المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة الطبعة الثانية الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلْق الله، - المدخل في تاريخ السنة

[هانى فقيه]

فهرس الكتاب

‌مقدمة الطبعة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلْق الله، نبينا محمّد وعلى آله وصحبه ومن والاه .. وبعد: فهذه هي الطبعة الثانية من كتابي: "المَدْخَل في تاريخ السُّنَّة"، بعد أن قاربتْ طبعته الأولى على النفاد

(1)

. وقد احتوتْ هذه الطبعة على جملةٍ من التصويبات والتصحيحات، مع إضافات مهمّة في بابها، وتعميق البحث في عدد من القضايا، نسأل الله عز وجل أن ينفع بها كما نفع بسابقتها، والحمد لله ربّ العالمين.

المؤلِّف

المدينة المنورة

(1)

وهذه هي الطبعة الثالثة بحمد الله تعالى من الكتاب، وتشتمل على صحيحات وإضافات عديدة.

ص: 5

‌فاتحة الكتاب

الحمد لله ربّ العالمين، وأُصَلّي وأُسَلّم على المبعوث رحمة للعالمين، سيّدنا ونبيّنا محمّد وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين .. وبعد:

فهذه مقدّمات مختصرة في تاريخ السُّنَّة النبوية المشرّفة، تبحث في المراحل والأدوار التي مرتْ بها السُّنَّة النبوية، منذ صدروها عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن وصلتْ إلينا في العصر الحديث، مع إلقاء الضوء على الجهود التي بذلها العلماء في جمْعها وتدوينها، والتعريف بأهم أنواع الكتب والمصنَّفات التي أُلِّفت في خدْمتها وصيانتها.

إن معرفة التاريخ الصحيح للسُّنَّة النبوية، سوف يُسهم في ردّ كثير من الشبهات والمطاعن، التي أثارها المستشرقون وأذنابهم، للتشكيك في السُّنَّة النبوية، وإضعاف مصداقيتها. فبمعرفة تاريخ السُّنَّة الصحيح سوف يسقطُ تاريخ السُّنَّة المشوّه، الذي حاول المستشرقون الترويج له في العصور المتأخرة.

هذا وقد حرصتُ قدر الإمكان على أن تكون مفردات الكتاب مطابقة لتوصيف مادة: "تاريخ السُّنَّة"، المقرر تدريسها على طلبة كلية الحديث الشريف، بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ووفق معايير الجودة المعتمدة.

ص: 6

والله أسأل أن ينفع بالكتاب كاتبه وقارئه، والحمد لله أولاً وآخراً.

وكتبه/ أ. د هاني بن أحمد فقيه

أستاذ الحديث وعلومه بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

ص: 7

‌الفَصْل الأول

مبادئ في تاريخ السُّنَّة

ص: 9

‌المبحث الأول

التعريف بالسُّنَّة وبتاريخها

‌أولاً: تعريف السُّنَّة لغة واصطلاحاً:

السُّنَّة لغة هي: الطريقة والسِّيْرة والعادة، حَسَنةً كانت أو قبيحة

(1)

.

ومنه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أنَّ نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عَمَلِه في السرّ؟ فقال بعضهم: لا أتزوّج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه. فقال:«ما بال أقوامٍ قالوا كذا وكذا؟ لكنّي أصلّي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوّج النساء، فمن رغب عن سنَّتي فليس منّي»

(2)

.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "المراد: مَنْ ترك طريقتي، وأخذ بطريقة غيري، فليس منّي"

(3)

.

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «لتتبِعُنَّ سَنَنَ من قبلكم، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع»

(4)

.

(1)

"تاج العروس" 35/ 230.

(2)

"صحيح البخاري» (5063)، "صحيح مسلم» (1401)، واللفظ لمسلم.

(3)

"فتح الباري» 9/ 105.

(4)

"صحيح البخاري» (3456)، "صحيح مسلم» (2669). واللفظ للبخاري.

ص: 11

قال ابن حجر: "سَنَنَ من كان قبلكم، بفتح أوله أي: طريقهم"

(1)

.

والسُّنَّة اصطلاحاً هي: كلّ ما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قَوْل أو فِعْل أو تقرير، أو صفة خِلقية أو خُلقية.

وهي بهذا المعنى مرادفةٌ للحديث النبوي الشريف، عند الأكثر

(2)

.

‌ثانياً: تعريف "تاريخ السُّنَّة":

عَرَّفَ بعض العلماء "تاريخ السُّنَّة النبوية" بأنه: عِلْمٌ يتحدَّث عن المراحل والأطوار التي مرتْ بها السُّنَّة النبوية، من لدن صدورها عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلى أن وصلتْ إلينا، من حفظها في الصدور، وتدوينها في الصُّحُف، وجمْعٍ لمنثورها، ونفي لما اندسّ فيها، واستنباط من عيونها، وشرْح لغامضها

، إلى غير ذلك مما يعرفه القائمون على خدْمتها، والعاملون على نشْر رايتها

(3)

.

* * * *

(1)

"فتح الباري» 1/ 134.

(2)

وهناك تعريفات أخرى للسُّنَّة تختلف باختلاف التخصصات، فالسُّنَّة عند علماء الأصول، غيرها عند الفقهاء، غيرها عند علماء العقيدة، ينظر: "السُّنَّة قبل التدوين» ص 16.

(3)

"مفتاح السُنَّة»، للخولي ص 5 - 6 بتصرف.

ص: 12

‌المبحث الثاني

أهميّة العلم بتاريخ السُّنَّة

تبرز أهميّة عِلْم "تاريخ السُّنَّة" من خلال التالي:

1 -

إن أهميّة هذا العلم أنه فرع عن أهميّة السُّنَّة النبوية، فالسُّنَّة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام، فالعلم بتاريخها وما مرَّتْ به من أطوارٍ ومراحل له أهميّة كبرى.

2 -

إن هذا العلم يشرح ويوضِّح كيفية توثيق السُّنَّة النبوية، ونقلها من حين صدورها عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن دوّنتْ، واستقرتْ في المصنَّفات الحديثية المعروفة.

3 -

إن هذا العلم يُعرّف بجهود علماء الإسلام رحمهم الله في خدمة السُّنَّة، وجمْعها وتوثيقها، والذبّ عنها.

4 -

إن هذا العلم يُعرّف بأنواع المصنَّفات المؤلَّفة في السُّنَّة النبوية، من صحاح وجوامع، وسنُنَ ومسانيد، وموطآت ومستدركات، ومستخرجات ومعاجم، إلى غير ذلك، فتاريخ السُّنَّة يعرّفنا بهذه المصادر ويلقي الضوء عليها.

5 -

إن العلم بتاريخ السُّنَّة وسيلة مهمة لردّ كثير من الشبهات والمطاعن، التي أثارها المستشرقون ومن تأثر بهم، حول السُّنَّة النبوية، والتشكيك في مصداقيتها. فكثير من هذه الشبهات ستسقط حالَ معرفتنا الصحيحة بتاريخ

ص: 13

السُّنَّة وتدوينها، دون الحاجة إلى مناقشات مطوَّلة.

6 -

إن هذا العلم يُعَدُّ من العلوم المبتكرة الحديثة، والعلماء المتقدمون وإن كانوا قد تكلَّموا عن تاريخ السُّنَّة وتدوينها ونشأتها، إلا أن كلامهم جاء مجملاً ومتناثراً في الكتب، وقد اعتنى هذا العلم في العصر الحديث بجمع شتات أقوالهم وتبويبه وتحريره وشرْحه، مع الزيادة عليه.

* * * *

ص: 14

‌المبحث الثالث

أهمّ المؤلفات في "تاريخ السُّنَّة"

سبق القول: بأن المتقدمين من أهل العلم لم يفردوا "تاريخ السُّنَّة" بمؤلَّفات مستقلّة، وإن كانوا قد تناولوا كثيراً من مباحثه في كتاباتٍ متناثرة، وفي مناسباتٍ مختلفة.

وإنما بدأتْ عناية العلماء بإفراد "تاريخ السُّنَّة" بمؤلَّفات مستقلّة في عصرنا الحديث، خلال المائة عام الفائتة.

وكان دافعهم للتأليف في هذا النوع من العِلْم هو الحاجة إلى ذلك، بعدما أخذ المستشرقون ومن تأثر بهم يبثُّون كتاباتٍ مغرضة في الطعن في السُّنَّة النبوية، والتشكيك في مصداقيتها، وإثارة الشبهاتِ حولها وحول تاريخها.

فأراد علماءُ الإسلام المعاصرون أن يبينوا التاريخ الصحيح المشرق للسُنَّة النبوية، من باب ردّ الحقّ إلى نصابه.

هذه بعض الأسباب في إفراد المعاصرين لهذا النوع من التأليف، وإن كانت حركة تطور العلوم والكتابة قد أَدَّتْ دوراً في ذلك أيضاً.

ونحن نذكرُ في هذا المبحث بعض أهم ما أُلِّف في "تاريخ السُّنَّة"، دون قصد التقصي أو الاستيعاب، فمن ذلك:

1 -

كتاب "مفتاح السُنَّة" أو "تاريخ فنون الحديث النبوية"، للشيخ محمد بن عبد العزيز الخولي، من علماء مصر (ت: 1349 هـ) رحمه الله تعالى.

ص: 15

ولعلَّ هذا المصنَّف يُعَدُّ أول محاولة للكتابة في هذا الفنّ، وقد عرض مؤلِّفُه لتاريخ تدوين السُّنَّة النبوية، وتحدَّث عن مناهج المحدثين في مصنَّفاتهم، وطرق ترتيبهم لها. لكن فاتته كثير من المباحث والمسائل، شأن كلّ من يفتتح التصنيف في عِلْم جديد غالباً. والكتاب مطبوع.

2 -

كتاب "الحديث والمحدثون" أو "عناية الأمة الإسلامية بالسُّنَّة النبوية"، للشيخ محمد محمد أبو زهو (ت: 1403 هـ) رحمه الله تعالى.

ذكر فيه جهود العلماء في خدمة الحديث الشريف، ودَرَسَ عصر الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى عصر التدوين، وناقش كثيراً من الشبهات والمطاعن الباطلة التي أُثيرت حول السُّنَّة المشرَّفة، وعرَّف بكثير من مصادرها الأصلية والفرعية. والكتاب مطبوع في نحو (500) صفحة.

3 -

كتاب "السُّنَّة قبل التدوين"، للدكتور محمد عجاج الخطيب (ت: 1443 هـ) رحمه الله تعالى.

أصل هذا الكتاب: رسالة ماجستير من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة. تحدَّث فيه مؤلِّفه عن مكانة السُّنَّة المطهرة وعلاقتها بالقرآن الكريم، ودفع عنها كثيراً من المطاعن التي وُجّهت إليها، وتحدَّث عن الوضع في الحديث وأسبابه، وعن جهود الصحابة والتابعين في مقاومته، وبيّن فضل الصحابة الكرام وعدالتهم، وحرصهم على العمل بالسُّنَّة وصيانتها، إلى غير ذلك من المباحث المهمّة التي اشتمل عليها هذا الكتاب النفيس. وكانت طبعته الأولى سنة: 1383 هـ، في (652) صفحة.

4 -

كتاب "دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه"، للدكتور محمد مصطفى الأعظمي (ت: 1439 هـ) رحمه الله تعالى.

ص: 16

وهو كتاب قيّم، يقع في مجلدين، ناقش فيه كثيراً من شُبهات المستشرقين حول السُّنَّة النبوية، وتحدَّث بإسهاب عن مسألة تدوين الحديث وكتابته.

5 -

كتاب "بحوث في تاريخ السُّنَّة المشرّفة"، للدكتور أكرم ضياء العُمري حفظه الله تعالى.

وقد تطرق فيه مؤلِّفه لمباحث مختلفة في السُّنَّة النبوية، ككتابة الحديث في العهد النبوي، وفي جيل الصحابة والتابعين، وعَرَض نماذج من صحفهم التي دونوها في السُّنَّة، وعرَّف بالكثير من المصادر الحديثية التي وثّقت السُّنَّة.

وجميع هذه الكتب مطبوعة ومتداولة، والحمد لله تعالى.

* * * *

ص: 17

‌المبحث الرابع

مكانة السُّنَّة النبوية في التشريع

أفاض علماءُ الإسلام قديماً وحديثاً في الكلام على حجيَّة السُّنَّة النبوية، ومكانتها العظيمة في الإسلام، وبعضهم أفرد كتباً مستقلّة في ذلك. لذلك أجدني مضطراً إلى الإيجاز الشديد، واختصار الكلام في الموضوع، فأقول: إن علماء الأمة قاطبة قديماً وحديثاً

(1)

على أن السُّنَّة النبوية هي أحد المصادر الرئيسة في التشريع الإسلامي، وأنها المصدر الثاني بعد القرآن الكريم، وأنها وحي غير متلو من قِبَلِ الله عز وجل.

وقد دلَّ على حجيتها ووجوب الأخذ بها: الكتاب والسُّنَّة والإجماع.

* ف‌

‌من نصوص الكتاب الدالة على حجية السُّنَّة النبوية:

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59].

وقوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80].

وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].

وقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء: 65].

وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ

(1)

إلا بعض الطوائف الشاذة.

ص: 18

عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].

*‌

‌ ومن الأحاديث النبوية الدالة على حجّية السُّنَّة:

1 -

ما رواه أبو رافع رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«لا أَلْفَيَنّ أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه أمرٌ مما أَمرتُ به أو نهيتُ عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه»

(1)

.

2 -

ما رواه المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:«ألا إني أُوتيتُ الكتابَ ومثلَه معه، ألا يوشكُ رجلٌ شبعانٌ على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه»

(2)

.

3 -

ما رواه العِرْباض بن سارية رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«عليكم بسنّتي وسُنَّة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنَّواجذ»

(3)

.

4 -

ما رواه مالك في موطئه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:«تركتُ فيكم أمرين، لن تضلّوا ما تمسَّكتم بهما، كتاب الله وسُنَّة نبيه»

(4)

.

(1)

"سنن أبي داود"(4605) و"سنن الترمذي"(2663)، وقال:"حديث حسن"، وصححه الألباني، وقال: عبد القادر الأرناؤوط وشعيب الأرناؤوط: "إسناده صحيح".

(2)

"سنن أبي داود"(4604)، وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط وعبدالقادر الأرناؤوط وغيرهم.

(3)

"سنن أبي داود"(4607)، "سنن الترمذي"(2676)، وقال:"حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط وغيرهم.

(4)

رواه مالك في "الموطأ" 2/ 899 بلاغاً، وله شاهد من حديث ابن عباس عند الحاكم في "المستدرك" 1/ 93 بسند حسن، فيتقوى به.

ص: 19

*‌

‌ ومن نصوص الإجماع على حجيَّة السُّنَّة النبوية:

1 -

قول الإمام الشافعي رحمه الله (ت 204 هـ): "أجمع المسلمون على أن من استبانتْ له سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لم يكن له أن يَدَعَها لقول أحدٍ من الناس"

(1)

.

2 -

وقال الإمام ابن تيمية (ت: 728 هـ) رحمه الله: "السُّنَّة إذا ثبتتْ فإن المسلمين كلّهم متفقون على وجوب اتّباعها"

(2)

.

3 -

ويقول الإمام جلال الدين السيوطي (ت: 911 هـ) رحمه الله: "من أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً، بشرطه المعروف في الأصول حجّة، كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحُشِر مع اليهود والنصارى، أو مع من شاء الله من فِرَق الكفرة"

(3)

.

4 -

ويقول الإمام الشوكاني (ت: 1250 هـ) رحمه الله: "إن ثبوت حجيَّة السُّنَّة المُطهَّرة واستقلالها بتشريع الأحكام، ضرورةٌ دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظَّ له في دين الإسلام"

(4)

.

* * * *

(1)

"إعلام الموقعين" 2/ 11.

(2)

"مجموع الفتاوى" 19/ 85 - 86.

(3)

مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة للسيوطي ص 5.

(4)

"إرشاد الفحول" 1/ 97.

ص: 20

‌المبحث الخامس

أقسام السُّنَّة النبوية وعلاقتها بالقرآن الكريم

‌1 - أقسام السُّنَّة النبوية:

ذهب جمهور العلماء إلى تقسيم السُّنَّة النبوية من حيث ذاتها

(1)

إلى ثلاثة أقسام

(2)

، وهي:

(أ) السُّنَّة القولية:

وهي: كلّ ما صَدَرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال في مختلف الأغراض والمناسبات، كقوله صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيّات» (متفق عليه)، وقوله:«لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» (متفق عليه)، وقوله:«الدِّيْن النصيحة» (رواه مسلم) .. إلى غير ذلك.

(ب) السُّنَّة الفعلية:

وهي: كلّ ما نقله الصحابة رضوان الله عليهم من أفعاله صلى الله عليه وسلم على سبيل التشريع، ككيفية صلاته صلى الله عليه وسلم، وكيفية وضوئه، وكيفية حَجّه وعمرته، وقضائه بالشاهد مع اليمين، ونحو ذلك.

(1)

قلنا من حيث ذاتها حتى نخرج تقسيمات أخرى، كأقسام السُّنَّة من حيث ثبوتها، وأقسامها من حيث دلالاتها.

(2)

"خبر الواحد وحجّيته" للشنقيطي ص 54.

ص: 21

(ج) السُّنَّة التقريرية:

وهي: كلّ الأقوال والأفعال التي صَدَرَتْ من الناس أمام النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغته فأقرَّها، أو سكتَ عنها، أو أظهر استحسانه لها، كإقراره صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة أَكْل الضبّ أمامه، دون أن ينكر عليهم، (متفق عليه)، وإقراره صلى الله عليه وسلم لَعِب الحبشة بالحِراب في المسجد (متفق عليه)، وإقراره السيدة عائشة رضي الله عنها اللَّعب بعرائس البنات (متفق عليه)، إلى غير ذلك.

‌2 - علاقة السُّنَّة النبوية بالقرآن الكريم:

قَسَّمَ العلماء علاقة السُّنَّة النبوية بالقرآن الكريم إلى أقسام ثلاثة

(1)

:

القسم الأول: السُّنَّة الموافقة والمؤكدة لما جاء في القرآن الكريم، وذلك كوجوب الصلاة والصيام والزكاة والحج، وتحريم قتل النفس بغير حق، وعقوق الوالدين وشرب الخمر، فكلّ هذا ثابت بالكتاب وأكدته السُنَّة النبوية.

القسم الثاني: السُّنَّة المبيّنة والمفسّرة والمفصّلة لما أُجمل في القرآن الكريم، كالأحاديث الواردة في بيان كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم، والأحاديث الواردة في كيفية حَجّه وعمرته صلى الله عليه وسلم. فالله عز وجل أمرنا بالصلاة وأمرنا بالحج في القرآن الكريم، لكنه ترك بيان كيفية ذلك وأحكامه التفصيلية إلى السُّنَّة النبوية.

ويدخل في ذلك تقييد المطلق في القرآن الكريم، كقوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، حيث قيّدتْ السُّنَّة القطع من عند مفصل الكفّ.

كذلك يدخل فيه تخصيص العام في القرآن الكريم، كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ

(1)

"خبر الواحد وحجيته" للشنقيطي ص 63.

ص: 22

عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3]، حيث خصَّصتْ السُّنَّة ذلك بحِلّ ميتة السمك والجراد في قوله صلى الله عليه وسلم:«أُحِلَّتْ لنا ميتتان، ودَمَان. فأما الميتتان: فالحوتُ والجرادُ، وأما الدَّمان: فالكبد والطِحَال»

(1)

.

القسم الثالث: السُّنَّة الاستقلالية، أو الزائدة على ما في القرآن، كتحريم أكل لحوم الحُمُر الأهلية، وتحريم أكل كلّ ذي ناب من السِّبَاع، وكلّ ذي مِخْلب من الطير، وتحريم الجمع بين المرأة وعمَّتها، وبين المرأة وخالتها في الزواج، وتحريم لبس الذهب والحرير على الرجال، ونحو ذلك، فهذه أحكامٌ سكتَ عنها القرآن الكريم، وبيَّنتها السُّنَّة النبوية.

* * * *

(1)

أخرجه أحمد في "المسند"(5723) وغيره، وحسنه شعيب الأرناؤوط، وصححه الألباني وأحمد شاكر بمجموع طرقه وشواهده.

ص: 23

‌الفَصْل الثاني

السُّنَّة في العهد النبويِّ وعهدِ الخلفاء الراشدين

ص: 25

‌المبحث الأول

هَدي النبي صلى الله عليه وسلم وأساليبه في التعليم

(1)

لقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعظم معلّم للبشرية، وقد أثبت القرآن الكريم له هذه الصفة الكريمة في قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة: 2].

وجاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً

(2)

، ولكن بعثني معلّماً ميسراً»

(3)

.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يرغّب أصحابه في العلم، ويحضّهم عليه، كما صَحَّ في أحاديث كثيرة منها:

قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو عِلْم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له»

(4)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «من سلَكَ طريقاً يلتمس فيه علماً، سَهَّلَ الله له به طريقاً إلى الجنّة»

(5)

.

(1)

ينظر: "أصول الحديث" لمحمد عجاج الخطيب ص 53.

(2)

أي لا أشقّ على الناس ولا أطلب العسر لهم.

(3)

"صحيح مسلم» (1478).

(4)

"صحيح مسلم» (1631).

(5)

"صحيح مسلم» (2699).

ص: 27

وقوله صلى الله عليه وسلم: «فَضْلُ العالمِ على العابد كفضلي على أدناكم، وإن الله وملائكته وأهلَ السموات والأرضين حتى النملةَ في جحرها، وحتى الحوتَ، ليصلّون على معلّم الناس الخيرَ»

(1)

، إلى غير ذلك من النصوص الواردة في الباب.

وقد كان هَديُ النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم أكملَ الهدي وأعظمه وأجلّه، وكان له صلى الله عليه وسلم أساليب كثيرة ومتنوعة في التعليم. فكان يختار منها أحسنها وأفضلها وأوقعها في نفس المخاطب، وأقربها إلى فهمه وعقله وإدراكه.

وإنه لمن الصعوبة بمكان تقصّي هذه الأساليب جميعاً، أو محاولةاستيعابها، لذلك سنكتفي بذكر بعضها، وحسب ك من القلادة ما أحاط بالعُنُق. فمن أساليبه صلى الله عليه وسلم في التعليم:

‌1 - التعليم بالقدوة الطيِّبة والأسوة الحسنة:

وهذه كانت أجلّ أساليبه صلى الله عليه وسلم في التعليم والتبليغ، فكان صلى الله عليه وسلم لا يأمر بأمر إلا كان أول من يأخذ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول من ينتهي عنه، حتى إن السيدة عائشة رضي الله عنها وصفتْ خُلُقُه صلى الله عليه وسلم، فقالتْ:«إن خُلُقَ نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن»

(2)

.

ولذلك جعله الله عز وجل أسوة حسنة لعباده المؤمنين، وذلك في قول الله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الْأَحْزَابِ: 21]. ولا ريب أن التعليم بالقدوة الحسنة أوقعُ في النفس، وأبلغُ في التأثير وأدعى إلى التأسي.

(1)

"سنن الترمذي"(2685)، وقال: حسن صحيح غريب، وصححه الألباني وعبد القادر الأرناؤوط وغيرهما.

(2)

"صحيح مسلم» (746).

ص: 28

‌2 - مراعاة سُنَّة التدرج:

فقد كان صلى الله عليه وسلم يقدّم في التعليم الأهمّ على المهم، والأكبر على الأصغر، والأصول على الفروع، والواجبات على السُّنَن.

ومن أمثلة ذلك: ما ورد في الصحيحين، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا بعثَ معاذاً إلى اليمن، قال:«إنك تقدُم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة، تُؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها، فخذ منهم، وتوقّ كرائم أموالهم»

(1)

.

وما من شك أن مطالبة المسلم الجديد بجميع الشرائع مرة واحدة، قد توجب نفرته، وإلقاء جميع العلوم على المتعلم دفعة واحدة، قد تفضي إلى تضييعه العلم كلّه، فلا بد من مراعاة سُنَّة التدرج.

وقد جاء في صحيح البخاري تعليقاً على قول الله تعالى: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79]: "يقال: الربّاني: الذي يربّي الناس بصغار العلم قبل كباره"

(2)

. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "والمراد بصغار العلم ما وَضَحَ من مسائله، وبكباره ما دقّ منها"

(3)

.

‌3 - اختيار الأوقات المناسبة مع القصْد والاعتدال:

ومن أمثلة ذلك: ما ثبت في الصحيحين، عن أبي وائل شقيق بن سلمة،

(1)

"صحيح البخاري» (7372)، "صحيح مسلم» (31)، واللفظ لمسلم.

(2)

"صحيح البخاري"، كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل 1/ 25.

(3)

"فتح الباري» 1/ 162.

ص: 29

قال: كان عبد الله يعني ابن مسعود يذكّر الناس في كلّ خميس، فقال له رجلٌ: يا أبا عبد الرحمن لوددتُ أنك ذكّرتنا كلّ يوم؟ قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكم، وإني أتخوَّلكم بالموعظة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخوَّلنا بها، مخافة السآمة

(1)

علينا"

(2)

.

قال النووي رحمه الله: "في هذا الحديث الاقتصاد في الموعظة، لئلا تَمَلَّها القلوبُ، فيفوتُ مقصودها"

(3)

.

ويلحق بالموعظة غيرها من العبادات؛ كصلاة النوافل، وتعلّم العلم، فينبغي الاقتصاد فيها وترك التطويل، واختيار الوقت المناسب.

‌4 - مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين:

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب كلّ إنسان بما يناسب عقله، وعلى مقدار ما يستوعبه فهمه، حتى لا تَشْتَبه عليه الأمور، فيذهب في معناها إلى غير ما أُريد بها.

وقد عقد الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه لهذا المعنى باباً عظيماً، فقال:"باب من خَصَّ بالعلم قوماً دون قوم، كراهية أن لا يفهموا"، ثم أورد تحته حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعاذ رديفه على الرَّحل، قال:«يا معاذ بن جبل» ، قال: لبيكَ يا رسول الله وسعديك، قال:«يا معاذ» ، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً، قال: «ما من أحدٍ يشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، صِدْقَاً من قلبه، إلا حرَّمه الله على

(1)

السآمة بالمد: الملل والضجر والنفور.

(2)

"صحيح البخاري» (70)، "صحيح مسلم» (2821)، واللفظ للبخاري.

(3)

"شرح النووي على صحيح مسلم» 17/ 164.

ص: 30

النار»، قال يا رسول الله: أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: «إذاً يتكلوا» ، فأخبر بها معاذٌ عند موته تأثماً

(1)

.

قال العيني رحمه الله وهو يعدد فوائد الحديث: "فيه أنه يجبُ أن يُخَصَّ بالعلم قومٌ فيهم الضبط وصحة الفهم، ولا يبذل المعنى اللطيف لمن لا يستأهله من الطلبة، ومن يخاف عليه الترخص والاتكال، لتقصير فهمه"

(2)

.

‌5 - التعليم بأسلوب الحوار والسؤال:

وهذا له نظائر في السُّنَّة، منها: ما ثبت في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«أتدرون ما المفْلس؟» قالوا: المفْلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال:«إن المفْلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مال هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيتْ حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم طُرِحَ في النار»

(3)

.

وما من شك أن أسلوب الحوار والسؤال في التعليم يثيرُ انتباه السامعين، ويشوّقُ نفوسهم، ويحضّهم على إعمال الفكر والعقل.

‌6 - التعليم بالتشبيه وضَرْب الأمثال:

ولهذا الأسلوب نظائر كثيرة في السُّنَّة المطهرة

(4)

، منها: ما ثبت في الصحيحين، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «مثلُ

(1)

"صحيح البخاري» (128)، "صحيح مسلم» (53).

(2)

"عمدة القاري" للعيني 2/ 208.

(3)

"صحيح مسلم» (2581).

(4)

حتى إن من أهل العلم من أفرد الأمثال النبوية في مصنَّفات مستقلة، كأبي الحسن علي بن سعيد العسكري (ت: 310 هـ)، والحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (ت: 360 هـ) وغيرهما، ينظر "الرسالة المستطرفة" ص 55.

ص: 31

الجليس الصالح، والجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيَّبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة»

(1)

.

ومنه: حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلُ المؤمنين في توادّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثلُ الجَسَدِ، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجَسَدِ بالسهر والحمَّى»

(2)

.

وما من شك أن ضرْب الأمثال: يقرّب المعاني البعيدة، ويصوّرها في ذهن المتلقي بأمور حسيّة يعرفها.

‌7 - التعليم بالرَّسْم على الأرض والتراب:

ومن أمثلة ذلك: ما أخرجه أحمد في المسند، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً، ثم قال:«هذا سبيل الله» ، ثم خطَّ خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال:«هذه سُبُل متفرقة على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه» ، ثم قرأ:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام: 153]

(3)

.

وما من شك أن وسيلة الرَّسْم هي إحدى الوسائل المعتمدة قديماً وحديثاً، في مناهج التعليم، ولها تأثيرٌ قوي في إيصال المعلومة إلى عقل المتلقي.

(1)

"صحيح البخاري» (5534)، "صحيح مسلم» (2628).

(2)

"أخرجه البخاري» (6011)، و"مسلم» (2586) واللفظ له.

(3)

"مسند أحمد"(4142)، وحسن إسناده شعيب الأرناؤوط.

ص: 32

وهناك أساليب أخرى، يمكن للباحث الوقوف عليها بالتأمل والنظر في نصوص السُّنَّة النبوية والسيرة المصطفوية، وما هذا الذي ذكرناه إلا غيضٌ من فيض، والله الموفق.

* * * *

ص: 33

‌المبحث الثاني

الجمْع بين الأحاديث الواردة في النهي عن كتابة السُّنَّة والإذن فيها

1 -

من المقرر عند العلماء: أن القرآن الكريم كان يُكتب ويُدوَّن في العهْد النبوي أولاً بأول. وكان للنبي صلى الله عليه وسلم جماعةٌ من الصحابة يُسَمَّون: "كتَّاب الوحي"، عددهم نحو الأربعين

(1)

. فلم يكن صلى الله عليه وسلم ينزلُ عليه شيءٌ من القرآن حتى يدعو بعض هؤلاء الكتَّاب، ويأمرهم بكتابته، ويرشدهم إلى موضعه بين السور.

لذلك لم يلتحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى إلا وقد كان القرآن الكريم كلّه مكتوباً ومدوَّناً، إلى جانب استظهار الصحابة له، وحفظهم إياه في صدورهم

(2)

.

أمَّا السُّنَّة النبوية فكانت بخلاف ذلك، فلم تُكتب في زمنِ النبي صلى الله عليه وسلم على النحو الذي كُتب به القرآن الكريم، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها كما أَمَرَ بكتابة القرآن الكريم، ولم يكن لها كتبةٌ يختصُّون بها كما كان للقرآن الكريم.

2 -

بل لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الأمر عن كتابة غير القرآن، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تكتبوا عنّي،

(1)

أوصلهم الحافظ العراقي في ألفيته في السيرة ص 123 إلى اثنين وأربعين كاتباً.

(2)

"مناهل العرفان في علوم القرآن" 1/ 247.

ص: 34

ومن كَتَبَ عنّي غير القرآن فليمْحه، وحدِّثوا عنّي ولا حَرَج، ومن كَذَبَ عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»

(1)

.

3 -

بَيْدَ أن علماء السُّنَّة بينوا أن هذا الحديث منسوخ، وأنه كان في بداية نالإسلام، وأن النهي عن كتابة الحديث إنَّما كان خشية أن تختلط السُّنَّةُ بالقرآن الكريم، فحتى لا يقع الاشتباه والالتباس بين الآيات والأحاديث، وحتى لا يلحق بالقرآن ما ليس منه، وحتى يُوصَد الباب في وجه أي تحريف أو تبديل طارئ، فقد مَنَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بداية الأمر من كتابة السُّنَّة وتدوين الأحاديث.

لكنْ لمَّا أَلِفَ الصحابةُ الكرام أسلوب القرآن الكريم، وعرفوا طريقته، واستقرَّ في نفوسهم، ونزل أكثره، وحفظه كثيرٌ منهم، زال خطر الالتباس والاشتباه، وأَذِنَ النبي صلى الله عليه وسلم وقتها بكتابة سنّته وأحاديثه لمن شاء أن يكتب.

4 -

هذا هو التوجيه الأقرب لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، كما قرره كثيرٌ من أهل العِلْم، كالإمام الرامهرمزي (ت: 360 هـ)، والإمام الخطابي (ت: 388 هـ)، والإمام البغوي (ت: 516 هـ)، والحافظ ابن حجر

(2)

(ت: 852 هـ)، وغيرهم رحمهم الله تعالى.

يقول الإمام الخطابي: "يُشبه أن يكون النهي متقدماً وآخر الأمرين الإباحة"

(3)

.

ويقول الرامهرمزي: "أحسبُ أنه كان محفوظاً في أول الهجرة، وحين كان

(1)

"صحيح مسلم» (3004).

(2)

"فتح الباري» 1/ 208، وهناك توجيهات أخرى للحديث أشار إليها ابن حجر تركتها لضعفها.

(3)

"معالم السنن" 4/ 184.

ص: 35

لا يُؤْمَن الاشتغال به عن القرآن"

(1)

.

ويقول الإمام البغوي: "والنهي يُشبه أن يكون متقدماً، ثم أباحه وأَذِنَ فيه"

(2)

.

وأما ما ذكره ابن قتيبة (ت: 276 هـ) رحمه الله من أن سبب منْع الصحابة من الكتابة أن عامتهم كانوا أُميين لا يحسنون الكتابة ولا التهجي، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم عليهم الغلط إن كتبوا

(3)

!!

فهذا توجيهٌ غير سليم، بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يكتبون القرآن الكريم أولاً بأول، وتقدَّم أنه كان منهم جماعةُ يُسَمَّون: كتّابَ الوحي، قد جاوزوا الأربعين كاتباً.

5 -

وقد ورد حديثٌ آخر في النهي عن كتابة الحديث، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أنه "دخل على معاوية بن أبي سفيان، فسأله معاوية عن حديث، وأمر إنساناً أن يكتبه، فقال له زيدٌ: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن لا نكتب شيئاً من حديثه»، فمحاه"

(4)

. لكنْ أجاب العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلّمي عن هذا الحديث بأنه ضعيف باتفاق العلماء

(5)

، فلا يحتجّ به.

6 -

وإذن فالأحاديث الواردة في النهي عن كتابة السُّنَّة إنما هما حديثان فحسب، أحدهما منسوخ عند أكثر علماء السُّنَّة، والآخر متفق على ضعفه.

(1)

"المحدث الفاصل" ص 386.

(2)

"شرح السُنَّة" 1/ 294.

(3)

"تأويل مختلف الحديث" ص 412.

(4)

أخرجه أبو داود في "سننه"(3647).

(5)

"الأنوار الكاشفة" للمعلمي ص 34.

ص: 36

وإذن فما شَغّبَ به بعض المستشرقين وأذنابهم، من أنه قد جاءت أحاديث صحيحة كثيرة في النهي عن كتابة السُنَّة!، قول باطل مخالف للواقع

(1)

.

• من شواهد كتابة السُّنَّة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

ومما يؤكد نسخَ حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه قد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم إذنُه للصحابة بكتابة سُنَّته، في غير ما حديث، وكذلك أمره صلى الله عليه وسلم بكتابة أكثر من كتاب.

ومن شواهد ذلك: أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم بكتابة خطبته يوم فتح مكة، لرجلٍ من أهل اليمن، يقال له: أبو شاه، فبعد أن فَرَغَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الخطبة، قال أبو شاه: اكتبْ لي يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اكتبوا لأبي شاه»

(2)

.

قال عبد الله بن الإمام أحمد: "ليس يروى في كتابة الحديث شيء أصحّ من هذا الحديث"

(3)

.

ومن الشواهد أيضاً: أمْرُهُ صلى الله عليه وسلم بكتابة الكُتُب إلى عمّاله وأمرائه فيما يتعلَّق بتدبير شؤون الدولة، وبيان الأحكام، ومقادير الزكاة، ككتابه صلى الله عليه وسلم في الصدقات، الوارد في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال:«كتب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة، فلم يخرجه إلى عمّاله حتى قُبض، فعمل به أبو بكر حتى قُبض، ثم عمل به عمرُ حتى قُبض .. الحديث» .

وفي رواية عن الزهري قال: "هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كتبه

(1)

المصدر السابق ص 34.

(2)

"صحيح البخاري» (2434)، "صحيح مسلم» (1355).

(3)

"مسند أحمد"(7242).

ص: 37

في الصدقة، وهي عند آل عمر بن الخطاب، قال ابن شهاب: أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر، فوعيتها على وجهها، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر، وسالم بن عبد الله بن عمر

، وذكر الحديث

(1)

.

كذلك كتابه صلى الله عليه وسلم في الصدقات والديات والفرائض، إلى عامله باليمن: عمرو بن حزم الأنصاري، وهو كما يقول ابن عبد البر:"كتابٌ مشهور عند أهل السِّيَر، معروفٌ ما فيه عند أهل العلم، معرفة تستغني بشهرتها عن الإسناد، لأنه أشبه التواتر في مجيئه، لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة"

(2)

.

ومن ذلك: ما صحَّ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: كنتُ أكتبُ كلَّ شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتبُ كلّ شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلّم في الغضب والرضا، فأمسكتُ عن الكتاب، فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بإصبعه إلى فيه، فقال:«اكتب، فوالذي نفسي بيده، ما يخرج منه إلا حق»

(3)

.

ومن ذلك: ما صحَّ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال:"ما مِنْ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدٌ أكثر حديثاً عنه منّي، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب"

(4)

.

(1)

أخرجه أبو داود (1568)، والترمذي (621) في السنن، وحسنه، وكذا حسنه عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه على "جامع الأصول" 4/ 590.

(2)

"التمهيد" 17/ 339.

(3)

رواه أبو داود في "سننه"(3646)، وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط، وقال ابن حجر في "الفتح" 1/ 207:"وله طرق أخرى عن عبد الله بن عمرو يقوي بعضها بعضاً".

(4)

"صحيح البخاري» (113).

ص: 38

ومن الشواهد أيضاً: ما صحَّ عن أبي الطُّفَيْل رضي الله عنه، قال: سُئِل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أخصّكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ فقال: ما خصّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يَعُمَّ به الناس كافةً، إلا ما كان في قِرَاب

(1)

سيفي هذا. قال: فأخرج صحيفة مكتوبٌ فيها: «لعن الله من ذَبَحَ لغير الله، ولعن الله من سَرَقَ منار الأرض

(2)

، ولعن الله من لَعَنَ والده، ولعن الله من آوى مُحْدِثاً»

(3)

.

•‌

‌ إجماع العلماء على مشروعية كتابة السُّنَّة:

وعلى كل حال فقد انعقد الإجماع بعد الخلاف على مشروعية كتابة السُنَّة، بل لا يبعد القول بوجوبها على من خشي النسيان، ممن يتعيّن عليه تبليغ العلم

(4)

. وممن نقل الإجماع على جواز كتابة السُّنَّة ومشروعيتها، وزوال الخلاف: القاضي عياض

(5)

، وابن الصلاح

(6)

، والنووي

(7)

، والذهبي

(8)

، والعراقي

(9)

، والسخاوي

(10)

، وغيرهم من أهل العلم رحمهم الله تعالى.

* * * *

(1)

القِرَاب: غِمْد السيف ووعاءه.

(2)

منار الأرض أي حدودها، والمراد: تعدى على حدود أرض جاره، واستباحها لنفسه بغير حق.

(3)

"صحيح البخاري» (3172)، "صحيح مسلم» (1978) واللفظ له.

(4)

"فتح الباري» 1/ 246.

(5)

"إكمال المعلم" 8/ 554.

(6)

"علوم الحديث" ص 162.

(7)

"شرح صحيح مسلم» للنووي 18/ 130.

(8)

"سير أعلام النبلاء" 3/ 80.

(9)

"ألفية الحديث" ص 114.

(10)

"فتح المغيث" 2/ 34.

ص: 39

‌المبحث الثالث

منهج الصحابة رضوان الله عليهم في تلقي السُّنَّة وروايتها

(1)

1 -

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولحاقه بالرفيق الأعلى، استمرَّ الصحابة الكرام بالاهتمام بسُنَّته صلى الله عليه وسلم، واتبعوا منهجاً متين الأساس، قوي الأركان، من أجل صيانتها والمحافظة عليها، مما قد يطرأ عليها من عوارض الوهم والنسيان البشرية، أو مما قد يدسّ ويوضع في متونها على أيدي أهل الزيغ والانحراف، خاصة بعد ظهور الفتن والكذب، بعد استشهاد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه.

2 -

ولعل من أبرز القواعد المنهجية التي سلكها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في رواية السُّنَّة ما يلي:

*‌

‌ أولاً: إقلالهم من الرواية وترك التوسع فيها:

هذه إحدى القواعد المنهجية التي اعتمدها الصحابة الكرام في راوية الحديث، فقد كانوا يتحفظون عن رواية الأحاديث ويُقِلّون منها، إلا بقدر الحاجة والمناسبة، كمسائل القضاء والفتوى، وذلك لأسباب عدة منها:

(1)

ينظر في هذا المبحث "الحديث والمحدثون" لأبي زهو ص 65، و"منهج النقد في علوم الحديث" للعتر ص 56.

ص: 40

(أ) تورّعهم وخشيتهم من الوقوع في الخطأ، أو الزيادة أو النقصان غير المقصود، فيقعون في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث لا يشعرون.

وما من شك في أن الإكثار من الرواية والتوسع فيها، مظنّة الوقوع في الخطأ والخطل ومخالفة الصواب. ولعلّ الصحابة كانوا يمتثلون في ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، كما ورد في حديث أبي قَتَادَة، أنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: «يا أيها الناس إياكم وكثرة الحديث عنّي، من قال عليّ فلا يقولنّ إلا حقاً، أو صِدْقاً، فمن قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار»

(1)

.

(ب) الأمر الثاني الذي دفع الصحابة إلى الإقلال من الرواية: حتى لا يتخذ ذلك المغرضون مطيّة وذريعة للتزيّد في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وتزييفها والدَّس فيها بحجّة الرواية.

• ومن شواهد إقلال الصحابة في الرواية:

ما أخرجه البخاري في صحيحه، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قال: قلتُ للزبير: إني لا أسمعك تحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدِّث فلان وفلان؟ قال: أَمَا إنّي لم أفارقه، ولكن سمعتُه يقول:«من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار» .

(2)

ومن الشواهد أيضاً: ما أخرجه مسلمٌ في مقدِّمة صحيحه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه قال: إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثاً كثيراً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تعمَّد عليّ كذباً، فليتبوأ مقعده من النار»

(3)

.

(1)

رواه أحمد في "المسند"(22538)، وحسن إسناده: الألباني وشعيب الأرناؤوط.

(2)

"صحيح البخاري» حديث: ((107).

(3)

"صحيح مسلم" حديث: ((2)).

ص: 41

وأخرج ابن ماجه، عن السائب بن يزيد، قال: صحبت سعد بن مالك

(1)

رضي الله عنه من المدينة إلى مكة، فما سمعته يحدِّث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث واحد

(2)

.

وأخرج ابن ماجه، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قلنا لزيد بن أرقم رضي الله عنه: حدِّثْنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: كبرنا ونسينا، والحديثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد

(3)

.

• توجيه العلماء لإكثار بعض الصحابة من الرواية:

نعم جاء عن بعض الصحابة الإكثار من الرواية، كأبي هريرة رضي الله عنه، لكن أوضح الحافظ ابن حجر رحمه الله سبب ذلك فقال:"أمَّا مَنْ أكثر منهم فمحمولٌ على أنهم كانوا واثقين من أنفسهم بالتثبّت، أو طالتْ أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم، فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان رضي الله عنهم"

(4)

.

*‌

‌ ثانياً: تثبّتهم في قبول المرويات:

هذه أيضاً إحدى القواعد المنهجية أيضاً التي اعتمدها الصحابة الكرام في رواية الحديث، فكما أنهم كانوا يمسكون عن الرواية، ويقلّون من التحديث إلا بقدر الحاجة، فقد كانوا يتثبّتون فيما يسمعون، فما اطمأنتْ قلوبهم إليه من الحديث قبلوه وأخذوا به، وما وقع عندهم فيه شك أو استغربوه، فقد كانوا يطلبون عليه البيّنة، حتى يتأكدوا من حفظ الراوي وضبطه.

وأمَّا ما كان مخالفاً لكتاب الله، أو كان راويه غير معروف عندهم، فإنهم

(1)

هو: أبو سعيد الخدري رضي الله عنه.

(2)

"سنن ابن ماجه"(29) وإسناده صحيح.

(3)

"سنن ابن ماجه"(25) إسناده صحيح.

(4)

"فتح الباري» 1/ 201.

ص: 42

كانوا يردُّون روايته، ولا يلتفتون إليها.

ومن شواهد ذلك: ما أخرجه مالك في الموطأ، وأبو داود والترمذي، عن قَبيصة بن ذؤيب، قال:"جاءت الجَدّة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه تسأله ميراثها، فقال لها أبو بكر: "ما لَكِ في كتاب الله شيء، وما علمتُ لك في سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فارجعي حتى أسأل الناس"، فقال المغيرة بن شعبة: حضرتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطاها السُّدُس»، فقال أبو بكر: "هل معك غيرك"؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله عنه، فقال مثْل ما قال المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر الصديق"

(1)

.

ومن الشواهد: ما أخرجه الشيخان، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كنتُ في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى الأشعري كأنَّه مذعور، فقال: استأذنتُ على عمر بن الخطاب ثلاثاً، فلم يؤذن لي فرجعتُ، فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنتُ ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعتُ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع» ، فقال: والله لتقيمنّ عليه ببينة، أمنكم أحدٌ سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أُبي بن كعب:"والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم"، فكنت أصغر القوم فقمتُ معه، فأخبرتُ عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك

(2)

.

(1)

"موطأ مالك" 2/ 513، "سنن أبي داود"(2894)، "سنن الترمذي"(2100)، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1349).

(2)

"صحيح البخاري» (6245)، "صحيح مسلم» (2153)، واللفظ للبخاري.

(تنبيه): هذا الذي وقع من الخليفتين الراشدين المقصود به طلب التثبت في الرواية والتوثق منها، وليس مقصودهما ردّ خبر الواحد وترك العمل به!! بدليل أنه قد ثبت عنهما قبول خبر الواحد الثقة في وقائع كثيرة يطول سردها، وانظر تعليق الحافظ الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 1/ 9، 11.

ص: 43

وجاء في رواية الموطأ: "فقال عمر بن الخطاب لأبي موسى: أما إني لم أتهمْك، ولكن خشيتُ أن يتقوَّل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم "

(1)

.

وفي رواية الأدب المفرد: "فقال عمر لأبي موسى: والله إنْ كُنْتَ لأميناً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أحببتُ أن أستثبت"

(2)

.

وعلى كل حال، فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحمل الصحابة على التثبت مما يسمعون، والتروي فيما يؤدون، فكان له الفضل الكبير في صيانة السُّنَّة النبوية من الشوائب والدَّخَل.

ومن شواهد أيضاً: ما أخرجه مسلم في مقدّمة الصحيح، عن مجاهد بن جبر رحمه الله، قال: جاء بُشير العدوي

(3)

إلى ابن عباس رضي الله عنهما، فجعل يحدِّث، ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه

(4)

، ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس! مالي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدّثُك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسمع؟ فقال ابن عباس: "إنّا كنّا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا

(5)

، فلمَّا ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف"

(6)

.

(1)

"موطأ مالك" 2/ 964.

(2)

"الأدب المفرد"(1073)، وقال الألباني:"صحيح لغيره" كما في "صحيح الأدب المفرد".

(3)

"ثقة مخضرم" كما في "التقريب" لابن حجر ص 126.

(4)

أي لا يستمع ولا يصغي كما في "شرح النووي على صحيح مسلم» 1/ 81.

(5)

وهذا قبل ظهور الكذب كما في "شرح النووي على صحيح مسلم» 1/ 82.

(6)

"صحيح مسلم» 1/ 13.

ص: 44

ومن الشواهد: ما رواه أحمد في المسند، عن أسماء بن الحكم الفزاري، أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يقول:"كنتُ إذا سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، وكان إذا حدَّثني عنه غيره استحلفته، فإذا حَلَفَ صدَّقته"

(1)

.

*‌

‌ ثالثاً: منعُهم الرواية بما قد يعلو على أفهام العامة:

ومعلوم أن تحديث عامّة الناس بكلّ شيء، قد يفضي إلى ريبتهم، واعتراضهم على ما لم يفهموه من السُنَّة، ولم تهضمه عقولهم من المرويات. وربما فهموا تلك المرويات على غير وجه الحق والصواب.

لذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يشدّدون في هذا الأمر، ويحذرون منه أشد التحذير، كلّ هذا من أجل صيانة السُّنَّة النبوية، والمحافظة عليها من كلّ سوء وشَغَب.

ومن شائع الأمثلة على ذلك: ما أخرجه البخاري في صحيحه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال:"حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكَذَّبَ الله ورسوله؟ "

(2)

.

- وأخرج مسلم في مقدّمة صحيحه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:"ما أنتَ بمحدّث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة"

(3)

.

- وفي صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "حفظتُ من

(1)

"مسند أحمد"(2)، وصحح إسناده أحمد شاكر وشعيب الأرناؤوط.

(2)

"صحيح البخاري» (127).

(3)

"صحيح مسلم» 1/ 11.

ص: 45

رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين: فأمّا أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قُطِعَ هذا البلعوم"

(1)

.

*‌

‌ رابعاً: حرصهم على رواية الحديث بنصه المسموع:

فقد كان الصحابة الكرام فمن بعدهم يحرصون على أداء ألفاظ الأحاديث النبوية كما هي، دون أن يبدّلوا حرفاً بحرف، أو كلمة بكلمة. وذلك استناداً منهم إلى قوله صلى الله عليه وسلم:"نضَّر الله امرأً سمع منَّا شيئاً، فبلَّغه كما سمع"

(2)

.

لذلك فلم يكنوا يحدِّثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعنى إلا في حال الضرورة، عند غياب لفظ الحديث عن الذهن، وبقاء معناه، أو تشككهم في لفظه، فحينئذ يترخصون في الرواية بالمعنى، لمصلحة تحصيل الحكم وتبليغه

(3)

.

ومن الشواهد الدالة على ذلك: ما أخرجه أحمد في المسند، عن أبي جعفر، قال: "كان عبد الله بن عمر إذا سمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، أو شهد معه مشهداً، لم يقصر دونه أو يعدوه. قال: فبينما هو جالس وعُبيد بن عُمير يقصّ على أهل مكة، إذ قال عُبيد بن عمير: مَثَلُ المنافق كمَثَلِ الشاة بين الغنمين، إن أقبلتْ إلى هذه الغنم نطحتها، وإن أقبلتْ إلى هذه نطحتها. فقال عبد الله بن عمر: ليس هكذا! فغضب عُبيد بن عمير، وفي المجلس

(1)

"صحيح البخاري» (120). وقد حمل العلماء الوعاء الذي نشره بأنه ما فيه أحكام الدين والشريعة، وأما الوعاء الذي لم ينشره: فما كان فيه من أخبار الفتن، والأحاديث التي تبين أسماء أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم، وقيل غير ذلك، ينظر "فتح الباري» لابن حجر 1/ 217.

(2)

رواه الترمذي في سننه (2657) وقال: حسن صحيح.

(3)

على أن الرواية بالمعنى إنما تكون في الكلمة والكلمتين والثلاث، وقلَّما تكون في جميع ألفاظ الحديث، وقد اشترط العلماء لجوازها شروطاً صارمة مقررة في كتب المصطلح.

ص: 46

عبد الله بن صفوان، فقال: يا أبا عبد الرحمن، كيف قال رحمك الله؟ فقال: قال: "مَثَل المنافق مَثَل الشاة بين الربيضين

(1)

، إن أقبلتْ إلى ذا الربيض نطحتها، وإن أقبلتْ إلى ذا الربيض نطحتها"، فقال له: رحمك الله هما واحد! قال: كذا سمعتُ، كذا سمعتُ"

(2)

.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه حدَّث يوماً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاغرورقتْ عيناه وانتفختْ أوداجه، ثم قال:"أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريباً من ذلك، أو شبيهاً بذلك"

(3)

.

وفي صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"إن عفريتاً من الجنّ تفلّت عليّ البارحة أو كلمة نحوها، ليقطع عليّ الصلاة .. الحديث"

(4)

. أي قال: كلمة نحوها.

قال العلامة ابن عاشور (ت: 1393 هـ) معلقاً على الحديث: "هذا يدلّ على أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يتوخَّى ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم"

(5)

.

* * * *

(1)

الربيض: الغنم نفسها.

(2)

"مسند أحمد"(5546) وحسن شعيب الأرناؤوط الحديث مجموع طرقه كما في تحقيقه للمسند.

(3)

"مسند أحمد"(4321)، "سنن ابن ماجه"(23)، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط.

(4)

"صحيح البخاري"(4808).

(5)

"كشف المغطى" للطاهر ابن عاشور ص 25.

ص: 47

‌المبحث الرابع

تدوين الصحابة للسُّنَّة النبوية ونماذج من صحائفهم

سبق القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد نهى في بداية الأمر عن كتابة ما عدا القرآن الكريم، وقال فيما صحَّ عنه:«لا تكتبوا عنّي شيئاً غير القرآن، ومن كتب عنّي شيئاً غير القرآن فليمحه»

(1)

.

لكنه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أَذِنَ في الكتابة لمن شاء بعد أن زالت علَّة المنع، فكتب جماعةٌ من الصحابة طائفة متفرقة من أحاديثه وسنَّته صلى الله عليه وسلم، ودوَّنوها في صُحُفٍ خاصة بهم. وكانت هذه الصُّحُف هي النواة الأولى لما صُنّف بعد ذلك من مصنَّفات حديثية في القرون الثلاثة التالية. فمن تلك الصُّحُف

(2)

:

•‌

‌ صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص (ت: 65 هـ) رضي الله عنهما:

1 -

فقد ثبت في الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: "ما مِنْ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدٌ أكثر حديثاً عنه منّي، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتبُ ولا أكتب

(3)

.

2 -

وكان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قد استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في كتابة ما يسمعه

(1)

"رواه مسلم» (3004)، وقد تقدم الكلام حوله.

(2)

أحصى الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في كتابه "دراسات في الحديث النبوية" أكثر من خمسين صحابياً ممن كتبوا الحديث أو كتب عنهم.

(3)

"صحيح البخاري» (113).

ص: 48

منه، فأذن له، وقال:«اكتبْ، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق»

(1)

.

3 -

وهذه الصحيفة التي كتبها عبد الله بن عمرو كان يسمّيها: "الصحيفة الصادقة"، وكان يضعها تحت وسادته، ويحافظ عليها بشدّة، ويعتزّ بها

(2)

، حتى إنه جاء عنه أنه قال:"ما يرغّبني في الحياة إلا الصادقة والوَهْط. فأمَّا الصادقة، فصحيفة كَتَبْتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الوَهْط: فأرض تصدّق بها عمرو بن العاص، كان يقوم عليها"

(3)

.

4 -

ولا يُعرف على وجه التحديد عدد أحاديث هذه الصحيفة، لكن رجَّح بعضُ الباحثين أنها في حدود الأربعمائة، بناء على إحصائية عدد الأحاديث التي رواها عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، مما هو مروي في مسند أحمد والسُّنَن الأربعة

(4)

.

5 -

وقد أُتيح لمجاهد بن جبر (ت: 104 هـ) رحمه الله، رؤية هذه الصحيفة عند صاحبها، فقد ورد عنه أنه قال:"رأيتُ عند عبد الله بن عمرو صحيفة، فذهبتُ أتناولها، فقال: مَهْ يا غلامَ بني مخزوم، قلتُ: ما كنتَ تمنعني شيئاً، قال: هذه الصادقة، فيها ما سمعتُهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه فيها أحد"

(5)

.

6 -

وإذ لم تصلنا هذه الصحيفة كما كتبها عبد الله بن عمرو بخطه، فقد ضمّ مسند الإمام أحمد، وبقيّة كتب السُّنَن أحاديث كثيرة منها، وربما معظمها،

(1)

رواه أبو داود في "سننه"(3646)، وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط، وقال ابن حجر في "الفتح" 1/ 207:"وله طرق أخرى عن عبد الله بن عمرو يقوي بعضها بعضاً".

(2)

ينظر "تاريخ الإسلام" للذهبي 2/ 666.

(3)

"سنن الدارمي"(513)، وإسناده فيه ضعف، فيه ليث ابن أبي سليم.

(4)

ينظر "أصول الحديث" للدكتور محمد عجاج الخطيب ص 172.

(5)

"المحدث الفاصل" للرامهرمزي ص 367، "تقييد العلم" للخطيب البغدادي ص 84.

ص: 49

مرويّة من طريق حفيده عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص الله عنهما

(1)

.

7 -

ويبدو أن هذه الصحيفة قد حافظ عليها أهل بيت عبد الله بن عمرو، حتى آلتْ بالوراثة إلى حفيده عمرو بن شعيب رحمه الله، فكان يروي منها

(2)

.

8 -

وقد نزلتْ درجةُ أحاديث (عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه) إلى ما دون الصحيح، بسبب اختلاف العلماء في عَوْدِ الضمير في قوله:(عن أبيه، عن جدّه)، هل هو عائدٌ إلى جدّ عمرو الأقرب، وهو محمد، فيكون الخبر مرسلاً، أو إنه عائدٌ إلى جدّه الأعلى عبد الله بن عمرو، فيكون متصلاً؟ وأكثرُ العلماء على عَوْد الضمير إلى جدّه الأعلى. وعليه فالإسناد متصلٌ، ليس بمرسل ولا منقطع، بل هو في أعلى درجات الحَسَنِ، كما قرره غيرُ واحد من العلماء، كالحافظ الذهبي وغيره

(3)

.

9 -

ولعل هذه الصحيفة تُعَدُّ من أوائل السجلات التي دُوِّنَتْ فيها مجموعة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، على يد أحد أصحابه الملازمين له، وسمعها منه مباشرة، وقد نقل الحافظ الذهبي عن بعض أهل العلم، أنه قال:"ينبغي أن تكون تلك الصحيفة أصحَّ من كلّ شيء، لأنها مما كتبه عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم، والكتابة أضبط من حفظ الرجال"

(4)

.

(1)

"السُّنَّة قبل التدوين" 1/ 350.

(2)

"تاريخ الإسلام" للذهبي 3/ 288.

(3)

"الموقظة" للذهبي ص 32، "توضيح الأفكار" 1/ 291.

(4)

"تاريخ الإسلام" 3/ 288، وللتوسع في الحديث عن هذه الصحيفة ينظر كتاب:"عبد الله بن عمرو بن العاص وصحيفته الصادقة" لمحمد سيف الدين عليش، 1986 م.

ص: 50

•‌

‌ صحيفة علي بن أبي طالب (ت: 40 هـ) رضي الله عنه:

فقد صحَّ عن أبي الطُّفَيْل، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سُئِلَ: أخصّكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ؟ فقال: ما خصَّنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ لم يعمّ به الناس، إلا ما كان في قراب

(1)

سيفي هذا، قال: فأخرج صحيفة مكتوب فيها: «لعن الله من ذَبَحَ لغير الله، ولعن الله من سَرَقَ منار الأرض، ولعن الله من لَعَنَ والديه، ولعن الله من آوى مُحْدِثاً»

(2)

.

وفي رواية أخرى عن علي رضي الله عنه قال: ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله غير هذه الصحيفة، قال: فأخرجها، فإذا فيها أشياء من الجراحات وأسنان الإبل

(3)

، قال: وفيها: «المدينة حَرَمٌ ما بين عَيْر إلى ثَوْر، فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه يوم القيامة صرْف ولا عدل. ومن والى قوماً بغير إذن مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه يوم القيامة صرْف ولا عدل. وذمّة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه يوم القيامة صرْف ولا عدل»

(4)

.

ويبدو أن صحيفة علي بن أبي طالب هذه كانت صحيفة صغيرة تضم بعضاً من الأحاديث النبوية المتفرقة

(5)

.

(1)

غمد السيف.

(2)

"صحيح البخاري» (3172)، "صحيح مسلم» (1978) واللفظ له.

(3)

أي ما يعطى في الجراحات وفي الديات من أسنان الإبل.

(4)

"صحيح البخاري» (6755).

(5)

وقد اعتنى بجمع ألفاظها ولم شتاتها مع دراسة مفصلة عنها: الأستاذ الدكتور رفعت فوزي عبدالمطلب في كتاب مستقل سمّاه: "صحيفة علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دارسة توثيقية فقهية".

ص: 51

•‌

‌ صحيفة سعد بن عبادة الأنصاري (ت: 14 هـ) رضي الله عنه:

ففي سُنَن الترمذي، عن ربيعة، قال: أخبرني ابن لسعد بن عبادة، قال:"وجدنا في كتاب سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد"

(1)

..

ولم نعثر على غير هذا الحديث من هذا الكتاب، ولعل كثيراً من الأحاديث التي رويت عن سعد بن عبادة من هذا الكتاب، والله أعلم

(2)

.

•‌

‌ صحيفة سَمُرَةَ بَنِ جُندب (ت: 60 هـ) رضي الله عنه:

فقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في ترجمة ابنه سليمان بن سَمُرَة؛ أنه روى عن أبيه نسخة كبيرة

(3)

. وكذا ذُكِرَ في ترجمة التابعي الجليل: الحسن البصري؛ أنه روى عن سَمُرَة بن جُندب نسخة كبيرة، غالبها في السُّنَن الأربعة

(4)

.

•‌

‌ صحيفة عبد الله بن عباس (ت: 69 هـ) رضي الله عنهما:

فقد أورد ابن سعد في طبقاته بسنده، عن عبيد الله بن علي، عن جدته سلْمى، قالتْ:"رأيتُ عبد الله بن عباس معه ألواحٌ، يكتب عليها عن أبي رافع شيئاً من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم "

(5)

.

وقد ترك ابن عباس كثيراً من كتبه عند وفاته، وآلتْ إلى مولاه كُريب بن أبي مسلم (ت: 98 هـ). فقد ساق ابن سعد بسنده، عن موسى بن عقبة، قال:

(1)

"سنن الترمذي" بعد الحديث (1343).

(2)

"منهج النقد في علوم الحديث" ص 53.

(3)

"تهذيب التهذيب" 4/ 198.

(4)

المصدر السابق 2/ 269.

(5)

"الطبقات الكبرى" 2/ 283.

ص: 52

"وضع عندنا كُريب حِمْل بعير أو عدل بعير من كتب ابن عباس

(1)

.

•‌

‌ صحيفة أبي بكر الصديق (ت: 13 هـ) رضي الله عنه:

فقد وَرَدَ عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ أنه جَمَعَ الحديثَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت الصحيفة خمسمائة حديث، ثم إنه أَمَرَ بها فأُحرقتْ، ولمَّا قيل له في ذلك، قال:"خشيتُ أن أموتَ وهي عندي، فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقتُ به، ولم يكن كما حدثني، فأكون قد نقلت ذاك".

وفي رواية: "ويكون قد بقي حديث لم أجده، فيقال: لو كان قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غبّي على أبي بكر". أي خفي عليه.

لكن ردّ الأئمة كالذهبي والمُعلّمي هذه القصة، وقالوا: بأنها لا تصحّ

(2)

.

وقال الحافظ ابن كثير معلقاً على سندها: "هذا غريب من هذا الوجه جداً، وعلي بن صالح لا يُعرف"

(3)

.

*‌

‌ الرَّد على شبهة المستشرقين حول كتابة السُّنَّة النبوية:

والحاصل: أن هذه الصُّحُف وغيرها تدلّ بما لا يدع مجالاً للشك، على وقوع الكتابة للسُّنَّة النبوية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فما بعده. وفي ذلك أبلغ الرَّد على المستشرقين وأذنابهم

(4)

الذين أنكروا كتابة السُّنَّة في العهد النبوي مطلقاً، وزعموا أن السُّنَّة أُهملت كتابتها، حتى مطلع القرن الثاني أو الثالث الهجري،

(1)

المصدر السابق 5/ 225.

(2)

"تذكرة الحفاظ" 1/ 11، "الأنوار الكاشفة" ص 38.

(3)

نقله عنه في" كنز العمال" 10/ 286.

(4)

ينظر كتاب محمود أبي رية: "أضواء على السُّنَّة المحمدية" ص 231.

ص: 53

مما سَمَحَ للتبديل والتحريف أن يجد طريقه إليها!! فكلّ هذه مزاعم باطلة، وواقع السُّنَّة وتاريخها الصحيح يردّ ذلك.

*‌

‌ توجيه قول الحافظ ابن حجر في زمن تدوين السُّنَّة النبوية:

فإن قيل: فكيف توجّه قول الحافظ ابن حجر وهو من كبار علماء الحديث عندما قال: "إن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر أصحابه، وكبار تبعهم مدوّنة في الجوامع ولا مرتّبة"

(1)

.

وقوله: "أول من دوّن الحديث ابنُ شهاب الزهري (ت: 124 هـ) على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز (ت: 101 هـ)، ثم كثر التدوين ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد"

(2)

.

والجواب: أن كلام ابن حجر يقصد به التدوين العام الرسمي الشامل للسُنَّة النبوية، فإن هذا لم يحصل إلا في نهاية القرن الأول، بأمر عمر بن عبد العزيز كما سيأتي توضيحه في المبحث السادس، أمَّا مطلق الكتابة للسُنَّة النبوية وتقييدها في الصُّحُف، فإن هذا كان منذ العهد النبوي، واستمرّ واتسع إلى عصر التدوين في المصنّفات الكبرى.

وإذن فهناك فرق بين مطلق الكتابة للسُّنَّة وبين الكتابة المطلقة لها، فمطلق الكتابة كان البدء به منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الكتابة المطلقة بنحو شامل وعام، فقد كان البدء به في زمن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى.

* * * *

(1)

"فتح الباري» 1/ 6.

(2)

المصدر السابق 1/ 208.

ص: 54

‌الفَصْل الثالث

السُّنَّة بعد عصر الخلفاء الراشدين إلى نهاية القرن الثالث

ص: 55

‌المبحث الأول

الرّحلة في طلب الحديث

كانت الرّحلة في طلب الحديث من أهم الأمور التي يُعنى بها طلبة العلم في عصور الحديث الذهبية، ومن لوازم طريقتهم في التحصيل العلْمي.

وقد رحل كثير من أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وقطعوا المسافات الطويلة لسماع حديث واحد، أو التأكد منه، أو لأجل الالتقاء بأحد العلماء والأخذ عنه.

وكان من أعظم أسباب هذه الرحلات؛ أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا قد تفرَّقوا في الأمصار بعد وفاته، ونزلوا بلداناً عديدة، فكان لزاماً على من يريد سماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمْعه أن يسافر إليهم، وينتقل من بلد إلى بلد.

وقد استمرّ الحال كذلك في عهد التابعين فمن بعدهم، فكان الناس يرحلون إلى العلماء ويقصدونهم من بلدان بعيدة، من أجل السماع منهم والأخذ عنهم.

وقد عقد الإمام البخاري في صحيحه

(1)

أبواباً ثلاثة متعلّقة بالرّحلة في طلب العِلْم، وهي:"باب ذهاب موسى صلى الله عليه وسلم في البحر إلى الخضر"، و"باب الخروج في باب طلب العِلْم"، و"باب الرّحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله".

(1)

"صحيح البخاري» 1/ 43، 44، 48.

ص: 57

وسوف نعْرض في هذا المبحث لأهم المسائل المتعلّقة بموضوع الرّحلة، من خلال ما يلي:

‌أولاً: معنى الرّحلة في طلب الحديث:

الرّحلة في طلب الحديث معناها: شدّ الرَّحل والاغتراب من أجل سماع الحديث، وتحصيله وأخذه من أفواه الشيوخ.

‌ثانياً: أصل الرّحلة في طلب الحديث:

والأصل في مشروعية الرّحلة في طلب الحديث واستحبابها؛ قصة نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام، عندما ارتحل إلى الخضر عليه السلام، ليتعلم منه، وقال له:{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66]، إلى آخر ما قصّه القرآن الكريم علينا في سورة الكهف.

وأيضاً قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]. قال القاضي عياض رحمه الله: "هذا أصل في وجوب طلب العِلْم، والرّحلة في طلب السُّنَن"

(1)

.

وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم رحل كثيرٌ من الناس إليه صلى الله عليه وسلم عندما سمعوا بدعوته، من أجل إعلان إسلامهم، وتفهم تعاليم الدين الجديد، ثم انصرفوا إلى أقوامهم لدعوتهم وتبليغهم.

ومن أمثلة ذلك: قصة ضِمَام بن ثعلبة رضي الله عنه، عندما وَفَدَ على النبي صلى الله عليه وسلم، وسأله عن الإسلام وشرائعه، ثم أعلن إسلامه، فقال: "آمنتُ بما جئتَ به،

(1)

"الإلماع" ص 8.

ص: 58

وأنا رسولُ من ورائي من قومي، وأنا ضِمَام بن ثعلبة"

(1)

.

وكان بعض الصحابة ربَّما رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أجل نازلة يسأله عنها، كما في حديث عقبة بن الحارث رضي الله عنه: "أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة، فقالت: إني قد أرضعتُ عقبة والتي تزوج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني، ولا أخبرتني، فركب

(2)

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كيف وقد قيل» ؟ ففارقها عقبة، ونكحتْ زوجاً غيره"

(3)

.

كذلك رحلة وفود القبائل العربية إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أنحاء الجزيرة العربية، لمبايعته على الإسلام، وتعلّم ما جاء به من الوحي

(4)

.

‌ثالثاً: أهمية الرّحلة في طلب الحديث:

للرّحلة في طلب الحديث أهمية كبرى، قال الحافظ ابن الصلاح (ت: 643 هـ) رحمه الله: "وإذا فَرَغَ طالب الحديث من سماع العوالي والمهمّات التي ببلده فليرحل إلى غيره"

(5)

. ويقول صالح بن أحمد التميمي الحافظ (ت: 384 هـ): "وينبغي لطالب الحديث ومن عني به؛ أن يبدأ بكتب حديث بلده، ومعرفة أهله منهم وتفهمه وضبطه .. ، ثم يشتغل بَعْدُ بحديث البلدان، والرّحلة فيه"

(6)

.

(1)

"صحيح البخاري» (63).

(2)

أي من مكة المكرمة حيث كان يقيم، أفاده العيني في "عمدة القاري" 2/ 102.

(3)

"صحيح البخاري» (88).

(4)

ينظر "سيرة ابن هشام" 2/ 559.

(5)

"علوم الحديث" لابن الصلاح ص 246.

(6)

"الجامع لأخلاق الراوي" 2/ 224.

ص: 59

*‌

‌ ومن فوائد الرّحلة في طلب الحديث:

1 -

تعلُّم الجديد من متون الأحاديث وأسانيدها، والاستزادة منها، ومعرفة مصادرها ومخارجها. فقد رحل غير واحد من الصحابة إلى بلدان أخرى، من أجل سماع حديث لم يسمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، أو من أجل التثبّت من حديث معروف.

2 -

التثبّت من صحة الأحاديث عن طريق سماعها من الراوي الأصلي. فقد كان كثيرٌ من أهل العلم يسمعون الحديث بواسطة، فلا يقنعون حتى يرحلوا إلى الراوي الأصلي، ليسمعوا منه مباشرة دون واسطة، فيكون أقربَ إلى السلامة من الخلل، وفيه تحصيل لعلو الإسناد أيضاً.

وفي ذلك يقول التابعي أبو العالية الرياحي (ت: 90 هـ) رحمه الله

(1)

: "كنّا نسمع الرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبصْرة، فلم نرض حتى ركبنا إلى المدينة، فسمعناها من أفواههم"

(2)

.

3 -

تكثير طرق الحديث الواحد، بسماعه من عدد من الشيوخ في أماكن مختلفة. فقد يوجد في طريقٍ ما لا يوجد في الطرق الأخرى، كما أن الحديث يتقوى بكثرة الطرق، كما يقول العلماء.

4 -

التعرّف على أحوال الرواة، لأن المحدّث حين يسافر إلى البلدان، ويلتقي بالرواة، فإنه يتعرّف عليهم عن قُرْب، ويخاطبهم ويسألهم ويسأل عنهم، ويعرف أحوالهم من حيث الثقة والضبط وغير ذلك.

(1)

واسمه رفيع بن مهران، وثقه الذهبي وابن حجر وغيرهما.

(2)

"سنن الدارمي"(583)، و"الجامع لأخلاق الراوي" للخطيب 2/ 224 بإسناد صحيح.

ص: 60

5 -

شيوع العلم وانتشار الأحاديث، بعد أن كانت بعض البلدان أكثر حظاً بالحديث من بعض، فأصبحتْ البلدان كلها تتمتع برواية الحديث والعمل به، وذلك بفضل ارتحال العلماء من بلد إلى بلد، في طلب الحديث وتحصيله وروايته.

6 -

لقاء الحفاظ والأئمة، ومذاكرة الحديث معهم والاستفادة منهم، وقد أشار إلى هذه الفائدة الخطيب البغدادي في كتابه: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع

(1)

.

‌رابعاً: صور من رحلات الصحابة والتابعين في طلب الحديث:

ولأهميّة الرّحلة في طلب الحديث وفوائدها؛ فقد حرص أئمة الإسلام عليها، وعلى لقاء الشيوخ، وتكبَّدوا في سبيل ذلك كثيراً من العناء والمشقة، في سبيل تحصيل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتلقيها.

ونحن نقص عليك طرفاً مما حفظته لنا كتب العلم من رحلات الراحلين، لترى بنفسك بعض ما بذلوه من جهد ومشقَّة في ذلك، ولنقتصر على عهد الصحابة والتابعين حتى لا يطول الحديث، فمن ذلك:

• رحلة جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، (ت: 78 هـ)، من المدينة إلى عبد الله بن أنيس رضي الله عنه، (ت: 54 هـ)، بالشام من أجل حديث واحد.

فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد، من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه حدثه، أنه بلغه حديثٌ عن رَجُلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فابتعتُ بعيراً، فشددتُ إليه رحلي شهراً، حتى قدمتُ الشام،

(1)

"الجامع لأخلاق الراوي" 2/ 223.

ص: 61

فإذا عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه، فبعثتُ إليه أن جابراً بالباب، فرجع الرسول، فقال: جابر بن عبد الله؟ فقلتُ: نعم، فخرج فاعتنقني، قلتُ: حديثٌ بلغني لم أسمعه، خشيتُ أن أموتَ أو تموتَ، قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يحشر الله العباد عراة غرلاً بُهْماً» ، قلتُ: ما بُهْمَا؟ قال: "ليس معهم شيء، «فيناديهم بصوت يسمعه من بَعُدَ - أحسبه قال: كما يسمعه من قَرُبَ -: أنا الملك، لا ينبغي لأحدٍ من أهل الجنة يدخل الجنة، وأحدٌ من أهل النار يطلبه بمظلمة، ولا ينبغي لأحدٍ من أهل النار يدخل النار، وأحدٌ من أهل الجنة يطلبه بمظلمة»، قلتُ: وكيف؟ وإنما نأتي الله عراة بهما؟ قال: «بالحسنات والسيئات»

(1)

.

• رحلة أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، (ت: 52 هـ)، من المدينة إلى عقبة بن عامر رضي الله عنه، (ت: 58 هـ) بمصر:

فقد روى أبو سعد الأعمى، عن عطاء، أن أبا أيوب رضي الله عنه، رَحَلَ إلى عقبة بن عامر رضي الله عنه في مصر، وقال له: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَتْر المسلم، لم يبق أحد سمعه غيري وغيرك، فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سَتَرَ مؤمناً على خِزيةٍ

(2)

سَتَرَ الله عليه يوم القيامة»، قال: فأتى أبو أيوب راحلته فركبها، وانصرف إلى المدينة، وما حلَّ رحله"

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" واللفظ له (970)، والخطيب في "الرحلة في طلب الحديث" ص 109، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" 1/ 389، وحسنه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" ص 371، وأصل القصة في "صحيح البخاري"، باب الخروج في طلب العلم 1/ 26، حيث قال البخاري:"ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد".

(2)

الخزية: الشيء الذي يستحى منه، ينظر "النهاية في غريب الحديث" 2/ 30.

(3)

الحديث أخرجه أحمد في "المسند"(17391) والخطيب في "الرحلة في طلب الحديث" ص 120، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" 1/ 392 واللفظ له، وإسناده ضعيف لجهالة أبي سعد الأعمى، لكن للحديث شواهد تقويه، وانظر تخريج شعيب الأرناؤوط للحديث في تعليقه على "مسند أحمد"(17391).

ص: 62

• رحلة رجل من الصحابة رضي الله عنه، إلى فضالة بن عبيد رضي الله عنه، (ت: 53 هـ) في مصر:

فقد روى عبد الله بن بريدة: "أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رَحَلَ إلى فضالة بن عبيد رضي الله عنه وهو بمصر، فقدم عليه، فقال: مرحباً، قال: أما إني لم آتك زائراً، ولكنْ سمعتُ أنا وأنتَ حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجوتُ أن يكون عندك منه علمٌ، قال: كذا وكذا"

(1)

.

• رحلة التابعي أبي عالية الرياحي رحمه الله، (ت: 90 هـ)

(2)

إلى المدينة:

فقد أخرج الدارمي، عن أبي عالية، قال:«إن كنَّا نسمع الرواية بالبصْرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نرض، حتى ركبنا إلى المدينة، فسمعناها من أفواههم»

(3)

.

• رحلة عامر الشعبي التابعي رحمه الله، (ت: 103 هـ)، إلى مكة في ثلاثة أحاديث ذُكِرَتْ له، لعلَّه يلقى أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيسألهُ عنها

(4)

.

وقد أخرج الشيخان حديثاً من رواية الشعبي، وفي نهايته قال الشعبي لتلميذه: "خذ هذا الحديث بغير شيء، فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا

(1)

"سنن أبي داود (4160)، "سنن الدارمي" (591)، وإسناده صحيح.

(2)

واسمه رفيع بن مهران، وثقه الذهبي وابن حجر وغيرهما.

(3)

"سنن الدارمي"(583) بإسناده صحيح.

(4)

"المحدث الفاصل" ص 224.

ص: 63

إلى المدينة"

(1)

.

• رحلات التابعي الجليل سعيد بن المسيّب رحمه الله، (ت: 94 هـ)، في طلب الحديث، فقد روى الزهري عنه، أنه قال:"إن كنتُ لأسير ثلاثاً في الحديث الواحد"

(2)

.

• رحلة أحد التابعين من المدينة إلى أبي الدرداء رضي الله عنه، (ت: 32 هـ) بالشام:

فقد روى كثير بن قيس، قال: قَدِمَ رجلٌ من المدينة على أبي الدرداء رضي الله عنه، وهو بدمشق، فقال: ما أقدمك يا أخي؟ قال: حديثٌ بلغني أنك تحدِّثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أما جئتَ لحاجة؟ قال: لا. قال: أما قدمتَ لتجارة؟ قال: لا. قال: ما جئتُ إلا في طلب هذا الحديث. قال: فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سَلَكَ طريقاً يطلب فيه علماً، سَلَكَ الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً، ولا درهماً، وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر»

(3)

.

والأخبار في الباب كثيرة، ولعل فيما ذكرناه كفاية.

* * * *

(1)

"صحيح البخاري» (97)، "صحيح مسلم» (154)، واللفظ له.

(2)

"المحدث الفاصل" ص 223، "الإلماع" للقاضي عياض ص 233.

(3)

أخرجه أبو داود (3641)، والترمذي (2681)، وحسنه شعيب الأرناؤوط بشواهده.

ص: 64

‌المبحث الثاني

مظاهر عناية التابعين بالسُّنَّة النبوية وحفظها وتدوينها

عَرَفَ علماءُ التابعين قيمة السُّنَّة النبوية ومكانتها في الإسلام، فعنوا بها، وحافظوا عليها أعظم عناية وأكبر محافظة. ولعلَّنا نلقي الضوء على بعض ما بذلوه من جهود في ذلك.

‌أولاً: رحلاتهم في طلب السُّنَّة النبوية:

فقد ارتحل علماء التابعين إلى مختلف الأقطار والأمصار، من أجل سماع السُّنَّة وتحصيلها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو ممن هم من كبار التابعين، وقد تقدَّم طرفٌ من أخبارهم في ذلك في المبحث السابق.

‌ثانياً: تحرِّيهم وتمحيصهم للمرويات:

فقد كان علماء التابعين يتثبَّتون كثيراً في المرويات، ولا يقبلون إلا ما اطمأنت إليه قلوبهم، بعد التحري والتمحيص. وكانوا يقولون:"إن هذا العلم دِيْنٌ، فانظروا عمن تأخذون دينكم"، صَحَّ ذلك عن التابعي الجليل محمد بن سيرين رحمه الله تعالى (ت: 110 هـ)

(1)

.

(1)

"صحيح مسلم» 1/ 14.

ص: 65

‌ثالثاً: سؤالهم عن الإسناد:

فقد كانوا يسألون عن الإسناد، ويتحرَّون ثقة الرواة، والتأكد من سلامة عقيدتهم، خاصة بعد ظهور الفتن والبدع. ومن أمثلة ذلك: ما صحَّ عن محمد سيرين رحمه الله (ت: 110 هـ) أنه قال: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلمَّا وقعت الفتنة

(1)

، قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فيُنظر إلى أهل السُّنَّة فيؤخذ حديثهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم"

(2)

.

وعن سليمان بن موسى، أنه لقي طاووس بن كيسان رحمه الله (ت: 106 هـ)، أحد أئمة التابعين، فقال له:"إن رجلاً حدَّثني بكيتَ وكيتَ. فقال له طاووس: "إن كان مليّاً فخذ منه"

(3)

. أي ثقة ضابطاً متقناً لما يروي.

‌رابعاً: إقلالهم من الرواية:

فقد كان علماء التابعين رحمهم الله تعالى يسلكون طريقة شيوخهم من الصحابة الكرام، في الإقلال من الرواية، وعدم التوسع فيها، خشية الوقوع في الخطأ أو الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، من غير قصد.

فعن عامر الشعبي (ت: 103 هـ)، أحد أئمة التابعين، قال:"لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ، ما حدَّثتُ إلا بما أجمع عليه أهل الحديث"

(4)

.

وعن خالد الحَذَّاء رحمه الله (ت: 141 هـ) قال: "كنا نأتي أبا قلابة رحمه الله

(1)

المراد بالفتنة هنا: الفتنة التي ظهرت في زمن عثمان بن عفان وأدت إلى تمزق الأمة سياسياً وظهور الأهواء، ينظر "بحوث في تاريخ السنة" ص 48.

(2)

"صحيح مسلم» 1/ 15.

(3)

المصدر السابق 1/ 15.

(4)

"تذكرة الحفاظ" 1/ 77.

ص: 66

(ت: 104 هـ)

(1)

، فكان إذا حدثنا بثلاثة أحاديث، قال: قد أكثرتُ"

(2)

.

‌خامساً: عنايتهم بالكتابة والتقييد:

فقد اعتنى كثيرٌ من علماء التابعين رحمهم الله بكتابة الحديث وتقييده في الصُّحُف، والترغيب في ذلك. وسيأتي الحديث عن بعض صحائفهم التي دونوها في السُّنَّة النبوية، في المبحث التالي.

* * * *

(1)

اسمه: عبد الله بن زيد الجَرمي، أحد علماء التابعين.

(2)

"المحدث الفاصل" ص 583.

ص: 67

‌المبحث الثالث

موقف علماء التابعين من كتابة الحديث ونماذج من صحائفهم ومظانّها في المصنَّفات والجوامع

كان بعض علماء التابعين رحمهم الله يكرهون كتابة الحديث في الصُّحُف، خشية الاعتماد عليها وإهمال الحفظ.

بينما كان أكثرهم على خلاف هذا الرأي، فقد كانوا يكتبون الحديث ويحضّون عليه، ويحرصون على ذلك. ولأجل هذا نشطتْ الكتابة في عهدهم، وانتشرتْ على نطاق واسع، حتى أصبحت الكتابة من لوازم حلقات العلم المنتشرة في الأمصار، إلى جانب الحفظ في الصدور

(1)

.

*‌

‌ أسباب توسُّع علماء التابعين في كتابة السُّنَّة النبوية:

ولعل من أسباب توسُّع علماء التابعين في كتابة السُّنَّة أكثر من ذي قبل:

1 -

موت كثير من حفّاظ السُّنَّة من الصحابة وكبار التابعين، فخيف بذهابهم ذهابُ كثير من السُّنَّة وضياعها.

2 -

انتشار الروايات وطول الأسانيد نوعاً ما، وكثرة أسماء الرواة وكناهم وأنسابهم.

3 -

ظهور بعض البدع والكذب، مما أوجب الكتابة لحماية السُّنَّة من

(1)

"السُّنَّة قبل التدوين" ص 322.

ص: 68

دخول التحريف فيها

(1)

.

*‌

‌ ومن أقوال علماء التابعين في الترغيب في كتابة الحديث:

• قول الحسن بن أبي الحسن البصري رحمه الله تعالى (ت: 110 هـ): "ما قُيّد العلم بمثل الكتاب، إنما نكتبه لنتعاهده"، يعني الحديث

(2)

.

• وقول عامر الشعبي رحمه الله (ت: 103 هـ): "إذا سمعتم منّي شيئاً فاكتبوه، ولو في حائط"

(3)

.

• وقول أبي قلابة؛ عبد الله بن زيد الجَرْمي رحمه الله (ت: 104 هـ): "الكتاب أحبُّ إليّ من النسيان"

(4)

.

*‌

‌ نماذج من صحائف التابعين في السُّنَّة النبوية:

ونحن الآن ذاكرون بعض من كان يكتب الحديث، من علماء التابعين، مرتبّين على الوفيات، دون قصد التقصّي أو الاستيعاب، لأنه باب يطول جداً

(5)

.

فمن هؤلاء:

1 -

سليمان بن قيس اليشكري رحمه الله (ت: 80 هـ)، فقد أخرج الخطيب من طريق أبي بشر، قال: قلتُ لأبي سفيان: مالي لا أراك تحدِّث كما يحدِّث

(1)

"تدوين السُّنَّة النبوية" للزهراني ص 83.

(2)

"تقييد العلم" للخطيب ص 101.

(3)

المصدر السابق ص 99.

(4)

المصدر السابق ص 103.

(5)

وقد توسع الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في ذلك، وذكر عدداً كبيراً منهم في كتابه:"دراسات في الحديث النبوي" 1/ 143.

ص: 69

سليمان اليشكريّ؟ قال أبو سفيان: "إن سليمان اليشكريّ كان يكتبُ ولم أكن أكتب"

(1)

.

2 -

عروة بن الزبير بن العوام رحمه الله (ت: 93 هـ)، فقد كان يكتبُ ما يسمعه من خالته عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما

(2)

.

3 -

سعيد بن جبير رحمه الله (ت: 95 هـ)، فقد صحَّ عنه، أنه قال:"كنتُ أسير مع ابن عباس في طريق مكة ليلاً، وكان يحدثني بالحديث، فأكتبه في واسطة الرَّحل، حتى أُصبح فأكتبه"

(3)

.

4 -

بشير بن نَهيك رحمه الله (ت: 100 هـ)، فقد روى أبو مجلز، عن بشير بن نَهيك، قال:"كنتُ أكتبُ ما أسمعُ من أبي هريرةَ رضي الله عنه، فلمَّا أردتُ أن أفارقه، أتيته بكتابه فقرأته عليه، وقلتُ له: هذا سمعتُ منك؟ قال: نعم"

(4)

.

5 -

سالم بن أبي الجعد رحمه الله (ت: 100 هـ)، فقد قيل لإبراهيم النخعي:"ما لسالم ابن أبي الجعد أتمّ حديثاً منك؟ قال: لأنه كان يكتبُ"

(5)

.

6 -

مجاهد بن جبر رحمه الله (ت: 104 هـ)، فقد روى أبو يحيى الكناسي، قال:" كان مجاهد يَصْعَدُ بي إلى غرفته، فيُخْرِجُ إليّ كتبه، فأنسخ منها"

(6)

.

7 -

عامر بن شراحيل الشعبي رحمه الله (ت: 103 هـ)، كانت له كتب عدة؛

(1)

"تقييد العلم" ص 108.

(2)

"الكفاية" للخطيب ص 250.

(3)

"سنن الدارمي"(516) بإسناد صحيح.

(4)

"سنن الدارمي"(511) بإسناد صحيح.

(5)

"تقييد العلم" ص 108.

(6)

"تقييد العلم" ص 105.

ص: 70

في الفرائض والجراحات وغيرها

(1)

.

8 -

خالد بن معدان الكلاعي رحمه الله (ت: 103 هـ)، فقد روى بحير بن سعد: أن عِلْمَ خالد بن معدان، كان في مصحف له أزرار وعُرى

(2)

.

9 -

أبو قلابة عبد الله بن زيد الجَرْمي رحمه الله (ت: 104 هـ)، فقد كانت لديه صُحُف في الحديث، وقد أوصى أن تدفع إلى أيوب السختياني

(3)

.

10 -

أبو الزبير محمد بن مُسلم المكي رحمه الله (ت: 126 هـ)، كان له كتابان عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، أحدهما سمعه منه مباشرة، والآخر بواسطة

(4)

.

11 -

همّام بن منبِّه رحمه الله (ت: 132 هـ)، فقد كانت له صحيفة في الحديث، كتبها عن أبي هريرة رضي الله عنه، وكان يسميها:(الصحيفة الصحيحة). يقول الدكتور محمد عجاج الخطيب (ت: 1443 هـ) رحمه الله: "وقد وصلتنا هذه الصحيفة كاملة، كما رواها ودوَّنها همّام عن أبي هريرة. فقد عَثَرَ على هذه الصحيفة الدكتور محمد حميد الله، في مخطوطتين متماثلتين في دمشق وبرلين. وتزداد ثقتنا بصحيفة همّام، حينما نعلم أن الإمام أحمد قد نقلها بتمامها في "مسنده"، في موضع واحد، كما نقل الإمام البخاري عدداً كثيراً من أحاديثها، في "صحيحه"، في أبواب شتّى"

(5)

.

ويبلغ عدد أحاديث هذه الصحيفة (138) حديثاً، تُروى من طريق

(1)

"تاريخ بغداد" 12/ 226.

(2)

"تذكرة الحافظ" 1/ 72.

(3)

"الطبقات الكبرى" 7/ 138، "تقييد العلم" ص 62.

(4)

"الكامل" لابن عدي 7/ 290، "سير أعلام النبلاء" 5/ 382.

(5)

"السُّنَّة قبل التدوين" ص 356.

ص: 71

عبدالرزاق بن همّام الصنعاني، عن مَعْمَر بن راشد الصنعاني، عن همّام بن منبّه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد حقَّق هذه الصحيفة: الدكتور محمد حميد الله الهندي (ت: 2002 م) رحمه الله، كما قدَّمنا، ثم أعاد تحقيقها مع شرْحها الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب حفظه الله، ونَشَرَها في مجلد ضخم مع كتابة دراسة مستفيضة عنها.

* * * *

ص: 72

‌المبحث الرابع

أثر الخلافات السياسية والمذهبية في رواية الحديث

1 -

أخرج مسلم في مقدّمة صحيحه، أنَّ بُشيراً العدوي، جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما، فجعل يحدّث، ويقولُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مكرر)، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه أي لا يستمع له ولا ينظر إليه. فقال: يا ابن عباس! مالي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسمع! فقال ابن عباس:"إنَّا كنَّا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا. فلما رَكِبَ الناسُ الصَّعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف"

(1)

.

وفي رواية عن ابن عباس، أنه قال:"كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لم يكن يُكْذَبُ عليه، فلما رَكِبَ الناسُ الصَّعب والذلول، تركنا الحديث عنه"

(2)

.

وفي مقدّمة صحيح مسلم، عن التابعي الجليل محمد بن سيرين رحمه الله، قال: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة

(3)

، قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السُّنَّة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع

(1)

"صحيح مسلم» 1/ 13.

(2)

المصدر السابق 1/ 12.

(3)

المراد بالفتنة هنا: الفتنة التي وقعت لعثمان بن عفان رضي الله عنه واستشهاده، وأدت إلى تمزق الأمة وافتراقها، ينظر "بحوث في تاريخ السُنَّة" ص 48،

ص: 73

فلا يؤخذ حديثهم"

(1)

.

2 -

هذه النصوص وغيرها تدلّ على أن الحديث النبوي ظلّ في صدر الإسلام وأيام الخلافة الراشدة نقياً صافياً، لم يكدّره كذب، ولم يداخله تحريف، إلى أن وقعت الفتن، وأطلَّت برأسها، بعد استشهاد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه.

3 -

لقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدر الأول، على منهاج الصدق والسلامة، والأمانة والاستقامة، لا يعرفون الكذب، ولا يسألون عن الإسناد، لثقة القوم ورسوخ إيمانهم. ولم يكن أحدٌ منهم يقف في قبول ما يسمعه من أحاديث وأخبار.

4 -

لكن وبعد استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه تغيّر الوضع كثيراً، فقد تفرَّق الناس إلى شيع متنازعة، وأحزاب متناحرة، وأخذ جهلةُ كلّ فرقة يضعون من الأحاديث ما يدعم موقفهم، ويؤيد أفكارهم، أو يذم خصومهم، ويشوّه صورتهم.

5 -

وعندما رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أخذوا يتشدَّدون في باب الرواية، من أجل المحافظة على السُّنَّة النبوية، ويحتاطون في قبول الأحاديث، ولا يقبلونها إلا بعد السؤال عن الإسناد، ومعرفة أحوال الرواة.

وفي الوقت نفسه أخذ علماء التابعين يرجعون إلى من بقي من الصحابة، ويرحلون إليهم، ليسألوهم عن الأحاديث، كي يتأكدوا من ثبوتها. وكان الصحابة الكرام يبيّنون لهم، ويميّزون بين الغثَّ والسمين، وبين ما يصحّ وما لا يصحّ.

(1)

المصدر السابق 1/ 15.

ص: 74

وهذا مصداق ما تقدَّم عن أبي العالية الرياحي رحمه الله (ت: 90 هـ)، عندما قال:"كنا نسمع الرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبصْرة، فلم نرضَ حتى ركبنا إلى المدينة، فسمعناها من أفواههم"

(1)

.

6 -

وكان علماء التابعين رحمهم الله يتذاكرون الحديث فيما بينهم، فيأخذون ما عرفوا ويتركون ما أنكروا، كما قال الإمام الأوزاعي رحمه الله (ت: 157 هـ): "كنا نسمع الحديث فَنَعرضه على أصحابنا، كما يعرض الدرهم الزائف، فما عرفوا منه أخذنا به، وما أنكروا تركناه".

7 -

وهكذا أصبح السؤال عن الإسناد، وطلبُ معرفة أحوال الرواة محلَّ اهتمامٍ كبير بين العلماء، منذ وقت مبكر، وكلَّما مرّ الوقت أكثر ازداد اهتمامهم أكثر، حتى أصبح كلّ محدِّث يحرص على إسناد حديثه، والكشف عن رجاله، وصار يُنظر إلى الحديث الذي لا سَنَدَ له كالبيت الذي لا أساس له.

8 -

ونتيجة لهذا الاهتمام البالغ بالإسناد، فقد التزمتْ به الكتب التي أُلِّفتْ فيما بعد في الأحاديث، وأصبحتْ تسمَّى اختصاراً بكُتُبَ المسانيد، أو الكتب المسندة.

(1)

"سنن الدارمي"(583)، و"الجامع لأخلاق الراوي" للخطيب 2/ 224 بإسناد صحيح.

ص: 75

‌المبحث الخامس

عناية الصحابة والتابعين بكتابة السُّنَّة وتدوينها

1 -

سبق القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أَذِنَ بكتابة سُنَّته وأحاديثه، بعد منعه من ذلك، وبيَّنا هناك أسباب المنع والإذن، بما لا حاجة إلى تكراره.

2 -

وبعد هذا الإذن، أخذ بعض الصحابة رضوان الله عليهم يكتبون بعض ما كانوا يسمعونه منه صلى الله عليه وسلم، من أحاديث في حياته وبعد وفاته، كالصحابي الجليل علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عباس، وسَمُرة بن جُنْدُب رضي الله عنهم، وقد تقدَّم ذكر بعض صحائفهم التي دوَّنوها في السُّنَّة

(1)

.

3 -

كذلك كان بعض صغار الصحابة يكتبون الحديث عمَّن هو أسنّ منهم من الصحابة، كما جاء عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما؛ أنه كان يأتي أبا رافع رضي الله عنه، فيسأله: ما صَنَعَ النبي صلى الله عليه وسلم يوم كذا؟ ومع ابن عباس من يكتب له ما يقول

(2)

.

4 -

وبعض الصحابة كان يكتبُ بعض السُّنَّة النبوية ويرسلها إلى غيره، كما صحَّ عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن أبا بكر الصديق كتب لهم: "إن هذه فرائض الصدقة، التي فَرَضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين

، ثم ذكرها"

(3)

.

(1)

ينظر المبحث الرابع من الفصل الثاني.

(2)

"الإصابة في تمييز الصحابة" 4/ 125.

(3)

"مسند أحمد"(72) وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط.

ص: 76

5 -

وبعضهم كان يأذن لغيره في الكتابة عنه، كما صحَّ عن عائشة رضي الله عنها مع ابن أختها عروة بن الزبير

(1)

، وعن أبي هريرة مع تلميذه بشير بن نَهيك

(2)

.

6 -

وبعضهم كان يملي الأحاديث بنفسه على غيره، كما روي عن البراء بن عازب رضي الله عنه، أنه كان يحدِّث ويكتب حديثه من حوله. فعن عبد الله بن حنش، قال:"رأيتهم عند البراء يكتبون على أيديهم بالقصب"

(3)

.

7 -

وكان بعض الصحابة يسأل غيره أن يكتب له بسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، كما صحَّ عن معاوية بن أبي سفيان، أنه كتب إلى المغيرة بن شعبة: أن اكْتُبْ إليّ بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فكتب إليه المغيرة: إني سمعته يقول عند انصرافه من الصلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. وذكر بقيّة الحديث

(4)

.

8 -

وكان بعضهم يوصي بكتابة الحديث ويرغّب الناس فيه، كما جاء عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم، كعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأنس ابن مالك وابن عباس رضي الله عنهم، أنهم قالوا:"قيّدوا العلم بالكتاب"

(5)

.

وكلّ هذه الآثار تدل على أن كراهةَ من كَرِهَ من الصحابة الكرام كتابةَ الأحاديثِ إنما كان خشية الاشتغال بكتب الحديث عن القرآن الكريم، أو

(1)

"الكفاية" للخطيب ص 250.

(2)

"سنن الدارمي"(511) بإسناد صحيح.

(3)

"جامع بيان العلم وفضله" 1/ 316.

(4)

"صحيح البخاري» (6473).

(5)

"المحدث الفاصل" ص 377، "تقييد العلم" ص 88 - 96، وقال الحاكم في "المستدرك" 1/ 106:"قد صحت الرواية عن عمر بن الخطاب، أنه قال: قيّدوا العلم بالكتابة"، وقد صحَّحه بمجموع طرقه مرفوعاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم: الألباني في "السلسلة الصحيحة"(2026).

ص: 77

مضاهاتها بالقرآن الكريم. قال الخطيب البغدادي: "فلمَّا أُمِنَ ذلك، ودعتْ الحاجة إلى كتب العلم لم يكره كتبه"

(1)

.

9 -

وأما في عهد التابعين رحمهم الله تعالى فقد توسَّع الاهتمام بكتابة الحديث أكثر فأكثر، حتى غلبتْ عليهم الكتابة، "إلا من كان ذا حافظة نادرة، كالشعبي والزهري وقتادة، فقد كانوا لا يرون إبقاء الكتب، لكن يكتب ما يسمع ثم يتحفظه، فإذا أتقنه محاه. وأكثرهم كانت كتبه باقية عنده، كسعيد بن جبير والحسن البصري وعبيدة السلماني، ومُرَّة الهمداني وأبي قلابة الجرْمي وأبي المليح وبَشير بن نَهيك وأيوب السختياني، ومعاوية بن قرة ورجاء بن حيوة وغيرهم"

(2)

.

وقد تقدَّم معنا نماذج من هذه الصحائف مما لا حاجة إلى تكراره.

* * * *

(1)

"تقييد العلم" ص 93.

(2)

ما بين علامتي التنصيص مقتبس من كلام العلامة المعلمي في "الأنوار الكاشفة" ص 42.

ص: 78

‌المبحث السادس

مراحل جمْع السُّنَّة والجهد الذي قام به عمر بن عبد العزيز رحمه الله في ذلك

1 -

رأينا في الفصول السابقة أن كثيراً من الصحابة والتابعين كانوا يكتبون السُّنَّة النبوية، ويدوِّنونها في الصُّحُف، ويرغِّبون الناس في ذلك، ويحثّون عليه.

2 -

بَيْدَ أن كتاباتهم كانت كتاباتٍ متفرقة ومتناثرة، وباجتهاد شخصي خاص.

3 -

وقد همَّ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه بجمْع السُّنَّة النبوية، وكتابتها أيام خلافته، واستشار الصحابة في ذلك، لكنه عَدَلَ عن الأمر خشية اختلاط السُّنَّة بالقرآن الكريم، خاصة على من أسلم حديثاً، أو خشية أن ينصرف الناسُ بسببها عن القرآن الكريم، أو يضاهوا بها القرآن الكريم، وربما لم ير الحاجة قائمة للتدوين لتوافر وجود حفَّاظ الصحابة وقتها، فَعَدَلَ عن الأمر.

روى عروة بن الزبير، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أراد أن يكتب السُّنَنَ، فاستفتى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأشاروا عليه بأن يكتبها، فطفق عمرُ يستخير الله فيها شهراً. ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له، فقال: "إني كنتُ أُريد أن أكتبَ السُّنَنَ، وإني ذكرتُ قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً، فأكبّوا عليها،

ص: 79

وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أشوبُ كتاب الله بشيء أبداً"

(1)

.

وهذا الأثر يدلّ على أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يرى جواز جمع السُّنَّة وكتابتها، ولولا ذلك ما استشار الصحابة الكرام، ولا أشاروا عليه بذلك، وإنما تراجع عن ذلك للأسباب التي ذكرنا.

4 -

وأول محاولة لتدوين السُّنَّة النبوية وجمْعها، على نحو شامل رسمي، كانت على يد الخليفة الأموي: عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى (ت: 101 هـ)، عندما كَتَبَ إلى عامله في المدينة المنورة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (ت: 120 هـ)

(2)

، يقول له: "انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خِفْتُ دروسَ العلم وذهابَ العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولتَفْشوا العِلْم، ولِتَجْلسوا، حتى يَعْلَم من لا يَعْلَم، فإن العلم لا يهلِك حتى يكون سِرَّاً

(3)

"

(4)

.

5 -

وواضحٌ أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله لم يُقْدِم على هذا العمل إلا بعد أن رأى نشاط علماء التابعين في كتابة السُّنَّة، فأحبَّ أن يتحوَّل الأمر من عَمَلٍ

(1)

"تقييد العلم" للخطيب ص 49، ورجاله ثقات، إلا أن عروة لم يسمع من عمر كما في "تهذيب التهذيب" 7/ 158، وقد رواه الخطيب في الموضع نفسه من طريق آخر عن عروة بن الزبير، عن عبدالله بن عمر، عن عمر رضي الله عنه، بزيادة عبد الله بن عمر، وإسناده صحيح.

(2)

اسمه كنيته، كان قاضي المدينة وأميرها زمن عمر بن عبد العزيز، ثقة كثير الحديث، كما قال ابن سعد في "طبقاته" 5/ 336.

(3)

"صحيح البخاري» 1/ 31.

(4)

ويقال أن المنيّة قد اخترمت عمر بن عبد العزيز رحمه الله قبل أن يرى ما جمعه أبو بكر ابن حزم من الصحف، كما نقله القاسمي في "قواعد التحديث" ص 71.

ص: 80

فردي خاص، إلى عَمَلٍ جماعي شامل.

6 -

كذلك وجَّه عمر بن عبد العزيز رحمه الله أمره هذا إلى الإمام الحافظ محمد بن شهاب الزهري، أحد كبار أئمة الحديث في زمانه (ت: 124 هـ)، فأمره بجمْع السُّنَّة وتدْوِينها.

فقد روى سعيد بن زياد، عن ابن شهاب الزهري، أنه قال:"أَمَرَنا عمر بن عبد العزيز بجمع السُّنَن، فكتبناها دفتراً دفتراً. فَبَعَثَ إلى كلّ أرض له عليها سلطان دفتراً"

(1)

.

وهذا النص يدلّ على أن عمر بن عبد العزيز لم يكتف بالأمر بجمع السُّنَّة فحسب، بل إنه نسخ مما جمع نسخاً عدّة، وأرسل بها إلى البلدان.

7 -

ولعلّ من أهمّ الأسباب التي حملتْ عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى على جمْع السُّنَّة النبوية:

(أ) موتُ كثير من علماء الصحابة وكبار التابعين رضي الله عنهم، فخيف بموتهم ضياع السُّنَّة وذهابها، وهو ما عبَّر عنه عمر بن عبد العزيز بقوله:"فإني خفتُ دروس العِلْم، وذهاب العلماء".

(ب) ضعْف مَلَكَة الحِفْظ والذاكرة، مع انتشار الكتابة بين الناس، واعتمادهم عليها.

(ج) ظهور بعض البدع والكذب في الأحاديث، مما دَفَعَ العلماء إلى العناية بتدوين السُّنَّة، حتى لا يدخل فيها ما ليس منها.

8 -

وقد صرَّح العلماء بأسبقية عمر بن عبد العزيز في تدوين السُنَّة النبوية،

(1)

"جامع بيان العلم وفضله" 1/ 331،

ص: 81

كقول الإمام السيوطي رحمه الله: "وأما ابتداء تدوين الحديث، فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبد العزيز بأمره"

(1)

.

وبنحوه قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، فإنه بعد إيراده أَمْرَ عمر بن عبد العزيز رحمه الله بجمْع السُّنَّة، قال:"يستفاد منه ابتداء تدوين الحديث النبوي، وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ، فلما خاف عمر بن عبد العزيز وكان على رأس المائة الأولى من ذهاب العلم بموت العلماء، رأى أن في تدوينه ضبطاً له وإبقاء"

(2)

.

وقد دلَّت الرواياتُ على أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله، لم يكتفِ بأمر من أمرهم بجمع السُنَّة، بل لقد أرسل إلى أمرائه في الآفاق، يحثّهم على تشجيع العلماء على دراسة السُّنَّة وإحيائها، وجَعَلَ لأهل العلم نصيباً في بيت المال، يسدُّ حاجاتهم، كي يتفرغوا لنشر العلم والانقطاع له. وكان رحمه الله يشارك العلماء في مناقشة بعض ما جمعوه من السُنَّة، ويتباحث معهم فيها

(3)

.

وكما قدَّمنا فإن التدوين الذي كان في زمن عمر بن عبد العزيز، إنما هو التدوين الرسمي العام للسُنَّة النبوية، أما تقييد السُّنَّة وكتابتها في الصُّحُف والكراريس والرّقاع، فقد مارسه الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينقطع بعد وفاته عليه الصلاة والسلام. بل بقي جنباً إلى جنب مع الحفظ في الصدور، حتى قَيَّضَ الله تعالى للحديث من يودعه في المدوَّنات الكبرى

(4)

.

* * * *

(1)

"تدريب الراوي" 1/ 94.

(2)

"فتح الباري» 1/ 194.

(3)

ينظر "أصول الحديث" لمحمد عجاج الخطيب ص 178.

(4)

"السُّنَّة قبل التدوين" ص 332.

ص: 82

‌المبحث السابع

بدايات التصنيف في الحديث وأنواع المصنَّفات الحديثية التي ظهرت خلال القرن الثاني والتعريف ببعضها

1 -

بعد محاولة عمر بن عبد العزيز رحمه الله الموفقة في جمْع السُّنَّة النبوية، ازدهر نشاط العلماء في تدوين الحديث وكتابته، وتحوَّل من مجرد كتابة الحديث في الكراريس والصُّحُف، إلى جمعه في مؤلَّفات مستقلَّة، مرتَّبة على الأبواب، فأخذت المصنَّفات الحديثية تظهر تباعاً، ابتداء من مطلع القرن الثاني، وقد جَمَعَها أصحابها ورتَّبوها في مؤلَّفات مبوَّبة مرتَّبة، حَسَبَ الموضوعات المتناسبة.

2 -

ولعلّ من أوائل من ألَّف في الحديث ورتَّبه على الأبواب: عبد الملك بن جُريج (ت: 150 هـ) بمكة.

ومحمد بن إسحاق (ت: 151 هـ)، ومالك بن أنس (ت: 179 هـ) بالمدينة المنورة.

وسعيد بن أبي عروبة (ت: 156 هـ) وحماد بن سَلَمَة (ت: 167 هـ) بالبصرة.

وسفيان بن سعيد الثوري (ت: 161 هـ) بالكوفة.

ومَعْمَر بن راشد (ت: 153 هـ) باليمن.

وعبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت: 157 هـ) بالشام.

ص: 83

وعبد الله بن المبارك (ت: 181 هـ) بخراسان.

وهشيم بن بشير (ت: 183 هـ) بواسط.

وغيرهم رحمهم الله تعالى، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء

(1)

.

3 -

وكانت طريقة المؤلَّفات الحديثية في القرن الثاني؛ أنها تجْمع الأحاديث النبوية، وإلى جوارها أقوال الصحابة، وفتاوى التابعين

(2)

، وربَّما أضافتْ اجتهادات وآراء المصنّفين أنفسهم، كما نراه واضحاً في "موطأ الإمام مالك رحمه الله"، الذي سيأتي التعريف به بعد قليل.

• التعريف بموطأ الإمام مالك رحمه الله:

ولعلَّه من المناسب الآن التعريف، بأحد أشهر الكتب الحديثية، المؤلَّفة في القرن الثاني الهجري، وهو كتاب ((الموطأ))، للإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى.

1 -

اسم الكتاب: "الموطَّأْ"، وهو من تأليف الإمام المجتهد الفقيه، أمير المؤمنين في الحديث، صاحب المذهب: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصْبَحي الحِمْيَري المدني، إمام دار الهجرة، المولود سنة: 93 هـ، والمتوفى سنة: 179 هـ رحمه الله تعالى، وهو من أتباع التابعين.

2 -

يُعَدُّ كتاب "الموطأ" من أقدم كتب السُّنَّة النبوية، التي وصلت إلينا حتى الآن.

(1)

ينظر: "السُّنَّة قبل التدوين" ص 338.

(2)

"الوسيط في علوم ومصطلح الحديث" ص 234.

ص: 84

3 -

وقد ذكروا في سبب تأليفه: أن الخليفة أبا جعفر المنصور رحمه الله، عندما قَدِمَ المدينة في رحلة حجّه، قال لمالك: ضَعْ للناس كتاباً أَحْمِلْهم عليه، فما أحدٌ أعلم منك. فوضع مالكٌ الموطأ، ولم يفرغ منه حتى مات أبو جعفر

(1)

.

بَيْدَ أن مالكاً رحمه الله رفض حمْل الناس على كتابه، وقال: "يا أمير المؤمنين لا تفعلْ هذا، فإن الناس قد سبقتْ إليهم أقاويلُ، وسمعوا أحاديثَ، ورووا رواياتٍ، وأخذ كلّ قوم بما سبق إليهم، وأتوا به من اختلاف الناس، فدع الناس وما اختار أهل كلّ بلد منهم لأنفسهم.

وتُنسب هذه القصة إلى هارون الرشيد أيضاً مع الإمام مالك

(2)

.

4 -

واختلف في سبب تسميته بالموطأ، فقيل: إن مؤلِّفه عَرَضَه على شيوخه فواطؤوه عليه. أي وافقوه، فسمَّاه: الموطأ. فقد نقل السيوطي رحمه الله عن الإمام مالك، أنه قال:"عرضتُ كتابي هذا على سبعين فقيهاً، فكلّهم واطأني عليه، فسمّيته: الموطأ"

(3)

.

وقيل: إن سبب تسميته بالموطأ؛ أن مؤلِّفه أراد به توطئة الأحاديث وتيسيرها للناس. ولفظة الموطأ معناها: المُمَهَّد السهل المُعَبَّد

(4)

. ولا مانع من صحة السببين جميعاً.

5 -

وقد اشتمل الموطأ على حديث رسول صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة،

(1)

"ترتيب المدارك" 2/ 71.

(2)

"شجرة النور الزكية في طبقات المالكية" 1/ 47.

(3)

"تنوير الحوالك" للسيوطي ص 7.

(4)

"شرح الباعث الحثيث" ص 6، "بحوث في تاريخ السُنَّة" ص 241.

ص: 85

وفتاوى التابعين، إلى جانب اجتهاداتِ الإمام مالك نفسه، وآرائه الفقهية.

إضافة إلى ذِكْرِه ما اجمع عليه علماء المدينة في عهده، وما عليه عملهم. فهو كثيراً ما يقول في الموطأ:"الأمرُ الذي أدركتُ عليه الناس، وأهل العلم ببلدنا كذا وكذا"، لأن الإمام مالكاً رحمه الله كان يرى حُجّية عَمَلِ علماء المدينة في زمنه

(1)

.

6 -

وقد اشتمل "الموطأ" على نحو ثلاثة آلاف مسألة، منها سبعمائة حديث نبوي مسند مرفوع

(2)

، مرتّبة على الكتب والأبواب.

7 -

وقد حظي "الموطأ" بثناء أهل العلم قديماً وحديثاً، كقول الإمام الشافعي رحمه الله (ت: 204 هـ): "ما في الأرض كتابٌ من العلم أكثر صواباً من كتاب مالك"، وفي رواية:"ما على الأرض كتابٌ أصحّ من كتاب مالك"

(3)

. قال الحافظ ابن حجر: "إنما قال ذلك قبل وجود كتابي البخاري ومسلم"

(4)

.

8 -

وأما عن درجة أحاديث الموطأ، فالمعروف أن الإمام مالكاً رحمه الله كان شديد التحرّي في كتابه، واختار القوي من الأحاديث، وجمهور العلماء على أنه يأتي في المرتبة الثالثة بعد الصحيحين

(5)

.

وقد رجح العلامة أحمد محمد شاكر (ت: 1377 هـ) رحمه الله؛ أن ما في "الموطأ" من الأحاديث الموصولة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها صحاح

(1)

ينظر "ترتيب المدارك" 1/ 47.

(2)

"الرسالة المستطرفة" ص 13.

(3)

"ترتيب المدارك" 2/ 70.

(4)

"هدي الساري" ص 10.

(5)

"الرسالة المستطرفة" ص 13.

ص: 86

كلّها، وأن ما فيه من المراسيل والمقطوعات والبلاغات

(1)

فيُعتبر فيها ما يُعتبر في أمثالها، مما تحويه الكتب الأخرى

(2)

.

ومعنى كلام الشيخ شاكر: أن ما في الموطأ من مراسيل وبلاغات، ونحوها من الأحاديث المنقطعة الإسناد، فإنه لا يحكم بصحتها إلا بعد دراستها والنظر في أسانيدها، ففيها الصحيح وغيره.

9 -

ويمتاز كتاب الموطأ إلى جانب قوة أحاديثه بحسن الترتيب، حيث رتَّبه مؤلِّفه على الكتب والأبواب، كما يمتاز بقِصَر الأسانيد، بسبب قرب عهد المؤلِّف من العهد النبوي، بحيث لا يكون في كثير من الأحيان بين الإمام مالك والنبي صلى الله عليه وسلم إلا راويان فقط، وهما: الصحابي والتابعي.

كذلك يمتاز الموطأ بالاختصار والإيجاز، وقد ذكر كثير من المصنّفين: أن الإمام مالكاً رحمه الله ظلَّ ينقّح الموطأ ويهذّبه نحواً من أربعين سنة، يختار ما هو أصحّ وأنسب من الأحاديث، ويعرضها على الكتاب والسُّنَّة، حتى رجعتْ إلى سبعمائة حديث، بعد أن كانت نحو عشرة آلاف

(3)

.

10 -

وللموطأ شروح كثيرة من أشهرها:

"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد"، للحافظ أبي عمر، يوسف ابن عبد البر القرطبي المالكي، المتوفى سنة: 463 هـ، رحمه الله، وهو من أجلّ شروح الموطأ، وأحسنها على الإطلاق، وقد أطنب أهل العلم في مدحه والثناء عليه.

(1)

أي التي يقول فيها المؤلف: بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا دون ذكر إسناد.

(2)

"الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث" 1/ 115.

(3)

"تنوير الحوالك" للسيوطي 1/ 6.

ص: 87

"الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار"، للمؤلِّف السابق، وهو شِبْهِ اختصار للتمهيد، مع توسُّع في الجانب الفقهي أكثر.

"المنتقى شرح الموطأ"، للإمام أبي الوليد، سليمان بن خلف الباجي المالكي، رحمه الله (ت: 474 هـ)، وهو متوسط الحجم، نفيس ونافع، ولا سيّما فيما يتعلَّق ببيان مذهب المالكية، وإن كان يؤخذ عليه عنايته بالجانب الفقهي أكثر من عنايته بالجانب الحديثي ونقد المرويات.

"القَبَس في شرح موطأ مالك بن أنس"، للقاضي محمد بن عبد الله، المعروف بأبي بكر ابن العربي المالكي الإشبيلي، رحمه الله (ت: 543 هـ). ومع أن ابن العربي كان مالكي المذهب، إلا أنه كثيراً ما كان يخالف المذهب إذا ما ترجح عنده خلافه. وعلى سبيل المثال: فقد قال في مسألة الوضوء من مسّ الذكر: "والعجبُ لإِمامنا رضي الله عنه، يرويه (أي الحديث الوارد في ذلك) في كتابه، ويدرسه مدى عمره، ثم لا يقول به، وتختلف فيه فتواه"!!

(1)

.

"شرح الموطأ"، لمحمد بن عبد الباقي الزرقاني المصري المالكي، رحمه الله (ت: 1014 هـ)، وهو شرح متوسط الحجم، سهل العبارة، أفاد فيه من شروح الموطأ بنحو خاص، ومن شروح كتب السُّنَّة بنحو عام، ولا سيّما:"فتح الباري"، لابن حجر، و"شرح مسلم"، للنووي. وكل هذه الكتب مطبوعة ومتداولة، والحمد لله.

(1)

"القبس" لابن العربي 1/ 163.

ص: 88

‌المبحث الثامن

السُّنَّة النبوية في القرن الثالث الهجري

1 -

يُعَدُّ القرن الثالث الهجري من أزهى عصور السُّنَّة النبوية على الإطلاق، وما غُرِسَ في القرنين الأول والثاني، على يد الصحابة الكرام وتابعيهم من الأئمة الأعلام، بدأ يؤتي أكله ناضجاً شهياً في هذا القرن، والذي سمَّاه بعضهم ب:"العصر الذهبي للسُّنَّة النبوية"، سواء من حيث اكتمال جمْع المتون وتدوينها، أو من حيث نُضْج القواعد النقدية الحديثية، ونُضْج الدراسات والأبحاث المتعلّقة بعِلْمِ الرجال، وعِلْمِ العِلَل، وفقه الأحاديث، ونحو ذلك

(1)

.

2 -

وقد توالتْ في هذا القرن المصنَّفات الحديثية، وعَمَّتْ كلَّ البلاد الإسلامية، وبلغتْ في الكثرة والتنوُّع مدى بعيداً، واختلفتْ أساليبها في جمع السُّنَّة على طرائق شتى.

3 -

فمن العلماء من أَلَّفَ في الأحاديث في هذا القرن، وجَمَعَها ورتَّبها، بحسب مسانيد الصحابة الكرام، وتسمَّى: كتب المَسانيد.

ومنهم من اقتصر على الصحيح من الأحاديث، وتسمَّى: كتبَ الصحاح.

ومنهم من اقتصر على أحاديث الأحكام الفقهية، وتسمى: كتب السُّنن.

(1)

"تدوين السُّنَّة في القرنين الثاني والثالث الهجري" ص 21.

ص: 89

ومنهم من رتَّب الأحاديث بحسب الموضوعات، وتسمَّى: كتبَ الجوامع.

4 -

وسوف نعرّف الآن بحول الله تعالى بكل نوع من هذه الأنواع باختصار، مع ذكر بعض أشهر المصنَّفات فيه.

‌أولاً: كتب الصحَاح:

كتب الصحَاح في الاصطلاح هي: الكتب التي اقتصرتْ على ما صحّ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أصحابها، دون قصد الاستيعاب، ومن أشهر الصحَاح:

*‌

‌ صحيح الإمام البخاري:

1 -

اسمه: "الجامع المسند الصحيح المختصر من حديث رسول الله وسننه وأيامه"

(1)

، والذي يُعْرَفُ اختصاراً بصحيح البخاري.

2 -

مؤلِّفه هو: الإمام المجتهد الفقيه أمير المؤمنين في الحديث، أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي مولاهم البخاري، المولود سنة:(194 هـ)، والمتوفى سنة:(256 هـ)، رحمه الله تعالى.

3 -

وهو أصحُّ كتب السُّنَّة النبوية على الإطلاق، عند عامة أهل العلم قديماً وحديثاً

(2)

، وقد اختار مؤلِّفه رواة أحاديثه ممن اشتهروا بالعدالة والدّقة

(1)

هذا هو الاسم العلمي الكامل لصحيح البخاري، الذي سماه به مؤلفه، انظر:"علوم الحديث" لابن الصلاح ص 26، "هدي الساري" لابن حجر ص 8.

(2)

"هدي الساري" ص 10.

ص: 90

والضبط والإتقان.

قال العلامة ولي الله الدهلوي رحمه الله (ت: 1176 هـ): "أمَّا الصحيحان فقد اتفق المحدِّثون على أن جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع، وأنهما متواتران إلى مصنفيهما، وأن كلّ من يُهَوّن أمرهما فهو مُبتدِع متّبع غيرَ سبيل المؤمنين"

(1)

.

وقال الإمام النووي رحمه الله: "اتفق العلماء رحمهم الله؛ على أن أصحَّ الكتب بعد القرآن العزيز: الصحيحان البخاري ومسلم، وتلقتهما الأُمَّة بالقَبُول، وكتاب البخاري أصحّهما وأكثرهما فوائد ومعارف"

(2)

.

قلتُ: قد انتقد جماعة من الحفاظ كالدارقطني (ت: 385 هـ) وغيره بعض ما فيهما، فهذا مستثنى من الإجماع، وإن كان الصواب في أغلب المنتَقَد مع البخاري ومسلم، كما صرّح بذلك الأئمة، كالحافظ ابن حجر والسيوطي وغيرهما أهل العلم

(3)

.

4 -

وقد أمضى الإمام البخاريّ في تأليفه نحواً من ست عَشَرَةَ سَنَةً، ولم يضع فيه حديثاً إلا وصلّى ركعتين، واستخار تعالى الله فيه، بعد أن يتيقَّن صحته، وقال:"جعلته حجَّة بيني وبين الله سبحانه"

(4)

.

5 -

ويبلغ عدد أحاديث صحيح البخاري بالمكرَّر (7275) حديثاً، وبإسقاط المكرَّر (4000)، بحسب ابن الصلاح، على خلاف بين العلماء في

(1)

"حجة الله البالغة" 1/ 232.

(2)

"شرح صحيح مسلم» للنووي 1/ 14.

(3)

"هدي الساري" ص 346، "البحر الذي زخر" 2/ 610.

(4)

"هدي الساري" ص 489.

ص: 91

ذلك، بناء على اختلافهم في طريقة عدّ الأحاديث

(1)

. هذا عدا ما في الكتاب من الموقوفات من أقوال الصحابة والتابعين.

6 -

ويُعَدُّ "صحيح البخاري» أول كتاب في السُّنَّة يكتفي بالصحيح المجرَّد من الأحاديث، فقد كانتْ كتب السُّنَّة قبله تخلط ما بين الصحيح والضعيف من الحديث، فلا يستطيع الناظر فيها أن يميّز بينهما، إلا إن كان من ذوي العلم والاختصاص، الأمر الذي دعا الإمام البخاري إلى إفراد الحديث الصحيح وحده.

7 -

لكن لم يقصد البخاري استيعاب كل ما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لو فَعَلَ ذلك لطال الكتاب جداً، لذلك صحَّ عنه أنه قال:"لم أُخرج في هذا الكتاب الا صحيحاً، وما تركتُ من الصحيح أكثر". وفي رواية، قال:"ما أَدخلتُ في كتابي الجامع الا ما صحَّ، وتركتُ من الصحيح حتى لا يطول"

(2)

. ولذلك نجد الإمام البخاري يحكم بصحّة كثير من الأحاديث فيما ينقله عنه تلميذه الإمام الترمذي

(3)

، مما لم يخرّجه في صحيحه.

8 -

وقد رتَّب البخاري صحيحه على الكتب والأبواب، فبدأه ب كتاب "بدء الوحي"، ثم كتاب "الإيمان"، ثم كتاب "العلم"، ثم كتاب "الوضوء" .. إلى أن ختمه بكتاب "التوحيد"، وأدرج تحت كلّ كتاب أبواباً عدة.

9 -

وتسمية البخاري له ب "الجامع"، يدلّ على أنه لم يحصره في نوع معين من الأحاديث، بل هو مشتمل على جميع أنواع الحديث المحتاج إليها، من

(1)

"علوم الحديث" لابن الصلاح ص 20، وينظر أيضاً مقدمة "فتح الباري» حيث عقد ابن حجر فصلاً مستقلاً في تحرير عدة أحاديث صحيح البخاري بدقة.

(2)

"هدي الساري" ص 7، "تدريب الراوي" 1/ 93.

(3)

في كتابينه: "السُّنَن" و"العلل الكبير".

ص: 92

العقائد والأحكام، والرقاق والآداب، والتفسير والتاريخ، والسِّيَر والشمائل، والفتن والمناقب والمثالب، وغير ذلك. والكتابُ المشتملُ على هذه الأنواع كلّها يسمّى: جامعاً عند أهل الحديث

(1)

.

10 -

ويمتاز "صحيح البخاري" إلى جانب صحة أحاديثه، بدقّة تراجم أبوابه، وحُسن استنباط الأحكام من المتون، فهو كتاب جامعٌ بين الحديث والفقه، حتى اشتهرت بين العلماء عبارة:"فقه البخاري في تراجمه"

(2)

.

11 -

وقد لقي "صحيح البخاري" عناية عظيمة من قِبَل علماء الأمة الإسلامية، دراسة وحفظاً، ورواية وضبْطاً، ونُسخت عنه آلاف النسخ الخطيّة، وكُتِبَتْ عليه شروحٌ وحواشٍ كثيرة، تجاوزت المائة.

12 -

ومن أشهر شروحه:

"فتح الباري بشرح صحيح البخاري"، للحافظ أبي الفضل، أحمد ابن علي بن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، رحمه الله، وهو أجلّ شروح البخاري، وأعظمها على الإطلاق، حتى اشتهرتْ بين أهل العلم عبارة:"لا هجرة بعد الفتح"، يعنون بها: فتح الباري، للحافظ ابن حجر العسقلاني

(3)

.

ويقول العلامة أبو الطيّب القنّوجي رحمه الله (ت: 1307 هـ): "شرْح الحافظ ابن حجر أوفى الشروح، لا يعادله شرْح ولا كتاب"

(4)

.

(1)

"أصول التخريج ودراسة الأسانيد" ص 97.

(2)

"فتح الباري» 1/ 13، "إرشاد الساري" 1/ 24.

(3)

"الحطة في ذكر الصحاح الستة" ص 71.

(4)

"أبجد العلوم" ص 369.

ص: 93

وقد أمضى الحافظ ابن حجر في تأليف شرحه هذا نحواً من (25) عاماً، سوى ما ألحقه فيه بعد ذلك، فلم ينته منه إلا قبيل وفاته

(1)

.

ومن شروح البخاري: "عمدة القاري بشرح صحيح البخاري"، للحافظ بدر الدين، محمود بن أحمد العيني الحنفي (ت: 855 هـ)، رحمه الله، وهو شرْح كبير، استمدَّ فيه من "فتح الباري" كثيراً، حتى إنه كان ينقل منه الورقة بأكملها، ومع ذلك فهو شرْح مفيد حافل بالفوائد.

وممن شروح البخاري: "إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري"، للحافظ شهاب الدين، أحمد بن محمد القسطلاني (ت: 923 هـ)، رحمه الله، ذكر في مقدّمته أنه استفاد من "فتح الباري"، واستمدّ من ضوئه الساري، وقال العلامة عبد الحي الكتاني (ت: 1382 هـ): "كان بعض شيوخنا يفضّله على جميع الشروح، من حيث الجمع وسهولة الأخذ والتكرار والإفادة، وبالجملة فهو للمدرس أحسن وأقرب من "فتح الباري" فمن دونه"

(2)

.

وكما قَدَّمتُ فإن شروح صحيح البخاري كثيرة جداً، ولعلّ الشروح الثلاثة هذه، هي أعظمها وأجلّها على الإطلاق. ولذلك عندما كتب العلامة ابن خلدون رحمه الله (ت: 808 هـ) يقول: "سمعتُ كثيراً من شيوخنا يقولون: شرْح كتاب البخاري دَيْنٌ على الأمّة، يعنون أن أحداً من علماء الأمّة لم يوفّ ما يجب له من الشرح"

(3)

. علّق عليه صاحب كشف الظنون قائلاً: "لعلّ ذلك الدَّيْن قُضيَ بشرح المحقّق: ابن حجر والعيني والقسطلاني بعد ذلك"

(4)

.

(1)

"الحطة في ذكر الصحاح الستة" ص 329.

(2)

"فهرس الفهارس" للكتاني 2/ 968.

(3)

"تاريخ ابن خلدون" 1/ 560.

(4)

"كشف الظنون لحاجي خليفة" 1/ 635.

ص: 94

13 -

وقد اختصر "صحيح البخاري" غير واحد من أهل العلم قديماً وحديثاً، ومن أشهر مختصراته:"التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، لأحمد بن أحمد الشرجي الزبيدي (ت: 893 هـ)، اختصره في أقلَّ من ربعه، وحذف الأسانيد والأحاديث المكررة. وقد شرح هذا المختصر غير واحد منهم: الشيخ عبد الله بن حجازي بن إبراهيم الشرقاوي (ت: 1227 هـ)، في كتاب سمَّاه:"فتح المُبْدي في شرح مختصر الزبيدي"، والشيخ صدّيق حسن القنّوجي (ت: 1307 هـ)، في:"عون الباري لحلّ أدلة البخاري".

*‌

‌ صحيح الإمام مسلم:

1 -

اسم الكتاب "المُسند الصحيح"

(1)

، المعروف بين أهل العلم بصحيح الإمام مسلم.

2 -

مؤلِّفه هو: الإمام الحافظ الناقد أبو الحسين، مُسْلِم بن الحَجَّاج بن مُسْلِم القُشيري النيسابوري، المولود في حدود سنة: 204 هـ، والمتوفى سنة: 261 هـ، رحمه الله تعالى.

3 -

و"صحيح مسلم" في الدرجة الثانية من الصحة بعد "صحيح البخاري»، عند جماهير أهل العلم. وهناك قلَّة من العلماء قدَّموا "صحيح مسلم"، لكنه قول ضعيف

(2)

.

(1)

هكذا سمَّاه مؤلّفه حيث قال: "صنَّفتُ هذا المسند الصحيح من ثلاث مائة ألف حديث مسموعة" كما في تاريخ بغداد 15/ 121، وسمَّاه ابن خير الإشبيلي في فهرسته ص 85 ب:"المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "، وسماه القاضي عياض في الغنية 1/ 35 ب:"المسند الصحيح المختصر من السنن"، وسماه البغدادي في هدية العارفين 2/ 432 ب "الجامع الصحيح".

(2)

"هدي الساري" لابن حجر ص 12، "فهرس الفهارس" للكتاني 1/ 10.

ص: 95

قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "مسلم بن الحجَّاج .. صاحب "الصحيح" الذي هو تلو "الصحيح" للبخاري عند أكثر العلماء"

(1)

.

4 -

وقد مَكَثَ الإمام مسلم في تأليف صحيحه خمس عَشرةَ سنة، قضاها في الجمْع والتمحيص والتحري

(2)

، حتى إنه قال:"ما وضعتُ شيئاً في هذا المُسند إلا بحجّة، وما أسقطتُ منه شيئاً إلا بحجّة"

(3)

.

5 -

ولم يكتف الإمام مسلمٌ في الريث والأناة في تأليف صحيحه، بل إنه عَرَضَه بعد أن فَرَغَ منه على بعض كبار شيوخه، واستشارهم فيه. فقد ثَبَتَ عنه أنه قال: "عرضتُ كتابي هذا المُسند على أبي زُرْعَة الرازي

(4)

فكلُّ ما أشار أن له علّة تركته، وكلّ ما قال إنه صحيح وليس له علّة أخرجته"

(5)

.

6 -

وقد تكلَّم بعض العلماء في بعض الرواة الذين أخرج لهم مسلم في صحيحه، من جهة ضعف حفظهم. وأُجيب عن ذلك بأجوبة كثيرة منها: أن يكون هذا الطعن غير مسلَّم به، ويكون الراجح في الراوي الثقة والقبول، أو أن يقع هذا الضعف في المتابعات والشواهد، وليس في الأصول، قال النووي:"وذلك بأن يذكر (مُسلم) الحديث أولاً بإسناد نظيف، رجاله ثقات ويجعله أصلاً، ثم يتبعه بإسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة"

(6)

.

(1)

البداية والنهاية 14/ 551.

(2)

"تذكرة الحفاظ" 2/ 126.

(3)

"صيانة صحيح مسلم» لابن الصلاح ص 68.

(4)

أبو زرعة الرازي هو: عبيد الله بن عبد الكريم، أحد أئمة علماء الحديث في زمانه، توفي سنة: 264 هـ.

(5)

"صيانة صحيح مسلم» لابن الصلاح ص 68.

(6)

"شرح صحيح مسلم» للنووي 1/ 25.

ص: 96

7 -

كما أن بعض العلماء انتقد قليلاً من الأحاديث الواقعة في "صحيح مسلم"، وطعن فيها، وهذا النقد في أغلبه غير مُسَلَّم به، وما قد يسلَّم به فهو نزر يسير جداً، في جنب مئات الأحاديث التي أخرجها مسلم في صحيحه.

قال النووي رحمه الله: "قد استدرك جماعة على البخاري ومسلم أحاديث أخلا بشرطهما فيها، ونزلتْ عن درجة ما التزماه، وقد أُجيب عن كلّ ذلك أو أكثره"

(1)

.

8 -

و"صحيح مسلم" يُعَدُّ من كتب الجوامع، كصحيح البخاري، فليس محصوراً في نوع معين من الأحاديث، بل هو مشتملٌ على جميع أنواع الحديث المحتاج إليها، من العقائد والأحكام، والرقاق والآداب، والتفسير والتاريخ، والسِّيَر والشمائل، والفتن والمناقب والمثالب، وغير ذلك.

9 -

وقد ذكر النووي رحمه الله أن عِدَّة أحاديث "صحيح مسلم" نحو ((4000))، بإسقاط المكرَّر

(2)

، قال العراقي:"ولم يذكر عِدَّته بالمكرَّر، وهو يزيد على عِدَّة كتاب البخاري لكثرة طرقه، وقد رأيتُ عن أبي الفضل أحمد بن سلمة، أنه اثنا عشر ألف حديث"

(3)

.

وقد قام الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله (ت: 1968 م) محقّق "صحيح مسلم" بترقيم أحاديثه، فبلغت:(3033) حديثاً، بإسقاط المكرَّر.

10 -

ومع أن الكتاب مرتَّب على الأبواب، غير أن مؤلِّفه لم يترجم لأبوابه، كما صَنَعَ البخاري. وقد ترجم جماعة من الشراح أبوابه بتراجم،

(1)

"شرح صحيح مسلم» للنووي 1/ 27، وينظر "البحر الذي زخر" للسيوطي 2/ 608.

(2)

"التقريب والتيسير" للنووي ص 26.

(3)

"التقييد والإيضاح" ص 27.

ص: 97

بعضُها جيّد، وبعضها ليس بجيد، وتولَّى الإمام النووي رحمه الله (ت: 676 هـ) الترجمة عنها بعبارات تليق بها، فأجاد كثيراً

(1)

.

11 -

ويمتاز "صحيح مسلم" إلى جانب صحة أحاديثه بمزايا كثيرة منها: سهولة تناوله، فإنه جعل لكل حديثٍ موضعاً واحداً يليق به، يورد فيه جميع طرقه وألفاظه المختلفة، بخلاف البخاري فإنه يقطّع الحديث أحياناً، ويفرّق ألفاظه في الأبواب.

كذلك يمتاز "صحيح مسلم" بأنه ليس فيه بعد المقدّمة إلا الحديث المسند المجرّد، فليس فيه شيء من الموقوفات، أو المعلَّقات إلا نادراً

(2)

.

إضافة إلى أنه كَتَبَ له مقدّمة نفيسة، تحدَّث فيها عن أسباب تأليفه للصحيح، ومنهجه فيه، كما عالج كثيراً من القضايا والمباحث الحديثية المهمة.

12 -

وقد كُتبتْ على "صحيح مسلم" شروحٌ عِدَّة، منها:

كتاب "المُعْلِم بفوائد مسلم"، للإمام أبي عبد الله، محمد بن علي بن عمر المازري المالكي (ت: 536 هـ) رحمه الله، وهو من أوائل شروح صحيح مسلم، وكان في أصله دروساً أملاها المازري على تلامذته، لم يلتزم فيها بشرح جميع الأحاديث، ولا التقيّد بترتيب "صحيح مسلم".

ومن شروحه: "إكمال المُعْلِم بفوائد مسلم"، للقاضي عياض بن موسى اليحصُبي المالكي (ت: 544 هـ)، رحمه الله تعالى، أكمل فيه شرح المازري، فشَرَحَ ما لم يشرحه، وتمَّم ما وقع فيه من نقص وقصور.

(1)

"الحديث والمحدثون" ص 382.

(2)

"صيانة صحيح مسلم» ص 69.

ص: 98

ومن شروحه: "المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجّاج" للإمام أبي زكريا، يحيى بن شرف النووي (ت: 676 هـ)، وهو متوسط بين المختصرات والمبسوطات، كما ذكر مؤلّفه

(1)

، ويُعَدّ من أشهر شروح صحيح مسلم، وأكثرها تداولاً وانتشاراً ونفعاً.

ولمؤلِّف هذا الكتاب تعقباتٌ عليه مطبوعة، اسمُها:"النكت على شرح النووي على صحيح مسلم"، ذكرتُ فيه نحو مائة استدراك على النووي، مما وقع له من أوهام في شرحه هذا.

13 -

وقد اختصر "صحيح الإمام مسلم" غير واحد، فلخَّصه الإمام الحافظ أبو العباس، أحمد بن عمر القرطبي رحمه الله (ت: 656 هـ)، ثم شَرَحَ الملخَّص في كتابه:"المُفْهِم لما أَشْكَل من تلخيص كتاب مسلم"، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:"فيه أشياء حسنة مفيدة محررة"

(2)

.

كما اختصره الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري رجمه الله (ت: 656 هـ)، وشَرَحَ هذا المختصر: العلامة أبو الطيّب صديق حسن خان القنّوجي (ت: 1307 هـ)، في:"السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجّاج". وكلُّ هذه الكتب مطبوعة ومتداولة، والحمد لله تعالى.

*‌

‌ صحيح الإمام ابن خزيمة:

1 -

اسم الكتاب: "المسند الصحيح المتصل بنقل العدل عن العدل من غير قطع في السند ولا جرح في النقلة"، هذا هو اسم الكتاب، كما سمَّاه به مؤلِّفه، فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر

(3)

، ويُعرف بين العلماء اختصاراً ب: "صحيح

(1)

"شرح صحيح مسلم» للنووي 1/ 5.

(2)

"البداية والنهاية" 13/ 266.

(3)

"النكت على ابن الصلاح" 1/ 291.

ص: 99

ابن خزيمة".

وورد في أثناء صحيح ابن خزيمة تسمية مؤلِّفه له ب "مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم "

(1)

.

2 -

مؤلِّفه هو: الإمام الحافظ الكبير أبو بكر، محمد بن إسحاق بن خزيمة السُّلَمي النيسابوري، المولود سنة: 223 هـ، والمتوفى سنة: 311 هـ، رحمه الله تعالى.

3 -

رتَّبه مؤلِّفه على الكتب والأبواب الفقهية.

4 -

وقد أثنى العلماء على صحيح ابن خزيمة، كقول الحافظ ابن عدي (ت: 365 هـ): "إنه أصحّ ما صُنِّفَ في الصحيح المجرَّد، بعد الشيخين البخاري ومسلم"

(2)

، وبنحوه قال الإمام محمد بن موسى الحازمي (ت: 584 هـ)، فيما نقله عنه المناوي

(3)

.

5 -

و"صحيح ابن خزيمة" أقلّ رتبة من صحيح مسلم، وقد وُصِفَ بشدّة التحريّ، حتى إنه كما يقول السيوطي:"يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد، فيقول: إن صحَّ الخبر، أو إن ثبت كذا"

(4)

. إلا أنه لم يَسْلم من بعض الأحاديث الضعيفة، كما يظهر من تعليقات الذين حقَّقوا الكتاب؛ الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني، رحمهما الله.

6 -

ويصف الدكتور محمد مصطفى الأعظمي الكتاب فيقول: "إن صحيح

(1)

"صحيح ابن خزيمة" 1/ 3، 153.

(2)

"الكامل في الضعفاء" 1/ 33.

(3)

"فيض القدير" 1/ 27.

(4)

ينظر "تدريب الراوي" 1/ 115.

ص: 100

ابن خزيمة ليس كالصحيحين، بحيث يمكن القول: إن كلّ ما فيه هو صحيح، بل فيه ما هو دون درجة الصحيح، وليس مشتملاً على الأحاديث الصحيحة والحسنة فحسب، بل يشتمل على أحاديث ضعيفة أيضاً، إلا أن نسبتها ضئيلة جداً، إذا قُورنتْ بالأحاديث الصحيحة والحسنة، وتكاد لا توجد الأحاديث الواهية، أو التي فيها ضعفٌ شديد إلا نادراً، كما يتبين بمراجعة التعليقات"

(1)

.

7 -

ولا يوجد من صحيح ابن خزيمة إلا قدر ربعه الأول، بدأً من كتاب الوضوء إلى نهاية كتاب الحج، وباقيه مفقود من قديم، كما نبَّه على ذلك الحافظ ابن حجر، وابن فهد المكي وغيرهما

(2)

.

8 -

ولابن خزيمة مصنَّف متداول عنوانه: "كتاب التوحيد"، أشار ابن حجر إلى أنه جزء من صحيح ابن خزيمة

(3)

.

9 -

وقد خَدَمَ الكتاب غيرُ واحد، فألَّف الحافظ ابن عبد الهادي المقدسي الحنبلي (ت: 744 هـ) رحمه الله جزءاً منتقى، تعقّب فيه أحاديث من صحيح ابن خزيمة، مما ظهر له فيها مقال، لكن لا يعرف عنه شيء

(4)

.

وترجم الحافظ ابن الملقن رحمه الله (ت: 804 هـ) لرجاله، ضمن:"إكمال تهذيب الكمال"

(5)

، وذكر الحافظ ابن حجر (ت: 852 هـ) أطرافه ضمن:

(1)

"فتح المغيث" 1/ 54، مقدمة "صحيح ابن خزيمة" للأعظمي 1/ 27.

(2)

ينظر "إتحاف المهرة" لابن حجر 1/ 159، و"لحظ الألحاظ" لابن فهد ص 213.

(3)

المعجم المفهرس لابن حجر ص 42، فتح الباري 13/ 367.

(4)

"ذيل طبقات الحنابلة" لابن رجب 5/ 118.

(5)

اختصر فيه "تهذيب الكمال" للمزي مع التذييل عليه برجال ستة كتب هي: المسند للإمام أحمد، صحيح ابن خزيمة، صحيح ابن حبان، مستدرك الحاكم، السنن للدارقطني، السنن الكبرى للبيهقي، وسمَّاه:"إكمال تهذيب الكمال".

ص: 101

"إتحاف المَهَرَة بالفوائد المُبتكرة من أطراف العشرة"

(1)

.

وجَمَعَ زوائده صالح الشامي (معاصر) ضمن: "زوائد ابن خزيمة وابن حبان والمستدرك على الكتب التسعة".

كذلك أفرد بعض المعاصرين زوائده على الصحيحين، في كتاب مستقل.

10 -

وقد حقّق الكتاب ونشره الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، وساعده في التعليق عليه الشيخُ المحدث محمد ناصر الدين الألباني، ثم أعاد تحقيقه ونشره من جديد: الدكتور ماهر الفَحَل، بعد أن وقف على تحريفات وأخطاء كثيرة في التحقيق السابق، حسبما ذكر في مقدّمة تحقيقه.

*‌

‌ صحيح الإمام ابن حِبَّان:

1 -

اشتهر "صحيح ابن حِبَّان" بين المحدثين باسم: "التقاسيم والأنواع"، لكن اسمه الكامل الثابت في أصوله الخطية:"المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع، من غير وجود قَطْع في سندها، ولا ثبوت جرح في ناقليها". وهو الذي سمَّاه به مؤلِّفه في مقدّمته، ثم أصبح يطلق عليه اختصاراً:"صحيح ابن حبان"

(2)

.

2 -

مؤلِّفه هو: الإمام المجتهد صاحب التصانيف، أبو حاتم، محمد بن

(1)

ذكر فيه أطراف أحد عشر كتاباً وهي: موطأ الإمام مالك، ومسند الشافعي، ومسند الإمام أحمد، وسنن الدارمى، وصحيح ابن خزيمة، والمنتقى لابن الجارود، وصحيح ابن حبان، والمستخرج لأبى عوانة، والمستدرك للحاكم، وشرح معانى الآثار للطحاوي، والسنن للدار قطني.

(2)

ينظر "السنن الأبين" لابن رشيد 1/ 31، مقدمة العلامة أحمد شاكر للقطعة التي حققها من "صحيح ابن حبان" ص 8.

ص: 102

حِبَّان الدارمي البُستي، المولود في حدود سنة: 280 هـ، والمتوفى سنة: 354 هـ، رحمه الله تعالى، والمعروف بابن حِبَّان.

3 -

وقد ذكر ابن حِبَّان في مقدّمة صحيحه السبب الذي دعاه إلى تأليف هذا الكتاب، وهو ما رآه من قلّة معرفة الناس بالأحاديث الصحيحة، واشتغالهم بكتابة الأحاديث الموضوعة، وما كان منها خطأ ومقلوب، فغيرةٌ منه على سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ألَّف هذا الصحيح.

(1)

4 -

و"صحيحُ ابن حِبَّان" كتاب واسع مفيد للغاية، إلا أن صاحبه موصوف بالتساهل في تصحيح الأحاديث، لعلَّه بسبب توثيقه للرواة المجهولين، الذين لا تُعرف أحوالهم، وإخراجه حديثهم في صحيحه

(2)

.

وفي "صحيح ابن حِبَّان" عدد من الأحاديث الضعيفة، كما يظهر من تعليقات من حقَّقوا الكتاب أو علَّقوا عليه، كالشيخ الألباني في "التعليقات الحسان على صحيح ابن حِبَّان"، والشيخ شعيب الأرناؤوط في تحقيقه وتعليقه على الكتاب.

وقد قال الحافظ السيوطي: "إن صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حِبَّان"

(3)

.

5 -

ولأن ابن حِبَّان رتَّب أحاديثَ صحيحه ترتيباً عَسِراً، لا على المسانيد ولا على الأبواب، وإنما على التقاسيم والأنواع

(4)

، فقد أعاد بعض

(1)

انظر مقدمة ابن حبان لصحيحه في "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" 1/ 102.

(2)

ينظر "علوم الحديث" ص 22، "فتح المغيث" 1/ 56.

(3)

"تدريب الراوي" 1/ 115.

(4)

أشار ابن حبان في مقدمة صحيحه أنه أراد بهذا الترتيب أن يحفظ الناس صحيحه، حتى يستطيعوا الوصول إلى موضع الحديث فيه، كما أنه لا يمكن التنبؤ بموضع الآية في القرآن الكريم إلا للحافظ له!! لكن كانت النتيجة عكس ما أراده ابن حبان، فقد أعرض العلماء عن كتابه بسبب صعوبته، حتى قيض الله تعالى من أعاد تريبه من جديد وتقريبه للناس.

ص: 103

المتأخرين ترتيبه على الأبواب، وهو الأمير علاء الدين أبو الحسن، علي بن بلبان الفارسي الحنفي (ت: 739 هـ) رحمه الله، وسمَّى ترتيبه ب:"الإحسان في تقريب صحيح ابن حِبَّان"، فأقبل الناسُ على ترتيب ابن بلبان، وأهملوا الكتاب الأصلي!!

6 -

وقد خَدَمَ "صحيح ابن حِبَّان" غير واحد، إضافة إلى ترتيب ابن بلبان، فلخَّصه الحافظ ابن الملقن رحمه الله (ت: 804 هـ)، في:"تلخيص صحيح ابن حِبَّان"

(1)

.

وأفرد أطرافه الحافظ أبو الفضل العراقي (ت: 806 هـ)، في:"أطراف صحيح ابن حبان"، وله أيضاً:"رجال صحيح ابن حبان سوى ما في التهذيب"، و"أربعون بلدانية انتخبها من صحيح ابن حبان"

(2)

.

وجَرَّدَ زوائده الحافظُ نور الدين الهيثمي (ت: 807 هـ) رحمه الله في: "موارد الظمآن في زوائد ابن حِبَّان"، ذكر فيه ما أخرجه ابن حِبَّان في صحيحه مما ليس في الصحيحين.

كما ترجم لرجاله الحافظ ابن الملقن (ت: 804 هـ)، ضمن كتابه:"إكمال تهذيب الكمال".

وذكر أطرافه الحافظ ابن حجر (ت: 852 هـ)، ضمن: "إتحاف المهرة

(1)

ذكره ابن قاضي شهبة في "طبقات الشافعية" 4/ 47.

(2)

ذكر كتب العراقي الثلاثة: ابن فهد المكي في "لحظ الألحاظ" ص 151.

ص: 104

بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة".

*‌

‌ مستدرك الإمام الحاكم:

1 -

اسم الكتاب: "المستدرك على الصحيحين"، للإمام أبي عبد الله، محمد ابن عبد الله بن حمدويه، المعروف بالحاكم النيسابوري، المولود سنة: 321 هـ، والمتوفى سنة: 405 هـ، رحمه الله تعالى.

2 -

وقد اشترط فيه مؤلِّفه ذكر الأحاديث الصحيحة، التي هي على شرط البخاري ومسلم، أو أحدهما مما لم يذكراه، فقال في مقدّمة الكتاب:"وقد سألني جماعة من أعيان أهل العلم بهذه المدينة (يعني نيسابور) وغيرها؛ أن أجمع كتاباً يشتمل على الأحاديثَ المروية بأسانيد يحتجّ محمد بن إسماعيل، ومُسلم بن الحجاج بمثلها .. وأنا أستعين الله على إخراج أحاديثَ رواتها ثقات، قد احتج بمثلها الشيخان رضي الله عنهما أو أحدهما، وهذا شرط الصحيح، عند كافة فقهاء أهل الإسلام"

(1)

.

3 -

لكن العلماء انتقدوا كتابه هذا، وقالوا: إنه تساهل فيه كثيراً، فصحَّح أحاديث ضعيفة، بل وموضوعة، زَعَمَ الحاكم أنها صحيحة على شرط البخاري ومسلم!!

4 -

وقد صنَّف الحافظ الذهبي رحمه الله (ت: 748 هـ) ملخصاً لهذا المستدرك، تعقَّب ما فيه من النكارة والضعف، وخلص إلى نتيجة مهمة في أحاديث هذا الكتاب، حيث قرَّر: أن فيه جملة وافرة من الأحاديث على شرط البخاري ومسلم، وأخرى كثيرة على شرط أحدهما، لعلّ مجموع ذلك نحو نصف الكتاب، وفيه نحو الربع مما صحَّ سنده، وإن كان فيه علّة، وما بقي وهو

(1)

مقدمة "المستدرك على الصحيحين".

ص: 105

نحو الربع فهو مناكير واهياتٌ، لا تصحُّ، وفي بعض ذلك موضوعات

(1)

.

5 -

واعتذر الحافظ ابن حجر للإمام الحاكم، فقال:"وإنما وقع للحاكم التساهل، لأنه سوَّد الكتاب لينقّحه فأعجلته المنية، قال: وقد وجدتُ في قريب نصف الجزء الثاني من تجزئة ستة من المستدرك: إلى هنا انتهى إملاء الحاكم .. والتساهل في القدر المُمْلى قليل جداً، بالنسبة إلى ما بعدَه"

(2)

.

وذكر الحافظ السخاوي (ت: 902 هـ) رحمه الله: أن الحاكم صنَّف المستدرك في أواخر عمره، وقد حصلت له غفلة وتغيّر

(3)

.

كما أشار الحافظ ابن حجر إلى سبب آخر أدى إلى كثرة أوهام الحاكم في تصحيح الأحاديث الضعيفة، فقال:"أظنّه في حال تصنيف المستدرك كان يتكل على حفظه، فلأجل هذا كثرت أوهامه"

(4)

.

6 -

ومن أوهام الحاكم رحمه الله في كتابه المستدرك، أنه يستدرك أحياناً على البخاري ومسلم أحاديث هي موجودة فيهما أو في أحدهما، وقع له هذا في نحو مائة حديث، حتى ألَّف بعض المعاصرين كتاباً سمَّاه:"الانتباه لما قال الحاكم ولم يخرجاه وهو في أحدهما أو روياه".

7 -

وقد خَدَمَ المستدرك كثيرٌ من العلماء غير تلخيص الذهبي المتقدم. فألَّف الذهبيّ أيضاً جزءاً صغيراً جَمَعَ فيه الأحاديث الموضوعة من مستدرك الحاكم، فبلغتْ نحو مائة حديث، وقد وصلتْ إلينا قطعة منه

(5)

.

(1)

"تدريب الراوي" 1/ 113.

(2)

المصدر السابق 1/ 113، ولمن أراد التوسع حول تساهل الحاكم في المستدرك ينظر "تدريب الراوي" للسيوطي 1/ 113.

(3)

"فتح المغيث" 1/ 54.

(4)

"اتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة" 1/ 510.

(5)

"الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام" ص 130.

ص: 106

واختصر تلخيص الذهبي الحافظُ ابن الملقن (ت: 804 هـ)، في كتاب سمَّاه:"مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك الحاكم"، وهو مطبوع.

وألَّف الحافظ ابن عبد الهادي الحنبلي (ت: 744 هـ) رحمه الله كتاباً بعنوان: "الكلام على أحاديث كثيرة فيها ضعف من المستدرك للحاكم"

(1)

.

وأملى عليه الحافظ العراقي رحمه الله (ت: 806 هـ) مستخرجاً سمَّاه: "المستخرج على المستدرك"، مطبوع.

وللحافظ ابن حجر (ت: 852 هـ) تعليق على المستدرك، بدأ به، ولم يتمَّه.

وأفرد الشيخ مقبل الوادعي (ت: 1422 هـ) رحمه الله رجاله بمصنّف مطبوع، اسمه:"رجال الحاكم في المستدرك".

وللدكتور محمود ميرة (ت: 1441 هـ) رحمه الله، دراسة مطبوعة، بعنوان:"الحاكم النيسابوري وكتابه المستدرك".

وهذه الكتب الثلاثة الأخيرة: أعني صحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم، هي أهم ما أُلِّفَ في الصحيح المجرَّد، بعد الصحيحين، لكنها لم ترتقِ إلى مستوى الصحيحين، وقد رتَّبها العلماء من حيث درجة الصحة على الترتيب التالي:"صحيح ابن خزيمة"، ثم "صحيح ابن حِبَّان" ثم مستدرك الحاكم، ترجيحًا منهم لكلّ كتاب منها على ما بعده، وإنْ وافق هذا ترتيبهم الزَّمني عن غير قصد

(2)

.

(1)

"ذيل طبقات الحنابلة" لابن رجب 5/ 118.

(2)

مقدمة "صحيح ابن حبان" لأحمد شاكر ص 11.

ص: 107

*‌

‌ المختارة للضياء المقدسي:

1 -

اُختلِفَ في اسم هذا الكتاب، فسمَّاه بعضهم ب:"المختارة"، وبعضهم ب "الأحاديث المختارة"، وسمَّاه السيد محمد جعفر الكتاني (ت: 1345 هـ) رحمه الله ب: "الأحاديث الجياد المختارة مما ليس في الصحيحين أو أحدهما"

(1)

، وهذه التسمية الأخيرة تناسب مضمون الكتاب، وما جاء في مقدّمة المؤلِّف.

2 -

مؤلِّفه هو: الإمام الحافظ الناقد، ضياء الدين أبو عبد الله، محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي، ثم الدمشقي الحنبلي، المولود سنة: 569 هـ، والمتوفى سنة: 643 هـ، رحمه الله تعالى.

3 -

التزم الضياء المقدسي في كتابه هذا ذِكْرَ ما صحَّ من الأحاديث، مما لم يخرجه البخاري ولا مسلم في صحيحيهما، قال الحافظ السيوطي:"ومنهم - أي ممن صنَّفوا في الصحيح - الحافظ ضياء الدين محمد بن عبدالواحد المقدسي، جَمَعَ كتاباً سمَّاه: "المختارة"، التزم فيه الصحة"

(2)

.

وهذا ظاهر من عنوان الكتاب ومن مقدّمة المؤلِّف، حيث قال:"هذه الأحاديث اخترتها مما ليس في "البخاري" و"مسلم"، إلا أنني ربما ذكرتُ بعض ما أورده البخاري معلّقاً، وربما ذكرنا أحاديث بأسانيد جياد لها علّة، فنذكر بيان علَّتها حتى يُعرف ذلك"

(3)

.

4 -

وقد صحَّح الضياءُ في كتابه هذا أحاديثَ كثيرة لم يُسبق إلى تصحيحها،

(1)

"الرسالة المستطرفة" ص 24.

(2)

"تدريب الراوي" 1/ 158.

(3)

"الأحاديث المختارة" 1/ 69.

ص: 108

كما قال الحافظ السيوطي وغيره

(1)

. وسلَّم العلماء له تصحيحه، إلا أحاديث يسيرة جداً، تُعُقّبَتْ عليه

(2)

.

قال الشيخ نور الدين عتر (ت: 1442 هـ) رحمه الله: "اُنتقد على الكتاب تصحيحُ أحاديثَ لا تبلغ رتبة الصحة، بل ولا رتبة الحسن، نبَّه العلماءُ في شروح كتب الحديث عليها، لمناسبة تخريجها. ومن ذلك حديث: "ركعتان من متأهل خير من ثنتين وثمانين ركعة من العزب". رواه تمام في فوائده، والضياء في المختارة، عن أنس. قال السيوطي في اللآلئ المصنوعة: "أخرجه من طريق بقيّة: الضياء في المختارة، لكن تعقَّبه الحافظ ابن حجر في أطرافه، فقال:"هذا حديث منكر، ما لإخراجه معنى". وقال الذهبي في الميزان: باطل"

(3)

.

5 -

وقد حظيت "المختارة" بثناء كثير من العلماء عليها، فقال الإمام ابن تيمية رحمه الله (ت: 728 هـ): "تصحيح الحافظ أبي عبد الله، محمد بن عبد الواحد المقدسي في مختاره، خير من تصحيح الحاكم، فكتابه في هذا الباب خير من كتاب الحاكم بلا ريب، عند من يعرف الحديث"

(4)

.

وقال الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله (ت: 744 هـ): "اختاره من الأحاديث الجياد الزائدة على ما في الصحيحين، وهو أعلى مرتبة من تصحيح الحاكم، وهو قريب من تصحيح الترمذي، وأبي حاتم البُستي ونحوهما، فإن الغلط فيه قليل، ليس هو مثل صحيح الحاكم"

(5)

.

(1)

"تدريب الراوي" 1/ 158.

(2)

"الرسالة المستطرفة" ص 24.

(3)

"منهج النقد في علوم الحديث" ص 259.

(4)

"مجموع الفتاوى" لابن تيمية 22/ 426.

(5)

"الصارم المنكي" لابن عبد الهادي ص 121.

ص: 109

6 -

والكتاب مرتَّب على مسانيد الصحابة، إلا أنه لم يكمله

(1)

. وقد طُبِعَ الموجود منه في ثلاثة عشر مجلداً، بتحقيق الأستاذ الدكتور عبد الملك ابن عبدالله بن دهيش رحمه الله.

7 -

وقد خَدَمَ الكتابَ غيرُ واحد من أهل العلم، فانتقى منه الحافظ شمس الدين الذهبي كتاباً سمَّاه:"المنتقى من المختارة"، ذكره ابن حجر

(2)

، ولا يُعرف عنه شيء.

وأَّلف الحافظ ابنُ حجر في أطرافه: "الإنارة في أطراف المختارة"، ذَكَرَه السخاوي، وقال:"في مجلد ضخم"

(3)

. لكن لا يُعرف عنه شيء الآن.

*‌

‌ مؤلفات أخرى في الصحيح:

وهذه الكتب الأربعة الأخيرة: (صحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم، والمختارة للضياء)، وإن كانت من كُتُبِ القرن الرابع الهجري، والأخير منها من السابع، إلا أني ذكرتها هنا لتتميم الكلام على بعض من أَلَّفَ في الحديث الصحيح.

وقد أَلَّفَ في الصحيح أيضاً: الحافظُ أبو محمد، عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري، (ت: 307 هـ) رحمه الله، في كتابه:"المنتقى"، ولم أُفْرِد الحديث عنه، لأن معظم أحاديثه مخرَّجة في الصحيحين.

كذلك ألَّف: الحافظُ أبو علي، سعيد بن عثمان بن السَّكَن البغدادي

(1)

"اختصار علوم الحديث" لابن كثير ص 90.

(2)

"المجمع المؤسس" 1/ 293.

(3)

"الجواهر والدرر" للسخاوي 2/ 672.

ص: 110

(ت: 353 هـ): "الصحيح المنتقى"، ويسمَّى أيضاً ب:"السُّنَن الصحاح المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "، جَمَعَ فيه الأحاديث التي في الصحيحين وكتابي أبي داود والنسائي، إلا أنه مفقود معظمه، وقد وصفه بعض أهل العلم بالتساهل في التصحيح، فقال الشيخ الألباني:"ابن السَّكَن ليس تصحيحه مما إليه يُرْكن"

(1)

.

‌ثانياً: كتب السُّنَن:

1 -

كتب السُّنَن هي: الكتب التي جمعتْ أحاديث الأحكام غالباً، ورتَّبَتْها على الأبواب الفقهية، وليس فيها شيء من الموقوفات

(2)

.

2 -

وكتب السُّنَن كثيرة، من أشهرها: السُّنَن الأربعة؛ سنن أبي داود، وسنن النَّسائي، وسنن الترمذي، وسنن ابن ماجه، والسُّنَن الكبرى للنَّسائي، وسنن الدارمي، والسُّنَن الكبير (الكبرى) للبيهقي، وسنن الدارقطني .. وغيرها.

3 -

وكتب السُّنَن لم يشترِط أصحابُها فيها صحةَ الأحاديث، ففيها الصحيحُ والحسن والضعيف، وأحياناً قد يكون فيها أحاديث ضعيفةٌ جداً، أو موضوعةٌ، لكنها قليلة، لأن هذه الكتب مصنَّفة على الأبواب، والأصل فيمن يُصَنِّف على الأبواب؛ أنه يدَّعي أن الحُكْمَ في المسألة التي بَوَّبَ عليها ما بَوَّبَ به، فيحتاجُ أن يستدلّ بصحة دعواه، والاستدلال إنما ينبغي أن يكون بما يصلُح أن يحتجّ به

(3)

.

4 -

وكتب السُّنَن متفاوتة في درجتها، وقيمتها العلميّة، وبعضها أصحّ من

(1)

"تمام المنة" ص 108، وينظر أيضاً "إرواء الغليل" 1/ 143 كلاهما للألباني.

(2)

"الرسالة المستطرفة" ص 32.

(3)

"فتح المغيث" 1/ 114، "البحر الذي زخر" 3/ 1171، 1177.

ص: 111

بعض، فسنن النَّسائي على سبيل المثال أقلّها حديثاً ضعيفاً ورجالاً مجروحين، ويليه‌

‌ سنن أبي داود ..

وهكذا

(1)

.

5 -

وبما أننا الآن بصدد الكلام على كتب السُّنَن، فمن المستحسن أن نعرِّج ونعرِّف بأهمّ هذه السُّنَن، وهي الكتب المعروفة بالسُّنَن الأربعة؛ سنن أبي داود وسنن الترمذي والنَّسائي وابن ماجه، وليكن الكلام موجزاً ومختصراً، لأن الحديث حولها يطول.

* * * *

‌السُّنَن الأربعة

* سنن أبي داود:

1 -

مؤلِّف الكتاب هو الإمام الحافظ الثَّبْتْ: أبو داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السجستاني، المولود سنة: 202 هـ، والمتوفى سنة: 275 هـ، رحمه الله تعالى.

2 -

اشتهر كتاب أبي داود باسم: "السُّنن"، وهو الاسم الذي سمَّاه به مؤلِّفه، كما نصّ على ذلك في رسالته إلى أهل مكة، في وَصْف سننه، في مواضع عدة

(2)

.

وكتب السُّنَن في عُرف المحدثين واصطلاحهم تُطلق على الكتب التي جَمَعَت الأحاديث النبوية، ورتَّبتها على الأبواب الفقهية غالباً؛ الطهارة، فالصلاة فالزكاة .. وهكذا، وليس فيها شيء من الموقوفات والآثار، لأن الموقوف لا يسمَّى في اصطلاحهم سُنَّة

(3)

.

(1)

"فتح المغيث" 1/ 114.

(2)

"رسالة أبي داود إلى أهل مكة" ص 22، 25، 29.

(3)

"الرسالة المستطرفة" ص 32.

ص: 112

كذلك يغلبُ عليها ذِكْرُ أحاديث الأحكام، دون الفضائل أو القَصَص، أو المواعظ أو الزهد أو العقائد، وإن ذَكَرَتْ شيئاً من ذلك فهو قليل.

3 -

لم يَشترط أبو داود الصحة في سننه، وقد نصّ على ذلك في رسالته إلى أهل مكة، فقال:"قد ذكرتُ في كتابي الصحيحَ وما يشبهه ويقاربه، وما فيه وَهَنٌ شديد بيّنته"

(1)

.

ويُفهم من كلام أبي داود أنه لم يقتصر على الأحاديث الصحيحة فحسب، بل إنه يذكر ما يقاربها ويشبهها، وهي الأحاديث الحسنة. كما يُفهم من كلامه أن كتابه لا يخلو من الأحاديث الضعيفة، والضعيفة جداً، بَيْدَ أنه ينبّه على هذه الأخيرة، ولا يسكتُ عنها

(2)

.

4 -

تُعَدُّ سنن أبي داود الثالثة في الترتيب بعد الصحيحين، كما قاله غير واحد من العلماء، منهم الحافظ السخاوي رحمه الله

(3)

. لكنْ لو نظرنا إلى قلَّة الأحاديث الضعيفة، وقلَّة الرواة المجروحين، فإن سنن الإمام النَّسائي مقدَّمة، كما قرره الحافظ ابن حجر

(4)

. فلعلَّ من قدَّموا سنن أبي داود نظروا إلى غزارة المادة الحديثية ووفرتها، أو إلى تقدّم السِّنّ، فإن أبا داود أسنّ من النَّسائي، ومعدودٌ في شيوخه.

5 -

وسنن أبي داود من أجمع كُتُب السُّنَّة التي اعتنتْ بجمع أحاديث الأحكام، فقد كانت رغبة أبي داود جَمْعَ الأحاديث التي استدلّ بها فقهاء الأمصار، وبنوا عليها الأحكام. لذلك فما من فقيه من فقهاء المذاهب الأربعة

(1)

"رسالة أبي داود إلى أهل مكة" ص 27، "علوم الحديث" لابن الصلاح ص 36.

(2)

انظر في هذا الموضوع "النكت على ابن الصلاح" لابن حجر 1/ 435.

(3)

"فتح المغيث" 1/ 87.

(4)

"النكت على ابن الصلاح" 1/ 484.

ص: 113

وغيرها إلا ويجد طِلْبَته فيها غالباً.

يقول الإمام الخطابي (ت: 388 هـ) رحمه الله: "اعلموا رحمكم الله أن كتاب السُّنَن لأبي داود، كتابٌ شريف لم يُصَنَّفْ في علم الدين كتابٌ مثله، وقد رُزِقَ القبولَ من الناس كافة، فصار حَكَمَاً بين فرق العلماء، وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، فلكلّ فيه وِرْدٌ، ومنه شِرْبٌ، وعليه معوّل أهل العراق، وأهل مصر وبلاد المغرب، وكثير من أقطار الأرض"

(1)

.

وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله (ت: 505 هـ): "إن سنن أبي داود تكفي المجتهد في أحاديث الأحكام"

(2)

!!.

وكلام الغزالي هذا مبني على الغالب، وإلا ففي غير "سنن أبي داود" أحاديث صحيحة في الأحكام، لابد للمجتهد من الاطلاع عليها والرجوع إليها.

6 -

وتمتاز عناوين الأبواب في سنن أبي داود بالإيجاز والقِصَر، وغالباً ما تكون واضحة ومباشِرةً في موضوع الباب، والحُكْم المستنبط منه.

7 -

وقد بلغ عدد أحاديث السُّنَن حسب نسخ الكتاب المطبوعة: (5274) حديثاً، بينما قال أبو داود في رسالته إلى أهل مكة:"لعلّ عدد الذي في كتابي من الأحاديث قدر أربعة آلاف وثمانمائة حديث"

(3)

! فلعلّ أبا داود زاد في الكتاب بعد ذلك، أو أن العدد الذي ذكره على سبيل التقريب، بدليل قوله:"لعلّ"، وأيضاً فإن أبا داود ربما كرر بعض الأحاديث.

(1)

"معالم السنن" 1/ 6.

(2)

"المستصفى" 2/ 351.

(3)

"رسالة أبي داود إلى أهل مكة" ص 32.

ص: 114

8 -

وقد خَدَمَ "سنن أبي داود" غيرُ واحد من العلماء، فشرحها: الإمام حَمْد ابن إبراهيم الخطابي (ت: 388 هـ) في كتابه: "معالم السُّنن"، وهو شرْح مختصر، لم يشرحْ فيه كلّ الأحاديث، واعتنى فيه بالناحية الفقهية أكثر من الناحية الحديثية، وربما شَرَحَ بعض الأحاديث دون أن بنبّه على ضعف إسنادها، لكنه شرْح مفيد على كل حال، وعمدةٌ لمن جاء بعده.

وشَرَح سنن أبي داود: العلامة شمس الحق العظيم آبادي (ت: 1329 هـ) في: "عون المعبود بشرح سنن أبي داود"، وهو شرح متوسط الحجم، شَرَحَ فيه جميع أحاديث أبي داود، على طريقة أهل الحديث دون التزام بمذهب معيّن.

ومن شروحها أيضاً: "المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود"، للشيخ محمود خطاب السبكي (ت: 1352 هـ)، لكنه توفي أثناء كتاب المناسك ولم يُكْمِلْه.

واختصر "سنن أبي داود" الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت: 656 هـ)، في كتاب سمَّاه:"مختصر سنن أبي داود". مع الكلام على بعض أحاديث الكتاب صحة وضعفاً.

ولابن قيم الجوزية رحمه الله تعليقاتٌ على هذا المختصر سمَّاها: "تهذيب السُّنَن"، تكلَّم فيها على علل بعض الأحاديث التي سَكَتَ عنها المنذري، أو لم يستوف الكلام عليها، كما تكلَّم على بعض المتون المشكلة.

وللحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله (ت: 911 هـ) حاشية صغيرة على سنن أبي داود، سمَّاها:"مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود". وكلّ هذه الكتب مطبوعة ومتداولة، والحمد لله.

ص: 115

*‌

‌ سنن الترمذي:

1 -

مؤلِّف الكتاب هو الإمام الحافظ البارع أبو عيسى، محمد بن عيسى بن سَوْرة السُّلمي الترمذي الضَّرير، المولود في حدود سنة: 210 هـ، والمتوفى سنة: 279 هـ، رحمه الله تعالى.

2 -

اُختُلِف في اسم الكتاب، والمشهور تسميته ب:"الجامع"، أو:"جامع الترمذي" منسوباً إلى مؤلِّفه، وبعضهم يسمّيه:"الجامع الكبير"، أو:"السُّنَن" أو: "سنن الترمذي"

(1)

، وسمَّاه ابن خَيْر الإِشبيلي ب:"الجامع المختصر من السُّنَن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل"

(2)

. وهذه التسمية تناسب طبيعة الكتاب وخصائصه. وقد أخطأ من ظنّ أن جامعَ الترمذي كتابٌ غيرُ سُنن الترمذي

(3)

.

3 -

اختلفتْ أقاويل العلماء في ترتيب سنن الترمذي بين الكتب السِّتة، من حيث صحة الأحاديث وضعفها، والذي عليه المحققون؛ أنها تأتي بعد أبي داود والنسائي، قال الحافظ الذهبي (ت: 748 هـ): "انحطتْ رتبة جامع الترمذي عن سنن أبي داود والنسائي، لإخراجه حديث المصلوب والكلبي وأمثالهما"

(4)

.

4 -

وسنن الترمذي تُعَدُّ من أجود كتب السُّنَن، وقد ذَكَرَ إلى جانب الأحاديث النبوية: مذاهب الصحابة، وأقوال التابعين، وفقهاء الأمصار، وما

(1)

"كشف الظنون" 1/ 559، "الحطة في ذكر الصحاح الستة" ص 371.

(2)

"فهرسة ابن خير الإشبيلي" ص 98.

(3)

نبه على ذلك في "الرسالة المستطرفة" ص 11.

(4)

"تدريب الراوي" 1/ 187.

ص: 116

وَرَدَ في الباب من الشواهد والمتابعات، عمل عالمٍ بارعٍ واعٍ لما يقول ويكتب.

5 -

كما امتاز بحكمه على كلّ حديث يخرجه في سننه، وبيان علله، ودرجته من حيث الصحة أو الضعف. قال الشوكاني رحمه الله:" كتاب الجامع (سنن الترمذي) أحسن الكتب، وأكثرها فائدة، وأحكمها ترتيباً، وأقلّها تكراراً، وفيه ما ليس في غيره من ذكر المذاهب، ووجوه الاستدلال، والإشارة إلى ما في الباب من الأحاديث، وتبيين أنواع الحديث من الصحة والحسن والغرابة والضعف، وفيه جرح وتعديل، وفي آخره كتاب العلل، قد جَمَعَ فيه فوائد حسنة"

(1)

.

6 -

لكن كثيراً من العلماء وصفوا الترمذي بالتساهل في تصحيح الأحاديث. قال الحافظ الذهبي: "إن العلماء لا يعتمدون على تصحيح الترمذي"

(2)

. وقال أيضاً بعد أن أثنى على الترمذي وعلمه: "لكنه يترخص في قبول الأحاديث ولا يشدّد، ونَفَسُه في التضعيف رخو"

(3)

.

ومن صور تساهل الترمذي؛ أنه قد يصحّح أو يحسّن أحاديث في أسانيدها مجاهيل، أو ضعفاء، أو منقطعة الإسناد، وقد يكون في الإسناد متهم، ويكتفي بالتضعيف فحسب

(4)

.

وبناء على ذلك؛ فالواجب على طالب العلم ألَّا يسارع في الاعتماد على أحكام الترمذي، حتى يعرضها على أحكام غيره، من جهابذة علماء الحديث، ويقارن بينها.

(1)

"نيل الأوطار" 1/ 23.

(2)

"ميزان الاعتدال" 3/ 407.

(3)

"سير أعلام النبلاء" 13/ 276.

(4)

انظر ما كتبه د. بشار عواد في مقدمة تحقيقه ل "سنن الترمذي" 1/ 26.

ص: 117

7 -

وسنن الترمذي خدمها غير واحد من العلماء: فممن شرحها: الإمام الحافظ أبو بكر، محمد بن عبد الله المُعَافري، المعروف بابن العربي المالكي (ت: 543 هـ)، في:"عارضة الأحوذي شرْح الترمذي"، وهو من أقدم شروح الترمذي، لكنه لم يحقق تحقيقاً يليق به، وفيه سقط وأخطاء مطبعية كثيرة.

كذلك شرحها: الحافظ أبو الفتح، محمد بن محمد اليَعْمُري، المعروف بابن سَيِّد الناس (ت: 734 هـ)، في كتاب نفيس اسمه:"النَّفح الشذي في شرح جامع الترمذي"، لكن المنيّة اخْتَرَمَتْه قبل أن يكمله، فتوقف عند باب:"ما جاء أن الأرض كلّها مسجد، إلا المقبرة والحمام"، من أبواب الصلاة. ثم شَرَعَ في إكماله الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت: 806 هـ)، لكنه لم يكمله أيضاً، فقد وقف أثناء كتاب البرّ والصلة

(1)

، وهو ما يمثِّل نصف الكتاب تقريباً

(2)

.

وللحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله (ت: 911 هـ)، حاشية صغيرة، بعنوان:"قوت المغتذي على جامع الترمذي"، وهي مطبوعة.

كما شَرَحَ "سنن الترمذي" من المتأخرين: العلامة أبو العلا، محمد بن عبد الرحمن المباركفوري (ت: 1353 هـ)، في:"تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي"، وهو من أوسع شروح الترمذي، وأكثرها تداولاً، وقد كتب له مقدّمة نفيسة، في جزأين، تناول في جزئه الأول كثيراً من القضايا المتعلقة بعلم الحديث، وخصَّص جزأه الثاني للتعريف بالإمام الترمذي وكتابه السُّنن.

(1)

كما أفاده الحافظ ابن فهد في "لحظ الألحاظ" ص 232.

(2)

وقد حقق شرح العراقي في رسائل علمية في الجامعة الإسلامية، ولم يطبع حتى الآن.

ص: 118

كذلك أفرد الحافظ أبو محمد الدورقي كتاباً في رجال سنن الترمذي. وكتب عليه مستخرجاً الحافظ أبو علي، الحسن بن علي الطوسي (ت: 312 هـ)، وهو مطبوع، إلى غير ذلك من التصانيف المنيفة.

*‌

‌ سنن النَّسائي:

1 -

مؤلِّف الكتاب هو: الإمام الحافظ البارع، أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي النَّسائي، المولود سنة: 215 هـ، والمتوفى سنة: 303 هـ، رحمه الله تعالى.

2 -

وقد اشتهر الكتاب باسم: "السُّنَن" أو: "سنن النَّسائي" منسوباً إلى صاحبه، وبعضهم يسمّيه:"السُّنَن الصغرى" أو: "المُجتبى" أو: "المُجتنى"، وكلّها تسميات متداولة

(1)

.

3 -

وسنن النَّسائي هذه مختصرة من كتاب أكبر للنَّسائي اسمه: "السُّنَن الكبرى"، فقد ذكر الحافظ أبو علي الغَسَّاني (ت: 498 هـ): أن النَّسائي لمَّا ألّف: "السُّنَن الكبرى"، سأله أحد الأمراء: أَكُلُّ كتابك صحيح؟

فقال النَّسائي: لا.

قال: فاكتبْ لنا الصحيح مجرداً.

فَصَنَع المُجتبى، فهو المُجتبى من السُّنَن، تَرَك كلّ حديث أورده في الكبرى، ممّا تُكُلِّم في إسناده بالتعليل

(2)

.

(1)

ينظر "توضيح الأفكار" 1/ 198، "الحطة في ذكر الصحاح الستة" ص 219، "الرسالة المستطرفة" ص 32.

(2)

ذكر هذه الحكاية ابن خير الأشبيلي في "الفهرست" ص 116، وابن الأثير في "جامع الأصول": 1/ 197 وغيرهما.

ص: 119

وهذه القصة تَرُدُّ على من زعم أن "السُّنَن الصغرى" ليست من تأليف النَّسائي، وإنما هي من اختصار تلميذه ابن السُّنّي (ت: 364 هـ)، كما هو قول الذهبي وغيره

(1)

. والصحيح: أن "السُّنَن الصغرى" من تأليف النَّسائي نفْسِه، اختصرها من سننه الكبرى، وهو قول الجمهور

(2)

.

4 -

وقد نبّه العلامة صديق حسن خان القنّوجي (ت: 1307 هـ) إلى أن أهل الحديث إذا أطلقوا فقالوا: "رواه النَّسائي"، فإنما يريدون الصغرى وليس الكبرى

(3)

.

لكن ليس هذا على إطلاقه، فقد رأيتُ غير واحد، كالحافظَ العراقي في شرحه على الترمذي، وهو مخطوط، يطلق كثيراً: النَّسائي ويريد: الكبرى، وأحياناً يقيّد ذلك.

5 -

وقد رجَّح غير واحد من العلماء أن سنن النَّسائي تُعَدُّ في المرتبة الثالثة بعد الصحيحين، من حيث قلّة الأحاديث الضعيفة، والرواة المُتَكَلَّم فيهم، قال الحافظ ابن حجر:"كتاب النَّسائي أقلُّ الكتب بعد الصحيحين حديثاً ضعيفاً، ورجلاً مجروحاً"

(4)

.

بل إن بعض الحفاظ أطلق على: "سنن النَّسائي" اسم: الصحيح، وذلك لقوة شرطه وتحريه. لكن ردّه ابن كثير رحمه الله، فقال:"وقول الحافظ أبي علي بن السَّكَن، وكذا الخطيب البغدادي في كتاب "السُّنَن" للنَّسائي: إنه صحيح. فيه نظر، وإن له شرطاً في الرجال أشدّ من شرط مسلم، غير مسلَّم؛

(1)

"سير أعلام النبلاء" 14/ 131.

(2)

"البداية والنهاية" 11/ 123، "بغية الراغب والمتمني" للسخاوي ص 53.

(3)

"الحطة" ص 396.

(4)

"النكت على ابن الصلاح" 1/ 484.

ص: 120

فإن فيه رجالاً مجهولين: إما عيناً أو حالاً، وفيهم المجروح، وفيه أحاديث ضعيفة ومعلَّلة ومنكرة، كما نبهنا عليه في الأحكام الكبير"

(1)

.

لكن النَّسائي كثيراً ما ينبّه على الروايات الضعيفة، في سننه الصغرى، إمَّا تصريحاً أو تلميحاً. ومن أمثلة ذلك: أنه أخرج حديثاً من طريق سعيد بن سلمة، ثم قال:"سعيد بن سلمة شيخ ضعيف، وإنما أخرجناه للزيادة في الحديث"

(2)

.

6 -

بلغ عدد أحاديث "السُّنَن الصغرى" حسب طبعة مكتب تحقيق التراث الإسلامي الصادرة عام 1412 هـ، الطبعة الثانية:(5774) حديثاً.

7 -

وقد شَرَحَ سنن النَّسائي غير واحد من العلماء، منهم: الحافظ جلال الدين السيوطي (ت: 911 هـ) في: "زهر الرُّبى على المُجْتَبى"، وهو شرْح موجز، أقرب إلى الحاشية، ضَبَطَ فيه بعض أسماء الرواة، وشَرَحَ الألفاظ الغريبة، وذَكَرَ بعض الأحكام والآداب التي اشتملت عليها الأحاديث باختصار.

قال الشيخ الدكتور محمد أبو شهبة (ت: 1403 هـ) رحمه الله: "وهو على وجازته مفيد"

(3)

.

كما شرحها العلامة أبو الحسن محمد بن عبد الهادي الحنفي، المشهور بالسّنْدي، نزيل المدينة المنورة (ت: 1138 هـ) رحمه الله، وشرْحه تعليقات كشرْح السيوطي، وقد طبع كلا الشرحين مع متن السُّنَن في كتاب واحد.

وشرحها من المعاصرين: الشيخ محمد آدم الأثيوبي (ت: 1442 هـ) رحمه الله

(1)

"اختصار علوم الحديث" ص 96.

(2)

"سنن النسائي"، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من الحزن، حديث (5453).

(3)

"التعريف بكتب الحديث الستة" ص 111.

ص: 121

في: "ذخيرة العُقبى في شرْح المجتبى"، وهو مطبوع في نحو (40) مجلداً.

كما شرحها الشيخ محمد المختار الشنقيطي المدني (ت: 1405 هـ)، رحمه الله، لكنه لم يكمله، وقد طبع منه (5) مجلدات، وصل فيه إلى أثناء كتاب الصلاة.

وللحافظ السخاوي كتاب مطبوع، اسمه:"بُغية الرَّاغب والمُتَمَنِّي في ختْم النَّسائي رواية ابن السُّنّي"، تناول فيه بالدراسة كثيراً من المسائل والأبحاث المتعلقة بسنن النَّسائي، وبالنَّسائي نفسه.

*‌

‌ سنن ابن ماجه

(1)

:

1 -

مؤلِّفه هو الإمام الحافظ الكبير، أبو عبد الله، محمد بن يزيد القزويني الرَّبعي مولاهم، المعروف بابن ماجه، المولود سنة: 209 هـ، والمتوفى سنة: 273 هـ، رحمه الله تعالى.

2 -

وقد اشتهر الكتاب بين أهل العلم ب: "السُّنَن" أو "سنن ابن ماجه" منسوباً إلى صاحبه، وهو ما اتفقتْ عليه جميع المصادر، التي ذكرتْ الكتاب.

3 -

يُعَدّ "السُّنَن" لابن ماجه سادسَ الكتب السِّتة. وكان أول من ألحقه بها: الحافظ أبو الفضل ابن طاهر المقدسي (ت: 507 هـ) رحمه الله، في كتابيه:"أطراف الكتب الستة"، و:"شروط الأئمة الستة"، وذلك لكثرة زوائده

(2)

، وعظيم نفعه في الفقه، ثم تبعه أكثرُ العلماء في ذلك

(3)

.

(1)

"ماجه" يقرأ بالهاء الساكنة وصلًا ووقفاً على المشهور.

(2)

حيث بلغت زوائد "سنن ابن ماجه" على بقية الكتب الخمسة: (1339) حديثاً.

(3)

وهناك من جعل "الموطأ" أو "سنن الدارمي" سادس الكتب الستة، لكن الأكثر على "سنن ابن ماجه"، ينظر في ذلك "النكت على ابن الصلاح" لابن حجر 1/ 487.

ص: 122

4 -

وقد تأخرتْ "سنن ابن ماجه" عن بقيّة الكتب الخمسة، لما فيها من عدد غير قليل من الأحاديث الضعيفة والمنكرة، وقليل من الموضوعات.

قال الحافظ الذهبي رحمه الله: "وإنَّما غضّ من رتبة سننه ما في الكتاب من المناكير، وقليل من الموضوعات"

(1)

.

ويقول العلامة أبو الطيّب القنّوجي (ت: 1307 هـ): "ولابن ماجه حديثٌ في فضْل قزوين منكر بل موضوع، ولهذا طعنوا فيه وفي كتابه"

(2)

!!

قلتُ: أما الطعن في ابن ماجه فلا أعرفه عن أحد من أهل العلم!! بل هم متفقون على ثقته وجلالته، إلا إن كان القنّوجي يريدُ أنهم عابوا على ابن ماجه إخراج الموضوع، فهذا مقبول، والله أعلم.

5 -

وقد ذكر بعضُ العلماء كالحافظ أبي الحجّاج المِزّي (ت: 742 هـ) رحمه الله: أن كلّ ما انفرد به ابن ماجه من الأحاديث عن بقيّة الخمسة، فهو ضعيف غالباً، وكذا قال الإمام ابن تيمية رحمه الله فيما نقله عنه تلميذه ابن القيم رحمه الله

(3)

.

لكن رَدَّه الحافظُ ابنُ حجر رحمه الله؛ وقال: إن هذا ليس بصحيح على إطلاقه باستقرائي، ففيه أحاديث صحيحة وحسان انفرد بها عن الخمسة. ثم ذكر ابن حجر أن حَمْلَ كلام المِزّي على الرجال أولى، وأمَّا حَمْلُه على الأحاديث فلا يصحّ

(4)

.

(1)

"سير أعلام النبلاء" 13/ 279.

(2)

"الحطة في ذكر الصحاح الستة" ص 399.

(3)

"زاد المعاد" 1/ 435.

(4)

"تهذيب التهذيب" 9/ 531.

ص: 123

قلتُ: ويؤيد كلام ابن حجر؛ أننا نجد الحافظ البوصيري قد صحّح وحسَّن كثيراً من الأحاديث التي تفرد بها ابن ماجه عن بقيّة السِّتة، وذلك في كتابه الحافل:"مصباح الزجاجة على سنن ابن ماجه".

6 -

وقد بلغ عدد أحاديث سنن ابن ماجه بحسب النسخة التي حقَّقها الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي (4341) حديثاً، منها (948) حديثاً ضعيفاً، بحسب الكتاب الذي أفرده الشيخ الألباني، في ضعيف أحاديث سنن ابن ماجه.

7 -

اعتنى بسنن ابن ماجه جماعةٌ من العلماء: فشرحها العلامة مُغلطاي بن قُليج البكجري التركي المصري الحنفي (ت: 762 هـ) رحمه الله، في كتابه:"شرح سنن ابن ماجه" ولم يتمّه.

وعلَّق عليها أبو الحسن، محمد بن عبد الهادي السندي (ت: 1138 هـ) والجلالُ السيوطي (ت: 911 هـ) بحاشيتين صغيرتين مطبوعتين مع الكتاب.

وأفرد زوائدها مع الحكم عليها صحة وضعفاً: الحافظ أحمد بن أبي بكر البُوصيري (ت: 840 هـ)، في:"مصباح الزجاجة على سنن ابن ماجه"، وهو مطبوع.

وللحافظ شمس الدين الذهبي (ت: 748 هـ): "المجرَّد في أسماء رجال سنن ابن ماجه"، أورد فيه رجال سنن ابن ماجه سوى من كان مخرجاً له في الصحيحين.

‌ثالثاً: كتب المسَانيد

(1)

:

1 -

كتب المسَانيد هي: الكتب التي جمعت الأحاديث، ورتَّبتها بحسب

(1)

وبعضهم يجمعها على مسانِد، فيقول: كُتُبُ المسَانِد، وجوّز الزركشي وغيره الأمرين، ينظر:"البحر الذي زخر" للسيوطي 3/ 1206.

ص: 124

أسماء الصحابة، فتجعل أحاديث كلّ صحابي على حِدَةٍ، من غير نظر إلى وحدة الموضوعات

(1)

.

2 -

وبعض هذه المسانيد رتَّبت أسماء الصحابة بحسب حروف المعجم، وهو أسهل تناولاً، وبعضها بحسب القبائل، وبعضها بحسب الأفضلية والسابقة في الإسلام، فيبدؤون بالخلفاء الأربعة، ثم بقيّة العشرة المبشرين بالجنة، ثم أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، وهكذا.

3 -

والكتب المؤلَّفة في المسانيد كثيرة، كمسند أبي داود سليمان بن داود الطيالسي (ت: 204 هـ)، ومسند أبي بكر بن أبي شيبة

(2)

(ت: 235 هـ)، ومسند إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه (ت: 238 هـ)، ومسند أبي يعلى أحمد بن علي الموصلي (ت: 307 هـ)، وغيرها.

*‌

‌ التعريف بمسند الإمام أحمد بن حنبل:

1 -

أشهر كتب المسَانيد وأنقاها وأكبرها: مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله تعالى، (164 هـ 241 هـ)

(3)

، حتى قال العلامة أحمد شاكر: "هو عندنا أعظم دواوين السُّنَّة، وفيه أحاديث صِحَاح كثيرة، لم تخرَّج

(1)

"الوسيط في علوم الحديث" ص 263. على أن "المسند" قد يطلق أحياناً عند علماء الحديث على: كل كتاب مرتب على الأبواب أو الحروف أو الكلمات، لا على الصحابة، لكون أحاديثه مسندة ومرفوعة، كصحيح البخاري، فإنه يسمَّى: بالمسند الصحيح، مع أنه مرتب على الموضوعات، وكذا صحيح مسلم، وسنن الدارمي، فإنها تسمى: مسند الدارمي، ينظر "الرسالة المستطرفة" ص 74.

(2)

وهو غير المصنَّف المطبوع.

(3)

بلغ عدد أحاديث "مسند أحمد" بحسب الطبعة التي حققها الشيخ شعيب الأرناؤوط: (27647) حديثاً.

ص: 125

في الكتب السِّتة"

(1)

، ويقول السيد محمد جعفر الكتاني:"إنه المراد عند إطلاق المسند، وإذا أريد غيره قيّد"

(2)

.

2 -

وكتب المسَانيد عامةً لا تلتزم صحة الأحاديث، لأن مرادها جمْع أحاديث كلّ صحابي على حِدَةٍ، سواء كان يصلُح الاحتجاج به أم لا

(3)

.

3 -

بَيْدَ أن "مسند الإمام أحمد" على وجه الخصوص، قد تحرَّى فيه مؤلّفه، حتى قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"لا يشك منصف أن مسنده أنقى أحاديثاً وأتقن رجالاً من غيره، وهذا يدلّ على أنه انتخبه، ويؤيد هذا ما يحكيه ابنه عنه؛ أنه كان يضرب على بعض الأحاديث التي يستنكرها"

(4)

.

لكن مع هذا لم يسلم من وجود الأحاديث الضعيفة فيه، على القول الراجح الذي عليه الجمهور، فقد قال الحافظ السخاوي (ت: 908 هـ): "الحق أن فيه أحاديثَ كثيرةً ضعيفةً، وبعضُها أشدّ في الضعف من بعض"

(5)

.

4 -

واختلف العلماء هل في "مسند الإمام أحمد" أحاديث موضوعة؟ فأثبتَ بعضهم ذلك، ونفاه آخرون. قال الحافظ الذهبي (ت: 748 هـ) رحمه الله: "في المسند أحاديثُ معدودة شِبْه موضوعة، لكنها قطرة في بحر"

(6)

.

وفصَّل الإمام ابن تيمية (ت: 728 هـ) في المسألة، فقال: "من يغلط في الحديث ولا يتعمّد الكذب، فإن هؤلاء توجد الرواية عنهم في السُّنَن، ومسند

(1)

"الباعث الحثيث" ص 24.

(2)

"الرسالة المستطرفة" ص 61.

(3)

"علوم الحديث" لابن الصلاح ص 38.

(4)

"النكت على ابن الصلاح" 1/ 448.

(5)

"فتح المغيث" 1/ 118.

(6)

"سير أعلام النبلاء" 11/ 329.

ص: 126

الإمام أحمد ونحوه، بخلاف من يتعمَّد الكذب، فإن أحمد لم يروِ في مسنده عن أحدٍ من هؤلاء. ولهذا تنازع الحافظ أبو العلاء الهمذاني والشيخ أبو الفرج ابن الجوزي: هل في المسند حديث موضوع؟، فأنكر الحافظ أبو العلاء أن يكون في المسند حديث موضوع، وأثبت ذلك أبو الفرج. ولا منافاة بين القولين، فإن الموضوع في اصطلاح أبي الفرج، هو الذي قام دليل على أنه باطل، وإن كان المحدِّث به لم يتعمَّد الكذب بل غلط فيه، وأما الحافظ أبو العلاء وأمثاله فإنما يريدون بالموضوع المختلق المصنوع الذي تعمَّد صاحبه الكذب"

(1)

.

وبناء على كلام ابن تيمية؛ فالجواب عن سؤال وجود أحاديث موضوعة في "مسند أحمد"، أن يقال: إن كان المرادُ بالحديث الموضوع: المصنوع الذي تعمَّد راويه الكذب، فليس في المسند شيء من ذلك، وإن كان يراد بالحديث الموضوع ما يُعْلَمُ قطعاً بطلانُ ثبوتِه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد وُجد في المسند شيءٌ من ذلك.

وللحافظ ابن حجر العسقلاني جزءٌ سمَّاه: "القول المسدَّد في الذَبّ عن المسند"، جَمَعَ فيه ما قيل: إنه موضوع من أحاديث "مسند أحمد"، وأجاب عنها بالتفصيل، وبيَّن بأنه لا يتأتى الحكم عليها بالوضع حسب رأيه.

5 -

والإمام أحمد لم يرتِّب أسماء الصحابة في المسند على نَسَقِ حروف المعجم، وإنَّما راعى أموراً عدّة في الترتيب، منها الأفضلية، ومنها بلدان الصحابة التي نزلوها، ومنها قبائلهم .. وربَّما جعل أحاديث بعضهم في أكثر من موضع.

(1)

"قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" ص 174.

ص: 127

لذلك فإنَّ من أراد معرفة مسند صحابي ما، فإنه يحتاج إلى التفتيش عنه عن طريق فهارس المسند المعدّة، حتى يهتديَ إلى موضعه

(1)

.

6 -

وقد وَصَلَنا مسندُ أحمدَ من رواية ابنه عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه، وزاد فيه أحاديث لم يأخذْها عن أبيه. وكذا زاد فيه راوي المسند عن عبد الله بن الإمام أحمد: أبو بكر، أحمد بن جعفر القطيعي (ت: 398 هـ)، قليلاً من الأحاديث عن مشايخه، وقد ميّز العلماء بين هذه الزيادات وبين أصل المسند

(2)

.

7 -

وقد خَدَمَ مسند أحمد كثيرٌ من العلماء، فضلاً عن عنايتهم بسماعه وإسماعه وحفظه، فرتَّب أحاديثه على حروف المعجم: الحافظ أبو بكر، محمد بن عبد الله بن عمر المقدسي (ت: 820 هـ)

(3)

.

كما رتَّبه الشيخ أحمد بن عبد الرحمن الساعاتي (ت: 1371 هـ) رحمه الله، على الكتب والأبواب في:"الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني"، ثم شَرَحه في:"بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني".

ورتَّب أحاديثه على الأطراف الحافظُ ابن حجر رحمه الله في: "إطراف المُعتلي بأطراف المسند الحنبلي".

وترجم لرجاله الحافظ شمس الدين، محمد بن علي الحسيني

(1)

"أصول التخريج ودراسة الأسانيد" ص 43.

(2)

"الفتح الرباني" للساعاتي 1/ 19. ويرى العلامة ناصر الدين الألباني عدم وجود أي زيادات للقطيعي في مسند أحمد، وقد ناقش من قال بهذه الزيادات في كتابه: "الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد".

(3)

"تاريخ التراث العربي" لفؤاد سزكين 3/ 221.

ص: 128

(ت: 765 هـ)، في:"الإكمال بما في مسند أحمد من الرجال ممن ليس في تهذيب الكمال".

وكَتَبَ عليه حاشية العلامة أبو الحسن، محمد بن عبد الهادي السندي (ت: 1138 هـ) رحمه الله.

وتحدّث عن فضائله وخصائصه غيرُ واحد، منهم: أبو موسى المديني (ت: 581 هـ)، في:"خصائص المسند". وغير ذلك كثير

(1)

.

وفي العصر الحاضر طُبع "مسند أحمد" طبعات كثيرة، من أهمِّها: طبعة الشيخ العلامة أحمد محمد شاكر (ت: 1377 هـ)، حيث حقَّق الكتاب على ثلاث نسخ خطّية، ورقّم أحاديثه، مع دراستها ونقْدِها، والحكم عليها بما يليق بها، لكنه وصل إلى ربع الكتاب تقريباً، ثم توقف بعد إذ وافته المنيّة، رحمه الله تعالى.

ثم قام بعد ذلك بسنوات فريق من الباحثين، على رأسهم العلامة المحدِّث شعيب الأرناؤوط (ت: 1439 هـ) رحمه الله بطباعة الكتاب كاملاً، وخِدْمَتِه خِدْمةً جليلة، مع فهرسته، والحُكْمِ على جميع أحاديثه وتخريجها، وبيان درجتها من حيث الصحة والضعف، وطُبع الكتاب في (52) مجلداً.

كما أن للمحدِّث العلامة ناصر الدين الألباني (ت: 1420 هـ) رحمه الله كتاباً بعنوان: "الذبّ الأحمد عن مسند الإمام أحمد"، أثبتَ فيه صحة نسبة المسند للإمام أحمد بن حنبل، وأنه مصدر معتمد عند علماء الأمة، رداً على كاتب معاصر شكك في ذلك!!.

(1)

ينظر ما كتبه العلامة شعيب الأرناؤوط في مقدمة تحقيقه للمسند من عناية الأمة به 1/ 88.

ص: 129

‌رابعاً: كتب الجوامع:

1 -

كتب الجوامع هي: الكتب التي تشتمل على جميع أقسام الحديث المحتاج إليها، من العقائد والأحكام، والرقاق والآداب، والتفسير والتاريخ، والسِّيَر والشمائل، والفتن والمناقب والمثالب، وغيرِ ذلك. فالكتاب المشتمل على هذه الأقسام يسمَّى: جامعاً

(1)

.

2 -

ومن أمثلة كتب الجوامع: "الجامع الصحيح"، للإمام البخاري (ت: 256 هـ)، و:"الجامع الصحيح"، للإمام مسلم (ت: 261 هـ)، وقد تقدَّم الكلام عليهما في كتب الصحاح، فهما من كتب الصحاح ومن كتب الجوامع في الوقت نفسه.

3 -

ومن أمثلتها أيضاً: "جامع الترمذي" المعروف: بسنن الترمذي (ت: 279 هـ)، وتقدم الكلام عليه في كتب السنن، و:"جامع" الإمام مَعْمَر بن راشد (ت: 154 هـ).

4 -

وكتب الجوامع منها ما التزم صحةَ الأحاديث، ك "الجامع الصحيح"، للإمام البخاري، و"الجامع الصحيح"، للإمام مسلم، ومنها ما لم يلتزم الصحةَ، ك "جامع الترمذي".

* * * *

(1)

"أصول التخريج ودراسة الأسانيد" ص 97.

ص: 130

‌الفَصْل الرابع

السُّنَّة بعد القرن الثالث

إلى زماننا الحاضر

ص: 131

‌المبحث الأول

التغيرات التي طرأت على تحمُّل الأحاديث وروايتها بعد القرن الثالث

1 -

شهدت السُّنَّة النبوية بعد انقضاء القرن الثالث الهجري، تحولاتٍ كبرى، من أبرزها: انقراضُ عهدِ الرواة الذين كانوا يحفظون من الأحاديث ما لا يوجد مكتوباً إلا في صدورهم.

2 -

فمع نهاية القرن الثالث انتهى عصر الجمْع والكتابة، واكتمل تدوين السُنَّة النبوية، ولم يبق من الروايات الشفهية المعتمدة على الذاكرة شيءٌ يذكر، إلا رواياتِ الأفاكين وأحاديثَ المختلقين والمخلّطين.

3 -

وممن أشار إلى انقضاء عصر الرواية بانقضاء القرن الثالث تقريباً؛ الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي (ت: 458 هـ)، فإنه كتب يقول:"إنَّ الأحاديث التي قد صحَّتْ أو وقفتْ بين الصحة والسقم قد دُوِّنَتْ، وكُتِبَتْ في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث، ولا يجوز أن يذهب شيءٌ منها على جميعهم، وإن جاز أن يذهب على بعضهم، لضمان صاحب الشريعة حفظها. ثم قال: "فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه، ومن جاء بحديث معروف عندهم، فالذي يرويه لا ينفرد بروايته، والحجة قائمة بحديثه برواية غيره، والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلاً بحدَّثنا وأخبرنا، وتبقى هذه الكرامة التي خُصّتْ بها هذه الأمة، شرفاً لنبينا

ص: 133

المصطفى صلى الله عليه وسلم "

(1)

، انتهى كلامه رحمه الله.

4 -

كذلك أشار إلى اعتبار القرن الثالث هو الحدّ الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين، في باب الرواية: الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي (ت: 748 هـ) رحمه الله، فإنه كتب يقول:"وكذلك من قد تُكُلِّمَ فيه من المتأخرين لا أورد منهم إلا من قد تبين ضعفه، واتضح أمره من الرواة، إذ العمدة في زماننا ليس على الرواة، بل على المحدثين والمقيّدين، والذين عُرفتْ عدالتُهم وصدقُهم في ضبط أسماء السامعين، ثم من المعلوم أنه لابد من صوْن الراوي وسِتْره، فالحدّ الفاصل بين المتقدّم والمتأْخر هو رأس سنة ثلاثمائة"

(2)

.

5 -

ويُفهم من كلام الذهبي: أن علماء الحديث بعد القرن الثالث، قد تخفَّفوا من الشروط التي كانوا يشترطونها في الرواة؛ من عدالة وضبط صدر، لأن باب الرواية قد انتهى، وأصبح الاعتماد على السماعات الصحيحة للنُّسَخ الحديثية، وأما الرواية بالإسناد فبقيتْ من أجل المحافظة على خصيصة الإسناد، التي أكرم الله تعالى بها هذه الأمة المرحومة.

* * * *

(1)

"علوم الحديث" لابن الصلاح ص 121.

(2)

"ميزان الاعتدال" 1/ 4.

ص: 134

‌المبحث الثاني

التعريف بأهم المصنّفات الحديثية التي استجدتْ بعد القرن الثالث

(1)

1 -

قدَّمنا في الفصل السابق بأن القرن الثالث الهجري، والذي يبتدئ بسنة 201 هـ وينتهي بسنة: 300 هـ، يُعَدّ من أزهى عصور السُّنَّة النبوية على الإطلاق، وبعضهم يسمّيه ((عصر السُّنَّة الذهبي))، سواء من حيث اكتمال جمْع المتون وتدوينها، أو من حيث نُضْج القواعد النقدية الحديثية، ونُضْج الدراسات والأبحاث المتعلّقة بعلم الرجال، وعِلْم العلل، وفقه الأحاديث ونحو ذلك.

2 -

وقد مضى علماء الإسلام بعد القرن الثالث، في خدمة السُّنَّة وعلومها، ونسجوا على منوال من تقدَّمهم في الكتابة والتصنيف، فكان منهم من خرَّج ما صحَّ من الأحاديث النبوية كما فعل الأئمة:

أ ابن خزيمة (ت: 311 هـ) في صحيحه.

ب وابن حبان (ت: 354 هـ) في صحيحه.

ج والحاكم (ت: 405 هـ) في مستدركه.

وقد تقدّم الكلام على هذه الكتب الثلاثة.

3 -

ومنهم من سَلَكَ طريقة أصحاب السُّنُن، في الاقتصار على أحاديث

(1)

وبعضها مما بدئ التصنيف فيه في القرن الثالث واستمر بعده.

ص: 135

الأحكام، من غير اشتراط للصحة، كما فعل الإمامان؛ الدارقطني والبيهقي في سننيهما، وإليك التعريف بهما باختصار:

*‌

‌ سنن الدارقطني:

1 -

مؤلِّف الكتاب هو: الإمام الحافظ الناقد، صاحب التصانيف؛ أبو الحسن، علي بن عمر بن مهدي الدارقطني، المولود سنة: 306 هـ، والمتوفى سنة: 385 هـ، رحمه الله تعالى.

2 -

اشتهر كتابه هذا بين أهل العلم باسم: "سنن الدارقطني"، أمَّا اسمه العلْمي حسبما ذكره ابن خير الإشبيلي، فهو:"السُّنَن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "

(1)

، وسمَّاه ابن كثير ب "السُّنَن الكبير"

(2)

.

ووقع في بعض نسخ الكتاب الخطية تسميته ب: "المجْتَنَى من السُّنَن المأثورة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، والتَّنْبيه على الصحيح منها والسَّقيم، واختلاف النَّاقلين لها في ألفاظها". لكنْ شكَّك بعض الباحثين في هذه التسمية، وعدَّها من تصرّف بعض النُّسَّاخ واجتهادهم

(3)

.

3 -

وقد جَمَعَ الإمام الدارقطني في كتابه هذا: أحاديثَ الأحكام، ورتَّبها حسب الكتب والأبواب، وأكثرَ من رواية الأحاديث الضعيفة، بل وبعض الموضوعات، لكنه فعل ذلك كي يُبيّن عِلل هذه الأحاديث، وينبّه على حالها. وكأنَّه لم يؤلّف هذا الكتاب إلا لجمْع الأحاديث الضعيفة والمنكرة، مرتّبة على أبواب الفقه. فهو بخلاف كتب السُّنَن التي عادة ما يغلب عليها رواية الأحاديث

(1)

"فهرسة ابن خير الإشبيلي" ص 101.

(2)

"البداية والنهاية" 15/ 459.

(3)

ينظر "الإمام أبو الحسن الدارقطني وآثاره العلمية" ص 257.

ص: 136

المحتجّ بها

(1)

.

4 -

وقد أشار الإمام ابن تيمية (ت: 728 هـ)، إلى حقيقة مقصد الدارقطني من تأليف سننه، فقال أثناء نقده لبعض الأحاديث الواردة في زيارة القبر النبوي، كحديث:«مَنْ حَجّ ولم يزرْني فقد جَفَاني» ، قال رحمه الله:"فهذه أحاديث ضعيفة؛ بل موضوعة، لم يَرْوِ أهل الصحاح والسُّنَن المشهورة والمسانيد منها شيئاً، وغاية ما يُعْزَى مثل ذلك إلى كتاب الدارقطني، وهو قَصَدَ به غرائبَ السُّنَن؛ ولهذا يروي فيه من الضعيف والموضوع ما لا يرويه غيرُه، وقد اتفق أهلُ العلم بالحديث على أن مجرّد العزو إليه لا يُبيح الاعتماد عليه"

(2)

.

5 -

وقد أثنى العلماء على كتاب السُّنَن للدارقطني، فقال الخطيب البغدادي (ت: 463 هـ): "كتاب السُّنَن الذي صنَّفه؛ دلَّ على أنه كان ممن اعتنى بالفقه، لأنه لا يقدر على جَمْعِ ما تضمن ذلك الكتاب إلا من تقدمتْ معرفته بالاختلاف في الأحكام"

(3)

.

وقال ابن كثير (ت: 774 هـ) رحمه الله في ترجمة الدارقطني: "له كتابه: السُّنَن الكبير المشهور، من أحسن المصنفات في بابه، لم يُسبق إلى مثله، ولا يُلحق في شكله، إلا من استمدّ من بحره وعَمِل كعَمَلِه"

(4)

.

6 -

وسنن الدارقطني هذه تُعَدُّ من الكتب المهمة، في معرفة عِلل الأحاديث

(1)

على أن الدارقطني يخرج أحياناً الأحاديث الصحيحة والحسنة، لكنها غير مقصودة في الأصل، وينظر:"الإمام أبو الحسن الدارقطني وآثاره العلمية" ص 257.

(2)

"مجموع الفتاوى" لابن تيمية 27/ 166.

(3)

"تاريخ بغداد" للخطيب 12/ 34.

(4)

"البداية والنهاية" 15/ 459.

ص: 137

الضعيفة والمنكرة والواهية، مع أنه يسكتُ أحياناً عن بعضها، كما أن الدارقطني ضمّن كتابه كثيراً من آرائه في نقد الرواة جرحاً وتعديلاً.

7 -

وقد بلغ عدد أحاديث "سنن الدارقطني" حسب طبعة مؤسسة الرسالة، بتحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط:(4836) حديثاً.

8 -

وقد خَدَمَ سُنَنَه غيرُ واحدٍ من أهل العلم، فألَّف الشيخ زين الدين، قاسم ابن قُطْلُوبُغا الحنفي (ت: 879 هـ) رحمه الله، كتاباً في "زوائد سنن الدارقطني"، في مجلد، ذكره السيوطي، ولا يُعرف عنه شيء

(1)

.

وألَّفَ محمد بن عبد الرحمن المقدسي، المعروف: بابن زُريق (ت: 803 هـ)، كتاباً بعنوان:"من تكلّم فيه الدارقطني، في كتاب السُّنن من الضعفاء والمتروكين والمجهولين"، وهو مرتَّب على حروف المعجم. مطبوع.

وألَّف الحافظ زين الدين، عبد الرحيم العراقي (ت: 806 هـ) رحمه الله، كتاباً في رجاله، ذكره السخاوي

(2)

.

وقام بالتعليق على سُنن الدارقطني العلامة شمس الحق العظيم آبادي (ت: 1329 هـ) في كتاب سمَّاه: "التعليق المغني على سنن الدارقطني"، طبع بحاشية سنن الدارقطني.

وغير ذلك من المصنَّفات، إضافة إلى جملة من الأبحاث والدراسات المعاصرة حول الكتاب.

(1)

"تدريب الراوي" 1/ 107.

(2)

"الإعلان بالتوبيخ" ص 116.

ص: 138

*‌

‌ سنن البيهقي الكبرى:

1 -

مؤلِّفه هو الإمام الحافظ الكبير، صاحب التصانيف: أبو بكر، أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الشافعي، المولود سنة: 384 هـ، والمتوفى سنة: 458 هـ رحمه الله تعالى.

2 -

اشتهر هذا الكتاب بين أهل العلم في العصر الحاضر باسم: "السُّنَن الكبرى"، وهو عنوان طبعته الهندية التي ذاعت بين الناس. بينما تكاد تُجمع نسخُه الخطيّة على تسميته ب:"السُّنَن الكبير"، وكذلك الذين ترجموا للإمام البيهقي، معظمهم يسمّونه ب:"السُّنَن الكبير"، فكان الأصوب أن يسمّى بهذا الاسم

(1)

.

3 -

يُعَدُّ "السُّنَن الكبير" للبيهقي من أعظم وأكبر المدوَّنات الحديثية، في القرن الخامس الهجري، فقد استوعب أكثر أحاديث الأحكام

(2)

. كما اشتمل على أحاديث كثيرة، لا توجد في غيره من كتب الحديث المعروفة. كذلك اشتمل على نقد كثير من الرواة، إما من كلام البيهقي نفسِه أو بالنقل عن غيره، إضافة إلى نقده وتعليله لكثير من المرويات، التي يسوقها ويكشف عن عللها.

4 -

والبيهقي في كتابه هذا لا يلتزم صحة الأحاديث، ففيه الصحيح والحسن والضعيف، وإن كان ينبِّه على كثير من الضعيف.

5 -

وقد رتّب البيهقي كتابه على الكتب والأبواب الفقهية، مراعياً ترتيب الإمام أبي إبراهيم، إسماعيل بن يحيى المزني (ت: 264 هـ)، لمختصره في

(1)

ينظر ما كتبه الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي في مقدمة تحقيقه للسنن الكبير ص 62.

(2)

المصدر السابق ص 33.

ص: 139

الفقه الشافعي، المعروف ب:"مختصر المزني"

(1)

.

6 -

وكما أن فقه الإمام البخاري في تراجم أبوابه، كذلك ضمَّن الإمام البيهقي فقهه واختياراته في تراجم أبوابه في:"السُّنَن الكبير"، فهو يترجم بما يدلّ على رأيه في المسائل الخلافية، كقوله:"باب التوضؤ من لحوم الإبل"، و"باب ترك الوضوء بما مست النار"، ثم يسوق الأحاديث الدالة على ذلك بأسانيده، وإن كان الغالب عليه نصرة مذهب الشافعي. وقد قال الإمام الذهبي (ت: 748 هـ): "لو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهباً يجتهد فيه، لكان قادراً على ذلك، لِسِعَةِ علومه، ومعرفته بالاختلاف"

(2)

.

7 -

وقد اثنى العلماء على "السنن الكبير" ثناء عطراً، كقول الحافظ الذهبي رحمه الله:"عَمِل السُّنَن الكبير في عشر مجلدات، ليس لأحد مثله"

(3)

. وقال التاج السبكي (ت: 771 هـ) رحمه الله: "أما السُّنَن الكبير؛ فما صُنّفَ في علم الحديث مثلُه تهذيباً وترتيباً وجودة"

(4)

.

8 -

وقد بلغ عدد أحاديث "السُّنَن الكبير" حسب الطبعة التي حقَّقها الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي: (21844) حديثاً.

9 -

حظي "السُّنَن الكبير" بعناية فائقة من قِبَل أهل العلم، فقد هذَّبه الحافظ شمس الدين الذهبي، في:"المهذّب في اختصار السُّنَن الكبير"، وأهمّ ما في كتاب الذهبي هذا: حُكْمُهُ على كثير من أسانيد الأحاديث، التي يوردها البيهقي. والكتاب مطبوع.

(1)

كما هو مثبت في نسخ "السنن الكبير" الخطية.

(2)

"سير أعلام النبلاء" 18/ 169.

(3)

المصدر السابق 18/ 165.

(4)

"طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي 4/ 9.

ص: 140

كذلك تعقَّب "سنن البيهقي" العلامةُ محمدُ بن علي ابن التُّركماني الحنفي (ت: 747 هـ) رحمه الله، في كتابه:"الجوهر النقي في الرد على البيهقي"، قال في مقدّمته:"هذه فوائد على السُّنَن الكبرى للحافظ أبي بكر البيهقي رحمه الله تعالى، أكثرها اعتراضات عليه، ومناقشات له، ومباحثات معه"

(1)

.

كما ترجم لرجاله الحافظ سراج الدين ابن الملقن (ت: 804 هـ)، ضمن:"إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال"، ولم يطبع .. إلى غير ذلك من المؤلَّفات.

‌ومن الكتب التي استجدّ تأليفها في هذا الدور:

*‌

‌ أولاً: كتب مُختلف الحديث:

1 -

المراد بمختلف الحديث: أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهراً، فيوفق بينهما أو يرجح أحدهما

(2)

.

2 -

وهو من علوم الحديث المهمّة التي تنفي عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد يتوهم من الاختلاف والإشكال والتناقض، وفيه ردّ على الزنادقة والملاحدة الطاعنين في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3 -

وقد ألَّف علماء الإسلام في هذا العلم كتباً قيّمة، من أشهرها:"اختلاف الحديث"، للإمام الشافعي (ت: 204 هـ) رحمه الله، وهو كتاب نفيس، لكنه لم يقصد الاستيفاء، ولم يفرده بالتأليف، وإنما هو جزء من كتابه "الأم"، كما أفاده الحافظ الجلال السيوطي

(3)

.

(1)

"الجوهر النقي" 1/ 2.

(2)

"التقريب والتيسير" للنووي ص 90.

(3)

"تدريب الراوي" للسيوطي 2/ 652.

ص: 141

كذلك ألَّف الإمام العالم الأديب، عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري رحمه الله (ت: 276 هـ)، كتاباً سمَّاه:"تأويل مختلف الحديث"، وضعه في الرَّد على من اتهم المحدثين برواية الأحاديث المتناقضة، فَجَمَعَ بين الأحاديث، وأجاب عن دعوى التناقض بينها.

لكن انتقده كثيرٌ من العلماء، وقالوا: إنه "أساء في أشياء قَصُرَ باعه فيها، وأتى بما غيره أولى وأقوى"

(1)

.

كما يُؤخذ عليه: دفاعه عن أحاديث ضعيفة أو موضوعة! كان بإمكانه الإشارة إلى ضعفها أو وضعها، دون الحاجة إلى الجواب عنها أو توجيهها.

لكن ربما يعتذر له في تقصيره هذا، أنه لم يكن من أهل الاختصاص في الحديث المتمرّسين فيه.

ومن الذين ألَّفوا في هذا الفنّ: الإمام أبو جعفر، أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (ت: 321 هـ) رحمه الله، في كتابه:"مشكل الآثار"، و"هو من أجلّ كتبه، لكنه قابلٌ للاختصار، غير مستغن عن الترتيب والتهذيب"، حسب عبارة الحافظ السخاوي

(2)

.

لذلك قام الإمام الحافظ أبو الوليد، سليمان بن خلف الباجي الأندلسي (ت: 474 هـ) رحمه الله باختصار الكتاب، وإعادة ترتيبه بشكل مناسب، من غير أن يخلّ بشيء من فقهه ومعانيه

(3)

.

(1)

"علوم الحديث" لابن الصلاح ص 285، "الباعث الحثيث" ص 174.

(2)

"فتح المغيث" 4/ 67.

(3)

وهناك من الباحثين من قال: إن نسبة هذا المختصر للباجي خطأ، وإنما هو لأبي الوليد ابن رشد الحفيد، فالله تعالى أعلم.

ص: 142

ثم لخص هذا المختصر: القاضي أبو المحاسن، يوسف بن موسى الحنفي (ت: 803 هـ)، في:"المعتصر من المختصر من مشكل الآثار". وهو مطبوع.

وقد قامتْ مؤسسة الرسالة بطبع كتاب الطحاوي، بتحقيق العلامة الشيخ شعيب الأرناؤوط رحمه الله، في (16) مجلداً.

*‌

‌ ثانياً: كتب المعاجم:

1 -

من الكتب التي استجد تأليفها بعد القرن الثالث: الكتب التي تسمَّى: بكتب المعاجم، وهي تخرج الأحاديث بأسانيدها، مرتَّبة إمَّا على أسماء الصحابة، أو على أسماء الشيوخ، أو البلدان، أو غير ذلك، والغالب أن يكونوا مرتَّبين على حروف الهجاء

(1)

.

2 -

ومن أشهر هذه الكتب: المعاجم الثلاثة؛ الكبير والأوسط والصغير، لمؤلِّفها الإمام الحافظ: أبي القاسم، سليمان بن أحمد الطبراني (ت: 360 هـ)، رحمه الله تعالى.

فأما المعجم الكبير، فهو مرتَّب على مسانيد الصحابة، مرتبين على حروف المعجم، إلا أنه بدأه بالعشرة المبشرين بالجنة. وهو كتاب كبير، فيه نحو خمسة وعشرين ألف حديث، وهو أكبر معاجم الدنيا، وإذا أطلق في كلام العلماء المعجم فهو المراد، وإذا أريد غيره قيّد

(2)

.

وأما المعجم الأوسط: فهو مرتَّب على أسماء شيوخ الطبراني، وهم نحو

(1)

"الرسالة المستطرفة" ص 135.

(2)

"الرسالة المستطرفة" ص 135، "كشف الظنون" 2/ 1737.

ص: 143

ألفي شيخ، قال الحافظ الذهبي:"يأتي فيه عن كلّ شيخ بما له من الغرائب والعجائب، وفيه كل نفيس وعزيز ومنكر"

(1)

.

وأما المعجم الصغير: فمرتَّب على أسماء شيوخ الطبراني، لكنه اقتصر فيه عن كلّ شيخ بحديث واحد

(2)

.

3 -

وقد جَمَعَ الحافظ نور الدين، علي ابن أبي بكر الهيثمي (ت: 807 هـ)، زوائد معاجم الطبراني الثلاثة، بالإضافة إلى زوائد مسند أحمد والبزار وأبي يعلى الموصلي، جَمَعَها كلّها في كتابه:"مَجْمَع الزوائد ومَنْبَع الفوائد"، حَذَفَ فيه الأسانيد، ورتّبه على الأبواب، وذَكَرَ درجة كلّ حديث من حيث الصحة والضعف، على تساهل عنده في التصحيح والتضعيف

(3)

.

وقد حقَّق الكتاب أخيراً الشيخ حسين سليم أسد (ت: 1443 هـ) رحمه الله، وطبعه في (23) مجلداً.

*‌

‌ ثالثاً: كتب المستخرجات:

1 -

عرَّف العلماء كتب المستخرجات بأنها: الكتب التي يأتي فيها المصنّف إلى كتاب من كتب السُّنَّة، فيخرّج أحاديثه بأسانيد لنفسِه، من غير طريق صاحب الكتاب، فيجتمع معه في شيخه أو في من فوقه، ولو في الصحابي، مع رعاية ترتيبه ومتونه وطرق أسانيده

(4)

.

(1)

"تذكرة الحفاظ" 3/ 85.

(2)

المصدر السابق 3/ 85.

(3)

نبه على تساهله الألباني في مواضع عدة من كتبه انظر: "سلسلة الأحاديث الضعيفة" 2/ 56، 5/ 173، 12/ 918.

(4)

"فتح المغيث" للسخاوي 1/ 57، "الرسالة المستطرفة" ص 31.

ص: 144

2 -

والعالِم الذي يقوم بالاستخراج يسمّى: "المُستخرِج"، بالكسر، والكتاب المؤلَّف في هذا النوع يسمَّى:"المُستخرَج"، بالفتح أو "المُخرَّج" بالفتح والتشديد

(1)

.

3 -

وكتب المستخرجات لم يلتزم أصحابها موافقة ألفاظ الأحاديث الواقعة في الكتب التي يخرّجون عليها، من غير زيادة ولا نقصان، لأنهم إنما يروون هذه الأحاديث بحسب ما وقع لهم عن شيوخهم، ومن ثَمَّ فقد يحصل بين رواية المُخرِّج والمُخرَّج عليه تفاوت في اللفظ.

4 -

ولكتب المستخرجات فوائد منها: علو الإسناد، وكثرة طرق الحديث ليرجح بها عند التعارض، وبيان سماع المدّلس، وتعيين المُبهم من رجال الإسناد، وتقييد المهْمل .. إلى غير ذلك من الفوائد.

5 -

ومن أشهر المستخرجات: "المسند الصحيح المخرَّج على صحيح مسلم"، للحافظ أبي عوانة، يعقوب بن إسحاق الإسفرايني (ت: 316 هـ)، وهو مطبوع.

و"المستخرج على صحيح البخاري»، للحافظ أبي بكر، أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي (ت: 371 هـ)، وكان موجوداً إلى أزمنة متأخرة، ثم فُقِدَ بعد ذلك. وقد نقل عنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" كثيراً.

و"المسند المستخرج على مسلم"، للحافظ أبي نعيم، أحمد بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني (ت: 430 هـ)، وهو مطبوع.

و"المستخرج على المستدرك"، للحافظ زين الدين، عبد الرحيم بن

(1)

"توجيه النظر" للجزائري 1/ 348.

ص: 145

الحسين العراقي (ت: 806 هـ)، أملاه إملاء ولم يكمله، وهو مطبوع.

*‌

‌ رابعاً: كتب الأطراف:

1 -

عرَّف العلماء كتب الأطراف بأنها: الكتب التي يقتصر فيها أصحابها على ذكر طَرَف الحديث الدال على بقيته، مع الجمع لأسانيده، إما على سبيل الاستيعاب، أو على جهة التقيّد بكتب مخصوصة، كالكتب السّتة مثلاً

(1)

.

2 -

ولكتب الأطراف فوائد كثيرة منها:

(أ) جَمْعُ طُرُقِ الحديث الواحد في الموضع الواحد، فنعرف إن كان الحديث غريباً، أو عزيزاً أو مشهوراً أو متواتراً.

(ب) تعرّف بمن يُكنَّى في بعض طرق الحديث أو يبهم، من طرق أخرى.

(ج) الدلالة على المواضع التي خرَّج فيها العلماء الحديثَ مجموعة في مكان واحد، مع معرفة الباب الذي أخرجوه فيه

(2)

.

(د) تصحيح ما قد يقع من أغلاط مطبعية أو قلمية في أسانيد كتب السُّنَّة النبوية.

3 -

ومن أشهر كتب الأطراف: "أطراف الكتب السّتة"، للحافظ أبي الفضل، محمد بن طاهر المقدسي، المعروف بابن القيسراني (ت: 507 هـ)، وهو في أطراف أحاديث الصحيحين والسُّنَن الأربعة.

و"الإشراف على معرفة الأطراف"، لأبي القاسم، علي بن الحسن المعروف بابن عساكر الدمشقي (ت: 571 هـ)، مرتّباً على حروف المعجم،

(1)

"توضيح الأفكار" 1/ 208، "الحديث والمحدثون" ص 433.

(2)

"علم التخريج ودوره في حفظ السُّنَّة النبوية" ص 40.

ص: 146

وهو في أطراف أحاديث السُّنَن الأربعة، ولا يزال مخطوطاً، حسب علمي لم يطبع.

و"تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"، للحافظ أبي الحجّاج، يوسف بن عبد الرحمن المِزّي (ت: 742 هـ)، مطبوع في أربعة عشر مجلداً.

قصد به صاحبه جمْع أحاديث الكتب السّتة وبعض ملحقاتها، حتى يسهل معرفة أسانيدها مجتمعة في موضع واحد.

وأما عن طريقة ترتيبه: فقد رتَّبه مؤلِّفه على مسانيد الصحابة، مرتّبين حسب حروف الهجاء، ثم رتَّب مرويات كلّ صحابي حسب الرواة عنه من التابعين، مرتَّبين أيضاً حسب حروف الهجاء.

ثم إذا كان التابعي مكثراً عن الصحابي، فإنه يرتَّب مروياته حسب الرواة عنه وهم اتباع التابعين، مرتبَّين أيضاً على حروف الهجاء.

ثم يذكر بعد ذلك طرفاً من أول الحديث الدال على بقيّته، ثم يشرع في بيان الأسانيد التي روي بها الحديث.

وللحافظ ابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ) تعليقٌ نفيس عليه سمَّاه: "النكت الظراف على الأطراف"، طبع على هامشه.

*‌

‌ خامساً: كتب الزوائد:

1 -

عرَّف العلماء كتب الزوائد بأنها: الكتب التي تجمع الأحاديث الزائدة في كتاب معين على كتاب آخر

(1)

.

2 -

ولكتب الزوائد فوائد، فهي تكوّن موسوعةً حديثيةً، إذا ضُمّ بعضها إلى

(1)

بحوث في تاريخ السُنَّةص 256.

ص: 147

بعض. كذلك فإنها تفيد في معرفة المتابعات والشواهد، والوقوف على طرق بعض الأحاديث، التي لولا كتب الزوائد لما تمكنا من معرفتها، إما لضياع أصولها أو لصعوبة الوصول إليها

(1)

.

3 -

ومن أشهر كتب الزوائد: "مَجْمَع الزوائد ومَنْبَع الفوائد"، للحافظ نور الدين، علي بن أبي بكر الهيثمي (ت: 807 هـ)، وقد تقدَّم الكلام عليه في كتب المعاجم.

كذلك ألّف الحافظ الهيثمي كتاباً في الزوائد، عنوانه:"موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان"، جَمَعَ فيه زوائد صحيح ابن حبان على الصحيحين، مرتَّبة على الكتب والأبواب، مع الإبقاء على أسانيد الأحاديث، وقد طبع الكتاب طبعات عدة، وبلغت زوائده:(538) حديثاً.

أيضاً من كتب الزوائد: "إتحاف الخِيَرَة المَهَرَة بزوائد المسانيد العشرة"، للحافظ أحمد بن أبي بكر البُوصيري (ت: 840 هـ)، جَمَعَ فيه زوائد عشرة مسانيد على الكتب السّتة، وهي: مسند أبي داود الطيالسي، ومسدَّد، والحُميدي، وابن أبي عمر العَدَني، وإسحاق بن راهويه، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، وعبد بن حُميد، والحارث بن محمد بن أبي أسامة، وأبي يعلى الموصلي الكبير. والكتاب مرتّب على كتب الأحكام، مع إبقاء الأسانيد، وبيان درجتها من حيث الصحة أو الضعف، وهو مطبوع.

ومن كتب الزوائد: "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه"، للمؤلِّف السابق، جَمَعَ فيه الأحاديث الواردة في سنن ابن ماجه ولم ترد في الصحيحين

(1)

المصدر السابق ص 240.

ص: 148

وسنن الترمذي وأبي داود والنًّسائي، وكثيراً ما يتكلَّم على الأسانيد، ويبيّن درجتها من حيث الصحة أو الضعف

(1)

، وبلغ عدد الأحاديث الزوائد فيه:(1559) حديثاً، والكتاب مطبوع.

*‌

‌ سادساً: كتب مصطلح الحديث:

1 -

كتب مصطلح الحديث هي: الكتب التي تُعنى بالأصول والقواعد التي يعرف بها أحوال السند والمتن، من حيث القبول والرد. وبعضهم يُطلق عليها: كتب أصول الحديث، أو علوم الحديث، أو علم الحديث دراية.

2 -

ولعلّ من أجلّ فوائد علم المصطلح: معرفة الصحيح من السقيم من الأحاديث، فهو من العلوم الخادمة للسُّنَّة النبوية.

3 -

والكتب المؤلَّفة في هذا الفن كثيرة، وقلَّما عالمٌ مختصٌ في الحديث لم يؤلِّف فيه، لذلك سنكتفي بأشهرها:

(1)

"المحدّث الفاصل بين الراوي والواعي"، للحافظ أبي محمد، الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (ت: 360 هـ)، قال ابن حجر:"أول كتاب في علوم الحديث: كتاب المحدّث الفاصل في غالب الظنّ، وإن كان يوجد قبله مصنّفات مفردة في أشياء من فنونه، لكن هذا أجمع ما جُمع في ذلك في زمانه"

(2)

.

(2)

"معرفة علوم الحديث"، للحافظ أبي عبد الله، محمد بن عبد الله،

(1)

على تساهل عنده في التصحيح والتضعيف كما نبه على ذلك الشيخ الألباني في مواضع من كتبه، انظر مثلاً:"سلسلة الأحاديث الصحيحة" 4/ 365، و"سلسلة الأحاديث الضعيفة" 10/ 340، 11/ 416.

(2)

نقله عنه في "كشف الظنون" 2/ 1162، وينظر "نزهة النظر" 1/ 38.

ص: 149

المشهور بالحاكم النيسابوري (ت: 405 هـ) صاحب المستدرك، قال عنه ابن حجر "لم يهذَّب ولم يرتَّب"

(1)

.

(3)

"الكفاية في علم الرواية"، للحافظ أبي بكر، أحمد بن علي بن ثابت، المعروف بالخطيب البغدادي (ت: 463 هـ)، وهو من الكتب الواسعة في هذا الفنّ.

(4)

"علوم الحديث"، ويُعرف ب:"مقدّمة ابن الصلاح"، للحافظ أبي عمرو، عثمان بن الصلاح الشهرزوري (ت: 643 هـ)، اعتنى بمصنّفات الخطيب البغدادي، فجَمَع شتاتها وزاد عليها، واشتهر كتابه هذا بين أهل العلم، ف "عكف الناس عليه، وساروا بسيره، فلا يُحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر"، حسب عبارة الحافظ ابن حجر

(2)

.

*‌

‌ سابعاً: كتب الموضوعات:

1 -

كتب الموضوعات هي: كتبٌ تُعنى بجمع الأحاديث الباطلة، والموضوعة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، مع بيان واضعها غالباً، مرتّبةً في الغالب على الكتب والأبواب

(3)

.

2 -

وكان علماء السلف كثيراً ما يكشفون عن الأحاديث الموضوعة، وينبهون عليها في كتبهم المؤلَّفة في عِلل الأحاديث، أو ضعفاء الرجال أو التراجم، ك:"العِلل"، لابن أبي حاتم، و"الضعفاء"، للعُقيلي، و"الكامل في

(1)

"نزهة النظر" ص 32.

(2)

المصدر السابق ص 34.

(3)

"تدوين السُنَّة" للزهراني 1/ 206.

ص: 150

ضعفاء الرجال"، لابن عديّ، وغيرها.

3 -

لكن بعد ذلك تطور هذا الفنّ بعد القرن الخامس، وأصبح العلماء يفردون كتباً مستقلةّ في بيان الأحاديث الموضوعة ونقدها، والكشفِ عن أحوال المتهمين بها، ومن أهمّ هذه المؤلَّفات:"تذكرة الموضوعات"

(1)

، لأبي الفضل، محمد بن طاهر المقدسي، المعروف بابن القيسراني (ت: 507 هـ)، قال في مقدّمته:"هذه أحاديث رواها الكَذَبَةُ والمجروحون والضعفاء والمتروكون، يتداولها الناس في احتجاجهم ومناظراتهم، أَوْرَدْتُها على ترتيب ألفاظ حروفها، لتكون أقرب على من أراد معرفة الحديث الذي يريده منها"

(2)

، والكتاب مطبوع.

كذلك ألَّف الحافظ الحسين بن إبراهيم الجورقاني (ت: 543 هـ): "الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير"، وهو مرتّب على الكتب والأبواب، يورد الأحاديث الموضوعة بأسانيدها، ثم يُفَصِّل القول في الحُكْم عليها، وكثيراً ما يذكر ما يعارضها من الأحاديث الصحيحة، للتدليل على وضعها، والكتاب مطبوع.

ومن أشهر كتب الموضوعات، كتاب:"الموضوعات"، للحافظ أبي الفرج، عبد الرحمن بن علي، المعروف بابن الجوزي الحنبلي (ت: 597 هـ) رحمه الله تعالى، وهو مطبوع.

وقد انتقد جمع من العلماء كابن الصلاح

(3)

والنووي

(4)

والسيوطي

(5)

هذا

(1)

وبعضهم يسميه: "تذكرة الحفاظ"، أو "أطراف أحاديث كتاب المجروحين لابن حبان".

(2)

"تذكرة الموضوعات" 1/ 7.

(3)

"علوم الحديث" لابن الصلاح ص 204.

(4)

"التقريب والتيسير" للنووي ص 46.

(5)

"تدريب الراوي" 1/ 329.

ص: 151

الكتاب، واتهموا مؤلِّفه بالتساهل في الحُكْم على الأحاديث بالوضع، حيث أورد فيه أحاديث ليست بموضوعة، وإنما هي من قبيل الضعيف، بل وبعضها أحاديث صحيحة وحسنة، منها حديث في صحيح مسلم، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعاً:«يوشك، إنْ طالتْ بك مدة، أن ترى قوماً في أيديهم مثل أذناب البقر، يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله»

(1)

.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "لم أقف في الموضوعات (يعني لابن الجوزي) على شيء حَكَمَ عليه وهو في أحد الصحيحين غير هذا الحديث، وإنها لغفلة شديدة"

(2)

.

لكن نبَّه ابن حجر إلى أنَّ "غالب ما في كتاب ابن الجوزي موضوع، والذي يُنتقد عليه بالنسبة إلى ما لا يُنتقد قليل جداً"

(3)

.

وللحافظ جلال الدين السيوطي (ت: 911 هـ) كتاب: "اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة"، اختصر فيه "الموضوعات" لابن الجوزي، واستدرك عليه، وتعقّبه في بعض الأحاديث، وهو مطبوع.

ومن كتب الموضوعات كذلك: "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة"، للقاضي محمد بن علي الشوكاني (ت: 1250 هـ)، أفاد فيه من مؤلَّفات من سَبَقَه، وعليه بعض المآخذ في ذكر ما ليس بموضوع في الموضوعات

(4)

، وهو مطبوع ومتداول.

(1)

صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب النار يدخلها الجبارون، حديث (2887).

(2)

تدريب الراوي 1/ 330.

(3)

المصدر السابق 1/ 329.

(4)

الوسيط في علوم ومصطلح الحديث ص 362.

ص: 152

*‌

‌ ثامناً: كتب في الجمعِ بين بعض الكتب الحديثية:

1 -

لم يكد القرن الرابع الهجري ينصرم حتى أصبح عَمَلُ كثير من العلماء قاصراً على الجمع والترتيب، أو الاختصار والتهذيب، أو الشرْح لكتب من تقدَّمهم.

وبعض الناس يعيب مثل هذا، ويعدّه من علامات الجمود الفكري، وقلّة الابتكار في الأمة! وليس الأمر كذلك، فإن الجمع والترتيب، والشرح والتهذيب، إذا كان بصورة جيدة، فإنه من مقاصد التأليف الصحيحة، التي تقرّب العلوم وتيسّرها على الباحثين والمستفيدين.

2 -

ومن جملة المؤلَّفات في هذا الدور: كتب في الجمع بين بعض الكتب الحديثية، فتجمعُ بين أحاديث كتابين، أو أكثر في مصنّف واحد.

3 -

ومن أشهر ما أُلِّف في ذلك: "الجمع بين الصحيحين"، للحافظ أبي عبد الله، محمد بن نصر الحُميدي الأندلسي الظاهري (ت: 488 هـ)، جَمَعَ فيه بين أحاديث صحيح البخاري وصحيح مسلم، وزاد عليهما زيادات ليستْ فيهما من كتب المستخرجات. وقد انتقده أهلُ العلم بسبب هذه الزيادات، فإنه كما يقول السخاوي:"ربما يسوق الحديث الطويل، ناقلاً له من مستخرج البُرقاني أو غيره، ثم يقول: اختصره البخاري، فأخرج طَرَفاً منه، ولا يبيّن القدْر المقتصر عليه، فيلتبس على الواقف عليه، ولا يميّزه إلا بالنظر في أصله"

(1)

. والكتاب مطبوع متداول.

وألَّف الحافظ أحمد بن بن رزين بن معاوية العبدري السرقسطي (ت: 535 هـ): "تجريد الصحاح والسُّنَن"، جَمَعَ فيه بين أحاديث الكتب

(1)

"فتح المغيث" 1/ 61.

ص: 153

السّتة، لكنه لم يُحْسِن في ترتيب الكتاب وتهذيبه، وفاتته جملة من الأحاديث التي هي على شرطه، والكتاب له نسخ مخطوطة.

ولعلّ من أجلّ ما ألِّف في هذا الفنّ كتاب: "جامع الأصول لأحاديث الرسول"، لأبي السعادات، المبارك بن محمد الجزري، المعروف بابن الأثير (ت: 606 هـ)، رحمه الله تعالى.

وقد هذَّب فيه "تجريد الصحاح"، لابن رزين، إلا أنه أدخل موطأ مالك بدلاً من سنن ابن ماجه، وحذف الأسانيد إلا راوي الحديث، من صحابي أو تابعي، ورتَّبه على الأبواب، وشرَح الغريب، وبيّن من أخرج الحديث من أصحاب الكتب السّتة، واستدرك ما فات ابن رزين من الأحاديث، فجاء كتاباً بديعاً سهلاً ميسراً

(1)

. وقد طبع بتحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله تعالى.

*‌

‌ تاسعاً: كتب أحاديث الأحكام:

1 -

ومن الكتب المؤلَّفة في هذا الدور: كتبٌ اقتصرتْ على جمْع وانتقاء الأحاديث المتعلّقة بأحكام الفروع الفقهية العملية. وهي تختلف فيما بينها طولاً وقصراً.

2 -

والكتب المصنّفة في هذا النوع كثيرة، سوف أقتصرُ على ثلاثة منها، ربما لأنه كَثُرَ الاعتناء بها أكثر من غيرها.

(أ)"المنتقى من أخبار المصطفى"، لأبي البركات، مجد الدين ابن تيمية (ت: 652 هـ) رحمه الله تعالى. وهو أكبر الكتب الثلاثة، حيث اشتمل على

(1)

"الحديث والمحدثون" ص 430.

ص: 154

نحو (5029) حديثاً. وقد جَمَعَ مؤلِّفه أحاديثه من: الصحيحين، والسُّنَن الأربعة ومسند أحمد وسنن الدارقطني والبيهقي، وغيرها من مصنّفات الحديث الأصلية، محذوفة الأسانيد مع الإبقاء على اسم الصحابي.

ويؤخذ على الكتاب عدم عنايته ببيان الصحيح من الضعيف غالباً، فيكتفي بعزو الحديث إلى مصدره فحسب.

ومن أشهر شروحه وأحسنها: "نَيْل الأوطار شرْح منتقى الأخبار"، للقاضي محمد بن علي الشوكاني (ت: 1250 هـ) رحمه الله، والذي يُعَدُّ من أهم المراجع في فقه أحاديث الأحكام.

(ب)"عُمدة الأحكام من كلام خير الأنام"، للحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي (ت: 600 هـ) رحمه الله تعالى. وهو أصغر الكتب الثلاثة حجماً، حيث بلغت أحاديثه:(436) حديثاً.

وقد تميّز الكتاب: بكون أحاديثه غاية في الصحة، حيث اُنتقي مما اتفق عليه الشيخان: البخاري ومسلم.

ولعمدة الأحكام شروح كثيرة، قديمة ومعاصرة، من أجلّها:"إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام"، للإمام المجتهد محمد بن علي بن دقيق العيد (ت: 702 هـ). وهذا الكتاب على جلالته، فإن طبيعة بحوثه التي تصدّى لها غامضة متينة، ترتفع على أفهام كثير من طلاب العلم، ومريدي المعرفة

(1)

.

ومن شروح العُمدة: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"، للحافظ عمر بن علي الشافعي، المعروف بابن الملقن (ت: 804 هـ) رحمه الله تعالى، أفاد كثيراً من شرح ابن دقيق العيد، بَيْدَ أنه أكثر وضوحاً وأسهل تناولاً.

(1)

"تيسير العلام" للبسام 1/ 16.

ص: 155

كذلك شرحه من المعاصرين: الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام (ت: 1423 هـ)، في:"تيسير العلام شرح عمدة الأحكام"، ويمتاز هذا الشرح بأنه كُتِبَ بأسلوب يناسب أفهام طلبة العلم في العصر الحديث.

(ج)"بلوغ المرام من أدلة الأحكام"، تأليف الحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ). وهو أوسط الكتب الثلاثة حجماً، حيث اشتمل على ((1596)) حديثاً.

تميّز الكتاب بمزايا، منها: عناية مؤلِّفه بتخريج الأحاديث من مصادرها الأصلية، مع بيان درجتها صحة وضعفاً في الغالب، لكنه لم يلتزم ذلك باطراد، وإنما يحكم أحياناً بنفسه، وينقل حكم غيره أحياناً، ولو أنه التزم الحكم على جميع الأحاديث لكان أفضل، لاسيما وقد تكلّم على الكثير منها في بقيّة مصنفاته كفتح الباري والتلخيص الحبير.

كذلك تميّز: بكونه أضاف قسماً مهماً في آخره، وهي: أحاديث الآداب والأخلاق، والذكر والدعاء، فجاء كالمتمم للكتاب.

ولبلوغ المرام شروح قديمة ومعاصرة، من أشهرها وأكثرها تداولاً:"سبل السلام بشرح بلوغ المرام"، للعلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت: 1182 هـ) رحمه الله تعالى.

وهو شرْح متوسط الحجم، اعتنى في مؤلِّفه ببيان الراجح من الأقوال المختلفة من غير تقيّد بمذهب معيّن. لكن يؤخذ عليه اعتماده أحياناً على أحاديث ضعيفة في الترجيح، دون أن يلاحظ ضعفها، كما يؤخذ عليه سلوك مسلك الظاهرية أحياناً في تفسير النصوص، دون النظر في المعاني والمقاصد!!

ص: 156

كذلك شَرَحَ (بلوغ المرام) من المعاصرين: الشيخ عبد الله البسام، في كتاب سمَّاه:"توضيح الأحكام بشرح بلوغ المرام"، يقع في (7) مجلدات كبار، فيه فوائد كثيرة.

*‌

‌ عاشراً: كتب الأحاديث المشتهرة:

1 -

كتب الأحاديث المشتهرة هي: التي تُعنى بجمع الأحاديث المشتهرة على ألسنة الناس، ويتناقلونها فيما بينهم منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مع بيان حالها صحة وضعفاً

(1)

.

2 -

وبعض هذه الأحاديث صحيحة أو حسنة، لكن الكثير منها إما ضعيف أو موضوع أو لا أصل له.

3 -

فمن أمثلة الأحاديث المشتهرة الصحيحة، حديث:"إنما الأعمال بالنيّات"، و "من كذب عليّ متعمّداً فليتبوأ مقعده من النار"، و:"المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده"، وكلّها مخرَّجه في الصحيحين ..

ومن أمثلة الأحاديث الضعيفة المشتهرة، حديث:"لا غيبة لفاسق"

(2)

، وحديث:"لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"

(3)

.

ومن أمثلة الأحاديث التي لا أصل لها، حديث:"يوم صومكم يوم نحركم"

(4)

.

4 -

وفائدة كتبِ الأحاديث المشتهرة: أنها تكشف عن حال هذه

(1)

"السنة قبل التدوين" ص 290.

(2)

ينظر "كشف الخفا" للعجلوني، حديث:(3081).

(3)

ينظر المصدر السابق، حديث:(1309).

(4)

ينظر "المقاصد الحسنة" حديث: (1355).

ص: 157

الأحاديث، وتذكر من رواها من أصحاب المصنّفات، إن كان لها أصلٌ، وتبيّن درجتها من حيث الصحة والضعف.

5 -

وأكثر المصنّفات المؤلَّفة في الأحاديث المشتهرة رتَّبت الأحاديث على نَسَقِ حروف المعجم، ومن أشهرها:

(أ)"المقاصد الحَسَنَة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الأَلسنة"، للحافظ محمد بن عبدالرحمن السخاوي (ت: 902 هـ) رحمه الله. وهو من أجود الكتب في بابه، وقد بلغت أحاديثه بحسب النسخة المطبوعة (1356) حديثاً، قام المؤلِّف بتخريجها، وبيان درجتها من حيث الصحة أو الضعف، وإن كان الحديث ليس له أصل قال:(لا أصل له)، وإن توقف فيه قال:(لا أعرفه).

(ب)"تمييزُ الطيِّب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث"، لعبدالرحمن بن علي بن الدَّيْبَع الشيباني (ت: 944 هـ). وهو اختصار «للمقاصد الحسنة» ، اكتفى فيه ببيان من أخرج الحديث ودرجته، دون ذِكْرِ تفاصيل الكلام على إسناده أو أسباب ضعفه، وزاد عليه بعض الأحاديث اليسيرة.

(ج)"كشفُ الخفَاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على السنة الناس"، لإسماعيل بن محمد العجلوني (ت: 1162 هـ)، وهو أوسع كتاب في بابه، حيث بلغ عدد أحاديثه (3254) حديثاً. وكلّ هذه الكتب مطبوعة ومتداولة، والحمد لله.

*‌

‌ الحادي عشر: كتب تراجم الرواة:

1 -

كتب تراجم الرواة هي: التي تُعْنَى بجمع أسماء من له رواية للسُّنَّة المشرّفة، مع التعريف بأحوال هؤلاء الرواة، لا سيما فيما يتعلَّق

ص: 158

بجرحهم وتعديلهم.

2 -

وقد تفنن علماء السُّنَّة في الكتابة عن الرواة، فمنهم من أفرد الثقات منهم، ومنهم من أفرد الضعفاء، ومنهم من ترجم للرواة عامة، ومنهم من ترجم لرواة كتب مخصوصة، أو رواة بلد معيّن، وغير ذلك.

3 -

والمصنَّفات في الرواة كثيرة جداً، على اختلاف أصنافها وأنواعها، ومن أشهرها:

(أ)"التاريخ الكبير"، للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، صاحب الصحيح (ت: 256 هـ)، وهو من أوسع الكتب التي ترجمتْ للرواة عامة. وقد رتَّبه مؤلِّفه على حروف المعجم (أ، ب، ت، ث)، لكنه بدأ بأسماء المحمّدين لشرف اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

والبخاري عادة ما يستعمل عبارات لطيفة في جرح الرواة، فيقول مثلاً:«فلان فيه نظر» ، أو «سكتوا عنه» ، يعنى بذلك أنهم تركوا حديثه، وذلك أنه لورعه قلّ أن يقول: كذَّاب أو وضَّاع. نعم، ربما يقول: كذَّبه فلان، ورماه فلان بالكذب (1).

(ب)"الجَرْحُ والتعديل"، للإمام عبدالرحمن بن محمد ابن أبي حاتم الرازي (ت: 327 هـ)، وهو من كتب تراجم رواة الحديث العامة، مشى فيه على طريقة البخاري في:«التاريخ الكبير» ، واعتنى بذكر ما قاله العلماء في كلّ راوٍ من جَرْحٍ وتعديل، مع بيان رأيه الشخصي واجتهاده في الراوي، وقد قَدَّم للكتاب بمقدّمة نفيسة، عالج فيها مباحث مهمّة في جَرْح الرواة وتعديلهم.

(ج)"تهذيبُ الكمال في أسماء الرجال"، للحافظ أبي الحجَّاج، يوسف بن الزكي المِزّي (ت: 742 هـ)، اختص بتراجم من أَخرج لهم أصحابُ

ص: 159

الكتب السّتة، وكان الحافظ عبد الغني بن عبدالواحد المقدسي (ت: 600 هـ)، قد ألَّف:«الكمال في أسماء الرجال» ، فجاء المِزيّ فهذَّبه وأكمله وحرَّره في «تهذيب الكمال» . وهذا الكتاب يُعَدّ من أجلّ وأجود ما ألِّف في بابه، وقد اعتنى به العلماء، وكثرتْ مختصراته وملخصاته، ك «الكاشف» ، للذهبي، و «تهذيب التهذيب» و «تقريب التهذيب» ، كلاهما لابن حجر، وغير ذلك.

*‌

‌ الثاني عشر: كتب معرفة الصحابة:

1 -

كتب معرفة الصحابة هي: الكتب التي تُعْنَى بجمْع أسماء كلّ من عُرِفَتْ له صحبةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، مع ذكر شيء من تراجمهم وسِيَرهم وأحوالهم وسِنيّ وفاتهم، خاصةً فيما يتعلق بالرواية إن وجدت

(1)

.

2 -

ولِكتب معرفة الصحابة فوائد، من أهمّها فيما يتعلق بعلم الحديث: معرفة مرسل الحديث من موصوله، لأنه من خلال هذه الكتب نعرف إن كان هذا الراوي الذي أضاف الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم صحابياً، فيكون الحديث موصولاً، أو غير صحابي فيكون مرسلاً.

3 -

ومن الكتب المؤلَّفة في معرفة الصحابة رضي الله عنهم:

(أ)"الاستيعاب في معرفة الأصحاب"، للحافظ أبي عمر، يوسف ابن عبد البر النمري القرطبي (ت: 463 هـ)، وهو من الكتب الجيدة في بابه، وقد رتَّب أسماء الصحابة على نَسَقِ حروف المعجم، وسمَّاه: بالاستيعاب، ظنّاً منه أنه استوعب جميع أسماء الصحابة، مع أنه فاته شيء كثير. كما أنه أُخِذَ عليه أنه يَذْكُرُ ما شَجَرَ بين الصحابة، مما تلقاه من كتب الأخباريين

(1)

ينظر: "بحوث في تاريخ السنة" للعُمري ص 62.

ص: 160

وغيرهم دون تمحيص

(1)

.

(ب)"أسد الغابة في معرفة الصحابة"، لعز الدين علي بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 630 هـ)، وقد رتّبه ترتيباً دقيقاً، على نَسَقِ حروف المعجم، إلا أنه أُخِذَ عليه أنه خَلَطَ من ليس صحابياً بهم، دون أن يميّز ذلك.

(ج)"تجريد أسماء الصحابة"، لأبي عبد الله، محمد بن أحمد الذهبي (ت: 748 هـ)، لخَّص فيه:"أسد الغابة" وزاد عليه، وقد طبع في جزأين.

(د)"الإصابة في تمييز الصحابة"، للحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، وهو أجمع كتب الصحابة على الإطلاق، هذَّب فيه كتب من تقدّمه، ورتّبها وزاد عليها زيادات كثيرة. وقد انفرد فيه بشيء لم يُسبق إليه، وهو أنه أفرد في كلّ حرف قسماً ذَكَرَ فيه من ذُكِرَ في الكتب المتقدّمة، في أسماء الصحابة، على سبيل الوهم والغلط، قال الحافظ ابن حجر:"وهذا القسم لا أعلم من سبقني إليه، ولا من حام طائر فكره عليه، وهو الضالّة المطلوبة في هذا الباب الزاهر، وزبدة ما يمخضه من هذا الفنّ اللبيب الماهر"

(2)

.

*‌

‌ الثالث عشر: كتب التخريج:

1 -

كتب التخريج هي: التي تولّى فيها مؤلِّفوها تخريج الأحاديث الواقعة في بعض المصنّفات الأخرى

(3)

.

(1)

"علوم الحديث" لابن الصلاح ص 485.

(2)

"الإصابة في تمييز الصحابة" 1/ 158.

(3)

"أصول التخريج ودراسة الأسانيد" للطحان ص 126.

ص: 161

2 -

ومعنى هذا التعريف: أن المصنّفين في العلوم الشرعية المختلفة؛ كالعقائد والفقه وأصوله والتفسير، كثيراً ما يستدلون أو يستشهدون بأحاديث نبويّة، دون أن يعزوا هذه الأحاديث إلى المصادر التي نقلوها منها، أو يبينوا درجتها، فتجرّد بعض الحفاظ إلى تخريج تلك الأحاديث، والكشف عن أماكنها من مصادرها الأصلية، مع بيان مرتبتها من حيث الصحة أو الضعف، في كتب مستقلّة

(1)

.

3 -

ومن أشهر المؤلَّفات في التخريج:

(أ)"نَصْبُ الراية لأحاديث الهداية"، للحافظ جمال الدين، عبدالله بن يوسف الزيلعي الحنفي (ت: 762 هـ)، خرّج فيه الأحاديث التي استشهد بها العلامة علي بن أبي بكر المرغيناني الحنفي (ت: 593 هـ)، في:«الهداية» ، في الفقه الحنفي.

وكتاب الزيلعي هذا من أجود كتب التخريج، من جهة إيراد طرق الحديث، وبيان مواضعه في كتب السُّنَّة، مع ذكر أقوال أئمة الجرح والتعديل، في رجال الإسناد.

(ب)"التلخيص الحبير في تخريج أحاديث شرح الوجيز الكبير"، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، لخَّص فيه كتاب «البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير» ، للحافظ ابن المُلقن الشافعي (ت: 804 هـ). وكتاب «الشرح الكبير» ؛ هو من كتب الفقه الشافعي، من تأليف عبدالكريم بن محمد الرافعي (ت: 623 هـ)، شَرَحَ فيه «الوجيز» لأبي حامد الغزالي (ت: 505 هـ) رحمهم الله جميعاً.

(1)

"الحديث والمحدثون" ص 448.

ص: 162

و"التلخيص الحبير" يُعَدُّ من الكتب المهّمة في تخريج أحاديث الأحكام، التي يستدل بها الفقهاء من شتى المذاهب، وقد حذف فيه كثيراً من التكرار الواقع في أصله:«البدر المنير» ، مع إضافات كثيرة مهمّة.

(ج)"المغني عن حمْل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار"، للحافظ زين الدين، عبدالرحيم بن الحسين العراقي (ت: 806 هـ)، خرَّج فيه الأحاديثَ الواقعة في:«إحياء علوم الدين» ، لأبي حامد الغزالي (ت: 505 هـ) رحمه الله. وهو من كتب التخريج المهمّة، خاصةً وقد كشف عن كثير من الأحاديث الضعيفة والواهية، بل والموضوعة الواقعة في "الإحياء".

قال العراقي في مقدّمة المغني: «اختصرتُه في غاية الاختصار، ليسْهل تحصيله وحمْله في الأسفار، فاقتصرتُ فيه على ذكر طَرَف الحديث، وصحابيّه، ومخرجه، وبيان صحته أو حسنه أو ضعف مخرجه، فإن ذلك هو المقصود الأعظم عند أبناء الآخرة، بل وعند كثير من المحدثين، عند المذاكرة والمناظرة» .

*‌

‌ الرابع عشر: كتب عِلل الحديث:

1 -

كتب علل الحديث هي: التي تُعْنَى بجمع الأحاديث النبويّة المعلَّة، وبيان الأسباب الخفيّة التي أدت إلى ضعفها

(1)

.

2 -

وعِلَّة الحديث هي: أسباب خفية غامضة، تطرأ على الحديث، فتقدح في صحته، مع أن ظاهره السلامة منها

(2)

.

(1)

أخذت هذا التعريف من تعريف علم علل الحديث نفسه.

(2)

ينظر "توضيح الأفكار" للصنعاني 2/ 22، "الباعث الحثيث" لأحمد شاكر ص 171.

ص: 163

3 -

ولهذه الكتب فوائد عظيمة: فهي تكشف عن العلل الخفيّة التي تقدح في صحة الأحاديث، فلا يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم حديثٌ لم يقله.

وعادة لا يتكلّم في هذا العلم الشريف إلا الأئمة الراسخون، المطلعون على طرق الأحاديث واختلافها وخباياها.

4 -

وقد ظهرتْ المصنّفات في هذا العلم، منذ القرن الثالث الهجري، واستمرتْ وازدهرتْ في القرون التي تليه. ومن أشهرها:

(أ)"العلل"، للإمام علي بن عبد الله بن جعفر السعدي، المشهور بابن المديني (ت: 234 هـ) رحمه الله، لم يرتّب على طريقة محددة، وإنما هو مسائل متفرقة، وأجوبة غير مرتّبة، تنتقل فجأة من موضوع إلى موضوع. وقد طبع الكتاب، بتحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، في مجلد واحد.

(ب)"علل الحديث"، لأبي محمد، عبد الرحمن بن أبي حاتم الحنظلي الرازي (ت: 327 هـ) رحمه الله، رتّبه على أبواب الفقه، وقد طبع بتحقيق فريق من الباحثين، في (7) مجلدات.

(ج)"العلل الواردة في الأحاديث النبوية"، لأبي الحسن، علي بن عمر الدارقطني (ت: 385 هـ)، طبع بتحقيق الشيخ محفوظ الرحمن بن زين الدين، في خمسة عشر مجلداً، وهذا الكتاب هو أجلّ كتب العلل وأجودها وأوسعها، كما قاله غيرُ واحد من أهل العلم

(1)

، وهو مرتّب على المسانيد.

(1)

"علوم الحديث" لابن الصلاح ص 251، "اختصار علوم الحديث" لابن كثير 169.

ص: 164

*‌

‌ الخامس عشر: كتب الناسخ والمنسوخ

(1)

:

1 -

كتب الناسخ والمنسوخ: تُعْنَى بجمع الأحاديث المتعارضة التي لا يمكن التوفيق بينها، فيُحكم على بعضها بأنه ناسخ، وعلى بعضها بأنه منسوخ، فما ثبت تقدّمه كان منسوخاً، وما ثبت تأخره كان ناسخاً

(2)

.

2 -

ومن أمثلة ذلك: الأحاديث الواردة في أنه لا غسل على من جامع إلا أن ينزل، فهذه منسوخة بالأحاديث التي أوجبتْ الغسل على كلّ من جامع، أنزل أو لم ينزل

(3)

.

3 -

وفائدة هذه الكتب أنها: تكشف عن ناسخ الأحاديث من منسوخها، وهو مما لا يستغني عنه باحثٌ في أحكام الشريعة، إذ لا يمكن استنباط الأحكام، من غير معرفة الأدلة الناسخة من الأدلة المنسوخة.

4 -

ولأهل العلم مؤلَّفات عدّة في ناسخ الحديث ومنسوخه، من أشهرها:

(أ)"ناسخ الحديث ومنسوخه"، لأبي حفص، عمر بن أحمد بن شاهين البغدادي، المتوفى سنة: 358 هـ، بيَّن فيه نسخ عدد من الأحاديث، وأحياناً يجعل النسخ محتملاً، وأحياناً يجزم بعدم النسخ، ويجمع بين الأحاديث، وقد طُبع الكتاب طبعات عدة.

(ب)"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار"، لمحمد بن موسى الحازمي الهمداني، المتوفى سنة: 584 هـ، وهو من أجمع ما صنّف في بابه،

(1)

عرَّف العلماء النسخ بأنه: رَفْعُ حُكْمٍ شرعي بدليل شرعي متأخر عنه، ينظر:"المنهل الروي" لابن جماعة ص 61.

(2)

"أصول الحديث" لمحمد عجاج الخطيب ص 288.

(3)

انظر "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" للحازمي ص 28.

ص: 165

حتى قال ابن العماد الحنبلي: "لم يُصَنّف في فنّه مثله"

(1)

، وقال السخاوي:"هو أوسعها"

(2)

، وقد رتَّبه مؤلِّفه على الأبواب الفقهية، وتكلَّم على علل الأحاديث ودرجتها صحة وضعفاً، وأحياناً يَرُدُّ القولَ بالنسخ، ويجمع بين الحديثين المتعارضين، وقد قدَّمه بمقدّمة نفيسة تحدَّث فيها عن مسائل مهمة، كحقيقة النسخ وأنواعه، وأهمية معرفة ناسخ الأحاديث من منسوخها، وعناية العلماء بذلك، وكيف يعرف الحديث المنسوخ .. وقد طبع الكتاب طبعات عدة.

(ج)"إعلام العالِم بعد رسوخه بحقائق ناسخ الحديث ومنسوخه"، لأبي الفرج، عبد الرحمن بن علي بن الجوزي الحنبلي، المتوفى سنة: 597 هـ رحمه الله، رتّبه على أبواب الفقه، قاصداً بذلك التسهيل والتيسير، واستفاد فيه من كتاب ابن شاهين المتقدم، على أوهام وقعتْ له في مواضع عدة

(3)

. والكتاب مطبوع.

*‌

‌ السادس عشر: كتب غريب الحديث:

1 -

كتب غريب الحديث هي: الكتب التي اعتنتْ بجمع وشرح ما ورد في الأحاديث النبوية من ألفاظ خَفِيَتْ معانيها، لقلّة استعمالها ودورانها على الألسن.

2 -

وفائدة كتب الغريب: أنها تُعْنَى بشرح معاني الألفاظ الغامضة من الأحاديث، وهي الخطوة الأولى في سبيل فهم معنى الحديث. ولعلَّه من

(1)

"شذرات الذهب" لابن العماد 6/ 463.

(2)

"الغاية في شرح الهادية" للسخاوي، ص 228.

(3)

انظر كلام محقق الكتاب على ما وقع لابن الجوزي من أوهام فيه ص 42.

ص: 166

العسير على طالب العلم أن يرويَ ما لا يفهمُ، أو ينقل ما لا يُحْسِنُ أداءه.

ومن أمثلة ذلك: ما ورد في "الصحيح"، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَثَلُ المؤْمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأُتْرُجَّة"

(1)

، فكلمة "الأُتْرُجَّة" غير شائعة على الألسن، فتجد شرح معناها في كتب الغريب.

ومثلُه: كلمة "أُطُم"، في حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم "أشرف على أُطم من آطام المدينة"

(2)

. فالأطم بالضم: بناء مرتفع، وآطام المدينة هي أبنيتها المرتفعة، كالحصون، كما أفاده ابن الأثير

(3)

.

3 -

والكتب المصنّفة في بيان غريب الحديث كثيرة، من أشهرها:

(أ)"غريب الحديث"، لأبي عبيد القاسم، ابن سلّاّم الهروي، المتوفى سنة: 224 هـ رحمه الله، وهو من أنفس وأقدم ما أُلّف في فنّ الغريب، رتّبه على المسانيد، وساق الأحاديث بأسانيده، إلا أنه مع سعته فاته الكثير من الألفاظ الغريبة، شأنُه شأنُ معظم الكتب المتقدّمة، التي تضع اللبنات الأولى في فنون العلم.

(ب)"الفائق في غريب الحديث"، لأبي القاسم، جار الله محمود بن عمر الزمخشري، المتوفى سنة: 538 هـ، اشتمل على ما سبقه من تصانيف في الغريب، ورتّبه على حروف المعجم، لكنه لم يستوعب، كما يؤخذ عليه أنه قد يشرح بعض الكلمات الغريبة في غير حرفها، فيصعب الوصول إليها!!

(ج)"النهاية في غريب الحديث والأثر"، لمجد الدين أبي السعادات،

(1)

متفق عليه.

(2)

متفق عليه.

(3)

"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير 1/ 54.

ص: 167

المبارك بن محمد الجزري، المعروف بابن الأثير، المتوفى سنة: 606 هـ، ولعلّ هذا الكتاب يُعَدّ أجمع وأشمل كتاب في بابه، مع حسن التنسيق، وقد رُتِّب على نَسَق حروف المعجم، معتبراً أصل الكلمة الثلاثي، مما سهَّل سرعة الوصول للكلمة المطلوبة. وكلّ هذه الكتب مطبوعة ومتداولة، والحمد لله.

*‌

‌ السابع عشر: كتب أسباب ورود الحديث:

1 -

كتب أسباب ورود الحديث: تبحث عن الأسباب الداعية إلى ذِكْرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث أولاً.

وهذا السبب: قد يكون سؤالاً وَرَدَ على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون حادثة، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم الحديثَ بسببه أو بسببها، فالأحاديث الصادرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إمّا أن تكون صادرة ابتداء بغير سبب، وإمّا أن تصدر بسبب سؤال أو حادثة، فهذا ما يكون له سبب ورود

(1)

.

2 -

ولمعرفة سبب ورود الحديث فوائد، منها: أنه يُعينُ على حُسْن فهم الحديث وحُسْن فقهه، فمعرفة الملابسات التي ورد الحديث لأجلها مهمة، حتى لا يحصل خطأ في فهمه، أو تنزيله على غير محلّه.

وعلى سبيل المثال، فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ليس من البِر الصومُ في السفر» . فقد أشكل هذا الحديث مع ما ثَبَتَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه صام في السفر؛ لكن هذا الإشكال ينزاح إذا عرفنا سبب ورود الحديث، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فرأى زحاماً، ورجلاً قد ظُلّل عليه،

(1)

"الوسيط في علوم ومصطلح الحديث" لأبي شهبة ص 467، "أسباب ورود الحديث" للدكتور عادل العوني ص 2.

ص: 168

فقال: «ما هذا؟» ، قالوا: صائم، فقال:«ليس من البِر الصوم في السفر»

(1)

.

فبمعرفة سبب ورود الحديث، فُهم معناه، وأن الصيام في السفر لا يكون من البِر إذا بلغ بالمرء من الجهد والمشقة، كحال ذاك الرجل.

3 -

والكتب المؤلَّفة في معرفة أسباب ورود الحديث قليلة، رغم أهميتها، ومنها:

(أ) ما ألَّفه الإمام أبو حفص، عمر بن إبراهيم العكبري الحنبلي (ت: 387 هـ) رحمه الله، وهو أول مؤلَّف في بابه

(2)

، ولم يصلنا منه شيء.

(ب)"اللُّمع في أسباب ورود الحديث"، للحافظ جلال الدين السيوطي (ت: 911 هـ) رحمه الله، جَمَعَ فيه ثمانية وتسعين حديثاً، مرتّبة على الكتب والأبواب الفقهية. وطريقته أنه يورد متن الحديث أولاً محذوف الإسناد، إلا راويه من الصحابة، ثم يذكر بعد ذلك سبب ورود الحديث، مع عَزْوِ جميع الروايات إلى مصادرها الأصلية، من كتب السُّنَّة.

وهو كتاب نفيس، لكن يتمّ، كما ذكر ابن حمزة الدمشقي في مقدّمة:"البيان والتعريف" الآتي ذكره. وهو مطبوع.

(ج)"البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف"، لإبراهيم بن محمد الشهير بابن حمزة الحسيني الحنفي الدمشقي (ت: 1120 هـ)، رتّبه حسب حروف المعجم، مقتصراً على متن الحديث دون راويه من الصحابة، وهو من المؤلَّفات النافعة المفيدة الواسعة في هذا العلم، كما يقول الدكتور

(1)

"صحيح البخاري"(1946)، "صحيح مسلم» (1115).

(2)

ينظر "فتح المغيث للسخاوي" 4/ 38.

ص: 169

محمد أبو شهبة رحمه الله

(1)

. والكتاب مطبوع متداول.

*‌

‌ الثامن عشر: كتب الأحاديث القدسية:

1 -

كتب الأحاديث القدسية هي: الكتب التي جَمَعَتْ ما ورد من الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والحديث القدسي هو: ما رواه وأضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربّه عز وجل، بقوله: قال الله عز وجل، أو يقول الله تعالى.

ويقال له أيضاً: الحديث الإلهي والحديث الرَّباني

(2)

، ومن أمثلته: حديث: أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه عز وجل، أنه قال:«يا عبادي إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّماً، فلا تظالموا»

(3)

.

وعامة الأحاديث القدسية تدور حول الترغيب في أعمال الخير والفضائل، والترهيب من أعمال الشرّ والرذائل.

2 -

ومن العلماء الذين أفردوا الأحاديث القدسية بالتصنيف:

(أ) الشيخ المحدِّث نور الدين، علي بن سلطان القاري الهروي المكي (ت: 1014 هـ)، رحمه الله، حيث جَمَعَ كتاباً سمَّاه:"الأحاديث القدسية الأربعينية"، اقتصر فيه على أربعين حديثاً من الأحاديث القدسية، كما هو ظاهر من عنوانه، وقد طُبع بأكثر من تحقيق.

(1)

"الوسيط في علوم ومصطلح الحديث" ص 476.

(2)

"أصول الحديث" لمحمد عجاج الخطيب ص 28.

(3)

"صحيح مسلم» (2577).

ص: 170

(ب) الشيخ المحدِّث عبد الرؤوف المناوي (ت: 1031 هـ)، رحمه الله، ويسمّى كتابه:"الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية"، ذكر فيه ما وقف عليه من الأحاديث القدسية، المرويّة عن خير البريّة، مرتّباً له على حروف المعجم. وقد جَمَعَ اثنين وسبعين ومائتي حديث، مع تخريجها من مصادرها الحديثية باختصار. ومنها ما هو صحيح وضعيف ومنكر وموضوع!! والكتاب مطبوع بتحقيق عبد القادر الأرناؤوط وطالب عواد.

(ج)"الصحيح المسند من الأحاديث القدسية"، للشيخ مصطفى العدوي المصري (معاصر)، جَمَعَ فيه خمسة وثمانين ومائة حديث، مما ثبت عنده، دون أن يبيّن إن كان قصد بهذا العدد استيعاب ما صحَّ لديه، أو أنه قصد جَمْعَ جملة منها فحسب!!

*‌

‌ التاسع عشر: كتب المختصرات:

1 -

سبق أن قدَّمنا بأن كثيراً من علماء ما بعد القرن الرابع، غلب على مؤلّفاتهم الجَمْع والترتيب، أو الاختصار والتهذيب، لكُتُبِ من تقدّمهم.

2 -

ومن جملة الكتب التي عُنِيَتْ باختصار كتب المتقدمين:

(أ)"التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، لأحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الشرجي، المعروف بالزبيدي (ت: 893 هـ)، اختصر صحيح الإمام البخاري في أقل من ربعه، مع حذف الأسانيد والمتون المكررة. وقد شَرَحَ هذا المختصر غيرُ واحد من أهل العلم منهم: الشيخ عبد الله بن حجازي الشرقاوي الأزهري (ت: 1227 هـ)، في:"فتح المُبدي بشرح مختصر الزبيدي". وهو مطبوع.

(ب)"تلخيص صحيح مسلم"، للإمام أبي العباس، أحمد بن عمر

ص: 171

القرطبي (ت: 656 هـ)، حذف فيه أسانيد الأحاديث، مع الإبقاء على الصحابي، كما حذف المكرر من الأحاديث، وذكرها في موضع واحد، إضافة إلى ترجمة الأبواب بعناوين وافية دقيقة.

وقد شَرَحَ هذا التلخيص المؤلّف نفسُه، في كتاب نفيس مطبوع، عنوانه:"المُفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم"، قال الحافظ ابن كثير:"فيه أشياء حسنة مفيدة محرّرة"

(1)

.

(ج)"مختصر صحيح مسلم"، للحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت: 656 هـ)، وقد شرحه: محمد صديق حسن خان القنّوجي الهندي (ت: 1307 هـ)، في:"السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج". وهو مطبوع.

*‌

‌ العشرون: كتب الشروح:

كتب شروح السُّنَّة كثيرة جداً، وهي مختلفة في قيمتها ودرجتها العلمية، ومن أشهرها:

(أ)"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد"، للإمام الحافظ أبي عمر، يوسف بن عبد البر القرطبي المالكي (ت: 463 هـ)، شرح فيه موطأ الإمام مالك شرْحاً حسناً، أثنى عليه الأئمة، كقول معاصره ابن حزم الأندلسي (ت: 456 هـ): «كتاب التمهيد لصاحبنا أبي عمر، يوسف بن عبد البر، لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثلَه أصلاً، فكيف أحسنُ منه»

(2)

.

(1)

"البداية والنهاية" 13/ 226.

(2)

البداية والنهاية 13/ 226.

ص: 172

(ب)"المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج"، للإمام أبي زكريا، يحيى بن شرف النووي الشافعي (ت: 676 هـ) رحمه الله، وهو من أجلّ شروح صحيح مسلم وأجودها، أثنى عليه الأئمة، ووصفوه بعظم البركة، كقول السخاوي:«هو كتاب عظيم البركة» (2)، كما وصفه ابن خلدون بقوله:«جاء شرحاً وافياً» (3).

بَيْدَ أنه وقعتْ للنووي أوهام عدة، نبّه عليها جامعُ هذه الأوراق في كتاب مطبوع، اسمُهُ:«النكت على شرح النووي على صحيح مسلم» ، جمعتُ فيه نحو مئة استدراك، على النووي في شرحه المذكور.

(ج)"فتح الباري بشرح صحيح البخاري"، للإمام الحافظ أبي الفضل، أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني الشافعي (ت: 852 هـ)، ويمتاز هذا الشرح بأنه: أجلّ شروح البخاري وأعظمها على الإطلاق، حيث اعتنى مؤلِّفه بشرح جميع أحاديث الصحيح، والكلام على أسانيدها، واستخراج الفوائد والأحكام منها، والرد على من انتقدها، والجواب عن مُشْكِلِها إلى غير ذلك من المزايا. وكلّ من ألَّف في شرْح السُّنَّة بعد "فتح الباري" فإنه يرجع إليه، ويستفيد منه إلى يومنا هذا.

* * * *

ص: 173

‌المبحث الثالث

المدارس الحديثية في زمن الرواية وأشهر أعلامها

1 -

نعني بالمدارس الحديثية: جماعة من الرواة والمحدّثين، بينهم خصائص مشتركة، تتعلق بوسائل تبليغ الحديث، وصيانته رواية ودراية

(1)

.

2 -

وقد استعار الباحثون المعاصرون هذا التعريف، فأصبحوا يطلقون المدرسة الحديثية؛ لدراسة حقبة معينة من الزمن في بلد معين، توافر فيها العلماء، ودرس عليهم جمعٌ من التلاميذ، تأثروا بهم، ونشروا آراءهم ومناهجهم، ودَوَّنها العلماء بعد ذلك في كتبهم، فأصبح إطلاق كلمة المدرسة، يحمل معنى عرفياً، دَرَجَ عليه الباحثون المعاصرون، وكتبوا فيه كتباً كثيرة بعنوان:"مدرسة الحديث في بلد كذا"، أو "مدرسة الإمام الفلاني" وهكذا

(2)

.

3 -

وكان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، في بادئ الأمر، يقيمون في المدينة المنورة، حيث يقيم النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، يستمعون لحديثه، ويتحلقون حوله، يعلّمهم الدين، ويتلو عليهم القرآن، ويتلقَّوْن منه كلّ ما يحتاجون إليه، من أحكام وتشريعات، وأخلاق وآداب.

(1)

"المدارس الحديثية" للدكتور محمد زهير، بحث منشور ضمن مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 24/ ص 643.

(2)

"المدرسة الحديثية في مكة والمدينة" 1/ 11.

ص: 174

4 -

لكن بعد لحاق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، واتساع الفتوحات في زمن الخلفاء، خرج كثير من الصحابة من المدينة، وتفرقوا في البلدان، وأقاموا فيها يُعَلّمون الناس الخير، ويدعون إلى الإسلام.

5 -

ثم انضمّ إليهم أبناء تلك البلدان من التابعين تلامذة لهم، يتعلّمون على أيديهم الكتاب والسُّنَّة .. وهكذا نشأتْ المدارس العلميّة في البلدان، وأصبحتْ مصدر إشعاع، وقِبْلةَ عِلْم، ومنارة هدى للمسلمين، عبر القرون

(1)

.

6 -

ولعل من أهم فوائد معرفة المدارس الحديثية:

أولاً: معرفة الحركة العلمية الحديثية، في كلّ مصر من الأمصار الإسلامية القديمة.

ثانياً: معرفة خصائص كلّ مدرسة، وآثارها العلمية.

ثالثاً: بيان مدى انتشار علوم الحديث، رواية ودراية، في الأقطار الإسلامية.

رابعاً: معرفة جهود علماء كلّ مصر، في خدمة السُّنَّة المشرَّفة وصيانتها.

7 -

ونحن في هذا المبحث، نذكر بعض أشهر تلك المدارس، التي عُنِيَتْ بنشر السُّنَّة النبوية على وجه الخصوص، دون قصد التقصّي لها، مع ذِكْرِ بعض أشهر أعلامها، من أئمة الهدى والدين، مقتصرين على عصر الصحابة والتابعين وأتباعهم فحسب.

*‌

‌ مدرسة الحديث بالمدينة المنورة:

1 -

هذه أُولى مدارس الحديث النبوي، حيث كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

"أضواء على المدارس الحديثية" ص 8.

ص: 175

يتلقَّوْن الحديث الشريف، ويستمعون إليه، من فم صاحبه صلوات الله وسلامه عليه، أيام حياته.

وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم: آثر الكثيرُ منهم البقاء في المدينة، وعدم الخروج منها، محبّة في سكنى المدينة، ورغبة في الموت فيها، حيث وردتْ النصوص في فضل ذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم:«من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل، فإني أشفع لمن مات بها»

(1)

.

2 -

وتمتاز هذه المدرسة: بأنها دارُ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، التي عاش بها إلى أن لقي ربّه، وآثر أكثر الصحابة البقاء فيها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، لا سيما الكبار منهم كأبي بكر وعمر وعثمان، وأبي هريرة وعائشة وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله وغيرهم رضي الله عنهم، ومنها انتشر الحديث النبوي، حيث كان أكثر الرواة مدنيين.

3 -

وقد تخرج في مدرسة المدينة كبارُ التابعين؛ كسعيد بن المسيّب وعروة بن الزبير وابن شهاب الزهري، وسالم بن عبد الله بن عمر، وغيرِهم من أئمة الهدى، وأعلام الأمة في الحديث والفتوى، رحمهم الله تعالى.

4 -

كما امتازت المدينة المنورة إلى جانب مكة المكرمة: بأن روايات أهلها من أصحّ الروايات، فقد ذكر الخطيب البغدادي:"أن أصحّ طرق السُّنَن ما يرويه أهل الحرمين مكة والمدينة، فإن التدليس فيهم قليل، والاشتهار بالكذب والوضع في الحديث عندهم عزيز"، ثم ساق قولاً للإمام الشافعي:"إذا جاوز الحديث الحرمين فقد ضعف نخاعه"

(2)

.

(1)

أخرجه أحمد في "المسند"((5437)، وقال شعيب الأرناؤوط:"إسناده صحيح على شرط الشيخين".

(2)

"الجامع لأخلاق الراوي" 2/ 286.

ص: 176

ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "وأهل المدينة أصحُّ أهل المدن رواية ورأياً، وأما حديثهم فأصحُّ الأحاديث، وقد اتفق أهل العلم بالحديث؛ على أن أصحَّ الأحاديث أحاديثُ أهل المدينة"

(1)

.

5 -

ومن مشاهير التابعين وأتباع التابعين من أهل المدينة: سعيدُ بن المسيّب (ت: 94 هـ)، وهو أحد كبار الفقهاء، وقد توفي بالمدينة، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (ت: 106 هـ)، أحد كبار فقهاء التابعين، ومحمد بن شهاب الزهري (ت: 124 هـ)، أحد كبار الحفاظ الفقهاء من أهل المدينة، وقد نزل الشام في آخر حياته.

6 -

ومن المصنّفين من أهل المدينة: أبوبكر محمد بن شهاب الزهري (ت: 124 هـ)، الذي سبق القول: بأنه من أوائل من جَمَعَ السُّنَّة النبوية وكَتَبَها، بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز، ثم الإمام مالك بن أنس الأصبحي (ت: 179 هـ)، صاحب "الموطأ"، ومحمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب (ت: 158 هـ)، وقد ألَّف كتاباً كبيراً في السُّنَن

(2)

، والظاهر أنه كتابه الموطأ، فقد ذكروا أنه ألَّف موطأً أكبر من موطأ مالك

(3)

، وقد بقي لعدة قرون، ثم فُقِدَ!!

(4)

.

*‌

‌مدرسة الحديث بمكة المكرمة:

1 -

تمتاز مدرسة الحديث بمكة، بأنها: في أشرف بقاع الأرض على الإطلاق، حيث حرم الله والكعبة المشرَّفة.

(1)

"مجموع فتاوى ابن تيمية" 20/ 316.

(2)

"سير أعلام النبلاء" 7/ 149.

(3)

"الرسالة المستطرفة" ص 9.

(4)

"دراسات في الحديث النبوي"، للأعظمي 1/ 306.

ص: 177

2 -

كما تمتاز: بوفرة علماء الصحابة الكرام، الذين استوطنوها، ومن جاء بعدهم من علماء التابعين فتابعيهم رحمهم الله تعالى.

3 -

كذلك تمتاز هذه المدرسة: بصحة مروياتها غالباً، كما تقدّم بيانه عند الحديث عن مدرسة الحديث في المدينة.

4 -

ومن مشاهير الصحابة في المدرسة الحديثية المكية: عبد الله بن عباس (ت: 68 هـ)، وقد سكن آخرَ حياته بالطائف وتوفي بها، ومعاذ بن جبل الأنصاري (ت: 18 هـ)، وكان من أعلم الصحابة بالحلال والحرام، رضي الله عنهم جميعاً.

5 -

ومن مشاهير التابعين وأتباعهم في المدرسة الحديثية المكية: عطاء بن أبي رباح المكي (ت: 114 هـ)، ومجاهد بن جبر المكي (ت: 104 هـ)، وسعيد بن جبير (ت: 95 هـ)، رحمهم الله جميعاً.

6 -

ومن جملة المصنّفين في المدرسة المكية: عبدالملك بن عبد العزيز ابن جُريج (ت: 150 هـ)، وهو أول من صنّف التصانيف في العلم بمكة، وسفيان بن عُيينة (ت: 198 هـ)، له:"الجامع في السُّنَن والآثار"

(1)

.

*‌

‌مدرسة الحديث ببلاد الشام:

1 -

تُعَدّ بلاد الشام واحدةً من تلك البلاد، التي سَعِدَتْ بقدوم عدد غفير من الصحابة الكرام إليها، بعد الفتوحات الإسلامية.

2 -

وقد ذكر منهم ابن سعد (ت: 230 هـ) في طبقاته: مائة وخمسة من الصحابة، ممن نزلوا بلاد الشام واستوطنوها

(2)

.

(1)

"الرسالة المستطرفة" ص 9.

(2)

"الطبقات الكبرى" 7/ 269.

ص: 178

3 -

ومن أهمّ سمات مدرسة أهل الشام: كثرة المراسيل والمقاطيع، وقلّة عنايتهم بذكر الأسانيد في مروياتهم.

4 -

ولعلّ السبب يعود في ذلك إلى الثقة المتبادلة، التي كانت موجودة بين علماء التابعين هناك، وقلّة الوضع في الحديث، فلم ير أهلُ الشام حاجة إلى ذِكْرِ الأسانيد. لكنهم تنبهوا إلى ضرورة الإسناد، حين ظهر الوضع في الحديث بعد ذلك.

5 -

ومن أوائل من نبّه أهلَ الشام إلى ضرورة الإسناد: الإمام محمد بن شهاب الزهري (ت: 124 هـ) رحمه الله. فقد روى ابن عساكر في تاريخه، عن عتبة بن أبي حكيم، قال:"جلس إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، بالمدينة في مجلس الزهري، فجعل يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الزهري: مَاَلَكَ قاتلك الله ما أجراك على الله، يا ابن أبي فروة! ألا تسند أحاديثك، تحدّثونا بأحاديث ليس لها خُطُم ولا أزمّة"

(1)

.

6 -

ومما امتاز به أهلُ الشام: قلّة من عُرِفَ منهم بالكذب، أو الوضع في القرون الثلاثة الأولى. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:"وقد اتفق أهل العلم بالحديث على أن أصحّ الأحاديث أحاديث أهل المدينة، ثم أحاديث أهل البصرة، وأما أحاديث أهل الشام فهي دون ذلك؛ فإنه لم يكن لهم من الإسناد المتصل وضبط الألفاظ، ما لهؤلاء، ولم يكن فيهم يعني أهل المدينة ومكة والبصرة والشام من يُعْرَفُ بالكذب، لكن منهم من يضبِط ومنهم من لا يضبِط"

(2)

.

(1)

"تاريخ دمشق" 8/ 247.

(2)

"مجموع الفتاوى" 20/ 316.

ص: 179

7 -

ومن أشهر علماء الصحابة الذين استوطنوا الشام: أبو الدَّرداء عويمر بن مالك الخزرجي (ت: 32 هـ)، وعبادة بن الصامت (ت: 34 هـ)، ومعاوية بن أبي سفيان (ت: 60 هـ)، رضي الله عنهم.

8 -

ومن مشاهير التابعين وأتباعهم من أهل الشام: أبو إدريس عائذ الله ابن عبد الله الخولاني (ت: 80 هـ)، ومكحول بن أبي مسلم الدمشقي (ت: 112 هـ)، وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت: 157 هـ)، رحمهم الله تعالى.

9 -

ومن جملة المصنّفين في المدرسة الشامية: مكحول بن أبي مسلم الدمشقي (ت: 112 هـ)، فقد صنّف كتاباً في الحج، رواه عنه تلميذه العلاء بن الحارث

(1)

. ومنهم: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت: 157 هـ)، وهو من أوائل من صَنَّف كتب الحديث بالشام، وقد ذَكَرَ حاجي خليفة، أن "للأوزاعي مسنداً يجمع الأحاديث، التي رواها بأسانيده"

(2)

.

*‌

‌مدرسة الحديث في مصر:

1 -

كانت مصر من جملة البلاد التي احتضنت الإسلام، وسَعِدَت بهجرة غير واحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها.

2 -

وقد جَمَعَ الحافظ السيوطي جزءاً سمَّاه: "دُرّ السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة"، جَمَعَ فيه أسماءَ من دخل مصر من الصحابة الكرام، وما تفرّدوا بروايته، فزادوا على الثلاثمائة

(3)

.

(1)

"شرح علل الترمذي" 2/ 729.

(2)

"كشف الظنون" 2/ 1682.

(3)

"حسن المحاضرة" للسيوطي 1/ 166.

ص: 180

3 -

ولعلّ من أبرز سمات المدرسة المصرية: قلّة مروياتهم الحديثية، فقد قال الخطيب البغدادي:"وللمصريين رواياتٍ مستقيمة، إلا أنها ليست بالكثيرة"

(1)

.

4 -

ومن أشهر من عُرِفَ من علماء الصحابة رضي الله عنهم بمصر: عُقْبَة بن عامر الجهني (ت: 58 هـ)، تفقّه عليه كثيرٌ من أهل مصر، وعبد الله بن عمرو بن العاص (ت: 65 هـ)، نقل السيوطي، عن ابن الربيع قوله:"لأهل مصر عنه أكثر من مائة حديث"

(2)

. ومنهم: عبد الله بن الحارث المذحجي (ت: 86 هـ)، عُمَّر بمصر طويلاً، وكان آخرَ من مات بمصر من الصحابة، ونقل السيوطي، عن ابن الربيع قوله:"لأهل مصر عنه عشرون حديثاً"

(3)

.

5 -

ومن علماء التابعين وأتباعهم، من أهل مصر ممن رووا الحديث: مرثد بن عبد الله اليزني (ت: 90 هـ)، تفقّه على غير واحد من الصحابة، وكان لا يفارق عقبة بن عامر

(4)

، والليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهْمي (ت: 175 هـ)، محدِّث الديار المصرية، رحمهم الله تعالى.

6 -

ومن جملة المصنّفين في المدرسة المصرية: عبد الله بن وهْب المصري (ت: 197 هـ)، له "الجامع في الحديث"، والإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت: 204 هـ)، صاحب المذهب، وصاحبُ:"الأم" و"الرسالة" و"اختلاف الحديث"، وغير ها من التصانيف النافعة.

(1)

"الجامع لأخلاق الراوي" 2/ 288.

(2)

"حسن المحاضرة" 1/ 215.

(3)

المصدر السابق 1/ 212.

(4)

"تهذيب التهذيب" 10/ 82.

ص: 181

*‌

‌ مدرسة الحديث بالكوفة:

1 -

كانت مدينة الكوفة عاصمة الخلافة، إبان خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ت: 40 هـ) رضي الله عنه، حيث اتخذها مقراً له ولأصحابه.

2 -

وتمتاز هذه المدينة: بكثرة من وَفَدَ إليها، وأقام بها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتحها، حتى قال إبراهيم النخعي (ت: 96 هـ): "هبط الكوفة ثلاثمائة من أصحاب الشجرة، وسبعون من أهل بدر"

(1)

.

3 -

وقد كان لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أثرٌ كبير في رفع اسم الكوفة، لِمَا بذله في سبيل تعليم أبنائها، وقد تخرَّج على يديه نحوُ ستين شيخاً من تلامذته، ممن حافظوا على الشريعة، ونشروا السُّنَّة

(2)

.

4 -

وقد اشتهرت الكوفة بكثرة تدليس الرواة، وفي ذلك يقول الحاكم النيسابوري (ت: 405 هـ) رحمه الله: "أكثر المحدثين تدليساً أهل الكوفة"

(3)

.

5 -

كما أُخذ على أهل الكوفة قلّة تمحيصهم للمرويات، وقلّة تدقيقهم في الشيوخ، وروايتهم عن كلّ أحد، دون تمييز بين الصادق والكاذب، وقد روى الإمام مسلم، عن محمد بن المثنى، قال: قال لي عبد الرحمن بن مهدي: "يا أبا موسى أهل الكوفة يحدِّثون عن كلّ أحد"

(4)

.

6 -

ولأجل ذلك، كثرت الأحاديث الضعيفة والمنكرة في مروياتهم، وفي ذلك يقول الإمام عبد الرحمن بن مهدي:"حديث أهل الكوفة مدخول"

(5)

.

(1)

"الطبقات الكبرى" 6/ 89.

(2)

"السُّنَّة قبل التدوين" ص 167.

(3)

"معرفة علوم الحديث" ص 111.

(4)

"التمييز" للإمام مسلم ص 178.

(5)

"الجامع لأخلاق الراوي" 2/ 287.

ص: 182

7 -

ومن مشاهير الصحابة الذين استوطنوا الكوفة: علي بن أبي طالب (ت: 40 هـ)، أبو موسى الأشعري (ت: 44 هـ)، والمغيرة بن شعبة (ت: 50 هـ) وغيرهم، رضي الله عنهم.

8 -

ومن مشاهير علماء التابعين وأتباعهم من أهل الكوفة: علقمة بن قيس النخعي (ت: 62 هـ)، ومسروق بن الأجدع (ت: 63 هـ)، وعامر بن شراحيل الشعبي (ت: 103 هـ)، رحمهم الله تعالى.

9 -

ومن المصنّفين من أهل الكوفة: عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي (ت: 213 هـ)، له:"المسند"

(1)

، ووكيع بن الجراح (ت: 197 هـ) له مصنّف في الحديث

(2)

، وسفيان بن سعيد الثوري (ت: 161 هـ)، له:"الجامع الكبير"، و:"الجامع الصغير"، كلاهما في الحديث

(3)

.

* * * *

(1)

"الرسالة المستطرفة" ص 62.

(2)

"فهرسة ابن خير الإشبيلي" ص 106.

(3)

"الأعلام" للزركلي 3/ 104.

ص: 183

‌المبحث الرابع

الجهود المعاصرة في خدمة السُّنَّة النبوية

(1)

لم تزل السُّنَّة النبوية محلّ اهتمام كبير، وعناية فائقة من قِبَل أهل العلم على مرّ العصور. وقد ألقينا بعض الضوء على شيء من ذلك، في الفصول السابقة.

ولمن أراد التوسع في الوقوف على جهود العلماء السابقين في خدمة السُّنَّة يمكنه مطالعة: "الرسالة المستطرفة في بيان مشهور كتب السُّنَّة المشرَّفة"، للعلامة محمد جعفر الكتاني (ت: 1345 هـ)، أو:"الحِطَّة في ذِكْر الصحاح السّتة"، للعلامة صديق حسن خان القنّوجي (ت: 1307 هـ)، رحمهما الله تعالى.

وفي عصرنا الحاضر وخلال المائة والخمسين عاماً الفائتة، استمرتْ هذه العناية، وبُذِلَتْ في سبيل خدمة السُّنَّة النبوية تحقيقاً وتصنيفاً جهودٌ مخلصة وجبارة، سواء على مستوى الأعمال الفردية، من قِبَل أهل العلم المختصين، أو على مستوى العمل الجماعي، من قِبَل المؤسسات العلميّة الرسمية وغير الرسمية.

وإنه لمن العسير حقاً محاولة تقصّي هذه الجهود، أو محاولة حصرها، فهذا ما لا سبيل إليه، ولا مطمع فيه، لكننا سَنُلِمُّ إلمامةً سريعة ببعض تلك الجهود في السطور التالية:

(1)

ينظر: "جهود المعاصرين في خدمة السُّنَّة المشرفة"، لمحمد أبو صعيليك.

ص: 184

*‌

‌ أولاً: جهود العلماء في خدمة السُّنَّة في العصر الحديث:

علماء السُّنَّة الذين أسهموا في خدمتها في العصر الحديث كثيرون جداً، ونحن إذ نذكر بعضهم في هذه العجالة، فهذا لا يعني الغض من جهود غيرهم أو التقليل منها. كلّ ما في الأمر أننا نورد أمثلة ونماذج، دون إرادة الحصر أو التقصّي، فإن هذا مما لا مطمع فيه، ولا سبيل إليه.

ويمكننا عند الحديث عن جهود العلماء المعاصرين في خدمة السُّنَّة أن نقسم الكلام عليهم بحسب بلدانهم وأوطانهم:

‌1 - من بلاد الحرمين (المملكة العربية السعودية):

(1)

الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المُعَلّمي (ت: 1386 هـ)، رحمه الله تعالى، وقد بذل جهداً كبيراً في خدمة السُّنَّة، وترك تراثاً ضخماً، سواء على مستوى تحقيق كتب السُّنَّة ونشرها، كتحقيقه ونشره:"التاريخ الكبير"، للإمام البخاري، و:"الجرح والتعديل"، لابن أبي حاتم. أو على مستوى التأليف والتصنيف، ككتابه:"الأنوار الكاشفة"، في الرد على:"أضواء على السُّنَّة المحمدية"، الذي حاول به صاحبه النيل من السُّنَّة النبوية، والتشكيك فيها، وغير ذلك

(1)

.

(2)

الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة (ت: 1392 هـ)، رحمه الله تعالى، له إسهامات في خدمة السُّنَّة النبوية، من خلال بعض الأعمال العلمية،

(1)

وينظر "آثار الشيخ عبد الرحمن المعلمي"، حيث جمع مؤلفات الشيخ ورسائله في 25 مجلداً.

ص: 185

كتحقيق كتاب: "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حِبَّان"، للهيثمي، وتحقيق:"اختصار علوم الحديث" لابن كثير، وكتابه:"ظلمات أبي ريَّة"، وغير ذلك.

(3)

الشيخ عبد العزيز بن باز (ت: 1421 هـ)، رحمه الله تعالى، وله جهودٌ في خدمة السُّنَّة النبوية في العصر الحديث، ك"تعليقاته على بعض:"فتح الباري" لابن حجر، و:"الإفهام في شرح عمدة الأحكام"

(1)

، للحافظ عبد الغني المقدسي، وغير ذلك.

‌2 - من البلاد المصرية:

(1)

الشيخ أحمد عبد الرحمن الساعاتي (ت: 1371 هـ)، رحمه الله تعالى، الذي رتَّب مسند الإمام أحمد على الأبواب الفقهية في:"الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني"، ثم شرحه في كتاب من ست مجلدات كبار، سمَّاه:"بلوغ الأماني بأسرار الفتح الرباني"، كما رتَّب "مسند الإمام الشافعي" وشرحه، إلى غير ذلك من الأعمال.

(2)

الشيخ أحمد محمد شاكر (ت: 1377 هـ) رحمه الله تعالى، وقد ترك آثاراً كثيرة في خدمة السُّنَّة في العصر الحديث، كتحقيقه ل:"مسند الإمام أحمد بن حنبل"، ولم يكمله، وتحقيقه ل "سنن الترمذي"، ولم يكمله، وشرحه لكتاب:"اختصار علوم الحديث" لابن كثير، وغير ذلك من الأعمال.

(1)

لم يؤلف الشيخ هذا الكتاب ابتداء، وإنما كانت دروساً مسجلة جمعت بعد وفاته.

ص: 186

(3)

الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي (ت: 1388 هـ)، رحمه الله تعالى، وله إسهامٌ كبير في تحقيق ونشر الكثير من كتب السُنَّة، مع ترقيمها وصنْع الفهارس اللازمة لها، كتحقيقه ل:"صحيح الإمام البخاري"، و:"صحيح الإمام مسلم"، و:"موطأ الإمام مالك"، و:"سنن ابن ماجه"، وله:"اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان"، في ثلاث مجلدات، وغير ذلك من الأعمال الجليلة.

‌3 - من بلاد الشام:

(1)

الشيخ محمد راغب الطبَّاخ (ت: 1370 هـ)، رحمه الله تعالى، وقد حقّق جملة من كتب السُنَّة، ك:"معالم السنن" للخطابي، و:"التقييد والإيضاح" للعراقي، وله:"إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء"، في سبع مجلدات، وغير ذلك.

(2)

الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (ت: 1421 هـ)، رحمه الله تعالى، وهو من أعلام العصر الحديث في خدمة السُّنَّة النبوية، وترك آثاراً كثيرة في ذلك، كتحقيقه لكتاب:"مشكاة المصابيح" للتبريزي، و:"السُنَّة" لابن أبي عاصم، كما ألَّف كتباً كثيرة في تخريج الأحاديث، وبيان درجتها صحة وضعفاً، ككتابه:"سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها"، و:"سلسلة الأحاديث الضعيفة وأثرها السيء في الأمة"، و:"إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل"، وغير ذلك.

ص: 187

(3)

الشيخ شعيب الأرناؤوط (ت: 1439 هـ)، رحمه الله تعالى، وقد أسهم في نشر وتحقيق كثير من كتب السُنَّة، كتحقيقه ل:"مسند الإمام أحمد"، وتحقيقه ل:"صحيح ابن حِبَّان"، و:"سنن أبي داود"، و:"شرْح السُنَّة"، للبغوي، وغيرها كثير.

‌4 - من بلاد العراق:

(1)

الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي (ت: 1433 هـ)، رحمه الله تعالى، وقد حقّق ونشر جملة من كتب السُّنَّة المطهرة، كتحقيقه ل:"معجم الطبراني الكبير"، و:"مسند الشهاب"، للقضاعي، و:"نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار"، لابن حجر، وغيرها.

(2)

الشيخ صبحي السامرائي (ت: 1434 هـ)، رحمه الله تعالى، وقد حقّق ونشر عدداً كبيراً من كتب السُّنَّة المطهرة، كتحقيقه ل:"شرْح العلل"، لابن رجب، و:"المنتخب من مسند عبد بن حُميد"، و:"مجموعة رسائل في علوم الحديث"، للإمام النَّسائي، وغير ذلك.

(3)

الدكتور بشار عوّاد معروف، حفظه الله تعالى، وقد أسهم في نشر وتحقيق كثير من كتب السُنَّة، كتحقيقه ل:"سنن الترمذي"، و: تحقيقه ل "تاريخ بغداد"، للخطيب، و:"التمهيد"، لابن عبد البر، وغيرها كثير.

ص: 188

‌5 - من بلاد الهند:

(1)

الشيخ صديق حسن خان القنَّوجي (ت: 1307 هـ)، رحمه الله تعالى، وقد أسهم في شرْح عدد من كتب السُّنَّة والتأليف فيها، كشرْحه:"عون الباري بشرح مختصر البخاري"، و:"السراج الوهاج بشرح مختصر صحيح مسلم بن الحجاج"، و:"الحِطَّة في ذكر الصحاح السّتة"، وغيرها.

(2)

الشيخ شمس الحق العظيم آبادي (ت: 1329 هـ)، رحمه الله تعالى، وقد شرح وعلّق على عدد من كتب السُنَّة، كشرحه:"غاية المقصود في حلّ سنن أبي داود"، و:"عون المعبود بشرح سنن أبي داود"، وهو اختصار للأول، و:"التعليق المغني على سنن الدارقطني" وغيرها.

(3)

الشيخ محمد عبد الرحمن المباركفوري (ت: 1353 هـ)، رحمه الله تعالى، وله جملةٌ من المؤلَّفات، والشروح والتعليقات على كتب السُنَّة، كشرحه الشهير:"تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي"، و:"خير الماعون في منع الفرار من الطاعون"، و:"القول السديد فيما يتعلق بتكبيرات العيد"، وغيرها.

‌6 - ومن بلاد المغرب والشنقيط:

(1)

السيد محمد جعفرالكتاني الفاسي (ت: 1345 هـ)، رحمه الله، له مؤلَّفات عدّة في خدمة السُّنَّة المطهرة، ككتابه الماتع: "الرسالة

ص: 189

المستطرفة لبيان كثير من كتب السُّنَّة المشرّفة"، و"نظم المتناثر من الحديث المتواتر"، و"رسالة المسلسلات"، وغيرها.

(2)

الشيخ محمد حبيب الله بن مايابى الجكني الشنقيطي (ت: 1362 هـ)، رحمه الله، ومن مؤلَّفاته في خدمة السُّنَّة:"زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم"، ثم شَرَحه في:"فتح المنعم في بيان ما احتيج لبيانه من زاد المسلم"، و"إضاءة الحالك من ألفاظ دليل السالك"، شَرَحَ فيه منظومته:"دليل السالك إلى موطأ الإمام مالك"، وله منظومة في أمراء المؤمنين في الحديث، سمَّاه:"هدية المغيث في أمراء المؤمنين في الحديث"، وغير ذلك.

(3)

الشيخ عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني (ت: 1382 هـ)، رحمه الله، له مؤلَّفات كثيرة في علم الحديث والسِّيَر والتراجم، منها:"فهرس الفهارس والأثبات"، و"التراتيب الإدارية في نظام الحكومة النبوية"، و"ثلاثيات البخاري"، و"الرحمة المرسلة في شأن حديث البسملة"، وغير ذلك.

*‌

‌ ثانياً: جهود المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في خدمة السُّنَّة النبوية:

وكما أن كثيراً من أهل العلم تشرَّفوا بخدمة السُّنَّة المطهرة في العصر الحديث، كذلك تشرَّف بخدمتها كثير من المؤسسات والجهات الحكومية، الرسمية وغير الرسمية، التي أسهمتْ في تحقيق وطباعة ونشر الكثير من كتبها، ومن ذلك:

1 -

كلّيات وأقسام الحديث المتخصصة في السُّنَّة النبوية، في الجامعات

ص: 190

الإسلامية، على امتداد الوطن العربي، ككلّية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وأقسام الحديث وعلومه بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وجامعة الإمام محمد بن سعود، وجامعة الأزهر، والجامعة الزيتونية بتونس، وجامعة محمد الخامس بالمغرب، والجامعة الأردنية وغيرها. وقد أعدّ طلبةُ العلم في هذه الجامعات مئات الرسائل العلمية، من ماجستير ودكتوراه في خدمة الحديث الشريف وعلومه، تحقيقاً وتخريجاً وتأصيلاً، ودراسات نقدية، ولا يستطيع أحدٌ إنكار الدور الذي قامتْ به، في خدمة السُّنَّة في العصر الحديث.

2 -

مراكز السُّنَّة والسِّيْرة التابعة لبعض الجامعات، كمركز خدمة السُّنَّة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد حقَّق ونشر العديد من أمهات كتب السُّنَّة، ك:"إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف الكتب العشرة"، لابن حجر، و:"بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث"، للهيثمي، و:"الأحاديث الواردة في فضائل المدينة"، للدكتور صالح الرفاعي، وغيرها.

3 -

دائرة المعارف العثمانية، بحيدر آباد الدكن بالهند، وهي مؤسسة علمية متخصصة، تأسست عام: 1308 هـ، وكان لها فضل كبير في إحياء كتب التراث، بما فيها السُّنَّة النبوية، حيث قامتْ بالتنقيب عن كثير من المخطوطات الحديثية، وتحقيقها ونشرها في أرجاء العالم الإسلامي، وتركتْ في ذلك تراثاً ضخماً، كتحقيقهم ونشرهم لكتاب:"الجرح والتعديل"، لابن أبي حاتم، و:"المستدرك"، للحاكم، و:"السُّنَن الكبرى"، للبيهقي، و:"مسند أبي داود الطيالسي"، و:"تذكرة الحفاظ"، للذهبي، و:"تهذيب التهذيب"، لابن حجر، وغير ذلك. وكان يقوم على طباعة كتبها وتصحيحها ومراجعتها كبار أهل العلم المختصين في الحديث وعلومه، من أمثال الشيخ محمد أنوار

ص: 191

الله خان الفاروقي (ت 1336 هـ)، والعلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي (ت: 1386 هـ)، وغيرهما.

4 -

مكاتب البحث والتحقيق التابعة لدور النشر، وهي كثيرة، كمكتب التحقيق التابع لمؤسسة الرسالة ببيروت، ومكتب التحقيق التابع للمكتب الإسلامي ببيروت، ومكتب التحقيق التابع لمطبعة البابي الحلبي بمصر، ومطبعة بولاق وغيرها. وقد قامت هذه المكاتب بخدمة كثير من مخطوطات السُّنَّة المشرفة، وتحقيقها وتسويقها ونشرها، وعَمِل فيها كثير من أهل العلم المختصين في الحديث الشريف وعلومه.

ص: 192

‌المبحث الخامس

التقنيات الحديثة في السُّنَّة النبوية

استطاع أهل العلم في العصر الحاضر أن يوظفوا وسائل التقنية الحديثة في خدمة السُّنَّة المشرَّفة، وعلى رأسها ما يعرف بالحاسوب الآلي:(الكمبيوتر)، وشبكة المعلومات العنكبوتية (الإنترنت).

لقد ظهرتْ كثير من البرامج الحاسوبية، التي تناولت الحديث النبوي الشريف رواية ودراية، وتناولتْ علم الرجال وعلم المصطلح، وغيرها من علوم السُّنَّة، في موسوعات جعلتْ الوصول إلى كتبها ومصادرها غايةً في اليسر والسهولة.

ونحن في هذا المبحث، لا نريد تفصيل القول في أسماء تلك البرامج والشركات التابعة لها، ونقدها وتقيمها، فليس هذا هو مرادنا، بل المراد الآن هو: إلقاء الضوء على فوائد هذه البرامج بنحو عام، وجوانب القصور فيها، مع بيان الضوابط الصحيحة في التعامل معها.

*‌

‌ أولاً: فوائد البرامج الحاسوبية في خدمة السُّنَّة النبوية:

يمكن تلخيص فوائد البرامج الحاسوبية، في خدمة السُّنَّة النبوية، من خلال التالي:

(1)

الوصول السريع إلى المعلومة الحديثية، حيث سهَّلتْ هذه البرامج الرجوع إلى المصادر، والوقوف على المرويات، وتخريج الأحاديث،

ص: 193

وأقوال العلماء، وما شابه ذلك، بما لا يمكن وصفه. فما إن يضع الباحثُ أصبعه على لوحة مفاتيح الحاسوب وقد حدد طلبته، حتى يقف على المعلومة حالاً في وقت قصير جداً، بعد أن كان العالِم قديماً يفتش الليالي والأيام، من أجل الوقوف على رواية شاردة، أو قولٍ لا يُعرف مكانه.

(2)

الحصول على معلومات، يصعب الحصول عليها عن طريق البحث اليدوي التقليدي، كرواية بعض الرواة عن بعض، على وجه الخصوص.

(3)

تيسير الجمع والموازنة والمقابلة بين الروايات، للتحقق من العلل واختلاف الرواة، وغير ذلك من الدقائق التي يصعبُ الوصول إليها بالبحث اليدوي التقليدي.

(4)

كما أن بعض هذه البرامج تتيح للباحثين تشجير طرق الحديث، ورسمها، بصورة توفر كثيراً من الجهد في الرسم والمقارنة والموازنة.

*‌

‌ ثانياً: جوانب القصور في البرامج الحاسوبية في السُّنَّة النبوية:

(1)

كثرة الأغلاط والتصحيفات والسقط، في البرامج الحاسوبية عامة، ولعل ذلك يرجع إلى حرص كثير من الشركات القائمة عليها على سرعة الإنجاز والإنتاج، وما يفضي إليه ذلك من ضعف الدّقة وكثرة الأخطاء، إضافة إلى أن كثيراً من العاملين في هذه البرامج ليسوا من ذوي الاختصاص في العلوم الشرعية.

(2)

إنَّ أي خطأ في إدخال كلمة البحث من قِبَل الباحث، أو مُدخل النَّص في البرنامج، فسيفضي إلى عدم قدرته على الوصول إلى المعلومة المطلوبة، بل وربما ضياعها، لأن هذه الحواسيب تتعامل مع النصوص بصورة آلية جامدة، تفتقر إلى حسّ الحدس والتفكير.

ص: 194

(3)

إمكانية ضياع المادة العلمية في البرامج الحاسوبية، بسبب تعرضها إلى الفيروسات ونحوها من الأعطال الفنية والتلف.

(4)

ضعف التوثيق العلمي في البرامج الحاسوبية، بسبب عدم اعتماد أغلبها من قِبَل جهات أو مؤسسات علمية معتبرة، وقديماً كانت النسخ الخطية تكتسب قيمتها العلمية، من القراءات والسماعات المثبتة على طُرَّتها، من قِبَل أهل العلم المختصين.

(5)

ضياع كثير من حقوق المؤلِّفين والطابعين وملكياتهم الفكرية، بسبب كثرة السطو على أعمالهم الفكرية والبحثية، من خلال البرامج الحاسوبية.

لذلك وبرغم فوائد البرامج الحاسوبية في خدمة السُّنَّة النبوية بخاصَّة، وخدمة العلوم الشرعية بعامّة، إلا أنه من غير الممكن الوثوق بها، أو الاعتماد عليها على الأقل في الوقت الحالي، ما لم تتلاف هذه الأخطاء والسلبيات. وتبقى الكتب الورقية المحقّقَة، والمنشورة على أيدي أهل العلم المختصين هي الملاذ الآمن، الذي لا يمكن الاستغناء عنه بحال.

*‌

‌ ثالثاً: ضوابط التعامل مع البرامج الحاسوبية في السُّنَّة النبوية:

(1)

الحرص على معرفة مصدر هذه البرامج، ومدى الثقة بالشركة المنتجة لها، والقائمين عليها.

(2)

السؤال الدائم عن أفضل هذه البرامج، وتقديم ما وُثّق منها من قِبَل جهات علمية معتبرة.

(3)

إدراك أن هذه البرامج في بداية طريقها، وفيها كثير من الخلل والضعف، وبالتالي فهي لا تغني عن الأصول الورقية، فينبغي التأكد دوماً من صحة الإحالة، وسلامة النَّص بالرجوع إلى الأصل المطبوع،

ص: 195

أو النُّسَخ الخطية.

(4)

عدم الاعتماد على هذه البرامج في نفي أي معلومة تخص السُّنَّة النبوية، إلا بعد التأكد منها بالرجوع إلى الأصول الورقية، وذلك للسبب الذي سبق شرحه؛ من أن برامج الحاسوب تتعامل مع النَّص تعاملاً آلياً جامداً، فأي خطأ في إدخال النَّص ولو بحرف واحد قد يفضي إلى ضياع المعلومة، وعدم إمكانية العثور عليها، أو الإفادة منها.

(5)

لزوم الحذر من البرامج الضعيفة، أو المجهولة المصدر، أو التي تكثر فيها الأغلاط والأخطاء.

(6)

عدم الاعتماد الكلّي على هذه البرامج في تأليف الكتب، وإعداد البحوث، دون الرجوع إلى المصادر الأصلية الورقية، لكن لا بأس من الإفادة منها في الوصول السريع للمعلومة، ثم مراجعتها بعد ذلك في مصادرها الأصلية.

(7)

وأخيراً ألَّا تطغى هذه البرامج على الكتاب الورقي، وألَّا يقل اهتمام الباحث بالأصول الورقية، فهي الأبقى والأوثق، خاصة مع الواقع الحالي لهذه البرامج الحاسوبية

(1)

.

تم الكتاب بحمد الله

(1)

انظر المقالة المنشورة على الشبكة العنكبوتية بعنوان: "التقنية الحديثة في خدمة السُّنَّة والسيرة النبوية بين الواقع والمأمول"، لفضيلة الدكتور: إبراهيم الريس.

ص: 196

‌فهرس أهم مصادر الكتاب ومراجعه

(أ)

1 -

آثار العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، لعلي بن محمد العمران ومجموعة من الباحثين، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، ط 1، 1434 هـ.

2 -

الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، ترتيب الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1408 هـ.

3 -

إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق العيد، مطبعة السنة المحمدية، بدون تاريخ طبع.

4 -

الأدب المفرد، لمحمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط 3، 1409 هـ.

5 -

إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري، لأحمد بن محمد القسطلاني، المطبعة الكبرى الأميرية، مصر، ط 7، 1423.

6 -

إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق: أحمد عزو عناية، دارا لكتاب العربي، ط 1، 1419 هـ.

7 -

الإصابة في تمييز الصحابة، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1415 هـ.

8 -

أصول التخريج ودراسة الأسانيد، للدكتور محمود الطحان، مكتب المعارف للنشر والتوزيع، السعودية، ط 3، 1317 هـ.

9 -

أصول الحديث، علومه ومصطلحه، للدكتور محمد عجاج الخطيب، ط 1،

ص: 199

مكتبة فيض العلم، 1439 هـ.

10 -

أضواء على السُّنَّة المحمدية، لمحمود أبو رية، دار المعارف، ط 6.

11 -

أضواء على المدارس الحديثية، للدكتور مصطفى محمد أبو عمارة، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1431 هـ.

12 -

إعلام الموقعين عن رب العالمين، لمحمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن الجوزي، السعودية، 1423 هـ.

13 -

الأعلام، لخير الدين بن محمود الزركلي، دار العلم للملايين، ط: 15، 2002 م.

14 -

الأعلام بفوائد عمدة الأحكام، لسراج الدين عمر بن علي ابن الملقن، تحقيق عبد العزيز بن أحمد المشيقح، دار العاصمة، السعودية، 1417 هـ.

15 -

ألفيّة السيرة النبوية (نظم السيرة الزكية)، لعبد الرحيم بن الحسين العراقي، دار المنهاج، بيروت، ط 1، 1426 هـ.

16 -

إكمال المعلم بفوائد مسلم، لعياض بن موسى اليحصبي السبتي، تحقيق د. يحيى إسماعيل، دار الوفاء للطباعة والنشر، مصر، ط 1، 1419 هـ.

17 -

الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع، لعياض بن موسى اليحصبي، تحقيق السيد أحمد صقر، دار التراث، ط 1، 1970 م.

18 -

الأنوار الكاشفة لما في كتاب: أضواء على السُّنَّة من الزلل والتضليل والمجازفة، لعبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، المطبعة السلفية، عالم الكتب، بيروت، 1406 هـ.

(ب)

19 -

البحر الذي زخر في شرح ألفيّة الأثر، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق د. أنيس بن أحمد بن طاهر الإندونيسي، مكتبة الغرباء الأثرية، السعودية.

ص: 200

20 -

بحوث في تاريخ السُّنَّة المشرفة، د. أكرم ضياء العمري، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط 5، 1415 هـ.

21 -

البداية والنهاية، لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر، ط 1، 1418 هـ.

(ت)

22 -

تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمد بن محمد المرتضى الزبيدي، مجموعة من المحققين، دار الهداية.

23 -

تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق د. بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، ط 1، 2003 م.

24 -

تاريخ دمشق، لأبي القاسم علي بن الحسن بن عساكر، تحقيق عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر، 1415 هـ.

25 -

تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق نظر محمد الفاريابي، دار طيبة.

26 -

تذكرة الحفاظ، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1419 هـ.

27 -

تقريب التهذيب، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا، ط 1، 1416 هـ.

28 -

التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث، ليحيى بن شرف النووي، تحقيق محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 1، 1405 هـ.

29 -

تقييد العلم، لأحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، إحياء السُّنَّة النبوية، بيروت.

30 -

التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، لعبد الرحيم بن الحسين

ص: 201

العراقي، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.

31 -

التمييز، لمسلم بن الحجاج النيسابوري، تحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي، مكتبة الكوثر، السعودية، ط 3، 1410 هـ.

32 -

تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، 1969 م.

33 -

تهذيب التهذيب، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند، ط 1، 1326 هـ.

34 -

تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لأبي الحجاج يوسف بن الزكي المزي، تحقيق د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1400 هـ.

35 -

توجيه النظر إلى أصول الأثر، لطاهر بن صالح الجزائري، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، ط 1، 1416 هـ.

36 -

توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، للأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني، تحقيق صلاح محمد عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1417 هـ.

37 -

تيسير العلام شرح عمدة الأحكام، لعبد الله بن عبد الرحمن البسام، بعناية محمد صبحي الحلاق، مكتبة دار حراء، ط 8، 1415 هـ.

38 -

تيسير مصطلح الحديث، للدكتور محمود بن أحمد الطحان، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، ط 10، 1425 هـ.

(ج)

39 -

جامع بيان العلم وفضله، يوسف بن عبد البر القرطبي، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي، السعودية، ط 1، 1414 هـ.

40 -

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، لأحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تحقيق د. محمود الطحان، مكتبة المعارف.

ص: 202

41 -

الجرح والتعديل لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيد آباد الدكن الهند، ط 1، 1371 هـ.

42 -

جهود المعاصرين في خدمة السُّنَّة المشرفة، لمحمد عبد الله أبو صعيليك، دار القلم، دمشق، ط 1، 1416 هـ.

(ح)

43 -

الحديث والمحدثون، د. محمد محمد أبو زهو، دار الفكر العربي، القاهرة، 1378 هـ.

44 -

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، مصر، ط 1، 1967 م.

45 -

الحطة في ذكر الصحاح الستة، لصديق حسن خان القنوجي، دار الكتب العلمية، ط 1، 1405 هـ.

(خ)

46 -

خبر الواحد وحجيته، لأحمد بن محمود الشنقيطي، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدنية المنورة، ط 1، 1422 هـ.

(د)

47 -

دراسات في الحديث النبوي، د. محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، 1413 هـ.

(ر)

48 -

الرِّحلة في طلب الحديث، لأحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تحقيق نور الدين عتر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1395 هـ.

49 -

الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السُّنَّة المشرفة، لمحمد جعفر الكتاني، تحقيق محمد المنتصر الزمزمي، دار البشائر الإسلامية، ط 6، 1421 هـ.

ص: 203

50 -

الرسول المعلم وأساليبه في التعليم، لعبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط 4، 2008 م.

(س)

51 -

سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، ط 1، 1415 هـ.

52 -

سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، ط 1، 1412 هـ.

53 -

السُّنَّة قبل التدوين، لمحمد عجاج الخطيب، دار الفكر للطباعة والنشر، ط 3، 1400 هـ.

54 -

سنن ابن ماجه، لمحمد بن يزيد القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، مصر، القاهرة.

55 -

سُنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق شعيب الأرناؤوط، دار الرسالة العالمية، ط 1، 1430 هـ.

56 -

سُنن الترمذي، لمحمد بن عيسى الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر، مكتبة البابي الحلبي، مصر، ط 2، 1975 هـ.

57 -

سُنن الدارمي، لعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، تحقيق حسين سليم أسد، دار المغني للنشر والتوزيع، السعودية، ط 1، 1412 هـ.

58 -

سير أعلام النبلاء، لشمس الدين محمد بن عثمان الذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 3، 1405 هـ.

59 -

السيرة النبوية، لعبد الملك بن هشام الحميري، تحقيق مصطفى السقا، شركة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط 2، 1375 هـ.

(ش)

60 -

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن محمد بن مخلوف، تعليق

ص: 204

عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، لبنان، ط 1، 1424 هـ.

61 -

شرح علل الترمذي، لعبد الرحمن بن رجب الحنبلي، تحقيق د. همام عبد الرحيم سعيد، مكتبة المنار، الأردن، ط 1، 1407 هـ.

(ص)

62 -

صحائف الصحابة وتدوين السُّنَّة النبوية المشرفة، لأحمد بن عبد الرحمن الصويان، ط 1، 1410 هـ.

63 -

صحيح ابن خزيمة، لمحمد بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت.

64 -

صحيح الأدب المفرد، لمحمد ناصر الدين الألباني، دار الصديق للنشر والتوزيع، ط 4، 1418 هـ.

65 -

صحيح البخاري، لمحمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق محمد زهير الناصر، ط 1، 1422 هـ.

66 -

صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج النيسابوري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

67 -

صحيفة همام بن منبّه عن أبي هريرة رضي الله عنه، د. رفعت فوزي عبد المطلب، مكتبة الخانجي للنشر، القاهرة، 1406 هـ.

68 -

صيانة صحيح مسلم، لعثمان بن عبد الرحمن ابن الصلاح الشهرزوري، تحقيق: د. موفق عبد الله عبد القادر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 2، 1408 هـ.

(ط)

69 -

الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد الهاشمي، محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1410 هـ.

ص: 205

(ع)

70 -

عبد الله بن عمرو بن العاص وصحيفته الصادقة، لمحمد سيف الدين عليش، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986 م.

71 -

علوم الحديث ومصطلحه، د. صبحي إبراهيم الصالح، دار العلم للملايين، بيروت، ط 15، 1984 هـ.

72 -

عمدة القاري بشرح صحيح البخاري، لمحمد بن أحمد العيني، دار أحياء التراث العربي، بيروت.

(ف)

73 -

فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق محب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت، 1379 هـ.

74 -

فتح المغيث بشرح ألفيّة الحديث، لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق علي حسين علي، مكتبة السنة، مصر، ط 1، 1424 هـ.

75 -

فهرس الفهارس والأثبات، لمحمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، تحقيق إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 2، 1982 م.

76 -

فهرسة ابن خير، لمحمد بن خير الإشبيلي، تحقيق محمد فؤاد منصور، درا الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1419 هـ.

(ك)

77 -

الكامل في ضعفاء الرجال، لأبي أحمد ابن عدي الجرجاني، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1418 هـ.

78 -

كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة، مكتبة المثني، بغداد، 1941 م.

79 -

كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطا، لمحمد الطاهر بن عاشور، ضبطه: د. طه التونسي، دار سحنون للنشر والتوزيع، ط:

ص: 206

1432 هـ.

80 -

الكفاية في علم الرواية، لأحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تحقيق أبي عبد الله السورقي، المكتبة العلمية، المدينة المنورة.

(ل)

81 -

لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ، لمحمد بن محمد بن فهد الهاشمي، دار الكتب العلمية، ط 1، 1419 هـ.

(م)

82 -

مجموع فتاوى ابن تيمية، لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، تحقيق عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، 1416 هـ.

83 -

المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، للحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي، تحقيق د. محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، بيروت، ط 3، 1404 هـ.

84 -

المستصفى، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، ط 1، 1413 هـ.

85 -

مسند أحمد، لأحمد بن محمد بن حنبل، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 1، 1421 هـ.

86 -

معالم السنن شرح سنن أبي داود، لحمد بن محمد الخطابي، المطبعة العلمية، حلب، ط 1، 1351 هـ.

87 -

معرفة علوم الحديث، لمحمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق السيد معظم حسين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2، 1977 م.

88 -

المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، لأبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي، دار ابن حزم، بيروت، ط 1، 1426 هـ.

89 -

مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسُّنَّة، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر

ص: 207

السيوطي، نشرة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، 1409 هـ 1989 م.

90 -

مفتاح السُنَّة (تاريخ فنون الحديث النبوي)، لمحمد بن عبد العزيز الخولي، تحقيق محمود الأرناؤوط ومحمد بدر الدين القهوجي، دار ابن كثير، بيروت، 1407 هـ.

91 -

مقدمة ابن الصلاح (معرفة أنواع علوم الحديث)، لعثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري، تحقيق نور الدين عتر، دار الفكر، سوريا، 1406 هـ.

92 -

مقدمة ابن خلدون، لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1421 هـ.

93 -

مكانة السُّنَّة النبوية، د. عمر بن مصلح الحسيني، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط 2، 1436 هـ.

94 -

مناهل العرفان في علوم القرآن، لمحمد عبد العظيم الزرقاني، مطبعة عيسى البابي الحلبي، ط 3.

95 -

المنهاج شرح صحيح مسلم الحجاج، ليحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 2، 1392 هـ.

96 -

المنهج المقترح لفهم المصطلح، لحاتم بن عارف العوني، دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، ط 1، 1416 هـ.

97 -

منهج النقد في علوم الحديث، لنور الدين عتر، دار الفكر، دمشق، ط 3، 1401 هـ.

98 -

المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي، لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي.

99 -

الموطأ، لمالك بن أنس الأصبحي، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1406 هـ.

100 -

الموقظة في علم مصطلح الحديث، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، بيروت، ط 2، 1412 هـ.

ص: 208

101 -

ميزان الاعتدال في نقد الرجال، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق علي بن محمد البجاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، ط 1، 1963 م.

(ن)

102 -

نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق د. نور الدين عتر، مطبعة الصباح، دمشق، ط 3، 1421 هـ.

103 -

النكت على شرح النووي على صحيح مسلم، للدكتور هاني بن أحمد فقيه، دار المقتبس، بيروت، 1438 هـ.

(و)

104 -

الوافي في الوفيات، لخليل بن أيبك الصفدي، تحقيق أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث، بيروت، 1420 هـ.

105 -

الوسيط في علوم ومصطلح الحديث، لمحمد محمد أبو شهبة، دار الفكر العربي.

ص: 209