المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الباب الثالث وفيه فصول في تفسير مصطلحات الترمذي في الحكم على - المدخل إلي جامع الترمذي - جـ ٢

[عبد الله السعد]

فهرس الكتاب

‌الباب الثالث

وفيه فصول في تفسير مصطلحات الترمذي في الحكم على الأحاديث

ص: 5

* مقدمة.

* مصطلح "الصحيح".

*مصطلح "حسن صحيح".

*مصطلح "حسن غريب صحيح".

*مصطلح "الحسن".

* مصطلح "الغريب".

* مصطلح "أصح ما في الباب".

* حكم الترمذي على الإسناد

ص: 7

‌مقدمة

الفصل الأول: منهج الترمذي في حكمه على الأحاديث.

الفصل الثاني: تفنن أبي عيسى الترمذي في الأحكام.

ص: 9

‌الفصل الأول منهج الترمذي في حكمه على الأحاديث

يمكن تقسيم منهجه في هذا الباب إلى قسمين:

القسم الأول: الأحاديث التي حكم عليها.

القسم الثاني: الأحاديث التي لم يحكم عليها بشيء، وهي أحاديث يسيرة، أوردها وسكت عنها.

أما القسم الأول، فالأحاديث التي حكم عليها على نوعين:

الأول: التي حكم عليها حكما تاما، فبيّن صحّتها أو حسنها أو ضعفها.

الثاني: التي حكم عليها حكما ناقصًا، وأعني أنه لم يبين درجتها بيانًا واضحًا؛ كقوله:"هو أصح شيء في الباب وأحسن "، فبهذه العبارة حكم على بعض الأحاديث، خاصة في الأبواب الأولى من كتابه؛ الأول والثالث والرابع

(1)

.

وفي الباب السادس والثامن قال: "أحسن شيء في هذا الباب وأصح"

(2)

.

ويظهر أنه لا فرق بين العبارتين.

(1)

"جامع الترمذي"(1، 3، 4، 31).

(2)

"جامع الترمذي"(7، 11).

ص: 11

وكقوله -أحيانًا-: "لا نعرفه إلا من هذا الوجه" دون قوله: "غريب"، وهذا يسيرٌ، ومن أمثلته:

1 -

قال رحمه الله: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا ابن لَهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن معمر بن أبي حُيَيَّة

(1)

، عن ابن المسيّب، أنه سأله عن الصوم في السفر، فحدث أن عمر بن الخطاب قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان غزوتين: يوم بدر، والفتح، فأفطرنا فيهما.

وفي الباب عن أبي سعيد.

قال أبو عيسى: حديث عمر، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

وقد روي عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالفطر في غزوة غزاها.

وقد روي عن عمر بن الخطاب نحو هذا، أنه رخص في الإفطار عد لقاء العدو)

(2)

.

قلت: لعل المصنف اكتفى بما قاله حول الحديث، أو أنه اكتفى بأحكامه السابقة في ابن لَهيعة، فقد بيّن ضعفه من قبل

(3)

.

وأما رواية سعيد بن المسيب عن عمر، فالمصنف يصححها

(4)

.

2 -

وقال أيضًا: (حدثنا بُندار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن مهدي، قالا: حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: حدثنا أبو المُطَوِّس، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أفطر يومًا من رمضان من غير رخصة ولا مرض، لم يقض عنه صوم الدهر كله وإن صامه".

(1)

وهو معمر بن أبي حبيبة.

(2)

"جامع الترمذي"(723).

(3)

"جامع الترمذي"(1/ 280).

(4)

ينظر حديث الدية على العاقلة، وحديث الرجم:(1485، 1506).

ص: 12

قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمعت محمدا يقول: أبو المُطَوِّس: اسمه يزيد بن المُطَوِّس، ولا أعرف له غير هذا الحديث)

(1)

.

قلت: منهج أبي عيسى أن مثل هذا الخبر لا يصحّ، ويؤيد هذا ما ذكره في "العلل الكبير" عن البخاري:(أبو المطَوِّس اسمه يزيد بن المطَوِّس، وتفرّد بهذا الحديث، ولا أعرف له غير هذا، ولا أدري أسمع أبوه من أبي هريرة أم لا)

(2)

.

3 -

وقال أيضًا: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن أبي المَليح، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه من لم يسأل الله يغضب عليه".

وقد روى وكيع، عن غير واحد، عن أبي المَليح هذا الحديث، ولا نعرفه إلا من هذا الوجه.

حدثنا إسحاق بن منصور، قال: حدثنا أبو عاصم، عن حميد أبي المَليح، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه)

(3)

.

وهناك غيرها من الأحاديث، تقدم الكلام عليها في منهجه في التعليل، والله أعلم.

* * *

وأما القسم الثاني، وهو الأحاديث التي سكت عنها فلم يحكم عليها بشيء، فهذا على حالين:

(1)

"جامع الترمذي"(732).

(2)

(199).

(3)

"جامع الترمذي"(3690 - 3691).

ص: 13

الحال الأولى: أن يكون سكوته عنها تعمّدا؛ إما لتردده في الحكم على الحديث قوّة وضعفا، وإما لكون الحديث ليس عليه العمل.

وهذا في الأحاديث المرفوعة، أما الآثار فمنهجه عدم الحكم عليها

(1)

.

ومن أمثلة ما ترك الحكم عليه لتردُّده في درجته قوة وضعفا:

قال أبو عيسى رحمه الله: (حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو داود الحَفَري، عن سفيان، عن زياد بن عِلاقة، قال: سمعت المغيرة بن شعبة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الأموات فتوذوا الأحياء".

قد اختلف أصحاب سفيان في هذا الحديث: فروى بعضهم مثل رواية الحَفَري.

وروى بعضهم، عن سفيان، عن زياد بن عِلاقة، قال: سمعت رجلًا يحدث عند المغيرة بن شعبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه)

(2)

.

قلت: الظاهر أنه لم يحكم عليه لتردده بسبب هذا الاختلاف، أو أنه سقط حكمه من الأصل، أو غير ذلك.

وقال أبو عيسى: (حدثنا هناد، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم، فبال عليها قائمًا، فأتيته بوضوء، فذهبت لأتأخر عنه فدعاني حتى كنت عند عقبيه، فتوضأ ومسح على خفيه.

وهكذا روى منصور وعبيدة الضّبِّي، عن أبي وائل، عن حذيفة، مثل رواية الأعمش.

وروى حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بَهدلة، عن أبي وائل، عن المغيرة بن شعبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

ينظر مثلًا: "جامع الترمذي"(55، 102).

(2)

"جامع الترمذي"(2109).

ص: 14

وحديث أبي وائل عن حذيفة، أصح)

(1)

.

قلت: صوّب أبو عيسى أحد الطريقين مكتفيًا بذلك عن الحكم.

وصثله الحديث الذي خرّجه في باب (كراهية ما يستنجى به)

(2)

.

وقال أبو عيسى رحمه الله: (ويروى عن شَهْر بن حَوشب قال: رأيت جرير ابن عبد الله توضأ ومسح على خفيه، فقلت له في ذلك، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه، فقلت له: أقبل المائدة أم بعد المائدة؟ فقال: ما أسلمت إلا بعد المائدة.

حدثنا بذلك قتيبة، قال: حدثنا خالد بن زياد الترمذي، عن مقاتل بن حيان، عن شهر بن حوشب، عن جرير.

وروى بقية، عن إبراهيم بن أدهم، عن مقاتل بن حيان، عن شَهْر بن حَوشَب، عن جرير.

وهذا حديث مفسِّر؛ لأن بعض من أنكر المسح على الخفين تأول أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين كان قبل نزول المائدة، وذكر جرير في حديثه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين بعد نزول المائدة)

(3)

.

قلت: يظهر أن المصنف ترك الحكم عليه تعمدًا وليس ذهولًا، بدليل ذكره الوجه الآخر للإسناد عن مقاتل، ولعل السبب الذي دعاه لذلك أن حديثه كان منصبّا على الناحية الفقهية، فقد ذكر أنه حديث مفسِّر للذي قبله.

ومن أمثلة ما ترك الحكم عليه لأجل أن العمل ليس عليه:

قال أبو عيسى: (حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوضوء مما مست النار، ولو من ثور أقط".

(1)

"جامع الترمذي"(12).

(2)

"جامع الترمذي"(17).

(3)

"جامع الترمذي"(95).

ص: 15

قال: فقال له ابن عباس: أنتوضأ من الدُّهن؟ أنتوضأ من الحميم؟ قال: فقال أبو هريرة: يا ابن أخي، إذا سمعت حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له مثلًا.

وفي الباب عن أم حبيبة، وأم سلمة، وزيد بن ثابت، وأبي طلحة، وأبي أيوب، وأبي موسى.

وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء مما غيرت النار، وأكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين، ومن بعدهم على ترك الوضوء مما غيرت النار)

(1)

.

قلت: عدم حكمه على الحديث مردُّه إما إلى أنه ليس عليه العمل عند الأكثر كما ذكر أبو عيسى، أو إلى اختلافٍ وقع في إسناده؛ فقد رواه الزهري ويحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي سفيان الأخنسي، عن أم حبيبة

(2)

.

وأخرج مسلم

(3)

من حديث الزهري، عن عمر بن عبد العزيز، أن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ أخبره، أنه وجد أبا هريرة يتوضأ على المسجد، فقال: إنما أتوضأ من أثوار أقط أكلتها، لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"توضؤوا مما مسّت النار".

وأخرج الترمذي في "الشمائل "

(4)

وأحمد

(5)

وغيرهما، من طرق عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ من ثور أقط، ثم رآه أكل من كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ.

(1)

"جامع الترمذي"(80).

(2)

ينظر: "الفوائد المعللة" لأبي زرعة (222 - 225)، "النكت الظراف" لابن حجر (15030).

(3)

"صحيح مسلم"(352).

(4)

(176).

(5)

"مسند أحمد"(9038).

ص: 16

الحال الثانية: أن يكون سكوته عنها ذهولًا.

ومن أمثلته -فيما يظهر لي-:

قال أبو عيسى رحمه الله: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا عبدة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب- قال: "إذا كان الماء قُلّتين لم يحمل الخبث".

قال محمد بن إسحاق: القلة هي الجرار، والقلة التي يستقى فيها.

قال أبو عيسى: وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء، ما لم يتغير ريحه أو طعمه. وقالوا: يكون نحوا من خمس قرب)

(1)

.

قلت: هذا الحديث لا يخفى أنه أصل أصيل في أبواب المياه، فبيان درجته من الأهمية بمكان، وقد حكم أبو عيسى على الأحاديث التي تدخل في هذه المسألة؛ كحديث بئر بضاعة، والبحر، وأما هذا فلم يحكم عليه، فلعلّه ذهولٌ منه رحمه الله، خاصة أنه ذكر شيئًا من فقه الحديث.

وقال أبو عيسى: (حدثنا قتيبة وأحمد بن منيع، قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أم قيس بنت محصن، قالت: دخلت بابن لي على النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل الطعام، فبال عليه، فدعا بماء فرشّه عليه.

وفي الباب عن علي، وعائشة، وزينب، ولبابة بنت الحارث -وهي أم الفضل ابن عباس بن عبد المطلب-، وأبي السمح، وعبد الله بن عمرو، وأبي ليلى، وابن عباس.

(1)

"جامع الترمذي"(68).

ص: 17

قال أبو عيسى: وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، ومن بعدهم؛ مثل أحمد، وإسحاق، قالوا: يُنضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية، وهذا ما لم يَطعما، فإذا طعما غُسلًا جميعًا)

(1)

.

قلت: هذا الحديث إسناده صحيح جدًا، فهو مسلسل بالثقات المشاهير، ولذا خرّجه الشيخان

(2)

، وكأنه ذهل عن الحكم عليه.

* * *

ويمكن معرفة حكم الترمذي -أو ما يقرب من ذلك- على الأحاديث التي لم يحكم عليها بأحد أمرين:

الأول: أن ينظر إلى أمثالها من الأسانيد التي حكم عليها، فهذه يكون حكمها واحدًا غالبًا، فمن المعلوم أن كثيرًا من الأحاديث تتفق في الإسناد مع اختلاف المتن، لكن ليس هذا مطردًا؛ لأنه من المعروف أن للمتن تأثيرًا كبيرًا في الحكم على الحديث.

وأبو عيسى كثيرًا ما يتفنن في حكمه على الأخبار، فتراه يغاير بين الأحكام مع أن الأسانيد واحدة، بل أحيانًا إذا ذكر الحديث الواحد في أكثر من موضعٍ تجد أن حكمه قد يختلف من موضع لآخر، ولكن هذا الاختلاف غالبًا ما يكون في اللفظ وليس في المعنى، والأصل أن أحكامه مطّردة.

وبهذه الطريقة نقترب من معرفة حكمه على الأحاديث التي سكت عنها، هذا مع ملاحظة ما تقدم التنبيه عليه من أن اختلاف المتن قد يؤدي إلى اختلاف الحكم.

الثاني: أن يتتبع منهجه، ومعرفة طريقته في الحكم على الأحاديث،

(1)

"جامع الترمذي"(72).

(2)

"صحيح البخاري"(223)، "صحيح مسلم"(287).

ص: 18

فإن من حصلت له هذه المعرفة؛ استطاع بإذن الله تبيُّن أحكامه على الأخبار التي سكت عنها، واستطاع أيضًا الترجيح بين النسخ عند اختلافها في حكم الترمذي

(1)

.

* * *

أشرت قريبًا إلى أن أحكام الترمذي أحيانًا ربما اختلفت -خلافًا للأصل والغالب-، ومن الأمثلة على ذلك:

1 -

سلسلة (عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده)، صحّح منها ثلاثة أحاديث

(2)

، والكثير منها حسّنه إما مطلقًا

(3)

أو مع الغرابة

(4)

، مع أنها من رواية الثقات المشهورين عن عمرو بن شعيب

(5)

.

2 -

سلسلة (محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة)، فقد صحّح كثيرًا من أحاديثها

(6)

، وأحاديث أخرى لم يصححها

(7)

.

3 -

سلسلة (قتادة، عن الحسن، عن سمرة)، صحّح بعضها

(8)

، وحسن بعضًا

(9)

.

(1)

ينظر: "جامع العلوم والحكم" الحديث رقم (18).

(2)

ينظر: (1224، 1689، 2045).

(3)

ينظر: (323، 1299، 1342، 1457، 2004، 2674، 3044، 3046).

(4)

ينظر: (679، 1454، 3060، 3472، 3797، 3852).

(5)

ومن الأحاديث التي ضعفها لأجل أن في رواتها إلى عمرو من لا يحتج به، ينظر:(641، 645، 1151، 1180، 1398، 1467، 2259، 2260، 2903).

(6)

ينظر: (22، 689، 691، 1065، 1203، 2480).

(7)

ينظر: (1141، 1200، 1480، 1502، 1560).

(8)

ينظر: (503، 1289، 1429، 2103، 3244).

(9)

ينظر: (252، 1114، 1142، 1320، 4291).

ص: 19

4 -

سلسلة (عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة)، صحّح بعضها

(1)

، وحسن بعضًا

(2)

.

وثمة سلاسل دون ما تقدم في القوة؛ كسلسلة (دَرَّاج أبي السَّمْح، عن أبي الهيثم سليمان بن عمرو، عن أبي سعيد الخدري)، فإنه حسّن بعضها

(3)

، وضعّف البعض الآخر التي في أسانيدها إلى دَرَّاج من هو متكلم فيه؛ كابن لَهيعة أو رشدين بن سعد

(4)

.

إلا أنه صحّح حديثًا واحدًا بهذه السلسلة، وهو ما رواه في كتاب صفة جهنم، قال: (حدثنا سُويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سعيد ابن يزيد أبي شجاع، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون: 104]، قال:"تشويه النار، فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته".

هذا حديث حسن صحيح غريب)

(5)

وساقه أيضًا في التفسير بنفس الإسناد، وقال:(حسن غريب صحيح)

(6)

ولا أدري لماذا صحّح هذا الحديث منها دون غيره؟ لأنه في الغالب إذا صحَّ الإسناد إلى دَرَّاج فإنه يكتفي بتحسينه فقط، مع أن بعض ما حسّنه

(1)

(1083، 1860).

(2)

(1108، 1393).

(3)

ينظر: (2818، 2894).

(4)

ينظر: (2717، 2728، 2752، 2753، 2754، 2769، 2774).

(5)

"جامع الترمذي"(2782)، وكذا في طبعة الرسالة (2769) و"التّحفة"(4061).

(6)

"جامع الترمذي"(3471)، وفي الرسالة (3450):(حسن صحيح غريب)، وفي بعض النسخ:(حسن غريب)، والصواب الأول.

ص: 20

أقوى من حيث الإسناد إلى دّرَّاج من هذا الخبر الذي صحّحه؛ كما في حديث: "إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالإيمان"، فقد ساقه من طريق ابن أبي عمر العدني، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دَرَّاج به، وقال:(حسن غريب)

(1)

. وكذا حديث: "لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة"، فقد ساقه من طريق قتيبة، عن ابن وهب به، وقال:(حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه)

(2)

.

وقد يكون هذا التصحيح ذهولًا من المصنف، وقد يكون خطأ عليه- مع بعد الاحتمالين-، وقد يكون التصحجح للمتن؛ لأن معنى هذا المتن جاء في القرآن في قوله تعالى:{وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون: 104]، وهذا فيه بعدٌ أيضًا؛ لأن حديث: "إذا رأيتم الرجل

" قد جاء ما يشهد له في القرآن، وهو قوله تعالى:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:18]، وهو يشمل العمارة الحسية والمعنوية، والله أعلم.

ومن الأمثلة أيضًا على الأحاديث التي تردّد حكمه فيها:

1 -

قال أبو عيسى: (حدثنا علي بن خَشْرم، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن عبيد الله بن أبي زياد القَدَّاح، عن شَهر بن حَوشب، عن أسماء بنت يزيد، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]، وفاتحة آل عمران {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 1 - 2] ".

هذا حديث حسن صحيح)

(3)

.

قلت: أورد أبو عيسى سبعة أحاديث بهذه السلسة، أعني (شهرًا، عن

(1)

"جامع الترمذي"(2818)، وكذا في الرسالة (2805) و"تحفة الأشراف "(4050).

(2)

"جامع الترمذي"(2164).

(3)

"جامع الترمذي"(3802).

ص: 21

أسماء)، ولم يصحِّح منها حديثًا سوى هذا الحديث، وحسّن أكثرها

(1)

، وحديثا رواه بإسنادين ولم يحكم عليه بشيء

(2)

.

وهذا الحديث الذي صحّحه، فيه -بالإضافة إلى وجود شهر- عبيد الله القَدَّاح، وفيه خلاف قويٌّ بين النُقّاد، وبعض أسانيد الأحاديث الأخرى أقوى منه؛ فبعضها من طريق عبدالحميد بن بَهرام عن شهر

(3)

، وقد أثنى الحفاظ على روايته عن شهر، ومع ذلك لم يصحّحها.

وقد يكون صحّحه لأن المتن له شواهد، فالله أعلم.

2 -

وقال أبو عيسى: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا هُشيم، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس قال -يرفع الحديث-: إنه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحُجْر.

وفي الباب: عن عبدالله بن عمرو.

قال أبو عيسى: حديث ابن عباس صحيح)

(4)

.

قلت: هذا حديث منكر مرفوعًا، والصواب وقفه على ابن عباس، فقد وقفه عبد الملك بن أبي سليمان وهمّام، عن عطاء به، وهذا ظاهر كلام أبي داود والبيهقي

(5)

، ولم يصحح أبو عيسى لابن أبي ليلى إلا هذا الحديث

(6)

.

(1)

وهي خمسة أحاديث: (1876، 2063، 2906، 3539، 3614).

(2)

(3175، 3176).

(3)

(2906)، وقال:(حديث حسن، قال أحمد بن حنبل: لا بأس بحديث عبد الحميد ابن بهرام عن شهر بن حوشب).

(4)

"جامع الترمذي"(938)، وكذا في طبعة الرسالة (936).

(5)

"سنن أبي داود"(1817)"السنن الكبرى" للبيهقي (9410).

(6)

سيأتي كلام على هذا المثال أيضًا في (مصطلح الصحيح) في النوع الثالث برقم (6)، وكلام أوسع في أمثلة ما قال عنه:(حسن صحيح) وهو في أدنى درجات القبول برقم (16).

ص: 22

نعم هناك حديث آخر من روايته وصحّحه، ولكنه كان مقرونًا بغيره

(1)

.

3 -

وقال أبو عيسى: (حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: حدثنا عمر بن علي، عن الحجّاج، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة: أواجبة هي؟ قال: "لا، وأن تعتمروا هو أفضل".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح)

(2)

.

قلت: وهو خبر منكر مرفوعًا، لا يصح، وإنما هو موقوف.

وقد خرّج أبو عيسى لحجّاج نحو خمسة وعشرين حديثًا، ولم يصحِّح له سوى هذا الحديث.

أقول: لا شك أن الغالب على أحكام الترمذي الاطّرادُ، وما تقدم من أمثلة على اختلاف حكمه إنما هو يسيرٌ بجانب آلاف من الأحاديث التي حكم عليها.

ولا يخفى أن هذا قد يكون مرجعه إلى اختلاف المتن، أو لشهرة الإسناد من عدمه

(3)

، مع ملاحظة أن هذه الأسانيد هي محل خلاف بين أهل العلم قوة وضعفًا، بخلاف الأسانيد المشهورة في الصحة أو في الضعف؛ فهذه يقلُّ الاختلاف فيها.

* * *

(1)

(146).

(2)

"جامع الترمذي"(951).

(3)

ينظر: "جامع الترمذي"(3883).

ص: 23

‌الفصل الثاني تفنن أبي عيسى الترمذي في الأحكام

تفنن أبو عيسى الترمذي في هذا الكتاب أيما تفنن، سواء في انتقائه لأحاديث هذا الكتاب، أو في بيان فقهها واستخراج المسائل المستنبطة منها، أو في بيان صحيحها من معلولها، وخاصة في أحكامه عليها، حيث أكثر من المغايرة بين الألفاظ في الأحكام، خاصة في وسط الكتاب وآخره.

وهذا في الحقيقة دليل على تمكنه من هذا الفن، لذا هو يُعبِّر بأكثر من مصطلح عن المعنى الواحد، وهذا ظاهر جدًا لمن نظر في كتابه نظرة دراسة وتأمل.

فمن ذلك: ما حكم عليه بالصحة، مثل قوله:"صحيح حسن"

(1)

، وهذا عكس ما يستعمله غالبًا بقوله:"حسن صحيح"

(2)

، وقوله:"صحيح حسن غريب"

(3)

، وأحيانًا:"غريب حسن صحيح"

(4)

.

ويقول أيضًا: "صحيح غريب"

(5)

، وفي بعضها يعكس ذلك:"غريب صحيح"

(6)

، وفي بعضها:"إسناد صحيح"

(7)

، أو يقول:"إسناده جيد"

(8)

.

(1)

ينظر: (820، 929، و 1999، 2051، 2244، و 2563).

(2)

وهذا كثير جدًا.

(3)

ينظر: (1437).

(4)

ينظر: (810، 1001، 1024، 1376، 2405).

(5)

ينظر: (451، 2122، 2134).

(6)

ينظر: (1726).

(7)

ينظر: (1268، 2026).

(8)

ينظر: (1188) طبعة بشار، قال فيه:(حسن صحيح غرب من هذا الوجه، وإسناده جيد).

ص: 25

ومن ذلك أيضًا: ما حكم عليه بالحسن، مثل قوله:"حسن غريب"

(1)

، وفي بعضها عكس ذلك:"غريب حسن"

(2)

، وأحيانًا يقول:"حسن غريب"، ثم يقول:"وهو إسناد حسن صحيح"

(3)

، وفي بعضها:"حديث حسن جيد غريب"

(4)

، و"إسناد حسن"

(5)

.

ومما يؤيد ما تقدم: تفنّنه في العبارات التي يستعملها في الدلالة على ضعف الحديث، فهو يستعمل عبارة:"حديث ضعيف"، أو:"حديث ضعيف الإسناد"

(6)

، وأيضًا:"إسناده ليس بالقوي"

(7)

.

مع ملاحظة أن الضعف درجات، فقد يكون ضعفُ الحديثِ يسيرا، وقد يكون شديدًا، ولكن أبا عيسى لا يلزم أنه يعني ذلك فيما تقدم، أو فيما سيأتي.

أو يقول: "ليس بذاك"

(8)

، أو:"في إسناده مقال"

(9)

.

أو: "ولا يصح إسناده"، أو:"لا يصح"، أو:"لا يصح من قبل إسناده"

(10)

.

أو: "ليس إسناده بالقائم"، أو:"بذاك القائم"

(11)

.

أو: "ليس بإسناده بأس"، ثم أشار إلى تضعيفه

(12)

.

(1)

وهذا كثير أيضًا، لا يحتاج إلى التمثيل.

(2)

ينظر: (6، 458، 432، 2473، 2474).

(3)

ينظر: (43).

(4)

ينظر: (2166).

(5)

ينظر: (2783).

(6)

ينظر: (802، 2127، 2795، 2852).

(7)

ينظر: (585، 735، 1051).

(8)

ينظر: (611، 664، 815).

(9)

ينظر: (633، 645، 740، 1180).

(10)

ينظر: (729، 1143، 1151).

(11)

ينظر: (37، 1153، 1900، 2870، 3024).

(12)

ينظر: (1181).

ص: 26

أو يذكر بأن فيه فلانًا وهو ضعيف، أو يذكر أكثر من راو من الضعفاء

(1)

.

أو يقول: "إسناد هذا الحديث ليس بصحيح" أو: "وليس إسناده بصحيح"

(2)

.

أو: "غير محفوظ"

(3)

.

أو: يحكم عليه بالغرابة، ثم يبين ضعفه

(4)

، وعلى هذا فما قال عنه:"غريب" وسكت عنه؛ فهو ضعيف عنده غالبًا، مع ملاحظة أن الغرابة تتعلق بالعلة، إلا أنه يعبر كثيرًا عن الحديث الضعيف بالغريب.

أو يبين ضعفه من خلال بيان علته

(5)

.

أو يقول: "هذا أصح من ذاك" ويعني به تضعيف الآخر

(6)

.

أو: "هذا حديث خطأ"

(7)

، أو:"أخطأ فيه فلان"

(8)

، أو:"وهو وهم"

(9)

.

مع ملاحظة أن قوله: "هذا أصح من ذاك"، أو:"خطأ" وما بعدها؛ يستعمل في تعليل الخبر.

ومثل ذلك حكمه على الحديث بالاضطراب، وقد تقدم هذا في مبحث مستقل

(10)

.

(1)

ينظر: (641، 653).

(2)

ينظر: (642، 1467).

(3)

ينظر: (649، 728، 868، 871، 1420).

(4)

ينظر: (651، 826، 869، 1042، 1034).

(5)

ينظر: (774، 1033).

(6)

ينظرة (887).

(7)

ينظر: (990، 1424).

(8)

ينظر: (1034).

(9)

ينظر: (1288).

(10)

في منهج الترمذي في تعليل الأخبار.

ص: 27

هذا بالإضافة إلى بيان أنواع الضعف كقوله بأنه: "مرسل"

(1)

.

أو يبين أن: "إسناده ليس بالمتصل"

(2)

.

ومن عباراته: "حديث مشهور"، ثم بين انقطاع إسناده

(3)

.

أو يقول: "حديث منكر"

(4)

، وقد تقدم إفراد بحث في ذلك

(5)

.

* * *

(1)

ينظر: حديث (1178، 1324)، والأمثلة عليه كثيرة.

(2)

ينظر: (1103، 1104) مع أنه حكم على كلا الحديثين بالغرابة، و (1310، 1367).

(3)

ينظر: (1240).

(4)

ينظر: (802، 1898، 1975).

(5)

ص: 28

مصطلح "الصحيح"

ص: 29

‌مصطلح "الصحيح"

يرد مصطلح "الصحيح" في استعمال أبي عيسى: مقترنا، ومجرَّدا.

فأما المجرَّد فهو أن يقول: "حديث صحيح".

وأما المقترن فهو أن يقول: "صحيح غريب"، أو "غريب صحيح".

وأما مقاصده في استعمال هذا المصطلح، فهي على خمسة أنواع:

النوع الأول: أن يستعمله على بابه.

النوع الثاني: أن يستعمله بمعنى "حسن صحيح".

النوع الثالث: أن يريد به تأكيد صحة الخبر.

النوع الرابع: أن يريد به أنه أصح مما حكم عليه بأنه "حسن صحيح".

النوع الخامس: أن يريد به تصحيح الحديث لكونه روي من غير وجه، وليس لذات هذا الوجه فقط.

وفيما يلي بيان هذه الأنواع، مع التمثيل لكل نوع.

* * *

ص: 31

‌النوع الأول استعمال مصطلح "الصحيح" على بابه

من أمثلته:

1 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا الحسن بن علي الحُلْواني، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: أخبرني أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر حين زالت الشمس.

هذا حديث صحيح)

(1)

.

قلت: وهذا تصحيح على بابه، فقد خرج الشيخان هذا الحديث

(2)

2 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: كانوا ركوعًا في صلاة الصبح.

قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح)

(3)

.

قلت: وهذا تصحيح على بابه، وقد خرج الشيخان أيضًا هذا الحديث

(4)

.

3 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن أبي التَيّاح الضُّبَعي، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغَنْم.

قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح.

(1)

"جامع الترمذي"(158).

(2)

"صحيح البخاري"(7294)، "صحيح مسلم"(2359)، من طريق عبدالرزاق به.

(3)

"جامع الترمذي"(342)، وفي نسخة:(حسن صحيح).

(4)

"صحيح البخاري"(4488)، "صحيح مسلم"(526)، من طريق عبدالله بن دينار به.

ص: 32

وأبو التياح: اسمه يزيد بن حميد)

(1)

.

قلت: وهذا تصحيح أيضًا على بابه، وقد خرج الشيخان هذا الحديث

(2)

.

4 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة، سمعا أنس بن مالك، قال: صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة، أربعًا، وبذي الحليفة العصر ركعتين.

هذا حديث صحيح)

(3)

.

قلت: وهذا تصحيح على بابه، وقد خرّج الشيخان هذا الحديث

(4)

5 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا هُشيم، عن منصور ابن زاذان، عن ابن سيرين، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا الله رب العالمين، فصلى ركعتين.

قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح)

(5)

.

قلت: هذا رجاله ثقات مشاهير، ولكن ابن سيرين لم يسمع من ابن عباس، كما نصَّ على ذلك كبار الحفاظ من شعبة وغيره

(6)

، ويظهر أن تصحيح أبي عيسى لهذا الخبر على بابه، وكأنه غفل عن عدم ثبوت سماع ابن سيرين من ابن عباس، ولذا لم يخرِّج الشيخان لابن سيرين عن ابن عباس شيئًا، إلا حديثًا ساقه البخاري في "صحيحه" من طريق أيوب عن ابن

(1)

"جامع الترمذي"(351)، وفي بعض النسخ:(حسن صحيح).

(2)

"صحيح البخاري"(234)، "صحيح مسلم"(524)، من طريق شعبة به.

(3)

"جامع الترمذي"(554).

(4)

"صحيح البخاري"(1089)، "صحيح مسلم"(690)، من طريق ابن عيينة به.

(5)

"جامع الترمذي"(555).

(6)

ينظر: "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص: 186).

ص: 33

سيرين عن ابن عباس قال: تعرَّق النبي صلى الله عليه وسلم كتفا

(1)

، ثم ساقه بعده من طريقه -أي أيوب- عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس

(2)

، والذي يظهر أنه يريد الإسناد الثاني.

وهذه الترجمة في الكتب الستة قليلة، فليس فيها إلا الحديث السابق؛ قصر الصلاة، وقد أخرجه النسائي أيضًا

(3)

، وحديث الأكل من الكتف الذي تقدم، وحديثان آخران أخرجهما النسائي أحدهما في القيام للجنازة

(4)

، والثاني في صدقة الفطر

(5)

.

6 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا هارون بن إسحاق الهمْداني، قال: حدثنا عبْدَة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه، فلما افْتُرِض رمضان كان رمضان هو الفريضة، وترك عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه.

وفي الباب عن ابن مسعود، وقيس بن سعد، وجابر بن سمرة، وابن عمر، ومعاوية.

قال أبو عيسى: والعمل عند أهل العلم على حديث عائشة، وهو حديث صحيح)

(6)

.

قلت: وهذا تصحيح على بابه، والحديث قد خرجه الشيخان

(7)

.

7 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب،

(1)

(5404).

(2)

(5405).

(3)

"المجتبى"(1451).

(4)

(1940 - 1941).

(5)

(2528).

(6)

"جامع الترمذي"(765).

(7)

"صحيح البخاري"(2002)، "صحيح مسلم"(1125)، من طريق هشام به.

ص: 34

قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف، قال: شهدت عمر بن الخطاب في يوم نحر بدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن صوم هذين اليومين، أما يوم الفطر ففطركم من صومكم وعيد للمسلمين، وأما يوم الأضحى فكلوا من لحم نسككم.

قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح.

وأبو عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف اسمه: سعد، ويقال له: مولى عبد الرحمن بن أزهر أيضًا، وعبدالرحمن بن أزهر هو: ابن عم عبد الرحمن بن عوف)

(1)

.

قلت: وهذا تصحيح على بابه، والحديث قد خرجه الشيخان

(2)

.

8 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، أنه سمع سعد ابن أبي وقاص والضحاك بن قيس وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال الضحاك بن قيس: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله، فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي، فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك، فقال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصنعناها معه.

هذا حديث صحيح)

(3)

.

(1)

"جامع الترمذي"(784)، وفي هامش تحقيق طبعة الرسالة (782) أنه وقع في بعض النسخ:(حسن صحيح).

(2)

"صحيح البخاري"(1990)، "صحيح مسلم"(1137)، من طريق الزهري به.

(3)

"جامع الترمذي"(839)، وكذا في "تحفة الأشراف"(3928)، ووقع في بعض النسخ:(حسن صحيح).

ص: 35

قلت: وهذا تصحيح على بابه، والحديث ثابت في "الصحيح"

(1)

9 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا عبد بن حميد، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرَغِّبُ في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، ويقول:"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".

فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر كذلك في خلافة أبي بكر، وصدْرًا من خلافة عمر بن الخطاب على ذلك.

وفي الباب عن عائشة.

هذا حديث صحيح.

وقد روي هذا الحديث أيضًا عن الزهري، عن عروة، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم)

(2)

.

قلت: وهذا تصحيح على بابه أيضًا

(3)

.

10 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا هارون بن إسحاق الهمْداني، قال: حدثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عاصم بن عمر، عن عمر ابن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس، فقد أفطرت".

وفي الباب عن ابن أبي أوفى، وأبي سعيد الخير.

قال أبو عيسى: حديث عمر حديث صحيح).

(1)

أخرجه مسلم (1225).

(2)

"جامع الترمذي"(822)، وكذا في "تحفة الأشراف"(15270).

(3)

وينظر: "جامع الترمذي"(834، 1028).

ص: 36

قلت: كذا في "تحفة الأشراف"، وفي طبعة التأصيل والرسالة:(حسن صحيح)

(1)

.

وهذا تصحيح على بابه، والحديث ثابت في "الصحيح"

(2)

11 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: وأخبرنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه".

وفي الباب عن أنس.

قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح).

كذا في "تحفة الأشراف"، وفي طبعتي التأصيل والرسالة:(حسن صحيح)

(3)

.

قلت: وهذا تصحيح على بابه، والحديث قد خرجه البخاري

(4)

.

* * *

ومما يلحق بهذا المصطلح قول الترمذي: (إسناده صحيح)، ومثاله:

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا حيوة بن شريح، قال: أخبرنا الوليد بن أبي الوليد،

(1)

"تحفة الأشراف"(10474)، "جامع الترمذي" طبعة التأصيل (707)، الرسالة (707).

(2)

"صحيح البخاري"(1954)، "صحيح مسلم"(1100)، من طريق هشام به.

(3)

"تحفة الأشراف"(14321)، "جامع الترمذي" طبعة التأصيل (716)، الرسالة (716).

(4)

"صحيح البخاري"(1903).

ص: 37

عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه".

وفي الباب عن أبي أسيد.

هذا حديث إسناده صحيح، وقد روي هذا الحديث عن ابن عمر من غير وجه)

(1)

.

قلت: وهذا تصحيح من الترمذي لهذا الحديث، وقد صحّحه أيضًا مسلم، فقد أخرجه في "صحيحه"

(2)

، والوليد بن أبي الوليد لا بأس به، وحديثه مستقيم، وإن كان مقلا ليس بالمشهور.

وقد يذكر الترمذيُّ أحيانًا الحديث ويبيّن ضعفه، ثم يقول:(ليس له إسناد صحيح).

ومن الأمثلة على ذلك:

1 -

قال رحمه الله: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: أخبرنا حفص بن سليمان، عن كثير بن زاذان، عن عاصم بن ضَمْرة، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن فاستظهره، فأحل حلاله وحرم حرامه، أدخله الله به الجنة، وشفَّعَه في عشرة من أهل بيته، كلهم قد وجبت له النار".

هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس له إسناد صحيح، وحفص بن سليمان أبو عمر، بزَّاز كوفي، يُضعَّف في الحديث)

(3)

.

2 -

وقال أيضًا: (حدثنا ابن أبي عمر وعبد الله بن أبي زياد -المعنى واحد-، قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن مُحيصِن، عن محمد بن قيس بن مخرمة، عن أبي هريرة، قال: لما نزلت: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}

(1)

"جامع الترمذي"(2026)، وفي "تحفة الأشراف" (7259):(صحيح) فقط.

(2)

(2552).

(3)

"جامع الترمذي"(3145).

ص: 38

[النساء:123] شقَّ ذلك على المسلمين، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"قاربوا وسددوا، وفي كل ما يصيب المؤمن كفارة، حتى الشوكة يشاكّها، أو النكبة ينكبها".

هذا حديث حسن غريب.

وابن مُحيصِن اسمه عمر بن عبد الرحمن بن مُحيصِن.

حدثنا يحيى بن موسى وعبد بن حميد، قالا: حدثنا روح بن عبادة، عن موسى بن عبيدة، قال: أخبرني مولى ابن سباع، قال: سمعت عبد الله ابن عمر يحدث عن أبي بكر الصديق قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه هذه الآية {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء:133] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر، ألا أقرئك آية أنزلت عليَّ؟ " قلت: بلى يا رسول الله، قال: فأقرَأَنيها، فلا أعلم إلا أني وجدت في ظهري انقصامًا، فتمطأت لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما شأنك يا أبا بكر؟ " قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، وأينا لم يعمل سوءا؟! وانا لَمَجْزِيُّون بما عملنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما أنت يا أبا بكر والمؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله وليس لكم ذنوب، وأما الآخرون فيُجمع ذلك لهم حتى يجزوا به يوم القيامة".

هذا حديث غريب، وفي إسناده مقال؛ موسى بن عبيدة يُضعَّف في الحديث؛ ضعفه يحيى بن سعيد، وأحمد بن حنبل.

ومولى ابن سباع مجهول، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أبي بكر، وليس له إسناد صحيح أيضًا.

وفي الباب عن عائشة)

(1)

.

(1)

"جامع الترمذي"(3305 - 3306).

ص: 39

3 -

وقال أيضًا: (حدثنا إبراهيم بن يعقوب، قال: حدثنا صفوان بن صالح، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة، هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن

".

هذا حديث غريب، حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح، ولا نعرفه إلا من حديث صفوان بن صالح، وهو ثقة عند أهل الحديث.

وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا نعلم في كبير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث.

وقد روى آدم بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر فيه الأسماء، وليس له إسناد صحيح)

(1)

.

قلت: استعماله هنا لهذا المصطلح (ليس له إسناد صحيح) على بابه، وهو أن هذا الخبر أسانيده ضعيفة، وهو ما يقابل الصحيح.

* * *

(1)

"جامع الترمذي"(3836).

ص: 40

‌النوع الثاني أن يستعمل "الصحيح" بمعنى "حسن صحيح"، ومغايرته بين العبارات من باب التفنن

تقدم أن أبا عيسى قد تفنن في أحكامه على الأحاديث بعبارات شتّى، حتى إن هذه العبارات قد تصل إلى نحو المائتين، كما عدّها بعض الباحثين، والكثير منها يرجع إلى معانٍ متقاربة، وإنما يتفنن في التعبير بها، لذا كل المصطلحات الحديثية موجودة في كتابه.

وهذه سمة عند المتقدمين، فتجد أنهم لا يتقيدون بـ "صحيح" فقط، أو "حسن" فقط، أو "ضعيف" فقط، بل يعبرون بعبارات كثيرة، وهذا مرجعه إلى أمرين:

الأول: باب التفنن.

والثاني: درجة الحديث، إذ لا يخفى أن الصحيح درجات، فهناك الصحيح وهناك الأصح، وبينهما درجات كثيرة، فهناك المسلسل بالحفاظ، وهناك الذي رجاله ثقات حسب، وما جاء من وجه واحد، وما جاء من أوجه متعددة، وهناك المشهور، والغريب، فيعطون كلَّ حكمٍ ما يناسبه.

ودليل ذلك -مثلًا- النظر إلى أحكام علي بن المديني على الأحاديث، وسوف أذكر أمثلة منها حتى يتبين لك ذلك:

1 -

روى علي بن المديني عن حسين بن علي الجُعفي، عن زائدة، عن عاصم -وهو ابن كليب-، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال عمر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان منكم ملتمسًا ليلة القدر فليلتمسها في العشر الأواخر وترًا".

قال علي: (هو حديث صالح، ليس مما يسقط، وليس مما يحتجُّ به،

ص: 41

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تثبيت هذا الحديث)

(1)

.

فانظر إلى دقته في الحكم؛ حكم عليه أولا بأنه صالح، ثم أضاف أنه ليس مما يسقط، ثم بين بأنه لا يصل إلى درجة الاحتجاج، وهذه الأحكام كلها على إسناد هذا الخبر، وأما المتن فبين بأنه محفوظ، وذلك لوروده من أوجه أخرى.

بينما غيره قد يكتفي بالحكم عليه بأن إسناده حسن.

2 -

وروى عن جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن صفوان، قال: قال عمر: لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة دخل البيت فصلى ركعتين.

قال علي: (هذا حديث صالح الإسناد، ولم يرو عن عمر إلا من هذا الوجه)

(2)

.

قلت: وقوله: (صالح الإسناد) من أجل يزيد بن أبي زياد، متكلم في حفظه، ولكنه ليس بالضعيف البين، وإنما فيه لين وضعف.

ثم بين علي بن المديني أن هذا الإسناد فرد، وهذا بالنسبة لروايته عن عمر، فلم يرو عنه إلا من هذا الوجه، ولا يخفى أن هذا الحكم دقيق؛ لأنه يحتاخ إلى أطلاع واسع.

3 -

وروى عن أبي النضر، عن أبي عقيل، عن مجالد بن سعيد، عن عامر، عن مسروق بن الأجدع، قال: لقيت عمر بن الخطاب، فقال لي: من أنت؟ قلت: مسروق بن الأجدع. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الأجدع شيطان"، ولكنك مسروق بن عبد الرحمن.

(1)

"مسند الفاروق"(1/ 441).

(2)

"مسند الفاروق"(1/ 489).

ص: 42

قال عامر -أي: الشعبي-: فرأيته في الديوان: مسروق بن عبد الرحمن، فقلت: ما هذا؟ قال: هكذا سماني عمر.

قال علي: (هذا حديث صالح الإسناد، وليس بالصافي، وهو حديث كوفي، لا نحفظه إلا من هذا الوجه، وأبو عقيل ضعّفه أبو أسامة)

(1)

.

قلت: فانظر إلى دقته في حكمه على هذا الخبر، فبين أنه صالح الإسخاد، ثم عقّب بأنه ليس بالصافي؛ لأن فيه أبا عقيل، وقد تكلّم فيه أبو أسامة، وتكلّم فيه غيره أيضًا، ولكن وثّقه الجمهور، وكأنّ له بعض الأشياء التي تستنكر، ولم يخرج له أبو داود في "السنن" سوى هذا الحديث

(2)

.

وفيه مجالد أيضًا وفيه لين وضعف، فأصبح هذا الإسناد ليس بالصافي.

ثم بين بأنه من رواية أهل الكوفة، وأنه لم يروه غيرهم، وأنه لا يحفظه إلا من هذا الوجه، فهو حديث فرد.

4 -

وروى عن يعقوب بن إبراهيم الزهري، عن أبيه، عن ابن إسحاق، قال: حدثني نافع مولى ابن عمر، عن عبد الله بن عمر

ذكر قصة خروجه إلى خيبر واعتداء اليهود عليه.

قال علي: (هذا إسناد مدني صالح، ولم نُصِبْه مسندا إلا من هذا الطريق، وقد رواه غير واحد عن نافع، ولم يرفعه أحد منهم إلى عمر بن الخطاب إلا محمد بن إسحاق)

(3)

.

قلت: فانظر إلى هذه الدقة في الحكم، فقد بين أنه لم يروه إلا أهل المدينة، وأنه إسناد صالح، وأنه قد رواه غير واحد عن نافع، ولكن لم يرفعه منهم إلا ابن إسحاق.

(1)

"مسند الفاروق"(1/ 540).

(2)

"سنن أبي داود"(4957).

(3)

"مسند الفاروق"(2/ 40).

ص: 43

5 -

وروى عن أبي داود الطيالسي، عن ابن المبارك، عن ابن لَهيعة، عن عطاء بن دينار، عن أبي يزيد الخولاني، قال: سمعت فَضالة بن عبيد يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الشهداء أربعة

" الحديث.

قال علي: (هذا حديث مصري، وهو صالح)

(1)

.

قلت: وقوله: (صالح)؛ لأن الراوي عن ابن لَهيعة هو ابن المبارك، وهو ممن سمع منه قديمًا، مع ملاحظة أنه لم يصححه أو يجود إسناده، ويبين ذلك:

6 -

ما قاله عن حديث آخر رواه روى حسن بن موسى الأشيب، عن ابن لَهيعة، عن أبي الأسود، أنه سمع محمد بن عبد الرحمن بن لَبيبة، يحدث عن أبي سنان الدُّؤلي، أنه دخل على عمر بن الخطاب

فذكر قصة، ثم قال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تفتح الدنيا على أحد إلا ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، فأنا أشفق من ذلك".

قال ابن كثير: (هذا إسناد جيد؛ لأن ابن لَهيعة قد صرح فيه بالتحديث، فزال محذور تدليسه، لكن قال الإمام علي بن المديني: الحسن بن موسى إنما سمع من ابن لَهيعة بآخرة، وإنما يروى حديث ابن لَهيعة ممن سمع منه قبل أن يصاب بكتبه؛ مثل ابن المبارك، وأبي عبد الرحمن المقرئ، وابن وهب).

قال ابن كثير: (وسيأتي في باب السيرة موقوفا على عمر رضي الله عنه)

(2)

.

فانظر الفرق بين حكم علي بن المديني وحكم ابن كثير.

(1)

"مسند الفاروق"(2/ 296).

(2)

"مسند الفاروق"(3/ 55).

ص: 44

7 -

وروى عن يحيى القطان، عن شعبة، عن سلمة بن كُهيل، قال: سمعت أبا الحكم، قال: سألت ابن عمر عن الجر، فحدثنا عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الجر، وعن الدُّبَّاء، وعن المُزَفَّت.

قال علي: (صالح الإسناد، ولا يُحفظ عن عمر إلا من هذا الوجه، وأبو الحكم هذا لا أعلم روى عنه إلا سلمة بن كهيل، وقد روي هذا الحديث من وجوه كثيرة عن الصحابة)

(1)

.

ويلاحظ أن (الصالح) عند ابن المديني ليس في درجة واحدة.

قلت: هذه أحكام يسيرة مما وُقف عليه من أحكام علي بن المديني، والذي وقُف عليه إنما هو قطعة من "مسند عمر" ليعقوب بن شيبة، نقل فيها عن شيخه علي بن المديني هذه الأحكام، وقد نقلها ابن كثير في "مسند الفاروق" له، وينظر في نفس الكتاب أحكامٌ أخرى له فيما يتعلق بالصحيح، والجيد، والحسن، وغير ذلك، فكيف لو وجد "مسنده المعلل"؟!

وبالله تعالى التوفيق.

ومن الأمثلة على هذا النوع:

1 -

قال الترمذي رحمه الله: (باب فيمن يحلف بالمشي ولا يستطيع.

حدثنا عبد القدوس بن محمد العطار البصري، قال: حدثنا عمرو بن عاصم، عن عمران القطان، عن حميد، عن أنس، قال: نذرت امرأة أن تمشي إلى بيت الله، فسئل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:"إن الله لغني عن مشيها، مروها فلتركب".

وفي الباب عن أبي هريرة، وعقبة بن عامر، وأبن عباس.

(1)

"مسند الفاروق"(2/ 375).

ص: 45

حديث أنس حديث حسن صحيح.

حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، قال: حدثنا خالد بن الحارث، قال: حدثنا حميد، عن ثابت، عن أنس قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيخ كبير يُهادى بين ابنيه، فقال:"ما بال هذا؟ " قالوا: نذر -يا رسول الله- أن يمشي، قال:"إن الله عز وجل لغني عن تعذيب هذا نفسه"، قال: فأمره أن يركب.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا

، فذكر نحوه.

هذا حديث صحيح)

(1)

.

قلت: هذا الحديث وقع فيه اختلاف في المتن وفي الإسناد:

أما في المتن، ففي الإسناد الأول: أن امرأة نذرت أن تمشي إلى بيت الله، وفي الإسنادين الثاني والثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشيخ كبير يهادى بين ابنيه.

وأما الاختلاف في الإسناد، فمرة: حميد عن أنس، ومرة: بينهما ثابت.

فقول المصنف عن الإسناد الثالث: (هذا حديث صحيح)، كأنه يريد أن هذا الاختلاف لم يؤثر على صحة الحديث؛ لأنه اختلاف يسير، فسواء كان الناذر رجلًا أو امرأة فالحكم واحد.

وأما الإسناد فسواء كان حميد عن أنس، أو بينهما ثابت، فهذا أيضًا لا يؤثر، وفي عدة أحاديث يقول حميد -بعد أن يرويه عن أنس-: وثبتني فيه ثابت.

(1)

"جامع الترمذي"(1628 - 1630)، وكذا في طبعة الرسالة (1616 - 1618).

ص: 46

قلت: مع ملاحظة أن طريق عمران القطان عن حميد، فيها بعض النظر، فقد أخرج هذا الحديث الشيخان من طريق الفزاري

(1)

، وأخرجه البخاري من طريق يحيى بن سعيد -هو القطان-

(2)

، ومسلم من طريق يزيد بن زريع

(3)

؛ كلهم عن حميد، عن ثابت، عن أنس.

وفي حديث الفزاري -وهو مروان بن معاوية- صرّح حميد بالتحديث من ثابت، ولفظه: أنه مرَّ بشيخ كبير يهادى بين ابنيه

الحديث.

وأما طريق ابن أبي عدي عن حميد عن أنس، فقد تابعه يحيى بن سعيد الأنصاري عند النسَائِي

(4)

.

فهذا يؤيد أن حميدا حدث به على الوجهين.

2 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أبو بكر بن أبي النضر، قال: حدثني أبو النضر، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد اللّه بن دينار، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"رباط يوم في سبيل اللّه خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله - أو الغدوة - خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها".

هذا حديث صحيح)

(5)

.

وفي "التحفة" للمزي: (حسن صحيح)

(6)

.

قلت: أخرج الترمذي الحديث في موضع سابق

(7)

، وقال: (حسن

(1)

"صحيح البخاري"(1865)، "صحيح مسلم"(1642).

(2)

"صحيح البخاري"(6701).

(3)

"صحيح مسلم"(1642).

(4)

"المجتبى"(3888)، وينظر:"صحيح ابن خزيمة"(3044)، "علل الدارقطني"(2411).

(5)

"جامع الترمذي"(1771).

(6)

"تحفة الأشراف"(4703).

(7)

برقم (1756).

ص: 47

صحيح)، فكأن صاحب "التحفة" اكتفى بأحد الحكمين للترمذي، وهذا يدلّ على أن الترمذي يستعمل (صحيح) بمعنى (حسن صحيح) أحيانا.

3 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو داود الطيالسي وأبو النضر، عن محمد بن طلحة بن مُصرِّف، عن زُبيد، عن مرة الهمداني، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "صلاة الوسطى صلاة العصر".

قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح)

(1)

.

وأعاده أيضا في موضع آخر، قال: (حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو النضر وأبو داود، عن محمد بن طلحة بن مُصرِّف، عن زبيد، عن مرة، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "صلاة الوسطى صلاة العصر".

وفي الباب عن زيد بن ثابت، وأبي هاشم بن عتبة، وأبي هريرة.

هذا حديث حسن صحيح)

(2)

.

وهذا يقال فيه كما قيل في الذي قبله.

4 -

قال الترمذي رحمه الله: (باب ما ذكر في الذي يصلي الفريضة ثم يؤم الناس بعد ذلك.

حدثنا قتيبة، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر ابن عبد الله، أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

(1)

"جامع الترمذي"(182).

(2)

"جامع الترمذي"(3245).

ص: 48

والعمل على هذا عند

، واحتجوا بحديث جابر في قصة معاذ، وهو حديث صحيح، وقد روي من غير وجه عن جابر)

(1)

.

قلت: قال في الأول: (حسن صحيح)، ثم قال:(صحيح)، وهذا من باب التفنن في العبارة، وأن المقصود بهما واحد.

5 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من أتى الجمعة فليغتسل".

وفي الباب عن عمر، وأبي سعيد، وجابر، والبراء، وعائشة، وأبي الدرداء.

قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح.

وروي عن الزهري، عن عبد اللّه بن عبد اللّه بن عمر، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث أيضا.

حدثنا بذلك قتيبة، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبد اللّه بن عبد اللّه بن عمر، عن عبد اللّه بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

وقال محمد: وحديث الزهري، عن سالم، عن أبيه، وحديث عبد اللّه ابن عبد اللّه، عن أبيه؛ كلا الحديثين صحيح).

قلت: وهذا يؤكد ما تقدم تقريره.

ثم قال أبو عيسى: (وقال بعض أصحاب الزهري: عن الزهري قال: حدثني آل عبد اللّه بن عمر، عن عبد اللّه بن عمر.

قال أبو عيسى: وقد روي عن ابن عمر، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغسل يوم الجمعة أيضا، وهو حديث صحيح.

(1)

"جامع الترمذي"(590).

ص: 49

ورواه يونس ومعمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: بينما عمر بن الخطاب يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أية ساعة هذه؟ فقال: ما هو إلا أن سمعت النداء وما زدت على أن توضأت، قال: والوضوء أيضا، وقد علمت أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل!

حدثنا بذلك محمد بن أبان، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري)

(1)

.

* * *

(1)

"جامع الترمذي"(498 - 500).

ص: 50

‌النوع الثالث تأكيد صحة الخبر

وذلك عندما يكون اختلاف في الإسناد -ونحو ذلك- مما يُظَن أنه يؤثر في صحته، فيحكم أبو عيسى عليه بأنه (صحيح) نفيًا لهذا التأثير، وهذا لا أجزم به، وإنما أميل إليه؛ لأني رأيته في بعض أحكامه على الأحاديث؛ فحملته على ذلك، منها:

1 -

قوله رحمه الله: (حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي الكوفي، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن حميد، عن أنس، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "القتل في سبيل اللّه يكفر كل خطيئة"، فقال جبريل: إلا الدين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إلا الدين".

وفي الباب عن كعب بن عجرة، وجابر، وأبي هريرة، وأبي قتادة.

وحديث أنس حديث غريب، لا نعرفه من حديث أبي بكر إلا من حديث هذا الشيخ.

وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فلم يعرفه، وقال: أرى أنه أراد حديث حميد، عن أن، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ليس أحد من أهل الجنة يسره أن يرجع إلى الدنيا إلا الشهيد".

حدثنا علي بن حُجْر، قال: أخبرنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما من عبد يموت له عند الله خير يحب أن يرجع إلى الدنيا، وإن له الدنيا وما فيها، إلا الشهيد؛ لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل مرة أخرى".

هذا حديث صحيح)

(1)

.

(1)

"جامع الترمذي"(1749 - 1750)، وهكذا في "تحفة الأشراف"(588). =

ص: 51

قلت: الطريق الأولى لا تصح كما بين أبو عيسى، ونقل ذلك عن البخاري، ويحيى بن طلحة الكوفي ضعيف ولا يكتب حديثه.

وإنما حديث حميد الصحيح: هو الذي ساقه بعد ذلك عن أنس: "ما من عبد يموت

" الحديث، فقوله:(صحيح) كأنه يريد أن يؤكد أن الصحيح في حديث حميد هو اللفظ الثاني لا الأول.

قلت: ويزيد هذا تأكيدا، أنه أعاد الحديث في موضع آخر، وقال:(حسن صحيح)؛ قال رحمه الله: (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي، عن قتادة، قال: حدثنا أن بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد من أهل الجنة يسره أن يرجع إلى الدنيا غير الشهيد، فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا، يقول: حتى أقتل عشر مرات في سبيل الله، مما يرى مما أعطاه الله من الكرامة".

هذا حديث حسن صحيح)

(1)

.

فهذا الإسناد أصحّ من الذي قبله؛ لأن قتادة مقدّم على حميد، ومع ذلك قال عنه:(حسن صحيح)؛ لأنَّه لم يذكر اختلافا، بخلاف طريق حميد فقد ذكر خلافا قبله، فناسب أن يؤكد صحته، والله أعلم.

2 -

وقوله رحمه الله: (حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، قال: أخبرني أبي وجدي جميعا، عن أبي محذورة، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أقعده، وألقى عليه الأذان حرفا حرفا.

= تنبيه: في هامش تحقيق طبعة الرسالة (1738) أن في نسخة المباركفوري: (حسن صحيح)، والذي وجدته في الطبعة الهندية (3/ 8)، وطبعة دار الفكر (5/ 274):(صحيح) فقط.

(1)

"جامع الترمذي"(1769)، وستأتي الإشارة إلى هذا المثال في خاتمة هذا المصطلح.

ص: 52

قال إبراهيم: مثل أذاننا. قال بشر: فقلت له: أعد علي، فوصف الأذان بالترجيع.

قال أبو عيسى: حديث أبي محذورة في الأذان حديث صحيح، وقد روي عنه من غير وجه)

(1)

.

قلت: إبراهيم بن عبد العزيز ليس بالمشهور، ولا يعرف له سوى هذا الحديث، حتى إن ابن حبان عندما ذكره في "الثقات" قال:(يخطئ)

(2)

، وذكره أبو العرب في جملة الضعفاء

(3)

، وقال الأزدي:(إبراهيم بن أبي محذوة وإخوته يضعفون)

(4)

. قال ابن حجر: (نُقل عن ابن معين تضعيفه)

(5)

.

وقد وقع في إسناد هذا الحديث اختلاف: قال ابن خزيمة -بعد أن رواه في "صحيحه"

(6)

عن بشر بن معاذ بهذا الإسناد-: (عبد العزيز لم يسمع هذا الخبر من أبي محذورة، إنما رواه عن عبد اللّه بن مُحيريز، عن أبي محذورة). ثم رواه من طريق ابن جريج، عن عبد العزيز، أن عبد اللّه بن محيريز أخبره، عن أبي محذورة.

قال ابن حجر: (فعلى هذا يكون إبراهيم بن عبد العزيز أدرج حديث أبيه على حديث جده، وأسقط شيخ أبيه، واللّه أعلم)

(7)

.

قلت: فكأن أبا عيسى يريد بهذا التصحيح تأكيد ثبوت هذا الخبر، ولذا قال بعده:(وقد روي عنه من غير وجه)، ثم ساقه من طريق عامر

(1)

"جامع الترمذي"(191).

(2)

(6/ 7).

(3)

ينظر: "إكمال التهذيب" لمغلطاي (1/ 247).

(4)

ينظر: "تهذيب التهذيب"(1/ 75).

(5)

المرجع السابق.

(6)

"صحيح ابن خزيمة"(1/ 466).

(7)

"تهذيب التهذيب"(2/ 590).

ص: 53

الأحول عن مكحول، عن عبد الله بن مُحيريز، عن أبي محذورة، أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة. وقال:(هذا حديث حسن صحيح، وأبو محذورة اسمه: سمرة بن مِعْيَر)

(1)

.

3 -

وقوله رحمه الله: (باب ما جاء في كراهية مسح الحصى في الصلاة.

حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي الأحوص، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى، فإن الرحمة تواجهه".

حدثنا الحسين بن حريث، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن معيقيب، قال: سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى في الصلاة؟ فقال: "فإن كنت لا بد فاعلا فمرة واحدة".

هذا حديث حسن صحيح.

وفي الباب عن علي بن أبي طالب، وحذيفة، وجابر بن عبد الله، ومعيقيب.

قال أبو عيسى: حديث أبي ذر حديث حسن.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره المسح في الصلاة، وقال:"إن كنتَ لابد فاعلا فمرة واحدة"، كأنه روي عنه رخصة في المرة الواحدة)

(2)

.

قلت: اختلفت نسخ الترمذي في حكمه على هذا الخبر، ففي بعض النسخ الخطية:(صحيح)، وفي بعضها الآخر و"تحفة الأشراف":(حسن صحيح)

(3)

.

(1)

"جامع الترمذي"(192).

(2)

"جامع الترمذي"(381 - 382).

(3)

(11485).

ص: 54

وإذا كان الصواب هو الأول فيكون تصحيح الترمذي كأنه من باب التأكيد، وأن الحديث الأول الذي ذكره في صدر الباب لا يصل إلى درجة الصحة، بينما هذا الثاني هو الصحيح، والله تعالى أعلم.

4 -

وقوله رحمه الله

(1)

: (باب ما جاء في الاغتسال يوم الجمعة.

حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قول:"من أتى الجمعة فليغتسل".

وفي الباب عن عمر، وأبي سعيد، وجابر، والبراء، وعائشة، وأبي الدرداء.

قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح.

وروي عن الزهري، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث أيضا.

حدثنا بذلك قتيبة، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبد اللّه بن عبد اللّه بن عمر، عن عبد اللّه بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

وقال محمد: وحديث الزهري عن سالم عن أبيه، وحديث عبد اللّه بن عبد اللّه عن أبيه؛ كلا الحديثين صحيح.

وقال بعض أصحاب الزهري: عن الزهري قال: حدثني آل عبد اللّه بن عمر، عن ابن عمر.

قال أبو عيسى: قد روي عن ابن عمر، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغسل يوم الجمعة أيضا، وهو حديث صحيح.

ورواه يونس ومعمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: بينما عمر بن الخطاب يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أية

(1)

تقدم هذا المثال في النوع الثاني برقم (5).

ص: 55

ساعة هذه؟ فقال: ما هو إلا أن سمعت النداء وما زدت على أن توضأت، قال: والوضوء أيضا، وقد علمت أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل!

حدثنا بذلك محمد بن أبان، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري.

وحدثنا عبد اللّه بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا عبد اللّه بن صالح، قال: حدثني الليث، عن يونس، عن الزهري بهذا الحديث.

وروى مالك هذا الحديث، عن الزهري، عن سالم، قال: بينما عمر يخطب يوم الجمعة، فذكر الحديث.

قال أبو عيسى: سألت محمدا عن هذا، فقال: الصحيح حديث الزهري، عن سالم، عن أبيه.

قال محمد: وقد روي عن مالك أيضا، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، نحو هذا الحديث)

(1)

.

قلت: أراد المصنف أن يبين أن كلا الطريقين -أي: طريق الزهري، عن سالم، عن أبيه، وطريق الزهري، عن عبد اللّه بن عبد اللّه، عن أبيه- كلاهما محفوظ، وأن الاختلاف الذي وقع في الإسناد لا يؤثر على صحة الخبر، فيكون قوله:(صحيح) من باب تأكيد الصحة، كما أن قوله (حسن صحيح) ثم قوله:(كلا الحديثين صحيح) من باب التفنن في العبارة كما تقدم في النوع الثاني، وأن مقصوده باللفظين -عندما حكم على هذا الخبر- واحد.

5 -

وقوله رحمه الله: (باب ما جاء في الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة.

(1)

"جامع الترمذي"(498 - 501).

ص: 56

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن عبد اللّه بن مالك، أن ابن عمر صلى بجمع، فجمع بين الصلاتين بإقامة، وقال: رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فعل مثل هذا في هذا المكان.

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثلَه.

قال محمد بن بشار: قال يحيى: والصواب حديث سفيان.

وفي الباب عن علي، وأبي أيوب، وعبد اللّه بن مسعود، وجابر، وأسامة بن زيد.

قال أبو عيسى: حديث ابن عمر روايةَ سفيان أصح من رواية إسماعيل بن أبي خالد، وحديث سفيان حديث حسن صحيح

(1)

.

قال: وروى إسرائيل هذا الحديث، عن أبي إسحاق، عن عبد اللّه وخالد ابني مالك، عن ابن عمر.

وحديث سعيد بن جبير عن ابن عمر هو حديث صحيح

(2)

أيضا؛ رواه سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، وأما أبو إسحاق فإنما روى عن عبد اللّه وخالد ابني مالك، عن ابن عمر)

(3)

.

(1)

في هامش تحقيق طبعة الرسالة (903) أنه وقع في بعض النسخ: (حديث صحيح).

(2)

في هامش تحقيق طبعة الرسالة أنه وقع في بعض النسخ: (حديث حسن صحيح)، وكذا في المتن المثبت مع "تحفة الأحوذي"(3/ 360)، ولم يُذكر حكم الترمذي في "تحفة الأشراف"(7052).

(3)

"جامع الترمذي"(904 - 905).

ص: 57

قلت: أراد بقوله: (وحديث سعيد بن جبير عن ابن عمر هو حديث صحيح) تأكيد صحة هذه الطريق، ولكن من رواية سلمة بن كهيل عن سعيد، وليس من رواية أبي إسحاق السبيعي عن سعيد، فإن هذه الطريق خطأ كما بين أبو عيسى نفسه، وأن الصواب في رواية أبي إسحاق إنما هو عن عبد اللّه وخالد ابني مالك، عن ابن عمر، كما رواه سفيان الثوري.

وأما رواية إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير، فهي خطأ.

وقوله: (هو حديث صحيح أيضا) فيه استعمال (حسن صحيح) و (صحيح) بمعنى واحد.

6 -

وقوله رحمه الله: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس قال -يرفع الحديث-: أنه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحُجْر.

وفي الباب عن عبد الله بن عمرو.

قال أبو عيسى: حديث ابن عباس صحيح)

(1)

.

قلت

(2)

محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ضعيف لا يحتج به كما ذهب إلى هذا عامة النقاد، وإذا كان أبو عيسى يرى قوته فإني أكاد أجزم بأنه لا يصل عنده إلى درجة الثقة الضابط لحديثه، إذًا لماذا صحّح حديثه هنا؟ كأنه أرأد أن يؤكد أن هذا الخبر محفوظ، ويؤكد هذا أنه لم يصحح له

(1)

"جامع الترمذي"(938)، وكذا في "تحفة الأشراف"(5958)، وفي طبعة الشيخ أحمد شاكر (919):(حسن صحيح).

(2)

تقدم هذا المثال في الأمثلة التي تردد حكم الترمذي فيها برقم (2)، وسيأتي أيضا -بكلام أوسع- في أمثلة ما قال عنه:(حسن صحيح) وهو في أدنى درجات القبول برقم (16).

ص: 58

سوى هذا الحديث، نعم هناك حديث آخر له صححه ولكن كان مقرونا بغيره.

قلت: والصواب في هذا الخبر أنه لا يصح بل هو معلول، فهو موقوف على ابن عباس كما رواه عبد الملك بن أبي سليمان وهمّام، عن عطاء، كما ذكر أبو داود

(1)

.

7 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا حميد بن مَسعدة، قال: حدثنا سفيان ابن حبيب، عن هشام بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم.

وفي الباب عن عائشة.

قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح.

حدثنا قتيبة، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم.

حدثنا قتيبة، قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار، عن عمرو بن دينار قال: سمعت أبا الشعثاء يحدث، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم.

قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح، وأبو الشعثاء: اسمه جابر بن زيد)

(2)

.

قلت: هنا إما أنه يريد تأكيد الصحة، أو يريد صحته بتعدد الطرق، أو يريد أنه أصح -أي من الحديث الذي حكم عليه بأنه حسن صحيح-، أو من باب التفنن، والله تعالى أعلم.

* * *

(1)

"سنن أبي داود"(1817).

(2)

"جامع الترمذي"(861 - 863).

ص: 59

‌النوع الرابع يريد به أنه أصح مما حكم عليه بأنه "حسن صحيح"

ومن الأمثلة على هذا النوع:

1 -

قال أبو عيسى رحمه الله: (باب ما جاء في التجار وتسمية النبي صلى الله عليه وسلم إياهم.

حدثنا هنّاد، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن أبي وائل، عن قيس بن أبي غَرَزَة، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسمَّى السماسرة، فقال:"يا معشر التجار، إن الشيطان والإثم يحضران البيع، فشوبوا بيعكم بالصدقة".

وفي الباب عن البراء بن عازب، ورفاعة.

حديث قيس بن أبي غَرَزَة حديث حسن صحيح، رواه منصور والأعمش وحبيب بن أبي ثابت وغير واحد، عن أبي وائل، عن قيس بن أبي غَرَزَة، ولا نعرف لقيس عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا.

حدثنا هنّاد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن قيس بن أبي غَرَزَة، عن النبي صلى الله عليه وسلم

نحوه بمعناه.

وهذا حديث صحيح)

(1)

.

قلت: هكذا في طبعة التأصيل، والهندية الحجْرية مع "التحفة"

(2)

، وطبعة مكتبة المعارف التي معها "العارضة"

(3)

، وطبعة مصطفى الحلبي بتحقيق فؤاد عبد الباقي

(4)

.

(1)

"جامع الترمذي"(1257 - 1258).

(2)

(2/ 227).

(3)

(5/ 212).

(4)

(3/ 505).

ص: 60

وأما طبعة الرسالة

(1)

ففيها: (حسن صحيح)، وهكذا في "تحفة الأشراف"

(2)

، ولكنه ساق الإسنادين ولم يذكر إلا حكما واحدا وهو (حسن صحيح)، فكأنه اختصر.

والأصوب الأول.

فإذا علم هذا، فلا شك أن الإسناد الثاني أصح من الأول، فهل حكم عليه بأنه (صحيح) من أجل ذلك؟ هذا محتمل.

ويحتمل أيضا أنه حكم على الإسناد الثاني بأنه (صحيح) من أجل تعدد الأسانيد، وأن الخبر كلما زادت أسانيده قويَ، وبالتالي زادت صحته، فيكون (صحيح) أصح من (حسن صحيح)، وهذا مثل الاحتمال الأول.

ويحتمل تأكيد الصحة، وهذا أيضا يعود إلى الاحتمال الأول، ويحتمل التفنن، واللّه أعلم.

2 -

وقال رحمه الله: (حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".

قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث محمد بن إسحاق، عن محمد ابن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن زيد بن خالد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وحديث أبي سلمة، عن أبي هريرة وزيد بن خالد، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ كلاهما عندي صحيح؛ لأنَّه قد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، وحديث أبي هريرة إنما صح لأنَّه قد روي من غير وجه.

وأما محمد فزعم أن حديث أبي سلمة، عن زيد بن خالد أصح.

(1)

(3/ 68).

(2)

(11103).

ص: 61

حدثنا هنّاد، قال: حدثنا عبدة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن زيد بن خالد الجهني، قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، يقول:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل".

قال: فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، لا يقوم إلى الصلاة إلا استن ثم رده إلى موضعه.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح)

(1)

.

قلت: وهذا أيضا مثال على استعمال (حسن صحيح) بمعنى (صحيح)، ويريد أيضا التأكيد بأن هذا الحديث صحيح، وأنَّه ليس بخطأ، وقد نقل عن البخاري -كما تقدم- أن طريق أبي سلمة عن زيد بن خالد أصح، يعني أن طريق أبي سلمة عن أبي هريرة خطأ، فدفع الترمذي ذلك بتأكيد صحة كلا الطريقين

(2)

.

قلت: وحديث أبي محذورة المتقدم

(3)

الذي في الأذان هو في نفس هذا المسلك، أكد صحته بأنه روي من غير وجه، وأن ما في الإسناد من بعض الضعف لا يؤثر على ثبوت هذا الخبر وصحته.

مع ملاحظة أنه لا يسلك هذا المنهج دائما، ففي بعض المواضع يذكر أنه روي من غير وجه ومع ذلك لا يصححه

(4)

.

(1)

"جامع الترمذي"(22، 23)، وفي "تحفة الأشراف" (3766):(صحيح).

(2)

سيأتي هذا المثال أيضا في النوع الخامس من هذا المصطلح.

(3)

تقدم في النوع الثالث من هذا المصطلح برقم (2).

(4)

ينظر: "جامع الترمذي"(415).

ص: 62

3 -

وقال رحمه الله: (باب ما جاء في تقديم الضعفة من جمع بليل.

حدثنا قتيبة، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في ثَقَلٍ من جَمْعٍ بليل.

وفي الباب عن عائشة، وأم حبيبة، وأسماء بنت أبي بكر، والفضل بن عباس.

قال أبو عيسى: حديث ابن عباس: بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في ثَقَلٍ من جمع بليل، حديث صحيح، روي عنه من غير وجه

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن المسعودي، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قدّم ضعفة أهله، وقال:"لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس".

قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح)

(1)

.

قلت: صححه، ومن أسباب ذلك أنه روي من غير وجه، وكأنه هنا أصح مما حكم عليه بأنه حسن صحيح.

4 -

وقال رحمه الله: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: بعثنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في سرية، فنزلنا بقوم فسألناهم القِرى فلم يقرونا، فلدغ سيدهم، فأتونا فقالوا: هل فيكم من يرقي من العقرب؟ قلت: نعم أنا، ولكن لا أرقيه حتى تعطونا غَنْما، قالوا: فإنا نعطيكم ثلاثين شاة، فقبلنا، فقرأت عليه:{الحَمْدُ} سبع مرات فبرأ، وقبضنا الغَنْم، قال: فعرض في أنفسنا منها شيء، فقلنا: لا تعجلوا حتى تأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فلما قدمنا عليه ذكرت له الذي صنعت، قال:"وما علمت أنها رقية؟ اقبضوا الغَنْم واضربوا لي معكم بسهم".

(1)

"جامع الترمذي"(909 - 910).

ص: 63

هذا حديث حسن صحيح.

وأبو نضرة اسمه: المنذر بن مالك بن قُطَعة.

وروى شعبة وأبو عوانة وغير واحد، [عن أبي بشر]

(1)

، عن أبي المتوكِّل، عن أبي سعيد هذا الحديث.

حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، قال: حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا أبو بشر، قال: سمعت أبا المتوكِّل، يحدث عن أبي سعيد، أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بحي من العرب فلم يقروهم ولم يضيفوهم، فاشتكى سيدهم فأتونا، فقالوا: هل عندكم دواء؟ قلنا: نعم، ولكنكم لم تَقْرونا ولم تُضَيِّفونا، فلا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلا، فجعلوا على ذلك قطيعا من غَنْم، فجعل رجل منا يقرأ عليه بفاتحة الكتاب فبرأ، فلما أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ذكرنا ذلك له، قال:"وما يدريك أنها رقية؟ " ولم يذكر نهيا منه، وقال:"كلوا واضربوا لي معكم بسهم".

هذا حديث صحيح، وهذا أصح من حديث الأعمش، عن جعفر بن إياس.

وهكذا روى غير واحد هذا الحديث، عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد.

وجعفر بن إياس هو: جعفر بن أبي وحشية)

(2)

.

قلت: يلاحظ في الطريق الأولى: رواه الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن أبي نضرة.

(1)

زيادة من "تحفة الأشراف"(4307)، وجاءت في بعض النسخ كما في هامش تحقيق طبعة التأصيل.

(2)

"جامع الترمذي"(2204 - 2205).

ص: 64

وفي الطريق الثانية: رواه الجماعة؛ وهم شعبة عند البخاري ومسلم

(1)

، وأبو عوانة عند البخاري

(2)

، وهشيم عند مسلم

(3)

، كلهم عن جعفر بن إياس، عن (أبي المتوكل)، بدل (أبي نضرة).

فهل هذا اختلاف كما ذكر النسائي في "الكبرى"

(4)

فيصار إلى الترجيح، أو أن جعفر بن إياس روى هذا الحديث عن أبي نضرة وأبي المتوكل فيكون كلا الطريقين محفوظ؟

هناك من ذهب إلى الأول؛ كأبي زرعة في "العلل" لابن أبي حاتم، فقال:(وهم الأعمش)

(5)

، وابن ماجه، وقال:(والصواب هو أبو المتوكل)

(6)

، والدارقطني في "العلل"، وقال:(وهو الصحيح)

(7)

. وهذا هو مقتضى صنيع البخاري ومسلم.

والذي يظهر أن المصنف يصحح كلا الطريقين، ولكن الطريق الثانية عنده أصح؛ لأنها رواية الجماعة، وذلك أنه حكم على طريق الأعمش بأنها (حسن صحيح)، ويؤيد ذلك أنه لم يذكر هذا الحديث في كتابه "العلل الكبير"، فلو كانت معلولة عنده لذكرها، والله تعالى أعلم.

وإلى هذا ذهب الحافظ ابن حجر في "الفتح" فقال: (والذي يترجح في نقدي أن الطريقين محفوظان، لاشتمال طريق الأعمش على زيادات في المتن ليست في رواية شعبة ومن تابعه)

(8)

.

ولا شك في صحة الطريق الثانية، وأما الأولى فاحتمال صحتها قوي،

(1)

"صحيح البخاري"(5736)، "صحيح مسلم"(2201).

(2)

"صحيح البخاري"(2276، 5749).

(3)

"صحيح مسلم"(2201).

(4)

(10977 - 10980).

(5)

(2565).

(6)

"سنن ابن ماجه"(3/ 285).

(7)

(2320).

(8)

(4/ 455).

ص: 65

وقد رواها عن الأعمش جمع من أصحابه، وهذا يدل على تحديثه بها مرات، كما أن أحدا من أصحابه لم ينكر عليه أو يراجعه في ذلك، لأن الطريق الأخرى غالبا لا تخفى عليهم، وصحّحها ابن حبان

(1)

والحاكم

(2)

، ولم يعلَّها الدارقطنيُّ في "السنن"

(3)

، فقد رواها وسكت عنها، والله أعلم.

وقد تميز كلام المصنف عن كلام غيره من الحفاظ بتصحيح كلا الطريقين، مع ترجيح الطريق الثانية، بخلاف غيره فإنما صحح الطريق الثانية فقط أو كلا الطريقين، وهذا له نظائر عند المصنف

(4)

.

* * *

(1)

"صحيح ابن حبان"(6112).

(2)

"المستدرك"(2054).

(3)

(3034 - 3035). قال الدارقطني بعد إيراده رواية الأعمش: (خالفه شعبة)، ثم ساق روايته (3036).

(4)

ينظر: "جامع الترمذي"(22).

ص: 66

‌النوع الخامس تصحيح الحديث لكونه روي من غير وجه

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".

قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وحديث أبي سلمة، عن أبي هريرة وزيد بن خالد، عن النبي صلى الله عليه وسلم كلاهما عندي صحيح؛ لأنَّه قد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، وحديث أبي هريرة إنما صح لأنَّه قد روي من غير وجه.

وأما محمد فزعم أن حديث أبي سلمة، عن زيد بن خالد أصح)

(1)

.

ومثله حديث أبي محذورة في الأذان، وقد تقدم

(2)

.

وقال رحمه الله في باب ما جاء في الوصية بالثلث والربع: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن سعد بن مالك قال: عادني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأنا مريض، فقال:"أوصيت؟ "، قلت: نعم، قال:"بكم؟ "، قلت: بمالي كله في سبيل الله، قال:"فما تركت لولدك؟ "، قال: هم أغنياء بخير، فقال:"أوص بالعشر"، فما زلت أناقصه حتى قال:"أوص بالثلث، والثلث كثير".

قال أبو عبد الرحمن: فنحن نستحب أن ننقص من الثلث، لقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "والثلث كثير".

(1)

"جامع الترمذي"(22)، وقد تقدم في النوع الرابع من هذا المصطلح برقم (2).

(2)

تقدم في النوع الثالث من هذا المصطلح برقم (2).

ص: 67

وفي الباب عن ابن عباس.

قال أبو عيسى: حديث سعد حديث حسن صحيح، وقد روي

(1)

من وجه، وقد روي عنه:"كبير"، ويروى "كثير"

(2)

)

(3)

.

قلت: وقد رواه عن عطاء:

1 -

خالد بن عبد اللّه

(4)

.

2 -

أبو إسحاق الفزاري

(5)

.

3 -

محمد بن فضيل

(6)

.

4 -

أبو الأحوص

(7)

.

5 -

جعفر بن زياد

(8)

.

وهو صحيح من حديث عطاء، ولكونه جاء أيضًا من طرق أخرى كثيرة حديث سعد بن أبي وقاص؛ صححه المصنف.

* * *

والخلاصة من حيث الإجمال: أن (صحيح) عنده -فيما يظهر- أصح من (حسن صحيح)، والدليل على هذا من ثلاثة وجوه:

الأول: أن حكم أهل العلم على حديث بأنه (صحيح) أنها على بابها،

(1)

في بعض الطبعات زيادة: (عنه).

(2)

كذا في الرسالة أيضا، وفي طبعة بشار:(وقد روي عنه: والثلث كثير، ويروى: كبير)، في طبعة شاكر:(وقد روي عنه: والثلث كثير).

(3)

(1000).

(4)

"سنن سعيد بن منصور"(332).

(5)

"السنة" للمروزي (260).

(6)

"مسند أبي يعلى الموصلي"(746)، "مستخرج أبي عوانة"(5789).

(7)

"السنة" للمروزي (258).

(8)

"السنة" للمروزي (259).

ص: 68

ولا تحتمل غير ما وضعت له، مثل عبارة (حسن صحيح)، فعندما يضاف إلى الصحيح (حسن) فهي ليست بالقوة مثل (صحيح) لوحدها.

الثاني: ما تقدم من الأمثلة.

الثالث: ما سيأتي أنه حكم على أحاديث كثيرة بـ (حسن صحيح) لأنها جمعت أدنى شروط القبول

(1)

.

ولا يرِد على هذا ما حكم به الترمذي على الحديث الآتي:

قال: (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي، عن قتادة، قال: حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد من أهل الجنة يسره أن يرجع إلى الدنيا غير الشهيد، فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا، يقول: حتى أقتل عشر مرات في سبيل الله، مما يرى مما أعطاه اللّه من الكرامة".

هذا حديث حسن صحيح)

(2)

.

وقال: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: أخبرنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما من عبد يموت له عند الله خير يحب أن يرجع إلى الدنيا، وإن له الدنيا وما فيها، إلا الشهيد؛ لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل مرة أخرى".

هذا حديث صحيح)

(3)

.

(1)

(2)

"جامع الترمذي"(1769).

(3)

"جامع الترمذي"(1750).

تنبيه: ذكر محققو طبعة الرسالة (1739) أن في نسخة المباركفوري: (حسن صحيح)، والذي وجدته في الطبعة الهندية (3/ 8)، وطبعة دار الفكر (5/ 274):(صحيح) فقط.

ص: 69

فلا شك أن قتادة أوثق من حميد، ومع ذلك حكم على رواية حميد بأنها صحيحة، والجواب عن ذلك

(1)

:

1 -

ما تقدم تقريره أن أبا عيسى يتفنن كثيرا في حكمه على الأحاديث، فحكمه هنا من هذا الباب.

2 -

أن المثال الواحد والمثالين لا ينقض القاعدة.

تنبيه: عبارة جاءت عن المصنف يظن أنها تخالف ما تقدم تقريره:

قال أبو عيسى الترمذي: (باب من قتل نفسه بسمٍّ أو غيره.

حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا عبيدة بن حميد، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، -أراه رفعه- قال:"من قتل نفسه بحديدة، جاء يوم القيامة وحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا أبدا، ومن قتل نفسه بسم، فسمه في يده يتحسّاه في نار جهنم خالدا مخلدا أبدا".

حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو داود، عن شعبة، عن الأعمش، قال: سمعت أبا صالح، عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحسّاه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردّى من جبل فقتل نفسه، فهو يتردّى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".

حدثنا محمد بن العلاء، قال: حدثنا وكيع وأبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم

نحو حديث شعبة، عن الأعمش.

هذا حديث صحيح، وهو أصح من الحديث الأول

(2)

.

(1)

تقدمت الإشارة إلى هذا المثال في النوع الثالث من هذا المصطلح برقم (1).

(2)

فيما يظن أنه يعني بقوله: (هذا حديث صحيح) تأكيد صحة رفع هذا الخبر، كما =

ص: 70

هكذا روي هذا الحديث عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وروى محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قتل نفسه بسم عذب في نار جهنم". ولم يذكر فيه: "خالدا مخلدا فيها أبدا". وهكذا رواه أبو الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح؛ لأن الروايات إنما تجيء بأن أهل التوحيد يعذبون في النار ثم يخرجون منها، ولم يذكر أنهم يخلدون فيها)

(1)

.

قلت: قوله: (وهذا أصح) يحتمل أن ما جاء في رواية الأعمش "خالدا مخلدا فيها" ليس بصحيح، بل هو غلط.

ويحتمل أنه أصح من حيث المعنى، وأن رواية الأعرج والمقبري مفسِّرة لرواية الأعمش عن أبي صالح، وأن القاتل لنفسه لا يخلد في النار إذا مات على التوحيد، كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة، وعلى هذا تكون رواية الأعمش صحيحة، ولكنها توجه بما تقدم، وهذا الذي أذهب إليه؛ لأن المصنف حكم عليها بالصحة فقال:(هذا حديث صحيح، وهو أصح من الحديث الأول). فكيف يضعفها! ويؤكد هذا أن الشيخين قد خرجاها

(2)

، وبالتالي حكما بصحتها، ولا أعرف أحدا ضعفها، كيف وقد جاء ما يشهد لها في القرآن، وذلك في قوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [النساء: 93].

=رواه شعبة ووكيع وأبو معاوية عن الأعمش، بخلاف رواية عبيدة بن حميد التي فيها الشك في الرفع.

(1)

"جامع الترمذي"(2177 - 2179).

(2)

"صحيح البخاري"(5778)، "صحيح مسلم"(109).

ص: 71

وما جاء في حديث جندب الذي خرجه البخاري

(1)

في الذي يقتل نفسه: "قال اللّه عز وجل: بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة"، وهذا بمعنى خالدا فيها.

وقد وجّه أهل السنة الآية الكريمة بما يوافق باقي الأدلة، وكذا ما جاء في حديث جندب، فيقال هذا أيضا في رواية الأعمش عن أبي صالح

(2)

.

مثال على ما هو صحيح وأصح:

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"ينزل اللّه إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر".

وفي الباب عن علي بن أبي طالب، وأبي سعيد، ورفاعة الجهني، وجبير بن مطعم، وابن مسعود، وأبي الدرداء، وعثمان بن أبي العاص.

قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وقد روي هذا الحديث من أوجه كثيرةٍ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ينزل الله تبارك وتعالى حين يبقى ثلث الليل الآخر"، وهذا أصح الروايات)

(3)

.

قلت: يعني أن نزول اللّه عز وجل في "ثلث الليل الأخير" أصح مما جاء أنه ينزل في "ثلث الليل الأول". فعلى هذا يكون هناك صحيح وأصح.

* * *

(1)

"صحيح البخاري"(3463).

(2)

فهم الحافظ ابن حجر من كلام الترمذي أنه يقصد التضعيف، ينظر:"الفتح"(3/ 227).

(3)

"جامع الترمذي"(449).

ص: 72

مصطلح "حسن صحيح"

ص: 73

‌مصطلح "حسن صحيح"

وجعلته في ثلاثة فصول:

الفصل الأول: ورود هذا المصطلح على لسان بعض الأئمة قبل الترمذي.

الفصل الثاني: استعمال أبي عيسى الترمذي لمصطلح "حسن صحيح".

الفصل الثالث: ما يلحق بـ "حسن صحيح".

ص: 75

‌الفصل الأول ورود هذا المصطلح على لسان بعض الأئمة قبل الترمذي

استعمل الأئمة -قبل الترمذي- مصطلح "حسن صحيح"؛ كالإمام أحمد، وابن المديني، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وهذه بعض نصوصهم:

1 -

أخرج الترمذي حديث حَمْنَةَ رضي الله عنه في الاستحاضة، من طريق زهير بن محمد، عن عبد اللّه بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن أمه حَمْنَةَ ابنة جحش .. الحديث.

قال أبو عيسى: (هذا حديث حسن صحيح، ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي وابن جريج وشريك، عن عبد اللّه بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران، عن أمه حمنة، إلا أن ابن جريج يقول: عمر بن طلحة، والصحيح: عمران بن طلحة.

وسألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن.

وهكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح)

(1)

.

(1)

"الجامع"(129)، ونقله عنه جماعة؛ كابن عبد الهادي في "التنقيح"(1/ 405)، وابن رجب في "الفتح"(2/ 63).

وقال الترمذي في "العلل الكبير"(74): (قال محمد: حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة هو حديث حسن، إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم، لا أدري سمع منه عبد اللّه بن محمد بن عقيل أم لا، وكان أحمد بن حنبل يقول: هو حديث صحيح). ونقله كه البيهقي في "السنن"(2/ 475).

قال ابن رجب - بعد كلام الترمذي السابق الذي في "جامعه" - (2/ 64): (هذا ما ذكره الترمذي، ونقل حرب، عن أحمد، أنه قال: نذهب إليه، ما أحسنه من حديث.=

ص: 77

قلت: ساوى الترمذي بين (حسن) و (حسن صحيح)، وذلك في قوله: (وهكذا قال أحمد

).

والجواب عن ذلك: أن هذا ليس نصا في التسوية، فلا يلزم من قول الترمذي السابق التسوية ما بين (حسن) و (حسن صحيح).

ولكن يعكِّر على ذلك أنه وقع في بعض نسخ الترمذي، أن البخاري قال:(حسن صحيح)؛ قاله أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي

(1)

، وبهذا يزول الإشكال.

2 -

أخرج الترمذي أيضا حديث معاذ رضي الله عنه في اختصام الملأ الأعلى، من طريق جَهضم بن عبد اللّه، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، أنه حدثه عن مالك بن يَخامر السَكْسَكي، عن معاذ بن جبل .. الحديث.

قال أبو عيسى: (هذا حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن صحيح)

(2)

.

= والمعروف عن الإمام أحمد أنه ضعّفه ولم يأخذ به، وقال؛ ليس بشيء. وقال مرة: ليس عندي بذلك، وحديث فاطمة أصحّ منه وأقوى إسنادًا. وقال مرة: في نفسي منه شيء.

ولكن ذكر أبو بكر الخلال، أن أحمد رجع إلى القول بحديث حمنة والأخذ به. واللّه أعلم).

(1)

(1/ 126).

(2)

"الجامع"(3537)، ونقله عنه جماعة؛ كابن حجر في "النكت الظراف"(11362)، وابن رجب في "شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" (ص: 37).

وقال الترمذي في "العلل الكبير"(661): (سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: عبد الرحمن بن عائش لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث الوليد بن مسلم غير صحيح، والحديث الصحيح ما رواه جهضم بن عبد الله، عن يحيى بن أبي كثير، حديث معاذ بن جبل هذا).

ص: 78

وذكر ابن رجب أن الترمذي ذكر في كتاب "العلل" عن البخاري أنه قال في حديث البحر "هو الطهور ماؤه": (هو حديث حسن صحيح)

(1)

.

ويحتمل أن أبا عيسى عبّر عن كلامهم بالمعنى، فاستعمل مصطلحاته لا مصطلحاتهم، ولكن الأصل أنه ينقل عباراتهم باللفظ، ويؤيد ذلك النّقولُ الآتية.

3 -

نقل ابن الملقِّن في "البدر المنير" عن ابن المديني أنه قال في حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها: (حديث حسن صحيح)

(2)

.

4 -

ذكر يعقوب بن شيبة حديث يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أتاني آت من ربي عز وجل، فأمرني أن أصلي في الوادي المبارك"، وقال:(حديث حسن الإسناد، وهو صحيح)

(3)

.

5 -

قال ابن أبي حاتم: (وسألت أبي عن حديث رواه إبراهيم بن أبي شيبان، عن يونس بن ميسرة بن حَلْبس، عن أبي إدريس، عن عبد اللّه بن حوالة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تجندون أجنادا؟ ".

قال: هو صحيح حسن غريب)

(4)

.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: (وسألت أبي عن حديث رواه يحيى بن

(1)

"شرح علل الترمذي"(1/ 342).

والذي في "العلل الكبير" المطبوع (33): (حديث صحيح) فقط، ونقله عنه جماعة؛ كالبيهقي في "معرفة السنن والآثار"(1/ 223)، وابن عبد البر في "الاستذكار"(1/ 207)، وابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق"(1/ 11 - 12).

(2)

"البدر المنير"(3/ 298).

(3)

"مسند عمر بن الخطاب"(17).

(4)

"العلل"(1001).

ص: 79

حمزة، عن زيد بن واقد، عن مُغيث بن سُميّ، عن عبد اللّه بن عمرو؛ قال: قيل: يا رسول اللّه، أي الناس أفضل؟ قال:"مخموم القلب، صدوق اللسان".

قال أبي: هذا حديث صحيح حسن، وزيد محله الصدق، وكان يرى رأي القدر)

(1)

.

والمقصود، أن هذا المصطلح قد جاء على لسان بعض الأئمة من شيوخ الترمذي وغيرهم، على قلة في ذلك، غير أن الترمذيَّ أكثر جدّا من استعمال هذا المصطلح حتى أصبح عَلَما عليه، واشتهر عنه.

* * *

(1)

"العلل"(1873).

ص: 80

‌الفصل الثاني استعمال أبي عيسى الترمذي لمصطلح "حسن صحيح"

اختلف أهل العلم في مقصوده، حتى قيل في ذلك أقوالٌ كثيرة، وسبب هذا الاختلاف: الجمع بين الحسن والصحة في حكم واحد؛ لأن الحسن دون الصحيح فكيف يجمع بينهما؟ ولأن الترمذي -خاصة- عرّف الحسن بما يميزه عن الصحيح.

وغالب هذه الأقوال يأتي إليها الإشكال من جهتين:

الجهة الأولى: ظهور تعاريف للصحيح والحسن أدى للفصل بينهما، وقصر بعضها على معنى دون آخر، مما يتباين مع كثير من إطلاقات الأئمة.

الجهة الثانية: ضعف استقراء أحكام الترمذي في كتابه "الجامع"، وبالتالي لا تنضبط مع تصرفات الترمذي واستعمالاته.

والذي يظهر لي من خلال تتبعي لصنيع الترمذي في الأحاديث التي حكم عليها بحسن صحيح؛ أنه يعني بـ "حسن صحيح": أن هذا الخبر ثابت عنده ومقبول؛ سواء كان بأصح إسناد، أو جمع أدنى شروط القبول، فكلاهما -وما بينهما- يحكم عليه بذلك.

وهذه أنواع من الأمثلة تدل على ما ذهبت إليه:

أولا: أحاديث متفق على صحتها، وأسانيدها في أعلى درجات الصحة؛ كمالك عن نافع عن ابن عمر، والزهري عن سالم عن أبيه، وهذا كثير جدا مع ظهوره، ولذا سوف أذكر أمثلة مختلفة بعض الشيء:

ص: 81

قال أبو عيسى: (4 - حدثنا هنّاد قال: حدثنا عبدة بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر، عن محمد بن يحيى بن حَبّان، عن عمه واسع بن حَبّان، عن ابن عمر قال: رقيت يوما على بيت حفصة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة.

هذا حديث حسن صحيح).

قلت: وهذا حديث صحيح جدا، ولذا اتفق الشيخان على صحته

(1)

.

قال أبو عيسى: (5 - حدثنا أحمد بن عبدة الضبي البصري، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء، قال:"اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث".

هذا حديث حسن صحيح).

قلت: وهذا إسناد صحيح جدا، وهو مشهور عن عبد العزيز بن صهيب، ورواه أبو عيسى قبل ذلك عن قتيبة وهنّاد، عن وكيع، عن شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب به، وقال:(حديث أنس أصح شيء في هذا الباب وأحسن).

وقال أبو عيسى: (14 - حدثنا محمد بن أبي عمر المكي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد اللّه بن أبي قتادة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه.

وفي الباب عن عائشة، وسلمان، وأبي هريرة، وسهل بن حنيف.

هذا حديث حسن صحيح).

(1)

"صحيح البخاري"(148)"صحيح مسلم"(266) من طريق عبيد الله بن عمر به.

ص: 82

قلت: وهذا الحديث إسناده صحيح جدا، ورجاله من الثقات المشاهير، ولذا اتفق الشيخان على صحته

(1)

.

وقال أبو عيسى: (15 - حدثنا هنّاد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: قيل لسلمان: قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء، حتى الخِرَاءة، فقال سلمان: أجل نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو ببول، أو أن نستنجي باليمين، أو يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو نستنجي برجيع أو بعظم.

وفي الباب عن عائشة، وخزيمة بن ثابت، وجابر، وخلاد بن السائب، عن أبيه.

وحديث سلمان حديث حسن صحيح).

قلت: هذا الحديث صحيح جدا، ورجاله من الثقات المشاهير، وقد خرجه مسلم

(2)

.

وقال أبو عيسى: (71 - حدثنا هنّاد وقتيبة وأبو كريب، قالوا: حدثنا وكغ، عن الأعمش، قال: سمعت مجاهدا يحدث، عن طاووس، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين، فقال:"إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير؛ أما هذا فكان لا يستتر من بوله، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة".

وفي الباب عن زيد بن ثابت، وأبي بكرة، وأبي هريرة، وأبي موسى، وعبد الرحمن ابن حَسَنة.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وروى منصور هذا الحديث، عن مجاهد، عن ابن عباس، ولم يذكر فيه: عن طاووس، ورواية الأعمش أصح.

(1)

"صحيح البخاري"(153)"صحيح مسلم"(267) من طريق يحيى بن أبي كثير به.

(2)

"صحيح مسلم"(262) من طريق أبي معاوية ووكيع، كلاهما عن الأعمش به.

ص: 83

وسمعت أبا بكر محمد بن أبان، يقول: سمعت وكيعا، يقول: الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور).

قلت: هذا إسناد صحيح جدا، وقد خرجه الشيخان من حديث الأعمش به

(1)

.

وقد بين أبو عيسى أن رواية الأعمش أصح من واية منصور في هذا الخبر، مع أن منصورا ثقة ثبت، فعلى هذا تكون رواية الأعمش في الدرجة العليا من الصحة.

والأمثلة على هذا كثيرة جدا، أكتفي بما تقدم.

ثانيا: هناك سلاسل هي دون ما سبق في الصحة، حكم عليها جمع من أهل العلم بالحسن، وحكم عليها أبو عيسى بالصحة.

منها: حديث سماك بن حرب، سواء كان ذلك من روايته عن الصحابة؛ كروايته عن جابر بن سمرة، أو عن التابعين كمصعب بن سعد

(2)

، بل حتى في روايته عن عكرمة عن ابن عباس، التي تكلم فيها غير واحد من أهل العلم:

قال أبو عيسى: (66 - حدثنا قتيبة، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة، فأراد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه، فقالت: يا رسول اللّه، إني كنت جنبا، فقال:"إن الماء لا يجنب".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح).

(1)

"صحيح البخاري"(6052)، "صحيح مسلم"(292).

(2)

ينظر أمثلة لما تقدم: (336، 513، 540)، (226، 1255)، (1531، 2989 - 2990، 3220).

ص: 84

وقال أبو عيسى: (332 - حدثنا قتيبة، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة.

قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح).

وقال أبو عيسى: (696 - حدثنا قتيبة، قال: حدثا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا قبل رمضان، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حالت دونه غياية فأكملوا ثلاثين يوما".

قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح، وقد روي عنه من غير وجه)

(1)

.

ومنها: حديث محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، فإنه صحح عدة أحاديث بهذه السلسلة:

قال أبو عيسى: (1283 - حدثنا هناد، قال: حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة.

حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح).

وقال أبو عيسى: (1912 - حدثنا أبو كريب، حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع، والمجثّمة، والحمار الإنسي.

هذا حديث حسن صحيح)

(2)

.

(1)

وينظر أيضا: (1322، 1555، 3220).

(2)

وينظر أيضا: (22، 691، 2232، 2480).

ص: 85

ثالثا: هناك درجة دون ما سبق أيضا، وهي التي اختلف أهل العلم في قبولها، فقبلها بعض النقاد وردّها آخرون.

منها: حديث عبد اللّه بن محمد بن عقيل:

قال أبو عيسى: (129 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عامر العقدي، قال: حدثنا زهير بن محمد، عن عبد اللّه بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن أمه حمنة ابنة جحش قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول اللّه، إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما تأمرني فيها؛ قد منعتني الصيام والصلاة، قال:"أنعت لك الكرسف؛ فإنه يذهب الدم"

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح).

وقال أبو عيسى: (1144 - حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا ابن جريج، عن عبد اللّه بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد اللّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر".

هذا حديث حسن صحيح).

وقال أبو عيسى: (3959 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عامر العقدي، قال: حدثنا زهير بن محمد، عن عبد اللّه بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا، فأحسنها وأكملها وأجملها، وترك منها موضع لبنة، فجعل الناس يطوفون بالبناء ويعجبون منه، ويقولون: لو تم موضع تلك اللبنة، وأنا في النبيين موضع تلك اللبنة".

3960 -

وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم، غير فخر".

ص: 86

هذا حديث حسن صحيح غريب).

ومنها: حديث شريك بن عبد الله القاضي:

قال أبو عيسى: (2864 - حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، ابن ابنة السدي، قال: حدثنا شريك بن عبد اللّه، عن منصور بن المعتمر، عن رِبْعي ابن حِرَاش، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لا تكذبوا علي، فإنه من كذب علي يلج النار".

حديث علي بن أبي طالب حديث حسن صحيح).

ومنها: حديث محمد بن إسحاق

(1)

، ويزيد بن أبي زياد

(2)

، وعلي بن زيد بن جُدعان

(3)

، فقد صحح لهم بعض الأحاديث دون بعض.

رابعا: وهناك درجة من الإسناد بعض رواتها ليس بالمشهور، وحكم عليها أبو عيسى بالصحة:

قال أبو عيسى: (1194 - حدثنا قتيبة، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن حجاج بن حجاج الأسلمي، عن أبيه، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللّه، ما يذهب عني مذمة الرضاع؟ فقال:"غرة: عبد أو أمة".

هذا حديث حسن صحيح

(4)

.

هكذا رواه يحيى بن سعيد القطان وحاتم بن إسماعيل وغير واحد،

(1)

ومن الأحاديث التي صححها له الترمذي: (23، 116، 156، 189).

(2)

ومن الأحاديث التي صححها له الترمذي: (115، 790، 3843، 4111، 4122 - 4121).

(3)

ومن الأحاديث التي صححها له الترمذي: (110، 553، 1186).

(4)

في "التحفة"(3295): (صحيح) فقط، وينظر:"العلل الكبير" للترمذي (293).

ص: 87

عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن حجاج بن حجاج، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وروى سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن حجاج بن أبي حجاج، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وحديث ابن عيينة غير محفوظ، والصحيح ما روى هؤلاء عن هشام بن عروة، عن أبيه.

وهشام بن عروة يكنى: أبا المنذر، وقد أدرك جابر بن عبد اللّه، وابن عمر).

قلت: هذه الترجمة ليست بالمشهورة، وأعني (ابن حجاج عن أبيه)، ولعلها لم يرو بها إلا هذا الحديث.

حجاج بن حجاج الأسلمي ليس بالمشهور، وهو مقل، سكت عنه البخاري

(1)

، وابن أبي حاتم

(2)

، ووثقه العجلي

(3)

وابن حبان

(4)

- وفق منهجهما في التوثيق -.

وقال أبو عيسى: (1234 - حدثنا أحمد بن محمد، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن حمزة بن عبد اللّه بن عمر، عن ابن عمر قال: كانت تحتي امرأة أحبها، وكان أبي يكرهها، فأمرني أن أطلقها، فأبيت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا عبد الله بن عمر، طلق امرأتك".

هذا حديث حسن صحيح، إنما نعرفه من حديث ابن أبي ذئب).

قلت: هذا الحديث في إسناده الحارث بن عبد الرحمن، خال ابن أبي

(1)

"التاريخ الكبير"(2/ 371).

(2)

"الجرح والتعديل"(3/ 157).

(3)

"الثقات"(265).

(4)

"الثقات"(4/ 153).

ص: 88

ذئب، وهو لي بالمشهور جدا، وقد ذكر ابن سعد

(1)

وأبو أحمد الحاكم

(2)

أن محمد بن أبي ذئب تفرد عنه بالرواية.

وهو قليل الحديث، قاله ابن سعد

(3)

.

وقال أبو عيسى: (1261 - حدثنا يحيى بن خلف، قال: حدثنا بشر ابن المفضَّل، عن عبد اللّه بن عثمان بن خُثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، عن جده، أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون، فقال:"يا معشر التجار"، فاستجابوا لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال:"إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا، إلا من اتقى الله وبر وصدق".

هذا حديث حسن صحيح).

عبد اللّه بن عثمان بن خُثيم مختلف فيه، وإسماعيل بن عبيد ليس بالمشهور.

وقال أبو عيسى: (1376 - حدثنا عباس بن محمد الدُّوري، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: حدثنا إسرائيل، عن زيد بن عطاء بن السائب، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "غفر الله لرجل كان قبلكم، كان سهلا إذا باع، سهلا إذا اشترى، سهلا إذا اقتضى".

هذا حديث غريب حسن صحيح من هذا الوجه)

(4)

.

زيد بن عطاء بن السائب ليس بالمشهور، قال أبو حاتم: ليس بالمعروف

(5)

. وذكره ابن حبان في "الثقات"

(6)

وفق منهجه.

(1)

"الطبقات الكبير"(7/ 484).

(2)

"تهذيب الكمال"(5/ 256).

(3)

"الطبقات الكبير"(7/ 484).

(4)

"جامع الترمذي"(1376).

(5)

"الجرح والتعديل"(3/ 570).

(6)

(6/ 316).

ص: 89

وقد خرجه البخاري في "صحيحه"

(1)

، ولكن من وجه آخر، فقال: (حدثنا علي بن عياش، حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف، قال: حدثني محمد بن المنكدر به. ولفظه: "رحم الله رجلا سهلا إذا باع

") الحديث.

ولا يقال: إن الترمذي إنما أراد الحكم على أصل الحديث؛ لأنَّه قد قال: (حسن صحيح غريب من هذا الوجه)، فإذًا قصده هذا الوجه من الحكم.

وقال أبو عيسى: (1343 - حدثنا أبو عمار الحسين بن حُريث الخزاعي، قال: أخبرنا الفضل بن موسى، عن صالح بن أبي جبير، عن أبيه، عن رافع بن عمرو قال: كنت أرمي نخل الأنصار، فأخذوني فذهبوا بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا رافع، لمَ ترمي نخلهم؟ " قال: قلت: يا رسول اللّه، الجوع. قال:"لا ترم، وكل ما وقع، أشبعك الله وأرواك".

هذا حديث حسن غريب صحيح).

قلت: صالح بن أبي جبير وأبوه، فيهما جهالة.

قلت: والكلام في هذا يطول، والأمثلة كثيرة جدا، وما تقدم فيه البيان الواضح على أن الترمذي يستعمل "حسن صحيح" ويعني به: أن هذا الخبر ثابت عنده؛ سواء كان بأصح إسناد، أو جمع أدنى شروط القبول.

وقد يرد على هذا التقرير بعض الأمثلة، أذكرها وأجيب عنها:

قال أبو عيسى: (2788 - حدثنا محمد بن عمر بن الوليد الكندي الكوفي، قال: حدثنا المفضَّل بن صالح، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "اشتكت النار إلى ربها وقالت:

(1)

(2076).

ص: 90

أكل بعضي بعضا، فجعل لها نَفَسين، نفسا في الشتاء، ونفسا في الصيف، فأما نفسها في الشتاء فزمهرير، وأما نفسها في الصيف فسموم".

هذا حديث حسن صحيح، قد روي عن أبي هريرة من غير وجه.

والمفضل بن صالح ليس عند أهل الحديث بذلك الحافظ).

فهنا قال: (حسن صحيح)، مع قوله عن المفضَّل:(ليس عند أهل الحديث بذلك الحافظ)، وقال عنه البخاري:(منكر الحديث)؛ فيفهم منه خلاف ما سبق تقريره؛ من أنه يستعمل (حسن صحيح) في الخبر الثابت عنده.

والجواب: أن الشاذ لا حكم له، ولعل الترمذي يقصد أصل الحديث، ولذا قال:(قد روي عن أبي هريرة من غير وجه). واللّه أعلم.

وقال أبو عيسى: (2907 - حدثنا أبو حاتم البصري مسلم بن حاتم، قال: حدثنا محمد بن عبد اللّه الأنصاري، عن أبيه، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، قال: قال أن: قال لي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلم، يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك".

هذا حديث حسن صحيح غريب)

(1)

.

قال أبو عيسى: (علي بن زيد صدوق، إلا أنه ربما يرفع الشيء الذي يوقفه غيره، سمعت محمد بن بشار، يقول: قال أبو الوليد: قال شعبة: حدثنا علي بن زيد وكان رفاعا)

(2)

.

قلت: لم يصرح أبو عيسى بتضعيف علي بن زيد تصريحا بينا، وإنما أشار إلى ضعفه، وقد تقدم أن أبا عيسى يقتصد في ألفاظ الجرح.

(1)

وينظر: "جامع الترمذي"(596، 2886)، "تحفة الأشراف"(865).

(2)

"جامع الترمذي"(2886).

ص: 91

وتصحيحه لهذا الحديث قد يحمل على ما تقدم تقريره: أن الخبر الثابت عنده ولو بأدنى درجات القبول يقول عنه: حسن صحيح، وهو الذي يقال عنه عند غيره: إسناده صالح، لا بأس به، فتصحيحه لهذا الحديث من هذا الباب.

ومثله شريك بن عبد اللّه القاضي، فقد تكلم فيه وقال:(وشريك كثير الغلط)

(1)

، ومع ذلك صحح له عدة أحاديث

(2)

.

والجواب عن ذلك:

أنه عندما صحح له يكون مما استقام من حديثه وحفظه، وعندما تكلم فيه يكون مما أخطأ فيه.

وأحيانا قد يتوقف فيه فلا يصحح حديثه، كما أنه لا ينص على ضعفه، وإنما يكتفي بتحسينه.

* * *

(1)

(1/ 304).

(2)

ينظر: (108، 527، 2664).

ص: 92

‌الفصل الثالث ما يلحق بـ "حسن صحيح"

قوله: (إسناد جيد):

قال الترمذي: (حدثنا عبد اللّه بن أبي زياد، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال: حدثني ابن أخي ابن شهاب، عن عمه، عن سعيد ابن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إن المرأة كالضلع إن ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها استمتعت بها على عوج".

وفي الباب عن أبي ذر، وسمرة، وعائشة.

حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، غريب من هذا الوجه، وإسناده جيد)

(1)

.

وقال الترمذي: (حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري والحسين بن الحسن المروزي بمكة، قالا: حدثنا الأحوص بن جوّاب، عن سُعير بن الخِمس، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من صُنع إليه معروفٌ فقال لفاعله: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء".

هذا حديث حسن جيد غريب، لا نعرفه من حديث أسامة بن زيد إلا من هذا الوجه، وقد روي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

(1)

"جامع الترمذي" طبعة شاكر وبشار (1188).

وليست توجد هذه الزيادة: (وإسناده جيد) في طبعة التأصيل (1233) والرسالة (1225)، ولا في "تحفة الأشراف"(13247)، وهو الصحيح.

ص: 93

قال: وسألت محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه)

(1)

.

* * *

وجاء في بعض المواضع القليلة -على اختلاف بين النسخ- الحكم بـ "صحيح حسن":

1 -

قال الترمذي: (حدثنا بندار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت ابن أبى ليلى يحدث، أن حذيفة استسقى، فأتاه إنسان بإناء من فضة، فرماه به وقال: إني كنت قد نهيته فأبى أن ينتهي، إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة، ولبس الحرير والديباج، وقال:"هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة".

وفي الباب عن أم سلمة، والبراء، وعائشة.

هذا حديث صحيح حسن)

(2)

.

هكذا في أكثر النسخ، وفي نسخةٍ:(حسن صحيح)، وهكذا في "تحفة الأشراف"

(3)

.

2 -

وقال الترمذي: (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد اللّه، قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.

هذا حديث صحيح حسن)

(4)

.

(1)

"جامع الترمذي"(2166)، وفي "تحفة الأشراف" (103):(هذا حديث حسن صحيح غريب)، وفي "تحفة الأحوذي" (6/ 186):(هذأ حديث جيد غريب).

(2)

"جامع الترمذي"(1999).

(3)

(3373)، وينظر: هامش تحقيق طبعة الرسالة (4/ 17).

(4)

"جامع الترمذي"(2051).

ص: 94

هكذا في أكثر النسخ، وفي بعض النسخ:(حسن صحيح)

(1)

.

وإذا ثبتت هذه اللفظة عن الترمذي؛ فهي بمعنى (حسن صحيح)، وتكون المغايرة من باب التفنن في العبارة، والدليل على ذلك: أن أبا عيسى قد خرج بالإسناد السابق نفسه حديث "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله"، وقال عنه:(حسن صحيح)

(2)

، فقال الترمذي رحمه الله:

(حدثنا بُندار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: حدثنا قيس بن أبي حازم، قال: حدثني جرير بن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله".

هذا حديث حسن صحيح.

وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف، وأبي سعيد، وابن عمر، وأبي هريرة، وعبد اللّه بن عمرو)

(3)

.

3 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو بكر الحنفي، قال: حدثنا الضحاك بن عثمان قال: حدثني سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد، عن زيد بن خالد الجهني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة، فقال:"عرفها سنة، فإن اعترفت فأدِّها، وإلا فاعرف عِفَاصَها ووِكاءَها وعددها، ثم كلها، فإذا جاء صاحبها فأدِّها".

هذا حديث صحيح حسن، غريب من هذا الوجه.

وقال أحمد بن حنبل: أصح شيء في هذا الباب هذا الحديث)

(4)

.

(1)

ينظر: هامش تحقيق طبعة الرسالة (4/ 52).

(2)

مع أن هذا الحديث روي في بعض المصادر - كـ "مسند أحمد"(19468، 19568) - مقرونا مع الحديث الذي قبله بإسناد واحد.

(3)

"جامع الترمذي"(2047).

(4)

"جامع الترمذي"(1437).

ص: 95

وهذا أيضا وقع فيه اختلاف بين النسخ

(1)

، والقول فيه كالقول في سابقه.

4 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة، فقال له:"اركبها"، فقال: يا رسول الله، إنها بدنة، قال له في الثالثة أو في الرابعة:"اركبها ويحك -أو ويلك-".

وفي الباب عن علي، وأبي هريرة، وجابر.

حديث أن حديث صحيح حسن)

(2)

.

قلت: أخرجه البخاري عن قتيبة به

(3)

.

والذي يظهر أن "صحيح حسن" بمعنى "حسن صحيح"، إذًا لماذا غاير بينهما في اللفظ؟ الذي يظهر أن هذا من باب التفنن.

* * *

(1)

في "تحفة الأشراف"(3748) و"تحفة الأحوذي"(4/ 625): (حسن صحيح، غريب من هذا الوجه)، ومثله وقع في بعض النسخ، كما في هامش تحقيق طبعة الرسالة (3/ 208)، وفي طبعة أحمد شاكر (1373):(حسن غريب من هذا الوجه).

(2)

"جامع الترمذي"(929)، وفي "تحفة الأشراف" (1437):(حسن صحيح).

(3)

"صحيح البخاري"(2754).

ص: 96

مصطلح "حسن غريب صحيح"

ص: 97

‌مصطلح "حسن غريب صحيح"

في هذا المبحث سوف أبين بمشيئة الله مقصود الترمذي من هذا المصطلح، ولذا سوف أستعرض ما حكم عليه الترمذي بذلك بالدراسة، ومن خلال ذلك سوف يتبين مقصوده، مع ملاحظة أن نسخ "الجامع" قد وقع بينها بعض الاختلاف في ذلك.

وسوف أبدأ أولا بطبعتي أحمد شاكر - فيما حققه وعلق عليه من الأحاديث - وبشار عواد

(1)

.

1 -

قال أبو عيسى: (حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن القاسم بن الفضل، قال: حدثنا أبو نضرة العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى تكلّم السباعُ الإنسَ، وحتى تكلم الرجلَ عذبةُ سوطه، وشراكُ نعله، ويخبره فخذه بما أحدث أهله من بعده".

وفي الباب: عن أبي هريرة.

وهذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل، والقاسم بن الفضل ثقة مأمون عند أهل الحديث، وثقه يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي)

(2)

.

وفي "التحفة"

(3)

: (حسن غريب صحيح)، وكذا في طبعة الرسالة

(4)

والتأصيل.

(1)

النص المثبت هو نص طبعة دار التأصيل - الطبعة الثانية -، عدا الأحكام فهي على طبعة بشار عواد، والعزو إلى الرقم في طبعة التأصيل.

(2)

"جامع الترمذي"(2335).

(3)

(4371).

(4)

(2322).

ص: 99

ورواه أحمد في "مسنده"

(1)

فقال: (حدثنا يزيد، أخبرنا القاسم بن الفضل الحُدّاني، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: عدا الذئب على شاة فأخذها، فطلبه الراعي فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه، قال: ألا تتقي الله، تنزع مني رزقا ساقه الله إلي، فقال: يا عجبي! ذئب مُقعٍ على ذنبه يكلمني كلام الإنس، فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك: محمد صلى الله عليه وسلم بيثرب، يخبر الناس بأنباء ما قد سبق، قال: فأقبل الراعي يسوق غَنْمه، حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي: الصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للراعي: "أخبرهم"، فأخبرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى يكلم السباعُ الإنس، ويكلم الرجلَ عذبةُ سوطه، وشراكُ نعله، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده").

ورواه البيهقي في "دلائل النبوة"

(2)

فقال: (أخبرنا أبو محمد جَناح بن نذير بن جَناح القاضي بالكوفة، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دُحيم الشيباني، حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غَرَزَة، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا القاسم بن الفضل الحُدّاني، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: بينما راع يرعى بالحَرَّة إذ عرض ذئب لشاة من شياهه، فحال الراعي بين الذئب والشاة، فأقعى الذئب على ذنبه، ثم قال للراعي: ألا تتقي الله، تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي، فقال الراعي: العجب من ذئب مقع على ذنبه يتكلم بكلام الإنس، فقال الذئب: ألا أحدثك بأعجب مني! رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق، فساق الراعي شاة حتى أتى المدينة، فزوى إلى زاوية من زواياها، ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بحديث الذئب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس، فقال للراعي: "قم

(1)

(11792).

(2)

(6/ 41).

ص: 100

فأخبرهم"، قال: فأخبر الناس بما قال الذئب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق الراعي، ألا إنه من أشراط الساعة كلام السباع للإنس، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلمَ السباعُ الإنسَ، ويكلم الرجلَ شراكُ نعله، وعذبةُ سوطه، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده".

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس بن بكير، عن القاسم بن الفضل، حدثنا أبو نضرة العبدي، عن أبي سعيد الخدري، فذكره بنحوه.

هذا إسناد صحيح، وله شاهد من وجه آخر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه).

قلت: وأنا أذهب إلى ما ذهب إليه أبو عيسى الترمذي وأبو بكر البيهقي من صحة هذا الخبر، وأنه كما قال أبو عيسى:(لا يعرف إلا من حديث القاسم بن الفضل)، ولذا حكم بغرابته، وقول الترمذي:(حسن غريب صحيح) يريد به تصحيح هذا الخبر، وأنه مساوٍ لقوله:(حسن صحيح غريب).

2 -

قال أبو عيسى: (باب ما جاء في فضل الخدمة في سبيل الله. حدثنا محمد بن رافع، قال: حدثنا زيد بن حباب، قال: حدثنا معاوية ابن صالح، عن كثير بن الحارث، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن عدي بن حاتم الطائي، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الصدقة أفضل؟ قال: "خدمة عبد في سبيل الله، أو ظل فسطاط، أو طَروقَةُ فحلٍ في سبيل الله".

وقد روي عن معاوية بن صالح هذا الحديث مرسلا، وخولف زيد في بعض إسناده.

وروى الوليد بن جميل هذا الحديث، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 101

حدثنا بذلك زياد بن أيوب، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا الوليد بن جميل، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل الله، ومنيحة خادم في سبيل الله، أو طَروقةُ فحلٍ في سبيل الله".

هذا حديث حسن صحيح غريب، وهو أصح عندي من حديث معاوية ابن صالح)

(1)

.

وفي "التحفة"

(2)

: (حسن غريب صحيح)، وكذا في طبعة الرسالة

(3)

والتأصيل، وهو الصواب.

وقال أبو عيسى أيضا في "العلل الكبير"

(4)

: (حدثنا محمد بن رافع، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا معاوية بن صالح، عن كثير بن الحارث، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عدي بن حاتم، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الصدقة أفضل؟ فقال:"خدمة عبد في سبيل الله، أو ظل فسطاط، أو طَروقةُ فحلٍ في سبيل الله".

سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: رواه عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن كثير بن الحارث، عن القاسم بن عبد الرحمن، أن عدي بن حاتم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرسل.

ورواه الوليد بن جميل الفلسطيني، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة.

قال محمد: ولا أعرف أحدا روى عن الوليد بن جميل غير يزيد بن هارون وهاشم بن القاسم، والوليد بن جميل مقارب الحديث).

(1)

"جامع الترمذي"(1732 - 1733).

(2)

(4905).

(3)

(3/ 440).

(4)

(492 - 493).

ص: 102

أما حديث عدي بن حاتم، فأخرجه الطبراني في "الكبير"

(1)

و"الأوسط"

(2)

و"مسند الشاميين"

(3)

، والحاكم

(4)

، من طريق معاوية بن صالح، عن كثير بن الحارث، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عدي بن حاتم الطائي به.

قال الطبراني: (لا يروى هذا الحديث عن عدي بن حاتم إلا بهذا الإسناد، تفرد به معاوية).

وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه).

وأما حديث أبي أمامة، فأخرجه الطبراني في "الكبير"

(5)

، وابن عدي في "الكامل"

(6)

.

قلت: والذي يظهر لي أن المقصود بقول الترمذي: (حسن غريب صحيح) أنه بمعنى (حسن صحيح غريب)، والدليل على ذلك: أن الترمذي خرّج حديثا عن محمد بن عبد الأعلى، عن سلمة بن رجاء، عن الوليد بن جميل، عن القاسم، عن أبي أمامة: ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم

الحديث. وقال: (حسن صحيح غريب)

(7)

.

نعم؛ خرج الترمذي حديثا آخر بنفس الإسناد، فقال: (حدثنا زياد بن أيوب، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا الوليد بن جميل، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة دموع من خشية الله، وقطرة دم

(1)

(17/ 105).

(2)

(3296).

(3)

(1940).

(4)

"المستدرك"(2452).

(5)

(7916).

(6)

(10/ 278).

(7)

"جامع الترمذي"(2893)، وكذا في "تحفة الأشراف"(4907)، وفي طبعة التأصيل والرسالة (5/ 620):(حسن غريب صحيح)، وفي طبعة أحمد شاكر:(غريب) فقط.

ص: 103

تُهراق في سبيل الله، وأما الأثران: فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله". هذا حديث حسن غريب)

(1)

. ولم يصححه.

والجواب عن ذلك: أن هذا قد يكون من باب الاختلاف في الاجتهاد، أو أنه قد أنكر شيئا في متنه، والعلم عند الله تعالى.

والوليد بن جميل قد اختلف فيه، والراجح أنه صدوق، وهذا هو اختيار الترمذي؛ لأنه نقل عن البخاري أنه قال عنه: مقارب الحديث. كما تقدم. وأما استغراب الترمذي له، فلتفرد القاسم به.

وقد جاء من طريق آخر في "مسند أحمد"

(2)

من زوائد ابنه عبد الله؛ قال عبد الله: (وجدت في كتاب أبي بخط يده - وأظن أني قد سمعته أنا من الحكم -: حدثنا الحكم بن موسى، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن مُطَّرِح بن يزيد الكناني، عن عبيد الله بن زَحْر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الصدقة أفضل؟ قال:"ظل فسطاط في سبيل الله، أو خدمة خادم في سبيل الله، أو طَروقةُ فحلٍ في سبيل الله".

قلت: وهذا إسناد واهٍ مطَّرحٌ، نُقل الإجماع على ضعفه

(3)

، وعبيد الله ابن زَحْر وعلي بن يزيد لا يحتج بهما، ولكنه يقوي الإسناد السابق، كما أن الإسناد السابق يقويه؛ لأنه يدل على أن هؤلاء الضعفاء قد حفظوا هذا الخبر، فيزداد هذا الخبر قوة بهذين الإسنادين.

(1)

"جامع الترمذي"(1776).

(2)

(22321).

(3)

ينظر: "تهذيب الكمال"(28/ 60) و"إكمال تهذيب الكمال"(11/ 226).

ص: 104

3 -

قال أبو عيسى: (حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: حدثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: أخبرني ابن أبي مليكة، أن حميد ابن عبد الرحمن بن عوف أخبره، أن مروان بن الحكم قال: اذهب يا رافع - لبوّابه - إلى ابن عباس فقل له: لئن كان كل امرئ فرحا بما أوتي، وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا، لنعذبنّ أجمعون. فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟! إنما أنزلت هذه في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 187] وتلا {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران:188]. قال ابن عباس: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه وأخبروه بغيره، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما قد سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أوتوا من كتابهم وما سألهم عنه. هذا حديث حسن صحيح غريب)

(1)

.

وفي "تحفة الأشراف"

(2)

، وطبعة الرسالة

(3)

والتأصيل: (حسن غريب صحيح).

وأخرجه البخاري

(4)

عن محمد بن مقاتل، ومسلم

(5)

عن زهير بن حرب وهارون بن عبد الله، والنسائي في "الكبرى"

(6)

عن الحسن بن محمد الزعفراني ويوسف بن سعيد بن مسلم، خمستهم عن حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أخبره أن مروان به.

وأخرجه البخاري

(7)

عن إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، أن ابن

(1)

"جامع الترمذي"(3279).

(2)

(5414).

(3)

(3261).

(4)

"صحيح البخاري"(4568).

(5)

"صحيح مسلم"(2778).

(6)

(11196).

(7)

"صحيح البخاري"(4568).

ص: 105

جريج أخبرهم، عن ابن أبي مليكة، أن علقمة بن وقاص أخبره، أن مروان قال

فذكره. وقال: (تابعه عبد الرزاق عن ابن جريج).

قلت: فتبين مما تقدم صحة هذا الخبر كما ذهب إليه الشيخان، وعلى هذا يكون قول الترمذي:(حسن غريب صحيح) يريد به صحة هذا الخبر.

4 -

قال أبو عيسى: (حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس، قال: حدثنا عثمان ابن عمر ويحيى بن كثير أبو غسان العنبري، قالا: حدثنا معاذ ابن العلاء، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع، فلما أتخذ المنبر حن الجذع حتى أتاه فالتزمه فسكن.

وفي الباب: عن أنس، وجابر، وسهل بن سعد، وأبي بن كعب، وابن عباس، وأم سلمة.

قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن غريب صحيح.

ومعاذ بن العلاء، هو بصري، وهو أخو أبي عمرو بن العلاء)

(1)

.

هكذا في النسخ المطبوعة

(2)

: (حسن غريب صحيح)، وفي "التحفة"

(3)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: هذا الحديث صحيح، فقد رواه البخاري في كتابه "الصحيح"

(4)

من طريق (يحيى بن كثير، قال: حدثنا أبو حفص - واسمه: عمر بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء -، قال: سمعت نافعا، عن ابن عمر رضي الله عنهما، كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع فأتاه فمسح يده عليه.

(1)

"جامع الترمذي"(511).

(2)

طبعة بشار (505)، وأحمد شاكر (505)، والتأصيل (511)، والرسالة (510).

(3)

(8449).

(4)

(3583).

ص: 106

وقال عبد الحميد: أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا معاذ بن العلاء، عن نافع بهذا. ورواه أبو عاصم، عن ابن أبي روّاد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم).

قلت: وأما الاختلاف الذي وقع في اسم معاذ بن العلاء وأنه عمر، فالصواب معاذ

(1)

، وهو ثقة، فقد وثقه يحيى بن معين

(2)

، وذكره ابن حبان في "الثقات"

(3)

، وروى عنه يحيى بن سعيد القطان

(4)

، وهو غالبا لا يروي إلا عن ثقة.

وأما من قال إنهما أخوان معاذ وعمر، وكلاهما قد رويا هذا الحديث عن نافع

(5)

، فهذا بعيد.

فتبين أن مراد الترمذي بقوله: (حسن غريب صحيح) هو صحة هذا الخبر.

وأما حكم أبي عيسى على هذا الحديث بالغرابة؛ فلتفرد معاذ بن العلاء بروايته عن نافع، وإن كان قد تابعه عبد العزيز بن أبي روّاد - كما ذكره البخاري - فغرابته باقية؛ لأن المشهورين من أصحاب نافع - كمالك وعبيد الله بن عمر وغيرهما - لم تنقل عنهم روايته، ولكن الخبر صحيح كما تقدم، وقد جاءت قصة حنين الجذع عن جمع من الصحابة.

5 -

قال أبو عيسى: (حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: حدثنا خالد بن الحارث، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني عدي بن ثابت

(1)

ينظر: "تهذيب التهذيب"(7/ 487).

(2)

"تاريخ ابن معين" رواية ابن محرز (1/ 101).

(3)

(7/ 482).

(4)

ينظر: "تهذيب الكمال"(28/ 128).

(5)

ينظر: "الفتح" لابن حجر (6/ 602).

ص: 107

وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، ذكر أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر أن جبريل جعل يدس في في فرعون الطين خشية أن يقول: لا إله إلا الله، في رَحْمَة الله، أو خشية أن يرحمه. هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه)

(1)

.

قلت: هذا الحديث قال عنه أبو عيسى: (حسن صحيح غريب)، كما في طبعة د. بشار، والرسالة

(2)

.

وأما في "تحفة الأشراف"

(3)

فلم ينقل المزي عن الترمذي شيئا في الحكم على هذا الحديث، ولكن محقق الكتاب وضع بين حاصرتين:(حسن غريب صحيح)، فتكون هذه الزيادة منه، ويظهر أنه وقف عليها في بعض النسخ، ولا يخفى أن مثل هذا لا يكفي في كون الترمذي حكم على هذا الخبر بذلك، بل الأرجح أنه حكم عليه بقوله:(حسن صحيح غريب) كما تقدم، وهذا الحديث صحيح إلى ابن عباس، ولكن بقي: هل هو مرفوع أو موقوف؟

جزم شعبة برفعه عن أحدهما، والذي يظهر أن الذي رفعه هو عطاء، كما في رواية عمرو بن حكّام - عند ابن جرير

(4)

- عن شعبة، عن عطاء بن السائب، به مرفوعا.

وأخرجه أيضا

(5)

من طريق عمرو بن محمد العنقزي، عن شعبة، عن عطاء به كذلك، ولكن وقع عنده: عن عطاء، عن عدي بن ثابت. وهذا خطأ، ولعله عن عطاء وعدي، كما تقدم.

(1)

"جامع الترمذي"(3387).

(2)

(3367).

(3)

(5561). وفي طبعة التأصيل: (حسن غريب صحيح)، وذكروا أنه وقع في بعض النسخ:(حسن صحيح غريب من هذا الوجه)، وفي بعضها:(حسن غريب)، وفي بعضها:(حسن صحيح).

(4)

"تفسير الطبري"(12/ 277).

(5)

المصدر نفسه (12/ 276).

ص: 108

ولكن في طبعة التركي: (عن عطاء بن السائب وعن عدي بن ثابت).

وقالوا عن الواو: (سقط من النسخ، والمثبت هو الصواب كما في الحديث السابق).

وأخرجه أيضا

(1)

عن سفيان بن وكيع، عن أبيه، عن شعبة، عن عدي بن ثابت به موقوفا.

وأما ما رواه الحاكم

(2)

- وعنه البيهقي

(3)

- من طريق نضر بن شميل، عن شعبة، عن عدي بن ثابت، به مرفوعا.

فالجواب عنه ما قاله الحاكم - بعد أن صحح هذا الإسناد على شرط الشيخين - قال: (إلا أن أكثر أصحاب شعبة أوقفوه على ابن عباس).

فيكون الراجح من طريق عدي بن ثابت وقف هذا الخبر، وعدي لا شك أنه أوثق من عطاء.

ويؤيد الوقف ما رواه ابن جرير

(4)

من طريق عمر بن يعلى، عن سعيد بن جبير، به موقوفا.

وأما ما رواه الإمام أحمد

(5)

قال: حدثنا يونس، ثنا حماد - يعني ابن سلمة -، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، به مرفوعا.

وأخرجه الترمذي

(6)

وابن جرير الطبري

(7)

من طريق حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، به.

(1)

المصدر نفسه (12/ 277).

(2)

"المستدرك"(3303).

(3)

"شعب الإيمان"(8945).

(4)

"تفسير الطبري"(12/ 278).

(5)

"مسند أحمد"(2203).

(6)

"جامع الترمذي"(3386).

(7)

"تفسير الطبري"(12/ 277).

ص: 109

وجاء من طرق أخرى عن حماد به.

فالجواب عنه: أن علي بن زيد بن جدعان لا يحتج به، ولذا قال أبو عيسى عن هذا الإسناد:(هذا حديث حسن)، ولم يصححه.

وقد أخرجه ابن جرير

(1)

فقال: (حدثنا محمد بن عبد الأعلى، ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: أخبرني من سمع ميمون بن مهران .. )، فذكره مقطوعا على ميمون.

6 -

قال أبو عيسى: (حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فجاء أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا؟ ألم أنهك عن هذا؟ فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فزبره، فقال أبو جهل: إنك لتعلم ما بها نادٍ أكثر مني، فأنزل الله تبارك وتعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق: 17 - 18].

قال ابن عباس: والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله. هذا حديث حسن صحيح غريب.

وفيه: عن أبي هريرة)

(2)

.

قلت: هذا الحديث حكم عليه أبو عيسى: (حسن غريب صحيح) كما في "تحفة الأشراف"

(3)

وطبعة التأصيل، وأما في طبعة بشار

(4)

والرسالة

(5)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: هذا الحديث إسناده قوي، وقد توبع أبو خالد الأحمر؛ تابعه وهيب عند أحمد

(6)

، وعبد الوهاب بن عطاء وعبد الرحمن بن محمد المحاربي عند الحاكم

(7)

.

(1)

(12/ 277).

(2)

"جامع الترمذي"(3664).

(3)

(6082).

(4)

(3349).

(5)

(3643).

(6)

"المسند"(3044).

(7)

"المستدرك"(3855).

ص: 110

وجاء بنحوه من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن عكرمة به.

أخرجه البخاري

(1)

وقال: (تابعه عمرو بن خالد، عن عبيد الله - يعني ابن عمرو -، عن عبد الكريم).

وأخرجه أبو عيسى

(2)

قال: (حدثنا عبد بن حميد، قال: أخبرنا عبد الرزاق به). وقال: (حسن صحيح غريب)

(3)

. وفي "تحفة الأشراف"

(4)

: (حسن غريب صحيح)، فإن كان أبو عيسى حكم بذلك، فيكون من قبيل التفنن في العبارة؛ لأن هذا الخبر بهذا الإسناد صحيح، فهو عند أبي عيسى مساو لحكمه حسن صحيح.

وكذا يقال عن طريق أبي خالد الأحمر، عن داود بن أبي هند به. 7 - قال أبو عيسى: (حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي البصري، قال: حدثنا خالد بن الحارث، عن محمد بن عجلان، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة نفر، فأنزل الله تبارك وتعالى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128].

فهداهم الله للإسلام. هذا حديث حسن صحيح غريب، يُستغرب من هذا الوجه من حديث نافع، عن ابن عمر، ورواه يحيى بن أيوب، عن ابن عجلان)

(5)

.

كذا في طبعة بشار، وفي طبعة الرسالة

(6)

والتأصيل: (حسن غريب صحيح).

(1)

"صحيح البخاري"(4958).

(2)

"جامع الترمذي"(3663).

(3)

وكذا في طبعة الرسالة (3642).

(4)

(6148)، وكذا في طبعة التأصيل.

(5)

"جامع الترمذي"(3268).

(6)

(3250).

ص: 111

وأما في "تحفة الأشراف"

(1)

: (حسن صحيح، يستغرب من هذا الوجه من حديث نافع، عن ابن عمر). وزاد المحقق: (غريب)، أي: حسن (غريب) صحيح.

قلت: تبين لك أن نُسخ الترمذي اختلفت في حكمه على هذا الخبر، وكأن ما في "تحفة الأشراف" أرجح؛ وذلك لأن الترمذي بيَّن غرابة هذا الخبر بقوله: (يستغرب من هذا الوجه

)، وبالتالي لو قال عن الخبر من قبل:(حسن غريب صحيح) لما عاد واستغربه بعد ذلك؛ لأنه سيكون تكرارا منه، ولكن وجدته استعمل المسلك نفسه في حديث آخر - سيأتي ذكره قريبا -.

والخبر صحيح كما قال أبو عيسى، ولكنّه يستغرب فقط من طريق ابن عجلان، والدليل على صحته مجيئه من طرق أخرى عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه.

فقد أخرجه البخاري

(2)

بنحوه من طريق معمر، عن الزهري، عن سالم به.

وأخرجه أيضا

(3)

من طريق حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم، فذكره مرسلا.

ولكن في كلا اللفظين أنه كان يدعو على ثلاثة، وليس أربعة.

وأخرجه أبو عيسى

(4)

- قبل أن يذكر رواية ابن عجلان - من طريق عمر ابن حمزة، عن سالم، عن أبيه، به. ولكن فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك يوم أحد:"اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن صفوان بن أمية". ثم قال أبو عيسى: (هذا حديث حسن غريب، يستغرب من حديث عمر بن حمزة

).

(1)

(6780).

(2)

"صحيح البخاري"(4069).

(3)

"صحيح البخاري"(4070).

(4)

(3267).

ص: 112

قلت: وقوله: (يوم أحد) غير صحيح، ولم يأت في رواية الزهري.

وكذا ذكر أبي سفيان مع الذين يدعو عليهم غير صحيح؛ لأنه أيضا لم يأت في رواية الزهري.

وكذا ما جاء في رواية ابن عجلان من كونه صلى الله عليه وسلم كان يدعو على الأربعة فالصواب: (ثلاثة)، وأما باقي رواية ابن عجلان فهي صحيحة.

نعم؛ قد توبع من قبل أسامة بن زيد - وهو: الليثي - عند أحمد

(1)

، وليس فيه:(على أربعة نفر)، ومع ذلك فإن المشهور طريق سالم بن عبد الله بن عمر.

8 -

قال أبو عيسى: (حدثنا مسلم بن عمرو بن مسلم أبو عمرو الحذّاء المديني، قال: حدثني عبد الله بن نافع، عن ابن أبي الزِّناد، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بإخراج الزكاة قبل الغدو للصلاة يوم الفطر. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب)

(2)

.

هكذا في طبعة د. بشار، وفي "تحفة الأشراف"

(3)

وطبعة الرسالة

(4)

والتأصيل: (حسن غريب صحيح).

قلت: هذا الحديث جاء عن موسى بن عقبة من طرق؛ فقد رواه البخاري

(5)

من طريق حفص بن ميسرة.

ورواه مسلم

(6)

وأبو داود

(7)

والنسائي

(8)

من طريق زهير بن معاوية.

(1)

"المسند"(5997).

(2)

"جامع الترمذي"(683).

(3)

(8452).

(4)

(684).

(5)

"صحيح البخاري"(1509).

(6)

"صحيح مسلم"(986).

(7)

"السنن"(1610).

(8)

"السنن الكبرى"(2506).

ص: 113

ورواه الترمذي

(1)

من طريق عبد الرحمن بن أبي الزِّناد.

ورواه النسائي

(2)

من طريق فضيل بن سليمان.

كلهم عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، به.

وقد توبع موسى؛ تابعه عمر بن نافع مولى عبد الله بن عمر، عن أبيه، عند البخاري

(3)

وغيره.

وتابعه أيضا: الضحاك بن عثمان، عن نافع، عند مسلم

(4)

وغيره.

فهو حديث صحيح، والذي يعنينا هنا طريق الترمذي، فإسناد هذا الخبر جيد؛ عبد الرحمن بن أبي الزِّناد فيه بعض الكلام، والراجح أنه صدوق، وخاصة في رواية المدنيين عنه.

وعبد الله بن نافع مدني، وهو الصائغ، وهو أيضا فيه بعض الكلام، ولكنه صدوق.

وأما حكم الترمذي عليه بالغرابة، فالذي يظهر أنه من الوجه الذي خرجه الترمذي؛ لأن الحديث مشهور من حديث نافع كما تقدم.

ولا يظهر أن الترمذي يريد بقوله: (حسن غريب صحيح) معنى يخالف (حسن صحيح غريب) فيكون من باب التفنن في العبارة.

9 -

قال أبو عيسى: (حدثنا واصل بن عبد الأعلى الكوفي، قال: حدثنا محمد ابن فضيل، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يختارا".

قال: فكان ابن عمر إذا ابتاع بيعا وهو قاعد قام ليجب له.

(1)

"جامع الترمذي"(683).

(2)

"السنن الكبرى"(2506).

(3)

"صحيح البخاري"(1503).

(4)

"صحيح مسلم"(986).

ص: 114

وفي الباب: عن أبي برزة، وعبد الله بن عمرو، وسمرة، وأبي هريرة، وابن عباس.

حديث ابن عمر حديث حسن صحيح)

(1)

.

هكذا في بقية النسخ المطبوعة

(2)

، وفي "تحفة الأشراف"

(3)

: (حسن غريب صحيح).

قلت: هذا الحديث حديث متواتر، فقد رواه جمع من الصحابة منهم: حكيم ابن حزام كما جاء في "الصحيحين"

(4)

، وهو مشهور أيضا من حديث عبد الله بن عمر، فقد رواه نافع، وعن نافع جمع.

ورواه عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عند البخاري ومسلم

(5)

، وعلّقه البخاري عن سالم بن عبد الله، عن أبيه

(6)

.

فلا أدري لماذا قال أبو عيسى: (حسن غريب صحيح) كما جاء في "التحفة"، خاصة أنه جاء من طرق عن يحيى بن سعيد، بعضها في "الصحيحين"

(7)

، فالصحيح ما جاء في النسخ الأخرى أنه حكم عليه بـ (حسن صحيح) دون (غريب)، وقد يكون ما جاء في "التحفة" خطأ من دون المزي، وإذا ثبت ما جاء في "التحفة" - وهو بعيد - فيكون من قبيل التفنن بالعبارة.

10 -

قال أبو عيسى: (حدثنا إسحاق بن منصور، قال: أخبرنا علي بن معبد، قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن

(1)

"جامع الترمذي"(1297).

(2)

طبعة الرسالة (1289)، والتأصيل.

(3)

(8522).

(4)

"صحيح البخاري"(2082)، "صحيح مسلم"(1532).

(5)

"صحيح البخاري"(2113)، "صحيح مسلم"(1531).

(6)

"صحيح البخاري"(2116).

(7)

"صحيح البخاري"(2107)"صحيح مسلم"(1531)، من طريق عبد الوهاب الثقفي به.

ص: 115

شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غَنْم، عن أبي ذر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثانٍ رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كتبت له عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه، وحرس من الشيطان، ولم ينبغِ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله".

هذا حديث حسن صحيح غريب)

(1)

. وهكذا في طبعة الرسالة

(2)

.

وفي "تحفة الأشراف"

(3)

والتأصيل: (حسن غريب صحيح)، وهكذا نقله ابن رجب عن الترمذي كما في "فتح الباري"

(4)

.

وأما ابن حجر فقال كما في "نتائج الأفكار"

(5)

: (هذا حديث حسن غريب، كذا قال الترمذي، وفي بعض النسخ: صحيح. قلت - يعني ابن حجر -: وهي رواية أبي يعلي السنجي عن المحبوبي، وهي غلط؛ لأن سنده مضطرب، وشهر مختلف في توثيقه).

قلت: تبين مما تقدم أن نسخ الترمذي اختلفت في حكمه على هذا الحديث، ولا يتبين لي ترجيح بعضها على بعض، وكأن (حسن غريب صحيح) أقوى من غيرها بعض الشيء.

وليعلم أن أبا عيسى خرّج أحاديث كثيرة لشَهر، صحح ثلاثة منها سوى هذا الحديث

(6)

، والباقي لم يصححها، وإنما حكم على كثير منها

(1)

"جامع الترمذي"(3800).

(2)

(3780).

(3)

(11963).

(4)

(7/ 427).

(5)

(2/ 321).

(6)

ينظر: (2267، 4228،3802).

ص: 116

بقوله: (حسن غريب)

(1)

، وبعضها حسنها

(2)

، وبعضها ضعّفها

(3)

، والتي ضعفها ليست العلة من شهر.

والذي يظهر أن الترمذي ممن يقويه، وهذا ما ذهب إليه البخاري فيما نقله عنه

(4)

، ولذا كان حكمه على حديثه بين التصحيح والتحسين.

والأقرب أنه لا يحتج به، وذلك لعدم إتقانه، ولذا يلاحظ عليه الاضطراب في بعض الأحيان فيما يرويه، كما أنه يأتي ببعض الزيادات التي تستنكر، كما في حديث أبي ذر الإلهي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي

"

(5)

.

وهذا الحديث الذي معنا مما اضطرب شهر فى إسناده، كما ذكره النسائي في "عمل اليوم والليلة"

(6)

، وابن رجب كما في "فتح الباري"

(7)

فقال: (وشهر بن حوشب مختلف فيه، وهو كثير الاضطراب، وقد اختلف عليه في إسناد هذا الحديث كما ترى.

وقيل: عنه، عن ابن غَنْم عن أبي هريرة.

وقيل: عن شهر، عن أبي أمامة.

قال الدارقطني: الاضطراب فيه من قبل شهر.

وقد روي نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر، كلها ضعيفة).

وتقدم أيضا كلام ابن حجر فيه: أن سنده مضطرب وشهر مختلف في توثيقه

(8)

.

(1)

ينظر: (1876، 2263).

(2)

ينظر: (2063، 2210).

(3)

ينظر: (37، 1663، 2233).

(4)

"جامع الترمذي"(3/ 557).

(5)

أخرجه المصنف من طريقه برقم (2677).

(6)

(ص: 194).

(7)

(7/ 428).

(8)

"نتائج الأفكار" لابن حجر (2/ 305).

ص: 117

ولذا ضعفه الإمام أحمد ولم يأخذ به، قال ابن رجب: (ولم يأخذ الإمام أحمد بحديث أبي ذر، فإنه ذكر له هذا الحديث، فقال: أعجب إليّ أن لا يجلس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الغداة أقبل عليهم بوجهه. يعني: أن هذا أصح من حديث شهر بن حوشب هذا

)

(1)

. وأنا أذهب إلى هذا.

تنبيه: قال محققو طبعة الرسالة

(2)

: (إن شهرا اضطرب في هذا الحديث في سنده ومتنه).

قلت: الصحيح أن الاضطراب كان في السند وليس في المتن، كما تقدم من كلام الحفاظ، وأما ما وقع من اختلاف يسير في الروايات، مثل ما جاء في بعضها صلاة العصر بدل المغرب، فهذا لا يؤثر، والمشهور في هذا الحديث المغرب.

11 -

قال أبو عيسى: (حدثنا عباس بن محمد الدوري، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا شيبان، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن غلظ جلد الكافر اثنين وأربعين ذراعا، وإن ضرسه مثل أحد، وإن مجلسه من جهنم كما بين مكة والمدينة". هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث الأعمش)

(3)

. وفي طبعة الرسالة

(4)

، ودار التأصيل:(حسن غريب صحيح).

وفي "تحفة الأشراف"

(5)

: (حسن غريب صحيح من حديث الأعمش).

قلت: أما استغراب الترمذي لهذا الحديث فقد وافقه عليه البزار،

(1)

"فتح الباري" لابن رجب (7/ 428).

(2)

(6/ 87).

(3)

"جامع الترمذي"(2773).

(4)

(6760).

(5)

(12411).

ص: 118

فقال: (حدثنا محمد بن الليث الهَدَادي وأحمد بن عثمان بن حكيم، قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا شيبان - يعني: ابن عبد الرحمن -، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ضرس الكافر مثل أحد، وغلظ جلده أربعون ذراعا".

وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه إلا شيبان)

(1)

.

وأما تصحيحه لهذه السلسلة، فقد وافقه على ذلك مسلم، فقد خرج بها حديثين من طريق عبيد الله بن موسى عن شيبان به

(2)

.

ولذا صحح ابن حجر هذا الحديث فقال: (وأخرجه البزار من وجه ثالث عن أبي هريرة بسند صحيح، بلفظ: "غلظ جلد الكافر وكثافة جلده اثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبار")

(3)

.

ولكن اختلف عن الأعمش في رفعه ووقفه، جاء عند الدارقطني في "العلل"

(4)

: (وسئل عن حديث أبي صالح، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن غلظ جلد الكافر اثنتان وأربعون ذراعا، وضرسه مثل أحد".

فقال: يرويه الأعمش، واختلف عنه فرفعه شيبان، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.

وتابعه عبيد بن يعيش، عن ابن فضيل، عن الأعمش.

وغيره يرويه، عن ابن فضيل، عن الأعمش موقوفا، وهو أشبه).

قلت: الذي يظهر من كلام الدارقطني أنه يرجح الوقف.

(1)

"مسند البزار"(9233).

(2)

"صحيح مسلم"(1508، 1914).

(3)

"فتح الباري"(11/ 423).

(4)

(1941).

ص: 119

وشيبان وإن كان يقدَّم على ابن فضيل

(1)

، إلا أن ابن فضيل قد توبع؛ تابعه جرير بن عبد الحميد عند عبد الله في "السنة"

(2)

، وأبو معاوية عند ابن المنذر في "التفسير"

(3)

. ولكن هذا الخبر لا يقال من قبل الرأي كما هو معلوم.

وقد جاء من وجه آخر عن أبي هريرة ما يؤيد شيبان في الجملة، فقد أخرج مسلم

(4)

قال: (حدثني سريج بن يونس، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن الحسن بن صالح، عن هارون بن سعد، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضرس الكافر، أو ناب الكافر، مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث").

وأخرج الترمذي بعضه

(5)

من طريق فضيل بن غزوان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، ولفظه:"ضرس الكافر مثل أحد". وقال: (حديث حسن).

(1)

قال الدارمي ليحيى بن معين: شيبان ما حاله في الأعمش؟ فقال: ثقة في كل شيء. وقال صالح بن حنبل، عن أبيه: شيبان ثبت في كل المشايخ.

وقال أحمد وأبو القاسم البغوي: شيبان أثبت في حديث يحيى بن أبي كثير من الأوزاعي.

وقال يحيى بن معين وأبو داود: شيبان أحب إلي من معمر في قتادة.

وقد وصفوه بأنه صاحب كتاب، قال أبو عيسى الترمذي في "الجامع" (3/ 383):(شيبان ثقة عندهم، صاحب كتاب). وقال في موضع آخر: (وهو صحيح الحديث).

فالراجح أنه ثقة ثبت صاحب كتاب.

وأما ما قاله الساجي: (صدوق عنده مناكير، وأحاديث عن الأعمش تفرد بها). فهذا فيه نظر، وكلامه مخالف لكلام من سبق من الأئمة، ولم أقف على من تابعه على قوله هذا. ينظر:"تهذيب الكمال"(12/ 594 - 597).

(2)

(1192).

(3)

(1912).

(4)

"صحيح مسلم"(2851).

(5)

"جامع الترمذي"(2771).

ص: 120

وأخرج الشيخان

(1)

من طريق فضيل، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، يرفعه قال "ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع".

وأخرجه الترمذي

(2)

من طريق محمد بن عمار، قال: حدثني جدي محمد بن عمار وصالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد، وفخذه مثل البيضاء، ومقعده من النار مسيرة ثلاث مثل الربذة". وقال: (حسن غريب).

قلت: سياق الأول أصح، وكذا إسناده، ومحمد بن عمار الجد ليس بالمشهور تماما، وصالح مولى التوأمة قد اختلط.

فتبين مما تقدم صحة حديث شيبان، فقول الترمذي هنا:(حسن غريب صحيح) مساو لقوله: (حسن صحيح غريب) والله أعلم.

12 -

قال أبو عيسى: (حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثنا يحيى بن أبي سليمان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4]. قال: "أتدرون ما أخبارها؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها أن تقول: عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا"، قال:"فهذا أمرها"

(3)

. هذا حديث حسن غريب صحيح)

(4)

.

(1)

"صحيح البخاري"(6551)، "صحيح مسلم"(2852).

(2)

"جامع الترمذي"(2770).

(3)

في طبعة الرسالة (2598) وبشار (2429): (فهذه أخبارها).

(4)

"جامع الترمذي"(2612).

ص: 121

وساقه في التفسير

(1)

بنفس الإسناد وقال: (هذا حديث حسن صحيح غريب).

وفي طبعة الرسالة والتأصيل في الموضع الأول: (حسن غريب)

(2)

.

وفي الثاني: (حسن صحيح غريب)

(3)

.

وأما في "تحفة الأشراف"

(4)

فبعد أن ذكر الموضعين، نقل عن الترمذي قوله:(حسن غريب صحيح).

قلت: حسب ما جاء في طبعة بشار ومن تابعه لا يكون هناك إشكال، فـ (حسن غريب صحيح) تساوي (حسن صحيح غريب).

وأما على حسب ما جاء في الطبعات الأخرى فيُفسَّر هذا الاختلاف في حكم الترمذي في الموضعين بأن اجتهاده اختلف، وأنه متردد بين تصحيحه أو تحسينه، والسبب في ذلك - والله أعلم - أن يحيى بن أبي سليمان اختلف فيه، فذكره ابن حبان في "الثقات"

(5)

، وقال البخاري: منكر الحديث

(6)

. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، يكتب حديثه

(7)

. وتوقف فيه ابن خزيمة

(8)

، وهذا - والله أعلم - ما جعل الترمذي يختلف حكمه على هذا الخبر، والأقرب في يحيى أنه لا يحتج به، وأنه منكر الحديث، ولكن يكتب حديثه.

وأما ما جاء في "تحفة الأشراف" من حكم أبي عيسى على هذا الخبر بأنه (حسن غريب صحيح)، فالجواب عنه: أن نسخ الترمذي قد اختلفت

(1)

"جامع الترمذي"(3668).

(2)

(2598).

(3)

(3647).

(4)

(1376).

(5)

(7/ 604، 7/ 610).

(6)

"القراءة خلف الإمام" للبخاري (ص: 327).

(7)

"الجرح والتعديل"(9/ 155).

(8)

"صحيح ابن خزيمة"(3/ 121).

ص: 122

كما تقدم، وإن كان الأكثر على تصحيحه لهذا الخبر، وقد ذكر ابن كثير في "تفسيره"

(1)

هذا الحديث وساق إسناد الترمذي، ونقل عنه أنه قال:(حسن صحيح غريب). والأقرب أن هذا الحديث لا يصح لما تقدم، والله أعلم.

13 -

قال أبو عيسى: (باب ما جاء في الغيلة. حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا يحيى بن إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة، عن عائشة، عن بنت وهب - وهي: جُدَامة - قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أردت أن أنهى عن الغيال، فإذا فارس والروم يفعلون ولا يقتلون أولادهم".

وفي الباب: عن أسماء بنت يزيد. هذا حديث حسن صحيح.

وقد رواه مالك، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة، عن جُدَامة بنت وهب، عن النبي صلى الله عليه وسلم:

نحوه.

حدثنا عيسى بن أحمد، قال: حدثنا ابن وهب قال: حدثني مالك، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة، عن عائشة، عن جُدَامة بنت وهب الأسدية، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، حتى ذكرت أن فارس والروم يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم".

قال عيسى بن أحمد: وحدثنا إسحاق بن عيسى، قال: حدثني مالك، عن أبي الأسود

نحوه.

(1)

(8/ 461).

ص: 123

هذا حديث حسن صحيح)

(1)

.

قلت: هذا الحديث حديث صحيح، وقد خرجه مسلم في "صحيحه"

(2)

، وساقه أبو عيسى بإسنادين؛ الثاني أصح من الأول؛ لأن الأول فيه يحيى بن أيوب، وهو حسن الحديث، وأما الثاني فساقه من طريق مالك وهو إمام، فتبين صحة هذا الحديث.

وقد ذكر محققو الرسالة أن الطريق الأولى حكم عليها الترمذي بـ (صحيح) فقط، ثم قالوا:(كذا في سائر الأصول الخطية عدا نسخة (ل) فقد جاء فيها: حسن صحيح)

(3)

.

وأما الإسناد الثاني، فأثبت محققو الرسالة قوله:(حسن صحيح) وقالوا: (لم ترد في نسخنا الخطية، وأثبتناه من نسخة المباركفوري)

(4)

.

وأما في النسخة التي عليها شرح المباركفوري فقال عن الإسناد الأول: (صحيح)، وهكذا أيضا في الشرح، وأما الإسناد الثاني فقال:(حسن صحيح غريب) وهكذا في الشرح

(5)

.

وأما ما ذكره محقق "التحفة"

(6)

: (حسن [غريب] صحيح) من زيادة (غريب) بين (حسن) وبين (صحيح)، فهذا يبدو أنه في نسخة وقف عليها، وما جاء في النسخ السابقة هو الصحيح.

وإذا كان هذا ثابتا فيكون معنى (حسن غريب صحيح) صحيح في هذا الموضع.

(1)

"جامع الترمذي"(2220 - 2221 - 2222).

(2)

(1442).

(3)

(2208).

(4)

(2209)، وفي طبعة التأصيل في الموضع الأول:(صحيح)، ولم يثبتوا شيئا في الموضع الثاني.

(5)

"جامع الترمذي وشرحه تحفة الأحوذي"(3/ 174) الطبعة الهندية.

(6)

(15786).

ص: 124

14 -

قال أبو عيسى: (حدثنا اْحمد بن منيع والحسن بن الصبَّاح البزار وأحمد بن محمد بن موسى - المعنى واحد -، قالوا: حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فسأله عن مواقيت الصلاة، فقال:"أقم معنا إن شاء الله"، فأمر بلالا فأقام حين طلع الفجر، ثم أمره فأقام حين زالت الشمس فصلى الظهر، ثم أمره فأقام فصلى العصر والشمس بيضاء مرتفعة، ثم أمره بالمغرب حين وقع حاجب الشمس، ثم أمره بالعشاء فأقام حين غاب الشفق، ثم أمره من الغد فنور بالفجر، ثم أمره بالظهر فأبرد، وأنعم أن يبرد، ثم أمره بالعصر فأقام والشمس آخر وقتها فوق ما كانت، ثم أمره فأخر المغرب إلى قبيل أن يغيب الشفق، ثم أمره بالعشاء فأقام حين ذهب ثلث الليل، ثم قال:"أين السائل عن مواقيت الصلاة؟ "، فقال الرجل: أنا، فقال:"مواقيت الصلاة كما بين هذين".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح. وقد رواه شعبة، عن علقمة بن مرثد أيضا)

(1)

.

وكذا في طبعة أحمد شاكر

(2)

، ودار التأصيل، والرسالة

(3)

: (حسن غريب صحيح).

وفي "تحفة الأشراف"

(4)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: قول أبي عيسى هنا عن هذا الحديث بأنه (حسن غريب صحيح) مساو لقوله: (حسن صحيح غريب)، فهذا الحديث حديث صحيح، وقد خرجه الإمام مسلم في "صحيحه"

(5)

، وكأن استغراب الترمذي لهذا الحديث

(1)

"جامع الترمذي"(154).

(2)

(152).

(3)

(152).

(4)

(1931).

(5)

(613).

ص: 125

من حديث سفيان فقط؛ لأنه ذكر أن شعبة قد رواه، ويؤيد هذا أنني لم أقف على أحد تابع إسحاق الأزرق على هذا الحديث إلا مخلد بن يزيد كما عند النسائي

(1)

، وابن ماجه

(2)

.

وقد خرج مسلم

(3)

، وابن ماجه

(4)

، وأحمد

(5)

، وابن خزيمة

(6)

، وابن حبان

(7)

، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"

(8)

، وابن الجارود

(9)

، والدارقطني

(10)

، والبيهقي

(11)

هذا الحديث من طريق إسحاق الأزرق.

ورواه مسلم أيضا

(12)

من طريق شعبة. كما أن ابن ماجه أخرجه

(13)

من طريق مخلد بن يزيد به.

وقد صحح الترمذي عدة أحاديث بهذه الترجمة، أي: سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه؛ حديثان من طريق عبد الرحمن بن مهدي عنه

(14)

، وحديث من طريق أبي عاصم عنه

(15)

.

15 -

قال أبو عيسى: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا هشيم، عن محمد بن إسحاق، عن حفص بن عبيد الله بن أنس، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على تمرات يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى.

(1)

"المجتبى"(529).

(2)

"السنن"(667).

(3)

"صحيح مسلم"(613).

(4)

"السنن"(667).

(5)

"المسند"(22955).

(6)

"صحيح ابن خزيمة"(323).

(7)

"صحيح ابن حبان"(1521).

(8)

(906).

(9)

"المنتقى"(153).

(10)

"السنن"(1033).

(11)

"السنن الكبير"(1755).

(12)

"صحيح مسلم"(613).

(13)

"السنن"(667).

(14)

"جامع الترمذي"(62) و (1476،1721) وهذا الحديث الذي معنا هو الثالث.

(15)

"جامع الترمذي"(1082، 1599، 1990).

ص: 126

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح)

(1)

.

وكذا في طبعة أحمد شاكر، وقال في الحاشية:(كلمة "غريب" لم تذكر في (م)، وكلمة "صحيح" ذكرت فيها في الحاشية وعليه علامة نسخة، ولم تذكر في (ع)، وفي (هـ) و (و) و (ك):"حسن صحيح غريب"، وفي نسخة:"حسن من هذا الوجه صحيح غريب")

(2)

.

وفي "تحفة الأشراف"

(3)

، وطبعة الرسالة

(4)

والتأصيل: (حسن صحيح غريب)، زاد في "التحفة":(من هذا الوجه).

قلت: فتبين مما تقدم أن أغلب النسخ فيها: (حسن صحيح غريب)، وعلى فرض صحة (حسن غريب صحيح)، فهي مساوية لـ (حسن صحيح غريب)؛ لأن هذا الحديث حديث صحيح، قد رواه البخاري

(5)

من طريق هشيم، عن عبيد الله ابن أبي بكر، عن أنس.

قال المزي في "التحفة"

(6)

- بعد أن ساق سند الترمذي -: (تابعه عمرو ابن عون الواسطي، عن هشيم. ورواه سعيد بن سليمان وجُبَارة بن المغلِّس، عن هشيم، عن عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس).

قلت: ورواية سعيد في البخاري، ورواية جُبَارة عند ابن ماجه

(7)

، فتبين أنه عند هشيم من وجهين، ولذا قال أبو مسعود:(هذا من قديم حديث هشيم، وعنده فيه طريق آخر)

(8)

. وعلّقه البخاري عن مرجَّى بن رجاء، عن عبيد الله به

(9)

.

(1)

"جامع الترمذي"(551).

(2)

(543).

(3)

(548).

(4)

(551).

(5)

"صحيح البخاري"(953).

(6)

(548).

(7)

"السنن"(1754).

(8)

"تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"(1082).

(9)

(953).

ص: 127

16 -

قال أبو عيسى: (حدثنا يحيى بن موسى، قال: حدثنا يحيى بن اليمان، عن معمر، عن محمد بن المنكدر، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس". قال أبو عيسى: سألت محمدا، قلت له: محمد بن المنكدر سمع من عائشة؟ قال: نعم، يقول في حديثه: سمعت عائشة)

(1)

.

قلت: هذا الحديث في إسناده يحيى بن اليمان، وهو متكلم فيه، وفيه أيضا رواية ابن المنكدر عن عائشة، وقد اختلف في سماعه منها، فذهب البخاري إلى سماعه، وقال البزار: لم يسمع

(2)

.

وقال ابن معين: لم يسمع من أبي هريرة

(3)

.

قلت: وأبو هريرة توفي بعد عائشة.

وقال ابن حجر - على قول ابن عيينة: بلغ نيفا وسبعين سنة -: قال: (فيكون مولده على هذا قبل سنة ستين بيسير، فتكون روايته عن عائشة وأبي هريرة وأبي أيوب الأنصاري وأبي قتادة وسفينة ونحوهم، مرسلة). انتهى من "التهذيب"

(4)

. وهذا ما أميل إليه: أنه لم يسمع منها؛ لما تقدم.

وأما حكم أبي عيسى على هذا الحديث، فقد قال:(هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه)

(5)

.

(1)

"جامع الترمذي"(816).

(2)

"كشف الأستار"(1/ 57).

(3)

"تاريخ ابن معين" رواية الدوري (3/ 164، 3/ 201، 3/ 243).

(4)

(3/ 709).

(5)

"جامع الترمذي"(2/ 144).

ص: 128

وكذا في طبعة أحمد شاكر

(1)

، والرسالة

(2)

، ودار التأصيل.

وفي "تحفة الأشراف"

(3)

: (حسن صحيح، غريب من هذا الوجه).

ونقل البغوي في "شرح السنة"

(4)

عن المصنف قوله: (حسن غريب من هذا الوجه).

والخلاصة: أن النسخ اتفقت على تصحيح الترمذي لهذا الخبر إلا ما نقله البغوي، واختلفت في ذكر موضع الغرابة.

وما جاء في "تحفة الأشراف" وما نقله البغوي أقوم من حيث استقامة الكلام، وذلك أن قوله:(من هذا الوجه) يناسب أن يكون بعد كلمة (غريب) أكثر مما يناسب أن يكون بعد كلمة (صحيح).

وفيما يتعلق بسماع ابن المنكدر من عائشة، فالذي يظهر أن الترمذي يذهب إلى سماعه منها.

وأما يحيى بن اليمان فقد خرّج له سبعة أحاديث، منها أثر واحد اختلفت نسخ الترمذي في ذكره

(5)

، وحسّن اثنين من هذه الأحاديث؛ أحدهما: فيه الحجاج بن أرطأة

(6)

، والثاني: فيه زيد العَمِّي

(7)

، وكلاهما متكلم فيه، وبيّن خطأه في حديثين

(8)

، وحديث آخر ضعفه؛ لأن فيه رجلا لم يُسمَّ، وأعلَّه أيضا بالانقطاع

(9)

.

فصنيع الترمذي مع يحيى بن اليمان أنه لا يصحح حديثه، فهذا يقوي ما جاء في بعض النسخ من كون الترمذي لم يصحح هذا الخبر، والله أعلم.

(1)

(502).

(2)

(813).

(3)

(17600).

(4)

(6/ 247).

(5)

ينظر: هامش طبعة د. بشار (4/ 233).

(6)

"جامع الترمذي"(1085).

(7)

"جامع الترمذي"(3929).

(8)

"جامع الترمذي"(239، 925).

(9)

"جامع الترمذي"(4050).

ص: 129

17 -

قال أبو عيسى: (حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري، قال: حدثنا محمد بن يوسف، عن إسرائيل، قال: حدثنا سماك بن حرب، عن علقمة ابن وائل الكندي، عن أبيه، أن امرأة خرجت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم تريد الصلاة، فتلقاها رجل فتجلّلها، فقضى حاجته منها، فصاحت، فانطلق، ومر عليها رجل، فقالت: إن ذاك الرجل فعل بي كذا وكذا، ومرت بعصابة من المهاجرين، فقالت: إن ذلك الرجل فعل بي كذا وكذا، فانطلقوا، فأخذوا الرجل الذي ظنت أنه وقع عليها فأتوها، فقالت: نعم هو هذا، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أمر به ليرجم قام صاحبها الذي وقع عليها، فقال: يا رسول الله، أنا صاحبها، فقال لها:"اذهبي فقد غفر الله لك"، وقال للرجل قولا حسنا، وقال للرجل الذي وقع عليها:"ارجموه"، وقال:"لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم". هذا حديث حسن غريب صحيح.

وعلقمة بن وائل بن حُجْر سمع من أبيه، وهو أكبر من عبد الجبار بن وائل، وعبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه)

(1)

.

وكذا في طبعة التأصيل والرسالة

(2)

: (حسن غريب صحيح).

وفي "التحفة"

(3)

: (هذا حديث حسن غريب)، وفي بعض النسخ:(حسن صحيح غريب).

قلت: إذا ثبت أن الترمذي قال عن هذا الحديث: (حسن غريب صحيح)، فهو يريد بذلك صحة هذا الحديث، ويؤيد ذلك ما قاله بعد حكمه على هذا الحديث.

وأما وجود سماك في الإسناد فالترمذي يصحح حديثه، حتى ولو كان من رواية من سمع منه أخيرا، حكم بذلك في عدة أحاديث، ومنها:

(1)

"جامع الترمذي"(1531).

(2)

(1520).

(3)

(11770).

ص: 130

ما رواه أبو الأحوص، عن سماك، عن علقمة بن وائل، عن أبيه: جاء رجل من حضر موت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم

خرجه الترمذي في الأحكام، وقال:(حسن صحيح)

(1)

.

فقول الترمذي هنا: (حسن غريب صحيح) مساو لقوله: (حسن صحيح غريب).

18 -

قال أبو عيسى: (باب ما جاء في شراء العبد بالعبدين.

حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن أبي الزبير، عن جابر قال: جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة، ولا يشعر النبي صلى الله عليه وسلم أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"بعنيه"، فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدا بعد حتى يسأله: أعبد هو. وفي الباب: عن أنس.

حديث جابر حديث حسن صحيح)

(2)

. وقال في كتاب السير: (باب في بيعة العبد.

حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر، أنه قال: جاء عبد فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة، ولا يشعر النبي صلى الله عليه وسلم أنه عبد، فجاء سيده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"بعنيه"، فاشتراه بعبدين أسودين، ولم يبايع أحدا بعد حتى يسأله: أعبد هو. وفي الباب: عن ابن عباس.

حديث جابر حديث حسن غريب صحيح، لا نعرفه إلا من حديث أبي الزبير)

(3)

.

(1)

"جامع الترمذي"(1397).

(2)

"جامع الترمذي"(1291).

(3)

"جامع الترمذي"(1699).

ص: 131

وكذا في طبعة التأصيل والرسالة

(1)

: (حسن غريب صحيح).

قلت: هذا حديث صحيح، وهو مستقيم سندا ومتنا، ولذا صححه المصنف، وقد خرجه مسلم في "صحيحه"

(2)

بنفس الإسناد.

وأما قول المصنف في الموضع الثاني عندما أخرجه: (حسن غريب صحيح)، فهو مساو لقوله السابق:(حسن صحيح)، لكن في الأول لم يذكر الغرابة، بخلاف الثاني فقد ذكرها.

19 -

قال أبو عيسى: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، قال: أخبرني أبي، عن مصعب بن شيبة، عن صفية ابنة شيبة، عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط من شعر أسود. هذا حديث حسن غريب صحيح)

(3)

.

وفي طبعة الرسالة

(4)

والتأصيل و"تحفة الأحوذي"

(5)

- وفي النسخة التي مع الشرح -: (حسن صحيح غريب).

وفي "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"

(6)

: (حسن صحيح).

وفي نسخة - كما أشار محققو الرسالة -: (غريب صحيح).

قلت: لم يثبت أن المصنف قال عن هذا الحديث: (حسن غريب صحيح)، وذلك لمخالفة هذا ما جاء في باقي النسخ، وإذا ثبت أنه قال ذلك فهو بمعنى:(حسن صحيح غريب).

(1)

(1686).

(2)

"صحيح مسلم"(1602).

(3)

"جامع الترمذي"(3037).

(4)

(3022).

(5)

الطبعة الهندية (4/ 23).

(6)

(17857).

ص: 132

وهذا الحديث قد خرجه مسلم في "صحيحه"

(1)

من طريق مصعب بن شيبة به. وهو متكلَّم فيه.

وقد خرّج الترمذي في كتابه "الجامع"

(2)

حديثا آخر لمصعب، فحسنه ولم يصححه.

20 -

قال أبو عيسى: (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك، عن البراء:{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة:267]، قال: نزلت فينا معشر الأنصار، كنا أصحاب نخل، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته، وكان الرجل يأتي بالقِنْو والقِنوين فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط من البسر والتمر فيأكل، وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف، وبالقنو قد انكسر فيعلقه، فأنزل الله تبارك تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267]، قال: لو أن أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا على إغماض وحياء. قال: فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده. هذا حديث حسن غريب صحيح.

وأبو مالك هو: الغفاري، ويقال اسمه: غزوان.

وقد روى سفيان الثوري، عن السدي، شيئا من هذا)

(3)

.

وفي طبعة الرسالة

(4)

والتأصيل: (حسن صحيح غريب).

(1)

(2081).

(2)

(2974).

(3)

"جامع الترمذي"(3248).

(4)

(3230).

ص: 133

وفي "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"

(1)

: (حسن غريب).

قلت: لم يثبت أن الترمذي قال عن هذا الحديث: (حسن غريب صحيح)؛ لأن النسخ قد اختلفت كما تقدم.

21 -

وقال أبو عيسى: (حدثنا حميد بن مَسعدة، قال: حدثنا بشر بن المفضّل، قال: حدثنا الجُريري، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أحدثكم بأكبر الكبائر؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين"، قال: وجلس وكان متكئا، قال: "وشهادة الزور، أو: قول الزور"، قال: فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها حتى قلنا: ليته سكت. هذا حديث حسن غريب صحيح)

(2)

.

وأورده في موضعين قبله بسنده ومتنه

(3)

، وقال:(حسن صحيح). كذا في طبعة بشار.

وفي طبعة الرسالة

(4)

: (حسن صحيح غريب)، وفي الموضع الثاني

(5)

: (صحيح)، وفي الموضع الأول

(6)

: (حسن صحيح).

وفي طبعة التأصيل

(7)

: (حسن صحيح غريب)، وفي الموضع الثاني

(8)

: (صحيح)، وفي الموضع الأول

(9)

: (حسن صحيح).

وفي "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"

(10)

: (حسن صحيح).

قلت: لم يثبت أن الترمذي حكم على هذا الحديث بقوله: (حسن

(1)

(1911).

(2)

"جامع الترمذي"(3285).

(3)

(2024، 2466).

(4)

(3267).

(5)

(2452).

(6)

(2011).

(7)

(3285).

(8)

(2466).

(9)

(2024).

(10)

(11679).

ص: 134

غريب صحيح)، ولو قال ذلك فيكون قصده تصحيح هذا الخبر، فهو مساو لقوله:(حسن صحيح). وهذا الحديث قد خرجه الشيخان

(1)

، فهو حديث صحيح.

22 -

قال أبو عيسى في كتاب الدعوات، باب ما جاء أن الداعي يبدأ بنفسه:(حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي، قال: حدثنا أبو قَطَن، عن حمزة الزيات، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له، بدأ بنفسه. هذا حديث حسن غريب صحيح. وأبو قَطَن اسمه: عمرو بن الهيثم)

(2)

.

وكذا في باقي الطبعات: الرسالة

(3)

، والتأصيل، وفي الطبعة الهندية ومعها شرح المباركفوري

(4)

: (حسن غريب صحيح).

قلت: هذا الحديث إسناده كلهم ثقات، إلا حمزة بن حبيب الزيات فإنه صدوق، فيه بعض الكلام

(5)

، وخرج له مسلم في "صحيحه"

(6)

.

ورواه أبو داود

(7)

ولم يتعقبه بشيء، وصحّحه ابن حبان بإخراج هذا الحديث في كتابه "التقاسيم والأنواع"

(8)

.

وقد توبع حمزة؛ تابعه رَقَبة بن مَصْقَلة عند مسلم

(9)

.

وتابعه أيضا إسرائيل عند عبد بن حميد

(10)

، والنسائي في

(1)

"صحيح البخاري"(2654)، "صحيح مسلم"(87).

(2)

(3703).

(3)

(3682).

(4)

(4/ 227).

(5)

ينظر: "تهذيب الكمال"(7/ 322).

(6)

"صحيح مسلم"(596).

(7)

"السنن"(3984).

(8)

(983).

(9)

"صحيح مسلم"(2380، 2661).

(10)

"المنتخب من مسند عبد بن حميد"(169).

ص: 135

"الكبرى"

(1)

، والشاشي

(2)

.

وقد توبع أبو إسحاق أيضا؛ تابعه عمرو بن دينار

(3)

ويعلى بن مسلم

(4)

، كلاهما عن سعيد بن جبير به، لكن دون موضع الشاهد.

ورواه الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس

(5)

، دون موضع الشاهد أيضا.

فتبين أن هذا الخبر صحيح، فيكون قول الترمذي:(حسن غريب صحيح) مساو لقوله: (حسن صحيح) في غيره من الأحاديث.

واستغراب الترمذي له؛ لأنه جاء من أوجه أخرى عن سعيد بن جبير، وابن عباس - كما تقدم - وليس فيها موضع الشاهد؛ فلعله من أجل هذا استغربه أبو عيسى.

وأما ما قاله الحافظ في "الفتح"

(6)

: (وقد ترجم المصنف في الدعوات: "من خص أخاه بالدعاء دون نفسه"، وذكر فيه عدة أحاديث، وكأنه أشار إلى أن هذه الزيادة - وهي: كان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه - لم تثبت عنده، وقد سئل أبو حاتم الرازي عن زيادة وقعت في قصة موسى والخضر من رواية أبي إسحاق هذه، عن سعيد بن جبير، وهي قوله في صفة أهل القرية: أتيا أهل القرية لئاما فطافا في المجالس، فأنكرها، وقال: هي مدرجة في الخبر، فقد يقال: وهذه الزيادة مدرجة فيه أيضا، والمحفوظ رواية ابن عيينة المذكورة، والله أعلم).

(1)

(6022).

(2)

"المسند"(1411).

(3)

عند البخاري في مواضع منها: (122)، ومسلم (2380).

(4)

عند البخاري في مواضع منها: (2267).

(5)

عند البخاري في مواضع منها: (74)، ومسلم (2380).

(6)

(8/ 420).

ص: 136

فهذا فيه بعض النظر، وذلك أن البخاري قد يكون قصد من الباب المذكور: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يلتزم هذا دائما في كل دعاء، بل قد يفعل هذا وقد لا يفعله، فيدعو للغير من دون أن يبدأ بنفسه، فيكون كلا الأمرين ثابتًا، والله تعالى أعلم.

23 -

قال أبو عيسى: (باب ما جاء فيمن يقرأ القرآن عند المنام.

حدثنا قتيبة، قال: حدثنا المفضّل بن فَضالة، عن عُقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. هذا حديث حسن غريب صحيح)

(1)

.

وهكذا في طبعة الرسالة

(2)

والتأصيل، وفي الطبعة الهندية ومعها شرح المباركفوري

(3)

. وفي "تحفة الأشراف"

(4)

: (حسن غريب).

قلت: هذا الحديث قد أخرجه البخاري في "صحيحه"

(5)

بنفس الإسناد، والذي يظهر أن الترمذي عندما قال:(حسن غريب صحيح) يريد صحة هذا الخبر.

وقد جاء هذا الخبر في بعض ألفاظه: (كان إذا اشتكى

)، وليس كل ليلة.

(1)

"جامع الترمذي"(3720).

(2)

(3699).

(3)

(4/ 231).

(4)

(16537).

(5)

"صحيح البخاري"(5017).

ص: 137

وبعض أهل العلم جعله حديثين؛ وذلك أن مالكا ومعمرا وزيادا وأبا أويس

(1)

في روايتهم عن الزهري: (كان إذا اشتكى)، وهكذا رواه هشام بن عروة، عن أبيه

(2)

.

ورواه يونس وعُقيل، عن الزهري، فجعلاه:(كل ليلة) دون (إذا اشتكى)، وهي في "الصحيح"

(3)

أيضا.

والراجح الأول، أن هذه الرقية مقيدة بالشكوى؛ لأن رواتها أكثر، ومعهم أيضا زيادة علم.

24 -

قال أبو عيسى في أبواب المناقب: (حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن سعيد، قال: حدثنا شَريك، عن سماك، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بم أعرف أنك نبي؟ قال: "إن دعوت هذا العِذْق من هذه النخلة تشهد أني رسول الله؟ ". فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "ارجع" فعاد، فأسلم الأعرابي. هذا حديث حسن غريب صحيح)

(4)

.

وكذا في طبعة الرسالة

(5)

والتأصيل: (حسن غريب صحيح).

وفي "تحفة الأشراف"

(6)

: (حسن صحيح).

قلت: في هذا الإسناد شريك، وهو متكلّم فيه، وقد خرّج له المصنف

(1)

رواية مالك ومعمر وزياد أخرجها مسلم (2192)، ورواية أبي أويس أخرجها أحمد (24831).

(2)

عند مسلم (2192).

(3)

"صحيح البخاري"(5017، 5747).

(4)

"جامع الترمذي"(3975).

(5)

(3956).

(6)

(5407).

ص: 138

كثيرا في كتابه "الجامع"، قال عنه في أحد المواضع:(وشريك كثير الغلط)

(1)

. وقد أعلَّ له عدة أحاديث وبين خطأه فيها، وصوّب رواية غيره عليه

(2)

، وبعضها حسّنها

(3)

أو استغربها

(4)

، كما أنه صحَّح بعضها وهو الأقل

(5)

، وقد نصَّ في بعض الأحاديث التي صحّحها أنه قد توبع على هذا الخبر

(6)

، والخبر الذي معَنا من هذا القبيل، فإنه قد جاء من حديث أبي معاوية وجرير، كلاهما عن الأعمش، عن أبي ظبيان به. وهذا إسناد صحيح، أخرجه الدارمي

(7)

. وأخرجه أحمد

(8)

من طريق أبي معاوية. وقد وقع على الأعمش اختلاف

(9)

، ولعل الخطأ فيه من الراوي عنه. والخلاصة أن هذا الحديث صحيح.

وأما استغراب الترمذي له، فيظهر أنّ سبَبه تفرّدُ شريك عن سماك من هذا الوجه، فلم أقف على أحد تابع شريكا عليه، والذي يظهر أيضا أن أبا عيسى يصحح هذا الحديث لما تقدم، ويؤيد هذا ما جاء في "تحفة الأشراف" أنه قال عنه:(حسن صحيح)؛ لأن طريق شريك محفوظ، بدليل رواية الأعمش لهذا الخبر كما تقدم.

25 -

قال أبو عيسى في أبواب المناقب: (باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(1)

(1/ 304).

(2)

ينظر: (45 - 46، 615، 797 - 798).

(3)

ينظر: (538، 655، 1097).

(4)

ينظر: (113، 127 - 128، 884).

(5)

ينظر: (108، 527، 2664).

(6)

ينظر: (1592، 1948).

(7)

"مسند الدارمي"(25).

(8)

"مسند أحمد"(1954).

(9)

ينظر: "دلائل النبوة" للبيهقي (6/ 17).

ص: 139

حدثنا إسماعيل بن موسى، قال: حدثنا شريك، عن أبى إسحاق، عن حُبْشي بن جُنادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علي مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي". هذا حديث حسن غريب صحيح)

(1)

. وكذا في طبعة الرسالة

(2)

والتأصيل: (حسن غريب صحيح). وفي "تحفة الأشراف"

(3)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: هذا الحديث قد توبع عليه، فرواه أحمد

(4)

، قال: حدثنا يحيى بن آدم وابن أبي بكير، قالا: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق به. ثم قال: حدثنا الزبيري، حدثنا إسرائيل مثله. ورواه الطبراني في "الكبير"

(5)

من طريق قيس بن الربيع به.

وأخرجه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان"

(6)

، قال:(حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا أبو سعيد جبير بن هارون، ثنا محمد بن حميد، ثنا حَكّام، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن حُبْشي بن جُنادة السَّلولي، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "علي مني وأنا منه، لا يبلغ عني إلا أنا أو علي"). قال أبو نعيم: (قالها في حجة الوداع).

وحَكّام هو: ابن السلْم، وقد وثقه الجمهور، ولكن قال أحمد: كان يحدث عن عنبسة أحاديث غرائب

(7)

. وهذا الحديث ليس منها. وأما عنبسة فهو: ابن سعيد الأسدي، وهو ثقة.

(1)

"جامع الترمذي"(4071).

(2)

(4053).

(3)

(3290).

(4)

(17505).

(5)

(4/ 16).

(6)

(1/ 304).

(7)

"تاريخ بغداد"(9/ 208).

ص: 140

وهذه المتابعات ترجح أن الترمذي صحح هذا الخبر، وأن قوله:(حسن غريب صحيح) يريد به التصحيح.

وأما حكمه بغرابته، فلعله من أجل تفرد أبي إسحاق به عن حُبْشي بن جُنادة.

وأما سماع أبي إسحاق منه؛ فالذي أميل إليه أنه سمع منه؛ وذلك لأنه جاء في أكثر من طريق التصريحُ بالسماع

(1)

، وإن كانت هذه الطرق قد لا تخلو من كلام، ولكن باجتماعها تتقوى، ويتأيد ذلك أيضا بأن حُبْشي كان قد نزل الكوفة بلد أبي إسحاق، وشهد مع علي رضي الله عنهما مشاهد.

وهذا ما ذهب إليه أبو عيسى الترمذي وابن خزيمة، فقد خرج له في كتابه "الصحيح"

(2)

، وكذا الدارقطني، فقد قال في "الإلزامات"

(3)

: (ذكر أحاديث رجال من الصحابة رضي الله عنهم رووا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، رُويت أحاديثهم من وجوه لا مطعن في ناقليها، ولم يخرجا من أحاديثهم شيئا، فيلزم إخراجها على مذهبهما، وعلى ما قدمنا ذكره، وما أخرجاه أو أحدُهما).

ثم ذكر أمثلة على ذلك، إلى أن قال:(حُبْشي بن جُنادة روى عنه الشعبي وأبو إسحاق وابنه عبد الرحمن بن حُبْشي)

(4)

.

(1)

"المعرفة والتاريخ" للفسوي (2/ 625)، "المعجم الكبير" للطبراني (4/ 16 - 17)، "معجم الصحابة" لابن قانع (1/ 198)، "الكامل" لابن عدي (4/ 194، 5/ 211). وأخرج أحمد (17506) عن الزبيري عن شريك، وفيه:(فقلت لأبي إسحاق: أين سمعت منه؟ قال: وقف علينا على فرس له في مجلسنا في جبانة السبيع). وعن يحيى بن آدم عن شريك بمعناه (17511). وأخرجه النسائي في "الكبرى"(8400) من رواية زيد بن الحباب عن شريك بمعناه.

(2)

"صحيح ابن خزيمة"(2446).

(3)

(ص: 97).

(4)

(ص:110).

ص: 141

وهذا القول منه قد يكون فيه بعض النظر بالنسبة للبخاري، وذلك أنه - فيما يظهر - يذهب إلى عدم سماعه، فقال: (حُبْشي بن جُنادة السَّلولي. قال مالك بن إسماعيل: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حُبْشي بن جُنادة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سأل من غير فقر، فانما يأكل من جمر".

وقال مالك: حدثنا شريك، قلت لأبي إسحاق: أين سمعت من حبشي؟ قال: وقف على مجلسنا، فحدثنا. في إسناده نظر)

(1)

.

والحديث متنه مستقيم، فعلي رضي الله عنه قريب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ابن عمه وتربى في بيته، وهو مِن أوائل الناس إسلاما، وزوجه ابنتَه فاطمة رضي الله عنها.

وأما قوله: "وأنا من علي" فهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم عن جليبيب رضي الله عنه حينما وجده مقتولا -: "قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه"

(2)

.

وأما قوله: "لا يؤدي عني إلا علي" فهذا إذا فُسِّر باللفظ الآخر: "لا يقضي عني ديني إلا أنا وعلي" كما في رواية ابن أبي بكير، فهو مستقيم.

وأما إذا فُسِّر بأنه لا يبلِّغ عني إلا علي، فهذا لا يصح؛ لأن صحابته كلهم قد بلغوا عنه، وبهذا أمر عليه السلام الناس فقال:"بلغوا عني ولو آية"

(3)

، وغير ذلك، إلا إذا حُمل على أمر خاص مثل ما حصل في حجة الوداع - كما في رواية أبي نعيم - فيكون مستقيما.

قال الخطابي في كتاب "شعار الدين": (وقوله: "لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي" هو شيء جاء به أهل الكوفة عن زيد بن يُثيع، وهو متهم في الرواية منسوب إلى الرفض. وعامة من بلغ عنه غير أهل بيته؛ فقد

(1)

"التاريخ الكبير"(3/ 127).

(2)

"صحيح مسلم"(2472).

(3)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(3461).

ص: 142

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة إلى المدينة يدعو الناس إلى الإسلام، ويعلم الأنصار القرآن ويفقههم في الدين، وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين في مثل ذلك، وبعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن، وبعث عتاب بن أسيد إلى مكة، فأين قول من زعم أنه لا يبلغ عنه إلا رجل من أهل بيته؟!). نقله أبو العباس ابن تيمية في "منهاج السنة"

(1)

وأقرّه.

26 -

قال أبو عيسى: (باب مناقب أنس بن مالك رضي الله عنه.

حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو أسامة، عن شريك، عن عاصم الأحول، عن أنس، قال: ربما قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "يا ذا الأذنين". قال أبو أسامة: يعني يمازحه. هذا حديث حسن غريب صحيح)

(2)

. وكذا في طبعة الرسالة

(3)

، ودار التأصيل.

قلت: تابعه الصَلت بن الحجاج، أخرجه الخطيب في "المتفق والمفترق"

(4)

.

والصَلت مختلف فيه، ذكره ابن حبان في "الثقات"

(5)

، وقال ابن عدي: في حديثه بعض النكرة

(6)

. وساق له أحاديث منكرة، فإن كانت منه فهو منكر الحديث.

(1)

"منهاج السنة"(5/ 63).

(2)

"جامع الترمذي"(4186).

(3)

(4164).

(4)

(3/ 2084)، وذكر الدارقطني هذه المتابعة في "العلل"(2487).

(5)

ذكره في موضعين (6/ 471) و (6/ 472).

(6)

"الكامل في ضعفاء الرجال"(6/ 269)، ولفظه:(وفي بعض أحاديثه ما ينكر عليه، بل عامته كذلك).

ص: 143

وتابعه أيضا سفيان الثوري

(1)

، وهو خطأ، كما بين الدارقطني

(2)

، أخطأ فيه المقدَّمي.

وتابعه شعبة، أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد"

(3)

، وسنده غريب، ويظهر أنه وهم أيضا.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"

(4)

بإسناد صحيح عن حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس به.

وحرب هو: الأكبر، وهو جيد الحديث.

والذي يظهر لي أن هذا الحديث محفوظ بما تقدم، ويحمل كلام أبي عيسى على هذا، وأنه يقويه.

* * *

ما جاء في طبعة دار التأصيل من قول الترمذي: (حسن غريب صحيح)

(5)

:

1 -

قال أبو عيسى: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ} [الزخرف: 77].

وفي الباب: عن أبي هريرة، وجابر بن سمرة.

قال أبو عيسى: حديث يعلى بن أمية حديث حسن غريب صحيح، وهو حديث ابن عيينة)

(6)

.

(1)

أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2225)، وأبي نعيم في "معرفة الصحابة"(1/ 236).

(2)

"العلل"(2487).

(3)

(15/ 42)، وينظر:"أطراف الغرائب" لابن طاهر (957).

(4)

(1/ 240).

(5)

بالإضافة إلى ما سبق.

(6)

"جامع الترمذي"(514).

ص: 144

هكذا في طبعة دار التأصيل.

وأما في طبعة الرسالة

(1)

، ود. بشار

(2)

، وأحمد شاكر

(3)

: (حسن صحيح غريب).

وقال في الحاشية - أي: أحمد شاكر -: (في "ع" و "ن" و "هـ" و "ك": حسن غريب صحيح).

وأما في "تحفة الأشراف"

(4)

فقد سقط منه هذا الحديث، لذا استدركه ابن حجر في "النكت الظراف"، لكنه لم ينقل عن الترمذي شيئا في حكمه عليه.

قلت: وهذا الحديث صحيح، وقد خرجه الشيخان

(5)

.

وقوله: (غريب)؛ من أجل تفرد ابن عيينة بهذا الخبر، وقد أخرجه البخاري

(6)

، ومسلم

(7)

وأبو داود

(8)

والنسائي

(9)

عن سبعة، كلهم عن سفيان به. فقول الترمذي هنا:(حسن غريب صحيح) يريد به صحة الخبر.

2 -

قال أبو عيسى: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن عاصم الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرا، فصلى تسعة عشر يوما ركعتين ركعتين.

(1)

(514).

(2)

(508).

(3)

(508).

(4)

(11838).

(5)

"صحيح البخاري"(3230)، و"صحيح مسلم"(871).

(6)

"صحيح البخاري"(3230، 3266، 4819).

(7)

"صحيح مسلم"(871).

(8)

"السنن"(3992).

(9)

"السنن الكبرى"(11591).

ص: 145

قال ابن عباس: فنحن نصلي فيما بيننا وبين تسع عشرة: ركعتين ركعتين، فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلينا أربعا. هذا حديث حسن غريب صحيح)

(1)

. وهكذا في طبعة الرسالة

(2)

.

وفي طبعة د. بشار

(3)

، وأحمد شاكر

(4)

: (غريب حسن صحيح).

وفي "تحفة الأشراف"

(5)

: (حسن صحيح).

قلت: وهذا الحديث حديث صحيح، ورجاله كلهم من الثقات المشاهير، وقد صححه أيضا البخاري بإخراجه له في "صحيحه"

(6)

.

وقول الترمذي هنا: (حسن غريب صحيح) مساو لقوله: (حسن صحيح) كما جاء في بعض النسخ، أو لقوله:(صحيح) كما جاء في "التحقيق" لابن الجوزي

(7)

.

3 -

قال أبو عيسى: (باب ما جاء في الرخصة في أكل الثمرة للْمارِّ بها.

حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث الخزاعي، قال: أخبرنا الفضل بن موسى، عن صالح بن أبي جبير، عن أبيه، عن رافع بن عمرو قال: كنت أرمي نخل الأنصار، فأخذوني، فذهبوا بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا رافع،

(1)

"جامع الترمذي"(557).

(2)

(557)، وفي هامش التحقيق:(لفظة "غريب" ليست في ل).

(3)

(549).

(4)

(549)، وقال:(كلمة "غريب" لم تذكر في م و ن، وذكرت في هـ و ك).

(5)

(6134).

(6)

(4299).

(7)

(2/ 533 - تنقيح).

ص: 146

لِم ترمي نخلهم؟ "، قال: قلت: يا رسول الله، الجوع، قال: "لا ترم، وكل ما وقع أشبعك الله وأرواك". هذا حديث حسن غريب صحيح)

(1)

. وكذا في طبعة الرسالة

(2)

.

وفي "تحفة الأشراف"

(3)

، و"تهذيب الكمال"

(4)

- ترجمة صالح بن أبي جبير -، وطبعة بشار

(5)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: الذي يظهر أن الترمذي يصحح هذا الحديث كما في النسخ الأخرى.

وصالح بن أبي جبير وأبوه فيهما جهالة، وقد أخرج أبو داود

(6)

هذا الحديث من طريق آخر، فرواه عن أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة، عن معتمر، عن ابن أبي الحكم الغفاري، عن جدته، عن عم أبيها رافع بن عمرو به. ووقع فيه بعض الاختلاف في الإسناد

(7)

.

4 -

قال أبو عيسى: (حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف، قال: حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أتى أحدكم على ماشية، فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه، فإن أذن له فليحتلب وليشرب، وإن لم يكن فيها أحد فليصوت ثلاثا، فإن أجابه أحد فليستأذنه، فإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب، ولا يحمل".

(1)

"جامع الترمذي"(1343).

(2)

(1335).

(3)

(3595).

(4)

(13/ 27).

(5)

(1288).

(6)

"السنن"(2622).

(7)

ينظر "التحفة"(3595).

ص: 147

وفي الباب: عن ابن عمر، وأبي سعيد. حديث سمرة حديث حسن غريب صحيح.

وقال علي بن المديني: سماع الحسن من سمرة صحيح.

وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة، وقالوا: إنما يحدث عن صحيفة سمرة)

(1)

. وكذا في طبعة الرسالة

(2)

: (حسن غريب صحيح). وفي "تحفة الأشراف"

(3)

، طبعة بشار

(4)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: والذي يظهر لي أن الترمذي يصحح هذا الحديث، وقد صحّح عدة أحاديث بهذه السلسلة

(5)

، وإن كان في بعض الأحيان قد يتوقف

(6)

، وهو يرجِّح سماع الحسن، عن سمرة، كما نقله عن علي بن المديني.

5 -

قال أبو عيسى: (باب ما جاء في كفارة النذر إذا لم يُسمِّ.

حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: حدثني محمد مولى المغيرة بن شعبة، قال: حدثني كعب بن علقمة، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين". هذا حديث حسن غريب صحيح)

(7)

. وكذا في طبعة الرسالة

(8)

.

(1)

"جامع الترمذي"(1350).

(2)

(1342).

(3)

(4591).

(4)

(1296).

(5)

ينظر: (1613،1429،1289).

(6)

ينظر: (1114،252،233).

(7)

"جامع الترمذي"(1620).

(8)

(1608).

ص: 148

قلت: هذا الحديث أخرجه مسلم

(1)

، قال:(حدثني هارون بن سعيد الأيلي ويونس بن عبد الأعلى وأحمد بن عيسى، قال يونس: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن شماسة، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كفارة النذر كفارة اليمين").

هذا هو اللفظ الصحيح لهذا الخبر، وأما إسناد الترمذي فلا يصح؛ محمد مولى المغيرة لا يعرف، وقد أسقط أو سقط من الإسناد عبد الرحمن بن شماسة.

وأما حكم الترمذي عليه بما تقدم، فالنُّسخ اتفقت على التصحيح، واختلفت في موضع (الغريب)، ففي "تحفة الأشراف"

(2)

(حسن صحيح غريب)، وهكذا في نسخة بشار

(3)

.

6 -

قال أبو عيسى: (حدثنا محمد بن بشار وأحمد بن نصر النيسابوري وغير واحد، قالوا: حدثنا صفوان بن عيسى، قال: حدثنا محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة". هذا حديث حسن غريب صحيح)

(4)

. وكذا في طبعة الرسالة

(5)

. وفي "تحفة الأشراف"

(6)

، وطبعة بشار

(7)

: (حسن صحيح غريب).

(1)

"صحيح مسلم"(1645).

(2)

(9960).

(3)

(1528).

(4)

"جامع الترمذي"(1775).

(5)

(3/ 471).

(6)

(12861).

(7)

(1668).

ص: 149

قلت: الذي يظهر لي أن الترمذي يريد بحكمه هذا تصحيح هذا الخبر، والدليل على ذلك أنه قد صحح غير ما حديث بهذه السلسلة، منها: حديث: "إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء

".

أخرجه عن قتيبة، عن الليث، عن ابن عجلان به، وقال:(حسن صحيح)

(1)

.

وأخرج حديثا آخر بنفس الإسناد السابق - أي: عن قتيبة به - وهو: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". وقال: (حسن صحيح)

(2)

.

وحديث آخر بنفس الإسناد؛ أخرجه في الزهد، وهو: "قلب الشيخ شاب على حب اثنتين

" الحديث. وقال: (حسن صحيح

(3)

.

وأخرج في الزهد أيضا حديث: "إن لكل شيء شِرَّةً، ولكل شرة فترة

" عن يوسف بن سلمان البصري، عن حاتم بن إسماعيل، عن ابن عجلان به. وقال:(حسن صحيح غريب من هذا الوجه)

(4)

.

وأخرج حديثين غير ما تقدم، ولم يصححهما، قال عن الأول:(حسن)، وقال عن الثاني:(حسن غريب)

(5)

.

ويؤيد تصحيح الترمذي لهذا الخبر: أن باقي النسخ جاء فيها: (حسن صحيح) أو (غريب صحيح) و (حسن صحيح غريب).

وقد توبع صفوان على هذا الحديث:

(1)

"جامع الترمذي"(3646)، "تحفة الأشراف"(12862).

(2)

"جامع الترمذي"(2828)، "التحفة"(12864).

(3)

"جامع الترمذي"(2506)، "التحفة"(12869).

(4)

"جامع الترمذي"(2635)، "التحفة"(12870).

(5)

"جامع الترمذي"(2050، 3892)، "التحفة"(12863، 12865).

ص: 150

تابعه حاتم بن إسماعيل، كما عند النسائي في "سننه"

(1)

.

والمغيرة بن عبد الرحمن، كما في "الجهاد" لابن أبي عاصم

(2)

.

وأبو إسحاق، كما في "حلية الأولياء" لأبي نعيم

(3)

، وقال:(ثابت مشهور من حديث القعقاع عن أبي صالح).

وسعيد بن أبي أيوب، كما عند البغوي في "شرح السنة"

(4)

، وقال:(هذا حديث غريب).

7 -

قال أبو عيسى: (حدثنا أحمد بن محمد، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا ابن لَهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن علي بن رباح، عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خير الخيل الأدهم الأقرَح الأرْثَم، ثم الأقْرَح المُحجَّل طلْق اليمين، فإن لم يكن أدْهم، فكُمَيتٌ على هذه الشية".

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي، عن يحيى ابن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب

، نحوه بمعناه. هذا حديث حسن غريب صحيح)

(5)

.

وفي "تحفة الأشراف"

(6)

، وطبعة بشار

(7)

، والرسالة

(8)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: الحكم الذي جاء هنا - يعني: في طبعة دار التأصيل - أظنه خطأً طباعيا، والدليل على ذلك: ما جاء في طبعة الرسالة، وهي غالبا لا تختلف عن التأصيل، وعلى فرض صحة ما جاء في طبعة التأصيل فهذا الخبر صحيح.

(1)

(3185).

(2)

(191).

(3)

(8/ 264).

(4)

(2630).

(5)

"جامع الترمذي"(1803 - 1804).

(6)

(12121).

(7)

(1696 - 1697).

(8)

(1791 - 1792).

ص: 151

وقد جاء أيضا من طريق موسى بن علي عن أبيه مرسلا

(1)

.

وجاء موصولا أيضا، لكن الصواب عن موسى بن علي الإرسالُ، كما في "العلل" لابن أبي حاتم

(2)

.

وأما طريق يزيد بن أبي حبيب فلم يقع فيها اختلاف، وهو ثقة فقيه، وعليه فالراجح في هذا الخبر الوصل، وقد صحّحه أبو عيسى كما تقدم.

8 -

قال أبو عيسى: (حدثنا حميد بن مَسعدة، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن حميد، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة؛ ليس بالطويل ولا بالقصير، حسن الجسم، أسمر اللون، وكان شعره ليس بجعد ولا سبط، إذا مشى يتوكأ.

وفي الباب: عن عائشة، والبراء، وأبي هريرة، وابن عباس، وأبي سعيد، ووائل بن حُجْر، وجابر، وأم هانئ.

حديث أنس حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه من حديث حميد)

(3)

. وكذا فى طبعة الرسالة

(4)

.

قلت: وفي "تحفة الأشراف"

(5)

، وطبعة بشار

(6)

: (حسن صحيح غريب).

وفيه لفظان غريبان:

الأول: (أسمر اللون)، وقد جاء في "صحيح مسلم"

(7)

من حديث حماد، عن ثابت، عن أنس: كان أزهر اللون.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(34755).

(2)

"علل الحديث" لابن أبي حاتم (3/ 335).

(3)

"جامع الترمذي"(1862).

(4)

(1850).

(5)

(720).

(6)

(1754).

(7)

(2330).

ص: 152

وأخرجه البخاري

(1)

، وليس فيه موضع الشاهد.

وحديث أنس له طرق في "الصحيحين" بألفاظ مختلفة؛ من حديث حميد عند البخاري ومسلم

(2)

، وليس فيه ذكر للونه صلى الله عليه وسلم.

ومن حديث ربيعة بن أبي عبد الرحمن؛ متفق عليه

(3)

، ولفظه: (أزهر اللون

(4)

، ليس بأبيض أمهق ولا آدم).

ومن حديث قتادة؛ أخرجه البخاري ومسلم

(5)

، وليس فيه ذكر للونه صلى الله عليه وسلم.

فتبين مما سبق أن لفظة: (أسمر اللون) غير محفوظة، بل هي لفظة شاذة.

الثاني: لفظ مسلم فيه أيضا: (إذا مشى تكفأ).

وقد أخرجه أبو داود

(6)

، وأبو يعلى

(7)

ومن طريقه أبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم "

(8)

، كلاهما عن وهب، عن خالد، عن حميد به. وعندهما:(كان إذا مشى كأنه يتوكأ).

وأخرجه البزار من طريق خالد وعبد الوهاب، كلاهما عن حميد به، واقتصر على لفظ:(أسمر اللون).

وقال البزار: (لا نعلم رواه عن حميد إلا خالد وعبد الوهاب)

(9)

.

(1)

"صحيح البخاري"(3561).

(2)

"صحيح البخاري"(1973)، "صحيح مسلم"(2338).

(3)

"صحيح البخاري"(3547، 5900)، "صحيح مسلم"(2347).

(4)

هذا لفظ البخاري من طريق ربيعة.

(5)

"صحيح البخاري"(5903 - 5907)، "صحيح مسلم"(2338، 2341).

(6)

"السنن"(3863).

(7)

"المسند"(3777).

(8)

(209).

(9)

(6623، 6624).

وقال الدارقطني في "الأطراف"(795): (قوله: "أسمر اللون"؛ غريب من حديث حميد عن أنس، وغريب من حديث عبد الوهاب الثقفي عنه.

ص: 153

ووجه الاختلاف أن في مسلم (يتكفأ)، وعند أبي داود وغيره - كما عند المصنِّف -:(إذا مشى كأنه يتوكأ).

والذي أميل إليه: أن (يتكفأ) و (يتوكأ) محفوظتان، وأنهما بمعنى واحد، ومع أنه وقع عند المباركفوري

(1)

: (يتكفأ)

(2)

، وهكذا أخرجه الترمذي في "الشمائل"

(3)

: (يتكفأ).

والذي يظهر أن الترمذي أراد بقوله: (حسن غريب صحيح) تصحيح هذا الحديث.

وأخرجه البغوي في "شرح السنة"

(4)

من طريقه، ولم ينقل حكم الترمذي عليه.

9 -

قال أبو عيسى: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزِّناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وكان له شعر فوق الجُمَّة ودون الوفرة. هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه.

وقد روي من غير وجه عن عائشة أنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد.

ولم يذكروا فيه هذا الحرف: وكان له شعر فوق الجمة، وأنما ذكره عبد الرحمن ابن أبي الزِّناد، وهو ثقة حافظ، كان مالك بن أنس يوثقه ويأمر بالكتابة عنه)

(5)

.

= وتابعه على هذه اللفظة خالد بن عبد الله الواسطي عن حميد، ولم نسمعه إلا من علي بن مبشر، عن عبد الحميد بن بيان، عن خالد). وينظر أيضا:(749).

(1)

"تحفة الأحوذي"(5/ 449).

(2)

وكذلك في نسخة بشار.

(3)

(2).

(4)

(3640).

(5)

"جامع الترمذي"، (1863).

ص: 154

وكذا في طبعة الرسالة

(1)

: (حسن غريب صحيح).

وأما في "تحفة الأشراف"

(2)

، وطبعة بشار

(3)

: (حسن صحيح غريب)، وكذا نقله المنذري عن الترمذي: (حسن صحيح غريب من هذا الوجه

(4)

.

وهذا هو الأقرب؛ لأن الطريقة المستعملة في الغالب أن يقال: (غريب من هذا الوجه)، ولا يقال - أو يندر أن يقال -:(صحيح من هذا الوجه)، وكلام الترمذي بعد ذلك قد بين هذا.

وهذا الحديث أخرجه أبو داود

(5)

، والترمذي في "الشمائل"

(6)

، وابن ماجه

(7)

، وابن سعد

(8)

، وابن شبّة

(9)

، والطحاوي في "مشكل الآثار"

(10)

، والطبراني في "الأوسط"

(11)

، وابن المقرئ

(12)

، والبغوي في "شرح السنة"

(13)

؛ كلهم من طرق عن ابن أبي الزِّناد به.

وقد أخرج البخاري

(14)

الشطر الأول من حديث هشام، عن عروة به. وخرجه مسلم من طرق أخرى والبخاري أيضا

(15)

.

وأخرج أبو داود

(16)

، وابن ماجه

(17)

، الشطر الثاني من حديث ابن أبي الزِّناد.

(1)

(1851).

(2)

(17019)

(3)

(1755).

(4)

"مختصر سنن أبي داود"(4023).

(5)

"السنن"(4187).

(6)

(25).

(7)

"السنن"(3635).

(8)

"الطبقات الكبري"(1/ 370).

(9)

"تاريخ المدينة"(2/ 626).

(10)

(3359).

(11)

(1039).

(12)

"المعجم"(780).

(13)

(3187).

(14)

"صحيح البخاري"(7339،5956،273).

(15)

"صحيح البخاري"(250، 261)، "صحيح مسلم"(319، 321).

(16)

(4187).

(17)

(3635).

ص: 155

وهو أيضا صحيح من أحاديث أخرى.

ولكن هذه الزيادة تفرد بها ابن أبي الزِّناد في هذا الحديث، كما تقدم في كلام أبي عيسى، والذي يظهر أنها شاذة في هذا الخبر.

نعم؛ هي صحيحة، ولكن في غير هذا الحديث من هذا الوجه.

وقد يكون مقصود أبي عيسى من تصحيحه هذا الخبر: أصل الخبر دون الزيادة، ولكن هذا فيه بعض البعد، وقد يكون أراد صحة الخبر كله مع الزيادة، وتساهل في قبولها؛ لأنها ثابتة في أحاديث أخرى بمعناها.

ففي "الصحيحين"

(1)

من حديث أنس: كان شعره رَجِلا؛ ليس بالجعد ولا السبط، بين أذنيه وعاتقه.

وفي رواية من حديث أنس أيضا - وهي في "الصحيحين"

(2)

-: كان شعره صلى الله عليه وسلم يضرب منكبيه.

وفي رواية عند مسلم

(3)

من حديث ابن عُليّة، عن حميد، عن أنس: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنصاف أذنيه.

وفي "الصحيحين"

(4)

من حديث براء: عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه.

وهذا يدل على ما جاء في رواية ابن أبي الزِّناد، إذ هو بمعناه، وأما باللفظ الذي ذكره ابن أبي الزِّناد فالذي يظهر أنه تفرد به، فلم أقف عليه بهذا اللفظ عند غيره، فيكون تفرده من جهتين:

(1)

"صحيح البخاري"(5905 - 5906)، "صحيح مسلم"(2338).

(2)

"صحيح البخاري"(5903 - 5904)، "صحيح مسلم"(2338).

(3)

"صحيح مسلم"(2338).

(4)

"صحيح البخاري"(3551)، "صحيح مسلم"(2337).

ص: 156

الجهة الأولى: تفرده بهذه الزيادة في هذا الحديث خاصة.

والجهة الثانية: تفرده بهذا اللفظ، - وهو:(فوق الوفرة، ودون الجمة) - بعامة دون سائر الأحاديث، والله تعالى أعلم.

وقد علق له البخاري في "صحيحه" أربعة أحاديث

(1)

من حديث ابن أبي الزِّناد، عن هشام.

وأخرج له الترمذي حديثا آخر.

وأما عدد أحاديثه بهذا الإسناد في "التحفة" فسبعة

(2)

، منها: حديث تفرد به، وقد اختلف عليه، فمرة وصله، وأخرى أرسله.

10 -

قال أبو عيسى: (أخبرنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا حسين بن محمد البغدادي، قال: حدثنا شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستخرج نار من حضرموت - أو من بحر حضرموت - قبل يوم القيامة تحشر الناس". قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: "عليكم بالشام". وفي الباب: عن حذيفة بن أسيد، وأنس، وأبي هريرة، وأبي ذر. هذا حديث حسن غريب صحيح من حديث ابن عمر)

(3)

. وكذا في طبعة الرسالة

(4)

. وفي "تحفة الأشراف"

(5)

، وطبعة بشار

(6)

: (حسن صحيح غريب). هذا الحديث أخرجه أحمد

(7)

من طريق شيبان.

(1)

"صحيح البخاري"(4458، 5326، 5763، 3198).

(2)

(17018 - 17024).

(3)

"جامع الترمذي"(2377).

(4)

(2364).

(5)

(6765).

(6)

(2217).

(7)

"المسند"(5376).

ص: 157

وأخرجه أحمد

(1)

وابن أبي شيبة

(2)

من طريق علي بن المبارك. وأخرجه أحمد

(3)

من طريق أبان بن يزيد، والحسين المعلِّم. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"

(4)

من طريق الأوزاعي. كلهم عن يحيى بن أبي كثير به.

11 -

قال أبو عيسى: (باب ما جاء في صفة شراب أهل النار.

حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا سعيد ابن يزيد، عن أبي السمح، عن ابن حُجيرة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إن الحميم ليصب على رءوسهم، فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه، وهو الصهر، ثم يعاد كما كان". ابن حُجيرة هو: عبد الرحمن بن حُجيرة المصري. هذا حديث حسن غريب صحيح)

(5)

. وكذا في طبعة الرسالة

(6)

. وفي "تحفة الأشراف"

(7)

، وبشار

(8)

: (حسن صحيح غريب).

هذا الحديث أخرجه أحمد

(9)

، وعبد الله بن أحمد في زوائده على "الزهد"

(10)

، والطبري في "تفسيره"

(11)

، والحاكم

(12)

، وأبو نعيم في

(1)

"المسند، (5146).

(2)

"المصنف"(40103).

(3)

"المسند"(5738، 6002).

(4)

(7347).

(5)

"جامع الترمذي"(2775).

(6)

(2762).

(7)

(13593).

(8)

(2582).

(9)

(8864).

(10)

(107). وقع في المطبوع: (ابو حجيرة) بدل (ابن حجيرة)، ولعله تصحيف.

(11)

(16/ 495).

(12)

(3503).

ص: 158

"الحلية"

(1)

، والبيهقي في "البعث والنشور"

(2)

، والبغوي في "شرح السنة"

(3)

، وفي "التفسير"

(4)

من طرق، عن عبد الله بن المبارك به. وقال البغوي: قال أبو عيسى: (هذا حديث حسن غريب). وقال ابن كثير: ورواه الترمذي من حديث ابن المبارك، وقال:(حسن صحيح)

(5)

. وقال السيوطي: (وأخرج عبد بن حميد، والترمذي وصحّحه)

(6)

.

قلت: هذا الحديث في إسناده دَرّاج أبو السمح، وهو متكلم فيه، وقد خرّج له المصنف عدة أحاديث من روايته عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، ولم يصحح سوى حديث واحد منها

(7)

كما في "التحفة"

(8)

، بينما قال عن أكثر من حديث منها:(حسن غريب)

(9)

، مع ملاحظة أن أبا داود تكلم في حديث درّاج ما كان بهذا الإسناد، وأما ما لم يكن عن أبي الهيثم فإنه قوّاه

(10)

. وأما ابن معين فإنه قوى الأحاديث التي بهذا الإسناد.

والأقرب أنه لا يحتج به، سواء كان فيه عن أبي الهيثم، أو غيره؛ لأن العلة منه، كما قال الإمام أحمد

(11)

.

وقد يكون القول الذي نقله البغوي عن المصنف هو الصحيح عنه؛

(1)

(8/ 182).

(2)

(1106).

(3)

(4406).

(4)

(5/ 374). وقع في المطبوع: (أبو حجيرة) بدل (ابن حجيرة)، ولعله تصحيف.

(5)

"تفسير ابن كثير"(5/ 406).

(6)

"الدر المنثور"(10/ 426).

(7)

برقم (3471).

(8)

(4050) و (4052 - 4063).

(9)

ينظر: (2818، 2894، 3368).

(10)

"سؤالات الآجري"(2/ 166).

(11)

"سؤالات أبي داود للإمام أحمد"(ص: 247).

ص: 159

لأن هذا هو الموافق لغالب أحكامه، وقد يكون القول الآخر الذي نقل عنه - وهو رواية الأكثر - في تصحيحه هو الثابت عنه؛ لأنه كما تقدم صحح له حديثا بذلك الإسناد، والله أعلم.

12 -

قال أبو عيسى: (باب ما جاء أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا.

حدثنا أبو كُريب، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء". وفي الباب: عن سعد، وابن عمر، وجابر، وأنس، وعبد الله بن عمرو.

هذا حديث حسن غريب صحيح من حديث ابن مسعود، وإنما نعرفه من حديث حفص بن غياث، عن الأعمش.

وأبو الأحوص اسمه: عوف بن مالك بن نضلة الجشمي.

تفرد به حفص)

(1)

. وكذا في طبعة الرسالة

(2)

: (حسن غريب صحيح).

وفي "تحفة الأشراف"

(3)

: (حسن صحيح، تفرد به حفص، إنما نعرفه من حديثه). وفي طبعة بشار

(4)

: (حسن صحيح غريب).

والحديث أخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"

(5)

من طريق محمد بن عبد العزيز الواسطي.

(1)

"جامع الترمذي"(2830).

(2)

(2817).

(3)

(9510).

(4)

(2629).

(5)

(688).

ص: 160

وابن عدي في "الكامل"

(1)

من طريق مخلد بن مالك. كلاهما عن أبي خالد الأحمر، عن الأعمش به.

قال ابن عدي: (لا يُعرَف هذا الحديث إلا بحفص بن غياث عن الأعمش، وبه يعرف، وحكم الناس بأنه حديثه عن الأعمش، حتى حدَّثَناهُ الخضر بن أمية وغيره، عن مخلد بن مالك، عن أبي خالد، عن الأعمش، ولا أعلم يرويه عن أبي خالد غير مخلد بن مالك)

(2)

. ولذا قال الإمام أحمد عن هذا الحديث: (منكر)

(3)

.

وقال مرة: (إنما هذا زعموا أن حفصا رواه عن الأعمش عن أبي إسحاق، وأرى الأعمش أخطأ فيه)

(4)

.

قلت: الذي يظهر أن أبا عيسى يصحح هذا الحديث؛ لأنه جاء من وجه آخر عن أبي هريرة وغيره.

فقد أخرجه مسلم

(5)

من حديث يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة.

وأخرجه

(6)

أيضا من حديث خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، مرفوعا:"إن الإيمان ليأرِزُ إلى المدينة، كما تأرِز الحية إلى جحرها".

(1)

(5/ 268 - 269).

(2)

تقدم أن الطحاوي أخرجه من طريق محمد بن عبد العزيز الواسطي، عن أبي خالد.

(3)

"المنتخب من علل الخلال"(11) رواية حنبل، وقد سأله عن حديث حفص بن غياث.

(4)

"تاريخ بغداد"(4/ 441) رواية الأثرم.

(5)

"صحيح مسلم"(145).

(6)

"صحيح مسلم"(147).

ص: 161

وأخرجه

(1)

أيضا من حديث عاصم بن محمد العمري، عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، وهو يأرِز بين المسجدين، كما تأرز الحية في جحرها".

وقد سأل الترمذيُّ البخاريَّ عن حديث حفص هذا، فقال البخاري:(لا أعلم أحدا روى هذا الحديث غير حفص بن غياث، وهو حديث حسن)

(2)

.

قلت: تبين مما تقدم أن حفصا لم يتفرد به، بل تابعه أبو خالد الأحمر، لكن في كلام البخاري والترمذي أن حفصا تفرد به، فيحتمل أن تكوه هذه المتابعة خطأ، أو أن أبا خالد أخذه من حفص بن غياث ودلّسه، ويكون تصريح أبي خالد بالتحديث - الذي وقع عند الطحاوي - خطأ من الراوي عنه، وأما إن ثبتت هذه المتابعة فيكون قول الإمام أحمد هو الأصح، وأن الأعمش أخطأ فيه، والله تعالى أعلم.

13 -

قال أبو عيسى: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي - حسبت أنه قال: متعمدا - فليتبوأ بيته من النار".

هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه من حديث الزهري، عن أنس، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم "

(3)

. وهكذا في طبعة الرسالة

(4)

.

وفي طبعة بشار: (حسن صحيح غريب)

(5)

. وفي "تحفة الأشراف"(صحيح غريب)

(6)

.

(1)

"صحيح مسلم"(146).

(2)

"العلل الكبير"(628).

(3)

"جامع الترمذي"(2865).

(4)

(2852).

(5)

(2661).

(6)

(1525).

ص: 162

قلت: هذا الحديث صحيح، فقد أخرجه الشيخان من غير طريق الترمذي؛ فأخرجه البخاري

(1)

من طريق عبد الوارث، ومسلم

(2)

من طريق إسماعيل بن علية، كلاهما عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس به. والذي يظهر أن الترمذي يصحح طريق الليث.

وأما قول الترمذي: (غريب)، فالذي يظهر أنه يقصد من طريق الزهري حسب، مع أنه قد توبع؛ وإليك تفصيل ذلك:

فقد توبع قتيبة في هذا الحديث: فأخرجه أحمد

(3)

عن إسحاق، وابن ماجه

(4)

عن محمد بن رمح المصري، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"

(5)

من طريق شعيب بن الليث، وابن حبان

(6)

من طريق أبي الوليد، والطبراني في "طرق حديث من كذب علي متعمدا"

(7)

من طريق شعيب بن يحيى وعبد الله بن صالح و أحمد بن يونس، كلهم عن ليث، عن ابن شهاب، عن أنس به.

وقد توبع ليث أيضا: فأخرجه البزار

(8)

، قال:(حدثناه محمد بن مسكين، حدثنا سعيد بن كثير، حدثنا ابن وهب، عن يونس).

وأخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"

(9)

، قال:(حدثنا الوليد، ثنا محمد بن عمار، حدثني أبو الوليد الجارودي، عن ابن أبي ذئب).

قال الطبراني: (لم يرو هذا الحديث عن ابن أبي ذئب إلا الجارودي، تفرد به محمد بن عمار).

(1)

"صحيح البخاري"(108).

(2)

"مقدمة صحيح مسلم"(2).

(3)

(13332).

(4)

"السنن"(32).

(5)

(403).

(6)

(31).

(7)

(112).

(8)

(6344).

(9)

(9281).

ص: 163

وأخرجه الطبراني في "طرق حديث من كذب علي متعمدا"

(1)

، قال:(حدثنا عبد الله بن محمد العمري، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد).

وأخرجه الطبراني أيضا في "طرق حديث من كذب علي متعمدا"

(2)

، قال:(حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن ابن أخي ابن شهاب). كلهم عن الزهري عن أنس به. وقد أخرجه من طرق أخرى عن أنس

(3)

.

14 -

قال أبو عيسى: (حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا سلمة ابن رجاء، قال: حدثنا الوليد بن جميل، قال: حدئنا القاسم أبو عبد الرحمن، عن أبي أمامة الباهلي، قال: ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير". هذا حديث حسن غريب صحيح.

سمعت أبا عمار الحسين بن حريث الخزاعي، يقول: سمعت الفضيل بن عياض، يقول: عالم عامل معلم يدعى كبيرا في ملكوت السموات)

(4)

. وكذا في طبعة الرسالة

(5)

: (حسن غريب صحيح).

(1)

(115).

(2)

(116).

(3)

"طرق حديث من كذب علي متعمدا"(103 - 127).

(4)

"جامع الترمذي"(2893).

(5)

(2880).

ص: 164

وفي "تحفة الأشراف"

(1)

، طبعة بشار

(2)

: (حسن صحيح غريب).

والحديث أخرجه الطبراني في "الكبير"

(3)

، وأبو القاسم الدمشقي في "فوائد تمام"

(4)

، والشجري في "ترتيب الأمالي"

(5)

من طريق محمد بن أبي رجاء العبّاداني. وأخرجه الطبراني أيضا في "الكبير"

(6)

من طريق يعقوب بن حميد.

وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال"

(7)

من طريق بكر بن خلف أبي بشر.

وأخرجه أبو القاسم الدمشقي في "فوائد تمام"

(8)

من طريق أبي أيوب سليمان ابن داود الشاذكوني.

وأخرجه الشجري في "ترتيب الأمالي"

(9)

من طريق روح بن عبد المؤمن المقرئ. كلهم عن سلمة بن رجاء به.

قلت: إسناده قوي، والوليد بن جميل تُكلم فيه، والأقرب أنه لا بأس به، ولكن هذا الإسناد غريب، وقد جاء ما يشهد لبعضه.

ويحتمل أن أبا عيسى عندما حكم عليه بـ (حسن غريب صحيح) يريد صحته، والله تعالى أعلم.

وقد صحح الترمذي حديثا آخر بهذه السلسلة

(10)

، وحسن حديثا

(11)

، وغرّب آخر

(12)

. فهذه أربعة أحاديث أخرجها الترمذي بهذه السلسلة.

(1)

"تحفة الأشراف"(4907).

(2)

(2865).

(3)

(7911).

(4)

(43).

(5)

(282).

(6)

(7912).

(7)

(215).

(8)

(1243).

(9)

(282).

(10)

برقم: (1733).

(11)

برقم: (1776).

(12)

برقم: (1730).

ص: 165

ونقل عن البخاري أنه قال: (لا أعرف أحدا روى عن الوليد بن جميل غير يزيد بن هارون وهاشم بن القاسم، والوليد بن جميل مقارب الحديث)

(1)

.

15 -

قال أبو عيسى: (باب ما جاء في كراهية أن يقول: عليك السلام مبتدئا.

حدثنا إسحاق بن منصور، قال: أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا عبد الله بن المثنى، قال: حدثنا ثمامة بن عبد الله، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم سلم ثلاثا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا. هذا حديث حسن غريب صحيح)

(2)

. وكذا في طبعة الرسالة

(3)

: (حسن غريب صحيح). وفي "تحفة الأشراف"

(4)

، وبشار

(5)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: هذا حديث صحيح، وهو مستقيم سندا ومتنا، لذا صححه المصنف، وقد سبقه البخاري إلى تصحيحه، فقد أخرجه في كتابه "الصحيح"

(6)

.

16 -

قال أبو عيسى (باب ما جاء في إنشاد الشعر.

حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري وعلي بن حُجْر - المعنى واحد -، قالا: حدثنا ابن أبي الزِّناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما،

(1)

"العلل الكبير"(493).

(2)

"جامع الترمذي"(2934).

(3)

(2921).

(4)

(500).

(5)

(2723).

(6)

(94 - 95، 6244).

ص: 166

يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، - أو قالت: ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما يفاخر، - أو ينافح - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

حدثنا إسماعيل وعلي بن حُجْر، قالا: حدثنا ابن أبي الزِّناد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله. وفي الباب: عن أبي هريرة، والبراء. هذا حديث حسن غريب صحيح، وهو حديث ابن أبي الزِّناد)

(1)

. وكذا في طبعة الرسالة

(2)

: (حسن غريب صحيح). وفي "تحفة الأشراف"

(3)

، وطبعة بشار

(4)

: (حسن صحيح).

والحديث أخرجه أبو داود

(5)

عن محمد بن سليمان المصِّيصِي لوين، عن عبد الرحمن بن أبي الزِّناد، عن أبيه، عن عروة وهشام به.

وعلّقه البخاري في كتابه "الصحيح" كما في "تحفة الأشراف"

(6)

، فقال:(حديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد، وقال: "إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما دافع أو نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. خ: وقال ابن أبي الزِّناد، عن أبيه، عن عروة بهذا).

قلت: وهذا لم أقف عليه في النسخة المطبوعة من "صحيح البخاري"، ولم يذكره ابن حجر في "الفتح" ولا في "تغليق التعليق"، ولذا قال في "النكت الظراف على تحفة الأشراف": (لم أر هذا الموضع في

(1)

"جامع الترمذي"(3075 - 3076).

(2)

(3060).

(3)

(16351).

(4)

(2846).

(5)

"السنن"(5015).

(6)

(16351).

ص: 167

"صحيح البخاري"، وقد وصله أيضا أحمد والطبراني وصحّحه الحاكم).

وأخرجه مسلم

(1)

في حديث طويل من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة، وفيه:"إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله".

قلت: قد ذكره البخاري في ثلاثة مواضع:

فقال في "صحيحه"

(2)

: (حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: استأذن حسان النبي صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين، قال:"كيف بنسبي؟ " فقال حسان: لأسُلَّنَّك منهم كما تسل الشعرة من العجين.

وعن أبيه قال: ذهبت أسب حسان عند عائشة، فقالت: لا تسبه فإنه كان ينافح عن النبي صلى الله عليه وسلم).

وقال

(3)

: (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، قال: ذهبت أسب حسان عند عائشة، فقالت: لا تسبه، فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت عائشة: استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين، قال "كيف بنسبي؟ " قال: لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين. حدثنا محمد بن عقبة، حدثنا عثمان بن فرقد، سمعت هشاما، عن أبيه، قال: سببت حسان وكان ممن كثر عليها).

وقال

(4)

: (حدثنا محمد، حدثنا عبدة، أخبرنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: استأذن حسان بن ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فكيف بنسبي؟ " فقال حسان: لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين.

(1)

"صحيح مسلم"(2490).

(2)

(3531).

(3)

(4145).

(4)

(6150).

ص: 168

وعن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: ذهبت أسب حسان عند عائشة، فقالت: لا تسبه، فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وأما حكم الحديث من حيث الصحة، فهو حديث صحيح، فقد أخرجه مسلم كما تقدم من وجه آخر، كما أخرجه أحمد

(1)

وابن حبان

(2)

من طريق أخرى.

وأما طريق ابن أبي الزِّناد فظاهرها الصحة أيضا، وقد صححها الحاكم

(3)

، والذي يظهر أن أبا عيسى يرى صحة هذه الطريق.

وقد جاء هذا الحديث من مسند أبي هريرة؛ أخرجه الشيخان

(4)

، كما أنه جاء عن غيره.

ولكن تفرد ابن أبي الزِّناد بقوله في روايته عن أبيه عن عروة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد).

والجواب عن ذلك: أن المقصود بالمنبر هنا - فيما يظهر - موضعٌ في المسجد، وليس المنبر المعروف الذي يخطب عليه، فيكون ابن أبي الزِّناد رواه بالمعنى، والله تعالى أعلم.

17 -

وقال أبو عيسى: (حدثنا إسحاق بن منصور، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا ثابت، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء، وعبد الله بن رواحة بين يديه يمشي وهو يقول:

خلوا بني الكفار عن سبيله

اليوم نضربكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

(1)

أخرجه من طريق ابن أبي الزناد (24437 - 24438).

(2)

(7189).

(3)

(6191).

(4)

"صحيح البخاري"(453، 3212، 6152)، "صحيح مسلم"(2485).

ص: 169

فقال له عمر: يا ابن رواحة، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خلِّ عنه يا عمر، فلَهيَ أسرع فيهم من نضح النبل". هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.

وقد روى عبد الرزاق، هذا الحديث أيضا عن معمر، عن الزهري، عن أنس

نحو هذا.

وروي في غير هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وكعب بن مالك بين يديه، وهذا أصح عند بعض أهل الحديث؛ لأن عبد الله بن رواحة - يعني - قتل يوم مؤتة، وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك)

(1)

. وفي طبعة الرسالة

(2)

: (حسن غريب صحيح). وفي "التحفة"

(3)

، وبشار

(4)

: (حسن صحيح غريب من هذا الوجه). وفي "الفتح"

(5)

: قال الترمذي: (حديث حسن غريب).

والحديث أخرجه النسائي

(6)

وابن خزيمة

(7)

وابن حبان

(8)

والبغوي في "شرح السنة"

(9)

.

وأما طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس، فقد أخرجها البزار

(10)

وابن أبي عاصم

(11)

، وقال البزار:(لا نعلم رواه عن الزهري عن أنس إلا معمر، ولا نعلم رواه عن معمر إلا عبد الرزاق).

(1)

"جامع الترمذي"(3077).

(2)

(3061).

(3)

(266).

(4)

(2847).

(5)

(7/ 502).

(6)

"المجتبى"(2894، 2915).

(7)

"صحيح ابن خزيمة"(2680).

(8)

"صحيح ابن حبان"(5824).

(9)

(3404).

(10)

"المسند"(6301).

(11)

"الآحاد والمثاني"(1983)، وفي "الجهاد"(259).

ص: 170

وأخرجه الطبراني في "الكبير"

(1)

من طريق محمد بن سلمة، عن محمد ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة في تلك العمرة، دخلها وعبد الله بن رواحة

الخ، وذكر الأبيات.

ورواه يونس بن بكير، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم مرسلا في عمرة القضاء

(2)

. وفي "إتحاف المهرة"

(3)

: (رواه زَمْعة بن صالح عن الزهري مرسلا).

وفي "البداية والنهاية"

(4)

: (رواه موسى بن عقبة عن الزهري مرسلا في عمرة القضية).

وقال الدارقطني في "العلل"

(5)

: (تفرد به عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أنس، ويقال: وهِم فيه،

وأنه انقلب عليه إسناده، وهو محفوظ من حديث جعفر، عن ثابت، عن أنس).

وقد تعقّب الذهبيُّ في "السير"

(6)

وابنُ حجر في "الفتح"

(7)

الترمذيَّ في ذلك.

فقال الذهبي: (كلا، بل مؤتة بعدها بستة أشهر جزما).

وقال ابن حجر: (وهو ذهول شديد وغلط مردود، وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك مع وفور معرفته، ومع أنّ في قصة عمرة القضاء اختصامَ جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة في بنت حمزة، كما سيأتي في هذا

(1)

(416).

(2)

ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية"(6/ 378).

(3)

(2/ 302).

(4)

(6/ 378). ثم رأيته عند الطبراني أخرجه في "الكبير"(417).

(5)

(2608).

(6)

(1/ 236).

(7)

(7/ 502).

ص: 171

الباب، وجعفر قُتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد، كما سيأتي قريبا، وكيف يخفى عليه - أعني الترمذي - مثل هذا!؟ ثم وجدت عن بعضهم أن الذي عند الترمذي من حديث أنس أن ذلك كان في فتح مكة، فإن كان كذلك اتجه اعتراضه، لكن الموجود بخط الكَرُوخي - راوي الترمذي - ما تقدم، والله أعلم).

قلت: والخلاصة أن حديث جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس، حديث محفوظ عند أبي عيسى الترمذي، وقد صحح بهذه الترجمة غير ما حديث

(1)

، كما أنه توقف في أحاديث أخر

(2)

.

وأما قوله: (وكعب بن مالك بين يديه وهذا أصح

؛ لأن عبد الله بن رواحة قتل يوم مؤتة) فهذا لا ينافي صحة أصل الحديث عنده.

وأنا أذهب إلى صحة ما تعقّب به الذهبي وابن حجر المصنف، وأن مؤتة بعد عمرة القضاء.

وأما طريق الزهري عن أنس، فلعل الصواب فيها الإرسال دون أنس، كما رواه موسى بن عقبة، وزَمْعة بن صالح. وقد نصَّ الدارقطني

(3)

على خطأ عبد الرزاق.

ولكن هذا المرسل يقوي طريق جعفر، ويتقوى أكثر بمرسل زيد بن أسلم، وعبد الله بن أبي بكر.

18 -

قال أبو عيسى: (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن جعفر بن ميمون، عن أبي تميمة الهُجيمي، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم انصرف، فأخذ بيد عبد الله

(1)

ينظر: (1678، 2146، 3965).

(2)

ينظر: (705، 3765، 4210).

(3)

"العلل"(2608).

ص: 172

ابن مسعود حتى خرج به إلى بطحاء مكة، فأجلسه ثم خط عليه خطا، ثم قال:"لا تبرحن خطك، فإنه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم فإنهم لا يكلمونك"، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أراد، فبينا أنا جالس في خطي إذ أتاني رجال كأنهم الزُّطُّ أشعارهم وأجسامهم، لا أرى عورة، ولا أرى قشرا، وينتهون إلي لا يجاوزون الخط، ثم يصدرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان من آخر الليل، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءني وأنا جالس، فقال:"لقد أراني منذ الليلة"، ثم دخل علي في خطي فتوسد فخذي فرقد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رقد نفخ، فبينا أنا قاعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوسد فخذي، إذا أنا برجال عليهم ثياب بيض، الله أعلم ما بهم من الجمال، فانتهوا إليه، فجلس طائفة منهم عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطائفة منهم عند رجليه، ثم قالوا بينهم: ما رأينا عبدا قط أوتي مثل ما أوتي هذا النبي، إن عينيه تنامان وقلبه يقْظان، اضربوا له مثلا، مثل سيد بنى قصرا ثم جعل مائدة، فدعا الناس إلى طعامه وشرابه، فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه، ومن لم يجبه عاقبه - أو قال: عذبه - ثم ارتفعوا، واستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك فقال:"سمعت ما قال هؤلاء؟ وهل تدري من هم؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال:"هم الملائكة، فتدري ما المثل الذي ضربوا؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال:"المثل الذي ضربوا: الرحمن بنى الجنة، ودعا إليها عباده، فمن أجابه دخل الجنة، ومن لم يجبه عاقبه - أو عذبه -". هذا حديث حسن غريب صحيح، من هذا الوجه.

وأبو تميمة اسمه: طريف بن مجالد، وأبو عثمان النهدي اسمه: عبد الرحمن بن مُلّ.

وسليمان التيمي قد روى هذا الحديث، روى عنه معتمر، وهو سليمان بن طَرْخان، وإنما كان ينزل بني تيم فنسب إليهم.

ص: 173

قال علي: قال يحيى بن سعيد: ما رأيت أخوف لله تعالى من سليمان التيمي)

(1)

.

وفي الطبعة الهندية للجامع وشرحه "تحفة الأحوذي"

(2)

، طبعة الرساله

(3)

: (حسن غريب صحيح). وفي "تحفة الأشراف"

(4)

، وطبعة بشار

(5)

: (حسن غريب).

قلت: والذي أذهب إليه أن هذا الإسناد بهذا السياق لا يصح؛ لأن فيه جعفر بن ميمون، وهو لا يحتج به، والذي يظهر أنه لم يتقن حفظ هذا الخبر، فخلط بين أكثر من حديث؛ لأن بعض ألفاظ هذا الحديث صحيحة، قد جاءت من طرق أخرى.

وأما أبو عيسى فالذي يظهر أنه يذهب إلى صحته، والله أعلم.

19 -

قال أبو عيسى: (باب ما جاء في مثل النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله صلى الله عليه وعليهم أجمعين. حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن سنان، قال: حدثنا سليم بن حيان، قال: حدثنا سعيد بن مِيناء، عن جابر بن عبد الله، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما مثلي ومثل الأنبياء، كرجل بنى دارا فأكملها وأحسنها، إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها، ويقولون: لولا موضع اللبنة". وفي الباب: أبي هريرة، وأبي بن كعب. هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه)

(6)

.

(1)

"جامع الترمذي"(3093).

(2)

(4/ 37).

(3)

(3077).

(4)

(9381).

(5)

(2861).

(6)

"جامع الترمذي"(3094).

ص: 174

وفي "تحفة الأحوذي"

(1)

، وطبعة الرسالة كذلك

(2)

: (حسن غريب صحيح). وفي "تحفة الأشراف"

(3)

: (صحيح غريب من هذا الوجه). وفي طبعة بشار

(4)

: (حسن صحيح غريب من هذا الوجه).

قلت: الذي يظهر أن الترمذي في قوله: (حسن غريب صحيح) يريد صحة هذا الحديث، وهو حديث صحيح، وقد أخرجه الشيخان

(5)

.

20 -

قال أبو عيسى: (حدثنا عبد بن حميد قال: حدثنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل، عن حيوة بن شريح، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران قال: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله! يلقي بيده إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: يا أيها الناس، إنكم لتأولون هذه الآية هذا التأويل، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما أعز الله الإسلام، وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام، وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم يرد علينا ما قلنا:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]، فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو، فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم.

(1)

(4: 37) الطبعة الهندية، أما طبعة الفيحاء (8/ 164) ففيها:(حسن صحيح غريب).

(2)

(3078).

(3)

(2260).

(4)

(2862).

(5)

"صحيح البخاري"(3534)"صحيح مسلم"(2287).

ص: 175

هذا حديث حسن غريب صحيح)

(1)

. وكذا في طبعة الرسالة

(2)

. وفي "تحفة الأشراف"

(3)

، وطبعة بشار

(4)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: هذا حديث صحيح، لاستقامة إسناده ومتنه، ورجاله كلهم ثقات. والذي يظهر أن المصنف يقصد صحته بقوله:(حسن غريب صحيح)، وقد صححه ابن حبان

(5)

.

21 -

قال أبو عيسى: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: لما نزلت هذه الآية: {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ} [اَل عمران:61]، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال: "اللهم هؤلاء أهلي". هذا حديث حسن غريب صحيح)

(6)

. وأخرجه مطولا في مناقب علي، وقال:(حسن غريب صحيح)

(7)

.

وكذا في "تحفة الاْحوذي" وفي نسخة الجامع التي معه

(8)

، وطبعة الرسالة

(9)

الموضع الأول منه: (حسن غريب صحيح).

وفي "تحفة الأشراف"

(10)

، وطبعة وبشار

(11)

، والرسالة

(12)

الموضع الثاني منه: (حسن صحيح غريب من هذا الوجه).

(1)

"جامع الترمذي"(3229).

(2)

(3211).

(3)

(3452).

(4)

(2972).

(5)

(4731).

(6)

"جامع الترمذي"(3262).

(7)

"جامع الترمذي"(4076).

(8)

(4/ 82) الطبعة الهندية.

(9)

(3244).

(10)

(3872).

(11)

(3724).

(12)

(4058).

ص: 176

قلت: الذي يظهر أن الترمذي يرى صحة هذا الحديث، وصحّحه أيضا مسلم

(1)

، وأخرجه بنفس إسناد الترمذي: حدثنا قتيبة به.

22 -

وقال أبو عيسى في كتاب التفسير: (باب ومن سورة آل عمران.

(حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: حدثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: أخبرني ابن أبي مليكة، أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره، أن مروان ابن الحكم، قال: اذهب يا رافع - لبوابه - إلى ابن عباس فقل له: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي، وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا، لنعذبن أجمعون، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟! إنما أنزلت هذه في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 187]، وتلا: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران:188]، قال ابن عباس: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه، وأخبروه بغيره، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أوتوا من كتابهم، وما سألهم عنه. هذا حديث حسن غريب صحيح)

(2)

. وفي طبعة بشار

(3)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: الذي يظهر أن الترمذي يقصد بقوله: (حسن غريب صحيح) صحة هذا الحديث، والحديث صحيح سندا ومتنا، وقد أخرجه البخاري ومسلم

(4)

.

(1)

"صحيح مسلم"(2404).

(2)

"جامع الترمذي"(3279).

(3)

(3014).

(4)

"صحيح البخاري"(4568)، و"صحيح مسلم"(2778).

ص: 177

23 -

قال أبو عيسى: (حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: حدثنا خالد بن الحارث، عن شعبة، قال: حدثنا عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر -، قال: "الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وقول الزور". حديث حسن غريب صحيح)

(1)

.

وكذا في طبعة الرسالة

(2)

: (حسن غريب صحيح)، وتقدم في موضع آخر، وقال عنه:(حسن صحيح غريب)

(3)

، وكذلك في طبعة التأصيل

(4)

. وفي "تحفة الأشراف"

(5)

، وبشار

(6)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: هذا الحديث مستقيم سندا ومتنا، وقد صححه الشيخان من طريق شعبة به

(7)

. وأخرجه مسلم أيضا من طريق خالد بن الحارث

(8)

.

وقول الترمذي: (حسن غريب صحيح)، يريد صحة هذا الخبر، بدليل أنه قال قبل ذلك:(حسن صحيح غريب).

24 -

وقال في كتاب التفسير: (باب ومن سورة النساء.

(حدثنا عبد بن حميد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد، عن أبي جعفر الرازي، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب، قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما، فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني، فقرأت:

(1)

"جامع الترمذي"(3284).

(2)

(3266).

(3)

(1248).

(4)

(1256).

(5)

(1077).

(6)

(3018).

(7)

"صحيح البخاري"(2653، 5977)، "صحيح مسلم"(88).

(8)

"صحيح مسلم"(88).

ص: 178

{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} ونحن نعبد ما تعبدون،. قال: فأنزل الله تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]. هذا حديث حسن غريب صحيح)

(1)

. وكذا في طبعة الرسالة

(2)

. وفي "تحفة الأشراف"

(3)

: (حسن صحيح). وفي نسخة بشار

(4)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: إسناد الترمذي ضعيف، من أجل أبي جعفر الرازي، فهو سيء الحفظ، ولعله سمع من عطاء بعد الاختلاط.

ولكن جاء من وجه آخر عند أبي داود

(5)

، والنسائي في "الكبرى"

(6)

، وابن جرير في "تفسيره"

(7)

من حديث الثوري، عن عطاء بن السائب به.

وسفيان الثوري ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط، فزالت هذه العلة. وعلى هذا فالخبر إسناده قوي.

ورواه ابن جرير أيضا من حديث جرير بن عبد الحميد

(8)

، ومن حديث حماد

(9)

، كلاهما عن عطاء به.

ولكن وقع في روايتهما: عن أبي عبد الرحمن السلمي مرسلا، والوصل صحيح؛ لأن سفيان من أحفظ الناس، وقد وصله كما تقدم.

(1)

"جامع الترمذي"(3293).

(2)

(3275).

(3)

(10175).

(4)

(3026).

(5)

"السنن"(3671).

(6)

كما في "تحفة الأشراف"(10175).

(7)

(7/ 45).

(8)

"تفسير ابن جرير"(7/ 48).

(9)

"تفسير ابن جرير"(7/ 46).

ص: 179

25 -

وقال أيضا: (باب ومن سورة المائدة.

(حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا عتبة بن أبي حكيم، قال: حدثنا عمرو بن جارية اللخمي، عن أبي أمية الشعباني، قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني، فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105].

قال: أما والله لقد سألتَ عنها خبيرا، سألتُ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم

(1)

".

قال عبد الله بن المبارك: وزادني غير عتبة: قيل: يا رسول الله، أجر خمسين رجلا منا أو منهم؟ قال:"لا، بل أجر خمسين منكم". هذا حديث حسن غريب صحيح)

(2)

. وكذا في "تفسير ابن كثير"

(3)

.

وفي "تحفة الأشراف"

(4)

، وكذا في النسخة الحجرية الهندية للجامع، ومع شرحه "تحفة الأحوذي"

(5)

، وطبعة بشار

(6)

، والرسالة

(7)

: (حسن غريب).

(1)

هكذا في رواية الترمذي، وفي غيره من المصادر:"مثل عمله".

(2)

"جامع الترمذي"(3328).

(3)

(3/ 213).

(4)

(11881).

(5)

(4/ 100).

(6)

(3058).

(7)

(3310).

ص: 180

وقال محققو الرسالة: في ("أ" و"س": حسن غريب صحيح، والمثبت من "د" و"ل").

والحديث أخرجه أبو داود

(1)

، وابن ماجه

(2)

، وابن جرير

(3)

، وابن أبي حاتم

(4)

، وابن حبان

(5)

، كلهم من طريق عتبة بن أبي حكيم به.

تبين مما تقدم أن نسخ الترمذي قد اختلفت في حكمه على هذا الحديث، ولكن في أكثرها أنه قال:(حسن غريب).

وإسناد هذا الخبر فيه ضعف مع غرابته؛ فعتبة قد اختلف فيه اختلافا شديدا، وعمرو بن جارية وأبو أمية الشعباني ليسا بمشهورين.

ولكن الشطر الأول من هذا الحديث يشهد له حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وهو بنحوه، وهو حديث صحيح قد جاء من طرق كثيرة في "سنن أبي داود"

(6)

و"المسند"

(7)

وغيرهما.

وأما الشطر الثاني، فهو على قسمين:

الأول: قوله: "له أجر خمسين يعملون مثل عمله".

الثاني: قوله: "منا أو منهم؟ قال: بل منكم".

وهذا لا يصح من حيث الإسناد، بل فيه نكارة من حيث المتن.

فأما من حيث الإسناد: فقد جاء في نهايته: قال عبد الله بن المبارك: (وزادني غير عتبة: قيل: يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟ قال: "بل أجر خمسين منكم").

(1)

"سنن أبي داود"(4341).

(2)

"سنن ابن ماجه"(4014).

(3)

"التفسير"(9/ 48).

(4)

"التفسير"(6915).

(5)

"صحيح ابن حبان"(385).

(6)

(4342 - 4343).

(7)

(6508، 6987، 7049، 7063).

ص: 181

فقوله: (وزادني غير عتبة)، لم يبين من هو الذي زاد؟ فيكون قد سقط منه أكثر من راو، وبالتالي لا يصح.

قال ابن الموّاق: (هذه رواية ظاهرها الإرسال، إذ لا يسوغ لأحد أن يرويها بإسناد يصله إلى عبد الله بن المبارك فيقول: عنه، عن رجل، عن عمرو بن جارية، عن أبي أمية، عن أبي ثعلبة. ولو فعل هذا فاعل عُدّ متسامحا متساهلا في النقل بالظن، وذلك جرح في فاعله؛ إذ لعل ابن المبارك لم تكن عنده هذه الرواية متصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم بل مرسلة، فلا يكون عن أبي ثعلبة، ولا عن أبي أمية)

(1)

.

وأخرج الطبري في "التفسير"

(2)

والترمذي في "نوادر الأصول"

(3)

من طريق أيوب بن سويد، عن عتبة بن أبي حكيم به، وفي آخره: قالوا: يا رسول الله، كأجر خمسين عاملا منهم؟ قال:"لا، كأجر خمسين عاملا منكم". قلت: أيوب بن سويد متكلَّم فيه.

وقد جاء ما يشهد له، فأخرج محمد بن نصر المروزي في "السنة"

(4)

، قال: (حدثني محمد بن إدريس، ثنا عبد الله بن يوسف التنِّيسي، ثنا خالد بن يزيد بن صَبيح المُرِّي، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عتبة بن غزوان أخي بني مازن بن صعصعة - وكان من الصحابة -، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن من ورائكم أيامٌ الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم"، قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: "بل منكم".

وأخرجه الطبراني في "الكبير"

(5)

و"الأوسط"

(6)

من طريق عبد الله بن يوسف به.

(1)

"بغية النقاد النقلة"(1/ 368).

(2)

(9/ 48).

(3)

(86).

(4)

(33).

(5)

(289).

(6)

(3121).

ص: 182

وقال: (لا يروى هذا الحديث عن عتبة إلا بهذا الإسناد، تفرد به إبراهيم بن أبي عبلة)

(1)

.

قلت: وهذا إسناد صحيح إلى إبراهيم بن أبي عبلة، ولكنه منقطع بينه وبين عتبة، وقد يكون بينهما أكثر من راو؛ لأن عتبة بن غزوان مات في خلافة عمر سنة (17) أو نحوها، فهو قديم، وأما إبراهيم فهو من صغار التابعين، فبينهما مفازة

(2)

.

هذا مع غرابة هذه الرواية، لأن عتبة بصري، وهو الذي اختطها، وقد مات في الطريق إليها في المرة الثانية. وأما إبراهيم فهو شامي، فروايته عنه غريبة جدا.

ويحتمل أن عتبة في رواية إبراهيم، هو: ابن أبي حكيم الذي في الإسناد السابق، ولكن الذي وقع في المصادر:(عتبة بن غزوان أخو بني مازن بن صعصعة).

وقد جاءت هذه اللفظة من طريق ثالث؛ أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"

(3)

قال: (حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة ومحمد بن العباس الأخرم الأصبهاني، قالا: ثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، ثنا سهل بن عثمان البجلي، ثنا عبد الله بن نمير، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من ورائكم زمانَ صبر، للمتمسك فيه أجر خمسين شهيدا"، فقال عمر: يا رسول الله، منا أو منهم؟ قال: "منكم").

(1)

"المعجم الأوسط"(3/ 272).

(2)

ينظر: "حلية الأولياء"(5/ 245)، "تهذيب الكمال"(19/ 317).

(3)

(10394).

ص: 183

قلت: هذا الإسناد باطل؛ سهل بن عثمان الصواب أنه: سهل بن عامر، كما وقع عند البزار

(1)

، وهكذا ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"

(2)

، وابن حبان في "ثقاته"

(3)

.

قال أبو حاتم عنه: ضعيف الحديث، روى أحاديث بواطيل، أدركته بالكوفة، وكان يفتعل الحديث.

وقال ابنه عبد الرحمن - بعد أن ذكر بعض شيوخه -: وعنه: أحمد بن عثمان بن حكيم.

قلت: وهو الراوي عنه في حديثنا هذا.

وقال عنه البخاري: منكر الحديث

(4)

.

وذكره ابن عدي في "الكامل"

(5)

وقال: أرجو أنه لا يستحق ولا يستوجب تصريح الكذب.

وأما ابن حبان فقد ذكره في "الثقات"، وهذا فيه نظر.

وأولى الأقوال فيه ما ذهب إليه أبو حاتم الرازي؛ لأنه قد التقى به.

وذكر الدارقطني في "الأفراد"

(6)

أنه تفرد بهذا الخبر، وذكر نحو ذلك من قبله البزار

(7)

، فتبين سقوط هذا الإسناد، وأنه ليس بشيء.

(1)

"المسند"(5/ 178)، وقال:(لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه).

(2)

(4/ 202).

(3)

(8/ 290).

(4)

"الكامل" لابن عدي (6/ 39)، وهو في "التاريخ الأوسط" (4/ 967) غير أنه جاء فيه:(سهل بن عمار). وفي هامش التحقيق: (كذا في الأصل، وفي رواية الخفاف: عامر).

(5)

(6/ 34).

(6)

"أطراف الغرائب" لابن طاهر (3687).

(7)

"المسند"(5/ 179).

ص: 184

وجاءت من طريق رابع، أخرجه ابن وضاح في "البدع"

(1)

: (ثنا محمد بن يحيي، ثنا أسد بن موسى، ثني عدي بن الفضل، عن محمد بن عجلان، عن عبد الرحمن، عن ابن عمر مرفوعًا: "إنّ من بعدكم أياما، الصابر فيها المتمسك بمثل ما أنتم عليه اليوم له أجر خمسين منكم". قيل: يا رسول الله، منهم؟ قال "بل منكم"). قلت: عدي بن الفضل الأقرب أنه التيمي وهو متروك.

وأما من حيث المتن: فالذي جاء في هذا الخبر: أن للعامل في وقت الفتن أجر خمسين من الصحابة، والذي جاء في النصوص الصحيحة: أن أجر الصحابة لا يلحقه من جاء من بعدهم، كما في "الصحيحين"

(2)

من حديث الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد رفعه:"لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه". فتبين أن ما جاء في الحديث السابق فيه نظر من حيث المتن أيضا.

نعم؛ ما جاء في رواية أبي ثعلبة الخشني: "أن له أجر خمسين يعملون مثل عمله" مستقيم من حيث المتن، فقد جاء ما يشهد له من حيث المعنى من حديث معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"العبادة في الهرج كهجرة إلي"

(3)

.

والخلاصة: أن حديث أبي ثعلبة إسناده صالح، وليس بالقوي، لما تقدم.

وأما زيادة: "أجر خمسين منكم"، فهي زيادة منكرة، وبالله تعالى التوفيق.

(1)

(189).

(2)

"صحيح البخاري"(3673)، و"صحيح مسلم"(2541).

(3)

"صحيح مسلم"(2948).

ص: 185

26 -

وقال أبو عيسى: (حدثنا عبد بن حميد، قال: حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب، يقول: لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه، فقام إليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة تحولت، حتى قمت في صدره، فقلت: يا رسول الله، أعلى عدو الله عبد الله بن أبي القائل يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ - يعد أيامه - قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم، حتى إذا أكثرت عليه قال: "أخر عني يا عمر، إني قد خيرت فاخترت، قد قيل لي: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]، لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت"، قال: ثم صلى عليه ومشى معه، فقام على قبره حتى فرغ منه، قال: فعجب لي وجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم، فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84]. إلى آخر الآية، قال: فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق، ولا قام على قبره حتى قبضه الله. هذا حديث حسن غريب صحيح)

(1)

. وكذا في طبعة الرسالة

(2)

. وفي "تحفة الأشراف"

(3)

: (حسن صحيح). وفي طبعة بشار

(4)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: هذا حديث صحيح، فقد أخرجه البخاري في الجنائز من طريق الليث عن عقيل، عن الزهري

(5)

. وأخرجه في التفسير، فقال: (حدثنا يحيى

(1)

"جامع الترمذي"(3372).

(2)

(3354).

(3)

(10509).

(4)

(3094).

(5)

"صحيح البخاري"(1366).

ص: 186

بن بكير، حدثنا ليث، عن عقيل، وقال غيره حدثني ليث، حدثني عقيل)

(1)

. ومثله النسائي في "الكبرى"

(2)

.

27 -

وقال أيضا في التفسير: (باب ومن سورة المؤمنون.

(حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن يزيد أبي شجاع، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون: 104]، قال: "تشويهِ النارُ فتُقلِّص شفته العالية حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته". هذا حديث حسن غريب صحيح)

(3)

.

وكذا في "تحفة الأحوذي" الطبعة الحجرية، ومعها نسخة "الجامع"

(4)

: (حسن غريب صحيح).

وفي "تحفة الأشراف"

(5)

، وفي طبعة بشار

(6)

، والرسالة

(7)

: (حسن صحيح غريب).

وأخرجه قبل ذلك في (أبواب صفة جهنم) بإسناده سواء

(8)

، وقال:(حسن صحيح غريب). وكذا في طبعة الرسالة

(9)

.

وفي طبعة بشار

(10)

: (حسن غريب). وكذا قاله البغوي في "شرح السنة"

(11)

: (حسن غريب). والغالبُ أنه ينقل حكم الترمذي.

قلت: تبين مما تقدم اختلاف نسخ الترمذي في حكمه على هذا

(1)

"صحيح البخاري"(4671).

(2)

(11335).

(3)

"جامع الترمذي"(3471).

(4)

(4/ 152).

(5)

(4061).

(6)

(3176).

(7)

(3450).

(8)

"جامع الترمذي"(2782).

(9)

(2769).

(10)

(2587).

(11)

(15/ 252).

ص: 187

الحديث، وبالتالي لا يطمئن القلب إلى ما وقع في بعض النسخ من قوله:(حسن غريب صحيح).

وقد تقدم الكلام على هذا الإسناد، أي: أبو السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد

(1)

.

28 -

قال أبو عيسى: (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كُدينة، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضُّحى، عن ابن عباس، قال: مرَّ يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"يا يهودي حدثنا" فقال: كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السموات على ذه، والأرضين على ذه، والماء على ذه، والجبال على ذه، وسائر الخلائق على ذه؟ وأشار محمد بن الصلت أبو جعفر بخنصره أولا، ثم تابع حتى بلغ الإبهام، فأنزل الله {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر:67]. هذا حديث حسن غريب صحيح، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأبو كُدينة اسمه: يحيى بن المهلب.

رأيت محمد بن إسماعيل روى هذا الحديث عن الحسن بن شجاع، عن محمد ابن الصلت)

(2)

.

وكذا في طبعة الرسالة

(3)

: (حسن غريب صحيح).

وفي "تحفة الأشراف"

(4)

، وطبعة بشار

(5)

: (حسن صحيح غريب).

وكذا نقله إبن كثير في "تفسيره"

(6)

.

(1)

ينظر: (ص: 20، 159) من هذا المجلد مصطلح (حسن صحيح) فيما كان في أدنى درجات الثبوت برقم (7).

(2)

"جامع الترمذي"(3542).

(3)

(3521).

(4)

"جامع الترمذي"(3542).

(5)

(3240).

(6)

(7/ 114).

ص: 188

قلت: هذا الحديث خرجه الشيخان

(1)

من حديث إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

وأما الطريق التي معنا - وهي طريق عطاء بن السائب - فقد أخرجها أحمد

(2)

عن حسين بن حسن الأشقر، عن أبي كُدينة به. وأبو كُدينة من الثقات.

وعطاء بن السائب صدوق إلا أنه قد اختلط، ولم يُذكر أن أبا كُدينة سمع منه قبل الاختلاط أو بعده، والذي يظهر أنه سمع منه بعد اختلاطه؛ لأنه متأخر بعض الشيء عن تلاميذ عطاء الذين سمعوا منه قديما كشعبة والثوري.

ولكنْ أبو عيسى يصحح حديث عطاء بن السائب في كثير من الأحيان

(3)

، حتى ولو كان الراوي سمع منه بعد أن تغير، وذلك إذا لم يتبين أن هناك علة في الإسناد أو في المتن غير ذلك.

وهذا منطبق على هذا الخبر، إلا أن في هذا الإسناد غرابة من هذا الوجه كما ذكر المصنف.

والذي يظهر أن قوله هنا: (حسن غريب صحيح) مساوٍ لقوله: (حسن صحيح غريب).

وقوله: (رأيت محمد بن إسماعيل، روى هذا الحديث عن الحسن بن شجاع، عن محمد بن الصلت)، لا أدري في أي كتبه روى ذلك، فليس موجودا في كتابه "الصحيح"، ولم أقف عليه في كتبه الأخرى المطبوعة، فلعله في كتبه التي لم تصل إلينا، وكأنه يريد بقوله السابق غرابة هذا الإسناد،

(1)

"صحيح البخاري"(4811، 7414، 7513)، "صحيح مسلم"(2786).

(2)

"المسند"(2267، 2988).

(3)

ينظر: (882، 894، 1000، 3729).

ص: 189

وأنه لم يرو إلا من طريق ابن الصلت، ولكن تقدم في رواية أحمد أنه رواه من طريق حسين بن حسن الأشقر - وهو متكلم فيه -، عن أبي كُدينة به.

29 -

قال أبو عيسى: (باب ومن سورة الحجرات.

حدثنا الفضل بن سهل البغدادي الأعرج وغير واحد، قالوا: حدثنا يونس بن محمد، عن سلام بن أبي مطيع، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الحسب المال، والكرم التقوى". هذا حديث حسن غريب صحيح من حديث سمرة، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث سلام بن أبي مطيع)

(1)

. وكذا في "تحفة الأحوذي"

(2)

. وفي "تحفة الأشراف"

(3)

: (حسن غريب). وفي طبعة بشار

(4)

، والرسالة

(5)

: (حسن صحيح غريب).

أخرجه أحمد

(6)

، وابن ماجه

(7)

، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق"

(8)

، وابن أبي عاصم في "الزهد"

(9)

، والطبراني في "الكبير"

(10)

، والدارقطني

(11)

، والحاكم

(12)

، وأبو نعيم في "الحلية"

(13)

، والبيهقي

(14)

، والبغوي في "شرح السنة"

(15)

، من طريق يونس بن محمد، به.

قلت: هذا الإسناد فيه سلام، وقد تُكلم في روايته عن قتادة.

(1)

"جامع الترمذي"(3576).

(2)

(4/ 187) الطبعة الهندية.

(3)

(4598).

(4)

(3271).

(5)

(3555).

(6)

"المسند"(20102).

(7)

"السنن"(4219).

(8)

(4).

(9)

(229).

(10)

(6913).

(11)

"السنن"(3798).

(12)

"المستدرك"(2690) و (7922).

(13)

(6/ 190).

(14)

"السنن الكبرى"(13890).

(15)

(3545).

ص: 190

وهو أيضا من رواية الحسن عن سمرة، وفيها الخلاف المعروف، والترمذي يرى أنه سمع منه، ولذا صحح أحاديث بهذه الترجمة

(1)

.

ونسخ الترمذي قد اختلفت في حكمه على هذا الحديث، والذي أميل إليه أن ما جاء في "تحفة الأشراف" هو الأقرب في الحكم على هذا الحديث، ويؤيد هذا قوله:(لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث سلام)، والله تعالى أعلم.

30 -

وقال أبو عيسى: (باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى.

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو داود هو الطيالسي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزِّناد، عن أبيه، عن أبان بن عثمان، قال: سمعت عثمان بن عفان، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يقول في صباح كل يوم، ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، فيضره شيء".

وكان أبان قد أصابه طرف فالج، فجعل الرجل ينظر إليه، فقال له أبان: ما تنظر؟ أما إن الحديث كما حدثتك، ولكني لم أقله يومئذ؛ ليُمضيَ الله عليَّ قدره. هذا حديث حسن غريب صحيح)

(2)

.

وفي "تحفة الأشراف"

(3)

، وطبعة بشار

(4)

، والرسالة

(5)

: (حسن صحيح غريب).

والحديث جاء من طرق، أخرجها النسائي في "الكبرى" في "عمل اليوم والليلة"

(6)

من طريق عبد الرحمن بن أبي الزِّناد، عن أبيه، عن أبان.

(1)

ينظر: (1289، 1350، 1429).

(2)

"جامع الترمذي"(3706).

(3)

(9778).

(4)

(3388).

(5)

(3685).

(6)

(346).

ص: 191

وأخرجه أيضا

(1)

في موضع آخر من طريق ابن أبي فُديك، قال: حدثني يزيد بن فراس، عن أبان به. وأيضا

(2)

من طريق أبي مودود، عن محمد بن كعب، عن أبان به.

وأخرجه

(3)

من طريق القعنبي، قال: (حدثنا أبو مودود، عن رجل، قال: حدثنا من سمع أبان بن عثمان يقول: سمعت عثمان بن عفان يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه.

قال لنا أبو عبد الرحمن: وقد روي عن أبان بن عثمان بغير هذا اللفظ.

أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا بن وهب، قال: أخبرني الليث، عن العلاء بن كثير، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، عن أبان بن عثمان من قوله. وقال: تابعه الزهري على روايته فوقفه.

أخبرني محمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري، قال: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم الصائغ، عن الحجاج بن فُرافِصة، عن عُقيل، عن الزهري، عن أبان بن عثمان، قال: من قال حين يمسي وحين يصبح ثلاث مرات: سبحان الله العظيم وبحمده، لا حول ولا قوة إلا بالله، لم يصبه شيء يضره، فدخلنا عليه وقد أصابه الفالج، فقال: ابن أخي، أما إني لم أكن قلتها حين أصابني).

قلت: هذان الإسنادان في صحتهما نظر؛ أما الأول ففيه أبو بكر بن عبد الرحمن بن المسور، وهو ليس بالمشهور، بل هو مجهول من حيث الرواية، وان كان نسبه مشهورا، ليس له ذكر إلا في هذا الخبر.

(1)

(347).

(2)

(15).

(3)

(16).

ص: 192

وأما الطريق الثانية فهي لا تصح عن الزهري؛ إبراهيم بن إسماعيل الصائغ مجهول، وحجاج بن فُرافِصة تُكلم فيه بعض الشيء، وله أوهام، هذا مع غرابة هذه الطريق عن الزهري.

ومع ضعف هذين الطريقين إلى أبان، إلا أن هذا يدل على شهرة هذا الخبر عنه، وجانب رفع هذا الخبر عنه أقوى، فقد جاء من طرق يقوي بعضها بعضا، كما تقدم.

وأما طريق الترمذي فرجالها ثقات، إلا عبد الرحمن بن أبي الزِّناد فقد تُكلم فيه، وهو صدوق مشهور موصوف بالعلم، وحديثه فيه تفصيل، والكلام فيه يطول، ولكن أذكر ما يتعلق بالإسناد الذي معنا: فإن علي بن المديني تكلم في رواية البغداديين عنه، بخلاف رواية المدنيين فإنها أقوى، وأبو داود الطيالسي بصري سكن بغداد، فيغلب على الظن أن هذا منها، وسبب كلامه في رواية البغداديين عنه أنهم كانوا يلقِّنونه، ولا يخفى أن هذا ليس من كلهم، وإنما من بعضهم، وأبو داود ليس منهم، فإنه كان من الثقات الحفاظ، وإن كان وصف بالوهم بسبب تحديثه من حفظه، فإسناد الترمذي قوي، والأسانيد الأخرى تقويه؛ لأنها جاءت من غير طريقه.

والذي يظهر أن الترمذي يرى قوة هذا الخبر، وكلامه هنا:(حسن غريب صحيح) يساوي كلامه: (حسن صحيح غريب) كما جاء في النسخ الأخرى. والله أعلم.

31 -

وقال أبو عيسى: (باب ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه.

حدثنا إسحاق بن منصور، قال: أخبرنا عفان بن مسلم، قال: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي".

ص: 193

هذا حديث حسن غريب صحيح)

(1)

.

وفي طبعة بشار

(2)

، والرسالة

(3)

، و"تحفة الأشراف"

(4)

: (حسن صحيح غريب).

هذا الحديث أخرجه مسلم

(5)

، وأبو داود

(6)

من طريق يزيد بن هارون، والنسائي في "الكبرى"

(7)

من طريق بَهز، كلاهما عن حماد بن سلمة به.

وأخرجه أحمد

(8)

، وابن حبان

(9)

، والمصنف في "الشمائل"

(10)

، كلهم من طريق حماد به.

قلت: هذا حديث صحيح، وقد صححه مسلم، فقول أبي عيسى:(حسن غريب صحيح) يقصد به صحة هذا الخبر، وحكمه عليه بالغرابة؛ لأن حمادا تفرد به.

32 -

وقال أبو عيسى: (باب ما جاء ما يقول إذا نزل منزلا.

حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن الحارث ابن يعقوب، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن سعد ابن أبي وقاص، عن خولة بنت حكيم السلمية، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من نزل منزلا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك". هذا حديث حسن غريب صحيح.

(1)

"جامع الترمذي"(3714).

(2)

(3396).

(3)

(3693).

(4)

(311).

(5)

(2715).

(6)

"السنن"(5053).

(7)

"عمل اليوم والليلة"(799).

(8)

(12552) و (12712) و (13653).

(9)

(5575).

(10)

(259).

ص: 194

وروى مالك بن أنس هذا الحديث أنه بلغه عن يعقوب بن الأشج

فذكر نحو هذا الحديث.

وروي عن ابن عجلان هذا الحديث، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، ويقول: عن سعيد بن المسيب، عن خولة. وحديث الليث أصح من رواية ابن عجلان)

(1)

. وفي "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"

(2)

: (غريب صحيح). وفي طبعة بشار

(3)

، والرسالة

(4)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: هذا حديث صحيح، فهو مستقيم سندا ومتنا، ولذا صححه مسلم

(5)

، والمصنف، فقوله:(حسن غريب صحيح) مساوٍ لقوله: (حسن صحيح غريب)، أو (غريب صحيح) كما جاء في "التحفة".

33 -

قال أبو عيسى: (حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا بكر بن مضر، عن ابن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدث بما رأى، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد؛ فإنها لا تضره". وفي الباب: عن أبي قتادة. هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه.

وابن الهاد اسمه: يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد المديني، وهو ثقة عند أهل الحديث روى عنه مالك والناس)

(6)

.

(1)

"جامع الترمذي"(3757).

(2)

(15826).

(3)

(3437).

(4)

(3737).

(5)

(2708).

(6)

"جامع الترمذي"(3776).

ص: 195

وفي "تحفة الأشراف"

(1)

، وطبعة وبشار

(2)

، والرسالة

(3)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: هذا حديث صحيح، وقد صححه البخاري فأخرجه من طريق ابن أبي حازم والدَّراوردي، عن ابن الهاد به

(4)

.

34 -

قال أبو عيسى: (حدثنا يحيى بن موسى

(5)

، قال: حدثنا أبو عامر العَقَدي، عن سليمان بن بلال، عن عُمارة بن غَزية، عن عبد الله بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن حسين بن علي بن أبي طالب، عن علي بن أبي طالب

(6)

، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البخيل الذي من ذُكرت عنده فلم يصل علي". هذا حديث حسن غريب صحيح)

(7)

.

وكذا في "تفسير ابن كثير"

(8)

، و"تحفة الأحوذي"

(9)

: (حسن غريب صحيح). وفي "تحفة الأشراف"

(10)

: (حسن غريب). وفي طبعة بشار

(11)

، والرسالة

(12)

: (حسن صحيح غريب).

(1)

(4092).

(2)

(3453).

(3)

(3756).

(4)

(7045).

(5)

في هامش التحقيق عن بعض النسخ: (وزياد بن أيوب).

(6)

(علي بن أبي طالب) أثبتوه في طبعة التأصيل، وذكروا أنه ليس في بعض النسخ، وأنه في بعض النسخ مصحح عليه، ومضبب عليه في بعضها، وهو مثبت في نسخة الرسالة و"تحفة الأحوذي" و"تحفة الأشراف"، وينظر التخريج الآتي.

(7)

"جامع الترمذي"(3877).

(8)

(6/ 467).

(9)

(4/ 272) الطبعة الهندية.

(10)

(10072).

(11)

(3546).

(12)

(3858).

ص: 196

أخرجه أحمد

(1)

، وإسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي"

(2)

، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"

(3)

، والنسائي في "الكبرى"

(4)

، وفي "عمل اليوم والليلة"

(5)

، وأبو يعلى

(6)

، وابن حبان

(7)

، والطبراني

(8)

، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"

(9)

، والحاكم

(10)

، والبيهقي في "شعب الإيمان"

(11)

، من طرق عن سليمان بن بلال، عن عُمارة بن غَزية، عن عبد الله بن علي بن حسين، عن أبيه علي بن حسين، عن أبيه.

وأخرجه إسماعيل القاضي

(12)

من طريق إسماعيل بن جعفر، عن عُمارة، به.

وأخرجه أيضا

(13)

عن إسماعيل بن أبي أويس، عن أخيه، عن سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو، عن علي بن الحسين، به.

وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"

(14)

من طريق ابن وهب، عن عمرو، عن عُمارة، عن عبد الله بن علي، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه أيضا

(15)

من طريق عبد العزيز بن محمد، عن عُمارة، عن عبد الله بن علي، عن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: الصواب في هذا الحديث أنه من مسند الحسين بن علي، وليس من مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. والدليل على ذلك:

(1)

"المسند"(1736).

(2)

(32).

(3)

(432).

(4)

(8243)

(5)

(55) و (56).

(6)

"مسند أبي يعلى"(6776).

(7)

"صحيح ابن حبان"(903).

(8)

"المعجم الكبير"(2885).

(9)

(382).

(10)

(2041).

(11)

(1466) و (1467).

(12)

(35).

(13)

(31).

(14)

(1464).

(15)

(1465).

ص: 197

أولا: أن الإمام أحمد وسليمان بن عبيد الله وأحمد بن سنان، رووه عن أبي عامر العَقَدي هكذا.

وكذا جاء عن سليمان بن بلال من غير طريق أبي عامر، كما في رواية إسماعيل ابن جعفر وعبد الله بن جعفر بن نجيح وخالد بن مخلد.

ثانيا: تبين مما تقدم أن في أكثر نسخ الترمذي: إما (حسن غريب صحيح)، وإما (حسن صحيح غريب)، وإما (حسن غريب) فقط، وهذا لم يأت إلا في "تحفة الأشراف" فيما وقفت عليه.

فالذي يظهر أن أبا عيسى يصحح هذا الخبر، ولذا قال ابن حجر في "التهذيب"

(1)

في ترجمة عبد الله بن علي: (وصحح له الترمذي).

ثالثا: أن هذا الخبر رجاله ثقات، سوى عبد الله بن علي بن الحسين، فإنه ليس بالمشهور، ولعله صالح لا بأس به، فقد ذكره ابن حبان وابن خلفون في "الثقات"

(2)

، واختار ذلك الذهبي، فقال في "الكاشف"

(3)

: ثقة.

وقد روى عنه خمسة، مخهم بعض المشهورين؛ كعُمارة بن غَزية وموسى بن عقبة، فهذا مما يقويه.

وعليه، فإسناد هذا الخبر حسن لا بأس به، وقد صححه ابن حبان، والحاكم، بالإضافة إلى أبي عيسى.

وقال ابن حجر في "الفتح"

(4)

: (لا يقصر عن درجة الحسن).

رابعا: أنه قد جاء ما يشهد لهذا الخبر، وهو ما أخرجه إسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم "، قال: حدثنا سليمان بن حرب،

(1)

(2/ 388).

(2)

"الثقات" لابن حبان (7/ 2)، وينظر:"إكمال تهذيب الكمال"(8/ 74).

(3)

(2866).

(4)

(11/ 168).

ص: 198

قال ثنا جرير بن حازم قال: سمعت الحسن، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بحسب امرئ في البخل أن أُذكر عنده فلا يصلي علي".

وإسناده صحيح إلى الحسن، ولكنه مرسل، وهذا مما يقوي الخبر المتقدم.

ولكن عندما ترجم ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"

(1)

لعبد الله بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: (أخو أبي جعفر لأبيه وأمه، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، قال: "البخيل من ذكرت عنده

" روى عنه عمارة بن غزية، سمعت أبي يقول ذلك).

قلت: يظهر أن هذا الخبر قد روي مرسلا أيضا، وأن أبا حاتم يختار هذا الوجه، ولكن هذا الوجه لم أقف عليه.

ولعل أبا حاتم يقصد روايته المتقدمة عن علي، ولذا قال الدارقطني:(رواه الدَّراوردي، عن عمارة، عن عبد الله بن علي بن الحسين مرسلا عن علي). قال: (وقول سليمان بن بلال أشبه بالصواب)

(2)

.

35 -

قال أبو عيسى: (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا محمد بن يوسف، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن جبير بن نفير، أن عبادة بن الصامت حدثهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم"، فقال رجل من القوم: إذا نكثر، قال:"الله أكثر".

وهذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه.

وابن ثوبان هو: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العابد الشامي)

(3)

.

(1)

(5/ 114).

(2)

"العلل"(304).

(3)

"جامع الترمذي"(3909).

ص: 199

وفي "تحفة الأشراف"

(1)

، وفي طبعة بشار

(2)

، والرسالة

(3)

: (حسن صحيح غريب).

أخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"

(4)

، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"

(5)

من طريق ابن ثوبان به.

قال أبو نعيم: (رواه زيد بن واقد، وهشام بن الغاز، عن مكحول، مثله).

وأخرجه البغوي في "شرح السنة"

(6)

من طريق محمد بن يوسف، عن ابن ثوبان به. وقال:(حسن غريب).

قلت: أولا: في هذا الإسناد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وهو من أهل الصلاح، لكن تُكلّم فيه من قِبل ضبطه: قال صالح بن محمد: شامي صدوق، وأنكروا عليه أحاديث يرويها عن أبيه، عن مكحول، مسندة.

وقواه غيره

(7)

.

ويظهر لي أن أبا عيسى يرى صحة هذا الخبر، إذ قد صحّح لابن ثوبان حديثا آخر غير هذا

(8)

، وقال في حديث ثانٍ:(حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان، عن عبد الله بن الفضل، وهو إسناد حسن صحيح)

(9)

.

ثم إن ابن ثوبان قد توبع في هذا الخبر كما قال أبو نعيم، وقد أخرج ذلك الطبراني في "المعجم الأوسط"

(10)

.

(1)

(5073).

(2)

(3573).

(3)

(3890).

(4)

(881).

(5)

(5/ 137).

(6)

(1387).

(7)

ينظر: "تهذيب الكمال"(17/ 12).

(8)

"جامع الترمذي"(2873).

(9)

"جامع الترمذي"(43). وقد ضُبِّب على كلمة (صحيح) في بعض النسخ.

(10)

(147).

ص: 200

وقد صحح ابن حجر هذا الحديث؛ قال في "الفتح"

(1)

: (وقد ورد في ذلك حديث صحيح أخرجه الترمذي والحاكم من حديث عبادة بن الصامت

) وذكره.

وقد جاء له شواهد بنحوه.

36 -

وقال أبو عيسى في التفسير: (باب ومن سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} .

(حدثنا عبد بن حميد، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة، عن ابن عباس:{سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:18]، قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي، لأطأن على عنقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لو فعل لأخذته الملائكة عيانا".

هذا حديث حسن غريب صحيح)

(2)

.

وكذا في "تحفة الأشراف"

(3)

: (حسن غريب صحيح).

وفي طبعة بشار

(4)

، والرسالة

(5)

: (حسن صحيح غريب).

أخرجه البخاري في "صحيحه"

(6)

من طريق عبد الرزاق به.

وقد توبع معمر؛ فقد أخرجه النَّسَائِي في "الكبرى"

(7)

: أخبرنا عبد الرحمن بن عبيد الله، عن عبيد الله، عن عبد الكريم الجزري به. وزاد في آخره:(وإن اليهود لو تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا).

قلت: تبين مما تقدم أن هذا الحديث صحيح، وأن قول الترمذي:

(1)

(11/ 96).

(2)

"جامع الترمذي"(3663).

(3)

(6148).

(4)

(3348).

(5)

(3642).

(6)

(4958).

(7)

(11171).

ص: 201

(حسن غريب صحيح) يريد به صحة هذا الخبر.

وقد جاء بنحوه من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة به

(1)

، وتقدم الكلام عليه

(2)

.

37 -

وقال أبو عيسى في باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم: (حدثنا الحسين بن يزيد، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن يزيد أبي خالد، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأُكسى الحلّة من حلل الجنة، ثم أقوم عن يمين العرش، ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري".

هذا حديث حسن غريب صحيح)

(3)

.

وفي "تحفة الأشراف"

(4)

، وطبعة بشار

(5)

، ونسخة الرسالة

(6)

: (حسن غريب).

قلت: وهذا هو الأقرب، وهو كونه (حسن غريب)؛ لأن في إسناد هذا الخبر يزيدَ أبا خالد وهو الدالاني، متكلم فيه، وتقدم حديث لأبي خالد عند المصنف

(7)

، وقد بين علته، والحمل فيه على أبي خالد.

وفيه شيخ الترمذي: الحسين بن يزيد الطحان الأنصاري، قال أبو حاتم: لين الحديث

(8)

. وذكره ابن حبان في "الثقات"

(9)

.

(1)

"جامع الترمذي"(3664).

(2)

برقم (6) من بداية هذه المصطلح.

(3)

"جامع الترمذي"(3957).

(4)

(3957).

(5)

(3611).

(6)

(3938)، وفي هامش التحقيق:(المثبت من "س" و"تحفة الأشراف"، وفي سائر النسخ الخطية: حسن غريب صحيح).

(7)

ينظر: "جامع الترمذي"(78 - 79)، "العلل الكبير"(43).

(8)

"الجرح والتعديل"(3/ 67).

(9)

(8/ 188).

ص: 202

قلت: فتبين أن هذا الإسناد فيه ضعف، ولعل الترمذي قوّاه من أجل شواهده التي جاءت بنحوه، ولأن حديث أبي هريرة ثابت من حيث الأصل، ولكن ليس باللفظ الذي رواه الترمذي، وإنما بنحوه، فقد أخرج البخاري في "صحيحه"

(1)

، قال:(حدثنا يحيى بن قزعة، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: استبّ رجلان، رجل من المسلمين ورجل من اليهود، قال المسلم: والذي اصطفى محمدا على العالمين، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم فسأله عن ذلك، فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش جانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق، فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله").

وقال: (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس جاء يهودي، فقال: يا أبا القاسم، ضرب وجهي رجل من أصحابك، فقال: "من؟ "، قال: رجل من الأنصار، قال: "ادعوه"، فقال: "أضربته؟ "، قال: سمعته بالسوق يحلف: والذي اصطفى موسى على البشر، قلت: أي خبيث، على محمد صلى الله عليه وسلم، فأخذتني غضبة ضربت وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق، أم حوسب بصعقة الأولى")

(2)

.

(1)

(2411).

(2)

"صحيح البخاري"(2412).

ص: 203

قال ابن حجر: (قوله: "فأكون أول من يفيق" لم تختلف الروايات في "الصحيحين" في إطلاق الأولية، ووقع في رواية إبراهيم بن سعد عند أحمد والنسائي:"فأكون في أول من يفيق"، أخرجه أحمد عن أبي كامل، والنسائي من طريق يونس بن محمد، كلاهما عن إبراهيم، فعُرف أن إطلاق الأولية في غيرها محمول عليها، وسببه التردد في موسى عليه السلام كما سيأتي، وعلى هذا يحمل سائر ما ورد في هذا الباب، كحديث أنس عند مسلم رفعه:"أنا أول من تنشق عنه الأرض" وحديث عبد الله بن سلام عند الطبراني.

قوله: "فإذا موسى باطش بجانب العرش" أي آخذ بشيء من العرش بقوة، والبطش الأخذ بقوة، وفي رواية ابن الفضل:"فإذا موسى آخذ بالعرش"، وفي حديث أبي سعيد:"آخذ بقائمة من قوائم العرش"، وكذا في رواية محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

قوله: "فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله" أي: فلم يكن ممن صعق، أي: فإن كان أفاق قبلي فهي فضيلة ظاهرة، وإن كان ممن استثنى الله فلم يصعق فهي فضيلة أيضا. ووقع في حديث أبي سعيد:"فلا أدري كان فيمن صعق -أي: فأفاق قبلي- أم حوسب بصعقته الأولى" أي: التي صعقها لما سأل الرؤية، وبين ذلك ابن الفضل في روايته بلفظ:"أحوسب بصعقته يوم الطور".

والجمع بينه وبين قوله: "أو كان ممن استثنى الله": أن في رواية ابن الفضل وحديث أبي سعيد بيان السبب في استثنائه، وهو أنه حوسب بصعقته يوم الطور، فلم يكلف بصعقة أخرى، والمراد بقوله:"ممن استثنى الله" قوله: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ، وأغرب الداودي الشارح، فقال: معنى قوله: "استثنى الله" أي: جعله ثانيا، كذا قال، وهو غلط شنيع، وقد وقع في مرسل الحسن في "كتاب البعث" لابن أبي الدنيا في هذا الحديث: "فلا

ص: 204

أدري أكان ممن استثنى الله أن لا تصيبه النفخة، أو بعث قبلي".

وزعم ابن القيم في "كتاب الروح" أن هذه الرواية -وهو: قوله: "أكان ممن استثنى الله"- وهم من بعض الرواة، والمحفوظ:"أو جوزي بصعفة الطور". قال: لأن الذين استثنى الله قد ماتوا من صعقة النفخة لا من الصعقة الأخرى، فظن بعض الرواة أن هذه صعقة النفخة، وأن موسى داخل فيمن استثنى الله. قال: وهذا لا يلتئم على سياق الحديث، فإن [الإفاقة] حينئذ هي إفاقة البعث، فلا يحسن التردد فيها، وأما الصعقة العامة فإنها تقع إذا جمعهم الله تعالى لفصل القضاء، فيصعق الخلق حينئذ جميعا إلا من شاء الله، ووقع التردد في موسى عليه السلام. قال: ويدل على ذلك قوله: "وأكون أول من يفيق"، وهذا دال على أنه ممن صعق، وتردد في موسى؛ هل صعق فأفاق قبله أم لم يصعق؟ قال: ولو كان المراد الصعقة الأولى للزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم جزم بأنه مات، وتردد في موسى هل مات أم لا؟ والواقع أن موسى قد كان مات لما تقدم من الأدلة، فدل على أنها صعقة فزع لا صعقة موت، والله أعلم.

ووقع في رواية محمد بن عمرو، عن أبي سلمة -عند ابن مردويه-:"أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، فأنفض التراب عن رأسي، فآتي قائمة العرش فأجد موسى قائما عندها، فلا أدري أنفض التراب عن رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله".

ويحتمل قوله في هذه الرواية: "أنفض التراب قبلي" تجويز المعية في الخروج من القبر، أو هي كناية عن الخروج من القبر، وعلى كل تقدير: ففيه فضيلة لموسى كما تقدم)

(1)

.

وأما ما يتعلق بكسوة الحلة، فالذي ثبت أن أول من يكسى إبراهيم

(1)

"فتح الباري"(6/ 445).

ص: 205

عليه السلام، قال البخاري في "صحيحه"

(1)

: (حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، حدثنا المغيرة بن النعمان، قال: حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إنكم محشورون حفاة عراة غرلا"، ثم قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]، "وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي، فيقول: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} " إلى قوله: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 117 - 118]).

مع ملاحظة أن حديث الترمذي ليس فيه - نصا - أن الرسول صلى الله عليه وسلم أول من يكسى.

وأما قوله: "ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري" فهذا جاء نحوه في المقام المحمود، وذلك عندما قال:"سلوا الله لي الوسيلة"، ثم قال في تفسير الوسيلة:"منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو"

(2)

.

كما أن من شواهده ما ذكره في حديث أنس في أول الباب، وكذلك ما جاء في الباب الذي بعده من الأحاديث.

38 -

قال أبو عيسى: (حدثنا يوسف بن موسى القطان البغدادي، قال: حدثنا مالك بن إسماعيل، عن منصور بن أبي الأسود، قال: حدثني كثير أبو إسماعيل، عن جُميع بن عمير التيمي، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر:"أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار".

هذا حديث حسن غريب صحيح)

(3)

.

(1)

صحيح البخاري (3349).

(2)

أخرجه مسلم (5384) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.

(3)

"جامع الترمذي"(4020).

ص: 206

وفي "تحفة الأشراف"

(1)

، وطبعة بشار

(2)

: (حسن غريب).

وفي طبعة الرسالة

(3)

: (حسن صحيح غريب).

وأخرجه البغوي في "شرح السنة"

(4)

من غير طريق الترمذي، وقال:(حسن غريب).

قلت: والذي يظهر أن هذا الحكم الذي ذكره البغوي، إنما أخذه من الترمذي، وتصحيح هذا الحديث بعيد؛ وذلك لأن في إسناده كثير النّواء، وهو ضعيف، وقد ذكره في موضعين في كتابه "الجامع"

(5)

، ولم يصحح له، وإنما حسنه فقط، فالأرجح أنه حكم على الحديث الذي معنا بـ (حسن غريب).

39 -

قال أبو عيسى في باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمَّر معاوية بن أبي سفيان سعدا، فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ قال: أمّا ما ذكرتُ ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه؛ لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليَّ من حمر النعم:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي وخَلَفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوة بعدي".

وسمعته يقول يوم خيبر: "لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله". قال: فتطاولنا لها، فقال:"ادعوا لي عليا"، قال: فأتاه وبه رمد، فبصق في عينه، فدفع الراية إليه، ففتح الله عليه.

(1)

(6676).

(2)

(3670).

(3)

(4001).

(4)

(3873).

(5)

(4006، 4142)، والموضع الثالث هو الحديث الذي معنا.

ص: 207

وأنزلت هذه الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ} [آل عمران: 61] الآية، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال:"اللهم هؤلاء أهلي".

هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه)

(1)

.

وكذا في "تحفة الأحوذي"

(2)

: (حسن غريب صحيح).

وفي "تحفة الأشراف"

(3)

، وطبعة بشار

(4)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: هذا الحديث حديث صحيح، وقد جاء من غير وجه عن سعد رضي الله عنه بقطعة منه وهي:"أنت مني بمنزلة هارون من موسى"، وقد أخرجه الشيخان

(5)

، وأبو عيسى الترمذي، وقال:(هذا حديث صحيح قد روي من غير وجه عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم)

(6)

.

وأما قوله: "لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله

" إلخ، فقد جاء في "الصحيحين" من حديث سهل

(7)

وسلمة بن الأكوع

(8)

، وفي مسلم من حديث أبي هريرة

(9)

.

وأما الشطر الأخير وهو قصة المباهلة، فقد جاء في حديث جابر؛ أخرجه الحاكم

(10)

من طريق علي بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي به. وقال:(هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه).

(1)

"جامع الترمذي"(4076). وأخرجه الترمذي في موضع قبل هذا، وتقدم برقم (21).

(2)

(10/ 214).

(3)

(3872).

(4)

(3742).

(5)

"صحيح البخاري"(3706، 4416)، "صحيح مسلم"(2404).

(6)

"جامع الترمذي"(4081).

(7)

"صحيح البخاري"(2942، 3009)، "صحيح مسلم "(2404).

(8)

"صحيح البخاري"(2975)، "صحيح مسلم"(2407).

(9)

"صحيح مسلم"(2405).

(10)

"المستدرك"(4208).

ص: 208

وأخرجه ابن مردويه

(1)

، والآجري في "الشريعة"

(2)

، وأبو نعيم في "الدلائل"

(3)

.

قال ابن كثير في "التفسير"

(4)

: (وقد رواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن المغيرة، عن الشعبي مرسلا، وهذا أصح).

وأخرجه أبو نعيم في "الدلائل"

(5)

من حديث الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، أن وفد نجران من النصارى

إلخ نحوه.

وأخرج ذلك ابن جرير عن عِلباء بن أحمر اليشكري قال: لما نزلت هذه الآية {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ} [آل عمران: 61] الآية، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين

الخ

(6)

.

وعِلباء من صغار التابعين.

وطريق الترمذي جيدة، وقد خرج هذه الطريق مسلم في "صحيحه"

(7)

من طريق حاتم بن إسماعيل به.

والذي يظهر أن أبا عيسى يرى صحة هذا الخبر من هذا الوجه.

40 -

قال أبو عيسى في باب مناقب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (حدثنا الجراح بن مخلد البصري، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن خيثمة بن أبي سبرة، قال: أتيت المدينة فسألت الله أن ييسر لي جليسا صالحا، فيسر لي أبا هريرة، فجلست إليه، فقلت له: إني سألت الله أن ييسر لي جليسا صالحا فوقعت لي، فقال: من أين أنت؟ قلت: من

(1)

كما في "تفسير ابن كثير"(2/ 55) و"الدر المنثور" للسيوطي (2/ 230).

(2)

(1690).

(3)

"دلائل النبوة"(244).

(4)

(2/ 55).

(5)

(254).

(6)

"تفسير الطبري"(5/ 473).

(7)

(2404).

ص: 209

أهل الكوفة، جئت ألتمس الخير وأطلبه، فقال: أليس فيكم سعد بن مالك مجاب الدعوة، وابن مسعود صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعليه، وحذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمار الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه، وسلمان صاحب الكتابين؟

قال قتادة: والكتابان: الإنجيل، والقرآن.

هذا حديث حسن غريب صحيح.

وخيثمة هو ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة، إنما نسب إلى جده)

(1)

.

وفي "تحفة الأشراف"

(2)

، وطبعة بشار

(3)

، والرسالة

(4)

: (حسن صحيح غريب).

والحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك"

(5)

، والبيهقي في "المدخل"

(6)

من طريق يحيى بن حكيم

(7)

.

وأخرجه أبو نعيم في "الحلية"

(8)

من طريق زكريا بن الحارث بن ميمون.

كلاهما عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن خيثمة به.

قلت: هذا إسناد جيد قوي، ورجاله كلهم ثقات، والذي يظهر أن أبا عيسى يصحح هذا الخبر.

(1)

"جامع الترمذي"(4164).

(2)

(12306).

(3)

(3811).

(4)

(4145).

(5)

(5790).

(6)

(104).

(7)

وقع في مطبوعة "المستدرك": (يحيى بن حليم). وهو على الصواب في طبعة التأصيل.

(8)

(4/ 120).

ص: 210

وأخرجه أبو نعيم أيضا في "الحلية"

(1)

من طريق أبي سلمة التبوذكي، ثنا حماد، ثنا أبو حمزة، عن إبراهيم، عن خيثمة به.

وأبو حمزة هو ميمون الأعور القصاب، وهو ضعيف، بل قال عنه يحيى معين: لا يكتب حديثه

(2)

.

41 -

قال أبو عيسى: (باب مناقب جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا بشر بن السري، عن حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمسا وعشرين مرة.

هذا حديث حسن غريب صحيح.

ومعنى (ليلة البعير): ما روي عن جابر من غير وجه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فباع بعيره من النبي صلى الله عليه وسلم واشترط ظهره إلى المدينة، يقول جابر: ليلة بِعْت من النبي صلى الله عليه وسلم البعير استغفر لي خمسا وعشرين مرة، كان جابر قد قتل أبوه عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أحد وترك بنات، فكان جابر يعولهن وينفق عليهن، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبر جابرا ويرحمه لسبب ذلك، هكذا روي في حديث عن جابر نحو هذا)

(3)

.

وكذا في "تحفة الأحوذي"

(4)

: (حسن غريب صحيح).

وفي طبعة الرسالة

(5)

: (حسن صحيح غريب).

وفي "تحفة الأشراف"

(6)

، وطبعة بشار

(7)

: (حسن غريب).

(1)

(4/ 120).

(2)

"الجرح والتعديل"(8/ 236).

(3)

"جامع الترمذي"(4207).

(4)

(10/ 316).

(5)

(4188).

(6)

(2691).

(7)

(3852).

ص: 211

الحديث أخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده" الذي جمع له

(1)

.

والنسائي في "الكبرى"

(2)

من طريق النضر.

وابن حبان في "صحيحه"

(3)

من طريق عفان بن مسلم.

والحاكم في "المستدرك"

(4)

من طريق عباءة

(5)

بن كليب.

كلهم عن حماد به.

وأخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"

(6)

وفي "المعجم الصغير"

(7)

من طريق معاوية بن هشام، عن شيبان، عن جابر الجعفي، عن أبي الزبير به.

وقال: (لم يرو هذا الحديث عن جابر إلا شيبان، تفرد به معاوية بن هشام).

قلت: هذا الحديث ظاهره الصحة، وقد صححه ابن حبان والحاكم، وجاء في "صحيح مسلم"

(8)

من حديث الجريري، عن أبي نضرة، عن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فتخلف ناضحي

وساق الحديث، وقال فيه: فنخسه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لي:"اركب باسم الله"، وزاد أيضا قال: فما زال يزيدني ويقول: "والله يغفر لك".

وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"

(9)

من طريق معتمر بن سليمان، حدثني أبي، عن أبي نضرة، عن جابر.

(1)

(1840).

(2)

(8388).

(3)

(7184).

(4)

(6560).

(5)

في بعض النسخ: (عباد)، والمثبت من "إتحاف المهرة"(3246)، وقال الذهبي في "التلخيص:(عباءة صدّقه أبو حاتم).

(6)

(5894).

(7)

(832).

(8)

(715).

(9)

(7182).

ص: 212

وأيضا

(1)

من طريق عبد الملك بن أبي نضرة، يعني: عن أبيه، عن جابر به، نحوه.

والذي يظهر أن الترمذي يرى صحة هذا الخبر.

42 -

وقال أبو عيسى في باب في فضل اليمن: (حدثنا عبد القدوس ابن محمد العطار البصري، قال: حدثنا محمد بن كثير، قال: أخبرني مهدي بن ميمون، قال: حدثني غيلان بن جرير، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: إن لم نكن من الأزد، فلسنا من الناس.

هذا حديث حسن غريب صحيح)

(2)

.

وفي طبعة الرسالة

(3)

: (حسن صحيح غريب).

قلت: هذا الخبر إسناده صحيح إلى أنس، ورجاله كلهم ثقات، وقول المصنف:(حسن غريب صحيح) المقصود به صحة هذا الخبر، كما جاء في النسخ الأخرى.

43 -

وقال أبو عيسى: (باب ما جاء في الاعتكاف إذا خرج منه.

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، قال: أنبأنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاما، فلما كان في العام المقبل اعتكف عشرين.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث أنس بن مالك)

(4)

.

وهكذا في طبعة أحمد شاكر

(5)

-أي: التي حقق أولها، وهذا الحديث

(1)

(7183).

(2)

"جامع الترمذي"(4299).

(3)

(4281).

(4)

"جامع الترمذي"(817).

(5)

(803).

ص: 213

ليس منها- و"تحفة الأشراف"

(1)

.

وفي طبعة دار التأصيل

(2)

، والرسالة

(3)

، و"تحفة الأحوذي" والنسخة التي معها في الأعلى -الطبعة الحجرية-

(4)

: (حسن غريب صحيح من حديث أنس).

وفي "شرح السنة" للبغوي

(5)

: (هذا حديث صحيح غريب من حديث أنس).

فتبين مما تقدم أن أبا عيسى يصحح هذا الحديث.

قلت: هذا الحديث قد تفرد به ابن أبي عدي، قال الإمام أحمد بعد أن أخرجه في "المسند"

(6)

: (لم أسمع هذا الحديث إلا من ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس).

ومن طريقه -أي: ابن أبي عدي- أخرجه ابن خزيمة

(7)

، وابن حبان

(8)

، والحاكم

(9)

، والبيهقي

(10)

، والبغوي

(11)

.

وفي "العلل" للدارقطني

(12)

: (وسئل عن حديث حميد، عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فإذا سافر اعتكف من العام المقبل عشرين.

فقال: يرويه ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس.

(1)

(703).

(2)

(817).

(3)

(814).

(4)

(2/ 71).

(5)

(6/ 396).

(6)

(12017).

(7)

"صحيح ابن خزيمة"(2226 - 2227).

(8)

"صحيح ابن حبان"(3666) و (3668).

(9)

"المستدرك"(1621).

(10)

"السنن الكبير"(8640).

(11)

شرح السنة" (1834).

(12)

(2409).

ص: 214

وهذا يرويه حماد بن سلمة، عن حميد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد).

قلت: وحماد بن سلمة أثبتُ في حميد من ابن أبي عدي، ولكن جاء عن حماد حديث آخر بنحو الحديث المتقدم، فروى عنه جمع كبير من أصحابه على رأسهم ابن مهدي وعفان وأبو داود الطيالسي وغيرهم، كلهم عن حماد، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاما، فاعتكف من العام المقبل عشرين ليلة.

أخرجه أحمد

(1)

، وابن خزيمة

(2)

، وابن حبان

(3)

، وغيرهم، وقد ساق طرقه الضياء في "المختارة"

(4)

.

وهذا إما أن يكون حديث آخر، وإما اختلاف على حماد، والثاني هو الأقرب.

ولكن الطريق التي ذكرها الدارقطني ليست موجودة في الكتب الستة، بل وليس فيها متن بهذا الإسناد، وقد روى أبو داود الطيالسي كما في "المسند" الذي جمع له

(5)

، وأحمد

(6)

، كلاهما عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر، في تسع يبقين، وسبع يبقين، وخمس يبقين، وثلاث يبقين".

وهذا ليس فيه ذكر للاعتكاف.

ولكن من المعلوم أن أبا سعيد قد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في

(1)

(21277).

(2)

(2225).

(3)

(3667).

(4)

(4/ 45 - 48).

(5)

(2301).

(6)

(11679).

ص: 215

العَشر الأول، ثم الأوسط، يطلب ليلة القدر، ثم قال صلى الله عليه وسلم:"إنها في العشر الأواخر"

(1)

. وقد جاء عنه من طرق بألفاظ متعددة، فهل مقصود الدارقطني هذا؟ فإن كان هو مقصوده، فتكون هذه الرواية أرجح الروايات؛ لأن حديث أبي سعيد هذا حديث صحيح، جاء من طرق متعددة كما تقدم، في "الصحيحين" و"السنن" و"المسانيد"

(2)

.

فتبين مما تقدم: أن قصد الترمذي بهذا المصطلح: تصحيح الخبر، مع كونه غريبا عنده، فهو مساو لقوله:(حسن صحيح غريب)، ومغايرته بين الحكمين في اللفظ، وذلك بجعل لفظة:(غريب) قبل قوله: (صحيح)، إنما هو من باب التفنن في العبارة، وليس من قبيل اختلاف الحكمين.

* * *

(1)

"صحيح البخاري"(813، 2016، 2018)، "صحيح مسلم"(1167).

(2)

وللفائدة إليك أرقام الأحاديث التي حكم عليها أبو عيسى (حسن غريب صحيح) في نسخة "تحفة الأحوذي" طبعة دار الكتب العلمية: (152)، و (505)، و (549)، و (677)، و (757)، و (803)، و (948)، و (1288)، و (1296)، و (1596)، و (1627)، و (1668)، و (1697)، و (1754)، و (1755)، و (2559)، و (2577)، و (1625)، و (2629)، و (2661)، و (2685)، و (2846)، و (2847)، و (2861)، و (2862)، و (2972)، و (2999)، و (3005)، و (3014)، و (3018)، و (3026)، و (3035)، و (3097)، و (3108)، و (3240)، و (3262)، و (3271)، و (3348)، و (3349)، و (3385)، و (3388)، و (3396)، و (3402)، و (3437)، و (3453)، و (3464)، و (3546)، و (3628)، و (3719)، و (3724)، و (3852)، و (3925).

ص: 216

‌فصلٌ ما يفيده تصحيح الترمذي للأحاديث

ما حكم الترمذي بصحته فهذا قد استوفى شروط الصحة عنده، من ثقة رجال الإسناد واتصاله.

وفائدة ذلك: أن هناك رواهُ قد اختلف فيهم بين الاحتجاج وعدمه، ورواة ليس فيهم جرح أو تعديل، فيكون تصحيح الترمذي لهم من المرجِّحات لجانب الاحتجاج بهم، أو يكون قرينة على قوة أحاديثهم واستقامتها، ولهذا ينقل الحافظ مغلطاي في بعض الرواة تصحيح الترمذي لهم

(1)

.

وهذا أقوى من سكوت أبي داود على الحديث، ولا يخفى أن أهل العلم يستدلون على قوة الخبر بسكوته، وكذلك بسكوت النَّسَائِي في كتابه "السنن"؛ قال ابن حجر عن حديث:(وأما النَّسَائِي فسكت عليه، فاقتضى أنه لا علة له عنده)

(2)

.

ونفس الأمر بالنسبة للرواة الذين خرج لهم النَّسَائِي ولم يتعقبهم بشيء، ولذا قال أبو العباس ابن تيمية:(ميمون بن سياه فقد أخرج له البخاري والنسائي، وقال فيه أبو حاتم الرازي: ثقة. وحسبك بهذه الأمور الثلاثة)

(3)

.

(1)

ينظر: "إكمال تهذيب الكمال"(2/ 199).

(2)

"نتائج الأفكار"(1/ 403).

(3)

"مجموع الفتاوى"(6/ 425).

ص: 217

وتصحيح الترمذي أقوى من تصحيح أبي بكر بن خزيمة وأبي حاتم ابن حبان، وذلك لأمرين:

أحدهما: أنه أجلّ منهما في الصناعة الحديثية، خاصة أنه كثيرا ما ينقل قول شيخه البخاري في الأحاديث والرواة، فلا شك أن مساءلته ومدارسته البخاريَّ للأسانيد والرواة أثّرت في أحكام الترمذي.

والثاني: أن تصحيحَ ابن خزيمة وابن حبان من حيث العموم، بخلاف الترمذي فإن تصحيحه من حيث الخصوص؛ لأنَّه تصحيح على حديث معين.

‌ومن الأمثلة على ذلك:

أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، وثّقه ابن معين، وقال أبو حاتم: منكر الحديث

(1)

. وصحح له الترمذي

(2)

، وهذا مما يقوي توثيق ابن معين.

وكذا تصحيحه لسماك عن عكرمة، وتصحيحه أيضا لرواية من سمع من سماك بعد التغير

(3)

.

وفي هذا فائدة كبيرة، وهي أن هناك من يظن أن كل ما رواه سماك عن عكرمة لا يصح، وهذا خطأ؛ بل له عنه أحاديث صحيحة، وكذا أحاديثه الأخيرة فمنها ما هو صحيح.

ومثل عبد الله بن محمد بن عقيل

(4)

، ومحمد بن إسحاق

(5)

، ويزيد بن أبي زياد

(6)

، وشريك بن عبد الله

(7)

، وعلي بن زيد بن جُدعان

(8)

، فقد صحح لهم بعض الأحاديث دون بعض.

(1)

"تهذيب الكمال"(34/ 62).

(2)

"جامع الترمذي"(1492).

(3)

ينظر: (336، 513، 540)، (226، 1255)، (1531، 2989 - 2990، 3220).

(4)

(33، 129).

(5)

(23، 116).

(6)

(115، 790).

(7)

(2864).

(8)

(110، 1186).

ص: 218

بخلاف عبد الله بن لَهيعة فإنه لم يصحح له شيئا، حتى من رواية العبادلة.

وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، فقد خالف شيخه البخاري الذي يقويه.

ورواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، فإنه لم يصحح منها حديثا، وإنما حسن بعضها

(1)

، مع أن هناك من الحفاظ من يقويها.

وما يقال في الرجال يقال في الإسناد، وهو أهم من الأول كما لا يخفى، وخاصة السلاسل منها، فهناك سلاسل صحّحها أو قوّاها، وفيها خلاف شديد؛ مثل سلسلة كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده، فقد صحح بهذه السلسلة حديثا واحدا؛ وهو حديث "الصلح جائز بين المسلمين"

(2)

، وآخر قواه؛ وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا. قال أبو عيسى:(حديث حسن، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب)

(3)

، وقال عن حديثين:(حسن)

(4)

، وقال عن الخامس:(حسن غريب)

(5)

.

وهذه الأحكام من أبي عيسى على هذه السلسلة في غاية من الأهمية.

وهذا هو ظاهر مذهب شيخه محمد بن إسماعيل البخاري

(6)

، فقد قال

(1)

(179، 367)، يقول في بعضها:(ليس به بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه)، وأحيانا يقوله: (حسن

).

(2)

"جامع الترمذي"(1410).

(3)

(544).

(4)

(2831، 2885).

(5)

(496).

(6)

فإن قيل: علق له البخاري خبرا بصيغة التمريض، فقال في كتاب المزارعة من "الصحيح" (3/ 106):(قال عمر: من أحيا أرضا ميتة فهي له. ويروى عن عمرو بن عوف، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "في غير حق مسلم، وليس لعرق ظالم فيه حق". ويروى فيه عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم).=

ص: 219

عن حديث التكبير في العيدين: (ليس في الباب شيء أصح من هذا، وبه أقول، وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، في هذا الباب هو صحيح أيضا، وعبد الله بن عبد الرحمن الطائفي مقارب الحديث)

(1)

.

مما تقدم تتبين فائدة، وهي أن هذه السلسلة اختلف فيها اختلافا شديدا

(2)

:

فبعض الحفاظ -كالإمام أحمد- ذهب إلى أنها واهية شديدة الضعف.

وبعضهم رأى قوة هذه السلسلة، كما تقدم.

وذهب آخرون -كالبيهقي- إلى أنهّا يستأنس بها، وتتقوى بغيرها، وأنا أذهب إلى هذا؛ لأن أغلب متونها مستقيمة، وقد جاءت من أوجه أخرى.

ويفيد تصحيح الترمذي أيضا: عند الاختلاف في راوٍ هل سمع ممن روى عنه أم لا، أو حينما لا يُعلم السماع من عدمه، مثاله: ما أخرجه أبو عيسى من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن المغيرة بن شعبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى حاجته فأبعد. قال أبو عيسى:(حديث حسن صحيح)

(3)

.

= والجواب عن ذلك: أن صيغة التمريض لا يلزم منها التضعيف، فإن البخاري يعلق أحيانا بصيغة التمريض ثم يصله في كتابه "الصحيح"، ومثله أبو عيسى، فإنه يقول أحيانا:(ويُروى)، ويريد بذلك أحاديث صحيحة.

ويؤيد هذا أن حديث جابر الذي ذكره أيضا بصيغة التمريض هو حديث صحيح، وما قاله ابن حجر عن هذا الخبر أن فيه عللا فيه نظر، والعلم عند الله. ينظر:"تغليق التعليق"(3/ 310).

(1)

"العلل الكبير" للترمذي (153 - 154).

(2)

ينظر: "تهذيب الكمال"(24/ 137).

(3)

"جامع الترمذي"(19)، وصحّحه أيضا ابن خزيمة (50)، وسكت عنه أبو داود (1).

ص: 220

وهو كذلك؛ لأنَّه جاء من طرق أخرى في "الصحيحين"

(1)

وغيرهما، ولكن في هذا الإسناد لم أقف على ما يدل على سماع أبي سلمة من المغيرة ولا عدم سماعه، كما أني لم أقف على غير هذه الرواية لأبي سلمة عن المغيرة، ولم يصرِّح فيها بالتحديث، ولما ترجم البخاري لأبي سلمة في "التاريخ"

(2)

لم يذكر عن سماعه من المغيرة شيئا، والظاهر أنه لم يقف على ما يفيد سماعه أو عدمه.

وبالتالي نستأنس بتصحيح أبي عيسى لهذا الخبر في سماع أبي سلمة من المغيرة.

وبسلوك هذه الطريقة سوف نستفيد فوائد كثيرة، سواء كان ذلك في تقوية جمع من الرواة والأسانيد، أو ثبوت السماع.

وقد سلك هذه الطريقة جمع من الحفاظ؛ منهم أبو عبد الله ابن منده، حيث يقول: هذا حديث على رسم أبي داود أو الترمذي أو النَّسَائِي

(3)

، أو على رسم الجماعة، أو على رسم الجماعة إلا البخاري

(4)

.

* * *

(1)

"صحيح البخاري"(182)، "صحيح مسلم"(274).

(2)

(5/ 130).

(3)

"كتاب الإيمان"(814)، "كتاب التوحيد"(30، 86).

(4)

"كتاب الإيمان"(115، 156، 203، 206).

ص: 221

مصطلحُ "الحسن"

ص: 223

‌مصطلح "الحسن"

الفصل الأول: تعريف الترمذي للحديث الحسن، وشرحه.

الفصل الثاني: أنواع الحديث الحسن عند الترمذي

(1)

.

(1)

تحدثت في "شرح الموقظة"(ص: 200) عن بدء استعمال الحديث الحسن، ومعناه عند الأئمة المتقدمين، وتعاريفه عند أهل العلم، وغير ذلك؛ فأغنى عن إعادته هنا.

ص: 225

‌الفصل الأول تعريف الترمذي للحديث الحسن، وشرحه

بيّن الترمذي رحمه الله مراده بالحسن، فقال في كتابه "العلل الصغير":(وما ذكرنا في هذا الكتاب: حديث حسن؛ فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا؛ كل حديث يروى: لا يكون في إسناده متهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا، ويروى من غير وجه نحو ذاك، فهو عندنا: حديث حسن)

(1)

.

إذًا يشترط الترمذي للحديث الحسن ثلاثة شروط، هي:

1 -

أن لا يكون في إسناده من يُتهم بالكذب.

2 -

أن لا يكون شاذا.

3 -

أن يُروى من غير وجه.

وقوله: (وما ذكرنا في هذا الكتاب: حديث حسن، فإنما أردنا به: حسن إسناده عندنا)، لا يخفى أن الترمذي استعمل "الحسن" مقترنا ومجرَّدا؛ فهو إما أن يقرنه بالصحة أو بالغرابة؛ فيقول مثلا:"حديث حسن صحيح" أو "حديث حسن غريب"، أو يجرِّده فيقول:"حسن"، وعليه، فهل تعريف الترمذي هذا يقصد به "الحسن" مقترنا ومجرَّدا، أم مجرَّدا؟

الذي يظهر: أنه يقصد به "الحسن" مجرَّدا.

فجزما هو لا يريد به الحسن المقترن بالصحيح؛ لأن هذا يكون من

(1)

"العلل الصغير"(ص: 66).

ص: 227

رواية الثقات كما تقدم شرح ذلك، ويؤكده: اشتراطه ألا يكون في إسناده متهم بالكذب، وقصده بذلك: الراوي الذي تكلم فيه بالضعف، إذًا خرج المتهم بالكذب، وأيضا الموصوف بالثقة - لأنَّه لا يقال عنه لا يتهم بالكذب -، فلم يبق إلا الراوي الذي تُكلم فيه بالضعف.

وهو أيضا لا يريد به الحسن المقترن بالغريب؛ لأنّ الأصل في الغريب أنْ لا يروى إلا من وجه واحد، وإن كان الغريب أنواعا متعددة عنده وعند غيره من أهل العلم، وسوف يأتي بإذن الله الكلام عن هذا في شرح مصطلح "الغريب".

فعلى هذا يكون مقصوده بـ "الحسن" الذي عرّفه: "الحسن" المجرَّد. ثم إن هذا "الحسن" المجرَّد أكثر من نوع عنده -على تفصيل في ذلك سوف يأتي-، والدليل على هذا استقراء تصرفاته في كتابه، كما هو مبين في الفصل الآتي.

‌شرح شروط (الحسن) في تعريف الترمذي:

‌أولا: (لا يكون في إسناده متهمٌ بالكذب).

مقصوده ظاهر، وهو الراوي الذي ثبت كذبه أو اتهم بذلك، ويُلحق به من كان شديد الغفلة، وروى ما لا يتابع عليه من الأحاديث المنكرة.

فالحديث الذي في إسناده متهم بالكذب لا يحكم عليه الترمذي بالحسن، بل هو ساقط الإسناد عنده، شديد الضعف.

ويدل على هذا ما قاله أبو عيسى في "العلل الصغير": (فكل من روي عنه حديث ممن يُتهم، أو يضعّف لغفلته، أو لكثرة خطئه، ولا يعرف ذلك الحديث إلا من حديثه؛ فلا يحتج به)

(1)

.

(1)

"العلل الصغير"(ص: 42).

ص: 228

وقال أيضا: (فكل من كان متهما في الحديث بالكذب، أو كان مغفّلا يخطئ الكثير؛ فالذي اختاره أكثر أهل الحديث من الأئمة أن لا يشتغل بالرواية عنه)

(1)

.

قال ابن الصلاح مفسِّرا "الحسن" عند الترمذي: (الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه، ولا متهم بالكذب .. )

(2)

. فعلق ابن رجب على قوله: (غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه)، فقال:(هذا لا يدل عليه كلام الترمذي؛ لأنَّه إنما اعتبر أن لا يكون راويه متهما فقط، لكن قد يؤخذ مما ذكره الترمذي قبل هذا: أن من كان مغفلا كثير الخطأ لا يحتج بحديثه، ولا يشتغل بالرواية عنه عند الأكثرين)

(3)

.

قلت: وأنا أذهب إلى هذا، من كون الراوي الذي ضعفه شديد فإن الترمذي لا يحسن حديثه، خاصة إذا روى ما لا يتابع عليه.

ومثاله فرقد السبخي، فإنه خرج له أربعة أحاديث؛ ثلاثة غرّبها، وواحد قال عنه: حسن غريب

(4)

.

ومثل صدقة بن موسى الدقيقي؛ فإنه لم يحسِّن له إلا الحديث السابق، والباقي غرّبها

(5)

.

ومثل موسى بن عبيدة الربذي

(6)

، خرج له أحد عشر حديثا، لم يحسِّن ولا واحدا منها.

(1)

"العلل الصغير"(ص: 44).

(2)

"مقدمة ابن الصلاح"(ص: 31).

(3)

"شرح علل الترمذي"(1/ 387).

(4)

ينظر: "جامع الترمذي"(985، 2067، 2072، 2090).

(5)

ينظر: "جامع الترمذي"(667، 2089، 2090، 2975، 3946).

(6)

ينظر: "جامع الترمذي"(485، 1156، 1208، 2428، 3306، 3558، 3601، 3653، 3654، 3904، 3934).

ص: 229

بل إن هناك مِنَ الرواة مَنْ وثّقهم بعض الأئمة وتكلم فيهم آخرون؛ إذا رووا ما يستغرب من حيث الإسناد أو من حيث المتن؛ فإنه لا يحسِّن لهم، مثاله:

قال أبو عيسى: (1300 - حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، قال: سمعت أبا زرعة بن عمرو يحدث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يُتفرَّقنّ عن بيع إلا عن تراض".

هذا حديث غريب).

قلت: رجاله كلهم ثقات، ما عدا يحيى بن أيوب ففيه بعض الكلام، وقد وثقه بعض الأئمة، ولكني لست بصدد الكلام عن هذه المسألة، ولذا أكتفي بهذا المثال.

‌ثانيا: قوله: (ولا يكون الحديث شاذا).

يحتمل أن يكون مقصوده ألا يكون الحديث ليس له إلا إسناد واحد، ولذا قال في الشرط الثالث:(أن يروى من غير وجه).

فعلى هذا يكون الشرطان الثاني والثالث شرطا واحدا.

ويحتمل أنه يقصد أيضا شذوذ المتن، وهو المتن المخالف لغيره من الأحاديث الصحيحة، وهو ما قاله ابن رجب:(والظاهر أنه أراد بالشاذ ما قاله الشافعي: وهو أن يروي الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه)

(1)

.

قلت: الذي أميل إليه أن الترمذي يقصد كلا الأمرين، فأحيانا إذا كان إسناد الخبر بيّن الغرابة لا يحسِّنه، وكذا إذا كان متن الخبر غريبا، ومثاله:

(1)

"شرح علل الترمذي"(1/ 384).

ص: 230

قال أبو عيسى: (1213 - حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تلجوا على المغيبات؛ فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم". قلنا: ومنك؟ قال: "ومني، ولكن الله أعانني عليه فأسلم".

وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وقد تكلم بعضهم في مجالد بن سعيد من قبل حفظه).

قلت: هذا الخبر غريب من حديث الإسناد، وأما المتن فإنه معروف؛ فقد جاء من أوجه أخرى، فهذا الخبر امتنع من تحسينه لغرابة إسناده، مع أنه يحسِّن لمجالد في بعض الأحيان.

وقال أبو عيسى: (1317 - حدثنا علي بن خَشرم، قال: أخبرنا عيسى ابن يونس، عن مجالد، عن أبي الودّاك، عن أبي سعيد قال: كان عندنا خمر ليتيم، فلما نزلت المائدة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وقلت: إنه ليتيم، فقال:"أهريقوه". وفي الباب عن أنس بن مالك.

حديث أبي سعيد حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا).

قلت: وهذا يؤكد ما تقدم، ولذا عندما روي هذا الحديث من غير وجه؛ حسّنه.

وأما مثال غرابة المتن: قال أبو عيسى: (1219 - حدثنا علي بن نصر ابن علي، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: قلت لأيوب: هل علمت أن أحدا قال في (أمرك بيدك) إنها ثلاث إلا الحسن؟ فقال: لا، إلا الحسن، ثم قال: اللهم غفرا، إلا ما حدثني قتادة، عن كثير مولى ابن سمرة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاث".

ص: 231

قال أيوب: فلقيت كثيرا مولى ابن سمرة فسألته، فلم يعرفه، فرجعت إلى قتادة فأخبرته، فقال: نسي.

هذا حديث، لا نعرفه إلا من حديث سليمان بن حرب عن حماد بن زيد، وسألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: حدثنا سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد بهذا، وإنما هو عن أبي هريرة موقوف، ولم يعرف حديث أبي هريرة مرفوعًا، وكان علي بن نصر حافظا صاحب حديث).

قلت: رجاله ثقات سوى كثير فإنه ليس بالمشهور، وقد وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات".

ولم يحسنه لنكارة متنه، فقد ذكر عن أيوب قال: فلقيت كثيرا مولى ابن سمرة فسألته، فلم يعرفه.

وقال النَّسَائِي: (هذا حديث منكر)

(1)

.

وقال البيهقي: (قول العامة بخلاف رواية كثير)

(2)

.

وقال أبو عيسى: (1225 - حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: حدثني مظاهر بن أسلم، قال: حدثني القاسم، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان".

قال محمد بن يحيى، وحدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا مظاهر بهذا.

وفي الباب عن عبد الله بن عمر.

حديث عائشة حديث غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث مظاهر بن أسلم، ومظاهر لا نعرف له في العلم غير هذا الحديث).

(1)

"المجتبى"(3435).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(15151).

ص: 232

قلت: لم يحسنه لنكارة متنه، فقد بين المؤلف أن هذا المتن لا يعرف مرفوعًا، وقد ثبت موقوفًا عن ابن عمر.

وسوف يأتي الكلام على هذا الحديث.

مع ملاحظة أن كل غرابة في المتن يلزم منها غرابة في الإسناد، لا العكس.

‌ثالثا: قوله: (ويروى من غير وجه نحو ذاك).

قال ابن رجب: (يعني: أن يروى معنى ذلك الحديث من وجوه أُخر عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير ذلك الإسناد).

وقال أيضا: (المعتبر أن يروى معناه من غير وجه، لا نفس لفظه)

(1)

.

وهل يدخل المنقطع في الحسن عند الترمذي؟

نعم يدخل، كما سوف يأتي بإذن الله تعالى.

وسوف يأتي بإذن الله مِن أنواع "الحسن" عند أبي عيسى، ومِن ضرب الأمثلة على ذلك؛ ما فيه تجليه لكلامه، وتوضيح لمقصوده ومرامه.

وهذا كله يتبين بدراسة الأحاديث التي حسنها أبو عيسى، فإن هذا المسلك أحسن الطرق في معرفة مقصود الترمذي من هذا المصطلح وغيره من المصطلحات، ولا يخفى أن مصطلحات الترمذي قد أشكلت على كثير من أهل العلم قديما وحديثا، وخاصة "الحسن"، والكثير منهم ممن تكلم في ذلك لم يسلك هذه الطريق، فلم يدرس تصرفات الترمذي من الناحية العملية، وإنما اكتفى بالجانب النظري، ولذا كان في كلامه نظر.

* * *

(1)

"شرح علل الترمذي"(1/ 384 - 385).

ص: 233

‌الفصل الثاني أنواع الحسن في "جامع" أبي عيسى الترمذي

تقدم أن أبا عيسى استعمل "الحسن" مقترنا -بالصحة أو بالغرابة- ومجرَّدا، فأما ما كان مقترنا بالصحة فتقدّم الكلام عليه في مصطلح "الصحيح" و"حسن صحيح".

‌وأما عن الباقي، فأقول - وبالله تعالى التوفيق

-:

اختلف أهل العلم بالمراد بالحسن عند أبي عيسى، حتى قالوا فيه أقوالا كثيرة وذهبوا مذاهب شتى، ومردُّ ذلك أمران:

الأول: عدم استقراء الأحاديث التي حكم عليها بذلك، وقد تقدمت الإشارة إليه.

والثاني: أنه قد أطلق هذا المصطلح على أكثر من نوع.

فأقول: إن أبا عيسى حين أطلق "الحسن" لم يرد به نوعا واحدا، بل أنواعا:

النوع الأول: "الحسن" الذي عرّفه في كتابه "العلل الصغير"، وهو الذي حسنه فحسب، وقد تقدم الكلام فيه، وسوف يأتي ضرب الأمثلة له.

النوع الثاني: "الحسن" الذي حكم عليه بالغرابة، وهذا غير الأول، كما تقدم.

النوع الثالث: "الحسن" الذي فيه ضعف، ولكنه لم يبين ضعفه، وسكت عن ذلك، واكتفى بتحسينه.

ص: 235

النوع الرابع: "الحسن" الذي قَرن به من الكلام ما يبين ضعفه، وذلك بتضعيف أحد رواته، أو بالانقطاع.

النوع الخامس: الحديث الذي حكم عليه بالحسن، ومع ذلك بين أنه معلول.

النوع السادس: "الحسن" الذي قرن به من الكلام ما يفيد صحته.

النوع السابع: ما حسّنه وهو صحيح عند جمهور الحفاظ، وذلك بأن يكون مخرّجا في "الصحيحين" أو في أحدهما.

النوع الثامن: ما حسّنه مع أن ظاهره الصحة، ولكنه توقف في تصحيحه لاختلاف وقع فيه، فسلك فيه سبيل الاحتياط.

وإنما أفردت هذا النوع لكثرته في كتابه "الجامع".

وفيما يلي بيان الأنواع، مع التمثيل لكل نوع بما يتضح به مقصود الترمذي

(1)

، والله ولي التوفيق.

* * *

(1)

مع التنبيه إلى أن بعض الأمثلة تصلح لأكثر من نوع، وهذا سبب ما قد يرد من تكرار بعضها هنا أو في سائر هذا "المدخل".

ص: 236

‌النوع الأول الحسن التي عرفه في كتابه "العلل الصغير"

وهو الحسن المجرَّد.

‌ومن الأمثلة على هذا النوع:

1 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا علي بن خشرم، قال: أخبرنا عيسى بن يونس، عن مجالد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد قال: كان عندنا خمر ليتيم، فلما نزلت المائدة، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وقلت: إنه ليتيم، فقال:"أهريقوه".

وفي الباب: عن أنس بن مالك.

حديث أبي سعيد حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا)

(1)

.

قلت: هذا الحديث في إسناده ضعف، من أجل مجالد، فهو ليس بالقوي

(2)

.

وحديث أنس أخرجه مسلم

(3)

.

2 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا إسماعيل ابن إبراهيم، قال: حدثنا هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عياض بن هلال، قال: قلت لأبي سعيد: أحدنا يصلي فلا يدري كيف صلى! فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فلم يدر كيف صلى فليسجد سجدتين وهو جالس".

(1)

"جامع الترمذي"(1317).

(2)

ينظر الكلام على المثال الآتي برقم (4).

(3)

"صحيح مسلم"(1983) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن الثوري به.

ص: 237

وفي الباب: عن عثمان، وابن مسعود، وعائشة، وأبي هريرة.

حديث أبي سعيد حديث حسن، وقد روي هذا الحديث عن أبي سعيد من غير هذا الوجه)

(1)

.

قلت: هذا الإسناد فيه ضعف، من أجل عياض بن هلال، فإنه لا يعرف.

وحسّنه المصنف لأنَّه روي من وجه آخر عن أبي سعيد كما قال، وهذا الوجه هو ما رواه مسلم

(2)

فقال: (وحدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف، حدثنا موسى بن داود، حدثنا سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك وليبْنِ على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، "ن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان").

3 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا عمر بن حفص الشيباني البصري، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، عن ربيعة بن سليم، عن بسر بن عبيد الله، عن رويفع بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره".

هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن رويفع بن ثابت.

وفي الباب: عن أبي الدرداء، وابن عباس، والعرباض بن سارية، وأبي سعيد)

(3)

.

قلت: ربيعة بن سليم، ويقال: ابن أبي سليم، ويقال: ابن سليمان،

(1)

"جامع الترمذي"(398).

(2)

"صحيح مسلم"(571).

(3)

"جامع الترمذي"(1167).

ص: 238

ويقال: أبو سليمان، وهو ليس بالمشهور، وبسر لا يعرف بسماعه من رويفع.

وحسنه الترمذي من أجل مجيئه من وجه آخر عن رويفع، فأخرجه أحمد

(1)

قال: (حدثنا يحيى بن إسحاق، قال: أخبرنا ابن لَهيعة. وقتيبة بن سعيد، قال: حدثنا ابن لَهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن حنش الصنعاني، عن رويفع بن ثابت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل

") الحديث

(2)

.

4 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن مجالد (ح) وحدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن مجالد، عن أبي الودَّاك، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ذكاة الجنين ذكاة أمه".

وفي الباب: عن جابر، وأبي أمامة، وأبي الدرداء، وأبي هريرة.

هذا حديث حسن، وقد روي من غير هذا الوجه عن أبي سعيد.

وأبو الودَّاك أسمه جبر بن نوف)

(3)

.

قلت: مجالد لا يحتج به عند أبي عيسى، وقد بيّن ضعفه في عدة مواضع كما سيأتي، وإنما حسن هذا الإسناد؛ لأنَّه قد جاء من وجه آخر توبع فيه مجالد، وهو ما أخرجه أحمد

(4)

من طريق يونس ابن أبي إسحاق، عن أبي الودَّاك جبر بن نوف، عن أبي سعيد الخدري بمثله.

وأخرجه أبو يعلى

(5)

والطبراني في "الصغير"

(6)

، من طرق عن عطية، عن أبي سعيد.

(1)

"المسند"(16992).

(2)

وينظر: "المعجم الكبير" للطبراني (4490).

(3)

"جامع الترمذي"(1556).

(4)

"مسند أحمد"(11343).

(5)

"مسند أبي يعلى"(1206).

(6)

"المعجم الصغير"(242، 467).

ص: 239

كما أنه جاء من غير حديث أبي سعيد.

وهذا العمل من الترمذي موافق لما قرره في تعريف الحسن، ومنطبق تمام الانطباق لتنظيره للحسن، وهو دليل من الأدلة الكثيرة على أن الحسن عنده هو الخبر الذي فيه ضعف ولكن ليس بالشديد.

وقد قال الترمذي في "العلل الصغير"

(1)

: (وكذلك من تكلم من أهل العلم في مجالد بن سعيد، وعبد الله بن لَهيعة، وغيرهما، إنما تكلموا فيهم من قبل حفظهم وكثرة خطئهم، وقد روى عنهم غير واحد من الأئمة، فإذا تفرد أحد من هؤلاء بحديث ولم يتابع عليه؛ لم يحتج به).

‌ومن الأحاديث التي أخرجها لمجالد:

قال الترمذي: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن مجالد، عن الشعبي، عن جرير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم المصدق فلا يفارقنّكم إلا عن رضا".

حدثنا أبو عمار، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن داود، عن الشعبي، عن جرير، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.

قال أبو عيسى: حديث داود، عن الشعبي أصح من حديث مجالد، وقد ضعف مجالدا بعضُ أهل العلم، وهو كثير الغلط)

(2)

.

وقال الترمذي: (حدثنا أبو سعيد الأشج، قال: حدثنا أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد الأيامي، قال: حدثنا مجالد، عن الشعبي، عن جابر ابن عبدا لله، وعن الحارث، عن علي قالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المحلّ والمحلّل له.

(1)

"العلل الصغير"(ص: 42 - 43).

(2)

"جامع الترمذي"(652 - 653).

ص: 240

وفي الباب عن ابن مسعود، وأبي هريرة، وعقبة بن عامر، وابن عباس.

قال أبو عيسى: حديث عليّ وجابر حديث معلول، هكذا روى أشعث ابن عبد الرحمن، عن مجالد، عن عامر الشعبي، عن الحارث، عن علي. وعامر، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا حديث ليس إسناده بالقائم؛ لأن مجالد بن سعيد قد ضعفه بعض أهل العلم؛ منهم أحمد بن حنبل.

وروى عبد الله بن نمير هذا الحديث، عن مجالد، عن عامر، عن جابر ابن عبد الله، عن علي، وهذا قد وهم فيه ابن نمير، والحديث الأول أصح، وقد رواه مغيرة وابن أبي خالد وغير واحد، عن الشعبي، عن الحارث، عن علي)

(1)

.

قلت: ضعف أبو عيسى طريق مجالد عن الشعبي عن جابر، وقال: إنه معلول، وإسناده ليس بالقائم.

وأما ما رواه مجالد، عن الشعبي، عن الحارث، عن علي؛ فلم يحكم عليه بالضعف؛ لأن مجالدا قد توبع كما بين هو، وإن كان هذا الإسناد أيضا لا يحتج به عنده؛ لأنَّه يرى ضعف الحارث.

وهذا يؤكد ما تقدم تقريره.

وقال الترمذي: (حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تلجوا على المغيّبات، فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم"، قلنا: ومنك؟ قال: "ومني، ولكن الله أعانني عليه فأسلم".

(1)

"جامع الترمذي"(1153).

ص: 241

وهذا حديث غريب من هذا الوجه.

وقد تكلم بعضهم في مجالد بن سعيد من قبل حفظه)

(1)

.

قلت: هذا الخبر لم يحسنه؛ لأنَّه مما تفرد به مجالد من الوجه الذي رواه، وإن كان جاء من وجه آخر صحيح.

فقد أخرجه مسلم

(2)

من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد وُكّل به قرينه من الجن" قالوا: وإياك؟ يا رسول الله قال: "وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير".

وأخرج كذلك

(3)

من حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقد جاءك شيطانك؟ " قالت: يا رسول الله، أوَ معي شيطان؟ قال:"نعم" قلت: ومع كل إنسان؟ قال: "نعم" قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: "نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم".

وقال الترمذي: (حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن مجالد، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحلال بيّن والحرام بيّن، وبين ذلك أمور مشتبهات، لا يدري كثير من الناس أمِن الحلال هي أم من الحرام، فمن تركها استبراء لدينه وعرضه فقد سلم، ومن واقع شيئا منها، يوشك أن يواقع الحرام، كما أنه من يرعى حول الحمى، يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك سمى، ألا وإن سمى الله محارمه".

حدثنا هنّاد، قال: حدثنا وكيع، عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه.

(1)

"الجامع"(1213).

(2)

"صحيح مسلم"(2814).

(3)

"صحيح مسلم"(2815).

ص: 242

هذا حديث حسن صحيح، قد رواه غير واحد، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير)

(1)

.

قلت: تصحيح أبي عيسى لهذا الخبر إنما هو لطريق ابن أبي زائدة، ومن تابعه من الثقات كما نص على ذلك.

وقال الترمذي: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن الشعبي، قال: أخبرنا عدي بن حاتم، قال: لما نزلت: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل".

هذا حديث حسن صحيح.

حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا هشيم، قال: حدثنا مجالد، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.

حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان، عن مجالد، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم فقال: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] قال: فأخذت عقالين أحدهما أبيض والآخر أسود، فجعلت أنظر إليهما، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يحفظه سفيان، فقال:"إنما هو الليل والنهار".

هذا حديث حسن صحيح)

(2)

.

قلت: اختلفت نسخ الترمذي، والأقرب أنه حسنه فقط ولم يصححه؛ لأن هذا هو الموافق لمنهجه، إذ بين في أكثر من موضع تضعيف مجالد.

(1)

"جامع الترمذي"(1253).

(2)

"جامع الترمذي"(3226 - 3228)، وكذلك في طبعة الرسالة و"تحفة الأحوذي"(8/ 311)، وفي "التحفة" للمزي (9867):(حسن) حسب.

ص: 243

وقال الترمذي: (حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله قال: قال ناس من اليهود لأناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: هل يعلم نبيكم كم عدد خزنة جهنم؟ قالوا: لا ندري حتى نسأله، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، غلب أصحابك اليوم. قال:"وبم غلبوا؟ " قال: سألهم يهود: هل يعلم نبيكم كم عدد خزنة جهنم؟ قال: "فما قالوا؟ " قال: قالوا: لا ندري حتى نسأل نبينا. قال: "أفغلب قوم سئلوا عما لا يعلمون؟ فقالوا: لا نعلم حتى نسأل نبينا، لكنهم قد سألوا نبيهم، فقالوا: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء:153]، عَليَّ بأعداء الله، إني سائلهم عن تربة الجنة وهي الدرمك"، فلما جاءوا قالوا: يا أبا القاسم، كم عدد خزنة جهنم؟ قال:"هكذا وهكذا في مرة عشرة، وفي مرة تسعة"، قالوا: نعم، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:"ما تربة الجنة؟ " قال: فسكتوا هنيهة، ثم قالوا: خبزة يا أبا القاسم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الخبز من الدرمك".

هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث مجالد)

(1)

.

وقال الترمذي: (حدثنا أبو كريب، وأبو سعيد الأشج، قالا: حدثنا أبو أسامة، عن مجالد، عن عامر الشعبي، عن جابر بن عبد الله، قال: أقبل سعد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هذا خالي، فليرني امرؤ خاله".

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث مجالد)

(2)

.

قلت: اختلفت نسخ الترمذي، والترجيح في هذه الحالة بين اختلاف

(1)

"الجامع"(3638).

(2)

"جامع الترمذي"(4104)، وهو كذلك في طبعة الرسالة (4085)، وفي "التحفة" للمزي (2352):(غريب) حسب.

قلت: وأخرجه الحاكم (6113) من طريق علي بن سعيد الكندي، عن أبي أسامة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي به، وهذا خطأ، أخطأ فيه علي بن سعيد الكندي، والله أعلم.

ص: 244

النسخ فيه بعض الصعوبة، لكن كأن الموافق لمنهجه أن يقول عن هذا الخبر: حسن غريب.

وقال الترمذي: (حدثنا محمد بن عمر بن هياج الأسدي الكوفي، قال: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي، قال: حدثنا عبيدة بن الأسود، عن مجالد، عن قيس بن أبي حازم، عن المستورد بن شداد الفهري، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"بعثت في نفس الساعة، فسبقتها كما سبقت هذه هذه". لأصبعيه؛ السبابة والوسطى.

هذا حديث غريب من حديث المستورد بن شداد، لا نعرفه إلا من هذا الوجه)

(1)

.

قلت: وهذا الحديث ليس فيه من ينظر فيه سوى مجالد.

ولكن هذا المعنى جاء من وجه آخر كما ذكر أبو عيسى، فقد أخرج -عقب رواية مجالد هذه- من طريق أبي داود، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين" وأشار أبو داود بالسبابة والوسطى، فما فضل إحداهما على الأخرى.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح

(2)

.

‌أعود لذكر الأمثلة:

5 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: حدثنا قُرَّان بن تمام الأسدي، عن أبي فروة الرَّهاوي يزيد بن سنان، عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة، قال: قيل: يا رسول الله: الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام؟ فقال: "أولاهما بالله".

هذا حديث حسن.

(1)

"جامع الترمذي"(2373).

(2)

"جامع الترمذي"(2374).

ص: 245

قال محمد: أبو فروة الرهاوي مقارب الحديث، إلا أن ابنه محمد بن يزيد يروي عنه مناكير)

(1)

.

قلت: أبو فروة الرهاوي يزيد بن سنان ضعّفه جمهور الحفاظ؛ وعلى رأسهم أحمد

(2)

ويحيى بن معين

(3)

وعلي بن المديني

(4)

، بل قال النَّسَائِي عنه: متروك الحديث

(5)

، وفي رواية: ليس بثقة

(6)

، ولم يقوه سوى البخاري

(7)

ومروان بن معاوية

(8)

.

والذي يظهر لي أنه ضعيف كما قال الجمهور، وضعفه ظاهر، ولكن يكتب حديثه.

والذي يظهر أنه ليس بشديد الضعف عند الترمذي، ولهذا حسن خبره.

فهذأ الخبر ينطبق عليه ما اشترطه في الحسن

(9)

.

6 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن حميد الرازي والعباس بن محمد الدوري، قالا: حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، عن سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني أبو مرحوم، عن سهل بن معاذ، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب.

(1)

"جامع الترمذي"(2902).

(2)

"مسائل ابن هانئ"(9/ 212، 237، 238)، "الكامل" لابن عدي (10/ 691).

(3)

"التاريخ" رواية ابن محرز (1/ 71)، رواية الدارمي (ص: 231)، رواية الدوري (3/ 422، 4/ 411).

(4)

"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (9/ 266).

(5)

"الضعفاء والمتروكين"(ص: 256).

(6)

"تهذيب الكمال"(32/ 158).

(7)

"جامع الترمذي"(2902).

(8)

"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (9/ 266).

(9)

وقد جاء الخبر من طرق أخرى.

ص: 246

قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن.

وأبو مرحوم اسمه: عبد الرحيم بن ميمون)

(1)

.

قلت: هذه السلسلة خرج بها أبو عيسى عدة أحاديث

(2)

، لم يصحح منها شيئا، وذلك لأنها ضعيفة؛ فأبو مرحوم مختلف فيه، وسهل بن معاذ قد تُكُلِّم فيه، وبالتالي لم تثبت صحبة معاذ؛ لأنَّه لم يرو عنه إلا ابنه هذا، بالإضافة إلى غرابة بعض المتون التي جاءت بهذه السلسلة.

وهذا الحديث أخرجه أبو يعلى

(3)

عن أحمد بن إبراهيم الدَّورقي، عن أبي عبد الرحمن المقرئ به. وقال أبو عبد الرحمن:(ليس هو بالمعروف عند الناس، ولم يزل الناس يحتبون).

وأخرجه الطبراني في "الكبير"

(4)

من طريق عبد الله بن يوسف، عن ابن لهيعة، عن زبّان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاحتباء يوم الجمعة.

قلت: زبّان ضعيف الحديث، مشهور الضعف.

وفيه ابن لهيعة أيضا.

وأخرجه ابن ماجه

(5)

عن محمد بن المصفّى، عن بقية، عن عبد الله ابن واقد، عن محمد بن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاحتباء يوم الجمعة، يعني: والإمام يخطب.

(1)

"جامع الترمذي"(521).

(2)

ينظر: (2152، 2662، 3781)، وقال عن حديث (2705):(هذا حديث منكر)؛ وهذا مما يؤيد عدم صحة هذه السلسلة.

(3)

"سنن ابن ماجه"(1134).

(4)

(385).

(5)

(1422).

ص: 247

قلت: عبد الله بن واقد مجهول لا يعرف، من شيوخ بقية المجاهيل.

7 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة، عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن ابن مُحيِّصة أخي بني حارثة، عن أبيه، أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجّام، فنهاه عنها، فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال:"اعلفه ناضِحك، وأطعمه رقيقك".

وفي الباب: عن رافع بن خَديج، وأبي جُحيفة، وجابر، والسائب.

حديث مُحيِّصة حديث حسن)

(1)

.

قلت: النهي عن كسب الحجّام جاء في مسلم

(2)

من حديث رافع بن خَديج أنه صلى الله عليه وسلم قال: "كسب الحجام خبيث".

وقوله: "اعلفه ناضحك، وأطعمه رقيقك"، روي عن مُحيِّصة من وجوه

(3)

.

وأخرجه أحمد

(4)

عن سفيان بن عيينة، عن أبي الزبير، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن كسب الحجام، فقال:"اعلفه ناضحك".

وأخرجه الطبراني في "الكبير"

(5)

من طريق يزيد بن ربيعة، عن أبي

(1)

"جامع الترمذي"(1331)، ووقع في بعض المطبوعات:(حسن صحيح)، والصواب:(حسن).

(2)

"صحيح مسلم"(1568).

(3)

ينظر: "مسند أحمد"(23689، 23699).

(4)

"مسند أحمد"(14290، 15079).

وأخرجه العقيلي (6/ 301) من طريق الهيثم بن الحسين العقيلي، عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير به. وقال:(ليس له من حديث الثوري أصل، ولا يتابع عليه، والحديث معروف من غير هذا الوجه بإسناد صالح).

(5)

(1422).

ص: 248

الأشعث، عن ثوبان، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم، وأعطى الحجام أجره، وقال:"اعلفوه الناضح".

والأمثلة على هذا كثيرة.

وقد تبين مما تقدم: أن ما حسّنه الترمذي وأطلقه ولم يقيده بالغرابة: يُروى من غير وجه، وهذا هو الغالب، وأحيانا أخرى يحكم على الحديث بأنه حسن ويطلق؛ ولا يعرف إلا من هذا الوجه، ومثاله:

قال الترمذي: (1299 - حدثنا بذلك قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله".

هذا حديث حسن).

قلت: "ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله"، لا أعرف أنه جاء إلا من هذا الوجه.

وقال الترمذي: (323 - حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن محمد ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه نهى عن تناشد الأشعار في المسجد، وعن البجع والاشتراء فيه، وأن يتحلق الناس فيه يوم الجمعة قبل الصلاة.

وفي الباب عن بريدة، وجابر، وأنس.

قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص حديث حسن).

قلت: أما النهي عن تناشد الأشعار، وعن البيع والشراء؛ فقد جاء من غير هذا الوجه، وأما النهي عن التحلق يوم الجمعة فلا أعرف أنه جاء إلا من هذا الوجه.

ص: 249

قال الخطيب في "الجامع"

(1)

: (هذا الحديث يتفرد بروايته عمرو بن شعيب، ولم يتابعه أحمد عليه، وفي الاحتجاج به مقال).

وأخرج الطبراني في "الكبير"

(2)

عن الوليد بن حماد، عن سليمان، عن بشر بن عون، عن بكار بن تميم، عن مكحول، عن واثلة قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نتحلّق يوم الجمعة قبل خروج الإمام، وليقبلوا على القبلة، ولا يوم العيدين بعد الصلاة.

قلت: هذا خبر موضوع بهذا الإسناد، ولا يمكن لأبي عيسى أن يقصد هذا الإسناد.

قال أبو حاتم: (بكار وبشر مجهولان)

(3)

.

وقال ابن حبان: (بشر بن عون روى عن بكار بن تميم، عن مكحول، عن وائلة؛ نسخة فيها ستمائة حديث كلها موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به بحال)

(4)

.

وقال الترمذي: (1320 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"على اليد ما أخذت حتى تؤدي".

قال قتادة: ثم نسي الحسن، فقال: فهو أمينك لا ضمان عليه، يعني: العارية.

هذا حديث حسن).

(1)

"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(2/ 76).

(2)

(22/ 62 - 61).

(3)

"الجرح والتعديل"(2/ 362، 408).

(4)

"المجروحين"(1/ 355).

ص: 250

قلت: لم أقف عليه إلا من هذا الوجه.

قال البزار: (هذا الحديث لا نعلم رواه إلا سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم)

(1)

.

نعم هناك أحاديث بمعناه، منها حديث صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعا وثلاثين بعيرا"، فقلت: يا رسول الله، أعارية مضمونة، أو عارية مؤداة؟ قال:"بل عارية مؤداة".

أخرجه أبو داود والنسائي في "الكبرى" وأحمد

(2)

.

(1)

"مسند البزار"(10/ 407).

(2)

"سنن أبي داود"(3566)، "السنن الكبرى للنسائي"(5956)، "مسند أحمد"(17950).

ص: 251

‌النوع الثاني الحسن الذي حكم عليه بالغرابة

وسوف يكون الكلام فيه على مسائل:

الأولى: اشتهار أبي عيسى به.

الثانية: الفرق بينه وبين الحسن المطلق.

الثالثة: أنواع الغرابة.

الرابعة: صوره في كتابه "الجامع".

الخامسة: درجته من حيث القوة.

السادسة: أيهما أقوى عنده: "الحسن" أو "الحسن الغريب"؟

أما المسألة الأولى، فقد أكثر أبو عيسى من استخدام هذا المصطلح في "جامعه" حتى اشتهر به، وأصبح علما عليه، إلا أنه لم يتفرد به كما هو معلوم

(1)

، لكن لا أعلم أحدا أكثر استخداما له من أبي عيسى.

وأما المسألة الثانية، فالفرق بين ما قال عنه:"حسن غريب" وبين ما قال عنه: "حسن"؛ هو الغرابة في الأول، وأما الثاني فهو الذي يروى من غير وجه كما نص على ذلك.

وأما المسألة الثالثة، فهذه الغرابة إما مطلقة وإما نسبية، واما غرابةُ متنٍ أو غرابةُ إسنادٍ، كما يأتي التفصيل في ذلك.

وأما المسألة الرابعة، فهذا المصطلح له ثلاث صور في "الجامع":

(1)

ينظر مثلا: "مسند البزار"(14، 23، 58، 281) و"كشف الأستار"(3072)، "سنن الدارقطني"(2279)، "مسند الفاروق" لابن كثير (356).

ص: 252

الأولى: "حسن غريب".

الثانية: "غريب حسن".

الثالثة: "حديث حسن لا يعرف إلا من هذا الوجه".

أما الصورة الأولى فأمثلتها كثيرة لا تحصى، وأما الصورة الثانية فمن أمثلتها:

1 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا مالك ابن إسماعيل، عن إسرائيل، عن يوسف بن أبي بردة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء، قال:"غفرانك".

قال أبو عيسى: هذا حديث غريب حسن، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة.

وأبو بردة بن أبي موسى اسمه: عامر بن عبد الله بن قيس الأشعري، ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة)

(1)

.

هكذا في الطبعة الحجرية والرسالة ودار التأصيل و"شرح المباركفوري"، وهو ظاهر كلام ابن سيد الناس في "النفح الشذي"، ووقع في بعض النسخ: حسن غريب، وهذا ما جاء في "تحفة الأشراف"

(2)

.

قلت: والراجح الأول؛ لأن هذا في أكثر النسخ.

2 -

وقال رحمه الله: (حدثنا سلمة بن شبيب وعبد الله بن منير وأحمد بن إبراهيم الدورقي والحسن بن علي الحلواني وغير واحد، قالوا: حدثنا يزيد ابن هارون، قال: أخبرنا شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل

(1)

"جامع الترمذي"(6).

(2)

ينظر: "الجامع" ط. الرسالة (7)، "تحفة الأحوذي"(1/ 57)، "النفح الشذي"(1/ 80)، "تحفة الأشراف"(17694).

ص: 253

بن حجر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه.

وزاد الحسن بن علي في حديثه: قال يزيد بن هارون: ولم يرو شريك عن عاصم بن كليب إلا هذا الحديث.

قال: هذا حديث غريب حسن، لا نعرف أحدا رواه غير شريك)

(1)

.

هكذا في طبعتي الرسالة والتأصيل والطبعة الحجرية و"شرح المباركفوري"، ووقع في بعض النسخ: حسن غريب.

قلت: والأولى أرجح.

3 -

وقال رحمه الله: (حدثنا يحيى بن موسى وأحمد بن إبراهيم ومحمود بن غيلان وغير واحد، قالوا: حدثنا أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا محمد بن مسلم بن مهران، سمع جده، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا".

قال أبو عيسى: هذا حديث غريب حسن)

(2)

.

هكذا في الرسالة والتأصيل، ووقع في بعض النسخ: حسن غريب، منها النسخة الحجرية و"شرح المباركفوري" على الترمذي و"تحفة الأشراف"

(3)

، وأما في "شرح العراقي": غريب حسن، وقال:(جرت عادة المصنف أن يقدم الوصف بالحسن على الغرابة، وقدم هنا "غريب" على "حسن"، والظاهر أنه يقدم الوصف الغالب على الحديث؛ فإن غلب عليه الحسن قدّمه، وإن غلبت عليه الغرابة قدمها)

(4)

.

(1)

"جامع الترمذي"(269).

(2)

"جامع الترمذي"(432).

(3)

(7454).

(4)

بواسطة "قوت المغتذي على جامع الترمذي" للسيوطي (1/ 232).

ص: 254

قلت: وأنا أذهب لقول العراقي من تقديم الغرابة على الحسن هنا.

ومن الأمثلة على الصورة الثالثة؛ وهي التي لم ينصَّ فيها على كلمة (غريب)، وإنما ذكر ما يفيد ذلك -وهو قولُه:(لا يعرف إلا من هذا الوجه) -:

1 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمود بن غيلان وأبو عمار، قالا: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: رَمَقْتُ النبي صلى الله عليه وسلم شهرا، فكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر، بـ:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .

وفي الباب عن ابن مسعود، وأنس، وأبي هريرة، وابن عباس، وحفصة، وعائشة.

قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن، ولا نعرفه من حديث الثوري، عن أبي إسحاق، إلا من حديث أبي أحمد.

والمعروف عند الناس حديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، وقد روي عن أبي أحمد، عن إسرائيل، هذا الحديث أيضا)

(1)

.

2 -

وقال رحمه الله: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا علي بن هاشم بن البَريد وأبو سعد الصغَاني، عن أبي الأشهب، عن عبد الرحمن بن طَرَفة، عن عَرْفجة بن أسعد قال: أصيب أنفي يوم الكلاب في الجاهلية، فاتخذت أنفا من وَرِق، فأنتن علي، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتخذ أنفا من ذهب.

حدثنا علي بن حجر، قال: حدثنا الربيع بن بدر، ومحمد بن يزيد الواسطي، عن أبي الأشهب نحوه.

(1)

"جامع الترمذي"(419).

ص: 255

هذا حديث حسن، إنما نعرفه من حديث عبد الرحمن بن طَرَفة.

وقد روى سَلْم بن زَرِير، عن عبد الرحمن بن طَرَفة نحو حديث أبي الأشهب)

(1)

.

3 -

وقال رحمه الله: (حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: حدثنا يحيى بن عباد أبو عباد، قال: حدثنا فليح بن سليمان، عن عبد الوهاب بن يحيى -من ولد عباد بن عبد الله بن الزبير-، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة قالت: ما كان الذراع أحب اللحم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كان لا يجد اللحم إلا غبًّا، فكان يعجل إليه لأنَّه أعجلها نضجا.

هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه)

(2)

.

4 -

وقال رحمه الله: (حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضَمْرة، قال: سألنا عليا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من النهار؟ فقال: إنكم لا تطيقون ذاك، فقلنا: من أطاق ذاك منا، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا عند العصر صلى ركعتين، وإذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا عند الظهر صلى أربعا، وصلى أربعا قبل الظهر وبعدها ركعتين، وقبل العصر أربعا، يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين والمرسلين، ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضَمْرة، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

(1)

"جامع الترمذي"(1881 - 1882).

(2)

"جامع الترمذي"(1956)، وفي "تحفة الأشراف" (16194):(حسن غريب).

ص: 256

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

وقال إسحاق بن إبراهيم: أحسن شيء روي في تطوع النبي صلى الله عليه وسلم في النهار هذا.

وروي عن ابن المبارك أنه كان يضعِّف هذا الحديث، وإنما ضعفه عندنا -والله أعلم- لأنَّه لا يروى مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، عن عاصم بن ضَمْرة، عن علي.

وعاصم بن ضَمْرة هو ثقة عند بعض أهل الحديث)

(1)

.

قلت: الغرابة هنا فيما يظهر نسبية.

وأما المسألة الخامسة، وهي درجة ما حكم عليه أبو عيسى بـ"حسن غريب" من حيث الصحة أو الضعف: فالأحاديث التي حكم عليها بذلك الأصل فيها: الضعف - وأعني عنده -، ولكن منها ما هو صحيح.

فأما ما ضعّفه فمثاله:

1 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقض".

وفي الباب: عن أبي الدرداء، وثوبان، وفَضالة بن عبيد.

قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث هشام، عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا من حديث عيسى بن يونس، وقال محمد: لا أراه محفوظا.

(1)

"جامع الترمذي"(604، 605).

ص: 257

قال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح إسناده)

(1)

.

قلت: وإنما بدأت بهذا المثال لأنَّه نص على عدم صحة إسناده، مع تحسينه إياه.

2 -

وقال الترمذي: (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا شريك، عن علي بن بَذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي فنهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" قال: فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئا فقال: "لا والذي نفسي بيده، حتى تأطُروهم على الحق أطرا".

قال عبد الله بن عبد الرحمن: قال يزيد: وكان سفيان الثوري لا يقول فيه: عن عبد الله.

هذا حديث حسن غريب.

وقد روي هذا الحديث عن محمد بن مسلم بن أبي الوضاح، عن علي ابن بَذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا.

وبعضهم يقول: عن أبي عبيدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ مرسل.

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفيان، عن علي بن بَذيمة، عن أبي عبيدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص كان الرجل فيهم يرى أخاه يقع

(1)

"جامع الترمذي"(729).

ص: 258

على الذنب فينهاه عنه، فإذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ونزل فيهم القرآن، فقال:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} " فقرأ حتى بلغ: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} .

قال: وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس، فقال:"لا، حتى تأخذوا على يد الظالم فتأطروه على الحق أطرا".

حدثنا محمد بن بشار، قال: وحدثنا أبو داود الطيالسي -وأملاه عليَّ- قال: حدثنا محمد بن مسلم بن أبي الوضاح، عن علي بن بَذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله)

(1)

.

وقد ذكر الترمذي - في أكثر من موضع - أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه

(2)

، وبالتالي يكون إسناد هذا الخبر منقطعا.

3 -

وقال الترمذي: (حدثنا محمد بن يحيى القُطَعي، قال: حدثنا عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن محمد بن علي بن الحسين، عن علي بن أبي طالب قال: عقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن بشاة، وقال:"يا فاطمة، احلقي رأسه، وتصدقي بزنة شعره فضة"، فوزناه، فكان وزنه درهما أو بعض درهم.

هذا حديث حسن غريب، وإسناده ليس بمتصل؛ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين لم يدرك علي بن أبي طالب)

(3)

.

4 -

وقال الترمذي: (حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا أبو عوانة،

(1)

"جامع الترمذي"(3315 - 3317).

(2)

"جامع الترمذي"(179، 367).

(3)

"جامع الترمذي"(1609).

ص: 259

عن عطاء بن السائب، عن أبي البَخْتري، أن جيشا من جيوش المسلمين كان أميرهم سلمان الفارسي حاصروا قصرا من قصور فارس، فقالوا: يا أبا عبد الله، ألا ننهد إليهم؟ قال: دعوني أدعوهم كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو، فأتاهم سلمان، فقال لهم: إنما أنا رجل منكم فارسي، ترون العرب يطيعونني، فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا وعليكم مثل الذي علينا، وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه، وأعطونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، قال: ورَطَن إليهم بالفارسية، وأنتم غير محمودين، وإن أبيتم نابذناكم على سواء، قالوا: ما نحن بالذي نعطي الجزية، ولكنا نقاتلكم، فقالوا: يا أبا عبد الله، ألا ننهد إليهم؟ قال: لا، فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا، ثم قال: انهدوا إليهم، قال: فنهدنا إليهم، ففتحنا ذلك القصر.

وفي الباب: عن بريدة، والنعمان بن مقرن، وابن عمر، وابن عباس.

وحديث سلمان حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن السائب.

وسمعت محمدا يقول: أبو البَخْتري لم يدرك سلمان؛ لأنَّه لم يدرك عليا، وسلمان مات قبل علي)

(1)

.

قلت: وعلى هذا يكون منقطعا.

5 -

وقال الترمذي: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عيسى بن ميمون الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف".

هذا حديث حسن غريب في هذا الباب، وعيسى بن ميمون الأنصاري

(1)

"جامع الترمذي"(1641).

ص: 260

يضعف في الحديث، وعيسى بن ميمون الذي يروي عن ابن أبي نجيح التفسير هو ثقة)

(1)

.

في "تحفة الأحوذي": (قوله: هذا حديث حسن غريب، كذا في النسخ الحاضرة، وأورد هذا الحديث ولي الدين في "المشكاة" وقال: رواه الترمذي وقال: حديث غريب، ولم يذكر لفظ حسن. وكذلك أورد الشوكاني هذا الحديث في "النيل" وقال: قال الترمذي: هذا حديث غريب، ولم يذكر هو أيضا لفظ حسن؛ فالظاهر أن النسخة التي كانت عند صاحب "المشكاة" وعند الشوكاني هي الصحيحة، ويدل على صحتها تضعيف الترمذي عيسى ابن ميمون أحد رواة هذا الحديث، وقد صرح الحافظ في "الفتح" بضعف هذا الحديث، والله تعالى أعلم)

(2)

.

وهذا ما نقله ابن الملقن في "البدر المنير" عن الترمذي، وقال:(وفي بعض النسخ: حسن. وفي هذا نظر)

(3)

.

وذكره البغوي معلقا في "شرح السنة"، وقال:(إسناد غريب)

(4)

. ويؤيد هذا أن الترمذي ذكر حديثا في إسناده عيسى بن ميمون وقال: غريب

(5)

.

ولكن لفظة: (حسن) جاءت في أكثر النسخ، سواء كانت لفظة (غريب) في الأول أو في الأخير، ويؤيد هذا ما جاء في "تحفة الأشراف"

(6)

ولم يذكر المزي اختلافا بين النسخ.

وقد يقال -جمعا بين هذا الأقوال-: إن الترمذي قال أولا عن هذا الحديث: غريب، ثم قال: حسن، فقد يكون بعض من نقل كلامه اقتصر على الكلمة الأولى دون الثانية، والله تعالى أعلم.

(1)

"جامع الترمذي"(1120).

(2)

"تحفة الأحوذي"(4/ 178).

(3)

"البدر المنير"(9/ 643).

(4)

"شرح السنة"(9/ 47).

(5)

"جامع الترمذي"(4023).

(6)

"تحفة الأشراف"(17547).

ص: 261

6 -

وقال الترمذي: (حدثنا محمد بن خليفة أبو عبيد الله البصري، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن حجاج الصّوّاف، عن حَنَان، عن أبي عثمان النهدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أعطي أحدكم الريحان فلا يرده؛ فإنه خرج من الجنة".

هذا حديث غريب حسن، ولا نعرف حنانا إلا في هذا الحديث.

وأبو عثمان النهدي اسمه عبد الرحمن بن مُلّ، وقد أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره ولم يسمع منه)

(1)

.

وفي بعض النسخ: وهو حديث مرسل.

وفي "تحفة الأشراف"

(2)

: (غريب) حسب.

‌ومن أمثلة ما حكم عليه بـ"حسن غريب" ثم بين علته:

1 -

قال الترمذي: (حدثنا محمد بن يحيى الأزدي البصري وأبو عمار وغير واحد، قالوا: حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولا يُغلب اثنا عشر ألفا من قلة".

هذا حديث حسن غريب، لا يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم، وإنما روي هذا الحديث عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.

وقد رواه حِبان بن علي العَنَزي، عن عقيل، عن الزهري، عن عبيد الله ابن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ورواه الليث بن سعد، عن عقيل، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل)

(3)

.

(1)

"جامع الترمذي"(4023).

(2)

(18975).

(3)

"جامع الترمذي"(1650).

ص: 262

قلت: بين أن الصواب في هذا الخبر الإرسال، وذلك لقوله: لا يسنده كبير أحد.

2 -

وقال الترمذي: (حدثنا هناد، قال: حدثنا عبدة، عن محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها.

هذا حديث حسن غريب.

ورواه الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا)

(1)

.

قلت: لا شك أن رواية الثوري هي الراجحة؛ لأنَّه أوثق من ابن إسحاق بكثير؛ فيكون الراجح في هذه الطريق الإرسال.

‌ومن أمثلة ما حكم عليه بـ"حسن غريب" وحكم على أحد رواهُ إسناده بالضعف:

1 -

قال الترمذي: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن أبي يزيد الخولاني، أنه سمع فَضالة بن عبيد، يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الشهداء أربعة: رجل مؤمن جيّد الإيمان، لقي العدو فصدق الله حتى قتل، فذلك الذي يرفع الناس إليه أعينهم يوم القيامة هكذا" ورفع رأسه حتى وقعت قلنسوته، فما أدري أقلنسوة عمر أراد أم قلنسوة النبي صلى الله عليه وسلم. قال: "ورجل مؤمن جيد الإيمان، لقي العدو فكأنما ضرب جلده بشوك طلح من الجبن، أتاه سهم غَرْبٌ فقتله، فهو في الدرجة الثانية، ورجل مومن خلط عملا صالحا وآخر سيئا، لقي العدو فصدق الله حتى قتل، فذلك في الدرجة الثالثة، ورجل

(1)

"جامع الترمذي"(1941).

ص: 263

مؤمن أسرف على نفسه، لقي العدو فصدق الله حتى قتل، فذلك في الدرجة الرابعة".

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن دينار.

سمعت محمدا يقول: قد روى سعيد بن أبي أيوب هذا الحديث، عن عطاء بن دينار، عن أشياخ من خولان، ولم يذكر فيه: عن أبي يزيد.

وقال: عطاء بن دينار ليس به بأس)

(1)

.

قلت: الإسناد الأول فيه ابن لهيعة، وأبو عيسى يرى ضعفه، بل نقل عن المحدثين تضعيفه

(2)

، وقد خالفه في إسناد هذا الحديث سعيد بن أبي أيوب، ولا شك أن الصواب معه؛ فهو من الثقات الأثبات.

2 -

وقال الترمذي: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا ابن لَهيعة، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ألا أخبركم بخير الناس؟ رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، ألا أخبركم بالذي يتلوه؟ رجل معتزل في غنيمة له يؤدي حق الله فيها، ألا أخبركم بشر الناس؟ رجل يسأل بالله ولا يعطي به".

هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، ويروى هذا الحديث من غير وجه عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم)

(3)

.

قلت: وهذا في إسناده ابن لهيعة، وهل حسنه لأنَّه يروى من غير وجه؟ هذا محتمل، ويحتمل أن حكمه حسن غريب إنما هو على طريق ابن لهيعة فقط، وقد عُلم أن أبا عيسى ممن يضعف ابن لهيعة.

(1)

"جامع الترمذي"(1751). وينظر: "العلل الكبير"(502).

(2)

"جامع الترمذي"(9).

(3)

"جامع الترمذي"(1759).

ص: 264

3 -

وقال الترمذي: (حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي، قال: حدثنا صالح المُرّي، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر، فغضب حتى احمرَّ وجهه، حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان، فقال:"أبهذا أمِرتُم أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه".

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث صالح المُرّي، وصالح المري له غرائب ينفرد بها)

(1)

.

هكذا في "تحفة الأشراف"، وفي طبعة التأصيل:(حسن)، وفي الرسالة:(غريب).

وقال عن حديث آخر فيه صالح هذا: (هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث صالح المُرّي، وصالح في حديثه غرائب لا يتابع عليها، وهو رجل صالح)

(2)

.

* * *

‌وأما الأحاديث التي حكم عليها بـ"حسن غريب" وهي صحيحة

(3)

فمن أمثلتها:

1 -

قال الترمذي: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد ابن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن

(1)

"جامع الترمذي"(2280).

(2)

"جامع الترمذي"(2433). وينظر "العلل الكبير"(ص: 389).

(3)

ينظر: الفصل الثامن عشر من "مصطلح الغريب": أحاديث رويت بأسانيد ظاهرها الصحة، توقف أبو عيسى في تصحيحها لغرابتها.

ص: 265

عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبي بردة بن نيار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله".

وقد روى هذا الحديث ابن لهيعة عن بكير، فأخطأ فيه، وقال: عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خطأ.

والصحيح حديث الليث بن سعد، إنما هو عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبي بردة بن نيار، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث بكير بن الأشج.

وقد اختلف أهل العلم في التعزير، وأحسن شيء روي في التعزير هذا الحديث)

(1)

.

هكذا في "تحفة الأشراف"، وفي طبعتي التأصيل والرسالة: غريب.

قلت: هذا حديث صحيح، وقد خرّجه الشيخان

(2)

، ووقع فيه اختلاف ليس بضار، ينظر كلام الدارقطني في "العلل" وابن حجر في "الفتح"

(3)

.

ولا أدري لماذا لم يصححه، هل لأجل الاختلاف الذي وقع فيه، أم لأمر آخر؟ الله أعلم.

2 -

وقال الترمذي: (حدثنا أبو هشام الرفاعي وزيد بن أخزم الطائي وإسحاق بن إبراهيم البصري، قالوا: حدثنا معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل.

وزاد زيد بن أخزم في حديثه: وقرأ قتادة {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38].

(1)

"جامع الترمذي"(1541)، ط الرسالة (1530)، "تحفة الأشراف"(11720).

(2)

"صحيح البخاري"(6848)، "صحيح مسلم"(1708).

(3)

"علل الدارقطني"(952)، "فتح الباري"(12/ 177).

ص: 266

وفي الباب: عن سعد، وأنس بن مالك، وعائشة، وابن عباس.

حديث سمرة حديث حسن غريب.

وروى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، ويقال: كلا الحديثين صحيح)

(1)

.

قلت: قد صحح أبو عيسى عدة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة، ونقل في أكثر من موضع في كتابه عن البخاري عن علي بن المديني أن الحسن سمع من سمرة

(2)

، وأقره على ذلك، وقد يكون توقف في تصحيحه لأجل الاختلاف الذي وقع فيه، وإن كان يميل أبي أن كلا الطريقين محفوظ.

3 -

وقال الترمذي: (حدثنا حسين بن مهدي، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فأخطأ فله أجر واحد".

حديث أبي هريرة حديث حسن غريب من هذا الوجه، لا نعرفه من حديث سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد إلا من حديث عبد الرزاق عن معمر عن سفيان الثوري)

(3)

.

قلت: لم يصحِّح الترمذي هذا الحديث لغرابته من هذا الوجه، وقد صحَّ من حديث يزيد بن الهاد، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم،

(1)

"جامع الترمذي"(1114).

(2)

ينظر: (ص: 148) من هذا المجلد.

(3)

"جامع الترمذي"(1383).

ص: 267

عن أبي سلمة به

(1)

، وعلقه البخاري عن عبد العزيز بن المطلب، عن عبد الله ابن أبي بكر، عن أبي سلمة مرسلا

(2)

.

قلت: ولا شك أن الوصل صحيح.

4 -

وقال الترمذي: (حدثنا محمد بن سهل بن عسكر البغدادي وإبراهيم بن يعقوب، قالا: حدثنا علي بن عياش، قال: حدثنا شعيب بن أبي حمزة، قال: حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة".

حديث جابر حديث حسن، غريب من حديث محمد بن المنكدر، لا نعلم أحدا رواه غير شعيب بن أبي حمزة)

(3)

.

قلت: هذا الخبر لم يصححه المصنف من أجل تفرد شعيب به، وقد خرجه البخاري

(4)

.

5 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمود بن غيلان ويحيى بن موسى، قالا: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يده اليمنى على ركبته، ورفع إصبعه التي تلي الإبهام اليمنى يدعو بها، ويده اليسرى على ركبته باسطها عليه.

قال: وفي الباب: عن عبد الله بن الزبير، ونمير الخزاعي، وأبي هريرة، وأبي حميد، ووائل بن حُجْر.

(1)

أخرجه البخاري (7352)، ومسلم (1716).

(2)

"صحيح البخاري"(7352).

(3)

"جامع الترمذي"(211).

(4)

"صحيح البخاري"(614، 4719).

ص: 268

قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حن غريب، لا نعرفه من حديث عبيد الله بن عمر إلا من هذا الوجه)

(1)

.

قلت: هذا حديث صحيح، وقد أخرجه مسلم

(2)

، ولعل توقف المصنف في تصحيحه من أجل غرابته.

6 -

وقال الترمذي: (حدثنا قتيبة قال: حدثنا أبو الأَحْوص، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن أبي الحَوْراء، قال: قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحَوْراء السعدي، واسمه رَبِيعة بن شَيْبان.

ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيئا أحسن من هذا)

(3)

.

قلت: هذا حديث صحيح، وقد توبع أبو إسحاق عليه، فقد تابعه ابنه يونس وشعبة بن الحجاج

(4)

، ولكن ليس في روايته -أي شعبة- ذكر القنوت أو الوتر، وإنما فيها: كان يعلمنا هذا الدعاء: "اللهم اهدني فيمن هديت

" الحديث، وقد رجَّح أبو بكر ابن خزيمة رواية شعبة على رواية أبي إسحاق، وقال:(وأبو إسحاق لا يُعلم أَسمِع هذا الخبر من بريد أو دلّسه عنه).

(1)

"جامع الترمذي"(296)، وفي "تحفة الأشراف" (8128):(غريب).

(2)

"صحيح مسلم"(580).

(3)

"جامع الترمذي"(468).

(4)

"مسند أحمد"(1723)، "صحيح ابن خزيمة"(1095، 1096)، "صحيح ابن حبان"(945).

ص: 269

فتبين أن هذا الخبر صحيح - إلا في اللفظة التي وقع فيها اختلاف وهي (القنوت والوتر) -، بل إن ابن دقيق العيد قال في "الإلمام":(وهو مما أُلزم الشيخان تخريجه)

(1)

.

وقد أخرج الترمذي حديثًا بنفس الإسناد ولكن من طريق شعبة عن بريد به: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك

"، وقال: صحيح

(2)

.

فلعل توقفه في تصحيح الحديث الذي معنا من أجل الاختلاف الذي وقع فيه، أو للغرابة، كما أشار إلى ذلك في حكمه عليه.

7 -

وقال الترمذي: (حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا سفيان، عن داود بن شابور وبشير أبي إسماعيل، عن مجاهد، أن عبد الله ابن عمرو ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".

هذا حديث حن غريب من هذا الوجه.

وقد روي هذا الحديث عن مجاهد، عن عائشة، وأبي هريرة أيضا، عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا)

(3)

.

قلت: رجاله كلهم ثقات، وظاهر إسناده الصحة، ولعله توقف في تصحيحه لأنَّه روي أيضا عن مجاهد، عن عائشة وأبي هريرة، فيكون عدم تصحيحه بسبب الاختلاف الذي وقع فيه

(4)

، أو لغرابته.

8 -

وقال الترمذي: (حدثنا الأنصاري، قال: حدثنا معْن، قال: حدثنا

(1)

"الإلمام بأحاديث الأحكام"(ص: 115).

(2)

"جامع الترمذي"(2700).

(3)

"جامع الترمذي"(2068).

(4)

ينظر: "علل الدارقطني"(3689).

ص: 270

مالك بن أنس، عن الفضيل بن أبي عبد الله، عن عبد الله بن نيار الأسلمي، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر، حتى إذا كان بحرَّة الوَبَر لحقه رجل من المشركين يذكر منه جرأة ونجدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"تؤمن بالله ورسوله؟ " قال: لا، قال:"ارجع، فلن أستعين بمشرك". وفي الحديث كلام أكثر من هذا.

هذا حديث حسن غريب)

(1)

.

قلت: هذا حديث صحيح، وقد خرجه مسلم

(2)

، ولعله أيضًا لم يصححه من أجل غرابته.

9 -

وقال الترمذي: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن أبي عمران الجوني، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، قال: سمعت أبي -بحضرة العدو- يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف"، فقال رجل من القوم رث الهيئة: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره؟ قال: نعم، قال: فرجع إلى أصحابه، قال: أقرأ عليكم السلام، وكسر جفن سيفه، فضرب به حتى قتل.

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان الضبعي)

(3)

.

قلت: وهذا قد خرّجه مسلم أيضا

(4)

، وأبو عيسى قد صحَّح لجعفر بن سليمان بعض الأحاديث

(5)

، وبعضها لم يصححها وهي كثيرة

(6)

، فهذا منها.

10 -

وقال الترمذي: (حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري، قال:

(1)

"جامع الترمذي"(1654).

(2)

"صحيح مسلم"(1817).

(3)

"جامع الترمذي"(2068).

(4)

"صحيح مسلم"(1902).

(5)

ينظر: (1678، 2146، 3965).

(6)

ينظر: (705، 3765، 4210).

ص: 271

حدثنا معن، قال: حدثنا مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف كافر، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة، فحلبت فشرب، ثم أخرى فشربه، ثم أخرى فشربه، حتى شرب حلاب سبع شياه، ثم أصبح من الغد فأسلم، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة، فحلبت فشرب حلابها، ثم أمر له بأخرى فلم يستتمّها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"المؤمن يشرب في معي واحد، والكافر يشرب في سبعة أمعاء".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب)

(1)

.

وفي بعض النسخ زيادة: (غريب من حديث سهيل).

قلت: وهذا حديثٌ صحيحٌ، قد أخرجه مسلم

(2)

، وهذا لعله أيضا من أجل الغرابة.

11 -

وقال الترمذي: (حدثنا محمد بن بشار العبدي، قال: حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عبد الحميد بن جعفر، عن عمر بن الحكم، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يذهب الليل والنهار حتى يملك رجل من الموالي يقال له: جَهْجاه".

هذا حديث حسن غريب)

(3)

.

أخرجه مسلم

(4)

عن محمد بن بشار به.

(1)

"جامع الترمذي"(1935)، هكذا في "التحفة" (12739) و"تحفة الأحوذي" (5/ 563) والطبعة الحجرية التي مع "تحفة الأحوذي" (3/ 88) وطبعة الرسالة (3/ 588):(حسن غريب). وفي طبعتي التأصيل والصّديق (1819): (حسن صحيح غريب).

(2)

"صحيح مسلم"(2063).

(3)

"جامع الترمذي"(2392).

(4)

"صحيح مسلم"(2911).

ص: 272

قلت: وقد توبع أبو بكر الحنفي، قال أبو عوانة:(حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قلت لأبي أسامة: أحدثكم عبد الحميد بن جعفر عنه بهذا؟ فأقر به، وقال نعم)

(1)

.

قلت: عمر بن الحكم ثقة؛ فقد وثقه أبو زرعة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، واستشهد به البخاري في "الصحيح" وخرج له في "الأدب المفرد"

(2)

، ولم يتكلم فيه أحد فيما أعلم.

وأما عبد الحميد بن جعفر فقد وثقه الجمهور، وتكلم فيه سفيان الثوري من أجل القدر، وقال النَّسَائِي مرّة: ليس به بأس، وقال في أخرى: ليس بالقوي. وقال الساجي: إنما ضُعّف من أجل القدر.

قلت: ولا يخفى أن هذا لا يؤثر في ضبطه، فالراجح أنه ثقة كما قال الجمهور.

والذي يظهر أن الترمذي إنما لم يصححه من أجل غرابته.

وأما ما جاء في "المراسيل" لابن أبي حاتم قال: (قال أبي: عبد الحميد بن جعفر عن عمر مرسل)

(3)

.

قلت: الظاهر أنه يقصد عمر بن الحكم.

والجواب عن ذلك: أنه صرح بالسماع منه في هذا الحديث كما عند مسلم، ولذا قال أبو مسعود الدمشقي:(عبد الحميد سمع من عمر بن الحكم "لا تذهب الأيام والليالي")

(4)

.

وقال مسلم: (حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الله بن حمران، عن

(1)

"مستخرج أبي عوانة"(1632).

(2)

"تهذيب الكمال"(21/ 310).

(3)

(228).

(4)

"تحفة الأشراف"(10/ 288).

ص: 273

عبد الحميد بن جعفر، أخبرني أبي جعفر، عن عمر بن الحكم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثل حديث هشام بن عروة)

(1)

يعني حديث "إن الله لا يقبض العلم".

ولعلَّ هذا ما جعل أبا حاتم الرازي يقول عن عبد الحميد بن جعفر: لم يسمع من عمر بن الحكم، وأنا أذهب لقول أبي مسعود الدمشقي، ولكن هل يذهب أبو عيسى الترمذي لهذا أو لعدم سماعه؟ الله تعالى أعلم.

12 -

وقال الترمذي: (حدثنا يحيى بن موسى، قال: حدثنا إبراهيم بن موسى، قال: حدثنا خالد، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كفّ واحد، فعل ذلك ثلاثا.

وفي الباب عن عبد الله بن عباس.

قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن زيد حديث حسن غريب، وقد روى مالك، وابن عيينة، وغير واحد هذا الحديث، عن عمرو بن يحيى ولم يذكروا هذا الحرف: أن النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحد، وإنما ذكره خالد بن عبد الله، وخالد ثقة حافظ عند أهل الحديث)

(2)

.

قلت: ظاهر كلام أبي عيسى أنه يقوي زيادة (من كف واحد)، وذلك لقوله عن خالد: ثقة حافظ، وقد خرّجها البخاري ومسلم

(3)

، كما أن خالدا توبع عليها.

13 -

وقال الترمذي: (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا

(1)

"صحيح مسلم"(2673).

(2)

"جامع الترمذي"(27).

(3)

"صحيح البخاري"(191)، "صحيح مسلم"(235). وينظر بقية الكلام على الحديث في المثال الأول من الفصل الثامن عشر من مصطلح الغريب.

ص: 274

عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير ابن نفير، عن أبيه جبير بن نفير، عن أبي الدرداء، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فشخص ببصره إلى السماء ثم قال:"هذا أوان يُختلس العلم من الناس، حتى لا يقدروا منه على شيء".

فقال زياد بن لبيد الأنصاري: كيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن؟ فوالله لنَقرأنه ولنُقرئنه نساءنا وأبناءنا.

فقال: "ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأعُدّك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم؟ "

قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت، فقلت: ألا تسمع إلى ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء، قال: صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدّثنّك بأول علم يرفع من الناس: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد الجامع فلا ترى فيه رجلا خاشعا.

هذا حديث حسن غريب.

ومعاوية بن صالح ثقة عند أهل الحديث، ولا نعلم أحدا تكلم فيه غير يحيى بن سعيد القطان.

وقد روي عن معاوية بن صالح نحو هذا.

وروى بعضهم هذا الحديث عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم).

قلت: فظاهر كلامه أنه يقوي هذا الخبر، وذلك أنه ردَّ جرح يحيى بن سعيد القطان لمعاوية بن صالح، وأما باقي رجال الإسناد فثقاتٌ، نعم عبد الله بن صالح تُكلم فيه بعض الشيء، مع أن الراوي عنه هنا من كبار الحفاظ وهو عبد الله الدارمي، وقد قال ابن حجر:(إن رواية كبار الحفاظ عنه قوية).

ص: 275

مع أن عبد الله بن صالح قد توبع على هذا الخبر، كما قال أبو عيسى:(قد روي عن معاوية بن صالح نحو هذا). وإن كنت لم أقف على هذه المتابعة.

إلا أن يكون توقُّف أبي عيسى في تصحيح الحديث من أجل الاختلاف الذي وقع فيه: هل هو من حديث أبي الدرداء أو من حديث عوف بن مالك؟ وسواء أكان هذا أو ذاك فهذا لا يضر؛ لأن جبير بن نفير قد سمع من أبي الدرداء كما سمع من عوف بن مالك.

وقد يكون روى هذا الخبر عنهما جميعا كما ذهب إلى هذا أبو عبد الله الحاكم، فقال -بعد أن ساقه من الوجه الذي ساقه أبو عيسى-:(هذا إسناد صحيح من حديث المصريين، وفيه شاهد رابع على صحة الحديث، وهو عبادة بن الصامت، ولعل متوهّما يتوهم أن جبير بن نفير رواه مرّة عن عوف ابن مالك الأشجعي ومرّة عن أبي الدرداء، فيصير به الحديث معلولا، وليس كذلك، فإن رواهُ الإسنادين جميعا ثقات، وجبير بن نفير الحضرمي من أكابر تابعي الشام، فإذا صح الحديث عنه بالإسنادين جميعا فقد ظهر أنه سمعه من الصحابيين جميعا، والدليل الواضح على ما ذكرته أن الحديث قد روي بإسناد صحيح، عن زياد بن لبيد الأنصاري، الذي ذكر مراجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديثين).

والخلاصة أن أبا عيسى يقوي هذا الخبر كما هو ظاهر كلامه، وهو خبر صحيح، فقد جاء من أكثر من وجه كما تقدم، والعلم عند الله.

14 -

وقال الترمذي: (حدثنا نصر بن علي الجَهضمي، قال: حدثنا بشر بن عمر، قال: حدثنا شعيب بن رُزيق أبو شيبة، قال: حدثنا عطاء الخراساني، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عينان لا تمسّهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله".

ص: 276

حديث ابن عباس حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث شعيب ابن رُزيق)

(1)

.

وقال في "العلل"

(2)

: (سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: شعيب ابن رُزيق مقارب الحديث، ولكن الشأن في عطاء الخراساني، ما أعرف لمالك بن أنس رجلا يروي عنه مالك يستحق أن يترك حديثه غير عطاء الخراساني.

قلت له: ما شأنه؟ قال: عامة أحاديثه مقلوبة

).

ثم قال أبو عيسى: (وعطاء الخراساني رجل ثقة، روى عنه الثقات من الأئمة؛ مثل مالك ومعمر وغيرهما، ولم أسمع أن أحدا من المتقدمين تكلم فيه بشيء).

وأخرج الترمذي لعطاء الخراساني حديثا آخر من طريق قبيصة، عن حماد بن سلمة، عن عطاء الخراساني، عن يحيى بن معمر، عن عمار، أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام، أن يتوضأ وضوءه للصلاة. وقال: حسن صحيح

(3)

.

قلت: عطاء الخراساني ثقة عند أبي عيسى كما تقدم في كلامه، فلماذا إذًا توقف في تصحيح هذا الخبر؟ لعله لأجل تفرّدُ شعيب بن رُزيق به.

* * *

تبين مما تقدم أن أبا عيسى قد حكم على أحاديث بـ"حسن غريب" ثم بين ضعفها؛ إما بانقطاع بإسنادها، أو بضعف ببعض رواتها، أو بعلةٍ فيها.

(1)

"جامع الترمذي"(1746).

(2)

"العلل الكبير"(ص: 271 - 273).

(3)

"جامع الترمذي"(617).

ص: 277

كما أنه حكم بالحكم نفسه على أحاديث هي صحيحة، ولم يصححها: إما لتفردٍ وقع بإسنادها، أو اختلافٍ فيها، والذي يظهر أن بعض هذه الأحاديث يرى أبو عيسى قوتها، وقد تقدم شيء من ذلك.

وبناء على ما تقدم - وهي المسألة السادسة -، أيهما أقوى عنده: ما حكم عليه بـ"حسن" أو بـ"حسن غريب"؟

كنت أقول فيما سبق: إن الأول هو الأقوى، وهو الحسن المطلق؛ وذلك لمجيئه من غير وجه، كما نص على ذلك أبو عيسى، وهذا من حيث الجملة دون التفصيل، وأما من حيث التفصيل، فلا يخفى أن بعض الأحاديث التي حكم عليها بحسن غريب أقوى من الأحاديث التي حكم عليها بحسن فقط.

ثم حصل لي توقف بين "الحسن" المطلق و"الغريب" من حيث القوة، وهذا من حيث العموم؛ وذلك أني قد وجدته حكم على عدة أحاديث بحسن غريب وهي صحيحة، وقد تقدم ذلك.

والله أسأل أن يفتح عليَّ بالصواب، فبِه تعالى التوفيق.

ص: 278

‌النوع الثالث الحسن الذي فيه ضعف، ولكنه لم يبين ضعفه، وسكت عن ذلك، واكتفى بتحسينه

‌ومن أمثلته:

1 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا ابن لَهيعة، عن يزيد ابن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، قال: قلت يا رسول الله، إنا نمرُّ بقوم فلا هم يضيفونا، ولا هم يؤدّون ما لنا عليهم من الحق، ولا نحن نأخذ منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن أبوا إلا أن تأخذوا كَرها فخذوا".

هذا حديث حسن.

وقد رواه الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب أيضا)

(1)

.

قلت: هذا الحديث حسنه المصنف، وهذا التحسين إنما هو للإسناد الأول، ولو كان لكلا الإسنادين لحكم بصحته؛ لأن اللّيث إمام متفق على جلالته وثقته، فعندما لم يحكم بصحته علمنا أنه للإسناد الأول الذي من طريق ابن لَهيعة، والمصنف ممن يرى ضعف ابن لَهيعة كما بين ذلك في أكثر من موضع في كتابه "الجامع"، وهو مذهب جل النقاد؛ كما قال أبو عيسى:(ضعفه أهل الحديث)

(2)

.

2 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن طريف الكوفي، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن الأعمش والشيباني، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن عكيم، قال: أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب".

(1)

"جامع الترمذي"(1692).

(2)

"جامع الترمذي"(1/ 280).

ص: 279

هذا حديث حسن.

ويروى عن عبد الله بن عكيم، عن أشياخ له هذا الحديث.

وليس العمل على هذا عند أكثر أهل العلم.

وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن عكيم أنه قال: أتانا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهرين.

سمعت أحمد بن الحسن يقول: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذكر فيه قبل وفاته بشهرين، وكان يقول: كان هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ترك أحمد بن حنبل هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده، حيث روى بعضهم فقال: عن عبد الله بن عكيم، عن أشياخ من جهينة)

(1)

.

قلت: هذ الحديث حسّنه المصنف، وهو لا يصحّ عنده، والدليل على هذا: كلامه بعد حكمه عليه بالتحسين: فذكر أن العمل ليس عليه، ثم ذكر الاختلاف فيه، ثم ذكر كلام الإمام أحمد وتركَه للعمل بهذا الحديث بسبب الاضطراب الذي وقع فيه، وكل ذلك إشارات منه على أن هذا الحديث غير محفوظ عنده.

3 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه، قال: قال عبد الله بن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب لم يتب الله عليه، وسقاه من الخبال" قيل: يا أبا عبد الرحمن، وما نهر الخبال؟ قال: نهر من صديد أهل النار.

(1)

"جامع الترمذي"(1838).

ص: 280

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

وقد روي نحو هذا عن عبد الله بن عمرو، وابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم)

(1)

.

قلت: هذا الحديث إنما حسّنه من أجل أن جريرا سمع من عطاء بعدما تغير.

مع أنه في بعض الأحيان يصحح أحاديث من روى عن عطاء بعد التغير، وهذا فيما استقام منها ولم يُنكر، ولا يخفى أنه ليس كل حديث رواه عطاء بعد التغير يكون خطأ.

هذا وقد تُكلم في سماع عبد الله بن عبيد بن عمير من أبيه

(2)

.

4 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، قال: أخبرنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّم أصحابه، يقول:"إذا أصبح أحدكم فليقل: اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا، وبك نحيا وبك نموت، وإليك المصير، وإذا أمسى فليقل: اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا، وبك نحيا وبك نموت، وإليك النشور".

هذا حديث حسن)

(3)

.

(1)

"جامع الترمذي"(1983).

(2)

ذكر البخاري في "التاريخ"(5/ 455) عن علي بن المديني قال: (حكى ابن جريج أن عبد الله بن عبيد لم يسمع من أبيه شيئا، ولا يذكره).

وسئل ابن معين عن سماعه من أبيه فقال: (قالوا: إنه لم يسمع من أبيه في بعض حديثه). "سؤالات ابن محرز"(657).

(3)

"جامع الترمذي"(3709).

ص: 281

قلت: عبد الله بن جعفر هو: ابن نجيح، والد علي بن المديني، وقد ضعّفه أبو عيسى من قبل، فقال:(وعبد الله بن جعفر يضعّف، ضعفه يحيى بن معين وغيره، وهو والد علي بن المديني)

(1)

.

ولكن قد جاء هذا الحديث من طرق متعددة عن سهيل به

(2)

، كما أن سهيلا تابعه عبد العزيز بن رفيع

(3)

، فهو حديث صحيح.

5 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمود بن خداش البغدادي، قال: حدثنا سيف بن محمد الثوري، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:{وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [الرعد: 4] قال: "الدقل والفارسي، والحلو والحامض".

هذا حديث حسن غريب.

وقد رواه زيد بن أبي أنيسة، عن الأعمش

نحو هذا.

وسيف بن محمد هو: أخو عمار بن محمد، وعمار أثبت منه، وهو ابن أخت سفيان الثوري)

(4)

.

قلت: وسيف قال عنه أحمد: لا يكتب حديثه، ليس بشيء، كان يضع الحديث

(5)

.

وقال يحيى بن معين: كان ها هنا شيخا كذابا خبيثا

(6)

.

(1)

(3575)، وينظر أيضا:(3616، 4116).

(2)

أخرجه أبو داود (5068)، والنسائي في "اليوم والليلة"(8)، وابن ماجه (3868)، والبيهقي في "الدعوات"(25)، من طرق عن سهيل به.

(3)

أخرجه ابن السني في "اليوم والليلة"(51).

(4)

"جامع الترمذي"(3401).

(5)

"العلل" لأحمد، رواية عبد الله (1/ 245).

(6)

"التاريخ" رواية الدارمي (ص: 118).

ص: 282

وقال البخاري: ذاهب الحديث

(1)

.

وأما حديث زيد بن أنيسة: فأخرجه البزار

(2)

والعقيلي

(3)

وابن عدي

(4)

، من طريق سليمان بن عبيد الله أبو أيوب الرقِّي، عن عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن الأعمش، عن أبي صالح به.

قال البزار: (لا نعلم حدث به إلا سليمان [أبو] أيوب، عن عبيد الله بن عمرو).

وقال العقيلي: (وهذا الحديث إنما يعرف بسيف بن محمد، وسيف متروك)، ثم أخرج رواية سيف، ثم قال:(وأما عن عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، فلم يأت به غير سليمان هذا)، ثم أخرجه من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس نحوه موقوفًا، وقال العقيلي:(هذا أولى من حديث الأعمش).

وقال ابن عدي: (ولا أعلم رواه عن الأعمش غير زيد بن أبي أنيسة -من رواية عبيد الله بن عمرو عنه-، وسيف بن محمد، عن الأعمش).

وقال أبو حاتم الرازي في "العلل"

(5)

: (حدّث سليمان بهذا الحديث

(1)

"العلل الكبير" للترمذي (513)، وهو في بعض نسخ "جامع الترمذي" كما في هامش طبعة التأصيل (1835).

(2)

(9225)، وقد أخرج قبله رواية سيف بن محمد، وقال:(وهذا الكلام لا نعلم رواه عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، إلا سيف بن محمد، وليس بالقوي).

(3)

(3/ 39).

(4)

(6/ 14)، وقد أخرج قبله رواية سيف بن محمد.

(5)

(1734).

ص: 283

وأنا بالكوفة، فلم يقض لي السماع منه، ثم رجع عنه، فقال: حدثنا به سيف بن محمد بن أخت سفيان -أخو عمار-، هو سيف ضعيف الحديث).

قلت: وهذا الإسناد رجاله ثقات، ولكنه غريب، فسلسلة الأعمش، عن أبي صالح، سلسلة مشهورة جدا، فأين أصحاب الأعمش عن هذا الخبر؟ وزيد وإن كان ثقة إلا أنه ليس من المشهورين بالرواية عن الأعمش والمكثرين عنه.

وأخرج الحاكم

(1)

- وصحّحه على شرط الشيخين - عن أبي بكر أحمد ابن سلمان الفقيه، عن هلال بن العلاء الرقي، عن أبيه، عن عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة به، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} بالنون.

قلت: والد هلال بن العلاء، هو العلاء بن هلال بن عمر الباهلي أبو محمد الرقي، قال أبو حاتم: منكر الحديث، ضعيف الحديث، عنده عن يزيد بن زريع أحاديث موضوعة

(2)

.

وابنه هلال، قال أبو حاتم: صدوق

(3)

.

وقال النَّسَائِي: هلال بن العلاء بن هلال، لا بأس به، روى أحاديث منكرة عن أبيه، لا أدري الرّيب منه أو من أبيه

(4)

.

وقال مرة: صالح

(5)

.

(1)

(2985).

(2)

"الجرح والتعديل"(6/ 361 - 362).

(3)

"الجرح والتعديل"(9/ 79).

(4)

"المعجم المشتمل" لابن عساكر (1124).

(5)

"الجرح والتعديل"(6/ 361 - 362).

ص: 284

6 -

وقال رحمه الله: (حدثنا صالح بن عبد الله، قال: حدثنا ابن المبارك. ح وحدثنا سويد، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زَحْر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن عقبة ابن عامر، قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "املك عليك لسانك، وليَسَعْك بيتك، وابك على خطيئتك".

هذا حديث حسن)

(1)

.

قلت: هذا الحديث إسناده واهٍ، وضَعْفُ هذه السلسلة مشهور، حتى قال أبو حاتم ابن حبان:(إذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زَحْر وعلي ابن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن، لا يكون متن ذلك الخبر إلا مما عملت أيديهم، فلا يحل الاحتجاج بهذه الصحيفة)

(2)

.

وقال ابن معين: (علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة، هي ضعاف كلها).

وقال أيضا: (عبيد الله بن زَحْر عن علي بن يزيد ضعيفة).

وقال الجوزجاني: (رأيت غير واحد من الأئمة ينكر أحاديثه التي يرويها عنه عبيد الله بن زَحْر وابن أبي العاتكة).

وقال أبو حاتم الرازي، وقد سئل: ما تقول في أحاديث علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة؟ فقال:(ليست بالقوية، هي ضعاف)

(3)

.

قلت: أما القاسم، فالراجح أنه صدوق.

وأما علي بن يزيد، فيكاد يجمعون على ضعفه، حتى قال الساجي:(اتفق أهل العلم على ضعفه)

(4)

.

(1)

"جامع الترمذي"(2583).

(2)

"المجروحين"(2/ 29).

(3)

ينظر لما تقدم: "تهذيب الكمال"(21/ 179 - 181).

(4)

"تهذيب التهذيب"(3/ 200).

ص: 285

وأما عبيد الله بن زَحْر، فالجمهور على تضعيفه، وخالفهم بعض أهل العلم؛ منهم البخاري فوثقه

(1)

.

وضَعْف هذه السلسلة لا يخفى على أبي عيسى، بل هو ممن نصَّ عليه، فقد أخرج من طريق يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زَحْر، عن علي ابن يزيد، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته -أو قال: على يده-، فيسأله كيف هو، وتمام تحيتكم بينكم المصافحة".

قال الترمذي: (هذا إسناد ليس بالقوي، قال محمد: وعبيد الله بن زَحْر ثقة، وعلي بن يزيد ضعيف، والقاسم هو: ابن عبد الرحمن، يكنى: أبا عبد الرحمن وهو ثقة، وهو مولى عبد الرحمن بن خالد بن يزيد بن معاوية، والقاسم شامي)

(2)

.

وقال في موضع آخر: (وقد تكلم بعض أهل العلم في علي بن يزيد وضعفه، وهو شامي)

(3)

.

وقال أيضا: (القاسم ثقة، وعلي بن يزيد يضعف في الحديث، قاله محمد بن إسماعيل)

(4)

.

قلت: تبين مما تقدم أن أبا عيسى يوثق القاسم، ويضعف علي بن يزيد.

وأما عبيد الله بن زَحْر، فلم أقف على كلام له فيه لا بتضعيف ولا بتوثيق، ولكن روى له حديثين من غير طريق علي بن يزيد فحسّنهما ولم يصححهما، فالذي يظهر أنه يلينه ولا يحتج به:

(1)

سيأتي قريبا من رواية الترمذي عنه.

(2)

"جامع الترمذي"(2942).

(3)

"جامع الترمذي"(1336).

(4)

"جامع الترمذي"(3493).

ص: 286

فقد أخرج من طريق سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن زَحْر، عن أبي سعيد الرُّعيني، عن عبد الله بن مالك اليَحْصبي، عن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول الله، إن أختي نذرت أن تمشي إلى البيت حافية غير مختمرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا" الحديث.

وقال: (هذا حديث حسن)

(1)

.

وأخرج من طريق يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زَحْر، عن خالد بن أبي عمران، أن ابن عمر، قال: قلّما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول بيننا وبين معاصيك" الحديث.

وقال: (هذا حديث حسن، وقد روى بعضهم هذا الحديث عن خالد ابن أبي عمران، عن نافع، عن ابن عمر)

(2)

.

7 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن الحجاج، عن عطية، عن ابن عمر، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر في السفر ركعتين وبعدها ركعتين.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

وقد رواه ابن أبي ليلى، عن عطية ونافع، عن ابن عمر.

حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا علي بن هاشم، عن ابن أبي ليلى، عن عطية ونافع، عن ابن عمر، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر، فصليت معه في الحضر الظهر أربعا وبعدها ركعتين، وصليت معه في السفر الظهر ركعتين وبعدها ركعتين، والعصر ركعتين ولم

(1)

"جامع الترمذي"(1637).

(2)

"جامع الترمذي"(3829)، ووقع في بعض النسخ:(حسن غريب).

ص: 287

يصل بعدها شيئا، والمغرب في الحضر والسفر لسواء ثلاث ركعات، فلا ينقص في حضر ولا سفر، وهي وتر النهار، وبعدها ركعتين.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

سمعت محمدا يقول: ما روى ابن أبي ليلى حديثا أعجب إلي من هذا)

(1)

.

قلت: حسن الإسناد الأول والثاني، والظاهر من صنيعه هذا أنه يرى أن كل إسناد منهما لوحده حسن، والخبر الأول خبر منكر؛ فحجاج وعطية -وهو العوفي- كلاهما لا يحتج به، وهما مدلسان أيضا، فعدم السماع محتمل.

وأما نكارة المتن، فالثابت عن ابن عمر أنه لم يكن يصلي الراتبة في السفر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل ذلك، كما خرجه المصنف في الباب الأول من أبواب السفر، فساقه من طريق (عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يصلون الظهر والعصر ركعتين ركعتين، لا يصلون قبلها ولا بعدها)

(2)

.

وفي البخاري

(3)

ومسلم

(4)

، من حديث حفص بن عاصم قال: سافر ابن عمر فقال: صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أره يسبح في السفر، وقال الله جل ذكره:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

فتبيّن نكارة هذا الخبر.

(1)

"جامع الترمذي"(559 - 560)، وذكر قول البخاري في "العلل الكبير"(160)، وزاد:(لا أروي عنه شيئا).

(2)

"جامع الترمذي"(552)، وقال:(حسن غريب).

(3)

"صحيح البخاري"(1101).

(4)

"صحيح مسلم"(689).

ص: 288

8 -

قال الترمذي رحمه الله: (باب ما جاء في نفقة المرأة من بيت زوجها.

حدثنا هنّاد، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: "لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها"، قيل: يا رسول الله، ولا الطعام؟، قال:"ذاك أفضل أموالنا".

وفي الباب: عن سعد بن أبي وقاص، وأسماء بنت أبي بكر، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وعائشة.

قال أبو عيسى: حديث أبي أمامة حديث حسن.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا وائل يحدث عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها كان لها به أجر، وللزوج مثل ذلك، وللخازن مثل ذلك، ولا ينقص كل واحد منهم من أجر صاحبه شيئا، له بما كسب، ولها بما أنفقت".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا المؤمل، عن سفيان، عن منصور، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أعطت المرأة من بيت زوجها بطيب نفس غير مفسدة، كان لها مثل أجره، لها ما نوت حسنا، وللخازن مثل ذلك".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وهذا أصح، من حديث عمرو بن مرة، عن أبي وائل، وعمرو بن مرة لا يذكر في حديثه: عن مسروق)

(1)

.

(1)

"جامع الترمذي"(675 - 676 - 677)، وهو موافق لما في طبعة الرسالة (677). =

ص: 289

قلت: يظهر من تصرف أبي عيسى أن كلا الخبرين الأول والثاني ضعيف عنده.

أما الأول، فلمخالفته الأحاديث الصحيحة في مشروعية تصدق المرأة من مال زوجها دون إذنه، وأن لزوجها أجرًا في ذلك العمل، ولها أجر كذلك، حيث إنه ينهى عن ذلك البتة.

هذا مع أنه من رواية إسماعيل بن عياش، وهو متكلم فيه، وإن كانت روايته هنا عن الشاميين وهي قوية، ولكن ذكر علي بن المديني أن له منكرات حتى عن الشاميين، قال عبد الله بن علي بن المديني:(ولسألته - يعني أباه - عن إسماعيل بن عياش، قلت: إن يحيى بن معين يقول: إنه ثقة فيما يروي عن أهل الشام، فأما ما روى عن غير أهل الشام، ففيه شيء. فضعفه فيما روى عن أهل الشام وغيرهم)(1).

وأما الخبر الثاني، فبين المصنف أن الصواب فيه ذكر مسروق بين أبي وائل وعائشة.

9 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا علي بن المنذر الكوفي، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحبّ الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلسا، إمام عادل، وأبغض الناس إلى الله وأبعدهم منه مجلسا، إمام جائر".

وفي الباب: عن عبد الله بن أبي أوفى.

= وفي "تحفة الأشراف"(16154) أن الترمذي قال عن روايتي عمرو بن مرة، ومنصور:(حسن صحيح)، وأن رواية منصور أصح.

والصحيح ما في النسخ الأخرى.

ص: 290

حديث أبي سعيد حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه)

(1)

.

قلت: فيه عطية، ولا يخفى ضعفه وتدليسه عن أبي سعيد خاصة.

10 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أبو سعيد الأشج، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم والحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"غدوة في سبيل الاه، أو روحة، خير من الدنيا وما فيها".

هذا حديث حسن غريب)

(2)

.

قلت: حجاج لا يحتج به، والحكم لم يسمع من مقسم إلا أحاديث يسيرة ليس هذا منها

(4)

.

11 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا ابن لَهيعة، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ألا أخبركم بخير الناس؟ رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، ألا أخبركم بالذي يتلوه؟ رجل معتزل في غنيمة له يؤدي حق الله فيها، ألا أخبركم بشر الناس؟ رجل يسأل بالله ولا يعطي به".

هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، ويروى هذا الحديث من غير وجه عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم)

(5)

.

(1)

"تهذيب الكمال"(3/ 176).

(2)

"جامع الترمذي"(1386)، وكذلك في طبعة الرسالة (1378)، وفي "تحفة الأشراف" (4228):(غريب) حسب.

(3)

"جامع الترمذي"(1746).

(4)

ينظر: الحسن الذي بيّن انقطاعه رقم (16).

(5)

"جامع الترمذي"(1759).

ص: 291

هذا الخبر في إسناده ابن لَهيعة، وهو ضعيف عند المصنف، وقد نقل ذلك عن أهل الحديث كما في أول كتابه

(1)

، وإن كان قد توبع على هذا الخبر، ولكن حكم المصنف على ذات الإسناد، بدليل قوله:(غريب من هذا الوجه)، ثم قال:(يروى من غير وجه).

12 -

وقال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي اليقظان، عن زاذان، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة على كثبان المسك -أراه قال: يوم القيامة-: عبد أدى حق الله وحق مواليه، ورجل أَمّ قوما وهم به راضون، ورجل ينادي [بالصلوات] الخمس في كل يوم وليلة".

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث سفيان.

وأبو اليقظان اسمه: عثمان بن قيس)

(2)

.

قلت: الذي يظهر أيضا أن هذا الخبر ضعيف عنده؛ لأن في إسناده أبا اليقظان، وكل الحفاظ -فيما وقفت عليه- قد تكلموا فيه، ولذا قال أبو أحمد الحاكم:(ليس بالقوي عندهم)، وقال ابن عبد البر:(كلهم ضعفه)

(3)

.

وهو منكر الحديث، كما قال أحمد

(4)

والبخاري

(5)

وأبو حاتم

(6)

والجوزجاني

(7)

.

وهل يكتب حديثه؟ الذي أميل إليه أنه لا يكتب.

(1)

(9).

(2)

"جامع الترمذي"(2113).

(3)

ينظر: "تهذيب التهذيب"(3/ 75).

(4)

المرجع نفسه.

(5)

المرجع نفسه.

(6)

"الجرح والتعديل"(6/ 161).

(7)

"أحوال الرجال"(25).

ص: 292

نعم؛ قال ابن عدي: (يكتب حديثه)

(1)

، والجواب عن ذلك: أن ابن عدي كثيرا ما يستعمل هذا اللفظة، وينظر هل قال عن راو - بعد أن ضعّفه -: لا يكتب حديثه؟ لم يقل عن أحد - فيما أعلم - أنه لا يكتب حديثه، وأعني أن يصرح بذلك تصريحا لا لبس فيه.

وقد سأل أبو عيسى شيخه البخاري عنه، فقال:(وسألت محمدا عن أبي اليقظان، فقال: شعبة يتكلم فيه، ولكن نحن نروي عنه)

(2)

.

قلت: وقول البخاري: (نحن نروي عنه)؛ يعني خارج "الصحيح"، وليس في الأحكام وإنما في الفضائل ونحوها، هذا إذا كان يعرف صحيح حديثه من سقيمه، وأما إذا كان لا يعرف ذلك فإنه لا يروي عنه، كما صرح بذلك عدة مرات

(3)

.

ولا يخفى أيضا أن باب الرواية غيرُ الاحتجاج، والتحملَ غير الرواية، فعند التحمل يتوسعون في ذلك، وعند الرواية تضيق الدائرة أكثر، وعند الاحتجاج تضيق الدائرة أكثر وأكثر.

13 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثني أبي، قال: حدثني محمد بن ثابت هو البناني، قال: حدثني أبي، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا" قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: "حِلَق الذكر".

هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، من حديث ثابت، عن أنس)

(4)

.

(1)

"الكامل"(8/ 49).

(2)

"العلل الكبير"(ص: 391).

(3)

ينظر: "الجامع"(1/ 493) و (3/ 52)، "العلل الكبير" (ص: 389 - 394) للترمذي.

(4)

"جامع الترمذي"(3839).

ص: 293

قلت: محمد بن ثابت اتفقوا على ضعفه، إلا في رواية الدوري عن ابن معين قال:(هو صالح الحديث)

(1)

. وقال في رواية أخرى من طريق الدوري ومعاوية بن صالح: (ليس بشيء)

(2)

. وقال في رواية ابن أبي خيثمة: (ليس بقوي، كان عفان يقول: محمد بن ثابت البناني رجل ضعيف الحديث)

(3)

؛ فتبين أن ابن معين يضعفه في أكثر الروايات عنه.

وضعفه أيضا البخاري تضعيفا شديدا، فقال:(فيه نظر)

(4)

. وقال الترمذي في "علله الكبير"

(5)

عن البخاري أيضا: (عنده عجائب).

وقال أبو حاتم: (منكر الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به)

(6)

.

وضعفه أبو داود

(7)

والنسائي

(8)

، والدارقطني

(9)

، وقال أبو زرعة:(لين)

(10)

. وقال يعقوب بن سفيان: (ليس بالقوي)

(11)

. وقال ابن حبان: (لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه على قلته)

(12)

. وقال ابن عدي بعد أن روى له أحاديث: (وهذه الأحاديث مع غيرها مما لم أذكرها عامّتُها مما لا يتابع عليه)

(13)

. وقال الأزدي: (ساقط دامر)

(14)

. وقال الحاكم: (لا بأس

(1)

رواية الدوري (4/ 276).

(2)

رواية الدوري (4/ 112)، و"الضعفاء" للعقيلى (5/ 316).

(3)

"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (7/ 217).

(4)

"التاريخ الكبير"(1/ 50).

(5)

(584).

(6)

"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (7/ 217).

(7)

"سؤالات أبي عبيد الآجري"(1/ 363).

(8)

"الضعفاء"(213).

(9)

"سؤالات السلمي"(324).

(10)

"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (7/ 217).

(11)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 664).

(12)

"المجروحين"(2/ 261).

(13)

"الكامل"(9/ 97).

(14)

"الضعفاء" لابن الجوزي (3/ 45).

ص: 294

به، فإنه لم يأت بحديث منكر، لكن الشيخين لم يخرّجاه، وهو عزيز الحديث؛ أسند خمسة عشر حديثا)

(1)

.

قلت: وهذا لا يفيد كبير شيء؛ لأنَّه لا يلزم حتى يضعف أن يأتيَ بمتن منكر.

وإنِّي لفي شكّ من الرواية التي نسبت للدوري عن ابن معين بأنه (صالح)؛ لما تقدم، فما ذكرها ابن أبي حاتم، ولا العقيلي، ولا ابن عدي، وإنما اقتصروا على التضعيف عن ابن معين.

فتبين أن تحسين الترمذي ليس على ما اشتهر عند المتأخرين، وإنما هو تضعيف لهذا الحديث، خاصة أن ابن حبان وابن عدي قد ذكرا هذا الحديث في جملة ما يُستنكر عليه.

ومما يؤكد ما تقدم، وأن أبا عيسى لا يرى أن هذا الحديث محفوظ؛ أنه قد ذكره في "علله الكبير" مع حديثين آخرين لمحمد بن ثابت، وأنَّه سأل عنها البخاري فلم يعرفها، وقال:(لمحمد بن ثابت عجائب)

(2)

.

ويؤيد ما تقدم أيضا، قول الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو داود الطيالسي، عن محمد بن ثابت البناني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".

قال محمد بن علي: فقال لي جابر: يا محمد، من لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشفاعة؟!

هذا حديث غريب من هذا الوجه)

(3)

.

(1)

"سؤالات السجزي للحاكم"(ص: 77).

(2)

(582 - 584).

(3)

"جامع الترمذي"(2619)، وفي طبعتي أحمد شاكر (4/ 625) وبشار (4/ 232) زيادة:(يستغرب من حديث جعفر بن محمد).

ص: 295

قلت: قوله: (غريب)؛ يعني ضعيف عنده، ولو كان فيه بعض القوة لحسّنه.

15 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا يوسف بن عيسى، قال: حدثنا الفضل ابن موسى، قال: حدثنا سلمة بن وردان، عن أنس بن مالك، أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الدعاء أفضل؟ قال:"سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة"، ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: يا رسول الله، أي الدعاء أفضل؟ فقال له مثل ذلك، ثم أتاه يومَ الثالث فقال له مثل ذلك، قال:"فإذا أعطيت العافية في الدنيا وأعطيتها في الآخرة فقد أفلحت".

هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، إنما نعرفه من حديث سلمة ابن وردان)

(1)

.

قلت: سلمة بن وردان اتفقوا على تضعيفه، إلا ما جاء عن أحمد بن صالح فقد وثقه

(2)

، وأحمد بن صالح عنده شيء من التساهل، وقد بينت ذلك بالأدلة في أول "الشرح".

16 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا عقبة بن مكرم بصري، قال: حدثنا ابن أبي فديك، قال: أخبرني سلمة بن وردان الليثي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك الكذب وهو باطل بني له في ربض الجنة، ومن ترك المراء وهو محق بني له في وسطها، ومن حسن خلقه بني له في أعلاها".

(1)

"جامع الترمذي"(3841)، وهو موافق لما في طبعة الرسالة (6/ 119)، وفي "تحفة الأشراف" (869):(حسن) فقط.

(2)

"تاريخ أسماء الثقات" لابن شاهين (ص: 151).

ص: 296

هذا الحديث حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث سلمة بن وردان، عن أنس)

(1)

.

17 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا عقبة بن مكرم العمي البصري، قال: حدثني ابن أبي فديك، قال: أخبرني سلمة بن وردان، عن أنس بن مالك، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه:"هل تزوجت يا فلان؟ " قال: لا والله يا رسول اللّه، ولا عندي ما أتزوج، قال:"أليس معك {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؟ " قال: بلى، قال:"ثلث القرآن"، قال:"أليس معك {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}؟ " قال: بلى، قال:"ربع القرآن" قال: "أليس معك {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}؟ " قالْ بلى، قال:"ربع القرآن" قال: "أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ}؟ " قال: بلى، قال:"ربع القرآن" قال: "تزوج، تزوج".

هذا حديث حسن)

(2)

.

18 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا عبد اللّه بن أبي زياد، قال: حدثنا أبو نُباتة يونس بن يحيى بن نُباتة، قال: حدثنا سلمة بن وردان، عن أبي سعيد ابن أبي المعلى، عن علي بن أبي طالب وأبي هريرة، قالا: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة".

هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث علي، قد روي من غير وجه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم)

(3)

.

19 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، قال: حدثنا أبو يعقوب الثقفي، قال: حدثنا يونس بن

(1)

"جامع الترمذي"(2123).

(2)

"جامع الترمذي"(3132).

(3)

"جامع الترمذي"(4274)، وفي "تحفة الأشراف" (10327) وطبعة الرسالة (6/ 414): حديث غريب من هذا الوجه).

ص: 297

عبيد مولى محمد بن القاسم، قال: بعثني محمد بن القاسم إلى البراء بن عازب أسأله عن راية رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال: كانت سوداء مربعة من نمرة.

وفي الباب: عن علي، والحارث بن حسان، وابن عباس.

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة.

وأبو يعقوب الثقفي اسمه: إسحاق بن إبراهيم، وروى عنه أيضا عبيد الله بن موسى)

(1)

.

قلت: إسناده واهٍ؛ إسحاق بن إبراهيم منكر الحديث، قال ابن عدي في "الكامل": (إسحاق بن إبراهيم، أبو يعقوب الثقفي الكوفي، روى عنه الثقات بما لا يتابع عليه.

أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا عمار أبو ياسر، ثنا إسحاق بن إبراهيم الكوفي، ثنا أبو إسحاق الهمداني، عن أبي وائل، عن حذيفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان يستعينه في غزاة غزاها، قال: فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار، فوضعه بين يديه، قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيديه، ويدعو له، ويقول:"غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت، وما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالي عثمان ما عمل بعد هذا".

قال الشيخ: وهذا الحديث بهذا الإسناد غير محفوظ.

وروى عن إسحاق بن إبراهيم هذا: عبيد اللّه بن موسى، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وسعيد بن سليمان الواسطي، وأحاديثه غير محفوظة)

(2)

.

قلت: هذا الحديث حديث منكر، وفيه زيادات لم تأت في اللفظ

(1)

"جامع الترمذي"(1787).

(2)

"الكامل"(2/ 181).

ص: 298

المعروف لهذا الخبر، وهو "ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم"، ولذا عندما ذكره الذهبي في "الميزان" قال:(فهذا منكر، إنما أتاه بألف دينار)

(1)

.

قلت: وهناك ألفاظ أخرى منكرة كما تقدم، نعم؛ قد جاءت هذه الألفاظ من أوجه أخرى، ولكنّها لا تصح، والعلة لا تبدو لي في إسحاق الثقفي، بل في الراوي عنه لأنه متهم بسرقة الحديث.

وأما شيخه يونس فهو لا يُعرف، قال الزبير:(لا يُدرى من هو)

(2)

.

فتبين أن هذا الخبر منكر، خاصة أنه إسناد غريب فرد، كما قال أبو عيسى:(لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة). ولذا ذكره في "العلل"

(3)

، وقال:(سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن. وأبو يعقوب الثقفي اسمه: إسحاق بن إبراهيم الكوفي، روى عنه: ابن ابي زائدة، والحسن بن ثابت، وعبيد اللّه بن موسى).

قلت: وهذا التحسين ليس على بابه، فالأئمة المتقدمون يطلقون الحسن ويقصدون به معانيَ متعددة، وهذا البحث يبين بعض ذلك، ويؤيد هذا ذكر أبي عيسى له في كتابه "العلل".

20 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا بكر بن يونس ابن بكير، عن موسى بن علي، عن أبيه، عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لا تكرهوا مرضاكم على الطعام، فإن الله تبارك وتعالى يطعمهم ويسقيهم".

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه)

(4)

.

قلت: هذا حديث باطل؛ بكر بن يونس منكر الحديث جدا، ولعله لا

(1)

(1/ 186).

(2)

"تهذيب التهذيب"(4/ 472).

(3)

(506).

(4)

"جامع الترمذي"(2174).

ص: 299

يكتب حديثه، قال أبو زرعة:(حدث عن موسى بحديثين منكرين، لم أجد لهما أصلا من حديث موسى)

(1)

. وقال أبو حاتم عن هذا الحديث: (باطل)

(2)

.

نعم، الترمذي لا يرى أن هذأ الحديث باطل، ولكنه يرى عدم صحته، فضعْفُه ظاهر، فهو جزما لا يقصد بالحسن هنا ما اصطلح عليه المتأخرون؛ وهو رواية الصدوق الذي خفّ ضبطه.

21 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: أخبرنا إسماعيل ابن عياش، عن عمارة بن غزية، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أعطي عطاء فوجد فليجز به، ومن لم يجد فليثْن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلى بما لم يعطه كان كلابس ثوبي زور".

وفي الباب: عن أسماء بنت أبي بكر، وعائشة

هذا حديث حسن غريب.

ومعنى قوله: "ومن كتم فقد كفر"؛ يقول: قد كفر تلك النعمة)

(3)

.

قلت: لم يصححه المصنف؛ لأنه من رواية إسماعيل عن المدنيين، وهي ضعيفة، وقد خولف؛ فرواه بشر بن المفضل -وهو أوثق بكثير من إسماعيل بن عياش- عن عمارة، عن رجل من قومه، عن جابر به.

أخرجه أبو داود

(4)

، وهذا الرجل هو شرحبيل بن سعد، كما وقع في رواية يحيى بن أيوب، عن عمارة، عند أبي داود.

وأظن أن أصله ما رواه أبو داود

(5)

من طريق الأعمش، عن أبي

(1)

"سؤالات البرذعي"(2/ 684).

(2)

"العلل" لابن أبي حاتم (5/ 620).

(3)

"جامع الترمذي"(2165).

(4)

"سنن أبي داود"(4732).

(5)

(4733).

ص: 300

سفيان، عن جابر رفعه:"من أُبلِي بلاء فذكره فقد شكره، فإن كتمه فقد كفره".

22 -

وقال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا إسحاق بن محمد الفَرْوي، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن عمارة بن غَزية، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لَبيد، عن قتادة بن النعمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا، كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء".

وفي الباب: عن صهيب، وأم المنذر.

هذا حديث حسن غريب، وقد روي هذا الحديث عن محمود بن لَبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.

حدثنا علي بن حُجر، قال: أخبرنا إسماعيل بن جعفر، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لَبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. ولم يذكر فيه: عن قتادة بن النعمان.

وقتادة بن النعمان الظَفَري، هو: أخو أبي سعيد الخدري لأمه، ومحمود بن لَبيد قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وأدركه وهو غلام صغير)

(1)

.

قلت: لا شك أن الإسناد الثاني -وهو الذي حكم أبو عيسى بإرساله- أصح من الإسناد الأول الذي حكم عليه بأنه (حسن غريب)

(2)

، وذلك أن علي بن حُجْر ثقة ثبت، وهو أوثق بكثير من الفروي المتكلم فيه، فدل هذا على أنه لا يريد بالحسن ما اصطلح عليه المتأخرون، وإنما يريد به تعليل الخبر.

(1)

"جامع الترمذي"(2169 - 2170).

(2)

ينظر: "علل ابن أبي حاتم"(1820).

ص: 301

مع ملاحظة أن الصواب ما بين إسماعيل بن جعفر وعاصم بن عمر: عمرو بن أبي عمرو، وليس عمارة بن غزية، كما في رواية الفروي.

23 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا عباس بن محمد الدوري، قال: حدثنا يونس بن محمد، قال: حدثنا فليح بن سليمان، عن عثمان بن عبد الرحمن، عن يعقوب بن أبي يعقوب، عن أم المنذر قالت: دخل علي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ومعه علي ولنا دوال معلقة، قالت: فجعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يأكل، ومعه علي يأكل، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لعلي:"مه مه يا علي، فإنك ناقه"، قال: فجلس صلى الله عليه وسلم علي والنبي يأكل، قالت: فجعلت لهم سلقا وشعيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا علي، مِن هذا فأصب، فإنه أوفق لك".

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث فليح بن سليمان، ويروى عن فليح بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن.

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عامر وأبو داود، قالا: حدثنا فليح بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن، عن يعقوب بن أبي يعقوب، عن أم المنذر الأنصارية قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم،

فذكر نحو حديث يونس بن محمد، عن فليح بن سليمان، إلا أنه قال:"أنفع لك".

وقال محمد بن بشار: حدثنيه أيوب بن عبد الرحمن.

هذا حديث جيد غريب)

(1)

.

قلت: حكم على الإسناد الأول بقوله: (هذا حديث حسن غريب)، وأما الثاني فقال:(هذا حديث جيد غريب).

(1)

"جامع الترمذي"(2167 - 2168)، وفي نسخة المكتبة السليمانية:(جيد حسن غريب)، كما في هامش طبعتي التأصيل والرسالة (4/ 128)، وفي "تحفة الأشراف"(18362) لم ينقل إلا حكما واحدا على الإسنادين، وهو (حسن غريب).

ص: 302

قلت: الوجه الثاني عن فليح هو الصحيح، ولذا غاير المصنف بين الحكمين.

وقد أخرجه أحمد

(1)

عن يونس هو ابن محمد، وعن سريج هو ابن النعمان

(2)

، والطبراني في "الكبير"

(3)

من طريق محمد بن سنان العوقي، وغيرهم، كلهم عن فليح عن أيوب به

(4)

.

وقد ساق الترمذي أحاديث من طريق الحارث الأعور؛ منها ما حسنها

(5)

، ومنها ما لم يحسنها؛ بل ذكر أن الحارث الأعور قد تُكلم فيه

(6)

.

(1)

"المسند"(27052)، وأخرجه ابن ماجه (3442) عن ابن أبي شيبة، عن يونس به.

(2)

"المسند"(27053).

(3)

(24/ 297، 25/ 99).

(4)

وينظر: "علل ابن أبي حاتم"(2311).

(5)

ينظر: (538، 2974، 3900).

(6)

ينظر: (283، 826، 2239، 3146)، قال:(وقد ضعّف بعض أهل العلم الحارث الأعور)، وقال:(والحارث يُضعَّف في الحديث)، وقال:(وفي حديث الحارث مقال).

ص: 303

‌النوع الرابع الحسن الذي قَرن به من الكلام ما يبيّن ضعفه من حيث الإسناد

وهذا أنواع أيضا:

الأول: الذي بين ضعفه؛ وذلك بتضعيف أحد رواته:

1 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا سويد بن نصر، قال: حدثنا عبد اللّه بن المبارك، عن يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زَحْر، عن علي بن يزيد، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ، ذو حظ من الصلاة، أحسن عبادة ربه، وأطاعه في السر، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا فصبر على ذلك"، ثم نقر بيده، فقال:"عجلت منيته، قلت بواكيه، قل تراثه".

وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"عرض عليَّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا، قلت: لا يا رب، ولكن أشبع يوما وأجوع يوما -أو قال: ثلاثا، أو نحو هذا- فاذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك".

وفي الباب: عن فَضالة بن عبيد.

هذا حديث حسن.

والقاسم هو ابن عبد الرحمن، ويكنى: أبا عبد الرحمن، وهو مولى عبد الرحمن بن خالد بن يزيد بن معاوية، وهو شامي ثقة، وعلي بن يزيد يضعف في الحديث، ويكنى: أبا عبد الملك)

(1)

.

(1)

"جامع الترمذي"(2516 - 2517).

وسبق في النوع الثالث (ص: 285) الكلام عن هذه السلسلة.

ص: 304

2 -

وقال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عيسى بن ميمون الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف".

هذا حديث حسن غريب في هذا الباب، وعيسى بن ميمون الأنصاري يُضعَّف في الحديث، وعيسى بن ميمون الذي يروي عن ابن أبي نجيح التفسير هو ثقة)

(1)

.

3 -

وقال الترمذي رحمه الله: (حدثنا القاسم بن دينار الكوفي، قال: حدثنا مصعب بن المقدام، عن الحسن بن صالح، عن ليث بن أبي سليم، عن طاوس، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان يومن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام بغير إزار، ومن كان يومن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها بالخمر".

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث طاووس عن جابر إلا من هذا الوجه.

قال محمد بن إسماعيل: ليث بن أبي سليم صدوق، وربما يهِم في الشيء.

وقال محمد بن إسماعيل: قال أحمد بن حنبل: ليث لا يفرح بحديثه)

(2)

.

(1)

"جامع الترمذي"(1120).

(2)

"جامع الترمذي"(3023)، وفي هامش التحقيق زيادة من بعض النسخ:(كان ليث يرفع أشياء لا يرفعها غيره، فلذلك ضعفوه)، وفي نسخة أن قبل هذه الجملة:(قال أبو عيسى) =.

ص: 305

قلت: الذي يظهر أن أبا عيسى لا يحتج بليث، كما تقدم فيما نقله عن محمد بن إسماعيل البخاري والإمام أحمد، ولكن يكتب حديثه، وهذا مذهب جمهور النقاد.

ولا أعرف أن أبا عيسى صحّح لليث شيئا، وإنما يحسّن خبره أحيانا

(1)

ويستغربه أخرى

(2)

.

4 -

وقال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أحمد بن الحسن، قال: حدثنا موسى ابن إسماعيل، قال: حدثنا أبو عوانة، قال: حدث عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: أخبرني أسامة بن زيد، قال: كنت جالسا إذ جاء علي والعباس يستأذنان، فقالا: يا أسامة استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، علي والعباس يستأذنان، فقال:"أتدري ما جاء بهما؟ " قلت: لا، قال:"لكني أدري، فأذن لهما"، فدخلا، فقالا: يا رسول اللّه، جئناك نسألك: أي أهلك أحب إليك؟ قال: "فاطمة بنت محمد"، قالا: ما جئناك نسألك عن أهلك، قال: "أحب أهلي إلي من قد

= وجاء في بعض الطبعات: (وقال محمد بن إسماعيل: قال أحمد بن حنبل: ليث لا يُفرح بحديثه، كان ليث يرفع أشياء لا يرفعها غيره، فلذلك ضعّفوه)، وظاهر هذا السياق أن جملة (كان ليث يرفع أشياء .. ) من كلام أحمد بن حنبل، والذي يظهر أنها من كلام البخاري أو الترمذي؛ فليس من عادة الإمام أحمد أن يقول عن راو:(ضعّفوه)، كما أنها لم تُروَ عنه في مواضع أخرى، ولم ينقلها العلماء، وقد ذكر الترمذي رواية البخاري عن أحمد هذه في ليث في "العلل الكبير"(543) دونها، وروى البغوي في "الجعديات" (615) قال:(حدثني أحمد بن سعد الزهري وحنبل بن إسحاق، قالا: سمعنا أبا عبد اللّه أحمد بن حنبل يقول: -قال أحدهما:- ليث بن أبي سليم لا يُفرح بحديثه. -وقال الآخر:- ليث ضعيف الحديث) حسب، والله أعلم.

(1)

ينظرة (3849).

(2)

ينظر: (3413، 3529، 3944، 3958).

ص: 306

أنعم الله عليه وأنعمت عليه؛ أسامة بن زيد"، قالا: ثم من؟ قال: "ثم علي بن أبي طالب"، قال العباس: يا رسول اللّه، جعلت عمك آخرهم؟ قال: "إن عليا قد سبقك بالهجرة".

هذا حديث حسن، وكان شعبة يضعِّف عمر بن أبي سلمة)

(1)

.

قلت: كأنه يرى أن هذا الحديث لا يصح، وذلك لقوله: إن شعبة يضعِّف عمر بن أبي سلمة، وإن كان قد صحّح له حديثين

(2)

؛ حديث "لعن الله زوّارت القبور"، وحديث "غيروا هذا الشيب ولا تشبهوا باليهود".

والجواب عن هذا التصحيح: أن أبا عيسى قد يصحح للرواة المتكلم فيهم في بعض الأحيان دون بعض، وذلك حسب القرائن وحسب المتن، وفي متن هذا الحديث الذي معنا غرابة، والله أعلم.

5 -

وقال الترمذي رحمه الله: (حدثنا حسين بن يزيد الكوفي، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن غُطيف بن أعيَن، عن مصعب بن سعد، عن عدي ابن حاتم، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب. فقال: "يا عدي، اطرح عنك هذا الوثن"، وسمعته يقرأ في سورة براءة:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]، قال:"أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه".

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغُطيف بن أعيَن ليس بمعروف في الحديث)

(3)

.

(1)

"جامع الترمذي"(4173).

(2)

"جامع الترمذي"(1083، 1860).

(3)

"جامع الترمذي"(3370)، وفي "التحفة" (9877) و"تحفة الأحوذي" (8/ 494) وطبعة الرسالة (5/ 327):(حديث غريب).

ص: 307

6 -

وقال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أبو عمرو مسلم بن عمرو الحذّاء المديني، قال: حدثني عبد اللّه بن نافع، عن حماد بن أبي حميد، عن عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".

هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

وحماد بن أبي حميد هو: محمد بن أبي حميد، وهو أبو إبراهيم الأنصاري المديني، وليس هو بالقوي عند أهل الحديث)

(1)

.

7 -

وقال الترمذي رحمه الله: (حدثنا بندار محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن أبي عدي، قال: أنبأنا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا ثلاثة أن يتقدمنا أحدنا.

وفي الباب: عن ابن مسعود، وجابر.

قال أبو عيسى: وحديث سمرة حديث حسن غريب.

وقد تكلم بعض الناس في إسماعيل بن مسلم من قبل حفظه)

(2)

.

وقد روى الترمذي حديثا من رواية إسماعيل بن مسلم، عن الحسن

(1)

"جامع الترمذي"(3920)، وكذا في طبعة الرسالة (6/ 181) و"تحفة الأحوذي"(10/ 47)، وفي "التحفة" (8698):(غريب) فحسب.

(2)

"جامع الترمذي"(233). وقوله: (حديث حسن غريب) كذا في "تحفة الاْشراف"(4575)، وفي "تحفة الأحوذي" (2/ 33) وطبعتي التأصيل والرسالة (1/ 287):(غريب)، وفي "النفح الشذي" لابن سيد الناس (4/ 235):(غريب)، وقال:(وأما حديث الباب فقد استغربه الترمذي فقط فيما وقفت عليه، وذكر ابن عساكر في "الأطراف" أنه قال فيه: حسن غريب. وذكر ابن العربي أنه ضعفه، ولم نجده، إلا إن أراد بذلك تضعيف إسماعيل بن مسلم راويه، فقد يمكن).

ص: 308

وقتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "يجاء بابن آدم يوم القيامة كأنه بذَجٌ، فيوقف بين يدي الله، فيقول الله له: أعطيتك وخولتك وأنعمت عليك، فماذا صنعت؟

" الحديث.

قال: (وقد روى هذا الحديث غير واحد عن الحسن قوله، ولم يسندوه، وإسماعيل بن مسلم يضعف في الحديث)

(1)

.

وروى من طريق إسماعيل بن مسلم أيضا، عن عبد الكريم أبي أمية، عن حِبان بن جَزْء، عن أخيه خزيمة بن جزء، قال: سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن أكل الضبع، فقال:"ويأكلُ الضبعَ أحدٌ؟! " وسألته عن الذئب، قال:"أوَ يأكل الذئبَ أحدٌ فيه خير؟! ".

وقال: (هذا حديث ليس إسناده بالقوي، لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن مسلم)

(2)

.

وروى في "العلل الكبير"

(3)

من طريق إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن جندب، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "حدُّ الساحر ضربة بالسيف".

قال: (سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: هذا لا شيء، وإنما رواه إسماعيل بن مسلم. وضعّفَ إسماعيل بن مسلم المكيَّ جدّا).

وتضعيفه لإسماعيل في هذه الأحاديث مما يبين المقصود بقوله: "حسن"، وأنه يعني غير صحيح وأنه لا يحتج به.

8 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة وعلي بن حُجْر، قال قتيبة: حدثنا

(1)

"جامع الترمذي"(2610)، وفي طبعة بشار (4/ 224) زيادة بآخره:(من قبل حفظه).

(2)

"جامع الترمذي"(1908).

(3)

(430).

ص: 309

شريك، وقال علي بن حُجْر: أخبرنا شريك -المعنى واحد-، عن حكيم بن جبير، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خمُوش، أو خُدوش، أو كُدوح" قيل: يا رسول اللّه، وما يغنيه؟ قال:"خمسون درهما، أو قيمتها من الذهب".

وفي الباب: عن عبد اللّه بن عمرو.

قال أبو عيسى: حديث ابن مسعود حديث حسن.

وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث)

(1)

.

قلت: نقْلُه لكلام شعبة في حكيم قد يفيد أنه لا يرى صحة هذا الخبر، أو يفيد -على الأقل- أن فيه نظرا.

9 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا عبد اللّه بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا قيس بن الربيع، عن عثمان بن عبد اللّه بن موهب، عن موسى بن طلحة، عن أبي اليَسَر، قال: أتتني امرأة تبتاع تمرا، فقلت: إن في البيت تمرا أطيب منه، فدخلت معي في البيت، فأهويت إليها فقبَّلتها، فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له، قال: استر على نفسك وتب، فأتيت عمر فذكرت ذلك له، فقال: استر على نفسك وتب، ولا تخبر أحدا، فلم أصبر، فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال:"أخلفت غازيا في سبيل اللّه في أهله بمثل هذا؟! " حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلا تلك الساعة، حتى ظن أنه من أهل النار، قال: وأطرق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم طويلا حتى أوحى الله إليه {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} إلى قوله: {ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]، قال أبو اليَسَر: فأتيته فقرأها عليَّ رسول الله

(1)

"جامع الترمذي"(655).

ص: 310

صلى الله عليه وسلم، فقال أصحابه: يا رسول الله، ألهذا خاصة أم للناس عامة؟ قال:"بل للناس عامة".

هذا حديث حسن غريب.

وقيس بن الربيع ضعفه وكيع وغيره.

وروى شريك، عن عثمان بن عبد الله هذا الحديث مثل رواية قيس بن الربيع.

وفي الباب: عن أبي أمامة، وواثلة بن الأسقع، وأنس بن مالك)

(1)

.

وقال المصنف في موضع آخر عن قيس بن الربيع: (يضعف في

الحديث)

(2)

.

قلت: وهذا التحسين ليس لمتابعة شريك لقيس، وانما هو حكم على رواية قيس بن الربيع.

10 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو داود الحَفَري، عن سفيان، عن الجُريري، عن أبي نضرة، عن رجل، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه".

حدثنا علي بن حُجْر، قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، عن الجُريري، عن أبي نضرة، عن الطُّفاوي، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم

نحوه بمعناه.

(1)

"جامع الترمذي"(3397)، وهو موافق لما في "التحفة"(11125) وطبعة الرسالة (3377)، وفي "تحفة الأحوذي" (8/ 538):(هذا حديث حسن صحيح غريب). قلت: وهذا الأقرب أنه خطأ.

(2)

"جامع الترمذي"(3/ 116).

ص: 311

وهذا حديث حسن، إلا أن الطُّفاوي لا نعرفه إلا في هذا الحديث، ولا نعرف اسمه، وحديث إسماعيل بن إبراهيم أتم وأطول)

(1)

.

قلت: الطُّفاوي كما قال الترمذي لا يُعرف إلا في هذا الحديث فيما يظهر، ولا يُدرى سماعه من أبي هريرة.

11 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقض".

وفي الباب: عن أبي الدرداء، وثوبان، وفَضالة بن عبيد.

قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم، إلا من حديث عيسى بن يونس، وقال محمد: لا أراه محفوظا.

قال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديث من غير وجه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح إسناده)

(2)

.

قلت: تحسينه لهذا الخبر مما يبين مراده بالحسن، وأنه ليس رواية الثقة الذي خفَّ ضبطه كما هو عند المتأخرين، ولا الذي يتقوى بتعدد أسانيده، وذلك لقوله:(ولا يصح إسناده).

12 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا يوسف بن عيسى، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا إبراهيم بن يزيد، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن أبن عمر، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما يوجب الحج؟ قال:"الزاد والراحلة".

(1)

"جامع الترمذي"(3008 - 3009).

(2)

"جامع الترمذي"(729).

ص: 312

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

وإبراهيم بن يزيد هو: الخوزي المكي، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه)

(1)

.

ثم أعاد إخراجه في (التفسير) فقال: (حدثنا عبد بن حميد، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إبراهيم بن يزيد، قال: سمعت محمد بن عباد بن جعفر، يحدث عن ابن عمر قال: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من الحاج يا رسول اللّه؟ قال: "الشَّعِث التَّفِل"، فقام رجل آخر، فقال: أي الحج أفضل يا رسول اللّه؟ قال: "العَجُّ والثَّجُّ"، فقام رجل آخر فقال: ما السبيل يا رسول اللّه؟ قال: "الزاد والراحلة".

هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي، وقد تكلم بعض أهل العلم في إبراهيم بن يزيد من قبل حفظه)

(2)

.

13 -

قال الترمذي: (حدثنا عبد اللّه بن أبي زياد، قال: حدثنا عبيد اللّه ابن موسى، قال: حدثنا غالب أبو بشر، عن أيوب بن عائذ الطائي، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن كعب بن عجرة، قال: قال لي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدقهم في كذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ولا يرد علي الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش، ولم يصدقهم في كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وسيرد علي الحوض، يا كعب بن عجرة، الصلاة برهان، والصوم جنة حصينة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، يا كعب بن عجرة، إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به".

(1)

"جامع الترمذي"(827).

(2)

"جامع الترمذي"(3261).

ص: 313

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

وسألت محمدا عن هذا الحديث، فلم يعرفه إلا من حديث عبيد الله بن موسى، واستغربه جدا)

(1)

.

قلت: قوله: (استغربه جدا) مما يوهن هذا الإسناد.

14 -

قال الترمذي: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا صدقة بن موسى، عن فرقد السبخي، عن مُرّة الطيب، عن أبي بكر الصديق، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يدخل الجنة خِب ولا بخيل ولا منّان".

هذا حديث حسن غريب)

(2)

.

قلت: هذا حديث ضعيف عند أبي عيسى، والدليل على ذلك أنه قد ضعف صدقة بن موسى، وذلك فيما رواه عن موسى بن إسماعيل، عن صدقة بن موسى، عن ثابت، عن أنس، في فضل الصدقة في رمضان، قال أبو عيسى:(هذا حديث غريب، وصدقة بن موسى ليس عندهم بذاك القوي)

(3)

.

وما رواه عن أبي عمران الجوني، عن أنس: وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

الحديث. قال: (صدقة بن موسى ليس عندهم بالحافظ)

(4)

.

فتبيّن من هذا أنه يرى ضعف هذا الخبر.

(1)

"جامع الترمذي"(618)، وفي هامش التحقيق أنه وقع في بعض النسخ:(وأيوب بن عائذ يُضعَّف، ويقال: كان يرى رأي الإرجاء).

(2)

"جامع الترمذي"(2090).

(3)

"جامع الترمذي"(667).

(4)

"جامع الترمذي"(2976).

ص: 314

ويؤكد ذلك، أن في الإسناد أيضا فرقد السبخي، ولعله أضعف من صدقة

(1)

.

ويزيد الأمر تأكيدا قوله في الحديث الذي قبله

(2)

-وقد رواه أيضا من طريق صدقة، وهو أقوى من حديثنا هذا-:(هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صدقة). فلم يحسنه، فتبين أن هذا الحديث ضعيف عنده.

15 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا الحسن بن علي الخلال، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن سعيد المقبري، عن عطاء مولى أبي أحمد، عن أبي هريرة قال: بعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعثا- وهم ذو عدد- فاستقرأهم، فاستقرأ كل رجل منهم-يعني ما معه من القرآن-، فأتى على رجل من أحدثهم سنا، فقال:"ما معك يا فلان؟ " قال: معي كذا وكذا، وسورة البقرة، فقال:"أمعك سورة البقرة؟ " قال: نعم، قال:"اذهب فأنت أميرهم"، فقال رجل من أشرافهم: واللّه ما منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا خشية ألا أقوم بها، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"تعلموا القرآن واقرؤوه، فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به كمثل جراب محشو مسكا يفوح ريحه كل مكان، ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب أُوكئ على مسك".

هذا حديث حسن.

وقد روي هذا الحديث عن سعيد المقبري، عن عطاء، مولى أبي أحمد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا

نحوه.

(1)

قال الترمذي: (وقد تكلم يحيى بن سعيد في فرقد السبخي، وروى عنه الناس)، وقال في موضع آخر:(وقد تكلم أيوب السختياني وغير واحد في فرقد السبخي من قبل حفظه). "جامع الترمذي"(985، 2072).

(2)

"جامع الترمذي"(2089).

ص: 315

حدثنا بذلك قتيبة، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن سعيد المقبري، عن عطاء مولى أبي أحمد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا

نحوه بمعناه، ولم يذكر فيه: عن أبي هريرة)

(1)

.

قلت: هذا الخبر بيّن علته المصنف، وأن الراجح فيه الإرسال، وذلك أن الليث من أثبت الناس في المقبري وقد أرسله.

وهذا المثال يدخل أيضا فيما ضعّفه بسبب الانقطاع.

الثاني: الذي بين ضعفه؛ وذلك ببيان انقطاعه:

1 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: أخبرنا إسماعيل ابن إبراهيم، عن ليث، عن عبد اللّه بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن جدتها فاطمة الكبرى قالت: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم، وقال:"رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك"، وإذا خرج صلى على محمد وسلم، وقال:"رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك".

وقال علي بن حُجْر: قال إسماعيل بن إبراهيم: فلقيت عبد اللّه بن الحسن بمكة، فسألته عن هذا الحديث، فحدثني به، قال: كان إذا دخل قال: "رب افتح لي باب رحمتك"، وإذا خرج قال:"رب افتح لي باب فضلك".

وفي الباب: عن أبي حميد، وأبي أسيد، وأبي هريرة.

قال أبو عيسى: حديث فاطمة حديث حسن، وليس إسناده بمتصل، وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى، إنما عاشت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أَشْهُرًا)

(2)

.

(1)

"جامع الترمذي"(3113 - 3114).

(2)

"جامع الترمذي"(316).

ص: 316

2 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان، عن أبي الخضر مولى عمر بن عبيد اللّه، عن زرعة بن مسلم بن جَرهد الأسلمي، عن جده جَرهد، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بجَرهد في المسجد وقد انكشف فخذه، قال:"إن الفخذ عورة".

هذا حديث حسن، ما أرى إسناده بمتصل)

(1)

.

3 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أحمد بن منيع البغدادي، قال: حدثنا إسماعيل ابن علية، قال: حدثنا خالد الحذّاء، عن أبي قلابة، عن عائشة، قالت: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وألطفهم بأهله".

وفي الباب: عن أبي هريرة، وأنس بن مالك.

هذا حديث حسن، ولا نعرف لأبي قلابة سماعا من عائشة.

وقد روى أبو قلابة، عن عبد اللّه بن يزيد -رضيع لعائشة- عن عائشة غير هذا الحديث.

وأبو قلابة اسمه: عبد اللّه بن زيد الجرمي.

حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: ذكر أيوب السختياني أبا قلابة فقال: كان والله من الفقهاء ذوي الألباب)

(2)

.

4 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي وأبو بكر بندار وغير واحد، قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم عاصية، وقال:"أنت جميلة".

(1)

"جامع الترمذي"(3017).

(2)

"جامع الترمذي"(2812).

ص: 317

هذا حديث حسن غريب.

وإنما أسنده يحيى بن سعيد القطان، عن عبيد اللّه، عن نافع، عن ابن عمر.

وروى بعضهم هذا عن عبيد اللّه، عن نافع، أن عمر؛ مرسل)

(1)

.

5 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا عبد بن حميد والحسن الحلواني -المعنى واحد-، قالا: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سليمان بن يسار، عن سلمة بن صخر الأنصاري، قال: كنت رجلا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري، فلما دخل رمضان تظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان؛ فرَقا من أن أصيب منها في ليلتي فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع، فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء فوثبت عليها، فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري، فقلت: انطلقوا معي إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأخبره بأمري، فقالوا: لا واللّه لا نفعل، نتخوف أن ينزل فينا قرآن أو يقول فينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها، ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك. قال: فخرجت فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري، فقال:"أنت بذاك؟ " قلت: أنا بذاك. قال: "أنت بذاك؟ " قلت: أنا بذاك. قال: "أنت بذاك؟ " قلت: أنا بذاك، وها أنا ذا، فامض فيَّ حكم اللّه، فإني صابر لذلك. قال:"أعتق رقبة"، قال: فضربت صفحة عنقي بيدي، فقلت: لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها، قال:"فصم شهرين" قلت: يا رسول اللّه، وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام، قال:"فأطعم ستين مسكينا"، قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحْشى، ما لنا عشاء. قال: "اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق، فقل له

(1)

"جامع الترمذي"(3066).

ص: 318

فليدفعها إليك"، قال: "فأطعم عنك منها وسقا ستين مسكينا، ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك" قال: فرجعت إلى قومي، فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم السعة والبركة، أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي، فدفعوها إلي.

هذا حديث حسن.

قال محمد: سليمان بن يسار لم يسمع عندي من سلمة بن صخر، ويقال: سلمة بن صخر، وسلمان بن صخر.

وفي الباب: عن خولة بنت ثعلبة، وهي امرأة أوس بن الصامت)

(1)

.

قلت: وقد أقرَّ الترمذيُّ البخاريَّ ولم يتعقبه.

وأخرج الترمذي

(2)

-قبل ذلك- من طريق عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سليمان بن يسار، عن سلمة بن صخر البياضي، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المُظاهِر يواقع قبل أن يكفِّر، قال:"كفارة واحدة".

وقال: (هذا حديث حسن غريب).

قلت: لم يصححه، لأنه يرى أن هذا الإسناد ليس بمتصل، كما تقدم.

وأخرجه

(3)

أيضا من طريق علي بن المبارك، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، قال: حدثنا أبو سلمة ومحمد بن عبد الرحمن، أن سلمان بن صخر الأنصاري -أحد بني بياضة- جعل امرأته عليه كظهر أمه حتى يمضي رمضان، فلما مضى نصف من رمضان وقع عليها ليلا، فأتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم،

(1)

"جامع الترمذي"(3604).

(2)

"جامع الترمذي"(1245)، وينظر:"العلل الكبير"(306).

(3)

"جامع الترمذي"(1247).

ص: 319

فذكر ذلك له

الحديث. وقال: (هذا حديث حسن، يقال: سلمان بن صخر، ويقال: سلمة بن صخر البياضي).

قلت: حسّنه مع كونه منقطعا؛ لأن أبا سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن عبد الرحمن لم يسمعا من سلمان بن صخر كما أشار إلى ذلك البيهقي

(1)

، بل إن صورة الخبر صورة مرسل؛ لأنهما لم يسنداه عن سلمان.

قال أبو الفتح الأزدي: (وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن وابن ثوبان: أن سلمة بن صخر، ولم يتبين سماعهما منه)

(2)

.

وقال البخاري: (سلمة بن صخر، ويقال: سلمان بن صخر، البياضي الأنصاري، له صحبة، ولم يصحَّ حديثه)

(3)

.

قلت: أصل القصة صحيح، فقد جاءت في "الصحيحين"

(4)

كما هو معلوم، وأما الرواية بهذا السياق فبها تفاصيل فيها نظر، والإسناد لم يثبت إليها، ولذا قال البخاري:(لم تصحَّ)، وهذا موافق لحكم أبي عيسى -على ما قرره في تعريفه-، وأنا أذهب إلى عدم صحة هذا السياق.

6 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا إسحاق بن منصور، قال: حدثنا عبد اللّه ابن نمير، قال: حدثنا عبيد اللّه بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: دخل رجل المسجد ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد فصلى، ثم جاء فسلم عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وعليك، ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ" فذكر الحديث بطوله.

هذا حديث حسن.

(1)

ينظر: "سنن البيهقي"(15/ 411، 419).

(2)

"المخزون في علم الحديث"(105).

(3)

"التاريخ الكبير"(4/ 72).

(4)

"صحيح البخاري"(1936)، "صحيح مسلم"(1111) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 320

وروى يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، فقال: عن أبيه، عن أبي هريرة، وحديث يحيى بن سعيد أصح)

(1)

.

قلت: إذًا الإسناد الأول منقطع عند أبي عيسى، والثاني هو الأصح؛ لأن فيه: سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة.

وهذا المثال يدخل فيما حسّنه وبيّن علته.

7 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا الحسن بن علي الخلال، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن سعيد المقبري، عن عطاء، مولى أبي أحمد، عن أبي هريرة قال: بعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعثا -وهم ذو عدد- فاستقرأهم، فاستقرأ كل رجل منهم -يعني ما معه من القرآن-، فأتى على رجل من أحدثهم سنا، فقال:"ما معك يا فلان؟ " قال: معي كذا وكذا، وسورة البقرة، فقال:"أمعك سورة البقرة؟ " قال: نعم، قال:"اذهب فأنت أميرهم"، فقال رجل من أشرافهم: والله ما منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا خشية ألا أقوم بها، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"تعلموا القرآن واقرؤوه، فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به كمثل جراب محشو مسكا يفوح ريحه كل مكان، ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكِئ على مسك".

هذا حديث حسن.

وقد روي هذا الحديث عن سعيد المقبري، عن عطاء، مولى أبي أحمد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا

نحوه.

حدثنا بذلك قتيبة، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن سعيد المقبري،

(1)

"جامع الترمذي"(2900).

ص: 321

عن عطاء مولى أبي أحمد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا

نحوه بمعناه، ولم يذكر فيه: عن أبي هريرة)

(1)

.

قلت: لا شك أن الليث بن سعد أوثق بكثير من عبد الحميد بن جعفر، وقد أرسل هذا الحديث، وروايته هي الصحيحة.

8 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسارى، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"ما تقولون في هؤلاء الأسارى؟ "

وذكر قصة طويلة.

وفي الباب: عن عمر، وأبي أيوب، وأنس، وأبي هريرة.

هذا حديث حسن، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.

ويروى عن أبي هريرة قال: ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم)

(2)

.

9 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا عبد بن حميد، قال: حدثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان، قال: لما نزلت {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فقال بعض أصحابه: أنزلت في الذهب والفضة، لو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال:"أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه".

هذا حديث حسن.

(1)

"جامع الترمذي"(3113 - 3114). وقد سبق هذا المثال في الحسن الذي ضعف أحد رواته برقم (15)(ص: 315).

(2)

"جامع الترمذي"(1823).

ص: 322

سألت محمد بن إسماعيل، فقلت له: سالم بن أبي الجعد سمع من ثوبان؟ فقال: لا، فقلت له: فممّن سمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: سمع من جابر بن عبد اللّه، وأنس بن مالك، وذكر غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

.

10 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن يحيى القُطَعي، قال: حدثنا عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبي بكر، عن محمد بن علي بن الحسين، عن علي بن أبي طالب قال: عقَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الحسن بشاة، وقاد:"يا فاطمة، احلقي رأسه، وتصدقي بزنة شعره فضة"، فوزناه، فكان وزنه درهما أو بعض درهم.

هذا حديث حسن غريب، وإسناده ليس بمتصل؛ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين لم يدرك علي بن أبي طالب)

(2)

.

11 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله".

هذا حديث حسن غريب، وليس إسناده بمتصل، وخالد بن معدان لم يدرك معاذ بن جبل، وروي عن خالد بن معدان أنه أدرك سبعين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم)

(3)

.

12 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا أبو

(1)

"جامع الترمذي"(3369).

(2)

"جامع الترمذي"(1609).

(3)

"جامع الترمذي"(2684)، وفي هامش التحقيق عن بعض النسخ زيادة:(ومات معاذ بن جبل في خلافة عمر بن الخطاب، وخالد بن معدان روى عن غير واحد من أصحاب معاذ، عن معاذ غير حديث).

ص: 323

عوانة، عن عطاء بن السائب، عن أبي البَخْتري، أن جيشا من جيوش المسلمين كان أميرهم سلمان الفارسي حاصروا قصرا من قصور فارس، فقالوا: يا أبا عبد اللّه، ألا ننهد إليهم؟ قال: دعوني أدعوهم كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو، فأتاهم سلمان، فقال لهم: إنما أنا رجل منكم فارسي، ترون العرب يطيعونني، فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا، وعليكم مثل الذي علينا، وان أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه، وأعطونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، قال: ورطن إليهم بالفارسية، وأنتم غير محمودين، وإن أبيتم نابذناكم على سواء، قالوا: ما نحن بالذي نعطي الجزية، ولكنا نقاتلكم، فقالوا: يا أبا عبد اللّه، ألا ننهد إليهم؟ قال: لا، فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا، ثم قال: انهدوا إليهم، قال: فنهدنا إليهم، ففتحنا ذلك القصر.

وفي الباب: عن بريدة، والنعمان بن مقرن، وابن عمر، وابن عباس.

وحديث سلمان حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن السائب.

وسمعت محمدا يقول: أبو البَخْتري لم يدرك سلمان؛ لأنه لم يدرك عليا، وسلمان مات قبل علي)

(1)

.

قلت: يعني أنه منقطع، ومع ذلك حسنه، فتبين أن التحسين عنده ليس على بابه عند المتأخرين، كما أن هذا الخبر ليس له إلا طريق واحد لقوله:(لا نعرفه إلا من حديث عطاء)، فلا يقال إنه حسّنه لتعدّد طريقه.

13 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا محمد بن المنكدر، قال: مرَّ سلمان الفارسي بشُرَحبيل بن

(1)

"جامع الترمذي"(1641).

ص: 324

السِّمْط وهو في مرابَطٍ له، وقد شقّ عليه وعلى أصحابه، فقال: ألا أحدثك يا ابن السِّمْط بحديث سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى، قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "رباط يوم في سبيل اللّه أفضل، -وربما قال: خير-، من صيام شهر وقيامه، ومن مات فيه وقي فتنة القبر، ونمي له عمله إلى يوم القيامة".

هذا حديث حسن.

حدثنا علي بن حُجْر، قال: أخبرنا الوليد بن مسلم، عن إسماعيل بن رافع، عن سُميّ، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من لقي الله بغير أثر من جهاد لقي الله وفيه ثلمة".

هذا حديث غريب من حديث الوليد بن مسلم، عن إسماعيل بن رافع.

وإسماعيل بن رافع قد ضعفه بعض أصحاب الحديث، وسمعت محمدا يقول: هو ثقة مقارب الحديث.

وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم

وحديث سلمان إسناده ليس بمتصل؛ محمد بن المنكدر لم يدرك سلمان الفارسي، وقد روي هذا الحديث عن أيوب بن موسى، عن مكحول، عن شُرَحبيل بن السِّمْط، عن سلمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه)

(1)

.

قلت: ويدخل هذا المثال في الحسن الذي تعددت طرقه.

14 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا عبيد بن أسباط بن محمد القرشي، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الأعمش، قال: حُدثت عن أبي صالح، عن

(1)

"جامع الترمذي"(1772).

ص: 325

أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفّس اللّه عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر في الدنيا يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، واللّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

وفي الباب: عن ابن عمر، وعقبة بن عامر.

هذا حديث حسن، وقد روى أبو عوانة وغير واحد هذا الحديث، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، ولم يذكروا فيه: حدثت عن أبي صالح)

(1)

.

قلت: وقد ساقه من قبل

(2)

من طريق أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح به، وليس فيه:(حدثت)، ثم ساق بعده طريق عبيد بن أسباط القرشي الذي فيه:(حدثت)، وقال:(كأن هذا أصح)

(3)

.

إذًا هو يرى أن الأصح في هذا الحديث: قول الأعمش: (حدثت عن أبي صالح)، ومع ذلك حكم عليه بأنه حسن، فيكون هذا التحسين تضعيفا.

وهذا المثال أيضا يدخل فيما حسّنه وبيّن علته.

ورجَّح الترمذي رواية أسباط، مع أنه دون أبي عوانة ومن تابعه؛ لأن فيها زيادة علم؛ ذلك أن الأعمش لم يسمع هذا الحديث من أبي صالح، لذا قدّمها على غيرها، وهذا منهجٌ درج عليه كبار الحفاظ كما هو معلوم.

ويؤيد هذا أن الأعمش عُرف عنه التدليس في بعض الأحيان.

15 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أبو سعيد الأشج، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن

(1)

"جامع الترمذي"(2055).

(2)

"جامع الترمذي"(1498).

(3)

"جامع الترمذي"(1499).

ص: 326

النبي صلى الله عليه وسلم. والحجاج، عن الحكم، عن مِقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها".

هذا حديث حسن غريب.

وأبو حازم الذي روى عن أبي هريرة هو الكوفي، واسمه: سلمان، وهو مولى عزة الأشجعية)

(1)

.

قلت: هذا الإسناد منقطع، وأعني بذلك ما بين الحَكم ومِقسم.

وقد روى الترمذي من طريق الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: بَعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد اللّه بن رواحة في سرية، فوافق ذلك يوم الجمعة، فغدا أصحابه، فقال: أتخلّف فأصلي مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم ألحقهم، فلما صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رآه، فقال:"ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ "، فقال: أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم، فقال:"لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم".

قال أبو عيسى: (هذا حديث، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع الحكم من مقسم إلا خمسة أحاديث، وعدَّها شعبة، وليس هذا الحديث فيما عدّها شعبة. وكأن هذا الحديث لم يسمعه الحكم من مقسم)

(2)

.

وبيّن الإمام أحمد هذه الأحاديث التي لم يسمعها الحكم من مقسم؛ فقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: (الذي يصحح الحكم عن مقسم أربعة أحاديث:

حديث الوتر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر.

(1)

"جامع الترمذي"(1757).

(2)

"جامع الترمذي"(535).

ص: 327

وحديث عزيمة الطلاق؛ عن مقسم، عن ابن عباس في عزيمة الطلاق والفي الجماع.

وعن مقسم، عن ابن عباس، أن عمر قنت في الفجر هو حديث القنوت.

وأيضا عن مقسم رأيه في محرم أصاب صيدا

قلت: فما روى غير هذا؟ قال: اللّه أعلم، يقولون هي كتاب، أرى حجاجا روى عنه، عن مقسم، عن ابن عباس نحوا من خمسين حديثا.

وسمعت أبي مرّةً يقول: قال شعبة: هذه الأربعة التي يصححها الحكم عن مقسم)

(1)

.

تبين أن هذا الحديث ليس أحدَ الأحاديث الأربعة أعلاه، لكني أميل إلى أن حديثَي الغدوةِ والرجلِ الذي تأخر في الخروج مع السرية حديثٌ واحد، وقد حكم على اللفظ الثاني بالانقطاع كما تقدم.

وقد خرّج أبو عيسى بهذه السلسلة عدة أحاديث، منها:

قال: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في ثقل من جمع بليل.

(1)

"العلل للإمام أحمد" رواية عبد الله (1269). وروى ابن أبي حاتم في "التقدمة"(ص: 130) والبغوي في "الجعديات"(319): (حدثنا صالح بن أحمد، حدثني علي قال: سمعت يحيى يقول: كان شعبة يقول: أحاديث الحكم عن مقسم كتاب، إلا خمسة أحاديث. قلت ليحيى: عدّها شعبة؟ قال: نعم. قلت ليحيى: ما هي؟ قال: حديث الوتر، وحديث القنوت، وحديث عزيمة الطلاق، وحديث جزاء مثل ما قتل من النعم، والرجل يأتي امرأته وهي حائض).

ص: 328

وفي الباب عن عائشة، وأم حبيبة، وأسماء بنت أبي بكر، والفضل بن عباس.

قال أبو عيسى: حديث ابن عباس بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثقل من جمع بليل، حديث صحيح، روي عنه من غير وجه.

وروى شعبة هذا الحديث، عن مشاش، عن عطاء، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم ضعفة أهله من جمع بليل، وهذا حديث خطأ؛ أخطأ فيه مشاش، وزاد فيه: عن الفضل بن عباس.

وروى ابن جريج وغيره هذا الحديث، عن عطاء، عن ابن عباس، ولم يذكروا فيه: عن الفضل بن عباس.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن المسعودي، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم ضعفة أهله، وقال:"لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس".

قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح)

(1)

.

قلت: قال البخاري عن هذا الحديث -بعد أن ساق بعض طرقه، ومنها طريق الحكم عن مقسم-:(وحديث الحكم هذا عن مقسم مضطرب لما وصفنا، ولا ندري الحكم سمع هذا من مقسم أم لا؟)

(2)

.

وتصحيح الترمذي لهذا الحديث -فيما يظهر- لأنه جاء من غير وجه، كما نص على ذلك حين قال:(حديث ابن عباس بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في ثقل حديث صحيح، روي عنه من غير وجه).

ويظهر أيضا أن هذا التصحيح لأصل الحديث، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

"جامع الترمذي"(909، 910).

(2)

"التاريخ الأوسط"(3/ 202).

ص: 329

كان قد بعث ابن عباس في ضعفة بني هاشم، وقد ساقه قبل ذلك من حديث أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس.

ومثله أيضا قوله: (حدثنا قتيبة، قاد: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الأعمش، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض قبل طلوع الشمس.

وفي الباب: عن عمر.

قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح.

وإنما كان أهل الجاهلية ينتظرون حتى تطلع الشمس ثم يفيضون)

(1)

.

ومثله أيضا قوله: (حدثنا أحمد بن عبدة الضبي البصري، قال: حدثنا زياد بن عبد اللّه، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار إذأ زالت الشمس.

هذا حديث حسن)

(2)

.

ويؤيد ما تقدم من كون هذا الإسناد ليس عنده بالقوي؛ ما قاله تحت (باب ما جاء لا تفادى جيفة الأسير)، قال: (حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم إياه.

هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث الحكم، ورواه الحجاج ابن أرطاة أيضا، عن الحكم.

(1)

"جامع الترمذي"(912).

(2)

"جامع الترمذي"(915)، ومثله الحديث رقم (916).

ص: 330

وقال أحمد بن الحسن: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ابن أبي ليلى لا يحتج بحديثه.

وقال محمد بن إسماعيل: ابن أبي ليلى صدوق، ولكن لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه، ولا أروي عنه شيئا.

وابن أبي ليلى صدوق فقيه، وربما يهِم في الإسناد.

حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا عبد اللّه بن داود، عن سفيان الثوري قال: فقهاؤنا: ابن أبي ليلى وعبد اللّه بن شبرمة)

(1)

.

ومع أن هذا الحديث ورد بالإسناد نفسه بمتابعة ابن أبي ليلى، فقد استغربه أبو عيسى الترمذي ولم يحسّنه.

قلت: وهذا الإسناد قد حكم بحسنه في خبر آخر، وقد تقدم كلامه على سماع الحَكم من مِقسم.

16 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو داود، هو الطيالسي، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرنا سعد بن إبراهيم، قال: سمعت أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود يحدث عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف.

قال شعبة: ثم حرك سعد شفتيه بشيء، فأقول: حتى يقوم؟ فيقول: حتى يقوم.

(1)

"جامع الترمذي"(1834). قوله: (غريب) غير مثبت في طبعة التأصيل وطبعة الرسالة (3/ 510)، ونقل المزي في "تحفة الأشراف" (1813) عن الترمذي أنه قال: (غريب لا نعرفه

)، وهذا هو المثبت في طبعة بشار (3/ 331)، وذكر أنه وقع في بعض النسخ:(حسن غريب).

ص: 331

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه)

(1)

.

17 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أبو زرعة والفضل بن أبي طالب وغير واحد، قالوا: حدثنا الحسن بن بشر، عن الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج: 2].

هذا حديث حسن.

وهكذا روى الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، ولا نعرف لقتادة سماعا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إلا من أنس وأبي الطفيل.

وهذا عندي حديث مختصر؛ إنما يروى عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، فقرأ:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [الحج: 1] الحديث بطوله، وحديث الحكم بن عبد الملك عندي مختصر من هذا الحديث)

(2)

.

ومما يدخل في هذا النوع: ما حسّنه وفي إسناده مبهم، فإن المبهم علة ظاهرة في الإسناد، وبعض أهل العلم يسميه منقطعا

(3)

.

ومن الأمثلة على ذلك:

1 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثني من سمع علي بن أبي طالب، يقول: خرجت في يوم

(1)

"جامع الترمذي"(367).

(2)

"جامع الترمذي"(3176).

(3)

ينظر: "العلل" لابن المديني (206)، "التاريخ الأوسط" للبخاري (2/ 801)، "علوم الحديث" للحاكم (ص: 173).

ص: 332

شاتٍ من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخذت إهابا معطونا، فجوَّبت وسطه فأدخلته عنقي، وشددت وسطي فحزمته بخُوص النخل، وإني لشديد الجوع، ولو كان في بيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم طعام لطعمت منه، فخرجت ألتمس شيئا، فمررت بيهودي في مال له وهو يسقي ببكرة له، فاطلعت عليه من ثلمة في الحائط، فقال: ما لك يا أعرابي؟ هل لك في كل دلو بتمرة؟ فقلت: نعم، فافتح الباب حتى أدخل، ففتح فدخلت فأعطاني دلوه، فكلما نزعت دلوا أعطاني تمرة، حتى إذا امتلأت كفي أرسلت دلوه وقلت: حسبي، فأكلتها ثم جرعت من الماء فشربت، ثم جئت المسجد، فوجدت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيه.

هذا حديث حسن غريب)

(1)

.

وبهذا الإسناد حديث "كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة وراح في حلة، ووُضعت بين يديه صحفة ورفعت أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟ " قالوا: يا رسول اللّه نحن يومئذ خير منا اليوم، نتفرغ للعبادة ونكفى المؤنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا، أنتم اليوم خير منكم يومئذ".

قال الترمذي: (هذا حديث حسن غريب)

(2)

.

قلت: يلاحظ أن في كلا الإسنادين رجلا لم يسمَّ، أبهمه محمد بن كعب، ومع ذلك حكم على كلا الإسنادين بـ:(حسن غريب).

قلت: وهذا يدل على ما تقدم، أن حكم الترمذي على الحديث بأنه حسن لا ينافي تضعيفه عنده، فإن هذا الخبر في إسناده مبهم، ومع ذلك

(1)

"جامع الترمذي"(2655). وقد جاء عن علي رضي الله عنه من طرق أخرى، ينظر:"سنن ابن ماجه"(2446 - 2447).

(2)

"جامع الترمذي"(2658).

ص: 333

حسّنه، وحكمه هنا على خبر علي رضي الله عنه ليس بمجموع طرقه، بدليل قوله: حسن غريب، ومثله الذي بعده.

2 -

قال الترمذي رحمه الله: (ما جاء في المختلِعات.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مزاحم بن ذواد بن علبة، عن أبيه، عن ليث، عن أبي الخطاب، عن أبي زرعة، عن أبي إدريس، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المختلِعات هن المنافقات".

هذا حديث غريب من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"أيما امرأة اختلعت من زوجها من غير بأس لم ترِح رائحة الجنة".

حدثنا بذلك محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، قال: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عمن حدثه، عن ثوبان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة".

هذا حديث حسن.

ويُروى هذا الحديث عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان.

ورواه بعضهم، عن أيوب

بهذا الإسناد ولم يرفعه)

(1)

.

قلت: حسّنه مع أن في إسناده مبهما، ولا يقال: إنه حسّنه بمجموع طرقه؛ لأنه قال عن الإسناد الأول: (غريب وليس إسناده بالقوي)، وإن كان ليس بنفس اللفظ، ولكن بمعناه.

(1)

"جامع الترمذي"(1231 - 1232).

ص: 334

ولا يقال أيضا: إنه حسّنه لمجيئه من وجه آخر بتسمية هذا المبهم (أبو أسماء)؛ لأنه لو كان كذلك لحكم بصحته.

ومما يقوي كون هذا الحديث معلولا عنده: أنه ذكر الاختلاف الذي وقع في إسناده، وأن بعضهم قد رواه موقوفا. واللّه تعالى أعلم.

3 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن يحيى العدني المكي -ويكنى بأبي عبد اللّه الرجل الصالح هو ابن أبي عمر-، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق، عن ابن عصام المزني، عن أبيه - وكانت له صحبة، قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشا أو سرية يقول لهم: "إذا رأيتم مسجدا، أو سمعتم مؤذنا، فلا تقتلوا أحدا".

هذا حديث حسن غريب، وهو حديث ابن عيينة)

(1)

.

قلت: ابن عصام لا يعرف إلا في هذا الخبر، واسمه لا يعرف؛ قيل: عبد الرحمن، وقيل: عبد اللّه، وتسميته بذلك لعله من باب أن كل شخص هو عبد لله وعبد للرحمن، فأطلقوا عليه عبد الله أو عبدالرحمن.

والراوي عنه عبد الملك؛ ليس بالمشهور، لم يخرّج له الترمذي سوى هذا الحديث، ومثله أبو داود

(2)

، والنسائي

(3)

، وذكره ابن حبان في "الثقات"

(4)

على قاعدته.

فتبيّن أن تحسين الترمذي له: تضعيفٌ، هذا مع كون الإسناد غريبا، واللّه تعالى أعلم.

(1)

"جامع الترمذي"(1642).

(2)

"السنن"(2635).

(3)

"السنن الكبرى"(8772) و (8786).

(4)

(7/ 107).

ص: 335

4 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى ومحمد بن بشار، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الوليد بن العيزار، أنه سمع رجلا من ثقيف، يحدث عن رجل من كنانة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [سورة فاطر: 32] قال: "هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة".

هذا حديث غريب حسن)

(1)

.

(1)

"جامع الترمذي"(3526)، وفي بعض النسخ، و"تحفة الأشراف" للمزي (4446)، وطبعة الرسالة (5/ 438):(حسن غريب)، وفي بعض النسخ:(غريب) حسب، وفي بعض النسخ زيادة:(لا نعرفه إلا من هذا الوجه).

ص: 336

‌النوع الخامس الحسن الذي بيّن أنه معلول

(1)

1 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر بن الخطاب، قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما.

وفي الباب: عن عبد اللّه بن عمرو، وأوس بن حذيفة، وعمران بن حصين.

قال أبو عيسى: حديث عمر حديث حسن.

وقد روى هذا الحديث الحسن بن عبيد اللّه، عن إبراهيم، عن علقمة، عن رجل من جُعْفيّ

(2)

، يقال له: قيس، أو ابن قيس، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم

هذا الحديث في قصة طويلة)

(3)

.

قلت: رجال إسناد هذا الحديث كلهم من الثقات المشاهير، والأصل أن يقول عنه الترمذيُّ: حسن صحيح، ولكنه لم يفعلْ؛ لوجود علة في الإسنادِ، ذكرها بعد ذلك، وهي: عن علقمة، عن رجل من جعفي.

فهذا الحديث حسّنه الترمذي مع إشارته إلى علته، وهي أن علقمة لم يسمع من عمر.

قال الحاكم في "المستدرك"

(4)

بعد أن أخرجه: (صحيح الإسناد على

(1)

وهذا يشمل حتى ما قال فيه: (حسن غريب).

(2)

في هامش التحقيق: (في حاشية الأصل بخط مغاير: جعفى).

(3)

"جامع الترمذي"(169).

(4)

(2894).

ص: 337

شرط الشيخين، ولم يخرّجاه، وأتوهمهما لم يصح عندهما سماع علقمة بن قيس من عمر واللّه أعلم، وله شاهد مفسر من حديث عمار بن ياسر).

وقال الضياء المقدسي (علقمة بن قيس النخعي عن عمر، ولم يسمع منه)

(1)

.

2 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا إسحاق بن منصور، قال: حدثنا عبد اللّه ابن نمير، قال: حدثنا عبيد اللّه بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: دخل رجل المسجد ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد فصلى، ثم جاء فسلم عليه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"وعليك، ارجع فصلّ، فإنك لم تصلّ" فذكر الحديث بطوله.

هذا حديث حسن.

وروى يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث عن عبيد اللّه بن عمر، عن سعيد المقبري، فقال: عن أبيه، عن أبي هريرة، وحديث يحيى بن سعيد أصح)

(2)

.

قلت: إسناد رجال هذا الخبر كلهم من الثقات المشاهير، ولكنه لم يصححه وإنما اكتفى بتحسينه لوجود علة في الإسناد، وهي وجود واسطة بين المقبري وأبي هريرة وهو أبوه كيسان.

3 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن يحيى الأزدي البصري وأبو عمار وغير واحد، قالوا: حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، عن ابن عباس، قال:

(1)

"الأحاديث المختارة"(1/ 367).

(2)

"جامع الترمذي"(2900). وسبق هذا المثال في الحسن الذي بين انقطاعه برقم (6)(ص: 320).

ص: 338

قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولا يُغلب اثنا عثر ألفا من قلة".

هذا حديث حسن غريب، لا يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم، وإنما روي هذا الحديث عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.

وقد رواه حِبان بن علي العَنَزي، عن عقيل، عن الزهري، عن عبيد اللّه ابن عبد اللّه، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ورواه الليث بن سعد، عن عقيل، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل)

(1)

.

قلت: وهذأ الحديث قد بين علته أبو عيسى وأن الصواب فيه الإرسال، ووافقه على هذا كبار الحفاظ.

قال ابن أبي حاتم في "العلل"

(2)

: (وسألت أبي عن حديث رواه وهب ابن جرير، عن أبيه، عن يحيى بن أيوب، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"خير الجيوش أربعة آلاف، وخير السرايا أربعمائة".

ورواه لوين محمد بن سليمان، عن حبان بن علي أخي مندل، عن عقيل، عن الزهري، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ورواه ليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

فسمعت أبي يقول: مرسل أشبه، لا يحتمل هذا الكلام يكون كلام النبي صلى الله عليه وسلم).

(1)

"جامع الترمذي"(1650).

(2)

(1024).

ص: 339

وقال الدارقطني في "العلل"

(1)

وسئل عن حديث الزهري، عن أنس ابن مالك: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "يا أكثم بن الجون، اغز مع غير قومك يحسن خلقك، وتكرم على رفقائك، يا أكثم، خير الرفقاء أربعة، وخير الطلائع أربعون، وخير السرايا أربعمئة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يرى اثنا عشر ألف من قلة".

فقال: (يرويه عبد الملك بن محمد الدمشقي، عن أبي سلمة العاملي وأبي بشر، عن الزهري، عن أنس.

وأبو سلمة هذا هو الحكم بن عبد اللّه بن خطاف الحمصي، وأبو بشر هو الوليد بن محمد المُوَقَّري، وكلاهما ضعيف، ولا يصح هذا الخبر عن الزهري، عن أنس.

وروي عن عباد بن كثير، عن عقيل، عن الزهري، عن عبيد اللّه، عن ابن عباس.

والصحيح عن الزهري مرسلا).

4 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: جاءت فاطمة إلى أبي بكر، فقالت: من يرثك؟ قال: أهلي وولدي، قالت: فما لي لا أرث أبي؟ فقال أبو بكر: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نورث"، ولكني أعول من كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعوله، وأنفق على من كان رسود اللّه صلى الله عليه وسلم ينفق عليه.

وفي الباب: عن عمر، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، وعائشة، وأبي هريرة.

(1)

(2617).

ص: 340

حديث أبي هريرة حديث حسن غريب من هذا الوجه، إنما أسنده حماد بن سلمة وعبد الوهاب بن عطاء، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة)

(1)

.

5 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثني أبي وحماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن أبن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمين فقال: إن شاء الله، فلا حنث عليه".

وفي الباب: عن أبي هريرة.

حديث ابن عمر حديث حسن.

وقد رواه عبيد اللّه بن عمر وغيره، عن نافع، عن ابن عمر موقوفا، وهكذا روي عن سالم، عن ابن عمر موقوف، ولا نعلم أحدا رفعه غير أيوب السختياني، وقال إسماعيل بن إبراهيم: كان أيوب يرفعه، وأحيانا لا يرفعه)

(2)

.

وقال في "العلل الكبير"

(3)

: (سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: أصحاب نافع رووا هذا الحديث عن نافع، عن ابن عمر موقوفا، إلا أيوب فإنه يرويه عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون: إن أيوب في آخر أمره أوقفه).

(1)

"جامع الترمذي"(1713)، وفي هامش التحقيق عن بعض النسخ زيادة:(وسألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: لا أعلم أحدا رواه عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، إلا حماد بن سلمة. وقد رواه عبد الوهاب بن عطاء، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة نحو رواية حماد بن سلمة)، وينظر: طبعة الرسالة: (3/ 426).

(2)

"جامع الترمذي"(1623).

(3)

(455).

ص: 341

قلت: الذي يظهر أن أبا عيسى يُعلّ هذا الخبر، ويرجح هذأ أنه ذكره في "علله الكبير"، ونقل عن البخاري ما يؤيد ذلك، ولو كان يرى أن رفع هذا الخبر محفوظ لصحّحه، ولما اقتصر على تحسينه.

وقال ابن رجب في "شرح علل الترمذي"

(1)

: (ومما اختلف فيه أصحاب نافع حديث: "من حلف فقال: إن شاء اللّه، فلا حنث عليه"، رفعه أيوب، ووقفه مالك وعبيداللّه، واختلف الحفاظ في الترجيح، وأكثرهم رجّح قول مالك).

6 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا عبيد بن أسباط بن محمد القرشي، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الأعمش، قال: حُدِّثت عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر في الدنيا يسّر اللّه عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم في الدنيا ستر اللّه عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

وفي الباب: عن ابن عمر، وعقبة بن عامر.

هذا حديث حسن، وقد روى أبو عوانة، وغير واحد هذا الحديث، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم

نحوه، ولم يذكروا فيه: حُدِّثت عن أبي صالح)

(2)

.

قلت: أبو عيسى يميل إلى أنَّ هذا الخبر معلولٌ، وأن الصواب ما جاء في رواية أسباط، والدليل على ذلك: أنه سبق أن أخرج الحديث من رواية

(1)

(2/ 475).

(2)

"جامع الترمذي"(2055). سبق هذا المثال في الحسن الذي بين انقطاعه برقم (14).

ص: 342

أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا .. " الحديث.

ثم قال أبو عيسى: (حديث أبي هريرة هكذا روى غير واحد عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحو رواية أبي عوانة.

وروى أسباط بن محمد، عن الأعمش قال: حُدِّثت عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه؛ حدثنا بذلك عبيد بن أسباط بن محمد، قال: حدثني أبي، عن الأعمش بهذا الحديث.

وكأن هذا أصح من الحديث الأول)

(1)

.

وقد أعله أيضا أبو زرعة؛ قال ابن أبي حاتم في "العلل"

(2)

: (وسألت أبا زرعة عن حديث رواه جماعة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من نفّس عن مؤمن كربة".

قال أبو زرعة: منهم من يقول: الأعمش، عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح: عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم).

وفي "علل أحاديث في صحيح مسلم" لابن عمار الشهيد

(3)

: (هو حديث رواه الخلق عن الأعمش، عن أبي صالح، فلم يذكر الخبر في إسناده غير أبي أسامة، فإنه قال فيه: عن الأعمش، قال: حدثنا أبو صالح.

ورواه أسباط بن محمد، عن الأعمش، عن بعض اْصحابه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.

(1)

"جامع الترمذي"(1498).

(2)

"علل ابن أبي حاتم"(1979).

(3)

(35).

ص: 343

والأعمش كان صاحب تدليس، فربما أخذ عن غير الثقات).

7 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش البغدادي، قال: حدثنا حبان بن هلال، قال: حدثنا مبارك بن فضالة، قال: حدثني عبد ربه بن سعيد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون" قالوا: يا رسول اللّه، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال:"المتكبرون".

وفي الباب: عن أبي هريرة.

هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

وروى بعضهم هذا الحديث عن المبارك بن فضالة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه: عن عبد ربه بن سعيد، وهذا أصح)

(1)

.

قلت: حسّن هذا الخبر، ومع ذلك بين أنه خطأ، والصواب بدون: عبد ربه بن سعيد.

وقد سئل الدارقطني في "العلل"

(2)

عن حديث محمد بن المنكدر، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا

" الحديث.

فقال: (اختلف فيه على محمد بن المنكدر:

فرواه مبارك بن فضالة، عن عبد ربه بن سعيد، عن ابن المنكدر، عن جابر.

(1)

"جامع الترمذي"(2149).

(2)

(3202).

ص: 344

ورواه هشام بن عروة وهشام بن سعد، عن محمد بن المنكدر، مرسلا.

والمرسل أشبه بالصواب.

واختلف عن مبارك أيضا؛ فقيل: عنه، عن ابن المنكدر، عن جابر، ليس بينهما أحد).

8 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، أن شُرَحبيل بن السِّمْط قال: يا كعب بن مرة، حدِّثنا عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم واحذر، قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة".

وفي الباب: عن فضالة بن عبيد، وعبداللّه بن عمرو.

حديث كعب بن مرة حديث حسن

(1)

.

هكذا رواه الأعمش، عن عمرو بن مرة.

وقد روي هذا الحديث عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، وأدخل بينه وبين كعب بن مرة في الإسناد رجلا.

ويقال: كعب بن مرة، ويقال: مرة بن كعب البهزي، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث)

(2)

.

قلت: في هذا الخبر علّتان؛ الأولى: أن منصورا رواه عن سالم بن

(1)

كذا في طبعة الرسالة والتأصيل و"تحفة الأحوذي"(5/ 255)، ولم يذكره صاحب "التحفة"(11164).

(2)

"جامع الترمذي"(1740).

ص: 345

أبي الجعد، عن رجل، عن كعب، أخرج هذا الوجه أحمد

(1)

عن عبد الرزاق، عن سفيان، عن منصور به.

والعلة الثانية: أن سالما لم يسمع من شرحبيل، قال أبو داود -بعد أن روى حديثا من طريق عمرو بن مرة، عن سالم بن أبى الجعد، عن شرحبيل بن السمط، أنه قال لكعب بن مرة، أو مرة بن كعب-:(سالم لم يسمع من شرحبيل، مات شرحبيل بصفين)

(2)

.

9 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي، عن قتادة، عن أنس قال: كانت قبيعة سيف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من فضة.

هذا حديث حسن غريب.

وهكذا روي عن همام، عن قتادة، عن أنس.

وقد روى بعضهم عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن قال: كانت قبيعة سيف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من فضة)

(3)

.

قلت: هذا الحديث معلول، وذلك أن جرير بن حازم تُكلّم في روايته عن قتادة، وأما رواية همام فهي من طريق عمرو بن عاصم، وهو متكلَّم فيه أيضا، وقد رواه هشام الدستوائي، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، وهشام مِن أثبتِ الناس في قتادة.

وقد تتابع الحفاظ في تصويب رواية هشام، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، وفي تخطئة رواية جرير:

(1)

"مسند أحمد"(18896)، وينظر:"تاريخ ابن أبي خيثمة"(1/ 517 - السفر الثاني)، "علل الدارقطني"(3398).

(2)

"السنن"(6/ 97).

(3)

"جامع الترمذي"(1798).

ص: 346

قال عبد الله بن الإمام أحمد

(1)

: (حدثني أبي، عن عفان، قال: جاء أبو جزي -واسمه نصر بن طريف- إلى جرير بن حازم يشفع لإنسان يحدثه، فقال جرير: حدثنا قتادة، عن أنس قال: كانت قبيعةُ سيفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضّة، قال أبو جزي: كذب والله، ما حدّثَناه قتادة إلا عن سعيد بن أبي الحسن، قال أبي: وهو قول أبي جزي. يعني: أصاب، وأخطأ جرير).

وقال الدارمي في كتابه "السنن"

(2)

: (هشام الدستوائي خالفه، قال: عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وزعم الناس أنه هو المحفوظ).

ونقل المزي في "تحفة الأشراف"

(3)

عن النسائي أنه قال: (وهذا حديث منكر، والصواب: قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن).

وفي "العلل" للدارقطني

(4)

: (وسئل عن حديث قتادة، عن أنس: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة.

فقال: اختُلف فيه على قتادة؛؟ فرواه جرير بن حازم، عن قتادة، عن أنس.

وكذلك رواه عمرو بن عاصم، عن همام، عن قتادة، عن أنس.

ورواه هشام الدستوائي ونصر بن طريف، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن -أخي الحسن- مرسلا، وهو الصواب)

(5)

.

10 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا عبدة بن سليمان،

(1)

"العلل ومعرفة الرجال"(1/ 239).

(2)

(2650 - 2651).

(3)

(1146).

(4)

(2554).

(5)

وينظر: "العلل" لابن أبي حاتم (938)، "سنن أبي داود"(2583 - 2585)، "سنن البيهقي "(8/ 214).

ص: 347

عن محمد بن إسحاق، عن مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فثقُلت عليه القراءة، فلما انصرف قال:"إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم". قال: قلنا: يا رسول الله، إي والله، قال:"فلا تفعلوا إلا بأمّ القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها".

قال: وفي الباب: عن أبي هريرة، وعائشة، وأنس، وأبي قتادة، وعبد الله بن عمرو.

قال: حديث عبادة حديث حسن.

وروى هذا الحديث الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". وهذا أصحّ)

(1)

.

11 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق البغدادي، قال: حدثنا يحيى بن سليم، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يصلون الظهر والعصر ركعتين ركعتين، لا يصلون قبلها ولا بعدها.

وقال عبد الله: لو كنت مصليا قبلها أو بعدها لأتممتها.

وفي الباب: عن عمر، وعلي، وابن عباس، وأنس، وعمران بن حصين، وعائشة.

قاد أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سليم مثل هذا.

وقال محمد بن إسماعيل: وقد روي هذا الحديث، عن عبيد الله بن عمر، عن رجل من آل سراقة، عن ابن عمر)

(2)

.

(1)

"جامع الترمذي"(313).

(2)

"جامع الترمذي"(552).

ص: 348

قلت: وهذا مما يعلل به الخبر، والذي يظهر أن أبا عيسى يرى أن رواية يحيى بن سليم خطأ، وأن الصواب هو الإسناد الثاني: عن رجل من آل سراقة عن ابن عمر، ويتأكد هذا بجواب البخاريِّ عن سؤال أبي عيسى عن حديث يحيى بن سليم هذا في "العلل الكبير"

(1)

؛ قال البخاري: (هذا حديث خطأ، وإنما هو عبيد الله بن عمر، عن رجل من آل سراقة، عن ابن عمر).

وقد تُكلِّم في رواية يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر، قال النسائي: اليس به بأس، وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر)

(2)

.

12 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك، إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخّر الظهر إلى أن يجمعها إلى العصر، فيصليهما جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجّل العصر إلى الظهر، وصلى الظهر والعصر جميعا، ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخّر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجّل العشاء فصلاها مع المغرب.

وفي الباب: عن علي، وأبن عمر، وأنس، وعبد الله بن عمرو، وعائشة، وابن عباس، وأسامة بن زيد، وجابر.

وقال أبو عيسى: والصحيح عن أسامة.

قال أبو عيسى: وروى علي بن المديني، عن أحمد بن حنبل، عن قتيبة، هذا الحديث.

حدثنا عبد الصمد بن سليمان، قال: حدثنا زكريا اللؤلئي، قال: حدثنا

(1)

(159).

(2)

"تهذيب الكمال"(31/ 368).

ص: 349

أبو بكر الأعين، قال: حدثنا علي بن المديني، قال: حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا قتيبة

بهذا الحديث.

وحديث معاذ حديث حسن غريب، تفرّد به قتيبة، لا نعرف أحدا رواه عن الليث غيره.

وحديث الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ، حديث غريب.

والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ؛ من حديث أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء.

روأه قرة بن خالد وسفيان الثوري ومالك وغير واحد، عن أبي الزبير المكي)

(1)

.

قلت: تبين مما تقدم في كلام أبي عيسى أن هذا الخبر معلول ولا يصح، وذلك لأمرين:

أحدهما: أن قتيبة لم يتابع على ذلك، فقد تفرد به.

والَاخر: أنه قد رواه جمع من الثقات عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، بخلاف ما جاء في رواية قتيبة عن الليث، فقد رواه قرة بن خالد وسفيان الثوري ومالك، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ، أن النبي صلى الله عليه وسلم وجمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء.

هذا هو أصل الحديث الذي رواه قتيبة.

فأبو عيسى مع حكمه على الحديث بحسن غريب، إلا أنه بين أنه معلول.

(1)

"جامع الترمذي"(561 - 562).

ص: 350

13 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا هارون بن عبد الله البزاز، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي جمحيه قال:"إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه". وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤدّي المكاتب بحصّة ما أدّى ديّة حر، وما بقي ديّة عبد".

وفي الباب: عن أم سلمة.

حديث ابن عباس حديث حسن.

وهكذا روى يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وروى خالد الحذّاء، عن عكرمة، عن علي قوله)

(1)

.

قلت: لم يصححه مع أن رجاله ثقات مثاهير، وذلك من أجل الاختلاف الذي وقع في إسناده، ولذا ذكره في كتابه "العلل"

(2)

، وذكر الاختلاف.

ومثله أبو داود، عندما روأه ذكر الاختلاف الذي وقع في إسناده

(3)

.

14 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، قال: حدثنا أيوب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن سعيد بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أحيا أرضا ميْتة فهي له، وليس لعِرْق ظالم حق".

هذا حديث حسن غريب.

(1)

"جامع الترمذي"(1313).

(2)

"العلل الكبير"(329 - 330).

(3)

"سنن أبي داود"(4582).

ص: 351

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أحيا أرضا ميْتة فهي له".

هذا حديث حسن صحيح.

وقد رواه بعضهم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا)

(1)

.

قلت: قول الترمذي: (وقد رواه بعضهم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا) يريد به حديث سعيد بن زيد، وإن تأخر ذكره إلى بعد حديث جابر، ويؤيد ذلك أن المزي ذكره في "التحفة"

(2)

في حديث سعيد بن زيد، وكدلك ذكره من تكلم في الاختلاف في الحديث كالنسائي والدارقطني وغيرهما

(3)

.

قلت: ولا شك أن الإرسال هو الأصحّ، فقد رواه عن هشام عن أبيه مرسلا: مالك

(4)

، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والليث بن سعد

(5)

، وغيرهم.

وذكر الدارقطني حديث سعيد بن زيد فقال: (يرويه أيوب، عن هشام، عن أبيه، عن سعيد بن زيد؛ تفرد عبد الوهاب الثقفي عنه

والمرسل عنه عروة أصح).

(1)

"جامع الترمذي"(1442).

(2)

(4463).

(3)

ينظر: "النن الكبرى" للنسائي (5940 - 5941)، "علل الدارقطني"(665)، "تنقيح التحقيق" لابن عبدالهادي (4/ 167).

(4)

أخرجه في "الموطأ"(596).

(5)

أخرج روايتهما النسائي في "السنن الكبرى"(5941).

ص: 352

وقال أيضا -وذكر الوجه المتقدم-: (قال ذلك الثقفي، عن أيوب، وهو وهم)

(1)

.

فقول الترمذي: (حسن)؛ تعليلٌ لهذا الخبر، وإلا فحقيقٌ أن يحكم على هذا الحديث بالصحّة لثقة رجاله وشهرتهم، ولكن للعلة السابقة لم يصححه، ولذا ساق بعده حديثا بنفس الإسناد، ولكن عن هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان، عن جابر

(2)

، وقال:(حسن صحيح).

15 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا عباس بن محمد الدوري البغدادي، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة على يساره.

هذا حديث حسن غريب.

وروى غير واحد هذا الحديث عن إسرائيل، عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة. ولم يذكروا: على يساره.

حدثنا يوسف بن عيسى، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على وسادة.

هذا حديث صحيح)

(3)

.

قلت: الشاهد في هذا أنه حكم على الحديث الأول بـ: حسن، مع أنه بين أن لفظة:(على يساره) ليست محفوظة، لذأ عندما زالت هذه العلة حكم بصحة الخبر، وكأنه يريد بقوله:(صحيح) فقط، تأكيدَ صحة هذأ الخبر.

(1)

"علل الدارقطني"(665، 3460).

(2)

"جامع الترمذي"(1443).

(3)

"جامع الترمذي"(2989 - 2990).

ص: 353

ولذا قال في "الشمائل"

(1)

: (لم يذكر فيه وكيع: "على يساره"، وهكذا روى غير واحد عن إسرائيل نحو رواية وكيع، ولا نعلم أحدا ذكر فيه" على يساره" إلا ما روى إسحاق بن منصور عن إسرائيل).

16 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا نصر بن علي الجَهْضمي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا شعبة، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يجيء القرآن يوم القيامة، فيقول: يا رب حلَّه، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيرضى عنه، فيقال: اقرأ وارقَ، ويزاد بكل آية حسنة".

هذا حديث حسن.

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة نحوه، ولم يرفعه.

وهذا أصح عندنا من حديث عبد الصمد، عن شعبة)

(2)

.

قلت: هذا الحديث حسنه ثم بيّن علته، وأن الراجح فيه الوقف لا الرفع.

17 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن مُرَّة الهمْداني، عن عبدالله بن مسعود، قال: قال

(1)

(134)، وينظر:"سنن أبي داود"(4143)، "المنتخب من العلل للخلال"(40)، "الكامل" لابن عدي (2/ 363)، "علل الدارقطني"(3304)، "النكت الظراف" لابن حجر (2/ 149).

(2)

"جامع الترمذي"(3152 - 3153)، وينظر:"علل الدارقطني"(1950).

ص: 354

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للشيطان لمّة بابن آدم، وللملك لمّة، فأما لمّة الشيطان فإيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وأما لمّة الملك فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} الآية [البقرة: 268] ".

هذا حديث حسن غريب، وهو حديث أبي الأحوص، لا نعلمه مرفوعا إلا من حديث أبي الأحوص)

(1)

.

قلت: هذا الحديث حسّنه، وأشار إلى علته وهي الوقف، وإلى أن أبا الأحوص هو الذي تفرد برفعه، ومن المعلوم أن أبا الأحوص إنما سمع من عطاء بعد التغير

(2)

.

وقال أبو عيسى في "العلل الكبير"

(3)

: (سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: روى بعضهم هذا الحديث عن عطاء بن السائب وأوقفه، وأرى أنه قد رفعه غير أبي الأحوص، عن عطاء بن السائب، وهو حديث أبي الأحوص).

قلت: إن كان هذا النقل عن البخاري صحيحا ولم يقع فيه تحريف، فإن البخاريّ لم يذكر مَن رفعه غير أبي الأحوص، هذا مع أنه لم يجزم بذلك، وقد جزم أبو عيسى بأن أبا الأحوص قد تفرّد برفعه، والله تعالى أعلم.

18 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا

(1)

"جامع الترمذي"(3249)، وينظر:"العلل الكبير"(654)، "علل ابن أبي حاتم"(2224).

(2)

ينظر: "علل ابن أبي حاتم"(2224)، "مسند البزار"(2027).

(3)

(654).

ص: 355

عبد الرزاق، قال: أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ بن جبل، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فأمرني أن اَخذ من كل ثلاثين بقرة تَبيعا أو تَبيعة، ومن كل أربعين مُسنّة، ومن كل حالم دينار، أو عدله مَعافر.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

وروى بعضهم هذا الحديث، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فأمره أن يأخذ، وهذا أصح)

(1)

.

قلت: هذا الحديث حسّنه أبو عيسى، ثم بين أنه معلول، وأن الصواب فيه الإرسال.

19 -

قال الترمذي رحمه الله: (باب ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس.

حدثنا قتيبة، قال: حدثنا بشر بن المفضّل، عن عبدالله بن محمد بن عقيل، عن الرُبيِّع بنت مُعوِّذ بن عفراء، أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه مرتين، بدأ بمؤخر رأسه، ثم بمقدمه، وبأذنيه كلتاهما

(2)

؛ ظهورهما وبطونهما.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

وحديث عبدالله بن زيد أصح من هذا وأجود إسنادا)

(3)

.

ثم قال الترمذي: (باب ما جاء أن مسح الرأس مرة.

حدثا قتيبة، قال: حدثنا بكر بن مضر، عن ابن عجلان، عن عبدالله

(1)

"جامع الترمذي"(628)، وينظر:"علل الدارقطني"(985).

(2)

في هامش التحقيق: (كذا في الأصل، وهي لغة .. ).

(3)

"جامع الترمذي"(32)، وحديث عبدالله بن زيد أخرجه الترمذي (31) قبل حديث ابن عفراء، وقال:(حديث عبدالله بن زيد آصح شيء في هذا الباب وأحسن).

ص: 356

بن محمد بن عقيل، عن الرُبيِّع بنت مُعوِّذ ابن عفراء، أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ، قالت: مسح رأسه، ومسح ما أقبل منه، وما أدبر، وصدغيه، وأذنيه، مرة واحدة.

وفي الباب، عن علي، وجد طلحة بن مصرف.

قال أبو عيسى: حديث الرُبيِّع حديث حسن صحيح

(1)

.

وقد روي من غير وجه عن النبي- صلى الله عليه وسلم أنه مسح برأسه مرّة)

(2)

.

قلت: الذي يظهر أن الترمذي يعلُّ هذا الخبر -أي خبر بشر عن ابن عقيل-، وأن قوله:(مسح برأسه مرّتين) خطأ، والذي يدل على ذلك أنه عقّب على هذه الرواية بالقول: إن حديث عبدالله بن زيد أصح وأجود إسنادا من حديث ابن عقيل، ثم ساق اللّفظ الصحيح من حديث أبن عقيل وقال:(حسن صحيح)، لأنه ليس فيه أنه مسح رأسه مرتين.

20 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن أبان، قالا: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.

حدثنا علي بن حُجْر، قال: أخبرنا إسماعيل بن جعفر، قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد الواحد، قال: وقضى بها عليّ فيكم.

(1)

في هامش التحقيق: (ضبب عليها في الأصل)، وفي "تحفة الأحوذي":(حسن صحيح)، ونقله ابن عبد الهادي في "التنقيح"(1/ 201) وغيره، وفي "مستخرج الطوسي" (31):(حسن)، ولم ينقل المزي حكم الترمذي في "التحفة"(15838).

(2)

"جامع الترمذي"(33).

ص: 357

وهذا أصحّ، وهكذا روى سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل.

وروى عبد العزيز بن أبي سلمة ويحيى بن سليم هذا الحديث، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم)

(1)

.

قلت: جمع أن الذي وصل -وهو عبد الوهاب الثقفي- ثقة مشهور، فقد رجّح أبو عيسى الإرسال.

وقال في "العلل": (وقال عبد الوهاب الثقفى: عن جعفر، عن أبيه، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.

وتابعه إبراهيم بن أبي حيّة.

وقال يحيى بن سليم وعبدالعزيز بن أبي سلمة - من رواية شبابة بن سوّار عنه: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.

سألت محمدا عن هذا، فقلت: أيّ الروايات أصحّ؟

فقال: أصحّه حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.

قال محمد: إبراهيم بن أبي حيّة ضعيف، ذاهب الحديث)

(2)

.

وأنا أذهب إلى هذا، وهو عين ما ذهب إليه معظم الحفاظ

(3)

.

(1)

"جامع الترمذي"(1401 - 1402).

(2)

"العلل الكبير"(358 - 360).

(3)

ينظر: "الضعفاء" للعقيلي (4/ 94 - 95)، "الكامل" لابن عدي (1/ 538)، "العلل" للدارقطني (301)، "الإيماء إلى أطراف الموطأ" للداني (4/ 565 - 569).

ص: 358

‌النوع السادس الحسن الذي قَرن به من الكلام ما يفيد صحته

(1)

1 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء وسفيان بن وكيع، قالا: حدثنا أبو أسامة، عن عبد الحميد بن جعفر، قال: حدثنا أبو الأبرد مولى بني خَطمة، أنه سمع أُسيد بن ظُهير الأنصاري -وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الصلاة في مسجد قباء كعمرة".

وفي الباب: عن سهل بن حنيف.

قال: حديث أُسيد حديث غريب، ولا نعرف لأُسيد بن ظُهير شيئا يصح غير هذا الحديث، لا نعرفه إلا من حديث أبي أسامة، عن عبد الحميد بن جعفر.

وأبو الأبرد اسمه: زيّاد، مديني)

(2)

.

وفي "تحفة الأشراف"

(3)

عن الترمذي: (حسن صحيح).

وقال البغوي -بعد أن رواه من طريق الترمذي-: (وهذا حديث حسن غريب)

(4)

.

(1)

ويدخل فيه الحديث الذي ذكره في أكثر من موضع، فمرة صحّحه، ومرة حسّنه.

(2)

"جامع الترمذي"(325).

(3)

(155)، وكذا في "تهذيب الكمال"(2/ 528) ترجمة أبي الأبرد.

(4)

"شرح السخة"(459)، وهكذا في "تحفة الأحوذي"(1/ 269).

وفي طبعة الرسالة (1/ 383): (غريب)، وفي هامش التحقيق:(كذا هو في الأصول الخطية التي بين أيدينا عدا "ل"، إلا أنه كتب فوقها في "س": حسن، وفي "ل" والنسخة التي عليها شرح المباركفوري: حسن غريب).

ص: 359

وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال"

(1)

في ترجمة أبي الأبرد: (صحّح له الترمذي حديثه، وهو "صلاة في مسجد قباء كعمرة").

والجواب عن ذلك: أن نُسخ الترمذي قد اختلفت كما ترى

(2)

، فلا نستطيع الجزم أنه حسّنه، وإن ثبت أنه قال:(حسن غريب) فيكون قد رجع عن ذلك؛ لأن تصحيحه لهذا الخبر كان بعد التحسين.

2 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أبو هشام الرفاعي وزيد بن أخزم الطائي وإسحاق بن إبراهيم البصري، قالوا: حدثنا معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، أن النبي- صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل.

وزاد زيد بن أخزم في حديثه: وقرأ قتادة {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38]

وفي الباب: عن سعد، وأنس بن مالك، وعائشة، وابن عباس.

حديث سمرة حديث حسن غريب.

وروى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم

نحوه، ويقال: كلا الحديثين صحيح)

(3)

.

والجواب عن ذلك: أن لفظة: (ويقال) ليست له، وإنما نقل ذلك عن غيره، فإذا كان كذلك، فإن الإشكال قد زال.

وجواب آخر: أن أبا عيسى تردد في الحكم على هذا الخبر، هل هو حسن أو صحيح، ويكون قوله:(ويقال)؛ أي بمعنى: وقد يقال.

(1)

(2/ 90).

(2)

مع ملاحظة أن النسخ لم تختلف في كون الترمذي قال بعد التحسين: (ولا نعرف لأسيد بن ظهير شيئا يصح غير هذا الحديث).

(3)

"جامع الترمذي"(1114).

ص: 360

وهناك جواب ثالث: أن هذا الخبر هان روي عن الحسن من الوجهين المتقدمين فلا يعد ذلك من قبيل الاختلاف، وإنما كلا الإسنادين ثابت إليه، بغض النظر عن صحة الخبر بأكمله.

3 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أبو غريب ومحمد بن رافع، قالا: حدثنا زيد بن حباب، عن عبد الرحمن بن ثابت بن توبان، قال: حدثني عبد الله بن الفضل، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان، عن عبد الله بن الفضل، وهو إسناد حسن صحيح.

وفي الباب: عن جابر.

وقد روي عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا)

(1)

.

قلت: حكم الترمذي عليه أولا بأنه (حسن غريب)، ثم قال بعد ذلك: وهو (إسناد حسن صحيح).

وجاء في "التحفة"

(2)

: (حسن صحيح غريب).

والجواب عن ذلك: أنه قد ضُبِّب في بعض النسخ على قوله: (صحيح)، وهذا يدل على أن هذه اللفظة مشكوك في ثبوتها، أو فيها نظر، وأما ما وقع في "تحفة الأشراف" من كون الترمذي صحح هذا الخبر، فهذا

(1)

"جامع الترمذي"(43)، وذكروا أن لفظة (صحيح) ضُبِّب عليها في الأصل، وكذلك في هامش تحقيق طبعة الرسالة (43)، وفي "تحفة الأحوذي" (1/ 164):(حسن غريب).

(2)

(13940).

وفي "النفح الشذي"(1/ 407 - 408): (إسناد حسن صحيح)، ونقل ابن حجر في "الفتح"(1/ 259) تصحيح الترمذي لحديث أبي هريرة.

ص: 361

يزيل الإشكال أصلا، ولكن يحتمل أن المزي عبّر بالمعنى عن كلام الترمذي، والله تعالى أعلم.

4 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا زكريا بن إسحاق، قال: حدثنا عمرو بن دينار، قال: سمعت عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".

وفي الباب: عن ابن بحينة، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن سرجس، وابن عباس، وأنس.

قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن.

وهكذا روى أيوب وورقاء بن عمر وزياد بن سعد وإسماعيل بن مسلم ومحمد بن جحادة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وروى حماد بن زيد وسفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، ولم يرفعاه.

والحديث المرفوع أصح عندنا)

(1)

.

قلت: لماذا حسّنه ورجاله من الثقات المشاهير، وقد رواه جمعٌ عن عمرو بن دينار كما ذكر، وخرّجه مسلم في "صحيحه"

(2)

، وكذلك فعل ابن حبان

(3)

، وقال أبو نعيم في "الحلية"

(4)

: (صحيح مشهور من حديث عمرو، رواه الجم الغفير عنه)؟

الذي يظهر لي: أن هذا التحسين بسبب الاختلاف الذي وقع في

(1)

"جامع الترمذي"(423)، وبنحو ذلك في "العلل الكبير"(130).

(2)

(710).

(3)

(2193).

(4)

(8/ 138).

ص: 362

إسناده، ولهذا أمثلة كثيرة في كتابه "الجامع" سوى هذا الخبر، وهذا احتياطٌ من المصنف، وهو منهج سار عليه وسلكه في هذا الكتاب، وسوف تأتي أمثلة بإذن الله على هذا النوع.

ولأن جانب الرفع هو الراجح؛ رجّح أبو عيسى رفعه، ولا يخفى أن مثله لا يقال إلا بتوقيف.

5 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن نابل صاحب العباء، عن ابن عمر، عن صهيب، قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلمت عليه، فرد إلي إشارة، وقال: لا أعلم إلا أنه قال: إشارة بإصبعه.

وفي الباب: عن بلال، وأبي هريرة، وأنس، وعائشة.

حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا هشام بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قلت لبلال: كيف كان النبي- صلى الله عليه وسلم يرُدُّ عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة؟ قال: كان يشير بيده.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وحديث صهيب حسن، لا نعرفه إلا من حديث الليث، عن بكير.

وقد روي عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر قال: قلت لبلال: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حيث كانوا يسلمون عليه في مسجد بني عمرو بن عوف؟ قال: كان يرد إشارة.

وكلا الحديثين عندي صحيح؛ لأن قصة حديث صهيب غير قصة حديث بلال، وإن كان ابن عمر روى عنهما فاحتمل أن يكون سمع منهما جميعا)

(1)

.

(1)

"جامع الترمذي"(368، 369).

ص: 363

قلت: والشاهد من هذا حكمُه على حديث صهيب بأنه (حسن)، ثم قال:(كلا الحديثين عندي صحيح) فحكم عليه بالصحة، وأظن أن هذا التصحيح ليس لذات هذه الطريق -أي نابل عن ابن عمر-، وإنما هذا التصحيح لمن ذهب إلى أن حديث نابل عن ابن عمر حديث مستقل، وأنه غير حديث نافع عن ابن عمر

(1)

، ولذا عقب الترمذي بقوله:(هو قصة أخرى).

ولعل السبب في حكمِه على حديث نابل بأنه حسن؛ أن نابلا ليس بالمشهور، كما قال النسائي في رواية، وإن كان قد وثقه في رواية أخرى

(2)

، ولذا عندما سئل الدارقطني عنه: هل هو ثقة؛ أشار بيده أن لا

(3)

.

وأما توثيق النسائي له في الرواية الأخرى؛ فلأن من منهجه -في بعض الأحيان- توثيق من ليس بالمشهور.

وقد قال أحمد بن صالح: (إذا رأيت بكير بن عبد الله روى عن رجل فلا تسأل عنه، فهو الثقة الذي لا شك فيه)

(4)

.

6 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصلِّ أربعا".

هذا حديث حسن صحيح.

حدثنا الحسن بن علي، قال: حدثنا علي بن المديني، عن سفيان بن عيينة، قال: كنا نعد سهيل بن أبي صالح ثبتا في الحديث.

(1)

ولهذا أمثلة في "جامعه".

(2)

"تهذيب الكمال"(29/ 249).

(3)

"سؤالات البرقاني"(519).

(4)

"إكمال تهذيب الكمال" لمغلطاي (3/ 29).

ص: 364

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن)

(1)

.

قلت: كذا وقع في أكثر من نسخة، وفي ثبوت هذه الزيادة (حسن) نظرٌ، لأنه قد حكم على الحديث بـ (حسن صحيح)، فإعادة الحكم مرة ثانية لا حاجة إليه، كما أنه لم يُعهد عن أبي عيسى فعلُ ذلك.

قال أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي

(2)

: (هنا في "ن" و "هـ" و "ك" زيادةٌ نصّها: "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن"، وهي زيادة غريبة لا معنى لها هنا).

لذا لم توجد هذه الزيادة في "تحفة الأشراف"

(3)

، ولا في "تحفة الأحوذي"

(4)

.

7 -

قال الترمذي. رحمه الله (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك، إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخّر الظهر إلى أن يجمعها إلى العصر، فيصليهما جميعا، إوذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجّل العصر إلى الظهر، وصلى الظهر والعصر جميعا، ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخّر المغرب حتى يصليها مع العشاء، إوذا ارتحل بعد المغرب عجّل العشاء فصلاها مع المغرب.

وفي الباب: عن علي، وابن عمر، وأنس، وعبد الله بن عمرو، وعائشة، وابن عباس، وأسامة بن زيد، وجابر.

قال أبو عيسى: وروى علي بن المديني، عن أحمد بن حنبل، عن قتيبة، هذا الحديث.

(1)

"جامع الترمذي"(530).

(2)

(2/ 400).

(3)

(12767).

(4)

(3/ 79).

ص: 365

حدثنا عبد الصمد بن سليمان، قال: حدثنا زكريا اللؤلؤي، قال: حدثنا أبو بكر الأعين، قال: حدثنا علي بن المديني، قال: حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا قتيبة

بهذا الحديث.

وحديث معاذ حديث حسن غريب، تفرّد به قتيبة، لا نعرف أحدا رواه عن الليث غيره.

وحديث الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ، حديث غريب.

والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء.

رواه قرّة بن خالد وسفيان الثوري ومالك وغير واحد، عن أبي الزبير المكي.

حدثنا هنّاد، قال: حدثنا عبدة بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنه استُغيث على بعض أهله، فجدّ به السير، وأخر المغرب حتى غاب الشفق، ثم نزل فجمع بينهما، ثم أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك إذا جدّ به السير.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وحديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب حديث حسن صحيح)

(1)

.

قلت: الذي يظهر أن هذه الزيادة خطأ، لأنه قد تقدم حكمه على هذا الحديث بـ (حسن غريب)، ثم قال بعد ذلك:(حديث غريب)، ولذا لم ترد هذه الزيادة في جميع نسخ الترمذي، بل وردت في بعضها.

(1)

"جامع الترمذي"(561 - 562).

ص: 366

قال أحمد شاكر عنها: (الزيادة من "ع" و "ن"، ولم تذكر في سائر النسخ، والذين حكوا كلام الترمذي لم يذكروها، ولكن يظهر لي أن الترمذي تأمّل فيه فصححه بعد ذلك)

(1)

.

قلت: والصحيح أن الزيادة لم تثبت، لذا لم تذكر في "تحفة الأحوذي"

(2)

.

8 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا عَبثر بن القاسم، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة، قال:"التشهد في الصلاة: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. والتشهد في الحاجة: إن الحمد لله، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله "، قال: ويقرأ ثلاث آيات.

قال عَبثر: ففسرها لنا سفيان الثوري: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]{اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] الآية.

وفي الباب: عن عدي بن حاتم.

حديث عبد الله حديث حسن، رواه الأعمش، عن أبي إسحاف، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ورواه شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

(2/ 441).

(2)

(3/ 161).

ص: 367

وكلا الحديثين صحيح؛ لأن إسرائيل جمعهما فقال: عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص وأبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم)

(1)

.

قلت: يقال في هذا التصحيح بمثل القول السابق في حديث نابل عن ابن عمر، لأن كلا الوجهين ثابت، عن أبي إسحاق، وتأكَّد ذلك برواية حفيده إسرائيل، فعندما رواه عن جده جمع بين أبي الأحوص وأبي عبيدة.

وأما تحسين الترمذي لهذه الطريق دون تصحيحه لها؛ فلأن عَبثر -والله تعالى أعلم- قد تفرّد به عن الأعمش، قال البزار:(وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الأعمش إلا عَبثر)

(2)

.

ويؤيد هذا أن النسائي

(3)

والدارقطني

(4)

لم يذكراه إلا من طريق عَبثر عنه.

وإذا كان كذلك فمنهج أبي عيسى أنه لا يصحح لمثل هذه الطريق.

ولكن ليعلم أن هذا الخبر قد جاء من طرق غير الأعمش

(5)

، والوجه الآخر -أي طريق أبي إسحاق عن أبي عبيدة- قد جاء أيضا من طرق

(6)

.

9 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا حميد بن مَسعدة، قال: حدثنا سفيان بن حبيب، عن الحجاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "إن الله يغار، والمؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه".

(1)

"جامع الترمذي"(1137).

(2)

"مسند البزار"(5/ 434).

(3)

"المجتبى"(1175).

(4)

"العلل"(90).

(5)

أخرجه أبو داود (969) من طريق شريك، والنسائي (1176) وابن ماجه (899) من طريق سفيان، وابن ماجه (1892) أيضا من طريق يونر، ثلاثتهم عن أبي إسحاق به.

(6)

أخرجه أبو داود (2118) وابن ماجه (899) من طريق سفيان، عن أبي إسحاق به.

ص: 368

وفي الباب: عن عائشة، وعبد الله بن عمر.

حديث أبي هريرة حديث حسن غريب.

وقد روي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عروة، عن أسماء ابنة أبي بكر، عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث.

وكلا الحديثين صحيح.

والحجاج الصواف هو الحجاج بن أبي عثمان، وأبو عثمان اسمه ميسرة، وحجاج يكنى أبا الصلت، وثقه يحيى بن سعيد.

حدثنا أبو عيسى، قال: حدثنا أبو بكر العطار، عن علي بن المديني قال: سألت يحيى بن سعيد القطان عن حجاج الصواف؟ فقال: فطِن كيِّس)

(1)

.

قلت: هذا الحديث صحيح من كلا الطريقين، وقد خرّجهما الشيخان، ولعلَّ اقتصار الترمذي على التحسين فقط، من أجل الاختلاف الذي وقع في الإسناد.

ولأن هذا الاختلاف لا يؤثر على صحة الخبر، قال:(وكلا الحديثين صحيح).

ولا يخفى أن كل قاعدة قد يشذ عنها بعض الأفراد، وهذا لا يخرمها ولا يؤثر فيها؛ لأنه يصعب أن توجد قاعدة لا يشذ عنها شيء، والله أعلم.

قال البخاري: (حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا همام، عن يحيى، عن أبي سلمة، أن عروة بن الزبير، حدثه عن أمه أسماء، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا شيء أغير من الله".

(1)

"جامع الترمذي"(1209)، وفي بعض النسخ زيادة:(ثقة).

ص: 369

وعن يحيى، أن أبا سلمة حدثه، أن أبا هريرة حدثه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم.

حدثنا أبو نعيم، حدثنا شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله")

(1)

.

وقال مسلم بن الحجاج: (حدثنا عمرو الناقد، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبن علية، عن حجاج بن أبي عثمان، قال: قال يحيى: وحدثني أبو سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه".

قال يحيى: وحدثني أبو سلمة، أن عروة بن الزبير حدثه، أن أسماء بنت أبي بكر حدثته، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"ليس شيء أغير من الله عز وجل")

(2)

.

10 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: أخبرنا إسماعيل ابن علية، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جار الدار أحق بالدار".

وفي الباب: عن الشريد، وأبي رافع، وأنس.

حديث سمرة حديث حسن صحيح.

وروى عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم

مثله.

وروي عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

"صحيح البخاري"(5222 - 5223).

(2)

"صحيح مسلم"(2761 - 2762).

ص: 370

والصحيح عند أهل العلم حديث الحسن عن سمرة، ولا نعرف حديث عن أنس إلا عن حديث عيسى بن يونس.

وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، عن عمرو بن الشريد، عن عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب هو حديث حسن.

وروى إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبي رافع، عن النبي- صلى الله عليه وسلم.

سمعت محمدا يقول: كلا الحديثين عندي صحيح)

(1)

.

قلت: مقصود البخاري حديث عمرو بن الشريد عن أبيه، وعنه عن رافع، كما في "العلل الكبير"

(2)

.

وأما حديث قتادة عن أنس، فهو غير محفوظ، والصواب حديث سمرة.

وهذا عند البخاري والترمذي.

11 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا عَبثر بن القاسم، عن الأشعث وهو: ابن سوّار، عن أبي إسحاق، عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضْحِيان، فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر، وعليه حلة حمراء، فإذا هو عندي أحسن من القمر.

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الأشعث.

ورواه شعبة والثوري، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حلّة حمراء.

حدثنا بذلك محمود بن غيلان، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق.

(1)

"جامع الترمذي"(1429).

(2)

(382 - 384).

ص: 371

وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق

بهذا.

وفي الحديث كلام أكثر من هذا.

سألت محمدا، فقلت له: حديث أبي إسحاق عن البراء أصحّ، أو حديث جابر بن سمرة؟ فرأى كلا الحديثين صحيحا.

وفي الباب: عن البراء، وأبي جحيفة)

(1)

.

12 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ القرآن، فهي خِداج، فهي خداج غير تمام"، قال: قلت: يا أبا هريرة، إني أحيانا أكون وراء الإمام، قال: يا ابن الفارسي، فاقرأها في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله: قسّمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين؛ فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، يقوم العبد فيقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] فيقول الله تبارك وتعالى: حمدني عبدي، فيقول: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] فيقول الله: أثنى علي عبدي، فيقول: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] فيقول: مجدني عبدي، وهذا لي، وبيني وبين: عبدي: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وآخر السورة لعبدي، ولعبدي ما سأل، يقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6 - 7] ".

هذا حديث حسن.

(1)

"جامع الترمذي"(3033 - 3035)، وفي "تحفة الأشراف" (2208):(حسن).

ص: 372

وقد روى شعبة وإسماعيل بن جعفر وغير واحد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم

نحو هذا الحديث.

وروى ابن جريج ومالك بن أنس، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم

نحو هذا الحديث.

وروى ابن أبي أويس، عن أبيه، عن العلاء بن عبد الرحمن، قال: حدثني أبي وأبو السائب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم

نحو هذا.

حدثنا بذلك محمد بن يحيى ويعقوب بن سفيان الفارسي، قالا: حدثنا ابن أبي أويس، عن أبيه، عن العلاء بن عبد الرحمن، قال: حدثني أبي وأبو السائب مولى هشام بن زهرة -وكانا جليسين لأبي هريرة-، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خداج، فهي خداج غير تمام".

وليس في حديث إسماعيل بن أبي أويس أكثر من هذا.

وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث، فقال: كلا الحديثين صحيح، واحتج بحديث ابن أبي أويس، عن أبيه، عن العلاء)

(1)

.

قلت: قد أقرَّ الترمذيُّ كلام البخاري وأبي زرعة على تصحيحهما لكلا الوجهين.

13 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في صلاة الوسطى:"صلاة العصر".

(1)

"جامع الترمذي"(3202 - 3203).

ص: 373

حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو داود الطيالسي وأبو النضر، عن محمد بن طلحة بن مصرف، عن زبيد، عن مرة الهمداني، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الوسطى صلاة العصر".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وفي الباب: عن علي، وعائشة، وحفصة، وأبي هريرة، وأي هاشم بن عتبة.

قال أبو عيسى: قال محمد: قال علي بن عبد الله: حديث الحسن عن سمرة حديث حسن

(1)

وقد سمع منه.

قال أبو عيسى: حديث سمرة في صلاة الوسطى حديث حسن.

حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، قال: حدثنا قريش بن أنس، عن حبيب بن الشهيد، قال: قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته، فقال: سمعته من سمرة بن جندب.

قال أبو عيسى: وأخبرني محمد بن إسماعيل، عن علي بن عبد الله بن المديني، عن قريش بن أنس، بهذا الحديث.

قال محمد: قال علي: وسماع الحسن من سمرة صحيح، واحتج بهذا الحديث)

(2)

.

قلت: وأعاد الترمذي إخراج حديث الحسن عن سمرة في أبواب التفسير من "الجامع"، من طريق يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن به، وقال:(هذا حديث حسن صحيح)

(3)

.

(1)

في بعض النسخ، و"مستخرج الطوسي"(1/ 449)، و"النفح الشذي" لابن سيد الناس (3/ 454 - 455):(صحيح).

(2)

"جامع الترمذي"(181 - 182).

(3)

"جامع الترمذي"((3243).

ص: 374

قلت: في الأول قال: (حديث حسن)، وعندما أعاده مرة أخرى قال:(حسن صحيح).

ويجاب عن هذا: إما بتغير اجتهاده، وإما أنه لا اختلاف بين حكمه الأول والثاني؛ لأنه في بعض النسخ قال:(حسن صحيح)، وكذلك المزي في "التحفة"

(1)

لما ذكر تخريج الترمذي للحديث من وجهين، لم يذكر إلا قوله:(حسن صحيح).

(1)

"تحفة الأشراف"(4602)

ص: 375

‌النوع السابع ما حسنه وهو صحيح عند جمهور الحفاظ، وذلك بأن يكون مخرجا في " الصحيحين " أو في أحدهما

1 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن سالم أبي النضر، عن بشر بن سعيد، عن زيد بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أفضل صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة".

وفي الباب: عن عمر بن الخطاب، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وابن عمر، وعائشة، وعبد الله بن سعد، وزيد بن خالد الجهني.

قال أبو عيسى: حديث زيد بن ثابت حديث حسن.

وقد اختلفوا في رواية هذا الحديث، فروى موسى بن عقبة وإبراهيم ابن أبي النضر، عن أبي النضر مرفوعا، وأوقفه بعضهم.

ورواه مالك بن أنس عن أبي النضر ولم يرفعه.

والحديث المرفوع أصحّ)

(1)

.

قلت: هذا الحديث صحيح، وقد خرّجه الشيخان في "صحيحيهما" من طريق محمد بن جعفر، عن عبد الله بن سعيد، عن سالم أبي النضر به

(2)

.

وعن موسى بن عقبه عن أبي النضر به

(3)

.

وقد اختلف في رفع هذا الحديث ووقفه، فرواه مالك موقوفا، ولكنّ

(1)

"جامع الترمذي"(453).

(2)

"صحيح البخاري"(6113)، "صحيح مسلم"(781)

(3)

"صحيح البخاري"(731)، "صحيح مسلم"(781).

ص: 376

رفعه أصحّ -كما قال أبو عيسى-، وأنا أذهب إليه، فقد رفعه موسى بن عقبة، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، وإبراهيم بن أبي الخضر، جميعهم عن سالم به مرفوعا.

وسبب توقف أبي عيسى في تصحيحه هو هذا الاختلافُ الذي وقع فيه، وقد عُلم من منهجه أنه يفعل ذلك في بعض الأحيان، وفي أحيان كثيرة لا يفعل ذلك، ولا يلتفِت إلى الاختلاف الواقع في الحديث؛ إذا ترجح لديه الرفع أو الوصل، وتقدم

(1)

حديث "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"، وهو حديث صحيحٌ، ولكنَّ من أجل الاختلاف الذي وقع في رفعه ووقفه، جعل أبا عيسى يحكم عليه بـ:(حسن)، مع أنه صحح جانب الرفع.

2 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا يحيى بن خلف البصري، قال: حدثنا بشر بن المفضل، عن خالد الحذاء، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شهرا عيد لا ينقصان: رمضان، وذو الحجة".

قال أبو عيسى: حديث أبي بكرة حديث حسن.

وقد روي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا)

(2)

.

قلت: الحديث أخرجه الشيخان من طريق إسحاق بن سويد، وخالد الحذّاء، كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي بكرة به

(3)

.

(1)

(ص: 362) من هذا المجلد.

(2)

"جامع الترمذي"(701).

(3)

"صحيح البخاري"(1912)، "صحيح مسلم "(1089).

ص: 377

فتبيّن مما تقدم أن هذا الحديث صحيح، وأما السبب في عدم تصحيح الترمذي له فمن أجل الاختلافُ الذي وقع في إسناده كما ذكر.

3 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن سهل بن عسكر البغدادي وإبراهيم بن يعقوب، قالا: حدثنا علي بن عياش، قال: حدثنا شعيب بن أبي حمزة، قال: حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يسمع النداء: اللهم ربّ هذه الدّعوة التّامة، والصلاة القائمة، آت محمّدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، إلا حلّت له الشّفاعة يوم القيامة".

حديث جابر حديث حسن، غريب من حديث محيد بن المنكدر، لا نعلم أحدا رواه غير شعيب بن أبي حمزة)

(1)

.

قلت: أخرجه البخاري عن علي بن عياش به

(2)

.

4 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمود بن غيلان ويحيى بن موسى، قالا: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يده اليمنى على ركبته، ورفع إصبعه التي تلي الإبهام اليمنى يدعو بها، ويده اليسرى على ركبته باسطها عليه.

قال: وفي الباب: عن عبد الله بن الزبير، ونمير الخزاعي، وأبي هريرة، وأبي حميد، ووائل بن حُجْر.

قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث عبيد الله بن عمر إلا من هذا الوجه)

(3)

.

(1)

"جامع الترمذي"(211).

(2)

"صحيح البخاري"(614، 4719).

(3)

"جامع الترمذي"(296)، وفي "تحفة الأشراف" (8128):(غريب).

ص: 378

قلت: لم أقف على هذا الخبر عن عبيد الله إلا من هذا الوجه، كما قال أبو عيسى، فقد أخرجه أحمد

(1)

، ومسلم

(2)

، والنسائي

(3)

، وابن ماجه

(4)

، جميعهم من طريق عبد الرزاق به.

ولغرابته عن عبيد الله توقف أبو عيسى في تصحيحه.

وأما الحديث فهو صحيح من حديث نافع وغيره.

أما حديث نافع فقد أخرجه أحمد

(5)

، ومسلم

(6)

، وأبو عوانة

(7)

، من طريق حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع به.

وأخرجه أحمد

(8)

، والبزار

(9)

، عن محمد بن عبد الله أبي أحمد الزبيري، قال: حدثنا كثير بن زيد، عن نافع قال: كان عبد الله بن عمر إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، وأشار بإصبعه، وأتبعها بصره، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لهي أشدّ على الشيطان من الحديد" يعني: السّبابة.

وفي صحّة هذا اللفظ نظرٌ، وذلك في قوله:"لهي أشد على الشيطان من الحديد"، وأخرجه مسلم أيضا بنحو اللفظ الأول من طريق مالك

(10)

، عن مسلم بن أبي مريم، عن علي بن عبد الرحمن المعاوي، عن ابن عمر.

5 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن أبي هريرة قال: قال رسول

(1)

"المسند"(6348).

(2)

"صحيح مسلم"(580).

(3)

"المجتبى"(1284).

(4)

"السنن"(913).

(5)

"المسند"(6153).

(6)

"صحيح مسلم"(580).

(7)

"المستخرج"(2054).

(8)

"المسند"(6000).

(9)

(5917).

(10)

"صحيح مسلم"(580)، وهو في "الموطأ"(85).

ص: 379

الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".

وفي الباب: عن جابر، وبلال، وأبي أمامة.

قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن)

(1)

قلت: اختلفت النسخ في حكم أبي عيسى بين (حسن) و (حسن صحيح)، ففي "تحفة الأشراف"

(2)

: (حسن صحيح)، وفي "تحفة الأحوذي" في كلا الموضعين

(3)

: (حسن).

وقد روى النسائي

(4)

عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن شعبة، عن أبي بشر، عن حميد بن عبد الرحمن، فذكره مرسلا.

وبناء على ما تقدم، فإن حكمَ الترمذي على الحديث لم يتبيّن على سبيل الجزم، وإن ثبت أنه حسّنه فقط؛ فيكون توقفه في تصحيحه للاختلاف الذي وقع على أبي بشر، إذ أن شعبة قد أرسله

(5)

.

والحديث أخرجه مسلم عن قتيبة بن سعيد به، وأخرجه أيضا من طريق عبد الملك بن عمير، عن محمد بن المنتشر، عن حميد بن عبد الرحمن به

(6)

.

6 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمد بن موسى البصري، قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر، أمراء يكونون بعدي

(1)

"جامع الترمذي"(440)، وأعاده في كتاب الصيام (752) وحسنه أيضا.

(2)

(12292).

(3)

(2/ 543) و (3/ 519).

(4)

"المجتبى"(1630).

(5)

ورجح أبو حاتم والدارقطني رواية الوصل؛ ينظر: "علل أبن أبي حاتم"(751، 770)، "علل الدارقطني"(1656)، وأنا أذهب إلى هذا.

(6)

"صحيح مسلم"(1163).

ص: 380

يميتون الصلاة، فصلّ الصلاة لوقتها، فإن صليت لوقتها كانت لك نافلة، وإلا كنت قد أحرزت صلاتك".

وفي الباب: عن عبد الله بن مسعود، وعبادة بن الصامت.

قال أبو عيسى: حديث أبي ذر حديث حسن)

(1)

.

قلت: وهذا الحديث صحيح، فقد أخرجه مسلم

(2)

من طريق حماد بن زيد وجعفر بن سليمان وشعبة، جميعهم عن أبي عمران الجوني به.

ورواه أيضا عن أبي نعامة وأبي العالية البراء، عن عبد الله بن الصامت به.

فهو حديث صحيح لا شك في صحته، وأما عدم تصحيح أبي عيسى له فلعل المقصود بذلك طريق جعفر بن سليمان، فقد تُكلم فيه بعض الشيء، ولذا فأبو عيسى الترمذي أحيانا يصحح له، وأحيانا يكتفي بالتحسين

(3)

، وقد صحح بهذا الإسناد من غير طريق جعفر أكثر من حديث.

7 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا بشر بن السري، قال: حدثنا سفيان، عن عثمان بن حكيم، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة".

وفي الباب: عن ابن عمر، وأبي هريرة، وأنس، وعمارة بن رؤيبة، وجندب، وأبي بن كعب، وأبي موسى، وبريدة.

قال أبو عيسى: حديث عثمان حديث حسن.

(1)

"جامع الترمذي"(176).

(2)

(648).

(3)

ينظر: (ص: 172، 271) من هذا المجلد.

ص: 381

وقد روي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبى عمرة، عن عثمان موقوف، وروي من غير وجه عن عثمان مرفوع)

(1)

.

قلت: كذلك في "تحفة الأشراف"

(2)

: (حسن)، وفي "تحفة الأحوذي"

(3)

: (حسن صحيح).

على هذا فإن النسخ إذًا قد اختلفت، فإن ثبت أنه حسّنه فقط؛ فللخلافِ الذي وقع في رفعه ووقفه كما ذكر أبو عيسى.

والحديث أخرجه مسلم

(4)

من طريق عبد الواحد بن زياد وسفيان الثوري، كلاهما عن عثمان بن حكيم به.

8 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا خالد الحذاء، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لَيَلِيَني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وإياكم وهيشات الأسواق".

وفي الباب: عن أبي بن كعب، وأبي مسعود، وأبي سعيد، والبراء، وأنس.

قال أبو عيسى: حديث ابن مسعود حديث حسن غريب)

(5)

والحديث أخرجه مسلم

(6)

من طريق يزيد بن زريع به.

(1)

"جامع الترمذي"(221).

(2)

(9823).

(3)

(2/ 17)، ومثله في طبعة الرسالة (1/ 276).

(4)

"صحيح مسلم"(656).

(5)

"جامع الترمذي"(227)، وهكذا في عامة المصادر، وذكر أحمد شاكر أنه وقع في نسخة (م) زيادة:(صحيح)، والصحيح الأول.

(6)

"صحيح مسلم"(432).

ص: 382

قلت: وجه عدم تصحيح الترمذي لهذا الخبر، ما روى أبو الفضل ابن عمار في "الأحاديث التي انتقدها على مسلم"

(1)

بسنده عن الإمام أحمد قال: (هذا حديث منكر)، قال ابن عمار:(وإنما أنكره أحمد من هذا الطريق، فأما حديث أبي مسعود الأنصاري فهو صحيح).

قلت: وسبب إنكار أحمد له لكونه إسناد فرد.

وأبو معشر زياد بن كليب؛ قال عنه أبو حاتم: (من قدماء أصحاب إبراهيم، ليس بالمتين في حفظه، وهو أحب إليّ من حماد بن أبي سليمان)

(2)

.

وقد ذكر له أبو داود حديثا أخطأ فيه عن إبراهيم

(3)

.

وقد وثقه العجلي

(4)

والنسائي

(5)

.

وقال ابن حبان: (كان من الحفاظ المتقنين)

(6)

.

قلت: قوله فيه نظر، لذا حين سأل الدارمي يحيى بن معين: أبو معشر أحب إليك عن إبراهيم أو منصور؟ أجابه: (منصور خير منه ومن أبيه)

(7)

.

9 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا معاوية، عن الأعمش. ح وحدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو معاوية وابن نمير، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي، عن أوس بن ضمعج قال:

(1)

(ص:81).

(2)

"الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم (3/ 542).

(3)

ينظر: "سؤالات الآجري" ط الفاروق (ص: 63).

(4)

"الثقات"(1/ 374).

(5)

"المجتبى"(5/ 86)، (4/ 308).

(6)

"الثقات"(6/ 327).

(7)

" تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (ص: 247).

ص: 383

سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا، ولا يؤم الرجل في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه". قال محمود ابن غيلان: قال أبن نمير في حديثه: "أقدمهم سنا".

وفي الباب: عن أبي سعيد، وأنس بن مالك، ومالك بن الحويرث، وعمرو بن سلمة.

قال أبو عيسى: وحديث أبي مسعود حديث حسن)

(1)

قلت: لم تتفق نسخ الترمذي على هذا التحسين، فقد قال ابن سيد الناس:(حديث أبي مسعود هذا حسنه الترمذي، كذا هو في بعض النسخ، وكذا هو في "الأطراف"، وفي بعض النسخ تصحيحه)

(2)

.

قلت: ولذلك في "تحفة الأحوذي"

(3)

ونسخة أحمد شاكر

(4)

: (حسن صحيح).

وهذا الحديث صحيح، وقد صححه مسلم

(5)

.

وفي "العلل" لابن أبي حاتم: (وسألت أبي عن حديث أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

"جامع الترمذي"(235)، وكذا في "التحفة" للمزي (9976)، وطبعة الرسالة (1/ 290).

(2)

النفح الشذي" (4/ 252).

(3)

(2/ 40).

(4)

(1/ 460)، ولم يذكر اختلافا بين النسخ.

(5)

"صحيح مسلم"(673).

ص: 384

فقال: قد اختلفوا في متنه:

رواه فطر والأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضَمْعَج، عن أبي مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة

".

ورواه شعبة والمسعودي، عن إسماعيل بن رجاء، لم يقولوا:"أعلمهم بالسنة".

قال أبي: كان شعبة يقول: إسماعيل بن رجاء كأنه شيطان؛ من حسن

(1)

حديثه، وكان يهاب هذا الحديث؛ يقول: حكم من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشاركه أحد.

قال أبي: شعبة أحفظ من كلهم.

قال أبو محمد: أليس قد رواه السدي عن أوس بن ضمْعَج؟

قال: إنما رواه الحسن بن يزيد الأصم، عن السدي، وهو شيخ، أين كان الثوري وشعبة عن هذا الحديث؟! وأخاف ألا يكون محفوظا)

(2)

.

قال ابن رجب: (وفي ألفاظ هذا الحديث اختلاف، وقد توقف فيه أبو حاتم الرازي، وحكى عن شعبة أنه كان يهابه؛ لتفرد إسماعيل بن رجاء به عن أوس، فقال: إنما رواه الحسن بن يزيد الأصم، عن السدي، وهو شيخ، وأخاف أن لا يكون محفوظًا. يعني: حديث السدي)

(3)

.

قال نصر بن حماد الوراق: (سمعت شعبة ينازع عبد الله بن إدريس حتى غضبًا في حديث أوسٍ عن أبي مسعود "يوم القوم".

(1)

في بعض المصادر: (من جودة حديثه)، ينظر حاشية علل ابن أبي حاتم.

(2)

"العلل"(248).

(3)

"فتح الباري"(6/ 131).

ص: 385

قال شعبة: أنا والله أستخير الله فيه منذ سنة أن أدعه.

قال عبد الله: اتق، لا تُجنّ، حديث رواه الناس عنه: إسماعيل بن أبي خالد، وأبو إسحاق، ومسعر.

فقال شعبة: لا يكون هذا، حديث سُنّة يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في الدنيا شيء يشبهه، فلا يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو مسعود، ولا يسمعه منه إلا أوس!)

(1)

.

قلت: كلام شعبة هذا دقيق في معناه، ونفيس في بابه، فيما يتعلق بمسألة الغرابة والتفرد، ومنطلق شعبة في هذا الكلام إنما جاء من خلال معايشته لواقع الرواية وكثرة أسانيد الأخبار التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتجد الأحاديث تروى من أوجه كثيرة، وتتعدد الأسانيد من أوجه مختلفة، وهذا من حفظ الله لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

ولذا استغرب شعبة أن يتفرّد أوسُ بن ضَمْعَج بهذا الحكم المهم ولا يرويه غيره، ويزيد هذا وضوحا ما ذكره ابن عدي في "الكامل"

(2)

من طريق أبي حاتم الرازي، قال: حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، حدثنا محمد بن سواء قال:(ذكرت لشعبة حديث سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر؛ كنت أبيع الإبل بالبقيع. فقال: من حدث به؟ قلت: حماد بن سلمة، فقال: وكيف سمع حماد هذا، ولعله إنما جلس إلى سماك مجلسين أو ثلاثة، وقد جلست إلى سماك أكثر من مئة مجلس ولم أسمع هذا؟!).

وقد تكلمت على هذا في باب مفرد؛ في الغرابة وأقسامها وما يتعلق بها من أحكام.

(1)

"أطراف الغرائب والأفراد" لابن طاهر (2/ 247).

(2)

(3/ 349).

ص: 386

10 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا الحسن بن علي الخلال، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن ابن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لاْحب الخلق إلي.

قال أبو عيسى: حدثني الحسن بن علي بهذا أو بشبهه في المذاكرة.

وفي الباب: عن أبي سعيد.

قال أبو عيسى: حديث صفوان رواه معمر وغيره، عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب، أن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأن هذا الحديث أصح وأشبه، إنما هو سعيد بن المسيب، أن صفوان بن أمية)

(1)

.

قلت: هذا الحديث أخرجه مسلم في "صحيحه"

(2)

، والذي يظهر من كلام أبي عيسى أن هذا الخبر مرسل عن سعيد بن المسيب، فقد رجح قول:(سعيد أن صفوان قال) على الرواية الأخرى التي فيها: (عن صفوان).

11 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا هنّاد ويولسف بن عيسى، قالا: حدثنا وكيع، عن أبي هلال، عن سوادة بن حنظلة، عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال، ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق".

قال أبو عيسى هذا حديث حسن)

(3)

.

قلت: هذا الحديث صحيح، أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن سواده وشعبه، كلاهما عن سوادة به

(4)

.

(1)

"جامع الترمذي"(671).

(2)

(2313).

(3)

"جامع الترمذي"(715).

(4)

(1094).

ص: 387

وأما عدم تصحيح أبي عيسى له فلعله بسبب أبي هلال، وهو متكلم فيه، ولكنه قد توبع كما تقدم.

12 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا بشر ابن السري، عن سفيان، عن طلحة بن يحيى، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني، فيقول:"أعندك غداء؟ "، فأقول: لا، فيقول:"إني صائم"، قالت: فأتاني يوما، فقلت: يا رسول الله، إنه قد أهديت لنا هدية، قال:"وما هي؟ "، قالت: قلت: حيس، قال:"أما إني أصبحت صائمًا"، قالت: ثم أكل.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن)

(1)

.

قلت: حسّنه من أجل أنّ يحيى بن طلحة متكلم فيه، والحديث في "صحيح مسلم" من طريقه

(2)

.

13 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة وأحمد بن عبدة الضبي، قالا: حدثنا حماد بن زيد، عن غيلان بن جرير، عن عبد الله بن معبد الزِمّاني، عن أبي قتادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده، والسنة التي قبله".

وفي الباب: عن أبي سعيد.

قال أبو عيسى: حديث أبي قتادة حديث حسن)

(3)

.

قلت: هذا الحديث أخرجه مسلم

(4)

، وعدم تصحيح الترمذي له فلعله من أجل عبد الله بن معبد الزِمّاني، فهو لم يذكر سماعا عن أبي قتادة كما ذكر ذلك البخاري

(5)

.

(1)

"جامع الترمذي"(745).

(2)

(1154).

(3)

"جامع الترمذي"(761).

(4)

(1162).

(5)

"التاريخ الكبير"(5/ 198).

ص: 388

وقد جاء هذا الحديث من وجه آخر عن أبي قتادة؛ مما يدل على أنه محفوظ.

14 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا عبد بن حميد، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المومنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} "، قال:"وذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك".

هذا حديث حسن غرب، وإنما نعرفه من حديث فضيل بن مرزوق.

وأبو حازم هو الأشجعي، اسمه سلمان، مولى عزة الأشجعية)

(1)

.

قلت: أخرجه مسلم من طريق فضيل بن مرزوق به

(2)

.

15 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمود بن غيلان ويحيى بن موسى، قالا: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يده اليمنى على ركبته، ورفع إصبعه التي تلي الإبهام يدعو بها، ويده اليسرى على ركبته باسطها عليه.

قال: وفي الباب عن عبد الله بن الزبير، ونمير الخزاعي، وأبي هريرة، وأبي حميد، ووائل بن حجر.

قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن غريب، لا نعرفه من

(1)

"جامع الترمذي"(3250).

(2)

"صحيح مسلم"(1015).

ص: 389

حديث عبيد الله بن عمر إلا من هذا الوجه)

(1)

.

قلت: أخرجه مسلم من طريق عبد الرزاق به

(2)

.

16 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا الأنصاري، قال: حدثنا معن، قال: حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن ابن أكيمة الليثي، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال:"هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟ "، فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال:"إني أقول ما لي أنازَع القرآن؟ "، قال: فانخهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يجهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات بالقراءة، حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي الباب: عن ابن مسعود، وعمران بن حصين، وجابر بن عبد الله.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

وأبن أكيمة الليثي أسمه: عُمارة، ويقال: عمرو بن أكيمة.

وروى بعض أصحاب الزهري هذا الحديث، وذكروا هذا الحرف، قال: قال الزهري: فانتهى الناس عن القراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم)

(3)

.

قلت: ولأجل هذا الإدراج من الزهري لم يصحح أبو عيسى هذا الحديث.

17 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حصير.

(1)

"جامع الترمذي"(296). وفي "التحفة"(8128): (غريب) حسب.

(2)

"صحيح مسلم"(580).

(3)

"جامع الترمذي"(314).

ص: 390

وفي الباب: عن أنس، والمغيرة بن شعبة.

قال أبو عيسى: وحديث أبي سعيد حديث حسن)

(1)

.

قلت: وهذا الحديث رجاله ثقات، سوى أبي سفيان طلحة بن نافع، فإنه صدوق، ولكن العلة ليست هنا، وإنما في سماعه من جابر.

قال ابن رجب في شرح "العلل": (قال شعبة وابن عيينة: روايته عن جابر إنما هي صحيفة، ومرادهما أنه كتاب أخذه فرواه عن جابر ولم يسمعه.

وقال ابن المديني: قال معلى الرازي، عن يحيى بن أبي زائدة، قال: سمعت يزيد الدالاني قال: لم يسمع أبو سفيان من جابر إلا أربعة أحاديث.

وذكر الترمذي في "علله"

(2)

عن البخاري قال: كان يزيد أبو خالد الدالاني يقول: أبو سفيان لم يسمع من جابر إلا أربعة أشياء، ثم قال البخاري: وما يدريه؟ أو ما يرضى أن رأسا برأس، حتى يقول مثل هذا؟

يشير البخاري إلى أن أبا خالد في نفسه ليس بقوي، فكيف يتكلم في غيره!

وأثبت البخاري سماع أبي سفيان من جابر، وقال في "تاريخه": قال لنا مسدد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان: جاورت جابرا بمكة ستة أشهر.

قال: وقال علي: سمعت عبد الرحمن قال: قال لي هشيم، عن العلاء قال: قال لي أبو سفيان: كنت أحفظ وكان سليمان اليشكري يكتب. يعني: عن جابر.

(1)

"جامع الترمذي"(333).

(2)

"العلل الكبير"(ص: 388).

ص: 391

وخرج مسلم حديث أبي سفيان عن جابر، وخرجه البخاري مقرونًا)

(1)

.

وقال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب"

(2)

: (وفي "العلل الكبير" لعلي ابن المديني: أبو سفيان لم يسمع من جابر إلا أربعة أحاديث، وقال فيها: أبو سفيان يكتب حديثه، و ليس بالقوى. وقال أبو حاتم، عن شعبة: لم يسمع أبو سفيان من جابر إلا أربعة أحاديث).

قلت: لم يخرج البخاري له سوى أربعة أحاديث عن جابر، وأظنها التي عناها شيخه علي ابن المديني: منها حديثان في الأشربة

(3)

، قرنه بأبي صالح، وفي المناقب حديث:"اهتز العرش"

(4)

كذلك، والرابع في تفسير سورة الجمعة

(5)

، قرنه بسالم بن أبي الجعد.

وأما أبو عيسى فخرج له عدة أحاديث عن جابر؛ فمنها ما حسنها

(6)

، مع أن رجالها ثقات، ومنها ما صححها، وهذا الأكثر

(7)

.

قلت: ورواية أبي سفيان عن جابر وإن كانت صحيفة إلا أنها صحيحة، وذلك أن سليمان بن قيس اليشكري -وهو ثقة- قد كتب صحيفة عن جابر، فلم يلبث أن توفي، فأخذ هذه الصحيفة جمعٌ من أهل العلم من زوجته، وأخذوا يروونها عن جابر، منهم أبو سفيان هذا

(8)

.

18 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة،

(1)

(2/ 742).

(2)

(2/ 244).

(3)

(5605، 5606).

(4)

(3803).

(5)

(4899).

(6)

ينظر: (333، 2062، 2415).

(7)

ينظر: (276، 2793، 2819 - 2820، 3617)، وما لم يحكم عليه:(459، 1937)، وما أعلّه بالاضطراب (1333).

(8)

ينظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (4/ 136).

ص: 392

عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل مختصرًا.

وفي الباب: عن ابن عمر.

قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن)

(1)

.

قلت: كذا في بعض النسخ، وهو الموافق لما في "تحفة الأشراف"

(2)

، وفي بعض النسخ و"تحفة الأحوذي"

(3)

: (حسن صحيح)؛ فتبين من هذا أن النسخ اختلفت في حكم الترمذي على الحديث.

19 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا بندار، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بول الغلام الرضيع:"ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

رفع هشام الدستوائي هذا الحديث عن قتادة، ووقفه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، ولم يرفعه)

(4)

.

قلت: رفع هذا الخبر صحيح، ولمجال فيه كما قيل في الأحاديث التي قبله.

20 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أبو سعيد الأشج، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل ومسلم البطين، عن سعيد ابن جبير وعطاء ومجاهد، عن ابن عباس قالْ جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم،

(1)

"جامع الترمذي"(385).

(2)

(14560).

(3)

(2/ 412).

(4)

"جامع الترمذي"(616)، وهو كذلك في "تحفة الأشراف"(10131)، وفي بحض النسخ زيادة:(صحيح)، والصواب الأول.

ص: 393

فقالت: إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين، قال:"أرأيت لو كان على أختك دين اكنت تقضينه؟ " قالت: نعم، قال:"فحق الله أحق".

وفي الباب: عن بريدة، وابن عمر، وعائشة.

قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح.

حدثنا أبو غريب، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الأعمش، بهذا الإسناد نحوه.

وقال أبو عيسى: سمعت محمدا يقول: جوّد أبو خالد الأحمر هذا الحديث عن الأعمش

(1)

.

قال محمد: وقد روى غير أبي خالد، عن الأعمش، مثل رواية أبي خالد.

قال أبو عيسى: وروى أبو معاوية وغير واحد هذا الحديث عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا فيه: سلمة بن كهيل، ولا عن عطاء، ولا عن مجاهد)

(2)

.

قلت: في "تحفة الأشراف" للمزي

(3)

: (حسن)، فاختلفت نسخ الترمذي في الحكم على هذا الخبر، وإذا ترجح أنه حسّنه فلعل هذا من أجل الاختلاف الذي ذكره أبو عيسى

(4)

.

21 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا بندار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن

(1)

زاد في "العلل الكبير"(197): (واستحسن حديثه جدًا).

(2)

"جامع الترمذي"(725 - 726)، وكذا في طبعة الرسالة (2/ 248).

(3)

(5612).

(4)

ينظر: "صحيح البخاري"(1953)، "صحيح مسلم"(1148)، "التتبع" للدارقطني (179).

ص: 394

مهدي، عن سفيان، عن مخصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي سلمة، عن أم سلمة قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان.

وفي الباب: عن عائشة.

قال أبو عيسى: حديث أم سلمة حديث حسن.

وقد روي هذا الحديث أيضًا عن أبى سلمة، عن عائشة، أنها قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلا، بل كان يصومه كله)

(1)

.

وقد أخرجه في "الشمائل"

(2)

فقال: (هذا إسناد صحيح، وهكذا قال: عن أبي سلمة، عن أم سلمة.

وروى هذا الحديث غير واحد، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ويحتمل أن يكون أبو سلمة بن عبد الرحمن قد روى هذا الحديث عن عائشة وأم سلمة جميعا، عن النبي صلى الله عليه وسلم).

قلت: لم يصححه في "الجامع" من أجل الاختلاف الذي وقع في إسناده، هذا الذي يظهر لي، وقد تقدم نظائر ذلك.

وأما تصحيحه له في كتابه "الشمائل" فيظهر أنه ترجح له صحته فحكم بذلك، وهذا هو الأرجح، فهذا الخبر صحيح من حديث أبي سلمة عن أم سلمة، وعن أبي سلمة عن عائشة، وهذا ممّا قد يفيد أن شرطه في "الجامع" أقوى من شرطه خارجه، وهذه هي طريقة البخاري، فإن شرطه في "الصحيح" أقوى مما في خارج "الصحيح" كما هو معلوم.

(1)

"جامع الترمذي"(748 - 749).

(2)

(301).

ص: 395

22 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستا من شوال فذلك صيام الدهر".

وفي الباب: عن جابر، وأبي هريرة، وثوبان.

حديث أبي أيوب حديث حسن صحيح.

قال أبو عيسى: وقد روى عبد العزيز بن محمد، عن صفوان بن سليم وسعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا.

وروى شعبة، عن ورقاء بن عمر، عن سعد بن سعيد هذا الحديث.

وسعد بن سعيد هو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري، وقد تكلم بعض أهل الحديث في سعد بن سعيد من قبل حفظه)

(1)

.

قلت: اختلفت النسخ في حكم الترمذي، وفي بعضى النسخ ومنها نسخة الكروخي

(2)

: (حسن)، ولم يذكر المزي في "التحفة"

(3)

حكم الترمذي.

وإذا ثبت أن الترمذي قد حسّنه فقط، فهذا من أجل سعد بن سعيد قد تُكلِّم فيه، كما ذكر في نهاية الباب.

23 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من

(1)

"جامع الترمذي"(771)، وفي هامش التحقيق ذكر لاختلاف النسخ في حكم الترمذي.

(2)

(ص: 58 ب)، وهو موافق لطبعة الرسالة (769).

(3)

(3482)، إلا أن محقق "التحفة" أضاف (حسن صحيح)، وليس في أصل "التحفة" ذكر لحكم الترمذي، ولذا لا يوجد في طبعة دار الغرب الإسلامي.

ص: 396

صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر". فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك في كتابه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: (160)] اليوم بعشرة أيام.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

قال أبو عيسى: وقد روى شعبة هذا الحديث، عن أبي شمر وأبي التياح، جميعا عن أبي عثمان، وقال: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم)

(1)

.

قلت: هذا الحديث رجاله ثقات أثبات، وإنما حسنه من أجل الاختلاف الذي وقع في إسناده، فقد ذكر أبو عيسى أن شعبة روى هذا الحديث فجعله من مسند أبي هريرة.

24 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة ونصر بن علي، قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تصوم المرأة وزوجها شاهد يوما من غير شهر رمضان إلا بإذنه".

وفي الباب: عن ابن عباس، وأبي سعيد.

قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن

(2)

.

وقد روي هذا الحديث عن أبي الزِّناد، عن موسى بن أبي عثمان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم)

(3)

.

قلت: إذا ثبت أنه (حسن) فقط، فمن أجل الاختلاف الذي وقع في إسناده.

* * *

(1)

"جامع الترمذي"(774).

(2)

في بعض النسخ: (حسن صحيح)، والصواب:(حسن).

(3)

"جامع الترمذي"(795).

ص: 397

‌النوع الثامن ما حسّنه، مع أن ظاهره الصحة، ولكنه توقف في تصحيحه لاختلاف وقع فيه، وسلك فيه سبيل الاحتياط

(1)

1 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا يحيى بن خلف البصري، قال: حدثنا بشر بن المفضَّل، عن خالد الحذّاء، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شهرا عيد لا ينقصان: رمضان، وذو الحجة".

قال أبو عيسى: حديث أبي بكرة حديث حسن.

وقد روي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا)

(2)

.

قلت: هذا الحديث متفق على صحته؛ خرّجه الشيخان

(3)

، وإسناد الترمذي صحيح، وهو مسلسل بالثقات المشاهير، ومع هذا توقف في تصحيحه احتياطا منه؛ وذلك لكونه جاء من وجه آخر عن عبد الرحمن بن أبي بكرة مرسلا.

ولم أقف على هذا الوجه.

وقد جاء من وجه آخر، وفيه شكٌّ في رفعه، وهو ما جاء عن إسماعيل بن علية، عن خالد الحذاء، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال: أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

أشرت سابقا إلى أني إنما أفردت هذا النوع لكثرته في "جامع أبي عيسى".

(2)

"جامع الترمذي"(701).

(3)

"صحيح البخاري"(1912)"صحيح مسلم"(1089)، من طريق إسحاق بن سويد وخالد الحذاء، كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي بكرة به.

ص: 398

أخرجه الإمام أحمد عن إسماعيل به

(1)

، وهذا لم أقف عليه إلا من هذا الوجه.

2 -

(حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري، قال: حدثنا معن، قال: حدثنا مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف كافر، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة، فحلبت فشرب، ثم أخرى فشربه، ثم أخرى فشربه، حتى شرب حلاب سبع شياه، ثم أصبح من الغد فأسلم، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة، فحلبت فشرب حلابها، ثم أمر له بأخرى فلم يستتمّها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"المؤمن يشرب في معى واحد، والكافر يشرب في سبعة أمعاء".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب)

(2)

.

وفي بعض النسخ زيادة: (غريب من حديث سهيل).

قلت: الذي يظهر لي أنه توقف في تصحيحه من أجل غرابته، فقد تفرد به مالك فيما يظهر؛ لأنه قال:(غريب من حديث سهيل)، وإلا فظاهر الحديث الصحة، وقد خرّجه مسلم في "صحيحه"

(3)

وغيره، وهو في "الموطأ" برواية يحيى الليثي وغيره

(4)

.

هذا وقد جاء من أوجه أخرى عن أبي هريرة؛ فقد أخرجه البخاري

(1)

"مسند أحمد"(20399).

(2)

"جامع الترمذي"(1935)، هكذا في (التحفة) (12739) و (تحفة الأحوذي) (5/ 563) والطبة الحجرية التي مع (تحفة الأحوذي) (3/ 88) وطبعة الرسالة (3/ 588):(حسن غريب). وفي طبعتي التأصيل والصّديق (1819): (حسن صحيح غريب).

(3)

(2063) من طريق محمد بن رافع، عن إسحاق بن عيسى، عن مالك به.

(4)

(2675).

ص: 399

من حديث مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة

(1)

، ومن حديث شعبة، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة

(2)

.

وأخرجه مسلم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة

(3)

، فهو مشهور من حديث أبي هريرة.

وأما متنه فمتواتر، فقد جاء من أوجه أخرى.

2 -

قال أبو عيسى الترمذي: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: أخبرنا شريك، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يقع على امرأته وهي حائض، قال:"يتصدق بنصف دينار".

حدثنا الحسين بن حريث، قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن أبي حمزة السكري، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان دما أحمر فدينار، وإن كان دما أصفر فنصف دينار".

قال أبو عيسى: حديث الكفارة في إتيان الحائض قد روي عن ابن عباس موقوفا ومرفوعا)

(4)

.

قلت: هذا الخبر صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وإنما الخلاف في رفعه ووقفه كما ذكر أبو عيسى، ولعلّه من أجل هذا الاختلاف لم يحكم عليه بشيء، وهذا من احتياطه فيما يظهر، مع ملاحظة أنه إذا قيل بوقفه فمثله لا يقال من قبل الرأي.

3 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن هلال بن يساف، قال: أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي ونحن بالرقة، فقام بي على شيخ يقال له: وابصة بن معبد، من بني أسد، فقال

(1)

(صحيح البخاري)(5396).

(2)

(صحيح البخاري)(5397).

(3)

(صحيح مسلم)(2062).

(4)

(جامع الترمذي)(137 - 138)

ص: 400

زياد: حدثني هذا الشيخ، أن رجلا صلى خلف الصف وحده - والشيخ يسمع - فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة.

قال: وفي الباب: عن علي بن شيبان، وابن عباس.

قال أبو عيسى: حديث وابصة حديث حسن.

وروى حديث حصين عن هلال بن يساف غير واحدٍ مثل رواية أبي الأحوص عن زياد بن أبي الجعد، عن وابصة، وفي حديث حصين ما يدل على أن هلالا قد أدرك وابصة.

واختلف أهل الحديث في هذا، فقال بعضهم: حديث عمرو بن مرة، عن هلال بن يساف، عن عمرو بن راشد، عن وابصة أصح، وقال بعضهم: حديث حصين، عن هلال بن يساف، عن زياد بن أبي الجعد، عن وابصة بن معبد أصح.

قال أبو عيسى: وهذا عندي أصح من حديث عمرو بن مرة؛ لأنه روي من غير حديث هلال بن يساف، عن زياد بن أبي الجعد، عن وابصة بن معبد.

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن هلال بن يساف، عن عمرو بن راشد، عن وابصة بن معبد، أن رجلا صلى خلف الصف وحده، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة)

(1)

.

قلت: هذا الحديث صحيح، وقد رجح أبو عيسى رواية حصين، ومع ذلك حكم عليه بالحسن ولم يصححه، وهذا فيما يظهر من احتياطه.

(1)

(جامع الترمذي)(229 - 230).

ص: 401

5 -

(حدثنا هنّاد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون، ولكن في التحريش بينهم".

وفي الباب: عن أنس، وسليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أبيه.

هذا حديث حسن.

وأبو سفيان اسمه طلحة بن نافع)

(1)

.

قلت: توقف في تصحيحه من أجل الخلاف في سماع أبي سفيان من جابر، قال شعبة وسفيان بن عيينة:(حديث أبي سفيان عن جابر إنما هي صحيفة)

(2)

.

ومثله حديث: "ما على الأرض نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة"، أخرجه من طريق الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، وقال:(حديث حسن)

(3)

.

وأخرج لأبي سفيان عن جابر أحاديث أخرى وصحّحها، ربما لكونها جاءت من طرق أخرى، كما نصَّ على ذلك في حديث: "يعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا فيها حمما، ثم تدركهم الرحمة فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنة

"، أخرجه من طريق الأعمش، عن أبي سفيان به، وقال:(هذا حديث حسن صحيح، قد روي من غير وجه عن جابر)

(4)

.

ونحوه حديث "بين الكفر والإيمان ترك الصلاة"، أخرجه من طريق

(1)

(جامع الترمذي)(2062).

(2)

ينظر: (الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم (1/ 46)، و (شرح العلل)(2/ 742).

(3)

(جامع الترمذي)(2415).

(4)

(جامع الترمذي)(2793).

ص: 402

الأعمش، عن أبي سفيان به، وقال:(حسن صحيح)

(1)

، ثم أتبعه برواية أبي الزبير عن جابر، وقال:(حسن صحيح)

(2)

.

وروى عن أحمد بن منيع، عن هشيم، عن حُصين، عن أبي سفيان، عن جابر قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائما إذ قدمت عير المدينة

الحديث، وقال:(حسن صحيح).

ثم روى بعده أيضا عن أحمد بن منيع، عن هشيم، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم

بنحوه، وقال:(حسن صحيح)

(3)

.

ولعله أيضا من هذا الباب حديث "إذا سجد أحدكم فليعتدل"، ذكره من حديث أبي سفيان، عن جابر، وقال:(حسن صحيح)

(4)

، ثم أتبعه برواية شعبة، عن قتادة، عن أنس بنحوه، وقال:(حسن صحيح)

(5)

.

وحديث أنس قد خرجه الشيخان

(6)

.

وبعضها لم يحكم عليها بشيء، مثلى حديث:"من خشي منكم ألا يستيقظ من آخر الليل فليوتر من أوله"

(7)

، وحديث:"طعام الواحد يكفي الاثنين"

(8)

، ولكنه قد ذكر هذين الحديثين بعد حديث الباب؛ ذكر المتن، ثم ساق الإسناد.

وقد تقدم الكلام عن رواية أبي سفيان عن جابر

(9)

.

(1)

(جامع الترمذي)(2819 - 2820).

(2)

(جامع الترمذي)(2821).

(3)

(جامع الترمذي)(3617 - 3618).

(4)

(جامع الترمذي)(276).

(5)

(جامع الترمذي)(277).

(6)

(صحيح البخاري)(822)، (صحيح مسلم)(493).

(7)

(جامع الترمذي)(459).

(8)

(جامع الترمذي)(1937).

(9)

ينظر: ص (391) من هذا المجلد.

ص: 403

وربما حسّنه الترمذي لأجل الاختلاف؛ ففي (العلل) لابن أبي حاتم

(1)

: (سألت أبي عن حديث رواه المسيب ابن واضح، عن أبي إسحاق الفزاري، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون، ولكنه في التحريش بينهم".

وعن أبي إسحاق الفزاري، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.

قال أبي: أحد هذين باطل).

6 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا هشيم، عن داود بن أبي هند، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العمرى جائزة لأهلها، والرقبى جائزة لأهلها".

هذا حديث حسن، وقد روى بعضهم، عن أبي الزبير، عن جابر موقوفا)

(2)

.

قلت: مع أن ظاهر الإسناد المرفوع الصحة

(3)

، إلا أن المصنف توقف في تصحيحه من أجل الاختلاف في وقفه ورفعه، وهذا دليل على احتياطه.

7 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا الحسن بن علي الخلال، قال: حدثنا أبو الوليد وعفان وسليمان بن حرب، قالوا: حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسوَدّ، وعن بيع الحَبّ حتى يشتد.

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه مرفوعا، إلا من حديث حماد بن سلمة)

(4)

.

(1)

(2355).

(2)

(جامع الترمذي)(1409)، وفي بعض النسخ زيادة:(بهذا الإسناد ولم يرفعه).

(3)

ولذا صححه ابن حبان (2136).

(4)

(جامع الترمذي)(1280).

ص: 404

قلت: مع أن ظاهر الحديث الصحة؛ لأن حمادا أثبت الناس في خاله حميد كما قال الإمام أحمد

(1)

، فالمصنف لم يصححه؛ لأن هناك من خالف حمادا في لفظ الحديث.

قال أبو بكر البيهقي: (ذِكر الحب حتى يشتد والعنب حتى يسود في هذا الحديث، مما تفرد به حماد بن سلمة عن حميد من بين أصحاب حميد، فقد رواه في الثمر: مالك بن أنس، وإسماعيل بن جعفر، وهشيم بن بشير، وعبد الله بن المبارك، وجماعة يكثر تعدادهم، عن حميد، عن أنس، دون ذلك)

(2)

.

8 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يأتيني الرجل، فيسألني من البيع ما ليس عندي، آبتاعُ له من السوق، ثم أبيعه منه؟ قال:"لا تبع ما ليس عندك".

حدثنا قتيبة، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبيع ما ليس عندي.

هذا حديث حسن.

وفي الباب: عن عبد الله بن عمرو.

حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدثنا أيوب، قال: حدثنا عمرو بن شعيب، قال: حدثنى أبي، عن أبيه، حتى ذكر عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك".

وهذا حديث حسن صحيح.

(1)

(الكامل) لابن عدي (3/ 359)، (شرح علل الترمذي)(2/ 781 - 782).

(2)

(السنن الكبرى)(11/ 126).

ص: 405

حديث حكيم بن حزام حديث حسن، قد روي عنه من غير وجه، روى أيوب السختياني وأبو بشر، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام.

وروى هذا الحديث عوف وهشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن حكيم بن حزام، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا حديث مرسل، إنما رواه ابن سيرين، عن أيوب السختياني، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام هكذا.

حدثنا الحسن بن علي الخلال وعبدة بن عبد الله وغير واحد، قالوا: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن يزيد بن إبراهيم، عن ابن سيرين، عن أيوب، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبيع ما ليس عندي.

وروى وكيع هذا الحديث، عن يزيد بن إبراهيم، عن ابن سيرين، عن أيوب، عن حكيم بن حزام، ولم يذكر فيه عن يوسف بن ماهك.

ورواية عبد الصمد أصحّ.

وقد روى يحيى بن أبي كثير هذا الحديث

(1)

، عن يعلى بن حكيم، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عصمة، عن حكيم بن حزام، عن النبي صلى الله عليه وسلم)

(2)

.

قلت: رجاله ثقات، لكن يوسف لم يثبت أنه سمع هذا الخبر من حكيم، وإنما بينهما عبد الله بن عصمة، ولأجل هذا لم يصححه.

(1)

أخرجه ابن الجارود في (المنتقى)(655 - 657) من طريق هشام وشيبان وهمام، عن يحيى به.

(2)

(جامع الترمذي)(1284، 1287).

ص: 406

قال العلائي: (يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام، قال الإمام أحمد: مرسل)

(1)

.

وعبد الله بن عصمة هو الجشمي، ليس بالمشهور، ولكن رواية يوسف بن ماهك عنه، وعطاء بن أبي رباح

(2)

- وهما ثقتان مشهوران، خاصة عطاء فهو إمام - مما يقويه، هذا مع ذكر ابن حبان له في (الثقات)

(3)

، ولذا قال الذهبي في (الكاشف)

(4)

: ثقة.

9 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا هنّاد وعلي بن حُجْر، قالا: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن شر حبيل بن مسلم الخولاني، عن أبي أمامة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجّة الوداع: "العارية مؤداة، والزعيم غارم، والدين مقضي".

وفي الباب: عن سمرة، وصفوان بن أمية، وأنس.

حديث أبي أمامة حديث حسن، وقد روي عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا من غير هذا الوجه)

(5)

.

قلت: هذا الحديث إسناده قوي، وهو من رواية إسماعيل بن عياش عن الشاميين، وقد قوّاها الحفاظ، ومع أن الحديث روي عن أبي أمامة من غير هذا الوجه كما ذكر المصنف، إلا أنه لم يصححه.

10 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي البصري، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن إبراهيم بن حميد الرؤاسي، عن هشام بن عروة، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أنس بن مالك، أن رجلا من

(1)

(جامع التحصيل)(919).

(2)

(المجتبى) للنسائي (4645).

(3)

(5/ 27).

(4)

(3/ 154).

(5)

(جامع الترمذي)(1319).

ص: 407

كلاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل، فنهاه، فقال: يا رسول الله، إنا نطرق الفحل فنكرم، فرخص له في الكرامة.

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن حميد، عن هشام بن عروة)

(1)

.

قلت: هذا الحديث وإن كان رجال إسناده ثقات، لكنه غريب جدا؛ ولهذا لم يصححه.

11 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا نصر بن علي الجَهضمي، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا خالد الحذاء، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليلينِّي منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وإياكم وهيشات الأسواق".

وفي الباب عن أبي بن كعب، وأبي مسعود، وأبي سعيد، والبراء، وأنس.

قال أبو عيسى: حديث ابن مسعود حديث حسن غريب)

(2)

.

قلت: ظاهره الصحة، وزياد بن كليب ثقة، وأخرجه مسلم

(3)

، ولكن لم يصححه الترمذي لغرابته، مع أنه سأل البخاري عنه فقال:(أرجو أن يكون محفوظا)

(4)

.

ولذا استنكره الإمام أحمد، قال أبو الفضل بن عمار في (علل

(1)

(جامع الترمذي)(1328) - وينظر: (أطراف الغرائب والأفراد)(1241).

(2)

(جامع الترمذي)(227).

(3)

(صحيح مسلم)(432) من طريق يحيى بن حبيب وصالح بن حاتم، عن يزيد به.

(4)

(العلل الكبير)(94).

ص: 408

الأحاديث في صحيح مسلم)

(1)

: (ووجدت فيه من حديث يزيد بن زُرَيْع، عن خالد الحَذَّاء، عن أبي مَعْشَر، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنُّهَى"، وذكر الحديث وفيه زيادة:"وإياكم وهَيْشَات الأسواق".

حدثني محمد بن أحمد مولى بني هاشم، قال: سمعت حنبل بن إسحاق، عن عمه أحمد بن حنبل قال: هذا حديث منكر.

قال أبو الفضل: قلت: وإنما أنكره أحمد بن حنبل من هذا الطريق، فأما حديث أبي مسعود الأنصاري فهو صحيح).

12 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان وأبو جناب

(2)

يحيى بن أبي حية، عن عبد الله بن عيسى، عن يحيى بن الحارث، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة وغسل، وبكّر وابتكر، ودنا واستمع وأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها".

وفي الباب عن أبي بكر، وعمران بن حصين، وسلمان، وأبي ذر، وأبي سعيد، وابن عمر، وأبي أيوب.

حديث أوس بن أوس حديث حسن).

قلت: هذا الحديث صحيح، وقد جاء من أوجه أخرى، وصحّحه جمعٌ من أهل العلم.

(1)

(12).

(2)

كذا، وهو معطوف على سفيان، قال المزي في "التحفة" (1735):(عن سفيان وأبي جناب بحيى بن أبي حية، كلاهما عن عبد الله بن عيسى).

ص: 409

13 -

قال الترمذي رحمه الله: (حدثنا علي بن خَشرم، قال: أخبرنا عيسى بن يونس، عن محمد بن عمرو، عن عَبيدة بن سفيان، عن أبي الجعد يعني الضمري - وكانت له صحبة فيما زعم محمد بن عمرو -، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونا بها طبع الله على قلبه".

وفي الباب عن ابن عمر، وابن عباس، وسمرة.

حديث أبي الجعد حديث حسن.

قال: وسألت محمدا عن اسم أبي الجعد الضمري فلم يعرف اسمه، وقال: لا أعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث.

قال أبو عيسى: ولا نعرف هذا الحديث إلا من حديث محمد بن عمرو)

(1)

.

قلت: وهذا أيضا توقف فيه للغرابة.

وأخرجه ابن أبي شيبة والطبراني في (الكبير) والحاكم

(2)

، من طرق عن يزيد بن هارون، عن محمد بن عمرو به، وفيه تصريح عَبيدة بن سفيان بالسماع من أبي الجعد.

والله تعالى أعلم.

وسيأتي في مصطلح (الغريب): فصلٌ في أحاديث رويت بأسانيد ظاهرُها الصحة، توقف أبو عيسى في تصحيحها لغرابتها، وفيه أمثلة كثيرة.

* * *

نخلص مما سبق: إلى أن في حكم الترمذي على حديثٍ ما - أو على

(1)

(جامع الترمذي)(506).

(2)

(المصنف)(5646)، (المعجم الكبير)(915)، (المستدرك)(6804).

ص: 410

راوٍ من الرواة - بأنه حسن: تقويةً لهذا الحديث - أو لهذا الراوي -، ولكن لا يصل لدرجة الصّحة والقبول، ولا ينزل لدرجة الساقط والواهي، كما أن الراوي المحكوم عليه بذلك لا يصل لدرجة الاحتجاج، ولا ينزل لدرجة الساقط والواهي.

ومما يدل على هذا ويؤكِّده:

1 -

تعريف الترمذي للحديث الحسن، ففي خلو الحديث من المتهم، وكونه يروى من غير وجه = هذه تقوية نوعا ما للحديث.

2 -

قال الترمذي: (قال محمد: شهر حسن الحديث. وقوّى أمره، وقال: إنما تكلم فيه ابن عون)

(1)

.

فقوله: (قوى أمره) هذا من كلام الترمذي، وأن هذه التقوية فيما يظهر من فهمه لقول البخاري:(حسن الحديث).

3 -

أن الترمذي روى حديثا في كتابه (العلل الكبير)

(2)

: باب ما جاء في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، حدثنا سيف بن هارون، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله، قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما بايعت عليه النساء

الحديث.

فسألت محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه حسنا، وقال: سيف بن هارون له مناكير).

والشاهد قوله: (فلم يعرفه حسنا)، لأن هذا الإسناد منكر، ولذا قال:(سيف بن هارون له مناكير).

(1)

(جامع الترمذي)(3/ 557).

(2)

(480).

ص: 411

4 -

أن الحديث الساقط، وما كان شديد الضعف، لا يحكم عليه بذلك، وإنما يبيّن ضعفه، أو يحكم عليه بالغرابة، دون أن يضيف إليها الحسن أو الصحة من باب أولى، ومن أمثلة ذلك:

قال الترمذي: (3851) - حدثنا محمد بن حاتم المؤدِّب، قال: حدثنا الحكم بن ظهير، قال: حدثنا علقمة بن مَرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: شكا خالد بن الوليد المخزومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ما أنام الليل من الأرق، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم رب السموات السبع وما أظلت، ورب الأرضين وما أقلت، ورب الشياطين وما أضلت، كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط علي أحد منهم أو أن يبغي، عَزّ جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك، لا إله إلا أنت".

هذا حديث ليس إسناده بالقوي، والحكَم بن ظُهير قد تَرك حديثه بعض أهل الحديث.

ويُروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا من غير هذا الوجه).

وقال الترمذي: (2870) - حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن الخليل بن مُرّة، عن يحيى بن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: كان رجل من الأنصار يجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسمع من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني لأسمع منك الحديث فيعجبني ولا أحفظه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"استعن بيمينك"، وأومأ بيده للخط.

وفي الباب عن عبد الله بن عمرو.

هذا حديث إسناده ليس بذاك القائم، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: الخليل بن مرة منكر الحديث).

ص: 412

وقال الترمذي: (2908) - حدثنا الفضل بن الصبّاح، قال: حدثنا سعيد بن زكريا، عن عنبسة بن عبد الرحمن، عن محمد بن زاذان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السلام قبل الكلام".

وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تدعوا أحدا إلى الطعام حتى يسلّم".

هذا حديث منكر، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، سمعت محمدا، يقول: عنبسة بن عبد الرحمن ضعيف في الحديث، ذاهب، ومحمد بن زاذان منكر الحديث).

قلت: هذه الأحاديث وما كان مثلها لا يمكن أن يحكم عليها بالحسن، وذلك لأنها ساقطة عنده.

كما أن الأحاديث التي رويت بسلسلة: مالك عن نافع عن ابن عمر، أو أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة، أو هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، أو سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر، وما كان مثلها من السلاسل المشهورة= لا يمكن أن يحكم عليها بالحسن فقط إذا ما اشتهرت الأسانيد إلى من ذُكر.

وليعلم أيضا أن الحسن عنده ليس على درجة واحدة، بل على درجات:

الأولى: مثل سلسلة: محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فهذه السلسلة صحَّح فيها أحاديث

(1)

، وأحاديث أخرى اكتفى بتحسينها

(2)

.

(1)

ينظر. (22، 689، 691، 1065، 1203، 2480).

(2)

ينظر: (1141، 1200، 1480، 1502، 1560).

ص: 413

وتوقفه في تصحيح بعضها؛ إما لغرابة في الإسناد، أو لعلّة، أو عنده توقف في خبر معين منها.

ومثل هذه السلسلة؛ سلسلة: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والغالب أنه لم يصححها وإنما حسنها، نعم صحح ثلاثة أحاديث بهذه السلسلة

(1)

.

وأيضا سلسلة: بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، روى بها عشرة أحاديث، صحح حديثا

(2)

، وحسن الباقي

(3)

، مع أنه يرويها من طريق غير واحد من الحفاظ؛ كابن المبارك ويحيى بن سعيد ويزيد بن هارون.

وقد قال الترمذي: (وقد تكلم شعبة في بهز بن حكيم، وهو ثقة عند أهل الحديث، وروى عنه معمر وسفيان الثوري وحماد بن سلمة، وغير واحد من الأئمة)

(4)

.

ومن المعلوم الخلاف في حكم هاتين السلسلتين، ولكن الراجح عند الجمهور قوتهما.

وأيضا حديث إسماعيل بن عياش عن الشاميين، فإنه لا يصحِّحه

(5)

، وقد قال عنه:(رواية إسماعيل بن عياش عن الشاميين صالحة، وله عن أهل الحجاز وأهل العراق مناكير)

(6)

.

(1)

ينظر: (1224، 1689، 2045).

(2)

ينظر: (2351)، (تحفة الأشراف)(11390).

(3)

ينظر. (661، 1487، 2019، 2482، 2607، 2988).

(4)

(جامع الترمذي)(2019).

(5)

ينظر: (675، 1319)، وحديث (2551) قال المزي في (التحفة) (وقال: حسن، وفي بعض النسخ: حسن صحيح).

(6)

(جامع الترمذي)(1215)، وفي نسخة:(صالح)، وفي أخرى:(أصلح).

ص: 414

وقال أيضا: (رواية إسماعيل بن عياش عن أهل العراق وأهل الحجاز ليس بذاك فيما تفرد به؛ لأنه روى عنهم مناكير، وروايته عن أهل الشام أصحّ، هكذا قال محمد بن إسماعيل)

(1)

.

الثانية: وهي دون الأولى، وهم الرواة الذين وقع فيهم خلاف، والراجح أن فيهم ضعفا ولينا؛ مثل عبد الله بن محمد بن عقيل

(2)

، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سليم، وعطية العوفي.

الثالثة: مثل سلسلة: عبيد الله بن زَحْر عن علي بن يزيد عن القاسم بن الرحمن، ومثل سلسلة: كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن عن جدّه

(3)

، وصالح بن بشير المُرّي، وأبو بكر بن أبي مريم.

وهناك من هو دون هؤلاء؛ وهو من كان متروكا أو واهيًا؛ مثل محرَّر - أو محْرِز، على خلاف في اسمه - بن عبد الله التيمي، وهو متروك، ومن كان مثله.

وبناء على ما سبق؛ نعلم مرتبة الحديث الحسن عند الترمذي: وهو أنه لا يبلغ أن يكون محفوظا عنده، ولا مطّرحا ساقطا

(4)

، ويؤكد هذا أمران:

الأمر الأول: ما تقدم بيانه من أن الحديث المحفوظ عنده - حتى لو كان في أدنى درجات القبول - يحكم عليه بأنه (حسن صحيح)، وقد تقدم إيراد كثير من الأمثلة على ذلك.

(1)

(جامع الترمذي)(2266).

(2)

وأحيانا يصحح له، ينظر:(129، 1144).

(3)

صحح له حديثا (1410)، وقوى حديثا (544).

(4)

مع أنه ينبغي أن يُعلَم أن أبا عيسى كثيرا ما يحتاط في حكمه على الحديث، كما سبق شرح ذلك.

ص: 415

فإذا (الحسن) دون (حسن صحيح)، ومن باب أولى دون (صحيح)؛ ولذا قال الترمذي: (حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"العُطاس من الله، والتثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه، وإذا قال: آه آه، فإن الشيطان يضحك من جوفه، إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا قال الرجل: آه آه إذا تثاءب؛ فإن الشيطان يضحك في جوفه".

هذا حديث حسن.

حدثنا الحسن بن علي الخلال، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرني ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم فقال: الحمد لله، فحق على كل من سمعه أن يقول: يرحمك الله، وأما التثاؤب؛ فإذا تثاوب أحدكم فليرده ما استطاع ولا يقولن: هاه هاه، فإنما ذلك من الشيطان يضحك منه".

هذا حديث صحيح، وهذا أصحّ من حديث ابن عجلان، وابنُ أبي ذئب أحفظ لحديث سعيد المقبري وأثبت من محمد بن عجلان، وسمعت أبا بكر العطار البصري، يذكر عن علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد، قال: قال محمد بن عجلان: أحاديث سعيد المقبري روى بعضَها سعيدٌ، عن أبي هريرة، وروى بعضَها سعيدٌ، عن رجل، عن أبي هريرة، فاختلطت عليّ، فجعلتها عن سعيد، عن أبي هريرة)

(1)

.

قلت: الفرق بين الروايتين أن ابن أبي ذئب زاد في الإسناد: (عن

(1)

(جامع الترمذي)(2962 - 2963).

ص: 416

أبيه)، وابن عجلان أسقطها، ولا شك أن رواية ابن أبي ذئب هي المقدَّمة، ولذا حكم عليها الترمذيّ بالصحة، وقال:(هي أصحّ)، بخلاف رواية ابن عجلان.

الأمر الثاني: ما تقدم من الأمثلة.

وعلى هذا يكون الحديث الحسن عنده من حيث الصحة والثبوت على قسمين:

الأول: ما تقدم تقريره.

والثاني: هو صحيح عنده فيما يظهر، ولكن لم يحكم عليه بالصحة لغرابته، أو لاختلاف وقع فيه غير مؤثر.

والله تعالى أعلم.

* * *

ص: 417

‌مصطلح (الغريب)

ص: 419

وسّعت الكلام في هذا المصطلح لأهميته، فجاء في واحد وعشرين فصلا:

الفصل الأول: كتاب (جامع الترمذي) من أهم الكتب في بيان الحديث الغريب.

الفصل الثاني: أحكام الترمذي على الحديث بالغرابة.

الفصل الثالث: أهمية معرفة الغريب.

الفصل الرابع: علاقة الغرابة بصحة الخبر وضعفه.

الفصل الخامس: التفرد في الطبقات.

الفصل السادس: ذكر أمثلة على تفردات بعض كبار الأئمة.

الفصل السابع: متى تكون الغرابة قادحة في صحة الخبر.

الفصل الثامن: الفرق بين الغريب والمنكر.

الفصل التاسع: ذكر تصرفات الحفاظ في الغريب من الحديث.

الفصل العاشر: منهج النقاد في التعامل مع الرواة الذين ينفردون ببعض المتون والأسانيد عن شيوخهم وأقرانهم.

الفصل الحادي عشر: إطلاق الحسن على الغريب.

فصل الثاني عشر: أقسام الغريب وأنواعه.

ص: 420

الفصل الثالث عشر: التعليق على كلام أبي عيسى في (العلل الصغير) حول الغريب.

الفصل الرابع عشر: الفرق بين الغريب والخبر الذي ظهرت علته.

الفصل الخامس عشر: ذكر بعض الرواة الذين تُكلّم فيهم بسبب روايتهم للغرائب، وتفردهم ببعض الأحاديث عن أقرانهم.

الفصل السادس عشر: عُسر الحكم بالغرابة.

الفصل السابع عشر: الكتب التي عنيت بالغريب.

الفصل الثامن عشر: أحاديث رويت بأسانيد ظاهرها الصحة، توقف أبو عيسى في تصحيحها لغرابتها، وذلك لأن الغرابة تُنزل من درجة الحديث.

الفصل التاسع عشر: مناهج الأئمة في الغرابة على وجه العموم.

الفصل العشرون: مذاهب الأئمة من المحدثين والفقهاء في الغرابة والتفرد على وجه الخصوص.

الفصل الحادي والعشرين: اختلاف منهج المحدثين في الغرابة من أسباب اختلافهم في الحكم على الراوي.

ص: 421

‌الفصل الأول

يعتبر كتاب (الجامع) لأبي عيسى أهمَّ كتابٍ في بيان الحديث الغريب وأوسعها في ذلك، فلا يكاد يوجد كتاب بين أيدينا اليوم يضاهيه، وإن كان قد سبق أبا عيسى أئمة أكثروا من بيان ذلك في مصنفاتهم؛ كعليِّ بن المديني، ويعقوب بن شيبة، ولكن لم يصلنا منها إلا النزر اليسير.

ويستعمل أبو عيسى هذا المصطلح في (كتابه) على وجوهٍ متنوِّعة؛ فيقول: صحيح غريب، عريب صحيح، حسن صحيح غريب، حسن غريب صحيح، صحيح حسن غريب، غريب صحيح حسن، حسن غريب، غريب حسن.

كما أنه في كثير من الأحيان يبيّن نوع الغرابة؛ هل هي مطلقة؟ كقوله: (لم يروه إلا فلان)، أم هي نسبية؟؛ كقوله:(غريب من هذا الوجه).

كما أنه يشير في بعض الأحيان إلى غرابة المتن.

وكتابه (العلل الصغير) أهم الكتب في بيان أنواع الغرابة وأقسامها من جهة التنظير، فهناك بسَطَها المصنِّف مقسَّمة إلى أربعة أقسام، ومثَّل لكل قسم منها، وما وقفت على كتاب قبله أفاضَ صاحبه في بيان هذا النوع كما فعل أبو عيسى

(1)

، ولعل الغرابة أهم المسائل التي بيّنها في هذا الجزء، والذي تذكره كتب المصطلح بعض مما ذكره.

ويكاد يكون أبو عيسى متفردا في بيانه لهذا النوع من أنواع علم الحديث.

* * *

(1)

تكلم أبو الفضل بن طاهر عن الغريب، وذكر أنه خمسة أنواع، وذلك في مقدمة (أطراف الغرائب والأفراد)(1/ 29)، وقد تكلمت على هذا في موضع آخر، ولكنَّ ابن طاهر متأخر، فقد توفي لسنة (507).

ص: 423

‌الفصل الثاني أحكام الترمذي على الحديث بالغرابة

يمكن تقسيم هذه الأحكام إلى قسمين:

القسم الأول: ما كان مقرونا إلى غيره، وهو كالتالي: صحيح غريب، غريب صحيح، حسن صحيح غريب - وهذا كثير -، حسن غريب صحيح، صحيح حسن غريب، غريب حسن صحيح، حسن غريب - وهذا كثير أيضا -، غريب حسن، وهذا نادر.

فمثال قوله: صحيح غريب:

قال الترمذي: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي، عن حميد، عن أنس بن مالك، أن رجلا استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني حاملك على ولد ناقة" فقال: يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وهل تلد الإبل إلا النوق" هذا حديث صحيح غريب)

(1)

.

ومثال قوله: غريب صحيح:

قال الترمذي: (حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي، قال: حدثنا المحاربي، عن مالك بن مِغْوَل، عن محمد بن سُوقَة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان تعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة من قبل أن يقوم: "رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور". هذا حديث حسن صحيح غريب)

(2)

.

(1)

(جامع الترمذي)(2122).

(2)

(جامع الترمذي)(3753).

ص: 425

وفي (تحفة الأشراف)

(1)

: (غريب صحيح).

ومثال قوله: حسن صحيح غريب:

قال الترمذي: (حدثنا أبو بكر بن أبي النضر، قال: حدثنا الحجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: أخبرنا نافع، عن ابن عمر، قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحيّنون الصلوات، وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى. وقال بعضهم: اتخذوا قرنا مثل قرن اليهود. قال: فقال عمر: أوَلا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بلال قم فناد بالصلاة".

هذا حديث حسن صحيح، غريب من حديث ابن عمر)

(2)

.

ومثال قوله: حسن غريب صحيح:

قال الترمذي: (حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس، قال: حدثنا عثمان بن عمر ويحيى بن كثير أبو غسان العنبري، قالا: حدثنا معاذ بن العلاء، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع، فلما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم المنبر حنَّ الجذع حتى أتاه فالتزمه فسكن.

حديث ابن عمر حديث حسن غريب صحيح.

ومعاذ بن العلاء هو بصري، وهو أخو أبي عمرو بن العلاء)

(3)

.

ومثال على قوله: صحيح حسن غريب:

قال الترمذي: (حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق البغدادي، قال: حدثنا

(1)

(8422).

(2)

(جامع الترمذي)(190).

(3)

(جامع الترمذي)(511).

ص: 426

عبد الله بن يوسف التِّنِّيسي الشامي، قال: حدثنا الهيثم بن حميد، قال: أخبرني العلاء بن الحارث، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن عنبسة بن أبي سفيان، قال: سمعت أختي أمّ حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها، حرمه الله على النار".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.

والقاسم هو ابن عبد الرحمن، يكنى أبا عبد الرحمن، وهو مولى عبد الرحمن بن خالد بن يزيد بن معاوية، وهو ثقة شامي، وهو صاحب أبي أمامة)

(1)

.

ومثال قوله: غريب حسن صحيح:

قال الترمذي: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: أخبرنا الوليد بن مسلم وعبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر - دخل حديث أحدهما في حديث الآخر -، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن يحيى بن جابر الطائي، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، جبير بن نفير، عن النواس بن سمعان الكلابي قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدّجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل

الحديث.

هذا حديث غريب حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر)

(2)

.

ومثال قوله: حسن غريب:

(1)

(جامع الترمذي)(430).

(2)

(جامع الترمذي)(2405)، وكذا في طبعة الرسالة (2390) و (تحفة الأشراف)(11711).

ص: 427

قال الترمذي: (حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، قال: حدثنا سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني أبو مرحوم، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل طعاما فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه".

هذا حديث حسن غريب)

(1)

.

مثال قوله: غريب حسن:

قال الترمذي: (حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا مالك بن إسماعيل، عن إسرائيل، عن يوسف بن أبي بردة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء، قال:"غفرانك".

قال أبو عيسى: هذا حديث غريب حسن، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل، عن يوسف بن أبي بردة.

وأبو بردة بن أبي موسى اسمه: عامر بن عبد الله بن قيس الأشعري.

ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة)

(2)

.

وهل تقديم أبي عيسى لـ (الغريب) في أحكامه لمعنى مقصود، أم من باب التفنن؟

الذي يظهر أنه الثاني - وقد تقدم تقرير ذلك -؛ لأنه لم يوجد ثمة فرق واضح بين صحيح غريب وغريب صحيح، وبين حسن صحيح غريب وغريب حسن صحيح، يؤكّد هذا أن المزي كثيرا ما تجد عنده صحيح غريب بدل

(1)

(جامع الترمذي)(3781).

(2)

(جامع الترمذي)(6)، وكذا في طبعة الرسالة (7)، ولم يُذكر في الطبعتين اختلاف بين النسخ، وأما في (تحفة الأشراف)(17694) فـ (حسن غريب).

ص: 428

غريب صحيح، وحسن غريب بدل غريب حسن، وحسن صحيح غريب بدل غريب حسن صحيح أو حسن غريب صحيح.

ويحتمل أنه يقدم الغرابة في الحكم لشدّتها في الخبر، ومثالُه: الحديثُ الذي يحكم عليه بالغرابة ولا يقرنها بشيء.

* * *

القسم الثاني: ما كان مجردا، فحكم عليه بالغرابة فقط.

وهذا لا يكون عنده إلا ضعيفا؛ بل وكثيرا ما يكون شديد الضعف.

وهو على نوعين:

النوع الأول: أن ينص معه على ضعف الحديث.

ومن أمثلته:

1 -

ما رواه من طريق الحسن بن علي الهاشمي، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة رفعه:"جاءني جبريل فقال: يا محمد إذا توضأت فانتضح".

قال أبو عيسى: (هذا حديث غريب، وسمعت محمدا يقول: الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث)

(1)

.

2 -

وروى من طريق رِشدين بن سعد، عن عبد الرحمن بن زياد بن أَنْعُم، عن عتبة بن حميد، عن عبادة بن نُسَيّ، عن عبد الرحمن بن غَنْم، عن معاذ بن جبل قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه.

قال أبو عيسى: (هذا حديث غريب، وإسناده ضعيف، ورِشْدِين بن

(1)

(جامع الترمذي)(50).

ص: 429

سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أَنْعم الأفريقي يضعفان في الحديث)

(1)

.

3 -

وروى من طريق خارجة بن مصعب، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عُتَيّ بن ضَمْرَة السعدي، عن أبي بن كعب رفعه:"إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان، فاتقوا وسواس الماء".

قال أبو عيسى: (حديث أبي بن كعب حديث غريب، وليس إسناده بالقوي عند أهل الحديث؛ لأنّا لا نعلم أحدا أسنده غير خارجة.

وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن الحسن قوله، ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وخارجة ليس بالقوي عند أصحابنا، وضعفه ابن المبارك)

(2)

.

4 -

وقال عن حديث: (غريب، ليس بالمحفوظ)

(3)

.

5 -

وقال عن آخر: (هذا حديث غريب، وليس إسناده بمعروف)

(4)

.

6 -

وقال عن آخر: (هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث بلال إلا من هذا الوجه، ولا يصح من قِبَل إسناده. وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: محمد القرشي هو محمد بن سعيد الشامي، وهو ابن أبي قيس، وهو محمد بن حسان، وقد ترك حديثه)

(5)

.

قلت: ومحمد بن سعيد هو المصلوب، وهو وضّاع.

والأمثلة على هذا كثيرة.

(1)

(جامع الترمذي)(54).

(2)

(جامع الترمذي)(43)، وينظر:(3846، 3848، 3894، 3916، 3921)، فإنه قال في جميعها:(حديث غريب، وليس إسناده بالقوي).

(3)

(جامع الترمذي)(3857).

(4)

(جامع الترمذي)(3889).

(5)

(جامع الترمذي)(3881).

ص: 430

قلت: كل هذه الأحاديث بيّنة الضعف، وخاصة الثالث؛ فإنه باطل مرفوعا، كما بيّن أبو عيسى، مع ملاحظة اقتصاده في الحكم، وإلا فإنه أشار إلى بطلانه.

فلا يحكم الترمذي على حديث بالغرابة إلا وهو ضعيف عنده، وفي كثير من الأحيان يكون شديد الضعف كما تقدم.

النوع الثاني: ألا ينص على ضعفه، وهذا ضعيف عنده أيضًا، والدليل على ذلك ما تقدم.

ومن أمثلته:

1 -

قال رحمه الله: (حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا سُويد بن عمرو الكلبي، عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة - أُراه رفعه -، قال: (أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما).

هذا حديث غريب، لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه.

وقد روي هذا الحديث عن أيوب بإسناد غير هذا، رواه الحسن بن أبي جعفر - وهو حديث ضعيف أيضا - بإسنادٍ له عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح هذا عن علي موقوف)

(1)

.

قلت: فقوله: (وهو ضعيف أيضا)، يعني أن الأول ضعيف بالإضافة إلى الثاني، ولذا قال بعد ذلك:(والصحيح هذا عن علي موقوف).

2 -

وقال رحمه الله: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا عبد الله بن نافع، عن محمد بن عبد الله بن الحسن، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يعمد أحدكم فيبرك في صلاته بَرْك الجمل".

(1)

(جامع الترمذي)(2127).

ص: 431

قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث غريب، لا نعرفه من حديث أبي الزِّناد إلا من هذا الوجه.

وقد روي هذا الحديث، عن عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وعبد الله بن سعيد المقبري ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره)

(1)

.

قلت: وهذا الحديث ضعيف، فقد ذكره البخاري في ترجمة محمد بن عبد الله بن الحسن من (التاريخ)

(2)

، وقال:(لا يتابع عليه، ولا أدري سمع من أبي الزِّناد أم لا).

وقد تكلمت على الحديث بتوسّعٍ في موضعه.

3 -

وقال رحمه الله: (حدثنا يحيى بن موسى، قال: حدثنا شبابة بن سَوّار، قال: حدثنا عمر بن الرَّمّاح، عن كثير بن زياد، عن عمرو بن عثمان بن يعلى بن مرة، عن أبيه، عن جده، أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرة، فانتهوا إلى مضيق، فحضرت الصلاة، فمُطروا، السماء من فوقهم والبِلّة من أسفل منهم، فأذّن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته، وأقام، فتقدم على راحلته، فصلى بهم يومئ إيماء؛ يجعل السجود أخفض من الركوع.

قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، تفرد به عمر بن الرَّمّاح البَلْخي، لا يُعرف إلا من حديثه، وقد روى عنه غير واحدٍ من أهل العلم.

وكذلك روي عن أنس بن مالك أنه صلى في ماء وطين على دابته)

(3)

.

قلت: فهذا الحديث لا يصح، فبالإضافة إلى غرابته، فيه عثمان بن يعلى وابنه عمرو كلاهما فيه جهالة.

(1)

(جامع الترمذي)(270).

(2)

(التاريخ الكبير)(1/ 139).

(3)

(جامع الترمذي)(413).

ص: 432

وعمر بن الرَّمّاح هو ابن ميمون، وهو ثقة، ولا يستبعد خطؤه في هذا الحديث.

وشيخه كثير بن زياد ثقة أيضا.

4 -

وقال رحمه الله: (حدثنا أحمد بن عبدة الضَّبِّي، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن قدامة بن موسى، عن محمد بن الحصين، عن أبي علقمة، عن يسار مولى ابن عمر، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين".

وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وحفصة.

حديث ابن عمر حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث قدامة بن موسى، وروى عنه غير واحد)

(1)

.

قلت: محمد بن الحصين مجهول، وقد وقع اختلاف في هذا الحديث

(2)

، وله طرق متعددة عن ابن عمر، كما قال ابن رجب

(3)

، ويظهر أنها لا تخلو من كلام

(4)

.

5 -

وقال رحمه الله: (حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا بَدَل بن المُحبَّر، قال: حدثنا عبد الملك بن مَعدان، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: ما أحصي ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل صلاة الفجر بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .

وفي الباب عن ابن عمر.

(1)

(جامع الترمذي)(421).

(2)

ينظر: (علل الدارقطني)(3128).

(3)

(فتح الباري)(5/ 30).

(4)

ينظر: (تنقيح التحقيق) لابن عبد الهادي (2/ 379 - 381).

ص: 433

حديث ابن مسعود حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الملك بن مَعدان، عن عاصم)

(1)

.

قلت: وهذا حديث ضعيف، عبد الملك بن مَعدان لا يحتج به.

6 -

وقال رحمه الله: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن راشد الزَّوفي، عن عبد الله بن أبي مُرّة الزَّوفي، عن خارجة بن حذافة، أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمُر النعم: الوتر، جعلها الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر".

وفي الباب عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وبريدة، وأبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال أبو عيسى: حديث خارجة بن حذافة حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي حبيب.

وقد وهم بعض المحدثين في هذا الحديث، فقال: عبد الله بن راشد الزُرقي، وهو وهم)

(2)

.

قلت: هذا الخبر لا يصح، قال البخاري في ترجمة خارجة بن حذافة:(لا يعرف لإسناده سماع بعضهم من بعض)

(3)

.

وقال في ترجمة عبد الله بن أبي مرة: (لا يعرف إلا بحديث الوتر، ولا يعرف سماع بعضهم من بعض)

(4)

.

وقال في ترجمة عبد الله بن راشد: (لا يعرف سماعه من ابن أبي مرة، وليس إلا حديث في الوتر)

(5)

.

(1)

(جامع الترمذي)(433).

(2)

(جامع الترمذي)(455).

(3)

(التاريخ الكبير)(3/ 203)، وينظر:(الكامل) لابن عدي (4/ 343).

(4)

(التاريخ الكبير)(5/ 192 - 193).

(5)

(التاريخ الكبير)(5/ 88).

ص: 434

ومما يدخل في هذا القسم: ما قال عنه: (لا نعرفه إلا من هذا الوجه) فقط، دون قوله:(غريب).

ومن الأمثلة عليه:

1 -

قال الترمذي: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا ابن لَهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن معمر بن أبي حُيَيَّة، عن ابن المسيب، أنه سأله عن الصوم في السفر، فحدث أن عمر بن الخطاب قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان غزوتين: يوم بدر، والفتح، فأفطرنا فيهما.

حديث عمر، لا نعرفه إلا من هذا الوجه)

(1)

.

2 -

حدثنا بندار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، قالا: حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: حدثنا أبو المطوس، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض، لم يقض عنه صوم الدهر كله وإن صامه".

قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

وسمعت محمدا يقول: أبو المطوِّس: اسمه يزيد بن المطوس ولا أعرف له غير هذا الحديث)

(2)

.

3 -

وقال الترمذي: (حدثنا علي بن سعيد الكندي الكوفي، قال: أخبرنا ابن أبي زائدة، عن الحجاج، عن زيد بن جبير، عن خِشْف بن مالك، قال: سمعت ابن مسعود قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطأ عشرين ابنة مخاض، وعشرين بني مخاض ذكور، وعشرين بنت لَبون، وعشرين جذعة، وعشرين حُقّة.

(1)

(723).

(2)

(732).

ص: 435

حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، وأبو خالد الأحمر، عن الحجاج بن أرطاة نحوه.

حديث ابن مسعود، لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وقد روي عن عبد الله موقوف)

(1)

.

* * *

(1)

(1452، 1453).

ص: 436

‌الفصل الثالث في أهمية معرفة الغريب

اهتمام أبي عيسى الترمذي بمسألة الغرابة والتفرد في الحديث؛ ليس شيئًا تفرّد به دون الأئمة الآخرين، كما قد يُظن، بل هذا الأمر موجود عندهم، وقد اعتنوا به اعتناءً بالغًا، وأشاروا إلى ذلك عند الحكم على الحديث، خلافًا لكثير ممن تأخر؛ فقد تساهلوا بهذا الأمر عند حكمهم على الأحاديث؛ لعدم معرفتهم بأهميته، بل عابوا على المتقدمين ذلك، كما سيأتي عن ابن الجوزي، وهذا بعض ما يميّز مذهب المتقدمين عن غيرهم.

قال أبو داود في "رسالته إلى أهل مكة": (والأحاديث التي وضعتها في كتاب "السنن" أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئًا من الحديث، إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس، والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد

(1)

والثقات من أئمة العلم، ولو احتج رجل بحديث غريب وجدت من يطعن فيه، ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريبًا شاذًّا، فأما الحديث المشهور المتّصل الصحيح فليس يقدر أن يرده عليك أحد)

(2)

.

وقول أبي داود هذا يدل على ما تقدم من اعتناء الأئمة السابقين والحفاظ الماضين بهذه المسألة، فقد بين أنه ما ذَكر في كتابه إلا الأحاديث المشهورة، وأن هذا مما يفتخر به.

(1)

الظاهر أنه القطان.

(2)

ص: (29).

ص: 437

وبيّن أيضا أنه لا يحتج بالحديث الغريب، حتى ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد - وهما من كبار الحفاظ كما هو معلوم -، وهذا الكلام قد يستشكله كثير ممن تأخر؛ لأنه لا يفهمه، وسبب ذلك أنه لم يدرس طريقة الأئمة السابقين، فعند الرجوع إلى ابن رجب في شرحه على "العلل الصغير" يتضح للناظر أهمية ذلك من الناحية النظرية.

وأما من الناحية العملية، فعند الرجوع إلى كلام الحفاظ في الحكم على الأحاديث، وخاصة كتب العلل، يتبين له هذا الأمر إن شاء الله.

وأذكر هنا بعض ما يتعلق بهذا عن الأئمة:

قال نعيم بن حماد: (سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: قيل لشعبة: من الذي يترك حديثه؟ قال: إذا روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون، فأَكثَرَ، تُرك حديثه)

(1)

.

وقال عمرو بن خالد: (سمعت زهير بن معاوية يقول لعيسى بن يونس: ينبغي للرجل أن يتوقّى رواية غريب الحديث؛ فإني أعرف رجلا كان يصلي في اليوم مائتي ركعة، ما أفسده عند الناس إلا رواية غريب الحديث)

(2)

.

وعن حماد بن زيد: (أن أيوب قال لرجل: لزمت عمرًا؟ قال: نعم، إنه يجيئنا بأشياء غرائب. قال: يقول له أيوب: إنما نفر - أو نفرق - من تلك الغرائب)

(3)

.

وقال صالح بن محمد عن عبد الرحمن بن أبي الزِّناد: (روى عن أبيه

(1)

(معرفة علوم الحديث) للحاكم (110)، (الكفاية) للخطيب (401، 412).

(2)

(المحدث الفاصل) للرامهرمزي (768)، (الكفاية)(403).

(3)

(مقدمة صحيح مسلم) ص: (17 - 18) باختصار.

ص: 438

أشياء لم يروها غيره، وتكلم فيه مالك بن أنس بسبب روايته (كتاب السبعة) عن أبيه، وقال: أين كنا نحن من هذا؟!)

(1)

.

وقال نصر بن حماد الوراق: (سمعت شعبة ينازع عبد الله بن إدريس حتى غضبا في حديث أوس، عن أبي مسعود: (يؤمّ القوم).

قال شعبة: أنا والله أستخير الله فيه منذ سنة أن أدعه.

قال عبد الله: اتق، لا تُجنّ، حديث رواه الناس عنه؛ إسماعيل بن أبي خالد، وأبو إسحاق، ومسعر.

فقال شعبة: لا يكون هذا، حديث سُنّة يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في الدنيا شيء يشبهه، فلا يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو مسعود، ولا يسمعه منه إلا أوس!)

(2)

.

وقال أحمد بن حنبل: (لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب، فإنها مناكير، وعامتها عن الضعفاء)

(3)

.

وقال: (شر الحديثِ الغرائبُ، التي لا يعمل بها ولا يعتمد عليها)

(4)

.

وقال أيضًا: (تركوا الحديث وأقبلوا على الغرائب، ما أقل الفقه فيهم!)

(5)

.

وهذا الذي قاله الإمام أحمد واقع اليوم، ويوجد عند بعض من يشتغل بالحديث، فتجد أن هناك من يأتي إلى أحاديث أسانيدها غريبة، وألفاظها منكرة، فيذهب إلى تصحيحها، إما لذاتها وإما بمجموع طرقها، غافلًا عن

(1)

(تاريخ بغداد)(11/ 497).

(2)

(أطراف الغرائب والأفراد) لابن طاهر (2/ 247).

(3)

(الكامل) لابن عدي (1/ 153).

(4)

(الكفاية) للخطيب (397).

(5)

(الكفاية) للخطيب (398).

ص: 439

كون الغرابة والتفرد علّة - على تفصيل في ذلك - تؤدّي إلى رد الخبر، بل والحكمِ عليه بالنكارة، بل وبالبطلان أحيانًا.

قال أبو بكر الخطيب - ذامًّا ما حصل من بعض محدثي زمانه من الاهتمام بالأحاديث الغريبة والمنكرة دون المشهورة -: (وأكثرُ طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب على إرادتهم كَتْب الغريب دون المشهور، وسماع المنكر دون المعروف، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ من روايات المجروحين والضعفاء، حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنَبًا، والثابت مصدوفًا عنه مُطَّرَحًا، وذلك كله لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم، ونقصان علمهم بالتمييز وزهدهم في تعلمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمةُ من المحدثين والأعلام من أسلافنا الماضين)

(1)

.

قال أبو الفرج بن رجب: (وهذا الذي ذكره الخطيب حق، ونجد كثيرا ممن ينتسب إلى الحديث، لا يعتني بالأصول الصحاح؛ كالكتب الستة ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل (مسند البزار) و (معاجم الطبراني)، أو (أفراد الدارقطني)، وهي مجمع الغرائب والمناكير)

(2)

.

وهذا الذي ذكره الحافظان الخطيب وابن رجب، واقع اليوم ومشاهد تمامًا.

وسوف يأتي كلام الإمام مسلم في هذا.

وقال الحاكم: (ذكر النوع الثامن والعشرين من علوم الحديث، هذا النوع منه: معرفة الشاذ من الروايات، وهو غير المعلول، فإن المعلول ما يوقف على علته أنه دخل حديث في حديث، أو وهم فيه راو، أو أرسله

(1)

(الكفاية)(1/ 340).

(2)

(شرح علل الترمذي)(1/ 409).

ص: 440

واحد فوصله واهِمٌ، فأما الشاذ فإنه حديث يتفرد به ثقة من الثقات، وليس للحديث أصل بمتابع لذلك الثقة)

(1)

.

وقال العقيلي - في ترجمة بُريد بن عبد الله بن أبي بُردة بن أبي موسى الأشعري -: (حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: سمعت أبي يقول: طلحة بن يحيى أحب إليّ من بُريد بن أبي بردة، بُريد يروي أحاديث مناكير.

حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا عمرو بن علي، قال: لم أسمع يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن سفيان عن بُريد بن عبد الله بن أبي بُردة بشيء قط.

ومن حديثه: ما حدثنا به محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا بُريد بن عبد الله بن أبي بُردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح كمثل العطّار، إن لم يُحذِك من عطره عَبِق بك من ريحه". هكذا رواه ابن عيينة عن بُريد.

وحدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا عفّان، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا أبو بُردة بن عبد الله بن أبي بُردة، قال: سمعت أبا بُردة يحدث عن أبيه، عن النبي عليه السلام قال:"مثل الجليس الصالح والسوء كمثل صاحب المسك وغير الحدّاد، لا يعدمك من صاحب المسك أن يحذوك أو تجد ريحه، وغير الحدّاد يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا خبيثة".

هكذا قال عبد الواحد: (أبو بردة بن عبد الله بن أبي بردة)، وقال ابن عيينة:(بريد)، ولعلّ كنية بُريد بن عبد الله: أبو بُردة.

(1)

(معرفة علوم الحديث) ص: (394).

ص: 441

وفي هذا الحديث من حديث أبي موسى اضطراب:

فحدثنا عبد الله بن محمد بن ناجية، قال: حدثنا خلاد بن أسلم، ح. وحدثني أحمد بن حرب البُوْسنْجِي، قال: حدثنا أحمد بن منصور قالا: حدثنا النَّضْر بن شُمَيل، قال: حدثنا عوف، عن قَسامة بن زهير، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح كحامل المسك، إلا يَهب لك تجد ريحه، ومثل الجليس السوء كالقَين، إذا جلست إليه نفخ بكيره، فيصيبك من دخانه وشرره".

هكذا رواه النَّضْر بن شُمَيل، عن عوف، وخالفه معتمر في لفظه:

فحدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عاصم بن النضر، قال: حدثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت عوفا قال: حدثنا قَسامة بن زهير، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مثل الذي أُعطي الإيمان وأُعطي القرآن كمثل الأُتْرُنجة، طيبة الطعم طيبة الريح، ومثل الذي لم يُعط الإيمان ولم يُعط القرآن كمثل الحنظلة، مرة الطعم لا ريح لها، ومثل الذي أُعطي القرآن ولم يعط الإيمان، كمثل الريحانة الطعم طيبة الريح".

وقد رواه هَوذة بن خليفة، عن عوف، عن قَسامة بهذا اللفظ، ولم يذكر أبا موسى، ولم يرفعه: حدثناه بشر بن موسى، قال: حدثنا هَوذة، قال: حدثنا عوف، عن قَسامة قال: "إن مثل من أُعطي الإيمان كمثل الأترنجة

" فذكر نحوه.

وقد روي هذا الحديث عن قتادة، عن أنس، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فاختلفوا أيضا في لفظه:

فرواه أبان بن يزيد العطار، عن قتادة، عن أنس، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأُتْرُجَةِ، طعمها طيب وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة، طعمها طيب

ص: 442

ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الرّيحانة، ريحها طيب ولا طعم لها، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الْحَنْظَلةِ، طعمها مرّ ولا ريح لها، ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك، إن لم يصبك منه شيء أصابك ريحه، ومثل الجليس السوء كمثل الكير، إن لم يصبك من شرره أصابك من دخانه". هكذا رواه أبان، جاء بلفظ الحديثين جميعا.

وخالفه شعبة، وهمام، ومعمر، وسعيد، وأبو عوانة، فرووه كلهم عن قتادة، عن أنس، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن

". فجاؤوا بالحديث الأول، ولم يذكر أحد منهم: "مثل الجليس الصالح

"، ولم يتابع أبانَ منهم أحد.

وقد روى شُبَيل بن عَزْرةَ، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل الجليس الصالح

". فتابع أبان، ولم يقل:(عن أبي موسى).

وحدثناه محمد بن إبراهيم بن جَنّاد، قال: حدثنا أبو سلمة، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا عاصم، عن أبي كَبْشة، قال: سمعت أبا موسى الأشعري يقول على المنبر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح مثل العطّار، إن لا يُحذِك يَعبِق بك من ريحه، ومثل الجليس السوء، مثل القَين، إن لا يحرقك يَعبِق بك من ريحه".

ورواه أبو معاوية، عن عاصم الأحول، عن أبي كَبْشة السدوسي، قال: خطبَنا أبو موسى فقال: الجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء، ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب العطر، إن لا يُحذك يَعبِق بك من ريحه، ومثل الجليس السوء مثل القَين، إن لا يحرقك يَعبِق بك من ريحه.

وهذه الرواية أولى من رواية عبد الواحد.

ورواية شعبة وهمام وأبي عوانة ومعمر، عن قتادة، عن أنس، عن أبي

ص: 443

موسى، بلفظ:"المؤمن الذي يقرأ القرآن"، أولى من رواية أبان، وبريد، وشُبَيل، في الجليس الصالح.

وحديث قسامة مضطرب الإسناد والمتن)

(1)

.

وقال العقيلي أيضا - في ترجمة محمد بن إبراهيم التيمي -: (حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: سمعت أبي، وذكر محمد بن إبراهيم التيمي المديني، فقال: في حديثه شيء، يروي أحاديث مناكير - أو منكرة -، والله أعلم.

ومن حديثه: ما حدثناه محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم وعبد العزيز بن محمد، قالا: حدثنا يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي سلمة، عن عائشة، أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى رقاه جبريل، فقال:"باسم الله يُبريك، ومن كل داء يشفيك، من شر حاسد إذا حسد، ومن شر كل ذي عين".

وقال الزهري: عن عروة، عن عائشة، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذات وينفث)

(2)

.

وقال - في ترجمة محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري -: (حدثنا أحمد بن محمود الهروي، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: قلت ليحيى بن معين: ابن أخي الزهري ما حاله؟ قال: ضعيف.

حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا العباس بن محمد، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن عبد الله ابن أخي ابن شهاب الزهري، أحب إليّ من محمد بن إسحاق في الزهري.

ومحمد بن إسحاق عند يحيى بن معين ضعيف لا يحتج بحديثه.

(1)

(1/ 555 - 562).

(2)

(5/ 282).

ص: 444

وأما محمد بن يحيى النيسابوري فجعله في الطبقة الثانية من أصحاب الزهري، مع أسامة بن زيد، ومحمد بن إسحاق، وأبي أويس، وفُليح، وعبد الرحمن بن إسحاق، وهؤلاء كلهم في حال الضعف والاضطراب.

وقال محمد بن يحيى: إذا اختلف أصحاب الطبقة الثانية كان المفزع إلى أصحاب الطبقة الأولى في اختلافهم، فإن لم يوجد عندهم بيان، ففيما روى هؤلاء - يعني الطبقة الثانية -، وفيما روى - يعني أصحاب الطبقة الثالثة - يعرف بالشواهد والدلائل.

وقد روى ابن أخي الزهري ثلاثة أحاديث، لم نجد لها أصلا عند الطبقة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة.

منها: ما حدثنا عبد الله بن علي، قال: حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال: حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن عمه قال: سمعت سالم بن عبد الله، قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرون، وإن من الإجهار: أن يعمل العبد بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره ربه عز وجل، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد ستره ربه عز وجل، فيبيت يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عز وجل عنه".

حدثناه عبيد الله بن محمد العمري والحسن بن علي بن زياد الرازي، قالا: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأُوَيسي، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن أخي ابن شهاب، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرون

" فذكر نحوه.

وقد روى هذا الحديث أبو بكر بن عياش، عن مُبَشِّر السعيدي، عن ابن شهاب، هكذا.

ص: 445

ولعل مُبشِّرا هذا أخذه عنه؛ لأنه لا يعرف له عن الزهري غيره، ولا له ذكر في طبقات أصحاب الزهري.

وحدثني عبد الله بن علي، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن أخي ابن شهاب، ح. وحدثنا الحسن بن علي بن زياد، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن عمه، عن سالم قال: سمعت أبا هريرة يقول إذا خطب: كل ما هو آت قريب، لا بعد لما هو آت، لا يعجل الله لعجلة أحد، ولا خلف لأمر الله، ما شاء الله كان ولو كره الناس، لا مبعِّد لما قرَّب، ولا مقرِّب لما بعّد، ولا يكون شيء إلا بإذن الله عز وجل.

حدثنا موسى بن سهل الجوني، قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن عمر الواقدي، حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله قال: سمعت أبا هريرة، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقول: "كل ما هو آت قريب

" فذكره مرفوعا.

وإن الواقدي ليأتي عنه بمناكير، عن الزهري وغيره، وهو أروى الناس عنه.

حدثني جدي، قال: حدثنا حمزة بن رُشيد الباهلي، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، قال: حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن أمرأته أمّ الحجاج بنت محمد بن مسلم، قالت: كان أبي يأكل بكفه كلها، فقلت له: لو أكلت بثلاث أصابع؟ قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل بكفه كلها.

وهذه الثلاثة أحاديث لم يتابع ابن أخي الزهري عليها أحد)

(1)

.

(1)

(5/ 389 - 402).

ص: 446

وقال - في ترجمة سعد بن طارق الأشجعي أبي مالك -: (حدثنا محمد بن إسماعيل وأحمد بن علي، قالا: حدثنا الحسن بن علي الحُلْواني قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا القاسم بن معْن، قال: سألت بعض ولد أبي مالك: لقي أبو أبي مالك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا. فذكرت ذلك ليحيى بن سعيد فأمسك عن الرواية عنه. يعني أبا مالك.

ومن حديثه: ما حدثَناه علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا أبو مالك الأشجعي سعد بن طارق، قال: قلت لأبي: يا أبه، صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر، وخلف عمر، فهل رأيتهم يقنتون؟ قال: فقال: يا بني، هي محدثة.

لا يتابع عليه، وإنما أُنكر سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم لما حكى أبو الوليد.

والصحيح عندنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت ثم ترك، وهذا يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت)

(1)

.

أقول: تبيّن مما تقدم أن لشهرة الحديث أو غرابته مدخلا كبيرا في صحته أو ضعفه، وفي ثبوته وكونه محفوظًا، أو في ردِّه وكونه معلولا، ولذا أولى الحفاظ هذا الأمر اهتماما كبيرا ومنزلة عالية، حتى جعلوه شرطًا للصحيح فقالوا:(أن لا يكون شاذًا ولا معلولا)، ولهذا تجد أن علي بن المديني - فيما وُقف عليه من كلامه فيما وجد من "مسند عمر" ليعقوب بن شيبة - لا يحكم على حديث إلا ويبيّن شهرته من غرابته.

وقد تقدم أن أبا داود افتخر بكون أكثرِ الأحاديث التي أودعها في كتابه "السنن" مشاهير، وأن ما كان غريبا منها فهو مردود، حتى لو كان من رواية مالك أو يحيى بن سعيد.

(1)

(3/ 10).

ص: 447

وهذا ما نص عليه أبو يعلى الخليلي فقال: (والذي عليه حفاظ الحديث: الشاذ: ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ بذلك شيخٌ ثقةً كان أو غير ثقة، فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يُتوقف فيه، ولا يحتج به)

(1)

.

(1)

"الإرشاد"(1/ 176)، وسيأتي التعليق عليه.

ص: 448

‌مخالفة المتأخرين في مسألة الغرابة وأنها ليست بعلة

خالف في ذلك جمع من أهل العلم فلم يلتفتوا إلى مسألة الغرابة

(1)

: من أشهرهم أبو عبد الله الحاكم، فقال في "المستدرك":(وهذا شرط الصحيح عند كافة فقهاء أهل الإسلام؛ أن الزيادة في الأسانيد والمتون من الثقات مقبولة)

(2)

.

وقال أيضا: (وإذا تفرد الثقة بحديث؛ فهو على أصلهم صحيح)

(3)

.

وقد قرر هذا في مواضع أخرى من الكتاب.

ومنهم أبو محمد بن حزم، فإنه قال: (إذا روى العدل عن مثله كذلك خبرا حتى يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد وجب الأخذ به، ولزمت طاعته والقطع به، سواء أرسله غيره أو أوقفه سواه، أو رواه كذاب من الناس، وسواء روي من طريق أخرى أو لم يرو إلا من تلك الطريق، وسواء كان ناقله عبدا أو امرأة أو لم يكن، إنما الشرط العدالة والتفقّه فقط.

وإن العجب ليكثر من قوم من المدّعين أنهم قائلون بخبر الواحد، ثم يعلِّلون ما خالف مذاهبهم من الأحاديث الصحاح، بأن يقولوا: هذا لم يروه إلا فلان، ولم يعرف له مخرج من غير هذا الطريق.

قال أبو محمد: وهذا جهل شديد وسقوط مفرط، لأنهم قد اتفقوا معنا على وجوب قبول خبر الواحد والأخذ به، ثم هم دأبا يتعللون في ترك السنة بأنه خبر وأحد.

(1)

ينظر ما يأتي: فصل في مذاهب الأئمة من المحدثين والفقهاء في الغرابة والتفرد على وجه الخصوص.

(2)

(1/ 165).

(3)

(6/ 53).

ص: 449

والعجب أنهم يأخذون بذلك إذا اشتهوا، فهذا محمد بن مسلم الزهري، له نحو تسعين حديثا انفرد بها عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يروها أحد من الناس سواه، وليس أحد من الأئمة إلا وله أخبار انفرد بها، ما تعلل أحد من هؤلاء المحرومين في رد شيء منها بذلك، فليت شعري ما الفرق بين من قبلوا خبره ولم يروه أحد معه، وبين من ردوا خبره لأنه لم يروه أحد معه، وهل في الاستخفاف بالسنن أكثر من هذا؟

وأيضا، فإن الخبر وإن روي من طرق ثلاثة أو أربعة أو أكثر من ذلك، فهو كله خبر واحد، من أثبت شيئا من ذلك أثبت خبر الواحد، ومن نفى خبر الواحد نفى كل ذلك، لأن العلة عندهم في كل ذلك واحدة، وهي أن كل ما لا يضطر إلى التصديق عندهم ولم يوجب القطع على صحة مغيبة لديهم، فهو خبر واحد، وهذه عندهم صفة كل ما لم ينقل بالتواتر، فقد تركوا مذهبهم وهم لا يشعرون، أو يشعرون ويتعمدون، وهذه أسوأ وأقبح، ونعوذ بالله من الخذلان)

(1)

.

وقريب من هذا قول أبي الفرج بن الجوزي: (إن البخاري ومسلمًا تركا أحاديث أقوام ثقات لأنهم خولفوا في الحديث؛ فنقص الأكثرون من الحديث وزادوا هم، ولو كان ثَمّ فقه، لعلموا أن الزيادة من الثقة مقبولة.

وتركوا أحاديث أقوام لأنهم انفردوا بالرواية عن شخص، ومعلوم أن انفراد الثقة لا عيب فيه.

وتركوا من ذلك الغرائب، وكل ذلك سوء فهم.

ولهذا لم يلتزم الفقهاء هذا، فقالوا: الزيادة من الثقة مقبولة، ولا يقبل القدح حتى يُبيَّن سببه.

(1)

"الإحكام"(1/ 140 - 141).

ص: 450

وكل من لم يخالط الفقهاء وجهد مع المحدثين، تأذى، وساء فهمه، فالحمد الله الذي أنعم علينا بالحالتين)

(1)

.

وكذلك ابن القطان الفاسي، فقد قال - متعقِّبا عبد الحق -: (وقوله في ثابت بن عَجْلان: لا يحتج به، قول لم يقله غيره فيما أعلم، ونهاية ما قال فيه العقيلي: لا يتابع على حديثه.

وهذا من العقيلي تحامل عليه، فإنه يمس بهذا من لا يعرف بالثقة، فأما من عرف بها، فانفراده لا يضره، إلا أن يكثر ذلك منه)

(2)

.

وقال أيضا عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب: (وقد أخرج له مسلم رحمه الله، وإنما أنكر عليه بعض من تأخر أحاديث رواها بآخرة عن عمه، وهذا لا يضره - إذ هو ثقة - أن ينفرد بأحاديث، ما لم يكن ذلك الغالب عليه)

(3)

.

وقال: (والزيادة المذكورة ذكرها البزار، فقال: حدثنا أحمد بن منصور بن سَيَّار، حدثنا عَتَّاب بن زياد، حدثخا أبو حمزة السُّكَّري، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإمام ضامن، والمؤذن مُوْتَمَن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للموذّنين". قالوا: يا رسول الله، لقد تركتنا نتنافس في الأذان بعدك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنه يكون بعدي - أو بعدكم - قوم سفلتهم مؤذّنون".

أبو حمزة محمد بن ميمون السُّكَّري، ثقة مشهور.

وعتاب بن زياد مروزي ثقة، قاله أبو حاتم.

وأحمد بن منصور بن سَيَّار ثقة مشهور.

ولا عيب بهذا الإسناد إلا ما بينّا من انقطاعه الخافي على أبي محمد،

(1)

"صيد الخاطر"(ص: 565).

(2)

"بيان الوهم والإيهام"(5/ 363).

(3)

"بيان الوهم والإيهام"(5/ 265).

ص: 451

فإيرادها إذن لازم له لو علم مكانها، ولا مبالاة بقول الدارقطني في "علله": إنها ليست بمحفوظة؛ لثقة راويها أبي حمزة السُّكَّري)

(1)

.

وقال أيضا: (والذي قاله أبو محمد من ضعفه، هو شيء لا أعرفه لأحد فيه، إلا أبا حاتم البُستي، فإنه قال: إنه لا يتابع، وفي حديثه مناكير.

وهذا أمر لا يعرى منه أحد من الثقات، بخلاف من يكون منكر الحديث جله أو كله)

(2)

.

وكذلك أبو العباس بن تيمية، فقد ذكر حديث عثمان بن صالح، عن الليث بن سعد، عن مِشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا، وذكر حديث التيس المستعار. ونقل عن الجُوْزَجَاني قوله:(كانوا ينكرون على عثمان في هذا الحديث إنكارًا شديدا). فقال أبو العباس: (وإنكار من أنكر هذا الحديث على عثمان غير جيّد، إنما هو لتوهم انفراده به عن الليث، وظنهم أنه لعله أخطأ فيه، حيث لم يبلغهم عن غيره من أصحاب الليث، كما قد يتوهم بعض من يكتب الحديث أن الحديث إذا انفرد به عن الرجل من ليس بالمشهور من أصحابه، كان ذلك شذوذًا فيه وعلة قادحة

ومن كان بهذه المثابة كان ما ينفرد به حجة، وإنما الشاذ ما خالف به الثقات لا ما انفرد به عنهم)

(3)

.

قلت: والصحيح ما ذهب إليه كبار الأئمة من أن التفرد لا يقبل إلا بشروط، فإذا تخلفت كان علة، وسوف يأتي بسط ذلك بإذن الله تعالى.

* * *

(1)

"بيان الوهم والإيهام"(5/ 603 - 406).

(2)

"بيان الوهم والإيهام"(5/ 618).

(3)

"بيان الدليل على بطلان التحليل"(ص: 320 - 321).

ص: 452

وكلام الخليلي - الذي تقدم نقله - يحتاج إلى تفصيل، وقد بيّن ذلك الإمام مسلم رحمه الله، فقال في مقدمه "صحيحه": (لأن حكم أهل العلم، والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرّد به المحدث من الحديث: أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك، ثم زاد بعد ذلك شيئا ليس عند أصحابه قبلت زيادته.

فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته، وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما - أو عن أحدهما - العدد من الحديث مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم - فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس والله أعلم)

(1)

.

* * *

(1)

مقدمة "صحيح مسلم"(ص: 5 - 6).

ص: 453

‌الفصل الرابع علاقة الغرابة بصحة الخبر وضعفه

تكمن أهمية الغريب، في أنه لا يمكن الحكم على حديث ما بالقبول أو الرد إلا بعد معرفة شهرته من عدمها وهل هو فرد أو لا؟ وتقدمت الإشارة لذلك، ولذا تجد الأئمة عند حكمهم على كل حديث يشيرون إلى ذلك، إن كان مشهورًا بينوا، وإن كان غريبا بينوا، وانظر إلى ما نقل يعقوب بن شيبة - وغيره - عن علي بن المديني في أحكامه على الأحاديث، يتضح لك ذلك، وهو عينُه صنيعُ أبي عيسى في "جامعه".

قال أحمد بن حنبل: (إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون: هذا حديث غريب، أو فائدة؛ فاعلم أنه خطأ، أو دخل حديث في حديث، أو خطأ من المحدث، أو حديث ليس له إسناد، وإن كان قد روى شعبة وسفيان)

(1)

.

وهذا كما يكون في الأحاديث المفردة، يكون في الكتب المصنفة؛ كما في "جامع سفيان"، إذ لم يروه عنه إلا عبد الله بن الوليد العدني؛ قال عبد الله بن الإمام أحمد:(كان أبي يكره "جامع سفيان" وينكره، ويكرهه كراهية شديدة، وقال: من سمع هذا من سفيان؟ ولم أره يصحِّح لأحد سمعه من سفيان، ولم يرض أبي أن يسمع من أحد حديثا)

(2)

.

(1)

"الكفاية" للخطب (399).

(2)

"مسائل الإمام أحمد"(1582).

ص: 455

وقد تقدم

(1)

قول أبي داود: (لا يحتج بحديث غريب، ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد، والثقات من أئمة العلم).

ولذا قال البَرْدِيجي: (لا يلتفت إلى رواية الفرد عن شعبة، ممن ليس له حفظ ولا تقدم في الحديث من أهل الإتقان)

(2)

.

وقال زهير بن معاوية: (ينبغي للرجل أن يتوقى رواية غريب الحديث؛ فإني أعرف رجلا كان يصلي في اليوم مائتي ركعة، ما أفسده عند الناس إلا رواية غريب الحديث)

(3)

.

وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: (كان عندنا رجل يصلي كل يوم خمسمائة ركعة، سقط حديثه في الغرائب)

(4)

.

قلت: ما ذكره زهير وأبو نعيم بأن هذين الرجلين سقط الاحتجاج بهما؛ لروايتهما الغرائب دون المشاهير.

وتأسيسًا على ما تقدم، فإنه لا يمكن الحكم على حديث ما بالصحة أو الضعف، أو بكونه محفوظا أو منكرا، إلا بعد معرفة شهرته من غرابته.

ولهذا فإن الخبر كلما تعددت طرقه وتباينت مخارجه وكثر نقلته؛ اشتهر أمره وتأكدت صحته، وجُزم به، واطمأنت النفس إليه، وكلما كان بخلاف ذلك؛ بحيث قلّت نقلته، واستُغربت طرقه، ولم يشتهر بين الناس أمره، فإنّ تطرّق الضعف إليه يكون أكثر، وبالتالي يكون التشكك في وقوعه أكبر.

وهذه القاعدة - على التحقيق - راجعة إلى العقل والفطرة، ومن ثمّ فهي محل اتفاق بين الناس جميعًا، على اختلاف أديانهم وتباين مذاهبهم.

(1)

(ص: 437).

(2)

"شرح علل الترمذي"(2/ 507).

(3)

تقدم (ص: 438).

(4)

"الكفاية"(402).

ص: 456

ولكن اختصَّ الله عز وجل هذه الأمة بالعمل بهذه المسألة والاهتمام بها وتقعيدها، فكثر استعمالها في قبول الأخبار أو ردها، وخاصة فيما يتعلق بكتاب ربها وسنة نبيها.

* * *

وإذا عُلم هذا، فإن الغرابة لا تنافي دائمًا صحة الخبر، بل إن الخبر قد يصحُّ مع وجودها، وهذا محل اتفاق في الجملة، على تفصيل في ذلك يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

فهذه أحاديث "الصحيحين" التي اتفقت الأمة على قبولها لا تخلو من الغريب، وقد جمع الضياء المقدسي "أفراد الصحيح" في جزء، و"غرائبه" في تسعة أجزاء

(1)

.

فهناك من الغريب ما هو صحيح، وهذا كثير، ويكفينا "كتاب" أبي عيسى الترمذي، فكثيرا ما يقول:(حسن صحيح غريب).

وكذلك كان يصنع علي بن المديني، قال عن حديث "إنما الأعمال بالنيات" - وهو من أشهر الأحاديث الغريبة المخرجة في "الصحيحين" - بعد أن رواه عن ابن عيينة وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثَّقَفي ويزيد بن هارون، كلُّهم عن يحيى بن سعيد به، قال:(هذا حديث صحيح جامع، وهو من أصحِّ حديث روي عن عمرَ مرفوع، ولا نرويه من وجه من الوجوه إلا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري)

(2)

.

وقال في حديث قصة استشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر في أسرى بدر: (والحديث صحيح، ولا يُحفظ إلا من طريق عكرمة بن عمَّار، وسمَاك من أهل اليمامة، ومَسْكنه الكوفة)

(3)

.

(1)

"ذيل طبقات الحنابلة"(3/ 519).

(2)

"مسند الفاروق"(1/ 97).

(3)

المصدر السابق (2/ 526).

ص: 457

وقال عن حديث "لا يدخل الجنّة إلا المؤمنون": (لا نحفظه إلا من هذا الوجه، وهو حديث جيد الإسناد حسن)

(1)

.

ومن غرائب "الصحيحين":

1 -

قال البخاري رحمه الله: (حدثنا عَبْدَة، قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا عبد الله بن المثنى، قال: حدثنا ثُمَامة بن عبد الله، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم سلم ثلاثا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا)

(2)

.

وأخرجه الترمذي من طريق عبد الله بن المثنى، وقال:(حسن صحيح غريب، إنما نعرفه من حديث عبد الله بن المثنى)

(3)

.

2 -

وقال البخاري رحمه الله: (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن أخي ابن شهاب، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه")

(4)

.

وقد ذكر العقيلي أنه لم يجد لهذا الحديث أصلًا عند الطبقة الأولى من أصحاب الزهري ولا الثانية ولا الثالثة، ولم يجد أحدًا تابع ابن أخي ابن شهاب إلا مبشّر السعيدي، وصوّب أن يكون مبشّر إنما أخذه من ابن أخي ابن اشهاب؛ لأنه لا يُعرف له عن ابن شهاب غيره

(5)

.

(1)

المصدر السابق (2/ 297).

(2)

"صحيح البخاري"(94).

(3)

"جامع الترمذي"(3988)، وينظر:(2934).

(4)

"صحيح البخاري"(6069).

(5)

"الضعفاء"(5/ 400 - 401)، وقد تقدم مطولا.

ص: 458

3 -

وقال البخاري رحمه الله: (حدثنا عبدان، عن عبد الله، عن إبراهيم بن طهمان، قال: حدثني الحسين المُكْتِب، عن ابن بريدة، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال: "صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب")

(1)

.

وذكر الترمذي أن إبراهيم بن طهمان تفرد بهذا اللفظ

(2)

.

4 -

وقال البخاري رحمه الله: (حدثنا عبد الله بن منير، سمع أبا النَّضْر، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والرَّوْحَةُ يروحها العبد في سبيل الله، أو الغَدْوَةُ خير من الدنيا وما عليها")

(3)

.

تفرد بذكر الرباط عبد الرحمن بن عبد الله، وغيره لم يذكره، كما قال الدارقطني

(4)

، ونص على تفرده ابن حجر أيضا

(5)

، وقد أخرجه الترمذي وقال:(صحيح)

(6)

.

5 -

وقال البخاري رحمه الله: (حدثنا قتيبة، حدثنا عبد الرحمن بن أبي المَوَال، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم

(1)

"صحيح البخاري"(1117).

(2)

"جامع الترمذي"(373).

(3)

"صحيح البخاري"(2892).

(4)

"التتبع"(71).

(5)

"هدى الساري"(ص: 362).

(6)

"جامع الترمذي"(1771).

ص: 459

أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: عاجل أمري وآجله - فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني" قال:"ويسمي حاجته")

(1)

.

وذكر الإمام أحمد أن هذا حديث منكر، لا يرويه غير عبد الرحمن

(2)

.

6 -

وقال البخاري رحمه الله: (حدثنا مطر بن الفضل، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا العَوَّام، حدثنا إبراهيم أبو إسماعيل السَّكْسَكي، قال: سمعت أبا بردة، واصطحب هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر، فكان يزيد يصوم في السفر، فقال له أبو بردة: سمعت أبا موسى مرارا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا")

(3)

.

قال الدارقطني: (لم يسنده غير العَوَّام، وخالفه مسعر؛ رواه عن إبراهيم السَّكْسَكي، عن أبي بردة قوله، ولم يذكر أبا موسى ولا النبي صلى الله عليه وسلم)

(4)

.

7 -

وقال البخاري رحمه الله: (حدثني عبد الله بن صَبَّاح، حدثنا أبو علي الحنفي، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، قال: حدثنى أبي، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد)

(5)

.

ذكر ابن حجر أن أبا علي الحنفي تفرد به، وأن مخرجه ضاق على

(1)

"صحيح البخاري"(1162).

(2)

"الكامل" لابن عدي (7/ 197).

(3)

"صحيح البخاري"(2996).

(4)

"التتبع"(39).

(5)

"صحيح البخاري"(2159).

ص: 460

الإسماعيلي وأبي نعيم، فلم يخرجاه إلا من طريق البخاري

(1)

.

8 -

وقال البخاري رحمه الله: (حدثنا عبدان، أخبرنا أبي، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أنس بن مالك: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة يا رسول الله؟ قال: "ما أعددت لها؟ " قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: "أنت مع من أحببت")

(2)

.

هذا الحديث ذُكر أن والد عَبْدان - وهو عثمان - قد تفرد به، وقد ضاق مخرجه على الإسماعيلي وأبي نعيم، فأخرجاه من طريق البخاري

(3)

.

9 -

وقال البخاري رحمه الله: (حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا محمد بن فُلَيح، حدثنا أبي، قال: حدثني هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا قائم

(4)

إذا زُمْرَة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القَهْقَرَى، ثم إذا زُمْرَة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، قلت أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القَهْقَرَى، فلا أراه يَخْلُص منهم إلا مثل هَمَلِ النَّعَم")

(5)

.

قال ابن حجر: (ضاق مخرجه على الإسماعيلي وأبي نعيم وسائر من استخرج على "الصحيح"، فأخرجوه من عدة طرق عن البخاري، عن إبراهيم بن المنذر، عن محمد بن فليح، عن أبيه)

(6)

.

(1)

"فتح الباري"(4/ 372).

(2)

"صحيح البخاري"(6171).

(3)

"فتح الباري"(10/ 560).

(4)

وفي رواية الأكثر: (نائم) بالنون. "الفتح"(11/ 474).

(5)

"صحيح البخاري"(6587).

(6)

"فتح الباري"(11/ 474).

ص: 461

10 -

وقال البخاري رحمه الله: (حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المِغْفَر، فلما نزعه جاء رجل فقال: إن ابن خَطَل متعلق بأستار الكعبة، فقال: "اقتلوه")

(1)

.

قال أبو عيسى: (هذا حديث حسن صحيح، لا نعرف كبير أحد رواه غير مالك، عن الزهري)

(2)

.

قال ابن رجب: (لم يصح إلا من حديث مالك، عن ابن شهاب، عن أنس)

(3)

.

11 -

وقال البخاري رحمه الله: (حدثنا يحيى بن يحيى أبو زكريا، أخبرنا سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت القاسم بن محمد، قال: قالت عائشة: وارأساه

الحديث)

(4)

.

قال الجورقاني: (هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري في "الصحيح" عن يحيى بن يحيى هكذا، ولم يخرج البخاري ليحيى بن يحيى النيسابوري في "الصحيح" إلا ثلاثة أحاديث هذا أحدها، وهو عزيز، لا يروى عن يحيى بن سعيد عن القاسم إلا بهذا الإسناد، وأعجب الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، وقال: لو أن لي قوة وزادا لرحلت إلى يحيى بن يحيى لهذا الحديث إلى نيسابور)

(5)

.

وذكر ابن حجر معنى كلام الجورقاني، ثم قال:(ولكن أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" من وجهين آخرين عن سليمان بن بلال)

(6)

.

(1)

"صحيح البخاري"(1846).

(2)

"جامع الترمذي"(1800).

(3)

"شرح العلل"(1/ 416 - 417).

(4)

"صحيح البخاري"(5666).

(5)

"الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير"(139).

(6)

"فتح الباري"(10/ 124).

ص: 462

12 -

وقال البخاري رحمه الله: (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا سفيان، عن عمرو، سمع عطاء، يخبر عن صفوان بن يعلى، عن أبيه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر {وَنَادَوْا يَامَالِكُ} [الزخرف: 77])

(1)

.

قال أبو عيسى: (حديث يعلى بن أمية حديث حسن غريب صحيح، وهو حديث ابن عيينة)

(2)

.

13 -

وقال البخاري رحمه الله: (حدثنا عبد الله بن محمد المُسنَدي، قال: حدثنا أبو روح الحَرَمي بن عمارة، قال: حدثنا شعبة، عن واقد بن محمد، قال: سمعت أبي يحدث، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويوتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله")

(3)

.

قال ابن حجر: (وهذا الحديث غريب الإسناد، تفرد بروايته شعبة عن واقد، قاله ابن حبان)

(4)

.

14 -

وقال البخاري: (حدثنا علي بن عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا حَرَمي بن عمارة، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بكر بن المنكدر، قال: حدثني عمرو بن سليم الأنصاري، قال: أشهد على أبي سعيد قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن، وأن يمس طيبا إن وجد")

(5)

.

(1)

"صحيح البخاري"(3266).

(2)

"جامع الترمذي"(514)، وفي طبعة الرسالة (514):(حسن صحيح غريب).

(3)

"صحيح البخاري"(25).

(4)

"فتح الباري"(1/ 75).

(5)

"صحيح البخاري"(880).

ص: 463

قال ابن حجر: (لم أقف عليه من حديث شعبة إلا من طريق حَرَمي، وأشار ابن منده إلى أنه تفرد به عنه)

(1)

.

وهناك أحاديث أخرى في "صحيح البخاري" قال عنها ابن حجر: (من غرائب الصحيح)

(2)

.

15 -

وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله: (حدثنا أبو كُرَيْب محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة، حدثنا بريد، عن جده، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن يأكل في مِعَىً واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء")

(3)

.

قال الترمذي: (هذا حديث غريب من هذا الوجه من قبل إسناده، وقد روي من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يستغرب من حديث أبي موسى.

سألت محمود بن غَيْلَان عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث أبي كُرَيْب عن أبي أسامة.

وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث أبى كُرَيْب عن أبي أسامة، لم نعرفه إلا من حديث أبي كُرَيْب عن أبي أسامة.

فقلت: حدثنا غير واحد عن أبي أسامة بهذا، فجعل يتعجب، وقال: ما علمت أن أحدًا حدث بهذا غير أبي كُرَيْب.

قال محمد: وكنا نرى أن أبا كُرَيْب أخذ هذا الحديث عن أبي أسامة في المذاكرة)

(4)

.

(1)

"فتح الباري"(2/ 365).

(2)

ينظر: "هدى الساري"(ص: 441، 445)، "فتح الباري"(1/ 72 رقم 20)، (2/ 463 رقم 971)، (3/ 598 رقم 1773)، (5/ 58 رقم 2390)، (5/ 105 رقم 2454)، (5/ 119 رقم 2473)، (5/ 9 رقم 4980).

(3)

"صحيح مسلم"(2062).

(4)

"العلل الصغير"(ص: 69 - 70)، وقد أخرجه الترمذي عن أبي كريب وأبي هشام الرفاعي وأبي السائب الحسين بن الأسود، ثلاثتهم عن أبي أسامة به.

ص: 464

قال ابن رجب: (وقد استغربه غير واحد من هذا الوجه، وذكروا أن أبا كُرَيْب تفرد به، منهم البخاري وأبو زرعة، وذكر لأبي زرعة من رواه عن أبي أسامة غير أبي كُرَيْب، فكأنه أشار إلى أنهم أخذوه منه، وحسين بن الأسود كان يتهم بسرقة الحديث، وأبو هشام فيه ضعف أيضًا.

وقد ذكرنا كلام أبي زرعة في هذا في كتاب الأطعمة، وإنكاره على أبي السائب وأبي هشام روايته.

وظاهر كلام أحمد يدل على استنكار هذا الحديث أيضًا، قال أبو داود: سمعت أحمد، وذكر له حديث بريد هذا، فقال أحمد: يطلبون حديثًا من ثلاثين وجهًا، أحاديث ضعيفة، وجعل ينكر طلب الطرق نحو هذا. قال: شيء لا ينتفعون به، أو نحو هذا الكلام)

(1)

.

16 -

وقال مسلم رحمه الله: (حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخبرنا يحيى بن حسان، أخبرنا سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "نِعم الْأُدُم - أو الإدام - الخلُّ")

(2)

.

17 -

وقال مسلم رحمه الله: (حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخبرنا يحيى بن حسان، حدثنا سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يجوع أهل بيت عندهم التمر")

(3)

.

قال ابن عمار - بعد أن ذكر هذين الحديثين -: (حدثنا أحمد بن محمد بن القاسم الفَسَوي، حدثنا أحمد بن سفيان، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا يحيى بن حسان بهذين الحديثين.

قال أحمد بن صالح: نظرت في كتب سليمان بن بلال، فلم أجد لهذين الحديثين أصلا)

(4)

.

(1)

"شرح علل الترمذي"(1/ 441).

(2)

"صحيح مسلم"(2051).

(3)

"صحيح مسلم"(2046).

(4)

"علل الأحاديث في صحيح مسلم"(ص: 109).

ص: 465

‌الفصل الخامس التفرد في الطبقات

التفرد يختلف باختلاف الأسانيد، فأحيانا يكون في طبقة من روى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الصحابة، وقد يستمر التفرد في طبقة التابعين وحتى الطبقات المتأخرة، ولا يخفى أنه كلما ضاق مخرج الحديث دل على شدة غرابته، وبالتالي تقل قوة هذا الخبر ويقوى تعليله والحكم بردِّه، ولذا كان من صنيع الأئمة التنبيهُ على موضع التفرد في الخبر لأهمية ذلك في الحكم عليه.

وسأذكر إن شاء الله في هذا الفصل أمثلة للتفرادت حسب طبقات الإسناد.

‌أولا: طبقة الصحابة.

ومن الأمثلة:

حديث أبي وائل، عن حذيفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما

الحديث، متفق عليه

(1)

.

وأخرجه أحمد والبخاري في "التاريخ"

(2)

، كلاهما عن أبي نعيم، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن نَهيك بن عبد الله السلولي، حدثنا حذيفة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما.

(1)

"صحيح البخاري"(224)، "صحيح مسلم"(273).

(2)

"مسند أحمد"(23345)، "التاريخ الكبير"(8/ 122).

ص: 467

وهذا الإسناد لا بأس به.

قلت: هذا الحديث تفرد بروايته حذيفة رضي الله عنه، وأما ما جاء أن المغيرة حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا معلول؛ أخطأ بعضهم فجعله عن المغيرة، والصواب أنه حذيفة، ولعله عليه السلام لم يفعل ذلك إلا في المرة التي رآه فيها حذيفة، ولذلك نفت عائشة أن يكون عليه السلام بال قائما.

وحديث أبي قلابة وقتادة، كلاهما عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاث من كنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله كما يكره أن يقذف في النار". متفق عليه

(1)

.

وأخرجه مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس.

قلت: هذا حديث تفرد بروايته أنس فيما أعلم، وأما ما جاء عند أحمد

(2)

من حديث أبي رزين بمعناه فإنه لا يصح؛ ففي إسناده انقطاع وضعف.

وحديث همام بن الحارث، عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة قتات". متفق عليه

(3)

.

وأخرجه مسلم من حديث واصل الأحدب، عن أبي وائل، عن حذيفة.

قلت: هذا الحديث لا أعلم أن أحدا رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حذيفة.

(1)

"صحيح البخاري"(16، 21)، "صحيح مسلم"(43).

(2)

"مسند أحمد"(16194).

(3)

"صحيح البخاري"(6065)، "صحيح مسلم"(105).

ص: 468

والأمثلة على هذا كثيرة.

تنبيه: تفرّدُ الصحابي لا يؤثر في صحة الحديث، ولكن المعنى الذي يرويه جمع من الصحابة يكون أصح، وهذا هو الغالب على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

‌ثانيا: التفرد في طبقة التابعين.

قد يقع التفرد في طبقة كبار التابعين، ومثاله: ما روى إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي بكر الصديق أنه قال: أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}

الحديث

(1)

.

وقد اختُلف على إسماعيل في رفعه ووقفه، وتابعه على الوقف: بَيان بن بِشْر وطارق بن عبد الرحمن والحكم بن عتيبة، وغيرهم

(2)

.

والذي يظهر أن قيسًا تفرّد به، وقيس من كبار التابعين، وهو مخضرم.

ومثال التفرد في الطبقة الوسطى من التابعين، ما رواه أبو إسحاق السبيعي، عن البراء، عن أبي بكر في قصة الهجرة

(3)

، فإنه رواه جمع عن أبي إسحاق؛ كإسرائيل وزهير، والظاهر أنه تفرد به، فلا نعرف أنه توبع عليه.

ومثال التفرد في طبقة صغار التابعين، ما رواه يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو، عن أبي بكر أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: "قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما

(1)

أخرجه الترمذي (2320).

(2)

"العلل" لابن أبي حاتم (5/ 34)، "العلل" للدارقطني (1/ 58).

(3)

أخرجه البخاري (3652)، ومسلم (2009).

ص: 469

كبيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"

(1)

.

قال الدارقطني: (تفرد به يزيد)

(2)

.

ومثاله أيضا ما جاء من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغابت الشمس، فقد أفطر الصائم"

(3)

.

قال البزار: (هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد).

وهشام من صغار التابعين، وهو أصغر من يزيد.

وهذه الأخبار جاء التفرد فيها في طبقة التابعين كما ترى.

‌ثالثا: التفرد في طبقة أتباع التابعين.

من ذلك ما جاء من طريق عُمارة بن غَزِيَّة، عن خُبَيب بن عبد الرحمن بن يساف، عن حفص بن عاصم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب في فضل الترديد مع المؤذن

(4)

.

قال البزار: (هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد).

وأشار الدارقطني إلى تفرد عُمارة

(5)

.

(1)

أخرجه البخاري (834) ومسلم (2705).

(2)

"أطراف الغرائب"(1/ 38).

(3)

أخرجه البخاري (1954)، ومسلم (1100)، والبزار (260) واللفظ له.

(4)

أخرجه مسلم (385)، وأبو داود (527)، والنسائي في "الكبرى"(9978)، والبزار (258).

(5)

"العلل"(1/ 209).

ص: 470

وعُمارة بن غَزِية من طبقة كبار أتباع التابعين.

ومنه ما أخرجه الإمام مسلم من طريق محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة، يحدث عن سعيد بن المسيب، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"خمس فواسق، يقتلن في الحل والحرم: الحَيَّة، والغراب الأَبْقَع، والفأرة، والكلب العَقُور، وَالْحُدَيَّا"

(1)

.

وقد تابع شعبةَ سعيد بن أبي عروبة

(2)

وسعيد بن بشير

(3)

.

وزيادة "الحية" لا شك أنها خطأ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "خمس يقتلن

" الحديث، فمع "الحَيَّة" تكون ستة، ولذا لم تذكر "العقرب" في هذه الرواية.

وقال البيهقي لما ذكر رواية مسلم: (وقال: "الحية" بدل "العقرب"، وكأن شعبة كان شك في ذلك، فقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا إبراهيم بن مَرْزوق، ثنا أبو عامر، ثنا شعبة .. فذكره بإسناده، إلا أنه قال: "خمس يقتلن في الحل والحرم: الحية أو العقرب"، ثم ذكر الباقي. وكأن رواية أبي داود الطيالسي أصح؛ لموافقتها سائر الروايات عن عائشة، وابن المسيب إنما روى الحديث في الحية والذئب مرسلا)

(4)

.

قلت: فكأن ذكر الحية دخل على قتادة من خبر ابن المسيب المرسل.

وكذا ذكر "الحَيَّة" في حديث أبي عوانة عن زيد بن جبير عن ابن

(1)

"صحيح مسلم"(1198).

(2)

أخرجه الإسماعيلي في "معجم شيوخه"(204).

(3)

أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين"(2629).

(4)

"السنن الكبرى" للبيهقي (10/ 383).

ص: 471

عمر

(1)

، وقد رواه مسلم من طريق زهير عن زيد بن جبير به ولم يذكرها، ثم روى الحديث من طرق كثيرة عن نافع - منهم مالك وابن جريج - ولم يذكروها، ثم روى الحديث من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر ولم تذكر أيضا

(2)

.

قلت: وزيادة "الأَبْقَع" في الغراب في حديث قتادة لم تأت إلا في هذه الرواية، ولا تصح، والصواب عدم تقييده بذلك.

وشعبة من كبار أتباع التابعين.

وما جاء من طريق مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره، وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم

(3)

.

قال أبو عيسى: (هذا حديث حسن غريب صحيح).

وقال البزار: (هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه، ولا نعلم حدث به عن زيد بن أسلم إلا مالك).

ومالك من كبار الطبقة الوسطى من أتباع التابعين

(4)

.

وما رواه ابن عيينة، عن عمرو، سمع عطاء، يخبر عن صفوان بن يعلى، عن أبيه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر {وَنَادَوْا يَامَالِكُ} [الزخرف: 77]، وهو في "الصحيحين"

(5)

.

(1)

"صحيح مسلم"(1200).

(2)

"صحيح مسلم"(1198 - 1200).

(3)

أخرجه البخاري (4833) والترمذي (3566) والبزار (264، 265).

(4)

وإن كان ابن حجر قد جعله من كبار طبقتهم، وليس من الوسطى.

(5)

"صحيح البخاري"(3230)، "صحيح مسلم"(871).

ص: 472

قال أبو عيسى: (حديث يعلى بن أمية حديث حسن غريب صحيح، وهو حديث ابن عيينة)

(1)

.

وقال: (سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن، وهو حديث ابن عيينة الذي ينفرد به)

(2)

.

وابن عيينة من الطبقة الوسطى من أتباع التابعين، وهو أصغر من مالك.

ومن طبقة صغار أتباع التابعين، ما جاء من طريق مروان بن محمد، عن عبد الله بن وهب، عن يحيى بن عبد الله بن سالم، عن أبي بكر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال: تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه، وأمر الناس بصيامه

(3)

.

وقال البيهقى: (هذا الحديث يعد في أفراد مروان بن محمد الدمشقي)

(4)

.

وأخرجه الحاكم من طريق هارون بن سعيد الأَيْلي عن ابن وهب به، وقال:(على شرط مسلم)

(5)

.

قلت: تبين مما تقدم أن عبد الله بن وهب قد تفرد بهذا الحديث، ولم أقف على أحد رد هذا الخبر بالغرابة، بل الذي وقفت عليه أن جمعًا من الحفاظ قد قوّوه، وعلى رأسهم أبو داود، حيث إنه سكت عنه، وكذلك الدارقطني إذ قال:(تفرد به مروان بن محمد، عن ابن وهب، وهو ثقة)

(6)

.

(1)

"جامع الترمذي"(514).

(2)

"العلل الكبير"(143).

(3)

أخرجه أبو داود (2146)، وصحّحه ابن حبان (3447).

(4)

"السنن الكبرى"(4/ 357).

(5)

"المستدرك"(1541).

(6)

"سنن الدارقطني"(2147).

ص: 473

وقال أبو محمد بن حزم: (هذا خبر صحيح)

(1)

.

‌رابعا: طبقة أتباع أتباع التابعين.

جاء من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، في قصة مبايعة أبي بكر في بني ساعدة، وقول عمر: أنت سيدنا، وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

قال أبو عيسى: (هذا حديث صحيح غريب).

وقال البزار: (هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عائشة عن عمر، إلا من هذا الوجه).

وقال أبو الحسن الدارقطني: (أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم العمري، نا أبو كريب، نا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن الأسود، أنه سمع أبا موسى الأشعري يقول: لقد قدمت من اليمن أنا وأخي، فمكثنا حينا لا نرى إلا أن عبد الله بن مسعود رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما نرى من دخوله ودخول أمه على النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: هذا حديث صحيح من حديث أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن أبي موسى، وهو غريب من حديث يوسف بن أبي إسحاق، تفرد به عنه إبراهيم بن يوسف)

(3)

.

وقد وقع التفرد أيضا في طبقات بعد هذه، كما في الفصل الآتي.

* * *

(1)

"المحلى"(4/ 375).

(2)

أخرجه البخاري (3667، 3678)، والترمذي (4004)، والبزار (251).

(3)

"تاريخ دمشق" لابن عساكر (33/ 83)، وينظر:"علل الدارقطني"(1308)، "أطراف الغرائب"(4958)، "تهذيب الكمال"(32/ 413).

ص: 474

‌الفصل السادس ذكر أمثلة على تفردات بعض كبار الأئمة

‌عفان بن مسلم:

قال الطبراني: (حدثنا زكريا بن حَمْدويه الصَّفَّار البغدادي، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا همام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أكل أحدكم فليلعق أصابعه الثلاث؛ فإنه لا يدري في أيتهن البركة".

قال زكريا بن حَمْدويه: أنكره يحيى بن معين على عفان، فقام عفان فدخل بيته، فأخرجه من كتابه كما أملاه علينا.

لم يروه عن قتادة إلا همام، تفرد به عفان)

(1)

.

قال الطبراني: (حدثنا علي بن صقر السُّكَّري البغدادي، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت البناني، قال: ذكر أنس بن مالك رضي الله عنه سبعين رجلا من الأنصار، كان إذا جنهم الليل آووا إلى معلم بالمدينة، فيبيتون يدرسون القرآن، فإذا أصبحوا فمن كان عنده قوة أصاب من الحطب، وأستعذب من الماء، ومن كان عنده سعة أصابوا الشاة، فأصلحوا، فكانت تصبح معلقة بحجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما أصيب خبيب بعثهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان فيهم خالي حَرَام بن مِلْحَان، فأتوا على حي من بني سُليْم، فقال حَرَام لأميرهم:

(1)

"المعجم الصغير"(458).

ص: 475

ألا أخبر هؤلاء أنّا لسنا إياهم نريد فيخلوا وجوهنا؟ قالوا: نعم، فأتاهم، فقال لهم ذلك، فاستقبله رجل منهم برمح فأنفذه به، فلما وجد حرام مسّ الرمح في جوفه قال: فزت ورب الكعبة. فانطووا عليهم فما بقي منهم مخبر، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجد على سرية وجده عليهم.

قال أنس: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم، فلما كان بعد ذلك أتى أبو طلحة يقول: هل لك في قاتل حَرَام؟ فقال: ما باله؟ فعل الله به وفعل. فقال أبو طلحة: لا تفعل؛ فقد أسلم.

لم يروه عن سليمان إلا عفان)

(1)

.

قلت: في كونه قد تفرد به نظر، فإن هاشم بن القاسم تابعه، رواه عنه الإمام أحمد

(2)

.

‌سعيد بن منصور:

قال الإمام مسلم: (حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، أخبرنا حُصَين بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس

) في الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وذكر من صفاتهم:"ولا يرقون"

(3)

.

وهذه اللفظة تفرد بها سعيد بن منصور، وهي خطأ قطعا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي نفسه ويرقي غيره، فكيف تكون من صفات من يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب؟! ولذا أعرض عنها البخاري، وقال ابن تيمية:

(1)

"المعجم الصغير"(536).

(2)

"المسند"(12402).

(3)

"صحيح مسلم"(220).

ص: 476

(هذه اللفظة وقعت مقحمة في الحديث، وهي غلط من بعض الرواة)

(1)

.

‌يحيى بن معين:

قال الطبراني: (حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني يحيى بن معين، قال: نا هشام بن يوسف، قال: نا رَباح بن عبيد الله بن عمر، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بِئْسَ الشِّعْبُ جِيَادٌ" قالها مرتين أو ثلاثة، قالوا: فيم ذاك يا رسول الله؟ قال: "تخرج الدابة، فتصرخ ثلاث صرخات، فيسمعها ما بين الخافقين".

لم يَروِ هذا الحديث عن سهيل بن أبي صالح إلا رَباحُ بن عبيد الله بن عمر، ولا عن رباح إلا هشام بن يوسف، تفرد به يحيى بن معين)

(2)

.

وهذا الحديث ذكره البخاري من طريق ابن معين في ترجمة رباح، وقال:(لم يتابع عليه، وقال أحمد: منكر الحديث)

(3)

. وذكره العقيلي

(4)

وابن عدي

(5)

في ترجمة رباح، وكذلك الذهبي في "الميزان" وقال:(تفرد به هشام)

(6)

.

وقال: (حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا يحيى بن معين، قال: ثنا أبو عبيدة الحداد، قال: ثنا هشام بن حسان، قال: ثنا بكر بن عبد الله المزني، عن جابر بن عبد الله قال: ما صليت خلف أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام.

(1)

"حادي الأرواح" لابن القيم (2/ 267)، وينظر:"الفتاوى" لابن تيمية (1/ 182، 328)، وعدم ثبوت هذه اللفظة هو الصواب، والله أعلم.

(2)

"المعجم الأوسط"(4317).

(3)

"التاريخ الكبير"(3/ 316).

(4)

"الضعفاء الكبير"(2/ 456)، وقال:(لا يحفظ إلا عن رباح هذا).

(5)

"الكامل"(5/ 37)، وفي ترجمة هشام بن يوسف (10/ 341).

(6)

(2/ 35).

ص: 477

لم يَرو هذا الحديث عن بكر بن عبد الله إلا هشامُ بن حسان، ولا عن هشام إلا أبو عبيدة، تفرد به يحيى بن معين)

(1)

.

وقال: (حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا يحيى بن معين، ثنا أبو حفص الأَبَّار، عن محمد بن جُحَادَة، عن عطية، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".

لم يَرو هذا الحديث عن محمد بن جُحَادَة إلا أبو حفص الأَبَّار، تفرد به يحيى بن معين)

(2)

.

وقال: (حدثنا هاشم بن مَرْثَد، نا يحيى بن معين، ثنا إسماعيل بن أبان الوراق، نا مِسْعَر، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فإذا أنا بقصر، فقلت: لمن هذا؟ فقيل: لعمر بن الخطاب".

لم يَرو هذا الحديث عن مِسْعَر إلا إسماعيل بن أبان، تفرد به يحيى بن معين)

(3)

.

وقال أبو نعيم: (تفرد به يحيى عن إسماعيل)

(4)

.

وقال الدارقطني في "الأفراد" عن حديث "عُمْر الذُّبَاب أربعون يومًا": (تفرد به يحيى بن معين، عن موسى بن داود، عن الثوري، عن سلمة بن كهيل، عنه مرفوعا)

(5)

.

وقال عن حَدِيث رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما نفعني مال

" الحديث: (تفرد به أبو قِلَابَة عبد الملك بن محمد، عن أبي الوليد، عن ابن عيينة، عن الزهري عن عروة.

(1)

"المعجم الأوسط"(5492).

(2)

"المعجم الأوسط"(6880).

(3)

"المعجم الأوسط"(9285).

(4)

"الحلية"(7/ 259).

(5)

"أطراف الغرائب والأفراد"(2/ 47)، ترجمة أبي الزعراء عن ابن مسعود.

ص: 478

وقال يحيى بن معين: عن ابن عيينة، عن وائل بن داود، عن الزهري.

وبقية الحديث غريب من حديث الزهري، لم يأت به إلا أبو قِلَابَة بهذا الإسناد.

ورواه أبو عبيد الله المخزومي، عن سفيان، عن الزهري عن عروة - إن شاء الله - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما نفعني

". لم يذكر عائشة.

ورواه عبد الجبار بن العلاء والحميدي وسعيد بن سليمان، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة).

وقال في موضع: (ورواه إبراهيم بن بشار، عن ابن عيينة، عن وائل، عن ابنه.

ورواه يحيى بن معين عن ابن عيينة، فلم يذكر فيه بكر بن وائل، وجعله عن وائل، عن الزهري، عن عروة، وتفرد به يحيى بن معين)

(1)

.

وقال الدارقطني - عن حديث: ما أدركت أبويّ إلا وهما يدينان هذا الدين -: (تفرد بهذين الحديثين يحيى بن معين، عن ابن عيينة، عن وائل بن داود عن الزهري)

(2)

.

قلت: روى ابن أبي خيثمة الحديث في "تاريخه" فقال: (حدثنا يحيى بن معين، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر".

فأتبعه ابن شيبة - صديق كان له - قال: هذا الحديث سمعتَه من الزهري؟ قال: لا، ولكن حدثني به وائل بن داود.

(1)

"أطراف الغرائب والأفراد"(2/ 448).

(2)

"أطراف الغرائب والأفراد"(2/ 448)، ويقصد بالحديثين: هذا والذي قبله.

ص: 479

قال يحيى بن معين: وائل بن داود لم يسمع من الزهري، وإنما سمع من ابنه بكر بن وائل، وكان بكر بن وائل بن داود قد رأى الزهري)

(1)

.

‌علي بن المديني:

قال الطبراني: (حدثنا الحسن بن محمد بن هشام الشَّطَوي البغدادي، حدثنا علي بن المديني، حدثنا يحيى بن آدم، عن الحسن بن صالح، عن أخيه علي بن صالح، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر لك؟ على أنه مغفور لك: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين".

لم يروه عن الحسن بن صالح إلا يحيى بن آدم، تفرد به علي بن المديني)

(2)

.

وقال: (حدثنا محمد بن جعفر بن الإمام بمدينة دمياط، حدثي علي بن المديني، حدثنا أنس بن عياض، حدثني عبد الله بن عمر، عن ابن شهاب الزهري، أخبرني عروة بن الزبير، أن عَمْرَة بنت عبد الرحمن، أخبرته أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم و رضي الله عنها قالت: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخل عليّ رأسه وهو معتكف فأرجله، وكان لا يدخل بيته إلا لحاجة الإنسان.

(1)

"تاريخ ابن أبي خيثمة"(1/ 276)، وينظر:"العلل" لعبد الله بن أحمد (2532)، "الإرشاد" للخليلي (1/ 370).

وينظر أيضا: "الكامل" لابن عدي (1/ 308).

(2)

"المعجم الصغير"(350).

ص: 480

لم يروه عن عبد الله بن عمر إلا أنس بن عياض، تفرد به علي بن المديني)

(1)

.

ونص على ذلك الدارقطني

(2)

.

قال الطبراني: (حدثنا يحيى بن محمد الحِنَّائي البصري ببغداد، حدثنا علي بن المديني، حدثنا يحيى بن آدم، عن قُطْبَة بن عبد العزيز، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة".

لم يروه عن قُطْبَة إلا يحيى بن آدم، تفرد به علي بن المديني)

(3)

.

‌أبو بكر بن أبي شيبة:

قال الطبراني: (حدثنا سلمة بن حمزة المُقرئ البغدادي، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شَرِيك، عن الأَجْلح، عن أبي الزبير، عن جابر قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة أُتي بأبي قحافة ورأسه ولحيته كأنها ثَغَامَة، فقال:"غيروا الشيب واجتنبوا السواد".

لم يروه عن الأَجَلح إلا شريك، تفرد به أبو بكر بن أبي شيبة)

(4)

.

‌أحمد بن حنبل:

قال الطبراني: (حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده: نا الأسود بن عامر، قال: نا الحسن بن صالح، عن أبي ليلى، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحرم يموت: "يكفن في ثوبيه، ولا يغطى رأسه، ولا يمس طيبا، ويغسل بماء وسدر، فإنه يبعث يوم القيامة يُلَبِّي".

(1)

"المعجم الصغير"(1017).

(2)

"أطراف الغراب والأفراد"(2/ 504).

(3)

"المعجم الصغير"(1159).

(4)

"المعجم الصغير"(483).

ص: 481

لم يَرو هذا الحديث عن الحسن بن صالح إلا الأسودُ بن عامر، تفرد به أحمد بن حنبل)

(1)

.

وقال: (حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنى أبي، قال: نا أبو سعيد مولى بني هاشم، قال: نا عثمان بن عبد الملك أبو قُدَامَةَ العمري، قال: حدثتنا عائشة بخت سعد، عن أم ذرة، قالت: رأيت عائشة تصلي الضّحى، فتقول: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلا أربع ركعات.

لا يُروى هذا الحديث عن أم ذَرَّة إلا بهذا الإسناد، تفرد به أحمد بن حنبل رحمة الله ورضوانه عليه)

(2)

.

وقال: (حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنى أبي، قال: سمعت إبراهيم بن سعد الزهري في سنة اثنين وثمانين ومائة يقول: حدثني الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْح، عن أبي عثمان، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أسكر كثيرُه فقليله حرام".

قال عبد الله: قال أبي: أبو عثمان الأنصاري اسمه عمرو بن سالم، رواه عنه مهدي بن مَيْمُون، وليث بن أبي سُليم، ومُطَرِّف بن طَرِيف.

حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنى أبي، قال: حدثني أبو تُمَيْلَة، قال: حدثنى أبي، قال: رأيت أبا عثمان الأنصاري عمرو بن سالم يقضي ببلدة.

قال أبي: كان قاضيا بِمَرْو.

لم يَرو هذا الحديث عن الربيع بن صُبيح إلا إبراهيمُ بن سعد، تفرد به أحمد بن حنبل)

(3)

.

(1)

"المعجم الأوسط"(4277).

(2)

"المعجم الأوسط"(4296).

(3)

"المعجم الأوسط"(4330).

ص: 482

‌قتيبة بن سعيد:

قال الترمذي: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك، إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر إلى أن يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر وصلى الظهر والعصر جميعا ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب.

حديث معاذ حديث حسن غريب، تفرد به قتيبة، لا نعرف أحدا رواه عن الليث غيره.

وحديث الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ حديث غريب، والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ؛ من حديث أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ، أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، رواه قرة بن خالد، وسفيان الثوري، ومالك، وغير واحد، عن أبي الزبير المكي)

(1)

.

وقال أبو داود: (ولم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده)

(2)

.

وقال الحاكم: (هذا حديث رواته أئمة ثقات، وهو شاذ الإسناد والمتن، لا نعرف له علة نُعلِّله بها، فلو كان الحديث عند الليث عن أبي الزبير عن أبي الطفيل لعلّلنا به الحديث، ولو كان عند يزيد بن أبي حبيب عن أبي الزبير لعلّلنا به، فلما لم نجد له العلتين، خرج عن أن يكون معلولا.

(1)

(561، 562).

(2)

"السنن"(1220).

ص: 483

ثم نظرنا، فلم نجد ليزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل رواية، ولا وجدنا هذا المتن بهذه السياقة عند أحد من أصحاب أبي الطفيل، ولا عند أحد ممن رواه عن معاذ بن جبل غير أبي الطفيل، فقلنا: الحديث شاذ.

وقد حدثونا عن أبي العباس الثقفي

(1)

، قال: كان قتيبة بن سعيد يقول لنا: على هذا الحديث علامة أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي خيثمة، حتى عدّ قتيبة أسامي سبعة من أئمة الحديث، كتبوا عنه هذا الحديث.

وقد أخبرناه أحمد بن جعفر القَطِيعي، قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنى أبي، قال: ثنا قتيبة بن سعيد، فذكر نحوه.

قال أبو عبد الله: فأئمة الحديث إنما سمعوه من قتيبة تعجبا من إسناده ومتنه، ثم لم يبلغنا عن واحد منهم أنه ذكر للحديث علة.

وقد قرأ علينا أبو علي الحافظ هذا الباب وحدثنا به، عن أبي عبد الرحمن النسائي - وهو إمام عصره -، عن قتيبة بن سعيد، ولم يذكر أبو عبد الرحمن ولا أبو علي للحديث علة.

فنظرنا، فإذا الحديث موضوع، وقتيبة ثقة مأمون.

حدثني أبو الحسن محمد بن موسى بن عمران الفقيه، قال: ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: سمعت صالح بن حَفْصوَيْه النيسابوري - قال أبو بكر: وهو صاحب حديث -، يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد

(1)

أخرجه أبو إسحاق المزكي في "الفوائد المنتخبة - المزكيات" انتقاء وتخريج الدارقطني (4)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(14/ 482 - 483)، عن أبي العباس الثقفي به.

ص: 484

ابن أبي حبيب عن أبي الطفيل؟ فقال: كتبته مع خالد المدايني. قال البخاري: وكان خالد المدايني يُدخل الأحاديث على الشيوخ)

(1)

.

قلت: وعلة هذا الحديث هي الغرابة، فقد تفرد به قتيبة عن الليث، وهو وإن كان إماما فإنه لا يُقبل هذا التفرد منه، فأين أصحاب الليث وأين أصحاب يزيد بن أبي حبيب؟

وقال الطبراني: (حدثنا عَبْدَان بن محمد المروزي بمكة سنة سبع وثمانين ومائتين، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا سُخيل بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، عن أبيه، عن أبي حَدْرَد الأسلمي قال: كان ليهودي عليَّ أربعة دراهم، فلزمني، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد الخروج إلى خيبر، فاستنظرته إلى أن أقدم، فقلت: لعلنا أن نغَنْم شيئا، فجاء بي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"أعطه حقه" مرتين، فقلت: يا رسول الله إنك تريد الخروج إلى خيبر، ولعل الله أن يرزقنا بها غنائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"أعطه حقه"، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا قال الشيء ثلاث مرات لم يُراجع، وعليَّ إزاري، وعلى رأسي عصابة، فلما خرجت قلت: اشتر مني هذا الإزار، فاشتراه بالدراهم التي له عليَّ، فاتزرت بالعصابة التي على رأسي، فمرت امرأة عليها شَمْلَة فألبستني إياها.

لا يروى عن أبي حَدْرَد إلا بهذا الإسناد، تفرد به قتيبة)

(2)

.

وقال: (حدثنا محمد بن عمر بن منصور البَجَلِي الكَشِّي بمصر، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عبد الله بن أبي قتادة،

(1)

"معرفة علوم الحديث"(ص: 396 - 398).

(2)

"المعجم الصغير"(655).

ص: 485

عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ساقي القوم آخرهم شربا".

لم يروه عن أيوب إلا حماد، تفرد به قتيبة)

(1)

.

‌عمرو بن علي الفلّاس:

قال أبو طاهر المُخلّص: (حدثنا يحيى، حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يزيد بن زُرَيْع، حدثنا سعيد - يعني ابن أبي عَروبة -، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:"اللهم اغفر للأنصار، ولأبنائهم، ولأبناء أبنائهم".

قال ابن صاعد: وهذا حديث بهذا الإسناد ما سمعناه إلا منه)

(2)

.

وقال البزار: (وهذا الحديث قد أنكروه على عمرو بن علي من حديث يزيد، وكان مقيما عليه إلى أن مات)

(3)

.

هذا مع أن عمرو بن علي الفلاس إمام حافظ، فضّله بعض الحفاظ على علي بن المديني

(4)

.

‌أحمد بن منيع:

قال الطبراني: (حدثنا رجاء بن أحمد بن زيد البغدادي، حدثنا أحمد بن مَنيع، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبو يوسف القاضي، عن أبي أيوب الإفريقي، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول صلى الله عليه وآله وسلم يوتر بتسع سور في ثلاث ركعات: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ، و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ، و {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} في ركعة، وفي

(1)

"المعجم الصغير"(871).

(2)

"المخلصيات"(294).

(3)

"مسند البزار"(7052).

(4)

ينظر: "الجرح والتعديل"(6/ 249).

ص: 486

الثانية: {وَالْعَصْرِ} ، و {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} ، و {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ، وفي الثالثة:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {تَبَّتْ} ، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .

لم يروه عن أبي أيوب الإفريقي - واسمه عبد الله بن علي - إلا أبو يوسف القاضي، تفرد به أحمد بن منيع)

(1)

.

‌أحمد بن صالح المصري:

قال الطبراني: (حدثنا أحمد بن محمد بن نافع الطحان المصري، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عَنْبَسَة بن خالد، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن أبي الزِّناد، عن نافع، عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العَرَايَا بِخَرْصِهَا كَيْلًا.

لم يروه عن أبي الزِّناد إلا يونس، ولا عن يونس إلا عَنْبَسَة، تفرد به أحمد بن صالح)

(2)

.

قال الطبراني: (حدثنا إسماعيل بن الحسن الخَفَّاف المصري، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا يحيى بن محمد الجَاري، حدثنا أبو شاكر عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم، عن أبيه، عن سعيد بن عبد الرحمن بن رُقَيش الأنصاري، أنه سمع خاله عبد الله بن أبي أحمد بن جحش يقول: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حفظت لكم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ستا: "لا طلاق إلا من بعد نكاح، ولا عتاق إلا من بعد ملك، ولا وفاء لنذر في معصية، ولا يُتْمَ بعد احتلام، ولا صُمَاتَ يوم إلى الليل، ولا وِصَال في الصيام".

لا يروى عن عبد الله بن أبي أحمد بن جحش - وهو ابن أخي زينب

(1)

"المعجم الصغير"(457).

(2)

"المعجم الصغير"(40).

ص: 487

زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بهذا الإسناد، تفرد به أحمد بن صالح، ولا نحفظ لعبد الله بن أبي أحمد حديثا مسندا غير هذا)

(1)

.

‌محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي:

قال الطبراني: (حدثنا إبراهيم بن مُفَرِّج البلدي، حدثنا محمد بن عمار الموصلي، حدثنا عمر بن محمد بن مرزوق، عن عمر بن صُهْبان، عن صفوان بن سُلَيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن يكن شيء يطلب به الدواء وينفع من الداء، فإن الحجامة تنفع من الداء، فاحتجموا في سبع عشرة، أو تسع عشرة، أو إحدى وعشرين".

لم يروه عن صفوان إلا عمر بن محمد، ولا عن عمر إلا عمر بن مرزوق، تفرد به محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي)

(2)

.

‌محمد بن رافع النيسابوري:

قال الطبراني: (حدثنا علي بن الحسن بن سهل البَلْخِي، حدثنا محمد بن رافع النيسابوري، حدثنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر العَقَدي، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البُنَاني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعجبه إذا خرج لحاجة أن يسمع: يا نَجِيح، يا راشد.

لم يروه عن حماد إلا العقدي، تفرد به ابن رافع)

(3)

.

‌محمد بن عبد الرحيم صاعقة:

قال الطبراني: (حدثنا علي بن إسماعيل الشَّعِيري البغدادي، حدثنا

(1)

"المعجم الصغير"(266).

(2)

"المعجم الصغير"(236).

(3)

"المعجم الصغير"(549).

ص: 488

محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى صاعقة، حدثنا أبو المنذر إسماعيل بن عمرو، حدثنا وَرْقاء، عن سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول".

لم يروه عن سعد إلا وَرْقاء، ولا عنه إلا أبو المنذر، تفرد به محمد بن عبد الرحيم)

(1)

.

‌يعقوب بن سفيان الفَسَوي:

قال الطبراني: (حدثنا تميم بن محمد الفارسي، حدثنا يعقوب بن سفيان الفَسَوي، حدثنا عمر بن راشد المديني - مولى عبد الرحمن بن أبان بن عثمان -، حدثنا محمد بن عَجْلان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقد النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا كان يجالسه فقال: "ما لي فقدت فلانا؟ " قالوا: اعْتبَط، وكانوا يسمون الوعك الاعتباط، فقال:"قوموا حتى نعوده"، فلما دخل عليه بكى الغلام، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"لا تبك؛ فإن جبريل عليه السلام أخبرني أن الحمى حظ أمتي من جهنم".

لم يروه عن هشام بن عروة إلا محمد بن عَجْلان، ولا عن ابن عَجْلان إلا عمر بن راشد، تفرد به يعقوب بن سفيان)

(2)

.

‌عبد الله بن أحمد بن حنبل:

قال الطبراني: (حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا جُوَيْرِيَة بن أَشْرَسَ المِنْقَري، حدثنا حماد بن سلمة، عن شعبة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه

(1)

"المعجم الصغير"(552).

(2)

"المعجم الصغير"(314).

ص: 489

وآله وسلم من إناء واحد في تور من شَبَهٍ، فيقول:"أَبْقِ لي، أَبْقِ لي".

لم يروه عن شعبة إلا حماد بن سلمة، ولا عنه إلا جُوَيْرِيَة، تفرد به عبد الله)

(1)

.

‌أحمد بن شعيب النسائي:

قال الدارقطني: (حدثنا به أبو طالب الحافظ أحمد بن نصر بن طالب وأبو عبد الله محمد بن علي بن إسماعيل الأَيْلِي وآخرون، قالوا: حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي أحمد بن شعيب بن علي بن سِنَان، أخبرنا عمرو بن يزيد أبو بريد البصري، حدثنا سيف بن عبيد الله - وكان ثقة -، عن سلمة بن عَيَّار، عن سعيد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قلنا: يا رسول الله، هل نرى ربنا؟ قال:"هل ترون الشمس في يوم لا غيم فيه؟ ترون القمر في ليلة لا غيم فيها؟ " قلنا: نعم قال: "فإنكم سترون ربكم، حتى إن أحدكم ليحاضر ربه محاضرة، فيقول: عبدي هل تعرف ذنب كلذا وكذا، فيقول: ألم تغفر لي؟ فيقول: بمغفرتي صرت إلى هذا".

قال الدارقطني: هذا حديث غريب من حديث سعيد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهو مما تفرد به أبو عبد الرحمن النسائي بهذا الإسناد)

(2)

.

‌زكريا بن يحيى السَّاجِي:

قال الطبراني: (حدثنا زكريا بن يحيى السَّاجِي، حدثنا إسماعيل بن

(1)

"المعجم الصغير"(593).

و (الشبه): النحاس. ينظر: "الإيجاز" للنووي (ص: 386).

(2)

"رؤية الله"(31).

ص: 490

حفص الأيلي، حدثنا معتمر بن سليمان التيمي، عن أبيه، عن مغيرة، عن الشعبي، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".

لم يروه عن سليمان التيمي إلا معتمر، تفرد به إسماعيل بن حفص، ولا كتبناه إلا عن أبي يحيى السَّاجِي)

(1)

.

والأمثلة على هذا كثيرة، وللاستزادة ينظر:"المعجم الصغير" للطبراني.

يلاحظ على ما تقدم ما يلي:

أولا: اعتناء الأئمة البالغُ بالحديث الغريب ومن تفرد به، فما وجد حديثٌ غريب أو راوٍ تفرد بحديث إلا ونبهوا إلى ذلك.

ثانيا: أُلفت بعض الكتب خصّيصا لبيان ذلك؛ كـ"مسند البزار"، ومعجمي الطبراني "الأوسط" و"الصغير"، و"أفراد الدارقطني". ومن ذلك بعض كتب التراجم التي يصنعها الحفاظ النقاد؛ كـ"تذكرة الحفاظ" للذهبي.

ثالثا: لكون التفرد مظنة الخطأ، قلَّ تفرُّد الحفاظ، مع أن الظن بالحافظ المكثر أن يتفرد أكثر من غيره، ولكن الواقع بخلاف ذلك.

فهذا أحمد، وابن معين، وابن المديني، قلَّ أن ينفرد أحدهم بحديث، مع أنّ كل واحد منهم قد روى مئات الآلاف من الأحاديث والأخبار، رغم ذلك لا يوجد لهم ما انفردوا به إلا الشيء اليسير، الخبران أو الثلاثة.

وقد قمتُ بمراجعة الكتب المعنية بهذا الأمر؛ كـ"مسند البزار"

(1)

"المعجم الصغير"(460).

ص: 491

ومعجمي الطبراني "الأوسط" و"الصغير"، و"الأفراد" للدارقطني الذي رتبه ابن طاهر، و"الحلية" لأبي نعيم؛ فما وجدت إلا ما تقدّم ذكره، مع أنه قد لا يمكن الجزم بتفردهم في بعض ما ذُكر.

رابعا: إذا كثر التفرد من الراوي فذاك مدعاة إلى التأثير في توثيقه، حتى ولو كان حافظا.

وبهذا يتبين أهمية تتبع هذا الأمر.

* * *

ص: 492

‌الفصل السابع متى تكون الغرابة قادحة في صحة الخبر؟

أقول - وبالله تعالى التوفيق -: ليُعلم أن الأخبار في ذلك تنقسم إلى قسمين:

الأول: أن يكون مع التفرد مخالفة، وذلك كأن يُروى الحديث من وجه، ويأتي من وجه آخر ما يخالف الوجه المشهور إسنادًا أو متنًا.

والأمر في هذا ظاهر، وهو ترجيح رواية الأوثق والأكثر، والحكم بشذوذ ما حصل فيه التفرد والغرابة.

الثاني: ألا تكون هناك مخالفة، بل تفرد فقط.

وهذا فيه تفصيل؛ لأن هناك أحاديث غريبة قد اتفق الحفاظ على صحتها، وهناك أحاديث أخرى ردّها الحفاظ بسبب غرابتها، وبتتبع كلام النقاد يتبين أن هناك شروطًا لا بد من توفرها لكي تكون هذه الغرابة مقبولة وإلا فهي مردودةً.

وهذه الشروط وهي:

الشرط الأول: أن يكون متن هذا الحديث مستقيمًا، بحيث لا يخالف ما جاء في القرآن العظيم، ولا ما استقرَّ في السنة النبوية وعُرف.

قال البَرْدِيجي: (إذا روى الثقة من طريق صحيح، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا لا يصاب إلا عند الرجل الواحد، لم يضره أن لا

ص: 493

يرويه غيره، إذا كان متن الحديث معروفًا، ولا يكون منكرًا ولا معلولًا)

(1)

.

وقال أيضا: (المنكر: هو الذي يحدّث به الرجل عن الصحابة، أو عن التابعين عن الصحابة، لا يُعرف ذلك الحديث - وهو متن الحديث - إلا من طريق الذي رواه، فيكون منكرًا)

(2)

.

ولذا قال صالح بن محمد الحافظ: (الشاذ: الحديث المنكر الذي لا يعرف)

(3)

.

فالمتن الذي لا يعرف إلا من وجه واحد، ولم يأت لفظه ولا معناه في الكتاب والسنة؛ غالبا لا يكون صحيحًا، والمتن الذي يعتبر أصلًا في بابه، ليس مثل ما كان خلاف ذلك، ولذا قال أبو عبيد القاسم بن سلام: (فأما الحديث المرفوع الذي ذكرناه أول هذا الباب، حين قال لليمانية ذات المسكتين من ذهب:"أتعطين زكاته؟ "

(4)

، فإن هذا الحديث لا نعلمه يروى إلا من وجه واحد بإسناد قد تكلم الناس فيه قديما وحديثا، فإن يكن الأمر على ما روي، وكان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظا، فقد يحتمل معناه: أن يكون أراد بالزكاة العارية، كما فسّرته العلماء الذين ذكرناهم؛ سعيد بن المسيب، والشعبي، والحسن، وقتادة، في قولهم: زكاته عاريته.

ولو كانت الزكاة في الحلي فرضا كفرض الرقة، ما اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك على أن يقوله لامرأة يخصها به عند رؤيته الحلي عليها دون الناس، ولكان هذا كسائر الصدقات الشائعة المنتشرة عنه في العالم من كتبه

(1)

"شرح علل الترمذي"(1/ 452).

(2)

"شرح علل الترمذي"(1/ 450).

(3)

"الكفاية" للخطيب (394).

(4)

يعني: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

ص: 494

وسنته، ولفعلته الأئمة بعده، وقد كان الحلي من فعل الناس في آباد الدهر، فلم نسمع له ذكرا في شيء من كتب صدقاتهم)

(1)

.

الشرط الثاني: ألا يكون التفرد في الطبقات المتأخرة؛ فإن هذا مظنة الخطأ؛ وذلك أن الأحاديث كلما تأخر الوقت تكون قد اشتهرت واستفاضت، فالصحابي قد يروي عنه جمعٌ من التابعين، وعنهم جمعٌ أكثر، وهكذا، وبالتالي يكون هذا قرينة على أن من تفرد بهذا الخبر قد أخطأ فيه.

قال الذهبي: (فمثل يحيى القطان، يقال فيه: إمام، وحجة، وثبت، وجهبذ، وثقة ثقة.

ثم ثقة حافظ، ثم ثقة متقن، ثم ثقة عارف، وحافظ صدوق، ونحو ذلك.

فهؤلاء الحفاظ الثقات: إذا انفرد الرجل منهم من التابعين، فحديثه صحيح.

وإن كان من الأتباع، قيل: صحيح، غريب.

وإن كان من أصحاب الأتباع، قيل: غريب، فرد. ويندر تفردهم، فتجد الإمام منهم عنده مئتا ألف حديث، لا يكاد ينفرد بحديثين ثلاثة.

ومن كان بعدهم، فأين ما ينفرد به؟ ما علمته، وقد يوجد.

ثم ننتقل إلى اليقظ الثقة، المتوسط المعرفة والطلب، فهو الذي يُطلق عليه أنه ثقة، وهم جمهور رجال "الصحيحين": فتابعيُّهم إذا انفرد خرِّج حديثه ذلك في "الصحاح".

وقد يتوقف كثير من النقاد في إطلاق "الغرابة" مع "الصحة" في حديث أتباع الثقات، وقد يوجد بعض ذلك في "الصحاح" دون بعض.

(1)

"الأموال"(2/ 106).

ص: 495

وقد يسمي جماعة من الحفاظ الحديث الذي ينفرد به مثل هشيم، وحفص بن غياث: منكرا.

فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة، أطلقوا النكارة على ما انفرد به

(1)

، مثل عثمان بن أبي شيبة، وأبي سلمة التبوذكي، وقالوا: هذا منكر. فإن روى أحاديث من الأفراد المنكرة، غمزوه، وليّنوا حديثه، وتوقفوا في توثيقه، فإن رجع عنها وأمتنع من روايتها، وجوّز على نفسه الوهم، فهو خير له، وأرجح لعدالته، وليس من حدِّ الثقة أنه لا يغلط ولا يخطئ، فمن الذي يسلم من ذلك غير المعصوم الذي لا يُقر على خطأ)

(2)

.

ويؤيد كلام الذهبي ويشهد له الواقع العملي:

ففي مقدمة "الكامل" لابن عدي، عن أبي بكر بن زَنْجُويه: (قدمت مصر، فأتيت أحمد بن صالح، فسألني: من أين أنت؟ قلت: من بغداد. قال: أين منزلك من منزل أحمد بن حنبل؟ قلت: أنا من أصحابه. قال: تكتب لي موضع منزلك، فإني أريد أن أوافي العراق حتى تجمع بيني وبين أحمد بن حنبل.

فكتبت له، فوافى أحمد بن صالح سنة اثنتي عشرة إلى عفان، فسأل عني فلقيني، فقال: الموعد الذي بيني وبينك. فذهبت به إلى أحمد بن حنبل، واستأذنت له، فقلت: أحمد بن صالح بالباب، فقال: ابن الطبري؟ قلت: نعم، فأذن له، فقام إليه، ورحب به وقرّبه، وقال له: بلغني أنك

(1)

وسبب ذلك - كما تقدم - كثرة التحديث وانتشار الرواية، وبالتالي يبعد أن ينفرد شخص بحديث عن باقي أقرانه، فتجد المحدث يروي عنه العدد الكثير، فإذا انفرد أحد التلاميذ عنه بخبر يقال: أين باقي التلاميذ عن هذا الخبر؟ فيكون هذا دليلا على خطئه غالبا.

(2)

"الموقظة"(ص: 94 - 96).

ص: 496

جمعت حديث الزهري، فتعال حتى نذكر ما روى الزهري عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلا يتذاكران، ولا يُغرب أحدهما على الآخر حتى فرغا، وما رأيت أحسن من مذاكرتهما.

ثم قال أحمد بن حنبل لأحمد بن صالح: تعال حتى نذكر ما روى الزهري عن أولاد أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فجعلا يتذاكران، ولا يغرب أحدهما على الآخر، إلى أن قال أحمد بن حنبل لأحمد بن صالح: عند الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما يسرني أنّ لي حمر النعم وأنّ لي حلف المطيبين".

فقال أحمد بن صالح لأحمد بن حنبل: أنت الأستاذ وتذكر مثل هذا؟!

فجعل أحمد بن حنبل يبتسم، ويقول: رواه عن الزهري رجل مقبول - أو صالح -: عبد الرحمن بن إسحاق.

قال: من رواه عن عبد الرحمن بن إسحاق؟

فقال: حدثناه رجلان ثقتان: إسماعيل ابن علية، وبشر بن المفضّل.

فقال أحمد بن صالح لأحمد بن حنبل: سألتك باللّه إلا أمليته علي.

فقال أحمد: من الكتاب. فقام فدخل، وأخرج الكتاب وأملى عليه.

فقال أحمد بن صالح: لو لم أستفد بالعراق إلا هذا الحديث كان كثيرا. ثم ودعه وخرج)

(1)

.

قلت: كلا الأحمدين من كبار الحفاظ، وكلاهما روى مئات الآلاف

(1)

"الكامل"(1/ 414).

ص: 497

من الأحاديث والآثار، ومع ذلك لم يستطع أحدهما أن ينفرد عن الآخر بشيء، إلا حديثا واحدا كان عند أحمد بن حنبل ولم يكن عند ابن صالح، فتأمل.

وفي ترجمة أبي حاتم الرازي من "تقدمة الجرح والتعديل"، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم:(سمعت أبي يقول: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: من أغرب عليّ حديثا غريبا مسندا صحيحا لم أسمع به، فله عليّ درهم يتصدق به، وقد حضر على باب أبي الوليد خلق من الخلق، أبو زرعة فمن دونه، وإنما كان مرادي أن يلقى عليّ ما لم أسمع به، فيقولون هو عند فلان، فأذهب فأسمع، وكان مرادي أن أستخرج منهم ما ليس عندي، فما تهيأ لأحد منهم أن يغرب عليّ حديثا)

(1)

.

قلت: وهذا يؤيد ما تقدم.

وقال أبو ذر الهروي: (سمعت أبا مسعود الدمشقي يقول: جاء رجل بغدادي يحفظ إلى ابن جَوْصَا، فقال له ابن جَوْصَا: كلما أغربتَ عليّ حديثا من حديث الشاميين أعطيتك درهما. فلم يزل الرجل يلقي عليه ما شاء اللّه، ولا يغرب عليه، فاغتم. فقال للرجل: لا تجزع، وأعطاه لكل حديث ذاكره به درهما)

(2)

.

قلت: ولذا كان التفرد عندهم مظنة الإنكار والخطأ.

وفي ترجمة يعقوب بن حميد بن كاسب من "ضعفاء العقيلي"، عن زكريا بن يحيى الحُلْوانيّ قال: (رأيت أبا داود السجستاني - صاحب أحمد بن حنبل - قد ظاهر بحديث ابن كاسب، وجعله وقايات على ظهر كتبه،

(1)

(ص:355).

(2)

"تاريخ دمشق"(5/ 114)، "سير أعلام النبلاء"(15/ 16).

ص: 498

فسألته عنه، فقال: رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها، فطالبناه بالأصول، فدافعنا، ثم أخرجها بعد، فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيّرة بخط طري، كانت مراسيل فأسندها وزاد فيها)

(1)

.

ويؤيد هذه الواقعة ما جاء في "تاريخ دمشق" لابن عساكر

(2)

بإسناده إلى الحافظ أبي عبد اللّه الحاكم، قال: (سمعت أبا عمرو بن حمدان، يقول: سمعت أبا طاهر الجُنابذي يقول: سمعت موسى بن هارون يقول: استخرت اللّه سنتين حتى تكلمت في المَعْمَري

(3)

، وذاك أني كتبت معه عن الشيوخ، وما افترقنا، فلما رأيت تلك الأحاديث قلت: من أين أتى بها؟

قال أبو طاهر: وكان المَعْمَري يقول: كنت أتولى لهم الانتخاب، فإذا مرّ بي حديث كريب، قصدت الشيخ وحدي فسألته عنه.

وقال الحاكم: سمعت الحافظ أبا بكر بن أبي دَارِم الحافظ يقول: كنت ببغداد لما أنكر موسى بن هارون على المَعْمَري تلك الأحاديث، وانتهى أمرهم إلى يوسف القاضي، بعد أن كان إسماعيل القاضي توسط بينهما في أيامه، فقال موسى بن هارون: هذه أحاديث شاذة عن شيوخ ثقات، لا بد من إخراج الأصول بها.

فقال المَعْمَري: قد عُرِف من عادتي أني كنت إذا رأيت حديثا غريبًا عند شيخ ثقة لا أُعلِّم عليه، إنما كنت أقرأ من كتاب الشيخ وأحفظه، فلا سبيل إلى إخراج الأصول بها.

وقال الحاكم: سمعت علي بن حُمشَاذ العدل يقول: كنت ببغداد لما وقع بين الحسن بن علي المَعمري وموسى بن هارون ما وقع، وأخرج أبو

(1)

(6/ 455).

(2)

ببعض الاختصار والتصرف.

(3)

هو الحسن بن علي بن شبيب أبو علي المعمري البغدادي.

ص: 499

عمران

(1)

نيفا وسبعين حديثا، ذكر أنه لم يشركه فيها أحد، ورُفض المَعْمَري ومجلسه، فصار الناس حزبين: حزب للمَعْمَري، وحزب لأبي عمران، فكان من احتجاج المَعْمَري في تلك الأحاديث: أن هذه أحاديث حفظتها عن الشيوخ وقت سماعي ولم أنسخها.

ثم اتفقوا بأجمعهم على عدالة المَعْمَري وتقدُّمه، وعلى زيادة معرفة أبي عمران، وأنه لما رأى أحاديث شاذة لم يسَعه إلا أن يبينها ويبحث عنها)

(2)

.

أقول: تبين مما تقدم أن تفرّد الراوي عن غيره مظنة الخطأ، حتى ولو كان حافظا؛ وذلك لاشتهار الأحاديث، وكثرة طرقها، وبالتالي وقوع ذلك - وهو التفرد - من الصعوبة بمكان.

وأُقرّب هذا الأمر - زيادة على ما تقدم -: لو أن شخصًا كان له أصحاب كُثر يلازمونه ويأخذون عنه، وينفرد شخص - ليس معروفا بملازمته مثلهم - بخبر عنه أو بفتوى له، لاستُنكر ذلك عليه؛ لأنه يقال: أين تلاميذه الملازمون له عن هذا الخبر؛ بل حتى لو تفرد واحد من أصحابه الملازمين له، لربما تُوقف في خبره ولتُردد في قبوله، لأن التفرد مظنة الخطأ، فكيف لو كان لا يُعرف بالرواية عنه أصلا

(3)

.

(1)

هو موسى بن هارون.

(2)

"تاريخ دمشق"(13/ 157 - 159)، "سير أعلام النبلاء"(13/ 511)، "لسان الميزان"(3/ 73).

(3)

يلاحظ أن هذا المثال تتضمن ثلاثة أمور؛

1 -

أن يتفرد شخص ليس معروفا بالرواية أصلا عمن تفرد عه.

2 -

أن يتفرد شخص معروف بالرواية عمن تفرد عنه، ولكن ليس معروفا عنه الإكثار عمن تفرد عنه ولا كثرة الملازمة له.

3 -

أن يكون المتفرد معروفا بكثرة الملازمة.

ص: 500

ويتضح هذا أكثر، إذا كان هذا التفرد في الطبقات المتأخرة؛ لأن الرواية اتسعت وانتشرت أكثر منها في الطبقات المتقدمة.

وذكر ابن حجر في "المقدمة" في ترجمة فُلَيح: (وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة مستقيمة وغرائب، وهو عندي لا بأس به.

قلت - ابن حجر -: لم يعتمد عليه البخاري اعتماده على مالك وابن عيينة وأضرابهما، وإنما أخرج له أحاديث أكثرها في المناقب، وبعضها في الرقاق)

(1)

.

وقال العُقيلي: (حدثنا أحمد بن داود السجزي، قال: حدثنا الحسن بن سَوَّار البغوي، قال: حدثنا عكرمة بن عمار اليمامي، عن ضَمضَم بن جَوْس، عن عبد اللّه بن حنظلة بن الراهب قال: رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على ناقة، لا ضَرْبَ ولا طَرْدَ، ولا إليك إليك.

ولا يتابع الحسن بن سوار على هذا الحديث، وقد حدث أحمد بن منيع وغيره، عن الحسن بن سوّار هذا، عن الليث بن سعد وغيره، أحاديث مستقيمة، وأما هذا الحديث فهو منكر.

قال أبو إسماعيل

(2)

: ألقيته على أبي عبد الله أحمد بن حنبل فقال: أما الشيخ فثقة، وأما الحديث فمنكر)

(3)

.

وقال أبو إسماعيل: (سألنا أحمد بن حنبل عن هذا الحديث، فقال: هذا الشيخ ثقة ثقة، والحديث غريب، ثم أطرق ساعة، وقال: أكتبتموه من كتاب؛ قلنا: نعم)

(4)

.

قلت: والصواب في هذا الحديث، ما رواه هشام بن عبد الملك

(1)

"هدى الساري"(1/ 435).

(2)

هو محمد بن إسماعيل الترمذي.

(3)

"الضعفاء"(2/ 97 - 98).

(4)

"تاريخ بغداد"(8/ 283).

ص: 501

الطيالسي وعبد الرحمن بن غزوان، كلاهما عن عكرمة بن عمار، عن الهِرْماس بن زياد الباهلي، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقته العَضبَاء يوم الأضحى بمنى

(1)

.

وأما المتن الذي جاء في عبد اللّه بن حنظلة بن الراهب فهو متن محفوظ، فقد رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه

(2)

من طريق أيمن بن نابل، عن قدامة بن عبد اللّه الكلابي به. وقال الترمذي:(حسن صحيح).

ومن الأمثلة أيضا:

قال عبد اللّه بن أحمد: (حدثنى أبي، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وهي تلعب بالبنات ومعها جَوار، فقال لها:"ما هذا يا عائشة؟ "، فقالت: هذه خيل سليمان قال: فجعل يضحك من قولها.

سمعت أبي يقول: غريب، لم نسمعه من غير هشيم، عن يحيى بن سعيد)

(3)

.

قلت: مع أن هشيما من كبار الحفاظ كما هو معلوم، ومع ذلك عندما تفرد بهذا الحديث عن يحيى بن سعيد الأنصاري استغربه الإمام أحمد.

وقد جاء موصولا عند أبي داود

(4)

من طريق يحيى بن أيوب، قال: حدثني عُمارة بن غَزيَّة، أن محمد بن إبراهيم حدثه، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها.

(1)

أخرجه أبو داود (1954)، والنسائي في "الكبرى"(4286).

(2)

"جامع الترمذي"(921)، "سنن النسائي"(4067)، "سنن ابن ماجة"(3035).

(3)

"العلل"(2/ 277).

(4)

"سنن أبي داود"(4932).

ص: 502

ويحيى بن سعيد أوثق من عمارة بن غَزيَّة، على أن الراوي عنه يحيى بن أيوب متكلم فيه بعض الشيء، وإن كان قد خُرّج له في "الصحيح".

وبناء على ما تقدم:

فإنَّ تفرُّد تابع التابعي محل خلاف من بعض أهل العلم ممن تقدم، والجمهور على قبوله، وهو الراجح، وهذا من حيث الأصل، وأحيانا قد يردّ لقرائن.

وأما تفرّد التابعي فلا خلاف في قبوله عند أهل المعرفة بالحديث، نعم هناك خلاف شاذ من بعض الأصوليين، لكنْ لا يُلتفت إليه.

وأما الطبقة الرابعة، وهم من كان في طبقة شيوخ الأئمة الستة وأمثالهم، فإن تفردهم لا يقبل، كما نصَّ على ذلك الذهبي فيما تقدم، وكما يعلم من الأمثلة السابقة.

وأما ما جاء عن الإمام الشافعي - فيما رواه يونس بن عبد الأعلى -: (ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة حديثا لم يروه غيره، إنما الشاذ من الحديث: أن يروي الثقات حديثا، فيشذ عنهم واحد، فيخالفهم)

(1)

.

وجاء عنه أيضًا: (إذا روى الثقة حديثا ولم يروه غيره، لا يُقال شاذا، إنما الشاذ: أن يروي الثقات حديثا على نص، ثم يرويه ثقة خلافا لروايتهم، فهذا الذي يقال: شذ عنهم)

(2)

.

فيقال: هذا إما أن يكون موافقا لما تقدم، وذلك بأن يحمل قوله (لم

(1)

"مناقب الشافعي" لابن أبي حاتم (ص: 233)، "معرفة علوم الحديث" للحاكم (290).

(2)

"مناقب الشافعي" لابن أبي حاتم (ص: 233)، "الكامل" لابن عدي (1/ 292)، "مناقب الشافعي" للبيهقي (2/ 30).

ص: 503

يروه غيره) على معنى: لم يروه غيره في الطبقات المتقدمة التي لا يضر التفرد فيها، وكونه لم يذكر ذلك في التعريف لأنه معلوم.

وإما أن يحمل على ظاهره، وهو الأقرب، فيكون مخالفا لما تقدم، وهذا ما ذهب إليه ابن رجب في فهم كلام الشافعي، لذا قال بعد أن ذكره:(وأما أكثر الحفاظ المتقدمين، فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرّد به واحد، وإن لم يَرو الثقات خلافه: إنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علّة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه، واشتهرت عدالته وحديثه؛ كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضًا، ولهم في كل حديث نقدٌ خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه)

(1)

.

قلت: وقولهم هو المقدّم؛ لاختصاصهم بهذا الأمر.

الشرط الثالث: ألّا يكونَ هذا التفرد عن شخصٍ عُرف بكثرة الرواية والأصحاب؛ كالزهري، وقتادة، والأعمش، وهشام بن عروة، ونحوهم، إلا إذا كان المتفرد معروفًا بكثرة الرواية عنه وشدة الملازمة له.

قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج: (حكم أهل العلم، والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث: أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وُجد كذلك، ثم زاد بعد ذلك شيئا ليس عند أصحابه، قبلت زيادته.

فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته، وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم

(1)

"شرح علل الترمذي"(1/ 352 - 353).

ص: 504

في أكثره، فيروي عنهما، أو عن أحدهما، العدد من الحديث مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس، واللّه أعلم)

(1)

.

وفي ترجمة شَبابة بن سَوَّار من "التهذيب"

(2)

، قال يعقوب بن شيبة: (سمعت علي بن المديني وقيل له: روى شَبَابة، عن شعبة، عن بكير بن عطاء، عن عبد الرحمن بن يَعْمَر في الدُّبَّاء، فقال علي: أي شيء نقدر أن نقول في ذاك - يعنى شَبَابة -؛! كان شيخا صدوقا، إلا أنه كان يقول بالإرجاء، ولا ننكر لرجل سمع من رجل ألفا أو ألفين، أن يجيء بحديث غريب.

قال يعقوب: وهذا حديث لم نسمعه من أحد من أصحاب شعبة إلا من شَبَابة، ولم يبلغني أنّ أحدا من أصحاب شعبة رواه غير شَبَابة).

وقال ابن هانئ: (قلت لأبي عبد اللّه: وروى عن شعبة، عن بكير بن عطاء، عن عبد الرحمن بن يَعْمَر الدِّيلي في الدُّبَّاء، فقال: وهذا إنما روى شعبة بهذا الإسناد حديث الحج)

(3)

.

قلت: وهذا موافق لما قرّره الإمام مسلم.

ويدخل في هذا: السلاسل المشهورة؛ كأبي الزِّناد عن الأَعْرج عن أبي هريرة، وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ومالك عن نافع عن ابن عمر، فإذا تفرد عنهم راوٍ وأن كان ثقة، فإن تفرده عندئذ مظنة الخطأ، وبيان ذلك في الشرط التالي.

(1)

"مقدمة الصحيح"(ص: 5 - 6).

(2)

"تهذيب الكمال"(12/ 347)، وينظر:"الكامل" لابن عدي (6/ 187 - 188).

(3)

"الضعفاء الكبير"(2/ 203).

ص: 505

الشرط الرابع: مراعاة الصفات التي تعتبر في الراوي حتى يقبل تفرده.

فمن المتقرر في (علم الجرح والتعديل) أنه ليس كل راو يُقبل تفرّده، ولذا فكثيرا ما يحكمون على الراوي بأنه منكر الحديث، وذلك لتفرده بما يُستنكر إسنادًا أو متنًا، وقريبًا منه قولهم: لا يتابَع، ومعنى ذلك: أنه لا يقبَل تفرده.

ويتفرّع عن هذا حكم الأئمة على راوٍ بالضعف بسبب كثرة تفرداته؛ فيقال عنه: مخكر الحديث، مع ملاحظة أن أسباب الضعف كثيرة، ولكن على رأسها ما تقدم.

وكقولهم: يغرب، أو يتفرد، وإن كانت هاتان العبارتان ليستا كالأوليين

(1)

، وذلك أنهم كثيرًا ما يقرنونها بنحو: صالح الحديث، لا بأس به، أو فوق ذلك - كما سيأتي إن شاء اللّه في الفصل الآتي -، فتكون مُشعِرة بأن هذا الراوي قد يُتوقف فيما يتفرد به؛ بل بما يرويه في الجملة، وتوضيح ذلك في الفصل الآتي

(2)

.

والأمر كما قال ابن رجب: (وأما أكثر الحفاظ المتقدمين، فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد، وإن لم يروِ الثقات خلافه: إنه لا يتابع عليه، وجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه، واشتهرت عدالته وحديثه، كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضًا، ولهم في كل حديث نقدٌ خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه)

(3)

.

(1)

أي: منكر الحديث، ولا يتابع.

(2)

فصل في منهج النقاد في التعامل مع الرواة الذين ينفردون ببعض المتون والأسانيد عن شيوخهم وأقرانهم.

(3)

"شرح علل الترمذي"(1/ 352 - 353).

ص: 506

فعلى هذا لابد أن يكون المتفرِّد: متصفا في نفسه بالإتقان، ومعروفا بالملازمة لشيخه وكثرة الرواية عنه.

قال أبو عيسى الترمذي - وهو يعدِّد أنواع الغريب -: (وربَّ حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث، وإنما تصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه، مثل ما روى مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، قال: فرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان، على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى، من المسلمين، صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير.

قال: وزاد مالك في هذا الحديث: من المسلمين.

وروى أيوب السختياني وعبيد اللّه بن عمر وغير وأحد من الأئمة هذا الحديث، عن نافع، عن ابن عمر، ولم يذكروا فيه: من المسلمين.

وقد روى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك، ممن لا يعتمد على حفظه.

وقد أخذ غير واحد من الأئمة بحديث مالك واحتجوا به؛ منهم الشافعي وأحمد بن حنبل)

(1)

.

قال مسلم بن الحجاج: (والزيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفاظ الذين لم يُعثر عليهم الوهم في حفظهم)

(2)

.

فإذا توفرت هذه الشروط صار التفرد مقبولا، وإلا فإنه قد يرد، مع ملاحظة أن لكل حديث نقد خاص - كما قال ابن رجب -، فأحيانا تتوفر هذه الشروط ومع ذلك لا يقبل التفرد.

(1)

"العلل الصغير"(ص: 68 - 69).

(2)

"التمييز"(ص: 128)، وفي "شرح العلل" لابن رجب:(1/ 435)؛ (يكثر) بدل (يعثر).

ص: 507

كما ينبغي التنبيه على أن الحكم في ذلك إنما هو للمتخصصين الذين أكثروا من النظر في كلام الأئمة، وعرفوا مناهجهم، وساروا على طريقتهم، مع الحذر من الغلو في ذلك كما حصل لبعضهم، والحذر من التساهل في ذلك كما وقع للبعض الآخر، ومع الورع التام، وحسن القصد، واللّه ولي التوفيق.

* * *

ص: 508

‌الفصل الثامن الفرق بين الغريب والمنكر

قال ابن سعد في ترجمة يونس بن يزيد الأيلي: (ربما جاء بالشيء المنكر)

(1)

.

قال الذهبي معلقا: (ليس ذاك عند أكثر الحفاظ منكرا، بل غريب)

(2)

.

قلت: فهناك فرق بين الغريب والمنكر، فكل منكرٍ غريبٌ، وليس كل غريب منكرًا.

فالمنكر هو الخبر الذي حُكم بردّه، وظهر ضعفه، وذلك إما بظهور علته وتبين أنه خطأ، أو أن راويَه لا يُحتمل تفرده.

أما الغريب، فإنه يحتمل أن يكون مردودا كما تقدم، ويحتمل أن يكون محفوظا؛ فظهر الفرق بينه وبين المنكر.

هذا وإنَّ بعض الحفاظ يعدون الغريب في كثير من الأحيان منكرا؛ كأحمد والبرديجي وأبي حاتم الرازي والأزدي، كما سوف يأتي

(3)

.

* * *

(1)

"الطبقات الكبير" لابن سعد (9/ 529).

(2)

"سير أعلام النبلاء"(6/ 300).

(3)

(ص: 653).

ص: 509

‌الفصل التاسع ذكر تصرفات الحفاظ في الغريب من الحديث

- قال الترمذي: (حدثنا محمود بن غَيْلَان، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمْرة، قال: سألنا عليا عن صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من النهار؛ فقال: إنكم لا تطيقون ذاك، فقلنا: من أطاق ذاك منا، فقال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا عند العصر صلى ركعتين، وإذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا عند الظهر صلى أربعا، وصلى أربعا قبل الظهر وبعدها ركعتين، وقبل العصر أربعا، يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين والمرسلين، ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضَمْرة، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

قال أبو عيسى هذا حديث حسن.

وقال إسحاق بن إبراهيم: أحسن شيء روي في تطوع النبي صلى الله عليه وسلم في النهار هذا.

وروي عن ابن المبارك أنه كان يضعِّف هذا الحديث، وإنما ضعفه عندنا - والله أعلم - لأنه لا يُروى مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، عن عاصم بن ضَمْرة، عن علي.

وعاصم بن ضَمْرة هو ثقة عند بعض أهل الحديث، قال علي بن

ص: 511

المديني: قال يحيى بن سعيد القطان: قال سفيان: كنا نعرف فضل حديث عاصم بن ضَمْرة على حديث الحارث)

(1)

.

قال الجُوْزَجاني عن عاصم: (روى عنه أبو إسحاق حديثا في تطوع النبي صلى الله عليه وسلم ست عشرة ركعة

، فيا لعباد اللّه! أما كان ينبغي لأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه يحكي هذه الركعات، إذ هم معه في دهرهم.

والحكاية عن عائشة رضي الله عنها في الاثنتي عشرة ركعة من السنة، وابن عمر عشر ركعات، والعامة من الأمة - أو من شاء اللّه - قد عرفوا ركعات السّنة الاثنتي عشرة، منها بالليل ومنها بالنهار.

فإن قال قائل: كم من حديث لم يروه إلا واحد؟ قيل: صدقت، كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس فيتكلم بالكلمة من الحكمة لعله لا يعود لها آخر دهره، فيحفظها عنه رجل، وهذه ركعات - كما قال عاصم - كان يداوم عليها، فلا يشتبهان)

(2)

.

- قال علي بن الحسين بن حبان: (وجدت في كتاب أبي بخط يده: سئل أبو زكريا يحيى بن معين عن حديث عطاء، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفعة. قال: هو حديث لم يحدث به أحد إلا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء، وقد أنكره عليه الناس، ولكن عبد الملك ثقة صدوق لا يُرد على مثله.

قلت له: تكلم شعبة فيه؟ قال: نعم، قال شعبة: لو جاء عبد الملك بآخرَ مثل هذا لرميت بحديثه)

(3)

.

(1)

(604، 605).

(2)

"أحوال الرجال"(ص: 35).

(3)

"تاريخ بغداد"(12/ 134 - 135).

ص: 512

- قال الدُّوري: (حدثنا يحيى، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن عبيد اللّه، عن نافع، عن ابن عمر إذا طلقها وهي حائض لم تعتد بتلك الحيضة.

قال يحيى: وهذا غريب؛ ليس يحدث به إلا عبد الوهاب الثقفي)

(1)

.

- قال ابن حبان

(2)

: (وجدت في كتاب أبي بخط يده: سئل أبو زكريا

(3)

عن الحكم بن مروان، فقال: ما أُراه إلا كان صدوقا.

قلت له: ما أنكرتم عليه بشيء؛ قال: أما أنا فما أنكرت عليه بشيء.

قلت له: إنه حدث بحديث عن زهير، عن أبي الزبير، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كبّر غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق.

فقال أبو زكريا: هذا باطل، ريح، شُبِّه له)

(4)

.

قلت: ترجمة (زهير، عن أبي الزبير، عن جابر) مشهورة جدا، وخرّج مسلم منها أكثر من عشرين إسنادًا

(5)

، فكون الحكم يتفرد بهذا دليل على خطئه.

- قال ابن مُحْرِز: (سمعت يحيى يقول: يزيد بن زُرَيع، عن يونس، عن الحسن في بعير تَردَّى في بئر، قال: صار أعلاه أسفله.

قال يحيى: هذا حديث غريب جدًّا)

(6)

.

- قال عباس الدوري: (سئل يحيى عن نوح بن دَرَّاج، قال: لم يكن

(1)

"تاريخ ابن معين" رواية الدوري (4/ 297).

(2)

هو علي بن الحسين بن حبان.

(3)

هو يحيى بن معين.

(4)

"تارخ بغداد"(9/ 124).

(5)

ينظر: "تحفة الأشراف" للمزي (2/ 298) وما بعدها.

(6)

"تاريخ ابن معين" رواية ابن محرز (1/ 146).

ص: 513

يدري ما الحديث، ولا يحسن شيئًا، كان عنده حديث غريب عن ابن شُبْرمة، عن الشعبي، في المحرم يضطر إلى الميتة أو الصيد، ليس يرويه أحد غيره، ولم يكن ثقة، وكان أسد بن عمرو أوثق منه)

(1)

.

- قال عبد اللّه: (حدثنى أبي، قال: حدثنا هُشَيم، قال: حدثنا محمد بن قيس، عن مولى لقريش، عن الشعبي قال: ليس من المروءة النظر في مرآة الحجام.

سمعت أبي يقول: حديث غريب)

(2)

.

- وقال: (حدثنى أبي، قال: حدثنا يحيى، عن سفيان، عن هشام بن أبي عبد اللّه، عن عامر الأَحْول، عن الحسن، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى أن تُنكَح الأمة على الحرة.

قال أبي: حديث سفيان عن هشام بن أبي عبد اللّه، غريب، إنما رواه عمرو بن عبيد، وهو غريب من حديث عامر الأَحْول.

قال أبي: وحدثناه الفَزَاري - يعني مروان - عن هشام بن أبي عبد اللّه)

(3)

.

- قال الخلّال: (أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد، ثنا ابن حنبل، قال: حدثنا ابن مهدي، حدثنا سفيان، قال: سمعت عبد الرحمن - قال ابن مهدي: هو ابن علقمة، قال: سمعت ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "اعفوا اللحى وأحفوا الشوارب".

قال أبو عبد اللّه: هذا غريب)

(4)

.

(1)

"تاريخ ابن معين" رواية الدوري (2978).

(2)

"العلل"(2/ 273).

(3)

"العلل"(3/ 91).

(4)

"الوقوف والترجل من مسائل الإمام أحمد"(77).

ص: 514

- قال الخطيب: (أخبرنا الحسن بن أبي بكر، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل - هو أبو إسماعيل الترمذي -، قال: حدثنا الحسن بن سَوَّار أبو العلاء الثقة الرضا - وقلت له: الحديث الذي حدثتنا: رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، أعده عليّ وكان قد حدثني به قبل هذه المرة بسنتين. قال: نعم - حدثنا عكرمة بن عمار اليمامي، عن ضَمْضَم بن جَوْس، عن عبد اللّه بن حنظلة بن الراهب، قال: رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على ناقة لا ضَرْبَ ولا طَرْدَ، ولا إليك إليك.

قال أبو إسماعيل: سألنا أحمد بن حنبل عن هذا الحديث، فقال: هذا الشيخ ثقة ثقة، والحديث غريب، ثم أطرق ساعة، وقال: أكتبتموه من كتاب؟ قلنا: نعم)

(1)

.

قلت: يظهر أن الإمام أحمد استنكر هذا الحديث، فسأل:(أكتبتموه من كتاب؟)، لأنهم لو كتبوه من حفظه لعُلم السبب في استنكاره، فيكون الشيخ حدث به على جهة التوهم.

- قال ابن أبي حاتم: (وسألت أبي عن حديث رواه محمد بن أمية الئاوي، عن عيسى بن موسى التيمي، عن عبد اللّه بن كَيْسان، قال: سمعت محمد بن واسع، يحدث عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تحرم النار على كل هين لين، سهل سمح".

فسمعت أبي يقود: هو حديث غريب منكر، حدثنا به الحسن بن علي بن مهران المَتُّوثِي، عن أحمد بن محمد بن أمية، عن أبيه محمد بن أمية)

(2)

.

(1)

"تاريخ بغداد"(8/ 282).

(2)

"العلل"(1851).

ص: 515

قلت: مع أن ظاهر هذا الإسناد أنه صالح، لكن استنكره لغرابته.

وعبد اللّه بن كَيْسان، قال النسائي والدارقطني:(لم يكن بالقوي)، وذكره ابن حبان في "الثقات"، ولكن ضعفه أبو حاتم، وقال العقيلي:(في حديثه وهم كثير)

(1)

.

ولعل كلامهم فيه بسبب ما تفرد به، فقد قال ابن عدي بعد أن ساق له أحاديث:(ولعبد اللّه بن كَيْسان عن عكرمة عن ابن عباس، أحاديث غير ما أمليت غير محفوظة، وعن ثابت عن أنس كذاك)

(2)

.

- وسئل الجورْجاني: (من الثبت في الزهري؟ قال: مالك من أثبت الناس فيه، وكذلك أبو أويس، وكان سماعهما من الزهري قريبًا من السواء؛ إذ كانا يختلفان إليه جميعًا، ومعمر إلا أنه يهم في أحاديث.

وتختلف الثقات من أصحاب الزهري، فإذا صحت الرواية عن الزبيدي فهو أثبت الناس فيه، وكذلك شعيب وعقيل، ويونس بعدهم، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر والليث بن سعد.

فأما الأوزاعي فربما يهم عن الزهري.

وسفيان بن عيينة كان غلامًا صغيرًا حين قدم عليهم الزهري، وإنما أقام - يعني الزهري - تلك الأيام مع بعض ملوك بني أمية بمكة أيامًا يسيرة، وفي حديثه - يعني ابن عيينة - عن الزهري اضطراب شديد.

وسفيان بن حسين وصالح بن أبي الأخضر وسليمان بن كثير، متقاربون في الزهري. يعني في الضعف.

(1)

انظر: "تهذيب التهذيب"(2/ 410)، "علل الدارقطني"(6/ 384).

(2)

"الكامل"(7/ 32).

ص: 516

فأما ابن أبي ذئب فقد كان له معه صحبة، إلا أنه يحكى عنه أنه لم يسمع من الزهري، ولكن عرض عليه.

والزبيدي وشعيب لزماه لزومًا طويلًا، إذ كانا معه في الشام في قديم الدهر، وعقيل قد سأله عن مسائل كثيرة تدل على خبر به، وكذا أبو أويس لزمه سنة وسنتين.

فما وجدت من حديث يحكى عن الزهري ليس له أصل عند بعض هؤلاء، فتأنّ في أمره.

وابن إسحاق روى عن الزهري، إلا أنه يمضغ حديث الزهري بمنطقه، حتى يعرف من رسخ في علمه أنه خلاف رواية أصحابه عنه.

وإبراهيم بن سعد صحيح الرواية من الزهري.

وذكر قومًا رووا عن الزهري قليلًا أشياءَ يقع في قلب المتوسع في حديث الزهري أنها غير محفوظة، منهم بُرْد بن سنان، وروح بن جناح، وغيرهما)

(1)

.

قلت: بُرْد وثقه الجمهور، ولكن ما تفرد به عن الزهري لا يقبل؛ وذلك لأنه ليس من أصحابه الذين اشتهروا بصحبته، بخلاف ما تفرد به مثلا عن مكحول فهو مقبول، وذلك لكونه من كبار أصحابه.

وقول الجوزجاني: (فتأن في أمره)، قد يكون غير محفوظ.

وقوله: (يمضغ حديث الزهري)، يعني لا يرويه بلفظ الزهري، وإنما يرويه بلفظه هو، فيأتي بسياق للحديث يخالف سياق أصحابه، فيقع في الخطأ.

(1)

"شرح علل الترمذي"(2/ 481 - 482).

ص: 517

وتقدم قريبا كلام الجوزجاني في حديث عاصم بن ضمرة عن علي.

- قال أبو داود: (حدثنا هارون بن سعيد الأيلي، حدثنا خالد بن نزار، حدثني القاسم بن مَبْرُور، عن يونس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، رضي الله عنها قالت: شكا الناس إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه.

قالت عائشة: فخرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد اللّه صلى الله عليه وسلم، ثم قال:"إنكم شكوتم جَدْبَ دياركم، وَاسْتِئْخَارَ المطر عن إِبَّانِ زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم"، ثم قال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 2، 3]، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين"، ثم رفع يديه، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب أو حول رداءه، وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين، فانشأ اللّه سحابة فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الْكِنِّ ضحك صلى الله عليه وسلم، حتى بدت نواجذه، فقال: "أشهد أن اللّه على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله".

قال أبو داود: وهذا حديث غريب، إسناده جيد، أهل المدينة يقرءون {ملك يوم الدين} [الفاتحة:4]، وإن هذا الحديث حجة لهم)

(1)

.

- قال الترمذي: (حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه

(1)

"السنن"(1173).

ص: 518

صلى الله عليه وسلم: "كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء". هذا حديث غريب حسن)

(1)

.

وقد توبع أبو عيسى على هذا الوجه، تابعه أحمد بن سلمة - صاحب مسلم -، أخرجه البيهقي

(2)

.

قلت: هذا الحديث اشتهر برواية عبد الواحد بن زياد، حتى قال مسلم بن الحجاج:(لم يرو هذا الحديث عن عاصم بن كليب إلا عبد الواحد بن زياد)، فقيل له عن رواية أبي هشام الرفاعي عن محمد بن فضيل، فقال:(إنما تكلم يحيى بن معين في أبي هشام بهذا الذي رواه عن ابن فضيل)

(3)

.

وقال البزار: (لم يروه إلا عبد الواحد)

(4)

.

ولعله من شدة غرابة هذا الوجه، قال أبو عيسى الترمذي:(غريب حسن)، فابتدأ بذكر الغرابة ثم ألحقه بحسن؛ لأن هذا الإسناد من حيث الأصل صالح.

وقال ابن المديني في عاصم بن كليب: (لا يحتج به إذا انفرد)

(5)

.

* * *

(1)

(1138)، وكذا في الرسالة (1132)، وفي "تحفة الأشراف"(14297)؛ (حسن غريب).

(2)

"سنن البيهقي"(6/ 328).

(3)

"سنن البيهقي"(6/ 328).

(4)

"مسند البزار"(9640).

(5)

"إكمال تهذيب الكمال"(7/ 120).

ص: 519

‌الفصل العاشر منهج النقاد في التعامل مع الرواة الذين ينفردون ببعض المتون والأسانيد عن شيوخهم وأقرانهم

‌منهم إبراهيم بن طهْمَان:

وهو من الثقات المشهورين، خرّج له الجماعة، ولكنْ له بعض الأوهام عُدَّت من غرائبه، كحديث صلاة القائم الذي تقدّم الكلام عليه

(1)

.

وذكر السليماني أنهم أنكروا عليه حديثه عن أبي الزبير عن جابر في رفع اليدين، وحديثه عن شعبة عن قتادة عن أنس مرفوعا:"رفعت لي سدرة المنتهى"

(2)

.

ولعله من أجل هذا قال الذهلي: لا يحتج به. يقصد بما انفرد به واستُغرب منه؛ لأنه ثقة مشهور كما تقدم، ويدل على ذلك أن كلام الذهلي جاء في سياق روايته لحديث فيه غرابة، من طريق أبي حذيفة ومحمد بن سنان العَوَقي، عن إبراهيم بن طهْمَان، عن عبد العزيز بن رُفَيع، عن عبيد بن عمير، عن عائشة، أنها قالت: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لا يحل قتل امرئ مسلم إلا في ثلاث خصال: زانٍ محصن فيرجم، ورجل يقتل متعمدا فيُقتل

(1)

ينظر: (ص: 459).

(2)

ينظر في ذلك ترجمته من "تهذيب التهذيب"(1/ 70)، وقد رد ذلك الذهبي في "الميزان"(1/ 76).

ص: 521

به، ورجل يخرج من الإسلام فيحارب الله ورسوله فيقتل، أو يصلب، أو ينفى من الأرض"

(1)

.

‌ومنهم إبراهيم بن بشار:

قال أحمد: (كأن سفيان الذي يروي عنه إبراهيم بن بشار ليس هو سفيان بن عيينة).

قال ابن حجر: (يعني مما يغرب عنه، وكان مكثرا عنه)

(2)

.

ويبين قول أحمد هذا قوله الآخر: (كان يغيّر الألفاظ، فيكون زيادة ليس في الحديث)

(3)

.

قلت: ومعنى ذلك: أن ما تفرد به من زيادات لا يقبل، ولكن لطول ملازمته لابن عيينة، ولصدقه، أن هذا لم يَكثُر عنه فيما يظهر، ولذا قال البخاري:(يهم في الشيء بعد الشيء، وهو صدوق)

(4)

، فالأصل في حديثه الاستقامة.

وتجد في ترجمته بعض الأوهام التي أُنكرت عليه.

(1)

"سنن الدارقطني"(3088).

حديث عائشة صحيح عنها من غير طريق إبراهيم بن طهمان، ولكن اختلف في رفعه ووقفه، وإذا قلنا بالوقف فله حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي.

وأما الذي تفرد به إبراهيم فهو ما رواه عن عبد العزيز بن رفيع، عن عبيد بن عمير، عنها، قال الطبراني في "الأوسط" (3772):(لم يَرو هذا الحديث عن عبيد بن عمير إلا عبد العزيز بن رفيع، تفرد به إبراهيم بن طهمان). مع أن بعض أهل العلم صحح هذا الطريق؛ كالحاكم (4/ 367) وشمس الدين بن عبد الهادي في "التنقيح"(4/ 461).

(2)

"تهذيب التهذيب"(1/ 60).

(3)

"تهذيب الكمال"(2/ 58).

(4)

"تهذيب الكمال"(1/ 60)، وينظر "تاريخ البخاري"(1/ 277)، "الكامل" لابن عدي (2/ 33).

ص: 522

‌ومنهم إسماعيل بن عياش:

قال يعقوب بن سفيان: (تكلم قوم في إسماعيل، وإسماعيل ثقة عدل، أعلم الناس بحديث الشام، ولا يدفعه دافع، وأكثر ما تكلموا قالوا: يغرب عن ثقات المدنيين والمكيين)

(1)

.

قلت: ومعنى قول يعقوب: أن ما رواه إسماعيل عن المدنيين والمكيين فيه أشياء تُستنكر، ولذا كانت روايته عنهم ضعيفة، كما ذكر أحمد وابن معين وغيرهما

(2)

.

‌ومنهم أحمد بن أبي طيبة:

قال ابن عدي: (حدّث بأحاديث أكثرها غرائب)

(3)

، ولأجل هذه الغرائب قال أبو حاتم:(يكتب حديثه)

(4)

؛ أي: ينظر فيه، فما توبع عليه يقبل وما لا يتابع يرد.

ولعل هذا يفسِّر قول الخليلي: (ثقة، ينفرد بأحاديث)

(5)

؛ يعني: فيما توبع عليه فهو ثقة، وما تفرد فيه يكون مردودًا.

‌ومنهم سهيل بن أبي حزم:

قاد أحمد

(6)

: (روى عن ثابت أحاديث منكرة).

(1)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 424)

(2)

"تهذيب الكمال"(3/ 174).

(3)

"تهذيب الكمال"(1/ 361 - 362)، وينظر:"تاريخ جرجان"(ص: 59، 292) و"الكامل" لابن عدي (8/ 253).

(4)

"الجرح والتعديل"(2/ 64).

(5)

"الإكمال" لمغلطاي (1/ 63)، و"تهذيب التهذيب"(1/ 30)، وينظر:"الإرشاد" للخليلي (2/ 789).

(6)

ينظر لما سيأتي من النقول: "تهذيب التهذيب"(2/ 128).

ص: 523

ولهذا قال البخاري: (لا يتابع في حديثه، يتكلمون فيه)؛ أي: بسبب هذه المنكرات.

وهذا ما نص عليه ابن حبان، قال:(يتفرد سهيل عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات).

كما يفسِّر قول ابن معين: (صالح)، يعني أنه ليس بالقوي، وإنما يكتب حديثه، فما توبع عليه يقبل وما لا يرد.

وهذا ما بينه أبو حاتم في قوله: (ليس بالقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به).

وما تقدم فيه تفسير لقول ابن عدي: (مقدار ما يروي من الحديث إفرادات ينفرد بها عمَّن يرويه عنه). فبيّن أن أكثر حديثه قد تفرد به.

‌ومنهم سليمان بن عتيق:

قاد البخاري

(1)

: (لا يصح حديثه)؛ لأنه تفرد عن غيره، وهو ما نص عليه ابن عبد البر بقوله:(لا يحتج بما تفرد به).

ويتفرع عن هذا: أن الراوي الذي يكون صدوقًا، ويوصَف بالوهم والخطأ، فوصْفه بذلك كثيرا ما يكون بسبب التفرد والغرابة التي وقعت في حديثه.

فهذا لا يقبل تفرّده أيضًا.

وفوق ذلك، الراوي الذي وُصف أنه صدوق يغرب، أو ثقة يغرب، أو له غرائب؛ مثاله: سلمة بن الفضل الأبرش، قال ابن عدي:(عنده غرائب وأفراد، ولم أجد في حديثه حديثا قد جاوز الحد في الإنكار، وأحاديثه متقاربة محتملة)

(2)

.

(1)

ينظر لما سيأتي من النقول: "تهذيب التهذيب"(2/ 104).

(2)

"الكامل"(5/ 470).

ص: 524

ومحصّل كلامه أنه ثقة يغرب، أو صدوق له غرائب، ويبين هذا قول ابن حبان حينما ذكره في "الثقات":(يخطئ ويخالف)

(1)

.

ولذا يكثر ابن حجر في أحكامه في "التقريب" على الرواة من قوله: صدوق يغرب، أو ثقة يغرب، ونحو ذلك.

وأقوى مِن سلمة عليُّ بن مُسْهِر، قال عنه ابن حجر:(ثقة، له غرائب بعد أن أضر)؛ وذلك لأنه تفرد بأشياء أنكرت عليه، ومنها الأمر بإراقة ما ولغ فيه الكلب

(2)

.

قال ابن رجب: (قال أحمد في بُرَيد بن عبد اللّه بن أبي بُرْدة: يروي أحاديث مناكير.

وقال أحمد في: محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي - وهو المنفرد برواية حديث "الأعمال بالنيات" -: في حديثه شيء، يروي أحاديث مناكير، أو قال: منكرة.

وقال أيضا في زيد بن أبي أُنَيْسَة: إن حديثه لحسن مقارب، وإن فيها لبعض النكارة، قال: وهو على ذلك حسن الحديث.

قال الأَثْرم: قلت لأحمد: إن له أحاديث إن لم تكن مناكير فهي غرائب، قال: نعم.

وهؤلاء الثلاثة: متفق على الاحتجاج بحديثهم في "الصحيح"، وقد استنكر أحمد ما تفرّدوا به.

وكذلك أحمد قال في عمرو بن الحارث: له مناكير، وفي الحسين بن

(1)

(8/ 287).

(2)

"صحيح مسلم"(279)، "سنن النسائي"(66)، "شرح علل الترمذي"(2/ 583).

ص: 525

واقد، وخالد بن مخلد، وفي جماعة خُرج لهم في "الصحيح" بعض ما يتفردون به)

(1)

.

وقد وُصف بعض الحفاظ بأن له غرائب:

منهم: أبو داود الطيالسي، ولكن تفرد بأشياء تستغرب عليه بسبب اتكاله على حفظه، قال ابن عدي:(له أحاديث يرفعها، وليس بعجب من يحدث بأربعين ألف حديث من حفظه أن يخطئ في أحاديث منها، يرفع أحاديث يوقفها غيره، ويوصل أحاديث يرسلها غيره، وإنما أتى ذلك من حفظه، وما أبو داود عندي وعند غيرى إلا متيقظ ثبت)

(2)

.

ومن تلك الأحاديث: ما رواه عمرو بن علي الفلّاس، عن أبي داود، عن شعبة، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد اللّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"آية المنافق ثلاث"، قال الفلّاس:(لا أعلم أحدا تابع أبا داود على رفعه، وأبو داود ثقة)

(3)

.

ومنهم: يحيى بن سعيد بن أبان، قال أحمد:(عنده عن الأعمش غرائب)

(4)

.

ومنهم: عمرو بن عاصم الكلابي، قال:(كتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألف حديث)

(5)

، تفرد بأشياء واستنكرت عليه.

(1)

"شرح علل الترمذي"(1/ 455 - 456).

(2)

"الكامل"(5/ 308).

(3)

"الكامل"(5/ 265 - 266)، والحديث صحيح مرفوعا، وإنما يقصد الفلاس طريقا معينا، قال ابن عدي:(إنما أراد من حديث شعبة عن منصور عن أبي وائل، وأما عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي عبد الله، فقد رفعه غير واحد عن الأعمش .. ).

(4)

"سؤالات أبي داود للإمام أحمد"(ص: 368).

(5)

"تهذيب الكمال"(22/ 89).

ص: 526

ومنهم: حَرْملة بن يحيى التُّجِيْبي، وهو من الحفاظ المكثرين، قال ابن عدي:(وقد تبحّرت حديث حَرْملة، وفتّشته الكثير، فلم أجد في حديثه ما يجب أن يضعّف من أجله، ورجل يتوارى ابن وهب عندهم، ويكون حديثه كله عنده؛ فليس ببعيد أن يغرب على غيره - من أصحاب ابن وهب - كتب ونسخ وأفرادات ابن وهب)

(1)

.

ومنهم: محمد بن عبد الملك بن أيمن، قال ابن حزم:("مصنف" ابن أيمن مصنف رفيع، احتوى من صحيح الحديث وغريبه ما ليلى في كثير من المصنفات)

(2)

.

قلت: من جملة الغرائب أنه قد يروي الحديث الذي يرويه أهل المشرق بزيادات لا توجد عندهم، مثل ما أخرجه ابن حزم في "الإحكام"

(3)

من طريق ابن أيمن، عن أحمد بن مسلم، عن أبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، عن وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"لا ينزع الله العلم من صدور الرجال ولكن يُنزع العلم بموت العلماء فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا".

والشاهد قوله: "فقالوا بالرأي".

ومنهم: سليمان بن داود الشَّاذَكُونِي، وهو من كبار الحفاظ، من نظراء علي بن المديني وأمثاله، وقد تفرد بأحاديث أُنكرت عليه، وكان هذا هو سبب الكلام فيه.

(1)

"الكامل"(4/ 237).

(2)

"جذوة المقتبس" للحميدي (ص: 68).

(3)

(6/ 39).

ص: 527

ومنهم: أبو العباس أحمد بن محمد الكوفي، المعروف بابن عُقْدة، وهو من كبار الحفاظ في زمانه، قال الذهبي:(كتب العالي والنازل، والحق والباطل، وكان إليه المنتهى في قوة الحفظ وكثرة الحديث).

وقال: (ما علمت ابن عُقْدة وضع متن حديث، أما الأسانيد فلا أدري)

(1)

.

ومنهم: علي بن الفضل بن طاهر بن نصر، قال الخطيب:(كان من الجوالين في طلب الحديث، صاحب غرائب)

(2)

.

ومنهم: أحمد بن محمد بن ياسين، قال الذهبي:(الحافظ العالم)

(3)

.

وقال الإدريسي: (سمعت أهل بلده يطعنون فيه ولا يرضونه، وكان يحفظ الحديث ويعلم، ويقع في أحاديثه ما يقع من المناكير، وأرجو أنها لا تقع من جهته)

(4)

.

مع ملاحظة أنه ليس كل من وُصف بأنه يغرب يكون حديثه مردودا، ولذا قال ابن حبان عن أحمد بن الصَّبَّاح:(يغرب على استقامة فيه)

(5)

. يعني: أن ما تفرد به مستقيما.

ومقابل هذا، ما نص عليه الحفاظ بأن ما تفرد به فلان فإنه مقبول، فمن ذلك:

قال البخاري في محمد بن إسحاق: (ينبغي أن يكون له ألف حديث ينفرد بها، لا يشاركه فيها أحد)

(6)

.

(1)

"تذكرة الحفاظ"(3/ 839، 841).

(2)

"تاريخ بغداد"(13/ 505).

(3)

"تذكرة الحفاظ"(3/ 63).

(4)

"طبقات علماء الحديث" لابن عبد الهادي (3/ 70).

(5)

"الثقات"(8/ 38).

(6)

"تاريخ بغداد"(2/ 25).

ص: 528

ووجه قول البخاري هذا: أن ابن إسحاق كان من المكثرين جدا، فإنه تفرد في الرواية عن شيوخ لم يَرو عنهم أحد سواه، حتى قيل: إنه روى عن بعض أهل الكتاب

(1)

.

والأصل في تفردات الراوي الثقة أن تكون يسيرة؛ لأن مَن كثر تفرده دل على نكارة حديثه، وتقدم مثال شَبَابَة بن سَوَّار، قال يعقوب بن شيبة:(سمعت علي بن المديني وقيل له: روى شَبَابَة، عن شعبة، عن بكير بن عطاء، عن عبد الرحمن بن يعمر في الدباء، فقال علي: أي شيء نقدر أن نقول في ذاك - يعنى شَبَابَة -، كان شيخا صدوقا، إلا أنه كان يقول بالإرجاء، ولا ننكر لرجل سمع من رجل ألفا أو ألفين أن يجيء بحديث غريب)

(2)

.

وتأمّل ما قاله البخاري في حق عبد الرحمن بن إسحاق المدني، قال:(ليس ممن يُعتمد على حفظه إذا خالف من ليس بدونه، وإن كان ممن يحتمل في بعض)

(3)

.

(1)

"تهذب التهذيب"(4/ 321، 9/ 45).

وروايته عن أهل الكتاب إذا ثبتت يكون هذا فيما يتعلق بالأخبار والسير، وما جرى على اليهود الذين كانوا في المدينة قبل البعثة وبعدها، سواء أكان ذلك فيما يختص بهم من تاريخ، أو في الأحداث المشتركة التي وقعت بينهم وبين المسلمين من غزوات وغيرها.

وهذا ليس خاصا بابن إسحاق، بل وقع للصحابة فمن دونهم؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} " الآية.

أخرجه البخاري (4485) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج". أخرجه البخاري (3461) من حديث عبد اللّه بن عمرو.

(2)

"تهذيب الكمال"(12/ 347)، وينظر:"الكامل" لابن عدي (6/ 187 - 188).

(3)

"تاريخ دمشق"(34/ 198)، "تهذيب الكمال"(16/ 524).

ص: 529

والخلاصة: أنه كلما تقدمت طبقة المتفرد، واشتهر بالضبط، وقلَّ وهمه في حديثه = كان ذلك أدعى لقبول تفرده، قال الإمام مسلم:(والزيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفاظ الذين لم يعثر عليهم الوهم في حفظهم)

(1)

.

وقال أبو عيسى الترمذي: (وربّ حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث، وإنما تصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه)

(2)

.

قال ابن رجب معلقًا: (يعني: وإن كان الذي زاد ثقة لا يعتمد على حفظه، لا تقبل زيادته، وهذا أيضا ظاهر كلام الإمام أحمد)

(3)

.

وهذا وإن كان في الزيادات، إلا أنه يدخل في الغرابة؛ لأن الزيادة تفرد من الراوي عن باقي الرواة.

واللّه أعلم.

* * *

- خرّج ابن خزيمة من طريق وهب بن جرير، قال:(حدثنا شعبة، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب")

(4)

.

قال ابن حبان: (لم يقل في خبر العلاء هذا: "لا تجزئ صلاة" إلا شعبة، ولا عنه إلا وهب بن جرير ومحمد بن كثير)

(5)

. وقد صححه رحمه الله.

(1)

"التمييز"(ص: 128)، وفي نسخة:(لم يكثر).

(2)

"العلل الصغير"(ص: 68).

(3)

"شرح علل الترمذي"(1/ 419)، وينظر باقي كلام ابن رجب، فإنه قد أجاد القول في هذه المسألة.

(4)

"صحيح ابن خزيمة"(490).

(5)

"صحيح ابن حبان"(1789).

ص: 530

قال ابن عبد الهادي عن هذا الخبر: (وقد أعل)

(1)

.

قلت: ووجه إعلاله، أن محمد بن جعفر

(2)

ووكيع

(3)

، روياه عن شعبة به، بلفظ:"كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خِدَاج، فهي خِدَاج، فهي خِدَاج، غير تمام".

وهذا هو الصحيح في لفظ هذا الخبر، كما رواه مالك وابن عيينة

(4)

وغيرهما، عن العلاء.

فتكون رواية وهب بن جرير ومن معه رواية بالمعنى أثّرت في دلالة الخبر؛ لأنَّ ثمة فرقا بين النقصان وعدم الإجزاء.

- خرّج النسائي من طريق ابن أبي عدي، حدثا محمد بن عمرو، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، أن فاطمة بنت أبي حُبَيش كانت تُسْتَحَاض، فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"إن دم الحيض دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي".

قال أبو عبد الرحمن النسائي: (قد روى هذا الحديث غير واحد، ولم يذكر أحد منهم ما ذكر ابن أبي عدي)

(5)

.

وقال أبو حاتم: (لم يُتابَع محمد بن عمرو على هذه الرواية، وهو منكر)

(6)

.

- قال البخاري: (حدثنا حسان بن حسان، قال: حدثنا إبراهيم بن بشر أبو عمرو الأَوْدي، عن يحيى بن معين المدني، قال: حدثني إبراهيم

(1)

"المحرر في الحديث"(228)، وينظر:"علل الدارقطني"(1617).

(2)

أخرجه أحمد (9898).

(3)

أخرجه أحمد (10198).

(4)

"صحيح مسلم"(395).

(5)

"المجتبى"(367).

(6)

"العلل"(117)، وينظر:"فتح الباري" لابن رجب (2/ 57).

ص: 531

القرشي، عن سعيد بن شُرَحْبيل، عن زيد بن أبي أَوْفَى قال: خرج علينا نبي اللّه صلى الله عليه وسلم فآخى بين أصحابه.

وهذا إسناد مجهول، لا يتابع عليه، ولا يعرف سماع بعضهم من بعض.

رواه بعضهم عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد اللّه بن أبي أَوْفَى، عن النبي اللّه صلى الله عليه وسلم، ولا أصل له)

(1)

.

- قال إسحاق بن هانئ: (قال لي أبو عبد اللّه - يعخي أحمد -: قال لي يحيى بن سعيد: لا أعلم عبيد اللّه - يعني ابن عمر - أخطأ إلا في حديث واحد لنافع، حديث عبيد اللّه، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تسافر امرأة فوق ثلاثة أيام".

قال أبو عبد اللّه: فأنكره يحيى بن سعيد عليه.

قال أبو عبد اللّه: فقال لي يحيى بن سعيد: فوجدته قد حدث به العُمَري الصغير، عن نافع، عن ابن عمر مثله.

وقال أبو عبد اللّه: لم يسمعه إلا من عبيد اللّه، فلما بلغه عن العُمَري صححه)

(2)

.

- قال ابن أبي حاتم: (وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يوسف ابن عدي، عن عَثَّام، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن النبي

(1)

"التاريخ الأوسط"(3/ 9)، وينظر:"التاريخ الكبير"(3/ 386)، "علل ابن أبي حاتم"(2598).

(2)

"مسائل ابن هانئ"(2/ 216)، وينظر:"مسائل أبي داود"(1945)، و"العلل" لعبد الله (2012)، و"شرح علل الترمذي"(1/ 453 - 454).

ص: 532

صلى الله عليه وسلم كان إذا تَعَارَّ من الليل، قال:"لا إله إلا اللّه الواحد القهار، رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار".

قالا: هذا خطأ؛ إنما هو هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان يقول هذا، رواه جرير هكذا.

وقال أبو زرعة: حدثنا يوسف بن عدي هذا الحديث؛ وهو منكر)

(1)

.

- قال ابن أبي حاتم: (وسألت أبي عن حديث رواه ابن أبي عمر، عن ابن عيينة، عن ابن أبي خِدَاش، سمع ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المماليك: "ألبسوهم مما تلبسون، وأطعموهم مما تأكلون

" الحديث.

قال أبي: لم أجد هذا الحديث عند الحميدي في "مسنده"، ولا عند علي بن المديني، فإن كان محفوظا فهو غريب.

قلت: على ما يصنع؟

قال: لعله أن يكون عندهما موقوف)

(2)

.

وقال - في موضع آخر -: (سألت أبي عن حديث رواه ابن أبي عمر العدني، عن سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن أبي خِدَاش، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المملوكين: "أطعموهم مما تأكلون

" الحديث.

قال أبي: لم يكن هذا الحديث عند الحميدي، ولا عند عليّ المديني، ولم نجده عند أحد من أصحاب ابن عيينة.

قال أبي: ولم أزل أفتِّش عن هذا الحديث، وهمني جدا، حتى رأيت في موضع: عن ابن عيينة، عن إبراهيم بن أبي خِدَاش، عن ابن عباس، موقوف؛ فقلت: إن رفعه ليس له معنى؛ والصحيح موقوف.

(1)

"العلل"(197).

(2)

"العلل"(2434).

ص: 533

وقد رواه ابن جريج، عن إبراهيم بن أبي خِدَاش، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"نعم المقبرة هذه"، يعني: مقبرة مكة.

قال أبي: فلم يعرف بذا الإسناد إلا هذا وحده، حتى كتبت عن ابن أبي عمر ذاك الحديث)

(1)

.

- قال ابن عمار: (وجدت في كتاب مسلم الذي سماه "كتاب الصحيح": عن أبي غسان المِسْمَعي، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قِلَابة، عن ثابت بن الضَّحَّاك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس على الرجل نذر فيما لا يملك، ولعْن المومن كقتله، ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة".

زاد فيه كلاما لم يجئ به أحد عن معاذ بن هشام، ولا عن هشام الدستوائي، وهو قوله:"من ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها، لم يزده الله إلا قلة، ومن حلف على يمين صبر فاجرة".

هذا الكلام لا أعلم أحدا ذكره غيره.

وقد روى هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير جماعة غير هشام أيضًا، لم يذكروا فيه هذه الزيادة)

(2)

.

- وقال أيضا: (ووجدت فيه عن أبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، في الاغتسال من الجنابة، وفيه: ثم غسل رجليه.

قال أبو الفضل: وهذا الحديث رواه جماعة من الأئمة عن هشام؛ منهم زائدة، وحماد بن زيد، وجرير، ووكيع، وعلي بن مُسْهِر، وغيرهم،

(1)

"العلل"(2307).

(2)

"علل الأحاديث في صحيح مسلم"(1)، "صحيح مسلم"(110).

ص: 534

فلم يذكر أحد منهم غسل الرجلين، إلا أبو معاوية، ولم يذكر غسل اليدين ثلاثا في ابتداء الوضوء غير وكيع، وليس زيادتهما عندنا بالمحفوظة.

وسمعت أبا جعفر الحضرمي يقول: سمعت ابن نمير يقول: كان أبو معاوية يضطرب فيما كان عن غير الأعمش.

وسمعت الحسين بن إدريس يقول: سمعت عثمان بن أبي شيبة يقول: أبو معاوية في حديث الأعمش حجة وفي غيره لا)

(1)

.

- وقال: (ووجدت فيه من حديث يزيد بن زُرَيع، عن خالد الحَذَّاء، عن أبي مَعْشَر، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنُّهَى"، وذكر الحديث وفيه زيادة:"وإياكم وهَيْشَات الأسواق".

حدثني محمد بن أحمد مولى بني هاشم، قال: سمعت حنبل بن إسحاق، عن عمه أحمد بن حنبل قال: هذا حديث منكر.

قال أبو الفضل: قلت: وإنما أنكره أحمد بن حنبل من هذا الطريق، فأما حديث أبي مسعود الأنصاري فهو صحيح)

(2)

.

- وقال: (ووجدت فيه حديث جعفر بن سليمان الضُّبَعِي، عن ثابت، عن أنس قال: أصابنا مطر ونحن مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فحسر ثوبه عنه، وقال:"إنه حديث عهد بربه".

وهذا حديث تفرد به جعفر بن سليمان من بين أصحاب ثابت، لم يروه غيره.

(1)

المصدر السابق (9)، "صحيح مسلم"(316).

(2)

المصدر السابق (12)، "صحيح مسلم"(123)، وينظر:"العلل الكبير" للترمذي (94).

ص: 535

وأخبرني الحسين بن إدريس، عن أبي حامد المَخْلَدي، عن علي ابن المديني قال: لم يكن عند جعفر كتاب، وعنده أشياء ليست عند غيره.

وأخبرنا محمد بن أحمد بن البراء، عن علي بن المديني قال: أما جعفر بن سليمان فأكثر عن ثابت وكتب مراسيل، وكان فيها أحاديث مناكير.

وسمعت الحسين يقول: سمعت محمد بن عثمان يقول: جعفر ضعيف)

(1)

.

- وقال: (ووجدت فيه عن عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة قال: سألت عائشة: بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة إذا قام من الليل؛ وذكر الحديث.

قال أبو الفضل: وهو حديث تفرد به عكرمة بن عمار عن يحيى، وهو مضطرب في حديث يحيى بن أبي كثير، يقال: إنه ليس عنده كتاب.

وحدثني أحمد بن أبي الفضل المكي، حدثنا صالح بن أحمد، ثنا عليّ قال: سألت يحيى - يعني القطان - عن أحاديث عكرمة بن عمار - يعني عن يحيى بن أبي كثير - فضعّفها، وقال: ليست بصحاح.

وأخبرنا أحمد بن محمود، قال: سمعت أبا زرعة الدمشقي يقول: سمعت أبا عبد اللّه - يعني أحمد بن حنبل - يقول: رواية عكرمة بن عمار وأيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، ضعيفة)

(2)

.

- قال النسائي: (أخبرنا أبو بكر بن أبي النضر، أخبرني أبو النضر هاشم بن القاسم، حدثنا عبيد اللّه الأشجعي، عن سفيان الثوري، عن عبيد المُكْتِب، عن فضيل، عن الشعبي، عن أنس، قال: كنا عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم،

(1)

المصدر السابق (15)، "صحيح مسلم"(898).

(2)

المصدر السابق (13)، "صحيح مسلم"(770).

ص: 536

فضحك، فقال:"هل تدرون مما ضحكت؟ "، قلنا: اللّه ورسوله أعلم، قال:"من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب، ألم تجرْني من الظلم؛ قال: يقول: بلى. قال: فيقول: إني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني. فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا، فيختم على فيه، وبقال لأركانه: انطقي. فتنطق بأعماله، ثم يخلّى بينه وبين الكلام، فيقول: بعدا لكُنّ وسحقا، فعنكن كنت أناضل".

قال أبو عبد الرحمن: ما أعلم أحدا روى هذا الحديث عن سفيان غير الأشجعي، وهو حديث غريب، واللّه أعلم)

(1)

.

- قال أبو عيسى: (حدثنا محمد بن عمر بن علي المُقَدَّمي، قال: حدثنا سعيد بن عامر، قال: حدثنا شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من وجد تمرا فليفطر عليه، ومن لا فليفطر على ماء، فإن الماء طهور".

وفي الباب عن سلمان بن عامر.

قال أبو عيسى: حديث أنس لا نعلم أحدا رواه عن شعبة مثل هذا غير سعيد بن عامر، وهو حديث غير محفوظ، ولا نعلم له أصلا من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس.

وقد روى أصحاب شعبة هذا الحديث، عن شعبة، عن عاصم الأَحْول، عن حفصة ابنة سيرين، عن الرَّباب، عن سلمان بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أصح من حديث سعيد بن عامر، وهكذا رووا عن شعبة، عن عاصم، عن حفصة ابنة سيرين، عن سليمان، ولم يذكر فيه شعبة: عن الرباب.

(1)

"السنن الكبرى"(11765)، وأخرجه مسلم (2969) عن ابن النضر به، وينظر:"علل ابن عمار الشهيد"(34).

ص: 537

والصحيح ما رواه سفيان الثوري، وابن عيينة، وغير واحد، عن عاصم الأَحْول، عن حفصة ابنة سيرين، عن الرَّباب، عن سلمان بن عامر)

(1)

.

قلت: هذا الحديث أيضا حكم أبو عيسى عليه بأنه غير محفوظ، بل قال:(ولا نعلم له أصلا من حديث عبد العزيز بن صهيب)؛ وذلك بسبب تفرد سعيد بن عامر عن باقي أصحاب شعبة بهذا اللفظ، وأنه لم يتابع عليه، وإنما روى أصحاب شعبة هذا الحديث بإسناد آخر ولفظ آخر كما بيّن أبو عيسى، مع كون سعيد بن عامر خرّج له الجماعة ووثّقه الجمهور، نعم له بعض الأغلاط وهذا أحدها، ولم يعتبر أبو عيسى ما رواه سعيد حديثا آخر كما يفعل بعض أهل العلم ممن تأخر في ذلك.

وكذلك النسائي ذهب إلى تخطئة رواية سعيد بن عامر هذه، فأخرجه عن المَقدَّمي، عن سعيد بن عامر به، وقال:(هذا خطأ، ولا نعلم أن أحدا تابع سعيد بن عامر على هذا الإسناد)

(2)

.

وأخرجه في موضع آخر، وقال:(حديث شعبة عن عبد العزيز بن صهيب خطأ، والصواب الذي قبله)

(3)

.

والذي قبله حديث حفصة، عن سلمان بن عامر

(4)

.

- قال أبو عيسى: (حدثنا محمد بن رافع، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: كان

(1)

"جامع الترمذي"(703)، وينظر:"العلل الكبير" له (194) و"علل الدارقطني"(2505).

(2)

"السنن الكبرى"(3501).

(3)

"السنن الكبرى"(3501).

(4)

"السنن الكبرى"(3498 - 3500)، وينظر:"صحيح ابن خزيمة"(2066)، "سنن البيهقي"(8/ 532).

ص: 538

النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رُطبات، فإن لم تكن رطبات فتُميرات، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب)

(1)

.

قلت: وهذا أيضا لم يصححه أبو عيسى؛ بسب تفرد جعفر بن سليمان بهذا الخبر عن ثابت.

نعم، جاء هذا الحديث من طريق سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن أنس

(2)

. ومن طريق يحيى بن أيوب

(3)

وزاندة

(4)

، كلاهما عن حميد الطويل، عن أنس، على اختلاف بينهما في لفظ الحديث.

وأقوى هذه الطرق طريق زائدة، ولفظه: ما رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قط صلى صلاة المغرب حتى يفطر ولو على شربة من ماء. وهي أقوى من طريق يحيى بن أيوب عن حميد، ولفظها قريب من لفظ جعفر بن سليمان.

وأما طريق سعيد بن أبي عروبة ففي صحتها نظر إلى سعيد.

- قال أبو عيسى: (حدثنا مسلم بن حجاج، قال: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: حدثنا أبو معاوية، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "أحصوا هلال شعبان لرمضان".

حديث أبي هريرة غريب، لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث أبي معاوية.

والصحيح ما روي عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تتقدموا شهر رمضان يوم ولا يومين".

(1)

"جامع الترمذي"(705).

(2)

أخرجه ابن خزيمة (2063).

(3)

أخرجه ابن خزيمة (2065).

(4)

أخرجه ابن خزيمة (2065)، وابن حبان (3504) وقال:(خبر غريب).

ص: 539

وهكذا روي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، نحو حديث محمد بن عمرو الليثي)

(1)

.

قلت: هذا الحديث ردّه أبو عيسى من أجل تفرد أبي معاوية بهذا اللفظ عن باقي أصحاب محمد بن عمرو الذين رووا عنه هذا الحديث بلفظ: "لا تقدموا شهر رمضان"، مع أن أبا معاوية من الثقات المشهورين كما هو معلوم، نعم تُكلِّم في روايته عن غير الأعمش، لكن يبقى أنه ثقة مشهور، وأنا أذهب إلى ما ذهب إليه أبو عيسى

(2)

.

- وقال: (حدثنا محمد بن عمر بن علي المُقَدَّمي، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن عبد اللّه بن بشر الخَثْعَمِي، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا سافر فركب راحلته، قال بإصبعه - ومد شعبة إصبعه - قال:"اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا بنصحك، واقلبنا بذمة، اللهم ازو لنا الأرض، وهون علينا السفر، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب".

حدثنا سُوَيد بن نصر، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا شعبة، بهذا الإسناد نحوه بمعناه

(3)

.

هذا حديث حسن غريب من حديث أبي هريرة، لا نعرفه إلا من حديث شعبة)

(4)

.

(1)

"جامع الترمذي"(695)، وقوله:(غريب) من "تحفة الأشراف"(15123)، ولا توجد في طبعتي التأصيل والرسالة (659).

(2)

وينظر: "علل ابن أبي حاتم"(670، 718).

(3)

جاء في بعض النسخ قبل هذا: (كنت لا أعرف هذا إلا من حديث ابن أبي عدي، حتى حدثني به سويد) ثم ساق رواية سويد.

(4)

"جامع الترمذي"(3758، 3759)، وقوله:(لا نعرفه إلا من حديث شعبة) =

ص: 540

قلت: رجاله ثقات مشاهير سوى الخَثْعَمِي، فإنه صدوق مقِلّ، ومتن الحديث قد جاء نحوه من أوجه أخرى، ومع ذلك لم يصححه الترمذي؛ وذلك لغرابته من حيث الإسناد، مع أنه قد رواه عن شعبة راويان كلاهما من الثقات المشاهير، وخاصة عبد اللّه بن المبارك.

- روى العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا".

أخرجه الترمذي وقال: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ)

(1)

.

والنسائي، وقال:(لا نعلم أحدا روى هذا الحديث غير العلاء بن عبد الرحمن)

(2)

.

وأبو داود

(3)

، وفي بعض النسخ أنه قال:(لم يجئ به غير العلاء، عن أبيه)

(4)

.

وقد أنكر هذا الحديث أحمد، قال:(العلاء ثقة، ولا ينكر من حديثه إلا هذا)

(5)

.

= من "تحفة الأشراف"(14892)، وينظر: هامش تحقيق طبعتي التأصيل والرسالة (3738).

(1)

"جامع الترمذي"(750).

(2)

"السنن الكبرى"(3117).

(3)

"السنن"(2337).

(4)

ينظر: هامش تحقيق طبعة دار التأصيل (2326).

وقال ابن حجر في "التهذيب"(3/ 346): (قال أبو داود: سهيل أعلى عندنا من العلاء، أنكروا على العلاء صيام شعبان. يعني حديث "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا").

"المغني" لابن قدامة (4/ 327)، "المحرر في الحديث" لابن عبد الهادي (654).

(5)

وقال أيضًا: (هذا خلاف الأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم)"العلل" رواية المروذي (278).

ص: 541

وقال أبو داود: (وكان عبد الرحمن لا يحدث به، قلت لأحمد: لم؟ قال لأنه كان عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصِل شعبان برمضان، وقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه. قال أبو داود: هذا عندي ليس خلافه)

(1)

.

وأنكره أيضا ابن معين

(2)

، وأبو زرعة

(3)

، والأثرم

(4)

، وذكر أبو يعلى الخليلي أن هذا الحديث مما لم يتابع عليه العلاء، وأن مسلما قد أخرج في "الصحيح" المشاهير من حديثه، دون هذا والشواذ

(5)

.

وقد قال الذهبي عن حديثه هذا إنه من أغرب ما أتى به عن أبيه عن أبي هريرة

(6)

.

وأخرجه أبو عَوانة، وأشار إلى إعلاله حيث قال:(باب بيان النهي عن صوم آخر النصف من شعبان، وبيان الخبر المعارض له المبيح صومه، والخبر المبين فضيلة صومه على صوم سائر الشهور، الدال على توهين الخبر الناهي عن صيامه)

(7)

.

وغيرهم من أهل العلم بالحديث.

قلت: هذا الحديث لا يصح، بل هو حديث شاذ منكر؛ وذلك لأمور:

1 -

أن الأحاديث الصحيحة جاءت بخلافه، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم

(1)

"السنن"(2337)، وطبعة التأصيل (2316)، وعبد الرحمن هو ابن مهدي، وينظر:"الكامل" لابن عدي (5/ 129).

(2)

"فتح الباري" لابن رجب (4/ 152)، وينظر:"مستخرج أبي عوانة"(2916).

(3)

"الضعفاء" لأبي زرعة (2/ 388).

(4)

"لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 260).

(5)

"الإرشاد"(1/ 218).

(6)

"سير أعلام النبلاء"(6/ 187).

(7)

"مستخرج أبي عوانة"(7/ 346).

ص: 542

أكثر شعبان حتى يصله برمضان

(1)

، فكيف يقال: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا؟! وهذه الأحاديث أصح وأكثر فتقدم عليه.

2 -

أن أبا هريرة جاء عنه من طريق يحيى بن أبي كثير

(2)

ومحمد بن عمرو بن علقمة

(3)

، كلاهما عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين. ومعنى هذا أنه لا بأس أن يصام قبل ذلك، سواء كان من نصف شعبان أو ما بعده، وهذا الحديث أصح عن أبي هريرة، وقد اتفق عليه الشيخان، فيظهر أن هذا اللفظ هو أصل حديث العلاء فأخطأ فيه فرواه بلفظ: "إذا انتصف شعبان

".

3 -

أن النهي عن صوم ما بعد نصف شعبان عند من يقول به هو من أجل رمضان؛ إما إبقاء للقوة، أو كراهية تقدمه، وما من شك أنه كلما قرب رمضان كان النهى آكَدَ، فليس صوم بداية النصف الأخير كصوم اخره، وهذه المدة الطويلة لم نر النبي صلى الله عليه وسلم استثنى فيها من كانت له عادة، مع أنّا نقطع بوجود ذلك من كثير من الناس، ثم نجد النبي صلى الله عليه وسلم استثنى من كانت له عادة حينما قرب رمضان، فاشتد النهي، وفي مدة لا يكثر وجود العادة فيها كما في أول النصف الأخير، فقال:"لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا في صوم يصومه أحدكم".

فكيف يأتي الاستثناء عند قلة وجود العادة واشتداد النهي ولا يأتي مع كثرة وجود العادة وخفة النهي؟! فمثل هذا لا يكون ممن أوتي جوامع الكلم، فدل أن وهما وقع في هذا النهى الواسع الذي إسناده لا يقاوم إسناد النهي الضيق.

(1)

أخرجه البخاري (1970)، ومسلم (1156).

(2)

أخرجه البخاري (1914)، ومسلم (1082).

(3)

أخرجه الترمذي (691).

ص: 543

4 -

أن معظم أهل العلم لم يعملوا به، ولا يمكن للأمة أن تترك حديثا ولا تعمل به، وقد نقل الطَّحاوي الإجماع على عدم العمل به

(1)

، حتى أن ابن حزم - وهو بعد الطَّحاوي - عندما قال به رأى أن النهي لليوم السادس عشر فقط

(2)

، وهذا خلاف ظاهر حديث العلاء.

فإن قيل: إن العلاء ثقة، وأبوه كذلك، فالحديث صحيح.

فالجواب: أنه لا شك أن العلاء ثقة، ولكن ليس من حد الثقة أن لا يخطئ، فكل بني آدم خطاء، فالعلاء مكثر، وإذا أخطأ في حديث فهذا لا يضره، ومما يؤكد خطأه أنه تفرد به، ولذا تتابع الحفاظ على أن العلاء تفرد به ولم يتابع عليه، ولذا أعرض عنه مسلم مع أنه خرّج في "صحيحه" من هذه السلسلة الشيء الكثير.

وأما المتابعة التي عند الطبراني فمنكرة لا تصح؛ قال الطبراني: (حدثنا أحمد بن محمد بن نافع، قال: نا عبيد اللّه بن عبد اللّه المنكدري

(3)

، قال: حدثنى أبي، عن أبيه، عن جده، عن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا انتصف شعبان فأفطروا".

لم يرو هذا الحديث عن محمد بن المنكدر إلا ابنه المنكدر، تفرد به ابنه عبد اللّه)

(4)

.

وأخرجه البيهقي في "الخلافيات"

(5)

من وجه آخر عن المنكدر بن محمد به.

(1)

"لطائف المعارف"، لابن رجب (ص: 260).

(2)

ينظر: "المحلى"(4/ 447).

(3)

هو عبيد اللّه بن عبد الله بن المنكدر بن محمد بن المنكدر.

(4)

"المعجم الأوسط"(2/ 264).

(5)

(5/ 22).

ص: 544

قال الدارقطني: (تفرد به المنكدر بن محمد، عن أبيه، عن مولى الحرقة)

(1)

.

وأخرجه ابن الأعرابي

(2)

وابن عدي

(3)

من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، عن محمد بن المنكدر، عن عبد الرحمن بن يعقوب به.

قلت: عبد اللّه بن المنكدر منكر الحديث.

ووالده المنكدر بن محمد لا يحتج به.

ولهذا أعلّ هذا الخبر كبار الحفاظ كما تقدم، وقد قال ابن رجب - بعد أن ذكر من صحّح الخبر -:(وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم)

(4)

، وهم الذين أعلوه.

أخيرًا، جاء عن بقية بن الوليد، أن الأوزاعي كان لا يصوم بعد النصف من شعبان، وهو ثابت عنه، فقد جاء عن بقية من طريقين

(5)

، ولكن يقال: مخالفة الواحد أو الاثنين لا تؤثر.

* * *

(1)

"أطراف الغرائب"(5296).

(2)

"المعجم"(1198).

(3)

"الكامل"(1/ 508)، وعنده:(عن محمد بن المنكدر والعلاء بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن).

وأخرجه من وجه آخر عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن محمد بن المنكدر، عن أبيه، عن أبي هريرة.

(4)

"لطائف المعارف"(ص: 260).

(5)

أخرجه ابن المقرئ في "معجمه"(96).

ص: 545

‌الفصل الحادي عشر إطلاق الحسن على الغريب

أسند ابن أبي حاتم عن أمية - هو ابن خالد القيسي - قال: (قلت لشعبة: مالك لا تحدث عن عبد الملك بن أبي سليمان؟ قال: تركت حديثه. قال: قلت: تحدِّثُ عن فلان وتدع عبد الملك بن أبي سليمان؟ قال: تركته. قلت: إنه كان حسن الحديث. قال: مِن حسْنها فررت)

(1)

.

قلت: وذلك لغرابتها؛ لأنه تفرد في غير ما حديث، ومنها حديث الشفعة، وكان هذا سبب نفرة شعبة منها.

وقال: (نا أبي، نا محمد بن المِنْهَال الضرير، قال: زعم يزيد بن زُرَيع بأن عنده كتاب لأبي شيبة كراسة عظيمة، كأنها اللؤلؤ من حسنها، ولا أروى منها شيئا أبدا حتى ألقى الله عز وجل. يعني إنكارا على أبي شيبة)

(2)

.

قلت: أبو شيبة هو إبراهيم بن عثمان العبسي، وهو متروك.

والسبب في عدم رواية يزيد بن زريع لها، هو تفرد أبو شيبة برواية هذه الأحاديث.

قال الخلال: (أخبرنا المرُّوذي، قال: ذكرت لأبي عبد الله حديث محمد بن سلمة الحَرَّاني، عن أبي عبد الرحيم، حدثني زيد بن أبي أُنَيْسة، عن المِنْهَال، عن أبي عبيدة، عن مسروق، ثنا عبد الله بن مسعود، عن النبي

(1)

"تقدمة الجرح والتعديل"(ص: 146).

(2)

"تقدمة الجرح والتعديل"(ص: 115).

ص: 547

صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} من العرش إلى الكرسي".

قال أبو عبد الله: هذا حديث غريب، لم يقع إلينا عن محمد بن سلمة، واستحسنه.

وقال: قد رواه الأعمش موقوفا، ورواه أبو يزيد الدَّالاني مرفوعا.

وأخبرني زكريا بن يحيى: ثنا أبو طالب، أنه سأل أبا عبد الله عن هذا الحديث، فجعلت أقرأه عليه. فقال: ما أحسنه، إنما سمعناه عن أبي عَوانة، عن الأعمش مرسلا)

(1)

.

قال أبو عيسى الترمذي: (حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا فُلَيح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن زيد بن ثابت، أن عثمان توضأ ثلاثا ثلاثا، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ.

سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن.

قال أبو عيسى: هو غريب من هذا الوجه)

(2)

.

قلت: قول البخاري: (حسن) يعني غريب، بدليل قول الترمذي:(هو غريب من هذا الوجه).

وخرج الترمذي من حديث شَريك بن عبد الله النخعي، عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن رافع بن خديج، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، وله نفقته".

(1)

"المنتخب من علل الخلال"(166).

(2)

"العلل الكبير"(25). وقال البزار في "المسند"(343): (وهذا الحديث حسن الإسناد، ولا نعلم روى زيد بن ثابت، عن عثمان حديثا مسندا إلا هذا الحديث، ولا له إسناد عن زيد بن ثابت إلا هذا الإسناد).

ص: 548

قال أبو عيسى: (هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من هذا الوجه من حديث شريك بن عبد الله.

وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن، وقال: لا أعرفه من حديث أبي إسحاق، إلا من رواية شريك)

(1)

.

قلت: قوله: (هو حديث حسن)، قد يكون معناه أي: غريب، بدليل قوله:(لا أعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من رواية شريك).

وخرّج البخاري من طريق داود بن أبي الفُرَات، عن عبد الله بن بُريدة، عن أبي الأسود، قال: قدمت المدينة وقد وقع بها مرض، فجلست إلى عمر بن الخطاب

(2)

.

قال علي بن المديني: (لا نحفظه إلا من هذا الوجه، وفى إسناده بعض الانقطاع؛ لأن عبد الله بن بُرَيدة يُدخل بينه وبين أبي الأسود يحيى بن يَعْمَر، وقد أدرك أبا الأسود، ولم يقل فيه: سمعت أبا الأسود، وهو حديث حسن الإسناد)

(3)

.

قلت: كأنه يريد بحسن الإسناد: غرابته، بدليل قوله:(لا نحفظه إلا من هذا الوجه).

وخرج الإمام أحمد من طريق زُهْرة بن مَعْبَد، عن ابن عم له أخي أبيه، أنه سمع عُقْبة بن عامر، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن وضوءه، ثم رفع نظره إلى السماء، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يدخل من أيها شاء"

(4)

.

(1)

"جامع الترمذي"(1426).

(2)

"صحيح البخاري"(1368).

(3)

"مسند الفاروق"(1/ 356).

(4)

"مسند أحمد"(17363).

ص: 549

قال ابن المديني: (هذا حديث حسن)

(1)

.

قلت: المقصود بالتحسين: الغرابة الواقعة في المتن، وهي رفع البصر، وزُهْرة وثقه الجمهور وتكلم فيه ابن حبان، وشيخه مبهم، والحديث في "صحيح مسلم" دون هذه الزيادة

(2)

.

وخرج الإمام أحمد من طريق الجُرَيري، عن أبي نَضْرة، عن أبي فراس، قال: خطب عمر بن الخطاب فقال: يا أيها الناس، ألا إنا إنما كنا نعرفكم إذ بين ظهرانينا النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

.

قال علي بن المديني: (إسناده بصري حسن)، وقال في موضع آخر:(لا نعلم في إسناده شيئا يطعن فيه، وأبو فراس رجل معروف من أسلم، روى عنه أبو نَضْرة وأبو عمران الجوني)

(4)

.

قلت: يحتمل أن يكون هذا الخبر غريبا؛ فإن أبا فراس ليس بالمشهور، فالظاهر أنه ليس له إلا هذا الخبر، قال أبو زرعة: لا أعرفه

(5)

، وقول علي بن المديني إنه معروف ليس توثيقا.

ومثله إذا قيل: هذا فائدة، ونحو ذلك، كما قال أحمد:(إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون: هذا حديث غريب، أو فائدة، فاعلم أنه خطأ، أو دخل حديث في حديث، أو خطأ من المحدث، أو حديث ليس له إسناد، وإن كان قد روى شعبة وسفيان)

(6)

.

(1)

"مسند الفاروق"(1/ 101).

(2)

(234).

(3)

"مسند أحمد"(286).

(4)

"مسند الفاروق"(2/ 432).

(5)

"الجرح والتعديل"(9/ 423).

(6)

"الكفاية في علم الرواية"(399).

ص: 550

وخرَّج في "العلل الكبير"

(1)

من حديث سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن صفوان بن يعلى، عن أبيه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر {وَنَادَوْا يَامَالِكُ} [الزخرف: 77].

سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال:(هو حديث حسن، وهو حديث ابن عيينة الذي ينفرد به).

* * *

(1)

(143).

ص: 551

‌الفصل الثاني عشر أقسام الغريب وأنواعه

الغرابة على ثلاثة أقسام: إما في الإسناد، وإما في المتن، وإما فيهما جميعا.

القسم الأول: الغرابة في الإسناد.

وهي على أنواع:

النوع الأول: الغريب المطلق.

قال علي بن المديني: (حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا حسين المعلِّم، حدثنا عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعَصَبته من كان".

قال ابن المديني: هذا من صحيح ما يروى عن عمرو بن شعيب، رواه حسين المعلِّم، وهو حديث فيه كلام كثير، ولست أحفظ الكلام كله، وإنما هذا مختصر منه.

قال: وإنما صار هذا الحديث عندي متصل الإسناد؛ لأن هذه القصة كانت فيهم، خاصم فيها عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، وحدث بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وإنما روى هذه الأحاديث عن عبد الله بن عمرو: شعيب، عن جده عبد الله بن عمرو، ولم يرو محمد بن عبد الله بن عمرو عن أبيه شيئا، وليس يحفظ في هذا الوجه غيره).

ص: 553

قال ابن كثير: (وهذا الحديث من غرائب الأحاديث على شهرة إسناده، ولست أعلم أحدا من الأئمة المشهورين من الفقهاء الأربعة ولا غيرهم قال به، ولهذا أتبعه أبو داود بعد روايته له بأن قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت يورِّثون الكُبَر من الولاء. ثم روى عن أبي سلمة

(1)

، عن حماد، عن حميد قال: الناس يتهمون عمرو بن شعيب في هذا الحديث.

ورواه النسائي أيضا، عن محمد بن عبد الأعلى، عن معتمر قال: سمعت الحسين، عن عمرو بن شعيب قال: قال عمر. مرسلا. فالله أعلم)

(2)

.

وهاك أمثلة أخرى من "جامع" أبي عيسى:

قال أبو عيسى رحمه الله: (حدثنا عبد الله بن أبي زياد، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: حدثنا غالب أبو بشر، عن أيوب بن عائذ الطائي، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن كَعْب بن عُجْرَة، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعيذك بالله يا كَعْب بن عُجْرَة من أمراء يكونون من بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدقهم في كذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، ولا يَرِد عليَّ الحوض، ومن غَشِي أبوابهم أو لم يَغشَ ولم يصدقهم في كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وسيرد عليَّ الحوض، يا كَعْب بن عُجْرَة الصلاة برهان، والصوم جُنَّةٌ حَصِينَة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، يا كَعْب بن عُجْرَة، إنه لا يربو لحم نبت من سُحْت إلا كانت النار أولى به".

(1)

وهو موسى بن إسماعيل.

(2)

"مسند الفاروق"(2/ 85 - 87)، وينظر:"سنن أبي داود"(2917) وطبعة التأصيل (2904)، "السنن الكبرى" للنسائي (6522، 6523)، "تحفة الأشراف"(10581، 18598).

ص: 554

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه

(1)

.

وسألت محمدا عن هذا الحديث، فلم يعرفه إلا من حديث عبيد الله بن موسى، واستغربه جدا)

(2)

.

وقال أيضا: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي المَوَال، عن محمد بن المُنْكَدر، عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول:"إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعيشتي وعاقبة أمري - أو قال: في عاجل أمري وآجله - فيسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعيشتي وعاقبة أمري - أو قال: في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به، قال: وليسمِّ حاجته".

وفي الباب عن عبد الله بن مسعود، وأبي أيوب.

قال أبو عيسى: حديث جابر حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي المَوَال، وهو شيخ مديني ثقة، روى عنه سفيان حديثا، وقد روى عن عبد الرحمن غير واحد من الأئمة)

(3)

.

(1)

وفي بعض نسخ الترمذي: (لا نعرفه إلا من حديث عبيد الله بن موسى، وأيوب بن عائذ يضعّف، ويقال: كان يرى رأي الإرجاء).

(2)

(618)، وينظر:"تحفة الأشراف"(11109).

(3)

(484).

ص: 555

وقد خرَّجه البخاري

(1)

.

وقال أيضا: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ} [الزخرف: 77] ".

وفي الباب عن أبي هريرة، وجابر بن سمرة.

قال أبو عيسى: (حديث يعلى بن أمية حديث حسن غريب صحيح، وهو حديث ابن عيينة)

(2)

.

وقد خرّجه البخاري ومسلم

(3)

.

وقال أيضا: (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير، قال: حدثنا محمد بن موسى، عن سعد بن إسحاق بن كَعْب بن عُجْرَة، عن أبيه، عن جده، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد بني عبد الأَشْهَل المغرب، فقام ناس يتنفَّلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"عليكم بهذه الصلاة في البيوت".

قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

والصحيح ما روي عن ابن عمر، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين بعد المغرب في بيته.

وقد روي عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب، فما زال يصلي في المسجد حتى صلى العشاء الآخرة، ففي هذا الحديث دلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد)

(4)

.

(1)

(1162).

(2)

(508)

(3)

"صحيح البخاري"(3230)، "صحيح مسلم"(871).

(4)

(610).

ص: 556

وقد خرّجه أبو داود وصحّحه ابن خزيمة

(1)

.

وقال أيضا: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رَفَّأَ الإنسان إذا تزوج، قال:"بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في الخير".

وفي الباب عن عقيل بن أبي طالب.

حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح)

(2)

.

قال البزار: (وهذا الحديث لا نعلم رواه عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه إلا عبد العزيز)

(3)

.

وقال أيضا: (حدثنا بندار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، عن عبد الله بن عروة، عن عروة، عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال، وكانت عائشة تستحب أن يبنى بنسائها في شوال.

هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث الثوري، عن إسماعيل بن أمية)

(4)

.

وقال أيضا: (حدثنا محمد بن بشار، قال: أخبرنا عباد بن ليث صاحب الكَرَابِيس البصري، قال: حدثنا عبد المجيد بن وهب، قال: قال لي العَدَّاء بن خالد بن هَوْذَة: ألا أقرئك كتابا كتبه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:

(1)

"سنن أبي داود"(1300)، "صحيح ابن خزيمة"(1201).

(2)

(1123).

(3)

"مسند البزار"(9074).

(4)

(1123)، والمثبت من "تحفة الأشراف"(16355)، وفي طبعة التأصيل (لا نعرفه إلا من حديث الثوري، عن إسماعيل بن أمية، هذا حديث حسن صحيح).

ص: 557

قلت: بلى. فأخرج لي كتابا: "هذا ما اشترى العَدَّاء بن خالد بن هَوْذَة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشترى منه عبدا أو أمة، لا دَاءَ ولا غَائِلَةَ ولا خِبْثَةَ، بَيْعَ المسلمِ المسلمَ".

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عباد بن ليث، وقد روى عنه هذا الحديث غير واحد من أهل الحديث)

(1)

.

النوع الثاني من أنواع الغرابة في الإسناد: الغريب النسبي.

قال أبو عيسى رحمه الله: (حدثنا محمد بن حميد الرازي، قال: حدثنا سلمة بن الفَضْل، عن محمد بن إسحاق، عن حميد، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، طاهرا أو غير طاهر. قال: قلت لأنس: فكيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كنا نتوضأ وضوءا واحدا.

قال أبو عيسى: حديث أنس غريب، والمشهور عند أهل الحديث حديث عمرو بن عامر، عن أنس)

(2)

.

قلت: أنا أذهب إلى ما ذهب إليه أبو عيسى من كونه غريبا، ولعل ابن إسحاق تفرد به، والمشهور - كما ذكر أبو عيسى - هو حديث عمرو بن عامر عن أنس، وقد أخرجه أبو عيسى بعد ذلك

(3)

، وقال عنه:(حسن صحيح)، وفي نسخة:(هذا حديث صحيح)، وهكذا في "تحفة الأشراف"

(4)

، وهذا هو الأقرب لمنهج أبي عيسى في مثل ذلك، وكأنه يريد تأكيد صحة هذا الحديث من هذا الوجه وهو طريق عمرو بن عامر، وأن هذا الوجه هو

(1)

(1267).

(2)

"جامع الترمذي"(59)، والمثبت من "تحفة الأشراف"(740)، وفي طبعتي التأصيل والرسالة (58):(حسن غريب)، والأصح ما في "التحفة".

(3)

(60).

(4)

(1110).

ص: 558

الصحيح، ولذا خرجه البخاري

(1)

والنسائي

(2)

وغيرهما.

وأما طريق ابن إسحاق فإنه غريب، وقد تفرد به أبو عيسى عن باقي أصحاب الكتب الستة.

وقال أيضا: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا أبو الأَحْوص، عن بَيَان بن بِشْر، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لأنْ يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره، فيتصدق منه، فيستغني به عن الناس، خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه ذلك، فإن اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول".

وفي الباب عن حكيم بن حزام، وأبي سعيد الخدري، والزبير بن العوام، وعطية السعدي، وعبد الله بن مسعود، ومسعود بن عمرو، وابن عباس، وثوبان، وزياد بن الحارث الصدائي، وأنس، وحُبْشي بن جنادة، وقَبِيصة بن مُخَارق، وسَمُرة، وابن عمر.

قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح غريب، يستغرب من حديث بيان، عن قيس)

(3)

.

وقال البزار: (حدثنا مُقَدَّم بن محمد بن علي بن مقدم المُقَدَّمي، قال: حدثنى عمي القاسم بن يحيى بن عطاء بن مُقَدَّم، حدثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصَّعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشره، فإن ذلك خير".

وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه، إلا من هذا الوجه،

(1)

"صحيح البخاري"(214).

(2)

"المجتبى"(136).

(3)

"جامع الترمذي"(686).

ص: 559

ولم نسمعه إلا من مُقَدَّم بن محمد عن عمه، وكان مُقَدَّم ثقة معروف النسب)

(1)

.

النوع الثالث: الإسناد الفرد، والذي لا يُعرف رجاله برواية بعضهم عن البعض، وهو أشد أنواع الغرابة في الإسناد.

والفرق بين هذا النوع والذي قبله: أن النوع الأول والثاني، وإن كانا غريبين من حيث الإسناد، لكن رواتهما يعرفون بالرواية عن بعض؛ كشعيب بن أبي حمزة، وعقيل بن أبي خالد، ويونس، عندما يتفرد أحدهم عن الزهري.

مثل حديث قتادة، عن خالد بن دُرَيك، عن عائشة:"يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا". وأشار إلى وجهه وكفيه.

فقتادة لا يعرف بالرواية عن خالد، وخالد لا يعرف بالرواية عن عائشة

(2)

.

ومثل حديث أبي المُطَوِّس، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا: "من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض

"

(3)

.

(1)

"مسند البزار"(10068).

(2)

أخرجه أبو داود (4104)، وقال:(هذا مرسل خالد بن دريك لم يدرك عائشة).

مع كون أن المتن مخالفٌ لما جاء في كتاب الله من أمر المرأة بالحجاب وتغطية وجهها، كما قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} [الأحزاب: 59] والمرأة إنما تعرف بوجهها!

(3)

أخرجه أبو داود (2396)، والترمذي (732)، والنسائي في "الكبرى"(3463)، وابن ماجه (1672).

ص: 560

قال البخاري: (أبو المُطَوِّس اسمه يزيد بن المُطَوِّس، وتفرد بهذا الحديث، ولا أعرف له غير هذا، ولا أدري أسمع أبوه من أبي هريرة أم لا)

(1)

.

وقال الإمام أحمد - كما في ترجمة أبي المُطَوِّس من "التهذيب"

(2)

-: (لا أعرفه، ولا أعرف حديثه من غيره).

وقال ابن خزيمة: (لا أعرف ابن المُطَوِّس، ولا أباه، غير أن حبيب بن أبي ثابت قد ذكر أنه لقي أبا المُطَوِّس)

(3)

.

ومثل حديث حماد بن سلمة، عن أبي العُشَراء، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللَّبَّة؟ فقال:"لو طعنت في فخذها أجزأ عنك".

قال أبو عيسى الترمذي: (فهذا حديث تفرد به حماد بن سلمة عن أبي العُشَراء، ولا يعرف لأبي العُشَراء عن أبيه إلا هذا الحديث، وإن كان هذا الحديث مشهورا عند أهل العلم، فإنما اشتهر من حديث حماد بن سلمة، لا نعرفه إلا من حديثه)

(4)

.

وقال أيضا: (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفيان وهو الثوري، عن ليث وهو ابن أبي سليم، قال: حدثني كعب، قال: حدثني أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلوا الله لي

(1)

"العلل الكبير" للترمذي (199).

(2)

"تهذيب التهذيب"(4/ 589)، وينظر:"الفروسية" لابن القيم (ص: 189 - 190).

(3)

"صحيح ابن خزيمة"(1987).

(4)

"العلل الصغير"(ص: 66 - 67).

وأخرجه الترمذي في "الجامع"(1563) وقال: (حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث).

ص: 561

الوسيلة" قالوا: يا رسول الله وما الوسيلة؟ قال: "أعلى درجة في الجنة، لا ينالها إلا رجل واحد، أرجو أن اكون أنا هو".

هذا حديث غريب، وإسناده ليس بالقوي.

وكعب ليس هو بمعروف، ولا نعلم أحدا روى عنه غير ليث بن أبي سليم)

(1)

.

وقال أيضا: (حدثنا عبد الله بن معاوية الجُمَحي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ليث، عن طاوس، عن زياد بن سِيمِين كُوش، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون فتنة تَسْتَنْظِف العرب قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من السيف".

هذا حديث غريب، سمعت محمد بن إسماعيل يقول: لا نعرف لزياد بن سِيمِين كُوش غير هذا الحديث، رواه حماد بن سلمة، عن ليث فرفعه، ورواه حماد بن زيد، عن ليث فوقفه)

(2)

.

قلت: ومن الفوائد في كون فلان لا يعرف بالرواية عن فلان، أو كونه لا يعرف إلا في هذا الحديث، أن يعرف أنّ هذا من الخطأ، ولذا قال أبو عيسى في حديث أبي عوانة، عن إبراهيم بن محمد بن المُنْتَشِر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير، في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة والعيدين

: (وهكذا روى سفيان الثوري ومِسْعَر، عن إبراهيم بن محمد بن المُنْتَشر، مثل حديث أبي عوانة.

وأما سفيان بن عيينة فيختلف عليه في الرواية: يروى عنه، عن إبراهيم بن محمد بن المُنْتَشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن أبيه، عن

(1)

"جامع الترمذي"(3958).

(2)

(2332).

ص: 562

النعمان بن بشير، ولا يعرف لحبيب بن سالم رواية عن أبيه)

(1)

. يريد أن الصواب من غير ذكر أبيه.

وقال أيضا: (حدثنا الحسين بن يزيد، حدثنا حفص بن غياث، عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما اصْطَدْتُمُوه وهو حي فكلوه، وما وجدتموه ميتا طافيا فلا تأكلوه".

سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: ليس هذا بمحفوظ، ويروى عن جابر خلاف هذا، ولا أعرف لابن أبي ذئب عن أبي الزبير شيئا)

(2)

.

وقال أيضا: (حدثنا أحمد بن مَنِيع، قال: حدثنا حسين بن محمد، قال: حدثنا شَيْبان، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن أبي السَّنابل بن بَعْكَك، قال: وضعتْ سُبَيْعة بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين، أو خمسة وعشرين يوما، فلما تَعَلَّتْ تَشَوَّفَتْ للنكاح، فأنكر عليها ذلك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"إن تفعل فقد حل أجلها".

حدثنا أحمد بن مَنِيع، قال: حدثنا الحسن بن موسى، قال: حدثنا شَيْبان، عن منصور نحوه.

وفي الباب عن أم سلمة.

حديث أبي السَّنابل حديث مشهور من هذا الوجه، ولا نعرف للأسود سماعا من أبي السَّنابل، وسمعت محمدا يقول: لا أعرف أن أبا السِّنابل عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم)

(3)

.

وقال البزار: (حدثنا أحمد بن أبان القرشي، قال: حدثنا أنس بن عِياض أبو ضَمْرة، عن أبي حازم، قال: ولا أعلمه إلا عن أبي سلمة، عن

(1)

"جامع الترمذي"(541).

(2)

"العلل الكبير" للترمذي (439).

(3)

(1239، 1240).

ص: 563

أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مراء في القرآن كفر، وأنزل القرآن على سبعة أحرف، فما عرفتم فاعملوا به، وما جهلتم فردوه إلى عالمه".

ولا نعلم أسند أبو حازم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، إلا هذا الحديث، ولا رواه غير أبي ضمرة)

(1)

.

وذكر البخاري ما رواه ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة المجلس.

فقال البخاري: (هذا حديث مليح، ولا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا حديثا غير هذا، إلا أنه معلول؛ حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا سهيل، عن عون بن عبد الله قوله.

قال البخاري: هذا أولى، ولا نذكر لموسى بن عقبة مسندا عن سهيل)

(2)

.

وقال في "التاريخ"

(3)

: (ولم يذكر موسى بن عقبة سماعا من سهيل، وحديث وهيب أولى).

* * *

القسم الثاني: غريب المتن.

وهو على أنواع:

النوع الأول: أن تكون الغرابة في لفظة من الحديث دون باقيه.

وهذا كثير، مثل: لفظة "إنك لا تخلف الميعاد" التي تفرد بها محمد

(1)

"مسند البزار"(8579).

(2)

"المدخل إلى السنن" للبيهقي (578).

(3)

"التاريخ الكبير"(4/ 105) و"الأوسط"(3/ 379).

ص: 564

ابن عَوْف الحمصي

(1)

عن باقي الحفاظ والرواة الذين رووا هذا الخبر عن علي بن عياش.

وقال أبو داود: (حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم، قالا: حدثنا شعبة، عن الأَشْعث بن سُلَيم، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله، في طهوره وترجله، ونعله.

قال مسلم: وسواكه، ولم يذكر في شأنه كله، قال أبو داود: رواه عن شعبة، معاذ، ولم يذكر سواكه)

(2)

.

وقال الترمذي: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا وكيع، عن شريك، عن عبد الله بن عيسى، عن ابن جَبر، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يجزئ في الوضوء رطلان من ماء".

قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث شريك على هذا اللفظ.

وروى شعبة، عن عبد الله بن عبد الله بن جبر، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمَكُّوك، ويغتسل بخمسة مَكَاكِيّ.

وروي عن سفيان، عن عبد الله بن عيسى، عن عبد الله بن جبر، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع، وهذا أصح من حديث شريك)

(3)

.

وقال النسائي: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا سفيان، عن عاصم، عن

(1)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1933).

(2)

"سنن أبي داود"(4140).

(3)

"جامع الترمذي"(615).

ص: 565

حفصة بنت سيرين، عن الرَّباب، عن عمها سلمان بن عامر، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإنه بركة، فإن لم يجد تمرا فالماء فإنه طهور".

قال أبو عبد الرحمن: هذا الحرف "فإنه بركة"، لا نعلم أن أحدا ذكره غير ابن عيينة، ولا أحسبه بمحفوظ)

(1)

.

وقال الطبراني: (حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، قال: نا أبو بلال الأشعري، قال: نا قيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا نكاح إلا بولي، وشهود".

لم يقل في حديث أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى:"وشهود" إلا أبو بلال الأشعري، عن قيس)

(2)

.

وأخرج الحاكم من طريق مسلم بن إبراهيم، ثنا شعبة، عن عاصم الأَحْول، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ، فإنه أنشط لِلْعَوْد".

وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، إنما أخرجاه إلى قوله "فليتوضأ" فقط، ولم يذكرا فيه "فإنه أنشط للعود"، وهذه لفظة تفرد بها شعبة، عن عاصم، والتفرد من مثله مقبول عندهما)

(3)

.

قلت: ما قاله الحاكم فيه نظر، والصواب أن مسلم بن إبراهيم هو الذي تفرد بها عن شعبة، فلم يأت بها عنه سواه، فقد رواه الطيالسي عن

(1)

"السنن الكبرى"(3504، 6879).

(2)

"المعجم الأوسط"(5565).

(3)

"المستدرك"(542).

ص: 566

شعبة فلم يذكر هذه الزيادة

(1)

، ولذا قال أبو حاتم بن حبان:(تفرد بهذه اللفظة الأخيرة مسلم بن إبراهيم)

(2)

.

النوع الثاني: أن تكون الغرابة في جميع المتن أو أكثره.

قال أبو عيسى: (حدثنا محمود بن غَيْلان، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جُريج، عن سليمان بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر".

قال أبو عيسى: وسليمان بن موسى قد تفرد به على هذا اللفظ)

(3)

.

قلت: والذي يظهر أن عبد الرزاق هو الذي تفرد به، كذلك رواه في "مصنفه"

(4)

.

وذلك أن حجاج بن محمد فصل قول ابن عمر من قول النبي صلى الله عليه وسلم، فرواه عن ابن جريج، قال: حدثني سليمان بن موسى، قال: حدثني نافع، أن ابن عمر، رضي الله عنه كان يقول: من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترا؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، إذا كان الفجر فقد ذهبت صلاة الليل والوتر؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أوتروا قبل الفجر"

(5)

.

(1)

"مسند الطيالسي"(2329).

(2)

"صحيح ابن حبان"(1211)، وكذلك قال ابن حجر كما في "إتحاف المهرة"(5/ 359).

(3)

"جامع الترمذي"(473).

(4)

(4749).

(5)

أخرجه ابن الجارود في "المنتقى"(279)، وأبو عوانة (2323)، والحاكم (1126) وصحّحه.

وأخرّجه مسلم (751) من غير ذكر سليمان بن موسى، ويظهر أنه محفوظ عن ابن جريج من الوجهين، والله أعلم.

ص: 567

وقد رواه بهذا التفصيل أيضًا الإمام أحمد من طريق عبد الرزاق وابن بكر، عن ابن جريج به

(1)

، وهذا هو الصواب.

قال الحافظ ابن رجب: (وهذه الرواية أشبه من رواية الترمذي؛ فإن فيها أن ذهاب كل صلاة الليل بطلوع الفجر إنما هو منقول ابن عمر، واستدل له بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوتر قبل الفجر.

ورواية ابن جريج التي صرح فيها بسماعه من نافع - كما خرّجه مسلم - ليس فيها شيء مما تفرد به سليمان بن موسى، وسليمان مختلف في توثيقه)

(2)

.

النوع الثالث: أن يكون المعنى الذي جاء في هذا المتن غريبا، بحيث لم يطرق في الشريعة.

مثل ما خرجه الطبراني في "الكبير" قال: (حدثنا أحمد بن سهل بن أيوب الأهوازي، ثنا عبد الملك بن مروان الحَذَّاء، أنا الضحاك بن زيد الأهوازي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عبد الله بن مسعود قال: قالوا: يا رسول الله، إنك تَهِم، قال: "ما لي لا أَهِم ورَفْغ أحدكم بين ظُفْره وأنامله؟ ")

(3)

.

(1)

"مسند أحمد"(6372)، وأخرجه ابن خزيمة (1091) من طريق ابن بكر، وعبد الرزاق، وحجاج، كذلك، ويظهر أن عبد الرزاق مرّة رواه بالصواب ومرّة بالخطأ، والله أعلم.

(2)

"فتح الباري"(9/ 150 - 151).

(3)

"المعجم الكبير"(10401)، وأخرجه البزار (1893) وقال:(وهذا الحديث لا نعلم أحدا أسنده عن عبد الله إلا الضحاك، وغير الضحاك يرويه عن إسماعيل، عن قيس، عن النبي صلى الله عليه وسلم).

ص: 568

ورواه ابن عيينة، عن إسماعيل، عن قيس مرسلا، قال العقيلي:(وهذا أولى)

(1)

.

* * *

القسم الثالث: أن تكون الغرابة في الإسناد والمتن جميعا.

ومن أمثلته:

قال ابن أبي حاتم في "تفسيره"

(2)

: (حدثنا أبو زرعة، ثنا مِنْجَاب بن الحارت التميمي، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي رَوْق، عن عطية العَوْفي، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103] قال: "لو أن الجن والإنس والشاطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا، صفوا صفا واحدا، ما أحاطوا بالله أبدا").

وقد خرجه العقيلي في ترجمة بِشْر بن عُمارة، وقال:(ولا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به)

(3)

.

فعُلمت غرابته من حيث الإسناد، وأما المتن فقال ابن كثير:(غريب، لا يعرف إلا من هذا الوجه، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة)

(4)

.

قلت: قول ابن كثير: (غريب) يشير - والله أعلم - إلى غرابة متنه، وقوله:(لا يعرف إلا من هذا الوجه) يشير إلى غرابة الإسناد.

قال أبو عيسى الترمذي: (حدثنا علي بن نصر بن علي، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: قلت لأيوب: هل علمت أحدا قال في "أمرك بيدك" إنها ثلاث؟ فقال: لا، إلا الحسن. ثم

(1)

"الضعفاء"(3/ 270 - 271).

(2)

(7736).

(3)

"الضعفاء"(1/ 508 - 509).

(4)

"تفسير ابن كثير"(3/ 311).

ص: 569

قال: اللهم غفرا، إلا ما حدثني قتادة، عن كثير مولى بني سَمُرة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاث".

قال أيوب: فلقيت كثيرا مولى ابن سَمُرة، فسألته: فلم يعرفه، فرجعت إلى قتادة فأخبرته، فقال: نسي.

هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث سليمان بن حرب عن حماد بن زيد، وسألت محمدا عن هذا الحديث فقال: حدثنا سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد بهذا، وإنما هو عن أبي هريرة موقوف، ولم يعرف حديث أبي هريرة مرفوعا.

وكان علي بن نصر حافظا، صاحب حديث)

(1)

.

قلت: هذا بيان لغرابة إسناده، وأما متنه فهو غريب أيضا من حيث كونه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما المعروف الخلاف فيه بين الصحابة ومن بعدهم.

قال أبو عيسى: (حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: حدثني مُظَاهِر بن أسلم، قال: حدثني القاسم، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان".

قال محمد بن يحيى: وحدثنا أبو عاصم قال: حدثنا مُظَاهِر بهذا.

وفي الباب عن عبد الله بن عمر.

حديث عائشة حديث غريب، لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث مُظَاهِر بن أسلم، ومُظَاهِر لا نعرف له في العلم غير هذا الحديث)

(2)

.

(1)

"جامع الترمذي"(1219).

(2)

(1225، 1226).

ص: 570

قال الدارقطني: (نا أبو بكر النيسابوري، نا محمد بن إسحاق، قال: سمعت أبا عاصم يقول: ليس بالبصرة حديث أنكر من حديث مُظَاهِر هذا.

قال أبو بكر النيسابوري: والصحيح عن القاسم خلاف هذا

، وكذلك رواه ابن وهب، عن أسامة بن زيد، عن أبيه، عن القاسم وسالم، قالا: ليس هذا في كتاب الله، ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكن عمل به المسلمون)

(1)

.

وقال أبو عيسى: (حدثنا أبو كُريب، قال: حدثنا مُزاحم بن ذَوَّاد بن عُلْبة، عن أبيه، عن ليث، عن أبي الخطاب، عن أبي زرعة، عن أبي إدريس، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المخْتَلِعَاتُ هُنَّ المنافقات".

هذا حديث غريب من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي)

(2)

.

قلت: وفيه وجه آخر من الغرابة، وهو رواية أبي زرعة بن جرير عن أبي إدريس؛ فإنه لا يعرف بالرواية عنه إلا في هذا الحديث، وأما قول المِزِّي:(الأشبه أنه أبو زرعة السَّيْباني الشامي)

(3)

، فهذا بعيد، فقد نص ابن أبي حاتم

(4)

وغيره أنه ابن عمرو بن جرير.

ولكن قال أبو عيسى في "العلل"

(5)

: (سألت محمدا عن هذا الحديث، فلم يعرفه، فقلت له: أبو الخطاب من هو؟ قال: لعله الهجري، وأبو زرعة لعله يحيى بن أبي عمرو السيباني. وقال: كنيته أبو زرعة). فالله تعالى أعلم.

(1)

"سنن الدارقطني"(4004، 4006).

(2)

(1231).

(3)

"تهذيب الكمال"(33/ 285).

(4)

"الجرح والتعديل"(9/ 365)، و"تهذيب الكمال"(33/ 285).

(5)

"العلل الكبير"(304).

ص: 571

وقال النسائي: (أخبرنا عمرو بن هشام، قال: حدثنا مَخْلد، عن سعيد بن عبد العزيز، قال: حدثنا يزيد بن أبي مالك، قال: حدثنا أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل، خَطْوُهَا عند منتهى طرفها، فركبت ومعي جبريل عليه السلام، فسرت، فقال: انزل فصلِّ. ففعلت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة وإليها المهاجر، ثم قال: انزل فصلِّ. فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطور سَيْنَاءَ حيث كلم الله عز وجل موسى عليه السلام. ثم قال: انزل فصلِّ. فنزلت فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام. ثم دخلت بيت المقدس، فجمع لي الأنبياء عليهم السلام، فقدمني جبريل حتى أَمَمْتُهُمْ، ثم صعد بي إلى السماء الدنيا فإذا فيها آدم عليه السلام، ثم صعد بي إلى السماء الثانية فإذا فيها ابنا الخالة عيسى ويحيى عليهما السلام، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فإذا فيها يوسف عليه السلام، ثم صعد بي إلى السماء الرابعة فإذا فيها هارون عليه السلام، ثم صعد بي إلى السماء الخامسة فإذا فيها إدريس عليه السلام، ثم صعد بي إلى السماء السادسة فإذا فيها موسى عليه السلام، ثم صعد بي إلى السماء السابعة فإذا فيها إبرهيم عليه السلام، ثم صعد بي فوق سبع سماوات، فأتينا سدرة المنتهى، فغشيتني ضبابة، فخررت ساجدا، فقيل لي: إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فقم بها أنت وأمتك. فرجعت إلى إبراهيم فلم يسألني عن شيء، ثم أتيت على موسى فقال: كم فُرض عليك وعلى أمتك؟ قلت: خمسين صلاة. قال: فإنك لا تستطيع أن تقوم بها أنت ولا أمتك، فارجع إلى ربك فسله التخفيف. فرجعت إلى ربي فخفف عني عشرا، ثم أتيت موسى فأمرني بالرجوع، فرجعت فخفف عني عشرا، ثم ردت إلى خمس صلوات. قال: فارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف؛ فإنه فرض على بني إسرائيل صلاتين، فما قاموا بهما. فرجعت إلى ربي عز وجل، فسألته التخفيف، فقال: إني يوم خلقت

ص: 572

السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة فخمس بخمسين، فقم بها أنت وأمتك. فعرفت أنها من الله تبارك وتعالى صِرَّى، فرجعت إلى موسى عليه السلام فقال: ارجع. فعرفت أنها من الله صِرَّى - يقول: أي حتم - فلم أرجع")

(1)

.

قال ابن كثير: (حديث غريب، منكر جدًّا، وإسناده مقارب، وفي الأحاديث الصحيحة ما يدل على نكارته)

(2)

.

قلت: أما من حيث الإسناد فإنه لم يأت إلا من هذا الوجه فيما أعلم، وقد جاء ما يفيد أن يزيد بن أبي مالك لم يسمعه من أنس، فقد جاء عنه قوله: حدثني بعض أصحاب أنس عن أنس. قال أبو مسهر: هذا هو الصواب والأول مدلس

(3)

.

أقول: وممن عُني بنقد المتون من المتأخرين: ابن تيمية، وتجد هذا ظاهرًا في كتابه "منهاج السنة"، وكذلك الذهبي في كثير من كتبه كـ "الميزان" و"تلخيص المستدرك"، وابن كثير خاصة في "تفسيره".

وهذه الغرائب من حيث متونها وموافقتها للشريعة وعدمها هي على ثلاثة أنواع:

الأول: أن تكون موافقة للشريعة، وخاصة ما كان منها غريب السند فقط، وبالأخص الغرابة النسبية؛ كحديث أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المومن يأكل في مِعَي معًى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء". وقد تقدم.

(1)

"المجتبى"(456).

(2)

"الفصول في السيرة"(ص: 269).

(3)

"جامع التحصيل" للعلائي (899)، وينظر:"علل ابن أبي حاتم"(1769)، "تاريخ أبي زرعة الدمشقي"(797).

ص: 573

الثاني: أن يكون المتن مخالفًا للكتاب أو السنة.

قال الإمام مسلم: (حدثني سُريج بن يونس وهارون بن عبد الله، قالا: حدثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: "خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة، في آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل")

(1)

.

وقد أعلّه علي بن المديني والبخاري

(2)

.

قال أبو العباس ابن تيمية: (مثل ما روي أن الله خلق التربة يوم السبت وجعل خلق المخلوقات في الأيام السبعة، فإن هذا الحديث قد بيّن أئمةُ الحديث كيحيى بن معين وعبد الرحمن بن مهدي والبخاري وغيرهم أنه غلط، وأنه ليس في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل صرح البخاري في "تاريخه الكبير" أنه من كلام كعب الأحبار، كما قد بسط في موضعه، والقرآن يدل على غلط هذا، ويبين أن الخلق في ستة أيام، وثبت في "الصحيح" أن آخر الخلق كان يوم الجمعة؛ فيكون أول الخلق يوم الأحد)

(3)

.

وينظر كلام المعلمي في الجواب عما أُعل به هذا الحديث في كتابه في الرد على أبي رَيّة

(4)

.

(1)

"صحيح مسلم"(2789).

(2)

ينظر: "التاريخ الكبير" للبخاري (1/ 414)، "الأسماء والصفات" للبيهقي (813)، "الجواب الصحيح"(2/ 443) و"الفتاوى"(1/ 256) لابن تيمية.

(3)

"الجواب الصحيح"(2/ 443 - 444).

(4)

"الأنوار الكاشفة"(ص: 261).

ص: 574

وقال الحاكم: (حدثني علي بن حُمشاذ العدل، ثنا أبو المثنى معاذ بن معاذ العَنْبَري، ثنا أبي، ثنا شعبة، عن فراس، عن الشعبي، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم: رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه، ورجل آتى سفيها ماله وقد قال الله عز وجل: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] ".

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه؛ لتوقيف أصحاب شعبة هذا الحديث على أبي موسى، وإنما أجمعوا على سند حديث شعبة بهذا الإسناد:"ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين"، وقد اتفقا جميعا على إخراجه)

(1)

.

قلت: ووجه غرابته أن هذا مخالف لما عُلم من الشرع، أن الصبر على البلايا - ومن ذلك الصبر على الزوجة إن كانت سيئة الخلق - أنه محمود ويثاب عليه العبد، فكيف يكون هنا مذموما؟، ولذا كان الصواب في هذا الحديث الوقف، وأنه لم يثبت مرفوعا.

الثالث: ألا يأتي في الشريعة ما يوافقه، كما أنه لا يأتي ما يخالفه.

وينظر أمثلته في الغريب الذي لم تطرقه الشريعة.

* * *

(1)

"المستدرك"(3181)، وقال الذهبي في "المهذب في اختصار سنن البيهقي" (15856):(مع نكارته إسناده نظيف).

ص: 575

‌الفصل الثالث عشر التعليق على كلام أبي عيسى في "العلل الصغير" حول الغريب

قال أبو عيسى: (وما ذكرنا في هذا الكتاب: "حديث غريب"، فإن أهل الحديث يستغربون الحديث لمعانٍ: ربَّ حديث يكون غريبًا، لا يروى إلا من وجه واحد)

(1)

.

قلت: وهذا ما يسمى بـ "الغريب المطلق"، وقد ذكر أبو عيسى مثالين، وذهب أبو الفرج بن رجب إلى أن هذين المثالين لقسمين، فقال: (ذكر الترمذي رحمه الله أن الغريب عند أهل الحديث يطلق بمعان:

أحدهما: أن يكون الحديث لا يروى إلا من وجه واحد، ثم مثلّه بمثالين، وهما في الحقيقة نوعان:

أحدهما: أن يكون ذلك الإسناد لا يروى به إلا ذلك الحديث أيضًا، وهذا مثل حديث حماد بن سلمة، عن أبي العُشَراء الدارمي، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذكاة.

فهذا حديث غريب، لا يعرف إلا من حديث حماد بن سلمة، عن أبي العشراء، ثم اشتهر عن حماد، ورواه عنه خلق، فهو في أصل إسناده غريب، ثم صار مشهورًا عن حماد.

قال الترمذي: ولا يعرف لأبي العُشَراء عن أبيه غير هذا الحديث).

(1)

"العلل الصغير"(ص: 66).

ص: 577

ثم قال: (النوع الثاني: أن يكون الإسناد مشهورًا، يروى به أحاديث كثيرة، لكن هذا المتن لم تصح روايته إلا بهذا الإسناد، ومثّله الترمذي بحديث عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن بيع الولاء وهبته

)

(1)

.

قلت: الفرق بين الأول والثاني، أن النوع الأول إسناد غريب غير معروف؛ وذلك أن طريق أبي العُشَراء الدارمي عن أبيه غريبة وغير معروفة، فأبو العُشَراء وأبوه كلاهما مجهول، ولم يُرو فيه سوى المتن الذي تقدم ذكره

(2)

.

أما النوع الثاني، فإن طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر مشهورة كما هو معلوم، جاءت بها عشرات الأحاديث، وخرّج الشيخان كثيرًا منها

(3)

، فتبيّن الفرق بينهما.

النوع الثالث: ثم ذكر أبو عيسى نوعًا آخر من الغريب، فقال: (وربَّ حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث، وإنما تصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه؛ مثل ما روى مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان، على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى، من المسلمين، صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير.

قال: وزاد مالك في هذا الحديث: من المسلمين.

وروى أيوب السختياني وعبيد الله بن عمر وغير واحد من الأئمة هذا الحديث، عن نافع، عن ابن عمر، ولم يذكروا فيه: من المسلمين.

(1)

"شرح علل الترمذي"(1/ 413 - 414، 415).

(2)

فيما صح، "ميزان الاعتدال"(5/ 267).

(3)

ينظر: "تحفة الأشراف" للمزي (5/ 445).

ص: 578

وقد روى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك، ممن لا يعتمد على حفظه.

وقد أخذ غير واحد من الأئمة بحديث مالك واحتجوا به؛ منهم الشافعي وأحمد بن حنبل)

(1)

.

قال ابن رجب معلِّقا: (وهذا أيضًا نوع من الغريب، وهو أن يكون الحديث في نفسه مشهورًا، لكن يزيد بعض الرواة في متنه زيادة تستغرب)

(2)

.

قلت: فالغرابة هنا إنما هي في لفظة من الحديث، وقد تقدم أن الغرابة في المتن ثلاثة أقسام

(3)

، هذا أحدها.

النوع الرابع: قال أبو عيسى: (وربَّ حديث يروى من أوجه كثيرة، وإنما يستغرب لحال الإسناد).

ثم ذكر مثالين:

أولهما: حديث أبي كُرَيب، عن أبي أسامة، عن بُريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده أبي بُردة، عن أبي موسى رفعه:"الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معَى واحد".

والثاني: حديث شَبَابة، عن شعبة، عن بُكير بن عطاء، عن عبد الرحمن بن يَعْمَر، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدُّبَّاء والمُزَفَّتِ)

(4)

.

قال ابن رجب: (هذا نوع آخر من الغريب، وهو أن يكون الحديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق معروفة، ويروى عن بعض الصحابة من وجه

(1)

"العلل الصغير"(ص: 68 - 69).

(2)

"شرح علل الترمذي"(1/ 419).

(3)

(ص: 564).

(4)

"العلل الصغير"(ص: 69 - 70).

ص: 579

يستغرب عنه، بحيث لا يعرف حديثه إلا من ذلك الوجه)

(1)

.

قلت: هذا غريب من حيث الإسناد فقط كما قال أبو عيسى، وإنما يستغرب لحال الإسناد، وأما المتن فهو مشهور، فقد جاء من طرق أخرى، وهذا ما يسمى أيضًا بـ "الغريب النسبي" عند بعض أهل العلم.

ثم ذكر أبو عيسى مثالًا آخر للغريب يختلف قليلًا عما سبق، رواه من طريق حمزة بن سَفِينة، عن السائب، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل من تبع جنازة وصلَّى عليها، ثم تبعها حتى تدفن

(2)

.

قال ابن رجب: (هذا نوع آخر من الغريب، وهو أن يكون الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم معروفًا من رواية صحابي عنه من طريق أو طرق، ثم يروى عن ذلك الصحابي من وجه آخر يستغرب من ذلك الوجه خاصة عنه

).

ثم قال: (وهذا الحديث مروي من وجوه متعددة عن عائشة، أنها صدّقت أبا هريرة بما حدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم: من هذا الحديث، وأما من حديث السائب بن يزيد عنها فلا يعرف إلا من هذا الوجه)

(3)

.

قلت: وهذا نوع آخر من الغرابة التي تقع في الإسناد؛ ولذلك قال أبو عيسى بعد أن ذكر هذا الحديث: (وهذا حديث قد روي من غير وجه عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يستغرب هذا الحديث لحال إسناده، لرواية السائب عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم)

(4)

.

ويسمى مثل هذا النوع عند بعض أهل العلم بـ "الغريب النسبي" أيضًا.

(1)

"شرح علل الترمذي"(1/ 440).

(2)

"العلل الصغير"(ص: 72).

(3)

"شرح علل الترمذي"(1/ 445 - 446).

(4)

"العلل الصغير"(ص: 72).

ص: 580

والفرق بين هذا النوع والذي قبله، هو أن الذي قبله لا يروى عن الصحابي الذي رواه إلا من وجه واحد، بخلاف هذا النوع فإن الحديث يروى من أوجه متعددة عن الصحابي، ولكن جاء من وجه آخر يستغرب بالنسبة للطرق الأخرى.

ثم ختم أبو عيسى الكتاب بمثالٍ آخر للغريب، رواه من طريق المغيرة بن أبي قُرَّة السَّدوسي، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رجل: يا رسول الله، أَعْقِلُهَا وأتوكل، أو أُطْلِقُهَا وأتوكل؟ قال:"اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ".

قال عمرو بن علي: قال يحيى بن سعيد: هذا عندي حديث منكر.

قال أبو عيسى: (هذا حديث غريب من هذا الوجه، لا نعرفه من حديث أنس بن مالك إلا من هذا الوجه، وقد روي عن عمرو بن أميه الضَّمْري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا)

(1)

.

قلت: هذا النوع من الغريب تقدم الكلام فيه، وهو غريب الإسناد، وهو الخبر الذي يُروى من أوجه، ولكن يُستغرب من أحدها؛ فيكون غير مشهور من هذه الطريق، ولكن هذا يزيد على ما تقدّم: شدة غرابته، ولذا حكم عليه بالنكارة، والله أعلم.

ويلاحظ أن أبا عيسى أسهب في الكلام عن الغريب، وفي ذِكر أقسامه، كما فعل في كتابه "الجامع"، فقد أكثر جدًّا من الحكم على الأحاديث فيما يتعلق بالغرابة وبيان نوعها؛ وهل هي مطلقة أو من وجه خاص؟ أو غير ذلك من أنواع الغريب، وإذا كان الحديث ليس غريبًا بيّن أنه مشهور، وأنه مروي من غير وجه، وهذه هي طريقة كبار الحفاظ، وذلك أن غرابة الحديث أو شهرته لها تأثير على درجته من حيث القوة والضعف.

(1)

"العلل الصغير"(ص: 72 - 73).

ص: 581

وإذا حكم على حديثٍ بالغرابة فقط، دون أن يقرن الغرابة بالصحة أو الحسن، فإن هذا الحديث يكون غالبًا شديدَ الضعف كما تقدم بيانه.

* * *

ص: 582

‌الفصل الرابع عشر الفرق بين الغريب والخبر الذي ظهرت علته

تقدم الكلام على الحديث الغريب وعلاقته بصحة الخبر وضعفه، وفي هذا الفصل أريد أن أبين حقيقة "الغريب" عند الأئمة، وأنه ليس علة في حقيقته، وإنما هو قرينة على العلة، ولكن هذا ليس بلازم؛ ومن هنا لا يُردّ الغريب مطلقا ولا يقبل مطلقا، فمتن الحديث إذا كان في أمر مهم من أمور الشريعة، وكان الإسناد غريبًا مخرجه، خاصة إذا كان أحد رواته ليس بذاك في الحفظ والإتقان وسعة الرواية = غلب على الظن أن ثمة خطأ وقع فيه هذا الناقل؛ كأن يكون وصل مرسلًا، أو وقف مرفوعًا، أو دخل عليه إسناد في إسناد، وربما نقف على حقيقة الخطأ وربما لا نقف، فإن بانت لنا علّته فذاك، وإن لم نتبيّنها فالحديث يكون غريبًا قد يتوجَّب التوقفُ في قبوله، وهذه أمثلة على ذلك:

- قال ابن أبي حاتم: (وسألت أبي عن خالد أبي الهيثم المدائني.

فقال أبي: جاءني سعيد البَرْذَعي فقال: حدثنا أبو مسعود بن الفرات، عن خالد، عن بكر بن مُضَر، عن راشد بن أبي سَكْنَة، عن معاوية، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي

".

قال أبي: فأنكرتُ ذلك، وأنكره أبو زرعة، وجعلوا يقولون: هو غريب.

فقلتُ: لم يَرو خالد عن بكر بن مُضَر شيئا.

فقيل لأبي زرعة: مَن خالد هذا؟

ص: 583

قال: لا أدري من هو! وأعلم أن الحديث منكر.

فقلت أنا: هو خالد المدانني.

فقيل لأبي زرعة، فقال: صدق، يشبه أن يكون من حديث خالد.

ولم يكن أبو مسعود بيّن لهم من خالد هذا، لكي يحسبون أنه غريب)

(1)

.

قلت: فظهرت علّته، وذلك أن خالد المدائني متروك، قال البخاري: تركه عليّ والناس.

وقال ابن راهويه: كان كذّابا.

وقال الأزدي: أجمعوا على تركه.

قال يحيى بن حسان: جاء المدائني فلزق أحاديث الليث؛ إذا كان عن الزهري عن ابن عمر أدخل سالما، وإذا كان عن الزهري عن عائشة أدخل عروة، فقلت له: اتّق الله، قال: ويجئ أحدٌ يعرف هذا؟

وقال مجاهد بن موسى: أتيت خالدا المدائني فقال: أيّ شيء تريد؟ قلت: حديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب، فأعطانيه، فجعلت أكتب على الولاء، وكنا أربعة، فقالوا لي: انتخب، فأبيت، فكتبته ثم أعطيته، فجعل يقرأ ويسند لي، فأقول: ليس ذا في الكتاب! فقال: اكتب كما أقول لك، فقلت: جزاك الله خيرا، وظننت أنه تركها عمدا حتى تبيّنت بعد ذلك

(2)

.

وخالد المدائني كان من أهل الصرفة بالحديث، وكان مكثرًا، ولكنه لم يكن بأمين ولا صادق، فلذا كان يسوّي الأسانيد ويدخل فيها ما ليس منها، وهذا لا يتفطّن له إلا الجهابذة النّقاد، فمثلا: يكون الحديث معروفا

(1)

"العلل"(964).

(2)

"ميزان الاعتدال"(1/ 588).

ص: 584

عن الزهري عن ابن عمر، فيدخِل بينهما سالم بن عمر؛ فيصبح الحديث عندئذ غريبا؛ لأنه قد اشتهر بغير ذكر سالم، وكذا يكون مشتهرًا عن الزهري عن عائشة، فيدخِل بينهما عروة؛ فيكون بذلك غريبا، فما فائدة ذلك عند خالد؟

الجواب: كي يُظنّ أن عنده من الحديث ما ليس عند غيره، وأنه تفرد عن أقرانه، فيقصده الرواة وطلاب الحديث، وذلك أنهم يريدون من رحلتهم وسماعهم على الشيوخ فوائد لا توجد عند عامتهم.

قال أحمد بن حنبل: (إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون: هذا حديث غريب، أو فائدة، فاعلم أنه خطأ، أو دخل حديث في حديث، أو خطأ من المحدث، أو حديث ليس له إسناد، وإن كان قد روى شعبة وسفيان. فإذا سمعتهم يقولون: هذا لا شيء، فاعلم أنه حديث صحيح)

(1)

.

لذا كان لا ينتخب على الشيوخ إلا الحفاظ؛ حتى ينتخبوا لهم ما كان بهذه الصفة من الأخبار؛ لأن هؤلاء الرواة قد سمعوا وأكثروا من الرواية، فبعد ذلك إذا أتوا إلى الشيوخ فإنهم يريدون أشياء يستفيدونها لا توجد عند الآخرين.

- قال ابن أبي حاتم: (وسألت أبي عن حديث رواه مروان الطَّاطَرِي، عن أبي إسحاق الفَزَارِي، عن موسى بن أبي عائشة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه توضأ وخلل لحيته، وقال:"بهذا أمرني ربي عز وجل ".

فقال أبي: هذا غير محفوظ، وحدثنا أحمد بن يونس، عن الحسن بن صالح، عن موسى بن أبي عائشة، عن رجل، عن يزيد الرقاشي، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

تقدم.

ص: 585

قال أبي: هذا الصحيح، وكنا نظن أن ذاك غريب، ثم تبيّن لنا علته: ترك من الإسناد نفْسين، وجعل موسى عن أنس)

(1)

.

- وقال: (وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه زهير بن عباد، عن حفص بن ميسرة، عن ابن عَجْلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام، كأنما ناصيته بيد شيطان".

قال أبي: هذا خطأ، كنا نظن أنه غريب، ثم تبين لنا علته.

قلت: وما علته؟

قال: حدثنا العباس بن يزيد العبدي وإياك، عن ابن عيينة، عن ابن عَجْلان، قال: حدثنا محمد بن عمرو، عن مليح بن عبد الله، عن أبي هريرة، موقوف.

قال ابن عيينة: فقدِم علينا محمد بن عمرو، فأتيته فسألته، فحدثني عن مَلِيح بن عبد الله، عن أبي هريرة، موقوف.

وقال أبو زرعة: هذا خطأ، إنما هو عن ابن عَجْلان، عن محمد بن عمرو، عن مِليح، عن أبي هريرة، موقوف.

قال أبي: فلو كان عند ابن عَجْلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، لم يحدث عن محمد بن عمرو، عن مَلِيح، عن أبي هريرة)

(2)

.

- وقال: (وسألت أبي عن حديث رواه محمد بن سليمان الأَصْبهاني، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يصلي في اليوم والليلة اثني عشر ركعة؟

فقال أبي: هذا خطأ، رواه سهيل، عن أبي إسحاق، عن المسيب بن

(1)

"العلل"(84).

(2)

"العلل"(223).

ص: 586

رافع، عن عمرو بن أوس، عن عَنْبْسة، عن أم حبيبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال أبي: كنت معجبا بهذا الحديث، وكنت أرى أنه غريب، حتى رأيت سهيل، عن أبي إسحاق، عن المسيب، عن عمرو بن أوس، عن عَنْبَسة، عن أم حبيبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعلمت أن ذاك لزم الطريق)

(1)

.

قلت: أي لزم الجادّة، فبانت علته.

- وقال: (وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه محمد بن عيسى بن الطَّبَّاع، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين وعكرمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة

" الحديث.

قال أبو زرعة: رواه سليمان بن حرب وغير واحد من الثقات، عن حماد بن زيد - لم يذكروا ابن سيرين - عن أبي هريرة، وهو الصحيح، وأحسب الوهم من ابن الطَّبَّاع.

قال أبي: رواه وهيب وابن علية وابن عيينة، فقالوا: عن أيوب، عن عكرمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يذكرون ابن سيرين.

قال أبي: إن كان حديث ابن الطَّبَّاع محفوظا فهو غريب)

(2)

.

قلت: مقصود أبي حاتم، أن هذا الحديث إن كان ابن الطَّبَّاع قد سمعه من حماد بن زيد فهو غريب؛ لأن الحديث قد اشتهر من غير ذكر ابن سيرين في الإسناد، فهنا علّته لم تظهر، وبالتالي قد يُرد بالغرابة دون بيان علته، وأما إذا كان ابن الطَّبَّاع لم يحفظه وإنما دخل عليه حديث في حديث مثلًا، فتكون عندئذ علته قد ظهرت، فلم يبق للتعليل بالغرابة وجه.

(1)

"العلل"(288).

(2)

"العلل"(1401).

ص: 587

- قال الطبراني: (حدثنا إسحاق بن جميل الأصبهاني، قال: نا محمد بن عمرو بن العباس الباهلي، قال: نا عبد الملك بن عمرو أبو عامر، عن عبد الله بن بديل الخُزَاعي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تَقَاطعوا، ولا تَدَابروا، ولا تَبَاغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام".

هكذا رواه عبد الله بن بُدَيل بن وَرْقاء، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس.

ورواه أصحاب الزهري، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي أيوب. وعن الزهري، عن أنس بن مالك، فإن كان عبد الله بن بديل حفظه، فهو حديث غريب، ولا يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه)

(1)

.

قلت: الصواب رواية الجماعة عن الزهري، خاصة أن عبد الله بن بُدَيل ليس من مشاهير أصحابه.

ووجه الشاهد هو قول الطبراني: (فإن كان عبد الله بن بديل حفظه فهو حديث غريب).

- وقال الطبراني: (حدثنا علي بن الحسين الصُّوفي البغدادي، قال: نا يوسف بن واضح، قال: نا قدامة بن شهاب، عن بُرْدِ بن سِنان، عن عَبدةَ بن أبي لُبابةَ، عن زِرِّ بن حُبَيْش، عن الضَّبِّيِّ بن مَعبَد، أنه أَهلَّ بحج وعمرة، فذكر ذلك لعمر، فقال: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.

لم يَرو هذا الحديث عن بُرْدِ بن سِنَان، إلا قدامة بن شهاب.

وخالف بُرْد بن سِنَان سفيان بن عيينة؛ لأن سفيان بن عيينة، رواه عن

(1)

"المعجم الأوسط"(3030).

ص: 588

عبد الله بن أبي عامر، عن أبي وائل، عن الضَّبِّيّ، فإن كان بردّ حفظه فهو غريب عن زِرّ)

(1)

.

قلت: يقال في هذا الحديث ما قيل في الذي قبله، وما يأتي من الأمثلة كذلك.

- وقال: (حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خَيْثمة، قال: نا الفضل بن سهل الأعرج، قال: نا أبو الجَوَّاب، قال: نا شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي جَميلَةَ، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم".

لم يرو هذا الحديث عن عطاء بن السائب إلا شريك، تفرد به أبو الجَوَّاب، فإن كان أبو الجَوَّاب حفظه، فهو حديث غريب من حديث عطاء بن السائب؛ لأن الناس رووه عن شريك، عن عبد الأعلى الثعلبي، وعن ابن أبي جَمِيلَةَ، عن علي رضي الله عنه)

(2)

.

- وقال: (حدثنا محمد بن يحيى، ثنا القاسم بن دينار، نا حسين بن علي الجعفي، ثنا سفيان بن عيينة، ثنا ابن جُدْعَان، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رجلا كان يسب أبا بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر ساكت، فلما سكت الرجل رد أبو بكر كلمة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم واتّبعه أبو بكر، فقال: يا رسول الله، يسبني وأنت قاعد، فلما رددت - أو انتصرت، أو نحو هذا - قمتَ. قال: "إنه كان ملك يرد عليه، ويقول: كذبت، فلما تكلمت وقع الشيطان، فكرهت أن أجلس.

ثلاث يا أبا بكر كلّهن حق: ليس عبد يظلم بمظلمة فيغضي ابتغاء وجه الله، إلا أعز الله بها نصرة، وليس عبد يفتح باب عطية يبتغي وجه الله أو

(1)

"المعجم الأوسط"(3781).

(2)

"المعجم الأوسط"(5376).

ص: 589

صلة، إلا زاده الله بها كثرة، وليس عبد يفتح باب مسألة يبتغي بها كثرة، إلا زاده الله بها قلة".

لم يَرو هذا الحديث عن علي بن زيد إلا سفيان بن عيينة، ولا رواه عن سفيان إلا حسين الجعفي، تفرد به القاسم بن دينار.

ورواه الناس عن سفيان بن عيينة، عن ابن عَجْلان، عن سعيد المَقْبُري، عن أبي هريرة. فإن كان حسين الجعفي حفظه، فهو غريب من حديث علي بن زيد عن ابن المسيب)

(1)

.

- وقال: (حدثنا محمد بن أبان، ثنا علي بن حسان العَطَّار، ثنا يحيى بن سعيد القطان، ثنا قُرَّة بن خالد، عن إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لَقِيط بن صَبِرة، عن أبيه وافد بني المُنْتَفِق، أنه أتى عائشة هو وصاحب له يطلبان النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجداه

لم يَرو هذا الحديث عن قُرَّة بن خالد إلا يحيى بن سعيد، تفرد به علي بن حسان، فإن كان علي بن حسان حفظه، فهو غريب من حديث قُرَّة بن خالد؛ لأن غير علي بن حسان رواه عن يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن إسماعيل بن كثير)

(2)

.

- وقال: (حدثنا أحمد بن محمد الجُمَحيّ المِصِّيصِيّ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحُنَيْنِي، حدثنا عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى".

غريب، لم يَرو هذه اللفظة "والنهار" عن العمري إلا الحُنَيْنِي)

(3)

.

- وقال: (حدثنا عثمان بن أحمد بن عثمان الدَّبَّاغ المصمري بمصر،

(1)

"المعجم الأوسط"(7239).

(2)

"المعجم الأوسط"(7446).

(3)

"المعجم الصغير"(47).

ص: 590

حدثنا محمد بن عمرو بن نافع الطَّحَّان المُعَدَّل، حدثنا عبد الغفار بن داود أبو صالح الحراني، حدثنا سفيان بن عيينة، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي، فكان يرد علينا قبل أن نخرج إلى أرض الحبشة، فلما رجعنا من أرض الحبشة أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسلّمت عليه، فلم يرد عليّ السلام، فأخذني ما قرب وما بعد، فقلت: ما لي!؟ أحدثَ فيَّ حدثٌ أو نزل فيَّ شيء؟ فقال: "لا يا ابن مسعود، إن الله يحدث في أمره ما يشاء، وإنه قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة".

هكذا روى الحديث عبد الغفار عن سفيان، فإن كان حفظه فهو غريب من حديث منصور.

ورواه الحميدي وغيره من أصحاب سفيان، عن سفيان بن عيينة، عن عاصم، عن زِرِّ بن حُبَيْش، عن عبد الله، وهو المحفوظ)

(1)

.

- وقال: (حدثنا أحمد بن علي الجارُودي الأَصبهاني، ثنا محمد بن عيسى الزَّجَّاج، ثنا الحسين بن حفص، ثنا حماد بن شعيب، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن خباب، قال: كان لي على العاص بن وائل دين، وكنت رجلا قينا، فأتيته أتقاضاه فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث، قال: وإني لمبعوث بعد الموت؟ قال: نعم. قال: فإنه سيكون لي مال وولد. قال: فأنزل الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} [مريم: 77] إلى {فَرْدًا} [مريم: 80].

قال أبو القاسم: هكذا رواه حماد بن شعيب، عن الأعمش، عن أبي وائل.

(1)

"المعجم الصغير"(527).

ص: 591

ورواه الناس كما ذكرناه أولا عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن خباب، فإن كان حماد بن شعيب ضبطه عن الأعمش فهو غريب من حديث أبي وائل)

(1)

.

* * *

(1)

"المعجم الكبير"(3665).

ص: 592

‌الفصل الخامس عشر ذكر بعض الرواة الدين تُكلّم فيهم بسبب روايتهم للغرائب وتفردهم ببعض الأحاديث عن أقرانهم

قال البخاري: (مسلم بن مريم، مولى لبني سليم، مدني، سمع علي بن عبد الرحمن، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث، روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، ومسلم هذا غريب الحديث، ليس له كبير حديث)

(1)

.

وقال: (روى ربيعة بن سيف المَعَافِري الإسكندراني أحاديث لا يتابع عليه، نسبه هشام بن سعد، روى عنه مُفَضَّل بْن فَضالة، وسعيد بن أبي أيوب)

(2)

.

وقال: (روى رَوْح بن غُطَيف بن أبي سفيان الثقفي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رفعه: "تُعاد الصلاة من قدر الدرهم"، وهذا لا يتابع عليه)

(3)

.

وقال: (وروى هلال عن أنس: حرم النبي صلى الله عليه وسلم البُسْر والتمر، ولا يدخر شيء لغد. ولا يتابع عليه)

(4)

.

وقال: (صالح بن محمد بن زائدة أبو واقد الليثي، تركه سليمان بن حرب، منكر الحديث.

(1)

"التاريخ الكبير"(7/ 273).

(2)

"التاريخ الأوسط"(3/ 218).

(3)

"التاريخ الأوسط"(3/ 219).

(4)

"التاريخ الأوسط"(3/ 425).

ص: 593

روى عن سالم، عن أبيه، عن عمر رفعه:"من غَلَّ فأحرقوا متاعه"، لا يتابع عليه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الغالّ: "صلوا على صاحبكم"، لم يحرق متاعه)

(1)

.

وقال: (حدثنا محمد، قال: حدثني عمرو بن محمد، قال: حدثنا عمار بن محمد أبو يَقْظان، وكان أوثق من سيف ابن أخت سفيان الثوري.

وأما عمار بن سيف الضَّبِّي، فيروى عنه، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي عثمان في قُطْرَبُّل وصَرَاة، لا يتابع عليه، منكر ذاهب)

(2)

.

وقال: (كنية عباس بن الفَضْل أبو الفَضْل الأنصاري، نزل الموصل، عن القاسم بن عبد الرحمن.

قال أحمد: حديثه عن يونس وخالد وداود وشعبة صحيح، وأنكرت من حديثه عن سعيد، عن قتادة، عن عكرمة أو جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال لي كعب:"يلي من ولدك رجل"، هو كذب. وكان من أصحاب شعبة.

يروي عن عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله بن مغفل: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، لا يتابع عليه، سمع منه الحسن بن بِشْر)

(3)

.

وقال: (محمد بن سلام الخزاعي، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي البهيمة، والرجل يصبح في غضب الله، قاله دُحَيم عن ابن أبي الفُدَيك، قال: حدثني محمد، لا يتابع عليه)

(4)

.

(1)

"التاريخ الأوسط"(3/ 508).

(2)

"التاريخ الأوسط"(4/ 785).

(3)

"التاريخ الأوسط"(4/ 837)، وينظر:"العلل" لأحمد رواية عبد الله (2412).

(4)

"التاريخ الكبير"(313).

ص: 594

وقال: (محمد بن معاوية أبو علي النَّيْسابُوري، سكن بغداد، ثم سكن مكة فمات بها، سمع الليث، ومحمد بن سلمة، روى أحاديث لا يتابع عليها)

(1)

.

وقال: (محمد بن يوسف بن عبد الله بن سَلَام بن الحارث الخَزْرَجي الأَنْصاري، نسبه الزبيدي.

وقال لي الحِزامِي: حدثنا محمد بن صَدَقة، سمع عثمان بن الضَّحَّاك بن عثمان، أخبرني محمد بن يوسف بن عبد الله بن سَلَام، عن أبيه، عن جده: ليُدفننَّ عيسى بن مريم مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيته. قال محمد: هذا لا يصح عندي، ولا يتابع عليه)

(2)

.

قلت: سيأتي بيان مذهب البخاري في الغرابة والتفرد، وأنه وسط بين طرفين، ومما يدل على اهتمامه بالغرابة والتفرد وأنها كثيرا ما تكون علّةً أمورٌ:

الأول: إكثاره من استعمال (منكر الحديث)، وذلك في كتابه "الضعفاء الصغير"، وهي أكثر عبارة أطلقها على الرواة في الحكم عليهم

(3)

، سواء كانت منه أو نقلها عن غيره، وهذه العبارة من أشد العبارات عنده، وإن كان عنده ما هو أشد منها، والدليل على ذلك قوله: (منكر الحديث، لا

(1)

"التاريخ الكبير"(779)

(2)

"التاريخ الكبير"(839).

(3)

وذلك نحو الربع من عدد الرواة، وهذا غير قوله: منكر الحديث جدا، عنده مناكير، حديثه مناكير، في حديثه مناكير، في حديثه بعض المناكير، فيه بعض المناكير، تعرف وتنكر، روى أحاديث مناكير، فإذا أضفنا هذه العبارات فقد تصل النسبة إلى ثلث الكتاب أو أكثر.

وأحيانا يستعمل (فيه نظر) بمعنى التوقف، كما في "العلل الكبير" للترمذي عن البخاري (ص: 390): (وحكيم بن جبير لنا فيه نظر. ولم يعزم فيه على شيء).

ص: 595

يكتب حديثه)، (ما كان من حديثه مرفوع فهو منكر، وهو ضعيف جدا)، (تركوه، منكر الحديث)

(1)

.

وجاء بأنه استعملها فيما دون ذلك، ولكن ذلك لم يثبت؛ كقوله:(يحيى بن صالح الشامي ثقة، وفي حديثه بعض المناكير)

(2)

. وقوله: (سهيل بن مهران أخو حزم القطعي البصري، عن ثابت، ليس بالقوي عندهم، روى عنه ابن عيينة، وهو سهيل بن أبي حزم، روى عنه هدبة بن خالد، منكر الحديث)

(3)

.

الثاني: إكثاره عند الحكم على الراوي من قوله: (لا يتابع عليه)

(4)

.

الثالث: إكثاره من قوله: (فيه نظر)، أو (بعض النظر). وهذه اللفظة يستعملها فيما يستنكره من الحكم على الرواة أو الأحاديث.

* * *

(1)

ينظر: "الضعفاء الصغير"(230، 178، 71).

(2)

ينظر: (148)، على اختلاف النسخ في إثبات كلمة (ثقة).

(3)

ينظر: (158)، والراجح دون قوله:(منكر الحديث) كما جاء ذلك عند العقيلي في "الضعفاء"(3/ 94).

(4)

وهذا كثير أيضا، كما في "التاريخ الكبير".

ص: 596

‌الفصل السادس عشر: عسر الحكم بالغرابة

الناظر في منهج الأئمة في كتابة الحديث وتدوين السنة، لا يشك في حرصهم الشديد على تتبع الحديث ولقاء المحدثين، حتى جمعوا مئات الألوف من الأسانيد، سواء كانت مرفوعة أو موقوفة على الصحابة أو مقطوعة على من دونهم، فتجد الحديث الواحد يرويه الفئام من الناس، خاصة كلما تأخرت طبقة من رواة، فتجد أن بعض الأئمة يقولون عند الحكم على خبر ما: هذا الحديث لا يرويه إلا فلان، ولم يروه عنه إلا فلان. أو: هو من هذا الوجه غريب. أو: لم يروه إلا أهل البصرة، أو الشام، أو مصر.

ولا شك أن الحكم بهذا من الصعوبة بمكان، مع ملاحظة ما تقدم، وبهذا يعسر الحكم على الحديث بالغرابة والتفرد.

كما قال أبو داود: (سمعت أحمد سئل عن حديث سفيان بن عيينة، عن أيوب، عن نافع، أن ابن عمر كان لا يصلي إلى أميال ميّلها مروان، من أيوب؟

قال أحمد: السختياني.

قيل له: إن سعيدا - يعني: ابن منصور - رواه عن أيوب بن موسى.

فأنكر ذلك أحمد أن يكون عن أيوب بن موسى، وقال: ما زلنا نسمع أنه غريب من حديث أيوب السختياني، لم يروه إلا سفيان. يعني ابن عيينة.

ص: 597

قال أبو داود: رواه معمر، عن أيوب السختياني)

(1)

.

قلت: الشاهد من هذا استدراك أبي داود على شيخه الإمام أحمد، مع سعة روايته وكثرة محفوظه.

والأمثلة على هذا كثيرة أكتفي منها بواحد:

قال الطبراني في "المعجم الأوسط"

(2)

: (حدثنا محمد بن عبد الله بن رُسته، ثنا أبو كامل الجحدري، ثنا أبو عوانة، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان في البدن مثل الطعام".

لم يَرو هذا الحديث عن هشام بن عروة إلا أبو عوانة، تفرد به أبو كامل).

قلت: أخرجه ابن حبان

(3)

من طريق أبي كامل به.

ولم ينفرد به أبو كامل كما قال الطبراني، فقد رواه الترمذي عن قتيبة، حدثنا أبو عوانة به. وقال:(حسن صحيح)

(4)

.

ولذا قال ابن حجر: (من مظان الأحاديث الأفراد "مسند أبي بكر البزار"، فإنه أكثر فيه من إيراد ذلك وبيانه، وتبعه أبو القاسم الطبراني في "المعجم الأوسط"، ثم الدارقطني في "كتاب الأفراد"، وهو ينبئ على اطّلاع بالغ، ويقع عليهم التعقب فيه كثيرا، بحسب اتساع الباع وضيقه أو الاستحضار وعدمه.

وأعجب من ذلك، أن يكون المتابع عند ذلك الحافظ نفسه، فقد تتبع العلامة مغلطاي على الطبراني ذلك في جزء مفرد.

(1)

"مسائل الإمام أحمد"(2022).

(2)

(7517).

(3)

(4224).

(4)

"جامع الترمذي"(1193).

ص: 598

وإنما يحسن الجزم بالإيراد عليهم حيث لا يختلف السياق، أو حيث يكون المتابع ممن يعتبر به؛ لاحتمال أن يريدوا شيئا من ذلك بإطلاقهم، والذي يرِد على الطبراني ثم الدارقطني من ذلك أقوى مما يرِد على البزار؛ لأن البزار حيث يحكم بالتفرد إنما ينفي علمه، فيقول:(لا نعلمه يروى عن فلان إلا من حديث فلان)، وأما غيره فيعبِّر بقوله:(لم يروه عن فلان إلا فلان)، وهو وإن كان يلحق بعبارة البزار على تأويل، فالظاهر من الإطلاق خلافه، والله أعلم)

(1)

.

قال عبد الله بن أحمد: (قلت لأبي: ابن الحِمَّاني حدث عنك، عن إسحاق الأَزْرق، عن شريك، عن بيان، عن قيس، عن المغيرة بن شعبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أبردوا بالصلاة"؟

فقال: كذب، ما حدثته به.

فقلت: إنهم حكوا عنه أنه قال: سمعته منه في المذاكرة على باب إسماعيل بن عُلَيَّة.

فقال: كذب، إنما سمعته بعد ذلك من إسحاق الأَزْرق، وأنا لم أعلم تلك الأيام أن هذا الحديث غريب، حتى سألوني عنه بعد ذلك هؤلاء الشباب - أو قال: هؤلاء الأحداث -)

(2)

.

قلت: فالإمام أحمد لم يكن يعلم بغرابته، حتى كثر السؤال عنه، فعلم أنه غريب.

فكما ترى هؤلاء الأئمة الذين جمعوا من الحديث ما لم يجمعه من أتى بعدهم، قد تخفى عليهم غرابة بعض الأحاديث.

(1)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 708).

(2)

"العلل"(4077).

ص: 599

لذا، لا يُجزم بغرابة الحديث إلا بتنصيص الأئمة، فإذا نصَّ أحدٌ من الأئمة على ذلك ولم يُستدرك، أو تتابعوا عليه؛ فالأمر ظاهر.

فأما إذا اختلفوا فالأمر أصعب، فعندئذ يحتاج الناظر إلى التأني أكثر، فإن ترجّح له فذاك، وإلا فالتوقف خير.

وأما إذا لم نقف على تنصيص أحد من الأئمة، ولم نجد إلا هذا الإسناد، فهل نحكم بالغرابة؟

الأوْلى عدم الحكم؛ لكثرة الأسانيد، وغياب بعضها مما لم يصلنا؛ كـ "مسند علي بن المديني المعلل" ويعقوب بن شيبة، وغيرها، ولذا تجد الدارقطني في "العلل" يذكر طرقا ليست موجودة في الكتب التي بين أيدينا.

لكن إذا قامت القرائن على ذلك؛ كتتابع أصحاب الدواوين المشهورة على روايته على وجه معين، خاصة إذا كان هذا الوجه ضعيفًا، أو ليس في الدرجة العليا من الصحة، أو يُروى من طريق راوٍ معين عن إمام مشهور - كشعبة والثوري ومالك - ولم يذكروا طريقا سواه، أو يروونه بإسنادٍ رواتُه لم تشتهر رواية بعضهم عن البعض الآخر = فهذه قرائن تفيد أن هذا الخبر ليس له إلا هذه الطريق.

واعلم أن بعض المتأخرين قد يتعقّب بعض الأئمة في الغرابة، ولكن عند التأمل يتبين أن هذا المتعقِّب قد أخطأ، وذلك بأن تكون هذه المتابعة خطأ ولا أصل لها، ولذا لم يلتفت إليها الأئمة ولم يشيروا إليها، وهذا كثير.

قال الطبراني: (حدثنا أحمد، قال: نا علي بن حُجْر، قال: نا شَرِيك، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي".

ص: 600

لم يروه عن شريك إلا علي)

(1)

.

قال الخطيب: (أخبرني ابن يعقوب، قال: أخبرنا محمد بن نعيم، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يحيى الحِيري، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الغَسِيلي، قال: حدثنا لُوَين محمد بن سليمان المِصِّيصِي، قال: حدثنا شَرِيك، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي".

قال ابن نعيم سمعت محمد بن العباس الضَّبِّي، يذكر أن الغَسِيلي لما حدث بهَراة بهذا الحديث، شَنَّعوا عليه، وأنكروه، وقالوا: هذا حديث علي بن حُجْر)

(2)

.

قلت: الذي يظهر أن الغسيلي قد أخطأ في هذا الإسناد

نعم، قد يكون التعقب في محله، وذلك إذا تبين بالدليل الواضح أن هذه المتابعة صحيحة ولها أصل.

* * *

(1)

"المعجم الأوسط"(681).

(2)

"تاريخ بغداد"(6/ 538).

ص: 601

‌الفصل السابع عشر: الكتب التي عنيت بالغريب

وهي خمسة:

1 -

كتاب "الجامع" للترمذي، وهو أوسعها، وتقدم الكلام عنه.

2 -

"مسند البزار" المطبوع باسم "البحر الزخار"، وهو كتاب علل، وفيه كلام على الأحاديث وشرح لعللها، خاصة ربعه الأول، فإن التفصيل فيه أكثر.

3 -

معجما الطبراني "الأوسط" و"الصغير"، قال أحمد بن جعفر الفقيه:(سمعت أبا عبد الله بن حمدان وأبا الحسن المديني وغيرهما، يقولون: سمعنا الطبراني يقول: هذا الكتاب روحي. يعني "المعجم الأوسط")

(1)

.

وهذه الكتب الثلاثة - "جامع الترمذي" و"مسند أبي بكر البزار" و"المعجم الأوسط" و"الصغير" لأبي القاسم الطبراني - هي أهم الكتب التي بين أيدينا الآن في الحديث عن الغريب.

ويتميز كتاب أبي عيسى عنهما بحكمه على الحديث من حيث الصحة والحسن أو الضعف، مع بيانه للغرابة، نعم يذكر البزار درجة الحديث، ولكن أحيانا فقط، أمّا الطبراني فقلَّما يبين حكم الحديث.

كما أن البزار والطبراني يتميزان عن الترمذي بذكر مَن المتفرد بهذا

(1)

"سير أعلام النبلاء"(16/ 124).

ص: 603

الحديث، ومن الذي تفرد بالرواية عنه، وهذا ما يفعله الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" على كل حديث خرّجه، وهذا لم يأت إلا لكونه قصد تخريج هذا النوع من الحديث.

كما أن البزار يتميز بذكر شهرة الحديث، ومن رواه، والتفصيل في ذلك، ويذكر ما إذا كان أهل بلد معين تفردوا به، وهذا في ربعه الأول دون باقيه.

4 -

كتاب "الغرائب والأفراد" لأبي الحسن الدارقطني، وهو كتاب عظيم في بابه، نفيس في محتواه، وهو أقرب شبها بكتاب الطبراني، لم توجد منه سوى أجزاء يسيرة، ولكن وجد ترتيبه لأبي الفضل ابن طاهر.

قال ابن طاهر في مقدمة "أطراف الغرائب والأفراد": (فإن أصحابنا قديما وحديثا استدلوا على معرفة الصحيح بما صنعه أبو مسعود الدمشقي رحمه الله وغيره من أطراف "الصحيحين"، فاهتدوا بذلك إلى معرفته من غير مشقة وتعب، وأما الغريب والأفراد فلا يمكن الكلام عليها لكل أحد من الناس، إلا من برع في صنعة الحديث، فمن جمع بين هذين الكتابين أمكنه الكلام على أكثر الصحيح والغريب والأفراد)

(1)

.

5 -

كتاب "الحلية" لأبي نعيم؛ فإنه كثيرًا ما يذكر مع كل حديث شهرة الحديث أو غرابته، وكأنه سار في ذلك على طريقة شيخه الطبراني في تمييز الغريب من المشهور والاهتمام به، وقد يكون أيضًا استفاد من كلام البزار؛ وذلك لتشابه الكلام في بعض الأحيان.

ومنها كتاب "التفرد" لأبي داود، إلا أنه لم يصلنا

(2)

.

(1)

(1/ 17).

(2)

والظاهر - والله أعلم - أن ابن حجر وقف عليه، ينظر:"النكت"(2/ 708).

ص: 604

ومنها كتب الفوائد، والأجزاء الحديثية، وغرائب راو معين؛ كـ "غرائب مالك" لابن المظفّر وغيرها.

ويلحق بها كتب التراجم، ومن أخصها الكتب التي عنيت بالضعفاء؛ كـ "الضعفاء" للعقيلي و"الكامل" لابن عدي، فمصنّفاهما استفادا كثيرًا من كتاب "التاريخ الكبير" للبخاري، وخاصة العقيلي، فإنه قد يشرح أحيانًا كلام البخاري.

ومنها كذلك كتاب "المجروحين" لابن حبان، فربما ذكر بعض ما أنكر على الراوي، وبعض أفراده.

وكذلك فعل الذهبي في الرواة المشاهير في "تذكرته".

وهذا كَثُر عند المتأخرين - يعني من كان في طبقة الإمام أحمد ونحوها -، قال الإمام أحمد:(إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون: هذا حديث غريب، أو فائدة، فاعلم أنه خطأ)

(1)

.

قال أبو بكر الخطيب - ذامًّا ما حصل من بعض محدثي زمانه من الاهتمام بالأحاديث الغريبة والمنكرة دون المشهورة -: (وأكثر طالبي الحديث في هذا الزمان، يغلب على إرادتهم كَتْب الغريب دون المشهور، وسماع المنكر دون المعروف، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ من روايات المجروحين والضعفاء، حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنبًا، والثابت مصدوفًا عنه مُطَّرَحًا، وذلك كله لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم، ونقصان علمهم بالتمييز وزهدهم في تعلمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمةُ من المحدثين والأعلامُ من أسلافنا الماضين الماضون)

(2)

.

(1)

تقدم.

(2)

"الكفاية"(1/ 340).

ص: 605

قال أبو الفرج ابن رجب: (وهذا الذي ذكره الخطيب حق، ونجد كثيرا ممن ينتسب إلى الحديث، لا يعتني بالأصول الصحاح؛ كالكتب الستة ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل "مسند" البزار، و"معاجم" الطبراني، أو "أفراد" الدارقطني، وهي مجمع الغرائب والمناكير)

(1)

.

* * *

(1)

"شرح علل الترمذي"(1/ 409).

ص: 606

‌الفصل الثامن عشر: أحاديث رويت بأسانيد ظاهرها الصحة توقف أبو عيسى في تصحيحها لغرابتها، وذلك لأن الغرابة تُنزل من درجة الحديث

وهي على نوعين:

النوع الأول: ما توقف في تصحيحه وهو في "الصحيحين" أو أحدهما:

1 -

قال الترمذي: (حدثنا يحيى بن موسى، قال: حدثنا إبراهيم بن موسى، قال: حدثنا خالد، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحد، فعل ذلك ثلاثًا.

وفي الباب عن عبد الله بن عباس.

قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن زيد حديث حسن غريب، وقد روى مالك، وابن عيينة، وغير واحد هذا الحديث، عن عمرو بن يحيى ولم يذكروا هذا الحرف: أن النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحد، وإنما ذكره خالد بن عبد الله، وخالد ثقة حافظ عند أهل الحديث)

(1)

.

قلت: السبب في عدم تصحيحه، هو ما ذكره بعد ذلك من كون مالك وابن عيينة وغيرهما لم يذكروا هذا الحرف.

(1)

"جامع الترمذي"(27).

ص: 607

ورواية خالد بن عبد الله خرجها الشيخان

(1)

.

هذا وليعلم أن هذا الحرف جاء بخمسة ألفاظ:

الأول: ما تقدم من رواية خالد بن عبد الله الواسطي.

والثاني: رواية الجماعة ومنهم مالك

(2)

، بلفظ: مضمض واستنثر ثلاثًا، وليس فيها من كف واحدة.

والثالث: مضمض واستنثر بثلاث غَرفات، وهي رواية وهيب عند البخاري ومسلم

(3)

.

والرابع: تمضمض واستنثر ثلاث مرات من غَرفة واحدة، وهي رواية سليمان بن بلال، أخرجها البخاري ومسلم

(4)

، ولم يسق مسلم لفظها، وإنما رواها بعد رواية خالد وقال:(بنحوه).

والخامس: من لم يذكرها أصلا، وهي رواية عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، رواها البخاري

(5)

.

قلت: والتحقيق أن هذه الروايات ليس بينها اختلاف - إلا رواية سليمان بن بلال -، فالرسول صلى الله عليه وسلم مضمض واستنثر ثلاثًا، ولم يُذكر أنه لم يفصل بينهما، كما أنه أيضًا لم يُذكر من كف واحدة، فبين خالد بن عبد الله أن هذا بكف واحدة، ومعنى ذلك أنه لم يَفصل بينهما، وخالد ثقة حافظ؛

(1)

"صحيح البخاري"(191)، "صحيح مسلم"(235).

(2)

"موطأ مالك" رواية يحيى الليثي (32)، ومن طريقه البخاري (185)، ومسلم (235).

(3)

"صحيح البخاري"(186)، "صحيح مسلم"(235).

(4)

"صحيح البخاري"(199)، "صحيح مسلم"(235).

(5)

"صحيح البخاري"(197).

ص: 608

فتكون زيادته مقبولة، وتؤيدها رواية وهيب، فقال: بثلاث غَرفات. فإذا كان كذلك فمعناه أنه لم يفصل بين المضمضة والاستنشاق، لأنه لو فصل بينهما لكان ذلك بست غَرفات لا بثلاث، فتتفق مع رواية خالد بن عبد الله.

فلم يبق إلا رواية سليمان بن بلال، وهي التي تخالف باقي الروايات

(1)

، وذلك أن معنى روايته: أن المضمضة والاستنشاق ثلاثًا ثلاثًا، كل ذلك بغرفة واحدة

(2)

.

2 -

وقال الترمذي: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، قال: فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته.

وفي الباب عن أبي هريرة.

قال أبو عيسى: حديث ابن عباس قد روي عنه من غير وجه، رواه جابر بن زيد، وسعيد بن جبير، وعبد الله بن شقيق العقيلي، وقد روي عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا.

حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف البصري، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر".

(1)

أما رواية عبد العزيز بن أبي سلمة فلم تذكر المضمضة والاستنشاق أصلا كما تقدم.

(2)

ولا يخفى أن هذه الصورة يصعب تطبيقها، وهذا مما يدل على خطأ راويها، ولا أظن أن أحدا يقول بهذه الصفة، والذي يظهر أنه أراد أن يروي الخبر مثل رواية خالد ولكن لم يضبطه.

ص: 609

قال أبو عيسى: وحنش هذا هو أبو علي الرحبي، وهو حسين بن قيس، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أحمد وغيره.

والعمل على هذا عند أهل العلم: أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة.

ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد، وإسحاق.

وقال بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق.

ولم ير الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين)

(1)

.

قلت: هذا حديث صحيح، وقد رواه جمعٌ عن ابن عباس كما ذكر أبو عيسى، فرواية جابر بن زيد أخرجها الشيخان

(2)

، ورواية سعيد بن جابر وعبد الله بن شقيق أخرجهما مسلم

(3)

.

فهو خبر صحيح، بل ولا أعلم أن أحدا ضعفه، فلماذا لم يحكم عليه أبو عيسى بالصحة؟ بل لم يحكم عليه أصلا!

يبدو أن السبب في ذلك ما ذكره لاحقا، وهو أن العمل على خلافه، وهذا ما يتبين في قوله:(والعمل على هذا عند أهل العلم: أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة).

قلت: وحديث ابن عباس في الجمع بين الصلاتين من غير خوف ولا سفر، بحمد الله ليس فيه إشكال، فقد بين راويه - وهو الحبر ابن عباس -

(1)

"جامع الترمذي"(187، 188).

(2)

"صحيح البخاري"(543)، "صحيح مسلم"(705).

(3)

"صحيح مسلم"(705).

ص: 610

معنى الحديث، فقال - عندما سئل عن عنه -:(أراد ألا يحرج أمته)، فإذا كان هناك حرج في أداء كل صلاة في وقتها فلا بأس حينئذ من الجمع بين الصلاتين؛ كالمرض والمطر ونحوهما من الأعذار، ولذا عمل به جمع من أهل العلم

(1)

.

3 -

وقال الترمذي: (حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل مختصرا.

وفي الباب عن ابن عمر.

حديث أبي هريرة حديث حسن)

(2)

.

قلت: أخرجه البخاري ومسلم من طريق هشام بن حسان به

(3)

.

ولعل توقف الترمذي من أجل الاختلاف الذي وقع في رفعه ووقفه

(4)

، ولكن لا شك في رفعه؛ وذلك لأمور:

أ - أن ابن سيرين عرف بالوقف، وبأنه يتورع عن رفع الأحاديث.

ب - أنه جاء من أوجه أخرى مرفوعا.

ج - أنه لا يمكن أن يقول الراوي: (نهى أن يصلي الرجل مختصرا). إلا وعنده توقيف بذلك.

(1)

ينظر: "الفتاوى" لابن تيمية (22/ 83 - 90)، (24/ 5 - 84)، وكلام ابن رجب في تعقب الترمذي في "الفتح"(4/ 265 - 266).

(2)

"جامع الترمذي"(385).

(3)

"صحيح البخاري"(1220)، "صحيح مسلم"(545).

(4)

أخرجه البخاري (1219) من طريق أيوب عن ابن سيرين موقوفا، ثم قال:(وقال هشام، وأبو هلال: عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم).

ص: 611

4 -

وقال الترمذي: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا زكريا بن إسحاق، قال: حدثنا عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة - يعني يوحى إليه -، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين.

وفي الباب عن عائشة، وأنس بن مالك، ودغفل بن حنظلة، ولا يصح لدغفل سماع من النبي صلى الله عليه وسلم.

وحديث ابن عباس حديث حسن غريب من حديث عمرو بن دينار)

(1)

.

قلت: أخرجه البخاري ومسلم، كلاهما من طريق روح بن عبادة به

(2)

.

ورجاله كلهم من الثقات المشاهير، فلماذا لم يصححه الترمذي؟ هل من أجل غرابته من حديث عمرو بن دينار؟ أو لأنه قيل: إن عمرو لم يسمع هذا الخبر من ابن عباس؟

ويؤيده ما جاء في "مسند الإمام أحمد"

(3)

: (حدثنا روح، حدثنا زكريا، حدثنا عمرو بن دينار، عن عكرمة، أن ابن عباس كان يقول: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة).

فهذا الإسناد يفيد أن عمرو بن دينار أخذه من عكرمة، وعكرمة ثقة مشهور، فالخبر صحيح.

5 -

وقال الترمذي: (حدثنا عبد بن حميد، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن عبد الله بن عمرو بن علقمة المكي، عن ابن أبي حسين، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، أن جبريل، جاء بصورتها في خِرْقَةِ حَرِير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"هذه زوجتك في الدنيا والآخرة".

(1)

"جامع الترمذي"(4000).

(2)

"صحيح البخاري"(3903)، "صحيح مسلم"(2351).

(3)

(3503).

ص: 612

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عمرو بن علقمة.

وقد روى عبد الرحمن بن مهدي هذا الحديث، عن عبد الله بن عمرو بن علقمة بهذا الإسناد مرسلا، ولم يذكر فيه عن عائشة.

وقد روى أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا)

(1)

.

قلت: أخرجه البخاري ومسلم من طريق أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة

(2)

.

وسبب عدم تصحيحه له ما ذكره من أن ابن مهدي رواه فأرسله

(3)

.

6 -

وقال الترمذي: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في الجنة أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قَنَط من الجنة أحد".

هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة)

(4)

.

قلت: هذا حديث صحيح.

أخرجه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء به

(5)

.

(1)

"جامع الترمذي"(4232).

(2)

"صحيح البخاري"(5078)، "صحيح مسلم"(79)، ومن طرق أخرى عن هشام.

(3)

وينظر: "علل الدارقطني"(6072).

(4)

"جامع الترمذي"(3873).

(5)

"صحيح مسلم"(2752، 2755).

ص: 613

وأخرجه البخاري عن قتيبة بن سعيد، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن عمرو بن أبي عمرو، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة بنحوه

(1)

.

ولقد توقَّف المصنف في تصحيحه لأنه لا يعرفه إلا من حديث العلاء، وهو احتياطٌ بالغٌ منه، رغم أن السلسلة مشهورة جدا يصحح المصنف وغيره أحاديثها.

7 -

وقال الترمذي: (حدثنا هنّاد وقتيبة، قالا: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته، فقال:"التمس لي ثلاثة أحجار"، قال: فأتيته بحُجْرين ورَوْثَة، فأخذ الحُجْرين، وألقى الروثة، وقال:"إنها رِكْسٌ".

قال أبو عيسى: وهكذا روى قيس بن الربيع هذا الحديث، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله نحو حديث إسرائيل.

وروى معمر، وعمار بن رُزَيق، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله.

وروى زهير، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله.

وروى زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله.

وهذا حديث فيه اضطراب)

(2)

.

قلت: حكم عليه بالاضطراب وهو في "صحيح البخاري"

(3)

، وقد تكلمت عليه في موضعه من "الجامع".

(1)

"صحيح البخاري"(6469).

(2)

"جامع الترمذي"(16).

(3)

"صحيح البخاري"(156)، من طريق زهير، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله به.

ص: 614

8 -

وقال الترمذي: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: حدثنا عيسى بن يونس، قال: حدثنا حسين المعلم، عن عبد الله بن بريدة، عن عمران بن حصين، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل وهو قاعد، فقال:"من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد".

وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وأنس، والسائب.

قال أبو عيسى: حديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح.

وقد روي هذا الحديث عن إبراهيم بن طهمان بهذا الإسناد، إلا أنه يقول عن عمران بن حصين قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة المريض، فقال:"صل قائما، فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب".

قال أبو عيسى: حدثنا بذلك هنّاد، قال: حدثنا وكيع، عن إبراهيم بن طهمان، عن حسين المعلم، بهذا الحديث.

لا نعلم أحدا روى عن حسين المعلم نحو رواية إبراهيم بن طهمان.

وقد روى أبو أسامة، وغير واحد، عن حسين المعلم نحو رواية عيسى بن يونس)

(1)

.

قلت: أخرجه البخاري

(2)

، ووجه تصحيح البخاري له أنه اعتبره حديثين.

وأما أبو عيسى فذهب إلى أنه حديث واحد؛ لأن الإسناد واحد، فلما وقع اختلاف في اللفظ ذهب إلى الترجيح، فرجح رواية الأكثر.

(1)

"جامع الترمذي"(372، 373)، وفي هامش التحقيق إشارة إلى أن في نسخة:"تستطع".

(2)

"صحيح البخاري"(1115 - 1117) من طريق حسين المعلم به.

ص: 615

9 -

وقال الترمذي: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة بن رافع الزُّرَقِي، عن عم أبيه معاذ بن رفاعة، عن أبيه، قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست، فقلت: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، مباركا عليه، كما يحب ربنا ويرضى، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف، فقال:"من المتكلم في الصلاة؟ "، فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثانية:"من المتكلم في الصلاة؟ "، فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثالثة:"من المتكلم في الصلاة؟ "، فقال رفاعة بن رافع بن عفراء: أنا يا رسول الله، قال:"كيف قلت؟ "، قال: قلت: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه، كما يحب ربنا ويرضى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده، لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا، أيهم يصعد بها".

وفي الباب عن أنس، ووائل بن حُجْر، وعامر بن ربيعة.

قال أبو عيسى: حديث رفاعة حديث حسن.

وكأن هذا الحديث عند بعض أهل العلم أنه في التطوع؛ لأن غير واحد من التابعين قالوا: إذا عطس الرجل في الصلاة المكتوبة إنما يحمد الله في نفسه، ولم يوسعوا بأكثر من ذلك)

(1)

.

قلت: أخرجه البخاري

(2)

، وكأن المصنف توقف في تصحيحه؛ لأنه لا يرى للشخص العاطس في الصلاة أن يزيد عن الحمد، وفي هذا الحديث زيادة على الحمد، ولذا حمله على التطوع.

10 -

وقال الترمذي: (حدثنا محمد بن مرزوق البصري، قال: حدثنا

(1)

"جامع الترمذي"(406).

(2)

"صحيح البخاري"(799) من طريق علي بن يحيى بن خلاد الزرقي، عن أبيه، عن رفاعة بن رافع الزرقي به.

ص: 616

محمد بن عبد الله الأنصاري، قال حدثني أبي، عن ثمامة، عن أنس، قال: كان قيس بن سعد من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرط من الأمير. قال الأنصاري: يعني مما يلي من أموره.

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الأنصاري.

حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، نحوه، ولم يذكر فيه قول الأنصاري)

(1)

.

قلت: أخرجه البخاري

(2)

.

وقد أخرج المصنف بهذه السلسلة حديث: كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر. وقال:(حديث أنس حديث حسن صحيح غريب)

(3)

.

وقال في موضع آخر: (محمد بن عبد الله الأنصاري ثقة، وأبو ثقة)

(4)

.

ولعل عدم تصحيح المصنف له أنه استغربه، فقال:(لا نعرفه إلا من حديث الأنصاري).

وذكر العقيلي عبد الله بن المثنى الأنصاري - والد محمد - في "الضعفاء"

(5)

، وقال:(لا يتابع على أكثر حديثه)، وأخرج هذا الحديث في ترجمته.

11 -

وقال الترمذي: (حدثنا يحيى بن دُرُسْتَ، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان الناس يَتَحَرَّوْن

(1)

"جامع الترمذي"(4204، 4205)، وكذلك في "التحفة"(501).

(2)

"صحيح البخاري"(7155) من طريق محمد بن خالد الذهلي، عن الأنصاري به.

(3)

"جامع الترمذي"(1854)، وفي "التحفة" (502):(حسن صحيح) حسب.

(4)

"جامع الترمذي"(2886).

(5)

(3/ 463).

ص: 617

بهداياهم يوم عائشة، قالت: فاجتمع صَوَاحِبَاتي إلى أم سلمة فقلن: يا أم سلمة إن الناس يَتَحَرَّوْن بهداياهم يوم عائشة، وإنّا نريد الخير كما تريد عائشة، فقُولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الناس يهدون إليه أينما كان، فذكرتْ ذلك أم سلمة، فأعرض عنها، ثم عاد إليها فأعادت الكلام، فقالت: يا رسول الله، إن صوَاحِبَاتي قد ذكرن أن الناس يَتَحَرَّوْن بهداياهم يوم عائشة، فَأْمُرِ الناس يهدون أينما كنت. فلما كانت الثالثة قالت ذلك. قال:"يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه ما أُنزل عليَّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها".

وقد روى بعضهم هذا الحديث عن حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.

هذا حديث حسن غريب.

وقد روي عن هشام بن عروة هذا الحديث، عن عوف بن الحارث، عن رُمَيْثَةَ، عن أم سلمة، شيءٌ من هذا.

وهذا حديث قد روي عن هشام بن عروة فيه روايات مختلفة.

وقد روى سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، نحو حديث حماد بن زيد)

(1)

.

قلت: أخرجه البخاري من طريق سليمان بن حرب وعبد الله بن عبد الوهاب الحَجَبي، عن حماد بن زيد به، الأول مختصر والثاني مطول

(2)

.

وعدم تصحيحه له لما ذكره من الإختلاف الذي وقع فيه، وكونه جاء

(1)

"جامع الترمذي"(4231).

(2)

"صحيح البخاري"(2580، 3775).

ص: 618

مرسلًا أيضًا، وهذا من احتياطه، وإلا فإن الحديث صحيح، خاصّةً وقد تابعه سليمان بن بلال كما ذكره الترمذي، وقد أخرجه البخاري

(1)

.

وأما كونه جاء عن حماد مرسلا، فقد رواه جمعٌ عنه موصولا

(2)

.

وأما أوّل الحديث (كان الناس يتحرون بهداياهم

) فهذا وإن كان من كلام عروة، ولكن جزما أنه أخذه من عائشة بدليل:(قالت: فاجتمعت صواحباتي)، فهذا مبني على الذي تقدم.

وأما الإختلاف الذي وقع على هشام فإنه لا يضر

(3)

.

12 -

وقال: (حدثنا محمد بن سهل بن عَسْكَر البغدادي وإبراهيم بن يعقوب، قالا: حدثنا علي بن عيّاش، قال: حدثنا شعيب بن أبي حمزة، قال: حدثنا محمد بن المُنْكَدِر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، إلا حلّت له الشفاعة يوم القيامة".

قال أبو عيسى: حديث جابر حديث حسن، غريب من حديث محمد بن المُنْكَدِر، لا نعلم أحدا رواه غير شعيب بن أبي حمزة)

(4)

.

قلت: هذا الحديث تفرّد به شعيب، وعنه علي بن عيّاش، ورجاله كلهم من الثقات المشهورين، ولذا خرّجه البخاري في "صحيحه"

(5)

عن علي بن عيّاش به.

(1)

(2581).

(2)

"سنن النسائي"(3949)، "الآحاد والمثاني"(3011)، "المعجم الكبير"(23/ 40).

(3)

ينظر: "علل الدارقطني"(3820).

(4)

"جامع الترمذي"(211).

(5)

(614، 4719).

ص: 619

وفي رواية شعيب عن ابن المُنْكَدِر بعض الكلام، شرحناه في موضع آخر

(1)

، ولأجل غرابته توقف أبو عيسى في تصحيحه

(2)

.

13 -

وقال الترمذي: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تستنجوا بالروث، ولا بالعظام، فإنه زادُ إخوانكم من الجن".

وفي الباب عن أبي هريرة، وسلمان، وجابر، وابن عمر.

قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم وغيره، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله، أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، الحديث بطوله، وقال الشعبي: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تستنجوا بالروث، ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن".

وكأن رواية إسماعيل أصحّ من رواية حفص بن غياث.

والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم.

وفي الباب عن جابر، وابن عمر)

(3)

.

وأخرج رواية إسماعيل بن إبراهيم في موضع آخر، وقال:(حسن صحيح)

(4)

.

قلت: هذا الحديث قد خرجه مسلم في "صحيحه"

(5)

، وذكر

(1)

ينظر: مقدمة "منهج المتقدمين في التدليس"(ص: 31 - 32).

(2)

ينظر: "الأفراد" للدارقطني (20)، "شرح علل الترمذي" لابن رجب (2/ 758 - 760).

(3)

"جامع الترمذي"(17).

(4)

"جامع الترمذي"(3561).

(5)

"صحيح مسلم"(450).

ص: 620

الإختلاف الذي وقع فيه، وكأنه يعلّ أيضًا هذه الزيادة

(1)

، وهذه الزيادة صحيحةٌ جاءت من حديث أبي هريرة في البخاري

(2)

، بل وجاءت من حديث عبد الله بن مسعود من وجه آخر من غير طريق الشعبي

(3)

، لكن المقصود هنا طريق الشعبي.

14 -

وقال الترمذي: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا عبيدة بن حميد، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد، عن القاسم بن محمد، قال: قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ناوليني الخمرة من المسجد"، قالت: قلت: إني حائض، قال:"إن حيضتك ليست في يدك".

وفي الباب عن ابن عمر، وأبي هريرة.

قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن)

(4)

.

قلت: حسّنه، وقد أخرجه مسلم من حديث أبي معاوية، عن الأعمش به، وأخرجه من طرق أخرى عن ثابت بن عبيد به

(5)

، وأخرجه من حديث يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة

(6)

.

وقع في بعض النسخ: (حسن صحيح)

(7)

، ولكن الذي في "التحفة"

(8)

وأكثر النسخ التي وقفتُ عليها: حسن فقط.

(1)

ينظر: "مسائل الإمام أحمد" رواية صالح (892)، "علل الدارقطني"(769).

(2)

"صحيح البخاري"(3860).

(3)

منها ما أخرجه أبو داود (39) من طريق يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن عبد الله بن الديلمي، عن ابن مسعود. وما أخرجه النسائي (39) من طريق ابن شهاب، عن أبي عثمان بن سنة الخزاعي، عن أبن مسعود رضي الله عنه. وما أخرجه أحمد (4381) من طريق أبي فزارة العبدي، عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث، عن ابن مسعود.

(4)

"جامع الترمذي"(135).

(5)

"صحيح مسلم"(298).

(6)

"صحيح مسلم"(299).

(7)

طبعة أحمد شاكر (134).

(8)

"تحفة الأشراف"(17446)، وينظر طبعة الرسالة (1/ 166).

ص: 621

15 -

وقال الترمذي: (حدثنا يحيى بن موسى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل، قال: أخبرني سماك بن حرب، سمع جابر بن سمرة، يقول: كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمهل فلا يقيم، حتى إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج أقام الصلاة حين يراه.

قال أبو عيسى: حديث جابر بن سمرة حديث حسن، وحديث سماك لا نعرفه إلا من هذا الوجه)

(1)

.

قلت: قد أخرجه مسلم من حديث زهير عن سماك به بنحوه

(2)

.

وكأنه لم يصححه من أجل غرابته.

16 -

وقال الترمذي: (حدثنا يحيى بن موسى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع طاووسا، يقول: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين، قال: هي السّنة، فقلنا: إنا لنراه جفاء بالرجل، قال: بل هي سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لا يرون بالإقعاء بأسا، وهو قول بعض أهل مكة من أهل الفقه والعلم، وأكثر أهل العلم يكرهون الإقعاء بين السجدتين)

(3)

.

قلت: هذا الحديث قد أخرجه مسلم

(4)

.

وكأنه لم يصححه لأن أكثر أهل العلم - كما نقل - يكرهون الإقعاء بين السجدتين.

(1)

"جامع الترمذي"(202).

(2)

"صحيح مسلم"(606).

(3)

"جامع الترمذي"(284).

(4)

(536) من طريق محمد بن بكر وعبد الرزاق، عن ابن جريج به.

ص: 622

17 -

وقال الترمذي: (حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حصير.

وفي الباب عن أنس، والمغيرة بن شعبة.

قال أبو عيسى: وحديث أبي سعيد حديث حسن)

(1)

.

قلت: هذا الحديث قد أخرجه مسلم في "صحيحه" من طريق عيسى بن يونس به

(2)

، ومن طرق أخرى عن الأعمش

(3)

.

قلت: لعله حسّنه من أجل ما قيل: إن رواية أبي سفيان عن جابر إنما هي صحيفة

(4)

.

18 -

وقال الترمذي: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا زكريا بن إسحاق، قال: حدثنا عمرو بن دينار، قال: سمعت عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".

وفي الباب عن ابن بُحَينة، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن سَرْجِس، وابن عباس، وأنس.

قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن.

وهكذا روى أيوب، وورقاء بن عمر، وزياد بن سعد، وإسماعيل بن مسلم، ومحمد بن جُحَادة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

"جامع الترمذي"(333).

(2)

(519).

(3)

(519، 661) من طريق أبي معاوية وعلي بن مسهر عن الأعمش به.

(4)

تقدم (ص: 391).

ص: 623

وروى حماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار ولم يرفعاه.

والحديث المرفوع أصح عندنا)

(1)

.

قلت: هذا الحديث صحيح وقد أخرجه مسلم

(2)

، وإنما توقف المصنف فيه للاختلاف في رفعه ووقفه، مع أنه رجّح الرفع.

ولا شك أن رفعه صحيح، وهذا ما صرح به المصنف فقال:(والحديث المرفوع أصح عندنا)، ومع ذلك احتاط فحسّنه ولم يصحّحه.

قال أبو نعيم: (صحيح مشهور من حديث عمرو، رواه الجمّ الغفير عنه)

(3)

.

19 -

وقال الترمذي: (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مَرْحُوم بن عبد العزيز العَطَّار، قال: حدثنا أبو نَعَامَة، عن أبي عثمان النَّهْدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: خرج معاوية إلى المسجد فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله. قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذاك. قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل حديثا عنه مني، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حَلْقَة من أصحابه فقال:"ما يجلسكم؟ " قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده لما هدانا للإسلام ومَنَّ علينا به. فقال: "آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ " قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك. قال: "أما إني لم أستحلفكم لتهمة لكم، إنه أتاني جبريل وأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة".

(1)

"جامع الترمذي"(423).

(2)

"صحيح مسلم"(710) من طريق روح به، ومن طريق ورقاء وأيوب عن عمرو بن دينار به.

(3)

"الحلية"(8/ 138).

ص: 624

هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه)

(1)

.

قلت: إسناد صحيح، وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن مرحوم به

(2)

.

ولعل توقّف المصنف في تصحيحه من أجل غرابته، وهذا من احتياطه.

وأخرج المصنف بهذا الإسناد عن أبي عثمان، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم ليس بأصم ولا غائب

" الحديث بالقصة المعروفة، وقال:(حسن صحيح)

(3)

، وفي "التحفة"

(4)

: (حسن) فحسب.

وأخرجه البخاري ومسلم من طرق عن أبي عثمان النهدي به

(5)

.

20 -

وقال الترمذي: (حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي الكوفي، قال: حدثنا أسباط بن محمد، قال: حدثنا عمرو بن قيس المُلَائّي، عن الحكم بن عُتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كَعْب بن عُجْرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مُعَقِّبات لا يَخِيب قائلهن، يسبح الله في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، ويحمده ثلاثًا وثلاثين، ويكبره أربعًا وثلاثين".

هذا حديث حسن، وعمرو بن قيس المُلَائي ثقة حافظ.

وروى شعبة، هذا الحديث عن الحكم ولم يرفعه، ورواه منصور بن المعتمر عن الحكم ورفعه)

(6)

.

(1)

"جامع الترمذي"(3696).

(2)

"صحيح مسلم"(2701).

(3)

"جامع الترمذي"(3786)، وكذا في طبعة الرسالة (3766).

(4)

(9017).

(5)

"صحيح البخاري"(2992)، "صحيح مسلم"(2704).

(6)

"جامع الترمذي"(3731).

ص: 625

قلت: هذا الحديث قد خرجه مسلم

(1)

من طريق أسباط بن محمد به، وأخرجه أيضًا من طريق مالك بن مغول وحمزة الزيات، كلاهما عن الحكم به.

ولعله لم يصححه من أجل أن شعبة لم يرفعه، ورفعه منصور وهو إمام، ولكن اختلف عليه أخرجه النسائي عن قتيبة بن سعيد عن أبي الأحوص عن منصور به موقوفا

(2)

.

قال الدارقُطني: (أخرج مسلم من حديث الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب، مرفوعا:"معقبات لا يخيب قائلهن"، من حديث مالك بن مغول، وعَمرو بن قيس، وحمزة الزيات.

قال: وقد تابعهم زيد بن أبي أنيسة وليث بن أبي سليم وابن أبي ليلى وقبيصة، عن الثوري، عن منصور.

وخالفهم منصور؛ من رواية أبي الأحوص وجرير، عن منصور، عن الحكم، فروياه موقوفا.

وكذلك رواه شعبة، عن الحكم، إلا من رواية جعفر الصائغ، عن عبدان، عنه.

والصواب، والله أعلم، الموقوف، لأن الذين رفعوه شيوخ لا يقاومون منصورا، وشعبة، والله أعلم)

(3)

.

وذكره البخاري في "الأدب المفرد"

(4)

وقال: (رفعه أبن أبي أنيسة، وعمرو بن قيس).

وصحّحه أبو نعيم

(5)

.

(1)

"صحيح مسلم"(596).

(2)

"السنن الكبرى"(9910).

(3)

"التتبع"(102).

(4)

(622).

(5)

"الحلية"(5/ 104).

ص: 626

قلت: رفعُه قوي، وإذا قيل بوقفه فله حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي، وتوقف الترمذي في تصحيحه احتياطٌ منه.

21 -

وقال الترمذي: (حدثنا يحيى بن موسى وغير واحد، قالوا: أخبرنا عمر بن يونس، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، قال: حدثنا أبو سلمة، قال: سألت عائشة، بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته، فقال:"اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك على صراط مستقيم".

هذا حديث حسن غريب)

(1)

.

قلت: لعله لم يصححه من أجل أن بعض الحفاظ تكلم في رواية عكرمة بن عمار عن يحيى، وقد أخرجه مسلم من هذا الطريق

(2)

.

22 -

وقال الترمذي: (حدثنا سُوَيد بن نصر، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن علي بن عبد الله البارقي، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فركب راحلته كبر ثلاثًا، وقال: " {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 13، 14]، ثم يقول: "اللهم إني أسألك في سفري هذا من البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا المسير، واطو عنّا بعد الأرض، اللهم أنت

(1)

"جامع الترمذي"(3738).

(2)

"صحيح مسلم"(770) من طريق عمر بن يونس به.

وينظر: "علل الأحاديث" لابن عمار (13)، "شرح علل الترمذي"(2/ 642).

ص: 627

الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا". وكان يقول إذا رجع إلى أهله:"آيبون إن شاء الله تائبون، عابدون لربنا حامدون".

هذا حديث حسن)

(1)

.

هذا الحديث قد أخرجه مسلم

(2)

.

وقد وقع في بعض نسخ الترمذي: (حسن غريب من هذا الوجه)

(3)

، فلعله لذلك توقف في صحته.

وحماد بن سلمة ليس مقدما في أبي الزبير.

قد تكون الغرابة من جهة تفرد البارقي عن ابن عمر، قال ابن عدي:(ليس له كثير حديث)

(4)

.

وروى المصنف للبارقي حديثا آخر عن ابن عمر: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى"

(5)

، وذكر الإختلاف في رفعه ووقفه، وفي لفظه.

23 -

وقال الترمذي: (حدثنا عبد الرحمن بن الأسود أبو عمرو البصري، قال: حدثنا محمد بن ربيعة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الريح قال: "اللهم إني أسألك من

(1)

"جامع الترمذي"(3770).

(2)

"صحيح مسلم"(1342) من طريق ابن جريج عن أبي الزبير به.

(3)

النسخة التي حقق أولها أحمد شاكر (3447).

(4)

"الكامل"(8/ 77).

(5)

"جامع الترمذي"(603) من طريق شعبة، عن يعلى بن عطاء، عنه به.

وكان قد أخرجه (439) من طريق الليث، عن نافع، عن ابن عمر به مرفوعا، دون ذكر النهار، وقال:(حسن صحيح).

ص: 628

خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به".

وفي الباب عن أبي بن كعب.

هذا حديث حسن)

(1)

.

أخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن ابن جريج به

(2)

.

ولا أدري لماذا لم يصححه؟

24 -

وقال الترمذي: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن محمد بن قيس قاصِّ عمر بن عبد العزيز، عن أبي صِرْمَة، عن أبي أيوب، أنه قال حين حضرته الوفاة: قد كتمت عنكم شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون فيغفر لهم".

هذا حديث حسن غريب.

وقد روي هذا عن محمد بن كعب، عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

حدثنا بذلك قتيبة، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرِّجال، عن عمر مولى غُفْرة، عن محمد بن كعب القُرَظي، عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه)

(3)

.

أخرجه مسلم بنفس الإسناد

(4)

.

ولعلّ سبب عدم تصحيحه له أنه استغربه.

25 -

وقال رحمه الله: (حدثنا نصر بن علي الجَهْضَمِي، قال: حدثنا يزيد

(1)

"جامع الترمذي"(3771).

(2)

"صحيح مسلم"(899).

(3)

"جامع الترمذي"(3869، 3870).

(4)

"صحيح مسلم"(2748).

ص: 629

بن زُرَيع، قال: حدثنا خالد الحَذَّاء، عن أبي مَعْشر، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لِيَلِيَنِّي منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وإياكم وهَيْشَات الأسواق".

وفي الباب عن أبي بن كعب، وأبي مسعود، وأبي سعيد، والبراء، وأنس.

قال أبو عيسى: حديث ابن مسعود حديث حسن غريب، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يعجبه أن يليه المهاجرون والأنصار؛ ليحفظوا عنه)

(1)

.

قلت: أخرجه مسلم

(2)

، ولكن ذكر أبو الفضل ابن الشهيد بإسناده عن الإمام أحمد أنه قال:(هذا حديث منكر). قال أبو الفضل: (قلت: وإنما أنكره أحمد بن حنبل من هذا الطريق، فأما حديث أبي مسعود الأنصاري فهو صحيح)

(3)

.

قلت: وهو ما أشار إليه المصنف بقوله غريب.

26 -

وقال: (حدثنا محمود بن غَيْلان، ويحيى بن موسى، قالوا: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يده اليمنى على ركبته، ورفع إصبعه التي تلي الإبهام يدعو بها، ويده اليسرى على ركبته باسطها عليه.

قال: وفي الباب عن عبد الله بن الزبير، ونُمَير الخُزَاعي، وأبي هريرة، وأبي حميد، ووائل بن حُجْر.

(1)

"جامع الترمذي"(227).

(2)

(432) من طريق يزيد بن زريع به.

(3)

"علل الأحاديث في صحيح مسلم"(12).

ص: 630

قال أبو عيسى: حديث أبن عمر حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث عبيد الله بن عمر إلا من هذا الوجه)

(1)

.

قلت: أخرجه مسلم من طريق عبد الرزاق به

(2)

، وكأن المصنف توقف في تصحيحه من أجل غرابته من هذا الوجه خاصة، أي طريق عبيد الله، وقد أخرجه مسلم أيضًا من حديث حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع به. ومن حديث مالك، عن مسلم بن أبي مريم، عن علي بن عبد الرحمن المُعاوي، عن ابن عمر به

(3)

.

* * *

النوع الثاني: ما توقف الترمذي في تصحيحه - وظاهره الصحة - مما ليس في "الصحيحين" ولا في أحدهما:

1 -

قال الترمذي: (حدثنا محمود بن غَيْلان وأبو عمار، قالا: حدثنا أبو أحمد الزُّبَيري، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: رَمَقْتُ النبي صلى الله عليه وسلم شهرا، فكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر، بـ:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .

وفي الباب عن ابن مسعود، وأنس، وأبي هريرة، وابن عباس، وحفصة، وعائشة.

قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن، ولا نعرفه من حديث الثوري، عن أبي إسحاق، إلا من حديث أبي أحمد.

والمعروف عند الناس حديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، وقد روي عن أبي أحمد، عن إسرائيل، هذا الحديث أيضًا.

(1)

"جامع الترمذي"(296).

(2)

"صحيح مسلم"(580).

(3)

"صحيح مسلم"(580).

ص: 631

وأبو أحمد الزُّبَيري ثقة حافظ.

قال: سمعت بُنْدارا، يقول: ما رأيت أحدا أحسن حفظا من أبي أحمد الزُّبَيري، وأبو أحمد اسمه: محمد بن عبد الله بن الزُّبير الأسدي الكوفي)

(1)

.

قلت: إنما توقف أبو عيسى في تصحيحه من أجل أنه حديث فرد من هذا الوجه، فلم يروه عن الثوري إلا أبو أحمد الزُّبَيري، والمعروف: حديث إسرائيل عن أبي إسحاق، كما ذكر أبو عيسى.

والحديث فيه علة من حيث الإسناد والمتن، أما الإسناد: فقد رواه عمار بن رُزَيق عند النسائي

(2)

عن أبي إسحاق، فقال:(عن إبراهيم بن مُهَاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر). وابراهيم ليس بالقوي.

وأما المتن فقد جاء في "الصحيحين"

(3)

من حديث نافع، عن ابن عمر قال: حدثتني حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين إذا طلع الفجر، وكان ساعة لا يدخل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم.

فكيف يقال هنا: رَمَقْتُ النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا؟

2 -

وقال الترمذي: (حدثنا قتيبة قال: حدثنا أبو الأَحْوص، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن أبي الحَوْراء، قال: قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت".

(1)

"جامع الترمذي"(419).

(2)

"المجتبى"(1004).

(3)

"صحيح البخاري"(1173)، "صحيح مسلم"(723)، وينظر:"التمييز" لمسلم (87).

ص: 632

وفي الباب عن علي.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحَوْراء السعدي، واسمه رَبِيعة بن شَيْبان، ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيئا أحسن من هذا)

(1)

.

قلت: والشاهد من هذا أن هذا الخبر لم يصححه أبو عيسى مع ثقة رجاله، فقد رواه عن بريد جمعٌ، وبريد ثقة، وكذا ربيعة بن شيبان.

لكن قد يكون عدم تصحيحه له بسبب متنه، فإنه قد جاء فيه ذكر القنوت، والأصح من هذا ما رواه شعبة، عن بريد بن أبي مريم، عن أبي الحوراء، عن الحسن قال: وكان يعلمنا هذا الدعاء، أخرجه أحمد

(2)

وغيره.

قال ابن خزيمة: (وهذا الخبر رواه شعبة بن الحجاج، عن بريد بن أبي مريم في قصة الدعاء، ولم يذكر القنوت ولا الوتر .. ، وشعبة أحفظُ من عدد مثل يونس بن أبي إسحاق، وأبو إسحاق لا يُعلم أسمع هذا الخبر من بريد أو دلسه عنه، اللهم إلا أن يكون كما يدّعي بعض علمائنا: أن كل ما رواه يونس، عن من روى عنه أبوه أبو إسحاق؛ هو مما سمعه يونس مع أبيه ممن روى عنه، ولو ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالقنوت في الوتر، أو قنت في الوتر؛ لم يَجُز عندي مخالفة خبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولست أعلمه ثابتا)

(3)

.

(1)

"جامع الترمذي"(468).

(2)

"مسند أحمد"(1723)، وأخرجه ابن خزيمة (1096)، وابن حبان (945)، من طرق عن شعبة به.

(3)

"صحيح ابن خزيمة"(2/ 276 - 178)، وقال البزار (1337):(ولم يقل شعبة: في قنوت الوتر). وينظر: "إتحاف المهرة" لابن حجر (4/ 294 - 295).

ص: 633

3 -

وقال الترمذي: (حدثنا عُقْبة بن مُكْرَم العَمِّي البصري، قال: حدثنا عمرو بن عاصم، قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن النَّضر بن أنس، عن بشير بن نَهِيك، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يصلّ ركعتي الفجر فليصلّهما بعد ما تطلع الشمس".

قاد أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد روي عن ابن عمر أنه فعله.

ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث عن همام بهذا الإسناد نحو هذا إلا عمرو بن عاصم الكِلابي، والمعروف من حديث قتادة، عن النَّضْر بن أنس، عن بشير بن نَهِيك، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح")

(1)

.

قلت: هذا الحديث حكم عليه بالغرابة ولم يحسّنه، فضلا عن تصحيحه، من أجل تفرُّد عمرو عن همام، وقد بيّن أبو عيسى أن المشهور بهذا الإسناد: "من أدرك ركعة

".

4 -

وقال الترمذي: (حدثنا عبد الوارث بن عبيد الله العَتَكِي المروزي، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن خالد الحَذَّاء، عن عبد الله بن شَقِيق، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصلِّ أربعا قبل الظهر صلّاهنَّ بعدها.

قاد أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث ابن المبارك من هذا الوجه.

ورواه قيس بن الربيع، عن شعبة، عن خالد الحَذَّاء نحو هذا، ولا نعلم أحدا رواه عن شعبة غير قيس بن الربيع، وقد روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا)

(2)

.

(1)

"جامع الترمذي"(425).

(2)

"جامع الترمذي"(428).

ص: 634

قلت: يبدو أن عدم تصحيح أبي عيسى له من أجل تفرد عبد الوارث، وهو ليس بالمكثر، فلم يُذكر له شيخ سوى ابن المبارك ومسلم بن خالد الزِّنْجِي، وقد روى عنه بعض الحفاظ كأبي عيسى ومحمد بن علي بن حمزة الحافظ، قال ابن أبي حاتم:(روى عن عبد الله بن المبارك الكثير، حتى مسائل سأله عنها، وسئل وهو حاضر)

(1)

.

وثمة علة في متن الحديث أشار إليها الإمام أحمد في كلامه على رواية قيس عن شعبة.

وقد أخرجه مسلم

(2)

من طريق هشيم، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعه، فقالت: كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين، ويصلى بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان يصلي ليلا طويلا قائما، وليلا طويلا قاعدا، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين.

وأخرجه أبو داود

(3)

من طريق هشيم ويزيد بن زريع، عن خالد، به.

وأخرج الترمذي والنسائي بعضه

(4)

.

وأما المتابعة من طريق شعبة، فقد تفرد بها قيس بن الرَّبِيع، ولا يقبل تفرده، ولذا قال أبو عيسى:(لا نعلم أحدا رواه عن شعبة غير قيس).

(1)

"الجرح والتعديل"(6/ 76).

(2)

"صحيح مسلم"(730).

(3)

"سنن أبي داود"(1251).

(4)

"جامع الترمذي"(438) وصحّحه، "السنن الكبرى"(415).

ص: 635

وأخرجه ابن ماجه

(1)

من طريق قيس به، وفي بعض نسخ "السنن":(قال أبو عبد الله: لم يحدِّث به إلا قيس عن شعبة).

قال أبو داود: (ذكرت لأحمد حديث قَيْس بن الرَّبِيع، عن شعبة، عن خالد الحَذَّاء، عن عبد الله بن شَقِيق، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فاته الأربع قبل الظهر صلاها بعد الظهر، فقال أحمد: يرويه غير واحد ليس يذكرون هذا فيه. يعني: يروون حديث خالد، عن عبد الله بن شَقِيق: سألت عائشة عن تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: فليس هذا فيه)

(2)

.

5 -

وقال الترمذي: (حدثنا هنّاد قال: حدثنا أبو الأَحْوص، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل تسع ركعات.

وفي الباب عن أبي هريرة، وزيد بن خالد، والفضل بن عباس.

قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن غريب من هذا الوجه.

ورواه سفيان الثوري، عن الأعمش، نحو هذا، حدثنا بذلك محمود بن غيلان، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن الأعمش)

(3)

.

قلت: رجاله ثقات مشاهير، وقد أخرج رواية الثوري النسائي في "الكبرى"

(4)

، وأخرجه

(5)

من طريق أبي عوانة، عن الأعمش به.

وقد صحّح الترمذي ثلاثة أحاديث بهذا الإسناد

(6)

، وخرّج الشيخان

(1)

"سنن ابن ماجه"(1158)، وينظر:"الكامل" لابن عدي (8/ 628).

(2)

"مسائل أبي داود"(1876)، وما ذكره أحمد هو في "صحيح مسلم" كما تقدم.

(3)

"جامع الترمذي"(445 - 446).

(4)

(1351).

(5)

(1355، 1416).

(6)

ينظر: (768، 988، 1196).

ص: 636

أيضًا أحاديث بهذه الترجمة

(1)

، فلماذا توقف في تصحيحه هنا؟ ألِغرابته؟ قد يكون ذلك.

أم لأنه قد خرّج قبل ذلك

(2)

حديثًا عن عائشة في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل، وأنه كان يصلي إحدى عشر ركعة؛ من طريق المقبري عن أبي سلمة، ومن طريق ابن شهاب عن عروة، كلاهما عنها؟

أم بسبب الأعمش؛ فإنه قد اختلف عليه:

إذ رواه زائدة، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن يحيى بن الجزار، عن عائشة بنحوه، أخرجه النسائي

(3)

.

ورواه أبو معاوية، عنه، عن عمرو بن مرة، عن يحيى بن الجزار، عن أم سلمة. أخرجه الترمذي وحسنه والنسائي

(4)

.

وتقدمت رواية الثوري وأبي الأحوص.

قال الأثرم: (وأما حديث الأعمش فقد اضطرب فيه، فقال مرة: عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عن أم سلمة، وقال مرة: عن عمارة عن يحيى بن الجزار عن عائشة، وفي الكلام أيضًا اختلاف

(5)

، وقد بينَّا ذلك، ويحيى بن الجزار لم يَلق واحدًا منهما)

(6)

.

وقال الدارقطني عن رواية عمارة بن عمير عن يحيى بن الجزار: (أشبه بالصواب)

(7)

.

(1)

ينظر: "تحفة الأشراف"(11/ 355).

(2)

"جامع الترمذي"(445، 446).

(3)

"السنن الكبرى"(1350).

(4)

"جامع الترمذي"(461)، "السنن الكبرى"(1349).

(5)

يقصد متن الحديث، وينظر:"فتح الباري" لابن رجب (9/ 136).

(6)

"ناسخ الحديث"(ص: 88 - 89).

(7)

"علل الدارقطني"(3697)، وينظر "السنن الكبرى" للنسائي (1349 - 1356).

ص: 637

6 -

وقال الترمذي: (حدثنا أبو بكر محمد بن نافع البصري، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن إسماعيل بن مسلم العبدي، عن أبي المُتَوكِّل النَّاجي، عن عائشة، قالت: قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن ليلة.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه)

(1)

.

قلت: لعله حسنه من أجل غرابته إسنادًا ومتنًا.

فأما إسنادًا، فأبو المتوكل لا يُعرف سماعه من عائشة، وليس له في الستّة عنها سوى هذا الحديث.

وأما المتن، فهذا المعنى لا أعلم أنه جاء إلا في هذا الحديث.

نعم، في حديث جَسْرة بنت دجاجة، عن أبي ذر: قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى أصبح بآية. أخرجه النسائي وابن ماجه

(2)

، لكنّ جَسْرة لا يحتج بها.

وقد يكون توقف في تصحيحه من أجل الإختلاف الذي وقع فيه، فقد اختلف على إسماعيل:

فرواه ابن المبارك في "الزهد"

(3)

عن إسماعيل، عن أبي المتوكل أن النبي صلى الله عليه وسلم .. مرسلًا.

وخالفه زيد بن الحباب، قال عبد الله بن الإمام أحمد في "المسند"

(4)

: (وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده - وأحسبُني قد سمعته منه في مواضع أخر -: حدثنا زيد بن الحباب، أخبرني إسماعيل بن مسلم

(1)

"جامع الترمذي"(452).

(2)

"المجتبى"(1010)، "سنن ابن ماجه"(1350).

(3)

(104)، ورواه سعيد بن منصور (3142) عن ابن المبارك به.

(4)

(11593).

ص: 638

الناجي

(1)

، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم).

7 -

وقال الترمذي: (حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك، إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخّر الظهر إلى أن يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجّل العصر إلى الظهر وصلّى الظهر والعصر جميعا ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخّر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجّل العشاء فصلاها مع المغرب.

وفي الباب عن علي، وابن عمر، وأنس، وعبد الله بن عمرو، وعائشة، وابن عباس، وأسامة بن زيد، وجابر.

قال أبو عيسى: والصحيح عن أسامة.

قال أبو عيسى: وروى علي بن المديني، عن أحمد بن حنبل، عن قتيبة، هذا الحديث.

حدثنا عبد الصمد بن سليمان، قال: حدثنا زكريا اللُّؤْلُئي، قال: حدثنا أبو بكر الأَعْيَن، قال: حدثنا علي بن المديني، قال: حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا قتيبة

بهذا الحديث. وحديث معاذ حديث حسن غريب، تفرد به قتيبة، لا نعرف أحدا رواه عن الليث غيره، وحديث الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطُّفَيل، عن معاذ حديث غريب.

(1)

كذا في طبعات "المسند" و"مسند أبي سعيد" لابن كثير (754)، وليست هذه النسبة في "أطراف المسند" لابن حجر (8589)، وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(1881) من وجه آخر عن زيد بن الحباب به، وفيه:(إسماعيل بن مسلم العبدي)، وهو كذلك عند ابن المبارك.

ص: 639

والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ، من حديث أبي الزبير، عن أبي الطُّفَيل، عن معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، رواه قُرَّة بن خالد، وسفيان الثوري، ومالك، وغير واحد، عن أبي الزبير المكي)

(1)

.

8 -

وقال الترمذي: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تلقّي البيوع.

وفي الباب: عن علي، وابن عباس، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وابن عمر، ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

حدثنا سلمة بن شبيب، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الرقِّي، قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقِّي، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُتلَقّى الجلب، فإن تلقاه إنسان فابتاعه؛ فصاحب السلعة فيها بالخيار إذا ورد السوق.

هذا حديث حسن غريب من حديث أيوب.

وحديث ابن مسعود حديث حسن صحيح)

(2)

.

قلت: رجاله كلهم ثقات مشاهير، وعبد الله بن جعفر وإن كان قد اختلط؛ فالذي يظهر أن سلمة بن شبيب سمع منه قديما؛ وذلك أنه قد سمع ممن هو أقدم منه، وأعني أبا أسامة الذي توفي سنة (201)، وسمع أيضًا من آخرين هم أكبر من عبد الله بن جعفر.

(1)

"جامع الترمذي"(561، 562)، وينظر الكلام عليه في مصطلح الحسن (ص: 349).

(2)

"جامع الترمذي"(1271 - 1272).

ص: 640

على أن عبد الله بن جعفر اختلط سنة (218) وتوفي سنة (220)، وقد ذكر ابن حبّان أن اختلاطه لم يكن بفاحش

(1)

.

وتوبع عبد الله بن جعفر؛ أخرجه أبو داود

(2)

وأحمد

(3)

من طريق عبيد الله بن عمرو به.

فما السبب الذي جعل أبا عيسى لا يحكم بصحته ويكتفى بتحسينه فقط؟

هو غرابته من حديث أيوب كما نص على ذلك، وقال الطبراني في "الأوسط"

(4)

: (لم يرو هذا الحديث عن أيوب إلا عبيد الله بن عمرو).

والحديث أخرجه مسلم

(5)

من رواية هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة به.

9 -

وقال الترمذي: (حدثنا يحيى بن موسى، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا هشام بن حسان، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قال حين يمسي ثلاث مرات: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرَّه لَدْغةُ حُمَةٍ تلك الليلة".

قال سهيل: فكان أهلنا تعلموها، فكانوا يقولونها كل ليلة، فلُدغت جارية منهم فلم نجد لها وجعا.

هذا حديث، حسن.

وروى مالك بن أنس هذا الحديث عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

"الثقات"(8/ 351 - 352).

(2)

"سنن أبي داود"(3437).

(3)

"مسند أحمد"(9236).

(4)

(6362).

(5)

"صحيح مسلم"(1519).

ص: 641

وروى عبيد الله بن عمر، وغير واحد هذا الحديث عن سهيل، ولم يذكروا فيه عن أبي هريرة).

قلت: هذا الحديث صحيح، وإن كان المصنف توقف في تصحيحه بسبب أن عبيد الله بن عمر وغيره رووه عن سهيل ولم يذكروا عن أبي هريرة

(1)

، فهذا احتياط بالغ من المصنف، إذ قد وصله مالك

(2)

وحماد بن زيد

(3)

وسفيان

(4)

، نعم لم يذكروا:(ثلاثًا).

وأخرجه مسلم

(5)

من وجه آخر عن أبي صالح، عن أبي هريرة به، وفيه قصة.

والأمثلة في هذا كثيرة.

* * *

وقد جاء عن الأئمة مثل ما جاء عن أبي عيسى من التوقف في تصحيح الحديث الغريب أحيانا:

- قال البخاري: (وقال محمد بن عبيد الله: نا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن أيوب، عن هشام بن عروة، أن عون بن عبد الله قال له: حدِّثْني عن أبيك، فذهبتُ أحدثه عن السنن فقال: لا، غرائب أحاديثه)

(6)

.

(1)

لم أقف على رواية عبد الله بن عمر هذه، وجاء عنه موصولا، أخرجه النسائي في "اليوم والليلة"(591) من طريق عبيد الله بن عمر عن سهيل موصولا بذكر أبي هريرة.

(2)

"موطأ مالك" رواية يحيى الليثي (2739)، وأخرجه من طريقه النسائي في "اليوم والليلة"(589).

(3)

أخرجه النسائي في "اليوم والليلة"(588).

(4)

أخرجه النسائي في "اليوم والليلة"(592)، وابن ماجه (3518).

(5)

"صحيح مسلم"(2709).

(6)

"التاريخ الكبير"(138).

ص: 642

- وقال الدُّوري: (حدثنا يحيى، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: إذا طلقها وهي حائض لم تعتد بتلك الحيضة، قال يحيى: وهذا غريب، ليس يحدث به إلا عبد الوهاب الثقفي)

(1)

.

- وقال ابن أبي حاتم: (وسألت أبي عن حديث رواه محمد بن هشام بن أبي خَيْرة السَّدُوسي بمصر، قال: حدثنا عمر بن علي بن مُقَدَّم، قال: حدثنا حَنْظَلة السَّدُوسي، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: أمرنا ألا نزيد أهل الكتاب على: وعليكم؟

قال أبي: حديث حنظلة إن كان محفوظا فهو غريب)

(2)

.

قلت: أخرجه البزار

(3)

عن أحمد بن المقدام العجلي، عن عمر بن علي المقدّمي به، وقال:(لا نعلم رواه عن حنظلة عن أنس إلا عمر بن علي).

وقد جاء بهذا اللفظ من طريق أبي أسامة ووكيع

(4)

والثوري

(5)

، ثلاثتهم عن ابن عون، عن حميد الطويل، عن أنس به، وهذا صحيح، ولكني أظنه مرويًا بالمعنى، واللفظ الأصح هو "قولوا: وعليكم" خرَّجه الشيخان

(6)

وغيرهما من طرق عن أنس.

- وقال البخاري في "التاريخ": (محمد بن عبد الله، ويقال: ابن حسن. حدثني محمد بن عبيد الله، قال: حدثنا عبد العزيز، عن محمد بن

(1)

"تاريخ ابن معين"(4487).

(2)

"العلل"(2261).

(3)

"مسند البزار"(7364).

(4)

"المصنف" لابن أبي شيبة (27423) عنهما.

(5)

"المصنف" لعبد الرزاق (9838).

(6)

"صحيح البخاري"(6258)"صحيح مسلم"(2163).

ص: 643

عبد الله، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رفعه:"إذا سجد فليضع يديه قبل ركبتيه"، ولا يتابع عليه، ولا أدري سمع من أبي الزِّناد أم لا)

(1)

.

قلت: محمد بن عبد الله - الملقب بالنَّفْسِ الزَّكِيَّة - قد وثِّق، ومع ذلك أنكر البخاري هذا الحديث؛ وذلك لتفرده بهذا الخبر عن أبي الزِّناد عن الأَعْرج عن أبي هريرة، ولا يخفى أن هذه السلسلة من أصحّ السلاسل وأشهرها، فتفرّد النَّفْس الزَّكِيَّة بهذا مع كونه كان مختفيا في عهد بني أمية وبني العباس يجعله غير محفوظ، وهذا ما حكم به حمزة الكِنَاني الحافظ، فقال:(هو منكر)

(2)

.

- وقال الخلال: (أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد، ثنا ابن حنبل، قال: حدثنا ابن مهدي، حدثنا سفيان، قال: سمعت عبد الرحمن - قال ابن مهدي: هو ابن علقمة -، قال: سمعت ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعفو اللحى وأحفوا الشوارب".

قال أبو عبد الله: هذا غريب)

(3)

.

قلت: يعني من هذا الوجه، وذلك أن هذا الحديث قد خرجه الشيخان

(4)

من طرق عن نافع، عن ابن عمر.

وعبد الرحمن بن علقمة هو المكي، مُقلّ، ولكن وثّقوه، حتى قال ابن مهدي: كان من الأثبات الثقات.

(1)

"التاريخ الكبير"(418).

(2)

"فتح الباري" لابن رجب (7/ 218).

(3)

"الترجل"(77)، وأخرجه أحمد (5135) بهذا الإسناد.

(4)

"صحيح البخاري"(5892، 5893)، "صحيح مسلم"(259).

ص: 644

ورغم هذا استغرب الإمام أحمد هذا الإسناد.

- وقال البخاري في "التاريخ": (حدثني محمد بن بشار، قال: حدثنا وهب، قال: حدثنا أبي، قال: سمعت ابن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن مَيْمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، في أولاد الزنا.

قال أبو عبد الله: لا يتابع عليه، ولا أدري مَن محمد بن إبراهيم)

(1)

.

هكذا في النسخة القديمة، وفي طبعة الناشر المتميز

(2)

: (محمد بن عبد الرحمن)، وهو الصحيح.

قلت: وقوله: (لا يتابع عليه) من أجل غرابته إسنادا ومتنا، ولأجل هذا وآخرين ذكرهما في ترجمته قال البخاري عن محمد بن عبد الله بن عمرو: عنده عجائب.

فكل راوٍ يأتي بما يُستنكر إسنادا أو متنا، أو تكثُر في حديثه الغرائب، فإن ذلك مدعاةٌ للقدح فيه.

* * *

(1)

"التاريخ الكبير"(417). وكتب في هامش التحقيق على قوله: (محمد بن إبراهيم): (كذا).

(2)

(417)، وينظر:"ميزان الاعتدال" للذهبي (2/ 622 - 623).

ص: 645

‌الفصل التاسع عشر: مناهج الأئمة في الغرابة على وجه العموم

‌منهج شعبة بن الحجاج:

هو الإمام المقدّم في زمانه في معرفة هذا الشأن، وهو الذي وسّع الكلام في الرجال ونقد الأخبار، وعلى يديه تخرج كبار الأئمة من أمثال يحيى القطان، فهو أنجبُ من أخذ عنه هذا الفن، يليه ابن مهدي، وغيره.

قال أبو داود الطيالسي: (رأيت رجلا يقول لشعبة: قل: حدثني أو أخبرني. فقال له شعبة: فَقَدْتُكَ وَعَدِمْتُكَ؛ وهل جاء بهذا أحد قبلي؟)

(1)

.

قال ابن أبي حاتم: (سمعت أبي وذكر حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته، قال شعبة: استحلفتَ عبد الله بن دينار: هل سمعتَها من ابن عمر؟ فحلف لي.

قال أبي: كان شعبة بصيرًا بالحديث جدا، فهما فيه، كان إنما حلفه لأنه كان ينكر هذا الحديث، حكم من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشاركه أحد، لم يرو عن ابن عمر أحد سواه علمنا)

(2)

.

قال علي بن المديني: (سألت يحيى بن سعيد عن حكيم بن جبير، فقال: تركه شعبة من أجل هذا الحديث الذي رواه في الصدقة.

يعني حديث عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل الناس

(1)

"تقدمة الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (1/ 166).

(2)

"تقدمة الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (1/ 170).

ص: 647

وله ما يغنيه، كان يوم القيامة خموشا في وجهه". قالوا: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال:"خمسون درهما، أو قيمتها من الذهب".

قال علي: قال يحيى: وقد حدّث عن حكيم بن جبير سفيان الثوري وزائدة. قال علي: ولم ير يحيى بحديثه بأسا)

(1)

.

وقال أبو حاتم الرازي: (حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، حدثنا محمد بن سواء، قال: ذكرت لشعبة حديث سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر؛ كنت أبيع الإبل بالبقيع. فقال: من حدث به؟ قلت: حماد بن سلمة، فقال: وكيف سمع حماد هذا، ولعله إنما جلس إلى سماك مجلسين أو ثلاثة، وقد جلست إلى سماك أكثر من مئة مجلس ولم أسمع هذا؟!)

(2)

.

‌منهج يحيى بن سعيد القطان:

قال أحمد بن حنبل: (لم يكن في زمان يحيى القطان مثله، كان تعلم من شعبة)

(3)

.

قال الثوري: (كان يحيى بن سعيد يريد: شقيقا عن عبد الله.

قال أبو محمد - ابن أبي حاتم - يعني: أنه لا يرضى إلا برواية الحفاظ المتقنين)

(4)

.

وقال ابن المديني: (سألت يحيى عن أحاديث عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير. فضعّفها، وقال: ليست بصحاح)

(5)

.

(1)

"العلل الصغير"(ص: 65).

(2)

"الكامل" لابن عدي (3/ 349).

(3)

"تقدمة الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (1/ 233، 247).

(4)

"تقدمة الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (1/ 233).

(5)

"تقدمة الجرح والتعديل"(1/ 236).

ص: 648

وقال أيضًا: (سألت يحيى عن حديث سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، في القصار لا يضمن. قال: هذا غلط، خالف أصحاب إبراهيم؛ منصور وسليمان.

قال يحيى: وكان هشام يوقفه على حماد)

(1)

.

وقال عمرو بن علي: (سمعت يحيى سئل عن حديث عُرَيف بن درهم الجمّال، فقال: روى حديثا منكرا عن جَبَلَةَ بن سُحَيم عن ابن عمر، قال: الجزور والبقرة عن سبعة. فتمنّع به ثم حدثنا به)

(2)

.

قال حماد بن زاذان أبو زياد القطان: (سألنا يحيى بن سعيد عن حديث سفيان، عن أبي إسحاق، عن علي بن ربيعة قال: كنتَ ردف علي، هذا الحديث لا أدري كيف هو؟ قلت: يرون أن علي بن ربيعة كان ردف عليّ، تنكره؟ قال: علي بن ربيعة كان حدثا، وما أدري. قلت: تنكره؟ قال: إي والله)

(3)

.

قلت: هذا الاستنكار من يحيى ليس من أجل التفرد والغرابة فقط، وإنما لأن عليّ بن ربيعة كان صغيرًا في عهد عليّ، وليس بينهما صلة من قرابة ونحوها؛ فلذا يستبعد أن يردفه معه على الدابة، وقوّى ذلك عند يحيى القطان: أن الإسناد فيه لين، لكن جاءت أوجه أخرى بهذا المعنى عن علي بن ربيعة يقوي بعضها بعضا، ومثل هذا الإرداف في الواقع قد يحصل أحيانا حتى للصغير كما هو معلوم، فهذا من هذا الباب.

وسوف يأتي بيان منهج يحيى في الغرابة وتشدّده فيها.

(1)

"تقدمة الجرح والتعديل"(1/ 240).

(2)

"تقدمة الجرح والتعديل"(1/ 241).

(3)

"تقدمة الجرح والتعديل"(1/ 242).

ص: 649

‌منهج الإمام أحمد:

المتتبع لمنهجه في هذا الباب، يجد أنه أحيانا يرد الخبر بسبب غرابته وتفرد الراوي به، ولهذا يكثر من قوله:(منكر الحديث)، كما أنه تكلم في جمع من الرواة فقال عنهم:(يروون المنكرات)، مع أنهم وُثِّقوا من غيره، ولذا فمنهجه قريب من منهج شيخه يحيى القطان، وإليك بعض ما يجلّي هذا الأمر:

قال ابن رجب: (قال عبد الله: سألت أبي عن حسين بن علي الذي يروي حديث المواقيت، فقال: هو أخو أبي جعفر محمد بن علي، وحديثه الذي روي في المواقيت ليس بمنكر؛ لأنه قد وافقه على بعض صفاته غيره.

وقال أحمد في بُرَيد بن عبد الله بن أبي بُردة: يروي أحاديث مناكير.

وقال أحمد في محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، وهو المنفرد برواية حديث "الأعمال بالنيات": في حديثه شيء، يروي أحاديث مناكير، أو قال: منكرة.

وقال في زيد بن أبي أُنَيسة: إن حديثه لحسن مقارب، وإن فيها لبعض النكارة، قال: وهو على ذلك حسن الحديث. قال الأَثْرم: قلت لأحمد: إن له أحاديث إن لم تكن مناكير فهي غرائب؟ قال: نعم.

وهؤلاء الثلاثة متفق على الاحتجاج بحديثهم في "الصحيح"، وقد استنكر أحمد ما تفردوا به.

وكذلك قال في عمرو بن الحارث: له أحاديث مناكير، وفي الحسين بن واقد، وخالد بن مَخْلد، وفي جماعة خرج لهم في "الصحيح" بعض ما ينفردون به)

(1)

.

(1)

"شرح علل الترمذي"(1/ 454 - 456).

ص: 650

قال المرُّوذي: (قلت لأبي عبد الله: فعبد الرحمن بن إسحاق، كيف هو؟ قال: أما ما كتبنا من حديثه، فقد حدث عن الزهري بأحاديث، كأنه أراد تفرد بها.

ثم ذكر حديث محمد بن جبير في الحِلف - حلف المطيبين - فأنكره أبو عبد الله، وقال: ما رواه غيره)

(1)

.

قال أبو داود: (قلت لأحمد في سماع عبد الرزاق من عبيد الله. فقال: قال عبد الرزاق: رأيته بمكة وهشام بن حسان يسأله. قال أحمد: فلعمري لقد روى عنه - يعني عبد الرزاق - أحاديث غرائب)

(2)

.

قال عبد الله: (سمعته يقول: روى أسامة بن زيد عن نافع أحاديث مناكير). وفي موضع قال: (قال أبي: روى أسامة بن زيد عن نافع أحاديث مناكير. قلت له: إن أسامة حسن الحديث، قال: إن تدبرت حديثه فستعرف النكرة فيها)

(3)

.

وقال: (سألت أبي عن خالد بن مخلد فقال: له أحاديث مناكير)

(4)

.

قال المرُّوذي: (سألته عن صالح بن حَيَّان، قال: ليس هو بذاك. وأنكر حديثه)

(5)

.

وقال: (سألته عن الدَّرَاوَرْدِي، فقال: ما أدري ما أقول لك فيه، أحاديثه، كأنه ينكر بعضها)

(6)

.

وقال: (قلت: الحكم بن عَطِيَّة، كيف هو؟ قال: البصري؟ قلت:

(1)

"العلل" رواية المروذي (61).

(2)

"سؤالات أبي داود للإمام أحمد"(247).

(3)

"العلل" لعبد الله (503، 1428).

(4)

"العلل" لعبد الله (1403).

(5)

"العلل" رواية المروذي (201).

(6)

المرجع السابق (205).

ص: 651

نعم، الذي روى عن ثابت. قال: كان عندي ليس به بأس، ثم بلغني أنه حدث بأحاديث مناكير. وكأنه ضعفه)

(1)

.

وقال: (سألته عن إبراهيم بن الحكم بن أَبان، فقال: ليس بذاك، قد كتبت عنه، وأقمت عليه أياما)

(2)

.

وقال: (سألته عن يزيد بن أبي حكيم، فقال: قد كتبت عنه أقل مما كتبت عن إبراهيم، اتكيت على إبراهيم، ثم حدث إبراهيم بعد بأحاديث منكرة، وضعّف أمره، وقدّم يزيد بن أبي حكيم عليه)

(3)

.

وقال عبد الله بن أحمد: (سئل أبي عن حُديج أخي زهير، قال: ليس لي بحديثه علم. قيل: إنه يحدث عن أبي إسحاق، عن البراء، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره، فقال: هذا منكر)

(4)

.

وهذا كله يدل على ما تقدم تقريره، والأمثلة على هذا كثيرة.

* * *

(1)

المرجع السابق (165).

(2)

المرجع السابق (216).

(3)

المرجع السابق (217).

(4)

"العلل" رواية عبد الله (5259)، وينظر: رواية المروذي (231).

ص: 652

‌الفصل العشرون: مذاهب الأئمة من المحدثين والفقهاء في الغرابة والتفرد على وجه الخصوص

ثمة أربعة مناهج في هذه المسألة من حيث الأصل:

فالأول: من يتوسّط، وهو مذهب علي بن المديني، والبخاري، ومسلم بن الحجاج، وأبي داود، والترمذي، والدارقطني، وغيرهم، وهو ما تقدم تقريره

(1)

.

والثاني: وهم الذين يشدِّدون بعض الشيء، وهو مذهب: يحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن حنبل، وأبي حاتم الرازي، وأبي جعفر العقيلي، وأبي بكر البَرْدِيجي، وأبي الفتح الأزدي، وأبي الفضل أحمد بن علي السليماني.

فأما يحيى القطان وأحمد بن حنبل:

فقال ابن رجب: (قال إسحاق بن هانئ، قال لي أبو عبد الله - يعني أحمد -: قال لي يحيى بن سعيد: لا أعلم عبيد الله - يعني ابن عمر - أخطأ إلا في حديث واحد لنافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسافر امرأة فوق ثلاثة أيام

" الحديث.

قال أبو عبد الله: فأنكره يحيى بن سعيد عليه.

(1)

ينظر: الفصل السابع: متى تكون الغرابة قادحة في صحة الخبر.

ص: 653

قال أبو عبد الله: فقال لي يحيى بن سعيد: فوجدته قد حدث به العمري الصغير عن ابن عمر مثله.

قال أبو عبد الله: لم يسمعه إلا من عبيد الله، فلما بلغه عن العمري صححه.

وهذا الكلام يدل على أن النكارة عند يحيى القطان لا تزول إلا بمعرفة الحديث من وجه آخر.

وكلام الإمام أحمد قريب من ذلك.

قال عبد الله: سألت أبي عن حسين بن علي، الذي يروي حديث المواقيت فقال: هو أخو أبي جعفر محمد بن علي، وحديثه الذي روي في المواقيت ليس بمنكر؛ لأنه قد وافقه على بعض صفاته غيره.

وقال أحمد في بُرَيد بن عبد الله بن أبي بُردة: يروي أحاديث مناكير.

وقال أحمد في محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، وهو المنفرد برواية حديث "الأعمال بالنيات"، في حديثه شيء، يروي أحاديث مناكير، أو قال: منكرة.

وقال في زيد بن أبي أُنَيْسة: إن حديثه لحسن مقارب، وإن فيها لبعض النكارة، قال: وهو على ذلك حسن الحديث.

قال الأَثْرم: قلت لأحمد: إن له أحاديث إن لم تكن مناكير فهي غرائب، قال: نعم.

وهؤلاء الثلاثة

(1)

متفق على الاحتجاج بحديثهم في "الصحيح"، وقد استنكر أحمد ما تفردوا به.

(1)

أي: بريد بن عبد الله بن أبي بردة، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وزيد بن أبي أنيسة.

ص: 654

وكذلك قال في عمرو بن الحارث: له أحاديث مناكير، وفي الحسين بن واقد، وخالد بن مَخْلَد، وجماعة خرج لهم في "الصحيح" بعض ما ينفردون به.

وأما تصرّف الشيخين والأكثرين، فيدل على خلاف هذا، وعلى أن ما رواه الثقة عن الثقة إلى منتهاه، وليس له علة، فليس بمنكر.

وقد قال مسلم في أول "كتابه": حكم أهل العلم والذي يعرف من مذهبهم في قبول ما ينفرد به المحدث من الحديث: أن يكون قد شارك الثقات من أهل الحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئًا ليس عند أصحابه قبلت زيادته.

فأما من نراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفّاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على اتفاق منهم في أكثره = فيروي عنهما - أو عن أحدهما - العدد من الحديث، مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح الذي عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس، والله أعلم.

فصرح بأن الثقة إذا أمعن في موافقة الثقات في حديثهم، ثم تفرد عنهم بحديث، قبل ما تفرد به، وحكاه عن أهل العلم)

(1)

.

قلت: لم يذكر ابن رجب ليحيى بن سعيد القطان إلا مثالًا واحدًا، وهذا لا يكفي في الحكم عليه، ولكنْ ثمة نصوصٌ عن بعض الأئمة تدل على منهجه:

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: (نا صالح بن أحمد بن حنبل، نا عليّ

(1)

"شرح علل الترمذي"(1/ 453 - 457).

ص: 655

- يعني ابن المديني - قال: سمعت عبد الرحمن قال: قال سفيان: يحيى بن سعيد يريد شقيقا عن عبد الله.

قال أبو محمد: يعني أنه لا يرضى إلا برواية الحفاظ المتقنين)

(1)

.

وقال ابن أبي حاتم: (أخبرنا صالح، نا عليّ قال: سمعت يحيى وذُكر عنده شيءٌ يروى عن إسماعيل عن عامر: أن المغيرة بن شعبة لما شهد عليه الثلاثة، قال يحيى: ليس بصحيح)

(2)

.

قال ابن أبي حاتم: (أخبرنا محمد بن إبراهيم بن شعيب، نا عمرو بن علي قال: سمعت يحيى سئل عن حديث عُرَيف بن درهم الجمال، فقال: روى حديثا منكرا عن جَبَلَةَ بن سُحَيْم عن ابن عمر قال: الجزور والبقرة عن سبعة. فتمنّع به ثم حدثنا به)

(3)

.

وقال أبو حاتم عن عُريف هذا: (هو صالح الحديث لا بأس به، حدثنا أبو نعيم عنه)

(4)

، وذكره البخاري في "التاريخ"

(5)

ونقل كلام القطان ولم يعقب بشيء.

وأما الإمام أحمد: فقد جاء عنه ما قد يدل على خلاف ما ذكره ابن رجب؛ من كونه صحّح أو قوّى بعض الأحاديث التي فيها غرابة، ومثاله: ما أخرجه في "المسند"

(6)

من طريق بَقِية، ثنا بَحِير بن سعد، عن خالد بن مَعْدَان، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي

(1)

"تقدمة الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (1/ 233).

(2)

"تقدمة الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (1/ 237).

(3)

"تقدمة الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (1/ 241).

(4)

"الجرح والتعديل"(7/ 44).

(5)

"التاريخ الكبير"(7/ 93).

(6)

(15495).

ص: 656

وفي ظهر قدمه لُمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء.

قال ابن عبد الهادي: (قال الأثرم: قلت لأحمد: هذا إسناد جيد؟ قال: نعم.

وقد احتج به الإمام أحمد أيضًا في رواية غير واحد من أصحابه، وتكلم فيه البيهقي وابن حزم وغيرهما بغير مستند قوي)

(1)

.

والجواب عن ذلك: أن ما نسبه ابن رجب حقّ، فحين تتأمل منهجه تجده أكثر تشددا في هذا الباب من علي بن المديني والبخاري وغيرهما، وخروج بعض الأمثلة عن منهجه العام لا ينافي ما تقدم.

وأما أبو حاتم: فقد سأله ابنه (عن حديث رواه عمرو بن عاصم؛ عن همام وحماد بن سلمة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أصبتُ حدا فأقِمه علي

فقال: هذا حديث باطل بهذا الإسناد)

(2)

.

وهذا الحديث خرجه الشيخان من طريق عمرو به

(3)

.

وسأله (عن حديث رواه عيسى بن يونس، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم:{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ} [المطففين: 6]

(1)

"تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/ 225).

قلت: هذا الخبر لم أقف عليه إلا من طريق بقية، فإن صح أنه تفرّد به فهو غريب جدًا، وقد احتج به أحمد وجوّده مع غرابته.

(2)

"العلل"(1364).

(3)

"صحيح البخاري"(6823)، "صحيح مسلم"(2764).

ص: 657

قال: "يقوم الرجل في رشحه إلى أنصاف أذنيه". ورواه معاذ بن معاذ العَنْبَري، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، موقوف.

قلت لأبي: أيهما أصح؟

قال أبي: جميعا حافظين، ولا أعلم أحدا يسند سوى عيسى بن يونس، وموقوف أشبه)

(1)

.

والحديث خرّجه الشيخان من طريق عيسى بن يونس به

(2)

.

وقال: (سمعت أبي وذكر حديثا رواه عمر بن يونس، عن عكرمة بن عمار، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس؛ قال: جاءت أم سليم - وهي جدة إسحاق - إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله، المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام؛ بأن زوجها جامعها، أتغتسل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا وَجدت الماء فلتغتسل".

وروى الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن جدته أم سليم؛ قالت: دخلت أم سليم على أم سلمة، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له أم سليم: أرأيت إذا رأت المرأة

؟

قال أبي: إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أم سليم، مرسل.

وعكرمة بن عمار، روى عن إسحاق، عن أنس: أن أم سليم

وحديث الأوزاعي أشبه مرسل من الموصل)

(3)

.

قلت: رواية عمر بن يونس عن عكرمة، أخرجها مسلم في "صحيحه"

(4)

، ولم أر من تابعه عليها، وذكر الدارقطني أن همامًا تابع

(1)

"العلل"(2136).

(2)

"صحيح البخاري"(6531)، "صحيح مسلم"(2862).

(3)

"العلل"(163).

(4)

"صحيح مسلم"(310).

ص: 658

الأوزاعي، ورجّح المرسل

(1)

.

قال: (وسألت أبي عن حديث رواه عفان، عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي قال:"أكثر عذاب القبر من البول".

قال أبي: هذا حديث باطل؛ يعني: مرفوع)

(2)

.

قلت: قد سأل الترمذيُّ البخاريَّ عن حديث أبي عوانة هذا، فقال:(هذا حديث صحيح)

(3)

.

قلت: أبو حاتم الرازي من أعلم الأمة بالعلل، والدليلُ أنه بيّن علل أحاديث خفيت علّتها عن شيوخه، وهو في نقده للرجال موصوف بالشدة، ومنهجه في الغرابة قريب من منهج شيخه الإمام أحمد.

وأما أبو جعفر العقيلي: فقد قال: (وروى سهيل بن أبي صالح ومحمد بن عَجْلان ويزيد بن الهَاد، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الإيمان بضع وسبعون بابا". ولم يتابعهم أحد ممن سَمَّيْنَا

(4)

من الأثبات عليه، ولا تابع عبد الله بن دينار، عن أبي صالح عليه أحد)

(5)

.

قلت: الذين ذكرهم أبو جعفر هنا كلهم من الثقات المشاهير، سوى ابن عَجْلان فإن له بعض الأوهام والأخطاء، ومع ذلك يحتاجون إلى متابع عنده، فإنه أراد بقوله:(ولم يتابعهم أحد ممن سَمَّينَا من الأثبات عليه) أنه

(1)

"علل الدارقطني"(2342).

(2)

"العلل"(1081).

(3)

"العلل الكبير"(37).

(4)

يقصد: شعبة، والثوري، ومالك بن أنس، وابن عيينة.

(5)

"الضعفاء"(3/ 340 - 341).

ص: 659

لا يقبل تفرد أمثال هؤلاء، وهذا بخلاف منهج الشيخين، فإنهما خرّجا هذا الحديث في "صحيحيهما"

(1)

.

ولهذا تجد أنه يُكثر في كتابه "الضعفاء" من جرح الراوي بقوله: (لا يتابع على حديثه)، أو (لا يتابع عليه).

وأما أبو بكر البَرْدِيجي: فقد قال ابن رجب: (ولم أقف لأحد من المتقدمين على حد المنكر من الحديث وتعريفه، إلا على ما ذكره أبو بكر البرديجي الحافظ - وكان من أعيان الحفاظ المبرزين في العلل -: أن المنكر هو الذي يحدث به الرجل عن الصحابة، أو عن التابعين عن الصحابة، لا يعرف ذلك الحديث - وهو متن الحديث - إلا من طريق الذي رواه، فيكون منكرًا.

ذكر هذا الكلام في سياق ما إذا انفرد شعبة أو سعيد بن أبي عروبة أو هشام الدَّسْتَوائي بحديث عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا كالتصريح بأن كل ما ينفرد به ثقة عن ثقة، ولا يعرف المتن من غير ذلك الطريق، فهو منكر

ثم قال البرديجي بعد ذلك: فأما أحاديث قتادة التي يرويها الشيوخ؛ مثل حماد بن سلمة، وهمام، وأبان، والأوزاعي، ينظر في الحديث:

فإن كان الحديث يُحفظ من غير طريقهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أنس بن مالك من وجه آخر، لم يدفع.

وإن كان لا يُعرف عن أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من طريقٍ عن أنس إلا من رواية هذا الذي ذكرت لك، كان منكرًا.

(1)

"صحيح البخاري"(9)، "صحيح مسلم"(35).

ص: 660

وقال أيضًا: إذا روى الثقة من طريق صحيح، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا، لا يصاب إلا عند الرجل الواحد، لم يضرَّه أن لا يرويه غيره إذا كان متن الحديث معروفًا، ولا يكون منكرًا ولا معلولًا.

وقال في حديث رواه عمرو بن عاصم، عن همام، عن إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس، أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أصبت حدًّا فأقمه عليّ .. الحديث: هذا عندي حديث منكر، وهو عندي وهْم من عمرو بن عاصم.

ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال: هذا حديث باطل بهذا الإسناد.

وهذا الحديث مخرّج في "الصحيحين" من هذا الوجه، وخرّج مسلم معناه أيضًا من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا شاهد لحديث أنس.

ولعل أبا حاتم والبَرْدِيجي إنما أنكرا الحديث؛ لأن عمرو بن عاصم ليس هو عندهما في محل من يحتمل تفرده بمثل هذا الإسناد)

(1)

.

قلت: وكلامه هذا واضح في بيان منهجه فلا يحتاج إلى كبير تعليق.

وأما أبو الفتح الأزدي: فيكثر من قوله: (منكر الحديث) في حكمه على الرواة، وقد يكون بعض هؤلاء من وثقه غير واحد من الأئمة، وبعضهم يكون فيه جهالة فيقول الأزدي:(منكر الحديث).

ومما يستطرف في ذلك قوله في عبد الله بن أبي صالح: (ثقة، إلا أنه روى عن أبيه ما لم يتابع عليه)

(2)

.

قلت: ومعنى قوله (ثقة) يعني في نفسه دون حديثه.

وأما أحمد بن علي السُّلَيماني: فقد قال عن الزُّبَير بن بَكَّار - وهو ثقة مشهور -: (منكر الحديث)

(3)

.

(1)

"شرح علل الترمذي"(1/ 450 - 453).

(2)

"تهذيب التهذيب"(2/ 358).

(3)

"تهذيب التهذيب"(1/ 624).

ص: 661

وقال عن محمد بن يحيى الكِنَاني أبو غسان المدني: (حديثه منكر). وقد قال النسائي: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: شيخ

(1)

.

وكذلك المُخْتار بن فُلْفُل، فقد عدّه من رواة المناكير عن أنس مع أبان بن أبي عياش

(2)

، وهو صدوق من رجال مسلم، وقد يكون له أوهام، ولكن لا يعد مع أبان الذي هو متروك.

وقال عن إبراهيم بن طَهْمان: (أنكروا عليه حديثه عن أبي الزبير، عن جابر، في رفع اليدين. وحديثه عن شعبة، عن قتادة، عن أنس "رفعت لي سدرة المنتهى فإذا أربعة أنهار")

(3)

.

وحديث أن هذا علقه البخاري عن إبراهيم

(4)

. وإبراهيم ثقة مشهور، نعم له بعض الأوهام والغرائب

(5)

.

قلت: ولا أعلم أحدا نص على منهجه في هذا الباب، ولكن تصرفاته تدل على ذلك كما في هذه الأمثلة.

وبهذا ينتهي الحديث عن المنهج الثاني؛ منهجِ مَن يتشدَّد في الغرابة والتفرّد.

المذهب الثالث: هو أن من الأئمة من يراعي الغرابة ويلتفت إليها، ولكن أحيانا لا يرد الخبر بها.

مثل: يحيى بن معين، وأبي بكر ابن خزيمة، وأبي حاتم ابن حبان، ويلحق بهم أبو حفص ابن شاهين، وأبو عبد الله الحاكم.

(1)

"تهذيب التهذيب"(3/ 731).

(2)

"تهذيب التهذيب"(4/ 39).

(3)

"تهذيب التهذيب"(1/ 70).

(4)

"صحيح البخاري"(5610).

(5)

ينظر: (الفصل العاشر).

ص: 662

فأما ابن معين:

قال علي بن الحسين بن حبان: (وجدت في كتاب أبي بخط يده: سئل أبو زكريا يحيى بن معين عن حديث عطاء، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفعة. قال: هو حديث لم يحدث به أحد إلا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء، وقد أنكره عليه الناس، ولكن عبد الملك ثقة صدوق لا يُرد على مثله.

قلت له: تكلم شعبة فيه؟ قال: نعم، قال شعبة: لو جاء عبد الملك بآخر مثل هذا لرميت بحديثه)

(1)

.

وقال ابن معين في عبد الله بن أبي صالح: ثقة.

ونجد علي بن المديني قال عنه: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث

(2)

.

وهذا مثال يوضح الفرق بين منهج ابن معين وأحمد في الغرابة:

أخرج الخطيب بإسناده عن أبي الصلت الهروي، قال: (حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه".

قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، فقال: هو صحيح.

قال أبو بكر الخطيب الحافظ: أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل، إذ قد رواه غير واحد عنه.

وقال أبو بكر المروذي: سئل أبو عبد الله عن أبي الصلت، فقال:

(1)

"تاريخ بغداد"(12/ 134 - 135).

(2)

"تهذيب التهذيب"(2/ 358).

ص: 663

روى أحاديث مناكير. قيل له: روى حديث مجاهد عن علي: "أنا مدينة العلم وعلي بابها"؟ قال: ما سمعنا بهذا. قيل له: هذا الذي ينكر عليه؟ قال: غير هذا، أما هذا فما سمعنا به. روى عن عبد الرزاق واحدا

(1)

لا نعرفها ولم نسمعها. قيل لأبي عبد الله: قد كان عند عبد الرزاق من هذه الأحاديث الرديئة؟ قال: لم أسمع منها شيئا.

وقال عمر بن الحسن بن علي بن مالك، عن أبيه: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت الهروي، فقال: ثقة صدوق، إلا أنه يتشيع.

وقال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت الهروي، فقال: قد سمع، وما أعرفه بالكذب. قلت: فحديث الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس؟ فقال: ما سمعت به قط وما بلغني إلا عنه.

وقال مرة أخرى: سمعت يحيى وذكر أبا الصلت الهروي، فقال: لم يكن أبو الصلت عندنا من أهل الكذب، وهذه الأحاديث التي يرويها ما نعرفها.

وقال عبد الخالق بن منصور: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت، فقال: ما أعرفه. فقلت: إنه يروي حديث الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس:"أنا مدينة العالم وعلي بابها"؟ فقال: ما هذا الحديث بشيء.

قال الحافظ أبو بكر الخطيب: أحسب عبد الخالق سأل يحيى عن حال أبي الصلت قديما، ولم يكن يحيى إذ ذاك يعرفه، ثم عرفه بعد فأجاب إبراهيم بن الجنيد عن حاله.

وأما حديث الأعمش، فإن أبا الصلت كان يرويه عنه، فأنكره أحمد

(1)

كذا.

ص: 664

ابن حنبل ويحيى بن معين من حديث أبي معاوية، ثم بحث يحيى عنه فوجد غير أبي الصلت قد رواه عن أبي معاوية.

وقال عباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يوثق أبا الصلت عبد السلام بن صالح، فقلت - أو قيل له -: إنه حدث عن أبي معاوية، عن الأعمش:"أنا مدينة العلم وعلي بابها"؟ فقال: ما تريدون من هذا المسكين، أليس قد حدث به محمد بن جعفر الفَيْدي، عن أبي معاوية؟ هذا أو نحوه.

وقال أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت الهروي، فقال: ليس ممن يكذب. فقيل له في حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس:"أنا مدينة العلم وعلي بابها"؟ فقال: هو من حديث أبي معاوية، أخبرني ابن نمير، قال: حدث به أبو معاوية قديما ثم كفَّ عنه. وكان أبو الصلت رجلا موسرا يطلب هذه الأحاديث ويكرم المشايخ، وكانوا يحدثونه بها.

وقال عبد المؤمن بن خلف النسفي: سألت أبا علي صالح بن محمد عن أبي الصلت الهروي، فقال: رأيت يحيى بن معين يحسن القول فيه، ورأيت يحيى بن معين عنده وسئل عن الحديث الذي روى عن أبي معاوية - حديث علي:"مدينة العلم" - فقال: رواه أيضًا الفيدي. قلت: ما اسمه؟ قال: محمد بن جعفر)

(1)

.

وابن خزيمة وابن حبان يلتفتان إلى الغرابة ولكنهما قد يتساهلان في الحكم، فيقبلان أحيانا ما كان منكرًا عند غيرهما.

(1)

"تهذيب الكمال"(18/ 76 - 79)، "تاريخ بغداد"(12/ 318 - 321)، وينظر:"المنتخب من علل الخلال"(120 - 121).

ص: 665

فأما ابن خزيمة: فهاك أمثلة تدل على منهجه في هذه المسألة:

قال: (ثنا الحسن بن سعيد أبو محمد القَزَّاز الفارسي - سكن بغداد - بخبر غريب الإسناد، قال: ثنا غسان بن عبيد الموصلي، ثنا عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقبل صلاة إلا بطهور، ولا صدقة من غلول")

(1)

.

قال ابن عدي: (وهذا لا أعلم رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم غير غسان بن عبيد عن عكرمة بن عمار، وروي عن أبي حذيفة عن عكرمة مرفوعًا أيضًا، وغيرهما وقفوه على أبي هريرة، ولغسان بن عبيد غير ما ذكرت من الحديث، والضعفُ على حديثه بين)

(2)

.

قلت: تبين أن في صحة هذا الحديث من هذا الوجه نظرًا، وكأن أبا بكر ابن خزيمة عندما لاحظ هذا، ساقه بعد حديث سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن ابن عمر الذي في مسلم

(3)

، ثم ذكر بعد حديث غسان حديث كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة مرفوعًا بنفس المتن.

وقال ابن خزيمة: (ثنا علي بن الحسين الدِّرِهَمي بخبر غريب غريب، قال: حدثنا معتمر، عن سفيان الثوري، عن مُحَارِب بن دِثار، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة إلا يوم فتح مكة فإنه شغل، فجمع بين الظهر والعصر بوضوء واحد.

حدثنا أبو عمار، ثنا وكيع بن الجراح، عن سفيان، عن مُحَارِب بن دِثار، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم فتح مكة صلى الصلوات كلها بوضوء واحد.

(1)

"صحيح ابن خزيمة"(9).

(2)

"الكامل"(8/ 566).

(3)

"صحيح مسلم"(244).

ص: 666

قال أبو بكر: لم يسند هذا الخبر عن الثوري أحد نعلمه غير المعتمر ووكيع.

رواه أصحاب الثوري غيرهما، عن سفيان، عن مُحَارِب، عن سليمان بن بريدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. فإن كان المعتمر ووكيع مع جلالتهما حفظا هذا الإسناد واتصاله، فهو خبر غريب غريب)

(1)

.

قلت: رواية الدِّرْهَمي عن معتمر، تابعه عليها عمرو بن علي الفَلَّاسُ كما في "مسند الرُّوياني"

(2)

.

قال عبد الله بن أحمد: (حدثني أبي، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا سفيان في حديث محارب، عن سليمان بن بريدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني في يوم فتح مكة أنه صلى الصلوات بوضوء واحد. وقال وكيع: عن أبيه.

فقال يحيى: هو مرسل)

(3)

.

وكذلك قال أبو زرعة والترمذي والدارقطني

(4)

.

والحديث مشهور من رواية علقمة بن مَرْثَد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، كما في "صحيح مسلم"

(5)

.

وقال ابن خزيمة: (نا محمد بن الوليد بخبر غريب، نا محمد بن جعفر، نا شعبة، عن خالد الحَذَّاء، عن عبد الله بن شَقِيق، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في إنائه - أو في وضوئه - حتى يغسلها؛ فإنه لا يدري أين أتت يده منه")

(6)

.

(1)

"صحيح ابن خزيمة"(13 - 14).

(2)

(68).

(3)

"العلل"(4188).

(4)

"علل ابن أبي حاتم"(152)، "جامع الترمذي"(62)، "علل الدارقطني"(2861).

(5)

(277).

(6)

"صحيح ابن خزيمة"(100).

ص: 667

قلت: الظاهر أن ابن خزيمة يريد بكونه غريبًا عن غُنْدر، لكن تابع ابنَ الوليد الإمامُ أحمد في "المسند"

(1)

، وأخرجه الدارقطني من طريق محمد بن الوليد به

(2)

، وقال:(تابعه عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة). فكأنه يريد أن ينفي الغرابة.

وقال ابن خزيمة: (نا محمد بن ميمون، أخبرنا يحيى، نا سفيان، عن معمر، عن ثابت، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد.

قال أبو بكر: هذا خبر غريب، والمشهور: عن معمر، عن قتادة، عن أنس)

(3)

.

ثم أتبعه برواية معمر عن قتادة

(4)

.

قلت: محمد بن ميمون يروي عن ابن عيينة مباشرة، ولم يُذكر (يحيى) في "إتحاف المهرة"

(5)

، وهو الصواب.

ويريد بكونه غريبًا: عن معمر عن ثابت، وهو مشهور عن معمر عن قتادة، فالظاهر أن ابن عيينة أخطأ، لذا صوّب النسائي عن معمر عن قتادة لا عن ثابت

(6)

.

وقال ابن خزيمة: (حدثنا بُنْدار، نا أبو بكر يعني الحنفي، نا عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، أن بلالا كان يقول أول ما أذّن: أشهد أن لا إله إلا الله، حي على الصلاة، فقال له عمر: قل في أثرها: أشهد أن محمدًا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل كما أمرك عمر")

(7)

.

(1)

"مسند أحمد"(9869).

(2)

"سنن الدارقطني"(127).

(3)

"صحيح ابن خزيمة"(229).

(4)

"صحيح ابن خزيمة"(230).

(5)

(730).

(6)

"السنن الكبرى"(9185).

(7)

"صحيح ابن خزيمة"(362).

ص: 668

قلت: هذا خبر منكر، ويظهر أن الحنفي قد تفرد به، وهذا مما يستدرك به على ابن خزيمة، لأنه خرّجه في "الصحيح".

وقال ابن خزيمة: (نا علي بن حُجْر السعدي غير مرة، أخبرنا شريك، عن مُخوَّل بن راشد، عن مسلم البَطِين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة {الم (1) تَنْزِيلُ}، و {هَلْ أَتَى} .

نا بُنْدار، نا محمد، عن شعبة، عن مُخوَّل، عن مسلم البَطِين، ح وحدثنا الصنعاني، نا خالد يعني ابن الحارث، أنا شعبة، أخبرني مُخوَّل، قال: سمعت مسلما البَطِين، يحدث عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح {الم (1) تَنْزِيلُ} ، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} ، وفي صلاة الجمعة سورة الجمعة، والمنافقون.

نا الفضل بن يعقوب الرُّخَامِي بخبر غريب غريب، قال: حدثنا أسد بن موسى، نا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة {الم (1) تَنْزِيلُ} ، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} )

(1)

.

قلت: تابع الرُّخَامِيَ المقدامُ بن داود المصري

(2)

، وإن كان لا يحتج به، لكنّ الرُّخَامِي ثقة مشهور، وهذه الغرابة عن حماد لا تقبل، والرواة عنه كثر، فلعل الحمل على أسد بن موسى، خاصة وأن له بعض الغرائب.

وقال ابن خزيمة: (حدثنا محمد بن حسان الأَزْرق بخبر غريب غريب - إن كان حفظ اتصال الإسناد -، حدثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن بلال أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبقني بآمين.

(1)

"صحيح ابن خزيمة"(533).

(2)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(12/ 58) عن المقدام، عن أسد به.

ص: 669

قال أبو بكر: هكذا أملى علينا محمد بن حسان هذا الحديث من أصله

فقال: عن بلال، والرواة إنما يقولون في هذا الإسناد: عن أبي عثمان أن بلالا قال للنبي صلى الله عليه وسلم)

(1)

.

وقال ابن خزيمة: (نا يحيى بن حبيب الحارثي، حدثنا خالد بن الحارث، عن محمد بن عَجْلان، عن نافع، عن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة نفر، فأنزل الله عز وجل {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] قال: فهداهم الله للإسلام.

قال أبو بكر: هذا حديث غريب أيضًا)

(2)

.

قال الترمذي: (هذا حديث حسن غريب صحيح، يستغرب من هذا الوجه من حديث نافع عن ابن عمر، ورواه يحيى بن أيوب، عن ابن عَجْلان)

(3)

.

من خلال الأمثلة التي سبق ذكرها يتبين اهتمامه الكبير بمسألة الغرابة، وذلك أنه إذا وقف على الغرابة في الإسناد يبيّنها ولا يتركها، لكنه لا يجعلها علة يرد بها الخبر كأصحاب المذهب الأول، كما أنه ليس من أصحاب المذهب الثالث لأنه يلتفت إليها ويهتم بها، لكنه يقبلها وهو الأكثر، وأحيانا يميل إلى قبولها مع شيء من التردد، ويعلق ذلك بحفظ الراوي لهذا الوجه الغريب، وأحيانا يردها.

وأما ابن حبان: فقد اهتم بهذه المسألة اهتماما بالغا، فتتبعها في ثلاثة مواضع:

الأول: عند بيان حد الحديث الصحيح وما يضاده.

(1)

"صحيح ابن خزيمة"(573).

(2)

"صحيح ابن خزيمة"(623).

(3)

"جامع الترمذي"(3005).

ص: 670

والثاني: عند حكمه على الرواة.

والثالث: عند حكمه على الحديث عمليًّا، ولكنه في الجانب العملي ليس مثل الجانب النظري، فإنه وإن كان نبه على بعض الأحاديث الغريبة التي خرجها في كتابه الصحيح المسمى "التقاسيم والأنواع" إلا أنه لم يعتبرها علة، كما أنه لم ينبه إلى كثير من الغرائب.

ومن الأمثلة على ذلك:

أول حديث في كتابه، خرّجه من طريق الأوزاعي، عن قُرَّة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه بحمد الله فهو أَقْطَع".

فهذا حديث منكر؛ وذلك أن وصله غريب جدا، كما رواه الثقات المشاهير عن الزهري.

قال أبو داود: (رواه يونس وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا)

(1)

.

قال الدارقطني: (وهو الصواب)

(2)

.

وخرّج من طريق محمد بن عبد الرحمن بن سهم، عن أبي إسحاق الفَزَارِي، عن مالك بن أنس، عن سالم أبي النَّضر، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي رافع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أعرفن الرجل يأتيه الأمر من أمري، إما أمرت به وإما نهيت عنه، فيقول: ما ندري ما هذا، عندنا كتاب الله ليس هذا فيه"

(3)

.

قلت: وصلَه غريب عن مالك، وليس هو في "الموطأ"، وقد رواه ابن

(1)

"السنن"(4840).

(2)

"العلل"(1391).

(3)

"صحيح ابن حبان"(13).

ص: 671

وهب - كما عند الحاكم - عن مالك، عن سالم، عن عبيد الله مرسلا

(1)

.

وقال الدارقطني: (رواه أبو إسحاق الفزاري، عن مالك، عن أبي النضر، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه. ولم يأت به عنه غير ابن سهم، وغيره أثبت منه، وحديث ابن وهب أشهر وأثبت عن مالك)

(2)

.

والمشهور في الموصول رواية ابن عيينة عن سالم به، رواه الحميدي وأبو داود والترمذي وصحّحه

(3)

، وأخرجه أحمد من حديث ابن لَهيعة عن سالم به

(4)

.

وقال ابن حبان: (أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بِبُسْتَ ومحمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف بنيسابور، قالا: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال حدثنا خلف بن خليفة، عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لتدخلُنّ الجنة كلكم إلا من أبى وشرد على الله كَشِرَادِ البعير". قالوا: يا رسول الله ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى")

(5)

.

قلت: إسناده حسن إلى المسيب، ولكن لم يثبت له سماع من أبي سعيد، وهو غريب من حديث أبي سعيد، والمشهور حديث أبي هريرة كما عند البخاري

(6)

.

(1)

"المستدرك"(369).

(2)

"الأحاديث التي خولف فيها مالك"(48).

(3)

"مسند الحميدي"(561)، "سنن أبي داود"(4605)، "جامع الترمذي" (2867) وفي "تحفة الأشراف" (12019):(حسن).

(4)

"مسند أحمد"(23861).

(5)

"صحيح ابن حبان"(17)، قال الطبراني في "المعجم الأوسط" (808):(لم يرو هذا الحديث عن العلاء بن المسيب إلا خلف بن خليفة).

(6)

"صحيح البخاري"(7280).

ص: 672

وقال ابن حبان: (أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن العباس السَّامِي، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن قتادة عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بالبراق ليلة أسري به مُسْرَجًا مُلْجَمًا ليركبه، فاستصعب عليه، فقال له جبريل: ما يحملك على هذا، فوالله ما ركبك أحد أكرم على الله منه، قال فَارْفَضَّ عَرَقًا)

(1)

.

قلت: هو حديث غريب، قال أبو عيسى الترمذي:(هذا حديث حسن غريب، ولا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق)

(2)

.

أخرجه البزار

(3)

عن الحسن بن الصباح ومحمد بن عبد الرحيم، عن أبي المنذر إسماعيل بن عمر، عن سعيد، عن قتادة به. وقال:(وهذا الحديث إنما يرويه سعيد عن قتادة عن أنس عن مالك بن صَعصعة، وإسماعيل بن عمر عنده مختصر).

وإسماعيل بن عمر قال ابن حجر: ثقة. فالله أعلم.

وقال ابن حبان: (أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد المروزي بالبصرة، قال: حدثنا محمد بن سهل بن عَسْكَر، قال: حدثنا ابن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا تماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار")

(4)

.

ذكر ابن عدي في "الكامل" في ترجمة يحيى بن أيوب، أن هذا

(1)

"صحيح ابن حبان"(46)، وهو في "مسند أحمد"(12672).

(2)

"جامع الترمذي"(3417).

(3)

"مسند البزار"(7113)، وأشار الدارقطني لرواية سعيد في "العلل"(7/ 313).

(4)

"صحيح ابن حبان"(77).

ص: 673

الحديث غير محفوظ، وأنه معروف بيحيى بن أيوب، يتفرد به عن ابن جريج

(1)

.

قلت: ورواه ابن وهب، عن ابن جريج فأرسله، أخرجه الحاكم

(2)

.

وقال ابن حبان: (أخبرنا الفضل بن الحُباب الجُمَحي، حدثنا حفص بن عمر الحَوْضِي، حدثنا مُحرّر بن قَعْنَب الباهلي، حدثنا رِيَاح بن عبيدة، عن ذَكْوَان السَّمَّان، عن جابر بن عبد الله، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ناد في الناس: من قال: لا إله إلا إله دخل الجنة"، فخرج فلقيه عمر في الطريق، فقال: أين تريد؟ قلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، قال: ارجع، فأبيت، فَلَهَزَني لَهْزَةً في صدري ألمُها، فرجعت ولم أجد بُدًّا، قال: يا رسول الله، بعثت هذا بكذا وكذا؟ قال: "نعم"، قال: يا رسول الله، إن الناس قد طمعوا وخشوا، فقال صلى الله عليه وسلم: "اقعد")

(3)

.

قلت: إسناده غريب، ورجاله ثقات عدا مُحرّر بن قَعْنَب، وهو ليس بالمشهور.

والمشهور حديث عكرمة بن عمار، عن أبي كثير السُّحَيْمِي، عن أبي هريرة. كما أخرجه مسلم

(4)

، وهذا أصح؛ لأنه يبعُد أن تتكرر هذه القصة مرتين.

وقال ابن حبان: (أخبرنا الحسين بن محمد بن مصعب بخبر غريب غريب، حدثنا أبو داود السِّنْجِي سليمان بن مَعْبَد، حدثنا ابن أبي مريم،

(1)

(10/ 570)، وينظر:"تاريخ الإسلام"(4/ 540 - 541) و"الميزان"(4/ 362 - 363) للذهبي.

(2)

"المستدرك"(292).

(3)

"صحيح ابن حبان"(151).

(4)

"صحيح مسلم"(31).

ص: 674

حدثنا يحيى بن أيوب، عن ابن الهاد، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"الإيمان سبعون أو اثنان وسبعون بابا، أرفعه لا إله إلا الله، وأدناه إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان")

(1)

.

قلت: وجدت ابن لَهيعة تابع يحيى بن أيوب، عند ابن بطة

(2)

، قَرَن بينهما:(يحيى بن أيوب وابن لَهيعة قالا: نا ابن الهاد)، ولكن يخشى أن يكون دلّسه، فإنه كان سيء التدليس، وهذا التصريح بالتحديث يحتمل أن يكون ليحيى وليس له، فإنه قُرن معه في الإسناد كما ترى.

وقال ابن حبان: (أخبرنا الحسين بن محمد بن أبي مَعْشَر بخبر غريب، قال: حدثنا محمد بن وهب بن أبي كَرِيمَة، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أُنَيْسَة، عن الأعمش، عن أبي الضُّحى، عن مسروق، عن ابن مسعود، قال: كنت مستترا بحجاب الكعبة، وفي المسجد رجل من ثقيف وَخَتَنَاهُ قرشيان، فقالوا: ترون أن الله يسمع حديثنا؟

)

(3)

.

قلت: استغربه من أجل تفرد زيد بن أبي أُنَيسة بروايته عن الأعمش، عن أبي الضُّحى، عن مسروق.

والمشهور رواية الثوري، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن وهب بن ربيعة، عن ابن مسعود، كما أخرجه مسلم

(4)

.

وقد يكون الخطأ من شيخ ابن حبان الحسين بن محمد، فإن ظاهر

(1)

"صحيح ابن حبان"(181).

(2)

"الإبانة الكبرى"(886).

(3)

"صحيح ابن حبان"(390).

(4)

"صحيح مسلم"(2775)، وأخرجه كذلك عبد الرزاق في "تفسيره"(2701)، وأحمد (3875)، والترمذي (3552).

ص: 675

كلام ابن حبان يدل على أن الغرابة منه، وأنا أذهب إلى هذا، وأن الحسين هو الذي أتى بهذا الإسناد الغريب.

ثم وقفت على ما أخرجه الطبراني في "الكبير"

(1)

عن أبي عروبة الحسين بن محمد الحراني وأبو عقيل أنس بن سلم الخولاني، قالا: ثنا أبو المعافى محمد بن وهب به.

وقال ابن حبان: (أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى بخبر غريب، قال: حدثنا قَطَنُ بن نُسَيْر الصيرفي، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى شِسْعَ نعله إذا انقطع")

(2)

.

قلت: رواه أبو عيسى الترمذي من طريق أبي داود، عن قَطَنبه، ثم قال: (هذا حديث غريب، وروى غير واحد هذا الحديث عن جعفر بن سليمان، عن ثابت البناني، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا فيه عن أنس.

حدثنا صالح بن عبد الله، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت البناني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليسأل أحدكم ربه حاجته حتى يسأله الملح، وحتى يسأله شِسْع نعله إذا انقطع"، وهذا أصح من حديث قَطَن، عن جعفر بن سليمان)

(3)

.

وأخرجه ابن عدي في "الكامل"

(4)

من طريق القواريري، حدثنا جعفر، عن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، ثم قال:(فقال رجل للقواريري: إن لي شيخا يحدث به عن جعفر، عن ثابت، عن أنس؟ فقال القواريري: باطل. وهذا كما قال).

(1)

(10/ 140).

(2)

"صحيح ابن حبان"(866).

(3)

"الجامع"(3949، 3950).

(4)

(8/ 701).

ص: 676

وقال ابن حبان: (أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد الدَّغُولِي بخبر غريب من كتابه، قال: حدثنا محمد بن داود بن دينار الكِرْماني، قال: حدثنا عبد الله بن نافع، قال: حدثنا مالك بن أنس وغيره، عن نافع، عن ابن عمر، قال: عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وأنا ابن أربع عشرة سنة، ولم أحتلم، فلم يقْبلني، ثم عُرضت عليه يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة سنة فقبلني)

(1)

.

قلت: وجه الغرابة كونه من طريق مالك، وهو منكر عن مالك، فأين أصحابه عن هذا الحديث!؟

والمشهور أنه من حديث عبيد الله بن عمر، عن نافع به، أخرجاه في "الصحيحين"

(2)

.

وقال ابن حبان: (أخبرنا الفضل بن الحُبَابِ الجُمَحِي بالبصرة، حدثنا القَعْنَبي، حدثا عبد العزيز بن محمد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله، وآمنوا بي وبما جئت به، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله".

تفرد به الدَّرَاوَرْدِي)

(3)

.

قلت: أخرجه مسلم

(4)

من حديث روح بن القاسم والدراوردي، كلاهما عن العلاء به.

وقال ابن حبان: (أخبرنا ابن قتيبة، حدثنا غالب بن وزير الغَزِّي،

(1)

"صحيح ابن حبان"(4727).

(2)

"صحيح البخاري"(2664)، "صحيح مسلم"(1868).

(3)

"صحيح ابن حبان"(174).

(4)

"صحيح مسلم"(34).

ص: 677

حدثنا وكيع، قال: حدثني الأعمش، عن المَعْرُور بن سُوَيد، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعبد عابد من بني إسرائيل، فعبد الله في صومعته، ستين عاما، فأمطرت الأرض، فاخضرت، فأشرف الراهب من صومعته، فقال: لو نزلت فذكرت الله لازددت خيرا، فنزل ومعه رغيف أو رغيفان، فبينما هو في الأرض لقيته امرأة، فلم يزل يكلمها وتكلمه حتى غشيها، ثم أغمي عليه، فنزل الغدير يستحم، فجاءه سائل، فأومأ إليه أن يأخذ الرغيفين أو الرغيف، ثم مات، فوزنت عبادة ستين سنة بتلك الزنية، فرجحت الزنية بحسناته، ثم وضع الرغيف أو الرغيفان مع حسناته، فرجحت حسناته فغفر له".

قال أبو حاتم: سمع هذا الخبر غالب بن وزير عن وكيع ببيت المقدس، ولم يحدث به بالعراق، وهذا مما تفرد به أهل فلسطين عن وكيع)

(1)

.

قلت: هذا حديث منكر، ويظهر أن غالب تفرد به عن وكيع

(2)

.

فيلاحظ عليه - كما مر في الأمثلة - أنه قد اعتنى بهذا الأمر اعتناء بالغا.

وكذلك في حكمه على الرجال الثقات:

فقال في "المشاهير": (حُصَيْن بن نُمَير أبو عمر، من الأثبات في الروايات، وكان يغرب)

(3)

.

وقال عن علي بن المبارك: (من المتقنين وأهل الفضل في الدين، ممن يغرّب فيجود)

(4)

.

(1)

"صحيح ابن حبان"(378).

(2)

ينظر: "لسان الميزان"(6/ 301).

(3)

"مشاهير علماء الأمصار"(1408).

(4)

المرجع السابق (1251).

ص: 678

وقال عن عبيد الله بن شَوْذَب: (كان متيقظا، يغرب)

(1)

.

وقال في "الثقات" عن عبيد الله الأشجعي: (يغرب ويتفرد)

(2)

.

وقال عن حمدان بن ذي النون: (مستقيم الحديث، يغرب)

(3)

.

وقال عن داود بن حماد الجَرْمي: (وكان صاحب حديث حافظا، يغرب)

(4)

.

وقال عن سفيان بن مِسْكِين: (تفقدت حديثه على أن أرى فيه شيئًا يغرب، فلم أره إلا مستقيم الحديث)

(5)

.

وقال عن إبراهيم بن الأَشْعث البخاري: (يغرب ويتفرد، ويخطئ ويخالف)

(6)

.

وقد لاحظ هذا أيضًا على الرواة الضعفاء، فكثيرا ما يقول:(لا يقبل إذا انفرد).

قال عن إبراهيم بن مُهاجِر: (كثير الخطأ، تستحب مجانبة ما انفرد من الروايات، ولا يعجبني الاحتجاج بما وافق الأثبات؛ لكثرة ما يأتي من المقلوبات)

(7)

.

وقال عن عبد الحميد بن الحسن الهلالي: (كان ممن يخطئ، حتى خرخ عن حد الاحتجاج به إذا انفرد)

(8)

.

وقال عن إبراهيم بن علي الرافعي: (كان يخطئ، حتى خرج عن حد

(1)

المرجع السابق (1435).

(2)

"الثقات"(8/ 403).

(3)

المرجع السابق (8/ 220).

(4)

المرجع السابق (8/ 236).

(5)

المرجع السابق (8/ 289).

(6)

المرجع السابق (8/ 66).

(7)

"المجروحين"(1/ 97).

(8)

المرجع السابق (2/ 125).

ص: 679

من يحتج به إذا انفرد)

(1)

.

وقال عن إبراهيم بن عمر بن أبان: (ليس ممن يحتج بخبره إذا انفرد)

(2)

.

وقال عن عطاء الجمَّال: (يروي عن علي ما لا يتابع عليه، وليس من العدالة بالمحل الذي يعتمد عليه عند الانفراد)

(3)

.

وقال في مقدمة "المجروحين": (فمن لم يحفظ سنن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يحسن تمييز صحيحها من سقيمها، ولا عرف الثقات من المحدثين ولا الضعفاء من المتروكين، ومن يجب قبول انفراد خبره ممن لا يجب قبول زيادة الألفاظ في روايته

)

(4)

.

وقال في مقدمة "الصحيح": (وإني أمثِّل للاعتبار مثالا يُستدرك به ما وراءه: وكأنا جئنا إلى حماد بن سلمة، فرأيناه روى خبرا عن "أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم" لم نجد ذلك الخبر عند غيره من أصحاب أيوب، فالذي يلزمنا فيه التوقف عن جرحه، والاعتبار بما روى غيره من أقرانه، فيجب أن نبدأ فننظر هذا الخبر: هل رواه أصحاب حماد عنه، أو رجل واحد منهم وحده؟ فإن وجد أصحابه قد رووه، علم أن هذا قد حدث به حماد، وإن وجد ذلك من رواية ضعيف عنه، ألزق ذلك بذلك الراوي دونه، فمتى صح أنه روى عن أيوب ما لم يتابع عليه، يجب أن يتوقف فيه، ولا يلزق به الوهن، بل ينظر: هل روى أحد هذا الخبر من الثقات عن ابن سيرين غير أيوب؟ فإن وجد ذلك، عُلم أن الخبر له أصل يرجع إليه، وإن لم يوجد ما وصفنا، نُظر حينئذ: هل روى أحد هذا الخبر عن أبي هريرة غير ابن سيرين من الثقات؟ فإن وجد ذلك، علم أن الخبر له

(1)

المرجع السابق (1/ 99).

(2)

المرجع السابق (1/ 107).

(3)

المرجع السابق (2/ 113).

(4)

المرجع السابق (1/ 13).

ص: 680

أصل، وإن لم يوجد ما قلنا، نُظر: هل روى أحد هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي هريرة؟ فإن وجد ذلك، صحَّ أن الخبر له أصل، ومتى عدم ذلك، والخبر نفسه يخالف الأصول الثلاثة، عُلم أن الخبر موضوع لا شك فيه، وأن ناقله الذي تفرد به هو الذي وضعه)

(1)

.

ولكن عند التطبيق كأنه لم يلتزم ما نظّر له، بل تساهل في بعض ما خرّج من الغرائب، حتى صحّح أحاديثَ منكرة إسنادًا ومتنًا كما تقدم، وليست بكثيرة بالنسبة لسائر الأحاديث التي خرجها في كتابه "التقاسيم والأنواع".

ويلحق بهما يحيى بن محمد بن صاعد

(2)

.

وأما أبو عبد الله الحاكم: ففي كتابه "المستدرك" في أحيانٍ كثيرة لا يلتفت إلى الغرابة والتفرد، وأحيانا يلتفت ولكنه لا يجعلها علة.

ولقد خرّج من طريق حبيب بن الشهيد، ثنا حميد بن هلال، ثنا هِصَّان بن كاهِل - وفي حديث ابن أبي عدي كاهِن - قال: جلست مجلسا فيه عبد الرحمن بن سَمُرة ولا أعرفه، فقال: حدثنا معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما على الأرض نفس تموت لا تشرك بالله شيئًا، تشهد أني رسول الله، يرجع ذلك إلى قلب موقن، إلا غفر الله لها".

قال: فقلت: أأنت سمعت من معاذ، فعنّفني القوم، فقال: دعوه فإنه لم يُسِئِ القول، نعم، أنا سمعته من معاذ بن جبل، وزعم معاذ أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الحاكم: (هذا حديث صحيح، وقد تداوله الثقات، ولم يخرجاه

(1)

(1/ 155).

(2)

ينظر: "الجزء الخامس من الأفراد" لابن شاهين، الأحاديث:(10، 12، 16، 18).

ص: 681

جميعًا بهذا اللفظ، والذي عندي - والله أعلم - أنهما أهملاه لهِصَّان بن كاهِل، ويقال: ابن كاهِن، فإن المعروف بالرواية عنه حميد بن هلال العدوي فقط، وقد ذكر ابن أبي حاتم، أنه روى عنه قُرَّة بن خالد أيضًا، وقد أخرجا جميعًا عن جماعة من الثقات لا راوي لهم إلا واحد، فيلزمهما بذلك إخراج مثله، والله أعلم)

(1)

.

وخرّج من طريق محمد بن سابق، ثنا إسرائيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء".

قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بهؤلاء الرواة عن آخرهم، ثم لم يخرّجاه، وأكثر ما يمكن أن يقال فيه: أنه لا يوجد عند أصحاب الأعمش، وإسرائيل بن يونس السبيعي كبيرهم وسيدهم، وقد شارك الأعمش في جماعة من شيوخه، فلا ينكر له التفرد عنه بهذا الحديث)

(2)

.

وقد قال الترمذي - وقد خرجه من طريق ابن سابق -: (هذا حديث حسن غريب، وقد روي عن عبد الله من غير هذا الوجه)

(3)

.

ومثل الحاكم ابن شاهين

(4)

، ولا يخفى أنهما من الحفاظ الكبار، فهما منتبهان للغرابة - مع تساهل عند الحاكم -، ولكنهما عند الحكم يتساهلان في قبول هذه الغرائب.

المذهب الرابع: وهو منهج الذين لا يلتفتون إلى الغرابة أو التفرد،

(1)

"المستدرك"(16).

(2)

"المستدرك"(29).

(3)

"جامع الترمذي"(2104).

(4)

ينظر: "الجزء الخامس من الأفراد" الأحاديث: (2، 5 - 7، 10، 17، 25).

ص: 682

حيث إنهم لا يرونها علة، بل قد يعيبون في بعض الأحيان من يعل الحديث بها

(1)

.

قال القاضي أبو يعلى: (ومعنى قول أحمد: ضعيف: على طريقة أصحاب الحديث؛ لأنهم يضعفون بما لا يوجب تضعيفه عند الفقهاء؛ كالإرسال، والتدليس، والتفرد بزيادة في حديث لم يروها الجماعة، وهذا موجود في كتبهم: تفرد به فلان وحده)

(2)

.

ومثله عند ابن عقيل في "الواضح في أصول الفقه"

(3)

.

وقال ابن دقيق العيد في تعريف الحديث الصحيح: (ومداره بمقتضى أصول الفقهاء والأصوليين: على صفة عدالة الراوي في الأفعال مع التيقظ، العدالة المشترطة في قبول الشهادة، على ما قُرر من الفقه، فمن لم يقبل المرسل منهم زاد في ذلك أن يكون مسندًا.

وزاد أصحاب الحديث: أن لا يكون شاذًا ولا معللًا، وفي هذين الشرطين نظر على مقتضى مذهب الفقهاء؛ فإن كثيرًا من العلل التي يعلل بها المحدثون الحديث لا تجري على أصول الفقهاء.

وبمقتضى ذلك حُدَّ الحديث الصحيح بأنه: الحديث المسند الذي يتصل إسناده، بنقل العدل الضابط عن العدد الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذًا ولا معللًا.

ولو قيل في هذا: الحديث الصحيح المجمع على صحته هو كذا وكذا .. إلى آخره، لكان حسنًا؛ لأن من لا يشترط مثل هذه الشروط لا يحصر الصحيح في هذه الأوصاف، ومن شرط الحد أن يكون جامعًا مانعًا)

(4)

.

(1)

ينظر ما تقدم: فصل في مخالفة المتأخرين في مسألة الغرابة وأنها ليست بعلّة.

(2)

"العدة في أصول الفقه"(3/ 941).

(3)

(5/ 22).

(4)

"الاقتراح في بيان الاصطلاح"(ص: 186).

ص: 683

وسار على هذا جمعٌ من المحدثين ممن تأخر:

منهم: أبو جعفر ابن جرير الطبري، كما في كتابه "تهذيب الآثار"، قال:(وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح، وذلك أنه خبر لا يعرف له مخرج عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، والخبر إذا انفرد به عندهم منفرد وجب التثبت فيه)

(1)

.

والأمثلة على ذلك كثيرة في كتابه "تهذيب الآثار".

وكذلك أبو محمد بن حزم

(2)

، وابن القطان الفاسي، وغيرهم.

معنى قولِ أحمدَ: ضعيفٌ، على طريقةِ أصحابِ الحديث، وقولُه: والعملُ عليه. كلامُ فقيهٍ يُعَوِّلُ على ما يقوله الفقهاءُ من إلغاءِ التضعيفِ من المحدّثين؛ لأنَّهم يُضعِّفونَ. مما لا يوجبُ ضعفًا عند الفقهاءِ؛ كالإرسالِ والتدليسِ والتفرّدِ بالروايةِ، وهذا موجودٌ في كتبهم، يقولون: وهذا الحديث تفرَّدَ به فلانٌ وحده.

والمنهج الذي سار عليه علي بن المديني والبخاري ومن وافقهما هو أقرب المناهج، والله أعلم.

* * *

(1)

"تهذيب الآثار، مسند علي"(3/ 4).

(2)

ذكر الذهبي في "السير"(18/ 195) أن لابن حزم مختصرًا في علل الحديث يقع في مجلد، وهذا المختصر يحتمل أن يكون لزكريا بن يحيى الساجي، فإن له كتابًا في العلل كما ذكر الذهبي في "السير"(14/ 199). وقد ذكر ابن القطان في "بيان الوهم"(5/ 405) أن ابن حزم اختصر كتاب الساجي في الرجال، ولا يبعد أن يكونا كتابًا واحدًا، وقد يكون مصنفًا مستقلًا.

ولا يخفى أن العلّة لا تنحصر في القادح الخفي، بل إنها تطلق في الأمور الظاهرة؛ كانقطاع الإسناد، وضعف الراوي.

ص: 684

‌الفصل الحادي والعشرين: اختلاف منهج المحدثين في الغرابة من أسباب اختلافهم في الحكم على الراوي

قلت: وإن من أوضح ما يبين هذه المسألة ما تقدم في اختلاف الحكم على عبد الملك بن أبي سليمان:

قال يحيى بن معين: حديث لم يحدث به أحد إلا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء، وقد أنكره عليه الناس، ولكن عبد الملك ثقة صدوق لا يُرد على مثله.

وأما أحمد فقال: حديث منكر

(1)

.

ومما يوضح أيضًا هذه المسألة، الاختلاف في عبد الله بن أبي صالح:

فيحيى بن معين قال عنه: ثقة.

ومعنى هذا أن حديثه صحيح عنده، وهو لم يرو إلا حديثًا واحدًا.

وأما علي بن المديني فقال: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث

(2)

.

فهذا مرجعه إلى اختلاف منهجهم في الغرابة.

والله أعلم.

* * *

(1)

"العلل" رواية عبد الله (2256).

(2)

"تهذيب التهذيب"(2/ 358).

ص: 685

‌فصل: مصطلح "أصح ما في الباب"

استعمل الترمذي في هذا المعنى ألفاظًا مختلفة: من الألفاظ التي استعملها أبو عيسى في "الجامع".

1 -

قوله: (أحسن شيء في الباب وأصح).

ومثاله: ما أخرجه من حديث أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا" الحديث.

قال أبو عيسى: (وفي الباب عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزُّبيدي، ومعقل بن أبي الهيثم - ويقال: معقل بن أبي معقل -، وأبي أمامة، وأبي هريرة، وسهل بن حنيف.

حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا الباب وأصح)

(1)

.

وأخرج أيضًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم.

قال أبو عيسى: (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وعائشة، وابن حديدة، وأم سلمة.

حديث أبي هريرة حديث حسن.

(1)

"الجامع"(7) وينظر أيضًا: (11، 42، 44، 121).

ص: 687

وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول: حديث أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أحسن شيء في هذا الباب وأصح)

(1)

.

2 -

قوله: (هذا الحديث أصح شيء في الباب وأحسن).

ومثاله: ما أخرجه من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول".

قال أبو عيسى: (هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن.

وفي الباب عن أبي المليح عن أبيه، وأبي هريرة، وأنس)

(2)

.

وأخرج أيضًا حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم".

قال أبو عيسى: (هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن.

وفي الباب عن جابر، وأبي سعيد)

(3)

.

ثم أخرج حديث أبي سعيد في أبواب الصلاة، وقال: (وفي الباب عن علي، وعائشة.

وحديث علي بن أبي طالب أجود إسنادا وأصح من حديث أبي سعيد، وقد كتبناه في أول كتاب الوضوء)

(4)

.

3 -

قوله: (أصح شيء في الباب).

مثاله: ما أخرجه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه في التشهد، وقال: (وفي الباب عن ابن عمر، وجابر، وأبي موسى، وعائشة.

(1)

"الجامع"(1393).

(2)

"الجامع"(1)، وينظر أيضًا:(4، 31).

(3)

"الجامع"(3).

(4)

"الجامع"(238).

ص: 688

حديث ابن مسعود قد روي عنه من غير وجه، وهو أصح حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد)

(1)

.

4 -

قوله: (أحسن شيء روي في الباب).

ومثاله: ما أخرجه من حديث كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم كبّر في العيدين في الأولى سبعًا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسًا قبل القراءة.

قال أبو عيسى: (وفي الباب عن عائشة، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو.

حديث جد كثير حديث حسن، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم)

(2)

.

ويأتي هذا المصطلح عند الترمذي على ضربين:

الضرب الأول: عندما يحكم على الحديث الذي يذكره في الباب بالصحة أو بالضعف، ثم يقوله:(هذا أصح شيء في هذا الباب).

فإن كان حكم على الحديث بالصحة فعندئذ يكون معنى العبارة: أنّ هذا الحديث صحيح، وهو أصح شيء في الأحاديث التي وردت في هذا الباب.

ومثاله: ما جاء في (باب ما يقول إذا دخل الخلاء)

(3)

، وساق الترمذي بإسناده من حديث أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبيث، أو: الخبث والخبائث".

(1)

"الجامع"(290).

(2)

"الجامع"(544).

(3)

"الجامع"(4 - 5).

ص: 689

قال الترمذي: (وفي الباب عن علي، وزيد بن أرقم، وجابر، وابن مسعود.

حديث أن أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب).

ثم ساق حديث أنس من طريق آخر، وقال:(هذا حديث حسن صحيح)

(1)

.

قلت: وفي هذا فائدة مهمة - بالإضافة إلى صحته - أنه أصح شيء في هذا الباب، ويؤيد هذا أنّ الشيخين خرّجاه

(2)

.

وأما إذا حكم على الحديث بالضعف، فيكون معنى العبارة: أن جميع الأحاديث ضعيفة، لكنّ أقوها هذا الحديث.

ومثاله: ما جاء في (باب في التسمية عند الوضوء)

(3)

، وساق بإسناده من حديث رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، عن جدته، عن أبيها، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه"

(4)

.

ثم قال: (وفي الباب عن عائشة، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وسهل بن سعد، وأنس.

قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثًا له إسناد جيد.

قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن).

قلت: بناء على هذا فجميع أحاديث الباب لا يصح منها شيء، وأقوى شيء في الباب حديث رباح، وهو أيضًا لا يصح.

(1)

"الجامع"(5).

(2)

"صحيح البخاري"(142)"صحيح مسلم"(375).

(3)

"الجامع"(1/ 292).

(4)

"الجامع"(25).

ص: 690

الضرب الثاني: عندما يستعمل هذه العبارة ولا يحكم على الحديث بحكم معين من الصحة أو الضعف، فيكون حكم هذا الحديث محتملا التصحيحَ والتضعيف، ولكنه يكون أقوى أحاديث الباب.

فقد تكون أحاديث الباب ضعيفة، ومنها هذا الحديث، وقد يكون فيها ما هو ثابت؛ فيكون حديث الباب أصح هذه الأحاديث.

ومن ذلك: ما جاء في (باب النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول)، قال الترمذي: (حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول

") الحديث

(1)

.

قلتُ: وهو حديث صحيح، أخرجه الشيخان

(2)

.

ثم قال الترمذي: (وفي الباب عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، ومعقل بن أبي الهيثم، ويقال: معقل بن أبي معقل، وأبي أمامة، وأبي هريرة، وسهل بن حنيف.

قال أبو عيسى: حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا الباب وأصح).

قلتُ: وبعض هذه الأحاديث لا يثبت إسناده، ولكنّ حديث أبي أيوب أصح هذه الأحاديث، وقد تقدم أن الشيخين خرّجاه.

كيف يُعرف حكم الترمذي على الحديث إذا لم ينص على حكمه؟

أقول - وبالله تعالى التوفيق -:

(1)

"الجامع"(7).

(2)

"صحيح البخاري"(394)"صحيح مسلم"(264).

ص: 691

إذا قال الترمذي: (هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن) وما في معناها من العبارات المتقدمة، فهنا احتمالان:

الأول: أن تكون الأحاديث التي وردت في الباب منها الصحيح عند الترمذي أو غيره من الحفاظ، ومنها ما دون ذلك؛ وعلى هذا يُعرف أن هذا الحديث صحيح.

وخلافه أن تكون كلّ الأحاديث التي وردت في هذا الباب ضعيفة، وبالتالي يكون هذا الحديث ضعيفًا عند الترمذي، ولكنّه الأقوى.

والاحتمال الثاني: أن تكون الأحاديثُ مختلفًا فيها من حيث الصحة والضعف، أو تكون صحتها غيرَ ظاهرة، أو يكون ضعفها كذلك غير ظاهر، وفي هذه الحالة يعسر معرفة مراد الترمذي، ولكن قد يُعرف بأمور أخرى خارجية، منها:

1 -

تتبّع أحكامه على هذه السلسلة التي جاء بها هذا الحديث في كتابه "الجامع".

2 -

تتبع كلام الحفاظ على حديث الباب؛ لأن كلامهم في الغالب متفق، فالحديث الصحيح الذي تتبين صحَّته يتفقون على صحته غالبًا، كما يتفقون على ضعف الحديث الذي يتبين ضعفه، إنما يحدث الخلاف غالبًا في الحديث الذي لا تكون صحتُه بينة، فعندئذ تختلف فيه الأنظار، أو الحديث الذي تكون فيه علّة، قد يراها بعضهم كذلك ولا يراها غيرهم.

* * *

ومما قاله الترمذي في هذا المعنى: (أشهر حديث في الباب).

فقد أخرج حديث أبي سعيد رضي الله عنه في استفتاح الصلاة، ثم قال: (وفي الباب عن علي، وعبد الله بن مسعود، وعائشة، وجابر، وجبير بن مطعم، وابن عمر.

ص: 692

وحديث أبي سعيد أشهر حديث في الباب)

(1)

.

ثم ذكر تضعيفه عن يحيى بن سعيد وأحمد.

قلت: كلام الترمذي هنا راجع إلى الشهرة وليس إلى درجة الحديث، وإن كان بين شهرة الحديث ودرجته علاقة وثيقة.

ومما قاله أيضًا: (غريب في هذا الباب):

قال أبو عيسى: (حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عيسى بن ميمون الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف".

هذا حديث حسن، غريب في هذا الباب، وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث، وعيسى بن ميمون الذي يروي عن ابن أبي نجيح التفسيرَ هو ثقة)

(2)

.

وقال أبو عيسى: (حدثنا عبيد بن أسباط بن محمد القرشي الكوفي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو سنان الشيباني، عن أبي إسحاق السبيعي، قال: قال سليمان بن صُرَد لخالد بن عُرْفُطة - أو خالد لسليمان -: أما سمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتله بطنُه لم يعذّب في قبره؟ ". فقال أحدهما لصاحبه: نعم.

هذا حديث حسن، غريب في هذا الباب، وقد روي من غير هذا الوجه)

(3)

.

والله تعالى أعلم.

* * *

(1)

"جامع الترمذي"(243).

(2)

"جامع الترمذي"(1120).

(3)

"جامع الترمذي"(1093).

ص: 693

‌فصل: في حكم الترمذي على الإسناد

أكثر الترمذي في أحكامه من استعمال لفظة (حديث)؛ كقوله: حديث صحيح، وحديث حسن صحيح، وحديث حسن، وحديث غريب، وما تفرع منها.

ونجده يستعمل أيضًا لفظة (إسناد)؛ كقوله: إسناد صحيح، وإسناد حسن، وغير ذلك، لكن بصورة أقل.

وسأذكر أمثلة على هذا الاستعمال، مع ذكر الفرق بين الاستعمالين، وبالله تعالى التوفيق.

1 -

قال الترمذي: (حدثنا أحمد بن محمد، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا حيوة بن شُرَيح قال: أخبرني الوليد بن أبي الوليد، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه".

وفي الباب عن أبي أسيد.

هذا حديثٌ إسنادُه صحيح، وقد روي هذا الحديث عن ابن عمر من غير وجه)

(1)

.

2 -

وقال أيضًا: (حدثنا أبو كريب ومحمد بن رافع، قالا: حدثنا زيد بن حباب، عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، قال: حدثني عبد الله بن

(1)

"جامع الترمذي"(2026).

ص: 695

الفضل، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان، عن عبد الله بن الفضل، وهو إسناد حسن صحيح)

(1)

.

3 -

وقال أيضًا: (حدثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا خالد الحذاء، قال: حدثنا عمار مولى بني هاشم، قال: حدثنا ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين.

هذا حديث حسن الإسناد صحيح)

(2)

.

4 -

وقال أيضًا: (حدثنا سويد، قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا سعيد بن يزيد، عن أبي السمح، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن رصاصة مثل هذه - وأشار إلى مثل الجمجمة - أرسلت من السماء إلى الأرض - وهي مسيرة خمسمائة سنة - لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها - أو قعرها -".

هذا حديث إسناده حسن)

(3)

.

5 -

وقال أيضًا: (وقد روي في حديث عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات".

(1)

"جامع الترمذي"(43).

وجاء في طبعتي شاكر وبشار (1188) أنه حكم على حديث بقوله: (إسناد جيد)، وليس هذا في طبعتي التأصيل (1233) والرسالة (1225).

(2)

"جامع الترمذي"(3999).

(3)

"جامع الترمذي"(2783).

ص: 696

وروى هذا الحديث الإفريقي، عن أبي غُطَيف، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، حدثنا بذلك الحسين بن حُرَيْث المروزي، قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن الإفريقي، وهو إسناد ضعيف.

قال علي: قال يحيى بن سعيد القطان: ذكر لهشام بن عروة هذا الحديث، فقال: هذا إسناد مشرقي)

(1)

.

قلت: وقول هشام: (هذا إسناد مشرقي) يعني به: إسنادٌ ضعيف؛ وذلك أن أهل الحجاز كانوا يتكلمون في رواية أهل المشرق - يعني أهل العراق، ولا يقصد أن رواتِه من أهل المشرق.

وقد كان العلم في صدر الإسلام إما حجازيًا وإما عراقيًا.

6 -

وقال أيضًا: (حدثنا قتيبة وسفيان بن وكيع، قالا: حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، عن الحسن بن صالح، عن هارون أبي محمد، عن مقاتل بن حيان، عن قتادة، عن أنس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لكل شيء قلبًا، وقلب القرآن {يس}، ومن قرأ {يس} كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات".

هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث حميد بن عبد الرحمن، وبالبصرة لا يعرفون من حديث قتادة إلا من هذا الوجه.

وهارون أبو محمد شيخ مجهول.

حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، قال: حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي، قال: حدثنا قتيبة، عن حميد بن عبد الرحمن بهذا.

وفي الباب عن أبي بكر الصديق، ولا يصح حديث أبي بكر من قبل إسناده، وإسناده ضعيف.

(1)

"جامع الترمذي"(61).

ص: 697

وفي الباب عن أبي هريرة، منظور فيه)

(1)

.

قلت: وقول الترمذي: (منظور فيه) يعني أن فيه نظرا، ووجه النظر - والله تعالى أعلم -: أنه من رواية زيد بن الحباب، عن حميد مولى علقمة، عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه. أخرجه البزار

(2)

. وحميد مولى علقمة قال الدارقطني: (مجهول)

(3)

، بالإضافة إلى غرابة هذا الإسناد؛ قال البزار:(لا نعلم رواه إلا زيدٌ عن حميد).

7 -

وقال أيضًا: (حدثنا قتيبة وهنّاد، قالا: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء، قال:"اللهم إني أعوذ بك - قال شعبة: وقد قال مرة أخرى -: أعوذ بالله من الخبث والخبيث، أو الخبث والخبائث".

وفي الباب عن علي، وزيد بن أرقم، وجابر، وابن مسعود.

قال أبو عيسى: حديث أنس أصح شيء في هذا الباب وأحسن.

وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب، روى هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة، عن قتادة؛ وقاد سعيد: عن القاسم بن عوف الشيباني، عن زيد بن أرقم. وقال هشام: عن قتادة، عن زيد بن أرقم.

ورواه شعبة ومعمر، عن قتادة، عن النضر بن أنس؛ وقال شعبة: عن زيد بن أرقم. وقال معمر: عن النضر بن أنس، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال أبو عيسى: سألت محمدًا عن هذا، فقال: يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعًا)

(4)

.

(1)

"جامع الترمذي"(3122، 3123)، وينظر أيضًا:(54، 507، 2795، 2852، 2903، 2924).

(2)

"مسند البزار"(9313).

(3)

"سؤالات البرقاني"(96).

(4)

"جامع الترمذي"(4 - 5).

ص: 698

8 -

وقال أيضًا: (حدثنا جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي الكوفي، قال: حدثنا زيد بن حباب، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد الدمشقي، عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء".

وفي الباب عن أنس، وعقبة بن عامر.

قال أبو عيسى: حديث عمر قد خولف زيد بن حباب في هذا الحديث.

روى عبد الله بن صالح وغيره، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس، عن عقبة بن عامر، عن عمر. وعن ربيعة، عن أبي عثمان، عن جبير بن نفير، عن عمر.

وهذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء.

قال محمد: وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئًا)

(1)

.

9 -

وقال أيضًا: (حدثنا علي بن حُجْر وعلي بن خشرم، قالا: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور.

هذا حديث في إسناده اضطراب، وقد روي هذا الحديث، عن الأعمش، عن بعض أصحابه، عن جابر، واضطربوا على الأعمش في رواية هذا الحديث.

(1)

"جامع الترمذي"(56).

ص: 699

وروى ابن فضيل، عن الأعمش، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه)

(1)

.

10 -

وقال أيضًا: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: أخبرنا هشيم، عن سعيد بن أبي عروبة وأيوب بن مسكين، عن قتادة، عن حبيب بن سالم، قال: رُفع إلى النعمان بن بشير رجل وقع على جارية امرأته، فقال: لأقضينّ فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، لئن كانت أحلتها له لأجلدنّه مائة، وإن لم تكن أحلّتها له رجمتُه.

حدثنا علي بن حُجْر، قال: أخبرنا هشيم، عن أبي بشر، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير نحوه.

وفي الباب عن سلمة بن المحبق.

حديث النعمان في إسناده اضطراب.

سمعت محمدًا يقول: لم يسمع قتادة من حبيب بن سالم هذا الحديث، إنما رواه عن خالد بن عُرْفُطة، وأبو بشر لم يسمع من حبيب بن سالم هذا أيضًا، إنما رواه عن خالد بن عُرْفُطة)

(2)

.

11 -

وقال أيضًا: (حدثنا أحمد بن الحسن، قال: حدثنا المعلى بن أسد، قال: حدثنا عبد المنعم، وهو صاحب السقاء، قال: حدثنا يحيى بن مسلم، عن الحسن وعطاء، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال:"يا بلال، إذا أذّنت فترسل، وإذا أقمت فاحدُر، واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والمعتصِر إذا دخل لقضاء حاجته، ولا تقوموا حتى تروني".

(1)

"جامع الترمذي"(1333).

(2)

"جامع الترمذي"(1528).

ص: 700

حدثنا عبد بن حميد، قال: حدثنا يونس بن محمد، عن عبد المنعم، نحوه.

قال أبو عيسى: حديث جابر هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عبد المنعم، وهو إسناد مجهول)

(1)

.

12 -

وقال أيضًا: (حدثنا القاسم بن دينار الكوفي، قال: حدثنا إسحاق بن منصور السلولي كوفي، عن عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن أبي خالد الدالاني، عن عمر بن إسحاق بن أبي طلحة، عن أمه، عن أبيها، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شمّت العاطس ثلاثًا، فإن زاد فإن شئت فشمّته وإن شئت فلا".

هذا حديث غريب، وإسناده مجهول)

(2)

.

13 -

وقال أيضًا: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: أخبرنا عيسى بن يونس، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من ذرَعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فليقض".

وفي الباب عن أبي الدرداء، وثوبان، وفضالة بن عبيد.

قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا من حديث عيسى بن يونس.

وقال محمد: لا أراه محفوظًا.

قال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح إسناده)

(3)

.

(1)

"جامع الترمذي"(195).

(2)

"جامع الترمذي"(2960)، وينظر أيضًا:(3146).

(3)

"جامع الترمذي"(729).

ص: 701

14 -

وقال أيضًا: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا ابن لَهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أيما رجل نكح امرأة فدخل بها، فلا يحل له نكاح ابنتها، وإن لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها، وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل بها فلا يحل له نكاح أمها".

قال أبو عيسى: هذا حديث لا يصح من قِبل إسناده، وإنما رواه ابن لَهيعة والمثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، والمثنى بن الصباح، وابن لَهيعة يضعفان في الحديث)

(1)

.

15 -

وقال أيضًا: (حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا أشعث بن سعيد السمان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة، فصلى كل رجل منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزل:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115].

قال أبو عيسى: هذا حديث ليس إسناده بذاك، لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمّان، وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعف في الحديث)

(2)

.

16 -

وقال أيضًا: (حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا المقرئ، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، عن زيد بن جَبيرة، عن داود بن الحصين، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلّى في سبعة مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله.

(1)

"جامع الترمذي"(1151)، وينظر أيضًا:(81، 729، 1151، 2465، 3881).

(2)

"جامع الترمذي"(346).

قلت: أشعث السمان متروك، وقد بين ذلك أبو عيسى، ولكنه استعمل عبارة مهذبة.

ص: 702

حدثنا علي بن حُجْر، قال: حدثنا سويد بن عبد العزيز، عن زيد بن جَبيرة، عن داود بن حصين، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمعناه نحوه.

وفي الباب عن أبي مرثد، وجابر، وأنس.

قال أبو عيسى: حديث ابن عمر إسناده ليس بذاك القوي، وقد تُكلم في زيد بن جَبيرة من قِبل حفظه)

(1)

.

17 -

وقال أيضًا: (حدثنا محمد بن حاتم المؤدب، قال: حدثنا يونس بن محمد، قال: حدثتنا أم الأسود، عن منية ابنة عبيد بن أبي برزة، عن جدها أبي برزة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عزّى ثكلى كسي بردا في الجنة".

قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وليس إسناده بالقوي)

(2)

.

18 -

وقال أيضًا: (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عبد الله بن شداد الأعرج، عن أبي عذرة، وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجال والنساء عن الحمامات ثم رخص للرجال في الميازر.

هذا حديث، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، وإسناده ليس بذاك القائم)

(3)

.

(1)

"جامع الترمذي"(347، 348).

قلت: زيد بن جبيرة متروك أيضًا، وقد أشار أبو عيسى إلى ضعفه، ولكنه اقتصد في الجرح، وقد تقدم أن هذا من منهج أبي عيسى.

(2)

"جامع الترمذي"(1105)، وينظر أيضًا:(58، 410، 735، 1231).

(3)

"جامع الترمذي"(3024)، وينظر أيضًا:(37، 2870).

ص: 703

19 -

وقال أيضًا: (حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن إسحاق بن عمر، عن عائشة، قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة لوقتها الآخر مرتين حتى قبضه الله.

قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وليس إسناده بمتصل)

(1)

.

20 -

وقال أيضًا: (حدثنا عبد بن حميد، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا شيخ من أهل المدينة، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما هذه الآية {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38] قالوا: ومن يستبدل بنا؟ قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكب سلمان ثم قال: "هذا وقومه، هذا وقومه".

هذا حديث غريب، وفي إسناده مقال.

وقد روى عبد الله بن جعفر أيضًا هذا الحديث، عن العلاء بن عبد الرحمن)

(2)

.

21 -

وقال أيضًا: (حدثنا يحيى بن موسى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عبد الله بن عمر، عن عيسى بن عبد الله بن أنيس، عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى قربة معلقة فخنثها ثم شرب من فمها.

وفي الباب عن أم سليم.

هذا حديث ليس إسناده بصحيح، وعبد الله بن عمر العمري يضعف من قبل حفظه، ولا أدري سمع من عيسى أم لا؟)

(3)

.

(1)

"جامع الترمذي"(174)، وينظر أيضًا:(262، 316، 424، 1103، 1367).

(2)

"جامع الترمذي"(3563)، وينظر أيضًا:(654، 740، 826، 1180، 1398، 1534).

(3)

"جامع الترمذي"(2013)، وينظر أيضًا:(624، 1467، 2946، 3329).

ص: 704

22 -

وقال أيضًا: (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا هاشم وهو ابن سعيد الكوفي، قال: حدثني كنانة مولى صفية، قال: سمعت صفية تقول: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديّ أربعة آلاف نواة أسبّح بها، قال:"لقد سبحت بهذه، ألا أعلمك بأكثر مما سبّحت؟ " فقلت: بلى علمني. فقال: "قولي: سبحان الله عدد خلقه".

هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث صفية إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، وليس إسناده بمعروف.

وفي الباب عن ابن عباس)

(1)

.

قلت: استعمل أبو عيسى هذه المصطلحات على بابها؛ فالإسناد الصحيح يرى صحته، والضعيف يرى ضعفه، وليس بذاك القوي على بابه أيضًا.

إذن ما الفرق بين الاستعمالين؟

الفرق في تقوية الخبر، فعندما يستعمل لفظة (حديث) في الحكم؛ كقوله:(حديث صحيح)؛ فإن قوله يكون أقوى واحتياطه يكون أكثر، بخلاف استعماله للفظة (الإسناد)؛ كقوله:(إسناده صحيح)؛ فإن حكمه يكون أضعف بالنسبة لما قبله، وعلى هذا جرى عمل المحدثين.

وأما عندما يضعف الخبر ويستعمل كلمة (إسناد) فهذا من الدارج استعماله، فعندما يضعِّف المحدث الحديث - ومنهم أبو عيسى - ثم يبين وجه الضعف، فعندئذ لا بد أن يستعمل كلمة (إسناد) فيقول: في إسناده فلان، أو في إسناده اضطراب.

ومثال ذلك:

قال الترمذي: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا وكيع، عن حريث، عن

(1)

"جامع الترمذي"(3889).

ص: 705

الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: ربما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة، ثم جاء فاستدفأ بي، فضممته إليَّ ولم أغتسل.

قال أبو عيسى: هذا حديث ليس بإسناده بأس)

(1)

.

قلت: في إسناد هذا الحديث حريث بن أبي مطر، والذي يظهر لي أنه ضعيف منكر الحديث، ولكن يكتب حديثه، ولذا قال المزي: استشهد به البخاري في الأضاحي

(2)

.

ويظهر أن مقصود الترمذي: أن هذا الخبر وإن كان لا يصح، فليس بالساقط.

مثال آخر، قال الترمذي: (حدثنا هنّاد، قال: حدثنا هشيم، عن أبي الزبير، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، قال: قال عبد الله: إن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق، حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالا فأذّن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء.

وفي الباب عن أبي سعيد، وجابر.

قال أبو عيسى: حديث عبد الله ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله)

(3)

.

قلت: هذا الإسناد وإن كان لا يصح عند أبي عيسى، إلا أنه ليس بالواهي.

(1)

"جامع الترمذي"(124).

(2)

"تهذيب الكمال"(5/ 565).

(3)

"جامع الترمذي"(179).

ص: 706

وأختم بمثال هو كالشرح لما سبق: وهو ما أخرج الترمذي (عن هنّاد، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول، ولم يحدث نكاحا.

هذا حديث ليس بإسناده بأس، ولكن لا نعرف وجه هذا الحديث، ولعله قد جاء هذا من قبل داود بن حصين من قبل حفظه)

(1)

.

قلت: وقس على هذا في باقي الأمثلة.

ومما استعمله في هذا الباب قوله: (حدثنا علي بن حُجْر، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثني حبيب بن صالح، عن يزيد بن شريح، عن أبي حي المؤذن الحمصي، عن ثوبان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل لامرئ أن ينظر في جوف بيت امرئ حتى يستأذن، فإن نظر فقد دخل، ولا يؤم قومًا فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا يقوم إلى الصلاة وهو حقن".

وفي الباب عن أبي هريرة، وأبي أمامة.

قال أبو عيسى: وحديث ثوبان حديث حسن.

وقد روي هذا الحديث عن معاوية بن صالح، عن السَّفر بن نُسَير، عن يزيد بن شريح، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وروي هذا الحديث عن يزيد بن شريح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وكأن حديث يزيد بن شريح عن أبي حي المؤذن، عن ثوبان في هذا أجود إسنادًا وأشهر)

(2)

.

والله أعلم.

* * *

(1)

"جامع الترمذي"(1181).

(2)

"جامع الترمذي"(358).

ص: 707

‌إسنادي إلى "جامع الترمذي"

أرويه عن الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري إجازة، عن فضل الله بن أحمد بن علي الجيلاني، عن جده علي الجيلاني الهندي، عن فضل الرحمن كنج المرادآبادي، عاليا عن الشّاه عبد العزيز ابن وليّ الله الدِّهْلوي.

وأرويه عن الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل النجدي الحنبلي قراءة لبعضه وإجازة لباقيه، قال: أخبرني علي بن ناصر أبو وادي النجدي، قراءة لبعضه وإجازة، قال: أخبرنا نذير حسين الدِّهْلوي - لكثير منه وإجازة -، أخبرنا محمد إسحاق الدِّهْلوي، أخبرنا الشّاه عبد العزيز ابن وليّ الله الدِّهْلوي، قاد: أخبرنا والدي، قال: أخبرنا أبو طاهر الكُورَاني - لبعضه وإجازة -، قال: أخبرنا حسن بن عليٍّ الْعُجَيْمِيُّ، أخبرنا محمد بن العلاء الْبَابِلِيُّ - سماعًا لغالبه إن لم يكن لجميعه -، عن سالم بن محمد السَّنْهُورِيِّ، أخبرنا النجم الغَيْطِيُّ، أخبرنا زكريا بن محمدٍ الأنصاري - سماعًا عليه لمجالس عدة وإجازة -، أخبرنا محمد بن علي الْقَايَاتِيّ، عن أبي زُرعة ابن العِراقي - سماعًا بأفوات يسيرة معلومة -، قال: أخبرنا به عمر بن أميلة الْمَرَاغِيّ.

(ح) ويرويه أبو طاهر الكُوراني: عن عبد الله البَصْريِّ - قراءة وسماعًا وإجازة -، قال: أخبرنا محمد بن العلاء الْبَابِلِيّ، عن سالم السَّنْهُورِيِّ، أخبرنا النجم الغَيْطِي، أخبرنا عبد الحق السّنبَاطِي، أخبرنا محمد بن عمر الْمَلْتُوتِيُّ، أخبرنا أحمدُ بنُ الحسنِ السُّوَيْدَاوِيُّ، أخبرنا عبد العزيز بنُ عبد القادر الرَّبَعِيُّ.

ص: 709

قال الرَّبَعِيُّ هو وعمر بن أُميلة الْمَرَاغِيّ: أخبرنا الفَخر ابن البُخَاري علي بن أحمد المقدسي الحنبلي، قال: أخبرنا أبو حفصٍ عمرُ ابنُ طَبَرْزَذْ - بالذّال -، قال: أخبرنا أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم الْكَرُوخِيُّ، قال: أخبرنا محمود بن القاسم الأزديُّ وأحمد بن عبد الصمد الْغُورَجِيُّ - بضم الغين -، قالا: أخبرنا أبو محمدٍ عبد الجبار بن محمد الْجَرَّاحِيُّ، قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن مَحْبُوبٍ الْمَحْبُوبِيُّ، قال: أخبرنا أبو عيسى محمد بنُ عيسى بن سَوْرَةَ التِّرْمِذِيُّ، المؤلف

(1)

.

* * *

(1)

حرّره: أحمد بن عبد الرزاق بن محمد آل إبراهيم العَنْقَري - غفر الله له ولوالديه وشيوخه -.

ص: 710