَلَ بِأَمَانٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْكَنْزِ لَا بِقِتَالٍ وَلَا بِغَيْرِهِ كما ليس له خيانتهم في أمتعتهم فان أخذه لَزِمَهُ رَدَّهُ قَالَ وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ قَالَ ثُمَّ فِي كَوْنِهِ فَيْئًا إشْكَالٌ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَأَخَذَ مَالَهُمْ بِلَا قِتَالٍ إمَّا أَنْ يَأْخُذَهُ خُفْيَةً فَيَكُونُ سَارِقًا وَإِمَّا جِهَارًا فَيَكُونُ مُخْتَلِسًا وكالاهما مِلْكٌ خَاصٌّ لِلسَّارِقِ وَالْمُخْتَلِسِ قَالَ وَتَأْيِيدُ هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بأنه غنيمة منهم الصيد لانى وابن الصباغ قلت وكذا اطلق المصنف آخرون أَنَّهُ غَنِيمَةٌ وَحَيْثُ قُلْنَا غَنِيمَةٌ فَإِنْ كَانَ الْوَاجِدُ وَجَدَهُ اخْتَصَّ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ وَخُمُسُهُ لِأَهْلِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَإِنْ كَانَ فِي جَيْشٍ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْجَيْشِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ كَالْمَأْخُوذِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ وُجِدَ فِي قَبْرٍ جَاهِلِيٍّ أَوْ فِي خَرِبَةٍ فَهُوَ رِكَازٌ
(فَرْعٌ)
إذَا وُجِدَ الرِّكَازُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ أَهْلِ الْعَهْدِ وَعُرِفَ مَالِكُ أَرْضِهِ لَمْ يَكُنْ رِكَازًا وَلَا يَمْلِكُهُ الْوَاجِدُ بل يجب حفظه حتى يجئ صَاحِبُهَا فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ فَإِنْ أَيِسَ مِنْ مَجِيئِهِ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ هَكَذَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي (فَإِنْ قِيلَ) هَلَّا كَانَ لُقَطَةً كَمَا لَوْ وُجِدَ ضَرْبُ الْإِسْلَامِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ ضَرْبَ الْإِسْلَامِ وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكٍ فَكَانَ لُقَطَةً كَالثَّوْبِ الْمَوْجُودِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا وُجِدَ فِي مِلْكٍ فَهُوَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ إطْلَاقِ اللَّفْظِ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ فِي الْبَيَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ أَبُو اسحق الْمَرْوَزِيُّ إذَا بَنَى كَافِرٌ بِنَاءً وَكَنَزَ فِيهِ كَنْزًا وَبَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَعَانَدَ فَلَمْ يُسْلِمْ ثُمَّ هَلَكَ وَبَادَ أَهْلُهُ فَوُجِدَ ذَلِكَ الْكَنْزُ كَانَ فَيْئًا لَا رِكَازًا لِأَنَّ الرِّكَازَ إنَّمَا هُوَ أَمْوَالُ الْجَاهِلِيَّةِ الْعَادِيَّةِ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ هَلْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةٌ أَمْ لَا فَأَمَّا مَنْ بَلَغَتْهُمْ
فمالهم فئ فَخُمُسُهُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْوَاجِدِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَيْضًا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَمَا سَبَقَ قَالَ لِأَنَّهُ مَالُ مُشْرِكٍ رَجَعَ إلَيْنَا بِلَا قِتَالٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْكَنْزُ رِكَازًا إذَا لم يعلم حاله وهل بلغته الدعوة يحل ماله أم لا فلا فيحل
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَوْ أَقْطَعَ الْإِمَامُ إنْسَانًا أَرْضًا فَظَهَرَ فِيهَا رِكَازٌ فَهُوَ لِلْمُقْطَعِ سَوَاءٌ وَجَدَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْأَرْضَ بِالْإِقْطَاعِ كَمَا يَمْلِكُهَا بِالشِّرَى وَكَمَا لَوْ أَحْيَا أَرْضًا فَوَجَدَ فِيهَا رِكَازًا فَإِنَّهُ لِلْمُحْيِي سَوَاءٌ وَجَدَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ هَذَا كَلَامُهُ وَمُرَادُهُ أَقْطَعَهُ الْأَرْضَ تَمْلِيكًا لِرَقَبَتِهَا وَكَذَا قَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا أَقْطَعَهُ السُّلْطَانُ أَرْضًا مَلَكَهَا سَوَاءٌ عَمَّرَهَا أَمْ لَا فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا رِكَازًا فَهُوَ لِلْمُقْطَعِ قَالَ وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْإِحْيَاءِ قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لنصه
*
(فَرْعٌ)
لَوْ تَنَازَعَ بَائِعُ الدَّارِ وَمُشْتَرِيهَا فِي رِكَازٍ وُجِدَ فِيهَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي هُوَ لِي وَأَنَا دَفَنْتُهُ وَقَالَ الْبَائِعُ مِثْلُ ذَلِكَ أَوْ قَالَ مَلَكْتُهُ بِالْإِحْيَاءِ أَوْ تَنَازَعَ مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ أَوْ مُؤَجِّرٌ وَمُسْتَأْجِرٌ هَكَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي والمستعير المستأجر بِأَيْمَانِهِمْ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُمْ فَهُوَ كَالنِّزَاعِ فِي مَتَاعِ الدَّارِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُعِيرِ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْأَرْضِ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الدَّارَ وَمَا فِيهَا فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ هَذَا إذَا اُحْتُمِلَ صِدْقُ صَاحِبِ الْيَدِ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُحْتَمَلْ لِكَوْنِ مِثْلِهِ لَا يُحْتَمَلُ دَفْنُهُ فِي مُدَّةِ يَدِهِ فَلَا يُصَدَّقُ صَاحِبُ الْيَدِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ رِكَازٌ لَمْ يَدْفِنْهُ صَاحِبُ الْيَدِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ وَقَعَ نِزَاعُ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُؤَجِّرِ أَوْ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ رُجُوعِ الدَّارِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ فَإِنْ قَالَ الْمُعِيرُ أَوْ الْمُؤَجِّرُ أَنَا دَفَنْتُهُ بَعْدَ عَوْدِ الدَّارِ إلَيَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ وَلَوْ قَالَ دَفَنْتُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّارِ مِنْ يَدِي فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فِي الْحَالَيْنِ (وَأَصَحُّهُمَا) الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ لِأَنَّ الْمَالِكَ اعْتَرَفَ بِحُصُولِ الْكَنْزِ فِي يَدِهِ فيده تنسسخ الْيَدَ السَّابِقَةَ وَلِهَذَا لَوْ تَنَازَعَا قَبْلَ الرُّجُوعِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ وَجَدَ رِكَازًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ الْمِلْكُ مُسْتَطْرَقًا يَسْتَوِي النَّاسُ فِي اسْتِطْرَاقِهِ مِنْ غَيْرِ مَنْعٍ فَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ
التَّقْرِيبِ فِيهِ خِلَافًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ فِيهِ تَأَمُّلٌ قَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ أَوْرَدَهُ فِي حُكْمَيْنِ (أَحَدُهُمَا) إذَا وَجَدَ غَيْرُ مَالِكِ تِلْكَ السَّاحَةِ الْكَنْزَ وَلَمْ يَكُنْ مَالِكُ الْأَرْضِ مُحْيِيًا ابْتِدَاءً وَجَهِلْنَا مُحْيِيهَا فَهَلْ يَحِلُّ لِلْوَاجِدِ أَخْذُهُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْهُ فِي مَكَان مُبَاحٍ لَا اخْتِصَاصَ بِهِ لاحد
وَهَذَا شَرْطٌ
(وَالثَّانِي)
يَحِلُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ كَانَ مُخْتَصًّا فَالِاسْتِطْرَاقُ شَائِعٌ وَالْمَنْعُ زَائِلٌ وَلَيْسَ مَالِكُ الْأَرْضِ مُحْيِيًا قَالَ الْإِمَامُ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ الْوَاجِدَ لَا يَمْلِكُهُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي حُكْمِ التَّنَازُعِ فَإِذَا قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَا وَضَعْتُهُ فَأَيُّهُمَا يُصَدَّقُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) مَالِكُ الْأَرْضِ لِلْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ (وَالثَّانِي) الْوَاجِدُ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَى الْكَنْزِ فِي الْحَالِ وَلَوْ تَنَازَعَا قَبْلَ إخْرَاجِ الْكَنْزِ مِنْ الْأَرْضِ صُدِّقَ مَالِكُ الارض بيمينه بِلَا خِلَافٍ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَلَا يَجِبُ الا في مال جاهلي يعلم ان مثله لا يضرب في الاسلام لان الظاهر انه لم يملكه مسلم الي أن وجده وان كان من ضرب الاسلام كالدراهم الاحدية وما عليه اسم المسلمين فهو لقطة وان كان يمكن أن يكون من مال المسلمين ويمكن أن يكون من مال الجاهلية بأن لا يكون عليه علامة لاحد فالمنصوص انه لقطة لانه يحتمل الامرين فغلب حكم الاسلام ومن أصحابنا من قال هو ركاز لان الموضع الذى وجد فيه موات يشهد بأنه ركاز)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله الْكَنْزُ الْمَوْجُودُ فِي الْمَوَاتِ وَنَحْوُهُ مِمَّا سَبَقَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) يُعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ ضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ اسْمٌ لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعَلَامَاتِ فَهَذَا رِكَازٌ بِلَا خِلَافٍ فَيَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ وَالْبَاقِي لِوَاجِدِهِ (وَالثَّانِي) أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ اسْمُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ أَوْ آيَةٌ أَوْ آيَاتٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَالدَّرَاهِمِ الْأَحَدِيَّةِ بِتَخْفِيفِ الْحَاء وَهِيَ الَّتِي عَلَيْهَا (قُلْ هو الله أحد) فَهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَاجِدُ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ إنْ عَلِمَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ فَطَرِيقَانِ (قَطَعَ) الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ بِأَنَّهُ لُقَطَةٌ يُعَرِّفُهُ وَاجِدُهُ سَنَةً ثم يتملكه ان لم يظهر مالكه (والطريق الثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يَكُونُ لُقَطَةً بَلْ يَحْفَظُهُ عَلَى مَالِكِهِ أَبَدًا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الْقَفَّالِ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ
عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ قَالَ فَعَلَى هَذَا يُمْسِكُهُ الْوَاجِدُ أَبَدًا وَأَنَّ لِلسُّلْطَانِ حِفْظَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ فَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ حِفْظَهُ أَبَدًا فَعَلَ وَإِنْ رَأَى اقْتِرَاضَهُ لِمَصْلَحَةٍ فَعَلَ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَمْلِكُهُ الواجد بحال قال أَبُو عَلِيٍّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللُّقَطَةِ أَنَّ اللُّقَطَةَ تَسْقُطُ مِنْ مَالِكِهَا فِي مَضِيعَةٍ فَجَوَّزَ الشَّرْعُ لِوَاجِدِهَا تَمَلُّكَهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي أَخْذِهَا وَحِفْظِهَا وَأَمَّا الْكَنْزُ الْمَذْكُورُ فَمُحْرَزٌ بِالدَّفْنِ غَيْرُ مُضَيَّعٍ فَأَشْبَهَ الْإِبِلَ الْمُمْتَنِعَةِ مِنْ السِّبَاعِ إذَا وَجَدَهَا فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا لِلتَّمَلُّكِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَهَذَا نَظِيرُ مَنْ طَيَّرَتْ
الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى دَارِهِ أَوْ حِجْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالتَّعْرِيفِ وَقَدْ خَالَفَ أَبُو عَلِيٍّ غَيْرَهُ فِي هَذَا الِاسْتِشْهَادِ وَقَالَ الثَّوْبُ الْمَذْكُورُ لُقَطَةٌ يُعَرَّفُ وَيُمَلَّكُ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْكَنْزَ الْمَذْكُورَ لُقَطَةٌ قَالَ إمَامُ الحرمين ولو انكشفت الارض عن كنز بِسَيْلٍ وَنَحْوِهِ فَمَا أَدْرِي مَا يَقُولُ أَبُو عَلِيٍّ فِيهِ وَهَذَا الْمَالُ الْبَارِزُ ضَائِعٌ قَالَ وَاللَّائِقُ بِقِيَاسِهِ أَنْ لَا يُثْبِتَ الْتِقَاطَهُ لِلتَّمَلُّكِ اعْتِبَارًا بِأَصْلِ الْوَضْعِ كَمَا حَكَيْنَا عَنْهُ فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَصَرَّحَ بِأَنَّ مَا ظَهَرَ بِالسَّيْلِ فَوَجَدَهُ إنْسَانٌ كَانَ رِكَازًا قَطْعًا قَالَ وَلَوْ رَآهُ ظَاهِرًا وَشَكَّ هَلْ أَظْهَرَهُ السَّيْلُ أَمْ كَانَ ظَاهِرًا بِغَيْرِ السَّيْلِ فَهَلْ هُوَ لُقَطَةٌ أَمْ رِكَازٌ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا شَكَّ هَلْ هُوَ دَفْنُ إسْلَامٍ أَمْ جَاهِلِيَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمَوْجُودِ عَلَامَةٌ يُعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ دَفْنِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْجَاهِلِيَّةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ أَصْلًا أَوْ يَكُونَ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ وُجِدَتْ مِثْلُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ أَوْ كَانَ حُلِيًّا أَوْ إنَاءً فَفِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ قَوْلَيْنِ وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ قَوْلًا وَوَجْهًا وَالصَّوَابُ قَوْلَانِ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ أَحَدَهُمَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ رِكَازٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ أَصْحَابُنَا الْبَصْرِيُّونَ يَكُونُ رِكَازًا وَحَكَوْهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لُقَطَةٌ وَبِهِ قَطَعَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ والمصنف والباقون لانه مملوك فلا يستباح الابيقين وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ هُنَا رِوَايَتَانِ
حكاهما الرافعي (احداهما) مُوَافَقَةُ الْأَصْحَابِ فِي كَوْنِهِ لُقَطَةً (وَالثَّانِيَةُ) عَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ كَمَا قَالَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ مُدَارٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا أَنَّهُ مِنْ ضَرْبِهِمْ فَقَدْ يَكُونُ مِنْ ضَرْبِهِمْ وَيَدْفِنُهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ أَنْ وَجَدَهُ وَأَخَذَهُ وَمَلَكَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْكَنْزَ الَّذِي لَا عَلَامَةَ فِيهِ يَكُونُ لُقَطَةً فَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْآخَرِ إنَّهُ رِكَازٌ فَالْحُكْمُ مُدَارٌ عَلَى ضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (ويجب حق الركاز في الاثمان وفى غير الاثمان قَوْلَانِ (قَالَ) فِي الْقَدِيمِ يَجِبُ فِي الْجَمِيعِ لانه حق مقدر بالخمس فلم يختص بالاثمان كخمس الغنيمة (وقال) في الجديد لا يجب لانه حق يتعلق بالمستفاد من الارض فاختص بالاثمان كحق المعدن ولا يعتبر فيه الحول لان الحول يعتبر لكامل النماء وهذا لا يتوجه في
الركاز وهل يعتبر فيه النصاب فيه قولان (قال) في القديم يخمس قليله وكثيره لان مأخمس كثيره خمس قليله كالغنيمة (وقال) في الجديد لا يخمس ما دون النصاب لانه حق يتعلق بالمستفاد من الارض فاعتبر فيه النصاب كحق المعدن)
* (الشَّرْحُ) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الرِّكَازَ إذَا كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَجَبَ فيه الخمس سواء كان مَضْرُوبًا أَوْ غَيْرَهُ وَفِي غَيْرِهِمَا طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا وَبِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ نصه في الام والاملاء من كتبه الجديد لا يجب
(والثانى)
وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْبُوَيْطِيِّ مِنْ الْجَدِيدِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَأَمَّا الْحَوْلُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَأَمَّا النِّصَابُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ اشْتِرَاطُهُ قَطْعًا (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِيهِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ) اشْتِرَاطُهُ (وَالْقَدِيمُ) لَا يُشْتَرَطُ
* وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَوْلَ لَا يُشْتَرَطُ بِلَا خِلَافٍ وَكَوْنُهُ نِصَابًا ذَهَبًا وَفِضَّةً شَرْطٌ عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَوْ كُنْتُ أَنَا الْوَاجِدُ لَخَمَّسْتُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَلَوْ وَجَدْتُ فُخَّارَةً لَخَمَّسْتُهَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَالْوَرَعِ لَا انه واجب قال أصحابنا وإدا أَوْجَبْنَا الْخُمُسَ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَخَذَ خمس الموجود
لا قيمته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (فعلى هذا يعنى إذا شرطنا النصاب إذا وجد مائة درهم ثم وجد مائة اخرى لم يجب الخمس في واحد منهما وان وجد دون النصاب وعنده نصاب من جنسه نظرت فان وجد الركاز مع تمام الحول في النصاب الذى عنده ضمه إلي ما عنده وأخرج الخمس من الركاز وربع العشر من النصاب لان الحول لا يعتبر في الركاز فيصير الركاز مع النصاب كالزيادة مع نصاب حال الحول عليهما وان
وجده بعد الحول علي النصاب ضمه عليه لان الحول قد حال علي ما معه والركاز كالزيادة التى حال عليها الحول وان وجده قبل الحول علي النصاب لم يخمس لان الركاز كبعض نصاب حال عليه الحول وإذا تم حول البعض ولم يتم حول الباقي لم تجب الزكاة فإذا تم حول النصاب أخرج زكاته وإذا تم حول الركاز من حين وجده أخرج عنه ربع العشر وسقط الخمس فأما إذا كان الذى معه أقل من النصاب فان كان وجد الركاز قبل تمام الحول علي ما معه لم يضم إليه بل يستأنف الحول عليهما من حين تم النصاب فإذا تم الحول أخرج الزكاة وإن وافق وجود الركاز حال حول الحول فالمنصوص في الام انه يضم إلى ما عنده فإذا بلغ النصاب أخرج من الركاز الخمس ومن الذى معه ربع العشر لان الركاز لا يعتبر فيه الحول فيجعل كالموجود معه في جميع الحول ومن اصحابنا من قال لا يضم بل يستأنف الحول عليهما من حين تم النصاب فإذا حال الحول أخرج عنهما ربع العشر)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ إلَى آخِرِ الْبَابِ سَبَقَ شَرْحُهُ وَاضِحًا فِي فَصْلِ الْمَعْدِنِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ حُكْمَ الرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ فِي تَتْمِيمِ النِّصَابِ وَجَمِيعِ هَذِهِ التَّفْرِيعَاتِ سَوَاءٌ وِفَاقًا وَخِلَافًا بِلَا فَرْقٍ هَذَا إذَا شَرَطْنَا النِّصَابَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَكِنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَوَاضِعَ جَزَمَ بِهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ فَالْمَذْهَبُ الَّذِي عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ مَا أَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مِنْ الرِّكَازِ مِائَةَ دِرْهَمٍ ثُمَّ وَجَدَ مِائَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْخُمُسُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَيْهِمَا مِنْ حَيْثُ كمل النصاب فاذاتم لَزِمَهُ رُبُعُ الْعُشْرِ كَسَائِرِ
النُّقُودِ الَّتِي يَمْلِكُهَا وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ النِّصَابِ فِي الرِّكَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالرِّكَازِ
(إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا حُكْمُ الذِّمِّيِّ فِي الرِّكَازِ حُكْمُهُ فِي الْمَعْدِنِ كَمَا سَبَقَ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ وَجَدَهُ مَلَكَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ قَدَّمْنَاهُ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْحَاوِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ احْتِمَالُ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّهُ كَالْحَاصِلِ لِلْمُسْلِمِينَ فهو كما لهم الضَّائِعِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَأَخَذَهُ فَفِي أَخْذِ حَقِّ الرِّكَازِ مِنْهُ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي حَقِّ الْمَعْدِنِ (الثَّانِيَةُ) لَوْ وُجِدَ فِي مِلْكِهِ رِكَازٌ فَلَمْ يَدَّعِهِ وَادَّعَاهُ اثْنَانِ فَصَدَقَ أَحَدُهُمَا سُلِّمَ إلَيْهِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَقَالَهُ غَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ (الثَّالِثَةُ) إذَا وَجَدَ مِنْ الرِّكَازِ دُونَ النِّصَابِ وَلَهُ دَيْنٌ يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ يَبْلُغُ بِهِ نِصَابًا وَجَبَ خُمُسُ الرِّكَازِ فِي الْحَالِ فَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا أَوْ مَدْفُونًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا وَالرِّكَازُ نَاقِصٌ لَمْ يُخْمَسْ حَتَّى يَعْلَمَ سَلَامَةَ مَالِهِ وَحِينَئِذٍ يُخْمَسُ الرِّكَازُ النَّاقِصُ عَنْ النِّصَابِ سَوَاءٌ بَقِيَ الْمَالُ أَمْ تَلِفَ إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ يَوْمَ حُصُولِ الرِّكَازِ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجِبُ صَرْفُ خُمُسِ الرِّكَازِ مَصْرِفَ الزَّكَوَاتِ وَهُوَ زَكَاةٌ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا أَنَّهُ يُصْرَفُ مَصْرِفَ خمس خمس الفئ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَمَنْ تَابَعَهُمَا وَجْهًا عَنْ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِنَا (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ إذَا وَجَدَ رِكَازًا فَأَخْرَجَ خُمُسَهُ ثُمَّ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ مِلْكُهُ فَلِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ اسْتِرْجَاعُ الرِّكَازِ مِنْ وَاجِدِهِ مَعَ خُمُسِهِ الْمُخْرَجِ وَلِلْوَاجِدِ أَنْ يَرْجِعَ بِالْخُمُسِ عَلَى الْإِمَامِ إنْ كَانَ فعه إلَيْهِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى أَهْلِ السَّهْمَانِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي أَيْدِيهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَاقِيًا فِي أَيْدِيهِمْ أَوْ كَانَ تَالِفًا فِي يَدِ الْإِمَامِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ ضَمَّنَهُ فِي مَالِ الزَّكَاةِ وَإِنْ تَلَفَ فِي يَدِهِ بِتَفْرِيطٍ أَوْ خِيَانَةٍ ضَمَّنَهُ فِي مَالِهِ (السَّادِسَةُ) في مذاهب الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ مِنْ الرِّكَازِ
ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا اشْتِرَاطُ النِّصَابِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عن مالك واحمد واسحق وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ قَالَ وَبِهِ قَالَ جل اهل العمل قَالَ وَهُوَ أَوْلَى بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ حَقُّ الرِّكَازِ فِي غَيْرِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ فِي كُلِّ مَوْجُودٍ رِكَازٌ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مالك واحمد واسحق وأبو عُبَيْدٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ (وَأَمَّا) الذِّمِّيُّ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ من مذهبنا انه لا شئ عَلَيْهِ فِي الرِّكَازِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أن عليه الخمس كالمسلم ونقل عَنْ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَا حِكَايَتَهُ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَالرِّكَازُ الْمَوْجُودُ فِي مَوَاتِ دَارِ أَهْلِ الْعَهْدِ يَمْلِكُهُ وَاجِدُهُ عِنْدَنَا كَمَوَاتِ دَارِ الْإِسْلَامِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ قَالَ مَالِكٌ يَكُونُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ لَا لِلْوَاجِدِ (وَأَمَّا) الْمَوْجُودُ فِي دَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَرِكَازٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْبَاقِينَ لَكِنْ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ غنيمة ولا شئ فيه بل كله لو اجده بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ مَنْ غَنِمَ وَحْدَهُ فَلَا خُمُسَ عَلَيْهِ وَمَصْرِفُ الرِّكَازِ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ عندنا
* وقال أبو حنيفة مصرف الفئ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَابْنُ الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ قَرِيبًا وَالرِّكَازُ الْمَوْجُودُ فِي دَارٍ أَوْ أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ يَكُونُ لِسَاكِنِهِ عِنْدَنَا إذَا ادَّعَاهُ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو ثَوْرٍ يَكُونُ لو اجده والله أعلم
*
(بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ)
يُقَالُ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَيُقَالُ لِلْمُخْرَجِ فِطْرَةٌ بِكَسْرِ الْفَاء لَا غَيْرُ وَهِيَ لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ وَلَا مُعَرَّبَةٌ بَلْ اصْطِلَاحِيَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ وَكَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ التى هي الخلقة أي زكاة الخلقة ومن ذَكَرَ هَذَا صَاحِبُ الْحَاوِي
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (زَكَاةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى حُرٍّ وَعَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ))
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جَمَاهِيرِ
الْعُلَمَاءِ وحكي صاحب الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ اللَّبَّانِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً قَالُوا وَهُوَ قَوْلُ الْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَاجِبَةٌ وَلَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَظْنُونٍ وَالْفَرْضَ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ
* وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَتُسَمَّى وَاجِبَةً وَفَرْضًا
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَعَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحِ مِثْلُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي عَمَّارٍ عَرِيبِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ابن حُمَيْدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا نَزَلَتْ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فَهَذَا الْحَدِيثُ مَدَارُهُ عَلَى أَبِي عَمَّارٍ وَلَا يُعْلَمُ حَالُهُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَإِنْ صَحَّ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إسْقَاطُ الْفِطْرَةِ لِأَنَّهُ سَبَقَ الْأَمْرُ بِهِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِإِسْقَاطِهَا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ وُجُوبِهَا (وَقَوْلُهُ) لَمْ يَأْمُرْنَا لَا أَثَرَ لَهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ سَبَقَ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَكْرَارِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الرِّوَايَةِ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ وَالْأَصَمِّ وَإِنْ كَانَ الْأَصَمُّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ كَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي وَقْتِ شَرْعِ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهَا وَجَبَتْ بِمَا وَجَبَتْ بِهِ زَكَاةُ الْأَمْوَالِ وهو الظواهر التى في كتاب السنة لِعُمُومِهَا فِي الزَّكَاتَيْنِ
(وَالثَّانِي)
قَالَهُ أَصْحَابُنَا الْبَصْرِيُّونَ أَنَّهَا وَجَبَتْ بِغَيْرِ مَا وَجَبَتْ بِهِ زَكَاةُ الْأَمْوَالِ وَأَنَّ وُجُوبَهَا سَابِقٌ لِوُجُوبِ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ لِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ الْمَذْكُورِ وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ هَلْ وَجَبَتْ بِالْكِتَابِ أَمْ بِالسُّنَّةِ فَقِيلَ بِالسُّنَّةِ لِحَدِيثِ قَيْسٍ وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا وَقِيلَ بالقرآن وانما السنة مبينة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
(ولا يجب ذلك الاعلي مسلم فاما الكافر فانه ان كان أصليا لم تجب عليه للخبر وان كان مرتدا فعلي ما ذكرناه في أول الكتاب من الاقوال الثلاثة (وأما) المكاتب فالمذهب أنها لا تجب عليه لانه لا يلزمه زكاة المال فلا يلزمه زكاة الفطر كالكافر ومن أصحابنا من قال تلزمه لان زكاة الفطر تابعة للنفقة ونفقته علي نفسه فكذلك فطرته وهذا يبطل بالذمي فان نفقته على نفسه ولا تلزمه الفطرة ولا تجب إلا على من فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وقت الوجوب ما يؤدى في الفطرة فان لم يفضل
عن نفقته شئ لم تلزمه لانه غير قادر فان فضل بعض ما يؤديه ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يلزمه لانه عدم بعض ما يؤدى به الفرض فلم يلزمه كما لو وجبت عليه كفارة وهو يملك بعض رقبة (والثاني)
يلزمه لانه لو ملك نصف عبد لزمه نصف فطرته فإذا ملك نصف الفرض لزمه أخراجه في فطرته)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا شُرُوطُ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ ثَلَاثَةٌ الاسلام والحرية واليسار (فلاول) الْإِسْلَامُ فَلَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْ قَرِيبٌ مُسْلِمٌ أَوْ متولدة مُسْلِمَةٌ فَفِي وُجُوبِ فِطْرَتِهِمْ عَلَيْهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَزِمَهُ فِطْرَةُ غَيْرِهِ هَلْ تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي ابْتِدَاءً أَمْ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا الْمُؤَدِّي وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرُهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَهُنَاكَ نُوضِحُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْنَا) يَجِبُ
قال امام الحرمين لاصائر إلَى أَنَّ الْمُتَحَمِّلَ عَنْهُ يَنْوِي بَلْ يَكْفِي إخْرَاجُ الْكَافِرِ وَنِيَّتُهُ لِأَنَّهُ الْمُكَلَّفُ بِالْإِخْرَاجِ وَلَوْ أَسْلَمَتْ ذِمِّيَّةٌ تَحْتَ ذِمِّيٍّ وَدَخَلَ وَقْتُ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ فِي حَالُ تَخَلُّفِ الزَّوْجِ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَفِي وُجُوبِ نَفَقَتِهَا فِي مُدَّةِ التَّخَلُّفِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهَا فَلَا فِطْرَةَ وَإِلَّا فَالْفِطْرَةُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ (وَأَمَّا) الْمُرْتَدُّ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِطْرَتُهُ كَزَكَاةِ مَالِهِ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ سَبَقَتْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى بَقَاءِ مِلْكِهِ وَزَوَالِهِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَزُولُ فَلَا تَجِبُ زَكَاةٌ وَلَا فِطْرَةٌ
(وَالثَّانِي) يَبْقَى فَيَجِبَانِ
(وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَّا بَقَاءَهُ فَيَجِبَانِ وَإِلَّا فَلَا وَحُكْمُ فِطْرَةِ الرَّقِيقِ الْمُرْتَدِّ حُكْمُ فِطْرَةِ السَّيِّدِ الْمُرْتَدِّ فَفِيهَا الْأَقْوَالُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ هَذَا كُلُّهُ فِي مُطَالَبَةِ الْكَافِرِ بِالْإِخْرَاجِ فِي الدُّنْيَا وَأَمَّا أَصْلُ الخطاب
فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِالزَّكَاةِ وَالْفِطْرَةِ وَسَائِرِ الْفُرُوعِ عَلَى الصَّحِيحِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُزَادُ فِي عُقُوبَتِهِ بِسَبَبِهَا فِي الْآخِرَةِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُوَضَّحَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَدْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الاجماع أن الكافر
لافطرة عليه لنفسه (الشرط الثَّانِي) الْحُرِّيَّةُ فَلَيْسَ عَلَى الرَّقِيقِ فِطْرَةُ نَفْسِهِ وَلَا فِطْرَةُ غَيْرِهِ وَلَوْ مَلَكَهُ السَّيِّدُ عَبْدًا وقلنا بملكه سَقَطَتْ فِطْرَتُهُ عَنْ سَيِّدِهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُتَمَلِّكِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ إلَّا الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّرْخَسِيَّ فَحَكَيَا قَوْلًا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ هَذَا قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى انْتِزَاعِهِ وَهَذَا
شاذ باطل (وَأَمَّا) الْمُكَاتَبُ فَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ يُسَمِّيهَا أَقْوَالًا وَهِيَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَوْجُهِ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ ضعيف وسيده لا تلزمه نفقته (والثاني) تجب عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي كَسْبِهِ تَبَعًا لِلنَّفَقَةِ (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ عَنْهُ
حَكَاهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ النَّفَقَةُ عَنْ السَّيِّدِ لِاسْتِقْلَالِ الْمُكَاتَبِ بِاكْتِسَابِهِ وَلِأَنَّهَا تَكْثُرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمُكَاتَبَ هَلْ عَلَيْهِ فِطْرَةُ نَفْسِهِ تَجْرِي فِي أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ وَعَبِيدِهِ وَالصَّحِيحُ لَا يَلْزَمُهُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ فِطْرَةَ زَوْجَتِهِ وَعَبِيدِهِ كَنَفْسِهِ وَفِي وُجُوبِهَا الخلاف (الصحيح) لا تلزمه (واما) المدبر والمستولدة فكالقن فتجب فطرته على سيده لاعلي نَفْسِهِ وَأَمَّا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ فَتَجِبُ فِطْرَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَتَكُونُ عَلَيْهِ وَعَلَى مالك بعضه أن تَكُنْ مُهَايَأَةٌ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) الْيَسَارُ فَالْمُعْسِرُ لَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَالِاعْتِبَارُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِحَالِ الْوُجُوبِ فَمَنْ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِلَيْلَةِ الْعِيدِ وَيَوْمِهِ
صاع فهو موسر وان لم يفضل شئ فهو معسر ولا يلزمه شئ فِي الْحَالِ وَلَا يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ فَلَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمَاضِي بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ أَيْسَرَ عَقِبَ وَقْتِ الْوُجُوبِ بِلَحْظَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَبِهِ قَالَ الشافعي والاصحاب لكن يستحب لَهُ الْإِخْرَاجُ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ
أَيْسَرَ يَوْمَ الْعِيدِ لَزِمَهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْيَسَارَ شَرْطَانِ لِلْوُجُوبِ وَقَدْ أَجْمَعْنَا على أن طرءآن الْإِسْلَامِ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَكَذَلِكَ الْيَسَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِنْ فَضَلَ بَعْضُ صَاعٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ وَهُوَ قَوْلُ أبي علي ابن أَبِي هُرَيْرَةَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَصْحِيحِ هَذَا الْوَجْهِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قِيَاسًا عَلَى بَعْضِ الرَّقَبَةِ غَلَطٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْقِيَاسِ والفرق بينه وبين الكفارة
مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ لَهَا بَدَلًا (وَالثَّانِي) أَنَّ بَعْضَ الرَّقَبَةِ لَا يُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِهِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ وَبَعْضُ الصَّاعِ يَجِبُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصْفَ عَبْدٍ وَنِصْفُهُ لِمُعْسِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ رحمه الله ومن فضل عن قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ مَا يَخْرُجُ فِي الْفِطْرَةِ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ كَانَ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ مُوسِرٌ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فِي ضَبْطِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ وَزَادَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَاعْتَبَرَ كَوْنَ الصَّاعِ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَعَبْدِهِ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ وَقَالَ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا لَا يُحْسَبُ فِي الْكَفَّارَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَإِذَا نَظَرْتَ كُتُبَ الْأَصْحَابِ لَمْ تَجِدْ مَا ذَكَرَهُ وَقَدْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ كَالْبَيَانِ وَالِاسْتِدْرَاكِ لَمَّا أَهْمَلَهُ الْأَوَّلُونَ وَرُبَّمَا اسْتَشْهَدْتُ بِكَوْنِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا دَسْتَ ثوب يكتسيه وَلَا شَكَّ فِي اعْتِبَارِهِ فَإِنَّ الْفِطْرَةَ لَيْسَتْ بِأَشَدَّ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ مُبْقًى عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ لَكِنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا عَلِيٍّ حَكَى وَجْهًا أَنَّ عَبْدَ الْخِدْمَةِ لَا يُبَاعُ فِي الْفِطْرَةِ كَمَا لَا يُبَاعُ فِي الْكَفَّارَةِ ثُمَّ أَنْكَرَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا يُشْتَرَطُ في الفطرة كونه فاضلا عن كِفَايَتِهِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ قُوتُ يَوْمِهِ كَالدَّيْنِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ مَا يَقْتَضِي وَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ مُوَافَقَةُ الْإِمَامِ
* وَاحْتَجَّ لَهُ الْبَغَوِيّ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ الِابْنَ الصَّغِيرَ إذَا كَانَ لَهُ عَبْدٌ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ لَزِمَ الْأَبَ فِطْرَتُهُ كَفِطْرَةِ الِابْنِ فَلَوْلَا أَنَّ العبد غير غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَسَقَطَ بِسَبَبِهِ فِطْرَةُ الِابْنِ وَإِذَا شَرَطْنَا كَوْنَ الْمُخْرَجِ فَاضِلًا عَنْ الْعَبْدِ وَالْمَسْكَنِ فَإِنَّمَا نَشْتَرِطُهُ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَوْ ثَبَتَتْ الْفِطْرَةُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ بِعْنَا خَادِمَهُ وَمَسْكَنَهُ فِيهَا لِأَنَّهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ الْتَحَقَتْ بِالدُّيُونِ
قَالَ وَاعْلَمْ ان دين الْآدَمِيَّ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى صَرْفِهِ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ تَمْنَعُهُ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ عَلَى قَوْلٍ كَمَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَى قَوْلٍ كَانَ
مبعدا هذا لفظه وفيه شي سَنَذْكُرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ شَرْحِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ مَعَ كَوْنِ الْمُخْرَجِ فَاضِلًا عَمَّا سَبَقَ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ قَدْرِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رحمه الله وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ هَذَا لَفْظُهَا قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ هَلْ يُبَاعُ بَعْضُهُ فِي الْفِطْرَةِ عَنْ الْعَبْدِ وَالسَّيِّدِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُبَاعُ وَهُوَ كَالْمَعْدُومِ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ عَبْدٌ وَذَكَرَ مَا سَبَقَ وَهَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالْإِمَامُ هُوَ الصَّحِيحُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي
ضَبْطِ الْيَسَارِ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفِطْرَةُ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَمْلِكَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ حَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ مَا قيمته نصاب فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَأَثَاثِهِ الَّذِي لَا بُدَّ منه قال العبدرى ولا يحفط هَذَا عَنْ أَحَدِ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ لَا شئ له فلا فطرة عَلَيْهِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَة مِنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ وَوَجَدَ مَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ فَاضِلًا عَنْ النَّفَقَةِ فَيَجِبُ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ وَعَلَى أَبِيهِمَا وَأُمِّهِمَا وَإِنْ عَلَوْا فِطْرَةُ وَلَدِهِمَا وَوَلَدِ وَلَدِهِمَا وَإِنْ سَفَلُوا وَعَلَى الولد وولد الولد فِطْرَةُ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَأَبِيهِمَا وَأُمِّهِمَا وَإِنْ عَلَوْا إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ نَفَقَتُهُمْ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ) فَإِنْ كَانَ لِلْوَلَدِ أَوْ لِلْوَالِدِ عَبْدٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْخِدْمَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ فِطْرَةُ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ فَفِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تَجِبُ فِطْرَتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ فطرته لِحَقِّ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ لَا يَزُولُ بِالْإِبَاقِ (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ فِيهِ
قَوْلَانِ كَالزَّكَاةِ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ (قَالَ) فَإِنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ نَفْسَيْنِ وَجَبَتْ الْفِطْرَةُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ عَبْدًا وَجَبَ عَلَى السَّيِّدِ نِصْفُ فِطْرَتِهِ وَعَلَى الْعَبْدِ نِصْفُ فِطْرَتِهِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ فَكَذَلِكَ الْفِطْرَةُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مُكَاتَبٌ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَرَوَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ تَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفَقَةُ فَجَازَ أَنْ تَسْتَحِقَّ بِهِ
الْفِطْرَةُ كَمِلْكِ الْيَمِينِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُخْدَمُ وَلَهَا مَمْلُوكٌ يَخْدُمُهَا وَجَبَ عليه فطرته لانه يجب عليه نفقته فَإِنْ نَشَزَتْ الزَّوْجَةُ لَمْ يَلْزَمْهُ فِطْرَتُهَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا فِطْرَةُ مُسْلِمٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ كَافِرًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى حُرٍّ وَعَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْفِطْرَةِ تَطْهِيرُ الْمُؤَدَّى عَنْهُ لِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ قَدْ طَهَّرَ نَفْسَهُ بِالْفِطْرَةِ والكافر لا يلحقة تطهير)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَّا قَوْلَهُ (مِمَّنْ تَمُونُونَ) فَرَوَاهُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُهُ غَيْرُ قَوِيٍّ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ ابن مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُرْسَلٌ أَيْضًا فَالْحَاصِلُ أَنْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ (مِمَّنْ تَمُونُونَ) لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ وَأَمَّا بَاقِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ كما سبق
* وأما حكم الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْفِطْرَةُ قَدْ يَجِبُ أَدَاؤُهَا عَلَى الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ تَجِبُ عَنْ غَيْرِهِ وَجِهَاتُ التَّحَمُّلِ عَنْ غَيْرِهِ ثَلَاثٌ الْمِلْكُ وَالنِّكَاحُ وَالْقَرَابَةُ وَكُلُّهَا تَقْتَضِي وُجُوبَ الْفِطْرَةِ فِي الْجُمْلَةِ فَمَنْ لَزِمَهُ نَفَقَةٌ بِسَبَبٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَزِمَهُ فِطْرَةُ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أُمُورٌ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ صُوَرٌ مِنْهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ سَتَظْهَرُ بِالتَّفْرِيعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ بَلْ عَلَيْهَا فِطْرَةُ نَفْسِهَا وَسَتَأْتِي مَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعٍ مُسْتَقِلٍّ وَمِنْ الْمُسْتَثْنَى أَنَّ الِابْنَ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ فِي وُجُوبِ الْإِعْفَافِ وَهَلْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهَا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَطَائِفَةٍ وُجُوبُهَا (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ
وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَآخَرِينَ وَالرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ لَا تَجِبُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ قَالُوا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي فِطْرَةِ مُسْتَوْلَدَةِ الْأَبِ وَأَمَّا زَوْجَةُ الِابْنِ الْمُعْسِرِ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا وَلَا فِطْرَتُهَا عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إعْفَافُهُ وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ وَأَمَّا الْإِخْوَةُ وَبَنُوهُمْ وَالْأَعْمَامُ وَبَنُوهُمْ وَسَائِرُ الْأَقَارِبِ غَيْرُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتِهِمْ وَلَا فِطْرَتُهُمْ (وَأَمَّا) الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ فَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمْ بِشُرُوطِهَا الْمَعْرُوفَةِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَجَبَتْ فِطْرَتُهُمْ وَمَنْ لَا فَلَا فَلَوْ كَانَ الِابْنُ الْكَبِيرُ فِي نَفَقَةِ أَبِيهِ فَوَجَدَ قُوتَهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ فَقَطْ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ عَلَى الْأَبِ لِسُقُوطِ نَفَقَتِهِ عَنْهُ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ وَلَا عَلَى الِابْنِ لِإِعْسَارِهِ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَفِي سُقُوطِ الْفِطْرَةِ عَلَى الْأَبِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ لَا تَجِبُ كَالِابْنِ الْكَبِيرِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ (وَالثَّانِي) تَجِبُ
لنأكدها بِخِلَافِ الْكَبِيرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِنْ كَانَ لِلْقَرِيبِ الَّذِي تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَبْدٌ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ لَزِمَ الْمُنْفِقُ فِطْرَتُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤَنِ الْقَرِيبِ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْقِنُّ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَالْمُسْتَوْلَدَة فَتَجِبُ فِطْرَتُهُمْ عَلَى السَّيِّدِ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (حُرٍّ وَعَبْدٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَجِبُ فِطْرَةُ الْمَرْهُونِ وَالْجَانِي وَالْمُسْتَأْجَرِ عَلَى سَيِّدِهِمْ كَالنَّفَقَةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ فِي الْمَرْهُونِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمَالِ الْمَرْهُونِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ لَا نَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِمَا بَلْ قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِالْوُجُوبِ هُنَا وَهُنَاكَ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَنَقَلَ السَّرَخْسِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهِ وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْ رَقَبَةِ الْمَرْهُونِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَالنَّفَقَةُ عَلَى السَّيِّدِ قَالَ بِخِلَافِ الْمَالِ الْمَرْهُونِ حَيْثُ قُلْنَا يُخْرِجُ زَكَاتَهُ مِنْهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ فِطْرَةَ الْعَبْدِ فِي ذِمَّةِ سَيِّدِهِ وَزَكَاةَ الْمَالِ فِي عَيْنِهِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ مَالٌ آخَرُ أَخَرَجَهَا مِنْ نَفْسِ الْمَرْهُونِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مَالِهِ
(وَالثَّانِي)
لَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ نَفْسِ الْمَرْهُونِ بِأَنْ يَبِيعَ بَعْضَهُ (وَأَمَّا) الْعَبْدُ الْآبِقُ وَالضَّالُّ فَفِيهِمَا طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذكرهما المصنف بدليلهما (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ قَوْلَانِ كَزَكَاةِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ (وَأَمَّا) الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ
بِوُجُوبِ فِطْرَتِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَذَكَرَ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ طَرِيقَيْنِ كَالْآبِقِ (وَأَمَّا) الْعَبْدُ الْغَائِبُ فَإِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ وكان في طاعة سيده رحبت فِطْرَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ مَعَ تَوَاصُلِ الرِّفَاقِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وُجُوبُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ حَيَاتُهُ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا تَجِبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ مِنْهَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّ عِتْقَ هَذَا العبد لا يجزئ عنه الْكَفَّارَةِ وَفِيهِ قَوْلَانِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ الْفِطْرَةِ وَنَصَّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ فَقِيلَ فِيهِمَا قَوْلَانِ وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ وَهُوَ الْأَصَحُّ بِظَاهِرِ النَّصَّيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ شُغْلُ الذِّمَّةِ بِالْكَفَّارَةِ وَشَكَكْنَا فِي الْبَرَاءَةِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْفِطْرَةَ فِي الْآبِقِ وَالضَّالِّ وَالْمَغْصُوبِ وَمُنْقَطِعِ الْخَبَرِ وَجَبَ إخْرَاجُهَا فِي الْحَالِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِيهِ قَوْلَيْنِ عَنْ الْإِمْلَاءِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ الْإِخْرَاجُ فِي الْحَالِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجِبُ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ كَالْمَالِ الْمَغْصُوبِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ إمْكَانَ الْأَدَاءِ شَرْطٌ فِي زَكَاةِ الْمَالِ الْغَائِبِ يَتَعَذَّرُ فيه الآداء وما زَكَاةُ الْفِطْرِ فَتَجِبُ
عَمَّا لَا يُؤَدَّى عَنْهُ وَكَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْخِلَافُ فِي تَعْجِيلِ الْإِخْرَاجِ بَعِيدٌ قَالَ وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ وَإِيجَابِ تَعْجِيلِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَتَجِبُ فِطْرَةُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وَفِطْرَةُ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ السَّيِّدَيْنِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَلَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ مُهَايَأَةٌ فَالْفِطْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ النَّصِيبَيْنِ وَعَلَى السَّيِّدِ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ عَلَى قَدْرِ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مُهَايَأَةٌ فَهَلْ تَخْتَصُّ الْفِطْرَةُ بِمَنْ وَقَعَ زَمَنُ الْوُجُوبِ فِي نَوْبَتِهِ أَمْ تُوَزَّعُ بَيْنَهُمَا فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَكْسَابَ وَالْمُؤَنَ النَّادِرَةَ هَلْ تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ أَمْ لَا يَدْخُلُ فِيهَا إلَّا الْمُعْتَادُ وَعَلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ نَادِرَةٌ أَمْ لَا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي بَابِ اللُّقَطَةِ (فَأَحَدُ) الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْقَوْلَيْنِ دُخُولُ النَّادِرِ فِي الْمُهَايَأَةِ وَفِي الْفِطْرَةِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَالسَّرْخَسِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ أَنَّهَا مِنْ النَّادِرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ (والثاني) علي وجهين
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَدْخُلُ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْجَزْمَ بِهَذَا قَالَ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ مُعَاوَضَةُ كَسْبِ يَوْمٍ بِكَسْبِ يَوْمٍ وَالْفِطْرَةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا وَهَذَا التَّعْلِيلُ ضَعِيفٌ وَالْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الْفِطْرَةَ عَنْ الْبَدَنِ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ
* فَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالصَّيْدَلَانِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْفِطْرَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ بَلْ تَكُونُ مُشْتَرَكَةً وَالرَّاجِحِ عِنْدَ الْآخَرِينَ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ دُخُولُهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُمْ كُلُّهُمْ كَالْمُتَّفِقِينَ عَلَى دُخُولِهَا فِي بَابِ اللُّقَطَةِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَفَرَّقَ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْفِطْرَةَ لَا تَتَكَرَّرُ وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً فَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْمُؤَنِ وَالْأَكْسَابِ النَّادِرَةِ فانها قد تَقَعُ فِي النَّوْبَتَيْنِ جَمِيعًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ جَنَى هَذَا الْمُشْتَرَكُ وَبَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَتْ الْجِنَايَةُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِوُجُوبِ الْأَرْشِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ الْأَرْشَ تَعَلَّقَ بِالرَّقَبَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْمُكَاتَبُ فسبق بيانه في الفصل المتقدم والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ كما سبق قال ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يَجِبُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا تَجِبُ فِطْرَةُ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهَا فَإِنْ كَانَتْ نَاشِزَةً لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهَا بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِوُجُوبِ فِطْرَتِهَا عَلَيْهَا حِينَئِذٍ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُلَاقِيهَا الْوُجُوبُ لِأَنَّهَا بِالنُّشُوزِ خَرَجَتْ عَنْ إمْكَانِ التَّحَمُّلِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ مُتَعَيِّنٌ وَلَوْ لَمْ تَنْشِزْ هِيَ بَلْ حَالَ أَجْنَبِيٌّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ اطلاق الوجوب وُجُوبُ فِطْرَتِهَا عَلَى الزَّوْجِ كَالْمَرِيضَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وطرد أبو الفضل ابن عَبْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيهَا الْخِلَافَ السَّابِقَ
فِي الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَالضَّالِّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبْدَانَ يَتَأَيَّدُ بِأَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَاعْتَدَّتْ عَنْهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ لِأَنَّهُ فَاتَ التَّمْكِينُ بِسَبَبٍ نَادِرٍ فَسَقَطَتْ النَّفَقَةُ بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ فَإِنَّهُ عَامٌّ وَكَذَا لَوْ حُبِسَتْ فِي دَيْنٍ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً وَالزَّوْجُ كَبِيرًا أَوْ عَكْسُهُ أَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ فَالْفِطْرَةُ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَفِيهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي كِتَابِ النفقات والاصح وجوب نفقتة الكبيرة دون الصغيرة سواء كان الزَّوْجُ صَغِيرًا وَهِيَ صَغِيرَةً أَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لِعَدَمِ التَّمْكِينِ وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً فَفِطْرَتُهَا
كَنَفَقَتِهَا وَفِيهَا خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ إنْ وَجَبَتْ عَلَى الزَّوْجِ لَزِمَتْهُ فِطْرَتُهَا وَإِلَّا فَهُمَا عَلَى السَّيِّدِ وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ نَفَقَتَهَا فَكَذَا الْفِطْرَةُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ كَنَفَقَتِهَا (وَأَمَّا) الْبَائِنُ فَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا فَلَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ عَنْهَا كَمَا لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ لَهَا وَيَلْزَمُهَا فِطْرَةُ نَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ عَلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ الْفِطْرَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِلْحَامِلِ أَمْ لِلْحَمْلِ (إنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا تَجِبُ فطرته هذا إذا كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً فَإِذَا كَانَتْ أَمَةً فَفِطْرَتُهَا
بِاتِّفَاقِهِمْ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ (فَإِنْ قُلْنَا) النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ فَلَا فِطْرَةَ كَمَا لَا نَفَقَةَ لِأَنَّهُ لَوْ بَرَزَ الْحَمْلُ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ مِلْكُ سَيِّدِهَا (وَإِنْ قُلْنَا) للحمل وَجَبَ وَسَوَاءٌ رَجَّحْنَا الطَّرِيقَ الْأَوَّلَ أَمْ الثَّانِي فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَامِلِ بِسَبَبِ الْحَمْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ تُخْدَمُ في العادة لها خَادِمٌ مَمْلُوكٌ لَهَا يَخْدُمُهَا لَزِمَ الزَّوْجَ فِطْرَةُ الْخَادِمِ لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَالْفِطْرَةُ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَشَذَّ عَنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ قِيلَ عَلَيْهِ فِطْرَةُ خَادِمِهَا الْمَمْلُوكِ لَهَا وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْخَادِمَ مِنْ تَتِمَّةِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ فِطْرَةَ الزَّوْجَةِ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَإِنْ أَخْدَمَهَا حُرَّةً صحبتها لتخدمها واتفق عَلَيْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ فِطْرَتُهَا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُسْتَأْجَرَةِ وَإِنْ أَخْدَمَهَا مَمْلُوكَةً لِلزَّوْجِ فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهَا أَيْضًا وَإِنْ اكْتَرَى لَهَا خَادِمًا حُرَّةً أَوْ أَمَةً لَمْ يَلْزَمْهُ فِطْرَةُ الْخَادِمِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَقْتَضِي النَّفَقَةَ (أَمَّا) إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُخْدَمُ فِي الْعَادَةِ بَلْ عَادَةُ مِثْلِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ لَهَا خَادِمٌ فَإِنْ أَخْدَمَهَا بِمَمْلُوكَتِهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِخْدَامِ وَعَلَيْهِ فِطْرَةُ الْخَادِمِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ لَا بِالْإِخْدَامِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ تَخْدُمَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ فِطْرَةُ الْخَادِمِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي فِطْرَةِ الزَّوْجَةِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُهَا عَلَى الزوج وبه قال علي ابن أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَالثَّوْرِيُّ لَيْسَ عَلَيْهِ فِطْرَتُهَا بَلْ هِيَ عَلَيْهَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا فِطْرَةُ مُسْلِمٍ فَإِذَا كَانَ لَهُ قَرِيبٌ أَوْ زَوْجَةُ أو مملوك كافر لم يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَلَا يَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُمْ بِلَا خِلَافٍ عندنا وبه قال على ابن أبى طالب وجابر ابن عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ
وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ والنخعي والثوري
* وقال أبو حنيفة وأصحابه واسحق تَجِبُ عَنْ عَبْدِهِ وَقَرِيبِهِ الذِّمِّيِّ دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أصحابنا العبد ينفق علي زوجته من كبسه وَلَا يُخْرِجُ عَنْهَا الْفِطْرَةَ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَكَذَا نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِفِطْرَةِ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى بَلْ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ فِطْرَةُ نَفْسِهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَعَلَى سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِيهِمَا وَقِيلَ لَا تَجِبُ عَلَى الْحُرَّةِ أَيْضًا وَقِيلَ لَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ وَسَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالي قال أَصْحَابُنَا وَلَوْ مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ مَالًا وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ إخْرَاجُ الْفِطْرَةِ مِنْهُ عَنْ زَوْجَتِهِ اسْتِقْلَالًا لِأَنَّهُ مِلْكٌ ضَعِيفٌ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي ذَلِكَ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ لَا يُخْرِجُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ
(وَالثَّانِي)
يُخْرِجُ لِأَنَّهُ مَالِكٌ مَأْذُونٌ لَهُ فَعَلَى هَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِذْنِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا ثَبَتَ لَا يَنْدَفِعُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَوْصَى بِرَقَبَةِ عَبْدٍ لِرَجُلٍ وَبِمَنْفَعَتِهِ لِآخَرَ فَفِي نَفَقَتِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ سَنُوَضِّحُهَا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَصَحُّهَا) تَجِبُ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ
(وَالثَّانِي)
عَلَى مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ (وَالثَّالِثُ) فِي كَسْبِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ وَأَمَّا الْفِطْرَةُ فَفِيهَا طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ هُنَاكَ وَالرَّافِعِيُّ هُنَا تَجِبُ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَجْهًا وَاحِدًا (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ السَّرَخْسِيُّ وَآخَرُونَ هُنَاكَ أَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ فَتَجِبُ عَلَى مَنْ يَقُولُ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ
وَمُرَادُهُمْ إذَا قُلْنَا بِالْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالثَّالِثِ إنَّهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ فَلَا تَجِبُ لِأَنَّ عَبِيدَ بَيْتِ الْمَالِ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُمْ فَهَذَا أَوْلَى فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الْخِلَافِ أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ فِطْرَتِهِ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ تَجِبُ الْفِطْرَةُ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
عَبِيدُ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمَوْقُوفُونَ عَلَى مَسْجِدٍ وَرِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ لَا فِطْرَةَ فِيهِمْ عَلَى الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهَا تَجِبُ وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ عَلَى إنْسَانٍ مُعَيَّنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِي رَقَبَتِهِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فعليه فطرته
وَإِنْ قُلْنَا لِلَّهِ تَعَالَى فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا فِطْرَةَ (وَقِيلَ) لَا فِطْرَةَ مُطْلَقًا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالْحَاصِلُ لِلْفَتْوَى أَنَّ الْأَصَحَّ لَا فِطْرَةَ
* (فرع)
عبيد التجارة تحب فِطْرَتُهُمْ عِنْدَنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ
* (فَرْعٌ)
تَجِبُ فِطْرَةُ الْعَبْدِ الَّذِي فِي مَالِ الْقِرَاضِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ لَهُ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ فِي أَرْضِهِ أَوْ مَاشِيَتِهِ لَزِمَهُ فِطْرَتُهُمْ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءُ بْنُ يسار والزهرى ومالك وابو حنيفة واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَحَكَى عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُمْ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ فِطْرَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى سَيِّدَيْهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَعَبْدِ الملك ومحمد بن الحسن وابو ثور واسحق
* وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يجب علي واحد منهما شئ قَالَ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ قَالَ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ
* (فَرْعٌ)
مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ تَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ نِصْفُ فِطْرَتِهِ وَعَلَيْهِ فِي كَسْبِهِ بِنِصْفِهِ الْحُرِّ نِصْفُ الْفِطْرَةِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ
* وَقَالَ مَالِكٌ على مالكه نصف صاع لا شئ عَلَى
الْعَبْدِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَجِبُ جَمِيعُ الصَّاعِ عَلَى سَيِّدِهِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا شئ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْعَبْدِ الْفِطْرَةُ عَنْ نَفْسِهِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ عَلَى السَّيِّدِ فِطْرَةُ عَبْدِهِ وَسَوَاءٌ كان لَهُ كَسْبٌ أَمْ لَا هَذَا
* مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْمُسْلِمُونَ كَافَّةً إلَّا دَاوُد الظَّاهِرِيَّ فَقَالَ لَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ بَلْ تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ تَمْكِينُهُ مِنْ الْكَسْبِ لَهَا وَهَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى السَّيِّدِ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ عَلَى الْأَبِ وَسَائِرِ الْوَالِدَيْنِ فِطْرَةَ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَعَلَى الْوَلَدِ فِطْرَةُ وَالِدِهِ وَإِنْ عَلَا بِشَرْطِ أَنْ تكون نفقته واجبة فَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ فَإِذَا كَانَ الطِّفْلُ مُوسِرًا كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَفِطْرَتُهُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى أَبِيهِ وَلَا جَدِّهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا عَلَى الْأَبِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مال الصبي عصي وضمنه
*
قال المصنف رحمه الله
* (ولا تجب حتى تفضل الفطرة عن نفقته ونفقة من تلزمه نفقته لان النفقة أهم فوجبت البداية بها وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) فَإِنْ وُجِدَ مَا يُؤَدَّى عَنْ بَعْضِهِمْ فَفِيهِ أربعة أوجه (أحدها) يبدأ بمن يبدأ بنفقته فان فضل صاع أخرجه عن نفسه فان فضل صاع آخر اخرجه عن زوجته فان فضل صاع آخر اخرجه عن ولده الصغير فان فضل صاع آخر اخرجه عن أبيه فان فضل صاع آخر اخرجه عن أمه فان فضل صاع آخر اخرجه عن ولده الكبير لانا قلنا الفطرة تابعة للنفقة وترتيبهم في النفقة كما ذكرنا فكذلك في الفطرة
(والثانى)
تقدم فطرة الزوجة علي فطرة نفسة لانها تجب بحكم المعاوضة (والثالث) يبدأ بنفسه ثم بمن شاء (والرابع) أنه بالخيار في حقه وحق غيره لان كل واحد منهم لو انفرد لزمه فطرته فإذا اجتمعوا تساووا)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ولفظه (وابدأ بِمِنْ تَعُولُ) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ (وَلَفْظُهُ ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شئ
فلاهلك فان فضل عن أهلك شئ فَلِذِي قَرَابَتِكَ) وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْبِدَايَةُ لَحْنٌ وَصَوَابُهُ البداءة أو البداه أو البدوه وقد سبق مثله في مواقيت الصلاة
* أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْفِطْرَةُ حَتَّى تَفْضُلَ نَفَقَتُهُ وَنَفَقَةُ مَنْ يَلْزَمُهُ عَنْ نَفَقَتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ وَتَفْضُلَ عَنْ سَائِرِ الْمُؤَنِ الَّتِي سَبَقَ بَيَانُهَا وَفِي الدَّيْنِ خِلَافٌ سَبَقَ وَكَذَا فِي الْخَادِمِ فَإِنْ وُجِدَ مَا يُؤَدَّى عَنْ بَعْضِهِمْ فَفِيهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِأَدِلَّتِهَا (أَصَحُّهَا) الْأَوَّلُ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا صَاعًا وَلَهُ جَمَاعَةٌ وَأَرَادَ إخْرَاجَهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ مُوَزَّعًا عَنْهُمْ (فَإِنْ قُلْنَا) بِغَيْرِ الْوَجْهِ الرَّابِعِ لَمْ يَجُزْ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالرَّابِعِ وَقُلْنَا وُجِدَ بَعْضُ صَاعٍ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الْأَصَحُّ) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ فِطْرَةِ وَاحِدٍ وَلَمْ يُخْرِجْهَا
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَحَيْثُ قلنا يخرج الصاع عن نفسه فاخرجه عَنْ غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ وَتَثْبُتُ فِطْرَتُهُ فِي ذِمَّتِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ صَاعَانِ فَأَخْرَجَ أَحَدَهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَهُ أَقَارِبُ فِي مَرْتَبَةٍ كَابْنَيْنِ كَبِيرَيْنِ أَوْ صَغِيرَيْنِ أَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ وَيُخْرِجُهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ عَنْهُمَا مُوَزَّعًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْإِقْرَاعِ وَلَهُ مَجَالٌ فِي نَظَائِرِهِ وَحَكَى السَّرَخْسِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّهُ يُقَدِّمُ فِطْرَةَ الْأُمِّ عَلَى فِطْرَةِ الْأَبِ وَوَجْهًا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فَيُخْرِجُهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَوَجْهًا أَنَّهُ يُقَدِّمُ فطرة
الِابْنِ الْكَبِيرِ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ لِأَنَّ النَّصَّ ورد بنفقته والفطرة تتبعها ووجها عن بن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُقَدِّمُ فِطْرَةَ الْأَقَارِبِ عَلَى فِطْرَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إزَالَةِ سَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِذَا ضَمَمْنَا هَذِهِ الْأَوْجُهَ الْأَرْبَعَةَ مَعَ وَجْهِ التَّوْزِيعِ إلَى الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ حَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ تِسْعَةُ أَوْجُهٍ مُتَبَايِنَةٍ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا غَرِيبًا أَنَّهُ يُخْرِجُهُ عَنْ أَحَدِ الْجَمَاعَةِ لَا بِعَيْنِهِ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَشَرَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالسَّرْخَسِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ التَّخْيِيرَ قَالُوا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَا نُسَلِّمُ لَهُمْ أَنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ
فَإِنَّ النَّصَّ أَدَّى عَنْ بَعْضِهِمْ وَلَيْسَ فِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِالتَّخْيِيرِ فَالْمَذْهَبُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَإِنْ قِيلَ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هُنَا أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْأَقَارِبَ يُرَتَّبُونَ فِي الْفِطْرَةِ كَمَا يُرَتَّبُونَ فِي النَّفَقَةِ وَذَكَرُوا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ تَقْدِيمُ الِابْنِ الصَّغِيرِ ثُمَّ الْأَبِ ثُمَّ الْأُمِّ ثُمَّ الِابْنِ الْكَبِيرِ فَقَدَّمُوا الْأَبَ عَلَى الْأُمِّ وَقَالُوا فِي النَّفَقَاتِ الْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُمْ يُرَتَّبُونَ هُنَا كَالنَّفَقَةِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ النَّفَقَةَ تحب لِسَدِّ الْخَلَّةِ وَدَفْعِ الْحَاجَةِ وَالْأُمُّ أَكْثَرُ حَاجَةً وَأَقَلُّ حِيلَةً وَأَكْثَرُ خِدْمَةً لِلْوَلَدِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا بِالنَّفَقَةِ الَّتِي تَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهَا (وَأَمَّا) الْفِطْرَةُ فَلَا تجب لحاجه ولا لذفع ضَرَرٍ بَلْ لِتَطْهِيرِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ وَتَشْرِيفِهِ وَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَا فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَيَشْرُفُ بِشَرَفِهِ وَمُرَادُ الْأَصْحَابِ بِقَوْلِهِمْ كَالنَّفَقَةِ أَيْ تَجِبُ مُرَتَّبَةً كَمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مُرَتَّبَةً وَكَيْفِيَّةُ تَرْتِيبِهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي مُعْظَمِهِ وَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَتَرْتِيبُهُمْ فِي النَّفَقَةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ فَضَلَ عَنْ مُؤْنَتِهِ صَاعٌ وَاحِدٌ وَلَهُ عَبْدٌ أَخْرَجَ الصَّاعَ عَنْ نَفْسِهِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَبِيعَ فِي فِطْرَةِ الْعَبْدِ جُزْءًا مِنْهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ (وَالثَّانِي) لَا (وَأَصَحُّهَا) إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى خِدْمَتِهِ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ الْمُعْتَمَدُ وَصَحَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اللُّزُومَ مُطْلَقًا وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ تَصْحِيحُهُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلنَّصِّ السَّابِقِ فِي فِطْرَةِ عَبْدِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ إذَا احْتَاجَ إلَى خِدْمَتِهِ * قال المصنف رحمه الله
* (ومن وجبت فطرته علي غيره فهل يجب ذلك علي المؤدى ابتداء أو يجب علي المؤدى عنه ثم يتحمل المؤدى فيه وجهان (احدهما) تجب علي المؤدى ابتداء لانها تجب في ماله (والثاني) تجب على المؤدى عنه لانها
تجب لتطهيرة فان تطوع المؤدى عنه واخرج بغير اذن المؤدى ففيه وجهان (إن قلنا) انها تجب على المؤدى ابتداء لم تجزئه كما لو اخرج زكاة ماله عنه بغيير إذنه (وإن قلنا) يتحمل جاز لانه اخرج ما وجب عليه وإن كان من يمونه مسلما وهو كافر فعلي الوجهين (إن قلنا) انها تجب عليه ابتداء لم تجب لانه إيجاب زكاة علي كافر (وإن قلنا) انه يتحمل وجب عليه لان الفطرة وجبت علي مسلم وإنما هو متحمل)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْفِطْرَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَى الشَّخْصِ بِسَبَبِ غَيْرِهِ فِيهَا خِلَافٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ
وَالْأَكْثَرُونَ هُوَ وَجْهَانِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرْخَسِيُّ وَآخَرُونَ هُوَ قَوْلَانِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ هُوَ قَوْلَانِ مُسْتَنْبَطَانِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي فِطْرَةِ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي ابْتِدَاءً وَلَا يُلَاقِي الْوُجُوبُ الْمُؤَدَّى عَنْهُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا الْمُؤَدِّي قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لَلشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ طُهْرَةً لَهُ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ وَالْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ وَطَرَدُوهُ فِي كُلِّ مُؤَدٍّ عَنْ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ وَقَرِيبٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ طَوَائِفُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ هَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي فِطْرَةِ الزَّوْجَةِ فَقَطْ (فَأَمَّا) فِطْرَةُ الْمَمْلُوكِ وَالْقَرِيبِ فَتَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي ابْتِدَاءً بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى عَنْهُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَقَالَ طَرْدُ الْخِلَافِ فِي الْجَمِيعِ بَعِيدٌ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ طَرْدُهُ فِي جَمِيعِهِمْ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّحَمُّلِ فَهَلْ هُوَ كَالضَّمَانِ أَمْ كَالْحَوَالَةِ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيُّ فِي الْمَسَائِلِ الْجُرْجَانِيَّاتِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ غَرِيبٌ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ كَالْحَوَالَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَازِمٌ لِلْمُؤَدِّي لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالضَّمَانِ وَبِهِ جَزَمَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَوْ أَدَّاهَا الْمُتَحَمِّلُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُؤَدِّي أَجْزَأَهُ عَلَى هذا القول وسقطت عن الْمُؤَدِّي وَلَوْلَا أَنَّهُ كَالْمَضْمُونِ عَنْهُ لَمَا أَجْزَأَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَفَرَّعَ الْأَصْحَابُ عَلَى الْخِلَافِ فِي التَّحَمُّلِ وَعَدَمِهِ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) لَوْ كَانَ لِلْكَافِرِ عَبْدٌ أَوْ مُسْتَوْلَدَةٌ أَوْ قَرِيبٌ مُسْلِمُونَ فَهَلْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُمْ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا الْمُؤَدِّي (وَإِنْ قلنا) علي المؤدى ابْتِدَاءً لَمْ يَجِبْ هُنَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا فَلَا صَائِرَ إلَى أَنَّ الْمُؤَدَّى عَنْهُ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ (الثَّانِيَةُ) إذَا لَزِمَهُ نَفَقَةُ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ مَمْلُوكٍ فَأَدَّاهَا لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى إذْنِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ أَدَّاهَا الْقَرِيبُ بِاسْتِقْرَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أَدَّتْهَا الزَّوْجَةُ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ مَنْ لزمته
أَجْزَأَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ أَدِّ فِطْرَتِي أَوْ زَكَاةَ مَالِي فَأَدَّاهَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحَمُّلِ إنْ قُلْنَا بِالتَّحَمُّلِ
أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا وَوَجْهُهُمَا مَا ذَكَرَهُ المصنف والصحيح الاجزاء وهو نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ سَوَاءٌ قُلْنَا بِالتَّحَمُّلِ أَمْ لَا إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ قَالَ لِأَنَّ لَهُ الْإِخْرَاجَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ السَّرَخْسِيُّ هَذَا خِلَافُ النَّصِّ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّ الزَّوْجَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَالضَّامِنِ وَالْمَرْأَةُ فِي مَعْنَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ الْأَدَاءُ بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ إخْرَاجَ الْقَرِيبِ يُجْزِئُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ اسْتَأْذَنَ أَمْ لَا وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَإِنْ اسْتَأْذَنَتْ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (الثَّالِثَةُ) إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَلَهُ أَبٌ مُعْسِرٌ وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَأَيْسَرَ الْأَبُ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ الِابْنُ الْفِطْرَةَ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ قُلْنَا الْوُجُوبُ يُلَاقِي الْأَبَ لَزِمَهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الِابْنِ وَإِلَّا فَعَلَى الِابْنِ دُونَ الْأَبِ (الرَّابِعَةُ) إذَا تَزَوَّجَ مُعْسِرٌ بِمُوسِرَةٍ أَوْ تَزَوَّجَ الْمُوسِرَةَ عَبْدٌ أَوْ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ مُعْسِرٌ فَهَلْ عَلَى الْمُوسِرَةِ وَسَيِّدِ الْأَمَةِ فِطْرَتُهَا فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحَمُّلِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَسَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْخَامِسَةُ) إذَا كَانَ لَهُ أَبٌ مُعْسِرٌ لَهُ زَوْجَةٌ فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّحَمُّلِ لَزِمَ الِابْنَ فِطْرَتُهَا كَفِطْرَةِ الْأَبِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ فَالِابْنُ أَوْلَى وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ السَّرَخْسِيُّ
* (فَرْعٌ)
فِيمَا يَدْخُلُهُ التَّحَمُّلُ
* ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْهُ هُنَا أَرْبَعَ صُوَرٍ (إحْدَاهَا) أَدَاءُ الزَّكَاةِ صَرْفًا إلَى الْغَارِمِ قَالَ وَهَذَا تَحَمُّلٌ حَقِيقِيٌّ وَارِدٌ عَلَى وُجُوبٍ مُسْتَقِرٍّ (الثَّانِيَةُ) تَحَمُّلُ الدِّيَةِ عَنْ الْقَاتِلِ وَهَلْ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ابْتِدَاءً أَمْ عَلَى الْجَانِي ثُمَّ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ (الثَّالِثَةُ) الْفِطْرَةُ وَفِيهَا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ (الرَّابِعَةُ) كَفَّارَةُ جِمَاعِهِ زَوْجَتَهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَهَلْ هِيَ عَنْهُ أَوْ عَنْهُ وَعَنْهَا فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإن كان له زوجة موسرة وهو معسر فالمنصوص أنه لا تجب الفطرة عليها وقال فيمن زوج أمته من معسر ان علي المولى فطرتها فمن أصحابنا من نقل جَوَابَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وخرجهما علي قولين (احدهما) لا تجب لانها زكاة تجب عليه مع القدرة فسقطت بالاعسار
كفطرة نفسه
(والثانى)
تجب لانه إذا كان معسرا جعل كالمعدوم ولو عدم الزوج وجبت فطرة الحرة علي نفسها وفطرة الامة علي سيدها وكذلك ههنا ومن اصحابنا من قال (ان قلنا) يتحمل وجبت علي الحرة وعلي مولي الامة لان الوجوب عليهما والزوج متحمل فإذا عجز عن التحمل بقى الوجوب في محله (وإن قلنا) تجب عليه ابتداء لم تجب على الحرة ولا علي مولي الامة لانه لاحق عليهما وقال أبو اسحق تجب علي مولي الامة ولا تجب علي الحرة لان فطرتها على المولي لان المولي لا يجب عليه التبوئة التامة فإذا سلم كان متبرعا فلا يسقط بذلك ما وجب عليه من الزكاة والحرة غير متبرعة بالتسليم لانه يجب عليها تسليم نفسها فإذا لم يقدر علي فطرتها سقطت عنها الفطرة)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ تَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ احْتَرَزَ بِالزَّكَاةِ عَنْ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ (وَقَوْلُهُ) وَعَلَيْهِ التَّبْوِئَةُ هُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقَ مفتوحة بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَبَعْدَ الْوَاوِ هَمْزَةٌ وَهِيَ التَّسْلِيمُ وَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَشْهُورٌ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ حُكْمَهُ وَدَلِيلَهُ كَمَا ذَكَرَهُ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ عَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ دُونَ الْحُرَّةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ فَإِنَّهُ مُعْسِرٌ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهَا عَلَى سَيِّدِ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ دُونَ الْحُرَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْحُرَّةِ أَنْ تُخْرِجَ الْفِطْرَةَ عَنْ نَفْسِهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَلِتَطْهِيرِهَا وَإِذَا قُلْنَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ الْمُوسِرَةَ فِطْرَتُهَا فَأَخْرَجَتْهَا ثُمَّ أَيْسَرَ الزَّوْجُ لَمْ تَرْجِعْ بِهَا عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهَا كَمَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ إذَا أَيْسَرَ وَهَذَا النَّقْلُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَالِاسْتِدْلَالُ لَهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْمُعْسِرَ لَيْسَ أَهْلًا لِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزوجة
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَمَتَى تَجِبُ الْفِطْرَةُ فِيهِ قَوْلَانِ (قَالَ) فِي الْقَدِيمِ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْعِيدِ فَلَا يَتَقَدَّمُ وَقْتُهَا عَلَى يَوْمِهِ كَالصَّلَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ (وَقَالَ) فِي الْجَدِيدِ تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ) وَالْفِطْرُ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ إلَّا بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَلِأَنَّ الْفِطْرَةَ جُعِلَتْ طهرة للصائم بدليل ماروى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ الرَّفَثِ وَاللَّغْوِ
وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ) وَانْقِضَاءُ الصَّوْمِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ رُزِقَ وَلَدًا أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى عبدا
وَدَخَلَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَهُمْ عِنْدَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُمْ وَإِنْ رُزِقَ وَلَدًا أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى الْعَبْدَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ مَاتُوا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُمْ وَإِنْ دَخَلَ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَهُمْ عِنْدَهُ ثُمَّ مَاتُوا قَبْلَ إمْكَانِ الْأَدَاءِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تَسْقُطُ كَمَا تَسْقُطُ زَكَاةُ الْمَالِ
(وَالثَّانِي)
لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فَلَمْ تَسْقُطْ بِمَوْتِ الْمَرْأَةِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْفِطْرَةِ من أول رَمَضَانَ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِسَبَبَيْنِ بِصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْفِطْرِ مِنْهُ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا جَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْآخَرِ كَزَكَاةِ الْمَالِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَقَبْلَ الحول ولايجوز تقديمها علي رَمَضَانَ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ عَلَى السَّبَبَيْنِ فَهُوَ كَإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْمَالِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَالنِّصَابِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ تُخْرَجَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُخْرَجَ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ) فَإِنْ أَخَّرَهُ حَتَّى خَرَجَ الْيَوْمُ أَثِمَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ حَقُّ مَالٍ وَجَبَ عَلَيْهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَائِهِ فلا يسقط عنه بفوات الوقت)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ الرَّفَثِ وَاللَّغْوِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُخْرَجَ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ) فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِلَفْظِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ (أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ) فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْعِيدِ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا وَلَكِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِغُسْلِ الْعِيدِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْعِيدِ وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا قَبْلَ الْفَجْرِ (قَوْلُهُ) طُهْرَةً وَطُعْمَةً - بِضَمِّ الطَّاءِ - فِيهِمَا (وَقَوْلُهُ) أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ هُوَ - بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ - وَإِنَّمَا قَيَّدْتُهُ لِأَنِّي رَأَيْتُ كَثِيرِينَ مِمَّنْ لَا أُنْسَ لهم بشئ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ يَضُمُّونَهَا وَهَذِهِ غَبَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَالصَّوَابُ الفتح لانه رباعى فالامر فيه يفتح الْهَمْزَةِ كَأَعْطَى وَأَنْفَقَ وَأَخْرَجَ يَقُولُ يَا قَوْمُ أَنْفِقُوا وَأَخْرِجُوا وَأَعْطُوا وَأَغْنُوا السَّائِلَ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - فِي الْجَمِيعِ مَعَ قَطْعِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أنفقوا.
وَأَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ) وَقَالَ تَعَالَى فِي أَغْنَى رُبَاعِيًّا (ووجدك عائلا فاغنى)(أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي وَقْتِ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ فِي الطَّرِيقَيْنِ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِهِمْ تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْقَدِيمُ تَجِبُ
بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (الثَّالِثُ) تَجِبُ بِالْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا فَلَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا وُجُوبَ خَرَّجَهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَضَعَّفَهُ الْأَصْحَابُ وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَوْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ وَبَقُوا إلَى الْفَجْرِ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُمْ عَلَى الْجَدِيدِ وَالْمُخْرَجِ وَتَجِبُ فِي الْقَدِيمِ وَلَوْ وُجِدُوا قَبْلَ الْغُرُوبِ وَمَاتُوا بَيْنَ الْغُرُوبِ وَالْفَجْرِ وَجَبَتْ فِي الْجَدِيدِ دُونَ الْقَدِيمِ وَالْمُخْرَجِ وَلَوْ وُجِدُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَمَاتُوا قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ تَجِبْ بِالِاتِّفَاقِ وَارْتِدَادُ الزَّوْجِ وَالرَّقِيقِ وَطَلَاقُهَا الْبَائِنُ كَالْمَوْتِ وَلَوْ زَالَ الْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَعَادَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَجَبَتْ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ وَعَلَى الْمُخْرَجِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ (الْمَشْهُورِ) أَنَّ الزَّائِلَ الْعَائِدَ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ أَوْ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَمَلَكَهُ الْمُشْتَرِي فِي الْحَالِ بِانْقِطَاعِ الْخِيَارِ وَاسْتَمَرَّ مِلْكُهُ فَعَلَى الْجَدِيدِ فِطْرَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ وَعَلَى الْقَدِيمِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَعَلَى الْمُخْرَجِ لَا تَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوَقْتَيْنِ لَمْ يَقَعَا فِي مِلْكِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ مَاتَ مَالِكُ الْعَبْدِ بَيْنَ الْغُرُوبِ وَالْفَجْرِ وَانْتَقَلَ الْعَبْدُ لِلْوَارِثِ فَعَلَى الْجَدِيدِ فِطْرَةُ هَذَا الْعَبْدِ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَفِي الْقَدِيمِ عَلَى الْوَارِثِ وَعَلَى الْمُخْرَجِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا فِطْرَةَ عَلَى وَاحِدٍ (وَالثَّانِي) تَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ ثُمَّ إنَّ الْوَارِثَ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ الْمُوَرِّثِ وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا وَطَلَعَ الْفَجْرُ فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ وَقُلْنَا بِاعْتِبَارِ الْقَوْلَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَجِبُ الْفِطْرَةُ مُشْتَرَكَةً بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ قُلْنَا تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ أَمْ لَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَنْفَرِدْ به وقت الوجوب (الثانية) لَوْ مَاتَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذكرهما المصنف بدليلهما (أَصَحُّهُمَا) لَا تَسْقُطُ الْفِطْرَةُ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) تَسْقُطُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَمُتْ الْمُؤَدِّي وَلَا الْمُؤَدَّى عَنْهُ لَكِنْ تَلِفَ المال بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ فَفِي سُقُوطِ
الْفِطْرَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا (1) قَالَ (أَصَحُّهُمَا) تَسْقُطُ كَزَكَاةِ الْمَالِ (وَالثَّانِي) لَا وَالْفَرْقُ أَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ وَأَمَّا إذَا تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِلَا خِلَافٍ لِتَقْصِيرِهِ وَقِيَاسًا عَلَى زَكَاةِ الْمَالِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ وُجُوبِهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذكره المصنف
(1) كذا بالاصل فحرر
وفى قت التَّعْجِيلِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (وَالصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ وَبَعْدَهُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَلَا يَجُوزُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِي الصَّوْمِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُخْرِجَهَا يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ إخْرَاجُهَا فِي يَوْمِ الْعِيدِ كُلِّهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهَا عَصَى وَلَزِمَهُ قَضَاؤُهَا وَسَمُّوا إخْرَاجَهَا بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ قَضَاءً وَلَمْ يَقُولُوا فِي الزَّكَاةِ إذَا أَخَّرَهَا عَنْ التَّمَكُّنِ إنَّهَا قَضَاءٌ بَلْ قَالُوا يَأْثَمُ وَيَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَكُونُ أَدَاءً وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِطْرَةَ مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ فَفِعْلُهَا خَارِجَ الْوَقْتِ يَكُونُ قَضَاءً كَالصَّلَاةِ وَهَذَا مَعْنَى الْقَضَاءِ فِي الِاصْطِلَاحِ وَهُوَ فِعْلُ الْعِبَادَةِ بَعْدَ وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا لَا تُؤَقَّتُ بِزَمَنٍ مَحْدُودٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا وُجُوبُهَا بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ وبه قال الثوري واحمد واسحق وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ
* وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ تَجِبُ بِطُلُوعِ الشمس
*
* قال المصنف رحمه الله
* (والواجب صَاعٌ بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لحديث ابن عمر قَالَ (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ) والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي لما روى عمر ابن حبيب القاضى قال (حججت مع أبى جعفر فلما قدم المدينة قال ائتوني بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فعايره فوجده خمسة أرطال وثلث برطل أهل العراق))
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) الْحِكَايَةُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ قَاضِي الْبَصْرَةِ فَضَعِيفَةٌ وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى تَضْعِيفِ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ هَذَا وَنَسَبَهُ ابْنُ معين الي الكذب وقد أوضحت حاله فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ (وَقَوْلُهُ) فَعَايَرَهُ أَيْ اعْتَبَرَهُ قال أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ عَايَرْتُ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ وَعَاوَرْتُهُ إذَا اعْتَبَرْتُهُ وَلَا يُقَالُ عَيَّرْتُهُ
* وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَدْ اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْفِطْرَةِ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ صَاعٌ بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ خمسة ارطال وثلث بالبغدادي من أَيِّ جِنْسٍ أَخْرَجَهُ سَوَاءٌ الْحِنْطَةُ وَغَيْرُهَا وَرَطْلُ بغداد مائة
وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا بِغَيْرِ أَسْبَاعٍ وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَقْوَى قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ الْأَصْلُ فِيهِ الْكَيْلُ وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ الْعُلَمَاءُ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا قُلْتُ قَدْ يُسْتَشْكَلُ ضَبْطُ الصَّاعِ بِالْأَرْطَالِ فَإِنَّ الصَّاعَ الْمُخْرَجُ بِهِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ وَيَخْتَلِفُ قَدْرُهُ وَزْنًا بِاخْتِلَافِ مَا يُوضَعُ فِيهِ كَالذُّرَةِ وَالْحِمَّصِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ أَوْزَانَ هَذِهِ مُخْتَلِفَةٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَحْسَنُهُمْ فِيهَا كَلَامًا الْإِمَامُ أَبُو الْفَرْجِ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ صَنَّفَ فِيهَا مَسْأَلَةً مستقبلة وَكَانَ كَثِيرَ الِاعْتِنَاءِ بِتَحْقِيقِ أَمْثَالِ هَذِهِ وَمُخْتَصَرُ كَلَامِهِ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْكَيْلِ دُونَ الْوَزْنِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ إخْرَاجُ صَاعٍ مُعَايَرٍ بِالصَّاعِ الَّذِي كَانَ يُخْرَجُ بِهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ الصَّاعُ مَوْجُودٌ وَمَنْ لَمْ يَجِدْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِظْهَارُ بِأَنْ يُخْرِجَ مَا يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ وَعَلَى هَذَا فَالتَّقْدِيرُ بِخَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ تَقْرِيبٌ هَذَا كَلَامُ الدَّارِمِيِّ وَذَكَرَ الْبَنْدَنِيجِيُّ نَحْوَهُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الصَّاعُ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدِلِ الْكَفَّيْنِ وَنَقَلَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامُ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلِيِّ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ قَالَ وَجَدْنَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا يَخْتَلِفُ مِنْهُمْ اثْنَانِ فِي أَنَّ مُدَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي يُؤَدِّي بِهِ الصَّدَقَاتِ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَطْلٍ وَنِصْفِ وَلَا دُونَ رَطْلٍ وَرُبْعٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ رَطْلٌ وَثُلُثٌ قَالَ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا وَلَكِنَّهُ عَلَى حَسَبِ رَزَانَةِ الْمَكِيلِ مِنْ الْبُرِّ وَالتَّمْرِ وَالشَّعِيرِ قَالَ وَصَاعُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَهُوَ
صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم * قَالَ المصنف رحمه الله
* (وَفِي الْحَبِّ الَّذِي يُخْرِجُهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ كُلِّ قُوتٍ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ (كُنَّا نُخْرِجُ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَمْ يَكُنْ قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَمِيعِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدِ بْنُ حَرْبٍ تَجِبُ مِنْ غَالِبِ قُوتِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ أَدَاءُ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ من
قوته وقال أبو العباس وأبو إسحق تَجِبُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ تَعَلَّقَ بِالطَّعَامِ فَوَجَبَ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ كَالطَّعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنْ عَدَلَ عَنْ قُوتِ الْبَلَدِ إلَى قُوتِ بَلَدٍ آخَرَ نَظَرْت فَإِنْ كَانَ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ اجود اجزأه وان كان دونه لم يجزه فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ يَقْتَاتُونَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَيْسَ بَعْضُهَا بِأَغْلَبَ مِنْ بَعْضٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَفْضَلِهَا لِقَوْلِهِ عز وجل (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وَمِنْ أَيُّهَا أَخْرَجَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ قُوتِهِمْ الْأَقِطُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (قَالَ) أَبُو إسحق يُجْزِئُهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ (وَقَالَ) الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِيهِ قَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) أَنَّهُ يجزئه للخير
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَأَشْبَهَ اللَّحْمَ فَإِذَا قُلْنَا يُجْزِئُهُ فَأَخْرَجَ اللبن اجزأه لانه اكمل منه لانه يجئ مِنْهُ الْأَقِطُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ أَخْرَجَ الْجُبْنَ جَازَ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَإِنْ أَخْرَجَ الْمَصْلَ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ أَنْقَصُ مِنْ الْأَقِطِ لِأَنَّهُ لَبَنٌ مَنْزُوعُ الزُّبْدِ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا قُوتَ فِيهِ أَخْرَجَ مِنْ قُوتِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِهِ بَلَدَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْقُوتِ أَخْرَجَ مِنْ قُوتِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَا يَجُوزُ فِي فِطْرَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ جِنْسَيْنِ لِأَنَّ مَا خُيِّرَ فِيهِ بَيْنَ جِنْسَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضَهُ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ خَمْسَةً وَيَكْسُوَ خَمْسَةً فَإِنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ نَفْسَيْنِ فِي بَلَدَيْنِ قُوتُهُمَا مُخْتَلِفٌ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ واحد منهما مِنْ قُوتِهِ بَلْ يُخْرِجَانِ مِنْ أَدْنَى الْقُوتَيْنِ (وقال) أبو اسحق يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ صاع من قوته لان كل احد مِنْهُمَا لَمْ يُبَعِّضْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ (وَمِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُعْتَبَرُ فِيهِ قُوتُ الْعَبْدِ أَوْ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْعَبْدُ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِحَقِّهِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ قُوتُهُ أَوْ قُوتُ بَلَدِهِ كَالْحُرِّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ حَبٍّ مُسَوَّسٍ لِأَنَّ السُّوسَ أَكَلَ
جَوْفَهُ فَيَكُونُ الصَّاعُ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الدَّقِيقِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيُّ يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ نَاقِصُ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْحَبِّ فَلَمْ يَجُزْ كَالْخُبْزِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ (فَقَدْ) قَالَ أَبُو دَاوُد رَوَى سُفْيَانُ الدَّقِيقَ وَوَهِمَ فِيهِ ثُمَّ رَجَعَ عنه)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْرَجِ مِنْ الْفِطْرَةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَقْوَاتِ الَّتِي يَجِبُ فيها العشر فلا يجزئ شئ مِنْ غَيْرِهَا إلَّا الْأَقِطَ وَالْجُبْنُ وَاللَّبَنُ عَلَى خِلَافٍ فِيهَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ هُنَا اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ مِنْ الْقُوتِ الْمُعَشَّرِ وَقَدْ ذَكَرَهُ هُوَ فِي التَّنْبِيهِ كَمَا ذكره الاصحاب
ثُمَّ إنَّ جَمِيعَ الْأَقْوَاتِ الْمُعَشَّرَةِ تُجْزِئُ فِي الجملة ولا يستثنى منها شئ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحُكِيَ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّهُ لَا يجزئ العدس والحمص وإن كان قوتا لهم وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (وَأَمَّا) الْأَقِطُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا المصنف والاصحاب
(أحدهما)
وبه قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ الْقَطْعُ بِإِجْزَائِهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ (كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أو صاعا شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَالْأَقِطُ ثَابِتٌ فِي رِوَايَاتٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ لِلْحَدِيثِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ فَأَشْبَهَ اللَّحْمَ وَاللَّبَنَ وَبِهَذِهِ الطريقة قال القاضي أبو حامد المروروذى والصواب الاولى لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ ثُمَّ الْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي إجْزَاءِ الْأَقِطِ بَيْنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَالْحَضَرِ وقال الماوردى الخلاف في اهل البادية وأما أَهْلُ الْحَضَرِ فَلَا يُجْزِئُهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ قُوتَهُمْ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ فَاسِدٌ مَرْدُودٌ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ صَرِيحٌ فِي إبْطَالِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْبَادِيَةِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ وَاَللَّهِ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ جَوَّزْنَا الْأَقِطَ فَهَلْ يُجْزِئُ الْجُبْنُ وَاللَّبَنُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَآخَرُونَ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْجُبْنَ أَكْمَلَ مِنْهُ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي عَلَى وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ وصححه الماوردى لانه ليس معشر وَلَا يُدَّخَرُ وَإِنَّمَا جَازَ الْأَقِطُ بِالنَّصِّ وَهُوَ مِمَّا يُدَّخَرُ وَالْخِلَافُ
مَخْصُوصٌ بِمَنْ قُوتُهُ الْأَقِطُ هَلْ لَهُ إخْرَاجُ اللَّبَنِ وَالْجُبْنِ هَكَذَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ إذَا جَوَّزْنَا الْجُبْنَ وَاللَّبَنَ جَازَ مَعَ وُجُودِ الْأَقِطِ وَمَعَ عَدَمِهِ وَقَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْأَقِطِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُجْزِئُهُ الْأَقِطُ لَمْ يُجْزِئْهُ اللَّبَنُ وَالْجُبْنُ قَطْعًا وَأَمَّا المخيض والكشك والسمن والمصل فلا يجزئ شئ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى اللبن وكذا الجبن المنزوع الزبد وسواء كانت هَذِهِ الْأَشْيَاءُ قُوتَهُ وَقُوتَ الْبَلَدِ أَمْ لَا لَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَزَائِرِ أَوْ غَيْرِهِمْ يَقْتَاتُونَ السَّمَكَ وَالْبَيْضَ فَلَا يُجْزِئُهُمْ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) اللَّحْمُ فَالصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فِي إجْزَائِهِ قَوْلَانِ كَالْأَقِطِ قال وكأنهم رَأَوْا اللَّبَنَ أَصْلَ الْأَقِطِ وَهُوَ عُصَارَةُ اللَّحْمِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ بَاطِلٌ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي كُتُبِهِمْ بَلْ الْمَوْجُودُ فِي كُتُبِهِمْ مع كثرتها القطع بأنه لَا يُجْزِئَ بِلَا خِلَافٍ فَهَذَا هُوَ
الصواب (وأما) الاقوال النَّادِرَةُ الَّتِي لَا عُشْرَ فِيهَا كَالْغَثِّ وَالْحَنْظَلِ فَلَا يُجْزِئُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَوْ اقْتَاتُوا ثَمَرَةً لَا عُشْرَ فِيهَا كَالتِّينِ وَغَيْرِهِ لَا يُجْزِئُ قَطْعًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يُجْزِئُ الْحَبُّ الْمُسَوَّسُ وَلَا الْمَعِيبُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَإِذَا جَوَّزْنَا إخْرَاجَ الْأَقِطِ لَمْ يَجُزْ إخْرَاجُ الْمُمَلَّحِ الَّذِي أَفْسَدَتْ كثرة المللح جَوْهَرَهُ فَإِنْ كَانَ الْمِلْحُ ظَاهِرًا عَلَيْهِ وَلَمْ يُفْسِدْهُ أَجْزَأَهُ لَكِنَّ الْمِلْحَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ وَيَجِبُ أَنْ يُخْرِجَ قَدْرًا يَكُونُ مَحْضُ الْأَقِطِ مِنْهُ صَاعًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُجْزِئُ الْحَبُّ الْقَدِيمُ وَإِنْ قَلَّتْ قِيمَتُهُ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَلَا لَوْنُهُ لِأَنَّ الْقِدَمَ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَغَيْرُ الْقَدِيمِ أَوْلَى ثُمَّ الْجُمْهُورُ اقْتَصَرُوا عَلَى ذِكْرِ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ لَمْ يُجْزِئْهُ وَهَذَا مُرَادُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِالرَّائِحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ وَلَا السَّوِيقُ كَمَا لَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيِّ أَنَّ الدَّقِيقَ يُجْزِئُ لِأَنَّهُ رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَوْ صَاعًا
مِنْ دَقِيقٍ رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَلَّطَ الْأَصْحَابُ الْأَنْمَاطِيَّ فِي هَذَا قَالُوا وَذِكْرُ الدَّقِيقِ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ فِي سُنَنِهِ ذِكْرُ الدَّقِيقِ وَهْمٌ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ ذِكْرَ الدَّقِيقِ فَتَرَكَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أُنْكِرَ عَلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ الدَّقِيقُ فَتَرَكَهُ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ جَوَازُهُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عباس منقطعا موقوفا علي طريق التواهم قَالَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ قَالَ وَرُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ ضَعِيفَةٍ لَا تُسَاوِي ذِكْرَهَا وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ ابي الفضل ابن عَبْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يُجْزِئُ الْخُبْزُ وَالسَّوِيقُ لِأَنَّهُمَا أَرْفَقُ بِالْمَسَاكِينِ وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِأَنَّ الْحَبَّ أَكْمَلُ نَفْعًا لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِكُلِّ مَا يُرَادُ مِنْهُ بِخِلَافِ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ وَالْخُبْزِ وَاَللَّهُ اعلم
* قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَجَوَّزَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَسَبَقَتْ دَلَائِلُ الْمَسْأَلَةِ فِي آخِرِ بَابِ صَدَقَةِ الْغَنَمِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَاجِبِ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الْمُجْزِئَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ تَصْحِيحَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وهو قول ابن سريج ابي اسحق المروزى (والوجه الثاني) انه يتعين قوت نقسه وهو ظاهر نص الشافعي في المختصر والام لِأَنَّهُ قَالَ أَدَّى مِمَّا يَقْتَاتُهُ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدِ بْنُ حَرْبَوَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْهُ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ وعن الاصطخرى
وصححه الشيخ أبو حامد وابو الفضل ابن عَبْدَانَ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَصْحِيحِ الْأَوَّلِ وَتَأَوَّلُوا النَّصَّ عَلَى مَا إذَا كَانَ قوته قوت البلد كما هو الغائب فِي الْعَادَةِ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَقْوَاتِ فَيُخْرِجُ مَا شَاءَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قُوتِهِ وَغَيْرَ قُوتِ أَهْلِ بَلَدِهِ لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهَذَا الثَّالِثُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وجها وحكاه أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ اخْتِيَارًا لِنَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ أَنَّ الْمَذْهَبَ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا
وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا (فَإِنْ قُلْنَا) يُعْتَبَرُ قُوتُ الْبَلَدِ أَوْ قُوتُ نَفْسِهِ فَعَدَلَ إلَى مَا دُونَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ بِالِاتِّفَاقِ وَوَقَعَ فِي التنبيه والحاوى والمجرد للقاضي أبو الطَّيِّبِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ إذَا عَدَلَ إلَى مَا دُونَهُ فَفِي إجْزَائِهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَهَذَا النَّقْلُ مُؤَوَّلٌ وَاَلَّذِينَ أَطْلَقُوهُ لَمْ يَذْكُرُوا فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ إلَّا وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ مِنْ قُوتِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالُوا فَإِنْ عَدَلَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَى أَدْنَى مِنْهُ فَفِي إجْزَائِهِ قَوْلَانِ وَمُرَادُهُمْ الْقَوْلُ الثَّالِثُ الَّذِي يَقُولُ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَاتِ فَكَأَنَّهُمْ تَرَكُوا ذِكْرَ هَذَا الْقَوْلِ أَوَّلًا ثُمَّ نَبَّهُوا عَلَيْهِ وَأَمَّا الَّذِينَ ذَكَرُوا فِي الْوَاجِبِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا التَّخْيِيرُ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا قُلْنَا الْوَاجِبُ قُوتُهُ أَوْ قُوتُ الْبَلَدِ فَعَدَلَ إلَى دُونِهِ لَا يُجْزِئُهُ قَوْلًا واجدا فَحَصَلَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَأَنَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ بَعْضُهَا مَنْصُوصٌ لِلشَّافِعِيِّ (أَصَحُّهَا) الْوَاجِبُ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ
(وَالثَّانِي)
قُوتُ نَفْسِهِ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَقْوَاتِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالتَّخْيِيرِ لَمْ يُتَصَوَّرْ الْعُدُولُ إلَى مَا دُونَ الْوَاجِبِ (وَإِنْ قلنا) يتعين قُوتِهِ أَوْ قُوتِ بَلَدِهِ فَعَدَلَ إلَى مَا دُونَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا عدل إلى اعلا مِنْ الْوَاجِبِ فَيُجْزِئُهُ وَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي اجزاء الاعلا وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) قَالَ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ مِنْ الْمَاشِيَةِ فاخرج اعلا منها
(والثانى)
لا يجزئه لانه لا غَيَّرَ الْوَاجِبَ كَمَنْ أَخْرَجَ حِنْطَةً عَنْ شَعِيرٍ اسْتَغَلَّهُ أَوْ دَنَانِيرَ عَنْ دَرَاهِمَ أَوْ بَقَرَةً عَنْ شَاةٍ وَنَظَائِرَهُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحِنْطَةَ لَا تُجْزِئُ عَنْ الشَّعِيرِ وَلَا الدَّنَانِيرَ عَنْ الدَّرَاهِمِ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الزَّكَاةِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ فَإِنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ فِي وَقْتٍ قُوتُهُ أَوْ قُوتُ بَلَدِهِ جِنْسًا ثُمَّ يَصِيرُ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وفيما يعتبر به الاعلا وَالْأَدْنَى وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِاعْتِبَارُ بِزِيَادَةِ صَلَاحِيَتِهِ لِلِاقْتِيَاتِ
(وَالثَّانِي)
زِيَادَةُ الْقِيمَةِ فَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْوَاتِ وَالْبِلَادِ قَالَ الرَّافِعِيُّ إلَّا أَنْ يُعْتَبَرَ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ فِي الْأَكْثَرِ وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْبُرُّ خَيْرٌ مِنْ الشَّعِيرِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْجُمْهُورُ
وَالْبُرُّ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي الْبُرِّ وَالتَّمْرِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا (أَحَدُهُمَا) التَّمْرُ أَفْضَلُ وَخَيْرٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (كَانَ يُخْرِجُ مِنْهُ وَعَلَيْهِ
عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) قَالَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ
(وَالثَّانِي)
قَالَ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قال على ابن ابى طالب واسحق ابن رَاهْوَيْهِ الْبُرُّ أَفْضَلُ قَالَ وَلَوْ قِيلَ إنَّ أَفْضَلَهُمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ لَكَانَ مُتَّجَهًا هَذَا كَلَامُهُ وَالْمَشْهُورُ تَرْجِيحُ الْبُرِّ مُطْلَقًا وَالْبُرُّ خَيْرٌ مِنْ الْأُرْزِ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ تَرْجِيحُ التَّمْرِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ تَرْجِيحُ الشَّعِيرِ وَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الِاقْتِيَاتِ وَتَرَدَّدَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَفِي الزَّبِيبِ وَالشَّعِيرِ أَيُّهُمَا أَرْجَحُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَشْبَهُ تَقْدِيمُ التَّمْرِ عَلَى الزَّبِيبِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ هُوَ الصَّوَابُ الْمُتَعَيَّنُ وَالصَّوَابُ تَقْدِيمُ الشَّعِيرِ عَلَى الزَّبِيبِ وَإِذَا قُلْنَا الْمُعْتَبَرُ قُوتُ نَفْسِهِ كَانَ يَلِيقُ بِهِ الْبُرُّ وَهُوَ يَقْتَاتُ الشَّعِيرَ بُخْلًا لَزِمَهُ الْبُرُّ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ يَلِيقُ به الشعير وهو يقتات البر فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ هَكَذَا وَجْهَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَحَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ الشَّعِيرُ
(وَالثَّانِي)
تَتَعَيَّنُ الْحِنْطَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَوْجَبْنَا غَالِبَ قُوتِ الْبَلَدِ فَكَانُوا يَقْتَاتُونَ اجناسا لا فِيهَا أَخْرَجَ مَا شَاءَ مِنْهَا وَالْأَفْضَلُ أَعْلَاهَا هَكَذَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَجَزَمُوا بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا الْمُعْتَبَرُ عالب قُوتِ الْبَلَدِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ الْمُعْتَبَرُ غالب قوت البلد وقت وجوب الفطرة لَا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ يَوْمَ الْعِيدِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ قُلْتُ هَذَا النَّقْلُ غَرِيبٌ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ قُوتُ السَّنَةِ كَمَا سَنُوضِحُهُ فِي الْفَرْعِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
إذَا اعْتَبَرْنَا قُوتَ الْبَلَدِ وَقُوتَ نَفْسِهِ فَكَانَ الْقُوتُ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ الْأَقْوَاتِ فَفِي بَعْضِهَا يَقْتَاتُونَ أَوْ يَقْتَاتُ جِنْسًا وَفِي بَعْضِهَا جِنْسًا آخَرَ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي إنْ اخرج من الاعلا أَجْزَأَهُ وَكَانَ أَفْضَلَ وَإِنْ اقْتَصَدَ وَأَخْرَجَ مِنْ الْأَدْنَى فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى مُخْرَجًا مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ أَوْ مِنْ قُوتِهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ قُوتٌ يُجْزِئُ بِأَنْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ لَحْمًا أَوْ تِينًا وَغَيْرَهُمَا مِمَّا لَا يُجْزِئُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَخْرَجَ مِنْ قُوتِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِقُرْبِهِ بَلَدَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْقُرْبِ
أَخْرَجَ مِنْ قُوتِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا اعْتَبَرْنَا غَالِبَ قُوتِ الْبَلَدِ وَكَانَ لَهُ عَبْدٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (إنْ قُلْنَا) إنَّ
الْفِطْرَةَ تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا السَّيِّدُ فَالِاعْتِبَارُ بِقُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ (وَإِنْ قُلْنَا) تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ابْتِدَاءً فَبِقُوتِ بَلَدِ السَّيِّدِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ لَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ الْوَاحِدَةِ صَاعٌ مِنْ جِنْسَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْجِنْسَانِ مُتَمَاثِلَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ وَاجِبِهِ والآخر اعلامنه كَمَا لَا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنْ يكسو خَمْسَةً وَيُطْعِمَ خَمْسَةً لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ وَغَيْرِهِمَا وَلَمْ يُخْرِجْ صَاعًا من واحد منهما كما انه مأمور بااطعام عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتِهِمْ وَلَمْ يَكْسُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ عَشَرَةً وَلَمْ يُطْعِمْهُمْ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فَحَكَى وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يُجْزِئُ إذَا كَانَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ وَاجِبِهِ ونصف أعلا وَإِلَّا السَّرَخْسِيَّ فَقَالَ إنْ كَانَ عِنْدَهُ صَاعٌ مِنْ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ لَمْ يَجُزْ تَبْعِيضُهُ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا نِصْفُ صَاعٍ مِنْ هَذَا وَنِصْفٌ مِنْ هَذَا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُجْزِئُهُ إخْرَاجُ النِّصْفَيْنِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ صَاعٌ مِنْ جِنْسَيْنِ وَإِنْ كان أحدهما أعلا مِنْ الْوَاجِبِ قَالَ وَرَأَيْتُ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ جَوَازَهُ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ أَوْ قَرِيبَانِ أَوْ زَوْجَتَانِ أَوْ زوجة وقريب أو وعبد فاخرج عن أحد هما صاعا من واجبه وعن الآخر صاعا اعلا منه اجزأه بالتفاق كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ فَأَطْعَمَ عَشَرَةً وَكَسَا عَشَرَةً يُجْزِئُهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ مَلَكَ نِصْفَ عَبْدٍ وَنِصْفَ آخَرَ فَأَخْرَجَ عَنْ أَحَدِهِمَا نِصْفًا مِنْ وَاجِبِهِ وَعَنْ الْآخَرِ نِصْفًا مِنْ أَعَلَا مِنْهُ أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ مَلَكَ رَجُلَانِ عَبْدًا (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَوْلِ الْغَرِيبِ إنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ أَخْرَجَا مَا شَاءَ بِشَرْطِ اتِّحَادٍ وَإِنْ أَوْجَبْنَا غَالِبَ قُوتِ البلد وكانا هما والعبد في بلد واحدا أَخْرَجَا عَنْهُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي بَلَدٍ آخَرَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ يَبْنِي عَلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ ابْتِدَاءً أَمْ يَتَحَمَّلُهَا عَنْ الْعَبْدِ فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّحَمُّلِ اُعْتُبِرَ بَلَدُ الْعَبْدِ وَإِلَّا فَبَلَدُ السييدين وَإِنْ كَانَ السَّيِّدَانِ
فِي بَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقُوتِ أَوْ اعْتَبَرْنَا قُوتَ الشَّخْصِ بِنَفْسِهِ أَوْ اخْتَلَفَ قُوتُهُمَا فَفِيهِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ أَبُو إسحق المروزى وأبو علي أَبِي هُرَيْرَةَ حَكَاهُ عَنْهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ يُخْرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ أَوْ نَفْسِهِ وَلَا يَضُرُّ التَّبْعِيضُ لِأَنَّهُمَا إذَا أَخْرَجَا هَكَذَا كُلُّ شَخْصٍ وَاجِبَهُ مِنْ جِنْسٍ كَثَلَاثَةٍ كَانُوا مُحْرِمِينَ فَقَتَلُوا ظَبْيَةً فَذَبَحَ أَحَدُهُمْ ثُلُثَ شَاةٍ وَأَطْعَمَ آخَرُ بقيمة ثلث شاة وصام الثالث عدل ذلك اجزأة بِلَا خِلَافٍ
(وَالثَّانِي)
قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ يُخْرِجَانِ من اذني الْقُوتَيْنِ وَلَا يَجُوزُ التَّبْعِيضُ (وَالثَّالِثُ) يَجِبُ مِنْ أَعْلَاهُمَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (وَالرَّابِعُ) مِنْ قُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ فِي
نَفَقَةِ وَلَدَيْنِ فَالْقَوْلُ فِي إخْرَاجِهِمَا الْفِطْرَةَ عَنْهُ كَالْقَوْلِ فِي السَّيِّدَيْنِ وَكَذَا مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ مَمْلُوكٌ إذَا أَوْجَبْنَا نِصْفَ الْفِطْرَةِ عَلَى مَا سَبَقَ وَالْأَصَحُّ) يُخْرِجَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ (وَالثَّانِي) مِنْ جِنْسٍ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ أَخْرَجَ إنْسَانٌ الْفِطْرَةَ عَنْ أَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ أَذِنَ فَأَخْرَجَ عَنْهُ أَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اقْضِ دَيْنِي وَكَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي دَفْعِ زَكَاةِ مَالِهِ وَفِي ذَبْحِ أُضْحِيَّتِهِ وَلَوْ كَانَ لِلْإِنْسَانِ وَلَدٌ صَغِيرٌ مُوسِرٌ فَحَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ فَأَخْرَجَ الْأَبُ فِطْرَةَ الْوَلَدِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِتَمْلِيكِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا رَشِيدًا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِتَمْلِيكِهِ وَالْجَدُّ كَالْأَبِ وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ لَوْ أَخْرَجَ الْوَلِيُّ فِطْرَةَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ تَبَرُّعًا فَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا جَازَ وَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ ذَلِكَ ثُمَّ تَوَلَّى الْأَدَاءَ عَنْهُ مِمَّا مَلَّكَهُ وَإِنْ كَانَ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي فَإِذَا أَذِنَ جَازَ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ بِالْإِذْنِ كَأَنَّ الصَّبِيَّ تَمَلَّكَ مِنْهُ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِخْرَاجِ وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ونقله الماوردى عن الاصحاب قال وقال ذقر وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ تَجِبُ فِطْرَةُ الْأَطْفَالِ عَلَى أَبِيهِمْ وَنَفَقَتُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَلْزَمُ الْوَلِيُّ إخْرَاجُ فِطْرَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ مِنْ مَالِهِمْ وَكَذَا فِطْرَةُ عَبِيدِهِمْ وَجَوَارِيهِمْ وَأَقَارِبِهِمْ الَّذِينَ يَلْزَمُهُمْ نَفَقَتُهُمْ كَمَا يَلْزَمُهُ
إخْرَاجُ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ وَقَضَاءُ دُيُونٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ بِإِتْلَافٍ أَوْ غَيْرِهِ (الثَّالِثَةُ) لَوْ تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِالنَّفَقَةِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ لَا يَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَحْمَدُ تَلْزَمُهُ (الرَّابِعَةُ) لَوْ كَانَ نِصْفُ الشَّخْصِ مُكَاتَبًا حَيْثُ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا جَوَّزْنَا كِتَابَةَ بَعْضِهِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَجَبَ نِصْفُ صَاعٍ عَلَى مالك نصفه القن ولا شئ فِي النِّصْفِ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي الْمُكَاتَبِ وَمِثْلُهُ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مُعْسِرٍ وَمُوسِرٍ يَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ نِصْفُ صَاعٍ ولا شئ عَلَى الْمُعْسِرِ إذَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْخِدْمَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ سَبَقَ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُهَايَأَةِ لَيْسَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ لَا يَجِبُ إخْرَاجُ الْفِطْرَةِ عَنْهُ إلَّا ثَلَاثَةٌ أَحَدُهُمْ الْمُكَاتَبُ يَعْنِي عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ سَبَقَ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَوَجْهٌ أَنَّهَا عَلَى نَفْسِهِ
(وَالثَّانِي)
إذَا مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ عَبْدًا وَقُلْنَا يَمْلِكُ لَا فِطْرَةَ عَلَى السَّيِّدِ الثَّانِي لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَلَا عَلَى الْأَوَّلِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ (الثَّالِثُ) عَبْدٌ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ إذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ إنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي ابتداء والاصح وجوبها كما سبق ويجئ رَابِعٌ عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا مَاتَ قُبَيْلَ هِلَالِ شَوَّالٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ عبد كما سنو ضحه ان شاء الله تعالي قريبا ويجئ خَامِسٌ وَهُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَقْتَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ إلَّا عَبْدٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ
لِلْخِدْمَةِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ لَا يَلْزَمُهُ فِطْرَةٌ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ الْعَبْدِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَهَذِهِ خَمْسُ صُوَرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا كُلِّهَا وَيَخْتَلِفُ الرَّاجِحُ فِيهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَصَادَفَ زَمَنُ الْوُجُوبِ زَمَنَ الْخِيَارِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهُ سَوَاءٌ تَمَّ الْبَيْعُ أَوْ فُسِخَ (وَإِنْ قُلْنَا) مَوْقُوفٌ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَالْفِطْرَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَعَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ صَادَفَ زَمَنُ الْوُجُوبِ خِيَارَ الْمَجْلِسِ فَهُوَ كخيار الشرط ولو تم البيع فُسِخَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ بِإِقَالَةٍ أَوْ عَيْبٍ أَوْ تَخَالُفٍ فَالْفِطْرَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (السَّابِعَةُ) لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ عَبْدًا ثُمَّ أَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْعَبْدُ لِلْوَرَثَةِ وَعَلَيْهِمْ فِطْرَتُهُ كُلُّ وَاحِدٍ بِقِسْطِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ بَنَى عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَمْنَعُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ فِي التَّرِكَةِ إلَى الْوَرَثَةِ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ لَا يمنع وقال الاسطخرى يَمْنَعُ فَعَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمْ فِطْرَتُهُ سَوَاءٌ بِيعَ فِي الدَّيْنِ أَمْ لَا وَأَشَارَ إمَامُ
الْحَرَمَيْنِ إلى انه يجئ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي المال المرهون والمغضوب لِتَزَلْزُلِ الْمِلْكِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِقَوْلِ الاصطخرى فان بيع في الدين فلا شئ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا فَعَلَيْهِمْ الْفِطْرَةُ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ وغيره وَجْهًا أَنَّهُ لَا فِطْرَةَ عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ تَجِبُ فِطْرَتُهُ فِي تَرِكَةِ السَّيِّدِ كَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ هَذَا إذَا مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ هِلَالِ شَوَّالٍ فَلَوْ مَاتَ بَعْدَهُ فَفِطْرَةُ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ كَفِطْرَةِ نَفْسِهِ وَيُقَدَّمَانِ عَلَى الْمِيرَاثِ وَالْوَصَايَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَفِي تقديمهما عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي اجْتِمَاعِ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى ودين الآدمى (اصحها) يقدمان دين الله تعاعلي
(وَالثَّانِي)
دَيْنُ الْآدَمِيِّ (وَالثَّالِثُ) يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَسَيَأْتِي شَرْحُهَا فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بتقديم فطرة العبد لتعلقها بالعبد كارش جناية قَالَ الشَّيْخِ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ لِأَنَّ فِطْرَةَ الْعَبْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهِ بَلْ بِالذِّمَّةِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الطَّرِيقَ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ وَخَالَفَهُ سَائِرُ الْأَصْحَابِ فَقَالُوا بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَفِي فِطْرَةِ السَّيِّدِ الْأَقْوَالُ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِتَقْدِيمِ فِطْرَةِ الْعَبْدِ وَفِطْرَةِ السَّيِّدِ أَيْضًا لِأَنَّهَا قَلِيلَةٌ وَالْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ تقديم قطرة نفسه وفطرة نَفْسِهِ وَفِطْرَةِ الْعَبْدِ عَلَى جَمِيعِ الدُّيُونِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ مَاتَ بعدما أَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ وَلَهُ رَقِيقٌ فَالْفِطْرَةُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ فِي مَالِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدُّيُونِ قَالَ الرافعي وفى هذا النص رد علي ماقاله إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فِي أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ لِأَنَّ سِيَاقَهُ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا إذَا طَرَأَتْ الْفِطْرَةُ عَلَى الدَّيْنِ الْوَاجِبِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مَانِعًا وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ
كَذَلِكَ فَاللَّفْظُ مُطْلَقٌ يَشْتَمِلُ عَلَى مَا إذَا طَرَأَتْ الْفِطْرَةُ عَلَى الدَّيْنِ وَعَكْسِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّيْنُ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِهَا هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ كَمَا قَالَ (الثَّامِنَةُ) أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ وَمَاتَ الْمُوصِي بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ فَالْفِطْرَةُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَالْفِطْرَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى دَخَلَ الْوَقْتُ فَإِنْ قُلْنَا الموصى له يملك الوصية بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُوصِي لَزِمَهُ الْفِطْرَةُ فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ بَلْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا حَالَ الْوُجُوبِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يملك إلا بالقبول نبي عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبُولِ لِمَنْ وَفِيهِ
وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ (أَصَحُّهُمَا) لِلْوَرَثَةِ فَعَلَى هَذَا فِي الْفِطْرَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهَا تَجِبُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ (وَالثَّانِي) لَا فِطْرَةَ لِضَعْفِهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فَعَلَى هَذَا لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى أَحَدٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى الْبَغَوِيّ مَعَ هَذَا وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهَا تَجِبُ فِي تَرِكَتِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) الْمِلْكُ فِي الْوَصِيَّةِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ قَبِلَ فَعَلَيْهِ الْفِطْرَةُ وَإِلَّا فَعَلَى الْوَرَثَةِ هَذَا كُلُّهُ إذَا قَبِلَ الموصي له اورد فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَقَبُولُ وَارِثِهِ كَقَبُولِهِ وَالْمِلْكُ يَقَعُ لِلْمُوصَى لَهُ الْمَيِّتِ فَحَيْثُ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْفِطْرَةَ إذَا قَبِلَ بِنَفْسِهِ فَهِيَ فِي تَرِكَتِهِ إذَا قَبِلَ وَارِثُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ سِوَى الْعَبْدِ فَفِي بَيْعِ جُزْءٍ مِنْهُ لِلْفِطْرَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ الْأَصَحُّ لَا يُبَاعُ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ أَوْ مَعَهُ فَالْفِطْرَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ إذا قبلوا لان وَقْتَ الْوُجُوبِ كَانَ مِلْكَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ وُهِبَ لَهُ عَبْدٌ فَقَبِلَ فَأَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَفِطْرَتُهُ عَلَى الْوَاهِبِ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ إنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ وَيَتَبَيَّنُ بِالْقَبْضِ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ فَعَلَى هَذَا فِطْرَتُهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ وَلَا دَفَعَ ثَمَنَهُ حَتَّى أَهَلَّ شَوَّالٌ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ قَالَ ابْنُ خَيْرَانَ يَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ فِيهِ عَلَقَةً وَهِيَ حَقُّ الْحَبْسِ لَقَبْضِ الثَّمَنِ فَصَارَ كَعَلَقَةِ الْخِيَارِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ وَغَيْرِهِ بَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْفِطْرَةُ سَوَاءٌ دَفَعَ ثَمَنَهُ أَمْ لَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِيَارٌ فَعَلَى الْأَقْوَالِ فِي أَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي وَالْفِطْرَةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَتُقَسَّمُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ تُقَسَّمُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَالِ وَأُحِبُّ دَفْعَهَا إلَى ذَوِي رَحِمِهِ الَّذِينَ لَا تلزمه نفقتهم
* بِحَالٍ قَالَ فَإِنْ طَرَحَهَا عِنْدَ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* سَأَلَ رَجُلٌ سَالِمًا فَقَالَ أَلَمْ يَكُنْ ابْنُ عُمَرَ يَدْفَعُهَا إلَى السُّلْطَانِ فَقَالَ بَلَى وَلَكِنْ أَرَى أَنْ لَا يَدْفَعَهَا إلَيْهِ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُفَرِّقَ الفطرة بنفسه كما أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا النَّصِّ وَأَنَّهُ لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي أَوْ مَنْ
تُجْمَعُ عِنْدَهُ الْفِطْرَةُ لِلنَّاسِ وَأَذِنَ لَهُ فِي إخْرَاجِهَا أَجْزَأَهُ وَلَكِنَّ تَفْرِيقَهُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ تَفْرِيقُهَا بِنَفْسِهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَطْرَحَهَا عِنْدَ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَالَ فَاحْتَمَلَ ذَلِكَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَالِي نَزِهًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَحَبَّ ذَلِكَ بِكُلِّ حَالٍ قَالَ وَهَذَا أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
وَأَمَّا مَصْرِفُ الْفِطْرَةِ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَهُنَاكَ نَشْرَحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْعَاشِرَةُ) لَا تَجِبُ فطرة الجنين لاعلي أَبِيهِ وَلَا فِي مَالِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَبَعْضُهُ بَعْدَ غُرُوبِهَا لَيْلَةَ الْفِطْرِ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْجَنِينِ مَا لَمْ يَكْمُلْ خُرُوجُهُ مُنْفَصِلًا وَأَشَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ فَقَالَ كُلُّ مِنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ لَا يُوجِبُ فِطْرَةً عَنْ الْجَنِينِ قَالَ وَكَانَ أَحْمَدُ يَسْتَحِبُّهُ وَلَا يُوجِبُهُ قَالَ وَلَا يَصِحُّ عَنْ عُثْمَانَ خِلَافُهُ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهَا بَعْدَ أَدَائِهَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَغَيْرَهَا من الصدقات المفروضات وتطوع هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الحاوى إذ أَخْرَجَهَا فَلَهُ أَخْذُهَا مِمَّنْ أَخَذَهَا عَنْ فِطْرَةِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إذَا كَانَ الدَّافِعُ مِمَّنْ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا بِعَيْنِهَا بَلْ لَهُ أَخْذُ غَيْرِهَا
* وَدَلِيلُنَا أَنَّهَا صَارَتْ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بِالْقَبْضِ فَجَازَ أَخْذُهَا كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَلِأَنَّهُ دَفَعَهَا لِمَعْنًى وَهُوَ الْيَسَارُ بِالْفِطْرَةِ وَأَخَذَهَا بِمَعْنَى الْحَاجَةِ وَهُمَا سَبَبَانِ مُخْتَلِفَانِ فَلَمْ يَمْتَنِعَا كَمَا لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بِإِرْثٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ المجموع والتجريد إذَا دَفَعَ فِطْرَتَهُ إلَى فَقِيرٍ وَالْفَقِيرُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْفِطْرَةُ فَدَفَعَهَا الْفَقِيرُ إلَيْهِ عَنْ فِطْرَتِهِ جَازَ لِلدَّافِعِ الْأَوَّلِ أَخْذُهَا قَالَ وَكَذَا لَوْ دَفَعَهَا أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الزَّكَوَاتِ إلَى الْإِمَامِ ثُمَّ لَمَّا أَرَادَ الْإِمَامُ قَسْمَ الصَّدَقَاتِ وَكَانَ الدَّافِعُ مُحْتَاجًا جَازَ دَفْعُهَا بِعَيْنِهَا إلَيْهِ لِأَنَّهَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بِغَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي خَرَجَتْ بِهِ فَجَازَ كَمَا لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بِإِرْثٍ أَوْ شراء اوهبة قَالَ فِي التَّجْرِيدِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ كما يجوزان يَدْفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لِغَيْرِهِ فِي جَوَازِ أَخْذِ الصَّدَقَةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَأْخُذَهَا بَعْدَ دَفْعِهَا لِأَنَّ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ لَا يُنَافِي أَخْذَ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لَا يَقْتَضِي غِنًى يُنَافِي الْمَسْكَنَةَ وَالْفَقْرَ فَإِنَّ زَكَاةَ الْمَالِ قَدْ تَجِبُ عَلَى مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ يَحِلُّ أَخْذُهَا
بِجِهَاتٍ غَيْرَ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ كَالْغَارِمِ لِذَاتِ الْبَيْنِ وَابْنِ السَّبِيلِ الْمُوسِرِ فِي بَلَدِهِ وَالْغَازِي فَإِنَّهُمْ تَلْزَمُهُمْ زَكَاةُ أَمْوَالِهِمْ وَيَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ فَلَا يُمْتَنَعُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى إنْسَانٍ وَجَوَازِ أَخْذِ الزَّكَاةِ (وأما) لسرخسي فَقَالَ إذَا لَزِمَتْهُ الْفِطْرَةُ فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُ صَاعٌ وَكَانَ فَقِيرًا لَيْسَ لَهُ كِفَايَتُهُ عَلَى الدَّوَامِ فَلَهُ أَخْذُ فِطْرَةِ غَيْرِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ الزَّكَوَاتِ ثُمَّ إنْ أَخْرَجَ فِطْرَتَهُ أَوَّلًا فَلَهُ أخذ فطرة غيره الْمَصْرُوفِ إلَيْهِ وَفِطْرَةِ الْمَصْرُوفِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي صَرَفَهَا وَهَلْ لَهُ أَخْذُ الْفِطْرَةِ الَّتِي صَرَفَهَا هُوَ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) جَوَازُهَا قَالَ وَكَذَا لَوْ أَخَذَ أَوَّلًا فِطْرَةَ غَيْرِهِ ثُمَّ أَرَادَ إخْرَاجَ فِطْرَةِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ مِنْهَا إلَى غَيْرِ دَافِعِهَا جَازَ فَإِنْ أراد صرفها الي دافعها إليه ففيه الوجهان (الصَّحِيحُ) الْجَوَازُ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ فِي الْمَنْعِ شَاذٌّ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ والاصحاب وللدليل فحصل منهذا كُلِّهِ أَنَّهُ قَدْ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ الْفِطْرَةُ أَوْ زَكَاةُ الْمَالِ وَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْفِطْرَةِ والزكاة من غيره سواء كان الاخذ من نفس المدفوع أو غيره ومن الامام أو غَيْرِهِ وَفِيهِ الْوَجْهُ الشَّاذُّ عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لَيْسَ لِلزَّوْجَةِ مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ بِإِخْرَاجِ الْفِطْرَةِ عَنْهَا لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ دُونَهَا وَوُجُوبُهَا إمَّا أَنْ يَجْرِيَ مَجْرَى الضَّمَانِ أَوْ الْحَوَالَةِ وَكِلَاهُمَا لَا مُطَالَبَةَ به بِهِ فَإِنَّ الْمَضْمُونَ عَنْهُ لَا يُطَالِبُ الضَّامِنَ بِالْأَدَاءِ وَلَا الْمُحِيلُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ وَحُكْمُ الْقَرِيبِ والمملوك حكم الزوجة (الثالث عشرة) روينا عن وكيع ابن الْجَرَّاحِ رحمه الله قَالَ زَكَاةُ الْفِطْرِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَتِي السَّهْوِ لِلصَّلَاةِ تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلَاةِ
*
(فَصْلٌ)
فِي
مَسَائِلَ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْفِطْرَةِ
* قَدْ سَبَقَ جُمَلٌ مِنْهَا مُفَرَّقَةً فِي مَوَاضِعِهَا وَأَذْكُرُ هُنَا جُمَلًا مِنْ مُهِمَّاتِهَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُنْدَرِجًا فِيمَا مَضَى (مَسْأَلَةٌ) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وُجُوبُهَا عَلَى كُلِّ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ صلى وصام وعن علي ابن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه لَا تَجِبُ الا علي من طاق الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ سَائِرُ الصحابة والتابعين وجميع الفقهاء لحديث ابن عمر السَّابِقِ (مَسْأَلَةٌ) الْمُشْرِكُ لَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ كَانَ لَهُ قَرِيبٌ أَوْ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا سَبَقَ بَيَانُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ (مَسْأَلَةٌ) تَجِبُ
فِطْرَةُ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ إلَّا دَاوُد فَأَوْجَبَهَا عَلَى الْعَبْدِ قَالَ وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ تَمْكِينُهُ مِنْ الْكَسْبِ لِأَدَائِهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ) قَالَ الْجُمْهُورُ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ (مَسْأَلَةٌ) لَا يَلْزَمُهُ فِطْرَةُ
زَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ الْكَافِرَيْنِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَةُ عَبْدِهِ الذِّمِّيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدِ بن جبير والنخعي والثوري واسحق وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مِنْ الْمُسْلِمِينَ)(مَسْأَلَةٌ) الْعَبْدُ الْآبِقُ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عِنْدَنَا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا تجب وقال الزهري واحمد واسحق تَجِبُ إنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ
* وَقَالَ مالك تجب أن لم تطل غيبته ويؤنس مِنْهُ (مَسْأَلَةٌ) لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَبْدٌ أَوْ عَبِيدٌ كَثِيرُونَ مُشْتَرَكُونَ مُنَاصَفَةً وَجَبَ عَنْ كُلِّ عَبْدٍ صَاعٌ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفُهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَعَبْدُ الملك الماجشون واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وأبو يوسف لا شئ علي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) كَمَذْهَبِنَا (وَالثَّانِيَةُ) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَاعٌ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِائَةُ عَبْدٍ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ صَاعٍ وَحَكَاهُ أَيْضًا الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ (وَأَمَّا) مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ عَبْدٌ (فَمَذْهَبُنَا) وُجُوبُ صَاعٍ عَلَيْهِ نِصْفُهُ وَعَلَى مَالِكِ نِصْفِهِ نِصْفُهُ إذا لم يكن مهايأة وقال أبو حنيفة عليه نصف صاع ولا شئ عَلَى سَيِّدِهِ وَقَالَ مَالِكٌ عَلَى سَيِّدِهِ نِصْفُ صاع ولا شئ عَلَى الْعَبْدِ
* وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ صاع ولا شئ عَلَى سَيِّدِهِ
* وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْمَاجِشُونُ عَلَى سيده صاع ولا شئ عَلَى الْعَبْدِ (مَسْأَلَةٌ) إذَا لَمْ يَكُنْ لِلطِّفْلِ مَالٌ فَفِطْرَتُهُ عَلَى أَبِيهِ لَزِمَ أَبَاهُ فِطْرَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ لِلطِّفْلِ مَالٌ فَفِطْرَتُهُ فِيهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفة واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَجِبُ فِي مَالِ الْأَبِ (وَأَمَّا) الْيَتِيمُ الَّذِي لَهُ مَالٌ فَتَجِبُ فِطْرَتُهُ فِي مَالِهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا تَجِبُ (وَأَمَّا) الْجَدُّ فَعَلَيْهِ فِطْرَةُ وَلَدِ وَلَدِهِ الَّذِي تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَلْزَمُهُ (مَسْأَلَةٌ) سَبَقَ الْخِلَافُ فِي فِطْرَةِ
زَوْجَتِهِ وَعَبِيدِ التِّجَارَةِ وَالْقِرَاضِ (وَأَمَّا) الْمُكَاتَبُ فَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فِطْرَةَ فِيهِ لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ كَمَا سَبَقَ وَمِمَّنْ قَالَ لَا فِطْرَةَ عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ تَلْزَمُ سَيِّدَهُ (مَسْأَلَةٌ) تَجِبُ الْفِطْرَةُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ
عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ واسحق
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَبِهِ قَالَ صَاحِبَاهُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد
* وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ
* وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ الْفِطْرِ (مَسْأَلَةٌ) يَجُوزُ عِنْدَنَا تَقْدِيمُ الْفِطْرَةِ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ لَا قَبْلَهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ وَجَوَّزَهَا أَبُو حَنِيفَةَ قَبْلَهُ
* وَقَالَ أَحْمَدُ تَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَقَطْ كَذَا نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُمَا وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُخْرِجَهَا يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ قَالَ وَجَوَّزَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْكَرْخِيُّ الْحَنَفِيُّ تَقْدِيمَهَا قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَقْدِيمُ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ وَقَالَ دَاوُد لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ فَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ وَلَا تَأْخِيرُهَا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الْعِيدَ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهَا عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَفَعَلَهَا فِي يَوْمِهِ لَمْ يَأْثَمْ وَكَانَتْ أَدَاءً وَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ أَثِمَ وَلَزِمَهُ إخْرَاجُهَا وَتَكُونُ قَضَاءً وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَاللَّيْثِ وَأَحْمَدَ قَالَ وقال الحسن ابن زِيَادٍ وَدَاوُد إنْ لَمْ يُؤَدِّهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ سَقَطَتْ فَلَا يُؤَدِّيهَا بَعْدَهَا كَالْأُضْحِيَّةِ إذَا مَضَى وَقْتُهَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ (مَسْأَلَةٌ) تَجِبُ الْفِطْرَةُ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَغَيْرِهِمْ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا عَنْ عَطَاءٍ وَرَبِيعَةَ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ شَذُّوا بِهَذَا عَنْ الْإِجْمَاعِ وَخَالَفُوا النُّصُوصَ الصَّحِيحَةَ الْعَامَّةَ فِي كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى حُرٍّ وَعَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَيُنْقَضُ مَذْهَبُهُمْ بِزَكَاةِ الْمَالِ فَقَدْ وَافَقُوا مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ (مَسْأَلَةٌ) لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْفِطْرَةِ إلَى كَافِرٍ عِنْدَنَا
* وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةِ الْمَالِ إلَى ذِمِّيٍّ وَاخْتَلَفُوا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فَجَوَّزَهَا لهم أبو حنيفة وعن عمر وبن ميمون وعمر وبن شرحبيل ومرة الهمذانى أَنَّهُمْ كَانُوا يُعْطُونَ مِنْهَا الرُّهْبَانَ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يُعْطُونَ (مَسْأَلَةٌ) الْوَاجِبُ فِي الْفِطْرَةِ عَنْ كُلِّ شَخْصٍ
صَاعٌ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ أَخْرَجَ سَوَاءٌ الْبُرُّ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالشَّعِيرُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَجْنَاسِ الْمُجْزِئَةِ وَلَا يجزئ دون صاع من شئ مِنْهَا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ كذا نقله عن لاكثرين الْمَاوَرْدِيُّ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ والحسن البصري وأبو العالية وأبو الشعثاء واسحق وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُجْزِئُ مِنْ الْبُرِّ نِصْفُ صَاعٍ وَلَا يُجْزِئُ مِنْ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ إلَّا صَاعٌ
قَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْكُوفَةِ إلَّا أَبَا ضيفة فَقَالَ يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعِ زَبِيبٍ كَنِصْفِ صَاعِ برقال وَرَوَيْنَا إجْزَاءَ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما قَالَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمَا قَالَ وَرَوَيْنَاهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةَ وَأَسْمَاءَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وعروة بن الزبير ومصعب ابن سَعْدٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ
* وَعُمْدَتُهُمْ الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ خَطَبَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ بِالْمَدِينَةِ (أَرَى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سعيد وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا) الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ اجْتِهَادٌ لَهُ لَا يُعَادِلُ النُّصُوصَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَالْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ إلَّا اجْتِهَادُ مُعَاوِيَةَ (مَسْأَلَةٌ) الصَّاعُ الْمُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ عِنْدَنَا خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَفُقَهَاءُ الْحَرَمَيْنِ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِيِّينَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى خَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ حِينَ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَدْرُ صَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَسَطَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ الدَّلَائِلَ فِي كَوْنِ الصَّاعِ الْمُجْزِئِ فِي الْفِطْرَةِ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بَسْطًا حَسَنًا قَالَ وَأَمَّا مَا رواه صالح بن موسي الصلحى عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ (جَرَتْ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ صَاعٌ وَالْوُضُوءُ بِرِطْلَيْنِ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ) فَإِنَّ صالحا
تَفَرَّدَ بِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ قَالَ وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ
عَنْ أَنَسٍ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (كَانَ يَتَوَضَّأُ بِرِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ) إسْنَادُهُمَا ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَلَا مَعْنَى لِتَرْكِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي قَدْرِ الصَّاعِ الْمُعَدِّ لِزَكَاةِ الْفِطْرِ بِمِثْلِ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (مَسْأَلَةٌ) لَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ فِي الْفِطْرَةِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وقال أبو حنيفة يجوز وحكاه ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عبد العزيز والثوري قال وقال اسحق وَأَبُو ثَوْرٍ لَا تُجْزِئُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ (مَسْأَلَةٌ) الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَجِبُ صَرْفُ الْفِطْرَةِ إلَى الْأَصْنَافِ الَّذِينَ تُصْرَفُ إلَيْهِمْ زَكَاةُ الْمَالِ وَجَوَّزَهَا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى وَاحِدٍ فَقَطْ قَالُوا وَيَجُوزُ صَرْفُ فِطْرَةِ جَمَاعَةٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ (مَسْأَلَةٌ) ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا وُجُوبُ الْفِطْرَةِ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُخَيَّرٌ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا الْأَجْنَاسُ الْخَمْسَةُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالْأَقِطُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(باب تعجيل الصدقة)
* قال المصنف رحمه الله تعالي
* (كل مال وجبت فيه الزكاة بالحول والنصاب لم يجز تقديم زكاته قبل أن يملك النصاب لانه لم يوجد سبب وجوبها فلم يجز تقديمها كأداء الثمن قبل البيع والدية قبل القتل وان ملك النصاب جاز تقديم زكاته قبل الحول لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ العباس رضي الله عنه (سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ليجعل زكاة ماله قبل محلها فرخص له في ذلك ولانه حق مال اجل للرفق فجاز تعجيله
قبل محله كالدين المؤجل ودية الخطأ وفى تعجيل زكاة عامين وجهان (قال) أبو اسحق يجوز لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (تسلف من العباس صدقة عامين) ولان ما جاز فيه تعجيل حق العام منه جاز تعجيل حق العامين كدية الخطأ (ومن) أصحابنا من قال لا يجوز لانها زكاة لم ينعقد حولها فلم يجز تقديمها كالزكاة قبل أن يملك النصاب)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَفْظُهُ عَنْ عَلِيٍّ (أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ) قَالَ أَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ التَّابِعِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يَعْنِي مُرْسَلًا قَالَ وَهُوَ أَصَحُّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلَى إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعُمَرَ (إنَّا قَدْ أَخَذْنَا زَكَاةَ الْعَبَّاسِ عَامَ أَوَّلٍ لِلْعَامِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ مِنْ هَذَا قَالَ وَقَدْ رُوِيَ الْأَوَّلُ مُرْسَلًا يَعْنِي رِوَايَةَ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ وكذا قال الدارقطني اخْتَلَفُوا فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْإِرْسَالُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَدْرِي أَيَثْبُتُ أَمْ لَا (أَنَّهُ تَسَلَّفَ صَدَقَةَ الْعَبَّاسِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ) قال البيهقي يعنى به حَدِيثَ عَلِيٍّ هَذَا وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ اخْتِلَافَ طُرُقِهِ ثُمَّ قَالَ وَأَصَحُّهَا رِوَايَةُ الْإِرْسَالِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ تَسَلَّفَ صَدَقَةَ عَامَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلَى إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إنَّا كنا احتجنا فاستلفنا الْعَبَّاسَ صَدَقَةَ عَامَيْنِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا مُرْسَلٌ بين ابي البخترى وعلي رضي الله عنه وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِلتَّعْجِيلِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ رضي الله عنه عَلَى الصَّدَقَةِ فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْعَبَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَاعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فهي عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا ثُمَّ قَالَ يَا عُمَرُ أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالصِّنْوُ - بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ - المثل وهذا الفظ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَيْضًا بِحَدِيثِ نافع (أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر الذين يَقْبَلُونَهَا وَكَانُوا يُعْطَوْنَ
قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى جَوَازِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ إذَا عَرَفْتَ هَذَا حَصَلَ الِاسْتِدْلَال عَلَى جَوَازِ التَّعْجِيلِ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَحْتَجُّ بِالْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ إذَا اعْتَضَدَ باحد أربعة أمور وَهِيَ أَنْ يُسْنَدَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَوْ يُرْسِلَ أَوْ يَقُولَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَوْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بِهِ فَمَتَى وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ
جَازَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَقَدْ وُجِدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ فَإِنَّهُ رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ وَرُوِيَ هُوَ أَيْضًا مُرْسَلًا وَمُتَّصِلًا كَمَا سَبَقَ وَقَالَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ بِهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ كَمَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ فَحَصَلَتْ الدَّلَائِلُ الْمُتَظَاهِرَةُ عَلَى صِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ والأصحاب رحمهم الله الْمَالُ الزَّكَوِيُّ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مُتَعَلِّقٌ بِالْحَوْلِ وَالْآخَرُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ النَّوْعَ الْأَوَّلَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَالثَّانِي فِي آخِرِهِ (أَمَّا) الْأَوَّلُ كَزَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالنَّقْدِ وَالتِّجَارَةِ فَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ فِيهِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَجُوزُ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَانْعِقَادِ الْحَوْلِ وَلَهُ التَّعْجِيلُ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ وَلَوْ بَعْدَ لَحْظَةٍ مِنْ انْعِقَادِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ مُطْلَقًا وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ حَرْبَوَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَالدَّلِيلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ بَعْدَ تَمَامِ النِّصَابِ إنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ عَيْنِيَّةً فَأَمَّا إذَا اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ بِمِائَةٍ فَعَجَّلَ زَكَاةَ مِائَتَيْنِ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ فَيُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلُ عَنْ الزَّكَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُرُوضِ بِآخِرِ الْحَوْلِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَلَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً مَعْلُوفَةً فَعَجَّلَ شَاةً وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى إسَامَتِهَا حَوْلًا ثُمَّ أَسَامَهَا لَمْ يَقَعْ المعجل زكاة بلا خلاف لان المعلوفة لَيْسَتْ مَالَ زَكَاةٍ فَهُوَ كَمَا دُونَ النِّصَابِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ وَلَا حَوْلَ لِلْمَعْلُوفَةِ بِخِلَافِ عَرَضِ التِّجَارَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَوْ عَجَّلَ صَدَقَةَ عَامَيْنِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ عَامَيْنِ فَوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا المصنف بدليلهما وَهُمَا مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ لِلْحَدِيثِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ وَأَجَابَ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَسَلُّفُ دَفْعَتَيْنِ فِي كُلِّ دَفْعَةٍ صَدَقَةُ عَامٍ أَوْ سَنَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ الْجَوَازَ وَهُوَ قَوْلُ أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ والجرجاني والشاشى والعبد رى وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ الْمَنْعَ
قَالَ الرَّافِعِيُّ صَحَّحَ الْأَكْثَرُونَ الْمَنْعَ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْجَوَازِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَامَيْنِ
وَأَكْثَرَ حَتَّى لَوْ عَجَّلَ عَشْرَةَ أَعْوَامٍ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ الْمُعَجَّلِ نِصَابٌ فَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسُونَ شَاةً فَعَجَّلَ عَشْرًا مِنْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ جَازَ فَلَوْ نَقَصَ الْمَالُ بِالتَّعْجِيلِ عَنْ النِّصَابِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ التَّعْجِيلُ لِغَيْرِ الْعَامِ الْأَوَّلِ وَجْهًا وَاحِدًا هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ الْحَوْلَ الثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ عَلَى نِصَابٍ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ كَالْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ وَإِذَا جَوَّزْنَا صَدَقَةَ عَامَيْنِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ تَقْدِيمَ زَكَاةِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ كَتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى إذَا جمع في وقت الصلاة الثانية
*
* قال المصنف رحمه الله تعالي
* (وان ملك مائتي شاة فعجل عنها وعما يتوالد من سخالها أربع شاة فتوالدت وصارت اربعمائة اجزأه زكاة المائتين وفى زكاة السخال وجهان
(أحدهما)
لا يجوز لانه تقديم زكاة علي النصاب (والثاني) يجوز لان السخال جعلت كالموجودة في الحول في وجوب زكاتها فجعلت كالموجودة في تعجيل زكاتها وان ملك أربعين شاة فعجل عنها شاة ثم توالدت اربعين سخلة وماتت الامهات وبقيت السخال فهل يجزئه ما أخرج عن الامهات عن زكاة السخال فيه وجهان
(أحدهما)
لا يجزئه لانه عجل الزكاة عن غير السخال فلا يجزئه عن زكاة السخال (والثاني) يجزئه لانه لما كان حول الامهات حول السخال كانت زكاة الامهات زكاة السخال وان اشترى بمائتي درهم عرضا للتجارة فاخرج منها زكاة اربعمائة درهم ثم حال الحول والعرض يساوى اربعمائة اجزأه لان الاعتبار في زكاة التجارة بآخر الحول والدليل عليه أنه لو ملك سلعة تساوى مائة فحال الحول وهى تساوى مائتين وجبت فيها الزكاة وان مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً فَعَجَّلَ عَنْهَا شَاةً ثم نتجت شاة سخلة قبل الحول لزمته شاة أخرى وكذلك لو ملك مائتي شاة فاخرج شاتين ثم نتجت شاة سخلة أخرى قبل الحول لزمته شاة اخرى لان المخرج كالباقي علي ملكه ولهذا يسقط به الفرض عند الحول فجعل كالباقي في ملكه في ايجاب الفرض)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ الْأُمَّهَاتُ هَذِهِ إحْدَى اللُّغَتَيْنِ فِيهَا وَالْأَصَحُّ وَالْأَشْهَرُ الْأُمَّاتُ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَفِي الْآدَمِيَّاتِ الْأُمَّهَاتِ بِالْهَاءِ أَفْصَحُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ (وَقَوْلُهُ) مَلَكَ سِلْعَةً تُسَاوِي مِائَةً أَيْ مَلَكَهَا لِلتِّجَارَةِ (وَقَوْلُهُ) نُتِجَتْ هُوَ - بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ التَّاءِ - أَيْ وَلَدَتْ (وقوله) سخلة منصوب
مفعول ثان لنتحبت
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَلَكَ نِصَابًا فَعَجَّلَ زَكَاةَ نِصَابَيْنِ فَإِنْ كَانَ
ذَلِكَ فِي التِّجَارَةِ بِأَنْ اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بمائتين فعجل أَرْبَعِمِائَةٍ فَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ أَجْزَأَهُ عَنْ زَكَاةِ الْجَمِيعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِي الْمِائَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ الْوَجْهَانِ كَمَسْأَلَةِ السِّخَالِ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وإن كان زَكَاةَ عَيْنٍ بِأَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَتَوَقَّعَ حُصُولَ مِائَتَيْنِ أَيْضًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ فَحَصَلَ لَهُ الْمِائَتَانِ الْأُخْرَيَانِ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْحَادِثِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ تَوَقَّعَ النِّصَابَ الثَّانِيَ مِنْ نَفْسِ الَّذِي عِنْدَهُ بِأَنْ مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ ثُمَّ حَدَثَتْ سَخْلَةٌ أَوْ مَلَكَ مِائَتَيْ شَاةٍ فَعَجَّلَ أَرْبَعًا فَتَوَالَدَتْ وَبَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ أَوْ عَجَّلَ شَاتَيْنِ وَلَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَتَوَالَدَتْ وَبَلَغَتْ عَشْرًا فَهَلْ يُجْزِئُهُ مَا أَخْرَجَ عَنْ النِّصَابِ الَّذِي كَمُلَ الْآنَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ لَا يُجْزِئُهُ وَلَوْ عجل شاة عن اربعين فهلكت الامهات بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ أَرْبَعِينَ سَخْلَةً فَهَلْ يُجْزِئُهُ مَا أَخْرَجَ مِنْ السِّخَالِ فِيهِ وَجْهَانِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (وَالْأَصَحُّ) فِي الْجَمِيعِ الْمَنْعُ وَجَمَعَ الدَّارِمِيُّ فِي مَسْأَلَتَيْ الرِّبْحِ وَالنِّتَاجِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدَهَا) جَوَازُ تَعْجِيلِ زَكَاةِ النِّصَابِ الثَّانِي فِيهِمَا (وَالثَّانِي) الْمَنْعُ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ فِي الرِّبْحِ دُونَ النِّتَاجِ (وَالرَّابِعُ) عَكْسُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ فَهَلَكَتْ الْأَبْعِرَةُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَعِنْدَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الشَّاةَ الْمُعَجَّلَةَ عَنْهَا فَقَدْ أَوْمَأَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِيهِ إلَى وَجْهَيْنِ (قُلْتُ) الصَّوَابُ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا مَلَكَ عَرَضًا بمائتي درهم فعچل زكاة ألف عنها وعن ربحها فباعها عند الْحَوْلِ بِأَلْفٍ أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْأَلْفِ قَالَ فَإِنْ بَاعَهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِأَلْفٍ (فَإِنْ قُلْنَا) يَسْتَأْنِفُ لِلرِّبْحِ حَوْلًا لَمْ يُجْزِئْهُ التَّعْجِيلُ عَنْ الرِّبْحِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعِ الْأَصْلِ (وَإِنْ قُلْنَا) يَبْنِي عَلَى حَوْلِ الْأَصْلِ أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ قَالَ وَلَوْ مَلَكَ أَلْفًا فَعَجَّلَ زَكَاتَهُ فَتَلِفَ ثُمَّ مَلَكَ أَلْفًا آخَرَ لَمْ يُجْزِئْهُ الْمُعَجَّلُ عَنْ زَكَاةِ الْأَلْفِ الثاني لانه تعجيل قبل المالك وَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفَانِ مُتَمَيِّزَانِ فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَلْفٍ ثُمَّ تَلِفَ أَحَدُ الْأَلْفَيْنِ أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ عَنْ زَكَاةِ الْأَلْفِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ حَالَ التَّعْجِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً فَعَجَّلَ عَنْهَا شَاةً ثُمَّ وَلَدَتْ شَاةٌ
مِنْهَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ مَلَكَ مِائَتَيْ شَاةٍ فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ عَنْهَا ثُمَّ وَلَدَتْ شَاةٌ مِنْهَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَيَلْزَمُهُ شَاةٌ أُخْرَى بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَاةٌ أُخْرَى وَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ عِنْدَنَا الْمُعَجَّلَ كَالْبَاقِي عَلَى مِلْكِ الدَّافِعِ فِي شَيْئَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
فِي إجْزَائِهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ
(وَالثَّانِي)
في ضمه إلى الْمَالِ وَتَكْمِيلِ النِّصَابِ بِهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ قَالَ أصحابنا
فَلَوْ كَانَتْ الْمُعَجَّلَةُ مَعْلُوفَةً فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَوْ كَانَ الْمَالِكُ اشْتَرَاهَا وَأَخْرَجَهَا وَلَيْسَتْ مِنْ نَفْسِ النِّصَابِ لَمْ يَجِبْ شَاةٌ أُخْرَى لِأَنَّ الْمَعْلُوفَةَ وَالْمُشْتَرَاةَ لَا يَتِمُّ بِهِمَا النِّصَابُ وَإِنْ جاز اخراجهما عَنْ الزَّكَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (إذا عجل زكاة ماله ثم هلك النصاب أو هلك بعضه قبل الحول خرج المدفوع عن أن يكون زكاة وهل يثبت له الرجوع فيما دفع ينظر فيه فان لم يبين أنها زكاة معجلة لم يجز له الرجوع لان الظاهر أن ذلك زكاة واجبة أو صدقة تطوع وقد لزمت بالقبض فلم يملك الرجوع وإن بين أنها زكاة معجلة ثبت له الرجوع لانه دفع عما يستقر في الثاني فإذا طرأ ما يمنع الاستقرار ثبت له الرجوع كما لو عجل اجرة الدار ثم انهدمت الدار قبل انقضاء المدة وإن كان الذى عجل هو السلطان أو المصدق من قبله ثبت له الرجوع بين أو لم يبين لان السلطان لا يسترجع لنفسه فلم يلحقه تهمة وان عجل الزكاة عن نصاب ثم ذبح شاة أو أتلفها فهل له ان يرجع فيه وجهان (احدهما) يرجع لانه زال شرط الوجوب قبل الحول فثبت له الرجوع كما لو هلك بغير فعله (والثاني) لا يرجع لانه مفرط وربما اتلف ليسترجع ما دفع فلم يجز له أن يرجع وإذا رجع فيما دفع وقد نقص في يد الفقير لم يلزمه ضمان ما نقص في اصح الوجهين لانه نقص في ملكه فلم يلزمه ضمانه ومن اصحابنا من قال يلزمه لان ما ضمن عينه إذا هلك ضمن نقصانه إذا نقص كالمغصوب وان زاد المدفوع نظرت فان كانت زيادة لا تتميز كالسمن رجع فيه مع الزيادة لان السمن يتبع الاصل في الرد كما نقول في الرد بالعيب وان زاد زيادة تتميز كالولد واللبن لم يجب رد الزيادة لانها زيادة حدثت في ملكه فلم يجب ردها مع الاصل كولد المبيعة في الرد بالعيب وان هلك المدفوع في يد الفقير لزمه قيمته وفى القيمة وجهان (احدهما) يلزمه قيمته يوم التلف كالعارية
(والثانى)
يلزمه قيمته يوم
الدفع لان ما حصل فيه من زيادة حدثت في ملكه فلم يلزمه ضمانها)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا عَجَّلَ زَكَاتَهُ ثُمَّ هَلَكَ النِّصَابُ أَوْ بَعْضُهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ خَرَجَ الْمَدْفُوعُ عَنْ كَوْنِهِ زَكَاةً بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ شَرْطَ الزَّكَاةِ الْحَوْلُ وَلَمْ يُوجَدْ (وَأَمَّا) الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ هُوَ الْمَالِكَ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَبَيَّنَ عِنْدَ الدَّفْعِ أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ وَقَالَ إنْ عَرَضَ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِهَا اسْتَرْجَعْتُهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ هَذِهِ زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ أَوْ عَلِمَ الْقَابِضُ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ الرُّجُوعَ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِجَوَازِ الرُّجُوعِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
لَا رُجُوعَ حَكَاهُ امام الحرمين
وَآخَرُونَ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ وُجِدَ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فَرْضًا وَقَعَ نَفْلًا كَمَا لَوْ قَالَ هَذِهِ صَدَقَتِي الْمُعَجَّلَةُ فَإِنْ وَقَعَتْ الْمَوْقِعَ وَإِلَّا فَهِيَ نَافِلَةٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَا رُجُوعَ لَهُ إذًا لَمْ تَقَعْ الْمَوْقِعَ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ وَهَذَا الْخِلَافُ قَرِيبٌ مِنْ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَنَّهَا هَلْ تَنْعَقِدُ نَفْلًا وَلَهُ نَظَائِرُ سَبَقَتْ هُنَاكَ وَإِنْ دَفَعَهَا الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي وَذَكَرَ أَنَّهَا مُعَجَّلَةٌ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الرُّجُوعُ ثَبَتَ الِاسْتِرْدَادُ بِلَا خِلَافٍ وَوَافَقَ عَلَيْهِ الْقَائِلُونَ بِالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ قَالَ الْمَالِكُ مُعَجَّلَةٌ فَقَطْ وَإِنْ دَفَعَ الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي أَوْ الْمَالِكُ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهَا مُعَجَّلَةٌ وَلَا عَلِمَهُ الْقَابِضُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهَا) يَثْبُتُ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ
(وَالثَّانِي)
لَا يثبت مطلقا لتفريط الدافع (وَالثَّالِثُ) إنْ دَفَعَ الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي رَجَعَ وَإِنْ دَفَعَ الْمَالِكُ فَلَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا الثَّالِثِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَرَجَّحَ الرَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالسَّرَخْسِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمَامِ أَنَّهُ يَسْتَرِدُّ وَفِي الْمَالِكِ لَا يَسْتَرِدُّ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِمَا قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَسْتَرِدُّ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مالا ظانا ان له عليه دين فَلَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّهُ بِلَا خِلَافٍ
(وَالثَّانِي)
لَا يَسْتَرِدُّ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ قَدْ تَقَعُ فَرْضًا وَقَدْ تَقَعُ تَطَوُّعًا فَإِذَا لَمْ تَقَعْ فَرْضًا وَقَعَتْ تَطَوُّعًا كَمَا لَوْ أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ الْغَائِبِ ظَانًّا بَقَاءَهُ فَبَانَ تَالِفًا فَإِنَّهُ يَقَعُ تَطَوُّعًا وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ عَمَلًا بِظَاهِرِ النَّصِّ فَقَالَ يَسْتَرِدُّ الْإِمَامُ دُونَ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْمَالِكَ يُعْطِي مِنْ مَالِهِ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فَرْضًا وَقَعَ نَفْلًا
وَالْإِمَامُ لَا يُعْطِي مِنْ مَالِ الْغَيْرِ إلَّا فَرْضًا فَكَانَ دَفْعُهُ الْمُطْلَقَ كَالْمُقَيَّدِ بِالْفَرْضِ قَالَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَالِكِ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى حالين فقوله يسترداد إذَا أَعْلَمَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ وَحَيْثُ قَالَ لَا يَسْتَرِدُّ أَرَادَ إذَا لَمْ يُعْلِمْهُ التَّعْجِيلَ سَوَاءٌ أَعْلَمَهُ أَنَّهَا زَكَاةٌ مَفْرُوضَةٌ أَمْ لَا فَإِنْ أَثْبَتْنَا الرُّجُوعَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَقَالَ الْمَالِكُ قَصَدْتُ بِالْمَدْفُوعِ التَّعْجِيلَ وَأَنْكَرَ الْقَابِضُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ عِلْمَ الْقَابِضِ بِالتَّعْجِيلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِعِلْمِهِ وَهَلْ يَحْلِفُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَحْلِفُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يَحْيَى الْبَلْخِيّ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ بِمَا قَالَهُ الدَّافِعُ لَضَمِنَ
(وَالثَّانِي)
لَا يَحْلِفُ لِأَنَّ دَعْوَى رَبِّ الْمَالِ تُخَالِفُ الظَّاهِرَ فَلَمْ تُسْمَعْ (فَإِنْ قُلْنَا) يَحْلِفُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَ الدَّافِعِ وَوَارِثِ الْقَابِضِ صُدِّقَ الْوَارِثُ وَهَلْ يَحْلِفُ فِيهِ الْوَجْهَانِ كَالْقَابِضِ وَإِذَا قُلْنَا لَا رُجُوعَ إذَا لَمْ يَذْكُرْ التَّعْجِيلَ وَلَا عَلِمَهُ الْقَابِضُ فَتَنَازَعَا فِي ذِكْرِهِ أَوْ قُلْنَا يُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِاشْتِرَاطِ الرُّجُوعِ فَتَنَازَعَا فِيهِ أَوْ دَفَعَ الْإِمَامُ وَقُلْنَا يُشْتَرَطُ لِرُجُوعِهِ
أَنْ يُبَيِّنَ كَوْنَهَا مُعَجَّلَةً فَتَنَازَعَا فِيهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يُصَدَّقُ الدَّافِعُ بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى إنْسَانٍ وَقَالَ دَفَعْتُهُ عَارِيَّةً وَقَالَ الْقَابِضُ بَلْ هِبَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ بِيَمِينِهِ
(وَالثَّانِي)
يُصَدَّقُ الْقَابِضُ بِيَمِينِهِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ مَلَكَ الْمَقْبُوضَ قال الماوردى ولابد مِنْ يَمِينِهِ هُنَا بِلَا خِلَافٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا كُلُّهُ إذَا عَرَضَ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْقَابِضِ الزَّكَاةَ فَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ بِلَا سَبَبٍ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالتَّعْجِيلِ فَهُوَ كَمَنْ عَجَّلَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ وَلَوْ قَالَ هَذِهِ زَكَاتِي أَوْ صَدَقَتِي الْمَفْرُوضَةُ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ كَمَنْ ذَكَرَ التَّعْجِيلَ دُونَ الرُّجُوعِ (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا أَصْلًا وَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّ الْمَالِكَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَسْتَرِدُّ وَأَنَّ الْإِمَامَ يَسْتَرِدُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ فِيمَا إذَا عَرَضَ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الْمَدْفُوعِ زَكَاةً كَمَوْتِ الْقَابِضِ وَتَغَيُّرِ حَالِهِ وَتَلَفِ النِّصَابِ وَنَقْصِهِ أَوْ تَغَيُّرِ صِفَتِهِ بِأَنْ كَانَ سَائِمَةً فَعَلَفَهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فَحَيْثُ قُلْنَا لَهُ الرُّجُوعُ لَوْ تَلِفَ النِّصَابُ أَوْ بَعْضُهُ فَأَتْلَفَهُ الْمَالِكُ أَوْ أَتْلَفَ مِنْهُ مَا نَقَصَ بِهِ النِّصَابُ فَإِنْ
كَانَ لِحَاجَةٍ كَالنَّفَقَةِ أَوْ الْخَوْفِ عَلَيْهِ أَوْ ذَبَحَهُ لِلْأَكْلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ثَبَتَ الرجوع قطعا وان كان لغير حاجة فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أَصَحُّهُمَا) يَثْبُتُ الرُّجُوعُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِصْطَخْرِيُّ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا مَتَى ثَبَتَ الرُّجُوعُ فَإِنْ كَانَ الْمُعَجَّلُ تَالِفًا ضَمِنَهُ الْقَابِضُ إنْ كَانَ حَيًّا وَوَرَثَتُهُ فِي تَرِكَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا بِبَدَلِهِ فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا كَالدَّرَاهِمِ ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ حَيَوَانًا فَهَلْ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ أَمْ بِمِثْلِهِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ اقْتَرَضَ حَيَوَانًا فَمَاذَا يَرُدُّ قَالَ وَمَأْخَذُ الخلاف أن الشافعي قال برد مِثْلَ الْمُعَجَّلِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَظَاهِرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْمِثْلِيِّ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالْقِيمَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الدَّفْعِ أَمْ يَوْمَ التَّلَفِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَوْمَ الدَّفْعِ صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَنْقَدِحُ عِنْدِي وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ إيجَابُ أَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ إلَى التَّلَفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّا نَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ حَاصِلًا لِلْقَابِضِ وَنَتَبَيَّنُ أَنَّ الْيَدَ يَدُ ضَمَانٍ كَمَا فِي الْمُسْتَامِ وَهَذَا بَعِيدٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَعَ ثُبُوتِ ظَاهِرِ الْمِلْكِ لِلْقَابِضِ وَهَذَا الثَّالِثُ الَّذِي ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ وَجْهًا
لِلْأَصْحَابِ وَضَعَّفَهُ وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ وَجْهًا رَابِعًا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرُّجُوعِ وَهُوَ غَلَطٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ تَالِفَةً فَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً بِحَالِهَا بِغَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ رَجَعَ فيها ودفعها أو غيرها إلى مستحقي الزَّكَاةِ إنْ بَقِيَ الدَّافِعُ وَمَالُهُ بِصِفَةِ الْوُجُوبِ وَلَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُ عَيْنِ الْمَأْخُوذِ فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّ الدَّفْعَ لَمْ يَقَعْ عَنْ الزَّكَاةِ الْمُجْزِئَةِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ وَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَلَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ هُوَ الْإِمَامُ أَخَذَ الْمَدْفُوعَ وَهَلْ يَصْرِفُهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِغَيْرِ إذْنٍ جَدِيدٍ مِنْ الْمَالِكِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَإِنْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْقِيمَةَ عِنْدَ تَلَفِ الْمُعَجَّلِ فَهَلْ يُجْزِئُ صَرْفُهَا إلَى الْمُسْتَحَقِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُجْزِئُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُجْزِئُ عِنْدَنَا قَالَ الرَّافِعِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْعَيْنَ أَوَّلًا وَعَلَى هَذَا فَفِي افْتِقَارِهِ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ مِنْ الْمَالِكِ الْوَجْهَانِ كَالْعَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْتَقَرُ وَإِنْ
كَانَ الْمُعَجَّلُ بَاقِيًا وَلَكِنَّهُ نَاقِصٌ يَرْجِعُ فِيهِ وَهَلْ لَهُ أَرْشُ نَقْصِهِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) وَظَاهِرُ النَّصِّ لَا أَرْشَ لَهُ كَذَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ كَمَنْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ وَرَجَعَ وَالْعَيْنُ نَاقِصَةٌ وَمَنْ قَالَ بِالرُّجُوعِ فَرَّقَ بِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَوْ تَلِفَ كُلُّهُ لَمْ يَغْرَمْهُ الْوَلَدُ فَنَقْصُهُ أَوْلَى بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنْ أَرَادَ دَفْعَهُ بَعْدَ اسْتِرْجَاعِهِ عَنْ زَكَاتِهِ إلَى فَقِيرٍ آخَرَ أَوْ إلَى وَرَثَةِ الْقَابِضِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ لِنُقْصَانِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَالُهُ بِصِفَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُعَجَّلُ زَائِدًا زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَالْكِبَرِ أَخَذَهُ مَعَ زِيَادَتِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ فَطَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ لِلْقَابِضِ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقِيَاسًا عَلَى وَلَدِ الْمَبِيعِ الْمَرْدُودِ بِعَيْبٍ إذَا حَدَثَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرَّدِّ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ بِلَا خِلَافٍ
(وَالثَّانِي)
يَرْجِعُ فِي الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ بِخُرُوجِهِ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَابِضُ حَالَ الْقَبْضِ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الزَّكَاةَ فَأَمَّا إنْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ الْقَبْضِ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ كَغَنِيٍّ وَعَبْدٍ وَكَافِرٍ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَيُغَرِّمُهُ أَرْشَ النَّقْصِ بِلَا خلاف في هذا كله وان كان؟ ؟ ؟ ؟ الْحَوْلِ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ الدَّفْعَ لَمْ يَقَعْ صَحِيحًا مَحْسُوبًا عَنْ الزَّكَاةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَحَيْثُ جَرَتْ حَالَةٌ تَسْتَوْجِبُ الِاسْتِرْجَاعَ
فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِ الْمِلْكِ وَالرُّجُوعِ فِيهِ بَلْ يُنْتَقَضُ الْمِلْكُ أَوْ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ حَصَلَ ثُمَّ انْتَقَضَ قَالَ وَلَيْسَ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّ الرَّاجِعَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَدَامَ مِلْكَ الْمُتَّهَبِ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ لِأَنَّ الْقَابِضَ هُنَا لَمْ يَمْلِكْ إلَّا بِسَبَبِ الزَّكَاةِ فَإِذَا لَمْ تَقَعْ زَكَاةٌ زَالَ الْمِلْكُ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الرُّجُوعِ بِأَرْشِ النقص أو الزيادة المنفصلة هو فيما إذ اجرت الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ قَبْلَ حُدُوثِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلرُّجُوعِ فَأَمَّا إذَا جَرَتْ الزِّيَادَةُ بَعْدَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا لِلرَّاجِعِ فَإِنَّهَا إنَّمَا حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ وَإِنْ حَصَلَ نَقْصٌ أَوْ تَلَفٌ بَعْدَ سَبَبِ الرُّجُوعِ فَالْوَجْهُ عِنْدِي وُجُوبُ الضَّمَانِ لِأَنَّ
الْعَيْنَ لَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِ الْقَابِضِ وَهِيَ عَلَى مِلْكِهِ ثُمَّ حَدَثَ سَبَبُ الرُّجُوعِ ضَمِنَهَا فَتَلَفُهَا بَعْدَهُ أَوْلَى بِوُجُوبِ الضَّمَانِ كَمَا أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَضْمَنُ سَوَاءٌ تَلِفَتْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ أَوْ بَعْدَهُ وَلِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَنْ الزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ دَفَعَ زَكَاةً فَإِذَا لَمْ يَقَعْ عَنْهَا فَهُوَ مَضْمُونٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَذَكَرَ الصَّيْدَلَانِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَشْهِدُ فِي مَسْأَلَةِ النَّقْصِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِأَرْشِهِ إذَا رَجَعَ فِي الْعَيْنِ بِمَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَقَبَضَهُ وَسَلَّمَ ثَمَنَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ بِالثَّوْبِ فَرَدَّهُ وَصَادَفَ الثَّمَنَ نَاقِصَ الصِّفَةِ قَالَ يَأْخُذُهُ نَاقِصًا وَلَا شئ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ النَّقْصِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا مشكل فانه لو قد تَلَفُ الثَّمَنِ رَجَعَ بِبَدَلِهِ فَإِلْزَامُهُ الرِّضَا بِهِ مَعِيبًا بَعْدَ الرَّدِّ بَعِيدٌ (قُلْتُ) الصَّوَابُ الْمُتَعَيَّنُ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الْمُعَجَّلُ بَعِيرَيْنِ أَوْ شَاتَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الْآخَرُ وَوُجِدَ سَبَبُ الرُّجُوعِ رَجَعَ فِي الْبَاقِي وَبَدَلِ التَّالِفِ وَفِي بَدَلِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ قَرِيبًا (الْأَصَحُّ) قِيمَتُهُ (وَالثَّانِي) مِثْلُهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْمَاوَرْدِيُّ
* (فَرْعٌ)
الْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْقَابِضَ يَمْلِكُ الْمُعَجَّلَ مِلْكًا تَامًّا وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَرَضَ مَانِعٌ تَبَيَّنَّا عَدَمَ الْمِلْكِ وَإِلَّا تَبَيَّنَّا الْمِلْكَ فَلَوْ بَاعَ الْقَابِضُ ثُمَّ طَرَأَ الْمَانِعُ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ اسْتَمَرَّ الْبَيْعُ عَلَى صِحَّتِهِ وَإِلَّا تَبَيَّنَّا بُطْلَانَهُ وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً فَأَرَادَ الْقَابِضُ رَدَّ بَدَلِهَا دُونَهَا (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْوَقْفِ فَلَهُ ذَلِكَ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ فَفِي جَوَازِ الا بدال الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ فِي مِثْلِهِ فِي الْقَرْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ أَمْ بِالتَّصَرُّفِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالتَّصَرُّفِ فَلَيْسَ لَهُ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَبْضِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَيْسَ لَهُ
(وَالثَّانِي)
لَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا أَثْبَتْنَا الرُّجُوعَ فَفِيهِ تَقْدِيرَانِ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِمَا الْأَصْحَابُ وَحَوَّمَ عَلَيْهِمَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ (أَحَدُهُمَا)
أَنَّا نَتَبَيَّنُ أَنَّ مِلْكَ الدَّافِعِ لَمْ يَزُلْ وَكَانَ الْمِلْكُ مَوْقُوفًا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْمَدْفُوعَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالْقَرْضِ فَإِنْ وَقَعَتْ الزَّكَاةُ مَوْقِعَهَا وَإِلَّا فَهُوَ قَرْضٌ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا فِي نِهَايَةِ الْحُسْنِ قَالَ فَعَلَى هَذَا (إنْ قُلْنَا) الْقَرْضُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالتَّصَرُّفِ لَمْ يَكُنْ لِلْقَابِضِ الْإِبْدَالُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ قَالَ وَلَوْ بَاعَهَا ثُمَّ طَرَأَ الْمَانِعُ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
(وإن عجل الزكاة ودفعها إلى فقير فمات الفقير أو ارتد قبل الحول لم يجزئه المدفوع عن الزكاة وعليه أن يخرج الزكاة ثانيا فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ الدَّفْعِ أَنَّهَا زَكَاةٌ معجلة لم يرجع وإن بين رجع وإذا رجع فيما دفع نظرت فان كان من الذهب أو الفضة وإذا ضمه الي ما عنده بلغ النصاب وجبت فيه الزكاة لانه قبل أن يموت الفقير كان كالباقي علي ملكه ولهذا لو عجله عن النصاب سقط به الفرض عند الحول فلو لم يكن كالباقي على حكم ملكه لم يسقط به الفرض وقد نقص المال عن النصاب ولانه لما مات صار كالدين في ذمته والذهب والفضة إذا صارا دينا لم ينقطع الحول فيه فيضم إلى ما عنده وإن كان الذى عجل شاة ففيه وجهان
(أحدهما)
يضم إلى ما عنده كما يضم الذهب والفضه
(والثانى)
لا يضم لانه لما مات صار كالدين والحيوان إذا كان دينا لا تجب فيه الزكاة وان عجل الزكاة ودفعها إلي فقير فاستغنى قبل الحول نظرت فان استغنى بما دفع إليه اجزأه لانه دفع إليه ليستغني به فلا يجوز أن يكون غناه به مانعا من الاجزاء ولانه زال شرط الزكاة من جهة الزكاة فلا يمنع الاجزاء كما لو كان عنده نصاب فعجل عنه شاة فان المال قد نقص عن النصاب ولم يمنع الاجزاء عن الزكاة وان استغنى من غيره لم يجزه عن الزكاة وعليه أن يخرج الزكاة ثانيا وهل يرجع على ما بيناه وإن دفع إلى فقير ثم استغنى ثم افتقر قبل الحول وحال الحول وهو فقير ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يجزئه كما لو عجل زكاة ماله ثم تلف ماله ثم استفاد غيره قبل الحول
(والثانى)
أنه يجزئه لانه دفع إليه وهو فقير وحال الحول عليه وهو فقير)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا شَرْطُ كَوْنِ الْمُعَجَّلِ زَكَاةً مُجْزِئًا بَقَاءُ الْقَابِضِ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ فَلَوْ ارْتَدَّ أَوْ مَاتَ أَوْ اسْتَغْنَى بِغَيْرِ الْمَالِ الْمُعَجَّلِ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يُحْسَبْ عَنْ الزَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اسْتَغْنَى بِالْمَدْفُوعِ مِنْ الزَّكَوَاتِ أَوْ بِهِ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَضُرَّ وَيُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ أبو إسحق وَهَكَذَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَدْفُوعِ فَاسْتَغْنَى بِرِبْحِهِ وَنَمَائِهِ أَجْزَأَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّا دَفَعْنَا إلَيْهِ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ عَرَضَ مَانِعٌ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ثُمَّ زَالَ فِي أَثْنَائِهِ وَصَارَ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ أَجْزَأَ الْمُعَجَّلُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فِي
الطَّرَفَيْنِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيُّ وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّافِعِ بَقَاؤُهُ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ بِصِفَةِ مَنْ
تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فَلَوْ ارْتَدَّ وَقُلْنَا الرِّدَّةُ تَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ أَوْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ كُلُّ مَالِهِ أَوْ نَقَصَ هُوَ وَالْمُعَجَّلُ عَنْ النِّصَابِ أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَكُنِ الْمُعَجَّلُ زكاة وان بقينا مِلْكَ الْمُرْتَدِّ وَجَوَّزْنَا إخْرَاجَ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ وَقَدْ سَبَقَ فِي إجْزَائِهَا فِي حَالِ الرِّدَّةِ خِلَافٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزكاة وهل يحسب في فِي صُورَةِ الْمَوْتِ عَنْ زَكَاةِ الْوَارِثِ قَالَ الْأَصْحَابُ (إنْ قُلْنَا) الْوَارِثُ يَبْنِي عَلَى حَوْلِ المورث أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قطع السرخسى وآخرون لانه تعجيل قبل مالك النصب (وَالثَّانِي) يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَذَكَرَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ قَالَا وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ حَمَلَ النَّصَّ عَلَى أَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَدِيمِ (فَإِنْ قُلْنَا) يُحْسَبُ فَتَعَدَّدَتْ الْوَرَثَةُ حُكِمَ بِالْخَلْطَةِ إنْ كَانَ الْمَالُ مَاشِيَةً أَوْ غَيْرَ مَاشِيَةٍ وَقُلْنَا بِثُبُوتِ الْخَلْطَةِ فِي غَيْرِهَا فَأَمَّا إنْ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ وَنَقَصَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ عَنْ النِّصَابِ أَوْ اقْتَسَمُوا وَنَقَصَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ عَنْ النِّصَابِ فَيَنْقَطِعُ الْحَوْلُ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ (قَالَ) أَصْحَابُنَا وَالْمُعَجَّلُ مَضْمُومٌ إلَى مَا عِنْدَ الدَّافِعِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ مَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَلَوْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ وَلَمْ يَطْرَأْ مَانِعٌ أَجْزَأَهُ مَا عَجَّلَ وَكَانَتْ تِلْكَ الشَّاةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَاقِيَاتِ عِنْدَهُ فِي شيثين فِي إتْمَامِ النِّصَابِ بِهَا وَفِي إجْزَائِهَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ بَاقِيَةً فِي يَدِ الْفَقِيرِ أَوْ تَالِفَةً ثُمَّ إنْ تَمَّ الْحَوْلُ بَعْدَ التَّعْجِيلِ وَالْمَالُ عَلَى حَالِهِ أَجْزَأَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي تَقْدِيرِهِ إذَا كَانَ الْبَاقِي دُونَ النِّصَابِ بِأَنْ أَخْرَجَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ به الاصحاب أن المعجل كالباقي في ملكه حتى يكمل به النصاب وجزئ وَلَيْسَ بِبَاقٍ فِي مِلْكِهِ حَقِيقَةً (وَقَالَ) صَاحِبُ التَّقْرِيبِ يُقَدَّرُ كَأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَزُلْ لِيَنْقَضِيَ الْحَوْلُ وَفِي مِلْكِهِ نِصَابٌ وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا وَقَالَ تَصَرُّفُ الْقَابِضِ نَافِذٌ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا فَكَيْفَ يُقَالُ بِبَقَاءِ مِلْكِ الدَّافِعِ قَالَ الرافعى هذا الِاسْتِبْعَادُ صَحِيحٌ إنْ أَرَادَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ بَقَاءَ مِلْكِهِ حَقِيقَةً وَإِنْ أَرَادَ مَا قَالَهُ فَقَوْلُهُ صَوَابٌ (وَأَمَّا) إذَا طَرَأَ مَانِعٌ مِنْ كَوْنِ المعجل زكاة فينظران كَانَ الدَّافِعُ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ وَبَقِيَ فِي يَدِهِ نِصَابٌ لَزِمَهُ الْإِخْرَاجُ ثَانِيًا وَإِنْ كَانَ دُونَ نصاب فحيث لا يثبت الاستراد أَوْ يَثْبُتُ وَلَا يَبْلُغُ الْبَاقِيَ مَعَ الْمُسْتَرَدِّ نصاب لَا زَكَاةَ بِلَا خِلَافٍ وَكَأَنَّهُ تَطَوُّعٌ بِشَاةٍ قَبْلَ الْحَوْلِ وَحَيْثُ ثَبَتَ الِاسْتِرْدَادُ فَاسْتَرَدَّ وَتَمَّ بِالْمُسْتَرَدِّ النِّصَابُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ فِي كتب العراقيين
وَالسَّرَخْسِيِّ وَغَيْرِهِمْ (أَحَدُهَا) يَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ وَلَا زَكَاةَ لِلْمَاضِي لِنَقْصِ مِلْكِهِ عَنْ النِّصَابِ (وَالثَّانِي) إنْ كَانَ مَالُهُ نَقْدًا زَكَّاهُ لِمَا مَضَى وَإِنْ كَانَ مَاشِيَةً فَلَا لِأَنَّ السَّوْمَ شَرْطٌ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَيَوَانٍ فِي الذِّمَّةِ (وَأَصَحُّهَا) عِنْدَهُمْ تَجِبُ الزَّكَاةُ لِمَا مسى مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ كَالْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ بَلْ لَفْظُهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِخْرَاجِ ثَانِيًا قَبْلَ الِاسْتِرْدَادِ إذَا كَانَ الْمُخْرَجُ بِعَيْنِهِ بَاقِيًا فِي يَدِ الْقَابِضِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ إذَا اسْتَرَدَّ وَقُلْنَا كَأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ لَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاةُ الْمَاضِي (وَإِنْ قُلْنَا) يَتَبَيَّنُ أَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ لَزِمَهُ زَكَاةُ الْمَاضِي قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الثَّانِي الشَّاةُ المقبوضة حصلت الحيلولة بين المالك وبينهما فيجئ فِيهَا الْخِلَافُ فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمَجْحُودِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَلَامُ الْعِرَاقِيِّينَ يُشْعِرُ بِجَرَيَانِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ مَعَ تَسْلِيمِ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمُعَجَّلِ قَالَ وَكَيْفَ كَانَ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ لِلْمَاضِي قَالَ الْبَغَوِيّ فَلَوْ عَجَّلَ مِنْ أَلْفِ شَاةٍ عشر افتلف ماله قبل الحول الا ثلثمائة وَتِسْعِينَ وَكَانَتْ الْعَشَرَةُ بَاقِيَةً فِي يَدِ الْقَابِضِ ضُمَّتْ إلَى مَا عِنْدَهُ حَيْثُ ثَبَتَ الِاسْتِرْدَادُ فيصير المال اربعمائة وواجبه اربع شياه فيحسب اربعا عن الزكاة يسترد سِتًّا إنْ كَانَ الْقَابِضُ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِلَّا فَيَسْتَرِدُّ الْعَشْرَ وَيُخْرِجُ أَرْبَعًا هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ بَاقِيًا فِي يَدِ الْقَابِضِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ تَالِفًا فِي يَدِ الْقَابِضِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي فِي يَدِ الْمَالِكِ نِصَابًا لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ لِحَوْلِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَقَدْ صَارَ الضَّمَانُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ أَوْجَبْنَا تَجْدِيدَ الزَّكَاةِ إذَا كَانَ بَاقِيًا جَاءَ هُنَا قَوْلًا وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الدَّيْنِ (الْأَصَحُّ) الْوُجُوبُ هَذَا إنْ كَانَ الْمُزَكَّى نَقْدًا فَإِنْ كَانَ مَاشِيَةً لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ بِحَالٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْقَابِضِ الْقِيمَةُ فَلَا يَكْمُلُ بِهَا نِصَابُ الماشية وقال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ تُقَامُ الْقِيمَةُ مَقَامَ الْعَيْنِ هُنَا نَظَرًا لِلْمَسَاكِينِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الزَّكَاةَ الْمُعَجَّلَةَ يَوْمَ الدَّفْعِ غَنِيًّا وَيَوْمَ الْوُجُوبِ فَقِيرًا لَمْ تَقَعْ عَنْ الزَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ عَجَّلَ بِنْتَ مَخَاضٍ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَعِيرًا فَبَلَغَتْ بِالتَّوَالُدِ سِتًّا وَثَلَاثِينَ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يُجْزِئْهُ بِنْتُ الْمَخَاضِ الْمُعَجَّلَةُ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صَارَتْ بِنْتَ لَبُونٍ فِي يَدِ الْقَابِضِ بَلْ يَسْتَرِدُّهَا ويخرجها
ثانيا أو بنت لبون أخرى هكذا ذَكَرُوهُ وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ ثُمَّ قَالَ لِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُخْرَجُ تَالِفًا وَالنِّتَاجُ لَمْ يَزِدْ عَلَى احد عشر فلم تَكُنْ إبِلُهُ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَّا بِالْمُخْرَجِ يَنْبَغِي أَلَا تَجِبَ بِنْتُ لَبُونٍ لِأَنَّا
إنَّمَا نَجْعَلُ الْمُخْرَجُ كَالْبَاقِي فِي يَدِ الدَّافِعِ إذَا حَسَبْنَاهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَقَعْ مَحْسُوبًا عَنْهَا فَلَا بَلْ هُوَ كَهَلَاكِ بَعْضِ الْمَالِ قَبْلَ الْحَوْلِ قَالَ الرَّافِعِيُّ الْوَجْهُ الثَّالِثُ السَّابِقُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَحَّحُوهُ يُنَازَعُ فِي هَذَا
* (فَرْعٌ)
لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ فَمَاتَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ قَبْلَ الحول فقد سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الْمَدْفُوعُ زَكَاةً وَيُسْتَرَدُّ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَتَجِبُ الزَّكَاةُ ثَانِيًا عَلَى الْمَالِكِ إنْ بَقِيَ مَعَهُ نِصَابٌ وَكَذَا إنْ تَمَّ نِصَابًا بِالْمَرْجُوعِ بِهِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُوسِرًا فَلَوْ مَاتَ معسرا لا شئ لَهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا السَّرَخْسِيُّ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَالِكَ دَفْعُ الزَّكَاةِ ثَانِيًا إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّ الْقَابِضَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَقْتَ الْوُجُوبِ
(وَالثَّانِي)
يُجْزِئُهُ هَذَا الْمُعَجَّلُ هُنَا لِلْمَصْلَحَةِ مُرَاعَاةً لِمَصْلَحَةِ التَّعْجِيلِ وَالرِّفْقِ بِالْمَسَاكِينِ فَلَوْ لَمْ نَقُلْ بِالْإِجْزَاءِ نَفَرَ النَّاسُ عَنْ التَّعْجِيلِ خَوْفًا مِنْ هَذَا (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْإِمَامَ يَغْرَمُ لِلْمَالِكِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَدْرَ الْمَدْفُوعِ وَيَلْزَمُ الْمَالِكَ اخراج الزكاة جمعا بين المصلحتين والدليلين
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإن تسلف الوالي الزكاة وهلك في يده نظرت فان تسلف بغير مسألة ضمنها لان الفقراء أهل رشد فلا يولي عليهم فإذا قبض مالهم بغير اذنهم قبل محله وجب عليه الضمان كالوكيل إذا قبض مال موكله قبل محله بغير اذنه وان تسلف بمسألة رب المال فما تلف من ضمان رب المال لانه وكيل رب المال فكان الهلاك من ضمان الموكل كما لو وكل رجلا في حمل شئ الي مكان فهلك في يده وان تسلف بمسألة الفقراء فما هلك من ضمانهم لانه قبض باذنهم فصار كالوكيل إذا قبض دين موكله باذنه فهلك في يده وان تسلف بمسألة الفقراء ورب المال ففيه وجهان
(أحدهما)
ان ما يتلف من ضمان رب المال لان جنبته أقوى لانه يملك المنع والدفع (والثاني) انه من ضمان الفقراء لان الضمان يجب على من له المنفعة ولهذا يجب ضمان العارية على المستعير والمنفعة ههنا للفقراء فكان
الضمان عليهم)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ أَهْلُ رُشْدٍ - بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الشين - ويجوز بفتحهما (وَقَوْلُهُ) يُولِي عَلَيْهِمْ هُوَ بِإِسْكَانِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ - أَيْ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّ جَنَبَتَهُ هِيَ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالنُّونِ - (وَأَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاخْتَصَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَلَخَصَّهَا الرَّافِعِيُّ وَمُخْتَصَرُ مَا نَقَلَهُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَخَذَ مِنْ الْمَالِكِ مَالًا لِلْمَسَاكِينِ قَبْلَ تَمَامِ
حَوْلِهِ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَأْخُذُهُ بِحُكْمِ الْقَرْضِ فَيُنْظَرُ إنْ اقْتَرَضَ بِسُؤَالِ الْمَسَاكِينِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِمْ سَوَاءٌ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ إلَيْهِمْ وَهَلْ يَكُونُ الْإِمَامُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ وَيَرْجِعَ هُوَ عَلَى المساكين أم لا ينظران عَلِمَ الْمُقْرِضُ أَنَّهُ يَقْتَرِضُ لِلْمَسَاكِينِ بِإِذْنِهِمْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقًا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ ظَنَّ الْمُقْرِضُ أَنَّهُ يَقْتَرِضُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالِهِمْ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْإِمَامِ ثُمَّ الامام يأخذه من مال الصدقة أو يحسبه عَنْ زَكَاةِ الْمُقْرِضِ وَلَوْ أَقْرَضَهُ الْمَالِكُ لِلْمَسَاكِينِ ابتذاء مِنْ غَيْرِ سُؤَالِهِمْ فَتَلِفَ فِي يَدِ الْإِمَامِ بلا تفريض فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلَا عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْمَالِكِ وَلَوْ اقْتَرَضَ الْإِمَامُ بِسُؤَالِ الْمَالِكِ وَالْمَسَاكِينِ جَمِيعًا فَهَلْ هُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمَالِكِ أَوْ الْمَسَاكِينِ فِيهِ وَجْهَانِ يَأْتِي بَيَانُهُمَا فِي الْحَالِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وان اقترض بغير سؤال المالك والمساكين نظران اقْتَرَضَ وَلَا حَاجَةَ بِهِمْ إلَى الِاقْتِرَاضِ وَقَعَ الْقَرْضُ لِلْإِمَامِ وَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ سَوَاءٌ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ دَفَعَهُ إلَى الْمَسَاكِينِ ثُمَّ إنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ مُتَبَرِّعًا فَلَا رُجُوعَ وَإِنْ أَقْرَضَهُمْ فَقَدْ أَقْرَضَهُمْ مَالَ نَفْسِهِ فَلَهُ حُكْمُ سَائِرِ الْقُرُوضِ وَإِنْ كَانَ اقْتَرَضَ لهم وبهم حَاجَةٌ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمَسَاكِينِ يَقْضِيهِ الْإِمَامُ مِنْ مَالِ الصدقة كالولي إذا اقترض لليتيم فهلك المال في يده بلا تفريط بكون الضَّمَانُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَكُونُ الضَّمَانُ مِنْ خَالِصِ مَالِ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ غَيْرُ مُتَعَيَّنِينَ وَفِيهِمْ أَهْلُ رُشْدٍ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَهْلُ رُشْدٍ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِمْ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مَنْعُ الصَّدَقَةِ عَنْهُمْ بِلَا عُذْرٍ وَلَا التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِمْ بِالتِّجَارَةِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ لَهُمْ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ بِخِلَافِ الْيَتِيمِ فَأَمَّا إذَا دَفَعَ الْمَالَ الَّذِي اقْتَرَضَهُ إلَيْهِمْ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ وَالْإِمَامُ طَرِيقٌ فَإِذَا أَخَذَ الزَّكَوَاتِ وَالْمَدْفُوعَ إلَيْهِ بِصِفَةِ
الِاسْتِحْقَاقِ فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ الزَّكَوَاتِ وَلَهُ أَنْ يَحْسِبَهُ عَنْ زَكَاةِ الْمُقْرِضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ الزَّكَوَاتِ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ مِنْهَا بَلْ يَقْضِي مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَأْخُذَ الْإِمَامُ الْمَالَ لِيَحْسِبَهُ عَنْ زَكَاةِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ وَفِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ كَالْقَرْضِ (إحْدَاهَا) أَنْ يَأْخُذَ بِسُؤَالِ الْمَسَاكِينِ فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ قَبْلَ الْحَوْلِ وَتَمَّ الْحَوْلُ وَهُمْ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمَالِكُ بِصِفَةِ الْوُجُوبِ وَقَعَ الْمَوْقِعَ وَإِنْ خَرَجُوا عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ فَعَلَيْهِمْ الضَّمَانُ وَعَلَى الْمَالِكِ الْإِخْرَاجُ ثَانِيًا وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِغَيْرِ تفريط نظران خَرَجَ الْمَالِكُ عَنْ صِفَةِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فَلَهُ الضَّمَانُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَهَلْ يَكُونُ الْإِمَامُ طَرِيقًا فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا
فِي الِاقْتِرَاضِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَهَلْ يَقَعُ الْمُخْرَجُ عَنْ زَكَاتِهِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَقَعُ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي
(وَالثَّانِي)
لَا يَقَعُ فَعَلَى هَذَا لَهُ تَضْمِينُ الْمَسَاكِينِ وَفِي تَضْمِينِ الْإِمَامِ وَجْهَانِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسَاكِينِ مَالٌ صَرَفَ الْإِمَامُ إذَا اجْتَمَعَتْ عِنْدَهُ الزَّكَوَاتُ ذَلِكَ الْقَدْرَ إلَى آخَرِينَ عَنْ جِهَةِ الَّذِي تَسَلَّفَ مِنْهُ ثُمَّ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَسَاكِينُ مُتَعَيَّنِينَ أَمْ لَا فَالْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَا سَبَقَ وَحَكَى السَّرَخْسِيُّ وَجْهَيْنِ
(أَحَدَهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي) أن صورة المسألة ان يكونو مُتَعَيَّنِينَ فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنُوا فَلَا أَثَرَ لِسُؤَالِهِمْ وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ إذَا تَسَلَّفَ بِغَيْرِ مَسْأَلَةِ أَحَدٍ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِطَلَبِ غَيْرِ الْمُتَعَيَّنِينَ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَيْضًا وَجْهًا فِي الْمُتَعَيَّنِينَ أنه لا اعتبر بِطَلَبِهِمْ بَلْ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لا يلزم من تعينهم حَالَ الطَّلَبِ تَعِينُهُمْ حَالَ الْوُجُوبِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ شاذان ضعيفان مردودان (المسألة الثَّانِيَةُ) أَنْ يَتَسَلَّفَ بِسُؤَالِ الْمَالِكِ فَإِنْ دَفَعَ إلَى الْمَسَاكِينِ وَتَمَّ الْحَوْلُ وَهُمْ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وقع الموقع والارجع الْمَالِكُ عَلَى الْمَسَاكِينِ دُونَ الْإِمَامِ وَإِنْ تَلِفَ في يد الامام لم يجزئ المالك سَوَاءٌ تَلِفَ بِتَفْرِيطِ الْإِمَامِ أَمْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ كَالتَّالِفِ فِي يَدِ الْوَكِيلِ ثُمَّ إنْ تَلِفَ بِتَفْرِيطِ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِلْمَالِكِ وَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمَسَاكِينِ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَتَسَلَّفَ بِسُؤَالِ الْمَالِكِ وَالْمَسَاكِينِ جَمِيعًا (فَالْأَصَحُّ) عِنْدَ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمَسَاكِينِ
(وَالثَّانِي)
مِنْ ضَمَانِ الْمَالِكِ (الرابعة)
أن يتسلف بغير سؤال اللمالك وَالْمَسَاكِينِ لِمَا رَأَى مِنْ حَاجَتِهِمْ فَهَلْ تَكُونُ حَاجَتُهُمْ كَسُؤَالِهِمْ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَكُونُ فَعَلَى هَذَا إنْ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ وَخَرَجُوا عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ اسْتَرَدَّهُ الْإِمَامُ مِنْهُمْ وَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِمْ وَإِنْ خَرَجَ الدَّافِعُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ اسْتَرَدَّهُ وَرَدَّهُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ مَالٌ ضَمِنَهُ الْإِمَامُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَرَّطَ أَمْ لَمْ يُفَرِّطْ وَعَلَى الْمَالِكِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ ثَانِيًا إنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ لَا ضَمَانَ عَلَى الْإِمَامِ ثُمَّ الْوَجْهَانِ فِي تَنَزُّلِ الْحَاجَةِ مَنْزِلَةَ سُؤَالِهِمْ هُمَا فِي حَقِّ الْبَالِغِينَ (أَمَّا) إذَا كَانُوا غَيْرَ بَالِغِينَ فَيُبْنَى عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ هَلْ تُدْفَعُ إلَيْهِ الزَّكَاةُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ لَهُ من الزمه نَفَقَتُهُ كَأَبِيهِ وَغَيْرِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تُدْفَعُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُدْفَعُ لَهُ إلَى قِيمَةٍ
(وَالثَّانِي)
لَا لِاسْتِغْنَائِهِ بِسَهْمِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَإِنْ جَوَّزْنَا الصَّرْفَ
إلَيْهِ فَحَاجَةُ الْأَطْفَالِ كَسُؤَالِ الْبَالِغِينَ فَتَسَلُّفُ الْإِمَامِ الزَّكَاةَ وَاسْتِقْرَاضُهُ لَهُمْ كَاسْتِقْرَاضِ قَيِّمِ الْيَتِيمِ هَذَا إذَا كَانَ الَّذِي يَلِي أَمَرَهُمْ الْإِمَامُ فَإِنْ كان واليا مُقَدَّمًا عَلَى الْإِمَامِ فَحَاجَتُهُمْ كَحَاجَةِ الْبَالِغِينَ لِأَنَّ لَهُمْ مَنْ يَسْأَلُ التَّسَلُّفَ لَوْ كَانَ مَصْلَحَةً لَهُمْ أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ إلَى الصبى فلا تجئ هذه المسألة في سهم الفقراء والمساكين وتجئ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ وَنَحْوِهِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا لَوْ تَلِفَ الْمُعَجَّلُ فِي يَدِ السَّاعِي أَوْ الْإِمَامِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْحُصُولَ فِي يَدِهِمَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَالْوُصُولِ إلَى يَدِ الْمَسَاكِينِ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ ثُمَّ إنْ فَرَّطَ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِمْ ضَمِنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَهُمْ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ وَلَيْسَ مِنْ التَّفْرِيطِ انْتِظَارُهُ انْضِمَامَ غَيْرِهِ إلَيْهِ لِقِلَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ تَفْرِيقُ كُلِّ قَلِيلٍ يَحْصُلُ عِنْدَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِالْمَسَاكِينِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَهْلُ السَّهْمَانِ جَمِيعًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ جَمِيعَ آحَادِ الصِّنْفِ بَلْ سُؤَالُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ أَوْ حاجتهم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (فاما ما تجب الزكاة فيه من غير حول كالعشر وزكاة المعدن والركاز فلا يجوز فيه تعجيل الزكاة وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَجُوزُ تعجيل العشر (والصحيح) أنه لا يجوز لان العشر يجب بسبب واحد وهو ادراك الثمرة وانعقاد الحب فإذا عجله قدمه علي سببه فلم يجز كما لو قدم زكاة المال
علي النصاب)
* (الشَّرْحُ) قَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الْمَالَ الزَّكَوِيَّ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ وَسَبَقَ شَرْحُهُ (وَالثَّانِي) غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِهِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ (مِنْهَا) زَكَاةُ الْفِطْرِ وَسَبَقَ فِي بَابِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ اللَّيْلَةَ الْأُولَى مِنْ رَمَضَانَ وَوَجْهٍ يَجُوزُ قَبْلَ رَمَضَانَ وَأَوْضَحْنَاهَا فِي بَابِهَا (وَمِنْهَا) زَكَاةُ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحُصُولِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْهَا) زَكَاةُ الزَّرْعِ تَجِبُ بِاشْتِدَادِ الْحَبِّ وَالثِّمَارِ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابَيْهِمَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ الْأَدَاءِ بَلْ هُوَ وَقْتُ ثُبُوتِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ بَعْدَ تَنْقِيَةِ الْحَبِّ وَتَجْفِيفِ الثِّمَارِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْإِخْرَاجُ بَعْدَ مَصِيرِ الرُّطَبِ تَمْرًا وَالْعِنَبِ زَبِيبًا لَيْسَ تَعْجِيلًا بَلْ وَاجِبٌ حِينَئِذٍ وَلَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ بِلَا خِلَافٍ وَفِيمَا بَعْدَهُ أَوْجُهٌ (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ يَجُوزُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَا قَبْلَهُ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ قَبْلَهُ مِنْ حِينِ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ (وَالثَّالِثِ) لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْجَفَافِ (وَأَمَّا) الزَّرْعُ فَالْإِخْرَاجُ عَنْهُ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ تَعْجِيلًا وَلَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ قَبْلَ التَّسَنْبُلِ وَانْعِقَادِ
الْحَبِّ وَبَعْدَهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) جَوَازُهُ بعد الاشتداد والا دراك وَمَنْعُهُ قَبْلَهُ وَالثَّانِي جَوَازُهُ بَعْدَ التَّسَنْبُلِ وَانْعِقَادِ الْحَبِّ (وَالثَّالِثُ) لَا يَجُوزُ قَبْلَ التَّنْقِيَةِ
* (فَرْعٌ)
ضَبَطَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْبَابِ مَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ (فَمِنْهَا) الزَّكَاةُ وَالْفِطْرَةُ وَسَبَقَ بَيَانُهُمَا (وَمِنْهَا) كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلُ وَالظِّهَارُ وَلَهَا تَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي أَبْوَابِهَا (وَمِنْهَا) كَفَّارَةُ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْجِمَاعِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قطع القاضى أبو الطيب في المجرد هنا وآخرون وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلِيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَعْتَقَ قَبْلَ الشِّفَاءِ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (وَمِنْهَا) لَا يَجُوزُ لِلشَّيْخِ الْهَرِمِ وَالْحَامِلِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ تَقْدِيمُ الْفِدْيَةِ عَلَى رَمَضَانَ وَيَجُوزُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ رَمَضَانَ لِلشَّيْخِ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَيْضًا عَلَى لمذهب وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِوَالِدِي قَالَ الزِّيَادِيُّ وَلِلْحَامِلِ تَقْدِيمُ الْفِدْيَةِ عَلَى الفطر ولا يقدم الافدية
يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَوْ أَرَادَ تَعْجِيلَ فِدْيَةِ تَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ كَتَعْجِيلِ كَفَّارَةِ الْحِنْثِ بِمَعْصِيَتِهِ وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْأُضْحِيَّةِ قَبْلَ يَوْمِ الْعِيدِ بِلَا خِلَافٍ (وَمِنْهَا) دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ (فَأَمَّا) الْقِرَانُ فَيَجُوزُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُمَا وَالتَّمَتُّعُ يَجُوزُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ قَطْعًا وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) يَجُوزُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ فَرَاغِهَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَأَرَادَ تَقْدِيمَ جَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ جَرْحِهِ فَالْمَذْهَبُ جَوَازُهُ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَإِلَّا فَالْمَذْهَبُ مَنْعُهُ لِعَدَمِ السَّبَبِ قَالَ وَالْإِحْرَامُ لَيْسَ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ قَالَ وَهَذَا كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ إنْ فَعَلَهَا بَعْدَ الْجَرْحِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ لَا يَحْتَاجُ مُخْرِجُ الزَّكَاةِ إلَى لَفْظٍ أَصْلًا بَلْ يَكْفِيهِ دَفْعُهَا وَهُوَ سَاكِتٌ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ دَفْعِ دَيْنٍ إلَى مُسْتَحِقِّهِ قَالَ الْإِمَامُ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ والمحققون من غيرهم ولا تحتاج الْهِبَةُ وَالْمِنْحَةُ فَلَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ اللَّفْظِ (وَأَمَّا) الْهَدِيَّةُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى لَفْظٍ وَفِيهَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ وَسَنُعِيدُ إيضَاحَ هَذَا كُلِّهِ فِي بَابِ الْهِبَةِ وَفِي الزَّكَاةِ وَجْهٌ شَاذٌّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَفْظُهُ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخر قسم الصدقات
*
(باب قسم الصدقات)
القسم هنا وقسم الفئ وَالْقَسْمُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ كُلُّهُ - بِفَتْحِ الْقَافِ - وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْقِسْمَةِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ (اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ)(وَأَمَّا) الْقِسْمُ - بِكَسْرِ الْقَافِ - فهو النصيب وليس مرادا هنا (واعلم) هَذَا الْبَابَ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ وَجَمِيعُ شُرَّاحِ مُخْتَصَرِهِ وجماهير الاصحاب في آخر ربع البيوع مقرونا بقسم الفئ وَالْغَنِيمَةِ وَوَجْهُ ذِكْرِهِ هُنَاكَ أَنَّ الزَّكَاةَ تُشَارِكُ الْغَنِيمَةَ فِي أَنَّ الْإِمَامَ يَقْسِمُهَا بَعْدَ الْجَمْعِ وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ هُنَا مُتَّصِلًا بكتاب الزكاة وتابعه المصنف والجرجاني والمتولي وآخرونن وهو أحسن والله اعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز لرب المال أن يفرق زكاة الاموال الباطنة بنفسه وهى الذهب والفضة وعروض التجارة
والركاز لما روى عن عثمان رضي الله عنه انه قال في المحرم (هذا شهر زكاتكم فمن كان عنده دين فليقض دينه ثم ليزك بقية ماله) ويجوز أن يوكل من يفرق لانه حق مال فجاز أن يوكل في أدائه كدين الادمين ويجوز أن تدفع الي الامام لانه نائب عن الفقراء فجاز الدفع إليه كولى اليتيم وفى الافضل ثلاثة أوجه (أحدها) أن الافضل أن يفرق بنفسه وهو ظاهر النص لانه على ثقة من أدائه وليس على ثقة من أداء غيره
(والثانى)
أن الافضل أن يدفع الي الامام عادلا كان أو جائرا لما روى أن المغيرة بن شعبة قال لممولي له وهو علي أمواله بالطائف (كيف تصنع في صدقة مالي قال منها ما أتصدق به ومنها ما أدفع الي السلطان فقال وفيم أنت من ذلك فقال انهم يشترون بها الارض ويتزوجون بها النساء فقال ادفعها إليهم فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمرنا أن ندفعها إليهم) ولانه أعرف بالفقراء وقدر حاجاتهم ومن أصحابنا من قال ان كان عادلا فلدافع فإليه أفضل وان كان جائرا فتفرقته بنفسه أفضل لقوله صلي الله عليه وسلم (فَمَنْ سُئِلَهَا عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطَهَا وَمَنْ سُئِلَ فوقه فلا يعطه) ولانه علي ثقة من أدائه الي العادل وليس علي ثقة من أدائه الي الجائر لانه ربما صرفه في شهواته (فأما) الاموال الظاهرة وهى الماشية والزروع والثمار والمعادن ففى زكاتها قولان (قال) في القديم يجب دفعها إلى الامام فان فرقها بنفسه لزمه الضمان لقوله عز وجل (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) ولانه مال للامام فيه حق المطالبة فوجب الدفع إليه كالخراج والجزية
قال في الجديد يجوز أن يفرقها بنفسه لانها زكاة فجاز أن يفرقها بنفسه كزكاة المال الباطن)
* (الشَّرْحُ) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُثْمَانَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكَبِيرِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي بَابِ الدَّيْنِ مَعَ الصَّدَقَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ الصَّحَابِيِّ انه سمع عثمان ابن عَفَّانَ خَطِيبًا عَلَى مِنْبَرِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فمن كان منكم عليه دين قليقض دينه حتى تخلص اموالكم فتئودوا منها الزكاة) قال كالبيهقي وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْبَيْهَقِيّ هَذَا الْقَوْلُ لِأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي صَحِيحِهِ هَكَذَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ
يَزِدْ عَلَى هَذَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ فِي ذكر المنبر كذا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبُخَارِيِّ كَمَا ذَكَرْتُهُ وَمَقْصُودُ الْبُخَارِيِّ بِهِ إثْبَاتُ الْمِنْبَرِ وَكَأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ أَرَادَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى أَصْلَهُ لَا كُلَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ يَسِيرٌ وَسَمَّى فِي رِوَايَتِهِ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ فَقَالَ هُوَ هُنَيْدٌ يَعْنِي - بِضَمِّ الْهَاءِ - وَهُوَ هُنَيْدُ الثَّقَفِيُّ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ (الْآخَرُ فَمَنْ سُئِلَهَا عَلَى حَقِّهَا) فَهُوَ صَحِيحٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ غَيَّرَهُ هُنَا وَفِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ الْإِبِلِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ هُنَاكَ وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى (مِنْهَا) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ (جَاءَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا ان أناسا من المصدقين يأتونا فَيَظْلِمُونَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحَةٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَدَّيْتُ الزَّكَاةَ إلَى رَسُولِكَ فَقَدْ بَرِئْتُ مِنْهَا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ نَعَمْ إذَا أَدَّيْتَهَا إلَى رَسُولِي فَقَدْ بَرِئْتَ مِنْهَا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَكَ أَجْرُهَا وَإِثْمُهَا عَلَى مَنْ بَدَّلَهَا) رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ (اجْتَمَعَ عِنْدِي نَفَقَةٌ فِيهَا صَدَقَةٌ يَعْنِي بَلَغَتْ نِصَابَ الزَّكَاةِ فَسَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَنْ أَقْسِمَهَا أَوْ أَدْفَعَهَا إلَى السُّلْطَانِ فَأَمَرُونِي جَمِيعًا أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى السُّلْطَانِ مَا اخْتَلَفَ عَلَيَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ) وَفِي رِوَايَةٍ فَقُلْتُ لَهُمْ (هَذَا السُّلْطَانُ يَفْعَلُ مَا تَرَوْنَ فَأَدْفَعُ إلَيْهِمْ زَكَاتِي فَقَالُوا كُلُّهُمْ نَعَمْ فَادْفَعْهَا) رَوَاهُمَا الْإِمَامُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي مُسْنَدِهِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ الصَّحَابِيُّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (سَيَأْتِيكُمْ رَكْبٌ مُبْغِضُونَ فَإِذَا أَتَوْكُمْ فَرَحِّبُوا بِهِمْ وَخَلَّوْا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَبْتَغُونَ فَإِنْ عدلوا فلا نفسهم وَإِنْ ظَلَمُوا فَعَلَيْهَا وَأَرْضُوهُمْ فَإِنَّ تَمَامَ زَكَاتِكُمْ رِضَاهُمْ وَلْيَدْعُوا لَكُمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ مُخْتَلِفٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ (ادْفَعُوا صَدَقَاتِكُمْ إلَى مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ فَمَنْ بَرَّ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَثِمَ فَعَلَيْهَا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أو حسن وعن قزعة مولي زياد بن ابيه ان ابن عمر قال (ادفعوها إلَيْهِمْ وَإِنْ شَرِبُوا بِهَا الْخَمْرَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْنَا فِي هَذَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم وَمِمَّا جَاءَ فِي تَفْرِيقِهَا
بِنَفْسِهِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَاسْمُهُ كَيْسَانُ قَالَ (جِئْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي قَالَ وَقَدْ عَتَقْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ اذْهَبْ بِهَا أَنْتَ فَاقْسِمْهَا) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ حَقُّ مال فاحتراز مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ مَالٌ لِلْإِمَامِ فِيهِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ احْتِرَازٌ مِنْ دَيْنِ الْآدَمِيِّ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَالِكِ أَنْ يفرق زكاة ماله الباطن بنفسه وهذا الاخلاف فِيهِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ هِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالرِّكَازُ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ وَفِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَجْهٌ أَنَّهَا مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجَمَاعَةٌ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَنَّهَا بَاطِنَةٌ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ ذَكَرَ أَكْثَرُهُمْ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا كَانَتْ عُرُوضُ التِّجَارَةِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً لكونها لا تعرف انها لِلتِّجَارَةِ أَمْ لَا فَإِنَّ الْعُرُوضَ لَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِشُرُوطٍ سَبَقَتْ فِي بَابِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ وَهِيَ الزُّرُوعُ وَالْمَوَاشِي وَالثِّمَارُ وَالْمَعَادِنُ فَفِي جَوَازِ تَفْرِيقِهَا بِنَفْسِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ جَوَازُهُ (وَالْقَدِيمُ) مَنْعُهُ وَوُجُوبُ دَفْعِهَا إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ عَادِلًا أَوْ جَائِرًا يَجِبُ الدَّفْعُ إلَيْهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لانه مع الجور نافذ الحكم هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّرْفُ إلَيْهِ إنْ كَانَ جَائِرًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَكِنْ يَجُوزُ وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى الْجَائِرِ مُطْلَقًا وَبِهَذَا الْوَجْهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي آخِرِ بَابِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ قَالَ وَسَوَاءٌ كَانَ جَائِرًا فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا أَوْ جَائِرًا فِيهَا يَصْرِفُهَا فِي غَيْرِ مَصَارِفِهَا عَادِلًا فِي غَيْرِهَا وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ غَلَطٌ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَكَذَا الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ الْبَغَوِيّ ضَعِيفٌ أَيْضًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى هَذَا القول
الْقَدِيمِ لَوْ فَرَّقَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَعَلَيْهِ دَفْعُهَا ثَانِيًا إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ قَالُوا وعليه
أن ينتظر بها مجئ الساعي ويؤخرها مادام يَرْجُوهُ فَإِذَا أَيِسَ مِنْهُ فَرَّقَهَا بِنَفْسِهِ وَأَجْزَأَتْهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ (الثَّانِيَةُ) لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي صَرْفِ الزَّكَاةِ الَّتِي لَهُ تَفْرِيقُهَا بِنَفْسِهِ فَإِنْ شَاءَ وَكَّلَ فِي الدَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ وَالسَّاعِي وَإِنْ شَاءَ فِي التَّفْرِقَةِ عَلَى الْأَصْنَافِ وكلا هما جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا جَازَ التَّوْكِيلُ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ قَضَاءَ الديون ولانه قد تدعوا الْحَاجَةُ إلَى الْوَكَالَةِ لِغَيْبَةِ الْمَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ وَكَّلَهُ فِي دَفْعِهَا مِنْ مَالِ الْمُوَكَّلِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَكِيلِ فَهُمَا جَائِزَانِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي أَوَّلِ بَابِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ كَمَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِي ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ (الثَّالِثَةُ) لَهُ صَرْفُهَا إلَى الْإِمَامِ وَالسَّاعِي فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَادِلًا اجزأه الدفع إليه بالاجماع وان كان جائرا أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ (الرَّابِعَةُ) فِي بَيَانِ الْأَفْضَلِ قَالَ أَصْحَابُنَا تَفْرِيقُهُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوْكِيلِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ تَفْرِيقِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَعَلَى تَقْدِيرِ خِيَانَةِ الْوَكِيلِ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْ الْمَالِكِ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ فَمَا لَمْ يَصِلْ الْمَالُ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَالِكِ بِخِلَافِ دَفْعِهَا إلَى الْإِمَامِ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ قَبْضِهِ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْ الْمَالِكِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا الدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوْكِيلِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَأَمَّا) التَّفْرِيقُ بِنَفْسِهِ وَالدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ فَفِي الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا تَفْصِيلٌ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ الْأَمْوَالُ بَاطِنَةً والامام عادل فَفِيهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ الدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَلِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ سُقُوطَ الفرض به بخلاف تفرقه بِنَفْسِهِ فَقَدْ يُصَادِفُ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ أَعْرَفُ بِالْمُسْتَحَقِّينَ وَبِالْمَصَالِحِ وَبِقَدْرِ الْحَاجَاتِ وَبِمَنْ أَخَذَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَرَّةِ مِنْ غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ يُقْصَدُ لها وهذا الوجه قول ابن سريح وأبى اسحق قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَكَذَا قَالَهُ آخَرُونَ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ
(وَالثَّانِي)
تَفْرِيقُهَا بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ يَعْنِي قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأُحِبُّ أَنْ يَتَوَلَّى الرَّجُلُ قَسْمَهَا بِنَفْسِهِ لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَدَائِهَا عَنْهُ هَذَا نَصُّهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا قَالَهُ المصنف وتأوله
الْأَكْثَرُونَ الْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أولى من الوكيل لامن الدَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ وَتَعْلِيلُهُ يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ لِأَنَّ أَدَاءَهَا عَنْهُ يَحْصُلُ بِيَقِينٍ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ جَارَ فِيهَا لَا إلَى الْوَكِيلِ أَمَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
الدَّفْعُ إلَيْهِ أَفْضَلُ لِمَا سَبَقَ (وَأَصَحُّهُمَا) التَّفْرِيقُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُ الزَّكَاةِ هَكَذَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ (وَأَمَّا) الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ إذَا جَوَّزْنَا لَهُ تَفْرِيقَهَا بِنَفْسِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ دَفْعَهَا إلَى الْأَمَامِ أَفْضَلُ وَجْهًا وَاحِدًا لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ فَحَصَلَ فِي الْأَفْضَلِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) أَنَّ دَفْعَهَا إلَى الْأَمَامِ أَفْضَلُ إنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً مُطْلَقًا أَوْ بَاطِنَةً وَهُوَ عَادِلٌ وَإِلَّا فَتَفْرِيقُهَا بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) الدَّفْعُ إلَيْهِ مُطْلَقًا (وَالرَّابِعُ) الدَّفْعُ إلَى الْعَادِلِ أَفْضَلُ وبنفسه أفضل من الجائر (والخامس) في الظاهرة الدَّفْعُ أَفْضَلُ وَالْبَاطِنَةُ بِنَفْسِهِ (وَالسَّادِسُ) لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى الْجَائِرِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ حِكَايَةً عَنْ الْأَصْحَابِ لَوْ طَلَبَ الْإِمَامُ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَجَبَ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ بَذْلًا لِلطَّاعَةِ فَإِنْ امْتَنَعُوا قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ وَإِنْ كَانُوا مُجِيبِينَ إلَى إخْرَاجِهَا بِأَنْفُسِهِمْ لِأَنَّ فِي مَنْعِهِمْ افْتِيَاتًا عَلَى الْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْإِمَامُ وَلَمْ يَأْتِ السَّاعِي وَقُلْنَا يَجِبُ دَفْعُهَا إلَى الامام اخرها رب المال مادام يرجو مجئ السَّاعِي فَإِذَا أَيِسَ مِنْهُ فَرَّقَهَا بِنَفْسِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ تَفْرِيقِهَا بِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ جَائِزٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ عَنْ التَّأْخِيرِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ ثُمَّ إذَا فَرَّقَ بِنَفْسِهِ وَجَاءَ السَّاعِي مُطَالِبًا صَدَّقَ رَبَّ الْمَالِ فِي إخْرَاجِهَا بِيَمِينِهِ وَالْيَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ وَقِيلَ وَاجِبَةٌ (وَأَمَّا) الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَيْسَ لِلْوُلَاةِ نَظَرٌ فِي زَكَاتِهَا بَلْ أَصْحَابُ الْأَمْوَالِ أَحَقُّ بِتَفْرِقَتِهَا فَإِنْ بَذَلُوهَا طَوْعًا قَبِلَهَا الْإِمَامُ مِنْهُمْ فان علم الامام مِنْ رَجُلٍ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّيهَا بِنَفْسِهِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ إمَّا أَنْ تُفَرِّقَهَا بِنَفْسِكَ وَإِمَّا أَنْ تَدْفَعَهَا إلَيَّ لِأُفَرِّقَهَا فِيهِ وَجْهَانِ يَجْرِيَانِ فِي النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ قُلْتُ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ الْمُطَالَبَةُ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ
الْمُطَالَبَةُ كَمَا يَلْزَمُهُ إزَالَةُ الْمُنْكَرَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ طَلَبَ السَّاعِي زِيَادَةً عَلَى الْوَاجِبِ لَا يَجِبُ دَفْعُ الزِّيَادَةِ إلَيْهِ وَهَلْ يَجُوزُ الِامْتِنَاعُ مِنْ أَدَاءِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ إلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ أَمْ لَا خَوْفًا مِنْ مُخَالَفَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) الثَّانِي وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ الْإِبِلِ وَاَللَّهُ اعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويجب علي الامام أن يبعث السعاة لاخذ الصدقة لان النبي صلي الله عليه وسلم والخلفاء من بعده (كانوا يبعثون السعاة) ولان في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه ومنهم من يبخل فوجب أن يبعث من يأخذ ولا يبعث الا حرا عدلا ثقة لان هذا ولاية وأمانة والعبد والفاسق ليسا من أهل الولاية والامانة ولا يبعث الا فقيها لانه يحتاج إلى معرفة ما يؤخذ ومالا يؤخذ ويحتاج الي الاجتهاد فيما يعرض من مسائل الزكاة واحكامها ولا يبعث هاشميا ولا مطلبيا ومن اصحابنا من قال يجوز لان ما يأخذه علي وجه العوض والمذهب الاول لما روى أن الفضل بن العباس رضي الله عنهما (سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يوليه العمالة علي الصدقة فلم يوله وقال أَلَيْسَ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يُغْنِيكُمْ عَنْ اوساخ الناس) وفى مواليهم وجهان (احدهما) لا يجوز لما روى أبو رافع قال (ولى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا من بنى مخذوم علي الصدقة فقال اتبعنى تصب منها فقلت حتي اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال لي ان مولي القوم من انفسهم وانا اهل بيت لا تحل لنا الصدقة)
(والثانى)
يجوز لان الصدقة انما حرمت علي بنى هاشم وبنى المطلب للشرف بالنسب وهذا لا يوجد في مواليهم وهو بالخيار بين ان يستأجر العامل بأجرة معلومة ثم يعطيه ذلك من الزكاة وبين أن يبعثه من غير شرط ثم يعطيه اجرة المثل من الزكاة)
* (الشَّرْحُ) أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ وَهُوَ بَعْثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فصحيح مشهور مستفيد رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (بَعَثَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى الصَّدَقَةِ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(استعمل ابن اللبينة عَلَى الصَّدَقَاتِ) وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ الْفَضْلِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المطلب قال (اتيت انا والفضل بن عباس رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْنَاهُ أَنْ يُؤَمِّرَنَا عَلَى بَعْضِ الصَّدَقَاتِ فَنُؤَدِّيَ إلَيْهِ كَمَا يُؤَدِّي النَّاسُ
وَنُصِيبُ كَمَا يُصِيبُونَ فَسَكَتَ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ (إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا (إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) وَلَيْسَ فِي صَحِيحِهِ (أَلَيْسَ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ ما يغنيكم عن أوساخ الناس)(واما) حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ لَا يَبْعَثُ إلَّا حُرًّا عَدْلًا ثِقَةً لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ ثِقَةً لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يَكُونُ إلَّا ثِقَةً (وَقَوْلُهُ) رُوِيَ أَنَّ الْفَضْلَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ رُوِيَ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَنْ أَمْثَالِ هَذَا وَالْغَرَضُ بِتَكْرَارِهِ التَّأْكِيدُ فِي تَحَفُّظِهِ (وَقَوْلُهُ) يُوَلِّيهِ الْعَمَالَةَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - وَهِيَ الْعَمَلُ وَأَمَّا بِضَمِّهَا فَهِيَ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ عَلَى الْعَمَلِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ بَعْثُ السُّعَاةِ لِأَخْذِ الصَّدَقَاتِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالسُّعَاةُ جَمْعُ سَاعٍ وهو العامل واتفقوا علي أنه يُشْتَرَطَ فِيهِ كَوْنُهُ مُسْلِمًا حُرًّا عَدْلًا فَقِيهًا فِي أَبْوَابِ الزَّكَاةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِقْهُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ لِلْعَامِلِ عَامًّا فِي الصَّدَقَاتِ فَأَمَّا إذَا عَيَّنَ لَهُ الْإِمَامُ شَيْئًا مُعَيَّنًا يَأْخُذُهُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْفِقْهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْمُعَيَّنِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ لِأَنَّهُ رِسَالَةٌ لَا وِلَايَةٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ مُشْكِلٌ وَالْمُخْتَارُ اشْتِرَاطُهُ (الثَّانِيَةُ) هَلْ يَجُوزُ كَوْنُ الْعَامِلِ هَاشِمِيًّا أَوْ مُطَّلِبِيًّا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْبَغَوِيِّ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةً أَوْ صَدَقَةً وَفِيهِ وَجْهَانِ (إنْ قُلْنَا) أُجْرَةً جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ يُشْبِهُ الْإِجَارَةَ من حيث التقدر بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَيُشْبِهُ الصَّدَقَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لا يشترط عقد إجارة وَلَا مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ وَلَا عَمَلٌ مَعْلُومٌ قَالَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ كَانَ العامل من أهل الفئ وهى الْمُرْتَزِقَةُ الَّذِينَ لَهُمْ حَقٌّ فِي الدِّيوَانِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ وَالْوَجْهَانِ فِي الْهَاشِمِيِّ
وَالْمُطَّلِبِيِّ هُمَا فِيمَنْ طَلَبَ عَلَى عَمَلِهِ سَهْمًا مِنْ الزَّكَاةِ فَأَمَّا إذَا تَبَرَّعَ بِعَمَلِهِ بِلَا عِوَضٍ أَوْ دَفَعَ الْإِمَامُ إلَيْهِ أُجْرَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُهُ هَاشِمِيًّا أَوْ مُطَّلِبِيًّا بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يَجُوزُ كَوْنُهُ هَاشِمِيًّا وَمُطَّلِبِيًّا إذًا أَعْطَاهُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ (الثَّالِثَةُ) هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مِنْ مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ هَاشِمِيًّا وَلَا مُطَّلِبِيًّا فَأَمَّا إذَا جَوَّزْنَاهُ فَمَوْلَاهُمْ أَوْلَى قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ قَوْلَيْنِ (الرَّابِعَةُ) الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَعَثَ الْعَامِلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَأَعْطَاهُ بَعْدَ مَجِيئِهِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ مِنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَأْجَرَهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الزَّكَاةِ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ
بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ (أَمَّا) الْأَوَّلُ فَلِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذلك ولان الحاجة تدعوا إلَيْهِ لِجَهَالَةِ الْعَمَلِ فَتُؤَخَّرُ الْأُجْرَةُ حَتَّى يُعْرَفَ عَمَلُهُ فَيُعْطَى بِقَدْرِهِ (وَأَمَّا الثَّانِي) فَهُوَ الْقِيَاسُ وَالْأَصْلُ وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا سَمَّى لَهُ شَيْئًا فَإِنْ شَاءَ سَمَّاهُ إجَارَةً وَإِنْ شَاءَ جُعَالَةً وَلَا يُسَمِّي أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ زَادَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الدَّارِمِيُّ (أَصَحُّهُمَا) تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مِنْ الزَّكَاةِ
(وَالثَّانِي)
لَا تَفْسُدُ بَلْ يَكُونُ قَدْرُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْ الزَّكَاةِ وَالْبَاقِي يَجِبُ فِي مَالِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ صَحِيحُ العبارة والالتزام * قال المصنف رحمه الله
* (ويبعث لما سوى زكاة الزروع والثمار في المحرم لما روى عن عثمان رضى الله عنه انه قال في المحرم (هذا شهر زكاتكم) ولانه أول السنة فكان البعث فيه أولى والمستحب للساعي ان يعد الماشية علي الماء ان كانت ترد الماء وفي افنيتهم ان لم ترد الماء لما روى عبد الله بن عمر وبن العاص رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال (تؤخذ صدقات المسلمين عند مياههم أو عند افنيتهم) فان اخبره صاحب المال بالعدد وهو ثقة قبل منه وان بذل له الزكاة اخذها ويستحب ان يدعوا له لقوله تَعَالَى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم) والمستحب أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى قال (جاء أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بصدقة ماله فقال اللهم صل علي آل ابي اوفى) وبأى شئ دعا جاز قال الشافعي رضى الله عنه احب
ان يقول (آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا وبارك لك فيما ابقيت) وان ترك الدعاء جَازَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لمعاذ (أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وترد في فقرائهم ولم يأمره بالدعاء))
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُثْمَانَ سَبَقَ قَرِيبًا وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (وَأَمَّا) لَفْظُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فَفِيهَا (لَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إلَّا فِي دُورِهِمْ)(وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْكِتَابِ عِنْدَ مِيَاهِهِمْ أَوْ عِنْدَ أَفْنِيَتِهِمْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ شَكٌّ مِنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ أَحَدِ الرُّوَاةِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (تُؤْخَذُ صَدَقَاتُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ عَلَى مِيَاهِهِمْ وَبِأَفْنِيَتِهِمْ) وَيُحْتَمَلُ أَنَّ اوفى رِوَايَةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ لِلشَّكِّ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ بَلْ لِلتَّقْسِيمِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ عَائِشَةَ ومعناه ان كانت ترد الماء فعلي اناء وَإِلَّا فَعِنْدَ دُورِهِمْ
* (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ مُعَاذٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ رِوَايَةِ مُعَاذٍ (وَقَوْلُهُ) أَفْنِيَتُهُمْ جَمْعُ فِنَاءٍ - بكسر الفاء
وَبِالْمَدِّ - وَهُوَ مَا امْتَدَّ مَعَ جَوَانِبِ الدَّارِ وقَوْله تَعَالَى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) أَيْ تُطَهِّرُهُمْ بِهَا مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ الَّتِي قَرَأَ بِهَا الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ (تُطَهِّرُهُمْ) بِرَفْعِ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لَا جَوَابٌ وَقُرِئَ فِي غَيْرِ السَّبْعِ بِالْجَزْمِ عَلَى الْجَوَابِ وقَوْله تَعَالَى (وَتُزَكِّيهِمْ) قِيلَ تُصْلِحُهُمْ وَقِيلَ تَرْفَعُهُمْ مِنْ مَنَازِلِ الْمُنَافِقِينَ إلَى مَنَازِلِ الْمُخْلِصِينَ وَقِيلَ تُنَمِّي أَمْوَالَهُمْ (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أَيْ اُدْعُ لَهُمْ وَقُرِئَ فِي السَّبْعِ (إنَّ صَلَوَاتِكَ سَكَنٌ لَهُمْ) وَإِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ أَيْ رَحْمَةٌ (وَقِيلَ) طُمَأْنِينَةٌ (وَقِيلَ) وَقَارٌ (وَقِيلَ) تَثْبِيتٌ وَاسْمُ أَبِي أَوْفَى عَلْقَمَةُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ كُنْيَةُ ابْنِهِ عَبْدُ اللَّهِ أَبُو مُحَمَّدٍ وَيُقَالُ أَبُو إبْرَاهِيمَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ الْأَسْلَمِيُّ وَأَبُو أَوْفَى وَابْنُهُ صَحَابِيَّانِ جَلِيلَانِ مَشْهُورَانِ وَشَهِدَ ابْنُهُ بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ وَهُوَ آخِرُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالْكُوفَةِ وَفِي سَنَةِ سِتٍّ وَقِيلَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ من الهجرة رضي الله عنه (وَقَوْلُهُ) آجَرَكَ اللَّهُ: فِيهِ لُغَتَانِ قَصْرُ الْهَمْزَةِ وَمَدُّهَا وَالْقَصْرُ أَجْوَدُ وَطَهُورًا - بِفَتْحِ الطَّاءِ - أَيْ مُطَهَّرًا (وَقَوْلُهُ) آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّنْبِيهِ فَإِنَّهُ وَسَطُ قَوْلِهِ وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ وَتَأْخِيرُهُ
أَوْلَى لِتَكُونَ الدَّعْوَتَانِ الْأُولَتَانِ اللَّتَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ الْمُتَعَلِّقَتَانِ بِالْمَدْفُوعِ مُتَّصِلَتَيْنِ وَلَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَمْوَالُ ضَرْبَانِ (ضَرْبٌ) لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ وَهُوَ الْمُعَشَّرَاتُ فَيَبْعَثُ الْإِمَامُ السَّاعِي لَأَخْذِ زَكَوَاتِهَا وَقْتَ وُجُوبِهَا وَهُوَ إدْرَاكُهَا بِحَيْثُ يصلهم وقت الجذاذ وَالْحَصَادِ (وَضَرْبٌ) يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ وَهُوَ الْمَوَاشِي وَغَيْرُهَا فَالْحَوْلُ يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ النَّاسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ يَنْبَغِي لِلسَّاعِي أَنْ يُعَيِّنَ شَهْرًا يَأْتِيهِمْ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّهْرُ هُوَ الْمُحَرَّمُ صَيْفًا كَانَ أَوْ شِتَاءً لِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِمْ قَبْلَ الْمُحَرَّمِ لِيَصِلَهُمْ فِي أَوَّلِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَعْيِينِ الشَّهْرِ مُسْتَحَبٌّ وَمَتَى خَرَجَ جَازَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلسَّاعِي عَدُّ الْمَاشِيَةِ عَلَى الْمَاءِ إنْ كَانَتْ تَرِدُهُ وَإِلَّا فَعِنْدَ أَفْنِيَتِهِمْ وَلَا يُكَلِّفُهُمْ رَدَّهَا مِنْ الْمَاءِ إلَى الْأَفْنِيَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتْبَعَهَا فِي الْمَرَاعِي فَإِنْ كَانَ لرب المال ماشيتان عند مائين أُمِرَ بِجَمْعِهِمَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ لَا تَرِدُ مَاءً لَكِنَّهَا تَكْتَفِي بِالْكَلَأِ فِي الرَّبِيعِ وَلَا تَحْضُرُ الْأَفْنِيَةَ فَلِلسَّاعِي أَنْ يُكَلِّفَهُمْ إحْضَارَهَا إلَى الْأَفْنِيَةِ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلَوْ خَرَجَ إلَيْهَا كَانَ أَفْضَلَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَخْبَرَهُ صَاحِبُهَا بِعَدَدِهَا وَهُوَ ثِقَةٌ فَلَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ أَوْ لَمْ يَخْتَبِرْهُ أَوْ اخْتَبَرَهُ وَصَدَّقَهُ وَأَرَادَ الِاحْتِيَاطَ بَعْدَهَا عَدَّهَا وَالْأَوْلَى أَنْ تُجْمَعَ فِي حَظِيرَةٍ وَنَحْوِهَا وَيُنْصَبَ عَلَى الْبَابِ خَشَبَةً مُعْتَرِضَةً وَتُسَاقَ لتخرج وَاحِدَةً وَيُثَبِّتُ كُلَّ شَاةٍ إذَا بَلَغْتِ
الْمَضِيقَ فَيَقِفُ الْمَالِكُ أَوْ نَائِبُهُ مِنْ جَانِبٍ وَالسَّاعِي أَوْ نَائِبُهُ مِنْ جَانِبٍ وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَضِيبٌ يُشِيرُ بِهِ إلَى كُلِّ شَاةٍ أَوْ يُصِيبَانِ بِهِ ظَهْرَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهُوَ أَضْبَطُ فَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَدِّ وَكَانَ الفرض يختلف بذلك اعادا الْعَدَّ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ اُسْتُحِبَّ ان يدعوا لِلْمَالِكِ لِلْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الْمَذْكُورَيْنِ وَلَا يَتَعَيَّنُ دُعَاءٌ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا الدُّعَاءُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْمَالِكُ الدُّعَاءَ لَمْ يَجِبْ وَإِنْ سَأَلَهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْدُبُ وَلَا يَجِبُ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ مُطْلَقًا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فَحَقَّ عَلَى الْوَالِي إذَا أَخَذَ
الصَّدَقَةَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ وَيُجِيبَ هَذَا الْقَائِلَ عَنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ بِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ حُفَّاظِ الْقُرْآنِ وَالْآيَةُ صَرِيحَةٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ لَهُ كَمَا لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نُصُبَ الزَّكَاةِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً لَهُ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَوَافَقُونَا عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى الْفُقَرَاءِ لَا يَلْزَمُهُمْ الدُّعَاءُ فَحَمَلَ الْأَصْحَابُ الْآيَةَ وَالْحَدِيثَ وَكَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قِيَاسًا عَلَى أَخْذِ الْفُقَرَاءِ (وَأَمَّا) إذَا دَفَعَ الْمَالِكُ إلَى الْأَصْنَافِ دُونَ السَّاعِي فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يَدْعُوا لَهُ كَمَا يُسْتَحَبُّ لِلسَّاعِي وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وليس بشئ (وَأَمَّا) صِفَةُ الدُّعَاءِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهَا وَقَالَ الْمُصَنِّفُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ فَلَا بَأْسَ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَخِلَافُ مَا قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ فَقَدْ صَرَّحَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّهُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ تَبَعًا فَيُقَالُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَعَلَى آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ ابْتِدَاءً وَمُقْتَضَى عِبَارَتِهِ التَّحْرِيمُ وَالْمَشْهُورُ الْكَرَاهَةُ وَقِيلَ إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يُسَمَّى مَكْرُوهًا فَحَصَلَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) مَكْرُوهٌ
(وَالثَّانِي)
حَرَامٌ (وَالثَّالِثُ) خِلَافُ الْأَوْلَى (وَالرَّابِعِ) مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ أَخَذَ الصَّدَقَةَ وَقَدْ جَمَعَ الرَّافِعِيُّ كَلَامَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ فِيهِ وَلَخَصَّهُ فَقَالَ: قَالَ الْأَئِمَّةُ لَا يُقَالُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فُلَانٍ وَإِنْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ مَخْصُوصَةً فِي لِسَانِ السَّلَفِ بِالْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ كَمَا أَنَّ قَوْلَنَا عز وجل مَخْصُوصٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَكَمَا لَا يُقَالُ مُحَمَّدٌ عز وجل وَإِنْ كَانَ عَزِيزًا جَلِيلًا لَا يُقَالُ أَبُو بَكْرٍ أَوْ عَلِيٌّ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ صَحَّ الْمَعْنَى قَالُوا وَإِنَّمَا قَالَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ مَنْصِبُهُ فَلَهُ أَنْ يَقُولَهُ لِمَنْ شَاءَ بِخِلَافِنَا قَالَ
وَهَلْ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ أَمْ مُجَرَّدُ تَرْكِ أَدَبٍ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْأَشْهَرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْغَزَالِيُّ فِي الوسيط ووجهه إمَامِ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ وَقَدْ ثَبَتَ نَهْيٌ مَقْصُودٌ عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْبِدَعِ وَقَدْ صَارَ هَذَا شِعَارًا لَهُمْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الصَّيْدَلَانِيِّ وَالْغَزَالِيِّ
فِي الْوَجِيزِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْعِدَّةِ بِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ وَقَالَ الصَّلَاةُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ تَجُوزُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَمَّا بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ فَتَخْتَصُّ بِالْأَنْبِيَاءِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ غَيْرُ الانبياء تبعا لهم فيقال صل على محمد وعلي آل محمد وأزوجه وَذُرِّيَّتِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَأَصْحَابِهِ لِأَنَّ السَّلَفَ اسْتَعْمَلُوهُ وَأُمِرْنَا بِهِ فِي التَّشَهُّدِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالسَّلَامُ بِمَعْنَى الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ بَيْنَهُمَا فَلَا يُفْرَدُ بِهِ غَائِبٌ غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُخَاطَبَةِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَيُقَالُ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ: هَكَذَا قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَسْنُونِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ فِي الْمُخَاطَبَةِ بِخِلَافِ الْغَيْبَةِ (وأما) استحبابه في المخاطبة فمعروف والله أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ التَّرَضِّي وَالتَّرَحُّمُ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ وَسَائِرِ الْأَخْيَارِ فَيُقَالُ رضي الله عنه أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَوْ رحمه الله وَنَحْوُ ذَلِكَ (وَأَمَّا) مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ قَوْلَ رضي الله عنه مَخْصُوصٌ بِالصَّحَابَةِ وَيُقَالُ فِي غَيْرِهِمْ رحمه الله فَقَطْ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَلَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ بَلْ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ اسْتِحْبَابُهُ وَدَلَائِلُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ فَإِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ صَحَابِيًّا ابْنَ صَحَابِيٍّ قَالَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما وَكَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ وكذا ابن الزبير وابن جعفر واسامة ابن زيد ونحوهم ليشمله واباه جميعا * قال المصنف رحمه الله
* (وإن منع الزكاة أو غل أخذ منه الفرض وعزره على المنع والغلول (وقال) في القديم يأخذه الزكاة وشطر ماله ومضي توجيه القولين في أول الزكاة وإن وصل الساعي قبل وجوب الزكاة ورأى أن يستسلف فعل وإن لم يسلفه رب المال لم يجبره علي ذلك لانها لم تجب بعد فلا يجبر على أدائه وإن رأى أن يوكل من يقبضه إذا حال الحول فعل فان رأى أن يتركه حتى يأخذه مع زكاة القابل فعل وإن قال رب المال لم يحل الحول علي المال فالقول قوله وان رأى تحليفه حلفه احتياطا وان قال بعته ثم اشتريته ولم يحل الحول عليه أو قال اخرجت الزكاة عنه وقلنا يجوز أن يفرق بنفسه ففيه وجهان
(أحدهما)
يجب تحليفه لانه يدعى خلاف الظاهر فان نكل عن اليمين أخذ منه الزكاة
(والثانى)
يستحب تحليفه ولا يجب لان الزكاة موضوعة علي الرفق فلو أوجبنا اليمين خرجت عن باب الرفق
ويبعث الساعي لزكاة الثمار والزرع في الوقت الذى يصادف فيه الادراك ويبعث معه من يخرص الثمار فان وصل قبل الادراك ورأى أن يخرص الثمار ويضمن رب المال زكاتها فعل وان وصل وقد وجبت الزكاة وبذل له أخذها ودعا له فان كان الامام اذن للساعي في تفريقها فرقها وان لم يأذن له حملها إلى الامام)
* (الشرح) فيه مسائل (إحداها) إذا الزمته زَكَاةٌ فَمَنَعَهَا أَوْ غَلَّهَا أَيْ كَتَمَهَا وَخَانَ فِيهَا أَخَذَ الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي الْفَرْضَ مِنْهُ وَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ شَطْرَ مَالِهِ (وَقَالَ) فِي الْقَدِيمِ يَأْخُذُهُ وَسَبَقَ شَرْحُ القولين بدليلهما وفرعها فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي آخِرِ بَابِ صَدَقَةِ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ: وَلَوْ غَلَّ صَدَقَتَهُ عُزِّرَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَادِلًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْجَهَالَةَ وَلَا يُعَزَّرُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ عَادِلًا: هَذَا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَتَمَ مَالَهُ أَوْ بَعْضَهُ عَنْ السَّاعِي أَوْ الْإِمَامِ ثُمَّ اُطُّلِعَ عَلَيْهِ أُخِذَ فَرْضُهُ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي جَائِرًا فِي الزِّيَادَةِ بِأَنْ يَأْخُذَ فَوْقَ الْوَاجِبِ أولا يَصْرِفُهَا مَصَارِفَهَا لَمْ يُعَزِّرْهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي كتمه وان كان عادلا فان لم يَدَّعِ الْمَالِكُ شُبْهَةً فِي الْإِخْفَاءِ عَزَّرَهُ لِأَنَّهُ عَاصٍ آثِمٌ بِكِتْمَانِهِ وَإِنْ ادَّعَى شُبْهَةً بِأَنْ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ تَحْرِيمَ كِتْمَانِهَا أَوْ قَالَ ظَنَنْتُ أَنَّ تَفْرِقَتِي بِنَفْسِي أَفْضَلُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا فِي حَقِّهِ لِقُرْبِ إسْلَامِهِ أَوْ لِقِلَّةِ اخْتِلَاطِهِ بِالْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِمْ لَمْ يُعَزِّرْهُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فَإِنْ اتَّهَمَهُ فِيهِ حَلَّفَهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ لِاخْتِلَاطِهِ بِالْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِمْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَعَزَّرَهُ (وَأَمَّا) مَانِعُ الزَّكَاةِ فَيُعَزَّرُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ يَخْفَى عَلَيْهِ وُجُوبُهَا أَوْ نَحْوُهُ (الثَّانِيَةُ) إذَا وَصَلَ السَّاعِي أَصْحَابَ الْأَمْوَالِ فَإِنْ كَانَ حَوْلُ صَاحِبِ الْمَالِ قَدْ تَمَّ أَخَذَ الزَّكَاةَ وَدَعَا لَهُ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ الْحَوْلُ لَمْ يَتِمَّ عَلَى جَمِيعِهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ سَأَلَهُ السَّاعِي تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَالِكِ إجَابَتُهُ وَتَعْجِيلُهَا فَإِنْ عَجَّلَهَا بِرِضَاهُ أَخَذَهَا وَدَعَا لَهُ وَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ إنْ رَأَى السَّاعِي الْمَصْلَحَةَ فِي أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَأْخُذُهَا عِنْدَ حُلُولِهَا وَيُفَرِّقُهَا عَلَى أَهْلِهَا فَعَلَ وَإِنْ رَأَى أَنْ يُؤَخِّرَهَا لِيَأْخُذَهَا مِنْهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَعَلَ وَيَكْتُبُهَا لِئَلَّا يَنْسَاهَا أَوْ يَمُوتَ فَلَا يَعْلَمُهَا السَّاعِي بَعْدَهُ وَرَوَوْا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه (أَخَّرَ الزَّكَاةَ عَامَ الرَّمَادَةِ وَكَانَ عَامَ مَجَاعَةٍ) وَإِنْ رَأَى أَنْ يَرْجِعَ فِي وَقْتِ حُلُولِهَا لِيَأْخُذَهَا فَعَلَ
وَإِنْ وَثِقَ بِصَاحِبِ الْمَالِ فَوَّضَ التَّفْرِيقَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ فَبِالْإِذْنِ أَوْلَى (الثَّالِثَةُ) إذَا اخْتَلَفَ السَّاعِي وَرَبُّ الْمَالِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ قَوْلُ الْمَالِكِ لَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ بِأَنْ قَالَ لَمْ يَحُلْ الْحَوْلُ بَعْدُ أَوْ قَالَ هَذِهِ السِّخَالُ اشْتَرَيْتُهَا وَقَالَ السَّاعِي بَلْ تَوَلَّدَتْ مِنْ النِّصَابِ أَوْ قَالَ تَوَلَّدَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ فَقَالَ السَّاعِي قَبْلَهُ أَوْ قَالَ السَّاعِي كَانَتْ مَاشِيَتُكَ نِصَابًا ثُمَّ تَوَالَدَتْ فَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ تَمَّتْ نِصَابًا بِالتَّوَالُدِ فَالْقَوْلُ
قَوْلُ الْمَالِكِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَنَظَائِرِهَا مِمَّا لَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ فَإِنْ رَأَى السَّاعِي تَحْلِيفَهُ حَلَّفَهُ وَالْيَمِينُ هُنَا مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهَا لَمْ يُكَلَّفْ بِهَا وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ وَلَمْ يُعَارِضْ الْأَصْلَ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْمَالِكِ مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُهُ ثُمَّ اشْتَرَيْتُهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَلَمْ يَحُلْ حَوْلُهُ بَعْدُ أَوْ قَالَ فَرَّقْتُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِي وَجَوَّزْنَا ذَلِكَ لَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ الْيَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ أَمْ وَاجِبَةٌ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) مستحبة صححه الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ منهم المحاملي في المقنع (فان قُلْنَا) مُسْتَحَبَّةٌ فَنَكَلَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْيَمِينِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ (وَإِنْ قُلْنَا) وَاجِبَةٌ فَامْتَنَعَ أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ هَذَا اخذنا بِالنُّكُولِ بَلْ بِالْوُجُوبِ السَّابِقِ وَالسَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الزَّكَاةَ انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهَا وَيَدَّعِي مُسْقِطُهَا وَلَمْ يُثْبِتْهُ بِيَمِينِهِ وَلَا بِغَيْرِهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَبَقِيَ الْوُجُوبُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الاصحاب الا أبا العباس ابن الْقَاصِّ فَقَالَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حُكِمَ فِيهَا بِالنُّكُولِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا غَلَطٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ وَنَظِيرُ هَذَا اللِّعَانُ فَإِنَّ الزَّوْجَ إذَا لَاعَنَ لَزِمَ الْمَرْأَةَ حَدُّ الزِّنَا فَإِنْ لَاعَنَتْ سَقَطَ وَإِنْ امْتَنَعَتْ لَزِمَهَا الْحَدُّ لَا بِامْتِنَاعِهَا بَلْ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا لِعَانُهَا مُسْقِطٌ لِمَا وَجَبَ بِلِعَانِهِ فَإِذَا لَمْ تُلَاعِنْ بَقِيَ الْوُجُوبُ وَهَكَذَا الزَّكَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ هَذَا الْمَالُ الَّذِي فِي يَدِي وَدِيعَةٌ وَقَالَ السَّاعِي بَلْ هُوَ مِلْكٌ لَكَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ دَعْوَاهُ لَا تُخَالِفُ الظَّاهِرَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ اسْتِحْبَابًا قَطْعًا لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْإِنْسَانِ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلظَّاهِرِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَغَيْرُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ السَّاعِي لَأَخْذِ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُصَادِفُ إدْرَاكَهَا
وَحُصُولَهَا وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَرِيبًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاعِي مَنْ يَخْرُصُ لِيَخْرُصَ مَا يَحْتَاجُ إلَى خَرْصِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خَارِصَانِ ذَكَرَانِ حُرَّانِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةُ) إذَا قَبَضَ السَّاعِي الزَّكَاةَ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَذِنَ لَهُ فِي تَفْرِيقِهَا فِي مَوْضِعِهَا فَرَّقَهَا وَإِنْ أَمَرَهُ بحملها حيث يجوز الجمل إمَّا لِعَدَمِ مَنْ يَصْرِفُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ إذَا قُلْنَا بِهِ أَوْ لِكَوْنِ الْإِمَامِ وَالسَّاعِي يَرَيَانِ جَوَازَ النَّقْلِ حَمَلَهَا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي التَّفْرِقَةِ وَلَا أَمَرَهُ بِالْحَمْلِ فَمُقْتَضَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وُجُوبُ الْحَمْلِ إلَى الْإِمَامِ وَهَكَذَا هُوَ لِأَنَّ السَّاعِيَ نَائِبُ الْإِمَامِ فَلَا يَتَوَلَّى إلَّا مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ وَإِذَا أَطْلَقَ الْوِلَايَةَ
فِي أَخْذِ الزَّكَوَاتِ لَمْ يَقْتَضِ الصَّرْفَ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي الْجَزْمَ يجواز نَقْلِ الزَّكَاةِ لِلْإِمَامِ وَالسَّاعِي وَإِنَّ الْخِلَافَ الْمَشْهُورَ فِي نَقْلِ الزَّكَاةِ إنَّمَا هُوَ فِي نَقْلِ رَبِّ الْمَالِ خَاصَّةً وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ رُبَّمَا اقْتَضَى كَلَامُ الْأَصْحَابِ طَرْدَ الْخِلَافِ فِي الْإِمَامِ وَالسَّاعِي وَرُبَّمَا اقْتَضَى جَوَازُ النقل للامام والساعي والتفرقة حَيْثُ شَاءَ قَالَ وَهَذَا أَشْبَهُ وَهَذَا الَّذِي رَجَّحَهُ هُوَ الرَّاجِحُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ ولا للساعي بيع شئ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ بَلْ يُوَصِّلُهَا إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِأَعْيَانِهَا لِأَنَّ أَهْلَ الزَّكَاةِ أَهْلُ رُشْدٍ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ مَالِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَإِنْ وَقَعَتْ ضَرُورَةٌ بِأَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمَاشِيَةِ أَوْ خَافَ هَلَاكَهُ أَوْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ خَطَرٌ أَوْ احْتَاجَ إلَى رَدِّ جُبْرَانٍ أَوْ إلَى مُؤْنَةِ النَّقْلِ أَوْ قَبْضِ بَعْضِ شَاةٍ وَمَا أَشْبَهَهُ جَازَ الْبَيْعُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ صَدَقَةِ الْغَنَمِ أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي مَوَاضِعَ لِلضَّرُورَةِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ وَجَبَتْ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ بَيْعُهَا وَتَفْرِقَةُ ثَمَنِهَا عَلَى الْأَصْنَافِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَجْمَعُهُمْ وَيَدْفَعُهَا إلَيْهِمْ وَكَذَا حُكْمُ الْإِمَامِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَهُمْ الْبَغَوِيّ فَقَالَ إنْ رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ فَعَلَهُ وَإِنْ رَأَى الْبَيْعَ وَتَفْرِقَةَ الثَّمَنِ فَعَلَهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا بَاعَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَيُسْتَرَدُّ الْمَبِيعُ فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذا تلف من الماشية شئ فِي يَدِ السَّاعِي أَوْ الْمَالِكِ إنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ بِأَنْ قَصَّرَ فِي حِفْظِهَا أَوْ عَرَفَ الْمُسْتَحِقِّينَ وَأَمْكَنَهُ التَّفْرِيقُ عَلَيْهِمْ فَأَخَّرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ضَمِنَهَا لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ
لَمْ يَضْمَنْ كَالْوَكِيلِ وَنَاظِرِ مَالِ الْيَتِيمِ إذا تلف في يده شئ بِلَا تَفْرِيطٍ لَا يَضْمَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا لَمْ يُفَرِّقْ الزَّكَاةَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ وَلَا عُذْرَ لَهُ حَتَّى تَلِفَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَهَا كَمَا سَبَقَ قَالَ وَالْوَكِيلُ بِتَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ لَوْ أَخَّرَ تَفْرِقَتَهَا حَتَّى تَلِفَ الْمَالُ لَمْ يَضْمَنْ قَالَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ جَمَعَ السَّاعِي الزَّكَاةَ ثُمَّ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلى الامام اسحق أُجْرَتَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ البيان عن صاحب الفروع * قال المصنف رحمه الله
* (والمستحب ان يسم الماشية التى يأخذها في الزكاة لِمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يسم ابل الصدقة) ولان بالوسم تتميز عن غيرها فإذا شردت ردت الي
موضعها ويستحب ان يسم الابل والبقر في افخاذها لانه موضع صلب فيقل الالم بوسمه ويخف الشعر فيه فيظهر ويسم الغنم في آذنها ويستحب ان يكتب في ماشية الزكاة لله أو زكاة وفى ماشية الجزية جزية أو صغار لان ذلك اسهل ما يمكن)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُمَا قَالَ أَنَسٌ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ فَوَافَيْتُهُ وَفِي يَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إبِلَ الصَّدَقَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ (يَسِمُ غَنَمًا)(أَمَّا) أَحْكَامُهُ وَفُرُوعُهُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ وَسْمُ الْمَاشِيَةِ الَّتِي لِلزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ وَهَذَا الِاسْتِحْبَابُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَنَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ الْوَسْمُ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الْمُثْلَةِ وَلِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ وَبِآثَارٍ كَثِيرَةٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم ولان الحاجة تدعوا إلى الوسم لتتميز إبل الصدقة من إبل الجزية وغيرها ولا نهار بما شَرَدَتْ فَيَعْرِفُهَا وَاجِدُهَا بِعَلَامَتِهَا فَيَرُدُّهَا وَلِأَنَّ مَنْ أخرجها يكره له شراؤها فيعرفها لِئَلَّا يَشْتَرِيَهَا وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَاعْتَمَدَهُ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ
بِأَنَّهُ وَإِنْ عَرَفَ أَنَّهَا صَدَقَةٌ لَا يَعْرِفُ كَوْنَهَا صَدَقَتَهُ وَإِنَّمَا يكره شراء صدقتة غَيْرِهِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ إذَا عَرَفَ أَنَّهَا صَدَقَةٌ احْتَاطَ فَاجْتَنَبَهُ وَقَدْ يَعْرِفُ أَنَّهَا صَدَقَتُهُ لِاخْتِصَاصِ ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الصَّدَقَةِ بِهِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ (وَأَمَّا) احْتِجَاجُ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْمُثْلَةِ وَالتَّعْذِيبِ فَهُوَ عَامٌّ وَحَدِيثُنَا وَالْآثَارُ خَاصَّةٌ باستحباب الوسم فخصت ذَلِكَ الْعُمُومَ وَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثانية) قال أصحابنا وأهل اللغة الوسم أثركية وَيُقَالُ بَعِيرٌ مَوْسُومٌ وَقَدْ وَسَمَهَ وَسْمًا وَسِمَةً والميسم الشئ الَّذِي يُوسَمُ بِهِ وَجَمْعُهُ مَيَاسِمُ وَمَوَاسِمُ وَأَصْلُهُ مِنْ السِّمَةِ وَهِيَ الْعَلَامَةُ وَمِنْهُ مَوْسِمُ الْحَجِّ لِأَنَّهُ مُعَلَّمٌ يَجْمَعُ النَّاسَ وَفُلَانٌ مَوْسُومٌ بِالْخَيْرِ وَعَلَيْهِ سِمَةُ الْخَيْرِ أَيْ عَلَامَتُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ وَسْمُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي أُصُولِ أَفْخَاذِهَا وَالْغَنَمِ فِي أَذَانِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ وَسَمَ فِي غَيْرِهِ جَازَ إلَّا الْوَجْهَ فَمَنْهِيٌّ عن الموسم فِيهِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ (رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا مَوْسُومَ الْوَجْهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ وَعَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (مَرَّ عَلَى حِمَارٍ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ: وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ أَصْحَابِنَا فِي كَيْفِيَّةِ النَّهْيِ عَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ فَقَالَ الْبَغَوِيّ لَا يَجُوزُ الْوَسْمُ وَقَالَ صَاحِبُ
الْعُدَّةِ الْوَسْمُ عَلَى الْوَجْهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ يُكْرَهُ وَالْمُخْتَارُ التَّحْرِيمُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَغَوِيّ وَهُوَ مُقْتَضَى اللَّعْنِ وَقَدْ ثَبَتَ اللَّعْنُ فِي الْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّالِثَةُ) يَنْبَغِي أَنْ يُمَيِّزَ بَيْنَ سِمَةِ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْتَبَ فِي مَاشِيَةِ الْجِزْيَةِ جِزْيَةٌ أَوْ صَغَارٌ (وَأَمَّا) مَاشِيَةُ الزَّكَاةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ أَوْ زَكَاةٌ أَوْ لِلَّهِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمَزْنِيِّ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَبُ لِلَّهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ كَجٍّ والدارمى والقاضى أبو الطيب في المجرد والمحاملي وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَخَلَائِقُ آخَرُونَ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ يُكْتَبُ صَدَقَةٌ أَوْ زَكَاةٌ قَالَ فَإِنْ كُتِبَ عَلَيْهَا لِلَّهِ كَانَ أَبْرَكَ وَأَوْلَى قَالَ الرَّافِعِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كِتَابَةِ لِلَّهِ قَالَ وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ مَنْ شَرَحَ الْوَجِيزَ وَبَعْضُ
مَنْ شَرَحَ الْمُخْتَصَرَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ لِأَنَّ الدَّوَابَّ تَتَمَعَّكُ وَتَضْرِبُ أَفْخَاذَهَا بِأَذْنَابِهَا وَهِيَ نَجِسَةٌ وَيُنَزَّهُ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ إثْبَاتَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى هُنَا لِغَرَضِ التَّمْيِيزِ وَالْإِعْلَامِ لَا عَلَى قَصْدِ الذِّكْرِ قَالَ وَيَخْتَلِفُ التَّعْظِيمُ وَالِاحْتِرَامُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَلَوْ أَتَى بِبَعْضِ أَلْفَاظِهِ لَا عَلَى قَصْدِ الْقِرَاءَةِ لَمْ يَحْرُمْ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ سِمَةُ الْغَنَمِ أَلْطَفَ مِنْ سِمَةِ الْبَقَرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسِمَةُ الْبَقَرِ أَلْطَفُ مِنْ سِمَةِ الْإِبِلِ وَدَلِيلُهُ ظَاهِرٌ (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْوَسْمُ مُبَاحٌ فِي الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ لِلصَّدَقَةِ وَلَا لِلْجِزْيَةِ وَلَا يُقَالُ مَنْدُوبٌ وَلَا مَكْرُوهٌ (وَأَمَّا) حَيَوَانُهُمَا فَيُسْتَحَبُّ وَسْمُهُ كَمَا سَبَقَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَكْوِي فِي الْجَاعِرَتَيْنِ وَهُمَا أَصْلُ الْفَخِذَيْنِ ولفظ رواية مسلم بوهم أَنَّ الَّذِي كَانَ يَكْوِي فِي الْجَاعِرَتَيْنِ هُوَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا هُوَ العباس ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَوْ أَنَّهُ ابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ خِصَاءُ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ لَا فِي صِغَرِهِ وَلَا فِي كِبَرِهِ قَالَ وَيَجُوزُ خِصَاءُ الْمَأْكُولِ فِي صِغَرِهِ لِأَنَّ فِيهِ غَرَضًا وَهُوَ طِيبُ لَحْمِهِ وَلَا يَجُوزُ فِي كِبَرِهِ وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ الشَّيْطَانِ (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خلق الله) فَخَصَّصَ مِنْهُ الْخِتَانَ وَالْوَسْمَ وَنَحْوَهُمَا وَبَقِيَ الْبَاقِي دَاخِلًا فِي عُمُومِ الذَّمِّ وَالنَّهْيِ
* (فَرْعٌ)
الْكَيُّ بِالنَّارِ إنْ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ حَرَامٌ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ وَفِي تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَسَوَاءٌ كَوَى نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ جَازَ فِي نَفْسِهِ وَفِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَتَرْكُهُ فِي نَفْسِهِ لِلتَّوَكُّلِ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (قِيلَ يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِكَ الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ قَالَ وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرِقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) متفق عليه وعن عمر ان ابن حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالُوا وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ
وَلَا يَسْتَرِقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عِمْرَانَ أَيْضًا قَالَ (وَكَانَ يُسَلَّمُ عَلِيَّ حَتَّى اكْتَوَيْتُ فَتُرِكْتُ ثُمَّ تَرَكْتُ الْكَيَّ فَعَادَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ بِهِ مَرَضٌ فَاكْتَوَى بِسَبَبِهِ وَكَانَتْ الْمَلَائِكَةُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْكَيِّ لِفَضْلِهِ وَصَلَاحِهِ فَلَمَّا اكْتَوَى تَرَكُوا السَّلَامَ عَلَيْهِ فَعَلِمَ ذَلِكَ فَتَرَكَ الكى مرة اخرى وكان محتاجا ليه فَعَادُوا وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ رضي الله عنه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُكْرَهُ إنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ (أَهْدَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَغْلَةً فَرَكِبَهَا فَقُلْتُ لَوْ حَمَلْنَا الْحَمِيرَ عَلَى الْخَيْلِ فَكَانَتْ لَنَا مِثْلُ هَذِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ النَّهْيِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِقِلَّةِ الْخَيْلِ وَلِضَعْفِهَا
* (فَرْعٌ)
يَحْرُمُ التَّحْرِيشُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَكِنْ فِيهِ أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ وَفِي تَوْثِيقِهِ خِلَافٌ وَرَوَى لَهُ مسلم في صحيحه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَلَا يَجُوزُ للساعي ولا للامام ان يتصرف فيما يحصل عنده من الفرائض حتي يوصلها الي أهلها لان الفقراء اهل رشد لا يولي عليهم فلا يجوز التصرف في مالهم بغير اذنهم فان أخذ نصف شاة أو وقف عليه شئ من المواشى وخاف هلاكه أو خاف ان يؤخذ في الطريق جاز له بيعه لانه موضع ضرورة وان لم يبعث الامام الساعي وجب علي رب المال ان يفرق الزكاة بنفسه علي المنصوص لانه حق للفقراء والامام نائب عنهم فإذا ترك النائب لم يترك من عليه أداؤه ومن اصحابنا من قال (ان قلنا) ان الاموال الظاهرة يجب دفع زكاتها إلى الامام لم يجزان يفرق بنفسه لانه مال توجه حق القبض فيه إلى الامام فإذا لم يطلب الامام لم يفرق كالخراج والجزية)
* (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ كَمَا ذَكَرَهَا وَسَبَقَ شَرْحُهَا قَرِيبًا قَبْلَ الْوَسْمِ وَمَسْأَلَةُ النَّصِّ سَبَقَ شَرْحُهَا مع نظائرها أول الْبَابِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
(ولا يصح اداء الزكاة إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ
مَا نَوَى) ولانها عبادة محضة فلم تصح من غير نية كالصلاة وَفِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ أَنْ ينوى حال الدفع لانه عِبَادَةٌ يَدْخُلُ فِيهَا بِفِعْلِهِ فَوَجَبَتْ النِّيَّةُ فِي ابتدائها كالصلاة (والثاني) يجوز تقديم النية عليها لانه يجوز التوكيل فيها ونيته غير مقارنة لاداء الوكيل فجاز تقديم النية عليها بخلاف الصلاة ويجب أن ينوى الزكاة أو الصدقة الواجبة أو صدقة المال فان نوى صدقة مطلقة لم تجزه لان الصدقة قد تكون نفلا فلا تنصرف الي الفرض الا بالتعيين ولا يلزمه تعيين المال المزكي عنه وان كان له نصاب حاضر ونصاب غائب فاخرج الفرض فقال هذا عن الحاضر أو الغائب اجزأه لانه لو أطلق النية لكانت عن أحدهما فلم يضر تقييده بذلك فان قَالَ إنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ سَالِمًا فَهَذَا عن زكاته وان لم يكن سالما فهو عن الحاضر فان كان الغائب هالكا اجزأه لانه لو اطلق وكان الغائب هالكا لكان هذا عن الحاضر وَإِنْ قَالَ إنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ سَالِمًا فهذا عن زكاته أو تطوع لم يجزه لانه لم يخلص النية لِلْفَرْضِ وَإِنْ قَالَ إنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ سالما فهذا عن زكاته وان لم يكن سالما فهو تطوع وكان سالما أجزأه لانه أخلص النِّيَّةَ لِلْفَرْضِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ لَكَانَ هذا مقتضاه فلم يضر التقييد وان كان له من يرثه فأخرج مالا وقال ان كان قد مات مورثي فهذا عن زكاة ما ورثته منه وكان قد مات لم يجزه لانه لم يبن النية على أصل لان الاصل بقاؤه وان وكل من يؤدى الزكاة ونوى عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ وَنَوَى الْوَكِيلُ عِنْدَ الدفع الي الفقراء أجزأه وان نوى الوكيل ولم ينو الموكل لم يجزه لان الزكاة فرض علي رب المال قلم تصح من غير نية وان نوي رب المال ولم ينو الوكيل ففيه طريقان (من) أصحابنا من قال يجوز قولا واحدا لان الذى عليه الفرض قد نوى في وقت الدفع الي الوكيل فتعين المدفوع للزكاة فلا يحتاج بعد ذلك إلى النية (ومن) أصحابنا من قال يبني علي جواز تقديم النية (فان قلنا) يجوز أجزأه (وان قلنا) لا يجوز لم يجزه وان دفعها الي الامام ولم ينو ففيه وجهان
(أحدهما)
يجزئه وهو ظاهر النص لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ إلَّا الْفَرْضُ فاكتفى بهذا الظاهر عن النية (ومن) أصحابنا من قال لا يجزئه وهو الاظهر لان الامام وكيل للفقراء ولو دفع الي الفقراء لم يجز الا بالنية عند الدفع فكذلك إذا دفع الي وكيلهم وتأول هذا القائل قول الشافعي رحمه الله علي من امتنع من أداء الزكاة فأخذها الامام منه قهرا فانه يجزئه لانه تعذرت النية من جهته فقامت نية الامام مقام نيته)
*
(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رواية عمر ابن الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَسَبَقَ هُنَاكَ بَيَانُ الِاحْتِرَازِ بِقَوْلِهِ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَإِنَّمَا قَاسَ عَلَى الصَّلَاةِ لِلرَّدِّ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ لَا تَفْتَقِرُ الزَّكَاةُ إلَى نِيَّةٍ وَوَافَقَ عَلَى افْتِقَارِ الصَّلَاةِ إلَى النِّيَّةِ وَهَذَا الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يُنْتَقَضُ بِالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ (وَقَوْلُهُ) وَفِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ في حال الدفع لانها عبادة يدخل فيهما بِفِعْلِهِ فَوَجَبَتْ النِّيَّةُ فِي ابْتِدَائِهَا كَالصَّلَاةِ فَقَوْلُهُ بِفِعْلِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّوْمِ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا يَصِحُّ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صِفَةِ النِّيَّةِ وَتَفْرِيعِهَا وَبِوُجُوبِهَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَشَذَّ عَنْهُمْ الْأَوْزَاعِيُّ فَقَالَ لَا تَجِبُ وَيَصِحُّ أَدَاؤُهَا بِلَا نِيَّةٍ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَدَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَتُخَالِفُ الدَّيْنَ فَإِنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ كَالصَّلَاةِ وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ بِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّ لَمَّا لَمْ يَفْتَقِرْ الْمُتَعَلَّقُ مِنْهَا بِالْبَدَنِ كَالْقِصَاصِ وَحْدِ الْقَذْفِ إلَى نِيَّةٍ لَمْ يَفْتَقِرْ الْمُتَعَلِّقُ بِالْمَالِ وَحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْبَدَنِ إلَى النِّيَّةِ فَكَذَا الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَالِ وَأَجَابَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ بِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ عِبَادَةً وَإِنْ كان فيه حق لله تعالي وبهذا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهِ فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ نَوَى بِقَلْبِهِ دُونَ لَفْظِ لِسَانِهِ أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَفَظَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَنْوِ بِقَلْبِهِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُجْزِئُهُ وَجْهًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَكْفِيهِ اللَّفْظُ بِاللِّسَانِ دُونَ نِيَّةِ الْقَلْبِ (وَالثَّانِي) لَا يَكْفِيهِ وَيَتَعَيَّنُ الْقَلْبُ وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الْأَشْهَرُ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى هَذَا الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ وَاتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الطَّرِيقِ عَلَى أَنَّ الاصح اشتراط نية القلب وممن قال بالاكتفا بِاللِّسَانِ الْقَفَّالُ وَنَقَلَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَشَارَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ إلَى هَذَا فَقَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ سَوَاءٌ نَوَى فِي نَفْسِهِ أَوْ تَكَلَّمَ فَإِنَّمَا أَعْطَى فَرْضَ مَالٍ فَأَقَامَ اللِّسَانَ مَقَامَ النِّيَّةِ كَمَا أَقَامَ أَخْذَ الْإِمَامِ مَقَامَ النِّيَّةِ قَالَ وَبَيَّنَهُ فِي الْأُمِّ فَقَالَ إنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَجْعَلَ النِّيَّةَ فِي الزَّكَاةِ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ
افْتِرَاقُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فِي بَعْضِ حَالِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَيُجْزِئُ أَنْ يَأْخُذَهَا الْوَالِي بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ فَتُجْزِئُ عَنْهُ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الصَّلَاةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ النِّيَّةَ لابد مِنْهَا قَالَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنْ قَالَ بِلِسَانِهِ هَذَا زَكَاةُ مَالِي أَجْزَأَهُ قَالَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا النَّصِّ فَقَالَ صاحب التقريب فيما حكاه عنه
لصيدلاني أَرَادَ الشَّافِعِيُّ لَفْظَ اللِّسَانِ مَعَ نِيَّةِ الْقَلْبِ قَالَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَكْفِي اللَّفْظُ وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْقَلْبِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ قَالَ وَاحْتَجَّ الْقَفَّالُ بِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الزَّكَاةَ تَخْرُجُ مِنْ مَالِ الْمُرْتَدِّ وَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ
(وَالثَّانِي)
جَوَازُ النِّيَّةِ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَلَوْ كَانَتْ نِيَّةُ الْقَلْبِ مُتَعَيِّنَةً لَوَجَبَتْ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِهَا مُبَاشَرَتُهَا لِأَنَّ النِّيَّاتِ سِرُّ الْعِبَادَاتِ وَالْإِخْلَاصُ فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ فَقَدْ حَصَلَ فِي النِّيَّةِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَكْفِي اللَّفْظُ أَوْ نِيَّةُ الْقَلْبِ أَيُّهُمَا أَتَى بِهِ كَفَاهُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ تَعْيِينُ نِيَّةِ الْقَلْبِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِ الْقَفَّالِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِاللَّفْظِ لِأَنَّ النِّيَابَةَ فِي الزَّكَاةِ جائزة فلما ذاب شَخْصٌ عَنْ شَخْصٍ فِيهَا جَازَ أَنْ يَنُوبَ الْقَلْبُ عَنْ اللِّسَانِ قَالَ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا الْحَجُّ حَيْثُ تُجْزِئُ فِيهِ النِّيَابَةُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ نِيَّةُ الْقَلْبِ لِأَنَّهُ لَا يَنُوبُ فِيهِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَجِّ وَفِي الزَّكَاةِ يَنُوبُ فِيهَا مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَنَابَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ جَازَ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَفِي اسْتِنَابَةِ الْكَافِرِ فِي إخْرَاجِهَا نَظَرٌ وَلَكِنَّ الصَّوَابَ الْجَوَازُ كَمَا يَجُوزُ اسْتِنَابَتُهُ فِي ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا صِفَةُ نِيَّةِ الزَّكَاةِ أَنْ يَنْوِيَ هَذَا فَرْضُ زَكَاةِ مَالِي أَوْ فَرْضُ صَدَقَةِ مَالِي أَوْ زَكَاةُ مَالِي أَوْ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ فَيَتَعَرَّضُ لِفَرْضِ الْمَالِ لِأَنَّ مثل هذا قد يقع كفارة ونذرا وهذه الصور كُلُّهَا تُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ نَوَى الصَّدَقَةَ فَقَطْ لَمْ تُجْزِئْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَكُونُ فَرْضًا وَتَكُونُ نَفْلًا فَلَا يُجْزِئُهُ بِمُجَرَّدِهَا كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً بِنِيَّةِ الْعِتْقِ الْمُطْلَقِ لَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ نَوَى صَدَقَةَ مَالِي أَوْ صَدَقَةَ الْمَالِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ
(وَالثَّانِي)
يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الزَّكَاةِ وَلَوْ نوى الزكاة ولم يعترض لِلْفَرْضِيَّةِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَجْهًا وَاحِدًا
(وَالثَّانِي)
عَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يُجْزِئُهُ
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَوَى صَلَاةَ الظُّهْرِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ للفرضية وَضَعَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ هَذَا الطَّرِيقَ وَهَذَا الدَّلِيلَ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ الظُّهْرَ قَدْ تَكُونُ نَافِلَةً فِي حَقِّ صَبِيٍّ وَمَنْ صَلَّاهَا ثَانِيًا وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَلَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا فَلَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِهِ نِيَّةَ الْفَرِيضَةِ مَعَ نِيَّةِ الزَّكَاةِ وَقَالَ البغوي إن قا ل هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي كَفَاهُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ اسْمٌ لِلْفَرْضِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمَالِ وَإِنْ قَالَ زَكَاةٌ فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ وَلَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا (وَأَصَحُّهُمَا) الْإِجْزَاءُ ولو قال هذا فرضى قال البندنيجى لم يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يجزئه وومؤول وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) فِي وَقْتِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
تَجِبُ النِّيَّةُ حَالَةَ الدَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ أَوْ الْأَصْنَافِ وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ
(وَأَصَحُّهُمَا) يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الدَّفْعِ لِلْغَيْرِ قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ لِأَنَّ الْقَصْدَ سَدُّ خُلَّةِ الْفَقِيرِ وبهذا قال أبو حنيفة وصححه البندنينجي وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرَّافِعِيُّ وَمَنْ لَا يُحْصَى مِنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكَفَّارَةِ لَا تُجْزِئُهُ حَتَّى يَنْوِيَ مَعَهَا أَوْ قَبْلَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْكَفَّارَةُ وَالزَّكَاةُ سَوَاءٌ قَالُوا وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ تَأَوَّلَ عَلَى مَنْ نَوَى قَبْلَ الدَّفْعِ وَاسْتَصْحَبَ النِّيَّةَ إلَيْهِ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي تَأْوِيلًا آخَرَ أَنَّهُ أَرَادَ الْمُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ وَالتَّأْوِيلَانِ ضَعِيفَانِ وَالصَّوَابُ إجْرَاءُ النَّصِّ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْوَجْهَانِ يَجْرِيَانِ فِي الْكَفَّارَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَنْوِيَ حِينَ يَزِنُ قَدْرَ الزَّكَاةِ وَيَعْزِلُهُ وَلَا يَنْوِي عِنْدَ الدَّفْعِ وَأَشَارَ إلَى هَذَا التَّصْوِيرِ الماوردى والبغوى (الرابعة) قال أصحابنا لا يشرط تَعْيِينُ الْمَالِ الْمُزَكَّى فِي النِّيَّةِ فَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَاضِرَةً وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ غَائِبَةً فَأَخْرَجَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِنِيَّةِ زَكَاةِ مَالِهِ أَجْزَأَهُ بِلَا تَعْيِينٍ وَكَذَا لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً وَخَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ فَأَخْرَجَ شَاتَيْنِ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ أَجْزَأَهُ بِلَا تَعْيِينٍ وَلَوْ أَخْرَجَ بِلَا تَعْيِينٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا ثُمَّ بَانَ تَلَفُ أَحَدِ الْمَالَيْنِ أَوْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ فَلَهُ جعل جعل عَنْ الْبَاقِي وَلَوْ عَيَّنَ مَالًا لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى غَيْرِهِ فَإِذَا نَوَى بِالْخَمْسَةِ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ فَبَانَ تَالِفًا لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْآخَرِ: وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الْخَمْسَةُ عَنْ أَحَدِهِمَا فَبَانَ أَحَدُهُمَا تَالِفًا وَالْآخَرُ سَالِمًا أَجْزَأَهُ عَنْ السَّالِمِ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ وَقَعَ عَنْ السَّالِمِ فَلَا يَضُرُّهُ التَّقْيِيدُ بِهِ
وَإِنْ قَالَ إنْ كَانَ الْغَائِبُ سَالِمًا فَهَذَا عَنْ زَكَاتِهِ وَإِلَّا فَهُوَ عَنْ الْحَاضِرِ وَكَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا فَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ الْحَاضِرِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَكَذَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالُوا وَلَا يَضُرُّ هَذَا التَّرَدُّدُ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ قَالَ هَذَا عَنْ الْحَاضِرِ أَوْ عَنْ الْغَائِبِ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ خَمْسَةٌ أُخْرَى إنْ كَانَا سَالِمَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ إنْ كَانَ الْوَقْتُ دَخَلَ وَإِلَّا فَعَنْ الْفَائِتَةِ لَا يجزئه بالاتفاق لان التعيين شرط في الصَّلَاةِ وَحَكَوْا عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ تَرَدُّدًا فِي إجْزَائِهِ عَنْ الْحَاضِرِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى إجْزَائِهِ عَنْ الْغَائِبِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِإِجْزَائِهِ أَيْضًا عَنْ الْحَاضِرِ إنْ كَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا وَلَوْ قَالَ هَذِهِ عَنْ الْغَائِبِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَعَنْ الْحَاضِرِ أَوْ هِيَ صَدَقَةٌ فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ سَالِمًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا لَمْ يَقَعْ عَنْ الْحَاضِرِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ سَالِمًا فَهَذَا عَنْ زَكَاتِهِ أَوْ نَافِلَةٌ فَكَانَ سَالِمًا لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ لم يخلص الْقَصْدُ لِلْفَرْضِ وَإِنْ قَالَ إنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ سَالِمًا فَهَذَا عَنْ زَكَاتِهِ وَإِلَّا فَهُوَ تَطَوُّعٌ فَكَانَ سَالِمًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ صرح به المصنف والاصحاب لانه أخلص النِّيَّةَ لِلْفَرْضِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ لَكَانَ هَذَا مُقْتَضَاهُ فَلَا يَضُرُّ التَّقْيِيدُ بِهِ.
وَكَذَا لو
قَالَ هَذَا عَنْ زَكَاةِ مَالِي الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَهُوَ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ فَكَانَ سَالِمًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَوْ بَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ قَالُوا وَكَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ زَكَاةُ الْغَائِبِ فَبَانَ تَالِفًا لا يجوز له الِاسْتِرْدَادُ إلَّا إذَا صَرَّحَ فَقَالَ هَذَا عَنْ زَكَاةِ الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ تَالِفًا اسْتَرْدَدْته وَأَمَّا إذَا أَخْرَجَ الْخَمْسَةَ وَقَالَ إنْ كَانَ مُورِثِي مَاتَ وَوَرِثْت مَالَهُ فَهَذِهِ زَكَاتُهُ فَبَانَ أَنَّهُ مَاتَ وَوِرْثَهُ فَلَا تُحْسَبُ الْخَمْسَةُ عَنْ زَكَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ قَالُوا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْنِ عَلَى أَصْلٍ فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِرْثِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَالِ الْغَائِبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فَاعْتُضِدَ التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ بِأَصْلِ الْبَقَاءِ وَنَظِيرُهُ مَنْ قَالَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ أَصُومُ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَبَانَ مِنْهُ يُجْزِئُهُ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَتَيْ زَكَاةِ الْغَائِبِ وَالْإِرْثِ.
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لَوْ جَزَمَ الْوَارِثُ فَقَالَ هَذَا زَكَاةُ مَا وَرِثْتُهُ عَنْ مُوَرِّثِي وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَوْتَهُ فَلَا يُجْزِئُهُ
بِالِاتِّفَاقِ أَيْضًا قَالَ أَصْحَابُنَا والفرق بين هذا وبين مالو بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا فانه صح عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نية بخلاف الزكاة.
وأما إذ قَالَ هَذَا عَنْ مَالِي الْغَائِبِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ فَكَانَ بَاقِيًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَلَيْسَ لَهُ صَرْفُ الْمُخْرَجِ إلَى زَكَاةِ الْحَاضِرِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّ لَهُ صَرْفَهُ إلَى الْحَاضِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) تَصِحُّ هَذِهِ الصُّوَرُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ لَا يُجَوِّزُ نَقْلَ الزَّكَاةِ فَكَيْفَ تَصِحُّ عَنْ الْغَائِبِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُتَصَوَّرُ إذَا جَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَتُتَصَوَّرُ بِالِاتِّفَاقِ إذا كان غائبا عن محلسه وَلَكِنَّهُ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ لَا فِي بَلَدٍ آخَرَ وَتُتَصَوَّرُ فِيمَنْ هُوَ فِي سَفِينَةٍ أَوْ بَرِّيَّةٍ وَمَعَهُ مَالٌ وَلَهُ مَالٌ آخَرُ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ فَمَوْضِعُ تَفْرِيقِ الْمَالَيْنِ وَاحِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) إذَا وَكَّلَ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ فَإِنْ نَوَى الْمُوَكِّلُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ وَنَوَى الْوَكِيلُ عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْأَصْنَافِ أَوْ عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ الْأَكْمَلُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِيَا أَوْ نَوَى الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكَّلِ لَمْ يُجْزِئْهُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ نَوَى الْمُوَكِّلُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْوَكِيلِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ بِالزَّكَاةِ هُوَ الْمَالِكُ وَقَدْ نَوَى (وَأَصَحُّهُمَا) فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى التَّفْرِيقِ (إنْ) جَوَّزْنَا أَجْزَأَ هَذَا (وَإِلَّا) فَلَا وَالْمَذْهَبُ الْإِجْزَاءُ وَلَوْ وَكَّلَهُ وَفَوَّضَ إلَيْهِ النِّيَّةَ وَنَوَى الْوَكِيلُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْوَكِيلِ بِلَا نِيَّةٍ وَدَفَعَ الْوَكِيلُ وَلَمْ يَنْوِ لَكِنْ نَوَى الْمُوَكِّلُ حَالَ دَفْعِ الْوَكِيلِ إلَى الْأَصْنَافِ أَجْزَأَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ نِيَّةَ الْمُوَكِّلِ قَارَنَتْ الصَّرْفَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ فَأَشْبَهَ تَفْرِيقَهُ بِنَفْسِهِ وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْوَكِيلِ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَى قَبْلَ
صَرْفِ الْوَكِيلِ إلَى الْأَصْنَافِ فَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ (1) بالاجزاء ويحتمل انه فَرْعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ تَقَدُّمُ النِّيَّةِ عَلَى الدَّفْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) قُلْتُمْ هُنَا إنَّ النَّائِبَ لَوْ نَوَى وَحْدَهُ لَا يُجْزِئُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ نَوَى الْمُوَكِّلُ وَحْدَهُ أَجْزَأَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِي الْحَجِّ عَكْسُهُ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّائِبِ وَهُوَ الْأَجِيرُ وَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْمُسْتَأْجَرِ وَلَا تَنْفَعُ (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وغيره أن الفرض في الحج يَقَعُ بِفِعْلِ الْوَكِيلِ فَاشْتُرِطَ قَصْدُهُ الْأَدَاءَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِيَنْصَرِفَ الْفِعْلُ إلَيْهِ وَأَمَّا هُنَا فَالْفَرْضُ يَقَعُ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ فَاكْتَفَى بِنِيَّتِهِ قَالُوا وَنَظِيرُ الْحَجِّ أَنْ
يَقُولَ الْمُوَكِّلُ أَدِّ زَكَاةَ مَالِي مِنْ مَالِكَ فَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْوَكِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) وَلِيُّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ وَيَلْزَمُهُ النِّيَّةُ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ دَفَعَ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَقَعْ زَكَاةً وَيَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ وَعَلَيْهِ اسْتِرْدَادُهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِتَفْرِيطِهِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ (السَّابِعَةُ) إذَا تَوَلَّى السُّلْطَانُ قَسْمَ زَكَاةِ إنْسَانٍ فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ دَفَعَهَا طَوْعًا وَنَوَى عِنْدَ الدَّفْعِ كَفَاهُ وأجزأه وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ السُّلْطَانِ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْأَصْنَافِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ فِي الْقَبْضِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمَالِكُ وَنَوَى السُّلْطَانُ أَوْ لَمْ يَنْوِ أَيْضًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
يُجْزِئُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ إلَّا الْفَرْضُ فَاكْتَفَى بِهَذَا الظَّاهِرِ عَنْ النِّيَّةِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ وَالنِّيَّةُ وَاجِبَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَقْبِضُ نِيَابَةً عَنْ الْمَسَاكِينِ وَلَوْ دَفَعَ الْمَالِكُ إلَى الْمَسَاكِينِ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يُجْزِئْهُ فَكَذَا إذَا دَفَعَ إلَى نَائِبِهِمْ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَتَأَوَّلُوا نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُمْتَنِعُ مِنْ دَفْعِ الزَّكَاةِ فَيُجْزِئُهُ إذَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إذَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمَالِكُ طَائِعًا كَانَ أَوْ مُكْرَهًا قُلْتُ وَهَذَا النص يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ يُجْزِئُهُ فِي الظَّاهِرِ فَلَا يُطَالَبُ بِالزَّكَاةِ مَرَّةً أُخْرَى وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ وَقَدْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ فِي الْبَاطِنِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ هَذَا كُلُّهُ إذَا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ إلَى الْإِمَامِ بِاخْتِيَارِهِ فَأَمَّا إذَا امْتَنَعَ فَأَخَذَهَا مِنْهُ الْإِمَامُ قَهْرًا فَإِنْ نَوَى رب المال حال الاخذ أجزأه ظاهر أو باطنا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا سَبَقَ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ رَبُّ الْمَالِ نَظَرَ إنْ نَوَى الْإِمَامُ أَجْزَأَهُ فِي الظَّاهِرِ فَلَا يُطَالَبُ ثَانِيًا وَهَلْ يُجْزِئُهُ بَاطِنًا فِيهِ وَجْهَانِ
مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ وَهُوَ ظاهر كلام المصنف وجمهور العراقيين وتقام نِيَّةُ الْإِمَامِ مَقَامَ نِيَّتِهِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا تَقُومُ نِيَّةُ وَلِيِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ مَقَامَ نِيَّتِهِ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ
لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ أَيْضًا لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ فِي الْبَاطِنِ قَطْعًا وَهَلْ يَسْقُطُ فِي الظَّاهِرِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَيْضًا (الْأَصَحُّ) لَا يَسْقُطُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (وَأَمَّا) وُجُوبُ النِّيَّةِ عَلَى الْإِمَامِ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ وَأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ نِيَّةِ الْمَالِكِ وَأَنَّ الْإِمَامَ إذَا لَمْ يَنْوِ عَصَى هَكَذَا قَالَ هَذَا كُلَّهُ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِهِ التَّلْخِيصَ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ (إنْ قُلْنَا) لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْ الْمُمْتَنِعِ فِي الْبَاطِنِ لَمْ تَجِبْ النِّيَّةُ عَلَى الْإِمَامِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تَجِبُ كَالْوَلِيِّ (وَالثَّانِي) لَا لِئَلَّا يَتَهَاوَنَ الْمَالِكُ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّامِنَةُ) لَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكَاةُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ وَكَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةُ فَرْضٍ فَصَلَّى مِائَةَ صَلَاةٍ نَافِلَةً لَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ
* هَذَا مَذْهَبُنَا
* وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْزِئُهُ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِبَعْضِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ أَيْضًا عَنْ الزَّكَاةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وقال محمد يجزئه عن زكاة ذلك البغض وَلَوْ أَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَنَوَى بِهَا الْفَرْضَ وَالتَّطَوُّعَ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَكَانَتْ تَطَوُّعًا وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُجْزِئُهُ عَنْ الزَّكَاةِ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ تَمَحَّضْ لِلْفَرْضِ فَلَمْ تَصِحَّ عَنْهُ كَالصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَفِي كِتَابِ الزِّيَادَاتِ لِأَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مَالًا إلَى وَكِيلِهِ لِيُفَرِّقَهُ تَطَوُّعًا ثُمَّ نَوَى بِهِ الْفَرْضَ ثُمَّ فَرَّقَهَا الْوَكِيلُ وَقَعَ عَنْ الفرض إذا كان القابض مستحقا * قال المصنف رحمه الله
* (ويجب صرف جميع الصدقات إلى ثمانية أصناف وهم الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمون وفى سبيل الله وابن السبيل (وقال) المزني وابو حفص البابشامي يصرف خمس الركاز الي من يصرف إليه خمس الفئ والغنيمة لانه حق مقدر بالخمس فأشبه خمس الفئ والغنيمة (وقال) أبو سعيد الاصطخرى تصرف زكاة الفطر إلى ثلاثة من الفقراء لانه قدر قليل فإذا قسم علي ثماينة اصناف لم يقع ما يدفع إلى كل واحد منهم موقعا من الكفاية والمذهب الاول والدليل عليه قوله تعالي (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل) فأضاف جميع الصدقات إليهم بلام التمليك وأشرك بينهم بواو التشريك فدل علي انه مملوك لهم مشترك بينهم)
* (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله إنْ كَانَ مُفَرِّقُ الزَّكَاةِ هُوَ الْمَالِكُ أَوْ وَكِيلُهُ سَقَطَ نَصِيبُ الْعَامِلِ وَوَجَبَ صَرْفُهَا إلَى الْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ الْبَاقِينَ إنْ وُجِدُوا وَإِلَّا فَالْمَوْجُودُ مِنْهُمْ
وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ صِنْفٍ مِنْهُمْ مَعَ وُجُودِهِ فان تركه ضَمِنَ نَصِيبَهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُؤَلَّفَةِ مِنْ الْخِلَافِ وَبِمَذْهَبِنَا فِي اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ قَالَ عِكْرِمَةُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيُّ وداود وقال الحسن البصري وعطاء وسعيد ابن جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وَالشَّعْبِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ لَهُ صَرْفُهَا إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ حُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ
* قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَهُ صَرْفُهَا إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ أَحَدِ الْأَصْنَافِ
* قَالَ مَالِكٌ وَيَصْرِفُهَا إلَى أَمَسِّهِمْ حَاجَةً.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إنْ كَانَتْ قَلِيلَةً جَازَ صَرْفُهَا إلَى صِنْفٍ وَإِلَّا وَجَبَ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ وَحَمَلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُوَافِقُوهُ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ عَلَى التَّخْيِيرِ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ قَالُوا وَمَعْنَاهَا لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى غَيْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَهُوَ فِيهِمْ مُخَيَّرٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدنانير لزيد وعمر وَبَكْرٍ قُسِّمَتْ بَيْنَهُمْ فَكَذَا هُنَا (وَأَمَّا) خُمُسُ الرِّكَازِ فَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ صَرْفِهِ فِي مَصْرِفِ بَاقِي الزكوات وقال المزني وأبو حفص يصرف مصرف خمس الفئ وَالْغَنِيمَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ (وَأَمَّا) زَكَاةُ الْفِطْرِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وُجُوبُ صَرْفِهَا إلَى الْأَصْنَافِ كُلِّهِمْ كَبَاقِي الزَّكَوَاتِ وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَحْقِيقِ مَذْهَبِ الْإِصْطَخْرِيِّ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ تُصْرَفُ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْإِصْطَخْرِيَّ يُجَوِّزُ صَرْفَهَا إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ مِنْ الْمَسَاكِينِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الصَّرْفِ عِنْدَهُ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ صِنْفِ غَيْرِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَحَكَى عَنْهُ الْجُمْهُورُ جَوَازَ صَرْفِهَا إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ أَيِّ صنف كان ممن صرح بهذا عنه الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالسَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وآخرون وقال المحاملي في كتابيه المجموع والتجريد والمتولي بصرفها عنده الي ثلاثة من الفقراء دون غيرهم وصرح المتولي بِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عِنْدَهُ بِالدَّفْعِ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ غَيْرِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ جَوَّزَ الْإِصْطَخْرِيُّ صَرْفَهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ مِنْ صِنْفٍ أَوْ مِنْ أَصْنَافٍ مُخْتَلِفَةٍ قَالَ وَشَرَطَ الْإِصْطَخْرِيُّ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَنْ يُفَرِّقَهَا الْمُزَكِّي بِنَفْسِهِ قَالَ فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْإِمَامِ
أَوْ السَّاعِي لَزِمَ الْإِمَامُ وَالسَّاعِي تَعْمِيمَ الْأَصْنَافِ لانها تكثير فِي يَدِهِ فَلَا يَتَعَذَّرُ التَّعْمِيمُ وَشَرَطَ مَالِكٌ صَرْفَهَا إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ خَاصَّةً هَذَا كَلَامُ السَّرَخْسِيِّ وَاخْتَارَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ قَوْلَ الْإِصْطَخْرِيِّ وَحَكَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا اخْتِيَارَهُ قال الرافعي ورأيت بخطه الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ بَدْرَانَ أَنَّهُ سَمِعَ
أبا اسحق الشِّيرَازِيَّ يَقُولُ فِي اخْتِيَارِهِ وَرَأْيِهِ إنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وُجُوبُ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ وَرَدَّ أَصْحَابُنَا مَذْهَبَ الْإِصْطَخْرِيِّ وَقَوْلُهُ إنَّهَا قَلِيلَةٌ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ جَمْعُهَا مَعَ زَكَاةِ غَيْرِهِ فَتَكْثُرُ قَالُوا وَيُنْتَقَضُ قَوْلُهُ أَيْضًا بِمَنْ لَزِمَهُ جُزْءٌ مِنْ حَيَوَانٍ بِأَنْ تَلِفَ مُعْظَمُ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ وَكَذَا لَوْ لَزِمَهُ نِصْفُ دِينَارٍ عَنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إلَى الْأَصْنَافِ وَوَافَقَ عَلَيْهِ الْإِصْطَخْرِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا فَرَّقَ الزَّكَاةَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ وَكِيلُهُ فَأَمَّا إذَا فَرَّقَ الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي فَيَلْزَمُهُ صَرْفُ الْفِطْرَةِ وَزَكَاةُ الْأَمْوَالِ إلَى الْأَصْنَافِ الْمَوْجُودِينَ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ صِنْفٍ مِنْهُمْ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ زَكَاةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ وَزَكَاةَ شَخْصَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتْرُكَ صنفا ولا يرجح صِنْفًا عَلَى صِنْفٍ وَسَنُوَضِّحُهُ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (فَإِنْ كَانَ الَّذِي يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ هُوَ الْإِمَامُ قَسَّمَهَا عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ (سَهْمُ) لِلْعَامِلِ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَبْتَدِئُ بِهِ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ على وجه العوض وغيره يأخذه على قدر الْمُوَاسَاةِ فَإِذَا كَانَ السَّهْمُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَتِهِ رَدَّ الْفَضْلَ عَلَى الْأَصْنَافِ وَقَسَّمَهُ عَلَى سِهَامِهِمْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أُجْرَتِهِ تَمَّمَ وَمِنْ أَيْنَ يُتَمِّمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُتَمِّمُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ وَلَوْ قِيلَ يُتَمِّمُ مِنْ حَقِّ سَائِرِ الْأَصْنَافِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يُتَمِّمُ مِنْ حَقِّ سَائِرِ الْأَصْنَافِ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لَهُمْ فَكَانَتْ أُجْرَتُهُ عَلَيْهِمْ
(وَالثَّانِي)
يُتَمِّمُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ صِنْفٍ سَهْمًا فَلَوْ قسمنا ذلك علي الْأَصْنَافَ وَنَقَصْنَا حَقَّهُمْ فَضَّلْنَا الْعَامِلَ عَلَيْهِمْ وَمَنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَمَّمَهُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ وَإِنْ شَاءَ مِنْ سهامهم لانه يشبه الحاكم لانه يستوفى به حَقَّ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ
وَيُشْبِهُ الْأَجِيرَ فَخُيِّرَ بَيْنَ حَقَّيْهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ كان بَدَأَ بِنَصِيبِهِ فَوَجَدَهُ يَنْقُصُ تَمَّمَ مِنْ سِهَامِهِمْ وَإِنْ كَانَ بَدَأَ بِسِهَامِ الْأَصْنَافِ فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ وجد سهم الْعَامِلَ يَنْقُصُ تَمَّمَهُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُ مَا دَفَعَ إلَيْهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ فَضَلَ عَنْ قَدْرِ حَاجَةِ الاصناف شىء تَمَّمَ مِنْ الْفَضْلِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُمْ شئ تَمَّمَ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ وَيُعْطِي الْحَاشِرَ وَالْعَرِيفَ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْعُمَّالِ وَفِي أُجْرَةِ الْكَيَّالِ وجهان (قال) أبو على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ هِيَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ
لِأَنَّهَا تَجِبُ لِلْإِيفَاءِ وَالْإِيفَاءُ حَقٌّ عَلَى رَبِّ المال فكانت اجرته عليه (وقال) أبو اسحق تَكُونُ مِنْ الصَّدَقَةِ لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا ذَلِكَ علي رب المال زدنا عليه الْفَرْضِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ قَسْمَ الزَّكَاةِ فان لم يكن عَامِلٌ بِأَنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ فَرَّقَهَا عَلَى بَاقِي الْأَصْنَافِ وَسَقَطَ نَصِيبُ الْعَامِلِ وَوَجَبَ صَرْفُ جَمِيعِهَا إلَى الْبَاقِينَ مِنْ الْأَصْنَافِ كَمَا لَوْ فُقِدَ صِنْفٌ آخَرُ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عَامِلٌ بَدَأَ الْإِمَامُ بِنَصِيبِ الْعَامِلِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذِهِ الْبُدَاءَةُ مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ بِلَا خلاف قال اصحابنا وينبعي.
لِلْإِمَامِ وَلِلسَّاعِي إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ تَفْرِيقُ الزَّكَوَاتِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِضَبْطِ الْمُسْتَحَقِّينَ وَمَعْرِفَةِ أَعْدَادِهِمْ وَقَدْرِ حَاجَاتِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِهِمْ بِحَيْثُ يَقَعُ الْفَرَاغُ مِنْ جَمِيعِ الزَّكَوَاتِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَوْ مَعَهُ لِيَتَعَجَّلَ وُصُولَ حُقُوقِهِمْ إلَيْهِمْ وَلِيَأْمَنَ مِنْ هَلَاكِ الْمَالِ عِنْدَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ قَدْرَ أُجْرَةِ عمله قل أم اكثر وهذا متفق عليه فان كان نصيبه من الزكاة قدر اجرته فقط أخذه وإن كان كثر مِنْ أُجْرَتِهِ أَخَذَ أُجْرَتَهُ وَالْبَاقِي لِلْأَصْنَافِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْأَصْنَافِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ لِلْعَامِلِ فِيهَا حَقٌّ تَعَيَّنَ الْبَاقِي لِلْأَصْنَافِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أُجْرَتِهِ وَجَبَ إتْمَامُ أُجْرَتِهِ بِلَا خِلَافٍ وَمَنْ أَيْنَ يُتَمِّمُ فِيهِ هَذِهِ الطُّرُقُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ (الصَّحِيحُ) مِنْهَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يُتَمِّمُ مِنْ سِهَامِ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ وهذا الخلاف انما هو في جَوَازُ التَّتْمِيمِ مِنْ سِهَامِ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ (وَأَمَّا) بَيْتُ الْمَالِ فَيَجُوزُ التَّتْمِيمُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ بَلْ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَجْعَلَ أُجْرَةَ الْعَامِلِ كُلَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيُقَسِّمُ جَمِيعَ الزَّكَوَاتِ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ جَازَ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنْ الْمَصَالِحِ صَرَّحَ بِهَذَا كُلِّهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُعْطِي الْحَاشِرَ وَالْعَرِيفَ وَالْحَاسِبَ وَالْكَاتِبَ وَالْجَابِيَ وَالْقَسَّامَ وَحَافِظَ الْمَالِ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْعُمَّالِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ السَّهْمِ الْمُسَمَّى بِاسْمِ الْعَامِلِ وَهُوَ ثُمُنُ الزَّكَاةِ لا انهم يُزَاحِمُونَ الْعَامِلَ فِي أُجْرَةِ مِثْلِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحَاشِرُ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ وَالْعَرِيفُ هُوَ كَالنَّقِيبِ لِلْقَبِيلَةِ وَهُوَ الَّذِي يُعَرِّفُ السَّاعِيَ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ إذَا لَمْ يَعْرِفْهُمْ
* قَالَ أَصْحَابُنَا ولا حق في الزكاة للسلطان ولا لوالي الْإِقْلِيمِ وَلَا لِلْقَاضِي بَلْ رِزْقُهُمْ إذَا لَمْ يَتَطَوَّعُوا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ عَامٌّ فِي مَصَالِحِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ عَامِلِ الزَّكَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَمْ تَقَعْ الْكِفَايَةُ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ أَوْ كَاتِبٍ وَاحِدٍ أَوْ حَاسِبٍ أَوْ حَاشِرٍ وَنَحْوِهِ زِيدَ فِي الْعَدَدِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَفِي أُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَعَادِّ الْغَنَمِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا عَلَى رب
الْمَالِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَالْعَادِّ الَّذِي يُمَيِّزُ نَصِيبَ الْأَصْنَافِ مِنْ نَصِيبِ رَبِّ الْمَالِ فَأَمَّا الَّذِي يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ فَأُجْرَتُهُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ وَمُؤْنَةُ إحْضَارِ الْمَاشِيَةِ لِيَعُدَّهَا الْعَامِلُ تَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهَا لِلتَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ قَالَ وَأُجْرَةُ حَافِظِ الزَّكَاةِ وَنَاقِلِهَا وَالْبَيْتُ الَّذِي تُحْفَظُ فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ جُمْلَةِ مَالِ الزَّكَاةِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ وَالنَّاقِلُ هَاشِمِيًّا وَمُطَّلِبِيًّا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ مَحْضٌ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ فِي أُجْرَةِ رَاعِي أَمْوَالِ الزَّكَاةِ بَعْدَ قَبْضِهَا وَحَافِظِهَا وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ تَجِبُ فِي جُمْلَةِ الزَّكَاةِ
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ فِي سَهْمِ الْعَامِلِ خاصة والله اعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وسهم للفقراء والفقير هو الذي لا يجد ما يقع موقعا من كفايته فيدفع إليه ما تزول به حاجته من اداة يعمل بها ان كان فيه قوة أو بضاعة يتجر فيها حتي لو احتاج الي مال كثير للبضاعة التى تصلح له ويحسن التجارة فيه وجب أن يدفع إليه وإن عرف لرجل مال وادعى أنه افتقر لم يقبل منه الا ببينة لانه ثبت غناه فلا تقبل دعوى الفقر الا ببينة كما لو وجب عليه دين آدمى وعرف له مال فادعى الاعسار فان كان قويا وادعى انه لا كسب له اعطى لما روى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخِيَارِ " أَنَّ
رَجُلَيْنِ سَأَلَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصدقة فصعد بصره اليهما وصوب ثم قال اعطيكما بعد ان اعلمكما انه لا حظ فيها لغنى ولا قوى مكتسب " وهل يحلف فيه وجهان (احدهما) لا يحلف لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يحلف الرجلين (والثاني) يحلف لان الظاهر انه يقدر علي الكسب مع القوة)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ قَالَ " أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يُقَسِّمُ الصَّدَقَةَ فَسَأَلَاهُ مِنْهَا فَرَفَعَ فِينَا الْبَصَرَ وَخَفَضَهُ فَرَآنَا جلدين ففال إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ " هَذَا لَفْظُ إسْنَادِ الْحَدِيثِ وَمَتْنُهُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ (وَقَوْلُهُ) جَلْدَيْنِ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ قَوِيَّيْنِ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخِيَارِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ والاول غلط صريح وهو عبيد الله ابن عدى ابن الْخِيَارِ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتٍ ابْنِ نَوْفَلَ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ
ابن قصي وهذا لا خلاف فيه ببن العلماء من جميع الطوائف وكذا هذ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِيهِ شئ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلَيْنِ سَأَلَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وعبيد الله تابعي فحعل الْحَدِيثَ مُرْسَلًا وَهُوَ غَلَطٌ بَلْ الْحَدِيثُ مُتَّصِلٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ هكذا هُوَ فِي جَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالرَّجُلَانِ صَحَابِيَّانِ لا يضر جهالة عينها لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلُّهُمْ عُدُولٌ وَقَوْلُهُ صَعَّدَ بَصَرَهُ هُوَ بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ أَيْ رَفَعَهُ وَقَوْلُهُ وَصَوَّبَهُ اي حفصه وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ مِنْ أَدَاةٍ يَعْمَلُ بِهَا هِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَهِيَ الْآلَةُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي حَقِيقَةِ الْفَقِيرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ سَهْمًا فِي الزَّكَاةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ لَا بِمَالٍ وَلَا بِكَسْبٍ وَشَرَحَهُ الْأَصْحَابُ فَقَالُوا هُوَ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ أَصْلًا أوله مالا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى حَاجَتِهِ بِأَنْ كَانَ يَحْتَاجُ كُلَّ يَوْمٍ إلَى عَشْرَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ يَمْلِكُ دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً
كُلَّ يَوْمٍ فَهُوَ فَقِيرٌ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ الْكِفَايَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا أَوْ ثَوْبٌ يَلْبَسُهُ مُتَجَمِّلًا بِهِ فَهُوَ فَقِيرٌ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فَقْرَهُ لِضَرُورَتِهِ إلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِعَبْدِهِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْخِدْمَةِ وَهُوَ فِي سَائِرِ الْأُصُولِ مُلْحَقٌ بِالْمَسْكَنِ قُلْتُ قَدْ صَرَّحَ ابْنُ كَجٍّ فِي كِتَابِهِ التَّجْرِيدِ بِأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْخِدْمَةِ كَالْمَسْكَنِ وَأَنَّهُمَا لَا يَمْنَعَانِ أَخْذَهُ الزَّكَاةَ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَثِيَابِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْقَدْرُ الَّذِي يُؤَدِّي بِهِ الدَّيْنُ لَا حُكْمَ لِوُجُودِهِ وَلَا يَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ كَمَا لَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ قَالَ وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَا يُعْطِي سَهْمَ الْفُقَرَاءِ حَتَّى يَصْرِفَ مَا عِنْدَهُ إلَى الدَّيْنِ قَالَ الْبَغَوِيّ يَجُوزُ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِمَنْ مَالُهُ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ إلَى أَنْ يَصِلَ مَالُهُ قَالَ وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلُ فَلَهُ أَخْذُ كِفَايَتِهِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يَتَرَدَّدُ النَّاظِرُ فِي اشْتِرَاطِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ (وَأَمَّا) الْكَسْبُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ سَهْمُ الْفُقَرَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ كَسْبٌ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَالِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَجْزُ عَنْ أَصْلِ الْكَسْبِ قَالُوا وَالْمُعْتَبَرُ كَسْبٌ يَلِيقُ بِحَالِهِ وَمُرُوءَتِهِ (وَأَمَّا) مَا لَا يَلِيقُ بِهِ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ قَالُوا وَلَوْ قَدَرَ عَلَى كَسْبٍ يَلِيقُ بِحَالِهِ إلَّا أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِتَحْصِيلِ بَعْضِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ بِحَيْثُ لَوْ أَقْبَلَ عَلَى الْكَسْبِ لَانْقَطَعَ عَنْ التَّحْصِيلِ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْعِلْمِ فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَأَمَّا) من لا يتأنى مِنْهُ التَّحْصِيلُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا
بِالْمَدْرَسَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِي الْمُشْتَغِلِ بِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَسْتَحِقُّ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ (وَالثَّانِي) لَا (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ نَجِيبًا يُرْجَى تَفَقُّهُهُ وَنَفْعُ الْمُسْلِمِينَ بِهِ اسْتَحَقَّ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهَا الدَّارِمِيُّ فِي بَابِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَأَمَّا مَنْ أَقْبَلَ عَلَى نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ مِنْهَا أَوْ مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْوَقْتِ بِهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ عِبَادَتِهِ قَاصِرَةٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَغِلِ بِالْعِلْمِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْكَسُوبُ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ
* (فَرْعٌ)
هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْفَقِيرِ الزَّمَانَةُ وَالتَّعَفُّفُ عَنْ السُّؤَالِ فِيهِ طَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ لَا يُشْتَرَطُ وَبِهِ
قَطَعَ الْجُمْهُورُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ قَالُوا الْجَدِيدُ لَا يُشْتَرَطُ وَالْقَدِيمُ يُشْتَرَطُ وَتَأَوَّلَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ الْقَدِيمَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي قَوْلِنَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ الْمَطْعَمُ وَالْمَلْبَسُ والمسكن وسائر مالا بد له مِنْهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ بِغَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا إقْتَارٍ لِنَفْسِ الشَّخْصِ وَلِمَنْ هُوَ فِي نَفَقَتِهِ
* (فَرْعٌ)
الْمُكْفَى بِنَفَقَةِ أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَالْفَقِيرَةُ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ غَنِيٌّ يُنْفِقُ عَلَيْهَا هَلْ يُعْطَيَانِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ فِيهِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَخَصَّهُ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةٍ وَهِيَ لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ أقاربه أَوْصَى لَهُمْ فَكَانَا فِي أَقَارِبِهِ هَلْ يَسْتَحِقَّانِ سَهْمًا فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) لَا يَسْتَحِقَّانِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَالْخُضَرِيُّ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَغَيْرُهُ
(وَالثَّانِي)
يَسْتَحِقَّانِ قَالَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ (وَالثَّالِثُ) يَسْتَحِقُّ الْقَرِيبُ دُونَ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ عِوَضًا يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَيَسْتَقِرُّ قَالَهُ الْأَوْدَنِيُّ (وَالرَّابِعُ) عَكْسُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَرِيبَ يَلْزَمُهُ كِفَايَتُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى الدَّوَاءِ وَأُجْرَةُ الطَّبِيبِ فَانْدَفَعَتْ حاجاته وَالزَّوْجَةُ لَيْسَ لَهَا إلَّا مُقَدَّرٌ وَرُبَّمَا لَا يَكْفِيهَا قَالَ فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الزَّكَاةِ فَإِنْ قُلْنَا لَا حَقَّ لَهُمَا فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ فَالزَّكَاةُ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) يُعْطَيَانِ كَالْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ (وَالثَّانِي) لَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِي الْوَقْفِ بِاسْمِ الْفَقْرِ وَلَا يَزُولُ اسْمُ الْفَقْرِ بِقِيَامِ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ وَفِي الزَّكَاةِ بِالْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ مَعَ تَوَجُّهِ النَّفَقَةِ فَأَشْبَهَ مَنْ يَكْتَسِبُ كُلَّ يَوْمٍ كِفَايَتَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ مَعْدُودًا مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْخِلَافُ فِي الْقَرِيبِ إذَا أَعْطَاهُ غَيْرُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِهِمَا بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْمُنْفِقُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ
مُسْتَغْنٍ بِنَفَقَتِهِ وَلِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ النَّفَقَةَ وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ وَالْغَارِمِ وَالْغَازِي وَالْمُكَاتَبِ إذَا كَانَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَكَذَا مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ لِئَلَّا يُسْقِطَ النَّفَقَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ مُؤْنَةَ السَّفَرِ دُونَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ سَفَرًا وَحَضَرًا لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ (وَأَمَّا) فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ فَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِي الزَّوْجِ كَغَيْرِهِ
لِأَنَّهُ بِالصَّرْفِ إلَيْهَا لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ النَّفَقَةَ بَلْ نَفَقَتُهَا عِوَضٌ لَازِمٌ سَوَاءٌ كَانَتْ غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً فَصَارَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ فَقِيرًا فَإِنَّ لَهُ دَفْعَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ مَعَ الْأُجْرَةِ وَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ إلَيْهَا فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهَا فَلَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ يَجُوزُ إعْطَاؤُهَا لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى النَّفَقَةِ بِتَرْكِ النُّشُوزِ فَأَشْبَهَتْ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ الْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ بِلَا خِلَافٍ وَمِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ من المولفة وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ عَامِلَةً وَلَا غَازِيَةً وَأَمَّا سَهْمُ ابْنِ السَّبِيلِ فَإِنْ سَافَرَتْ مَعَ الزَّوْجِ لَمْ تُعْطَ مِنْهُ سَوَاءٌ سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ وَلَا تُعْطَى مُؤْنَةَ السَّفَرِ إنْ سَافَرَتْ مَعَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّهَا عَاصِيَةٌ وَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا فان كان باذنه واوجبنا نَفَقَتَهَا أُعْطِيت مُؤْنَةَ السَّفَرِ فَقَطْ مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهَا أُعْطِيت جَمِيعَ كِفَايَتِهَا وَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ تعط منه لِأَنَّهَا عَاصِيَةٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى هَذِهِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِخِلَافِ النَّاشِزَةِ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى الْعَوْدِ إلَى طَاعَتِهِ وَالْمُسَافِرَةُ لَا تَقْدِرُ فَإِنْ تَرَكَتْ سَفَرَهَا وَعَزَمَتْ عَلَى الْعَوْدِ إلَيْهِ أُعْطِيت مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ لِخُرُوجِهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ هَذَا آخِرُ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ذَاتَ مَالٍ فَلَهَا صَرْفُ زَكَاتِهَا إلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ سَوَاءٌ صُرِفَتْ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ نَحْوِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا نَفَقَتُهُ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَكَالْأَخِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ الَّذِينَ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ وَدَفْعُهَا إلَى الزَّوْجِ أَفْضَلُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ لَهُ عَقَارٌ يَنْقُصُ دَخْلُهُ عَنْ كِفَايَتِهِ فَهُوَ فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ فَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ تَمَامَ كِفَايَتِهِ وَلَا يُكَلَّفُ بَيْعَهُ ذَكَرَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَآخَرُونَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ لَوْ كَانَ لَهُ كُتُبُ فِقْهٍ لَمْ تُخْرِجْهُ عَنْ الْمَسْكَنَةِ يَعْنِي وَالْفَقْرِ قَالَ فَلَا يَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَحُكْمُ كِتَابِهِ حُكْمُ أَثَاثِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ قَالَ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْتَاطَ فِي
فَهْمِ الْحَاجَةِ إلَى الْكِتَابِ فَالْكِتَابُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِثَلَاثَةِ أَغْرَاضٍ التَّعْلِيمُ وَالتَّفَرُّجُ بِالْمُطَالَعَةِ وَالِاسْتِفَادَةُ فَالتَّفَرُّجُ لَا يُعَدُّ حَاجَةً كَاقْتِنَاءِ كُتُبِ الشِّعْرِ وَالتَّوَارِيخِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا فِي الدُّنْيَا فَهَذَا يُبَاعُ فِي الْكَفَّارَةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَيَمْنَعُ اسْمَ الْمَسْكَنَةِ (وَأَمَّا) حَاجَةُ التَّعْلِيمِ فَإِنْ كَانَ لِلتَّكَسُّبِ كَالْمُؤَدِّبِ وَالْمُدَرِّسِ بِأُجْرَةٍ فَهَذِهِ آلَتُهُ فَلَا تُبَاعُ فِي الْفِطْرَةِ كَآلَةِ الْخَيَّاطِ وَإِنْ كَانَ يَدْرُسُ لِقِيَامِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لَمْ تُبَعْ وَلَا تَسْلُبُهُ اسْمَ الْمَسْكَنَةِ لِأَنَّهَا حَاجَةٌ مهمة حَاجَةٍ وَأَمَّا الِاسْتِفَادَةُ وَالتَّعَلُّمُ مِنْ الْكِتَابِ كَادِّخَارِهِ كتاب طب ليعالح نَفْسَهُ بِهِ أَوْ كِتَابَ وَعْظٍ لِيُطَالِعَهُ وَيَتَّعِظَ به فان كان في البلد طبيب واوأعظ فَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْكِتَابِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ مُحْتَاجٌ ثُمَّ رُبَّمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى مُطَالَعَتِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ قَالَ فَيَنْبَغِي أَنْ يضبط فيقال مالا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي السَّنَةِ فَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ فَتُقَدَّرُ حَاجَةُ أَثَاثِ الْبَيْتِ وَثِيَابُ الْبَدَنِ بِالسَّنَةِ فَلَا يُبَاعُ ثِيَابُ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ وَلَا ثِيَابُ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ وَالْكُتُبُ بِالثِّيَابِ أَشْبَهُ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ مِنْ كِتَابٍ نُسْخَتَانِ فَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَّا إلَى أَحَدِهِمَا فَإِنْ قَالَ احداهما أَصَحُّ وَالْأُخْرَى أَحْسَنُ قُلْنَا اكْتَفِ بِالْأَصَحِّ وَبِعْ الْأَحْسَنَ وَإِنْ كَانَا كِتَابَيْنِ مِنْ عِلْمٍ وَاحِدٍ أَحَدُهُمَا مَبْسُوطٌ وَالْآخَرُ وَجِيزٌ فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الِاسْتِفَادَةَ فَلِيَكْتَفِ بِالْمَبْسُوطِ وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ التَّدْرِيسَ احْتَاجَ إلَيْهِمَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَهُوَ حَسَنٌ إلَّا قَوْلَهُ فِي كِتَابِ الْوَعْظِ أَنَّهُ يكتفى بالواعظ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَنْتَفِعُ بِالْوَاعِظِ كَانْتِفَاعِهِ فِي خَلْوَتِهِ وَعَلَى حَسْبِ إرَادَتِهِ وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي كِتَابِهِ الزِّيَادَاتِ لَوْ كَانَ لَهُ كُتُبُ عِلْمٍ وَهُوَ عَالِمٌ جَازَ دَفْعُ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ إلَيْهِ قَالَ وَلَا تُبَاعُ كُتُبُهُ فِي الدِّينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
سُئِلَ الْغَزَالِيُّ عَنْ الْقَوِيِّ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الَّذِينَ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِالتَّكَسُّبِ بِالْبَدَنِ هَلْ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ والمساكين فقال نعم وهذا صحيح جار عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حِرْفَةٌ تَلِيقُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي قَدْرِ الْمَصْرُوفِ إلَى الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ يُعْطِيَانِ مَا يَخْرُجُهُمَا مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الْغِنَى وَهُوَ مَا تَحْصُلُ بِهِ الكفاية علي الدوام وهذا هو نص للشافعي رحمه الله وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الصَّحَابِيُّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا
مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ وَرَجُلٌ اصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوى الحجى مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ
مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتٌ يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالْقِوَامُ وَالسِّدَادُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَهُمَا بِمَعْنًى قَالَ أَصْحَابُنَا فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْأَلَةَ حَتَّى يُصِيبَ مَا يَسُدُّ حَاجَتَهُ فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَالُوا وَذِكْرُ الثَّلَاثَةِ فِي الشَّهَادَةِ للاستظهار لا للاشتراط قال اصحابنا فان كان عَادَتْهُ الِاحْتِرَافَ أُعْطِيَ مَا يَشْتَرِي بِهِ حِرْفَتَهُ أَوْ آلَاتِ حِرْفَتِهِ قَلَّتْ قِيمَةُ ذَلِكَ أَمْ كَثُرَتْ وَيَكُونُ قَدْرُهُ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ ربحه ما يفى بكفايته غالبا تَقْرِيبًا وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْحِرَفِ وَالْبِلَادِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَشْخَاصِ وَقَرَّبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ذَلِكَ فَقَالُوا مَنْ يَبِيعُ الْبَقْلَ يُعْطَى خَمْسَةَ دَرَاهِمَ أَوْ عَشْرَةَ وَمَنْ حِرْفَتُهُ بَيْعُ الْجَوْهَرِ يُعْطَى عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ مَثَلًا إذَا لَمْ يَتَأَتَّ لَهُ الْكِفَايَةُ بِأَقَلَّ مِنْهَا وَمَنْ كَانَ تَاجِرًا أَوْ خَبَّازًا أَوْ عَطَّارًا أَوْ صَرَّافًا أُعْطِيَ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ وَمَنْ كَانَ خَيَّاطًا أَوْ نَجَّارًا أَوْ قَصَّارًا أَوْ قَصَّابًا أَوْ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّنَائِعِ أُعْطِيَ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْآلَاتِ الَّتِي تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الضِّيَاعِ يُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ ضَيْعَةً أَوْ حِصَّةً فِي ضَيْعَةٍ تَكْفِيهِ غَلَّتُهَا عَلَى الدَّوَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَرِفًا وَلَا يُحْسِنُ صَنْعَةً أَصْلًا وَلَا تِجَارَةً وَلَا شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَكَاسِبِ أُعْطِيَ كِفَايَةَ الْعُمْرِ الْغَالِبِ لِأَمْثَالِهِ فِي بِلَادِهِ وَلَا يَتَقَدَّرُ بِكِفَايَةِ سَنَةٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلُّ مِنْهُ كِفَايَتَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ يُشْعِرُ كَلَامُهُ بِأَنَّهُ يُعْطَى مَا يُنْفِقُ عَيْنَهُ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهِ وَالصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ هُوَ الْأَوَّلُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ إعْطَائِهِ كِفَايَةَ عُمْرِهِ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يُعْطَى كِفَايَةَ سَنَةٍ وَلَا يُزَادُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ فَيَحْصُلُ كِفَايَتُهُ مِنْهَا سَنَةً سنة وبهذا قطع أبو العباس ابن الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَهُوَ كِفَايَةُ الْعُمْرِ قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا قَالَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ
الرافعى هو قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَآخَرِينَ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هُوَ الْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا عُرِفَ لِرَجُلٍ مَالٌ فَادَّعَى تَلَفَهُ وَأَنَّهُ فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَفِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ وَصِفَتِهَا كَلَامٌ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ الْمُكَاتَبِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ دَعْوَاهُ الْهَلَاكَ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَالسَّرِقَةِ أَوْ ظَاهِرٍ كَالْحَرِيقِ وَإِنْ لم يعرف له مَالٌ وَادَّعَى الْفَقْرَ أَوْ الْمَسْكَنَةَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَلَا يُطَالَبُ بِبَيِّنَةٍ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِنْسَانِ الْفَقْرُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا ادَّعَى أَنَّهُ لَا كَسْبَ لَهُ فَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ عَدَمُ الْكَسْبِ كَشَيْخٍ هَرِمٍ أَوْ شَابٍّ ضَعِيفِ الْبِنْيَةِ وَنَحْوِهِمَا قُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ الْكَسْبِ وَإِنْ كَانَ شَابًّا قَوِيًّا لَمْ يُكَلَّفْ الْبَيِّنَةَ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَهَلْ يَحْلِفُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ لِلْحَدِيثِ وَلِأَنَّ مَبْنَى الزَّكَاةِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالرِّفْقِ فَلَا يُكَلَّفُ يَمِينًا وَالْقَائِلُ الْآخَرُ يَتَأَوَّلُ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ مِنْ حَالِهِمَا عَدَمَ الْكَسْبِ وَالْقُدْرَةِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّ آخِرَ الْحَدِيثِ يُخَالِفُ هَذَا (فَإِنْ قُلْنَا) يَحْلِفُ فَهَلْ الْيَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ شَرْطٌ فِيهِ وَجْهَانِ فَإِنْ نَكِلَ فَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ لَمْ يُعْطَ وَإِلَّا اعطى ولو قال لامال لِي وَاتَّهَمَهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ لَا كَسْبَ لِي فيجئ فِي تَحْلِيفِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ هَكَذَا نَقَلُوهُ وَهُوَ ظاهر * قال المصنف رحمه الله
* (وسهم للمساكين والمسكين هو الذى يَقْدِرُ عَلَى مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ إلا انه لا يكفيه وقال ابو اسحق هو الذى لا يجد ما يقع موقعا من كفايته فأما الذى يجد ما يقع موقعا من كفايته فهو الفقير والاول اظهر لان الله تعالى بدأ بالفقراء والعرب لا تبدأ إلا بالاهم فالاهم فدل علي ان الفقير امس حاجة وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اللَّهُمَّ احينى مسكينا وامتني مسكينا " وكان صلي الله عليه وسلم " يتعوذ من الفقر " فدل علي ان الفقر اشد ويدفع الي المسكين تمام الكفاية فان ادعي عيالا لم يقبل منه إلا ببينة لانه يدعي خلاف الظاهر)
*
(الشَّرْحُ) أَمَّا قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ الْفَقْرِ " فَهُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها (وَأَمَّا) حَدِيثُ " أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا " فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ رضي الله عنه وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا فَقَدْ اسْتَعَاذَ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْفَقْرِ وَسَأَلَ الْمَسْكَنَةَ وَقَدْ كَانَ لَهُ صلى الله عليه وسلم بَعْضُ الْكِفَايَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ لَهُ بَعْضُ الكفاية قال البيهقى وقد روى في حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَاذَ " مِنْ الْمَسْكَنَةِ وَالْفَقْرِ " فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتَعَاذَ مِنْ الْحَالِ الَّتِي شَرَّفَهَا فِي أَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ وَلَا مِنْ الْحَالِ الَّتِي سَأَلَ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْيَى وَيُمَاتَ عَلَيْهَا قَالَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَتُهُ صلى الله عليه وسلم مُخَالِفَةً لِمَا مَاتَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ مَاتَ مَكْفِيًّا بِمَا أَفَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ قال ووجه هذه الْأَحَادِيثِ عِنْدِي أَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ اللَّذَيْنِ يَرْجِعُ مَعْنَاهُمَا إلَى الْقِلَّةِ كَمَا اسْتَعَاذَ صلى الله عليه وسلم مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ " اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَفِتْنَةِ الْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا اسْتَعَاذَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ دُونَ حَالِ الْفَقْرِ وَمَنْ فِتْنَةِ الْغِنَى دُونَ حَالِ الْغِنَى قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم إنَّ كَانَ قَالَ " أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا " فَإِنْ صَحَّ طَرِيقُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَالُهُ عِنْدَ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ مَسْكَنَةً يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إلَى الْقِلَّةِ بَلْ مسكنة معناها الاخبات التواضع وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْجَبَابِرَةِ الْمُتَكَبِّرِينَ وَأَنْ لَا يُحْشَرَ فِي زُمْرَةِ الْأَغْنِيَاءِ الْمُتْرَفِينَ قَالَ الْقُتَيْبِيُّ الْمَسْكَنَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ السُّكُونِ يُقَالُ تَمَسْكَنَ الرَّجُلُ إذَا لَانَ وَتَوَاضَعَ وَخَشَعَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ أَنَّ الْمِسْكِينَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ كَمَا حَكَاهُ المصنف عن ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ لَا يَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ بَلْ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ صِنْفٍ لَكِنْ يَظْهَرُ فِي الْوَصِيَّةِ للفقراء دون المساكين أو للمساكين دون دُونَ الْفُقَرَاءِ وَفِيمَنْ أَوْصَى بِأَلْفٍ لِلْفُقَرَاءِ وَبِمِائَةٍ لِلْمَسَاكِينِ وَفِيمَنْ نَذَرَ أَوْ حَلَفَ لِيَتَصَدَّقَنَّ عَلَى أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ أَمَّا إذَا أَطْلَقَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ وَالنَّذْرِ وَجَمِيعِ الْمَوَاضِعِ غَيْرَ الزَّكَاةِ وَلَمْ يَنْفِ الْآخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يُعْطِيَ الصِّنْفَ الْآخَرَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَاتَّفَقُوا
عَلَيْهِ وَضَابِطُهُ أَنَّهُ مَتَى أَطْلَقَ الْفُقَرَاءَ أَوْ الْمَسَاكِينَ تَنَاوَلَ الصِّنْفَيْنِ وَإِنْ جَمَعَا أَوْ ذَكَرَ أَحَدَهُمَا وَنَفَى الْآخَرَ وَجَبَ التَّمْيِيزُ حِينَئِذٍ وَيَحْتَاجُ عِنْدَ ذَلِكَ إلَى بَيَانِ النَّوْعَيْنِ أَيُّهُمَا أَسْوَأُ حَالًا وَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا قَالَ خَلَائِقُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ (أَمَّا) حَقِيقَةُ الْمِسْكِينِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ هُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكْفِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا مِثَالُهُ يَحْتَاجُ إلَى عَشْرَةٍ وَيَقْدِرُ علي ثماينة أَوْ سَبْعَةٍ وَسَبَقَ فِي فَصْلِ الْفَقِيرِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَسْبِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَالِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْكَسْبِ الْمُعْتَبَرِ وَالْمَالِ الْمُعْتَبَرِ وَأَنَّ الْفَقِيرَ والمسكين يعطيان تمام كفايتها وَسَبَقَ كَيْفِيَّةُ إعْطَاءِ الْكِفَايَةِ وَجَمِيعُ الْفُرُوعِ السَّابِقَةِ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ قَالَ اصحاحبنا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ الَّذِي يَمْلِكُهُ الْمِسْكِينُ نِصَابًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ كِفَايَتَهُ فَيُعْطَى تَمَامَ الْكِفَايَةِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُعْطَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا
* دَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ وَالنُّصُوصُ مُطْلَقَةٌ فَلَا يُقْبَلُ تَقْيِيدُهَا إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَلَوْ ادَّعَى الْفَقِيرُ أَوْ الْمِسْكِينُ عِيَالًا وَطَلَبَ أَنْ يُعْطَى كِفَايَتَهُ وَكِفَايَتَهُمْ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْعِيَالِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُعْطَى إلَّا ببينة لامكانها وبهذا قطع المصنف والاكثرون * قال المصنف رحمه الله تعالي
* (وسهم للمولفة وهم ضربان مسلمون وكفار فأما الكفار فضربان ضرب يرجي خير وضرب يخاف شره وقد كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِيهِمْ وهل يعطون بعده فيه قولان (احدهما) يعطون لان المعنى الذى به اعطاهم النبي صلي الله عليه وسلم قد يوجد بعده (والثاني) لا يعطون لان الخلفاء رضي الله عنهم بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يعطوهم وقال عمر رضى الله عنه " انا لا نعطي علي الاسلام شيئا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليفكر " فإذا قلنا انهم يعطون فانهم لا يعطون من الزكاة لان الزكاة لا حق فيهما للكفار وإنما يعطون من سهم المصالح وأما المسلمون فهم اربعة اضرب (احدها) قوم لهم شرف فيعطون ليرغب نظراؤهم في الاسلام لان النبي صلي الله عليه وسلم أعطى الزبرقان بن بدر وعدى بن حاتم
(والثانى)
قوم أسلموا ونيتهم في الاسلام ضعيفة فيعطون لتقوى نيتهم لان النبي صلي الله عليه وسلم أعطى ابا سفيان بن حرب وصفوان ابن امية والاقرع بن حابس وعيينة بن حصن
لكل أحد منهم مائة من الابل وهل يعطى هذان الفريقان بعد النبي صلي الله عليه وسلم فيه قولان (احدهما) لا يعطون لان الله تعالي اعز الاسلام فأغنى عن التألف بالمال
(والثانى)
يعطون لان المعنى الذى به اعطوا قد يوجد بعد النبي صلي الله عليه وسلم ومن اين يعطون فيه قولان (احدهما) من
الصدقات للآية
(والثانى)
من خمس الخمس لان ذلك مصلحة فكان من سهم المصالح (والضرب الثَّالِثُ) قَوْمٌ يَلِيهِمْ قَوْمٌ مِنْ الْكُفَّارِ إنْ أعطوا قاتلوهم (والضرب الرابع) قوم يليهم قوم من أهل الصدقات ان اعطوا جبوا الصدقات وفى هذين الضربين أربعة أقوال (احدهها) يعطون من سهم المصالح لان ذلك مصلحة (والثاني) من سهم المؤلفة من الصدقات للآية (والثالث) من سهم الغزاة لانهم يغزون (والرابع) وهو المنصوص انهم يعطون من سهم الغزاة ومن سهم المؤلفة لانهم جمعوا معنى الفرقين)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ إعْطَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُؤَلَّفَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم " أَعْطَى صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ " وَصَفْوَانُ يَوْمئِذٍ كَافِرٌ قَالَ صَفْوَانُ لَقَدْ أَعْطَانِي مَا أَعْطَانِي وانه لا بغض النَّاسِ إلَيَّ فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى أَنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَحَدِيثُ إعْطَاءِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ وَالْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ هَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ رَافِعِ بن خديج (وأما) الزِّبْرِقَانُ فَبِزَايٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ قَافٍ وَهُوَ أَحَدُ رُؤَسَاءِ الْعَرَبِ وِسَادَاتِ بَنِي تَمِيمٍ وَالزِّبْرِقَانُ لَقَبٌ له واسمه الحصين ابن بلد ابن امْرِئِ الْقِيسِ كُنْيَتُهُ أَبُو عَيَّاشٍ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لُقِّبَ بِالزِّبْرِقَانِ لَحُسْنِهِ وَقِيلَ لِصُفْرَةِ عِمَامَتِهِ وَمِنْهُ زَبْرَقْت الثَّوْبَ إذَا صَفَّرْتُهُ وَكَانَ يَلْبَسُ عِمَامَةً مُزَبْرَقَةً بِالزَّعْفَرَانِ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ قَمَرُ نَجْدٍ لِحُسْنِهِ أَسْلَمَ سَنَةَ تِسْعٍ وَوَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَكْرَمَهُ وَوَلَّاهُ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما وَقَدْ بُسِطَتْ أَحْوَالُهُ فِي التَّهْذِيبِ وَكَذَلِكَ أَحْوَالُ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ وَكُلُّهُمْ صَحَابَةٌ رضي الله عنهم وَسُمِّيَ هَذَا الصِّنْفُ مُؤَلَّفَةً لِأَنَّهُمْ يَتَأَلَّفُونَ بِالْعَطَاءِ وَتُسْتَمَالُ بِهِ قُلُوبُهُمْ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُؤَلَّفَةُ
ضَرْبَانِ مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ وَالْكُفَّارُ صِنْفَانِ (مَنْ) يُرْجَى إسْلَامُهُ (وَمَنْ) يُخَافُ شَرُّهُ فَهَؤُلَاءِ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِيهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْغَنَائِمِ لَا مِنْ الزَّكَاةِ وَهَلْ يُعْطَوْنَ بَعْدَهُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
يُعْطَوْنَ لِلْحَدِيثِ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ لَا يُعْطَوْنَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُمْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ وَكَانَ مِلْكًا لَهُ خَالِصًا يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَهُ (فَإِنْ قُلْنَا) يُعْطَوْنَ أُعْطُوا مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ وَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ أَيْضًا مِنْ الْمَصَالِحِ إلَّا أَنْ يَنْزِلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ (وَأَمَّا) الْمُؤَلَّفَةُ الْمُسْلِمُونَ فَأَصْنَافٌ
(صنف) لهم شرف في قومهم يطلب يتألفهم إسْلَامُ نُظَرَائِهِمْ (وَصِنْفٌ) أَسْلَمُوا وَنِيَّتُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ ضَعِيفَةٌ فَيَتَأَلَّفُونَ لِتَقْوَى نِيَّتِهِمْ وَيَثْبُتُوا وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي هَذَيْنِ وَهَلْ يُعْطَوْنَ بَعْدَهُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (فَإِنْ قُلْنَا) يُعْطَوْنَ فَمِنْ أَيْنَ يُعْطُونَ ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَيْنِ فَحَاصِلُهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ لِلْآيَةِ
(وَالثَّانِي)
يُعْطَوْنَ مِنْ الْمَصَالِحِ (وَالثَّالِثُ) لَا يُعْطَوْنَ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْجُرْجَانِيُّ وَقَطَعَ بِهِ سُلَيْمُ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ (وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ) قَوْمٌ يَلِيهِمْ قَوْمٌ مِنْ الْكُفَّارِ إنْ أُعْطُوا قَاتَلُوهُمْ وَيُرَادُ بِإِعْطَائِهِمْ تَأَلُّفُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ (وَالرَّابِعُ) قَوْمٌ يَلِيهِمْ قَوْمٌ عَلَيْهِمْ زَكَوَاتٌ وَيَمْنَعُونَهَا فَإِنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ قَاتَلُوهُمْ وَقَهَرُوهُمْ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُمْ وَحَمَلُوهَا إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُمْ الزَّكَوَاتِ وَاحْتَاجَ الْإِمَامُ إلَى مُؤْنَةٍ ثَقِيلَةٍ لِتَجْهِيزِ مَنْ يَأْخُذُهَا وَهَذَانِ الصِّنْفَانِ يُعْطِيَانِ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ مِنْ أَيْنَ يُعْطَوْنَ فِيهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِدَلَائِلِهَا وَجَعَلَ الْغَزَالِيُّ وَطَائِفَةٌ هَذِهِ الْأَقْوَالَ أَوْجُهًا وَالصَّوَابُ أَنَّهَا أَقْوَالٌ (أَحَدُهَا) مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ (وَالثَّانِي) مِنْ الْمَصَالِحِ (وَالثَّالِثُ) مِنْ سَهْمِ الْغُزَاةِ (وَالرَّابِعُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه يُعْطَوْنَ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ وَسَهْمِ الْغُزَاةِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْقَوْلِ الرَّابِعِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ (أحدها) أن هذا تفريع عَلَى أَنَّ مَنْ جَمَعَ سَبَبَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ الزَّكَاةِ يُعْطَى بِهِمَا (فَأَمَّا) إنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يُعْطَى إلَّا بِأَحَدِهِمَا فَلَا يُعْطَى هَؤُلَاءِ إلَّا مِنْ أَحَدِ السَّهْمَيْنِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُمْ
يُعْطَوْنَ مِنْ السَّهْمَيْنِ جَمِيعًا سَوَاءٌ أَعْطَيْنَا غَيْرَهُمْ بسببين أم لا للمصلحة فِي هَؤُلَاءِ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ التَّأَلُّفُ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ فَمِنْ سَهْمِ الْغُزَاةِ وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ الزَّكَوَاتِ وَقِتَالِ مَانِعِيهَا فَمِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ (وَالرَّابِعُ) يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ مِنْ ذَا السهم وإن شاء اعطاهم من ذلك وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْمُؤَلَّفَ لِقِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَجَمْعِهَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَرْسَلَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ هَذَا الْخِلَافَ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْأَصَحِّ مِنْهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَطَائِفَةٌ الْأَظْهَرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي الصِّنْفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ وَقِيَاسُ هَذَا أَنْ لَا يُعْطَى الصِّنْفَانِ الْآخَرَانِ مِنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ أَحَقُّ بِاسْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنْ الْآخَرَيْنِ لِأَنَّ فِي الْآخَرَيْنِ مَعْنَى الْغُزَاةِ وَالْعَامِلِينَ وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ سَهْمُ الْمُؤَلَّفَةِ مِنْ الزَّكَاةِ وَقَدْ صَارَ إلَيْهِ الرُّويَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَكِنَّ الْمُوَافِقَ لِظَاهِرِ الْآيَةِ ثُمَّ لِسِيَاقِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ إثْبَاتُ سَهْمِ المؤلفة وانه يستحقه الصنفان الاولان وانه يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى الْآخَرَيْنِ أَيْضًا وَبِهِ أَفْتَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَهَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ
هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ الصَّرْفُ إلَى الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يُعْرَفُ كَوْنُهُ مُؤَلَّفًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّ صَاحِبَ الشَّامِلِ وَغَيْرَهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَطَعُوا بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لانه مما يظهر والصحيح ماقاله أبو العباس ابن الْقَاصِّ فِي كِتَابِهِ التَّلْخِيصُ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ إنْ قَالَ نِيَّتِي فِي الْإِسْلَامِ ضَعِيفَةٌ قُبِلَ قَوْلُهُ لِأَنَّ كَلَامَهُ يُصَدِّقُهُ وَإِنْ قَالَ أَنَا شَرِيفٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي لَمْ يقبل قوله الا ببينة وتقل الرَّافِعِيُّ هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ قَالَ وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ أَطْلَقَ مُطَالَبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَفِي صِفَةِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ سَهْمِ الْمُكَاتَبِ وَهَلْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ أَمْ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي فَصْلِ سَهْمِ الْفَقِيرِ (الصَّحِيحُ) انه يتصور
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وسهم للرقاب وهم المكاتبون فإذا لم يكن مع المكاتب ما يؤدى في الكتابة وقد حل عليه نجم اعطى ما يؤديه وان كان معه ما يؤديه لم يعط لانه غير محتاج وان لم يكن معه شئ ولا حل عليه
نجم ففيه وجهان (احدهما) لا يعطى لانه لا حاجة إليه قبل حلول النجم
(والثانى)
يعطى لانه يحل عليه النجم والاصل انه ليس معه ما يؤدى فان دفع إليه ثم اعتقه المولي أو ابرأه من المال أو عجز نفسه قبل ان يؤدى المال إلى المولي رجع عليه لانه دفع إليه ليصرفه في دينه ولم يفعل وإن سلمه الي المولى وبقيت عليه بقية فعجزه المولى ففيه وجهان (احدهما) لا يسترحع من المولي لانه صدقه فيما عليه (والثاني) يسترجع لانه انما دفع إليه ليتوصل به إلى العتق ولم يحصل ذلك فان ادَّعَى أَنَّهُ مُكَاتَبٌ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فان صدقه المولي ففيه وجهان (احدهما) يقبل لان ذلك اقرار علي نفسه
(والثانى)
لا يقبل لانه متهم لانه ربما واطأه حتى يأخذ الزكاة)
* (الشرح) في الفصل مسائل (احداها) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُصْرَفُ سَهْمُ الرِّقَابِ إلَى الْمُكَاتَبِينَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ كَذَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الكبير والمتولي وبه قال علي ابن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَسَعِيدُ بْنُ جبير والزهرى والليث ابن سَعْدٍ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْمُرَادُ بِالرِّقَابِ أَنْ يُشْتَرَى بِسَهْمِهِمْ عَبِيدٌ وَيُعْتَقُونَ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ العنبري واحمد واسحق وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ (وَاحْتَجَّ) أَصْحَابُنَا بِأَنَّ قوله عزوجل
وفى الرقاب) كقوله تبارك وتعالي (وفى سبيل الله) وهناك يجب الدفع الي المجاهدين فكذا هنا يجب الدَّفْعُ إلَى الرِّقَابِ وَلَا يَكُونُ دَفْعًا إلَيْهِمْ إلَّا عَلَى مَذْهَبِنَا (وَأَمَّا) مَنْ قَالَ يُشْتَرَى به عبيد فليس بدفع إليهم وإنما هو دفع الي ساداتهم وَلِأَنَّ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ يُسَلَّمُ السَّهْمُ إلَى الْمُسْتَحَقِّ وَيُمَلِّكُهُ إيَّاهُ فَيَنْبَغِي هُنَا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَخُصَّهُمْ بِقَيْدٍ يُخَالِفُ غَيْرَهُمْ وَلِأَنَّ مَا قَالُوهُ يُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِ هَذَا السَّهْمِ فِي حَقِّ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ لِهَذَا السَّهْمِ مَا يَشْتَرِي بِهِ رَقَبَةً يُعْتِقُهَا وَإِنْ أَعْتَقَ بَعْضَهَا قُوِّمَ عَلَيْهِ الْبَاقِي وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ إلَى الْإِمَامِ بِالْإِجْمَاعِ فَيُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِهِ (وَأَمَّا) عَلَى مَذْهَبِنَا فَيُمْكِنُهُ صَرْفُهُ إلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَ دِرْهَمًا (فَإِنْ قِيلَ) الرِّقَابُ جَمْعُ رَقَبَةٍ وَكُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَتْ فِيهِ الرَّقَبَةُ فَالْمُرَادُ عِتْقُهَا (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ الرَّقَبَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْعَبْدِ
الْقِنِّ وَعَلَى الْمُكَاتَبِ جَمِيعًا وَإِنَّمَا خصصناها في الكفارة بالعبد اقن بِقَرِينَةٍ وَهِيَ أَنَّ التَّحْرِيرَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْقِنِّ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَتَحْرِيرُ رقبة) وَلَمْ تُوجَدُ هَذِهِ الْقَرِينَةُ فِي مَسْأَلَتِنَا فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُكَاتِبِينَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ أَرَادَ الْمُكَاتَبِينَ لَذَكَرَهُمْ بِاسْمِهِمْ الْخَاصِّ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذَا مُنْتَقَضٌ بِقَوْلِهِ عز وجل (وَفِي سبيل الله) فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَهُمْ الْمُتَطَوِّعُونَ الَّذِينَ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الدِّيوَانِ وَلَمْ يُذْكَرُوا بِاسْمِهِمْ الْخَاصِّ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ أَرَادَ الْمُكَاتَبِينَ لَاكْتَفَى بِالْغَارِمِينَ فَإِنَّهُمْ مِنْهُمْ (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَا يُفْهَمُ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَلِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَأَنَّ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمَا سَهْمًا مُسْتَقِلًّا كَمَا جَمَعَ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ الْآخَرِ فِي غَيْرِ الزَّكَاةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا يُعْطَى الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً صَحِيحَةً (أَمَّا) الْفَاسِدَةُ فَلَا يُعْطَى بِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَازِمَةً مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ فَإِنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الدَّارِمِيُّ وابن كج والرافعي (الثالثة) إذَا حَلَّ عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمٌ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَفَاءٌ دُفِعَ إلَيْهِ وَفَاءً بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ لَمْ يُعْطَ لِاسْتِغْنَائِهِ عنه وان لم يكن معه شئ وَلَا حَلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ فَفِي إعْطَائِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَقَلَّ مَنْ بَيَّنَ الْأَصَحَّ مِنْهُمَا مَعَ شُهْرَتِهِمَا (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ يُعْطَى صَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا (الرَّابِعَةُ) إذا دفعت إليه الزكاة ثم اعتقه السيد أَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ عَجَّزَ نَفْسُهُ قَبْلَ دَفْعِ الْمَالِ إلَى السَّيِّدِ وَالْمَالُ بَاقٍ فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ رَجَعَ الدَّافِعُ فِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيمَا إذَا حَصَلَ الْعِتْقُ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْإِبْرَاءِ قَوْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْكِيهِمَا وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يَرْجِعُ (وَالثَّانِي) لَا يَرْجِعُ بَلْ يَبْقَى مِلْكًا لِلْمُكَاتَبِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي وَلَمْ أَرَ أَنَا فِي كِتَابِ الْمُتَوَلِّي تَرْجِيحًا لَهُ بَلْ ذَكَرَ وَجْهَيْنِ مُطْلَقَيْنِ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ
وغيره فيه طَرِيقَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الرُّجُوعُ
(وَالثَّانِي)
عَلَى قَوْلَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْقَطْعُ بِالرُّجُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا الْحُكْمُ وَعَلَى هَذَا فَفَرْضُ الزَّكَاةِ بَاقٍ عَلَى الدَّافِعِ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَى مَنْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى الْمُكَاتَبِ فَقَضَى مَالَ الْكِتَابَةِ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَبَقِيَ مَالُ الزَّكَاةِ فِي يَدِهِ وَكَذَا لَوْ قَضَاهُ أَجْنَبِيٌّ قَالُوا وَضَابِطُهُ أَنَّهُ مَتَى اسْتَغْنَى عَمَّا دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَعَتَقَ وَهُوَ بَاقٍ
فِي يَدِهِ فَالْمَذْهَبُ أنه يرجع عليه به لاستغنائه عنه هذا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ بَاقِيًا فِي يَدِهِ فان تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ ثُمَّ عَتَقَ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا غُرْمَ وَوَقَعَتْ الزَّكَاةُ مَوْقِعَهَا وَلَا شئ عَلَى الدَّافِعِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بِإِتْلَافِهِ وَحَكَى السَّرَخْسِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَغْرَمُهُ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ أَيْضًا فِيمَا إذَا أَتْلَفَهُ الْمُكَاتَبُ هَذَا إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ بَاقِيًا غُرْمُهُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ بِالْعِتْقِ صَارَ مَالًا مَضْمُونًا عَلَيْهِ فِي يَدِهِ فَإِذَا تَلِفَ غَرِمَهُ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذا عتق (فَأَمَّا) إذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ وَالْمَالُ بَاقٍ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ثُمَّ عَجَّزَ نَفْسَهُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَشَارَ الْبَغَوِيّ إلَى الْقَطْعِ بِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَعَلَى هذا ففى الامالي للسرخسي ان الضمان يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ لَا بِرَقَبَتِهِ لِأَنَّ الْمَالَ حَصَلَ عِنْدَهُ بِرِضَى صَاحِبِهِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَحَلُّهُ الذِّمَّةُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ (قُلْتُ) الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ هَذَا كُلُّهُ فِي مَالٍ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى السَّيِّدِ فلو سلمه الي السيد وبقيت بقية فَعَجَّزَهُ السَّيِّدُ بِهَا وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَهَكَذَا حَكَاهُمَا الْجُمْهُورُ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَوْلَيْنِ وذكر أن ابا اسحق الْمَرْوَزِيَّ حَكَاهُمَا قَوْلَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ (أَصَحَّهُمَا) أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى السَّيِّدِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَوْ كَانَ قَدْ تَلِفَ فِي يَدِ السَّيِّدِ (فَإِنْ قُلْنَا) يَرْجِعُ فِيهِ لَوْ كَانَ بَاقِيًا يَرْجِعُ بِبَدَلِهِ وَيَكُونُ فَرْضُ الزَّكَاةِ بَاقِيًا عَلَى الدَّافِعِ وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ وَقَدْ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الدَّافِعِ وَلَوْ نَقَلَ السَّيِّدُ الْمِلْكَ فِي الْمَقْبُوضِ إلَى غَيْرِهِ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ الدَّافِعُ عَلَى السَّيِّدِ إذَا قُلْنَا بِالرُّجُوعِ
* وَلَوْ سَلَّمَ الْمُكَاتَبُ الْمَالَ إلَى السَّيِّدِ وَبَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ فَأَعْتَقَهُ السَّيِّدُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ مُقْتَضَى الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْ السَّيِّدِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْتَقَهُ لِلْمَقْبُوضِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَعَيِّنٌ وَلَوْ لَمْ يُعَجِّزْ نَفْسَهُ وَاسْتَمَرَّ فِي الْكِتَابِ وَتَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَجْزَأَ عَنْ الدَّافِعِ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم
*
وَلَوْ قَبَضَ السَّيِّدُ الدَّيْنَ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَعَتَقَ وَالْغَرِيمُ مِنْ الْمَدِينِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ هِبَةً لَمْ يَرْجِعْ الدَّافِعُ
عَلَيْهِمَا بَلْ أَجْزَأَهُ عَنْ الزَّكَاةِ ثُمَّ مَلَكَهُ هَذَا بِجِهَةٍ أُخْرَى وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) إذَا ادَّعَى أَنَّهُ مُكَاتَبٌ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ الْكِتَابَةِ مَعَ إمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ صَدَّقَهُ سَيِّدُهُ فَهَلْ يُقْبَلُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ يُقْبَلُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَشَذَّ الْجُرْجَانِيُّ فَصَحَّحَ في الترير عَدَمَ الْقَبُولِ وَالصَّحِيحُ الْقَبُولُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُ الْآخَرُ مِنْ احْتِمَالِ المواطأة فضعيف لان هذا الدفع يكون مراعا فِي حَقِّ السَّيِّدِ فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَإِلَّا اسْتَرْجَعَ الْمَالَ مِنْهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ يَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ الِاسْتِفَاضَةُ وَضَبَطَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ضَبْطًا حَسَنًا فَنَذْكُرُ كَلَامَهُ مُخْتَصَرًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ قَدْ سَبَقَ فِي الْبَابِ مُفَرَّقًا قَالَ: قَالَ الْأَصْحَابُ مَنْ سَأَلَ الزَّكَاةَ وَعَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَحِقًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ اسْتِحْقَاقَهُ جَازَ الصرف إليه بلا خلاف ولم بخرجوه عَلَى الْخِلَافِ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ مَعَ أن للتهمة ههنا مجال أَيْضًا (قُلْتُ) الْفَرْقُ أَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الرِّفْقِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَلَيْسَ هُنَا إضْرَارٌ بِمُعَيَّنٍ بِخِلَافِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ فَالصِّفَاتُ قِسْمَانِ خَفِيَّةٌ وَجَلِيَّةٌ فَالْخَفِيُّ الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ فَلَا يُطَالَبُ مُدَّعِيهِمَا بِبَيِّنَةٍ لِعُسْرِهَا فَلَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ وَادَّعَى هَلَاكَهُ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ولو ادعي عيالا فلابد مِنْ الْبَيِّنَةِ فِي الْأَصَحِّ (وَأَمَّا) الْجَلِيُّ فَضَرْبَانِ
(أحدهما)
يتعلق الاستحقاق فِيهِ بِمَعْنًى فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَذَلِكَ فِي الْغَازِي وَابْنِ السَّبِيلِ فَيُعْطَيَانِ بِقَوْلِهِمَا بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ ثُمَّ إنْ لَمْ يُحَقِّقَا مَا ادَّعَيَا وَلَمْ يُخْرِجَا اُسْتُرِدَّ مِنْهُمَا مَا أَخَذَا وَإِلَى مَتَى يُحْتَمَلُ تَأْخِيرُ الْخُرُوجِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ وَأَنْ يُعْتَبَرَ تَرْصُدُهُ لِلْخُرُوجِ وَكَوْنُ التأخير لانتظار أو للتأهب بأهب السفر ونحوهما (الضرب الثاني) يتعلق الاستحقاق فيه بمعنى في الْحَالِ وَهَذَا الضَّرْبُ يَشْتَرِكُ فِيهِ بَقِيَّةُ الْأَصْنَافِ فَالْعَامِلُ إذَا ادَّعَى الْعَمَلَ طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا السَّيِّدُ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُكَفِّي وَيُعْطِيَانِ (وَأَمَّا الْمُؤَلَّفُ) فَإِنْ قَالَ نِيَّتِي ضَعِيفَةٌ فِي الْإِسْلَامِ قُبِلَ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ شَرِيفٌ مُطَاعٌ طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقِيلَ يُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ مُطْلَقًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاشْتِهَارُ الْحَالِ بَيْنَ النَّاسِ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ قَالَ وَيَشْهَدُ
لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اعْتِبَارِ غَلَبَةِ الظَّنِّ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ (أَحَدُهَا) قَوْلُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ لَوْ أَخْبَرَ عَنْ الْحَالِ وَاحِدٌ
يُعْتَمَدُ كَفَى (الثَّانِي) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَأَيْتُ لِلْأَصْحَابِ رَمْزًا إلَى تَرَدُّدٍ فِي أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الْوُثُوقُ بِقَوْلِ مُدَّعِي الْغُرْمِ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ هَلْ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ (الثَّالِثُ) حكى بعض المأخرين أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ سَمَاعُ الْقَاضِي وَتَقَدُّمُ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ وَالِاسْتِشْهَادُ بَلْ الْمُرَادُ إخْبَارُ عَدْلَيْنِ عَلَى صِفَاتِ الشُّهُودِ قَالَ ثُمَّ إنَّ سِيَاقَ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ إلْحَاقَ الِاسْتِفَاضَةِ بِالْبَيِّنَةِ مُخْتَصٌّ بِالْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ وَلَكِنَّ الْوَجْهَ تَعْمِيمُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَنْ يُطَالِبُ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ الْأَصْنَافِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ رحمه الله وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَّجِرَ فِيمَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ طَلَبًا لِلزِّيَادَةِ وَتَحْصِيلِ الْوَفَاءِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْغَارِمُ فِي هَذَا كَالْمُكَاتَبِ
* (فَرْعٌ)
قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَخَذَهُ مِنْ الزكاة قال الدارمي فكذلك الغارم وقال الرَّافِعِيُّ نَقَلَ بَعْضُ أَصْحَابِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ لَهُ إنْفَاقَهُ وَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْغَارِمُ كَالْمُكَاتَبِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِي إنْفَاقِهِ مُخَاطَرَةً بِمَالِ الزَّكَاةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي الْفَتَاوَى لَوْ اسْتَقْرَضَ الْمُكَاتَبُ مَا أَدَّى بِهِ النُّجُومَ وَعَتَقَ لَمْ يَجُزْ الصَّرْفُ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الرِّقَابِ لَكِنْ يَصْرِفُ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ عَتَقَ وَيُعْطَى الْأَلْفَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ لَا مِنْ سَهْمِ الرِّقَابِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَعَيِّنٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَى الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى سَيِّدِهِ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ وَلَا يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى السَّيِّدِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ فَلَوْ صُرِفَ إلَى السَّيِّدِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكَاتَبِ لَمْ يُجْزِئْ الدَّافِعُ عَنْ الزَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ البغوي وغيره
لَكِنْ يَسْقُطُ عَنْ الْمُكَاتَبِ مِنْ نُجُومِهِ قَدْرُ الْمَصْرُوفِ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْأَحْوَطُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَصْرِفَ إلَى السَّيِّدِ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ فِي صَرْفِهِ فِي الْكِتَابَةِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ إنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَدْفَعُهُ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ لِكَثْرَتِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ النَّجْمَ الْأَخِيرَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ الْعِتْقُ بِهِ فَالدَّفْعُ إلَى السَّيِّدِ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ أَفْضَلُ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَالدَّفْعُ إلَى الْمُكَاتَبِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ يُنَمِّيهِ بِالتِّجَارَةِ فِيهِ فَيَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْعِتْقِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
* (فَرْعٌ)
لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ دَفْعَ زَكَاتِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ يَجُوزُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ وَعَبْدِهِ الْقِنِّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ كَافِرًا وَسَيِّدُهُ مُسْلِمًا لَمْ يُعْطَ مِنْ الزَّكَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُسْلِمًا وَالسَّيِّدُ كَافِرًا جَازَ الدَّفْعُ إلَى الْمُكَاتَبِ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُكْتَسِبًا فَهُوَ كَغَيْرِ الْمُكْتَسِبِ فَيُعْطَى حَيْثُ يُعْطَى غَيْرُهُ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ وَشَذَّ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ التَّجْرِيدِ لَا يُعْطَى إذَا كَانَ لَهُ كَسْبٌ يُؤَدِّي مِنْهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا اسْتَحَقَّ الْكَسْبَ وَصَارَ حَامِلًا مَالًا عتيدا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تعالي
* (وسهم للغارمين وهم ضربان ضرب غرم لاصلاح ذات البين وضرب غرم لمصلحة نفسه (فأما) الاول فضربان
(أحدهما)
من تحمل دية مقتول فيعطى مع الفقر والغنى لقوله صلي الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغازى في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين فتصدق علي المسكين فأهدى المسكين إليه "
(والثانى)
من حمل مالا في غير
قتل لتسكين فتنة ففيه وجهان (احدهما) يعطى مع الغنى لانه غرم لاصلاح ذات البين فأشبه إذا غرم دية مقتول
(والثانى)
لا يعطي مع الغني لانه مال حمله في غير قتل فأشبه إذا ضمن ثمنا في بيع: وأما من غرم لمصلحة نفسه فان كان قد أنفق في غير معصية دفع إليه مع الفقر وهل يعطى مع الغنى فيه قولان: قال في الام لا يعطى لانه يأخذ لحاجته الينا فلم يعط مع الغني كغير الغارم: وقال في القديم والصدقات من الام يعطى لانه غارم في غير معصية فأشبه إذا غرم لاصلاح ذات البين فان غرم في معصية لم يعط مع الغنى وهل يعطي مع الفقر ينظر فيه فان كان مقيما علي المعصية لم يعط لانه يستعين به علي المعصية وإن تاب ففيه وجهان
(أحدهما)
يعطي لان المعصية قد زالت
(والثانى)
لا يعطى لانه لا يؤمن أن يرجع الي المعصية ولا يعطى الغارم الا ما يقعضي به الدين فان أخذ ولم يقض به الدين أو أبرئ منه أو قضي عنه قبل تسليم المال استرجع منه وان ادعى انه غارم لم يقبل الا ببينة فان صدقه غريمه فعلى الوجهين كما ذكرنا في المكاتب إذا ادعى الكتابة وصدقه المولى)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
عَنْ عَطَّاءِ ابن يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَالثَّانِي) عَنْ عَطَّاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ فِي الطَّرِيقَيْنِ وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ طُرُقَهُ وَفِيهَا أَنَّ مَالِكًا وَابْنَ عُيَيْنَةَ أَرْسَلَاهُ وَأَنَّ مَعْمَرًا وَالثَّوْرِيَّ وَصَلَاهُ وَهُمَا مِنْ جُمْلَةِ الْحُفَّاظِ الْمُعْتَمَدِينَ وَقَدْ تَقَرَّرَتْ الْقَاعِدَةُ الْمَعْرُوفَةُ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا رُوِيَ مُتَّصِلًا وَمُرْسَلًا كَانَ الْحُكْمُ لِلِاتِّصَالِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَقَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ إذَا اعْتَضَدَ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ (إمَّا) حَدِيثٌ مُسْنَدٌ (وَإِمَّا) مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ (وَإِمَّا) قَوْلُ صَحَابِيٍّ (وَإِمَّا) قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا قَدْ وُجِدَ فِيهِ أَكْثَرُ فَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا وَقَالَ بِهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ (وَأَمَّا) الْغَارِمُ فَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْغَرِيمُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَدِينِ وَعَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ وَأَصْلُ الْغُرْمِ فِي اللُّغَةِ اللُّزُومُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى (إن عذابها كان غراما) وَسُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَرِيمًا لِمُلَازَمَتِهِ صَاحِبَهُ (وقوله) لاصلاح ذات البين قال الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَاهُ لِإِصْلَاحِ حَالَةِ الْوَصْلِ بَعْدَ الْمُبَايَنَةِ قَالَ وَالْبَيْنُ يَكُونُ فُرْقَةً وَيَكُونُ وَصْلًا وَهُوَ هُنَا وَصْلٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى (لَقَدْ تقطع بينكم) أَيْ وَصْلُكُمْ وَقَوْلُهُمْ فِي الدُّعَاءِ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ الْبَيْنِ أَيْ
أَصْلِحْ الْحَالَ الَّتِي بِهَا تَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْغَارِمُونَ ضَرْبَانِ (الضَّرْبُ) الْأَوَّلُ مَنْ غَرِمَ الاصلاح ذَاتِ الْبَيْنِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَسْتَدِينَ مَالًا وَيَصْرِفَهُ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ بِأَنْ يَخَافَ فِتْنَةً بَيْنَ قَبِيلَتَيْنِ أَوْ طَائِفَتَيْنِ أَوْ شَخْصَيْنِ فَيَسْتَدِينُ مَالًا وَيَصْرِفُهُ فِي تَسْكِينِ تِلْكَ الْفِتْنَةِ
فَيَنْظُرُ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي دَمٍ تَنَازَعَ فِيهِ قَبِيلَتَانِ أَوْ غَيْرُهُمَا وَلَمْ يَظْهَرْ الْقَاتِلُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَبَقِيَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ فَهَذَا يُصْرَفُ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا وَلَا فرق بين غناه بالنقد والعقار وغيرهما
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ إنْ كَانَ فَقِيرًا دُفِعَ إلَيْهِ وَكَذَا إنْ كَانَ غَنِيًّا بِالْعَقَارِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا بِنَقْدٍ فَفِيهِ عِنْدَهُمْ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) يُعْطَى
(وَالثَّانِي)
لَا يُعْطَى إلَّا مَعَ الْفَقْرِ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا بِالْعُرُوضِ غَيْرِ الْعَقَارِ فَهُوَ كَالْغَنِيِّ بِالْعَقَارِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ كَالنَّقْدِ ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَإِنْ اسْتَدَانَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ فِي غَيْرِ دَمٍ بِأَنْ تَحَمَّلَ قِيمَةَ مَالٍ مُتْلَفٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَصْحَابِ يُعْطَى مَعَ الْغِنَى لِأَنَّهُ غارم لاصلاح ذات البين فاشبه الدم (وَالثَّانِي) لَا يُعْطَى إلَّا مَعَ الْفَقْرِ لِأَنَّهُ غُرْمٌ فِي غَيْرِ قَتْلٍ فَأَشْبَهَ الْغَارِمَ لِنَفْسِهِ وقاسه المصنف علي مالو ضمن مالا وهذا فيه تقصيل طَوِيلٌ سَأَذْكُرُهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ الْغَارِمِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا.
إنَّمَا يُعْطَى الْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ مادام الدين باق عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ لِمَنْ اسْتَدَانَهُ مِنْهُ ودفعه في الاصلاح أو كان تَحَمَّلَ الدِّيَةَ مَثَلًا لِأَهْلِ الْقَتِيلِ وَلَمْ يُؤَدِّهَا بَعْدُ فَيُدْفَعُ إلَيْهِ مَا يُؤَدِّيهِ فِي دَيْنِهِ أَوْ إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ فَلَوْ كَانَ قَضَاهُ مِنْ مَالِهِ أَوْ أَدَّاهُ ابْتِدَاءً مِنْ مَالِهِ لَمْ يُعْطَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَارِمٍ إذا لا شئ عَلَيْهِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَنْ غَرِمَ لِصَلَاحِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ فَإِنْ اسْتَدَانَ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا عَلَى غَيْرِهِ سَهْوًا فَهَذَا يُعْطَى مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ بِشُرُوطٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ فَلَوْ كَانَ غَنِيًّا قَادِرًا بِنَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ عَلَى مَا يَقْضِي بِهِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَالصَّدَقَاتِ مِنْ الْأُمِّ أَنَّهُ يُعْطَى مَعَ الْغِنَى لِأَنَّهُ غَارِمٌ فَأَشْبَهَ الْغَارِمَ لِذَاتِ الْبَيْنِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ
وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُعْطَى كَمَا لَا يُعْطَى الْمُكَاتَبُ وَابْنُ السَّبِيلِ مَعَ الْغِنَى بِخِلَافِ الغارم لذات
الْبَيْنِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهُ عَامَّةٌ فَعَلَى هَذَا لَوْ وَجَدَ مَا يَقْضِي بِهِ بَعْضَ الدَّيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُعْطَى مَا يَقْضِي بِهِ الْبَاقِيَ فَقَطْ فَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا وَقَدَرَ عَلَى قَضَائِهِ بالا كتساب فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُعْطَى كَالْفَقِيرِ (وَالصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُعْطَى لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قَضَاؤُهُ إلَّا بَعْدَ زَمَانٍ وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ حَاجَتَهُ بِالْكَسْبِ فِي الْحَالِ وَمَا مَعْنَى الْحَاجَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ تَقْتَضِي كَوْنَهُ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَرُبَّمَا صَرَّحُوا بِهِ قَالَ وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمِفْتَاحِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمَسْكَنُ وَالْمَلْبَسُ وَالْفِرَاشُ وَالْآنِيَةُ وَكَذَا الْخَادِمُ وَالْمَرْكُوبُ إنْ اقْتَضَاهُمَا حَالُهُ بَلْ يَقْضِي دَيْنَهُ وان ملكها قال وقال بعض المتأخرين ولا يُعْتَبَرُ الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ هُنَا بَلْ لَوْ مَلَكَ قدر كفايته وَكَانَ لَوْ قَضَى دَيْنَهُ مِمَّا مَعَهُ لَنَقَصَ مَالُهُ عَنْ كِفَايَتِهِ تُرِكَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ وَأُعْطِيَ مَا يَقْضِي بِهِ الْبَاقِي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا أَقْرَبُ (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَكُونُ دَيْنُهُ لِطَاعَةٍ أَوْ مُبَاحٍ فَإِنْ كَانَ فِي مَعْصِيَةٍ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهِ وَكَالْإِسْرَافِ فِي النَّفَقَةِ لَمْ يُعْطَ قَبْلَ التَّوْبَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُعْطَى لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لان فِي إعْطَائِهِ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْأَخْذِ بِالتَّوْبَةِ فَإِنْ تَابَ فَهَلْ يُعْطَى فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ صَاحِبَيْ الشَّامِلِ وَالتَّهْذِيبِ لَا يُعْطَى وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّ فِي إعْطَائِهِ إعَانَةً لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ يُعْطَى وَهُوَ قَوْلُ أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَصَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقَنَّعِ وَأَبُو خَلَفٍ السُّلَمِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ لِقَوْلِ اللَّهِ سبحانه وتعالى (والغارمين) وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ هُنَا لِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِ وَمُضِيِّ مُدَّةٍ بَعْدَ تَوْبَتِهِ يَظْهَرُ فِيهَا صَلَاحُ الْحَالِ إلَّا أَنَّ الرُّويَانِيَّ قَالَ يُعْطَى عَلَى أَصَحِّ الوجهين إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فِي تَوْبَتِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ والظاهر ماقاله الرُّويَانِيُّ إنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فِي تَوْبَتِهِ أُعْطِيَ وَإِنْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَفِي
إعْطَائِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) لَا يُعْطَى وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ الْآنَ (وَالثَّانِي) يُعْطَى لِأَنَّهُ يُسَمَّى غَارِمًا (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَجَلُ يَحِلُّ تِلْكَ السَّنَةِ أُعْطِيَ وَإِلَّا فَلَا يُعْطَى مِنْ صَدَقَاتِ تِلْكَ السَّنَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْوَجْهَانِ هُنَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ النَّجْمُ هَلْ يعطى قال وقد يرتب هَذَا الْخِلَافُ عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ ثُمَّ تَارَةً يُجْعَلُ الْغَارِمُ أَوْلَى بِأَنْ يُعْطَى لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ مُسْتَقِرٌّ بِخِلَافِ
الْمُكَاتَبِ وَتَارَةً يُجْعَلُ الْمُكَاتَبُ أَوْلَى بِأَنْ يُعْطَى لِأَنَّ لَهُ التَّعْجِيلَ لِغَرَضِ الْحُرِّيَّةِ (قُلْتُ) وَجَمَعَ الدَّارِمِيُّ مَسْأَلَتَيْ الْمُؤَجَّلِ فِي الْغَارِمِ وَالْمُكَاتَبِ وَذَكَرَ فِيهِمَا أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُعْطَيَانِ فِي الْحَالِ
(وَالثَّانِي)
لَا (وَالثَّالِثُ) يُعْطَى الْمُكَاتَبُ لَا الْغَارِمُ (وَالرَّابِعُ) عَكْسُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ قال اصحابنا انما يعطي الغارم مادام الدين عليه فان وفاه أو ابرئ مِنْهُ لَمْ يُعْطَ بِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا يُعْطَى قَدْرَ حَاجَتِهِ فَإِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا فَلَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ مِنْهُ بَلْ أُبْرِئَ مِنْهُ أَوْ قُضِيَ عَنْهُ أَوْ قَضَاهُ هُوَ لَا مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ بل من غَيْرِهِ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ أَنَّهُ يُسْتَرْجَعُ مِنْهُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا قُضِيَ عَنْهُ الدَّيْنُ أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ وَلَوْ أُعْطِيَ شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ فَقَضَى الدَّيْنَ بِبَعْضِهِ فَفِي الْبَاقِي الطَّرِيقَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ ابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ لَوْ تَحَمَّلَ دِيَةَ قَتِيلٍ فَأَعْطَيْنَاهُ فَبَانَ الْقَاتِلُ وَضَمِنَ الدِّيَةَ اُسْتُرِدَّ مِنْ الْغَارِمِ الْقَابِضِ مَا أَخَذَ وصرف إلي غارم آخر فان كان سَلَّمَهَا إلَى مُسْتَحِقِّ الدَّيْنِ لَمْ يُرْجَعْ عَلَيْهِ وَلَا يُطَالَبُ الْقَاتِلُ بِالدِّيَةِ لِأَنَّهَا سَقَطَتْ عَنْهُ بِالدَّفْعِ قَالَ فَإِنْ تَطَّوَّعَ بِأَدَائِهَا أُخِذَتْ وَجُعِلَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَوْ أَعْطَيْنَاهُ لِيَدْفَعَ إلَى أولياء القتيل فأبرؤا النَّاسَ قَبْلَ قَبْضِهِمْ مِنْهُ اُسْتُرِدَّ مِنْهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا ادَّعَى أَنَّهُ غَارِمٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَسَبَقَ فِي فَصْلِ الْمُكَاتَبِ بَيَانُ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ صَدَّقَهُ غَرِيمُهُ فَفِي قَبُولِهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي تَصْدِيقِ السَّيِّدِ الْمُكَاتَبَ فِي الْكِتَابَةِ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ وَالْأَصَحُّ قَبُولُ تَصْدِيقِ السَّيِّدِ وَالْغَرِيمِ هَكَذَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَهُمْ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فَقَالَ الْأَصَحُّ لَا يُقْبَلُ تَصْدِيقُهُمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ إذَا ضَمِنَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ مَالًا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَنَحْوِهِ فَلَهُمَا
أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَا مُعْسِرَيْنِ فَيُعْطَى الضَّامِنُ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ وَيَجُوزُ إعْطَاءُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الضَّامِنَ فَرْعُهُ وَلِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ الضَّامِنُ وَقَضَى بِالْمَأْخُوذِ الدَّيْنَ رَجَعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَاحْتَاجَ الْإِمَامَ أَنْ يُعْطِيَهُ ثَانِيًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَمْنُوعٌ بَلْ إذَا أَعْطَيْنَاهُ فَقَضَى بِهِ لَا يَرْجِعُ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الضَّامِنَ إذَا قَضَى مِنْ عِنْدِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي مُحْتَمَلٌ أَيْضًا (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَا مُوسِرَيْنِ فَلَا يُعْطَى الضَّامِنُ لِأَنَّهُ إذَا غَرِمَ رَجَعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ فلا يضيع عليه شئ هَذَا إذَا ضَمِنَ بِإِذْنِهِ فَإِنْ ضَمِنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهَلْ يُعْطَى فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الرُّجُوعِ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ إنْ قُلْنَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أُعْطِيَ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ مُعْسِرًا دُونَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ لَمْ يُعْطَ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ
(أَصَحُّهُمَا) يُعْطَى (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ الضَّامِنُ مُوسِرًا دُونَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَيَجُوزُ إعْطَاءُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَفِي الضَّامِنِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُعْطَى لِأَنَّهُ غَارِمٌ لِمَصْلَحَةِ غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الْغَارِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُعْطَى لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ مُمْكِنٌ وَإِذَا بَرِئَ الْأَصِيلُ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِخِلَافِ الْغَارِمِ لِذَاتِ الْبَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ صَرْفُ سَهْمِ الْغَارِمِينَ إلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ إلَّا بِإِذْنِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَلَوْ صُرِفَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يُجْزِئْ الدَّافِعُ عَنْ زَكَاتِهِ وَلَكِنْ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ الْمَصْرُوفِ كَمَا سَبَقَ فِي فَصْلِ الْمُكَاتَبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْأَوْلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ بِإِذْنِ الْغَرِيمِ لِيَتَحَقَّقَ وُقُوعُهُ عَنْ جِهَةِ الدَّيْنِ كَمَا سَبَقَ فِي الْمُكَاتَبِ قَالَ أَصْحَابُنَا إلَّا إذَا كَانَ لَا يَفِي بِالدَّيْنِ وَأَرَادَ الْمَدِينُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالتِّجَارَةِ وَالتَّنْمِيَةِ لِيَبْلُغَ قَدْرَ الدَّيْنِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لِلْغَارِمِ أَنْ يَتَّجِرَ فِيمَا قَبَضَ مِنْ سَهْمِ الزَّكَاةِ إذَا لَمْ يَفِ بِالدَّيْنِ لِيَبْلُغَ قَدْرَ الدَّيْنِ بِالتَّنْمِيَةِ وَهَلْ يَجُوزُ إنْفَاقُهُ وَيَقْضِي مِنْ غَيْرِهِ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي فَصْلِ الْمُكَاتَبِ الْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ
*
(فَرْعٌ)
حَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ دِيَةَ قَتِيلٍ عَنْ قَاتِلٍ مَجْهُولٍ أُعْطِيَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ مَعَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَإِنْ ضَمِنَهَا عَنْ قَاتِلٍ مَعْرُوفٍ أُعْطِيَ مَعَ الْفَقْرِ دُونَ الْغِنَى وَهَذَا ضَعِيفٌ وَلَا تَأْثِيرَ لِمَعْرِفَتِهِ وَعَدَمِهَا وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِي الضَّمَانِ عَنْ قَاتِلٍ مَعْرُوفٍ وَجْهَيْنِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ كَانَتْ دَعْوَى الدَّمِ بَيْنَ مَنْ لَا يُخْشَى فِتْنَتُهُمْ فتحملها فوجهان
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ مَا اسْتَدَانَهُ لِعِمَارَةِ مسجد وَقِرَى الضَّيْفِ فَهُوَ كَمَا اسْتَدَانَهُ لِنَفَقَتِهِ وَمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ مَعَ الْغِنَى بِالْعَقَارِ وَلَا يُعْطَى مَعَ الْغِنَى بِالنَّقْدِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَذَا هُوَ الِاخْتِيَارُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ غَارِمٌ وَأَخَذَ الزَّكَاةَ فَبَانَ كَذِبُ الشُّهُودِ فَفِي سُقُوطِ الْفَرْضِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِيمَنْ أَخَذَ الزَّكَاةَ بِالْفَقْرِ فَبَانَ غَنِيًّا الْأَصَحُّ لَا تُجْزِئُ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى مُعْسِرٍ دَيْنٌ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ زَكَاتِهِ وَقَالَ لَهُ جَعَلْتُهُ عَنْ زَكَاتِي فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْمَرِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي ذِمَّتِهِ فلا يبرأ الا باقباضها (والثاني) تجزئه وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَّاءٍ لِأَنَّهُ
لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ جَازَ فَكَذَا إذَا لَمْ يَقْبِضْهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ له عِنْدَهُ دَرَاهِمُ وَدِيعَةً وَدَفَعَهَا عَنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ سَوَاءٌ قَبَضَهَا أَمْ لَا (أَمَّا) إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ فَلَا يَصِحُّ الدَّفْعُ وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَصِحُّ قَضَاءُ الدَّيْنِ بِذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْقَفَّالُ فِي الْفَتَاوَى وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي بَابِ الشَّرْطِ فِي الْمَهْرِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ هُنَا وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَلَوْ نَوَيَا ذَلِكَ وَلَمْ يَشْرِطَاهُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَأَجْزَأَهُ عَنْ الزكاة وإذا رده إليه عن الدين برئ مِنْهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ قَالَ الْمَدِينُ ادْفَعْ إلَيَّ عَنْ زَكَاتِكَ حَتَّى أَقْضِيَكَ دَيْنَكَ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَمَلَكَهُ الْقَابِضُ وَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ فَإِنْ دَفَعَهُ أَجْزَأَهُ قَالَ الْقَفَّالُ وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمَدِينِ اقْضِ مَا عَلَيْكَ عَلَى أَنْ أَرُدَّهُ عَلَيْكَ عَنْ زَكَاتِي فَقَضَاهُ صَحَّ الْقَضَاءُ وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَيْهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا زَكَاةً وَوَاعَدَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ لِيَصْرِفَهَا الْمُزَكِّي فِي كِسْوَةِ
الْمِسْكِينِ وَمَصَالِحِهِ فَفِي كَوْنِهِ قَبْضًا صَحِيحًا احْتِمَالَانِ قُلْتُ الْأَصَحُّ لَا يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ عَلَيْهِ قَالَ الْقَفَّالُ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ حِنْطَةٌ عِنْدَ فَقِيرٍ وَدِيعَةً فَقَالَ كُلْ مِنْهَا لِنَفْسِكَ كَذَا وَنَوَى ذَلِكَ عَنْ الزَّكَاةِ فَفِي إجْزَائِهِ عَنْ الزَّكَاةِ وَجْهَانِ (وَجْهُ) الْمَنْعِ أَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَكِلْهُ وَكِيلُ الْفَقِيرِ لِنَفْسِهِ لَا يُعْتَبَرُ وَلَوْ كَانَ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ذَلِكَ الْقَدْرِ فَاشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ خُذْهُ لِنَفْسِكَ وَنَوَاهُ زَكَاةً أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى كَيْلِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا تِرْكَةَ لَهُ هَلْ يُقْضَى مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الصَّيْمَرِيِّ وَمَذْهَبُ النَّخَعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ كَالْحَيِّ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا مَاتَ الْغَارِمُ لَمْ يُعْطِ وَرَثَتُهُ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعِنْدَنَا لَا يُدْفَعُ فِي دَيْنِهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَلَا يُصْرَفُ مِنْهَا فِي كَفَنِهِ وَإِنَّمَا يُدْفَعُ إلَى وَارِثِهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا وَبِنَحْوِ هَذَا قَالَ أَهْلُ الرَّأْي وَمَالِكٌ قَالَ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ يُقْضَى دَيْنُ الْمَيِّتِ وَكَفَنُهُ مِنْ الزَّكَاةِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ كَجٍّ بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ إذَا اسْتَدَانَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ ثُمَّ مَاتَ دُفِعَ مَا يفك به تركته وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى
(وسهم في سبيل الله وهم الغزاة إذا نشطوا غزوا واما من كان مرتبا في ديوان السلطان من جيوش المسلمين فانهم لا يعطون من الصدقة بسهم الغزاة لانهم يأخذون أرزاقهم وكفايتهم من الفئ ويعطى الغازى مع الفقر والغنى للخبر الذى ذكرناه في الغارم ويعطى ما يستعين به على الغزو
من نفقة الطريق وما يشترى به السلاح والفرس ان كان فارسا وما يعطي السائس وحمولة تحمله ان كان راجلا والمسافة مما تقصر فيها الصلاة فان أخذ ولم يغز استرجع منه)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ نَشِطُوا بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَالدِّيوَانُ بِكَسْرِ الدَّالِ عَلَى الْفَصِيحِ الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَأَنْكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَقِيلَ عَرَبِيٌّ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالْحَمُولَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهِيَ الدَّابَّةُ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا مِنْ بَعِيرٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ سَهْمَ سَبِيلِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ
فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ يُصْرَفُ إلَى الْغُزَاةِ الَّذِينَ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الدِّيوَانِ بَلْ يَغْزُونَ مُتَطَوِّعِينَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى
* وَقَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى مُرِيدِ الْحَجِّ وَرَوَى مِثْلَهُ عن ابن عمر رضي الله عنهما
* وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ أُمِّ مَعْقِلٍ الصَّحَابِيَّةِ رضي الله عنها قَالَتْ " لَمَّا حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ فَجَعَلَهُ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَصَابَنَا مَرَضٌ فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ جِئْتُهُ فَقَالَ يَا أُمَّ مَعْقِلٍ ما منعك أن تخرجي معنا قالت قالت لَقَدْ تَهَيَّأْنَا فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ هُوَ الَّذِي نَحُجُّ عَلَيْهِ فَأَوْصَى بِهِ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فَهَلَّا خَرَجْتِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّهُ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَجَّ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا أَحِجَّنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا عِنْدِي مَا أُحِجُّكِ عَلَيْهِ فَقَالَتْ أَحِجَّنِي عَلَى جَمَلِكَ فُلَانٍ قَالَ ذَلِكَ حَبِيسِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنَّ امْرَأَتِي تَقْرَأُ عليك السلام ورحمة الله انها سَأَلَتْنِي الْحَجَّ مَعَكَ قَالَتْ أَحِجَّنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ مَا عِنْدِي مَا أُحِجُّكِ عَلَيْهِ فَقَالَتْ أَحِجَّنِي عَلَى جَمَلِكَ فُلَانٍ فَقُلْتُ ذَلِكَ حَبِيسِي فِي سَبِيلِ الله فقال أما انك لو حججتها عليه كان في سبيل الله وَإِنَّهَا أَمَرَتْنِي أَنْ أَسْأَلَكَ مَا يَعْدِلُ حَجَّةً مَعَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اقرئها السلام ورحمة الله تعالي وبركاته واخبرها انها تعدل حجة يَعْنِي عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ " رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ فِي بَابِ الْعُمْرَةِ وَالثَّانِي إسْنَادُهُ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) الْأَوَّلُ حَدِيثُ أُمِّ مَعْقِلٍ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَقَالَ فِيهِ عَنْ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْمَفْهُومَ فِي الِاسْتِعْمَالِ المنبادر إلَى الْأَفْهَامِ أَنَّ سَبِيلَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْغَزْوُ وَأَكْثَرَ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ كَذَلِكَ
* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ السَّابِقِ فِي فَصْلِ الْغَارِمِينَ " لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ " فَذَكَرَ مِنْهُمْ الْغَازِي وَلَيْسَ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ مَنْ يُعْطَى بِاسْمِ الْغُزَاةِ إلَّا الَّذِينَ نُعْطِيهِمْ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ احْتَجُّوا بِهِمَا (فَالْأَوَّلُ) ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الثَّانِي أَنَّ
الْحَجَّ يُسَمَّى سَبِيلَ اللَّهِ وَلَكِنَّ الْآيَةَ مَحْمُولَةٌ علي الغزو لما ذكرناه والله تعالي اعلم
* قَالَ الْمُصَنِّفُ
وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْغُزَاةُ الْمُرَتَّبُونَ فِي دِيوَانِ السُّلْطَانِ وَلَهُمْ فِيهِ حَقٌّ فَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ بِسَبَبِ الْغَزْوِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ وَصْفٌ آخَرُ يَسْتَحِقُّونَ بِهِ أُعْطُوا بِهِ بِأَنْ يَكُونَ غَارِمًا أَوْ ابْنَ سَبِيلٍ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أَرَادَ رَجُلٌ مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ الْمُرَتَّبِينَ فِي الدِّيوَانِ أَنْ يَصِيرَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَوَاتِ الْمُتَطَوِّعِينَ بِالْغَزْوِ وَيَتْرُكَ سَهْمَهُ مِنْ الدِّيوَانِ جُعِلَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ أَنْ يَصِيرَ مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ جُعِلَ مِنْهُمْ فَيُعْطَى من الفئ وَلَا يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَاتِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا حق لاهل الصدقات في الفئ ولا لاهل الفئ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مَنْ يَكْفِيهِمْ شَرَّ الْكُفَّارِ وَلَا مَالَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يَجُوزُ إعْطَاءُ الْمُرْتَزِقَةِ مِنْ الزَّكَاةِ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ قَوْلَانِ مشهوران في طريقة خراسان (أصهحما) لا يعطون كما لا يصرف الفئ إلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ
(وَالثَّانِي)
يُعْطَوْنَ لِأَنَّهُمْ غُزَاةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ إعَانَتُهُمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيُعْطَى الْغَازِي مَعَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُعْطَى مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْغَزْوِ فَيُعْطَى نَفَقَتَهُ وَكِسْوَتَهُ مُدَّةَ الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ وَالْمَقَامِ فِي الثَّغْرِ وَإِنْ طَالَ وَهَلْ يُعْطَى جَمِيعَ الْمُؤْنَةِ أَمْ مَا زَادَ بِسَبَبِ السَّفَرِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَمِيعُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَيَجْرِيَانِ فِي ابْنِ السَّبِيلِ وَيُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ الْفَرَسَ إنْ كَانَ يُقَاتِلُ فَارِسًا وَمَا يَشْتَرِي بِهِ السِّلَاحَ وَآلَاتِ الْقِتَالِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ مِلْكًا لِلْغَازِي وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ لَهُ الْفَرَسُ وَالسِّلَاحُ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ وَيَخْتَلِفُ الْحَالُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ فَإِنْ كَانَ يُقَاتِلُ رَاجِلًا لَمْ يُعْطَ لِلْفَرَسِ شَيْئًا وَيُعْطَى مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ الزَّادَ وَيَرْكَبُهُ فِي الطَّرِيقِ إنْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ كَانَ السَّفَرُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسَلِّمُ الْإِمَامُ إلَى الْغَازِي ثَمَنَ الْفَرَسِ وَالسِّلَاحِ وَالْآلَاتِ ثُمَّ الْغَازِي يَشْتَرِيهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ فَلَوْ اسْتَأْذَنَهُ الْإِمَامُ فِي شِرَاهَا لَهُ بِمَالِ الزَّكَاةِ فَأَذِنَ جَازَ فَلَوْ أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ بِمَالِ الزَّكَاةِ وَيُسَلِّمَهُ إلَى الْغَازِي بِغَيْرِ إذْنِهِ هَلْ يَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ بَلْ يَتَعَيَّنُ تَسْلِيمُ مَالِ الزَّكَاةِ إلَى الْغَازِي أَوْ إذْنِهِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ آخَرِينَ مِنْهُمْ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجُوزُ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَتَابَعَهُمْ الرَّافِعِيُّ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ الْفَرَسَ وَالسِّلَاحَ وَالْآلَاتِ إلَى الْغَازِي أَوْ ثَمَنَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا لَهُ فَيَمْلِكُهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَأْجَرَ ذَلِكَ لَهُ
وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ سبحانه وتعالى أَفْرَاسًا وَآلَاتِ الْحَرْبِ وَجَعَلَهَا وَقْفًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُعْطِيهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ ثُمَّ يَرُدُّونَهُ إذَا انْقَضَتْ حَاجَتُهُمْ وَتَخْتَلِفُ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ بِحَسْبِ
قِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ (وَأَمَّا) نَفَقَةُ عِيَالِ الْغَازِي فَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمِفْتَاحِ أَنَّهُ يُعْطَى نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ عِيَالِهِ ذَهَابًا وَمَقَامًا وَرُجُوعًا قَالَ وَسَكَتَ الْمُعْظَمُ عَنْ نَفَقَةِ الْعِيَالِ وَلَكِنْ إعْطَاؤُهُ إيَّاهَا لَيْسَ بَعِيدًا كَمَا يَنْظُرُ فِي اسْتِطَاعَةِ الْحَجِّ إلَى نَفَقَةِ الْعِيَالِ فَيَعْتَبِرُ غِنَاهُ لِعِيَالِهِ كَنَفْسِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا يُعْطَى الْغَازِي مِنْ الزَّكَاةِ إذَا حضر وقت الخروج ليهئ بِهِ أَسْبَابَ سَفَرِهِ فَإِنْ أَخَذَ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى الْغَزْوِ اُسْتُرْجِعَ مِنْهُ كَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ الْمُكَاتَبِ بَيَانُ كَمْ يُمْهَلُ فِي الْخُرُوجِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَوْ مَاتَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ امْتَنَعَ الْغَزْوَ بِسَبَبٍ آخَرَ اُسْتُرِدَّ مَا بَقِيَ مَعَهُ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَلَوْ غَزَا وَرَجَعَ وبقى معه شئ مِنْ النَّفَقَةِ فَإِنْ لَمْ يُقَتِّرْ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ الْبَاقِي قَدْرًا صَالِحًا اُسْتُرِدَّ مِنْهُ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ كَانَ زَائِدًا وَإِنْ لَمْ يُقَتِّرْ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ الْفَاضِلُ يَسِيرًا لَمْ يَسْتَرْجِعْ مِنْهُ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ وَفِي مِثْلِهِ فِي ابْنِ السَّبِيلِ يُسْتَرَدُّ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يُسْتَرَدُّ أَيْضًا وَنَسَبَهُ بَعْضُهُمْ إلَى النَّصِّ وَالْفَرْقُ عَلَى الصَّحِيحِ أنا دفعنا إلَى الْغَازِي لِحَاجَتِنَا وَقَدْ فَعَلَ وَدَفَعْنَا إلَى ابْنِ السَّبِيلِ لِحَاجَتِهِ وَقَدْ زَالَتْ (أَمَّا) إذَا قتر الغازى علي نفسه وفضل شئ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُقَتِّرْ لَمْ يَفْضُلْ لَمْ يُسْتَرَدُّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّا دَفَعْنَا إلَيْهِ كِفَايَتَهُ فَلَمْ نَرْجِعْ عَلَيْهِ بِمَا قَتَّرَ كَالْفَقِيرِ إذَا أَعْطَيْنَاهُ كِفَايَتَهُ فَقَتَّرَ وَفَضَلَ فَضْلٌ عِنْدَهُ لَا يسترجع منه والله اعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وسهم لابن السبيل وهو المسافر أو من ينشئ السفر وهو محتاج في سفره فان كان سفره طاعة أعطي ما يبلغ به مقصده وان كان معصية لم يعط لان ذلك اعانة علي المعصية وان كان سفره في مباح ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يعطى لانه غير محتاج الي هذا السفر (والثاني) يعطى لان ما جعل رفقا بالمسافر في طاعة جعل رفقا بالمسافر في مباح كالقصر والفطر)
* (الشَّرْحُ) السَّبِيلُ فِي اللُّغَةِ الطَّرِيقُ وَيُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ وَسُمِّيَ الْمُسَافِرُ ابْنَ السَّبِيلِ لِلُزُومِهِ لِلطَّرِيقِ كَلُزُومِ الْوَلَدِ
وَالِدَتَهُ وَالْمَقْصِدُ بِكَسْرِ الصَّادِ وَقَوْلُهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى هَذَا السَّفَرِ مِمَّا يُنْكَرُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُبَاحَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَصَالِحِ الْمَعَاشِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ ابْنُ السَّبِيلِ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَنْ أَنْشَأَ سَفَرًا مِنْ بَلَدٍ كَانَ مُقِيمًا بِهِ سَوَاءٌ وَطَنُهُ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) غَرِيبٌ مُسَافِرٌ يُجْتَازُ بِالْبَلَدِ فَالْأَوَّلُ يُعْطَى مُطْلَقًا بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الثَّانِي فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ يُعْطَى أَيْضًا مُطْلَقًا وَحَكَى جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) هَذَا
(وَالثَّانِي)
لَا يُعْطَى مِنْ صَدَقَةِ بَلَدٍ يُجْتَازُ بِهِ إذَا مَنَعْنَا نَقْلَ الصَّدَقَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُعْطَى الْمُسَافِرُ بشرط
حَاجَتِهِ فِي سَفَرِهِ وَلَا يَضُرُّ غِنَاهُ فِي غَيْرِ سَفَرِهِ فَيُعْطَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ كِفَايَتُهُ فِي طَرِيقِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَمْوَالٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَقْصِدُهُ أَوْ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِ الْإِعْطَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ طَاعَةً كَحَجٍّ وَغَزْوٍ وَزِيَارَةٍ مَنْدُوبَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ دُفِعَ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً كقطع الطريق ونحوه لم بدفع إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا كَطَلَبِ آبِقٍ وَتَحْصِيلِ كَسْبٍ أَوْ اسْتِيطَانٍ فِي بَلَدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) يُدْفَعُ إلَيْهِ وَلَوْ سَافَرَ لِتَنَزُّهٍ أَوْ تَفَرُّجٍ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ كَالْمُبَاحِ فَيَكُونُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُعْطَى قَطْعًا لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْفُضُولِ وَإِذَا أَنْشَأَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ قَطَعَهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وَقَصَدَ الرُّجُوعَ إلَى وَطَنِهِ أُعْطِيَ مِنْ حِينَئِذٍ مِنْ الزكاة لانه الآن ليس سَفَرِ مَعْصِيَةٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ فِيهِ وَجْهَيْنِ (الصَّحِيحُ) هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يُعْطَى قَالَ وَهُوَ غَلَطٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ مَا يَكْفِيهِ إلَى مَقْصِدِهِ أَوْ مَوْضِعِ مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي طَرِيقِهِ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَالٌ لَا يَكْفِيهِ أُعْطِيَ مَا يَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ وَيُهَيَّأُ لَهُ مَا يَرْكَبُهُ إنْ كَانَ سَفَرُهُ مِمَّا تَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَوْ كَانَ ضَعِيفًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا وَسَفَرُهُ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يُعْطَ الْمَرْكُوبُ وَيُعْطَى مَا يَنْقُلُ عَلَيْهِ زَادَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يَعْتَادُ مِثْلُهُ أَنْ يَحْمِلَهُ بِنَفْسِهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَصِفَةُ تَهْيِئَةِ الْمَرْكُوبِ أَنَّهُ إنْ اتَّسَعَ الْمَالُ اُشْتُرِيَ لَهُ مَرْكُوبٌ وَإِنْ ضَاقَ اُكْتُرِيَ لَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ سَوَاءٌ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ أَمْ لَا وَسَنُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَلْ
يُعْطَى جَمِيعَ مؤنة سفره أَمْ مَا زَادَ بِسَبَبِ السَّفَرِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَمِيعُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُعْطَى كِفَايَتَهُ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ إنْ كَانَ يُرِيدُ الرُّجُوعَ وَلَيْسَ لَهُ فِي مَقْصِدِهِ مَالٌ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُعْطَى لِلرُّجُوعِ فِي ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ وَإِنَّمَا يُعْطَى عِنْدَ رُجُوعِهِ وَوَجْهًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَزْمُهُ أَنْ يَصِلَ الرُّجُوعَ بِالذَّهَابِ أُعْطِيَ لِلرُّجُوعِ وَإِنْ كَانَ عَزْمُهُ إقَامَةَ مُدَّةٍ لَمْ يُعْطَ لِلرُّجُوعِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا نَفَقَتُهُ فِي إقَامَتِهِ فِي الْمَقْصِدِ فَإِنْ كَانَتْ إقَامَتُهُ دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ أُعْطِيَ لَهَا لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُسَافِرِ وَلَهُ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ وَسَائِرُ الرُّخَصِ وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لَمْ يُعْطَ لَهَا لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا ابْنَ سَبِيلٍ وَانْقَطَعَتْ رُخَصُ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْغَازِي فَإِنَّهُ يُعْطَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ فِي الثَّغْرِ وَإِنْ طَالَتْ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَازِيَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَوَقُّعِ الْفَتْحِ وَلِأَنَّهُ لَا يَزُولُ بِالْإِقَامَةِ اسْمُ الْغَازِي بَلْ يَتَأَكَّدُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ وَفِيهِ وَجْهٌ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ يُعْطَى
وَإِنْ طَالَ مَقَامُهُ إذَا كَانَ مُقِيمًا لِحَاجَةٍ يُتَوَقَّعُ تَنَجُّزُهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا رجع ابن السبيل وقد فضل معه شئ اُسْتُرْجِعَ مِنْهُ سَوَاءٌ قَتَّرَ عَلَى نَفْسِهِ أَمْ لَا وَقِيلَ إنْ قَتَّرَ عَلَى نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُقَتِّرْ لَمْ يَفْضُلْ لَمْ يَرْجِعْ بِالْفَاضِلِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَسَبَقَ فِي فَصْلِ الْغَازِي بَيَانُ هَذَا وَبَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَازِي حَيْثُ لَا يُسْتَرْجَعُ مِنْهُ إذَا قَتَّرَ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْغَازِي يَأْخُذُهُ عِوَضًا لِحَاجَتِنَا إلَيْهِ وَقِيَامِهِ بِالْغَزْوِ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ وَابْنُ السَّبِيلِ يَأْخُذُهُ لِحَاجَتِهِ إلَيْنَا وَقَدْ زَالَتْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ الْمَرْكُوبُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وحكى الرافعي وجها أنه لا يُسْتَرَدُّ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ جِدًّا
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ يُرِيدُ السَّفَرَ أَوْ الْغَزْوَ صُدِّقَ وَأُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا في فصل المكاتب وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ يَقَعُ عَلَى مُنْشِئِ السَّفَرِ وَالْمُجْتَازِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يُعْطَى الْمُنْشِئُ بَلْ يَخْتَصُّ بِالْمُجْتَازِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ وَجَدَ ابْنُ السَّبِيلِ مَنْ يُقْرِضُهُ كِفَايَتَهُ وَلَهُ فِي بَلَدِهِ وِفَادَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُقْتَرَضَ مِنْهُ بَلْ
يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ في كتابه التجريد
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويجب أن يسوى بين الاصناف في السهام ولا يفضل صنفا علي صنف لان الله تعالى سوى بينهم والمستحب أن يعم كل صنف إن أمكن وأقل ما يجزئ أن يصرف إلى ثلاثة من كل صنف لان الله تعالى أضاف إليهم بلفظ الجمع وأقل الجمع ثلاثة فان دفع الي اثنين ضمن نصيب الثالث وفى قدر الضمان قولان
(أحدهما)
القدر المستحب وهو الثلث (والثاني) أقل جزء من السهم لان هذا القدر هو الواجب فلا يلزمه ضمان ما زاد)
* (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ فَإِنْ وُجِدَتْ الْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ وَجَبَ لِكُلِّ صنف ثمن وان وجد مِنْهُمْ خَمْسَةٌ وَجَبَ لِكُلِّ صِنْفٍ خَمْسٌ وَلَا يَجُوزُ تَفْضِيلُ صِنْفٍ عَلَى صِنْفٍ بِلَا خِلَافٍ عندنا سواء اتفقت حاجاتهم وعددهم أم لا ولا يستثنى من هَذَا إلَّا الْعَامِلُ فَإِنَّ حَقَّهُ مُقَدَّرٌ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فَإِنْ زَادَ سَهْمُهُ أَوْ نَقَصَ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَإِلَّا الْمُؤَلَّفَةُ فَفِي قَوْلٍ يَسْقُطُ نَصِيبُهُمْ كَمَا سَبَقَ (الثَّانِيَةُ) التَّسْوِيَةُ بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً سَوَاءٌ اسْتَوْعَبَهُمْ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرَ وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ حَاجَاتُهُمْ أَوْ اخْتَلَفَتْ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَرَّقَ بينهم علي قدر حاجاتهم فَإِنْ اسْتَوَتْ سَوَّى وَإِنْ تَفَاضَلَتْ فَاضَلَ بِحَسْبِ الحاجة استحبابا وفرق الْأَصْحَابُ بَيْنَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَصْنَافِ حَيْثُ وَجَبَتْ وَآحَادُ الصِّنْفِ حَيْثُ اُسْتُحِبَّتْ بِأَنَّ الْأَصْنَافَ مَحْصُورُونَ فيمكن التسوية
بِلَا مَشَقَّةٍ بِخِلَافِ آحَادِ الصِّنْفِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ بَلَدٍ محصورين فانه يجب تعميمهم والتسوية بَيْنَهُمْ وَهُنَا فِي الزَّكَاةِ لَوْ كَانُوا مَحْصُورِينَ وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُمْ عَلَى التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فَقِيرٌ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وههنا لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ لَهُمْ عَلَى التَّعْيِينِ وَإِنَّمَا تَعَيَّنُوا لِفَقْدِ غَيْرِهِمْ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مُسْتَحِقُّونَ لَا تَسْقُطُ بَلْ يَجِبُ نَقْلُهَا إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي هَذَا إذَا قَسَّمَ الْمَالِكُ فَأَمَّا إذَا قَسَّمَ الْإِمَامُ فلا يجوز له التفنيل عِنْدَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ
لِأَنَّ عَلَيْهِ تَعْمِيمَ جَمِيعِ آحَادِ الصِّنْفِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَزِمَهُ التَّسْوِيَةُ وَالْمَالِكُ لَا يَلْزَمُهُ التَّعْمِيمُ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ (الثَّالِثَةُ) أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أنه يستحب تعميم كل صنف ان أَمْكَنَ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَكَثِيرُونَ إنْ قَسَّمَ الْإِمَامُ لَزِمَهُ اسْتِيعَابُ آحَادِ الصِّنْفِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْتَوْعِبُ بِزَكَاةِ كُلِّ شَخْصٍ جَمِيعَ الْآحَادِ وَلَكِنْ يَسْتَوْعِبُهُمْ مِنْ الزَّكَوَاتِ الْحَاصِلَةِ فِي يَدِهِ وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَالِ وَآخَرِينَ بِنَوْعٍ وَلَهُ صَرْفُ زَكَاةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ وَإِلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ وَإِنْ قَسَّمَ الْمَالِكُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِاسْتِيعَابُ فَلَيْسَ هُوَ بِوَاجِبٍ وَلَا مَنْدُوبٍ وَإِنْ أَمْكَنَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يَجِبُ إنْ كَانُوا مَحْصُورِينَ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَجِبُ إنْ لَمْ نُجَوِّزْ نَقْلَ الزَّكَاةِ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ اُسْتُحِبَّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنْ قَسَّمَ الْإِمَامُ لَزِمَهُ الاستيعاب وان قسم المالك ففيه كلاما الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيِّ وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ بِوُجُوبِ الاستيعاب إن قسم الامام وكذان قَسَّمَ الْمَالِكُ وَكَانُوا مَحْصُورِينَ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَيَنْزِلُ إطْلَاقُ الْبَاقِينَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَحَيْثُ لَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى الْمُسْتَحَقِّينَ الْمُقِيمِينَ بِالْبَلَدِ وَالْغُرَبَاءِ الْمَوْجُودِينَ حَالَ التَّفْرِقَةِ وَلَكِنْ الْمُسْتَوْطِنُونَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُمْ جِيرَانُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَحَيْثُ لَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إلَّا الْعَامِلَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا بِلَا خِلَافٍ وَعَجَبٌ كَوْنُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَسْتَثْنِهِ هُنَا مَعَ أَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ فِي التَّنْبِيهِ وَلَا خلاف في اشتراطه ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ الْبَاقِينَ إلَّا ابْنَ السَّبِيلِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُشْتَرَطُ ثَلَاثَةٌ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) ثَلَاثَةٌ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ وَاحِدٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْهُ بِالْجَمْعِ بِخِلَافِ بَاقِي الْأَصْنَافِ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَاسَرْجِسِيِّ وَحَكَاهُ آخَرُونَ بَعْدَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه هَذَا غَيْرَ الماسرجسى قال قال أبو اسحق
وَابْنُ السَّبِيلِ وَإِنْ كَانَ مُوَحَّدًا فَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ كَبَاقِي الْأَصْنَافِ قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَا يَبْعُدُ طَرْدُ الْوَجْهِ فِي الْغُزَاةِ لِقَوْلِ الله سبحانه وتعالي (وفى سبيل الله) بِغَيْرِ جَمْعٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ صُرِفَ جَمِيعُ نَصِيبِ الصِّنْفِ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ وُجُودِ ثَالِثٍ غُرِمَ لِثَالِثٍ بِلَا خِلَافٍ وَفِي
قَدْرِ الْغُرْمِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) أَقَلُّ جُزْءٍ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ
(وَالثَّانِي)
الثُّلُثُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ لِأَنَّ الْمُفَاضَلَةَ بِاجْتِهَادِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ خِيَانَتُهُ فَإِذَا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ سَقَطَ اجْتِهَادُهُ فَلَزِمَهُ الثُّلُثُ وَلَوْ صُرِفَ جَمِيعُ نَصِيبِ الصِّنْفِ إلَى وَاحِدٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ أَقَلُّ مَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَيْهِمَا وَعَلَى الثَّانِي الثُّلُثَانِ ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ إذَا قُلْنَا يَضْمَنُ الثُّلُثَ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْمُرَادُ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْحَاجَةِ فَلَوْ كَانَتْ حَاجَةُ الثَّالِثِ حِينَ اسْتَحَقُّوا التَّفْرِقَةَ مِثْلَ حَاجَةِ الْآخَرِينَ جَمِيعًا ضَمِنَ لَهُ نِصْفَ السهم ليكون معه مثلهما لانه يستحب التفرقة علي قدر حوائجهم (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ الثَّلَاثَةُ مُتَعَيِّنِينَ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا دُونَ ثَلَاثَةٍ مِنْ صِنْفٍ أُعْطِيَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَهَلْ يُصْرَفُ بَاقِي السَّهْمِ إلَيْهِ إذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا أَمْ يُنْقَلُ إلَى بلد آخر قال المتولي هو كما لَمْ يُوجَدْ بَعْضُ الْأَصْنَافِ فِي بَلَدٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَيْهِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيِّ وَنَقَلَهُ هُوَ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَدَلِيلُهُمَا ظَاهِرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ كَالْخِلَافِ فِي أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ إذَا أَكَلَهَا كُلَّهَا كَمْ يَضْمَنُ وَفِي الْوَكِيلِ إذَا بَاعَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ كَمْ يَضْمَنُ وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ اجْتَمَعَ في شخص واحد سببان فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (مِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لا يعطي بالسببين بل يقال له اختر أيهما شئت فنعطيك به (ومنهم) من قال ان كانا سببين متجانسين مثل أن يستحق كل واحد منهما لحاجته الينا كالفقير الغارم لمصلحة نفسه أو يستحق بكل واحد منهما لحاجتنا إليه كالغازي الغارم لاصلاح ذات البين لم يعط الا بسبب واحد وان كانا سببين مختلفين وهو أن يكون بأحدهما يستحق لحاجتنا إليه وبالآخر يستحق لحاجته الينا أعطى بالسببين كما قلنا في الميراث إذا اجتمع في شخص واحد جهتا فرض لم يعط بهما وان اجتمع فيه جهة فرض وجهة تعصيب أعطي بهما (ومنهم) من قال فيه قولان
(أحدهما)
يعطى بالسببين لان الله تعالي جعل للفقير سهما وللغارم سهما
وهذا فقير وغارم (والثاني) يعطي بسبب واحد لانه شخص واحد فلا يأخذ سهمين كما لو تفرد بمعني واحد)
* (الشَّرْحُ) هَذِهِ الطُّرُقُ الثَّلَاثَةُ مَشْهُورَةٌ (وَأَصَحُّهَا) طَرِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ صَحَّحَهَا أَصْحَابُنَا وَنَقَلَهَا صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى إلَّا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ يَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ مِنْهُمْ سُلَيْمُ الرَّازِيِّ فِي الْكِفَايَةِ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ طَرِيقًا رَابِعًا أَنَّهُ يُعْطَى بِهِمَا إلَّا بِالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا الطَّرِيقُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ تَكَلَّمُوا فِي الْمُمْكِنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا جَوَّزْنَا إعْطَاءَهُ بِسَبَبَيْنِ جَازَ بِأَسْبَابٍ أَيْضًا قَالَ وَقَالَ الْحَنَّاطِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُعْطَى إلَّا بِسَبَبَيْنِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُعْطَى بِسَبَبَيْنِ بِأَنْ كَانَ عَامِلًا فَقِيرًا فَوَجْهَانِ مبنيان على الوجهين فيما يأخذه الْعَامِلُ هَلْ هُوَ أُجْرَةٌ أَمْ زَكَاةٌ إنْ قُلْنَا أُجْرَةٌ أُعْطِيَ بِهِمَا وَإِلَّا فَلَا قَالَ الشيح نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ إذَا قُلْنَا لَا يُعْطَى إلَّا بسبب واحد فأخذ بالفقر كان لِغَرِيمِهِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِدَيْنِهِ وَيَأْخُذُ مَا حَصَلَ لَهُ وَكَذَا إنْ أَخَذَ بِكَوْنِهِ غَارِمًا فَإِذَا أَخَذَهُ وَبَقِيَ فَقِيرًا وَجَبَ إعْطَاؤُهُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ الْآنَ مُحْتَاجٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا فُقِدَ بَعْضُ الْأَصْنَافِ فَلَمْ يُوجَدُوا فِي الْبَلَدِ وَلَا غَيْرِهِ قُسِّمَتْ الزكاة بكمالها عَلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْ بَاقِي الْأَصْنَافِ بِلَا خِلَافٍ وَعَجِيبٌ كَوْنُ الْمُصَنِّفِ تَرَكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعَ ذِكْرِهِ لَهَا فِي التَّنْبِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ فَرَدَّ أَحَدُهُمَا الْوَصِيَّةَ فَإِنَّ الْمَرْدُودَ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ لا للموصى له الآخر ان الْمَالَ لِلْوَرَثَةِ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ فَإِذَا لَمْ تَتِمُّ أَخَذَ الْوَرَثَةُ الْمَالَ (وَأَمَّا) الزَّكَاةُ فَدَيْنٌ لَزِمَهُ فَلَا يَسْقُطُ بِفَقْدِ الْمُسْتَحِقِّ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْأَصْنَافِ لَمْ يَسْقُطْ بَلْ يَصْبِرْ حَتَّى يَجِدَهُمْ أَوْ بَعْضَهُمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ رُدَّتْ الْوَصَايَا كُلُّهَا فَإِنَّهَا ترجع الي الورثة وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ كَانَ الَّذِي يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ رَبُّ الْمَالِ سَقَطَ سهم العامل لانه لا عمل له فيقسم الصدقة علي سبعة لكل صنف سهم علي ما بيناه فان كَانَ فِي الْأَصْنَافِ أَقَارِبُ لَهُ لَا يَلْزَمُهُ نفقتهم فالمستحب أن يخص
الاقرب لما روت أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط رضي الله عنها قَالَتْ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول الصدقة علي المسكين صدقة وهى علي ذى القرابة صدقة وصلة ")
*
(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَفْظُهُ " أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ " وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ باسنادهما عن سلمان ابن عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ " وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالشُّجْنَةُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّ قَرَابَةَ الْإِنْسَانِ لِقَرِيبِهِ سَبَبٌ وَاصِلٌ بَيْنَهُمَا وَعَنْ أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ جَمَعْتُ مُعْظَمَهَا فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ إنْ كَانَ الَّذِي يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ رَبُّ الْمَالِ سَقَطَ سَهْمُ الْعَامِلِ هُوَ كَمَا قَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَسَبَقَ مِثْلُهُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنْ كَانَ فِي الْأَصْنَافِ أَقَارِبُ لَهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَخُصَّ الْأَقْرَبَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَفِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ صَرْفُهَا إلَى الْأَقَارِبِ إذا كانو بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْأَجَانِبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَبْدَأَ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَيُقَدِّمُ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَأَلْحَقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ بِهَؤُلَاءِ لِحَدِيثِ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ عَلَيْهِ " رَوَاهُ ومسلم ثُمَّ بِذِي الرَّحِمِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ كَأَوْلَادِ الْعَمِّ وَأَوْلَادِ الْخَالِ ثُمَّ الْمُحَرَّمِ بِالرَّضَاعِ ثُمَّ بِالْمُصَاهَرَةِ ثم المولى من أعلي وأسفل ثم الجارفان كَانَ الْقَرِيبُ بَعِيدَ الدَّارِ فِي الْبَلَدِ قُدِّمَ عَلَى الْجَارِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ كَانَ الْأَقَارِبُ خَارِجِينَ عَنْ الْبَلَدِ فَإِنْ مَنَعْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ قُدِّمَ الْأَجْنَبِيُّ وَإِلَّا فَالْقَرِيبُ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَحَيْثُ كَانَ الْقَرِيبُ وَالْجَارُ الْأَجْنَبِيُّ بِحَيْثُ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمَا قُدِّمَ الْقَرِيبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تعالي
* (ويجب صرف الزكاة الي الاصناف في البلد الذى فيه المال لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال صلي الله عليه وسلم " أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وترد علي فقرائهم " فان نقل إلى الاصناف في بلد آخر ففيه قولان
(أحدهما)
يجزئه لانهم من أهل الصدقات فاشبه أصناف البلد الذى فيه المال (والثاني) لا يجزئه لانه حق واجب لاصناف بلد فإذا
نقل عنهم الي غيرهم لا يجزئه كالوصية بالمال لاصناف بلد ومن أصحابنا من قال القولان في جواز النقل ففى أحدهما يجوز والثانى لا يجوز (فاما) إذا نقل فانه يجزئ قولا واحدا والاول هو الصحيح فان كان له أربعون شاة عشرون في بلد وعشرون في بلد آخر قال الشافعي رضي الله عنه إذا أخرج الشاة في أحد البلدين كرهت وأجزأه فمن أصحابنا من قال انما أجاز ذلك علي القول الذى يجوز نقل الصدقة فاما على القول الآخر فلا يجوز حتى يخرج في كل بلد نصف شاة ومنهم من قال يجزئه ذلك قولا واحدا لان في اخراج نصف شاة في كل بلد ضررا في التشريك بينه وبين الفقراء والصحيح هو الاول لانه قال كرهت وأجزأه فدل علي انه على احد القولين ولو كان قولا واحدا لم يقل كرهت وفى الموضع الذى ينقل إليه طريقان (من) أصحابنا من قال القولان فيه إذا نقل الي مسافة تقصر فيها الصلاة (فاما) إذا نقل الي مسافة لا تقصر فيها الصلاة فانه يجوز قولا واحدا لان ذلك في حكم البلد بدليل انه لا يجوز فيه القصر والمسح (ومنهم) من قال القولان في الجميع وهو الاظهر)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ مُعَاذٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِيهِ رُوِيَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ (وقوله) لا يجرز فيه الفصر وَالْفِطْرُ وَالْمَسْحُ يَعْنِي الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي آخِرِ الْحَضَانَةِ وَفِي تَغْرِيبِ الزَّانِي وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي مَظِنَّتِهِ وَهُمَا بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَبَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَحَاصِلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّقَ الزَّكَاةَ فِي بَلَدِ الْمَالِ فَلَوْ نَقَلَهَا إلَى بَلَدٍ آخَرَ مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّينَ فَلِلشَّافِعِيِّ
رضي الله عنه فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهَا ثلاث طرف (أَصَحُّهَا) عِنْدَهُمْ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ
(وَالثَّانِي)
يُجْزِئُهُ وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ النَّقْلِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّهُمَا فِي التَّحْرِيمِ وَعَدَمِهِ (أَصَحُّهُمَا) يُحَرَّمُ
(وَالثَّانِي)
لَا يُحَرَّمُ ولا خلاف انه يجزىء وَهَذَانِ الطَّرِيقَانِ فِي الْكِتَابِ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّهُمَا فِي الْجَوَازِ وَالْإِجْزَاءِ مَعًا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَلَا يُجْزِئُهُ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ وَيُجْزِئُهُ وَتَعْلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ (وَالْأَصَحُّ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَطَاوُسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَبِالْإِجْزَاءِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّقْلِ إلَى مسافة القصر ودونها كما صححه المصنف كذا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الْخِلَافِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) لَا يُجْزِئُ النَّقْلُ مُطْلَقًا وَلَا يجوز (وَالثَّانِي) يُجْزِئُ وَيَجُوزُ (وَالثَّالِثُ) يُجْزِئُ وَلَا يَجُوزُ (والرابع) يجزئ ويجوز لدون مسافة القصر ولا يجزئ ولا يجوز إليها وإذا منعنا النقل ولم نعتبر مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَسَوَاءٌ
نُقِلَ إلَى قَرْيَةٍ بِقُرْبِ الْبَلَدِ أَمْ بَعِيدَةٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ صَاحِبَ الشَّامِلِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ قِسْمِ الصَّدَقَاتِ فِي مَوْضِعِهَا كَمَا ذَكَرَهَا الْمُزَنِيّ وَالْأَصْحَابُ وَذَكَرَ فِي النَّقْلِ إلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ الطَّرِيقَيْنِ وَذَكَرَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ فِي مَسْأَلَةِ أَصْحَابِ الْخِيَامِ الَّذِينَ لَا يَرْتَحِلُونَ أَنَّ أَصْحَابَ الْخِيَامِ الَّذِينَ لَا يَرْتَحِلُونَ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى مَنْ بينه وبينه مالا تَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ قَالَ وَكَذَلِكَ الْبَلَدُ إذَا كَانَ فِي سَوَادِهِ فِي مَوْضِعٍ لَا تَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَأَهْلِ الْبَلَدِ قَالَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ مَنْ هُوَ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ فَهُوَ مِنْ حَاضِرِيهِ قال (فاما) إذا كان بلدين بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ فَلَا يُنْقَلُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يُضَافُ إلَى الْآخَرِ وَلَا يُنْسَبُ هَذَا كلام الشَّامِلِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ فِي ظَاهِرِهِ لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٍ)
قَالَ أَصْحَابُنَا فِي نَقْلِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ عَنْ الْبَلَدِ الَّذِي وَجَبَتْ فيه ونقل وصية من أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ بَلَدًا طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ لَهَا حُكْمُ الزَّكَاةِ
فَيَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ كَالزَّكَاةِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَتَابَعَهُمْ الرَّافِعِيُّ عَلَيْهِ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ لان الاطماع لا تمتد إليها امْتِدَادِهَا إلَى الزَّكَوَاتِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
* (فَرْعٌ)
حَيْثُ جَازَ النَّقْلُ أَوْ وَجَبَ فَمُؤْنَتُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي أُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمَلٌ فِيمَا إذَا وَجَبَ النَّقْلُ (أَمَّا) إذَا لَمْ يَجِبْ وَنَقَلَهُ رَبُّ الْمَالِ فَيَجِبُ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الرَّافِعِيُّ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ النَّقْلِ وَعَدَمِهِ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا فَرَّقَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاتَهُ أَمَّا إذَا فَرَّقَ الْإِمَامُ فَرُبَّمَا اقْتَضَى كَلَامُ الْأَصْحَابِ طَرْدَ الْخِلَافِ فِيهِ وَرُبَّمَا دَلَّ عَلَى جَوَازِ النَّقْلِ لَهُ وَالتَّفْرِقَةِ كَيْفَ شَاءَ قَالَ وَهَذَا أَشْبَهُ هَذَا كَلَامُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ قبل وسيم الْمَاشِيَةِ أَنَّ السَّاعِيَ يَنْقُلُ الصَّدَقَةَ إلَى الْإِمَامِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي تَفْرِقَتِهَا وَهَذَا نَقْلٌ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ الرَّاجِحَ الْقَطْعُ بِجَوَازِ النَّقْلِ لِلْإِمَامِ وَالسَّاعِي وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ الْمَالِكُ بِبَلَدٍ وَالْمَالُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَالِاعْتِبَارُ بِبَلَدِ الْمَالِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَيَمْتَدُّ إلَيْهِ نَظَرُ الْمُسْتَحِقِّينَ فَيُصْرَفُ الْعَشْرُ إلَى الْأَصْنَافِ بِالْأَرْضِ الَّتِي حُصِلَ منها المعشر وَزَكَاةُ النَّقْدَيْنِ وَالْمَوَاشِي وَالتِّجَارَةُ إلَى أَصْنَافِ الْبَلَدِ الَّذِي تَمَّ فِيهِ حَوْلُهَا
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ مَالُهُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِبَادِيَةٍ وَجَبَ صَرْفُهُ إلَى الْأَصْنَافِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَى الْمَالِ فَإِنْ كَانَ تَاجِرًا مُسَافِرًا صَرْفَهَا حَيْثُ حَالَ الحول
*
(فَرْعٌ)
إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهِيَ مُتَفَرِّقَةٌ صَرَفَ زَكَاةَ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ مَالِهِ بِبَلَدِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ الْجَمِيعَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ إذَا مَنَعْنَا النَّقْلَ هَذَا إذَا لَمْ يَقَعْ تَشْقِيصٌ فَإِنْ وَقَعَ بِأَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً عِشْرِينَ بِبَلَدٍ وَعِشْرِينَ بِبَلَدٍ آخَرَ فَأَدَّى شَاةً فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه كَرِهْتُ ذَلِكَ وَأَجْزَأَهُ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَفْصِ ابن الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ هَذَا جَائِزٌ إنْ جَوَّزْنَا نَقْلَ الصَّدَقَةِ وَعَلَيْهِ فَرَّعَهَا الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَإِنْ مَنَعْنَا نَقْلَهَا وَجَبَ فِي كُلِّ بَلَدٍ نِصْفُ شَاةٍ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الطَّرِيقَ بِمَا لَيْسَ بِمُرَجَّحٍ
وَاسْتَدَلَّ مِنْ كَلَامِ الشافعي رضي الله عنه بمالا دَلَالَةَ فِيهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) هُوَ الْمَذْهَبُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَرَجَّحَهُ جُمْهُورُ الْبَاقِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا سَوَاءٌ مَنَعْنَا نَقْلَ الصَّدَقَةِ أَمْ لا وعلله الاصحاب بعلتين (احداهما) أَنَّ لَهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ مَالًا فَيَخْرُجُ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَخْرَجَ فِي بَلَدِ مَالِهِ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي التَّشْقِيصِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفَرَّعُوا عَلَيْهِمَا مالو كَانَ لَهُ مِائَةٌ بِبَلَدٍ وَمِائَةٌ بِبَلَدٍ فَعَلَى الْأُولَى لَهُ إخْرَاجُ الشَّاتَيْنِ فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بَلْ يَجِبُ فِي كُلِّ بَلَدٍ شَاةٌ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ وجبت عليه الزكاة وهو من أهل الخيم الذين ينتجعون لطلب الماء والكلا فانه ينظر فيه فان كانوا متفرقين كان موضع الصدقة من عند المال الي حيث تقصر فيه الصلاة فإذا بلغ حدا تقصر فيه الصلاة لم يكن ذلك موضع الصدقة وان كان في حلل مجتمعة ففيه وجهان
(أحدهما)
انه كالقسم قبله (والثاني) ان كل حلة كالبلد)
* (الشَّرْحُ)(قَوْلُهُ) الْخَيْمِ هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الياء والواحدة خيمة كتمرة وتمر وبيضة وَبَيْضٌ وَيَجُوزُ خِيَمٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ كَبَدْرَةٍ وَبِدَرٍ وَقِيلَ إنَّهُ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ مَحْذُوفُ الْأَلِفِ مِنْ خِيَامِ كَمَا فِي قَوْله ثعالي (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ) وقرئ قيما وقالوا فيه مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْحِلَلُ بِكَسْرِ الْحَاءِ جَمْعُ حِلَّةٍ بِكَسْرِهَا أَيْضًا وَهُمْ الْحَيُّ النَّازِلُونَ قَالَ أَصْحَابُنَا: أَرْبَابُ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْمُقِيمُونَ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ مَوْضِعٍ مِنْ الْبَادِيَةِ لَا يَظْعَنُونَ عَنْهُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا فَعَلَيْهِمْ صَرْفُ زَكَاتِهِمْ إلَى مَنْ فِي مَوْضِعِهِمْ مِنْ الْأَصْنَافِ سَوَاءٌ الْمُقِيمُونَ عِنْدَهُمْ الْمُسْتَوْطِنُونَ
وَالْغُرَبَاءُ الْمُجْتَازُونَ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَهْلُ الْخِيَامِ الْمُتَنَقِّلُونَ وَهُمْ صِنْفَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قَوْمٌ مُقِيمُونَ فِي مَوْضِعٍ من البادية لا يظعنون عنه شاء وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ فَلَهُمْ حُكْمُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَيَصْرِفُونَ زَكَاتَهُمْ إلَى مَنْ فِي مَوْضِعِهِمْ فَإِنْ نَقَلُوا عَنْهُ كَانُوا كَمَنْ نَقَلَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ (الصِّنْفُ الثَّانِي) أَهْلُ خِيَامٍ يَنْتَقِلُونَ لِلْجِهَةِ وَهُمْ الَّذِينَ إذَا أَخْصَبَ مَوْضِعٌ رَحَلُوا إلَيْهِ وَإِذَا أَجْدَبَ مَوْضِعٌ رَحَلُوا مِنْهُ فَيُنْظَرُ فِيهِمْ فَإِنْ كَانَتْ
حِلَلُهُمْ مُتَفَرِّقَةً صَرَفُوا الزَّكَاةَ إلَى جِيرَانِ الْمَالِ وَهُمْ مَنْ كَانَ من المال علي مسافة لا تقصر فِيهَا الصَّلَاةُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى هؤلاء قولا واحدا ولا يجئ فِيهِمْ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَا تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ نَقْلًا فَإِنْ نُقِلَتْ عَنْهُمْ إلَى مَسَافَةٍ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ مِنْ مَوْضِعِ الْمَالِ كَانَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَمِيعِ هَذَا الْمَذْكُورِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كان مع أَهْلِ الْخِيَامِ قَوْمٌ مِنْ الْأَصْنَافِ يَنْتَقِلُونَ بِانْتِقَالِهِمْ وَيَنْزِلُونَ بِنُزُولِهِمْ فَالصَّرْفُ إلَيْهِمْ أَفْضَلُ مِنْ الصَّرْفِ إلَى جِيرَانِهِمْ الَّذِينَ لَا يَظْعَنُونَ بِظَعْنِهِمْ لِأَنَّهُمْ أَشَدُّ جِوَارًا فَإِنْ صُرِفَ إلَى الْآخَرِينَ جَازَ هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ خِيَامُهُمْ مُتَفَرِّقَةٌ فَإِنْ كَانَتْ مُجْتَمِعَةً وَكُلُّ حِلَّةٍ مُتَمَيِّزَةٍ عَنْ الْأُخْرَى تَنْفَرِدُ عَنْهَا فِي الْمَاءِ وَالْمَرْعَى فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) انهم كالمتفرقين (وأصحهما) ان كل حلة كَقَرْيَةٍ فَعَلَى هَذَا النَّقْلِ مِنْهَا كَالنَّقْلِ مِنْ الْقَرْيَةِ (وَأَمَّا) أَهْلُ الْخِيَامِ الَّذِينَ لَا قَرَارَ لَهُمْ بَلْ يَطُوفُونَ الْبِلَادَ أَبَدًا فَيَصْرِفُونَهَا إلَى مَنْ مَعَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فَإِلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ وجبت الزكاة وليس قي البلد الذى فيه المال احد من الاصناف نقلها إلى اقرب البلاد إليه لانهم اقرب الي المال فان وجد فيه بعض الاصناف ففيه طريقان (احدهما) يغلب حكم المكان فيدفع الي من في بلد المال من الاصناف
(والثانى)
يغلب حكم لاصناف فيدفع إلى من في بلد المال بسهمهم وينقل الباقي الي بقية الاصناف في غير بلد المال وهو الصحيح لان استحقاق الاصناف اقوى لانه ثبت بنص الكتاب واعتبار البلد ثبت بخبر الواحد فقدم من ثبت حقه بنص الكتاب فان قسم الصدقة علي الاصناف فنقص نصيب بعضهم عن كفايتهم ونصيب الباقين على قدر كفايتهم دفع الي كل واحد منهم ما قسم له ولا يدفع إلي من نقص سهمه عن كفايته من نصيب الباقين شئ لان كل صنف منهم ملك سهمه فلا ينقص حقه لحاجة غيره وان كان نصيب بعضهم ينقص عن
كفايته ونصيب البعض يفضل عن كفايته فان قلنا المغلب اعتبار البلد الذى فيه المال صرف ما فضل الي بقيه الاصناف في البلد وان قلنا المغلب اعتبار الاصناف صرف الفاضل الي ذلك الصنف
الذى فضل عنهم بأقرب البلاد)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا عُدِمَ فِي بَلَدٍ جَمِيعُ الْأَصْنَافِ وَجَبَ نَقْلُ الزَّكَاةِ إلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَى مَوْضِعِ الْمَالِ فَإِنْ نُقِلَ إلَى الا بعد كَانَ عَلَى الْخِلَافِ فِي نَقْلِ الزَّكَاةِ وَإِنْ عُدِمَ بَعْضُهُمْ فَإِنْ جَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ نُقِلَ نَصِيبُ الْمَعْدُومِ إلَى ذَلِكَ الصِّنْفِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ طَرِيقَيْنِ وَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَجْهَانِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمَا بِالتَّفْرِيعِ عَلَيْهِمَا يَصِيرَانِ طَرِيقَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاعَةٍ يُغَلَّبُ حُكْمُ الْأَصْنَافِ فَيُنْقَلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ آخَرِينَ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ يُغَلَّبُ حُكْمُ الْبَلَدِ فَيُرَدُّ عَلَى بَاقِي الاصناف في البلد لان عدم الشئ فِي مَوْضِعِهِ كَعَدَمِهِ مُطْلَقًا كَمَا أَنَّ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ تَيَمَّمَ مَعَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي موضع آخر (فان قلنا) ينقل نُقِلَ إلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ وَصُرِفَ إلَى ذَلِكَ الصِّنْفِ فَإِنْ نُقِلَ إلَى أَبْعَدَ أَوْ لَمْ يُنْقَلْ وَفَرَّقَهُ عَلَى الْبَاقِينَ ضَمِنَ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُنْقَلُ فَنُقِلَ ضَمِنَ وَلَوْ وُجِدَ كُلُّ الْأَصْنَافِ وَنَقَصَ سَهْمُ بَعْضِهِمْ عَنْ الْكِفَايَةِ وَزَادَ سَهْمُ بَعْضِهِمْ عَلَى الْكِفَايَةِ فَهَلْ يُصْرَفُ مَا زَادَ إلَى هَذَا الصِّنْفِ النَّاقِصِ سَهْمُهُ أَمْ يُنْقَلُ إلَى الصِّنْفِ الَّذِينَ زَادَ سَهْمُهُمْ عَنْهُمْ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ (فَإِنْ قُلْنَا) يُصْرَفُ إلَى النَّاقِصِينَ فَكَانُوا أَصْنَافًا قُسِّمَ بَيْنَهُمْ بالسوية ولو زادنصيب جَمِيعِ الْأَصْنَافِ عَلَى الْكِفَايَةِ أَوْ نَصِيبُ بَعْضِهِمْ وَلَمْ يَنْقُصْ نَصِيبُ الْآخَرِينَ نُقِلَ مَا زَادَ إلَى ذَلِكَ الصِّنْفِ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ وجبت عليه زكاة الفطر وهو في بلد وماله فيه وجب اخراجها إلى الاصناف في البلد لان مصرفها مصرف سائر الزكوات وان كان ماله في بلد وهو في بلد آخر ففيه وجهان
(أحدهما)
أن الاعتبار بالبلد الذى فيه المال (والثاني) أن الاعتبار بالبلد الذى هو فيه لان الزكاة تتعلق بعينه فاعتبر الموضع الذى هو فيه كالمال في سائر الزكوات)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ فِي وَقْتِ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي بَلَدٍ وَمَالُهُ فِيهِ وَجَبَ صَرْفُهَا فِيهِ فَإِنْ نَقَلَهَا عَنْهُ كَانَ كَنَقْلِ بَاقِي الزَّكَوَاتِ فَفِيهِ الْخِلَافُ وَالتَّفْصِيلُ السَّابِقُ وان كان في بلد وماله في آخَرَ فَأَيُّهُمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
بَلَدُ الْمَالِ كَزَكَاةِ الْمَالِ (وَأَصَحُّهُمَا) بَلَدُ رَبِّ الْمَالِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ
فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَفِطْرَتُهُ وَهُوَ فِي بَلَدٍ آخَرَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي ابْتِدَاءً أَمْ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ كَانَ بَعْضُ مَالِهِ مَعَهُ فِي بَلَدٍ وَبَعْضُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَجَبَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ بلا خلاف * قال المصنف رحمه الله
* (إذا وجبت الزكاة لقوم معينين في بلد فلم يدفع إليهم حتي مات بعضهم انتقل حقه إلى ورثته لانه تعين حقه في حال الحياة فانتقل بالموت إلى ورثته)
* (الشرح) قال اصحابنا رحمهم الله تعالي لشافعي رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَصَّانِ (قَالَ) فِي مَوْضِعٍ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ أَهْلُ السَّهْمَانِ يوم القسمة إلَّا الْعَامِلَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ (وَقَالَ) فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَسْتَحِقُّونَ يَوْمَ الْوُجُوبِ (وَقَالَ) فِي مَوْضِعٍ لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ وُجُوبِ الزكاة كان حقه لورثته سوأ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا وَهَذَا النَّصُّ بِمَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ فَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَ فِيهِ يُعْتَبَرُ الْوُجُوبُ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ انْتَقَلَ حَقُّهُ إلَى وَرَثَتِهِ أَرَادَ بِهِ إذَا كَانَتْ قَدْ وَجَبَتْ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فِي بَلَدٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ صِنْفٍ إلَّا ثَلَاثَةٌ فَيَتَعَيَّنُ نَصِيبُ ذَلِكَ الصِّنْفِ لَهُمْ وَلَا يَتَغَيَّرُ بحدوث شى فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ وَجَبَ نَصِيبُهُ لِوَارِثِهِ وَإِنْ غاب أو استغي فَحَقُّهُ بَاقٍ بِحَالِهِ وَإِنْ قَدِمَ غَرِيبٌ لَمْ يُشَارِكْهُمْ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي اُعْتُبِرَ فِيهِ وَقْتُ الْقِسْمَةِ أَرَادَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُونُوا مُعَيَّنِينَ بِأَنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَإِنَّ الزَّكَاةَ لَا تَتَعَيَّنُ لَهُمْ وَإِنْ مَاتَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ اسْتَغْنَى فَلَا حَقَّ لَهُ وَإِنْ قَدِمَ غَرِيبٌ شَارَكَهُمْ فَلَوْ كَانَ غَنِيًّا وَقْتَ الْوُجُوبِ فَقِيرًا وَقْتَ الْقِسْمَةِ أُعْطِيَ مِنْهَا
* هَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ طَرِيقَةُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْمَوْضِعُ الَّذِي اُعْتُبِرَ فِيهِ حَالُ الْوُجُوبِ أَرَادَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إلَّا ثَلَاثَةٌ أَوْ أَقَلُّ وَمَنَعْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ وَالْمَوْضِعَ الَّذِي اُعْتُبِرَ فِيهِ يَوْمَ الْقِسْمَةِ إذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَجَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَلَا يَجُوزُ دفع الزكاة إلى هاشمي لقوله صلي لله عليه وسلم " نحن أهل بيت لا تحل لنا الصدقة "
ولا يجوز دفعها إلى مطلبي لقوله صلى الله عليه وسلم " ان بني هاشم وبني المطلب شئ واحد وشبك بين اصابعه " ولانه حكم واحد يتعلق بذوى القربي فاستوى فيه الهاشمي والمطلبى كاستحقاق الخمس
وقال أبو سعيد الاصطخرى إن منعوا حقهم من الخمس جاز الدفع إليهم لانهم انما حرموا الزكاة لحقهم في خمس الخمس فإذا منعوا الخمس وجب أن يدفع إليهم والمذهب الاول لان الزكاة حرمت عليهم لشرفهم برسول الله صلي الله عليه وسلم وهذا المعنى لا يزول بمنع الخمس وفى مواليهم وجهان
(أحدهما)
يدفع إليهم
(والثانى)
لا يدفع إليهم وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الْمَذْهَبَيْنِ فِي سَهْمِ الْعَامِلِ)
* (الشَّرْحُ) الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُ رِوَايَتِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ الحسن ابن عَلِيٍّ رضي الله عنهما " أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَخٍ كَخٍ ليطرحها ثم قال أما شعر ت أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " أَنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ " وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ " وَعَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ وإنها لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ بِطُولِهِ فِي أَوَّلِ هذا الباب في بعث الامام للسعاة (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْآخَرُ " أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي المطلب شئ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ (وَقَوْلُهُ) صلي الله عليه وسلم شئ وَاحِدٌ رُوِيَ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهَمْزِ آخِرِهِ وَرُوِيَ سِيٌّ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بلا همز والسى بِالْمُهْمَلَةِ الْمِثْلُ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " بَعَثَ بِي أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في إبِلٍ أَعْطَاهُ إيَّاهَا مِنْ الصَّدَقَةِ يُبَدِّلُهَا "(فَجَوَابُهُ) مِنْ وَجْهَيْنِ أَجَابَ بِهِمَا الْبَيْهَقِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمِ ثُمَّ صَارَ مَنْسُوخًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَضَ مِنْ الْعَبَّاسِ لِلْفُقَرَاءِ إبِلًا ثُمَّ أَوْفَاهُ إيَّاهَا مِنْ الصَّدَقَةِ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَبِهَذَا الثَّانِي أَجَابَ الْخَطَّابِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* أَمَّا قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ الْمَذْهَبَيْنِ فِي سَهْمِ الْعَامِلِ فَمُرَادُهُ أَنَّهُ بَيَّنَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فِي فَصْلِ بَعْثِ السُّعَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي سَهْمِ الْعَامِلِ وَعِبَارَتُهُ مُوهِمَةٌ وَلَوْ قَالَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ لَكَانَ
أَجْوَدَ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَالزَّكَاةُ حَرَامٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ بِلَا خِلَافٍ إلَّا مَا سَبَقَ فِيمَا إذا كَانَ أَحَدُهُمْ عَامِلًا وَالصَّحِيحُ تَحْرِيمُهُ وَفِي مَوَالِيهمْ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ ولو منعت بنوا هاشم وبنوا الْمُطَّلِبِ حَقَّهُمْ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ هَلْ تَحِلُّ الزَّكَاةُ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ لَا تَحِلُّ (وَالثَّانِي) تَحِلُّ وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَانَ مُحَمَّدُ ابن يَحْيَى صَاحِبُ الْغَزَالِيِّ يُفْتِي بِهَذَا وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ إذَا انْقَطَعَ
حَقُّهُمْ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ لِخُلُوِّ بَيْتِ الْمَالِ من الفئ وَالْغَنِيمَةِ أَوْ لِاسْتِيلَاءِ الظَّلَمَةِ وَاسْتِبْدَادِهِمْ بِهِمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ صَرْفَ الزَّكَاةِ إلَى بَنِي الْمُطَّلِبِ وَوَافَقَ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ
* وَدَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ المصنف وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (ولا يجوز دفعها إلى كافر لقوله صلي الله عليه وسلم " أمرت أن آخذ الصدقة من اغنيائكم وأردها علي فقرائكم ")
* (الشرح) هذا الحديث رواه البخار وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذٍ رضي الله عنه " أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ " وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ نَقْلِ الزَّكَاةِ وغيره ولايجوز دفع شئ مِنْ الزَّكَوَاتِ إلَى كَافِرٍ سَوَاءٌ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَزَكَاةُ الْمَالِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةِ الْمَالِ إلَى الذِّمِّيِّ وَاخْتَلَفُوا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فَجَوَّزَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَعَنْ عمرو بن ميمون وعمر بن شرحبيل ومرة الهمذاني أَنَّهُمْ كَانُوا يُعْطُونَ مِنْهَا الرُّهْبَانَ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يُعْطَوْنَ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيِّ جَوَازَ صرف الزكاة إلى الكفار
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز دفعها الي غني من سهم الفقراء لقوله صلي الله عليه وسلم " لا حظ فيها لغنى ولا قوى مكتسب " ولا يجوز دفعها الي من يقدر على كفايته بالكسب للخبر ولان غناه
بالكسب كغناه بالمال)
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَى غَنِيٍّ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَلَا إلَى قَادِرٍ عَلَى كَسْبٍ يَلِيقُ بِهِ يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ كِفَايَتُهُ وَكِفَايَةُ عِيَالِهِ وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي فَصْلِ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ (وَأَمَّا) الصَّرْفُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مَعَ الْغِنَى فَيَجُوزُ إلَى الْعَامِلِ وَالْغَازِي وَالْغَارِمِ لِذَاتِ الْبَيْنِ وَالْمُؤَلَّفِ وَلَا يَجُوزُ إعْطَاءُ الْمُكَاتَبِ مَعَ الْغِنَى وَلَا ابْنِ السَّبِيلِ إنْ كَانَ غَنِيًّا هُنَا وَلَا يَضُرُّ غِنَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَمَا سَبَقَ وَلَا يُعْطَى الْغَارِمُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ مَعَ الْغِنَى عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَبَقَ (وَأَمَّا) الْقُدْرَةُ عَلَى الْكَسْبِ فَتَمْنَعُ إعْطَاءَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ كَمَا سَبَقَ (وَأَمَّا) بَاقِي الْأَصْنَافِ فَيُعْطَوْنَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ بِلَا خِلَافٍ
لِأَنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ فِي الْحَالِ إلَى مَا يَأْخُذُونَ بِخِلَافِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَفِي الْغَارِمِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَالْمُكَاتَبِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُمَا لَا يُعْطَيَانِ إذَا قَدَرَا عَلَى الْكَسْبِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ في فصليهما والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَقَدْ اخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَهِيَ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ أَكْمَلَ بَسْطٍ وَأَنَا أَنْقُلُ فِيهَا عُيُونَ مَا ذَكَرُوهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَلَدِهِ وَلَا وَالِدِهِ الَّذِي يَلْزَمُهُ نفقته من سهم الفقراء والمساكين لعلتين (احداهما) أَنَّهُ غَنِيٌّ بِنَفَقَتِهِ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ يَجْلِبُ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا وَهُوَ مَنْعُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ وَالْمُكَاتَبِينَ وَالْغَارِمِينَ وَالْغُزَاةِ إذَا كَانَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ ان كان ممن يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِأَنَّ نَفْعَهُ يَعُودُ إلَيْهِ وَهُوَ إسْقَاطُ النَّفَقَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ جَازَ دَفْعُهُ إلَيْهِ (وَأَمَّا) سَهْمُ ابْنِ السَّبِيلِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ السييل أَعْطَاهُ مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَزِيدُ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ وَيُعْطِيهِ الْمَرْكُوبَ وَالْحَمُولَةَ لِأَنَّ هَذَا لَا يَلْزَمُ الْمُنْفِقَ وَلَا
يُعْطِيهِ قَدْرَ نَفَقَةِ الْحَضَرِ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ وَبِهَذَا قَطَعَ كَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ لَا يُعْطِيهِ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ بَلْ يُعْطِيهِ الْحَمُولَةَ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَالْحَمُولَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي السَّفَرِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ وَلَدَهُ وَوَالِدَهُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ إذَا كَانَ عَامِلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُعْطِيَ الْعَامِلَ شَيْئًا مِنْ زَكَاتِهِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَرَادَ الْأَصْحَابُ إذَا كَانَ الدَّافِعُ هُوَ الْإِمَامُ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ وَلَدَ رَبِّ الْمَالِ وَوَالِدِهِ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ إذَا كَانَ عَامِلًا مِنْ زَكَاةِ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الذى يعطيه هو الذى يلزمه نفقته فلو اعطاه غيره فَقَدْ أَطْلَقَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يعطي لانه مستغن بالنفقة الواجبة عَلَى قَرِيبِهِ (وَأَمَّا) إذَا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ الوالد فقيرا أو مسكينا وقلنا في فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ فَيَجُوزُ لِوَالِدِهِ وَوَلَدِهِ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْأَجْنَبِيِّ (وَأَمَّا) الزَّوْجَةُ (فَإِنْ) أَعْطَاهَا غَيْرُ الزَّوْجِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَفِيهَا الْوَجْهَانِ كَالْوَلَدِ وَالْوَالِدِ (وَالْأَصَحُّ) لَا يَجُوزُ (وَأَمَّا) الزَّوْجُ فَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ
يُعْطِيَهَا شَيْئًا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ الْوَجْهَانِ كَالْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ النفقة عن نفسه بل نقتها عِوَضٌ لَازِمٌ سَوَاءٌ كَانَتْ غَنِيَّةً أَمْ فَقِيرَةً كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ فَقِيرًا فَإِنَّ لَهُ صَرْفَ الزكاة إليه مع الاجرة وَالصَّحِيحُ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ وَعَلَيْهَا التَّفْرِيعُ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا مُسْتَقْصَاةٌ فِي سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {فَإِنْ دفع الامام الزكاة الي من ظاهره الفقر ثم بان انه غني لم يجزئ ذلك عن الفرض فان كان باقيا استرجع ودفع الي فقير وان كان فانيا اخذ البدل وصرفه الي فقير فان لم يكن للمدفوع إليه مال لم يجب علي رب المال ضمانه لانه قد سقط عنه الفرض بالدفع إلى الامام ولا يجب علي الامام لانه امين غير مفرط فهو كالمال الذى تلف في يد الوكيل وان كان الذى دفع رب المال فان لم يبين عند الدفع أنه زكاة لم يكن له أن يرجع لانه قد يدفع عن زكاة واجبة وعن تطوع فإذا ادعى الزكاة كان متهما فلم يقبل قوله ويخالف الامام فان الظاهر من حاله انه لا يدفع الا الزكاة فثبت له الرجوع وان كان
قد بين انها زكاة رجع فيها ان كانت باقية وفي بدلها ان كانت فانية فان لم يكن للمدفوع إليه مال فهل يضمن رب المال الزكاة فيه قولان
(أحدهما)
لا يضمن لانه دفع بالاجتهاد فهو كالامام
(والثانى)
يضمن لانه كان يمكنه ان يسقط الفرض بيقين بان يدفعه إلى الامام فإذا فرق بنفسه فقد فرط فلزمه الضمان بخلاف الامام وان دفع الزكاة الي رجل ظنه مسلما فكان كافرا أو الي رجل ظنه حرا فكان عبدا فالمذهب أن حكمه حكم مالو دفع الي رجل ظنه فقيرا فكان غنيا ومن أصحابنا من قال يجب الضمان ههنا قولا واحدا لان حال الكافر والعبد لا يخفى فكان مفرطا في الدفع اليهما وحال الغنى قد يخفي فلم يكن مفرطا}
* {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ الزَّكَاةَ إلَى الْإِمَامِ وَدَفَعَهَا الْإِمَامُ إلَى مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ فَبَانَ غَنِيًّا لَمْ يَجُزْ عَنْ الزَّكَاةِ فَيُسْتَرْجَعُ مِنْهُ الْمَدْفُوعُ سَوَاءٌ بَيَّنَ الْإِمَامُ حَالَ الدَّفْعِ أَنَّهَا زَكَاةٌ أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ مِنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ تَطَوُّعًا وَلَا يَدْفَعُ إلَّا وَاجِبًا مِنْ زَكَاةٍ وَاجِبَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ تَلِفَ فَبَدَلُهُ وَيَصْرِفُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِرْجَاعُ مِنْ الْقَابِضِ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ بَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ هَاشِمِيًّا أَوْ مُطَّلِبِيًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فيه ثلاث طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) يَضْمَنُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَضْمَنُ قَطْعًا لِتَفْرِيطِهِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُخْفَوْنَ إلَّا بِإِهْمَالٍ
(وَالثَّالِثُ) لَا يَضْمَنُ قَطْعًا لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ هَذَا كُلُّهُ إذَا فَرَّقَ الْإِمَامُ فَلَوْ فَرَّقَ رَبُّ الْمَالِ فَبَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ غَنِيًّا لَمْ يَجُزْ عَنْ الْفَرْضِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيَّنَ أَنَّهَا زَكَاةٌ لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ بَيَّنَ رَجَعَ فِي عَيْنِهَا فَإِنْ تَلِفَتْ فَفِي بَدَلِهَا فَإِذَا قَبَضَهُ صَرَفَهُ إلَى فَقِيرٍ آخَرَ فَإِنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِرْجَاعُ فَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ وَالْإِخْرَاجُ ثَانِيًا عَلَى الْمَالِكِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ يَجِبُ (وَالْقَدِيمُ) لَا يَجِبُ وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ بَيَّنَ وَتَعَذَّرَ الِاسْتِرْجَاعُ ام لم يبين ومنعنا الاسترجاع ولو دفعها رَبُّ الْمَالِ إلَى مَنْ ظَنَّهُ مُسْتَحِقًّا فَبَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ هَاشِمِيًّا أَوْ مُطَّلِبِيًّا وَجَبَ الِاسْتِرْجَاعُ فَإِنْ اسْتَرْجَعَ أَخْرَجَهُ إلَى فَقِيرٍ آخَرَ فَإِنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِرْجَاعُ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا
(الْمَذْهَبُ) أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ وَيَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ ثَانِيًا وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ سَهْمَ الْغَازِي وَالْمُؤَلَّفِ فَبَانَ امْرَأَةً فَهُوَ كَمَنْ بَانَ عَبْدًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَحُكْمُ الْكَفَّارَةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ فِيمَا لَوْ بَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ حُكْمُ الزَّكَاةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَإِذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ عَبْدًا تَعَلَّقَ الْغُرْمُ بِذِمَّتِهِ لَا بِرَقَبَتِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا لانه وجب وَجَبَ عَلَيْهِ بِرِضَى مُسْتَحِقِّهِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا لَزِمَهُ بِرِضَى مُسْتَحِقِّهِ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ لَا بِرَقَبَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَمَنْ وَجَبَتْ عليه الزكاة وتمكن من ادائها فلم يفعل حتي مات وجب قضاء ذلك من تركته لانه حق مال لزمه في حال الحياة فلم يسقط بالموت كدين الآدمى فان اجتمع الزكاة ودين الآدمى ولم يتسع المال للجميع ففيه ثلاثة أقوال (احدها) يقدم دين الآدمى لان مبناه علي التشديد والتأكيد وحق الله تعالى مبني علي التخفيف ولهذا لو وجب عليه قتل قصاص وقتل ردة قدم قتل القصاص
(والثانى)
تقدم الزكاة لقوله صلي الله عليه وسلم في الحج " فدين الله احق ان يقضي "(والثالث) يقسم بينهما لانهما تساويا في الوجوب فتساويا في القضاء}
* {الشرح} هذا الحديث في صحيحي الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي الصَّوْمِ " أَنَّ رَجُلًا قَالَ يارسول اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى "(وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ حَقُّ مَالٍ احْتِرَازٌ من الصلاة (وقوله) لزمه في حيال الْحَيَاةِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْلِ (أَمَّا) حكم الفصل
فَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَائِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَدَائِهَا عَصَى وَوَجَبَ إخْرَاجُهَا مِنْ تَرِكَتِهِ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ بِالْمَوْتِ وَهُوَ مَذْهَبٌ عَجِيبٌ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ الزَّكَاةُ تَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي وَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَهَذَا طَرِيقٌ إلَى سُقُوطِهَا
* وَدَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ دَيْنٌ لِلَّهِ تَعَالَى ودين لآدمي كَزَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ففيه ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِأَدِلَّتِهَا (أَصَحُّهَا) يُقَدَّمُ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى (وَالثَّانِي)
دَيْنُ الْآدَمِيِّ (وَالثَّالِثُ) يَسْتَوِيَانِ فَتُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا بِنِسْبَتِهِمَا وَحَكَى بَعْضُ الخراسانيين طريقا آخر ان الزَّكَاةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَيْنِ تُقَدَّمُ قَطْعًا وَإِنَّمَا الْأَقْوَالُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَسْتَرْسِلُ فِي الذِّمَّةِ مَعَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّ وَقَدْ تَكُونُ الزَّكَاةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فَيَتْلَفُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَالْإِمْكَانِ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَهُ تِرْكَةٌ فَالزَّكَاةُ هُنَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ فَفِيهَا الْأَقْوَالُ
* وَأَجَابُوا عَنْ حُجَّةِ مَنْ قَدَّمَ دَيْنَ الْآدَمِيِّ وَقِيَاسُهُ عَلَى قَتْلِ الرِّدَّةِ وَقَطْعِ السَّرِقَةِ بِأَنَّهُ إنَّمَا قدمنا حق الآمي هُنَاكَ لِانْدِرَاجِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي ضِمْنِهِ وَحُصُولِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ إعْدَامُ نَفْسِ الْمُرْتَدِّ وَيَدِ السَّارِقِ وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ الدُّيُونِ وَلِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ حِكَايَةً عَنْهُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْقَدِيمِ يُسَمِّي مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَاشِيَةِ صَدَقَةً وَمِنْ الْمُعَشَّرَاتِ عُشْرًا وَمَنْ النَّقْدَيْنِ زَكَاةً فَقَطْ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فِي الْجَدِيدِ وَقَالَ يُسَمَّى الْجَمِيعُ صَدَقَةً وَزَكَاةً وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بَابًا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ مِنْ سُنَنِهِ تَرْجَمَتُهُ بَابُ الْأَغْلَبِ عَلَى أَفْوَاهِ الْعَامَّةِ أَنَّ فِي التَّمْرِ الْعُشْرَ وَفِي الْمَاشِيَةِ الصَّدَقَةَ وَفِي الْوَرِقِ الزَّكَاةَ قَالَ وَقَدْ سُمِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا كُلَّهُ صَدَقَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ لَهُ صَدَقَةٌ وَزَكَاةٌ وَمَعْنَاهُمَا عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " ليس مافى دون خمس ذود صدقه ولا مافى دون خمس أواق صدقة ولا فيم دون خمسة أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُوتُ فَيَتْرُكُ غَنَمًا أَوْ إبِلًا أَوْ بَقَرًا لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا إلَّا جَاءَتْ أَعْظَمَ مَا يكون تطوه بِأَظْلَافِهَا " الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي زَكَاةِ الْكَرْمِ " يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا
كَمَا تُؤَدَّى مِنْ زَكَاةِ النَّخْلِ تَمْرًا " وَهَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ زَكَاةِ الثِّمَارِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تُبْطِلُ الْقَوْلَ بِالْفَرْقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) إذَا دَفَعَ الْمَالِكُ أَوْ غَيْرُهُ الزَّكَاةَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَلَمْ يَقُلْ هِيَ زكاة ولا تكلم بشئ أَصْلًا أَجْزَأَهُ وَوَقَعَ زَكَاةً هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي
قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَآخَرُونَ وَهِيَ مَفْهُومَةٌ مِنْ تَفَارِيعِ الْأَصْحَابِ وَكَلَامِهِمْ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ مَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ مُصَرِّحَةٌ بِذَلِكَ (مِنْهَا) قَوْلُهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْأَخِيرِ: إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ فَبَانَ غَنِيًّا فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ الدَّفْعِ أَنَّهَا زَكَاةٌ لَمْ يَرْجِعْ وَاسْتَعْمَلَ مِثْلَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الْأَصْحَابُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ فِي آخِرِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ مِنْ كِتَابِهِ التَّجْرِيدِ إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى الْإِمَامِ أَوْ الْفَقِيرِ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ شَيْئًا قَالَ وَقَالَ أَبُو علي بن أبي هريرة لابد مِنْ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ كَالْهِبَةِ وَهَذَا لَيْسَ بشئ فَنَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى فَقِيرٍ وَالدَّافِعُ غَيْرُ عَارِفٍ بِالْمَدْفُوعِ بِأَنْ كَانَ مَشْدُودًا فِي خِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا لَا يَعْلَمُ جِنْسَهُ وَقَدْرَهُ وَتَلِفَ فِي يَدِ الْمِسْكِينِ فَفِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ احْتِمَالَانِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْقَابِضِ لَا تُشْتَرَطُ فَكَذَا مَعْرِفَةُ الدَّافِعِ هَذَا كَلَامُهُ (وَالْأَظْهَرُ) الْإِجْزَاءُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ يَسْأَلُ الْآخِذُ دَافِعَ الزَّكَاةِ عَنْ قَدْرِهَا فَيَأْخُذُ بَعْضَ الثَّمَنِ بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْ الثَّمَنِ مَا يَدْفَعُهُ إلَى اثْنَيْنِ مِنْ صِنْفِهِ فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ الثمن بكماله حُرِّمَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ قَالَ وَهَذَا السُّؤَالُ وَاجِبٌ فِي أَكْثَرِ النَّاسِ فَإِنَّهُمْ لَا يُرَاعُونَ هَذَا إمَّا لِجَهْلٍ وَإِمَّا لِتَسَاهُلٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَرْكُ السُّؤَالِ عَنْ مِثْلِ هَذَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ احْتِمَالُ التَّحْرِيمِ (الرَّابِعَةُ) الْأَفْضَلُ فِي الزَّكَاةِ إظْهَارُ إخْرَاجِهَا لِيَرَاهُ غَيْرُهُ فَيَعْمَلُ عَمَلَهُ وَلِئَلَّا يُسَاءَ الظَّنُّ بِهِ وَهَذَا كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْإِخْفَاءُ فِي نَوَافِلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ إذَا أَخَّرَ تَفْرِيقَ الزَّكَاةِ إلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَمَنْ كَانَ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا أَوْ غَارِمًا أَوْ مُكَاتَبًا مِنْ سَنَتِهِ إلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ خُصُّوا بِصَدَقَةِ الْمَاضِي وَشَارَكُوا غَيْرَهُمْ في الثانية فيعطون من صدقة العامين وَمَنْ كَانَ غَازِيًا أَوْ ابْنَ سَبِيلٍ أَوْ مؤلفا لم يخصوا بشئ (السادسة) لا يجوز دفع القيمة في شئ مِنْ الزَّكَوَاتِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي آخِرِ بَابِ زَكَاةِ الْغَنَمِ وَاَللَّهُ تعالي اعلم
*
[باب صدقة التطوع]
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ فِي سُنَنِهِمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَكِنْ وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي الدِّينَارِ الثَّالِثِ " أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ " وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد " تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ أَوْ زَوْجِكَ " كَذَا جَاءَ عَلَى الشَّكِّ وَهُمَا لُغَتَانِ فِي الْمَرْأَةِ يُقَالُ لَهَا زَوْجٌ وَزَوْجَةٌ وَحَذْفُ الْهَاءِ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي كُلِّ الدَّنَانِيرِ " أَنْفِقْهُ عَلَى كَذَا " وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد " تَصَدَّقَ بِهِ " بَدَلَ أَنْفِقْهُ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْآخَرُ " كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ " فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بلفظه باسناد صحيح ورواه مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ " كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ " وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَى مَا مَعَهُ لِنَفَقَةِ نَفْسِهِ أَوْ عِيَالِهِ هَلْ يَتَصَدَّقُ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَتَابَعَهُمْ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ وَرُبَّمَا قِيلَ يُكْرَهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ قَبْلَ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ مِنْ الزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَقِيلَ الْإِنْفَاقُ عَلَى مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ مِنْ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ وَلَا مُخْتَارَةٍ هَذَا لَفْظُهُ
(وَالثَّانِي)
يُكْرَهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه إشَارَةٌ إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بِمَنْ يَعُولُ لِأَنَّ نَفَقَةَ مَنْ يَعُولُ فَرْضٌ وَالْفَرْضُ أَوْلَى بِهِ مِنْ النَّفْلِ ثُمَّ بِقَرَابَتِهِ
ثُمَّ مَنْ شَاءَ هَذَا نَصُّهُ رضي الله عنه (فَإِنْ قِيلَ) يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَمُوَافِقِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه " أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ بَاتَ بِهِ ضَيْفٌ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ نَوِّمِي الصِّبْيَانَ وَأَطْفِئْ السِّرَاجَ وَقَدِّمِي لِلضَّيْفِ مَا عِنْدَكِ " فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَبْسَطُ مِنْ هَذَا (فَالْجَوَابُ) مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إنَّمَا هُوَ ضِيَافَةٌ وَالضِّيَافَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْفَضْلُ عَنْ عِيَالِهِ وَنَفْسِهِ لِتَأَكُّدِهَا وَكَثْرَةِ الْحَثِّ عَلَيْهَا حَتَّى أن جماعة من العلماء أوجبوها (الثاني) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ لَمْ يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ حِينَئِذٍ بَلْ كَانُوا قَدْ أَكَلُوا حَاجَتَهُمْ (وَأَمَّا) الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ فَتَبَرَّعَا بِحَقِّهِمَا وَكَانَا صَابِرَيْنِ فَرِحَيْنِ بِذَلِكَ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمَا (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُهُ نَوِّمِي صِبْيَانَكِ وَغَيْرُ هَذَا اللَّفْظِ مِمَّا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ كَانُوا جِيَاعًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الصِّبْيَانَ لَا يَتْرُكُونَ الْأَكْلَ عِنْدَ حُضُورِ الطَّعَامِ وَلَوْ كَانُوا شِبَاعًا فَخَافَ إنْ بَقُوا مُسْتَيْقِظِينَ أَنْ يَطْلُبُوا الْأَكْلَ عِنْدَ حُضُورِ الطَّعَامِ عَلَى الْعَادَةِ فَيُنَكِّدُوا عَلَيْهِمَا وَعَلَى الضَّيْفِ لِقِلَّةِ الطَّعَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا أَرَادَ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لِمَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ يَكْرَهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ لَا يُسْتَحَبُّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يُسْتَحَبُّ وَرُبَّمَا قِيلَ يُكْرَهُ هَذَا كَلَامُهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ الْوَفَاءِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَا بَأْسَ بِالصَّدَقَةِ وَقَدْ تُسْتَحَبُّ وَإِلَّا فَلَا تَحِلُّ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يحمل كلام الاصحاب المطلق والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
* {فان فضل عما يلزمه استحب له ان يتصدق لقوله صلى الله عليه وسلم " ليتصدق الرجل من ديناره وليتصدق من درهمه وليتصدق من صاع بره وليتصدق من صاع تمره " وروى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من اطعم جائعا اطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمنا على ظمأ سقاه الله عز وجل يوم القيامة من الرحيق المختوم يوم القيامة ومن كسا مؤمنا عاريا كساه الله تعالى من خضر الجنة " ويستحب الاكثار منه في شهر رمضان لِمَا رَوَى
ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ الناس بالخير وكان اجود ما كون في رمضان " فان كان ممن يصبر علي الاضافة استحب له التصدق بجميع ماله لما روى
عمر رضي الله عنه قَالَ " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم اسبق ابا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ما ابقيت لاهلك فقلت مثله واتي أبو بكر رضى الله عنه بكل ماله فقال له رسول صلي الله عليه وسلم ما ابقيت لاهلك فقال ابقيت لهم الله ورسوله فقلت لااسابقك إلى شئ ابدا " وان كان ممن لا يصبر علي الاضافة كره له ذلك لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه قَالَ " بينما نحن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل بمثل البيضة من الذهب اضابها من بعض المعادن فأتاه من ركنه الايسر فقال يارسول الله خذها صدقة فوالله ما اصبحت املك غيرها فأعرض عنه ثم جاءه من رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثم اتاه من بين يديه فقال مثل ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هاتها مغضبا فحذف بها حذفة لو اصابه لاوجعه أو عقره ثم قال صلي الله عليه وسلم يأتي احدكم بماله كله يتصدق به ثم يجلس بعد ذلك يتكفف الناس انما الصدقة عن ظهر غنى "}
* {الشَّرْحُ} (أَمَّا) الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ " لِيَتَصَدَّقْ الرَّجُلُ مِنْ دِينَارِهِ " إلَى آخِرِهِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِهِ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَحَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ كُلُّهُ صَحِيحٌ إلَّا أنه من رواية محمد ابن اسحق صَاحِبِ الْمَغَازِي عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قتادة ومحمد بن اسحق مُدَلِّسٌ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَالظَّمَأُ الْعَطَشُ وَالرَّحِيقُ الْخَمْرُ الصَّافِيَةُ وَخُضْرُ الْجَنَّةِ بِإِسْكَانِ الضَّادِ أَيْ ثِيَابُهَا الْخُضْرُ (قَوْلُهُ) وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ رُوِيَ بِرَفْعِ الدَّالِ وَنَصْبِهَا وَالرَّفْعُ أَجْوَدُ (وَحَدِيثُ) عُمَرَ رضي الله عنه هَكَذَا هُوَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ كَمَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ (وَأَمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ الْوَسِيطِ فِي آخِرِهِ إنَّ النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم قَالَ " بَيْنَكُمَا كَمَا بَيْنَ كَلِمَتَيْكُمَا " فَزِيَادَةٌ لَا تُعْرَفُ في الحديث (وقوله) بينما نَحْنُ أَيْ بَيْنَ أَوْقَاتِ قُعُودِنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَقَوْلُهُ) مِنْ رُكْنِهِ بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ جَانِبِهِ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ تَغْيِيرٌ فِي تَرْتِيبِهِ وَلَفْظِهِ وَاَلَّذِي فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد " جَاءَ رَجُلٌ بِمِثْلِ بَيْضَةٍ من ذهب فقال يارسول اللَّهِ أَصَبْتُ هَذِهِ مِنْ مَعْدِنٍ فَخُذْهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الْأَيْسَرِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَذَفَهُ بِهَا فَلَوْ أَصَابَتْهُ لَأَوْجَعَتْهُ
أو لعقرته " ثم ذكرنحو الْبَاقِي (وَقَوْلُهُ) فِي رِوَايَةِ الْكِتَابِ هَاتِهَا هُوَ بكسر التاء وَلَا يَجُوزُ فَتْحُهَا بِلَا خِلَافٍ (وَقَوْلُهُ) مُغْضَبًا بِفَتْحِ الضَّادِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ (وَقَوْلُهُ) فَحَذَفَهُ بِهَا الْحَاذِفُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَذَفَهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ رَمَاهُ بِهَا وَإِنَّمَا قَيَّدْتُهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ لِأَنِّي رَأَيْتُ مِنْ صَحَّفَهُ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا حَذَفَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (وَقَوْلُهُ) لَأَوْجَعَهُ أَوْ عَقَرَهُ أَيْ جَرَحَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد لَأَوْجَعَتْهُ أَوْ عَقَرَتْهُ " يَعْنِي الْقِطْعَةَ الْمَحْذُوفَ بِهَا (وَقَوْلُهُ) يَتَكَفَّفُ النَّاسَ أَيْ يَطْلُبُ الصَّدَقَةَ وَيَتَعَرَّضُ لِأَخْذِ مَا يَكْفِيهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد يَسْتَكْفِ وَهُمَا صَحِيحَانِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يقال فيه تكفف واستكف (وَقَوْلُهُ) عَنْ ظَهْرِ غِنَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ عَنْ غِنًى يَعْتَمِدُهُ وَيَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى النَّوَائِبِ وذكر صَاحِبُ الْحَاوِي لَهُ مَعْنَيَيْنِ هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ معناه الاستغناء عن اداء الواجبات والاصح ماقاله غيرهما إنَّ الْمُرَادَ غِنَى النَّفْسِ إنَّمَا تَصْلُحُ الصَّدَقَةُ لِمَنْ قَوِيَتْ نَفْسُهُ وَاسْتَغْنَتْ بِاَللَّهِ سبحانه وتعالى وَثَبَتَ يَقِينُهُ وَصَبَرَ عَلَى الْفَقْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَّا) حُكْمُ الْفَصْلِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً يُسْتَحَبُّ لِمَنْ فَضَلَ عَنْ كِفَايَتِهِ وما يلزمه شئ أَنْ يَتَصَدَّقَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَدَلَائِلُهُ مَشْهُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّدَقَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: وَهِيَ فِي رَمَضَانَ آكَدُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ لِلْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ وَلِأَنَّ النَّاسَ يَشْتَغِلُونَ فِيهِ عَنْ الْمَكَاسِبِ بِالصِّيَامِ وَإِكْثَارِ الطَّاعَاتِ فَتَكُونُ الْحَاجَةُ فِيهِ أَشَدَّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَسِّعَ فِيهِ عَلَى عِيَالِهِ وَيُحْسِنَ إلَى ذَوِي أَرْحَامِهِ وَجِيرَانِهِ لاسيما فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا
يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّدَقَةِ عِنْدَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَعِنْدَ الْكُسُوفِ وَالسَّفَرِ وَبِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَفِي الْغَزْوِ وَالْحَجِّ وَالْأَوْقَاتِ الْفَاضِلَةِ كَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَأَيَّامِ الْعِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ هِيَ آكَدُ مِنْ غَيْرِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ الْفَاضِلِ عَنْ دَيْنِهِ وَنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَسَائِرِ مُؤَنِهِمْ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) نَعَمْ (وَالثَّانِي) لَا (وَأَصَحُّهَا) إنْ صَبَرَ عَلَى الْإِضَافَةِ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا قَطَعَ المصنف والجمهور وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يخص بالصدقة الاقارب لقوله صلى الله عليه وسلم لزينب امرأة عبد الله بن مسعود " زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم " وفعلها في السر أفضل لقوله عز وجل (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) ولما رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " صلة الرحم تزيد في العمر وصدقة السر تطفئ غضب الرب وصنائع
المعروف تقى مصارع السوء " وتحل صدقة التطوع للاغنياء ولبني هاشم وبني المطلب لما روى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّهُ كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل له أتشرب من الصدقة فقال انما حرمت علينا الصدقة المفروضة "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُمَا " أَنَّ زَيْنَبَ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَامْرَأَةً أُخْرَى أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتَا لِبِلَالٍ سَلْ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَزْوَاجُنَا وَيَتَامَى في حجورنا هل بجزئ ذَلِكَ عَنْهُمَا عَنْ الصَّدَقَةِ - يَعْنِي النَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نعم لهما أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ " وَفِي صَحِيحَيْ البخاري ومسلم عن ميمونة ام المؤمنين رضي الله عنها " أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً لَهَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ "(وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ " صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمْرِ " إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ (1) وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ إمَامٌ عَادِلٌ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرب وتدفع مسبة السُّوءِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ (قُلْتُ) فِي إسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى الْخَزَّازِ
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَمَعْنَى الزِّيَادَةِ فِي الْعُمْرِ الْبَرَكَةُ فِيهِ بِالتَّوْفِيقِ لِلْخَيْرِ وَالْحِمَايَةِ مِنْ الشَّرِّ وَقِيلَ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَظْهَرُ لِلْمَلَائِكَةِ بِأَنْ يُقَالُ لَهُمْ عُمْرُ فُلَانٍ إنْ لَمْ يَصِلْ رَحِمَهُ خَمْسُونَ سَنَةً فَإِنْ وَصَلَهُ فَسِتُّونَ فَيَزِيدُ بِالصِّلَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ (وأما) بالنسبة الي علم الا تَعَالَى فَلَا زِيَادَةَ لِأَنَّهُ سبحانه وتعالى قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَصِلُ رَحِمَهُ وَيَعِيشُ السِّتِّينَ وَاَللَّهُ تعالي أعلم (وأما) جعفر بن محمد فهو جعفر الصادق ابن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ مِنْ الْأَجَانِبِ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ فِي اسْتِحْبَابِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْقَرِيبِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَرِيبُ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَوْ غَيْرُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ دَفْعُهَا إلَى قَرِيبٍ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا إلَى الْأَجْنَبِيِّ (وَأَمَّا) تَرْتِيبُ الْأَقَارِبِ فِي التَّقْدِيمِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي آخِرِ بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قال اصحابنا ويستحب تخصيص الاقارب
(1) بياض بالاصل فحرر
على الاجانب بالزكاة حيت يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ كَمَا قُلْنَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهَكَذَا الْكَفَّارَاتُ وَالنُّذُورُ وَالْوَصَايَا وَالْأَوْقَافُ وَسَائِرُ جِهَاتِ الْبِرِّ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَقَارِبِ فِيهَا حَيْثُ يَكُونُونَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَاَللَّهُ تعالي أَعْلَمُ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْصِدَ بِصَدَقَتِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ أَشَدَّهُمْ لَهُ عَدَاوَةٌ لِيَتَأَلَّفَ قَلْبَهُ وَيَرُدَّهُ إلَى الْمَحَبَّةِ وَالْأُلْفَةِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُجَانَبَةِ الرِّيَاءِ وَحُظُوظِ النُّفُوسِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ الْإِخْفَاءُ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ الله في ظله يوم لاظل إلَّا ظِلُّهُ " فَذَكَرَ مِنْهُمْ " وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) الزَّكَاةُ فَيُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّافِلَةُ يُنْدَبُ إخْفَاؤُهَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا فِي آخِرِ قِسْمِ الصَّدَقَاتِ (الثَّالِثَةُ) تَحِلُّ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لِلْأَغْنِيَاءِ بِلَا خِلَافٍ فَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ وَيُثَابُ دَافِعُهَا عَلَيْهَا وَلَكِنَّ الْمُحْتَاجَ أَفْضَلُ
قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ التَّنَزُّهُ عَنْهَا وَيُكْرَهُ التَّعَرُّضُ لِأَخْذِهَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَا يَحِلُّ لِلْغَنِيِّ أَخْذُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ مُظْهِرًا لِلْفَاقَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ " أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ مَاتَ فَوُجِدَ لَهُ دِينَارَانِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَيَّتَانِ مِنْ نَارٍ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) إذَا سَأَلَ الْغَنِيُّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فَقَدْ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ (1) إذَا كَانَ غَنِيًّا عَنْ الْمَسْأَلَةِ بِمَالٍ أَوْ بِضَيْعَةٍ فَسُؤَالُهُ حَرَامٌ وَمَا يَأْخُذُهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ هذا لفظه وقال الغزالي وغيره من اصحابا فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ فِي تَحْرِيمِ السُّؤَالِ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ وَجْهَانِ قَالُوا وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ كَمَا قَالُوا فَفِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَشْدِيدٌ أَكِيدٌ فِي النَّهْيِ عَنْ السُّؤَالِ وَظَوَاهِرُ كَثِيرَةٌ تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ (وَأَمَّا) السُّؤَالُ لِلْمُحْتَاجِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا مكروه صرح بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) هَلْ تَحِلُّ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ تَحِلُّ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَحِلُّ (وَالثَّانِي) تحرم (واما) صدقة التطوع للنبى
(1) بياض بالاصل فحرر
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إمَامُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُ منهم القفال والمروزي امام الخراسانيين وغيرهم منهم (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ فَحَصَلَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَحَقِّ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) تَحِلُّ لَهُمْ دُونَهُ صلى الله عليه وسلم (وَالثَّانِي) لَهُمْ وَلَهُ (وَالثَّالِثُ) تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا تَيَسَّرَ وَلَا يَسْتَقِلُّهُ وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِهِ لِقِلَّتِهِ وَحَقَارَتِهِ فان قليل الْخَيْرُ كَثِيرٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا قَبِلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَارَكَ فِيهِ فَلَيْسَ هُوَ بِقَلِيلٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خيرا يره) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَدِّي بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " اتقوا النار ولو بشق ثمرة " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا ولو فرس شاة " قال أهل اللغة الفرس مِنْ الْبَعِيرِ
وَالشَّاةِ كَالْحَافِرِ مِنْ غَيْرِهِمَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ
* {فَرْعٌ} يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخُصَّ بِصَدَقَتِهِ الصُّلَحَاءَ وَأَهْلَ الْخَيْرِ وَأَهْلَ الْمُرُوءَاتِ وَالْحَاجَاتِ فَلَوْ تَصَدَّقَ عَلَى فَاسِقٍ أَوْ عَلَى كَافِرٍ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ جَازَ وَكَانَ فِيهِ أَجْرٌ فِي الْجُمْلَةِ قال صاحب البيان قال الصميرى وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيُّ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَسِيرَ حَرْبِيٌّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " قَالَ رَجُلٌ لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى زَانِيَةٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ ان يستعف عن سرقته واما الزانية فلعلها تستعف عَنْ زِنَاهَا وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ وَيُنْفِقُ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ
يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلَ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقَى فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ فَغَفَرَ له قالوا يارسول اللَّهِ إنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا فَقَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍّ رَطْبَةٍ أَجْرٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا " بَيْنَمَا كَلْبٌ يَطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ " الموق الخف
* (فرع)
يكره تعمد الصدقة بالردئ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تنفقون) وَيُسْتَحَبُّ تَعَمُّدُ أَجْوَدِ مَالِهِ وَأَحَبُّهُ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ
* {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا تُكْرَهُ الصَّدَقَةُ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يختار أجل ماله وأبعد مِنْ الْحَرَامِ
وَالشُّبْهَةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَتِهِ وَالْفَلُوُّ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الواو ويقال بكسر الفاء وإسكان اللام هو وَلَدُ الْفَرَسِ فِي صِغَرِهِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَيْضًا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ قَالَ عز وجل يَا أيها الرسل كلوا من مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليم وَقَالَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طيبات ما رزقناكم ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ ومطعمه حرام ومشربه جرام وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ " رواه مسلم
* {فرع} من دفع الي وكليه أَوْ وَلَدِهِ أَوْ غُلَامِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ شَيْئًا يُعْطِيهِ لِسَائِلٍ أَوْ غَيْرِهِ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ دَفْعُهُ إلَى ذَلِكَ الْمُعِينِ استحب له أن لا يَعُودَ فِيهِ بَلْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ وَتَصَرَّفَ فِيهِ جَازَ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ
* {فَرْعٌ} قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ يُكْرَهُ لِمَنْ تَصَدَّقَ بشئ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ أَوْ دَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ زَكَاةً أَوْ كَفَّارَةً أَوْ عَنْ نَذْرٍ وَغَيْرِهَا مِنْ وُجُوهِ الطَّاعَاتِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ هِبَةٍ وَلَا يُكْرَهُ مِلْكُهُ مِنْهُ بِالْإِرْثِ وَلَا يُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ يَتَمَلَّكَهُ مِنْ غَيْرِهِ إذَا انْتَقَلَ إلَيْهِ
* وَاسْتَدَلُّوا فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ " حَمَلْتُ عَلَى فَرَسِي فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فقال لا تشتره وإن أعطا كه بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ " بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عند النبي صلي الله عليه وسلم إذا أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ ارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ وَاشْتَرَاهَا مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ
صَحَّ الشِّرَاءُ وَمَلَكَهَا لِأَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ النَّهْيُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ
* {فَرْعٌ} يُسْتَحَبُّ دَفْعُ الصَّدَقَةِ بِطِيبِ نَفْسٍ وَبَشَاشَةِ وَجْهٍ وَيَحْرُمُ الْمَنُّ بِهَا فَلَوْ مَنَّ بَطَلَ ثَوَابُهُ قَالَ الله تعالى (ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثُ مَرَّاتٍ قَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا من هم يارسول اللَّهِ قَالَ الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْمُرَادُ الْمُسْبِلُ إزَارَهُ أَوْ ثَوْبَهُ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ لِلْخُيَلَاءِ
* {فَرْعٌ} قَالَ صَاحِبُ المعاياة لَوْ نَذَرَ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ قَبْلَهُ وَلَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ جَازَ التَّصَدُّقُ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ
* {فَرْعٌ} فِي مَسَائِلَ مُهِمَّةٍ ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ (مِنْهَا) قَالَ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَنَّ الْمُحْتَاجَ هَلْ الْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَكَانَ الْجُنَيْدُ وَإِبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ وَجَمَاعَةٌ يَقُولُونَ الاخذ من الصدقة أَفْضَلُ لِئَلَّا يُضَيِّقَ عَلَى أَصْنَافِ الزَّكَاةِ وَلِئَلَّا يُخِلَّ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْآخِذِ بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ فَإِنَّ أَمْرَهَا أَهْوَنُ مِنْ الزَّكَاةِ وَقَالَ آخَرُونَ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى وَاجِبٍ وَلَوْ تَرَكَ أَهْلُ الزَّكَاةِ كُلُّهُمْ أَخْذَهَا أَثِمُوا وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا مِنَّةَ فِيهَا قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ فَإِنْ عَرَضَ لَهُ شُبْهَةٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ لَمْ يَأْخُذْ الزَّكَاةَ وَإِنْ قَطَعَ بِاسْتِحْقَاقِهِ نَظَرَ إنْ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ إنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ عَلَى هَذَا لَا يَتَصَدَّقُ فليأخذ الصدقة فان اخراج الزكاة لابد منه وان كان لابد مِنْ إخْرَاجِ تِلْكَ الصَّدَقَةِ وَلَمْ يُضَيِّقْ بِالزَّكَاةِ تَخَيَّرَ وَأَخْذُ الزَّكَاةِ أَشَدُّ فِي كَسْرِ النَّفْسِ وَذَكَرَ أَيْضًا اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي إخْفَاءِ أَخْذِ الصدقة واظهاره أَيُّهُمَا أَفْضَلُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضِيلَةٌ وَمَفْسَدَةٌ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخْذُ فِي الْمَلَأِ وَتَرْكُ الْأَخْذِ فِي الْخَلَاءِ أَحْسَنُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الْحَثِّ عَلَى سَقْيِ الْمَاءِ (مِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي
الْكِتَابِ (وَمِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقُ قَرِيبًا فِي فَرْعِ تَخْصِيصِ الصَّدَقَةِ بِالصُّلَحَاءِ (وَمِنْهَا) عَنْ
الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنه " أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ سَقْيُ الْمَاءِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ هَكَذَا وَهُوَ مُرْسَلٌ فَإِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يُدْرِكْ سَعْدًا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ عَنْ سَعْدٍ بِمَعْنَاهُ " قَالَ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ الْمَاءُ " وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَعْدٍ وَلَمْ يُدْرِكْهُ أَيْضًا فَهُوَ مُرْسَلٌ لَكِنَّهُ قد أسند قريب مِنْ مَعْنَاهُ كَمَا سَبَقَ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَحَادِيثِ الفضائل ويعمل فيها بالضعف فَبِهَذَا أَوْلَى وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ تَغْشَى حِيَاضِي هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ إنْ سَقَيْتُهَا قَالَ نَعَمْ فِي كل ذات كبد حرى أَجْرٌ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ
* {فَرْعٌ} فِي قوله تعالي (ويمنعون الماعون) قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ هُوَ إعَارَةُ الْقِدْرِ وَالدَّلْوِ وَالْفَأْسِ وَسَائِرِ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ هُوَ الزَّكَاةُ
* {فَرْعٌ} تُسْتَحَبُّ الْمَنِيحَةُ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ لَهُ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ ذَاتُ لَبَنٍ فَيَدْفَعُهَا إلَى مَنْ يَشْرَبُ لَبَنَهَا مدة ثُمَّ يَرُدُّهَا إلَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أربعون خصلة أعلا من مَنِيحَةُ الْعَنْزِ مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعِدِهَا إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ بِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " نِعْمَ الْمَنِيحَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً أَوْ الشَّاةُ الصَّفِيُّ تَغْدُو بِإِنَاءٍ وَتَرُوحُ بِإِنَاءٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةً غَدَتْ بِصَدَقَةٍ صَبُوحِهَا وَغَبُوقِهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ أُخَرُ صَحِيحَةٌ
* {فَرْعٌ} فِي ذَمِّ الْبُخْلِ وَالشُّحِّ وَالْحَثِّ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي الطَّاعَاتِ وَوُجُوهِ الْخَيْرَاتِ
* قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المفلحون) وَقَالَ تَعَالَى (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عنقك) وقال عز وجل (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه) وَعَنْ جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ اعط منفقا خلفا ويقول اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْفِقْ يُنْفَقُ عَلَيْكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه " انهم ذبحوا شاة فقال رسول اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنْهَا قَالَتْ مَا بَقِيَ مِنْهَا إلَّا كَتِفُهَا قَالَ بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ تَصَدَّقُوا بِهَا إلَّا كَتِفَهَا فَقَالَ بَقِيَتْ لَنَا فِي الْآخِرَةِ إلَّا كَتِفَهَا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* {فَرْعٌ} فِي فَضْلِ صَدَقَةِ الصَّحِيحِ الشَّحِيحِ
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أي الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمُلُ الْبَقَاءَ وَتَخَافُ الْفَقْرَ وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا أَلَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* {فَرْعٌ} فِي أَجْرِ الْوَكِيلِ فِي الصَّدَقَةِ وَبَيَانِ أَنَّهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ إذَا أَمْضَاهُ بِشَرْطِهِ
* عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْخَازِنُ الْمُسْلِمُ الْأَمِينُ الَّذِي يُنَفِّذُ مَا أُمِرَ بِهِ فَيُعْطِيهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبَةٌ بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إلَى الَّذِي أُمِرَ بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَضَبَطُوا الْمُتَصَدِّقِينَ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ
* {فَرْعٌ} يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا لِلسَّائِلِ وَغَيْرِهِ بِمَا أَذِنَ فِيهِ صَرِيحًا وَبِمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ إذَا عَلِمَتْ رِضَاهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ رِضَاهُ بِهِ فَهُوَ حَرَامٌ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَعَيِّنٌ وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ وَهَكَذَا حُكْمُ الْمَمْلُوكِ الْمُتَصَرِّفِ فِي مَالِ سَيِّدِهِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها
قَالَتْ " قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنُ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ أَجْرِهِ لَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا أَنْفَقَتْهُ وَتَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُهُ فَلَهَا أَجْرٌ وَلَهُ أَجْرٌ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَكَسْرِ الْبَاءِ قَالَ " أَمَرَنِي مَوْلَايَ أَنْ أُقَدِّدَ
لَحْمًا فَجَاءَنِي مِسْكِينٌ فَأَطْعَمْتُهُ مِنْهُ فَعَلِمَ بِذَلِكَ مَوْلَايَ فَضَرَبَنِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَدَعَاهُ فَقَالَ لِمَ ضَرَبْتَهُ فَقَالَ يُعْطِي طَعَامِي مِنْ غَيْرِ أَنْ آمُرَهُ فَقَالَ الْأَجْرُ بَيْنَكُمَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " كُنْتُ مَمْلُوكًا فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ مَوْلَايَ قَالَ نَعَمْ وَالْأَجْرُ بَيْنَكُمَا نِصْفَانِ " وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَرْضَى بِهِ سَيِّدُهُ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ سَيِّدَهُ يَرْضَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَمْ يَرْضَ لِكَوْنِهِ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ لِمَعْنًى آخَرَ فَيُثَابُ السَّيِّدُ عَلَى إخْرَاجِ مَالِهِ وَيُثَابُ الْعَبْدُ عَلَى نِيَّتِهِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ كَوْنِ الْأَجْرِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَنَّهُ قِسْمَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْرٌ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَا سَوَاءٌ فَقَدْ يَكُونُ أَجْرُ صَاحِبِ الْعَطَاءِ أَكْثَرَ وَقَدْ يَكُونُ أَجْرُ الْمَرْأَةِ وَالْخَازِنِ وَالْمَمْلُوكِ أَكْثَرَ بِحَسَبِ قَدْرِ الطَّعَامِ وَقَدْرِ التَّعَبِ فِي إنْفَاذِ الصَّدَقَةِ وَإِيصَالِهَا إلَى الْمَسَاكِينِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى " وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ وَالْيَدُ السُّفْلَى السَّائِلَةُ " وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ " الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ " وَعَقَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ بَابًا
* {فَرْعٌ} يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ الْجَنَّةِ وَيُكْرَهُ مَنْعُ مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ وَتَشَفَّعَ بِهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تسأل بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا الْجَنَّةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ فَأَعِيذُوهُ
وَمَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوَا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كافئتموهم " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ " فَأَثْنُوا عَلَيْهِ " بَدَلَ فَادْعُوَا لَهُ
* {فَرْعٌ} إذَا عُرِضَ عَلَيْهِ مَالٌ مِنْ حَلَالٍ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ أَخْذُهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ مَسْأَلَةٌ وَلَا تَطَلُّعٌ إلَيْهِ جَازَ له اخذه بلا كراهية وَلَا يَجِبُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ يَجِبُ لِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ مِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُذْهُ وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غير سائل ولا مشرف فخذه ومالا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ قَالَ فَكَانَ سَالِمٌ لَا يسأل احدا شَيْئًا أُعْطِيَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ دَلِيلُنَا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ يَا حَكِيمُ إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ له فيه ومن أَخَذَهُ بِإِشْرَافٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ من اليد السفلي قال
حكيم فقلت يارسول اللَّهِ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَدْعُوَا حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ إنَّ عُمَرَ رضي الله عنه دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أُشْهِدُكُمْ عَلَى حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الذى قسم الله له في هذا الفئ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تُوُفِّيَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (قوله) يَرْزَأُ بِرَاءٍ ثُمَّ زَايٍ وَآخِرُهُ مَهْمُوزٌ مَعْنَاهُ لم يأخذ من احد شيئا واصل الزرء النَّقْصُ أَيْ لَمْ يَنْقُصْ أَحَدًا شَيْئًا بِالْأَخْذِ مِنْهُ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اقره على هذا أو كذا أبو بكر وعمر وسائر الصحابة الحاضرون رضي الله عنهم وَحَدِيثُ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الصَّدَقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَا عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْهَا وَالسُّلَامَى الْعُضْوُ وَالْمَفْصِلُ وَجَمْعُهُ سَلَامِيَّاتٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامُ محففة فِي الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ
* اعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الصَّدَقَةِ إعْطَاءُ الْمَالِ وَنَحْوِهِ بِقَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (مِنْ ذَلِكَ) حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعرف صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وعنه ايضا قال " قلت يارسول اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ قُلْتُ أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ قَالَ أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَالَ تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تصنع لا خرق قلت يارسول اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ قَالَ تَكُفُّ شَرَّكَ عَنْ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ أيضا " ان ناسا قالوا يارسول اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ قال أو ليس قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ بِهِ إن كل تسبيحة صدقة وتكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعرف صدقة ونهى عن منكر صدقة وفى بضع أحدكم صدقة قالوا يارسول اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ أَوْ يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَمْشِيهَا إلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " قَالَ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ إنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى ستين وثلثمائة مِفْصَلٍ فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَهَلَّلَ اللَّهَ وَسَبَّحَ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عن منكر عدد الستين والثلثمائة فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنْ النَّارِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ مِنْ رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مامن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صدقة ولا يرزأه إلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " فَلَا يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْسًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا طَيْرٌ إلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شئ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً " وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَيَرْزَأَهُ أَيْ يُنْقِصُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا صِلَةُ الْأَرْحَامِ وَالْإِحْسَانُ إلَى الْأَقَارِبِ وَالْيَتَامَى وَالْأَرَامِلِ وَالْجِيرَانِ وَالْأَصْهَارِ وَصِلَةِ أَصْدِقَاءِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَزَوْجَتِهِ وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ وَقَدْ جَاءَتْ فِي جَمِيعِ هَذَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحِ جَمَعْتُ مُعْظَمَهَا فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
[كِتَابُ الصِّيَامِ]
فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ وَيُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ إمْسَاكٍ يُقَالُ صَامَ إذَا سَكَتَ وَصَامَتْ الْخَيْلُ وَقَفَتْ وفى الشرع امساك مخصوص عن شئ مخصوص في زَمَنٍ مَخْصُوصٍ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ وَيُقَالُ رَمَضَانُ وشهر رمضان هذا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ قَالُوا وَلَا كَرَاهَةَ فِي قَوْلِ رَمَضَانُ وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ بَلْ لَا يُقَالُ إلَّا شَهْرُ رَمَضَانَ سَوَاءٌ إنْ كان هناك
قَرِينَةٌ أَمْ لَا وَزَعَمُوا أَنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَالطَّرِيقُ إلَيْهِمَا ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ
* وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا تَقُولُوا رَمَضَانَ فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ قُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ " وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَالضَّعْفُ فِيهِ بَيِّنٌ فَإِنَّ مِنْ رُوَاتِهِ نَجِيحَ السندي وهو ضعيف سئ الْحِفْظِ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ إنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ إلى الشهر فَلَا كَرَاهَةَ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ قَالُوا فَيُقَالُ صُمْنَا رَمَضَانَ وَقُمْنَا رَمَضَانَ وَرَمَضَانُ أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ وَتُطْلَبُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي أَوَاخِرِ رَمَضَانَ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي هَذَا كُلِّهِ قَالُوا وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ جَاءَ رَمَضَانُ وَدَخَلَ رَمَضَانُ وَحَضَرَ رَمَضَانُ وَأُحِبُّ رَمَضَانَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي قَوْلِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا وَالْمَذْهَبَانِ الْآخَرَانِ فَاسِدَانِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِنَهْيِ الشَّرْعِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَمْ يَصِحَّ فيه شئ وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ
لَا تُطْلَقُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ اسْمٌ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ كَرَاهَةٌ وَقَدْ ثَبَتَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي تَسْمِيَتِهِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ شَهْرٍ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا " إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " إذَا كَانَ رَمَضَانُ " وَأَشْبَاهُ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} لَا يَجِبُ صَوْمُ غَيْرِ رَمَضَانَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ يَجِبُ بِنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ وَدَلِيلُ الْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم حِينَ سَأَلَهُ الْأَعْرَابِيُّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ " وَصِيَامُ رَمَضَانَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه
*
{فَرْعٌ} رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ " أُحِيلَ الصِّيَامُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين من قبلكم الْآيَةَ) فَكَانَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ فَهَذَا حَوْلٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ على سفر فعدة من أيام أخر) فَثَبَتَ الصِّيَامُ عَلَى مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ وَعَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَقْضِيَ وَثَبَتَ الطَّعَامُ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعَجُوزِ اللَّذَيْنِ لَا يَسْتَطِيعَانِ الصَّوْمَ " هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْهُ وَهُوَ مُرْسَلٌ فَإِنَّ مُعَاذًا لَمْ يُدْرِكْهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظِهِ " فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صام بعد ما قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَصَامَ عَاشُورَاءَ فَصَامَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا شَهْرَ رَبِيعٍ إلَى شَهْرِ رَبِيعٍ إلَى رَمَضَانَ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْهِ شَهْرَ رَمَضَانَ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كما كتب على الذين من قبلكم) " وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُرْسَلٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ " حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم قَالُوا أُحِيلَ الصَّوْمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ قدم الناس المدينة وَلَا عَهْدَ لَهُمْ بِالصِّيَامِ فَكَانُوا يَصُومُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ حَتَّى نَزَلَ (شَهْرُ رمضان) فَاسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا كُلَّ يَوْمٍ تَرَكَ الصِّيَامَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ رَخَّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَنَسَخَهُ (وَأَنْ تَصُومُوا خير لكم) فأمروا
بِالصِّيَامِ " وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ جَزْمٍ فَيَكُونُ صَحِيحًا كَمَا تَقَرَّرَتْ قَاعِدَتُهُ وَهَذَا لَفْظُهُ قَالَ وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ " حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا (وأن تصوموا خير) لكم فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ "
* {فَرْعٌ} قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا " وَفِي رِوَايَةٍ " كُنَّا فِي رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فليصمه) " رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُهُ
* {فَرْعٌ} صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَضَانَ تِسْعَ سِنِينَ لِأَنَّهُ فُرِضَ فِي شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ
*
{فرع} قال اصحابنا وغيرهم كان أول الْإِسْلَامُ يُحَرِّمُ عَلَى الصَّائِمِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالْجِمَاعَ من حِينِ يَنَامُ أَوْ يُصَلِّي الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فَأَيُّهُمَا وجد أو لا حَصَلَ بِهِ التَّحْرِيمُ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَأُبِيحَ الْجَمِيعُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ سَوَاءٌ نَامَ أَمْ لا
* واحتجوا بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا
يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه كَانَ صَائِمًا فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا عِنْدَكِ طَعَامٌ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ خَيْبَةٌ لَكَ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاسود)" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا صَلُّوا الْعَتَمَةَ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ وَصَامُوا إلَى الْقَابِلَةِ فَاخْتَانَ رَجُلٌ نَفْسَهُ فَجَامَعَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ يُسْرًا لِمَنْ بَقِيَ وَرُخْصَةً وَمَنْفَعَةً فَقَالَ عز وجل (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كنتم تختانون انفسكم) وَكَانَ هَذَا مِمَّا نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ النَّاسَ وَرَخَّصَ لَهُمْ وَيَسَّرَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تعالي
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما (وَقَوْلُهُ) وَفَرْضٌ مِنْ فُرُوضِهِ تَوْكِيدٌ وَإِيضَاحٌ لِجَوَازِ تَسْمِيَتِهِ رُكْنًا وَفَرْضًا وَلَوْ اقْتَصَرَ علي ركن
لَكَفَاهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ فَرْضٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ إطْلَاقِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا سَبَقَ قَرِيبًا (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ اُسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ دُونَ الْآيَةِ وَكَذَا اُسْتُدِلَّ بِهِ فِي الْحَجِّ دُونَ الْآيَةِ (قُلْنَا) مُرَادُهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ وَهَذَا يَحْصُلُ مِنْ الْحَدِيثِ لَا مِنْ الْآيَةِ (وَأَمَّا) الْفَرْضِيَّةُ فَتَحْصُلُ مِنْهُمَا وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ كَوْنُ صَوْمِ رَمَضَانَ رُكْنًا وَفَرْضًا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَدَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَيْهِ واجمعوا على أنه لا يجب غيره
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ويتحم وجوب ذلك علي كل مسلم بالغ عاقل طاهر قادر مقيم فأما الكافر فانه ان كان أصليا لم يخاطب في حال كفره لانه لا يصح منه فان اسلم لم يجب عليه القضاء لقوله تَعَالَى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) ولان في إيجاب قضاء ما فات في حال الكفر تنفيرا عن الاسلام وان كان مرتدا لم يخاطب به في حال الردة لانه لا يصح منه فان اسلم وجب عليه قضاء ما تركه في حال الكفر لانه التزم ذلك بِالْإِسْلَامِ فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِالرِّدَّةِ كَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ) {الشرح} (قوله) يتحم وُجُوبُ ذَلِكَ أَيْ وُجُوبُ فِعْلِهِ فِي الْحَالِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ لِأَنَّ وُجُوبَهُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْحَائِضِ مُتَحَتِّمٌ أَيْضًا لَكِنْ يُؤَخِّرَانِهِ ثُمَّ يَقْضِيَانِهِ (وَقَوْلُهُ) فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ أَيْ لَمْ نُطَالِبْهُ بِفِعْلِهِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي حَالِ كُفْرِهِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ فِي حَالِ كُفْرِهِمْ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يُزَادُ فِي عُقُوبَتِهِمْ فِي الْآخِرَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يُطَالَبُونَ بِفِعْلِهَا فِي حَالِ كُفْرِهِمْ وَقَدْ سبقت المسألة
مَبْسُوطَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ (وَقَوْلُهُ) فِي المرتد لم يخاطب به في الرِّدَّةِ مَعْنَاهُ لَا نُطَالِبُهُ بِفِعْلِ الصَّوْمِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ فِي حَالِ الرِّدَّةِ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ لَمْ نُطَالِبْهُ بِهِ فِي رِدَّتِهِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ لَكَانَ أَصْوَبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُطَالَبُ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ بِفِعْلِ الصَّوْمِ فِي حَالِ كُفْرِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا أَسْلَمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ صَامَ فِي كُفْرِهِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَصَدَّقَ فِي كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يثاب عليه وقد سبقت المسألة فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ (وَأَمَّا) الْمُرْتَدُّ فَهُوَ مُكَلَّفٌ بِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ وَإِذَا أَسْلَمَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ وَلَا نُطَالِبُهُ بِفِعْلِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مُدَّةِ الرِّدَّةِ إذَا أَسْلَمَ كَمَا قَالَ فِي الصَّلَاةِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَاسَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ عَلَى حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يوافق عليها
*
قال المصنف رحمه الله
* {وأما الصبى فلا يجب عليه لقوله صلى الله عليه وسلم " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حتى يفيق " ويؤمر بفعله لسبع سنين إذا اطاق الصوم ويضرب علي تركه لعشر قياسا على الصلاة فان بلغ لم يجب عليه قضاء ما تركه في حال الصغر لانه لو وجب ذلك لوجب عليه اداؤه في حال الصغر لانه يقدر على فعله ولان أيام الصغر تطول فلو اوجبنا عليه قضاء ما يفوت شق} {الشرح} هذا الحديث صحيح رواه ابودواد والنسائي في كتاب الحدود من سنهما مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه باسناد صحيح رواه أَبُو دَاوُد أَيْضًا فِي الْحُدُودِ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَمَعْنَى رَفْعِ الْقَلَمِ امْتِنَاعُ التَّكْلِيفِ لَا أَنَّهُ رُفِعَ بَعْدَ وضعه (وقوله) لو وجب عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ يُنْتَقَضُ بِالْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالدَّلِيلُ الصَّحِيحُ أن يقال: زمن الصبى ليس زمن تكليف لِلْحَدِيثِ وَالْقَضَاءُ إنَّمَا يَجِبُ حَيْثُ يَجِبُ بِأَمْرٍ جديد ولم يجئ فيه امر جديد (اما) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَلَا يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْتُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ: وَإِذَا أَطَاقَ الصَّوْمَ وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ لِسَبْعِ سِنِينَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا وَيَضْرِبَهُ عَلَى تَرْكِهِ لِعَشْرٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالصَّبِيَّةُ كَالصَّبِيِّ فِي هَذَا كُلِّهِ بِلَا خِلَافٍ
{فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا: شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّوْمِ أَرْبَعَةٌ النَّقَاءُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْوَقْتُ الْقَابِلُ لِلصَّوْمِ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَمَنْ زال عقله بجنون لا يجب عليه لقوله صلي الله عليه وسلم " وعن المجنون حتى يفيق " فان أفاق لم يجب عليه قضاء ما فاته في الجنون لانه صوم فات في حال سقط فيه التكليف لنقص فلم يجب كما لو فات في حال الصغر وان زال عقله بالاغماء لم يجب عليه في الحال لانه لا يصح منه فان
افاق وجب عليه القضاء لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سفر فعدة من ايام أخر) والاغماء مرض ويخالف الجنون فانه نقص ولهذا لا يجوز الجنون علي الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم ويجوز عليهم الاغماء}
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (وَقَوْلُهُ) سَقَطَ فِيهِ التَّكْلِيفُ لِنَقْصٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْإِغْمَاءِ وَالْحَيْضِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) الْمَجْنُونُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ فِي الْحَالِ بِالْإِجْمَاعِ لِلْحَدِيثِ وَلِلْإِجْمَاعِ وَإِذَا أَفَاقَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ فِي الْجُنُونِ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَسَوَاءٌ أَفَاقَ بَعْدَ رَمَضَانَ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا مَذْهَبٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ عَنْهُ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ إنْ أَفَاقَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ فَلَا قَضَاءَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَقَدْ حَكَى الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْحِكَايَةِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَنْ أَفَاقَ بَعْدَ الشَّهْرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) يَجِبُ إنْ أَفَاقَ فِي الشَّهْرِ لا بعده ودليل المذهب في الكتاب وحكاها الرافعي ثلاثة أقوال قال وَهَذَا فِي الْجُنُونِ الْمُنْفَرِدِ فَلَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ أَوْ سَكِرَ ثُمَّ جُنَّ فَفِي وُجُوبِ القضاء وجهين قَالَ وَلَعَلَّ الْأَصَحَّ الْفَرْقُ بَيْنَ اتِّصَالِهِ بِالرِّدَّةِ وَاتِّصَالِهِ بِالسُّكْرِ كَمَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ هُوَ الْأَصَحُّ فَيَجِبُ فِي الْمُرْتَدِّ قَضَاءُ الْجَمِيعِ وَلَا يَجِبُ فِي السَّكْرَانِ إلَّا قَضَاءَ أَيَّامِ السُّكْرِ لِأَنَّ حُكْمَ الرِّدَّةِ مُسْتَمِرٌّ بِخِلَافِ السُّكْرِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ فِي حَالِ الْإِغْمَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَلَنَا قَوْلٌ مُخَرَّجٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَلْزَمُهُ
الصَّوْمُ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَكَى الْأَصْحَابُ وَجْهًا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الْإِغْمَاءَ الْمُسْتَغْرِقَ لِجَمِيعِ رَمَضَانَ
لَا قَضَاءَ فِيهِ كَالْجُنُونِ وَكَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ هَكَذَا نَقَلَ الْجُمْهُورُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَغْرَقَ الْإِغْمَاءُ رَمَضَانَ أَوْ يَوْمًا مِنْهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ هَذَا فِي أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ بِمَا فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَضَاءِ الْحَائِضِ الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمَرَضٍ أَوْ بِشُرْبِ دَوَاءٍ شَرِبَهُ لِحَاجَةٍ أَوْ بِعُذْرٍ آخَرَ لَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الصَّوْمِ فِي زَمَنِ زَوَالِ عَقْلِهِ (وَأَمَّا) مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِمُحَرَّمِ كَخَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَيَكُونُ آثما بالترك والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* {فان أسلم الكافر أو افاق المجنون في أثناء يوم من رمضان استحب له امساك بقية النهار لحرمة الوقت ولا يلزمه ذلك لان المجنون افطر بعذر والكافر وان افطر بغير عذر الا أنه لما أسلم جعل كالمعذور فيما فعل في حال الكفر وَلِهَذَا لَا يُؤَاخَذُ بِقَضَاءِ مَا تَرَكَهُ وَلَا بضمان ما أتلفه ولهذا قال اللَّهِ تَعَالَى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) ولا يأكل عند من لا يعرف عذره لانه إذا تظاهر بالاكل عرض نفسه للتهمة وعقوبة السلطان وهل يجب عليه قضاء ذلك فيه وجهان
(أحدهما)
يجب لانه ادرك جزءا من وقت الفرض ولا يمكن فعل ذلك الجزء من الصوم الا بيوم فوجب أن يقضيه بيوم كما نقول في المحرم إذا وجب عليه في كفارة نصف مد فانه يجب عليه بقسطه صوم نصف يوم ولكن لما لم يمكن فعل ذلك الا بيوم وجب عليه صوم يوم
(والثانى)
لا يجب وهو المنصوص في البويطى لانه لم يدرك من الوقت ما يمكن الصوم فيه لان الليل يدركه قبل التمام فلم يلزمه كمن أدرك من أول وقت الصلاة قدر ركعة ثم جن وان بلغ الصبى اثناء يوم من رمضان نظرت فان كان مفطرا فهو كالكافر إذا اسلم والمجنون إذا افاق في جميع ما ذكرناه وإن كان صائما ففيه وجهان (احدهما) يستحب اتمامه لانه صوم فاستحب اتمامه ويجب قضاؤه لانه لم ينو الفرض من أوله فوجب قضاؤه (والثاني) يلزمه اتمامه ويستحب قضاؤه لانه صار من اهل الوجوب في اثناء العبادة فلزمه اتمامه كما لو دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ}
*
{الشَّرْحُ} قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يُؤَاخَذُ بِقَضَاءِ مَا تركه ولا بضمان ما أتلفه إنما لَا يُطَالَبُ الْمُتْلِفُ الْحَرْبِيُّ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَيُطَالَبُ بِالْإِجْمَاعِ وَمَعَ هَذَا تَحْصُلُ الدَّلَالَةُ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ فِي الْحَرْبِيِّ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ دَلِيلٌ لِلذِّمِّيِّ (أما) أحكام الفصل (ففى) المسألة طريقان (احدهما) طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْمَجْنُونَ إذَا أَفَاقَ فِي أَثْنَاءِ نَهَارِ رَمَضَانَ وَالْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ فِيهِ وَالصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ فِيهِ مُفْطِرًا اُسْتُحِبَّ لَهُمْ إمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ وَفِي وُجُوبِ قَضَائِهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَحَرْمَلَةَ لَا يَجِبُ (وَقَالَ) ابْنُ سُرَيْجٍ يَجِبُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ وَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ صَائِمًا فِي أَثْنَائِهِ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَهُوَ الْأَصَحُّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إتْمَامُهُ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (وَالثَّانِيَةُ) طَرِيقَةُ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ فِي إمْسَاكِ الْمَجْنُونِ وَالْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِيهِ مُفْطِرًا فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يُسْتَحَبُّ (وَالثَّانِي) يَجِبُ (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُ الْكَافِرَ دُونَهُمَا لِتَقْصِيرِهِ (وَالرَّابِعُ) يَلْزَمُ الْكَافِرَ وَالصَّبِيَّ لِتَقْصِيرِهِمَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ دُونَ الْمَجْنُونِ قَالُوا وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَلَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ وَالْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ الْمُفْطِرَ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُمْ قِيلَ يَلْزَمُ الْكَافِرَ دُونَهُمَا وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَهُوَ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ صَائِمًا فَالْمَذْهَبُ لُزُومُ إتْمَامِهِ بِلَا قَضَاءٍ وَقِيلَ يُنْدَبُ إتْمَامُهُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَبَنَى جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الْخِلَافَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْإِمْسَاكِ وَفِي كَيْفِيَّةِ الْبِنَاءِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ قَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ مَنْ أَوْجَبَ الْإِمْسَاكَ لَمْ يُوجِبْ الْقَضَاءَ وَمَنْ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ لَمْ يُوجِبْ الْإِمْسَاكَ (وَالثَّانِي) إنْ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَجَبَ الْإِمْسَاكُ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّالِثُ) إنْ وَجَبَ الْإِمْسَاكُ وجب القضاء والا فلا والله أعلم
* قال أَصْحَابُنَا: إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ صَائِمًا وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ فَجَامَعَ فِيهِ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ كَبَاقِي الْأَيَّامِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا: وَحَيْثُ لَا يَلْزَمُ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ الْإِمْسَاكُ يُسْتَحَبُّ لهم أن لا يَأْكُلُوا بِحُضُورِ مَنْ لَا يَعْرِفُ حَالَهُمْ لِمَا ذكره المصنف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وأما الحائض والنفساء فلا يجب عليهم الصوم لانه لا يصح منهما فإذا طهرتا وجب عليهما القضاء لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " في الحيض كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ
الصلاة " فوجب القضاء علي الحائض بالخبر وقيس عليها النفساء لانها في معناها فان طهرت في أثناء النهار استحب لها أن تمسك بقية النهار ولا يجب لما ذكرناه في الصبى إذا بلغ والمجنون إذا أفاق}
*
{الشرح} حديث عائشة هذا رواه مسلم بلف ظه وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُقْتَصَرًا عَلَى نَفْيِ الْأَمْرِ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ (وَقَوْلُهَا)" كُنَّا نُؤْمَرُ "(مَعْنَاهُ) كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا بِذَلِكَ وَهُوَ صاحب الامر عند الاطلاق (وقوله) طَهَرَتَا بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ الْفَرْقُ بَيْنَ قَضَائِهَا لِلصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُمَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا وَأَنَّ حِكْمَتَهُ تَكَرُّرُ الصَّلَاةِ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَأَنَّ أَبَا الزِّنَادِ وَإِمَامَ الْحَرَمَيْنِ خَالَفَا فِي الْحِكْمَةِ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا يَصِحُّ صَوْمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَوْ أَمْسَكَتْ لَا بِنِيَّةِ الصَّوْمِ لم تأثم وانما تأثم إذَا نَوَتْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْعَقِدُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي بَابِ الْحَيْضِ دَلَائِلَ هَذَا كُلِّهِ مَعَ مَا ضَمَمْتُهُ هُنَاكَ إلَيْهِ (الثَّانِيَةُ) إذَا طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ يُسْتَحَبُّ لَهَا إمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ وَلَا يَلْزَمُهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ فِي وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَلَيْهَا خِلَافًا كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ (الثَّالِثَةُ) وُجُوبُ قَضَاءِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ والنفساء انما هو بأمر مجدد وليس وَاجِبًا عَلَيْهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي فِي بَابِ الْحَيْضِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ بِحَالٍ وَيَتَأَخَّرُ الْفِعْلُ إلَى الْإِمْكَانِ قَالَ الْإِمَامُ وَأَنْكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ اقْتِرَانُ الْإِمْكَانِ بِهِ والصواب الاول وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَمَنْ لا يقدر علي الصوم بحال وهو الشيخ الكبير الذى يجهده الصوم والمريض الذى
لا يرجبي برؤه فانه لا يجب عليهما الصوم لقوله عز وجل (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)
* وفى الفدية قولان
(أحدهما)
لا تجب لانه سقط عنه فرض الصوم فلم تجب عليه الفدية كالصبى والمجنون
(والثانى)
يجب عليه عن كل يوم مد من طعام وهو الصحيح لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " مِنْ أدركه الكبر فلم يستطع صيام رمضان فعليه لكل يوم مد من قمح " وقال ابن عمر رضى الله عنهما " إذا ضعف عن الصوم أطعم عن كل يوم مدا " وروى أن أنسا رضي الله عنه " ضعف عن الصوم عاما قبل وفاته فافطر وأطعم " وان لم يقدر علي الصوم لمرض يخاف زيادته ويرجي البرء لم يجب عليه الصوم للآية فإذا برئ وجب عليه القضاء لقوله عز وجل (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ
علي سفر فعدة من أيام أخر) وان أصبح صائما وهو صحيح ثم مرض أفطر لانه أبيح له الفطر للضرورة والضرورة موجودة فجاز له الفطر}
* {الشَّرْحُ} الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ وَالْأَثَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَثَرُ عَنْ أَنَسٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَقَوْلُهُ) يُجْهِدُهُ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ وَيُقَالُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا يُقَالُ جَهَدَ وَأَجْهَدَ إذَا حَمَّلَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ وَجَهَدَهُ أَفْصَحُ (وَقَوْلُهُ) بَرَّأَ هَذَا هُوَ الْفَصِيحُ ويقال برئ وبرؤ وَقَدْ سَبَقَ مَبْسُوطًا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ واصحاب: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ أَيْ يَلْحَقُهُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ لَا صَوْمَ عَلَيْهِمَا بِلَا خِلَافٍ وَسَيَأْتِي نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَيَلْزَمُهُمَا الْفِدْيَةُ على أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَلْزَمُهُمَا وَالْفِدْيَةُ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ لِكُلِّ يَوْمٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ صَحِيحِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَعَامَّةِ كُتُبِهِ
* وَنَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَحَرْمَلَةَ مِنْ الْجَدِيدِ أَنْ لَا فِدْيَةَ عليه وقال في الْبُوَيْطِيُّ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ الصَّوْمَ فَصَامَ فَلَا فِدْيَةَ وَالْعَجُوزُ كَالشَّيْخِ فِي جَمِيعِ هَذَا وَهُوَ إجْمَاعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) الْمَرِيضُ الْعَاجِزُ عَنْ الصَّوْمِ لِمَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ فِي الْحَالِ وَيَلْزَمُهُ القضاء لما ذكره المصنف هذا إذَا لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ بِالصَّوْمِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى حَالَةٍ لَا يُمْكِنُهُ فِيهَا الصَّوْمُ بَلْ قَالَ أَصْحَابُنَا: شَرْطُ إبَاحَةِ الْفِطْرِ أَنْ يَلْحَقَهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ يُشَقُّ احْتِمَالُهَا قَالُوا وَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَأَمَّا الْمَرَضُ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا يَلْحَقُ بِهِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَهْلِ الظَّاهِرِ قَالَ أَصْحَابُنَا: ثُمَّ الْمَرَضُ الْمُجَوِّزُ لِلْفِطْرِ إنْ كان مطبقا فَلَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ بِاللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ يَحُمُّ وَيَنْقَطِعُ وَوَقْتُ الْحُمَّى لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حُمَّى يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مَحْمُومًا وَقْتَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ فَلَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ إنْ عَادَ الْمَرَضُ وَاحْتَاجَ إلَى الْفِطْرِ أَفْطَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَصْبَحَ الصَّحِيحُ صَائِمًا ثُمَّ مَرِضَ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مَنْ غَلَبَهُ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ فَخَافَ الْهَلَاكَ لَزِمَهُ الْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا لقوله تعالي (ولا تقتلوا أنفسكم إنه كان بكم رحيما) وقَوْله تَعَالَى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَالْمَرِيضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
{فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ نَذَرَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الْعَاجِزُ أَوْ الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَفِي انْعِقَادِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ وَبَنَى الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَنَقَلُوهُمَا فِي أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَى الشَّيْخِ الْعَاجِزِ الْخِطَابُ بِالصَّوْمِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْفِدْيَةِ لِلْعَجْزِ أَمْ يُخَاطَبُ ابْتِدَاءً بِالْفِدْيَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُخَاطَبُ بِالْفِدْيَةِ ابْتِدَاءً فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ
* {فَرْعٌ} إذا أوجبنا الفدية علي الشيخ والمريض المأيوس مِنْ بُرْئِهِ وَكَانَ مُعْسِرًا هَلْ يَلْزَمُهُ إذَا أَيْسَرَ أَمْ يَسْقُطُ عَنْهُ فِيهِ قَوْلَانِ كَالْكَفَّارَةِ (والاصح) في الكفارة بقاؤهها فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْيَسَارِ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ جِنَايَتِهِ فَهِيَ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهَا تَسْقُطُ وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا أَيْسَرَ كَالْفُطْرَةِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ حَالَ التَّكْلِيفِ بِالْفِدْيَةِ وَلَيْسَتْ فِي مُقَابَلَةِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهَا وَقَطَعَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ إذَا أَيْسَرَ بَعْدَ الْإِفْطَارِ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فَإِنْ لَمْ يَفْدِ حَتَّى مَاتَ لزم اخراجها من تركته قال لان الاطعام فِي حَقِّهِ كَالْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ قَالَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ لَوْ مَاتَا قَبْلَ تَمَكُّنِهِمَا مِنْ الْقَضَاءِ لَمْ يَجِبْ شئ وَإِنْ زَالَ عُذْرُهُمَا وَقَدَرَا عَلَى الْقَضَاءِ لَزِمَهُمَا فَإِنْ مَاتَا قَبْلَهُ وَجَبَ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُمَا
مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدَّ طَعَامٍ فَكَذَا هُنَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي
* {فَرْعٌ} إذَا أَفْطَرَ الشَّيْخُ الْعَاجِزُ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالصَّوْمِ بَلْ بِالْفِدْيَةِ بِخِلَافِ الْمَعْضُوبِ إذَا أَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ قَدَرَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ كَانَ مُخَاطَبًا بِهِ ثُمَّ اخْتَارَ الْبَغَوِيّ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا قَدَرَ قَبْلَ أَنْ يَفْدِيَ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ قَدَرَ بَعْدَ الْفِدْيَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالْحَجِّ لِأَنَّهُ كَانَ مُخَاطَبًا بِالْفِدْيَةِ عَلَى تَوَهُّمِ دَوَامِ عُذْرِهِ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الشَّيْخِ الْعَاجِزِ عَنْ الصَّوْمِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا صَوْمَ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ سَوَاءٌ في الطعام البر والتمر والشعير وغيرهما مِنْ أَقْوَاتِ الْبَلَدِ هَذَا إذَا كَانَ يَنَالُهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ وَلَا يُشْتَرَطُ خَوْفُ الْهَلَاكِ وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَأَنَّهَا مُدٌّ طاووس وسعيد بن جبير والثوري والاوزاعي
* قال أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ صَاعُ تَمْرٍ أَوْ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ وَقَالَ أَحْمَدُ مُدُّ حِنْطَةٍ أَوْ مُدَّانِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ وَقَالَ مَكْحُولٌ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا فِدْيَةَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلشَّيْخِ وَالْعَجُوزِ الْعَاجِزَيْنِ الْفِطْرَ
*
{فَرْعٌ} اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّيْخِ الْعَاجِزِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ تَعْجِيلُ الْفِدْيَةِ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ وَيَجُوزُ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ كُلِّ يَوْمٍ وَهَلْ يَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِالْجَوَازِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِوَالِدِهِ وليس بشئ ودليله القياس علي تعجيل الزكاة
*
* قال المصنف رحمه الله
* {فاما المسافر فانه ان كان سفره دون أربعة برد لم يجز له أن يفطر لانه اسقاط فرض للسفر فلا يجوز فيما دون أربعة برد كالقصر وان كان سفره في معصية لم يجز له أن يفطر لان ذلك اعانة علي المعصية وان كان سفره أربعة برد في غير معصية فله أن يصوم وله ان يفطر لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ حمزة ابن عمرو الاسلمي قال يارسول الله اصوم في السفر فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ان
شئت فصم وان شئت فافطر " فان كان ممن لا يجهده الصوم في السفر فالافضل ان يصوم لما روى عن انس رضي الله عنه انه قال للصائم في السفر " ان افطرت فرخصة وان صمت فهو افضل " وعن عثمان ابن أبى العاص أنه قال الصوم أحب الي ولانه إذا أفطر عرض الصوم للنسيان وحوادث الزمان فكان الصوم أفضل وان كان يجهده الصوم فالافضل أن يفطر لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه قَالَ " مَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سفر برجل تحت شجرة يرش عليه الماء فقال ما بال هذا قالوا صائم يارسول الله فقال ليس من البر الصيام في السفر " فان صام المسافر ثم اراد أن يفطر فله أن يفطر لان العذر قائم فجاز له أن يفطر كما لو صام المريض ثم أراد أن يفطر ويحتمل عندي أنه لا يجوز له أن يفطر في ذلك اليوم لانه دخل في فرض المقيم فلا يجوز له أن يترخص برخصة المسافر كما لو دخل في الصلاة بنية الاتمام ثم أراد أن يقصر ومن أصبح في الحضر صائما ثم سافر لم يجز له ان يفطر في ذلك اليوم وقال المزني له أن يفطر كما لو أصبح الصحيح صائما ثم مرض فله أن يفطر والمذهب الاول والدليل عليه انه عبادة تختلف بالسفر والحضر فإذا بدأ بها في الحضر ثم سافر لم يثبت له رخصة السفر كما لو دخل في الصلاة في الحضر ثم سافر في اثنائها ويخالف المريض فان ذلك مضطر الي الافطار والمسافر مختار}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رضي الله عنه رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا وَالْأَثَرَانِ عَنْ أَنَسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَعُثْمَانُ هَذَا صَحَابِيٌّ ثَقَفِيٌّ رضي الله عنه (وَقَوْلُهُ) أَرْبَعَةِ بُرُدٍ بِضَمِّ الْبَاءِ وَالرَّاءِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ
وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ مَبْسُوطًا فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (وَقَوْلُهُ) إسْقَاطُ فَرْضٍ لِلسَّفَرِ احْتِرَازٌ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ لَا فَرْضٌ (وَقَوْلُهُ) لِلسَّفَرِ احْتِرَازٌ عَمَّنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فَصَلَّى قَاعِدًا (قَوْلُهُ) يُجْهِدُهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَا فِي سَفَرٍ آخَرَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ سَبَقَ هَذَانِ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ وَفِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ فَإِنْ كان سفره دون مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَلَيْسَ
مَعْصِيَةً فَلَهُ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ نَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: لَهُ الصَّوْمُ وَلَهُ الْفِطْرُ (وَأَمَّا) أَفْضَلُهُمَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: إنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ فالفطر افضل والا فالصوم افضل وذكر الخراسانيون قَوْلًا شَاذًّا ضَعِيفًا مُخَرَّجًا مِنْ الْقَصْرِ إنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْقَصْرِ تَحْصُلُ الرُّخْصَةُ مَعَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَهُنَا إذَا أَفْطَرَ تَبْقَى الذِّمَّةُ مَشْغُولَةً وَلِأَنَّ فِي الْقَصْرِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَلَيْسَ هُنَا خِلَافٌ يُعْتَدُّ بِهِ فِي إيجَابِ الْفِطْرِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ لَمْ يَتَضَرَّرْ فِي الْحَالِ بِالصَّوْمِ لَكِنْ يَخَافُ الضَّعْفَ مِنْهُ وَكَانَ سَفَرُ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ (الثَّانِيَةُ) إذَا أَفْطَرَ الْمُسَافِرُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَلَا فِدْيَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سفر فعدة من ايام اخر) مَعْنَاهُ وَأَرَادَ الْفِطْرَ فَلَهُ الْفِطْرُ وَعَلَيْهِ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (الثَّالِثَةُ) لَوْ أَصْبَحَ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ صَائِمًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ فِي نَهَارِهِ فَلَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ وفيه احتمال لمصنف وَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ وَفَرَّقَ صَاحِبُ الْحَاوِي بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ بِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ تَامَّةً الْتَزَمَ الْإِتْمَامَ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ لِئَلَّا يَذْهَبَ مَا الْتَزَمَهُ لَا إلَى بَدَلٍ وَأَمَّا الْمُسَافِرُ إذَا صَامَ ثُمَّ افطر فلا يترك الصوم الا إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ فَجَازَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ دَوَامِ عُذْرِهِ وَإِذَا قُلْنَا بِالنَّصِّ وَقَوْلِ الْأَصْحَابِ إنَّ لَهُ الْفِطْرَ فَفِي كَرَاهَتِهِ وَجْهَانِ (اصحهما) لا يلزمه لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ (الرَّابِعَةُ) إذَا سَافَرَ الْمُقِيمُ فَهَلْ لَهُ الْفِطْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ له اربعة احوال (أَنْ) يَبْدَأَ السَّفَرَ بِاللَّيْلِ وَيُفَارِقُ عُمْرَانَ الْبَلَدِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَهُ الْفِطْرُ بِلَا خِلَافٍ (الثَّانِي) أَنْ لَا يُفَارِقَ الْعُمْرَانَ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَهُ الْفِطْرُ وَهُوَ مذهب احمد واسحق وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ غَيْرِ الْمُزَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَيْضًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَعَلَى هَذَا لَوْ جَامَعَ فِيهِ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ يوم من رمضان هو صائم
فِيهِ صَوْمًا لَا يَجُوزُ فِطْرُهُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَقِيلَ إنَّ الْمُزَنِيَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْمَنْقُولِ عَنْهُ وَقَالَ اضْرِبُوا عَلَى قَوْلِي قَالَ وَكَانَ احْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " خَرَجَ عَامَ
الْفَتْحِ مِنْ الْمَدِينَةِ صَائِمًا حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ " أَفْطَرَ فَظُنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فِي نَهَارِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكُرَاعُ الْغَمِيمِ عِنْدَ عُسْفَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنِ الْمَدِينَةِ نَحْوُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ فَلَمْ يُفْطِرْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمِ خُرُوجِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثُ) أَنْ يَنْوِيَ الصِّيَامَ فِي اللَّيْلِ ثُمَّ يُسَافِرُ وَلَا يَعْلَمُ هَلْ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ لَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ لِأَنَّهُ يَشُكُّ فِي مُبِيحِ الْفِطْرِ وَلَا يُبَاحُ بِالشَّكِّ (الرَّابِعُ) أَنْ يُسَافِرَ مِنْ بَعْدِ الْفَجْرِ وَلَمْ يَكُنْ نَوَى الصيام فهذا ليس بصائم لا خلاله بِالنِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَيَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ هَذَا الْيَوْمَ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ قَدْ ثَبَتَتْ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ حَاضِرٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وصاحب البيان وهو ظاهر ويجئ فِيهِ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَالْوَجْهُ الْمُوَافِقُ لَهُ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله
* (فان قدم المسافر وهو مفطر أو برأ المريض وهو مفطر استحب لهما امساك بقية النهار لحرمة الوقت ولا يجب ذلك لانهما أفطرا بعذر ولا يأكلان عند من لا يعرف عذرهما لخوف التهمة والعقوبة وان قدم المسافر وهو صائم أو برأ المريض وهو صائم فهل لهما أن يفطرا فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يجوز لهما الافطار لانه ابيح لهما الفطر من أول النهار ظاهرا وباطنا فجاز لهما الافطار في في بقية النهار كما لو دام السفر والمرض (وقال) أبو اسحق لا يجوز لهما الاقطار لانه زال سبب الرخصة قبل الترخص فلم يجز الترخص كما لو قدم المسافر وهو في الصلاة فانه لا يجوز له القصر}
* {الشرح} فيه مسائل (احداها) قَدِمَ الْمُسَافِرُ أَوْ بَرَأَ الْمَرِيضُ وَهُمَا مُفْطِرَانِ يُسْتَحَبُّ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ وَلَا يَجِبُ عِنْدَنَا وأوجبه أبي حَنِيفَةَ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُمَا أَفْطَرَا بِعُذْرٍ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ إذَا أَكَلَا أَنْ لَا يَأْكُلَا عِنْدَ مَنْ يَجْهَلُ عُذْرَهُمَا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (الثَّالِثَةُ) إذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ وَهُوَ صَائِمٌ هَلْ لَهُ الْفِطْرُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
نَعَمْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي حَرْمَلَةَ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قول ابى اسحق وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ بِحَيْثُ تَنْقَطِعُ رُخَصُهُ وَلَوْ بَرَأَ الْمَرِيضُ وَهُوَ صَائِمٌ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ فِيهِ الْوَجْهَانِ كالمسافر (اصحهما) يَحْرُمُ الْفِطْرُ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ يَحْرُمُ الْفِطْرُ وجها واحدا
(الرَّابِعَةُ) لَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ وَلَمْ يَكُنْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ صَوْمًا وَلَا أَكَلَ فِي نَهَارِهِ قَبْلَ قُدُومِهِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ لَهُ الْأَكْلُ لِأَنَّهُ مُفْطِرٌ لِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ فَجَازَ لَهُ الْأَكْلُ كَالْمُفْطِرِ بِالْأَكْلِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَلْزَمُهُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ حُرْمَةٌ لِلْيَوْمِ
* {فَرْعٌ} لَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَلَا لِلْمَرِيضِ أَنْ يَصُومَا فِي رَمَضَانَ غَيْرَهُ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ صَامَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ لَا عَنْ رَمَضَانَ وَلَا عَمَّا نَوَى وَلَا غيره
* هذا هذهبنا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَرِيضِ كَقَوْلِنَا وَقَالَ فِي الْمُسَافِرِ يَصِحُّ مَا نَوَى
* دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْمَرِيضِ
* {فَرْعٌ} إذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ فِي أَثْنَاءِ نهار وَهُوَ مُفْطِرٌ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ بَرَأَتْ مِنْ مَرَضٍ وَهِيَ مُفْطِرَةٌ فَلَهُ وَطْؤُهَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا
* دَلِيلُنَا أَنَّهُمَا مُفْطِرَانِ فَأَشْبَهَ الْمُسَافِرَيْنِ وَالْمَرِيضَيْنِ
* {فَرْعٌ} إذَا دَخَلَ عَلَى الْإِنْسَانِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ مُقِيمٌ جَازَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ وَيُفْطِرَ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي مَخْلَدٍ التَّابِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ فَإِنْ سَافَرَ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَحَرُمَ الْفِطْرُ وَعَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيِّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ التابعين انه يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ وَلَا يَمْتَنِعُ السَّفَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " خَرَجَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ مُسَافِرًا وَأَفْطَرَ " وَالْآيَةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ شَهِدَ كُلَّ الشَّهْرِ فِي الْبَلَدِ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْكَلَامِ فَإِنْ شَهِدَ بَعْضَهُ لزمه صوم ما شهد منه في البلد ولابد مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي السَّفَرِ الْمُجَوِّزِ لِلْفِطْرِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا
بِالْهَاشِمِيِّ وَهَذِهِ الْمَرَاحِلُ مَرْحَلَتَانِ قَاصِدَتَانِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي سَفَرٍ يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا قال في القصر وقال قوم يجوز في كُلُّ سَفَرٍ وَإِنْ قَصَرَ وَسَبَقَتْ هَذِهِ الْمَذَاهِبُ بِأَدِلَّتِهَا فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ
*
{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ
* مَذْهَبُنَا جَوَازُهُمَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بعدهم قال العبدرى هو قول العلماء قالت الشِّيعَةُ لَا يَصِحُّ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصِحُّ صَوْمُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصِحُّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ " كَانَ ابن عمر وسعيد ابن جُبَيْرٍ يَكْرَهَانِ صَوْمَ الْمُسَافِرِ " قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ " إنْ صَامَ قَضَاهُ " قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " لَا يُجْزِئُهُ الصِّيَامُ " وَعَنْ عَبْدِ الرحمن ابن عَوْفٍ قَالَ " الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ " وَحَكَى أَصْحَابُنَا بُطْلَانَ صَوْمِ الْمُسَافِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَالشِّيعَةِ
* وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَرَأَى رَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ ماهذا قالوا صائم فقال ليس الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ " وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال " كنا مع رسول صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ أَكْثَرُنَا ظِلًّا صَاحِبُ الْكِسَاءِ فَمِنَّا مَنْ يَقِي الشَّمْسَ بيده فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الا بينة وَسَقَوْا الرِّكَابَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يكره أن تؤتي معصية " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَصُومُ فِي السَّفَرِ قَالَ " إنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ يارسول أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ ما فينا صَائِمٍ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وعبد اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَابِرٍ رضي الله عنهما قَالَا " سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَصُومُ الصَّائِمُ وَيُفْطِرُ الْمُفْطِرُ وَلَا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال " كنا نغزوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " سَافَرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ نَهَارًا لِيَرَاهُ النَّاسُ فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ صَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عمرة في رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصُمْتُ وَقَصَرَ وَأَتْمَمْتُ فَقُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي أَفْطَرْت وَصُمْت وَقَصَرْتَ وَأَتْمَمْت فَقَالَ أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ سِوَى مَا ذَكَرْتُهُ (وَأَمَّا) الاحاديث التى احتجوا بِهَا الْمُخَالِفُونَ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ وفى بعضها التصريح بذلك ولابد مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ (وَأَمَّا) الْمَنْقُولُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه " الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ " فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ مَوْقُوفٌ مُنْقَطِعٌ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ أَطَاقَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ بِلَا ضرر هل الافضل صومه في رَمَضَانَ أَمْ فِطْرُهُ
* قَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا أَنَّ صَوْمَهُ أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وأنس بن مالك وعثمان بن الْعَاصِ رضي الله عنهم وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَآخَرُونَ وقال ابن عباس وابن عمرو ابن المسيب والشعبى والاوزاعي وأحمد واسحق وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ
الْمَالِكِيُّ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ وَقَالَ آخَرُونَ هُمَا سَوَاءٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَتَادَةُ الْأَفْضَلُ مِنْهُمَا هُوَ الْأَيْسَرُ وَالْأَسْهَلُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ رَجَّحَ الْفِطْرُ بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ " وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّائِمِينَ " أُولَئِكَ الْعُصَاةُ " وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حتى بلغ كرع الْكَدِيدِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ ثُمَّ أَفْطَرَ قَالَ وَكَانَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يتبعون الا حدث فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو السَّابِقُ " هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ السَّابِقِ فِي صِيَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَبْدُ اللَّهِ بن زواحة وبحديث أبي سعيد السابق " كنا نغزوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ " إلَى آخِرِهِ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ هُمَا الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَكَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ " قَصَرْتُ وَأَتْمَمْتُ " فِي صِيَامِ النَّبِيِّ إلَى آخِرِهِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ عَلَى حُمُولَةٍ يَأْوِي إلَى شِبَعٍ فَلْيَصُمْ حَيْثُ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ "(فَهُوَ) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَنُقِلَ عَنْ البخاري تضعيفه وانه ليس بشئ وَكَذَا الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " إنْ أَفْطَرْتُ فَهُوَ رُخْصَةٌ وَإِنْ صُمْتُ فَهُوَ أَفْضَلُ " حَدِيثٌ مُنْكَرٌ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَسٍ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْقَائِلُونَ
بِفَضْلِ الْفِطْرِ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ وَفِي بَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ كَمَا سَبَقَ ولابد مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا: الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إنْ خَافَتَا مِنْ الصَّوْمِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا كَالْمَرِيضِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَوَلَدَيْهِمَا فَكَذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا لَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْفِدْيَةِ هَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وُجُوبُهَا كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ صَاحِبُ الحاوى: هو نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَنَقَلَهُ الرَّبِيعُ وَالْمُزَنِيُّ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى الْمُرْضِعِ دُونَ الْحَامِلِ فَحَصَلَ في الحامل قَوْلَانِ وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى أن الفدية ليست يواجبة عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَجَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَآخَرُونَ هَذَا الثَّالِثَ مَخْرَجًا مِنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ فِي الْحَامِلِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الثَّالِثَ وَكَذَا قَالَهُ غَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ الْبَغَوِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ
وَخَلْقٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي الْحَامِلِ وَقَطَعُوا بِالْوُجُوبِ عَلَى الْمُرْضِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَإِذَا أَوْجَبْنَا الْفِدْيَةَ فَهَلْ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَوْلَادِ فِيهِ طريقان (اصحهما) وبه قطع البغوي
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ
* {فَرْعٌ} إذَا أَوْجَبْنَا الْفِدْيَةَ عَلَى الْمُرْضِعِ إذَا أَفْطَرَتْ لِلْخَوْفِ عَلَى وَلَدِهَا فَلَوْ اُسْتُؤْجِرَتْ لِإِرْضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا (فَالصَّحِيحُ) بَلْ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْإِفْطَارُ وَتَفْدِي كَمَا فِي وَلَدِهَا بَلْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِفْطَارُ إنْ تَضَرَّرَ الرَّضِيعُ بِالصَّوْمِ وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِي جَوَازِ الْإِفْطَارِ بِهِ مَنْ سَافَرَ لِغَرَضِ نَفْسِهِ وَغَرَضِ غيره بأجرة وغيرها وشد الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُفْطِرَ وَلَا خِيَارَ لِأَهْلِ الصَّبِيِّ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَعَلَى مَنْ تَجِبُ فِدْيَةُ فِطْرِهَا فِي هَذَا الْحَالِ فِيهِ احْتِمَالَانِ هَلْ هِيَ عَلَيْهَا أَمْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لو استأجر للمتمتع فَهَلْ يَجِبُ دَمُهُ عَلَى الْأَجِيرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ فِيهِ وَجْهَانِ كَذَا قَالَ الْقَاضِي وَلَعَلَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهَا عَلَى الْمُرْضِعِ بِخِلَافِ دَمِ التَّمَتُّعِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَهُنَا الْفِطْرُ مِنْ تَتِمَّةِ إيصَالِ الْمَنَافِعِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْمُرْضِعِ قَالَ الْقَاضِي وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ نِسْوَةٌ مَرَاضِعُ فَأَرَادَتْ واحدة ان تأخذ سبيا تُرْضِعُهُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى جَازَ لَهَا الْفِطْرُ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَيَّنًا عليها
* {فرع} لو كانت المرضع والحامل مُسَافِرَةً أَوْ مَرِيضَةً فَأَفْطَرَتْ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ بِالْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا بِلَا خِلَافٍ وان لم تقصد الترخص أفطرت لِلْخَوْفِ عَلَى الْوَلَدِ لَا عَلَى نَفْسِهَا فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي فِطْرِ الْمُسَافِرِ بِالْجِمَاعِ لَا بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَالْأَصَحُّ فِي جِمَاعِ الْمُسَافِرِ الْمَذْكُورِ لَا كَفَّارَةَ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إذَا خَافَتَا فَأَفْطَرَتَا
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُمَا إنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لَا غَيْرَ أَوْ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَوَلَدِهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَفْطَرَتَا لِلْخَوْفِ عَلَى الْوَلَدِ أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذلك أربع
مَذَاهِبَ (قَالَ) ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يُفْطِرَانِ وَيُطْعِمَانِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا (وَقَالَ) عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ يُفْطِرَانِ وَيَقْضِيَانِ وَلَا فِدْيَةَ كَالْمَرِيضِ (وَقَالَ) الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يُفْطِرَانِ وَيَقْضِيَانِ وَيَفْدِيَانِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ (وَقَالَ) مَالِكٌ الْحَامِلُ تُفْطِرُ وَتَقْضِي وَلَا فِدْيَةَ والمرضع تفطر وتقضى وتفدى قال ابن المنذر وبقول عطاء أقول *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ هَكَذَا النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُ " إنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَدَّهُ لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ " وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ " لَا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لرؤيته فان حالت دونه غياية فَأَكْمِلُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (الْغَيَابَةُ) السَّحَابَةُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " فَاقْدُرُوا ثَلَاثِينَ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " وَفِي رِوَايَةٍ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا " وَفِي رِوَايَةٍ " فَإِنْ غبى عليكم فاكملوا العدد " وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ " أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ " هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " فَإِنْ غَبِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ " وَعَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان مالا يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ فَإِذَا غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تقوموا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى
تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " فإن غم عليكم فأقدروا له " فقال أحمد ابن حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ مَعْنَاهُ ضَيِّقُوا لَهُ وَقَدِّرُوهُ تَحْتَ السَّحَابِ وَأَوْجَبَ هَؤُلَاءِ صِيَامَ لَيْلَةِ الْغَيْمِ وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ ابن سُرَيْجٍ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ مَعْنَاهُ قَدِّرُوهُ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: مَعْنَاهُ قَدِّرُوا لَهُ تَمَامَ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ قَدَرْتُ الشئ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَقْدِرُهُ وَأَقْدُرهُ بِضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَقَدَّرْتُهُ بِتَشْدِيدِهَا وَأَقْدَرْتُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ مِنْ التَّقْدِيرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (فَقَدَرْنَا فنعم القادرون) وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ صريحة فاكملوا العدة ثَلَاثِينَ وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِرِوَايَةِ فَاقْدُرُوا لَهُ الْمُطْلَقَةِ قَالَ الْجُمْهُورُ: وَمَنْ قَالَ بِتَقْدِيرِ تَحْتَ السَّحَابِ فَهُوَ مُنَابِذٌ لِصَرِيحِ بَاقِي الرِّوَايَاتِ وَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ وَمَنْ قَالَ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ فَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحَيْنِ " إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَحْسِبُ وَلَا نَكْتُبُ الشَّهْرُ هكذا وهكذ " الْحَدِيثَ قَالُوا وَلِأَنَّ النَّاسَ لَوْ كُلِّفُوا بِذَلِكَ ضَاقَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْحِسَابَ إلَّا أَفْرَادٌ مِنْ النَّاسِ فِي الْبُلْدَانِ الْكِبَارِ فَالصَّوَابُ ماقاله الْجُمْهُورُ وَمَا سِوَاهُ فَاسِدٌ مَرْدُودٌ بِصَرَائِحِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ " مَعْنَاهُ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَيْمٌ يُقَالُ غُمَّ وَغُمِّيَ وَغُمِيَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِهَا وَالْغَيْنُ مَضْمُومَةٌ فِيهِمَا وَيُقَالُ غَبِيَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَقَدْ غَامَتْ السَّمَاءُ وَغَيَّمَتْ وَأَغَامَتْ وَتَغَيَّمَتْ وَأَغَمَّتْ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " صوموا للرؤيته " الْمُرَادُ رُؤْيَةُ بَعْضِكُمْ وَهَلْ هُوَ عَدْلٌ أَمْ عَدْلَانِ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَلَا يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ إلَّا بِدُخُولِهِ وَيُعْلَمُ دُخُولُهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَإِنْ غُمَّ وَجَبَ اسْتِكْمَالُ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ يَصُومُونَ سَوَاءٌ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً أَوْ مُغَيِّمَةً غَيْمًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَدَلِيلُهُ مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ " شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ " مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُمَا وَالثَّوَابُ الْمُرَتِّبُ وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُهُمَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ مَعًا غَالِبًا مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَقِيلَ لَا يَنْقُصُ ثَوَابُ ذِي الْحِجَّةِ عَنْ ثَوَابِ رَمَضَانَ لِأَنَّ فِيهِ الْمَنَاسِكَ والعشر حكاه الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يذكر
صَاحِبُ التَّتِمَّةِ غَيْرُهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "" وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ كان كصيام الدهر " ونظائر ذلك فكل هَذِهِ الْفَضَائِلِ تَحْصُلُ سَوَاءٌ تَمَّ عَدَدُ رَمَضَانَ أَمْ نَقَصَ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَإِنَّمَا خَصَّ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ لِتَعَلُّقِ الْعِبَادَةِ بِهِمَا وَهِيَ الصَّوْمُ والحج
* وقال المصنف رحمه الله {فان اصبحوا يوم الثلاثين وهم يظنون أنه من شعبان فقامت البينة أنه من رمضان لزمه قضاء صومه لانه بان أنه من رمضان وهل يلزمهم امساك بقية النهار فيه قولان
(أحدهما)
لا يلزمهم لانهم أفطروا بعذر فلم يلزمهم إمساك بقية النهار كالحائض إذا طهرت والمسافر إذا أقام
(والثانى)
يلزمهم لانه أبيح لهم الفطر بشرط أنه من شعبان وقد بان انه من رمضان فلزمهم الامساك وإن رأوا الهلال بالنهار فهو لليلة المستقبلة لما روى شقيق بن سلمه قال " أتانا كتاب عمر رضى الله عنه ونحن بخانقين أن الاهلة بعضها اكبر من بعض فإذا رأيتم إلهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان مسلمان انهما رأياه بالامس " وان رأوا الهلال في بلد ولم يروه في آخر فان كانا بلدين متقاربين وجب على اهل البلدين الصوم وإن كانا متباعدين وجب على من راى ولم يجب على من لم ير لما روى كريب قال " قدمت الشام فرأيت الهلال ليله الجمعة ثم قدمت المدينة ففال عبد الله بن عباس متى رأيتم الهلال فقلت ليلة الجمعة فقال انت رأيت قلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال تصوم حتى نكمل العدة أو نراه قلت أولا تكتفى برؤية معاوية قال هكذا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ كُرَيْبٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ شَقِيقٍ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ ثَانِيهِمَا أَوَاخِرُ الْكِتَابِ فِي شَهَادَةِ
الِاثْنَيْنِ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ وَقَالَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: هَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه (وَقَوْلُهُ) بِخَانِقِينَ هُوَ بِخَاءٍ معجمه ونون ثم قاف مكسورتين وهى بلد بِالْعِرَاقِ قَرِيبَةٌ مِنْ بَغْدَادَ وَكُرَيْبٌ هَذَا هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَهُوَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا ثَبَتَ كَوْنُ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ فَأَصْبَحُوا مُفْطِرِينَ فَثَبَتَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ وَجَبَ قَضَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي إمْسَاكِ بَقِيَّةِ النَّهَارِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وُجُوبُهُ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَقَلِيلُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ الْإِمْسَاكُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَآخَرُونَ من الخراسانيين قل الْمُتَوَلِّي وَالْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَكَلَ قَبْلَ ثُبُوتِ كَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ فان كن أَكَلَ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ قَبْلَ الْأَكْلِ فهنا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ لِحُرْمَةِ الْيَوْمِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْإِمْسَاكَ فَأَمْسَكَ فَهَلْ هُوَ صَوْمٌ شَرْعِيٌّ أَمْ لَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَوْمٍ شَرْعِيٍّ قَالَ صاحب الحاوي قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ يُسَمَّى صَوْمًا شَرْعِيًّا قَالَ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا لَيْسَ هُوَ بِصَوْمٍ شَرْعِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ إمساك شرعي لانه لا يحزئه عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ صَوْمٌ شَرْعِيٌّ أَمْ لَا وَنَسَبُوا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ صوم الي أبي اسحق وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ: فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ إمْسَاكٌ شَرْعِيٌّ يُثَابُ عَلَيْهِ
(وَالثَّانِي) لَا يُثَابُ عَلَيْهِ هَكَذَا ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ فِي إمْسَاكِهِ ثَوَابٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَوَابَ صَوْمٍ قَالَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَكَلَ ثُمَّ أَمْسَكَ يَكُونُ صَائِمًا مِنْ حِينِ أَمْسَكَ قَالَ صاحب الشامل: وهذا لا يجئ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَلَا يَصِحُّ بنية من النَّهَارِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ رَمَضَانَ وَلَا نَفْلٍ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ أبو إسحق أَنَّهُ إمْسَاكٌ شَرْعِيٌّ يُثَابُ عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُهُ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ
(الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى إمْسَاكِهِ وَلَا يَكُونُ صَوْمًا (وَالثَّانِي) يَكُونُ صَوْمًا (وَالثَّالِثُ) لَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فَاسِدَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا رَأَوْا الْهِلَالَ بِالنَّهَارِ فولليلة الْمُسْتَقْبَلَةِ سَوَاءٌ رَأَوْهُ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ: إنْ رَأَوْهُ قَبْلَ الزَّوَالِ
فَلِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ أَوْ بَعْدَهُ فَلِلْمُسْتَقْبِلَةِ سَوَاءٌ أَوَّلُ الشَّهْرِ وَأَخِرُهُ وَقَالَ إنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَرَأَوْهُ فَلِلْمَاضِيَةِ وَبَعْدَهُ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ وَإِنْ رَأَوْهُ فِي أَخِرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلِلْمُسْتَقْبِلَةِ وَقَبْلَهُ فيه روايتان عنه
(أحدهما) لِلْمَاضِيَةِ
(وَالثَّانِيَةُ) لِلْمُسْتَقْبَلَةِ
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ " كَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه إلَى عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ نَهَارًا قَبْلَ أَنْ تَزُولَ الشمس لتمام ثلاثين فأفطروا وإذا رأيتموه بعد ما تَزُولُ الشَّمْسُ فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَصُومُوا " وَاحْتَجَّ أصحابنا بماذ كره الْمُصَنِّفُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَبِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصحيح عن سالم بن عبد الله ابن عُمَرَ " أَنَّ نَاسًا رَأَوْا هِلَالَ الْفِطْرِ نَهَارًا فَأَتَمَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما صِيَامَهُ إلَى اللَّيْلِ وَقَالَ لَا حَتَّى يرى من حيث يروه بِاللَّيْلِ " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ " لَا يصلح أَنْ يُفْطِرُوا حَتَّى يَرَوْهُ لَيْلًا مِنْ حَيْثُ يرى " وروينا في ذلك عن عثمان ابن عفان وعبد الله ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنهما (وَأَمَّا) مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ وَلَا قَارَبَ زَمَانَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا رَأَوْا الْهِلَالَ فِي رَمَضَانَ فِي بَلَدٍ وَلَمْ يَرَوْهُ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ تَقَارَبَ البلدان فحكمهما حكم بَلَدٌ وَاحِدٌ وَيَلْزَمُ أَهْلُ الْبَلَدِ الْآخَرِ الصَّوْمُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ تَبَاعَدَا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى أَهْلِ البلد الاخرى وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْعَبْدَرِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ
(وَالثَّانِي) يَجِبُ وَبِهِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ حَدِيثِ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فِي بَلَدٍ آخَرَ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَفِيمَا يُعْتَبَرُ به الْبُعْدِ وَالْقُرْبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ
(أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ جمهور العراقيين والصيدلاني وغيرهم أن التباعذ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ كَالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالتَّقَارُبُ ان لا يَخْتَلِفَ كَبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَالرَّيِّ وَقَزْوِينَ لِأَنَّ مَطْلَعَ هؤلاء مطلع هؤلاء فإذ رَآهُ هَؤُلَاءِ فَعَدَمُ رُؤْيَتِهِ لِلْآخَرَيْنِ لِتَقْصِيرِهِمْ فِي التَّأَمُّلِ أَوْ لِعَارِضٍ بِخِلَافِ مُخْتَلِفِي الْمَطْلَعِ
(وَالثَّانِي) الِاعْتِبَارُ بِاتِّحَادِ الْإِقْلِيمِ وَاخْتِلَافِهِ فَإِنْ اتَّحَدَ فَمُتَقَارِبَانِ والا فمتباعدان وبهذا قال الصيمري وآخرون
(والثالث) أَنَّ التَّبَاعُدَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَالتَّقَارُبَ دُونَهَا وَبِهَذَا قَالَ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَطَالِعِ يُحْوِجُ إلَى حِسَابٍ وَتَحْكِيمِ الْمُنَجِّمِينَ وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَأْبَى ذَلِكَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ مَسَافَةِ الْقَصْرِ الَّتِي عَلَّقَ الشَّرْعُ بِهَا كَثِيرًا مِنْ الْأَحْكَامِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ أَمْرَ الْهِلَالِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَالصَّحِيحُ اعْتِبَارُ الْمَطَالِعِ كَمَا سَبَقَ فَعَلَى هَذَا لَوْ شَكَّ فِي اتِّفَاقِ الْمَطَالِعِ لَمْ يَلْزَمْ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا الصَّوْمُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا يَجِبُ بِالرُّؤْيَةِ لِلْحَدِيثِ وَلَمْ تَثْبُتْ الرُّؤْيَةُ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ
لِعَدَمِ ثُبُوتِ قُرْبِهِمْ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ الْمَشْهُورُ لِلْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ وَانْفَرَدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ بِطَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا رَأَوْهُ فِي بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ فَثَلَاثَةُ أوجه (احدها) يلزم الذين لم يروا الان فَرْضَ رَمَضَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَقَدْ ثبت رمضان (والثاني) لا يلزمهم لِأَنَّ الطَّوَالِعَ وَالْغَوَارِبَ قَدْ تَخْتَلِفُ لِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَإِنَّمَا خُوطِبَ كُلُّ قَوْمٍ بِمَطْلَعِهِمْ وَمَغْرِبِهِمْ أَلَا تَرَى الْفَجْرَ قَدْ يَتَقَدَّمُ طُلُوعُهُ فِي بَلَدٍ وَيَتَأَخَّرُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ قَدْ يَتَعَجَّلُ غُرُوبُهَا فِي بَلَدٍ وَيَتَأَخَّرُ فِي آخَرَ ثُمَّ كُلُّ بَلَدٍ يُعْتَبَرُ طُلُوعُ فَجْرِهِ وَغُرُوبُ شَمْسِهِ فِي حَقِّ أَهْلِهِ فَكَذَلِكَ الْهِلَالُ (الثَّالِثُ) إنْ كَانَا مِنْ إقْلِيمٍ لَزِمَهُمْ وَإِلَّا فَلَا هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ إذَا رَآهُ أَهْلُ نَاحِيَةٍ دُونَ نَاحِيَةٍ فَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ لَزِمَهُمْ كُلَّهُمْ وَضَابِطُ الْقُرْبِ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ أَنَّهُ إذَا أَبْصَرَهُ هَؤُلَاءِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ إلَّا لِعَارِضٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ أَوْ غَيْرُهَا قَالَ فَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُ الْجَمِيعَ وَاخْتَارَهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُمْ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُرَى وَلَا يَخْفَى عَلَى أُولَئِكَ بِلَا عَارِضٍ لَزِمَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ فلا
* فحصل في المسألة ست وُجُوهٍ
(أَحَدُهَا) يَلْزَمُ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ بِرُؤْيَتِهِ فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا
(وَالثَّانِي) يَلْزَمُ أَهْلَ إقْلِيمِ بَلَدٍ الرُّؤْيَةُ دُونَ غَيْرِهِمْ
(وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُ كُلَّ بَلَدٍ يُوَافِقُ بَلَدَ الرُّؤْيَا فِي الْمَطْلَعِ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا أَصَحُّهَا
(وَالرَّابِعُ) يَلْزَمُ كُلَّ بَلَدِ لَا يُتَصَوَّرُ خَفَاؤُهُ عَنْهُمْ بِلَا عَارِضٍ دُونَ غيرهم وهو فيما حكاه السرخسي
(والخامس) يلزم من دون مسافة القصر دون غيرهم
(والسادس) لَا يَلْزَمُ غَيْرَ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ فِيمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا إذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلَدٍ دُونَ غَيْرِهِمْ
* قَدْ ذَكَرْنَا تَفْصِيلَ مَذْهَبِنَا وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ غَيْرَ أَهْلِ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ وَعَنْ اللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَلْزَمُ الْجَمِيعَ قَالَ وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا قَوْلَ الْمَدَنِيِّ وَالْكُوفِيِّ يَعْنِي مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ
* {فَرْعٌ} لَوْ شرع في الصوم في بلد ثُمَّ سَافَرَ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ لَمْ يَرَوْا فِيهِ الْهِلَالَ حِينَ رَآهُ أَهْلُ الْبَلَدِ الْأَوَّلِ فَاسْتَكْمَلَ ثَلَاثِينَ مِنْ حِينِ صَامَ (فَإِنْ قُلْنَا) لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمُ نَفْسِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ مَعَهُمْ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْهُمْ
(وَالثَّانِي) يُفْطِرُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حُكْمَ الْأَوَّلِ (وَإِنْ قُلْنَا) تَعُمُّ الروية كُلَّ الْبِلَادِ لَزِمَ أَهْلَ الْبَلَدِ الثَّانِي مُوَافَقَتُهُ فِي الْفِطْرِ إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ رُؤْيَةُ الْبَلَدِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَعَلَيْهِمْ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ لَزِمَهُ هُوَ الْفِطْرُ كَمَا لَوْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ ويفطر سرا ولو سافر من بلد لم يروا فيه إلي بلد رؤى فِيهِ فَعَيَّدُوا الْيَوْمَ التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَوْمِهِ فإن عممنا الحكم أو قلنا
لَهُ حُكْمُ الْبَلَدِ الثَّانِي عَيَّدَ مَعَهُمْ وَلَزِمَهُ قَضَاءُ يَوْمٍ وَإِنْ لَمْ نُعَمِّمْ الْحُكْمَ وَقُلْنَا لَهُ حُكْمُ الْبَلَدِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَلَوْ رَأَى الْهِلَالَ فِي بَلَدٍ وَأَصْبَحَ مُعَيِّدًا مَعَهُمْ فَسَارَتْ بِهِ سَفِينَةٌ إلَى بَلَدٍ فِي حَدِّ الْبُعْدِ فَصَادَفَ أَهْلَهَا صَائِمِينَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ إذَا قُلْنَا لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمُ نَفْسِهِ وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ الْحِكَايَةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَتُتَصَوَّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي صُورَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ صَوْمِ الْبَلَدَيْنِ لَكِنَّ الْمُنْتَقِلَ إلَيْهِمْ لَمْ يَرَوْهُ (وَالثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ التَّاسِعَ والعشرين المنتقل إلَيْهِمْ لِتَأَخُّرِ صَوْمِهِمْ بِيَوْمٍ قَالَ وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ فِي الصُّورَتَيْنِ إنْ لَمْ يُعَمَّمْ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَا وَجَوَابُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمَهُ وَأَنَّ لِلْمُنْتَقِلِ حُكْمَ الْبَلَدِ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ وَإِنْ عَمَّمْنَا الْحُكْمَ وأهل الْبَلَدِ الثَّانِي إذَا عَرَفُوا فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ أَنَّهُ عِيدٌ فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَا سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ إذَا
شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ يوم الثلاثين ولو اتفق هَذَا السَّفَرُ لِعَدْلَيْنِ وَقَدْ رَأَيَا الْهِلَالَ بِأَنْفُسِهِمَا وَشَهِدَا فِي الْبَلَدِ الثَّانِي فَهَذِهِ شَهَادَةُ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ فَيَجِبُ الْفِطْرُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (وَأَمَّا) الثَّانِيَةُ فَإِنْ عَمَّمْنَا الْحُكْمَ بِجَمِيعِ الْبِلَادِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُمَا عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنْ قَبِلْنَا شَهَادَتَهُمْ قَضَوْا يَوْمًا وَإِنْ لَمْ نُعَمِّمْ الْحُكْمَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِمَا
* وَلَوْ كَانَ عَكْسَهُ بِأَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَسَارَتْ بِهِ سَفِينَةٌ إلَى قَوْمٍ مُعَيِّدِينَ فَإِنْ عَمَّمْنَا الْحُكْمَ أَوْ قلنا حُكْمُ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا افطر قضى بوما إذَا لَمْ يَصُمْ إلَّا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
* {وفى الشهادة التي يثبت بها رؤية هلال شهر رمضان قولان (قال) في البويطي لاتقبل إلا من عدلين لما روى الحسين ابن حريث الجدلي جديلة قيس قال " خطبنا أمير مكة الحارث ابن حاطب فقال أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن ننسك لرؤيته فان لم نره فشهد شاهدان عدلان نسكنا يشهادتهما (وقال) في القديم والجديد يقبل من عدل واحد وهو الصحيح لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ " تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اني رأيته فصام رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمْرُ الناس بالصيام " ولانه إيجاب عبادة فقبل من واحد احتياطا للفرض (فان قلنا) يقبل من واحد فهل بقبل من العبد والمرأة فيه وجهان
(أحدهما)
يقبل لان ما قبل فيه قول الواحد قبل من العبد والمرأة كاخبار رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(وَالثَّانِي)
لا يقبل وهو الصحيح لان طريقها طريق الشهادة بدليل أنه لا يقبل من شاهد الفرع مع حضور شاهد الاصل فلم يقبل من العبد والمرأة كسائر الشهادات ولا يقبل في هلال الفطر إلا شاهدان لانه اسقاط فرض فاعتبر فيه العدد اجتياطا للفرض فان شهد واحد على رؤية هلال رمضان فقبل قوله وصاموا ثلاثين يوما وتغيمت
السماء ففيه وجهان
(أحدهما)
أنهم لا يفطرون لانه افطار بشاهد واحد (والثاني) انهم يفطرون وهو المنصوص في الام لانه بينة ثبت بها الصوم فجاز الافطار باستكمال العدد منها كالشاهدين وقوله إن هذا إفطار بشاهد لا يصح لان الذى ثبت بالشاهد هو الصوم والفطر ثبت على سبيل التبع وذلك
يجوز كما نقول إن النسب لا يثبت بقول أربع نسوة ثم لو شهد أربع نسوة بالولادة ثبتت الولادة وثبت النسب على سبيل التبع للولادة وإن شهد اثنان علي رؤية هلال رمضان فصاموا ثلاثين يوما والسماء مصحية فلم يروا الهلال ففيه وجهان (قال) أبو بكر بن الحداد لا يفطرون لان عدم الهلال مع الصحو يقين والحكم بالشاهدين ظن واليقين يقدم علي الظن (وقال) اكثر أصحابنا يفطرون لان شهادة اثنين يثبت بها الصوم والفطر فوجب أن يثبت بها الفطر وإن غم عليهم الْهِلَالُ وَعَرَفَ رَجُلٌ الْحِسَابَ وَمَنَازِلَ الْقَمَرِ وَعَرَفَ بالحساب أنه من شهر رمضان ففيه وجهان (قال) أبو العباس يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّهْرَ بِدَلِيلٍ فَأَشْبَهَ إذا عرف بالبينة (والثاني) أنه لَا يَصُومُ لِأَنَّا لَمْ نُتَعَبَّدْ إلَّا بِالرُّؤْيَةِ ومن رأى هلال رمضان وحده صام وإن رأى هلال شوال وحده افطر وحده لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وافطروا لرؤيته ويفطر لرؤية هلال شوال سرا لانه إذا أظهر الفطر عرض نفسه للتهمة وعقوبة السلطان}
* {الشرح} حديث الحسين ابن حُرَيْثٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وغيره وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قال الدارقطني تفرد به مروان ابن مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَهُوَ ثِقَةٌ (وَقَوْلُهُ) حسين ابن حُرَيْثٍ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ حُرَيْثٍ بِضَمِّ الْحَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ وَصَوَابُهُ حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي جَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَكُتُبِ الْأَسْمَاءِ حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ (وَقَوْلُهُ) الْجَدَلِيُّ جَدِيلَةُ قَيْسٍ يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ بَنِي جَدِيلَةَ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ بِالْعَيْنِ المهملة احتراز من جديلة طي وَغَيْرِهَا وَقَدْ أُوضِحَتْ حَالُهُ وَحَالُ قَبِيلَتِهِ فِي تهذيب الاسماء واللغات (وقوله) الحارث ابن حَاطِبٍ هُوَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَقَدْ أُوضِحَتْ حَالُهُ فِي التَّهْذِيبِ
* وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَافَقَهُ عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَصَدَّقَهُ فِيهِ (وَقَوْلُهُ) نَنْسُكُ هُوَ بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَهُوَ العبادة ومن قال بالمذهب أنه يثبت الهلال بعدل واحد أجاب عَنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ بِأَنَّ النُّسُكَ هَهُنَا عِيدُ الْفِطْرِ وَكَذَا تَرْجَمَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى ثُبُوتِ هِلَالِ شَوَّالٍ
بِعَدْلَيْنِ (وَأَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي الشَّهَادَةِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا هِلَالُ رَمَضَانَ ثَلَاثُ
طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَثْبُتُ بِعَدْلٍ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَمُعْظَمُ كُتُبِهِ فِي الْجَدِيدِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ (مِنْهَا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُ ذَلِكَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ (وَالطَّرِيقُ) الثَّانِي الْقَطْعُ بِثُبُوتِهِ بِعَدْلٍ لِلْأَحَادِيثِ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ إنْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ ثَبَتَ بِعَدْلٍ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يُشْتَرَطُ عَدْلَانِ كَسَائِرِ الشُّهُورِ
(وَالثَّانِي)
يَثْبُتُ بِعَدْلٍ لِلِاحْتِيَاطِ وَهَذَا الطَّرِيقُ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ ثَبَتَتْ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ ثُبُوتُهُ بِعَدْلٍ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ شَرَطْنَا عَدْلَيْنِ فَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَيَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَكِنَّهَا شَهَادَةُ حِسْبَةٍ لَا ارْتِبَاطَ لَهَا بِالدَّعْوَى وان اكتفينا بعدل فهل هو بطريق الروابة أَمْ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا السَّرَخْسِيُّ قَوْلَيْنِ قَالَ الدَّارِمِيُّ الْقَائِلُ شَهَادَةٌ هُوَ أَبُو عَلِيٍّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْقَائِلُ رِوَايَةٌ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ (أَصَحَّهُمَا) أَنَّهُ شَهَادَةٌ فَعَلَى هَذَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَبِهَذَا قَالَ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا غَيْرُ أَبِي إِسْحَاقَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ رِوَايَةٌ فَيُقْبَلُ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَفِي اشْتِرَاطِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) يُشْتَرَطُ قَطْعًا (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ فِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ شَهَادَةٌ أَمْ رِوَايَةٌ (إنْ قُلْنَا) شَهَادَةُ شَرْطٍ وَإِلَّا فَلَا (وَأَمَّا) الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ الْمَوْثُوقُ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ شَرَطْنَا اثْنَيْنِ أَوْ قُلْنَا شَهَادَةٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ (وَإِنْ قُلْنَا) رِوَايَةٌ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يُقْبَلُ قَطْعًا
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِ إنْ قَبِلْنَاهَا قَبْلَ هَذَا وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَأَمَّا) الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالْمُغَفَّلُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ فِيمَنْ نَقْبَلُهُ (وَأَمَّا) الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ (فَإِنْ قُلْنَا) يُشْتَرَطُ عَدْلَانِ اُشْتُرِطَتْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الحرمين وآخرون قالو وَهُمَا جَارِيَانِ فِي رِوَايَةِ الْمَسْتُورِ الْحَدِيثَ (وَالْأَصَحُّ) قَبُولُ رِوَايَةِ الْمَسْتُورِ وَكَذَا الْأَصَحُّ قَبُولُ قَوْلِهِ هُنَا وَالصِّيَامُ بِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَالْعُدَّةِ وَالْمُتَوَلِّي قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا فَرْقَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ كَوْنِ السَّمَاءِ مُصْحِيَةً أَوْ مُغَيِّمَةً
* {فَرْعٌ} إذَا أَخْبَرَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ كَزَوْجَتِهِ وَجَارِيَتِهِ وَصَدِيقِهِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ وَيَعْتَقِدُ صِدْقَهُ أَنَّهُ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ ولم يذكر ذلك عند القضي فَقَدْ قَطَعَتْ طَائِفَةٌ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِقَوْلِهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى الْمَقُولِ لَهُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ رِوَايَةٌ لَزِمَ الصَّوْمُ بِقَوْلِهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) هَلْ يَثْبُتُ هِلَالُ رَمَضَانَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَأَشَارَ إلَيْهِ المصنف ثبوته
كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ قَوْلَانِ كَالْحُدُودِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَيْسَتْ مَالِيَّةً وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَقَاسَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ عَلَى الزَّكَاةِ وَإِتْلَافِ حُصْرِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْحُدُودِ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ: فَعَلَى هَذَا عَدَدُ الْفُرُوعِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأُصُولِ فَإِنْ شَرَطْنَا الْعَدَدَ فِي الْأُصُولِ فَحُكْمُ الفروع هنا حكمهم فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ شَاهِدَانِ وَهَلْ يَكْفِي شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ جَمِيعًا فِيهِ القولان المشهوران (أصحهما) يَكْفِي وَعَلَى هَذَا لَا مَدْخَلَ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَإِنْ اكْتَفَيْنَا بِوَاحِدٍ فَإِنْ قُلْنَا سَبِيلُهُ سَبِيلُ الرِّوَايَةُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَكْفِي وَاحِدٌ كَرِوَايَةِ الحديث
(والثانى)
يشترط اثنان قال البغوي وهو الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَبَرٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ فَعَلَى هَذَا هَلْ يُشْتَرَطُ إخْبَارُ حُرَّيْنِ ذَكَرَيْنِ أَمْ يَكْفِي امْرَأَتَانِ أَوْ عَبْدَانِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصْحُهُمَا) الْأَوَّلُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْأَصَحُّ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ عَنْ وَاحِدٍ إذَا قُلْنَا إنَّهُ رِوَايَةٌ وَبِهَذَا قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْفَرْعِ حَدَّثَنِي فُلَانٌ أَنَّ فُلَانًا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي قَبُولَهُ إذَا اكْتَفَيْنَا بِوَاحِدٍ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قَالَ وَلَا نُسَلِّمُ دَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ مِنْ نِزَاعٍ وَاحْتِمَالٍ ظَاهِرٍ (أَمَّا) إذَا قُلْنَا طَرِيقُهُ طَرِيقُ الشَّهَادَةِ فَهَلْ يَكْفِي شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ أَمْ يُشْتَرَطُ اثْنَانِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِاشْتِرَاطِ اثْنَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ (وَأَمَّا) شَهَادَةُ الْفَرْعِ بِحَضْرَةِ الْأَصْلِ عَلَى شَهَادَتِهِ
فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وغيره بأنها لا تقبل ولا يبعد تخريح خِلَافٍ فِيهِ عَلَى قَوْلِنَا رِوَايَةٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا قَبِلْنَا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ عَدْلًا وَصُمْنَا عَلَى قَوْلِهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلَمْ نَرَ الْهِلَالَ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ فَهَلْ نُفْطِرُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ نُفْطِرُ (وَالثَّانِي) لَا نُفْطِرُ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ مبنى على قول عدل واحد والمذول لِأَنَّهَا حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ ثَبَتَ بِهَا هِلَالُ رَمَضَانَ فثبت الافطار يعد اسْتِكْمَالِ الْعَدَدِ مِنْهَا كَالشَّاهِدَيْنِ وَأَبْطَلَ الْأَصْحَابُ قَوْلَ الْآخَرِ قَالُوا لِأَنَّ الَّذِي ثَبَتَ بِالشَّاهِدِ إنَّمَا هُوَ الصَّوْمُ وَحْدُهُ (وَأَمَّا) الْفِطْرُ فَثَبَتَ تَبَعًا كَمَا أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَا تُقْبَلُ عَلَى النَّسَبِ اسْتِقْلَالًا وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِالْوِلَادَةِ ثَبَتَتْ وَثَبَتَ النَّسَبُ تَبَعًا
لَهَا بِلَا خِلَافٍ فَكَذَا هُنَا ثُمَّ الْقَوْلَانِ جاريان سواء كانت لسماء مُصْحِيَةً أَوْ مُغَيِّمَةً هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ فِي الْعُدَّةِ الْوَجْهَانِ إذَا كَانَتْ مُصْحِيَةً فَإِنْ كَانَتْ مُغَيِّمَةً أَفْطَرْنَا بِلَا خِلَافٍ لِاحْتِمَالِ وُجُودِهِ وَاسْتِتَارِهِ بِالْغَيْمِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ: إذَا صُمْنَا بِشَهَادَةِ عَدْلٍ ثَلَاثِينَ وَكَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً فَفِي الْفِطْرِ الْوَجْهَانِ فَفَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا غَيَّمَتْ وقال البغوي قيل الوجهان إذا كانت مصحية فان تغيمت وَجَبَ الْفِطْرُ قَطْعًا قَالَ وَقِيلَ هُمَا فِي الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ وَالْمَذْهَبُ طَرْدُهُمَا فِي الْحَالَيْنِ (أَمَّا) إذَا صُمْنَا بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ نَرَ الْهِلَالَ فَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً أَفْطَرْنَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ مُصْحِيَةً فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) نُفْطِرُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ (وَأَشْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَقَوْلُ الجمهور أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ نُفْطِرُ لِأَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ ثَبَتَ وَقَدْ أُمِرْنَا بِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ إذَا لَمْ نَرَ الهلال وقد اكملناها فَوَجَبَ الْفِطْرُ (وَالثَّانِي) لَا نُفْطِرُ لِأَنَّ عَدَمَ الرُّؤْيَةِ مَعَ الصَّحْوِ يَقِينٌ فَلَا نَتْرُكُهُ بِقَوْلِ شَاهِدَيْنِ وَهُوَ ظَنٌّ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَدَّادِ حَكَاهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا مُزَيَّفٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا يَجْرِي عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَنُقِلَ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَيْضًا قَالَ وَفَرَّعَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ فَأَفْطَرْنَا ثُمَّ
لَمْ نَرَ الْهِلَالَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ قَضَيْنَا صَوْمَ أَوَّلِ يَوْمٍ أَفْطَرْنَاهُ لانه بان أنه من آخر رمضان لكن لَا كَفَّارَةَ عَلَى مِنْ جَامَعَ فِيهِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى مِنْ أَثِمَ بِالْجِمَاعِ وَهَذَا لَمْ يَأْثَمْ لِعُذْرِهِ (وَأَمَّا) عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ فَلَا قَضَاءَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ وَعَرَفَ رَجُلٌ الْحِسَابَ وَمَنَازِلَ الْقَمَرِ وَعَرَفَ بِالْحِسَابِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَوَجْهَانِ (قَالَ) ابْنُ سُرَيْجٍ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّهْرَ بِدَلِيلٍ فَأَشْبَهَ مَنْ عَرَفَهُ بِالْبَيِّنَةِ (وَقَالَ) غَيْرُهُ لَا يَصُومُ لِأَنَّا لَمْ نُتَعَبَّدْ إلَّا بِالرُّؤْيَةِ هذا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَوَافَقَهُ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ جَمَاعَةٌ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ لَا يَصُومُ بِقَوْلِ مُنَجِّمٍ وَقَالَ قَوْمٌ يَلْزَمُ قَالَ فَإِنْ صَامَ بِقَوْلِهِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا عَرَفَ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ أَنَّ غَدًا من رمضان أو اخبره عارف بذلك فَصَدَّقَهُ فَنَوَى وَصَامَ بِقَوْلِهِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ حَصَلَ لَهُ بِهِ غَلَبَةُ ظَنٍّ فأشبه مالو أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ النُّجُومَ وَالْحِسَابَ لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي الْعِبَادَاتِ قَالَ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِذَلِكَ قَالَ ابن الصباغ أما بِالْحِسَابِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْوُجُوبِ هذا كلام
صَاحِبِ الْبَيَانِ وَقَطَعَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ بِأَنَّ الْحَاسِبَ وَالْمُنَجِّمَ لَا يَعْمَلُ غَيْرُهُمَا بِقَوْلِهِمَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا يَعْمَلُ غَيْرُ الْحَاسِبِ بِقَوْلِهِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ هُوَ الصَّوْمُ بِمَعْرِفَةِ نَفْسِهِ الْحِسَابَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ بِمَا يَقْتَضِيهِ حِسَابُ الْمُنَجِّمِ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ الصَّوْمُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَكَذَا مَنْ عَرَفَ مَنَازِلَ الْقَمَرِ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (وَأَمَّا) الْجَوَازُ فَقَالَ الْبَغَوِيّ لَا يجوز تقليد المنجم في حسابه لافى الصَّوْمِ وَلَا فِي الْفِطْرِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِ نَفْسِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَجَعَلَ الرُّويَانِيُّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا عَرَفَ مَنَازِلَ الْقَمَرِ وَعَلِمَ بِهِ وُجُودَ الْهِلَالِ وَذَكَرَ أَنَّ الْجَوَازَ اخْتِيَارُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالِ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ قَالَ فَلَوْ عَرَفَهُ بِالنُّجُومِ لَمْ يَجُزْ الصَّوْمُ بِهِ قَطْعًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْمُسَوَّدَاتِ تَعَدِّيَةَ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ إلَى غَيْرِ الْمُنَجِّمِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ
(أَصَحُّهَا) لَا يَلْزَمُ الْحَاسِبُ وَلَا الْمُنَجِّمُ وَلَا غَيْرُهُمَا بِذَلِكَ لَكِنْ يَجُوزُ لَهُمَا دُونَ غَيْرِهِمَا وَلَا يُجْزِئُهُمَا عَنْ فَرْضِهِمَا
(وَالثَّانِي) يَجُوزُ لَهُمَا وَيُجْزِئُهُمَا
(وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ لِلْحَاسِبِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُنَجِّمِ
(وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ لَهُمَا وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِمَا تَقْلِيدُهُمَا
(وَالْخَامِسُ) يَجُوزُ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا تَقْلِيدُ الْحَاسِبِ دُونَ الْمُنَجِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لَزِمَهُ الْفِطْرُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدنَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُفْطِرُ لِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ سِرًّا لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ لِلتُّهْمَةِ فِي دِينِهِ وَعُقُوبَةِ السُّلْطَانِ قال اصحابنا: ولو رؤى رَجُلٌ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ يَأْكُلُ بِلَا عُذْرٍ عُزِّرَ فَلَوْ شَهِدَ بَعْدَ الْأَكْلِ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ الْبَارِحَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي إسْقَاطِ التَّعْزِيرِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مالو شَهِدَ أَوَّلًا فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَكَلَ لَا يُعَزَّرُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ حَالَ الشَّهَادَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَلَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ فَالصَّوْمُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَوْ صَامَ وَجَامَعَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فِي حَقِّهِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ لُزُومِ الصَّوْمِ بِرُؤْيَتِهِ هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَوْ جَامَعَ فِيهِ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سيرين وابو ثور واسحق بن راهويه لا يلزمه
* وقال أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ وَلَكِنْ إنْ جَامَعَ فِيهِ فَلَا كَفَّارَةَ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ لُزُومِ الْفِطْرِ لِمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ قَالَ بِهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ فِيهِ
* دَلِيلُنَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْحَدِيثُ وَلِأَنَّ يَقِينَ نَفْسِهِ أَبْلَغُ مِنْ الظَّنِّ الْحَاصِلِ بِالْبَيِّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) لَا يَثْبُتُ هِلَالُ شَوَّالٍ وَلَا سَائِرِ الشُّهُورِ غَيْرَ
هِلَالِ رَمَضَانَ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ لِحَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ السَّابِقِ قَرِيبًا وَقِيَاسًا عَلَى بَاقِي الشَّهَادَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مَالًا وَلَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْمَالُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ غَالِبًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ احْتِيَاطٌ لِلْعِبَادَةِ بِخِلَافِ هِلَالِ رَمَضَانَ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَبَا ثَوْرٍ فَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ عَدْلٌ وَاحِدٌ كَهِلَالِ رَمَضَانَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ لَوْ قُلْتُ بِمَا قَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ لَمْ أَكُنْ مُبْعِدًا وَقَالَ الدَّارِمِيُّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ هَلْ يَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ هِلَالُ رَمَضَانَ أَمْ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
{فَرْعٌ} إذَا قُلْنَا يَثْبُتُ هِلَالُ رَمَضَانَ بِقَوْلِ وَاحِدٍ فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّوْمِ خَاصَّةً (فَأَمَّا) الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا عُلِّقَ عَلَى رَمَضَانَ فَلَا يَقَعُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إلَيْهِ وَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ وَلَا يَتِمُّ حَوْلُ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ وَالدِّيَةِ الْمُؤَجَّلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآجَالِ بِلَا خلاف بل لابد في كل ما سوى الصوم مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ كَامِلَيْ الْعَدَالَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ
* {فَرْعٌ} قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ شَهِدَ عَدْلٌ بِإِسْلَامِ ذِمِّيٍّ مَاتَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَحْدَهُ فِي إثْبَاتِ إرْثِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ مِنْهُ وَحِرْمَانِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ تُقْبَلُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ ذكره في آخر كتاب الصيال وَالرِّدَّةِ
* {فَرْعٌ} قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا لَفْظُ صَاحِبِ الْبَيَانِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ عَقَدَ رَجُلٌ عِنْدَهُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فَصَامَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا: أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ إذَا أَخْبَرَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَنْ يَثِقُ بِخَبَرِهِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ عَبْدٍ فَصَدَّقَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ وَنَوَى الصَّوْمَ وَصَامَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ نَوَى الصَّوْمَ بِظَنٍّ وَصَادَفَهُ فَأَشْبَهَ الْبَيِّنَةَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ صَبِيٌّ عَاقِلٌ (فَأَمَّا) إذَا صَامَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ فَوَافَقَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ
* {فَرْعٌ} لَوْ كَانَتْ لَيْلَةُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَلَمْ يَرَ النَّاسُ الْهِلَالَ فَرَأَى إنْسَانٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لَهُ اللَّيْلَةُ أَوَّلُ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ الصَّوْمُ بِهَذَا الْمَنَامِ لَا لِصَاحِبِ الْمَنَامِ وَلَا لغيره ذكره القاضي حسين فِي الْفَتَاوَى وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَقَدْ قَرَّرْتُهُ بِدَلَائِلِهِ
فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ شَرْطَ الرَّاوِي وَالْمُخْبِرَ وَالشَّاهِدَ أَنْ يَكُونَ مُتَيَقِّظًا حَالِ التَّحَمُّلِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّوْمَ لَا تَيَقُّظَ فِيهِ وَلَا ضَبْطَ فَتُرِكَ الْعَمَلُ بِهَذَا الْمَنَامِ لِاخْتِلَالِ ضَبْطِ الرَّاوِي لَا لِلشَّكِّ فِي الرُّؤْيَةِ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ
رَآنِي حَقًّا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي " وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هلال
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا ثُبُوتُهُ بِعَدْلَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي ثُبُوتِهِ بِعَدْلٍ خِلَافٌ (الصَّحِيحُ) ثُبُوتُهُ وَسَوَاءٌ أَصْحَتْ السَّمَاءُ أَوْ غَيَّمَتْ وَمِمَّنْ قَالَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَآخَرُونَ وَمِمَّنْ قَالَ يُشْتَرَطُ عَدْلَانِ عَطَاءٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ والليث والماجشون وإسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَدَاوُد وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يُشْتَرَطُ رَجُلَانِ أو رجل وامرأتان كذا حكاه عنه ابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً ثَبَتَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَلَا يَثْبُتُ غير رَمَضَانُ إلَّا بِاثْنَيْنِ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ مُصْحِيَةً لَمْ يَثْبُتْ رَمَضَانُ بِوَاحِدٍ وَلَا بِاثْنَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدَدِ الِاسْتِفَاضَةِ
* وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَنْظُرَ الْجَمَاعَةُ الْكَبِيرَةُ إلَى مَطْلَعِ الْهِلَالِ وَأَبْصَارُهُمْ صَحِيحَةٌ وَلَا مَانِعَ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَيَرَاهُ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ دُونَهُمْ
* وَاحْتَجَّ مَنْ شَرَطَ اثْنَيْنِ بِحَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سبق بيانه قريبا حيث ذكره الْمُصَنِّفُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ يَعْنِي رَمَضَانَ فَقَالَ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفْظُهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَغَيْرُهُمْ وقال الحاكم هو حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ رُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ غَيْرِ ذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وكذا رواه أَبُو دَاوُد مِنْ بَعْضِ طُرُقِهِ مُرْسَلًا قَالَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مُرْسَلًا وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ مَوْصُولًا وَمِنْ طُرُقٍ مُرْسَلًا وَطُرُقُ الِاتِّصَالِ صَحِيحَةٌ وَقَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا رُوِيَ مُرْسَلًا وَمُتَّصِلًا اُحْتُجَّ بِهِ لِأَنَّ مَعَ مَنْ وَصَلَهُ زِيَادَةٌ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَقَدْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّتِهِ كَمَا سَبَقَ فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ هُمَا الْعُمْدَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ وَكَانَ لَا يُجِيزُ عَلَى شَهَادَةِ الْإِفْطَارِ الا شهادة رجلين " فرواه الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ قَالَ وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ
قَالَ وَفِي الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ كِفَايَةٌ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ إلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم " أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَصَامَ وأحسبه قال وأمر الناس بالصيام وَقَالَ أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ "(وَالْجَوَابُ) عَمَّا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَلَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرَاهُ بَعْضُهُمْ دُونَ جُمْهُورِهِمْ لِحُسْنِ نَظَرِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وليس هذا ممتنعا ولهذا لَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ اثْنَانِ أَوْ وَاحِدٌ وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَمْ يُنْقَضْ بِالْإِجْمَاعِ وَوَجَبَ الصَّوْمُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِيلًا لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ وَوَجَبَ نَقْضُهُ (وَالْجَوَابُ) عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْآخَرُونَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ نَنْسُكُ هِلَالَ شَوَّالٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ ولابد مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ بَعْضِ الشِّيعَةِ أَنَّهُمْ أَسْقَطُوا حُكْمَ الْأَهِلَّةِ وَاعْتَمَدُوا الْعَدَدَ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ عَنْ الصَّحِيحَيْنِ " شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ " وَبِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ " صَوْمُكُمْ يَوْمَ نَحْرِكُمْ " وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِمْ الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا مَعَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ " وَالْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ " أَيْ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَفِي روايات " الشهر هكذا وهكذا وهكذ وأشار باصابعه الْعَشْرِ وَحَبَسَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نجسب الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " لما صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " مَا صُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْتُ مَعَهُ ثَلَاثِينَ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (وَالْجَوَابُ)" عَنْ شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ " أَيْ لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُمَا أَوْ لَا يَنْقُصَانِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مَعًا غَالِبًا وَقَدْ سَبَقَ هَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فِيهِ مَعَ غَيْرِهِمَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ " صَوْمُكُمْ يَوْمَ
نَحْرِكُمْ " أَنَّهُ ضَعِيفٌ بَلْ مُنْكَرٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي هَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حسن ولفظه
" الْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ " وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصحيح من مذهبنا أنه لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وحكاه ابن المنذر عن الليث والماجشون المالكى ولم يحك عن أحد قبولها
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وإن اشتبهت الشهور علي اسير لزمه ان يتحرى ويصوم كما يلزمه ان يتحرى في وقت الصلاة وفى القبلة فان تحرى وصام فوافق الشهر أو ما بعده اجزأه فان وافق شهرا بالهلال ناقصا وشهر رمضان الذى صامه الناس كان تاما ففيه وجهان (احدهما) يجزئه وهو قول الشيخ ابي حامد الاسفراينى رحمه الله تعالى لان الشهر يقع علي مابين الهلالين ولهذا لو نذر صوم شهر فصام شهرا ناقصا بالاهلة اجزأه (والثاني) انه يجب عليه صوم يوم وهو اختيار شيخنا القاضي ابي الطيب وهو الصحيح عندي لانه فاته صوم ثلاثين وقد صام تسعة وعشرين يوما فلزمه صوم يوم وان وافق صومه شهرا قبل رمضان قال الشافعي لا يجزئه ولو قال قائل يجزئه كان مذهبا قال أبو اسحق المروزى لا يجزئه قولا واحدا وقال سائر اصحابنا فيه قولان (احدهما) يجزئه لانه عبادة تفعل في السنة مرة فجاز ان يسقط فرضها بالفعل قبل الوقت عند الخطأ كالوقوف بعرفة إذا اخطأ الناس ووقفوا قبل يوم عرفة
(والثانى)
لا يجزئه وهو الصحيح لانه تَعَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ فِيمَا يَأْمَنُ مِثْلَهُ في القضاء فلم يعتد له بما فعله كما لو تحرى في وقت الصلاة قبل الوقت}
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ عِبَادَةٌ تُفْعَلُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً احْتِرَازٌ مِنْ الْخَطَأِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَالِاحْتِرَازُ
فِي قَوْلِهِ تَعَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ فِيمَا يَأْمَنُ مِثْلَهُ فِي الْقَضَاءِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَهَذَا الَّذِي قَاسَهُ عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ تَفْرِيعٌ عَلَى الضَّعِيفِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُمْ وَبِهِ قطع المصنف والاصح انه لا يُجْزِئُهُمْ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) أَحْكَامُ هَذَا الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: إذَا اشْتَبَهَ رَمَضَانُ عَلَى أَسِيرٍ أَوْ مَحْبُوسٍ فِي مَطْمُورَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ صَامَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَوَافَقَ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ اشتهبت عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى إلَى جِهَةٍ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَوَافَقَ أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَصَلَّى بلا
اجْتِهَادٍ وَوَافَقَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فِي الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اجْتَهَدَ وَصَامَ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ الْإِشْكَالُ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ صَادَفَ رَمَضَانَ أَوْ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ فَهَذَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَعَلَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الِاجْتِهَادِ الْإِصَابَةُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يُوَافِقَ صَوْمُهُ رَمَضَانَ فَيُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ فَقَالَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ صَامَ شَاكًّا فِي الشَّهْرِ قَالَ وَدَلِيلُنَا إجْمَاعُ السَّلَفِ قَبْلَهُ وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ اجتهد في القبلة ووافقها وأما الشك فانهما يَضُرُّ إذَا لَمْ يَعْتَضِدْ بِاجْتِهَادٍ بِدَلِيلِ الْقِبْلَةِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يُوَافِقَ صَوْمُهُ مَا بَعْدَ رَمَضَانَ فَيُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ صَامَ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ بَعْدَ وجوبه ولا يجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الصَّلَاةِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَلَكِنْ هَلْ يَكُونُ هَذَا الصَّوْمُ قَضَاءً أَمْ أَدَاءً فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) قَضَاءً لِأَنَّهُ خَارِجُ وَقْتِهِ وَهَذَا شَأْنُ الْقَضَاءِ
(وَالثَّانِي)
أَدَاءً لِلضَّرُورَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مااذا كَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ نَاقِصًا وَكَانَ رَمَضَانُ تَامًّا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ قُلْنَا قَضَاءً لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ وَإِنْ قُلْنَا أَدَاءً فَلَا يَلْزَمُهُ كَمَا لَوْ كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَصَامَ شَهْرًا تَامًّا وَكَانَ رَمَضَانُ
نَاقِصًا فَإِنْ قُلْنَا قَضَاءً فَلَهُ إفْطَارُ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ وَرَمَضَانُ تَامَّيْنِ أَوْ نَاقِصَيْنِ أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا وَافَقَ غَيْرَ شَوَّالٍ وَذِي الْحِجَّةِ فَإِنْ وَافَقَ شَوَّالًا حَصَلَ مِنْهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ كَمُلَ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ نَقَصَ لِأَنَّ صَوْمَ الْعِيدِ لَا يَصِحُّ فَإِنْ جعلناه قضاء وكان رمضان ناقصا فلا شئ عَلَيْهِ إنْ تَمَّ شَوَّالٌ وَيَقْضِي يَوْمًا إنْ نَقَصَ بَدَلَ الْعِيدِ وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ تَامًّا قَضَى يَوْمًا إنْ تَمَّ شَوَّالٌ وَإِلَّا فَيَوْمَيْنِ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ أَدَاءً لَزِمَهُ قَضَاءُ يَوْمٍ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ بَدَلَ يَوْمِ الْعِيدِ وَإِنْ وَافَقَ ذى الْحِجَّةِ حَصَلَ مِنْهُ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ تَمَّ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ نَقَصَ لِأَنَّ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا الْعِيدُ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ قَضَاءً وَكَانَ رَمَضَانُ ناقصا
قَضَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ تَمَّ ذُو الْحِجَّةِ وَإِلَّا فَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ تَامًّا قَضَى أَرْبَعَةً إنْ تَمَّ ذُو الْحِجَّةِ وَإِلَّا فَخَمْسَةً وَإِنْ جَعَلْنَاهُ أَدَاءً قَضَى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بِكُلِّ حَالٍ هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا فَإِنْ صَحَّحْنَاهَا لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ فَذُو الْحِجَّةِ كَشَوَّالٍ كَمَا سَبَقَ (الْحَالُ الرَّابِعُ) أَنْ يُصَادِفَ صَوْمُهُ مَا قَبْلَ رَمَضَانَ فَيُنْظَرُ إنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ بَعْدَ بَيَانِ الْحَالِ لَزِمَهُ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ فِي وَقْتِهِ (وَإِنْ) لَمْ يَبِنْ الْحَالُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ رَمَضَانَ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وُجُوبُ الْقَضَاءِ
(وَالثَّانِي)
لَا قَضَاءَ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ إذَا صَادَفَ مَا بَعْدَ رَمَضَانَ هَلْ هُوَ أَدَاءٌ أَمْ قَضَاءٌ إنْ قُلْنَا أَدَاءٌ لِلضَّرُورَةِ أَجْزَأَهُ هُنَا وَلَا قَضَاءَ لِأَنَّهُ كَمَا جُعِلَ أَدَاءً بَعْدَ وَقْتِهِ لِلضَّرُورَةِ كَذَا قَبْلَهُ وَإِنْ قُلْنَا قَضَاءٌ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَكُونُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَضَاءٌ فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ هُنَا وَهَذَا الْبِنَاءُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ قَوْلَيْنِ (وَأَمَّا) مَنْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ فَلَا يَصِحُّ بِنَاءُ قَوْلَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَلَوْ صَامَ شَهْرًا ثُمَّ بَانَ لَهُ الْحَالُ فِي بَعْضِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ صِيَامُ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ رَمَضَانَ بِلَا خِلَافٍ وَفِي قَضَاءِ الْمَاضِي مِنْهُ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِوُجُوبِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ فِيمَا إذَا بَانَ لَهُ بَعْدَ مُضِيِّ جَمِيعِ رَمَضَانَ والله تعالى أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا صَامَ الْأَسِيرُ وَنَحْوُهُ بِالِاجْتِهَادِ فَصَادَفَ صَوْمُهُ اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَقْتًا لِلصَّوْمِ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ كَيَوْمِ الْعِيدِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ
* {فَرْعٌ} ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي قِيَاسِهِ أَنَّهُ لَوْ تَحَرَّى فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَصَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ يَعْنِي قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يَكُونُ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الصَّوْمِ إذَا صَادَفَ مَا قَبْلَ رَمَضَانَ وَهَذَا عَلَى طَرِيقَتِهِ وَطَرِيقَةِ مَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَفِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ طَرَدَ الْخِلَافَ فِي الْمُجْتَهِدِ فِي الْأَوَانِي إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ النَّجَسِ وَصَلَّى هَلْ تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ الْخِلَافُ فِي تَيَقُّنِ الْخَطَأِ فِي الْقِبْلَةِ وَفِي الصَّلَاةِ بِنَجَاسَةٍ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رِحْلَةٍ وَتَيَمَّمَ أَوْ نَسِيَ تَرْتِيبَ الْوُضُوءِ أَوْ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ صَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ لِسَوَادٍ رَأَوْهُ فَبَانَ أَنَّهُ لَيْسَ عَدُوًّا أَوْ بَانَ بَيْنَهُمْ خَنْدَقٌ أَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ فَبَانَ غَنِيًّا أو أحج
عن نفسه لكونه معضوبا فبرأ أو غلطوا ووفقوا بِعَرَفَاتٍ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ وَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ خِلَافٌ بَعْضُهُ كَبَعْضٍ وَبَعْضُهُ مُرَتَّبٌ عَلَى بَعْضٍ أَوْ أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ وَالصَّحِيحُ فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَكُلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مُقَرَّرَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا مَبْسُوطَةٌ وَقَدْ سَبَقَتْ مَجْمُوعَةً ايضا في باب طهارة البدن وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الاسير ونحوه إذا اشتبهت عليه الشهور يَتَحَرَّى وَيَصُومُ بِمَا يَظْهَرُ بِالْعَلَامَةِ أَنَّهُ رَمَضَانُ فلو تحرى فلم يظهر له شئ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْمِينِ وَيَلْزَمُهُ القضاء كالمصلى إذا لم تظهر له الْقِبْلَةُ بِالِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَيَقْضِي قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ هَذَا عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ دُخُولَ رَمَضَانَ بِيَقِينٍ وَلَا ظَنٍّ لَا يَلْزَمُهُ الصِّيَامُ كَمَنْ شَكَّ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ
(وَالثَّانِي)
قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا يُؤْمَرُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ دُخُولَ الْوَقْتِ وَلَا ظَنَّهُ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ كَمَنْ شَكَّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ تَحَقَّقَ دُخُولُ
وَقْتِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا عَجَزَ عَنْ شَرْطِهَا فَأُمِرَ بِالصَّلَاةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ أَرَادَ إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ رَمَضَانَ قَدْ جَاءَ أَوْ مَضَى وَلَمْ يَعْلَمْ وَلَا ظَنَّ عَيْنَهُ لَكِنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ يَصُومُ وَلَا يَقْضِي لِأَنَّهُ يَقَعُ صَوْمُهُ فِي رَمَضَانَ أَوْ بَعْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} لَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ بِالِاجْتِهَادِ فَأَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ صَادَفَ رَمَضَانَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ الثَّابِتَ بِنَوْعِ دَلَالَةٍ فَأَشْبَهَ مَنْ وَطِئَ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِالشَّهْرِ بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَإِنْ صَادَفَ شَهْرًا غَيْرَهُ فلا كفارة لان الكفارة لحرمة - ضرمان وَلَمْ يُصَادِفْ رَمَضَانَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَوَلَّيْ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صِيَامِ الْأَسِيرِ بِالِاجْتِهَادِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إنْ صَادَفَ صَوْمُهُ رَمَضَانَ أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ صَادَفَ مَا قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَأَبُو ثَوْرٍ وَخَالَفَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ فَقَالَ لَا يُجْزِئُهُ وَإِنْ صَادَفَ رَمَضَانَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَسَبَقَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ صَامَ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ فَرْضِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُهُ
* {فَرْعٌ} إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْأَسِيرُ وَنَحْوُهُ اللَّيْلَ وَلَا النَّهَارَ بَلْ اسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ الظُّلْمَةُ دَائِمًا فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ قَلَّ مَنْ ذَكَرَهَا وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ لِلْأَصْحَابِ (أَحَدُهَا) يَصُومُ وَيَقْضِي لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ
(وَالثَّانِي)
لَا يَصُومُ لِأَنَّ الْجَزْمَ بِالنِّيَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ جَهَالَةِ الْوَقْتِ (وَالثَّالِثُ) يَتَحَرَّى وَيَصُومُ وَلَا يَقْضِي كَيَوْمِ الْغَيْمِ فِي الصَّلَاةِ (قُلْتُ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّحَرِّي وَالصَّوْمُ ولا قضاء عليه هذا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيمَا بَعْدُ الْخَطَأُ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَادَفَ اللَّيْلَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ بلا خلاف وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* {ولا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غير نية كالصلاة وتجب
النية لكل يوم لان صوم كل يوم عبادة منفردة يدخل وقتها بطلوع الفجر ويخرج وقتها بغروب الشمس لا يفسد بفساد ما قبله ولا بفساد ما بعده فلم يكفه نية واحدة كالصلوات ولا يصح صوم رمضان ولا غيره من الصوم الواجب بنية من النهار لما روت حَفْصَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصيام من الليل فلا صيام له " وهل تجوز نيته مع طلوع الفجر فِيهِ وَجْهَانِ (مِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجُوزُ لانه عبادة فجازت بنية تقارن ابتداءها كسائر العبادات (وقال) أكثر أصحابنا لا يجوز إلا بنية من الليل لحديث حفصة رضي الله عنها ولان أول وقت الصوم يخفى فوجب تقديم النية عليه بخلاف سائر العبادات فَإِذَا قُلْنَا بِهَذَا فَهَلْ تَجُوزُ النِّيَّةُ فِي جميع الليل فيه وجهان (من) أصحابنا من قال لا تجوز إلا في النصف الثاني قياسا علي أذان الصبح والدفع من المزدلفة (وقال) أكثر أصحابنا يجوز في جميع الليل لحديث حفصة ولانا لو أوجبنا النية في النصف الثاني ضاق علي الناس ذلك وشق وان نوى بالليل ثم أكل أو جامع لم تبطل نيته وحكي عن أبي اسحق انه قال تبطل لان الاكل ينافى الصوم فأبطل النية والمذهب الاول وقيل ان أبا اسحق رجع عن ذلك والدليل ان الله تعالي أحل الاكل الي طلوع الفجر فلو كان الاكل يبطل النية لما جاز أن يأكل الي الفجر لانه يبطل النية}
*
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم من رواية عمر ابن الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَحَدِيثُ حَفْصَةَ رضي الله عنها رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ كَثِيرَةِ الِاخْتِلَافِ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَوْقُوفًا مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الطُّرُقِ فَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ بَعْضِ طُرُقِهِ ضَعِيفًا أو موقوفا فَإِنَّ الثِّقَةَ الْوَاصِلَ لَهُ مَرْفُوعًا مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ فَيَجِبُ قَبُولُهَا كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ مَرَّاتٍ وَأَكْثَرُ الْحُفَّاظِ رِوَايَةً لِطُرُقِهِ الْمُخْتَلِفَةِ النَّسَائِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيَّ وَذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ فِي طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَوْقُوفًا علي حفصة وفى بعضها موقوفا عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَفِي بَعْضِهَا عَنْ عائشة وحفصة موقوفا عليهما وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابن عمر قَوْلِهِ وَهُوَ أَصَحُّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا حَدِيثٌ قَدْ اخْتَلَفَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي إسْنَادِهِ وَفِي رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَقَامَ إسْنَادَهُ وَرَفَعَهُ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الرُّفَعَاءِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ (قُلْتُ) وَالْحَدِيثُ حَسَنٌ يُحْتَجُّ بِهِ اعْتِمَادًا عَلَى رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الرَّافِعِينَ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " يُبَيِّتُ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ " وَفِي بَعْضِهَا يُجْمِعَ وَيُجَمِّعُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَكُلُّهُ بِمَعْنًى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَاحْتِرَازٌ مِنْ الْعِدَّةِ وَالْكِتَابَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهَا (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فَلَا يَصِحُّ صَوْمٌ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا بِنِيَّةٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَحَلُّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ وَلَا يُشْتَرَطُ نُطْقُ اللِّسَانِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَكْفِي عَنْ نِيَّةِ الْقَلْبِ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ مَعَ الْقَلْبِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ (الثَّانِيَةُ) تَجِبُ النِّيَّةُ كُلَّ يَوْمٍ سَوَاءٌ رَمَضَانُ وَغَيْرُهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فَلَوْ نَوَى فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ الشَّهْرِ كُلِّهِ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ النِّيَّةُ لِغَيْرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ تَصِحُّ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِيهِ خِلَافٌ وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا لَهُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ وَغَيْرُهُ وَتَرَدَّدَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ مِنْ حَيْثُ إنَّ النِّيَّةَ قَدْ فَسَدَ بَعْضُهَا (الثالثة) تبييت النية شرط في صوم رمضان وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا الْقَضَاءُ وَلَا الْكَفَّارَةُ وَلَا صَوْمُ
فدية الحج غيرها مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي صَوْمِ النَّذْرِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ لَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ بناء علي أنه يَسْلُكُ بِهِ فِي الصِّفَاتِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ جَائِزِهِ وَمَنْدُوبِهِ (إنْ قُلْنَا) كَوَاجِبٍ لَمْ يَصِحَّ بِنِيَّةِ النَّهَارِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ كَالنَّفْلِ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الطَّرِيقَ الْمُتَوَلِّي
هُنَا وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَاتٌ من الخراسانيين في كتاب النذور وَالْمَذْهَبُ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَاقِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ فِي النَّذْرَ هَلْ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ أَمْ الْمَنْدُوبِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ هُنَا عَامٌّ فِي اشْتِرَاطِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ لِلصَّوْمِ خُصَّ مِنْهُ النَّفَلُ بِدَلِيلٍ وَبَقِيَ النَّذْرُ عَلَى الْعُمُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ نَوَى قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِلَحْظَةٍ أَوْ عَقِبَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِلَحْظَةٍ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ نَوَى مَعَ الفجر فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرِ الْمُصَنَّفِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ وَآخَرُونَ وَالْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ حَيْثُ ذَكَرَ هَذَا ثُمَّ قَالَ وَلِأَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَوْجَبَ إمْسَاكَ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ لِيَكْمُلَ له الصوم جَمِيعِ النَّهَارِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ لِيَسْتَوْعِبَهُ (فَغَلَطٌ) لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَجِبُ فِيهِ إمْسَاكُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ من الفجر) وَإِنَّمَا يَجِبُ إمْسَاكُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِيَتَحَقَّقَ كَمَالُ النَّهَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} لَوْ نَوَى بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ صَوْمَ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ لَمْ يَنْعَقِدْ لِمَا نَوَاهُ وَفِي انْعِقَادِهِ نَفْلًا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي قَالَ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ
* {فَرْعٌ} لَا يَصِحُّ صَوْمُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي رَمَضَانَ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ شَرْطٌ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبِ وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَتَقْدِيرُهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ مِنْ أَحَدٍ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلَا يَصِحُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ (الرَّابِعَةُ) تَصِحُّ النِّيَّةُ فِي جميع الليل مابين غُرُوبِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ فَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ النِّيَّةُ إلَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلِ
حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجُمْهُورُ قَائِلَهُ وَبَيَّنَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي فَقَالَ هُوَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ
سَلَمَةَ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَغْلِيطِهِ فِيهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِذَا قُلْنَا بِهَذَا فَهَلْ تَجُوزُ النِّيَّةُ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ فِيهِ وَجْهَانِ فَعِبَارَةٌ مُشْكِلَةٌ لِأَنَّهَا تُوهِمُ اخْتِصَاصَ الْخِلَافِ بِمَا إذَا قُلْنَا لَا تَجُوزُ النِّيَّةُ مَعَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بَلْ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي جَارٍ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا النِّيَّةَ مَعَ الْفَجْرِ أَمْ لَا لِأَنَّ مَنْ جَوَّزَهَا مَعَ الْفَجْرِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا قَبْلَهُ وَهَذَا لَا خلاف فيه فلابد من تأويل كلام المصنف والله تعالى أَعْلَمُ
* (وَأَمَّا) قِيَاسُ ابْنِ سَلَمَةَ عَلَى أَذَانِ الصُّبْحِ وَالدَّفْعِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ فَقِيَاسٌ عَجِيبٌ وَأَيُّ علة تجعهما وَلَوْ جَمَعَتْهُمَا عِلَّةٌ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ اخْتِصَاصَ الْأَذَانِ وَالدَّفْعِ بِالنِّصْفِ الثَّانِي لَا حَرَجَ فِيهِ بِخِلَافِ النِّيَّةِ فَقَدْ يَسْتَغْرِقُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ النِّصْفَ الثَّانِيَ بِالنَّوْمِ فَيُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الصَّوْمِ وَهَذَا حَرَجٌ شَدِيدٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَاَللَّهُ تعالي أَعْلَمُ
* (الْخَامِسَةُ) إذَا نَوَى بِاللَّيْلِ الصَّوْمَ ثُمَّ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ أَوْ أَتَى بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُنَافِيَاتِ الصَّوْمِ لَمْ تَبْطُلْ نِيَّتُهُ وَهَكَذَا لَوْ نَوَى وَنَامَ ثُمَّ انْتَبَهَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ تَبْطُلْ نِيَّتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُهَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ إلَّا مَا حكاه المصنف وكثيرون بل الاكثرون عن ابن اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ قَالَ تَبْطُلُ نِيَّتُهُ بِالْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُنَافِيَاتِ وَيَجِبُ تَجْدِيدُهَا فَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْهَا فِي اللَّيْلِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ قَالَ وَكَذَا لَوْ نَوَى وَنَامَ ثُمَّ انْتَبَهَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَزِمَهُ تَجْدِيدُهَا فَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْهَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَلَوْ اسْتَمَرَّ نَوْمُهُ إلَى الْفَجْرِ لَمْ يَضُرَّهُ وَصَحَّ صَوْمُهُ وَهَذَا الْمَحْكِيُّ عَنْ ابى اسحق غَلَطٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ المصنف وآخرون وقيل أن أبا اسحق رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ هَذَا النقل لا يصح عن ابي اسحق وقال إمام الحرمين رجع أبو اسحق عَنْ هَذَا عَامَ حَجَّ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هَذَا الذى قاله أبو إسحق غَلَطٌ قَالَ وَحَكَى أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيَّ لما بلغه قول ابي اسحق هَذَا قَالَ هَذَا خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ ويستتاب أبو إسحق هَذَا وَقَالَ الدَّارِمِيُّ حَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ ابى بكر الحزنى أنه حكى للاصطخري قول ابي اسحق هذا فقال خرق الاجماع حكاه الحزني لابي اسحق بحضرة ابن القطان فلم يتكلم أبو اسحق قَالَ فَلَعَلَّهُ رَجَعَ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ النية لا تبطل بشئ مِنْ هَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِي كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ تَرَدُّدٌ فِي أَنَّ الْغَفْلَةَ هَلْ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ النَّوْمِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَهَا يَجِبُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْسُوبِ إلَى ابى اسحق قَالَ وَالْمَذْهَبُ اطِّرَاحُ كُلِّ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها صَحِيحٌ رواه مسلم ولفظه قَالَتْ " قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ يَا عَائِشَةُ هَلْ عندكم شئ فقلت يارسول الله ما عندنا شئ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ " هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ قَالَ صلى الله عليه وسلم إذا اصوم (وقوله) صلى الله عليه وسلم " إذا أَصُومُ " مَعْنَاهُ أَبْتَدِئُ نِيَّةَ الصِّيَامِ هَذَا مُقْتَضَاهُ وَسَأَذْكُرُ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِمَعْنَاهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَشَذَّ عَنْ الْأَصْحَابِ الْمُزَنِيّ وَأَبُو يَحْيَى الْبَلْخِيُّ فَقَالَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ وَالْوَجْهِ فِي الْكِتَابِ وَهَلْ تَصِحُّ بِنِيَّةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَفِي الْقَدِيمِ لَا يَصِحُّ وَنَصَّ فِي كِتَابَيْنِ مِنْ الْجَدِيدِ عَلَى صِحَّتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ
وَفِي كِتَابِ اخْتِلَافِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ كُتُبِ الْأُمِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ فِي جَمِيعِ سَاعَاتِ النَّهَارِ وَفِي آخِرِ سَاعَةٍ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَّصِلَ غُرُوبُ الشَّمْسِ بِالنِّيَّةِ بَلْ يَبْقَى بَيْنَهُمَا زَمَنٌ وَلَوْ أَدْنَى لَحْظَةً صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ إذَا نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ
وَصَحَّحْنَاهُ فَهَلْ هُوَ صَائِمٌ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ فَقَطْ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ ثَوَابُ مَا قَبْلَهُ أَمْ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيُثَابُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُتَوَلِّي الْوَجْهُ الْقَائِلُ يُثَابُ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ هُوَ قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ قَالُوا وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْعِبَادَةَ قَبْلَ النِّيَّةِ لَا أَثَرَ لَهُ فَقَدْ يُدْرِكُ بَعْضَ الْعِبَادَةِ وَيُثَابُ كَالْمَسْبُوقِ يُدْرِكُ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابَ جَمِيعِ الرَّكْعَةِ باتفاق الاصحاب وبهذا ردوا على ابى اسحق وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَنْ نَوَى الْوُضُوءَ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَلَمْ يَنْوِ قَبْلَهُ فانه لا يُثَابُ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَغَسْلِ الْكَفَّيْنِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَنْفَصِلُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ وَلَوْ حُذِفَتْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْهُ صَحَّ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا (فَإِنْ قُلْنَا) يُثَابُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ اُشْتُرِطَتْ جَمِيعُ شُرُوطِ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَإِنْ كَانَ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمُنَافِيَاتِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ (وَإِنْ قُلْنَا) يُثَابُ مِنْ أَوَّلِ النِّيَّةِ فَفِي اشْتِرَاطِ خُلُوِّ أَوَّلِ النَّهَارِ عَنْ الاكل والجماع وغيرها وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الِاشْتِرَاطُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ
(وَالثَّانِي)
لَا يُشْتَرَطُ فَلَوْ كَانَ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ أَوْ فعل غير ذلك من المنافيات ثُمَّ نَوَى صَحَّ صَوْمُهُ وَيُثَابُ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ وَهَذَا الْوَجْهُ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَالشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَحَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبُو الطيب في المجرد وَجْهًا مُخَرَّجًا قَالَا وَالْمُخَرِّجُ لَهُ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ جَمَاعَةٍ من الصحابة أبي طَلْحَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم وَمَا أَظُنُّهُ صَحِيحًا عَنْهُمْ (فان قلنا) بالذهب أَنَّ الْإِمْسَاكَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ شَرْطٌ فَلَوْ كَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ
كَافِرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ حَائِضًا ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَنَوَى صَوْمَ التَّطَوُّعِ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلصَّوْمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: فِي السِّلْسِلَةِ الْوَجْهَانِ فِي وَقْتِ ثَوَابِ الصَّائِمِ هُنَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قدوم زيد فقدم ضحوة وَهُوَ صَائِمٌ هَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ نَذْرِهِ إنْ قُلْنَا يُجْزِئُهُ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ هُنَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِلَّا فَمِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ قُرْبَةٌ مُضَافَةٌ إلَى وَقْتِهَا احْتِرَازٌ مِنْ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَعْيِينُهَا عَنْ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَلَا قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَلَا نَذْرٌ وَلَا فِدْيَةُ حَجٍّ وَلَا غير ذلك من الصيام الواحب إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وَإِنَّمَا لِكُلِّ
امْرِئٍ مَا نَوَى " فَهَذَا ظاهر في اشتراط التعيبن لِأَنَّ أَصْلَ النِّيَّةِ فُهِمَ اشْتِرَاطُهُ مِنْ أَوَّلِ الْحَدِيثِ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا الْمُتَوَلِّي فَحَكَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ (الثَّانِيَةُ) صِفَةُ النِّيَّةِ الْكَامِلَةِ الْمُجْزِئَةِ بِلَا خِلَافٍ أَنْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ صَوْمَ غَدٍ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَكَذَا رَمَضَانُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ إلَّا وَجْهَ الْحَلِيمِيِّ السَّابِقَ فِي الْمَسْأَلَةِ قبلها (وأما) الاداء والفرضية فَفِيهِمَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَ مُوَضَّحًا بِدَلِيلِهِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا وَهُنَاكَ أَنَّ الاداء لا يشترط (وأما) الفرضية فَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ هُنَاكَ وَهُنَا فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الاكثرين هناك
الِاشْتِرَاطُ وَالْأَصَحُّ هُنَا أَيْضًا عِنْدَ الْبَغَوِيِّ الِاشْتِرَاطُ وَالْأَصَحُّ هُنَا عِنْدَ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَصَاحِبِ الشَّامِلِ وَالْأَكْثَرِينَ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ وَالْفَرْقُ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنْ الْبَالِغِ لَا يَكُونُ إلَّا فَرْضًا وَصَلَاةَ الظُّهْرِ مِنْ الْبَالِغِ قَدْ تَكُونُ نَفْلًا فِي حَقِّ مَنْ صَلَّاهَا ثَانِيًا فِي جَمَاعَةٍ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ (وَأَمَّا) الْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَنَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ ذَكَرَهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَصَحُّهُمَا) لا تجب وبه قطع العراقيون (وأما) لتقييد بِهَذِهِ السَّنَةِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَآخَرُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا فِي اشْتِرَاطِهِ وَغَلَّطُوا قَائِلَهُ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَجْهًا فِي اشْتِرَاطِ فَرْضِ هَذَا الشَّهْرِ وهو بمعني فرض هذا السنة وهو ايضا غلط وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ إذَا نَوَى يَوْمًا وَأَخْطَأَ فِي وَصْفِهِ لَا يَضُرُّهُ (مِثَالُهُ) نَوَى لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ صَوْمَ الْغَدِ وَهُوَ يَعْتَقِدُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَوْ نَوَى صَوْمَ غَدٍ مِنْ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ وَهُوَ يَعْتَقِدُهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ فَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ صَحَّ صَوْمُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ صَوْمَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ أَوْ نَوَى وَهُوَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ صَوْمَ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ الْوَقْتَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ كَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ لَكِنْ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ نَوَى
صَوْمَ غَدٍ يَوْمَ الْأَحَدِ وَهُوَ غَيْرُهُ فَوَجْهَانِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطيلب وَغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فِي جميع هذه الصور ولا فرق بينها
* {فَرْعٌ} قَالَ الرَّافِعِيُّ اشْتِرَاطُ الْغَدِ فِي كَلَامِ الاصحاب في تفسير التعيبن قَالَ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مِنْ حَدِّ التَّعْيِينِ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ نَظَرِهِمْ إلَى التبييت
* {فرع} حكم التعيبن فِي صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ سَبَبِ الْكَفَّارَةِ لَكِنْ لَوْ عَيَّنَ وَأَخْطَأَ لَمْ يُجْزِئْهُ وَسَيَأْتِي فِي الْكَفَّارَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إيضَاحُهُ وسبقت الاشارة الي شئ مِنْهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ (وَأَمَّا) صَوْمُ التَّطَوُّعِ فَيَصْحُ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّوْمِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ التَّعْيِينُ فِي الصَّوْمِ الْمُرَتَّبِ كَصَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَأَيَّامِ الْبِيضِ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ وَنَحْوِهَا كَمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الرَّوَاتِبِ مِنْ نَوَافِلِ الصَّلَاةِ (الثالثة) قال أصحبنا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ جَازِمَةً فَلَوْ نَوَى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غدا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ لَا يَعْتَقِدَ كَوْنَهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنْ رَدَّدَ نِيَّتَهُ فَقَالَ أَصُومُ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ ان كان
مِنْهُ وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ أَوْ مُتَطَوِّعٌ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ رَمَضَانَ إذَا بَانَ مِنْهُ لِأَنَّهُ صَامَ شَاكًّا وَلَمْ يَكُنْ عَلَى أَصْلٍ يَسْتَصْحِبُهُ وَلَا ظَنٍّ يَعْتَمِدُهُ وَقَالَ الْمُزَنِيّ يُجْزِئُهُ عَنْ رَمَضَانَ وَلَوْ قَالَ أَصُومُ غَدًا عَنْ رَمَضَانَ أَوْ تَطَوُّعًا لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ لَمْ يُرَدِّدْ نِيَّتَهُ بَلْ جَزَمَ بِالصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ صَادَفَ رَمَضَانَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ رَمَضَانَ ولانه إذا لَمْ يَعْتَقِدْهُ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ الْجَزْمُ بِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ حَدِيثُ نَفْسٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ رَمَضَانَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (أَمَّا) إذَا كَانَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ فَقَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْهُ أَصُومُ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَتَطَوَّعُ أَوْ قَالَ أَصُومُ أَوْ أُفْطِرُ وَصَادَفَ رَمَضَانَ فَلَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ وان قال اصوم غدا عن رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ فَكَانَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ رَمَضَانَ فأجزأه استصحابا للاصل (الحال الثاني) أن يعتد كَوْنَهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَنِدْ اعْتِقَادُهُ إلَى مَا يُثِيرُ ظَنًّا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ وَإِنْ
اسْتَنَدَ إلَيْهِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْمُخْتَصَرِ لَوْ عَقَدَ رَجُلٌ عَلَى أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ ثم بان أنه من رمضان أجزأه هذا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ اسْتَنَدَ إلَى مَا يَحْصُلُ ظَنًّا بِأَنْ اعْتَمَدَ قَوْلَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صِبْيَانٍ ذَوِي رُشْدٍ وَنَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ فبان منه اجزأه بلا خلاف هكذا نقله الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَلَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ الصِّبْيَانَ وَصَرَّحَ بِهِ كُلَّهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ فَصَرَّحَ بِالصِّبْيَانِ ذَوِي الرُّشْدِ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ لَوْ نَوَى الصَّوْمَ بِرُؤْيَةِ مَنْ تَسْكُنُ نَفْسُهُ إلَيْهِ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ فَاسِقٍ أَوْ مُرَاهِقٍ وَكَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِاعْتِمَادِ الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ وَصِحَّةِ الصَّوْمِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قَالَ فِي نِيَّتِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَصُومُ عَنْ رَمَضَانَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَهُوَ تَطَوُّعٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فَظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ قَالَ الْإِمَامُ وَذَكَرَ طَوَائِفُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَصِحُّ لِاسْتِنَادِهِ إلَى أَصْلٍ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ وَرَأَى الْإِمَامُ طَرْدَ الْخِلَافِ وَإِنْ جَزَمَ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْجَزْمُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ وَإِنَّمَا الْحَاصِلُ لَهُ حَدِيثُ نَفْسٍ وَإِنْ سَمَّاهُ جَزْمًا قَالُوا وَيَدْخُلُ فِي قِسْمِ اسْتِنَادِ الِاعْتِقَادِ إلَى مَا يُثِيرُ ظَنًّا الصَّوْمُ مُسْتَنِدًا إلَى دَلَالَةِ الْحِسَابِ بِمَنَازِلِ الْقَمَرِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ ذَلِكَ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِعَدْلَيْنِ أَوْ بِعَدْلٍ إذَا جَوَّزْنَاهُ فَيَجِبُ الصَّوْمُ وَيُجْزِئُ إذَا بَانَ مِنْ رَمَضَانَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَضُرُّ مَا قَدْ يَبْقَى مِنْ الِارْتِيَابِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِحُصُولِ الِاسْتِنَادِ إلَى ظَنٍّ مُعْتَمَدٍ قَالَ
أَصْحَابُنَا وَمِنْ ذَلِكَ الْأَسِيرُ وَالْمَحْبُوسُ فِي مَطْمُورَةٍ إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الشُّهُورُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَبْسُوطًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَلَوْ قَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَصُومُ غَدًا نَفْلًا إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ وَإِلَّا فَمِنْ رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ أَمَارَةٌ وَلَا غَيْرُهَا فَصَادَفَ شَعْبَانَ صَحَّ صَوْمُهُ نَفْلًا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ شَعْبَانَ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِنْ صَادَفَ رَمَضَانَ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ فَقَالَ أَصُومُ غَدًا عَنْ الْقَضَاءِ أَوْ تَطَوُّعًا لم يجزئه غن الْقَضَاءِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ وَيَصِحُّ نَفْلًا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الْقَضَاءِ
وَاَللَّهُ تعالي اعلم
* {الشرح} قوله تتعلق الْكَفَّارَةُ بِجِنْسِهَا احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ (وَقَوْلُهُ) يُخْرَجُ مِنْ الصَّوْمِ بِمَا يُفْسِدُهُ وَلَا يُخْرَجُ مِنْ الْحَجِّ بِمَا يُفْسِدُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أَبْطَلَ الصَّوْمَ بِالْأَكْلِ أَوْ غَيْرِهِ صَارَ خَارِجًا مِنْهُ فَلَوْ جَامَعَ بَعْدَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ آثِمًا بِهَذَا الْجِمَاعِ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَلَكِنْ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ لِحُرْمَةِ الْيَوْمِ وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ الصَّوْمَ بِالْجِمَاعِ وَهَذَا لَمْ يُفْسِدْ بِجِمَاعِهِ صَوْمًا (وَأَمَّا) الْحَجُّ فَإِذَا افسده بِالْجِمَاعِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بِالْإِفْسَادِ بَلْ حُكْمُ إحْرَامِهِ بَاقٍ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَلَوْ قتل بعد صيد أَوْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بَلْ هُوَ مُحْرِمٌ كَمَا كَانَ فَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُمَا مفترقان في الخروج وعدمه متفقان فِي وُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهِمَا (وَأَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِي صَوْمٍ ثُمَّ نَوَى قطعه فهل يبطل فيه وجهان مشهوان ذكر المصنف دليلهما (اصحهما) عند المصنف والغوى وَآخَرِينَ بُطْلَانُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَبْطُلُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَائِلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مَا يَبْطُلُ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ ومالا يَبْطُلُ وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَسَبَقَ أَيْضًا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ
* هَذَا إذَا جَزَمَ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ فِي الْحَالِ فَلَوْ تَرَدَّدَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ أَوْ عَلَّقَ الْخُرُوجَ عَلَى دُخُولِ زَيْدٍ مَثَلًا فَالْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لَا يَبْطُلُ وَجْهًا وَاحِدًا
(وَالثَّانِي)
عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ جَزَمَ بِالْخُرُوجِ فَإِنْ قُلْنَا فِي التَّعْلِيقِ إنَّهُ لَا يَبْطُلُ فَدَخَلَ زَيْدٌ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ هَلْ يَبْطُلُ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَبْطُلُ
حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ فِي بَابِ صِفَةِ اصلاة وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيُفْطِرُ بَعْدَ سَاعَةٍ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ
* وَمَتَى نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّوْمِ بِأَكْلٍ أَوْ جِمَاعٍ وَنَحْوِهِمَا وَقُلْنَا إنَّهُ يَبْطُلُ فَالْمَشْهُورُ
بُطْلَانُهُ فِي الْحَالِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَانُ إمْكَانِ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ كَانَ صَائِمًا عَنْ نَذْرٍ فَنَوَى قَلْبُهُ إلَى كَفَّارَةٍ أَوْ عَكْسِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْأَصْحَابُ لَا يَحْصُلُ لَهُ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الَّذِي كَانَ فِيهِ (فَإِنْ قُلْنَا) إنَّ نِيَّةَ الْخُرُوجِ لَا تُبْطِلُهُ بَقِيَ عَلَى ماكان وَلَا أَثَرَ لِمَا جَرَى (وَإِنْ قُلْنَا) تُبْطِلُهُ فَهَلْ يَبْطُلُ أَمْ يَنْقَلِبُ نَفْلًا فِيهِ خِلَافٌ كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ فِيمَنْ نَوَى قَلْبَ صَلَاةِ الظُّهْرِ عَصْرًا وَشَبَهَهُ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ فِي انْقِلَابِهِ نَفْلًا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَرَمَضَانُ لَا يَقَعُ فِيهِ نَفْلٌ أَصْلًا كما سنوضحه قريبا ان شاء الله تعلي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ
(إحْدَاهَا) إذَا نَوَتْ الْحَائِضُ صَوْمَ الْغَدِ قَبْلَ انْقِطَاعِ دَمِ حَيْضِهَا ثُمَّ انْقَطَعَ فِي اللَّيْلِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً يَتِمُّ لَهَا فِي اللَّيْلِ أَكْثَرُ الْحَيْضِ أَوْ مُعْتَادَةً عَادَتُهَا أَكْثَرُ الْحَيْضِ وَهِيَ تُتِمُّ فِي اللَّيْلِ صَحَّ صَوْمُهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ نَهَارَهَا كُلَّهُ طُهْرٌ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا دُونَ أَكْثَرِهِ وَيَتِمُّ بِاللَّيْلِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَصِحُّ نِيَّتُهَا وَصَوْمُهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ عَادَتِهَا فَقَدْ بَنَتْ نِيَّتَهَا عَلَى أَصْلٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ أَوْ كَانَتْ وَلَا يَتِمُّ أَكْثَرُ الْحَيْضِ فِي اللَّيْلِ أَوْ كَانَتْ لَهَا عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهَا لَمْ تَجْزِمْ وَلَا بَنَتْ عَلَى أَصْلٍ وَلَا أَمَارَةٍ
* (الثَّانِيَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ تَسَحَّرَ لِيَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ أَوْ عَزَمَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَنْ يَتَسَحَّرَ فِي آخِرِهِ لِيَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ لَمْ يَكُنْ هَذَا نِيَّةً لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَصْدُ الشُّرُوعِ فِي الْعِبَادَةِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْمَكَارِمِ فِي الْعُدَّةِ لَوْ قَالَ فِي اللَّيْلِ أَتَسَحَّرُ لِأَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ لَمْ يَكْفِ هَذَا فِي النِّيَّةِ قَالَ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ نَوَادِرِ الْأَحْكَامِ لِأَبِي الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَتَسَحَّرُ لِلصَّوْمِ أَوْ أَشْرَبُ لَدَفْعِ الْعَطَشِ نَهَارًا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مَخَافَةَ الْفَجْرِ كَانَ ذَلِكَ نِيَّةً لِلصَّوْمِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّوْمُ بِالصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ لِأَنَّهُ إذَا تَسَحَّرَ لِيَصُومَ صَوْمَ كَذَا فَقَدْ قَصِدَهُ
* (الثَّالِثَةُ) لَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِقَلْبِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ فَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أَوْ وُقُوعَ الصَّوْمِ وَبَقَاءَ الْحَيَاةِ إلَى تَمَامِهِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ قَصَدَ تَعْلِيقَهُ وَالشَّكَّ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ قَالَ أَصُومُ غَدًا إنْ شَاءَ زَيْدٌ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ النِّيَّةَ وَإِنْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ زَيْدٌ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ وَشَأْنُهُ أَنْ يُوقِعَ مَا نَطَقَ بِهِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ صَوْمُهُ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَمَعَ
صَاحِبُ الْبَيَانِ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ لَوْ قَالَ أَصُومُ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي ابي الطَّيِّبِ يَصِحُّ لِأَنَّ الْأُمُورَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ وَهُوَ قَوْلُ الصَّيْمَرِيِّ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُبْطِلُ حُكْمَ مَا اتَّصَلَ بِهِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الصَّبَّاغِ إنْ قَصَدَ الشَّكَّ فِي فِعْلِهِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ قَصَدَ أَنَّ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ وَتَمْكِينِهِ صَحَّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ
* (الرَّابِعَةُ) إذَا نَسِيَ نِيَّةَ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ حتى طلع الْفَجْرِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِأَنَّ شَرْطَ النِّيَّةِ اللَّيْلُ وَيَلْزَمُهُ إمْسَاكُ النَّهَارِ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ فِي أَوَّلِ نَهَارِهِ الصَّوْمَ عَنْ رَمَضَانَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَحْتَاطُ بِالنِّيَّةِ (الْخَامِسَةُ)
* إذَا نَوَى وَشَكَّ هَلْ كَانَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ قَطَعَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النِّيَّةِ وَيُحْتَمَلُ أن يجئ فِيهِ وَجْهٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ كَمَنْ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْإِمَامِ أَمْ لَا فَإِنَّ فِي حُصُولِ الرَّكْعَةِ لَهُ خِلَافًا سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ الْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَحْصُلُ
* وَلَوْ نَوَى ثُمَّ شَكَّ هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَمْ لَا أَجْزَأَهُ وَصَحَّ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ به صاحب البيان قال هو والصميرى وَلَوْ أَصْبَحَ شَاكًّا فِي أَنَّهُ نَوَى أَمْ لَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ (السَّادِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَتَعَيَّنُ رَمَضَانُ لِصَوْمِ رَمَضَانَ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ غَيْرُهُ فَلَوْ نَوَى فِيهِ الْحَاضِرُ أَوْ الْمُسَافِرُ أَوْ الْمَرِيضُ صَوْمَ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ تَطَوُّعٍ أَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الصَّوْمِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ وَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُ لَا عَمَّا نَوَاهُ وَلَا عَنْ رَمَضَانَ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الطُّرُقِ إلَّا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ لَوْ أَصْبَحَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ غَيْرَ نَاوٍ فَنَوَى التَّطَوُّعَ قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ الْجَمَاهِيرُ لَا يَصِحُّ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يَصِحُّ قَالَ الْإِمَامُ فَعَلَى قِيَاسِهِ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ التَّطَوُّعُ بِهِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ
* وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّ التَّشَبُّهَ بِالصَّائِمِينَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا يَنْعَقِدُ جِنْسُ تِلْكَ الْعِبَادَةِ مَعَ قِيَامِ فَرْضِ التَّشَبُّهِ كَمَا لَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يحرم احراما آخر صحيحا لم بنعقد لانه يلزمه الْمُضِيُّ
فِي فَاسِدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (السَّابِعَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ مَسَائِلِ النِّيَّةِ لَوْ نَوَى فِي اللَّيْلِ ثُمَّ قَطَعَ النِّيَّةَ قَبْلَ الْفَجْرِ سَقَطَ حُكْمُهَا لِأَنَّ تَرْكَ النية ضد للنية بخلاف مالو أكل في الليل بَعْدَ النِّيَّةِ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ ضِدَّهَا (الثَّامِنَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ نَوَى صَوْمَ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ فَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ صَوْمٌ أَصْلًا لِأَنَّ رَمَضَانَ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ كَمَا سَبَقَ وَلَمْ يَنْوِ رَمَضَانَ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَمْ يَنْعَقِدْ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّ شَرْطَهُمَا نِيَّةُ اللَّيْلِ وَهَلْ يَنْعَقِدُ نَفْلًا فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَوَى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرِهَا فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ حِكَايَةً عَنْهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمًا وَاجِبًا لَا يَدْرِي
هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ فَنَوَى صَوْمًا وَاجِبًا أَجْزَأَهُ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَيُجْزِئُهُ عَمَّا عَلَيْهِ وَيُعْذَرُ فِي عَدَمِ جَزْمِ النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ
(الْعَاشِرَةُ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ حِكَايَةً عَنْهُ لَوْ قَالَ أَصُومُ غدا ان شاء زيد أو ان نَشَطْتُ لَمْ تَصِحَّ لِعَدَمِ الْجَزْمِ وَإِنْ قَالَ ماكنت صَحِيحًا مُقِيمًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ لَوْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ
(الْحَادِيَةَ عشر) لَوْ شَكَّ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ هَلْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ النَّهَارِ أَنَّهُ نَوَى صَحَّ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى وَالْبَغَوِيُّ وآخرون وقاسه البغوي علي مالو شك المصلي في النية ثم تذكرها قَبْلَ إحْدَاثِ رُكْنٍ
(الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ) إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ وَنَوَى قَضَاءَ الْيَوْمِ الثَّانِي فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ مشهوران حكاهما البغوي وآخرون جزم الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ قَالَ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةٍ فنوى قضاءه من صوم أُخْرَى غَلَطًا لَا يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ كَانَ عليه كفارة قَتَلَ فَأَعْتَقَ بِنِيَّةِ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ لَا يُجْزِئُهُ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ عَنْ وَاجِبِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ لَكِنَّهُ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ احْتِمَالَيْنِ لَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ النَّقْلَ فِيهَا
* (الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ) فِي مَسَائِلَ جَمَعَهَا الدَّارِمِيُّ هُنَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّيَّةِ عَلَى شَكٍّ وَذَكَرَ الْمَسَائِلَ السَّابِقَةَ قَرِيبًا إذَا نَوَى يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ الْغَدِ فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ قَالَ وَلَوْ كَانَ مُتَطَهِّرًا وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَتَوَضَّأَ وَقَالَ إنْ كُنْتُ مُحْدِثًا فَهَذَا لِرَفْعِهِ وَإِلَّا فَتَبَرُّدٌ لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَقَالَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَوْ شَكَّ فِي دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَنَوَى إنْ كَانَتْ دَخَلَتْ فَعَنْهَا وَإِلَّا فَنَافِلَةٌ لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ وَشَكَّ فِي أَدَائِهَا فَقَالَ أُصَلِّي عَنْهَا إنْ كَانَتْ وَإِلَّا فَنَافِلَةٌ فَكَانَتْ أَجْزَأَهُ وَلَوْ قَالَ نَوَيْتُهَا إنْ كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً لَمْ يُجْزِئْهُ إنْ كَانَتْ كَمَا سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ أَخْرَجَ دارهم وَنَوَى هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي إنْ كُنْتُ كَسَبْتُ نِصَابًا أَوْ نَافِلَةً أَوْ قَالَ وَإِلَّا فَهِيَ نَافِلَةٌ لَمْ يُجْزِئْهُ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَسْبِ وَلَوْ أَحْرَمَ فِي يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ شَاكٌّ فَقَالَ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَإِحْرَامِي بِعُمْرَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَوَّالٍ فَهُوَ حَجٌّ فَكَانَ مِنْ شَوَّالٍ كَانَ حَجًّا صَحِيحًا وَلَوْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي آخِرِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ إنْ كَانَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ بافيا فَجُمُعَةٌ وَإِلَّا فَظُهْرٌ فَبَانَ بَقَاؤُهُ فَفِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَجْهَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي
مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمٌ إلَّا بِنِيَّةٍ سَوَاءٌ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ مِنْ رَمَضَانَ وَغَيْرُهُ وَالتَّطَوُّعُ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كافة الا عطاء ومجاهد وَزُفَرَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنْ كَانَ الصَّوْمُ مُتَعَيَّنًا بان يكون صحبحا مقما فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَأَمَّا صَوْمُ النَّذْرِ
وَالْكَفَّارَةِ فَيُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ
* وَاحْتُجَّ لِعَطَاءٍ وَمُوَافِقِيهِ بِأَنَّ رَمَضَانَ مُسْتَحَقُّ الصَّوْمِ يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ الْوُقُوعِ فِيهِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " وَبِحَدِيثِ حَفْصَةَ السَّابِقِ وَقِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْإِمْسَاكُ لُغَةً وَشَرْعًا وَلَا يتميز الشرعي عن اللغوى الا بالنية فوجبت للتمييز (وَالْجَوَابُ) عَمَّا ذَكَرُوهُ أَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِالصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِهَا إلَّا قَدْرُ الْفَرْضِ فَإِنَّ هَذَا الزَّمَانَ مُسْتَحِقٌّ لِفِعْلِهَا وَيَمْنَعُ مِنْ إيقَاعِ غَيْرِهَا فِيهِ وَتَجِبُ فِيهَا النِّيَّةُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ يُجِيبُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ فِيهِ صَلَاةٌ أُخْرَى لَكِنْ لَوْ فُعِلَتْ انْعَقَدَتْ وَقَدْ يُنَازَعُ فِي انْعِقَادِهَا لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا لَوْ فُعِلَتْ فِي وَقْتِ النَّهْيِ لَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي نِيَّةِ صَوْمِ رَمَضَانَ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ وَبِهِ قَالَ
مالك واحمد واسحق وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ وَكَذَا النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَوَافَقْنَا عَلَى صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ أَنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " بَعَثَ يوم عشوراء إلَى أَهْلِ الْعَوَالِي وَهِيَ الْقُرَى الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يَصُومُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ " قَالُوا وَكَانَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ وَقِيَاسًا عَلَى صوم الفل
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ حَفْصَةَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنهما " لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ " وَهُمَا صَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى صَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ حَدِيثِ عَاشُورَاءَ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَمْ يكن واجبا وانما كان تطوعا متأكدا شديدا التَّأْكِيدِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ كَانَ فَرْضًا فَكَانَ ابْتِدَاءُ فَرْضِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ حِينِ بَلَغَهُمْ وَلَمْ يخاطبوا بما قبله كاهل قبا فِي اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّ اسْتِقْبَالَهَا بَلَغَهُمْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَاسْتَدَارُوا وَهُمْ فِيهَا مِنْ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَأَجْزَأَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ الْحُكْمُ إلَّا حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ قَدْ سَبَقَ قَبْلَ هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ وَيَصِيرُ هَذَا كَمَنْ اصبح بلا نية ثم نذر في أثاء النَّهَارِ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ بِجَوَابٍ ثَالِثٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَاشُورَاءُ وَاجِبًا فَقَدْ نُسِخَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أنه ليس بواجب وإذا نسخ حكم شئ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ غَيْرُهُ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى التَّطَوُّعِ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَلِأَنَّهُ ثَبَتَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِيهِ وَثَبَتَ حَدِيثُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ حَدِيثَ التَّبْيِيتِ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ وَغَيْرَهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ كُلِّ صَوْمٍ
* مَذْهَبُنَا أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ سَوَاءٌ نِيَّةُ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَالتَّطَوُّعِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفة واسحق بن راهوايه وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا نَوَى فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ جَمِيعِهِ كَفَاهُ لِجَمِيعِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لكل يوم وعن احمد واسحق رِوَايَتَانِ (أَصَحُّهُمَا) كَمَذْهَبِنَا (وَالثَّانِيَةُ) كَمَالِكٍ
* وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ بِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَفَتْهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ كَالْحَجِّ وَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ
عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا يَرْتَبِطُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ بَعْضٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَعْيِينِ النِّيَّةِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ لا يصح إلا بنعيين النِّيَّةِ وَفِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ
(والثانى)
يشترط قالة أبو اسحق المروزى وبوجوب التعيين قال مالك وأحمد واسحق وداود والجمهور واوجب هؤلاء الاربعة نية الفرضية وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَوْ نَوَى فِيهِ صَوْمًا وَاجِبًا أَوْ صَوْمًا مُطْلَقًا أَوْ تَطَوُّعًا وَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مُقِيمًا وَكَذَا صَوْمُ النَّذْرِ الْمُتَعَيَّنِ فِي زَمَانٍ مُعَيَّنٍ قَالَ فَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا وَنَوَى فَرْضًا آخَرَ وَقَعَ عَنْ ذَلِكَ الْفَرْضِ وَإِنْ نَوَى تَطَوُّعًا فَهَلْ يَقَعُ تَطَوُّعًا كَمَا نَوَى أَمْ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ فِيهِ رِوَايَتَانِ
* وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وانما لكل امرء مَا نَوَى " وَبِالْقِيَاسِ عَلَى صَوْمِ الْقَضَاءِ (وَأَجَابُوا) عَنْ الْحَجِّ بِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّوْسِعَةِ وَلِهَذَا لَا يُخْرَجُ مِنْهُ بِالْإِفْسَادِ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى إحْرَامٍ كَإِحْرَامِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ أَصْبَحَ فِي رَمَضَانَ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ جَامَعَ قَبْلَ الزَّوَالِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لكن يأثم وقال أبو يوسف عليه الكفارة قَالَ وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا كَفَّارَةَ وَالْأَكْلُ عِنْدَهُ كَالْجِمَاعِ فِي هَذَا قَالَ لِأَنَّ صَوْمَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ مُرَاعًى حَتَّى لَوْ نَوَاهُ صَحَّ عِنْدَهُ فَإِذَا أَكَلَ أَوْ جَامَعَ فَقَدْ أَسْقَطَ الْمُرَاعَاةَ فَكَأَنَّهُ أَفْسَدَ الصَّوْمَ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ نِيَّةُ رَمَضَانَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ
* وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ وَهَذَا لَيْسَ بِصَائِمٍ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي نِيَّةِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا صِحَّتُهُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبِهِ قَالَ علي ابن أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَطَلْحَةُ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَآخَرُونَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ التَّابِعِيِّ وَمَالِكٌ وَزُفَرُ وَدَاوُد لَا يَصِحُّ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو يَحْيَى الْبَلْخِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اسْتَثْنَى مَنْ يَسْرُدُ
الصَّوْمَ فَصَحَّحَ نِيَّتَهُ فِي النَّهَارِ
* وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِعُمُومِ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ " لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ
مِنْ اللَّيْلِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يوم فقال هل عندكم شئ قلنا لا قال فانى إذا صائم " رواه مسلم وفى رواية قال " إذا أصوم " رواها الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ أَنَّهُ عَامٌّ فَنَخُصُّهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ بَدَا لَهُ الصَّوْمُ بَعْدَ مَا زَالَتْ الشمس فصام والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَيْسَ فِيهِ " بَعْدَ الشَّمْسِ مِنْ هَهُنَا " وَإِنَّمَا قَالَ " وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ " وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى بِمَعْنَاهُ فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ لِابْنِ أَبِي أَوْفَى " إذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ " وَلَفْظُ مُسْلِمٍ " إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ هَهُنَا وَجَاءَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ " قَالَ الْعُلَمَاءُ إنَّمَا ذَكَرَ غُرُوبَ الشَّمْسِ وَإِقْبَالَ اللَّيْلِ وَإِدْبَارَ النَّهَارِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ غُرُوبَهَا عَنْ الْعُيُونِ لَا يَكْفِي لِأَنَّهَا قَدْ تَغِيبُ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ
عَنْ الْعُيُونِ وَلَا تَكُونُ غَرَبَتْ حَقِيقَةً فَلَا بُدَّ مِنْ إقْبَالِ اللَّيْلِ وَإِدْبَارِ النَّهَارِ
* (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فرواه البخاري ومسلم أيضا من روايتها وَمِنْ رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْضًا وَقَوْلُهَا " مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ذَكَرَتْ الْجِمَاعَ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ أَحَدٌ أَنَّهُ كَانَ مِنْ احْتِلَامٍ وَإِنَّ الْمُحْتَلِمَ مَعْذُورٌ لِكَوْنِهِ قَدْ يُدْرِكُهُ
الصُّبْحُ وَهُوَ نَائِمٌ مُحْتَلِمٌ بِخِلَافِ الْمُجَامِعِ فَبَيَّنَتْ أَنْ تِلْكَ الْجَنَابَةَ مِنْ جِمَاعٍ ثُمَّ أَكَّدَتْهُ لِشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِبَيَانِهِ فَقَالَتْ غَيْرِ احْتِلَامٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْغُسْلِ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ هَلْ كَانَ الِاحْتِلَامُ مُتَصَوَّرًا فِي حَقِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ يَحْتَجُّ مَنْ صَوَّرَهُ بِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ وَيُجِيبُ الْآخَرُ بِأَنَّهَا ذَكَرَتْهُ لِلتَّوْكِيدِ لَا لِلِاحْتِرَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ فِي الْمُبَاشَرَةِ يُقَالُ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَذِنَ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ (وَقَوْلُهُ) لَفَظَ الطَّعَامَ هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِأَنِّي رَأَيْتُ مَنْ يُصَحِّفُهُ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَنْقَضِي الصَّوْمُ وَيَتِمُّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَسَبَقَ بَيَانُ حَقِيقَةِ غُرُوبِهَا فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ إمْسَاكُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ بَعْدَ الْغُرُوبِ لِيَتَحَقَّقَ بِهِ اسْتِكْمَالُ النَّهَارِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُلَّتَيْنِ (الثَّانِيَةُ) يَدْخُلُ فِي الصَّوْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي وَهُوَ الْفَجْرُ الصَّادِقُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَتَحْقِيقُ صِفَتِهِ في باب مواقيت الصلاة ويصير منلبسا بِالصَّوْمِ بِأَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْمُرَادُ الطُّلُوعُ الَّذِي يَظْهَرُ لَنَا لَا الَّذِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَطْلُعُ الْفَجْرُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَيَتَبَيَّنُ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلَدٍ طُلُوعُ فَجْرِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَا غُرُوبُ شَمْسِهِ وَقَدْ سَبَقَ بيان هذا
فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ فِي مَسْأَلَةِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْفَجْرِ تَتَعَلَّقُ كُلُّهَا بِالْفَجْرِ الثَّانِي ولا يتعلق بالفجر الاول الكاذب شئ مِنْ الْأَحْكَامِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبَقَ هُنَاكَ بَيَانُ دَلَائِلِهِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِيهِ
* {فَرْعٌ} هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الصَّوْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَتَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجِمَاعِ بِهِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ
بَعْدَهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ قَالَ وَبِهِ نَقُولُ قَالَ رَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ الْآنَ حِينَ تَبَيَّنَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ لَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ تَسَحَّرَ ثُمَّ صَلَّى قَالَ وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ مَسْرُوقٌ لَمْ يَكُونُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ فَجْرَكُمْ إنَّمَا كَانُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ الَّذِي يَمْلَأُ الْبُيُوتَ وَالطُّرُقَ قَالَ وَكَانَ إِسْحَاقُ يَمِيلُ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْعَنَ عَلَى الْآخَرِينَ قَالَ إِسْحَاقُ وَلَا قَضَاءَ عَلَى مَنْ أَكَلَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ
* وَحَكَى أصحابنا عن الاعمش واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُمَا جَوَّزَا الْأَكْلَ وَغَيْرَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُمَا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى هَؤُلَاءِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ الْمُتَظَاهِرَةِ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ " لَمَّا نَزَلَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفجر قلت يارسول اللَّهِ إنِّي أَجْعَلُ تَحْتَ وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ عِقَالًا أَبْيَضَ وَعِقَالًا أَسْوَدَ أَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنْ النَّهَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ وَسَادَكَ لَعَرِيضٌ إنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* وَعَنْ سَهْلِ بن سعد رضي الله عنهما قال " أُنْزِلَتْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ من الخيط الاسود ولم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أرادو الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ وَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْفَجْرِ فَعَلِمُوا أَنَّهُ يَعْنِي بِهِ اللَّيْلَ مِنْ النَّهَارِ " رواه البخاري ومسلم وفى رواية مسلم رئتهما بِالرَّاءِ مَهْمُوزٍ وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا هَذَا الْعَارِضُ لِعَمُودِ الصُّبْحِ حَتَّى يَسْتَطِيرَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمُكُمْ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ أَوْ الصُّبْحُ وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إلَى فَوْقَ وَطَأْطَأَ إلَى أَسْفَلُ حَتَّى يَقُولَ
هَكَذَا وَقَالَ بِسَبَّابَتَيْهِ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى ثُمَّ مَدَّهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ " رواه البخاري ومسلم
* وسبق باب مواقيت الصلاة غير هذه من الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ إلَى طُلُوعِ
الْفَجْرِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ وَغَيْرُهَا بِلَا خِلَافٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْفَجْرُ لِلْآيَةِ الكريمة (حتى يتبين لكم الخيط الابيض) وَلِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ " كُلْ مَا شَكَكْتَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي رواية عن حبيب ابن أَبِي ثَابِتٍ قَالَ " أَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَجُلَيْنِ يَنْظُرَانِ الْفَجْرَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَصْبَحْتُ وَقَالَ الْآخَرُ لَا قَالَ اخْتَلَفْتُمَا أَرِنِي شَرَابِي " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَرِنِي شَرَابِي جَارٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ يَحِلُّ الشُّرْبُ وَالْأَكْلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْفَجْرُ وَلَوْ كان قد تبين لما اختلف الرَّجُلَانِ فِيهِ لِأَنَّ خَبَرَيْهِمَا تَعَارَضَا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَصْبَحْتُ لَيْسَ صَرِيحًا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ تُطْلَقُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لِمُقَارَبَةِ الْفَجْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ لِلشَّاكِّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَرَّحُوا بِذَلِكَ فَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصُونَ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ هُجُومًا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي فِي مَسْأَلَةِ السَّحُورِ لَا يَجُوزُ لِلشَّاكِّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ أَنْ يَتَسَحَّرَ فَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا بِقَوْلِهِمَا لَا يَجُوزُ أَنَّهُ لَيْسَ مُبَاحًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ بَلْ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَحْرِيمَ الْأَكْلِ عَلَى الشَّاكِّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَهُوَ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ وَلِجَمِيعِ الْأَصْحَابِ بَلْ لِجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَلَا نعرف أحد من العلماء قال بتحريمه إلا مالك فَإِنَّهُ حَرَّمَهُ وَأَوْجَبَ الْقَضَاءَ عَلَى مَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ بَابًا فِي إبَاحَةِ الْأَكْلِ لِلشَّاكِّ فِي الْفَجْرِ فَحَكَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَاخْتَارَهُ وَلَمْ يَنْقُلْ الْمَنْعَ إلَّا عَنْ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَفْضَلُ لِلشَّاكِّ أَنْ لَا يَأْكُلَ وَلَا يَفْعَلَ غَيْرَهُ مِنْ مَمْنُوعَاتِ الصَّوْمِ احْتِيَاطًا (الرَّابِعَةُ) لَوْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ وَدَامَ الشَّكُّ وَلَمْ يَبِنْ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ
* وَقَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَقَدْ سَبَقَتْ أَدِلَّةُ المسألة في المسألة قبلها قال أصحابنا وينبغي للصائم أن لا يَأْكُلَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَلَوْ غَلَبَ علي ظنه غروبها باجتهاد بورد أَوْ غَيْرِهِ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وغيره وجها للاستاذ أبي اسحق الاسفراينى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ بِصَبْرٍ يَسِيرٍ وَلَوْ أَكَلَ ظَانًّا غُرُوبَ الشَّمْسِ فَبَانَتْ طَالِعَةً أَوْ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَبَانَ طَالِعًا صَارَ
مُفْطِرًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ
فيهما لانه معذر وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَنْ غَلَطَ فِي الْقِبْلَةِ وَمِنْ الْأَسِيرِ إذَا اجْتَهَدَ فِي الصَّوْمِ وَصَادَفَ مَا قَبْلَ رَمَضَانَ وَنَظَائِرِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُفْطِرُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْأُولَى وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ لِلشَّاكِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَيَجُوزُ فِي الثَّانِيَةِ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ هَجَمَ عَلَى الْأَكْلِ فِي طَرَفَيْ النَّهَارِ بِلَا ظَنٍّ وَتَبَيَّنَ الْخَطَأُ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ بَانَ التَّيَقُّنُ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ فِي النَّهَارِ اسْتَمَرَّتْ صِحَّةُ صَوْمِهِ وَإِنْ دَامَ الْإِبْهَامُ وَلَمْ يَظْهَرْ الْخَطَأُ وَلَا الصَّوَابُ فَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَلَا قَضَاءَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ وَلَوْ أَكَلَ فِي آخِرِ النَّهَارِ بِالِاجْتِهَادِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ فَاسْتَمَرَّ الْإِبْهَامُ فَلَا قَضَاءَ وَإِنْ قلنا بقول الاستاذ أبى اسحق إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ كَمَا لَوْ أَكَلَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ عِنْدَهُ لَا أَثَرَ لَهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ أَكَلَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فِي آخِرِ النَّهَارِ وصادف اكله الليل حيث قلنا لاقضاء عَلَيْهِ وَبَيْنَ مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ أَوْ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَصَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَصَادَفَ الصَّوَابَ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ لِأَنَّ هُنَاكَ شَرَعَ فِي الْعِبَادَةِ شَاكًّا مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ فَلَمْ يَصِحَّ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ الشَّكَّ فِي ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ بَلْ مَضَتْ عَلَى الصِّحَّةِ وَشَكَّ بَعْدَ فَرَاغِهَا هَلْ وُجِدَ مُفْسِدٌ لَهَا بَعْدَ تَحَقُّقِ الدُّخُولِ فِيهَا وَقَدْ بَانَ أَنْ لَا مُفْسِدَ وَإِنَّمَا نَظِيرُهُ مِنْ الصَّلَاةِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْهَا ثُمَّ يَشُكُّ هَلْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْهَا أَمْ لَا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَإِنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} لَوْ ظَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَجَامَعَ فَبَانَ خِلَافُهُ لَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تجب علي من أفسد الصوم يجماع أَثِمَ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ جَوَازُ الْإِفْطَارِ بِالظَّنِّ وَإِلَّا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَفَاءً بِالضَّابِطِ الْمَذْكُورِ لِوُجُوبِهَا (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) إذَا جَامَعَ فِي اللَّيْلِ وَأَصْبَحَ وَهُوَ جُنُبٌ صَحَّ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَكَذَا لَوْ انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فِي اللَّيْلِ فَنَوَتَا صَوْمَ الْغَدِ وَلَمْ يَغْتَسِلَا صَحَّ صَوْمُهُمَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وابن مسعود وأبي ذر وزيد ابن ثَابِتٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ رضي الله عنهم وَجَمَاهِيرُ التَّابِعِينَ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ قَالَ وَهُوَ الْأَشْهَرُ عَنْ أَبِي هريرة والحسن البصري وعن طاوس وعروة
ابن الزُّبَيْرِ رِوَايَةً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ جَنَابَتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا فَيَصِحُّ وَقَالَ النَّخَعِيُّ يَصِحُّ النَّفَلُ دُونَ الْفَرْضِ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ مُنْقَطِعَةِ الْحَيْضِ حَتَّى تَغْتَسِلَ احْتَجُّوا بِحَدِيثِ " مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ " رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ
* دَلِيلُنَا نَصُّ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصيام إلي الليل) وَيَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنْ يُصْبِحَ جُنُبًا إذَا بَاشَرَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنهما قَالَتَا " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ ثُمَّ يَصُومُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَاتٍ لَهُمَا فِي الصَّحِيحِ " مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ " وَعَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهَا " أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِيهِ وَهِيَ تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ فَقَالَ يارسول اللَّهِ تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ أَفَأَصُومُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ فَقَالَ لَسْتَ مثلنا يارسول اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ وَاَللَّهِ إنِّي لارجو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَحَادِيثُ بِمَعْنَى هَذَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ مَنْسُوخٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَيْنَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيهِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لِأَنَّ الْجِمَاعَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ مُحَرَّمًا عَلَى الصَّائِمِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الْجِمَاعَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ لِلْجُنُبِ إذَا أَصْبَحَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ أَنْ يَصُومَ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يفتى بما سمعه من الفضل
ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَعْلَمْ النَّسْخَ فَلَمَّا سَمِعَ خَبَرَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنهما رَجَعَ إلَيْهِ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَكَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ قَالَ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْوَجْهُ حَمْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ (وَالْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْفَجْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ إنْ احْتَلَمَ فِي اللَّيْلِ وَأَمْكَنَهُ الِاغْتِسَالُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَمْ يَغْتَسِلْ وَأَصْبَحَ جُنُبًا بِالِاحْتِلَامِ أَوْ احْتَلَمَ فِي النَّهَارِ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صَوْمِ الْجُنُبِ بِالْجِمَاعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فِيهِ طَعَامٌ فَلْيَلْفِظْهُ فَإِنْ لَفَظَهُ صَحَّ صَوْمُهُ فَإِنْ ابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ فَلَوْ لفظه في الحال فسبق منه شئ إلَى جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَوَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ سَبْقِ الْمَاءِ فِي الْمَضْمَضَةِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَالْأَصَحُّ فِي
الْمَضْمَضَةِ أَنَّهُ إنْ بَالَغَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَنَزَعَ فِي الْحَالِ صَحَّ صَوْمُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ أَصْحَابُنَا: لِلنَّزْعِ عِنْدَ الْفَجْرِ ثَلَاثُ صُوَرٍ (إحْدَاهَا) أَنْ يَحُسَّ بِالْفَجْرِ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَيَنْزِعُ بِحَيْثُ يَقَعُ آخِرُ النَّزْعِ مَعَ أَوَّلِ الطُّلُوعِ (وَالثَّانِيَةُ) يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَيَعْلَمُ الطُّلُوعَ فِي أَوَّلِهِ فَيَنْزِعُ فِي الْحَالِ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَمْضِيَ بَعْدَ الطُّلُوعِ لَحْظَةً وَهُوَ مُجَامِعٌ لَا يَعْلَمُ الْفَجْرَ ثُمَّ يَعْلَمَهُ فَيَنْزِعَ (أَمَّا) الثَّالِثَةُ فَلَيْسَتْ مُرَادَةً بِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه بَلْ الْحُكْمُ فِيهَا بُطْلَانُ الصَّوْمِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهَا الْوَجْهُ السَّابِقُ فِيمَنْ أَكَلَ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَكَانَ قَدْ طَلَعَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ مَكَثَ بَعْدَ عِلْمِهِ أَثِمَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَكَثَ بَعْدَ بُطْلَانِ الصوم على الْوَجْهِ الضَّعِيفِ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِالِاسْتِدَامَةِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الصُّورَتَانِ الْأُولَتَانِ فَهُمَا مُرَادَتَانِ بِالنَّصِّ فَلَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ فِيهِمَا وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَبْطُلُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ أَيْضًا كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وفد ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ (أَمَّا) إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَعَلِمَ طُلُوعَهُ ثُمَّ مَكَثَ مُسْتَدِيمًا لِلْجِمَاعِ فَيَبْطُلُ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَاسْتَدَامَ فَهُوَ كَالِاسْتِدَامَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْفَجْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يَعْلَمُ الْفَجْرَ بِمُجَرَّدِ طُلُوعِهِ وَطُلُوعُهُ الْحَقِيقِيُّ يَتَقَدَّمُ عَلَى عِلْمِنَا بِهِ (فَأَجَابَ) الشَّيْخُ
أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ عِلْمِيَّةٌ وَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُهَا كَمَا يُقَالُ فِي الْفَرَائِضِ مِائَةُ جَدَّةٍ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ أَنَّ هَذَا مُتَصَوَّرٌ لِأَنَّا إنَّمَا تَعَبَّدْنَا بِمَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ لَا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا مَعْنَى لِلصُّبْحِ إلَّا ظُهُورَ الضَّوْءِ لِلنَّاظِرِ وَمَا قَبْلَهُ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْلِيفٌ فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ عَارِفًا بِالْأَوْقَاتِ وَمَنَازِلِ الْقَمَرِ فَيَرْصُدُ بِحَيْثُ لَا حَائِلَ فَهُوَ أَوَّلُ الصُّبْحِ الْمُعْتَبَرِ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْجُمْهُورُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ تَقَدَّمَتْ (مِنْهَا) إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ ظَانًّا غُرُوبَ الشَّمْسِ أَوْ عَدَمَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَبَانَ خِلَافُهُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانِ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ كَذَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ واحمد وابو ثور والجمهور وقال اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَدَاوُد صَوْمُهُ صَحِيحٌ وَلَا قَضَاءَ وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ
* وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " رواه البيهقي وغيره فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تبارك وتعالى (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ
الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ الي الليل) وَهَذَا قَدْ أَكَلَ فِي النَّهَارِ وَبِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَسَحَّرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا وَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَالَ " مَنْ أَكَلَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ مِنْ آخِرِهِ وَمَعْنَاهُ فَقَدْ أَفْطَرَ " وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مَعْنَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَبِحَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهما قَالَتْ " أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ قِيلَ لهشام فامروا بالقضاء فقال بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَخِيهِ خَالِدِ بن أسلم أن عمر ابن الْخَطَّابِ رضي الله عنه " أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَمْسَى وَغَابَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه الْخَطْبُ يَسِيرٌ وَقَدْ اجْتَهَدْنَا " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ مَعْنَى الْخَطْبُ يسير قضاء يوم مكانه قال
البيهقى ورواه سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَخِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ عُمَرَ مُفَسَّرًا فِي الْقَضَاءِ ثُمَّ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدِهِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالْقَضَاءِ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ أَبُوهُ صَدِيقًا لِعُمَرَ قَالَ " كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ رضي الله عنه فِي رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ وَأَفْطَرَ النَّاسُ فصعد الموذن لِيُؤَذِّنَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ هَذِهِ الشَّمْسُ لَمْ تَغْرُبْ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه مَنْ كَانَ أَفْطَرَ فَلْيَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ " وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ عُمَرُ " لَا نُبَالِي وَاَللَّهِ نَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ " ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي تَظَاهُرِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فِي الْقَضَاءِ دَلِيلٌ عَلَى خَطَأِ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ فِي تَرْكِ الْقَضَاءِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ الْحَافِظِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ " بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فِي رَمَضَانَ وَالسَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةٌ فَرَأَيْنَا أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ وَأَنَّا قَدْ أَمْسَيْنَا فَأُخْرِجَتْ لَنَا عِسَاسٌ مِنْ لَبَنٍ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ فَشَرِبَ عُمَرُ رضي الله عنه وَشَرِبْنَا فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ ذَهَبَ السَّحَابُ وَبَدَتْ الشَّمْسُ فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَقُولُ لِبَعْضٍ نَقْضِي يَوْمَنَا هَذَا فَسَمِعَ بِذَلِكَ عُمَرُ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا نَقْضِيهِ وَمَا يُجَانِفُنَا الْإِثْمُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا رَوَاهُ شَيْبَانُ وَرَوَاهُ حَفْصُ بْنُ عَتَّابٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَانَ يَقُولُ ابْنُ سُفْيَانَ يُحْمَلُ عَلَى زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ المخالفة للروايات
الْمُتَقَدِّمَةِ وَبَعْدَهَا مِمَّا خُولِفَ فِيهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَزَيْدٌ ثِقَةٌ إلَّا أَنَّ الْخَطَأَ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْصِمُنَا مِنْ الزَّلَلِ وَالْخَطَأِ بِمَنِّهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ " أَفْطَرْنَا مَعَ صُهَيْبٍ الْخَيْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَطَشٍّ فَبَيْنَا نَحْنُ نَتَعَشَّى إذْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ صُهَيْبٌ طُعْمَةُ اللَّهِ أَتِمُّوا صِيَامَكُمْ إلَى اللَّيْلِ وَاقْضُوا يَوْمًا مَكَانَهُ " قَوْلُهُ عِسَاسٍ مِنْ لَبَنِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِسِينٍ مهملة مكررة وهى الاقداح واحدها عسي بِضَمِّ الْعَيْنِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ حَدِيثِ " إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ " أَنَّهُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ فَإِنَّهُ عَامٌّ خُصَّ منه غرامات المتلفات وانتفاض الْوُضُوءِ بِخُرُوجِ الْحَدَثِ سَهْوًا وَالصَّلَاةُ بِالْحَدَثِ نَاسِيًا وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ فَيَخُصُّ هُنَا بِمَا
ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ أَوْلَجَ ثُمَّ نَزَعَ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مذهبا أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَلَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ وَزُفَرُ وَدَاوُد يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً أَنَّهُ يُفْطِرُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ صَوْمُهُ وَلَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَدْ سَبَقَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ دَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ إذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَالرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ أَنْ يَصُومَ إذَا أَرَادَ الصِّيَامَ قَامَ وَاغْتَسَلَ وَأَتَمَّ صِيَامَهُ
* {فَرْعٌ} ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فِيهِ طَعَامٌ فَلْيَلْفِظْهُ وَيُتِمَّ صَوْمُهُ فَإِنْ ابْتَلَعَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْفَجْرِ بَطَلَ صَوْمُهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ " رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ بِمَعْنَاهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " إذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ " وَفِي وراية " وكان المؤذن يؤذن إذا بزع الْفَجْرُ " فَرَوَى الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرِّوَايَةَ الاولي وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا إنْ صَحَّ مَحْمُولٌ عِنْدَ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ أَنَّهُ يُنَادَى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِحَيْثُ يَقَعُ شُرْبُهُ قُبَيْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ وَقَوْلُهُ إذَا بَزَغَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ مَنْ دُونَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ يَكُونَ خبرا عن الْأَذَانِ الثَّانِي وَيَكُونُ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " إذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ " خَبَرًا عَنْ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما قَالَ وَعَلَى هَذَا تَتَّفِقُ الْأَخْبَارُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ويحرم علي الصائم الاكل والشرب لقوله سبحانه وتعالي (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصيام الي الليل) فان أكل أو شرب وهو ذاكر للصوم عالم بتحريمه مختار بطل صومه لانه فعل ما ينافى الصوم من غير عذر وان استعط أو صب الماء في
اذنه فوصل الي دماغه بطل صومه لما روى لقيط بن صبرة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " إذا استنشقت فابلغ الوضوء الا أن تكون صائما " فدل علي أنه إذا وصل إلى الدماغ شئ بطل صومه ولان الدماغ أحد الجوفين فبطل الصوم بالواصل إليه كالبطن وان احتقن بطل صومه لانه إذا بطل بما يصل إلى الدماغ بالسعوط فلان يبطل بما يصل إلى الجوف بالحقنة أولى وان كان به جائفة أو آمة فداواها فوصل الدواء الي جوفه أو إلى الدماغ أو طَعَنَ نَفْسَهُ أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ فَوَصَلَتْ الطعنة الي جوفه بطل صومه لما ذكرنا في السعوط والحقنة وان زرق في احليلة شيئا أو أدخل فيه ميلا ففيه وجهان
(أحدهما)
يبطل صومه لانه منفذ يتعلق الفطر بالخارج منه فتعلق بالواصل إليه كالفم
(والثانى)
لا يبطل لان ما يصل الي المتانة لا يصل الي الجوف فهو بمنزلة مالو ترك في فمه شيئا}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ لَقِيطٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ وَلَفْظُهُمْ عَنْ لَقِيطٍ " قَالَ قلت يارسول اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْوُضُوءِ قَالَ أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا " قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيَانُ حَالِ لَقِيطٍ وَابْنُ صَبِرَةَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا وَوَقَعَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ فِي حَدِيثِ لَقِيطٍ " فَأَبْلِغْ الوضوء " وهذه اللفظة غير
مَعْرُوفَةٌ وَالْمَعْرُوفُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّعُوطِ بِضَمِّ السِّينِ هُوَ نَفْسُ الْفِعْلِ وهو جعل الشئ فِي الْأَنْفِ وَجَذْبُهُ إلَى الدِّمَاغِ وَالسَّعُوطُ بِفَتْحِهَا اسم للشئ الَّذِي يَتَسَعَّطُهُ كَالْمَاءِ وَالدُّهْنِ وَغَيْرِهِمَا وَالْمُرَادُ هُنَا بِالضَّمِّ (وَقَوْلُهُ) فَلَأَنْ يَبْطُلَ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ (وَالْآمَّةُ) بِالْمَدِّ هِيَ الْجِرَاحَةُ الْوَاقِعَةُ فِي الرَّأْسِ بِحَيْثُ تَبْلُغُ أُمَّ الدِّمَاغِ وَالْمَنْفَذُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْمَثَانَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ مَجْمَعُ الْبَوْلِ (أَمَّا الْأَحْكَامُ) فَقَالَ أَصْحَابُنَا: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عَلَى الصَّائِمِ وَهُوَ مَقْصُودُ الصَّوْمِ وَدَلِيلُهُ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَالْإِجْمَاعُ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَضَبَطَ الْأَصْحَابُ الدَّاخِلَ الْمُفْطِرَ بِالْعَيْنِ الْوَاصِلَةِ مِنْ الظَّاهِرِ إلَى الْبَاطِنِ فِي مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ عَنْ قَصْدٍ مَعَ ذِكْرِ الصَّوْمِ وَفِيهِ قُيُودٌ (مِنْهَا) الْبَاطِنُ الْوَاصِلُ إلَيْهِ وَفِيمَا يُعْتَبَرُ بِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَوْفِ
(وَالثَّانِي)
يُعْتَبَرُ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ تُحِيلُ الْوَاصِلَ إلَيْهِ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ غِذَاءٍ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِتَفْرِيعِ الْأَكْثَرِينَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْحَلْقَ كَالْجَوْفِ فِي إبْطَالِ الصَّوْمِ بِوُصُولِ الْوَاصِلِ إلَيْهِ وَقَالَ إمام الحرمين إذا جاوز الشئ الْحُلْقُومَ أَفْطَرَ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا بَاطِنُ الدِّمَاغِ وَالْبَطْنِ وَالْأَمْعَاءِ وَالْمَثَانَةِ مِمَّا يُفْطِرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ بِبَطْنِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ وَهِيَ الْآمَّةُ فَوَضَعَ عَلَيْهَا دَوَاءً فَوَصَلَ جَوْفَهُ أَوْ خَرِيطَةَ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بَاطِنَ الْأَمْعَاءِ وَبَاطِنَ الْخَرِيطَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّوَاءُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا عِنْدَنَا وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْمَثَانَةِ لَا يُفْطِرُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُوَ شَاذٌّ (وَأَمَّا) الْحُقْنَةُ فَتُفْطِرُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لا تفطر وهو شاذ وان كَانَ مُنْقَاسًا فَعَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْحُقْنَةُ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً وَسَوَاءٌ وَصَلَتْ إلَى الْمَعِدَةِ أَمْ لَا فَهِيَ مُفْطِرَةٌ بِكُلِّ حَالٍ عِنْدَنَا (وَأَمَّا) السُّعُوطُ فَإِنْ وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَمَا جَاوَزَ الْخَيْشُومَ فِي الِاسْتِعَاطِ فَقَدْ حَصَلَ فِي حد الباطن وَحَصَلَ بِهِ الْفِطْرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَدَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ إلَى مُنْتَهَى الْغَلْصَمَةِ وَالْخَيْشُومِ لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ حَتَّى لَوْ أَخْرَجَ إليه القئ أَوْ ابْتَلَعَ مِنْهُ نُخَامَةً أَفْطَرَ وَلَوْ أَمْسَكَ فِيهِ تَمْرَةً وَدِرْهَمًا وَغَيْرَهُمَا لَمْ يُفْطِرْ مَا لم ينفصل من التمرة ونحوها شئ وَلَوْ تَنَجَّسَ هَذَا الْمَوْضِعُ وَجَبَ غَسْلُهُ وَلَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ حَتَّى يَغْسِلَهُ وَلَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ في
أَشْيَاءَ (مِنْهَا) أَنَّهُ إذَا ابْتَلَعَ مِنْهُ الرِّيقَ لَا يُفْطِرُ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ عَلَى الْجُنُبِ والله تعالى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) إذَا قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَصِلْ إلَى الْمَثَانَةِ أَوْ زَرَّقَ فِيهِ مِيلًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يُفْطِرُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
لَا (وَالثَّالِثُ) إنْ جَاوَزَ الْحَشَفَةَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا والله اعلم
* {فرع} لو اوصل الدَّوَاءُ إلَى دَاخِلِ لَحْمِ السَّاقِ أَوْ غَرَزَ فِيهِ سِكِّينًا أَوْ غَيْرَهَا فَوَصَلَتْ مُخَّهُ لَمْ يُفْطِرْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ عُضْوًا مُجَوَّفًا
* {فَرْعٌ} لَوْ طَعَنَ نَفْسَهُ أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ فَوَصَلَتْ السِّكِّينُ جَوْفَهُ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ
كَانَ بَعْضُ السِّكِّينِ خَارِجًا ام لا
* {فرع} إذا ابتلع طرف خيط وَطَرَفُهُ الْآخَرُ بَارِزًا أَفْطَرَ بِوُصُولِ الطَّرَفِ الْوَاصِلِ وَلَا يُعْتَبَرُ الِانْفِصَالُ مِنْ الظَّاهِرِ وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَجْهًا فِيمَنْ أَدْخَلَ طَرَفَ خَيْطٍ جوفه أو دبره وبعضه خارج أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَلَوْ ابْتَلَعَ طَرَفَ خَيْطٍ فِي الليل وطرفه الآخر خارج فَأَصْبَحَ كَذَلِكَ فَإِنْ تَرَكَهُ بِحَالِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِطَرْفِهِ الْبَارِزِ وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِنَجَاسَةٍ وَإِنْ نَزَعَهُ أَوْ ابْتَلَعَهُ بَطَلَ صَوْمُهُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ إذَا غَسَلَ فَمَهُ بَعْدَ النَّزْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ غَيْرُهُ إلَى نَزْعِهِ وَهُوَ غَافِلٌ فَيَنْزِعَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُحَافِظُ عَلَى الصَّلَاةِ فَيَنْزِعُهُ أَوْ يَبْلَعُهُ
(وَالثَّانِي)
يَتْرُكُهُ عَلَى حَالِهِ مُحَافَظَةً عَلَى الصَّوْمِ وَيُصَلِّي كَذَلِكَ وَيَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ
* {فَرْعٌ} لَوْ أَدْخَلَ الرَّجُلُ أُصْبُعَهُ أَوْ غَيْرَهَا دُبُرَهُ أَوْ أَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ أُصْبُعَهَا أَوْ غَيْرَهَا دُبُرَهَا أَوْ قُبُلَهَا وَبَقِيَ الْبَعْضُ خَارِجًا بَطَلَ الصَّوْمُ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا إلَّا الْوَجْهَ الشَّاذَّ السَّابِقَ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَ هذا قال أصحابنا وينبغى للصائمة أن لا تُبَالِغَ بِأُصْبُعِهَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ قَالُوا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِهَا إذَا قَعَدَتْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَهُ حكم الظاهر فيلزمها تطهيره ولا يلزمها مجاورته فَإِنْ جَاوَزَتْهُ بِإِدْخَالِ أُصْبُعِهَا زِيَادَةً عَلَيْهِ بَطَلَ صَوْمُهَا وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ
* هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الْوَاصِلُ إلَى الْبَاطِنِ مُتَّصِلًا بِخَارِجٍ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ وَصَلَ الْبَاطِنَ فَبَطَلَ صَوْمُهُ كَمَا لَوْ غَابَ كُلُّهُ
* {فَرْعٌ} لَوْ قَطَّرَ فِي أُذُنِهِ مَاءً أَوْ دُهْنًا أَوْ غَيْرَهُمَا فَوَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُفْطِرُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لِمَا ذَكَرَهُ المصنف
(والثانى)
لا يفطر قاله أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ
الْمَكْسُورَةِ وَبِالْجِيمِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ كلا كتحال وَادَّعَوْا أَنَّهُ لَا مَنْفَذَ مِنْ الْأُذُنِ إلَى الدِّمَاغِ وَإِنَّمَا يَصِلُهُ بِالْمَسَامِّ كَالْكُحْلِ وَكَمَا لَوْ دَهَنَ بَطْنَهُ فَإِنَّ الْمَسَامَّ تَتَشَرَّبُهُ وَلَا يُفْطِرُ بِخِلَافِ الْأَنْفِ فَإِنَّ السُّعُوطَ يَصِلُ مِنْهُ إلَى الدِّمَاغِ فِي مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ
السِّنْجِيِّ أَنَّهُ يُفْطِرُ وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ مَا ذَكَرْتُهُ فَيَكُونُ ذَكَرَ الْفِطْرَ فِي بعض كتبه
*
* قال المصنف رحمه الله تعالي
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا أَرَاهُ مَحْفُوظًا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا كَمَا ذَكَرْنَا وَمَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِسْنَادُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرُهُ فِيهِ إسْنَادُ الصَّحِيحِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وقد سبق مَرَّاتٍ أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فَهُوَ عِنْدَهُ حُجَّةٌ إمَّا صَحِيحٌ وَإِمَّا حَسَنٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ تَفَرَّدَ بِهِ هِشَامُ ابن حَسَّانَ قَالَ وَبَعْضُ الْحُفَّاظِ لَا يَرَاهُ مَحْفُوظًا قَالَ قَالَ أَبُو دَاوُد وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حنبل يقول ليس من ذا شئ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ ضَعِيفَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه ثُمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ " إذَا تَقَايَأَ وَهُوَ صَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وإذا ذرعه القئ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ " وَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْحَارِثَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ كَذَّابٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ معدان ابن طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَأَفْطَرَ " قَالَ معدان لقيت
ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَقُلْتُ لَهُ إنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ أَخْبَرَنِي " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَأَفْطَرَ فَقَالَ صَدَقَ أَنَا صَبَبْتُ عَلَيْهِ وُضُوءَهُ " فَهَذَا حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِي إسْنَادِهِ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى القئ عَامِدًا وَكَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ صائما تطوعا قال وروى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ " أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَائِمًا فَقَاءَ فَأَفْطَرَ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنِّي قِئْتُ " قَالَ وَهُوَ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى الْعَمْدِ قَالَ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ وَلَا مَنْ احْتَلَمَ وَلَا مَنْ احْتَجَمَ " فَهُوَ مَحْمُولٌ إنْ صَحَّ عَلَى مَنْ ذرعه القئ قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " ثلاث لا يفطرن الصائم القئ وَالِاحْتِلَامُ وَالْحِجَامَةُ " قَالَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ هُوَ الْأَوَّلُ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ هَذَا وَضَعَّفَهُ وَقَالَ هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ قَالَ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرُوا أَبَا سَعِيدٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا حَدِيثَ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَثَوْبَانَ مِنْ رِوَايَةِ مَعْدَانَ بْنِ طَلْحَةَ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَ فِيهِ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الا من حديث عيسى ابن يُونُسَ قَالَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا أَرَاهُ مَحْفُوظًا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَلَا يصح اسناده قال وقد رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَثَوْبَانَ وَفَضَالَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَأَفْطَرَ " قَالَ وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا فَقَاءَ فَضَعُفَ فَأَفْطَرَ لِذَلِكَ هَكَذَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا قَالَ وَالْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ الصَّائِمَ إذَا ذرعه القئ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِذَا
اسْتِقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ هَذَا كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَثَوْبَانَ وَقَالَ هُمَا صَحِيحَانِ
* فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ وَشَوَاهِدِهِ الْمَذْكُورَةِ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَكَذَا نَصَّ عَلَى حُسْنِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ وَكَوْنُهُ تَفَرَّدَ بِهِ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ وَزِيَادَةٌ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ والفقه والاصول (وقوله) ذرعه
القئ هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ غَلَبَهُ وَإِنَّمَا قَاسَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْوَاصِلِ بِالسَّعُوطِ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَّ فِيهِ وَهُوَ حَدِيثُ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ السَّابِقُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ والاصحاب رحمهم الله إذا ابتلع الصائم مالا يُؤْكَلُ فِي الْعَادَةِ كَدِرْهَمٍ وَدِينَارٍ أَوْ تُرَابٍ أَوْ حَصَاةٍ أَوْ حَشِيشًا أَوْ نَارًا أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَيْطًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ وَحَكَوْا عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَاوَلُ الْبَرَدَ وَهُوَ صَائِمٌ وَيَبْتَلِعُهُ وَيَقُولُ لَيْسَ هُوَ بِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ " إنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ وَلَيْسَ مِمَّا يَدْخُلُ وَإِنَّمَا الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ " وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا بَقِيَ فِي خَلَلِ أَسْنَانِهِ طَعَامٌ فَيَنْبَغِي إنْ يُخَلِّلَهُ فِي اللَّيْلِ وَيُنَقِّيَ فَمَهُ فان اصبح صائما وفى خلل اسنانه شئ فَابْتَلَعَهُ عَمْدًا أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُفْطِرُ وَقَالَ زُفَرُ يُفْطِرُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَدَلِيلُنَا فِي فِطْرِهِ أَنَّهُ ابْتَلَعَ مَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَا تَدْعُو حَاجَتُهُ إلَيْهِ فَبَطَلَ صَوْمُهُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ إلَى يَدِهِ ثم ابتلعه ولدليل عَلَى زُفَرَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْجِمَاعِ لِفُحْشِهِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَا دُونَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَّا) إذَا جَرَى بِهِ الرِّيقُ فَبَلَعَهُ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَنَقَلَ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَنَقَلَ الرَّبِيعُ أَنَّهُ يُفْطِرُ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي فِطْرِهِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ عَمَلًا بِالنَّصَّيْنِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ إنَّهُمَا عَلَى حَالَيْنِ فَحَيْثُ قَالَ لَا يُفْطِرُ أَرَادَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَمْيِيزِهِ وَمَجِّهِ وَحَيْثُ قَالَ يُفْطِرُ أَرَادَ إذَا قَدَرَ فَلَمْ يَفْعَلْ وَابْتَلَعَهُ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَقَالَ إمَامُ
الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ: إنْ نَقَّى أَسْنَانَهُ بِالْخِلَالِ عَلَى الْعَادَةِ لَمْ يُفْطِرْ كَغُبَارِ الطريق وإلا افطر لنقصيره كَالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ ينازعهما فِي إلْحَاقِهِ بِالْمُبَالَغَةِ الَّتِي وَرَدَ النَّصُّ بِالنَّهْيِ عَنْهَا وَلِأَنَّ مَاءَ الْمُبَالَغَةِ أَقْرَبُ إلَى الْجَوْفِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} لَوْ ابْتَلَعَ شَيْئًا يَسِيرًا جِدًّا كَحَبَّةِ سِمْسِمٍ أَوْ خَرْدَلٍ وَنَحْوِهِمَا أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُفْطِرُ عِنْدَنَا وَلَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا قَالَ فِي الْبَاقِي فِي خَلَلِ الْأَسْنَانِ (الثَّالِثَةُ) ابْتِلَاعُ الرِّيقِ لَا يُفْطِرُ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ عَلَى الْعَادَةِ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِنَّمَا لَا يُفْطِرُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَتَمَحَّضَ الرِّيقُ فَلَوْ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَفْطَرَ بِابْتِلَاعِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُغَيِّرُ طَاهِرًا كَمَنْ فَتَلَ خَيْطًا مَصْبُوغًا تَغَيَّرَ بِهِ رِيقُهُ أَوْ نَجِسًا كَمَنْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ أَوْ انْقَلَعَتْ سِنُّهُ أَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ هُوَ الرِّيقُ لِلْحَاجَةِ وَهَذَا أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ الرِّيقِ
وَهُوَ مُقَصِّرٌ بِهِ بِخِلَافِ غُبَارِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ فَلَوْ بَصَقَ حَتَّى ابْيَضَّ الرِّيقُ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ تَغَيُّرٌ فَفِي إفْطَارِهِ بِابْتِلَاعِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ قَالَ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ يُفْطِرُ وَهَذَا هُوَ الصحيح عند غيره وقطع به المتولي وآخرون وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ ابْتِلَاعُهُ وَلَا يَطْهُرُ الْفَمُ إلَّا بِالْغَسْلِ بِالْمَاءِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَكَلَ بِاللَّيْلِ شَيْئًا نَجِسًا وَلَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ حَتَّى أَصْبَحَ فَابْتَلَعَ الرِّيقَ أَفْطَرَ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَبْتَلِعَهُ مِنْ مَعْدِنِهِ فَلَوْ خَرَجَ عَنْ فِيهِ ثُمَّ رَدَّهُ بِلِسَانِهِ أَوْ غَيْرِ لِسَانِهِ وَابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَى ظَاهِرِ الشَّفَةِ فَرَدَّهُ وَابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِذَلِكَ وَلِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ الْعَفْوِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ خَرَجَ إلَى شَفَتِهِ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَهُ افطر ولو اخرج لِسَانُهُ وَعَلَيْهِ رِيقٌ حَتَّى بَرَزَ لِسَانُهُ إلَى خَارِجِ فِيهِ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَهُ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ ولا يثبت حكم الخروج للشئ إلَّا بِانْفِصَالِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ دَارٍ فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ أَوْ رَجْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ أَخْرَجَ الْمُعْتَكِفُ رَأْسَهُ أَوْ رَجْلَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ
(وَالثَّانِي)
فِي إبْطَالِهِ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ جَمَعَ الرِّيقَ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِيمَا لَوْ أَخْرَجَتْ دُودَةٌ رَأْسَهَا مِنْ فَرْجِهِ ثُمَّ رَجَعَتْ قَبْلَ انفصالها هل ينتقض وضوؤه فِيهِ
وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) يَنْتَقِضُ (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ يَبْتَلِعَهُ عَلَى الْعَادَةِ فَلَوْ جَمَعَهُ قَصْدًا ثُمَّ ابْتَلَعَهُ فَهَلْ يُفْطِرُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْطِرُ وَلَوْ اجْتَمَعَ رِيقٌ كَثِيرٌ بِغَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَابْتَلَعَهُ لَمْ يُفْطِرْ بِلَا خِلَافٍ
* {فَرْعٌ} لَوْ بَلَّ الْخَيَّاطُ خَيْطًا بِالرِّيقِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى فِيهِ عَلَى عَادَتِهِمْ حَالَ الْفَتْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ لَمْ يُفْطِرْ بِابْتِلَاعِ رِيقِهِ بَعْدَهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ شئ يَدْخُلُ جَوْفَهُ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا الْمُتَوَلِّي وَإِنْ كَانَتْ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ وَابْتَلَعَهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابَعُوهُ وَالْمُتَوَلِّي (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ لَا يُفْطِرُ قَالَ كَمَا لَا يُفْطِرُ بِالْبَاقِي مِنْ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُفْطِرُ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَقَدْ ابْتَلَعَهُ بَعْدَ مفارقة معدنه وَانْفِصَالِهِ وَخَصَّ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا تَحْرِيمَ ذَلِكَ قَالَ فَإِنْ كَانَ عَالَمًا بِتَحْرِيمِهِ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ لِتَقْصِيرِهِ
* {فَرْعٌ} لَوْ اسْتَاكَ بِسِوَاكٍ رَطْبٍ فَانْفَصَلَ مِنْ رُطُوبَتِهِ أو خشبه المتشعب شئ وَابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ
* {فَرْعٌ} اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ أَفْطَرَ وَفِي حَدِيثُ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَيَمُصُّ لِسَانَهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ وَمِصْدَعٌ وَهُمَا مِمَّنْ اُخْتُلِفَ فِي جَرْحِهِ وَتَوْثِيقِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بَصَقَهُ وَلَمْ يَبْتَلِعْهُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)
قَالَ أَصْحَابُنَا النُّخَامَةُ إنْ لَمْ تَحْصُلْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ لَمْ تَضُرَّ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ حَصَلَتْ فِيهِ بِانْصِبَابِهَا مِنْ الدِّمَاغِ فِي الثقبة النافدة مِنْهُ إلَى أَقْصَى الْفَمِ فَوْقَ الْحُلْقُومِ نَظَرَ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَرْفِهَا وَمَجِّهَا حَتَّى نَزَلَتْ إلَى الْجَوْفِ لَمْ تَضُرَّ وَإِنْ رَدَّهَا إلَى فَضَاءِ الْفَمِ أَوْ ارْتَدَّتْ إلَيْهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهَا أَفْطَرَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يفطر لان جنسها معفو عنه وهذا شاذ مرود وَإِنْ قَدَرَ عَلَى قَطْعِهَا مِنْ مَجْرَاهَا وَمَجِّهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى جَرَتْ بِنَفْسِهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
يُفْطِرُ لِتَقْصِيرِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الْأَوْفَقُ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا وَإِنَّمَا تَرَكَ الدَّفْعَ فَلَمْ يُفْطِرْ كَمَا لَوْ وَصَلَ الْغُبَارُ إلَى جَوْفِهِ مَعَ إمْكَانِ إطْبَاقِ فِيهِ وَلَمْ يُطْبِقْهُ
فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عمر وبن الصَّلَاحِ وَلَعَلَّ هَذَا الْوَجْهَ أَقْرَبُ قَالَ وَلَمْ أَجِدْ ذِكْرًا لِأَصَحِّهِمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا تَقَايَأَ عَمْدًا بَطَلَ صومه وان ذرعه القئ أَيْ غَلَبَهُ لَمْ يَبْطُلْ وَهَذَانِ الطَّرَفَانِ لَا خلاف فيهما عندنا وفى سبب الفطر بالقئ عَمْدًا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ يُفْهَمَانِ مِنْ كَلَامِ المصنف (أصحهما) ان نفس الاستقاءة مُفْطِرَةٌ كَإِنْزَالِ الْمَنِيِّ بِالِاسْتِمْنَاءِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْمُفْطِرَ رجوع شئ مِمَّا خَرَجَ وَإِنْ قَلَّ فَلَوْ تَقَايَأَ عَمْدًا مَنْكُوسًا أَوْ تَحَفَّظَ بِحَيْثُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يرجع شئ إلَى جَوْفِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) الْمُفْطِرُ نَفْسُ الِاسْتِقَاءَةِ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَلَوْ استقاء عمدا وتحفظ جهده فغلبه القئ ورجع شئ (فَإِنْ قُلْنَا) الِاسْتِقَاءَةُ مُفْطِرَةٌ بِنَفْسِهَا فَهُنَا أَوْلَى (وان قلتا لا يفطر الا برجوع شئ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ إذَا سَبَقَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وحيث افطر بالقئ عَمْدًا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَاَللَّهُ تعالى اعلم
* {فرع} إذا اقتلع تخامة مِنْ بَاطِنِهِ وَلَفَظَهَا لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْحَنَّاطِيُّ وَكَثِيرُونَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْطِرُ لانه مما تدعو إليه الحاجة (والثاني) يفطر كالقئ قَالَ الْغَزَالِيُّ مَخْرَجُ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْبَاطِنِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ الظَّاهِرِ وَوَافَقَهُ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ هَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُهْمَلَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْحَلْقِ وَالْحَلْقُ بَاطِنٌ وَالْمُعْجَمَةُ تَخْرُجُ مِمَّا قَبْلَ الْغَلْصَمَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنْ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ مِمَّا بَعْدَ مَخْرَجِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الظَّاهِرِ أَيْضًا هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُهْمَلَةَ أَيْضًا مِنْ الظَّاهِرِ وَعَجَبٌ كَوْنُهُ ضَبَطَ بِالْمُهْمَلَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ وَسَطِ الْحَلْقِ وَلَمْ يَضْبِطْ بِالْهَاءِ أَوْ الْهَمْزَةِ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ (وَأَمَّا) الْخَاءُ الْمُعْجَمَةِ فَمِنْ أَدْنَى الْحَلْقِ وَكُلُّ هَذَا مشهور لاهل العربية وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ في القئ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَنْ تَقَايَأَ عَمْدًا أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ
عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَقَايَأَ عَمْدًا أَفْطَرَ قَالَ ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَعَلْقَمَةُ وَالزُّهْرِيُّ ومالك واحمد واسحق وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ وَقَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو ثَوْرٍ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَقَالَ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ قَالَ وَأَمَّا من ذرعه القئ فَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ ومالك والثوري والاوزاعي واحمد واسحق وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ كُلِّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ: وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رِوَايَتَانِ الْفِطْرُ وَعَدَمُهُ هَذَا نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لا يفطر بالقئ عَمْدًا قَالَ وَعَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي فِطْرِ من ذرعه القئ خِلَافٌ قَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ تَقَايَأَ فَاحِشًا أَفْطَرَ فَخَصَّهُ بِالْفَاحِشِ
* دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَسَائِلَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا (مِنْهَا) الْحُقْنَةُ ذَكَرْنَا أَنَّهَا مُفْطِرَةٌ عِنْدَنَا وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عن عطاء والثوري وابى حنيفة واحمد واسحق وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَدَاوُد لَا يُفْطِرُ (وَمِنْهَا) لَوْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ شَيْئًا فَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُفْطِرُ كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَدَاوُد لَا يُفْطِرُ (وَمِنْهَا) السُّعُوطُ إذَا وَصَلَ لِلدِّمَاغِ أَفْطَرَ عِنْدَنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عن الثوري والاوزاعي وابو حنيفة ومالك واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ دَاوُد لَا يُفْطِرُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ (وَمِنْهَا) لَوْ صَبَّ الْمَاءَ أَوْ غَيْرَهُ فِي أُذُنَيْهِ فَوَصَلَ دِمَاغَهُ أَفْطَرَ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُد لَا يُفْطِرُ إلَّا أَنْ يَصِلَ حَلْقَهُ (وَمِنْهَا) لَوْ دَاوَى جُرْحَهُ فَوَصَلَ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ الدَّوَاءُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي حنيفة والمشهور عن ابي حنيفة انه يفطران كَانَ دَوَاءٌ رَطْبًا وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَلَا
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا (وَمِنْهَا) لَوْ طَعَنَ نَفْسَهُ بِسِكِّينٍ أَوْ غَيْرِهَا فَوَصَلَتْ جَوْفَهُ أَوْ دِمَاغَهُ أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ فَوَصَلَتْهُمَا أَفْطَرَ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُفْطِرُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ نَفَذَتْ الطَّعْنَةُ إلَى الْجَانِبِ الْآخِرِ أَفَطَرَ وَإِلَّا فَلَا (وَمِنْهَا) الطَّعَامُ الْبَاقِي بَيْنَ أَسْنَانِهِ إذَا ابْتَلَعَهُ قَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا فِيهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لا شئ عَلَى الصَّائِمِ فِيمَا يَبْلَعُهُ مِمَّا يَجْرِي مَعَ الرِّيقِ مِمَّا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ قَالَ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى رَدِّهِ فَابْتَلَعَهُ عَمْدًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُفْطِرُ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ يُفْطِرُ وَبِهِ أَقُولُ وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ سَبَقَتْ فِي مَوَاضِعِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
{وتحرم المباشرة في الفرج لقوله سبحانه وتعالى (فالآن باشروهن) إلى قوله عز وجل (ثم أتموا الصيام إلى الليل) فان باشرها في الفرج بطل صومه لانه احد ما ينافى الصوم فهو كالاكل وان باشر فيما دون الفرج فانزل أو قبل فانزل بطل صومه وإن لم ينزل لم يبطل لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه قَالَ " قبلت وَأَنَا صَائِمٌ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقلت قبلت وانا صائم فقال ارأيت لو تمضمضت وان صائم " فشبه القبلة بالمضمضة وقد ثبت انه إذا تمضمض فوصل الماء الي جوفه افطر وان لم يصل لم يفطر فدل علي ان القبلة مثلها فان جامع قبل طلوع الفجر فاخرج مع الطلوع وانزل لم يبطل صومه لان الانزال تولد من مباشرة هو مضطر إليها فلم يبطل الصوم وان نظر وتلذذ فانزل لم يبطل صومه لانه انزل من غير مباشرة فلم يبطل الصوم كما لو نام فاحتلم وان استمنى فانزل بطل صومه لانه انزال عن مباشرة فهو كالانزال عن القبلة ولان الاستمناء كالمباشرة فيما دون الفرج من الاجنبية في الاثم والتعزير فكذلك في الافطار {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ مِمَّا غَيَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فَجَعَلَهُ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَّهُ هُوَ الْمُقَبِّلُ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُقَبِّلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَهُوَ السَّائِلُ وَهَذَا لَفْظُ الحديث في سنن أبي داود وسند أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَجَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فقلت يارسول اللَّهِ صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْت مِنْ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْتُ لَا بَأْسَ قَالَ فَمَهْ " هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ إنَّمَا هُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إثْبَاتُ الْقِيَاسِ وَالْجَمْعُ بين الشيئين في الحكم الواحد لاجتماعها فِي الشَّبَهِ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ بِالْمَاءِ ذَرِيعَةٌ إلَى نُزُولِهِ إلَى الْبَطْنِ فَيَفْسُدُ الصَّوْمُ كَمَا أَنَّ الْقُبْلَةَ ذَرِيعَةٌ إلَى الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ لِلصَّوْمِ فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُفْطِرٍ وَهُوَ الْمَضْمَضَةُ فَكَذَا الْآخَرُ (وَقَوْلُهُ) هَشَشْتُ مَعْنَاهُ نَشَطْتُ وَارْتَحْتُ (وَقَوْلُ)
الْمُصَنِّفِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ تَمَضْمَضَ فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ أَفْطَرَ هَذَا تَفْرِيعٌ مِنْهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَضْمَضَةِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ فِي الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ عَلَى الصَّائِمِ وَعَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ يُبْطِلُ صَوْمَهُ لِلْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلصَّوْمِ فَأَبْطَلَهُ كَالْأَكْلِ وَسَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا فَيَبْطُلُ صَوْمُهُ فِي الْحَالَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ وَلِحُصُولِ الْمُنَافِي وَلَوْ لَاطَ بِرَجُلٍ أَوْ صبي أو اولج في قبل بهمية أَوْ دُبُرِهَا بَطَلَ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سواء أنزل أم لا
* وقل أَبُو حَنِيفَةَ فِي اللِّوَاطِ كَمَذْهَبِنَا
* وَقَالَ فِي الْبَهِيمَةِ إنْ أَنْزَلَ بَطَلَ
صومه وإلا فلا وسواء في الوطئ وطئ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ بِزِنًا أَوْ شُبْهَةٍ فَكُلُّهُ يُفْطِرُ بِهِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالصَّوْمِ (الثَّانِيَةُ) إذَا قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِذَكَرِهِ أَوْ لَمَسَ بَشَرَةَ امْرَأَةٍ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنْ أَنْزَلَ الْمَنِيَّ بَطَلَ صَوْمُهُ وَإِلَّا فَلَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلَانِ صَوْمِ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ وَيُسْتَدَلُّ أَيْضًا لِعَدَمِ الْفِطْرِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ " وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ حَكَى وَجْهَيْنِ فِيمَنْ ضَمَّ امْرَأَةً إلَى نَفْسِهِ وَبَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَأَنْزَلَ قَالَ وَهُوَ عِنْدِي كَسَبْقِ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ قَالَ فَإِنْ ضَاجَعَهَا مُتَجَرِّدًا فَهُوَ كَالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ قَالَ وَقَدْ وَجَدْتُ لِلشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ فِي الشَّرْحِ رَمْزًا إلَى هَذَا قُلْتُ قَدْ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَوْ قَبَّلَهَا فَوْقَ خِمَارٍ فَأَنْزَلَ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ قَالَ وَلَوْ لَمَسَ شَعْرَهَا فَأَنْزَلَ فَفِي بُطْلَانِ صَوْمِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهِ (الثَّالِثَةُ) إذَا جَامَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ نَزَعَ مَعَ طُلُوعِهِ أَوْ عَقِبَ طُلُوعِهِ وَأَنْزَلَ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ فَلَمْ يجب فيه شئ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ قِصَاصًا فَمَاتَ المقتص مِنْهُ فَهَذَا هُوَ التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مُبَاشَرَةٍ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ (الرَّابِعَةُ) إذَا نَظَرَ إلَى امرأة ونحوها وَتَلَذَّذَ فَأَنْزَلَ بِذَلِكَ لَمْ يُفْطِرْ سَوَاءٌ كَرَّرَ النَّظَرَ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا إلَّا وَجْهًا شَاذًّا حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ إذَا كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ بَطَلَ صَوْمُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ أَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ التَّابِعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَحَكَى
ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ هُوَ كَالْجِمَاعِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَنَحْوُهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وعن مالك روايتان
(أحدهما)
كَالْحَسَنِ (وَالثَّانِيَةُ) إنْ تَابَعَ النَّظَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا شئ عَلَيْهِ وَلَوْ احْتَاطَ فَقَضَى يَوْمًا فَحَسَنٌ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَمَّا إذَا فَكَّرَ بِقَلْبِهِ مِنْ غير نظر فتلدذ فَأَنْزَلَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ وَإِذَا كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ أَثِمَ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ (الْخَامِسَةُ) إذَا اسْتَمْنَى بِيَدِهِ وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ الْمَنِيِّ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ حَكَّ ذَكَرَهُ لِعَارِضٍ فَأَنْزَلَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَالُوا ويشبه أن يكونا مبنبين عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ سَبَقَ مَاءُ الْمَضْمَضَةِ إلَى جَوْفِهِ قُلْتُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ فِي مَسْأَلَةِ حَكِّ الذَّكَرِ لِعَارِضٍ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) إذَا احْتَلَمَ فَلَا يُفْطِرُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ كَمَنْ طَارَتْ ذُبَابَةٌ فَوَقَعَتْ فِي جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يُفْطِرُ مَنْ قاء وَلَا مَنْ احْتَجَمَ " فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ به وسبق بيانه في مسالة القئ والله تعالي أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} لَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً وَتَلَذَّذَ فَأَمْذَى وَلَمْ يُمْنِ لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يُفْطِرُ دَلِيلُنَا أَنَّهُ خَارِجٌ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَأَشْبَهَ الْبَوْلَ {فَرْعٌ} قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا أَمْنَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَهُوَ صَائِمٌ أَوْ رَأَى الدَّمَ يَوْمًا كَامِلًا مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عُضْوٌ زَائِدٌ وَإِنْ أَمْنَى مِنْ فَرْجِ الرِّجَالِ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَرَأَى الدَّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ وَاسْتَمَرَّ الدَّمُ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ بَطَلَ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ أَنْزَلَ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَإِلَّا فَقَدْ حَاضَتْ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ الدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيَّامًا وَلَمْ يُنْزِلْ عَنْ مُبَاشَرَةٍ من آلة الرجال لم يبطل صومه في يوم انْفِرَادِ الدَّمِ أَوْ الْإِنْزَالِ وَلَا كَفَّارَةَ حَيْثُ قُلْنَا بِفِطْرِهِ لِلِاحْتِمَالِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ * قال المصنف رحمه الله {وان فعل ذلك كله ناسيا لم يبطل صومه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَكَلَ ناسيا أو شرب ناسيا فلا يفطر فانما هو رزق رزقه الله " فنص على الاكل والشرب وقسنا عليه كل ما يبطل الصوم من الجماع وغيره وان فعل ذلك وهو جاهل بتحريمه لم يبطل صومه لانه يجهل تحريمه فهو كالناسي وان فعل ذلك به بغير اختياره بان اوجر الطعام في حلقه مكرها لم يبطل صومه وان شد امرأته ووطئها وهى مكرهة لم يبطل صومها وان استدخلت المرأة ذكر الرجل وهو نائم لم يبطل صومه لحديث ابي هريرة " ومن ذرعه القئ فلا قضاء عليه " فدل.
على ان كل ما حصل بغير اختياره لم يجب به القضاء ولان النبي صلى الله عليه وسلم اضاف أكل الناسي إلى الله تعالى واسقط به القضاء فدل على ان كل ما حصل بغير فعله لا يوجب القضاء وان أكره حتي أكل بنفسه أو أكرهت المرأة حتى مكنت من الوطئ فوطئها ففيه قولان
(أحدهما)
يبطل الصوم لانه فعل ما ينافى الصوم لدفع الضرر وهو ذا كر للصوم فبطل صومه كما لو أكل لخوف المرض أو شرب لدفع العطش
(والثانى)
لا يبطل لانه وصل إلى جوفه بغير اختياره فاشبه إذا أوجر في حلقه
*} {الشرح} حديث أبى هريرة " من ذرعه القئ " سبق بيانه في مسالة القئ وَحَدِيثُهُ الْأَوَّلُ " مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا " إلَى آخِرِهِ رواه الترمذي والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِلَفْظِهِ الَّذِي هُنَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ
وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا نَسِيَ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " من أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ
* وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ شَدَّ امْرَأَتَهُ لَوْ قَالَ امْرَأَةً لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَعَمَّ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ تَقَايَأَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ جَامَعَ أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مُنَافِيَاتِ الصَّوْمِ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَنَا سَوَاءٌ قَلَّ ذَلِكَ أَمْ كَثُرَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِي أَكْلِ النَّاسِي إذَا كَثُرَ وَجْهَيْنِ كَكَلَامِ النَّاسِي فِي الصَّلَاةِ
إذَا كَثُرَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ هُنَا وَجْهًا وَاحِدًا لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَمِرُّ بِهِ النِّسْيَانُ حَتَّى يَأْكُلَ كَثِيرًا وَيَنْدُرُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِي جِمَاعِ النَّاسِي طَرِيقَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِلْأَحَادِيثِ (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ كَجِمَاعِ الْمُحْرِمِ نَاسِيًا (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْطِرُ (وَالثَّانِي) يُفْطِرُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ الْحَجِّ لَيْسَ مَنْصُوصًا وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَحْمَدُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ الْفَرْقُ بَيْنَ جِمَاعِ النَّاسِي فِي الْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ أَنَّ المحرم له هيئة يتذكر بها حاله فَإِذَا نَسِيَ كَانَ مُقَصِّرًا بِخِلَافِ الصَّائِمِ
* وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي
مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ نَاسِيًا
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لا يفطر بشئ مِنْ الْمُنَافِيَاتِ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ فِي الْجِمَاعِ نَاسِيًا دُونَ الْأَكْلِ وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ يَفْسُدُ صَوْمُ النَّاسِي فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ
* وَقَالَ أَحْمَدُ يَجِبُ بِالْجِمَاعِ نَاسِيًا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ ولا شئ فِي الْأَكْلِ
* دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ والله تعالى أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ بِحَيْثُ يَخْفَى عَلَيْهِ كَوْنُ هَذَا مُفْطِرًا لَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ فَأَشْبَهَ النَّاسِيَ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ النَّصُّ وَإِنْ كَانَ مُخَالِطًا لِلْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ أَفْطَرَ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يَنْزِلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ وَلَوْ فَصَّلَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فَصَّلَ غَيْرُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ كَانَ أَوْلَى (الثَّالِثَةُ) إذَا فَعَلَ بِهِ غَيْرُهُ الْمُفْطِرَ بِأَنْ أَوْجَرَ الطَّعَامَ قَهْرًا أَوْ أَسَعَطَ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ أَوْ طُعِنَ بِغَيْرِ رِضَاهُ بِحَيْثُ وَصَلَتْ الطَّعْنَةُ جَوْفَهُ أَوْ رُبِطَتْ الْمَرْأَةُ وَجُومِعَتْ أَوْ جُومِعَتْ نَائِمَةً فَلَا فِطْرَ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ نَائِمًا أَفْطَرَتْ هِيَ دُونَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
وسواء في ذلك امرأته وَزَوْجُهَا وَالْأَجْنَبِيَّةُ وَالْأَجْنَبِيُّ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي شئ مِنْ هَذَا إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فيما إذا أَوْجَرَ أَنَّهُ يُفْطِرُ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَلَوْ كَانَ مُغْمًى عَلَيْهِ وَقَدْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ وَأَفَاقَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ وَقُلْنَا يَصِحُّ صَوْمُهُ فَأَوْجَرَهُ غَيْرُهُ شَيْئًا فِي حَالِ إغْمَائِهِ لِغَيْرِ الْمُعَالَجَةِ لَمْ
يَبْطُلْ صَوْمُهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْحَنَّاطِيِّ وَإِنْ أَوْجَرَهُ مُعَالَجَةً وَإِصْلَاحًا لَهُ فَهَلْ يفطر فيه وجهان مشوران فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْطِرُ كَغَيْرِ المعالجة لانه لاصنع لَهُ (وَالثَّانِي) يُفْطِرُ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُعَالَجِ لِمَصْلَحَتِهِ فَصَارَ كَفِعْلِهِ قَالُوا وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ إذَا عُولِجَ الْمُحْرِمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ هَلْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ فِيهِ خِلَافٌ سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* {فَرْعٌ} لَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ طَعْنَةً وَصَلَتْ جَوْفَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَكِنْ أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ فَلَمْ يَدْفَعْهُ فَفِي فِطْرِهِ وَجْهَانِ حكاهما الدارمي (أقيسهما) لا يفطر إذ لافعل لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) لَوْ أُكْرِهَ الصَّائِمُ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَشْرَبَ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى التَّمْكِينِ مِنْ الوطئ فَمُكِّنَتْ فَفِي بُطْلَانِ الصَّوْمِ بِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ قَلَّ مَنْ بَيَّنَ الْأَصَحَّ مِنْهُمَا (وَالْأَصَحُّ) لَا يَبْطُلُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الوجيز والعبد رى فِي الْكِفَايَةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ وَآخَرُونَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَا تَغْتَرَّ بِتَصْحِيحِ الرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ الْبُطْلَانَ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحَرَّرِ
* واحتجوا لعدم الطلان بأنه بالا كراه سَقَطَ أَثَرُ فِعْلِهِ وَلِهَذَا لَا يَأْثَمُ بِالْأَكْلِ لِأَنَّهُ صَارَ مَأْمُورًا بِالْأَكْلِ لَا مَنْهِيًّا عَنْهُ فَهُوَ كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى مِنْهُ بِأَنْ لَا يُفْطِرَ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْأَكْلِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْإِكْرَاهِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ النَّاسِي فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِأَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْقَائِلِ الْآخَرِ إنَّهُ أَكَلَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ فَكَانَ كَالْآكِلِ لدفع الجوع والعطش ففوقوا بينهما بأن الاكراه قادح فِي اخْتِيَارِهِ وَأَمَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ فَلَا يَقْدَحَانِ في اختياره بل يزيد انه قال اصحابنا فان قلنا يفطر المنكرة فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلٍ أَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى التَّمْكِينِ مِنْ الوطئ وأما إذا اكره رجل على الوطئ فيبني على الخلاف المشهور أنه هل يتصور إكراهه علي الوطئ أَمْ لَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا يُتَصَوَّرُ إكْرَاهُهُ فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ فَفِي إفْطَارِهِ الْقَوْلَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) يُفْطِرُ فَلَا كَفَّارَةَ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ جَامَعَ جِمَاعًا يَأْثَمُ بِهِ وَهَذَا لَمْ يَأْثَمْ بِلَا خِلَافٍ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُتَصَوَّرُ إكْرَاهُهُ أَفْطَرَ قَوْلًا وَاحِدًا وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي: لَوْ شُدَّتْ يَدَا الرَّجُلِ وَأُدْخِلَ ذَكَرُهُ فِي الْفَرْجِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَلَا قَصْدٍ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ وَإِنْ أَنْزَلَ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ بِالْإِيلَاجِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِمَا حَدَثَ مِنْهُ وَكَأَنَّهُ أَنْزَلَ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ سَقَطَ أَثَرُهَا بِالْإِكْرَاهِ
(وَالثَّانِي)
يَبْطُلُ لِأَنَّ
زال لَا يَحْدُثُ إلَّا عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ قَالَ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَفِي الْكَفَّارَةِ
وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تَجِبُ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ مُفْطِرًا بِاخْتِيَارِهِ (وَالثَّانِي) لَا تَجِبُ لِلشُّبْهَةِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي قُلْتُ هَذَا الْخِلَافُ فِي فِطْرِهِ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ فِيمَنْ أُكْرِهَ عَلَى كَلِمَةِ الطَّلَاقِ فَقَصَدَ إيقَاعَهُ فَفِي وُقُوعِهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَقَعُ لِأَنَّ اللَّفْظَ سَقَطَ أَثَرُهُ بِالْإِكْرَاهِ وَبَقِيَ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ وَالنِّيَّةُ وَحْدَهَا لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ (وَأَصَحُّهُمَا) يَقَعُ لِوُجُودِ قَصْدِ الطَّلَاقِ بِلَفْظِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ بِالْإِنْزَالِ تَفَكُّرٌ وَقَصْدٌ وَتَلَذُّذٌ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يبطل والله تعالي أعلم
*
* قال المنصف رحمه الله تعالى
* {وإن تمضمض أو استنشق فوصل الماء الي جوفه أو دماغه فقد نص فيه علي قولين (فمن) أصحابنا من قال القولان إذا لم يبالغ فأما إذا بالغ فيبطل صومه قولا واحدا وهو الصحيح لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ للقيط بن صبرة " إذا استنشقت فأبلغ الوضوء إلا أن تكون صائما " فنهاه عن المبالغة فلو لم يكن وصول الماء في المبالغة يبطل الصوم لم يكن للنهى عن المبالغة معني ولان المبالغة منهى عنها في الصوم وماتولد من سبب منهي عنه فهو كالمباشرة والدليل عليه انه إذا جرح انسانا فمات جعل كأنه باشر قتله (ومن) اصحبنا من قال هي على قولين بالغ أو لم يبالغ (احدهما) يبطل صومه لقوله صلى الله عليه وسلم لمن قبل وهو صائم " أرأيت لو تمضمضت " فشبه القبلة بالمضمضة وإذا قبل فأنزل بطل صومه فكذلك إذا تمضمض فنزل الماء إلى جوفه وجب ان يبطل صومه
(والثانى)
لا يبطل لانه وصل إلى جوفه بغير اختياره فلم يبطل صومه كغبار الطريق وغربلة الدقيق}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ لَقِيطٍ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي فَصْلِ تَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عَلَى الصَّائِمِ وَحَدِيثُ قُبْلَةِ الصَّائِمِ وَتَشْبِيهِهَا بِالْمَضْمَضَةِ بَيَّنَّاهُ قَرِيبًا (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ
رضي الله عنه عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فِي وُضُوئِهِ كَمَا يُسْتَحَبَّانِ لِغَيْرِهِ لَكِنْ تُكْرَهُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا لِمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ فَلَوْ سَبَقَ الْمَاءُ فَحَاصِلُ الْخِلَافِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إذَا وَصَلَ الْمَاءُ مِنْهُمَا جَوْفَهُ أَوْ دِمَاغَهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ إنْ بَالَغَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّانِي) يُفْطِرُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا وَالْخِلَافُ فِيمَنْ هُوَ ذَاكِرٌ لِلصَّوْمِ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ يَبْطُلْ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ غَسَلَ فَمَهُ مِنْ نَجَاسَةٍ فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ فَهُوَ كَسَبْقِهِ فِي الْمَضْمَضَةِ فَلَوْ بَالَغَ هَهُنَا قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمُبَالَغَةُ لِحَاجَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَالْمَضْمَضَةِ بِلَا مُبَالَغَةٍ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمُبَالَغَةِ
لِلنَّجَاسَةِ دُونَ الْمَضْمَضَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَعَيِّنٌ ولو سبق الماء من غسل تبرد أو من الْمَضْمَضَةِ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ بَالَغَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَهُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَأَوْلَى بِإِبْطَالِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَالْمُخْتَارُ فِي الرَّابِعَةِ الْجَزْمُ بِالْإِفْطَارِ لِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَلَوْ جَعَلَ الْمَاءَ فِي فِيهِ لَا لِغَرَضٍ فَسَبَقَ وَنَزَلَ إلَى جَوْفِهِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي (أَحَدُهُمَا) يُفْطِرُ
(وَالثَّانِي)
عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ أَصْبَحَ وَلَمْ يَنْوِ صَوْمًا فتمضمض ولم يبالغ فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ ثُمَّ نَوَى صَوْمَ تَطَوُّعٍ صَحَّ صَوْمُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لاأثر لِمَا سَبَقَ عَلَى الصَّحِيحِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ: إنْ قُلْنَا إنَّ السَّبْقَ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ صَحَّ صَوْمُهُ هَذَا وَإِلَّا فَلَا قَالَ وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هَذَا كَلَامُهُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ نَفِيسَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي فِيهِ أَوْ أَنْفِهِ فَوُجِدَ مِنْهُ عُطَاسٌ أَوْ نَحْوُهُ فَنَزَلَ الْمَاءُ بِذَلِكَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ لَمْ يُفْطِرْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ صَوْمُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فَحُكْمُهُمَا سَوَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ إنْ سَبَقَ الْمَاءُ فِي وُضُوءِ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ كانت نَافِلَةً أَفْطَرَ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ مَأْمُورٌ بِهَا فِي وُضُوءِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ إذَا تَمَضْمَضَ الصَّائِمُ لَزِمَهُ مَجُّ الْمَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَنْشِيفُ فَمِهِ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةً قَالَ وَلِأَنَّهُ لَا يَبْقَى فِي الْفَمِ بَعْدَ الْمَجِّ إلَّا رُطُوبَةٌ لَا تَنْفَصِلُ عَنْ الْمَوْضِعِ إذْ لَوْ انْفَصَلَتْ لَخَرَجَتْ فِي الْمَجِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ فَسَبَقَ الْمَاءُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إنْ بَالَغَ فَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا بُطْلَانُ صَوْمِهِ وَإِلَّا فَلَا وَمِمَّنْ قَالَ بِبُطْلَانِ الصوم مطلقا مالك وأبو حنيفة والمرنى قال الماوردى وهو قول أكثر الفقهاء وقال الحسن البصري وأحمد وإسحق وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يَبْطُلُ مُطْلَقًا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ أَبِي لبلي أَنَّهُ إنْ تَوَضَّأَ لِنَافِلَةٍ بَطَلَ صَوْمُهُ وَإِنْ تَوَضَّأَ لِفَرِيضَةٍ فَلَا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ فِي الْفَرِيضَةِ وَمُخْتَارٌ فِي النَّافِلَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا ضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ سُنَّتَانِ فَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِمَا فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَمَنْدُوبٌ إلَيْهِمَا فِيهِمَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ حُكْمَ الْفِطْرِ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ أَكَلَ وَقَضَى وَلَوْ أَكَلَ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ قَضَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ طَارَتْ ذُبَابَةٌ فَدَخَلَتْ جَوْفَهُ أَوْ وَصَلَ إلَيْهِ غُبَارُ الطَّرِيقِ أَوْ غَرْبَلَةُ الدَّقِيقِ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ لَمْ يُفْطِرْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكَلَّفُ إطْبَاقَ فَمِهِ عِنْدَ الْغُبَارِ وَالْغَرْبَلَةِ لان
فِيهِ حَرَجًا فَلَوْ فَتْحَ فَمَهُ عَمْدًا حَتَّى دخله الغبار ووصل وجهه فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْبَغَوِيّ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْ جِنْسِهِ
(وَالثَّانِي)
يُفْطِرُ لِتَقْصِيرِهِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ السَّابِقِ فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ إذَا كَثُرَ وَفِيمَا إذَا تَعَمَّدَ قَتْلَ قَمْلَةٍ فِي ثَوْبِهِ وَصَلَّى وَنَظَائِرِ ذلك والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* {لشرح} هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَدَلِيلُهَا وَفُرُوعُهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا سَبَقَ بَيَانُهُ كُلِّهِ قَرِيبًا فِي فَصْلٍ يَدْخُلُ فِي الصَّوْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الصَّحِيحَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ آخَرَانِ سَبَقَا هُنَاكَ وَسَبَقَ بَيَانُ حَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه هَذَا الْمَذْكُورُ فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
*
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ الجماع من غير عذر عامدا مُخْتَارًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فأنرل أَوْ اسْتَمْنَى فَأَنْزَلَ أَثِمَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَامِسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى وَهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَهَلْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ وَهِيَ مُدٌّ مِنْ الطَّعَامِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يَلْزَمُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ لَا يَلْزَمُهُ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ لِأَنَّهَا إذَا لَزِمَتْ الْمُرْضِعَ وَالْحَامِلَ وَهُمَا مَعْذُورَتَانِ فَهَذَا أَوْلَى وهذا الوجه حكاه
البندنيجى عن أبى علي بن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا عَلِمَ الساطان أَوْ نَائِبُهُ بِهَذَا عَزَّرَهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* {فَرْعٌ} ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ
* قَالُوا لَوْ رَأَى الصَّائِمُ فِي رَمَضَانَ مُشْرِفًا عَلَى الْغَرَقِ وَنَحْوَهُ ولم يمكنه تخليصه الا بالفظر لِيَتَقَوَّى فَأَفْطَرَ لِذَلِكَ جَازَ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَفِي الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ لُزُومُهَا كَالْمُرْضِعِ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا الْإِمْسَاكُ تَشْبِيهًا بِالصَّائِمِينَ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ كَالْكَفَّارَةِ فَلَا إمْسَاكَ عَلَى مُتَعَدٍّ بِالْفِطْرِ فِي نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ كَمَا لَا كَفَّارَةَ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا ثم
من امسك تشببها فَلَيْسَ هُوَ فِي صَوْمٍ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ إذَا أَفْسَدَ إحْرَامَهُ وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي أَنَّ الْمُحْرِمَ لَوْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَلَوْ ارْتَكَبَ الممسك محظورا فلا شئ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ سِوَى الْإِثْمِ وَقَدْ سَبَقَ بيان هذا في مَسْأَلَةِ الْإِمْسَاكِ إذَا بَانَ يَوْمُ الشَّكِّ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَلَى كُلِّ مُتَعَدٍّ بِالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ سَوَاءٌ أَكَلَ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّوْمِ إذَا قُلْنَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ وَيَجِبُ عَلَى من نسبي النِّيَّةَ مِنْ اللَّيْلِ وَأَمَّا الْمُسَافِرُ إذَا أَقَامَ وَالْمَرِيضُ إذَا بَرَأَ وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ وَالْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إذَا طَهُرَتَا وَالْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ فِي مَعْنَاهُمْ فَسَبَقَ بَيَانُ حُكْمِهِمْ فِي الْإِمْسَاكِ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ مَبْسُوطًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عُدْوَانًا
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ يَوْمٍ بَدَلَهُ وَإِمْسَاكَ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَإِذَا قَضَى يَوْمًا كَفَاهُ عَنْ الصَّوْمِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قال العبدى هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً إلَّا مَنْ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ لِأَنَّ السَّنَةَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَلْزَمُهُ صَوْمُ ثلاثين يوما وقال النخعي يلزمه صوم ثلاثة الاف يوم كذا حكاه عنه ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا وَقَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما لَا يَقْضِيهِ صَوْمُ الدَّهْرِ
* وَاحْتَجَّ لِهَذَا الْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ لَمْ يُجْزِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ لَكِنْ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد (وَأَمَّا) الْكَفَّارَةُ فِيهِ وَالْفِدْيَةُ فمذهبنا انه لا يلزمه شئ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ
أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مالا يُتَغَذَّى بِهِ فِي الْعَادَةِ كَالْعَجِينِ وَبَلْعِ حَصَاةٍ وَنَوَاةٍ وَلُؤْلُؤَةٍ يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ وَكَذَا إنْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ اسْتَمْنَى فلا كفارة وقال الزهري والاوزاعي والثوري واسحق: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ الْعُظْمَى فِي كُلِّ
فِطْرٍ لِمَعْصِيَةٍ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحُكِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ قَالَ ابن المذر وَرَوَيْنَا أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ عَلَيْهِ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَبَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ هُشَيْمٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ أَمَرَ الذى أفطر في فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ " وَفِي رِوَايَةٍ عن هشيم عن ليث ابن أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ (فَجَوَابُهُ) مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى مُرْسَلَةٌ وَالثَّانِيَةَ فِيهَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَالْجَوَابُ الثَّانِي) جَوَابُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ هَذَا اخْتِصَارٌ وَقَعَ مِنْ هُشَيْمٍ فَقَدْ رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ لَيْثٍ عَنْهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هريرة رضى الله عنه مفسرا في قصته الَّذِي وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَكَذَا كُلُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ مُطْلَقًا مِنْ وَجْهٍ فَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُفَسَّرًا بِأَنَّهُ فِي قِصَّةِ الْوَاقِعِ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ وَلَا يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِطْرِ بالاكل شئ هذا كلام البيهقى والله اعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَفْظُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هَلَكْتُ يارسول اللَّهِ قَالَ وَمَا أَهْلَكَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ فَقَالَ هَلْ تَجِدُ مَا تعتق رَقَبَةً قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تصوم شهرين
مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَجِدُ مَا تطعم سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا ثُمَّ جَلَسَ فَأَتَى النبي صلى الله عليه وسلم بعزق فيه تمر فقال تصدق بهذا فقال أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ " وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " أَعَلَى أفقر مني يارسول اللَّهِ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد قَالَ " فَأَتَى بِعِرْقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَفِيهَا قَالَ كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ وَصُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ " وَاسِنَادُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد هَذِهِ جَيِّدٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ رَجُلًا ضَعَّفَهُ وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَمْ يُضَعِّفْ أَبُو دَاوُد هَذِهِ الرِّوَايَةَ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ حَقُّ مَالٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْغُسْلِ وَالْحَدِّ (وَقَوْلُهُ) يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ احْتِرَازٌ مِنْ غَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَالزَّكَاةِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَهْرِ وَمِنْ لُحُوقِ النَّسَبِ وَحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ في وطئ الشُّبْهَةِ فَإِنَّ الشُّبْهَةَ تُعْتَبَرُ فِي الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ عَلَى الصَّحِيحِ (وَقَوْلُهُ) تَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ احْتِرَازٌ مِنْ الدِّيَةِ وَمِنْ قَتْلِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الرجل دون المرأة (أما) احكام الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا أَفْطَرَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يَجِبُ
(وَالثَّانِي)
ذَكَرَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) وُجُوبُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجِبُ وَتَنْدَرِجُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لَمْ يَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَ وَحَكَى بَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ هَذَا الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ وَوَجْهًا وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَوْمَأَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ إلَى قَوْلَيْنِ سَوَاءٌ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ أَمْ بِغَيْرِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمَرْأَةَ يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ إذَا لم نوجب عليها كفارة وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْجِمَاعِ بِلَا خِلَافٍ وَهِيَ عَلَى الرَّجُلِ فَأَمَّا الزَّوْجَةُ الْمَوْطُوءَةُ فَإِنْ كَانَتْ مُفْطِرَةً بِحَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ صَائِمَةً وَلَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهَا لِكَوْنِهَا نَائِمَةً مَثَلًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ صَائِمَةً فَمَكَّنَتْهُ طَائِعَةً فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ يَلْزَمُهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى فِي مَالِهَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهَا بَلْ يَخْتَصُّ الزَّوْجُ بِهَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ فَعَلَى هَذَا هل الكفارة التي تلزم الزوح عَنْهُ خَاصَّةً أَمْ عَنْهُ وَعَنْهَا وَيَتَحَمَّلُهَا هُوَ عَنْهَا فِيهِ قَوْلَانِ مُسْتَنْبَطَانِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَرُبَّمَا قِيلَ مَنْصُوصَانِ وَرُبَّمَا قِيلَ وَجْهَانِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَجْمَعُ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ وَيَقُولُ فِي الْكَفَّارَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) تَجِبُ
عَلَى الزَّوْجِ خَاصَّةً
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ عَلَيْهِ عنه وَعَنْهَا (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ وَالْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ وُجُوبُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَيْهِ خاصة عن نفسه فقط وانه لا شئ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَا يُلَاقِيهَا الْوُجُوبُ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ (وَالرَّابِعُ) يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ فِي مَالِهِ كَفَّارَتَانِ كفارة
عنه وكفارة عنها * قال المصنف رحمه الله تعالي
* {والكفارة عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا والدليل عليه ماروى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " أمر الذى وقع على امرأته في يوم من شهر رمضان أن يعتق رقبة قال لاأجد قال صم شهرين متتابعين قال لا أستطيع قال أطعم ستين مسكينا قال لا أجد فَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعِرْقٍ من تمر فيه خمسة عشر صاعا قال خذه وتصدق به قال علي أفقر من أهلى والله مابين لابتى المدينة أحوج من اهلي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بدت نواجذه قال خذه واستغفر الله تعالى واطعم أهلك "(فان قلنا) يجب عليه دونها اُعْتُبِرَ حَالُهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَعْتَقَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ صَامَ وان كان من اهل الاطعام اطعم (وان قلنا) يجب علي كل واحد منهما كفارة اُعْتُبِرَ حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ فَمَنْ كان من اهل العتق اعتق ومن كام مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ صَامَ وَمَنْ كَانَ مِنْ اهل الاطعام اطعم كرجلين افطرا بالجماع (فان قلنا) يجب عليه كفارة عنه وعنها اعتبر حالهما فان كانا من أهل العتق اعتق وان كانا من اهل الاطعام اطعم وان كانا من اهل الصيام وجب على كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِأَنَّ الصوم لا يتحمل وان اختلف حالهما نظرت فان كان الرجل مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ اعتق رقبة ويجزئ عنهما لان من فرضه الصوم إذا أعتق اجزأه وكان ذلك افضل من الصوم وان كان من اهل الصوم وهي من اهل الاطعام لزمه ان يصوم شهرين ويطعم عنها ستين مسكينا لان النيابة تصح في الاطعام وانما اوجبنا كفارتين لان الكفارة لاتتبعض فوجب تكميل نصف كل واحد منهما وان كان الرجل من من اهل الصوم وهى من اهل العتق صام عن نفسه شهرين واعتق عنها رقبة وان كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصوم اطعم عن نفسه ولم يصم عنها لان الصوم لا تدخله النيابة وان كانت المرأة أَمَةً وَقُلْنَا
إنَّ الْأَمَةَ لَا تَمْلِكُ الْمَالَ فَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا عتق فان قلنا انها تملك المال اجزأ عنها العتق كالحرة المعسرة وان قدم الرجل من السفر وهو مفطر وهي صائمة فقالت انا مفطرة فوطئها فان قلنا ان الكفارة عليه لم يلزمه ولم يلزمها وان قلنا ان الكفارة عنه وعنها وجب عليها الكفارة في مالها لانها غرته بقولها انى مفطرة وان اخبرته بصومها فوطئها وهي مطاوعة فان قلنا ان الكفارة عنه دونها لم يجب عليه شئ (وان قلنا) ان الكفارة عَنْهُ وَعَنْهَا لَزِمَهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ وَإِنْ كانت من أهل الصيام لزمها أو تصوم وان وطئ المجنون زوجته وهي صائمة مختارة (فان قلنا) ان الكفارة عنه دونها لم تجب (وان قلنا) تجب عنه وعنها فهل يتحمل الزوج فيه وجهان
(فال) أبو العباس لا يتحمل لانه لا فعل له (وقال) أبو اسحق يتحمل لانها وجبت بوطئه والوطئ كَالْجِنَايَةِ وَجِنَايَةُ الْمَجْنُونِ مَضْمُونَةٌ فِي مَالِهِ وَإِنْ كان الزوج نائما فاستدخلت المرأة ذكره (فان قلنا) الكفارة عنه دونها فلا شئ عليه (وان قلنا) عنهما لم يلزمه كفارة لانه لم يفطر ويجب عليها ان تكفر ولا يتحمل الزوج لانه لم يكن من جهته فعل وان زني بها في رمضان (فان قلنا) ان الكفارة عنه دونها وجبت عليه كفارة (وان قلنا) عنه وعنها وجب عليها كفارتان ولا يتحمل الرجل كفارتها لان الكفارة انما تتحمل بالملك ولا ملك ههنا}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (وَأَمَّا) الْكَفَّارَةُ فَأَصْلُهَا مِنْ الْكَفْرِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَهُوَ السِّتْرُ لِأَنَّهَا تَسْتُرُ الذَّنْبَ وَتُذْهِبُهُ هَذَا أَصْلُهَا ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا وُجِدَ فِيهِ صُورَةٌ مُخَالِفَةٌ أَوْ انْتِهَاكٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إثْمٌ كَالْقَاتِلِ خَطَأً وَغَيْرِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ إنَّمَا قيل لمن اعتق نسمة اعتق رَقَبَةً وَفَكَّ رَقَبَةً فَخُصَّتْ الرَّقَبَةُ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ حُكْمَ السَّيِّدِ وَمِلْكَهُ كَالْحَبْلِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَكَالْغُلِّ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْهُ فَإِذَا أُعْتِقَ فَكَأَنَّهُ أُطْلِقَ مِنْ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي تَهْذِيبُ الْعِتْقِ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) فِي الْكِتَابِ بِعَرَقِ تَمْرٍ هو بفتح العين والراء ويقال أيضا باسكاء الرَّاءِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فَتْحُهَا وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْمِكْتَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ والزنبيل بكسر الزاى والزنبيل بفتحها والفقة وَالسَّفِيفَةُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَاءٍ مُكَرَّرَةٍ
وَكُلُّهُ اسْمٌ لِهَذَا الْوِعَاءِ الْمَعْرُوفِ لَيْسَ لِسِعَتِهِ قَدْرٌ مَضْبُوطٌ بَلْ قَدْ يَصْغُرُ وَيَكْبُرُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي داود " فيه خمسة عشر صاعا "(وقوله) مابين لابتي المدينة يعني حريتها وَالْحَرَّةُ هِيَ الْأَرْضُ الْمُكَبَّسَةُ حِجَارَةً سَوْدَاءَ وَيُقَالُ لَهَا لَابَةٌ وَلُوبَةٌ وَنَوْبَةٌ بِالنُّونِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي التَّهْذِيبِ (وَقَوْلُهُ) حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ نَوَاجِذُهُ وَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالنَّوَاجِذُ هِيَ الْأَنْيَابُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ مُتَعَيِّنُ هُنَا جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَيُقَالُ هِيَ الْأَضْرَاسُ وَهِيَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَقُلْنَا إنَّ الْأَمَةَ لَا تَمْلِكُ الْمَالَ فَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا الْعِتْقُ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّهَا تَمْلِكُ أَجْزَأَ عَنْهَا الْعِتْقُ هَكَذَا يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا الْعِتْقُ وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَلَا يَجِبُ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَيَجِبُ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه الْمَذْكُورِ وَصِفَةُ هَذِهِ الرَّقَبَةِ وَبَيَانُ الْعَجْزِ عَنْهَا الْمُجَوِّزُ لِلِانْتِقَالِ إلَى الصَّوْمِ وَالْعَجْزُ عَنْ الصَّوْمِ الْمُجَوِّزُ لِلِانْتِقَالِ إلي
الاطعام وبيان التتابع وما يَقْطَعُهُ وَالْإِطْعَامُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ كُلِّهِ مُسْتَقْصَى فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ عَقِبَ كِتَابِ الظِّهَارِ وَقَدْ سَبَقَ فِيمَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الرَّجُلِ عَنْ نفسه فقط ولا شئ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَا يُلَاقِيهَا الْوُجُوبُ (وَالثَّانِي) تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ عَنْهُ وَعَنْهَا وَهِيَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَعَلَيْهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَوَّلِ اُعْتُبِرَ حَالُهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَعْتَقَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ صَامَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ أَطْعَمَ وَلَا نظر الي المرأة لانه لا يعتلق بِهَا وُجُوبٌ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ اُعْتُبِرَ حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَعْتَقَ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ صَامَ وَمَنْ كَانَ مِنْ اهل الاطعام اطعم ولا يلزم واحد مِنْهُمَا مُوَافَقَةُ صَاحِبِهِ إذَا اخْتَلَفَتْ صِفَتُهُمَا بَلْ هُمَا كَرَجُلَيْنِ أَفْطَرَا بِالْجِمَاعِ فَيُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْهُ وَعَنْهَا فَهَذَا مَحَلُّ التَّفْصِيلِ وَالتَّفْرِيعِ الطَّوِيلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَدْ
يَتَّفِقُ حَالُهُمَا وَقَدْ يَخْتَلِفُ فَإِنْ اتَّفَقَ نُظِرَ إنْ كَانَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَعْتَقَ الرَّجُلُ رَقَبَةً عَنْهُمَا وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا عَنْهُمَا وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ بِأَنْ كَانَا مَمْلُوكَيْنِ أَوْ حُرَّيْنِ مُعْسِرَيْنِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْبَدَنِيَّةَ لَا تُتَحَمَّلُ (وَأَمَّا) إذَا اخْتَلَفَ حالهما فقد يكون أعلا حَالًا مِنْهَا وَقَدْ يَكُونُ أَدْنَى فَإِنْ كَانَ أعلا نُظِرَ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ أَوْ الْإِطْعَامِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ يُجْزِئُ الاعتقاد عنهما لان من فرضه الصوم أو الْإِطْعَامُ إذَا تَكَلَّفَ الْعِتْقَ أَجْزَأَهُ وَقَدْ زَادَ خيرا وهو افضل كذا قاله الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا: إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ أَمَةً فَعَلَيْهَا الصَّوْمُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يُجْزِئُ عَنْهَا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْوَلَاءَ وَلَيْسَتْ مِنْ اهله هكذا اطلقه الاصحاب وقال المصنف هنا لَا يُجْزِئُ عَنْهَا الْعِتْقُ إلَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْعَبْدَ يُمْلَكُ بِالتَّمْلِيكِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَنْهَا كَالْحُرَّةِ الْمَعْسَرَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَرِيبٌ وَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْعِتْقُ عَنْ الْأَمَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَقَالَ لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْعَبْدِ سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْوَلَاءَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقِينَ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يُجْزِئُ الْإِعْتَاقُ عَنْ الْمَرْأَةِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهَا الصَّوْمُ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِهِ وَفِيمَنْ يَلْزَمُهُ الْإِطْعَامُ عَنْهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهَا لِأَنَّ الزَّوْجَ أَخْرَجَ وَظِيفَتَهُ وَهِيَ الْعِتْقُ (وَأَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُ الزَّوْجَ فَإِنْ عَجَزَ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَعْدُودَةٌ مِنْ مؤن
الزَّوْجَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الزَّوْجِ (أَمَّا) إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ فَإِنْ تَكَلَّفَ الْإِعْتَاقَ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً أَجْزَأَتْ عَنْهُمَا جَمِيعًا (فَأَمَّا) إنْ أَرَادَ الصِّيَامَ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ عَنْ نَفْسِهِ وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا أَنْ يُطْعِمَ عَنْهَا قَالُوا لِأَنَّ النِّيَابَةَ تَصِحُّ فِيهِمَا قَالُوا وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا كَفَّارَتَيْنِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فَوَجَبَ تَكْمِيلُ كُلِّ نِصْفٍ مِنْهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ فِي إجْزَاءِ الْإِعْتَاقِ عَنْهُمَا عَنْ الصِّيَامِ أَنْ يُجْزِئَ هُنَا الصِّيَامُ عَنْ الْإِطْعَامِ هَذَا كُلُّهُ
إذَا كَانَ الزَّوْجُ أعلا حَالًا مِنْهَا فَإِنْ كَانَ أَدْنَى نُظِرَ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ أَطْعَمَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَزِمَهَا الصِّيَامُ عَنْ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ لَا نِيَابَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ أَوْ الْإِطْعَامِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ صَامَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ أَطْعَمَ ولزمه الاعتاق عنها إذا قدر والله تعالى أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَجْنُونًا فَوَطِئَهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ مُخْتَارَةً (فَإِنْ قُلْنَا) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ لَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهَا (وَإِنْ قلنا) تجب كفارة عنه دونها فلا شىء عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا (وَإِنْ قُلْنَا) تَجِبُ كَفَّارَةٌ عَنْهُ وَعَنْهَا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهَا وَلَا يَتَحَمَّلُهَا الزَّوْجُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ كَمَا لَا تَلْزَمُهُ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَبِهِ قَطَعَ البندنيجي
(والثانى)
قاله أبو اسحق تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ عَنْهَا لِأَنَّ ماله صالح للتحمل ولانها وجبت بوطئه والوطئ كَالْجِنَايَةِ وَجِنَايَةُ الْمَجْنُونِ مَضْمُونَةٌ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مُرَاهِقًا فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ كَالْبَالِغِ تَخْرِيجًا مِنْ قَوْلِنَا عَمْدُهُ عَمْدٌ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ نَائِمًا فَاسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ فَكَالْمَجْنُونِ وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ بِأَنَّا إذَا قُلْنَا الْكَفَّارَةُ عَنْهُ وَعَنْهَا وَجَبَتْ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِدْخَالِ فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِلزَّوْجِ وَاَللَّهُ تعالي أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُسَافِرًا صَائِمًا وَهِيَ حَاضِرَةً صَائِمَةً فَإِنْ أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّرَخُّصَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ خُرَاسَانَ (أَصَحُّهُمَا) لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ فَصَارَ كَقَاصِدِ التَّرَخُّصِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا حُكْمُ الْمَرِيضِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ إذَا أَصْبَحَ صَائِمًا فَجَامَعَ وَكَذَا الصَّحِيحُ إذَا مَرِضَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ ثُمَّ جَامَعَ فَحَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عليه فهو كغيره فيجئ فِي الْكَفَّارَةِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ وَحُكْمُ التَّحَمُّلِ مَا سَبَقَ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا كَفَّارَةَ فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ مُفْطِرًا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا مُفْطِرَةٌ وَكَانَتْ صَائِمَةً فَوَطِئَهَا (فَإِنْ قلنا) الكفارة عنه فقط فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا (وَإِنْ
قُلْنَا) عَنْهُ وَعَنْهَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا فِي مَالِهَا لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ هَكَذَا قَالُوهُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ
يَكُونَ هَذَا تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِنَا الْمَجْنُونُ لَا يَتَحَمَّلُ وَإِلَّا فَلَيْسَ الْعُذْرُ هُنَا بِأَوْضَحَ مِنْهُ فِي الْمَجْنُونِ
* قُلْتُ الْفَرْقُ أَنَّهُ لَا تَغْرِيرَ مِنْهَا فِي صُورَةِ المجنون (أما) ادا قَدِمَ الْمُسَافِرُ مُفْطِرًا فَأَخْبَرَتْهُ بِصَوْمِهَا فَوَطِئَهَا مُطَاوِعَةً (فان قلنا) الكفارة عنه فقط فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا (وَإِنْ قُلْنَا) عَنْهُ وَعَنْهَا لَزِمَهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ لَزِمَهَا الصِّيَامُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فرع} إذا أكرهها علي الوطئ وَهُمَا صَائِمَانِ فِي الْحَضَرِ فَلَهُمَا حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَقْهَرَهَا بِرَبْطِهَا أَوْ بِغَيْرِهِ وَيَطَأَ فَلَا تُفْطِرُ هِيَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ عَنْهُ قَطْعًا (وَالثَّانِي) أَنْ يُكْرِهَهَا حَتَّى تُمَكِّنَهُ فَفِي فِطْرِهَا قَوْلَانِ سَبَقَا (أَصَحُّهُمَا) لَا تُفْطِرُ فَيَكُونُ كَالْحَالِ الْأَوَّلِ (وَالثَّانِي) تُفْطِرُ وَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ وَحْدُهُ قَطْعًا
* {فَرْعٌ} هَذَا الَّذِي سَبَقَ كُلُّهُ فِيمَا إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ فَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِوُجُوبِ كَفَّارَتَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ وَلَا زَوْجِيَّةَ هُنَا (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا الْكَفَّارَةُ عَنْهُ خَاصَّةً فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَلَا شئ عليها (وان قلنا) عنه وعنها فعليها في مالها كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* {الشَّرْحُ} اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ أَيَّامٍ وَجَبَ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ سَوَاءٌ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ أَمْ لَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِخِلَافِ مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ تطيب في الاحترام قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ الْيَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَإِنْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَلَا شئ عَنْ الثَّانِي بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ
* {فَرْعٌ} قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُعَايَاةِ فِيمَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ ثَلَاثَةُ
أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ دُونَهَا (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ عَنْهُمَا (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ وَيَتَحَمَّلُ الزَّوْجُ مَا دَخَلَهُ التَّحَمُّلُ وَهُوَ الْعِتْقُ وَالْإِطْعَامُ قَالَ فَإِذَا وَطِئَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ فِي يوم واحد
لَزِمَهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَفَّارَةٌ فَقَطْ عَنْ الوطئ الاول ولا يلزمه شئ لباقي الوطآت وعلي الثاني يَلْزَمُهُ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ كَفَّارَةٌ عَنْ وَطْئَتِهِ الْأُولَى عَنْهُ وَعَنْهَا وَثَلَاثٌ عَنْ الْبَاقِيَاتِ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ يُوجِدُ التَّحَمُّلَ وَعَلَى الثَّالِثِ يَلْزَمُهُ خَمْسُ كَفَّارَاتٍ كَفَّارَتَانِ عَنْهُ وَعَنْ الْأُولَى بِوَطْئِهَا وَثَلَاثٌ عَنْ الْبَاقِيَاتِ قَالَ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَتَانِ مُسْلِمَةٌ وَكِتَابِيَّةٌ فَوَطِئَهُمَا فِي يَوْمٍ لَزِمَهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِكُلِّ حَالٍ (وَأَمَّا) عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَإِنْ قدم وطئ الْمُسْلِمَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَإِلَّا فَكَفَّارَتَانِ وَعَلَى الثَّالِثِ يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ إنْ قَدَّمَ المسلمة لزمه كفارتان عنه وعنها ولا شئ بِسَبَبِ الْكِتَابِيَّةِ وَإِنْ قَدَّمَ الْكِتَابِيَّةَ لَزِمَهُ لِنَفْسِهِ كَفَّارَةٌ ثُمَّ أُخْرَى عَنْ الْمُسْلِمَةِ هَذَا كَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ وَفِي بَعْضِهِ نَظَرٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا وَطِئَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ فِي يَوْمٍ (فَإِنْ قُلْنَا) الْكَفَّارَةُ عَنْهُنَّ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ وَإِلَّا فَكَفَّارَةٌ وَذَكَرَ فِي الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ نَحْوَ قَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ كَرَّرَ جِمَاعَ زَوْجَتِهِ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً بِالْجِمَاعِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَقَالَ أَحْمَدُ ان كان الوطئ الثَّانِي قَبْلَ تَكْفِيرِهِ عَنْ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ اخرى لانه وطئ مُحَرَّمٌ فَأَشْبَهَ الْأَوَّلَ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ صَوْمًا مُنْعَقِدًا بِخِلَافِ الْجِمَاعِ الْأَوَّلِ
* {فَرْعٌ} فِي مذاهبهم في من وَطِئَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ سَوَاءٌ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَطِئَ فِي الثَّانِي قَبْلَ تَكْفِيرِهِ عَنْ الْأَوَّلِ كَفَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ قَالَ وَلَوْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَيْنِ ففى رواية عنه هو كَرَمَضَانَ وَاحِدٍ وَفِي رِوَايَةٍ تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ وَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ عَنْهُ وَقَاسَهُ عَلَى الْحُدُودِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ فَلَمْ تَتَدَاخَلْ بِخِلَافِ الحدود المبنية علي الدرء والاسقاط
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَزِمَهُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنْ صَامَهُ وَجَامَعَ فِيهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَبَقَ إيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي أَوَائِلِ الْبَابِ وَلَوْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لَزِمَهُ الفطر كما سبق ولا شئ عَلَيْهِ بِالْجِمَاعِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ والله اعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وإن طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ مَعَ الْعِلْمِ بالفجر وجبت عليه الكفارة لانه منع صوم يوم من رمضان بجماع من غير عذر فوجبت عليه الكفارة كما لو وطئ في أثناء النهار وان جامع وعنده أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَكَانَ قَدْ طَلَعَ أو أن الشمس قد غربت ولم تكن غربت لم تجب عليه الكفارة لانه جامع وهو يعتقد انه يحل له ذلك وكفارة الصوم عقوبة تجب مع المأثم فلا تجب مع اعتقاد الاباحة كالحد وإن أكل ناسيا فظن أنه أفطر بذلك ثم جامع عامدا فالمنصوص في الصيام انه لا تجب الكفارة لانه وطئ وهو يعتقد انه غير صائم فأشبه إذا وطئ وعنده انه ليل ثم بان انه نهار وقال شيخنا القاضى أبو الطيب الطبري رحمه الله يحتمل عندي انه تجب عليه الكفارة لان الذى ظنه لا يبيح الوطئ بخلاف مالو جامع وظن أن الشمس غربت لان الذى ظن هناك يببح له الوطئ فان أفطر بالجماع وهو مريض أو مسافر لم تجب الكفارة لانه يحل له الفطر فلا تجب الكفارة مع اباحة الفطر وان أصبح المقيم صائما ثم سافر وجامع وجبت عليه الكفارة لان السفر لا يبيح له الفطر في هذا اليوم فكان وجوده كعدمه وإن أصبح الصحيح صائما ثم مرض وجامع لم تجب الكفارة لان المريض يباح له الفطر في هذا اليوم وإن جامع ثم سافر لم تسقط عنه الكفارة لان السفر لا يبيح له الفطر في يومه فلا يسقط عنه ما وجب فيه من الكفارة وإن جامع ثم مرض أو جن ففيه قولان (احدهما) لا تسقط عنه الكفارة لانه معني طرأ بعد وجوب الكفارة فلا يسقط الكفارة كالسفر
(والثانى) انه تسقط لان اليوم يرتبط بعضه ببعض فإذا خرج آخره عن ان يكون الصوم فيه مستحقا خرج أوله عن ان يكون صوما أو يكون الصوم فيه مستحقا فيكون جماعه في يوم فطر أو في يوم صوم غير مستحق فلا تجب به الكفارة}
* {الشَّرْحُ} فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ مَعَ الْعِلْمِ بِالْفَجْرِ بَطَلَ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وُجُوبُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي وُجُوبِهَا قَوْلَيْنِ (الْمَنْصُوصُ) وُجُوبُهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي) لَا تَجِبُ وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ بِهَذَا الْجِمَاعِ صَوْمًا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ هُنَا عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ مَنَعَ انْعِقَادَ الصَّوْمِ لَا لِإِفْسَادِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ قَالَ وَمَنْ قَالَ انْعَقَدَ صَوْمُهُ ثُمَّ فَسَدَ فَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ هُنَا عَلَى وُجُوبِ الكفارة
بِالِاسْتِدَامَةِ وَنَصَّ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَوَطِئَهَا وَاسْتَدَامَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَهْرٌ بِالِاسْتِدَامَةِ قَالُوا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِمَا فَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ وَخَرَّجَ فَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَالْمَهْرُ كَمَا لَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ أَوَّلَ الْفِعْلِ كَانَ مُبَاحًا وَقَالَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَسْأَلَتَانِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْمَهْرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِعْلِ هُنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ كَفَّارَةٌ فوجبت الكفارة باستدامته لئلا يخلوا جِمَاعٌ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا عَنْ كَفَّارَةٍ وأما المهر فلا يجب لان أول الوطئ تَعَلَّقَ بِهِ الْمَهْرُ لِأَنَّ مَهْرَ النِّكَاحِ يُقَابِلُ جميع الوطئات فَلَمْ يَجِبْ بِاسْتِدَامَتِهِ مَهْرٌ آخَرُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى إيجَابِ مَهْرَيْنِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ بِوَطْأَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَقَوْلُنَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ احْتِرَازٌ مِمَّنْ وَطِئَ زَوْجَةَ أَبِيهِ أَوْ ابْنَهُ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجِهَا وَيَلْزَمُ الْوَاطِئَ مَهْرَانِ بالوطئة الْوَاحِدَةِ مَهْرٌ لِلزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ بُضْعِهَا بِشُبْهَةٍ وَمَهْرٌ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ نِكَاحَهُ والله أعلم
* {فرع} لو أحرم بالحج مجامعا ففيه ثلاث أَوْجُهٍ سَأُوَضِّحُهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(أَصَحُّهَا) لَا يَنْعَقِدُ حَجُّهُ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ صَوْمُهُ وَلَا صَلَاةُ مَنْ أَحْرَمَ بِهَا مَعَ خُرُوجِ الْحَدَثِ
(وَالثَّانِي)
يَنْعَقِدُ حَجُّهُ صَحِيحًا فَإِنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ صَحَّ حَجُّهُ ولا شئ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَسَدَ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ وَالْقَضَاءُ وَالْبَدَنَةُ (وَالثَّالِثُ) يَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْمُضِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ مَكَثَ أَوْ نَزَعَ فِي الْحَالِ وَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ إنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ فَإِنْ مَكَثَ وَجَبَتْ شَاةٌ فِي الْأَصَحِّ وَفِي قَوْلِ بَدَنَةٌ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّوْمِ أَنَّ الصَّوْمَ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْإِفْسَادِ فَلَا يَصِحُّ دُخُولُهُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ الْمُفْسِدِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْبَابِ بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ يَخْرُجُ مِنْ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَجِّ بِالْإِفْسَادِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ جَامَعَ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ أَوْ أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ فَبَانَ غَلَطُهُ فَلَا كَفَّارَةَ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إلَّا إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى النَّاسِي بِالْجِمَاعِ يَقُولُ بِمِثْلِهِ هُنَا لِتَقْصِيرِهِ فِي الْبَحْثِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَوْلُهُمْ فِيمَنْ ظَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ لَا كَفَّارَةَ تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ الْفِطْرِ بِظَنِّ ذَلِكَ فَإِنْ مَنَعْنَاهُ بِالظَّنِّ فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ جِمَاعٌ مُحَرَّمٌ صَادَفَ الصَّوْمَ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِذَلِكَ لِجَهْلِهِ بِالْحُكْمِ ثُمَّ جَامَعَ فَهَلْ يَبْطُلُ صَوْمُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ نَاسِيًا ثُمَّ تَكَلَّمَ عَامِدًا فَإِنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ تَبْطُلُ كَمَا لَوْ جَامَعَ أَوْ أَكَلَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَبَانَ طَالِعًا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُفْطِرُ فَلَا كَفَّارَةَ (وَإِنْ قُلْنَا) يُفْطِرُ فَلَا كَفَّارَةَ أَيْضًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ
نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ الْأُمِّ وَفِيهِ الِاحْتِمَالُ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَذَكَرَ دَلِيلَهُمَا أَمَّا إذَا أَكَلَ نَاسِيًا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهِ ثُمَّ جَامَعَ فِي يَوْمِهِ فَيُفْطِرُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَظَنَّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ فَمَكَثَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ هَتْكَ حُرْمَةِ الصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَكَذَا لَوْ قَبَّلَ وَلَمْ يُنْزِلْ أَوْ اغْتَابَ إنْسَانًا فَاعْتَقَدَ أَنَّهُ قَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ فَجَامَعَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قَبَّلَ ثُمَّ جَامَعَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ إلَّا أَنْ يُفْتِيَهُ فَقِيهٌ أَوْ يَتَأَوَّلَ خَبَرًا فِي ذَلِكَ وَقَالَ فِي الَّذِي اغْتَابَ ثُمَّ جَامَعَ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَفْتَى أَوْ
تَأَوَّلَ خَبَرًا
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ إفْسَادَ صَوْمٍ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ فَإِنْ قَصَدَ بِالْجِمَاعِ التَّرَخُّصَ فَلَا كَفَّارَةَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ لَا كَفَّارَةَ أَيْضًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الْخَامِسَةُ) إذَا أَصْبَحَ الْمُقِيمُ صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ وَجَامَعَ فِي يَوْمِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَإِذَا جَامَعَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً فِي فَصْلِ صَوْمِ الْمُسَافِرِ (السَّادِسَةُ) إذَا أَصْبَحَ الصَّحِيحُ صَائِمًا ثُمَّ مَرِضَ فَجَامَعَ فَلَا كَفَّارَةَ إنْ قَصَدَ التَّرَخُّصَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا (السَّابِعَةُ) لَوْ أَفْسَدَ الْمُقِيمُ صَوْمَهُ بِجِمَاعٍ ثُمَّ سَافَرَ فِي يَوْمِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ كطرآن الْمَرَضِ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَوْ أَفْسَدَ الصَّحِيحُ صَوْمَهُ بِالْجِمَاعِ ثُمَّ مَرِضَ فِي يَوْمِهِ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ وبه قطع لبغوى (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَسْقُطُ (وَالثَّانِي) تَسْقُطُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الكتاب ولو أفسده بِجِمَاعٍ ثُمَّ طَرَأَ جُنُونٌ أَوْ حَيْضٌ أَوْ مَوْتٌ فِي يَوْمِهِ فَقَوْلَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحَّهُمَا) السُّقُوطُ لِأَنَّ يَوْمَهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلصَّوْمِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ وَصُورَةُ الْحَيْضِ مُفَرَّعَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُفْطِرَةَ بِالْجِمَاعِ يَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْجِمَاعِ فِي يَوْمِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ
* هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَمِمَّنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بِطَرَآنِ الْجُنُونِ وَالْمَرَضِ وَالْحَيْضِ مَالِكٌ وابن ابى ليلي واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ تَسْقُطُ وَأَسْقَطَهَا زَفَرُ بِالْحَيْضِ وَالْجُنُونِ دُونَ الْمَرَضِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالسَّفَرِ إلَّا ابن الماجشون المالكي فاسقطها به * قال المصنف رحمه الله تعالي
* {ووطئ المرأة في الدبر واللواط كالوطئ في الفرج في جميع ما ذكرناه من افساد الصوم ووجوب
القضاء والكفارة لان الجميع وطئ ولان الجميع في ايجاب الحد فكذلك في إفساد الصوم وايجاب الكفارة (وأما) إتيان البهيمة ففيه وجهان (من) أصحابنا من قال ينبنى ذلك علي وجوب الحد (فان قلنا) يجب فيه الحد أفسد الصوم وأوجب الكفارة كالجماع في الفرج (وإن قلنا) يجب فيه التعزير
لم يفسد الصوم ولم تجب به الكفارة لانه كالوطئ فيما دون الفرج في التعزير فكان مثله في إفساد الصوم وإيجاب الكفارة ومن أصحابنا من قال يفسد الصوم وتجب الكفارة قولا واحدا لانه وطئ يوجب الغسل فجاز أن يتعلق به افساد الصوم وإيجاب الكفارة كوطئ المرأة}
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ طَرِيقَانِ فَعَبَّرَ بِالْوَجْهَيْنِ عَنْ الطَّرِيقَيْنِ مَجَازًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حِكَايَةٌ لِلْمَذْهَبِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مِثْلِ هَذَا الْمَجَازِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ علي أن وطئ الْمَرْأَةِ فِي الدُّبُرِ وَاللِّوَاطَ بِصَبِيٍّ أَوْ رَجُلٍ كوطئ الْمَرْأَةِ فِي الْقُبُلِ فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ مِنْ إفْسَادِ الصَّوْمِ وَوُجُوبِ إمْسَاكِ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا بَاطِلًا فِي الْإِتْيَانِ فِي الدُّبُرِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَهَذَا غَلَطٌ (وَأَمَّا) إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ فِي دُبُرِهَا أَوْ قُبُلِهَا فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى إيجَابِ الْحَدِّ بِهِ إنْ أَوْجَبْنَاهُ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا حَكَاهُ الدارمي عن أبى علي ابن خيران وأبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ لِأَنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ لَيْسَ مُرْتَبِطًا بِالْحَدِّ وَلِهَذَا يَجِبُ في وطئ الزَّوْجَةِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْحَدِّ
* وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْزَلَ أَمْ لَا إلَّا أَنَّهُ إذَا قُلْنَا فِي إتْيَانِ الْبَهِيمَةِ لَا كَفَّارَةَ لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا إنْ لَمْ يُنْزِلْ فَإِنْ أَنْزَلَ أَفْسَدَ كَمَا لو قبل فانزل
* {فرع} الوطئ بِزِنًا أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ ووطئ أَمَتِهِ وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهِ وَالْكَافِرَةِ وَسَائِرِ النِّسَاءِ سَوَاءٌ فِي إفْسَادِ الصَّوْمِ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَإِمْسَاكِ بقية النهار وهذا الاخلاف فِيهِ
* {فَرْعٌ} إذَا أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِمْنَاءِ وَالْمُبَاشَرَاتِ الْمُفْضِيَاتِ إلَى الْإِنْزَالِ فَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْجِمَاعِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا عَنْ أَبِي خَلَفٍ الطَّبَرِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ تَلَامِذَةِ الْقَفَّالِ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِكُلِّ مَا يَأْثَمُ بِالْإِفْطَارِ بِهِ وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَفَّارَةٌ فَوْقَ كَفَّارَةِ المرضع ودون كفارة المجامع وهذان الوجهان
علط وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ رَوَى عَنْ الشَّافِعِيِّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا اسْتَمْنَى مُتَعَمِّدًا بَطَلَ صَوْمُهُ وَلَا كَفَّارَةَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَلَوْ حَكَّ ذَكَرَهُ لِعَارِضٍ وَلَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِمْنَاءَ فَأَنْزَلَ فَلَا كَفَّارَةَ وَفِي بُطْلَانِ الصَّوْمِ وَجْهَانِ قُلْتُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ كَالْمَضْمَضَةِ بِلَا مُبَالَغَةٍ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا فِي الدُّبْرِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أبو حنيفة عليه القضاء وفى الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ (أَشْهَرُهُمَا) عَنْهُ لَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ وَالتَّحْلِيلُ فَأَشْبَهَ الوطئ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ جِمَاعٌ أَثِمَ بِهِ لِسَبَبِ الصَّوْمِ فَوَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ كَالْقَتْلِ قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا كَفَّارَةَ فِي إتْيَانِ الْبَهِيمَةِ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي المباشرة فيما دون الفرج
* قد ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا سَوَاءٌ فَسَدَ صَوْمُهُ بِالْإِنْزَالِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ دَاوُد كُلُّ إنْزَالٍ تجب به الكفارة حتى الاستمناء الا إذَا كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ فَلَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ المبارك واسحق وقال أحمد يجب بالوطئ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ الْكَفَّارَةُ وَفِي الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ رِوَايَتَانِ
* وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَأَشْبَهَ الْجِمَاعَ فِي الْفَرْجِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْ فِي الْفَرْجِ فَأَشْبَهَ الرِّدَّةَ فَإِنَّهَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ وَلَا كَفَّارَةَ وَمَا قَالَهُ الْآخَرُونَ يُنْتَقَضُ بِالرِّدَّةِ
* {فَرْعٌ} قَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الضَّابِطُ في وجوب الكفارة بالجماع أنها تَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ وَفِي هَذَا الضَّابِطِ قُيُودٌ (أَحَدُهَا) الْإِفْسَادُ فَمَنْ جَامَعَ نَاسِيًا لَا يُفْطِرُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ وَقِيلَ فِي فِطْرِهِ قَوْلَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يُفْطِرُ فَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ الْإِفْسَادِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا كَفَّارَةَ أَيْضًا لِعَدَمِ الْإِثْمِ (الثَّانِي) قَوْلُنَا مِنْ رَمَضَانَ فَلَا كَفَّارَةَ بِإِفْسَادِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ وَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ
بِالْجِمَاعِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا هِيَ لِحُرْمَةِ رَمَضَانَ (الثَّالِثُ) قَوْلُنَا بِجِمَاعٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِمْنَاءِ وَالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا كُلِّهَا عَلَى المذهب كما بيناه قريبا (الرابع) قَوْلُنَا تَامٍّ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَرْأَةِ إذَا جُومِعَتْ فَإِنَّهَا يَحْصُلُ فِطْرُهَا بِتَغْيِيبِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْجِمَاعُ التَّامُّ إلَّا وَقَدْ أَفْطَرَتْ لِدُخُولِ دَاخِلٍ فِيهَا فَالْفِطْرُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ وَأَحْكَامُ الْجِمَاعِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِتَغْيِيبِ كُلِّ الْحَشَفَةِ فيصدق
عَلَيْهَا أَنَّهَا أَفْطَرَتْ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ تَمَامِهِ وَقَوْلُنَا أَثِمَ بِهِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ جَامَعَ بَعْدَ الْفَجْرِ ظَانًّا بَقَاءَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَوْمَهُ يَفْسُدُ وَلَا كَفَّارَةَ كَمَا سَبَقَ وَقَوْلُنَا بِسَبَبِ الصَّوْمِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُسَافِرِ إذَا شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَفْطَرَ بِالزِّنَا مُتَرَخِّصًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ جَائِزٌ لَهُ وانما أثم بالزنا ولو زنا الْمُقِيمُ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ وَقُلْنَا الصَّوْمُ يَفْسُدُ بِجِمَاعِ النَّاسِي فَلَا كَفَّارَةَ أَيْضًا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ بِسَبَبِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ نَاسٍ لَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَجِمَاعُ الْمَرْأَةِ إذَا قُلْنَا لا شئ عَلَيْهَا وَلَا يُلَاقِيهَا الْوُجُوبُ مُسْتَثْنَى عَنْ الضَّابِطِ
* {فَرْعٌ} لَوْ صَامَ الصَّبِيُّ رَمَضَانَ فَأَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ وَقُلْنَا إنَّ وَطْأَهُ فِي الْحَجِّ يُفْسِدُهُ وَيُوجِبُ البدن ففى وجوب كفارة الوطئ فِي الصَّوْمِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَسَأُوَضِّحُهُمَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تعالي
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ (وَقَوْلُهُ) حَقُّ مَالٍ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّوْمِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَلْ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ (وَقَوْلُهُ) لِلَّهِ تَعَالَى احْتِرَازٌ مِنْ الْمُتْعَةِ (وَقَوْلُهُ) لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ احْتِرَازٌ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ القلعي ليس هو احتراز بَلْ لِتَقْرِيبِ الْفَرْعِ مِنْ الْأَصْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ مِنْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ (وَقَوْلُهُ) بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ
* أَمَّا أَحْكَامُ
الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ الْوَاجِبَةُ لِلَّهِ تعالي ثلاثة أَضْرُبٍ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ (ضَرْبٌ) يَجِبُ لَا بِسَبَبِ مُبَاشَرَةٍ مِنْ الْعَبْدِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ (وَضَرْبٌ) يَجِبُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ وَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ فِي الْحَجِّ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ وَقْتَ وُجُوبِهِ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ تَغْلِيبًا لِمَعْنَى الْغَرَامَةِ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ مَحْضٌ (وَضَرْبٌ) يَجِبُ بِسَبَبِهِ لَا عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ كَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ قَالَ صَاحِبُ العدة ودم التمتع والقران قال الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالنَّذْرُ وَكَفَّارَةُ قَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ وَدَمُ التَّمَتُّعِ وَالطِّيبُ وَاللِّبَاسُ فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَمَتَى قَدِرَ عَلَى أَحَدِ الْخِصَالِ لَزِمَتْهُ
(وَالثَّانِي)
لَا تَثْبُتُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَشَبَهُهَا بِجَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْلَى مِنْ الْفِطْرَةِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُؤَاخَذَةٌ عَلَى فِعْلِهِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ
* وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِلْقَوْلِ بِسُقُوطِهَا
بِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قال " اطعمه أَهْلَكَ " وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تُصْرَفُ إلَى الْأَهْلِ وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَالْمُحَقِّقُونَ حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ دليل لثبوتها فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ لانه لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عَجْزَهُ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ ثُمَّ مَلَّكَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعَرَقَ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِأَدَاءِ الْكَفَّارَةِ لِقُدْرَتِهِ الْآنَ عَلَيْهَا فَلَوْ كَانَتْ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ لَمَا أَمَرَهُ بِهَا (وَأَمَّا) إطْعَامُهُ أَهْلَهُ فَلَيْسَ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْكَفَّارَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الطَّعَامَ صَارَ مِلْكًا لَهُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ عَنْهَا فَلَمَّا ذَكَرَ حَاجَتَهُ إلَيْهِ أَذِنَ لَهُ فِي أَكْلِهِ لِكَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ لَا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَبَقِيَتْ الْكَفَّارَةُ فِي الذِّمَّةِ وَتَأْخِيرُهَا لِمِثْلِ هَذَا جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَبَيَّنَهَا لَهُ عليه السلام (فَالْجَوَابُ) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَهَا لَهُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم تَصَدَّقْ بِهَذَا بَعْدَ إعْلَامِهِ بِعَجْزِهِ فَفَهِمَ الْأَعْرَابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ هَذَا أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ (الثاني) أَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وهذا ليس وَقْتِ الْحَاجَةِ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ خَاصَّةً إلَى زَوْجَةِ الْمُكَفِّرِ وَأَوْلَادِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَوَافَقَ هَذَا الْقَائِلَ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ وَبَاقِيَ الْكَفَّارَاتِ لَا يَجُوزُ
صَرْفُهَا إلَى الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ الْفُقَرَاءِ وَقَاسَ الْجُمْهُورُ عَلَى الزَّكَاةِ وَبَاقِي الْكَفَّارَاتِ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِمَا سَبَقَ
* {فَرْعٌ} فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ
(إحْدَاهَا) إذَا نَسِيَ النِّيَّةَ وَجَامَعَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ بِهِ صَوْمًا (الثَّانِيَةِ) إذَا وَطِئَ الصَّائِمُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَقَالَ جَهِلْتُ تَحْرِيمَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ لِقُرْبِ إسْلَامِهِ وَنَحْوِهِ فَلَا كَفَّارَةَ وَإِلَّا وَجَبَتْ وَلَوْ قَالَ عَلِمْتُ تَحْرِيمَهُ وَجَهِلْتُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ وَلَهُ نَظَائِرُ مَعْرُوفَةٌ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ (الثَّالِثَةِ) إذَا أَفْسَدَ الْحَجَّ بِالْجِمَاعِ قَالَ الدَّارِمِيُّ فَفِي الْكَفَّارَةِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ السَّابِقَةُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي الصَّوْمِ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَفِيهِ مَسَائِلُ
(إحْدَاهَا) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ الشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ أنهم قالوا لا كفارة عليه كما لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِإِفْسَادِ الصَّلَاةِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ أبي هريرة السابق في قصة الاعرايى وَيُخَالِفُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْمَالِ فِي جبرانها (الثانية) يجب علي المفكر مَعَ الْكَفَّارَةِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ
* هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَفِيهِ
خِلَافٌ سَبَقَ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِإِيجَابِ قَضَائِهِ قَالَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ سِوَى الْأَوْزَاعِيِّ فَقَالَ إنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ وَإِنْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ قَضَاهُ (الثَّالِثَةُ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (الرَّابِعَةُ) هَذِهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ فَيَجِبُ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ عَجَزَ فَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ عَجَزَ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ
* وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ وَأَفْضَلُهَا عِنْدَهُ الْإِطْعَامُ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ عِتْقِ رَقَبَةٍ وَنَحْرِ بَدَنَةٍ وَاحْتَجَّا بِحَدِيثَيْنِ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبَيْهِمَا
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي
هُرَيْرَةَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ الْحَسَنِ فَضَعِيفٌ جِدًّا وحديث مالك يجاب عنه بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
حَدِيثُنَا أَصَحُّ وَأَشْهَرُ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّرْتِيبِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ (الْخَامِسَةُ) يُشْتَرَطُ فِي صَوْمِ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ التَّتَابُعُ وَجَوَّزَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تَفْرِيقَهُ لِحَدِيثٍ فِي صَوْمِ شَهْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ التَّرْتِيبِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالتَّتَابُعِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ (السَّادِسَةُ) إذَا كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ فَهُوَ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلُّ مِسْكِينٍ مُدٌّ سَوَاءٌ الْبُرُّ وَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَغَيْرُهَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ حِنْطَةً أَوْ صَاعٌ مِنْ سَائِرِ الْحُبُوبِ وَفِي الزَّبِيبِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ رِوَايَةٌ صَاعٌ وَرِوَايَةٌ مُدَّانِ (السَّابِعَةُ) لَوْ جَامَعَ فِي صَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلَا كَفَّارَةَ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ قَتَادَةُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إفْسَادِ قَضَاءِ رَمَضَانَ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {إذَا نَوَى الصوم مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وعليه القضاء وقال المزني يصح صومه كما.
لو نوى الصوم ثم نام جميع النهار والدليل علي أن الصوم لا يصح أن الصوم نية وترك ثم لو انفرد الترك عن النية لم يصح فإذا انفردت النية عن النرك لم يصح وأما النوم فان أبا سعيد الاصطخرى قال إذا نام جميع النهار لم يصح صومه كما إذا أغمي عليه جميع النهار والمذهب أنه يصح صومه إذا نام والفرق بينه وبين الاغماء ان النائم ثابت العقل لانه إذا نبه انتبه والمغمى عليه بخلافة ولان النائم كالمستيقظ ولهذا ولايته ثابتة علي ماله بخلاف المغمي عليه وان نوى الصوم ثم اغمى عليه في بعض النهار فقد قال في كتاب الظهار ومختصر البويطي إذا كان في أوله مفيقا صح صومه وفى كتاب الصوم إذا كان في بعضه مفيقا اجزأه وقال فِي اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى إذا كانت صائمة فاغمى عليها أو حاضت بطل صومها وخرج أبو العباس قولا آخر أنه ان كان مفيقا في طرفي النهار صح صومه فمن أصحابنا من قال المسألة علي قول واحد أنه يعتبر أن يكون مفيقا
في اول النهار وتأول ما سواه من الاقوال علي هذا ومن اصحابنا من قال فيها اربعة أقوال (احدها) انه تعتبر الافاقة في اوله كالنية تعتبر في اوله
(والثانى)
انه تعتبر الافاقة في طرفيه كما ان في الصلاة يعتبر القصد
في الطرفين في الدخول والخروج ولا يعتبر فيما بينهما (والثالث) انه تعتبر الافاقة في جميعه فإذا اغمي عليه في بعضه لم يصح لانه معنى إذا اطرأ أسقط فرض الصلاة فابطل الصوم كالحيض (والرابع) تعتبر الافاقة في جزء منه ولا اعرف له وجها وان نوى الصوم ثم جن ففيه قولان (قال) في الجديد يبطل الصوم لانه عارض يسقط فرض الصلاة فابطل الصوم كالحيض (وقال) في القديم هو كالاغماء لانه يزيل العقل والولاية فهو كالاغماء}
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَارِضٌ يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ يُنْتَقَضُ بِالْإِغْمَاءِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ وَلَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِهِ فِي بَعْضِ النَّهَارِ عَلَى الْأَصَحِّ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا نَامَ جَمِيعَ النَّهَارِ وَكَانَ قَدْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ صَحَّ صَوْمُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو سعيد الاصطخرى لا يصح وحكاه الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَيْضًا وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَيْقَظَ لَحْظَةً مِنْ النَّهَارِ وَنَامَ بَاقِيَهُ صَحَّ صَوْمُهُ (الثَّانِيَةُ) لَوْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ وَلَمْ يَنَمْ النَّهَارَ وَلَكِنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ الصَّوْمِ فِي جَمِيعِهِ صَحَّ صَوْمُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِ ذِكْرِهِ حَرَجًا (الثَّالِثَةُ) لَوْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ مِنْ النوم انه يصح خرجه المزني وغيره عن أَصْحَابِنَا وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ (الرَّابِعَةُ) إذَا نَوَى مِنْ اللَّيْلِ وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْضَ النَّهَارِ دون بعض ففيه ثلاثة طرق (احداها) إنْ أَفَاقَ فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ وَإِلَّا فَلَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْجُزْءُ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ غَيْرَهُ وَهَذَا هُوَ نَصُّ الشافعي في باب الصيام من مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الطَّرِيقَ الْبَغَوِيّ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَأَوَّلَ هَذَا الْقَائِلُ النَّصَّيْنِ الْآخَرَيْنِ فَتَأَوَّلَ نَصَّهُ فِي اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى عَلَى أَنَّ بُطْلَانَ الصَّوْمِ عَائِدٌ إلَى الْحَيْضِ خَاصَّةً لَا إلَى الْإِغْمَاءِ قَالُوا وَقَدْ يَفْعَلُ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ هَذَا وَتَأَوَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ تَأْوِيلًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِغْمَاءِ هُنَا الْجُنُونُ وَتَأَوَّلَ هَذَا الْقَائِلُ نَصَّهُ فِي الظِّهَارِ وَالْبُوَيْطِيُّ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِفَاقَةَ فِي أَوَّلِهِ لِلتَّمْثِيلِ بِالْجُزْءِ لَا لاشتراط الاول (والطريق الثَّانِي) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ إنْ أَفَاقَ فِي أَوَّلِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَتَأَوَّلَ نَصَّهُ فِي الصَّوْمِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُزْءِ الْمُبْهَمِ أَوَّلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الظِّهَارِ وَتَأَوَّلَ نَصُّ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا سَبَقَ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ (أَصَحُّ) الْأَقْوَالِ يَشْتَرِطُ الْإِفَاقَةَ فِي جُزْءٍ مِنْهُ
(وَالثَّانِي)
فِي أَوَّلِهِ خَاصَّةً (وَالثَّالِثُ)
فِي طَرَفَيْهِ (وَالرَّابِعُ) فِي جَمِيعِهِ كَالنَّقَاءِ مِنْ الحيض وهذا الرَّابِعُ تَخْرِيجٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ خَرَّجَهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ مَنْصُوصًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ إلَّا القول الاول
الْأَصَحَّ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا وَهَذَا عَجَبٌ مِنْهُ مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا فَالْأَصَحُّ مِنْ هَذَا الْخِلَافِ كُلِّهِ إنْ كَانَ مُفِيقًا فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ أَيَّ جُزْءٍ كَانَ صَحَّ صَوْمُهُ وَإِلَّا فَلَا (الْخَامِسَةُ) إذَا نَوَى الصوم باليل وَجُنَّ فِي بَعْضِ النَّهَارِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ (الْجَدِيدُ) بُطْلَانُ صَوْمِهِ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلصَّوْمِ كَالْحَيْضِ (وَقَالَ) فِي الْقَدِيمِ هُوَ كَالْإِغْمَاءِ فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَى بَدَلَ الْقَوْلَيْنِ وَجْهَيْنِ كَصَاحِبِ الْإِبَانَةِ وَآخَرِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُمَا طَرِيقَيْنِ وَهُوَ أَحْسَنُ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ بِبُطْلَانِ الصَّوْمِ بِالْجُنُونِ فِي لَحْظَةٍ كَالْحَيْضِ
* وَلَوْ جُنَّ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ (السَّادِسَةُ) لَوْ حَاضَتْ فِي بَعْضِ النَّهَارِ أَوْ ارْتَدَّ بَطَلَ صَوْمُهُمَا بِلَا خِلَافٍ وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَكَذَلِكَ لَوْ نَفِسَتْ بَطَلَ صَوْمُهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا فَفِي بُطْلَانِ صَوْمِهَا خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ وَحْدَهُ (إنْ قُلْنَا) لَا غُسْلَ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهَا وَإِلَّا بَطَلَ عَلَى أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ الرَّاجِحُ دَلِيلًا وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ (السَّابِعَةُ) حَيْثُ قُلْنَا لَا يَصِحُّ صَوْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إمَّا لِوُجُودِ الْإِغْمَاءِ فِي كُلِّ النَّهَارِ أَوْ بَعْضِهِ وَإِمَّا لِعَدَمِ نِيَّتِهِ بِاللَّيْلِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْ رَمَضَانَ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَفِيهِ وَجْهٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ كَمَا لَا قَضَاءَ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ
* {فَرْعٌ} لَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِي اللَّيْلِ ثُمَّ شَرِبَ دَوَاءً فَزَالَ عَقْلُهُ نَهَارًا بِسَبَبِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ صَوْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ لَيْلًا وَبَقِيَ سُكْرُهُ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي رَمَضَانَ وَإِنْ صَحَا فِي بعضه فهو كالاغماء في بعض النهار
*
* قال المصنف رحمه الله تعالي
* ويجوز للصائم ان ينزل الماء وينغطس فيه لما روى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال
" حدثني مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمِ صائف يصب على رأسه الماء من شدة الحر والعطش وهو صائم " ويجوز أن يكتحل لما روى عن أنس " انه كان يكتحل وهو صائم ولان العين ليس بمنفد فلم يبطل الصوم بما يصل إليها "}
* {الشَّرْحُ} أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِمَا وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صحيحة واسناد مالك وداود النسائي وأبى علي شرط البخاري ومسلم ولفظ رواياتهم " مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ أَوْ الْعَطَشِ " وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ " الْحَرُّ " وَلَفْظُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ " لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنْ الْعَطَشِ أَوْ مِنْ الْحَرِّ " هَذَا لَفْظُهُ وَكَذَا لَفْظُ الْبَاقِينَ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الَّذِي حَدَّثَ أَبَا بَكْرٍ صَحَابِيٌّ وَلَوْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ لَكَانَ أَحْسَنَ وَلَفْظُ رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَاهُ فَإِنَّ الَّذِي رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُسْلِمٌ صَحَابِيٌّ ثُمَّ إنَّ هَذَا الصَّحَابِيَّ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الِاسْمِ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ وَلِهَذَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَسَائِرُ الْأَئِمَّةِ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ أَنَسٍ فِي الِاكْتِحَالِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إلَّا رَجُلًا مُخْتَلَفًا فِيهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الَّذِي ضَعَّفَهُ سَبَبَ تَضْعِيفِهِ مَعَ أَنَّ الْجَرْحَ لَا يُقْبَلُ إلَّا مُفَسَّرًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَ بِمَنْفَذٍ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ لَيْسَ وَهِيَ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ غَرِيبَةٌ وَالْمَشْهُورُ الْفَصِيحُ لَيْسَتْ بِإِثْبَاتِ التَّاءِ (وَأَمَّا) الْمَنْفَذُ فَبِفَتْحِ الْفَاءِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (احداهما) يجوز للصائم ان ينزل في الْمَاءِ وَيَنْغَطِسَ فِيهِ وَيَصُبَّهُ عَلَى رَأْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَمَّامٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ يَغْتَسِلُ "(الثَّانِيَةُ) يَجُوزُ لِلصَّائِمِ الِاكْتِحَالُ بِجَمِيعِ الْأَكْحَالِ وَلَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَتْ بِجَوْفٍ وَلَا مَنْفَذَ مِنْهَا إلَى الْحَلْقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكْرَهُ الِاكْتِحَالُ عِنْدَنَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ تَنَخَّمَهُ أَمْ لَا
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الِاكْتِحَالِ
* ذَكَرْنَا أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَلَا يُكْرَهُ وَلَا يُفْطِرُ بِهِ سَوَاءٌ وَجَدَ
طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى الصَّحَابِيَّيْنِ رضي الله عنهم وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمْ قَالُوا يَبْطُلُ بِهِ صَوْمُهُ وَقَالَ قَتَادَةُ يَجُوزُ بِالْإِثْمِدِ وَيُكْرَهُ بِالصَّبْرِ
* وَقَالَ الثوري وإسحق يكره
* وقال مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يُكْرَهُ وَإِنْ وَصَلَ إلَى الْحَلْقِ أَفْطَرَ
* وَاحْتَجَّ لِلْمَانِعِينَ بِحَدِيثِ مَعْبَدِ بْنِ هَوْذَةَ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوِّحِ عِنْدَ النَّوْمِ وَقَالَ لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ نَذْكُرُهَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهَا (مِنْهَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ " اكْتَحَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صَائِمٌ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ بقية عن سعيد ابن أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيِّ شَيْخِ بَقِيَّةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَسَعِيدُ الزُّبَيْدِيُّ هَذَا مِنْ مَجَاهِيلِ شُيُوخِ بَقِيَّةَ يَنْفَرِدُ بِمَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ قُلْتُ وَقَدْ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ بَقِيَّةَ عَنْ الْمَجْهُولِينَ مَرْدُودَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْمَعْرُوفِينَ فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ هَذَا بِلَا خِلَافٍ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ اشْتَكَتْ عَيْنِي أفأ كتحل وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ قَالَ وَلَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الباب شئ وعن
نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَيْنَاهُ مملوءتان الْكُحْلِ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ " فِي إسناد مَنْ اُخْتُلِفَ فِي تَوْثِيقِهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ " النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ وَهُوَ صَائِمٌ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ لِأَنَّ رَاوِيهِ مُحَمَّدٌ هَذَا ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ
* وَاحْتَجُّوا بِالْأَثَرِ الْمَذْكُورِ عَنْ أَنَسٍ وَقَدْ بَيَّنَّا إسْنَادَهُ وفى سنن ابي دواد عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا يَكْرَهُ الْكُحْلَ لِلصَّائِمِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ ما ذكره المصنف
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ويجوز أن يحتجم لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ " قال
في الام ولو ترك كان احب الي لما روى عبد الرحمن بن ابي ليلي عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انهم قالو " إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الحجامة والوصال في الصوم إبقاء علي أصحابه "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا عن عبد الرحمن ابن أَبِي لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إلَى آخِرِهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلَفْظِ رِوَايَةِ الْمُهَذَّبِ (وَقَوْلُهُ) إبْقَاءً بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْقَافِ وَبِالْمَدِّ أَيْ رِفْقًا بِهِمْ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ تَجُوزُ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ وَلَا تُفْطِرُهُ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهَا هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ يُفْطِرُ بِالْحِجَامَةِ مِمَّنْ قَالَهُ مِنْهُمْ أبو بكر ابن الْمُنْذِرِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو الْوَلِيدِ النيسابوري والحاكم أبو عَبْدِ اللَّهِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَصْدُ كَالْحِجَامَةِ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حِجَامَةِ الصَّائِمِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهَا لا الحاجم ولا لمحجوم وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وأم سلمة وسعيد بن المسيب وعروة ابن الزُّبَيْرِ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ
* وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْحِجَامَةُ تُفْطِرُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وابن سيرين وعطاء والاوزاعي وأحمد وإسحق وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ أحمد وإسحق يُفْطِرُ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَقَالَ عَطَاءٌ يَلْزَمُ الْمُحْتَجِمَ فِي رَمَضَانَ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ
* وَاحْتَجَّ لِهَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَإِسْنَادُ أَبِي دَاوُد عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ " أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلٍ بِالْبَقِيعِ وَهُوَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي لثمان عشرة خلت مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ
أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " رَوَاهُ أبو داود والنساثى وابن ماجه بأسانيد صحيحة وعن رافع به خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ هُوَ صَحِيحٌ وَرَوَى الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الباب حديث ثوبان وعن علي ابن الْمَدِينِيِّ قَالَ لَا أَعْلَمُ فِيهَا أَصَحَّ مِنْ حديث رافع بن خديج قال الحاكم قد حكم أحمد لاحد الحديثين بالصحة وعلى للآخر بالصحة وحكم إسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ لِحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ بِالصِّحَّةِ ثم روى الحاكم باسناده عن اسحق أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ شَدَّادٍ هَذَا إسْنَادٌ صحيح تقوم به الحجة قال اسحق وَقَدْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَسَانِيدَ وَبِهِ نَقُولُ قال الحاكم رضى الله عن اسحق فَقَدْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ لِحَدِيثٍ صِحَّتُهُ ظَاهِرَةٌ وَقَالَ بِهِ قَالَ الْحَاكِمُ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَسَانِيدَ مُسْتَقِيمَةٍ مِمَّا يَطُولُ شَرْحُهُ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْإِمَامِ الْحَافِظِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ قَالَ صَحَّ عِنْدِي حَدِيثُ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " مِنْ رِوَايَةِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَثَوْبَانَ قَالَ عُثْمَانُ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ بِهِ وَيَقُولُ صَحَّ عِنْدَهُ حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَشَدَّادٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ اسامة ابن زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ رِوَايَةِ عَطَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا وعن عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا قَالَ هَذَا الْمُرْسَلُ هُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَذِكْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ وَهْمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الْحَافِظِ قَالَ حَدِيثُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ إنَّ ابْنَ عُمَرَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَرَكَهُ فَكَانَ إذَا صَامَ لَمْ يَحْتَجِمْ حَتَّى يُفْطِرَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ ثَابِتِ الْبُنَانِيِّ قَالَ " سُئِلَ أَنَسٌ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ قَالَ لَا إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُ " عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ " حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْحِجَامَةِ وَالْمُوَاصَلَةِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُمَا إلَّا إبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ
الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ كَمَا سَبَقَ وَاحْتَجَّ بِهِ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي أَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفْطِرُ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ " رَخَّصَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَالْحِجَامَةِ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ مِنْ طريق آخر قال كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " أَوَّلُ مَا كرهتت الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَفْطَرَ هَذَانِ ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ في الحجامة للصائم " وكان أنس يحتحم وَهُوَ صَائِمٌ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً وَعَنْ عَائِشَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْنَا فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ والحسين بن على وزيد ابن أَرْقَمَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنهم وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِأَحَادِيثَ أُخَرَ فِي بَعْضِهَا ضعف والمعتمد ما ذكرنا وَاسْتَدَلُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْفَصْدِ وَالرُّعَافِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) جَوَابُ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ وَفِيهِ اختلاف وتابعه عليه والخطابى البيهقى وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا وَدَلِيلُ النَّسْخِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْبَيْهَقِيَّ رَوَيَاهُ بِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَمَانَ الْفَتْحِ فَرَأَى رَجُلًا يَحْتَجِمُ لِثَمَانِ عَشَرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " وَقَدْ ثبت في صحيح البخاري في حديث بْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ " قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عليه وسلم محرما في حجة الوادع سنة عشرة مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَصْحَبْهُ مُحْرِمًا قَبْلَ ذَلِكَ وَكَانَ الْفَتْحُ سَنَةَ ثَمَانٍ بِلَا شَكٍّ فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ حَدِيثِ شَدَّادٍ بِسَنَتَيْنِ وَزِيَادَةٍ قَالَ فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ نَاسِخٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ويدل علي النسح أَيْضًا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي قِصَّةِ جَعْفَرٍ " ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة " هو حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ قَالَ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ السَّابِقُ أَيْضًا فِيهِ لَفْظُ التَّرْخِيصِ وغالب مَا يُسْتَعْمَلُ التَّرْخِيصُ بَعْدَ النَّهْيِ (الْجَوَابُ الثَّانِي) أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا
أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عباس أصح ويعضده أيضا القياس فوجب تقدبمه (الْجَوَابُ الثَّالِثِ) جَوَابُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَالْخَطَّابِيِّ وَأَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِأَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ أَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ فِي صَوْمِهِمَا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ الْمُرَادُ بِإِفْطَارِهِمَا أَنَّهُ ذَهَبَ أَجْرُهُمَا كَمَا قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ لِمَنْ تَكَلَّمَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ لَا جُمُعَةَ لَكَ أَيْ لَيْسَ لَكَ أَجْرُهَا وَإِلَّا فَهِيَ صَحِيحَةٌ مُجْزِئَةٌ عنه (الجواب الرَّابِعِ) ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ تَعَرَّضَا لِلْفِطْرِ (أما) المحجوم فلضعفه بخروج الدم فربما لحقه مَشَقَّةٌ فَعَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ فَأَفْطَرَ بِسَبَبِهَا (وَأَمَّا) الحاجم فقد يصل جوفه شئ من الدم أو غيره إذَا ضَمَّ شَفَتَيْهِ عَلَى قَصَبِ الْمُلَازِمِ كَمَا يُقَالُ لِلْمُتَعَرِّضِ لِلْهَلَاكِ هَلَكَ فُلَانٌ وَإِنْ كَانَ باقيا سالما وَكَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ " أَيْ تَعَرَّضَ لَلذَّبْحِ بِغَيْرِ سِكِّينٍ
(الْخَامِسِ) ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا أَنَّهُ مَرَّ بِهِمَا قريب المغرب فقال أفطرا أَيْ حَانَ فِطْرُهُمَا كَمَا يُقَالُ أَمْسَى الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ أَوْ قَارَبَهُ (السَّادِسِ) أَنَّهُ تَغْلِيظٌ وَدُعَاءٌ عَلَيْهِمَا لِارْتِكَابِهِمَا مَا يُعَرِّضُهُمَا لِفَسَادِ صَوْمِهِمَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ خُزَيْمَةَ اعْتَرَضَ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَى عَنْهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَنَّهُ قَالَ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " فَقَالَ بَعْضُ مَنْ خَالَفَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ لَا يُفْطِرُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ " وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي هَذَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ فِي السَّفَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا مُقِيمًا بِبَلَدِهِ وَالْمُسَافِرُ إذَا نَوَى الصَّوْمَ لَهُ الْفِطْرُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْحِجَامَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِجَامَتِهِ أَنَّهَا لَا تُفْطِرُ فَاحْتَجَمَ وَصَارَ مُفْطِرًا وَذَلِكَ جَائِزٌ هَذَا كَلَامُ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قَالَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَثْبَتَ لَهُ الصِّيَامَ مَعَ الْحِجَامَةِ وَلَوْ بَطَلَ صَوْمُهُ بِهَا لَقَالَ أَفْطَرَ بِالْحِجَامَةِ كَمَا يُقَالُ أَفْطَرَ الصَّائِمُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ وَلَا يُقَالُ أَكَلَهُ وَهُوَ صَائِمٌ قُلْتُ وَلِأَنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ " الْإِخْبَارُ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ ويؤيده باقى الاحاديث المذكروة والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ قَالَ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ وَالْعِلْكُ بِكَسْرِ العين هو هذا الْمَعْرُوفُ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْعَيْنِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ الْفِعْلَ وَهُوَ مَضْغُ الْعِلْكِ وَإِدَارَتُهُ وَقَوْلُهُ يَمْضَغُ هُوَ بفتح الصاد وَضَمِّهَا لُغَتَانِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الْعِلْكُ لِأَنَّهُ يجمع الريق ويورث العطش والقئ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ " لَا يَمْضَغُ الْعِلْكَ الصَّائِمُ " وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَأَكْرَهُ الْعِلْكَ لِأَنَّهُ يَحْلُبُ الْفَمَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي رُوِيَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ بِالْجِيمِ وَبِالْحَاءِ فَمَنْ قَالَ بِالْجِيمِ فَمَعْنَاهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ فَرُبَّمَا ابْتَلَعَهُ وَذَلِكَ يُبْطِلُ الصَّوْمَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَمَكْرُوهٌ فِي الْآخَرِ قَالَ وَقَدْ قِيلَ مَعْنَاهُ يُطَيِّبُ الْفَمَ وَيُزِيلُ الْخُلُوفَ قَالَ وَمَنْ قَالَهُ بِالْحَاءِ فَمَعْنَاهُ يَمْتَصُّ الرِّيقَ وَيُجْهِدُ الصَّائِمَ فَيُورِثُ الْعَطَشَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُفْطِرُ بِمُجَرَّدِ الْعِلْكِ وَلَا بِنُزُولِ
الرِّيقِ مِنْهُ إلَى جَوْفِهِ فَإِنْ تَفَتَّتَ فَوَصَلَ من جرمه شئ إلى جوفه عمدا وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ لَمْ يُفْطِرْ وَلَوْ نَزَلَ طَعْمُهُ فِي جَوْفِهِ أَوْ رِيحُهُ دُونَ جُرْمِهِ لَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّ ذَلِكَ الطَّعْمَ بِمُجَاوَرَةِ الرِّيقِ لَهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ إنْ ابْتَلَعَ الرِّيقَ وَفِيهِ طَعْمُهُ أَفْطَرَ وليس بشئ (الثَّانِيَةُ) يُكْرَهُ لَهُ مَضْغُ الْخُبْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَكَذَا ذَوْقُ الْمَرَقِ وَالْخَلِّ وَغَيْرِهِمَا فَإِنْ مَضَغَ أَوْ ذَاقَ وَلَمْ يَنْزِلْ إلَى جوفه شئ مِنْهُ لَمْ يُفْطِرْ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى مَضْغِهِ لِوَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ مَضْغِهِ لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ " لَا بَأْسَ أَنْ يتطاعم الصائم بالشئ " يعني المرقة ونحوها * قال المصنف رحمه الله
* {ومن حركت القبلة شهوته كره له أن يقبل وهو صائم والكراهة كراهة تحريم وان لم تحرك شهوته قال الشافعي فلا بأس بها وتركها أولي والاصل في ذلك ماروت عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لاربه " وعن ابن عباس انه ارخص فيها للشيخ وكرهها للشاب ولانه في حق احدهما لا يأمن ان ينزل فيفسد الصوم وفى الاخر يأمن ففرق بينهما}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ " وَعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ فَقَالَ سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك فقال يارسول اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاَللَّهِ إنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ هَذَا هُوَ الْحِمْيَرِيُّ هَكَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَلَيْسَ هُوَ ابْنَ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه " قَالَ هَشَشْتُ يَوْمًا فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ إنِّي صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْتُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ فَفِيمَ " رَوَاهُ أبو داود قد سبق بيانه حيث ذكره المصنف ومما جاء في كراهتها للشاب وَنَحْوِهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " رُخِّصَ لِلْكَبِيرِ الصَّائِمِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَكُرِهَ لِلشَّابِّ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ هَكَذَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ وَرَوَاهُ مَالِكٌ والشافعي والبيهقي باسانيدهم الصحيحة عن عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَأَرْخَصَ فِيهَا لِلشَّيْخِ وَكَرِهَهَا للشاب هكذا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَوْقُوفًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ وَأَتَاهُ آخَرُ فَنَهَاهُ هَذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ وَاَلَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَعَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فجاء شاب فقال يارسول اللَّهِ أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ لَا فَجَاءَ شَيْخٌ فَقَالَ أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ ميمونة مولاة النبي صلي الله عليه قَالَتْ " سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَجُلٍ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا صَائِمَانِ فَقَالَ قَدْ أَفْطَرَا " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ باسناد ضعيف قال الدارقطني روايه مَجْهُولٌ قَالَ وَلَا يَثْبُتُ هَذَا وَعَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ " قُلْتُ
لِعَائِشَةَ أَيُبَاشِرُ الصَّائِمُ قَالَتْ لَا قُلْتُ أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يباشر قالت كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُبْلَةِ (وَقَوْلُهَا) لِإِرْبِهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعَ إسْكَانِ الراء وروى أيضا بفتحهما جميعا
* (أما) حكم الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تُكْرَهُ الْقُبْلَةُ عَلَى مَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ وَلَا تُكْرَهُ لِغَيْرِهِ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ فِي ذَلِكَ فَالِاعْتِبَارُ بِتَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ وَخَوْفِ الْإِنْزَالِ فَإِنْ حَرَّكَتْ شَهْوَةَ شَابٍّ أَوْ شَيْخٍ قَوِيٍّ كُرِهَتْ وَإِنْ لَمْ تُحَرِّكْهَا لِشَيْخٍ أَوْ شَابٍّ ضَعِيفٍ لَمْ تُكْرَهْ وَالْأَوْلَى تَرْكُهَا وَسَوَاءٌ قَبَّلَ الْخَدَّ أَوْ الْفَمَ أَوْ غَيْرَهُمَا وَهَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بِالْيَدِ وَالْمُعَانَقَةُ لَهُمَا حُكْمُ الْقُبْلَةِ ثُمَّ الْكَرَاهَةُ فِي حَقِّ مَنْ حَرَّكَتْ شهوته كراهة تحريم عند المنصف وشيخه القاضي أبى الطيب والعبد رى وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ آخَرُونَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ مَا لَمْ يُنْزِلْ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَصَحُّ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَإِذَا قَبَّلَ وَلَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ قُلْنَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا كَرَاهَتُهَا لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ وَلَا تُكْرَهُ لِغَيْرِهِ وَالْأَوْلَى تَرْكُهَا فَإِنْ قَبَّلَ مَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ وَلَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ والحسن واحمد واسحق قال وكان سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ لَا يَرَى بِالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ وَكَرِهَ مَالِكٌ الْقُبْلَةَ لِلشَّابِّ وَالشَّيْخِ فِي رَمَضَانَ وَأَبَاحَتْهَا طَائِفَةٌ للشيخ دون الشاب ممن قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إنْ خَافَ الْمُجَاوَزَةَ مِنْ الْقُبْلَةِ إلَى غَيْرِهَا لَمْ يُقَبِّلْ هَذَا نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَذْهَبِنَا وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ مَنْ قَبَّلَ فِي رَمَضَانَ قَضَى يوما مكانه وحكاه الماورى عن محمد ابن الحنفية وعبد الله ابن شُبْرُمَةَ قَالَ وَقَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ الْقُبْلَةُ لَا تُفْطِرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا إنْزَالٌ فَإِنْ أَنْزَلَ مَعَهَا أَفْطَرَ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ تُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ فِي الاحاديث وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالرَّفَثُ الْفُحْشُ فِي الْكَلَامِ وَمَعْنَى شَاتَمَهُ شَتَمَهُ مُتَعَرِّضًا لِمُشَاتَمَتِهِ (وَقَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم فليقل اني صائم ذكر العلماء فيه تأويلين (احدهما) يقوله بِلِسَانِهِ وَيُسْمِعُهُ لِصَاحِبِهِ لِيَزْجُرَهُ عَنْ نَفْسِهِ
(وَالثَّانِي)
وبه جزم المتولي يقوله فِي قَلْبِهِ لَا بِلِسَانِهِ بَلْ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ وَيُذَكِّرُهَا أَنَّهُ صَائِمٌ لَا يَلِيقُ بِهِ الْجَهْلُ وَالْمُشَاتَمَةُ وَالْخَوْضُ مَعَ الْخَائِضِينَ قَالَ هَذَا الْقَائِلُ لِأَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِ الرِّيَاءَ إذَا تَلَفَّظَ بِهِ وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ يَقْصِدُ زَجْرَهُ لَا لِلرِّيَاءِ وَالتَّأْوِيلَانِ حَسَنَانِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَلَوْ جَمَعَهُمَا كَانَ حَسَنًا (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ ينز صومه عن الغليبة وَالشَّتْمِ مَعْنَاهُ يَتَأَكَّدُ التَّنَزُّهُ عَنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّائِمِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ لِلْحَدِيثِ وَإِلَّا فَغَيْرُ الصَّائِمِ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا وَيُؤْمَرُ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ وَالتَّنَزُّهُ التَّبَاعُدُ فَلَوْ اغْتَابَ فِي صَوْمِهِ عَصَى وَلَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَقَالَ يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِالْغِيبَةِ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ
* وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ وَبِحَدِيثِهِ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إلَّا الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إلَّا السَّهَرُ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ الصِّيَامُ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ الصِّيَامُ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ " خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالْكَذِبُ وَالْقُبْلَةُ وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ " وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ سِوَى الْأَخِيرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ كَمَالَ الصَّوْمِ وَفَضِيلَتَهُ الْمَطْلُوبَةَ إنَّمَا يَكُونُ بصيانته عن اللغو والكلام الردئ لَا أَنَّ الصَّوْمَ يَبْطُلُ بِهِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْأَخِيرُ " خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ " فَحَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَأَجَابَ عَنْهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بُطْلَانُ الثَّوَابِ لَا نَفْسَ الصَّوْمِ
*
* قال المصنف رحمه الله تعالي
* {ويكره الوصال في الصوم لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إياكم والوصال إياكم والوصال قالوا إنك تواصل يارسول اللَّهِ قَالَ إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أَبِيتُ
عند ربي يطعمنى ويسقيني " وهل هو كراهة تحريم أو كراهة تنزيه فيه وجهان
(أحدهما)
أنه كراهة تحريم لان النهي يقتضي التحريم
(والثانى)
أنه كراهة تنزيه لانه إنما نهى عنه حتي لا يضعف عن الصوم وذلك أمر غير محقق فلم يتعلق به أثم فان واصل لم يبطل صومه لان النهي لا يرجح إلى الصوم فلا يوجب بطلانه}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والوصال بكسر الواو ويطعمني بضم الياء ويسقيي بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا
* أَمَّا حُكْمُ الْوِصَالِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَهَلْ هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَمْ تَنْزِيهٍ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ رَسُولِهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ فِي أُمُورٍ أَبَاحَهَا لَهُ وَحَظَرَهَا عَلَيْهِمْ وَذَكَرَ مِنْهَا الْوِصَالَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا بِتَصْحِيحِ تَحْرِيمِهِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ والخطابى في المعالم وسليم الدارى فِي الْكِفَايَةِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي وَآخَرُونَ كُلُّهُمْ صَرَّحُوا بِتَحْرِيمِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَقِيقَةُ الْوِصَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أن يَصُومُ يَوْمَيْنِ فَصَاعِدًا وَلَا يَتَنَاوَلُ فِي اللَّيْلِ شَيْئًا لَا مَاءً وَلَا مَأْكُولًا فَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا يَسِيرًا أَوْ شَرِبَ فَلَيْسَ وِصَالًا وَكَذَا إنْ أَخَّرَ الْأَكْلَ إلَى السَّحَرِ لِمَقْصُودٍ صَحِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِوِصَالٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الوصال أن لا يَأْكُلَ وَلَا يَشْرَبَ وَيَزُولُ الْوِصَالُ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ وَإِنْ قَلَّ صَاحِبُ الْحَاوِي وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَمَّا قَوْلُ الْمَحَامِلِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ الْبَنْدَنِيجِيِّ
فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ والبغوى في التهذيب الوصال أن لا يَأْكُلَ شَيْئًا فِي اللَّيْلِ وَخَصُّوهُ بِالْأَكْلِ فَضَعِيفٌ بَلْ هُوَ مُتَأَوِّلٌ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَصْحَابِ وَيَكُونُ مُرَادُهُمْ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ كَمَا قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِ أَحَدِ الْقَرِينَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (سرابيل تقيكم الحر) أَيْ وَالْبَرْدَ وَنَظَائِرُهُ مَعْرُوفَةٌ وَقَدْ بَالَغَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي بَيَانِ مَا يَزُولُ بِهِ الْوِصَالُ فَقِيلَ يَزُولُ الْوِصَالُ بِقَطْرَةٍ يَتَعَاطَاهَا كُلَّ لَيْلَةٍ وَلَا يَكْفِي اعْتِقَادُهُ أَنَّ مَنْ جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ فَقَدْ أَفْطَرَ هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْجُمْهُورَ قَدْ أَطْلَقُوا فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْوِصَالِ أَنَّهُ صَوْمُ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ فِي الليل وقال الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ الْوِصَالُ أَنْ يَصِلَ صَوْمَ اللَّيْلِ بِصَوْمِ النَّهَارِ قَصْدًا فَلَوْ تَرَكَ الْأَكْلَ بِاللَّيْلِ لَا عَلَى قَصْدِ الْوِصَالِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ بِهِ لَمْ يُحَرَّمْ
وَقَالَ الْبَغَوِيّ الْعِصْيَانُ فِي الْوِصَالِ لِقَصْدِهِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَالْفِطْرُ حَاصِلٌ بِدُخُولِ اللَّيْلِ كَالْحَائِضِ إذَا صَلَّتْ عَصَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا صَلَاةٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ خِلَافُ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ وَخِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَمَا سَبَقَ قَرِيبًا وَقَدْ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْوِصَالُ تَرْكُ الْأَكْلِ بِاللَّيْلِ دُونَ نِيَّةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ الْفِطْرَ يَحْصُلُ بِاللَّيْلِ سَوَاءٌ نَوَى الْإِفْطَارَ أَمْ لَا هَذَا كَلَامُهُ وَظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الرُّويَانِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَالصَّوَابُ أَنَّ الْوِصَالَ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي اللَّيْلِ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ
* {فَرْعٌ} اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْوِصَالَ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ سَوَاءٌ حَرَّمْنَاهُ أَوْ كَرَّهْنَاهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ النَّهْيَ لَا يَعُودُ إلَى الصَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْوِصَالَ مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي حَقِّنَا (إمَّا) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ عَلَى الصَّحِيحِ (وَإِمَّا) تَنْزِيهٍ وَمُبَاحٌ لَهُ صلى الله عليه وسلم كَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ قُرْبَةٌ فِي حَقِّهِ وَقَدْ نَبَّهَ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ " إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي " وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فِي الْحَاوِي وَمِنْهَاجِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَعَالِمِ لِلْخَطَّابِيِّ وَالْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهَا
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ الطَّاعِمِ الشَّارِبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْأَكْلَ حَقِيقَةً إذْ لَوْ أَكَلَ حَقِيقَةً لَمْ يَبْقَ وِصَالٌ وَلَقَالَ مَا أَنَا مُوَاصِلٌ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَرِيبًا فِي فَرْعِ بَيَانِ الْأَحَادِيثِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي " وَلَا يُقَالُ ظَلَّ إلَّا فِي النَّهَارِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتَى بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ مِنْ الْجَنَّةِ كَرَامَةً لَهُ لَا تُشَارِكُهُ فِيهَا الْأُمَّةُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ تَأْوِيلًا ثَالِثًا مَعَ هَذَيْنِ قَالَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَشْغَلُنِي عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْحُبُّ الْبَالِغُ يَشْغَلُ عَنْهُمَا
* {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ لِئَلَّا يَضْعُفَ عَنْ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ أَوْ يَمَلَّهَا وَيَسْأَمَ مِنْهَا لِضَعْفِهِ بِالْوِصَالِ أَوْ يَتَضَرَّرَ بَدَنُهُ أَوْ بَعْضُ حَوَاسِّهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْوِصَالِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وبه قال الجمهور وقال العبدرى هو قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا ابْنَ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ كَانَ يُوَاصِلُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ أَبِي نَعِيمٍ يُوَاصِلَانِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَاصَلَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ أَفْطَرَ عَلَى سَمْنٍ وَلَبَنٍ وَصَبْرٍ قَالَ وَتَأَوَّلَ فِي السَّمْنِ أَنَّهُ يُلَيِّنُ الْأَمْعَاءَ وَاللَّبَنُ أَلْطَفُ غِذَاءً وَالصَّبْرُ يُقَوِّي الْأَعْضَاءَ
* دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ وَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* {فَرْعٌ} فِي بَيَانِ جُمْلَةٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْوِصَالِ
* عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن
الْوِصَالِ قَالُوا إنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ إنِّي لَسْتُ مثلكم إنى أطعم وأسقى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاصَلَ في رمضان فواصل الناس فنهاههم قِيلَ لَهُ أَنْتَ تُوَاصِلُ قَالَ إنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الوصال فقال رجل فانك يارسول اللَّهِ تُوَاصِلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَيُّكُمْ مِثْلِي إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي ربى ويسقيني فلما أبوا ان يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ فَقَالَ لَوْ تَأَخَّرَ الهلال لزدتكم كالمنكل لهم حين ابوأن يَنْتَهُوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ مَرَّتَيْنِ قِيلَ إنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي فَاكْلَفُوا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَاكْلَفُوا بِفَتْحِ اللَّامِ مَعْنَاهُ خُذُوا بِرَغْبَةٍ وَنَشَاطٍ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ قَالُوا إنَّكَ
تُوَاصِلُ قَالَ إنِّي لَسْتُ كهيأتكم إنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا تُوَاصِلُوا قَالُوا إنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ إنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَعَنْهُ قَالَ " وَاصَلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَوَاصَلَ نَاسٌ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لواصلنا وصالا يدع الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ إنَّكُمْ لَسْتُمْ مِثْلِي أَوْ قَالَ إنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ هُنَا وَالْبُخَارِيُّ فِي بَابِ لو من كتاب التمنني من صَحِيحِهِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " لَا تواصلوا فأيكم ارد أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ قَالُوا فَإِنَّكَ تواصل يارسول الله قال إنى لست كهيأتكم إنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِي " رواه البخاري
*
*
قَالَ الْمُصَنَّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَهُوَ حديث صحيح
وَإِنَّمَا تُقَالُ صِيغَةُ التَّمْرِيضِ فِي ضَعِيفٍ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ هَذَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ " لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ " وَفِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ " أَنَّ الْيَهُودَ " وكذا رواه البيهقى في السنن الكبير وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَنَّ لِيُوَافِقَ رِوَايَةَ أَبِي دَاوُد وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي
فَرْعٍ مُنْفَرِدٍ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي السَّحُورِ وَرِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَأَبُو دَاوُد إسنادها صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً " رُوِيَ بِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ الْمَأْكُولُ كَالْخُبْزِ وَغَيْرِهِ وَبِضَمِّهَا وَهُوَ الْفِعْلُ وَالْمَصْدَرُ وَسَبَبُ الْبَرَكَةِ فِيهِ تَقْوِيَتُهُ الصَّائِمَ عَلَى الصَّوْمِ وَتَنْشِيطُهُ لَهُ وَفَرَحُهُ بِهِ وَتَهْوِينُهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الصَّوْمِ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ السَّحُورَ سُنَّةٌ وَأَنَّ تَأْخِيرَهُ أَفْضَلُ وَعَلَى أَنَّ تَعْجِيلَ الْفِطْرِ سُنَّةٌ بَعْدَ تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَدَلِيلُ ذَلِكَ كُلُّهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَلِأَنَّ فِيهِمَا إعَانَةً عَلَى الصَّوْمِ وَلِأَنَّ فِيهِمَا مُخَالَفَةً لِلْكُفَّارِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " فَصَلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ " وَلِأَنَّ محل الصوم هو الليل فَلَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِ الْفِطْرِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ السَّحُورِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَلِأَنَّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ صَارَ مُفْطِرًا فَلَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِ الْفِطْرِ قَالَ اصحابنا وإنما يستحب تأخير السحور مادام مُتَيَقِّنًا بَقَاءَ اللَّيْلِ فَمَتَى حَصَلَ شَكٌّ فِيهِ فَالْأَفْضَلُ تَرْكُهُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي فَصْلِ وَقْتِ الدُّخُولِ فِي الصَّوْمِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي بَقَاءِ اللَّيْلِ وَلَمْ يَتَسَحَّرْ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ السَّحُورِ فَإِنْ تَسَحَّرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَحَّ صَوْمُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إذَا أَخَّرَ الْإِفْطَارَ بَعْدَ تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ كَانَ يَرَى الْفَضْلَ فِي تَأْخِيرِهِ كَرِهْتُ ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ الْأَحَادِيثِ وَإِنْ لَمْ يَرَ الْفَضْلَ فِي تَأْخِيرِهِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصْلُحُ فِي اللَّيْلِ هَذَا نَصُّهُ
* {فَرْعٌ} وَقْتُ السَّحُورِ بَيْنَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ
* {فَرْعٌ} يَحْصُلُ السَّحُورُ بِكَثِيرِ الْمَأْكُولِ وَقَلِيلِهِ وَيَحْصُلُ بِالْمَاءِ أَيْضًا وَفِيهِ حَدِيثٌ سَنَذْكُرُهُ
* {فَرْعٌ} قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ السَّحُورَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ مُسْتَحَبٌّ لَا إثْمَ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ
* {فَرْعٌ} فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي السَّحُورِ وَتَأْخِيرِهِ وَتَعْجِيلِ الْفِطْرِ
* عَنْ أَنَسٌ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " فصل مابين صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ "
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* أَكْلَةُ السَّحَرِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ هِيَ السحور وعن المقدام بن معدى كرب عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " عَلَيْكُمْ بِهَذَا السَّحُورِ فَإِنَّهُ هُوَ الْغِذَاءُ الْمُبَارَكُ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ بِمَعْنَاهُ وَفِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ فِي الْكِتَابِ مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِزِيَادَةٍ وَعَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ " دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْنَا يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ وَالْآخَرُ يُؤَخِّرُ الْإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ فَقَالَتْ أَيُّهُمَا الَّذِي يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ قُلْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَتْ كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ " وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " لَا تزال امتى بخير ماعجلو الْإِفْطَارَ وَأَخَّرُوا السَّحُورَ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُ عز وجل أَحَبُّ عِبَادِي إلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُؤَذِّنَانِ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ " أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ " تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا قَالَ خَمْسِينَ آيَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ " كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثُمَّ تَكُونُ سُرْعَتِي أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةِ مَاءٍ " وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَكْلَةُ السَّحَرِ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ " رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِهِ بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفِينَ وَفِي الْبَابِ
أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ (وَأَمَّا) مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدِهِمْ الصَّحِيحَةِ عَنْ حَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما كَانَا يُصَلِّيَانِ الْمَغْرِبَ حِينَ يَنْظُرَانِ إلَى اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ ثُمَّ يُفْطِرَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ " فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ الشَّافِعِيُّ كَأَنَّهُمَا يَرَيَانِ تَأْخِيرَ الْفِطْرِ وَاسِعًا لَا أَنَّهُمَا يَتَعَمَّدَانِ فَضِيلَةً فِي ذَلِكَ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما كَانَا يُؤَخِّرَانِ
الْإِفْطَارَ وَأَجَابَ بِأَنَّهُمَا أَرَادَا بَيَانَ جَوَازِ ذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُ التَّعْجِيلِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ ظَاهِرٌ فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ التَّابِعِينَ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَعْجَلَ النَّاسِ إفْطَارًا وَأَبْطَأَهُمْ سَحُورًا "(وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُعَجِّلَ إفْطَارَنَا وَنُؤَخِّرَ سَحُورَنَا وَنَضَعَ أَيْمَانَنَا عَلَى شَمَائِلِنَا فِي الصَّلَاةِ " فَضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ (وَأَصَحُّ) مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهَا وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " نعم سحور المؤمن التمر " * قال المصنف رحمه الله
* {والمستحب أَنْ يُفْطِرَ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فعلى الماء لما روى سلمان بْنِ عَامِرٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا أفطر أحدكم فليفطر علي تمر فان لم يجد فليفطر علي ماء فانه طهور "
* والمستحب أن يقول عِنْدَ إفْطَارِهِ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أفطرت لما روى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا صام ثم أفطر قال اللهم لك صمت وعلي رزقك أفطرت " ويستحب أن يفطر الصأم لما روى زيد بن خالد الجهيني إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " من فطر صائما فله مثل أجره ولا ينقص من أجر الصائم شئ "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَغَرِيبٌ لَيْسَ معروف وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ عَنْ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ وَلَا يُخَلِّلُ بَيْنَهُمَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ سَلْمَانَ السَّابِقُ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ يُفْطِرُ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى حَلَاوَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا أَنْ يُفْطِرَ عَلَى مَا يَأْخُذُهُ بِكَفِّهِ مِنْ النَّهْرِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الشُّبْهَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ شَاذٌّ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ كَمَا صَرَّحَ به الحديث
الصَّحِيحُ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ التَّمْرَ وَنَقَلَ مِنْهُ إلَى الْمَاءِ بِلَا وَاسِطَةٍ
* {فَرْعٌ} ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَمُجَّهُ وَكَأَنَّ هَذَا شَبِيهٌ بِكَرَاهَةِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِكَوْنِهِ يُزِيلُ الْخَلُوفَ (الثَّانِيَةُ) قال المصنف وسائر الاصحاب يستحب ان يدعوا عِنْدَ إفْطَارِهِ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا أَفْطَرَ قَالَ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " وَفِي كِتَابِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةً ما ترد " وكان ابْنُ عَمْرٍو إذَا أَفْطَرَ يَقُولُ " اللَّهُمَّ بِرَحْمَتِكَ التي وسعت كل شئ اغْفِرْ لِي "(الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ الصَّائِمَ وَيُفَطِّرَهُ فِي وَقْتِ الْفِطْرِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِهِ لِلْحَدِيثِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى عَشَائِهِ فَطَّرَهُ عَلَى تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ أَوْ لَبَنٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ بعض الصحابة قال " يارسول اللَّهِ لَيْسَ كُلُّنَا يَجِدُ مَا يُفَطِّرُ الصَّائِمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ أَوْ مزقة لبن " * قال المصنف رحمه الله
* {إذا كان عليه قضاء ايام من رمضان ولم يكن له عذر لم يجز ان يؤخره الي ان يدخل رمضان آخر فان أخره حتي أدركه رمضان آخر وجب عليه لكل يوم مد من طعام لما روى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ
انهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتى ادركه رمضان آخر يطعم عن الاول فان اخره سنتين ففيه وجهان (احدهما) يجب لكل سنة مد لانه تأخير سنة فاشبهت السنة الاولي
(والثانى)
لا يجب للثانية شئ لان القضاء مؤقت بما بين رمضانين فإذا اخره عن السنة الاولي فقد اخره عن وقته فوجبت الكفارة وهذا المعنى لا يوجد فيما بعد السنة الاولي فلم يجب بالتأخير كفارة والمستحب ان يقضي ما عليه متتابعا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ فَلْيَسْرُدْهُ ولا يقطعه " ولان فيه مبادرة إلى اداء الفرض ولان ذلك اشبه بالاداء فان قضاه متفرقا جاز لقوله تعالي (فعدة من ايام اخر) ولانه تتابع وجب لاجل الوقت فسقط بفوات الوقت وان كان عليه قضاء اليوم الاول فصام ونوى به اليوم الثاني فانه يحتمل ان يجزئه لانه تعيين اليوم غير واجب ويحتمل ان لا يجزئه لانه نوى غير ما عليه فلم يجزئه كما لو كان عليه عتق عن اليمين فنوى عتق الظهار
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ فَلْيَسْرُدْهُ وَلَا يَقْطَعْهُ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَاهُ (وَأَمَّا)
الْآثَارُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْإِطْعَامِ فَرَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ فِي إسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَاسِنَادُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ أَيْضًا وَلَفْظُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " مَنْ مَرِضَ ثُمَّ صَحَّ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ قَالَ يَصُومُ الَّذِي أَدْرَكَهُ ثُمَّ يَصُومُ الشَّهْرَ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ وَيُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا " وَلَفْظُ الْبَاقِي بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ الصَّوْمِ (وَقَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ تَتَابُعٌ وَجَبَ لِأَجْلِ الْوَقْتِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ التَّتَابُعِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ أو في النذر الْمُتَتَابِعِ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضِهِ فَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا فِي تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ بِأَنْ اسْتَمَرَّ مَرَضُهُ أَوْ سَفَرُهُ وَنَحْوُهُمَا جَازَ لَهُ التأخير مادام عُذْرُهُ وَلَوْ بَقِيَ سِنِينَ وَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِهَذَا التَّأْخِيرِ وَإِنْ تَكَرَّرَتْ رَمَضَانَات وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ أَدَاءِ رَمَضَانَ بِهَذَا الْعُذْرِ فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ فَإِنْ لم يكن عُذْرٌ لَمْ يَجُزْ التَّأْخِيرُ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ بلا خلاف بل عليه قضاوه قبل مجئ رَمَضَانَ السَّنَةَ الْقَابِلَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّوْمِ
وَالصَّلَاةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى مَا بَعْدَ صَلَاةٍ أُخْرَى مِثْلِهَا بَلْ إلَى سِنِينَ إنَّ تَأْخِيرَ الصَّوْمِ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ تَأْخِيرٌ لَهُ إلَى زَمَنٍ لَا يَقْبَلُ صَوْمَ الْقَضَاءِ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ فَهُوَ كَتَأْخِيرِهِ إلَى الْمَوْتِ فَلَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَلَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ بِلَا عُذْرٍ أَثِمَ وَلَزِمَهُ صَوْمُ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ وَيَلْزَمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَضَاءُ رَمَضَانَ الْفَائِتِ وَيَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْفَائِتِ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ مَعَ الْقَضَاءِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الْمُزَنِيَّ فَقَالَ لَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى مَضَى رَمَضَانَانِ فَصَاعِدًا فَهَلْ يَتَكَرَّرُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ أَمْ يَكْفِي مُدٌّ عَنْ كُلِّ السِّنِينَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) يَتَكَرَّرُ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَخَالَفَهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي مُدٌّ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ السِّنِينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَوْ أَفْطَرَ عُدْوَانًا وَقُلْنَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ فَأَخَّرَ الْقَضَاءَ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مَعَ الْقَضَاءِ فِدْيَتَانِ فِدْيَةٌ لِلْإِفْطَارِ عُدْوَانًا وَأُخْرَى لِلتَّأْخِيرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ
* وَاحْتَجَّ لَهُ الْبَغَوِيّ بِأَنَّ سَبَبَهُمَا مُخْتَلِفٌ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ إنْ عَدَدْنَا الْفِدْيَةَ بِتَعَدُّدِ رَمَضَانَ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَلَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ مَعَ الْإِمْكَانِ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ وَقُلْنَا الْمَيِّتُ يُطْعَمُ عَنْهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ مِنْ تَرِكَتِهِ مُدٌّ عَنْ الصَّوْمِ وَمُدٌّ عَنْ التَّأْخِيرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
وَسَائِرِ أَصْحَابِنَا سِوَى ابْنِ سُرَيْجٍ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ مُدٌّ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْفَوَاتَ يُضْمَنُ بِمُدٍّ وَاحِدٍ كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا غَلَطٌ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ فَصَامَ حَصَلَ تَدَارُكُ أَصْلِ الصَّوْمِ وَيَجِبُ مُدٌّ لِلتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَإِذَا قُلْنَا بالاصح وهو التكرر فَكَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَمَاتَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إلَّا خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَجَبَ فِي تَرِكَتِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا عَشَرَةٌ لِأَجْلِ الصَّوْمِ وَخَمْسَةٌ لِلتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا قَضَاءُ خَمْسَةٍ وَأَمَّا إذَا أَفْطَرَ بِلَا عُذْرٍ وَقُلْنَا يَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فَأَخَّرَ الصَّوْمَ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ وَمَاتَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَالْمَذْهَبُ وجوب ثلاثة امداد لكل يَوْمٍ فَإِنْ تَكَرَّرَتْ
السُّنُونَ زَادَتْ الْأَمْدَادُ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمَضَانَ الثَّانِي مَا يَتَأَتَّى فِيهِ قَضَاءُ جَمِيعِ الْفَائِتِ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الفدية في الحال عما لا يسعه الْوَقْتِ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا فَتَلِفَ قَبْلَ الْغَدِ هَلْ يحنث في الحال أم بعد مجئ الغد
* {فرع} إذ أراد تعجيل فدية التأخير قبل مجئ رَمَضَانَ الثَّانِي لِيُؤَخِّرَ الْقَضَاءَ مَعَ الْإِمْكَانِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ عَنْ الْحِنْثِ الْمُحَرَّمِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرَ كَثِيرَةٍ لَهَا فِي آخِرِ بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ
* {فَرْعٌ} إذَا أَخَّرَ الشَّيْخُ الْهَرِمُ الْمُدَّ عن السنة فالمذهب انه لا شئ عَلَيْهِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ فِي تَكَرُّرِ مُدٍّ آخَرَ لِتَأْخِيرِهِ وَجْهَانِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ (المسألة الثانية) إذا كان عليه قضاء شئ مِنْ رَمَضَانَ يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ مُتَتَابِعًا فَإِنْ فَرَّقَهُ جَازَ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ وَنَوَى بِهِ الْيَوْمَ الثَّانِيَ فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمُتَوَلِّي ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ النِّيَّةِ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الِاحْتِمَالَيْنِ لَهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرَ النَّقْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرِهَا فِي هَذَا الْبَابِ فِي مَسَائِلِ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} إذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضُهُ فَإِنْ كَانَ فَوَاتُهُ بِعُذْرٍ كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَمَرَضٍ وَإِغْمَاءٍ وَسَفَرٍ وَمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ أَوْ أَكَلَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْلٌ فَبَانَ نَهَارًا أَوْ الْمُرْضِعُ وَالْحَامِلُ فَقَضَاؤُهُ عَلَى التَّرَاخِي بِلَا خِلَافٍ مَا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ رَمَضَانَ الْمُسْتَقْبَلَ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ وَإِنْ فَاتَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَوَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ الفائتة بلا عذر (ارجحهما) عند أَكْثَرِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي أَيْضًا (وَالثَّانِي) وهو الصحيح صححه الخراسانيون ومحققوا الْعِرَاقِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي قَضَاءِ الْحَجَّةِ
الْمُفْسَدَةِ (الْأَصَحُّ) عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هذا كله في آخر بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ حُكْمُ الْكَفَّارَةِ وهى كَالصَّوْمِ سَوَاءٌ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا وَجَبَتْ بِسَبَبٍ محرم وغيرها وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي من أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ ثُمَّ يَقْضِي الْأَوَّلَ وَيَلْزَمُهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ فِدْيَةٌ وَهِيَ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ محمد والزهرى والاوزاعي ومالك والثوري واحمد واسحق إلَّا أَنَّ الثَّوْرَيَّ قَالَ الْفِدْيَةُ مُدَّانِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَدَاوُد يَقْضِيهِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا دَامَ سَفَرُهُ وَمَرَضُهُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْأَعْذَارِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ الثَّانِي فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَصُومُ رَمَضَانَ الْحَاضِرَ ثُمَّ يَقْضِي الْأَوَّلَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بن ابى سليمان والاوزاعي ومالك واحمد واسحق وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ وَدَاوُد قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ يَصُومُ رَمَضَانَ الْحَاضِرَ عَنْ الْحَاضِرِ وَيُفْدِي عَنْ الْغَائِبِ وَلَا قَضَاءَ عليه
*
{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَفْرِيقِ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَتَتَابُعِهِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَتَابُعُهُ وَيَجُوزُ تَفْرِيقُهُ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ ابي طالب ومعاذ ابن جَبَلٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ والثوري وابو حنيفة ومالك واحمد واسحق وابي ثَوْرٍ رضي الله عنهم وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالنَّخَعِيِّ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ التَّتَابُعُ قَالَ دَاوُد هُوَ وَاجِبٌ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ التَّتَابُعُ وَالتَّفْرِيقُ سَوَاءٌ وَلَا فَضِيلَةَ فِي التَّتَابُعِ
* {فَرْعٌ} يَجُوزُ قَضَاءُ رَمَضَانَ عِنْدَنَا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ غَيْرَ رَمَضَانَ الثاني وأيام العيد والتشريق ولا كراهة في شئ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ ذُو الْحِجَّةِ وَغَيْرُهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَحْمَدَ واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَرِهَ قَضَاءَهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ قَالَ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَعِدَّةٌ من أيام أخر)
*
* قال المصنف رحمه الله تعالي
*
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ غَرِيبٌ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ عِبَادَةٌ تَجِبُ بِإِفْسَادِهَا الكفارة
احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَاةِ (وَقَوْلُهُ) عِبَادَةٌ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَجِّ فِي حَقِّ الْمَعْضُوبِ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضُهُ فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا فِي تَفْوِيتِ الْأَدَاءِ وَدَامَ عُذْرُهُ إلَى الْمَوْتِ كَمَنْ اتَّصَلَ مَرَضُهُ أَوْ سَفَرُهُ أَوْ إغْمَاؤُهُ أَوْ حَيْضُهَا أَوْ نِفَاسُهَا أَوْ حَمْلُهَا أَوْ إرضاعها ونحو ذلك بالموت لم يجب شئ عَلَى وَرَثَتِهِ وَلَا فِي تَرِكَتِهِ لَا صِيَامَ وَلَا إطْعَامَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ قَضَائِهِ سَوَاءٌ فَاتَهُ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ وَلَا يَقْضِيهِ حَتَّى يَمُوتَ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَشْهَرُهُمَا وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ وَلَا يَصِحُّ صِيَامُ وَلِيِّهِ
عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَأَكْثَرِ الْقَدِيمَةِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ وَيَصِحُّ ذَلِكَ وَيُجْزِئُهُ عَنْ الْإِطْعَامِ وَتَبْرَأُ بِهِ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ ولكن لا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ الصَّوْمُ بَلْ هُوَ إلَى خِيَرَتِهِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَسَأُفْرِدُ لَهُ فَرْعًا أَبْسُطُ أدلته فيه إن شاء الله تعالي
* قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ فَأَمَرَ الْوَلِيُّ أَجْنَبِيًّا فَصَامَ عَنْ الْمَيِّتِ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا جَازَ بِلَا خِلَافٍ كَالْحَجِّ وَلَوْ صَامَ الْأَجْنَبِيُّ مُسْتَقِلًّا بِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُجْزِئُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا (وأما) المراد بالولي الذى يصوم عنه فقال إمام الحرمين يحتمل ان يكون من له الولاية يعني ولاية المال ويحتمل مطلق القرابة ويحتمل أن يشترط الارث ويحتمل أن يشترط العصوبة ثم توقف الامام فيه وقال لا نقل فيه عندي قال الرافعى وإذا فحصت عن نظائره وجدت الاشبه اعتبار الارث هذا كلام الرافعي وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ أَنَّهُ مطلق القرابة قال لان الولى مشتق من الولي باسكان اللام وهو القرب فيحمل عليه ما لم يدل دليل علي خلافه وهذا الذى اختاره أبو عمر وهو الاصح المختار وفي صحيح مسلم من رواية ابن عباس ومن رواية بُرَيْدَةَ " إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لامرأة ماتت أمها وعليها صوم صومي عن امك " وهذا يبطل احتمال الولاية والعصوبة فالصحيح ان الولي مطلق القرابة واحتمال الارث ليس ببعيد والله اعلم
* {فرع} قد ذكرنا فيمن مات وعليه صوم وتمكن منه فلم يصمه حتى مات انه علي قولين (الجديد) المشهو في المذهب وصححه اكثر الاصحاب انه يجب الاطعام عنه لكل يوم مد من طعام ولا يجزئ الصيام عنه وبالغ الاصحاب في تقوية هذا القول وانه مذهب للشافعي حتى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هُوَ نص الشافعي في كتبه القديمة والجديدة قال وحكي عنه انه قال في بعض كتبه القديمة
يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ قَالَ وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهُ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ لِأَنَّهُ قال فيه قد روى ولك فِي ذَلِكَ خَبَرٌ فَإِنْ صَحَّ قُلْتُ بِهِ فجعله قولا ثانيا فال وَأَنْكَرَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا أَنْ يَكُونَ صَوْمُ الْوَلِيِّ عَنْهُ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه
وَتَأَوَّلُوا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " إنْ صَحَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِطْعَامُ أَيْ يَفْعَلُ عَنْهُ مَا يَقُومُ مَقَامَ الصِّيَامِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ بِأَنَّ الْحَجَّ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ فِي الْحَيَاةِ وَلَا تَدْخُلُ الصَّوْمَ النِّيَابَةُ فِي الْحَيَاةِ بِلَا خِلَافٍ هذا هو المشهور عند الاصحاب (والقول الثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ جَازَ فَهُوَ عَلَى الْقَدِيمِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ هَكَذَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَلَى الْقَدِيمِ وَهَذَا الْقَدِيمُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يارسول اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا فَقَالَ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دين أكنت قاضيه عنها قال نعم قال فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ " جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالت.
يارسول اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ أَفَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا تَعْلِيقًا بِمَعْنَاهُ وَعَنْ بريدة قال " بينا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ أتته امرأة فقالت يارسول اللَّهِ إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ قالت يارسول اللَّهِ إنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ صُومِي عَنْهَا قَالَتْ إنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ حُجِّي عَنْهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتْ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ إنْ اللَّهُ نَجَّاهَا أَنْ تَصُومَ شَهْرًا فَنَجَّاهَا اللَّهُ سبحانه وتعالى فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ فَجَاءَتْ بِنْتُهَا أَوْ أُخْتُهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ في السنن الكبير هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَأَحَادِيثَ كَثِيرَةً بِمَعْنَاهَا ثُمَّ قَالَ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ الصِّيَامِ قَالَ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ قَالَ فِي الْقَدِيمِ قَدْ رُوِيَ فِي الصوم عن الميت شئ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا صِيمَ عَنْهُ كَمَا يُحَجُّ عَنْهُ (وَأَمَّا) فِي الْجَدِيدِ فَقَالَ رَوَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ يصوم عنه وليه " قال وإنما لم أخذ بِهِ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ مَعَ حِفْظِ الزُّهْرِيِّ وَطُولِ مُجَالَسَةِ عُبَيْدِ الله لابن عَبَّاسٍ فَلَمَّا رَوَى غَيْرُهُ عَنْ
رجل عن ابن عباس غير مافى حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَشْبَهَ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْفُوظًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَعْنِي بِهِ حَدِيثَ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عن ابن عَبَّاسٍ " أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اقْضِهِ عَنْهَا " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ إلَّا أَنَّ في رواته سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ " يَعْنِي عَنْ الصَّوْمِ عَنْ أُمِّهَا وكذلك رواه الحكم بن عيينة وسلمة بن كهيل عن مجاهد عن ابن عباس وفى رواية عن مجاهد عن ابن عباس وفى رواية عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ بُرَيْدَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ قَدْ ثَبَتَ جَوَازُ قَضَاءِ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ بِرِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي رِوَايَةِ أَكْثَرِهِمْ " أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ " وَقَدْ ثَبَتَ الصَّوْمُ عَنْهُ من رواية عائشة ورواية لم بُرَيْدَةَ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِتَابَيْنِ فَالْأَشْبَهُ أن تكون قصة السؤال عَنْ الصِّيَامِ بِعَيْنِهِ غَيْرُ قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الَّتِي سَأَلَ فِيهَا عَنْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ الصَّوْمُ عَنْهُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يُضَعِّفُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَا رَوَى عن بريدة بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ حَجَّاجِ الْأَحْوَلِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَيُطْعِمُ عَنْهُ " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ يُطْعِمُ عَنْهُ وَفِي النَّذْرِ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ قَالَ وَرَأَيْتُ بَعْضَهُمْ ضَعَّفَ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ امْرَأَةٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ قَالَتْ يُطْعَمُ عَنْهَا وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ " لَا تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ وَأَطْعِمُوا عَنْهُمْ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرُوا مَا يُوجِبُ ضَعْفَ الْحَدِيثِ فِي الصِّيَامِ عَنْهُ لِأَنَّ مَنْ يُجَوِّزُ الصِّيَامَ عَنْ الْمَيِّتِ يُجَوِّزُ الْإِطْعَامَ عَنْهُ قَالَ وَفِيمَا رُوِيَ عَنْهَا فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ نَظَرٌ وَالْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ أَصَحُّ إسْنَادًا وَأَشْهَرُ رِجَالًا وَقَدْ أَوْدَعَهَا صَاحِبَا الصَّحِيحَيْنِ كِتَابَيْهِمَا وَلَوْ وَقَفَ الشَّافِعِيُّ عَلَى جَمِيعِ طُرُقِهَا وَنَظَائِرِهَا لَمْ يُخَالِفْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ قُلْتُ الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِجَوَازِ صَوْمِ الْوَلِيِّ
عَنْ الْمَيِّتِ سَوَاءٌ صوم رمضان والنذر وغيره من الصوم الواحب لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَلَا مُعَارِضَ لَهَا وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي وَاتْرُكُوا قَوْلِي الْمُخَالِفَ لَهُ وَقَدْ صَحَّتْ فِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَمَا سَبَقَ وَالشَّافِعِيُّ إنَّمَا وَقَفَ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ بَعْضِ طُرُقِهِ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى جَمِيعِ طُرُقِهِ وَعَلَى حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُخَالِفْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ فَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ
فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهَا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ لَهَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْإِطْعَامِ عَنْهُ فَقَدْ سَبَقَ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ لَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ وَإِنَّمَا رَفَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي يَمُوتُ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ لَمْ يَقْضِهِ قَالَ " يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ بُرٍّ " قال البيهقى هذا خطأ من وحهين (أَحَدُهُمَا) رَفْعُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ (الثَّانِي) قَوْلُهُ نِصْفُ صَاعٍ فَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ قُلْتُ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِ محمد ابن ابي ليلي وانه لا يحتح بِرِوَايَتِهِ وَإِنْ كَانَ إمَامًا فِي الْفِقْهِ (وَأَمَّا) مَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مِنْ تَضْعِيفِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ بِمُخَالَفَتِهِمَا لِرِوَايَتِهِمَا فَغَلَطٌ مِنْ زَاعِمِهِ لِأَنَّ عَمَلَ الْعَالِمِ وَفُتْيَاهُ بِخِلَافِ حَدِيثٍ رَوَاهُ لَا يُوجِبُ ضَعْفَ الْحَدِيثِ وَلَا يَمْنَعُ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ في كتب المحدثين والاصوليين لاسيما وَحَدِيثَاهُمَا فِي إثْبَاتِ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ فِي الصَّحِيحِ وَالرِّوَايَةُ عَنْ عَائِشَةَ فِي فُتْيَاهَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهَا بِمَنْعِ الصَّوْمِ ضَعِيفٌ لَمْ يُحْتَجَّ بها لو لم يعارضها شئ كَيْفَ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَأَمَّا) تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَ مِنْ أَصْحَابِنَا " صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " أَيْ أَطْعَمَ بَدَلَ الصِّيَامِ فَتَأْوِيلٌ بَاطِلٌ يَرُدُّهُ باقى الا حديث
* {فَرْعٌ} إذَا قُلْنَا لَا يُصَامُ عَنْ الْمَيِّتِ بَلْ يُطْعَمُ عَنْهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ رَمَضَانَ الثَّانِي أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مجئ رَمَضَانَ الثَّانِي فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَحَدُهُمَا) قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ يُطْعَمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ (وَأَصَحُّهُمَا) عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ
أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَاتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً مَعَ نَظَائِرِهَا قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ بِقَلِيلٍ وَسَبَقَ تَفْرِيعٌ كَثِيرٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ
* {فَرْعٌ} حُكْمُ صَوْمِ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ (فَفِي) الْجَدِيدِ يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ (وَفِي) الْقَدِيمِ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ وَلَهُ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ كَمَا سَبَقَ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْقَدِيمُ كَمَا سَبَقَ
* {فَرْعٌ} إذَا قُلْنَا إنَّهُ يجوز صوم الولى عن الميت وصوم الاجنبي باذن الْوَلِيِّ فَصَامَ عَنْهُ ثَلَاثُونَ إنْسَانًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ هَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ صَوْمِ جَمِيعِ رَمَضَانَ فَهَذَا مِمَّا لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ
* {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَلَا يُصَامُ عَنْ أَحَدٍ فِي حَيَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ عَاجِزًا أَوْ قَادِرًا
*
{فَرْعٌ} لَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ اعْتِكَافٌ لَمْ يَفْعَلْهُمَا عَنْهُ وَلِيُّهُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْفِدْيَةِ صَلَاةٌ وَلَا اعْتِكَافٌ
* هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ فِي الام وغيره ونقل الْبُوَيْطِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الِاعْتِكَافِ يعتكف عنه وليه وفى وراية يُطْعِمُ عَنْهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ هَذَا فِي الصَّلَاةِ فَيُطْعَمُ عَنْ كُلِّ صَلَاةٍ مُدٌّ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْإِطْعَامِ فِي الِاعْتِكَافِ فَالْقَدْرُ الْمُقَابِلُ بِالْمُدِّ هُوَ اعْتِكَافُ يَوْمٍ بِلَيْلَتِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ نَقْلِ شَيْخِهِ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ اعْتِكَافَ لَحْظَةٍ عِبَادَةٌ تَامَّةٌ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّ الصَّيْدَلَانِيَّ حَكَى أَنَّهُ يُطْعَمُ فِي الِاعْتِكَافِ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ قَالَ وَلَمْ أَجِدْ هَذَا لِغَيْرِ الصَّيْدَلَانِيِّ
* {فَرْعٌ} فِي حُكْمِ الْفِدْيَةِ وَبَيَانِهَا سَوَاءٌ الْفِدْيَةُ الْمُخْرَجَةُ عَنْ الميت وعن المرضع وَالْحَامِلِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَمَنْ عَصَى بِتَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ وَمَنْ أَفْطَرَ عَمْدًا وَأَلْزَمْنَاهُ الْفِدْيَةَ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ فدية في الصَّوْمِ وَهِيَ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ لِكُلِّ يَوْمٍ جِنْسُهُ جِنْسُ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَيُعْتَبَرُ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ فِي أَصَحِّ الْأَوْجُهِ وَفِي الثَّانِي قُوتُ نَفْسِهِ
وَفِي الثَّالِثِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَقْوَاتِ ويجئ فِيهِ الْخِلَافُ وَالتَّفْرِيعُ السَّابِقُ هُنَاكَ وَلَا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ وَلَا السَّوِيقُ وَلَا الْحَبُّ الْمَعِيبُ وَلَا الْقِيمَةُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ هُنَاكَ وَمَصْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ أَوْ الْمَسَاكِينُ وَكُلُّ مُدٍّ مِنْهَا مُنْفَصِلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ صَرْفُ أَمْدَادٍ كَثِيرَةٍ عَنْ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ وَالشَّهْرِ الْوَاحِدِ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ أَوْ فَقِيرٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ إمْدَادِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ صَرْفُ كُلِّ مُدٍّ إلَى مِسْكِينٍ وَلَا يُصْرَفُ إلَى مِسْكِينٍ مِنْ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ مدان لان الكفارة شئ وَاحِدٌ (وَأَمَّا) الْفِدْيَةُ عَنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ فَكُلُّ يوم مستقل بِنَفْسِهِ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ مَا قَبْلَهُ وَلَا مَا بَعْدَهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِمَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ فَاتَهُ بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَعْذَارِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قَضَائِهِ حَتَّى مَاتَ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لا شئ عَلَيْهِ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ وَلَا يُطْعَمُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا طَاوُسًا وَقَتَادَةَ فَقَالَا يَجِبُ أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ فَأَشْبَهَ الشَّيْخَ الْهَرِمَ
* وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا لِمَذْهَبِنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* واحتجو أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَجِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْخِ الْهَرِمِ بِأَنَّ الشَّيْخَ عَامِرُ الذِّمَّةِ وَمِنْ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ تَمَكَّنَ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَمْ يَصُمْهُ حَتَّى مَاتَ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فِي مَذْهَبِنَا قَوْلَيْنِ (أَشْهُرُهُمَا) يُطْعَمُ عَنْهُ لكل يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ (وَأَصَحُّهُمَا) فِي الدَّلِيلِ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَمِمَّنْ قَالَ بِالصِّيَامِ عَنْهُ طَاوُسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وداود وقال ابن عباس وأحمد وإسحق
يُصَامُ عَنْهُ صَوْمُ النَّذْرِ وَيُطْعَمُ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يُطْعَمُ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ الصِّيَامُ عَنْهُ لَكِنْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يُطْعَمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ
*
{فَرْعٌ} فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ الصِّيَامِ
(إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِمَا رَوَاهُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ " إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عمر
قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ والتوفيق لما تجب وَتَرْضَى رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ " رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ سُنَنِهِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ " بَلَغَنِي أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ آمَنْتُ بِاَلَّذِي خَلَقَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا " هَكَذَا رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَذْكَارٌ أُخَرُ ذَكَرْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يَدْعُوَ فِي حَالِ صَوْمِهِ بِمُهِمَّاتِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا لَهُ وَلِمَنْ يُحِبُّ وَلِلْمُسْلِمِينَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالْمَظْلُومُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَكَذَا الرِّوَايَةُ حَتَّى بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ فَيَقْتَضِي اسْتِحْبَابُ دُعَاءِ الصَّائِمِ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ إلَى آخِرِهِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى صَائِمًا فِي كُلِّ ذَلِكَ (الثَّالِثَةُ) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا يَقُولُ أَحَدُكُمْ إنِّي صُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَقُمْتُهُ فَلَا أَدْرِي أَكَرِهَ التَّزْكِيَةَ أَوْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ نَوْمَةٍ أَوْ رَقْدَةٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ أَوْ صَحِيحَةٍ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا صَاحِبُ الْبَيَانِ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ صَمْتُ
يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ لِلصَّائِمِ وَلِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ " حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا ينم بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ " دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ فَرَآهَا لَا تَتَكَلَّمُ فقال مالها لَا تَتَكَلَّمُ فَقَالُوا حَجَّتْ مُصْمِتَةً فَقَالَ لَهَا تَكَلَّمِي فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ هَذَا مِنْ عمل الجاهلية فتكلمت " رواه البخاري في صححيه (قَوْلُهُ) امْرَأَةٌ مِنْ أَحْمَسَ هُوَ بِالْحَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهِيَ
قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِمْ أَحْمَسِيُّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ نُسُكِهِمْ الصُّمَاتُ وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَعْتَكِفُ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ فَيَصْمُتُ لَا يَنْطِقُ فَنُهُوا يَعْنِي فِي الْإِسْلَامِ عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا بِالذِّكْرِ وَالْحَدِيثِ بِالْخَيْرِ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَعْرُوفُ لِأَصْحَابِنَا وَلِغَيْرِهِمْ أَنَّ الصَّمْتَ إلَى اللَّيْلِ مَكْرُوهٌ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ بِتَرْكِ الْكَلَامِ فِي رَمَضَانَ جُمْلَةً وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ لَمْ يُلَازِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الصَّمْتَ فِي رَمَضَانَ لَكِنْ لَهُ أَصْلٌ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا وَهُوَ قِصَّةُ زَكَرِيَّا عليه السلام (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فلن أكلم اليوم انسيا) أَرَادَ بِالصَّوْمِ الصَّمْتَ فَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا يَلْزَمُنَا عِنْدَ عَدَمِ النَّهْيِ جَعَلَ ذَلِكَ قُرْبَةً وَمَنْ قَالَ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَا يَلْزَمُنَا قَالَ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَهُوَ كَلَامٌ بَنَاهُ علي أن شَرْعِنَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَهُوَ الصَّوَابُ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشافعي والاصحاب رحمهم الله تعالي الْجُودُ وَالْأَفْضَالُ يُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَهُوَ فِي رَمَضَانَ آكَدُ وَيُسَنُّ زِيَادَةُ الِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ " رواه البخاري وسلم قال العلماء (قوله) كَالرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ أَيْ فِي الْإِسْرَاعِ وَالْعُمُومِ وَعَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا دَخَلَ العشر الاواخر أحيى اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " كَانَ يَجْتَهِدُ فِي العشر الاواخر مالا يجتهد
فِي غَيْرِهِ " وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَيَرْفَعُ الْمِئْزَرَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أنس قال " قيل يارسول اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ صَدَقَةُ رَمَضَانَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْجُودُ وَالْأَفْضَالُ مُسْتَحَبٌّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالسَّلَفِ وَلِأَنَّهُ
شَهْرٌ شَرِيفٌ فَالْحَسَنَةُ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ النَّاسَ يَشْتَغِلُونَ فِيهِ بِصِيَامِهِمْ وزيادة طاعاتهم عَنْ الْمَكَاسِبِ فَيَحْتَاجُونَ إلَى الْمُوَاسَاةِ وَإِعَانَتِهِمْ
* {فَرْعٌ} قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى عِيَالِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَأَنْ يُحْسِنَ إلَى أرحامه وجيرانه لاسيما فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ (السَّادِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا السُّنَّةُ كَثْرَةُ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ وَمُدَارَسَتِهِ وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ غَيْرُهُ عليه للحديث السابق قريبا عن ابن عباس ويسن الاعتكاف فيه وآكده الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كان يعتكف الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ " رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مَعْنَاهُ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُولَى وَالْعَشْرَ الْوَسَطَ مِنْ رَمَضَانَ " مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ صَوْنُ نَفْسِهِ فِي رَمَضَانَ عَنْ الشَّهَوَاتِ فَهُوَ سِرُّ الصَّوْمِ وَمَقْصُودُهُ الْأَعْظَمُ وَسَبَقَ أَنَّهُ يَحْتَرِزُ عَنْ الْغِيبَةِ وَالْكَلَامِ القبيح والمشاتمة والمسافهة وكل مالا خَيْرَ فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ احْتِلَامٍ عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي تَأْخِيرِهِ مَحْمُولَةٌ على بيان الجواز والا فالكثير من مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَقْدِيمُهُ عَلَى الْفَجْرِ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ السِّوَاكُ بَعْدَ الزَّوَالِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ صَوْمِ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَا يُكْرَهُ فِي النَّفْلِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنْ الرِّيَاءِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ غَرِيبٌ أَنَّ السِّوَاكَ لَا يُكْرَهُ فِي كُلِّ صَوْمٍ لَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا بَعْدَهُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ السِّوَاكِ مَبْسُوطَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا اسْتَاكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ السِّوَاكِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ بِشَرْطِ أَنْ يَحْتَرِزَ عن ابتلاع شئ مِنْهُ أَوْ مِنْ رُطُوبَتِهِ فَإِنْ ابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ وَالِاسْتِيَاكُ قَبْلَ الزَّوَالِ بِالرَّطْبِ وَالْيَابِسِ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعُرْوَةُ وَمُجَاهِدٌ وَأَيُّوبُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثور وداود كرهه بِالرَّطْبِ جَمَاعَةٌ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَكَمِ وَقَتَادَةَ ومالك واحمد واسحق وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ
وَعَائِشَةُ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَكَرِهَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ عطاء ومجاهد واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ (الْعَاشِرَةُ) قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْحَيْضَ والنفاس والجنون والردة كل واحد منها يُبْطِلُ الصَّوْمَ سَوَاءٌ طَالَ أَمْ كَانَ لَحْظَةً مِنْ النَّهَارِ وَصَوْمُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ صَحِيحٌ وَاَلَّذِي لَا يُمَيِّزُ لَا يَصِحُّ وَكَذَا لَا يَصِحُّ صَوْمُ السَّكْرَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا شَرْطُ الصَّوْمِ الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ إلَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمَ كَمَا سَبَقَ فِيهِمَا وَالنَّقَاءُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْوَقْتُ الْقَابِلُ للصوم احترازا عَنْ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَدَّمَتْ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ كُلِي فَقَالَتْ إنِّي صَائِمَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّائِمُ تُصَلِّي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ إذَا أُكِلَ عِنْدَهُ حَتَّى يَفْرُغُوا " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حديث حسن
* [باب صوم التطوع](والايام التي نهى عن الصوم فيها) * قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ " من صام رمضان ثم أتبعه ستا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ " وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَاسْمُ أَبِي أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيِّ بِالنُّونِ وَالْجِيمِ شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ أَوْ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ " مِنْ غَيْرِ هَاءِ التَّأْنِيثِ فِي آخِرِهِ هَذِهِ لُغَةُ الْعَرَبِ الْفَصِيحَةُ الْمَعْرُوفَةُ يَقُولُونَ صُمْنَا خَمْسًا وَصُمْنَا سِتًّا وَصُمْنَا عَشْرًا وَثَلَاثًا وَشَبَهُ ذَلِكَ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مُذَكَّرَا وَهُوَ الْأَيَّامُ فَمَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِذِكْرِ الْأَيَّامِ يَحْذِفُونَ الْهَاءَ فَإِنْ ذَكَرُوا الْمُذَكَّرَ أَثْبَتُوا الْهَاءَ فَقَالُوا صُمْنَا سِتَّةَ أَيَّامٍ وَعَشْرَةَ أَيَّامٍ وَشَبَهُ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي جَوَازِهِ وَمِمَّنْ نَقَلَهُ عَنْ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْمَشْهُورِينَ وَفُضَلَائِهِمْ الْمُتْقِنِينَ وَمُعْتَمَدِيهِمْ الْمُحَقِّقِينَ الْفَرَّاءُ ثُمَّ ابْنُ السِّكِّيتِ
وغيرهما من المتقدمين والمتأخرين قال أبو إسحق الزجاج وفى تَفْسِيرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) إجْمَاعُ أَهْلِ اللُّغَةِ سِرْنَا خَمْسًا بَيْنَ يَوْمٍ وليلة وأنشد الجعدى
* فطفت ثَلَاثًا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
* وَمِمَّا جَاءَ مِثْلَهُ في القرآن العظيم قوله تعالى (والمطلقات يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا) مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ من اليوم العاشر وتدخل الليلة الحادية عشر ومئله قَوْلُهُ سبحانه وتعالى (يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إلا عشرا) أَيْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْبَابِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِتَغْلِيبِ اللَّيَالِي عَلَى الْأَيَّامِ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ اللَّيْلُ فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيَالِي هِيَ الْأَوَائِلُ غَلَبَتْ لِأَنَّ الْأَوَائِلَ أَقْوَى وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الْعَرَبِ خَرَجْنَا لَيَالِيَ الْفِتْنَةِ وَخِفْنَا لَيَالِيَ إمَارَةِ الْحَجَّاجِ وَالْمُرَادُ الْأَيَّامُ بِلَيَالِيِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ صَوْمُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ ان يصومها متتايعة فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ فَإِنْ فَرَّقَهَا أَوْ أَخَّرَهَا عن أول شَوَّالٍ جَازَ وَكَانَ فَاعِلًا لِأَصْلِ هَذِهِ السُّنَّةِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَإِطْلَاقِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وداود
* وقال مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ صَوْمُهَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَصَوْمُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ يَصُومُهَا وَلَمْ يَبْلُغْهُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ وَأَنْ يُلْحِقَ بِرَمَضَانَ أَهْلُ الْجَفَاءِ وَالْجَهَالَةِ مَا لَيْسَ مِنْهُ لَوْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ رُخْصَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ هَذَا كَلَامُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ
* وَدَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ السَّابِقُ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ (وَأَمَّا) قَوْلُ مَالِكٍ لَمْ أَرَ أَحَدًا يَصُومُهَا فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الْكَرَاهَةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ ثَبَتَتْ فِي ذَلِكَ بِلَا مُعَارِضٍ فَكَوْنُهُ لَمْ يَرَ لَا يَضُرُّ وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى ذَلِكَ فَيُعْتَقَدُ وُجُوبُهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ يُكْرَهُ صَوْمُ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَسَائِرِ الصَّوْمِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ وَهَذَا لا يقوله أحد * قال المصنف رحمه الله
*
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ قَالَ " عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالسَّنَةَ الْبَاقِيَةَ " وَحَدِيثُ أُمِّ الْفَضْلِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ الْفَضْلِ وَرَوَيَا أَيْضًا مِثْلَهُ مِنْ رِوَايَةِ أُخْتِهَا مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَاسْمُ أُمِّ
الْفَضْلِ لُبَابَةُ الْكُبْرَى وَهِيَ أُمُّ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِخْوَتِهِ وَكَانُوا سِتَّةَ نُجَبَاءَ وَلَهَا أُخْتٌ يُقَالُ لَهَا لُبَابَةُ الصُّغْرَى وَهِيَ أُمُّ خَالِدِ بْنِ الواليد وكن عشر أخوات وميمونة بنت الحرث أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ إحْدَاهُنَّ وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ بَعْدَ خَدِيجَةَ رضي الله عنهما (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ بِعَرَفَةَ (وَأَمَّا) الْحَاجُّ الْحَاضِرُ فِي عَرَفَةَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لَهُ فِطْرُهُ لِحَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ لَهُ صَوْمُهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ كَرَاهَتَهُ عَنْ كَثِيرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ الْكَرَاهَةَ بَلْ قَالُوا يُسْتَحَبُّ فِطْرُهُ كَمَا قَالَهُ الشافعي (وأما) قول المصنف وامام الحرمين لا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْحَاجِّ فَعِبَارَةٌ نَاقِصَةٌ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ اسْتِحْبَابَ فِطْرِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ
* وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَجْهُولٌ وَعَنْ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ " سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ قَالَ حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَصُمْهُ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَصُمْهُ وَمَعَ عُمَرَ فَلَمْ يَصُمْهُ وَمَعَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَصُمْهُ فَأَنَا لَا أَصُومُهُ وَلَا آمُرُ بِهِ وَلَا أَنْهَى عنه " وراه التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ لَا دَلَالَةَ فِيهِمَا لِمَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ ضَعِيفٌ وَالثَّانِيَ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ وَإِنَّمَا هُوَ خِلَافُ الْأَفْضَلِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ
* {فَرْعٌ} ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِلْحَاجِّ بِعَرَفَةَ الْفِطْرُ يَوْمَ عَرَفَةَ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ الشَّخْصُ مِمَّنْ لَا يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ عَنْ الدُّعَاءِ وَأَعْمَالِ الْحَجِّ فَالصَّوْمُ أَوْلَى لَهُ وَإِلَّا فَالْفِطْرُ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ إنْ كَانَ قَوِيًّا وَفِي الشِّتَاءِ وَلَا يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ عَنْ الدُّعَاءِ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ لَهُ قَالَ وَبِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ وَعَطَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ
وَالْآثَارِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ لَوْ عَلِمَ الرَّجُلُ أَنَّ الصَّوْمَ بِعَرَفَةَ لَا يُضْعِفُهُ فَصَامَهُ كَانَ حَسَنًا وَاخْتَارَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا وَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ الْفِطْرِ مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أصحابنا وصرجوا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ فِطْرِهِ وَرَوَاهُ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ غَيْرَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي العاص الصحابي وعائشة واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ اسْتِحْبَابَ الصَّوْمِ وَاسْتَحَبَّهُ عَطَاءٌ فِي الشِّتَاءِ وَالْفِطْرَ فِي الصَّيْفِ وَقَالَ قَتَادَةُ لَا باس
بِالصَّوْمِ إذَا لَمْ يُضْعِفْ عَنْ الدُّعَاءِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ الْفِطْرُ بِعَرَفَةَ وَدَلِيلُنَا مَا سَبَقَ
* {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِلْحَاجِّ فِطْرُ عَرَفَةَ لِيَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ هَكَذَا عَلَّلَهُ الشافعي والاصحاب قال الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلِأَنَّ الْحَاجَّ ضَاحٍ مُسَافِرٌ وَالْمُرَادُ بِالضَّاحِي الْبَارِزُ لِلشَّمْسِ لِأَنَّهُ يَنَالُهُ مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصُومَ مَعَهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ يَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ وَإِنْ كَانَ يَوْمَ دُعَاءٍ وَسَبَقَ هُنَاكَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّ الْوُقُوفَ يَكُونُ آخِرَ النَّهَارِ وَوَقْتَ تَأْثِيرِ الصَّوْمِ مَعَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ وَالِاسْتِسْقَاءُ يَكُونُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ قَبْلَ ظُهُورِ أَثَرِ الصِّيَامِ مَعَ أَنَّهُ مُقِيمٌ
* {فَرْعٌ} قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ هَكَذَا ذَكَرُوهُ هُنَا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ
* {فَرْعٌ} قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يَوْمُ عَرَفَةَ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ اُخْتُلِفَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَيُّهُمَا أفضل فقل بَعْضُهُمْ يَوْمُ عَرَفَةَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ صِيَامَهُ كَفَّارَةَ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَرِدْ مِثْلُهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " خير يوم طلعت فيه الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ " هَذَا كَلَامُ السَّرَخْسِيِّ وَالْمَشْهُورُ تَفْضِيلُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَسَنُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ فِي فَصْلِ
الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَفِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي تَعْلِيقِ الطلاق في تعليق عَلَى أَفْضَلِ الْأَيَّامِ وَمِمَّا يَدُلُّ لِتَرْجِيحِ يَوْمِ عَرَفَةَ أَنَّهُ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ وَلِأَنَّهُ جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مامن يَوْمٍ يُعْتِقُ اللَّهُ فِيهِ مِنْ النَّارِ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ "
* {فَرْعٌ} قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمِ عَرَفَةَ " يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْمُسْتَقْبِلَةَ " قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي فِيهِ تَأْوِيلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ ذُنُوبَ سَنَتَيْنِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْصِمُهُ في هاتين السنتين فلا يعص فِيهِمَا وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ أَمَّا السَّنَةُ الْأُولَى فَتُكَفِّرُ ما جرى فيها قال واختلف الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى تَكْفِيرِ السَّنَةِ الْبَاقِيَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وقال بعضهم معناه إذا ارتكب فيها مَعْصِيَةً جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ الْمَاضِي كَفَّارَةً لَهَا كَمَا جَعَلَهُ مُكَفِّرًا لِمَا فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْصِمُهُ فِي السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ عَنْ ارْتِكَابِ مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى كَفَّارَةٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فِي تَكْفِيرِ السَّنَةِ الْأُخْرَى يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
الْمُرَادُ السَّنَةُ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ مَاضِيَتَيْنِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ أَرَادَ سَنَةً مَاضِيَةً وَسَنَةً مُسْتَقْبَلَةً قَالَ وهذا لا يوجد مثله في شئ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ الزَّمَانَ الْمُسْتَقْبَلَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ خَاصٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَيْنِ
الِاحْتِمَالَيْنِ بِحُرُوفِهِمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَكُلُّ مَا يَرِدُ فِي الْأَخْبَارِ مِنْ تَكْفِيرِ الذُّنُوبِ فَهُوَ عِنْدِي مَحْمُولٌ عَلَى الصَّغَائِرِ دُونَ الْمُوبِقَاتِ هَذَا كَلَامُهُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مَا يُؤَيِّدُهُ فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَا مِنْ إمرى مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إلَّا كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرَةٌ وَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الصلاة الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ ما لم تغش الكبائر " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يقول " الصلوات الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ مكفرات لما بينهن من الذنوب إذا اجتنب الْكَبَائِرُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قُلْتُ وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَأْوِيلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ كَبَائِرُ فَإِنْ كَانَتْ كَبَائِرَ لم يكفر شيئا لا الكبائر لَا الْكَبَائِرَ وَلَا الصَّغَائِرَ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ كُلَّ الذُّنُوبِ
الصَّغَائِرِ وَتَقْدِيرُهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلَّا الْكَبَائِرَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ غُفْرَانِ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ الْكَبَائِرَ إنَّمَا تُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ أو رحمة الله تعالي (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ وَوَقَعَ فِي الصَّحِيحِ غَيْرُهَا مِمَّا فِي مَعْنَاهَا فَإِذَا كَفَّرَ الْوُضُوءُ فَمَاذَا تُكَفِّرُهُ الصلاة وإذا كفرت الصَّلَوَاتُ فَمَاذَا تُكَفِّرُهُ الْجُمُعَات وَرَمَضَانُ وَكَذَا صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ وَذَلِكَ كَصَلَوَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالصِّبْيَانِ وَصِيَامِهِمْ وَوُضُوئِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عِبَادَاتِهِمْ وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْأَشْرَافِ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ فِي بَابِ الْتِمَاسِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " قَالَ هَذَا قَوْلٌ عام يرجى لم قَامَهَا إيمَانًا وَاحْتِسَابًا أَنْ تُغْفَرَ لَهُ جَمِيعُ ذنوبه صغيرها وكبيرها
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ سَبَقَ بَيَانُهُ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِيهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سئل عن
صيام يوم عاشورا فَقَالَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ " وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عباس فرواه مسلم بلفظه وفى رواية مسلم زِيَادَةٌ " قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " وَعَاشُورَاءُ وَتَاسُوعَاءُ اسْمَانِ مَمْدُودَانِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ في كتب اللغة وحكى عن ابن عمر والشيبابى قصرهما قال أصحابنا عاشورا هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَتَاسُوعَاءُ هُوَ التَّاسِعُ مِنْهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ عَاشُورَاءُ هُوَ الْيَوْمُ التاسع من المحرم ثبت ذلك عنه فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ إظْمَاءِ الْإِبِلِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْيَوْمَ الْخَامِسَ مِنْ أَيَّامِ الْوَرْدِ رِبْعًا بِكَسْرِ الرَّاءِ وَكَذَا تُسَمِّي بَاقِيَ الْأَيَّامِ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ فَيَكُونُ التَّاسِعُ عَلَى هَذَا عِشْرًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ والصحيح ومما قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ (وَأَمَّا) تَقْدِيرُ أَخْذِهِ مِنْ إظْمَاءِ الْإِبِلِ فَبَعِيدٌ وَفِي صَحِيحِ مسلم عن ابن عباس ما يرده قَوْلَهُ لِأَنَّهُ قَالَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يصوم عَاشُورَاءَ فَذَكَرُوا أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى تَصُومُهُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم إنَّهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ يَصُومُ التَّاسِعَ " وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ هُوَ التَّاسِعَ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ الْعَاشِرَ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وغيرهم علي استحباب صوم عاشورا وتاسوعا وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ أَوْجُهًا (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا "(الثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَصْلُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ كَمَا نهى أن يصوما يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ ذَكَرَهُمَا الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ (الثَّالِثَ) الِاحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلَالِ وَوُقُوعِ غَلَطٍ فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ
* {فَرْعٌ} اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ هَلْ كَانَ وَاجِبًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ أَمْ لَمْ يَجِبْ فِي وَقْتٍ أَبَدًا عَلَى وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ لِأَصْحَابِنَا وَهُمَا احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا الشَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ بَلْ صَرِيحُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لم يكن واجبا قط (والثاني) أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ الْيَوْمُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ فَأَمَّا دَلِيلُ مَنْ قَالَ كَانَ واجبا فأحاديث كشيرة صَحِيحَةٌ (مِنْهَا) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " بَعَثَ رَجُلًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ إلَى قَوْمِهِ يَأْمُرُهُمْ فَلْيَصُومُوا هَذَا الْيَوْمَ وَمَنْ طَعِمَ مِنْهُمْ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رواية سلمة بن الاكوع وروياه في صحيحهما بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الرُّبَيِّعِ بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الباء بِنْتِ مُعَوِّذٍ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ فَلَمَّا فُرِضَ صِيَامُ رَمَضَانَ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ عَاشُورَاءَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ أو المسلمون قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ فَلَمَّا اُفْتُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ قَالَ " إنَّمَا كَانَ يَوْمًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن ينزل رَمَضَانُ فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تَرَكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سُمْرَةَ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا بِصِيَامِ عاشورا وَيَحُثُّنَا عَلَيْهِ وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ لم يأمرنا ولم ينهنا ولم يتعاهدنا عِنْدَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِصِيَامِهِ " رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ (وَقَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم " مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ " دَلِيلٌ عَلَى تَخْيِيرِهِ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةُ الْيَوْمِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ وَاجِبًا لَمْ يَصِحَّ التَّخْيِيرُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بَلْ كَانَ سُنَّةً بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ (مِنْهَا) حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ " أَنَّهُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قال الْبَيْهَقِيُّ وَقَوْلُهُ " لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا قَطُّ لِأَنَّ لم لنفي الماضي وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَرِهَهُ فَلْيَدَعْهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من شاء صامه وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ فَهُوَ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى تَأَكُّدِ الاستحباب جمعا بين الا حديث (وَقَوْلُهُ) فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ أَيْ تُرِكَ تَأَكُّدُ الِاسْتِحْبَابِ وَكَذَا قَوْلُهُ فَمَنْ شَاءَ صَامَ ومن شاء أفطر
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَثَبَتَتْ أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحِ بِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِوَقْتِهَا وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ مَتَى صَامَهَا حَصَلَتْ الْفَضِيلَةُ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ مُعَاذَةَ
الْعَدَوِيَّةِ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ " أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَتْ نَعَمْ قَالَتْ قُلْتُ مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ قَالَتْ مَا كَانَ يُبَالِي مِنْ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ " وَجَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ تَخْصِيصُ أَيَّامِ الْبِيضِ فِي أَحَادِيثُ (مِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا صُمْتَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثًا فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ
قتادة ابن مِلْحَانَ قَالَ كَانَ " رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِصِيَامِ أَيَّامِ الْبِيضِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَجْهُولٌ وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ أَيَّامَ البيض ثلاث عشرة ورابع عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِهِ وَالْأَيَّامُ الْبِيضُ وَفِي بَعْضِهَا وَأَيَّامُ الْبِيضِ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ أَوْضَحُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَيَّامُ الْبِيضِ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ أَيَّامُ الْبِيضِ بِإِضَافَةِ أَيَّامٍ إلَى الْبِيضِ وَهَكَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي التَّنْبِيهِ عَنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهَا وَفِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ التَّنْبِيهِ أَوْ أَكْثَرِهَا الْأَيَّامُ الْبِيضُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهَذَا خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مَعْدُودٌ فِي لَحْنِ الْعَوَامّ لِأَنَّ الْأَيَّامَ كُلَّهَا بِيضٌ وَإِنَّمَا صَوَابُهُ أَيَّامُ الْبِيضِ أَيْ أَيَّامُ اللَّيَالِي الْبِيضِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ أَيَّامِ الْبِيضِ قَالُوا هُمْ وَغَيْرُهُمْ وَهِيَ الْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشْرَ وَالرَّابِعَ عَشْرَ وَالْخَامِسَ عَشْرَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهَا الثَّانِي عَشْرَ وَالثَّالِثَ عَشْرَ وَالرَّابِعَ عَشْرَ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ يَرُدُّهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِي تَفْسِيرِهَا وَقَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَيْضًا وَغَيْرِهِمْ (وَأَمَّا) سَبَبُ تَسْمِيَةِ هَذِهِ اللَّيَالِي بِيضًا فَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَالْجُمْهُورُ لِأَنَّهَا تَبْيَضُّ بِطُلُوعِ الْقَمَرِ مِنْ.
أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ
* {فَرْعٌ} أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ أَيَّامَ الْبِيضِ لَا يَجِبُ صَوْمُهَا الْآنَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَمْ لا فقيل كانت واجية فَنُسِخَتْ بِشَهْرِ رَمَضَانَ وَقِيلَ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً قَطُّ وَمَا زَالَتْ سُنَّةً قَالَ وَهُوَ أَشْبَهَ بمذهب الشافعي رحمه الله
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أُسَامَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الدارمي وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ لَفْظُ الدَّارِمِيِّ كَلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ (وَأَمَّا) لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ فَقَالَ عَنْ أُسَامَةَ قَالَ " قُلْتُ يارسول اللَّهِ إنَّكَ تَصُومُ حَتَّى لَا تَكَادَ تُفْطِرُ وتفطر حتي لا تكاد أن تَصُومُ إلَّا فِي يَوْمَيْنِ إنْ دَخَلَا فِي صِيَامِكَ وَإِلَّا صُمْتُهُمَا قَالَ أَيُّ يَوْمَيْنِ قُلْتُ يوم الاثنين والخميس قال ذانك يوما تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ " وَقَدْ ثَبَتَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي صَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ (مِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ قَالَ
ذَلِكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إلَّا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ اُتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ " تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ اُنْظُرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ سُمِّيَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأَيَّامِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ سَبِيلُهُ أَنْ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعَ بَلْ يُقَالُ مَضَتْ أَيَّامُ الِاثْنَيْنِ قَالَ وَقَدْ حَكَى البصريون اليوم الاثن والجمع الثنى وذكر الفراء أَنَّ جَمْعَهُ الأثانين وَالْأَثَّانِ وَفِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ الْيَوْمُ الثَّنِيُّ فَعَلَى هَذَا جَمْعُهُ الْأَثْنَاءُ وَقَالَ الجوهرى لا يثني ولا يجمع لانه متي فَإِنْ أَحْبَبْتَ جَمْعَهُ قُلْتَ أَثَانِينَ (وَأَمَّا) يَوْمُ الْخَمِيسِ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ خَامِسُ الْأُسْبُوعِ قَالَ النَّحَّاسُ جَمْعُهُ أَخْمِسَةٌ وَخَمْسٌ وَخُمْسَانُ كَرَغِيفٍ وَرَغْفٍ وَرُغْفَانَ وَأَخْمِسَاءُ كَأَنْصِبَاءِ وَأَخَامِسِ حَكَاهُ الْفَرَّاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى استحباب صوم الاثنين والخميس والله أعلم
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ الصَّوْمِ الْمُسْتَحَبِّ صَوْمُ الاشهر الحرم وهي ذوالقعدة وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ وَأَفْضَلُهَا الْمُحَرَّمُ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَفْضَلُهَا رَجَبٌ وَهَذَا غَلَطٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ الله تعالى " افضل الصوم بعد مضان شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ " وَمِنْ الْمَسْنُونِ صَوْمُ شَعْبَانَ وَمِنْهُ صَوْمُ الْأَيَّامِ التِّسْعَةِ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ وَجَاءَتْ فِي هَذَا كُلِّهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ (مِنْهَا) حَدِيثُ مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيَّةِ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا " أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ انْطَلَقَ فَأَتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وقد تغيرت حالته وهيئة فقال يارسول اللَّهِ أَمَا تَعْرِفُنِي قَالَ وَمَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا الْبَاهِلِيُّ الَّذِي جِئْتُكَ عَامَ الْأَوَّلِ قَالَ فَمَا غَيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ قَالَ ما اكلت
طَعَامًا مُنْذُ فَارَقْتُكَ إلَّا بِلَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ ثُمَّ قَالَ صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ قَالَ زِدْنِي فَإِنَّ بِي قُوَّةً قَالَ صُمْ يَوْمَيْنِ قَالَ زِدْنِي قَالَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ زِدْنِي قَالَ صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ ثُمَّ أَرْسَلَهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالتَّرْكِ لِأَنَّهُ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ إكْثَارُ الصَّوْمِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي اول الحديث (فأما) من لا يَشُقَّ عَلَيْهِ فَصَوْمُ جَمِيعِهَا فَضِيلَةٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ منه صياما في شعبان " روراه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا " قَالَ الْعُلَمَاءُ اللَّفْظُ الثَّانِي مُفَسِّرٌ لِلْأَوَّلِ وَبَيَانٌ لِأَنَّ مُرَادَهَا بِكُلِّهِ غَالِبُهُ وَقِيلَ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ فِي وَقْتٍ وَيَصُومُ بَعْضَهُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى وَقِيلَ كَانَ يَصُومُ تَارَةً مِنْ أَوَّلِهِ وَتَارَةً مِنْ وَسَطِهِ وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ وَلَا يُخَلِّي مِنْهُ شَيْئًا بِلَا صِيَامٍ لَكِنْ فِي سِنِينَ وَقِيلَ فِي تَخْصِيصِهِ شَعْبَانَ بِكَثْرَةِ الصِّيَامِ لِأَنَّهُ تُرْفَعُ.
فِيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ فِي سَنَتِهِمْ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ سَبَقَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ الْمُحَرَّمُ فَكَيْفَ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي شَعْبَانَ دُونَ الْمُحَرَّمِ (فَالْجَوَابُ) لَعَلَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إلَّا فِي آخِرِ الْحَيَاةِ
قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ صَوْمِهِ أَوْ لَعَلَّهُ كَانَتْ تَعْرِضُ فِيهِ أَعْذَارٌ تَمْنَعُ مِنْ إكْثَارِ الصَّوْمِ فِيهِ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَغَيْرِهِمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ شَهْرًا غَيْرَ رَمَضَانَ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مامن أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالُوا يارسول اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بشئ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَعَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَأَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَا وَخَمِيسَيْنِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ وَفِي رِوَايَةٍ " لَمْ يَصُمْ الْعَشْرَ " رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ في صحيحه فقال العلماء هو متأول علي انها لم تره ولا يَلْزَمْ مِنْهُ تَرْكُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكُونُ عِنْدَهَا فِي يَوْمٍ مِنْ تِسْعَةِ أَيَّامٍ وَالْبَاقِي عِنْدَ بَاقِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنهن أَوْ لَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يَصُومُ بَعْضَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَكُلَّهُ فِي بَعْضِهَا وَيَتْرُكُهُ فِي بَعْضِهَا لِعَارِضِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الاحاديث * قال المصنف رحمه الله
*
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَلْمَانَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِيهِ رُوِيَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ (وَقَوْلُهُ) فَرَأَى أُمَّ سَلَمَةَ مُتَبَذِّلَةً هَكَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ أُمُّ سَلَمَةَ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَصَوَابُهُ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ وَهِيَ زَوْجَةُ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَجَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا وَاسْمُ أُمِّ الدَّرْدَاءِ هَذِهِ خَيْرَةُ وَهِيَ صَحَابِيَّةٌ وَلِأَبِي الدَّرْدَاءِ زَوْجَةٌ أُخْرَى يُقَالُ لَهَا أُمُّ الدَّرْدَاءِ وَهِيَ تَابِعِيَّةٌ فَقِيهَةٌ فَاضِلَةٌ حَكِيمَةٌ اسْمُهَا هَجِيمَةُ وَقِيلَ جَهِيمَةُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أُمِّ كُلْثُومٍ عَنْ عَائِشَةَ (1) وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَفْظُهُ " كُنَّا نَعُدُّ أُولَئِكَ فِينَا مِنْ السَّابِقِينَ "(أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فِي صَوْمِ الدَّهْرِ نَحْوَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمُرَادُ بِصَوْمِ الدَّهْرِ سَرْدُ الصَّوْمِ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ إلَّا الْأَيَّامَ الَّتِي لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا وَهِيَ الْعِيدَانِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَحَاصِلُ حكمه عندنا انه
(1) كذا بالاصل فحرر
إنْ خَافَ ضَرَرًا أَوْ فَوَّتَ حَقًّا بِصِيَامِ الدهر كره له وإن يَخَفْ ضَرَرًا وَلَمْ يُفَوِّتْ حَقًّا لَمْ يُكْرَهْ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَأَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ مَكْرُوهٌ وَأَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ مَسْنُونٌ وَكَذَا قَالَ الدَّارِمِيُّ مَنْ قَدَرَ عَلَى صَوْمِ الدَّهْرِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَفَعَلَ فَهُوَ فَضْلٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا بَأْسَ بِسَرْدِ الصَّوْمِ إذَا أَفْطَرَ أَيَّامَ النَّهْيِ الْخَمْسَةِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النَّصَّ وَبِهَذَا قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صِيَامِ الدَّهْرِ إذَا أَفْطَرَ أَيَّامَ النَّهْيِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ الْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيقُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْهُ ضَرَرًا وَلَمْ يُفَوِّتْ بِهِ حَقًّا قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وغيره عن جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَمِمَّنْ نَقَلُوا عَنْهُ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو طَلْحَةَ وَعَائِشَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَالْجُمْهُورِ مِنْ بَعْدِهِمْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ مُطْلَقًا
* وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
رضي الله عنه قال " يارسول اللَّهِ كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ قَالَ لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ أَوْ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ رضي الله عنه سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " يارسول اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ صُمْ إنْ شِئْتَ وَأَفْطِرْ إنْ شِئْتَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ سرد الصوم لا سِيَّمَا وَقَدْ عَرَضَ بِهِ فِي السَّفَرِ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه ومسلم قَالَ " مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا وَعَقَدَ تِسْعِينَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا مَرْفُوعًا وموقوفا علي أبى موسى واحتج بِهِ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي صَوْمِ الدَّهْرِ وَافْتَتَحَ الْبَابَ بِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَشَارَ غَيْرُهُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى كَرَاهَتِهِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَمَعْنَى ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ أَيْ عَنْهُ فَلَمْ يَدْخُلْهَا أَوْ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ أَيْ لَا يَكُونُ لَهُ فِيهَا مَوْضِعٌ وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَتَابَعَ الصِّيَامَ وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " رواه البيهقى باسناد (1) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ فَقَالَ " كُنَّا نَعُدُّ أُولَئِكَ فِينَا مِنْ السَّابِقِينَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ " كَانَتْ تَصُومُ الدَّهْرَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ أَبُو طَلْحَةَ لَا يَصُومُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْلِ الْغَزْوِ فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ أَرَهُ مُفْطِرًا إلَّا يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ " لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ " بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) جَوَابُ عَائِشَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَابَعَهَا عَلَيْهِ خَلَائِقُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ صَامَ الدَّهْرَ حَقِيقَةً بِأَنْ يَصُومَ مَعَهُ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ وَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مِنْ مَشَقَّتِهِ مَا يَجِدُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ يَأْلَفُهُ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ خَبَرًا لَا دُعَاءً وَمَعْنَاهُ لَا صَامَ صَوْمًا يَلْحَقُهُ فِيهِ مَشَقَّةٌ كَبِيرَةٌ وَلَا أَفْطَرَ بَلْ هُوَ صَائِمٌ لَهُ ثَوَابُ الصَّائِمِينَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِصَوْمِ الدَّهْرِ أَوْ فَوَّتَ بِهِ حَقًّا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَانَ النَّهْيُ خِطَابًا لَهُ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عَجَزَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَنَدِمَ عَلَى كَوْنِهِ لَمْ يَقْبَلْ الرخصة وكان يقول يا ليتي قَبِلْتُ
رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ ذَلِكَ وَأَقَرَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو لِعِلْمِهِ بِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بِلَا ضَرَرٍ
* {فَرْعٌ} فِي تَسْمِيَةِ بَعْضِ الْأَعْلَامِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِمَّنْ صام الدهر غير أيام النهي الخمسة العيدان وَالتَّشْرِيقِ (فَمِنْهُمْ) عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو أُمَامَةَ وَامْرَأَتُهُ وَعَائِشَةُ رضي الله عنهم وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِأَسَانِيدِهِ وَحَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ فِي صَحِيحِ البخاري ومنهم سعيد ابن الْمُسَيِّبِ وَأَبُو عَمْرِو بْنُ حِمَاسٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ سِينٌ وَسَعِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنُ عبد الرحمن ابن عَوْفٍ التَّابِعِيُّ سَرَدَهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ صَاحِبُ ابْنِ مَسْعُودٍ (2) وَمِنْهُمْ الْبُوَيْطِيُّ وَشَيْخُنَا ابو ابراهيم اسحق بن احمد المقدسي الفقيه الامام الزاهد
*
(1) كذا بالاصل فحرر (2) قوله ومنهم البويطى وشيخنا الي آخره انما هو في نسخة المصنف حاشية في اعلا الصفحة وآخر الفرع بياض بعد صاحب ابن مسعود
{فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ صَحَّ نَذْرُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَتَكُونُ الْأَعْيَادُ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَشَهْرُ رمضان وقضاؤه مستثناة فان فاته شئ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ بِعُذْرٍ وَزَالَ الْعُذْرُ لَزِمَهُ قَضَاءُ فَائِتِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ النَّذْرِ وهل يكون نذره متناولا لايام القضاء فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَكُونُ لِأَنَّ تَرْكَ الْقَضَاءِ مَعْصِيَةٌ فَتَصِيرُ أَيَّامُ الْقَضَاءِ كَشَهْرِ رَمَضَانَ فلا تدخل فِي النَّذْرِ فَعَلَى هَذَا يَقْضِي عَنْ رَمَضَانَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ النَّذْرِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِيهِ وجهان حكاهما البند نيجى وَأَبُو الْقَاسِمِ الْكَرْخِيُّ شَيْخُ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَحَكَاهُمَا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ
(أَحَدُهُمَا)
هُوَ كَالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ (وَالثَّانِي) يَتَنَاوَلُهَا النَّذْرُ لِأَنَّهُ كَانَ يُتَصَوَّرُ صَوْمُهَا عَنْ نَذْرِهِ فَأَشْبَهَتْ غَيْرَهَا مِنْ الْأَيَّامِ بِخِلَافِ أَيَّامِ رَمَضَانَ فَعَلَى هَذَا إذَا قَضَى رَمَضَانَ هَلْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِسَبَبِ الْقَضَاءِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا كَمَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِعُذْرٍ وَدَامَ عُذْرُهُ حَتَّى مَاتَ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى صَوْمِهِ عَنْ النَّذْرِ فَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْفِدْيَةَ فِي حَيَاتِهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَيِسَ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ به فصار كالشيخ الهرم هكذا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ فَاتَهُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِعُذْرٍ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ هَذَا الْحُكْمُ جَارٍ سَوَاءٌ فَاتَهُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا
كُلُّهُمْ وَهَكَذَا الْحُكْمُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ ثُمَّ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ بِالصَّوْمِ فَيَجِبُ صَوْمُ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالشَّرْعِ وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَتْ آكَدَ مِنْ النَّذْرِ الَّذِي يُوجِبُهُ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُ الْفِدْيَةِ عَنْ صَوْمِ النَّذْرِ مَا سَبَقَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ سُرَيْجٍ وَهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ إذَا صَامَ عَنْ الْكَفَّارَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ لَمْ يُمْكِنْ قَضَاؤُهُ وَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ إنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ وَإِلَّا فَتَجِبُ قَالُوا وَلَوْ نَذَرَتْ الْمَرْأَةُ صَوْمَ الدَّهْرِ فَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا فَإِنْ مَنَعَهَا فَلَا قَضَاءَ وَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ وَإِنْ أَذِنَ لَهَا أَوْ مَاتَ لَزِمَهَا الصَّوْمُ فان افطرت بلا عذرا اثمت ولزمتها الفدية *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* لَفْظُ الْبُخَارِيِّ " لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ " وَلَفْظُ مُسْلِمٍ لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ " إسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ صَوْمُ تَطَوُّعٍ وزوجها حاضر إلا باذنه لهذا الْحَدِيثِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَلَوْ صَامَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا صَحَّ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ حَرَامًا لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لِمَعْنًى آخَرَ لَا لِمَعْنًى يَعُودُ إلَى نَفْسِ الصَّوْمِ فَهُوَ كَالصَّلَاةِ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ فَإِذَا صَامَتْ بِلَا إذْنٍ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الثَّوَابُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى هَذَا لَفْظُهُ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فِي نَظَائِرِهَا الْجَزْمُ بِعَدَمِ الثَّوَابِ كَمَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ (وَأَمَّا) صومها التطوع في غيبة لزوج عَنْ بَلَدِهَا فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَلِزَوَالِ مَعْنَى النَّهْيِ (وَأَمَّا) قَضَاؤُهَا رَمَضَانَ وَصَوْمُهَا الْكَفَّارَةَ وَالنَّذْرَ فَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَمَةُ الْمُسْتَبَاحَةُ لِسَيِّدِهَا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ كَالزَّوْجَةِ (وَأَمَّا) الْأَمَةُ الَّتِي لَا تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِأَنْ كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ كَأُخْتِهِ أَوْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً أَوْ
غَيْرَهُمَا وَالْعَبْدُ فَإِنْ تَضَرَّرَا بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ بِضَعْفٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ نَقَصَا لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرَا وَلَمْ يَنْقُصَا جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَسَنَذْكُرُ لَفْظَهُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَمَعْنَى فَرَضْتُ الصَّوْمَ نَوَيْتُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إذَا دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ صَلَاةِ تَطَوُّعٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ إتْمَامُهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ " وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُمَا بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَكِنْ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ منهما بلا عذر لقوله تعالي " ولا تبطلو اعمالكم " هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ بِلَا عُذْرٍ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى (وَأَمَّا) الْخُرُوجُ مِنْهُ بِعُذْرٍ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَيُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ سَوَاءٌ خَرَجَ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْأَعْذَارُ مَعْرُوفَةٌ (مِنْهَا) أَنْ يَشُقَّ عَلَى ضَيْفِهِ أَوْ مُضِيفِهِ صَوْمُهُ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْطِرَ فَيَأْكُلَ مَعَهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وَإِنَّ لِزُوَّارِكَ عَلَيْكَ حَقًّا " وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضيفه " رواهما البخاري ومسلم (وما) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " مَنْ نَزَلَ عَلَى قَوْمٍ فَلَا يَصُومَنَّ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِهِمْ " فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ (وَأَمَّا) إذَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى ضَيْفِهِ أَوْ مُضِيفِهِ صَوْمُهُ التَّطَوُّعَ فَالْأَفْضَلُ بَقَاؤُهُ وَصَوْمُهُ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) إذَا دَخَلَ فِي حَجِّ تَطَوُّعٍ أَوْ عُمْرَةِ تَطَوُّعٍ فَإِنَّهُ يلزمه اتمامهما بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ أَفْسَدَهُمَا لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدهمَا وَيَجِبُ قَضَاؤُهُمَا بِلَا خِلَافٍ
*
{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الشُّرُوعِ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ صَلَاةِ تَطَوُّعٍ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ
يُسْتَحَبُّ الْبَقَاءُ فِيهِمَا وَأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْهُمَا بِلَا عُذْرٍ لَيْسَ بِحِرَامٍ وَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُمَا وَبِهَذَا قَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر ابن عبد الله وسفيان الثوري واحمد واسحق وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُمَا لِعُذْرٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَلَا إثْمَ وَإِنْ خَرَجَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ الْإِثْمُ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ فَإِنْ خَرَجَ بِلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ خَرَجَ بِعُذْرٍ فَلَا قَضَاءَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ يَظُنُّهُمَا عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ فِي أَثْنَائِهِمَا أَنَّهُمَا لَيْسَا عَلَيْهِ هَلْ يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا أَمْ لَا
* واحتج لم أَوْجَبَ إتْمَامَ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَصَلَاتِهِ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فيهما يقوله تعلى (ولا تبطلوا اعمالكم) وَبِحَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ " رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ " خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ " إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالُوا وَهَذَا الاستثناء متصل فمقتضاه وجوب التطوع بمحرد الشُّرُوعِ فِيهِ قَالُوا وَلَا يَصِحُّ حَمْلُكُمْ عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَقْدِرُ لَكِنْ لَكَ أَنْ تَطَّوَّعَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الِاتِّصَالُ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الِانْقِطَاعِ فِيهِ بِغَيْرِ دليل
* واحتجوا ايصا بِالْقِيَاسِ عَلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ وَعُمْرَتِهِ فَإِنَّهُمَا يَلْزَمَانِ بِالشُّرُوعِ بِالْإِجْمَاعِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ " دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال هل عندكم شئ قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ ثُمَّ اتانا يوما آخر فقلنا يارسول اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَقَالَ أَرِنِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَتْ عَائِشَةُ " فقلنا يارسول اللَّهِ قَدْ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَحَبَسْنَاهُ لَكَ
فَقَالَ أَدْنِيهِ فَأَصْبَحَ صَائِمًا وَأَفْطَرَ " هَذَا لَفْظُهُ وعن عائشة ايضا قالت " دخل على رسو لله اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فقال اعندك شئ فقلت لا قال إني إذا أَصُومُ قَالَتْ وَدَخَلَ عَلَيَّ يَوْمًا آخَرَ فَقَالَ أعندك شئ قلت نعم قال إذا أُفْطِرُ وَإِنْ كُنْتُ قَدْ فَرَضْتُ الصَّوْمَ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وعن ابى جحيفة قال " آخا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ
أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ قَالَتْ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ فِي الدُّنْيَا حَاجَةٌ فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ قَالَ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ فَنَامَ ثم ذهب يقوم قال نَمْ فَنَامَ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ قُمْ الْآنَ فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَدَقَ سَلْمَانُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وعن أم هاني قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصائم المتطوع أميره نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَفِي رِوَايَاتٍ " أَمِينُ أَوْ أَمِيرُ نَفْسِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَلْفَاظُ رِوَايَاتِهِمْ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى وَإِسْنَادُهَا جَيِّدٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " إذَا أَصْبَحْتَ وأنت ناوى الصَّوْمَ فَأَنْتَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ شِئْتَ صُمْتَ وَإِنْ شِئْتَ أَفْطَرْتَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بِإِفْطَارِ التطوع بأس رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " الصَّائِمُ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ " فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ رَفْعُهُ كَذَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَرَوَى مِثْلَهُ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَأَنَسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ رَوَاهَا كُلَّهَا الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهَا لِضَعْفِ رُوَاتِهَا وَكَذَا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا بَأْسَ أَنْ أُفْطِرَ مَا لَمْ يَكُنْ نَذْرٌ أَوْ قَضَاءُ رَمَضَانَ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعَّفَهُ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ طَلْحَةَ فَهُوَ ان مَعْنَاهُ لَكِنْ لَكَ أَنْ تَطَّوَّعَ وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا وَهُوَ إنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ لِيُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا (وَأَمَّا) الْقِيَاسُ عَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَالْفَرْقُ ان الحج لا يخرج منه الافساد لِتَأَكُّدِ الدُّخُولِ فِيهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ
* {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ سَوَاءٌ أَخْرَجَ مِنْهُ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ كَمَا سَبَقَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ
* وَاحْتُجَّ لَهُ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ قَالَ " بَلَغَنِي أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أَصْبَحَتَا صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ لَهُمَا طَعَامٌ فَأَفْطَرَتَا عَلَيْهِ
فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ عائشة فقالت حفصة يارسول اللَّهِ إنِّي أَصْبَحْتُ أَنَا وَعَائِشَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ وَقَدْ أُهْدِيَ لَنَا هَدِيَّةٌ فَأَفْطَرْنَا عَلَيْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اقْضِيَا مَكَانَهُ يَوْمًا آخَرَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ رواه الثقاة الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ هَكَذَا مُنْقَطِعًا بينه وبين عائشة وحفصة مالك بن أنس ويونس بن يزيد ومعمر وأبى جُرَيْجٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ وَبَكْرِ بْنِ وَائِلٍ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ رَوَاهُ البيهقى باسناد جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كُنْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ فَعَرَضَ لَنَا طَعَامٌ فَاشْتَهَيْنَاهُ فَأَكَلْنَا فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فبدرتني حفصة وكانت بنت أبيها حَقًّا فَقَصَّتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ " قال البيهقى هكذا رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ وَصَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَوَهَمُوا فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ قُلْتُ لَهُ احدثك عروة عن عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ " أَصْبَحْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ " فَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ فِي هَذَا شَيْئًا لَكِنْ حَدَّثَنِي نَاسٌ فِي خِلَافَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ بَعْضِ مَنْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ " أَصْبَحْتُ أَنَا وحفصة
صَائِمَتَيْنِ فَأُهْدِيَ لَنَا هَدِيَّةٌ فَأَكَلْنَاهَا فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَدَرَتْنِي حفصة وكانت بنت أبيها فذكر ت ذلك له فقال اقضيا يوما مكانه " وكذلك رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابي جُرَيْجٍ ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عينية عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عن عائشة فذكره وَقَالَ فِيهِ " صُومَا يَوْمًا مَكَانَهُ " قَالَ سُفْيَانُ فَسَأَلُوا الزُّهْرِيَّ وَأَنَا شَاهِدٌ فَقَالُوا أَهُوَ عَنْ عُرْوَةَ فَقَالَ لَا ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحُمَيْدِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلًا قَالَ سُفْيَانُ فَقِيلَ لَلزُّهْرِيِّ هُوَ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ لَا قَالَ سُفْيَانُ وَكُنْتُ سَمِعْتُ صَالِحَ بْنَ أَبِي الْأَخْضَرِ حَدَّثَنَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ الزُّهْرِيُّ لَيْسَ هُوَ عَنْ عُرْوَةَ فَظَنَنْتُ أَنَّ صَالِحًا
أُتِيَ مِنْ قِبَلِ الْعَرْضِ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ لَوْ كَانَ من حديث معمر مَا نَسِيتُهُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَقَدْ شَهِدَ ابْنُ جريج وابن عينية عَلَى الزُّهْرِيِّ وَهُمَا شَاهِدَا عَدْلٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ فَكَيْفَ يَصِحُّ وَصْلُ مَنْ وَصَلَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَا يَصِحُّ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ
* وَاحْتَجَّ بِحِكَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَسُفْيَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَبِإِرْسَالِ مَنْ أَرْسَلَ الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَقَدْ وَهِمَ فِيهِ وَقَدْ خَطَّأَهُ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلًا ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُمَا ثم رواه باسناده عن زميل ابن عَبَّاسٍ مَوْلَى عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ هَذَا ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ أوجه أخر عن عائشة لا يصح شئ مِنْهَا وَقَدْ بَيَّنْتُهَا فِي الْخِلَافِيَّاتِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ عَائِشَةَ السَّابِقَ مِنْ طَرِيقٍ قَالَا فِيهِ قَالَتْ " دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ خَبَّأْنَا لَكَ حَيْسًا فَقَالَ إنِّي كُنْتُ أُرِيدُ الصَّوْمَ وَلَكِنْ قَرِّبِيهِ وَأَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ " وَأَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ " لَيْسَتْ مَحْفُوظَةً
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ بِمَا احْتَجَّ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ " صَنَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا فَأَتَى هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَلَمَّا وُضِعَ الطَّعَامُ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ إنِّي صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَاكُمْ أَخُوكُمْ وَتَكَلَّفَ لَكُمْ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَفْطِرْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ إنْ شثت " قَالُوا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَصِحَّ في وجوبه شئ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ السَّابِقُ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَحُمِلَ الْقَضَاءُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَّا) الْخُرُوجُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ الْمَكْتُوبَةِ وَالْقَضَاءِ والنذر وضيام الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَفِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ قبيل هذا الباب
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ولا يجوز صوم يوم الشك لما روى عن عمار رضي الله عنه انه قال " مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ
فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم " فان صام يوم الشك عن رمضان لم يصح لقوله صلي الله عليه وسلم " ولا تستقبلوا الشهر استقبالا " ولانه يدخل في العبادة وهو في شك من وقتها فلم يصح كما كما لو دخل في الظهر وهو يشك في وقتها وإن صام فيه عن فرض عليه كره وأجزأه كما لو صلي في دار مغصوبة وإن صام عن تطوع نظرت فان لم يصله بما قبله ولا وافق عادة له لم يصح لان الصوم قربة فلا يصح بقصد معصية وإن وافق عادة له جاز لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِيَوْمٍ وَلَا بِيَوْمَيْنِ إلا أن يوافق صوما كان يصومه أحدكم " إن وصله بما قبل النصف جاز وإن وصله بما بعده لم يجز لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا صِيَامَ حَتَّى يَكُونَ رمضان "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَمَّارٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ " لَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ " فَصَحِيحٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصِّيَامِ فِي وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ " لَا تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ " إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا صِيَامَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وغيرهم قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بَلْ رَوَاهُ وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ قَالَ وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَا يُحَدِّثُ بِهِ يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ وَذَكَرَ النَّسَائِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ هَذَا الْكَلَامَ قَالَ أَحْمَدُ وَالْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثِقَةٌ لَا يُنْكَرُ مِنْ حَدِيثِهِ إلَّا هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ النَّسَائِيُّ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرَ الْعَلَاءِ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ رَمَضَانَ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كفارة أجزأه وفى كراهيته وَجْهَانِ (قَالَ) الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يُكْرَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ
(وَالثَّانِي)
لَا يُكْرَهُ وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وهو
مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَالْجُمْهُورِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يُكْرَهُ وَيُجْزِئُهُ قَالَ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَصُومَ فِيهِ تَطَوُّعًا
لَهُ سَبَبٌ فَالْفَرْضُ أَوْلَى كَالْوَقْتِ الَّذِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ لِأَنَّ وَقْتَ قَضَائِهِ قَدْ ضَاقَ (وأما) إذا صامه تطوع فَإِنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ بِأَنْ كَانَ عَادَتُهُ صَوْمَ الدَّهْرِ أَوْ صَوْمَ يَوْمٍ وَفِطْرَ يَوْمٍ أَوْ صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَصَادَفَهُ جَازَ صَوْمُهُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ احْتَجَّ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ كَمَا سَبَقَ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ فَصَوْمُهُ حَرَامٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ فَإِنْ خَالَفَ وَصَامَ أَثِمَ بِذَلِكَ وَفِي صِحَّةِ صَوْمِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ خُرَاسَانَ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ
(وَالثَّانِي)
يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَصَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ لِأَنَّهُ صَالِحٌ لِلصَّوْمِ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ صَوْمِ الْعِيدِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِي وَقْتِ النَّهْيِ قَالُوا وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهُ فَفِي صِحَّةِ نَذْرِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ صَوْمِهِ إنْ صَحَّ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا قَالُوا فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ فَلْيَصُمْ يَوْمًا غَيْرَهُ فَإِنْ صَامَهُ أَجْزَأَهُ عَنْ نَذْرِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَصِلْ يَوْمَ الشَّكِّ بِمَا قَبْلَ نِصْفِ شَعْبَانَ فَأَمَّا إذَا وَصَلَهُ بِمَا قَبْلَهُ فَيَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ وَصَلَهُ بِمَا بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ لَمْ يُجْزِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَمَّا إذَا صَامَ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ غَيْرَ يَوْمِ الشَّكِّ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وغيره من الْمُحَقِّقِينَ لَا يَجُوزُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ إلَى اخْتِيَارِهِ وَأَجَابَ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ " إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا صِيَامَ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ " بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَخَافُ الضَّعْفَ بِالصَّوْمِ فَيُؤْمَرُ بِالْفِطْرِ حَتَّى يَقْوَى لِصَوْمِ رَمَضَانَ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمُوَافِقُوهُ وَالْجَوَابَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُتَوَلِّي يُنَازَعُ فِيهِمَا
*
{فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا يَوْمُ الشَّكِّ هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا وَقَعَ فِي أَلْسِنَةِ الناس إنه رؤى وَلَمْ يَقُلْ عَدْلٌ إنَّهُ رَآهُ أَوْ قَالَهُ وَقُلْنَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ أَوْ قَالَهُ عَدَدٌ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ الصِّبْيَانِ أَوْ الْعَبِيدِ أَوْ الْفُسَّاقِ وَهَذَا الْحَدُّ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا قَالُوا فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَدَّثْ برؤيته أحد فليس بيوم
شك سواء كانت السَّمَاءُ مُصْحِيَةً أَوْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرافعي
وَجْهًا عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْبَافِيِّ بِالْمُوَحَّدَةِ وَبِالْفَاءِ إن كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ فَهُوَ شَكٌّ وَحَكَى أَيْضًا وَجْهًا آخَرَ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ الزِّيَادِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْجَائِزَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ فَإِنْ شَهِدَ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ فَقَدْ تَرَجَّحَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ فَلَيْسَ بِشَكٍّ وَلَوْ كَانَ فِي السَّمَاءِ قِطَعُ سَحَابٍ
يمكن رؤية الهلال من خللها وَيُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى تَحْتَهَا وَلَمْ يُتَحَدَّثْ بِرُؤْيَتِهِ فوجهان (قال) الشيخ أبو محمد هو يوم شك (وقال) غيره ليس بيوم شك وهو الاصح وقال إمام الحرمين ان كان ببلد يستقل أهله بطلب الهلال فليس بشك وان كَانُوا فِي سَفَرٍ وَلَمْ تَبْعُدْ رُؤْيَةُ أَهْلِ الْقُرَى فَيُحْتَمَلُ جَعْلُهُ يَوْمَ شَكٍّ هَذَا كَلَامُهُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ عِنْدَنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مسعود وابن عمار وَحُذَيْفَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي وَائِلٍ وَعِكْرِمَةَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَيْضًا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ وأختها أسماء نصومه من رمضان وكانث عَائِشَةُ تَقُولُ " لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ إنْ صَامَ الْإِمَامُ صَامُوا وَإِنْ أَفْطَرَ أَفْطَرُوا وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَمْ يَجُزْ صَوْمُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُغَيِّمَةً وَجَبَ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَمَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ كَمَذْهَبِ الْحَسَنِ هَذَا بَيَانُ مَذَاهِبِهِمْ فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ رَمَضَانَ فَلَوْ صَامَهُ تَطَوُّعًا بِلَا عَادَةٍ وَلَا وَصْلَةٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وبه قال الجمهور وحكاه العبدرى وعثمان
وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَعَمَّارٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيِّ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا وَيَحْرُمُ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ
* وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِصَوْمِهِ عَنْ رَمَضَانَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَزَعَمُوا أَنَّ مَعْنَاهُ ضَيِّقُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ وَبِأَنَّ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَابْنَ عُمَرَ كَانُوا يَصُومُونَهُ فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ فَقَالَتْ " لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " وَعَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا كَانَتْ تَصُومُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رمضان وعن أَبِي هُرَيْرَةَ لَأَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّهْيِ عَنْ تَقَدُّمِ الشَّهْرِ بِصَوْمٍ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَصَحَّ مِنْ هَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ (وَأَمَّا) قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا قَالَهُ عند شهادة رجل على رؤية الْهِلَالِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ قَالَ (وَأَمَّا) مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ " قَالَ لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا لَأَفْطَرْتُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عبد العزيز بن حكيم الخضرمى قال رأيت ابن عمر بأمر رجلا يفطر فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ قَالَ وَرِوَايَةُ يزيد بن هرون تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ كَمَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ
فِي الصَّوْمِ إذَا غُمَّ الشَّهْرُ دُونَ أَنْ يَكُونَ صَحْوًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَمُتَابَعَةُ السَّنَةِ الثَّابِتَةِ وَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَعَوَامُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْلَى بِنَا وَهُوَ مَنْعُ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنْ ابْنُ عُمَرَ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا ثُمَّ عَقَدَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ وَقَالَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا ثَلَاثِينَ " وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ زِيَادَةٌ قَالَ " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا كَانَ شَعْبَانُ تسعا وعشرين نظر له فان رؤى فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يُرَ
وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرَةٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ صائما فال وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَأْخُذُ بِهَذَا الْحِسَابِ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صُومُوا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فَإِنْ غَبِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ " وَفِي رواية فان غمى عليكم الشهر
فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ " وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ قَدَرْتُ الشئ أَقْدُرُهُ وَأَقْدِرُهُ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَقَدَّرْتُهُ وَأَقْدَرْتُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ مِنْ التَّقْدِيرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ ومنه قوله تعالي (فقدرنا فنعم القادرون)
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ " فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " وهو تفسير لاقدروا لَهُ وَلِهَذَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي رِوَايَةٍ بَلْ تَارَةً يَذْكُرُ هَذَا وَتَارَةً يَذْكُرُ هَذَا وَتُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ السَّابِقَةُ " فَاقْدُرُوا ثَلَاثِينَ " قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَاوَرْدِيُّ حَمَلَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم " فَاقْدُرُوا لَهُ " عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إكْمَالُ الْعُدَّةِ ثَلَاثِينَ كَمَا فَسَّرَهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالُوا وَيُوَضِّحُهُ وَيَقْطَعُ كُلَّ احْتِمَالٍ وَتَأْوِيلٍ فِيهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ " فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ " أَهْلَلْنَا رَمَضَانَ وَنَحْنُ بِذَاتِ عِرْقٍ فَأَرْسَلْنَا رَجُلًا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّ اللَّهَ تعالي قَدْ أَمَدَّهُ لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ حَالَتْ دُونَهُ غَمَامَةٌ فَأَكْمِلُوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ فَكَمِّلُوا ثَلَاثِينَ وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِصِيَامِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ
إلَّا أَنْ يَكُونَ شئ كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ حَالَتْ دُونَهُ غَمَامَةٌ فَأَتِمُّوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْصُوا هِلَالَ شَعْبَانَ لِرَمَضَانَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ صَاحِبِ الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ قَالَ لَا نَعْرِفُ مِثْلَ هذ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَالَ وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقَةُ " لَا تَقَدَّمُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ " هَذَا كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ ثِقَةٌ حَافِظٌ فَزِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان مالا يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ عَمَّارٍ قَالَ " مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْأَحَادِيثُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْتُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَالْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْمُخَالِفُونَ سَبَقَ بَيَانُهُ والله أعلم
*
{فَرْعٌ} اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا يَعْلَى مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَّاءِ الْحَنْبَلِيَّ صَنَّفَ جُزْءًا فِي وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا حَالَ دُونَ مَطْلَعِ الْهِلَالِ غَيْمٌ ثُمَّ صَنَّفَ الْخَطِيبُ الحافظ أبو بكر بن احمد بن علي بن ثابت البغدادي جُزْءًا فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الْفَرَّاءِ وَالشَّنَاعَةِ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَنَسَبْتُهُ إلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَمَا عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأُمَّةِ وَقَدْ حصل الجزءان عندي والله الْحَمْدُ وَأَنَا أَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مقاصديهما ولا اخل بشئ يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِمَّا فِيهِمَا مَضْمُومًا إلَى مَا قَدَّمْتُهُ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* قَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْفِرَاءِ جَاءَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِيمَا إذَا حَالَ دُونَ مَطْلَعِ الْهِلَالِ غَيْمٌ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ (إحْدَاهَا) وُجُوبُ صِيَامِهِ عَنْ رَمَضَانَ رَوَاهَا عَنْهُ الْأَثْرَمُ وَالْمَرْوَزِيُّ وَمُهَنَّا وَصَالِحٌ وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
وَابْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَنَسٍ وَمُعَاوِيَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وأسماء وبكر ابن عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي عُثْمَانَ وَابْنِ أَبِي مريم وطاوس ومطرف ومجاهد فهولاء ثَمَانِيَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَسَبْعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ (وَالثَّانِيَةُ) لَا يَجِبُ صَوْمُهُ بَلْ يُكْرَهُ إنْ لَمْ يُوَافِقْ عَادَتَهُ (وَالثَّالِثَةُ) إنْ صَامَ الْإِمَامُ صَامُوا وَإِلَّا أَفْطَرُوا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ قَالَ ابْنُ الْفَرَّاءِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَوَّلَ شيوخنا أبو القاسم الحزقى وَأَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُمْ
* وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَأَنَّهُ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد زِيَادَةٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ إذَا كَانَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ صَامَ " قَالَ وَالدَّلَالَةُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ
وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ " وَكَانَ يُصْبِحُ فِي الْغَيْمِ صَائِمًا " وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَتَفْسِيرُهُ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ " لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ لَأَفْطَرْتُ هَذَا الْيَوْمَ يَعْنِي يَوْمَ الشَّكِّ " وَرُوِيَ عَنْهُ " صُومُوا مَعَ الْجَمَاعَةِ وَأَفْطِرُوا مَعَ الْجَمَاعَةِ "(قُلْنَا) الْمُرَادُ لَأَفْطَرْتُ يَوْمَ الشَّكِّ الَّذِي فِي الصَّحْوِ وَكَذَا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ مُمْسِكًا احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ قِيَامِ بَيِّنَةٍ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَنُسَمِّي إمْسَاكَهُ صَوْمًا (قُلْنَا) الْإِمْسَاكُ لَيْسَ بِصَوْمٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلِاحْتِيَاطِ لَأَمْسَكَ فِي يَوْمِ الصَّحْوِ لاحتمال قيام بنية بِالرُّؤْيَةِ (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ مَعْنَى " اُقْدُرُوا لَهُ " ضَيِّقُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا قَالَ الله تعالي (ومن قدر عليه رزقه) أَيْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ قَالَ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ التَّضْيِيقَ بِأَنْ يَجْعَلَ شَعْبَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ ثَلَاثِينَ لِأَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ تَأْوِيلُ ابْنِ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مُتَكَرِّرٌ فِي الْقُرْآنِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لِلصِّيَامِ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ " فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ (قُلْنَا) لَيْسَ هَذَا بِصَرِيحٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ إلَى هِلَالِ شَوَّالٍ لِأَنَّهُ سَبَقَهُ بِقَوْلِهِ (وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ) يَعْنِي هلال شوال فنستعمل اللفطين عَلَى مَوْضِعَيْنِ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُقَيَّدُ مُحْتَمَلًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ
عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ أَفْطِرُوا " وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ الْحَدِيثِ دَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ اُقْدُرُوا لَهُ زَمَانًا يَطْلُعُ فِي مِثْلِهِ الْهِلَالُ وَهَذَا الزَّمَانُ يَصْلُحُ وُجُودُ الْهِلَالِ فِيهِ وَلِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمُعَاوِيَةَ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَلَمْ يعرف لهم مخالف في الصحابة عن سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ " كَانَ أَبِي إذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَأْنُ الْهِلَالِ تَقَدَّمَ قَبْلَهُ بصيام
يَوْمٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " لَأَنْ أَتَعَجَّلَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَخَّرَ لِأَنِّي إذَا تَعَجَّلْتُ لَمْ يَفُتْنِي وَإِذَا تَأَخَّرْتُ فَاتَنِي " وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ " أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ " إنَّ رَمَضَانَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَنَحْنُ مُتَقَدِّمُونَ فَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَتَقَدَّمَ فَلْيَتَقَدَّمْ وَلَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " وَعَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ سُئِلَتْ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَالَتْ " لَأَنْ أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " قَالَ الرَّاوِي فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَا أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنَّا وَعَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا كَانَتْ تَصُومُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يَدَّعِي الْإِجْمَاعَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خلاف ظاهر للصحابة فَقَدْ رَوَى مَنْعَ صَوْمِهِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ عَنْهُمْ مِنْ طُرُقٍ وَفِي الرِّوَايَةِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ " إنَّ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ السَّنَةِ يَوْمَ الشَّكِّ وَالنَّحْرِ وَالْفِطْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ " وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ " أَنَّهُمَا كَانَا يَنْهَيَانِ عَنْ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ " وعن ابْنِ مَسْعُودٍ " لَأَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَقْضِيَهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَزِيدَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " لَا تَصُومُوا الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ لَا يُسْبَقُ فِيهِ الْإِمَامُ " وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ " إذَا رَأَيْتَ هِلَالَ رَمَضَانَ فَصُمْ وَإِذَا لَمْ تَرَهُ فَصُمْ مَعَ جُمْلَةِ النَّاسِ وَأَفْطِرْ مَعَ جُمْلَةِ الناس " ونهى
حُذَيْفَةُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ فَهَذَا كُلُّهُ يُخَالِفُ مَا رَوَيْتُمُوهُ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ صَوْمِهِ (قُلْنَا) يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَنْ نَهَى عَنْ الصِّيَامِ أَرَادَ إذَا كَانَ الشَّكُّ بِلَا حَائِلِ سَحَابٍ وَكَانَ صِيَامُهُمْ مَعَ وُجُودِ الْغَيْمِ وَيُحْتَمَلُ
أَنَّهُمْ نَهَوْا عَنْ صَوْمِهِ تَطَوُّعًا وَتَقَدُّمًا عَلَى الشهر ومن صام منهم صام عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) فنحن ايضا نتأول مَا رَوَيْتُمُوهُ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ مَنْ صَامَ منهم صام مع وجود شهادة شَاهِدٍ وَاحِدٍ وَقَدْ رُوِيَ
ذَلِكَ مُسْنَدًا عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ " أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ رضي الله عنه بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَصَامَ وَأَحْسَبُهُ قَالَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ وَقَالَ لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ "(قُلْنَا) لَا يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ لِأَنَّهُ إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَعْبَانَ وَصَارَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ يَصُومُهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَفِيمَا سَبَقَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا " لَأَنْ نَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ " وَهَذَا إنَّمَا يُقَالُ فِي يَوْمِ شَكٍّ وَلِأَنَّ ابن عمر كان ينظر الهلال فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ غَيْمٌ أَصْبَحَ صَائِمًا وَإِلَّا أَفْطَرَ وَهَذَا يَقْتَضِي الْعَمَلَ بِاجْتِهَادِهِ لَا بِشَهَادَةٍ ولانهم سَمَّوْهُ يَوْمَ الشَّكِّ وَلَوْ كَانَ فِي الشَّهَادَةِ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ شَكٍّ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) لَيْسَ فِيمَا ذَكَرْتُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَصُومُونَهُ مِنْ رَمَضَانَ فَلَعَلَّهُمْ صَامُوهُ تَطَوُّعًا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا " لَأَنْ نَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ " فَسَمَّوْهُ شَعْبَانَ وَشَعْبَانُ لَيْسَ بِفَرْضٍ (قُلْنَا) هَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ قَصَدُوا الِاحْتِيَاطَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ وَهَذَا الْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ وَمَنْ الْقِيَاسِ أَنَّهُ يَوْمٌ يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِي صَوْمِهِ عَنْ رَمَضَانَ فَوَجَبَ صِيَامُهُ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِالْهِلَالِ وَاحِدٌ وَاحْتَرَزْنَا بِيَسُوغُ الِاجْتِهَادُ عَنْ يَوْمِ الصَّحْوِ وَلِهَذَا يَتَنَاوَلُ مَا أَطْلَقَهُ الصَّحَابَةُ عَلَى الصَّحْوِ لِأَنَّهُ رُوِيَ صَرِيحًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَقْصُودَةٌ فَوَجَبَتْ مَعَ الشَّكَّ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صلاتين واحترزنا ببدينة عَنْ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَبِمَقْصُودِهِ عَمَّنْ شَكَّ هَلْ أحدث أم لا فلا شئ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ قَالَ وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " نَهَى عَنْ صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَيَوْمِ الْفِطْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ " وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
حَمْلُهُ عَلَى مَنْ صَامَهُ
تطوعا أو عن نذر أَوْ قَضَاءً
(وَالثَّانِي)
حَمْلُهُ عَلَى الشَّكِّ إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْمٌ قَالَ وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِيَوْمٍ وَلَا بِيَوْمَيْنِ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ
قَبْلَهُ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا العدة " وجوابه أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْمٌ
* وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ حَالَ دُونَهُ غَمَامَةٌ فَأَكْمِلُوا العدة ثلاثين "(وجوابه) أَنَّ مَعْنَاهُ أَكْمِلُوا رَمَضَانَ وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ " وَيَعُودُ الضَّمِيرُ فِي رُؤْيَتِهِ إلَى هِلَالِ شَوَّالٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " فَأَتِمُّوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا " وَمِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ " مَعْنَاهُ غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ قَالَ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ السَّابِقِ قَالَ " أَهْلَلْنَا هِلَالَ رَمَضَانَ فَشَكَكْنَا فِيهِ فَبَعَثْنَا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَجُلًا فَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَدَّهُ لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ " وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثلاثين "(قلنا) هذا محمول على مااذا كَانَ الْإِغْمَامُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِأَنْ يُغَمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ فَنَعُدُّ شَعْبَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ نَصُومُ ثَلَاثِينَ فَيَحُولُ دُونَ مَطْلَعِ هِلَالِ شَوَّالٍ غَيْمُ لَيْلَةِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَإِنَّا نَعُدُّ شَعْبَانَ مِنْ الْآنَ ثَلَاثِينَ وَنَعُدُّ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ وَنَصُومُ يَوْمًا فَيَصِيرُ الصَّوْمُ وَاحِدًا وَثَلَاثِينَ كَمَا إذَا نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ فَاتَتْهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ صَلَوَاتُ الْيَوْمِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ " هَذَا الْيَوْمُ يُكْمِلُ إلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ يوما " قال واحتج بحديث حذيقة إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ صُومُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ
أفطروا الا ان تروه قبل ذلك " وجوابه مَا سَبَقَ قَبْلَهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْإِغْمَامُ فِي طَرَفَيْ رَمَضَانَ قَالَ " فان قيل) هذا التأويل باطن لِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَالَ " فَعُدُّوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ صُومُوا " وَالصَّوْمُ إنَّمَا هُوَ أَوَّلُ الشَّهْرِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ " فَإِنْ غُمَّ عليكم فعدوا رمضان ثلاثين ثم افطرروا " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِغْمَامَ فِي أَوَّلِهِ وَفِي آخره والذى في أوله يقتضى الاعتداد به فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَقْتَضِي أَنَّ الِاعْتِدَادَ بِهِ فِي آخِرِ رَمَضَانَ (قُلْنَا) التَّأْوِيلُ
صَحِيحٌ لِأَنَّا نُكْمِلُ عِدَّةَ شَعْبَانَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ وَنَصُومُ يَوْمًا آخَرَ فَيَكُونُ قَوْلُهُ ثُمَّ صُومُوا رَاجِعًا إلَى هَذَا الْيَوْمِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ بَعْدَهُ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا " فَمَعْنَاهُ إذَا غُمَّ فِي أَوَّلِهِ وَغُمَّ فِي آخِرِهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّا نَعُدُّ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ نَصُومُ يوما وهو الحادى والثلاثون من رمضان فنعد رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ وَنَصُومُ يَوْمًا آخَرَ فَقَدْ حَصَلَ العددان
(أحدهما)
بعد الآخر ويتخللها صَوْمُ يَوْمٍ قَالَ وَاحْتُجَّ بِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقًا أَوْ عَتَاقًا عَلَى رَمَضَانَ لَمْ يَقَعْ يوم الشك وكذا لا يحل فيه الذين الْمُؤَجَّلُ إلَى رَمَضَانَ فَكَذَا الصَّوْمُ (وَجَوَابُهُ) أَنَّا لَا نَعْرِفُ الرِّوَايَةَ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا نُسَلِّمَ ذَلِكَ وَنَقُولَ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَيَحِلُّ الدَّيْنُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ نُسَلِّمَهُ وَهُوَ أَشْبَهُ وَنُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَةِ بِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
انه قد يثبت الصوم بمالا يثبت الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَالْحُلُولُ وَهُوَ شَهَادَةُ
عَدْلٍ وَاحِدٍ (وَالثَّانِي) أَنَّ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَحُلُولِ الدَّيْنِ إسْقَاطَ حَقٍّ ثَابِتٍ لِمُعَيَّنٍ بِالشَّكِّ وَهَذَا لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ إيجَابُ عِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ عَلَى الْبَدَنِ فَلَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُهَا مَعَ الشَّكِّ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ لِلْأَصْلِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ لَا طَلَاقَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْبُضْعَ حَقٌّ لَهُ فَلَا يَسْقُطَانِ بِالشَّكِّ وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ لَوْ تَسَحَّرَ الرَّجُلُ وَهُوَ شَاكٌّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ صَحَّ صَوْمُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَلَوْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ صَحَّ وُقُوفُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْأَصْلِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يُسْقِطْ الْعِبَادَةَ لِأَنَّ الصَّوْمَ وَالْوُقُوفَ وُجِدَا (وَأَمَّا) فِي مَسْأَلَتِنَا فَالْبِنَاءُ عَلَى الْأَصْلِ يُسْقِطُ الصَّوْمَ (وَجَوَابٌ) آخَرُ وَهُوَ أَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فَلَوْ مَنَعْنَاهُمْ السَّحُورَ مَعَ الشَّكِّ لَحِقَتْهُمْ الْمَشَقَّةُ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي إلْزَامِهِمْ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ نَادِرٌ فَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْحَجُّ لو منعناهم الوقوف مع الشك لفتهم وَفِيهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ قَالَ وَاحْتُجَّ بِأَنَّهُ شَكٌّ فَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ كَالصَّحْوِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّهُ يَبْطُلُ بِآخِرِ رَمَضَانَ إذَا حَالَ غَيْمٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ الصَّوْمُ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ صَحْوٌ وَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ فَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ بِخِلَافِ الْغَيْمِ فَوَجَبَ صَوْمُهُ احْتِيَاطًا قَالَ وَاحْتُجَّ بِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ صَامَهُ في الصحوا لَا يَجِبُ فِي الْغَيْمِ
كَالثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ (وَجَوَابُهُ) أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ مَا سَبَقَ وَلِأَنَّا تَحَقَّقْنَا
فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ كَوْنَهُ مِنْ شَعْبَانَ بِخِلَافِ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ وَلِهَذَا لَوْ حَالَ الْغَيْمُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ صُمْنَا وَلَوْ حَالَ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ لَمْ نَصُمْ قَالَ وَاحْتُجَّ بِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا يَجِبُ الدُّخُولُ فِيهَا حَتَّى يُعْلَمَ وَقْتُهَا كَالصَّلَاةِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ (أَمَّا) الْأَصْلُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الشَّكِّ وَهُوَ إذَا نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ (وَأَمَّا) الْفَرْعُ فَإِنَّ الْأَسِيرَ إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الشُّهُورُ صَامَ بِالتَّحَرِّي (وَجَوَابٌ) آخَرُ وَهُوَ أَنَّ اعْتِبَارَ الْيَقِينِ فِي الصَّلَاةِ لَا يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا قَالَ وَاحْتُجَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْجَزْمُ بِالنِّيَّةِ مَعَ الشَّكِّ وَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ إلَّا بِجَزْمِ النِّيَّةِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي الْأَسِيرِ إذَا صَامَ بِالِاجْتِهَادِ وَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ فَصَلَّاهُنَّ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ حَلَفَ أَنَّ الْهِلَالَ تَحْتَ الْغَيْمِ (قُلْنَا) لَا يَحْنَثُ لِلشَّكِّ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ
وَكَذَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ وَلَا هُوَ تَحْتَ الْغَيْمِ كَمَا لَوْ طَارَ طَائِرٌ فَحَلَفَ أَنَّهُ غُرَابٌ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ بِغُرَابٍ أَوْ تَجَهَّلْنَاهُ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ وَطِئَ فِي هَذَا الْيَوْمِ (قُلْنَا) تَجِبُ الْكَفَّارَةُ (فَإِنْ قِيلَ) هَلْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ (قُلْنَا) اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ لَا يُصَلِّي وَقَالَ غَيْرُهُ يُصَلِّي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَلِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ لَمْ يَحْكُمُوا بِالْهِلَالِ تَحْتَ الْغَيْمِ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ (قُلْنَا) لَا فَائِدَةَ فِيهِ بِخِلَافِ
مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ هِلَالُ رَمَضَانَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ (قُلْنَا) لَا يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ حَتَّى يَدْخُلَهَا فِي يَوْمَيْنِ يَوْمِ الشَّكِّ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَوَاتِ يَوْمٍ وَجَهِلَهَا فَحَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فَإِنَّهُ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَدْخُلَ بَعْدَ جَمِيعِ صَلَوَاتِ الْيَوْمِ وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ وَاحِدَةٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ القاضي أبو يَعْلَى بْنِ الْفَرَّاءِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* قَالَ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَقَفْتُ عَلَى كِتَابٍ لِبَعْضِ مَنْ يَنْتَسِبُ إليه الْفِقْهِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ الْمُكَمِّلَ
لِعِدَّةِ شَعْبَانَ يَجِبُ صَوْمُهُ عَنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ الْخَطِيبُ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِمَا ظُهُورُ اعْتِلَالِهِ يغني الناظر فيه عن إبطاله إذا لحق لَا يَدْفَعُهُ بَاطِلُ الشُّبُهَاتِ وَالسُّنَنُ الثَّابِتَةُ لَا يُسْقِطُهَا فَاسِدُ التَّأْوِيلَاتِ وَمَعَ كَوْنِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ فِيهَا الْتِبَاسٌ فَرُبَّمَا خَفِيَ حُكْمُهَا عَنْ بعض الناس ممن قَصَرَ فَهْمُهُ وَقَلَّ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ عِلْمُهُ وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَنْ يَنْصَحُوا لَهُ فيما استحفظهم ويبذلوا الجهد فيما قلدهم
ويهجوا لِلْحَقِّ سُبُلَ نَجَاتِهِمْ وَيَكْشِفُوا لِلْعَوَامِّ عَنْ شُبُهَاتِهِمْ لاسيما فِيمَا يَعْظُمُ خَطَرُهُ وَيَبِينُ فِي الدِّينِ ضَرَرُهُ وَمِنْ أَعْظَمِ الضَّرَرِ إثْبَاتُ قَوْلٍ يُخَالِفُ مَذْهَبَ السَّلَفِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي حُكْمِ الصَّوْمِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الدِّينِ وَأَنَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَذْكُرُ مِنْ السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ وَأُورِدُ فِي ذَلِكَ مِنْ صَحِيحِ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَحَابَتِهِ الْأَخْيَارِ الْمَرْضِيِّينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَعَنْ خَالِفِيهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ مَا يُوَضِّحُ مَنَارَ الْحَقِّ وَدَلِيلَهُ وَيَرُدُّ مَنْ تَنَكَّبَ سَبِيلَهُ وَيُبْطِلُ شُبْهَةَ قَوْلِ الْمُخَالِفِ وَتَأْوِيلَهُ ثُمَّ رَوَى الْخَطِيبُ بِإِسْنَادِهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " لَا تَقَدَّمُوا صَوْمَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمًا يَصُومُهُ رَجُلٌ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الصَّوْمَ " ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ نهى عن صوم ستة أيام الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ وَيَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ " ثُمَّ ذَكَرَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ السَّابِقَةَ " لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ " وَحَدِيثَ حُذَيْفَةَ الصَّحِيحَ السَّابِقَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ
إذَا غُمَّ الْهِلَالُ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ " وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ اللَّهَ أَمَدَّهُ لِلرُّؤْيَةِ " وَحَدِيثَ " أَحْصُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ لِرَمَضَانَ " وَسَبَقَ بَيَانُهُ ثُمَّ قَالَ: بَابُ الْأَمْرِ بِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ: قَالَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَاتِهِمْ بِأَسَانِيدِهِ مِنْ طُرُقٍ وَأَلْفَاظَهَا كَمَا سَبَقَ فِي
الْفَرْعِ الْأَوَّلِ وَفِي جَمِيعِ رِوَايَاتِهِ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ " ثُمَّ قَالَ الْخَطِيبُ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ لَيْسَ بواجب وهو إذا كانت السماء متغيمة فِي آخِرِ الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَلَمْ يَشْهَدْ عَدْلٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَيَوْمُ الثَّلَاثِينَ يَوْمُ الشَّكِّ فَكَرِهَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ صِيَامَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمٍ فَيَصُومُهُ عَنْ عَادَتِهِ أَوْ كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ فَيَأْتِي ذَلِكَ في صيامه فيصومه قال فمن مَنَعَ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ
مَسْعُودٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَتَابَعَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو وائل وعبد الله ابن عُكَيْمٍ الْجُهَنِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالْمُسَيِّبُ بْنُ رَافِعٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ومسلم ابن يَسَارٍ وَأَبُو السِّوَارِ الْعَدَوِيُّ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَتَابَعَهُمْ مِنْ الْخَالِفِينَ وَالْفُقَهَاءِ المجتهدين ابن جريج والاوزاعي والليث والشافعي واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ عَنْ رَمَضَانَ وَيَجُوزُ تَطَوُّعًا (وَأَمَّا) أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَرُوِيَ عَنْهُ كَمَذْهَبِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ صَوْمُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَرُوِيَ عَنْهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي صَوْمِهِ وَفِطْرِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ غَيْمٌ صَامَهُ وَإِلَّا أَفْطَرَهُ قَالَ الْخَطِيبُ وَزَعَمَ الْمُخَالِفُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي عَلَيْهَا التَّعْوِيلُ عِنْدَهُ عَنْ أَحْمَدَ وُجُوبُ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأَرَاهُ عَوَّلَ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ
* خَالِفْ تُعْرَفْ
* وَاحْتَجَّ لِقَوْلِهِ بِمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقُ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " قَالَ الْخَطِيبُ قَالَ الْمُخَالِفُ وَدَلَالَتُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي كَلَامِ ابن الْفَرَّاءِ وَمُخْتَصَرُهُمَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ لَيْلَةِ الْغَيْمِ وَهُوَ الرَّاوِي فَاعْتِمَادُهُ أَوْلَى (وَالثَّانِي) أَنَّ مَعْنَى " اُقْدُرُوا لَهُ " ضَيِّقُوا شَعْبَانَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ قَالَ الْخَطِيبُ (أَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عمر فاختلفت الروايات عنه اختلافا يؤل إلَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لَنَا فَإِنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ قَالَ فِي حَدِيثِهِ عَنْهُ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا " ثُمَّ رَوَى عَنْهُ " فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ " ثُمَّ ذَكَرَ الْخَطِيبُ بِأَسَانِيدِهِ مِنْ طُرُقٍ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا وَأَنَّهَا صَحِيحَةٌ ثُمَّ قَالَ
الخطيب فقد ثَبَتَ بِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا فَسَّرَ الْمُجْمَلَ وَأَوْضَحَ الْمُشْكِلَ وَأَبْطَلَ شُبْهَةَ الْمُخَالِفِ وَكَشَفَ عُوَارَ تَأْوِيلِهِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم " فَاقْدُرُوا لَهُ " مُجْمَلٌ فَسَّرَهُ بِرِوَايَةٍ " فَعُدُّوا لَهُ ثلاثين يوما "" وفأكملوا العدة ثلاثين "" وفأقدروا لَهُ ثَلَاثِينَ " مَعَ مُوَافَقَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ ابْنَ عُمَرَ عَلَى رِوَايَتِهِ مِثْلَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثم ذَكَرَ الْخَطِيبُ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقَيْنِ فِي بَعْضِهَا " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ " وَفِي الثَّانِيَةِ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " قَالَ الْخَطِيبُ (وَأَمَّا) تَعَلُّقُ الْمُخَالِفِ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ وَيُفْتِي بِخِلَافِ ذَلِكَ وَفُتْيَاهُ أَصَحُّ مِنْ فِعْلِهِ يَعْنِي لِتَطَرُّقِ التَّأْوِيلِ إلَى فِعْلِهِ ثُمَّ رَوَى الْخَطِيبُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ " سَأَلُوا ابْنَ عُمَرَ فَقَالُوا نَسْبِقُ قَبْلَ رَمَضَانَ حَتَّى لا يفوتنا منه شئ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أُفٍّ أُفٍّ صُومُوا مَعَ الْجَمَاعَةِ وَأَفْطِرُوا مَعَ الْجَمَاعَةِ " إسْنَادُهُ صَحِيحٌ إلَّا عبد العزيز بن حكيم فقال يحيى ابن مُعِينٍ هُوَ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " لَا أَتَقَدَّمُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَا أَصِلُهُ بِصِيَامٍ " وَعَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ " ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ يَوْمُ الشَّكِّ فَقَالَ لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا لَأَفْطَرْتُهُ " قَالَ الْخَطِيبُ وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الظَّنُّ بِهِ أَنَّهُ خَالَفَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَتَرَكَ قَوْلَهُ الَّذِي رَوَاهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعَمَلِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ إكْمَالِ الْعِدَّةِ فيجب أن يحمل ماروى عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ مُمْسِكًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ هَلْ تَقُومُ بَيِّنَةٌ بِالرُّؤْيَةِ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ كَانَ صَائِمًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَحْتَسِبُ بِهِ وَلَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ النَّاسِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ " لَا أَتَقَدَّمُ قَبْلَ الْإِمَامِ " وَقَوْلُهُ " لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ لَأَفْطَرْتُهُ " يَعْنِي يَوْمَ الشَّكِّ قَالَ الْخَطِيبُ وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ الصِّيَامَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ مُمْسِكًا (فَإِنْ قِيلَ) فَمَا الْفَائِدَةُ فِي إمْسَاكِهِ بِلَا نِيَّةٍ لِلصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ (قُلْنَا) فَائِدَتُهُ تَعْظِيمُ حُرْمَةِ رَمَضَانَ وَكَيْفَ يُظَنُّ بِابْنِ عُمَرَ مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ فِي اقْتِفَاءِ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالِاقْتِدَاءِ
بِأَفْعَالِهِ وَطَرِيقَةُ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ مَحْفُوظَةٌ قَالَ الْخَطِيبُ وَقَدْ تَأَوَّلَ الْمُخَالِفُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ
" لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ لَأَفْطَرْتُ يَوْمَ الشَّكِّ " عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ أَصُمْهُ تَطَوُّعًا وَإِنْ تَطَوَّعْتُ بِجَمِيعِ السَّنَةِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الشَّكِّ فِي الصَّحْوِ قَالَ وَهَكَذَا قَوْلُهُ " صُومُوا مَعَ الْجَمَاعَةِ " الْمُرَادُ مَعَ الصَّحْوِ قَالَ الْخَطِيبُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ أَنَّهُ لَا يَصُومُهُ بِحَالٍ وَكَذَا الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ مِنْ يَوْمِ الشَّكِّ إنَّمَا هُوَ مَعَ وُجُودِ السَّحَابِ لَا مَعَ الصَّحْوِ مَعَ أَنَّ مَا تَأَوَّلَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وجه الا ماقاله لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِثُبُوتِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ الصَّرِيحَةِ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خِلَافَ مَا ادَّعَى الْمُخَالِفُ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ وَلَا غَيْرِهِ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ إلَّا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " قَالَ الْخَطِيبُ وَقَدْ جَعَلَ الْمُخَالِفُ الْعِلَّةَ فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ الْمُجْمَلِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ مُجَرَّدَ فِعْلِهِ مَعَ احْتِمَالِهِ غَيْرَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَكَانَ يَلْزَمُهُ تَرْكُ رَأْيِهِ وَالْأَخْذُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " تَمَارَى النَّاسُ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْيَوْمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ غَدًا فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَنَّهُ رَآهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ صُومُوا ثُمَّ قَالَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صُومُوا وَلَا تَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا " قَالَ الْخَطِيبُ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِهِ الْمُخَالِفُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَيَانِ الشَّافِي بِاللَّفْظِ الْوَاضِحِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ
التَّأْوِيلَ وَلِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَاقَ السَّبَبَ الَّذِي خرج الكلام عليه قال الخطيب والمراء فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ إنَّمَا يَقَعُ إذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ غَيْمٌ فَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ مَا ادَّعَاهُ الْمُخَالِفُ لَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بِالصَّوْمِ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةِ الْأَعْرَابِيِّ عَلَى الرُّؤْيَةِ قَالَ الْخَطِيبُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا فِيهِ كِفَايَةٌ عما سواه فذكره باسناده عَنْهُ ثُمَّ قَالَ " أَصْبَحْنَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ صِيَامًا وَكَانَ الشَّهْرُ قَدْ أُغْمِيَ عَلَيْنَا فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَصَبْنَاهُ مُفْطِرًا فَقُلْنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ صُمْنَا الْيَوْمَ فَقَالَ أَفْطِرُوا إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يَصُومُ هَذَا الْيَوْمَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ لَأَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مُتَمَارِيًا فِيهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ لَيْسَ مِنْهُ " يَعْنِي لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ
قَالَ الْخَطِيبُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُخَالِفُ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَهُ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِنْبَاطِ وَقَوْلُهُ إنَّ مَعْنَى " اُقْدُرُوا لَهُ " ضَيِّقُوا شَعْبَانَ لِصَوْمِ رَمَضَانَ فَهُوَ خَطَأٌ وَاضِحٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ قدروا شعبان ثلاثين ثم صوموا في الحادى والثلاثين وقدرت الشئ وَقَدَّرْتُهُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القادرون) ثُمَّ رَوَى الْخَطِيبُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الْفَرَّاءِ الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ قَالَ فِي قَوْله تعالى (فقدرنا فنعم القادرون) ذُكِرَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّهُمَا شَدَّدَا وَخَفَّفَهَا
الْأَعْمَشُ وَعَاصِمٌ قَالَ الْفَرَّاءُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَقُولُ قَدَرَ عَلَيْهِ الْمَوْتَ وَقَدَّرَ عَلَيْهِ الْمَوْتَ وَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ وَقَدَّرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ ثُمَّ رَوَى الْخَطِيبُ عَنْ ابْنِ قُتَيْبَةَ التَّشْدِيدَ وَالتَّخْفِيفَ ثُمَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَكَانَ أَوْحَدَ وَقْتِهِ فِي التَّفْسِيرِ ثُمَّ الْفَرَّاءِ ثُمَّ ثَعْلَبٍ إنَّهُمْ قَالُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) مَعْنَاهُ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ عُقُوبَةً قَالَ وكذلك قاله غيرهم مِنْ النُّحَاةِ فَهَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ عَلَى أن في الحديث مالا يحتاج معه الي غَيْرُهُ فِي وُضُوحِ الْحُجَّةِ وَإِسْقَاطِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ قوله صلى الله عليه وسلم " فاقدروا له ثَلَاثِينَ " أَيْ فَعُدُّوا لَهُ ثَلَاثِينَ وَهُوَ بِمَعْنَى عُدُّوا وَكُلُّهُ رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ " قَالَ الْخَطِيبُ قَالَ الْمُخَالِفُ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " فَاقْدُرُوا لَهُ " مَا يدل علي وجوب تقدير شعبان بثلاثين إذا لَيْسَ تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثِينَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِهِ بِتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَدَدَيْنِ يَكُونُ قَدْرًا لِلشَّهْرِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ نَزَلَ مِنْ الْغُرْفَةِ وَقَدْ آلَى شَهْرًا فَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ " إنَّ الشَّهْرَ
تِسْعٌ وَعِشْرُونَ " وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " مَا صُمْنَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ " قَالَ الْخَطِيبُ مَا أَعْظَمَ غَفْلَةَ هَذَا الرَّجُلِ وَمَنْ الذى تازعه فِي أَنَّ الشَّهْرَ تَارَةً يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَتَارَةً يَكُونُ ثَلَاثِينَ وَأَيُّ حَجَّةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ لَيْسَ التَّقْدِيرُ بِثَلَاثِينَ أَوْلَى مِنْ التَّقْدِيرِ بِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ بَاطِلٌ وَمُحَالٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَصَّ عَلَى تَقْدِيرِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِتَمَامِ الْعَدَدِ وَالْكَمَالِ وَهُوَ قوله صلى الله عليه وسلم
" فاقدروا له ثَلَاثِينَ " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا ان يكون لهم الخيرة من امرهم) قَالَ الْخَطِيبُ قَالَ الْمُخَالِفُ (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ثَلَاثِينَ (قُلْنَا) لِوُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ تَأْوِيلُ ابْنِ عُمَرَ الرَّاوِي وَهُوَ أَعْرَفُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مَشْهُورٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ (الثَّالِثُ) أَنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ قَالَ الْخَطِيبُ (أَمَّا) تَأْوِيلُ ابْنِ عُمَرَ فَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يُفْسِدُهُ مِنْ مُعَارَضَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا وَذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ الرِّوَايَاتِ مَا يُوجِبُ تَأْوِيلَ فِعْلِهِ عَلَى غَيْرِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُخَالِفُ وَكَذَلِكَ تَفْسِيرُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْآيَاتِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا فَالِاحْتِيَاطُ فِي اتِّبَاعِ السُّنَنِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهَا دُونَ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا بِالْآرَاءِ وَالْحَمْلِ لَهَا عَلَى الْأَهْوَاءِ وَمَنْزِلَةُ مَنْ زَادَ فِي الشَّرْعِ كَمَنْزِلَةِ مَنْ نَقَصَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا قَالَ الْخَطِيبُ قَالَ الْمُخَالِفُ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ رَوَى مُسْلِمٌ " فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ " مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ (قُلْنَا) هَذَا التَّفْسِيرُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ لِاحْتِمَالِ رجوعه
إلَى هِلَالِ شَوَّالٍ
* قَالَ الْخَطِيبُ لَا يَجُوزُ لاحد ان يزيل الْكَلَامَ عَنْ أَصْلِهِ الْمَوْضُوعِ وَظَاهِرِهِ الْمُسْتَعْمَلِ الْمَعْرُوفِ وَيَعْدِلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ " رَاجِعٌ إلَى الْغَيْمِ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ وَفِي انْتِهَائِهِ وَقَدْ بَيَّنَ النَّصُّ مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ وعمومته وَحَقِيقَتُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَمَامَةٌ أَوْ ضَبَابَةٌ فَأَكْمِلُوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ وَلَا تَسْتَقْبِلُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " صوموا لرؤيته وأفطرو لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ
عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صُومُوا وَلَا تَصُومُوا قَبْلَهُ بِيَوْمٍ " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ " فَإِنْ غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صوموا لرويتة وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ
* قَالَ الْخَطِيبُ وَاسْتَدَلَّ الْمُخَالِفُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " رَاجِعٌ إلَى غَمِّ هِلَالِ شَوَّالٍ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآخَرِ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا " قَالَ الْخَطِيبُ وَلَيْسَ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ غَمِّ الْهِلَالِ آخِرَ الشَّهْرِ
وَأَنَّهُ يَجِبُ إكْمَالُ عِدَّةِ الصَّوْمِ وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِهِ (فَأَمَّا) بَيَانُ حُكْمِ غَمِّهِ في أول رمضان فمستفاذ مِنْ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ " ثُمَّ صُومُوا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى " فَعُدُّوا شَعْبَانَ " وَفِي الْأُخْرَى " فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صُومُوا " وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ " قَالَ الْخَطِيبُ قَالَ الْمُخَالِفُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ فَإِنَّا نَعُدُّ شَعْبَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ نَصُومُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنْ حَالَ دُونَ مَطْلَعِ هِلَالِ شَوَّالٍ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ غَيْمٌ عَدَدْنَا حِينَئِذٍ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ نَعُدُّ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ وَنَصُومُ يَوْمًا آخَرَ فَيَكُونُ إحْدَى وَثَلَاثِينَ
* قَالَ الْخَطِيبُ مَنْ خَلَتْ يَدَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ وَعَدَلَ عَنْ نَهْجِ السَّبِيلِ لَجَأَ إلَى مِثْلِ هَذَا التَّأْوِيلِ وَمَعَ كَوْنِهِ إحْدَى الْعَظَائِمِ وَالْكُبَرِ وَأَعْجَبَ
مَا وَقَفَ عَلَيْهِ أَهْلُ النَّظَرِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى أَصْلٍ يَرُدُّهُ إلَيْهِ وَلَا أَوْرَدَ أَمْرًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَقِفَهُ عَلَيْهِ وَلَوْ جَازَ تَخْصِيصُ الْحَدِيثِ الْعَامِّ بِغَيْرِ دَلِيلٍ لَبَطَلَتْ دلالة الْأَخْبَارُ وَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمٌ بِظَاهِرٍ وَتَعَلَّقَ كُلُّ مُبْطِلٍ بِمِثْلِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَلَئِنْ سَاغَ لِلْمُخَالِفِ هَذَا التَّأْوِيلُ الْبَاطِلُ لِيَسُوغَنَّ لِغُلَاةِ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ يَسْبِقُونَ النَّاسَ فِي الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ أَنْ يَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ " أَنَّ الْمُرَادَ تَقَدُّمُ الصِّيَامِ لِلرُّؤْيَةِ وَتَقَدُّمُ الْفِطْرِ لِلرُّؤْيَةِ قَالَ الْخَطِيبُ وَمُخَالِفُنَا يَعْلَمُ فساد هذا التأويل الذى قاله فيقال لَهُ أَسَمِعْتَ هَذَا التَّأْوِيلَ عَنْ أَحَدٍ فَإِنْ زعمه فليأت بخبر واحد يتضمنه وأن واحدا مِنْ السَّلَفِ كَانَ إذَا غُمَّ عَلَيْهِ هِلَالُ شَوَّالٍ اسْتَأْنَفَ عَدَدَ شَعْبَانَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فِي خَبَرٍ وَلَا أَثَرٍ وَهَيْهَاتَ أَنْ يَجِدَهُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَا تَأَوَّلَهُ خِلَافُ الصَّوَابِ فَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ (فَإِنْ قَالَ) اسْتَخْرَجْتُهُ بِنَظَرِي (قُلْنَا) الِاسْتِخْرَاجُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ أَصْلٍ وَلَا سَبِيلَ لَكَ إلَيْهِ
* قَالَ الْخَطِيبُ وَزَعَمَ الْمُخَالِفُ أَنَّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِهِ وَهَذِهِ دَعْوَى مِنْهُ لَيْسَ عَلَيْهَا بُرْهَانٌ وَلَا يَعْجَزُ كُلُّ مَنْ غَلَبَ هواه علي شىء أَنْ يَدَّعِيَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ
* قَالَ الْخَطِيبُ وَأَنَا أَذْكُرُ هُنَا مَا ثَبَتَ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْخَالِفِينَ (فَأَمَّا) الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَرَوَاهَا بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ النَّاسَ كُلَّمَا أَقْبَلَ رَمَضَانُ وَيَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ أَلَا وَلَا يَتَقَدَّمَنَّ الشَّهْرَ مِنْكُمْ أَحَدٌ يَقُولُهَا ثَلَاثًا وفى رواية أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ
إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ الْمُجَنَّدَةِ " صُومُوا لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صُومُوا
وَأَفْطِرُوا " وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قال كان عثمان لا يجيز شهادة لواحد فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ عَلَى رَمَضَانَ فَقُلْتُ لَهُ مَنْ ذَكَرَهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو ابن دينار قلت له من ذكره عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَرَوْحٌ قَالَ الْخَطِيبُ فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ عُثْمَانُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فَالْغَيْمُ أَوْلَى أَنْ لَا يَعْتَمِدَهُ وَعَنْ مُجَالَدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ إذَا حَضَرَ رَمَضَانُ وَيَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ " لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ " وَكَانَ يَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَعَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ " أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا كَانَا يَنْهَيَانِ عَنْ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ " قُلْتُ مُجَالِدٌ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْخَطِيبُ وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِخَبَرٍ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ " أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " قَالَ الْخَطِيبُ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ لَا يَقْبَلُ شهادة العدل
الْوَاحِدِ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ لِهِلَالِ رَمَضَانَ ثُمَّ رَأَى عَلِيٌّ قَبُولَ شَهَادَةِ وَاحِدٍ ثُمَّ رَوَى عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَصَامَ وَقَالَ " أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أحب إلى من أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " فَصِيَامُ عَلِيٍّ رضي الله عنه كَانَ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فَلَمَّا بَلَغَهُ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَبُولِ الْوَاحِدِ صَارَ إلَيْهِ
* قَالَ الْخَطِيبُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ لَا يصوم الا للرؤية أو اكمال الْعَدَدِ لِشَعْبَانَ مَا أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ وَذَكَرَ إسْنَادَهُ إلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ " صُمْنَا عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ رضي الله عنه ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَأَمَرَنَا عَلِيٌّ بِقَضَاءِ يَوْمٍ " قَالَ الْخَطِيبُ وَكَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ تِلْكَ السَّنَةِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَشَعْبَانُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَغُمَّ الْهِلَالُ فِي آخِرِ شَعْبَانَ فَأَكْمَلَ عَلِيٌّ وَالنَّاسُ الْعَدَدَ لِشَعْبَانَ ثَلَاثِينَ وَصَامُوا فَرَأَوْا الْهِلَالَ عَشِيَّةَ الْيَوْمِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الصَّوْمِ وَلَوْ كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ فِي الصَّوْمِ كَقَوْلِ الْمُخَالِفِ مِنْ اعْتِمَادِ الْغَيْمِ لَمْ يَرَ النَّاسُ الْهِلَالَ بَعْدَ صَوْمِ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا (وَأَمَّا) ابْنُ مَسْعُودٍ فَرَوَى عَنْهُ الْخَطِيبُ بِإِسْنَادِهِ " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ " لَأَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَقْضِيَهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَزِيدَ
فِيهِ يَوْمًا لَيْسَ مِنْهُ " وَعَنْ صِلَةَ قَالَ " كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَتَى بِشَاةٍ فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ عَمَّارٌ مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم " وَعَنْ حُذَيْفَةَ " أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " لَا تَصِلُوا رَمَضَانَ بشئ وَلَا تَقَدَّمُوهُ بِيَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ " وَعَنْهُ " مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ " قَالَ الْخَطِيبُ (وَأَمَّا) ما رويناه عن معاوية ابن صَالِحٍ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ " سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ " لَأَنْ أَتَقَدَّمَ فِي رَمَضَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَخَّرَ لِأَنِّي إنْ تَقَدَّمْتُ لَمْ يَفُتْنِي " فَرِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا تُحْفَظُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَأَبُو مَرْيَمَ مَجْهُولٌ فَلَا يُعَارَضُ بِرِوَايَتِهِ مَا نَقَلَهُ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ
* قَالَ الْخَطِيبُ وَمِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ الْمُخَالِفُ مَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي إسحق قَالَ رَأَيْتُ هِلَالَ الْفِطْرِ إمَّا عِنْدَ الظُّهْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَأَفْطَرَ نَاسٌ فَأَتَيْنَا أَنَسًا فاخبرناه فقال " هَذَا الْيَوْمُ يُكْمِلُ إلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا لِأَنَّ الْحَكَمَ بْنَ أَيُّوبَ أَرْسَلَ إلَيَّ قَبْلَ صِيَامِ النَّاسِ أَنِّي صَائِمٌ غَدًا فَكَرِهْتُ الْخِلَافَ عَلَيْهِ فَصُمْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ يَوْمِي هَذَا إلَى اللَّيْلِ " قَالَ الْخَطِيبُ قَالَ الْمُخَالِفُ وَلَا يَتَقَدَّمُ أَنَسٌ عَلَى صَوْمِ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِصَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ
* قَالَ الْخَطِيبُ فَيُقَالُ لَهُ قَدْ قَالَ أَنَسٌ إنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ مُعْتَقِدًا وُجُوبَهُ وَإِنَّمَا تَابَعَ الْحَكَمَ بْنَ أَيُّوبَ وَكَانَ هُوَ الْأَمِيرُ عَلَى الْإِمْسَاكِ فِيهِ وَلَعَلَّ الْأَمِيرَ عَزَمَ عَلَيْهِ
فِي ذَلِكَ فَكَرِهَ مُخَالَفَتَهُ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ أَفْطَرَ يَوْمَ الشَّكِّ كَذَا رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَحَسْبُكَ بِهِ فَهْمًا وَعَقْلًا وَصِدْقًا وَفَضْلًا وَمِنْ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ " لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ لِي مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ " قَالَ الْخَطِيبُ أَرَادَتْ عَائِشَةُ صَوْمَ الشَّكِّ إذَا شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ عَدْلٌ فَيَجِبُ صَوْمُهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ شَهِدَ بِبَاطِلٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَرَادَتْ بِقَوْلِهَا مُخَالَفَةَ مَنْ شَرَطَ لِصَوْمِ رَمَضَانَ شَاهِدِينَ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَسْرُوقًا رَوَى عَنْهَا النَّهْيَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ ثُمَّ رَوَاهُ الْخَطِيبُ بِإِسْنَادِهِ وَمِنْ ذَلِكَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا كَانَتْ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ تَقَدَّمَتْهُ وَصَامَتْ وَتَأْمُرُ بِذَلِكَ قَالَ الْخَطِيبُ لَيْسَ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ تَقَدُّمِهَا بِالصَّوْمِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَطَوُّعٌ لَا وَاجِبٌ وَإِذَا اُحْتُمِلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُخَالِفِ فِيهِ
حُجَّةٌ مَعَ أَنَّ الْحُجَّةَ إنَّمَا هِيَ فِي قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلِهِ قَالَ الْخَطِيبُ وَمِمَّا جاء عن التابعين فيه مارويناه فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ " مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " وَأَمْرُ رَجُلًا أَنْ يُفْطِرَ بَعْدَ الظُّهْرِ وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ " لَا تَصُمْ الْيَوْمَ الَّذِي تَشُكُّ فِيهِ إذَا كَانَ فِيهِ سَحَابٌ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ " لَا بَأْسَ بِصَوْمِهِ إلَّا أَنْ يُغَمَّ الْهِلَالُ " وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي يَقُولُ النَّاسُ إنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ " لَا يُصَمْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ " لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا مَا صُمْتُ يَوْمَ الشَّكِّ " وَعَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا مَا صمت يوم الشك وعن ابراهيم قال مامن يوم أبغض إلى أَنْ أَصُومَهُ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي يُقَالُ إنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ وَأَبِي وَائِلٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُمْ كَانُوا
يَكْرَهُونَ صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي يُقَالُ إنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ لَأَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ لَا أَتَعَمَّدُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَصِلُ بِهِ رَمَضَانَ أَتَعَمَّدُهُ وَعَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا كَرِهَا صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ قَالَ الْخَطِيبُ وَذَكَرَ الْمُخَالِفُ شُبَهًا مِنْ الْقِيَاسِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَنْ اعْتَمَدَ الْآثَارَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كُلَّ قِيَاسٍ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَصٌّ يُخَالِفُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ وَيَحْرُمُ الْعَمَلُ بِهِ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ إمَامُ أَهْلِ الْعِرَاقِ مَعَ تَوَسُّعِهِ فِي الْقَضَاءِ بِالْقِيَاسِ الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ أَحْسَنُ مِنْ بَعْضِ الْقِيَاسِ وَهَذَا صَحِيحٌ وَهُوَ إذَا قَابَلَ الْقِيَاسَ نَصٌّ يُخَالِفُهُ أَوْ كَانَ فَاسِدًا لِنَقْصٍ أَوْ مُعَارَضَةِ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ كَقِيَاسِ الْمُخَالِفِ وُجُوبَ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَوَاتِ يَوْمٍ فَهَذَا قِيَاسٌ بَاطِلٌ لِثُبُوتِ النَّصِّ بِخِلَافِهِ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَجِبْ بِالشَّكِّ بَلْ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا شَغْلَ ذِمَّتِهِ بِكُلِّ صَلَاةٍ وَشَكَكْنَا
فِي بَرَاءَتِهِ مِنْهَا وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ ولا طريق له إلَى الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ وَإِنَّمَا نَظِيرُ مَسْأَلَةِ يَوْمِ الشَّكِّ أَنْ يَشُكَّ هَلْ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَمْ لَا فَلَا تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ لَوْ صَلَّى شَاكًّا فِيهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ قَالَ الْمُخَالِفِ وَقِيَاسٌ آخَرُ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى مَا إذَا غُمَّ الْهِلَالُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَجِبُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ الْخَطِيبُ لَيْسَ بِهَذَا الْمُخَالِفُ مِنْ الْغَبَاوَةِ مَا يَنْتَهِي إلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ لَكِنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ أَمْرًا أَلْجَأَهُ إلَيْهَا وَكَيْفَ اسْتَجَازَ أَنْ يَقُولَ يَوْمُ الشَّكِّ أَحَدُ طَرَفَيْ الشَّهْرِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا
يَلْزَمُهُ وَلَا يَسْلَمُ لَهُ (فَإِنْ قَالَ) بَنَيْتُهُ عَلَى أَصْلٍ (قيل) له هو مخالف للنص فيجب اطراحه ويقال له أو قُلْتَ يَوْمُ الشَّكِّ أَحَدُ طَرَفَيْ رَمَضَانَ فَأْتِ بِحُجَّةٍ عَلَى ذَلِكَ وَهَيْهَاتَ السَّبِيلُ إلَى ذَلِكَ (وَإِنْ قُلْتَ) الشَّكُّ أَحَدُ طَرَفَيْ شَعْبَانَ (قِيلَ) أَصَبْتَ وَلَا يَجِبُ صَوْمُ شَعْبَانَ (ثُمَّ يُقَالُ) الْأَصْلُ بَقَاءُ شَعْبَانَ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ قَالَ الخطيب قال المخالف لا يَمْتَنِعُ تَرْكُ الْأَصْلِ لِلِاحْتِيَاطِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَكَمَا لَوْ شَكَّ مَاسِحُ الْخُفِّ فِي انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ فَلَا يمسح ولو شكت المستحاضة في انقطاع الخيص تَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ قَالَ الْخَطِيبُ (أَمَّا) مَسْأَلَةُ الصَّلَاةِ فَسَبَقَ جَوَابُهَا (وَأَمَّا) مَاسِحُ الْخُفِّ فَشَرْطُ مَسْحِهِ بَقَاءُ الْمُدَّةِ فَإِذَا شَكَّ فِيهَا رَجَعَ إلَى الاصل وهو غسل الرجلين (واما) السمتحاضة فَسَقَطَتْ عَنْهَا الصَّلَاةُ بِسَبَبِ الْحَيْضِ فَإِذَا شَكَّتْ فِيهِ رَجَعَتْ إلَى الْأَصْلِ وَمُقْتَضَى هَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَنْ لَا يَجِبَ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ شَعْبَانَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الخطيب رحمه الله * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ أُخَرُ (مِنْ) ذَلِكَ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ " سَأَلْتُ جَابِرًا أَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بقيام مِنْ بَيْنِ سَائِرِ اللَّيَالِيِ وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنَ سَائِرِ الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ أَصُمْتِ أَمْسِ قَالَتْ لَا قَالَ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا قَالَتْ لَا قَالَ فافطري "
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ من غرة كل شهر ثلاثة أيام وقل ما كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ
حَسَنٌ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ فان وصله يصوم قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ بِأَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ شِفَاءِ مَرِيضِهِ أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ أَبَدًا فَوَافَقَ الْجُمُعَةَ لَمْ يُكْرَهْ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ رَوَى الْمُزَنِيّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا أَسْتَحِبُّ صَوْمَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِمَنْ كَانَ إذَا صَامَهُ مَنَعَهُ مِنْ الصَّلَاةِ مالو كَانَ مُفْطِرًا فَعَلَهُ هَذَا نَقْلُ الْقَاضِي وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَذَكَرَ فِي جَامِعِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ أَنْهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلَّا عَلَى اخْتِيَارٍ لِمَنْ كَانَ إذَا صَامَهُ مَنَعَهُ عَنْ الصَّلَاةِ الَّتِي لَوْ كَانَ مُفْطِرًا فَعَلَهَا قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ أَنَّهُ يُكْرَهُ صَوْمُهُ مُفْرَدًا قَالَ وَهَذَا خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ قَالَ وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي النَّهْيِ عَلَى مَنْ كَانَ الصَّوْمُ يُضْعِفُهُ وَيَمْنَعُهُ عَنْ الطَّاعَةِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ مُخْتَصَرًا وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ غَيْرَهُ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كَرَاهَةِ إفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ وَجْهَانِ (الْمَنْصُوصُ) الْجَوَازُ وَيُحْتَجُّ لِظَاهِرِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ السَّابِقِ (وَمَنْ) قَالَ بِالْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ
أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ الْخَمِيسَ فَوَصَلَ الْجُمُعَةَ بِهِ وَهَذَا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ
* {فَرْعٌ} قَالَ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ الْحِكْمَةُ فِي كَرَاهَةِ إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ أَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ أَرْجَى فَهُوَ يَوْمُ دُعَاءٍ وَذِكْرٍ وَعِبَادَةٍ مِنْ الْغُسْلِ وَالتَّبْكِيرِ إلَى الصَّلَاةِ وَانْتِظَارِهَا وَاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ وَإِكْثَارِ الذِّكْرِ بَعْدَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فضل الله واذكروا الله كثيرا) وَيُسْتَحَبُّ فِيهِ أَيْضًا الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي يَوْمِهَا فَاسْتُحِبَّ لَهُ الْفِطْرُ فِيهِ لِيَكُونَ أَعْوَنَ عَلَى هَذِهِ الطَّاعَاتِ وَأَدَائِهَا بِنَشَاطٍ وَانْشِرَاحٍ وَالْتِذَاذٍ بِهَا مِنْ غَيْرِ مَلَلٍ وَلَا سَآمَةٍ وَهُوَ نَظِيرُ الْحَاجِّ بِعَرَفَاتٍ فَإِنَّ الْأَوْلَى لَهُ الْفِطْرُ كَمَا سَبَقَ لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَزُلْ الْكَرَاهَةُ بِصِيَامٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِبَقَاءِ الْمَعْنَى الَّذِي نَهَى بِسَبَبِهِ
(فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِفَضِيلَةِ الصَّوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مَا يَجْبُرُ مَا قَدْ يَحْصُلُ مِنْ فُتُورٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي وَظَائِفِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ صَوْمِهِ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي كَرَاهَةِ إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ (وَقِيلَ) سَبَبُهُ خَوْفُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِهِ بِحَيْثُ يُفْتَتَنُ بِهِ كَمَا اُفْتُتِنَ قَوْمٌ بِالسَّبْتِ وَهَذَا بَاطِلٌ مُنْتَقَضٌ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَسَائِرِ مَا شُرِعَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِمَّا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ وَالشَّعَائِرِ (وَقِيلَ) سببه لِئَلَّا يُعْتَقَدَ وُجُوبُهُ وَهَذَا بَاطِلٌ وَمُنْتَقَضٌ بِيَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ صَوْمُهُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى هَذَا الْخَيَالِ الْبَعِيدِ وَبِيَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا كَرَاهَتُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو يوسف واحمد واسحق وابن المنذر وقال ملك وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا يُكْرَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ ينهى عن صيام يوم الجمعة قال وصامه قَالَ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهُ وَأُرَاهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ فَهَذَا كَلَامُ مَالِكٍ
وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ السَّابِقِ
* وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِمْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ فِي النَّهْيِ وَسَبَقَ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ فَلَا يُفْرِدُهُ (وَأَمَّا) قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ مَا رَأَى مَنْ يَنْهَى فَيُعَارِضُهُ أَنَّ غَيْرَهُ رَأَى فَالسُّنَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَا رَآهُ هُوَ وَغَيْرُهُ وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ بِالنَّهْيِ عَنْ إفْرَادِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهَا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ لَهَا وَمَالِكٌ مَعْذُورٌ فِيهَا فَإِنَّهَا لَمْ تبلغه قال الداوودى مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا حَدِيثَ النَّهْيِ وَلَوْ بَلَغَهُ لَمْ يُخَالِفْهُ
* {فَرْعٌ} يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ السَّبْتِ بِالصَّوْمِ فَإِنْ صَامَ قَبْلَهُ.
أَوْ بَعْدَهُ مَعَهُ لَمْ يُكْرَهُ صَرَّحَ بِكَرَاهَةِ إفْرَادِهِ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ الدَّارِمِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ عَنْ أُخْتِهِ الصَّمَّاءِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَمَعْنَى النَّهْيِ
أَنْ يَخْتَصَّهُ الرَّجُلُ بِالصِّيَامِ لِأَنَّ الْيَهُودَ يُعَظِّمُونَهُ وَقَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُقْبَلُ فَقَدْ صَحَّحَهُ الْأَئِمَّةُ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ قَالَ وَلَهُ مُعَارِضٌ صَحِيحٌ وَهُوَ حديث جويرة السَّابِقُ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ وَلَهُ مُعَارِضٌ آخَرُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَنَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثُوهُ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا أَيُّ الْأَيَّامِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ صِيَامًا لَهَا قَالَتْ يَوْمُ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ فَرَجَعْتُ إلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ فَقَامُوا بِأَجْمَعِهِمْ إلَيْهَا فَقَالُوا إنَّا بَعَثْنَا إلَيْكِ هَذَا فِي كَذَا وَكَذَا فَذَكَرَ أَنَّكِ قُلْتِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَتْ صَدَقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أكثر مَا كَانَ يَصُومُ مِنْ الْأَيَّامِ يَوْمَ السَّبْتِ
وَيَوْمَ الْأَحَدِ وَكَانَ يَقُولُ إنَّهُمَا يَوْمَا عِيدٍ لِلْمُشْرِكِينَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَهُمْ " هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْحَاكِمِ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَعَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ مِنْ الشَّهْرِ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَالِاثْنَيْنَ وَمِنْ الشَّهْرِ الْآخَرِ الثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ والخميس " رواه الترمذي وقالت حديث حسن والصواب علي الجلة مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ إفْرَادُ السَّبْتِ بِالصِّيَامِ إذَا لَمْ يُوَافِقْ عَادَةً لَهُ لِحَدِيثِ الصَّمَّاءِ (وَأَمَّا) قَوْلُ أَبِي دَاوُد إنَّهُ مَنْسُوخٌ فَغَيْرُ مَقْبُولٍ وَأَيُّ دَلِيلٍ عَلَى نَسْخِهِ (وَأَمَّا) الْأَحَادِيثُ الْبَاقِيَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي صِيَامِ السَّبْتِ فَكُلُّهَا وَارِدَةٌ فِي صَوْمِهِ مَعَ الْجُمُعَةِ وَالْأَحَدِ فَلَا مُخَالَفَةَ فِيهَا لِمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِ السَّبْتِ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الصَّمَّاءِ لِحَاءَ عِنَبَةٍ هُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ وبالحاء المهملة وبالمد وهو قشر الشجرة ويمضغه بفتح الضاد وضمها لغتان * قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ وَرَوَيَا أَيْضًا عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " نهى عن صيام يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ " وَرَوَيَا مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَإِنْ صَامَ فِيهِمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَهُمَا لَمْ ينعقد نذره ولا شئ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمٍ غَيْرِهِمَا قَالَ فَإِنْ صَامَهُمَا أَجْزَأَهُ مَعَ أَنَّهُ حرام ووافق علي انه يصح صومهما عن نذر مطلق
* دلينا نه نَذَرَ صَوْمًا مُحَرَّمًا فَلَمْ يَنْعَقِدْ كَمَنْ نَذَرَتْ صوم أيام حيضها
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ باسناد ضعيف عى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " نَهَى عَنْ صِيَامٍ قَبْلَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ وَالْأَضْحَى وَالْفِطْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٍ بَعْدَ يَوْمِ النحر " هذا لفظه وضعف اسناده ويعني عَنْهُ حَدِيثُ نُبَيْشَةَ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتَ سَاكِنَةٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ وأنس من الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَنَادَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا مُؤْمِنٌ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ
التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " هَذِهِ الْأَيَّامُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِإِفْطَارِهَا وَيَنْهَى عَنْ صِيَامِهَا قَالَ مَالِكٌ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (وَأَمَّا) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ فِي صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا " لَمْ يُرَخَّصْ في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدى " وفى لِلْبُخَارِيِّ عَنْهُمَا قَالَا " الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنَى " فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَرْفُوعَةٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أُمِرْنَا بِكَذَا وَنُهِينَا عَنْ كَذَا وَرُخِّصَ لَنَا فِي كَذَا وَكُلُّ هَذَا وَشِبْهُهُ مَرْفُوعٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ قَالَ صلى الله عليه وسلم كَذَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ ثُمَّ فِي مَوَاضِعَ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ هِيَ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَعْدَ النَّحْرِ وَيُقَالُ لَهَا أَيَّامُ مِنَى لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يُقِيمُونَ فِيهَا بِمِنَى وَالْيَوْمُ (الْأَوَّلُ) منها يُقَالُ لَهُ يَوْمُ الْقَرِّ بِفَتْحِ الْقَافِ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يَقِرُّونَ فِيهِ بِمِنَى (وَالثَّانِي) يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ النَّفْرُ فِيهِ لِمَنْ تَعَجَّلَ (وَالثَّالِثُ) يَوْمُ النَّفْرِ الثَّانِي وَسُمِّيَتْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يُشَرِّقُونَ فِيهَا لُحُومَ الْأَضَاحِيّ وَالْهَدَايَا أي ينشرونها ويقددونها وايام
التشريق هم الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الْجَدِيدُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا لَا لِمُتَمَتِّعٍ وَلَا غَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ يَجُوزُ لِلْمُتَمَتِّعِ الْعَادِمِ الْهَدْيَ صَوْمُهَا عَنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَصُومَهَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُمَا جَمَاعَاتٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَآخَرُونَ مِنْهُمْ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ فِي مَنْعِ صَوْمِهَا وَإِنَّمَا رُخِّصَ لِلْمُتَمَتِّعِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ هَذَا الْقَائِلُ بالجواز هو أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا الَّذِينَ حَكَوْا هَذَا الْوَجْهَ إنَّمَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ صَوْمٌ لَهُ سَبَبٌ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ لَهُ سَبَبٌ (فَأَمَّا) تَطَوُّعٌ لَا سَبَبَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ كَذَا نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطيب والمحاملي
والسرخسي وصاحب بالعدة وَآخَرُونَ وَأَكْثَرُ الْقَائِلِينَ قَالُوا هُوَ نَظِيرُ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِيهَا مالها سبب دون مالا سَبَبَ لَهَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أن إباحتها للمتمتع للحاجة أو لكونه سَبَبًا وَفِيهِ خِلَافٌ لِأَصْحَابِنَا مَنْ عَلَّلَ بِالْحَاجَةِ خصه بالتمتع فَلَمْ يُجَوِّزْهَا لِغَيْرِهِ
وَمَنْ عَلَّلَ بِالسَّبَبِ جَوَّزَ صَوْمَهَا عَنْ كُلِّ صوم له سبب دون مالا سَبَبَ لَهُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوْ نَذَرَ صَوْمَهَا بِعَيْنِهَا فَهُوَ كَنَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَسَبَقَ بَيَانُهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِجَوَازِ الصَّوْمِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ مُخْتَصٌّ بِصَوْمٍ له سبب ولا يصح فيها مالا سَبَبَ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَدِيمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لا تقبل هذه غير صوم التمتع لِضَرُورَةٍ تَخْتَصُّ بِهِ وَقَالَ آخَرُونَ إنَّهَا كَيَوْمِ الشَّكِّ ثُمَّ ذَكَرَ مُتَّصِلًا بِهِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ أَنَّهُ إنْ صَامَهُ بِلَا سَبَبٍ فَهُوَ منهي عنه وفى صحته وجهان قد سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ هُوَ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ أَنَّهَا لَا يَصِحُّ فيها صوم أصلا لا للمتمتع ولا لغيره (والارجح) في
الدليل صحتها للمتمتع وَجَوَازُهَا لَهُ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي التَّرْخِيصِ لَهُ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَلَا عُدُولَ عَنْهُ (وَأَمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ الشَّامِلِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَبَاطِلٌ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ رَوَاهُ مِنْ جِهَةٍ ضَعِيفَةٍ وَضَعَّفَهُ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِإِسْنَادِهِ الْمُتَّصِلِ مِنْ غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ كَلَامَ صَاحِبِ الشَّامِلِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
* قَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا فِيهَا وَأَنَّ الْجَدِيدَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهَا صَوْمٌ (وَالْقَدِيمُ) صِحَّتُهُ لِمُتَمَتِّعٍ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنْ السَّلَفِ الْعُلَمَاءِ بِامْتِنَاعِ صَوْمِهَا لِلْمُتَمَتِّعِ وَلِغَيْرِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب وأبي حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ جَوَازَ صَوْمِهَا لِلْمُتَمَتِّعِ وَغَيْرِهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ سِيرِينَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ والاوزاعي ومالك واحمد واسحق في رواية عنه يجوز للمتمتع صومها
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ولا يجوز ان يصوم في رضمان غير رمضان حاضرا كان أو مسافرا فان صام عن غيره لم يصح صومه
عن رمضان لانه لم ينوه ولا يصح عما نوى لان الزمان مستحق لصوم رمضان فلا يصح فيه غيره}
* {الشَّرْحُ} هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَمَا قَالَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا مَبْسُوطَةً فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصِّيَامِ فِي مَسَائِلِ النِّيَّةِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَصِحُّ فِيهِ صَوْمُ التَّطَوُّعِ وَذَكَرْنَا بَعْدَهُ خلاف أبي حنيفة
*
* قال المصنف رحمه الله تعالي
* {ويستحب طلب ليلة القدر لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذنبه " ويطلب ذلك في ليالى الوتر من العشر الاخير من شهر رمضان لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " التمسوها في العشر الاخير في كل وتر " قال الشافعي رحمه الله والذى يشبه أن يكون ليلة احدى وعشرين وثلاث وعشرين والدليل عليه ماروى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " أريت هذه الليلة ثم أنسيها ورأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين قال أبو سعيد فانصرف علينا وعلي جبهته وانفه أثر الماء والطين في صبيحة يوم إحدى وعشرين " وروى عبد الله بن انيس رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثم أنسيتها وأراني أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وعشرين فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْ أثر الماء والطين علي جبهته " قال الشافعي ولا أحب ترك طلبها فيها كلها قال اصحابنا إذا قال لامرأته انت طالق ليلة القدر فان كان في رمضان قبل مضى ليلة من ليالى العشر حكم بالطلاق من الليلة الاخيرة من الشهر وان كان قد مضت ليلة وقع الطلاق في السنة الثانية في مثل تلك الليلة التي قال فيها ذلك والمستحب ان يقول
فيها اللهم انك عفو تجب العفو فاعف عنى لما روى " ان عائشة رضى الله عنها قالت يارسول الله ارأيت ان وافقت ليلة القدر ماذا أقول قال تقولين اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنى "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْأَوَّلُ وَحَدِيثُهُ الثَّانِي رَوَاهَا كُلَّهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ أنيس بضيم الْهَمْزَةِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَسَيَأْتِي فَرْعٌ
مُسْتَقِلٌّ فِي ذِكْرِ جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَعْنَى قِيَامِهَا إيمَانًا أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهَا حَقٌّ وَطَاعَةٌ وَاحْتِسَابًا أَيْ طَلَبًا لِرِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَثَوَابِهِ لَا لِلرِّيَاءِ وَنَحْوِهِ وَسَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بَيَانُ الذُّنُوبِ الَّتِي تُغْفَرُ وَبَيَانُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ الْوَارِدَةِ فِيهِ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَيْلَةُ القدر ليلة فَاضِلَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي ليلة القدر) إلَى آخِرِ السُّورَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَهِيَ أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ قَالُوا وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) مَعْنَاهُ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَفْضَلِ لَيَالِيِ السَّنَةِ طَلُقَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَيَكُونُ كَمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِيَةُ) لَيْلَةُ الْقَدْرِ مُخْتَصَّةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا فَلَمْ تَكُنْ لِمَنْ قَبْلَهَا وَسُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَيْ لَيْلَةَ الْحُكْمِ وَالْفَصْلِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ وَقِيلَ لِعِظَمِ قَدْرِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا كلهم هي التى يفرق فيها كل أمر حكيم هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ قَالَ
جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ هِيَ لَيْلَةُ نصف شعبان وهذا خطأ لقوله تعلي (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم) وَقَالَ تَعَالَى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) فَهَذَا بَيَانُ الْآيَةِ الْأُولَى وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَكْتُبُ لِلْمَلَائِكَةِ فِيهَا مَا يُعْمَلُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ الْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَقَعُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَيَأْمُرُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِفِعْلِ مَا هُوَ مِنْ وَظِيفَتِهِمْ وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَتَقْدِيرُهُ لَهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ كَوْنِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مُخْتَصَّةً بِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَمْ تَكُنْ لِمَنْ قَبْلَهَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ أَصْحَابُنَا كُلُّهُمْ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ كَانَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لِلْأُمَمِ السَّالِفَةِ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ إلَّا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي سَبَبِ نُزُولِ السُّورَةِ (الثَّالِثَةُ) لَيْلَةُ الْقَدْرِ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُسْتَحَبُّ طَلَبُهَا وَالِاجْتِهَادُ فِي إدْرَاكُهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ " يَجْتَهِدُ فِي
طلبها في العشر الاواخر من رمضان مالا يجتد فِي غَيْرِهِ " وَأَنَّهُ " كَانَ صلى الله عليه وسلم إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ
أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ " وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ مُبْهَمَةٌ عَلَيْنَا وَلَكِنَّهَا فِي لَيْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا تَنْتَقِلُ عَنْهَا وَلَا تَزَالُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكُلُّ لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مُحْتَمِلَةٌ لَهَا لَكِنَّ لَيَالِيَ الْوِتْرِ أَرْجَاهَا وَأَرْجَى الْوِتْرِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَمَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ إلَى ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَرْجَاهَا عِنْدَهُ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَهُمَا أَرْجَى لَيَالِيهَا عِنْدَهُ وَبَعْدَهُمَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَقَالَ إمَامَانِ جَلِيلَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا وهما المزني وصاحبه أبو بكر محمد ابن اسحق بن خزيمة أنها منتقلة فِي لَيَالِي الْعَشْرِ تَنْتَقِلُ فِي بَعْضِ السِّنِينَ إلَى لَيْلَةٍ وَفِي بَعْضِهَا إلَى غَيْرِهَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ لِتَعَارُضِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا طَرِيقَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ إلَّا بِانْتِقَالِهَا
* قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التجريد وصاحب التنبه وَغَيْرُهُمَا تُطْلَبُ فِي جَمِيعِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَحَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَجْهًا وَادَّعَى الْمَحَامِلِيُّ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ التَّجْرِيدِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تُلْتَمَسُ فِي جَمِيعِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَآكَدُهُ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْهُ وَآكَدُ الْعَشْرِ لَيَالِي الْوِتْرِ هَذَا لَفْظُهُ فِي التَّجْرِيدِ وَسَيَأْتِي فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ لَهَا وَمَا يَدُلُّ لِقَوْلِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَصِفَةُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَعَلَامَتُهَا أَنَّهَا لَيْلَةٌ طَلْقَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ وان الشمس تطلع في صَبِيحَتَهَا بَيْضَاءَ لَيْسَ لَهَا كَثِيرُ شُعَاعٍ وَفِيهَا حَدِيثٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قِيلَ) فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِمَعْرِفَةِ صِفَتِهَا بَعْدَ فَوَاتِهَا فَإِنَّهَا تَنْقَضِي بِمَطْلَعِ الْفَجْرِ (فَالْجَوَابُ) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ اجتهاده في
يَوْمِهَا الَّذِي بَعْدَهَا كَاجْتِهَادِهِ فِيهَا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ فَإِذَا عُرِفَتْ لَيْلَتُهَا فِي سَنَةٍ اُنْتُفِعَ بِهِ فِي الِاجْتِهَادِ فِيهَا فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا (الرَّابِعَةُ) يُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا وَالدُّعَاءُ وَالِاجْتِهَادُ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِيهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الدُّعَاءِ وَهُمَا صَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ فِيهَا بِمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ إحْيَاؤُهَا بِالْعِبَادَةِ إلَى مَطْلَعِ الْفَجْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفجر) قَالَ أَصْحَابُنَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا سَلَامٌ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ استحب ان يكون اجتهاد في يومها كاجتهاده في ليلتها هذا نصه فِي الْقَدِيمِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الْجَدِيدِ نَصٌّ يُخَالِفُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مُقَدَّمَةِ الشَّرْحِ أَنَّ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِي الْجَدِيدِ بِمَا يُخَالِفُهُ وَلَا بِمَا يُوَافِقُهُ فَهُوَ مَذْهَبُهُ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَوْ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَإِنْ قَالَهُ قَبْلَ رَمَضَانَ أَوْ فِيهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ لَيْلَةِ الْحَادِي
وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ وَعَتَقَ الْعَبْدُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الشَّهْرِ لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّتْ عَلَيْهِمَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي إحْدَى لَيَالِي الْعَشْرِ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بعد مضي ليالى العشر طلقت وعتق فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الليلة التى قبل تممه سواء كان قاله في الليل أو فِي النَّهَارِ لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّتْ بِهِمَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ هَكَذَا تَحْقِيقُ الْمَسْأَلَةِ وَهَكَذَا صَرَّحَ بِهَا الْمُحَقِّقُونَ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ طَلُقَتْ فِي مِثْلِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَفِيهِ تَسَاهُلٌ لِأَنَّهُ يَتَأَخَّرُ الطَّلَاقُ لَيْلَةً عَنْ مَحَلِّ وُقُوعِهِ وَكَذَا قَوْلُ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَمَنْ وافقه أنه إن قاله قبل مضي شئ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ عَتَقَ وَطَلُقَتْ فِي آخِرِ يَوْمٍ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ إلَى آخِرِ يَوْمٍ بَلْ يَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَلِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أول لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ طَلُقَتْ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِوُجُودِ الِاسْمِ وَمِثْلُ قَوْلِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ طَلُقَتْ بِانْقِضَاءِ لَيَالِي الْعَشْرِ وَهُوَ تساهل أيضا وصوابه أول جُزْءٌ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ هَكَذَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ المسألة عن الاصحاب ووافقهه الْجُمْهُورُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ مِنْهُمْ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مُعَيَّنَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ لَا تَنْتَقِلُ بَلْ هِيَ فِي لَيْلَةٍ بِعَيْنِهَا كُلَّ سَنَةٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ
وَالْعِتْقَ قَبْلَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ طَلُقَتْ فِي أَوَّلِ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ رَمَضَانَ وَعَتَقَ وَإِنْ عَلَّقَهُ بَعْدَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ إلَّا فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلِ بِانْتِقَالِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي السَّنَةِ الْأُولَى فِي اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَتَكُونُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَكَأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ وَمُوَافِقِيهِ فَرَّعُوا عَلَى انْتِقَالِهَا مَعَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُمْ تَعْيِينُهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ قالو ذَلِكَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قُلْنَا تَتَعَيَّنُ أَوْ تَنْتَقِلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى تَعْيِينِهَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ بِالشَّكِّ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ يُحْتَمَلُ في كلام غير صاحب اشامل (وأما)
هو فقال لا يقع الطلاق الافي آخِرِ الشَّهْرِ لِجَوَازِ اخْتِلَافِهَا وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ كَلَامِهِ أَيْضًا (وَأَمَّا) الْغَزَالِيُّ فَقَالَ فِي الْوَسِيطِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ فِي مُنْتَصَفِ رَمَضَانَ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْضِيَ سَنَةٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ قال الرافعى وغير لَا نَعْرِفُ اعْتِبَارَ مُضِيِّ سَنَةٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا فِي كُتُبِ الْغَزَالِيِّ وَقَوْلُهُ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ مُسَلَّمٌ وَلَكِنَّهُ يَقَعُ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ قَالَ إمَامُ
الْحَرَمَيْنِ رحمه الله فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالي مُتَرَدِّدٌ فِي لَيَالِي الْعَشْرِ وَيَمِيلُ إلَى بَعْضِهَا مَيْلًا لَطِيفًا قَالَ وَانْحِصَارُهَا فِي الْعَشْرِ ثَابِتٌ عِنْدَهُ بِالظَّنِّ الْقَوِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْطُوعًا قَالَ وَالطَّلَاقُ يُنَاطُ وُقُوعُهُ بِالْمَذَاهِبِ الْمَظْنُونَةِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَهَذَا الَّذِي نَسَبَهُ الرَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُهُ إلى الغزالي
مِنْ الِانْفِرَادِ بِمَا قَالَهُ لَيْسَ كَمَا قَالُوهُ بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَحَامِلِيِّ وَصَاحِبِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ يَطْلُبُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ مَا سَبَقَ عَنْ الْجُمْهُورِ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي انْحِصَارِهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَتَعَيُّنِهَا فِي لَيْلَةٍ
*
{فَرْعٌ} ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ هُنَا تَفْسِيرًا مُخْتَصَرًا لِسُورَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمِنْ أَحْسَنِهِمْ لَهُ ذِكْرًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالُوا قَوْله تعالي (إنا أنزلناه) أَيْ الْقُرْآنَ فَعَادَ الضَّمِيرُ إلَى مَعْلُومٍ مَعْهُودٍ قَالُوا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَنْزَلَهُ مِنْ السَّمَاءِ
الدُّنْيَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نُجُومًا آيَةً وَآيَتَيْنِ وَالْآيَاتِ وَالسُّورَةَ عَلَى مَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمَصَالِحِ وَالْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ قَالُوا وقَوْله تَعَالَى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شهر) مَعْنَاهُ الْعِبَادَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الْعِبَادَةِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ الْعِبَادَةُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ
الْعِبَادَةِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ بِصِيَامِ نَهَارِهَا وَقِيَامِ لَيْلِهَا لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وقَوْله تَعَالَى (تنزل الملائكة والروح) أي جبريل عليه السلام (باذن ربهم) أي بامره (من كل أمر سلام) أَيْ يُسَلِّمُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُسَلِّمُونَ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ إلَّا مُدْمِنِ خَمْرٍ أَوْ مُصِرٍّ عَلَى مَعْصِيَةٍ أَوْ كَاهِنٍ أَوْ مُشَاحِنٍ فَمَنْ أَصَابَهُ السَّلَامُ غُفِرَ لَهُ مَا تقدم وقوله تعالي (حتي مطلع الفجر) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهَا سَلَامٌ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ
*
{فَرْعٌ} فِي
مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسَائِلَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
وَقَدْ جَمَعَهَا الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو الْفَضْلِ عِيَاضٌ السَّبْتِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَاسْتَوْعَبَهَا وَأَتْقَنَهَا وَمُخْتَصَرُ مَا حَكَاهُ أَنَّهُ قَالَ أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ لَيْلَةُ الْقَدْرِ بَاقِيَةٌ دَائِمَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْأَمْرِ بِطَلَبِهَا قَالَ وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا رُفِعَتْ وَكَذَا حَكَى أَصْحَابُنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ قَوْمٍ وَلَمْ يُسَمِّهِمْ الْجُمْهُورُ وَسَمَّاهُمْ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَقَالَ هُوَ قَوْلُ الرَّوَافِضِ وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " حين تلاحا رَجُلَانِ فَرُفِعَتْ " وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي فَرْعِ الْأَحَادِيثِ إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي اخْتَرَعَهُ هَؤُلَاءِ الشَّاذُّونَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ وَغَبَاوَةٌ بَيِّنَةٌ لِأَنَّ آخِرَ الْحَدِيثِ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ " فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ تَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ " هَكَذَا هُوَ فِي أَوَّلِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِرَفْعِهَا رفع عِلْمُهُ بِعَيْنِهَا ذَلِكَ
الْوَقْتِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ رَفْعَ وُجُودِهَا لَمْ يَأْمُرْ بِالْتِمَاسِهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَعَلَى مَذْهَبِ الجماعة اختلفوا في محلها فقيل هي منتقلة تَكُونُ فِي سَنَةٍ فِي لَيْلَةٍ وَفِي سَنَةٍ فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ
وَيُقَالُ كُلُّ حَدِيثٍ جَاءَ بِأَحَدِ أَوْقَاتِهَا فَلَا تَعَارُضَ فِيهَا قَالَ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ والثوري وأحمد وإسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا وَإِنَّمَا تَنْتَقِلُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ وَقِيلَ فِي كُلِّهِ وَقِيلَ إنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لَا تَنْتَقِلُ أَبَدًا بَلْ هِيَ لَيْلَةٌ مُعَيَّنَةٌ فِي جَمِيعِ السِّنِينَ لَا تُفَارِقُهَا وَعَلَى هَذَا قِيلَ هِيَ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي حنيفة وصاحبيه وقيل بل في كُلُّ رَمَضَانَ خَاصَّةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وجماعة وقيل بل في العشر الاواسط وَالْأَوَاخِرِ وَقِيلَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَقِيلَ تَخْتَصُّ بِأَوْتَارِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَقِيلَ بِأَشْفَاعِهَا كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ بَلْ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقِيلَ تُطْلَبُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ سَبْعَ عشرة
أَوْ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما وَقِيلَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ بِلَالٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ والحسن وقتادة رضي الله عنهم وقيل ليلة سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أُبَيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ رضي الله عنهم وَقِيلَ لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَهُوَ قول زيد ابن أَرْقَمَ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا وَقِيلَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أيضا وحكي عن علي أيضا قيل آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ هَذَا آخِرُ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله وَذَكَرَ غَيْرُ الْقَاضِي هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ مُفَرَّقَةً (وَأَمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ الْحَاوِي لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ
الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَا يُقْبَلُ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي غَيْرِهِ مَشْهُورٌ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ (وَأَمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ الْحِلْيَةِ إنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا إنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَمُخَالِفٌ لِنَقْلِ الْجُمْهُورِ
* {فَرْعٌ} اعْلَمْ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ يَرَاهَا مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى من بني آدم كل سنة في رَمَضَانَ كَمَا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ وَأَخْبَارُ الصَّالِحِينَ بِهَا وَرُؤْيَتُهُمْ لَهَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ عَنْ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ الْفَقِيهِ الْمَالِكِيِّ لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهَا حَقِيقَةً فَغَلَطٌ فَاحِشٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ
* {فَرْعٌ} قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ لِمَنْ رأى ليلة القدر أن يكتمها ويدعو بِإِخْلَاصٍ وَنِيَّةٍ وَصِحَّةِ يَقِينٍ بِمَا أَحَبَّ مِنْ دِينٍ وَدُنْيَا وَيَكُونُ أَكْثَرُ دُعَائِهِ لِلدِّينِ وَالْآخِرَةِ
* {فَرْعٌ} قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ قَالَ الْقَفَّالُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثم أنسيتها "
لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ رَأَى الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْوَارَ عَيَانًا ثم أنسى في أول ليلة رأى ذلك لان مثل هذا قل ما يُنْسَى وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ أُنْسِيَ كَيْفَ قِيلَ لَهُ
* {فَرْعٌ} فِي بَيَانِ جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ
الْأَوَاخِرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ارى رؤيا كم قد تواطأت فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيَقُولُ تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي تَاسِعِهِ تَبْقَى فِي سَابِعِهِ تَبْقَى فِي خَامِسِهِ تَبْقَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ " خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيُخْبِرَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ خَرَجْتُ لَأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لَكُمْ فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ مَعْنَاهُ رَفْعُ بيان عينها لا رَفْعُ وُجُودِهَا فَإِنَّهُ لَوْ رَفَعَ وُجُودَهَا لَمْ يَأْمُرْ بِطَلَبِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَمَعْنَى " عَسَى أَنْ يكون خيرا لكم " أي لترغبوا فِي طَلَبِهَا وَالِاجْتِهَادِ فِي كُلِّ اللَّيَالِي وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أَيْقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي فَنَسِيتُهَا في العشر الغوابر " رواه امسلم الغوابر الْبَوَاقِي وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ " اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا
وَقَالَ إنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا أَوْ نُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي الْوِتْرِ فَإِنِّي رَأَيْتُ
أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلْيَرْجِعْ فَرَجَعْنَا وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ ثم اعتكف الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ ثُمَّ كَلَّمَ النَّاسَ فَقَالَ إنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأُوَلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لِي إنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ وَقَالَ إنِّي أُرِيتُهَا لَيْلَةَ وِتْرٍ وَإِنِّي أَسْجُدُ فِي صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَأَصْبَحَ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَقَدْ قَامَ إلَى الصُّبْحِ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ فَوَكَفَ المسجد فابصرت الطين والماء فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة انفه فيها الطِّينَ وَالْمَاءَ وَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ " رواه مسلم وعن عبد الله ابن أُنَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا وَأُرَانِي صَبِيحَتَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْصَرَفَ وَأَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ ابن أُنَيْسٍ يَقُولُ ثَلَاثٌ وَعِشْرِينَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابي عبد الله عبد الرحمن بن الصنائحي قَالَ " خَرَجْنَا مِنْ الْيَمَنِ مُهَاجِرِينَ فَقَدِمْنَا الْجُحْفَةَ ضُحًى فَأَقْبَلَ رَاكِبٌ فَقُلْتُ لَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ دَفَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ خَمْسٍ قُلْتُ مَا سَبَقَكَ إلَّا بِخَمْسٍ هَلْ سَمِعْتُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ شَيْئًا قَالَ أَخْبَرَنِي بِلَالٌ مُؤَذِّنُ
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها أَوَّلُ السَّبْعِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَقِيلَ إنَّهُ جَيِّدٌ وَلَمْ أَرَهُ وَعَنْ زِرٍّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ " سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ إنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَالَ رحمه الله أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ الناس اما
إنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ وَأَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ثم حلف لَا يَسْتَثْنِيَ أَنَّهَا
لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَقُلْتُ باى شئ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ قَالَ بِالْعَلَامَةِ أو بالآية النى أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " وَاَللَّهِ إنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقِيَامِهَا هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قُلْتُ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ إنِّي عَلِمْتُ ذَلِكَ فَقَالَ بِالْآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لِزِرٍّ مَا الْآيَةُ قَالَ تُصْبِحُ الشَّمْسُ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِثْلَ الطَّسْتِ لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ حَتَّى تَرْتَفِعَ " وعن معاوية ابن أَبِي سُفْيَانَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ " لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ موسي بن عقبة عن ابي اسحق عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " سُئِلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ هِيَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد هَكَذَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ رَوَاهُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ عن ابي اسحق موقوفا على ابن عمر لم يرفعاه إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَذَا كلام أبو دَاوُد وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ
الْحَدِيثَ إذَا رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا فَالصَّحِيحُ الْحُكْمُ بِرَفْعِهِ لِأَنَّهَا رِوَايَةُ ثِقَةٍ وَعَنْ عِيسَى بْنِ عبد الله ابن انيس الجهينى عن ابيه قال " قلت يارسول اللَّهِ إنَّ لِي بَادِيَةً أَكُونُ فِيهَا وَأَنَا أُصَلِّي بِحَمْدِ اللَّهِ فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ أَنْزِلُهَا إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ فَقَالَ انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَقِيلَ لِابْنِهِ كَيْفَ كَانَ أَبُوكَ يَصْنَعُ قَالَ كَانَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ إذَا صَلَّى الْعَصْرَ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِحَاجَتِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ وَجَدَ دَابَّتَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَجَلَسَ عَلَيْهَا فَلَحِقَ بِبَادِيَتِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ " اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ أَنْ تُبَانَ لَهُ ثُمَّ
أُبِينَتْ لَهُ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَإِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ فَجَاءَ رَجُلَانِ يَحْتَقَّانِ مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ فَنَسِيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ الْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ قُلْتُ يَا أَبَا سَعِيدٍ انكم اعلم بالعدد منا قال اجل نحن احق
بِذَلِكَ مِنْكُمْ قُلْتُ مَا التَّاسِعَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ قَالَ فَإِذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ فَهِيَ التَّاسِعَةُ فَإِذَا مَضَى ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا السَّابِعَةُ فَإِذَا مَضَى خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا الْخَامِسَةُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اُطْلُبُوهَا فِي لَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ سَكَتَ " رَوَاهُ أَبُو داود
وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا وهو حكيم بن سيف الدقى فَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ شَيْخٌ صَدُوقٌ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ لَيْسَ بِالْمُتْقِنِ وَعَنْ مَالِكِ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " قُلْتُ لِأَبِي ذَرٍّ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ أَنَا كُنْتُ أَسْأَلُ النَّاسَ عَنْهَا يَعْنِي أَشَدَّ الناس مسألة عنها فقلت يارسول اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَفِي رَمَضَانَ أَوْ فِي غَيْرِهِ فَقَالَ لَا بَلْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتَكُونُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ مَا كَانُوا فَإِذَا قُبِضُوا وَرُفِعُوا رُفِعْتَ مَعَهُمْ أَوْ هِيَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ لَا بَلْ هِيَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قُلْتُ فَأَخْبِرْنِي فِي أَيِّ شَهْرِ رَمَضَانَ هِيَ قَالَ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ
الْأَوَاخِرِ وَالْعَشْرِ الْأُوَلِ ثُمَّ حَدَّثَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَدَّثَ فَاهْتَبَلْتُ غَفْلَتَهُ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي فِي أَيِّ عشر هِيَ قَالَ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَلَا تسألني عن شيء بَعْدَ هَذَا ثُمَّ حَدَّثَ وَحَدَّثَ فَاهْتَبَلْتُ غَفْلَتَهُ فقلت يارسول اللَّهِ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحَقِّي لَتُحَدِّثَنِي فِي أَيِّ الْعَشْرِ هِيَ فَغَضِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غضبا ما غضب علي مِثْلَهُ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ ثُمَّ قَالَ الْتَمِسُوهَا في السبع الاواخر ولا تسألني عن شئ بَعْدُ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَيُّكُمْ يَذْكُرُ حِينَ طَلَعَ الْقَمَرُ وَهُوَ مِثْلُ شِقِّ جفنه " رواه مسلم قال الْبَيْهَقِيُّ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنِّي رَأَيْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَأُنْسِيتُهَا وَهِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ لَيَالِيهَا وَهِيَ لَيْلَةٌ طَلْقَةٌ بلجة
لا حارة ولا باردة كأن فيها قمر لا يخرج شيطانها حني يضئ فَجْرُهَا " رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلُ فِي كِتَابِهِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* [كتاب الاعتكاف] اصل الاعتكاف في اللغة اللبث والحبس وَالْمُلَازَمَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ الِاعْتِكَافُ لُزُومُ الْمَرْءِ شَيْئًا وَحَبْسُ نَفْسِهِ عَلَيْهِ بِرًّا كَانَ أَوْ إثْمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (مَا هذه التماثيل التي انتم لها عاكفون) وَقَالَ تَعَالَى (فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى اصنام لهم) وَقَالَ تَعَالَى فِي الْبِرِّ (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكفون في المساجد) وَسَمَّى الِاعْتِكَافَ الشَّرْعِيَّ اعْتِكَافًا لِمُلَازِمَةِ الْمَسْجِدِ يُقَالُ عَكَفَ يَعْكُفُ وَيَعْكُفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مشهورتان عكفا وعكوفا أي اقام علي الشئ وَلَازَمَهُ وَعَكَفْتُهُ أَعْكِفُهُ بِكَسْرِ الْكَافِ عَكْفًا لَا غَيْرُ قَالُوا فَلَفْظُ عَكَفَ يَكُونُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا كَمَا ذَكَرْنَا كَرَجَعَ وَرَجَعْتُهُ وَنَقَصَ وَنَقَصْتُهُ وَيُسَمَّى الِاعْتِكَافُ جِوَارًا وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي سَبَقَ قريبا في فِي أَحَادِيثِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ قَوْلُهَا وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالِاعْتِكَافُ فِي الشَّرْعِ هُوَ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شخص مخصوص بنية
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ الْأَوَّلُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بزيادته المذكورة وحديث أبى ابن كَعْبٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمٍ فَقَطْ وَثَبَتَ مِثْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَآخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ (وَأَمَّا) حديث عائشة " من نذر ان
يطع اللَّهَ " إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (أَمَّا) الْحُكْمُ فَالِاعْتِكَافُ سُنَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجِبُ إلَّا بِالنَّذْرِ بِالْإِجْمَاعِ وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهُ وَيُسْتَحَبُّ وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ هُنَا وَفِي الْبَابِ قَبْلَهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ لِرَجَائِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمَنْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي اعتكاف الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ منه لكيلا يفوته شئ منه ويخرج بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ سَوَاءٌ تَمَّ الشَّهْرُ أَوْ نَقَصَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْكُثَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَاةَ الْعِيدِ أَوْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْمُصَلَّى لِصَلَاةِ العيد ان صلوها في المصلى
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ولا يصح إلا من مسلم عاقل طاهر فأما الكافر فلا يصح منه لانه من فروع الايمان ولا يصح من الكافر كالصوم وأما من زال عقله كالمجنون والمبرسم فلا يصح منه لانه ليس من أهل العبادات فلا يصح منه الاعتكاف
كالكافر}
* {الشَّرْحُ} شُرُوطُ الْمُعْتَكِفِ ثَلَاثَةٌ (الْإِسْلَامُ)(وَالْعَقْلُ)(وَالنَّقَاءُ) عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ الْجَنَابَةُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وَلَا مُرْتَدٍّ وَلَا اعْتِكَافُ زَائِلِ الْعَقْلِ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ سُكْرٍ وَلَا مُبَرْسَمٍ وَلَا صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لِأَنَّهُ لَا نِيَّةَ لَهُمْ وَشَرْطُ الِاعْتِكَافِ النِّيَّةُ وَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ حَائِضٍ وَلَا نُفَسَاءَ وَلَا جُنُبٍ ابْتِدَاءً لِأَنَّ مُكْثَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ مَعْصِيَةٌ وَلَوْ طَرَأَ الْحَيْضُ أَوْ النِّفَاسُ أَوْ الرِّدَّةُ أَوْ الْجَنَابَةُ فِي أَثْنَاءِ الِاعْتِكَافِ فَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَصِحُّ اعْتِكَافُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَالْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَغَيْرِهَا وَالْعَبْدِ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُسْتَوْلَدَةِ كَمَا يَصِحُّ صِيَامُهُمْ لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ اذن الزوج والسيد فَلَوْ خَالَفَا صَحَّ مَعَ التَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* {ولا يجوز للمرأة ان تعتكف بغير اذن الزوج لان استمتاعها ملك للزوج فلا يجوز ابطاله عليه بغير اذنه ولا يجوز للعبد ان يعتكف بغير اذن مولاه لان منفعته للمولي فلا يجوز ابطالها
عليه بغير اذنه فان نذرت المرأة الاعتكاف باذن الزوج أو نذر العبد الاعتكاف باذن مولاه نظرت فان كان غير متعلق بزمان بعينه لم يجز أن يدخل فيه بغير اذنه لان الاعتكاف ليس علي الفور وحق الزوج والمولي علي الفور فقدم علي الاعتكاف وان كان النذر متعلقا بزمان بعينه جاز ان يدخل فيه بغير اذنه لانه تعين عليه فعله باذنه وان اعتكفت المرأة باذن زوجها أو العبد باذن مولاه نظرت فان كان في تطوع جاز له ان يخرجه منه لانه لا يلزمه بالدخول فجاز اخراجه منه وان كان في فرض متعلق بزمان بعينه لم يجز اخراجه منه لانه تعين عليه فعله في وقته فلا يجوز اخراجه منه وان كان في فرض غير متعلق بزمان بعينه ففيه وجهان (احدهما) لا يجوز اخراجه منه لانه وجب ذنه ودخل فيه باذنه فلم يجز اخراجه منه
(والثانى)
ان كان متتابعا لم يجز اخراجه منه لانه لا يجوز له الخروج فلا يجوز اخراجه منه كالمنذور في زمن بعينه وان كان غير متتابع جاز اخراجه منه لانه يجوز له الخروج منه فجاز اخراجه منه كالتطوع (وأما) المكاتب فانه يجوز له ان يعتكف بغير اذن المولى لانه لا حق للمولي في منفعته فجاز ان يعتكف بغير اذنه كالحر ومن نصفه حر ونصفه عبد ينظر فيه فان لم يكن بينه وبين المولي مهايأة فهو كالعبد وان كان
بينهما مهايأة فهو في اليوم الذى هو للمولى كالعبد لان حق السيد متعلق بمنفعته وفى اليوم الذى هو له كالمكاتب لان حق المولي يتعلق بمنفعته}
* {الشَّرْحُ} فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَدْ سَبَقَ انه يَصِحَّ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لَكِنْ لَا يَجُوزُ اعْتِكَافُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ اعْتَكَفَا بِغَيْرِ إذْنِهِمَا كَانَ لَهُمَا اخراجهما منه بلا خلاف وان نذرا الاعتكاف باذن الزوج والمولى فَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ جَازَ لَهُمَا الدُّخُولُ فِيهِ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ إذْنٌ فِي الدُّخُولِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ دخولهما فيه بغير اذن لما ذكر الْمُصَنِّفُ (الثَّانِيَةُ) إذَا دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الْعَبْدُ فِي الِاعْتِكَافِ فَإِنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ تَطَوُّعًا أَذِنَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى فِيهِ أَوْ لَمْ يَأْذَنَا جَازَ لَهُمَا إخْرَاجُهُمَا مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا
* وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ إنْ أَذِنَا فِيهِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ دُونَ الزَّوْجِ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ دَخَلَا
فِي اعْتِكَافٍ منذور فان نذراه بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ فَلَهُمَا الْمَنْعُ مِنْ الشُّرُوعِ فِيهِ فَإِنْ شَرَعَا فَلَهُمَا إخْرَاجُهُمَا مِنْهُ فَإِنْ أَذِنَا فِي الشُّرُوعِ وَكَانَ الزَّمَانُ مُتَعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُتَعَيَّنٍ وَلَكِنْ شَرَطَا التَّتَابُعَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لَهُمَا إخْرَاجُهُمَا لِأَنَّ الْمُتَعَيَّنَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ وَالْمُتَتَابِعُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَهُ وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا بِلَا عُذْرٍ وَإِنْ أَذِنَا فِي الشُّرُوعِ وَالزَّمَانُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ وَلَا شَرَطَا التَّتَابُعَ فَلَهُمَا إخْرَاجُهُمَا مِنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دليلهما
هذا كله إذا نذرا بغير اذن الزوج والسيد فان نذرا بِإِذْنِهِمَا فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ فَلَهُمَا الشُّرُوعُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا شَرَعَا فِيهِ بِلَا إذْنٍ لَمْ يَجُزْ لِلزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بِفُرُوعِهَا أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَهِيَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ إذَا شَرَعَ فِيهِ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي آخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ وَفِي آخِرِ بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ هَذَا الْعَبْدُ الْمُدَبَّرُ وَالْقِنُّ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْأَمَةُ الْقِنَّةُ (الثَّالِثَةُ) الْمُكَاتَبُ لَهُ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْجِزُ نَفْسَهُ فَتَعُودُ مَنَافِعُهُ وَكَسْبُهُ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَأَمَّا) مَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ وَبَعْضُهُ حُرٌّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْلَاهُ مُهَايَأَةٌ فَهُوَ كَالْعَبْدِ الْقِنِّ وَإِنْ كَانَ مُهَايَأَةٌ فَهُوَ فِي نَوْبَةِ نَفْسِهِ كَالْحُرِّ وَفِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْعَبْدِ الْقِنِّ وَالْمُهَايَأَةُ بِالْهَمْزِ فِي آخرها وهى المناوبة وقول المصنف لانه لَا يَلْزَمُ بِالدُّخُولِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إذَا أَذِنَ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ فِيهِمَا فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا الْإِخْرَاجُ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا يَلْزَمَانِ بِالشُّرُوعِ وَكَذَا الْجُمُعَةُ فِي حَقِّهِمَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
* {فَرْعٌ} لَوْ نَذَرَ الْعَبْدُ اعْتِكَافًا فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَبَاعَهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مَنْعُهُ مِنْ الِاعْتِكَافِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحِقًّا قَبْلَ مِلْكِهِ لَكِنْ إنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ في فسخ البيع
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ولا يصح الاعتكاف من الرجل الا في المسجد لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فدل علي انه لا يجوز الا في المسجد ولا يصح من المرأة الا في المسجد لان من صح اعتكافه في
المسجد لم يصح اعتكافه في غيره كالرجل والافضل ان يعتكف في المسجد الجامع لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ في المسجد الجامع ولان الجماعة في صلواته اكثر ولانه يخرج من الخلاف فان الزهري قال لا يجوز في غيره وان نذر ان يعتكف في مسجد غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ المدينة والمسجد الاقصي جاز ان يعتكف في غيره لانه لا مزية لبعضها على بعض فلم تتعين وان نذر أن يعتكف من المسجد الحرام لزمه ان يعتكف فيه لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إنِّي نذرت ان اعتكف ليلة في المسجد الحرام قال اوف بنذرك " ولانه افضل من سائر المساجد فلا يجوز ان يسقط فرضه بما دونه وان نذر ان يعتكف في مسجد المدينة أو المسجد الاقصي ففيه قولان (احدهما) يلزمه ان يعتكف فيه لانه مسجد ورد الشرع بشد الرحال إليه فتعين بالنذر كالمسجد الحرام (والثاني) لا يتعين لانه مسجد لا بجب قصده بالشرع فلم يتعين بالنذر كسائر المساجد}
*
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسُمِّيَ الْجَامِعَ لِجَمْعِهِ النَّاسَ وَاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ وَالزُّهْرِيُّ أَبُو بَكْرٍ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ الْقُرَشِيُّ الزهري المدنى التابعي الامام في فنون وَقَدْ يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ اسْتِدْلَالُهُ بِحَدِيثِ عُمَرَ فَإِنَّهُ نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ النَّذْرَ الْجَارِي فِي الْكُفْرِ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الصحيح
* وفى الفصل مسائل (احدها) لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ مِنْ الرَّجُلِ وَلَا مِنْ الْمَرْأَةِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَصِحُّ فِي مسجد بيت المزأة وَلَا مَسْجِدِ بَيْتِ الرَّجُلِ وَهُوَ الْمُعْتَزَلُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَبَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ فِيهِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ هَذَا (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ بيتها وقد انكر القاضى أبو الطبيب في تعليقه وجماعة هذا القول وقالوا لا يَصِحُّ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَغَلَّطُوا مَنْ نَقَلَ فِيهِ قَوْلَيْنِ وَحَكَى جَمَاعَاتٌ مِنْ الخراسانين أَنَّا إذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ إنَّهُ يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا
فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا فَفِي صِحَّةِ اعْتِكَافِ الرَّجُلِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَكُلُّ امْرَأَةٍ كُرِهَ خُرُوجُهَا إلَى الْجَمَاعَةِ كُرِهَ خُرُوجُهَا لِلِاعْتِكَافِ وَمَنْ لَا فَلَا (الثَّانِيَةُ) يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَالْجَامِعُ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَأَوْمَأَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إلَى اشْتِرَاطِ الْجَامِعِ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ جَوَازُهُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَرَحْبَتِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُمَا مِنْهُ (الثَّالِثَةُ) إذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي مَسْجِدٍ
بِعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ فِي تَعْيِينِهِ قَوْلَانِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الخراسانيين في تعينه وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ لَا يَتَعَيَّنُ لِلِاعْتِكَافِ كَمَا لَا يَتَعَيَّنُ لِلصَّلَاةِ لَوْ نَذَرَهَا فِيهِ
(والثانى)
يَتَعَيَّنُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ حَقِيقَةً الِانْكِفَافَ فِي سَائِرِ الْأَمَاكِنِ وَالتَّقَلُّبُ كَمَا أَنَّ الصَّوْمَ انْكِفَافٌ عَنْ أَشْيَاءَ فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ فَنِسْبَةُ الِاعْتِكَافِ إلَى الْمَكَانِ كَنِسْبَةِ الصَّوْمِ إلَى الزَّمَانِ وَلَوْ عَيَّنَ النَّاذِرُ يَوْمًا لِصَوْمِهِ تَعَيَّنَ عَلَى الصَّحِيحِ فَلْيَتَعَيَّنْ الْمَسْجِدُ بِالتَّعَيُّنِ أَيْضًا هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلِاعْتِكَافِ مَسْجِدٌ غَيْرُ الثَّلَاثَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِاعْتِكَافُ فِيمَا عَيَّنَهُ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ عَلَى الْمَذْهَبِ فيهما بأن النذر مردود إلى أصل الشرع وقد وجب الصَّوْمُ بِالشَّرْعِ فِي زَمَنٍ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ فِيهِ غَيْرُهُ فِي غَيْرِ النَّذْرِ وَهُوَ صَوْمُ رمضان كذا فِي النَّذْرِ (وَأَمَّا) الِاعْتِكَافُ فَلَمْ يَجِبْ مِنْهُ شئ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فِي مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ فَصَارَ كَالصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ فِي مَسْجِدٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لَهَا ذَلِكَ الْمَسْجِدُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِلصَّلَاةِ لَا يَتَعَيَّنُ وَإِنْ عَيَّنَهُ لِلِاعْتِكَافِ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ عَيَّنَ يَوْمًا لِلصَّوْمِ تَعَيَّنَ عَلَى الْمَذْهَبِ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي تَعَيُّنِهِ طَرِيقَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يَتَعَيَّنُ
(وَالثَّانِي)
عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يَتَعَيَّنُ
(وَالثَّانِي)
لَا وَإِنْ عين مسجد
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَتَعَيَّنُ (وَالثَّانِي) لَا وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا بِالتَّعَيُّنِ فَإِنْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ قَطْعًا وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ إلَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَلَا يَلْتَحِقُ بِهِمَا غَيْرُهُمَا في الفضيلة وان عين االمسجد الْأَقْصَى لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ إلَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُمَا أَفْضَلُ وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ التَّعَيُّنِ فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ الشُّرُوعِ لِيَنْتَقِلَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ لَكِنْ لَوْ كَانَ يَنْتَقِلُ فِي خُرُوجِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ علي مثل تلك السافة فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَطْوَلَ بَطَلَ الِاعْتِكَافُ
* {فَرْعٌ} لَوْ عَيَّنَ زَمَنَ الِاعْتِكَافِ فِي نَذْرِهِ فَفِي تَعَيُّنِهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَتَعَيَّنُ وَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهِ وَلَا التَّأْخِيرُ فَإِنْ قَدَّمَهُ لَمْ يَجْزِهِ وَإِنْ أَخَّرَهُ أَثِمَ وَأَجْزَأَهُ وَكَانَ قَضَاءً (وَالثَّانِي) لَا يَتَعَيَّنُ كَمَا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الصَّلَاةِ قَالُوا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي تَعَيُّنِ زَمَنِ الصَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
{فرع} في مذاهب العلماء في مسجد الِاعْتِكَافِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اشْتِرَاطُ الْمَسْجِدِ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وبه قال مالك وداود وحكى ابن المذر عن سعيد ابن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا أَظُنُّ أَنَّ هَذَا يَصِحُّ عَنْهُ وَحَكَى هو وغيره عن حذيفة ابن الْيَمَانِ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ لَا يَصِحُّ إلَّا في الجامع
* وقال أبو حنيفة وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا وَتُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ
* وَاحْتَجَّ لهم بحديث عن جوبير عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " كُلُّ مَسْجِدٍ لَهُ مُؤَذِّنٌ وَإِمَامٌ فَالِاعْتِكَافُ فِيهِ يَصْلُحُ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ الضَّحَّاكُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ حُذَيْفَةَ قُلْتُ وَجُوَيْبِرٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَهَذَا الْحَدِيثُ مرسل ضعيف فلا يُحْتَجُّ بِهِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ لِاشْتِرَاطِ الْمَسْجِدِ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَخُصَّ تَحْرِيمَ الْمُبَاشَرَةِ بِالِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِلِاعْتِكَافِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَعْنَى بَيَانُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ
إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَسَاجِدِ وَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُهُ فِي الْمَسَاجِدِ صَحَّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَلَا يُقْبَلُ تَخْصِيصُ مَنْ خَصَّهُ بِبَعْضِهَا إلَّا بدليل ولم يصح في التخصيص شىء صريح
*
{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي اعْتِكَافِ الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عندنا علي الصحيح وبه قال ملك وأحمد وداود
* وقال أبو حنيفة يصح
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَعْتَكِفَ بِصَوْمٍ " لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ فِي شَهْرِ رضمان " فَإِنْ اعْتَكَفَ بِغَيْرِ صَوْمٍ جَازَ لِحَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه " إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْفِ بِنَذْرِكَ " وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ شَرْطًا لَمْ يَصِحَّ بِاللَّيْلِ وَحْدَهُ وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا بِصَوْمٍ فَاعْتَكَفَ بِغَيْرِ صَوْمٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ يُجْزِئُهُ الِاعْتِكَافُ عَنْ النَّذْرِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ تَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عن الاخرى فلم يلزم بَيْنَهُمَا بِالنَّذْرِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ لِأَنَّ الصَّوْمَ صِفَةٌ مَقْصُودَةٌ
فِي الِاعْتِكَافِ فَلَزِمَ بِالنَّذْرِ كَالتَّتَابُعِ وَيُخَالِفُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ صِفَةً مَقْصُودَةً فِي الآخر}
* {الشَّرْحُ} أَمَّا اعْتِكَافُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ فَصَحِيحٌ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَصَفِيَّةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُمَرَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كَمَا سَبَقَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " أَوْفِ بِنَذْرِكَ اعْتَكِفْ لَيْلَةً " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " قال يارسول اللَّهِ إنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا قَالَ اذْهَبْ فَاعْتَكِفْ يَوْمًا "(أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْأَفْضَلُ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا وَيَجُوزُ بِغَيْرِ صَوْمٍ وَبِاللَّيْلِ وَفِي الْأَيَّامِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الصَّوْمَ وَهِيَ الْعِيدُ وَالتَّشْرِيقُ
* هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ
فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ وَلَا فِي اللَّيْلِ الْمُجَرَّدِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأَئِمَّةُ إذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِكَافُ بِاللَّيْلِ لَا تَبَعًا وَلَا مُنْفَرِدًا وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِتْيَانُ بِصَوْمٍ مِنْ أَجْلِ الِاعْتِكَافِ بَلْ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ صَوْمُهُ مُسْتَحَقًّا شَرْعًا مَقْصُودًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَسَنَبْسُطُ أَدِلَّتَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَنَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا هُوَ فِيهِ صَائِمٌ أَوْ أَيَّامًا هُوَ فِيهَا صَائِمٌ لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ بِصَوْمٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ لَهُ إفْرَادُ الصَّوْمِ عَنْ الِاعْتِكَافِ وَلَا عَكْسُهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالُوا وَلَوْ اعْتَكَفَ هَذَا النَّاذِرُ فِي رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِهَذَا النَّذْرِ صَوْمًا وَإِنَّمَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ بِصِفَةٍ وَقَدْ وُجِدَتْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَكَذَا لَوْ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ صَائِمًا عَنْ قَضَاءٍ أَوْ عَنْ نَذْرٍ أَوْ عَنْ كَفَّارَةٍ أَجْزَأَهُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ (أَمَّا) إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا أَوْ يَعْتَكِفَ بِصَوْمٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاعْتِكَافُ وَالصَّوْمُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَلْزَمُهُ بَلْ لَهُ إفْرَادُهُمَا قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ (وَأَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ وَهُوَ قول
جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنَّفِينَ فَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَعَ فِي الِاعْتِكَافِ صَائِمًا ثُمَّ أَفْطَرَ لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الصَّوْمَ وَالِاعْتِكَافَ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكْفِيهِ اسْتِئْنَافُ الِاعْتِكَافِ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ وَلَيَالٍ مُتَتَابِعَةٍ صَائِمًا فَجَامَعَ لَيْلًا فَفِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَسْتَأْنِفُهُمَا
(وَالثَّانِي)
يَسْتَأْنِفُ الصوم دون الاعتكاف لان الصوم لَمْ يَفْسُدْ وَلَوْ اعْتَكَفَ فِي رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ عَنْ الِاعْتِكَافِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ وَلَا يُجْزِئُهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ بَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهُمَا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ لَا يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بَلْ لَهُ تَفْرِيقُهُمَا وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصْلُحُ وَصْفًا لِلصَّوْمِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَإِنَّ الصَّوْمَ مِنْ مَنْدُوبَاتِ الِاعْتِكَافِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ كَعَكْسِهِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ لُزُومُ الْجَمْعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا أَرَى لِمَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَجْهًا بَلْ يَجْرِي الْوَجْهَانِ سَوَاءٌ نَذَرَ الصَّوْمَ مُعْتَكِفًا أَوْ الِاعْتِكَافَ صَائِمًا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا أَوْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ وَالصَّلَاةُ وَفِي لُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا
الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ صَائِمًا (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ لَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بَلْ لَهُ التَّفْرِيقُ وَجْهًا وَاحِدًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّوْمَ وَالِاعْتِكَافَ مُتَقَارِبَانِ فِي أَنَّ كُلًّا منهما كف بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا أَفْعَالٌ مُبَاشِرَةٌ لَا تُنَاسِبُ الِاعْتِكَافَ فَلَمْ يُشْتَرَطْ جَمْعُهُمَا فَإِنْ لَمْ يُوجِبْ الْجَمْعَ بَيْنَ الِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ فَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ مِنْ الصَّلَاةِ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ لَوْ أَفْرَدَ الصَّلَاةَ بِالنَّذْرِ وَهِيَ رَكْعَتَانِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَرَكْعَةٌ فِي الْآخَرِ وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْجَمْعَ لَزِمَهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ فِي يَوْمِ اعْتِكَافِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِيعَابُ الْيَوْمِ بِالصَّلَاةِ فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ مُصَلِّيًا لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ رَكْعَةٌ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قال الرافعي ولك ان تقول ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ فَإِنْ تَرَكْنَا الظَّاهِرَ فَلِمَاذَا يُعْتَبَرُ تَكْرِيرُ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الصَّلَاةِ كل يوم وهلا اكتفى به مرة وَاحِدَةٍ عَنْ جَمِيعِ الْأَيَّامِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُصَلِّيًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي قِيَاسِهِ وَوَافَقَهُ الْأَصْحَابُ وَلَوْ نَذَرَ الْقِرَانَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَهُ تَفْرِيقُهُمَا وَهُوَ أَفْضَلُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا فِي قِيَاسِهِ إلَى وُجُوبِ جَمْعِهِمَا فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَوْجِيهِ أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ صَائِمًا إنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَقْرِنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَهَذَا الذي قاله
شَاذٌّ مَرْدُودٌ بَلْ غَلَطٌ لَا يُعَدُّ خِلَافًا وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ وَسَنَزِيدُهَا إيضَاحًا فِي كِتَابِ النَّذْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً يَقْرَأُ فِيهَا سُورَةً مُعَيَّنَةً لَزِمَهُ الصَّلَاةُ وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ وَفِي لُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَجَوَازِ التَّفْرِيقِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِيمَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ صَائِمًا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَتَابَعَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرٌ
* {فَرْعٌ} لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَفَاتَهُ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ شَهْرٍ آخَرَ وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ الصَّيْدَلَانِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يلتزم الصَّوْمُ وَإِنَّمَا كَانَ يَحْصُلُ الصَّوْمُ لَوْ اعْتَكَفَ في رمضان اتفافا
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ
وَلَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ ابْنُ عمر وابن عباس وعائشة وعروة بن الزبير وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وإسحق فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِصَوْمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ
* وَاحْتَجَّ لِهَؤُلَاءِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " اعْتَكَفَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم صياما في رممضان " وَبِحَدِيثِ سُوَيْد بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصِيَامٍ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ سُوَيْدٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حسين قلت وسويد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ اعْتِكَافٍ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ بديل وهو ضعيف وفي رواة قَالَ " اعْتَكِفْ وَصُمْ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ " وَقَالَ عَشْرَةٌ مِنْ شَوَّالٍ " وَالْمُرَادُ بِهِ الْأُوَلُ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ اعْتِكَافَ يَوْمِ الْعِيدِ وَيَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَبِحَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه " أَنَّهُ نذر
أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْفِ بِنَذْرِكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " أَوْفِ بِنَذْرِكَ اعْتَكِفْ لَيْلَةً " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا فَقَالَ اذْهَبْ فَاعْتَكِفْ يَوْمًا " وَهَذَا لَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ وَلَا الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ اعْتِكَافِ لَيْلَةٍ وَسَأَلَهُ عَنْ اعْتِكَافِ يَوْمٍ فَأَمَرَهُ بِالْوَفَاءِ بِمَا نَذَرَ فَيَحْصُلُ مِنْهُ صِحَّةُ اعْتِكَافِ اللَّيْلَةِ وَحْدَهَا وَيُؤَيِّدُ هَذَا رِوَايَةُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ " نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَسَأَلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَوْفِ بِنَذْرِكَ فَاعْتَكَفَ عُمَرُ لَيْلَةً " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ ثَابِتٌ وَبِحَدِيثِ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ
صِيَامٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ رفعه هذا الشيخ وغيره لا يرفعه يعنى أبا بكر محمد بن اسحق السُّوسِيَّ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي يَرْوِيهِ بَعْضُ الثِّقَاتِ مَرْفُوعًا وَبَعْضُهُ مَوْقُوفًا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ وَأَصْحَابُ الْأُصُولِ وَحُذَّاقُ الْمُحَدِّثِينَ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ مِنْ اعْتِكَافِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ فِي رَمَضَانَ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى الِاشْتِرَاطِ وَلِهَذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ فِي شَوَّالٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَوَجَبَ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الِاعْتِكَافِ فِي رَمَضَانَ اشْتِرَاطُ الصَّوْمِ وَاسْتَدَلَّ الْمُزَنِيّ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الصَّوْمُ شَرْطًا لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِكَافُ فِي رَمَضَانَ لِأَنَّ صَوْمَهُ مُسْتَحِقٌّ لِغَيْرِ الِاعْتِكَافِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ " لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ " فَمِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ
(وَالثَّانِي)
لَوْ ثَبَتَ لَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الِاعْتِكَافِ الْأَكْمَلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بديل فمن هذين الوجهين *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَيَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي العشر الاخير مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما وَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَكِفَ مَا شَاءَ مِنْ سَاعَةٍ وَيَوْمٍ وَشَهْرٍ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ مِنْ قَلِيلٍ وكثير وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا أَجْزَأَهُ مَا يَقَعُ عليه الاسم
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأُحِبُّ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ أَقَلَّ من يوم}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أُبَيِّ وَعَائِشَةَ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَأَبُو حَنِيفَةَ اسْمُهُ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَفِيهَا وُلِدَ الشَّافِعِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَوْقَاتِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ وَفِي يَوْمِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ كَمَا سَبَقَ دَلِيلُهُ وَبَيَانُهُ وَأَفْضَلُهُ مَا كَانَ بصوم وَأَفْضَلُهُ شَهْرُ رَمَضَانَ وَأَفْضَلُهُ
الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَنْقُصَ اعْتِكَافُهُ عَنْ يَوْمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ اعْتِكَافٌ دُونَ يَوْمٍ وَلِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَشْتَرِطُ الِاعْتِكَافَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ (وَأَمَّا) أَقَلُّ الِاعْتِكَافِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لُبْثٌ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْكَثِيرُ مِنْهُ وَالْقَلِيلُ حَتَّى سَاعَةٍ أَوْ لَحْظَةٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا لَا يَكْفِي مَا فِي الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَحْوِهِمَا بل لابد مِنْ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ بِمَا يُسَمَّى عُكُوفًا وَإِقَامَةً (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ أَنَّهُ يَكْفِي مُجَرَّدُ الْحُضُورِ وَالْمُرُورِ مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ أَصْلًا كَمَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْحُضُورِ وَالْمُرُورِ بِعَرَفَاتٍ فِي الْوُقُوفِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَحْصُلُ الِاعْتِكَافُ بِالْمُرُورِ حتي لو دَخَلَ مِنْ بَابٍ وَخَرَجَ مِنْ بَابٍ وَنَوَى فَقَدْ حَصَلَ الِاعْتِكَافُ وَعَلَى هَذَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ بِمُجَرَّدِ الْمُرُورِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ انه لا يصح إلا يوما أَوْ مَا يَدْنُو مِنْ يَوْمٍ (وَالرَّابِعُ) حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَكْثَرُ
مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ أَوْ نِصْفِ اللَّيْلِ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَادَةِ أَنْ تُخَالِفَ الْعِبَادَةَ وَعَادَةُ النَّاسِ القعود في المسجد السَّاعَةَ وَالسَّاعَاتِ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ أَوْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ أَوْ الْعِلْمِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ اعْتِكَافًا فَشَرَطَ زِيَادَةً عَلَيْهِ لِتَتَمَيَّزَ الْعِبَادَةُ عَنْ الْعَادَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ أَكْثَرِ النَّهَارِ يُشْبِهُ الْخِلَافَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَفِي صِحَّتِهِ بِنِيَّةٍ بَعْدَهُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ إنَّهُ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ بِشَرْطِ لُبْثٍ وَإِنْ قَلَّ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَثِيرِهِ وَقَلِيلِهِ فِي الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا شُرِطَ لُبْثٌ يَزِيدُ.
عَلَى طُمَأْنِينَةِ الصَّلَاةِ كَمَا سَبَقَ وَكُلَّمَا كَثُرَ كَانَ أَفْضَلَ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُ عُمْرِ الْإِنْسَانِ جَمِيعِهِ وَيَصِحُّ نَذْرُ اعْتِكَافِ الْعُمْرِ وَسَنُفْرِدُهُ بِمَسْأَلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَلَوْ نَذَرَ اعتكاف سَاعَةً صَحَّ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ اعْتِكَافُ سَاعَةٍ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا كَفَاهُ عَنْ نَذْرِهِ اعْتِكَافُ لَحْظَةٍ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَلَوْ كَانَ يَدْخُلُ سَاعَةً وَيَخْرُجُ سَاعَةً وَكُلَّمَا دَخَلَ نَوَى الِاعْتِكَافَ
صَحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِيهِ وَجْهًا ضَعِيفًا وكأنه راجع إلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَوْ نَوَى اعْتِكَافَ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْوَفَاءُ بِهَا بِكَمَالِهَا فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ إكْمَالِهَا جَازَ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَإِنْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ وَلَمْ يَقْدِرْ شَيْئًا دَامَ اعْتِكَافُهُ مادام في المسجد
*
{فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَقَلِّ الِاعْتِكَافِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَصِحُّ كَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ وَلَوْ لَحْظَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَقَلُّهُ يَوْمٌ بِكَمَالِهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا فِي اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ
* دَلِيلُنَا أَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَلَمْ يحده الشرع بشئ يَخُصُّهُ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ (وَأَمَّا) الصَّوْمُ فَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ في اشتراط الصوم شئ صريح
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {الشَّرْحُ} هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ ذَكَرَهُمَا أَصْحَابُنَا كَمَا قَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْكُثَ فِي مُعْتَكَفِهِ بَعْدَ هِلَالِ شَوَّالٍ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِيدَ أَوْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْمُصَلَّى إنْ صَلَّوْهَا فِي غَيْرِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ (وَقَوْلُهُ) فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إذَا خَرَجَ الشَّهْرُ نَاقِصًا اعْتَكَفَ يَوْمًا آخَرَ يَعْنِي يَوْمًا بِلَيْلَتِهِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ ويستحب في الثانية أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا
قَبْلَ الْعَشْرِ لِاحْتِمَالِ نَقْصِ الشَّهْرِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ دَاخِلًا فِي نَذْرِهِ لِكَوْنِهِ أَوَّلَ الْعَشْرِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَلَوْ فَعَلَ هَذَا ثُمَّ بَانَ نَقْصُهُ فَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ قَضَاءِ يَوْمٍ قَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ
خِلَافٌ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَتَوَضَّأَ غَلَطًا فَبَانَ مُحْدِثًا هَلْ يصح وضوؤه وَالْأَصَحُّ لَا يَصِحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ مَتَى يَدْخُلُ فِي اعْتِكَافِهِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فِي لَيْلَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَيَخْرُجَ عَنْ نَذْرِهِ بِانْقِضَاءِ الشَّهْرِ تَمَّ أَوْ نَقَصَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وأصحابه وقال الاوزاعي وإسحق وأبو ثور يجزئه الدخول طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَلَا يَلْزَمُهُ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ
* دَلِيلُنَا أَنَّ الْعَشْرَ اسْمٌ لليالي مع الايام وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
{الشرح} هذا الحديث رواه (1) أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَأَطْلَقَ لَزِمَهُ اعْتِكَافُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا تَامًّا كَانَ الشَّهْرُ أَوْ نَاقِصًا وَيُجْزِئُهُ النَّاقِصُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ قَالَ أَيَّامَ الشَّهْرِ فَلَا يَلْزَمُهُ اللَّيَالِي أَوْ
يَقُولُ اللَّيَالِيَ فَلَا تَلْزَمُهُ الْأَيَّامُ فَلَوْ لَمْ يَلْفِظْ بِالتَّقْيِيدِ بِالْأَيَّامِ دُونَ اللَّيَالِي أَوْ عَكْسِهِ وَلَكِنْ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ لَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا باللفظ
(والثانى)
يكون كاللفظ لان النية تميز الْكَلَامِ الْمُجْمَلِ كَمَا لَوْ نَذَرَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَأَرَادَ الْأَيَّامَ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْأَيَّامُ خَاصَّةً بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْبَغَوِيّ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا بِلِسَانِهِ وَنَوَى بِقَلْبِهِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ أَمْ يَكْفِيهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ فَاتَهُ الِاعْتِكَافُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَيَجُوزُ مُتَفَرِّقًا وَمُتَتَابِعًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ أَوْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِعَيْنِهَا وَشَرَطَ التَّتَابُعَ بِأَنْ قَالَ نَذَرْتُ اعْتِكَافَ هَذَا الشَّهْرِ مُتَتَابِعًا أَوْ هذه الايام العشرة متتابعا فَفَاتَهُ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ وَهَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُتَتَابِعًا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ يَجِبُ لِتَصْرِيحِهِ بِهِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يَجِبُ بَلْ يَجُوزُ مُتَفَرِّقًا لِأَنَّ التَّتَابُعَ يَقَعُ فِيهِ ضَرُورَةً فَلَا أَثَرَ لِتَصْرِيحِهِ أَمَّا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ مَضَى بِأَنْ قَالَ أَعْتَكِفُ شَهْرَ رَمَضَانَ سَنَةً سَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَهُوَ فِي سَنَةِ إحْدَى وَسَبْعِينَ فَلَا يَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ لِفَسَادِ نَذْرِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ أَمَّا إذَا نَوَى اعْتِكَافَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ شهر بالهلال تَمَّ أَوْ نَقَصَ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا إذَا دَخَلَ فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْهِلَالِ فَإِنْ دَخَلَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَقَدْ صَارَ شَهْرُهُ عَدَدِيًّا فَيَلْزَمُهُ اسْتِكْمَالُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا ثُمَّ إنْ كَانَ شَرَطَ التَّتَابُعَ لَزِمَهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ شَرَطَ التَّفْرِيقَ جَازَ مُتَفَرِّقًا وَهَلْ يَجُوزُ مُتَتَابِعًا فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِجَوَازِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا سَمَّاهُ وَإِنْ لَمْ يشرط التَّتَابُعَ وَلَا التَّفْرِيقَ فَيَجُوزُ مُتَفَرِّقًا وَمُتَتَابِعًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ
(1) بياض بالاصل فحرر
التَّتَابُعُ وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ قَوْلًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ حَكَاهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَفَاتَهُ وَخَرَجَ الشَّهْرُ نَاقِصًا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قَضَاءُ تِسْعَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا لِأَنَّ الْعَشْرَ الَّذِي الْتَزَمَهُ إنَّمَا كَانَ تِسْعَةً بِلَيَالِيِهَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وغيره وهو ظاهر * قال المصنف رحمه الله
* {الشرح} قال أصحابنا إذا نذر اعتكاف يوم لَمْ يَلْزَمْهُ مَعَهُ لَيْلُهُ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجَ مِنْهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْيَوْمِ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ هَكَذَا قَالَهُ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ الدُّخُولُ قبل الفجر والمكث إلى بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ كَمَا يَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ إمْسَاكُ جُزْءٍ بَعْدَ الْغُرُوبِ لِاسْتِكْمَالِ الْيَوْمِ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ الْيَوْمَ فِي سَاعَاتٍ مِنْ أَيَّامٍ بِأَنْ يَعْتَكِفَ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ أَوْ سَاعَاتٍ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْيَوْمَ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا ثَالِثًا عَنْ القيصري من أصحابنا انه ان نَوَى الْيَوْمَ مُتَتَابِعًا لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ أَطْلَقَ أَجْزَأَهُ تَفْرِيقُ سَاعَاتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ دَخَلَ فِي الِاعْتِكَافِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَخَرَجَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَمَكَثَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَفِي إجْزَائِهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ بِاللَّيْلِ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَوْ هُوَ نَصُّهُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا التَّفْرِيقَ فِي سَاعَاتٍ مِنْ أَيَّامٍ أَمْ لَا لِحُصُولِ التَّوَاصُلِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي تَفْرِيقِ السَّاعَاتِ كَمَا لَوْ خَرَجَ فِي اللَّيْلِ وبهذا الطريق قال أبو اسحق المروزى حكاه عَنْهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِيَوْمٍ مُتَوَاصِلِ السَّاعَاتِ وَاعْتِكَافُهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي نَذْرِهِ وَلَا أَثَرَ لَهُ فَكَأَنَّهُ خَرَجَ فِي اللَّيْلِ ثُمَّ عَادَ فَسَوَاءٌ مَكَثَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَرَجَ ثُمَّ عَادَ فَبِمُجَرَّدِ حُصُولِ اللَّيْلِ حَصَلَ التَّفْرِيقُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الَّذِي قاله أبو اسحق
مُنْقَاسٌ مُتَّجِهٌ وَإِنْ كَانَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ عَلَى خلافه قال وعرض علي ابى إسحق نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ مَعَ مَصِيرِهِ إلَى أَنَّ تَفْرِيقَ سَاعَاتِ الْيَوْمِ لَا يُجْزِئُ فَقَالَ نَصُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا مِنْ وَقْتِي هَذَا فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَلَا وَجْهَ إلَّا الصَّبْرَ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْغَدِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا مِنْ هَذَا الْوَقْتِ فَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دُخُولُ الْمُعْتَكَفِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْغَدِ وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ بِاللَّيْلِ بَلْ يَجِبُ مُكْثُهُ لِتَحَقُّقِ التَّوَاصُلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ يَوْمٌ وَلَيْسَتْ اللَّيْلَةُ مِنْهُ فَلَا يُمْنَعُ التَّتَابُعُ قَالَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُجْعَلَ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْقَطْعَ بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ لَا غَيْرُ ثُمَّ حَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ تَفْرِيقِ السَّاعَاتِ أَنَّهُ يَكْفِيهِ سَاعَاتُ أَقْصَرِ الْأَيَّامِ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَكَفَ أَقْصَرَ الْأَيَّامِ جَازَ ثُمَّ قَالَ إنْ فَرَّقَ عَلَى سَاعَاتِ أَقْصَرِ الْأَيَّامِ فِي سِنِينَ فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ وَإِنْ اعْتَكَفَ فِي أَيَّامٍ مُتَبَايِنَةٍ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ اعْتِكَافُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِالْجُزْئِيَّةِ إنْ كَانَ ثُلُثًا فَقَدْ خَرَجَ عَنْ ثُلُثِ مَا عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ نَظَرًا إلَى الْيَوْمِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الِاعْتِكَافُ وَلِهَذَا لَوْ اعْتَكَفَ مِنْ يَوْمٍ طَوِيلٍ بِقَدْرِ سَاعَاتِ أَقْصَرِ الْأَيَّامِ لَمْ يَكْفِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ اسْتِدْرَاكٌ حَسَنٌ وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ بِمَا لَا يَشْفِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ المتولي وغيره ولو نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى اعْتِكَافِ اليوم على سَبَقَ فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيَمْكُثُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَلَوْ أَرَادَ تَفْرِيقًا مِنْ سَاعَاتِ لَيَالِيَ فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي تَفْرِيقِ سَاعَاتِ الْيَوْمِ مِنْ أَيَّامٍ وَكَذَا لَوْ دَخَلَ نِصْفُ اللَّيْلِ وَبَقِيَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلَةِ الْأُخْرَى فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ (أَشْهُرُهُمَا) الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ وَقَالَ أبو اسحق فِيهِ الْوَجْهَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَاعْتَكَفَ بَدَلَهُ لَيْلَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيَّنَ الزَّمَانَ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُلْتَزَمَةِ فَهُوَ كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِالنَّهَارِ فَصَلَّاهُمَا بِاللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ عَيَّنَ الزَّمَانَ فِي نَذْرِهِ فَفَاتَ فَاعْتَكَفَ بَدَلَ الْيَوْمِ لَيْلَةً أَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ فَاتَهُ صَلَاةُ نَهَارٍ إمَّا مَكْتُوبَةٌ أَوْ مَنْذُورَةٌ فَقَضَاهَا فِي اللَّيْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَسَبَبُهُ أَنَّ اللَّيْلَ صَالِحٌ لِلِاعْتِكَافِ كَالنَّهَارِ وَقَدْ فَاتَ الْوَقْتُ فَوَجَبَ قَضَاءُ الْقَدْرِ الْفَائِتِ فأما الوقت فيسقط حكمه بالفوات
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُهُمَا وَفِي اللَّيْلَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُهَا لِأَنَّهُ لَيْلٌ يَتَخَلَّلُ نَهَارَ الِاعْتِكَافِ فَلَزِمَهُ اعْتِكَافُهَا كَاللَّيَالِيِ الْعَشْرِ
(وَالثَّانِي)
إنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ لَزِمَهُ اعْتِكَافُهَا لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ مِنْهَا الْيَوْمَانِ وَإِنْ لَمْ يشرط التَّتَابُعَ لَمْ يَلْزَمْهُ اعْتِكَافُهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَنْفَكُّ مِنْهَا الْيَوْمَانِ فَلَا يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُهَا (وَالثَّالِثُ) لَا يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُهَا شَرَطَ فِيهِ التَّتَابُعَ أَمْ أَطْلَقَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ زَمَانٌ لَا يَتَنَاوَلُهُ نَذْرُهُ فلا يلزمه يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُهُ كَلَيْلَةِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَتَيْنِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُهُمَا وَفِي الْيَوْمِ الَّذِي بَيْنَهُمَا الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَزِمَهُ اعْتِكَافُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وفى لياليها الاوجه الثلاثة}
* {الشرح} قال أصحابنا إذا نذر اعتكاف يوم لَمْ يَلْزَمْهُ مَعَهُ لَيْلَةٌ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ فَقَالَ قَالَ أصحابنا إذا نذر اعتكاف يوم لم يلزمه ضَمُّ اللَّيْلَةِ إلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا قَالَ ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا نَوَاهَا لَزِمَهُ اعْتِكَافُهَا مَعَ الْيَوْمِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ الْإِمَامُ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّيْلَةَ لَمْ يَذْكُرُهَا وَالنِّيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا يَلْزَمُ بِهَا النَّذْرُ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْيَوْمَ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْيَوْمُ بِلَيْلَتِهِ وَهَذَا شَائِعٌ عَلَى الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اللَّفْظِ فَعَمِلَتْ النِّيَّةُ فِيهِ هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ كَلَامٌ نَفِيسٌ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّ اللَّيْلَةَ تَلْزَمُ فِي نَذْرِ اعْتِكَافِ الْيَوْمِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ يَوْمًا بِلَا لَيْلَةٍ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ دَخَلَتْ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَشَرَحْنَاهُ قَبْلُ هَذَا لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ الْيَوْمَانِ وَفِي اللَّيْلَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْمَرَاوِزَةِ أَنَّهُمْ قَطَعُوا بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ قَالَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَرَاوِزَةُ الْخِلَافَ فِي اللَّيَالِي الْمُتَخَلِّلَةِ فِيمَا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) طَرِيقَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُصَنَّفِينَ أَنَّهُ إنْ صَرَّحَ بِالتَّتَابُعِ فِي الْيَوْمَيْنِ أَوْ نَوَاهُ لَزِمَتْهُ الليل الْمُتَخَلِّلَةُ وَجْهًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (وَالطَّرِيقُ
الثَّالِثُ) طريقه المصنف وَقَلِيلِينَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) تَلْزَمُهُ اللَّيْلَةُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بَيَاضَ
النهار فقط (والثاني) لا تلزمه الا إذَا نَوَاهَا (وَالثَّالِثُ) إنْ نَوَى التَّتَابُعَ أَوْ صَرَّحَ بِهِ لَزِمَتْهُ اللَّيْلَةُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْوَجْهُ الثَّالِثُ هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَآخَرُونَ أَنَّهَا لا تَلْزَمُهُ مُطْلَقًا قَالَ وَالْوَجْهُ أَنْ يُتَوَسَّطَ فَيُقَالُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالتَّتَابُعِ تَوَالِيَ الْيَوْمَيْنِ فَالصَّوَابُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ تَوَاصُلَ الاعتكاف فالصواب ما قاله الاكثرون هذا الَّذِي اخْتَارَهُ الرَّافِعِيُّ جَزَمَ الدَّارِمِيُّ بِهِ فَقَالَ إذا نوى اعتكاف يومين متتابعا لَزِمَتْهُ اللَّيْلَةُ مَعَهُمَا وَإِنْ نَوَى الْمُتَابَعَةَ فِي النَّهَارِ كَالصَّوْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ اللَّيْلُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ تَتَابُعًا فَوَجْهَانِ وَإِنْ نَذَرَ لَيَالِيَ فَإِنْ نَوَى مُتَتَابِعَةً لَزِمَتْهُ الْأَيَّامُ وَإِنْ نَوَى تَتَابُعَ اللَّيَالِي لَمْ تَلْزَمْهُ الْأَيَّامُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التابع فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ هَذَا كَلَامُ الدَّارِمِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَتَيْنِ فَفِي النَّهَارِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَهُمَا هَذَا الْخِلَافُ وَلَوْ نَذَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ عَشَرَةً أَوْ ثَلَاثِينَ فَفِي وُجُوبِ اعْتِكَافِ اللَّيَالِي الْمُتَخَلِّلَةِ هَذَا الْخِلَافُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْبَغَوِيّ هَذَا وَحَكَى طَرِيقًا آخَرَ وَاخْتَارَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ اللَّيَالِي هُنَا وَجْهًا وَاحِدًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي اللَّيَالِي الْمُتَخَلِّلَةِ وَهِيَ تَنْقُصُ عَنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ بِوَاحِدٍ أَبَدًا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يلزمه ليال بِعَدَدِ الْأَيَّامِ هَكَذَا صَرَّحُوا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَا صَرَّحَ بِنَفْيِ الخلاف فيه الرافعي وكان ينبغي ان يجئ فِيهِ الْقَوْلُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ حِكَايَةِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ مَنْ نَذَرَ يَوْمًا لَزِمَتْهُ لَيْلَتُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ دَخَلَ فِيهِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَشْرُوحَةً وَتَكُونُ اللَّيَالِي هُنَا بِعَدَدِ الْأَيَّامِ كَمَا فِي الشَّهْرِ وَلَوْ نَذَرَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَفِي دُخُولِ اللَّيَالِي الْخِلَافُ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ يَوْمَانِ وَلَيْلَتَانِ وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ أَحْمَدَ وَعِنْدَنَا لَا يَلْزَمُهُ لَيْلَتَانِ وَفِي لُزُومِ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْيَوْمَيْنِ تَثْنِيَةٌ لِلْيَوْمِ وَلَيْسَ فِي الْيَوْمِ لَيْلَةٌ فَكَذَا فِي الْيَوْمَيْنِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* {وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ
مَا نَوَى " وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ فَرْضًا لَزِمَهُ تَعْيِينُ الْفَرْضِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ التَّطَوُّعِ فَإِنْ دَخَلَ فِي الِاعْتِكَافِ ثُمَّ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ لِأَنَّهُ قَطَعَ شَرْطَ صِحَّتِهِ فَأَشْبَهَ إذَا قَطَعَ نِيَّةَ الصَّلَاةِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانٍ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِنِيَّةِ الخروج كالحج}
* {الشرح} هدا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي أَوَّلِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ (وَقَوْلُهُ) عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْعِدَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ (وَقَوْلُهُ) قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانٍ احْتِرَازٌ مِنْ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ (أَمَّا) الْحُكْمُ فلا يصح اعتكاف إلَّا بِنِيَّةٍ سَوَاءٌ الْمَنْذُورُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ تَعَيَّنَ زَمَانُهُ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ فَرْضًا بِالنَّذْرِ لَزِمَتْهُ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ التَّطَوُّعِ ثُمَّ إذَا نَوَى الِاعْتِكَافَ وَأَطْلَقَ كَفَاهُ ذَلِكَ وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ شُهُورًا أَوْ سِنِينَ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَادَ احْتَاجَ إلَى اسْتِئْنَافِ النِّيَّةِ سَوَاءٌ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَمْ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ مَا مَضَى عِبَادَةٌ تَامَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ بِنِيَّةٍ منه غيرها فاشترط للدخول الثَّانِي نِيَّةٌ أُخْرَى لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أُخْرَى قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ فَلَوْ عَزَمَ عِنْدَ خُرُوجِهِ أَنْ يَقْضِيَ الْحَاجَةَ ثُمَّ يَعُودُ كَانَتْ هَذِهِ الْعَزِيمَةُ قَائِمَةً مَقَامَ النِّيَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ اقْتِرَانَ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ الْعِبَادَةِ شَرْطٌ فكيف يكتفى بعزيمة سابقة قلت ووجه ماقاله الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَمَّا أَحْدَثَ النِّيَّةَ عِنْدَ إرَادَتِهِ الْخُرُوجَ صَارَ كَمَنْ نَوَى الْمُدَّتَيْنِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ نَوَى صَلَاةَ النَّفْلِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَوَى فِي آخِرِهَا جَعَلَهَا أَرْبَعًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ أَرْبَعًا بِلَا خِلَافٍ وَيَصِيرُ كَمَنْ نَوَى الْأَرْبَعَ فِي أَوَّلِ دُخُولِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ زَمَنًا فَإِنْ عَيَّنَهُ بان نوى اعتكاف أَوَّلَ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ فَفِي اشْتِرَاطِ تَجْدِيدِ النية إذا خرج ثم عاد أربع أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي إنْ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ ثُمَّ عَادَ لَمْ يَجِبْ التَّجْدِيدُ لانه لابد منه وان خرج لغرض آخر اشتراط التَّجْدِيدُ سَوَاءٌ طَالَ الزَّمَانُ أَمْ قَصُرَ (وَالثَّانِي) إنْ طَالَتْ مُدَّةُ الْخُرُوجِ اُشْتُرِطَ التَّجْدِيدُ وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَمْ لِغَيْرِهِ (وَالثَّالِثُ) لَا يُشْتَرَطُ التَّجْدِيدُ مُطْلَقًا (وَالرَّابِعُ) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ إنْ خَرَجَ لِأَمْرٍ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي الِاعْتِكَافِ الْمُتَتَابِعِ اُشْتُرِطَ التَّجْدِيدُ وَإِنْ خَرَجَ لما
لا يقطعه ولابد مِنْهُ كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْغُسْلِ لِلِاحْتِلَامِ لَمْ يُشْتَرَطْ وان كان منه بدأو طَالَ الزَّمَانُ فَفِي
اشْتِرَاطِ التَّجْدِيدِ وَجْهَانِ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ جَارِيَةٌ فِي اعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ وَفِيمَنْ نَذَرَ أَيَّامًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا التَّتَابُعَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِقَصْدِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ فَأَمَّا إذَا شَرَطَ التَّتَابُعَ أَوْ كَانَتْ الْأَيَّامُ الْمَنْذُورَةُ مُتَوَاصِلَةً فَسَنَذْكُرُ حُكْمَ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ فِيهَا بَعْدَ ذِكْرِ مَا يَقْطَعُ الِاعْتِكَافَ الْمُتَتَابِعَ وَمَا لَا يَقْطَعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا شَرَطَ فِي اعْتِكَافِهِ خُرُوجَهُ لِشُغْلٍ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَصِحُّ شَرْطُهُ فَخَرَجَ لِذَلِكَ ثُمَّ عَادَ فَفِي وُجُوبِ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا البغوي وغيره (صحهما) عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ وُجُوبُ التَّجْدِيدِ أَمَّا إذَا دَخَلَ فِي اعْتِكَافٍ بِالنِّيَّةِ ثُمَّ قَطَعَ النِّيَّةَ وَنَوَى إبْطَالَهُ فَهَلْ يَبْطُلُ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ وُجُوبُ التَّجْدِيدِ أَمَّا إذَا دَخَلَ فِي اعْتِكَافٍ بِالنِّيَّةِ ثُمَّ قَطَعَ النِّيَّةَ وَنَوَى إبْطَالَهُ فَهَلْ يَبْطُلُ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ نَظَائِرِهَا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ ثُمَّ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُمَا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُدْخِلُ عَلِيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ إذَا كَانَ مُعْتَكِفًا " هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إلَّا أَنَّ لَفْظَ الْإِنْسَانِ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَثَبَتَ لَفْظُ الْإِنْسَانِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد
أَيْضًا وَهَذَا لَفْظُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلى رَأْسَهُ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِي
رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصْغِي إلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ كذلك في كتاب الطهارة الا أن فِي رِوَايَتِهِ " يُخْرِجُ إلَيَّ رَأْسَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ " وَقَوْلُهَا مُجَاوِرٌ أَيْ مُعْتَكِفٌ وَيُسَمَّى الِاعْتِكَافُ جِوَارًا وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ وَفِي أَلْفَاظِ التَّنْبِيهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ " وَقَوْلُهَا يُبَاشِرُنِي أَيْ بِالْيَدِ وَنَحْوِهَا وَالْمُبَاشَرَةُ فِي زَمَنِ الِاعْتِكَافِ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ
* (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا دَخَلَ فِي اعْتِكَافٍ مَنْذُورٍ شَرَطَ فِيهِ التَّتَابُعَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ خَرَجَ بِغَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ خَرَجَ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَهِيَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ لَمْ يَبْطُلْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ أَخْرَجَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ رَأْسَهُ لَمْ يَبْطُلْ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَمْ لِغَيْرِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِشَرْحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَوْنَ الِاعْتِكَافِ مَنْذُورًا وَلَا بُدَّ مِنْ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَنْذُورِ كَمَا نَقَلْنَاهُ عن الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَإِلَّا فَالتَّطَوُّعُ يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ مَتَى شَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا الَّذِي يقطع الاعتكاف المتتابع وَيُحْوِجُ إلَى اسْتِئْنَافِ الْمَنْذُورِ أَمْرَانِ
(أَحَدُهُمَا)
فَقْدُ بعض شروط الاعتكاف وهى الامور التى لابد مِنْهَا لِصِحَّتِهِ كَالْكَفِّ عَنْ الْجِمَاعِ وَكَذَا عَنْ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شاء الله تعالي ويستثني من هذا طرآن الْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ فَإِنَّهُمَا لَا يَقْطَعَانِهِ وَإِنْ كَانَا يَمْنَعَانِ انْعِقَادَهُ أَوَّلًا (وَالثَّانِي) الْخُرُوجُ بِكُلِّ الْبَدَنِ عَنْ كُلِّ الْمَسْجِدِ بِلَا عُذْرٍ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ قُيُودٍ (الْأَوَّلُ) الْخُرُوجُ بِكُلِّ بَدَنِهِ احْتَرَزُوا بِهِ عَمَّنْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ أَوْ يَدَيْهِ أَوْ إحْدَى رِجْلَيْهِ أَوْ كِلَيْهِمَا وَهُوَ قَاعِدٌ مَادُّهُمَا فَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ أَخْرَجَ رِجْلَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا وَبَقِيَ رَأْسُهُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ فَهُوَ خَارِجٌ فَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ (الْقَيْدُ الثَّانِي) الْخُرُوجُ عَنْ كُلِّ الْمَسْجِدِ احْتَرَزُوا بِهِ عَنْ الْخُرُوجِ إلَى رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ
بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ الْخُرُوجِ إلَى مَنَارَةِ الْمَسْجِدِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْقَيْدُ الثَّالِثُ) الْخُرُوجُ بِلَا عُذْرٍ فَأَمَّا الْخُرُوجُ لِعُذْرٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ سَبَقَ بَيَانُهُ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَهِيَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَهُ أَيْضًا الْخُرُوجُ لَغُسْلِ الِاحْتِلَامِ بِلَا خِلَافٍ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (الثانية) إذا كان للمسجد سقاية لم يكلفه قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِيهَا بَلْ لَهُ الذَّهَابُ إلَى دَارِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ بِجَنْبِهِ دَارُ صَدِيقٍ لَهُ وَأَمْكَنَهُ دُخُولُهَا لَمْ نُكَلِّفْهُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ لَهُ بَيْتَانِ أَحَدُهُمَا أَقْرَبُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ جَازَ الذَّهَابُ إلَيْهِ فَهَلْ يَجُوزُ الذَّهَابُ إلَى الْأَبْعَدِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} إذَا كَانَتْ دَارُهُ بَعِيدَةً بُعْدًا فَاحِشًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي طَرِيقِهِ مَوْضِعًا كَسِقَايَةٍ أَوْ بَيْتِ صَدِيقٍ يَأْذَنُ فِيهِ فَلَهُ الذَّهَابُ إلَى دَارِهِ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى ذَلِكَ وَإِنْ وَجَدَ وَكَانَ لَا يَلِيقُ بِهِ دُخُولُ غَيْرَ دَارِهِ فَلَهُ الذَّهَابُ إلَى دَارِهِ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالدَّارِمِيُّ
وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ الذَّهَابُ إلَى غَيْرِ دَارِهِ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ جُمْلَةً مَقْصُودَةً من أوقات الاعتكاف في الذهاب والمجئ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَشُقُّ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ
الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَيَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ إلَى مَنْزِلِهِ وَإِنْ بَعُدَ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهَذَا الْوَجْهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِالْأَوَّلِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ الَّتِي نَقَلَهَا الْمُزَنِيّ وَهِيَ قَوْلُهُ وَإِنْ بَعُدَ لَا أَعْرِفُهَا لِلشَّافِعِيِّ وَتَأَوَّلَهَا غير أبى حامد علي مااذا كان المنزل بعيدا بعدا غَيْرَ مُتَفَاحِشٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي طَرِيقَةً تُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ فِي بَعْضِهَا فَقَالَ إنْ كَانَ الْمَنْزِلُ بَعِيدًا عَنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَلَهُ الذَّهَابُ إلَيْهِ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ كَسِقَايَةٍ مُسْبِلَةٍ فَإِنْ كَانَ عَادَةُ مِثْلِهِ قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِي السِّقَايَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَجُزْ الذَّهَابُ إلَى مَنْزِلِهِ فَإِنْ ذَهَبَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ الْمُتَتَابِعُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ عَادَةُ مِثْلِهِ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي السِّقَايَةِ فَوَجْهَانِ قَالَ وَهُمَا شَبِيهَانِ بِالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ هُدِّدَ بِمَا يذهب مروءته علي فعل شئ فَفَعَلَهُ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ إكْرَاهًا أَمْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ شِدَّةُ الْحَاجَةِ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ ضَرَرًا بَيِّنًا وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَا يُكَلَّفُ الْإِسْرَاعُ بَلْ لَهُ الْمَشْيُ عَلَى عَادَتِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ عَادَةِ مَشْيِهِ لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي تَكْلِيفِهِ الْمَشْيَ عَلَى الْعَادَةِ فَلَوْ خَرَجَ فِي الثَّانِي عَنْ حَدِّ عَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ عَلَى الصَّحِيحِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَثُرَ خُرُوجُهُ لِلْحَاجَةِ لِعَارِضٍ يَقْتَضِيهِ كَإِسْهَالٍ وَنَحْوِهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ لَا يَضُرُّهُ نَظَرًا إلَى جِنْسِهِ (وَالثَّانِي) يَقْطَعُ التَّتَابُعَ لِنُدُورِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
أَوْقَاتُ الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَا يَجِبُ تداركها وقضاؤها في الاعتكاف المنذور لعلتين (احداهما) أَنَّ الِاعْتِكَافَ مُسْتَمِرٌّ فِيهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَبِهَذَا الصَّحِيحِ قَطَعَ آخَرُونَ قَالُوا وَلِهَذَا لَوْ جَامَعَ فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ فِي الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ مُكْثٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَذْهَبَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ رَاكِبًا مَعَ الْمَرْأَةِ فِي هَوْدَجٍ وَنَحْوِهِ
وَصَوَّرُوهُ أَيْضًا فِي وَقْفَةٍ لَطِيفَةٍ جِدًّا (وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ زَمَنَ الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ مُسْتَثْنًى لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي اعْتِكَافٍ مَنْذُورٍ مُتَتَابِعٍ ثُمَّ عَادَ فَفِي اشْتِرَاطِ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْأُولَى بَاقِيَةٌ حُكْمًا كَمَا لَا يَجِبُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ فِي رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ وَلَا فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَأَفْعَالِ الْحَجِّ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّ قُرْبَ الزَّمَانِ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّجْدِيدَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ
* (فَرْعٌ)
إذَا فَرَغَ مِنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَاسْتَنْجَى فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ تَابِعًا وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَى هَذَا (وَأَمَّا) إذَا احْتَاجَ إلَى الْوُضُوءِ لِغَيْرِ بَوْلٍ وَغَائِطٍ وَمَنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى اسْتِنْجَاءٍ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ جَازَ الْخُرُوجُ لَهُ وَلَا يَقْطَعُ الِاعْتِكَافَ وَإِنْ أَمْكَنَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لَهُ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ ثُمَّ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْوُضُوءِ الْوَاجِبِ يَعْنِي أَنَّ التَّجْدِيدَ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لَهُ وَجْهًا وَاحِدًا وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الشَّامِلِ بِامْتِنَاعِ الْخُرُوجِ لِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ زَمَنَ الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ وَلَا يُؤْثِرُ فِي الِاعْتِكَافِ وَلَكِنْ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ الزَّمَانُ مَحْسُوبًا مِنْ الِاعْتِكَافِ وَيَعُدُّ فِي حَالِ خُرُوجِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَسْجِدِ مُعْتَكِفًا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا (أَحَدُهُمَا) لَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُعْتَكِفًا قَالَ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِضِدِّهِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَكِفًا وَلَكِنَّهُ زَمَنٌ مُسْتَثْنًى مِنْ الِاعْتِكَافِ كَمَا أَنَّ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ تَكُونُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ زَمَنِ الْإِجَارَةِ
(وَالثَّانِي)
يَكُونُ مُعْتَكِفًا تِلْكَ الْحَالَ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ في
تلك الحال أو استمتع بقبلة وأنزل وَقُلْنَا بِتَأْثِيرِ ذَلِكَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَوْلَا أَنَّهُ مُعْتَكِفٌ حِينَئِذٍ لَمْ يَبْطُلْ لِأَنَّ مُفْسِدَ الْعِبَادَةِ إذَا لم يصادفها لا يفسدها كوطئ الصَّائِمِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَأَوْضَحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَقَالَ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ أَوْقَاتَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لَا تُؤَثِّرُ فِي قَطْعِ التَّتَابُعِ وَإِنْ بَلَغَتْ مَا بَلَغَتْ قَالَ حَتَّى قَالَ طَوَائِفُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ إنَّ الْخَارِجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ مُعْتَكِفٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتَدَلُّوا بِالِاعْتِدَادِ بِهَذَا الزمان
وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِهِ وَإِنْ حَكَمَ بِأَنَّ التَّتَابُعَ لَا يَقْطَعُ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ فِي حَالِ خُرُوجِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَهُ اعْتِكَافُهُ وَكَانَ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يُقَالَ لَا يَفْسُدُ وَيُعَدُّ الْجِمَاعُ الْوَاقِعُ فِيهِ كَالْجِمَاعِ الْوَاقِعِ فِي لَيَالِي الصِّيَامِ الْمُتَتَابِعِ وَقَالَ الْقَائِلُونَ لَيْسَ الْخَارِجُ مُعْتَكِفًا وَلَكِنَّ زَمَانَ خُرُوجِهِ مُسْتَثْنًى وَكَأَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ إلَّا أَوْقَاتَ خُرُوجِي لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَأَجَابُوا عَنْ الْجِمَاعِ وَحَمَلُوا كَوْنَهُ مُفْسِدًا عَلَى اشْتِغَالِ الْخَارِجِ بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِحَاجَتِهِ وَقَدْ يَقُولُونَ لَوْ عَادَ مَرِيضًا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُهُ وَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ كَمَا سَنُفَصِّلُهُ حَتَّى لَوْ فُرِضَ الْجِمَاعُ مَعَ الِاشْتِغَالِ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ عَلَى بُعْدٍ فِي تَصْوِيرِهِ لَمْ يَفْسُدْ الِاعْتِكَافُ وَهَذَا بَعِيدٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ فَإِنَّهُ عَظِيمُ الْمَوْقِعِ فِي الشَّرِيعَةِ وَهُوَ وَإِنْ قَرُبَ زَمَانُهُ أَظْهَرُ تَأْثِيرًا مِنْ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْخَارِجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ إنْ عَادَ مَرِيضًا فِي طَرِيقِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الِازْوِرَارِ فَلَا بَأْسَ بذلك ولو ازاو وَعَادَ الْمَرِيضَ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ وَإِنْ قَرُبَ الزَّمَانُ عَلَى وَجْهٍ كَانَ يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي الْأَنَاةِ فَإِنَّ هَذَا يَقْدَحُ فِي الْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ إلَى قضاء الحاجة وذكر الْأَصْحَابُ أَنَّ الْخَارِجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَوْ أَكَلَ لُقَمًا فَلَا بَأْسَ إذَا لَمْ يَجِدْ كُلَّ مَقْصُودِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ طُولُ زَمَانٍ مُعْتَبَرٍ وَالْجِمَاعُ فِي هَذَا الْوَقْتِ مُؤَثِّرٌ بِلَا خِلَافٍ وَمَنْ تَكَلَّفَ تَصْوِيرَهُ فَرَضَهُ فِي جَرَيَانِهِ مَعَ الِاشْتِغَالِ بِالذَّهَابِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ جَامَعَ الْخَارِجُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي مُرُورِهِ بِأَنْ كَانَ فِي هَوْدَجٍ أَوْ جَامَعَ فِي وَقْفَةٍ يَسِيرَةٍ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ وَأَنْزَلَ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يُؤَثِّرُ فَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَذَكَرَهُمَا آخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ اعْتِكَافِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ أَشَدُّ مُنَافَاةً
لِلِاعْتِكَافِ مِمَّنْ أَطَالَ الْوُقُوفَ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ (وَالثَّانِي) لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْرِفْ إلَيْهِ زَمَنًا وَلَيْسَ هو في هذه الحالة معكتفا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
{الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى مَنْزِلِهِ لِلْأَكْلِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ بِظَاهِرِ النَّصِّ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِلْأَكْلِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَحَمَلَا نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَنْ أَكَلَ لُقَمًا إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ مُخْتَارًا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَلَا يُقِيمُ لِلْأَكْلِ وَجَعَلَاهُ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَخَالَفَهُمَا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَالُوا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِلْأَكْلِ وَالْإِقَامَةِ فِي الْبَيْتِ مِنْ أَجْلِهِ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقَامَةُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْأَكْلِ كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِقَامَةُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ قَضَاءِ حَاجَتِهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ فِي مُرُورِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ (وَأَمَّا) الْخُرُوجُ لِشُرْبِ الْمَاءِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ عَطِشَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَهُ الْخُرُوجُ لِلشُّرْبِ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَفِي جَوَازِ الْخُرُوجِ إلَى الْبَيْتِ لِلشُّرْبِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ فِي الْأَكْلِ فِي الْمَسْجِدِ تَبَذُّلًا بِخِلَافِ الشُّرْبِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلِأَنَّ اسْتِطْعَامَ الطعام مكروه واستسقاء الماء غير مكروه
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وَفِي الْخُرُوجِ إلَى الْمَنَارَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ لِيُؤَذِّنَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَجُوزُ وَإِنْ خَرَجَ لَمْ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِلْمَسْجِدِ فَصَارَتْ كَالْمَنَارَةِ الَّتِي فِي رَحْبَةِ الْجَامِعِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَشْبَهَتْ غير المنارة وقال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ إنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ مِمَّنْ يَأْلَفُ النَّاسَ
صَوْتُهُ جَازَ أَنْ يَخْرُجَ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لان الحاجة تدعو إلَيْهِ لِإِعْلَامِ النَّاسِ بِالْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يَأْلَفُوا صَوْتَهُ لَمْ يَخْرُجْ فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لانه لا حاجة إليه}
* {الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ مُؤَذِّنًا أَنْ يصعد المنارة وإن كانت خَارِجًا هَذَا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا لِلْمَنَارَةِ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي رَحْبَتِهِ أَوْ يَكُونَ بَابُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ رَحْبَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ فَلَا يَضُرُّ الْمُعْتَكِفَ صُعُودُهَا سَوَاءٌ صَعِدَهَا لِلْأَذَانِ أَوْ غَيْرِهِ كَسَطْحِ الْمَسْجِدِ هَكَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْمَنَارَةُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ رَحْبَتِهِ أَوْ بَابُهَا مُتَّصِلًا بِالْمَسْجِدِ أَوْ رَحْبَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ سَمْتِ الْبِنَاءِ وَتَرْبِيعِهِ فلا يبطل
الِاعْتِكَافُ بِصُعُودِهَا بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ صَعِدَهَا الْمُؤَذِّنُ أَوْ غَيْرُهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ لَوْ كَانَتْ الْمَنَارَةُ خَارِجَةً عَنْ سَمْتِ الْمَسْجِدِ مُتَّصِلَةً بِهِ وَبَابُهَا لَاطٌّ فَقَدْ قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ صُعُودَهَا لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ وَإِنْ كَانَتْ لاتعد مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَوْ اعْتَكَفَ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ حَرِيمَ الْمَسْجِدِ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ وَتَحْرِيمِ الْمُكْثِ فِيهِ عَلَى الْجُنُبِ وَلَكِنَّ النَّصَّ قَاطِعٌ بِمَا ذَكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا مَعَ الِاحْتِمَالِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْخَارِجَ إلَيْهَا خَارِجٌ إلَى بُقْعَةٍ لَا تَصْلُحُ لِلِاعْتِكَافِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَاخْتَصَرَهُ الرافعى فقال وأبدى امام الحرمين احمالا فِي الْخَارِجَةِ عَنْ سَمْتِهِ قَالَ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تُعَدُّ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يُنَازِعُهُ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ صَحِيحٌ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِ فِي فَرْعٍ بَعْدَ هَذَا التَّصْرِيحِ بِخِلَافِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ إمام الحرمين رحمه الله وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ بَابُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَلَا رَحَبَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ بَلْ تَكُونُ مُنْفَصِلَةً عَنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ الْخُرُوجُ إلَيْهَا لِغَيْرِ الْأَذَانِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْمُؤَذِّنِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) لَا يَبْطُلُ فِي الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ فِي الْمَسْجِدِ وَيَبْطُلُ فِي غَيْرِهِ
(وَالثَّانِي)
يَبْطُلُ فِيهِمَا (وَالثَّالِثُ) لَا يَبْطُلُ فِيهِمَا وَهَذَا ظَاهِرُ النَّصِّ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ لَكِنْ يُتَأَوَّلُ كَلَامُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَكْثَرِينَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ وَغَيْرِهِ فَيُقَالُ مُرَادُهُ إذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ رَاتِبًا وَهَكَذَا يُحْمَلُ
قَوْلُ الْمَحَامِلِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ فَإِنَّهُمَا قَالَا إذَا كَانَتْ الْمَنَارَةُ خَارِجَةً عَنْ الْمَسْجِدِ وَالرَّحْبَةِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا أَنَّ لَهُ صُعُودَهَا لِلْأَذَانِ وَلَا يَضُرُّهُ فِي اعْتِكَافِهِ قَالَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَمَنْ مَنَعَهُ تَأَوُّلَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمَنَارَةُ فِي الرَّحْبَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ قَالَ لَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِصُعُودِ الْمَنَارَةِ الْمُنْفَصِلَةِ أَخَذَ بِظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ يَبْطُلُ حَمَلَهُ عَلَى الْمَنَارَةِ الَّتِي فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ إنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَتْ خَارِجًا لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْعَادَةِ لَا يَعُدُّونَ الرَّحْبَةَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ وَغَيْرِهِ حَمَلَ النَّصَّ عَلَى الرَّاتِبِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الرَّاتِبِ وَغَيْرِهِ هُوَ الْأَصَحُّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ (وَاعْلَمْ) أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِي مَنَارَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ مَبْنِيَّةٌ لَهُ فَأَمَّا غَيْرُهَا فَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِالذَّهَابِ إلَيْهَا
بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ الرَّاتِبُ وَغَيْرُهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَآخَرُونَ هو الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِمْ (وَأَمَّا) قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فَرَضَ الْغَزَالِيُّ الْمَسْأَلَةَ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ بَابُ الْمَنَارَةِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَهِيَ مُلْصَقَةٌ بِحَرِيمِهِ قَالَ وَلَمْ يشرط الْجُمْهُورُ فِي صُورَةِ الْخِلَافِ سِوَى كَوْنِ بَابِهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ قَالَ وَزَادَ أَبُو الْقَاسِمِ الْكَرْخِيُّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَذَكَرَ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَنَارَةُ فِي رَحَبَةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْ الْمَسْجِدِ بَيْنَهَا وبينه طريق فهذا الذى ذكره الرافعي لا يخالف ما نقلته عن اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَشْرِطُوا مَا شَرَطَهُ الْغَزَالِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ في المجرد قال قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَنَارَةِ قُلْتُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنَارَةٍ فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ بَابِهَا إلَيْهَا كَمَا سَبَقَ
* {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَنَارَةَ الَّتِي فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ يَجُوزُ لِلْمُؤَذِّنِ وَغَيْرِهِ صُعُودُهَا وَلَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَمِنْ الْمُهِمِّ بَيَانُ حَقِيقَةِ هَذِهِ الرَّحْبَةِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ الْمُرَادُ بِالرَّحْبَةِ مَا كَانَ مُضَافًا إلَى الْمَسْجِدِ مُحَجَّرًا عَلَيْهِ قالا والرجبة مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِي الرَّحْبَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي رِحَابِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَسْجِدِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي
الْمَجْمُوعِ لِلْمَنَارَةِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (إحْدَاهَا) أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً دَاخِلَ الْمَسْجِدِ فَيُسْتَحَبُّ الْأَذَانُ فِيهَا لِأَنَّهُ طَاعَةٌ (الثَّانِيَةُ) أَنْ تَكُونَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنَّهَا فِي رحبة المسجد فالحكم فيها كالحكم لَوْ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ رَحَبَةَ الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَوْ اعْتَكَفَ فِيهَا صَحَّ اعْتِكَافُهُ (الثَّالِثَةُ) أَنْ تَكُونَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَلَيْسَتْ فِي رَحَبَتِهِ إلَّا أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَلَهَا بَابٌ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِيهَا لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْمَسْجِدِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ (وَالرَّابِعَةُ) أَنْ تَكُونَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ غَيْرَ مُتَّصِلَةٍ بِهِ فَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ هَذَا كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ بِحُرُوفِهِ وَفِيهِ فَوَائِدُ وَعِبَارَةُ شَيْخِهِ أَبِي حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ نَحْوُ هَذَا وَكَلَامُ غَيْرِهِمَا نَحْوُهُ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بخلاف ما استدل به إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْمَنَارَةِ الْمُتَّصِلُ بَابُهَا بِالْمَسْجِدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ قَرِيبًا وَوَعَدْنَا بِذِكْرِ التَّصْرِيحِ بنقل خلافه والله أعلم
*
{فَرْعٌ} اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَوْ صَلَّى فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ الَّذِي فِي الْمَسْجِدِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا حائل يمنع الاستطارق والمشاهدة لم يضره لان الرحبة مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا سَبَقَ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا هَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي هُوَ بَابُ جَامِعِ دِمَشْقَ وَهُوَ بَابُ السَّاعَاتِ فَلَوْ صَلَّى الْمَأْمُومُ تَحْتَ السَّاعَاتِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْجَامِعِ هَلْ تَصِحُّ صلاته لِأَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ رَحَبَةُ الْمَسْجِدِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَحَبَةٍ وَإِنَّمَا الرَّحْبَةُ صَحْنُ الْجَامِعِ وَطَالَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا وَصْفًا فِيهِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَابْنِ
الصَّبَّاغِ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ تَأَمَّلْتُ مَا صَنَّفَهُ أَبُو عَمْرٍو وَاسْتِدْلَالَهُ فَلَمْ أَرَ فِيهِ دلالة علي المقصود والله أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} لَوْ دَخَلَ الْمُؤَذِّنُ الْمُعْتَكِفُ إلَى حُجْرَةٍ مُهَيَّأَةٍ لِلسُّكْنَى بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ وَبَابُهَا إلَى الْمَسْجِدِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ وَإِنَّمَا قُلْنَا مَا قُلْنَا فِي الْمَنَارَةِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ لِإِقَامَةِ شِعَارِ الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} الْمَنَارَةُ هُنَا بِفَتْحِ الْمِيمِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ مَنَارَةُ السِّرَاجِ بِفَتْحِ الْمِيمِ بِلَا خِلَافٍ
وَجَمْعُهُمَا مَنَاوِرُ وَمَنَائِرُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْأَلِفِ وَالْأَصْلُ مَنَاوِرَ بِالْوَاوِ لِأَنَّهَا مِنْ النُّورِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ مَنْ قَالَ مَنَاوِرُ بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ مِنْ النُّورِ وَمَنْ قَالَ مَنَائِرَ بِالْهَمْزِ فَقَدْ شَبَّهَ الْأَصْلِيَّ بِالزَّائِدِ كَمَا قَالُوا مَصَائِبُ وَأَصْلُهُ مَصَاوِبُ وَالْمَنَارَةُ مُفْعَلَةٌ مِنْ الِاسْتِنَارَةِ وَقَالَ صاحب الحكم جَمْعُهَا مَنَاوِرُ عَلَى الْقِيَاسِ وَمَنَائِرُ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ قَالَ ثَعْلَبٌ مَنْ هَمَزَ شَبَّهَ الْأَصْلِيَّ بالزائد (وأما) سيبويه فيحمل ماهمز مِنْ هَذَا عَلَى الْغَلَطِ
* {فَرْعٌ} رَحَبَةُ الْمَسْجِدِ قال الجوزى هي بِفَتْحِ الْحَاءِ وَجَمْعُهَا رَحَبٌ وَرِحَابٌ وَرَحَبَاتٌ كَقَصَبَاتٍ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ فِي اعْتِكَافٍ مَفْرُوضٍ هُوَ بِتَنْوِينِ اعْتِكَافٍ وَيَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى مَفْرُوضٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَلَا يَعُودُ الْمُعْتَكِفُ الْمَرِيضَ وَلَا يَشْهَدُ الْجَنَائِزَ إذَا كَانَ اعْتِكَافُهُ وَاجِبًا قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ تطوع وَأَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَخْرُجْ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْخُرُوجِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ خَرَجَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ اعْتِكَافًا مَنْدُوبًا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ سَوَاءٌ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ أَمْ لَا لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَغَيْرُهُ يَقُومُ مقامه
فِيهَا وَلَا يَتْرُكُ الِاعْتِكَافَ الْمُتَعَيِّنَ لِغَيْرِ مُتَعَيِّنٍ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ أَمْكَنَ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ بِإِحْضَارِ الْمَيِّتِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) إنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ جَازَ الْخُرُوجُ لَهَا والا فلا حكاه الدارمي والسرخسي وغيرهما ونسبها الدَّارِمِيُّ إلَى ابْنِ الْقَطَّانِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الْوَجْهَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالَ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِدَفْنِهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْخُرُوجِ لِذَلِكَ فَيَخْرُجُ وَإِذَا رَجَعَ بَنَى وَفِيهِ أَوْجُهٌ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ هَذَا نَقْلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِذَا لَمْ نُجَوِّزْ الْخُرُوجَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَخَرَجَ
لِذَلِكَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَصَلَّى فِي طَرِيقِهِ عَلَى جِنَازَةٍ فَإِنْ وَقَفَ لَهَا يَنْتَظِرُهَا أَوْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِ إلَيْهَا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهَا فِي طَرِيقِهِ مِنْ غَيْرِ وُقُوفٍ لَهَا وَلَا عُدُولٍ إلَيْهَا فَفِيهِ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ زَمَنٌ يَسِيرٌ وَلَمْ يَخْرُجْ لَهُ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهَذَا الطَّرِيقِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَالُوا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ كَوَجْهَيْنِ سَنَذْكُرُهُمَا فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ ان شاء الله تعالى إذا وقف لَهَا وَلَمْ يُطِلْ الزَّمَانَ (وَالصَّحِيحُ) فِيهِمَا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) إنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا وجهان حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (وَالرَّابِعُ) إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وهو غلط أو كالغلط وَالْمَذْهَبُ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَدْرَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ حَدًّا لِلْوَقْفَةِ الْيَسِيرَةِ وَإِلَّا فَهِيَ مَعْفُوٌّ عَنْهَا لِكُلِّ غَرَضٍ فِي حَقِّ مَنْ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقِفَ وَيَأْكُلَ لُقَمًا قَدْرُهَا إذَا لَمْ نُجَوِّزْ الخروج للاكل وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
{الشَّرْحُ} الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَهَذَا لَفْظُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " إنْ كُنْتُ لَأَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ وَالْمَرِيضُ فِيهِ فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إلَّا وَأَنَا مَارَّةٌ " ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ اعْتِكَافَ تَطَوُّعٍ جَازَ أَنْ يَخْرُجَ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ
قَالُوا الْبَقَاءُ فِي الِاعْتِكَافِ أَوْ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُمَا طَاعَتَانِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِمَا فَاسْتَوَيَا وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَآخَرِينَ حَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الِاعْتِكَافِ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَكَانَ اعْتِكَافُهُ نَفْلًا لَا نَذْرًا وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ (فَأَمَّا) الِاعْتِكَافُ الْمَنْذُورُ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ إلَى سُنَّةٍ وَانْفَرَدَ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ إنْ خَرَجَ لِعِيَادَةِ المريض مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لِذَلِكَ فِي نَذْرِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِ وَإِذَا عَادَ بَنَى عَلَى اعْتِكَافِهِ كَالْمَرْأَةِ إذَا خَرَجَتْ لِقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ عَادَتْ تَبْنِي وَفِيهِ وَجْهَانِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي غَرِيبٌ وَقَدْ نَقَلَهُ أَيْضًا السَّرَخْسِيُّ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ قَالَ وَلَهُ أَنْ يَبْقَى عِنْدَ الْمَرِيضِ إلَى أَنْ يَبْرَأَ ثُمَّ يَعُودُ وَهَذَا اخْتِيَارٌ لِصَاحِبِ التَّقْرِيبِ لَمْ يَنْقُلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ عِيَادَةُ مَرِيضٍ فِي الْمَسْجِدِ (أَمَّا) إذَا خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَعَادَ فِي طَرِيقِهِ مَرِيضًا فَإِنْ لَمْ يَقِفْ لِسَبَبِ الْعِيَادَةِ وَلَا عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِ بِسَبَبِهَا بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى السُّؤَالِ جَازَ وَلَا يَنْقَطِعُ اعْتِكَافُهُ الْمَنْذُورُ الْمُتَتَابِعُ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ زَمَانًا بِسَبَبِهِ وَإِنْ وَقَفَ لِلْعِيَادَةِ وَأَطَالَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ خَرَجَ لِلْعِيَادَةِ وَإِنْ لَمْ يُطِلْ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ وَجْهًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالْأَكْثَرُونَ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ وَلَمْ يَخْرُجْ بِسَبَبِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا
(وَالثَّانِي)
يَبْطُلُ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّجُوعُ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فِي هَذَا إلَى الْعُرْفِ حَتَّى إنْ كَانَ الْمَرِيضُ فِي دَارِهِ الَّتِي يَقْصِدُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَطَرِيقُهُ فِي صَحْنِهَا وَالْمَرِيضُ فِي بَيْتٍ أَوْ حُجْرَةٍ مِنْهَا فَهُوَ قَرِيبٌ وَإِنْ كَانَ فِي دَرْبٍ آخَرَ فَهُوَ طَوِيلٌ وَلَوْ ازْوَرَّ عَنْ الطَّرِيقِ لِعِيَادَةِ
الْمَرِيضِ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) يَبْطُلُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ وَقَفَ لِلِاسْتِئْذَانِ عَلَى
الْمَرِيضِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ هَذَا كَلَامُهُ ويجئ فِيمَا إذَا لَمْ يُطِلْ الْوُقُوفَ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} لَوْ خَرَجَ لِزِيَارَةِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ الْمَنْذُورُ فَإِنْ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَزَارَهُ فِي طَرِيقِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ عيادة المريض فيجئ مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي خُرُوجِ الْمُعْتَكِفِ مِنْ اعْتِكَافِ نَذْرٍ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ صَلَاةِ جِنَازَةٍ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَيَبْطُلُ بِهِ الِاعْتِكَافُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حنيفة واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَهِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جبير والنخعي يجوز قال ابن المنذر روى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ
* وَاحْتُجَّ لِهَؤُلَاءِ بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْمُعْتَكِفُ يَتْبَعُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ هَيَّاجٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدٍ الرَّحْمَنِ وَهُمَا ضَعِيفَانِ مَتْرُوكَا الْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِرِوَايَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِأَلْفَاظٍ أُخَرَ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي هَذَا الْبَابِ مَجْمُوعَةً وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا قَالَتْ " إنْ كُنْتُ لَأَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ وَالْمَرِيضُ فِيهِ فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إلَّا وَأَنَا مَارَّةٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَهَذَانِ هُمَا الْمُعْتَمَدَانِ في فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِأَشْيَاءَ ضَعِيفَةِ الْإِسْنَادِ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمُرُّ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَيَمُرُّ كَمَا هُوَ وَلَا يُعَرِّجُ يَسْأَلُ عَنْهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ فِيهِ ليث ابن أبي سليم وعن عبد الرحمن ابن اسحق عن الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ " السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا وَلَا يَشْهَدَ جنازة ولا يمس امرأة وَلَا يُبَاشِرَهَا وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إلَّا لِمَا لا بد
له منه ولا اعتكف إلا بصوم ولا اعتكف إلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والبيهقي وغيرهما وعبد الرحمن ابن اسحق هَذَا مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَالْأَكْثَرُونَ لَا يَحْتَجُّونَ بِهِ وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ قَالَ أبو داود
عن عبد الرحمن بن اسحق لَا يَقُولُ فِيهِ قَالَتْ السُّنَّةُ وَجَعَلَهُ قَوْلَ عائشة وقال الدارقطني فقال إنَّ قَوْلَهُ السُّنَّةُ إلَى آخِرِهِ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ.
وَمَنْ أَدْرَجَهُ فِي الحديث فقد وهم وفال الْبَيْهَقِيُّ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْحُفَّاظِ إلَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ عَائِشَةَ وَأَنَّ مَنْ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيثِ فقد وهم فيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اعْتَكَفَ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ وَحَضَرَتْ الْجُمُعَةُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا لَزِمَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ اعْتِكَافُهُ نَفْلًا أَوْ نَذْرًا لِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ وَهُوَ مُقَصِّرٌ حَيْثُ لَمْ يَعْتَكِفْ فِي الْجَامِعِ فَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُهُ تَطَوُّعًا بَطَلَ خُرُوجُهُ وَإِنْ كَانَ نَذْرًا غَيْرَ مُتَتَابِعٍ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ مُدَّةُ ذَهَابِهِ وَمُكْثِهِ فِي الْجَامِعِ وَرُجُوعُهُ فَإِذَا عَادَ إلَى الْمَسْجِدِ بَنَى عَلَى اعْتِكَافِهِ الْأَوَّلِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى السرخسى قولا أنه يُحْسَبُ لَهُ زَمَانُ الْخُرُوجِ كَمَا لَوْ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ هَذَا مقصر بترك الجامع أو لا بِخِلَافِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَإِنْ كَانَ نَذْرًا مُتَتَابِعًا وَلَمْ يَنْقُضْ فَفِي بُطْلَانِهِ بِالْخُرُوجِ خِلَافٌ حَكَاهُ المصنف والمحملي فِي الْمَجْمُوعِ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَخَلَائِقُ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ وَغَلِطَ صَاحِبُ الْبَيَانِ حَيْثُ أَنْكَرَ عَلَى صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ حِكَايَتَهُ الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ وَقَالَ إنَّمَا يَحْكِيهِمَا أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَجْهَيْنِ ثُمَّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ انْقِطَاعُ التَّتَابُعِ وَبُطْلَانُ اعْتِكَافِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) لَا يَبْطُلُ
وَتَعْلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا إنَّ خُرُوجَهُ لِلْجُمُعَةِ يُبْطِلُ اعْتِكَافَهُ فَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُهُ الْمَنْذُورُ أَقَلَّ مِنْ أُسْبُوعٍ ابْتَدَأَ بِهِ مِنْ أَوَّلِ الْأُسْبُوعِ فِي أَوَّلِ مَسْجِدٍ شَاءَ وَيَخْرُجُ لِلْجُمُعَةِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ وَإِنْ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي الْجَامِعِ ابْتَدَأَ بِهِ مَتَى شَاءَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أُسْبُوعٍ وَجَبَ أَنْ يَبْتَدِئَهُ فِي الْجَامِعِ فَإِنْ كَانَ قَدْ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ غَيْرَ الْجَامِعِ وَقُلْنَا يَتَعَيَّنُ لَمْ يُمْكِنْهُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ إلَّا بِأَنْ يَمْرَضَ وَتَسْقُطَ عَنْهُ الْجُمُعَةُ أَوْ يَتْرُكُهَا عَاصِيًا وَيَدُومُ عَلَى اعْتِكَافِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي خُرُوجِ الْمُعْتَكِفِ مِنْ اعْتِكَافٍ مَنْذُورٍ مُتَتَابِعٍ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا بُطْلَانُ اعْتِكَافِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ وَقَدْ ذَكَرَ النصنف دليل المذهبين والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* {فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَدَاءُ شَهَادَةٍ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ لِأَدَائِهَا لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِحَقِّ آدَمِيٍّ فَقُدِّمَ عَلَى الِاعْتِكَافِ وَهَلْ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِذَلِكَ يُنْظَرُ فِيهِ إنْ كَانَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ تَحَمُّلُهَا لَمْ يَبْطُلْ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْخُرُوجِ وَإِلَى سَبَبِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ تَحَمُّلُهَا فَقَدْ رَوَى الْمُزَنِيّ أَنَّهُ قَالَ يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ وَقَالَ فِي المعتكفة تَخْرُجُ وَتَعْتَدُّ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهَا فَنَقَلَ أَبُو العباس جواب كل واحد مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وَجَعَلَهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ فِيهِمَا لِأَنَّ السَّبَبَ حَصَلَ بِاخْتِيَارِهِ (وَالثَّانِي) لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْخُرُوجِ وحمل أبو اسحق الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا فَقَالَ فِي الشَّهَادَةِ تَبْطُلُ وَفِي الْعِدَّةِ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَتَزَوَّجُ لِتَطْلُقَ فَتَعْتَدُّ وَالشَّاهِدُ إنَّمَا يَتَحَمَّلُ لِيُؤَدِّيَ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُحْتَاجَةٌ إلَى السَّبَبِ وَهُوَ النِّكَاحُ لِلنَّفَقَةِ وَالْعِفَّةِ وَالشَّاهِدُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى التَّحَمُّلِ}
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّبَبَ حَصَلَ بِاخْتِيَارِهِ هَذَا يصح في الشاهد والمعتدة التى زوجته بِرِضَاهَا وَلَا يَصِحُّ فِي الْمُجْبَرَةِ وَهِيَ الْبِكْرُ فِي حَقِّ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَكَذَا الثَّيِّبُ الْمَجْنُونَةُ وكذا الامة
* (أما) حكم
الفصل فقال أصحابنا إذا خرج لاداء الشهاة لَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (إحْدَاهَا) أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّحَمُّلُ
وَلَا الْأَدَاءُ (وَالثَّانِيَةُ) أَنْ يَتَعَيَّنَ التَّحَمُّلُ دُونَ الْأَدَاءِ فَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِالْخُرُوجِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَتَعَيَّنَ الْأَدَاءُ دُونَ التَّحَمُّلِ فَيَبْطُلُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وقول ابى اسحق وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِيهِ قَوْلَانِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ (الرَّابِعَةُ) أَنْ يَتَعَيَّنَ الْأَدَاءُ وَالتَّحَمُّلُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلْ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْخُرُوجِ وَإِلَى سَبَبِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فِي الْمَسْجِدِ بِأَنْ يُحْضِرَهُ الْقَاضِي وَهَذَا ضَعِيفٌ غَرِيبٌ هَذَا كُلُّهُ فِي اعْتِكَافٍ مَنْذُورٍ مُتَتَابِعٍ (فَأَمَّا) إذَا كان الاعتكاف تطوعا وطلب الشهادة فيكون كغير االمعتكف فَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ حَيْثُ تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الِاعْتِكَافِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ نَذْرًا غَيْرَ مُتَتَابِعٍ فَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ مُتَعَيِّنَةً لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ سَوَاءٌ دُعِيَ لِأَدَائِهَا أَوْ لِحَمْلِهَا لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ إذَا عَادَ إلَى الْمَسْجِدِ وَفِي امْتِنَاعِهِ مِنْ الشَّهَادَةِ إضْرَارٌ بِالْمَشْهُودِ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَعَيِّنَةً بِأَنْ كَانَ لِصَاحِبِ الشَّهَادَةِ شُهُودٌ آخَرُونَ فَفِي لُزُومِ الْإِجَابَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِفَرْضٍ مُتَعَيِّنٍ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُودِ لَهُ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ غَيْرِهِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ لِأَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ طَلَبِهَا فَرْضٌ كَمَا أَنَّ الِاعْتِكَافَ فَرْضٌ وَلَكِنَّ الشَّهَادَةَ آكَدُ لِأَنَّهَا حَقُّ آدَمِيٍّ يُخَافُ فَوْتُهُ وَالِاعْتِكَافُ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ وَقَوْلُ الْقَائِلِ الْأَوَّلِ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ يُعَارِضُهُ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} إذَا دُعِيَ لِتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ اعْتِكَافُهُ تَطَوُّعًا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِالتَّحَمُّلِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّحَمُّلُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُهُ وَاجِبًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ سَوَاءٌ كَانَ متتابعا أم لَا لِأَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِفَرْضٍ فَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُهُ وَهَلْ يُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ يُنْظَرُ فَإِنْ لَمْ يكن شرط التتابع جاز الخروج لانه لَا يُبْطِلُ بِخُرُوجِهِ عِبَادَتَهُ فَيَخْرُجُ فَإِذَا عَادَ بَنَى وَإِنْ كَانَ شَرَطَ التَّتَابُعَ لَمْ يَجُزْ الْخُرُوجُ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ مَا مَضَى مِنْ عِبَادَتِهِ وَإِبْطَالُ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ لَا يَجُوزُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا دُعِيَ لِتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ وَهُنَاكَ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ
وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّارِمِيُّ غَيْرَ هَذَا والله أعلم
*
{فَرْعٌ} إذَا شَرَعَتْ الْمَرْأَةُ فِي الِاعْتِكَافِ فَوَجَبَتْ عليها عدة وفاة أو فراق فَخَرَجَتْ لِقَضَائِهَا هَلْ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهَا فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لَا يَبْطُلُ حَتَّى إذَا نَذَرَتْ مُتَتَابِعًا أكملت العدة ثم عادت إلى الْمَسْجِدَ وَبَنَتْ عَلَى مَا مَضَى
(وَالثَّانِي)
فِي بطلانه قولان (المنصوص) لا يبطل (والثاني) خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْعِدَّةِ هَكَذَا أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا نَذَرَتْ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَشَرَعَتْ فِيهِ فَلَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ لَزِمَهَا الْعَوْدُ إلَى مَسْكَنِهَا لِلِاعْتِدَادِ فَإِذَا خَرَجَتْ فَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهَا الطَّرِيقَانِ قَالَ فَأَمَّا إنْ شَرَعَتْ فِي الِاعْتِكَافِ بِإِذْنِهِ وَلَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ فَهَلْ يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ إلَى مَنْزِلِهَا لِلِاعْتِدَادِ أَمْ لَهَا الْبَقَاءُ فِي الِاعْتِكَافِ حَتَّى يَنْقَضِيَ فِيهِ خِلَافٌ نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْعَدَدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْنَا) لَهَا الْبَقَاءُ فَخَرَجَتْ بَطَلَ اعْتِكَافُهَا لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ (وَإِنْ قُلْنَا) يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ إلَى الْمَنْزِلِ فَعَادَتْ هَلْ تَبْنِي بَعْدَ الْعِدَّةِ أَمْ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهَا فِيهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ هَذَا كَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ نَحْوَهُ وَزَادَ أَنَّهَا إذَا لَزِمَهَا الْخُرُوجُ لِلْعِدَّةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَمَكَثَتْ فِي الِاعْتِكَافِ وَلَمْ تَخْرُجْ عَصَتْ وَأَجْزَأَهَا الِاعْتِكَافُ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ وَهِيَ مُعْتَكِفَةٌ شِئْتُ فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا كَالشَّاهِدِ الْمُخْتَارِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا كَعِدَّةٍ وَجَبَتْ بِغَيْرِ مَشِيئَتِهَا قُلْتُ الاول أصح والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
{الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ مَرِضَ أَوْ أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ وَاعْتِكَافُهُ وَاجِبٌ فَإِذَا بَرَأَ أَوْ خُلِّيَ بَنَى فَإِنْ مَكَثَ بَعْدَ بُرْئِهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ابْتَدَأَهُ هَذَا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَرَضُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مَرَضٌ يسير لا تشق معه الافامة فِي الْمَسْجِدِ كَصُدَاعٍ وَحُمَّى خَفِيفَةٍ وَوَجَعِ الضِّرْسِ وَالْعَيْنِ وَنَحْوِهَا فَلَا يَجُوزُ بِسَبَبِهِ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ الِاعْتِكَافُ نَذْرًا مُتَتَابِعًا فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ (الثَّانِي) مَرَضٌ يَشُقُّ مَعَهُ الْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ لحاجته إلى الفراش وَالْخَادِمِ وَتَرَدُّدِ الطَّبِيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُبَاحُ لَهُ الخروج فإذا خرج ففى انقطاع التتاتع طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَنْقَطِعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ قَوْلَانِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أن الاصح هنا أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ وَتَعْلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ (الثَّالِثُ) مَرَضٌ يَخَافُ مَعَهُ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ كَانْطِلَاقِ الْبَطْنِ وَإِدْرَارِ الْبَوْلِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالسَّلَسِ وَنَحْوِهَا فَلَهُ الْخُرُوجُ وَفِي انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ طَرِيقَانِ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَا يَنْقَطِعُ قَوْلًا وَاحِدًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ قَوْلَانِ أَمَّا إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الِاعْتِكَافِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَفَاقَ فَاعْتِكَافُهُ بَاقٍ لَا يَبْطُلُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْمَذْهَبُ أَنَّ زَمَانَ الْإِغْمَاءِ مَحْسُوبٌ مِنْ الِاعْتِكَافِ كما ذكرنا في الصئم إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْضَ النَّهَارِ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ ذَلِكَ الزَّمَانُ عَنْ الِاعْتِكَافِ تَخْرِيجًا مِنْ قَوْلِنَا فِي الصَّائِمِ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَبْطُلُ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَامَ الْمُعْتَكِفُ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ زَمَانُ نَوْمِهِ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي جَرَيَانِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ هَذَا إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ أَهْلُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَمَّا إذَا أَخْرَجُوهُ فَلَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُ اعْتِكَافِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ هُوَ كَالْمَرِيضِ إنْ خِيفَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ مِنْهُ لَمْ يَبْطُلْ تَتَابُعُهُ بِالْإِخْرَاجِ وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ أَمَّا إذَا جُنَّ فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ وَلِيُّهُ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى أَفَاقَ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَكِنْ لَا يُحْسَبُ زَمَانُ الْجُنُونِ مِنْ اعْتِكَافِهِ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةَ لَا يَصِحُّ مِنْ الْمَجْنُونِ أَدَاؤُهَا فِي حال الجنون فان أخرجه
الْمُوَلِّي فَإِنْ كَانَ لَا سَبِيلَ إلَى حِفْظِهِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يُبْطِلْ تَتَابُعَ اعْتِكَافِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ
حِفْظُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَهُوَ كَالْمَرِيضِ فَيَكُونُ فِيهِ الْخِلَافُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُهُ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْقَاعِدَةِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِاخْتِيَارِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالسَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ فِي الْجُنُونِ سِنِينَ ثُمَّ أَفَاقَ بَنَى فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إذَا أَرَادَ الْمُعْتَكِفُ الْخُرُوجَ لِلْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَأَخُّرُهُ جَازَ الْخُرُوجُ لَهُ وَإِلَّا فَلَا كَالْمَرَضِ يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْخَفِيفِ وَغَيْرِهِ كما سبق
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} هَذَانِ النَّصَّانِ مَشْهُورَانِ كَمَا ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ والاصحاب فيهما طرق متشعبة جمعها الرَّافِعِيُّ وَنَقَّحَهَا فَقَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ سِتَّةُ طُرُقٍ (أصحها) بطلان اعتكاف السكران والمرتد جمعيا بِطَرَآنِ السُّكْرِ وَالرِّدَّةِ لِأَنَّهُمَا أَفْحَشُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ نَصَّهُ فِي السَّكْرَانِ انه في اعتكاف متابع فَيَنْقَطِعُ وَنَصُّهُ فِي الْمُرْتَدِّ أَنَّهُ اعْتِكَافٌ غَيْرُ مُتَتَابِعٍ فَإِذَا أَسْلَمَ بَنَى لِأَنَّ الرِّدَّةَ عِنْدَنَا لَا تُحْبِطُ الْأَعْمَالَ إلَّا إذَا مَاتَ مُرْتَدًّا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) لَا يَبْطُلُ فِيهِمَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّالِثُ) فِيهِمَا قَوْلَانِ
(وَالرَّابِعُ) تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَبُطْلَانُهُ فِي السَّكْرَانِ دُونَ الْمُرْتَدِّ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْفَرْقَ وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَصْحَابِهِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ (وَالْخَامِسُ) يَبْطُلُ السُّكْرُ لِامْتِدَادِ زَمَانِهِ وَكَذَا الرِّدَّةُ إنْ طَالَ زَمَنُهَا وَإِنْ قَصَرَ بَنَى (وَالسَّادِسُ) يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ
دُونَ السُّكْرِ لِأَنَّهُ كَالْيَوْمِ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ لِأَنَّهَا تُنَافِي الْعِبَادَاتِ وَهَذَا الطَّرِيقُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ والغزالي قال الرافعي ولم يذكره غيرهما وممن صحح الطريق الاول هو بُطْلَانُ الِاعْتِكَافِ فِيهِمَا الْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَمَرَ الرَّبِيعَ أَنْ يَضْرِبَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُرْتَدِّ وَلَا تُقْرَأُ عَلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ هَذَا النقل عَنْ الشَّافِعِيِّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ لِأَنَّهَا أَفْحَشُ مِنْ السُّكْرِ وَأَسْوَأُ حَالًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُبْطِلُ مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَالسُّكْرِ وَيَجِبُ اسْتِئْنَافُهُ إذَا كَانَ مُعْتَكِفًا عَنْ نَذْرٍ مُتَتَابِعٍ أَمْ يَبْقَى صَحِيحًا فَيُبْنَى عَلَيْهِ إذَا زَالَ السُّكْرُ وَالرِّدَّةُ فَأَمَّا زَمَنُ الرِّدَّةِ وَالسُّكْرِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ يُعْتَدُّ بِزَمَانِ السُّكْرِ قَالَ وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الِاعْتِبَارِ بِزَمَانِ الرِّدَّةِ وَالسُّكْرِ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ قُلْتُمْ إنَّ الرِّدَّةَ إذَا طَرَأَتْ فِي الصِّيَامِ تُبْطِلُهُ وَفِي الِاعْتِكَافِ خِلَافٌ (قُلْنَا) لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ يَتَخَلَّلُهُ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَهُوَ الْخُرُوجُ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِ ذلك بخلاف الصيام وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ إذَا حَاضَتْ الْمُعْتَكِفَةُ خَرَجَتْ فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ وَبَنَتْ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ القاضى أبو الطيب وغيره وقال أَصْحَابُنَا إذَا حَاضَتْ فِي اعْتِكَافِهَا لَزِمَهَا الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِذَا خَرَجَتْ وَطَهُرَتْ فَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُهَا تَطَوُّعًا وَأَرَادَتْ الْبِنَاءَ عَلَيْهِ بَنَتْ وَإِنْ كَانَ نَذْرًا غَيْرَ مُتَتَابِعٍ بَنَتْ وَإِنْ كَانَ متتبابعا فَإِنْ كَانَ مُدَّةً لَا يُمْكِنُ حِفْظُهَا مِنْ الْحَيْضِ غَالِبًا
بِأَنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا لَمْ يُبْطِلْ التَّتَابُعَ بَلْ تَبْنِي عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ مُدَّةً يُمْكِنُ خفظها مِنْ الْحَيْضِ كَخَمْسَةَ عَشْرَ فَمَا دُونَهَا فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْقَطِعُ وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَطَائِفَةٌ (وَالثَّانِي) فِيهِ خِلَافٌ كَالْخِلَافِ فِي انْقِطَاعِ تَتَابُعِ صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِالْحَيْضِ إذَا أَوْجَبْنَا تَتَابُعَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى هَذَا الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَمِنْهُمْ مِنْ حَكَاهُ قَوْلَيْنِ وَمِمَّنْ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَالْأَصَحُّ الِانْقِطَاعُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ نَفِسَتْ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَاضَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
{فَرْعٌ} وَالْمُسْتَحَاضَةُ الْمُعْتَكِفَةُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ اعْتِكَافُهَا نَذْرًا سَوَاءٌ المنتابع وغيره لانها كالطاهر لكن تَحْتَرِزُ عَنْ تَلْوِيثِ الْمَسَاجِدِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " اعْتَكَفَتْ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فَكَانَتْ تَرَى الدَّمَ وَالصُّفْرَةَ وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي " وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُعْتَكِفَةِ إذَا حَاضَتْ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَإِذَا خَرَجَتْ سَكَنَتْ فِي بَيْتِهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ حَتَّى يَنْقَطِعَ حَيْضُهَا ثُمَّ تَعُودُ إلَى اعْتِكَافِهَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وأبي حنيفة قال وقال أَبُو قِلَابَةَ تَضْرِبُ خِبَاءَهَا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ قَالَ النَّخَعِيُّ تَضْرِبُهُ فِي دَارِهَا حَتَّى تَطْهُرَ فتعود الي الاعتكاف *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا يَصِحُّ إحْرَامُ الْمُعْتَكِفِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِذَا أَحْرَمَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ بِحَيْثُ يُمْكِنُ إتْمَامُ الِاعْتِكَافِ ثُمَّ إدْرَاكُ الْحَجِّ لَزِمَهُ إتْمَامُ الِاعْتِكَافِ وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ
لِلْحَجِّ وَيَنْقَطِعُ اعْتِكَافُهُ الْمُتَتَابِعُ فَإِذَا عَادَ مِنْ الْحَجِّ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قال المصنف رحمه الله
* {وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ نَاسِيًا لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " وَلِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ فِي الصَّوْمِ نَاسِيًا لَمْ يَبْطُلْ فَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ مِنْ الِاعْتِكَافِ نَاسِيًا لَمْ يَبْطُلْ وَإِنْ خَرَجَ مُكْرَهًا مَحْمُولًا لَمْ يبطل اعتكافه للخبر ولاثه لَوْ أَوْجَرَ الصَّائِمُ فِي فِيهِ طَعَامًا لَمْ
يَبْطُلْ صَوْمُهُ فَكَذَلِكَ هَذَا فَإِنْ أَكْرَهَهُ حَتَّى خرج بنفسه فيه قَوْلَانِ كَالصَّائِمِ إذَا أُكْرِهَ حَتَّى أَكَلَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ لِأَنَّهُ اخْتَارَ سَبَبَهُ وَهُوَ الشُّرْبُ وَالسَّرِقَةُ
(وَالثَّانِي)
لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَسْرِقْ لِيَخْرُجَ وَيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ خَافَ مِنْ ظَالِمٍ فَخَرَجَ وَاسْتَتَرَ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الْخُرُوجِ بِسَبَبٍ هو معذور فيه فلم يبطل اعتكافه}
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَفْظُهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ "(أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ نَاسِيًا لِلِاعْتِكَافِ لَمْ يَبْطُلْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقِيلَ فِي بُطْلَانِهِ قَوْلَانِ قَالَ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَبْطُلُ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ فَوَجْهَانِ كَمَا لَوْ أَكَلَ كَثِيرًا نَاسِيًا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ (الثَّانِيَةُ) لَوْ حُمِلَ مُكْرَهًا فَأُخْرِجَ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقِيلَ فِي بُطْلَانِهِ قَوْلَانِ كَالْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ فَارَقَ الْمَسْجِدَ بِعُذْرٍ وَإِنْ أُكْرِهَ حَتَّى خَرَجَ بِنَفْسِهِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) فِيهِ قَوْلَانِ كالاكره عَلَى الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ
(وَالثَّانِي)
يَبْطُلُ وَالطَّرِيقُ (الثَّانِي) لَا يَبْطُلُ قولا واحد أو لو خَافَ الْمُعْتَكِفُ مِنْ ظَالِمٍ فَخَرَجَ وَاسْتَتَرَ فَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ قَوْلَانِ كَالْمُكْرَهِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ وممن ذكر الْقَوْلَيْنِ فِيهِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنَهُ جَزَمَ فِي مَسْأَلَةِ الْخَائِفِ مِنْ
ظَالِمٍ بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَذَكَرَ فِي الْمُكْرَهِ الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّ حُكْمَهُمَا جَمِيعًا سَوَاءٌ وَهَذَا الْإِنْكَارُ وَإِنْ كَانَ مُتَّجِهًا (فَجَوَابُهُ) أَنَّهُ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الظَّالِمِ عَلَى الْأَصَحِّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ قال البغوي ولو خاف من شئ آخَرَ غَيْرَ الظَّالِمِ فَخَرَجَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ وَمُرَادُهُ إذا حاف مِنْ حَيَّةٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ انْهِدَامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (فَأَمَّا) إذَا خَافَ مِمَّنْ يُطَالِبُهُ بِحَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَهُوَ ظَالِمٌ بِالتَّغَيُّبِ عَنْهُ فَإِذَا خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ قَوْلًا وَاحِدًا
وان خاف ممن عليه ذين وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ فَخَرَجَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ كَالْمُكْرَهِ لِأَنَّ مُطَالَبَتَهُ حِينَئِذٍ حَرَامٌ فَهُوَ خَارِجٌ لِلْخَوْفِ مِنْ ظَالِمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّالِثَةُ) إذَا أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ إذَا خَلَّاهُ السُّلْطَانُ عَادَ إلَى الْمَسْجِدِ وَبَنَى قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَخْرَجَهُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ السُّلْطَانُ مُحِقًّا فِي إخْرَاجِهِ فَأَخْرَجَهُ لِغَيْرِ عُقُوبَةٍ بِأَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَهُوَ يُمَاطِلُ بِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ أَوْ يَمْتَنِعُ مِنْ أَدَائِهِ فَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ وَخَارِجٌ بِاخْتِيَارِهِ فِي الْحَقِيقَةِ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ السُّلْطَانُ ظَالِمًا لَهُ فِي إخْرَاجِهِ بِأَنْ أَخْرَجَهُ لِمُصَادَرَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَيْسَ عَلَيْهِ أَوْ لدين هو عَاجِزٍ عَنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُمْهُورُ وَقِيلَ هُوَ كَالْمُكْرَهِ فَيَكُونُ فِيهِ الْقَوْلَانِ وَبِهَذَا جَزَمَ الْبَغَوِيّ والمتولي والرافعي ولعل الاولون فَرَّعُوهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ (الثَّالِثُ) أَنْ يُخْرِجَهُ لِيُقِيمَ عَلَيْهِ عُقُوبَةً شَرْعِيَّةً مِنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ تَعْزِيرٍ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ فَنَصُّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ تَتَابُعُهُ فَإِذَا عَادَ بَنَى وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ تَتَابُعُهُ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالثَّانِي) فيه وجهان (أصحهما) لا يبطل تتابعه بهذا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْبَيِّنَةِ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ ذَكَرَهُ أَيْضًا الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَشَارَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَالْمُنْفَرِدِ بِهَذَا التَّفْصِيلِ وَأَنَّ الْأَكْثَرِينَ جَزَمُوا بِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ إذَا أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْفَرْقِ بَيْنَ الثُّبُوتُ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ ضَعِيفٌ فَقَدْ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ غَيْرُ
الْمُصَنِّفِ كَمَا سَبَقَ (وَأَمَّا) الْأَكْثَرُونَ فَكَلَامُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا ثُمَّ دَخَلَ مَسْجِدًا فَاعْتَكَفَ فِيهِ ثُمَّ انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُقِيمَ فِيهِ أَقَامَ حَتَّى يُتِمَّ اعْتِكَافَهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ خَرَجَ فَإِذَا بُنِيَ الْمَسْجِدُ عَادَ وَتَمَّمَ اعْتِكَافَهُ هَذَا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ بَقِيَ مَوْضِعٌ يُمْكِنُ الْإِقَامَةُ فِيهِ أَقَامَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ إنْ كَانَ اعْتِكَافًا مَنْذُورًا وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَوْضِعٌ تُمْكِنُ الْإِقَامَةُ فِيهِ خَرَجَ فَأَتَمَّ اعْتِكَافَهُ في غيره من المساجد وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ
بِالْخُرُوجِ لِأَنَّهُ لِحَاجَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَإِذَا بُنِيَ الْمَسْجِدُ عَادَ وَتَمَّمَ اعْتِكَافَهُ فَلَهُ تَأْوِيلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَقُلْنَا يَتَعَيَّنُ (وَالثَّانِي) مُرَادُهُ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا غَيْرَ مُتَتَابِعٍ وَلَا مُتَعَلِّقٍ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ فَإِذَا انْهَدَمَ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ انْتَظَرَ بِنَاءَهُ وَإِنْ شَاءَ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِهِ (وَالثَّالِثُ) مُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا مَسْجِدٌ وَاحِدٌ وَانْهَدَمَ (وَالرَّابِعُ) حَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّهُ قَالَهُ لِلِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي نذر فيه
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا حَيْثُ خَرَجَ لِعُذْرٍ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ ثُمَّ قَضَى شُغْلَهُ وَزَالَ عُذْرُهُ لَزِمَهُ الْمُبَادَرَةُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْمَسْجِدِ عِنْدَ فَرَاغِهِ إنْ كَانَ نَذْرُهُ مُتَتَابِعًا فَإِنْ أَخَّرَ الرُّجُوعَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ يَجِبُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ إذَا عَادَ فِيهِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ سَبَقَ بَعْضُهُ فِي فَصْلِ النِّيَّةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وَلَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ الْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فَإِنْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ ذَاكِرًا لِلِاعْتِكَافِ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ أَحَدُ مَا يُنَافِي الِاعْتِكَافَ فَأَشْبَهَ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَإِنْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَ بِشَهْوَةٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ (قَالَ) فِي الْإِمْلَاءِ
يَبْطُلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ مُحَرَّمَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ فَبَطَلَ بِهَا كَالْجِمَاعِ (وَقَالَ) فِي الْأُمِّ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ لَا تُبْطِلُ الْحَجَّ فَلَمْ تُبْطِلْ الاعتكاف كالمباشرة بغير شهوة (وقال) أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ لَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّهُ إنْ أَنْزَلَ بَطَلَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ كَالْقُبْلَةِ فِي الصَّوْمِ كَانَ مَذْهَبًا وَهَذَا قَوْلٌ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَيُخَالِفُ الصَّوْمَ فَإِنَّ الْقُبْلَةَ فِيهِ لَا تَحْرُمُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْقُبْلَةُ فِي الِاعْتِكَافِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَأَبْطَلَتْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَيَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ " وَإِنْ
بَاشَرَ نَاسِيًا لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ.
لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " وَلِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ أَبْطَلَتْهَا مُبَاشَرَةُ الْعَامِدِ لَمْ تُبْطِلْهَا مُبَاشَرَةُ النَّاسِي كَالصَّوْمِ وَإِنْ بَاشَرَهَا وَهُوَ جَاهِلٌ بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يَبْطُلْ لِأَنَّ الْجَاهِلَ كَالنَّاسِي وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ في الصلاة والصوم}
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ مُبَاشَرَةٌ مُحَرَّمَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ (وَقَوْلُهُ) مُبَاشَرَةٌ لَا تُبْطِلُ الْحَجَّ احتراز من الجماع
* (أما) حكم الْفَصْلِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ الْمُبَاشَرَةُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ بِالْيَدِ وَالْقُبْلَةِ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ وَالْإِكْرَامِ أَوْ لِقُدُومِهَا مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ وَجَمِيعُ الْمُبَاشَرَاتِ بِالشَّهْوَةِ بِلَا خِلَافٍ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى ذَلِكَ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَأَمَّا) قَوْلُ صَاحِبِ الْعُدَّةِ فَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ مِنْ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَنَحْوِهِمَا فَهَلْ يَحْرُمُ فِيهِ قَوْلَانِ فَغَلَطٌ مِنْهُ وَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِتَحْرِيمِهَا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي إفْسَادِ الِاعْتِكَافِ بِهَا وَكَلَامُهُ فِي تَفْرِيعِ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْإِفْسَادِ وَكَأَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَقَرِيبٌ مِنْ عِبَارَتِهِ عِبَارَةُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُعَانَقَةِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَحْرُمُ وَيُفْسِدُ كَمَا فِي الْحَجِّ (وَالثَّانِي) لَا كَمَا فِي الصَّوْمِ هَذَا لَفْظُهُ وَفِيهِ إنْكَارَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ أَوْهَمَ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فيه التَّحْرِيمِ وَالتَّحْرِيمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْإِفْسَادِ
(وَالثَّانِي)
قَوْلُهُ وَيُفْسِدُ كَمَا فِي الْحَجِّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَجَّ لَا يَفْسُدُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ مِنْ الْمُبَاشَرَاتِ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ
لِبَيَانِ الْغَلَطِ فِيهِمَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِمَا وَيُتَوَهَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فِي التَّحْرِيمِ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَإِنْ جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ ذَاكِرًا لِلِاعْتِكَافِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ كَانَ جِمَاعُهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ وَقَدْ سَبَقَ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إذَا جَامَعَ حَالَ خُرُوجِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ مُكْثٍ وَقَدْ سَبَقَ تَضْعِيفُهُ فَإِنْ جَامَعَ نَاسِيًا لِلِاعْتِكَافِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي نَظِيرِهِ في الصوم والله أَعْلَمُ
* وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يُفْسِدُهُ مِنْ الوطئ إلَّا مَا يُوجِبُ الْحَدَّ قَالَ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَفْسُدَ بالوطئ في الدبر ووطئ البهيمة إذا لَمْ نُوجِبْ فِيهِمَا الْحَدَّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ عَجَبٌ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الْمَشْهُورَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ يفسد بكل وطئ سَوَاءٌ الْمَرْأَةُ وَالْبَهِيمَةُ وَاللِّوَاطُ وَغَيْرُهُ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا (وَأَمَّا) نَصُّ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورُ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالْمُبَاشَرَةِ بِالذَّكَرِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَا أَنَّهُ أَرَادَ حَقِيقَةَ الْفَرْجِ وَكَلَامُ الْمُزَنِيِّ ثُمَّ أَصْحَابِنَا أَجْمَعِينَ فِي جَمِيعِ الطرق مصرح بما ذكرته ومن أظرف الْعَجَائِبِ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ هَذَا مَعَ عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ وَتَفَذُّذِهِ فِي الْعُلُومِ مُطْلَقًا رحمه الله وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا لَمَسَ أَوْ قَبَّلَ بِشَهْوَةٍ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِذَكَرِهِ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا فَفِيهِ نَصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ اضْطَرَبَتْ النُّصُوصُ فِيهِ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا طَرِيقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) فِي فَسَادِ الِاعْتِكَافِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَفْسُدُ
(وَالثَّانِي)
لَا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ أَنْزَلَ فَسَدَ وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي الْعُدَّةِ طَرِيقًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ قَالَ وَهَذَا الْقَائِلُ تَأَوَّلَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِفْسَادِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُبَاشَرَةِ الْجِمَاعَ قَالَ وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلَيْنِ اخْتَلَفُوا (مِنْهُمْ) مَنْ قَالَ هُمَا إذَا أَنْزَلَ فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ قَطْعًا (وَمِنْهُمْ) مَنْ قَالَ قَوْلَانِ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا هَذَا نَقْلُ الطَّبَرِيِّ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اللَّائِقُ بِالتَّحْقِيقِ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ مَعَ الْإِنْزَالِ يَفْسُدُ بِهَا الِاعْتِكَافُ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ قَالَ وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلَيْنِ فِي الْمُبَاشَرَةِ مَعَ الْإِنْزَالِ قَالَ وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي الْحِكَايَةِ ولا اتجاه له أصلا ثم قال والظاهر اعْتِبَارِ
فَسَادِ الِاعْتِكَافِ بِفَسَادِ الصَّوْمِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَا
(وَالثَّانِي)
يَفْسُدُ أَنْزَلَ أَمْ لَا قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ وَإِنْ أَنْزَلَ فَقَوْلَانِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا غَلَطٌ لَا يُعْرَفُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اعْتَبَرَ الْإِنْزَالَ فِي شئ مِنْ كُتُبِهِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ أَنْزَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ كَالصَّوْمِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَبْطُلُ كَالصَّوْمِ
(وَالثَّانِي)
يَبْطُلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذِهِ الْمُبَاشَرَةَ مُحَرَّمَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ لِعَيْنِهَا لِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ وَالِاعْتِكَافُ كَالْحَجِّ وَلَيْسَتْ فِي الصَّوْمِ مُحَرَّمَةً لِعَيْنِهَا بَلْ لِخَوْفِ الْإِنْزَالِ فَإِذَا لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فَسَادُ الِاعْتِكَافِ ثُمَّ قِيلَ هُمَا إذَا لَمْ يُنْزِلْ فَإِنْ
أَنْزَلَ فَسَدَ وَقِيلَ هُمَا إذَا أَنْزَلَ وَإِلَّا فَلَا يَفْسُدُ وَقِيلَ هُمَا فِي الْحَالَيْنِ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ مِثْلَهُ لَكِنْ لَمْ يَنُصَّا عَلَى الْأَصَحِّ فَهَذِهِ طُرُقُ الْأَصْحَابِ وَمُخْتَصَرُهَا أَنَّ جُمْهُورَ العراقيين لا يعتبرون الانزال واعتبره أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَالدَّارِمِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاهِيرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ كَمَا تَرَاهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ إنْ أَنْزَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} إذَا اسْتَمْنَى بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَنْزَلَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ إنْ قُلْنَا إذَا لَمَسَ أَوْ قَبَّلَ فَأَنْزَلَ لَا يَبْطُلُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَا فَوَجْهَانِ لِأَنَّ كَمَالَ اللَّذَّةِ بِاصْطِكَاكِ الْبَشَرَتَيْنِ وَالْأَصَحُّ الْبُطْلَانُ أَمَّا إذَا نَظَرَ فَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ قَطْعًا كَمَا سَبَقَ فِي الصَّوْمِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ به هنا والدارمى والله أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَالَ الْبَغَوِيّ كُلُّ مَوْضِعٍ لَزِمَ الْمُعْتَكِفَ غُسْلُ الْجَنَابَةِ إمَّا بِاحْتِلَامٍ وَإِمَّا بِجِمَاعٍ نَاسِيًا أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ وَأَنْزَلَ وَقُلْنَا لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِذَلِكَ فَمَكَثَ فِي الْمَسْجِدِ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِلِاغْتِسَالِ وَيَحْرُمُ الْمُكْثُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْخُرُوجِ وَلَا يُحْسَبُ زَمَانُ الْجَنَابَةِ مِنْ الِاعْتِكَافِ وَكَذَلِكَ زَمَانُ السُّكْرِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُمَا مَمْنُوعَانِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَقِيلَ يُحْسَبُ
لَهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ عَاصٍ كَمَا لَوْ أَكَلَ حَرَامًا آخَرَ وَقِيلَ يُحْسَبُ زَمَانُ السُّكْرِ دُونَ زَمَانِ الْجَنَابَةِ لِأَنَّ عِصْيَانَ الْجُنُبِ لِلْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَعِصْيَانُ السَّكْرَانِ لِلشُّرْبِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ حَتَّى لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا فَاعْتَكَفَهُ جُنُبًا لَا يُحْسَبُ لَهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فَقَرَأَهُ جُنُبًا لَا يُحْسَبُ لَهُ عَنْ نَذْرِهِ لِأَنَّ النَّذْرَ لِلْقُرْبَةِ وَمَا يَفْعَلُهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ بَلْ مَعْصِيَةٌ وَلَوْ حَاضَتْ الْمُعْتَكِفَةُ لَزِمَهَا الْخُرُوجُ فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ لَمْ يُحْسَبْ زَمَانُ الْحَيْضِ وَكَذَلِكَ إذَا ارْتَدَّ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَيْسَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَلْزَمُ الْجُنُبَ الْمُبَادَرَةُ بِالْغُسْلِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَاتِ لِكَيْ لَا يَبْطُلَ تَتَابُعُهُ قَالُوا وَلَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِلِاغْتِسَالِ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الْغُسْلُ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ أَصْوَنُ لِلْمَسْجِدِ وَلِمُرُوءَتِهِ
* {فَرْعٌ} الْمَرْأَةُ الْمُعْتَكِفَةُ كَالرَّجُلِ الْمُعْتَكِفِ فِي تَحْرِيمِ الْجِمَاعِ وَالْمُبَاشَرَةِ بِشَهْوَةٍ وَفِي إفْسَادِهِ بِهِمَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَالِمَةِ الذَّاكِرَةِ الْمُخْتَارَةِ وَالنَّاسِيَةِ وَالْجَاهِلَةِ وَالْمُكْرَهَةِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
{فَرْعٌ} إذَا جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ عَنْ نَذْرٍ مُتَتَابِعٍ ذَاكِرًا لَهُ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا وبه قال جماهير العلماء قال الماوردى هو قَوْلُ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَالزُّهْرِيَّ فَقَالَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْوَاطِئِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْوَاطِئِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَعَنْ الْحَسَنِ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يُعْتِقَ رَقَبَةً فَإِنْ عَجَزَ أَهْدَى بَدَنَةً فَإِنْ عَجَزَ تَصَدَّقَ بِعِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي جِمَاعِ الْمُعْتَكِفِ نَاسِيًا
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ دَاوُد
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَفْسُدُ
* دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ عَامٌّ عَلَى الْمُخْتَارِ فَيُحْتَجُّ بِعُمُومِهِ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ كَغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَغَيْرِهَا
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ
* قَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِي مَذْهَبِنَا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ إنْ أَنْزَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِلَّا فَلَا
* وَقَالَ مَالِكٌ يَبْطُلُ مُطْلَقًا وَقَالَ عَطَاءٌ لَا يَبْطُلُ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ ابْنُ المنذر وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَيَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَلْبَسَ مَا يَلْبَسُهُ فِي غَيْرِ الِاعْتِكَافِ " لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ غَيَّرَ شَيْئًا مِنْ مَلَابِسِهِ " وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَنُقِلَ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَطَيَّبَ لِأَنَّهُ لَوْ حَرُمَ عَلَيْهِ الطِّيبُ لَحَرُمَ تَرْجِيلُ الشَّعْرِ كَالْإِحْرَامِ " وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ شَعْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الِاعْتِكَافِ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّطَيُّبُ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُزَوِّجَ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا تُحَرِّمُ التَّطَيُّبَ فَلَا تُحَرِّمُ النِّكَاحَ كَالصَّوْمِ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَيُقْرِئَ غَيْرَهُ وَيَدْرِسَ الْعِلْمَ وَيُدَرِّسَ غَيْرَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ لَا يُتْرَكُ بِهِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الِاعْتِكَافِ وَيَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْأَمْرِ الْخَفِيفِ فِي مَالِهِ وَصَنْعَتِهِ وَيَبِيعَ ويبايع وَلَكِنَّهُ لَا يُكْثِرُ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُنَزَّهُ عَنْ أَنْ يُتَّخَذَ مَوْضِعًا لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كُرِهَ لِأَجْلِ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَبْطُلْ بِهِ الِاعْتِكَافُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي اعْتِكَافٍ مَنْذُورٍ رَأَيْتُ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ هُوَ حَبْسُ النَّفْسِ عَلَى اللَّهِ عز وجل فَإِذَا أَكْثَرَ مِنْ
الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ صَارَ قُعُودُهُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا لِلِاعْتِكَافِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ والاول مرجوع عنه لان مالا يُبْطِلُ قَلِيلُهُ الِاعْتِكَافَ لَمْ يُبْطِلْ كَثِيرُهُ كَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ عمل قليل لابد مِنْهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَضَعَ فِيهِ الْمَائِدَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْظَفُ لِلْمَسْجِدِ وَيَغْسِلُ فِيهِ الْيَدَ وَإِنْ غسل في الطست فهو أحسن}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ الْمُعْتَكِفُ وَالْمُعْتَكِفَةُ وَيَأْكُلَا وَيَتَطَيَّبَا بِمَا شَاءَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لَهُمَا مِنْ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ وَالْمَأْكُولِ مَا كَانَ جَائِزًا قَبْلَ الِاعْتِكَافِ وَسَوَاءٌ رَفِيعُ الثِّيَابِ وَغَيْرُهُ وَلَا كراهة في شئ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَلْبَسَ رَفِيعَ الثِّيَابِ وَلَا يَتَطَيَّبَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ
أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الطِّيبِ كَالْحَجِّ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُخَالِفُ الْحَجَّ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِيهِ كَشْفُ الرَّأْسِ وَاجْتِنَابُ الْمَخِيطِ وَتَحْرِيمُ النِّكَاحِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِي الِاعْتِكَافِ (الثَّانِيَةُ) يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَأَنْ يُزَوِّجَ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَيُقْرِئَهُ غَيْرَهُ وَأَنْ يَتَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَيُعَلِّمَهُ غَيْرَهُ وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ فِي حَالِ الِاعْتِكَافِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ وَلِأَنَّهُ مُصَحِّحٌ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَلِأَنَّ نَفْعَهُ مُتَعَدٍّ إلَى النَّاسِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ بِتَفْضِيلِ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِصَلَاةِ النَّافِلَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ جُمْلَةٍ مِنْ ذَلِكَ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَالْأَوْلَى لِلْمُعْتَكِفِ الِاشْتِغَالُ بِالطَّاعَاتِ مِنْ صَلَاةٍ وَتَسْبِيحٍ وَذِكْرٍ وَقِرَاءَةٍ وَاشْتِغَالٍ بِعِلْمٍ تَعَلُّمًا وَتَعْلِيمًا وَمُطَالَعَةً وَكِتَابَةً ونحو ذلك ولا كراهة في شئ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُقَالُ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ مَعَ نَفْسِهِ قَالَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَلَا يَشْتَغِلَ بِكِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَلَا بِمُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ كَمَا لَا يُشْرَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ أَمْرَ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمَ الْعِلْمِ وَالِاشْتِغَالَ بِهِ طَاعَةٌ فَاسْتُحِبَّ لِلْمُعْتَكِفِ كَالصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيحِ وَيُخَالِفُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ شُرِعَ فِيهَا أَذْكَارٌ مَخْصُوصَةٌ وَالْخُشُوعُ وَتَدَبُّرُهَا وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ مَعَ الْإِقْرَاءِ وَالتَّعْلِيمِ (وَأَمَّا)
الطَّوَافُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا نُسَلِّمُهُ وَلَا يُكْرَهُ إقْرَاءُ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمُ الْعِلْمِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَأْمُرَ فِي الْخَفِيفِ مِنْ مَالِهِ وَصَنْعَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَنْ يَتَحَدَّثَ بِالْحَدِيثِ الْمُبَاحِ وَأَنْ يَبِيعَ ويشترى ويؤجر ونحوهما مِنْ الْعُقُودِ بِحَيْثُ لَا يَكْثُرُ ذَلِكَ مِنْهُ فَإِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كُرِهَ وَلَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ إنْ كَانَ اعْتِكَافَ نَذْرٍ مُتَتَابِعٍ اسْتَأْنَفَهُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْمَحْكِيُّ عَنْ الْقَدِيمِ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ
* وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا لِإِبَاحَةِ الْحَدِيثِ الْمُبَاحِ فِي الِاعْتِكَافِ بِحَدِيثِ صَفِيَّةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها " أَنَّهَا جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ
فِي الْمَسْجِدِ فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَهَا يَقْلِبُهَا حَتَّى إذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ مَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال لَهُمَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رسلكما انما هي صفية بنت حتى فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَلَا يُكْثِرَ مِنْهُ فَإِنْ أَكْثَرَ كُرِهَ وَهَكَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى إبَاحَةِ الْبَيْعِ لِلْمُعْتَكِفِ فَقَالَ وَلَا بَأْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَيَخِيطَ وَيُجَالِسَ الْعُلَمَاءَ وَيَتَحَدَّثَ بِمَا أَحَبَّ مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا هَذَا نَصُّهُ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَوَافَقَهُ عليه من ذَكَرْنَاهُ وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَعَمَلَ الصَّنَائِعِ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ الِاعْتِكَافُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَإِنْ بَاعَ الْمُعْتَكِفُ أَوْ اشْتَرَى فَلَا بَأْسَ بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَفِي الْقَدِيمِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ وَلَا يُكْثِرُ مِنْ التِّجَارَةِ لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الِاعْتِكَافِ قَالَ وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَأَكْرَهُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُكْرَهُ قَالَ فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى شِرَاءِ قوته وما لا بد له مِنْهُ لَمْ يُكْرَهْ قَالَ فَأَمَّا الْخِيَاطَةُ فَإِنْ خَاطَ ثَوْبَهُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى لُبْسِهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَتَرْكُهُ أَوْلَى هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَجَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِكَرَاهَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَأَكْرَهُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ بَاعَ مُعْتَكِفٌ أَوْ غَيْرُهُ كَرِهْتُهُ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ قَالَ الْقَاضِي بِسَبَبِ الْمَسْجِدِ لَا بِسَبَبِ الِاعْتِكَافِ قَالَ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ وَالْقَدِيمِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الْمُعْتَكِفُ وَيَشْتَرِيَ وَيَخِيطَ وَفِي كَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ (أَرْجَحُهُمَا) الْكَرَاهَةُ قَالَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الِاعْتِكَافِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِأَجْلِهِ (فَأَمَّا) الْمَسْجِدُ
فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا اشْتَغَلَ الْمُعْتَكِفُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِتَحْصِيلِ قُوتِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ قَصْدَ بِهِ التِّجَارَةَ وَطَلَبَ الزِّيَادَةِ فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ به ونقل
الْبُوَيْطِيُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) كَرَاهَتُهُ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِلْمُعْتَكِفِ نَصَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِمَا طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
فِي كَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُمَا عَلَى حَالَيْنِ فَإِنْ اتَّفَقَ الْبَيْعُ نَادِرًا لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ اتَّخَذَهُ عَادَةً مُنِعَ مِنْهُ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ يُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يشترى له الخبز خرج له هذا كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ كَرَاهَةُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ لِضَرُورَةٍ وَنَحْوِهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا بِأَدِلَّتِهِ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا قَرِيبًا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخِيطَ فِي الْمَسْجِدِ وَهَذَا فِيهِ خِلَافٌ عِنْدَنَا فِي حَقِّ الْمُعْتَكِفِ إذَا خاط ما تدعوا حَاجَتُهُ إلَيْهِ وَلَا كَرَاهَةَ حِينَئِذٍ (فَأَمَّا) غَيْرُ الْمُعْتَكِفِ وَالْمُعْتَكِفُ إذَا اتَّخَذَ مَسْجِدًا مَحَلًّا لِذَلِكَ وَأَكْثَرَ فِيهِ مِنْ الْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا
فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ اعْتِكَافُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِنَا وَفِيهِ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهَذَا غَلَطٌ كَمَا سَبَقَ هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ قَالَ الدَّارِمِيُّ تُكْرَهُ الْخِيَاطَةُ فِي الْمَسْجِدِ كَالْبَيْعِ وَقَلِيلُهَا لِحَاجَةٍ جَائِزٌ كَالْبَيْعِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وعمل الصنائع في المسجد مكروه للمعتكف وغيره وَقَلِيلُ ذَلِكَ أَخَفُّ مِنْ كَثِيرِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إنْ خَاطَ ثَوْبَهُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى لُبْسِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَتَرْكُهُ أَوْلَى وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ عَمِلَ عَمَلًا مُبَاحًا يَسِيرًا أَوْ خَاطَ شَيْئًا مِنْ ثَوْبِهِ لَمْ يُكْرَهْ فَإِنْ قَعَدَ يَحْتَرِفُ بِالْخَيَّاطَةِ أَوْ بِحِرْفَةٍ أُخْرَى كُرِهَ وَعِبَارَاتُ بَاقِي الْأَصْحَابِ نَحْوُ هَذَا والله أعلم
*
وَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ وَأَشْبَاهِهِ مِمَّا يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ يَحْرُمُ أَوْ يُبَاحُ أَوْ يُنْدَبُ وَأَنَّ رَفْعَ الْأَصْوَاتِ فِيهِ مَكْرُوهٌ وَالْبَوْلُ حَرَامٌ فِي غَيْرِ إنَاءٍ وَفِي إنَاءٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْفَصْدُ
وَالْحِجَامَةُ وَنَحْوُهُمَا فِيهِ حَرَامٌ فِي غَيْرِ إنَاءٍ وَمَكْرُوهٌ فِي الْإِنَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُصَّ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْقَصَصَ وَعْظٌ وَتَذْكِيرٌ قَالَ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْمُبَاحُ فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ فَإِنْ فَعَلَ
فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْقَصَصِ مَحْمُولٌ عَلَى قِرَاءَةِ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَالْمَغَازِي وَالرَّقَائِقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مَوْضُوعٌ وَلَا مالا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُ الْعَوَامّ وَلَا مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ التواريخ والقصص من قصص الانبياء وحكاياتهم فِيهَا أَنَّ بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ جَرَى لَهُ كَذَا مِنْ فِتْنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ
* {فَرْعٌ} قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ سِبَابٌ وَلَا جِدَالٌ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ إذَا سَبَّهُ إنْسَانٌ أَنْ لَا يُجِيبَهُ كَمَا لَا يُجِيبُهُ الصَّائِمُ فَإِنْ أَجَابَهُ وَسَبَّ غَيْرَهُ أَوْ جَادَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ كُرِهَ وَلَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيَبْطُلُ ثَوَابُهُ أَوْ يَنْقُصُ هَذَا لَفْظُهُ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ أَنْ يَأْكُلَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَشْرَبَ وَيَضَعَ الْمَائِدَةَ وَيَغْسِلَ يده بحيث
لَا يَتَأَذَّى بِغُسَالَتِهِ أَحَدٌ وَإِنْ غَسَلَهَا فِي الطَّسْتِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْآكِلِ أَنْ يَضَعَ سُفْرَةً وَنَحْوَهَا لِيَكُونَ أَنْظَفَ لِلْمَسْجِدِ وَأَصْوَنَ قَالَ الْبَغَوِيّ يَجُوزُ نَضْحُ الْمَسْجِدِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَا يَجُوزُ بِالْمُسْتَعْمَلِ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا لِأَنَّ النَّفْسَ قَدْ تَعَافُهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ كَالْمُطْلَقِ فِي هَذَا لِأَنَّ النَّفْسَ إنَّمَا تَعَافُ شُرْبَهُ وَنَحْوَهُ وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِسْقَاطِ مَائِهِ فِي ارضه مع انه مستعمل وممن صرح بِهِ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي آخِرِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَنَقَلْنَا هُنَاكَ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ نَقَلَ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ غَسْلُ الْيَدِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ طشت كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ فَرَشُّهُ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَنْظَفُ مِنْ غُسَالَةِ الْيَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ
وَالْأَوْلَى أَنْ يَغْسِلَ الْيَدَ حَيْثُ يَبْعُدُ عَنْ نَظَرِ النَّاسِ وَعَنْ مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَكَيْفَمَا فَعَلَ جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِلْمُعْتَكِفِ النَّوْمُ وَالِاضْطِجَاعُ وَالِاسْتِلْقَاءُ وَمَدُّ رِجْلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ فَلَهُ أَوْلَى وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ الْمُعْتَكِفِ وَشِرَائِهِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ مَذْهَبِنَا كراهته الا لما لا بد له مِنْهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ كَرِهَهُ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالزُّهْرِيُّ وَرَخَّصَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ يَشْتَرِي الْخُبْزَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَشْتَرِي وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ كَالثَّوْرِيِّ وَرِوَايَةٌ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ الْيَسِيرَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَعِنْدِي لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي إلَّا مالا بُدَّ لَهُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ قَالَ فَأَمَّا سَائِرُ التِّجَارَاتِ فَإِنْ فَعَلَهَا فِي الْمَسْجِدِ كُرِهَ وَإِنْ خَرَجَ لَهَا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ خَرَجَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ الانسان فَبَاعَ وَاشْتَرَى فِي مُرُورِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَاَللَّهُ أعلم
*
{فَرْعٌ} مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ دُخُولُ الْمُعْتَكِفِ تحت سقف ونقله بن الْمُنْذِرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ سَقْفٍ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ واسحق وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إذَا دَخَلَ بَيْتًا انْقَطَعَ اعْتِكَافُهُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الطِّيبِ لِلْمُعْتَكِفِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا سَبَقَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ عَطَاءٌ لَا تَتَطَيَّبُ الْمُعْتَكِفَةُ قَالَ فَإِنْ خَالَفَتْ لَمْ يُقْطَعْ تَتَابُعَهَا قَالَ وَقَالَ مَعْمَرٌ يُكْرَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ الْمُعْتَكِفُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا مَعْنَى لِكَرَاهَةِ ذَلِكَ قَالَ وَلَعَلَّ عَطَاءً إنَّمَا كَرِهَ طِيبَهَا لِكَوْنِهَا فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفَةِ الطِّيبُ إذَا أَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَى المسجد
*
* قال المصنف رحمه الله تعالي
* {فصل إذا فعل في الاعتكاف ما يطلبه من خروج أو مباشرة أو مقام في البيت بعد زوال العذر نطرت فان كان ذلك في تطوع لم يبطل ما مضى من اعتكافه لان ذلك القدر لو أفرده بالاعتكاف واقتصر عليه اجزأه ولا يجب عليه اتمامه لانه لا يجب المضي في فاسده ولا يكره بالشروع كالصوم وإن كان في اعتكاف منذور نظرت فان لم يشرط فيه التتابع لم يبطل مامضي من اعتكافه لما ذكرناه
في التطوع ويلزمه أن يتمم لان الجميع قد وجب عليه وقد فعل البغض فوجب الباقي وإن كان قد شرط فيه التتابع بطل التتابع ويجب عليه أن يستأنفه ليأتي به علي الصفة التي وجب عليها]
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْفَصْلُ كُلُّهُ كَمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ مَا قَطَعَ التَّتَابُعَ فِي النَّذْرِ الْمُتَتَابِعِ يُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ بِنِيَّةٍ جديدة قال أصحابنا وكل عذر لم نجعله قَاطِعًا لِلتَّتَابُعِ فَعِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ يَجِبُ الْعَوْدُ فَلَوْ أَخَّرَ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ وَتَعَذَّرَ الْبِنَاءُ وَيَجِبُ قَضَاءُ الْأَوْقَاتِ الْمَصْرُوفَةِ إلَى غَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ أَوْقَاتِ الْحَاجَةِ وَلَا الذَّهَابُ له والمجئ مِنْهُ وَإِذَا عَادَ فَهَلْ يَجِبُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ ينظر فان
كان خروجه لقضاء الحاجة ومالا بد له مِنْهُ كَالِاغْتِسَالِ وَالْأَذَانِ إذَا جَوَّزْنَا الْخُرُوجَ لَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ قَصُرَ وَقِيلَ إنْ طَالَ الزَّمَانُ فَفِي وُجُوبِ تَجْدِيدِهَا وَجْهَانِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ (وَأَمَّا) ماله مِنْهُ بُدٌّ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ تَجْدِيدُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ ضَرُورِيًّا (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْأُولَى شَمِلَتْ جَمِيعَ الْمَنْذُورِ وَهَذَا الْخُرُوجُ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ وَطَرَدَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ هَذَا الْخِلَافَ فِيمَا إذَا خَرَجَ لِغَرَضٍ اسْتَثْنَاهُ ثُمَّ عَادَ وَلَوْ عَيَّنَ لِاعْتِكَافِهِ مُدَّةً وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّتَابُعِ ثُمَّ جَامَعَ أَوْ خَرَجَ خُرُوجًا بِلَا عُذْرٍ فَفَسَدَ اعْتِكَافُهُ ثُمَّ عَادَ لِيُتِمَّ الْبَاقِيَ فَفِي وُجُوبِ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ هُنَا وُجُوبُ تَجْدِيدِهَا وَهُوَ كَمَا قَالَ فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ هُنَا لِتَخَلُّلِ الْمُنَافِي الْقَاطِعِ لِلِاعْتِكَافِ وَلَا يُغْتَرُّ بِجَزْمِ صَاحِبَيْ الْإِبَانَةِ وَالْبَيَانِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّجْدِيدُ هُنَا وَقَوْلِهِمَا إنَّ الزَّمَانَ مُسْتَحَقٌّ لِلِاعْتِكَافِ وَقَدْ صَحَّ دُخُولُهُ فِيهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ فَفَسَدَتْ نِيَّتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ الِاعْتِكَافِ
وَبَعْضُهَا مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي تَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ (أَحَدُهَا) إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا وَشَرَطَ الْخُرُوجَ مِنْهُ إنْ عَرَضَ عَارِضٌ مِثْلُ مَرَضٍ خَفِيفٍ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ شُهُودِ جِنَازَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ صَلَاةِ جُمُعَةٍ أَوْ شَرَطَ الْخُرُوجَ لِاشْتِغَالٍ بِعِلْمٍ أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ مِنْ أَغْرَاضِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ صَحَّ شَرْطُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَمِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ إلَّا صَاحِبَ التَّقْرِيبِ وَالْحَنَّاطِيَّ فَحَكَيَا قَوْلًا آخَرَ شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَرْطُهُ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَاهُ فَبَطَلَ كَمَا لَوْ شَرَطَ الْخُرُوجَ لِلْجِمَاعِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالِاتِّفَاقِ وَتَابَعَهُمَا عَلَى حِكَايَةِ هَذَا الْقَوْلِ الشَّاذِّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْخُرُوجَ لِعَارِضٍ فَكَأَنَّهُ شرط الاعتكاف في زمان دن زَمَانٍ وَهَذَا جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ
أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ نُظِرَ إنْ عَيَّنَ نَوْعًا فَقَالَ لَا أَخْرُجُ إلَّا لِعِيَادَةِ الْمَرْضَى أَوْ لِعِيَادَةِ زَيْدٍ أَوْ تَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ أَوْ جِنَازَةِ زَيْدٍ خَرَجَ لِمَا عَيَّنَهُ لَا لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَهَمَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَسْتَبِيحُ الْخُرُوجَ بِالشَّرْطِ فَاخْتَصَّ بِالْمَشْرُوطِ وَإِنْ أَطْلَقَ وَقَالَ لَا أَخْرُجُ إلَّا لِشُغْلٍ أَوْ عَارِضٍ جَازَ الْخُرُوجُ لِكُلِّ عَارِضٍ وَجَازَ الْخُرُوجُ لِكُلِّ شُغْلٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ فَالْأَوَّلُ كَالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْعِيَادَةِ وَزِيَارَةِ الصَّالِحِينَ وَالْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ وَالْقُبُورِ وَزِيَارَةِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهَا
(وَالثَّانِي)
كَلِقَاءِ السُّلْطَانِ وَمُطَالَبَةِ الغريم ولا يبطل التتابع بشئ مِنْ هَذَا كُلِّهِ قَالُوا وَيُشْتَرَطُ فِي الشُّغْلِ الدُّنْيَوِيِّ كَوْنُهُ مُبَاحًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَطَ الْخُرُوجَ لِقَتْلٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ سَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا فَخَرَجَ لَهُ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ وَلَهُ الْبِنَاءُ بَعْدَ رُجُوعِهِ لِأَنَّ نَذْرَهُ بِحَسَبِ الشَّرْطِ قَالُوا وَلَيْسَتْ النِّظَارَةُ وَالنَّزَاهَةُ مِنْ الشُّغْلِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لَهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قَضَى الشُّغْلَ الَّذِي شَرَطَهُ وَخَرَجَ لَهُ لَزِمَهُ الْعَوْدُ وَالْبِنَاءُ عَلَى اعْتِكَافِهِ فَإِنْ أَخَّرَ الْعَوْدَ بَعْدَ قَضَاءِ الشُّغْلِ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَ تَتَابُعُهُ وَلَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الِاعْتِكَافِ كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ أَقَامَ بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَنَحْوِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا وَقَالَ فِي نَذْرِهِ إنْ عَرَضَ مَانِعٌ قَطَعْتُ الِاعْتِكَافَ
فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ شَرَطَ الْخُرُوجَ كَمَا سَبَقَ إلَّا أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْخُرُوجَ يَلْزَمُهُ بَعْدَ قضاء الشغل الرجوع وَالْبِنَاءُ عَلَى اعْتِكَافِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّتُهُ وَفِيمَا إذَا شَرَطَ الْقَطْعَ لَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ بَلْ إذَا عَرَضَ الشُّغْلُ الَّذِي شَرَطَهُ انْقَضَى نَذْرُهُ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ وَجَازَ الْخُرُوجُ وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ رَمَضَانَ إلَّا أَنْ أَمْرَضَ أَوْ أُسَافِرَ فَمَرِضَ أَوْ سافر فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً وَشَرَطَ الْخُرُوجَ مِنْهَا إنْ عَرَضَ عَارِضٌ أَوْ نَذَرَ صَوْمًا وَشَرَطَ الْخُرُوجَ مِنْهُ إنْ جَاعَ أَوْ ضَيَّفَهُ إنْسَانٌ أَوْ ضَافَ بِهِ أَحَدٌ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَذَكَرَهُمَا الدَّارِمِيُّ فِي الصَّوْمِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَصِحُّ الشَّرْطُ فَإِذَا وُجِدَ الْعَارِضُ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَدَلِيلُهُ الْقِيَاسُ عَلَى الِاعْتِكَافِ (وَالثَّانِي) لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ فَإِنَّ مَا يَتَقَدَّمُ مِنْهُ عَلَى الْخُرُوجِ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ فِي الصَّلَاةِ عَدَمَ الِانْعِقَادِ وَلَيْسَ تَصْحِيحُهُ هُنَا بِصَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ نَذَرَ الْحَجَّ وَشَرَطَ فِيهِ الْخُرُوجَ إنْ عَرَضَ عَارِضٌ انْعَقَدَ النَّذْرُ كَمَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ الْمَشْرُوطُ وَفِي جَوَازِ الْخُرُوجِ بِهَذَا الشَّرْطِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجُوزُ كَالِاعْتِكَافِ (وَالثَّانِي) لا قال صاحب الحاوى وغيره والفرق أَنَّ الْحَجَّ أَقْوَى وَلِهَذَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ أَوْلَى مِنْ الْحَجِّ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَجُّ أَوْلَى بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ بهذه الدراهم إلا ان تعرض حارجة وَنَحْوُهَا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ الشَّرْطِ أَيْضًا فإذا احتاج فلا شئ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ فِي هَذِهِ الْقُرُبَاتِ كُلِّهَا إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَصِحُّ الشرط ولا شئ عَلَيْهِ إذَا بَدَا كَسَائِرِ الْعَوَارِضِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِمُجَرَّدِ الْخِيَرَةِ وَذَلِكَ يُنَاقِضُ الْإِلْزَامَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فَهَلْ يُقَالُ الِالْتِزَامُ بَاطِلٌ أَمْ صَحِيحٌ وَيَلْغُو الشَّرْطُ قَالَ الْبَغَوِيّ لَا ينعقد
النَّذْرُ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَصِحُّ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهَيْنِ فِي صُورَةٍ تُقَارِبُ هَذَا وَهِيَ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا مُتَتَابِعًا وَشَرَطَ الْخُرُوجَ مَهْمَا أَرَادَ فَفِي وَجْهٍ يَبْطُلُ الْتِزَامُ التَّتَابُعِ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ وَمَتَى شَرَطَ فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ الْخُرُوجَ لِغَرَضٍ وَخَرَجَ فَهَلْ يَجِبُ تَدَارُكُ الزَّمَانِ الْمُنْصَرِفِ إلَيْهِ يُنْظَرُ إنْ نَذَرَ مُدَّةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ كَشَهْرٍ مُطْلَقٍ وَجَبَ التَّدَارُكُ لِيُتِمَّ الْمُدَّةَ الْمُلْتَزَمَةَ وَتَكُونُ فَائِدَةُ الشَّرْطِ تَنْزِيلَ ذَلِكَ الْغَرَضِ مَنْزِلَةَ الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي أَنَّ التَّتَابُعَ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ وَإِنْ نَذَرَ زَمَانًا مُعَيَّنًا كَرَمَضَانَ أَوْ هَذَا الشَّهْرِ أَوْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ التَّدَارُكُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ غَيْرَهَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ وَقْتَ الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ لَا يَجِبُ تَدَارُكُهُ فِي الْحَالَيْنِ كَمَا سَبَقَ فِي النَّذْرِ الْخَالِي مِنْ الشَّرْطِ وَإِذَا خَرَجَ لِلشُّغْلِ الَّذِي شَرَطَهُ ثُمَّ عَادَ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي فَصْلِ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ زَيْدٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ قَدِمَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ اعْتَكَفَ مَا بَقِيَ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مَجْنُونًا فَإِذَا قَدَرَ قَضَاهُ قَالَ الْمُزَنِيّ يُشْبِهُ إذَا قَدِمَ أَوَّلَ النَّهَارِ أَنْ يَقْضِيَ مِقْدَارَ مامضي مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ حَتَّى يَكُونَ قَدْ اعْتَكَفَ يَوْمًا كَامِلًا هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْمُزَنِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا النَّذْرُ صَحِيحٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى صِحَّتِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ فَإِنَّ فِي صِحَّةِ نَذْرِهِ قَوْلَيْنِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ بِالِاعْتِكَافِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِي الصَّوْمِ لِأَنَّهُ إنْ قَدِمَ لَيْلًا فلا نذر وان قدم نهارا لم يمكن صِيَامُ مَا بَقِيَ وَيُمْكِنُهُ اعْتِكَافُ مَا بَقِيَ فَإِنْ تَقَرَّرَتْ صِحَّةُ نَذْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ لَيْلًا لَمْ يَلْزَمْ نَاذِرَ الِاعْتِكَافِ شئ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ شَرْطِ نَذْرِهِ وَهُوَ الْقُدُومُ نَهَارًا وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا لَزِمَهُ اعْتِكَافُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا مضى من اليوم قبل قدومه من يوم آخَرَ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ قَوْلَيْنِ وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُمَا مُخَرَّجَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ
قُدُومِ زَيْدٍ (إنْ قُلْنَا) يَصِحُّ نَذْرُ صَوْمِهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْمُتَوَلِّي الْقَائِلُ بِالْوُجُوبِ هُوَ الْمُزَنِيّ وَابْنُ الْحَدَّادِ قَالَ وَتَقْدِيرُهُ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ كَأَنَّهُ نَذَرَ اعْتِكَافَ جَمِيعِ الْيَوْمِ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ قُدُومَ زَيْدٍ فِيهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قضاء مامضي مِنْ يَوْمِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ كَمَا سَبَقَ قَالَ الْمُزَنِيّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا كَامِلًا لِيَكُونَ اعْتِكَافُهُ مُتَّصِلًا فَإِنْ كَانَ النَّاذِرُ وَقْتَ قُدُومِ زَيْدٍ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا أَوْ نَحْوَهُمَا مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ عِنْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ وَفِيمَا يَقْضِيهِ الْقَوْلَانِ هَلْ هُوَ يَوْمٌ كَامِلٌ أَمْ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ عِنْدَ الْقُدُومِ (إنْ قُلْنَا) فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ يلزمه قضاء مامضي لَزِمَهُ هُنَا قَضَاءُ يَوْمٍ كَامِلٍ وَإِلَّا فَالْبَقِيَّةُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي
أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ أَنَّهُ لا يلزمه قضاء شئ اصلا لعجزه وقت الوجو ب كما لو نذرت صوم يوم بعينه فحلضت فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا قَضَاؤُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَالُوا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَدَلِيلُهُ أَنَّ الْعِبَادَةَ الْوَاجِبَةَ إذَا تَعَذَّرَتْ بِالْمَرَضِ لَزِمَ قَضَاؤُهَا كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ فَهَلْ يُطْعِمُ عَنْهُ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي آخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ فِي مَسَائِلِ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لا يطعم عنه في الاعتكاف هو قال أَبُو حَنِيفَةَ يُطْعَمُ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وعائشة وابى ثور انه يعتكف عنه هكذا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا الْمُتَوَلِّيَ فَقَالَ لَوْ قَدِمَ زَيْدٌ وَقَدْ بَقِيَ مُعْظَمُ النَّهَارِ لَزِمَ النَّاذِرَ الِاعْتِكَافُ بِلَا خِلَافٍ وفيما يلزمه وَجْهَانِ (الْمَذْهَبُ) مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ (وَالثَّانِي) قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَابْنُ الْحَدَّادِ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ مَعَ قضاء قدر مامضي وَإِنْ قَدِمَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ دُونَ نصفه فأربعة اوجه (أحدها) لا شئ عَلَيْهِ قَالَ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ
أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ كَمَا سَبَقَ
(وَالثَّانِي)
يلزمه ما بقى مع قضاء مامضي (وَالثَّالِثُ) مَا بَقِيَ فَقَطْ (وَالرَّابِعُ) مَا بَقِيَ مِنْ سَاعَتِهِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ بِحَيْثُ تُسَمَّى تِلْكَ السَّاعَةُ اعْتِكَافًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا قَالَ إنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا فَكَلَّمَهُ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ شَهْرٍ قَالَ اصحابنا مراده إذا كَانَ نَذْرٌ تَبَرَّرَ بِأَنْ قَصَدَ إنْ أَمْكَنَنِي كَلَامُهُ لِمَحَبَّتِهِ أَوْ لِعَظَمَتِهِ وَصَلَاحِهِ أَوْ لِامْتِنَاعِ زَيْدٍ مِنْ كَلَامِ النَّاذِرِ وَرَغْبَةِ النَّاذِرِ فِي كَلَامِهِ أَوْ لِغِيبَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ هَذَا يَلْزَمُهُ (فَأَمَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ بل كان نذر لجاج وَقَصَدَ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ كَلَامِهِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي بَابِ النَّذْرِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْأَصْحَابُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنْ كَانَ النَّذْرُ فِي شَوَّالٍ لَمْ يَنْعَقِدْ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ انْعَقَدَ فَإِنْ لَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى فَاتَ رَمَضَانُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَيَقْضِيهِ كَيْفَ شَاءَ مُتَتَابِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
قال مصححه عفا عنه: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على ختام النبيين سيدنا محمد النبي الامي وعلي آله وصحابته ومن تبعهم الي يوم الدين ورضي الله عن علماء الاسلام العاملين: قد انتهي بعون الله تعالي وتسهيله طبع {الجزء السادس} من كتابي المجموع للامام أبي زكريا محيي الدين النووي رضي الله عنه ونور ضريحه
* {والشرح الكبير} للامام المحقق الرافعى مع تخريج أحاديثه المسمى {تلخيص الحبير}
* في غرة جمادى الاولى سنة أربعة وأربعين وثلثمائة وألف