المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المملكة العربية السعودية وزارة التعليم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية الشريعة - المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في العبادات

[عهود بنت عيسى بعيطي]

فهرس الكتاب

المملكة العربية السعودية

وزارة التعليم

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

كلية الشريعة بالرياض

قسم الفقه

المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في العبادات

رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الفقه

إعداد:

عهود بنت عيسى بعيطي

إشراف:

د. بدرية بنت صالح السياري

الأستاذ المشارك في قسم الفقه بالكلية

العام الجامعي: 1443 - 1444 هـ، 2021 - 2022 م

ص: 1

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المتوحد بالجلال وكمال الجمال، المتفرد بتصريف الأمور على التفصيل والإجمال، امتن على عباده بمزيد الإنعام والإفضال، أحمده سبحانه وهو المحمود على كل حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، جل وتعالى عن النظراء والشركاء والأمثال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله كريم المزايا والخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم المآل.

أما بعد:

فإن علم الفقه في الشريعة من أشرف العلوم وأسماها، ومرتبته جديرة أن يدعى للإنسان بها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو لابن عباس رضي الله عنهما:«اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

(1)

.

وأعظم من هذا أن حيازة المرء للفقه في الدين من علامة إرادة الله به خيرًا، كما جاء في الحديث الشريف:«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»

(2)

.

ومن المعلوم أن مسائل الفقه كثيرةٌ جدًا ومتنوعة ولا يمكن حصرها ومنها ماهو متشابه في الحكم ومنها في الصورة والحكم، وقد أشار بعض فقهاء الحنابلة في كتبهم إلى ذلك بعبارة لا فرق، فأحببت جمع هذه المسائل تحت عنوان:"المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة".

‌أهمية الموضوع:

تبرز أهمية الموضوع فيما يلي:

1.

يساعد على تقريب الأحكام الشرعية.

(1)

رواه البخاري في كتاب الوضوء، باب وضع الماء عند الخلاء (1/ 41)(143)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب من فضائل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما (4/ 1927)(2477)، واللفظ للبخاري.

(2)

رواه البخاري في كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين (1/ 25)(71) ومسلم في كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة (2/ 719)(1037).

ص: 2

2.

يفيد في دراسة النوازل الفقهية وإلحاق المسائل بعضها ببعض.

3.

معرفة جوامع الأحكام وفوارقها.

4.

يمنع الخلل في الأقيسة والإلحاقات

‌أسباب اختيار الموضوع:

وقد دفعني إلى اختيار هذا الموضوع عدة أسباب أهمها ما يأتي:

1.

ورود مسائل هذا الموضوع في العديد من أبواب الفقه، والتي قد يحتاج إلى تحقيق القول فيها.

2.

معرفة الأسس التي يقول على أساسها الفقهاء في بعض المسائل لا فرق.

3.

التعرف على مناهج الفقهاء في جمع شتات المسائل التي لا فرق بينها في الحكم؛ تسهيلا على الدارسين.

‌أهداف الموضوع:

أهمها ما يأتي:

1.

جمع المسائل التي قيل فيها: (لا فرق) عند الحنابلة، مع بيان سبب الإلحاق وعدم التفريق.

2.

دراسة آراء المذاهب الأربعة فيها، وبيان القول الراجح في تلك المسائل.

‌ضابط الموضوع:

المسائل التي صرح الحنابلة بعدم التفريق بينها في الحكم.

ولقد اعتمدت في جمعها على: كتاب المغني لابن قدامة، والشرح الكبير لابن أبي عمر، والإنصاف للمرداوي، وكشاف القناع للبهوتي.

الدراسات السابقة:

من خلال البحث والسؤال في قوائم وفهارس المكتبات، لم أقف على دراسة بهذا العنوان.

ص: 3

‌منهج البحث:

اتبعت في إعداد هذا الموضوع على الآتي:

أولًا: المنهج الخاص:

1.

ذكر نص المسألة وصورتها عند الحاجة أو نحو ذلك.

2.

بيان سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة.

ثانيًا: المنهج العام:

أخذت في إعداد البحث بالمنهج المعتمد من قسم الفقه بكلية الشريعة، وهو ما يأتي:

أولًا: أصور المسألة المراد بحثها تصويرا دقيقا قبل بيان حكمها، ليتضح المقصود من دراستها.

ثانيًا: إذا كانت المسألة من مواضع الاتفاق، فأذكر حكمها بدليلها، مع توثيق الاتفاق من مظانه المعتبرة.

ثالثًا: إذا كانت المسألة من مسائل الخلاف، فأتبع ما يلي:

(1)

تحرير محل الخلاف، إذا كانت بعض صور المسألة محل خلاف، وبعضها محل اتفاق.

(2)

ذكر الأقوال في المسألة، وبيان من قال بها من أهل العلم، ويكون عرض الخلاف حسب الاتجاهات الفقهية، متبعة كل قول بأدلته.

(3)

الاقتصار على المذاهب الفقهية المعتبرة، مع العناية بذكر ما تيسر الوقوف عليه من أقوال السلف الصالح، وإذا لم أقف على المسألة في مذهب ما، فأسلك بها مسلك التخريج.

(4)

توثيق الأقوال من كتب أهل المذهب نفسه.

(5)

استقصاء أدلة الأقوال، مع بيان وجه الاستدلال من الأدلة النقلية، وذكر ما يرد على الأدلة من مناقشات، وما يجاب به عنها إن كانت.

(6)

الترجيح، مع بيان سببه وذكر ثمرة الخلاف إن وجدت.

رابعًا: الاعتماد على أمهات المصادر والمراجع الأصيلة في التحرير والتوثيق والتخريج والجمع.

خامسًا: التركيز على موضوع البحث وتجنب الاستطراد.

ص: 4

سادسًا: العناية بضرب الأمثلة؛ وخاصة الواقعية.

سابعًا: تجنب ذكر الأقوال الشاذة.

ثامنًا: العناية بدراسة ما جد من القضايا مما له صلة واضحة بالبحث.

تاسعًا: ترقيم الآيات، وبيان سورها.

عاشرًا: تخريج الأحاديث وبيان ما ذكره أهل الشأن في درجتها - إن لم تكن في الصحيحين أو أحدهما - فإن كانت كذلك فأكتفي حينئذ بتخريجها.

حادي عشر: تخريج الآثار من مصادرها الأصيلة، والحكم عليها.

ثاني عشر: التعريف بالمصطلحات، وشرح الغريب الوارد في صلب الموضوع.

ثالث عشر: العناية بقواعد اللغة العربية، والإملاء، وعلامات الترقيم.

رابع عشر: الترجمة للأعلام غير المشهورين عند أول ورود لها.

خامس عشر: خاتمة البحث عبارة عن ملخص للرسالة، يعطي فكرة واضحة عما تضمنته الرسالة، مع إبراز أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث.

سادس عشر: أتبع الرسالة بالفهارس الفنية المتعارف عليها، وتشمل:

- فهرس الآيات.

- فهرس الأحاديث.

- فهرس الآثار.

- فهرس الأعلام.

- فهرس المصادر والمراجع.

- فهرس الموضوعات.

ص: 5

المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في العبادات

‌تقسيمات البحث:

يتكون هذا الموضوع من: مقدمة، وتمهيد وأربعة فصول وخاتمة وفهارس.

المقدمة: وفيها: التعريف بأهمية الموضوع، وأسباب اختياره، وأهدافه، والدراسات السابقة، ومنهج البحث، وتقسيماته.

التمهيد: حقيقة الفرق ونفي الفارق وحجية نفي الفارق وأهمية الفروق الفقهية، وفيه مطلبان:

المبحث الأوّل: المراد بالفرق والألفاظ ذات الصلة، وفيه مطلبان:

المطلب الأوّل: المراد بالفرق.

المطلب الثاني: الألفاظ ذات الصلة.

المبحث الثاني: معنى نفي الفارق وحجيته، وفيه مطلبان:

المطلب الأوّل: معنى نفي الفارق.

المطلب الثاني: حجية نفي الفارق.

المبحث الثالث: أهمية الفروق الفقهية.

الفصل الأوّل: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الطهارة، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأوّل: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في المياه والآنية والاستنجاء، وفيه ستة مطالب:

المطلب الأوّل: لا فرق في طهورية الماء الذي خالطه التراب بين وقوعه عن قصد أو غير قصد.

المطلب الثاني: لا فرق في التنجس بين يسير النجاسة وكثيرها.

المطلب الثالث: لا فرق بين البول القليل والكثير إذا وقع في البئر.

المطلب الرابع: لا فرق بين النجاسة من ولوغ الكلب، وبين نجاسة يده أو غير ذلك من أجزائه.

ص: 6

المطلب الخامس: لا فرق في طهارة شعر الحيوان بين حياته وموته.

المطلب السادس: لا فرق بين الحجر الكبير الذي له ثلاث شعب وبين ثلاثة أحجار في التطهير.

المبحث الثاني: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في سنن الفطرة والوضوء والمسح على الخفين، وفيه خمسة مطالب:

المطلب الأوّل: لا فرق في غسل اليدين إذا قام النائم من نومه، بين كونها مطلقة أو مشدودة.

المطلب الثاني: لا فرق بين المستحاضة ومن به سلس البول في المسح على الخفين.

المطلب الثالث: لا فرق في الخارج من غير السبيلين بين قليله وكثيره.

المطلب الرابع: لا فرق في نقض الوضوء بمس الفرج بين العامد و غيره.

المطلب الخامس: لا فرق في نقض الوضوء بأكل لحم الجزور بين قليله وكثيره والنيئ وغيره.

المبحث الثالث: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الغسل، والتيمم، وإزالة النجاسة، والحيض، وفيه أحد عشر مطلبًا:

المطلب الأوّل: لا فرق في غسل من انقطع حيضها ونفاسها بين أن تنوي الوطء، أو حله.

المطلب الثاني: لا فرق في التيمم بين سفر الطاعة والمعصية.

المطلب الثالث: لا فرق في التيمم بين كون الجبيرة على كسر أو جرح.

المطلب الرابع: لا فرق في النية للتيمم بين ما وجب بالشرع، وما وجب بالنذر.

المطلب الخامس: لا فرق في بطلان تيمم لابس العمامة وغيرها بالخلع بين أن يكون مسح عليها قبل التيمم أو لا.

المطلب السادس: لا فرق بين رطب النجاسة وجافها.

المطلب السابع: لا فرق في التطهير بين الحاصل بفعل الله تعالى أو فعل الآدمي.

المطلب الثامن: لا فرق في عدم النجاسة بالموت بين المسلم والكافر.

ص: 7

المطلب التاسع: لا فرق بين أن يكون زمن الدم أكثر من زمن الطهر أو مثله أو أقل.

المطلب العاشر: لا فرق في الحيض بين نساء العرب وغيرهن.

المطلب الحادي عشر: لا فرق في الاستمتاع بالحائض فيما دون الفرج بين من يأمن على نفسه مواقعة المحظور أو يخاف ذلك.

الفصل الثاني: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الصلاة، وفيه مبحثان:

المبحث الأوّل: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الأذان والإقامة، وشروط الصلاة، وصفة الصلاة، وفيه واحد وعشرون مطلبًا:

المطلب الأوّل: لا فرق في استحباب الصيت والأمانة للمؤذن بين الحر والعبد، والبصير والأعمى.

المطلب الثاني: لا فرق في الإبراد بالظهر بين البلاد الحارة وغيرها.

المطلب الثالث: لا فرق في انكشاف العورة في الصلاة بين الفرجين وغيرهما.

المطلب الرابع: لا فرق في ستر العورة بين الظلمة وغيرها.

المطلب الخامس: لا فرق في صلاة العاري بين الخلوة وغيرها.

المطلب السادس: لا فرق في الصلاة في المقبرة بين القديمة والحديثة.

المطلب السابع: لا فرق في الصلاة في الحمام بين مكان الغسل وصب الماء.

المطلب الثامن: لا فرق في الصلاة في المجزرة والمزبلة، بين ما كان منها طاهرًا ونجسًا، ولا بين كون الطريق فيها سالكًا أو لم يكن.

المطلب التاسع: لا فرق في الصلاة في الأرض المغصوبة بين غصبه لرقبة الأرض وغصبه منافعها.

المطلب العاشر: لا فرق بين قليل النجاسة وكثيرها في عدم صحة الصلاة معها.

ص: 8

المطلب الحادي عشر: لا فرق في الصلاة مع وجود الدم بين كونه مجتمعًا أو متفرقًا.

المطلب الثاني عشر: لا فرق في صحة صلاة من في ثوبه بلغم، بين البلغم الذي يخرج من الرأس والبلغم الخارج من الصدر.

المطلب الثالث عشر: لا فرق في الصلاة بالاجتهاد إلى جهة ظنا أنها القبلة فتبين الخطأ، بين أن تكون الأدلة ظاهرة أو مستورة.

المطلب الرابع عشر: لا فرق في إسماع المصلي نفسه إماما كان أو غيره، بين أن يكون رجلًا أو امرأة.

المطلب الخامس عشر: لا فرق في جهر المنفرد بالقراءة في الصلاة بين القضاء والأداء.

المطلب السادس عشر: لا فرق بين وجود العذر وعدمه في وجوب مباشرة المصلي لشيء من أعضاء سجوده إلا الجبهة.

المطلب السابع عشر: لا فرق في صحة صلاة الناسي للفائتة، بين أن يكون قد سبق منه ذكر الفائتة أو لم يسبق منه لها ذكر.

المطلب الثامن عشر: لا فرق في الترتيب مع سعة الوقت وضيقه، بين كون الحاضرة جمعة أو غيرها.

المطلب التاسع عشر: لا فرق في قيام المسبوق قبل أن يسلم الإمام التسليمة الثانية بلا عذر يبيح له مفارقة الإمام، بين العمد والذكر وضدهما.

المطلب العشرون: لا فرق في بطلان الصلاة بالبكاء إن بان حرفان بين كونه غلب على صاحبه أو لم يغلب.

المطلب الحادي والعشرون: لا فرق في المرور بين يدي المصلي بين الفرض والنفل والجنازة.

ص: 9

المبحث الثاني: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في سجود السهو، وصلاة التطوع، وصلاة الجماعة، وصلاة أهل الأعذار، وصلاة الجمعة، وصلاة العيدين، وفيه ستة عشر مطلبًا:

المطلب الأوّل: لا فرق في سجود السهو بين أن يسلم عن نقص ركعة أو أقل.

المطلب الثاني: لا فرق في بطلان الصلاة بكثير الحركة دون يسيرها بين عمدها وسهوها.

المطلب الثالث: لا فرق في سجود السهو بين الفرض والنافلة.

المطلب الرابع: لا فرق في التطوع في أوقات النهي بين مكة وغيرها.

المطلب الخامس: لا فرق في وقت الزوال بين الجمعة وغيرها، ولا بين الشتاء والصيف.

المطلب السادس: لا فرق في حصول العلم بسماع التكبير بين أن يكون المأموم في المسجد أو في غيره.

المطلب السابع: لا فرق في الصلاة إلى المتحدثين والنائم بين الفريضة والنافلة.

المطلب الثامن: لا فرق في إمامة المرأة والخنثى بين الفرض والنفل.

المطلب التاسع: لا فرق في كراهة وقوف الإمام أعلى من المأموم بين قصد التعليم وعدمه.

المطلب العاشر: لا فرق في جمع التقديم والتأخير بين النازل والسائر.

المطلب الحادي عشر: لا فرق في الهرب من العدو هربا مباحا، بين الحضر والسفر.

المطلب الثاني عشر: لا فرق في استحباب إقامة الجمعة عقيب الزوال بين شدة الحر، وبين غيره.

المطلب الثالث عشر: لا فرق في تعلق الحكم بالنداء عقيب جلوس الإمام على المنبر، بين أن يكون ذلك قبل الزوال أو بعده.

المطلب الرابع عشر: لا فرق في السماع، والإنصات في خطبة الجمعة بين القريب والبعيد.

المطلب الخامس عشر: لا فرق في لزوم الجمعة على أهل المصر بين القريب والبعيد.

ص: 10

المطلب السادس عشر: لا فرق بين من كبر قبل سلام الإمام، في صلاة ما فاته يوم العيد على صفته وبين من فاتته الجمعة.

الفصل الثالث: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الزكاة، والصيام، وفيه مبحثان.

المبحث الأوّل: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الزكاة، وفيه خمسة مطالب:

المطلب الأوّل: لا فرق في ضمان الزكاة إن هلكت في يد الإمام إذا تسلفها بين أن يسأله رب المال أو الفقراء أو لم يسأله أحد.

المطلب الثاني: لا فرق في زكاة الحلي المباح بين أن يكون ملكًا لرجل أو امرأة.

المطلب الثالث: لا فرق في ثبوت الزكاة في عروض التجارة بين أن يملك بعوض أو بغير عوض.

المطلب الرابع: لا فرق بين الدين الحال والمؤجل في الزكاة.

المطلب الخامس: لا فرق في زكاة صداق المرأة بين كون القبض قبل الدخول أو بعده.

المبحث الثاني: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الصيام، وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأوّل: لا فرق بين قليل القيء وكثيره.

المطلب الثاني: لا فرق في وجوب كفارة الوطء على الصائم بين كون الفرج قبلًا أو دبرًا، من ذكر أو أنثى.

المطلب الثالث: لا فرق في مشروعية صيام ستة أيام من شوال بين كونها متتابعة أو متفرقة.

المطلب الرابع: لا فرق في اعتكاف المكاتب بغير إذن سيده بين كونه واجبًا أو غير واجب.

الفصل الرابع: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الحج، والجهاد، وفيه مبحثان:

المبحث الأوّل: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الحج، وفيه سبعة عشر مطلبًا:

ص: 11

المطلب الأوّل: لا فرق بين قاطني مكة وغيرهم ممن هو بها في الإهلال بالحج أو العمرة من مكة.

المطلب الثاني: لا فرق في تطيب من أراد الإحرام بين ما يبقى عينه من الطيب، أو أثره.

المطلب الثالث: لا فرق بين قتل القمل، أو إزالته بإلقائه على الأرض، أو بالزئبق.

المطلب الرابع: لا فرق في وجوب الفدية بين حلق الشعر أو إزالته بالنورة، أو قصه أو غير ذلك.

المطلب الخامس: لا فرق في وجوب الفدية بين العامد والمخطئ، ومن له عذر ومن لا عذر له.

المطلب السادس: لا فرق في فساد الحج بالجماع بين أن يكون الوطء في القبل أو الدبر من آدمي أو بهيمة.

المطلب السابع: الوطء قبل رمي جمرة العقبة يفسد الحج، لا فرق بين ما قبل الوقوف وبعده.

المطلب الثامن: لا فرق بين من حلق ومن لم يحلق، في عدم إفساد حجه بالوطء بعد الرمي.

المطلب التاسع: لا فرق في ضمان الصيد بالدلالة والإشارة بين كون الدال في الحل أو الحرم.

المطلب العاشر: لا فرق بين الحصر العام في حق الحاج وبين الخاص في حق شخص واحد.

المطلب الحادي عشر: لا فرق في جواز تأخير الحلق والتقصير إلى آخر النحر بين القليل والكثير، والعامد والساهي.

المطلب الثاني عشر: لا فرق في رمي جمرة العقبة يوم النحر بين الرمي بعد الفجر وبعد طلوع الشمس.

المطلب الثالث عشر: لا فرق في ترك المبيت بمنى بين ليلة وأكثر.

المطلب الرابع عشر: لا فرقَ في تأخير المتمتع صيام الثلاثة أيام في الحج عن يوم النحر، بين تأخيرها لعذر أو لغيره.

ص: 12

المطلب الخامس عشر: لا فرق في وجوب الهدي على من فاته الوقوف بعرفة بين كونه ساق الهدي أو لا.

المطلب السادس عشر: لا فرق في ولد الهدية بين ما عينه ابتداء وبين ما عينه بدلا عن الواجب في ذمته.

المطلب السابع عشر: لا فرق في وقت الذبح للأضحية بين أهل المصر وغيرهم.

المبحث الثاني: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الجهاد، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأوّل: لا فرق في عدم قبول الجزية ممن تهود أو تنصر، بين من دخل في دينهم قبل تبديل كتابهم، أو بعده.

المطلب الثاني: لا فرق في أخذ الجزية ممن ولد بين كتابيين ومن ولد بين كتابي ووثني.

المطلب الثالث: لا فرق في أخذ الجزية من أهل الكتاب بين كونهم عجما أو عربا.

الخاتمة.

الفهارس، وتشتمل على:

فهرس الآيات القرآنية.

فهرس الأحاديث.

فهرس الآثار.

فهرس الأعلام.

فهرس الكلمات الغريبة.

فهرس المصادر والمراجع.

فهرس الموضوعات.

ص: 13

‌شكر وتقدير

وبعد، فهذا جهدٌ بشري؛ وقد أبى الله العصمة إلا لكتابه؛ فلا أدّعي الكمال لكن حسبي أني بذلت وسعي؛ وأرجو أن أكون قد أسهمت في هذا البحث بشيء من جهد المقلّ.

وأخيرًا، فإني أحمد الله عز وجل وأشكره وأثني عليه بما يليق بجلاله وعظمته على ما منّ به من إتمام هذا البحث؛ وأسأله سبحانه القبول؛ وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم.

ثم أرفع أعلى مقامات الشكر والامتنان محاطة بلطيف البر والإحسان إلى مقام والديّ الكريمين على إحسانهما إليّ بتربيتي وتوجيهي لطريق العلم الشرعي وتقديمهما محض النصيحة وخالصها ودعواتهما المباركة، أسأل الله أن يرفع في العالمين ذكرهما؛ وأن يعلي في الجنان قدرهما ومقرّهما.

وأتوجه بأعطر الشكر وأعبقه لمن كان لها الفضل بعد الله تعالى في إخراج هذا البحث، والمشرفة عليه، الدكتورة: بدرية بنت صالح السياري؛ التي أفدت منها الأدب أولًا؛ ثم أفدت من توجيهاتها السديدة وملحوظاتها المفيدة التي أحاطتني بها في تواضع جمّ وخلق رفيع مع كثرة مشاغلها وتزاحم أعمالها؛ أسأل الله أن يجزيها عني خير الجزاء؛ ويثقل بما قدمت موازينها حين تلقاه.

ولا يفوتني أن أشكر كاتبتي الفاضلة: مروة كومان التي صاحبتني في كتابة هذه الرسالة بطول صبرٍ وحلمٍ وأمانة وحِرص، وكانت عيني التي أُبصرُ بها، فشكر الله لها بذلها وإعانتها وجزاها عني خيرًا.

والشكر بعد ذلك موصول لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ ممثلة في هذه الكلية المباركة: كلية الشريعة، وأخص أصحاب الفضيلة أعضاء هيئة التدريس بقسم الفقه على ما لقيته منهم من توجيه وعون وسداد رأي.

والحمد لله في البدء؛ والحمد لله في الختام؛ والحمد لله على الدوام.

الحمد لله أولًا وآخرًا، وباطنًا وظاهرًا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 14

‌التمهيد:

حقيقة الفرق ونفي الفارق وحجية نفي الفارق وأهمية الفروق الفقهية

وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأوّل: المراد بالفرق والألفاظ ذات الصلة.

المبحث الثاني: معنى نفي الفارق وحجيته.

المبحث الثالث: أهمية الفروق الفقهية.

ص: 15

‌المبحث الأوّل: المراد بالفرق والألفاظ ذات الصلة

وفيه مطلبان:

‌المطلب الأوّل: المراد بالفرق:

‌الفرق لغة:

"الفاء والراء والقاف أصل صحيح يدل على تمييز وتزييل بين شيئين"

(1)

.

"الفرق: خلاف الجمع

وفارق الشيء مفارقة، وفراقًا: باينه"

(2)

، "وتفارق القوم وافترقوا، أي: فارق بعضهم بعضًا"

(3)

، ويراد به: الفصل بين الشيئين. وجمعه: فروق، ويقال: فرق له عن الشيء: بينه له

(4)

، وفرق لي هذا الأمر، إذا تبين ووضح

(5)

.

‌الفرق اصطلاحًا:

عرف العلماء الفرق في الاصطلاح بعدة تعريفات، منها:

أنه: "إبداء معنى مناسب للحكم في إحدى الصورتين مفقود في الأخرى"

(6)

.

نوقش هذا التعريف بأنه غير جامع؛ لأن فيه قصر للفارق في المناسبة في إحدى الصورتين دون

(1)

معجم مقاييس اللغة، لابن فارس (4/ 493).

(2)

المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده، مادة: قرف (6/ 383 - 384).

(3)

العين، الخليل بن أحمد، مادة: قرف (5/ 147).

(4)

انظر: المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده، مادة: رفق (6/ 384).

(5)

انظر: المغرب، المطرزي، مادة: فرق (358).

(6)

شرح تنقيح الفصول، للقرافي (403).

ص: 16

الأخرى، وفيه احتراز عن الفروق الفاسدة التي لا يعتد بها للتفريق بين الصورتين، أو المسألتين

(1)

.

وعُرِّف أنه: "المعارضة المتضمنة لمخالفة الفرع الأصل في علة الحكم"

(2)

.

نوقش هذا التعريف باقتصاره على ذكر الاختلاف بين الفرع والأصل دون بيان لنوعه

(3)

.

وقيل هو: "إبداء خصوصية في الأصل هي شرط للوصف مع بيان انتفائها في الفرع أو بيان مانع من الحكم فيه مع انتفاء ذلك المانع في الأصل"

(4)

.

نوقش أن الفرق في هذا التعريف راجع إلى إحدى المعارضتين، إما المعارضة في الأصل أو في الفرع، أو بالعكس، وعليه فإن التعريف لا يكون جامعًا

(5)

.

وعُرِّف أيضًا أنه: "إبداء وصف في الأصل يصلح أن يكون علة مستقلة للحكم، أو جزء علته"

(6)

.

نوقش أن هذا التعريف فيه قصر على إبداء الخصوصية في الأصل، ولم يتطرق إلى ما في الفرع من خصوصية تصلح أن تكون مانعًا من حكم العلة

(7)

.

وبعد ذكر جملة من تعريفات العلماء بمصطلح الفرق يمكن تعريفه بأنه إبداء وصف في الأصل أو الفرع يناسب ما اختص به من الحكم، يفرق به بين الأصل والفرع.

سبب اختيار التعريف:

لكونه جامعًا مانعًا.

وبعد بيان حقيقة الفرق تحسن الإشارة إلى أن ما ذكرناه هو حقيقته عند الأصوليين؛ بينما هو عند الفقهاء عبارة عن "وجوه الاختلاف بين الفروع الفقهية التي يشبه بعضها بعضًا في الصورة، ولكنها تختلف فيما بينها في الأحكام"

(8)

.

(1)

انظر: الفروق الفقهية والأصولية، يعقوب الباحسين (15).

(2)

الكافية في الجدل، الجويني (69).

(3)

انظر: الفروق الفقهية والأصولية (14 - 15).

(4)

تيسير التحرير، بأمير بادشاه (4/ 148).

(5)

انظر: الفرق الفقهية والأصولية (18 - 19).

(6)

نهاية الوصول في دراية الأصول، صفي الدين الهندي (8/ 3469).

(7)

انظر: الفروق الفقهية والأصولية (18).

(8)

الفروق الفقهية والأصولية (13).

ص: 17

‌المطلب الثاني: الألفاظ ذات الصلة:

- (سواء):

مصطلح (سواء) استخدمه العلماء كثيرًا في كتبهم، على اختلاف مذاهبهم.

ومعنى السواء: العدل، والنصفة

(1)

، وسواء الشئ: وسطه. قال تعالى: {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)}

(2)

، وهذا لا يساوي ذاك، أي: لا يعادله، وهما على سوية من هذا الأمر، أي: على سواء

(3)

، واستوى القوم في كذا، أي: أصبحوا سواسية فيه

(4)

، "وبنو فلان سواء وسواس، إذا استووا في خير أو شر. والسي: المثل"

(5)

.

" سواء، وسوى، وسوى غير منون جاء في غير حديث، فالسواء ممدود، بمعنى: مثل، ومنه:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)}

(6)

"

(7)

.

ولكن على الرغم من الفرق بين سواء، ولا فرق من حيث اللغة، إلا أن الفقهاء الذين استخدموا مصطلح لا فرق يسوون بينه وبين لفظ سواء.

جاء في شرح مختصر الطحاوي: "

فكذلك القرعة في العبيد، هي بهذه المنزلة سواء، لا فرق بينهما"

(8)

.

(1)

تهذيب اللغة، الأزهري، مادة: سوا (13/ 86).

(2)

سورة الصافات، من الآية (55).

(3)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، الجوهري (6/ 2384 - 2385).

(4)

تهذيب اللغة، الأزهري، مادة: سوا (13/ 84).

(5)

المخصص، لابن سيده (3/ 377).

(6)

سورة البقرة، آية (6).

(7)

مشارق الأنوار على صحاح الآثار، عياض (2/ 231).

(8)

(8/ 334).

ص: 18

جاء في عيون الأدلة: " فإن قيل: على هذا أنه قد تقابل في الكفارة يقينان،

قيل: الأمران سواء لا فرق بينهما،

"

(1)

.

جاء في التهذيب: " وعندنا: لا فرق بين أن يكون قيمته أقل أو أكثر،

وإن كان على البراءة- بر بكل حال، سواء كانت قيمته أقل من حقه أو أكثر"

(2)

.

جاء في المغني: " أن تكون السهام متفقة والقيمة مختلفة،

ويفعل في إخراج السهام مثل الذي قبله سواء، لا فرق بينهما"

(3)

.

ومن خلال النصوص السابقة يتبين لنا أن معنى لا فرق عند الفقهاء هو التسوية بين المسألتين، وعلى ذلك يكون الاتفاق بين أئمة المذاهب على أن مصطلح (لا فرق)، ومصطلح (سواء) لا فرق بينهما.

(1)

(2/ 645).

(2)

(8/ 140).

(3)

(10/ 109).

ص: 19

‌المبحث الثاني: معنى نفي الفارق وحجيته،

وفيه مطلبان:

‌المطلب الأوّل: معنى نفي الفارق.

عند تتبع مصطلح "نفي الفارق" في كتب أصول الفقه، فإننا نجد أن أكثرهم لا يعرِّفه بتعريف محدد، إما لوضوحه عندهم، أو لأنه يرد في بعض مباحث القياس.

وممن بين معناه اصطلاحًا ابن القيم رحمه الله بقوله: "هو أن لا يكون بين الصورتين فرقٌ مؤثر في الشرع"

(1)

.

وذُكِر في المعجم أن: "نفي الفارق: أن يبين المجتهد أن الفرع لم يفارق الأصل إلا فيما لا يؤثِّر بما يلزم اشتراكهما في المؤثر".

"مثاله: أن يبين المجتهد أن الإسكار في الخمر لا يختلف عن الإسكار في المخدرات، وبالتالي فإن الإسكار ينبغي عده علة تحريم الخمر"

(2)

.

من خلال التعريفات السابقة يتبين لنا أن نفي الفارق عمل يقوم به المجتهد، يتوصل به إلى إلحاق فرع لم يُنص على حكمه بأصل المنصوص أو مجمع على حُكْمه، والطريق لمثل هذا القياس نفي الفارق المؤثر بين الفرع والأصل، إذ يوجب هذا النفي اشتراكهما في الحكم الشرعي؛ لأن الشارع الحكيم لا يفرق بين المتماثلين، كما أنه لا يسوي بين المختلفين، ولا ينظر في هذا الإلحاق إلى الفارق غير المؤثر في الشرع؛ لأن وجوده كعدمه، ولهذا جاء في شرح مختصر الروضة في تعريف القياس في معنى الأصل:" هُوَ مَا لَا فَارِقَ فِيهِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَارِقٌ لَا أَثَرَ لَهُ "

(3)

.

(1)

إعلام الموقعين، (1/ 290).

(2)

معجم مصطلحات أصول الفقه، د. سانو ص (461 - 462).

(3)

(3/ 439).

ص: 20

‌المطلب الثاني: حجية نفي الفارق.

قبل بيان حجية نفي الفارق، يحسن التنبيه إلى أن العلماء لم يتفقوا على تسميته قياسًا، بل اختلفوا في ذلك، فمنهم من يسميه قياسًا، ومنهم من يسميه استدلالًا.

والسبب في ذلك: أن بعض العلماء لا يرى دخول نفي الفارق في القياس لمنافاته حقيقته

(1)

.

ولكن جمهور الأصوليين

(2)

يدخلون نفي الفارق في القياس، ويعدونه قسما من أقسامه، فليس القياس عندهم مقتصرًا على قياس العلة، بل تدخل فيه أقسام أخرى.

وإن كان الجامع في نفي الفارق بين الفرع والأصل مجرد نفي الفارق، إلا أنه لا يخلو من وجود معنى يشتركان فيه.

وإن الفرق بين القياس بنفي الفارق و قياس العلة: أن نفي الفارق لم يصرح فيه بالعلة، وقياس العلة مصرح بها فيه

(3)

.

وعدم التصريح بالعلة لا يُعد سببًا لإخراج نفي الفارق عن مسمى القياس، والله أعلم.

ومما يدل على حجية نفي الفارق بما يلي:

1 -

أن القياس المعتبر شرعًا - وهو حجة عند أهل العلم - يشمل نفي الفارق، لأنه عبارة عن إلحاق فرع بأصل في الحكم لعدم وجود فارقٍ بينهما

(4)

.

2 -

اعتبر كثير من الأصوليين القياس بنفي الفارق أحد أقسام القياس، فلو لم يكن حجة لما

(1)

انظر: البحر المحيط، للزركشي (7/ 65 - 66)، شرح مختصر الروضة (3/ 353).

(2)

انظر: المستصفى، للغزالي (1/ 307)، الإحكام للآمدي (4/ 4)، البحر المحيط، للزركشي (7/ 65)، التقرير والتحبير، لابن أمير حاج (1/ 287)، التحبير، للمرداوي (8/ 3742).

(3)

الإحكام في أصول الأحكام (4/ 4).

(4)

انظر: الرسالة (1/ 479، 512).

ص: 21

اعتبروه كذلك، وقد قِيسَ الحج على العمرة في الإحصار "وهو من الإلحاق بنفي الفارق وهو من أقوى الأقيسة"

(1)

.

3 -

اعتبر المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن القياس بنفي الفارق من القياس الصحيح، ولاشك أن الصحيح هو الذي يُحتج به بخلاف الفاسد.

فقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والقياس الصحيح نوعان:

أحدهما: أن يعلم أنه لا فارق بين الفرع والأصل إلا فرقًا غير مؤثر في الشرع،

ثم قال: والنوع الثاني من القياس: أن ينصب على حكم لمعنى من المعاني، ويكون ذلك المعنى موجودًا في غيره،

فهذان النوعان كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يستعملونها، وهما من باب فهم مراد الشارع"

(2)

.

وقال ابن القيم مبينًا دخول نفي الفارق في القياس الصحيح: "فالقياس الصحيح مثل أن تكون العلة التي عُلِّق بها الحكم في الأصل موجودة في الفرع من غير معارض في الفرع يمنع حكمها، ومثل هذا القياس لا تأتي الشريعة بخلافه قط، وكذلك القياس بإلغاء الفارق"

(3)

.

من خلال ما سبق تتبين لنا حجية نفي الفارق ولزوم العمل به، " وليس المراد كل قياس، بل المراد القياسات التي يسوغ العمل بها والرجوع إليها، كالقياس الذي علته منصوصة، والقياس الذي قطع فيه بنفي الفارق"

(4)

.

(1)

فتح الباري (4/ 8).

(2)

مجموع الفتاوى (19/ 285 - 286).

(3)

إعلام الموقعين (1/ 290).

(4)

إرشاد الفحول (2/ 100).

ص: 22

‌المبحث الثالث: أهمية الفروق الفقهية.

علم الفروق الفقهية من العلوم جليلة القدر، عظيمة الشأن، فإن لها فؤائد عدة، منها:

أولًا: الفروق الفقهية هي عمدة الفقه، فلا يكون الفقيه فقيهًا إلا إذا كان على علم بما اجتمع، وما افترق

(1)

.

ثانيًا: الفروق الفقهية تمكن من الاطلاع على حقائق الفقه، ودقائقه، ومآخذه

(2)

.

ثالثًا: علم الفروق الفقهية يوقف صاحبه على كيفية الجمع بين المتفق، والتفريق بين المختلف

(3)

.

رابعًا: علم الفروق الفقهية يمكن الفقهاء من إزالة الشبهات التي أثيرت حول علم الفقه، ممن يريد أن يشوش على الناس دينهم، فيتهم الفقه الإسلامي بالتناقض بين أحكامه، فيأتي علم الفروق الفقهية ليوضح لهم أن الشريعة الإسلامية لا تجمع بين متفرق، ولا تفرق بين مجتمع، وكل ذلك لن يتأتى إلا بعلم الفروق الفقهية، الذي يوقفنا على الفروق المؤثرة وغير المؤثرة في الحكم.

خامسًا: علم الفروق الفقهية يمكن المجتهد من التبصُّر في دين الله -جل وعلا-، وكيفية استنباط الأحكام، وبه يأمن اللبس فيها

(4)

.

سادسًا: الفروق الفقهية تساعد الفقيه على صحة القياس وإلحاق الفروع بالأصول، وذلك من خلال الكشف عن أوجه التشابه والاختلاف بين الصور

(5)

.

سابعًا: الفروق الفقهية تشحذ الذهن، وتنشطه، وتنمي الذكاء

(6)

.

(1)

انظر: علم الجدل في علم الجدل، نجم الدين الطوفي (71).

(2)

انظر: الفروق، الجويني (1/ 25).

(3)

مواهب الجليل، الحطاب (6/ 97).

(4)

انظر: الفروق الفقهية والأصولية (30).

(5)

انظر: الفروق الفقهية والأصولية (31).

(6)

انظر: مطالع الدقائق في تحرير الجوامع والفوارق، الإسنوي (7).

ص: 23

‌الفصل الأوّل: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الطهارة

وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأوّل: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في المياه والآنية والاستنجاء.

المبحث الثاني: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في سنن الفطرة والوضوء والمسح على الخفين.

المبحث الثالث: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الغسل، والتيمم، وإزالة النجاسة، والحيض.

ص: 24

‌المبحث الأوّل: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة

في المياه والآنية والاستنجاء،

وفيه ستة مطالب:

المطلب الأوّل: لا فرق في طهورية الماء الذي خالطه التراب بين وقوعه عن قصد أو غير قصد.

المطلب الثاني: لا فرق في التنجس بين يسير النجاسة وكثيرها.

المطلب الثالث: لا فرق بين البول القليل والكثير إذا وقع في البئر.

المطلب الرابع: لا فرق بين النجاسة من ولوغ الكلب، وبين نجاسة يده أو غير ذلك من أجزائه.

المطلب الخامس: لا فرق في طهارة شعر الحيوان بين حياته وموته.

المطلب السادس: لا فرق بين الحجر الكبير الذي له ثلاث شعب وبين ثلاثة أحجار في التطهير.

ص: 25

‌المطلب الأوّل: لا فرق في طهورية الماء الذي خالطه التراب بين وقوعه عن قصد أو غير قصد

‌صورة المسألة:

إذا قصد شخص مخالطة التراب بالماء هل يؤثر ذلك على طهورية الماء أم أن القصد وعدمه سواء في الحكم؟

جاء في المغني: "ما يوافق الماء في صفتيه الطهارة، والطهورية، كالتراب إذا غير الماء لا يمنع الطهورية؛ لأنه طاهر مطهر كالماء، فإن ثخن بحيث لا يجري على الأعضاء لم تجز الطهارة به؛ لأنه طين وليس بماء، ولا فرق في التراب بين وقوعه في الماء عن قصد أو غير قصد"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

اشتراك الماء والتراب في صفتي الطهارة والطهورية

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء- رحمهم الله تعالى - على أن مخالطة التراب للماء بغير قصد لا تسلبه الطهورية

(3)

.

2 -

واختلفوا في تأثير قصد إلقاء التراب في الماء على طهوريته على قولين:

القول الأوّل:

قصد إلقاء التراب في الماء لا يسلبه الطهورية، وهو مذهب الحنفية

(4)

، والمالكية

(5)

،

(1)

(1/ 12).

(2)

المغني، (1/ 12).

(3)

انظر: البحر الرائق، لابن نجيم (1/ 71)، اللباب، للميداني (1/ 19)، عقد الجواهر، لابن شاس (1/ 10)، جامع الأمهات، لابن الحاجب (1/ 30)، روضة الطالبين (1/ 11)، الوسيط، للغزالي (1/ 134)، المغني (1/ 12)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 40).

(4)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني (1/ 15)، البحر الرائق (1/ 71)، اللباب، للميداني (1/ 19).

(5)

انظر: عقد الجواهر (1/ 10)، جامع الأمهات (1/ 30)، التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب، للجندي (1/ 4).

ص: 26

والشافعية

(1)

، والحنابلة

(2)

.

القول الثاني:

قصد إلقاء التراب في الماء يسلبه الطهورية، وهو قول عند المالكية

(3)

، ووجه عند الشافعية

(4)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل – قصد إلقاء التراب في الماء لا يسلبه الطهورية- بما يلي:

الدليل الأوّل: التراب أحد الطهورين، فاختلاطه بالماء بقصد أو بغير قصد لا يؤثر في حكم الطهورية، فاختلاط التراب بالماء كاختلاط الماء بالماء

(5)

.

نوقش:

التراب لا يوافق الماء في صفة الطهورية، وإنما عُلقت به إباحة للضرورة عند عدم الماء

(6)

.

أجيب:

الصحيح تسمية التراب طهورًا

(7)

، قال الله تعالى:{وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}

(8)

.

الدليل الثاني: الماء المختلط بالتراب لم يزل عنه اسم الماء، كما أن معناه باقٍ، فهو ماء مطلق، والقصد أو عدمه لا أثر له في الحكم لأنه لم يغير في حقيقة الماء شيء، فلا اعتبار له

(9)

.

(1)

انظر: الوسيط (1/ 134)، المجموع، للنووي (1/ 102)، روضة الطالبين (1/ 11).

(2)

انظر: المغني (1/ 12)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 40)، الإنصاف، للمرداوي (1/ 40).

(3)

عقد الجواهر الثمينة (1/ 10)، جامع الأمهات (30).

(4)

الوسيط (1/ 134)، روضة الطالبين (1/ 11).

(5)

انظر: مطالب أولي النهى، للرحيباني (1/ 34).

(6)

انظر: نهاية المطلب، للجويني (1/ 15).

(7)

المجموع (1/ 102).

(8)

سورة المائدة، من الآية (6).

(9)

انظر: بدائع الصنائع، للكاساني (1/ 15).

ص: 27

الدليل الثالث: تغير الماء بالتراب فيه من الضرورة الظاهرة التي يتعذر معها صون الماء عن ذلك، فلا يؤثر على طهوريته، سواء كان بقصد أو بغير قصد

(1)

.

الدليل الرابع: كان السلف الصالح إذا رأوا ماء متغيرا بالتراب، لم يبحثوا عن سبب التغير لأن المتقرر عندهم الحكم بطهوريته

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل – قصد إلقاء التراب في الماء يسلبه الطهورية- بما يلي:

الدليل الأوّل: ما اختلط بغير قصد حكم بطهوريته للضرورة وهي الحرج ومشقة الصون، وهذا بخلاف ما قصد فيه المخالطة

(3)

.

يمكن أن يناقش الاستدلال:

لا أثر للقصد وعدمه في الحكم، وإنما المعتبر هو بقاء حقيقة الماء.

الدليل الثاني: القياس على المطعومات، فكما لو ألقي الطعام في الماء أثر في طهوريته فكذلك إذا ألقي التراب في الماء

(4)

.

نوقش:

التراب ليس من جنس الطعام، فلا يأخذ حكمه

(5)

.

الدليل الثالث: الماء الذي خالطه تراب عن قصد ليس بطهور، لإمكان صونه عنه، وقد خرج عن تسميته ماء بهذه المخالطة وإن لم يستجد له اسمًا منفردًا، وإنما حكم بطهورية الماء الذي خالطه

(1)

انظر: المرجع السابق (1/ 15).

(2)

الوسيط (1/ 134).

(3)

انظر: الذخيرة، للقرافي (1/ 170).

(4)

انظر: التوضيح لابن الحاجب، للجندي (1/ 6)، مواهب الجليل (1/ 57).

(5)

انظر: شرح مختصر خليل، للخرشي (1/ 65).

ص: 28

التراب بغير قصد للضرورة والحرج ومشقة الصون

(1)

.

نوقش:

ليس بصحيح، لأن الماء الذي خالطه التراب عن قصد يصدق عليه اسم الماء وهو باق على حقيقته

(2)

كالماء الذي خالطه التراب عن غير قصد، فلا أثر للقصد وعدمه في الحكم، وإنما المعتبر هو بقاء حقيقة الماء.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: قصد إلقاء التراب في الماء لا يسلبه الطهورية، وذلك لقوة ما علل به أصحاب هذا القول وسلامتها من المناقشة، وضعف تعليلات المخالفين لما ورد عليها من مناقشات، ولأن الاحتراز عن التراب فيه مشقة، والقاعدة أن "المشقة تجلب التيسير"

(3)

.

(1)

انظر: الذخيرة (1/ 170)، الفروع (1/ 82)، الإنصاف (1/ 98).

(2)

انظر: الوسيط (1/ 134).

(3)

الأشباه والنظائر، للسبكي (1/ 453)، التحبير شرح التحرير، للمرداوي (8/ 3847).

ص: 29

‌المطلب الثاني: لا فرق في التنجس بين يسير النجاسة وكثيرها.

‌صورة المسألة:

إذا وقعت في الماء أو الثوب ونحوهما نجاسة يسيرة، فهل يؤثر إدراك الطَّرْف لها وعدمه في الحكم بطهارتهما.

جاء في المغني: "ولا فرق بين يسير النجاسة وكثيرها، وسواء كان اليسير مما يدركه الطَّرْف أو لا يدركه من جميع النجاسات"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

دخول يسير النجاسة وكثيرها في عموم أدلة التنجيس التي لم تفرق بينهما.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على عدم العفو عن يسير النجاسة مما يدركه الطرف

(2)

.

2 -

واختلفوا في العفو عما لا يدركه الطرف

(3)

على قولين:

القول الأوّل:

يعفى عن يسير النجاسة مما لا يدركه الطرف، وهو مذهب الحنفية

(4)

، والمالكية

(5)

،

(1)

(1/ 24).

(2)

انظر: البحر الرائق (1/ 247 - 248)، شرح الخرشي (1/ 108)، الحاوي (1/ 293)، المغني (1/ 24).

(3)

ما لا تراه العين، كنجاسة احتملها ذباب بأرجله وأجنحته ثم سقط في ماء أو على ثوب، انظر: الحاوي (1/ 293).

(4)

انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي (1/ 73)، البحر الرائق (1/ 247، 248)، حاشية ابن عابدين (1/ 322 - 323).

(5)

انظر: التمهيد، لابن عبد البر (11/ 335)، شرح الزرقاني (1/ 80)، شرح الخرشي (1/ 108)، بلغة السالك (1/ 76).

ص: 30

والشافعية

(1)

، ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله

(2)

.

القول الثاني:

لا يعفى عن يسير النجاسة مما لا يدركه الطرف، وهو مذهب الحنابلة

(3)

، ووجه عند الشافعية

(4)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يعفى عن يسير النجاسة مما لا يدركه الطَّرْف - بما يلي:

الدليل الأوّل: قول الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}

(5)

.

وجه الدلالة من الآية:

ما لا يدركه الطَّرْف من النجاسات لا يمكن الاحتراز منه ويحصل بسببه الحرج والمشقة، لذا يعفى عنه ويتسامح فيه

(6)

.

نوقش هذا الاستدلال من وجهين

(7)

:

أ. ما ذكر من المشقة غير صحيح؛ لأن الحكم بالنجاسة لا يكون إلا عن علم بوجودها، ومع العلم لا فرق في المشقة بين ما يدركه الطَّرْف وما لا يدركه.

يمكن أن يجاب: العلم بالنجاسة وتحقق وجودها في الحالين لا خلاف فيه، وأما حصول المشقة

(1)

انظر: الوسيط (1/ 167)، المجموع (1/ 127)، روضة الطالبين (1/ 21).

(2)

انظر: الفروع (1/ 82)، الإنصاف (1/ 98).

(3)

واستثنوا الدم وما يتولد منه.

انظر: المغني (1/ 24)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 118)، كشاف القناع (1/ 190).

(4)

انظر: الحاوي، الماوردي (1/ 293)، نهاية المطلب (2/ 295)، البيان، للعمراني (1/ 32).

(5)

سورة الحج، من الآية (78).

(6)

انظر: حاشية الطحطاوي (1/ 157)، البيان، للعمراني (1/ 32)، المجموع (1/ 127).

(7)

انظر: المغني (1/ 24).

ص: 31

لا يُسلم بستوائه فيهما، والقول بالعفو عما لا يدركه الطرف، إنما كان لرفع الحرج، كما في الغبار الذي يصيب بدن الإنسان وهو ثائر من المزابل والنجاسات، بجامع مشقة الاحتراز منه

(1)

.

ب. إن المشقة حكمة لا يجوز تعليق الحكم بها لمجردها.

يمكن أن يجاب:

يجوز التعليل بالحكمة المجردة، إذا كانت وصفًا ظاهرًا مشتملًا على الحكمة المقصودة للشارع من شرع الحكم

(2)

.

الدليل الثاني: يمكن أن يستدل لهم بـ:

1 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه

(3)

، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزرموه

(4)

دعوه» فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له:«إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة وقراءة القرآن» أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأمر رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه

(5)

عليه"

(6)

.

(1)

انظر: نهاية المطلب (2/ 295).

(2)

انظر: الإحكام، للآمدي (3/ 202).

(3)

كلمة زجر ونهي، وهي اسم لفعل أمر معناه اكفف، انظر: العين، الفراهيدي (3/ 358)، مختار الصحاح، الرازي (1/ 300).

(4)

أي لا تقطعوا عليه بوله، انظر: النهاية، ابن الأثير (2/ 301).

(5)

أي صبه، انظر: لسان العرب، لابن منظور (1/ 242)، شرح النووي على مسلم (3/ 193).

(6)

رواه البخاري في كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله (8/ 12/ 6025)، ومسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد، وأن الأرض تطهر بالماء، من غير حاجة إلى حفرها (1/ 236/ 285)، واللفظ له.

ص: 32

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث دليل على أن قليل النجاسة لا يؤثر، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصب ذنوب من ماء على بول الأعرابي؛ - والذنوب الدلو الكبير – ومعلوم أن هذا الماء قد مازج البول وخالطه ومع ذلك فإن البقعة قد تطهرت به

(1)

.

2 -

عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقال له: إنه يستقى لك من بئر بضاعة، وهي بئر يلقى فيها لحوم الكلاب، والمحايض وعذر الناس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الماء طهور لا ينجسه شيء)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

بين الحديث أن الماء لاينجسه شيء، وقد وقع فيه ماهو ليس بيسير، كلحوم الكلاب وعذر الناس، ومع ذلك حكم بطهوريته، فمن باب أولى إن كانت النجاسة يسيرة لا يدركها الطرف

(3)

.

نوقش:

بأن هذا الحديث خارج محل النزاع، وذلك لأن المراد هنا "الماء الكثير، بقرينة محل الخطاب وهو بئر بضاعة"

(4)

.

يمكن أن يجاب: الحديث دليل في محل النزاع من طريق الأولى؛ لأن النجاسة الكثيرة لا حكم لها

(1)

انظر: شرح التلقين (1/ 219).

(2)

رواه أبو داود في كتاب الطهارة، باب ما جاء في بئر بضاعة (1/ 18/ 67)، والترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء (1/ 95/ 66)، وقال:"حديث حسن" وقال النووي في خلاصة الأحكام (1/ 65): "قال الإمام أحمد بن حنبل: هو صحيح"، وقال الذهبي في تنقيح التحقيق (1/ 15):"حسن"، وقال ابن الملقن في البدر المنير (1/ 381):"صحيح"، وقال الألباني في صحيح الترمذي (1/ 95):"صحيح".

(3)

انظر: شرح التلقين (1/ 219).

(4)

حاشية السندي (1/ 174).

ص: 33

ما لم تؤثر وتغير، فمن باب أولى النجاسة التي لا يدركها الطرف

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- لا يعفى عن يسير النجاسة مما لا يدركه الطَّرْف - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)}

(2)

.

وجه الدلالة من الآية:

الأمر بالتطهير في الآية ورد عام، لم يخص نجاسة دون أخرى

(3)

.

يمكن أن يناقش:

هذا العموم تخصصه أدلة رفع الحرج والمشقة.

الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه، ثم لينثر، ومن استجمر فليوتر، وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث أمر بغسل اليد قبل إدخالها في الإناء مع أن النجاسة محتملة، فدل ذلك على تأثيرها ولو مع قلتها والاحتمال، ولو لم يكن ثمت تأثير لما كان للأمر معنى

(5)

.

نوقش: بأن الأمر في الحديث إنما كان على سبيل الاحتياط والاستحباب

(6)

.

(1)

التنوير (3/ 525).

(2)

سورة المدثر، آية (4).

(3)

انظر: كشاف القناع (1/ 190).

(4)

رواه البخاري في كتاب الوضوء، باب الاستجمار وترًا (1/ 43/ 162)، ومسلم في كتاب الطهارة، باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثا (1/ 233/ 278) واللفظ للبخاري.

(5)

شرح التلقين (1/ 219)، العزيز (1/ 43)، إحكام الإحكام لابن دقيق العيد (1/ 70)، إرشاد الساري (1/ 304).

(6)

انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (1/ 253)، شرح العمدة لابن تيمية (1/ 176).

ص: 34

الدليل الثالث: ما لا يدركه الطَّرْف من النجاسة وقوعه متحقق، فيصير بمنزلة الكثير منها أو ما يدركه الطرف؛ لأنها نجاسة متيقنة

(1)

.

يمكن أن يناقش:

مع تحقق وقوع النجاسة في الحالين، إلا أن مدار الحكم على حصول المشقة.

ويمكن أن يستدل لهم بـ:

عن أبي هريرة-رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الأمر بتطهير الإناء دليل على أن النجاسة تؤثر وإن لم تدرك، أو يظهر لها طعمًا، ولا ريحًا، ولا لونًا

(3)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يعفى عن يسير النجاسة مما لا يدركه الطرف، وذلك لقوة ما استدل به أصحاب هذا القول، ويعضده ما اجمع عليه العلماء من أن "المشقة تجلب التيسير"

(4)

، وما لا يدركه الطَّرْف يشق الاحتراز منه، والقاعدة تقول:"الأمر إذا ضاق اتسع"

(5)

، والمعنى أنه "إذا ظهرت مشقة في أمر فإنه يرخص فيه ويوسع"

(6)

، ولا شك أن في القول بعدم العفو عن قليل النجاسة مما لا يدركه الطَّرْف

(1)

انظر: البيان للعمراني (1/ 32)، كفاية النبيه (1/ 155).

(2)

رواه مسلم في كتاب الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب (1/ 234/ 279).

(3)

انظر: اختلاف الحديث للشافعي (8/ 611).

(4)

الأشباه والنظائر، للسبكي (1/ 453)، التحبير شرح التحرير، للمرداوي (8/ 3847).

(5)

الأشباه والنظائر للسبكي (1/ 49)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (72).

(6)

القواعد الفقهية للزحيلي (1/ 272).

ص: 35

فيه مشقة شديدة، ولو قلنا بالتنجيس لأدى ذلك إلى حرج ومشقة، وما جعل الله تعالى علينا في الدين من حرج

(1)

.

(1)

انظر: النجم الوهاج (3/ 476).

ص: 36

‌المطلب الثالث: لا فرق بين البول القليل والكثير إذا وقع في البئر.

‌صورة المسألة:

إذا وقع في البئر بول، هل ينجس ماء البئر سواءً كان البول قليلًا أو كثيرًا؟

جاء في المغني: "ولا فرق بين البول القليل والكثير"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

القياس على سائر النجاسة، حيث إن سائر النجاسات إذا وقعت في البئر تَنجّس، لا فرق بين قليلها وكثيرها، فكذلك البول

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له لونًا أو طعمًا أو ريحًا، فإنه يتنجس

(3)

.

2 -

واختلفوا في تنجس ماء البئر بالبول القليل والكثير على أربعة أقوال:

القول الأوّل:

ماء البئر إن تغير بالبول نجس، وإلا فلا، سواء أكان قليلًا أو كثيرًا، وهو مذهب المالكية

(4)

،

(1)

(1/ 31).

(2)

انظر: المغني (1/ 31).

(3)

انظر: المحيط البرهاني (1/ 92)، تبيين الحقائق وحاشية الشلبي (1/ 21 - 23)، التفريع، لابن الجلاب (1/ 54)، المعونة (1/ 176)، الأم (1/ 17)، روضة الطالبين (1/ 20)، المغني (1/ 30)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 95) الإجماع لابن المنذر (1/ 35).

(4)

انظر: عيون الأدلة، لابن القصار (2/ 849 - 860)، المعونة (1/ 176)، البيان والتحصيل لابن رشد (1/ 37) شرح التلقين (1/ 216)، الفواكه الدواني، للنفراوي (1/ 124).

ص: 37

ورواية عند الحنابلة

(1)

، واختيار ابن تيمية

(2)

.

القول الثاني:

يتنجس ماء البئر بالبول القليل والكثير عند ملاقاته الماء، وهو مذهب الحنفية

(3)

، وقول للشافعية

(4)

.

القول الثالث:

يتنجس ماء البئر بملاقاة النجاسة؛ إن كان قليلًا، وإن كان قُلتين، لا يتنجس إلا بالتغيير، وهو مذهب الشافعية

(5)

، والحنابلة

(6)

.

القول الرابع:

ينجس ماء البئر إن كانت النجاسة بولًا أو عذرةً مائعة، وهو رواية عن الإمام أحمد

(7)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - ماء البئر إن تغير بالبول نجس، وإلا فلا، سواء أكان قليلًا أو كثيرًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)}

(8)

.

وجه الدلالة من الآية:

(1)

انظر: المغني (1/ 31)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 97)، المبدع، لابن مفلح (1/ 38).

(2)

انظر: مجموع الفتاوى (21/ 32).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 71)، تبيين الحقائق، الزيلعي وحاشية الشلبي (1/ 21، 95)، البناية (1/ 368).

وتحديد الماء عندهم أن يكون عشرة في عشرة.

(4)

انظر: الأم، للشافعي (1/ 18)، المهذب (1/ 19)، الغاية والتقريب، لأبي شجاع (3).

(5)

انظر: الأم، للشافعي (1/ 18)، المهذب (1/ 19)، الغاية والتقريب، لأبي شجاع (3).

(6)

انظر: المغني (1/ 30)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 95)، المبدع (1/ 36).

(7)

إلا أن يكون كالمصانع التي بطريق مكة مما لا يمكن نزحه.

انظر: المغني (1/ 3)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 104).

(8)

سورة الفرقان، من الآية (48).

ص: 38

الله عز وجل قد سمى الماء طهورًا، وأجمعت الأمة على أن الماء طاهر مطهر، وما كان طاهرًا مطهرًا يستحيل لحوق النجاسة به؛ لأنه إن لحقته لم يكن مطهرًا، فلو فسد بمجرد مماسة النجاسة لكان كبقية المائعات، ولم تحصل لأحد طهارة

(1)

.

الدليل الثاني: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ يُسْتَقَى لَكَ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا لُحُومُ الْكِلَابِ، وَالْمَحَايِضُ وَعَذِرُ النَّاسِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

قوله: (الماء طهور لا ينجسه شيء). اللفظ فيه عام لم يخص القليل من الكثير، فيبقى على عمومه إلا ما خصه الدليل

(3)

، كما في إحدى الروايات:(إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه)

(4)

.

نوقش:

(1)

انظر: التمهيد (1/ 303).

(2)

تقدم تخريجه ص 33.

(3)

انظر: عيون الأدلة (2/ 852 - 854)، شرح التلقين (1/ 219).

(4)

رواه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب الحياض (1/ 174) (521). قال النووي في المجموع شرح المهذب (1/ 110):"اتفقوا على ضعفه ونقل الإمام الشافعي رحمه الله تضعيفه عن أهل العلم بالحديث وبين البيهقي ضعفه وهذا الضعف في آخره وهو الاستثناء: وأما قوله الماء طهور لا ينجسه شئ فصحيح من رواية أبي سعيد الخدري"، وقال ابن الملقن في البدر المنير (1/ 401، 402): "فتلخص أن الاستثناء المذكور ضعيف، لا يحل الاحتجاج به، لأنه ما بين مرسل وضعيف

وابن الجوزي، قال في تحقيقه: هذا حديث لا يصح. فإذا علم ضعف الحديث، تعين الاحتجاج بالإجماع، كما قاله الشافعي والبيهقي، وغيرهما من الأئمة"، وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (ص 153): "أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف، وقد رواه بدون الاستثناء أبو داود والنسائي والترمذي من حديث أبي سعيد وصححه أبو داود وغيره"، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق ابن ماجه (1/ 327): "وهذه الزيادة لم تصح سندًا، وقد أجمع العلماء على العمل بها".

ص: 39

بئر بضاعة حكم بطهارتها لأنها كانت طريق للماء إلى البساتين، فيكون ماؤها ماءً جاريًا، والماء الجاري ينقل النجاسة عن موضعها، فيصبح ما بعده من الماء طاهرًا مطهرًا

(1)

.

أجيب:

لا يسلم بهذا؛ لأن الناس عرفوا هذه البئر وضبطوها في كتبهم، ولم يقل أحد إن ماءها كان جاريًا

(2)

.

ويمكن أن يناقش:

رواية: (إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه) ضعيفة لا يصح الاحتجاج بها

(3)

.

يمكن أن يجاب:

هذه الرواية مع القول بتضعيفها إلا أن الإجماع منعقد على العمل بها

(4)

.

الدليل الثالث: عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْ مَهْ

(5)

، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا تُزْرِمُوهُ

(6)

دَعُوهُ) فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ

قَالَ: فَأَمَرَ رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ

(7)

عَلَيْهِ"

(8)

.

(1)

انظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص (1/ 244).

(2)

عيون الأدلة (2/ 855).

(3)

انظر: التلخيص الحبير (1/ 17).

(4)

انظر: الإجماع لابن المنذر (ص: 35)، التمهيد لابن عبد البر (19/ 16)، إحكام الأحكام لابن دقيق (1/ 71).

(5)

كلمة زجر ونهي، وهي اسم لفعل أمر معناه اكفف، انظر: العين، الفراهيدي (3/ 358)، مختار الصحاح، الرازي (1/ 300).

(6)

أي لا تقطعوا عليه بوله، انظر: النهاية، لابن الأثير (2/ 301).

(7)

أي صبَّه، انظر: لسان العرب، لابن منظور (1/ 242)، شرح النووي على مسلم (3/ 193).

(8)

رواه البخاري في كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله (8/ 12)(6025)، ومسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد، وأن الأرض تطهر بالماء، من غير حاجة إلى حفرها (1/ 236)(285) واللفظ له.

ص: 40

وجه الدلالة من الحديث:

في الأمر بصب الماء على موضع البول دليل على أن الماء إذا خالط البول ومازجه لم ينجس، بل إنه إذا غلب عليه طهره ولا تضره الممازجة

(1)

.

الدليل الرابع: أن هذا ماء خالطه ما ينفك عنه غالبًا، فوجب أن يكون طاهرًا مطهرًا كما لو زاد عن القلتين، بجامع أن الكل لم يتغير بتلك المخالطة

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - يتنجس ماء البئر بالبول القليل والكثير عند ملاقته الماء - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

معلوم أن البول القليل في الماء الكثير لا يغير له لونًا ولا طعمًا أو ريحًا، ومع هذا منع منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عنه

(4)

.

نوقش:

الحديث نص في النهي عن البول في الماء الدائم، وليس فيه دليل على تنجسه به

(5)

، والنهي فيه إنما كان على سبيل الإرشاد والتنزيه والاحتياط، بدليل ما ذُكر من أدلة، ويكون في الماء القليل آكد منه في الكثير لإفساده له، لأن البول اليسير في الماء الكثير، لا يغير فيه شيئًا من أوصافه

(1)

انظر: التمهيد (1/ 330).

(2)

المنتقى للباجي (1/ 56).

(3)

رواه البخاري في كتاب الوضوء، باب البول في الماء الدائم (1/ 57)(239)، ومسلم في كتاب الطهارة، باب النهي عن البول في الماء الراكد (1/ 235)(282).

(4)

أحكام القرآن، للجصاص (3/ 442).

(5)

الحاوي (1/ 323).

ص: 41

الثلاثة

(1)

.

الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث نص في أن النجاسة لو تحققت لنجست الماء وإن لم تغيره له لونًا أو طعمًا أو ريحًا

(3)

.

نوقش:

الأمر في الحديث للندب والاستحباب لمن كانت يده طاهرة أو غير طاهرة

(4)

.

الدليل الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَاتٍ)

(5)

.

وجه الدلالة من الحديث:

الأمر بالإراقة والغسل دليل على تنجس الماء، ومعلوم أن الولوغ لا يغير لون الماء ولا طعمه ولا رائحته

(6)

.

الدليل الرابع: القياس على سائر المائعات، إذا خالطت شيء منها نجاسة، مُنع أكله وشربه، مستويًا في ذلك حكم القليل منه والكثير

(7)

.

(1)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 242)، عيون الأدلة (2/ 859)، إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض (2/ 105).

(2)

سبق تخريجه ص 34.

(3)

انظر: نهاية المطلب (1/ 230)، المحيط البرهاني (1/ 93).

(4)

التمهيد (6/ 236).

(5)

سبق تخريجه ص 35.

(6)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 241)، المجموع (1/ 117).

(7)

أحكام القرآن، للجصاص (3/ 442).

ص: 42

نوقش:

المائعات تفارق الماء في كونها لا تبلغ حدًا يتعذر حفظه وصونه عن النجاسة، فتنجس بحلولها فيها لإمكان صونها، بخلاف الماء

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل – يتنجس ماء البئر بملاقاة النجاسة؛ إن كان قليلًا، وإن كان قُلتين، لا يتنجس إلا بالتغيير - بما يلي:

الدليل الأوّل: عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْمَاءِ يَكُونُ بِالْفَلَاةِ مِنَ الْأَرْضِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ الدَّوَابِّ، وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ

(2)

لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل الحديث بمفهومه على أن الماء - ويدخل في ذلك ماء البئر- إذا كان دون قلتين- فإنه يتأثر بالنجاسة

(4)

، وإنما " ورد هذا مورد الفصل والتحديد بين المقدار الذي ينجس والذي لا ينجس، ويؤكد ذلك قوله: صلى الله عليه وسلم فإنه لا ينجس"

(5)

.

(1)

انظر: الحاوي (1/ 333).

(2)

القلة: هي الجبل والقطعة المستديرة في أعلاه، وهي أعلى الرأس، جمهرة اللغة، ابن دريد (1/ 164 - 2/ 976)، والقلتين في الحديث: واحدها قلة، والجمع قِلال، وهي الجرار، انظر: غريب الحديث، القسم بن سلام (2/ 237)، النهاية، ابن الأثير (4/ 104).

(3)

رواه أبو داود في كتاب الطهارة، باب ما ينجس الماء (1/ 17)(63)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب مقدار الماء الذي لا ينجس (1/ 172)(517) في سننهما، وقال الحاكم في المستدرك على الصحيحين (1/ 224):"صحيح على شرط الشيخان"، وقال البيهقي في السنن الكبرى (2/ 284):"هو موقوف"، وقال النووي في المجموع (1/ 112):"هذا الحديث حديث حسن ثابت من رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، والحديث ثابت ومحفوظ" وانظر: البدر المنير، ابن الملقن (1/ 409)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (1/ 21)، وقال الألباني في إرواء الغليل (1/ 191):"صحيح".

(4)

انظر: كفاية الأخيار، للحصني (16).

(5)

معالم السنن، للخطابي (1/ 36).

ص: 43

نوقش:

الحديث لم يصح، ففي سنده ومتنه اضطراب؛ لاختلاف الرواية فيه

(1)

، ولو صحَّ فإن "الحجة فيه ليست من جهة نصه، وإنما من جهة مفهومه، وإذا لم يكن مفهومه حجة، سقط الاحتجاج به فيما دون القلتين، وإن احتج بالمفهوم، ففي مقابلته قوله: صلى الله عليه وسلم: خلق الله الماء طهورًا

(2)

، والمنطوق مقدم على المفهوم"

(3)

.

أجيب:

الحديث ثابت ومحفوظ

(4)

، وهو مخصص للحديث المذكور

(5)

.

نوقش الجواب:

لا يصح تخصيص المنطوق بالمفهوم

(6)

.

الدليل الثاني: النجاسة إذا صعبت إزالتها، وشق الاحتراز منها، عُفي عنها، وإذا لم يشق الاحتراز لم يُعف، ومعلوم أن قليل الماء لا يشق حفظه، فكثيره يشق فعفي عما شقَّ دون غيره، وضبط الشرع حد القليل بقلتين، فتعين أن ماء البئر القليل ينجس بمجرد البول فيه لا فرق بين قليله وكثيره، وإذا بلغ قلتين لا ينجس إلا إذا أثَّر فيه البول، فغيَّر أحد أوصافه، وهي اللون، أو الطعم، أو الريح

(7)

.

نوقش:

(1)

انظر: التمهيد (1/ 329)، المسالك في شرح الموطأ، لابن العربي (2، 41).

(2)

المعلم بفوائد مسلم، للمازري (1/ 363).

(3)

الإحكام، للآمدي (4/ 254).

(4)

البدر المنير، لابن الملقن (1/ 409).

(5)

انظر: الحاوي (1/ 332)، المجموع (1/ 85).

(6)

انظر: التقريب والإرشاد، للباقلاني (3/ 256، 257)، شرح المشكاة، للطيبي (3/ 823).

(7)

انظر: المجموع، للنووي (1/ 116).

ص: 44

تحديد القليل بالقلتين فيه نظر؛ لأن القلة مجهولة، تُطلق ويراد بها قامة الرجل، وقد تذكر ويراد بها رأس الجبل، وتذكر ويراد بها الجرة، فلا يتعين أحدها إلا بدليل

(1)

.

وقد أجيب:

مع كون اللفظ مشتركًا، إلا أنه لا ينصرف لغير الأواني، لأنها أوعية الماء التي يقدر بها، وهو الأشهر في عرف الاستعمال

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الرابع القائل – ينجس ماء البئر إن كانت النجاسة بولًا أو عذرةً مائعة – بـ:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:(لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

النهي الوارد في الحديث يتناول القليل من البول والكثير وهو خاص فيه فيجمع بينه وبين حديث القلتين بحمل هذا على البول وحمل حديث القلتين على سائر النجاسات

(4)

.

نوقش:

التفريق بين بول الآدمي وعذرته وبين سائر النجاسات لا دليل عليه، فالحكم عام في جميع النجاسات

(5)

.

‌الترجيح:

(1)

انظر: المحيط البرهاني (1، 92).

(2)

انظر: الحاوي (1/ 328).

(3)

تقدم تخريجه ص 41.

(4)

الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 105).

(5)

الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 104/ 105)، مجموع الفتاوى، لابن تيمية (21/ 33).

ص: 45

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: ماء البئر إن تغير بالبول نجس، وإلا فلا، سواء أكان قليلًا أو كثيرًا؛ وذلك لقوة ما استدل به أصحاب هذا القول، ويعضده أن الأصل في الماء الطهارة، فلا يُنتقل عن هذا الأصل إلا بيقين، ولأن حديث: إذا بلغ الماء قلتين وهو العمدة عند المخالفين وردت عليه اعتراضات أضعفت الاحتجاج به.

ص: 46

‌المطلب الرابع: لا فرق بين النجاسة من ولوغ الكلب، وبين نجاسة يده أو غير ذلك من أجزائه.

‌صورة المسألة:

إذ ولغ الكلب في إناء أو لمسه بيديه أو رجله أو وقع فيه شعره أو أحد أجزائه، فهل يتنجس الإناء بكل ذلك أو يفرق بين الولوغ وغيره؟

جاء في المغني: "ولا فرق بين النجاسة من ولوغ الكلب، أو يده، أو رجله، أو شعره، أو غير ذلك من أجزائه؛ لأن حكم كل جزء من أجزاء الحيوان حكم بقية أجزائه"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

1 -

قياس أجزاء الكلب على سؤره.

2 -

أن ذلك حكم غيره من الحيوانات فكذلك الكلب

(2)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في النجاسة من سائر أجزاء الكلب هل تلحق بالنجاسة من ولوغه أو لا على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:

لعاب الكلب نجس، وسائر أجزائه طاهرة، وهو مذهب أبي حنيفة

(3)

.

(1)

(1/ 42).

(2)

الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 284).

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 48)، المحيط البرهاني، لابن مازة (1/ 103)، البحر الرائق، لابن نجيم (1/ 108)، رد المحتار على الدر المختار، لابن عابدين (1/ 209).

ص: 47

القول الثاني:

سائر أجزاء الكلب نجسة كلعابه، وهو مذهب الشافعية

(1)

، والحنابلة

(2)

، وقول محمد

(3)

، وأبو يوسف

(4)

من الحنفية

(5)

.

القول الثالث:

الكلب طاهر، لعابه وسائر أجزائه، وهو مذهب المالكية

(6)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - لعاب الكلب نجس، وسائر أجزائه طاهرة - بما يلي:

الدليل الأوّل: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَاتٍ)

(7)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الأمر بغسل الإناء سبعًا دليلٌ على تنجسه بالولوغ، والجمادات لا يلحقها تعبد، فلم يبق

(1)

انظر: مختصر المزني (8/ 101)، الحاوي، للماوردي (1/ 314)، فتح العزيز، للرافعي (1/ 260).

(2)

انظر: المغني (1/ 42)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 284)، الممتع، لابن المنجى (1/ 217).

(3)

محمد بن الحسن ابن فرقد الشيباني، أبو عبد الله، ولد بواسط سنة (132. هـ)، تفقه على أبي حنيفة، صنع الجامع الكبير والجامع الصغير وغيرهما، تولى القضاء وتوفي بالري سنة (189. هـ)، انظر: وفيات الأعيان (4/ 184)، سير أعلام النبلاء (7/ 555).

(4)

هو قاضي القضاة، المحدث، اسمه يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد الأنصاري الكوفي، ولد سنة (113 هـ)، لازم أبا حنيفة وتفقه بهوكان أنبل تلامذته، توفي سنة (182. هـ)، انظر: سير أعلام النبلاء (7/ 469 - 471).

(5)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 48)، بدائع الصنائع (1/ 74)، المحيط البرهاني، لابن مازة (1/ 103)، البحر الرائق (1/ 106، 107).

(6)

انظر: عيون الأدلة (2/ 732)، الإشراف (1/ 177)، المعونة، للقاضي عبدالوهاب (180).

(7)

تقدم تخريجه ص 35.

ص: 48

سوى أن الأمر لتنجس الإناء

(1)

ثم إن الأمر في الحديث اقتصر على الغسل من ولوغ الكلب دون غيره، فيعلم من ذلك أن المسكوت عنه عفو.

الدليل الثاني: طهارة جلد الكلب بالدباغ دليل على طهارة أجزائه

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - سائر أجزاء الكلب نجسة كلعابه - بما يلي:

الدليل الأوّل: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَاتٍ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

لولا نجاسة لعاب الكلب ما وجب غسل الإناء منه، وإذا ثبت أن لسانه ولعابه الذي هو عرق فمه نجس علم أن سائر أجزائه نجسة

(4)

؛ لأنه لما نص على نجاسة الفم مع أنه أشرف شيء من أجزائه فغيره بالنجاسة أولى

(5)

.

نوقش:

ليس في الأمر بالتطهير دليل على النجاسة، فالتطهير قد يقع على النجس وغير النجس، كما في الجُنُب فإنه أُمر بالغسل مع الحكم بطهارة ما مس ولاصق

(6)

.

الدليل الثاني: (نَهَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الكَلْبِ،

(1)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 48).

(2)

انظر: المرجع السابق (1/ 48).

(3)

تقدم تخريجه ص 35.

(4)

انظر: معالم السنن (1/ 39)، الكافي، لابن قدامة (1/ 40)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 284)، نيل الأوطار، الشوكاني (1/ 52).

(5)

الممتع في شرح المقنع، المنجى (1/ 217)، انظر: شرح التلقين (1/ 233).

(6)

انظر: التمهيد (18/ 273).

ص: 49

وَكَسْبِ الأَمَةِ، وَلَعَنَ الوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَلَعَنَ المُصَوِّرَ)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في تحريم ثمن الكلب دليل على نجاسته، ونجاسته تقتضي نجاسة جميع أجزاءه

(2)

.

نوقش:

النهي إنما كان على وجه التنزيه

(3)

.

الدليل الثالث: قال النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم في الهرة: (أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل نفي النبي صلى الله عليه وسلم لحكم النجاسة عن الهرة، وتعليله لذلك، على نجاسة الكلب، وذلك يشمل جميع أجزائه

(5)

.

يمكن أن يناقش:

النفي إنما كان لنجاسة لعاب الهرة، ولو دلَّ ذلك على نجاسة الكلب، فإن الدلالة لا تتجاوز نجاسة لعابه.

(1)

رواه البخاري في كتاب البيوع، باب ثمن الكلب (3/ 84)(2238).

(2)

انظر: الإيجاز في شرح سنن أبي داود، للنووي (319).

(3)

شرح التلقين (1/ 233).

(4)

رواه أبو داود في كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة (1/ 19)(75)، والترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء في سؤر الهرة (1/ 151)(92)، في سننهما، وقال:"هذا حديث حسن صحيح"، وقال العقيلي في الضعفاء الكبير (2/ 141):"وهذا إسناد ثابت صحيح"، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (1/ 92):"صحيح".

(5)

انظر: الحاوي (1/ 305).

ص: 50

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل - الكلب طاهر، لعابه وسائر أجزائه - بما يلي:

الدليل الأوّل: قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)}

(1)

.

وجه الدلالة من الآية:

الكلب من الجوارح، وقد أباح الله - تعالى - تعليمها والانتفاع بها في الصيد، وأكل ما صادته، وإباحتها دليل على طهارتها، وإلا لأمر بغسلها، ولما لم يأمر بغسل صيد الكلب من أثر لعابه، دل هذا على أنه طاهر

(2)

.

نوقش:

هذه الآية لا دلالة فيها على عدم نجاسة الكلب؛ لأن النجس قد يجوز الانتفاع به في حال الضرورة كالميتة، والآية وردت بالإباحة، فلو حكم بتنجيس ما أصابه بفمه لخرج مدلولها عن الإباحة إلى الحظر؛ لأن لعاب الكلب يسري فيما عضه من الصيد، فلا يمكن غسله فصار معفوا عنه، ولا ينكر العفو عن شيء من النجاسة للحوق المشقة في إزالته كدم البراغيث وأثر الاستنجاء

(3)

.

الدليل الثاني: قال رَسُولَ اللهِ-صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث دليل على إباحة الانتفاع بالكلب، وأكل ما صاده، ولو كان لعابه نجسًا لبين رسول

(1)

سورة المائدة، آية (4).

(2)

انظر: عيون الأدلة (2/ 733)، الإشراف (1/ 177)، المعونة، للقاضي عبدالوهاب (1/ 180).

(3)

الحاوي (1/ 305).

(4)

رواه البخاري في كتاب الوضوء، باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان (1/ 46)(175)، ومسلم في كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب الصيد بالكلاب المعلمة (3/ 1529)(1929).

ص: 51

الله ذلك لمن صيد له، فدل هذا على طهارته

(1)

.

الدليل الثالث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، لَيْسَ بِكَلْبِ مَاشِيَةٍ، أَوْ ضَارِيَةٍ

(2)

، نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث دليل على إباحة اقتناء الكلب والصيد به، كما أبيح ذلك في غيره من الجوارح، فصار كسائر الطاهرات التي أبيح لنا الانتفاع بها من غير ضرورة

(4)

.

الدليل الرابع: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحِيَاضِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، تَرِدُهَا السِّبَاعُ، وَالْكِلَابُ، وَالْحُمُرُ، وَعَنِ الطَّهَارَةِ مِنْهَا؟ فَقَالَ (لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا، وَلَنَا مَا غَبَرَ طَهُورٌ)

(5)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دلَّ هذا الحديث على طهارة الكلب من وجهين:

1 -

أنه جمع بين الكلاب والسباع، فلما كان السبع طاهرًا حُكم بطهارة ما جمع إليه.

2 -

أنه حكم بطهارة ما بقي من شرب الكلاب، ولم ينقل إلينا مقدار الباقي، ولو كان يختلف

(1)

انظر: عيون الأدلة (2/ 734)، شرح صحيح البخاري، لابن بطال (1/ 268)، الاستذكار (1/ 206).

(2)

ضارية: أي معتادة للصيد معلمة، انظر: شرح النووي على مسلم (10/ 238)، الكواكب الدراري، للكرماني (8/ 82).

(3)

رواه البخاري في كتاب الذبائح الصيد، باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية (7/ 87)(5480)، ومسلم في كتاب المساقاة، باب الأمر بقتل الكلاب، وبيان نسخه، وبيان تحريم اقتنائها إلا لصيد، أو زرع، أو ماشية ونحو ذلك (3/ 1201)(1574).

(4)

انظر: عيون الأدلة (2/ 734)، المنتقى للباجي (1/ 74).

(5)

رواه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب الحياض (1/ 173) (519). قال مغلطاي في الإعلام بسنته عليه السلام (546):"مداره على عبد الرحمن ابن زيد، وحديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف"، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه (1/ 75):"هذا إسناد ضعيف؛ عبد الرحمن بن زيد قال فيه الحاكم روى عن أبيه أحاديث موضوعة"، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجة (2/ 91):"ضعيف".

ص: 52

الحكم باختلاف القدر المتبقي من الماء لبينه صلى الله عليه وسلم

(1)

.

نوقش:

هذا الحديث محكوم بضعفه، ولو سُلِّم فإن الحياض غالبًا ما تكون كثيرة الماء، فلا يحصل تنجسها بالولوغ، ولو كانت قليلة وولغ فيها كلب، فغاية ما ينتهي إليه الحكم هو الشك في تنجسها به، والشك لا يوجب التنجيس

(2)

.

الدليل الخامس: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قَالَ: (كَانَتِ الكِلَابُ تَبُولُ، وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي المَسْجِدِ، فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

نفي الرش في الحديث أبلغ من نفي الغسل، ولفظ شيئًا نكرة دلت على العموم

(4)

، وهذا كله للمبالغة في طهارة سؤره إذ الغالب أن لعابه يصل إلى بعض أجزاء المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر ذلك ولم يأمر بغسله، فعلم أنه طاهر

(5)

.

نوقش: لا دلالة في الحديث على ما ذُكر؛ لأن طهارة المسجد متيقنة، والنجاسة مشكوك فيها، واليقين لا يزول بالظن فضلًا عن الشك.

ولو سُلِّم بدلالة الحديث على عموم طهارة الكلب، فلا تعارض بين دلالته ودلالة الحديث الصريح بإيجاب الغسل سبعًا من ولوغ الكلب، ثم إن القول بطهارة لعاب الكلب يلزم منه القول بطهارة بوله، لأن الغالب أنه يقع منه في المسجد، ولا قائل بذلك، فعلم أن الحديث متروك الظاهر

(1)

عيون الأدلة (2/ 737، 738).

(2)

انظر: الحاوي (1/ 305).

(3)

رواه البخاري في كتاب الوضوء، باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان (1/ 45)(174).

(4)

انظر: المستصفى، للغزالي (1/ 225)، الإحكام، للآمدي (2/ 197)، التقرير والتحبير، لابن أمير حاج (1/ 187).

(5)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، للكرماني (3/ 11).

ص: 53

كأن يكون ذلك في أول عهد الإسلام قبل ثبوت حكم النجاسة، والظاهر أن الغرض من إيراد الحديث هو الدلالة على جواز مرور الكلب في المسجد

(1)

.

الدليل السادس: كل حي نجسًا بعد الموت، فالحياة علة لطهارته، والكلب حي طاهر كسائر الحيوان"

(2)

.

نوقش:

الاستدلال بالحياة علة للطهارة غير صحيح؛ لأنه لما كان بعض الأموات طاهرًا جاز أن يكون بعض الأحياء نجسًا

(3)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: لعاب الكلب نجس، وسائر أجزائه طاهرة، وذلك لسلامة دليل هذا القول من المعارضة، وقوة دلالته على المراد، فقد جاءت السنة الصحيحة بغسل الإناء الذي أصابه لعاب الكلب، ولم تأمر بغسل ما أصابه سائر أجزاء جسمه، ولأن استدلال المخالفين لم يسلم من المناقشة، ولا ينتهض لمعارضة الأدلة الصريحة، ولأن المساواة بين اللعاب وجميع الأجزاء زيادة على النص، فقد جاء النص بنجاسة اللعاب فقط.

(1)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، للكرماني (3/ 11).

(2)

المعونة، للقاضي عبدالوهاب (1/ 180).

(3)

الإشراف (1/ 177)، الحاوي (1/ 305).

ص: 54

‌المطلب الخامس: لا فرق في طهارة شعر الحيوان بين حياته وموته.

‌صورة المسألة:

إذا انفصل شعر الحيوان عن أصله، فهل يحكم بطهارة الشعر أو نجاسته؟

جاء في المغني: "وكل حيوان فشعره مثل بقية أجزائه ما كان طاهرا فشعره طاهر، وما كان نجسا فشعره كذلك، ولا فرق بين حالة الحياة وحالة الموت"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

1 -

يظهر - والله أعلم - أن سبب عدم التفريق هو: تعليق الحكم بعين الحيوان لا بحاله، فما كانت عينه طاهرة فشعره طاهر، حيًا وميتًا، وما كانت عينه نجسة فشعره نجس، حيًا وميتًا.

2 -

استصحابًا لأصل الطهارة.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على أن شعر الحيوان المأكول المتصل به طاهر إن أخذ منه حال الحياة

(2)

.

2 -

واتفقوا على أن شعر الحيوان غير مأكول اللحم المتصل به طاهر

(3)

.

3 -

واختلفوا في حكمه إن كان منفصلًا أو كان الحيوان ميتًا على ثلاثة أقوال:

(1)

(1/ 60).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 203)، اللباب، للخزرجي (1/ 71)، البناية (1/ 423)، عيون الأدلة (2/ 915)، التنبيه، للتنوخي (1/ 231)، عقد الجواهر (1/ 11)، الذخيرة (1/ 184)، واستثنوا من ذلك الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما. انظر: الحاوي (1/ 66)، التهذيب، للبغوي (1/ 176)، المجموع، للنووي (1/ 236)، المغني (1/ 60)، الإنصاف، للمرداوي (1/ 181).

(3)

واستثنى الحنفية من ذلك الخنزير.

واستثنى الشافعية والحنابلة الكلب واخنزير والمتولد من أحدهما.

ص: 55

القول الأوّل:

شعر الحيوان طاهر - مطلقًا -، حيًّا كان أو ميتًا، وهو مذهب الحنفية

(1)

، والمالكية

(2)

، ووجه عند الشافعية

(3)

، ورواية عند الحنابلة

(4)

.

القول الثاني:

شعر الحيوان يتبع بقية أجزائه في الطهارة والنجاسة، حيًّا كان ذلك الحيوان أو ميتًا، وهو مذهب الحنابلة

(5)

، ووجه عند الشافعية

(6)

.

القول الثالث:

شعور جميع الحيوانات حال موتها نجسة، وهو مذهب الشافعية

(7)

، ورواية عند الحنابلة

(8)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - شعر الحيوان طاهر - مطلقًا -، حيًا كان أو ميتًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)}

(9)

.

(1)

وفي الخنزير عندهم رواية أنه نجس، وجوز أبو حنيفة شعر الخنزير للخرازين استعماله للضرورة.

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 203)، اللباب، الخزرجي (1/ 71)، البناية (1/ 423)

(2)

إذا جُز لا إذا نُتِف.

انظر: عيون الأدلة (2/ 915)، التنبيه، التنوخي (1/ 231)، عقد الجواهر (1/ 11)، الذخيرة (1/ 184).

(3)

انظر: نهاية المطلب (1/ 31)، البيان، للعمراني (1/ 75).

(4)

انظر: المغني (1/ 60)، الفروع وتصحيحه، لابن مفلح (1/ 191)، الإنصاف، للمرداوي (1/ 183).

(5)

انظر: المغني (1/ 60)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 184)، الإنصاف، للمرداوي (1/ 181).

(6)

انظر: الحاوي (1/ 68)، المهذب، للشيرازي (1/ 29)، المجموع (1/ 240، 241).

والمنفصل من المأكول فلا ينجس بالجز.

(7)

انظر: الحاوي (1/ 66)، التهذيب، للبغوي (1/ 176)، المجموع، للنووي (1/ 236، 241).

والمنفصل من غير المأكول نجس عندهم لحديث "ما أبين من حي فهو ميت".

(8)

انظر: المغني (1/ 59)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 181)، الإنصاف (1/ 180).

(9)

سورة النحل، آية (80).

ص: 56

وجه الدلالة من الآية:

دلت الآية على إباحة الانتفاع بأصواف وأوبار وأشعار الحيوانات، ولم تختص بشعر الميتة من المذكاة، فهو عام في الحي والميت، سواء أكان طاهرًا حال الحياة أو لا، والعام يبقى على عمومه حتى يرد المخصص أو أن يمنع منه دليل

(1)

.

نوقش هذا الاستدلال من أوجه:

أ. يحتمل أن تكون الآية محمولة على شعر الحيوان المأكول إذا ذُكي أو أخذ في حياته كما هو المعهود

(2)

.

ب. لفظ (من) ورد للتبعيض، فمنها ما يكون أثاثًا ومنها ما لا يكون أثاثًا، والبعض المراد هو الطاهر

(3)

.

أجيب عن هذه الاعتراضات:

بأن قصر الحكم على الحيوان المذكَّى أو ما أخذ شعره في حياته تحكم بلا دليل، فليس في الآية فصل بين الميتة والذكاة

(4)

.

ت. قوله: {وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} ، فيه إجمال، فالحين غير معلوم المدة، ويحتمل أن المعنى إباحتها إلى حين الموت

(5)

.

أجيب:

ليس في معنى الحين المذكور في الآية إجمال، وإنما أريد به: أنكم تنتفعون به مدة من الزمن لم

(1)

انظر: عيون الأدلة (2/ 916)، روضة الناظر، لابن قدامة (2/ 58).

(2)

انظر: الحاوي (1/ 70)، المجموع (1/ 237).

(3)

المرجعين السابقين.

(4)

انظر: بدائع الصنائع (5/ 142)، المحيط البرهاني (1/ 475).

(5)

انظر: الحاوي (1/ 70).

ص: 57

يُعينها عز وجل؛ لأن استعمال الناس يختلف بحسب حاجتهم، ويختلف أيضًا باختلاف ما استعمل له

(1)

.

الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلَاةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ؟) فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ: (إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

(إنما) حصر وقصر لحكم التحريم على الأكل، وفي هذا دليل على أن ما عداه لا يحرم الانتفاع به، ومن ذلك الشعر فإنه لا يؤكل، وإباحة الانتفاع به دليل طهارته

(3)

.

الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: (إِنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَيْتَةِ لَحْمَهَا وَأَمَّا الْجِلْدُ وَالشَّعْرُ وَالصُّوفُ فَلَا بَأْسَ بِهِ)

(4)

.

الدليل الرابع: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ({قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}

(5)

أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْمَيْتَةِ حَلَالٌ إِلَّا مَا أُكِلَ مِنْهَا، فَأَمَّا الْجِلْدُ وَالْقَرْنُ وَالشَّعْرُ وَالصُّوفُ وَالسِّنُّ وَالْعَظْمُ فَكُلُّ هَذَا حَلَالٌ لِأَنَّهُ لَا يُذَكَّى)

(6)

.

(1)

انظر: عيون الأدلة (2/ 920).

(2)

رواه مسلم في كتاب الحيض، باب طهارة جلود الميتة بالدباغ (1/ 276)(363).

(3)

انظر: عيون الأدلة (2/ 925)، اللباب، الخزرجي (1/ 71).

(4)

رواه الدارقطني في كتاب الطهارة، باب الدباغ (1/ 69)(118)، وقال:"عبد الجبار ضعيف"، وقال العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (3/ 160):"قال البيهقي: وقد روى عبد الجبار بن مسلم وهو ضعيف عن الزهري شيئا في معناه، وحديث أم سلمة مرفوعا: (لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ، ولا بشعرها إذا غسل بالماء) "، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (10/ 412):"ضعيف".

(5)

سورة الأنعام آية (145).

(6)

رواه الدارقطني في كتاب الطهارة، باب الدباغ (1/ 70)(120)، وقال:"أبو بكر الهذلي متروك". وقال العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (3/ 160): "قال يحيى بن معين: تفرد به أبو بكر الهذلي عن الزهري، وهو ليس بشيء".

ص: 58

وجه الدلالة من الحديثين:

لم يُستثنى في الحديث من الميتة بحكم التحريم شيء سوى الأكل، وفي هذا دليل على إباحة أجزاء الميتة ما عدا ما حرم أكله، مما يؤكد طهارة شعرها، وإذا طهر حال الموت، فطهارته حال الحياة أولى، إذ لا فرق.

نوقش:

هذان الحديثان محكوم بضعف إسنادهما وقد بُين ذلك في التخريج

(1)

.

الدليل الخامس: الشعر إذا قطع حال الحياة كان طاهرًا ويجوز الانتفاع به؛ بخلاف الجلد إذا قطع حال الحياة، فإذا كان الشعر طاهرًا في الحال التي لو قطع فيها الجلد كان نجسًا، فطهارته وجواز الانتفاع به في الحال التي يجوز فيها الانتفاع بالجلد من باب أولى

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - شعر الحيوان يتبع بقية أجزائه في الطهارة والنجاسة، حيًا كان ذلك الحيوان أو ميتًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا ثَوْبَانُ، اشْتَرِ لِفَاطِمَةَ قِلَادَةً مِنْ عَصَبٍ، وَسِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

ذِكر العاج

(4)

في الحديث يدل على إباحته وفي ذلك دليل على أن ما لا تحله الحياة كالشعر والعظم يكون طاهرًا في حال الحياة والموت، إن كان الحيوان طاهرًا حال الحياة

(5)

.

(1)

انظر: سنن البيهقي (1/ 23)، البناية (1/ 425).

(2)

عيون الأدلة (2/ 919).

(3)

رواه أبو داود في كتاب الترجل، باب ما جاء في الانتفاع بالعاج (4/ 87)(4213)، وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية (2/ 315):"هذا حديث لا يصح"، وقال الذهبي في تنقيح التحقيق (1/ 33)"حميد وشيخه مجهولان"، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (ص: 2): "ضعيف الإسناد منكر".

(4)

"العاج: عظم الفيل". لسان العرب (2/ 334).

(5)

عون المعبود شرح سنن أبي داود، للعظيم آبادي (11/ 181).

ص: 59

الدليل الثاني: عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ وصوفها وشعرها إذا غسل)

(1)

.

نوقش:

كلا الحديثين حكم بضعفهما فلا تقوم بهما حجة.

وحديث أم سلمة لو حكم بصحته فإنه يقتضي الإباحة ولا يدل على الطهارة، وفي اشتراط الغسل دليل على النجاسة

(2)

.

الدليل الثالث: الشعر لا تفتقر طهارته منفصلًا إلى ذكاة أصله، فلا يحكم بنجاسته عند موت الأصل، كأجزاء السمك والجراد

(3)

.

الدليل الرابع: الشعر لا تحله حياة ولا موت، فلا ينجس بموت الحيوان، كبيضه، فلو انفصل في الحياة كان طاهرًا، إن كان الحيوان طاهرًا

(4)

.

نوقش:

القياس على البيض قياس مع الفارق؛ لأن الشعر متصل بالحيوان اتصال خلقة، فينجس بالموت كالأعضاء؛ بخلاف البيض والحمل

(5)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل - شعور جميع الحيوانات حال موتها نجسة - بما يلي:

(1)

رواه الدارقطني في كتاب الطهارة، باب الدباغ (1/ 68)(116)، والبيهقي في كتاب الطهارة، باب المنع من الانتفاع بشعر الميتة، (1/ 37)(83)، وقال الدارقطني:"يوسف بن السفر متروك، ولم يأت به غيره"، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1/ 218):"رواه الطبراني في الكبير، وفيه يوسف بن السفر، وقد أجمعوا على ضعفه".

(2)

انظر: الحاوي (1/ 71).

(3)

المغني، لابن قدامة (1/ 59)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 181).

(4)

المرجعين السابقين.

(5)

انظر: البيان، للعمراني (1/ 76).

ص: 60

الدليل الأوّل: قول الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}

(1)

.

وجه الدلالة من الآية:

الآية نص في تحريم الميتة، والتحريم دليل على التنجيس، واللفظ عام يتناول الشعر وغيره

(2)

.

نوقش هذا الاستدلال من وجهين:

أ. الشعر لا يصدق عليه وصف الميتة، حيث إن الميتة وصف لما فارقته الحياة بلا ذكاة، والشعر ونحوه لا حياة له بدليل أنه لا يحس ولا يألم، فكيف يتصور أن يكون ميتة

(3)

.

أجيب:

بعدم التسليم فالشعر يصدق عليه وصف الميتة؛ لأن الميتة اسم لما فارقته الحياة بجميع أجزائه، ودليل حياته نموه حال حياة الحيوان، وعدم الألم ليس دليلا على عدم الحياة، لأن الألم قد يفقد من لحم العصب ولا يدل على عدم الحياة.

نوقش الجواب:

بأن ما ذُكِر منتقض بالبيض، والجنين فإن فيه حياة ولا ينجس بانفصاله عن الحيوان، كما هو الحال في بقية الأعضاء، ثم إن النمو ليس دليلًا على الحياة فالنباتات تنمو ولا تتنجس

(4)

.

ب. يسلم بأن هذه الآية عامة في الميتة، ولكن خصصتها آية النحل

(5)

، والخاص مقدم على العام.

أجيب:

ص: 61

كلتا الآيتين فيها عموم وخصوص، فآية النحل عامة في الحيوان الحي والميت، وآية المائدة

(1)

عامة في تحريم الميتة، فكل آية عامة من وجه خاصة من وجه فتساويتا من حيث العموم والخصوص: وكان التمسك بآية المائدة أولى لأنها وردت لبيان أن الميتة محرمة علينا، ووردت الأخرى للامتنان بما أحل لنا

(2)

.

نوقش الجواب:

1 -

التحريم في الآية يجوز أن يكون مختص بالأكل فلا يُسلّم بحرمة الانتفاع

(3)

.

2 -

يُسلّم بأن خصوص آية المائدة يقضي على عموم آية النحل، وخصوص آية النحل يقضي على عموم آية المائدة، ولكن العمل بآية النحل أولى لأن النص ورد بذكر الصوف والوبر والشعر الذي هو محل الخلاف وليس في آية تحريم الميتة ذكر صريح لذلك

(4)

.

الدليل الثاني: قال الله تعالى: {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)}

(5)

.

وجه الدلالة من الآية:

أثبت الله –عز وجل للعظام إحياء، والإحياء إنما يكون بحياة تعود بعد الموت، والشعر جزء متصل بالحيوان اتصال خلقة فأشبه الأعضاء

(6)

، فدلَّ هذا على نجاسة شعر الحيوان الميت.

نوقش:

قوله: {يُحْيِ الْعِظَامَ} لا يدل على سبق الحياة فيها، كما لا يدل قوله تعالى:{يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}

(7)

على سبق الحياة

(1)

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} .

(2)

الحاوي (1/ 70)، المجموع (1/ 236، 237).

(3)

انظر: البناية (1/ 424).

(4)

انظر: عيون الأدلة (2/ 919).

(5)

سورة يس، من الآية (78).

(6)

انظر: الحاوي (1/ 69)، الاصطلام، للسمعاني (1/ 131)، المجموع (1/ 238).

(7)

سورة الروم، من الآية (50).

ص: 62

في الأرض، والمراد بإحياء العظام إنبات لحمها لا حقيقة الإحياء، فليس فيما ذكر دليل على النجاسة

(1)

.

الدليل الثالث: قياس الموت على الحياة؛ بجامع أن كلًا منهما إذا حلَّ بالحيوان حلَّ بجميع أجزائه، فكما أنه حي بجميع أجزائه وأعضائه، كذلك إذا مات فهو ميت بجميع أجزائه وأعضائه؛ لأن كل جزء من الحيوان له قوة الاستمداد وصفة البقاء، وفيه الصلاح صفة الحياة، وعند انقطاع الاستمداد تكون له صفة الممات، وهذا ثابت لجميع أجزائه لا يختص بجزء دون جزء

(2)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: شعر الحيوان طاهر - مطلقًا - حيًّا كان أو ميتًا؛ وذلك لقوة أدلة أصحاب هذا القول والرد على الاعتراضات الواردة عليها، ومناقشة أدلة المخالفين مما أضعف الاستدلال بها، ولأن الأصل في الأشياء الطهارة، ولا ننتقل عن هذا الأصل إلا بدليل.

(1)

انظر: اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، للخزرجي (1/ 72)، البناية (1/ 427).

(2)

انظر: الاصطلام (1/ 131).

ص: 63

‌المطلب السادس: لا فرق بين الحجر الكبير الذي له ثلاث شعب وبين ثلاثة أحجار في التطهير.

‌صورة المسألة:

رجل استجمر بحجر واحد له ثلاثة شعب، فهل يجزئه في الاستنجاء؟

جاء في المغني: "والحجر الكبير الذي له ثلاث شعب يقوم مقام ثلاثة أحجار"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة

(2)

:

1 -

عدم تأثير عدد الأحجار واجتماعها أو تفرقها في حكم الإجزاء، فالمعول عليه هو الإنقاء.

2 -

اشتراك الثلاثة الأحجار والحجر الواحد ذي الثلاث شعب في المعنى الحاصل منهما.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء- رحمهم الله تعالى - على أن الاستجمار بثلاثة أحجار يجزئ في التطهير

(3)

.

2 -

واختلفوا في إجزاء الاستجمار بحجر كبير، ذي ثلاث شعب على قولين:

القول الأوّل:

يجزئ الاستجمار بحجر كبير، ذي ثلاث شعب، وهو مذهب الحنفية

(4)

، والمالكية

(5)

، والشافعية

(6)

، والحنابلة

(7)

.

(1)

(1/ 117).

(2)

انظر: المغني (1/ 117).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 19)، عقد الجواهر (1/ 41)، مختصر المزني (8/ 95)، المغني (1/ 113).

(4)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 352)، تحفة الفقهاء، للسمرقندي (1/ 10)، بدائع الصنائع (1/ 19)، الهداية، للمرغناني (1/ 39).

(5)

انظر: التنبيه، للتنوخي (1/ 245)، عقد الجواهر (1/ 41)، جامع الأمهات (1/ 54).

(6)

انظر: مختصر المزني (8/ 96)، الحاوي (1/ 166)، المهذب (1/ 58).

(7)

انظر: مختصر الخرقي (13)، المغني، لابن قدامة (1/ 117)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 227).

ص: 64

القول الثاني:

لا يجزئ الاستجمار بحجر كبير ذي ثلاث شعب، وهو قول عند المالكية

(1)

، ورواية عن أحمد

(2)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يجزئ الاستجمار بحجر كبير ذي ثلاث شعب - بما يلي:

الدليل الأوّل: عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْتَجْمِرْ ثَلَاثًا)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث يقتضي ثلاث مسحات دون عين الأحجار؛ لأن المقصود من الاستجمار ثلاثًا، هو حصول الإنقاء، فإذا استجمر بحجر له ثلاث شعب فقد حصل المقصود

(4)

.

الدليل الثاني: إن استجمر ثلاثًا منقية بما وجدت فيه شروط الاستجمار، أجزأه، ولو فصل الحجر ذي الثلاث شعب فصارت ثلاثة صغارًا واستجمر بها لأجزأت، إذ لا فرق بينهما إلا الفصل ولا أثر لذلك في التطهير

(5)

.

الدليل الثالث: القياس على ما لو مسح ذكره في ثلاثة مواضع من صخرة عظيمة، بجامع حصول معنى الإنقاء في الجميع، فلا معنى للجمود على اللفظ مع وجود ما يساويه من كل

(1)

التنبيه، التنوخي (1/ 245، 246)، عقد الجواهر الثمينة (1/ 41)، جامع الأمهات (1/ 54).

(2)

انظر: المغني (1/ 117)، الأنصاف (1/ 230).

(3)

رواه أحمد في المسند (5/ 2742)(15529)، وابن خزيمة في صحيحه (1/ 42)(76) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، (1/ 211):"رواهما أحمد، ورجاله ثقات". وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (5/ 397): "وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم".

(4)

انظر: البيان، للعمراني (1/ 219)، المغني (1/ 117).

(5)

انظر: الحاوي (1/ 173)، المغني (1/ 117)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 227).

ص: 65

وجه

(1)

.

الدليل الرابع: المقصود هو تكرار المسح حتى الإنقاء، لا تكرار الممسوح به، فالمعتبر عدد المسحات، لا عدد الأحجار، لقوله:(لا يكتفي أحدكم بدون ثلاث)

(2)

.

الدليل الخامس: لو كان العدد معتبرًا في الأحجار، لوجب في الاستنجاء بالماء

(3)

.

نوقش الاستدلال من وجهين:

أ. عدم التسليم بقياس الحجر على الاستنجاء بالماء؛ لأن الماء يزيل العين والأثر جميعًا، والحجر إنما يزيل العين دون الأثر، فالاستنجاء بالماء أبلغ في الإنقاء

(4)

.

أجيب:

هذا يدل على أن المعتبر الإنقاء، لا العدد، وقد حصل بالحجر الذي له ثلاث شعب

(5)

.

ب. الإنقاء هو المراد، والعدد عبادة، كما أن المعتبر في العدة هو الاستبراء، ويقع بحيضة واحدة، ولابد فيها من استيفاء العدد

(6)

.

أجيب:

1 -

الاستبراء لا يقتصر على الحيضة الأولى دون الأخريين؛ لاحتمال وقوع وطء بعد الحيضة الأولى، فيحتاج إلى الاستبراء، وكذلك في الثانية، وليس الاستنجاء كذلك

(7)

.

2 -

القياس على العدة فاسد، ويبطل بعدة اليائسة والصغيرة، فهي تجب لمجرد العبادة، ولا يجب

(1)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 18، 19)، المغني (1/ 117)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/ 230)، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي (1/ 41).

(2)

انظر: الحاوي (1/ 173)، المهذب (1/ 58)، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي (1/ 40)، كشاف القناع (1/ 69).

(3)

انظر: شرح مختصر الطحاوي، الجصاص (1/ 352)، عيون الأدلة (1/ 393).

(4)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 353)، انظر: عيون الأدلة (1/ 389).

(5)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 353)، عيون الأدلة (1/ 389، 390).

(6)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 353)، عيون الأدلة (1/ 391)، البناية (1/ 754).

(7)

شرح مختصر الطحاوي (1/ 353).

ص: 66

الاستنجاء بوجه إلا لإزالة النجاسة

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل – لا يجزئ الاستجمار بحجر كبير، ذي ثلاث شعب - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ سَلْمَانَ الفارسي- رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ لَهُ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ: فَقَالَ: أَجَلْ (لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث دليل على أنه لا يجزئ في الاستجمار سوى ثلاثة أحجار؛ لأنه عليه الصلاة والسلام نص عليها، وعلق الإجزاء بها

(3)

.

نوقش:

دلالة الحديث تقتضي ثلاث مسحات بحجر دون عين الأحجار، -ويفسر ذلك حديث جابر السابق- كما لو قيل: ضربته ثلاثة أسواط، والمراد ثلاث ضربات بسوط؛ لأن معناه معقول ومراده معلوم، ويؤكد ذلك عدم الاقتصار على لفظ الأحجار فيما يصح به الاستجمار بل أجيز الخشب والخرق والمدر

(4)

، وإنما قيد العدد بالثلاثة لأنه الغالب، لا لأنه شرط

(5)

.

الدليل الثاني: إذا استجمر بالحجر ذي الثلاث شعب فإنه يتنجس؛ فلا يجوز الاستجمار به

(1)

شرح مختصر الطحاوي، للجصاص (1/ 353)، البناية (1/ 754).

(2)

رواه مسلم في كتاب الطهارة، باب الاستطابة (1/ 223)(262).

(3)

انظر: المبدع (1/ 73).

(4)

المغني (1/ 117)، شرح منتهى الإرادات (1/ 40).

(5)

انظر: البناية (1/ 753)، فتح القدير (1/ 214)، البدر التمام شرح بلوغ المرام، للمغربي (1/ 76).

ص: 67

مرة ثانية كالحجر الصغير

(1)

.

نوقش الاستدلال من وجهين:

أ. إنما يتنجس من الحجر ما أصابته النجاسة، والاستجمار، حاصل بغيره، فأشبه ما لو تنجس جانبه بغير الاستجمار.

ب. لو استجمر بالحجر ذي الثلاث شعب ثلاثة أشخاص، لحصل لكل واحد منهم مسحة وقام مقام ثلاثة أحجار فكذلك إذا استجمر به الواحد

(2)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يجزئ الاستجمار بحجر كبير ذي ثلاث شعب، وذلك لوجاهة استدلال أصحاب هذا القول وسلامته، في مقابلة ضعف استدلال المخالف.

(1)

المغني، لابن قدامة (1/ 117)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 227)، المبدع (1/ 173).

(2)

المغني، لابن قدامة (1/ 117)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 227).

ص: 68

‌المبحث الثاني: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في سنن الفطرة والوضوء والمسح على الخفين

وفيه خمسة مطالب:

المطلب الأول: لا فرق في غسل اليدين إذا قام النائم من نومه، بين كونها مطلقة أو مشدودة.

المطلب الثاني: لا فرق بين المستحاضة ومن به سلس البول في المسح على الخفين.

المطلب الثالث: لا فرق في الخارج من غير السبيلين بين قليله وكثيره.

المطلب الرابع: لا فرق في نقض الوضوء بمس الفرج بين العامد و غيره.

المطلب الخامس: لا فرق في نقض الوضوء بأكل لحم الجزور بين قليله وكثيره والنيئ وغيره.

ص: 69

‌المطلب الأول: لا فرق في غسل اليدين إذا قام النائم من نومه، بين كونها مطلقة أو مشدودة.

‌صورة المسألة:

إذا استيقظ النائم من نومه وأراد الوضوء فما حكم غسل يديه قبل غمسها في الإناء؟ وهل هناك فرق بين كونها مطلقة أو مشدودة، أو كان على الرجل سراويل؟

جاء في المغني: "ولا فرق بين كون يد النائم مطلقة أو مشدودة بشيء، أو في جراب، أو كون النائم عليه سراويله أو لم يكن"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر والله أعلم أن سبب الإلحاق هو: عموم حديث أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ)

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على سنيَّة غسل اليدين لغير القائم من النوم أول الوضوء

(3)

.

2 -

واختلفوا في وجوب غسل اليدين أول الوضوء للقائم من النوم على ثلاثة أقوال:

(1)

(1/ 75).

(2)

سبق تخريجه ص 34.

(3)

انظر: البحر الرائق (1/ 18)، حاشية ابن عابدين (1/ 110)، انظر: التبصرة، للخمي (1/ 16)، مواهب الجليل (1/ 242)، نهاية المطلب (1/ 64)، فتح العزيز (1/ 394)، المغني (1/ 73)، الإنصاف (1/ 277).

ص: 70

القول الأوّل:

غسل اليدين قبل الوضوء سنة - مطلقًا - للقائم من النوم، سواءً أكانت يده مطلقة أو مشدودة، أو في جراب، أو النائم عليه سراويله، وهو مذهب الحنفية

(1)

، والمالكية

(2)

، والشافعية

(3)

، ورواية عند الحنابلة

(4)

.

القول الثاني:

غسل اليدين قبل الوضوء واجب على القائم من النوم - مطلقًا -، وإن تيقن طهارتهما، سواءً أكانت يده مطلقة أو مشدودة، أو في جراب، أو النائم عليه سراويله، وهو قول الحسن البصري

(5)

.

القول الثالث:

غسل اليدين واجب عند الوضوء على القائم من نوم الليل، وهو مذهب الحنابلة

(6)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - غسل اليدين قبل الوضوء سنة – مطلقًا-، للقائم من النوم، سواءً أكانت يده مطلقة أو مشدودة، أو في جراب، أو النائم عليه سراويله - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}

(7)

.

الدليل الثاني: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأعرابي: (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ، ثُمَّ تَشَهَّدْ فَأَقِمْ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ، وَإِلَّا فَاحْمَدِ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ

(1)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 20)، البناية (1/ 185)، البحر الرائق (1/ 18).

(2)

انظر: المعونة (1/ 120)، بداية المجتهد، ابن رشد (1/ 16)، الذخيرة (1/ 273).

(3)

انظر: الحاوي (1/ 101)، الوسيط (1/ 276، 281)، البيان للعمراني (1/ 110).

(4)

انظر: المبدع (1/ 87)، الإنصاف (1/ 279).

(5)

انظر: المغني (1/ 73)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 71).

(6)

انظر: المغني (1/ 73)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 71)، المبدع (1/ 87).

(7)

سورة المائدة، من الآية (6).

ص: 71

وَهَلِّلْهُ

)

(1)

.

وجه الدلالة من الآية والحديث: -أمر الله عز جل بغسل الأربعة أعضاء ولم يأمر بغسل اليدين قبلها، ولو كان يجب غير ذلك لبيّنه

(2)

.

نوقش:

آلة التطهير هي اليد، فوجب غسلها لأن "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"

(3)

.

أجيب:

القول بالوجوب ممتنع؛ لأن اليد طاهرة حقيقةً وحكمًا، طهارة متيقنة فلا تزول بالشك

(4)

.

الدليل الثالث: عن أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ)

(5)

.

وجه الدلالة من الحديث:

ذكر علة الغسل فيه تنبيهًا على المقصود منه وهو الاحتياط، وقوله:(أين باتت يده) خرج مخرج الغالب؛ لأن الأصل هو الطهارة فلا تثبت النجاسة بالاحتمال وطروء الشك، وتوهم النجاسة يناسبه الندب واستحباب الغسل، فلا تجب الطهارة إلا بدليل

(6)

.

(1)

رواه الترمذي في أبواب الصلاة، باب ما جاء في وصف الصلاة (2/ 100)(302)، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود (1/ 228) (861) في سننهما. وقال الترمذي:"حديث حسن، وقد روي عن رفاعة هذا الحديث من غير وجه"، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (1/ 302):"صحيح".

(2)

انظر: عيون الأدلة (1/ 84)، تفسير القرطبي (6/ 83).

(3)

المستصفى، الغزالي (1/ 57)، المنثور في القواعد، الزركشي (1/ 219).

(4)

انظر: البناية (1/ 185، 186)، البحر الرائق (1/ 18)، الكافي، لابن قدامة (1/ 59).

(5)

تقدم تخريجه ص 34.

(6)

انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (1/ 253)، بدائع الصنائع (1/ 20)، المجموع (1/ 349)، شرح العمدة، لابن تيمية (176).

ص: 72

الدليل الرابع: غسل اليدين واجب على المحدث وهو من فروض الوضوء، وفي إيجابه عند الاستيقاظ من النوم مرة، ومرة عند الوضوء، إيجاب له عند الحدث مرتين

(1)

.

الدليل الخامس: العضو الذي لم يلزم غسله في الوضوء من غير نوم، لا يلزم غسله في الوضوء بسبب النوم كسائر أعضاء الجسد

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - غسل اليدين قبل الوضوء واجب على القائم من النوم - مطلقًا -، وإن تيقن طهارتهما، سواءً أكانت يده مطلقة أو مشدودة، أو في جراب، أو النائم عليه سراويله - بما يلي:

الدليل الأوّل: عن أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

-النهي الوارد في الحديث يفيد المنع، وإلا لم يكن لنهيه فائدة

(4)

.

-الأمر بالغسل يقتضي الوجوب، وعلته التعبد، فيعم الوجوب كل من تناوله الخبر

(5)

.

الدليل الثاني: الحكم إذا تعلق على المظنة لم يعتبر حقيقة الحكمة، كالعدة الواجبة لاستبراء الرحم، تجب في حق الآيسة والصغيرة، وكذاك الاستبراء، مع أن احتمال النجاسة لا ينحصر في مس الفرج، فإنه قد يكون في البدن بثرة أو دمل، وقد يحك جسده فيخرج منه دم بين أظفاره، أو

(1)

انظر: الحاوي (1/ 102)، بدائع الصنائع (1/ 20).

(2)

انظر: عيون الأدلة (1/ 177، 178)، الحاوي (1/ 102).

(3)

تقدم تخريجه ص 34.

(4)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 67، 68)، مطالب أولي النهى (1/ 38).

(5)

انظر: المغني، لابن قدامة (1/ 73)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 278، 279).

ص: 73

يخرج من أنفه دم، وقد تكون نجسة قبل نومه فينسى نجاستها لطول نومه

(1)

.

نوقش:

النوم إن كان حدثًا فهو كالبول، وإن كان سببًا للحدث فهو كاللمس، وهما لا يوجبان غسل اليدين قبل غمسها في الإناء، فكذلك النوم

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل - غسل اليدين واجب عند الوضوء على القائم من نوم الليل - بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث دليل على أن الأمر مختص بنوم الليل دون ننوم النهار، وذلك مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم (أين باتت يده)، والمبيت لا يكون إلا بالليل

(4)

.

نوقش الاستدلال من أوجه:

أ. لفظ المبيت قد يستعمل للفعل ولو كان نهارًا، كقول بات القوم يدبرون أمر كذا

(5)

.

يمكن أن يجاب:

بعدم التسليم؛ لأن المتقرر في لغة العرب أن البيات والتبييت والمبيت لا يكون إلا ليلًا

(6)

.

(1)

المغني، لابن قدامة (1/ 75)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 279).

(2)

انظر: عيون الأدلة (1/ 179)، المعونة (1/ 121).

(3)

تقدم تخريجه ص 34.

(4)

انظر: المغني (1/ 73)، الشرح الكبير، لابن أبي الفرج (1/ 71)، مطالب أولي النهى (1/ 92).

(5)

انظر: المحلى (1/ 201).

(6)

انظر: جمهرة اللغة (2/ 1016)، لسان العرب (2/ 16).

ص: 74

أُعترض على الجواب:

البيتوتة الدخول في الليل ولو من غير نوم، جاء في العين:"من فسر بات على النوم فقد أخطأ"

(1)

، وإنما ذكره في الحديث لأنه الغلب

(2)

.

ب. لم يأمر الله عز وجل بغسل اليد عند القيام للصلاة، في قوله: "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم لإلى الصلاة

" وهو يشمل كل قيام ومنه القيام من نوم الليل

(3)

.

ت. قياس نوم الليل على نوم النهار؛ بجامع أن كلًا منهما قائم من النوم ولم يتيقن النجاسة

(4)

.

أجيب: هذا القياس لا يصح لسببين

(5)

:

1 -

الأمر بالغسل للقائم من نوم الليل ثبت تعبدًا، فلا يصح قياس غيره عليه.

يمكن أن يناقش:

بأن ثبوت الحكم تعبدًا ليس محل اتفاق، فلا يستقيم هذا الجواب.

2 -

نوم الليل مظنة لإصابة النجاسة أكثر من نوم النهار.

يمكن أن يناقش:

مظنة إصابة النجاسة هي علة الحكم، ويد النائم تطوف على بدنه في نوم النهار كما تطوف في نوم الليل، والتعليل باشك لا يوجب الغسل

(6)

.

(1)

(8/ 138).

(2)

انظر: المجموع (1/ 349).

(3)

انظر: شرح الزركشي (1/ 169)، المبدع (1/ 87)، فتح القدير، للشوكاني (2/ 21).

(4)

انظر: عيون الأدلة (1/ 83)، الذخيرة (1/ 274).

(5)

انظر: المغني (1/ 73)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 71).

(6)

انظر المنتقى للباجي (1/ 48).

ص: 75

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: غسل اليدين قبل الوضوء سنة - مطلقًا - للقائم من النوم، سواءً أكانت يده مطلقة أو مشدودة، أو في جراب، أو النائم عليه سراويله، وذلك لوجاهة استدلال أصحاب هذا القول والرد على الاعتراضات الواردة عليه، وضعف استدلال قول المخالفين، ولأن قول من فرق بين نوم الليل ونوم النهار مع وجاهته، إلا أن الاعتراضات الواردة على استدلاله أضعفت قولهم.

ص: 76

‌المطلب الثاني: لا فرق بين المستحاضة ومن به سلس البول في المسح على الخفين.

‌صورة المسألة:

كيفية المسح على الخفين ومدته وأحكامه هل يستوي فيها المستحاضة ومن به سلس بول أم لا؟

جاء في المغني: "والرجل والمرأة في ذلك سواء، يعني في المسح على الخفاف، وسائر أحكامه وشروطه

ولا فرق بين المستحاضة ومن به سلس البول وغيرهما"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

دخولهما في عموم الحديث الذي نصه (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا أَنْ يَمْسَحَ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء -رحمهم الله تعالى- على عدم التفريق بين المستحاضة ومن به سلس بول في أحكام المسح على الخفين

(3)

.

2 -

واختلفوا في كيفيته ومدته لهما، على أربعة أقوال:

(1)

(1/ 218).

(2)

رواه النسائي في كتاب الطهارة، التوقيت في المسح على الخفين للمقيم والمسافر (1/ 124)(130)، وأبو يعلى في مسنده، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1/ 229) (264). قال ابن عبد البر في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (11/ 143):"من رفعه أحفظ وأثبت وأرفع ممن وقفه"، وقال الجورقاني في الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير (1/ 571):"هذا حديث صحيح".

(3)

انظر: الهداية، للمرغناني (1/ 34)، التمهيد، لابن عبد البر (16/ 96)، المجموع (1/ 471)، المغني (1/ 218).

ص: 77

القول الأوّل:

يجوز للمستحاضة ومن به سلس بول المسح على الخفين - مطلقًا - كغيرهما ممن لا عذر له، وهو مذهب المالكية

(1)

، والحنابلة

(2)

، وقول زفر

(3)

من الحنفية

(4)

.

القول الثاني:

لا يجوز للمستحاضة ومن به سلس بول المسح على الخفين - مطلقًا -، وهو وجه عند الشافعية

(5)

.

القول الثالث:

يجوز للمستحاضة ومن به سلس البول المسح على الخفين، لفريضة واحدة وما أرادا من النوافل، وهو الأصح عند الشافعية

(6)

.

القول الرابع:

يجوز للمستحاضة ومن به سلس بول المسح على الخفين ما دام الوقت باقيًا، فإذا خرج الوقت وجب الغَسل، وهو مذهب الحنفية

(7)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يجوز للمستحاضة ومن به سلس بول المسح على الخفين - مطلقًا - كغيرهما ممن لا عذر له - بما يلي:

الدليل الأوّل: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: " كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله

(1)

انظر: المدونة (1/ 144)، شفاء الغليل، للمكناسي (1/ 152)، مواهب الجليل (1/ 318).

(2)

انظر: المغني (1/ 218)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 390)، الفروع وتصحيحه (1/ 211).

(3)

هو زفر بن الهذيل بن قيس بن مسلم العنبري، أبو الهذيل، ولد سنة (110 هـ)، تفقه على أبي حنيفة وهو أكبر تلامذته، جمع بين العلم والعبادة، توفي سنة (158 هـ)، انظر: سير أعلام النبلاء (7/ 144، 145).

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 105)، المحيط البرهاني (1/ 179)، البناية (1/ 577).

(5)

انظر: التعليقة (1/ 523)، نهاية المطلب (1/ 292)، بحر المذهب للروياني (1/ 296).

(6)

انظر: الحاوي (1/ 368)، فتح العزيز (2/ 368)، المجموع (1/ 515، 516).

(7)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 105)، البناية (1/ 577)، البحر الرائق (1/ 227).

ص: 78

عليه وسلم - (يَأْمُرُنَا أَنْ يَمْسَحَ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث عام في جواز المسح على الخفين، وهو يشمل المستحاضة ومن به سلس بول وغيرهما، ولم يرد تخصيص أو استثناء لذلك العموم

(2)

.

الدليل الثاني: يشترط للمسح على الخفين لبسهما على طهارة كاملة، وصاحب الحدث الدائم طهارته

(3)

في الشرع كاملة معتبرة، فجاز له المسح كغيره

(4)

.

الدليل الثالث: المسح على الخفين رخصة للمضطر وغير المضطر، وهما أحق من يترخص بذلك

(5)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - لا يجوز للمستحاضة ومن به سلس بول المسح على الخفين مطلقًا – بـ:

أن اللبس حصل مع الحدث، والصلوات إنما جازت مع الحدث الدائم للضرورة، ولا ضرورة هنا، بل هي رخصة وشرطها اللبس على طهارة كاملة، وطهارة صاحب الحدث الدائم ناقصة

(6)

.

نوقش:

(1)

تقدم تخريجه ص 77.

(2)

انظر: المغني (1/ 218).

(3)

اختلف فيها الفقهاء على أقوال تتلخص فيما يلي:

القول الأول: طهارة صاحب الحدث الدائم معتبرة ولا تنتقض ما لم يحدث حدثًا آخر غير حدثه الدائم، وإليه ذهب المالكية. انظر: التمهيد (16/ 98).

القول الثاني: طهارته معتبرة ما دام الوقت باقيًا، فلا تنتقض بذلك الحدث، حتى يخرج الوقت، وإليه ذهب الحنفية، والحنابلة. انظر: الهداية (1/ 34)، مطالب أولي النهى (1/ 264).

القول الثالث: طهارته معتبرة لفريضة واحدة وإليه ذهب الشافعية، انظر: المجموع (1/ 471).

(4)

انظر: المحيط البرهاني (1/ 179)، مواهب الجليل (1/ 318)، المغني (1/ 208)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/ 383).

(5)

انظر: المغني (1/ 208).

(6)

انظر: نهاية المطلب (1/ 292)، فتح العزيز (2/ 368)، المجموع (1/ 515).

ص: 79

يقاس ما يتجدد على صاحب الحدث الدائم حال عذره من استحاضة وسلس بول على ما يتجدد عليه من حدث حال الطهارة الكاملة

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل - يجوز للمستحاضة ومن به سلس البول المسح على الخفين، لفريضة واحدة وما أرادا من النوافل - بما يلي:

الدليل الأوّل: طهارة الغَسل التي لُبس عليها الخفين لا تستباح بها أكثر من فريضة واحدة، حيث إن المستحاضة ومن به سلس بول يتوضآن لكل صلاة، فلم يستبيحا بالمسح عليها أكثر منها، وإنما استبيحت تلك الفريضة؛ لأنه يحكم بطهرهما حينها

(2)

.

يمكن أن يناقش الاستدلال من وجهين:

أ. لا تعارض بين استباحة الصلاة بالمسح وبقاء مدته، فإن مدة المسح لا تبطل بالحدث ولا بخروج الوقت

(3)

.

ب. الأمر بالوضوء حال السيلان مع عدم الحدث إنما كان على وجه الاستحباب

(4)

.

يمكن أن يجاب عنه:

القول بأن الأمر للاستحباب ليس محل اتفاق، فهناك من قال أنه للوجوب

(5)

.

الدليل الثاني: حكم طهارة المستحاضة ومن به سلس بول مقصورًا على استباحة فريضة ونوافل، ويعتبران محدثان بالنسبة لما زاد على ذلك، فيكون لبسهما للخف على حدث، لأن طهارتهما لا ترفع الحدث حقيقة

(6)

.

(1)

انظر: نهاية المطلب (1/ 293).

(2)

البيان، للعمراني (1/ 162).

(3)

انظر المغني (1/ 219).

(4)

انظر: عقد الجواهر (1/ 77)، الذخيرة (1/ 389).

(5)

انظر: روضة الطالبين (1/ 137)، المغني (1/ 265).

(6)

المجموع (1/ 515).

ص: 80

يمكن أن يناقش:

من المحال أن يكون الإنسان طاهرًا إن أراد أن يصلي صلاة، ومحدثًا في عين الوقت إن أراد أن يصلي أخرى، فهو إما طاهر فيصلي ما شاء، أو محدث فلا يصلي مطلقًا

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الرابع القائل - يجوز للمستحاضة ومن به سلس بول المسح على الخفين ما دام الوقت باقيًا، فإذا خرج الوقت وجب الغَسل - بـ:

أن سيلان الدم عفو في الوقت لا بعده، وخروج الوقت ليس بحدث، فكان اللبس مع السيلان في الوقت قد حصل على طهارة معتبرة، وليس كذلك لو حصل اللبس بعد خروج الوقت

(2)

.

يمكن أن يناقش: بما نوقش به استدلال أصحاب الأقوال الأخرى.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يجوز للمستحاضة ومن به سلس بول المسح على الخفين - مطلقًا - كغيرهما ممن لا عذر له، وذلك لقوة ما استدل وعلل به أصحاب هذا القول، ومناقشة تعليلات المخالفين التي لا تقوى على معارضة استدلال القول المرجح.

(1)

انظر: المحلى، لابن حزم (1/ 235).

(2)

المبسوط، للسرخسي (1/ 15)، انظر: المحيط البرهاني (1/ 179).

ص: 81

‌المطلب الثالث: لا فرق في الخارج من غير السبيلين بين قليله وكثيره.

‌صورة المسألة:

من خرج منه بول أو غائط من غير السبيلين فهل يحكم بانتقاض طهارته أم لا؟ سواء كان قليلًا أم كثيرًا؟

جاء في الشرح: "لا يختلف المذهب في نقض الوضوء بخروج الغائط والبول؛ سواء أكان من مخرجهما، أو من غيره، ويستوي قليلهما وكثيرهما في ذلك"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر - والله أعلم - أن سبب الإلحاق: أن الحدث هو خروج البول والغائط ذاته سواء خرج من مخرجه المعتاد أم لا وسواء كان قليلًا أم كثيرًا.

أدلة الشريعة الإسلامية جاءت عامة، لم تفرق في الغائط والبول بين الخارج من السبيلين والخارج من غيرهما، ولا بين القليل منه والكثير في نقض الوضوء.

‌حكم المسألة:

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على أن الخارج من غير السبيلين إن كان غائطًا أو بولًا فهو ناقض للوضوء، لا فرق في ذلك بين القليل والكثير

(2)

.

(1)

(2/ 12).

(2)

انظر: تحفة الفقهاء (1/ 17)، بدائع الصنائع (1/ 24، 25)، تبييين الحقائق وحاشية الشلبي (1/ 7)، مواهب الجليل (1/ 293)، شرح مختصر خليل، للخرشي (1/ 154)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 118)، نهاية المطلب (1/ 119، 120)، المجموع (2/ 8)، مغني المحتاج (1/ 141، 142)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 11، 12)، المبدع (1/ 132)، الإنصاف (2/ 11)، واستثنى المالكية في قول والشافعية، ما لو انسد المخرج وانفتح آخر فوق المعدة، فلا ينتقض الوضوء بخروج النجاسة منه. انظر: مواهب الجليل (1/ 293)، المجموع (2/ 8).

ص: 82

واستدلوا بما يلي:

الدليل الأوّل: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)}

(1)

.

وجه الدلالة من الآية:

عموم الآية يدل على أن الخارج من السبيلين من بول وغائط ناقضًا للوضوء قليلًا كان أو كثيرًا، وكذا لو كان البول والغائط خرج من السبيلين أو من غيرهما

(2)

.

الدليل الثاني: عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا يَقُومَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِهِ أَذًى مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ)

(3)

.

الدليل الثالث: عن صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ

(4)

– رضي الله عنه قَالَ: (كُنَّا نَكُونُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَيَأْمُرُنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا، ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ، وَبَوْلٍ، وَنَوْمٍ)

(5)

.

وجه الدلالة من الحديثين:

لم تنص الأحاديث على الفرق بين كثير الخارج وقليله، ولا بين كونه من مخرجه أو غيره والتنكير

(1)

سورة النساء، آية (43).

(2)

انظر: جامع البيان، للطبري (7/ 62)، الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (5/ 220).

(3)

رواه أحمد في المسند (16/ 108)(10094)، قال مغلطاي في شرح ابن ماجه (ص: 832): " حديث أبي هريرة قال فيه الترمذي حسن"، وقال شعيب الأرنؤوط:"صحيح بطرقه وشواهده".

(4)

هو صفوان ابن عسال بن عامر بن عوثبان المرادي، له صحبة وغزى مع النبي عليه الصلاة والسلام (12) غزوة، سكن الكوفة، توفي في خلافة علي رضي الله عنه، انظر: سير أعلام النبلاء (2/ 540)، الإصابة (3/ 353).

(5)

رواه الترمذي في أبواب الطهارة، باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم، (1/ 156)(96)، وأحمد في المسند (30/ 11)(18091)، وابن خزيمة في صحيحه (1/ 98)(196)، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح"، وقال النووي في المجموع (1/ 479):"صحيح"، وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه (ص: 647): " قال الترمذي: سألت محمدا فقلت: أي الحديث عندك أصح في التوقيت في المسح؟ قال: حديث صفوان".

ص: 83

فيهما للتعميم فيشمل كل غائط وبول خارج من البدن سواءً أكان من السبيلين أو من غيرهما، قليلًا كان أو كثيرًا فهما في الحكم سواء

(1)

.

(1)

انظر: التمهيد، لابن عبد البر (18/ 246)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 12).

ص: 84

‌المطلب الرابع: لا فرق في نقض الوضوء بمس الفرج بين العامد و غيره.

‌صورة المسألة:

من توضأ ثم مس ذكره فهل يحكم بنقض وضوئه مطلقًا عامدًا كان أم لا؟

جاء في المغني: "مسألة مس الفرج

وفي نقض الوضوء بجميع ذلك خلاف في المذهب وغيره

فعلى رواية النقض لا فرق بين العامد وغيره"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

دخول العامد وغيره في عموم قوله: (مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)

(2)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في نقض وضوء من مس ذكره على أربعة أقوال:

القول الأوّل:

مس الذكر ينقض الوضوء إن كان بشهوة، وهو قول للمالكية

(3)

، ورواية عند الحنابلة

(4)

.

القول الثاني:

(1)

(1/ 131، 132).

(2)

رواه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر (1/ 46)(181)، والترمذي في كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر (1/ 139) (82). وقال:" هذا حديث حسن صحيح"، وقال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 246):"صححه يحيى بن معين"، وقال الزيلعي في نصب الراية (1/ 54، 55): "قال محمد بن إسماعيل: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب"، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 340):"نقل عن البخاري أنه أصح شيء في الباب، وقال أبو داود وقلت لأحمد: حديث بسرة ليس بصحيح قال: بل هو صحيح"، وقال الالباني في إرواء الغليل (1/ 150):"صحيح".

(3)

انظر: الاستذكار (1/ 249)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 149)، المقدمات الممهدات (1/ 102).

(4)

انظر: المبدع (1/ 137)، الإنصاف (2/ 27).

ص: 85

مس الذكر ناقض للوضوء - مطلقًا -،

(1)

، وهو مذهب المالكية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

.

القول الثالث:

مس الذكر لا ينقض الوضوء - مطلقًا -، وهو مذهب الحنفية

(5)

، وقول عند المالكية

(6)

، ورواية عند الحنابلة

(7)

.

القول الرابع:

مس الذكر ينقض الوضوء إن كان عمدًا، وهو قول عند المالكية

(8)

، ورواية عن الإمام أحمد

(9)

، واختيار ابن تيمية

(10)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - مس الذكر ينقض الوضوء إن كان بشهوة - بما يلي:

الدليل الأوّل: الجمع بين الأدلة وهي: حديث بسرة

(11)

، وحديث طلق

(12)

لأنه يطابق ألفاظ

(1)

على اختلاف بينهم في التقييد، فالمالكية والشافعية يقيدونه بباطن الكف والأصابع، والحنابلة علقوا الحكم بالكف ظاهره وباطنه.

(2)

انظر: المدونة (1/ 118)، الفواكه الدواني (1/ 115)، حاشية العدوي (1/ 140).

(3)

انظر: الأم (1/ 34)، فتح العزيز (2/ 37)، النجم الوهاج، للدميري (1/ 275).

(4)

انظر: المغني (1/ 132)، الممتع، لابن المنجى (1/ 172)، الإنصاف (2/ 26).

(5)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 30)، تبيين الحقائق وحاشية الشلبي (1/ 12)، البحر الرائق (1/ 45).

(6)

مع القول بالوضوء استحبابًا.

انظر: الاستذكار (1/ 244)، التمهيد (17/ 202)، المقدمات الممهدات، لابن رشد (1/ 102).

(7)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 27)، المبدع (1/ 136)، الإنصاف (2/ 26).

(8)

انظر: الكافي، لابن عبد البر (1/ 149)، البيان والتحصيل (1/ 78)، المقدمات الممهدات (1/ 102).

(9)

انظر: المغني (1/ 132)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 30).

(10)

انظر: مجموع الفتاوى (21/ 231).

(11)

انظر: الدليل ص 85.

(12)

انظر: الدليل ص 90.

ص: 86

الأخبار التي هي عموم في إثبات الوضوء ونفيه

(1)

.

نوقش:

لم تنص الأحاديث الواردة في مس الذكر، على تقييد المس بالشهوة، فهو تقييد لما أطلقه الشارع بلا دليل

(2)

.

أجيب:

سؤال طلق كان عن الرجل يمس فرجه في الصلاة، ولا يتصور أن يكون المس في الصلاة بشهوة، فيحمل حديث بسرة على المس بشهوة وحديث طلق على المس بدون شهوة

(3)

.

ويمكن أن يجاب: بأن اعتبار الشهوة راجع إلى كون مس الفرج لمس يؤثر في الطهارة، كمس المرأة إذا كان بشهوة بجامع التلذذ

(4)

.

الدليل الثاني: أن النبي شبه الذكر بسائر أجزاء الجسد، ولا يكون مشابهًا لها إلا في حال عدم الشهوة

(5)

.

الدليل الثالث: الذكر ليس بحدث وإنما هو سبب للحدث، وإيجاب الوضوء منه معلقًا على المس الذي يؤدي للحدث، وليس ذلك إلا اللذة

(6)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - مس الذكر ناقض للوضوء مطلقًا - بما يلي:

(1)

انظر: عيون الأدلة (1/ 487)، فتاوى نور على الدرب الشريط (50).

(2)

انظر: المحلى (1/ 225).

(3)

انظر: معالم السنن (1/ 66).

(4)

انظر: عيون الأدلة (1/ 488)، الإشراف (1/ 149).

(5)

انظر: عيون الأدلة (1/ 487، 488)، فتاوى نور على الدرب الشريط (50).

(6)

الإشراف (1/ 149).

ص: 87

الدليل الأوّل: عن بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ

(1)

: "أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)

(2)

.

الدليل الثاني: عن أُمِّ حَبِيبَةَ- رضي الله عنها، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ)

(3)

.

الدليل الثالث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ وُضُوءُ الصَّلَاةِ)

(4)

.

وجه الدلالة من الأحاديث:

جاءت الأدلة عامة في نقض الوضوء من مس الذكر فشملت العمد والسهو

(5)

، فلفظ اللمس يطلق على العامد والساهي

(6)

.

(1)

هي بسرة بنت صفوان بن نوفل أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية، بنت أخ ورقة بن نوفل لها سابقة وهجرة، انظر: الإصابة (8/ 51).

(2)

تقدم تخريجه ص 85.

(3)

رواه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب الوضوء من مس الذكر (1/ 162)(481)، وأبو يعلى في المسند (13/ 65)(7144)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 57) (450). قال الذهبي في المهذب (1/ 138):" فيه انقطاع"، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه (1/ 69):"هذا إسناد فيه مقال مكحول الدمشقي مدلس وقد رواه بالعنعنة فوجب ترك حديثه لا سيما وقد قال البخاري وأبو زرعة وهشام بن عمار وأبو مسهر وغيرهم إنه لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان فالإسناد منقطع"، وقال العيني في نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (2/ 105):"هذا حديث منقطع أيضًا؛ لأن مكحولا لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان شيئا".

(4)

رواه البيهقي في كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من مس الفرج بظهر الكف (1/ 211)، قال الزيلعي في نصب الراية (1/ 56):"ويزيد بن عبد الملك تكلموا فيه، ثم أسند عن أحمد بن حنبل أنه سئل عنه، فقال: شيخ من أهل المدينة ليس به بأس"، قال الذهبي في المهذب (1/ 141): يزيد: تكلم فيه، وقال ابن الملقن في البدر المنير (2/ 470): سئل أحمد عن يزيد بن عبد الملك فقال: شيخ من أهل المدينة، ليس به بأس، وقال الزرقاني في شرح الموطأ:(1/ 187): "صححه ابن السكن".

(5)

انظر: المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك، لابن العربي (2/ 176)، المغني (1/ 132)، الممتع، للمنجي (1/ 172)، النجم الوهاج (1/ 275).

(6)

انظر: المجموع (2/ 34).

ص: 88

نوقش الاستدلال من أوجه:

أ. نقض الوضوء بمس الذكر - مطلقًا - يخالف إجماع الصحابة رضي الله عنهم

(1)

.

يمكن أن يجاب:

عدم التسليم بدعوى الإجماع، فقد اختار جمع من الصحابة

(2)

القول بعدم نقض الوضوء، كعلي، وحذيفة

(3)

، وابن مسعود وغيرهم

(4)

.

ب. روي أن حديث بسرة، حادثة وقعت في زمن مروان بن الحكم فلما شاور من بقي من الصحابة قالوا: لا ندع كتاب ربنا، ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت

(5)

.

ت. الحديث خبر فيما تعم به البلوى، فلو ثبت لاشتهر، ولو اشتهر لم يخفى عن أكابر الصحابة الذين أنكروا الوجوب

(6)

.

أجيب: قد نقل الحكم في هذا مستفيضًا عن بضعة عشر راويًا من الرجال والنساء

(7)

، ولو كان الوضوء منه غير واجب لم يخف ذلك على أكابر الصحابة الذين أوجبوا الوضوء

(8)

.

الرابع: لو ثبتت الأخبار، فإنها محمولة على غسل اليدين، لا حقيقة الوضوء

(9)

.

أجيب: حمل المعنى على غسل اليد لا يصح، لأن ألفاظ الشرع تحمل على الحقيقة إلا إذا تعذر

(1)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 388 - 391، 403)، بدائع الصنائع (1/ 30)، حاشية الطحاوي (1/ 93).

(2)

انظر: المغني (1/ 132)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 27).

(3)

هو حذيفة بن اليمان (حسل) بن جابر العبسي أبو عبد الله، من أعيان المهاجرين، أسر إليه النبي صلى الله عليه وسلم أسماء المنافقين فسمي صاحب السر، توفي بعد عثمان رضي الله عنه، بأربعين ليلة، انظر: سير أعلم النبلاء (4/ 27 - 29).

(4)

انظر: شرح أبي داود، للعيني (1/ 418).

(5)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 393، 394)، بدائع الصنائع (1/ 30)، حاشية الطحاوي (1/ 93).

(6)

انظر بدائع الصنائع (1/ 30).

(7)

انظر: عيون الأدلة (1/ 470).

(8)

المقدمات الممهدات (1/ 101).

(9)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 388 - 391، 403)، بدائع الصنائع (1/ 30)، حاشية الطحاوي (1/ 93).

ص: 89

ذلك، أو وجدت قرينة صارفة ولا قرينة هنا

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل - مس الذكر لا ينقض الوضوء مطلقًا- بما يلي:

الدليل الأوّل: عن قيس بن طلق

(2)

، عن أبيه قال: سأل رجل رسول الله: أيتوضَّا أحدنا إذا مسَّ ذكرَهُ؟ قال: (إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ أَوْ جَسَدِكَ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

بيَّن النبي أن الذكر بضعة من الجسد، فهو كسائر أعضاءه، فإما أن يكون طاهرًا أو نجسًا، ولا يجب الوضوء من مس الطاهرات ولا النجاسات، وعليه لا يجب الوضوء من مس الذكر عمدًا كان أو سهوًا

(4)

.

نوقش الاستدلال من وجهين:

أ. هذا الحديث "منسوخٌ بحديث نقض الوضوء؛ لأن أبا هريرة وبسرة رضي الله عنهما أسلما

(5)

بعد قدوم طلق"

(6)

.

أجيب بجوابين:

1 -

لا اختلاف في القول بتأخر إسلام أبي هريرة وبسرة عن قدوم طلق، ولكن ادعاء النسخ فيه احتمال، وإطلاق النسخ على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من طريق

(1)

انظر: الذخيرة (1/ 223).

(2)

هو قيس بن طلق بن علي الحنفي اليمامي، تابعي مشهور، روى عن أبيه، انظر: الجرح والتعديل (7/ 100)، الإصابة (5/ 421).

(3)

رواه أحمد في المسند (26/ 214)(16286)، والنسائي في كتاب الطهارة، الرخصة في ترك الوضوء من مس الذكر (1/ 137)(160)، وابن الجارود في المنتقى (18) (21). وقال ابن دقيق العيد في الإلمام بأحاديث الأحكام (1/ 83):"صحيح"، ونقل الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 250):"تصحيح عمرو بن علي الفلاس".

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 66)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 28).

(5)

انظر: الإصابة (3/ 437، 8/ 51)، الأعلام، للزركلي (3/ 308).

(6)

مصابيح السنة، للبغوي (1/ 189)، انظر: الاستذكار (1/ 247)، عيون الأدلة (1/ 475)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 29).

ص: 90

الاحتمال خارج عن الاحتياط

(1)

؛ لأن المسجد بني مرتين، فيحتمل أن قدوم طلق وسؤاله كان في الثانية، وقدومه ثم رجوعه لا ينفي عوده بعد ذلك

(2)

.

2 -

لا يصار إلى النسخ إلى إذا تعذر الجمع

(3)

، وهو هنا ممكن.

ب. قياس الذكر على سائر البدن لا يصح؛ لأن له أحكام خاصة تتعلق به، كوجوب الغسل بإيلاجه والحد والمهر

(4)

.

أجيب:

هذه الأحكام لا تختص بالذكر، وإنما تتعلق بالجماع، بل قد يتعلق المهر بالخلوة، والحد بالعزل

(5)

.

الدليل الثاني: الوضوء من مس الذكر حاجة الناس إليه عامة، والأصل أن يرد النقل بحكمه مستفيضا متواترا؛ فكيف يجوز نقله من طريق الآحاد، ولو كان الأمر بالوضوء واجبًا لنقله كافة الصحابة عن النبي، كما نقلوا الوضوء من البول والغائط، وغسل الجنابة ونحوها

(6)

.

نوقش:

لا دليل على أن بيان ما عمت به البلوى يلزم أن يكون عامًا، بل يجوز أن يكون آحادًا كما في الوضوء من القيء

(7)

، أما حديث الوضوء من مس الذكر فقد رواه نحو خمسة عشر صحابيًا

(8)

.

(1)

انظر: الميسر في شرح مصابيح السنة، للتُّورِبِشْتِي (1/ 128).

(2)

انظر: التجريد، للقدوري (1/ 192)، فتح القدير (1/ 55).

(3)

انظر: روضة الناظر (2/ 81)، أعلام الموقعين (3/ 188).

(4)

انظر: الشرح الكبير (2/ 29).

(5)

انظر: التجريد، للقدوري (1/ 184).

(6)

انظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص (1/ 391).

(7)

انظر: عيون الأدلة (1/ 469)، الحاوي (1/ 192).

(8)

انظر: الذخيرة (1/ 223)، البيان، للعمراني (1/ 185).

ص: 91

الدليل الثالث: القول بإيجاب الوضوء من مس الذكر يؤدي للوقوع في الحرج؛ لأنه يقع من الإنسان غالبًا، والحرج مرفوع عن هذه الأمة

(1)

.

الدليل الرابع: مس الذكر ليس حدثًا بذاته، ولا سببًا لوجود الحدث غالبًا فأشبه مس الأنف، فلا ينتقض الوضوء به

(2)

.

يمكن أن يناقش:

مس الذكر ليس حدثًا لكنه سبب لوقوع الحدث، لا سيما إن كان المس بشهوة، ولا سبيل لقياسه على الأنف في ذلك.

واستدلَّ أصحاب القول الرابع القائل - مس الذكر ينقض الوضوء إن كان عمدًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}

(3)

.

وجه الدلالة من الآية:

دلت الآية على عدم نقض الوضوء بمس الذكر خطأً أو نسيانًا، وعلى النقض بمسه عمدًا

(4)

.

أجيب:

غاية ما تدل عليه الآية هو نفي الجناح وهو الإثم، ونفي الإثم ليس دليلًا على بقاء الطهارة

(5)

.

الدليل الثاني: القياس على مس المرأة فهو ناقض للوضوء إن كان بقصد فكذلك مس الذكر بجامع

(1)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 30).

(2)

بدائع الصنائع (1/ 30).

(3)

سورة الأحزاب، من الآية (5).

(4)

انظر: المحلى (1/ 225)، بتصرف تفسير الطبري (10/ 530)، القرطبي (14/ 120).

(5)

انظر: نيل الأوطار (1/ 251).

ص: 92

المس

(1)

.

يمكن أن يناقش:

انتقاض الوضوء بمس المرأة ليس محل اتفاق

(2)

، فلا يستقيم هذا الاستدلال.

الدليل الثالث: العرب لا تسمي الفاعل فاعلًا إلا بتحقق القصد منه في الفعل، فلا يكون ماسًّا لذكره إلا إذا كان قاصدًا

(3)

.

يمكن أن يناقش:

اللمس المجرد لا يقع به حكم في الشرع من كفارة أو تحريم، ولو مع وجود القصد، ولا يتعلق به حكم إلا إن كان بشهوة

(4)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: مس الذكر ينقض الوضوء إن كان بشهوة؛ وذلك لوجاهة هذا القول وإعماله لجميع الأدلة، والقاعدة تقول: إعمال الأدلة أولى من إهمالها، ولما تم من الرد على المناقشات الواردة على أدلة هذا القول، وورود الاعتراضات المضعفة لأدلة المخالفين.

(1)

المغني، لابن قدامة (1/ 132)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 30).

(2)

انظر: تفسير القرطبي (5/ 224)، فتح القدير (1/ 55).

(3)

انظر: فتح البر، لابن عبد البر (3/ 335).

(4)

انظر: التجريد، للقدوري (1/ 179)، المغني (1/ 143).

ص: 93

‌المطلب الخامس: لا فرق في نقض الوضوء بأكل لحم الجزور بين قليله وكثيره والنيئ وغيره.

‌صورة المسألة:

توضأ شخص، ثم أكل قليلًا من لحم جزور، فهل ينتقض وضوءه بذلك الأكل؟

جاء في الكشاف: "السابع من النواقض: أكل لحم الجزور

لا فرق بين قليله وكثيره وكونه نيئا وغير نيء"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر - والله أعلم - أن سبب الإلحاق هو دخول الأمر في عموم حديث البراء بن عازب

(2)

، قال: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوءِ من لُحومِ الإبلِ، فقال:(تَوضَّؤوا منها) وسُئِلَ عن لُحوم الغَنَم، فقال:(لا توضَّؤوا منها) وسُئِلَ عن الصلاة في مَبَارِكِ الإبلِ، فقال:(لا)

(3)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في نقض الوضوء بأكل لحم الجزور، سواء كان قليلًا أو كثيرًا، نيئًا أو مطبوخًا، على ثلاثة أقوال:

(1)

(1/ 130).

(2)

هو البراء بن عازب بن الحارث الأنصاري من الأوس، يكنى أبا عمارة، له صحبة، نزل الكوفة ثم صار إلى المدينة وتوفي بها، انظر: الطبقات الكبرى (6/ 95)، الكنى والأسماء (1/ 58)، الجرح والتعديل (2/ 399).

(3)

رواه أبو داود الطيالسي في مسنده (2/ 100)(770)، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء من لحوم الإبل (1/ 47)(184)، والترمذي في أبواب الطهارة، باب الوضوء من لحوم الإبل (1/ 137)(81)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل (1/ 166)(494)، وقال النووي في المجموع (2/ 59):"قال الترمذي: حديث صحيح، وصححه أحمد، وإسحاق بن راهويه".

ص: 94

القول الأوّل:

أكل لحم الجزور ينقض الوضوء، قليلًا كان أو كثيرًا، نيئًا أو مطبوخًا، وهو مذهب الحنابلة

(1)

، وقول الشافعي

(2)

، واختاره النووي من الشافعية

(3)

.

القول الثاني:

أكل لحم الجزور لا ينقض الوضوء - مطلقًا -، قليلًا كان أو كثيرًا، نيئًا كان أو مطبوخًا، وهو مذهب الحنفية

(4)

، والمالكية

(5)

، والشافعية

(6)

.

القول الثالث:

أكل لحم الجزور ينقض الوضوء إذا كان نيئًا، وهو رواية عند الحنابلة

(7)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - أكل لحم الجزور ينقض الوضوء، قليلًا كان أو كثيرًا، نيئًا أو مطبوخًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: عن البراء بن عازب- رضي الله عنه، قال: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوءِ من لُحومِ الإبلِ، فقال:(تَوضَّؤوا منها)، وسُئِلَ عن لُحوم الغَنَم، فقال:(لا توضَّؤوا منها) وسُئِلَ عن الصلاة في مَبَارِكِ الإبلِ، فقال:(لا)

(8)

.

(1)

انظر: المغني (1/ 138)، المبدع (1/ 142)، الإنصاف (2/ 53)، كشاف القناع (1/ 130).

(2)

حُكي عنه أنه القديم وليس بمشهور.

انظر: نهاية المطلب (1/ 136)، فتح العزيز (2/ 4، 5).

(3)

انظر: المجموع (2/ 57).

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 79)، بدائع الصنائع (1/ 32)، اللباب، الخزرجي (1/ 124).

(5)

انظر: المعونة (/ 158)، عيون الأدلة (2/ 636)، عُيُونُ المَسَائِل، القاضي عبد الوهاب (1/ 78).

(6)

انظر: الحاوي (1/ 206)، البيان، للعمراني (1/ 194)، المهذب (1/ 53).

(7)

انظر: المبدع (1/ 143)، الإنصاف (2/ 54).

(8)

تقدم تخريجه ص 94.

ص: 95

الدليل الثاني: عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ

(1)

رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ:(إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ)، قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ:(نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ)، قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: (نَعَمْ) قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: (لَا)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديثين:

في الحديثين دليل على انتقاض الوضوء بأكل لحم الإبل مطلقًا؛ لأن فيهما أمر بالوضوء منه، وظاهر الأمر الوجوب، ولا تجب الطهارة إلا عند انتقاضها

(3)

.

نوقش الاستدلال من وجهين:

أ. يحمل الأمر في الحديث على الاستحباب، أو على غسل اليد؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام إنما فرَّق بين لحم الإبل والغنم؛ لأن لحم الإبل له ريح منتن ليست للحم الغنم، فاستحب فيه الوضوء لقطع الرائحة، ثم إن الوضوء إذا أضيف إلى الطعام اقتضى غسل اليد

(4)

.

أجيب بعدة أجوبة

(5)

:

1 -

حمل الأمر على الاستحباب مخالف للظاهر، لأن مقتضى الأمر الوجوب، والنبي لما سئل عن حكم الوضوء من هذا اللحم، أجاب بالأمر بالوضوء منه، ولو أراد به الاستحباب لكان تلبيسًا على السائل لا جوابًا.

(1)

هو جابر بن سمرة بن جندب بن جنادة السوائي، كنيته أبو عبد الله، لأبيه صحبة، أمه أخت سعيد بن أبي وقاص، روى أحاديث، سكن الكوفة وتوفي بها سنة (74). هـ، انظر: الطبقات الكبرى (1/ 626)، معجم الصحابة (1/ 464)، الثقات، لابن حبان (3/ 53).

(2)

رواه مسلم في كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل (1/ 275)(360).

(3)

انظر: معالم السنن (1/ 67)، شرح النووي على مسلم (4/ 48، 49).

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 80)، عيون الأدلة (2/ 638)، الحاوي (1/ 206).

(5)

انظر: المغني (1/ 139 - 140)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 57)، مجموع الفتاوى (21/ 264، 265).

ص: 96

2 -

أن النبي عليه السلام – قَرَنَ الأمر بالوضوء من لحم الإبل بالنهي عنه من لحوم الغنم، والمراد من النهي عن الوضوء من لحم الغنم هو نفي الإيجاب، فيتعين حمل الأمر بالوضوء من لحم الإبل على الإيجاب ليتحقق الفرق بينهما.

3 -

حمل معنى الوضوء على غسل اليد يلزم منه حمل الأمر على الاستحباب، لأن غسل اليد غير واجب، وقد تبين فساد ذلك.

4 -

الوضوء إذا جاء على لسان الشارع، وجب حمله على الموضوع الشرعي دون اللغوي، ولو كان المراد غسل اليد لما فرق بينه وبين لحم الغنم؛ فإن غسل اليد منه مستحب.

5 -

الأمر بالوضوء من لحم الإبل خرج جوابا للسؤال عن حكم الوضوء من لحومها، والصلاة في مباركها فلا يفهم من ذلك سوى الوضوء المراد للصلاة.

6 -

عند صرف النص عن ظاهره، لابد من دليل يصرف اللفظ، ويكون مكافئًا للظواهر المتروكة في القوة، أو يكون أقوى منها، وليس هناك دليل قوي يصرف ذلك.

ب. الحديث منسوخ بحديث جابر رضي الله عنه قال: (كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ)

(1)

.

أجيب لا يصح القول بالنسخ، لوجوه منها

(2)

:

1 -

الأمر بالوضوء من لحم الإبل متأخر عن حديث ترك الوضوء مما مست النار، ومن شروط النسخ تقدم الناسخ.

2 -

أكل لحوم الإبل ينتقض به الوضوء لكونه من لحوم الإبل، لا لكونه مما مست النار، فهو ينقض وإن كان نيئًا، ونسخ إحدى الجهتين لا يثبت به نسخ الأخرى.

3 -

خبر إيجاب الوضوء خاص، وخبر تركه عام، والعام لا ينسخ الخاص إلا إذا تعذر الجمع، وهو

(1)

رواه النسائي في كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء مما غيرت النار (1/ 108) (185). وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه (ص: 461): "قال ابن أبي حاتم: هذا حديث مضطرب المتن".

(2)

انظر: المجموع (2/ 59)، المغني (1/ 138، 139)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 56)، مجموع الفتاوى (21/ 261).

ص: 97

ممكن هنا

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - أكل لحم الجزور لا ينقض الوضوء - مطلقًا -، قليلًا كان أو كثيرًا، نيئًا كان أو مطبوخًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(الْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ وَلَيْسَ مِمَّا يَدْخُلُ)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

بين الحديث أن الوضوء يكون من الخارج النجس؛ لأن الحدث هو خروج النجس حقيقة، أو ما هو سبب الخروج، ولم يوجد ذلك في أكل لحم الجزور، قل أو كثر نيئًا أو مطبوخًا

(3)

.

نوقش: الحديث موقوف على ابن عباس فلا يصح الاستدلال به، ولو ثبت فحديث وجوب الوضوء أصح وأخص فوجب تقديمه

(4)

.

الدليل الثاني: لحم الجزور يغلب أكله، فلو وجب الوضوء منه لوقع الناس في الحرج، والحرج مرفوع عن الأمة

(5)

.

الدليل الثالث: القياس على سائر المأكولات، بجامع عدم التأثير في نقض الطهارة وإيجاب الوضوء في كل منهما

(6)

.

(1)

انظر: التقريب والإرشاد (3/ 276)، إرشاد الفحول، للشوكاني (1/ 399، 400).

(2)

رواه الدارقطني في كتاب الطهارة، باب في الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف والقيء والحجامة ونحوه (1/ 276) (553). قال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 332):"في إسناده الفضيل بن المختار وهو ضعيف جدا وفيه شعبة مولى ابن عباس وهو ضعيف".

(3)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 32)، عيون الأدلة (2/ 636/ 637).

(4)

انظر: المجموع (2/ 59)، المغني (1/ 138).

(5)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 32).

(6)

انظر: عيون الأدلة (2/ 637)، المنتقى للباجي (1/ 65).

ص: 98

يمكن أن يناقش من وجهين:

أ. هذا قياس فاسد الاعتبار؛ لأن النص الصريح يقابله، ولا اجتهاد في مورد النص

(1)

.

ب. هذا استدلال بمحل النزاع، وهو انتقاض الطهارة أو عدمه.

الدليل الرابع: تناول الأشياء المحرمة أو النجسة، مثل الخمر والميتة والدم لا يوجب الوضوء، فمن باب أولى لا توجبه الأشياء الطاهرة والمباحة

(2)

.

يمكن أن يناقش:

هذا قياس فاسد الاعتبار؛ لأن النص الصريح يقابله، ولا اجتهاد في مورد النص

(3)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل -أكل لحم الجزور ينقض الوضوء إذا كان نيئًا-

بـ:

عن جابر رضي الله عنه قال: ((كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ))

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

يظهر أن وجه الاستدلال: بين الحديث عدم إيجاب الوضوء مما مست النار -ولحم الجزور إن كان مطبوخًا- يعد مما مسته النار فلا تنتقض الطهارة به، ويبقى النيء منه على مقتضى إيجاب الوضوء بأكله.

نوقش: دل الأمر في الأحاديث الصحيحة التي سبق ذكرها؛ أن أكل لحوم الإبل ينتقض به الوضوء لكونه من لحوم الإبل، لا لكونه مما مست النار، وعليه فإنه ينقض بكل صوره نيئًا كان أو مطبوخًا، لكن كان النقض بمطبوخه لعلتين زالت إحداهما وبقيت الأخرى

(5)

.

(1)

شرح القواعد الفقهية، للزرقا (1/ 147).

(2)

انظر: عيون الأدلة (2/ 637)، المجموع (2/ 56).

(3)

شرح القواعد الفقهية، للزرقا (1/ 147).

(4)

تقدم تخريجه ص 97.

(5)

انظر: المجموع (2/ 59)، المغني (1/ 138، 139)، الشرح الكبير لأبي الفرج (2/ 56)، مجموع الفتاوى (21/ 261)، شرح العمدة، لابن تيمية (1/ 330).

ص: 99

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: أكل لحم الجزور ينقض الوضوء، قليلًا كان أو كثيرًا، نيئًا أو مطبوخًا، وذلك لقوة دليل هذا القول وصراحته والرد على ما ورد عليه من الاعتراضات الواردة عليه، وضعف استدلالات المخالف التي لا تقوى على معارضة النص الصريح.

ص: 100

‌المبحث الثالث: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الغسل، والتيمم، وإزالة النجاسة، والحيض،

وفيه أحد عشر مطلبًا:

المطلب الأول: لا فرق في غسل من انقطع حيضها ونفاسها بين أن تنوي الوطء، أو حله.

المطلب الثاني: لا فرق في التيمم بين سفر الطاعة والمعصية.

المطلب الثالث: لا فرق في التيمم بين كون الجبيرة على كسر أو جرح.

المطلب الرابع: لا فرق في النية للتيمم بين ما وجب بالشرع، وما وجب بالنذر.

المطلب الخامس: لا فرق في بطلان تيمم لابس العمامة وغيرها بالخلع بين أن يكون مسح عليها قبل التيمم أو لا.

المطلب السادس: لا فرق بين رطب النجاسة وجافها.

المطلب السابع: لا فرق في التطهير بين الحاصل بفعل الله تعالى أو فعل الآدمي.

المطلب الثامن: لا فرق في عدم النجاسة بالموت بين المسلم والكافر.

المطلب التاسع: لا فرق بين أن يكون زمن الدم أكثر من زمن الطهر أو مثله أو أقل.

المطلب العاشر: لا فرق في الحيض بين نساء العرب وغيرهن.

المطلب الحادي عشر: لا فرق في الاستمتاع بالحائض فيما دون الفرج بين من يأمن على نفسه مواقعة المحظور أو يخاف ذلك.

ص: 101

‌المطلب الأول: لا فرق في غسل من انقطع حيضها ونفاسها بين أن تنوي الوطء، أو حله.

‌صورة المسألة:

امرأة انقطع حيضها أو نفاسها، واغتسلت، هل هناك فرق بين أن تنوي بغسلها الوطء، أو حله؟

جاء في الكشاف: "وإن نوت من انقطع حيضها أو نفاسها بغسلها حل الوطء صح غسلها، وارتفع الحدث الأكبر؛ لأن حل وطئها يتوقف على رفعه وهو الوطء

إذ لا فرق بين الوطء وحله"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

عدم وجود وصف مؤثر في الحكم يفرق بين نية الوطء وحله

(2)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - فيمن انقطع حيضها ونفاسها، إن نوت بغسلها الوطء أو حله، على قولين

(3)

:

القول الأوّل:

يصح غسل من انقطع حيضها ونفاسها، لا فرق بين أن تنوي الوطء، أو حله، وهو مذهب الشافعية

(4)

، والحنابلة

(5)

.

القول الثاني:

(1)

(1/ 157).

(2)

انظر: كشاف القناع (1/ 157).

(3)

لم أعثر على قول للحنفية والمالكية في المسألة.

(4)

انظر: نهاية المطلب (1/ 152)، المجموع (1/ 331)، كفاية النبيه، لابن الرفعة (1/ 490).

(5)

انظر: الفروع وتصحيحه (1/ 269)، الإنصاف (2/ 152)، كشاف القناع (1/ 157).

ص: 102

لا يصح غسل من انقطع حيضها أو نفاسها، إن نوت بغسلها حل الوطء فقط، وهو وجه عند الشافعية

(1)

، وقول عند الحنابلة

(2)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يصح غسل من انقطع حيضها ونفاسها، لا فرق بين أن تنوي الوطء، أو حله - بـ:

أن حل وطء الحائض والنفساء يتوقف على رفع ذلك الحدث، فإن اغتسلت ونوت ارتفع حدثها وحل الوطء فصح الغسل

(3)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - لا يصح غسل من انقطع حيضها أو نفاسها، ونوت بغسلها حل الوطء فقط - بـ:

أن المرأة إنما نوت بغسلها حل الوطء، لا نفس الجماع، وحل الوطء ليس من موجبات الغسل

(4)

.

نوقش: هذا الاستدلال فيه نظر؛ لعدم وجود فرق مؤثر بين نية الوطء وحله، والتفريق بينهما تحكم بلا دليل

(5)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يصح غسل من انقطع حيضها ونفاسها، لا فرق بين أن تنوي الوطء أو حله، وذلك لوجاهة ما علل به أصحاب هذا القول وسلامته من المعارضة، وورود المناقشة على تعليل المخالف مما أسقط الاحتجاج به.

(1)

انظر: نهاية المطلب (1/ 152)، كفاية النبيه (1/ 490).

(2)

انظر: الفروع وتصحيحه (1/ 269)، المبدع (1/ 174)، الإنصاف (2/ 152).

(3)

انظر: نهاية المطلب (1/ 152)، كشاف القناع (1/ 157).

(4)

نهاية المطلب (1/ 152)، الفروع وتصحيحه (1/ 269)، المبدع (1/ 174).

(5)

انظر: كشاف القناع (1/ 157).

ص: 103

‌المطلب الثاني: لا فرق في التيمم بين سفر الطاعة والمعصية.

‌صورة المسألة:

من سافر وقصد بسفره معصية الله عز وجل، فهل له أن يترخص برخصة التيمم إذا فقد الماء؟

جاء في المغني: "لا فرق بين سفر الطاعة والمعصية في التيمم"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

عموم النصوص الدالة على مشروعية التيمم، فإنها لم تخصص سفر دون آخر، أو تفرق بين الغرض من السفر.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على جواز التيمم لمن سافر سفر طاعة

(2)

.

2 -

واختلفوا في جوازه لمن سافر سفر معصية على قولين:

القول الأوّل:

يجوز التيمم في سفر المعصية، وهو مذهب الحنفية

(3)

، والمالكية

(4)

، والحنابلة

(5)

، والأصح عند الشافعية

(6)

.

(1)

(1/ 172).

(2)

انظر: الاختيار، للموصلي (1/ 81)، الشرح الكبير للدردير (1/ 147، 148)، الحاوي (1/ 267)، المغني (1/ 172).

(3)

انظر: التجريد للقدوري (2/ 901)، الاختيار، للموصلي (1/ 81)، درر الحكام، لملا خسرو (1/ 132).

فهم الحكم من إطلاقهم في كل رخصة.

(4)

انظر: الفواكه الدواني (1/ 152)، الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي (1/ 147، 148)، بلغة السالك (1/ 179).

(5)

انظر: المغني (1/ 172)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 169)، الإنصاف (2/ 169).

(6)

انظر: الحاوي (1/ 267)، البيان، للعمراني (1/ 323)، المجموع (4/ 344، 345)، روضة الطالبين (1/ 121).

ص: 104

القول الثاني:

لا يجوز التيمم في سفر المعصية، وهو قول للمالكية

(1)

، ووجه عند الشافعية

(2)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يجوز التيمم في سفر المعصية - بما يلي:

الدليل الأوّل: قَوْل الله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}

(3)

.

وجه الدلالة من الآية:

الآية عامة في جواز التيمم في السفر عند فقد الماء، فيعم الحكم كل سفر دون تفريق بين سفر الطاعة، وسفر المعصية

(4)

.

الدليل الثاني: التيمم عبارة عن مسح أقيم مقام غسل فجاز استباحته في سفر المعصية، كما يجوز في سفر الطاعة

(5)

.

الدليل الثالث: سفر المعصية يعد سفرًا صحيحًا، لأن السفر نفسه ليس بمعصية، وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره

(6)

.

الدليل الرابع: التيمم واجب عند عدم الماء أو العجز عن استعماله، والمعصية لا تمنع من صحة الواجب

(7)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - لايجوز التيمم في سفر المعصية - بما يلي:

الدليل الأوّل: العاصي بسفره يستطيع استباحة التيمم بالتوبة من معصيته، لذا لم يجز له التيمم

(1)

انظر: مواهب الجليل (1/ 326)، الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي (1/ 147، 148).

(2)

انظر: البيان، للعمراني (1/ 322)، المجموع (3/ 345).

(3)

سورة النساء، من الآية (43).

(4)

انظر: البيان، للعمراني (1/ 322).

(5)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 901).

(6)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 901)، البناية (3/ 35).

(7)

كفاية النبيه، لابن الرفعة (2/ 85).

ص: 105

حال عصيانه

(1)

.

يمكن أن يناقش:

قياس المسافر العاصي على الحاضر العاصي إذا عدم الماء، بجامع العصيان في الجميع

(2)

.

أجيب:

لما كان للسفر تعلق بعدم الماء أو خوف فوات الوقت، والمسافر عاص به لم يجز له التيمم في ذلك السفر

(3)

.

يمكن أن يناقش الجواب:

السفر بمجرده لا يعتبر من الأعذار المبيحة للتيمم.

الدليل الثاني: التيمم رخصة، والرخص تابعة للحال التي وجبت الرخصة لأجلها، فيمتنع التيمم في سفر المعصية تبعًا للحال، لأن المعصية تنافي الرخصة والتخفيف

(4)

.

نوقش من وجهين:

أ. التيمم عزيمة، تجب في السفر والحضر، فلا يترك في سفر المعصية؛ لأنه حكم لا يختص بالسفر، فيباح في سفر الطاعة والمعصية

(5)

.

ب. على اعتبار أن التيمم رخصة، والرخص تنافي العصيان، فإنه لا ينتفي من الرخص بسبب العصيان إلا رخصة يظهر أثرها في السفر والحضر كالقصر والسفر

(6)

.

(1)

انظر: المجموع (1/ 486).

(2)

انظر: شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 203).

(3)

انظر: شرح مختصر خليل للخرشي (1/ 185).

(4)

انظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 304).

(5)

انظر: الفواكه الدواني (1/ 152)، المغني (1/ 172)، شرح العمدة، لابن تيمية (1/ 424).

(6)

انظر مواهب الجليل (1/ 326).

ص: 106

الدليل الثالث: في إباحة التيمم للعاصي بسفره إعانة له على السفر

(1)

.

يمكن أن يناقش:

لا يسلم هذا؛ لأن الرخصة في التيمم لعلة السفر ذاته، وهذا متحقق فيمن كان سفره طاعة أو معصية فيصدق عليه وصف السفر

(2)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يجوز التيمم في سفر المعصية؛ وذلك لقوة ما استدل به أصحاب هذا القول، ولأن أدلة المخالفين ضعيفة لا تقاوم دلالة النص.

(1)

انظر: النجم الوهاج (1/ 483).

(2)

انظر: مجموعة الرسائل والمسائل، لابن تيمية (2/ 63).

ص: 107

‌المطلب الثالث: لا فرق في التيمم بين كون الجبيرة على كسر أو جرح.

‌صورة المسألة:

أصيب شخص وشُد على جرحه أو كسره، فهل المشروع في حقه للطهارة المسح فقط، أو يجمع إليه التيمم؟

جاء في المغني: "لا فرق في التيمم بين كون الشد على كسر أو جرح"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

1 -

الجرح موضع يحتاج إلى الشد عليه، فأشبه الكسر

(2)

.

2 -

يظهر والله أعلم أن السبب أيضًا هو: عدم وجود فارق بين الشد على الكسر والجرح يؤثر في الحكم، فكلاهما يصدق عليه وصف (الحائل) الذي يأخذ أحكام المسح.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على جواز المسح على الجبيرة

(3)

والعصابة

(4)

، سواء أكان الشد لكسر أو لجرح

(5)

.

2 -

واختلفوا في حكم التيمم مع المسح عليها على قولين:

(1)

(1/ 205).

(2)

الكافي، لابن قدامة (1/ 80).

(3)

الجبيرة: "العيدان التي تجبر بها العظام" المصباح المنير (1/ 89).

(4)

العصابة: "من العصب وهو الشد ومنه عصابة الرأس لما يشد به" انظر: المصباح المنير (2/ 413).

(5)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 13)، البناية (1/ 616)، المعونة (1/ 142)، عقد الجواهر الثمينة (1/ 69)، المهذب (1/ 75)، نهاية المطلب (1/ 200، 204)، المغني (1/ 205)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 394)، دقائق أولي النهى (1/ 67).

ص: 108

القول الأوّل:

لا يجب التيمم مع مسح الجبيرة أو العصابة، وهو مذهب الحنفية

(1)

، والمالكية

(2)

، والحنابلة

(3)

، وقول للشافعية

(4)

.

القول الثاني:

يجب التيمم مع المسح على الجبيرة والعصابة، وهو القول الأصح للشافعية

(5)

، ورواية عند الحنابلة

(6)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - لا يجب التيمم مع مسح الجبيرة أو العصابة - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه، قَالَ: انْكَسَرَتْ إِحْدَى زَنْدَيَّ، فَسَأَلْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، (فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ)

(7)

.

وجه الدلالة من الحديث:

أمر النبي عليًّا بالمسح على الجبائر ولم يأمره بالتيمم م مع المسح

(8)

، ويلحق بالجبيرة الجرح والقرح

(1)

فُهم قولهم من إطلاقهم وجوب المسح دون ذكر أو تقييد بالتيمم.

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 73)، بدائع الصنائع (1/ 13)، البناية (6161).

(2)

انظر: الإشراف (1/ 174)، شرح مختصر خليل للخرشي (1/ 201).

(3)

انظر: المغني (1/ 204)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 393)، الإنصاف (1/ 426).

(4)

انظر: الحاوي (1/ 278)، المجموع (2/ 327).

(5)

انظر: الأم (1/ 60)، الحاوي (1/ 278)، البيان، للعمراني (1/ 332).

(6)

انظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/ 371)، المبدع (1/ 128)، كشاف القناع (1/ 120).

(7)

رواه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب المسح على الجبائر (1/ 215) (657). قال ابن أبي حاتم في علل الحديث (1/ 556):"سألت أبي عن هذا الحديث فقال: هذا حديث باطل لا أصل له، وعمرو بن خالد متروك الحديث"، أيضاً انظر: البدر المنير (2/ 611)، وقال الشافعي في الأم (1/ 60):"ولو عرفت إسناده بالصحة قلت به".

(8)

الحاوي (1/ 278).

ص: 109

ونحوه

(1)

.

نوقش: هذا الحديث لا يصح الاستدلال به؛ لضعف إسناده

(2)

.

الدليل الثاني: عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما، أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَكَفُّهُ مَعْصُوبَةٌ فَمَسَحَ عَلَى الْعَصَائِبِ وَغَسَلَ سِوَى ذَلِكَ

(3)

.

وجه الدلالة:

اقتصر ابن عمر على المسح ولم يجمع إليه التيمم، وفعل الصحابي حجة

(4)

.

الدليل الثالث: العضو المشدود محلٌ واحد، فلا يُجمع فيه بين بدلين (المسح والتيمم)

(5)

.

الدليل الرابع: القياس على الخف بجامع أن كلاهما ممسوح في طهارة فلم يجب له التيمم، بل أن صاحب الجبيرة والعصابة أولى، لأن صاحب الضرورة أحق بالتخفيف

(6)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - يجب التيمم مع المسح على الجبيرة والعصابة - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ:(قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ - أَوْ) يَعْصِبَ (شَكَّ مُوسَى - علَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ

(1)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 13).

(2)

انظر: البدر المنير (2/ 116).

(3)

رواه البيهقي في كتاب الطهارة، باب المسح على العصائب والجبائر (1/ 348) (1081). وقال:"هو عن ابن عمر صحيح".

(4)

انظر: التحبير شرح التحرير، المرداوي (3/ 1515).

(5)

انظر: البيان، للعمراني (1/ 332)، المغني (1/ 205)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 393).

(6)

انظر: الحاوي (2/ 278)، المغني (1/ 205)، المبدع (1/ 128).

ص: 110

عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

نص الحديث على الجمع بين التيمم والمسح على عصابة المشجوج.

نوقش: يحتمل أن صاحب الشجة وضع العصابة على الجرح من غير طهارة.

ويحتمل أن (و) في الحديث بمعنى (أو)، أي إنما يكفيه أن يتيمم أو يعصب على جرحه

(2)

.

الدليل الثاني: إنما وجب على واضع الجبيرة والعصابة التيمم والمسح لأنه أخذ شبهًا من الجريح في الخوف من غسل العضو، فوجب عليه التيمم مثله، وأخذ شبهًا من لابس الخف، في المشقة التي تلحقه في نزعه فوجب عليه المسح

(3)

.

يمكن أن يناقش:

الجريح لا يصير إلى التيمم إلا إذا تعذر المسح، ويصير إلى المسح إذا تعذر الغسل

(4)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: لا يجب التيمم مع مسح الجبيرة أو العصابة، وذلك لقوة أدلة هذا القول وصحة قياسه وسلامتها من المعارضة، ولموافقته قواعد الشريعة، ولأن المناقشة الواردة على استدلال المخالف أضعفت الاحتجاج بها.

(1)

رواه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في المجروح يتيمم (1/ 93)(336)، قال الزيلعي في نصب الراية (1/ 187):"قال البيهقي في المعرفة: هذا الحديث أصح ما روي في هذا الباب"، وقال الذهبي في تنقيح التحقيق (1/ 83):"الزبير فيه ضعف"، وقال في المهذب (1/ 236):"وهذه الرواية موصولة، جمع فيها بين غسل الصحيح والمسح على العصابة والتيمم إلا أنها تخالف الروايتين الأولتين في الإسناد، قلت: والزبير ليس ممن يحتج به". وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 395): "قال ابن أبي داود: تفرد به الزبير بن خريق وكذا قال الدارقطني قال: وليس بالقوي وخالفه الأوزاعي فرواه عن عطاء عن ابن عباس وهو الصواب".

(2)

انظر: المغني (1/ 205)، شرح الزركشي على مختصر خليل (1/ 371)، المبدع (1/ 128).

(3)

انظر: البيان، للعمراني (1/ 332)، المجموع (2/ 324، 327).

(4)

انظر: المغني (1/ 206).

ص: 111

‌المطلب الرابع: لا فرقَ في النية للتيمُّم بين ما وجب بالشرع، وما وجب بالنذر

(1)

.

‌صورة المسألة:

إذا تيمَّم شخص ونوى بتيمُّمه صلاةً معيَّنة: فهل يستبيح بذلك التيمم مثل ما نواه وما هو دونه؟

جاء في الإنصاف: "من نوى شيئًا استباح فعله، واستباح ما هو مثله أو دونه

قال الشيخ تقي الدين: ظاهر كلامهم؛ لا فرقَ بين ما وجب بالشرع وما وجب بالنذر"

(2)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

كلُّ تيمُّمٍ أباح عبادة صحَّ أن يُبيحَ ما هو من نوعها، كما هو الحال في النوافل، وكذلك النذر؛ لأن إيجابَ الإنسان على نفسه فرعٌ عن إيجاب الله عليه

(3)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في إباحة التيمُّم للفريضة، ومثلها، وما هو دونها، على قولين:

القول الأوّل:

يُستباح بالتيمُّم الفريضة، ومثلها، وما هو دونها، ما دام في الوقت

(4)

، وهو مذهب

(1)

هذه المسألة مبنية على قول من قال: إن التيمم مبيح وليس برافع، وهو قول الجمهور، والقول الراجح - والله أعلم- في هذه المسألة: أن التيمم رافع للحدث، وهو قول الحنفية، واختيار ابن تيمية.

انظر: بدائع الصنائع (1/ 54، 55)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 183)، الحاوي (1/ 242)، المغني (1/ 185)، مجموع الفتاوى (21/ 436).

(2)

(2/ 236).

(3)

انظر: كفاية النبيه (8/ 360)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 234).

(4)

واختلفوا في الصلاة المنذورة: هل تعتبر مثل الفرض أم دونه؟ على قولين، والمذهب أن النذر دون الفرض، وصحح ابن تيمية القول بعدم التفريق بينهما. انظر: شرح العمدة (1/ 446).

ص: 112

الحنابلة

(1)

.

القول الثاني:

يُستباح بالتيمُّم فريضة واحدة، وما هو دونها

(2)

، وهو مذهب المالكية

(3)

، والشافعية

(4)

، ورواية عند الحنابلة

(5)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يُستباح بالتيمُّم الفريضة، ومثلها، وما هو دونها، ما دام في الوقت - بما يلي:

الدليل الأوّل: الفرضُ أكملُ الممنوعات بالحدث المباحات بالتيمُّم؛ ونية التيمُّم له تتضمن ما دونه، ويُستباح باستباحته تبعًا

(6)

.

الدليل الثاني: التيمُّم طهارة صحيحة، فكما أباحت فرضًا جاز أن يُستباح بها فرضان كطهارة الماء

(7)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - يُستباح بالتيمُّم فريضة واحدة، وما هو دونها - بما يلي:

الدليل الأوّل: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بِالتَّيَمُّمِ إِلَّا صَلَاةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلْأُخْرَى»

(8)

.

(1)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 232)، الفروع (1/ 302)، الإنصاف (2/ 236).

(2)

وله أن يجمع بين فريضة ونافلة بتيمم واحد، بشرط تقدم الفريضة عند المالكية.

(3)

انظر: المدونة (1/ 149)، التفريع (1/ 36)، بداية المجتهد (1/ 79)، القوانين الفقهية (1/ 30).

(4)

ولا فرق عندهم بين النذر والصلوات الخمس، وفي وجه أنها كالنافلة.

انظر: الحاوي (1/ 245)، البيان، للعمراني (1/ 315 - 316)، روضة الطالبين (1/ 110 - 111).

(5)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 233)، المبدع (1/ 194).

(6)

انظر: المغني (1/ 185)، شرح العمدة (1/ 446).

(7)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 234)، الممتع، لابن المنجى (1/ 210).

(8)

رواه الدارقطني في السنن، كتب الطهارة، باب التيمم، وأنه يفعل لكل صلاة (1/ 341)(710)، والبيهقي في الكبرى، كتاب الطهارة، باب التيمم لكل فريضة (1/ 339)(1057)، وضعّفاه، وقال الذهبي في التنقيح (1/ 82): الحسن ابن عمارة متروك، وقال الزيلعي في نصب الراية (1/ 159):"والحسن ابن عمارة تكلموا فيه، وقال بعضهم فيه: متروك".

ص: 113

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

دلَّ الحديث دَلالةً صريحة على أن التيمُّمَ لا يبيح صلاتَين مفروضتَين، ودلَّ قوله:(من السُّنّة) على أن ذلك مقتضى سُنّة محمد صلى الله عليه وسلم

(1)

.

نوقِشَ من وجهين:

أ. الحديث في سنده ضعف؛ فلا يُحتَجُّ به

(2)

.

ب. لو صحَّ فيحتمل أن المراد أن لا يصلِّيَ به صلاتَين في وقتَين بدليل أنه يستبيح به أكثر من صلاة من التطوع؛ وإنما امتنع أن يصلي به فرضين في وقتين لبطلان التيمُّم بخروج الوقت

(3)

.

الدليل الثاني: التيمُّم طهارة ضرورة، فلا يجمع فيها بين فرضَين كما لو كان في وقتَين، كطهارة المستحاضة

(4)

الدليل الثالث: لا يُستباح بالتيمُّم مكتوبتَين، لأن الفريضة الثانية ليست تبعًا للأولى

(5)

.

نوقِشَ الدليلان: التيمُّم بعد الفراغ من الفرض الأوّل يُعَدُّ تيمُّمًا صحيحًا مبيحًا للتطوع به؛ نوى به المكتوبة، فكان له أن يصل به فرضًا كحالة ابتدائه

(6)

.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل: يُستباح بالتيمُّم الفريضة، ومثلها، وما هو دونها، ما دام في الوقت؛ وذلك لأن فيه توسعة على المكلَّفين، ولما ورد من مناقشات على استدلال القول المخالف، علمًا أن هذه المسألة لا ترد، لأن

(1)

انظر: فتح الباري، لابن رجب (2/ 262 - 263)، البدر التمام (2/ 168).

(2)

انظر: المبدع (1/ 194).

(3)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 234).

(4)

انظر: البيان، للعمراني (1/ 315)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 233).

(5)

انظر: الحاوي (1/ 245).

(6)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 234).

ص: 114

المرجح في التيمُّم أنه رافع للحدث كالوضوء.

ص: 115

‌المطلب الخامس: لا فرق في بطلان تيمم لابس العمامة وغيرها بالخلع بين أن يكون مسح عليها قبل التيمم أو لا.

‌صورة المسألة:

لبس شخص عمامة ثم تيمم، وبعد تيممه نزع العمامة، فهل يبطل تيممه سواء أكان مَسَح عليها قبل التيمم أو لا؟

جاء في الكشاف: "وإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه كعمامة أو جبيرة أو خف لبسه على طهارة ثم خلعه، بطل تيممه نصًا في رواية عبد الله

(1)

على الخفين، وفي رواية حنبل

(2)

عليهما وعلى العمامة وظاهره: لا فرق بين أن يكون مسح عليه قبل التيمم أو لا"

(3)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

خلع العمامة أو الخف مبطل للوضوء، فأبطل التيمم كسائر مبطلاته، سواء مسح عليه قبل التيمم أم لا

(4)

.

(1)

هو عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، كنيته أبو عبد الرحمن، أكثر من روى عن أبيه لأنه سمع المسند والتفسير وغيرهما من التصانيف، كان ثبتًا فهمًا ثقة، رتب مسند والده، توفي سنة (290). هـ، انظر: طبقات الحنابلة (1/ 180 - 184)، شذرات الذهب (3/ 377).

(2)

هو حنبل بن إسحاق بن حنبل أبو علي الشيباني، ابن عم الإمام أحمد وأجاد الرواية عنه، كان ثقةً ثبتًا، حدث عنه ابنه، توفي بواسط سنة (273). هـ، انظر: طبقات الحنابلة (1/ 143 - 145)، شذرات الذهب (3/ 307).

(3)

(1/ 178).

(4)

المرجع السابق.

ص: 116

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في بطلان تَيَمُّم من تَيَمُّم وعليه خفان أو عمامة لبسهما على طهر ثم خلع ذلك الملبوس، سواء أكان مسح عليه قبل التيمم أو لا، على قولين

(1)

:

القول الأوّل:

لا يبطل التيمم بخلع العمامة أو الخف، سواء أكان مسح عليهما قبل التيمم أو لا، وهو مذهب الشافعية

(2)

، وقول بعض الحنابلة

(3)

.

القول الثاني:

يبطل التيمم بخلع العمامة أو الخف، سواء كان مسح عليهما قبل التيمم أو لا، وهو مذهب الحنابلة

(4)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل – لا يبطل التيمم بخلع العمامة أو الخف، سواء أكان مسح عليهما قبل التيمم أو لا - بما يلي:

الدليل الأوّل: التيمم طهارة لم يمسح فيها على الحائل المنزوع، فلا يبطل بنزعه كما لو كان الملبوس مما لا يجوز المسح عليه

(5)

.

الدليل الثاني: إباحة المسح لا يصير بها ماسحًا ولا بمنزلة الماسح، كما لو لبس عمامة يجوز المسح عليها ومسح على رأسه من تحتها، فلا تبطل طهارته بنزعها

(6)

.

(1)

لم أعثر على قول للحنفية والمالكية في المسألة.

(2)

انظر: المجموع (2/ 332).

(3)

انظر: المغني (1/ 200)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 243).

(4)

انظر: الهداية، للكلوذاني (64)، دقائق أولي النهى (1/ 100)، كشاف القناع (1/ 178).

(5)

انظر: المغني (1/ 200)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 244).

(6)

المغني (1/ 200)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 244).

ص: 117

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - يبطل التيمم بخلع العمامة أو الخف، سواء كان مسح عليهما قبل التيمم أو لا - بما يلي:

الدليل الأوّل: في خلع الممسوح عليه معنى يبطل الوضوء؛ لأنه وإن اختص بعضوي التيمم صورةً، فإنه متعلق بأعضاء الوضوء الأربعة حكمًا

(1)

.

الدليل الثاني: الخلع مبطل للوضوء فأبطل التيمم

(2)

.

نوقش الاستدلال:

لو ثبت هذا فإن الوضوء إنما يبطل بالنزع؛ لأن المنزوع ممسوح عليه فيه؛ بخلاف ما عليه الحال في هذه المسألة

(3)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: لا يبطل التيمم بخلع العمامة أو الخف، سواء أكان مسح عليهما قبل التيمم أو لا، وذلك لوجاهة ما علل به أصحاب هذا القول، وضعف تعليلات المخالفين التي لا تقوى على الدفع.

(1)

دقائق أولي النهى (1/ 100) كشاف القناع (1/ 178).

(2)

المبدع (1/ 196).

(3)

انظر: المبدع (1/ 196).

ص: 118

‌المطلب السادس: لا فرق بين رطب النجاسة وجافها.

‌صورة المسألة:

إذا أصاب أسفل الخف والحذاء نجاسة، فدلكت بالأرض حتى زالت عين النجاسة فهل يطهرها ذلك الدلك، رطبةً كانت أو جافة؟

(1)

.

جاء في الشرح: "الخفين: إنما يجزئ دلكهما بعد جفاف نجاستهما؛ لأنه لا يبقى لها أثر، ولا يجزئ قبل الجفاف

وظاهر الأخبار لا فرق بين رطب ولا جاف"

(2)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر - والله أعلم - أن سبب الإلحاق هو:

1 -

الأحاديث النبوية لم تفرق في التطهير بالدلك بين الرطب والجاف.

2 -

قياس رطوبة النجاسة على محل الاستنجاء.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على أن الخف وما في معناه إذا تنجس بمائع، فلا يطهره إلا الغسل

(3)

.

2 -

واختلفوا في تطهير أسفل الخف أو الحذاء إذا أصابته نجاسة لها جرم، هل يكفي فيه الدلك أو لابد من الغسل، سواء أكانت النجاسة رطبة أو يابسة، أم لا؟ على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:

(1)

انظر: المغني (2/ 62).

(2)

(2/ 316).

(3)

انظر: تبيين الحقائق وحاشية الشلبي (1/ 71)، البناية (1/ 710)، شرح التلقين (1/ 458)، مواهب الجليل (1/ 154)، فتح العزيز (4/ 45)، المجموع (2/ 598)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 316)، الإنصاف، للمرداوي (2/ 313).

ص: 119

يجزئ دلك أسفل الخف أو الحذاء بالأرض - مطلقًا - حتى تزول عين النجاسة، رطبةً كانت أو يابسة، وهو مذهب المالكية

(1)

، وقول أبي يوسف من الحنفية

(2)

، وقول للشافعية

(3)

، ورواية عند الحنابلة

(4)

.

القول الثاني:

لا يجزئ دلك أسفل الخف أو الحذاء إذا أصابته نجاسة ذات جرم، رطبةً كانت أو يابسة، وهو مذهب الشافعية

(5)

، والحنابلة

(6)

، وقول محمد بن الحسن من الحنفية

(7)

، وقول للمالكية

(8)

.

القول الثالث:

يجزئ دلك أسفل الخف إن كانت النجاسة جافة، وإن كانت رطبةً فلا يجزئ إلا الغسل، وهو قول أبي حنيفة

(9)

، والقاضي أبي يعلى

(10)

من الحنابلة

(11)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يجزئ دلك أسفل الخف أو الحذاء بالأرض - مطلقًا - حتى تزول عين النجاسة، رطبةً كانت أو يابسة - بما يلي:

(1)

انظر: التفريع في فقه الإمام مالك، لابن الجلاب (1/ 31، 32)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 162)، شرح التلقين، للمازري (1/ 458)، مواهب الجليل (1/ 153، 154).

(2)

انظر: فتح القدير (1/ 196)، تبيين الحقائق (1/ 70).

(3)

انظر: بحر المذهب (1/ 52)، التهذيب، للبغوي (1/ 209).

(4)

انظر: الهداية، للكلوذاني (66)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 313).

(5)

انظر: البيان، للعمراني (1/ 448)، فتح العزيز (4/ 44)، المجموع (2/ 598).

(6)

انظر: الهداية، للكلوذاني (66)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 313)، الإنصاف، للمرداوي (2/ 313).

(7)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 70)، فتح القدير (1/ 195).

(8)

انظر: الإشراف، للقاضي عبد الوهاب (1/ 110)، شرح التلقين، للمازري (1/ 458)، شرح مختصر خليل، للخرشي (1/ 111).

(9)

انظر: الاختيار لتعليل المختار، للموصلي (1/ 33)، تبيين الحقائق (1/ 70)، فتح القدير (1/ 196).

(10)

هو الإمام العلامة شيخ الحنابلة، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي، ابن الفراء، صاحب التعليقة الكبرى، ولد سنة (380). هـ، تتلمذ على ابن حامد، أفتى ودرس وتخرج عليه الأصحاب، ألف كتاب أحكام القرآن والمعتمد والعدة وغيرها، توفي سنة (458). هـ، انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 325)، شذرات الذهب (5/ 252).

(11)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 316).

ص: 120

الدليل الأوّل: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلِهِ الْأَذَى، فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ)

(1)

.

الدليل الثاني: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ، قَالَ:(مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ)، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا) - أَوْ قَالَ: أذى - " وَقَالَ: (إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديثين:

1 -

دل الحديثان على أن الخف أو الحذاء إذا أصابته النجاسة، فإن الدلك يطهره؛ لأن لفظ الأذى جاء معرفًا بالألف واللام، فأفاد العموم

(3)

في الرطب واليابس

(4)

.

2 -

في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في نعالهم، -وهي لا تخلو من نجاسة تصيبها-، دليل على إجزاء الدلك؛ لأنه لو لم يجز دلكها لم تصح الصلاة فيها

(5)

.

(1)

رواه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في الأذى يصيب النعل (1/ 105)(385)، وابن خزيمة في صحيحه (1/ 148)(292)، قال الزيلعي في نصب الراية (1/ 208):"قال المنذري في مختصره: الأول: فيه محمد بن عجلان، وفيه مقال لم يحتجا به. والثاني: فيه مجهول"، وقال ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية (1/ 91):"في إسناده مقال" وقال الألباني في السراج المنير في ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير (1/ 99): "صحيح".

(2)

رواه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل (1/ 175)(650)، وابن خزيمة في صحيحه (1/ 384)(786)، قال النووي في المجموع شرح المهذب (1/ 95):"حديث حسن رواه أبو داود بإسناد صحيح"، وقال العظيم آبادي في عون المعبود (2/ 35):"إسناد صحيح صححه الأئمة".

(3)

انظر: روضة الناظر (2/ 10، 11).

(4)

انظر: الميسر في شرح مصابيح السنة، للتُّورِبِشْتِي (1/ 224)، عون المعبود (219).

(5)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 314).

ص: 121

نوقش الاستدلال من وجهين:

أ. قول النبي صلى الله عليه وسلم في نعليه، وأن فيهما قذرًا يدل على أن القذر لم يزل منهما، فلا يجزئهما الدلك

(1)

.

أجيب:

لا دلالة في هذا على عدم إجزاء الدلك؛ لأنه لم ينقل أنه دلكهما، وهذا هو الظاهر؛ لأنه لم يعلم بالقذر فيهما، حتى أخبره جبريل عليه السلام ولو ثبت ذلك فإن الدلك يطهرهما

(2)

.

ب. يحتمل أن المراد بالقذر والأذى في الحديث هو ما يستقذر من الطاهرات كالمخاط والنخام، ولا يلزم أن يكون المراد النجاسة

(3)

.

أجيب:

الأذى في لسان الشرع يحمل على النجاسة كناية عن عينها، ولو كان المقصود ما يستقذر من الطاهرات كالطين ونحوه لصرح به، لما في ذلك من اللبس

(4)

.

الدليل الثالث: قياس الخف أو الحذاء على محل الاستنجاء؛ بجامع أن كلًا منهما يعتبر محلًا تتكرر فيه النجاسة، فأجزأ فيه المسح

(5)

.

يمكن أن يناقش:

الخف ملبوس؛ بخلاف محل الاستنجاء، فلزم افتراقهما في الحكم

(6)

.

(1)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 314).

(2)

انظر: المغني (2/ 63)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 314).

(3)

انظر: المجموع (2/ 599).

(4)

انظر: البناية (1/ 710).

(5)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 163).

(6)

انظر: المجموع (2/ 598).

ص: 122

يمكن أن يجاب:

هو وإن كان ملبوسًا، إلا أن إصابة النجاسة لأسفله مما تعم به البلوى، وتكرر ذلك يجعل في اشتراط غسله حرج، والحرج مدفوع في دين الله

(1)

.

الدليل الرابع: الخف صلب لا تتداخله أجزاء جرم النجاسة، وإنما تتداخله رطوبتها وهو قليل، وقد يجتذبه الجرم إذا جف، فلا يبقى بعد الدلك إلا اليسير وهو عفو

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل – لا يجزئ دلك أسفل الخف أو الحذاء أذا أصابته نجاسة ذات جرم، رطبةً كانت أو يابسة- بما يلي:

الدليل الأوّل: قياس أسفل الخف والحذاء على الثوب والرجل وغيرهما، بجامع أن الجميع محل تنجس فوجب غسله

(3)

.

يمكن أن يناقش:

هذا القياس فاسد الاعتبار، لمعارضته النص الصريح من قول رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلِهِ الْأَذَى، فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ)

(4)

.

الدليل الثاني: الخف ملبوس فلم يجزئ في أسفله الدلك كظاهره

(5)

.

يمكن أن يناقش:

هو وإن كان ملبوسًا إلا أن إصابة النجاسة لأسفله مما تعم به البلوى -بخلاف ظاهره- وتكرر ذلك يجعل في اشتراط غسله حرج، والحرج مدفوع في دين الله

(6)

.

(1)

انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (1/ 70).

(2)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 71).

(3)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 313)، الممتع، للمنجى (1/ 222).

(4)

تقدم تخريجه ص 122.

(5)

الكافي، لابن قدامة (1/ 164).

(6)

انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (1/ 70).

ص: 123

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل – يجزئ دلك أسفل الخف إن كانت النجاسة جافة، وإن كانت رطبةً فلا يجزئ إلا الغسل- بما يلي:

الدليل الأوّل: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه، فطهورهما التراب)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

ظاهر هذا الخبر يقتضي جواز تطهير نجاسة أسفل الخف بالمسح، سواء أكانت رطبة أو يابسة، إلا أن الدلالة قد قامت على أنه لا يجزئ في الرطب إلا الغسل؛ لأن الصلاة تمتنع مع النداوة القائمة التي لا تزول بالدلك، فلم يبق إلا أن يكون مدلول الخبر جواز دلكها بعد الجفاف

(2)

، وعلى ذلك لابد من التفريق بين الرطب واليابس، فيطهر اليابس بالدلك، والرطب بالغسل.

نوقش:

الأصل أن النصوص تحمل على ظاهرها إلا أن يدل دليل أو قرينه على خلاف الظاهر

(3)

.

الدليل الثاني: دلك النجاسة بعد جفافها يزيل أثرها، أما دلكها قبل الجفاف لا يجزئ؛ لأن أثرها يبقى، والأثر دليل على الوجود

(4)

.

يمكن أن يناقش:

(1)

رواه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في الأذى يصيب النعل (1/ 105)(386)، وابن خزيمة في صحيحه (1/ 148)(292)، قال ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية (1/ 91):"في إسناده مقال"، وقال الصنعاني في سبل السلام (1/ 206):"سنده ضعيف"، وقال الالباني في صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (1/ 173):"حسن صحيح".

(2)

انظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص (2/ 48).

(3)

انظر: شرح معاني الآثار، للطحاوي، حديث (289)، عون المعبود (2/ 219).

(4)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 316).

ص: 124

الأثر وإن بقي فهو معفو عنه كأثر الاستجمار

(1)

.

الدليل الثالث: دلك رطب النجاسة يتلطخ به الخف وتكثر به، فلابد من الجفاف لكي يجزئ الدلك، وأما الرطب فلا يزيله إلا الغسل

(2)

.

يمكن أن يناقش:

ما ذكر من استدلال هو اجتهاد يعارضه النص، ولا اجتهاد في مقابلة النص.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يجزئ دلك أسفل الخف أو الحذاء بالأرض - مطلقًا - حتى تزول عين النجاسة، رطبةً كانت أو يابسة، وذلك لقوة أدلة هذا القول وسلامتها من المعارض الراجح، وورود المناقشة على استدلال المخالفين، ولأن التفريق تحكم بلا دليل، بل هو يعارض الدليل.

(1)

انظر: الممتع، للمنجى (1/ 223).

(2)

انظر: الاختيار لتعليل المختار، للموصلي (1/ 33)، تبيين الحقائق (1/ 70).

ص: 125

‌المطلب السابع: لا فرق في التطهير بين الحاصل بفعل الله تعالى أو فعل الآدمي.

‌صورة المسألة:

إذا خلل شخص خمرًا، هل يؤثر ذلك التخليل في حلها، أم أن هناك فرق بين تخليل الخمر وتخللها بنفسها؟

جاء في المغني: "أن التطهير لا فرق فيه بين ما حصل بفعل الله تعالى وفعل الآدمي"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

التطهير بفعل الله أو بفعل الآدمي كلاهما ينقل ذات الخمر إلى ذات الخل، والذوات المختلفة تأخذ أحكامًا مختلفة، وذات الخل حلال بالإجماع، فوجب أن يكون حلال كيفما انتقل

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على طهارة الخمر وحلها إذا انقلبت خلًا بنفسها

(3)

.

2 -

واختلفوا في طهارتها وحلها إذا تخللت بفعل آدمي على قولين:

القول الأوّل:

لا تطهر الخمر ولا تحل إذا كان التخليل بفعل الآدمي، وهو مذهب الشافعية

(4)

،

(1)

(9/ 173).

(2)

بتصرف بداية المجتهد (3/ 28).

(3)

انظر: الهداية للمرغناني (4/ 398)، تبيين الحقائق (6/ 48)، بداية المجتهد (3/ 28)، عقد الجواهر الثمينة (2/ 406)، المهذب (1/ 94)، تحفة المحتاج وحواشيه (1/ 303)، المبدع (1/ 209)، الإنصاف (2/ 300).

(4)

وعندهم فيما لو نقلت من ظل إلى شمس أو العكس وجهان الأصح الطهارة

انظر: الوسيط (3/ 492)، البيان، للعمراني (1/ 427)، المجموع (2/ 575، 576).

ص: 126

والحنابلة

(1)

، وقول عند المالكية

(2)

.

القول الثاني:

تطهر الخمر وتحل إذا كان التخليل بفعل الآدمي، وهو مذهب الحنفية

(3)

، والمالكية

(4)

، ووجه عند الحنابلة

(5)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - لا تطهر الخمر ولا تحل إذا كان التخليل بفعل الآدمي - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ أَنَسٍ، رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلًّا، فَقَالَ:(لَا)

(6)

.

الدليل الثاني: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ عِنْدَنَا خَمْرٌ لِيَتِيمٍ فَلَمَّا نَزَلَتِ المَائِدَةُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ، وَقُلْتُ: إِنَّهُ لِيَتِيمٍ، فَقَالَ:(أَهْرِيقُوه)

(7)

.

الدليل الثالث: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ – رضي الله عنه، سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا، قَالَ:(أَهْرِقْهَا) قَالَ: أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا؟ قَالَ: (لَا)

(8)

.

(1)

انظر: المغني (9/ 172)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (26/ 444)، المبدع (1/ 210).

(2)

انظر: بداية المجتهد (3/ 28)، الذخيرة (1/ 193).

(3)

انظر: التجريد، للقدوري (6/ 2810)، بدائع الصنائع (5/ 114)، حاشية ابن عابدين (1/ 315).

(4)

مع القول بالكراهة

انظر: بداية المجتهد (3/ 28)، عقد الجواهر (2/ 406)، مواهب الجليل (1/ 97، 98)، شرح مختصر خليل للخرشي (1/ 88)، الفواكه الدواني (2/ 288).

(5)

انظر: المغني (9/ 173)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (26/ 444)، المبدع (1/ 209).

(6)

رواه مسلم في كتاب الأشربة، باب تحريم تخليل الخمر (3/ 1573)(1983).

(7)

رواه الترمذي في أبواب البيوع، باب ما جاء في النهي للمسلم أن يدفع إلى الذمي الخمر يبيعها له (3/ 555)(1263)، وقال:"حديث أبي سعيد حديث حسن"، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (3/ 263):"صحيح".

(8)

رواه أحمد في مسنده (19/ 226)(12189)، وأبو داود في كتاب الأشربة، باب ماجاء في الخمر تخلل (3/ 326)(3675)، وأبو يعلى في مسنده (7/ 105)(4051)، والبيهقي في كتاب الرهن، باب العصير المرهون يصير خمراً فيخرج من الرهن ولا يحل تخليل الخمر بعمل آدمي (6/ 62)(11198)، قال ابن الأثير في جامع الأصول (1/ 452):"قال الترمذي: وقد روي عن أنس أن أبا طلحة كان عنده خمر لأيتام، وهو أصح"، وقال ابن الملقن في البدر المنير (6/ 630):"هذا الحديث صحيح".

ص: 127

وجه الدلالة من الأحاديث:

تضمنت النصوص المذكورة نهيًا مقتضاه التحريم، وسببه الاستعجال بالمعالجة المحرمة، فيحكم بنقيض القصد

(1)

، ولو كان استصلاح الخمر جائزًا لما أمر عليه الصلاة والسلام بإراقتها، بل أرشدهم إليه لا سيما وهي لأيتام يحرم التفريط في أموالهم

(2)

.

نوقش من أوجه:

أ. يحتمل أن المراد بالنهي في حديث أنس هو المنع من اتخاذها واستعمالها على الموائد استعمال الخل

(3)

.

ب. حديث أبي طلحة النهي فيه محمول على إرادة معنى في غيره، وهو دفع عادة العامة، لأنهم كانوا حديثي عهد بتحريم الخمر، فبالغ عليه الصلاة والسلام في زجرهم، ولو أمرهم بتخليلها لأدى ذلك لفساد العامة، لأن التخلل لا يكون إلا بعد وقت معتبر

(4)

.

أجيب: الأصل في النهي التحريم، ولا يصرف عنه إلا بصارف

(5)

.

ت. إن خمور الأيتام كانت جائزة الإراقة، وليست بأموال، وحتى لو كان في إراقتها مفسدة فإن ارتكابها جائز لمصلحة عامة

(6)

.

(1)

انظر: التهذيب، للبغوي (1/ 187)، مغني المحتاج (1/ 237).

(2)

انظر: المنتقى للباجي (3/ 154)، البيان، للعمراني (1/ 427)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (26/ 445)، نيل الأوطار (8/ 215).

(3)

انظر: اللباب للخزرجي (1/ 77)، البناية (12/ 396).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (5/ 114)، اللباب، للخزرجي (1/ 78).

(5)

انظر: تحفة الأحوذي (4/ 399).

(6)

انظر: اللباب للخزرجي (1/ 78).

ص: 128

يمكن أن يجاب:

هذا الاعتراض يفيد المعنى المذكور في وجه الاستدلال، فهو يقويه ولا يعارضه.

الدليل الرابع: إجماع الصحابة، "فقد روي أن عمر –رضي الله عنه صعد المنبر فقال لا يحل خمر أفسدت حتى يكون الله هو الذي تولى إفسادها

"

(1)

، وهذا قول اشتهر فلم ينكر

(2)

.

الدليل الخامس: الخمر إذا طرح فيها الخل فإنه ينجس، ولو زالت النجاسة عن الخمر بقيت نجاسة الخل، فلم يطهر

(3)

.

نوقش: يسلم بالتنجيس لكنه جائز للحاجة كدبغ جلد الميتة

(4)

.

يمكن أن يجاب:

هذا القياس معارض بالأدلة الصحيحة الصريحة، التي جاءت في النهي عن التخليل، وقد سبق ذكرها.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - تطهر الخمر وتحل إذا كان التخليل بفعل الآدمي - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)

(5)

، وفي رواية:(إِنَّ دِبَاغَهَا يَحِلُّ كَمَا يَحِلُّ خَلُّ الْخَمْرِ)

(6)

.

(1)

رواه البيهقي في كتاب الرهن، باب العصير المرهون يصير خمرًا فيخرج من الرهن ولا يحل تخليل الخمر بعمل آدمي (6/ 62) (11201) وقال ابن ابي حاتم في علل الحديث (4/ 462):"الذي عندي أن هذا كله كلام الزهري".

(2)

المغني (1/ 173)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (26/ 445).

(3)

انظر: التهذيب، للبغوي (1/ 188)، المجموع (/ 575).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (5/ 114).

(5)

رواه الترمذي في أبواب اللباس، باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت (4/ 221)(1728)، وابن ماجه في كتاب اللباس، باب لبس جلود الميتة إذا دبغت (2/ 1193)(3609) في سننهما، وقال الترمذي:" هذا حديث حسن صحيح"، قال ابن حجر في إتحاف المهرة لابن حجر (9/ 26):"هذا إسناد حسن"، وقال في التلخيص الحبير (1/ 199):"حسن صحيح" وقال الالباني في السراج المنير في ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير (1/ 99): "صحيح".

(6)

رواه الدارقطني في كتاب الطهارة، باب الدباغ (1/ 72)(125)، المعجم الأوسط، (1/ 133) (417). قال:"تفرد به فرج بن فضالة وهو ضعيف"، وقال الذهبي في تنقيح التحقيق (1/ 38):"خرجه الدارقطني، ووهى فرجا"، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 206):"وفيه الفرج بن فضالة وهو ضعيف".

ص: 129

وجه الدلالة من الحديث:

جعل النبي –عليه الصلاة والسلام الخمر كالإهاب في الطهارة، فالإهاب يطهر بفعل الآدمي، فكذلك الخمر فالحديث لم يفرق بين تخلل وتخلل، فقد حقق –عليه السلام التخليل وأثبت حل الخل شرعًا

(1)

.

يمكن أن يناقش:

الحديث ضعيف وقد بين وجه ضعفه في التخريج

(2)

، ولا ترد لأحاديث الصحيحة الصريحة في المنع من تخليل الخمر بحديث مجمل لا يثبت

(3)

.

الدليل الثاني: عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ- رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(نِعْمَ الْأُدُمُ - أَوِ الْإِدَامُ - الْخَلُّ)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث عام يتناول جميع ما يطلق عليه اسم الخل، فلم يفرق بين خلٍّ وخل، وفي التخليل يزول الوصف المفسد (الخمرية)؛ لأن التخليل إصلاح، والإصلاح مباح

(5)

.

نوقش من وجهين:

(1)

انظر: بدائع الصنائع (5/ 114).

(2)

سنن الدارقطني (1/ 72)، نصب الراية (1/ 119).

(3)

انظر: أعلام الموقعين، ابن القيم (2/ 292).

(4)

رواه مسلم في كتاب الأشربة، باب فضيلة الخل والتأدم به (3/ 1621)(2051).

(5)

انظر: تبيين الحقائق (6/ 48)، البناية (12/ 394).

ص: 130

أ. المراد من الحديث الاقتصاد والابتعاد عن ملاذ الأطعمة، فأرشد للائتدام بالخل وما في معناه مما تخف مؤنته، وعدم التأنق في المطعم

(1)

.

ب. الخل قد يصنع من غير الخمر وهذا هو المباح الذي نص عليه أهل العلم، واعتبروه المقصود في الحديث، جاء في الإنصاف:"الخل المباح أن يصب على العنب أو العصير خل قبل غليانه حتى لا يغلي"

(2)

.

الدليل الثالث: القياس على حل الخمر إذا تخللت بنفسها، إذ لا فرق بين الحالين

(3)

.

يمكن أن يناقش: هذا القياس ممتنع، لأن القول بجواز إمساك الخمر حتى تتخلل ليس محل اتفاق، فلا يستقيم هذا الاستدلال

(4)

.

الدليل الرابع: الحكم الواجب لعلة شرعية يزول بزوال تلك العلة

(5)

، وعلة التنجيس في الخمر تزول بجميع صور التخليل

(6)

.

يمكن أن يناقش: زوال الإسكار إنما كان بفعل محرم، فلم يترتب عليه أثره

(7)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: لا تطهر الخمر ولا تحل إذا كان التخليل بفعل الآدمي، وذلك لقوة أدلة أصحاب هذا القول ودفعها لما ورد عليها من الاعتراضات، وورود المناقشة المضعفة لاستدلال المخالفين.

(1)

انظر: معالم السنن (4/ 254).

(2)

(2/ 303)، وانظر: تحفة الأحوذي، المباركفوري (4/ 399).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (5/ 114).

(4)

انظر: مجموع الفتاوى (21/ 518).

(5)

انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 412).

(6)

انظر: المقدمات الممهدات (1/ 443)، شرح مختصر خليل للخرشي (1/ 88).

(7)

الشرح الممتع، لابن عثيمين (1/ 432، 433).

ص: 131

‌المطلب الثامن: لا فرق في عدم النجاسة بالموت بين المسلم والكافر.

‌صورة المسألة:

إذا مات آدمي، فهل يحكم بنجاسته بسبب الموت مسلمًا كان أو كافرًا أو لا؟

جاء في الإنصاف: "ولا ينجس الآدمي بالموت

لم يفرق أصحابنا بين المسلم والكافر"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

1 -

استواء المسلم والكافر في وصف الآدمية حقيقةً ومعنى

(2)

.

2 -

استواء المسلم والكافر في الطهارة حال الحياة فكذلك الممات

(3)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في حكم نجاسة الآدمي بالموت مسلمًا كان أو كافرًا، على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:

لا ينجس الآدمي بالموت مسلمًا كان أو كافرًا، وهو مذهب المالكية

(4)

، والحنابلة

(5)

، وقول

(1)

(2/ 338).

(2)

انظر: الإنصاف (2/ 338).

(3)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 339).

(4)

انظر: البيان والتحصيل (2/ 208)، عقد الجواهر الثمينة (1/ 11)، مواهب الجليل (1/ 99).

(5)

انظر: المغني (1/ 34)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 338، 339)، الإنصاف (2/ 338).

ص: 132

للحنفية

(1)

، والصحيح عند الشافعية

(2)

.

القول الثاني:

ينجس الآدمي بالموت مسلمًا كان أو كافرًا، وهو مذهب الحنفية

(3)

، وقول عند الشافعية

(4)

، ورواية عند الحنابلة

(5)

.

القول الثالث:

ينجس الكافر بالموت ولا ينجس المسلم، وهو قول بعض المالكية

(6)

، وقول عند الحنابلة

(7)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل – لا ينجس الآدمي بالموت مسلمًا كان أو كافرًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}

(8)

.

وجه الدلالة من الآية:

نصت الآية على تكريم الآدمي، ومن مقتضى التكريم ألا يحكم بنجاسته بالموت، وهي عامة في كل آدمي

(9)

.

الدليل الثاني: قال الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}

(10)

.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 299)، تبيين الحقائق وحاشية الشلبي (1/ 235)، حاشية ابن عابدين (2/ 194).

(2)

انظر: الوسيط (1/ 230)، فتح العزيز (1/ 161، 162)، المجموع (2/ 561).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 299)، حاشية ابن عابدين (2/ 194).

(4)

انظر: نهاية المطلب (3/ 8)، المجموع (2/ 560 - 562).

(5)

انظر: المبدع (1/ 118)، الإنصاف (2/ 338).

(6)

انظر: مواهب الجليل (1/ 99)، حاشية الدسوقي (1/ 53).

(7)

انظر: المغني (1/ 35)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 339).

(8)

سورة الإسراء، من الآية (70).

(9)

انظر: الحاوي (3/ 8)، فتح العزيز (1/ 162)، كفاية الأخيار (1/ 70).

(10)

سورة المائدة، من الآية (5).

ص: 133

وجه الدلالة من الآية:

يلزم من حل نكاح نساء أهل الكتاب طهارة أبدانهن وذلك في الحياة والموت، إذ من المعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن، ومع ذلك لم يجب عليه في الغسل إلا كما يجب عليه في الغسل من المسلمة

(1)

.

الدليل الثالث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ)

(2)

، وروي عن الحاكم:(لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث صريح في عدم نجاسة الآدمي، وهو عام في الحياة والموت، وفي المسلم والذمي

(4)

.

الدليل الرابع: قبل رسول الله عثمان ابن مضعون

(5)

بعد موته ودموعه تجري على خده، فلو كان نجسًا لما قبله مع رطوبته

(6)

.

(1)

انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال، (1/ 398)، فتح الباري، لابن حجر (1/ 390)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (3/ 239).

(2)

رواه البخاري في كتاب الغسل، باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره وقال عطاء" يحتجم الجنب، ويقلم أظفاره، ويحلق رأسه، وإن لم يتوضأ"(1/ 65)(285)، ومسلم في كتاب الحيض، باب الدليل على أن المسلم لا ينجس (1/ 282)(371).

(3)

رواه ابن أبي شيبة في كتاب الجنائز، من قال ليس على غاسل الميت غسل (2/ 469)(11134)، والدارقطني في كتاب الجنائز، باب المسلم ليس بنجس (2/ 430)(1811)، والحاكم في المستدرك، كتاب الجنائز (1/ 542)(1422) واللفظ له، وقال ابن حجر في فتح الباري (3/ 127):"إسناده صحيح"، وقال العيني في عمدة القاري (3/ 239):"صحيح على شرطهما ولم يخرجاه".

(4)

انظر: المجموع (2/ 560)، كفاية الأخيار (1/ 71)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/ 138).

(5)

هو عثمان بن مظعون بن حبيب بن حذافة الجمحي، يكنى أبا السائب، أسلم بعد ثلاثة عشر رجلً، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين، شهد بدرًا وتوفي بعدها وهو أول من دفن بالبقيع، انظر: معجم الصحابة للبغوي (4/ 338)، سير أعلام النبلاء (3/ 100).

(6)

انظر: مواهب الجليل (1/ 99)، حاشية الدسوقي (1/ 53)، الحاوي (3/ 8)، الثقات، لابن حبان (3/ 260).

ص: 134

الدليل الخامس: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ

(1)

فِي الْمَسْجِدِ)

(2)

.

ولو كان نجسًا لما أدخله عليه الصلاة والسلام إلى المسجد

(3)

.

الدليل السادس: الميت آدمي فلم ينجس بالموت -كالشهيد- ولو نجس بالموت لما أُمرنا بغسله؛ لأن الغسل لا يطهِّره، فغسل ما هو نجس العين يزيد تنجيسه ولا يفيده الغسل تطهيرًا، والكافر يقاس على المسلم في ذلك؛ بجامع الآدمية

(4)

.

نوقش:

لو كان طاهرًا لما أمرنا بغسله، كسائر الأعيان الطاهرة

(5)

.

أجيب:

غسل نجس العين غير معهود أما غسل الطاهر فمعهود، كالجنب فعلم أن الغرض من غسل الميت تكريمه وإزالة الأوساخ عنه

(6)

.

الدليل السابع: الحكم بطهارة الميت مسلمًا كان أو كافرًا منقول عن ابن مسعود وابن عباس

(1)

هو سهيل بن وهب بن ربيعة بن عمرو بن فهر القرشي، وبيضاء أمه، يكنى أبا موسى، هاجر الهجرتين وشهد بدرًا وأحدًا، توفي بعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك سنة تسع ولم يعقب، انظر: سير أعلام النبلاء (3/ 234)، الإصابة (3/ 162).

(2)

رواه النسائي في كتاب الجنائز، الصلاة على الجنازة في المسجد (2/ 440) (2105). قال الزيلعي في نصب الراية (2/ 276):"قال أحمد بن حنبل هذا حديث ضعيف، تفرد به صالح مولى التوءمة، وهو ضعيف"، وقال ابن حجر في النكت على كتاب ابن الصلاح (2/ 705):"قال الحاكم: تفرد أهل المدينة بهذه السنة".

(3)

التنبيه، ابن بشير (1/ 233)، انظر: مواهب الجليل (1/ 99)، حاشية الدسوقي (1/ 53).

(4)

انظر: تبيين الحقائق وحاشية الشلبي (1/ 236)، الحاوي (3/ 8)، المجموع (2/ 560)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 338).

(5)

فتح العزيز (1/ 163)، انظر: حاشية الرملي على أسنى المطالب (1/ 10).

(6)

انظر: حاشية الصاوي (1/ 49،)، فتح العزيز (1/ 163)، حاشية الرملي على أسنى المطالب (1/ 10).

ص: 135

وعائشة رضي الله عنهم في قضايا متعددة ولم يعرف لهم مخالف، فيكون إجماعًا

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - ينجس الآدمي بالموت مسلمًا كان أو كافرًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: روي أَنَّ زِنْجِيًّا وَقَعَ فِي زَمْزَمَ يَعْنِي فَمَاتَ، فَأَمَرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَأُخْرِجَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنْزَحَ

(2)

.

وجه الدلالة:

لو لم تتنجس البئر بوقوع الآدمي فيها، لما أمر بنزحها

(3)

.

يمكن أن يناقش الاستدلال من وجهين:

أ. أن هذا الأثر ضعيف، وقد بُين ذلك في التخريج.

ب. يحتمل أن يكون الأمر بالنزح لتغير الماء، وليس لمجرد وقوع الآدمي.

الدليل الثاني: الأدمي حيوان دموي، كغيره من الحيوانات الدموية التي تنجس بالموت

(4)

.

يمكن أن يناقش:

هذا قياس فاسد الاعتبار، لأنه معارض بالنصوص والآثار التي سبق ذكرها في أدلة القول الأوّل.

الدليل الثالث: الآدمي إذا مات لم يحل أكله، فحكمنا بنجاسته كسائر الميتات

(5)

.

(1)

شرح العمدة، لابن تيمية (1/ 132).

(2)

رواه الدارقطني في كتاب الطهارة، باب البئر إذا وقع فيها حيوان (1/ 40) (65). قال الزيلعي في نصب الراية (1/ 129):"قال البيهقي في المعرفة: وابن سيرين عن ابن عباس: مرسل لم يلقه ولا سمع منه، وإنما هو بلاغ بلغه"، قال ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية (1/ 60):"وهذا منقطع".

(3)

انظر: المحيط البرهاني (2/ 153).

(4)

انظر: حاشية ابن عابدين (1/ 211)، مغني المحتاج (1/ 232)، المبدع (1/ 218).

(5)

انظر: فتح العزيز (1/ 162)، المجموع (2/ 560)، شرح العمدة، لابن تيمية (1/ 132).

ص: 136

نوقش: الميت من بني آدم لا يسمى ميتة، فهو ليس برجس ولا نجس، ولم يحرم أكله لنجاسته وإنما إكرامًا له، ويفارق بقية الميتات بموجب شرفه وحرمته

(1)

.

الدليل الرابع: ما انفصل من أعضاء ابن آدم في حال الحياة نجس لفقد الحياة، فكذا الحكم في جملته بعد الممات

(2)

.

نوقش: هذا قياس مع الفارق، فإن ما انفصل من الآدمي حال الحياة، ليس له حرمة كحرمة الميت، بدليل أنه لو و انفصل عضو من الحي لا يصلى عليه، بخلاف ما لو وجد طرف لميت صُلي عليه

(3)

.

ثم إن الأبعاض ليس لها حكم الجملة في الحقيقة ولا شريعة فهذا اعتبار فاسد

(4)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل - ينجس الكافر بالموت ولا ينجس المسلم - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}

(5)

.

وجه الدلالة من الآية:

نصت الآية على نجاسة أعيان المشركين، واللفظ عام يتناول الحي والميت، بل هو حال الموت أولى

(6)

.

نوقش:

(1)

البيان والتحصيل (2/ 208)، انظر: الممتع، لابن المنجى (1/ 226)، شرح العمدة، لابن تيمية (1/ 133).

(2)

الحاوي (3/ 8).

(3)

انظر: الحاوي (3/ 9).

(4)

انظر: القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، لابن العربي (437).

(5)

سورة التوبة، من الآية (28).

(6)

انظر: الكشاف، للزمخشري (2/ 261).

ص: 137

المراد بالنجاسة في الآية هي نجاسة الاعتقاد والاستقذار وليس المراد نجاسة أعضائهم

(1)

.

قال الواحدي

(2)

: "قال أهل العلم وأصحاب المعاني: هذه النجاسة التي وصف الله بها المشركين نجاسة الحكم لا نجاسة العين، سموا نجسًا على الذم، ولو كانت أعيانهم نجسة لما طهرهم الإسلام، ولكن شركهم يجري مجرى القذر في أنه يوجب نجسهم فسموا نجسًا لهذا المعنى"

(3)

.

الدليل الثاني: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ)

(4)

.

الدليل الثالث: عن ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «المُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا» وَقَالَ سَعِيدٌ بن المسيب

(5)

: «لَوْ كَانَ نَجِسًا مَا مَسِسْتُهُ»

(6)

.

وجه الدلالة:

دلت الأحاديث والآثار المذكورة على طهارة المسلم، حيًا كان أو ميتًا، والخبر إنما ورد في المسلم، ولا يصح قياس الكافر عليه، لأن الكافر لا حرمة له بدليل عدم الصلاة عليه

(7)

.

نوقش: لفظ المؤمن إنما ورد في الحديث تغليبًا لا تخصيصًا، ويجوز أن يكون المعنى أن المؤمن طاهر

(1)

شرح النووي على مسلم، (4/ 66)، العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام، لابن العطار (1/ 202)، أسنى المطالب (1/ 10).

(2)

هو أبو الحسن، علي بن أحمد بن محمد بن علي بن متويه الواحدي، أستاذ عصره في النحو والتفسير، لازم أبا إسحق الثعلبي المفسر، وأخذ العربية عن أبي الحسن الضرير، من تفاسيره (البسيط، والوسيط، والوجيز) وله كتاب أسباب النزول، وغير ذلك، توفي سنة (468). هـ، انظر: وفيات الأعيان (3/ 303، 304)، طبقات الشافعية، للسبكي (5/ 240، 241).

(3)

التفسير البسيط، للواحدي (10/ 352).

(4)

تقدم تخريجه ص 136.

(5)

هو سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي، فقيه المدينة، كنيته أبو محمد، من كبار التابعين وأجلهم وأعلمهم، أدرك عليًا وعثمان وسمع من أبي هريرة وأبي سعيد، توفي سنة (94) هـ، انظر: الكنى والأسماء (2/ 719)، تذكرة الحفاظ (1/ 44)، شذرات الذهب (1/ 370).

(6)

رواه البخاري في كتاب الجنائز، باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر (2/ 73).

(7)

انظر: شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/ 53)، المغني (1/ 35)، المبدع (1/ 218).

ص: 138

الأعضاء لمجانبته النجاسة

(1)

، أو أنه ثناء على الإيمان وترغيب فيه

(2)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: لا ينجس الآدمي بالموت مسلمًا كان أو كافرًا، وذلك لقوة هذا القول وتظافر النصوص الدالة عليه، ولأن أدلة المخالفين لا تناهض أدلة القول المرجح، وهي لا تُقدم على النصوص الواردة في المسألة.

(1)

فتح الباري، لابن حجر (1/ 390)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (3/ 240).

(2)

انظر: أسنى المطالب (1/ 10)، تحفة المحتاج للهيتمي وحواشيه (1/ 292، 293).

ص: 139

‌المطلب التاسع: لا فرق بين أن يكون زمن الدم أكثر من زمن الطهر أو مثله أو أقل.

‌صورة المسألة:

إذا تقطع حيض امرأة فرأت يومًا دمًا، ويومًا طهرًا، هل يعتبر الكل حيضًا، أم تضم الدم إلى الدم وتعتبر الطهر فاصلًا دون اعتبار لكون زمن الدم أكثر من الطهر أو مثله أو أقل منه؟

جاء في المغني: "فصل في التلفيق ومعناه ضم الدم إلى الدم الذين بينهما طهر

ولا فرق بين أن يكون زمن الدم أكثر من زمن الطهر أو مثله أو أقل منه"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر والله أعلم أن سبب الإلحاق هو: عدم التفريق بين كون زمن الطهر أكثر أو أقل أو مساوي للدم، لأن مناط الحكم هو تحقق وجود الدم وانقطاعه الذي يتحقق به الطهر ولا عبرة بالقلة والكثرة.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على أن الطهر المتخلل بين دمين إذا كان خمسة عشر يومًا فصاعدًا، فإنه يكون فاصلًا بينهما

(2)

.

2 -

واختلفوا في اعتباره فاصلًا أو عدم اعتباره إن كان أقل من الخمسة عشر يومًا على قولين:

القول الأوّل:

(1)

(1/ 260).

(2)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 43)، حاشية ابن عابدين (1/ 289)، المعونة (1/ 188)، عقد الجواهر (1/ 71)، المهذب، للشيرازي (1/ 78)، المجموع (2/ 376)، الكافي، لابن قدامة (1/ 148، 149)، المغني (1/ 259).

ص: 140

يعتبر الطهر فاصلًا، ويُضَم الدم إلى الدم بجمع أيامه دون أيام الطهر، سواء كان قدر النقاء أكثر من قدر الدم أو مثله أو أقل منه، وهو مذهب المالكية

(1)

، والحنابلة

(2)

، وقول للشافعية

(3)

.

القول الثاني:

لا يعتبر الطهر فاصلًا، ويكون الجميع حيضًا

(4)

، وهو مذهب الحنفية

(5)

، والشافعية

(6)

، ورواية عند الحنابلة

(7)

، واختيار ابن تيمية

(8)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يعتبر الطهر فاصلًا، ويُضَم الدم إلى الدم بجمع أيامه دون أيام الطهر، سواء كان قدر النقاء أكثر من قدر الدم أو مثله أو أقل منه - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}

(9)

.

وجه الدلالة من الآية:

سمى الله عز وجل الحيض أذى وأمر باعتزال النساء فيه حتى يطهرن، وليس هناك ما

(1)

انظر: المدونة (1/ 152)، مواهب الجليل (1/ 366)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 170).

(2)

بشرط أن لا ينقص مجموع الدم عن أقل الحيض

انظر: المغني (1/ 260)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 452)، المبدع (1/ 254).

(3)

انظر: المهذب للشيرازي (1/ 78)، نهاية المطلب (1/ 412)، روضة الطالبين (1/ 162، 163).

(4)

مع التفريق بين أن يكون قدر النقاء أكثر من قدر الدم أو مثله أو أقل منه.

(5)

على تفصيل عندهم: فإن كان الطهر الفاصل بين الحيضتين أقل من ثلاثة أيام فلا يكون فاصلًا بالاتفاق.

وإن كان أكثر فيه روايات.

انظر: المبسوط، للسرخسي (3/ 154، 155)، بدائع الصنائع (1/ 43، 44)، البحر الرائق (1/ 216، 218).

(6)

وهو مقيد عندهم بشرطين أحدهما: أن يكون النقاء محتوشًا بدمين في الأيام الخمسة عشر، والثاني: بلوغ مجموع الدماء قدر أقل الحيض، مع جريان القول بعدم التفريق أيضًا على هذا القول عندهم.

انظر: الحاوي (1/ 424)، نهاية المطلب (1/ 412)، روضة الطالبين (1/ 162).

(7)

انظر: الفروع (1/ 376)، الإنصاف (2/ 452).

(8)

انظر: شرح العمدة (1/ 513).

(9)

سورة البقرة، من الآية (222).

ص: 141

يستدل به على الحيض إلا وجود الدم ولا ما يستدل به على الطهر إلا النقاء

(1)

.

نوقش:

لا يسلم وصفها بالطهارة وإن انقطع الدم؛ لأن الطهر لا يكون إلا عند الانقطاع الصحيح، وليس بزوال حدث الحيض

(2)

.

يمكن أن يجاب:

تحقق النقاء بزوال الدم، يعد انقطاعًا صحيحًا وإن قلت مدته.

الدليل الثاني: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

الإدبار المذكور في الحديث إنما يعرف بالانقطاع، فإن انقطع الدم حكم بالطهر

(4)

.

الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أَمَّا مَا رَأَتِ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ، فَلَا تُصَلِّي، فَإِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتُصَلِّ»

(5)

.

وجه الدلالة:

(1)

البيان، للعمراني (1/ 349)، المبدع (1/ 253).

(2)

التجريد، للقدوري (1/ 357).

(3)

رواه البخاري في كتاب الحيض، باب إذا رأت المستحاضة الطهر، (1/ 73)(331)، ومسلم في كتاب الحيض، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، (1/ 262)(333).

(4)

انظر: التهذيب، للبغوي (1/ 469).

(5)

رواه الدارمي في كتاب الطهارة، باب في غسل المستحاضة، (1/ 610)(827)، وذكره أبو داود في كتاب الطهارة، باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، (1/ 75)(286)، ورواه البيهقي في كتاب الحيض، باب المرأة تحيض يوماً وتطهر يوماً، (1/ 503) (1605). قال ابن رجب في فتح الباري (2/ 176):"قال أحمد: ما أحسنه"، وقال الألباني في صحيح أبي داود - الأم (2/ 63):"صحيح".

ص: 142

في النص أمر بالاغتسال في زمن الطهر مطلقًا، وفي هذا دليل على أن المرأة متى انقطع حيضها حكم بطهرها ووجب عليها الاغتسال

(1)

.

الدليل الرابع: الضرورة تقتضي عدم جعل كل واحد من الدم حيضة؛ لأن أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يومًا أو خمسة عشر وإذا لم يكن سبيل لجعله حيضة تعين الضم

(2)

.

الدليل الخامس: الدم المضموم بعضه إلى بعض حيض؛ لأنه في زمن يصلح أن يكون فيه حيض أشبه ما لم يفصل بينهما طهر

(3)

.

الدليل السادس: لما كان الدم دالًّا على الحيض، وجب أن يكون النقاء دالًّا على الطهر

(4)

.

الدليل السابع: لو جاز أن يجعل النقاء حيضًا لما تعقبه من الحيض لجاز أن يكون الحيض طهرًا، لما تعقبه من الطهر، فعلى هذا تلفق أيام الدم تكون حيضًا، وتلفق أيام النقاء فتكون طهرًا

(5)

.

نوقش: الدم المتخلل بين طهرين حيض بالاتفاق فلم يجعل تابعًا لأيام الطهر، والعادة في الحيض أن سيلانه لا يستمر فيوجد تارة وينقطع أخرى لذا حكم بكونه حيضًا ولم تجر العادة في الطهر أنه يوجد تارة وينقطع أخرى، فعلم أنه تابعًا للحيض وليس بطهر صحيح

(6)

.

أجيب:

لا يصح جعل النقاء الخالص حيضًا تبعًا لما يتخلله من الدم، لأن المرأة إن رأت القصة البيضاء كان نقاءًا خالصًا وطهرًا صحيحًا، وأما لحظات استمساك الدم لا يوجد فيها النقاء الخالص ولا

(1)

بتصرف: الكافي، لابن قدامة (1/ 148).

(2)

الممتع، للمنجي (1/ 249).

(3)

الممتع، للمنجي (1/ 249)، كشاف القناع (1/ 214).

(4)

الحاوي (1/ 425).

(5)

الحاوي (1/ 425) المهذب، للشيرازي (1/ 78)، شرح العمدة، لابن تيمية (1/ 513).

(6)

التجريد، للقدوري (1/ 357).

ص: 143

علامته

(1)

.

الدليل الثامن: من تقطع حيضها تكون نقية حسًا طاهرة قطعًا، والنقاء مجاوز لأزمنة الفترات

(2)

في العادات فإثبات الحيض ولا حيض بعيد

(3)

.

نوقش:

تحقق الانقطاع ليس بطهر كما أن تحقق سيلان الدم ليس بحيض حتى تستمر مدة الحيض

(4)

.

يمكن أن يجاب:

لو كان تحقق الانقطاع ليس بطهر، لما أمر النبي المرأة بالاغتسال عند إدبار الحيض وزواله.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - لا يعتبر الطهر فاصلًا، ويكون الجميع حيضًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: قياس الطهر المتخلل بين دمين -وهو أقل من مدة الطهر- على دم الاستحاضة، بجامع الفساد في الجميع، وبين صفة الصحة والفساد منافاة والفاسد لا تتعلق به أحكام الصحيح شرعًا فكان كالدم المتوالي

(5)

.

يمكن أن يناقش:

لا يسلم لهذا الاستدلال؛ لأن القول بفساد الطهر المتخلل بين دمين إن كان أقل من مدة الحيض، لا مستند له، وقد سبق ذكر الأدلة الدالة على الحكم بصحة هذا الطهر.

(1)

انظر: شرح العمدة لابن تيمية (1/ 513).

(2)

الحيض يجتمع في الرحم ثم الرحم يقطره شيئًا فشيئًا، فالفترة ما بين انتهاء دفعة وظهور أخرى من الرحم إلى المنفذ فما زاد على ذلك فهو النقاء. روضة الطالبين (1/ 163).

(3)

نهاية المطلب (1/ 413).

(4)

التجريد، للقدوري (1/ 357).

(5)

انظر: التجريد، للقدوري (1/ 356)، المبسوط، للسرخسي (3/ 155)، تبيين الحقائق (1/ 61) نهاية المطلب (1/ 413).

ص: 144

الدليل الثاني: إن لأقل الحيض مدة ولأقل الطهر مدة، وما نقص عن أقل الحيض لا يعتد به كذلك ما نقص عن أقل الطهر لا يعتد به، فلم يعتبر طهر صحيح بدلالة أنه لا يفصل بين دمين، فصار كالانقطاع إذا لم يوجد معه نقاء

(1)

.

يمكن أن يناقش: هذا اعتراض بمحل النزاع فلا يستقيم.

الدليل الثالث: جرت عادة النساء في الحيض بأن يجري الدم زمانا ويستمسك زمانا، وليس من عادته أن يستديم جريانه إلى انقضاء مدته، فلما كان زمان إمساكه حيضًا؛ لكونه بين دمين كان زمان النقاء حيضا لحصوله بين دمين، فعلى هذا تكون الخمسة عشر كلها حيضًا

(2)

.

نوقش:

الفترة المعتادة بين دفعتي الدم حيض بلا خلاف، وأما ما زاد عنها من النقاء فهو طهر

(3)

.

الدليل الرابع: لو كان ما رأته من النقاء طهرًا لانقضت العدة بثلاثة منها

(4)

.

نوقش:

لا تنقضي العدة به؛ لأن على المرأة أن تعتد بأقراء كاملة، وهذا كله قرء واحد تفرق عليها وضم بعضه لبعض فكان حيضة واحدة وما بينه من الطهر ملغى

(5)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يعتبر الطهر فاصلًا، ويُضَم الدم إلى الدم بجمع أيامه دون أيام الطهر، سواء كان قدر النقاء أكثر من قدر الدم أو مثله أو أقل منه، وذلك لقوة أدلة هذا القول ودلالتها على المراد، والمناقشات

(1)

التجريد للقدوري (1/ 356).

(2)

انظر: الحاوي (1/ 424)، شرح العمدة، لابن تيمية (1/ 513).

(3)

انظر روضة الطالبين (1/ 162).

(4)

المهذب في فقه الإمام الشافعي، للشيرازي (1/ 78)، شرح العمدة، لابن تيمية (1/ 513).

(5)

انظر: مواهب الجليل (1/ 366)، التهذيب للبغوي (1/ 470).

ص: 145

الواردة عليها لا تقوى على إضعافها، وأدلة المخالفين مجرد تعليلات لا مستند لها والنصوص الواردة مقدمة عليها.

ص: 146

‌المطلب العاشر: لا فرق في الحيض بين نساء العرب وغيرهن.

‌صورة المسألة:

رأت امرأة الدم ولها خمسون سنة، فهل تكون آيسة أو يحكم بأن ما رأته حيضًا، وهل يفرق في ذلك بين العربيات وغيرهن.

جاء في المغني: "والصحيح أنه لا فرق بين نساء العرب وغيرهن"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

استواء غير العربيات بالعربيات في سائر أحكام الشريعة ومنها الحيض

(2)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في تحديد سن اليأس للمرأة، على سبعة أقوال:

القول الأوّل:

لا حد لسن اليأس، وهو قول بعض الحنفية

(3)

، واختيار ابن تيمية

(4)

.

القول الثاني:

سن اليأس للروميات خمس وخمسون سنة، ولغيرهن ستون سنة، وهو قول محمد من الحنفية

(5)

،

(1)

(1/ 263).

(2)

المغني (1/ 263).

(3)

انظر: فتح القدير (4/ 318)، البحر الرائق (4/ 150)، حاشية ابن عابدين (3/ 515).

(4)

انظر: مجموع الفتاوى (19/ 240).

(5)

انظر: المبسوط، للسرخسي (6/ 27)، حاشية ابن عابدين (3/ 515).

ص: 147

ورواية عند الحنابلة

(1)

.

القول الثالث:

سن اليأس خمسون سنة في نساء العرب وغيرهن، وهو مذهب الحنابلة

(2)

وقول أكثر الحنفية

(3)

.

القول الرابع:

سن اليأس خمس وخمسون سنة في نساء العرب أو غيرهن، وهو مذهب الحنفية

(4)

.

القول الخامس:

سن اليأس له حدان أدنى وأعلى، أدناه خمسون سنة

(5)

، للعربيات وغيرهن، وهو مذهب المالكية

(6)

، ورواية عند الحنابلة

(7)

.

القول السادس:

سن اليأس هو أقصى يأس نساء العالم، وهو القول الأظهر للشافعية

(8)

.

القول السابع:

سن اليأس لكل امرأة بحسب يأس نساء عشيرتها من الأبوين، وهو قول للشافعي

(9)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - لا حد لسن اليأس - بما يلي:

(1)

وحدوه بستين سنة في نساء العرب وخمسين في العجم

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 387)، المبدع (1/ 235).

(2)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 386)، المبدع (1/ 235)، الإنصاف (2/ 387).

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (6/ 27)، حاشية ابن عابدين (3/ 515).

(4)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 29)، البحر الرائق (4/ 151)، حاشية ابن عابدين (3/ 515).

(5)

وأعلاه سبعون سنة عند المالكية وستون عند الحنابلة.

(6)

انظر: مواهب الجليل (1/ 367)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (4/ 364)، الشرح الكبير، للدردير (2/ 473).

(7)

انظر: المغني (1/ 262)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 387).

(8)

والمراد ما يبلغ خبره ويعرف، والأشهر أنه (62) سنة، وقيل:(60) سنة، وقيل:(50) سنة

انظر: الوسيط (6/ 125)، المجموع (6/ 143، 144)، روضة الطالبين (8/ 372).

(9)

انظر: نهاية المطلب (3/ 165)، الوسيط (6/ 125).

ص: 148

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ}

(1)

.

وجه الدلالة من الآية:

اليأس المذكور في الآية معناه أن تيأس المرأة من أن تحيض، وليس في النص تحديد سن، ولو كان اليأس ببلوغ سن معين لبينه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام

(2)

.

الدليل الثاني: العبرة بوجود الدم وانقطاعه، فإذا ثبت الانقطاع حُكم بالإياس؛ لأن المعول عليه هو الانقطاع

(3)

.

الدليل الثالث: الإياس معنى في باطن الآيسة لا يوقف على حقيقته، فلابد من اعتبار سببه الظاهر، وهو انقطاع الحيض

(4)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - سن اليأس للروميات خمس وخمسون سنة، ولغيرهن ستون سنة - بما يلي:

الدليل الأوّل: روى الزبير بن بكار

(5)

عن بعضهم أنه قال: "لا تلد لخمسين سنة إلا العربية، ولا تلد لستين إلا القرشية"

(6)

.

يمكن أن يناقش:

هذا الأثر لم يثبت، فلا يصح الاحتجاج به، ولو صح فإنه محمول على الغالب.

(1)

سورة الطلاق، من الآية (4).

(2)

انظر: مجموع الفتاوى (19/ 240).

(3)

بتصرف فتح القدير (4/ 318)، المحيط البرهاني (3/ 458).

(4)

المبسوط، للسرخسي (6/ 27).

(5)

هو أبو عبد الله، الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام، ثقةٌ ثبت عالمٌ بالأنساب، وُلي قضاء مكة، له كتاب أنساب قريش وغيره من الكتب، توفي سنة (256) هـ، انظر: الجرح والتعديل (3/ 585)، تاريخ بغداد (8/ 469)، وفيات الأعيان (2/ 311، 312).

(6)

لم أجد له تخريجًا-فيما اطلعت عليه- وذكره أبو الفرج في الشرح الكبير (2/ 387).

ص: 149

الدليل الثاني: الروميات يسرع إليهن الهرم بخلاف العربيات فهن أقوى جبلة

(1)

.

الدليل الثالث: الروميات أنعم من غيرهن فكن أسرع تكسرًا منهن

(2)

.

يمكن أن يناقش الدليلان:

سرعة الهرم ليس مستندًا لتحديد سن اليأس، فالتحديد تحكم بلا دليل.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل - سن اليأس خمسون سنة في نساء العرب وغيرهن – بـ:

عن عائشة رضي الله عنها – قالت: «إذا جاوزت المرأة خمسين سنة لم تر في بطنها قرة عين»

(3)

.

وقالت: «إذا بلغت خمسين سنة خرجت من حد الحيض»

(4)

.

وجه الدلالة:

المراد أن المرأة إذا بلغت خمسين سنة كانت آيسة؛ لأن تقدير سن اليأس لا يعرف بالرأي فأشبه أن يكون توقيفًا

(5)

.

نوقش:

هذا الدليل لا حجة فيه، لأن وجود الحيض أمر حقيقي مرجعه إلى الوجود، والوجود لا علم به، فالتحديد تحكم بلا دليل، بل قد وجد خلاف ما ذكروه، فإن موسى بن عبد الله بن حسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب قد ولدته أمه بعد الخمسين، وإذا وجد ذلك من نساء ثقات أخبرن

(1)

المبسوط، للسرخسي (6/ 27)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 387).

(2)

انظر: البناية (1/ 639).

(3)

لم أجد له تخريجًا-فيما اطلعت عليه- وذكره العيني في البناية (1/ 639). قال العيني: " وقال صاحب " الإمام ": لم أقف على سنده".

(4)

لم أجد له تخريجًا-فيما اطلعت عليه- وذكره ابن تيمية في شرح العمدة (1/ 481).

(5)

شرح العمدة، لابن تيمية (1/ 481).

ص: 150

عن أنفسهن، يكون الوجود دليلًا كما كان قبل الخمسين دليلًا

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الرابع القائل - سن اليأس خمس وخمسون سنة في نساء العرب أو غيرهن – بـ:

أن التحديد بخمس وخمسين سنة هو الأعدل في سائر الأوقات، وهو الأقرب للعرف والعادة

(2)

، والعمل بالعرف من القواعد التي اعتمدها الأئمة، وقد عد جملة من الفقهاء من أصول أئمتهم اعتبار العرف والعادة في بناء الأحكام، وتحديد ما لم يرد تحديده في الشرع

(3)

.

يمكن أن يناقش:

اعتبار العرف في تحديد اليأس ليس دقيقًا، فقد وجدت وقائع خالفت العادات وخرجت عنها، فلم يبق إلا أن يجعل مدار الحكم على وجود الحيض وعدمه.

واستدلَّ أصحاب القول الخامس القائل - سن اليأس له حدان أدنى وأعلى، أدناه خمسون سنة، للعربيات وغيرهن - بما يلي:

الدليل الأوّل: عن عمر –رضي الله عنه قال: «بنت خمسين عجوزًا في الغابرين»

(4)

.

الدليل الثاني: عن عائشة –رضي الله عنها-قالت: «قل من تجاوز الخمسين فتحيض، إلا أن تكون فارهة

(5)

»

(6)

.

يمكن أن يناقش:

(1)

انظر: المغني (1/ 263)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 388)، الممتع، لابن المنجى (1/ 237).

(2)

انظر: البناية (1/ 639).

(3)

انظر: إعلام الموقعين (2/ 298).

(4)

لم أجد له تخريجًا-فيما اطلعت عليه- وذكره صاحب كتاب التنبيه على مبادئ التوجيه (1/ 360).

(5)

الجمع فواره، وأفرهت المرأة إذا جاءت بأولاد ملاح، وجارية فارهة أي حسناء مليحة، ودابة فارهة أي نشيطة حادة قوية، انظر: النهاية (3/ 441)، لسان العرب (1/ 521).

(6)

لم أجد له تخريجًا-فيما اطلعت عليه- وذكره صاحب كتاب التنبيه على مبادئ التوجيه (1/ 360).

ص: 151

هذه الآثار لم تثبت، فيبطل الاحتجاج بها.

الدليل الثالث: سن السبعين يقطع النساء فيه بانقطاع الحيض، وما دون السبعين محل شك، وعليه فإن أعلى سن لليأس سبعون سنة

(1)

.

يمكن أن يناقش:

ما ورد في الشرع مطلقًا وليس له ضابط في الشرع ولا في اللغة فالمرجع فيه إلى الوجود.

الدليل الرابع: ورد في حد الخمسين قول عائشة رضي الله عنها، وفي حد الستين ما نقل أن موسى بن عبد الله

(2)

ولدته أمه ولها ستون سنة، فما بينهما يكون مشكوكًا فيه

(3)

.

يمكن أن يناقش من وجهين:

أ. قول عائشة رضي الله عنها لم يثبت، فلا يصح الاحتجاج به، ولو صح فإنه محمول على الغالب.

ب. لما ذكر الله عدة الآيسة قال: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} ولم يقل واللائي بلغن السبعين أو الخمسين، بل رده لمعنى معقول وهو وجود الحيض، فوجب أن يثبت الحكم بثبوته وينتفي بانتفائه.

واستدلَّ أصحاب القول السادس القائل - سن اليأس هو أقصى يأس نساء العالم - بما يلي:

الدليل الأوّل: في اعتبار يأس نساء العالم تحقق للإياس؛ لأنها تصير آيسة إذا بلغت سن لو بلغته امرأة في العالم إلا وأيست

(4)

.

(1)

بتصرف المدونة (2/ 9)، الذخيرة (1/ 384)، المقدمات الممهدات (1/ 130).

(2)

هو موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أمه هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة، ولد له محمدًا وإبراهيم وعبد الله وفاطمة وزينب ورقية وكلثوم وخديجة، وأمهم أم سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن الصديق رضي الله عنه، انظر: طبقات ابن سعد (5/ 442).

(3)

انظر: شرح مختصر خليل للخرشي (4/ 142)، المغني (1/ 263)، المبدع (1/ 236).

(4)

انظر: البيان للعمراني (11/ 25)، كفاية الأخيار (1/ 425).

ص: 152

الدليل الثاني: إذا اعتبرنا إياس المرأة بغيرها، فليس بعض النساء أولى من بعضهن، لذا كان الاعتبار بأقصى نساء العالم

(1)

.

نوقش الدليلان:

هذا الاستدلال والتقييد غير معتمد ولا يوجد دليل يقتضيه، ولو كان التحديد شرعًا لوجب على الرسول أن يبينه للأمة، ولو بينه لنقل، فلما لم يبينه دلَّ على أنه ليس في تحديد سن اليأس دليل

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول السابع القائل - سن اليأس لكل امرأة بحسب يأس نساء عشيرتها من الأبوين – بـ:

توافق نساء العشيرة الواحدة في النشأة والطبع

(3)

.

نوقش:

لا يلزم توافق نساء العشيرة في تحقق سن اليأس، وقد قيل: أنه لا تحيض لخمسين إلا عربية، ولا لستين إلا قرشية، وانتقض ذلك بامرأة من بني تميم عاودها الدم ولها سبعون سنة

(4)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: لاحد لسن اليأس، وذلك لوجاهة هذا القول وقوة أدلته، وعدم وجود مستند للمخالفين في تحديدهم لأكثر سن اليأس، وما ذكروه من استدلال واجتهاد ضعيف لا تقوم به الحجة.

(1)

انظر: نهاية المطلب (3/ 165).

(2)

انظر: التدريب، للبلقيني (3/ 407).

(3)

انظر: المجموع (6/ 144)، حاشية قليوبي (4/ 44).

(4)

انظر: الحاوي (11/ 189).

ص: 153

‌المطلب الحادي عشر: لا فرق في الاستمتاع بالحائض فيما دون الفرج بين من يأمن على نفسه مواقعة المحظور أو يخاف ذلك.

‌صورة المسألة:

إذا حاضت امرأة وأراد زوجها أن يستمتع بها، فهل يجوز له الاستمتاع مطلقًا، أو أن خوف مواقعة المحظور مؤثر في الحكم؟

جاء في الإنصاف: "ويجوز أن يستمتع من الحائض بما دون الفرج

لا فرق بين أن يأمن على نفسه مواقعة المحظور أو يخاف"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر والله أعلم أن سبب الإلحاق هو: عدم وجود دليل يحرم الاستمتاع بالحائض دون إزارها إن خاف الوقوع في المحظور، ويجيزه إن أمن.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على تحريم وطء الحائض في الفرج

(2)

.

2 -

واتفقوا على جواز الاستمتاع بالحائض فيما فوق السرة وتحت الركبة

(3)

.

3 -

واختلفوا في الاستمتاع بما بينهما على ثلاثة أقوال:

(1)

(2/ 374، 375).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (10/ 159)، البحر الرائق (1/ 207)، بداية المجتهد (1/ 62)، المعونة (1/ 158)، الأم (5/ 185)، الحاوي (9/ 313)، المغني (1/ 242)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 374).

(3)

انظر: البحر الرائق (1/ 207)، المعونة (1/ 158)، الأم (5/ 185)، المغني (1/ 242).

ص: 154

القول الأوّل:

يجوز الاستمتاع بالحائض فيما دون الإزار - مطلقًا -، وهو مذهب الحنابلة

(1)

، وقول محمد بن الحسن

(2)

وقول أصبغ

(3)

من المالكية

(4)

، واختيار النووي

(5)

.

القول الثاني:

يحرم الاستمتاع بالحائض فيما دون الإزار، وهو مذهب الحنفية

(6)

، والمالكية

(7)

، والشافعية

(8)

.

القول الثالث:

يجوز الاستمتاع بالحائض فيما دون الإزار إن أمن مواقعة المحظور وإن لم يأمن لم يجز، وهو وجه عند الشافعية

(9)

، وقول عند الحنابلة

(10)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يجوز الاستمتاع بالحائض فيما دون الإزار مطلقًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: قول الله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}

(11)

.

وجه الدلالة من الآية:

(1)

انظر: المغني (1/ 242)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 374)، الإنصاف (2/ 374، 375).

(2)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 57)، البحر الرائق (1/ 208).

(3)

هو أبو عبد الله أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع المالكي المصري، المفتي الديار المصرية وكاتب أبي وهب، روى عنه البخاري والترمذي ويحيى ابن معين، توفي سنة (225). هـ، انظر: وفيات الأعيان (1/ 240)، سير أعلام النبلاء (9/ 56).

(4)

انظر: المقدمات الممهدات (1/ 123)، عقد الجواهر الثمينة (1/ 72).

(5)

انظر: المجموع (2/ 363).

(6)

انظر: المبسوط، للسرخسي (10/ 159)، تبيين الحقائق (1/ 57)، البحر الرائق (1/ 207).

(7)

انظر: المدونة (1/ 153)، بداية المجتهد (1/ 62)، عقد الجواهر (1/ 72).

(8)

انظر: الحاوي (9/ 314)، الوسيط (1/ 413)، البيان، للعمراني (1/ 339).

(9)

انظر: المجموع (2/ 363، 364)، روضة الطالبين (1/ 136).

(10)

انظر: المبدع (1/ 232)، الإنصاف (2/ 375).

(11)

سورة البقرة، من الآية (222).

ص: 155

أمر الله عز وجل باعتزال النساء في المحيض، وهو مكان الحيض، أي الفرج، أو هو زمن خروج الدم، والمقصود ما يراد منهن في الغالب وهو الفرج.

وفي ذكر الحكم بعد الوصف مقرونًا بالفاء دليل على أن الوصف هو على الحكم، وتخصيصه بالاعتزال دليل على إباحة الاستمتاع فيما عداه

(1)

.

الدليل الثاني: عَنْ أَنَسٍ –رضي الله عنه أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ»

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث صريح في إباحة الاستمتاع بالحائض فيما دون الفرج من غير استثناء

(3)

.

نوقش الاستدلال من أوجه:

أ. الحديث محمول على القبلة ولمس الوجه واليد ونحو ذلك مما هو معتاد لغالب الناس

(4)

.

يمكن أن يجاب: الأصل أن النصوص تحمل على ظاهرها ما لم يوجد ما يصرفها عن الظاهر.

ب. حديث أنس رضي الله عنه مبيح لما تحت الإزار وحديث عمر رضي الله عنه حاظر له، وإذا اجتمع مبيح وحاظر ولم يعلم التاريخ فالعمل بالحظر أولى

(5)

.

يمكن أن يجاب: حديث أنس منطوق وحديث عمر مفهوم، و دلالة المنطوق وصراحته مقدم

(1)

انظر: المغني (1/ 242)، شرح العمدة، لابن تيمية (1/ 461).

(2)

رواه مسلم في كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه (1/ 246)(302).

(3)

انظر: المجموع (2/ 363)، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، للقاري (2/ 492).

(4)

المجموع (2/ 363).

(5)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 465).

ص: 156

على دلالة المفهوم

(1)

.

ت. يحتمل أن يكون حديث أنس رضي الله عنه متقدم لحديث عمر رضي الله عنه؛ لأنه نزل في نسخ ما كانت اليهود تفعله، ولا يجوز أن يكون حديث عمر رضي الله عنه قبله؛ لأن ذلك كله كان مباحًا قبل نزول الآية

(2)

.

أجيب:

دعوى النسخ لا تصح إذ لا دليل عليها، فلا يجوز القطع بالنسخ وترك يقين ما جاء به القرآن وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم

(3)

.

الدليل الثالث: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ)، قَالَتْ فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ:(إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

نص الحديث يدل على أن كل عضو من أعضاء المرأة ليس فيه الحيض طاهر، وأن الحيض لا حكم له في أي عضو سوى موضعه وهو الفرج المأمور باجتنابه من أجل الحيض

(5)

.

الدليل الرابع: إنما حرم وطء الحائض لأجل الأذى، فوجب أن يكون التحريم مقصورا على مكان الأذى وهو الفرج دون غيره

(6)

.

(1)

الإحكام، الآمدي (4/ 254).

(2)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 464، 465).

(3)

انظر: المحلى، لابن حزم (1/ 399).

(4)

رواه مسلم في كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها و الاتكاء في حجرها وقراءة القران فيه (1/ 244)(298).

(5)

انظر: التمهيد (3/ 173)، الاستذكار (1/ 321).

(6)

الحاوي (9/ 314)، انظر: التهذيب، للبغوي (1/ 444)، المبدع (1/ 232).

ص: 157

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - يحرم الاستمتاع بالحائض فيما دون الإزار - بما يلي:

الدليل الأوّل: قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)}

(1)

.

وجه الدلالة من الآية:

دل عموم الآية على المنع من قرب الحائض من كل جهة، ومن ذلك الاستمتاع بها فيما دون الفرج، وإنما جاز فيما فوق الإزار فلأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، واتفقت الأمة عليه، وبقي ما عداه داخلًا في العموم

(2)

.

نوقش الاستدلال بالآية من وجهين

(3)

:

أ. لو كان المراد اعتزال النساء في مدة الحيض بالكلية، فالإجماع بخلافه.

ب. بالرجوع لسبب نزول الآية، يتبين أن مراد الله تعالى ليس اعتزالها بالكلية؛ لأن هذا هو فعل اليهود الذين نزلت الآية بمقتضى مخالفتهم في ذلك، ولو اعتبرنا أن مراد الله عز وجل هو اعتزال قرب النساء مدة الحيض لم تتحقق المخالفة.

الدليل الثاني: عَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها قَالَتْ: (كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ كِلَانَا جُنُبٌ، وَكَانَ يَأْمُرُنِي، فَأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ)

(4)

.

وقوله عليه الصلاة والسلام لها: (شُدِّي عَلَيْكِ إِزَارَكِ، ثُمَّ ادْخُلِي)

(5)

.

وجه الدلالة من الحديثين:

(1)

سورة البقرة، آية (222).

(2)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 460)، المبسوط، للسرخسي (10/ 159)، عيون الأدلة (3/ 1379).

(3)

انظر: المغني (1/ 243).

(4)

رواه البخاري في كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض (1/ 67)(299).

(5)

رواه البيهقي في كتاب النكاح، باب إتيان الحائض (7/ 309) (14083). قال الذهبي في المهذب (1/ 309):"رواه مالك عن ربيعة عن عائشة مرسلًا"، وقال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 106):"قال البيهقي: كذا رواه مالك مرسلا".

ص: 158

في أمر المرأة بالاتزار دليل على منع الاستمتاع بها فيما دون إزارها،

لأن فائدته أن يحول بين موضع الحيض وما دونه

(1)

.

نوقش:

في الحديث دليل على حل ما فوق الإزار، لا على تحريم غيره، وقد يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض المباح تقذرًا كتركه أكل الضب

(2)

، وتركه الاستمتاع محمول على الاستحباب، جمعًا بين قوله عليه الصلاة والسلام وفعله

(3)

.

الدليل الثالث: قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما يحل لي من امرأتي؟ قال: (لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

نص الحديث على جواز الاستمتاع بما هو أعلى الإزار، والمعنى يجامعها في أعكانها

(5)

وبطنها أو ما شاء مما هو أعلاها

(6)

.

يمكن أن يناقش:

الحديث ضعيف، ولا تترك الأدلة الصحيحة الصريحة لحديث ضعيف

(7)

.

(1)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 57)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 196).

(2)

المغني (1/ 243).

(3)

انظر: المجموع (9/ 363).

(4)

رواه مالك في الموطأ، ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض (2/ 78) 184، والدارمي في كتاب الطهارة، باب مباشرة الحائض (1/ 693) 1072، والبيهقي في الكبرى، كتاب النكاح، باب إتيان الحائض (7/ 309)، (14081)، قال ابن الجوزي في التحقيق في مسائل الخلاف (1/ 251):"هذا حديث مرسل"، وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (1/ 391):"هذا حديث مرسل"، وقال الذهبي في التنقيح (1/ 86):"هذا مرسل".

(5)

واحدها عكنة وهي الطي في البطن من السمن، مختار الصحاح (1/ 216)، المصباح المنير (2/ 424).

(6)

انظر: عيون الأدلة (3/ 1380)، مواهب الجليل (1/ 374).

(7)

انظر: التمهيد، لابن عبد البر (5/ 260)، عمدة القاري (3/ 269).

ص: 159

الدليل الرابع: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض قال: (ما فوق الإزار)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

مفهوم الحديث يدل على حل ما فوق الإزار وتحريم ما تحته، وهذا المفهوم يخصص حديث "اصنعوا كل شيء إلا النكاح"

(2)

.

نوقش:

لا يصح تخصيص المنطوق بالمفهوم

(3)

، فإن منطوق الأدلة الواردة في حل الاستمتاع بما تحت الإزار أولى من مفهومها

(4)

.

الدليل الخامس: قياس تحريم الاستمتاع بالحائض في ما دون الإزار على تحريم المباشرة حال الإحرام، بجامع أن الجميع يمنع الوطء في الفرج فامتنعت المباشرة فيما حوله في الجميع

(5)

.

يمكن أن يناقش:

هذا قياس مع الفارق، لأن المحرم إنما منع من المباشرة فيما دون الفرج لأنه قد دخل في عبادة، يجب الاحتراز من إفسادها.

الدليل السادس: منع الله عز وجل الوطء في الفرج لأجل الأذى وجب أن يمنع مما يقاربه، وهو ما دون الفرج، وذلك مأمون فيما فوق الإزار دون أسفله

(6)

لأن ما تحت الإزار حريم الفرج، ومن

(1)

رواه أبو داود الطيالسي في المسند (1/ 54)(49)، قال مغلطاي في شرح ابن ماجه (ص: 885): "حديث ضعيف"، وقال العظيم آبادي في عون المعبود وحاشية ابن القيم (6/ 149):"ليس بقوي".

(2)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 463)، مغني المحتاج (1/ 280).

(3)

انظر: التقريب والإرشاد (3/ 256، 257).

(4)

الإحكام، الآمدي (4/ 254)، المغني (1/ 243).

(5)

الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 196).

(6)

انظر: عيون الأدلة (3/ 1381)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 196)، المعونة (1/ 186).

ص: 160

يرعى حول الحمى يوشك أن خالط الحمى

(1)

.

يمكن أن يناقش:

في أمر النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها بالاتزار إرشاد واحتياط من الوقوع في المحظور، وفي فعله دليل على حل الاستمتاع بما تحت الإزار، ولا يوجد ما يدل على التحريم.

ويمكن أن يستدل لأصحاب القول الثالث القائل - يجوز الاستمتاع بالحائض فيما دون الإزار إن أمن مواقعة المحظور وإن لم يأمن لم يجز – بـ:

عن عَائِشَةَ-رضي الله عنها، قَالَتْ:(كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا حَاضت، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا، قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمْلِكُ إِرْبَهُ)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

يفهم من الحديث أن المباشر إن كان يملك شهوته جاز له الاستمتاع بما دون الإزار، وإن لم يملكها لم يجز له ذلك، لأنه إن لم يكن مالكًا لشهوته وقع في الوطء المحرم

(3)

، والقاعدة:"ما أدى إلى محرم فهو محرم"

(4)

.

يمكن أن يناقش الاستدلال من وجهين:

أ. هذا الفهم لا يناهض صراحة قول النبي صلى الله عليه وسلم وإطلاق أمره عندما قال:

(1)

المجموع (2/ 363)، انظر: مغني المحتاج (1/ 280).

(2)

رواه البخاري في كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض (1/ 67)(302)، ومسلم في كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض فوق الإزار (1/ 242)(293).

(3)

بتصرف معالم السنن (1/ 84)، شرح النووي على مسلم (3/ 204).

(4)

من أصول الفقه على منهج أهل الحديث، للباكستاني (1/ 162).

ص: 161

(اصنعوا كل شيء إلا النكاح) دون تقييد بأمن الشهوة.

ب. غاية مايدل عليه الحديث هو وجوب الاحتياط وليس فيه دليل على التحريم.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يجوز الاستمتاع بالحائض فيما دون الإزار - مطلقًا -، وذلك لقوة أدلة هذا القول والرد على ما ورد عليها من اعتراض، وضعف استدلالات المخالفين لما ورد عليها من مناقشات.

ص: 162

‌الفصل الثاني: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الصلاة،

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الأذان والإقامة، وشروط الصلاة، وصفة الصلاة.

المبحث الثاني: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في سجود السهو، وصلاة التطوع، وصلاة الجماعة، وصلاة أهل الأعذار، وصلاة الجمعة، وصلاة العيدين،

ص: 163

‌المبحث الأول: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الأذان والإقامة، وشروط الصلاة، وصفة الصلاة

وفيه واحد وعشرون مطلباً:

المطلب الأول: لا فرق في استحباب الصيت والأمانة للمؤذن بين الحر والعبد، والبصير والأعمى.

المطلب الثاني: لا فرق في الإبراد بالظهر بين البلاد الحارة وغيرها.

المطلب الثالث: لا فرق في انكشاف العورة في الصلاة بين الفرجين وغيرهما.

المطلب الرابع: لا فرق في ستر العورة بين الظلمة وغيرها.

المطلب الخامس: لا فرق في صلاة العاري بين الخلوة وغيرها.

المطلب السادس: لا فرق في الصلاة في المقبرة بين القديمة والحديثة.

المطلب السابع: لا فرق في الصلاة في الحمام بين مكان الغسل وصب الماء.

المطلب الثامن: لا فرق في الصلاة في المجزرة والمزبلة، بين ما كان منها طاهرا ونجسا، ولا بين كون الطريق فيها سالكا أو لم يكن.

المطلب التاسع: لا فرق في الصلاة في الأرض المغصوبة بين غصبه لرقبة الأرض وغصبه منافعها.

ص: 164

المطلب العاشر: لا فرق بين قليل النجاسة وكثيرها في عدم صحة الصلاة معها.

المطلب الحادي عشر: لا فرق في الصلاة مع وجود الدم بين كونه مجتمعا أو متفرقا.

المطلب الثاني عشر: لا فرق في صحة صلاة من في ثوبه بلغم، بين البلغم الذي يخرج من الرأس والبلغم الخارج من الصدر.

المطلب الثالث عشر: لا فرق في الصلاة بالاجتهاد إلى جهة ظنا أنها القبلة فتبين الخطأ، بين أن تكون الأدلة ظاهرة أو مستورة.

المطلب الرابع عشر: لا فرق في إسماع المصلي نفسه إماما كان أو غيره، بين أن يكون رجلا أو امرأة.

المطلب الخامس عشر: لا فرق في جهر المنفرد بالقراءة في الصلاة بين القضاء والأداء.

المطلب السادس عشر: لا فرق بين وجود العذر وعدمه في وجوب مباشرة المصلي لشيء من أعضاء سجوده إلا الجبهة.

المطلب السابع عشر: لا فرق في صحة صلاة الناسي للفائتة، بين أن يكون قد سبق منه ذكر الفائتة أو لم يسبق منه لها ذكر.

المطلب الثامن عشر: لا فرق في الترتيب مع سعة الوقت وضيقه، بين كون الحاضرة جمعة أو غيرها.

المطلب التاسع عشر: لا فرق في قيام المسبوق قبل أن يسلم الإمام التسليمة الثانية بلا عذر يبيح له مفارقة الإمام، بين العمد والذكر وضدهما.

المطلب العشرون: لا فرق في بطلان الصلاة بالبكاء إن بان حرفان بين كونه غلب على صاحبه أو لم يغلب.

المطلب الحادي والعشرون: لا فرق في المرور بين يدي المصلي بين الفرض والنفل والجنازة.

ص: 165

‌المطلب الأول: لا فرق في استحباب الصيت والأمانة للمؤذن بين الحر والعبد، والبصير والأعمى.

‌صورة المسألة:

الصفات المستحب توفرها في المؤذن، هل يؤثر في ذلك كون المؤذن أعمى أو بصير أو حر أو عبد في صحة الأذان؟

جاء في الإنصاف: "وينبغي أن يكون المؤذن صيتًا

(1)

، أمينًا، عالمًا بالأوقات

أنه لا فرق في ذلك بين الحر والعبد، والبصير والأعمى"

(2)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

دخول الجميع في عموم الأحاديث الواردة في الأمر بالأذان وما يستحب في المؤذن، ومنها: عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ

(3)

رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى، قَالَ: فَقَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،

فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْتُهُ،

(1)

الصيت: رفيع وحسن الصوت، وقد يطلق على عال الذكر، انظر: العين (7/ 146)، جمهرة اللغة (1/ 401)، المطلع، للبعلي (1/ 66)، وبعض الفقهاء يرى أن الصيت "حسن الصوت ومرتفعه"، شرح مختصر خليل للخرشي (1/ 232).

(2)

(3/ 59).

(3)

هو عبد الله بن زيد بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري، كنيته أبو محمد، شهد بدرًا والعقبة، توفي في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة (32) هـ. انظر: الثقات (3/ 223)، الإصابة (4/ 84)، شذرات الذهب (1/ 197).

ص: 166

بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ: (إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ)

(1)

.

‌حكم المسألة:

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على صحة أذان العبد والأعمى إذا توفرت فيهم الصفات المستحب توفرها في المؤذن

(2)

(3)

.

واستدلوا بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}

(4)

.

وجه الدلالة من الآية:

الداعي إذا كان حسن الصوت يكون أدعى إلى الإجابة، فاعتبر وصف الصيت وحسن الصوت في المؤذن؛ -لترق به القلوب ويكون أوقع في النفوس وأدعى للحضور- وهذا الوصف يمكن تحققه في الأعمى والعبد، وإذا ثبت تحققه فيهما قُبل أذانهما

(5)

.

الدليل الثاني: عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُنَيْنٍ خَرَجْتُ عَاشِرَ عَشْرَةٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ نَطْلُبُهُمْ، فَسَمِعْنَاهُمْ يُؤَذِّنُونَ بِالصَّلَاةِ فَقُمْنَا

(1)

رواه أبو داود في كتاب الصلاة، باب كيف الأذان (1/ 135)(499)، وابن ماجه في سننه، كتاب الأذان والسنة فيه، باب بدء الأذان (1/ 232)(706). قال الخطابي في معالم السنن، (1/ 152):"حديث صحيح"، وقال ابن رجب في فتح الباري (5/ 189): "صححه ابن خريمة وابن حبان

وقال البخاري: هو عندي صحيح"، وقال الألباني في إرواء الغليل (1/ 265): "حسن".

(2)

كالصيت والأمانة والعلم بالأوقات.

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 137)، فتح القدير (1/ 253)، مراقي الفلاح، الشرنبلالي (1/ 78)، المعونة (1/ 210)، عقد الجواهر (1/ 91)، جامع الأمهات (1/ 87)، الذخيرة (2/ 65)، الأم (1/ 103، 107)، الحاوي (2/ 57، 59)، المجموع (3/ 101)، فتح العزيز (3/ 59، 60)، المغني (1/ 301)، الإنصاف (3/ 59)، كشاف القناع (1/ 235).

(4)

سورة آل عمران، من الآية (159).

(5)

انظر: الأم (1/ 107)، الحاوي (2/ 57)، التعليقة، للقاضي حسين (2/ 658)، نهاية المطلب (2/ 60)، بحر المذهب (1/ 429)، المجموع (3/ 103).

ص: 167

نُؤَذِّنُ نَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(قَدْ سَمِعْتُ فِي هَؤُلَاءِ تَأْذِينَ إِنْسَانٍ حَسَنِ الصَّوْتِ). فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا"

(1)

.

الدليل الثالث: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد – رضي الله عنه: (فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديثين:

اختار النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة وبلالًا لأنهما أرفع في المد والإطالة والإسماع؛ وفي هذا دليل على أن من كان أرفع صوتا كان أولى بالأذان لأن الأذان إعلام فكل من كان الإعلام بصوته 7 أوقع كان به أحق وأجدر، حرًا كان أو عبدًا أو أعمى أو بصيرًا

(3)

.

الدليل الرابع: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمُؤَذِّنَ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ، وَيُصَدِّقُهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ سَمِعَهُ، وَلِلشَّاهِدِ عَلَيْهِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث ترغيب وتأكيد على اعتبار الصيت في المؤذن؛ لأنه إذا كان رفيع الصوت واستوفى وسعه في رفع الصوت؛ استكمل مغفرة الله له، واللفظ عام يشمل كل مؤذن

(5)

.

(1)

رواه النسائي في كتاب الأذان، الأذان في السفر (2/ 7)(633)، والدارقطني في كتاب الصلاة، باب في ذكر أذان أبي محذورة واختلاف الروايات فيه (1/ 437)(903)، قال ابن حجر في التلخيص الحبير ط قرطبة (1/ 369):"صححه ابن السكن"، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (2/ 277):"صحيح".

(2)

تقدم تخريجه ص 170.

(3)

انظر: معالم السنن (1/ 153)، شرح النووي على مسلم (4/ 77)، أسنى المطالب (1/ 129)، فتح الباري لابن حجر (2/ 87).

(4)

رواه أحمد في مسنده، (13/ 51) (7611) وقال شعيب الأرنؤوط عن الرواية التي جاءت من طريق عباد بن أنيس:"حديث صحيح بطرقه وشواهده، وهذا إسناد قابل للتحسين"، قال الألباني في السراج المنير في ترتيب أحاديث الجامع الصغير (1/ 153):"حسن".

(5)

انظر: معالم السنن (1/ 155)، الحاوي (2/ 46).

ص: 168

الدليل الخامس: (كَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أَعْمَى)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

هذا الحديث نصٌ في المسألة؛ لأن المقصود من الأذان هو الإعلام بدخول وقت الصلاة، وهو حاصل بأذان الأعمى والعبد كما هو حاصل بأذان البصير والحر

(2)

.

الدليل السادس: لما كانت إمامة الأعمى جائزة

(3)

كان أذانه بالجواز أولى

(4)

.

الدليل السابع: قياس أذان العبد والأعمى، على أقوالهم في الأمور الدينية، بجامع حصول الأثر والإلزام في الجميع

(5)

.

(1)

رواه مسلم في كتاب الصلاة، باب جواز أذان الأعمى إذا كان معه بصير (1/ 287)(381).

(2)

انظر: المعونة (1/ 210)، التعليقة (2/ 658)، المبسوط، للسرخسي (1/ 137)، المغني (1/ 301) الذخيرة (2/ 65)، المبدع (1/ 277).

(3)

على الصحيح، انظر: الأوسط (4/ 152 - 154)، الإجماع، لابن المنذر (1/ 41).

(4)

انظر: المعونة (1/ 210).

(5)

انظر تبيين الحقائق (1/ 94)، البحر الرائق (1/ 279).

ص: 169

‌المطلب الثاني: لا فرق في الإبراد

(1)

بالظهر بين البلاد الحارة وغيرها.

‌صورة المسألة:

هل يؤثر كون البلاد حارة أو لا في استحباب الإبراد بصلاة الظهر، أم أنهما في الحكم سواء؟

جاء في الشرح: "وتعجيلها أفضل، إلا في شدة الحر والغيم لمن يصلى جماعة

لا فرق بين البلدان الحارة وغيرها"

(2)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

- عموم النص الوارد في المسألة

- التأذي بحر الشمس حاصل في كل من البلاد الحارة والمعتدلة

(3)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على استحباب الإبراد بصلاة الظهر في شدة الحر صيفًا في البلاد الحارة

(4)

.

2 -

واختلفوا في استحباب الإبراد بها في غير البلاد الحارة على قولين:

(1)

الإبراد: "هو أن يؤخر الصلاة عن أول الوقت بقدر ما يحصل للحيطان فيئ يمشي فيه طالب الجماعة ولا يؤخر عن النصف الأول من الوقت"، حاشية الطحطاوي (1/ 182)، المجموع (3/ 59، 60)، المغني (1/ 282).

(2)

(3/ 137).

(3)

انظر: نهاية المطلب (2/ 67)، فتح العزيز (3/ 53)

(4)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 125)، البحر الرائق ومنحة الخالق (1/ 260)، الاستذكار (1/ 98)، البيان والتحصيل (6/ 170)، بداية المجتهد (1/ 101)، المهذب، للشيرازي (1/ 103، 104)، الوسيط (2/ 24)، المغني (1/ 282)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 136).

ص: 170

القول الأوّل:

يستحب الإبراد بصلاة الظهر في البلاد الحارة فقط، وهو مذهب الشافعية

(1)

، ووجه عند الحنابلة

(2)

، واختيار ابن تيمية

(3)

.

القول الثاني:

يستحب الإبراد بصلاة الظهر - مطلقًا - لا فرق بين البلاد الحارة وغيرها، وهو مذهب الحنفية

(4)

، والمالكية

(5)

، والحنابلة

(6)

، ووجه عند الشافعية

(7)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل-يستحب الإبراد بصلاة الظهر في البلاد الحارة فقط-بما يلي:

الدليل الأوّل: قَالَ -رسول الله -: (إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ. فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ)

(8)

.

وجه الدلالة من الحديث:

أمر رسول الله بالإبرد في حال اشتداد الحر، والبلاد المعتدلة لا اشتداد للحر فيها

(9)

.

(1)

انظر: نهاية المطلب (2/ 67)، المجموع (3/ 59)، روضة الطالبين (1/ 184).

(2)

انظر: المغني (1/ 282)، المبدع (1/ 298)، الإنصاف (3/ 133).

(3)

انظر: شرح العمدة (1/ 200، 201).

(4)

انظر: البحر الرائق (1/ 260)، مجمع الأنهر (1/ 71)، حاشية الطحطاوي (1/ 182).

(5)

انظر: البيان والتحصيل (6/ 170)، بداية المجتهد (1/ 101)، الفواكه الدواني (1/ 167).

(6)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 136)، المبدع (1/ 298)، دقائق أولي النهى (1/ 141).

(7)

انظر: نهاية المطلب (2/ 67)، فتح العزيز (3/ 53)، المجموع (3/ 59، 60).

(8)

رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب الإبراد بالظهر في شدة الحر (1/ 113)(533)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة، ويناله الحر في طريقه (1/ 430)(615).

(9)

انظر: شرح العمدة، لابن تيمية (1/ 200)

ص: 171

الدليل الثاني: عن أنس، رضي الله عنه قال:(كان النبي – صلى الله عليه وسلم إذا كان الشتاء، بكر بالظهر، وإذا كان الصيف أبرد بها)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

إنما استحب الإبرد بالظهر في الصيف لأن تعجيلها فيه لا يخلو عن أمرين:

الأوّل: قلة الجماعة لاشتغال الناس بالقيلولة.

الثاني: الإضرار بالمصلين بسبب تأذيهم بالحر.

وكلا المعنيين متحققان في البلاد الحارة-فاستحب الإبراد- ومنعدمان في البلاد المعتدلة فاستحب التعجيل والمسارعة في الخير

(2)

.

يمكن أن يناقش: الأدلة الواردة في مشروعية الإبراد لم تخص بلاد دون أخرى، فيبقى العام على عمومه ما لم يرد ما يخصصه

(3)

لأن التخصيص تحكم بلا دليل.

يمكن أن يجاب: الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فإذا علق الشارع حكمًا بعلة فإنه يثبت بثبوتها وينتفي بانتفائها

(4)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل-يستحب الإبراد بصلاة الظهر - مطلقًا - لا فرق بين البلاد الحارة وغيرها-بما يلي:

الدليل الأوّل: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ)

(5)

.

(1)

رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 188)(1129) وجوّد إسناده الألباني في مختصر صحيح الإمام البخاري (1/ 275).

(2)

بتصرف بدائع الصنائع (1/ 125)، انظر المنتقى للباجي (1/ 31)، شرح العمدة، لابن تيمية (1/ 199، 200)

(3)

انظر: التقريب والإرشاد، للباقلاني (3/ 35)، رسالة في أصول الفقه،، العبكري (1/ 106)

(4)

روضة الناظر (2/ 259)، إعلام الموقعين (5/ 528).

(5)

رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب الإبراد بالظهر في شدة الحر (1/ 113)(538).

ص: 172

وقَالَ: (إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ. فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديثين:

يستدل بهما من وجهين:

1 -

معنى قول: (أبردوا) أي تأخروا بها وصلوها إذا انكسر الحرّ، وهذا عام في كل حال يستحب من أجله الإبراد، ولم يرد في النص تقييد أو تخصيص للبلاد الحارة دون غيرها

(2)

.

يمكن أن يناقش: ثبت في السنة أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو تعجيل الظهر، بدليل ما ورد عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:(كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ تَعْجِيلًا لِلظُّهْرِ مِنْكُمْ)

(3)

ومعنى ذلك: أن التعجيل هو الأصل الذي اعتاده، وأما الإبراد لم يكن في العرف النبوي -مع حرارة الصيف في المدينة-إلا عند اشتداد الحر؛ وهو منتفٍ في البلاد المعتدلة.

2 -

أن العلة من الإبراد ليست مجرد شدة الحر، بل وجود المشقة في شدته

(4)

، وهذا المعنى موجود في جميع البلاد، فيعم ما كان ذا طبيعة حارة منها، وما كان ذا طبيعة معتدلة.

يمكن أن يناقش: لا تتحقق المشقة إلا مع شدة الحر، وشدة الحر الذي تحصل به المشقة لا يكون إلا في البلاد الحارة.

الدليل الثاني: الحر ينتهي إلى مبلغ يتأذى الناس فيه من الشمس، والتأذي بحر الشمس جار في

(1)

تقدم تخريجه ص 174.

(2)

انظر: فتح الباري، لابن رجب (4/ 238، 239)، إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم (2/ 580)، المغني (1/ 282).

(3)

رواه الترمذي في سننه، أبواب الصلاة، باب ماجاء في تأخير صلاة العصر (1/ 231)(161)، وأحمد في مسنده (44/ 81)(26479)، قال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (1/ 161):"صحيح".

(4)

انظر: طرح التثريب في شرح التقريب، للعراقي (2/ 156).

ص: 173

البلاد الحارة وغيرها، والمرعي رفع الأذى

(1)

.

يمكن أن يناقش: لا يسلم بأن حر الشمس الذي يتأذى به الناس وتلحقهم فيه مشقة جار في البلاد المعتدلة

(2)

.

الدليل الثالث: شدة الحر تُذهب على المصلي خشوعه أو تنُقصه، لذا اُستحب الإبراد - مطلقًا -، ليتحصل للمصلي الخشوع في صلاته

(3)

.

يمكن أن يناقش: الحر الذي يبلغ من المصلي مبلغًا يذهب معه الخشوع؛ لا يكون إلا في البلاد الحارة.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يستحب الإبراد بصلاة الظهر في البلاد الحارة فقط، وذلك لوجاهة هذا القول وقوة استدلاله، مع عدم وجود ما يدفع هذا الاستدلال من قبل المخالفين، ولورود المناقشة على استدلال المخالفين.

(1)

انظر: نهاية المطلب (2/ 67)، فتح العزيز (3/ 53).

(2)

انظر: شرح العمدة (1/ 201).

(3)

انظر: شرح التلقين (1/ 390)، المجموع (3/ 59).

ص: 174

‌المطلب الثالث: لا فرق في انكشاف العورة في الصلاة بين الفرجين وغيرهما.

‌صورة المسألة:

إذا انكشف اليسير من عورة المصلي أثناء الصلاة، فهل يؤثر كون المنكشف من العورة المغلظة أو من غيرها في حكم الصلاة، أم هما في ذلك سواء؟

جاء في المغني: "فإن انكشف من العورة يسير. لم تبطل صلاته

ولا فرق في ذلك بين الفرجين وغيرهما"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة

(2)

:

- ذُكر في الحديث المحتج به في المسألة انكشاف أحد الفرجين، وهو ماجاء عن عمرو بن سلمة

(3)

رضي الله عنه " كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الحَيِّ: أَلَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟ "

(4)

.

- المشقة الحاصلة في التحرز من انكشاف يسير العورة متحققة في الفرجين وغيرهما.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء- رحمهم الله تعالى - على بطلان الصلاة حال انكشاف العورة عمداً

(5)

.

(1)

(1/ 414، 415).

(2)

انظر: الممتع، للمنجى (1/ 302).

(3)

هو عمرو بن أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كنيته أبو يزيد، ولد بالحبشة وتوفي بالمدينة في خلافة عبد الملك بن مروان، انظر: الجرح والتعديل (6/ 235)، الثقات (3/ 263)، الإصابة (4/ 531).

(4)

رواه البخاري في كتاب المغازي، باب من شهد الفتح (5/ 150)(4302).

(5)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 117)، حاشية ابن عابدين (1/ 408)، الاستذكار (2/ 196)، المقدمات الممهدات (1/ 162)، الأم (1/ 109)، البيان، للعمراني (2/ 116)، فتح العزيز (4/ 80)، المغني (1/ 413)، الإنصاف (3/ 222).

ص: 175

2 -

واختلفوا في بطلانها بالانكشاف اليسير من غير قصد على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:

لا تبطل الصلاة بانكشاف اليسير من العورة - مطلقًا -، لا فرق بين الفرجين وغيرهما، وهو مذهب الحنابلة

(1)

، وقول للحنفية

(2)

، والمالكية

(3)

، والشافعية

(4)

.

القول الثاني:

تبطل الصلاة بانكشاف العورة

(5)

- مطلقًا -، لا فرق بين الفرجين وغيرهما، وهو مذهب المالكية

(6)

، والشافعية

(7)

، ورواية عند الحنابلة

(8)

.

القول الثالث:

لا تبطل الصلاة بانكشاف قدر الدرهم من العورة المغلظة، ومن المخففة ربعها، وهو مذهب الحنفية

(9)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل-لا تبطل الصلاة بانكشاف اليسير من العورة - مطلقًا -، لا فرق بين الفرجين وغيرهما-بما يلي:

(1)

انظر الكافي، لابن قدامة (1/ 227)، المغني (1/ 415)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 221).

(2)

انظر: مجمع الأنهر (1/ 81)، حاشية الطحطاوي (1/ 242).

(3)

انظر البيان والتحصيل (2/ 119)، مواهب الجليل (1/ 498)

(4)

انظر: التعليقة (2/ 816)، التهذيب، للبغوي (2/ 156).

(5)

ولم يقيدوا البطلان بقيود.

(6)

انظر: النوادر والزيادات (1/ 209)، مواهب الجليل (1/ 498)، الفواكه الدواني (1/ 129)، حاشية الدسوقي (1/ 212).

(7)

انظر: الحاوي (2/ 169)، البيان، للعمراني (2/ 116)، المجموع (3/ 166، 167).

(8)

انظر: المبدع (1/ 323)، الإنصاف (3/ 221)

وقيل تبطل في المغلظة فقط.

(9)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 599)، المبسوط، للسرخسي (1/ 197)، تبيين الحقائق (1/ 96).

ص: 176

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}

(1)

.

وجه الدلالة من الآية:

من لبس ثيابه للصلاة يعد آخذًا للزينة وساترًا للعورة، ولو مع انكشاف اليسير من عورته

(2)

.

الدليل الثاني: عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ:

لَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الفَتْحِ، بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَقًّا، فَقَالَ:(صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا). فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ، كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الحَيِّ: أَلَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟ فَاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ القَمِيصِ

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

انكشاف يسير من عورة عمرو رضي الله عنه أمر انتشر ولم ينكره النبي، ولا أحد من أصحابه، والإقرار دليل على صحة الصلاة مع يسير الانكشاف

(4)

.

الدليل الثالث: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ، قَالَ:(لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ)

(5)

.

(1)

سورة الأعراف، من الآية (31).

(2)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 599).

(3)

تقدم تخريجه ص 178.

(4)

انظر المغني (1/ 415)، الممتع، للمنجى (1/ 301)، كشاف القناع (1/ 269).

(5)

رواه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب إذا حاضت الجارية لم تصل إلا بخمار (1/ 215)(655)، وأبو داود في السنن، كتاب الصلاة، باب المرأة تصلي بغير خمار (1/ 173)(641)، قال النووي في خلاصة الأحكام (1/ 325):"حسن"، وقال ابن دقيق العيد في الإلمام بأحاديث الأحكام (1/ 146):"قد روي موقوفا"، وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه (923):"حسن"، وقال الألباني في إرواء الغليل (1/ 214):"صحيح"، وقد تتابع أهل العلم على القول بجريان العمل به.

ص: 177

وجه الدلالة من الحديث:

ظاهر الحديث يدل على أن المرأة إن تخمرت وغطت رأسها صحت صلاتها؛ ولو مع انكشاف شيء من بدنها

(1)

.

الدليل الرابع: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ

(2)

، رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، كَهَيْئَةِ الصِّبْيَانِ، وَيُقَالُ لِلنِّسَاءِ:(لَا تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في نهي النساء عن رفع رؤوسهن حتى يستوي الرجال دليل على انكشاف يسير من العورة أثناء الصلاة، ومع ذلك الانكشاف لم تبطل الصلاة

(4)

الدليل الخامس: يسير العورة يشق التحرز من انكشافه، لأن ثياب الفقراء لا تخلو من خرق وثياب الأغنياء لا تخلو من فتق، فإذا انكشف شيء من العورة، عفي عنه ولم تبطل به الصلاة

(5)

.

الدليل السادس: لما صحت الصلاة مع الانكشاف الكثير حال العذر، اختلف حكم يسيره عن كثيره حال عدم العذر

(6)

.

(1)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 599).

(2)

هو سهل بن سعد الساعدي الخزرجي الأنصاري، كنيته أبو العباس، له صحبة، كان اسمه حزن، سكن المدينة وآخر من مات بها سنة (88) هـ، انظر: الكنى والأسماء (1/ 609)، معجم الصحابة (3/ 87)، الثقات (3/ 168).

(3)

رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب: إذا كان الثوب ضيقا (1/ 81)(362)

(4)

انظر: فتح الباري، لابن رجب (2/ 370)، فتح الباري، لابن حجر (1/ 473).

(5)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 227)، المغني (1/ 415)، المبدع (1/ 323).

(6)

انظر الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 221).

ص: 178

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- تبطل الصلاة بانكشاف العورة - مطلقًا -، لا فرق بين الفرجين وغيرهما-بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}

(1)

.

الدليل الثاني: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ، قَالَ:(لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ)

(2)

.

وجه الدلالة من الآية والحديث:

المراد: بالزينة: الثياب عند الصلاة، ومعناه ستر العورة، وظاهر الأمر الوجوب وتقييده بالصلاة يفيد شرطيته لصحتها، ومفهوم ذلك بطلانها عند انكشاف العورة

(3)

.

يمكن أن يناقش: بطلان الصلاة إنما يكون بالانكشاف الكثير في الزمن اليسير، أو الانكشاف اليسير في الزمن الطويل، بدليل حديث عمرو بن سلمة.

الدليل الثالث: عن جَرْهَد

(4)

رضي الله عنه-قَالَ: جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَنَا وَفَخِذِي مُنْكَشِفَةٌ فَقَالَ: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ)

(5)

.

وجه الدلالة من الحديث:

نص الحديث يثبت وجوب ستر العورة مطلقًا

(6)

، ومفهومه أن انكشاف شيء منها لا يجوز، وهو مبطل للصلاة.

(1)

سورة الأعراف، من الآية (31).

(2)

تقدم تخريجه ص 180.

(3)

انظر: أحكام القرآن، ابن العربي (2/ 309)، كفاية النبيه (2/ 454)، النجم الوهاج (2/ 188، 189).

(4)

هو جرهد بن رزاح بن عدي الأسلمي، يكنى بأبي عبد الرحمن، كان شريفًا، توفي في خلافة معاوية، انظر: معجم الصحابة (1/ 553)، الجرح والتعديل (2/ 539)، الثقات (3/ 62).

(5)

رواه أبو داود، كتاب الحمام، باب النهي عن التعري (4/ 40)(4014)، ذكر ابن رجب في فتح الباري (2/ 406): أن إسناده منقطع، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (2):"صحيح".

(6)

انظر: إرشاد الساري (1/ 397)، المفاتيح في شرح المصابيح، للمظهري (4/ 25).

ص: 179

نوقش الاستدلال من وجهين

(1)

:

أ. يسلم بأن الحديث يقتضي وجوب تغطية الفخذ وأنه عورة، ولكنه إذا انكشف بعضه عفي عنه، بدليل حديث عمرو لا سيما وقد كان المنكشف منه ما هو أفحش.

ب. الخلاف في انكشاف العورة في الصلاة، وأما في النظر فيجب ستر جميعها، ولم يرد في الخبر ذكر الصلاةـ فيكون الاستدلال خارج محل النزاع.

الدليل الرابع: انكشاف العورة في الصلاة حكم يتعلق بذات العورة، فيستوي فيه اليسير والكثير والفرجين وغيرهما

(2)

.

يمكن أن يناقش: التسوية بين الانكشاف اليسير والكثير لا يستقيم؛ لأن مشقة الاحتراز حاصلة في اليسير دون الكثير فلزم افتراقهما في الحكم.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل-لا تبطل الصلاة بانكشاف قدر الدرهم من العورة المغلظة، ومن المخففة ربعها-بما يلي:

الدليل الأوّل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الفخذ عورة والفرج فاحشة)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

قوله عليه الصلاة والسلام يقتضي التفريق بين العورتين في الستر، والتسوية بينهما حال الانكشاف مخالفة للخبر

(4)

.

يمكن أن يناقش من أوجه:

أ. يسلم بأن العورة المغلظة يفحش منها ما لا يفحش من غيرها، إلا أن التقدير بالدرهم والربع

(1)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 601).

(2)

انظر: البيان، للعمراني (2/ 116)، المبدع (1/ 323).

(3)

لم أجد له تخريجًا-فيما اطلعت عليه- وذكره الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب (3/ 161).

(4)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 600).

ص: 180

لم يرد الشرع به، فلا يجوز المصير إليه أو تخصيصه إلا بدليل ظاهر

(1)

.

ب. ما لم يرد الشرع فيه بالتقدير يرد إلى العرف

(2)

.

ت. هذا الحديث لم يثبت فلا يصح الاحتجاج به

(3)

.

الدليل الثاني: أن الشرع قد أقام الربع مقام الكل في كثير من المواضع، كمسح الرأس وحلقه في حق المحرم، كذلك في مسألة انكشاف اليسير من عورة المصلي، إذا الموضع موضع احتياط

(4)

.

يمكن أن يناقش: هذا التحديد لا دليل عليه، ولو صح في الربع لم يصح في الدرهم.

الدليل الثالث: ستر العورة شرط من شروط الصلاة لا ينتقل بتركه إلى بدل، فيختلف حكم يسيره وكثيره

(5)

.

يمكن أن يناقش: غاية ما يدل عليه هذا الاستدلال هو التفريق بين الانكشاف اليسير من العورة والكثير، ولا دلالة فيه على تقدير ذلك بالدرهم والربع.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: لا تبطل الصلاة بانكشاف اليسير من العورة - مطلقًا - لا فرق بين الفرجين وغيرهما، وذلك لقوة هذا القول وموافقته لقواعد رفع الحرج والمشقة، وصراحة أدلته وسلامتها من المعارض.

(1)

انظر: المجموع (3/ 167).

(2)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 221، 222).

(3)

استنادًا على ما سبق ذكره في تخريج الحديث.

(4)

بدائع الصنائع (1/ 117).

(5)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 600).

ص: 181

‌المطلب الرابع: لا فرق في ستر العورة بين الظلمة وغيرها.

‌صورة المسألة:

هل يؤثر كون الإنسان في ظلمة أو غيرها في اشتراط ستر العورة أو لا؟

جاء في الإنصاف: "وسترها عن النظر بما لا يصف البشرة واجب

لا فرق بين أن يكون في ظلمة، أو حمام، أو بحضرة ملك، أو جنى، أو حيوان بهيم أو لا"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

الأمر بستر العورة واجب من واجبات الإسلام في الصلاة وغيرها، وكما وجب في النور فهو يجب في الظلمة وغيرها؛ إثباتًا بإثبات ونفيًا بنفي

(2)

.

‌حكم المسألة:

اتفق الفقهاء- رحمهم الله تعالى - على وجوب ستر العورة بين الناس - مطلقًا -، لا فرق بين الظلمة أو غيرها

(3)

.

واستدلوا بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ

(4)

، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ (احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) قَالَ: قُلْتُ: يَا

(1)

(3/ 198).

(2)

انظر: أحكام القرآن، لابن العربي (4/ 361).

(3)

انظر: البحر الرائق (1/ 289)، حاشية ابن عابدين (1/ 411)، مواهب الجليل (1/ 498)، حاشية الدسوقي (1/ 221)، تحفة المحتاج وحواشيه، للهيتمي (2/ 112)، مغني المحتاج (1/ 396)، الفروع (2/ 34)، دقائق أولي النهى (1/ 149).

(4)

هو بهز بن حكيم بن معاوية القشيري البصري، يكنى بأبي عبد الملك، ثقة صدوق، توفي قبل الستينات، انظر: التاريخ الكبير (2/ 142)، إكمال التهذيب (3/ 37)، تقريب التهذيب (1/ 128).

ص: 182

رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ:(إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا) قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: (اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث أمر صريح بوجوب ستر العورة على الإطلاق من غير تقييد؛ فيستوي الحكم في الظلمة وغيرها

(2)

.

الدليل الثاني: الستر الذي يحصل بالظلمة لا عبرة به،؛ لأنه لا يسمى سترًا في العرف

(3)

.

الدليل الثالث: ستر العورة إن كان في الصلاة فهو واجب لحقها، وإن كان بين الناس فهو واجب لحقهم، وكلاهما باقٍ في الظلمة وغيرها

(4)

.

(1)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الحمام، باب ما جاء في التعري (4/ 40)(4017)، قال ابن حجر في فتح الباري (1/ 386):"الإسناد إلى بهز صحيح"، وقال الألباني في إرواء الغليل (6/ 212):"حسن".

(2)

انظر: فتح الباري، لابن رجب (2/ 384)، عمدة القاري (3/ 230).

(3)

انظر: مجمع الأنهر (1/ 83)، حاشية الطحطاوي (1/ 210)، تحفة المحتاج (2/ 112).

(4)

انظر: روح البيان، للخلوتي (3/ 154).

ص: 183

‌المطلب الخامس: لا فرق في صلاة العاري بين الخلوة وغيرها.

‌صورة المسألة:

من صلى عرياناً، هل تستوي كيفية صلاته بين كونه في خلوة أو لا؟

جاء في الإنصاف: "فإن عدم بكل حال، صلى جالسا، يومئ إيماء، فإن صلى قائما، جاز

لا فرق بين الخلوة وغيرها"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر والله أعلم أن سبب الإلحاق وعدم التفريق بين الخلوة وغيرها هو: أن ستر العورة مقصد شرعي في نفسه، فلم يختلف حكمه في حال دون حال.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في كيفية صلاة العريان وتأثير الخلوة وعدمها في ذلك، على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:

يصلى العريان قائمًا أو قاعدًا

(2)

- اختيارًا- يومئ بالركوع والسجود، وهو مذهب الحنفية

(3)

، والحنابلة

(4)

، ووجه عند الشافعية

(5)

.

(1)

(3/ 238).

(2)

على التخيير والقعود أولى، وفي رواية للحنابلة أنه يجب مع عدم الخلوة.

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 186، 187)، الهداية، للمرغيناني (1/ 46)، تبيين الحقائق وحاشية الشلبي (1/ 98، 99)، البناية (2/ 136)، فتح القدير (1/ 264).

(4)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 229)، المغني (1/ 424)، الإنصاف (3/ 238، 239).

(5)

انظر: بحر المذهب (2/ 107)، المجموع (3/ 183).

ص: 184

القول الثاني:

يصلى العريان قائمًا -وجوبًا- يركع ويسجد، لا فرق بين الخلوة وغيرها، وهو مذهب المالكية

(1)

، والشافعية

(2)

، وقول زفر من الحنفية

(3)

، ورواية عند الحنابلة

(4)

.

القول الثالث:

يصلي العريان قاعدًا -وجوبًا- لا فرق بين الخلوة وغيرها، وهو وجه عند الشافعية

(5)

، ورواية عن الإمام أحمد

(6)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- يصلى العريان قائمًا أو قاعدًا- اختيارًا- يومئ بالركوع والسجود - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم)

(7)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل الحديث على أن المنهي عنه يجب تركه بكل حال، أما المأمور به فيجب في حال الاستطاعة؛ فإذا لم يمكن فعل فرائض الصلاة إلا بمحرم لم يجب فعلها، لذا لا يلزم العريان القيام؛

(1)

انظر: الكافي، لابن عبد البر (1/ 239)، التنبيه (1/ 480، 479)، عقد الجواهر (1/ 116)، القوانين الفقهية، الكلبي (1/ 41).

(2)

انظر: الحاوي (2/ 175)، بحر المذهب (2/ 107)، البيان، للعمراني (2/ 127)، المجموع (3/ 165، 166)، كفاية الأخيار (1/ 93).

(3)

انظر: البناية (2/ 136).

(4)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 229)، الإنصاف (3/ 237).

(5)

انظر: بحر المذهب (2/ 107)، المجموع (3/ 183).

(6)

انظر: الإنصاف (3/ 236).

(7)

رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم (9/ 94)(7288).

ص: 185

لأنه يفضي إلى كشف العورة؛ وعدم اللزوم لا ينفي الصحة، فلو صلى قائمًا صحت صلاته؛ لأن في القيام تكميلًا للأركان وهو مقصود في الجملة، ومتى لم يكن بدًا من الإخلال ببعض فروض الصلاة لم يتعين أحدها

(1)

.

الدليل الثاني: قاعدة: "إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما"

(2)

في القعود ستر للعورة، وفي القيام أداء الأركان، فجاز كلاهما إلا أن القعود أولى؛ لأن فيه ستر العورة المغلظة والإتيان بما يقوم مقام الأركان، وفي القيام إتيان بالأركان وترك الستر وما يقوم مقامه

(3)

.

الدليل الثالث: العريان إذا صلى قاعدًا مومئًا بالركوع والسجود فقد أتى ببعض الركوع والسجود التامين؛ وستر معظم العورة المغلظة، ولم يفته سوى تكميل الأركان وتكميل الشرط المعجوز عنه؛ وهذا لا يخرج عن جنس الصلاة المشروعة

(4)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- يصلى العريان قائمًا -وجوبًا- يركع ويسجد، لا فرق بين الخلوة وغيرها - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)}

(5)

.

الدليل الثاني: عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ

(6)

رضي الله عنه قال: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ:(صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ)

(7)

.

(1)

انظر: شرح العمدة (1/ 329).

(2)

غمز عيون البصائر (1/ 286).

(3)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 608)، 609)، الهداية، للمرغيناني (1/ 46)، كشاف القناع (1/ 272).

(4)

انظر: شرح العمدة (1/ 328).

(5)

سورة البقرة، من الآية (238).

(6)

هو عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي، يكنى بأبي نجيد، أسلم عام خيبر غزى عدة غزوات، انتقل إلى البصرة ومات بها سنة. (52 هـ).

انظر: التاريخ الكبير (6/ 408)، الكنى والأسماء (2/ 854)، الإصابة (4/ 584، 585).

(7)

رواه البخاري في كتاب الجمعة، باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب (2/ 48)(1117).

ص: 186

وجه الدلالة من الآية والحديث:

في النصوص أمر بالقيام في الصلاة وهو عام لم يفرق بين المستتر والعريان

(1)

.

نوقش من وجهين:

أ. النصوص في وجوب القيام؛ ولا خلاف في وجوبه، ولكنه معارض بوجوب الستر في قوله عليه الصلاة والسلام:(غط فخذك)

(2)

فيسقط وجوب القيام ترجيحًا لوجوب الستر

(3)

.

ب. الحديث محمول على الحال التي لم يُترك فيها الساتر فهو فيها مستطيع للقيام، أما العريان فغير مستطيع حكمًا

(4)

.

الدليل الثالث: القيام ركن من أركان الصلاة، فلا يسقط إلا عند العجز عنه، والعريان قادر على الإتيان به من غير ضرر؛ لذا يلزمه كما لو كان مستترًا

(5)

.

نوقش: العريان لا يترك القيام للعجز عنه؛ بل ليحصل له الستر

(6)

.

الدليل الرابع: العجز عن بعض أركان الصلاة لا يُسقط ما يُقدر عليه منها؛ كمن عجز عن القراءة لم يسقط عنه القيام، ومن عجز عن القيام لم تسقط عنه السترة، وعليه فمن عجز عن السترة لا يسقط عنه القيام

(7)

.

نوقش: يسلم بأن العجز عن الستر لم يسقط القيام؛ ويجبان جميعًا، فيؤتى بأولاهما عند تعذر الجمع

(1)

انظر: تفسير الطبري (5/ 229)، البيان، للعمراني (2/ 127)، فتح الباري، لابن حجر (2/ 584).

(2)

رواه الترمذي في سننه، باب ما جاء أن الفخذ عورة (4/ 408)(2798)، والبيهقي في السنن الكبرى، باب عورة الرجل (2/ 323)(3232).

(3)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 609).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 141)، المغني (1/ 425).

(5)

انظر: الإشراف (1/ 263)، الحاوي (2/ 176)، بحر المذهب (2/ 107)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 236، 237).

(6)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 609).

(7)

انظر: الإشراف (1/ 263).

ص: 187

بينهما

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل -يصلي العريان قاعدًا -وجوبًا- لا فرق بين الخلوة وغيرها- بما يلي:

الدليل الأوَّل: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما قَالَ: «الَّذِي يُصَلِّي فِي السَّفِينَةِ، وَالَّذِي يُصَلِّي عُرْيَانًا، يُصَلِّي جَالِسًا»

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث نص في أن حق العريان الصلاة قاعدًا

(3)

.

نوقش: هذا الأثر لم يثبت فلا يصح الاحتجاج به

(4)

.

الدليل الثاني: عن ابن عمر-رضي الله عنهما-في قوم انكسرت بهم مراكبهم، فخرجوا عراة، قال: يصلون جلوسا، يومئون إيماء برءوسهم

(5)

.

وجه الدلالة:

أفتى ابن عمر بأن العريان يصلي قاعداً يومئ إيماء، ولم يوجد له مخالف من الصحابة، فكان كالإجماع

(6)

.

يمكن أن يناقش: هذه حادثة عين؛ وثبوت الفتيا فيها بصلاتهم قعودًا لا ينفي إباحتها لهم قيامًا

الدليل الثالث: القعود يحصل به الستر وهو آكد من القيام لوجهين

(7)

:

(1)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 609).

(2)

رواه عبد الرزاق في المصنف (2/ 583)(4565). قال ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية (1/ 124): "إسناده ضعيف".

(3)

بتصرف البحر الرائق (1/ 289).

(4)

انظر: الأوسط، ابن المنذر (5/ 80).

(5)

لم أجد له تخريجًا-فيما اطلعت عليه- وذكره ابن قدامة في المغني، ونسبه للخلال. المغني (1/ 424).

(6)

انظر: العناية (1/ 264)، المغني (1/ 424)، المبدع (1/ 328)، مطالب أولي النهى (1/ 339).

(7)

انظر: الجوهرة النيرة (1/ 47)، البناية (2/ 137)، المغني (1/ 424، 425)، الشرح الكبير لأبي الفرج (3/ 237)، المبدع (1/ 328)، دقائق أولي النهى (1/ 154).

ص: 188

أ. أنه لا يسقط مع القدرة عليه بحال، أما القيام فيسقط في النوافل.

ب. الستر لا يختص بالصلاة؛ فهو واجب فيها وفي غيرها، بخلاف القيام، وما كان مقصودًا في نفسه وللصلاة أولى مما يقصد للصلاة فقط.

نوقش: القعود لا يحصل به الستر للعريان؛ لأن عورته ظاهرة وإنما خفيت بغمضها، وصار بذلك تاركًا للقيام والستر جميعًا

(1)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يصلى العريان قائمًا أو قاعدًا- اختيارًا- يومئ بالركوع والسجود، وذلك لوجاهة هذا القول وموافقته لأصول الشريعة وقواعدها، وقوة استدلال أصحابه وسلامتها من المعارض الراجح، وورود المناقشة على استدلال المخالفين مما أضعف الاحتجاج بها.

(1)

انظر: الحاوي (2/ 176).

ص: 189

‌المطلب السادس: لا فرق في الصلاة في المقبرة بين القديمة والحديثة.

‌صورة المسألة:

إذا صلى شخص في مقبرة، فهل يؤثر كون المقبرة قديمة أو حديثة في حكم الصلاة؟

جاء في المغني: "إن صلى في المقبرة أو الحش أو الحمام أو في أعطان الإبل؛ أعاد

فلا فرق في المقبرة بين القديمة والحديثة

"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

عموم أحاديث النهي عن الصلاة في المقبرة، ومنها: عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ:(نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالْحَمَّامِ، وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ الْكَعْبَة)

(2)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في وجود فرق بين المقبرة الحديثة والقديمة

(3)

، وتأثير ذلك على صحة الصلاة، على خمسة أقوال:

القول الأوّل:

(1)

(2/ 52).

(2)

رواه ابن ماجه في السنن، كتاب المساجد والجماعات، باب المواضع التي تكره فيها الصلاة (1/ 246)(746)، والترمذي في سننه، أبواب الصلاة، باب ماجاء في كراهية ما يصلى إليه (2/ 177)(346) والروياني في مسنده (2/ 420)(1431)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 176)(3821)، وقال الترمذي:"حديث ابن عمر إسناده ليس بذاك القوي، وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه"، وقال الألباني في إرواء الغليل (1/ 318):"ضعيف".

(3)

وضابط الحديثة: أن تكون عامرة لم تنبش، والقديمة: المندثرة التي تحقق نبشها، انظر: الذخيرة (2/ 96)، الحاوي (2/ 261).

ص: 190

لا تصح الصلاة في المقبرة – مطلقًا-، قديمة كانت أو حديثة، وهو مذهب الحنابلة

(1)

، وقول عند المالكية

(2)

.

القول الثاني:

تكره الصلاة في المقبرة، إلا أن يكون فيها موضع أعد للصلاة لا نجاسة فيه ولا قبر، وهو مذهب الحنفية

(3)

، وقول للمالكية

(4)

، ورواية عند الحنابلة

(5)

.

القول الثالث:

تصح الصلاة في المقبرة - مطلقًا -، قديمة كانت أو حديثة، وهو مذهب المالكية

(6)

، ورواية عند الحنابلة

(7)

.

القول الرابع:

تكره الصلاة في المقبرة الحديثة، ولا تصح في القديمة، وهو قول القاضي عبد الوهاب

(8)

المالكي

(9)

.

القول الخامس:

(1)

المغني (2/ 51، 52)، المبدع (1/ 347)، الإنصاف، المرداوي (3/ 296).

(2)

انظر: التبصرة، للخمي (1/ 346).

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 206)، بدائع الصنائع (1/ 115)، البحر الرائق (2/ 35).

(4)

انظر: التبصرة، للخمي (1/ 345)، التنبيه (1/ 459).

(5)

انظر: المغني (2/ 51)، الفروع (2/ 106)، الإنصاف (3/ 296).

(6)

ما لم تكن فيها نجاسة.

انظر: المدونة (1/ 182)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 242)، الذخيرة (2/ 96).

(7)

مع القول بالتحريم، انظر الفروع (2/ 106)، الإنصاف (3/ 296).

(8)

هو أبو محمد، عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي، من فقهاء المالكية، ولد ببغداد سنة (362). هـ، له نظم ومعرفة بالأدب، صنف عيون المسائل والنصرة لمذهب مالك ورؤوس مسائل المناظرة وشرح المدونة وغيرها، توفي بمصر سنة (422). هـ، انظر: الأعلام للزركلي (4/ 183، 184).

(9)

انظر: المعونة (1/ 287)، التبصرة، للخمي (1/ 346).

ص: 191

لا تصح الصلاة في المقبرة (القديمة) التي نبشت، وتكره في (الحديثة) التي لم تنبش، وهو مذهب الشافعية

(1)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل-لا تصح الصلاة في المقبرة - مطلقًا-، قديمة كانت أو حديثة -بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا المَقْبَرَةَ وَالحَمَّامَ)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

نص الحديث على إخراج المقبرة عن أن تكون مسجدًا، والصلاة لا تصلح إلا فيما جعل مسجدًا ومحلًا للسجود، وإذا وقع السجود في غير موضعه لم يعتد به، وعلى هذا لا تصح الصلاة في المقابر قديمها وحديثها

(3)

.

الدليل الثاني: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ:(لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا)، قَالَتْ: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَبْرَزُوا قَبْرَهُ غَيْرَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا

(4)

.

الدليل الثالث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ)

(5)

.

(1)

وفي المشكوك في نبشها وجهان، الجواز وعدمه.

انظر: الحاوي (2/ 261)، المهذب للشيرازي (1/ 122)، البيان، للعمراني (2/ 109).

(2)

تقدم تخريجه ص 193.

(3)

انظر: شرح العمدة لابن تيمية (1/ 435).

(4)

رواه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور (2/ 88)(1330)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد، على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد (1/ 376)(529).

(5)

رواه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، (1/ 377)(532)

ص: 192

وجه الدلالة من الحديثين:

في الأحاديث نهي عن الصلاة في المقبرة، وظاهره التحريم، وهو للتعبد يتناول كل ما يقع عليه اسم المقبرة، قديمة أو حديثة

(1)

.

الدليل الرابع: عن أبي مرثد الغنوي

(2)

، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

قوله: (ولا تصلوا إليها)، فيه تصريح بالنهي عن الصلاة إلى القبر، لما فيه من التعظيم البالغ، وذلك يتناول الصلاة على القبر أو إليه أو بين قبرين

(4)

.

الدليل الخامس: عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا)

(5)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل الحديث على أن القبور ليست محلًا للعبادة ولا موضعًا للصلاة، وعليه فلا تصح الصلاة في المقابر سواء أكانت قديمة أو حديثة

(6)

.

نوقش ما سبق من استدلال:

(1)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 299)، الممتع، للمنجي (1/ 321).

(2)

هو كناز بن الحصين، له صحبة، شهد بدرًا وأحدًا والخندق، توفي بالمدينة في خلافة أبي بكر سنة (12 هـ). وعمره (66) سنة، انظر طبقات ابن سعد،: العلمية (3/ 35)، التاريخ الكبير (9/ 91).

(3)

رواه مسلم في كتاب الجنائز، باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه، (2/ 668)(972).

(4)

انظر: شرح النووي على مسلم (7/ 38)، فيض القدير، للمناوي (6/ 390).

(5)

رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب كراهية الصلاة في المقابر (1/ 94)(432)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد (1/ 538)(777).

(6)

انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (2/ 86)، شرح السنة، للبغوي (2/ 411).

ص: 193

هذه النصوص يعارضها قوله صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهوراَ، وقوله لأبي ذر حيثما أدركتك الصلاة فصل فقد جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وهي من فضائله عليه الصلاة والسلام، فتكون ناسخة لما عرضها من أحاديث النهي

(1)

.

أجيب بعدة أجوبة:

1 -

حديث النهي خاص، وحديث الإباحة عام

(2)

، والخاص يقدم على العام

(3)

.

2 -

قوله: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" بيان لكون جنس الأرض مسجدًا له، وذلك لا يمنع أن تعرض للأرض صفة تمنع السجود عليها، كأن تكون مقبرة، فهي محل للسجود لكن عرض لها ما يخرجها عن كونها مسجدًا

(4)

.

3 -

عموم أحاديث الإباحة قد خص منها الموضع النجس، وتخصيصها بالاستثناء والنهي الصريح أولى

(5)

.

4 -

المقصود من أحاديث الإباحة بيان اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم وأمته بالتوسعة عليهم في مواضع الصلاة دون من قبلهم من الأمم، وليس المقصود تفصيل الحكم

(6)

.

كما يمكن أن يجاب: بأن أحاديث النهي عن الصلاة في المقابر مستفيضة ومتواترة

(7)

.

الدليل السادس: الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبه بمن يعبد القبور، لذا نهي عنها سدًا لذريعة الشرك

(8)

.

(1)

انظر: التمهيد، لابن عبد البر (1/ 168).

(2)

انظر: المغني (2/ 51)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 297).

(3)

انظر: الأشباه والنظائر، للسبكي (2/ 196)، إرشاد الفحول، للشوكاني (1/ 399).

(4)

انظر: شرح العمدة لابن تيمية (1/ 439).

(5)

انظر المرجع السابق (1/ 440).

(6)

انظر: شرح العمدة لابن تيمية (1/ 440).

(7)

انظر: المحلى (2/ 348)، شرح العمدة لابن تيمية (1/ 435).

(8)

انظر: الفتاوى الكبرى (5/ 327)، مجموع الفتاوى (22/ 159).

ص: 194

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل-تكره الصلاة في المقبرة، إلا أن يكون فيها موضع أعد للصلاة لا نجاسة فيه ولا قبر-بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالْحَمَّامِ، وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ الْكَعْبَةِ)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث نهي على الصلاة في المقبرة، والنهي إذا لم يكن لمعنى في ذات الصلاة لا يمنع جوازها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الصلاة في المقبرة لما في ذلك من التشبه باليهود، في قوله:(لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فلا تتخذوا قبري بعدي مسجدًا)

(2)

، وذلك عام في كل مقبرة

(3)

.

نوقش: اتخاذ اليهود للقبور مساجد أخص من مجرد الصلاة فيها، والنهي عن الأخص لا يستلزم النهي عن الأعم

(4)

.

الدليل الثاني: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: " قُمْتُ يَوْمًا أُصَلِّي وَبَيْنَ يَدِيَّ قَبْرٌ لَا أَشْعُرُ بِهِ فَنَادَانِي عُمَرُ: الْقَبْرَ الْقَبْرَ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِي الْقَمَرَ، فَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ يَلِينِي: إِنَّمَا يَعْنِي الْقَبْرَ فَتَنَحَّيْتُ عَنْهُ"

(5)

.

(1)

تقدم تخريجه ص 193.

(2)

رواه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور (2/ 88)(1330)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد، على القبور واتخاذ الصور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد (1/ 376)(529).

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 206)، البحر الرائق ومنحة الخالق (2/ 35)، المبدع (1/ 349).

(4)

أسنى المطالب وحاشية الرملي (1/ 174)، إرشاد الساري (1/ 430).

(5)

رواه البيهقي في السنن (2/ 610)(4277) قال ابن حجر في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية (3/ 417): "هذا خبر صحيح علقه البخاري".

ص: 195

وجه الدلالة من الحديث:

لم يأمر عمر رضي الله عنه المصلي بإعادة الصلاة بعد ما بين له وجود القبر، مما يدل على جوازها، وفي الإرشاد دليل على الكراهة

(1)

.

يمكن أن يناقش: ليس في الحديث ما يدل على الكراهة، فلعل بيان عمر بوجود القبر كان لأجل ألا يجعله المصلي بين يديه، وليس لأجل الصلاة في المقبرة، بدليل قول المصلي فتنحيت.

الدليل الثالث: المقابر مظنة لوجود النجاسة، والنهي عن الصلاة فيها إنما كان تجنبًا للنجاسات وفي هذا دليل على جواز الصلاة في المقابر عند تحقق الطهارة، وكراهتها مع مظنة وجود النجاسة

(2)

.

نوقش: احتمال وجود النجاسة لا يوجب كراهة الصلاة في المقبرة، لأن الأرض تطهر بما يصيبها من الريح والشمس والاستحالة

(3)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل-تصح الصلاة في المقبرة - مطلقًا -، قديمة كانت أو حديثة-بما يلي:

الدليل الأوّل: عن جَابِرُ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل الحديث على أن كل موضع متى ما كان طاهرًا. صحت فيه الصلاة، ولفظ الأرض يفيد

(1)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 206)، بدائع الصنائع (1/ 115)، صحيح البخاري (1/ 93).

(2)

المبسوط، للسرخسي (1/ 206)، حاشية ابن عابدين (1/ 654).

(3)

انظر مجموع الفتاوى (21/ 322).

(4)

رواه البخاري في كتاب التيمم (1/ 74)(335)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/ 370)(521).

ص: 196

العموم

(1)

، فيكون شاملًا للمقبرة قديمة كانت أو حديثة

(2)

.

يمكن أن يناقش: تحمل أحاديث الإباحة على الجواز، وأحاديث النهي على الكراهة، جمعًا بين الأدلة

(3)

.

الدليل الثاني: "عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد - أو شابًّا - ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها - أو عنه - فقالوا: مات، قال:(أفلا كنتم آذنتموني) قال: فكأنهم صغروا أمرها - أو أمره - فقال: (دلوني على قبره) فدلوه، فصلى عليها

"

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو: صلاته في المقبرة على صحة الصلاة فيها

(5)

.

نوقش: صلاته إنما كانت على جنازة وهي مشروعة في المقابر

(6)

.

واستدلَّ أصحاب القول الرابع القائل-تكره الصلاة في المقبرة الحديثة، ولا تصح في القديمة-بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا)

(7)

.

وجه الدلالة من الحديث:

(1)

انظر: المستصفى (1/ 225).

(2)

انظر: الإشراف (1/ 285)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 242).

(3)

انظر بداية المجتهد (1/ 126).

(4)

رواه مسلم في كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر (2/ 659)(956)

(5)

انظر: النوادر والزيادات (1/ 219).

(6)

انظر: المحلى (2/ 351).

(7)

تقدم تخريجه ص 196.

ص: 197

دل النهي الوارد في الحديث على كراهة الصلاة في المقبرة إذا كانت جديدة وطاهرة

(1)

.

يمكن أن يناقش من وجهين:

أ. النهي يقتضي التحريم والتحريم يقتضي الفساد

(2)

.

ب. ليس في الحديث ما يدل على قدم المقبرة أو حداثتها، واللفظ عام، يشمل كل مقبرة قديمة كانت أو حديثة.

الدليل الثاني: المقبرة القديمة مظنة لوجود عظام الموتى ومخالطتها التراب، فتمنع الصلاة فيها،

وذلك مأمون في المقبرة الجديدة

(3)

.

نوقش: هذا ضعيف، لأن إطلاق النهي عن الصلاة في المقابر يدل على أن علته مظنة الشرك ومشابهة المشركين

(4)

.

واستدلَّ أصحاب القول الخامس القائل-لا تصح الصلاة في المقبرة (القديمة) التي نبشت، وتكره في (الحديثة) التي لم تنبش-بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا المَقْبَرَةَ وَالحَمَّامَ)

(5)

.

(1)

انظر: المعونة (1/ 287)، التبصرة، للخمي (1/ 346).

(2)

انظر شرح العمدة لابن تيمية (1/ 436)، تيسير التحرير (1/ 387)، المهذب، لعبد الكريم النملة (3/ 1434).

(3)

انظر: الكافي، لابن عبد البر (1/ 242).

(4)

انظر مجموع الفتاوى (21/ 321).

(5)

رواه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة (1/ 132)(492)، والترمذي في سننه، أبواب الصلاة، باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام (2/ 131) (317). قال الترمذي:"هذا حديث فيه اضطراب، وروى سفيان الثوري، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، ورواه حماد بن سلمة، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه محمد بن إسحاق، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، قال: «وكان عامة روايته عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه عن أبي سعيد، وكأن رواية الثوري، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت وأصح"، وكذلك الدارقطني رجح الإرسال في علله (11/ 321)، وقال الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (4/ 132):"صحيح".

ص: 198

وجه الدلالة من الحديث:

دل الحديث على عدم صحة الصلاة في المقابر، ويحمل على المنبوشة منها، لأنها قد اختلطت بلحوم الموتى وصديدهم وما يخرج منهم، وأما المقبرة التي لم تحرك فترابها طاهر لم يختلط بشيء

(1)

.

نوقش من وجهين:

أ. تعليل النهي عن الصلاة في المقابر بنجاسة التراب فيه نظر، فإن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مقبرة للمشركين، فأمر بالقبور فنبشت، فهذه مقبرة منبوشة جعلت مسجدًا مع بقاء ترابها، ولو كان نجسًا لأمر بنقله من المسجد، فيتبين أن الحكم معلق بظهور القبور وليس بالنجاسة

(2)

.

ب. نبش القبور الأصل عدمه

(3)

.

الدليل الثاني: عن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ) قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى) قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ عَامًا، ثُمَّ الْأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ، فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل الحديث على إباحة الصلاة في كل موضع من الأرض حتى المقبرة، وهو محمول على

(1)

انظر: الأم (1/ 112)، الحاوي (2/ 161)، بحر المذهب (2/ 201).

(2)

انظر: مجموع الفتاوى (21/ 321).

(3)

الشرح الممتع، لابن عثيمين (2/ 239).

(4)

رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/ 370)(520).

ص: 199

الجديدة التي لم تنبش، لأنها مدفن للنجاسات، وأجزاء الأرض التي يباشرها المصلي طاهرة وتحول بينه وبين النجاسات، لذا تصح الصلاة فيها وتكره للنهي

(1)

.

يمكن أن يناقش: بما نوقش به الاستدلال الأوّل.

الدليل الثالث: أن للموتى حرمة، فلأجل تلك الحرمة تكره الصلاة في المقبرة الحديثة التي لم تنبش

(2)

.

يمكن أن يناقش: هذا الاستدلال لا دليل عليه، وما دلت عليه الأدلة هو أن علة النهي هي سد ذريعة الشرك.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: لا تصح الصلاة في المقبرة – مطلقًا-، قديمة كانت أو حديثة، وذلك لقوة أدلة هذا القول والرد على الاعتراضات الواردة عليها، ولأن المناقشة الواردة على أدلة المخالفين قد أضعفت الاحتجاج بها.

(1)

انظر: المهذب (1/ 122)، البيان، للعمراني (2/ 109، 110).

(2)

انظر: النجم الوهاج (2/ 246).

ص: 200

‌المطلب السابع: لا فرق في الصلاة في الحمام بين مكان الغسل وصب الماء.

‌صورة المسألة:

إذا صلى شخص في حمام، فهل يتعلق حكم صلاته بأماكن من ذلك الحمام، أم أن جميع ما يغلق عليه باب الحمام ويتناوله الاسم سواء في الحكم؟

جاء في المغني: "وكذلك إن صلى في المقبرة، أو الحش، أو الحمام

(1)

، أو في أعطان الإبل؛ أعاد

فلا فرق في المقبرة بين القديمة والحديثة

ولا فرق في الحمام بين مكان الغسل وصب الماء"

(2)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

إطلاق النهي في النصوص الواردة في الصلاة في الحمام، كحديث ابن عمر رضي الله عنه الذي قال فيه:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في سبعة مواطن؛ في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق والحمام ومعاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله)

(3)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في حكم الصلاة في الحمام على ثلاثة أقوال:

(1)

مكان الاغتسال بالماء الحار، انظر: معجم لغة الفقهاء (1/ 186).

(2)

(2/ 52).

(3)

تقدم تخريجه ص 193.

ص: 201

القول الأوّل:

لا تصح الصلاة في الحمام - مطلقًا -، وهو مذهب الحنابلة

(1)

.

القول الثاني:

تصح الصلاة في الحمام إذا تُيقن من طهارته، وهو مذهب المالكية

(2)

، وقول للحنفية

(3)

، ورواية عند الحنابلة

(4)

.

القول الثالث:

تكره الصلاة في الحمام إلا موضع خلع الملابس، وجلوس الحمامي

(5)

، وهو مذهب الحنفية

(6)

، والشافعية

(7)

، وقول عند المالكية

(8)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل-لا تصح الصلاة في الحمام مطلقًا -بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ-رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا المَقْبَرَةَ وَالحَمَّامَ)

(9)

.

(1)

انظر: المغني (2/ 52)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 300)، المبدع (1/ 347، 348)، دقائق أولي النهى (1/ 164).

(2)

انظر: المدونة (1/ 182)، البيان والتحصيل (1/ 310)، مواهب الجليل (1/ 419).

(3)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 308)، حاشية ابن عابدين (1/ 380).

(4)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 297).

(5)

وهو موضع نزع الثياب، فيعد موضعًا خارجًا عن الحمام لأن الحمام مشتق من حمي الماء حيث تصب فيه الغُسالات والنجاسات عادة، انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 207)، البحر الرائق ومنحة الخالق (2/ 35)، حاشية ابن عابدين (1/ 380).

(6)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 308)، حاشية الطحطاوي (1/ 357، 358)، حاشية ابن عابدين (1/ 380).

(7)

انظر: الحاوي، الماوردي (2/ 262)، نهاية المطلب (2/ 334)، حلية العلماء، للشاشي (2/ 50).

(8)

انظر: التنبيه على مبادئ التوجيه (1/ 460)، شرح التلقين (1/ 824).

(9)

تقدم تخريجه ص 202.

ص: 202

وجه الدلالة من الحديث:

نص الحديث على إخراج الحمام عن أن يكون مسجدًا -والاسم يتناول كل ما يدخل في المسمى- والصلاة لا تصلح إلا فيما جعل مسجدًا ومحلًا للسجود، وإذا وقع السجود في غير موضعه لم يعتد به، وعليه فلا تصح الصلاة في الحمام مطلقًا

(1)

.

يمكن أن يناقش من وجهين:

أ. محمل النهي عن الصلاة في الحمام على الكراهة

(2)

.

يمكن أن يجاب: الأصل أن النهي يقتضي التحريم والتحريم يقتضي الفساد، ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بدليل

(3)

.

ب. محل المنع في الحديث هو الحمام المتنجس

(4)

.

يمكن أن يجاب: إطلاق النهي في الحديث يدل على المنع من الصلاة في كل حمام، والتقييد تحكم بلا دليل.

الدليل الثاني: الحمام موضع الأوساخ والبول، فهو مظنة للنجاسات، لذا تمنع الصلاة فيه وإن كان طاهرًا، لتعلق الحكم بمظنة النجاسة دون حقيقتها

(5)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل-تصح الصلاة في الحمام إذا تيقن من طهارته-بما يلي:

الدليل الأوّل: عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ

(1)

بتصرف شرح العمدة لابن تيمية (1/ 435).

(2)

انظر: المنهل العذب، محمود السبكي (4/ 116).

(3)

انظر شرح العمدة لابن تيمية (1/ 436)، تيسير التحرير (1/ 387)، المهذب، لعبد الكريم النملة (3/ 1434).

(4)

انظر: بحر المذهب (2/ 92)، نيل الأوطار (2/ 156).

(5)

انظر: المغني (2/ 52)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 300).

ص: 203

مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل الحديث على أن كل موضع متى ما كان طاهرًا. صحت فيه الصلاة، ولفظ الأرض يفيد العموم

(2)

، وهو شامل للحمام إن توفر فيه شرط الطهارة

(3)

.

يمكن أن يناقش:

هذا العموم مخصص بقوله عليه الصلاة والسلام: (إلا المقبرة والحمام)

(4)

، فيقدم حكم الخاص على العام

(5)

.

الدليل الثاني: عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الْحَمَّامِ، وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ عز وجل

(6)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث نهي عن الصلاة في الحمام، ومعنى النهي عن ذلك هو اتقاء نجاسته لأنه موضع يتخذ للاغتسال من النجاسة وغيرها فيحمل داخل الحمام على النجاسة حتى يتيقن من طهارته، وخارجه حيث يخلع الناس ثيابهم على الطهارة حتى يوقن فيه بالنجاسة

(7)

.

(1)

تقدم تخريجه ص 199.

(2)

انظر: المستصفى (1/ 225).

(3)

انظر: البيان والتحصيل (1/ 310)، مواهب الجليل (1/ 419).

(4)

انظر: المغني (2/ 51)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 297).

(5)

انظر: الأشباه والنظائر، للسبكي (2/ 196)، إرشاد الفحول، للشوكاني (1/ 399).

(6)

تقدم تخريجه ص 193.

(7)

انظر: نخب الأفكار (6/ 137)، البيان والتحصيل (1/ 310).

ص: 204

يمكن أن يناقش: الأصل أن النهي يقتضي التحريم والتحريم يقتضي الفساد، ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بدليل

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل-تكره الصلاة في الحمام، إلا موضع خلع الملابس، وجلوس الحمامي-بما يلي:

الدليل الأوّل: عن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ

(2)

قال: عَرَّسَ

(3)

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً، بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَوَكَّلَ بِلَالًا أَنْ يُوقِظَهُمْ لِلصَّلَاةِ. فَرَقَدَ بِلَالٌ، وَرَقَدُوا. حَتَّى اسْتَيْقَظُوا وَقَدْ طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ. فَاسْتَيْقَظَ الْقَوْمُ، وَقَدْ فَزِعُوا، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْكَبُوا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ ذلِكَ الْوَادِي. وَقَالَ:(إِنَّ هذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل الحديث على أن كل موضع علم وجود الشيطان فيه يستحب الخروج عنه وإقامة الصلاة في غيره

(5)

، والحمام مأوى الشياطين فتصح الصلاة فيه وتكره، لأن المنع لا يعود على الصلاة

(6)

، وأما موضع خلع الملابس وجلوس الحمامي فينتفي حكم الكراهة فيهما؛ لعدم تحقق المعنى الموجب لها

(7)

.

(1)

انظر شرح العمدة لابن تيمية (1/ 436)، تيسير التحرير (1/ 387)، المهذب، عبد الكريم النملة (3/ 1434).

(2)

مولى عمر بن الخطاب كنيته أبو أسامة، سمع من ابن عمر وأبيه، ثقة كثير الحديث وكان يرسل، توفي سنة:(136) هـ. انظر: التاريخ الكبير (3/ 387)، الثقات للعدوي القرشي (4/ 246)، تجريد الأسماء والكنى (1/ 213).

(3)

أناخ ونزل، النظر: مقاييس اللغة (4/ 263).

والتعريس هو نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة، النهاية (3/ 206)، المطلع (1/ 423).

(4)

رواه مالك في الموطأ (2/ 20)(36). وهو مرسل، كما ذكر ذلك ابن عبد البر في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (5/ 203).

(5)

انظر: شرح النووي على مسلم (5/ 183)، النفح الشذي شرح جامع الترمذي، لابن سيد الناس (3/ 433).

(6)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 115)، حاشية ابن عابدين (1/ 380)، نهاية المطلب (2/ 334)، البيان، للعمراني (2/ 111)، المهذب، للشيرازي (1/ 122).

(7)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 270)، حاشية ابن عابدين (1/ 380).

ص: 205

يمكن أن يناقش: المواضع التي هي مأوى الشياطين يتحول عنها وجوبًا، لأنها سبب مانع من صحة العبادة وصلاحها، وهي تعكس على المصلي مقصوده من العبادة

(1)

.

الدليل الثاني: الحمام مصب الغسالات والنجاسات عادة، ولا يخلو من رشاش، لذا تكره الصلاة فيه بخلاف موضع جلوس الحمامي

(2)

.

يمكن أن يناقش: إذا كان الحمام مظنة للنجاسات فإن الحكم يتعلق بالمظنة دون الحقيقة، وذلك ثابت في الشرع، كنقض الطهارة بالنوم، ووجوب الغسل بالتقاء الختانين

(3)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: لا تصح الصلاة في الحمام - مطلقًا -، وذلك لقوة أدلة هذا القول والرد على المناقشات الواردة عليها، وضعف أدلة المخالفين.

(1)

انظر: شرح العمدة لابن تيمية (1/ 454).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 207)، بدائع الصنائع (1/ 115)، حاشية ابن عابدين (1/ 380)، الحاوي (2/ 262)، نهاية المطلب (2/ 334)، كفاية النبيه (2/ 530).

(3)

انظر: المغني (2/ 52).

ص: 206

‌المطلب الثامن: لا فرق في الصلاة في المجزرة والمزبلة، بين ما كان منها طاهرًا ونجسًا، ولا بين كون الطريق فيها سالكًا أو لم يكن.

‌صورة المسألة:

إذا صلى شخص في مجزرة أو مزبلة، فهل يتعلق حكم صلاته بذات الموضع؟ أو أن الحكم متعلق بوجود النجاسة فيهما؟

جاء في المغني: "والمجزرة: الموضع الذي يذبح القصابون فيه البهائم، وشبههم معروفا بذلك معدا. والمزبلة: الموضع الذي يجمع فيه الزبل. ولا فرق في هذه المواضع بين ما كان منها طاهرًا ونجسًا"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

إطلاق لفظ المجزرة والمزبلة في ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالْحَمَّامِ، وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ الْكَعْبَةِ)

(2)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في حكم الصلاة في المجزرة والمزبلة على قولين:

القول الأوّل:

تصح الصلاة في المجزرة والمزبلة

(3)

، إن تحققت طهارتهما، وهو مذهب الحنفية

(4)

، والمالكية

(5)

،

(1)

(2/ 53).

(2)

تقدم تخريجه ص 193.

(3)

مع الكراهة.

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 206)، حاشية الزيلعي (1/ 164)، درر الحكام (1/ 110).

(5)

انظر: التفريع في فقه الإمام مالك (1/ 126)، المعونة (287)، التبصرة، للخمي (1/ 347)، التنبيه على مبادئ التوجيه (1/ 459).

ص: 207

والشافعية

(1)

، وقول للحنابلة

(2)

.

القول الثاني:

لا تصح الصلاة في المجزرة والمزبلة - مطلقًا -، وهو مذهب الحنابلة

(3)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل-تصح الصلاة في المجزرة والمزبلة إن تحققت طهارتهما-بما يلي:

الدليل الأوّل: عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ-رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل عموم الحديث على صحة الصلاة في المجزرة والمزبلة، لأن لفظ الأرض يشملهما وذلك إن تحققت طهارتهما، عملًا بالوصف الوارد في الحديث

(5)

.

الدليل الثاني: عن ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالْحَمَّامِ، وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ الْكَعْبَةِ)

(6)

.

وجه الدلالة من الحديث:

(1)

انظر: الحاوي (2/ 262)، بحر المذهب (2/ 92)، روضة الطالبين (1/ 277).

(2)

انظر: المغني (2/ 53)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 306)، المبدع (1/ 349).

(3)

انظر: المغني (2/ 53)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 305)، الإنصاف (3/ 305).

(4)

تقدم تخريجه ص 199.

(5)

انظر: المغني (2/ 53)، الكواكب الدراري (3/ 213، 214).

(6)

تقدم تخريجه ص 193.

ص: 208

في الحديث نهي عن الصلاة في المجزرة والمزبلة، وعلته وجود النجاسة

(1)

، فإن تحققت طهارتهما صحت الصلاة فيهما، لأن وجه المنع هو انعدام شرط الطهارة، وعند تحقق الشرط ينتفي المنع

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل-لا تصح الصلاة في المجزرة والمزبلة مطلقًا -بما يلي:

الدليل الأوّل: عن بْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالْحَمَّامِ، وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ الْكَعْبَةِ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

النهي في الحديث ظاهره التحريم، وهو للتعبد، يتناول موضع الذي يقع عليه اسم المجزرة والمزبلة مطلقًا

(4)

.

نوقش: حديث "جعلت لي الأرض مسجدًا" متفق على صحته، وقد استثني منه المقبرة والحمام ومعاطن الإبل بأحاديث صحيحة، فيبقى ما عداها على العموم، وأما حديث ابن عمر يرويه العمري

(5)

، وزيد بن جبيرة

(6)

وقد تكلم فيهما من قبل حفظهما، فلا يترك الحديث الصحيح بحديثهما"

(7)

.

(1)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 206)، شرح التلقين (1/ 822)، كفاية النبيه (2/ 494)، شرح العمدة لابن تيمية (1/ 469).

(2)

انظر: قواعد الأحكام، ابن عبد السلام (2/ 25).

(3)

تقدم تخريجه ص 193.

(4)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 299).

(5)

هو عبد الله بن عمر العمري، أخوه عبيد الله بن عمر، وكان عبد الله رجل صالح أثنى عليه قوم، وضُعف من أجل حفظه لا من أجل صدقه وأمانته، انظر الجرح والتعديل (5/ 110)، البدر المنير (3/ 208).

(6)

هو زيد بن جبيرة بن محمود الأنصاري المدني، كنيته أبو جبيرة، ضعيف متروك منكر الحديث، انظر: الجرح والتعديل (3/ 559)، ميزان الاعتدال (2/ 99، 100)، إكمال التهذيب (5/ 139).

(7)

انظر: المغني (2/ 53)، التلخيص الحبير (1/ 531)، نخب الأفكار (6/ 132)، نيل الأوطار (2/ 161).

ص: 209

الدليل الثاني: المجزرة مظنة للنجاسة، والمزبلة موضع أعد لإلقاء الزبائل النجسة والطاهرة، والنهي يتناول الموضع لأنه مأوى الشياطين، وخلوه من النجاسات في بعض الأوقات لا يمنعه أن يكون معدًا لها، وإذا كان معدًا لها تناوله النهي لفظًا ومعنى

(1)

.

يمكن أن يناقش: بما نوقش به الاستدلال الأوّل.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: تصح الصلاة في المجزرة والمزبلة إذا تحققت طهارتهما، وذلك لوجاهة هذا القول وقوة استدلال أصحابه وسلامتها من المعارض الراجح، وورود المناقشة المضعفة لاستدلال المخالف.

(1)

انظر: شرح العمدة لابن تيمية (1/ 469)، نيل الأوطار (2/ 161).

ص: 210

‌المطلب التاسع: لا فرق في الصلاة في الأرض المغصوبة بين غصبه لرقبة الأرض وغصبه منافعها.

‌صورة المسألة:

إذا صلى شخص في أرض مغصوبة، فهل يؤثر الغصب على صحة صلاته؟ وهل يؤثر كون الغصب وقع على الرقبة أو المنفعة في الحكم أم لا؟

جاء في المغني: "وفي الصلاة في الموضع المغصوب روايتان

إذا ثبت هذا فلا فرق بين غصبه لرقبة الأرض بأخذها، أو دعواه ملكيتها، وبين غصبه منافعها"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

تأثير الغصب في حكم الصلاة متحقق في كل من مغصوب العينة، أو المنفعة

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على تحريم الصلاة في الموضع المغصوب

(3)

.

2 -

واختلفوا في حكم صحتها فيه على قولين:

القول الأوّل:

تصح الصلاة في الأرض المغصوبة - مطلقًا -، لا فرق بين مغصوبة المنفعة أو الرقبة

(4)

، وهو مذهب الحنفية

(5)

، والمالكية

(6)

، والشافعية

(7)

، ورواية عند الحنابلة

(8)

.

(1)

(2/ 56).

(2)

انظر: المغني (2/ 56).

(3)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (4/ 32)، حاشية الطحطاوي (1/ 211)، مواهب الجليل (2/ 528)، الفواكه الدواني (1/ 311)، التهذيب، للبغوي (8/ 152)، المجموع (3/ 164)، الهداية، للكلوذاني (1/ 78)، المغني (2/ 56).

(4)

فهم ذلك من إطلاقهم للحكم.

(5)

انظر: النتف في الفتاوى، السغدي (2/ 811)، بدائع الصنائع (1/ 116)، حاشية ابن عابدين (1/ 381).

(6)

انظر: شرح التلقين (1/ 477)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 188)، بلغة السالك (3/ 87).

(7)

انظر: الاصطلام (1/ 315)، فتح العزيز (2/ 363)، المجموع (3/ 164).

(8)

انظر: المغني (2/ 56)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (5/ 459).

ص: 211

القول الثاني:

لا تصح الصلاة في الأرض المغصوبة - مطلقًا -، لا فرق بين مغصوبة المنفعة أو الرقبة، وهو مذهب الحنابلة

(1)

، وقول للحنفية

(2)

، ووجه عند الشافعية

(3)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل-تصح الصلاة في الأرض المغصوبة، - مطلقًا - لا فرق بين مغصوبة المنفعة أو الرقبة- بما يلي:

الدليل الأوّل: الصلاة في الأرض المغصوبة صلاة تامة مستوفية للأركان والشروط والقيام والركوع والسجود، وقد اقترن بها فعل الغصب، فيتعلق النهي بالصلاة من جهة اللفظ وبالفعل من جهة المعنى، ومتى كان النهي في غير ذات العبادة لم يمنع من صحتها

(4)

.

الدليل الثاني: المحل المغصوب ليس بسبب يمنع من أداء الواجب، ولا وصف يؤثر في صحة الصلاة أو فسادها

(5)

.

الدليل الثالث: الصلاة في الموضع المغصوب صحيحة؛ لاختصاص المنع بالاستيلاء على حق الغير، وذلك يمنع منه المصلي وغيره

(6)

.

الدليل الرابع: الأرض المغصوبة أرض طاهرة، وحق المالك فيها لا يمنع من صحة الصلاة فيها

(7)

.

الدليل الخامس: لم ينقل عن أحد من السلف أمرهم الظلمة بإعادة ما صلوه في المواضع

(1)

انظر: المغني (1/ 56)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 301)، الإنصاف (3/ 302).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 206)، حاشية ابن عابدين (1/ 381).

(3)

انظر: التعليقة (2/ 1117)، المجموع (3/ 164).

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 206)، قواعد الأحكام (2/ 25).

(5)

انظر: تيسير التحرير (2/ 221)، كشف الأسرار، البخاري (1/ 278)، الذخيرة (2/ 497).

(6)

انظر: الحاوي (2/ 130).

(7)

انظر: شرح التلقين (1/ 477)، البيان، للعمراني (2/ 113).

ص: 212

المغصوبة، ولو لم تصح صلاتهم لأمروهم بذلك

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل-لا تصح الصلاة في الأرض المغصوبة - مطلقًا - لا فرق بين مغصوبة المنفعة أو الرقبة-بما يلي:

الدليل الأوّل: الغاصب قد عصى اللهَ بغصبه، وحركاته في الصلاة من قيام وقعود وركوع وسجود اختيارية واقعة في مكان محرم، والمعصية يستحيل أن تكون طاعة؛ فيحكم ببطلانها

(2)

.

نوقش: الاستحالة إنما تتحقق عندما يكون العبد متقرب بالوجه الذي هو عاص به، وأما الصلاة في الموضع المغصوب فمتعلق الأمر والنهي فيها متغايران، فهما كاختلاف المحلين، واجتماعهما إنما كان باختيار المكلف، فلا تلازم بينهما، وعليه فلا تناقض واستحالة والصلاة صحيحة

(3)

.

الدليل الثاني: قاعدة "درء المفاسد أولى من جلب المصالح"

(4)

تصحيح الصلاة في الموضع المغصوب يؤدي لكثرة الغصب، لأن العبادات ما دامت تصح مع الغصب فإن القول بذلك يفضي لانتشار الظلم، ودفعًا لهذه المفسدة يحكم بعدم صحة. الصلاة

(5)

.

يمكن أن يناقش: جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ ظَلَمَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ)

(6)

.

1 -

تحريم الشارع للغصب والإنكار الشديد والتهديد العظيم منه للغاصبين والظلمة؛ فيه كفاية

(1)

انظر الممتع (1/ 321).

(2)

انظر: المستصفى (1/ 62)، المغني (2/ 56).

(3)

انظر: المجموع (3/ 164)، التحبير شرح التحرير (2/ 958).

(4)

الأشباه والنظائر (1/ 87)، الأشباه والنظائر، ابن نجيم (1/ 78).

(5)

انظر: تيسير مسائل الفقه، عبد الكريم النملة (1/ 381).

(6)

رواه البخاري في كتاب المظالم والغصب، باب إثم من ظلم شيئاً من الأرض (3/ 130)(2452).

ص: 213

للحد من انتشار الظلم

(1)

.

2 -

إيقاع العقوبة على المكلف بصحة عبادته من عدمها لا يملكها مكلف مثله و إنما هو شرع من عند الله.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: تصح الصلاة في الموضع المغصوب - مطلقًا - لا فرق بين مغصوبة المنفعة أو الرقبة، وذلك لوجاهة ما علل به أصحاب هذا القول وسلامتها من المعارض، وضعف تعليلات المخالفين ورود المناقشة عليها.

(1)

انظر: الكواكب الدراري (11/ 24)، فتح الباري، ابن حجر (5/ 105).

ص: 214

‌المطلب العاشر: لا فرق بين قليل النجاسة وكثيرها في عدم صحة الصلاة معها.

‌صورة المسألة:

إذا وقعت في الثوب نجاسة، فهل هناك فرق في أن تكون النجاسة قليلة أو كثيرة في الحكم على صحة الصلاة؟

جاء في المغني: "وإن صلى وفي ثوبه نجاسة، وإن قلت، أعاد وقد ذكرنا أن الطهارة من النجاسة شرط لصحة الصلاة، ولا فرق بين كثيرها وقليلها"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

عموم الأدلة الواردة في الأمر باجتناب النجاسة، لم تفرق بن قليل النجاسة وكثيرها

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على أن طهارة الثوب من شروط الصلاة

(3)

.

2 -

واتفقوا على أن أثر محل الاستجمار معفو عنه

(4)

.

3 -

واتفقوا على أن يسير الدم في الثوب معفو عنه

(5)

.

(1)

(2/ 58).

(2)

انظر: المغني (2/ 58).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 79)، رد المحتار وحاشية ابن عابدين (1/ 402)، المدونة (1/ 184)، الاستذكار (1/ 331)، مواهب الجليل (1/ 131)، المهذب (1/ 118)، بحر المذهب (2/ 182)، الشرح الكبير (3/ 279)، مطالب أولي النهى (1/ 360).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 19)، الهداية، للمرغيناني (1/ 37)، عقد الجواهر (1/ 19)، جامع الأمهات (1/ 37)، بحر المذهب (2/ 182)، روضة الطالبين (1/ 279)، الإنصاف (1/ 220)، مطالب أولي النهى (1/ 361).

(5)

على اختلاف بينهم في التقييد.

انظر: تبيين الحقائق (1/ 73)، البناية (1/ 724)، المعونة (1/ 166)، الكافي، ابن عبد البر (1/ 241)، روضة الطالبين (1/ 218)، بحر المذهب (2/ 184)، البيان، للعمراني (1/ 32)، مختصر الخرقي (1/ 28)، المغني (2/ 58).

وفي دم الحيض عند المالكية والحنابلة روايتان.

ص: 215

4 -

واختلفوا في -ما عداه- من النجاسات بين قليلها وكثيرها وتأثير ذلك في حكم الصلاة، على قولين:

القول الأوّل:

يعفى عن قليل النجاسة دون كثيرها وتصح معه الصلاة، وهو مذهب الحنفية

(1)

، واختيار ابن تيمية

(2)

.

القول الثاني:

لا يعفى عن النجاسة - مطلقًا -، لا فرق بين قليلها وكثيرها، وتعاد الصلاة، وهو مذهب المالكية

(3)

، والشافعية

(4)

، والحنابلة

(5)

، وقول زفر من الحنفية

(6)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل-يعفى عن قليل النجاسة دون كثيرها وتصح معه الصلاة - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ، قَالَ:(مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ)، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ جِبْرِيلَ

(1)

وحدوا القليل بقدر الدرهم.

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 60)، بدائع الصنائع (1/ 18)، تبيين الحقائق (1/ 73)، العناية (1/ 202).

(2)

انظر: شرح العمدة (1/ 400).

(3)

وعندهم الإعادة تكون في الوقت.

انظر: الإشراف (1/ 281، 282)، المعونة (1/ 166)، الكافي، ابن عبد البر (1/ 241).

(4)

وفي الإعادة قولان.

انظر: الحاوي (2/ 242)، أسنى المطالب (1/ 172)، كفاية النبيه (2/ 505).

(5)

انظر: المغني (2/ 58)، شرح الزركشي (2/ 36)، كشاف القناع (1/ 289).

(6)

انظر: الهداية، المرغيناني (1/ 37)، العناية (1/ 202).

ص: 216

- صلى الله عليه وسلم أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا - أَوْ قَالَ: أَذى -)، وَقَالَ:(إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل فعل النبي صلى الله عليه وسلم على أن القليل من النجاسة في الصلاة معفو عنه؛ لأنه لو لم يكن معفو عنه لاستأنف الصلاة

(2)

.

الدليل الثاني: عَنْ أَسْمَاءَ بنت أبي بكر-رضي الله عنها، قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ:(تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ)

(3)

.

الدليل الثالث: أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ يَسَارٍ

(4)

رضي الله عنها أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَأَنَا أَحِيضُ فِيهِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: (إِذَا طَهُرْتِ فَاغْسِلِيهِ، ثُمَّ صَلِّي فِيهِ). فَقَالَتْ: فَإِنْ لَمْ يَخْرُجِ الدَّمُ؟ قَالَ: (يَكْفِيكِ غَسْلُ الدَّمِ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُه)

(5)

.

وجه الدلالة من الحديثين:

قوله: (ولا يَضُرُّكِ أَثَرُه) دليل على أن يسير النجاسة معفو عنه

(6)

.

(1)

تقدم تخريجه ص 122.

(2)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (2/ 34)، التجريد، للقدوري (2/ 735)، معالم السنن (1/ 181)، مرقاة المفاتيح (2/ 637).

(3)

رواه البخاري في كتاب الوضوء، باب غسل الدم (1/ 55)(227).

(4)

لم أجد-فيما اطلعت عليه-ترجمة لها سوى أن لها ذكرًا في حديث أبي هريرة، انظر: الإصابة (8/ 121).

(5)

رواه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها (1/ 100)(365)، قال ابن حجر في فتح الباري (1/ 334):"في إسناده ضعف وله شاهد مرسل ذكره البيهقي"، وقال الألباني في إرواء الغليل (1/ 189):"صحيح".

(6)

انظر: مرقاة المفاتيح (2/ 463)، مرعاة المفاتيح (2/ 194).

ص: 217

نوقش:

أمر النبي صلى الله عليه وسلم في أول الحديث بغسله ولم يفرق بين قليل وكثير

(1)

.

يمكن أن يجاب: لم يفرق في الحديث بين القليل والكثير لأن الأمر بالغسل إنما كان على وجه الاستحباب، ويحتمل أنه أراد الكثير لأنه الغالب

(2)

.

الدليل الرابع: عن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن قليل النجاسة في الثوب فقال: إن كان مثل ظفري هذا لا يمنع جواز الصلاة

(3)

.

وجه الدلالة:

بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اليسير من النجاسة معفو عنه

(4)

.

يمكن أن يناقش: هذا الأثر لم تثبت صحته ويظهر - والله أعلم - أنه غير محفوظ، فلا يصح الاحتجاج به.

الدليل الخامس: عن أبي هريرة – رضي الله عنه يرفعه قال: (تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنَ الدَّمِ)

(5)

.

(1)

انظر: شرح التلقين (1/ 259).

(2)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 737)، المنهل العذب (3/ 232).

(3)

لم أجد له تخريجًا-فيما اطلعت عليه- وذكره السرخسي في المبسوط (1/ 60).

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 60)، بدائع الصنائع (1/ 79).

(5)

رواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب ما يجب غسله من الدم (2/ 566)(4093)، وابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (4/ 47)، وقال:" لا يرويه، عن الزهري فيما أعلمه غير روح بن غطيف، وهو منكر بهذا الإسناد"، وقال الذهبي في تنقيح التحقيق (1/ 129):"واه"، وذكر الزيعلي قول البخاري وابن حبان في كتابه نصب الراية (1/ 212):"قال البخاري: حديث باطل، وروح هذا منكر الحديث، وقال ابن حبان: هذا حديث موضوع لا شك فيه، لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن اخترعه أهل الكوفة، وكان روح بن غطيف يروي الموضوعات عن الثقات"، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (1/ 279):"موضوع".

ص: 218

وجه الدلالة من الحديث:

في تعليق حكم إعادة الصلاة بما زاد على قدر الدرهم دليل على أن ما دونه عفو، ولو كان الكل سواء لما كان للتخصيص معنى

(1)

.

يمكن أن يناقش: هذا الحديث ضعيف وقد بُين وجه ضعفه في التخريج فلا يصح الاحتجاج به.

يمكن أن يجاب: هذه الأثار وإن لم تثبت؛ فإن العفو عن قليل النجاسة ثابت بأدلة أخرى.

الدليل السادس: الصلاة تجوز مع النجاسة الكثيرة في حال العذر من غير انتقال إلى البدل، فيعفى عن قليلها حال عدم العذر

(2)

.

الدليل السابع: القياس على أثر الاستجمار، بجامع مشقة التحرز في الكل، فيعفى عن قليل النجاسة في الجميع

(3)

.

الدليل الثامن: قاعدة " اليسير مغتفر"

(4)

.

القليل من النجاسة يشق التحرز منه، فيجعل عفوًا

(5)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- لا يعفى عن النجاسة - مطلقًا -، لا فرق بين قليلها وكثيرها، وتعاد الصلاة- بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)}

(6)

.

وجه الدلالة من الآية:

(1)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 736).

(2)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 736).

(3)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 737)، المبسوط، للسرخسي (1/ 60)، المغني (2/ 59).

(4)

فتح القدير (7/ 76)، غمز عيون البصائر (1/ 292).

(5)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 60)، المحيط البرهاني (1/ 192)، البناية (1/ 725).

(6)

سورة المدثر، آية (4).

ص: 219

أمر الله عز وجل بتطهير الثياب، والأمر بالشيء نهي عن ضده

(1)

، وهو عام لم يفرق بين قليل النجاسة وكثيرها

(2)

.

يمكن أن يناقش: هذا العموم تخصصه أدلة رفع المشقة والحرج

الدليل الثاني: عَنْ أَسْمَاءَ بنت أبي بكر-رضي الله عنها، قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ:(تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث أمر بغسل دم الحيض مطلقًا، وهذا يدل على وجوب تطهير قليله وكثيره من ثوب المصلي، وغيره من النجاسات في معناه فوجب أن يساويه في ذلك

(4)

.

نوقش الاستدلال من وجهين

(5)

:

أ. الغالب في دم الحيض إذا أصاب الثوب يكون كثيرًا، فخرج الأمر على الأغلب.

ب. المراد هو الغسل المستحب، بدلالة قوله:"حتيه ثم اقرصيه"، فيستوي فيه القليل والكثير.

الدليل الثالث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ)

(6)

.

(1)

إرشاد الفحول (1/ 263).

(2)

انظر: بحر المذهب (2/ 182)، مغني المحتاج (1/ 402)، المغني (2/ 58)، كشاف القناع (289).

(3)

تقدم تخريجه ص 220.

(4)

انظر: معالم السنن (1/ 11)، عيون الأدلة (2/ 983)، الممتع للمنجى (1/ 315).

(5)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 737).

(6)

رواه الدارقطني في السنن، كتاب الطهارة، باب نجاسة البول والأمر بالتنزه منه والحكم في بول ما يؤكل لحمه (1/ 232)(464)، وقال:"الصواب أنه مرسل"، وقال الزيلعي في نصب الراية (1/ 128):"حديث صحيح على شرط الشيخين، ولا أعرف له علة"، وقال ابن الملقن في البدر المنير (2/ 323):"هذا الحديث صحيح، وله طرق كثيرات بألفاظ مختلفات، وفي المعنى متفقات".

ص: 220

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث أمر باجتناب النجاسة، وهو عام يشمل قليلها وكثيرها، فيكونان سواء في عدم العفو

(1)

.

نوقش: الأمر بالاستنزاه واجب في الجملة، وأما ما تصح الصلاة معه وما لاتصح موقوف عليه من أدلة أخرى سبق ذكرها

(2)

.

الدليل الرابع: عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ

(3)

رضي الله عنه قَالَ: أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا عَلَى بِئْرٍ أَدْلُو مَاءً فِي رَكْوَةٍ لِي، فَقَالَ:(يَا عَمَّارُ، مَا تَصْنَعُ؟)، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي وَأُمِّي أَغْسِلُ ثَوْبِي مِنْ نُخَامَةٍ أَصَابَتْهُ، فَقَالَ: (يَا عَمَّارُ، إِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: مِنَ الْغَائِطِ، وَالْبَوْلِ، وَالدَّمِ، وَالْقَيْءِ، وَالْمَنِيِّ، يَا عَمَّارُ، مَا نُخَامَتُكَ وَدُمُوعُ عَيْنَيْكَ وَالْمَاءُ الَّذِي فِي رَكْوَتِكَ

(4)

إِلَّا سَوَاءٌ)

(5)

.

وجه الدلالة من الحديث:

لفظ المني والبول والغائط عام يشمل القليل والكثير منها، وفي هذا دلالة على أنهما في الحكم سواء، لا فرق بينهما

(6)

.

(1)

انظر: عيون الأدلة (2/ 982)، المسالك في شرح موطأ مالك (2/ 296)، المغني (2/ 58).

(2)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 737).

(3)

هو عمار بن ياسر بن عامر بن مالك العنسي، حليف بني مخزوم، أمه سمية بنت خياط، وهو من السابقين الأولين، هاجر للمدينة وشهد المشاهد كلها، نوفي سنة (37) هـ، انظر: سير أعلام النبلاء (3/ 245)، الإصابة (4/ 473)، تقريب التهذيب (1/ 408).

(4)

الركوة: أصلها ركا أي أخر، والمركو الحويض الصغير، والركوة العلبة وهي قدح من الخشب أو الجلد، انظر: النهاية (3/ 286)، لسان العرب (1/ 628، 2/ 334)، تاج العروس (38/ 179، 180)، فتح الباري، ابن حجر (11/ 362).

(5)

رواه الدارقطني في السنن (1/ 230)(458)، البيهقي في الخلافيات (3/ 267)(2425)، وقال الدارقطني:" لم يروه غير ثابت بن حماد وهو ضعيف جدا، وإبراهيم، وثابت ضعيفان"، وذكر سبط ابن العجمي في الكشف الحثيث (ص: 81) أن ابن تيمية قال: "هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث".

(6)

انظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 181).

ص: 221

نوقش الاستدلال من وجهين:

أ. المراد في الحديث كثير النجاسة؛ بدليل ذكر الدم فإن قليله معفو عنه بالاتفاق

(1)

.

ب. هذا الحديث ضعيف وقد بُين وجه ضعفه في التخريج فلا يصح الاحتجاج به.

الدليل الخامس: نجاسة الثوب هي نجاسة بموضع يمكن تطهيره بلا مشقة، فوجب إزالة قليلها وكثيرها

(2)

.

نوقش: هذا يبطل بموضع الاستنجاء، لا تشق إزالة نجاستهن وقد حكم بالعفو عنه

(3)

.

يمكن أن يجاب: لا يسلم بعدم المشقة في موضع الاستنجاء.

نوقش الجواب: إصابة الثوب بقليل النجاسة متكرر، والإلزام بتكرار الغسل فيه مشقة

(4)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة- والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يعفى عن قليل النجاسة دون كثيرها وتصح معه الصلاة، وذلك لوجاهة ما استدل به أصحاب هذا القول، ويعضده ما أجمع عليه العلماء من أن "المشقة تجلب التيسير"

(5)

، مع الرد على ما ورد على تلك الأدلة من اعتراض، ولمناقشة أدلة المخالفين وهي مخصصة بأدلة رفع الحرج.

(1)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 737).

(2)

انظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 281)، الحاوي (2/ 242).

(3)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 737).

(4)

انظر المرجع السابق.

(5)

الأشباه والنظائر، للسبكي (1/ 453)، التحبير شرح التحرير، للمرداوي (8/ 3847).

ص: 222

‌المطلب الحادي عشر: لا فرق في الصلاة مع وجود الدم بين كونه مجتمعا أو متفرقا.

‌صورة المسألة:

إذا أصاب الدم ثوب المصلي فهل يؤثر كون ذلك الدم مجتمعًا أو متفرقًا، في حكم الصلاة؟

جاء في المغني: "ولا فرق بين كون الدم مجتمعا أو متفرقا، بحيث إذا جمع بلغ هذا القدر

"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر والله أعلم أن سبب إلحاق الدم المتفرق بالمجتمع هو: أن وصف الاجتماع والتفرق لا أثر له في الحكم، وإنما المؤثر هو القلة والكثرة.

‌حكم المسألة:

اتفق الفقهاء- رحمهم الله تعالى - على أن قليل الدم إذا أصاب مواضع متعددة من الثوب، فبلغ بمجموعه حد الكثير فإنه يأخذ حكمه، لا فرق بين كون الدم متفرقًا أو مجتمعًا

(2)

.

واستدلوا بما يلي:

الدليل الأوّل: مناط الحكم هو قدر النجاسة، وهو متحقق في الدم المتفرق إذ بلغ مجموعه قدر

(1)

(2/ 60).

(2)

انظر: المحيط البرهاني (1/ 283)، تبيين الحقائق وحاشية الشلبي (1/ 73)، البحر الرائق (1/ 240)، حاشية الطحطاوي (1/ 158)، حاشية ابن عابدين (1/ 317)، المدونة (1/ 128)، نهاية المطلب (2/ 295)، كفاية النبيه (2/ 529)، تحفة المحتاج وحواشيه (1/ 96)، المغني (2/ 60)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 320)، الإنصاف (2/ 321)، شرح العمدة (1/ 412).

ص: 223

الكثير

(1)

.

الدليل الثاني: يمكن أن يستدل بنفي الفارق بين الفرع والأصل إذ لا فرق بينهما سوى الاجتماع والتفرق؛ ولا مدخل لهذا الوصف في التأثير في الحكم

(2)

.

(1)

انظر: فتح القدير (1/ 202)، حاشية ابن عابدين (1/ 317).

(2)

انظر: المستصفى (1/ 307)، الإحكام، الآمدي (4/ 4).

ص: 224

‌المطلب الثاني عشر: لا فرق في صحة صلاة من في ثوبه بلغم

(1)

، بين البلغم الذي يخرج من الرأس والبلغم الخارج من الصدر.

‌صورة المسألة:

إذا أصاب البلغم ثوب المصلي، فهل يؤثر ذلك البلغم على صحة الصلاة؟ وهل يختلف الحكم إن كان نازلًا من الرأس أو صاعدًا من الصدر أو لا؟

جاء في المغني: "ولا فرق بين ما يخرج من الرأس والبلغم الخارج من الصدر"

(2)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

عموم النصوص الواردة في حكم البلغم، ومنها: عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ

صلى الله عليه وسلم رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ:(مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ؟ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ، تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا) وَوَصَفَ الْقَاسِمُ فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ

(3)

.

(1)

النخامة، لسان العرب (6/ 294).

والبلغم: هو ما يخرج من الصدر منعقداً كالمخاط، وكذا ما يسقط من الدماغ من آدمي أو غيره، بلغة السالك (1/ 44)، انظر: معجم لغة الفقهاء (1/ 110).

(2)

(2/ 66).

(3)

رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها، (1/ 389)(550).

ص: 225

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على طهارة البلغم النازل من الرأس

(1)

.

2 -

واختلفوا في وجود فرق بينه وبين البلغم الصاعد من الصدر، وتأثيره على صحة الصلاة، على قولين:

القول الأوّل:

البلغم الصاعد من الصدر طاهر، ولا يؤثر في صحة الصلاة، وهو مذهب الحنفية

(2)

، والمالكية

(3)

، والشافعية

(4)

، والحنابلة.

(5)

القول الثاني:

البلغم الصاعد من الصدر نجس، ويؤثر في صحة الصلاة، وهو قول للحنفية

(6)

، والمالكية

(7)

، والحنابلة

(8)

، ووجه عند الشافعية

(9)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- البلغم الصاعد من الصدر طاهر، ولا يؤثر في صحة الصلاة-بما يلي:

الدليل الأوّل: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية ومَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ

(1)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 27)، المحيط البرهاني (1/ 64)، الاختيار (1/ 10)، مواهب الجليل (1/ 95)، شرح مختصر خليل، الخرشي (1/ 86)، نهاية المطلب (2/ 310)، المجموع (2/ 551)، الفروع (1/ 222)، الإنصاف (2/ 353).

(2)

انظر: النتف، السغدي (1/ 35)، المبسوط، للسرخسي (1/ 75)، درر الحكام، منلا خسرو (1/ 14).

(3)

انظر: مواهب الجليل (1/ 95)، شرح مختصر خليل للخرشي (1/ 86)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 51).

(4)

انظر: نهاية المطلب (2/ 310)، بحر المذهب (1/ 62)، المجموع (2/ 551)، كفاية النبيه (2/ 239).

(5)

انظر: المغني (2/ 66)، الفروع (1/ 222)، الإنصاف (2/ 353)، البهوتي (1/ 52).

(6)

انظر: الاختيار (1/ 10)، المحيط البرهاني (1/ 64).

(7)

انظر: مواهب الجليل (1/ 95).

(8)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 157)، المغني (2/ 66).

(9)

انظر: نهاية المطلب (2/ 310)، التهذيب، للبغوي (1/ 186).

ص: 226

ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِه)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

لو لم تكن النخامة طاهرة لما دلك أصحاب رسول الله بها وجوههم، والحديث لم يفرق بين نخامة الرأس والصدر، فتستويان في حكم الطهارة وهو يقتضي أنها إذا أصابت الثوب لم تؤثر على صحة الصلاة

(2)

.

الدليل الثاني: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ:(مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ؟ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ، تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا) وَوَصَفَ الْقَاسِمُ فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل الحديث على طهارة النخامة، وعدم تأثيرها على صحة الصلاة إذا أصابت الثوب؛ لأنها لو كانت نجسة لما أمر بمسحها في ثوبه ولا تحت قدمه وهو في الصلاة، والحديث عام لم يفرق بين كون النخامة خرجت من الرأس أو الصدر

(4)

.

الدليل الثالث: عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ-رضي الله عنه قَالَ: أَتَى عَلَيَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا عَلَى بِئْرٍ أَدْلُو مَاءً فِي رَكْوَةٍ لِي، فَقَالَ:(يَا عَمَّارُ مَا تَصْنَعُ؟)، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي وَأُمِّي، أَغْسِلُ ثَوْبِي مِنْ نُخَامَةٍ أَصَابَتْهُ، فَقَالَ: (يَا عَمَّارُ إِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: مِنَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالْقَيْءِ وَالدَّمِ وَالْمَنِيِّ، يَاعَمَّارُ، مَا نُخَامَتُكَ وَدُمُوعُ عَيْنَيْكَ وَالْمَاءُ الَّذِي فِي

(1)

رواه البخاري في كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (3/ 193)(2731).

(2)

انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (1/ 359)، المغني (2/ 66).

(3)

تقدم تخريجه ص 228.

(4)

انظر: شرح النووي على مسلم (5/ 40)، المغني (2/ 66)، دقائق أولي النهى (1/ 109).

ص: 227

رَكْوَتِكَ إِلَّا سَوَاءٌ)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

ساوى النبي صلى الله عليه وسلم بين النخامة والماء في الطهارة، وفي هذا دليل على طهارة النخامة مطلقًا

(2)

.

يمكن أن يناقش: الحديث محكوم بضعفه، فلا يصح الاحتجاج به

(3)

.

يمكن أن يجاب: الحديث وأن كان ضعيفًا إلا أن معناه صحيح، وقد ثبتت صحة معناه بأحاديث صحيحة قد سبق ذكرها.

الدليل الرابع: لم ينقل عن أحد من الصحابة القول بنجاسة البلغم مع عموم البلوى به، وإنما نقل عنهم أخذ البلغم بأطراف أرديتهم من غير نكير-فكان إجماعًا- ولو كان نجسًا لوجد الإنكار كما في سائر الأنجاس

(4)

.

الدليل الخامس: البلغم أصله بزاق والبزاق طاهر

(5)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- البلغم الصاعد من الصدر نجس، ويؤثر في صحة الصلاة-بما يلي:

الدليل الأوّل: القياس على القي بجامع أن الكل استحال في المعدة فكان نجسًا

(6)

.

يمكن أن يناقش: هذا القياس لا يستقيم لوجهين:

(1)

تقدم تخريجه ص 224.

(2)

انظر: المحيط البرهاني (1/ 64)، بحر المذهب (1/ 62).

(3)

انظر: التحقيق في أحاديث الخلاف، لابن الجوزي (1/ 109).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 27)، المحيط البرهاني (1/ 64)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (2/ 348، 349).

(5)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 75)

(6)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 157)، المبدع (1/ 221).

ص: 228

أ. البلغم منعقد من الأبخرة فأشبه المخاط

(1)

.

ب. الصواب أن البلغم لا يصعد من المعدة، بل من أسفل الحلق؛ لأنه إن خرج من أعلى الحلق كان بزاقًا، وإن خرج من أسفله ثخن وكان بلغمًا، وأسفل الحلق ليس محلًا نجسًا

(2)

.

الدليل الثاني: البلغم الصاعد من الجوف يعد خارجًا من معدن النجاسات فكان نجسًا بالمجاورة

(3)

.

يمكن أن يناقش: البلغم لزج، فيمتنع تخلل النجاسة فيه ومخالطتها له

(4)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل، القائل: البلغم الصاعد من الصدر طاهر، ولا يؤثر في صحة الصلاة، وذلك لقوة هذا القول وصراحة أدلته وسلامتها من المعارضة، وضعف استدلال المخالفين؛ وهي تعليلات لا تترك النصوص الصحيحة الصريحة بها.

(1)

انظر: بحر المذهب (1/ 62)، دقائق أولي النهى (1/ 109).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 75)، المجموع (2/ 551).

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 75)، مواهب الجليل (1/ 95).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 27)، فتح القدير (1/ 46)، البحر الرائق (1/ 36).

ص: 229

‌المطلب الثالث عشر: لا فرق في الصلاة بالاجتهاد إلى جهة ظنا أنها القبلة فتبين الخطأ، بين أن تكون الأدلة ظاهرة أو مستورة.

‌صورة المسألة:

إذا صلى شخص في سفر بالاجتهاد إلى جهة ظن أنها القبلة، وبعد فراغه من الصلاة علم أنه أخطأ القبلة؛، فهل تصح صلاته؛ وهل يؤثر كون الأدلة ظاهرة فاشتبهت عليه أو مستورة بشيء يسترها عنه؟

جاء في المغني: "صلى بالاجتهاد إلى جهة، ثم علم أنه قد أخطأ القبلة

ولا فرق بين أن تكون الأدلة ظاهرة مكشوفة فاشتبهت عليه، أو مستورة بغيم أو شيء يسترها عنه"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة

-المصلي قد اجتهد في معرفة القبلة، وأتى بما أمر به في الحالين، وعجز عن استقبال القبلة في الموضعين، فلزم استواؤهما في حكم عدم الإعادة

(2)

.

-عموم أدلة رفع الخطأ عن هذه الأمة

(3)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة

(4)

.

2 -

واتفقوا على أن من اشتبهت عليه القبلة وهو يعلم دلائلها لزمه الاجتهاد

(5)

.

(1)

(1/ 326).

(2)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 235)، المغني (1/ 326).

(3)

انظر: الإشراف (1/ 222)، البيان للعمراني (2/ 143).

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 216)، بدائع الصنائع (1/ 106)، بداية المجتهد (1/ 118)، القوانين الفقهية للشيرازي (1/ 41)، المهذب، للشيرازي (1/ 129)، نهاية المطلب (2/ 70)، الهداية، للكلوذاني (1/ 79)، المغني (1/ 313).

(5)

وجعله الحنفية الاجتهاد بعد الاستخبار.

انظر: تبيين الحقائق (1/ 101)، البحر الرائق (1/ 302)، المقدمات الممهدات (1/ 158)، شرح التلقين (1/ 482)، النجم الوهاج (2/ 76)، مغني المحتاج (1/ 336)، المغني (1/ 322)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 344).

ص: 230

3 -

واتفقوا على صحة صلاة من صلى مجتهدًا وأثناء صلاته تيقن صوابه

(1)

.

4 -

واتفقوا على صحة صلاة من صلى مجتهدا ولم يعلم بصوابه أو خطأه

(2)

.

5 -

واختلفوا في صحة صلاة من صلى في سفر بالاجتهاد إلى جهة ظنا أنها القبلة ثم تيقن الخطأ، ووجوب إعادتها، على قولين:

القول الأوّل:

تصح الصلاة ولا تجب إعادتها-مطلقًا-على من صلى بالاجتهاد إلى جهة ظنا أنها القبلة ثم تيقن الخطأ، وهو مذهب الحنفية

(3)

، والمالكية

(4)

، والحنابلة

(5)

، وقول للشافعية

(6)

.

القول الثاني:

لا تصح الصلاة، وتجب إعادتها-مطلقًا-على من صلى بالاجتهاد إلى جهة ظنا أنها القبلة ثم تيقن الخطأ، وهو الأصح عند الشافعية

(7)

.

(1)

انظر: البحر الرائق (1/ 305)، حاشية ابن عابدين (1/ 435)، حاشية الدسوقي (1/ 227)، روضة الطالبين (1/ 219)، مغني المحتاج (1/ 339)، كشاف القناع (1/ 312).

(2)

انظر: البحر الرائق (1/ 305)، حاشية الدسوقي (1/ 227)، مغني المحتاج (1/ 337)، المغني (1/ 322).

(3)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 569)، بدائع الصنائع (1/ 118)، الهداية، للمرغيناني (1/ 47).

(4)

وعندهم يعيد في الوقت استحبابًا وذلك مع ظهور الدلائل، فإن خفيت فلا إعادة.

انظر: الإشراف (1/ 221)، البيان والتحصيل (1/ 212)، المقدمات الممهدات (1/ 158)، حاشية الدسوقي (1/ 225، 227).

(5)

انظر: المغني (1/ 326)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 355)، المبدع (1/ 364)، الإنصاف (3/ 354).

(6)

انظر: مختصر المزني (8/ 106)، بحر المذهب (1/ 464، 465).

(7)

انظر: الأم (1/ 114)، البيان، للعمراني (2/ 144)، المجموع (3/ 225).

وذكروا في موضع أن من خفيت عليه دلائل القبلة فهو كالأعمى فرضه التقليد ولا يعيد، انظر: الحاوي (2/ 79)، التهذيب، للبغوي (2/ 67).

ص: 231

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- تصح الصلاة ولا تجب إعادتها-مطلقًا-على من صلى بالاجتهاد إلى جهة ظنا أنها القبلة ثم تيقن الخطأ-بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)}

(1)

.

وجه الدلالة من الآية:

ظاهر الآية يدل على أن مطلق الجهة قبلة، يحصل بها الأجزاء على أي وجه وقع الاستقبال

(2)

.

الدليل الثاني: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» ، فَنَزَلَتْ:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}

(3)

، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، فَنَادَى: أَلَا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ

(4)

.

الدليل الثالث: عن عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ

(5)

رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ القِبْلَةُ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ

(6)

، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلَ:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}

(7)

(8)

.

وجه الدلالة من الحديث: يستدل به من وجهين:

1 -

خفيت الدلائل على الصحابة رضوان الله عليهم فصلوا إلى جهات مختلفة؛ ولم ينكر عليهم

(1)

سورة البقرة، الآية (115).

(2)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 119)، الإشراف (1/ 221).

(3)

سورة البقرة، من الآية (144).

(4)

رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، (1/ 88)(399)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة، (1/ 375)، (527) واللفظ له.

(5)

هو عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزي، كنيته أبو عبد الله، حليف الخطاب، شهد بدرًا وما بعدها، وهاجر الهجرتين، توفي بعد مقتل عثمان بأيام، إكمال التهذيب (7/ 126)، الإصابة (3/ 469). انظر: الاستيعاب (2/ 791).

(6)

أي قبالته، وتلقاء وجهه، انظر: تبيين الحقائق وحاشية الشلبي (1/ 101)، النهاية (1/ 470)، المصباح المنير (1/ 160).

(7)

سورة البقرة، من الآية (115).

(8)

رواه الترمذي في السنن (1/ 450)(345)، وقال: هذا حديث ليس إسناده بذاك، لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان، وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعف في الحديث.

ص: 232

النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمرهم بالإعادة

(1)

.

2 -

نزول الآية في هذا الشأن دليل على الصحة

(2)

.

نوقش: الخبر محمول على صلاة التطوع

(3)

.

أجيب بجوابين:

1 -

حمل الخبر على صلاة التطوع لا دليل عليه، ومن اجتهد فأخطأ فصلى إلى غير القبلة داخل في عموم الآية التي نزلت في تلك الحادثة مطلقًا

(4)

؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

(5)

.

2 -

لم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة، ولو كان الحكم يختلف باختلاف الحال لبينه لهم

(6)

.

الدليل الرابع: خفاء دلائل القبلة في الأسفار لوجود غيم ونحوه يكثر، وفي إيجاب إعادة الصلاة مشقة وحرج وهو منتف شرعًا

(7)

.

الدليل الخامس: من صلى باجتهاده إلى غير القبلة فقد فعل ما أمر به، وأدى العبادة على وجه مأذون له فيه فخرج من العهدة وسقط عنه الفرض

(8)

.

الدليل السادس: القياس على صلاة الخائف؛ بجامع تعذر الوصول لجهة القبلة، فصحت في

(1)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 570)، بدائع الصنائع (1/ 119)، الإشراف (1/ 221)، المغني (1/ 325).

(2)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 570).

(3)

انظر: البيان، للعمراني (2/ 144)، كفاية النبيه (3/ 51).

(4)

انظر: التجريد، للقدوري (1/ 455، 456)، المسالك في شرح موطأ مالك (3/ 353).

(5)

روضة الناظر (2/ 35).

(6)

انظر: التجريد، للقدوري (1/ 456).

(7)

انظر: الحاوي (2/ 86)، دقائق أولي النهى (1/ 174)، كشاف القناع (1/ 312).

(8)

انظر: الإشراف (1/ 222)، المغني (1/ 325)، كشاف القناع (1/ 312).

ص: 233

الجميع

(1)

.

الدليل السابع: الصلاة عبادة ذات شروط وأركان، وتصح مع العجز عن بعض أركانها، فصحت مع الخطأ في بعض شرائطها حال الاجتهاد كالحج إذا أخطأ الناس الوقوف بعرفة فوقفوا يوم النحر

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- لا تصح الصلاة، وتجب إعادتها-مطلقًا-على من صلى بالاجتهاد إلى جهة ظنا أنها القبلة ثم تيقن الخطأ-بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}

(3)

.

وجه الدلالة من الآية:

أمر الله عز وجل باستقبال البيت الحرام، وقد ظهر لمن اجتهد وأخطأ أنه لم يستقبله؛ فلا يعتد بتلك الصلاة التي أتى بها

(4)

.

الدليل الثاني: قد تعين للمصلي يقين خطأ التوجه للقبلة فيما يؤمَن مثله في الإعادة؛ فلا يعتد بما فعله، كما لو حكم الحاكم بحكم ثم وجد النص بخلافه

(5)

.

يمكن أن يناقش الاستدلالان: فرض التوجه إلى القبلة مبني على الاجتهاد بدلالة أن من غاب عن الكعبة لا يتوصل إلى حقيقة التوجه وإنما توصل بغلبة الظن والاجتهاد، فإذا أخطأ فقد انتقل من اجتهاد إلى اجتهاد، فلا يفسخ عليه الأول كالحاكم إذا حكم باجتهاده، ثم بان له اجتهاد آخر

(6)

.

الدليل الثالث: ما لا يسقط بالنسيان من شروط الصلاة لا يسقط بالخطأ، كالطهارة والوقت،

(1)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 571، 572)، البيان، للعمراني (2/ 144)، المغني (1/ 325)، شرح الزركشي (1/ 535).

(2)

انظر: الإشراف (1/ 222)، الحاوي (2/ 86)، التعليقة (2/ 693).

(3)

سورة البقرة، من الآية (150).

(4)

انظر: البيان، للعمراني (2/ 144)، كفاية النبيه (3/ 49).

(5)

انظر: بحر المذهب (1/ 466)، البيان، للعمراني (2/ 144)، كفاية النبيه (3/ 49).

(6)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 572)، الإشراف (1/ 222)، شرح صحيح البخاري، لابن بطال (2/ 65)، البيان، للعمراني (2/ 144).

ص: 234

فكذلك استقبال القبلة

(1)

.

نوقش: المصلي قبل الوقت لم يؤمر بالصلاة، وإنما أمر بها بعد دخول الوقت؛ ولم يأت بما أمر به، وأما المجتهد في استقبال القبلة فمأمور بالصلاة، فإن أخطأ كان الاستقبال شرطًا عجز عنه أشبه سائر الشروط

(2)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: تصح الصلاة ولا تجب إعادتها-مطلقًا-على من صلى بالاجتهاد إلى جهة ظنا أنها القبلة ثم تيقن الخطأ، وذلك لوجاهة هذا القول وموافقته لقواعد الشريعة، وقوة استدلال أصحابه لعدم وجود ما يدفعه من أدلة المخالفين الضعيفة.

(1)

انظر: كفاية النبيه (3/ 49)، نهاية المحتاج (1/ 446).

(2)

انظر: المغني (1/ 326)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 354، 355).

ص: 235

‌المطلب الرابع عشر: لا فرق في إسماع المصلي نفسه إمامًا كان أو غيره، بين أن يكون رجلًا أو امرأة.

‌صورة المسألة:

هل يؤثر في حكم إسرار المأموم والمنفرد بالتكبير في الصلاة، والقدر المجزئ في ذلك كون المصلي رجلًا أو امرأة؟

جاء في المغني: "ويجب على المصلي أن يسمعه نفسه إماما كان أو غيره،

ولا فرق بين الرجل والمرأة فيما ذكرناه"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر والله أعلم أن سبب إلحاق المرأة بالرجل في هذه المسألة هو: الأصل أن الرجل والمرأة في التكليف العيني المتعلق بالعبادات سواء، وهذا ما تقتضيه عمومات الشريعة؛ لأن الخطاب الشرعي بصيغ العموم يتضمن أحكامًا خوطب بها المكلفون ذكورًا وإناثًا، والعقل هو مناط التكليف وهو لدى الرجل والمرأة على حد سواء

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على استحباب الجهر بالتكبير في الصلاة للإمام

(3)

والمبلغ

(4)

.

(1)

(1/ 334).

(2)

انظر: روضة الناظر (2/ 11، 44 - 47)، إرشاد الفحول (1/ 318 - 320).

(3)

وفرق الشافعية في ذلك بين الرجل والمرأة، انظر: الأم (1/ 123)، بحر المذهب (2/ 13).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 199)، حاشية ابن عابدين (1/ 475)، حاشية الدسوقي (1/ 244)، بلغة السالك (1/ 322)، بحر المذهب (2/ 13)، المجموع (3/ 398)، المغني (1/ 334)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 413، 414).

ص: 236

2 -

واتفقوا على استحباب الإسرار بالتكبير في الصلاة للمأموم والمنفرد-مطلقًا-ولا يجزئ في ذلك أقل من أن يسمع نفسه

(1)

، واستدلوا بما يلي:

الدليل الأوّل: إنما استحب للإمام الجهر بالتكبير للإعلام وحاجة المأموم للمتابعة، ولا حاجة للمأموم والمنفرد في ذلك؛ فاستحب لهما الإسرار

(2)

.

الدليل الثاني: التكبير في الصلاة ذكر محله اللسان؛ ولا يعتبر كلامًا إلا بالصوت؛ وهو ما يتأتى سماعه ونفسه أقرب السامعين له، فلزم المصلي الإتيان بذلك القدر

(3)

.

الدليل الثالث: جهر المأموم بالتكبير فيه تشويش على المصلين وإحداث وسوسة لبعضهم، وعدم ذلك مطلوب في الصلاة؛ فكذلك عدم ما يؤدي إليه

(4)

.

(1)

وخص المالكية تكبيرة الإحرام باستحباب الجهر بها للمأموم وغيره.

انظر: بدائع الصنائع (1/ 199)، حاشية ابن عابدين (1/ 475)، التاج والإكليل (2/ 232)، حاشية الدسوقي (1/ 244)، الأم (1/ 123)، البيان، للعمراني (2/ 167)، الهداية، للكلوذاني (1/ 81)، المغني (1/ 334).

(2)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 199، 200)، التعليقة (2/ 796)، المبدع (1/ 379).

(3)

انظر: المغني (1/ 334)، المبدع (1/ 379).

(4)

انظر: النجم الوهاج (2/ 94)، الممتع، للمنجى (1/ 343).

ص: 237

‌المطلب الخامس عشر: لا فرق في جهر المنفرد بالقراءة في الصلاة بين القضاء والأداء.

‌صورة المسألة:

للمفرد الجهر بالقراءة وعدمها في الصلاة الجهرية، لا فرق بين القضاء والأداء.

جاء في المغني: "وأما المنفرد فظاهر كلام أحمد أنه مخير وكذلك من فاته بعض الصلاة مع الإمام فقام ليقضيه

وكذلك إذا صلى وحده المغرب والعشاء، إن شاء جهر، وإن شاء لم يجهر؟ قال: نعم

ولا فرق بين القضاء والأداء"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

1 -

عموم الحديث الوارد في المسألة وهو: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ لَيْلَةً، فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه يُصَلِّي يَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ، قَالَ: وَمَرَّ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ يُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَهُ، قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(يَا أَبَا بَكْرٍ، مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي تَخْفِضُ صَوْتَكَ)، قَالَ: قَدْ أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَقَالَ لِعُمَرَ: (مَرَرْتُ بِكَ، وَأَنْتَ تُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَكَ)، قَالَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُوقِظُ الْوَسْنَانَ

(2)

، وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ)

(3)

.

2 -

قاعدة "القضاء يحكي الأداء"

(4)

.

(1)

(1/ 407، 408).

(2)

هو النائم الذي ليس بمستغرق في نومه، انظر: النهاية (5/ 186)، لسان العرب (1/ 449).

(3)

رواه أبو داود في السنن، أبواب قيام الليل، باب في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (2/ 37)(1329)، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ذكر صفة الجهر بالقراءة في صلاة الليل (1/ 574) (1161). قال النووي في المجموع:"رواه أبو داود بإسناد صحيح". (3/ 391)، وقال الألباني في التعليقات الحسان (2/ 151):"صحيح".

(4)

انظر: فتح القدير (1/ 328).

ص: 238

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على مشروعية الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية للإمام، وعدم مشروعيته للمأموم

(1)

.

2 -

واختلفوا في مشروعيته للمنفرد على قولين:

القول الأوّل:

يخير المنفرد بين الجهر بالقراءة والإسرار بها

(2)

، لا فرق بين الأداء والقضاء، وهو مذهب الحنفية

(3)

، والحنابلة

(4)

.

القول الثاني:

يستحب للمنفرد الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية، سواء أكانت أداءً أو قضاء، وهو مذهب المالكية

(5)

، والشافعية

(6)

، ورواية عند الحنابلة

(7)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- يخير المنفرد بين الجهر بالقراءة والإسرار بها، لا فرق بين الأداء و القضاء-بما يلي:

(1)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 161)، الهداية، للمرغيناني (1/ 45)، الفواكه الدواني (1/ 196، 197، 206)، الثمر الداني (1/ 149)، الحاوي (2/ 149)، تحفة المحتاج (2/ 56)، المغني (1/ 407)، المبدع (1/ 392).

(2)

وعند الحنفية الجهر أفضل، وعند الحنابلة الإسرار أفضل.

(3)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 161)، البحر الرائق (1/ 355)، فتح القدير (1/ 327، 328).

وعلى قول يخير المنفرد في الأداء ويخافت في القضاء، انظر: الهداية (1/ 45)، درر الحكام (1/ 81).

(4)

انظر: المغني (1/ 407، 408)، الإنصاف (3/ 466)، كشاف القناع (1/ 343).

(5)

إلا إن كانت امرأة فحقها الإسرار.

انظر: المدونة (1/ 163، 187)، التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب، (1/ 347)، مواهب الجليل (1/ 525)، شرح الخرشي (1/ 275).

(6)

انظر: الحاوي (2/ 149)، بحر المذهب (2/ 70)، التهذيب، للبغوي (2/ 141).

(7)

انظر: المبدع (1/ 393).

ص: 239

الدليل الأوّل: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ لَيْلَةً، فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه يُصَلِّي يَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ، قَالَ: وَمَرَّ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ يُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَهُ، قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(يَا أَبَا بَكْرٍ، مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي تَخْفِضُ صَوْتَكَ)، قَالَ: قَدْ أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَقَالَ لِعُمَرَ: (مَرَرْتُ بِكَ، وَأَنْتَ تُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَكَ)، قَالَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُوقِظُ الْوَسْنَانَ، وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ»

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

إقرار النبي صلى الله عليه وسلم من جهر على جهره، ومن أسر على إسراره؛ يدل على جوازهما، وأن للمنفرد ما شاء منهما

(2)

.

الدليل الثاني: المنفرد أشبه المأموم في عدم إرادة إسماع غيره بالقراءة؛ فجاز له الإسرار، وأشبه الإمام في كونه إمامًا في نفسه؛ فجاز له الجهر.

(3)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- يستحب للمنفرد الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية، سواء أكانت أداءً أو قضاءً-بما يلي:

الدليل الأوّل: الجهر بالقراءة سنة مقصودة؛ لما فيه من من تدبر القرآن، وهو للمنفرد أولى؛ بسبب قدرته على إطالة القراءة لعدم ارتباطه بغيره

(4)

.

يمكن أن يناقش: هذا المعنى يتأكد في الإمام لحاجة إسماع غيره، أما المنفرد فيحصل تدبره سواء أسر أم جهر.

(1)

تقدم تخريجه ص 241.

(2)

انظر: التعليق الكبير، أبو يعلى (1/ 248).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 161)، المحيط البرهاني (1/ 300)، تبيين الحقائق (1/ 127)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 468)، المبدع (1/ 392).

(4)

انظر: الحاوي (2/ 150)، بحر المذهب (2/ 70)، المجموع (3/ 390).

ص: 240

الدليل الثاني: المنفرد غير مأمور بالإنصات، فهو كالإمام، يستحب له الجهر لشبهه به

(1)

.

يمكن أن يناقش: المنفرد مع شبهه بالإمام، فقد أشبه المأموم في عدم إرادة إسماع غيره بالقراءة؛ فجاز له الإسرار

(2)

.

الدليل الثالث: قياس الجهر بالقراءة على الإسرار في جميع الأذكار، بجامع أن الكل هيئة ذكر؛ يستوي في حكمها الجماعات والإفراد

(3)

.

يمكن أن يناقش: قد ثب بالنص -الذي سبق ذكره في أدلة القول الأوّل- جواز كلًا من الجهر والإسرار للمنفرد، وهو مقدم على القياس.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم-هو القول الأوّل القائل: يخير المنفرد بين الجهر بالقراءة والإسرار بها، لا فرق بين الأداءً و القضاء، وذلك لوجاهة هذا القول وقوة أدلته، وورود المناقشة المضعفة لأدلة القول المخالف.

(1)

انظر: التهذيب، للبغوي (2/ 141)، كفاية الأخيار (1/ 114).

(2)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 127)، المبدع (1/ 392).

(3)

انظر: الحاوي (2/ 149 - 150).

ص: 241

‌المطلب السادس عشر: لا فرق بين وجود العذر وعدمه في وجوب مباشرة المصلي لشيء من أعضاء سجوده إلا الجبهة.

‌صورة المسألة:

هل يؤثر وجود العذر وعدمه في حكم كشف أعضاء السجود عند مباشرتها بالمصلى؟

جاء في الإنصاف: "ولا يجب عليه مباشرة المصلى بشيء منها إلا الجبهة

لا فرق بين وجود العذر وعدمه"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

عموم حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه قَالَ: (كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ، بَسَطَ ثَوْبَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ)

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على جواز السجود على الحائل المنفصل

(3)

.

2 -

واتفقوا على جواز كشف القدمين حال السجود

(4)

.

(1)

(3/ 511).

(2)

رواه البخاري في كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب بسط الثوب في الصلاة للسجود، (2/ 64)(1208)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر (1/ 433)(620) واللفظ له.

(3)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 541)، بدائع الصنائع (1/ 210)، التبصرة، للخمي (1/ 299)، التاج والإكليل (2/ 254)، المجموع (3/ 426)، روضة الطالبين (1/ 256)، الفروع وتصحيحه (2/ 280)، الروض المربع (1/ 93).

(4)

انظر: البناية (2/ 131)، التنبيه على مبادئ التوجيه (1/ 421)، القوانين الفقهية (1/ 46)، الحاوي (2/ 127)، المهذب (1/ 145)، كشاف القناع (1/ 352)، مطالب أولي النهى (1/ 451).

ص: 242

3 -

واختلفوا في حكم كشف الجبهة واليدين حال السجود ومباشرتها بالمصلى على قولين:

القول الأوّل:

لايجب كشف الجبهة واليدين في السجود مطلقاً، وهو مذهب الحنفية

(1)

، والمالكية

(2)

، والحنابلة

(3)

.

القول الثاني:

يجب كشف الجبهة واليدين

(4)

في السجود، حال عدم العذر

(5)

، وهو مذهب الشافعية

(6)

، ورواية عند الحنابلة

(7)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- لايجب كشف الجبهة واليدين في السجود مطلقًا- بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ، بَسَطَ ثَوْبَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ)

(8)

.

(1)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 538)، تحفة الفقهاء (1/ 135)، بدائع الصنائع (1/ 210).

(2)

انظر: الإشراف (1/ 248)، بداية المجتهد (1/ 148)، عقد الجواهر (1/ 104، 105)، القوانين الفقهية (1/ 46)، التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 360).

(3)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 252)، المغني (1/ 371، 372)، الإنصاف (3/ 507، 508).

(4)

وفيها للشافعية قولان: الأول وجوب كشفهما، والثاني: عدم الوجوب، انظر: نهاية المطلب (2/ 163، 164).

(5)

وهو عند الشافعية: مقيد بأن يكون على جبهة المصلي جرح فعصبه وسجد عليه فيصح، انظر: الأم (1/ 136)، البيان (2/ 218).

(6)

وخلافهم في الحائل المتصل.

انظر: الحاوي (2/ 127)، نهاية المطلب (2/ 166)، روضة الطالبين (1/ 256).

(7)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 252)، المغني (1/ 372)، شرح الزركشي (1/ 569)، الإنصاف (3/ 509، 511).

(8)

تقدم تخريجه ص 245.

ص: 243

وجه الدلالة من الحديث:

في قوله: (إذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه): دليل على عدم وجوب مباشرة الجبهة بالمصلى، وهو عام في كل حال ويتأكد عند الضرورة

(1)

.

نوقش: الحديث محمول على السجود على الحائل المنفصل، وهو جائز بلا خلاف

(2)

.

أجيب: هذا الاحتمال ضعيف؛ لأن أكثر الصحابة كانوا يصلون في ثوب واحد، ولم يكونوا يجدون ثيابًا كثيرة يصلون في بعضها ويتقون الحر ببعضها

(3)

.

الدليل الثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلى في بني عبد الأشهل وعليه كساء متلفف به، يضع يديه عليه، يقيه برد الحصى)

(4)

.

الدليل الثالث: (أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ عَلَى كَوْرِ

(5)

الْعِمَامَةِ)

(6)

.

وجه الدلالة من الحديث:

فعل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على عدم وجوب كشف اليدين عند السجود،

(1)

انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 585).

(2)

انظر: المجموع (3/ 426)، شرح النووي على مسلم (5/ 121).

(3)

انظر: فتح الباري، ابن رجب (3/ 36).

(4)

رواه ابن ماجه في السنن، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب السجود على الثياب في الحر والبرد (1/ 329)(1032). ضعفه الذهبي في المهذب (2/ 555)، وقال البوصيري: في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه (1/ 125): "هذا إسناد فيه إبراهيم بن إسماعيل الأشهلي قال فيه البخاري منكر الحديث"، وقال الألباني في الإرواء (2/ 17):"إسناده ضعيف".

(5)

الكور: الدور من لفائف العمامة، انظر: المصباح المنير (2/ 543).

(6)

رواه الطبراني في المعجم الأوسط (7/ 170)(7184). قال البيهقي في السنن الكبرى (2/ 153): "وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود على كور العمامة فلا يثبت شيء من ذلك"، وقال الذهبي في تنقيح التحقيق (1/ 170):"لم يصح".

ص: 244

وصحته إن كان على حائل

(1)

.

نوقش من وجهين:

أ. هذه الأحاديث لم تثبت، وقد بين ذلك في التخريج، فلا يصح الاحتجاج بها.

ب. على فرض صحة حديث السجود على العمامة؛ فإنه يحتمل أنه سجد على كور العمامة لعلة بجبهته

(2)

.

أجيب: أن لم يثبت بعضها كفى البعض الآخر -كحديث أنس الذي سبق ذكره- وإذا لم يثبت جميعها كانت حسنة بمجموعها وقوي الاستدلال بها لتعدد طرقها وشواهدها

(3)

، ويكفي في ذلك ما رواه الحسن البصري في قوله:«كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه»

(4)

.

الدليل الرابع: قياس الجبهة واليدين على القدمين في الخف، بجامع أن الكل عضو يجب السجود عليه؛ فصح مع عدم الكشف

(5)

.

الدليل الخامس: فرض السجود هو التذلل والخضوع بكون العضو على الأرض، وذلك يتحقق سواء أكان على حائل أو بغير حائل

(6)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- يجب كشف الجبهة واليدين في السجود حال عدم العذر-بما يلي:

(1)

انظر: حاشية السندي (1/ 321)، الممتع، للمنجى (1/ 364).

(2)

انظر: الحاوي (2/ 127).

(3)

انظر: فتح القدير (1/ 306)، البناية (2/ 244)، شرح صحيح البخاري، لابن بطال (2/ 47)، المغني (1/ 372).

(4)

رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب السجود على الثوب في شدة الحر (1/ 86).

(5)

انظر: بداية المجتهد (1/ 149)، الممتع، للمنجى (1/ 364).

(6)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 117)، شرح صحيح البخاري، لابن بطال (2/ 48)، الإشراف (1/ 248).

ص: 245

الدليل الأوّل: عَنْ خَبَّابٍ

(1)

رضي الله عنه قَالَ: (شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ فِي الرَّمْضَاءِ

(2)

، فَلَمْ يُشْكِنَا

(3)

(4)

، وزاد البيهقي:(في جباهنا وأكفنا)

(5)

.

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث صريح الدلالة في وجوب مباشرة المصلي للأرض بجبهته وكفيه، حيث إن الصحابة لما شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم شدة الحر وما ينالهم من الرمضاء، فلم يجبهم إلى مطلوبهم، ولو صح السجود مع عدم المباشرة لأرشدهم إليه

(6)

.

نوقش: يحتمل أنهم طلبوا منه تأخير الصلاة، أو تسقيف المسجد، ليزول عنهم ضرر الرمضاء في جباههم وأكفهم، ولم يطلبوا الترخيص في السجود على العمائم ونحوها؛ لأنهم كانوا فقراء لا عمائم لهم ولا أكمام طوال يتقون بها الحر، فمع وجود الاحتمال لم يتعين وجوب الكشف بدليل عدم إعماله في الأكف

(7)

.

الدليل الثاني: عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا

(1)

هو خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد التميمي، مولى بني زهرة، كنيته أبو عبد الله، من السابقين الأولين له صحبة وشهد بدرًا وما بعدها، توفي بالكوفة سنة (37) هـ، انظر: اجرح والتعديل (3/ 395)، الاستيعاب (2/ 438)، الإصابة (2/ 221 - 222).

(2)

الرمض: الحجارة الحامية من حر الشمس، العين (7/ 39)، المصباح المنير (1/ 238).

(3)

أي لم يجبهم، ولم يزل شكواهم، انظر: النهاية (2/ 497)، لسان العرب (2/ 440).

(4)

رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر، (1/ 432)(619).

(5)

رواه البيهقي في سننه، كتاب الصلاة، باب الكشف عن الجبهة في السجود، (2/ 151)(2657)، قال النووي في المجموع (3/ 422):"إسناده جيد"، وقال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 649):"صحيح"، وقال ابن حجر في فتح الباري (2/ 16):"حديث صحيح".

(6)

انظر: المعلم بفوائد مسلم (1/ 431)، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (2/ 247)، المجموع (3/ 423).

(7)

انظر: البناية (2/ 244)، المغني (1/ 372)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 510).

ص: 246

سَجَدْتَ، فَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ، وَلَا تَنْقُرُ نَقْرًا)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث أمر بتمكين الجبهة من الأرض، ولا يكون ذلك إلا بكشفها ومباشرتها الأرض

(2)

.

نوقش: ليس في الحديث دليل على وجوب كشف الجبهة، وغاية ما يدل عليه هو وجوب السجود عليها، وهو حاصل مع وجود الحائل متصلًا أو منفصلًا

(3)

.

الدليل الثالث: قياس تعلق السجود بالجبهة على غسل الوجه في الوضوء، وتعلقه باليدين على التيمم، بجامع الفرضية؛ فوجبت المباشرة في الجميع

(4)

.

نوقش من وجهين

(5)

:

أ. مباشرة الأرض بعضو السجود تطلق على المباشرة بحائل، وبدون حائل، وبذلك تكون المباشرة مع الحائل داخلة في اسم المباشرة ويشملها.

ب. أحكام الطهارة تفارق أحكام السجود، فلا يصح القياس عليها

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم-هو القول الأوّل القائل: لايجب كشف الجبهة واليدين في السجود - مطلقًا -، وذلك لقوة أدلة هذا القول وسلامتها من المعارض الراجح، والرد على ما ورد عليها من اعتراضات، وورود المناقشة على أدلة القول المخالف.

(1)

رواه ابن حبان في صحيحه (5/ 205)(1887)، ضعفه النووي في المجموع شرح المهذب (3/ 422).

(2)

انظر: الحاوي (2/ 127)، المهذب، للشيرازي (1/ 145).

(3)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 539).

(4)

انظر: الحاوي (2/ 127)، البيان، للعمراني (2/ 219).

(5)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 541، 542).

ص: 247

‌المطلب السابع عشر: لا فرق في صحة صلاة الناسي للفائتة، بين أن يكون قد سبق منه ذكر الفائتة أو لم يسبق منه لها ذكر.

‌صورة المسألة:

إذا صلى شخص صلاة حاضرة وبعد تمامها تذكر أن عليه صلاة فائتة، فهل تصح الحاضرة؟ سواء سبق ذكره للفائتة أو لا؟

جاء في المغني: "ومن ذكر صلاة وهو في أخرى " يدل على أنه متى صلى ناسيا للفائتة أن صلاته صحيحة

ولا فرق بين أن يكون قد سبق منه ذكر الفائتة أو لم يسبق منه لها ذكر"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

عموم حديث

(2)

: (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان)

(3)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في حكم الصلاة الحاضرة لمن صلاها ناسيًا للفائتة -سواء سبق منه ذكر للفائتة أو لا- ووجوب الإعادة، على قولين:

القول الأوّل:

(1)

(1/ 436).

(2)

المرجع السابق.

(3)

رواه ابن ماجه في سننه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، (1/ 659)(2043)، وابن حبان في صحيحه، كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، باب فضل الأمة، (16/ 202)(7219)، والبيهقي في سننه، كتاب الحدود، باب من زنى بامرأة مستكرهة، (8/ 410). قال النووي في المجموع (2/ 267):"حديث حسن"، ذكر الزيلعي في نصب الراية (3/ 223): أنه أصح ما روي في هذا الباب، وقال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 178):" قال الحاكم في مستدركه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، قال البيهقي: جود إسناد هذا الحديث بشر بن بكر، وهو من الثقات".

ص: 248

تصح صلاة من صلى الحاضرة ناسيًا للفائتة حتى أتم الحاضرة -سواء سبق منه ذكر للفائتة أو لا- ولا تجب الإعادة، وهو مذهب الشافعية

(1)

، والحنابلة

(2)

، وقول للمالكية

(3)

.

القول الثاني:

لا تصح صلاة من صلى الحاضرة ناسيًا للفائتة حتى أتم الحاضرة-مع سبق الذكر-

(4)

، وتجب الإعادة

(5)

، وهو مذهب الحنفية

(6)

، والمالكية

(7)

، ورواية عند الحنابلة

(8)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- تصح صلاة من صلى الحاضرة ناسيًا للفائتة حتى أتم الحاضرة -سواء سبق منه ذكر للفائتة أو لا- ولا تجب الإعادة - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)

(9)

.

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث صريح في عدم المؤاخذة بالنسيان، وهو عام فيدخل فيه الناسي للفائتة وقد صلى

(1)

وتستحب الإعادة.

انظر: الوسيط، الغزالي (2/ 154)، البيان، للعمراني (2/ 51)، روضة الطالبين (1/ 270).

(2)

انظر: المغني (1/ 436)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 195)، مطالب أولي النهى (1/ 321).

(3)

انظر: المنتقى للباجي (1/ 301).

(4)

وأما الصلوات التي صلاها قبل تذكر الفائتة فلا تجب إعادتها، انظر: بدائع الصنائع (1/ 132).

(5)

وعند الحنفية والمالكية: إن كان بين الفائتة والتي هو فيها أكثر من خمس صلوات: مضى فيها، ثم قضى التي عليه، وإن كان أقل من ذلك: قطع ما هو فيه، وصلى الفائتة.

(6)

انظر: شرح مختصر الطحاوي، الجصاص (1/ 703)، المبسوط، للسرخسي (1/ 154)، بدائع الصنائع (1/ 132).

(7)

انظر: المدونة (1/ 215)، الإشراف (1/ 257)، البيان والتحصيل (1/ 304).

(8)

أعاد الصلاة التي كان فيها إذا كان الوقت مبقى.

انظر: مختصر الخرقي (25)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/ 626).

(9)

تقدم تخريجه ص 251.

ص: 249

الحاضرة، -سواء سبق أن ذكر الفائتة أم لم يذكر- فتصح منه ولا يؤاخذ بترك الترتيب

(1)

.

الدليل الثاني: عن ابن عباس-رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ذكر صلاة وهو في أخرى أتمها ثم قضى الفائتة)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث نص صريح في المسألة، والقول بوجوب الترتيب مع النسيان مخالفة للنص

(3)

.

الدليل الثالث: الصلاة المنسية لا أمارة عليها تعلم بها؛ لذا جاز تأثير النسيان في حكمها

(4)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- لا تصح صلاة من صلى الحاضرة ناسيًا للفائتة حتى أتم الحاضرة-مع سبق الذكر-، وتجب الإعادة - بما يلي:

الدليل الأوّل: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْأَحْزَابِ صَلَّى الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ:(هَلْ عَلِمَ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنِّي صَلَّيْتُ الْعَصْرَ؟). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتَهَا، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ، فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَعَادَ الْمَغْرِبَ

(5)

.

وجه الدلالة من الحديث:

قضى النبي صلى الله عليه وسلم الفوائت مرتبة، وأعاد الصلاة التي صلاها، وتذكر في وقتها صلاة أخرى؛ وفعله وارد مورد البيان لما أجمل في كتاب الله عند قوله:[وأقيموا الصلاة]، وإذا ورد فعله للبيان فهو على الوجوب، وذلك يقتضي وجوب الترتيب بين الصلوات الفائتة

(1)

انظر: المغني (1/ 436)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 195).

(2)

لم أجد له تخريجًا-فيما اطلعت عليه- وذكره الماوردي في الحاوي الكبير (2/ 159)، والعمراني في البيان (2/ 52).

(3)

انظر: الحاوي (2/ 160).

(4)

انظر: المغني (1/ 436).

(5)

رواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب من قال بترك الترتيب في قضائهن (2/ 312)(3191)، وأحمد في المسند (28/ 180)(16975)، والطبراني في المعجم الكبير (4/ 23)(3542)، قال ابن عبد البر في التمهيد: منكر، (6/ 408)، وقال الزيلعي في نصب الراية (1/ 232):"فيه ضعف".

ص: 250

والحاضرة

(1)

.

نوقش من وجهين:

أ. الحديث غير ثابت فلا يصح الاحتجاج به

(2)

.

ب. الصلاة اسم للأفعال، فلزم أن يتوجه البيان لما أجمل من أفعال الصلة دون أوقاتها

(3)

.

الدليل الثاني: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

بين الحديث أن وقت ذكر الصلاة الفائتة هو وقت لها، وأخص بها من الصلاة الحاضرة، وعلى ذلك إذا أديت الحاضرة قبل الفائتة كان أداءً لها قبل وقتها، فلزم الترتيب

(5)

.

نوقش: المقصود بالحديث هو: النهي عن ترك الفائتة في وقت ذكرها، وليس المقصود به عين وقت الفائتة؛ بدليل تأخير النبي صلى الله عليه وسلم قضاء الصلاة حتى خرج من الوادي-في حديث التعريس-

(6)

مع قدرته على قضائها عند استيقاظه فيه

(7)

.

الدليل الثالث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن عليه صلاة)

(8)

.

(1)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 704).

(2)

انظر: الاستذكار (1/ 89).

(3)

انظر: الحاوي (2/ 160).

(4)

رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب من نسي صلاة فليصلها إذا ذكر (1/ 148)(597)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها (1/ 477)(684).

(5)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 704)، بدائع الصنائع (1/ 131)، الاستذكار (2/ 342).

(6)

انظر: ص 208.

(7)

انظر: الحاوي (2/ 160)، شرح العمدة لابن تيمية (1/ 242).

(8)

رواه ابن الجوزي في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، أحاديث في المسجد (1/ 443)(750)، وقال: هذا حديث نسمعه عن ألسنة الناس وما عرفنا له أصلا

من طريق إبراهيم الحربي قال قيل لأحمد ما معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لمن عليه صلاة"، فقال لا أعرف هذه البتة قال إبراهيم ولا سمعت أن بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم قط".

ص: 251

يظهر أن وجه الدلالة من الحديث:

النفي في الحديث يفيد عدم صحة صلاة الوقت إذا كان على المصلي صلا فائتة، ومقتضاه وجوب الإعادة ولزوم الترتيب.

نوقش من وجهين:

أ. الحديث لا أصل له فلا يصح الاستدلال به

(1)

.

ب. لو صح الحديث فهو محمول على أن معناه لا صلاة نافلة لمن عليه فريضة

(2)

.

الدليل الرابع: قياس الفائتة المذكورة مع الحاضرة بعد تمامها على جمع الظهر والعصر بعرفة، بجامع أن الكل صلاتين واجبتين في وقت واحد، فلزم الترتيب في الجميع

(3)

.

نوقش: هذا قياس مع الفارق؛ لأن صلاتي عرفة لا تتحقق فيهما نية الجمع مع نسيان إحداهما، ثم إن اجتماع الجماعة يمتنع معه النسيان، فلم يسقط فيها الترتيب بحال بخلاف الصلاة الحاضرة مع الفائتة

(4)

.

الدليل الخامس: كل ترتيب كان واجبًا مع بقاء الوقت، وجب مع فواته، ومع بقاء الوقت يجب الترتيب في الفعل والوقت، فإذا فات الوقت تعذر الترتيب فيه ووجب الترتيب في الفعل

(5)

.

نوقش: ترتيب الأفعال واجب مع الذكر والنسيان، فيثبت وجوبه مع الفوائت، وأما ترتيب الوقت

(1)

انظر: فتح الباري، لابن رجب (5/ 147).

(2)

انظر: الحاوي (2/ 161).

(3)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (1/ 705)

(4)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 195، 196)، شرح العمدة لابن تيمية (1/ 242).

(5)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 590)، الإشراف (1/ 258)، بداية المجتهد (1/ 195).

ص: 252

يسقط مع النسيان، سقط وجوبه مع الفوائت

(1)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: تصح صلاة من صلى الحاضرة ناسيًا للفائتة حتى أتم الحاضرة -سواء سبق منه ذكر للفائتة أو لا- ولا تجب الإعادة، وذلك لقوة أدلة هذا القول، وضعف أدلة القول المخالف لورود المناقشة عليها.

(1)

انظر: الحاوي (2/ 161).

ص: 253

‌المطلب الثامن عشر: لا فرق في الترتيب مع سعة الوقت وضيقه، بين كون الحاضرة جمعة أو غيرها.

‌صورة المسألة:

إذا فاتت شخص صلاة وأراد قضاءها في وقت أخرى؛ فهل يسقط عنه الترتيب مع ضيق وقت الحاضرة وخشي فواتها؟ وهل يؤثر كون الحاضرة جمعة أو غيرها؟

جاء في المغني: "ومن خشي خروج الوقت اعتقد وهو فيها أن لا يعيدها، وقد أجزأته يعني إذا خشي فوات الوقت، قبل قضاء الفائتة، وإعادة التي هو فيها، سقط عنه الترتيب حينئذ

ولا فرق بين أن تكون الحاضرة جمعة أو غيرها"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

إطلاق النصوص الواردة في ترتيب الصلوات؛ فهي لم تقيد الحكم بصلاة الجمعة أو غيرها.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في حكم الترتيب بين الصلوات لمن خشي فوات الوقت قبل قضاء الفائتة وأداء التي هو فيها - سواء كانت الحاضرة جمعة أو غيرها - على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:

يسقط الترتيب مع خشية فوات الوقت سواء أكانت الحاضرة جمعة أو غيرها، وهو مذهب الحنفية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

، وقول للمالكية

(5)

.

(1)

(1/ 437).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 87 - 90)، بدائع الصنائع (1/ 132)، المحيط البرهاني (1/ 532، 2/ 64)، البحر الرائق (2/ 89).

(3)

انظر: نهاية المطلب (2/ 189)، بحر المذهب (2/ 82)، البيان، للعمراني (2/ 51).

(4)

انظر: المغني (1/ 437)، شرح الزركشي (1/ 630)، دقائق أولي النهى (1/ 146).

(5)

انظر: المعونة (1/ 272، 273)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 223).

ص: 254

القول الثاني:

لا يسقط الترتيب مع خشية فوات الوقت سواء أكانت الحاضرة جمعة أو غيرها، وهو مذهب المالكية

(1)

، ورواية عند الحنابلة

(2)

.

القول الثالث:

يسقط الترتيب مع سعة الوقت، إذا كانت الحاضرة جمعة، وهو قول محمد بن الحسن من الحنفية

(3)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- يسقط الترتيب مع خشية فوات الوقت سواء أكانت الحاضرة جمعة أو غيرها -بما يلي:

الدليل الأوّل: الحاضرة صلاة ضاق وقتها عن أكثر منها، فتعين الوقت لها، وأداؤها فيه فريضة وتأخيرها عنه محرم؛ فوجب تقديمها، كما لو لم يكن عليه فائتة

(4)

.

الدليل الثاني: الصلاة الحاضرة آكد من الفوائت، بدليل أن تاركها يقتل ويكفر

(5)

ولا يحل له تأخيرها، بخلاف الفائتة؛ وعلى ذلك فتقديمها واجب والترتيب ساقط

(6)

.

الدليل الثالث: في اعتبار الترتيب مع ضيق الوقت، تفويت لصلاتين، وفي تركه تحصيل

(1)

انظر: المعونة (1/ 272)، التنبيه على مبادئ التوجيه (2/ 569)، شرح مختصر خليل للخرشي (1/ 301)، الفواكه الدواني (1/ 226، 227)، الثمر الداني (1/ 185).

(2)

وفي رواية يسقط الترتيب وتقدم الحاضرة إن كانت جماعة.

انظر: الهداية، للكلوذاني (1/ 73)، المغني (1/ 437).

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 90)، بدائع الصنائع (1/ 134).

(4)

انظر: تحفة الفقهاء (1/ 232)، كفاية النبيه (2/ 387)، المغني (1/ 437)، شرح الزركشي (1/ 630، 631).

(5)

على قول جماعة من السلف

انظر: الشريعة للآجري (2/ 644)، اعتقاد أئمة الحديث، للجرجاني (64).

(6)

انظر: المغني (1/ 437)، مطالب أولي النهى (1/ 321).

ص: 255

لإحداهما؛ فكان أولى

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- لا يسقط الترتيب مع خشية فوات الوقت سواء أكانت الحاضرة جمعة أو غيرها -بما يلي:

الدليل الأوّل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

بين الحديث أن وقت ذكر الصلاة الفائتة هو وقت لها، وأخص بها من الصلاة الحاضرة-وهو عام مع ضيق الوقت وسعته-؛ وعليه فإن أداء الحاضرة فيه قبل الفائتة يكون أداءً لها قبل وقتها، فلزم الترتيب

(3)

.

نوقش: هذا المعنى مخصوص بما لو ذُكرت عدة فوائت، فلا يلزم في الحال منها إلا الأولى، وعليه تقاس الحاضرة التي يخاف فواتها إذا اجتمعت مع الفائتة؛ فتقدم الحاضرة؛ لتأكدها

(4)

.

الدليل الثاني: قياس ترتيب الصلوات على ترتيب الركوع والسجود، والترتيب في الوضوء؛ بجامع أن الكل ترتيب واجب مع سعة الوقت، فيجب مع ضيقه

(5)

.

نوقش: هذا قياس مع الفارق؛ لأن ترتيب الأركان والوضوء لا يصح فيهما تأخر الأول عن الثاني، وهو مرتب به يصح بصحته ويفسد بفساده، بخلاف ترتيب الصلاة الحاضرة مع الفائتة

(6)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل- يسقط الترتيب مع سعة الوقت، إذا كانت

(1)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 186)، التهذيب، للبغوي (2/ 32)، مغني المحتاج (1/ 309)، شرح الزركشي (1/ 631).

(2)

تقدم تخريجه ص 254.

(3)

انظر: الاستذكار (2/ 342)، التمهيد (6/ 403)، المغني (1/ 437).

(4)

انظر: المغني (1/ 438).

(5)

انظر: الإشراف (1/ 258)، المعونة (1/ 273)، المغني (1/ 437).

(6)

انظر: شرح العمدة (1/ 242).

ص: 256

الحاضرة جمعة- بـ:

أن الجمعة آكد وأقوى من بقية الصلوات، بدليل أن من صلى الظهر ثم أدرك الجمعة كانت هي فرضه، وخوف فوات الأقوى يمنع من الاشتغال بالأدنى

(1)

.

يمكن أن يناقش: هذا الاستدلال مع وجاهته إلا أنه لا دليل عليه، ولو أدى تقديم الصلاة الفائتة إلى فوات الجمعة مع سعة الوقت فإنه يصار إلى بدلها وهو الظهر، بخلاف سائر الصلوات.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يسقط الترتيب مع خشية فوات الوقت سواء أكانت الحاضرة جمعة أو غيرها، وذلك لوجاهة هذا القول وقوة أدلته وسلامتها من المعارضة، وضعف أدلة المخالفين لورود المناقشة عليها.

(1)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 90)، المحيط البرهاني (2/ 64).

ص: 257

‌المطلب التاسع عشر: لا فرق في قيام المسبوق قبل أن يسلم الإمام التسليمة الثانية بلا عذر يبيح له مفارقة الإمام، بين العمد والذكر وضدهما.

‌صورة المسألة:

إذا قام مسبوق لقضاء ما فاته، قبل أن يسلم الإمام التسليمة الثانية، بلا عذر يبيح المفارقة للإمام، فهل تصح صلاته؛ وهل يؤثر في ذلك كونه عامدًا أو ساهيًا أو ذكرًا أو ناسيًا؟

جاء في الكشاف: "فإن قام مسبوق قبل أن يسلم الإمام التسليمة الثانية، بلا عذر يبيح المفارقة للإمام؛ لزمه أي المسبوق العود، ليقوم بعدها؛ لأنها من جملة الركن، ولا يجوز مفارقته بلا عذر، فإن لم يرجع المسبوق، انقلبت صلاته نفلًا بلا إمام وظاهره: لا فرق بين العمد والذكر وضدهما"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر -والله أعلم- أن سبب الإلحاق وعدم التفريق بين العمد والذكر وضدهما هو: أن التسليمة الثانية من جملة الأركان

(2)

، وصلاة الفريضة تبطل بترك الركن مطلقًا.

‌حكم المسألة:

1 -

مقتضى اتفاق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - عدم التفريق بين العمد والذكر وضدهما في قيام المسبوق لقضاء ما فاته قبل التسليمة الثانية للإمام

(3)

.

2 -

واختلفوا في حكم صلاته إذا قام لقضاء ما فاته قبل التسليمة الثانية للإمام -بلا عذر-، على

(1)

(1/ 461).

(2)

على خلاف في ذلك.

(3)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 177)، الذخيرة (2/ 200)، المجموع (3/ 483، 483)، كشاف القناع (1/ 461).

ص: 258

قولين:

القول الأوّل:

تبطل صلاة المسبوق إذا قام لقضاء ما فاته قبل التسليمة الثانية للإمام بلا عذر -ولم يرجع-، وهو مذهب الحنابلة

(1)

.

القول الثاني:

لا تبطل صلاة المسبوق إذا قام لقضاء ما فاته قبل التسليمة الثانية للإمام بلا عذر، وهو مذهب الحنفية

(2)

، والمالكية

(3)

، والشافعية

(4)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- تبطل صلاة المسبوق إذا قام لقضاء ما فاته قبل التسليمة الثانية للإمام بلا عذر، ولم يرجع، -بما يلي:

الدليل الأول: عَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ

(5)

رضي الله عنه «أَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَبُوكَ» قَالَ: الْمُغِيرَةُ «فَتَبَرَّزَ

(6)

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ثُمَّ تَوَضَّأَ عَلَى خُفَّيْهِ»، ثُمَّ أَقْبَلَ قَالَ الْمُغِيرَةُ «فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ حَتَّى نَجِدُ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى لَهُمْ فَأَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ

(1)

وتنقلب صلاته نفلًا.

انظر: كشاف القناع (1/ 461)، الفروع وتصحيحه (2/ 437)، مطالب أولي النهى (1/ 622).

(2)

وعندهم أن المسبوق إذا قام للقضاء بعد فراغ الإمام من التشهد وقبل التسليمة الأولى جاز، فجوازه قبل التسليمة الثانية من باب أولى.

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 230)، بدائع الصنائع (1/ 177)، تبيين الحقائق (1/ 153).

(3)

انظر: البيان والتحصيل (1/ 366)، الذخيرة (2/ 200)، مواهب الجليل (1/ 531).

(4)

انظر: بحر المذهب (2/ 286)، المجموع (3/ 483)، روضة الطالبين (1/ 378).

(5)

هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر الثقفي، كنيته أبو عيسى وقيل أبو عبد الله، أسلم عام الخندق، وشهد الحديبية وبيعة الرضوان واليمامة وفتوح الشام والعراق، كان من دهاة العرب، ولي على الكوفة حتى مات سنة (50) هـ، انظر: الثقات (3/ 372)، الإصابة (6/ 156، 157)، شذرات الذهب (1/ 245).

(6)

البراز: المكان الفضاء الواسع من الأرض، وتبرز فلان أي خرج إلى البراز للحاجة، انظر: العين (7/ 364)، النهاية (1/ 118).

ص: 259

الْآخِرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُتِمُّ صَلَاتَهُ

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

أتم النبي صلى الله عليه وسلم ما فاته من الصلاة بعد سلام عبد الرحمن بن عوف، وهو محمول على فراغه من التسليمة الثانية؛ لأن الإمام لو لم يأتي بها لم يكن خارجًا من صلاته بيقين

(2)

.

الدليل الثاني: المسبوق إذا قام قبل التسليمة الثانية بلا عذر يبيح المفارقة يعد تاركًا لركن وخارجًا من الائتمام الواجب في الفريضة، فيبطل الفرض بتلك المفارقة وتنقلب الصلاة نفلًا

(3)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- لا تبطل صلاة المسبوق إذا قام لقضاء ما فاته قبل التسليمة الثانية للإمام بلا عذر-بما يلي:

الدليل الأوّل: التسليمة الأولى هي الفرض الذي يخرج به الإمام من صلاته، وينقضي بها اقتداء المأموم، فإذا قام للقضاء بعد السلام الأول كانت صلاته تامة

(4)

.

الدليل الثاني: المسبوق قيامه حصل بعد فراغ الإمام من أركان الصلاة، لذا أجزأه لأنه أتى بما وجب عليه في أوانه

(5)

.

يمكن أن يناقش الاستدلالان: الواجب على المأموم متابعة الإمام في جميع أفعال الصلاة حتى يتمها بأركانها وواجباتها وسننها، وتمامها بالتسليمة الثانية، والمسبوق إذا قام للقضاء قبل التسليمة الثانية يعد مفارقًا لإمامه بلا عذر.

(1)

رواه مسلم في كتاب الصلاة، باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم (1/ 317)(274).

(2)

انظر: فتح الباري، ابن رجب (5/ 411).

(3)

انظر: كشاف القناع (1/ 461)، مطالب أولي النهى (1/ 622).

(4)

انظر: مواهب الجليل (1/ 531)، النفح الشذي (3/ 547)، مغني المحتاج (1/ 395).

(5)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 177)، المحيط البرهاني (2/ 212).

ص: 260

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: تبطل صلاة المسبوق إذا قام لقضاء ما فاته قبل التسليمة الثانية للإمام بلا عذر-ولم يرجع-، وذلك لما في هذا القول من احتياط للعبادة، وورود الاعتراض على تعليل القول المخالف.

ص: 261

‌المطلب العشرون: لا فرق في بطلان الصلاة بالبكاء إن بان حرفان بين كونه غلب على صاحبه أو لم يغلب.

‌صورة المسألة:

إذا بكى المصلي في صلاته من غير خشية الله وبان من بكائه حرفان، فهل تبطل صلاته؛ وهل يؤثر كونه بكى باختياره أو غلب عليه؟

جاء في الكشاف: "أو انتحب أي رفع صوته بالبكاء لا من خشية الله فبان حرفان فككلام؛ لأنه من جنس كلام الآدميين وظاهره: لا فرق بين ما غلب صاحبه وما لم يغلبه لكن قال في المغني والنهاية: إنه إذا غلب صاحبه لم يضره لكونه غير داخل في وسعه"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر -والله أعلم- أن سبب الإلحاق وعدم التفريق هو: أن البكاء الذي بان منه حرفان إذا صدر من المصلي أثناء صلاته؛ يعد كلامًا، ولا يخرجه عن هذا الوصف كونه غلب صاحبه أو لم يغلبه.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على أن البكاء من خشية الله لا يبطل الصلاة

- مطلقًا -

(2)

.

(1)

(1/ 402).

(2)

انظر: البحر الرائق (2/ 4)، حاشية ابن عابدين (1/ 691، 620)، التاج والإكليل (2/ 316)، بلغة السالك (1/ 353)، فتح العزيز (4/ 108)، المجموع (4/ 89)، المغني (2/ 41)، المبدع (1/ 462).

ص: 262

2 -

واختلفوا في بطلانها بالبكاء من غير خشية الله إذا بان منه حرفان، على قولين:

القول الأوّل:

لا تبطل الصلاة بالبكاء من غير خشية الله-إذا بان منه حرفان-؛ وغلب على صاحبه، وهو مذهب المالكية

(1)

، والحنابلة

(2)

.

القول الثاني:

تبطل الصلاة بالبكاء من غير خشية الله-إذا بان منه حرفان- مطلقًا، وهو مذهب الحنفية

(3)

، والشافعية

(4)

، ووقول عند المالكية

(5)

، والحنابلة

(6)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- لا تبطل الصلاة بالبكاء من غير خشية الله-إذا بان منه حرفان-؛ وغلب على صاحبه- بـ:

أن البكاء الذي يغلب صاحبه لا اختيار له فيه، وليس بوسعه منعه؛ فلا يؤاخذ به

(7)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- تبطل الصلاة بالبكاء من غير خشية الله-إذا بان منه حرفان- مطلقًا- بـ:

أن البكاء والأنين من غير خشية الله إذا بان منه حرفان كان صوتًا خرج من مخارج الكلام، فيعد من جملة كلام الناس، وليس من الذكر والعبادة؛ ومعلوم أن الكلام من غير جنس الصلاة

(1)

انظر: التاج والإكليل (2/ 316)، شرح التلقين (1/ 659)، حاشية العدوي (1/ 331)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 284، 285).

(2)

انظر: المغني (2/ 41)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 44)، دقائق أولي النهى (1/ 226).

(3)

واستثنوا أنين المريض الذي لا يملك نفسه، فلا تبطل صلاته بأنينه وبكائه.

انظر: بدائع الصنائع (1/ 235)، فتح القدير (1/ 398)، حاشية ابن عابدين (1/ 619، 620).

(4)

انظر: فتح العزيز (4/ 108)، المجموع (4/ 89)، النجم الوهاج (2/ 219).

(5)

انظر: مواهب الجليل (2/ 36)، الفواكه الدواني (1/ 229).

(6)

انظر: الإنصاف (4/ 44)، كشاف القناع (1/ 402).

(7)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 44)، الممتع، للمنجى (1/ 410).

ص: 263

يبطلها

(1)

.

يمكن أن يناقش: مؤاخذة العبد وإبطال صلاته بأمر ليس بوسعه، يعد تكليفًا بما لا يطاق وهو ممتنع شرعًا، لأن الله عز وجل لا يكلف العباد إلا بما في وسعهم وطاقتهم

(2)

، وقد أخبر بذلك إخبار جزم في قوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}

(3)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: لا تبطل الصلاة بالبكاء من غير خشية الله-إذا بان منه حرفان-؛ وغلب على صاحبه، وذلك لقوة هذا القول وموافقته لقواعد الشريعة، وورود الاعتراض على أدلة القول المخالف أضعف الاحتجاج بها.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 235)، تبيين الحقائق (1/ 155، 156)، مواهب الجليل (2/ 36)، كشاف القناع (1/ 402).

(2)

انظر: المستصفى (1/ 72)، تفسير القرطبي (3/ 429، 430).

(3)

سورة البقرة، من الآية (286).

ص: 264

‌المطلب الحادي والعشرون: لا فرق في المرور بين يدي المصلي بين الفرض والنفل والجنازة.

‌صورة المسألة:

إذا مر بين المصلي وسترته امرأة أو حمار، فهل تبطل الصلاة، سواء أكانت فرضًا أو نفلًا أو لا؟

جاء في الإنصاف: "وفي المرأة والحمار روايتان

الخامسة، لا فرق في المرور بين النفل والفرض والجنازة"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

عموم النصوص الواردة في حكم المرور بين يدي المصلي؛ فلفظ الصلاة جاء فيها عامًا لم يخصص ومطلقًا لم يقيد

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على أن المرور وراء سترة المصلي لا يضر

(3)

.

2 -

واتفقوا على أن المرور بين المصلي وسترته منهي عنه

(4)

.

3 -

واختلفوا في بطلان الصلاة بمرور المرأة والحمار بين يدي المصلي، سواء أكانت صلاته فرضًا أو نفلًا، على ثلاثة أقوال:

(1)

(3/ 656، 657).

(2)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 653).

(3)

انظر: نخب الأفكار (7/ 106)، بداية المجتهد (1/ 190)، بحر المذهب (2/ 131)، المبدع (1/ 473).

(4)

انظر: المحيط البرهاني (1/ 431)، المنتقى للباجي (1/ 275)، نهاية المطلب (2/ 224)، المغني (2/ 180).

ص: 265

القول الأوّل:

تبطل الصلاة بمرور المرأة والحمار - مطلقًا -، وهو رواية عن الإمام أحمد

(1)

، واختيار ابن تيمية

(2)

.

القول الثاني:

لا تبطل الصلاة بمرور المرأة والحمار - مطلقًا -، وهو مذهب الحنفية

(3)

، والمالكية

(4)

، والشافعية

(5)

، والحنابلة

(6)

.

القول الثالث:

تبطل الصلاة بمرور المرأة والحمار، إن كانت فرضًا، وهو رواية عن الإمام أحمد

(7)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- تبطل الصلاة بمرور المرأة والحمار مطلقًا- بـ:

عن أَبِي ذَرٍّ-رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ

(8)

، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ) قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنَ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ -

(1)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 305)، الإنصاف (3/ 652).

(2)

انظر: الفتاوى الكبرى (5/ 339)، مجموع الفتاوى (21/ 14).

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 191)، بدائع الصنائع (1/ 241)، المحيط البرهاني (1/ 429)، البناية (2/ 422، 423).

(4)

انظر: المدونة (1/ 203)، المعونة (1/ 259)، الكافي، ابن عبد البر (1/ 209)، الذخيرة (2/ 159).

(5)

انظر: الحاوي (2/ 208)، بحر المذهب (2/ 131)، المجموع (3/ 250).

(6)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 304، 305)، الفروع وتصحيحه (2/ 259)، شرح الزركشي (2/ 129).

(7)

انظر: المبدع (1/ 439)، الإنصاف (3/ 658).

(8)

الآخِر ضد الأول، وآخرة الرحل: أي كقدر مؤخر الرحل؛ هوه العود الذي في آخرة الرحل، والرحل هو الذي تركب عليه الإبل، انظر: الصحاح (2/ 576، 577)، النهاية (1/ 29)، نخب الأفكار (7/ 106).

ص: 266

صلى الله عليه وسلم - كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ: (الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

نص الحديث على قطع الصلاة بمرور المرأة والحمار، وهو تقييد لما أطلق في أحاديث عدم قطع الصلاة بالمرور بين يدي المصلي

(2)

.

نوقش من وجهين:

أ. المراد بالقطع الوارد في الحديث هو قطع الخشوع ونقص الصلاة لاشتغال القلب، وليس المراد إبطالها؛ ولو أراد الإبطال لذكره

(3)

.

أجيب: لا يُسلم بذلك؛ لأن حقيقة القطع هو فصل الشيء عن بعضه، فإذا مر من يقطع الصلاة لم يصح بناء آخرها على أولها

(4)

.

ب. الحديث منسوخ

(5)

بحديث: (لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ)

(6)

.

أجيب من بجوابين:

1 -

لا يصار للنسخ إلا إذا علم التاريخ وتعذر الجمع، والعلم بالتاريخ لم يتحقق، والجمع ممكن

(7)

.

(1)

رواه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي (1/ 365)(510).

(2)

انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض (2/ 424)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 652)، نيل الأوطار (3/ 15).

(3)

انظر: فتح القدير (1/ 405)، القبس في شرح موطأ مالك (1/ 346)، شرح النووي على مسلم (4/ 227)، المجموع (3/ 251)، المغني (2/ 182).

(4)

انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين (3/ 284).

(5)

انظر: بحر المذهب (2/ 133).

(6)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الصلاة، باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء (1/ 191)(719)، قال ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية (1/ 178): في إسناده مجالد وهو لين.

(7)

انظر: شرح النووي على مسلم (4/ 227)، روضة الناظر (2/ 81)، إعلام الموقعين (3/ 188)، فتح الباري، ابن حجر (1/ 589).

ص: 267

2 -

الحديث ضعيف، ولو ثبت فإنه لا يقاوم الأحاديث الصحيحة، ثم هو عام يخصصه حديث أبي ذر رضي الله عنه

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- لا تبطل الصلاة بمرور المرأة والحمار مطلقًا-بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: بِئْسَمَا عَدَلْتُمُونَا بِالكَلْبِ وَالحِمَارِ (لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلَيَّ، فَقَبَضْتُهُمَا)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل إنكار عائشة رضي الله عنها على عدم بطلان الصلاة بمرور المرأة بين يدي المصلي، ويقوي ذلك استمرار النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته رغم اضطجاعها بين يديه

(3)

.

نوقش: لا دليل في هذا الحديث على جواز المرور؛ لأن الذي كان من عائشة رضي الله عنها وقوفًا وليس مرورًا، وحكم الوقوف يخالف حكم المرور

(4)

.

الدليل الثاني: عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ

(5)

رضي الله عنهما قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ لَنَا وَمَعَهُ عَبَّاسٌ، «فَصَلَّى فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ وَحِمَارَةٌ لَنَا،

(1)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 651)، شرح الزركشي (3/ 132).

(2)

رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب: هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكي يسجد؟ (1/ 109)(519).

(3)

انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (2/ 135)، فتح الباري، ابن رجب (4/ 112).

(4)

انظر: المبدع (1/ 439)، شرح الزركشي (2/ 131).

(5)

هو الفضل بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، ابن عم رسول الله، غزى معه مكة وحنين وشهد حجة الوداع، روى أحاديث، مات في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، انظر: التاريخ الكبير (7/ 114)، الثقات (3/ 329)، الإصابة (5/ 287).

ص: 268

وَكَلْبَةٌ تَعْبَثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا بَالَى ذَلِكَ»

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث صريح الدلالة في عدم قطع الصلاة بمرور الحمار بين يدي المصلي

(2)

.

يمكن أن يناقش: بأن هذا الحديث في إسناده مقال، فلا يقوى على معارضة الأدلة الصحيحة.

الدليل الثالث: عن ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما-قَالَ:(جِئْتُ أَنَا وَغُلَامٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حِمَارٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَنَزَلَ وَنَزَلْتُ وَتَرَكْنَا الْحِمَارَ أَمَامَ الصَّفِّ، فَمَا بَالَاهُ وَجَاءَتْ جَارِيَتَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَدَخَلَتَا بَيْنَ الصَّفِّ فَمَا بَالَى ذَلِكَ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل عدم إنكار النبي عليه الصلاة والسلام مرور الحمار أمام المصلين على إباحته وعدم بطلان الصلاة به

(4)

.

نوقش: ليس في الحديث ذكر لمرور الحمار بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان المرور بين بعض الصف، وسترة الإمام سترة للمصلي ولا خلاف في القول بموجب ذلك

(5)

.

الدليل الرابع: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَفِي الْبَيْتِ

(1)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الصلاة، باب من قال: الكلب لا يقطع الصلاة (1/ 191)(718)، قال الخطابي في معالم السنن (1/ 190):"في إسناده مقال"، وقال النووي في خلاصة الأحكام (1/ 521):"رواه أبو داود بإسناد حسن".

(2)

انظر: التمهيد، لابن عبد البر (21/ 170)، المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 104).

(3)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الصلاة، باب من قال: الحمار لا يقطع الصلاة (1/ 190)(716) واللفظ له، وأحمد في مسنده (5/ 21)(2804)، قال شعيب الأرنؤوط:"حديث حسن"، قال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 301):"إسناده صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حبان".

(4)

انظر: فتح الباري، ابن حجر (1/ 172)، شرح سنن أبي داود، للعيني (3/ 284).

(5)

انظر: المبدع (1/ 439)، شرح الزركشي (2/ 132).

ص: 269

غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ، فَأَرَادَ الْغُلَامُ أَنْ يَمُرَّ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ، فَارْتَدَّ، وَأَرَادَتِ الْجَارِيَةُ أَنْ تَمُرَّ، فَأَشَارَ إِلَيْهَا، فَمَرَّتْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ قَالَ:(أَنْتُنَّ أَعْصَى)

(1)

.

يظهر أن وجه الدلالة من الحديث:

في إتمام النبي صلى الله عليه وسلم لصلاته حتى فراغه منها، دليل على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة حقيقة.

نوقش من وجهين:

أ. الحديث لم يثبت، فلا يصح الاحتجاج به.

ب. لم تكن المارة امرأة، بل كانت صغيرة؛ ولا خلاف في عدم قطع الصلاة بمرور الصغيرة

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل- تبطل الصلاة بمرور المرأة والحمار، إن كانت الصلاة فرضًا- بحديث عائشة، أَنَّهَا قَالَتْ:(كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صَلَاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ كُلَّهَا وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ)

(3)

، وفي رواية قالت:(حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ قَالَ: (تَنَحَّيْ)

(4)

.

(1)

رواه البيهقي في معرفة السنن، كتاب الصلاة، وقوف المرأة بجنب الإمام، أو بجنب بعض الصف في صلاة واحدة، أو في غير صلاة (3/ 231)(4386)، لم أجد -فيما اطلعت عليه- أقوال للعلماء عن هذا الحديث.

(2)

انظر: الشرح الممتع، ابن عثيمين (3/ 286).

(3)

رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة خلف النائم (1/ 108)(512)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي (1/ 366)(512) واللفظ له.

(4)

رواه أبو داود في كتاب الصلاة، باب من قال المرأة لا تقطع الصلاة (1/ 190)(714)، والنسائي في كتاب الطهارة، ترك الوضوء من مس الرجل امرأته من غير شهوة (1/ 101)(166)، وأحمد في مسنده (43/ 286)(26234)، والبيهقي في معرفة السنن، كتاب الصلاة، مرور الحمار والكلب والمرأة بين يدي المصلي لا يفسد عليه صلاته (3/ 197) (4251) واللفظ له. قال الذهبي المهذب في اختصار السنن الكبير (2/ 715): رواية البخاري "أصح"، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 298):"إسناده حسن صحيح".

ص: 270

وجه الدلالة من الحديث:

كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة بالتنحي -ولم يصلي إليها- في صلاة الوتر، ولم يأمرها بذلك في النفل المطلق، فإذا كان قد ورد التفريق بين النفل المطلق والوتر في الصلاة إلى المرأة فالفريضة أولى بالتفريق

(1)

.

نوقش من أوجه

(2)

:

أ. الأدلة جاءت عامة؛ والتفريق تحكم بلا دليل.

ب. الأصل أن مبطلات الصلاة يستوي فيها الفرض والنفل.

ت. لم ترد النصوص بالتفريق بين الفريضة والنافلة إلا في مسألة التطوع على الدابة.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: تبطل الصلاة بمرور المرأة والحمار - مطلقًا -، وذلك لما في هذا القول من إعمال لجميع الأدلة، وموافقته لقاعدة: تقديم دلالة النصوص القولية على الدلالة الفعلية عند التعارض

(3)

.

(1)

انظر: فتح الباري، ابن رجب (4/ 127).

(2)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 653).

(3)

انظر: شرح مختصر الروضة (1/ 103)، الأشباه والنظائر، للسبكي (2/ 161).

ص: 271

‌المبحث الثاني: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في سجود السهو، وصلاة التطوع، وصلاة الجماعة، وصلاة أهل الأعذار، وصلاة الجمعة، وصلاة العيدين،

وفيه ستة عشر مطلبًا:

المطلب الأول: لا فرق في سجود السهو بين أن يسلم عن نقص ركعة أو أقل.

المطلب الثاني: لا فرق في بطلان الصلاة بكثير الحركة دون يسيرها بين عمدها وسهوها.

المطلب الثالث: لا فرق في سجود السهو بين الفرض والنافلة.

المطلب الرابع: لا فرق في التطوع في أوقات النهي بين مكة وغيرها.

المطلب الخامس: لا فرق في وقت الزوال بين الجمعة وغيرها، ولا بين الشتاء والصيف.

المطلب السادس: لا فرق في حصول العلم بسماع التكبير بين أن يكون المأموم في المسجد أو في غيره.

المطلب السابع: لا فرق في الصلاة إلى المتحدثين والنائم بين الفريضة والنافلة.

المطلب الثامن: لا فرق في إمامة المرأة والخنثى بين الفرض والنفل.

ص: 272

المطلب التاسع: لا فرق في كراهة وقوف الإمام أعلى من المأموم بين قصد التعليم وعدمه.

المطلب العاشر: لا فرق في جمع التقديم والتأخير بين النازل والسائر.

المطلب الحادي عشر: لا فرق في الهرب من العدو هربا مباحا، بين الحضر والسفر.

المطلب الثاني عشر: لا فرق في استحباب إقامة الجمعة عقيب الزوال بين شدة الحر، وبين غيره.

المطلب الثالث عشر: لا فرق في تعلق الحكم بالنداء عقيب جلوس الإمام على المنبر، بين أن يكون ذلك قبل الزوال أو بعده.

المطلب الرابع عشر: لا فرق في السماع، والإنصات في خطبة الجمعة بين القريب والبعيد.

المطلب الخامس عشر: لا فرق في لزوم الجمعة على أهل المصر بين القريب والبعيد.

المطلب السادس عشر: لا فرق بين من كبر قبل سلام الإمام، في صلاة ما فاته يوم العيد على صفته وبين من فاتته الجمعة.

ص: 273

‌المطلب الأول: لا فرق في سجود السهو بين أن يسلم عن نقص ركعة أو أقل.

‌صورة المسألة:

إذا سها شخص في صلاته، وأراد أن يسجد لذلك السهو، هل يكون سجوده قبل السلام أو بعده؛ وهل يؤثر كون السهو زيادة أو نقصان (ركعة فأكثر) أو لا؟

جاء في الكشاف: "ومحله أي سجود السهو ندبا قال القاضي: لا خلاف في جواز الأمرين، أي السجود قبل السلام وبعده

إلا في السلام قبل إتمام صلاته إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر

وظاهره لا فرق بين أن يسلم عن نقص ركعة أو أقل"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

النصوص الواردة في مشروعية سجود السهو جاءت عامة في كل سهو ولم تفرق بين نقص ركعة أو أقل

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء- رحمهم الله تعالى - على أن المصلي إذا تعمد أن يزيد في صلاته قيامًا أو ركوعًا أو سجودًا، أو ينقص من أركانها شيئًا بطلت صلاته

(3)

.

2 -

واتفقوا على مشروعية سجود السهو

(4)

.

(1)

(1/ 409).

(2)

انظر: شرح الزركشي (2/ 13).

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 223)، التبصرة، للخمي (2/ 518)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 293)، المهذب، الشيرازي (1/ 172)، مغني المحتاج (1/ 428)، الهداية، للكلوذاني (1/ 93)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 5).

(4)

على خلاف بين الوجوب والندب.

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 218)، المحيط البرهاني، (1/ 499)، عقد الجواهر (1/ 119)، التاج والإكليل (2/ 286)، بحر المذهب (2/ 147)، النجم الوهاج (2/ 248)، الهداية، للكلوذاني (1/ 93)، الكافي، لابن قدامة (1/ 273).

ص: 274

3 -

واختلفوا في محله

(1)

على أربعة أقوال:

القول الأوّل:

محل سجود السهو قبل السلام إلا في موضعين

(2)

، وهو مذهب الحنابلة

(3)

.

القول الثاني:

محل سجود السهو بعد السلام - مطلقًا -، وهو مذهب الحنفية

(4)

، وقول للمالكية

(5)

.

القول الثالث:

محل سجود السهو قبل السلام - مطلقًا -، وهو مذهب الشافعية

(6)

، وقول للمالكية

(7)

، ورواية عند الحنابلة

(8)

.

القول الرابع:

محل سجود السهو إن كان لنقص فهو قبل السلام، وإن كان لزيادة فهو بعد السلام، وهو

(1)

خلافهم في الأفضل والأولى

انظر: فتح القدير (1/ 500)، الحاوي (2/ 214)، المبدع (1/ 473).

(2)

الأول: السلام قبل تمام الصلاة مطلقًا، وقيل: عن نقص ركعة فأكثر، والثاني: مع التحري والبناء على غالب الظن، انظر: المبدع (1/ 472)، كشاف القناع (1/ 409).

(3)

انظر: المغني (2/ 18)، المبدع (1/ 472)، كشاف القناع (1/ 409).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 172)، الهداية، المرغيناني (1/ 74)، تبيين الحقائق (1/ 191).

(5)

انظر: الذخيرة (2/ 292).

(6)

انظر: الأم (1/ 154)، مختصر المزني (8/ 110)، نهاية المطلب (2/ 238).

(7)

انظر: الذخيرة (2/ 292).

(8)

انظر: المغني (2/ 18).

ص: 275

مذهب المالكية

(1)

، ووجه عند الشافعية

(2)

، ورواية عند الحنابلة

(3)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- محل سجود السهو قبل السلام إلا في موضعين -بما يلي:

الدليل الأوّل: عن أبي هريرة –رضي الله عنه قال: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْعَصْرِ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ

(4)

فَقَالَ: أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللهِ أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ» فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ، يَا رَسُولَ اللهِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:«أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟» فَقَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ «فَأَتَمَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَقِيَ مِنَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، بَعْدَ التَّسْلِيمِ»

(5)

.

الدليل الثاني: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ:(صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟)، قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ)

(6)

.

الدليل الثالث: عن عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ بُحَيْنَةَ

(7)

رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه

(1)

انظر: المعونة (233)، القوانين الفقهية (1/ 51)، التاج والإكليل (1/ 275).

(2)

انظر: البيان، للعمراني (2/ 346)، التعليقة (2/ 877).

(3)

انظر: المغني (2/ 18)، المبدع (1/ 473).

(4)

ويسمى ذو الشمالين، اسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي، يكنى أبو محمد، له صحبة، كان يعمل بيديه جميعً فسمي ذو اليدين، قتل ببدر وهو ابن بضع وثلاثين سنة، انظر: الطبقات الكبرى (3/ 124، 125)، الجرح والتعديل (3/ 447)، الإصابة (2/ 350).

(5)

رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له (1/ 404)(573).

(6)

رواه البخاري، كتاب أخبار الآحاد، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام (9/ 87)(7249)، مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له (1/ 401)(572).

(7)

هو عبد الله ابن مالك ابن بحينة الأزدي من أزد شنوءة، كنيته أبو محمد، حليف لبني المطلب، وبحينة أمه وهي بنت الحارث بن المطلب، أسلم قديمًا وروى أحاديث، توفي في آخر خلافة معاوية سنة (56 هـ)، انظر: الاستيعاب (3/ 982)، الإصابة (4/ 189، 190).

ص: 276

وسلم - صَلَّى بِهِمُ الظَّهْرَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ)

(1)

.

وجه الدلالة من الأحاديث:

1 -

ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم السجود قبل السلام، والسجود بعده، بأحاديث صحيحة؛ والعمل بجميع ما ثبت فيه جمع بينها وإعمال لها؛ لأن خبر النبي صلى الله عليه وسلم حجة لا يترك إلا لمعارض مثله أو أقوى منه، ولم يوجد؛ لأن سجوده في موضع لا ينفيه في موضع آخر

(2)

.

2 -

سجود السهو في غير الموضعين المذكورين يعتبر من تمام الصلاة؛ فيكون في صلبها كسائر أجزائها

(3)

.

نوقش: أخبار السجود بعد السلام متأخرة عن أخبار السجود قبل السلام

(4)

، فتعد منسوخة بها

(5)

.

أجيب: لا يسلم بدعوى النسخ لسببين

(6)

:

1 -

روى أبو هريرة-رضي الله عنه حديثًا في السجود بعد السلام وهو متأخر الهجرة والإسلام

(7)

.

(1)

رواه البخاري، كتاب الأذان، باب من لم ير التشهد الأول واجبا لأن النبي صلى الله عليه وسلم:«قام من الركعتين ولم يرجع» (1/ 165)(829)، مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له (1/ 399)(570).

(2)

انظر: المغني (2/ 19)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 84)، شرح الزركشي (2/ 17).

(3)

انظر: الممتع، للمنجى (1/ 420)، المبدع (1/ 472).

(4)

حديث أبي سعيد انظر: ص

(5)

انظر: الحاوي (2/ 215).

(6)

انظر: المغني (2/ 19)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 84).

(7)

انظر: الأعلام للزركلي (3/ 308).

ص: 277

2 -

يحتمل أن وقوع السجود قبل السلام آخر الأمر لحصول السبب الموجب للسجود قبل السلام، وذلك لا يقتضي نسخًا.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- محل سجود السهو بعد السلام مطلقًا-بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ ثَوْبَانَ، رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث أمر بالسجود للسهو بعد السلام وجاء عامًا في كل سهو، سواء زاد أو نقص

(2)

.

نوقش: الحديث فيه ضعف، فلا تقاوم دلالته دلالة الأدلة الصحيحة

(3)

.

الدليل الثاني: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: (صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟)، قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في سجود النبي صلى الله عليه وسلم للسهو بعد السلام من غير تفصيل، دليل على أن محل سجود السهو بعد السلام

(5)

.

(1)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الصلاة، باب من نسي أن يتشهد وهو جالس (1/ 272)(1038)، قال النووي في المجموع شرح المهذب (4/ 143):"ضعيف"، وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (23/ 22):"هو ضعيف؛ لأنه من رواية ابن عياش عن أهل الحجاز".

(2)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (2/ 13، 16)، نخب الأفكار (6/ 493 - 494)، المنهل العذب (6/ 170).

(3)

انظر: المغني (2/ 19)

(4)

تقدم تخريجه ص 279.

(5)

انظر: الإفصاح عن معاني الصحاح، لابن هبيرة (2/ 16).

ص: 278

نوقش الاستدلالان: هذه الأحاديث معارضة بأحاديث السجود قبل السلام

(1)

.

الدليل الثالث: قد يتكرر السهو في الصلاة فيؤخر سجوده عن سببه إلى ما بعد السلام -احترازًا من تكراره-ويكون جبرًا لجميع السهو، وفعله قبل السلام لا يقتضي نيابته عن جميع السهو لا سيما الحاصل بعده

(2)

.

نوقش من وجهين

(3)

:

أ. سجود السهو يجزئ عن السهو الحاصل قبله وبعده في الغالب.

ب. وقوع السهو بعد السجود وقبل السلام نادر، لذا جاز أن يكون السجود قبل السلام ويحصل به الإجزاء.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل-محل سجود السهو قبل السلام مطلقًا-بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّم

)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث أمر بالسجود قبل السلام مع توهم الزيادة، فدل ذلك على استواء حكم النقص والزيادة في محل السجود؛ وهو قبل السلام

(5)

.

(1)

انظر: الحاوي (2/ 215)، فتح الباري، لابن حجر (3/ 94).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 219، 220)، بدائع الصنائع (1/ 173)، المحيط البرهاني (1/ 400)، العناية (1/ 500).

(3)

انظر: الحاوي (2/ 216).

(4)

رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له (1/ 400)(571).

(5)

انظر: بحر المذهب (2/ 148)، نيل الأوطار (3/ 139).

ص: 279

نوقش: تعارضت دلالات النصوص؛ والجمع بينها أولى

(1)

.

الدليل الثاني: عَنْ عَبْدِ اللهِ ابن مسعود-رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِمَّا زَادَ أَوْ نَقَصَ - قَالَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: «لَا» قَالَ فَقُلْنَا لَهُ الَّذِي صَنَعَ، فَقَالَ:(إِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) قَالَ: ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

قوله: إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين: يقتضي التسوية بين ما كان للنقص، وبين ما كان للزيادة، فالكل يسجد له قبل السلام، ولم يكن سجود النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث بعد السلام إلا ضرورة لأنه لم يعلم بالسهو إلا بعد تسليم

(3)

.

نوقش: الحديث محمول على أن السجود كان بعد السلام الأول وقبل السلام الثاني

(4)

.

يمكن أن يجاب عن المناقشة: عرف من فعله صلى الله عليه وسلم أن الانصراف من الصلاة يكون بالسلام الثاني، فوقوع الكلام والمخاطب يكون بعد السلام الثاني.

الدليل الثالث:: القياس على سجود التلاوة، بجامع أن الجميع سجود وقع عن سبب؛ فوجب وقوعه فيما هو سبب له وليس خارجه

(5)

.

نوقش: هذا اجتهاد؛ ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص

(6)

.

(1)

انظر: البناية (2/ 604)، المعونة (1/ 233)، مواهب الجليل (2/ 17).

(2)

رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له (1/ 403)(572).

(3)

انظر: شرح النووي على مسلم (5/ 56)، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/ 186)، فتح الباري، لابن رجب (9/ 451).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 173)، المحيط البرهاني (1/ 500).

(5)

انظر: الحاوي (2/ 215)، البيان، للعمراني (2/ 347).

(6)

انظر: المحلى (3/ 85)، شرح القواعد الفقهية (1/ 147).

ص: 280

الدليل الرابع: سجود السهو شرع لجبران الصلاة؛ فوجب أن يكون محله فيها وذلك يقتضي فعله قبل السلام

(1)

.

نوقش من وجهين:

أ. قد يستقيم هذا الاستدلال إذا كان سبب السجود النقص في الصلاة، أما إذا كان سببه الزيادة فيها؛ فلو قُدر أن محله قبل السلام لاقتضى ذلك زيادتين في الصلاة وهذا لا يجوز

(2)

.

ب. لا يسلم بأن جبر الشيء لا يكون إلا فيه ولا يصح خارجه، فإن هدي الحج والصيام جبر لما نقص في الحج وهما يؤديان بعد الخروج عنه

(3)

.

واستدلَّ أصحاب القول الرابع القائل- محل سجود السهو إن كان لنقص فهو قبل السلام، وإن كان لزيادة فهو بعد السلام-بما يلي:

الدليل الأوّل: عن عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ بُحَيْنَةَ رضي الله عنه (أَنَّه صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمُ الظَّهْرَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ)

(4)

.

الدليل الثاني: عن أبي هريرة –رضي الله عنه قال: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْعَصْرِ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللهِ أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ) فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ، يَا رَسُولَ اللهِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:(أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟)

(1)

انظر: الحاوي (2/ 215)، البيان، للعمراني (2/ 347).

(2)

انظر: الإشراف (1/ 276).

(3)

انظر: المحلى (3/ 85).

(4)

تقدم تخريجه ص 280.

ص: 281

فَقَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ (فَأَتَمَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَقِيَ مِنَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، بَعْدَ التَّسْلِيمِ)

(1)

.

الدليل الثالث: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟)، قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ"

(2)

.

وجه الدلالة من الأحاديث:

سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين بعد السلام، وكان سببه الزيادة، وسجد في حديث ابن بحينة لتركه التشهد الأول قبل السلام وكان سببه النقصان فدل ذلك على اختلاف محل سجود السهو باختلاف سببه

(3)

.

نوقش: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجوده للسهو قبل السلام وروي بعد السلام، وكان آخر الأمرين سجوده قبل السلام، فيعد نسخًا والأخذ به أولى

(4)

.

أجيب: لا يسلم بدعوى النسخ وقد سبق ذكر وجه ذلك في أدلة القول الأول.

الدليل الرابع: السجود للنقص يكون جبرًا للمتروك؛ فوجب أن يكون قبل السلام لأنه من تمام الصلاة، أما السجود للزيادة إنما هو ترغيم للشيطان فوجب أن يتأخر عنها لألا تحتمل الصلاة زيادتين

(5)

.

نوقش من وجهين:

(1)

تقدم تخريجه ص 279.

(2)

تقدم تخريجه ص 279.

(3)

انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (3/ 216)، المعونة (1/ 233)، التمهيد، لابن عبد البر (5/ 30)، شرح التلقين (1/ 602)، مواهب الجليل (2/ 17)، الممتع، للمنجى (1/ 421).

(4)

انظر: الحاوي (2/ 215)، التعليقة (2/ 878)، بحر المذهب (2/ 148).

(5)

انظر: المعونة (1/ 233، 234)، التمهيد، ابن عبد البر (5/ 30)، الذخيرة (2/ 293).

ص: 282

أ. السجود للزيادة يعد جبرًا لما وقع من الخلل، فهو وإن كان زيادة فهو نقص في المعنى، وأما ترغيم الشيطان يكون بالسجود في حال الشك

(1)

.

ب. لو قدر أن المصلي سها بنقص وزيادة معًا، لأجزأه سجود واحد وكان جابرًا للجميع

(2)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: محل سجود السهو قبل السلام إلا في موضعين، وذلك لوجاهة هذا القول وسلامة استدلاله من المعارض الراجح، وفيه ترجيح وجمع بين الأدلة

(3)

، وإعمال لجميعها؛ وهو أولى من إهمالها.

(1)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (2/ 21)، فتح الباري، لابن حجر (3/ 94)، نخب الأفكار (6/ 486).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 220)، بدائع الصنائع (1/ 173).

(3)

انظر: بداية المجتهد (1/ 203).

ص: 283

‌المطلب الثاني: لا فرق في بطلان الصلاة بكثير الحركة دون يسيرها بين عمدها وسهوها.

‌صورة المسألة:

إذا فعل المصلي فعلًا من غير أفعال الصلاة كالمشي ونحوه، وكان كثيرًا، فهل تبطل صلاته بذلك الفعل، وهل يؤثر في الحكم كونه فعله عامدًا أو ساهيًا؟

جاء في المغني: "الزيادات في الصلاة على ضربين زيادة أفعال وزيادة أقوال

والثاني، من غير جنس الصلاة، كالمشي والحك والتروح، فهذا تبطل الصلاة بكثيره، ويعفى عن يسيره، ولا يسجد له، ولا فرق بين عمده وسهوه"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

الفاعل للفعل الكثير من غير جنس الصلاة؛ لا يعد مصليًا في نظر الناظر إليه، ولا تأثير للعمد والسهو في ذلك؛ فاستوى حكمهما

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على أن الفعل اليسير من غير جنس الصلاة؛ لا يبطلها مطلقًا

(3)

.

2 -

واتفقوا على أن الفعل الكثير من غير جنس الصلاة-عمدًا- يبطلها

(4)

.

(1)

(2/ 24).

(2)

انظر: الممتع، للمنجى (1/ 404).

(3)

انظر: البحر الرائق (2/ 12)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (1/ 624، 625)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 243)، المقدمات الممهدات (1/ 197)، نهاية المطلب (2/ 205)، البيان، للعمراني (2/ 315)، المبدع (1/ 431)، الإنصاف (4/ 18).

(4)

انظر: البحر الرائق (2/ 12)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (1/ 624، 625)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 243)، المقدمات الممهدات (1/ 197)، نهاية المطلب (2/ 205)، البيان، للعمراني (2/ 315)، المبدع (1/ 431)، الإنصاف (4/ 18).

ص: 284

3 -

واختلفوا في بطلان الصلاة بالفعل الكثير من غير جنسها سهوًا على قولين:

القول الأوّل:

تبطل الصلاة بالفعل الكثير

(1)

-من غير جنسها- سهوًا، وهو مذهب الحنفية

(2)

، والمالكية

(3)

، والشافعية

(4)

، والحنابلة

(5)

القول الثاني:

لا تبطل الصلاة بالفعل الكثير -من غير جنسها- سهوًا، وهو رواية عند الحنابلة

(6)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- تبطل الصلاة بالفعل الكثير -من غير جنسها- سهوًا-بما يلي:

الدليل الأوّل: العمل الكثير في الصلاة لا تدعو إليه الحاجة، لذا تبطل به، لأن الصلاة حالة مذكرة وليست حالة نسيان

(7)

.

الدليل الثاني: العمل الكثير في الصلاة من غير جنسها يقطع نظمها والتوالي فيها، ويذهب

(1)

لغير ضرورة.

(2)

واختلفوا في حد الكثير، قيل أنه كل عمل يحتاج فيه لاستعمال اليدين، وقال بعضهم أنه كل عمل لو نظر إليه الناظر من بعيد لا يشك أنه في غير صلاة، وهو الأصح.

انظر: بدائع الصنائع (1/ 241)، المحيط البرهاني (1/ 394)، اللباب، للخزرجي (1/ 272).

(3)

انظر: المقدمات الممهدات (1/ 197)، التنبيه (2/ 581)، عقد الجواهر (1/ 121)، الشرح الكبير، الدردير (1/ 289).

(4)

بشرط التوالي.

انظر: البيان، للعمراني (2/ 315)، كفاية النبيه (3/ 414)، تحفة المحتاج وحواشيه (2/ 152).

(5)

بشرط التوالي.

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 278)، المغني (2/ 24)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 19)، المبدع (1/ 431).

(6)

انظر: الإنصاف (4/ 18).

(7)

انظر: اللباب، الخزرجي (1/ 272، 273)، البحر الرائق (2/ 12)، البيان، للعمراني (2/ 315)، المجموع (4/ 92).

ص: 285

خشوعها، وذلك يشابه قطعها حقيقة

(1)

.

الدليل الثالث: الفعل الكثير في الصلاة من غير جنسها يعد منافيًا لها ومخرجًا عن وصفها، وذلك متحقق في السهو والعمد

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- لا تبطل الصلاة بالفعل الكثير -من غير جنسها- سهوًا-بـ:

عن أبي هريرة –رضي الله عنه-قال: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْعَصْرِ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللهِ أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ) فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ، يَا رَسُولَ اللهِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:(أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟) فَقَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ (فَأَتَمَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَقِيَ مِنَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، بَعْدَ التَّسْلِيمِ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

النبي صلى الله عليه وسلم مشى وتكلم، ودخل منزله، وكل ذلك يعد فعلًا كثيرًا من غير جنس الصلاة؛ ومع ذلك بنى على صلاته

(4)

.

يمكن أن يناقش:: لم يكن عمله ذلك حال تلبسه بالصلاة، ولم يكن داخلًا فيها.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل القائل:

(1)

انظر: التعليقة (2/ 838)، كفاية الأخيار (1/ 98)، الممتع، للمنجى (1/ 405).

(2)

انظر: المبدع (1/ 431)، كشاف القناع (1/ 398).

(3)

تقدم تخريجه ص 279.

(4)

انظر: الإنصاف (4/ 18).

ص: 286

تبطل الصلاة بالفعل الكثير-من غير جنسها- سهوًا، وذلك لقوة هذا القول وسلامة استدلاله من الاعتراض، وضعف القول المخالف لورود المناقشة على استدلاله.

ص: 287

‌المطلب الثالث: لا فرق في سجود السهو بين الفرض والنافلة.

‌صورة المسألة:

إذا صلى شخص صلاة تطوع، وسهى في أثنائها؛ فهل يشرع له السجود لذلك السهو؟

جاء في الشرح: "لا فرق بين النافلة، والفرض في سجود السهو، أنه يشرع فيهما"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

1 -

عموم النصوص الواردة في مشروعية سجود السهو لم تفرق بين فرض ونفل

(2)

.

2 -

اسم الصلاة يعد من قبيل المشترك المعنوي؛ وذلك يقتضي دخول كلٍ من الفريضة والنافلة في معناه؛ لأن الاسم يتناولهما جميعًا

(3)

.

3 -

أسباب السهو توجد في النافلة كما توجد في الفريضة

(4)

.

‌حكم المسألة:

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على مشروعية سجود السهو في الفريضة والنافلة

(5)

،

(1)

(4/ 6).

(2)

انظر: المنهل العذب (6/ 172).

(3)

انظر: تيسير التحرير (1/ 241)، غمز عيون البصائر (1/ 54)، فتح الباري، ابن حجر (3/ 104)، المهذب، النملة (3/ 1100).

(4)

انظر: الذخيرة (2/ 293).

(5)

انظر: المحيط البرهاني (1/ 521)، الجوهرة النيرة (1/ 76)، النهر الفائق، لابن نجيم (1/ 328)، المدونة (1/ 221)، التفريع، ابن الجلاب (1/ 105)، الكافي، ابن عبد البر (1/ 232)، البيان، للعمراني (2/ 285)، فتح العزيز (3/ 216)، تحفة المحتاج وحواشيه (2/ 169)، الهداية، للكلوذاني (1/ 93)، المغني (2/ 34)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 6).

واستثنى المالكية من ذلك خمس مسائل هي: قراءة ما زاد على الفاتحة في النافلة، الجهر فيما يجهر فيه، السر فيما يسر فيه، إذا عقد ثالثة في النفل أتمها رابعة بخلاف الفريضة، إذا نسي ركنًا من النافلة وطال فلا شيء عليه، انظر: التوضيح (1/ 345)، مواهب الجليل (1/ 524).

ص: 288

واستدلوا بما يلي:

الدليل الأوّل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّم

)

(1)

.

الدليل الثاني: عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ)

(2)

.

وجه الدلالة من الأحاديث:

أمر النبي –صلى الله عليه وسلم في الأحاديث بالسجود للسهو أمرًا عامًا، ولم يفرق بين نافلة وفرض

(3)

.

الدليل الثالث: قال سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ: «سَجْدَتَا السَّهْوِ فِي النَّوَافِلِ كَسَجْدَتَيِ السَّهْوِ فِي الْمَكْتُوبَةِ»

(4)

.

الدليل الرابع: صلاة النافلة في معنى الفريضة؛ فهي صلاة ذات ركوع وسجود فيشرع السجود لسهوها

(5)

.

الدليل الخامس: الفريضة والنافلة تستويان في حكم النقصان؛ فلزم استواؤهما في الجبران

(6)

.

(1)

تقدم تخريجه ص 282.

(2)

تقدم تخريجه ص 283.

(3)

انظر: الذخيرة (2/ 293)، المغني (2/ 34)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 7).

(4)

رواه ابن أبي شيبة في كتاب الصلوات، الرجل يسهو في التطوع ما يصنع (1/ 386)(4433).

(5)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 284)، المغني (2/ 34).

(6)

انظر: المجموع (4/ 161).

ص: 289

‌المطلب الرابع: لا فرق في التطوع في أوقات النهي بين مكة وغيرها.

‌صورة المسألة:

إذا أراد شخص أن يتطوع في أوقات النهي في مكة المكرمة، فهل يجوز له ذلك؟

جاء في المغني: "ولا فرق بين مكة وغيرها في المنع من التطوع في أوقات النهي"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

عموم النصوص الواردة في المنع من التطوع في أوقات النهي

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على تحريم التطوع المطلق في أوقات النهي في غير مكة المكرمة

(3)

.

2 -

واختلفوا في حكمه بمكة على قولين:

القول الأوّل:

لا يجوز التطوع في أوقات النهي بمكة المكرمة، وهو مذهب الحنفية

(4)

،

والمالكية

(5)

، والحنابلة

(6)

.

(1)

(2/ 90).

(2)

انظر: المرجع السابق.

(3)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 296)، حاشية ابن عابدين (1/ 374، 375)، بداية المجتهد (1/ 110)، القوانين الفقهية (1/ 36)، الحاوي (2/ 271)، التهذيب، للبغوي (2/ 217)، الكافي، لابن قدامة (1/ 238)، المغني (2/ 87، 317).

(4)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 86)، البناية (2/ 55)، حاشية ابن عابدين (1/ 375).

(5)

انظر: التمهيد (13/ 41 - 43)، شرح التلقين (1/ 812)، الفواكه الدواني (1/ 203)، حاشية العدوي (1/ 297).

(6)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 239)، المغني (2/ 90)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 258)، الإنصاف (4/ 257).

ص: 290

القول الثاني:

يجوز التطوع في أوقات النهي بمكة المكرمة، وهو مذهب الشافعية

(1)

، ورواية عند الحنابلة

(2)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- لا يجوز التطوع في أوقات النهي بمكة المكرمة-بما يلي:

الدليل الأوّل: عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ-رضي الله عنه-قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ»

(3)

.

الدليل الثاني: عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ

(4)

، يَقُولُ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: (حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ

(5)

الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ)

(6)

.

وجه الدلالة من الحديثين:

النهي في الأخبار ورد عامًا؛ لم يفرق بين مكة وغيرها، فوجب أن يشمل الحكم جميع

(1)

انظر: المهذب، للشيرازي (1/ 175)، بحر المذهب (2/ 213)، الوسيط (2/ 37، 39)، البيان، للعمراني (2/ 359).

وفي وجه عندهم: تخصيص الإباحة بركعتي الطواف، انظر: نهاية المطلب (2/ 341)، بحر المذهب (2/ 213).

(2)

انظر: الفروع (2/ 411).

(3)

رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب: لا تتحرى الصلاة قبل غروب الشمس (1/ 121)(586).

(4)

هو عقبة بن عامر بن عبس الجهني، روى أحاديث كثيرة، كان قارئًا عالمًا بالفرائض والفقه فصيحًا شاعرًا، شهد الفتوحات، وشهد صفين مع معاوية وتوفي في خلافته، انظر:: الإصابة (4/ 429، 430).

(5)

أي تميل، انظر: العين (7/ 68)، شرح النووي على مسلم (6/ 114).

(6)

رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها (1/ 568)(831).

ص: 291

البلدان

(1)

.

الدليل الثالث: المنع من التطوع في أوقات النهي إنما كان لمعنى مقارنة الشمس قرن الشيطان، وهو يعم سائر الأمكنة، ولذلك نظائر في الشرع: كالمنع من صوم يوم العيد؛ فهو يعم الأمكنة كلها

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني: القائل- يجوز التطوع في أوقات النهي بمكة المكرمة-بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ أَبِي ذَرٍّ-رضي الله عنه-أَنَّهُ أَخَذَ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، إِلَّا بِمَكَّةَ، إِلَّا بِمَكَّةَ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

نص الحديث على استثناء مكة من عموم النهي، وذلك يقتضي إباحة الصلاة فيها في جميع الأوقات؛ لتفضيل الله لها وتخصيصها بالحراسة من أن يتخطفها شيطان

(4)

.

نوقش من أوجه:

أ. الحديث ضعيف، فلا يصح الاحتجاج به

(5)

.

ب. لا يستقيم تعليق الحكم في مكة بالشرف والفضيلة، فهذا المعنى لا ينتهض لتخصيص عموم النصوص؛ لأن المنع من الصلاة في أوقات النهي يقتضي تعلق مفسدة بالفعل،

(1)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 789)، شرح التلقين (1/ 812)، المغني (2/ 90)، شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (4/ 489).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 151)، شرح التلقين (1/ 812)، المغني (2/ 90).

(3)

رواه أحمد في المسند (35/ 365)(21462)، والطبراني في المعجم الأوسط (1/ 258)(847)، والدارقطني في السنن، كتاب الصلاة، باب جواز النافلة عند البيت في جميع الأزمان (2/ 301)(1571)، قال شعيب الأرنؤوط:"صحيح لغيره"، وقال ابن عبد البر في التمهيد (13/ 45): "هذا حديث وإن لم يكن بالقوي

ففي حديث جبير بن مطعم ما يقويه"، وقال النووي في المجموع (4/ 179): "ضعيف".

(4)

انظر: بحر المذهب (2/ 213).

(5)

انظر: فتح القدير (1/ 233)، المغني (2/ 90).

ص: 292

ومعنى الفضيلة يقتضي تعلق مصلحة به، وإذا تعارضت المصلحة والمفسدة قدم أرجحهما؛ ولا علم بالمقادير في ذلك فيرجع للنصوص الصحيحة

(1)

.

ت. يحتمل أن قوله: إلا بمكة، أريد به نفي إباحة التطوع فيها

والمعنى: ولا بمكة، كما في قول الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}

(2)

؛ أي: ولا خطأ

(3)

.

يمكن أن يجاب: لا يصح أن تكون (إلا) بمعنى الواو؛ لأن ذلك لم يعرف في كلام العرب، ولا يستقيم المعنى به؛ لأن الخطأ لا يُحظر

(4)

.

الدليل الثاني: عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ

(5)

رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا، فَلا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ)

(6)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل عموم الحديث على إباحة الصلاة بمكة في جميع الأوقات، وهو تخصيص لعموم المنع من الصلاة في أوقات النهي

(7)

.

نوقش من أوجه:

(1)

انظر: شرح الإلمام (4/ 489).

(2)

سورة النساء، من الآية (92).

(3)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 790).

(4)

انظر: تفسير القرطبي (5/ 313).

(5)

هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل القرشي، أسلم يوم الفتح، له صحبة، روى عنه ابناه محمد ونافع، توفي سنة (59) هـ، انظر: الجرح والتعديل (2/ 512)، الثقات (3/ 50).

(6)

رواه الشافعي في المسند، كتاب الصلاة باب جواز الطواف والصلاة بمكة أي ساعة شاء (1/ 237)(162)، قال البغوي في شرح السنة (3/ 331):"حديث حسن صحيح".

(7)

انظر: البيان، للعمراني (2/ 359، 360) المجموع (4/ 177، 179)، إرشاد الساري (3/ 178).

ص: 293

أ. الحديث يفيد الإباحة، والأحاديث الأخرى تفيد الحظر؛ فتُقدم عليه

(1)

، والقاعدة "إذا اجتمع مبيح وحاظر غلب جانب الحظر"

(2)

.

ب. لا يحمل الحديث على عموم المشيئة، وإنما المراد منه توجيه ولاة الأمر في المسجد الحرام؛ ألا يمنعوا أحدًا من الصلاة فيه أي ساعة شاء

(3)

.

ت. يحتمل أن المقصود بالصلاة في الحديث هي ركعتي الطواف؛ وإنما جازت لأنها تابعة له

(4)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: لا يجوز التطوع في أوقات النهي بمكة المكرمة، وذلك لقوة هذا القول وموافقته لقواعد الشريعة، وسلامة استدلاله من المعارض الراجح، وورود المناقشة على استدلال المخالف أضعف الاحتجاج بها.

(1)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 790).

(2)

الإحكام، الآمدي (4/ 259)، الأشباه والنظائر، لابن الملقن (2/ 365)، القواعد الفقهية، الزحيلي (2/ 695).

(3)

انظر: الشرح الممتع (4/ 119).

(4)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 262).

ص: 294

‌المطلب الخامس: لا فرق في وقت الزوال بين الجمعة وغيرها، ولا بين الشتاء والصيف.

‌صورة المسألة:

إذا أراد شخص التطوع بالصلاة وقت زوال الشمس؛ فهل يؤثر كون ذلك اليوم جمعة أو غيرها.

جاء في المغني: "ولا فرق في وقت الزوال بين الجمعة وغيرها، ولا بين الشتاء والصيف"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

كل وقت يُنهى فيه عن عبادة أو يؤمر بها؛ لا يختلف الحال فيه باختلاف الأيام مع استواء الوقت في جميعها

(2)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في حكم التطوع وقت زوال الشمس يوم الجمعة، على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:

جواز صلاة التطوع وقت زوال الشمس يوم الجمعة، وهو مذهب المالكية

(3)

، والشافعية

(4)

، وقول أبي يوسف من الحنفية

(5)

، واختيار ابن تيمية

(6)

.

(1)

(2/ 90).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 151).

(3)

انظر: المدونة (1/ 195)، الاستذكار (1/ 107)، شرح التلقين (1/ 813)، القوانين الفقهية (1/ 36).

(4)

وفي وجه عندهم: أنه مختص بمن حضر الجمعة، وغلبه النعاس.

انظر: المهذب، الشيرازي (1/ 175)، نهاية المطلب (2/ 340)، البيان، للعمراني (2/ 358).

(5)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 151)، بدائع الصنائع (1/ 296).

(6)

انظر: مجموع الفتاوى (23/ 208).

ص: 295

القول الثاني:

عدم جواز صلاة التطوع وقت زوال الشمس - مطلقًا -، وهو مذهب الحنفية

(1)

، والحنابلة

(2)

، وقول للمالكية

(3)

.

القول الثالث:

يجوز التطوع بالصلاة وقت الزوال-يوم الجمعة-في الشتاء دون الصيف، وهو قول عطاء

(4)

، وقتادة

(5)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- جواز صلاة التطوع وقت زوال الشمس يوم الجمعة-بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ

(6)

، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ نِصْفَ النَّهَارِ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ:(إِنَّ جَهَنَّمَ تُسَجَّرُ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ)

(7)

.

(1)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 789)، بدائع الصنائع (1/ 296)، الهداية، للمرغيناني (1/ 42).

(2)

واستثنوا تحية المسجد يوم الجمعة حال خطبة الجمعة.

انظر: المغني (2/ 90)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 262)، كشاف القناع (1/ 453).

(3)

انظر: عقد الجواهر (1/ 86).

(4)

انظر: مصنف عبد الرزاق (3/ 204)، الاستذكار (1/ 108)، شرح الإلمام (4/ 486)، البناية (2/ 61).

وعطاء هو: عطاء بن أبي رباح، كنيته أبو محمد، من فقهاء التابعين في مكة وأجلاءهم، توفي سنة (114) هـ وقيل سنة (115) هـ، انظر: طبقات الفقهاء، الشيرازي (1/ 69).

(5)

انظر: فتح الباري، ابن رجب (8/ 331).

وقتادة هو: قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي البصري، كنيته أبو الخطاب، رأس الطبقة الرابعة وإمام المفسرين والمحدثين، كان أعمى، توفي بواسط سنة (117) هـ، انظر: الطبقات الكبرى (7/ 171)، الجرح والتعديل (7/ 133)، تقريب التهذيب (1/ 453).

(6)

هو الحارث بن ربعي الأنصاري الخزرجي، شهد أحدًا، نزل الكوفة وتوفي بها وقيل بالمدينة سنة (54)، انظر: الطبقات الكبرى (6/ 94)، معجم الصحابة (2/ 32).

(7)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الصلاة، باب الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال (1/ 284)(1083)، وقال:"هو مرسل، وقال ابن حجر في الفتح: "في سنده انقطاع، وذكر له البيهقي شواهد ضعيفة إذا ضمت له قوي الخبر" (2/ 63).

ص: 296

وجه الدلالة من الحديث:

رويت أخبار في عموم النهي عن التطوع وقت الزوال، ورويت أخبار في عموم الإباحة، وهذا الخبر يفيد التفصيل: ومقتضاه استثناء يوم الجمعة من عموم النهي

(1)

.

نوقش: الحديث منقطع الإسناد، فلا يعارض المسند المتصل

(2)

.

يمكن أن يجاب: ثبت عن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ)

(3)

، ومعناه يفيد جواز التنفل يوم الجمعة قبل الصلاة مطلقًا

(4)

.

الدليل الثاني: «أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ، فَإِذَا خَرَجَ عُمَرُ، وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ .. فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ، وَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ، أَنْصَتْنَا، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مِنَّا أَحَدٌ»

(5)

.

وجه الدلالة:

فيه تصريح باستمرارهم في الصلاة إلى خروج الإمام؛ ومعلوم أن خروج عمر كان بعد زوال الشمس

(6)

.

الدليل الثالث: يشق على الناس مع كثرتهم يوم الجمعة انتظار زوال الشمس، وقد يغلبهم النوم فأبيحت لهم الصلاة ليشتغلوا بها وتطرد عنهم النوم

(7)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- عدم جواز صلاة التطوع وقت زوال الشمس

(1)

انظر: بحر المذهب (2/ 214 - 216).

(2)

انظر: اللباب، الخزرجي (1/ 191)، البناية (2/ 61).

(3)

رواه البخاري في كتاب الجمعة، باب الدهن للجمعة (2/ 3)(883).

(4)

انظر: الكواكب الدراري (6/ 9)، فتح الباري، ابن حجر (2/ 372).

(5)

رواه مالك في الموطأ/ كتاب السهو/ ما جاء في الانصات يوم الجمعة والإمام يخطب (2/ 143)(343)، قال النووي في خلاصة الأحكام (2/ 808):"صحيح".

(6)

انظر: الاستذكار (1/ 107).

(7)

انظر: القبس في شرح الموطأ (1/ 427)، شرح التلقين (1/ 813)، المهذب، الشيرازي (1/ 175)، البيان، للعمراني (2/ 358).

ص: 297

مطلقًا-بما يلي:

الدليل الأوّل: عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، يَقُولُ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: (حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ

(1)

الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

عموم النهي في الحديث -عن الصلاة عند زوال الشمس- يعم جميع الأيام؛ فيشمل الجمعة وغيرها

(3)

.

يمكن أن يناقش: رغب النبي صلى الله عليه وسلم الناس في التبكير للجمعة وندبهم إلى الصلاة قبلها إلى خروج الإمام؛ من غير تخصيص ولا استثناء

(4)

.

الدليل الثاني: عن عَمْرو بْنِ الْعَاصِ

(5)

رضي الله عنه قال: "كُنْتُ أَرَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَامُوا فَصَلُّوا أَرْبَعًا"

(6)

.

(1)

أي تميل، انظر: العين (7/ 68)، شرح النووي على مسلم (6/ 114).

(2)

تقدم تخريجه ص 294.

(3)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 789)، المغني (2/ 90).

(4)

انظر: فتح الباري، ابن حجر (2/ 63)، المجموع (4/ 176).

ومما ورد في الترغيب في التبكير للجمعة والصلاة قبلها إلا خروج الأمام، قوله عليه الصلاة والسلام: "من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر

" وقال في حديث: "ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت للإمام إذا تكلم

" صحيح البخاري باب الدهن للجمعة حديث (883)(2/ 3)، شرح السنة للبغوي، حديث 1065 - (4/ 2236)، الجامع الصحيح (7/ 9).

(5)

هو عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي، كنيته أبو عقبة، هاجر للحبشة، شهد الفتح وحنين والطائف، وخرج إلى الشام فاستشهد بأجنادين في خلافة أبي بكر، انظر: الثقات (3/ 268)، الإصابة (4/ 526، 527).

(6)

رواه ابن عبد البر في التمهيد (4/ 26)، قال زكريا الباكستاني في ما صح من آثار الصحابة (1/ 489):" حديث حسن".

ص: 298

وقال ابن مسعود: كنا ننهى عن ذلك

(1)

يعني الصلاة يوم الجمعة وقت الزوال.

يمكن أن يناقش: هذه الآثار تعارضها آثار دلت على الجواز وقد سبق ذكرها في أدلة القول الأول.

ولم أقف – فيما اطلعت عليه - على أدلة للقول الثالث.

ويمكن أن يجاب عن هذا القول: أن التفريق بين الشتاء والصيف وتخصيص أحدهما بالمنع تخصيص من غير دليل.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- القول الأوّل القائل: جواز صلاة التطوع وقت زوال الشمس يوم الجمعة، وذلك لوجاهة هذا القول وصحة أدلته، والرد على الاعتراضات الواردة على استدلاله، وأقوال المخالفين بعضها ضعيف الاستدلال وبعضها لا دليل عليه.

(1)

البناية شرح الهداية، بدر الدين العيني (2/ 61).

ص: 299

‌المطلب السادس: لا فرق في حصول العلم بسماع التكبير بين أن يكون المأموم في المسجد أو في غيره.

‌صورة المسألة:

إذا اتم مؤتم بإمام يسمع تكبيره، وكان المأموم خارج المسجد واتصلت صفوف المصلين، فهل يصح الائتمام أو لا؟

جاء في المغني: "ويأتم بالإمام من في أعلى المسجد وغير المسجد، إذا اتصلت الصفوف

والعلم يحصل بسماع التكبير، فجرى مجرى الرؤية، ولا فرق بين أن يكون المأموم في المسجد أو في غيره"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

استواء معنى الاقتداء حال اتصال صفوف المصلين، داخل المسجد وخارجه وتحققه فيهما

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على صحة ائتمام من سمع التكبير-مع اتصال الصفوف-سواء أكان داخل المسجد أو خارجه

(3)

.

(1)

(2/ 153).

(2)

بتصرف المغني (2/ 153).

(3)

وعند الحنفية: أن كانت المسافة بين الصفوف قدر ما يسع صفين فإنها تمنع صحة الائتمام، ألا في العيدين، وصلاة الجنازة على خلاف، انظر: الأصل (1/ 214، 362)، المبسوط، للسرخسي (1/ 193)، المحيط البرهاني (1/ 417، 418)، التنبيه (1/ 435)، الذخيرة (2/ 259)، مواهب الجليل (2/ 118).

واشترط الشافعية: ألا تزيد المسافة خارج المسجد عن ثلاث مئة ذراع، انظر: الحاوي (2/ 343)، بحر المذهب (2/ 273).

واشترط الحنابلة: رؤية المأموم للإمام أو بعض من وراءه، انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 302)، المغني (2/ 152، 153)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 446)، كشاف القناع (1/ 492).

ص: 300

2 -

واختلفوا في صحة ائتمام من سمع التكبير وهو خارج المسجد ولم تتصل الصفوف، على قولين:

القول الأوّل:

عدم صحة إئتمام من سمع التكبير وهو خارج المسجد ولم تتصل الصفوف، وهو مذهب الحنفية

(1)

، والشافعية

(2)

، والحنابلة

(3)

، وقول للمالكية

(4)

.

القول الثاني:

صحة إئتمام من سمع التكبير وهو خارج المسجد ولم تتصل الصفوف، وهو مذهب المالكية

(5)

، وقول للشافعية

(6)

، ورواية عند الحنابلة

(7)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- عدم صحة إئتمام من سمع التكبير وهو خارج المسجد ولم تتصل الصفوف-بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:(لَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ)

(8)

، يعني بصلاة الإمام

(9)

.

وجه الدلالة من الحديث:

(1)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 193)، بدائع الصنائع (1/ 145)، المحيط البرهاني (1/ 417، 418)، البحر الرائق (1/ 385).

(2)

انظر: مختصر المزني (8/ 116، 117)، نهاية المطلب (2/ 409)، البيان، للعمراني (2/ 437).

(3)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 446)، شرح الزركشي (2/ 102)، المبدع (2/ 98).

(4)

انظر: النوادر والزيادات (1/ 295، 296).

(5)

وذلك في غير صلاة الجمعة.

انظر: المدونة (1/ 175، 176)، الإشراف (1/ 301)، التبصرة، للخمي (1/ 317)، التوضيح (2/ 55، 56)، حاشية الدسوقي (1/ 337).

(6)

انظر: كفاية النبيه (4/ 72).

(7)

وفي رواية لا يشترط اتصال الصفوف داخل المسجد دون خارجه.

انظر: شرح الزركشي (2/ 102)، الإنصاف (4/ 446).

(8)

رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب صلاة الجماعة من سنن الهدى (1/ 453)(654).

(9)

الحاوي (2/ 345).

ص: 301

في الحديث تحذير ووعيد لمن ترك صلاة الجماعة -بلا عذر- وصلى في بيته -ولو جماعة- لأنه يعد تاركًا لها، وكذلك من جاور المسجد وصلى بصلاة إمامه دون اتصال الصفوف؛ لم يصح ائتمامه، ولو صح لما لحقه الوعيد بالكفر والضلال والنفاق

(1)

.

الدليل الثاني: عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي بِصَلَاةِ الْإِمَامِ قَالَ: (إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا نَهَرٌ أَوْ طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ فَلَا يَأْتَمُّ بِهِ)

(2)

.

يظهر أن وجه الدلالة:

أخبر عمر رضي الله عنه ببطلان إئتمام من ائتم بإمام يسمعه وانفصلت بينهما الصفوف.

نوقش: هذا الخبر ليس بثابت

(3)

.

الدليل الثالث: صَلَّى نِسوَةٌ مَعَ عائشةَ زَوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في حُجرَتِها فقالَت: لا تُصَلِّينَ بصَلاةِ الإمامِ فإِنَّكُنَّ دونَه في حِجابٍ

(4)

.

وجه الدلالة من الحديثين:

دلت الأخبار على عدم صحة الائتمام خارج المسجد؛ ومع عموم حكمها، إلا أنه يستثنى منه حال اتصال الصفوف لقوة الحاجة إليه

(5)

.

الدليل الرابع: المسجد محل الجماعة، وفيه مظنة القرب، ولا يصح الائتمام خارجه لعدم معنى

(1)

انظر: إكمال المعلم (2/ 628)، الإفصاح (2/ 125)، شرح ابن ماجة للسيوطي (1/ 56)، مرقاة المفاتيح (3/ 842).

(2)

رواه عبدالرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب الرجل يصلي وراء الإمام خارجًا من المسجد (3/ 81)(4880)، قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (12/ 178): "إسناد ضعيف؛ فيه علل

الانقطاع بين نعيم بن أبي هند وعمر بن الخطاب؛ فإن أكثر حديثه عن التابعين، ولم يذكروا له رواية عن أحد من الصحابة غير أبيه، مات سنة (110) ".

(3)

انظر: شرح التلقين (1/ 700).

(4)

رواه البيهقي في سننه، كتاب الصلاة، باب المأموم يصلي خارج المسجد بصلاة الإمام في المسجد وبينهما حائل (6/ 52)(5311)، وبنحوه في معرفة السنن والآثار، كتاب الصلاة، الموضع الذي يجوز أن يصلي فيه الجمعة مع الإمام (4/ 191) (5849) قال ابن رجب في الفتح (6/ 300):"إسناده ضعيف".

(5)

انظر: شرح الزركشي (2/ 102).

ص: 302

الاجتماع؛ فاشترط اتصال الصفوف ليتحقق هذا المعنى، لأن الصفوف المتصلة في حكم المسجد

(1)

.

الدليل الخامس: باتصال الصفوف يمكن الاقتداء دون خلل، وبعدمه لا تتحقق تبعية المكان وتشتبه على المأموم أفعال الإمام

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- صحة إئتمام من سمع التكبير وهو خارج المسجد ولم تتصل الصفوف-بما يلي:

الدليل الأوّل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤتَمَّ بِهِ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل الحديث على أن الائتمام على أي وجه كان فقد جاز، وصحت به الصلاة

(4)

.

يمكن أن يناقش: لا يكون الائتمام جائزًا إلا إذا تحقق؛ وهو منتفٍ مع عدم اتصال الصفوف ولو وجد السماع.

الدليل الثاني: مسجد رسول الله قد ضاق على المصلين وكانوا يصلون بالقرب منه حيث يمكنهم معرفة أفعال الإمام ولم ينكر ذلك أحد

(5)

.

يمكن أن يناقش: صلاتهم خارج المسجد محمولة على حال اتصال الصفوف، وليس فيما ذكر دليل على صلاتهم مع عدم اتصال صفوفهم.

الدليل الثالث: السماع أحد طرق العلم، والعبرة به وهو يختلف بقرب الموضع وبعده

(6)

.

(1)

انظر: المحيط البرهاني (1/ 417)، المغني (2/ 153)، الممتع، لابن المنجى (1/ 490).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 193)، بدائع الصنائع (1/ 145)، المبدع (2/ 98).

(3)

رواه البخاري في كتاب الأذان، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به (1/ 139)(688)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام (1/ 309)(412).

(4)

انظر: الإشراف (1/ 301).

(5)

انظر: المرجع السابق.

(6)

انظر: الإشراف (1/ 302)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 474).

ص: 303

يمكن أن يناقش: السماع دون اتصال الصفوف قد يحصل به لبس على المأموم؛ كأن يكبر الإمام ويسجد للسهو ويظن المأموم أنه كبر للقيام.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة- والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: عدم صحة إئتمام من سمع التكبير وهو خارج المسجد ولم تتصل الصفوف، وذلك لقوة هذا القول ووجاهته، وضعف أدلة القول المخالف لما ورود عليها من مناقشات.

ص: 304

‌المطلب السابع: لا فرق في الصلاة إلى المتحدثين والنائم بين الفريضة والنافلة.

‌صورة المسألة:

إذا صلى شخص في قبلته شخص نائم أو متحدث، فما الحكم، وهل يؤثر فيه كون الصلاة فريضة أو نافلة؟

جاء في المغني: "تكره الصلاة إلى المتحدثين، لئلا يشتغل بحديثهم، واختلف في الصلاة إلى النائم، فروي أنه يكره

لا فرق بين الفريضة والنافلة إلا في صلاة الراكب"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

عموم النهي في ما جاء عن ابْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلَّى خَلْفَ الْمُتَحَدِّثِ وَالنَّائِمِ)

(2)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في حكم الصلاة إلى النائم والمتحدثين على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:

لا تكره الصلاة إلى النائم والمتحدث في الفرض والنفل، وهو مذهب الحنفية

(3)

، وقول

(1)

(2/ 178).

(2)

رواه ابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب من صلى وبينه وبين القبلة شيء (1/ 308)(959) واللفظ له، وأبو داود في السنن، كتاب الصلاة، باب الصلاة إلى المتحدثين والنيام (1/ 185)(694)، قال النووي في المجموع (3/ 251):"ضعيف باتفاق الحفاظ"، وقال ابن رجب في الفتح (4/ 106): "له طرق

كلها واهية"، وقال العيني في البناية (2/ 454): "في سند أبي داود رجل مجهول وفي سند ابن ماجه أبو المقدام البصري لا يحتج بحديثه".

(3)

إذا لم يشوش المتحدث على المصلي، ولم يخرج من النائم ما يضحكه.

انظر: المحيط البرهاني (5/ 308)، تبيين الحقائق (1/ 167)، البحر الرائق (2/ 33).

ص: 305

للمالكية

(1)

، ورواية عند الحنابلة

(2)

.

القول الثاني:

تكره الصلاة إلى النائم والمتحدث في الفرض والنفل، وهو مذهب المالكية

(3)

، الشافعية

(4)

، والحنابلة

(5)

، وقول للحنفية

(6)

.

القول الثالث:

تكره الصلاة إلى النائم فقط

(7)

في الفريضة دون النافلة، وهو قول عند الحنابلة

(8)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- لا تكره الصلاة إلى النائم والمتحدث في الفرض والنفل-بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يُصَلِّي صَلَاتَهُ بِاللَّيْلِ وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ أَيْقَظَهَا، فَأَوْتَرَتْ)

(9)

.

وجه الدلالة من الحديث:

(1)

انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (2/ 140).

(2)

انظر: المغني (2/ 178)، الفروع (2/ 276).

(3)

انظر: المعونة (1/ 296)، التبصرة، للخمي (2/ 441)، شرح التلقين (1/ 877)، التوضيح (2/ 5)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 246).

(4)

الكراهة عندهم في الصلاة للمتحدث دون النائم.

انظر: المجموع (3/ 251).

(5)

انظر: المغني (2/ 178)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 643)، المبدع (1/ 428).

(6)

انظر: البحر الرائق (2/ 33).

(7)

ولا تكره إلى المتحدثين.

(8)

انظر: الفروع (2/ 276)،

(9)

رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة خلف النائم (1/ 108)(512)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل، وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة (1/ 511)(744)، واللفظ له.

ص: 306

الحديث صريح الدلالة في جواز الصلاة إلى النائم، ولو لم يجز ما فعله عليه الصلاة والسلام

(1)

.

الدليل الثاني: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم-يتذاكرون العلم والمواعظ ويقرأون القرآن، وبعضهم يصلي ولم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولو كان مكروها لنهاهم عنه

(2)

.

استدل أصحب القول الثاني القائل- تكره الصلاة إلى النائم والمتحدث في الفرض والنفل-بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلَّى خَلْفَ الْمُتَحَدِّثِ وَالنَّائِمِ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث نهي يفيد التنزيه عن الصلاة إلى النيام والمتحدثين، وهو عام فيشمل الفرض والنفل

(4)

.

نوقش من وجهين:

أ. الحديث غير ثابت فلا يصح الاحتجاج به

(5)

.

ب. يحمل النهي في الحديث على ما إذا ارتفعت أصوات المتحدثين، أو خيف خروج شيء من النائم يُضحك المصلي ويُخجل النائم إذا انتبه

(6)

.

الدليل الثاني: الصلاة إلى المتحدثين فيها إشغال للمصلي عن حضور قلبه، ولا يؤمَن مع الصلاة إلى النيام ما تنزه الصلاة عنه كخروج الريح ونحوه

(7)

.

(1)

انظر: البناية (2/ 454)، المغني (2/ 178)، إكمال المعلم (2/ 429)، فتح الباري، لابن رجب (4/ 106).

(2)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 167)، البحر الرائق (2/ 33)

(3)

تقدم تخريجه ص 308.

(4)

انظر: التنوير (11/ 6).

(5)

انظر: معالم السنن (1/ 186).

(6)

انظر: البناية (2/ 454).

(7)

انظر: المعونة (1/ 296)، التبصرة، للخمي (2/ 441)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 644)، كشاف القناع (1/ 371).

ص: 307

يمكن أن يناقش من وجهين:

أ. يستثنى من حكم الجواز تحقق حصول الاشغال للمصلي

(1)

.

ب. الأصل عدم ذلك، ولا يعلق الحكم بأمر محتمل.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل-تكره الصلاة إلى النائم فقط في الفريضة دون النافلة-بـ:

عن عَائِشَةَ- رضي الله عنها قالت: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يُصَلِّي صَلَاتَهُ بِاللَّيْلِ وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ أَيْقَظَهَا، فَأَوْتَرَتْ)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

ثبت بالحديث جواز الصلاة إلى النائم في النافلة ويبقى حكم الفرض على مقتضى العموم

(3)

.

أجيب: حديث الجواز صحيح وحديث النهي ضعيف؛ ولا تترك دلالة الخبر الصحيح لدلالة الخبر الضعيف

(4)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم-هو القول الأوّل القائل: لا تكره الصلاة إلى النائم والمتحدث في الفرض والنفل، وذلك لقوة هذا القول وصحة دليله، في مقابلة ضعف أدلة المخالفين لعدم مناهضتها الأدلة الصحيحة الصريحة.

(1)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 308)، المنهل العذب (5/ 86).

(2)

تقدم تخريجه ص 309.

(3)

انظر: المغني (2/ 178).

(4)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 643).

ص: 308

‌المطلب الثامن: لا فرق في إمامة المرأة والخنثى بين الفرض والنفل.

‌صورة المسألة:

إذا ائتم رجال بامرأة أو خنثى، فما حكم ذلك الائتمام، سواء أكانت الصلاة فرضًا أو نفلًا أو تراويحًا؟

جاء في الكشاف: "ولا تصح إمامة امرأة برجال

ولا إمامة خنثى مشكل برجال، لاحتمال كونه امرأة

وعلى المذهب لا فرق بين الفرض والتراويح وغيرها"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر والله أعلم أن سبب الإلحاق في المسألة هو: عموم النصوص الواردة في حكم إمامة المرأة بالرجال.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على عدم صحة إمامة المرأة والخنثى بالرجال في الفرض

(2)

.

2 -

واختلفوا في صحة إمامتهما بالرجال في التراويح، على قولين:

القول الأوّل:

لا تصح إمامة المرأة والخنثى بالرجال في التراويح، وهو مذهب الحنفية

(3)

، والمالكية

(4)

،

(1)

(1/ 479).

(2)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (2/ 67)، البناية (2/ 342)، النوادر والزيادات (1/ 285)، شرح الخرشي (2/ 22)، الأم (1/ 191)، المجموع (4/ 255)، شرح الزركشي (2/ 95)، كشاف القناع (1/ 479).

(3)

انظر: النتف في الفتاوى (1/ 97)، بدائع الصنائع (1/ 140)، تبيين الحقائق (1/ 140)، البناية (2/ 342)، حاشية ابن عابدين (1/ 576، 577).

(4)

انظر: شرح التلقين (1/ 670)، الذخيرة (2/ 242)، الفواكه الدواني (1/ 205)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 326).

ص: 309

والشافعية

(1)

، والحنابلة

(2)

.

القول الثاني:

تصح إمامة المرأة والخنثى بالرجال

(3)

في التراويح؛ إن كانت قارئة والرجال أميون

(4)

، وهو قول عند الشافعية

(5)

، ورواية عند الحنابلة

(6)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- لا تصح إمامة المرأة والخنثى بالرجال في التراويح - بما يلي:

الدليل الأوّل: عن جابر-رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أَلَا لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا، وَلَا يَؤُمَّ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا، وَلَا يَؤُمَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا)

(7)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث نهي صريح عن إمامة المرأة للرجال، ومقتضاه الفساد؛ لأن العبادات مبناها على التوقيف، ولو كانت إمامة المرأة للرجال صحيحة لنقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

انظر: الأم (1/ 191)، الحاوي (2/ 326)، نهاية المطلب (2/ 379)، البيان، للعمراني (2/ 399).

(2)

انظر: المغني (2/ 147)، المبدع (2/ 81)، الإنصاف (4/ 383)، دقائق أولي النهى (1/ 275)، كشاف القناع (1/ 479).

(3)

حكي عن أبي ثور والطبري الصحة مطلقًا، انظر: الحاوي (2/ 327)، العدة، ابن العطار (1/ 416).

(4)

وتقف خلفهم، انظر: شرح التلقين (1/ 671)، المغني (2/ 146).

(5)

انظر: بحر المذهب (2/ 261)، البيان، للعمراني (2/ 398).

(6)

وفي رواية تصح في النفل.

انظر: الإنصاف (4/ 383، 384)، منتهى الإرادات (1/ 304)، كشاف القناع (1/ 479).

(7)

رواه ابن ماجه في سننه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب في فرض الجمعة (1/ 343)(1081)، قال النووي في المجموع (4/ 255):"رواه ابن ماجه والبيهقي بإسناد ضعيف"، وقال ابن حجر في التلخيص (2/ 85): في سنده عبد الله بن محمد العدوي، والعدوي متهم بوضع الحديث.

ص: 310

- وأصحابه

(1)

، وإذا لم تصح إمامة المرأة بالرجال لم تصح إمامة الخنثى بهم لاحتمال كونه امرأة

(2)

.

الدليل الثاني: عن أبي هريرة –رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا)

(3)

.

الدليل الثالث: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (أَخِّرُوهُنَّ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديثين:

دل الحديثان على وجوب تأخير النساء في موقف الصلاة؛ وإذا وجب تأخيرهن فقد حرم تقديمهن لإمامة الرجال

(5)

، لأنهن عورات وقد يفتتن الرجال بهن

(6)

.

الدليل الرابع: عن أبي بكرَة

(7)

رضي الله عنه -قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً)

(8)

.

وجه الدلالة من الحديث:

ثبت بنص الحديث عدم جواز تولي المرأة للإمامة العظمى، فكذلك الإمامة الصغرى قياسًا

(1)

انظر: بداية المجتهد (1/ 155)، النجم الوهاج (2/ 352).

(2)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 140)، مجمع الأنهر (2/ 730)، الحاوي (2/ 327)، الممتع (1/ 475).

(3)

رواه مسلم كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف، وإقامتها (1/ 326)(440).

(4)

رواه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب شهود النساء الجماعة (3/ 149)(5115)، والطبراني في المعجم الكبير (9/ 295)(9484)، لم أجد حكمًا للموقوف، لكن جاء من طريق آخر مرفوع وضعفه العلماء، قال الزيلعي في نصب الراية (2/ 36):"حديث غريب مرفوعا، وهو في "مصنف عبد الرزاق" موقوف على ابن مسعود"، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/ 319):"لا أصل له مرفوعا".

(5)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 137، 138)، العناية (1/ 362)، بداية المجتهد (1/ 155)، الحاوي (2/ 326)، البيان، للعمراني (2/ 398).

(6)

انظر: شرح التلقين (1/ 670)، الحاوي (2/ 326)، فتح الباري، لابن حجر (2/ 212).

(7)

هو نفيع بن الحارث الثقفي وقيل ابن مسروح، من فضلاء الصحابة روى أحاديث، اشتهر بكنيته لأنه تدلى من حصن الطائف لرسول الله عليه الصلاة والسلام ببكرة، أسلم بالطائف ثم انتقل للبصرة ومات بها سنة (51) وقيل (52)، انظر: الكنى والأسماء (1/ 152)، الإصابة (6/ 369)، تقريب التهذيب (1/ 565).

(8)

رواه البخاري في كتاب المغازي، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر (6/ 8)(4425).

ص: 311

عليها

(1)

.

الدليل الخامس: لا يجوز للمرأة أن تؤذن للرجال -بدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لأم ورقة

(2)

مؤذنًا يؤذن لها- فلم يجز لها أن تأمهم من باب أولى

(3)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- تصح إمامة المرأة والخنثى بالرجال في التراويح؛ إن كانت قارئة والرجال أميون-بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ رضي الله عنها (أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يَزُورُهَا (أم ورقة) فِي بَيْتِهَا وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا، وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأم ورقة أن تؤم أهل دارها كان عامًا، لم يخص النساء ويستثني الرجال، وفي ذلك دليل على صحة إمامة المرأة بالرجال

(5)

.

نوقش من وجهين:

أ. هذا الحديث تعارضه أحاديث النهي عن ائتمام الرجال بالنساء وأحاديث الأمر بتأخير النساء عن الرجال، التي سبق ذكرها في أدلة القول الأول

(6)

.

(1)

انظر: شرح التلقين (1/ 670)، الحاوي (2/ 327).

(2)

هي أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصارية، ويقال لها بنت نوفل نسبة لجدها الأعلى، تلقب بالشهيدة، كانت قارئة للقرآن، قتلها خدمها في خلافة عمر، انظر: الإصابة (8/ 489)، تقريب التهذيب (1/ 759).

(3)

انظر: المغني (2/ 146، 147)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 384).

(4)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الصلاة، باب إمامة النساء، (1/ 161)(592)، وأحمد في مسنده (45/ 255)(27283)، قال الساعاتي في الفتح الرباني (5/ 234):"في سنده عبد الرحمن بن خلاد وهو مجهول".

(5)

انظر: بحر المذهب (2/ 261)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 385).

(6)

انظر: الحاوي (2/ 326)، بحر المذهب (2/ 261).

ص: 312

ب. روي الحديث بزيادة: «أَذِنَ لَهَا أَنْ يُؤَذَّنَ لَهَا وَيُقَامَ وَتَؤُمَّ نِسَاءَهَا»

(1)

، فيحمل المطلق على المقيد في هذه الرواية

(2)

.

أجيب: ورد الأمر لأم ورقة بأن تقدم الرجال أمامها وتصلي بهم من ورائهم، في قوله:«فقدمي الرجال أمامك وصلي بهم»

(3)

، وهذا الأمر صريح لا احتمال فيه

(4)

.

نوقش الجواب: إنما هو خاص بأم ورقة رضي الله عنها؛ بدليل أنه جعل لها مؤذن ومعلوم أن الأذان إنما يشرع في الفرائض، ولا خلاف في أن المرأة لا تؤم الرجال في الفرائض، وتخصيص صحة إمامتها بهم في التراويح وتأخرها عنهم تحكم من غير دليل

(5)

.

الدليل الثاني: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ

)

(6)

.

وجه الدلالة من الحديث:

بين الحديث ان الأقرأ لكتاب الله أحق بالإمامة-وهو على العموم-وعليه فإن المرأة إذا كانت أقرأ من الرجال كانت أحق أن تؤمهم

(7)

.

نوقش: لفظ القوم خاص بالرجال

(8)

، بدليل قول الله تعالى:{لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ}

(9)

، ولو

(1)

رواه الدار قطني في السنن، كتاب الصلاة، باب في ذكر الجماعة وأهلها وصفة الإمام، (2/ 21) (1084). قال ابن قدامة في المغني (1/ 306): بعد أن ذكر سند الدارقطني، "قيل إن هذا الحديث يرويه الوليد بن جميع، وهو ضعيف"، وقال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 393):"لما ذكر ابن الجوزي في «تحقيقه» هذا الحديث قال: الوليد بن جميع ضعيف وأمه مجهولة"، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 67):"في إسناده عبدالرحمن بن خلاد وفيه جهالة".

(2)

انظر: المنهل العذب (4/ 314)، الممتع، للمنجى (1/ 475).

(3)

لم أجد له تخريجًا-فيما اطلعت عليه- وذكره صاحب الممتع نقلًا عن صاحب النهاية، لابن المنجى (1/ 475)، وذكره الزركشي في شرحه (2/ 95) وقال:"رواه المروذي بإسناده".

(4)

النهاية في شرح الهداية، المنجى بواسطة الممتع (1/ 475).

(5)

انظر: المغني (2/ 147)، الشرح الكبير (4/ 385).

(6)

رواه مسلم في كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة (673)(1/ 465).

(7)

انظر: الحاوي (2/ 326)، الإرشاد، ابن أبي موسى (1/ 65)، المنح الشافيات (1/ 252).

(8)

انظر: شرح التلقين (1/ 670)، إكمال المعلم (2/ 652)، النجم الوهاج (2/ 352).

(9)

سورة الحجرات من آية (11).

ص: 313

دخلت النساء في لفظ القوم لما أعاد ذكرهن.

الدليل الثالث: وصف الرق أشد من وصف الأنوثة، بدليل أن العبد يُقتل بالمرأة الحرة، وهي لا تُقتل به، فإذا صحت أمامة العبد بالأحرار فإمامة المرأة بهم من باب أولى

(1)

.

نوقش: قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}

(2)

، فقصرت المرأة عن أن تكون لها ولاية وقوامة؛ لأنها وصفت في الشرع بنقصان العقل والدين

فلم تصح إمامتها بالرجال

(3)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأول القائل: لا تصح إمامة المرأة والخنثى بالرجال في التراويح، وذلك لوجاهة هذا القول وقوة أدلته، في مقابلة ضعف أدلة القول المخالف لما ورود عليها من مناقشات.

(1)

انظر: الحاوي (2/ 326)، بحر المذهب (2/ 261).

(2)

سورة النساء (34).

(3)

انظر: المنتقى للباجي (1/ 235)، شرح التلقين (1/ 670)، العدة، لبهاء الدين المقدسي (1/ 140).

ص: 314

‌المطلب التاسع: لا فرق في كراهة وقوف الإمام أعلى من المأموم بين قصد التعليم وعدمه.

‌صورة المسألة:

إذا وقف الإمام في موضع أرفع من موضع المأمومين، فما حكم وقوفه؟

جاء في الكشاف: "ويكره أن يكون الإمام أعلى من المأموم

لا فرق بين أن يقصد تعليمهم أم لا"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

ارتفاع الإمام عن المأموم فيه معنى التكبر -وهو ضد ما وضعت له الصلاة من السكينة والتواضع- وهذا المعنى متحقق في قصد التعليم وغيره، فتسد الذريعة ويجري فيه القصد وعدمه مجرى واحدًا

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على جواز وقوف الإمام أعلى من المأمومين إذا كان الارتفاع يسيرًا

(3)

.

2 -

واختلفوا في حكم وقوفه إذا كان الارتفاع كثيرًا سواء قصد التعليم أو لا، على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:

(1)

(1/ 493).

(2)

انظر: النوادر والزيادات (1/ 297)، شرح التلقين (1/ 701)، إكمال المعلم (2/ 315).

(3)

وحد اليسير عند الحنفية: هو ما لا يجاوز القامة، وقيل: هو قدر الذراع، وعند المالكية: قدر شبر، وعند الشافعية: قدر الدكة أو الربوة قليلة العلو، وعند الحنابلة: دون قامة المأموم، أو دون ذراع.

انظر: تبيين الحقائق (1/ 165)، البناية (2/ 452)، المدونة (1/ 175)، بلغة السالك (1/ 448)، البيان، للعمراني (2/ 427)، الكافي، لابن قدامة (1/ 302)، المغني (2/ 154)، الممتع (1/ 491).

ص: 315

يكره للإمام أن يقف أعلى من المأموم إذا كان الارتفاع كثيرًا لا فرق بين قصد التعليم وعدمه، وهو مذهب الحنفية

(1)

، والمالكية

(2)

، والحنابلة

(3)

.

القول الثاني:

يباح للإمام أن يقف أعلى من المأموم إذا كان الارتفاع كثيرًا، لا فرق بين قصد التعليم وعدمه، وهو قول للحنفية

(4)

، ورواية عند الحنابلة

(5)

.

القول الثالث:

لا يكره للإمام أن يقف أعلى من المأموم إذا قصد تعليمهم

(6)

، وهو مذهب الشافعية

(7)

، وقول لأبي حنيفة

(8)

، والمالكية

(9)

، ورواية عند الحنابلة

(10)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- يكره للإمام أن يقف أعلى من المأموم إذا كان الارتفاع كثيرًا لا فرق بين قصد التعليم وعدمه- بما يلي:

الدليل الأوّل: كَانَ عَمَّار بْنِ يَاسِرٍ-رضي الله عنه-بِالْمَدَائِنِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَتَقَدَّمَ عَمَّارٌ

(1)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (2/ 70)، تحفة الفقهاء (1/ 143)، بدائع الصنائع (1/ 146)، البناية (2/ 452).

(2)

انظر: المدونة 1/ 175)، شرح التلقين (1/ 701)، عقد الجواهر (1/ 144).

(3)

انظر: المغني (2/ 154)، شرح الزركشي (2/ 106، 107)، الإنصاف (4/ 453).

وفي بطلان الصلاة بالارتفاع الكثير وجهان، انظر، الممتع، لابن المنجى (1/ 491)، المبدع (2/ 100).

(4)

انظر: البحر الرائق (2/ 28).

(5)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (4/ 453).

(6)

أو كان المكان ضيقًا.

(7)

انظر: بحر المذهب (2/ 284)، البيان، للعمراني (2/ 427) روضة الطالبين (1/ 378، 379).

(8)

انظر: حاشية ابن عابدين (1/ 647).

(9)

وإذا قصد التكبر حرم مطلقًا.

انظر: التوضيح لمختصر ابن الحاجب (1/ 459)، مواهب الجليل (2/ 118، 119)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 336، 337)، بلغة السالك (1/ 448).

(10)

انظر: المبدع (2/ 99)، الإنصاف (4/ 454، 455).

ص: 316

وَقَامَ عَلَى دُكَّانٍ

(1)

يُصَلِّي وَالنَّاسُ أَسْفَلَ مِنْهُ، فَتَقَدَّمَ حُذَيْفَةُ-رضي الله عنه-فَأَخَذَ عَلَى يَدَيْهِ فَاتَّبَعَهُ عَمَّارٌ، حَتَّى أَنْزَلَهُ حُذَيْفَةُ فَلَمَّا فَرَغَ عَمَّارٌ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَقُمْ فِي مَكَانٍ أَرْفَعَ مِنْ مَقَامِهِمْ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ؟، قَالَ عَمَّارٌ: «لِذَلِكَ اتَّبَعْتُكَ حِينَ أَخَذْتَ عَلَى يَدَيَّ

(2)

.

الدليل الثاني: عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ

(3)

– رضي الله عنه، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فَوْقَ شَيْءٍ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ) يَعْنِي أَسْفَلَ مِنْهُ

(4)

.

وجه الدلالة من الحديثين:

دل الحديثان على أن وقوف الإمام على موضع أرفع عن المأمومين منهي عنه مطلقًا، وأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يكرهون ذلك

(5)

.

نوقش: يحمل النهي على كون الارتفاع لغير قصد التعليم

(6)

.

أجيب: ظاهر النهي التحريم؛ وبصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وارتفاعه على المنبر

(1)

الدكن: لون يضرب للغبرة والسواد، والدكان جمعه دكاكين وهي الحوانيت، والدكة المبنية، وهي المكان المرتفع الذي يجلس عليه، انظر: لسان العرب (1/ 157)، النهاية (2/ 182)، شرح أبي داود، العيني (3/ 103).

(2)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الصلاة، باب الإمام يقوم مكانا أرفع من مكان القوم (1/ 163)(598)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب ما جاء في مقام الإمام (3/ 155)(5235)، قال الذهبي في تنقيح التحقيق (1/ 262):"وفيه مجهولان".

(3)

هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري صحابي جليل، روى أحاديث، شهد العقبة ولم يشهد بدرًا، نزل ماء ببدر فاشتهر بذلك، شهد أحدًا وما بعدها، نزل الكوفة، مات سنة (40) هـ وقيل بعدها، انظر: سير أعلام النبلاء (4/ 105)، الإصابة (4/ 432)، تقريب التهذيب (1/ 395).

(4)

رواه الدارقطني في السنن، كتاب الجنائز، باب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم الإمام فوق شيء والناس خلفه، (2/ 463)(1882)، قال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (2/ 494):"وقد ضعف ابن المديني ويحيى زيادا"، وقال الذهبي في تنقيح التحقيق (1/ 262):"تفرد به زياد، وهو مختلف في توثيقه".

(5)

انظر: المفاتيح شرح المصابيح (2/ 231)، المنهل العذب (4/ 322).

(6)

انظر: الحاوي (2/ 344)، بحر المذهب (2/ 285).

ص: 317

ينصرف إلى الإباحة مطلقًا

(1)

.

الدليل الثالث: في وقوف الإمام على موضع أرفع من المأمومين تشبه بأهل الكتاب

(2)

.

الدليل الرابع: المأموم يحتاج في اقتدائه بالإمام للنظر إلى ركوعه وسجوده، وإذا وقف الإمام على مكان أرفع من المأموم لأدى ذلك لتكلفه برفع بصره المنهي عنه

(3)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- يباح للإمام أن يقف أعلى من المأموم إذا كان الارتفاع كثيرًا، لا فرق بين قصد التعليم وعدمه - بـ:

عن سهل الساعدي-رضي الله عنه-أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى المنبر ثُمَّ نَزَلَ القَهْقَرَى

(4)

، فَسَجَدَ فِي أَصْلِ المِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ:(أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي)

(5)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل فعل النبي صلى الله عليه وسلم على جواز ارتفاعُ الإمام على المأمومين مطلقًا من غير كراهة

(6)

.

نوقش: دلالة الحديث لا تتناول إطلاق جواز ارتفاع الإمام دون قصد التعليم، لأن مناسبة الفعل

(1)

انظر: نيل الأوطار (3/ 231).

(2)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 165)، البناية (2/ 452).

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 40)، الإشراف (1/ 301)، المغني (2/ 154).

(4)

المشي إلى الخلف.

انظر: مقاييس اللغة (5/ 35)، غريب الحديث، ابن الجوزي (2/ 273)، فتح الباري، لابن حجر (2/ 400).

(5)

رواه البخاري في كتاب الجمعة، باب الخطبة على المنبر (2/ 9)(917)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة (1/ 386)(544).

(6)

انظر: المحلى (2/ 405)، منحة الباري (2/ 627).

ص: 318

تقتضي اعتبار وصف التعليم علة للجواز

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل- لا يكره للإمام أن يقف أعلى من المأموم إذا قصد تعليمهم-بـ:

عن سهل الساعدي-رضي الله عنه-أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى المنبر، ثُمَّ نَزَلَ القَهْقَرَى، فَسَجَدَ فِي أَصْلِ المِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ:(أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

بين النبي صلى الله عليه وسلم أن صعوده المنبر وصلاته عليه إنما كان لتعليم أصحابه، وفي ذلك دلالة صريحة على جواز ارتفاع الإمام على المأموم لقصد التعليم وبيان أفعال الصلاة

(3)

نوقش من أوجه

(4)

:

أ. يحمل وقوف النبي صلى الله عليه وسلم على أنه كان على درجة المنبر السفلى؛ فيكون ارتفاعه يسيرًا، جمعًا بين الأدلة.

ب. النبي صلى الله عليه وسلم لم يتم الصلاة على المنبر؛ بل كان جلوسه وسجوده على الأرض مساويًا للمأمومين.

ت. ثبت النهي عن ارتفاع الإمام على المأموم بقول رسول الله، وما ورد في الحديث من

(1)

انظر: إحكام الأحكام (1/ 331).

(2)

تقدم تخريجه ص 321.

(3)

انظر: معالم السنن (1/ 247، 248)، شرح النووي على مسلم (5/ 35)، العدة، ابن العطار (2/ 674)، رياض الأفهام (2/ 616).

(4)

انظر: المعلم (1/ 414)، المغني (2/ 154)، البناية (2/ 453)، نيل الأوطار (3/ 231).

ص: 319

فعله؛ والعمل بحكم القول مقدم على العمل بحكم الفعل

(1)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يكره للإمام أن يقف أعلى من المأموم إذا كان الارتفاع كثيرًا لا فرق بين قصد التعليم وعدمه، وذلك لقوة هذا القول وفيه إعمال لجميع الأدلة، والرد على الاعتراض الوارد عليه، وورود المناقشات المضعفة لأدلة المخالفين.

(1)

وهو مذهب الجمهور، خلافًا لمن قال: يقدم العمل بحكم الفعل، ولمن قال بالتوقف.

انظر: المعتمد (1/ 360)، التمهيد، لأبي الخطاب (2/ 331)، الإحكام (1/ 192)، الأشباه والنظائر، للسبكي (2/ 151)، البحر المحيط (6/ 48 - 51)،)، تيسير التحرير (3/ 148)، إرشاد الفحول (1/ 114، 115).

ص: 320

‌المطلب العاشر: لا فرق في جمع التقديم والتأخير بين النازل والسائر.

‌صورة المسألة:

إذا أراد مسافر أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء فهل يجوز له ذلك؟ وهل يؤثر في الحكم كونه سائرًا أو نازلًا؟

جاء في الكشاف: "يجوز الجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما و بين العشاءين في وقت إحداهما

أما الأولى، ويسمى جمع التقديم، أو الثانية، ويقال له: جمع التأخير

وظاهره: لا فرق بين أن يكون نازلًا أو سائرًا في جمع التقديم أو التأخير"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر -والله أعلم- أن سبب الإلحاق هو: أن المعنى الذي أبيح من أجله الجمع بين الصلاتين في السفر -هو مشقة السفر واشتغال المسافر-متحقق في حال سير المسافر وحال نزوله، فلزم استواء الحكم في الحالين

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على مشروعية الجمع بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بمزدلفة

(3)

.

(1)

(2/ 5).

(2)

انظر: المجموع (4/ 372).

(3)

واختلفوا في علة رخصة الجمع: ذهب الحنفية إلى أن العلة هي النسك، وذهب الجمهور إلى أن العلة هي السفر.

انظر: بدائع الصنائع (1/ 126)، البحر الرائق (1/ 267)، القوانين الفقهية (1/ 57)، الفواكه الدواني (1/ 232، 233)، نهاية المطلب (2/ 466)، روضة الطالبين (1/ 396)، الفروع (3/ 104)، كشاف القناع (2/ 5).

ص: 321

2 -

واختلفوا في حكم الجمع بين الصلاتين في غيرهما للمسافر على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:

يجوز للمسافر الجمع بين الصلاتين سواء أكان نازلًا أو سائرًا

(1)

، وهو مذهب المالكية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

.

القول الثاني:

لا يجوز للمسافر الجمع بين الصلاتين إلا إذا كان سائرًا، وهو قول للمالكية

(5)

، والحنابلة

(6)

.

القول الثالث:

لا يجوز للمسافر الجمع بين الصلاتين في غير عرفة ومزدلفة، وهو مذهب الحنفية

(7)

، وقول للمالكية

(8)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- يجوز للمسافر الجمع بين الصلاتين سواء أكان نازلًا أو سائرًا -بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ-رضي الله عنه قَالَ: (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ

(1)

وذلك في السفر الطويل.

(2)

انظر: المدونة (1/ 205)، بداية المجتهد (1/ 182، 183)، المعونة (1/ 259)، مواهب الجليل (2/ 154، 155).

(3)

انظر: الأم (1/ 96)، الحاوي (2/ 393)، المهذب، الشيرازي (1/ 197).

(4)

انظر: الكافي، ابن قدامة (1/ 311)، المغني (2/ 200)، كشاف القناع (2/ 5).

(5)

انظر: بداية المجتهد (1/ 183)، الفواكه الدواني (1/ 234).

(6)

انظر: الفروع (3/ 104)، المبدع (2/ 125).

(7)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 149)، بدائع الصنائع (1/ 126)، البحر الرائق (1/ 267).

(8)

انظر: الاستذكار (2/ 206)، المقدمات الممهدات (1/ 188)، بداية المجتهد (1/ 183).

ص: 322

جَمِيعًا)

(1)

.

وفي رواية قَالَ: فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ (فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا)، ثُمَّ دَخَلَ. ثُمَّ خَرَجَ «فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا»

(2)

.

وعنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ، أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى الْعَصْرِ، فَيُصَلِّيَهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ، صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبَ، أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ)

(3)

.

الدليل الثاني: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ:(كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ)

(4)

.

الدليل الثالث: عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما لما جد به السير

(5)

، بِطَرِيقِ مَكَّةَ، حَتَّى كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ، فَصَلَّى المَغْرِبَ وَالعَتَمَةَ، جَمَعَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: (إنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ

(1)

رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصره، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر (1/ 490)(706).

(2)

رواه مسلم في كتاب الفضائل، باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 1784)(706).

(3)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين (2/ 7)(1220)، والترمذي في السنن، أبواب السفر، باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين (1/ 690)(553)، و الدارقطني في سننه، كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين في السفر (2/ 241)(1464)، وأحمد في مسنده (36/ 413)(22094)، وقال الترمذي:"حديث حسن"، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 122):"قال أبو داود هذا حديث منكر وليس في جمع التقديم حديث قائم".

(4)

رواه البخاري في كتاب الجمعة، باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس (2/ 46)(1111)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر (1/ 489)(704).

(5)

الجد: يطلق على العظمة، والجد في الأمر: الاجتهاد فيه.

وجد في السير: اجتهد وتعجل فيه، انظر: المصباح المنير (1/ 92)، طرح التثريب (3/ 122)، المنهل العذب (7/ 74).

ص: 323

- صلى الله عليه وسلم إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ المَغْرِبَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا)

(1)

.

وجه الدلالة من الأحاديث:

دلالة الأحاديث صريحة في جواز الجمع بين الصلاتين للمسافر في كل حال نازلًا كان أو سائرًا، فيتعين الأخذ بها إذا لا معارض لها

(2)

.

نوقش: يحمل -معنى الجمع في الأخبار على الجمع فعلًا لا وقتًا، كأن يصلي الأولى في آخر وقتها، والأخرى في أول وقتها

(3)

.

أجيب بعدة أجوبة

(4)

:

1 -

وردت النصوص صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع الصلاتين في وقت إحداهما، كقول أنس:"أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم يجمع بينهما"

(5)

.

2 -

الجمع رخصة قصد بها التخفيف، ولو كان المراد بالجمع تأخير كل صلاة إلى آخر وقتها ومراعاة طرفي الوقتين؛ لكان أشد ضيقًا، وأعظم حرجًا من الإتيان بكل صلاة في وقتها، وهذا ينافي مقصود الرخصة.

3 -

الأولى حمل الأخبار على الوجه السابق إلى الفهم، وصون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التكلف في حمل معناه.

الدليل الرابع: قياس جمع الصلاتين على القصر والمسح، بجامع أن الكل رخصة من رخص

(1)

رواه البخاري في كتاب الحج، باب المسافر إذا جد به السير يعجل إلى أهله (3/ 8)(1805)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر (1/ 488)(703).

(2)

انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (3/ 100)، المجموع (4/ 372)، المغني (2/ 202)، طرح التثريب (3/ 123، 124).

(3)

انظر: البحر الرائق (1/ 267).

(4)

انظر: المغني (2/ 202)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (5/ 86، 87).

(5)

تقدم تخريجه ص 326.

ص: 324

السفر؛ فلم تختص بحالة السير

(1)

.

الدليل الخامس: القياس على الجمع بين الصلاتين في عرفة ومزدلفة، بجامع أن الكل صلاة وجبت في سفر، فجاز أن تجمع سيرًا ونزولًا

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- لا يجوز للمسافر الجمع بين الصلاتين إلا إذا كان سائرًا-بـ:

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما لما جد به السير، بِطَرِيقِ مَكَّةَ، حَتَّى كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ، فَصَلَّى المَغْرِبَ وَالعَتَمَةَ، جَمَعَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ:(إنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ المَغْرِبَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

بين ابن عمر رضي الله عنه هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الجمع، وقيد الرخصة فيه للمسافر بالسير

(4)

.

نوقش من وجهين:

أ. دل الحديث على جواز الجمع للمسافر حال السير، وليس فيه ما يدل على المنع من الجمع إن كان نازلًا، بدليل التصريح بذلك في حديث معاذ عند قوله:(ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا)

(5)

فإن قوله: دخل ثم خرج؛ لا يكون إلا وهو نازل

(6)

.

(1)

انظر: المجموع (4/ 372)، المغني (2/ 202)، المبدع (2/ 125).

(2)

انظر: الإشراف (1/ 315)، الاستذكار (2/ 205)، بداية المجتهد (1/ 183)، الحاوي (2/ 393).

(3)

تقدم تخريجه ص 326.

(4)

انظر: بداية المجتهد (1/ 183)، عون المعبود (4/ 53)، المنهل العذب (7/ 74).

(5)

تقدم تخريجه ص 325.

(6)

انظر: التمهيد، ابن عبد البر (12/ 201 - 203)، الأم (1/ 96)، فتح الباري، ابن حجر (2/ 583)، الكوثر الجاري، للكوراني (3/ 182).

ص: 325

ب. ليس في حديث ابن عمر تخصيص لحديث معاذ ولا ما يعارضه، وإنما الذي فيهما حكاية حال؛ لأن المسافر إن جاز له الجمع وهو نازل فالسائر أحرى بذلك

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل-لا يجوز للمسافر الجمع بين الصلاتين في غير عرفة ومزدلفة-بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)}

(2)

.

وجه الدلالة من الآية:

دل نص الآية على أن للصلوات أوقات محددة يجب أن تؤدى فيها فلا يجوز لأحد ترك الوقت الذي فرضت فيه الصلاة إلا بدلالة

(3)

.

نوقش: هذا الاستدلال لا حجة فيه؛ لأن وقت الجمع يكون وقتًا للمجموعتين، بدليل أنهما تعدان أداءً لا قضاءً

(4)

.

الدليل الثاني: كتب عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي الآفَاقِ، يَنْهَاهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ

(5)

.

وجه الدلالة:

دل إطلاق قول عمر رضي الله عنه على أن الجمع بين الصلاتين يعد كبيرة من الكبائر،

(1)

انظر: التمهيد، لابن عبد البر (12/ 201).

(2)

سورة النساء: (103).

(3)

انظر: تفسير الطبري (9/ 169، 170)، شرح مختصر الطحاوي (2/ 102).

(4)

انظر: الحاوي (2/ 393).

(5)

رواه مالك في الموطأ، رواية محمد بن الحسن، باب الجمع بين الصلاتين في السفر والمطر (82)(204)، قال ابن حجر في المطالب العالية (5/ 88):"الإِسناد رجاله ثقات، إلَّا أن فيه انقطاعًا؛ بكر بن عبد الله لم يُدْرِك أبا موسى".

ص: 326

سواء أكان من عذر أو من غير عذر

(1)

.

نوقش

(2)

: هذا الخبر غير ثابت، والمراد الجمع بلا عذر فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنَ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ)

(3)

.

الدليل الثالث: عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود-رضي الله عنه قَالَ: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ إِلَّا بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ وَقْتِهَا)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

أخبر ابن مسعود -وهو أكثر ملازمة لرسول الله- أنه ما رأى النبي عليه الصلاة والسلام يجمع بين صلاتين إلا بمزدلفة

(5)

.

نوقش من وجهين:

أ. في الحديث نفي، وفي أحاديث الجواز إثبات،؛ فتقدم لأن فيها زيادة علم

(6)

، والقاعدة:"الإثبات يقدم على النفي"

(7)

.

(1)

انظر: التعليق الممجد على موطأ محمد، أبو الحسنات (1/ 572)، تحفة الأحوذي (1/ 479).

(2)

انظر: الحاوي (2/ 394).

(3)

رواه الدارقطني في السنن، كتاب الصلاة، باب صفة الصلاة في السفر والجمع بين الصلاتين من غير عذر وصفة الصلاة في السفينة (2/ 247)(1475)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (5/ 136)(2751)، وقال الدارقطني:"حنش هذا أبو علي الرحبي، متروك"، قال العقيلي في الضعفاء الكبير (1/ 247):"لا أصل له".

(4)

رواه النسائي في السنن، كتاب المواقيت، الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة (1/ 291) (608). قال الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (2/ 252):"صحيح".

(5)

انظر: شرح سنن النسائي، للأثيوبي (7/ 555).

(6)

انظر: المجموع (4/ 373).

(7)

العدة في أصول الفقه، لأبي يعلى (3/ 1036).

ص: 327

ب. حكم عدم جواز الجمع بغير عرفة ومزدلفة مأخوذ من دليل الخطاب، وهو غير معتبر عند القائلين بذلك

(1)

.

الدليل الرابع: ثبتت أوقات الصلاة بأدلة قطعية من الكتاب والسنة المتواترة، فلا يصح تركها بخبر الواحد

(2)

.

نوقش: ليس في جواز الجمع بين الصلاتين للمسافر ترك للأحاديث المتواترة إلى الآحاد؛ وإنما هو تخصيص لها، وتخصيص المتواتر بالخبر الصحيح جائز بالإجماع، وقد جاز تخصيص الكتاب بخبر الواحد بالإجماع، فتخصيص السنة بالسنة أولى

(3)

.

الدليل الخامس: القياس على عدم جواز الجمع بين العشاء والفجر، وبين الفجر والظهر، بجامع اختصاص كل صلاة منهما بوقت منصوص عليه شرعًا فكذلك الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء

(4)

.

نوقش: هذا القياس لا يستقيم، فكما اختصت رخصة القصر ببعض الصلوات دون بعضها، كذلك رخصة الجمع تختص ببعض الصلوات

(5)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يجوز للمسافر الجمع بين الصلاتين سواء أكان نازلًا أو سائرًا، وذلك لقوة هذا القول وصراحة أدلته وموافقتها لقواعد الشريعة، وضعف أدلة المخالفين لما ورود عليها من مناقشات.

(1)

انظر: تيسير التحرير (1/ 98) وما بعدها.

(2)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 127).

(3)

انظر: فتح الباري، لابن حجر (2/ 582)، العدة في أصول الفقه (2/ 550)، الشرح الكبير (5/ 86، 87).

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 149).

(5)

انظر: الحاوي (2/ 394).

ص: 328

‌المطلب الحادي عشر: لا فرق في الهرب من العدو هربا مباحا، بين الحضر والسفر.

‌صورة المسألة:

إذا هرب شخص من عدو أو سيل أو حريق، وحضرته الصلاة، فهل له أن يصلي صلاة الخوف لو كان حاضرًا أو لا؟

جاء في المغني: "وإن هرب من العدو هربا مباحا، أو من سيل، أو سبع، أو حريق لا يمكنه التخلص منه بدون الهرب، فله أن يصلي صلاة شدة الخوف

ولا فرق بين الحضر والسفر في هذا"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

المبيح لصلاة الخوف هو تحقق خوف الهلاك، وإذا تحقق فلا مدخل للسفر والحضر في التأثير في الحكم

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على جواز صلاة الخوف للهارب من عدو أو سيل ونحوه في السفر

(3)

.

2 -

واختلفوا في جوازها له حضرًا على قولين:

(1)

(2/ 310).

(2)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 245)، الفواكه الدواني (1/ 276)، فتح العزيز (4/ 694)، المغني (2/ 310).

(3)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 231)، البناية (3/ 166)، المدونة (1/ 240)، المعونة (1/ 314)، مغني المحتاج (1/ 580)، الكافي، لابن قدامة (1/ 320)، المغني (2/ 310).

ص: 329

القول الأوّل:

تجوز صلاة الخوف للهارب من عدو ونحوه حضرًا، وهو مذهب الحنفية

(1)

، والمالكية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

.

القول الثاني:

لا تجوز صلاة الخوف للهارب من عدو ونحوه حضرًا، وهو قول للمالكية

(5)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- تجوز صلاة الخوف للهارب من عدو ونحوه حضرًا-بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ}

(6)

.

وجه الدلالة من الآية:

يدل إطلاق الآية على جواز صلاة الخوف في كل حال خاف فيه المصلي من العدو ونحوه

(7)

.

الدليل الثاني: عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا العَدُوَّ، فَصَافَفْنَا لَهُمْ، (فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى العَدُوِّ، وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ،

(1)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 49)، تبيين الحقائق (1/ 231)، العناية (2/ 102)، البناية (3/ 166).

(2)

انظر: عقد الجواهر (1/ 172)، الذخيرة (2/ 437)، مواهب الجليل (2/ 185)، الفواكه الدواني (1/ 267).

(3)

انظر: فتح العزيز (4/ 649)، المجموع (4/ 429)، روضة الطالبين (2/ 62).

(4)

انظر: الهداية، للكلوذاني (108)، المغني (2/ 310)، المحرر (1/ 138).

(5)

انظر: التوضيح (2/ 77).

(6)

سورة النساء (101، 102).

(7)

انظر: تفسير الإمام الشافعي (2/ 658)، طرح التثريب (3/ 140).

ص: 330

فَجَاءُوا، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

ثبت بالأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف في السفر؛ فيقاس عليه حال الحضر، بجامع تحقق وجود الخوف الذي هو سبب لأداء الصلاة على تلك الصفة

(2)

.

الدليل الثالث: عن جابر رضي الله عنه (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصلى رسول الله بأحدى الطائفتين ركعتين ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وصلى بكل طائفة ركعتين)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في أداء النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف أربع ركعات دليل على جوازها للحاضر؛ لأنهم كانوا في أطراف المدينة وقد خرجوا محترسين

(4)

.

نوقش: الثابت أن صلاته تلك كانت في غزوة ذات الرقاع

(5)

، التي خرجوا لها مسافرين

(6)

، بدليل أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ)

(7)

.

(1)

رواه البخاري في كتاب الجمعة، أبواب صلاة الخوف (2/ 14)(942).

(2)

انظر: التبصرة، للخمي (2/ 599)، المجموع (4/ 429)، كشاف القناع (2/ 19).

(3)

رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الخوف (1/ 576)(843).

(4)

انظر: الهداية (1/ 88)، نخب الأفكار (5/ 245)، مرقاة المفاتيح (3/ 1058)، الممتع (1/ 522).

(5)

جمع رقعة وهي ما يرقع به الخرق من الجلد ونحوه، وهي اسم شجرة بنجد سميت الغزوة بها، وقيل: لأنهم عصبوا أرجلهم بالرقاع لما أصابهم من خشونة الأرض، انظر: فتح الباري، ابن حجر (1/ 120)، المعجم الوسيط (1/ 365)، معجم لغة الفقهاء (1/ 225).

(6)

انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (2/ 534)، طرح التثريب (3/ 140).

(7)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الصلاة، باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين (2/ 17)(1248)، وأحمد في المسند (3364)، (3/ 423)، قال شعيب الأرنؤوط:"إسناده صحيح"، وقال النووي في خلاصة الأحكام (2/ 699):"حسن".

ص: 331

يمكن أن يجاب: لا يلزم من أداء النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الخوف سفرًا انتفاء جوازها حضرًا؛ عند وجود سببها.

الدليل الرابع: المقصود من مشروعية صلاة الخوف الاحتراس من العدو ودفع ضرره، فيجب اعتبار هذا القصد في كل حال

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- لا تجوز صلاة الخوف للهارب من عدو ونحوه حضرًا-بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)}

(2)

.

وجه الدلالة من الآية:

دل مفهوم الآية أن صلاة الخوف لا تشرع إلا في السفر لأن صلاة رسول الله على تلك الصفة لم تكن إلا في السفر"

(3)

.

نوقش: وصف السفر يعتبر وصفًا طرديًا؛ فليس بشرط ولا سبب لمشروعية صلاة الخوف

(4)

.

الدليل الثاني: لم يحفظ عن النبي-عليه الصلاة والسلام أنه صلى صلاة خوف قط في حضر، بدليل أنه أخر الصلاة يوم الخندق، ولم يصل صلاة الخوف مع أنه كان يصليها في غزواته

(5)

.

نوقش: لم يصل رسول الله صلاة الخوف يوم الخندق لسببين:

(1)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 49)، الذخيرة (2/ 437).

(2)

سورة النساء (101).

(3)

انظر: شرح التلقين (1/ 899)، شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 623).

(4)

انظر: نيل الأوطار (3/ 378).

(5)

انظر: شرح صيح البخاري، لابن بطال (2/ 534).

ص: 332

أ. صلاة الخوف لم تكن شرعت، وآيتها لم تكن نزلت بعد

(1)

.

ب. لم يصل رسول الله يوم الخندق الظهر ولا العصر وأخرها لأنه شغل عنها

(2)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: تجوز صلاة الخوف للهارب من عدو ونحوه حضرًا، وذلك لقوة هذا القول وموافقته لأصول الشريعة وقواعدها، وضعف القول المخالف، لما ورد على استدلاله من اعتراضات.

(1)

انظر: التنبيه (2/ 638)، الذخيرة (2/ 437).

(2)

انظر: أحكام القرآن للطحاوي (1/ 206).

ص: 333

‌المطلب الثاني عشر: لا فرق في استحباب إقامة الجمعة عقيب الزوال بين شدة الحر، وبين غيره.

‌صورة المسألة:

إذا زالت شمس يوم الجمعة -، فهل المستحب تعجيل إقامتها عقبه أو تأخيرها بالإبراد بها كالظهر؟

جاء في المغني: "وإذا زالت الشمس يوم الجمعة صعد الإمام على المنبر، المستحب إقامة الجمعة بعد الزوال

ولا فرق في استحباب إقامتها عقيب الزوال بين شدة الحر، وبين غيره"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر أن سبب الإلحاق هو: أن لصلاة الجمعة خصائص ومصالح تجب مراعاتها في كل زمان ومكان.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في حكم التعجيل بصلاة الجمعة وعدم الإبراد بها على قولين:

القول الأوّل:

يستحب التعجيل بإقامة الجمعة في شدة الحر وغيره، وهو مذهب الحنفية

(2)

، والمالكية

(3)

، والشافعية

(4)

، والحنابلة

(5)

.

(1)

(2/ 219).

(2)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 219)، البناية (3/ 51)، حاشية ابن عابدين (2/ 165).

(3)

انظر: التبصرة، للخمي (2/ 593)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/ 167)، حاشية العدوي (1/ 245).

(4)

انظر: المهذب، الشيرازي (1/ 104)، فتح العزيز (3/ 54)، بحر المذهب (1/ 441)، مغني المحتاج (1/ 552).

(5)

وأجازوا إقامتها قبل الزوال.

انظر: المغني (2/ 219)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 138)، شرح الزركشي (2/ 164)، كشاف القناع (1/ 251).

ص: 334

القول الثاني:

يستحب الإبراد بصلاة الجمعة في شدة الحر كالظهر، وهو قول للحنفية

(1)

، والمالكية

(2)

، ووجه عند الشافعية

(3)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- يستحب التعجيل بإقامة الجمعة في شدة الحر وغيره-بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ)

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي الجمعة في أول وقتها -بعد الزوال- صيفًا وشتاءً على ميقات واحد، وفعله هذا يدل على أفضلية التعجيل بإقامتها

(5)

.

الدليل الثاني: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه: أَنَّهُ قَالَ: (وَمَا كُنَّا نَتَغَدَّى وَلَا نَقِيلُ، إِلَّا بَعْدَ الجُمُعَةِ)

(6)

.

وجه الدلالة من الحديث:

معنى قوله: "نقيل بعد الجمعة" أنهم يوم الجمعة يبدأون بالصلاة قبل القيلولة، بخلاف ما جرت به عادتهم في صلاة الظهر فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون لمشروعية الإبراد بها

(7)

.

(1)

انظر: درر الحكام) 1/ 52)، البحر الرائق (1/ 260)، حاشية الطحطاوي (1/ 182).

(2)

انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (2/ 498)، حاشية العدوي (1/ 245).

(3)

انظر: نهاية المطلب (2/ 68)، المجموع (3/ 60).

(4)

رواه البخاري في كتاب الجمعة، باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس (2/ 7)(904).

(5)

انظر: الإفصاح (5/ 329)، المغني (2/ 219)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (3/ 183)، الممتع، لابن المنجى (1/ 281).

(6)

رواه البخاري في كتاب المزارعة، باب ما جاء في الغرس (3/ 108)(2349)، كتاب الجمعة، باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس (2/ 588)(859).

(7)

انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (2/ 498)، فتح الباري، لابن حجر (2/ 388).

ص: 335

الدليل الثالث: عن سلمة بن الأكوع

(1)

رضي الله عنه-قال: (كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

يدل رجوعهم من صلاة الجمعة وليس للحيطان ظل يستظلون به على التبكير بها وهو أولى من تأخيرها والإبراد بها

(3)

.

الدليل الرابع: قد يفضي تأخير الجمعة والإبراد بها لفواتها؛ بسبب تكاسل الناس عنه، ومعلوم أن الجماعة شرط فيها

(4)

.

الدليل الخامس: نُدب الناس إلى التبكير بالجمعة

(5)

، فلو أُبرد بها شق عليهم الانتظار وتأذوا من الحر

(6)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- يستحب الإبراد بصلاة الجمعة في شدة الحر كالظهر-بما يلي:

الدليل الأوّل: عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في الشتاء بكر بالظهر وإذا كان في الصيف أبرد بها)

(7)

.

(1)

هو سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي، ينسب لجده مجازًا، كنيته أبو مسلم، شهد بيعة الرضوان، سكن الربذة، روى عنه ابنه إياس وآخرون، نزل المدينة ومات بها سنة (74) هـ. انظر: الجرح والتعديل (4/ 166)، سير أعلام النبلاء (4/ 376)، الإصابة (3/ 127).

(2)

رواه مسلم في كتاب الجمعة، باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس (2/ 589)(860).

(3)

انظر: العدة، ابن العطار (1/ 572).

(4)

انظر: فتح العزيز (3/ 54)، تحفة المحتاج (1/ 433).

(5)

كما في حديث أبي هريرة عند البخاري، كتاب الجمعة، باب فضل الجمعة (2/ 3)(881)، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبش أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة".

(6)

انظر: البيان، للعمراني (2/ 40)، فتح العزيز (3/ 54)، المغني (2/ 219).

(7)

تقدم تخريجه ص 175.

ص: 336

وجه الدلالة من الحديث:

بين الحديث سنية الإبراد بصلاة الظهر، وصلاة الجمعة داخلة في مسمى الصلاة، وعلة الإبراد (شدة الحر) موجودة في الزمانين، فلذا ستحب الإبراد بالصلاتين على حد سواء

(1)

.

نوقش: لو ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أبرد بالجمعة؛ فإن ذلك يحتمل أنه فعله لبيان جوازه، جمعًا بين الأدلة

(2)

.

الدليل الثاني: الأصل أن يوم الجمعة كسائر الأيام، فتعجل صلاتها كالظهر، لأن الجمعة بدل عن الظهر فيأخذ البدل حكم المبدل

(3)

.

نوقش: رويت أخبار مشروعية الإبراد في الظهر فتعارضت الروايات، والعمل برواية التبكير بالجمعة أولى إذ لا معارض لها

(4)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يستحب التعجيل بإقامة الجمعة في شدة الحر وغيره، وذلك لقوة هذا القول ووجاهة استدلاله وسلامته من المعارض، وورود المناقشات المضعفة لاستدلال القول المخالف.

(1)

انظر: رياض الأفهام (2/ 482)، طرح التثريب (2/ 155).

(2)

انظر: تحفة المحتاج (1/ 433).

(3)

انظر: حاشية الطحطاوي (1/ 182)، فتح العزيز (3/ 54)، النفح الشذي (3/ 383).

(4)

انظر: مغني المحتاج (1/ 306).

ص: 337

‌المطلب الثالث عشر: لا فرق في تعلق الحكم بالنداء عقيب جلوس الإمام على المنبر، بين أن يكون ذلك قبل الزوال أو بعده.

‌صورة المسألة:

إذا أُذن لصلاة الجمعة بين يدي الخطيب، فهل يتعلق حكم السعي وترك البيع بذلك الأذان أم أن الحكم متعلق بزوال الشمس؟

جاء في المغني: "وأخذ المؤذنون في الأذان، وهذا الأذان الذي يمنع البيع، ويلزم السعي، إلا لمن منزله في بعد، فعليه أن يسعى في الوقت الذي يكون به مدركا للجمعة

والنداء الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النداء عقيب جلوس الإمام على المنبر، فتعلق الحكم به دون غيره، ولا فرق بين أن يكون ذلك قبل الزوال أو بعده"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر أن سبب الإلحاق هو:

1 -

إطلاق النص الوارد في المسألة دل على تعلق الحكم بالأذان عقب جلوس الإمام على المنبر.

2 -

المنع من البيع لانشغال القلب عن الذكر وهذا متحقق بمجرد الأذان للصلاة سواء أكان وقوع ذلك قبل الزوال أو بعده.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في تعلق حكم السعي للجمعة وترك البيع على قولين:

القول الأوّل:

(1)

(2/ 220).

ص: 338

تتعلق أحكام الجمعة بالأذان بعد جلوس الأمام على المنبر - مطلقًا -، وهو مذهب المالكية

(1)

، والشافعية

(2)

، والحنابلة

(3)

، وقول للحنفية

(4)

.

القول الثاني:

تتعلق أحكام الجمعة بزوال الشمس ولو لم يجلس الإمام على المنبر، وهو مذهب الحنفية

(5)

، وقول عند الحنابلة

(6)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- تتعلق أحكام الجمعة بالأذان بعد جلوس الأمام على المنبر مطلقًا-بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}

(7)

.

وجه الدلالة من الآية:

أمر الله عز وجل بالسعي إلى الجمعة ونهى عن البيع، وجعل الأمر معلقًا على النداء لا على الوقت

(8)

.

الدليل الثاني: عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ

(9)

– رضي الله عنه، قَالَ: (كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الإِمَامُ عَلَى المِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ

(1)

انظر: المدونة (1/ 234)، المعونة (307)، الفواكه الدواني (1/ 258).

(2)

وشرطه أن يكون بعد الزوال.

انظر: الأم (1/ 224)، المهذب (1/ 207)، المجموع (4/ 500)، مغني المحتاج (1/ 566).

(3)

انظر: المغني (2/ 220)، شرح الزركشي (2/ 168)، المبدع (2/ 164).

(4)

انظر: البناية (3/ 90، 91)، البحر الرائق (2/ 168).

(5)

انظر: الهداية، للمرغيناني (1/ 84)، تبيين الحقائق (1/ 223)، العناية (2/ 69).

(6)

انظر: المغني (2/ 22 - ).

(7)

سورة الجمعة (9).

(8)

انظر: المعونة (1/ 307)، الحاوي (2/ 428)، المغني (2/ 220).

(9)

هو السائب بن يزيد بن سعيد الكندي وقيل الأزدي وقيل الهذلي، حالف بني كنانة، ولد سنة (2) من الهجرة، استعمله عمر على سوق المدينة، روى أحاديث، مات سنة (91) هـ، انظر: الاستيعاب (2/ 576)، الإصابة (3/ 22، 23).

ص: 339

- رضي الله عنهما، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه، وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ

(1)

(2)

.

قال السائب بن يزيد رضي الله عنه: (كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان زمن عثمان – رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء).

وجه الدلالة من الحديث:

الأذان الذي بين يدي الإمام على المنبر؛ هو الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم – حين نزول الآية؛ لذا تعلقت به أحكام الجمعة

(3)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- تتعلق أحكام الجمعة بزوال الشمس ولو لم يجلس الإمام على المنبر- بـ:

أن الأذان الأوّل إذا كان بعد الزوال يحصل به الإعلام، وإن لم يجلس الإمام على المنبر؛ فتتعلق الأحكام بالزوال لأنه منضبط لا يختلف وبه يكون وقت الوجوب

(4)

.

نوقش: المقصود من نداء الجمعة الإعلام، وهو يحصل بالأذان ولو كان قبل الزوال لأنه يعد وقتًا للجمعة أيضًا

(5)

.

‌الترجيح:

(1)

اسم دار في السوق بالمدينة، يقف المؤذن على سطحها، انظر: المفاتيح شرح المصابيح (2/ 327)، فتح الباري، ابن حجر (2/ 394).

(2)

رواه البخاري في كتاب الجمعة، باب الأذان يوم الجمعة (2/ 8)(912)، وباب التأذين عند الخطبة (2/ 9)(916).

(3)

انظر: شرح التلقين (1/ 997، 998)، البيان، للعمراني (2/ 88)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (5/ 245)، فتح الباري، ابن رجب (8/ 215).

(4)

انظر: الهداية (1/ 84)، البحر الرائق (2/ 168)، شرح الزركشي (2/ 169).

(5)

على قول جواز إقامة الجمعة قبل الزوال، انظر: المغني (2/ 220)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (11/ 165).

ص: 340

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: تتعلق أحكام الجمعة بالأذان بعد جلوس الأمام على المنبر - مطلقًا -، وذلك لقوة هذا القول وموافقة لدلالة النصوص، وتعليل القول المخالف لا ينهض لمعارضة النصوص والأخبار.

ص: 341

‌المطلب الرابع عشر: لا فرق في السماع، والإنصات في خطبة الجمعة بين القريب والبعيد.

‌صورة المسألة:

إذا شرع الخطيب في الخطبة، فهل يؤثر القرب والبعد عن الإمام في وجوب الإنصات؟

جاء في المغني: "ويجب الإنصات من حين يأخذ الإمام في الخطبة، فلا يجوز الكلام لأحد من الحاضرين

ولا فرق بين القريب والبعيد؛ لعموم ما ذكرناه"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

عموم النصوص والآثار الواردة في حكم الإنصات لخطبة الجمعة

(2)

، وقد روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: من كان قريبًا يسمع وينصت، ومن كان بعيدًا ينصت؛ فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ ما للسامع

(3)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في حكم الإنصات للخطيب حال خطبة الجمعة - للقريب والبعيد -، على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:

يجب الإنصات للخطيب حال الخطبة على القريب والبعيد، وهو مذهب الحنفية

(4)

،

(1)

(2/ 238).

(2)

كما في حديث أبي هريرة عند البخاري، كتاب الجمعة، باب الانصات يوم الجمعة والامام يخطب (2/ 13)(934)، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب، فقد لغوت".

(3)

لم أجد له تخريجًا-فيما اطلعت عليه- وذكره ابن قدامة في المغني (2/ 238).

(4)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 979)، المبسوط، للسرخسي (2/ 28)، المحيط البرهاني (2/ 82)، تبيين الحقائق (1/ 132، 223).

ص: 342

والمالكية

(1)

، والحنابلة

(2)

، ووجه عند الشافعية

(3)

.

القول الثاني:

يستحب الإنصات للخطيب حال الخطبة للقريب والبعيد، وهو مذهب الشافعية

(4)

، ورواية عند الحنابلة

(5)

.

القول الثالث:

يجب على القريب ويستحب للبعيد الإنصات للخطيب حال الخطبة

(6)

، وهو قول للحنفية

(7)

، والحنابلة

(8)

، ووجه عند الشافعية

(9)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- يجب الإنصات للخطيب حال الخطبة على القريب والبعيد-بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)}

(10)

.

وجه الدلالة من الآية:

في الآية أمر صريح بالإنصات، وقد قيل أنها نزلت في شأن الخطبة

(11)

.

(1)

انظر: المدونة (1/ 230)، الإشراف (1/ 330)، عقد الجواهر (1/ 167).

(2)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 335)، المغني (2/ 237، 238)، المبدع (2/ 178).

(3)

انظر: الحاوي (2/ 431)، التهذيب، البغوي (2/ 340)، البيان، للعمراني (2/ 598).

(4)

انظر: نهاية المطلب (2/ 548)، البيان، للعمراني (2/ 598)، المجموع (4/ 525).

(5)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 336)، المغني (2/ 237).

(6)

وله الاشتغال بالقراءة والذكر، والإنصات أحوط.

(7)

انظر: تبيين الحقائق وحاشية الشلبي (1/ 223).

(8)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (5/ 305)، كشاف القناع (2/ 47).

(9)

انظر: التهذيب للبغوي (2/ 340)، البيان، للعمراني (2/ 599).

(10)

سورة الأعراف (204).

(11)

انظر: تفسير الطبري (13/ 350)، التجريد، للقدوري (2/ 979)، المحيط البرهاني (2/ 82)، الإشراف (1/ 330)، الممتع، لابن المنجى (1/ 561).

ص: 343

الدليل الثاني: عن أبي هريرة –رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ: أَنْصِتْ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

سمى الأمر بالمعروف حال الخطبة لغوًا؛ وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -مع فرضيتهما- يحرمان حال الخطبة فغيرهما من باب أولى

(2)

.

الدليل الثالث: عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ-رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَبَارَكَ، وَهُوَ قَائِمٌ، فَذَكَّرَنَا بِأَيَّامِ اللَّهِ)، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ أَوْ أَبُو ذَرٍّ يَغْمِزُنِي، فَقَالَ: مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ؟ إِنِّي لَمْ أَسْمَعْهَا إِلَّا الْآنَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ، أَنِ اسْكُتْ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا، قَالَ: سَأَلْتُكَ مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فَلَمْ تُخْبِرْنِي؟ فَقَالَ أُبَيٌّ: لَيْسَ لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ الْيَوْمَ إِلَّا مَا لَغَوْتَ، فَذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قَالَ أُبَيٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(صَدَقَ أُبَيٌّ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث نص في النهي عن جميع الكلام حال الخطبة، ومفهومه وجوب الإنصات للخطيب أثناء خطبته

(4)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- يستحب الإنصات للخطيب حال الخطبة للقريب والبعيد-بما يلي:

(1)

رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب، (2/ 13)(934)، مسلم، كتاب الجمعة، باب في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة، (2/ 583)(851).

(2)

انظر: اللباب، الخزرجي (1/ 304)، شرح التلقين (1/ 1000)، إكمال المعلم (3/ 243)، الفواكه الدواني (1/ 263).

(3)

رواه ابن ماجه في السنن، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الاستماع للخطبة والإنصات لها، (1/ 352)(1111)، والبيهقي في السنن، كتب الجمعة، باب الإنصات للخطبة (6/ 359) (5898) قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 134):"إسناد صحيح"، وقال النووي في المجموع (4/ 525):"صحيح".

(4)

انظر: عمدة القاري (6/ 240).

ص: 344

الدليل الأوّل: عَنْ جَابِرٍ-رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رجلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَعَدَ الرجلُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ؟) قَالَ: لَا، قَالَ:(قُمْ فَارْكَعْهُمَا)

(1)

.

الدليل الثاني: عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه-قال: دَخَلَ رَجُلٌ المَسجِدَ ورسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على المِنبَرِ يَومَ الجُمُعَةِ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ مَتَى السّاعَةُ؟ فأَشارَ إلَيه النّاسُ أنِ اسكُتْ، فسأَلَه ثلاثَ مَرّاتٍ، كُلَّ ذَلِكَ يُشيرونَ إلَيه أنِ اسكُتْ، فقال له رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الثّالِثَةِ:"ويحَكَ ماذا أعدَدتَ لَها؟ "

(2)

.

وجه الدلالة من الحديثين:

لو كان الإنصات حال الخطبة واجبًا والكلام محرمًا لما كلم النبي – صلى الله عليه وسلم الرجل وكلمه الرجل وهو يخطب، وإذا لم يحرم الكلام عليه خطيبًا لم يجب الإنصات على الرجل مستمعًا

(3)

.

نوقش من أوجه

(4)

:

أ. يحتمل أن جواز الكلام حال الخطبة مختص بمن كلم الإمام ومن كلمه الإمام؛ لأنه لا يشتغل بذلك عن سماع خطبته.

(1)

رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب التحية والإمام يخطب، (2/ 597)(875)، ومسلم، كتاب الجمعة، باب التحية والإمام يخطب، 2/ 597 (875).

(2)

رواه البيهقي في السنن، كتاب الجمعة، باب حجة من زعم أن الإنصات للإمام اختيار، وأن الكلام فيما يعنيه أو يعني غيره والإمام يخطب مباح (6/ 363)(5903)، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الجمعة، باب الرخصة في العلم إذا سئل الإمام وقت خطبته على المنبر يوم الجمعة

(3/ 149)(1796)، قال النووي في المجموع:"رواه البيهقي بإسناد صحيح"(4/ 525).

(3)

انظر: الحاوي (2/ 432)، نهاية المطلب (2/ 548)، عمدة القاري (6/ 232)، الممتع، لابن المنجى (1/ 562).

(4)

انظر: شرح التلقين (1/ 1001)، المغني (2/ 238)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (5/ 304)، مطالب أولي النهى (1/ 789).

ص: 345

ب. لا يصح قياس غير الإمام عليه؛ لأنه إذا تكلم لم يكن كلامه حال خطبته.

ت. لو قدر تعارض الأدلة فالأخذ بأدلة وجوب الإنصات أولى، لأنها قول النبي صلى الله عليه وسلم ونصه، والنص أولى من السكوت.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل -يجب على القريب ويستحب للبعيد الإنصات للخطيب حال الخطبة- بـ:

الإنصات إنما وجب على القريب لأجل الاستماع، والبعيد ليس بمستمع؛ لذا لم يجب عليه الإنصات

(1)

.

نوقش: البعيد النائي عن المنبر مأمور بالاستماع، والإنصات مقصود؛ فإن كان البعيد لا يقدر على الاستماع فهو قادر على الإنصات فوجب عليه

(2)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة- والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يجب الإنصات للخطيب حال الخطبة على القريب والبعيد، وذلك لقوة هذا القول وفيه جمع بين الأدلة، وأدلة المخالف لا تنهض لمعارضة أدلة القول المرجح.

(1)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (5/ 305)، كشاف القناع (2/ 47).

(2)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 223).

ص: 346

‌المطلب الخامس عشر: لا فرق في لزوم الجمعة على أهل المصر بين القريب والبعيد.

‌صورة المسألة:

إذا أقيمت الجمعة في مصر جامع، فهل تلزم الجمعة جميع أهل المصر، وهل تلزم أهل القرى التابعة لذلك المصر؟

جاء في المغني: "وتجب الجمعة على من بينه وبين الجامع فرسخ هذا في حق غير أهل المصر، أما أهل المصر فيلزمهم كلهم الجمعة، بعدوا أو قربوا

فلا فرق بين القريب والبعيد"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

المصر يعد كالبلد الواحد، فيستوي فيه حكم القريب والبعيد

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على أن الجمعة تلزم أهل المصر، القريب منهم والبعيد، ولو لم يسمع النداء

(3)

.

2 -

واختلفوا في لزومها لمن هو خارج المصر ويسمع النداء، على قولين:

القول الأوّل:

تلزم الجمعة من كان خارج المصر ويسمع النداء، وهو مذهب المالكية

(4)

،

(1)

(2/ 266).

(2)

المرجع السابق.

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 23)، بدائع الصنائع (1/ 259)، الإشراف (1/ 316)، مواهب الجليل (2/ 164)، الحاوي (2/ 404)، نهاية المطلب (2/ 478)، الكافي، لابن قدامة (1/ 321)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (5/ 161).

(4)

وقدروا المسافة بثلاثة أميال.

انظر: الكافي، لابن عبد البر (1/ 248)، بداية المجتهد (1/ 175).

ص: 347

والشافعية

(1)

، والحنابلة

(2)

، وقول محمد بن الحسن من الحنفية

(3)

.

القول الثاني:

لا تلزم الجمعة من كان خارج المصر ولو سمع النداء، وهو مذهب الحنفية

(4)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- تلزم الجمعة من كان خارج المصر ويسمع النداء-بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}

(5)

.

وجه الدلالة من الآية:

1 -

علق الله عز وجل وجوب السعي على النداء وعموم الآية يدل على لزوم الجمعة على كل من سمعه ممن هو خارج المصر، ويؤكد ذلك عدم دخوله في الاستثناء من عموم الإيجاب

(6)

في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ)

(7)

.

(1)

وقدروا المسافة بثلاثة أميال.

انظر: الأم (1/ 221)، البيان، للعمراني (2/ 547).

(2)

وقدروا المسافة بفرسخ.

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 321)، المغني (2/ 266).

(3)

انظر: شرح أبو داود للعيني (4/ 376).

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 23)، بدائع الصنائع (1/ 259)

(5)

سورة الجمعة (9).

(6)

انظر: الإشراف (1/ 316)، شرح التلقين (1/ 990)، الحاوي (2/ 405)، المغني (2/ 266).

(7)

رواه ابو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب الجمعة للمملوك والمرأة (1/ 280)(1067)، والبيهقي في سننه، كتاب الجمعة، باب من تجب عليه الجمعة (3/ 246)(5578)، قال النووي في المجموع شرح المهذب (4/ 483):"رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم إلا أن أبا داود قال طارق بن شهاب رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئا وهذا الذي قاله أبو داود لا يقدح في صحة الحديث لأنه إن ثبت عدم سماعه يكون مرسل صحابي .... ). وذكر ابن رجب في فتح الباري (8/ 61): "إسناده صحيح".

ص: 348

الدليل الثاني: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث نص في من هو خارج المصر، لأن سماع النداء في المصر غير معتبر

(2)

.

نوقش: الحديث لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

.

أجيب: روي الخبر موقوفًا وروي مسندًا، فيحمل الموقوف على فتواه، ويحمل المسند على روايته

(4)

، ويقويه حديث الأعمى

(5)

الذي لا قائد له وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:(فَأَجِبْ)

(6)

.

نوقش: حديث الأعمى إنما كان في صلاة الجماعة

(7)

.

أجيب: إذا كان سماع النداء معتبر في مطلق الجماعة، فاعتباره في خصوصية الجمعة أولى

(8)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل-لا تلزم الجمعة من كان خارج المصر ولو سمع النداء-بما يلي:

الدليل الأوّل: صلى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه العيد في يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَصَلَّى قَبْلَ

(1)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الصلاة، باب من تجب عليه الجمعة (1/ 287)(1056)، والدارقطني، كتاب الجمعة، باب الجمعة على من سمع النداء، (2/ 311)(1590)، والبيهقي بنحوه، كتاب الجمعة، باب وجوب الجمعة على من كان خار المصر في موضع يبلغه النداء (3/ 247)(5581)، قال ابن الملقن في البدر (4/ 645):"روي موقوفًا وهو الصحيح، وله شاهد بإسناد جيد"، وقال ابن حجر في التلخيص (2/ 162):"اختلف في رفعه ووقفه".

(2)

انظر: الحاوي (2/ 406)، المفاتيح (2/ 319).

(3)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 917).

(4)

انظر: الحاوي (2/ 406).

(5)

انظر: فتح الباري، ابن حجر (2/ 385) عون المعبود (3/ 271)، المنهل العذب (6/ 200).

(6)

رواه مسلم، كتاب المساجد، باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء (1/ 452)(653).

(7)

انظر: التجريد، للقدوري (2/ 918).

(8)

انظر: عون المعبود (3/ 271).

ص: 349

الخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ العَوَالِي

(1)

فَلْيَنْتَظِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ»

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

خير عثمان رضي الله عنه أهل العوالي؛ لأنها أبعد قرى المدينة، ويدل إذنه لهم بالرجوع قبل صلاة الجمعة على أنها لا تلزمهم

(3)

.

نوقش ليس في الخبر دلالة على عدم وجوب الجمعة على من كان خارج المصر، لأنه لو لم تجب عليهم لما خيرهم، والتخيير كان بسبب اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد، وأهل القرى لو قعدوا في البلد لم يتهيؤوا للعيد، ولو خرجوا لشق عليهم الرجوع

(4)

.

الدليل الثاني: عن علي رضي الله عنه قال: "لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع"

(5)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل ظاهر الحديث على أن الجمعة لا تلزم إلا من سكن المصر، لأنها إذا لم تصح في غير المصر فإنها لا تجب على غير أهله

(6)

.

نوقش:

الحديث موقوف على علي رضي الله عنه، ولو صح مرفوعًا لحمل على من لم يسمع

(1)

قرية في المدينة من جهة الشرق، انظر: المجموع (4/ 491).

(2)

رواه البخاري في كتاب الأضاحي، باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها (7/ 103)(5572).

(3)

انظر: المعتصر (1/ 90)، البناية (3/ 97).

(4)

شرح صحيح البخاري، لابن بطال (2/ 495)، المهذب، الشيرازي (1/ 206)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (5/ 163).

(5)

رواه عبد الرزاق في المصنف، كتاب العيدين، باب صلاة العيدين في القرى الصغار (3/ 301) (5719). قال النووي في المجموع (4/ 488):"ضعيف جدا "، وذكر الزيلعي في نصب الراية (2/ 195):"غريب مرفوعا، وإنما وجدناه موقوفا على علي"، وقال ابن حجر في فتح الباري (2/ 457):"أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح إليه موقوفا ومعناه لا صلاة جمعة ولا صلاة عيد".

(6)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 23)، البحر الرائق (2/ 151).

ص: 350

النداء

(1)

، لأنه عام وقد خص بحديث:(الجمعة على كل من سمع النداء)

(2)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة والله أعلم هو القول الأوّل القائل: تلزم الجمعة من كان خارج المصر ويسمع النداء، وذلك لقوة هذا القول وصحة أدلته والرد على الاعتراضات الواردة عليها، وضعف استدلال المخالف لما ورد عليها من مناقشات.

(1)

انظر: الحاوي (2/ 406)، المجموع (4/ 488).

(2)

تقدم تخريجه ص 352.

ص: 351

‌المطلب السادس عشر: لا فرق بين من كبر قبل سلام الإمام، في صلاة ما فاته يوم العيد على صفته وبين من فاتته الجمعة.

‌صورة المسألة:

إذا أدرك شخص مع المصلين التشهد في صلاة العيد، هل يصلي ركعتين ويفعل كما فعل الإمام أم يصلي أربعًا؟

جاء في الإنصاف: "ومن كبر قبل سلام الإمام، صلى ما فاته على صفته. هذا الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب. وقال القاضي: هو كمن فاتته الجمعة، لا فرق"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

صلاة العيد لم تعرف صفتها إلا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لم يصلها إلا في جماعة كصلاة الجمعة؛ فتأخذ أحكامها

(2)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في صفة صلاة المسبوق الذي أدرك الإمام قبل سلامه في صلاة العيد على قولين:

القول الأوّل:

إذا أدرك المسبوق إمامه في صلاة العيد قبل السلام، صلى العيد ركعتين، وهو مذهب

(1)

(5/ 362).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 39)، بدائع الصنائع (1/ 279).

ص: 352

المالكية

(1)

، والشافعية

(2)

، والحنابلة

(3)

.

القول الثاني:

إذا أدرك المسبوق إمامه في صلاة العيد قبل السلام، صلى العيد أربعًا كمن فاتته الجمعة

(4)

، وهو مذهب الحنفية

(5)

، وقول للحنابلة

(6)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- إذا أدرك المسبوق إمامه في صلاة العيد قبل السلام، صلى العيد ركعتين-بما يلي:

الدليل الأوّل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا)

(7)

.

وجه الدلالة من الحديث:

عموم الحديث يقتضي دخول صلاة العيد في الحكم، ولم يرد ما يخصص هذا العموم

(8)

.

الدليل الثاني: قَال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (هَذَا عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ) وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلَاهُمْ ابْنَ أَبِي عُتْبَةَ بِالزَّاوِيَةِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ، وَصَلَّى كَصَلَاةِ أَهْلِ المِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ

(9)

.

وجه الدلالة من الحديث:

(1)

انظر: المدونة (1/ 247)، البيان والتحصيل (2/ 66)، الذخيرة (2/ 423).

(2)

انظر: الأم (1/ 275)، المجموع (5/ 29)، معرفة السنن والآثار، للبيهقي (5/ 103).

(3)

انظر: شرح الزركشي (2/ 235)، المبدع (2/ 192)، الإنصاف (5/ 463).

(4)

وقيل: يخير بين أن يصلي ركعتين أو أربعًا، انظر: المحيط البرهاني (2/ 112)، البناية (3/ 1120)، المبدع (2/ 193).

(5)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 39)، بدائع الصنائع (1/ 279)، البحر الرائق (2/ 175).

(6)

انظر: مختصر الخرقي (1/ 33)، الإنصاف (5/ 462).

(7)

رواه البخاري، كتاب الأذان، باب قول الرجل: فاتتنا الصلاة، (1/ 129)(635)، مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، والنهي عن إتيانها سعيا، (1/ 420)(602).

(8)

انظر: النفح الشذي (3/ 508)، فتح الباري، ابن حجر (2/ 475)، المبدع (2/ 192).

(9)

رواه البخاري في أبواب العيدين، باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين، وكذلك النساء، ومن كان في البيوت والقرى (2/ 23)، وذكر ابن حجر في فتح الباري (2/ 475):"هذا الأثر وصله بن أبي شيبة".

ص: 353

دل فعل أنس رضي الله عنه على أن صلاة العيد تقضى على صفتها

(1)

.

الدليل الثالث: بإدراك المصلي للتشهد فقد أدرك بعض الصلاة، التي لم تبدل من أربع ركعات، فتقضى على صفتها، لأنها أصل بنفسها كسائر الصلوات

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- إذا أدرك المسبوق إمامه في صلاة العيد قبل السلام، صلى العيد أربعًا كمن فاتته الجمعة -بما يلي:

الدليل الأوّل: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "من فاتته العيد فليصلي أربعًا"

(3)

.

يظهر أن وجه الدلالة هو: أن النص صريح في المسألة.

نوقش: الخبر منقطع الإسناد فلا يصح الاحتجاج به

(4)

، وتعارضه أخبار صحيحة ثابتة منها: ما روي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ يَوْمَ الْفِطْرِ صَلَّى كَمَا يُصَلِّي الْإِمَامُ»

(5)

، وقال الحسن البصري في من فاته العيد:«يُصَلِّي مِثْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ»

(6)

.

الدليل الثاني: صلاة العيد اختصت بشرائط؛ كالجماعة والمصر، ومع القضاء يتعذر تحصيلها

(1)

انظر: الكواكب الدراري (6/ 87).

(2)

انظر: المغني (2/ 289)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (5/ 365)، المبدع (2/ 192).

(3)

رواه عبد الرزاق في المصنف، كتاب صلاة العيدين، باب من صلاها غير متوضئ ومن فاته العيدان (3/ 300) (5713). قال ابن رجب في فتح الباري (9/ 77):"روي ذلك عن ابن مسعود من غير وجه، وسوى ابن مسعود بين من فاتته الجمعة، ومن فاته العيد، فقال - في كل منهما -: يصلي أربعاً. واحتج به الإمام أحمد، ولا عبرة بتضعيف ابن المنذر له؛ فإنه روي بأسانيد صحيحة"، وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (5/ 156):"لهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنها لا تقضى إذا فاتت، وأن من فاتته، فلا يسنّ له أن يقضيها؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأنها صلاة ذات اجتماع معين، فلا تشرع إلا على هذا الوجه".

(4)

انظر: البناية (3/ 120)، إرواء الغليل (3/ 121).

(5)

رواه عبد الرزاق في المصنف، كتاب صلاة العيدين، باب من صلاها غير متوضئ ومن فاته العيدان (3/ 300)(5716).

(6)

رواه ابن أبي شيبة، كتاب صلاة العيدين، باب الرجل تفوته الصلاة في العيد كم يصلي (2/ 4)(5807).

ص: 354

فلا تقضى ركعتين كالجمعة وإنما تقضى أربعًا

(1)

.

نوقش:

لا يسلم بذلك، لأن صلاة العيد تصح من الجماعة والمنفرد، وهي تفارق الجمعة من وجوه منها: تأخير الخطبة فالمدرك للتشهد في الجمعة قد فاته مع فوات الركعتين الخطبتان القائمة مقام ركعتين، والجمعة تسقط بخروج وقتها بخلاف العيد

(2)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل، القائل: إذا أدرك المسبوق إمامه في صلاة العيد قبل السلام، صلى العيد ركعتين، وذلك لقوة هذا القول وصحة أدلته وسلامتها من المعارض الراجح، وضعف أدلة المخالف لما ورد عليها من مناقشات.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (1/ 279)، البناية (3/ 120).

(2)

انظر: نهاية المطلب (2/ 612)، البيان، للعمراني (2/ 642)، المحرر (1/ 166).

ص: 355

‌الفصل الثالث: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الزكاة، والصيام،

وفيه مبحثان.

المبحث الأول: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الزكاة.

المبحث الثاني: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الصيام.

ص: 356

‌المبحث الأول: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الزكاة

وفيه خمسة مطالب:

المطلب الأول: لا فرق في ضمان الزكاة إن هلكت في يد الإمام إذا تسلفها بين أن يسأله رب المال أو الفقراء أو لم يسأله أحد.

المطلب الثاني: لا فرق في زكاة الحلي المباح بين أن يكون ملكًا لرجل أو امرأة.

المطلب الثالث: لا فرق في ثبوت الزكاة في عروض التجارة بين أن يملك بعوض أو بغير عوض.

المطلب الرابع: لا فرق بين الدين الحال والمؤجل في الزكاة.

المطلب الخامس: لا فرق في زكاة صداق المرأة بين كون القبض قبل الدخول أو بعده.

ص: 357

‌المطلب الأول: لا فرق في ضمان الزكاة إن هلكت في يد الإمام إذا تسلفها بين أن يسأله رب المال أو الفقراء أو لم يسأله أحد.

‌صورة المسألة:

إذا تسلف الإمام من مال الزكاة فتلف المال في يده، فهل عليه ضمان ما تلف أو لا؟

جاء في المغني: "فصل: إذا تسلف الإمام الزكاة، فهلكت في يده، فلا ضمان عليه، وكانت من ضمان الفقراء، ولا فرق بين أن يسأله ذلك رب المال أو الفقراء أو لم يسأله أحد"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

قاعدة: "جواز اتحاد القابض والمُقبض"

(2)

، فتعتبر يد الإمام كيد الفقراء سئل أو لم يسأل

(3)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على عدم ضمان الإمام للزكاة إذا تسلفها بسؤال رب المال وتلفت في يده

(4)

.

2 -

واختلفوا في ضمانه لها إذا تسلفها من غير مسألة، على قولين:

القول الأوّل:

لا يضمن الإمام الزكاة إذا تسلفها من غير مسألة وتلفت في يده، بغير تعد ولا تفريط، وهو

(1)

(2/ 476).

(2)

انظر: الأشباه والنظائر، للسبكي (1/ 260).

(3)

انظر: الهداية، للكلوذاني (147)، المغني (2/ 476).

(4)

انظر: التجريد، للقدوري (3/ 1227)، بدائع الصنائع (2/ 52)، التنبيه، الشيرازي (1/ 62)، روضة الطالبين (2/ 217)، الكافي، لابن قدامة (1/ 419)، كشاف القناع (2/ 267).

ص: 358

مذهب الحنفية

(1)

، والحنابلة

(2)

، ووجه عند الشافعية

(3)

.

القول الثاني:

يضمن الإمام الزكاة إذا تسلفها من غير مسألة وتلفت في يده، وهو مذهب الشافعية

(4)

، ومقتضى قول المالكية

(5)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - لا يضمن الإمام الزكاة إذا تسلفها من غير مسألة وتلفت في يده، بغير تعد ولا تفريط - بما يلي:

الدليل الأوّل: قياس ولاية الإمام على ولاية الوصي على اليتيم؛ بجامع الإذن بالقبض في الكل، فإذا تلف المال في يد الإمام لم يضمن لولايته.

(6)

.

الدليل الثاني: ضمان المتلف إنما يجب بفعل الإنسان، وفعل الإمام هو الأخذ، وهو مأذون له،

(1)

انظر: التجريد، للقدوري (3/ 1227)، بدائع الصنائع (2/ 52).

(2)

انظر: الهداية، للكلوذاني (146، 147)، المغني (2/ 476)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (7/ 201).

(3)

انظر: بحر المذهب (3/ 74)، البيان، للعمراني (3/ 386)، المجموع (6/ 158).

(4)

انظر: اللباب، لابن المحاملي (254)، التنبيه، الشيرازي (1/ 62)، المهذب، الشيرازي (1/ 307)، المجموع (6/ 159).

(5)

تخريجاً على قولهم في باب القراب: أن المال في يد الإمام كالوديعة استناداً على ما جاء في الأثر: "خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الْأشعري، وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهل، ثم قال لو أقدر لَكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال بلى هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعا من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما فقالا وددنا ذلك ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال فلما قدما باعا فأربحا فلما دفعا ذلك إلى عمر قال أَكُلَّ الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا لا فقال عمر بن الخطاب ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما أديا المال وربحه فأما عبد الله فسكت وأما عبيد الله فقال ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا، لو نقص المال أو هلك لضمناه فقال عمر أدياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضًا فقال عمر قد جعلته قراضًا فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال"

انظر: المنتقى للباجي (5/ 149، 150)، مواهب الجليل (5/ 357)، شرح الزرقاني على الموطأ (3/ 516).

(6)

انظر: التجريد، للقدوري (3/ 1227)، المغني (2/ 476).

ص: 359

فلا يصلح أن يكون سببًا للضمان

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- يضمن الإمام الزكاة إذا تسلفها من غير مسألة وتلفت في يده-بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه-قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ

الْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ، وَمِثْلُهَا مَعَهَا) ثُمَّ قَالَ: (يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ

(2)

أَبِيهِ؟)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

ثبت بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان تسلف من العباس صدقة عامين من غير سؤال، وأخبر بقوله:(هي علي ومثلها) أن ضمانها عليه، فثبت أن الإمام يضمن الزكاة إذا تلفت في يده

(4)

.

نوقش: معنى قوله: "هي علي" أنا أُؤديها عنه برًا به وإحسانًا إليه، بدليل قوله: أن العم صنو الأب

(5)

.

الدليل الثاني: قياس ولاية الإمام على الفقراء على ولاية الوكيل فيما وكل به، بجامع أن الكل ولاية على أهل رشد، وعليه فيضمن الجميع ما قبضه وتلف في يده

(6)

.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 52).

(2)

الصنو من النخل نخلتان أو ثلاث أو أكثر أصلهن واحد، ويقال صنو فلان: أي شقيقه، والمعنى أن أصل الأب والعم واحد، انظر: العين (7/ 158)، غريب الحديث، القاسم بن سلام (2/ 246).

(3)

رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب في تقديم الزكاة ومنعها (2/ 676)(983).

(4)

انظر: أعلام الحديث، للخطابي (2/ 798)، معالم السنن (2/ 54، 55)، الحاوي (3/ 164)، العدة، لابن العطار (2/ 820).

(5)

انظر: التجريد، للقدوري (3/ 1228)، فتح الباري، لابن حجر (3/ 333)، الكواكب الدراري (8/ 15).

(6)

انظر: الحاوي (3/ 164)، المهذب (1/ 307)، المجموع (6/ 158).

ص: 360

نوقش من وجهين

(1)

:

أ. لا يقاس الإمام على غيره في الولاية، لأن ولايته مأذون بها شرعًا، فصار قبضه كقبض المستحق.

ب. إذا أخذ الإمام المال من مالكه فقد أخذه باختياره؛ لأنه لم يجبره فصار كقبضه له بمسألته.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة -والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: لا يضمن الإمام الزكاة إذا تسلفها من غير مسألة وتلفت في يده، بغير تعد ولا تفريط، وذلك لقوة هذا القول وسلامة استدلاله من المعارض الراجح، وورود المناقشة المضعفة لقول المخالف.

(1)

انظر: التجريد، للقدوري (3/ 1228)، المغني (2/ 476).

ص: 361

‌المطلب الثاني: لا فرق في زكاة الحلي المباح بين أن يكون ملكًا لرجل أو امرأة.

‌صورة المسألة:

إذا تملك شخص ذهبًا أو فضة، ونوى استعماله فهل تجب فيه الزكاة، سواء أكان مالكه رجلًا أو امرأة؟

جاء في المغني: "فأما المعد للكرى أو النفقة إذا احتيج إليه، ففيه الزكاة؛ لأنها إنما تسقط عما أعد للاستعمال، لصرفه عن جهة النماء، ففيما عداه يبقى على الأصل،

لا يسقط عنه. ولا فرق بين كون الحلي المباح مملوكا لامرأة تلبسه أو تعيره، أو لرجل يحلي به أهله، أو يعيره أو يعده لذلك"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

اتحاد السبب الموجب للحكم في حلي الرجل والمرأة إن كان مباحًا وأعد للاستعمال؛ وهو عند الموجبين للزكاة: اعتبار أصل الحلي وتعلق الحكم بعينه، وعند غيرهم هي:

صرفه عن جهة النماء

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على وجوب الزكاة في الذهب والفضة المعدان للتجارة والقنية سواءً كان المالك لهما رجلًا أو امرأة

(3)

.

(1)

(3/ 43).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 192)، الإشراف (1/ 401)، المغني (3/ 43).

(3)

انظر: درر الحكام (1/ 181)، حاشية ابن عابدين (2/ 298)، المدونة (1/ 305)، الذخيرة (3/ 49)، المهذب، الشيرازي (1/ 292)، الوسيط (2/ 475)، الهداية (1/ 138)، كشاف القناع (2/ 235).

ص: 362

2 -

واتفقوا على وجوب الزكاة في الحلي المستعمل استعمالًا محرمًا

(1)

.

3 -

واختلفوا في حكم زكاة الحلي من الذهب والفضة المستعملان في مباح سواء كان مملوكًا لرجل أو امرأة، على قولين:

القول الأوّل:

تجب الزكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال؛ سواءً كان مالكه رجلًا أو امرأة، وهو مذهب الحنفية

(2)

، وقول عند الشافعية

(3)

، ورواية عند الحنابلة

(4)

.

القول الثاني:

لا تجب الزكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال؛ سواءً كان مالكه رجلًا أو امرأة، وهو مذهب المالكية

(5)

، والشافعية

(6)

، والحنابلة

(7)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- تجب الزكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال؛ سواءً كان مالكه رجلًا أو امرأة - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)}

(8)

.

وجه الدلالة من الآية:

في الآية وعيد شديد لمن ترك إنفاق الذهب والفضة في سبيل الله من غير تفريق بين نوع ونوع،

(1)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 192)، بدائع الصنائع (2/ 17)، المعونة (1/ 376)، القوانين الفقهية (1/ 69)، الحاوي (3/ 271)، المهذب، للشيرازي (1/ 292)، الفروع (4/ 141).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 192)، بدائع الصنائع (2/ 17)، تبيين الحقائق (1/ 277).

(3)

انظر: الحاوي (3/ 271)، المهذب، الشيرازي (1/ 292).

(4)

انظر: الفروع (4/ 139)، الإنصاف (7/ 23).

(5)

انظر: المدونة (1/ 305)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 377)، القوانين الفقهية (1/ 69)، مواهب الجليل (2/ 299).

(6)

انظر: الأم (2/ 44، 45)، الحاوي (3/ 271)، المهذب، للشيرازي (1/ 292).

(7)

انظر: الهداية، للكلوذاني (1/ 137)، المغني (3/ 43)، الإنصاف (7/ 23).

(8)

سورة التوبة من آية (34).

ص: 363

فيشمل المستعمل وغيره سواء أكان متخذًا من قبل المرأة، أو الرجل لتحلية زوجته؛ لعموم الآية

(1)

.

الدليل الثاني: «أَنَّ امْرَأَة أَتَت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وَفِي يْدِ ابنتها مسكتانِ

(2)

غليظتان مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَها:(أَتُعطين زكاة هذا؟)، قَالَتْ: لَا، قَالَ:(أيسرك أن يُسَوِّرَك اللَّهُ بِهما يوم القيامة سُوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟)، فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله»

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

بين الحديث أن الوعيد بالعذاب سببه عدم إخراج زكاة الذهب المستعمل، وهو تأكيد وتأويل للوعيد المذكور في الآية السابق ذكرها

(4)

.

نوقش: الحديث ضعيف فلا يصح الاحتجاج به

(5)

.

أجيب: لعل المقصود بالتضعيف رواية الترمذي، وقد روي الحديث من طرق أخرى صححها كثير من أهل العلم

(6)

.

(1)

انظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص (2/ 315)، بدائع الصنائع (2/ 17).

(2)

مفردها مسكة وهي: أسورة من ذبل أو عاج، وإذا كانت من غيرهما أضيفت إلى ما هي منه فيقال من ذهب أو فضة، والمراد: مفردها الأساور أو الخلاخل، انظر: لسان العرب (10/ 486)، شرح أبو داود للعيني (6/ 222).

(3)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الزكاة، باب الكنز ما هو وزكاة الحلي (3/ 13)(1563)، والنسائي في كتاب الزكاة، باب زكاة الحلي (5/ 38)(2479)، قال الزيلعي في نصب الراية (2/ 73): "قال ابن القطان: إسناده صحيح، وقال المنذري: إسناده لا مقال فيه

وهذا إسناد تقوم به الحجة إن شاء الله"، وقال النووي في المجموع (6/ 33): "إسناده حسن"، وقال ابن حجر في بلوغ المرام (1/ 248): "أخرجه الثلاثة وإسناده قوي".

(4)

انظر: معالم السنن (2/ 16)، الاستذكار (3/ 153).

(5)

انظر: الممتع، للمنجى (1/ 737).

(6)

ومنها رواية أبي داود من طريق حسين المعلم عن عمرو عن أبيه عن جده.

انظر: البناية (3/ 380)، التوضيح، ابن الملقن (10/ 438).

ص: 364

الدليل الثالث: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ-رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا

(1)

مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَنْزٌ هُوَ؟ فَقَالَ:(مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ، فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ)

(2)

.

وجه الدلالة من الحديث:

معنى كنز الذهب والفضة عدم إخراج زكاتهما، فعلى أي وجه أمسكهما المالك وجبت فيهما الزكاة

(3)

.

نوقش: لعل المقصود بزكاة الحلي في الحديث عاريته

(4)

.

أجيب: العارية مستحبة والوعيد لا يستحق إلا بترك الواجب

(5)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- لا تجب الزكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال؛ سواءً كان مالكه رجلًا أو امرأة -بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ جَابِرٍ-رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (لَيْسَ في الْحُلِيِّ زَكَاةٌ)

(6)

.

وجه الدلالة من الحديث:

يدل النفي في الحديث على عدم وجوب الزكاة في الحلي، وهو محمول على المباح منه الذي أعد

(1)

الأوضاح جمع وضح وهو البياض، ويطلق على نوع من الحلي يصنع من الفضة سميت به لبياضها، ثم استعمل لما يصنع من الذهب أيضًا، انظر: العين (3/ 266)، عمدة القاري (9/ 35).

(2)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الزكاة، باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي (2/ 95)(1564)، قال: الزيلعي في تبيين الحقائق (1/ 277): "أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري"، وقال النووي في المجموع (6/ 33):"هذا إسناد صحيح"، وقال الذهبي في التنقيح (1/ 343):"ما أرى في هذا الخبر بأسًا".

(3)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (2/ 316)، المبسوط، للسرخسي (2/ 192). شرح مصابيح السنة، للبغوي (2/ 428).

(4)

انظر: الحاوي (3/ 273).

(5)

انظر: التجريد، للقدوري (3/ 1326).

(6)

رواه الدار قطني في سننه، كتاب الزكاة، باب زكاة الحلي (2/ 500)(1955)، والبيهقي في السنن والآثار، كتاب الزكاة، باب زكاة الحلي (6/ 143)(8305)، وعزاه الزيلعي في نصب الراية للابن الجوزي في التحقيق (2/ 374)، وقال البيهقي:"لا أصل له"، وقال الألباني في الإرواء (3/ 294):"باطل".

ص: 365

للاستعمال

(1)

.

نوقش من وجهين:

أ. الحديث لا أصل له، فلا تقوم به حجة، ولو صح فإن دلالته لا تعارض عموم الأدلة الصحيحة

(2)

.

ب. موجب الحديث يقتضي أنه لا زكاة في الحلي مطلقًا، ولا قائل به، لأنه يؤدي للأخذ بالحديث من وجه وتركه من وجه

(3)

.

الدليل الثاني: «أن أم المؤمنين عَائِشَةَ-رضي الله عنها كَانَتْ تَلِي بَنَاتَ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حَجْرِهَا لَهُنَّ الْحَلْيُ، فَلَا تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ»

(4)

.

وجه الدلالة من الحديث:

ظاهر الحديث يدل على أن عائشة رضي الله عنها كانت لا تخرج زكاة الحلي المعد للاستعمال، ويستحيل أن تترك الإخراج إلا أن تعلم أن زكاته غير واجبة

(5)

.

نوقش: يحتمل أنها لم تخرج زكاة حليهن لصغر سنهن، أو أن ذلك الحلي لم يبلغ نصابًا

(6)

.

الدليل الثالث: قياس الحلي المستعمل على الثياب والأمتعة والأثاث، بجامع أن الكل مال اختصاه الإنسان لنفسه، فلم تجب فيه الزكاة.

(7)

.

نوقش من وجهين:

(1)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (7/ 25)، فيض القدير (5/ 373).

(2)

انظر: معرفة السنن (6/ 143)، تبيين الحقائق (1/ 277).

(3)

انظر: الشرح الممتع، ابن عثيمين (6/ 130)، إرواء الغليل (3/ 294).

(4)

رواه مالك في الموطأ (2/ 351)(858)، قال الالباني في آداب الزفاف في السنة المطهرة (264):"سنده صحيح"، وقال الطريفي في التحجيل في تخريج ما لم يخرج من الأحاديث والآثار في إرواء الغليل (132):"إسناده صحيح"

(5)

الاستذكار (3/ 153)، المنتقى للباجي (2/ 107).

(6)

انظر: التجريد، للقدوري (3/ 1330).

(7)

انظر: المنتقى للباجي (2/ 107)، الحاوي (3/ 273)، كشاف القناع (2/ 234).

ص: 366

أ. لا يصح القياس لسببين:

1 -

أنه معارض بالنصوص فهو فاسد الاعتبار.

2 -

عدم استواء الأصل والفرع في العلة، فالأصل في الذهب والفضة الزكاة، وفي الثياب ونحوها عدمها

(1)

.

ب. عين الذهب والفضة لا يشترط فيها النماء فلا تسقط زكاتهما بالاستعمال لأنهما أثمان والثمنية لا تبطل بالاستعمال

(2)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: تجب الزكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال؛ سواءً كان مالكه رجلًا أو امرأة، وذلك لقوة هذا القول وصراحة أدلته، والأخذ به فيه احتياط، ولضعف أدلة المخالفين وورد المناقشة عليها.

(1)

انظر: فتح القدير (9/ 5)، إرشاد الفحول (2/ 107).

(2)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 277)، البناية (3/ 381)، المغني (3/ 42).

ص: 367

‌المطلب الثالث: لا فرق في ثبوت الزكاة في عروض التجارة بين أن يملك بعوض أو بغير عوض.

‌صورة المسألة:

إذا ملك شخص عرضًا بغير عوض كالهبة والوصية ونحوهما، فهل تجب فيها زكاة عروض التجارة؟

جاء في المغني: "ولا يصير العرض للتجارة إلا بشرطين؛ أحدهما أن يملكه بفعله، كالبيع، والنكاح، والخلع، وقبول الهبة، والوصية، والغنيمة، واكتساب المباحات؛ لأن ما لا يثبت له حكم الزكاة بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية، كالصوم. ولا فرق بين أن يملكه بعوض أو بغير عوض"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

التملك للعرض المملوك بعوض أو بغير عوض كله حاصل بفعل المالك، فلا مساغ للتفريق بينهما في الحكم

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على وجوب الزكاة في عروض التجارة إذا ملكت بعوض

(3)

.

(1)

(3/ 59).

(2)

انظر: الممتع، للمنجى (1/ 744).

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 198)، المحيط البرهاني (2/ 248)، التبصرة، للخمي (2/ 883)، الفواكه الدواني (1/ 331)، المهذب، الشيرازي (1/ 293)، البيان، للعمراني (3/ 308)، الهداية، للكلوذاني (1/ 138)، كشاف القناع (2/ 240).

ص: 368

2 -

واختلفوا في وجوبها في العروض المملوكة بغير عوض على قولين:

القول الأوّل:

تجب الزكاة في عروض التجارة المملوكة بغير عوض، وهو مذهب الحنابلة

(1)

، وقول أبي يوسف من الحنفية

(2)

.

القول الثاني:

لا تجب الزكاة في عروض التجارة المملوكة بغير عوض، وهو مذهب الحنفية

(3)

، والمالكية

(4)

، والشافعية

(5)

، وقول أبي يعلى من الحنابلة

(6)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- تجب الزكاة في عروض التجارة المملوكة بغير عوض، -بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ-رضي الله عنه-قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ)

(7)

.

(1)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 411)، المغني (3/ 59)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (7/ 56).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 198)، المحيط البرهاني (2/ 248)

(3)

انظر: المحيط البرهاني (2/ 248).

(4)

انظر: التبصرة، للخمي (2/ 883)، الفواكه الدواني (1/ 331)، حاشية الدسوقي (1/ 472).

(5)

انظر: المهذب، الشيرازي (1/ 293)، البيان، للعمراني (3/ 308).

(6)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 411)، المغني (3/ 59).

(7)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الزكاة، باب العروض إذا كانت للتجارة، هل فيها من زكاة، (2/ 95)(1562)، قال الزيلعي في نصب الراية (2/ 376): "قال عبد الحق في أحكامه: خبيب هذا ليس بمشهور ولا نعلم روى عنه إلا جعفر بن سعد وليس جعفر ممن يعتمد عليه، قال ابن القطان في كتابه متعقبًا على عبد الحق: فذكر في كتاب الجهاد حديث من كتم غالًا فهو مثله وسكت عنه من رواية جعفر بن سعد هذا عن خبيب بن سليمان عن أبيه فهو منه تصحيح

وقال أبو عمر بن عبد البر: وقد ذكر هذا الحديث، رواه أبو داود، وغيره بإسناد حسن"، قال الألباني في مشكاة المصابيح (1/ 568): "ضعيف".

ص: 369

وجه الدلالة من الحديث:

يدل عموم الحديث على وجوب زكاة العروض من أي صنف كانت، وذلك يقتضي التسوية بين ما ملك بعوض أو بغير عوض

(1)

.

الدليل الثاني: التجارة بعوض هي الكسب، والأعيان المملوكة بغير عوض تعد من كسب مالكها، فتلحق بالتجارة وتأخذ حكمها احتياطًا للعبادة

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- لا تجب الزكاة في عروض التجارة المملوكة بغير عوض-بما يلي:

الدليل الأوّل: العرض الذي ملك بغير عوض يشابه الموروث فلا تجب فيه الزكاة

(3)

.

نوقش: العرض المملوك بغير عوض مُلكه صاحبه بفعله، فأشبه البيع، وفارق الموروث لأنه يملكه قهرًا، فيجري عليه حكم استدامة الأصل وهو القنية

(4)

.

الدليل الثاني: العروض لا تكون للتجارة إلا إذا نوى مالكها ذلك، وما ملك بغير عوض ليس فيها معنى التجارة ولم تتصل بها نيتها

(5)

.

يمكن أن يناقش: بعد التسليم؛ لأن العرض المملوك بعوض قد تطرأ عليه نية التجارة، فينتقل عن أصله، وكذلك ما ملك بغير عوض، فالعبرة بانتقال الملك عن فعل من المالك.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة – والله أعلم- هو القول الأوّل القائل:

(1)

انظر: شرح أبو داود للعيني (6/ 219).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 198)، المحيط البرهاني (2/ 248).

(3)

انظر: المغني (3/ 59)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (7/ 56).

(4)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 411)، كشاف القناع (2/ 241)

(5)

انظر: المحيط البرهاني (2/ 248)، الحاوي (3/ 299)، المهذب، للشيرازي (1/ 294).

ص: 370

تجب الزكاة في عروض التجارة المملوكة بغير عوض، وذلك لما فيه من احتياط للعبادة، ووجاهة استدلاله في مقابلة ضعف قياس وتعليل القول المخالف.

ص: 371

‌المطلب الرابع: لا فرق بين الدين الحال والمؤجل في الزكاة.

‌صورة المسألة:

إذا استدان شخص من آخر دينًا بلغ النصاب، فهل على الدائن إخراج زكاة ذلك المال إذا لم يقبضه أم أن الواجب عند القبض، سواء أكان الدين حالًا أم مؤجلًا؟

جاء في المغني: "وإذا كان له دين على مليء فليس عليه زكاة حتى يقبضه، فيؤدي لما مضى

وظاهر كلام أحمد، أنه لا فرق بين الحال والمؤجل"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

الدين المؤجل داخل في ملك الدائن كالمعجل، فاستوت أحكامهما؛ كصحة الحوالة بهما والبراءة منهما، فكذلك حكم زكاتهما

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على وجوب الزكاة في الدين البالغ نصابًا، إذا كان على مليء

(3)

، سواء أكان حالًا أو مؤجلًا

(4)

.

2 -

واختلفوا في لزوم إخراجها على قولين:

القول الأوّل:

(1)

(3/ 71).

(2)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 380)، المغني (3/ 71)، الشرح الكبير، (6/ 327).

(3)

وإذا كان على معسر ففيه قولان، الأول: تجب فيه الزكاة عند قبضه لعام واحد، والثاني: لا تجب، والأول أرجح.

انظر: تبيين الحقائق (1/ 256)، المعونة (1/ 370)، البيان، للعمراني (3/ 292)، الكافي، لابن قدامة (1/ 380).

(4)

انظر: البناية (3/ 307)، فتح القدير (2/ 167)، المعونة (1/ 370)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 293)، الحاوي (3/ 263)، روضة الطالبين (2/ 194)، الكافي، لابن قدامة (1/ 380)، المغني (3/ 71).

ص: 372

لا يلزم إخراج زكاة الدين حتى يُقبض

(1)

، سواء أكان حالًا أو مؤجلًا، وهو مذهب الحنفية

(2)

، والمالكية

(3)

، والحنابلة

(4)

.

القول الثاني:

يلزم إخراج زكاة الدين ولو لم يقبض، سواء أكان حالًا أو مؤجلًا

(5)

، وهو مذهب الشافعية

(6)

، ورواية عند الحنابلة

(7)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل-لا يلزم إخراج زكاة الدين حتى يقبض، سواء أكان حالًا أو مؤجلًا-بما يلي:

الدليل الأوّل: روي عن علي وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم: "لا زكاة في الدين حتى يقبض"

(8)

.

الدليل الثاني: القياس على الدين على معسر، بجامع أن الكل دين ثابت في الذمة؛ فلا يلزم

(1)

فإن كان على مليء أخرج عن ما مضى من أعوام، وإن كان على معسر؛ أخرج زكاة عام واحد.

(2)

والدين عندهم على ثلاثة أقسام: قوي وهو بدل القرض ومال التجارة-ومتوسط وهو بدل مال ليس للتجارة، كبدل ثياب البذل وعبد الخدمة-وضعيف وهو بدل ما ليس بمال كالمهر والوصية.

انظر: الهداية، للمرغيناني (1/ 96)، البحر الرائق (2/ 223)، فتح القدير (2/ 168).

(3)

ويخرج زكاة عام واحد.

انظر: المدونة (1/ 315)، المعونة (1/ 370)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 293).

(4)

ومن شرطه ثبوته في الذمة.

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 381)، المغني (3/ 71)، شرح الزركشي (2/ 518، 519).

(5)

وفي المؤجل وجه للشافعية وهو: عدم وجوب الزكاة فيه.

(6)

وشرطه أن يكون ثابتًا ويكون من الدراهم أو الدنانير أو عروض التجارة.

انظر: الحاوي (3/ 263)، المهذب، للشيرازي (1/ 291، 292)، فتح العزيز (5/ 502).

(7)

انظر: المبدع (2/ 298)، الإنصاف (6/ 321).

(8)

رواه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 390)(10259)، وعبد الرزاق نحوه عن عطاء الخرساني (4/ 104)(7130)، قال الألباني في الإرواء (3/ 252):"حسن".

ص: 373

إخراج زكاته قبل قبضه

(1)

.

الدليل الثالث: أوجب الله عز وجل زكاة الدين منه، ولا سبيل إليه إلا بقبضه

(2)

.

الدليل الرابع: الزكاة إنما وجبت على طريق المواساة، وليس من المواساة إخراج زكاة مال لم يقبض ولا ينتفع به

(3)

.

الدليل الخامس: من شروط إخراج الزكاة: القدرة على الأداء، ومن لم يقبض الدين قد لا يقدر على أداء زكاته

(4)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- يلزم إخراج زكاة الدين ولو لم يقبض، سواء أكان حالًا أو مؤجلًا- بـ:

أن الدين إذا كان على مليء فإنه مقدور على قبضه والتصرف فيه، فصار كالوديعة في وجوب الزكاة

(5)

.

نوقش: الوديعة تفارق الدين، لأنها بمنزلة ما في اليد؛ فالمودع نائب عن المالك في الحفظ ويده كيده، وإنما وجبت الزكاة فيها لأنها في ملكه ولقدرته على الانتفاع بها كسائر أمواله

(6)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم-هو القول الأوّل القائل: لا يلزم إخراج زكاة الدين حتى يقبض، سواء أكان حالًا أو مؤجلًا، وذلك لقوته وسلامة استدلاله من الاعتراضات، وفي القول به تيسير على المكلف، ولضعف القول المخالف وورود المناقشة على استدلاله.

(1)

انظر: المعونة (1/ 370)، المغني (3/ 71).

(2)

انظر: المعونة (1/ 370)، الجامع لمسائل المدونة، الصقلي:(4/ 58).

(3)

الكافي، لابن قدامة (1/ 380)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (6/ 323)، شرح الزركشي (2/ 519).

(4)

انظر: الشرح الممتع، ابن عثيمين (6/ 28).

(5)

انظر: الحاوي (3/ 263)، المهذب، للشيرازي (1/ 291)، بحر المذهب (3/ 132).

(6)

انظر: المغني (3/ 71).

ص: 374

‌المطلب الخامس: لا فرق في زكاة صداق المرأة بين كون القبض قبل الدخول أو بعده.

‌صورة المسألة:

إذا عُقد على امرأة، وحال على صداقها حول، فهل تجب عليها زكاته إذا قبضته سواء قبل الدخول أو بعده؟

جاء في المغني: "والمرأة إذا قبضت صداقها زكته

ولا فرق بين ما قبل الدخول أو بعده"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

صداق المرأة داخل في ملكها سواء دُخل بها أو لا، ولا تأثير لتعرضه للزوال في الحكم

(2)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في وجوب زكاة صداق المرأة بالقبض إن كان قبل الدخول أو بعده، على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:

تجب الزكاة في صداق المرأة من حين العقد -إذا حال عليه الحول-ولو لم تقبضه، لا فرق بين ما قبل الدخول وبعده، وهو مذهب الشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

.

القول الثاني:

تجب زكاة صداق المرأة إذا قبضته -وحال عليه الحول- لا فرق بين ما قبل الدخول وبعده،

(1)

(3/ 76).

(2)

انظر: المجموع (6/ 23)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (6/ 333)، المبدع (2/ 299).

(3)

انظر: الحاوي (3/ 202)، فتح العزيز (5/ 513)، المجموع (6/ 23).

(4)

انظر: المغني (3/ 76)، شرح الزركشي (2/ 523).

ص: 375

وهو مذهب الحنفية

(1)

، والمالكية

(2)

، ورواية عند الحنابلة

(3)

.

القول الثالث:

لا تجب زكاة صداق المرأة –قبل الدخول-، إلا إذا قُبض وحال عليه الحول، وهو رواية عند الحنابلة

(4)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- تجب الزكاة في صداق المرأة من حين العقد -إذا حال عليه الحول-ولو لم تقبضه، لا فرق بين ما قبل الدخول وبعده -بما يلي:

الدليل الأوّل: الصداق مال تام الملك وإن لم يقبض؛ لأن استيفاؤه ممكن

(5)

.

الدليل الثاني: القياس على ثمن المبيع، بجامع أن الكل فيه استحقاق القبض وإجبار المدين على قضائه، فتجب فيه الزكاة وإن لم يقبض

(6)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- تجب زكاة صداق المرأة إذا قبضته -وحال عليه الحول- لا فرق بين ما قبل الدخول وبعده- بـ:

القياس على دين الكتابة، بجامع أن الكل بدل عن ما ليس بمال، فلم تجب فيهما الزكاة قبل القبض

(7)

.

نوقش من وجهين:

(1)

انظر: المبسوط، للسرخسي (2/ 195)، تحفة الفقهاء (1/ 294)، بدائع الصنائع (2/ 10).

(2)

وإذا كان عينًا فزكاته تجب بالعقد.

انظر: المدونة (1/ 323)، المعونة (1/ 371)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 289)، المقدمات الممهدات (1/ 303).

(3)

انظر: الفروع (3/ 452)، المبدع (2/ 299).

(4)

انظر: الفروع (3/ 452)، المبدع (2/ 299).

(5)

انظر: الحاوي (3/ 202)، فتح العزيز (5/ 513)، الممتع، لابن المنجى (1/ 671).

(6)

انظر: المغني (3/ 77)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (6/ 334).

(7)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 10).

ص: 376

أ. هذا قياس مع الفارق؛ لأن دين الكتابة عوض عن مال، وللمكاتب الامتناع من أدائه

(1)

.

ب. الزوج قد ملك ما هو مقابل الصداق؛ وهو منفعة البضع، فاقتضى أن تملك الزوجة عوضه وهو الصداق، ويد الزوج لا تمنع تصرف المرأة في صداقها، فوجب عدم امتناع وجوب زكاته

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل- لا تجب زكاة صداق المرأة –قبل الدخول- إلا إذا قُبض وحال عليه الحول - بـ:

أن الوجوب والانعقاد لا يثبتان إلا بالقبض؛ فلا يلزم الإخراج قبل الثبوت

(3)

.

يمكن أن يناقش: بما نوقش به استدلال القول الثاني.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: تجب الزكاة في صداق المرأة من حين العقد -إذا حال عليه الحول-ولو لم تقبضه، لا فرق بين ما قبل الدخول وبعده، وذلك لوجاهة هذا القول وقوة استدلاله، وورود المناقشة المضعفة لاستدلال المخالفين.

(1)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (6/ 334).

(2)

انظر: الحاوي (3/ 202).

(3)

انظر: شرح الزركشي (2/ 523)، المبدع (2/ 299).

ص: 377

‌المبحث الثاني: المسائل التي قيل فيها لا فرق عند الحنابلة في الصيام

وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: لا فرق بين قليل القيء وكثيره.

المطلب الثاني: لا فرق في وجوب كفارة الوطء على الصائم بين كون الفرج قبلًا أو دبرًا، من ذكر أو أنثى.

المطلب الثالث: لا فرق في مشروعية صيام ستة أيام من شوال بين كونها متتابعة أو متفرقة.

المطلب الرابع: لا فرق في اعتكاف المكاتب بغير إذن سيده بين كونه واجبا أو غير واجب.

ص: 378

‌المطلب الأول: لا فرق بين قليل القيء وكثيره.

‌صورة المسألة:

إذا استدعى الصائم القيء عامدًا مختارًا، فهل يفسد صومه بخروج ذلك القيء قل أو أكثر؟

جاء في المغني: "مسألة من استقاء فعليه القضاء

وقليل القيء وكثيره سواء

ولا فرق بين كون القيء طعاما، أو مرارا، أو بلغما، أو دما، أو غيره

"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

عموم النص الوارد في المسألة

(2)

، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه

(3)

القيء وهو صائم فليس عليه قضاء وإن استقاء

(4)

فليقض)

(5)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على أن من غلبه خروج القيء لا يفسد صومه - مطلقًا -

(1)

(3/ 131).

(2)

انظر: المرجع السابق (3/ 132).

(3)

سبقه وغلبه، انظر: الصحاح (3/ 1210)، النهاية (2/ 158).

(4)

استفعل من القيء، وهو التكلف لذلك بطلبه واستدعائه، ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى، انظر: مجمل اللغة 1/ 738)، المطلع (1/ 184)، لسان العرب (1/ 135)، المصباح المنير (2/ 522).

(5)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الصوم، باب الصائم يستقء عامدًا (2/ 310)(2380)، والترمذي في أبواب الصوم، باب ما جاء في من استقاء عمدًا (2/ 91)(720)، وقال:"حسن غريب"، وقال الزيلعي في نصب الراية (2/ 449): "قال البخاري: لا أُراه محفوظًا

رواه الدار قطني وقال: رواته كلهم ثقاة"، وقال ابن الهمام في الفتح (2/ 334): " قال البخاري: لا أراه محفوظًا يعني للغرابة، ولا يقدح في ذلك بعد تصديق الراوي فإنه هو الشاذ المقبول وقد صححه الحاكم على شرط الشيخين"، وقال النووي في المجموع (6/ 315): "فيه إسناد الصحيح ولم يضعفه أبو داود".

ص: 379

سواء أكان قليلًا أو كثيرًا

(1)

.

2 -

واتفقوا على أن خروج القيء باستدعاء، إذا كان كثيرًا يفسد الصوم

(2)

.

3 -

واختلفوا في فساده بالاستدعاء إذا كان قليلًا على قولين:

القول الأوّل:

يفسد الصوم بتعمد استدعاء القيء إذا كان قليلًا، وهو مذهب المالكية

(3)

، والشافعية

(4)

، والحنابلة

(5)

، وقول محمد بن الحسن من الحنفية

(6)

.

القول الثاني:

يفسد الصوم باستدعاء القيء

(7)

إذا كان أقل من ملء الفم، وهو مذهب الحنفية

(8)

، ورواية عند الحنابلة

(9)

.

(1)

وقيد بعضهم الحكم بما لو لم يرده إلى جوفه.

انظر: الاختيار، الموصلي (1/ 133)، حاشية ابن عابدين (2/ 414)، شرح الرسالة (1/ 210)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 345)، الأم (2/ 106)، روضة الطالبين (2/ 356)، الكافي، لابن قدامة (1/ 441)، شرح الزركشي (2/ 589).

(2)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 92)، الهداية، للمرغيناني (1/ 121)، المدونة (1/ 271)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 345)، الأم (2/ 106)، روضة الطالبين (2/ 356)، الهداية، للكلوذاني (1/ 158)، الفروع (5/ 8).

(3)

انظر: المدونة (1/ 271)، شرح الرسالة (1/ 210)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 345)، عقد الجواهر (1/ 253).

(4)

انظر: الحاوي (3/ 419)، نهاية المطلب (4/ 29)، فتح العزيز (6/ 350).

(5)

انظر: المغني (3/ 131، 132)، المبدع (3/ 22)، كشاف القناع (2/ 318).

(6)

انظر: المحيط البرهاني (2/ 382)، البحر الرائق (2/ 295).

(7)

وفرقوا بين ما لو كان القيء بلغمًا أو غيره، انظر: المحيط البرهاني (2/ 382)، مطالب أولي النهى (2/ 190).

(8)

انظر: المبسوط، للسرخسي (3/ 56)، بدائع الصنائع (2/ 92)، الهداية (1/ 121)، تبيين الحقائق (1/ 325).

(9)

وفي رواية نصف الفم.

انظر: المبدع (3/ 22)، الإنصاف (7/ 413).

ص: 380

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- يفسد الصوم بتعمد استدعاء القيء إذا كان قليلًا -بما يلي:

الدليل الأوّل: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء وإن استقاء فليقض)

(1)

.

وجه الدلالة من الحديث:

دل ثبوت القضاء على فساد الصوم بالاستقاء عمدًا، وظاهر اللفظ العموم؛ يستوي فيه حكم القليل والكثير

(2)

.

الدليل الثاني: القياس على سائر المفطرات، بجامع أن الكل مفسد للصوم القليل منه والكثير

(3)

.

الدليل الثالث: تكلف القيء واستدعاؤه لا يؤمن معه رجوع شيء منه للجوف غالبًا، فإذا تعمده فكأنه تعمد الابتلاع

(4)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- يفسد الصوم باستدعاء القيء إذا كان أقل من ملء الفم-بما يلي:

الدليل الأوّل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يُعَادُ الْوُضُوءُ مِنْ سَبْعٍ:

مِنْ قَيْءٍ ذَارِعٍ، أَوْ دَمٍ سَائِلٍ، أَوْ نَوْمٍ مُضْطَجِعٍ، أَوْ دَسْعَةٍ

(5)

تَمْلَأُ الْفَمَ)

(6)

.

(1)

تقدم تخريجه ص 382.

(2)

انظر: المغني (3/ 132)، مرقاة المفاتيح (4/ 1393)، البدر التمام (5/ 63).

(3)

انظر: المغني (3/ 132)، المبدع (3/ 22).

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي (3/ 56)، الإشراف (1/ 431)، المعونة (1/ 473)، بحر المذهب (3/ 249).

(5)

دسع يدسع ودسوعًا: أي دفعها حتى أخرجها من جوفه إللى فيه"،

الدسعة: "الدفعة الواحدة من القيء"، النهاية (2/ 117)، لسان العرب (8/ 84).

(6)

رواه القاسم بن سلام في الطهور (402)(401)، والبيهقي في الخلافيات، (1/ 363)(637)، وقال:"سهل بن عفان مجهول، والجارود بن يزيد ضعيف في الحديث، ولا يصح هذا"، وقال الزيلعي في نصب الراية (1/ 44):"ضُعف"، وقال ابن الأثير في النهاية (2/ 117):"وجعله الزمخشري حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم".

ص: 381

وجه الدلالة من الحديث:

دل مفهوم الحديث على أن القيء إذا كان أقل من ملء الفم، فلا اعتبار لحكمه، بدليل عدم نقض الوضوء به، فكذلك الصوم لا يفسد بقليله المستدعى

(1)

.

نوقش: الحديث لا أصل له فلا يصح الاحتجاج به

(2)

.

الدليل الثاني: القيء إذا كان أقل من ملء الفم صار كالريق فيأخذ حكمه

(3)

.

نوقش: هذا القياس فاسد الاعتبار؛ لأنه معارض بالنص، والعمل بإطلاق النص أولى

(4)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة- والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يفسد الصوم بتعمد استدعاء القيء إذا كان قليلًا، وذلك لقوته وصحة أدلته وسلامتها من الاعتراض، وضعف القول المخالف وورود المناقشات على استدلاله.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 92)، المغني (3/ 131)، النفح الشذي (2/ 320)، البدر التمام (2/ 42).

(2)

انظر: المغني (3/ 132)، الخلافيات، للبيهقي (1/ 364).

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (3/ 56)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (7/ 415).

(4)

انظر: نخب الأفكار (8/ 528)، البناية (4/ 51).

ص: 382

‌المطلب الثاني: لا فرق في وجوب كفارة الوطء على الصائم بين كون الفرج قبلًا أو دبرًا، من ذكر أو أنثى.

‌صورة المسألة:

إذا جامع الصائم في نهار رمضان، فما موجب ذلك الجماع، سواء أكان في قُبُل أو دُبُر، من ذكر أو أنثى؟

جاء في المغني: "جامع الصائم في الفرج فأنزل أو لم ينزل

لأن فساد الصوم ووجوب الكفارة حكمان يتعلقان بالجماع

ولا فرق بين كون الفرج قبلا أو دبرا، من ذكر أو أنثى"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

الدبر أحد السبيلين، فأشبه القبل، ومقتضى ذلك استواؤهما في الحكم

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على فساد صوم من جامع

(3)

في قُبُل أو دُبُر بنهار رمضان - من ذكر أو أنثى - ووجوب القضاء عليه

(4)

.

2 -

واختلفوا في وجوب الكفارة على من جامع بنهار رمضان - من ذكر أو أنثى - في دبر، على قولين:

(1)

(3/ 136).

(2)

انظر: الممتع، لابن المنجى (2/ 30).

(3)

عالمًا عامدًا ذاكرًا.

(4)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 327)، حاشية ابن عابدين (2/ 409)، المعونة (1/ 467)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 341)، المهذب (1/ 339)، البيان، للعمراني (3/ 518)، المغني (3/ 136)، شرح الزركشي (2/ 591).

ص: 383

القول الأوّل:

تجب الكفارة على من جامع في دُبُر بنهار رمضان من ذكر وأنثى

(1)

، وهو مذهب الحنفية

(2)

، والمالكية

(3)

، والشافعية

(4)

، والحنابلة

(5)

.

القول الثاني:

لا تجب الكفارة على من جامع في دُبُر بنهار رمضان من ذكر وأنثى، وهو قول لأبي حنيفة

(6)

، والشافعية

(7)

، ووجه عند الحنابلة

(8)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- تجب الكفارة على من جامع في دُبُر بنهار رمضان من ذكر وأنثى -بما يلي:

الدليل الأوّل: عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَلَكْتُ، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ:(وَمَا أَهْلَكَكَ؟) قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ:(هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟) قَالَ: لَا، قَالَ:(فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟) قَالَ: لَا، قَالَ:(فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟) قَالَ: لَا، قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه

(1)

وفي قول عند الشافعية لا تجب الكفارة على المرأة والرجل إذا جومعا في الدبر، انظر كفاية النبيه (6/ 340).

(2)

ولا كفارة بجماع الصغيرة.

انظر: تبيين الحقائق (1/ 327)، البحر الرائق (2/ 297)، حاشية ابن عابدين (2/ 409).

(3)

واشترطوا لوجوبها شروطًا: العمد-الاختيار-والانتهاك للحرمة-العلم بحرمة الموجب الذي فعله، وإن جهل وجوب الكفارة-كون الفطر في رمضان الحاضر.

انظر: المعونة (1/ 467)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 341)، الفواكه الدواني (1/ 314).

(4)

انظر: البيان، للعمراني (3/ 518)، المجموع (6/ 341)، روضة الطالبين (7/ 204).

(5)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (7/ 447)، الفروع (5/ 44)، شرح الزركشي (2/ 591)، الإنصاف (7/ 444).

(6)

انظر: المحيط البرهاني (2/ 388)، تبيين الحقائق (1/ 327).

(7)

انظر: كفاية النبيه (6/ 340).

(8)

انظر: الفروع (5/ 44)، الإنصاف (7/ 443، 444).

ص: 384

وسلم - بِعَرَقٍ

(1)

فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ:(تَصَدَّقْ بِهَذَا) قَالَ: أعلى أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا

(2)

أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ

صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ:(اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ)

(3)

.

وجه الدلالة من الحديث:

أمر النبي صلى الله عليه وسلم السائل بالكفارة من غير استفصال عن حاله، فدل ذلك على عموم الحكم في كل جماع وقع في نهار رمضان

(4)

لأن "ترك الاستفصال من الرسول في حكايات الأحوال مع الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال"

(5)

.

الدليل الثاني: الدبر أحد الفرجين، والجماع فيه يعد إيلاج فرج في فرج، فتجب به الكفارة

(6)

.

الدليل الثالث: الجماع في الدبر يحصل به انقضاء الشهوة، فتجب به الكفارة؛ لتكامل الجناية

(7)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- لا تجب الكفارة على من جامع في دُبُر بنهار رمضان من ذكر وأنثى -بما يلي:

الدليل الأوّل: الجماع في الدبر لا يحصل به الإحلال ولا الإحصان، فلا تجب به الكفارة

(8)

.

(1)

زبيل ويسمى زنبيل، وهو مكتل ينسج من خوص النخل، انظر: شرح مسند الشافعي (2/ 196)، النهاية (3/ 219)، العدة، ابن العطار (2/ 852).

(2)

اللابة: الحَرة وهي الأرض ذات الحجارة السود، والمراد حد لحرم المدينة من المشرق إلى المغرب، المطلع (1/ 222)، المصباح المنير (2/ 560).

(3)

رواه البخاري في كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان، ولم يكن له شيء، فتصدق عليه فليكفر (3/ 32)(1936)، ومسلم في كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم (2/ 781)(1111).

(4)

انظر: معالم السنن (2/ 116)، الأحكام، ابن دقيق العيد (2/ 14).

(5)

المسودة، ابن تيمية (1/ 108).

(6)

انظر: البناية (4/ 53)، الممتع، لابن المنجى (2/ 30).

(7)

انظر: المحيط البرهاني (2/ 388)، تبيين الحقائق (2/ 327)، فتح القدير (2/ 336).

(8)

الاختيار، الموصلي (1/ 131)، البحر الرائق (2/ 297).

ص: 385

الدليل الثاني: الجماع في الدبر مستقذر وتنفر منه الطباع السليمة، فلا يحتاج لعقوبة زاجرة للامتناع عنه، فلم تجب في حق من فعله في نهار رمضان كفارة

(1)

.

نوقش الاستدلالان: الجماع في الدبر يعتبر جماع في فرج يفسد به الصوم، فأوجب الكفارة كالوطء في القبل

(2)

.

الدليل الثالث: حقيقة الجماع منتفية في جماع الدبر، بدليل عدم وجوب الحد والغسل على فاعله

(3)

.

نوقش: لا يسلم بعدم وجوب الغسل لأنه إيلاج فرج في فرج، وأما الحد فلم يجب لأن المعنى الذي وجب به حد الزنا لا يوجد في جماع الدبر؛ وهو تضييع الولد وفساد الفراش

(4)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة- والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: تجب الكفارة على من جامع في دُبُر بنهار رمضان من ذكر وأنثى، وذلك لقوته وموافقته للقواعد الأصولية، وضعف القول المخالف لما ورد على استدلاله من المناقشات.

(1)

انظر: تبيين الحقائق (1/ 327).

(2)

انظر: المغني (3/ 136).

(3)

انظر: الجوهرة النيرة (1/ 141)، الفروع (5/ 44)، الإنصاف (7/ 444).

(4)

انظر: المحيط البرهاني (2/ 388)، تبيين الحقائق (1/ 327)، المجموع (6/ 341)، الممتع، لابن المنجى (2/ 30).

ص: 386

‌المطلب الثالث: لا فرق في مشروعية صيام ستة أيام من شوال بين كونها متتابعة أو متفرقة.

‌صورة المسألة:

صام شخص شهر رمضان، وأراد صيام ستة أيام من شوال بعده، فهل له صيامها متتابعة أو متفرقة؟

جاء في المغني: "مسألة: قال ومن صام شهر رمضان وأتبعه بست من شوال وإن فرقها فكأنما صام الدهر

إذا ثبت هذا فلا فرق بين كونها متتابعة أو مفرقة، في أول الشهر أو في آخره"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

1 -

النصوص الواردة في فضل صيام ستة أيام من شوال

(2)

مطلقة؛ ولم تقيد الصيام بقيد أو وصف

(3)

.

2 -

فضيلة صومها بعد رمضان؛ لكونها معه بمثابة صوم (360) يومًا حاصلة مع التتابع والتفريق

(4)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في مشروعية تتابع صيام ستة أيام من شوال، على قولين:

القول الأوّل:

(1)

(3/ 176، 177).

(2)

كما في حديث ثوبان رضي الله عنه في مسند أحمد (37/ 94)(22412)، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر فذلك تمام صيام السنة ".

(3)

انظر: المغني (3/ 177)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (7/ 447).

(4)

انظر: شرح النووي على مسلم (8/ 56)، المغني (3/ 177)، المنهل العذب (10/ 191).

ص: 387

يباح التتابع والتفريق في صوم ستة أيام من شوال

(1)

، وهو مذهب الشافعية

(2)

، والحنابلة

(3)

، وقول متأخري الحنفية

(4)

.

القول الثاني:

يكره التتابع في صوم ستة أيام من شوال، وهو مذهب الحنفية

(5)

، والمالكية

(6)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- يباح التتابع والتفريق في صوم ستة أيام من شوال-بما يلي:

الدليل الأوّل: عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال فكأنما صام الدهر)

(7)

.

وجه الدلالة من الحديث:

في الحديث دلالة صريحة على استحباب صوم ستة أيام من شوال بعد صيام رمضان، وهو حث مطلق لا تقييد فيه، فعلم منه أن شوال كله محل لذلك، يستوي فيه صومها متتابعة ومتفرقة

(8)

.

(1)

والتتابع أولى، انظر: بحر المذهب (3/ 306)، شرح الزركشي (2/ 639).

(2)

انظر: الحاوي (3/ 475)، البيان، للعمراني (3/ 548)، المجموع (6/ 379).

(3)

انظر: المغني (3/ 177)، الفروع (5/ 84)، شرح الزركشي (2/ 639)، كشاف القناع (2/ 337).

(4)

وقيل تفريقها أفضل؛ لإظهار مخالفة أهل الكتاب.

انظر: مراقي الفلاح (1/ 236)، حاشية ابن عابدين (2/ 435).

(5)

والاتباع المكروه هو: صوم يوم الفطر وبعده خمسة أيام، وأما التفريق فيبعد عن الكراهة، بل هو مستحب.

انظر: بدائع الصنائع (2/ 78)، المحيط البرهاني (2/ 393)، حاشية الطحطاوي (1/ 639)، فتح القدير (2/ 349).

(6)

ومحل الكراهة إذا صامها من يقتدى به، أو من يخاف عليه اعتقاد وجوبها، إذا صامها متصلة برمضان.

واستحب مالك صيامها في غير شوال لتحصيل فضيلة صيام سنة.

انظر: عقد الجواهر (1/ 259)، التوضيح، للجندي (2/ 459)، مواهب الجليل (2/ 414).

(7)

رواه مسلم، كتاب الصيام، باب استحباب صوم ستة أيام من شوال (1164)(2/ 822).

(8)

انظر: المجموع (6/ 379)، إرشاد الساري (3/ 424)، مرقاة المفاتيح (4/ 1416).

ص: 388

الدليل الثاني: اتباع صوم رمضان بست من شوال يحصل بفعلها متتابعة ومتفرقة في أوله وآخره، للزوم الفصل بينهما بيوم الفطر، فليس المقصود بالاتباع كونها متصلة وتقديمها أفضل لأنه أقرب وأشد اتباعًا، وتأخيرها أفضل لكونه لا يلتبس به لحوقها برمضان فاستويا

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- يكره التتابع في صوم ستة أيام من شوال- بـ:

أن تتابع صومها بعد رمضان يفضي إلى اعتقاد لزومها، فتُلحق برمضان في الوجوب

(2)

.

نوقش من وجهين:

أ. لا يسلم باعتقاد وجوبها؛ لأنه لا يخفى على أحد عدمه، لأن يوم الفطر يفصل بينها وبين رمضان

(3)

.

ب. يلزم من هذا التعليل القول بكراهة صوم يوم عرفة وعاشوراء

(4)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة-والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يباح التتابع والتفريق في صوم ستة أيام من شوال، وذلك لقوته في مقابلة القول المخالف، ولثبوت مقتضاه بالسنة الصحيحة.

(1)

انظر: شرح العمدة لابن تيمية (2/ 560).

(2)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 78)، فتح القدير (2/ 349)، مواهب الجليل (2/ 414)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 517).

(3)

انظر: مراقي الفلاح (1/ 236)، المغني (3/ 177)، الفروع (5/ 87).

(4)

انظر: المجموع (6/ 379).

ص: 389

‌المطلب الرابع: لا فرق في اعتكاف المكاتب بغير إذن سيده بين كونه واجبًا أو غير واجب.

‌صورة المسألة:

إذا نذر المكاتب اعتكافًا، فهل يفتقر جواز اعتكافه لإذن سيده، سواء كان اعتكافه واجبًا أو غير واجب؟

جاء في الكشاف: "وللمكاتب أن يعتكف بلا إذن سيده نص عليه

؛ وظاهره: لا فرق بين الواجب وغيره وسواء نجم أو لا"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر أن سبب الإلحاق هو: ليس لولاية السيد على المكاتب أثر في ملك منافعه، وعليه فلا أثر لها في صحة اعتكافه الواجب؛ فيلحق به التطوع لحوقًا أولويًا.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في حكم اعتكاف المكاتب بغير إذن سيده سواء كان اعتكافه واجبًا أو غير واجب، على قولين:

القول الأوّل:

يجوز للمكاتب أن يعتكف بغير إذن سيده سواء أكان اعتكافه واجبًا أو غير واجب، وهو مذهب الحنفية

(2)

، والمالكية

(3)

، والشافعية

(4)

، والحنابلة

(5)

.

(1)

(2/ 350).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (3/ 125)، بدائع الصنائع (2/ 109)، البحر الرائق (2/ 322).

(3)

وقيدوه بالاعتكاف اليسير.

انظر: المدونة (1/ 295)، جامع الأمهات (1/ 180)، الذخيرة (2/ 541)، مختصر ابن عرفة (2/ 103).

(4)

انظر: الحاوي (3/ 506)، التهذيب، للبغوي (3/ 220)، البيان، للعمراني (3/ 574)، روضة الطالبين (2/ 396).

(5)

انظر: المغني (3/ 205)، الممتع، لابن المنجى (2/ 55)، الإنصاف (7/ 573).

ص: 390

القول الثاني:

لا يجوز للمكاتب أن يعتكف بغير إذن سيده سواء كان اعتكافه واجبًا أو غير واجب، وهو وجه للشافعية

(1)

، ورواية عند الحنابلة

(2)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل- يجوز للمكاتب أن يعتكف بغير إذن سيده سواء كان اعتكافه واجبًا أو غير واجب -بما يلي:

الدليل الأوّل: المكاتب يشبه الحر في عدم ملك شيئًا من منافعه، وليس لسيده إجباره على الكسب، فلا يملك منعه من الاعتكاف؛ لأن الذي له عليه هو الدين فقط

(3)

.

الدليل الثاني: لا يحصل باعتكاف المكاتب عجز عن حق سيده ووفاء نجوم كتابته، فلا وجه لمنعه من الاعتكاف واجبًا كان أو تطوعًا

(4)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل- لا يجوز للمكاتب أن يعتكف بغير إذن سيده سواء كان اعتكافه واجبًا أو غير واجب - بـ:

أن المكاتب يجب عليه الاكتساب لوفاء دينه، وفي اعتكافه وقعوده عن تحصيل المال إضرار بسيده

(5)

.

نوقش: الواجب على المكاتب هو دفع نجم الكتابة عند حلوله، والذي يحصل بالاعتكاف هو

(1)

انظر: التهذيب، للبغوي (3/ 220)، البيان، للعمراني (3/ 574)، المجموع (6/ 478).

(2)

انظر: الإنصاف (7/ 575).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 109)، المغني (3/ 205)، الممتع، لابن المنجى (2/ 55).

(4)

انظر: لوامع الدرر، للشنقيطي (4/ 246).

(5)

انظر: التهذيب، للبغوي (3/ 220)، المجموع (6/ 478).

ص: 391

حبس المنافع وهي غير مملوكه للسيد

(1)

.

‌الترجيح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها يظهر أن الراجح في المسألة –والله أعلم- هو القول الأوّل القائل: يجوز للمكاتب أن يعتكف بغير إذن سيده سواء كان اعتكافه واجبًا أو غير واجب؛ وذلك لقوته ووجاهة استدلاله، وضعف القول المخالف لورود المناقشة على استدلاله.

(1)

انظر: البيان، للعمراني (3/ 574).

ص: 392

‌الفصل الرابع: المسائل التي قيل فيها: لا فرقَ عند الحنابلة في الحج، والجهاد.

وفيه مبحثان.

المبحث الأول: المسائل التي قيل فيها: لا فرقَ عند الحنابلة في الحج.

المبحث الثاني: المسائل التي قيل فيها: لا فرقَ عند الحنابلة في الجهاد.

ص: 393

‌المبحث الأول: المسائل التي قيل فيها: لا فرقَ عند الحنابلة في الحج.

وفيه سبعة عشر مطلبًا.

المطلب الأول: لا فرق بين قاطني مكة وغيرهم ممن هو بها في الإهلال بالحج أو العمرة من مكة.

المطلب الثاني: لا فرق في تطيب من أراد الإحرام بين ما يبقى عينه من الطيب، أو أثره.

المطلب الثالث: لا فرق بين قتل القمل، أو إزالته بإلقائه على الأرض، أو بالزئبق.

المطلب الرابع: لا فرق في وجوب الفدية بين حلق الشعر أو إزالته بالنورة، أو قصه أو غير ذلك.

المطلب الخامس: لا فرق في وجوب الفدية بين العامد والمخطئ، ومن له عذر ومن لا عذر له.

المطلب السادس: لا فرق في فساد الحج بالجماع بين أن يكون الوطء في القبل أو الدبر من آدمي أو بهيمة.

المطلب السابع: الوطء قبل رمي جمرة العقبة يفسد الحج، لا فرق بين ما قبل الوقوف وبعده.

المطلب الثامن: لا فرق بين من حلق ومن لم يحلق، في عدم إفساد حجه بالوطء بعد الرمي.

المطلب التاسع: لا فرق في ضمان الصيد بالدلالة والإشارة بين كون الدال في الحل أو الحرم.

المطلب العاشر: لا فرق بين الحصر العام في حق الحاج وبين الخاص في حق شخص واحد.

المطلب الحادي عشر: لا فرق في جواز تأخير الحلق والتقصير إلى آخر النحر بين القليل والكثير، والعامد والساهي.

المطلب الثاني عشر: لا فرق في رمي جمرة العقبة يوم النحر بين الرمي بعد الفجر وبعد طلوع الشمس.

المطلب الثالث عشر: لا فرق في ترك المبيت بمنى بين ليلة وأكثر.

المطلب الرابع عشر: لا فرقَ في تأخير المتمتع صيام الثلاثة أيام في الحج عن يوم النحر، بين تأخيرها لعذر أو لغيره.

المطلب الخامس عشر: لا فرق في وجوب الهدي على من فاته الوقوف بعرفة بين كونه ساق الهدي أو لا.

المطلب السادس عشر: لا فرق في ولد الهدية بين ما عينه ابتداء وبين ما عينه بدلا عن الواجب في ذمته.

المطلب السابع عشر: لا فرق في وقت الذبح للأضحية بين أهل المصر وغيرهم.

ص: 394

‌المطلب الأول: لا فرقَ بين قاطني مكة وغيرهم ممّن هو بها في الإهلال بالحج أو العمرة من مكة.

‌صورة المسألة:

إذا قدِمَ شخص لمكة وأقام بها، ثم أراد الإهلال بحج أو عمرة: فهل له الإهلالُ من مكة أم تلزمه العودة لميقاته والإهلال منه؟

جاء في المغني: "وأهل مكة إذا أرادوا العمرة، فمن الحِلِّ، وإذا أرادوا الحجَّ، فمن مكة أهلُ مكة، مَنْ كان بها، سواء كان مقيمًا بها أو غيرَ مقيم

لا فرقَ بين قاطني مكة وغيرهم ممن هو بها"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

1 -

عموم النصوص الواردة في المسألة، ومنها: ماجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقَّتَ المواقيتَ قال: (هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ)

(2)

.

2 -

استواء المكيّ وغيره ممن هو بمكة في معنى الاستيطان

(3)

.

‌حكم المسألة:

اتّفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على أن أهل مكة ومن أقام بها من غير أهلها؛ يُهِلّون بالعمرة والحج

(4)

من مكة

(5)

، واستدلّوا بما يلي:

(1)

(3/ 247).

(2)

رواه البخاري، كتاب الحج، باب مهل أهل مكة للحج والعمرة (2/ 134)(1524)، ومسلم في كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة (2/ 839)(1181).

(3)

انظر: الممتع، لابن المنجى (2/ 81).

(4)

وإهلالهم بالعمرة يكون من الحِلّ، وبالحج من بيوتهم.

انظر: المجموع (7/ 196)، كفاية الأخيار (1/ 216)، المغني (3/ 246).

(5)

انظر: المبسوط، للسرخسي (4/ 170)، بدائع الصنائع (2/ 167)، الهداية، للمرغناني (1/ 153)، البحر الرائق (2/ 343 - 344)، الذخيرة (3/ 206)، مواهب الجليل (3/ 26)، شرح الخرشي (2/ 301)، المهذب، للشيرازي (1/ 372 - 373)، البيان، للعمراني (4/ 117)، روضة الطالبين (3/ 38)، المغني (3/ 246، 247)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 112 - 113)، شرح الزركشي (3/ 61).

ص: 395

الدليل الأوّل: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، قَالَ: (أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَحْلَلْنَا، أَنْ نُحْرِمَ إِذَا تَوَجَّهْنَا إِلَى مِنًى، قَالَ: فَأَهْلَلْنَا مِنَ الْأَبْطَحِ

(1)

(2)

.

الدليل الثاني: عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ وَلَمْ يَسُقْ الهَدْيَ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ لَيْلَةُ عَرَفَةَ وَإِنَّمَا كُنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرَةٍ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ)، فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْتُ الحَجَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْلَةَ الحَصْبَةِ، فَأَعْمَرَنِي مِنَ التَّنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي نَسَكْتُ"

(3)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديثين:

الحديثان نصٌّ في أن أهل مكة يُهِلّون منها بالعمرة والحج، سواء في ذلك من كان من مكة أو واردًا إليها

(4)

.

الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقَّتَ المواقيتَ قال: (هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ)

(5)

.

(1)

الأصل أنه مسيل فيه دقاق الحصى، وهو شعب بين مكة ومنى ويسمى المحصب. العين (3/ 174)، النهاية في غريب الحديث (1/ 393).

(2)

رواه مسلم في كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحل القارن من نسكه، (2/ 882)(1214).

(3)

رواه البخاري، كتاب الحيض، باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض، (1/ 70)(316)، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحل القارن من نسكه، (2/ 870)(1211).

(4)

انظر: شرح النووي على مسلم (8/ 84).

(5)

تقدم تخريجه ص 398.

ص: 396

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

بيَّنَ الحديث أن أهل مكة مهلُّهم من مكة، والعموم يشمل كل من أقام بمكة؛ لأن من أتى على ميقات كان ميقاتًا له

(1)

.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 167)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 111).

ص: 397

‌المطلب الثاني: لا فرقَ في تطيُّب من أراد الإحرام، بين ما يبقى عينه من الطيب، أو أثره.

‌صورة المسألة:

إذا تطيَّب مريد الإحرام قبل إحرامه في بدنه: فهل له التطيب بكل طيب، سواء كان مما يبقي أثرًا أم لا؟

جاء في المغني: "ويتطيب، وجملة ذلك أنه يستحبُّ لمن أراد الإحرام أن يتطيب في بدنه خاصة، ولا فرقَ بين ما يبقى عينه كالمسك والغالية، أو أثره كالعود والبخور وماء الورد"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

عموم حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ)

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على تحريم الطيب للمُحرِم حال إحرامه - مطلقًا -

(3)

.

2 -

واتَّفقوا على إباحة تطيُّبِ المحرم في بدنه قبل إحرامه بما لا يبقى أثره

(4)

.

3 -

واختلفوا في تطيبه في بدنه قبل إحرامه بما يبقى أثره على قولين:

(1)

(3/ 258).

(2)

رواه البخاري في كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن يحرم، ويترجل ويدهن، (2/ 136)(1539)، ومسلم، كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام، (2/ 846)(1189).

(3)

انظر: تبيين الحقائق (2/ 13)، حاشية ابن عابدين (2/ 487)، بداية المجتهد (2/ 93)، التوضيح، الجندي (3/ 80)، اللباب، للمحاملي (1/ 202)، فتح العزيز (7/ 456)، الكافي، لابن قدامة (1/ 490)، المبدع (3/ 133 - 134).

(4)

انظر: تحفة الفقهاء (1/ 401)، البحر الرائق (2/ 345)، بداية المجتهد (2/ 93)، نهاية المطلب (4/ 217)، فتح العزيز (7/ 247 - 248)، المغني (3/ 258)، كشاف القناع (2/ 406).

ص: 398

القول الأوّل:

يجوز للمُحرِم أن يتطيب قبل الإحرام في بدنه بما يبقى أثره، وهو مذهب الحنفية

(1)

، والشافعية

(2)

، والحنابلة

(3)

.

القول الثاني:

يُكرَه للمُحرِم أن يتطيب قبل إحرامه في بدنه بما يبقى أثره، وهو مذهب المالكية

(4)

، وقول للحنفية

(5)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يجوز للمحرم أن يتطيب قبل الإحرام في بدنه بما يبقى أثره - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ

(6)

الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ)

(7)

.

الدليل الثاني: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ)

(8)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديثين:

دلَّت النصوص على إباحة تطيب المحرم في بدنه قبل الإحرام؛ وإن بقي أثره؛ لأن المراد بوَبِيص

(1)

انظر: تحفة الفقهاء (1/ 401)، بدائع الصنائع (2/ 144)، الاختيار لتعليل المختار، للموصلي (1/ 143).

(2)

انظر: الأم (2/ 165)، نهاية المطلب (4/ 217)، فتح العزيز (6/ 247، 248).

(3)

انظر: المغني (3/ 258)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 138)، كشاف القناع (2/ 406).

(4)

انظر: بداية المجتهد (2/ 93)، الذخيرة، (3/ 225 - 226)، التوضيح، للجندي (3/ 80).

(5)

انظر: تحفة الفقهاء (1/ 401)، اللباب، للخزرجي (1/ 418).

(6)

وَبَصَ بمعنى بَرَقَ، والوَبيص البريق واللمعان. العين (7/ 169)، شرح النووي على مسلم (8/ 98).

(7)

رواه البخاري، كتاب اللباس، باب الطيب في الرأس واللحية، (7/ 164)(5923)، ومسلم، كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام، (2/ 847)(1190).

(8)

تقدم تخريجه ص 401.

ص: 399

الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم أثرُه

(1)

.

نوقِشَ: عن عائشة رضي الله عنها (أنها طيَّبَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ إِحْرَامِهِ، ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا)

(2)

. وفي طوافه على نسائه بعد تطيبه دليل على اغتساله قبل الإحرام، وبذلك يكون قد أحرم غير متطيب؛ فدلَّ تجنُّبُه له على كراهته للمُحرِم

(3)

.

أُجيبَ: ليس في الحديث حُجّة، لأن طواف رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه يحتمل أنه كان لغير جماع؛ كأن يكون ليعلمهن كيف يحرمن أو غير ذلك

(4)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - يُكرَه للمِحرِم أن يتطيب قبل إحرامه في بدنه بما يبقى أثره - بما يلي:

الدليل الأوّل: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ أَثَرُ خَلُوقٍ - أَوْ قَالَ: صُفْرَةٍ - وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟

قَالَ: (أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْعُمْرَةِ؟)، قَالَ:(اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الْخَلُوقِ - أَوْ قَالَ: أَثَرَ الصُّفْرَةِ -، وَاخْلَعِ الْجُبَّةَ عَنْكَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا صَنَعْتَ فِي حَجَّتِكَ)

(5)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

دلَّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل أثر الطيب، على كراهة تطيب المحرم بما يبقى أثره بعد الإحرام

(6)

.

نوقِشَ من أوجُهٍ:

(1)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 144)، أعلام الحديث (1/ 305)، شرح النووي على مسلم (8/ 98).

(2)

رواه مسلم، كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام (2/ 849)(1192).

(3)

انظر: التمهيد، لابن عبد البر (2/ 256)، القبس في شرح الموطأ (1/ 553).

(4)

انظر: طرح التثريب (5/ 76).

(5)

رواه البخاري في كتاب الحج، باب: يفعل في العمرة ما يفعل في الحج، (3/ 5)(1789)، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه، (2/ 836)(1180).

(6)

انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (4/ 205)، إكمال المعلم (4/ 165).

ص: 400

أ. اختلفت ألفاظ الحديث: فقد ورد في بعض ألفاظه "جُبّة بها أثر الخلوق

(1)

" وفي بعضها "وهو متضمخ بالخلوق" وفي بعضها "عليه ردع

(2)

من زعفران". وهذا يدل على أن طيب الرجل كان في الجُبّة وليس في البدن، وكان من الزعفران، وهو منهيٌّ عنه للرجال في غير الإحرام

(3)

ففي حال الإحرام من باب أَوْلى

(4)

.

ب. واقعة هذا الحديث في سنة ثمان من الهجرة عام حنين، وحديث عائشة رضي الله عنها في سنة عشر عام حجة الوداع؛ فيكون ناسخًا لما قبله

(5)

.

ت. يحتمل أن تطيب الرجل كان بعد الإحرام

(6)

.

الدليل الثاني: قياس تطيب المحرم بما يبقى أثره على سائر المحظورات التي يمنع ابتداؤها، فلم يجز استدامتها كاللبس وقتل الصيد

(7)

.

نوقِشَ من أوجه:

أ. هذا قياس مع الفارق؛ فاللباس يستعمل لينزع وليس على وجه الإتلاف؛ فالاستدامة فيه كالابتداء، وأما الطيب فيستعمل للإتلاف فلا تكون الاستدامة فيه كالابتداء

(8)

.

(1)

نوع من الطيب يُتَّخذ من الزعفران وغيره، تغلب عليه الحمرة أو الصفرة، انظر: النهاية، لابن الأثير (5/ 196)، لسان العرب (10/ 91).

(2)

لطخ وأثر، كشيء من زعفران في مواضع شتى من الثوب، انظر: الصحاح (3/ 1218)، الفائق في غريب الحديث (1/ 64)، (1/ 371).

(3)

كما في حديث أنس رضي الله عنه عند البخاري، كتاب اللباس، باب النهي عن التزعفر للرجال (7/ 153)(5846)، «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ» .

(4)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 144)، عمدة القاري (9/ 153)، بحر المذهب (3/ 421)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 140).

(5)

انظر: تبيين الحقائق (2/ 9)، التمهيد، لابن عبد البر (19/ 306)، البيان، للعمراني (4/ 124)، المغني (3/ 258).

(6)

انظر: المجموع (7/ 222).

(7)

انظر: بداية المجتهد (2/ 94).

(8)

انظر: الحاوي (4/ 80).

ص: 401

ب. ينتقض هذا القياس بالنكاح؛ فإن المحرم يُمنَع من ابتدائه دون استدامته

(1)

.

ت. هذا القياس معارض بقياس إباحة تطيب المحرم قبل إحرامه بما يبقى أثره على إباحة حلقه قبل إحرامه، بجامع أن بقاء الكل بعد الإحرام ليس بفعل منه

(2)

.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - القول الأوّل القائل: يجوز للمحرم أن يتطيب قبل الإحرام في بدنه بما يبقى أثره؛ وذلك لقوة هذا القول وسلامة استدلاله من المعارض الراجح، وورود المناقشات على استدلال القول المخالف.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 144)، الحاوي (4/ 79)، المغني (3/ 259).

(2)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (2/ 520).

ص: 402

‌المطلب الثالث: لا فرقَ بين قتل القمل، أو إزالته بإلقائه على الأرض، أو بالزئبق.

‌صورة المسألة:

إذا تأذَّى شخص بعد تلبسه بالإحرام من القمل، فأراد قتله أو إزالته: فهل يباح له ذلك؟

جاء في المغني: "ولا يتفلَّى المحرم، ولا يقتل القمل، ويحكّ رأسه وجسده حكًّا رفيقًا

ولا فرقَ بين قتل القمل، أو إزالته بإلقائه على الأرض، أو قتله بالزئبق"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

المعنى الذي منع المحرم لأجله من قتل القمل هو الترفه، وذلك متحقق في إزالة القمل أو قتله بأي صورة كانت

(2)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في حكم قتل المحرم للقمل أو إزالته بإلقائه على الأرض أو قتله بالزئبق على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:

يُباح للمحرم قتل القمل وإزالته - مطلقًا -، وهو رواية عند الحنابلة

(3)

.

القول الثاني:

يحرم على المحرِم قتل القمل وإزالته - مطلقًا -، وهو مذهب الحنفية

(4)

، والمالكية

(5)

،

(1)

(3/ 278).

(2)

انظر: شرح الزركشي (3/ 108).

(3)

انظر: المغني (3/ 278)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 310).

(4)

انظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص (2/ 567)، المبسوط، للسرخسي (4/ 91)، تبيين الحقائق (2/ 66).

(5)

انظر: الكافي، لابن عبد البر (1/ 388)، عقد الجواهر (1/ 294)، الذخيرة (3/ 313).

ص: 403

والحنابلة

(1)

.

القول الثالث:

يُكره للمُحرِم قتلُ القمل أو إزالته من رأسه فقط، وهو مذهب الشافعية

(2)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يُباح للمحرم قتل القمل وإزالته مطلقًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:(خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيَّا)

(3)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

يدلُّ الحديث بمعناه على إباحة قتل كل ما يتأذى منه الإنسان؛ فيلحق القمل بالمذكورات في الحديث في إباحة قتله لتحقق وصف الأذى فيه، وهو الوصف الذي أُنيط به الحكم

(4)

.

الدليل الثاني: قياس القمل على البراغيث بجامع تحقق الأذى من الجميع

(5)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - يحرم على المحرم قتل القمل وإزالته مطلقًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ

(6)

رضي الله عنه، قَالَ: وقف عليّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

التحريم إن كان القتل والإزالة من الرأس، أما إن كان من الثياب أو البدن فيباح.

انظر: المغني (3/ 278)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 310)، الفروع (5/ 407)، الإنصاف (8/ 310).

(2)

ويباح إن كان من الثوب والبدن.

انظر: الأم (2/ 220)، المهذب، للشيرازي (1/ 391)، فتح العزيز (7/ 489).

(3)

رواه مسلم في كتاب الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدوابّ في الحِلّ والحرم، (2/ 856)(1198).

(4)

انظر: أحكام الإحكام، لابن دقيق العيد (2/ 65)، المغني (3/ 278)، البدر التمام (5/ 260).

(5)

انظر: المغني (3/ 278)، شرح الزركشي (3/ 109).

(6)

هو كعب بن عجرة بن أمية بن عدي البلوي، كنيته أبو محمد، مدني له صحبة، شهد عمرة الحديبية ونزلت فيه آية الفدية، توفي سنة (53) هـ. انظر: الإصابة (5/ 448).

ص: 404

- بِالْحُدَيْبِيَةِ وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلًا، فَقَالَ: (يُؤْذِيكَ هَوَامُّ

(1)

رَأْسِكَ؟) قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (احْلِقْ رَأْسَكَ

فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ تَصَدَّقْ

)

(2)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

في ترك كعب رضي الله عنه للقمل حتى تناثر من رأسه، وإيجاب الفدية عليه، دليل على منع المحرم من قتل القمل أو إزالته بأي صورة، إذ لو كان مباحًا لما تركه، أو لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإزالته خصوصًا

(3)

.

نوقِشَ: دلالة الحديث ظاهرة في جواز إزالة كل ما يُتأذى منه، وإيجاب الفدية إنما كان من أجل حلق الرأس؛ لأن تناثر القمل عليه كان من شعث الإحرام، فلو كان محرِمًا لما أذن له

(4)

.

الدليل الثاني: في قتل المحرم للقمل وإزالته عنه معنى الترفُّه، وهو ممنوع منه

(5)

.

يمكن أن يناقَش: تقرَّر بالقواعد الشرعية أن "الضرر يزال"

(6)

فكما أن على المكلف إزالة الضرر الواقع على غيره؛ فعليه إزالة الضرر الواقع على نفسه.

(1)

الهوامّ جمع هامّة، وهي ما يدبّ على الأرض من الخشاش كالعقارب ونحوها، والمراد ما يلازم جسد الإنسان إذا طال عهده بالتنظيف. انظر: لسان العرب (12/ 621)، فتح الباري، لابن حجر (4/ 14).

(2)

رواه البخاري، كتاب الحج، باب: الإطعام في قول الله تعالى: {أَوْ صَدَقَةٍ} ، (3/ 10)(1815)، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، ووجوب الفدية لحلقه، وبيان قدرها، (2/ 859)(1201).

(3)

انظر: المنتقى، للباجي (2/ 264)، المسالك في شرح موطأ مالك (4/ 380)، المغني (3/ 278)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 310).

(4)

انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (9/ 403)، التوضيح، لابن الملقن (1/ 238)، شرح النووي على مسلم (8/ 121)، فتح الباري، لابن حجر (4/ 14).

(5)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (2/ 567)، المحيط البرهاني (2/ 440)، المغني (3/ 278).

(6)

انظر: الأشباه والنظائر، لابن نجيم (1/ 72).

ص: 405

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل - يُكره للمُحرِم قتلُ القمل أو إزالته من رأسه فقط – بـ:

أن قتل المحرم لقمل الرأس فيه معنى إماطة الأذى عن رأسه

(1)

.

يمكن أن يناقَش: إباحة قتل القمل وإزالته منوطٌ بتحقق الإيذاء، سواء كان في الرأس أو البدن من غير كراهة.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل: يُباح للمحرم قتل القمل وإزالته - مطلقًا -؛ وذلك لقوة هذا القول ووجاهة استدلاله وموافقته لقواعد الشريعة.

(1)

انظر: الأم (2/ 220)، العدة، لابن العطار (2/ 978).

ص: 406

‌المطلب الرابع: لا فرقَ في وجوب الفدية بين حلق الشعر أو إزالته بالنورة

(1)

، أو قصّه، أو غير ذلك.

‌صورة المسألة:

إذا حلق المحرِم رأسه، أو أزال شعره بنورة أو نحوها: فهل تجب عليه الفدية؟

جاء في المغني: "ومن حلق أربع شعرات فصاعدًا، عامدًا أو مخطئًا، فعليه صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ثلاثة آصُعٍ من تمر بين ستة مساكين، أو ذبح شاة، أي ذلك فعل أجزأه

ولا فرق في ذلك بين إزالة الشعر بالحلق، أو النورة، أو قصّه، أو غير ذلك"

(2)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

معنى الترف حاصل بإبانة الشعر، وهو متحقق في جميع صور الإزالة من حلق ونتف وقص وإحراق، فيستوي الحكم في جميعها

(3)

.

‌حكم المسألة:

اتفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على وجوب الفدية على المحرم إذا حلق شعره، أو قصّه، أو أزاله بالنورة ونحوها

(4)

، واستدلّوا بما يلي:

(1)

هي حجر الكلس، ثم غلب إطلاقها على أخلاط تضاف إليه من زرنيخ وغيره، وتستعمل لإزالة الشعر. انظر: المصباح المنير (2/ 629).

(2)

(3/ 429).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 192)، الوسيط (2/ 686).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 192)، الهداية، للمرغناني (1/ 136)، تبيين الحقائق (2/ 13)، الذخيرة (3/ 308)، المختصر الفقهي، لابن عرفة (2/ 221)، حاشية العدوي (1/ 553)، بحر المذهب (3/ 453)، الوسيط (2/ 686)، المجموع (7/ 247)، المغني (3/ 429)، الفروع (5/ 398).

ص: 407

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}

(1)

.

وجهُ الدَّلالة من الآية:

دَلالة النص تقتضي وجوب الفدية على المحرم إذا حلق شعره؛ والتقدير: فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه (فحلق) فعليه فدية، والقص وجميع صور الإزالة في معنى الحلق، فيثبت لها مثل حكمه

(2)

.

الدليل الثاني: عن كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَزَلَتْ فِيَّ آية الفدية خَاصَّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً، حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ:(مَا كُنْتُ أُرَى الوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى - أَوْ مَا كُنْتُ أُرَى الجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى - تَجِدُ شَاةً؟) فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ:(فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ)

(3)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

أوجبَ النبي صلى الله عليه وسلم الفدية على كعب، بسبب الحلق الذي فيه إلقاء للتفث وإزالة الشعث، ويلحق بالحلق جميع ما في معناه من قصّ ونتف ونحوه

(4)

.

(1)

سورة البقرة، الآية (196).

(2)

انظر: تبيين الحقائق (2/ 13)، بحر المذهب (3/ 453)، تفسير البغوي (1/ 248).

(3)

رواه البخاري، كتاب الحج، باب: الإطعام في الفدية نصف صاع، (3/ 10)(1816)، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، ووجوب الفدية لحلقه، وبيان قدرها، (2/ 859)(1201).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 192)، رياض الأفهام (3/ 591)، عمدة القاري (10/ 150)، إرشاد الساري (3/ 289).

ص: 408

‌المطلب الخامس: لا فرقَ في وجوب الفدية بين العامد والمخطئ، ومن له عذر ومن لا عذر له.

‌صورة المسألة:

إذا حلق المحرم شعره: فهل يؤثر في وجوب الفدية عليه كونه حلق عامدًا أو ناسيًا، معذورًا أو غير معذور؟

جاء في المغني: "فصلٌ على المحرِم فدية إذا حلق رأسَه

وأنه لا فرقَ بين العامد والمخطئ، ومن له عذر، ومن لا عذر له"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

حلقُ المحرِم رأسه حال العمد أو النسيان يُعَدُّ إتلافًا؛ يوجب الفدية في الكل؛ من غير فرق

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على وجوب الفدية على المحرم إذا حلق رأسه عمدًا، معذورًا أو غير معذور

(3)

.

2 -

واختلفوا في وجوبها على الناسي على قولين:

(1)

(3/ 429).

(2)

انظر: بحر المذهب (3/ 456)، المغني (3/ 429)، شرح العمدة، لابن تيمية (2/ 397).

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (4/ 74)، بدائع الصنائع (2/ 192)، الاستذكار (4/ 160)، بداية المجتهد (2/ 130)، اللباب للمحاملي (1/ 202)، المجموع (7/ 339)، شرح الزركشي (3/ 327 - 328)، المبدع (3/ 125).

على اختلاف بينهم في وجوبها على غير المعذور، هل هو على التخيير أم لا؟ انظر: مختصر القدوري (1/ 72)، شرح البخاري، لابن بطال (4/ 471)، الكافي، لابن قدامة (1/ 498)، المغني (3/ 329)، الممتع، لابن المنجى (2/ 128).

ص: 409

القول الأوّل:

لا تجب الفدية على المحرِم إذا حلق رأسه ناسيًا، وهو وجه عند الشافعية

(1)

، وقول للحنابلة

(2)

.

القول الثاني:

تجب الفدية على المحرم إذا حلق رأسه ناسيًا، وهو مذهب الحنفية

(3)

، والمالكية

(4)

، والشافعية

(5)

، والحنابلة

(6)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - لا تجب الفدية على المحرم إذا حلق رأسه ناسيًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}

(7)

.

الدليل الثاني: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عُفِيَ لأمتي عن الخطأ والنسيان)

(8)

.

وجهُ الدَّلالة من الآية والحديث:

علَّمَ اللهُ عباده بنصِّ الآية أن يسألوه عدم المؤاخذة لهم بنسيان شيء مما افترضه عليهم، أو إصابة شيء حرَّمه عليهم؛ وقد قال عز وجل "قد فعلت"، وجاء خبر النبي صلى الله عليه وسلم مؤكدًا لهذا المعنى، وهذه العمومات تشمل كل نسيان؛ ومنها المحرِم إذا أخذ من شعره نسيانًا

(9)

.

الدليل الثالث: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ أَثَرُ خَلُوقٍ - أَوْ قَالَ: صُفْرَةٍ -،

(1)

انظر: بحر المذهب (3/ 456)، روضة الطالبين (3/ 137).

(2)

انظر: الهداية، للكلوذاني (1/ 181)، الإنصاف (8/ 426).

(3)

انظر: مختصر القدوري (1/ 73)، بدائع الصنائع (2/ 201).

(4)

انظر: الإشراف (1/ 472)، المدونة (1/ 442)، الاستذكار (4/ 160)، الذخيرة (3/ 343).

(5)

انظر: بحر المذهب (3/ 456)، فتح العزيز (7/ 464)، روضة الطالبين (3/ 137).

(6)

انظر: المغني (3/ 429)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 426)، شرح الزركشي (3/ 328).

(7)

سورة البقرة، الآية (286).

(8)

تقدم تخريجه ص 251.

(9)

انظر: تفسير الطبري (6/ 132 - 133)، المغني (3/ 429).

ص: 410

وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟

قَالَ: (أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْعُمْرَةِ؟)، قَالَ:(اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الْخَلُوقِ - أَوْ قَالَ: أَثَرَ الصُّفْرَةِ -، وَاخْلَعِ الْجُبَّةَ عَنْكَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا صَنَعْتَ فِي حَجَّتِكَ)

(1)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بنزع الجُبّة وغسل الصُّفْرة، ولم يأمره بالفدية، فدلَّ سكوتُه عنها على سقوطها في حق المحرِم إذا ارتكب محظورًا ناسيًا له

(2)

.

نوقِشَ: التحريم إنما ثبت في ذلك الوقت؛ بدليل انتظار النبي صلى الله عليه وسلم للوحي حين سئل

(3)

.

أُجيبَ: لا يُسلم بهذا التأويل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بنزع الجُبّة وغسل الصُّفْرة، وذلك لا يجب فعله قبل ثبوت التحريم

(4)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - تجب الفدية على المحرِم إذا حلق رأسه ناسيًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}

(5)

.

وجهُ الدَّلالة من الآية:

دَلالة الآية تقتضي وجوب الفدية على المحرِم إذا حلق رأسه لأذًى به، وهو معذور (والناسي في معناه)، فكان ذلك تنبيهًا على وجوبها على غير المعذور من باب أَوْلى

(6)

.

يمكن أن يناقَش: المعذور وغير المعذور يصدق عليهما وصف العمد في ارتكاب المحظور، أما

(1)

تقدم تخريجه ص 403.

(2)

انظر: معالم السنن (2/ 175)، الحاوي (4/ 106).

(3)

انظر: شرح العمدة، لابن تيمية (2/ 398).

(4)

انظر: الحاوي (4/ 106).

(5)

سورة البقرة، الآية (196).

(6)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 201)، المنتقى، للباجي (3/ 70)، المغني (3/ 429)، شرح الزركشي (3/ 328).

ص: 411

الناسي فضدّه، فلا يأخذ حكمه.

الدليل الثاني: "السبب هو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم"

(1)

، وسبب وجوب الفدية على المحرم هو: حلقه شعره حال إحرامه؛ ومع تحقق السبب يستوي في الوجوب العامد وغيره

(2)

.

نوقِشَ: الأصل فيما كان من باب المنهي عنه ألّا يؤثر فعله مع النسيان

(3)

.

الدليل الثالث: القياس على وجوب الفدية على من جامع ناسيًا، بجامع أن كل محظور وجب تركه

(4)

.

نوقِشَ من وجهين:

أ. هذا القياس على أصل مختلف فيه، فلا يستقيم

(5)

.

ب. ولو صحَّ القياس فإنه معارَضٌ بعموم نصوص رفع الحرج والمؤاخذة على الناسي، وهي مقدَّمة على الاجتهاد.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل: لا تجب الفدية على المحرِم إذا حلق رأسه ناسيًا؛ وذلك لقوة هذا القول وصحة أدلته، وضعف الاعتراضات الواردة عليها.

(1)

الفروق، للقرافي (1/ 60)، شرح مختصر الروضة (1/ 434).

(2)

انظر: شرح العمدة، لابن تيمية (2/ 397).

(3)

انظر: شرح العمدة، لابن تيمية (2/ 398).

(4)

انظر: الإشراف (1/ 472).

(5)

انظر: الحاوي (4/ 106).

ص: 412

‌المطلب السادس: لا فرقَ في فساد الحج بالجماع بين أن يكون الوطء في القبل أو الدبر، من آدمي أو بهيمة.

‌صورة المسألة:

إذا جامع المحرِم بحج أو عمرة حال الإحرام: فهل يفسد حجه، سواء كان ذلك الجماع في قُبُل أو دُبُر من آدمي أو بهيمة؟

جاء في المغني: "ولا فرقَ بين الوطء في القبل والدبر، من آدمي أو بهيمة"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

1 -

الوطء في الدبر ووطء البهيمة يستويان في الحرمة على غير المحرم؛ فلزم استواؤهما في الحرمة على المحرِم بطريق الأَوْلى

(2)

.

2 -

الدبر أحد السبيلين، فأشبه القبل، ومقتضى ذلك استواؤهما في الحكم

(3)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على فساد الحج بالجماع في القبل من الآدمي

(4)

.

2 -

واختلفوا في فساده بكل من: الجماع في الدبر، وبوطء البهيمة، على قولين:

(1)

(3/ 309).

(2)

انظر: الممتع، لابن المنجى (2/ 120).

(3)

المرجع السابق.

(4)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 216)، تبيين الحقائق (2/ 57)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 396)، الذخيرة (3/ 340)، كفاية النبيه (7/ 209)، مغني المحتاج (2/ 299)، المبدع (3/ 148)، كشاف القناع (2/ 443).

ص: 413

أوّلًا: الخلاف في فساد الحج بالجماع في الدبر:

القول الأوّل:

يَفسد الحج بالجماع في الدبر، وهو مذهب الحنفية

(1)

، والمالكية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

.

القول الثاني:

لا يَفسد الحج بالجماع في الدبر، وهو قول للحنفية

(5)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يَفسد الحج بالجماع في الدبر - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}

(6)

.

الدليل الثاني: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)

(7)

.

وجهُ الدَّلالة من الآية والحديث:

في النصوص نهي صريح عن الرفث في الحج، والرفث هو: الجماع، "والنهي يقتضي الفساد"

(8)

، وعموم اللفظ يشمل كل جماع؛ سواء كان في قبل أو دبر أو جماع بهيمة

(9)

.

(1)

انظر: البحر الرائق (3/ 16)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (2/ 558).

(2)

انظر: الذخيرة (3/ 340)، مواهب الجليل (3/ 166).

(3)

انظر: الحاوي (4/ 215)، مغني المحتاج (2/ 298 - 299).

(4)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 333)، المبدع (3/ 148).

(5)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 217)، المحيط البرهاني (2/ 449).

(6)

سورة البقرة، الآية (197).

(7)

رواه البخاري في كتاب الحج، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{فَلَا رَفَثَ} (3/ 11)(1819)، ومسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة، ويوم عرفة (2/ 983)(1350).

(8)

تيسير التحرير (1/ 387)، المهذب، لعبد الكريم النملة (3/ 1434).

(9)

انظر: تفسير الطبري (4/ 132)، الحاوي (4/ 215)، إكمال المعلم (4/ 462)، فتح الباري، لابن حجر (3/ 382)، كفاية النبيه (7/ 260)، كشاف القناع (2/ 443).

ص: 414

الدليل الثالث: الوطء في الدبر تنقضي به الشهوة، ويشبه الوطء في القبل بدليل إيجاب الغسل به

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - لا يَفسد الحج بالجماع في الدبر - بما يلي:

الدليل الأوّل: لا يثبت الإحصان بالوطء في الدبر، فلا يفسد الحج به

(2)

.

نوقِشَ: المعنى الذي مُنع لأجله المحرِمُ من الوطء في القبل هو قضاء الشهوة، وهو متحقق في الوطء في الدبر، بدليل وجوب الغسل منه

(3)

.

الدليل الثاني: لا يَفسد الحج بالوطء في الدبر؛ لقصور قضاء اللذة فيه، بسبب سوء المحل، أشبه الوطء دون الفرج

(4)

.

نوقِشَ: الوطء فيما دون الفرج يفارق الوطء في الدبر في كثير من الموجبات، فلا يجب به مهرٌ، ولا عدّة، ولا غسلٌ إلّا أن ينزل

(5)

.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل: يَفسد الحج بالجماع في الدبر؛ وذلك لقوة هذا القول وصحة أدلته التي لا تقوى أدلة المخالفين العقلية على معارضتها.

ثانيًا: الخلاف في فساد الحج بجماع البهيمة:

القول الأوّل:

(1)

الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 333)، المبدع (3/ 148).

(2)

انظر: المغني (3/ 309).

(3)

انظر: الممتع، لابن المنجى (2/ 120).

(4)

انظر: المحيط البرهاني (2/ 449).

(5)

انظر: المغني (3/ 309)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 334).

ص: 415

يَفسد الحج بجماع البهيمة، وهو مذهب المالكية

(1)

، والشافعية

(2)

، والحنابلة

(3)

.

القول الثاني:

لا يَفسد الحج بجماع البهيمة، وهو مذهب الحنفية

(4)

، وقول بعض الحنابلة

(5)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يَفسد الحج بجماع البهيمة – بـ:

العمومات التي نصَّتْ على منع الجماع للمحرم، وقد سبق ذكرها في المسألة السابقة.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - لا يَفسد الحج بجماع البهيمة – بـ:

أن وطء البهيمة شبهة كالوطء دون الفرج، لا يوجب الحد؛ فلا يفسد به الحج

(6)

.

يمكن أن يناقَش: الحدود تُدرأ بالشبهات، ولذلك لم يجب الحد، أمّا فساد الحج فمتعلق بالرفث، وهو متحقق هنا.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل: يفسد الحج بجماع البهيمة؛ وذلك لقوة هذا القول ووجاهته وصحة أدلته في مقابلة ضعف القول المخالف.

(1)

انظر: الإشراف (1/ 487)، شرح الرسالة (2/ 219)، مواهب الجليل (3/ 166)، شرح الخرشي (2/ 358).

(2)

انظر: الحاوي (4/ 215)، النجم الوهاج (3/ 588)، تحفة المحتاج، الهيتمي (4/ 174).

(3)

انظر: المغني (3/ 309)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 333)، كشاف القناع (2/ 443)، مطالب أولي النهى (2/ 348).

(4)

انظر: المحيط البرهاني (2/ 449)، تبيين الحقائق (2/ 56)، البناية (4/ 350).

(5)

انظر: المبدع (3/ 148).

(6)

انظر: المغني (3/ 309)، المبدع (3/ 148).

ص: 416

‌المطلب السابع: الوطء قبل رمي جمرة العقبة يُفسد الحج، لا فرقَ بين ما قبل الوقوف وبعده.

‌صورة المسألة:

إذا جامع المحرِم بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأوّل: فهل يَفسد حجه بذلك الجماع؟

جاء في المغني: "ومن وطئ قبل رمي جمرة العقبة، فقد فسد حجهما

ولا فرقَ بين ما قبل الوقوف وبعده"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

الجماع أحد محظورات الإحرام التي يمتنع عنها المحرم طيلة تلبسه بالإحرام، فيستوي في ذلك ما قبل الوقوف وبعده

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على فساد الحج بالجماع قبل الوقوف بعرفة

(3)

.

2 -

واختلفوا في فساده بالجماع بعد الوقوف وقبل التحلل الأوّل، على قولين:

القول الأوّل:

يَفسد الحج بالجماع بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأوّل، وهو مذهب المالكية

(4)

،

(1)

(3/ 423).

(2)

انظر: المرجع السابق.

(3)

انظر: فتح القدير (3/ 46)، المبسوط، للسرخسي (4/ 57)، عقد الجواهر (1/ 294)، القوانين الفقهية (1/ 93)، فتح العزيز (7/ 471)، المجموع (7/ 414)، المغني (3/ 423)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 333).

(4)

انظر: المعونة (1/ 593)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 396)، عقد الجواهر (1/ 294).

ص: 417

والشافعية

(1)

، والحنابلة

(2)

.

القول الثاني:

لا يَفسد الحج بالجماع بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأوّل، وهو مذهب الحنفية

(3)

، وقول للمالكية

(4)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يَفسد الحج بالجماع بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأوّل - بما يلي:

الدليل الأوّل: - قال الله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}

(5)

.

وجهُ الدَّلالة من الآية:

نهى الله عز وجل عن الجماع في الحج، والنهي يقتضي فساد المنهيّ عنه، وهو عامٌّ يشمل ما قبل الوقوف وبعده، فيبقى على عمومه ما لم يرد ما يخصصه

(6)

.

الدليل الثاني: عن عُمَرُ بن الخطاب – رضي الله عنه قال فِي مُحْرِمٍ بِحَجَّةٍ أَصَابَ امْرَأَتَهُ، يَعْنِي وَهِيَ مُحْرِمَةٌ:"يَقْضِيَانِ حَجَّهُمَا، وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ مِنْ حَيْثُ كَانَا أَحْرَمَا، وَيَفْتَرِقَانِ حَتَّى يُتِمَّا حَجَّهُمَا"

(7)

.

وجهُ الدَّلالة:

جاء الجواب في المحرِم إذا جامع امرأته مطلقًا، لا تفصيل فيه بين ما قبل الوقوف وبعده، وتركُ

(1)

انظر: الحاوي (4/ 217)، البيان، للعمراني (4/ 218)، فتح العزيز (7/ 471).

(2)

انظر: المغني (3/ 432)، شرح الزركشي (3/ 146)، المبدع (3/ 148).

(3)

انظر: التجريد، للقدوري (4/ 1984)، المبسوط، للسرخسي (4/ 57)، بدائع الصنائع (2/ 217).

(4)

انظر: التفريع (1/ 237)، الإشراف (1/ 488)، البيان والتحصيل (3/ 401).

(5)

سورة البقرة، الآية (197).

(6)

انظر: الحاوي (4/ 218)، البيان، للعمراني (4/ 218).

(7)

رواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الحج، باب ما يفسد الحج (5/ 273)(9780)، ومعرفة السنن، كتاب المناسك، (7/ 361) (10338). قال الزيلعي في نصب الراية (3/ 127):"رواه البيهقي بإسناد صحيح".

ص: 418

التفصيل يفيد العموم، فيكون حكمهما واحدًا وهو الفساد

(1)

.

الدليل الثالث: الإجماع: فقد رُوِيَ عن غير واحد من الصحابة

(2)

القول بفساد حج مَنْ جامع بعد الوقوف بعرفة، ولم يُعرف لهم مخالف، فكان إجماعًا

(3)

.

الدليل الرابع: الجماع بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأوّل قد صادف إحرامًا تامًّا، فأفسده كما لو كان قبل الوقوف

(4)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - لا يَفسد الحج بالجماع بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأوّل - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الحَجُّ عَرَفَةُ، مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الحَجَّ)

(5)

.

الدليل الثاني: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَأَتَى عَرَفَاتٍ، قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ)

(6)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديثين:

(1)

انظر: شرح العمدة، لابن تيمية (2/ 233)، المبدع (3/ 148)، شرح الزركشي (3/ 146).

(2)

ومنهم: عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم.

انظر: موطأ مالك (1/ 381)، شرح الزرقاني عليه (2/ 494)، التعليقة، لأبي يعلى (2/ 224).

(3)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 332)، الممتع، لابن المنجى (2/ 120).

(4)

انظر: الإشراف (1/ 488)، النجم الوهاج (3/ 589)، المغني (3/ 423)، شرح العمدة، لابن تيمية (2/ 234).

(5)

رواه الترمذي في السنن، أبواب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، (3/ 228)(889)، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب من أتى عرفة، قبل الفجر، ليلة جمع، (2/ 1003)(3015)، وأحمد في المسند، (31/ 64) (18774). قال ابن الملقن في البدر (6/ 230):"هذا حديث صحيح"، وقال الألباني في المشكاة (2714):"صحيح".

(6)

رواه أبو داود في السنن، كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة، (2/ 196)(1950)، والترمذي في السنن، أبواب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، (3/ 229) (891). وقال:"هذا حديث حسن صحيح"، وقال الذهبي في التنقيح (2/ 47):"صححه الترمذي"، وقال الزيلعي في نصب الراية (3/ 73):"رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط كافة أئمة الحديث".

ص: 419

علق النبي صلى الله عليه وسلم إتمام الحج بالوقوف بعرفة، وليس المراد حقيقة التمام؛ لبقاء ركن الطواف، فقد تم الحج حكمًا، ومقتضى التمام الحكمي أمن الفساد وامتناع وروده على حج من جامع بعد الوقوف بعرفة

(1)

.

نوقِشَ من وجهين:

أ. معنى قوله عليه السلام: «الحج عرفة» أي معظمه عرفة، وهو الركن المتأكد فيه، ولا يلزم من أمن فوات الحج أمن فساده بدليل أن العمرة يؤمن فواتها ولا يؤمن فسادها

(2)

.

ب. إدراك العبادة في وقتها لا يمنع ورود الفساد عليها، كما لو أدرك المصلي الجماعة بركعة لم يمنع ذلك تعرض صلاته للفساد

(3)

.

الدليل الثالث: بعد الوقوف بعرفة لا يبقى على المحرم ركن إلّا طواف الإفاضة، والجماع قبله وبعد التحلل الأوّل لا يفسد به الحج، وإذا لم يبطل قبل الإفاضة مع بقاء الواجبات التي لو تركها بالكلية لم يبطل حجه؛ فلئن أفسدها لم يبطل من باب أَوْلى

(4)

.

نوقِشَ: ترك العبادة أخف من إبطالها بالكلية، ولهذا لو ترك صوم رمضان، لم تجب عليه كفارة، ولو جامع فيه مع النية، وجبت الكفارة، ولو ترك حج النافلة، لم يكن عليه شيء، ولو أبطله لأثِمَ، ولزمه القضاء والهدي، فإن جامع المحرِم بعد الوقوف وقبل التحلل فقد تعدى الحد، بخلاف التارك، وكذلك سائر العبادات فلو ترك رمي الجمرة حتى فات وقتها، أو ترك الحلق، فالإحرام باقٍ عليه

(5)

.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل:

(1)

انظر: التجريد، للقدوري (4/ 1985)، المبسوط، للسرخسي (4/ 57)، تبيين الحقائق (2/ 57)، فتح القدير (3/ 47).

(2)

انظر: الحاوي (4/ 218)، المغني (3/ 309)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 333).

(3)

انظر: الاصطلام (2/ 230)، شرح العمدة، لابن تيمية (2/ 234).

(4)

انظر: التجريد، للقدوري (4/ 1986).

(5)

انظر: التعليقة، لأبي يعلى (2/ 231)، شرح العمدة، لابن تيمية (2/ 234).

ص: 420

يفسد الحج بالجماع بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأوّل؛ وذلك لقوة هذا القول وصحة أدلته وسلامتها من المعارض الراجح، لأن الإجماع حجة قاطعة تترك بها الظواهر.

ص: 421

‌المطلب الثامن: لا فرقَ بين من حلق ومن لم يحلق، في عدم فساد حجه بالوطء بعد الرمي.

‌صورة المسألة:

إذا جامع الحاجّ بعد رمي جمرة العقبة: فهل يفسد حجه؟

جاء في المغني: "وإن وطئ بعد رمي جمرة العقبة، فعليه دم، ويمضي إلى التنعيم فيحرم؛ ليطوف وهو محرم

ولا فرقَ بين من حلق ومن لم يحلق، في أنه لا يفسد حجه بالوطء بعد الرمي"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

1 -

الحج عبادة لها تحليلان، وإذا وجد المفسد بعد التحلل الأوّل لم تَفسد؛ كما في الصلاة

(2)

.

2 -

الحلق يعتبر خروجًا من النُّسُك وليس نُسُكًا بذاته، وعليه فإن التحلل الأوّل مرتب على رمي الجمرة

(3)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على عدم فساد من جامع بعد رمي جمرة العقبة

والحلق

(4)

.

2 -

واختلفوا في فساد حج من جامع بعد الرمي ولم يحلق، على قولين:

(1)

(3/ 426).

(2)

انظر: التعليقة، لأبي يعلى (2/ 20)، الممتع، لابن المنجى (2/ 122).

(3)

انظر: فتح العزيز (7/ 471)، شرح العمدة، لابن تيمية (2/ 235).

(4)

انظر: تبيين الحقائق (2/ 58)، البحر الرائق (3/ 18)، المنتقى، للباجي (3/ 5)، بداية المجتهد (2/ 134)، فتح العزيز (7/ 471)، روضة الطالبين (3/ 138)، المغني (3/ 426)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 349).

ص: 422

القول الأوّل:

لا يَفسد حج من جامع بعد رمي جمرة العقبة ولم يحلق، وهو مذهب الحنفية

(1)

، والمالكية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

.

القول الثاني:

يَفسد الحج بالجماع بعد رمي جمرة العقبة وقبل الحلق، وهو قول للمالكية

(5)

، ووجه للشافعية

(6)

، والحنابلة

(7)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - لا يفسد حج من جامع بعد رمي جمرة العقبة ولم يحلق- بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}

(8)

.

الدليل الثاني: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَأَتَى عَرَفَاتٍ، قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ)

(9)

.

وجهُ الدَّلالة من الآية والحديث:

بيَّنت النصوص أن من وقف بعرفة وتحلل التحلل الأوّل، فقد أتم نُسُكَه، وقضى تفثه، وما أتمه

(1)

وعندهم لا يفسد الحج بالجماع قبل الرمي، فلا يفسد بعده من باب أولى.

انظر: الاختيار، للموصلي (1/ 165)، تبيين الحقائق (2/ 58)، البناية (4/ 352).

(2)

انظر: المدونة (1/ 431)، بداية المجتهد (2/ 134)، الذخيرة (3/ 267).

(3)

انظر: الحاوي (4/ 219)، فتح العزيز (7/ 471)، المجموع (7/ 414).

(4)

ويفسد به الإحرام.

انظر: المغني (3/ 426)، الفروع (5/ 458)، الإنصاف (8/ 3445 - 347).

(5)

انظر: المعونة (1/ 594)، عيون المسائل، للقاضي عبد الوهاب (1/ 271)، القوانين الفقهية (1/ 93).

(6)

انظر: روضة الطالبين (3/ 138).

(7)

انظر: المبدع (3/ 151).

(8)

سورة الحج، الآية (29).

(9)

تقدم تخريجه ص 424.

ص: 423

وقضاه، فقد سلم من الإبطال

(1)

.

الدليل الثالث: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِأَهْلِهِ، وَهُوَ بِمِنًى، قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَة

(2)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

أمر ابن عباس رضي الله عنه السائل أن ينحر، ولم يأمره بقضاء الحج؛ وهذا يدل على أن حجه صحيح؛ لأن الوطء وقع بعد التحلل برمي جمرة العقبة دون تعرض لذكر الحلق

(3)

، ولم يخالف في ذلك أحد من الصحابة، فكان إجماعًا

(4)

.

الدليل الرابع: إذا جاز للمحرِم بعد رمي جمرة العقبة الخروج من إحرامه بفعل ما ينافيه وهو الحلق، فلا يَفسد بالوطء؛ لأن الإحرام لم يكن باقيًا على حاله

(5)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - يَفسد الحج بالجماع بعد رمي جمرة العقبة وقبل الحلق - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمُ الطِّيبُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ أوِ النِّكاحَ)

(6)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

(1)

انظر: شرح العمدة (2/ 325)، شرح الزركشي (3/ 320).

(2)

رواه مالك في الموطأ، (3/ 563) (1432). قال ابن الملقن في البدر المنير (6/ 387):"إسناده صحيح"، وقال الصنعاني في التحبير لإيضاح معاني التيسير (3/ 260):"إسناده ضعيف، ورجاله ثقات إلّا أن أبا الزبير يدلس، وعطاء كثير الإرسال".

(3)

انظر: نخب الأفكار (10/ 107)، شرح الزرقاني على الموطأ (2/ 498).

(4)

انظر: البناية (4/ 352)، الحاوي (4/ 219)، المغني (3/ 426).

(5)

انظر: شرح العمدة، لابن تيمية (2/ 236).

(6)

رواه أحمد في المسند، (42/ 40)(25103)، والحارث في مسنده، (1/ 455)(380)، وابن خزيمة في صحيحه، (4/ 302) (2937). قال ابن حجر في التلخيص (4/ 1620):"مداره على الحجاج وهو مدلس"، وقال الألباني في الإرواء (4/ 235):"ضعيف بزيادة: وحلقتم".

ص: 424

الحديث نصٌّ صريح في أن المحرِم يحل من إحرامه التحلل الأوّل بعد الرمي والحلق، ومقتضى ذلك حرمة الجماع قبل الحلق وفساد الحج به

(1)

.

نوقِشَ: هذا الحديث ضعيف، فلا يصحُّ الاحتجاج به

(2)

.

والذي صح في ذلك هو ما رواه النسائي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ، إِلَّا النِّسَاءَ)

(3)

ومقتضاه حصول التحلل الأوّل بالرمي وحده، فمن جامع بعده لم يَفسد حجه ولو لم يحلق

(4)

.

الدليل الثاني: المحرِم ممنوع من الوطء قبل التحلل الأوّل لإبقاء الإحرام عليه، فلو جامع قبل الحلق فسد حجه، كما لو جامع قبل الوقوف

(5)

.

نوقِشَ: المحرِم بعد رمي جمرة العقبة ليس بمحرمٍ، بدليل إباحة قتل الصيد ولبس الثياب له، وإنما بقي عليه شيء من الإحرام وهو تحريم الوطء، ومجرد تحريم الوطء لا يُفسد ما مضى قبله من العبادة

(6)

.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - القول الأوّل القائل: لا يفسد حج من جامع بعد رمي جمرة العقبة ولم يحلق؛ لقوة هذا القول وصحة أدلته، في مقابلة

(1)

انظر: نخب الأفكار (10/ 108).

(2)

مداره على الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف، ومع ذلك فاضطرب في إسناده ولفظه. ورواه أبو داود بلفظ «إِذَا رَمَى أَحَدُكُمُ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، إِلَّا النِّسَاءَ» .

انظر: التوضيح، لابن الملقن (12/ 180)، طرح التثريب في شرح التقريب (5/ 81).

(3)

رواه النسائي، باب ما يحل للمحرم بعد رمي الجمار، (5/ 277) (384). قال ابن الملقن في البدر (6/ 265):"إسناده حسن".

(4)

انظر: إرشاد الساري (3/ 252).

(5)

انظر: المنتقى، للباجي (3/ 5).

(6)

انظر: شرح العمدة، لابن تيمية (2/ 235).

ص: 425

ضعف أدلة القول المخالف بما ورد عليها من مناقشات.

ص: 426

‌المطلب التاسع: لا فرقَ في ضمان الصيد بالدلالة والإشارة بين كون الدالّ في الحِلّ أو الحَرَم.

‌صورة المسألة:

إذا دل المحرِم على صيد الحَرَم: فهل يضمن ذلك الصيد بالدلالة عليه، سواء كان في الحِلِّ أو الحَرَم؟

جاء في المغني: "ويُضمَن صيدُ الحَرَم بالدلالة والإشارة، كصيد الإحرام، والواجب عليهما جزاء واحد. نصَّ عليه أحمد. وظاهر كلامه أنه لا فرقَ بين كون الدال في الحِلِّ أو الحَرَم"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

المحرِم يكون متلبسًا بهذا الوصف؛ بإحرامه وبوجوده في الحرم، فكل معنى يسمى به المحرِم مُحرِمًا لو قتل فيه الصيد وجب عليه ضمانه

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على تحريم دَلالة المحرم على صيد الحرم

(3)

.

2 -

واتَّفقوا على وجوب الضمان على المدلول إن قتله

(4)

.

3 -

واختلفوا في وجوب ضمانه على الدالّ على ثلاثة أقوال:

(1)

(3/ 318).

(2)

انظر: الإشراف (1/ 497)، المغني (3/ 318).

(3)

انظر: الهداية، للمرغناني (1/ 165)، المحيط البرهاني (2/ 443)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 391)، بحر المذهب (4/ 51)، المجموع (7/ 300)، المغني (3/ 318)، كشاف القناع (2/ 469).

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي (4/ 97)، الاختيار، للموصلي (1/ 165)، التوضيح، للجندي (3/ 106)، مواهب الجليل (3/ 176)، البيان، للعمراني (4/ 178)، المجموع (7/ 300)، المغني (3/ 381)، الشرح الكبير لأبي الفرج (9/ 39).

ص: 427

القول الأوّل:

لا يضمن الدالُّ الصيدَ - مطلقًا -، وهو مذهب المالكية

(1)

، والشافعية

(2)

.

القول الثاني:

يضمن الدالُّ الصيدَ - مطلقًا -، وهو مذهب الحنفية

(3)

، والحنابلة

(4)

.

القول الثالث:

يضمن الدالُّ الصيدَ إذا كان في الحرم، وهو قول للحنابلة

(5)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - لا يضمن الدالُّ الصيدَ مطلقًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}

(6)

.

وجهُ الدَّلالة من الآية:

علَّقَ الله عز وجل الجزاء بفعل القتل، فكان هو الموجب للجزاء، والدلالة ليست بقتل فلم توجب جزاء

(7)

.

الدليل الثاني: قياس الدلالة على قتل الصيد على الدلالة على قتل الآدمي بجامع أن الكل نفس مضمونة بالجناية، فلا تضمن بالدلالة

(8)

.

الدليل الثالث: الدالُّ ليس بقاتل للصيد حقيقة، ولم يوجد منه سبب القتل، فلم يجب عليه

(1)

انظر: المدونة (1/ 443)، المعونة (538)، الجامع لمسائل المدونة (5/ 693)، الشرح الكبير، للدردير (2/ 78).

(2)

انظر: الاصطلام (2/ 341)، بحر المذهب (4/ 51)، البيان، للعمراني (4/ 178)، المجموع (7/ 300).

(3)

انظر: التجريد، للقدوري (4/ 2072)، المبسوط، للسرخسي (4/ 79)، المحيط البرهاني (2/ 443)، الاختيار، للموصلي (1/ 166).

(4)

انظر: المغني (3/ 318)، كشاف القناع (2/ 469).

(5)

انظر: الإنصاف (9/ 39).

(6)

سورة المائدة، الآية (95).

(7)

انظر: الإشراف (1/ 497)، المعونة (1/ 538)، الاصطلام (2/ 342).

(8)

انظر: الإشراف (1/ 497)، الحاوي (4/ 300)، الاصطلام (2/ 342)، البيان، للعمراني (4/ 179).

ص: 428

الضمان

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - يضمن الدالُّ الصيدَ مطلقًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَاجًّا، وَخَرَجْنَا مَعَهُ،

فَأَحْرَمُوا كُلُّهُمْ، إِلَّا أَبَا قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ، فَقَتَلَ مِنْهَا أَتَانًا، فَنَزَلُوا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا، فَقَالُوا: أَكَلْنَا لَحْمًا وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، فسألوا رَسُولَ اللهِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا أَحْرَمْنَا فَعَقَرَ أَبُو قَتَادَةَ أَتَانًا، فَنَزَلْنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ؟) قَالُوا: لَا، قَالَ:(فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا)

(2)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

ثبت بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن الدلالة على الصيد والإشارة إليه كالإعانة، وهي من محظورات الإحرام فتوجب على الدالِّ الجزاءَ

(3)

.

نوقِشَ: الحديث لا حجة فيه على وجوب الجزاء؛ لأنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم أكله لا عن جزائه

(4)

.

الدليل الثاني: الدلالة على الصيد في معنى القتل؛ لأن فيها إتلاف للصيد، إذ هو أمن باختفائه وتواريه، والدلالة تفوت عليه ذلك الأمن

(5)

.

نوقِشَ: الدلالة ليست القتل ولا في معناه، لأنها ليست يدًا ولا مباشرة ولا سببًا، فلو كانت سببًا لوجب الضمان بها إذا انفردت، وعلى فرض أنها سبب: فقد انقطعت بمباشرة المدلول، وإذا

(1)

انظر: المعونة (538).

(2)

رواه مسلم، كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم (2/ 853)(1196).

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (4/ 80)، العناية (3/ 69 - 70)، إكمال المعلم (4/ 202).

(4)

انظر: الحاوي (4/ 307).

(5)

انظر: تبيين الحقائق (2/ 63).

ص: 429

انقطع حكم السبب التحق بالعدم فلم يجب به شيء

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل - يضمن الدالُّ الصيدَ إذا كان في الحرم – بـ:

أن الصيد إذا كان في الحِلِّ انتفى عنه حكم الحرمة، كما لو كان الدالُّ حلالًا

(2)

.

نوقِشَ من وجهين

(3)

:

أ. صيد الحرم صيد ممنوع على المحرِم لحق الله تعالى فيضمنه بكل ما يضمن به في الإحرام، وإن كان في الحِلِّ.

ب. لا يسلم بالقياس على الحلال لو دل محرِمًا، لأن صيد الحرم محرَّمٌ على كل أحد، وهو معصوم بحرمة الحرم.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل: لا يضمن الدالُّ الصيد - مطلقًا -؛ وذلك لقوة هذا القول ووجاهة استدلاله، وضعف أدلة المخالفين بما ورد عليها من مناقشات.

(1)

انظر: المعونة (1/ 538)، الحاوي (4/ 307)، الاصطلام (2/ 342).

(2)

انظر: المغني (3/ 318).

(3)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 40).

ص: 430

‌المطلب العاشر: لا فرقَ بين الحصر

(1)

العامّ في حق الحاج، والخاصّ في حق شخص واحد.

‌صورة المسألة:

إذا مُنع المحرِمُ من المضيّ في نُسُكه بسبب عدوّ أو حبسٍ ونحوه: فهل له التحلل من إحرامه؟

جاء في المغني: "ولا فرقَ بين الحصر العامّ في حق الحاج كله، والخاصّ في حق شخص واحد، مثل أن يُحبس بغير حق، أو أخذته اللصوص وحده"

(2)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

عموم النصوص التي وردت في مشروعية التحلل بسبب الإحصار، تشمل الحصر العامَّ والخاصَّ

(3)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على تحقق الإحصار بالحصر العامّ

(4)

وجواز التحلل من الإحرام بسببه

(5)

.

(1)

الحصر هو: المنع والحبس، والمراد المنع من إتمام موجب الإحرام من حج وعمرة، انظر: بدائع الصنائع (2/ 175)، لسان العرب (4/ 195)، النجم الوهاج (3/ 617).

(2)

(3/ 326).

(3)

انظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص (2/ 547)، بدائع الصنائع (2/ 175)، المغني (3/ 326).

(4)

كأن يمنع المحرِمَ عدوٌّ من المضيّ في نُسُكه.

(5)

وذلك إن لم يكن للمحصر طريقًا آخر يسلكه، وكان لا يتضرر بسلوكه كما قرر ذلك الحنفية والمالكية، أما الشافعية والظاهر عند الحنابلة فألزموا المحصر بالطريق الآخر ولو كان أطول أو أشق ما دامت النفقة تكفي.

انظر: المحيط البرهاني (2/ 471)، تبيين الحقائق (2/ 77)، عيون المسائل، للقاضي عبد الوهاب (1/ 290)، عقد الجواهر (1/ 305)، الحاوي (4/ 345)، المهذب، للشيرازي (1/ 425)، الهداية، للكلوذاني (1/ 201)، الكافي، لابن قدامة (1/ 534).

ص: 431

2 -

واتَّفقوا على تحقق الإحصار بالحصر الخاصِّ، كالحبس وجواز التحلل من الإحرام بسببه إذا كان بغير حق

(1)

.

3 -

واختلفوا في جواز التحلل من الإحرام بالحبس بحق، على قولين:

القول الأوّل:

لا يجوز التحلل بالحصر الخاصِّ - حبسًا - إذا كان بحق، وهو مذهب المالكية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

.

القول الثاني:

يجوز التحلل بالحصر الخاصِّ - حبسًا – مطلقًا، وهو مذهب الحنفية

(5)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - لا يجوز التحلل بالحصر الخاصِّ - حبسًا - إذا كان بحق – بـ:

أن المحبوس بحق وهو قادر على وفائه؛ يعتبر إحصاره من قبل نفسه؛ إذ يمكنه الخروج منه بالأداء، فلم يكن له عذر يتحلل به

(6)

.

(1)

وتقييد الحبس (بغير حق) خاص بالجمهور، أما الحنفية فأطلقوا الحكم في الحصر الخاص بالحبس.

انظر: الجوهرة النيرة (1/ 178)، البحر الرائق (3/ 57)، القوانين الفقهية (1/ 94)، التاج والإكليل (4/ 290)، بحر المذهب (4/ 77 - 78)، حاشية قليوبي وعميرة (2/ 184)، المغني (3/ 326)، شرح الزركشي (3/ 163).

(2)

انظر: القوانين الفقهية (1/ 94)، مواهب الجليل (3/ 195)، الشرح الكبير، للدردير (2/ 93).

(3)

انظر: النجم الوهاج (3/ 617 - 618)، مغني المحتاج (2/ 313، 314)، حاشية قليوبي وعميرة (2/ 184).

(4)

انظر: المغني (3/ 326)، المبدع (3/ 246)، الشرح الكبير (9/ 313).

(5)

أطلقوا الحبس سببًا للإحصار.

انظر: بدائع الصنائع (2/ 175)، العناية (3/ 124)، البحر الرائق (3/ 57)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (2/ 590).

(6)

انظر: مواهب الجليل (3/ 196)، الحاوي (4/ 348)، المغني (3/ 326)، الممتع، لابن المنجى (2/ 227).

ص: 432

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - يجوز التحلل بالحصر الخاصِّ - حبسًا - مطلقًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}

(1)

.

الدليل الثاني: عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الفِتْنَةِ قال: (إِنْ صُدِدْتُ عَنِ البَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ)

(2)

.

وجهُ الدَّلالة من الآية والحديث:

دلَّتِ النصوص على أن الشارع عز وجل جعل الإحصار عذرًا يتحلل به المحرِم من نُسُكه من غير تفصيل، فكل مانع، أو حابس منع المحرِم، وحبسه عن العمل الذي فرضه الله عليه في إحرامه ووصوله إلى البيت الحرام، له أن يتحلل بسببه

(3)

.

يمكن أن يناقَش: عموم النصوص لا تشمل المحبوس بحق؛ لأن إحصاره يُعَدُّ من قبل نفسه، فهو إن دخل في الحصر صورة فإنه لا يدخل فيه معنى.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل: لا يجوز التحلل بالحصر الخاصِّ - حبسًا - إذا كان بحق؛ وذلك لقوة هذا القول ووجاهة استدلاله.

(1)

سورة البقرة، الآية (196).

(2)

رواه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية (5/ 127)(4183)، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان جواز التحلل بالإحصار وجواز القران (2/ 903)(1230).

(3)

انظر: تفسير الطبري (3/ 21 - 23)، بدائع الصنائع (2/ 175)، شرح صحيح البخاري، لابن بطال (4/ 456).

ص: 433

‌المطلب الحادي عشر: لا فرقَ في جواز تأخير الحلق والتقصير إلى آخر النحر بين القليل والكثير، والعامد والساهي.

‌صورة المسألة:

إذا أخَّرَ الحاج حلق الرأس حتى مضت أيام التشريق عمدًا أو سهوًا، قليلًا أو كثيرًا: فهل يجب عليه دم؟

جاء في المغني: "ويجوز تأخير الحلق والتقصير إلى آخر النحر

ولا فرقَ في التأخير بين القليل والكثير، والعامد والساهي"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

1 -

أن الأصل في المكلف براءة ذمته، وعليه فالأصل فيمن أخَّرَ الحلق عامدًا البراءة، والناسي من باب أَوْلى

(2)

.

2 -

يظهر والله أعلم أن السبب أيضًا هو: أن قليل التأخير وكثيره لا أثر له في الحكم، إذا كان وقت الحلق لم يتجاوز أيام النحر.

‌حكم المسألة:

1 -

اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على جواز تأخير الحلق إلى آخر أيام التشريق

(3)

.

2 -

واختلفوا في حكم تأخيره حتى بعد أيام التشريق؛ سواء كان التأخير قليلًا أو كثيرًا عمدًا أو سهوًا، على قولين:

القول الأوّل:

لا يجب على من أخَّرَ الحلق حتى مضت أيام التشريق دمٌ سواء كان التأخير قليلًا أو كثيرًا عمدًا

(1)

(3/ 388).

(2)

المجموع (8/ 210) بتصرف.

(3)

انظر: التجريد، للقدوري (4/ 2149)، الهداية، للمرغناني (1/ 164)، الذخيرة (3/ 269)، التوضيح، للجندي (3/ 46)، روضة الطالبين (3/ 103)، فتح الوهاب (1/ 173)، الكافي، لابن قدامة (1/ 524)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 216).

ص: 434

أو سهوًا، وهو مذهب المالكية

(1)

، والشافعية

(2)

، والحنابلة

(3)

، وقول أبي يوسف من الحنفية

(4)

.

القول الثاني:

يجب على من أخَّرَ الحلق حتى مضت أيام التشريق دمٌ سواء كان التأخير قليلًا أو كثيرًا عمدًا أو سهوًا، وهو مذهب الحنفية

(5)

، ورواية عند الحنابلة

(6)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - لا يجب على من أخَّرَ الحلق حتى مضت أيام التشريق دمٌ سواء كان التأخير قليلًا أو كثيرًا عمدًا أو سهوًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}

(7)

.

وجهُ الدَّلالة من الآية:

بين الله عز وجل أول وقت الحلق ولم يخص آخره بوقت؛ فمتى أتى به أجزأه - كطواف الزيارة والسعي - والإجزاء دليل جواز التأخير مطلقًا

(8)

.

الدليل الثاني: تأخير الحلق حتى مضيِّ أيام التشريق: تأخيرٌ لواجب توسع الوقت لفعله فيه؛

(1)

وعندهم: إن أخر الحلق حتى رجع لبلده ناسيًا أو جاهلًا حلق وأهدى.

انظر: المختصر الفقهي لابن عرفة (2/ 193)، التاج والإكليل (4/ 185).

(2)

انظر: المجموع (8/ 209)، روضة الطالبين (3/ 103)، النجم الوهاج (3/ 534).

(3)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 524، 525)، المغني (3/ 388)، الإنصاف (9/ 216).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 142).

(5)

ومذهبهم: وجوب الدم مطلقًا على من أخر الحلق أو قدمه في أيام منى على بقية الأنساك (ناسيًا أو جاهلًا أو عامدًا)، فبعد مضيها من باب أَوْلى.

انظر: التجريد، للقدوري (4/ 2149)، بدائع الصنائع (2/ 142)، الهداية، للمرغناني (1/ 164)، البناية (4/ 366)، البحر الرائق (2/ 374).

(6)

انظر: المغني (3/ 388)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 216).

(7)

سورة البقرة، الآية (196).

(8)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 525)، المغني (3/ 388)، الممتع، لابن المنجى (2/ 199).

ص: 435

فاقتضى الإجزاء دون وجوب الدم على من أخره

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - يجب على من أخَّرَ الحلق حتى مضت أيام التشريق دمٌ سواء كان التأخير قليلًا أو كثيرًا عمدًا أو سهوًا - بما يلي:

الدليل الأوّل: الحلق نُسُك من أنساك الحج يجب أن يكون مؤقتًا بوقت؛ فمن أخَّرَه عن محله فقد ترك نسكًا يجب بتركه الدم، عمدًا كان أو سهوًا

(2)

.

يمكن أن يناقَش: الحلق لا يُعَدُّ نُسُكًا، إنما هو استباحة محظور كاللباس والطيب، لا يوجب تركه شيئًا فضلًا عن تأخيره

(3)

.

الدليل الثاني: قياس تأخر الزمان على تأخر المكان (كمجاوزة الميقات)، بجامع أن الجميع واجب وتركه يوجب الدم

(4)

.

يمكن أن يناقَش: الأصل في الحلق عدم تقييد آخر وقته بزمن

(5)

.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل: لا يجب على من أخَّرَ الحلق حتى مضت أيام التشريق دمٌ سواء كان التأخير قليلًا أو كثيرًا عمدًا أو سهوًا؛ وذلك لقوة مستند هذا القول، لأن أدلة القول المخالف مجرد تعليلات واجتهادات لا تقوى على معارضة دَلالة النص، فلا يوجد دليل من كتاب أو سُنّة، أو إجماع يوجب الدم.

(1)

انظر: المغني (3/ 388)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 216).

(2)

انظر: التجريد (4/ 2149)، المغني (3/ 388).

(3)

على قول للشافعية والحنابلة.

انظر: المبدع (3/ 223)، حاشية قليوبي (2/ 150).

(4)

انظر: البناية (4/ 367).

(5)

انظر: النجم الوهاج (3/ 534)، إرشاد الساري (3/ 231).

ص: 436

‌المطلب الثاني عشر: لا فرقَ في رمي جمرة العقبة يوم النحر بين الرمي بعد الفجر، وبعد طلوع الشمس.

‌صورة المسألة:

إذا رمى الحاج جمرة العقبة بعد طلوع الفجر أو قبله: فهل يُجزئه ذلك؟

جاء في الكشاف: "فلو رمى المحرِم جمرة العقبة قبل الفجر من يوم النحر، فإن وقتها من نصف ليلة النحر كما يأتي، فعموم كلامهم: يقتضي أنه لا فرقَ بينه وبين من لم يرمِ إلّا بعد طلوع الشمس"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر أن سبب الإلحاق هو: أن الأحاديث الواردة في حكم رمي جمرة العقبة دلَّت بمجموعها على جواز الرمي بعد طلوع الفجر وبعد طلوع الشمس.

‌حكم المسألة:

1 -

اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على استحباب رمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس

(2)

.

2 -

واتَّفقوا على جواز رميها بعد طلوع الفجر

(3)

.

3 -

واختلفوا في جوازه قبل الفجر، على قولين:

(1)

(2/ 58).

(2)

انظر: المبسوط، للسرخسي (4/ 68)، بدائع الصنائع (2/ 173)، التفريع (1/ 229)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 374)، الأم (2/ 234)، المهذب، للشيرازي (1/ 415)، المغني (3/ 382)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 201).

(3)

انظر: تحفة الفقهاء (1/ 408)، تبيين الحقائق (2/ 31)، شرح الرسالة (2/ 171)، الجامع لمسائل المدونة (5/ 546)، الأم (2/ 234)، بحر المذهب (3/ 528)، الكافي، لابن قدامة (1/ 522)، المغني (3/ 382).

ص: 437

القول الأوّل:

يجوز رمي جمرة العقبة بعد منتصف ليلة النحر، وهو مذهب الشافعية

(1)

، والحنابلة

(2)

.

القول الثاني:

لا يجوز رمي جمرة العقبة قبل طلوع الفجر، وهو مذهب الحنفية

(3)

، والمالكية

(4)

، ورواية عند الحنابلة

(5)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يجوز رمي جمرة العقبة بعد منتصف ليلة النحر - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بِأُمِّ سَلَمَة رضي الله عنها لَيْلَةَ النَّحْرِ (فَرَمَتِ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ رَمَتْ وأَفَاضَتْ)

(6)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

في إذن النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة بالرمي قبل طلوع الفجر، دليلٌ على جوازه بعد منتصف الليل، لأنه لا يمكنها موافاة طلوع الشمس بمكة إلّا أن تكون رمت قبل الفجر

(7)

.

الدليل الثاني: عَنْ أَسْمَاءَ بنت أبي بكر رضي الله عنها: أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ المُزْدَلِفَةِ، فَقَامَتْ تُصَلِّي، فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ:(يَا بُنَيَّ، هَلْ غَابَ القَمَرُ؟)، قُلْتُ: لَا، فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ

(1)

انظر: الحاوي (4/ 185)، نهاية المطلب (4/ 317).

(2)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 522)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 201).

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (4/ 68)، بدائع الصنائع (2/ 173)، البحر الرائق (2/ 371).

(4)

انظر: شرح الرسالة (2/ 171)، البيان والتحصيل (4/ 51)، بداية المجتهد (2/ 116).

(5)

انظر: المغني (3/ 382)، المبدع (3/ 220).

(6)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الحج، باب التعجيل من جمع، (2/ 194)(1942)، قال ابن الملقن (11/ 590):"ضعف أحمد حديث أم سلمة"، وقال المغربي في البدر (5/ 329):"إسناده على شرط مسلم".

(7)

انظر: المعلم بفوائد مسلم (2/ 95)، بحر المذهب (3/ 528)، البدر التمام (5/ 330).

ص: 438

قَالَتْ: (يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ القَمَرُ؟)، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ:«فَارْتَحِلُوا» ، فَارْتَحَلْنَا وَمَضَيْنَا، حَتَّى رَمَتِ الجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتِ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا، فَقُلْتُ لَهَا: يَا هَنْتَاهُ

(1)

مَا أُرَانَا إِلَّا قَدْ غَلَّسْنَا

(2)

، قَالَتْ: (يَا بُنَيَّ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِلظُّعُنِ

(3)

(4)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

الحديث صريح الدلالة في جواز الرمي قبل الفجر، بدليل قوله:"غلسنا"، ثم إن أسماء قد رمت وارتحلت بعد غيبوبة القمر، وأدركت صلاة الفجر في منزلها، وذلك لا يكون إلّا بالرمي قبل الفجر

(5)

.

الدليل الثالث: ما بعد النصف الآخر من الليل يُعَدُّ وقتًا للدفع من مزدلفة، فجاز أن يكون وقتًا لرمي جمرة العقبة

(6)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - لا يجوز رمي جمرة العقبة قبل طلوع الفجر - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (قَدَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ أُغَيْلِمَةَ

(7)

بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَلَى حُمُرَاتٍ

(8)

فَجَعَلَ يَلْطَخُ

(9)

أَفْخَاذَنَا، وَيَقُولُ: (أُبَيْنِيَّ لَا تَرْمُوا

(1)

تستعمل للنداء، والمعنى: يا هذه. يقال للمذكر إذا كني عنه (هن) وللمؤنث (هنة)، انظر: الصحاح (6/ 2537)، إكمال المعلم (4/ 364)، عمدة القاري (10/ 18).

(2)

الغلس ظلام آخر الليل، وغلسنا سرنا في ظلمة آخر الليل. انظر: العين (4/ 378)، إكمال المعلم (4/ 369)، عمدة القاري (1/ 18).

(3)

جمع ظعينة وأصلها الراحلة التي يرحل ويظعن عليها، ويطلق على الهودج فيه المرأة أو لا، وأطلق على المرأة ظعينة مجازًا حتى اشتهر، انظر: النهاية (3/ 157)، لسان العرب (1/ 271)، الكواكب الدراري (8/ 170).

(4)

رواه البخاري، كتاب الحج، باب من قدَّمَ ضَعَفَةَ أهلِه بليلٍ، فيقفون بالمزدلفة، ويدعون، ويقدم إذا غاب القمر، (2/ 165)(1679)، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليل قبل زحمة الناس، واستحباب المكث لغيرهم حتى يصلّوا الصبح بمزدلفة، (2/ 940)(1291).

(5)

انظر: فتح الباري، لابن حجر (3/ 528)، عمدة القاري (10/ 18).

(6)

انظر: نهاية المطلب (4/ 317)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 202)، المبدع (3/ 220).

(7)

أغيلمة تصغير غلمة - وهو شاذ -، وغلمة جمع غلام، والمراد: الصبيان والشبان.

انظر: الفائق في غريب الحديث (3/ 310)، المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 310).

(8)

حمرات جمع حمر؛ وهي جمع حمار، والمعنى راكبين على حمرات.

النهاية في غريب الحديث (1/ 439)، لسان العرب (4/ 212)، المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 310).

(9)

يلطخ: اللطخ الضرب الخفيف اللين ببطن الكف.

معالم السنن (2/ 205)، الفائق في غريب الحديث (3/ 74)

ص: 439

الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ)

(1)

.

الدليل الثاني: وعَنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ فِي الثَّقَلِ وَقَالَ: (لَا تَرْمُوا الْجِمَارَ حَتَّى تُصْبِحُوا)

(2)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديثين:

دلَّتِ النصوص على المنع من الرمي قبل طلوع الفجر، كما دلَّتْ على المنع منه بعد الفجر وقبل طلوع الشمس؛ ومع قيام دليل جواز الرمي قبل طلوع الشمس، يبقى ما عداه على موجب النهي، وكانت دَلالة الحديث الأوّل في بيان وقت الفضيلة، والثاني في بيان أول وقت الرمي

(3)

.

الدليل الثالث: عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أنه كان يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، فَيَقِفُونَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الإِمَامُ وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلَاةِ الفَجْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوْا الجَمْرَةَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ:(أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)

(4)

.

(1)

رواه أبو داود في السنن، كتاب المناسك، باب التعجيل من جمع، (2/ 194)(1940)، والترمذي في السنن، أبواب الحج، باب ما جاء في تقديم الضعفة من جمع بليل، (3/ 231) (893). وقال:"حديث حسن صحيح"، وقال ابن الملقن في التوضيح (11/ 591):"وهذا إسناده، وإن كان ظاهره الحسن، فإن حديث ابن عمر وأسماء يعارضانه".

(2)

رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار، كتاب مناسك الحج، باب وقت رمي جمرة العقبة للضعفاء الذين يرخص لهم في ترك الوقوف بالمزدلفة، (2/ 217) (3976) قال الزيلعي في نصب الراية (3/ 87):"قال المنذري: والحسن العرني احتج به مسلم، واستشهد به البخاري، وقال أحمد، وابن معين: إنه لم يسمع من ابن عباس شيئًا".

(3)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 173)، تبيين الحقائق (2/ 31)، البناية (4/ 259 - 260)، شرح الرسالة (2/ 173 - 174).

(4)

رواه البخاري، كتاب الحج، باب من قدَّمَ ضَعَفَةَ أهلِه بليلٍ، فيقفون بالمزدلفة، ويدعون، ويقدم إذا غاب القمر، (2/ 165)(1676)، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليل قبل زحمة الناس، واستحباب المكث لغيرهم حتى يصلوا الصبح بمزدلفة، (2/ 941)(1295).

ص: 440

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

في الحديث أن أوّل قدومهم لمنى يكون وقت طلوع الفجر، فيكون هو أوّل وقت الرمي، وما كان قبله فلا يُجزئ

(1)

.

نوقِشَ: حديث ابن عباس يعارضه حديث أسماء السابق، فيُحمل على أن المراد به وقت الفضيلة، جمعًا بين الأحاديث

(2)

.

الدليل الرابع: لا يصحُّ أن يكون النصف الآخر من ليلة يوم النحر وقتًا للرمي، لأنه يصحُّ وقتًا للوقوف بعرفة كالنصف الأوّل من الليل

(3)

.

نوقِشَ: النصف الأوّل من الليل يعتبر من توابع اليوم الماضي، فلا يُجزئ فيه الرمي، والنصف الآخر من الليل من توابع اليوم المستقبل فلذا أجزأ فيه

(4)

.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل: يجوز رمي جمرة العقبة بعد منتصف ليلة النحر؛ وذلك لقوة هذا القول ولما فيه من إعمال لجميع الأدلة وهو أولى من إهمالها.

(1)

انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (4/ 359).

(2)

انظر: التوضيح لابن الملقن (11/ 591)، الحاوي (4/ 186)، المجموع (8/ 181)، فتح الباري، لابن حجر (3/ 529)، كشاف القناع (2/ 500).

(3)

انظر: شرح الرسالة (2/ 174)، المنتقى، للباجي (3/ 22).

(4)

انظر: الحاوي (4/ 317).

ص: 441

‌المطلب الثالث عشر: لا فرقَ في ترك المبيت بمنى بين ليلة وأكثر.

‌صورة المسألة:

إذا ترك الحاج المبيت بمنى ليالي أيام التشريق أو ليلة منها من غير عذر: فما الحكم؟

جاء في المغني: "فإن ترك المبيت بمنى، فعن أحمد: لا شيء عليه

وعنه يطعم شيئًا

ولا فرقَ بين ليلة وأكثر"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

يظهر أن سبب إلحاق حكم ترك مبيت الليلة بالثلاث ليالٍ هو أن الجميع واجب، والواجب لا يتجزأ لأن "البعض معتبر بالكل"

(2)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في حكم ترك مبيت ليلة أو ليالي منى من غير عذر، على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:

يجب على من ترك المبيت بمنى ليالي أيام التشريق بلا عذر الدمُ، لا فرق بين ترك ليلة أو أكثر، وهو مذهب المالكية

(3)

، والشافعية

(4)

، والحنابلة

(5)

.

القول الثاني:

(1)

(3/ 398).

(2)

المبسوط، للسرخسي (3/ 90).

(3)

انظر: المدونة (1/ 429)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 376)، عقد الجواهر (1/ 289)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (2/ 49).

(4)

انظر: الحاوي (4/ 204)، المهذب، للشيرازي (1/ 420)، البيان، للعمراني (4/ 356).

(5)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 236)، المبدع (3/ 230)، الإنصاف (9/ 246).

ص: 442

لا يجب على من ترك المبيت بمنى ليالي أيام التشريق بلا عذر شيءٌ، لا فرق بين ترك ليلة وأكثر، وهو مذهب الحنفية

(1)

، وقول للشافعية

(2)

، ورواية عند الحنابلة

(3)

، واختيار ابن تيمية

(4)

.

القول الثالث:

إن ترك المبيت بمنى ليلة واحدة فعليه مُدٌّ

(5)

، وإن تركه ثلاث ليال

(6)

فعليه دمٌ، وهو قول للشافعية

(7)

، ورواية عند الحنابلة

(8)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يجب على من ترك المبيت بمنى ليالي أيام التشريق بلا عذر الدمُ، لا فرق بين ترك ليلة أو أكثر- بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: (أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى، مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ

(9)

، فَأَذِنَ لَهُ)

(10)

.

الدليل الثاني: رخَّصَ عليه الصلاة والسلام لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر فيرمونه في أحدهما

(11)

.

(1)

انظر: التجريد، للقدوري (4/ 1957)، بدائع الصنائع (2/ 159)، تبيين الحقائق (2/ 35)، البناية (4/ 261/ 262).

(2)

انظر: المهذب، للشيرازي (1/ 420)، البيان، للعمراني (4/ 356).

(3)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 527)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 182).

(4)

انظر: شرح العمدة (2/ 643).

(5)

وقيل درهم.

(6)

إن لم يتعجل.

(7)

انظر: الحاوي (4/ 204).

(8)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 527).

(9)

السقاية، بكسر السين، مصدر من سقى، وهي إناء يشرب فيه، وتطلق على الموضع الذي يتخذ فيه الشراب في المواسم وغيرها، والمراد به موضع في المسجد الحرام يستقى فيه الماء ويجعل في حياض ويصب للشاربين، المجموع (8/ 246)، وانظر: لسان العرب (14/ 392)، العدة، لابن العطار (2/ 1068).

(10)

رواه مسلم في كتاب الحج، باب وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق، والترخيص في تركه لأهل السقاية، (2/ 953)(1315).

(11)

رواه أبو داود في السنن، كتاب المناسك، باب في رمي الجمار (3/ 335)(1975)، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الرخصة للرعاء (2/ 282)(955)، والنسائي في سننه، كتاب مناسك الحج، باب رمي الرعاة (5/ 273)(3069)، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح".

ص: 443

وجهُ الدَّلالة من الحديثين:

دل ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم لأهل السقاية والرعاة في ترك المبيت بمنى على أن غيرهم ممن لم يرخص لهم يجب عليه المبيت، وإذا كان كذلك وجب الدم على من ترك البيتوتة مطلقًا من غير تقييد بعدد

(1)

.

الدليل الثالث: بات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ليالي منى، وفعلُه نُسُكٌ

(2)

لأنه قال: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ)

(3)

، وإذا تقرر أن المبيتَ بمنى نُسُكٌ، ثبت وجوبه، وإذا ثبت وجوبه، لزم بتركه الدم مطلقًا.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - لا يجب على من ترك المبيت بمنى ليالي أيام التشريق بلا عذر شيءٌ، لا فرق بين ترك ليلة وأكثر، - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، (أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى، مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ)

(4)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

لما رخص النبي صلى الله عليه وسلم - لأهل السقاية والرعاة في ترك المبيت بمنى للحاجة، دلَّ ذلك على أن تركه للعذر ولغير العذر لا يوجب شيئًا، لأن المناسك الواجبة لا يجوز تركها إلّا لضرورة

(5)

.

نوقِشَ: الرخصة في ترك المبيت لأهل السقاية خاصّةٌ بهم لا تتعداهم إلى غيرهم، بدليل ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم للحائض بترك طواف الوداع، وللضَّعَفَة من أهله بالدفع لمزدلفة، ولم يدل ذلك على جواز

(1)

انظر: الحاوي (4/ 205)، التعليقة، لأبي يعلى (2/ 152)، إكمال المعلم (4/ 396)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 237)، العدة، لابن العطار (2/ 1068).

(2)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 237)، شرح العمدة (2/ 556).

(3)

رواه مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقب (2/ 943)(1297).

(4)

تقدم تخريجه ص 449.

(5)

انظر: التجريد، للقدوري (4/ 1958)، التعليقة، لأبي يعلى (2/ 154)، شرح العمدة (2/ 643).

ص: 444

الرخصة لغيرهم

(1)

.

الدليل الثاني: المبيت بمنى ليس نُسُكًا مقصودًا بذاته، إنما هو للاستعداد لغيره، وهو الرمي بالنهار، وهو المقصود بالمقام في منى، وجاءت الليالي تبعًا، ولو ترك الحاج المقام بمنى نهارًا لم يجب عليه شيء؛ فعدم وجوبه بترك المبيت ليلًا من باب أَوْلى

(2)

.

نوقِشَ من وجهين

(3)

:

أ. لا تعلق للرمي بالمبيت بمنى ليلًا؛ لأن الاستعداد للرمي لا يحصل أثناءه بدليل أن من فرغ من الرمي نهارًا كره له ترك المقام بها بعد فراغه من الرمي.

ب. لو لم يكن المبيت ليالي منى مقصودًا لما استأذن العباس رضي الله عنه أن يبيت بمكة لأجل سقايته، فلو لم يكن نُسُكًا مقصودًا لم يكن لاستئذانه فائدة.

الدليل الثالث: المبيت بمنى ليالي التشريق هو أحد المبيتين بها، فلا يوجب تركه شيئًا كالمبيت بها ليلة عرفة عشية التروية

(4)

.

نوقِشَ: المبيت بمنى ليالي التشريق يفارق المبيت بها ليلة عرفة، لأن مبيت ليالي التشريق نُسُكٌ مشروع بعد التحلل، فكان واجبًا يجب بتركه الدم، أما مبيت ليلة عرفة فليس بنسك فلم يوجب تركه شيئًا

(5)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل - إن ترك المبيت بمنى ليلة واحدة فعليه مُدٌّ، وإن تركه ثلاث ليال فعليه دمٌ – بـ:

قياس ترك مبيت ليلة على الواجب في ترك حصاة الرمي وحلق المحرم شعرة واحدة، لأنه ترك بعض

(1)

انظر: التعليقة، لأبي يعلى (2/ 154).

(2)

انظر: التجريد، للقدوري (4/ 1958)، العناية (2/ 501)، نهاية المطلب (4/ 334).

(3)

انظر: التعليقة، لأبي يعلى (2/ 152).

(4)

انظر: شرح العمدة (2/ 643).

(5)

انظر: الحاوي (4/ 206)، نهاية المطلب (4/ 334)، التعليقة (2/ 152).

ص: 445

ما يوجب الدم فوجب فيه ما يجب في الشعرة

(1)

.

يمكن أن يناقَش: أن ترك المبيت ليلة واحدة يُعَدُّ تركًا لجنس المبيت الذي يوجب الدم كاملًا، فيثبت للبعض حكم الكل

(2)

.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل: يجب على من ترك المبيت بمنى ليالي أيام التشريق بلا عذر الدمُ؛ لا فرق بين ترك ليلة أو أكثر، وذلك لقوة هذا القول وصراحة أدلته ووجاهة استدلاله، وورود المناقشة على أدلة المخالفين.

(1)

انظر: الحاوي (4/ 204)، الممتع، لابن المنجى (2/ 209).

(2)

انظر: روضة الطالبين (3/ 105).

ص: 446

‌المطلب الرابع عشر: لا فرقَ في تأخير المتمتع صيام الثلاثة أيام في الحج عن يوم النحر، بين تأخيرها لعذر أو لغيره.

‌صورة المسألة:

إذا لم يجد المتمتع هديًا، ووجب عليه صيام ثلاثة أيام في الحج ولم يصمها قبل يوم النحر، ولا في أيام التشريق وصامها بعد الحج: فهل يجب عليه دمٌ لتأخيره الصيام عن وقته، سواء كان تأخيره لعذر أم لغير عذر؟

جاء في المغني: "فإن لم يصم قبل يوم النحر، صام أيام منى، في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله، والرواية الأخرى لا يصوم أيام منى، ويصوم بعد ذلك عشرة أيام، وعليه دمٌ

واختلفت الرواية عن أحمد في وجوب الدم عليه

ولا فرقَ بين المؤخر لعذر، أو لغيره"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لمولى له قَالَ: تَمَتَّعْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَذْبَحَ هَدْيًا لِمُتْعَتِي حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الذَّبْحِ، (عَلَيْكَ مِنْ قَابِلٍ هَدْيَانِ: هَدْيٌ لِمُتْعَتِكَ، وَهَدْيٌ لِمَا أَخَّرْتَ)

(2)

.

فكان إيجاب ابن عباس على المؤخر هديَين، قد ورد في المعذور، فغير المعذور من باب أَوْلى

(3)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في وجوب الدم على من أخَّرَ صيام الثلاثة أيام التي في الحج عن أيام النحر، على ثلاثة أقوال:

(1)

(3/ 419).

(2)

رواه ابن الجعد في مسنده (340)(2339). لم أجد - فيما اطلعت عليه - حكمًا على هذا الأثر.

(3)

انظر: شرح العمدة (2/ 350)، شرح الزركشي (3/ 310).

ص: 447

القول الأوّل:

لا يجب على من أخَّرَ صيام الثلاثة أيام التي في الحج دمٌ سواء كان تأخيره لعذر أو لغير عذر، وهو مذهب المالكية

(1)

، والشافعية

(2)

، ورواية عند الحنابلة

(3)

.

القول الثاني:

يجب على من أخَّرَ صيام الثلاثة أيام التي في الحج دمٌ سواء كان تأخيره لعذر أو لغير عذر، وهو مذهب الحنفية

(4)

، والحنابلة

(5)

، وقول للشافعية

(6)

.

القول الثالث:

لا يجب على من أخَّرَ صيام الثلاثة أيام التي في الحج - بعذر – الدمُ، وهو رواية عند الحنابلة

(7)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - لا يجب على من أخَّر صيام الثلاثة أيام التي في الحج دمٌ سواء كان تأخيره لعذر أو لغير عذر- بما يلي:

الدليل الأوّل: صيام ثلاثة أيام في الحج يُعَدُّ صومًا واجبًا، لا يجب بفواته شيءٌ إلّا القضاء - وذلك مع العذر وعدمه - كصوم رمضان

(8)

.

(1)

انظر: عقد الجواهر (1/ 312)، جامع الأمهات (1/ 216)، الفواكه الدواني (1/ 371).

(2)

انظر: البيان، للعمراني (4/ 95)، المجموع (7/ 186)، مغني المحتاج (2/ 290).

(3)

انظر: المغني (3/ 419)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 396)، الإنصاف (8/ 396).

(4)

وعندهم يسقط الصيام ولا يجزئ إلّا الدم.

انظر: مختصر القدوري (1/ 70)، الهداية، للمرغناني (1/ 152)، الاختيار، للموصلي (1/ 158).

(5)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (8/ 396)، شرح الزركشي (3/ 310)، المبدع (3/ 161).

(6)

انظر: نهاية المطلب (4/ 198)، روضة الطالبين (3/ 53).

(7)

انظر: التعليقة، لأبي يعلى (1/ 289)، الهداية، للكلوذاني (1/ 173).

(8)

انظر: التعليقة، لأبي يعلى (1/ 290)، الكافي، لابن قدامة (1/ 482)، شرح الرسالة (2/ 305)، البيان، للعمراني (4/ 96).

ص: 448

الدليل الثاني: تأخير صيام الثلاثة أيام لما بعد أيام النحر يعتبر تأخيرًا للواجب إلى وقت يجوز فعله فيه، كما لو أخَّرَ الوقوف إلى الليل لا يلزم به شيء مطلقًا

(1)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - يجب على من أخَّرَ صيام الثلاثة أيام التي في الحج دمٌ سواء كان تأخيره لعذر أو لغير عذر- بما يلي:

الدليل الأوّل: قياس تأخير المتمتع للصيام على تأخير رمي الجمار، بجامع أن الكل نُسُكٌ تأخر أداؤه عن وقته، فوجب به الدمُ

(2)

.

نوقِشَ: صيام الثلاثة أيام في الحج يَسقط به الهديُ الواجب، فلا يمنع من فعله بعد خروج وقته اعتبارًا بالأصل وهو الهدي؛ لأنه لو أُخِّرَ عن وقته للزم نحرُه حتى بعد خروج وقته

(3)

.

الدليل الثاني: أمر الله عز وجل بالهدي مطلقًا، وأمر بالصوم عند عدم الهدي مقيّدًا بوقت، فإذا فات وقت الصوم وجب أن يرجع إلى الأصل وهو الهدي المطلق

(4)

.

نوقِشَ من وجهين

(5)

:

أ. عُلِّقَ الصيام بشرط عدم الهدي، فإذا أخَّرَ المتمتع الصيام عن وقته، لم يزل شرطه وهو عدم الهدي، وإنما زال الوقت الذي عُلِّقَ الوجوبُ به، وذلك لا يمنع من قضائه بعد فوات وقته، ويدل عليه صوم الظهار شرط أدائه قبل المسيس، ولو وقع المسيس قبل الصيام لم يسقط الواجب.

ب. الصوم بدل عن الهدي، فإذا فات الصوم وجب قضاؤه بصوم وليس بالهدي، لئلا يؤدي إلى كون المبدل بدلًا، لعدم جوازه.

(1)

انظر: المبدع (3/ 161)، شرح الزركشي (3/ 310).

(2)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 482)، شرح الزركشي (3/ 310).

(3)

انظر: شرح الرسالة (2/ 307).

(4)

انظر: المحيط البرهاني (2/ 469)، البناية (4/ 297)، البيان، للعمراني (4/ 95).

(5)

انظر: شرح الرسالة (2/ 306 - 307)، التعليقة، لأبي يعلى (2/ 290 - 291).

ص: 449

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل - لا يجب على من أخَّرَ صيام الثلاثة أيام التي في الحج – بعذر - الدمُ – بـ:

المتمتع لو أخَّرَ الهدي - الذي هو المبدل - لم يلزمه دمٌ بتأخيره، فعدم لزومه بتأخير البدل - وهو الصيام - من باب أَوْلى

(1)

.

يمكن أن يناقَش: هذا التعليل وجيه، ويَرِد على المؤخر بعذر أو بغير عذر، وقصره على المعذور فيه تحكم، والأصل في العبادات التوقيف، وإيجابها يفتقر إلى الدليل ولم يرد.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل: لا يجب على من أخَّرَ صيام الثلاثة أيام التي في الحج دمٌ سواء كان تأخيره لعذر أو لغير عذر؛ وذلك لوجاهته وقوة استدلاله من حيث النظر، ولعدم وجود نص في المسألة يوجب الدم.

(1)

انظر: المغني (3/ 419)، الممتع، لابن المنجى (2/ 133)، المبدع (3/ 161).

ص: 450

‌المطلب الخامس عشر: لا فرقَ في وجوب الهدي على من فاته الوقوف بعرفة، بين كونه ساق الهديَ أو لا.

‌صورة المسألة:

إذا لم يدرك الحاج الوقوف بعرفة: فهل يلزمه دمٌ لفوات حجِّه، سواء ساق الهدي أم لا؟

جاء في الإنصاف: "وهل يلزمه هديٌ؟ على روايتين

إحداهما، يلزمه هديٌ. وهو المذهب

هي أصحهما عند الأصحاب. والرواية الثانية، لا هديَ عليه. فعلى المذهب، لا فرقَ بين أن يكون ساق هديًا، أم لا، نصّ عليه"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

فوات الحج تتعلق به أحكام على وجه الاستقلال، لا مدخل لسوق الهدي في الارتباط بها

(2)

، ويؤكد ذلك ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلْيَأْتِ الْبَيْتَ فَلْيَطُفْ بِهِ سَبْعًا وَيَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، ثُمَّ لِيَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ إِنْ شَاءَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَنْحَرْهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ فَلْيَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ، فإذا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَلْيَحُجَّ إِنِ اسْتَطَاعَ وَلْيُهْدِ فِي حَجِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ)

(3)

، فدل قوله:"إن كان معه هدي" على احتمال وجود الهدي وعدمه، وفي ذلك إشارة لعدم تعلقه بحكم هدي الفوات.

(1)

(9/ 305).

(2)

المنتقى، للباجي (3/ 7) بتصرف.

(3)

رواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الحج، باب ما يفعل من فاته الحج (5/ 283)(9820)، قال النووي في المجموع (8/ 290):"إسناده صحيح".

ص: 451

‌حكم المسألة:

1 -

مقتضى اتفاق الفقهاء - رحمهم الله تعالى – عدم التفريق بين سَوق الهدي وعدمه في حكم فوات الحج

(1)

.

2 -

واختلفوا في وجوب الهدي على من فاته الحج، على قولين:

القول الأوّل:

يجب الهديُ على من فاته الوقوف بعرفة، وهو مذهب المالكية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

، وقول للحنفية

(5)

.

القول الثاني:

لا يجب الهديُ على من فاته الوقوف بعرفة، وهو مذهب الحنفية

(6)

، ورواية عند الحنابلة

(7)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يجب الهديُ على من فاته الوقوف بعرفة - بما يلي:

الدليل الأوّل: عن أَبَي أَيُّوبَ – رضي الله عنه – أنه خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْبَادِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ، وَأَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَوْمَ النَّحْرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: (اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْتَ، فَإِذَا أَدْرَكْتَ الْحَجَّ قَابِلًا فَحُجَّ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ

(1)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 220)، عيون المسائل، للقاضي عبد الوهاب (1/ 273)، الحاوي (4/ 243)، الإنصاف (9/ 305).

(2)

انظر: المدونة (1/ 455)، عيون المسائل، للقاضي عبد الوهاب (1/ 273)، الكافي، لابن عبد البر (1/ 401)، مواهب الجليل (3/ 202).

(3)

انظر: الحاوي (4/ 243)، بحر المذهب (3/ 568)، البيان، للعمراني (4/ 382، 393)، المجموع (8/ 291).

(4)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 534)، الفروع (6/ 77)، الإنصاف (9/ 305).

(5)

انظر: تبيين الحقائق (2/ 82).

(6)

انظر: التجريد، للقدوري (4/ 2011)، بدائع الصنائع (2/ 220)، الهداية، للمرغناني (1/ 177).

(7)

انظر: الفروع (6/ 77)، الإنصاف (9/ 305).

ص: 452

الْهَدْيِ)

(1)

.

الدليل الثاني: عن هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ

(2)

، أنه جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ. كُنَّا نَرَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَالَ عُمَرُ:(اذْهَبْ إِلَى مَكَّةَ، فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ. وَانْحَرُوا هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ. ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا وَارْجِعُوا. فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَأَهْدُوا. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ)

(3)

.

الدليل الثالث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يُدْرِكْ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَلْيَجْعَلْها عُمْرَةً، وَلْيَحُجَّ مِنْ قابِلٍ)

(4)

.

وجهُ الدَّلالة من الأحاديث:

بيّنت الأحاديث أحكام فوات الحج، ومن جملتها وجوب الدم على من فاته الحج، والدلالة صريحة في أن المراد به هديُ الفوات، لأن هديَ النُّسُك لو وجب لا يصرف وجوبه إلى وجوب

(1)

رواه مالك في الموطأ (1/ 383)(153)، والشافعي في المسند، كتاب الحج، باب أحكام المحصر (2/ 270)(994)، قال ابن الملقن في البدر (6/ 428):"وهذا الأثر صحيح رواه مالك في «الموطأ» ثم الشافعي ثم البيهقي بإسناد صحيح، قال الرافعي: واشتهر ذلك في الصحابة ولم ينكره منكر"، وقال ابن حجر في الدراية (2/ 46):"أخرجه مالك بإسناد صحيح، إلّا أنه اختلف فيه على سليمان بن يسار، هل هو عن أبي أيوب أو عن هبار بن الأسود؟ ".

(2)

هو هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد القرشي، وهو الذي عرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفهاء من قريش، حين بعث بها أبو العاص زوجها إلى المدينة، فأهوى إليها هبار ثم أسلم بعد الفتح وحسن إسلامه وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، انظر: الاستيعاب (4/ 1536)، الإصابة (6/ 411 وما بعدها).

(3)

رواه مالك في الموطأ، كتاب الحج، باب هدي من فاته الحج (1/ 383)(154)، والبيهقي في السنن الكبرى، باب ما يفعل من فاته الحج (5/ 285) (9825). قال النووي في المجموع (8/ 291):"إسناده صحيح"، وقال ابن الملقن في البدر (6/ 428 - 429):"وهذا الأثر صحيح رواه مالك في «الموطأ» بإسناده الصحيح عن سليمان بن يسار"، وقال:"قال البيهقي: هذه الرواية وما قبلها عن الأسود عن عمر متصلتان، ورواية سليمان بن يسار عنه منقطعة".

(4)

رواه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الحج في الرجل إذا فاته الحج ما يكون عليه (3/ 227)(13685)، وبنحوه روى الدارقطني في السنن، كتاب الحج، باب المواقيت (3/ 263)(2518)، قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 81):"هذا مرسل وضعيف الإسناد، وذلك أنه من رواية ابن أبي ليلى عن عطاء"، وقال ابن تيمية في شرح العمدة (2/ 659):"وهذا وإن كان مرسلا من مراسيل عطاء، فهو أعلم التابعين بالمناسك، وهذا المرسل معه أقوال الصحابة"، وقال ابن حجر في الدراية (2/ 46):"أخرجه ابن أبي شيبة وهو مرسل وفي إسناده ضعف".

ص: 453

آخر وذبحه عن الفوات

(1)

.

الدليل الرابع: فائِتُ الحجِّ؛ قد تحلل من النسك قبل تمامه، فلزمه الهديُ

(2)

.

الدليل الخامس: إجماع الصحابة؛ على وجوب هدي الفوات وهو قول منتشر لم يُعرف له مخالفٌ فكان إجماعًا

(3)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - لا يجب الهديُ على من فاته الوقوف بعرفة - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلْيَحِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ)

(4)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

جمع الحديث الأحكام الواجبة بفوات الحج ولم تتضمن ذكرًا لوجوب هديه مطلقًا

(5)

.

يمكن أن يناقَش: الحديث ضعيف لا يصحُّ الاحتجاجُ به، ولو صحَّ، فهو معارَضٌ بالأحاديث

(1)

انظر: شرح مسند الشافعي (2/ 312 - 313)، شرح الزرقاني على الموطأ (2/ 497 - 498)، شرح الزركشي (3/ 358).

(2)

انظر: المغني (3/ 456)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 305).

(3)

انظر: الاستذكار (4/ 263)، التمهيد، لابن عبد البر (15/ 201)، الحاوي (4/ 237)، بحر المذهب (3/ 568)، الكافي، لابن قدامة (1/ 534).

(4)

رواه الدارقطني في سننه، كتاب الحج، باب المواقيت (3/ 263)(2518)، وقال:"رحمة بن مصعب ضعيف، ولم يأت به غيره"، قال ابن حزم في المحلى (5/ 117):"هذا عورة لأن أبا عون بن عمرو، ورحمة بن مصعب، وداود بن جبير مجهولون لا يُدرى من هم، وابن أبي ليلى سيئ الحفظ؛ وعلى هذا الخبر يبطل حج النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يقف بعرفة بليل إنما دفع منها في أول أوقات الليل"، وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 460): "

ذلك أن من دونه في الإسناد إنما هو مجهول".

(5)

انظر: التجريد، للقدوري (4/ 2012).

ص: 454

التي سبق ذكرها في استدلال القول الأوّل

(1)

.

الدليل الثاني: فائِتُ الحجِّ؛ قد تحلَّل بعمرة، فكانت بمنزلة الدم وقامت مقامه، كما في المحصر فلم يلزمه هديٌ للفوات

(2)

.

نوقِشَ: لا يسلم بذلك، لأن المحرم إذا لم يحصر بعذر لا يحل إلّا بالطواف، وإن أحصر بعذر لم يحتج للهدي

(3)

.

الدليل الثالث: قياس فوات الوقوف بعرفة على فوات الصوم في رمضان، بجامع أن الكل فرضٌ تأخَّر عن وقته، فلم تجب مع قضائه كفارةٌ

(4)

.

يمكن أن يناقَش: أمر اللهُ عز وجل بإتمام الحج، فإن تعذر قام الهديُ مقامَ الإتمام، وإذا كان الإتمام واجبًا مأمورًا به، فما قام مقامه فهو واجب

(5)

.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل: يجب الهديُ على من فاته الوقوف بعرفة؛ وذلك لقوة هذا القول وصحة أدلته في مقابلة ضعف أدلة القول المخالف التي تمت مناقشتها.

(1)

انظر: البناية (4/ 458).

(2)

انظر: التجريد، للقدوري (4/ 2012)، الهداية، للمرغناني (1/ 178)، الكافي، لابن قدامة (1/ 534)، شرح الزركشي (3/ 359).

(3)

انظر: الاستذكار (4/ 263).

(4)

انظر: التجريد، للقدوري (4/ 2012).

(5)

شرح العمدة (2/ 368) بتصرف.

ص: 455

‌المطلب السادس عشر: لا فرقَ في ولد الهَدْيَة بين ما عيَّنه ابتداءً وما عيَّنَه بدلًا عن الواجب في ذمته.

‌صورة المسألة:

إذا عيَّنَ المهدي هديًا فولدت: فهل يذبح ولدها، سواء كان التعيين ابتداء أم كان بدلًا عن واجب ثبت في الذمة؟

جاء في المغني: "إذا ولدت الهدية فولدها بمنزلتها إن أمكن سوقه، وإلّا حمله على ظهرها، وسقاه من لبنها

ولا فرقَ في ذلك بين ما عيَّنَه ابتداءً وما عيَّنَه بدلًا عن الواجب في ذمته"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

نتاجُ الهديِ المعيَّن والثابت في الذمة يشتركان في وصف الوجوب، بموجب تبعيّة كلٍّ منهما للأمّ لأن "التابع تابع"

(2)

أي ما كان تابعًا لغيره في الوجود لا ينفردُ بالحكم ولا ينفكُّ عن متبوعه، وإذا ثبت لأصله حكمٌ ثبت له مثلُ حكمه؛ وتبعه في الوجوب والتحريم ونحوه

(3)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في تبعيّة ولد الهدي لأمه في الذبح إن كان ثابتًا بالتعيين ابتداءً

(4)

.

2 -

واختلفوا في تبعيّته لها في الذبح إن كان ثابتًا بدلًا عن واجب ثبت في الذمة، على قولين:

(1)

(3/ 463).

(2)

الاشباه والنظائر، للسيوطي (1/ 117).

(3)

انظر: الأشباه والنظائر، للسيوطي (1/ 117)، غمز عيون البصائر (1/ 361)، الوجيز، للبورنو (1/ 331).

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي (4/ 143)، عقد الجواهر (1/ 309)، المهذب، للشيرازي (1/ 430)، المغني (3/ 436).

ص: 456

القول الأوّل:

يتبع ولدُ الهديِ أمَّه في وجوب الذبح، إذا ثبت في الذمة بدلًا عن واجب، وهو مذهب الحنفية

(1)

، والمالكية

(2)

، والشافعية

(3)

، والحنابلة

(4)

.

القول الثاني:

لا يتبع ولدُ الهديِ أمَّه في وجوب الذبح، إذا ثبت في الذمة بدلًا عن واجب، وهو قول القاضي أبي يعلى

(5)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - يتبع ولدُ الهديِ أمَّه في وجوب الذبح، إذا ثبت في الذمة بدلًا عن واجب - بما يلي:

الدليل الأوّل: سُئل عليٌّ رضي الله عنه عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى بَقَرَةً؛ لِيُضَحِّيَ بِهَا فَنُتِجَتْ، فَقَالَ:"لَا تَشْرَبْ لَبَنَهَا إِلَّا فَضْلًا، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَاذْبَحْهَا وَوَلَدَهَا عَنْ سَبْعَةٍ"

(6)

.

(1)

انظر: المبسوط، للسرخسي (4/ 143)، تبيين الحقائق (2/ 91)، درر الحكام شرح غرر الأحكام، للملا خسرو (1/ 263).

(2)

انظر: المدونة (1/ 548)، التفريع (1/ 215)، عقد الجواهر (1/ 309)، مواهب الجليل (3/ 194).

(3)

وقيدوا ذلك بالهدي المنذور.

انظر: المهذب، للشيرازي (1/ 430)، بحر المذهب (4/ 94)، البيان، للعمراني (4/ 415)، المجموع (8/ 366).

(4)

انظر: الهداية، للكلوذاني (1/ 203)، الكافي، لابن قدامة (1/ 538)، المغني (3/ 463)، كشاف القناع (3/ 12).

(5)

انظر: المغني (3/ 463).

(6)

رواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الضحايا، باب ما جاء في ولد الأضحية ولبنها (5/ 388)(10210)، وابن أبي حاتم في العلل، علل أخبار في الأضاحي والذبائح (4/ 530)(1619)، وقال:"عن الحكم، عن المغيرة بن حذف، عن حذيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرك بين المسلمين سبعة في بقرة؟ فقال أبو زرعة: هذا خطأ؛ الصحيح: ما حدثنا أبو نعيم، عن أبي إسرائيل، عن الحكم، عن المغيرة بن حذف، عن علي: أنه أتاه رجل ببقرة قد ولدت، يريد أن يضحي بها، فقال: لا تشرب من لبنها إلّا ما فضل عن ولدها؛ فإذا كان يوم الأضحى، ضحيت بها وولدها عن سبعة"، وقال الذهبي في المهذب (8/ 3874):"إسناده غريب"، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 360):"وذكره ابن أبي حاتم في «العلل»، وحكي عن ابن زرعة أنه قال: هو حديث صحيح".

ص: 457

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

ثبت بالحديث حكم التبعية في الذبح لولد الهدية التي أوجبها، لأن الضمير في (ولدت) عائد لها؛ ولو لم يوجبها لكان ولدها له، وعموم اللفظ يشمل الواجب المعيَّنَ والثابتَ في الذمة

(1)

.

الدليل الثاني: "النماء المتولّد من العين حكمُه حكمُ الجزء"

(2)

وولد الهدي جزءٌ منها، فكان تابعًا لها، وقد عيَّنَها خالصًا لوجه الله، فوجب الذبح في الكل

(3)

.

الدليل الثالث: يذبح ولد الهدية تبعًا لها، لأنها ولدته بعد خروجها عن ملك المهدي، فثبت حكم الاستحقاق للمساكين بطريق السراية من الأم في كل حال كولد المدبرة وأم الولد

(4)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - لا يتبع ولدُ الهديِ أمَّه في وجوب الذبح، إذا ثبت في الذمة بدلًا عن واجب – بـ:

أن الهدي الثابت في الذمة هديٌ واحدٌ، فلا يلزم المهدي ذبح هديَين

(5)

.

نوقِشَ:

ولد الهدي الثابت في الذمة يُعَدُّ ولد هديٍ واجبٍ، فكان واجبًا كالمعيّن ابتداءً، لأن الثبوت في الذمة لا ينفي التبعية

(6)

.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - القول الأوّل القائل:

(1)

انظر: شرح الزركشي (7/ 22)

(2)

قواعد ابن رجب (1/ 27).

(3)

انظر: المبسوط، للسرخسي (4/ 143)، الكافي، لابن قدامة (1/ 538).

(4)

مواهب الجليل (3/ 194)، وانظر: الحاوي (15/ 108)، المهذب، للشيرازي (1/ 430)، البيان، للعمراني (4/ 415)، شرح الزركشي (7/ 22)، كشاف القناع (3/ 12).

(5)

انظر: المغني (3/ 463).

(6)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 381)، كشاف القناع (3/ 12).

ص: 458

يتبع ولدُ الهديِ أمَّه في وجوب الذبح، إذا ثبت في الذمة بدلًا عن واجب؛ وذلك لقوة هذا القول وموافقته لقواعد الشريعة، ولسلامة أدلته من المعارض الراجح، والرد على دليل القول المخالف.

ص: 459

‌المطلب السابع عشر: لا فرقَ في وقت الذبح للأضحية بين أهل المصر وغيرهم.

‌صورة المسألة:

إذا أراد المضحي أن يذبح أضحيته في أول الوقت المشروع: فما هو الوقت المعتبر في ذلك لأهل المصر وغيرهم؟

جاء في المغني: "مسألةٌ مَضى من نهار يوم الأضحى مقدار صلاة العيد وخطبته، فقد حلَّ الذبحُ .. مسألةٌ؛ قال: وإذا مضى من نهار يوم الأضحى مقدارُ صلاة العيد وخطبته، فقد حلَّ الذبحُ إلى آخرِ يومين من أيام التشريق نهارًا، ولا يجوز ليلًا

لا فرقَ في هذا بين أهل المصر وغيرهم"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

كل ما كان وقتًا لحِلِّ نحر الأضحية في حق أهل الأمصار كان وقتًا لحِلِّه في حق أهل القرى

(2)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في أول وقت ذبح الأضحية في حق أهل المصر وغيرهم، على أربعة أقوال:

القول الأوّل:

وقت التضحية لأهل المصر بعد صلاة العيد

(3)

، ولأهل القرى قدر الصلاة بعد ارتفاع الشمس،

(1)

(9/ 452).

(2)

انظر: الحاوي (3/ 86).

(3)

وفي رواية: بعد الصلاة والخطبة، والمرجح أنه لو ذبح بعد الصلاة وقبل الخطبة أجزأ. انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 362 - 363)، الإنصاف (9/ 363).

ص: 460

وهو مذهب الحنابلة

(1)

.

القول الثاني:

وقت التضحية لأهل الأمصار والقرى بعد طلوع الشمس يوم النحر بمقدار ما يسع ركعتين خفيفتين وخطبتين خفيفتين، وهو مذهب الشافعية

(2)

، وقول للحنابلة

(3)

.

القول الثالث:

وقت التضحية لأهل المصر بعد فراغ الإمام من الذبح

(4)

، ووقت التضحية للإمام هو بعد فراغه من صلاته وخطبته، وهو مذهب المالكية

(5)

، ورواية عن الإمام أحمد

(6)

.

القول الرابع:

وقت التضحية لأهل المصر بعد صلاة العيد ولأهل القرى بعد طلوع فجر يوم النحر، وهو مذهب الحنفية

(7)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - وقت التضحية لأهل المصر بعد صلاة العيد ولأهل القرى قدر الصلاة بعد ارتفاع الشمس - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنِ البَرَاءِ بن عازب رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ

(1)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 544)، المغني (9/ 452)، الإنصاف (9/ 362).

(2)

انظر: الحاوي (15/ 84)، بحر المذهب (4/ 183)، البيان، للعمراني (4/ 435)، حاشية الجمل (2/ 465).

(3)

انظر: المغني (9/ 452)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 362)، شرح الزركشي (7/ 34).

(4)

وهذا الاعتبار في الأمصار، وأما القرى والأسفار معتبر بأقرب إمام لهم.

(5)

انظر: القوانين الفقهية (1/ 125)، المختصر الفقهي لابن عرفة (2/ 359)، مواهب الجليل (3/ 242)، الشرح الكبير حاشية الدسوقي (2/ 120).

(6)

انظر: الفروع (6/ 92)، المبدع (3/ 257).

(7)

انظر: بدائع الصنائع (5/ 73)، الهداية، للمرغناني (4/ 357)، تبيين الحقائق (6/ 4)، حاشية ابن عابدين (6/ 318).

ص: 461

أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ)، فَقَامَ خَالِي

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، قَالَ:(اجْعَلْهَا مَكَانَهَا - أَوْ قَالَ: اذْبَحْهَا - وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ)

(1)

.

الدليل الثاني: عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ البَجَلِيِّ

(2)

رضي الله عنه قَالَ: ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُضْحِيَةً ذَاتَ يَوْمٍ، فَإِذَا أُنَاسٌ قَدْ ذَبَحُوا ضَحَايَاهُمْ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، رَآهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ قَدْ ذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ:(مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ حَتَّى صَلَّيْنَا فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ)

(3)

.

وجهُ الدَّلالة من الأحاديث:

دلَّت ظواهر النصوص على أن الوقت المعتبر في ذبح الأضحية هو عقب الانتهاء من صلاة العيد، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن حكم الذبح قبل الصلاة لا يجزئ؛ خلافًا لحكمه بعدها

(4)

.

الدليل الثالث: يعتبر في حق أهل القرى تقدير وقت الصلاة لحِلِّ الذبح؛ بسبب تعذر اعتبار حقيقة الصلاة في حقهم

(5)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - وقت التضحية لأهل الأمصار والقرى بعد طلوع الشمس يوم النحر بمقدار ما يسع ركعتين خفيفتين وخطبتين خفيفتين - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنِ البَرَاءِ بن عازب رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ،

(1)

رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب التبكير إلى العيد، (2/ 19)، (968)، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها، (3/ 1552)، (1961).

(2)

هو جندب بن عبد الله بن سفيان العلقي البجلي، وعلق من بجيلة، يقال له: جندب الخير، له صحبة، نزل الكوفة ثم تحول للبصرة وحدث بهما. انظر: الجرح والتعديل (2/ 510)، الثقات (3/ 56)، الإصابة (1/ 612).

(3)

رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«فليذبح على اسم الله» ، (7/ 91)، (5500)، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها، (3/ 1551)، (1960).

(4)

انظر: المغني (9/ 452)، التوضيح، لابن الملقن (26/ 634).

(5)

انظر: الكافي، لابن قدامة (1/ 544).

ص: 462

قَالَ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ)، فَقَامَ خَالِي

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، قَالَ:(اجْعَلْهَا مَكَانَهَا - أَوْ قَالَ: اذْبَحْهَا - وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ)

(1)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

علَّقَ النبي صلى الله عليه وسلم حِلَّ الذبح بصلاة المضحي لا بصلاة الإمام، والمضحي له أن يصلي العيد منفردًا؛ وقد لا يوافق فعله فعل الإمام؛ فدلَّ ذلك على أن مراد الخبر وقت الصلاة، بدليل قوله:"مثل صلاتنا"

(2)

.

الدليل الثاني: صلاة العيد تتقدم وتتأخر وقد تفعل وقد لا تفعل، وتقديرها بمقدار مضي صلاة العيد وخطبته - لأهل القرى والأمصار - ضابط لا يختلف، فأُنيط الحكم به

(3)

.

الدليل الثالث: الذبح عبادة يتعلق آخرها بالوقت، فتعلق أولها بالوقت كالصوم، وكل عبادة تعلقت بالوقت في حق أهل القرى تعلقت به في حق أهل الأمصار، والعكس بالعكس؛ كعدم حِلِّ الذبح قبل الفجر في حق الجميع

(4)

.

يمكن أن يناقَش ما سبق من استدلال: ظواهر النصوص تدل على أن المؤثر في عدم إجزاء الأضحية هو: ذبحها قبل الصلاة، والعمل بظاهر الأخبار أَوْلى من تأويلها

(5)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل - وقت التضحية لأهل المصر بعد فراغ الإمام من الذبح ووقت التضحية للإمام هو بعد فراغه من صلاته وخطبته - بما يلي:

(1)

تقدم تخريجه ص 468.

(2)

انظر: الحاوي (3/ 86).

(3)

انظر: شرح الزركشي (7/ 34).

(4)

انظر: الحاوي (3/ 86)، الكافي، لابن قدامة (1/ 544)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 364).

(5)

انظر: فتح الباري، لابن حجر (10/ 21).

ص: 463

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}

(1)

.

وجهُ الدَّلالة من الآية:

جاء في سبب نزول هذه الآية أنها نزلت في قوم نحروا قبل أن ينحر النبي صلى الله عليه وسلم وقبل أن يصلي، فأمرهم أن يعيدوا، فتبين بما جاء من هذا أن المراد بالآية اعتبار الصلاة وذبح الإمام لحِلِّ الذبح

(2)

.

الدليل الثاني: عَنِ البَرَاءِ بن عازب رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ:(إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ)، فَقَامَ خَالِي

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، قَالَ:(اجْعَلْهَا مَكَانَهَا - أَوْ قَالَ: اذْبَحْهَا - وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ)

(3)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

دلَّ قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ذبحَ قبلَ أن يصليَ فليذبحْ أُخرى مكانَها) على أن الوقت المعتبر لحِلِّ الذبح هو فراغ الإمام منه، لأنه قال ذلك بعد ذبحه، فكأنه قال: من ذبح قبلَ فعلي هذا من الصلاة والخطبة والذبح، فليذبحْ أخرى مكانها؛ أي: فلا يعتدُّ بما ذبحه أوّلًا، ومعلوم أن فعله موردٌ لبيان الأحكام

(4)

.

نوقِشَ: إذا حَلَّ ذبحُ الأضحية للإمام بعد تمام الصلاة؛ فقد حلَّ لغيره؛ إذ لا معنى لانتظاره، ويؤكد عدم تعلق حِلِّ التضحية بنحر الإمام أنه لو لم يذبح لم يسقط حكم الأضحية عن سائر الناس؛ ودلالة مفهوم خطاب النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرة في أن الذبح بعد الصلاة مجزئ؛ فلو كان ثمة شرط آخر يتعلق به الإجزاء لبيَّنه

(5)

.

(1)

سورة الحجرات، الآية (1).

(2)

انظر: تفسير الطبري (22/ 276)، الفواكه الدواني (1/ 380).

(3)

تقدم تخريجه ص 468.

(4)

انظر: العدة، لابن العطار (2/ 704 - 705).

(5)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (7/ 335)، شرح صحيح البخاري، لابن بطال (6/ 25)، بداية المجتهد (2/ 199)، التوضيح، لابن الملقن (26/ 635).

ص: 464

الدليل الثالث: عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ، فَتَقَدَّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا، وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَحَرَ، (فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ، وَلَا يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم)

(1)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

الحديث نصٌّ في المسألة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من نحر قبله بالإعادة، وقد ذكر أنهم ظنوا أنه قد نحر؛ فدلَّ ذلك على أن هذا الحكم مشتهر؛ ولم يعذرهم بظنهم وغلطهم

(2)

.

نوقِشَ من وجهين:

أ. دلالة هذا الحديث يتطرق إليها الاحتمال إذ ليس فيه تصريح (بأنهم ذبحوا بعد الصلاة) فيحتمل أن ذبحهم كان قبل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والأحاديث السابق ذكرها نصَّتْ على إباحة الذبح بعد الصلاة ولم يرد فيها اشتراط لتقدم ذبح الإمام

(3)

.

ب. رُوِيَ الحديث من طريق آخر

(4)

(أنَّ رجلًا نحر قبل أن يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذبحوا قبل أن يصلي)

(5)

فتبين من هذه الرواية أن النهيَ من النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصد به النهي عن الذبح قبل الصلاة لا قبل ذبحه، ولا يكون لنهيه معنى سوى أنه يريد إعلامهم بإباحة الذبح بعدما يصلي، وإلّا لم يكن لذكر الصلاة فائدة

(6)

.

(1)

رواه مسلم في كتاب الأضاحي، باب سن الأضحية، (3/ 1555)، (1964).

(2)

انظر: إكمال المعلم (6/ 401).

(3)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (7/ 335).

(4)

من طريق حماد عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه.

التوضيح لابن الملقن (26/ 634).

(5)

رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار، كتاب الصيد والذبائح والأضاحي، باب من نحر يوم النحر قبل أن ينحر الإمام (4/ 172)(6202)، قال ابن حجر في الفتح (10/ 22):"صححه ابن حبان ".

(6)

انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (6/ 26)، التوضيح، لابن الملقن (26/ 634).

ص: 465

واستدلَّ أصحاب القول الرابع القائل - وقت التضحية لأهل المصر بعد صلاة العيد ولأهل القرى بعد طلوع فجر يوم النحر - بما يلي:

الدليل الأوّل: عَنِ البَرَاءِ بن عازب – رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ:(إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ)، فَقَامَ خَالِي

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، قَالَ:(اجْعَلْهَا مَكَانَهَا - أَوْ قَالَ: اذْبَحْهَا - وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ)

(1)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

الأصل أن أول وقت الذبح عند طلوع فجر يوم النحر، إلّا أنه في حق أهل الأمصار يشترط تقديم الصلاة بدلالة نص الحديث، ويبقى الوقت المعتبر لمن عداهم على الأصل وهو بعد طلوع الفجر

(2)

.

الدليل الثاني: أهل القرى ليس عليهم صلاة عيد، فلا معنى لتأخير وقت النحر لهم لعدم تشاغلهم بالصلاة، بخلاف أهل الأمصار فاعتبرت الصلاة لحِلِّ الذبح في حقهم لاحتمال تشاغلهم بها

(3)

.

نوقِشَ الاستدلالان: ذبح الأضحية عبادة وقتها في حق أهل المصر بعد طلوع الشمس، فلا يتقدم وقتها في حق غيرهم؛ كصلاة العيد، واعتبار طلوع الفجر وقتًا للذبح في القرى منتقضٌ بأهل المصر إذا لم يصل الإمام فيه لم يجُزْ الذبح حتى تزول الشمس

(4)

.

(1)

تقدم تخريجه ص 468.

(2)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (7/ 334)، التجريد، للقدوري (12/ 6333)، المبسوط، للسرخسي (12/ 10)، البحر الرائق (8/ 199).

(3)

انظر: البناية (12/ 22).

(4)

انظر: المغني (9/ 453)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (9/ 364).

ص: 466

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل: وقت التضحية لأهل المصر بعد صلاة العيد، ولأهل القرى قدر الصلاة بعد ارتفاع الشمس؛ وذلك لقوة هذا القول وصراحة استدلاله، ولأن استدلال المخالفين محمله على التأويل الذي أورد المناقشات عليه.

ص: 467

‌المبحث الثاني المسائل التي قيل فيها: لا فرقَ عند الحنابلة في الجهاد.

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأوّل: لا فرقَ في عدم قبول الجزية ممن تهوَّدَ أو تنصَّرَ، بين من دخل في دينهم قبل تبديل كتابهم، أو بعده.

المطلب الثاني: لا فرقَ في أخذ الجزية ممن وُلِدَ بين كتابيَّينِ، ومن ولد بين كتابيٍّ ووثنيٍّ.

المطلب الثالث: لا فرقَ في أخذ الجزية من أهل الكتاب بين كونهم عجمًا أو عربًا.

ص: 468

‌المطلب الأوّل: لا فرقَ في عدم قبول الجزية ممن تهوَّدَ أو تنصَّرَ، بين من دخل في دينهم قبل تبديل كتابهم، أو بعده.

‌صورة المسألة:

إذا انتقل الذمي في الإسلام من اليهودية إلى النصرانية أو العكس: فهل تُقبَل منه الجزية، سواء كان انتقاله قبل تبديل دينهم أم بعده؟

جاء في الشرح: "ومن تهوَّدَ أو تنصَّرَ بعد بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أو وُلِدَ بين أبوين لا تقبلُ الجزية من أحدهما، فعلى وجهين: أحدهما، أنه لا فرقَ بين من دخل في دينهم قبل تبديل كتابهم أو بعده، ولا بين أن يكون ابن كتابيَّين، أو كتابيٍّ ووثنيٍّ"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

الله عز وجل أقرَّ أهل الكتاب بالجزية دون تقييد بالمبعث ولا قبل تبديل كتابهم أو بعده، وأباح ذبائحهم ولم يشرط ذلك؛ مع العلم بأن أكثرهم دخل في دينهم بعد تبديله

(2)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على إقرار أهل الكتاب على دينهم وقبول الجزية منهم

(3)

.

(1)

(10/ 403).

(2)

انظر: أحكام أهل الذمة، لابن القيم (1/ 188).

(3)

على اختلاف بينهم فيما لو كانوا عربًا أو عجمًا.

انظر: الهداية، للمرغناني (2/ 401)، البحر الرائق (5/ 119)، بداية المجتهد (2/ 166)، المعونة (1/ 449)، المهذب، للشيرازي (3/ 306)، نهاية المطلب (6/ 8)، الهداية، للكلوذاني (1/ 222)، المبدع (3/ 364).

ص: 469

2 -

واختلفوا في قبول الجزية ممن تهوَّدَ أو تنصَّرَ بعد البعثة، سواء كان ذلك قبل تبديل دينهم أو بعده، على قولين:

القول الأوّل:

تُقبَل الجزيةُ ممن تهوَّدَ أو تنصَّرَ بعد البعثة، لا فرقَ بين ما قبل التبديل وبعده، وهو مذهب الحنفية

(1)

، والمالكية

(2)

، والحنابلة

(3)

، وقول للشافعية

(4)

.

القول الثاني:

لا تُقبَل الجزيةُ ممن تهوَّدَ أو تنصَّرَ بعد البعثة، لا فرقَ بين ما قبل التبديل وبعده، وهو مذهب الشافعية

(5)

، وقول للمالكية

(6)

، والحنابلة

(7)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - تُقبَل الجزيةُ ممن تهوَّدَ أو تنصَّرَ بعد البعثة، لا فرقَ بين ما قبل التبديل وبعده - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}

(8)

.

وجهُ الدَّلالة من الآية:

بيَّنت الآية الكريمة حكم أخذ الجزية من أهل الكتاب دون تخصيص أو شرط أو استثناء، فدلَّ ذلك على قبولها ممن تهوَّدَ أو تنصَّرَ مطلقًا؛ ويؤكد ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذها من غير

(1)

انظر: التجريد، للقدوري (9/ 4557).

(2)

انظر: التفريع (1/ 258)، عقد الجواهر (2/ 442)، شرح مختصر خليل، للخرشي (8/ 69)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (4/ 308).

(3)

انظر: الفروع (10/ 322)، المبدع (3/ 365)، الإنصاف (10/ 403).

(4)

انظر: الحاوي (14/ 375)، المهذب، للشيرازي (3/ 306)، التهذيب، للبغوي (5/ 381).

(5)

انظر: الحاوي (14/ 375)، بحر المذهب (13/ 423)، روضة الطالبين (7/ 140).

(6)

انظر: عقد الجواهر (2/ 442)، الذخيرة (4/ 336)، التوضيح، للجندي (4/ 78).

(7)

انظر: الأحكام السلطانية، لأبي يعلى (1/ 154)، الهداية، للكلوذاني (1/ 222)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (10/ 403).

(8)

سورة التوبة، الآية (29).

ص: 470

سؤال؛ فلو كان حكم المتهود والمتنصر مختلف لسأل عنه، ولو سأل لنُقل إلينا، ولم يُنقَل

(1)

.

الدليل الثاني: الكفر كله مِلّةٌ واحدة؛ وإن اختلفت فرقه ومذاهبه، والمنتقل من دين إلى دين يجعله من أهل الدين الذي انتقل إليه، فتُقبَل منه الجزيةُ كغيره

(2)

.

الدليل الثالث: تهوُّدُ النصرانيِّ وتنصُّرُ اليهوديِّ، إنما هو انتقال إلى دين، لو كان عليه ابتداءً أُقِرَّ عليه وقُبِلَت منه الجزيةُ، فلزم قبولها منه بعد تحوله لأحدهما، لأنه لم يخرج عن كونه كتابيًّا فيعامل معاملتهم لاستوائهما في التقرير وقبول الجزية

(3)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - لا تُقبَل الجزيةُ ممن تهوَّدَ أو تنصَّرَ بعد البعثة، لا فرقَ بين ما قبل التبديل وبعده - بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}

(4)

.

الدليل الثاني: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ)

(5)

.

وجهُ الدَّلالة:

دلَّ عموم النصوص على أن كل من بدّل دينه يُقتَل ولا يُقرُّ على ذلك ولا تُقبَل منه الجزية، ولفظ (من) من صيغ العموم

(6)

؛ يشمل كل مبدل ويدخل في ذلك اليهودي إن تنصَّرَ أو النصراني إن تهوَّدَ

(7)

.

(1)

انظر: الشرح الكبير، لأبي الفرج (10/ 404)، المبدع (3/ 365).

(2)

انظر: التجريد، للقدوري (9/ 4558)، الذخيرة (4/ 336)، شرح مختصر خليل، للخرشي (8/ 69)، الحاوي (14/ 375)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (10/ 404).

(3)

انظر: التجريد، للقدوري، (9/ 4559)، مغني المحتاج (4/ 317).

(4)

سورة آل عمران، الآية (58).

(5)

رواه البخاري في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم، (9/ 15)، (6922).

(6)

روضة الناظر (2/ 12).

(7)

انظر: القبس في شرح موطأ مالك (1/ 909)، عمدة القاري (2/ 264).

ص: 471

نوقِشَ من وجهين:

أ. المعنى الذي تُحمل عليه النصوص هو أن المراد الدين المعتبر شرعًا وهو الإسلام، لأنه الدين الحق، فإذا ارتد المسلم: لم يُقبل منه إلّا الإسلام، بخلاف من بدَّل دينه الباطل إلى مثله؛ لأنهما متساويان في البطلان

(1)

.

ب. العموم في الحديث في المبدل وليس في التبديل.

وعلى تقدير التسليم، فهو متروك الظاهر اتفاقًا في الكافر، ولو أسلم فإنه يدخل في عموم الخبر، وليس مرادًا، بدليل أن سياق الحديث كان زجرًا عن تبديل الدين، ولا يكون الزجر عن ترك الكفر فتبين أن المراد هو الزجر عن ترك الإسلام فقط دون الكفر

(2)

.

الدليل الثالث: غير المسلم إذا تهوَّدَ أو تنصَّرَ، فقد انتقل إلى دين قد كان مُقرًّا ببطلانه، وبتركه الدين الأوّل قد أقرَّ ببطلانه، فلم يجُزْ أن يقرَّ على واحد من الدينين، لإقراره ببطلانهما، فلا تُقبَل الجزيةُ من أحد منهما كالمسلم إذا ارتدَّ

(3)

.

نوقِشَ: اليهودي إن تنصَّرَ أو العكس، لا يشابه المسلم إذا ارتدَّ؛ لأن الحكم في المسلم متعلِّقٌ بتركه الدين الحق، وهذا المعنى لا يوجد فيمن تهوَّدَ أو تنصَّرَ من أهل الكتاب

(4)

.

الدليل الرابع: القياس على الوثني إذا تهوَّدَ أو تنصَّرَ بعد البعثة، لم يُقرَّ على ذلك ولم تُقبَلْ منه الجزيةُ مع عدم مفارقته دين الحق

(5)

.

(1)

انظر: شرح الخرشي على مختصر خليل (8/ 69)، منح الجليل (9/ 226)، كفاية النبيه (13/ 223).

(2)

انظر: التجريد، للقدوري (4/ 4559)، فتح الباري، لابن حجر (12/ 272).

(3)

انظر: الحاوي (14/ 376)، النجم الوهاج (7/ 199)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (10/ 404)، الممتع، لابن المنجى (2/ 345).

(4)

انظر: التجريد، للقدوري (9/ 4560)، مغني المحتاج (4/ 317).

(5)

انظر: الحاوي (14/ 375).

ص: 472

نوقِشَ: لا يسلم بذلك، لأنه يصبح من أهل الكتاب، ويُقرُّ على ذلك

(1)

.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل: تُقبَل الجزيةُ ممن تهوَّدَ أو تنصَّرَ بعد البعثة، لا فرقَ بين ما قبل التبديل وبعده؛ وذلك لقوة هذا القول ووجاهة استدلاله، وورود المناقشات المضعفة لاستدلال القول المخالف.

(1)

انظر: التجريد، للقدوري (9/ 4560).

ص: 473

‌المطلب الثاني: لا فرق في أخذ الجزية ممن ولد بين كتابيين ومن ولد بين كتابي ووثني.

‌صورة المسألة:

إذا كان المقيم في بلاد المسلمين مولودًا بين أبوَينِ كتابيَّينِ أو أحدهما كتابيٌّ والآخر وثنيٌّ: فهل تُقبَلُ منه الجزيةُ؟

جاء في الشرح: "ومن تهوَّدَ أو تنصَّرَ بعد بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أو وُلِدَ بين أبوَين لا تُقبَلُ الجزيةُ من أحدهما، فعلى وجهين: أحدهما، أنه لا فرقَ بين من دخل في دينهم قبل تبديل كتابهم، أو بعده، ولا بين أن يكون ابن كتابيَّينِ، أو كتابيٍّ ووثنيٍّ"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

عموم قول الله عز وجل: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} الآية

(2)

.

‌حكم المسألة:

اختلف الفقهاء - رحمهم الله تعالى - في قبول الجزية ممن وُلِدَ بين أبوَينِ كتابيَّينِ ومن وُلِدَ بين أبوَيْنِ أحدهما كتابيٌّ والآخر وثنيٌّ، على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:

تُقبَلُ الجزيةُ ممن وُلِدَ بين أبوَينِ كتابيَّينِ أو أحدهما كتابيٌّ والآخر وثنيٌّ، وهو مذهب الحنفية

(3)

، والشافعية

(4)

، والحنابلة

(5)

.

القول الثاني:

(1)

(10/ 403).

(2)

انظر: المغني (9/ 332)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (10/ 403).

(3)

انظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص (4/ 338)، المبسوط، للسرخسي (11/ 246)، بدائع الصنائع (2/ 271).

(4)

انظر: الحاوي (14/ 312)، روضة الطالبين (7/ 142)، النجم الوهاج (9/ 393).

(5)

انظر: الكافي، لابن قدامة (4/ 171)، المغني (9/ 432)، الإنصاف (10/ 405).

ص: 474

تُقبَلُ الجزيةُ ممن وُلِدَ بين أبوَين كتابيَّينِ، ولا تُقبَلُ إذا كان أحدهما كتابيًّا والآخر وثنيًّا، وهو قول للحنابلة

(1)

.

القول الثالث:

الولد يتبع الأب في قبول الجزية، وهو مذهب المالكية

(2)

، وقول للشافعية

(3)

.

استدلَّ أصحاب القول الأوّل القائل - تُقبَلُ الجزيةُ ممن وُلِدَ بين أبوَينِ كتابيَّينِ أو أحدهما كتابيٌّ والآخر وثنيٌّ - بما يلي:

الدليل الأوّل: من وُلِدَ بين أبوَين أحدهما مسلم، أُلحِق الولد به في الدين، كذلك من وُلِدَ بين أبوَين أحدهما كتابيٌّ، فإن هذا الكتابي يؤمن بكتاب من كتب الله تعالى، فكان الولد تبعًا له في الدين تغليبًا لحقن الدم؛ وإذا تبعه في الدين قُبِلَتْ منه الجزيةُ مثله لأنه على دينه

(4)

.

الدليل الثاني: يثبت للكتابي بعض أحكام المسلمين، كالمناكحة وحِلِّ الذبيحة، فيثبت حكم الجزية لمن كان أبواه كتابيَّين أو أحدهما كتابيٌّ، كثبوت الإسلام له لو كان أحدهما مسلمًا

(5)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثاني القائل - تُقبَلُ الجزيةُ ممن وُلِدَ بين أبوَين كتابيَّينِ، ولا تُقبَلُ إذا كان أحدهما كتابيًّا والآخر وثنيًّا – بـ:

من وُلِدَ بينَ أبوَين أحدهما كتابيٌّ، تعارض فيه قبول الجزية وعدمه، فرُجع فيه إلى الأصل، كتغليب جانب التحريم في حِلِّ ذبيحته، لذا يغلب جانب الوثنية في حكم الجزية، فلا تقبل منه

(6)

.

نوقِشَ من وجهين:

(1)

انظر: الهداية، للكلوذاني (1/ 222)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (10/ 404).

(2)

انظر: المدونة (2/ 220)، الجامع لمسائل المدونة (9/ 385)، البيان والتحصيل (5/ 24)، الذخيرة (4/ 324).

(3)

انظر: الحاوي (14/ 312)، بحر المذهب (13/ 359).

(4)

انظر: التجريد، للقدوري (9/ 4562)، الكافي، لابن قدامة (4/ 171)، مغني المحتاج (6/ 63).

(5)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (4/ 338)، المبسوط، للسرخسي (11/ 247)، بدائع الصنائع (2/ 271).

(6)

انظر: الممتع، لابن المنجى (2/ 345)، المبدع (3/ 366)، دقائق أولي النهى (3/ 418).

ص: 475

أ. يترجح موجب التحريم عند المساواة؛ وهي منعدمة فيمن كان أحد أبويه كتابيًّا والآخر وثنيًّا، فيكون الولد تابعًا للكتابي منهما، فتُقبَل الجزيةُ منه

(1)

.

ب. لا يسلم بالقول بالتعارض والرجوع إلى الأصل، لأن هذا الاستدلال ينتقض بما لو أسلم أحد الأبوين

(2)

.

واستدلَّ أصحاب القول الثالث القائل - الولد يتبع الأب في قبول الجزية – بـ:

الأديان إنما تقوم بالنصرة، وهي بالرجال أليَقُ، لذا كانت تبعيّة من وُلِدَ بين أبوَين أحدهما كتابيٌّ والآخر وثنيٌّ، ترجع لأبيه

(3)

.

يمكن أن يناقَش: الكتابيّ أرجى إسلامًا؛ فيكون أولى باستتباع ولده في قبول الجزية منه

(4)

.

‌الترجيح:

بعد عرضِ الأقوال وأدلّتِها، يظهَرُ أن الراجح في المسألة - والله أعلم - هو القول الأوّل القائل: تُقبَل الجزيةُ ممن وُلِدَ بين أبوَينِ كتابيَّينِ أو أحدهما كتابيٌّ والآخر وثنيٌّ؛ وذلك لقوة هذا القول ووجاهة استدلاله؛ حيث لم يوجد دليل منصوص أو مستنبط من كتاب أو سُنّة يعارضه.

(1)

انظر: المبسوط، للسرخسي (11/ 247).

(2)

انظر: التجريد، للقدوري (9/ 4563).

(3)

انظر: الذخيرة (4/ 324).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 171).

ص: 476

‌المطلب الثالث: لا فرقَ في أخذ الجزية من أهل الكتاب بين كونهم عجمًا أو عربًا.

‌صورة المسألة:

هل يصح عقد الذمة لأهل الكتاب على أخذ الجزية منهم، سواء كانوا عربًا أم عجمًا؟

جاء في المغني: "ولا تُقبَل الجزيةُ إلّا من يهودي، أو نصراني، أو مجوسي، إذا كانوا مقيمين على ما عوهدوا عليه

ولا فرقَ بين كونهم عجمًا أو عربًا"

(1)

.

سبب الإلحاق وعدم التفريق في المسألة:

1 -

المعتبر في أخذ الجزية هو الكفر وليس النسب، والدين متحقّق في العرب والعجم

(2)

.

2 -

كل من جاز إقراره على كفره؛ جاز أخذ الجزية منه من غير فصل أو فرق

(3)

.

‌حكم المسألة:

1 -

اتَّفق الفقهاء - رحمهم الله تعالى - على قبول الجزية من المجوس

(4)

.

2 -

واتَّفقوا على قبولها من أهل الكتاب إذا كانوا عجمًا

(5)

.

3 -

واتَّفقوا على قبولها من أهل الكتاب إذا كانوا عربًا

(6)

(7)

.

(1)

(9/ 331).

(2)

انظر: الأم (7/ 390).

(3)

انظر: الحاوي (14/ 286).

(4)

انظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص (7/ 11)، بدائع الصنائع (7/ 110)، فتح القدير (6/ 48)، المعونة (1/ 449)، بداية المجتهد (2/ 166)، مواهب الجليل (3/ 381)، الحاوي (14/ 284)، نهاية المطلب (6/ 9)، النجم الوهاج (9/ 391)، الكافي، لابن قدامة (4/ 170)، المغني (9/ 431)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (10/ 398).

(5)

انظر: المراجع السابقة.

(6)

انظر: المراجع السابقة.

(7)

ونسب لأبي يوسف القول بعدم قبولها منهم. ذكره ابن قدامة في المغني، والماوردي في الحاوي، ولم أجد ذلك في كتب الحنفية، بل إن أبا يوسف ذكر في (الخراج) خلاف ما نسب إليه. انظر: الخراج، (1/ 79)، الحاوي (14/ 284)، المغني (9/ 431).

ص: 477

واستدلّوا بما يلي:

الدليل الأوّل: قال الله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ}

(1)

.

وجهُ الدَّلالة من الآية:

ورد اللفظ في الآية عامًّا يشمل كل كتابيٍّ، عربيًّا كان أو عجميًّا، فهم سواءٌ في حكم أخذ الجزية منهم

(2)

.

الدليل الثاني: بعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم خالدَ بنَ الوليدِ إلى أُكَيْدِرِ

(3)

دُومَةَ

(4)

، فأخَذوه، فأتوهُ به، فحقَنَ له دَمه، وصالَحه على الجِزية

(5)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديث:

أخذ النبي صلى الله عليه وسلم من أهل دومة الجندل الجزية، وكانوا من العرب، وفي هذا دلالة على جواز أخذها من العرب كجوازه من العجم

(6)

.

الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ نَجْرَانَ

(1)

سورة التوبة، الآية (29).

(2)

انظر: شرح مختصر الطحاوي (7/ 12)، تفسير البغوي (2/ 335)، المغني (9/ 431).

(3)

هو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن بن أعيا بن الحارث بن معاوية، وهو رجل من العرب كان نصرانيًّا، أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة، صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسلم، أسره خالد بن الوليد وقتله كافرًا. انظر: معالم السنن (3/ 36)، الإصابة (1/ 378).

(4)

دومة الجندل: حصن، وهو اسم موضع فاصل بين الشام والعراق على سبع مراحل من دمشق، وثلاث عشرة مرحلة من المدينة. عمدة القاري (4/ 97).

(5)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في أخذ الجزية، (3/ 166)، (3037). قال ابن الملقن في البدر المنير (9/ 185): "وفي هذا الإسناد عنعنة ابن إسحاق، وإنما حسّنا حديثه هذا؛ لأنه صرح بالتحديث في طريق آخر رواه البيهقي من حديثه

"، قال شعيب الأرناؤوط في تخريج شرح السنة (11/ 10 - 11): "رجاله ثقات، إلّا أن فيه تدليس ابن إسحاق"، وقال في رواية يزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر: "منقطع".

(6)

انظر: معالم السنن (3/ 36)، المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 447).

ص: 478

عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ

عَلَى أَنْ لَا تُهْدَمَ لَهُمْ بَيْعَةٌ، وَلَا يُخْرَجَ لَهُمْ قَسٌّ، وَلَا يُفْتَنُوا عَنْ دِينِهِمْ مَا لَمْ يُحْدِثُوا حَدَثًا، أَوْ يَأْكُلُوا الرِّبَا)

(1)

.

الدليل الرابع: عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ - يَعْنِي مُحْتَلِمًا - دِينَارًا)

(2)

.

وجهُ الدَّلالة من الحديثين:

دلَّتِ النصوص دَلالةً صريحة على جواز أخذ الجزية من أهل الكتاب إذا كانوا عربًا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذها من أهل نجران وفيهم عرب، ومن أهل اليمن وأكثرهم عرب

(3)

.

الدليل الخامس: كثيرًا من نصارى العرب ويهودهم في عصر الصحابة يقيمون بدار الإسلام، ولم تجُزْ إقامتهم إلّا بإقرارهم على الجزية؛ فثبت يقينًا جواز أخذ الجزية منهم مع كونهم من العرب

(4)

.

(1)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في أخذ الجزية (4/ 648)(3041). قال ابن الملقن في البدر المنير (9/ 195، 196): "إسماعيل هذا هو السدي الكبير، وفيه مقال. قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال ابن معين: في حديثه ضعف. وقال ابن مهدي: ضعيف. وذمه الشعبي في التفسير، ورماه بعضهم بالكذب، وبعضهم بالتشيع. وقال أحمد: هو ثقة. وقال ابن القطان: لا بأس به، ما رأيت أحدًا يذكره إلّا بخير، وما تركه أحد. وقال ابن عدي: هو عندي صدوق. وقال أبو زرعة: لين. قلت: وفيه علة وهي أن [في] سماع السدي من ابن عباس نظر

"، وقال ابن حجر في التلخيص (4/ 318): "وفي سماع السدي من ابن عباس نظر، لكن له شواهد".

(2)

رواه أبو داود في السنن، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في أخذ الجزية (4/ 646)(3038)، والترمذي في سننه، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة البقر (2/ 13)(623)، وقال:"حديث حسن"، وقال ابن عبد البر في التمهيد (2/ 130):"حديث صحيح".

(3)

انظر: الحاوي (14/ 286)، المغني (9/ 331).

(4)

انظر: المغني (9/ 332)، الشرح الكبير، لأبي الفرج (1/ 399).

ص: 479

‌الخاتمة

الحمدُ للهِ الذي بنعمتِه تتمُّ الصالحاتُ، الحمدُ للهِ على جزيلِ فضلِه وامتنانِه، بأنْ يسَّرَ إتمامَ هذا البحثِ، فيما يتعلَّقُ بـ (المسائل التي قيلَ فيها: لا فرقَ عند الحنابلة في العبادات)، ثم هذه إلماحاتٌ مجمَلةٌ، لأبرزِ ما دُوِّنَ فيه من نتائجَ:

1 -

معنى (نفي الفارق): أن يبيِّن المجتهد أن الفرع لم يفارق الأصل، إلّا فيما لا يؤثِّر بما يلزم اشتراكهما في المؤثر.

2 -

نفي الفارق حُجَّةٌ بدليل:

• أن القياس المعتبر شرعًا وهو حُجّة عند أهل العلم، يشمل نفي الفارق، لأنه عبارة عن إلحاق فرع بأصل في الحكم، لعدم وجود فارقٍ بينهما.

• اعتبر كثير من الأصوليين القياس بنفي الفارق أحد أقسام القياس.

• اعتبر المحقِّقون من أهل العلم - كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم - أن القياس بنفي الفارق من القياس الصحيح، ولا شكَّ أن الصحيح هو الذي يُحتجُّ به، بخلاف الفاسد.

3 -

للفروق الفقهية فوائد عدة، ومن تلك الفوائد:

• الفروق الفقهية هي عمدة الفقه، فلا يكون الفقيه فقيهًا إلّا إذا كان على علم بما اجتمع، وما افترق.

• علم الفروق الفقهية يوقِفُ صاحبه على كيفية الجمع بين المتّفق، والتفريق بين المختلف.

• علم الفروق الفقهية يمكِّنُ المجتهدَ من التبصُّر في دين الله - جلَّ وعلا -، وكيفية استنباط الأحكام، وبه يأمن اللبس فيها.

• الفروق الفقهية تشحذ الذهن، وتنشّطه، وتنمّي الذكاء.

4 -

قصد إلقاء التراب في الماء لا يسلبه الطهورية، على الراجح، والله أعلم.

5 -

يعفى عن يسير النجاسة ممّا لا يدركه الطرف، على الراجح، والله أعلم.

ص: 480

6 -

ماء البئر إن تغيَّر بالبول نجسٌ، وإلّا فلا، سواء أكان قليلًا أو كثيرًا، على الراجح، والله أعلم.

7 -

لعاب الكلب نجس، وسائر أجزائه طاهرة، على الراجح، والله أعلم.

8 -

شعر الحيوان طاهر - مطلقًا -، حيًّا كان أو ميتًا، على الراجح، والله أعلم.

9 -

يُجزئ الاستجمار بحجر كبير ذي ثلاث شعب، على الراجح، والله أعلم.

10 -

غسل اليدين قبل الوضوء سنة - مطلقًا - للقائم من النوم، سواءً أكانت يده مطلقة أو مشدودة، أو في جراب، أو النائم عليه سراويله، على الراجح، والله أعلم.

11 -

يجوز للمستحاضة ومن به سلس بول المسح على الخفين - مطلقًا - كغيرهما ممن لا عذر له، والله أعلم.

12 -

أن الخارج من غير السبيلَين، إن كان غائطًا أو بولًا، فهو ناقض للوضوء، لا فرقَ في ذلك بين القليل والكثير اتّفاقًا.

13 -

مس الذكر ينقض الوضوء إن كان بشهوة، على الراجح، والله أعلم.

14 -

أكل لحم الجزور ينقض الوضوء، قليلًا كان أو كثيرًا، نيئًا أو مطبوخًا، على الراجح، والله أعلم.

15 -

يصحُّ غسل من انقطع حيضها ونفاسها، لا فرقَ بين أن تنوي الوطء أو حله، على الراجح، والله أعلم.

16 -

يجوز التيمُّم في سفر المعصية، على الراجح، والله أعلم.

17 -

لا يجب التيمُّم مع مسح الجبيرة أو العِصابة، على الراجح، والله أعلم.

18 -

يُستباح بالتيمُّم الفريضة، ومثلها، وما هو دونها، ما دام في الوقت، على الراجح، والله أعلم.

19 -

لا يبطل التيمم بخلع العمامة أو الخف، سواء أكان مسح عليهما قبل التيمم أو لا، على الراجح، والله أعلم.

20 -

يُجزئ دلكُ أسفل الخفّ أو الحذاء بالأرض - مطلقًا - حتى تزول عين النجاسة رطبةً كانت أو يابسة، على الراجح، والله أعلم.

21 -

لا تطهُرُ الخمر ولا تَحِلُّ إذا كان التخليل بفعل الآدميّ، على الراجح، والله أعلم.

ص: 481

22 -

لا ينجُسُ الآدميّ بالموت مسلمًا كان أو كافرًا، على الراجح، والله أعلم.

23 -

يعتبر الطهر فاصلًا، ويُضَم الدم إلى الدم بجمع أيامه دون أيام الطهر، سواء كان قدر النقاء أكثر من قدر الدم أو مثله أو أقل منه، على الراجح، والله أعلم.

24 -

لا حدَّ لسنِّ اليأس، على الراجح، والله أعلم.

25 -

يجوز الاستمتاع بالحائض فيما دون الإزار - مطلقًا -، على الراجح، والله أعلم.

26 -

صحة أذان العبد والأعمى إذا توفَّرت فيهم الصفات المستحبُّ توفُّرها في المؤذِّن اتفاقًا.

27 -

يستحبُّ الإبراد بصلاة الظهر في البلاد الحارة فقط، على الراجح، والله أعلم.

28 -

لا تبطل الصلاة بانكشاف اليسير من العورة - مطلقًا -، لا فرق بين الفرجين وغيرهما، على الراجح، والله أعلم.

29 -

وجوب ستر العورة بين الناس - مطلقًا -، لا فرقَ بين الظلمة أو غيرها اتّفاقًا.

30 -

يصلي العريان قائمًا أو قاعدًا - اختيارًا -، يومئ بالركوع والسجود، على الراجح، والله أعلم.

31 -

لا تصحُّ الصلاة في المقبرة - مطلقًا - قديمة كانت أو حديثة، على الراجح، والله أعلم.

32 -

لا تصحُّ الصلاة في الحمّام - مطلقًا -، على الراجح، والله أعلم.

33 -

تصحُّ الصلاة في المجزرة والمزبلة إن تحقَّقت طهارتهما، على الراجح، والله أعلم.

34 -

تصح الصلاة في الأرض المغصوبة - مطلقًا -، لا فرق بين مغصوبة المنفعة أو الرقبة، على الراجح، والله أعلم.

35 -

يُعفى عن قليل النجاسة دون كثيرها، وتصحُّ معه الصلاة، على الراجح، والله أعلم.

36 -

قليل الدم إذا أصاب مواضع متعددة من الثوب، فبلغ بمجموعه حدَّ الكثير فإنه يأخذ حكمه، لا فرقَ بين كون الدم متفرِّقًا أو مجتمعًا اتّفاقًا.

37 -

البلغم الصاعد من الصدر طاهرٌ، ولا يؤثر في صحة الصلاة، على الراجح، والله أعلم.

38 -

تصحُّ الصلاة ولا تجبُ إعادتها - مطلقًا - على من صلَّى بالاجتهاد إلى جهة ظنًّا أنها القِبلة

ص: 482

ثم تيقَّنَ الخطأ، على الراجح، والله أعلم.

39 -

استحباب الجهر بالتكبير في الصلاة للإمام والمبلغ، واستحباب الإسرار بالتكبير في الصلاة للمأموم والمنفرد - مطلقًا - ولا يُجزئ في ذلك أقل من أن يسمع نفسه اتّفاقًا.

40 -

يخير المنفرد بين الجهر بالقراءة والإسرار بها، لا فرق بين الأداء والقضاء، على الراجح، والله أعلم.

41 -

لايجب كشف الجبهة واليدين في السجود - مطلقًا -، على الراجح، والله أعلم.

42 -

تصح صلاة من صلى الحاضرة ناسيًا للفائتة حتى أتم الحاضرة -سواء سبق منه ذكر للفائتة أو لا- ولا تجب الإعادة، على الراجح، والله أعلم.

43 -

يسقط الترتيب مع خشية فوات الوقت سواء أكانت الحاضرة جمعة أو غيرها، على الراجح، والله أعلم.

44 -

تبطُل صلاة المسبوق إذا قام لقضاء ما فاته قبل التسليمة الثانية للإمام بلا عذرٌ - لم يرجع -، على الراجح، والله أعلم.

45 -

لا تبطُل الصلاة بالبكاء من غير خشية الله - إذا بان منه حرفان - وغلب على صاحبه، على الراجح، والله أعلم.

46 -

تبطُل الصلاة بمرور المرأة والحمار - مطلقًا -، على الراجح، والله أعلم.

47 -

محل سجود السهو قبل السلام إلّا في موضعين، على الراجح، والله أعلم.

48 -

تبطل الصلاة بالفعل الكثير - من غير جنسها - سهوًا، على الراجح، والله أعلم.

49 -

مشروعية سجود السهو في الفريضة والنافلة اتّفاقًا.

50 -

لا يجوز التطوُّع في أوقات النهي بمكة المكرمة، على الراجح، والله أعلم.

51 -

جواز صلاة التطوُّع وقت زوال الشمس يوم الجمعة، على الراجح، والله أعلم.

52 -

عدم صحة ائتمام من سمع التكبير وهو خارج المسجد ولم تتصل الصفوف، على الراجح، والله أعلم.

ص: 483

53 -

لا تُكره الصلاة إلى النائم والمتحدث في الفرض والنفل، على الراجح، والله أعلم.

54 -

لا تصحُّ إمامة المرأة والخنثى بالرجال في التراويح، على الراجح، والله أعلم.

55 -

يكره للإمام أن يقف أعلى من المأموم إذا كان الارتفاع كثيرًا لا فرق بين قصد التعليم وعدمه، على الراجح، والله أعلم.

56 -

يجوز للمسافر الجمع بين الصلاتين، سواء أكان نازلًا أم سائرًا، على الراجح، والله أعلم.

57 -

تجوز صلاة الخوف للهارب من عدوٍّ ونحوه حضرًا، على الراجح، والله أعلم.

58 -

يُستحبُّ التعجيل بإقامة الجمعة في شدة الحرِّ وغيره، على الراجح، والله أعلم.

59 -

تتعلَّق أحكام الجمعة بالأذان بعد جلوس الأمام على المنبر - مطلقًا -، على الراجح، والله أعلم.

60 -

يجب الإنصات للخطيب حالَ الخطبة على القريب والبعيد، على الراجح، والله أعلم.

61 -

تلزم الجمعة من كان خارج المصر ويسمع النداء، على الراجح، والله أعلم.

62 -

إذا أدرك المسبوق إمامه في صلاة العيد قبل السلام، صلَّى العيد ركعتَين، على الراجح، والله أعلم.

63 -

لا يضمن الإمام الزكاة إذا تسلفها من غير مسألة وتلفت في يده، بغير تعدٍّ ولا تفريطٍ، على الراجح، والله أعلم.

64 -

تجب الزكاة في الحِليِّ المباح المعدِّ للاستعمال؛ سواءً كان مالكه رجلًا أو امرأة، على الراجح، والله أعلم.

65 -

تجب الزكاة في عروض التجارة المملوكة بغير عوض، على الراجح، والله أعلم.

66 -

لا يلزم إخراج زكاة الدَّين حتى يقبض، سواء أكان حالًا أو مؤجّلًا، على الراجح، والله أعلم.

67 -

تجب الزكاة في صداق المرأة من حين العقد - إذا حال عليه الحول - ولو لم تقبضه، لا فرق بين ما قبل الدخول وبعده، على الراجح، والله أعلم.

68 -

يفسُد الصوم بتعمد استدعاء القيء إذا كان قليلًا، على الراجح، والله أعلم.

ص: 484

69 -

تجب الكفارة على من جامع في دُبُر بنهار رمضان من ذكر وأنثى، على الراجح، والله أعلم.

70 -

يباح التتابع والتفريق في صوم ستة أيام من شوال، على الراجح، والله أعلم.

71 -

يجوز للمكاتَب أن يعتكف بغير إذن سيِّده سواء كان اعتكافه واجبًا أو غير واجب، على الراجح، والله أعلم.

72 -

أهل مكة ومن أقام بها من غير أهلها؛ يُهِلّون بالعمرة والحج من مكة اتّفاقًا.

73 -

يجوز للمُحرِم أن يتطيَّب قبل الإحرام في بدنه بما يبقى أثره، على الراجح، والله أعلم.

74 -

يباح للمُحرِم قتل القمل وإزالته - مطلقًا -، على الراجح، والله أعلم.

75 -

وجوب الفدية على المحرِم إذا حلق شعره، أو قصّه، أو أزاله بالنورة ونحوها، اتفاقًا.

76 -

لا تجب الفدية على المحرِم إذا حلق رأسه ناسيًا، على الراجح، والله أعلم.

77 -

يَفسُد الحج بالجماع في الدُّبُر، على الراجح، والله أعلم.

78 -

يَفسُد الحج بجماع البهيمة، على الراجح، والله أعلم.

79 -

يَفسُد الحج بالجماع بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلُّل الأوّل، على الراجح، والله أعلم.

80 -

لا يَفسُد حج من جامعَ بعد رمي جمرة العقبة ولم يحلق، على الراجح، والله أعلم.

81 -

لا يضمن الدالُّ على الصيدِ - مطلقًا -، على الراجح، والله أعلم.

82 -

لا يجوز التحلُّل بالحصر الخاصّ - حبسًا - إذا كان بحق، على الراجح، والله أعلم.

83 -

لا يجب على من أخَّر الحلق حتى مضت أيام التشريق دمٌ سواء كان التأخير قليلًا أو كثيرًا عمدًا أو سهوًا، على الراجح، والله أعلم.

84 -

يجوز رمي جمرة العقبة بعد منتصف ليلة النحر، على الراجح، والله أعلم.

85 -

يجب على من ترك المبيت بمنًى ليالي أيام التشريق بلا عذر الدمُ لا فرق بين ترك ليلة أو أكثر، على الراجح، والله أعلم.

86 -

لا يجب على من أخَّرَ صيام الثلاثة أيام التي في الحج دمٌ سواء كان تأخيره لعذر أو لغير عذر،

ص: 485

على الراجح، والله أعلم.

87 -

يجب الهديُ على من فاته الوقوف بعرفة، على الراجح، والله أعلم.

88 -

يتبع ولدُ الهدي أُمَّه في وجوب الذبح إذا ثبت في الذمة بدلًا عن واجب، على الراجح، والله أعلم.

89 -

وقت التضحية لأهل المصر بعد صلاة العيد، ولأهل القرى قدر الصلاة بعد ارتفاع الشمس، على الراجح، والله أعلم.

90 -

تُقبَل الجزيةُ ممن تهوَّدَ أو تنصَّرَ بعد البعثة، لا فرقَ بين ما قبل التبديل وبعده، على الراجح، والله أعلم.

91 -

تُقبَل الجزيةُ ممن وُلِدَ بين أبوَين كتابيَّينِ أو أحدهما كتابيٌّ والآخر وثنيٌّ، على الراجح، والله أعلم.

92 -

قبول الجزية من أهل الكتاب إذا كانوا عجمًا أو عربًا اتّفاقًا.

وختامًا، فما أجْمَلَ ما قالَه عبد الرحيم البيسانيّ، فيما كتبَ إلى عماد الدين الأصفهاني - رحِمَهُما اللهُ -:"إنّي رأيتُ أنَّه لا يكتُبُ إنسانٌ كتابًا في يومِه إلّا قال في غدِه: لو زِيدَ هذا لكانَ أحسن، ولو حُذِفَ هذا لكانَ يُستَحْسَن، وهذا من أعظمِ العِبَرِ، ودليلٌ على استيلاءِ النقصِ على جملةِ البشرِ"!

هذا ما تيسَّرَ جمعُه وإعدادُه، فما كانَ فيه صوابًا فمِنَ اللهِ، وما كانَ فيه من خَطأٍ فمِنْ نَفْسي والشيطانِ، وأستغْفِرُ اللهَ.

وصلِّ اللهُمَّ وسلِّمْ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصَحْبِه أجمعين.

ص: 486

فهرس‌

‌ المصادر والمراجع

1.

القرآن الكريم.

2.

الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير، الحسين بن إبراهيم بن الحسين بن جعفر، أبو عبد الله الهمذاني الجورقاني، تحقيق وتعليق: الدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، الطبعة الرابعة، دار الصميعي للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية، 1422 هـ - 2002 م.

3.

إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: مركز خدمة السنة والسيرة، بإشراف د. زهير بن ناصر الناصر (راجعه ووحد منهج التعليق والإخراج)، الطبعة الأولى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف (بالمدينة) - ومركز خدمة السنة والسيرة النبوية (بالمدينة)، 1415 هـ - 1994 م.

4.

الإجماع، أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، المحقق: فؤاد عبد المنعم أحمد، دار المسلم للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1425 هـ/ 2004 م.

5.

الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي، ترتيب: الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1408 هـ - 1988 م.

6.

إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام، ابن دقيق العيد، الناشر: مطبعة السنة المحمدية، بدون طبعة وبدون تاريخ.

7.

الأحكام السلطانية للفراء، القاضي أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء، صححه وعلق عليه: محمد حامد الفقي، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان، 1421 هـ - 2000 م.

8.

أحكام القرآن الكريم، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي، تحقيق: الدكتور سعد الدين أونال، الطبعة الأولى، مركز

ص: 487

البحوث الإسلامية التابع لوقف الديانة التركي، استانبول، 1416 هـ - 1995 م.

9.

أحكام القرآن، أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي، المحقق: عبد السلام محمد علي شاهين، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، 1415 هـ/ 1994 م.

10.

أحكام القرآن، محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا، الطبعة الثالثة، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1424 هـ - 2003 م.

11.

أحكام أهل الذمة، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية، المحقق: يوسف بن أحمد البكري - شاكر بن توفيق العاروري، الطبعة الأولى، الناشر: رمادى للنشر – الدمام، 1418 – 1997.

12.

الإحكام في أصول الأحكام، أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي، المحقق: عبد الرزاق عفيفي، بدون طبعة، المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- لبنان.

13.

اختلاف الحديث (مطبوع ملحقا بالأم للشافعي)، الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي، دار المعرفة – بيروت، 1410 هـ/ 1990 م.

14.

الاختيار لتعليل المختار، عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي البلدحي، مجد الدين أبو الفضل الحنفي، مطبعة الحلبي - القاهرة، 1356 هـ - 1937 م.

15.

آداب الزفاف في السنة المطهرة، أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني، الطبعة الشرعية الوحدية، دار السلام، 1423 هـ/ 2002 مـ.

16.

إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، أحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري، أبو العباس، شهاب الدين، الطبعة السابعة، المطبعة الكبرى الأميرية، مصر، 1323 هـ.

17.

إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله

ص: 488

الشوكاني اليمني، المحقق: الشيخ أحمد عزو عناية، دمشق - كفر بطنا، قدم له: الشيخ خليل الميس والدكتور ولي الدين صالح فرفور، الطبعة الأولى، دار الكتاب العربي، 1419 هـ - 1999 م.

18.

الإرشاد إلى سبيل الرشاد، محمد بن أحمد بن أبي موسى الشريف، أبو علي الهاشمي البغدادي، المحقق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، 1419 هـ - 1998 م.

19.

إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، إشراف: زهير الشاويش، الطبعة الثانية، المكتب الإسلامي – بيروت، 1405 هـ - 1985 م.

20.

الاستذكار، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية – بيروت، 1421 – 2000.

21.

الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، المحقق: علي محمد البجاوي، الطبعة الأولى، دار الجيل، بيروت، 1412 هـ - 1992 م.

22.

أسنى المطالب في شرح روض الطالب، زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري، زين الدين أبو يحيى السنيكي، بدون طبعة وبدون تاريخ، الناشر: دار الكتاب الإسلامي.

23.

الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِيْ حَنِيْفَةَ النُّعْمَانِ، زين الدين بن إبراهيم بن محمد، المعروف بابن نجيم المصري، وضع حواشيه وخرج أحاديثه: الشيخ زكريا عميرات، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1419 هـ - 1999 م.

24.

الأشباه والنظائر، تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي، الطبعة الأولى، الناشر: دار الكتب العلمية، 1411 هـ- 1991 م.

25.

الإشراف على نكت مسائل الخلاف، القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي، المحقق: الحبيب بن طاهر، الطبعة الأولى، دار ابن حزم، 1420 هـ - 1999 م.

ص: 489

26.

الإصابة في تمييز الصحابة، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية – بيروت، 1415 هـ.

27.

الاصطلام في الخلاف بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة، أبو المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد المروزى السمعاني التميمي الحنفي ثم الشافعي، المحقق: د. نايف بن نافع العمري، الطبعة الأولى، دار المنار للطبع والنشر والتوزيع، 1412 هـ - 1992 م.

28.

الأصل المعروف بالمبسوط، أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، المحقق: أبو الوفا الأفغاني، الناشر: إدارة القرآن والعلوم الإسلامية – كراتشي.

29.

اعتقاد أئمة الحديث، أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس بن مرداس الإسماعيلي الجرجاني، المحقق: محمد بن عبد الرحمن الخميس، الطبعة الأولى، الناشر: دار العاصمة – الرياض، 1412 هـ.

30.

أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري)، أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي، المحقق: د. محمد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود، الطبعة الأولى، جامعة أم القرى (مركز البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي)، 1409 هـ - 1988 م.

31.

إعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية – ييروت، 1411 هـ - 1991 م.

32.

الإعلام بسنته عليه السلام، مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري المصري الحكري الحنفي، أبو عبد الله، علاء الدين، المحقق: كامل عويضة، الطبعة الأولى، مكتبة نزار مصطفى الباز - المملكة العربية السعودية، 1419 هـ - 1999 م.

33.

الأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي، الطبعة الخامسة عشر، دار العلم للملايين، 2002 م.

34.

الإفصاح عن معاني الصحاح، يحيى بن (هُبَيْرَة بن) محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ، أبو المظفر، عون الدين، المحقق: فؤاد عبد المنعم أحمد، دار الوطن، 1417 هـ.

ص: 490

35.

إكمال المعلم بفوائد مسلم، عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل، المحقق: الدكتور يحْيَى إِسْمَاعِيل، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، ط 1، 1419 هـ - 1998 م.

36.

إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال، مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري المصري الحكري الحنفي، أبو عبد الله، علاء الدين، المحقق: أبو عبد الرحمن عادل بن محمد - أبو محمد أسامة بن إبراهيم، الطبعة الأولى، الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، 1422 هـ- 2001 م.

37.

الإلمام بأحاديث الأحكام، محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري، المعروف بابن دقيق العيد، المحقق: حقق نصوصه وخرح أحاديثه حسين إسماعيل الجمل، الطبعة الثانية، دار المعراج الدولية لبنان – بيروت، 1423 هـ -2002 م.

38.

الأم، الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي، بدون طبعة، دار المعرفة – بيروت، 1410 هـ/ 1990 م.

39.

الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (المطبوع مع المقنع والشرح الكبير)، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد المَرْداوي، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي - الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، الطبعة الأولى، الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة - جمهورية مصر العربية، 1415 هـ - 1995 م.

40.

الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، تحقيق: أبو حماد صغير أحمد بن محمد حنيف، الطبعة الأولى، الناشر: دار طيبة - الرياض – السعودية، 1405 هـ، 1985 م.

41.

الإيجاز في شرح سنن أبي داود السجستاني رحمه الله تعالى، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، قدم له وعلق عليه وخرج أحاديثه: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الطبعة الأولى، الدار الأثرية، عمان – الأردن، 1428 هـ - 2007 م.

ص: 491

42.

البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن إبراهيم بن محمد، المعروف بابن نجيم المصري، الطبعة الثانية، دار الكتاب الإسلامي.

43.

البحر المحيط في أصول الفقه، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، الطبعة الأولى،: دار الكتبي، 1414 هـ - 1994 م.

44.

بحر المذهب، الروياني، أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل، المحقق: طارق فتحي السيد، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، 2009 م.

45.

بداية المجتهد ونهاية المقتصد، أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد، بدون طبعة، دار الحديث – القاهرة، 1425 هـ - 2004 م.

46.

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين، أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، 1406 هـ - 1986 م.

47.

البدرُ التمام شرح بلوغ المرام، الحسين بن محمد بن سعيد اللاعيّ، المعروف بالمَغرِبي، المحقق: علي بن عبد الله الزبن، الطبعة الأولى، دار هجر، 1414 هـ - 1994 م.

48.

البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير، ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري، المحقق: مصطفى أبو الغيط وعبد الله بن سليمان وياسر بن كمال، الطبعة الأولى، دار الهجرة للنشر والتوزيع - الرياض-السعودية، 1425 هـ-2004 م.

49.

بلغة السالك لأقرب المسالك المعروف بحاشية الصاوي على الشرح الصغير (الشرح الصغير هو شرح الشيخ الدردير لكتابه المسمى أقرب المسالك لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ)، أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي، الشهير بالصاوي المالكي، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار المعارف، «الشرح الصغير للشيخ الدردير لكتابه أقرب المسالك» بأعلى الصفحة يليه - مفصولا بفاصل - «حاشية الصاوي» عليه.

50.

بلوغ المرام من أدلة الأحكام، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني)، المحقق: الدكتور ماهر ياسين الفحل، الطبعة الأولى، الناشر: دار القبس للنشر

ص: 492

والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية، 1435 هـ - 2014 م.

51.

البناية شرح الهداية، محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان، 1420 هـ - 2000 م.

52.

البيان في مذهب الإمام الشافعي، أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني الشافعي، المحقق: قاسم محمد النوري، الطبعة الأولى، دار المنهاج – جدة، 1421 هـ- 2000 م.

53.

البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، حققه: د محمد حجي وآخرون، الطبعة الثانية، دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان، 1408 هـ - 1988 م.

54.

تاج العروس من جواهر القاموس، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي، المحقق: مجموعة من المحققين، بدون طبعة ودون تاريخ، دار الهداية.

55.

التاج والإكليل لمختصر خليل، محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري الغرناطي، أبو عبد الله المواق المالكي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، 1416 هـ-1994 م.

56.

التاريخ الكبير، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله، الطبعة: دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد – الدكن، طبع تحت مراقبة: محمد عبد المعيد خان.

57.

تاريخ بغداد، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، المحقق: الدكتور بشار عواد معروف، الطبعة الأولى، دار الغرب الإسلامي – بيروت، 1422 هـ - 2002 م.

58.

التبصرة، علي بن محمد الربعي، أبو الحسن، المعروف باللخمي، دراسة وتحقيق: الدكتور أحمد عبد الكريم نجيب، الطبعة الأولى، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 1432 هـ - 2011 م.

59.

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ، عثمان بن علي بن محجن البارعي، فخر الدين الزيلعي الحنفي، الحاشية: شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن يونس بن إسماعيل

ص: 493

بن يونس الشِّلْبِيُّ، الطبعة الأولى، المطبعة الكبرى الأميرية - بولاق، القاهرة، 1313 هـ.

60.

تجريد الأسماء والكنى المذكورة في كتاب المتفق والمفترق للخطيب البغدادي، عُبَيْد الله بن علي بن محمد بن محمد بن الحسين ابن الفرّاء، أبو القاسم بن أبي الفرج بن أَبِي خازم ابْن القاضي أَبِي يَعْلَى البغدادي، الحنبلي، دراسة وتحقيق: د. شادي بن محمد بن سالم آل نعمان، الطبعة الأولى، مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة، اليمن، 1432 هـ - 2011 م.

61.

التجريد للقدوري، أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان أبو الحسين القدوري، المحقق: مركز الدراسات الفقهية والاقتصادية، أ. د محمد أحمد سراج

أ. د علي جمعة محمد، الطبعة الثانية، دار السلام – القاهرة، 1427 هـ - 2006 م.

62.

التحبير شرح التحرير في أصول الفقه، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي، المحقق: د. عبد الرحمن الجبرين، د. عوض القرني، د. أحمد السراح، الطبعة الأولى، مكتبة الرشد - السعودية/ الرياض، 1421 هـ - 2000 م.

63.

التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير، محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، أبو إبراهيم، عز الدين، المعروف كأسلافه بالأمير، حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه وضبط نصه: محَمَّد صُبْحي بن حَسَن حَلّاق أبو مصعب، الطبعة الأولى، الناشر: مَكتَبَةُ الرُّشد، الرياض - المملكة الْعَرَبيَّة السعودية، 1433 هـ - 2012 م.

64.

التحجيل في تخريج ما لم يخرج من الأحاديث والآثار في إرواء الغليل، عبد العزيز بن مرزوق الطّريفي، الطبعة الأولى، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الرياض، 1422 هـ - 2001 م.

65.

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفورى، بدون طبعة ودون تاريخ، دار الكتب العلمية – بيروت.

66.

تحفة الفقهاء، محمد بن أحمد بن أبي أحمد، أبو بكر علاء الدين السمرقندي، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1414 هـ - 1994 م.

67.

تحفة المحتاج في شرح المنهاج، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، روجعت وصححت: على عدة نسخ بمعرفة لجنة من العلماء، بدون طبعة، المكتبة التجارية الكبرى بمصر لصاحبها مصطفى محمد، 1357 هـ - 1983 م.

ص: 494

68.

التحقيق في أحاديث الخلاف، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، المحقق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية – بيروت، 1415 هـ.

69.

تدريب المبتدي وتهذيب المنتهي، سراج الدين أبي حفص عمر بن رسلان البلقيني الشافعي، حققه وعلق عليه: أبو يعقوب نشأت بن كمال المصري، الطبعة الأولى، دار القبلتين، الرياض - المملكة العربية السعودية، 1433 هـ - 2012 م.

70.

تذكرة الحفاظ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، الطبعة الأولى، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت-لبنان، 1419 هـ- 1998 م.

71.

التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة، أبو يعلى الفراء محمد بن الحسين بن محمد بن خلف البغدادي الحنبلي، المحقق: محمد بن فهد بن عبد العزيز الفريح، الطبعة الأولى، دار النوادر، دمشق – سوريا، 1435 هـ - 2014 م.

72.

التعليق الممجد على موطأ محمد، محمد عبد الحي بن محمد عبد الحليم الأنصاري اللكنوي الهندي، أبو الحسنات، تعليق وتحقيق: تقي الدين الندوي أستاذ الحديث الشريف بجامعة الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الرابعة، دار القلم، دمشق، 1426 هـ - 2005 م.

73.

التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان وتمييز سقيمه من صحيحه، وشاذه من محفوظه، مؤلف الأصل: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي، ترتيب: الأمير أبو الحسن علي بن بلبان بن عبد الله، علاء الدين الفارسي الحنفي، مؤلف التعليقات الحسان: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني، الطبعة الأولى، دار با وزير للنشر والتوزيع، جدة - المملكة العربية السعودية، 1424 هـ - 2003 م.

74.

التعليقة للقاضي حسين، القاضي أبو محمد (وأبو علي) الحسين بن محمد بن أحمد المَرْوَرُّوْذِيّ، المحقق: علي محمد معوض - عادل أحمد عبد الموجود، بدون طبعة ودون تاريخ، مكتبة نزار مصطفى الباز - مكة المكرمة.

ص: 495

75.

التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس رحمه الله، عبيد الله بن الحسين بن الحسن أبو القاسم ابن الجَلَّاب المالكي، المحقق: سيد كسروي حسن، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1428 هـ - 2007 م.

76.

تفسير الإمام الشافعي، الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي، جمع وتحقيق ودراسة: د. أحمد بن مصطفى الفرَّان، الطبعة الأولى، دار التدمرية - المملكة العربية السعودية، 1427 - 2006 م.

77.

التَّفْسِيرُ البَسِيْط، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي، المحقق: أصل تحقيقه في (15) رسالة دكتوراة بجامعة الإمام محمد بن سعود، ثم قامت لجنة علمية من الجامعة بسبكه وتنسيقه، الطبعة الأولى، عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1430 هـ.

78.

تقريب التهذيب، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني)، المحقق: محمد عوامة، الطبعة الأولى، الناشر: دار الرشيد – سوريا، 1406 هـ – 1986 م.

79.

التقريب والإرشاد (الصغير)، محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم، القاضي أبو بكر الباقلاني المالكي، المحقق: د. عبد الحميد بن علي أبو زنيد، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة، 1418 هـ - 1998 م.

80.

التقرير والتحبير، أبو عبد الله، شمس الدين محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن أمير حاج ويقال له ابن الموقت الحنفي، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، 1403 هـ - 1983 م.

81.

التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، 1419 هـ. 1989 م.

82.

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب، 1387 هـ.

83.

التنبيه على مبادئ التوجيه، إبراهيم بن عبد الصمد بن بشير التنوخي المهدوي، المحقق:

ص: 496

الدكتور محمد بلحسان، الطبعة الأولى، دار ابن حزم، بيروت – لبنان، 1428 هـ - 2007 م.

84.

التنبيه في الفقه الشافعي، أبو اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي، إعداد: مركز الخدمات والأبحاث الثقافية، الناشر: الطبعة الأولى، عالم الكتب، بيروت، 1403 هـ - 1983 م.

85.

تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، المحقق: مصطفى أبو الغيط عبد الحي عجيب، الطبعة الأولى، دار الوطن – الرياض، 1421 هـ - 2000 م.

86.

تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي، تحقيق: سامي بن محمد بن جاد الله وعبد العزيز بن ناصر الخباني، الطبعة الأولى، أضواء السلف – الرياض، 1428 هـ - 2007 م.

87.

التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ، محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، أبو إبراهيم، عز الدين، المعروف كأسلافه بالأمير، المحقق: د. محمَّد إسحاق محمَّد إبراهيم، الطبعة الأولى، مكتبة دار السلام، الرياض، 1432 هـ - 2011 م.

88.

تهذيب اللغة، محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور، المحقق: محمد عوض مرعب، الطبعة الأولى، دار إحياء التراث العربي – بيروت، 2001 م.

89.

التهذيب في فقه الإمام الشافعي، محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي، المحقق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، 1418 هـ - 1997 م.

90.

التوضيح في شرح المختصر الفرعي لابن الحاجب، خليل بن إسحاق بن موسى، ضياء الدين الجندي المالكي المصري، المحقق: د. أحمد بن عبد الكريم نجيب، الطبعة الأولى، مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، 1429 هـ - 2008 م.

91.

التوضيح لشرح الجامع الصحيح، ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري، المحقق: دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، الطبعة الأولى، دار

ص: 497

النوادر، دمشق – سوريا، 1429 هـ - 2008 م.

92.

تيسير التحرير، محمد أمين بن محمود البخاري المعروف بأمير بادشاه الحنفي، مصطفى البابي الْحلَبِي – مصر، 1351 هـ - 1932 م.

93.

تيسير مسائل الفقه، شرح الروض المربع وتنزيل الأحكام على قواعدها الأصولية وبيان مقاصدها ومصالحها وأسرارها وأسباب الاختلاف فيها، عبدالكريم بن علي بن محمد النملة، الطبعة الأولى، مكتبة الرشد، الرياض، 1426 هـ – 2005 م.

94.

الثقات، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي، طبع بإعانة: وزارة المعارف للحكومة العالية الهندية، تحت مراقبة: الدكتور محمد عبد المعيد خان مدير دائرة المعارف العثمانية، الطبعة الأولى، دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند، 1393 هـ- 1973 م.

95.

الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، صالح بن عبد السميع الآبي الأزهري، المكتبة الثقافية – بيروت.

96.

جامع الأصول في أحاديث الرسول، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، الطبعة الأولى، مكتبة الحلواني.

97.

جامع الأمهات، عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، أبو عمرو جمال الدين ابن الحاجب الكردي المالكي، المحقق: أبو عبد الرحمن الأخضر الأخضري، الطبعة الأولى، اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع، 1421 هـ - 2000 م.

98.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، 1422 هـ - 2001 م.

99.

الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، صهيب عبد الجبار، 2014 م.

100.

الجامع الكبير - سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك،

ص: 498

الترمذي، أبو عيسى، المحقق: بشار عواد معروف، بدون طبعة،: دار الغرب الإسلامي – بيروت، 1998 م.

101.

الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري، المؤلف: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الطبعة الأولى، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، 1422 هـ.

102.

الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الطبعة الثانية، دار الكتب المصرية – القاهرة، 1384 هـ - 1964 م.

103.

الجامع لمسائل المدونة، أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس التميمي الصقلي، المحقق: مجموعة باحثين في رسائل دكتوراه، الطبعة الأولى، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي - جامعة أم القرى (سلسلة الرسائل الجامعية الموصى بطبعها)، توزيع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1434 هـ - 2013 م.

104.

الجرح والتعديل، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، الرازي ابن أبي حاتم، طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن – الهند، الطبعة الأولى، دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1271 هـ 1952 م.

105.

جمهرة اللغة، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، المحقق: رمزي منير بعلبكي، الطبعة الأولى، دار العلم للملايين – بيروت، 1987 م.

106.

الجوهرة النيرة، أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي الزَّبِيدِيّ اليمني الحنفي، الطبعة الأولى، المطبعة الخيرية، 1322 هـ.

107.

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار الفكر.

108.

حاشية السندي على سنن ابن ماجه، محمد بن عبد الهادي التتوي، أبو الحسن، نور الدين السندي، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار الجيل - بيروت.

ص: 499

109.

حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي، المحقق: محمد عبد العزيز الخالدي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، 1418 هـ - 1997 م.

110.

حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، أبو الحسن، علي بن أحمد بن مكرم الصعيدي العدوي، المحقق: يوسف الشيخ محمد البقاعي، بدون طبعة، دار الفكر – بيروت، 1414 هـ - 1994 م.

111.

حاشيتا قليوبي وعميرة، أحمد سلامة القليوبي وأحمد البرلسي عميرة، الناشر: بدونطبعة، دار الفكر – بيروت، 1415 هـ-1995 م.

112.

الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي، المحقق: الشيخ علي محمد معوض - الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1419 هـ -1999 م.

113.

حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء، محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر، أبو بكر الشاشي القفال الفارقيّ، الملقب فخر الإسلام، المستظهري الشافعي، المحقق: د. ياسين أحمد إبراهيم درادكة، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة/ دار الأرقم - بيروت/ عمان، 1980 م.

114.

الخراج، لأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة الأنصاري، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، سعد حسن محمد، طبعة جديدة مضبوطة - محققة ومفهرسة، المكتبة الأزهرية للتراث.

115.

خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المحقق: حققه وخرج أحاديثه: حسين إسماعيل الجمل، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة - لبنان – بيروت، 1418 هـ - 1997 م.

116.

الخلافيات بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه، أبو بكر البيهقي، تحقيق ودراسة: فريق البحث العلمي بشركة الروضة، بإشراف محمود بن عبد الفتاح أبو شذا النحال،

ص: 500

الطبعة الأولى، الروضة للنشر والتوزيع، القاهرة - جمهورية مصر العربية، 1436 هـ - 2015 م.

117.

الدراية في تخريج أحاديث الهداية، أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، المحقق: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، بدون طبعة، دار المعرفة – بيروت.

118.

درر الحكام شرح غرر الأحكام، محمد بن فرامرز بن علي الشهير بملا - أو منلا أو المولى - خسرو، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار إحياء الكتب العربية.

119.

دقائق أولي النهى لشرح المنتهى المعروف بشرح منتهى الإرادات، منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى، الطبعة الأولى، عالم الكتب، 1414 هـ - 1993 م.

120.

الذخيرة، أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي، المحقق: محمد حجي، وسعيد أعراب، ومحمد بو خبزة، الطبعة الأولى، دار الغرب الإسلامي- بيروت، 1994 م.

121.

رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي، الطبعة الثانية، دار الفكر-بيروت، 1412 هـ - 1992 م.

122.

رسالة في أصول الفقه، أبو علي الحسن بن شهاب بن الحسن بن علي بن شهاب العكبريّ الحنبلي، المحقق: د. موفق بن عبد الله بن عبد القادر، الطبعة الأولى، المكتبة المكية - مكة المكرمة، 1413 هـ-1992 م.

123.

الرسالة، الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي، المحقق: أحمد شاكر، الطبعة الأولى، مكتبه الحلبي، مصر، 1358 هـ/ 1940 م.

124.

روح البيان، إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي، المولى أبو الفداء، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار الفكر – بيروت.

125.

الروض المربع شرح زاد المستقنع، منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتي الحنبلي، ومعه: حاشية الشيخ العثيمين وتعليقات الشيخ السعدي، خرج أحاديثه:

ص: 501

عبد القدوس محمد نذير، بدون طبعة، وبدون تاريخ، دار المؤيد - مؤسسة الرسالة.

126.

روضة الطالبين وعمدة المفتين، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، تحقيق: زهير الشاويش الطبعة الثالثة، المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- عمان، 1412 هـ - 1991 م.

127.

روضة الناظر وجنة المناظر، عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، الطبعة الثانية، مؤسسة الريّان للطباعة والنشر والتوزيع، 1423 هـ-2002 م.

128.

رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام، أبو حفص عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللخمي الإسكندري المالكي، تاج الدين الفاكهاني، تحقيق ودراسة: نور الدين طالب، الطبعة الأولى، دار النوادر، سوريا، 1431 هـ - 2010 م.

129.

سبل السلام، محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، أبو إبراهيم، عز الدين، المعروف كأسلافه بالأمير، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار الحديث.

130.

السراج المنير في ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير، الحافظ جلال الدين السيوطي - العلامة محمد ناصر الدين الألباني، رتَّبه وعلق عليه: عصام موسى هادي، الطبعة الثالثة، دار الصديق - توزيع مؤسسة الريان، 1430 هـ - 2009 م.

131.

سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني، الطبعة الأولى، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، 1415 هـ - 1995 م.

132.

سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني، الطبعة الأولى، دار المعارف، الرياض - الممكلة العربية السعودية، 1412 هـ/ 1992 م.

133.

سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط، ابن ماجة - وماجة اسم أبيه يزيد - أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، المحقق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد - محمَّد كامل قره بللي - عَبد اللّطيف حرز الله، الطبعة الأولى، دار الرسالة العالمية، 1430 هـ - 2009 م.

134.

سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو

ص: 502

الأزدي السِّجِسْتاني، المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بدون طبعة وبدون تاريخ، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت.

135.

سنن الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار البغدادي الدارقطني، حققه وضبط نصه وعلق عليه: شعيب الارنؤوط، حسن عبد المنعم شلبي، عبد اللطيف حرز الله، أحمد برهوم، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت – لبنان، 1424 هـ - 2004 م.

136.

السنن الكبرى، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي، المحقق: محمد عبد القادر عطا، الطبعة الثالثة، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1424 هـ - 2003 م.

137.

سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، المحقق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، الطبعة الثالثة، مؤسسة الرسالة، 1405 هـ - 1985 م.

138.

شذرات الذهب في أخبار من ذهب، عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد العَكري الحنبلي، أبو الفلاح، حققه: محمود الأرناؤوط، خرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، دمشق – بيروت، 1406 هـ - 1986 م.

139.

شرح الإلمام بأحاديث الأحكام، تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري، المعروف بابن دقيق العيد، حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه: محمد خلوف العبد الله، الطبعة الثانية، دار النوادر، سوريا، 1430 هـ - 2009 م.

140.

شرح التلقين، محمد بن علي بن عمر التَّمِيمي المازري المالكي، المحقق: سماحة الشيخ محمَّد المختار السّلامي، الطبعة الأولى، دار الغرب الإِسلامي، 2008 م.

141.

شرح الرسالة، أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي، اعتنى به: أبو الفضل الدمياطي أحمد بن علي، الطبعة الأولى، دار ابن حزم، 1428 هـ - 2007 م.

142.

شرح الزُّرقاني على مختصر خليل، ومعه: الفتح الرباني فيما ذهل عنه الزرقاني، عبد الباقي بن يوسف بن أحمد الزرقاني المصري، ضبطه وصححه وخرج آياته: عبد السلام محمد أمين،

ص: 503

الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1422 هـ - 2002 م.

143.

شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري الأزهري، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، الطبعة الأولى، مكتبة الثقافة الدينية – القاهرة، 1424 هـ - 2003 م.

144.

شرح الزركشي، شمس الدين محمد بن عبد الله الزركشي المصري الحنبلي، الطبعة الأولى، دار العبيكان، 1413 هـ - 1993 م.

145.

شرح السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط-محمد زهير الشاويش، الطبعة الثانية، المكتب الإسلامي - دمشق، بيروت، 1403 هـ - 1983 م.

146.

شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى بـ (الكاشف عن حقائق السنن)، شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي، المحقق: د. عبد الحميد هنداوي، الطبعة الأولى، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة - الرياض، 1417 هـ - 1997 م.

147.

شرح العمدة في الفقه، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، المحقق: د. سعود بن صالح العطيشان، الطبعة الأولى، مكتبة العبيكان – الرياض، 1412 هـ.

148.

شرح القواعد الفقهية، أحمد بن الشيخ محمد الزرقا، صححه وعلق عليه: مصطفى أحمد الزرقا، الطبعة الثانية، دار القلم - دمشق/ سوريا، 1409 هـ - 1989 م.

149.

الشرح الكبير (المطبوع مع المقنع والإنصاف)، شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي - الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، الطبعة الأولى، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة - جمهورية مصر العربية، الطبعة: الأولى، 1415 هـ - 1995 م.

150.

الشرح الممتع على زاد المستقنع، محمد بن صالح بن محمد العثيمين، الطبعة الأولى، دار النشر: دار ابن الجوزي، 1422 - 1428 هـ.

ص: 504

151.

شرح تنقيح الفصول، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي، المحقق: طه عبد الرؤوف سعد، الطبعة الأولى، شركة الطباعة الفنية المتحدة، 1393 هـ - 1973 م.

152.

شرح سنن أبي داود، أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى، المحقق: أبو المنذر خالد بن إبراهيم المصري، الطبعة الأولى، مكتبة الرشد – الرياض، 1420 هـ -1999 م.

153.

شرح سنن النسائي المسمى «ذخيرة العقبى في شرح المجتبى» ، محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي، الطبعة الأولى، دار المعراج الدولية للنشر الطبعة: الأولى، 1416 هـ - 1996 م.

154.

شرح صحيح البخارى، ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، الطبعة الثانية، مكتبة الرشد - السعودية، الرياض، 1423 هـ - 2003 م.

155.

شرح مختصر الروضة، سليمان بن عبد القوي بن الكريم الطوفي الصرصري، أبو الربيع، نجم الدين، المحقق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، 1407 هـ - 1987 م.

156.

شرح مختصر الطحاوي، أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي، تحقيق مجموعة من المحققي، الطبعة الأولى، دار البشائر الإسلامية - ودار السراج، 1431 هـ - 2010 م.

157.

شرح مختصر خليل للخرشي، محمد بن عبد الله الخرشي المالكي أبو عبد الله، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار الفكر للطباعة – بيروت.

158.

شرحُ مُسْنَد الشَّافِعيِّ، عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم، أبو القاسم الرافعي القزويني، المحقق: أبو بكر وائل محمَّد بكر زهران، الطبعة الأولى، وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية إدارة الشؤون الإِسلامية، قطر، 1428 هـ - 2007 م.

159.

شرح معاني الآثار، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي، حققه وقدم له: (محمد زهري النجار - محمد سيد

ص: 505

جاد الحق) من علماء الأزهر الشريف، راجعه ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: د يوسف عبد الرحمن المرعشلي - الباحث بمركز خدمة السنة بالمدينة النبوية، الطبعة الأولى، عالم الكتب، 1414 هـ- 1994 م.

160.

الشريعة، أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجُرِّيُّ البغدادي، المحقق: الدكتور عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي، الطبعة الثانية، دار الوطن - الرياض - السعودية، 1420 هـ - 1999 م.

161.

شفاء الغليل في حل مقفل خليل، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن غازي العثماني المكناسي، دراسة وتحقيق: الدكتور أحمد بن عبد الكريم نجيب، الطبعة الأولى، مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، القاهرة - جمهورية مصر العربية، 1429 هـ - 2008 م.

162.

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الرابعة، دار العلم للملايين – بيروت، 1407 هـ- 1987 م.

163.

صحيح ابن خزيمة، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري، المحقق: د. محمد مصطفى الأعظمي، بدون طبعة وبدون تاريخ، الناشر: المكتب الإسلامي – بيروت.

164.

صحيح سنن أبي داود، الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، الكويت، 1423 هـ - 2002 م.

165.

صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني، الطبعة الأولى، دار الصميعي للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية، 1422 هـ - 2002 م.

166.

صحيح وضعيف سنن ابن ماجة، محمد ناصر الدين الألباني، مصدر الكتاب: برنامج منظومة التحقيقات الحديثية - المجاني - من إنتاج مركز نور الإسلام لأبحاث القرآن والسنة بالإسكندرية.

167.

صحيح وضعيف سنن أبي داود، المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني، مصدر الكتاب:

ص: 506

برنامج منظومة التحقيقات الحديثية - المجاني - من إنتاج مركز نور الإسلام لأبحاث القرآن والسنة بالإسكندرية، قام بإعادة فهرسته وتنسيقه: أحمد عبد الله عضو في ملتقى أهل الحديث.

168.

صحيح وضعيف سنن الترمذي، محمد ناصر الدين الألباني، مصدر الكتاب: برنامج منظومة التحقيقات الحديثية - المجاني - من إنتاج مركز نور الإسلام لأبحاث القرآن والسنة بالإسكندرية.

169.

صحيح وضعيف سنن النسائي، محمد ناصر الدين الألباني، مصدر الكتاب: برنامج منظومة التحقيقات الحديثية - المجاني - من إنتاج مركز نور الإسلام لأبحاث القرآن والسنة بالإسكندرية.

170.

الضعفاء الكبير، أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي المكي، المحقق: عبد المعطي أمين قلعجي، الطبعة الأولى، دار المكتبة العلمية – بيروت، 1404 هـ - 1984 م.

171.

طبقات الحنابلة، المؤلف: أبو الحسين ابن أبي يعلى، محمد بن محمد، المحقق: محمد حامد الفقي، بدون طبعة وبدون تاريخ، الناشر: دار المعرفة – بيروت.

172.

طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي، المحقق: د. محمود محمد الطناحي د. عبد الفتاح محمد الحلو، الطبعة الثانية، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، 1413 هـ.

173.

طبقات الفقهاء، أبو اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، هذبهُ: محمد بن مكرم ابن منظور، المحقق: إحسان عباس، الطبعة الأولى، دار الرائد العربي، بيروت – لبنان، 1970 م.

174.

الطبقات الكبرى، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية – بيروت، 1410 هـ - 1990 م.

175.

طرح التثريب في شرح التقريب (المقصود بالتقريب: تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد)، أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي، أكمله ابنه: أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين الكردي الرازياني ثم المصري، أبو زرعة ولي الدين، ابن العراقي، بدون طبعة وبدون تاريخ، الناشر: الطبعة المصرية القديمة - وصورتها

ص: 507

دور عدة منها (دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، ودار الفكر العربي).

176.

الطهور للقاسم بن سلام، أبو عُبيد القاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي، حققه وخرج أحاديثه: مشهور حسن محمود سلمان، الطبعة الأولى، مكتبة الصحابة، جدة - الشرفية، مكتبة التابعين، سليم الأول – الزيتون، 1414 هـ - 1994 م.

177.

العدة شرح العمدة، عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد، أبو محمد بهاء الدين المقدسي، بدون طبعة، دار الحديث، القاهرة، تاريخ النشر: 1424 هـ 2003 م.

178.

العدة في أصول الفقه، القاضي أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء، تحقيق: د. أحمد بن علي بن سير المباركي، الأستاذ المشارك في كلية الشريعة بالرياض - جامعة الملك محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الثانية، ط 2، 1410 هـ - 1990 م.

179.

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام، المؤلف: علي بن إبراهيم بن داود بن سلمان بن سليمان، أبو الحسن، علاء الدين ابن العطار، وقف على طبعه والعناية به: نظام محمد صالح يعقوبي، الطبعة الأولى، دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، 1427 هـ - 2006 م.

180.

العزيز شرح الوجيز، عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم، أبو القاسم الرافعي القزويني، المحقق: علي محمد عوض - عادل أحمد عبد الموجود، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1417 هـ - 1997 م.

181.

عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، عبد الله بن نجم بن شاس بن نزار الجذامي السعدي المالكي، دراسة وتحقيق: أ. د. حميد بن محمد لحمر، الطبعة الأولى، دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان، 1423 هـ - 2003 م.

182.

العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، المحقق: إرشاد الحق الأثري، الطبعة الثانية، إدارة العلوم الأثرية، فيصل آباد، باكستان، 1401 هـ-1981 م.

183.

العلل الواردة في الأحاديث النبوية، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار البغدادي الدارقطني، المجلدات من الأول، إلى الحادي عشر، تحقيق

ص: 508

وتخريج: محفوظ الرحمن زين الله السلفي، الطبعة الأولى، دار طيبة – الرياض، 1405 هـ - 1985 م، والمجلدات من الثاني عشر، إلى الخامس عشر، علق عليه: محمد بن صالح بن محمد الدباسي، الطبعة الأولى، دار ابن الجوزي – الدمام، 1427 هـ.

184.

العلل لابن أبي حاتم، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، الرازي ابن أبي حاتم، تحقيق: فريق من الباحثين بإشراف وعناية د/ سعد بن عبد الله الحميد و د/ خالد بن عبد الرحمن الجريسي، الطبعة الأولى، مطابع الحميضي، 1427 هـ - 2006 م.

185.

علم الجدل في علم الجدل، لنجم الدين الطوفي الحنبلي، تحقيق: فولفهارت هاينريشس، مطبعة كتابكم، عمان - الأردن، 1408 هـ – 1987 م.

186.

عمدة القاري شرح صحيح البخاري، أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى، بدون طبعة، دار إحياء التراث العربي – بيروت.

187.

العناية شرح الهداية، محمد بن محمد بن محمود، أكمل الدين أبو عبد الله ابن الشيخ شمس الدين ابن الشيخ جمال الدين الرومي البابرتي، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار الفكر.

188.

عون المعبود شرح سنن أبي داود، ومعه حاشية ابن القيم: تهذيب سنن أبي داود وإيضاح علله ومشكلاته، محمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر، أبو عبد الرحمن، شرف الحق، الصديقي، العظيم آبادي، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية – بيروت، 1415 هـ.

189.

العين، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري، المحقق: د. مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار ومكتبة الهلال.

190.

عيون الأدلة في مسائل الخلاف بين فقهاء الأمصار، علي بن عمر بن أحمد البغدادي المالكي المعروف بابن القصار، دراسة وتحقيق: د. عبد الحميد بن سعد بن ناصر السعودي، بدون طبعة، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض - المملكة العربية السعودية، 1426 هـ - 2006 م.

191.

عُيُونُ المَسَائِل، أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي، دراسة وتحقيق: علي محمَّد إبراهيم بورويبة، الطبعة الأولى، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع،

ص: 509

بيروت – لبنان، 1430 هـ - 2009 م.

192.

الغاية والتقريب، أحمد بن الحسين بن أحمد، أبو شجاع، شهاب الدين أبو الطيب الأصفهاني، بدون طبعة وبدون تاريخ، عالم الكتب.

193.

غريب الحديث، أبو عُبيد القاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي، المحقق: د. محمد عبد المعيد خان، الطبعة الأولى، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد- الدكن، 1384 هـ - 1964 م.

194.

غريب الحديث، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، المحقق: الدكتور عبد المعطي أمين القلعجي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت – لبنان، 1405 هـ – 1985 م.

195.

غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، أحمد بن محمد مكي، أبو العباس، شهاب الدين الحسيني الحموي الحنفي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، 1405 هـ - 1985 م.

196.

الفائق في غريب الحديث والأثر، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله، المحقق: علي محمد البجاوي -محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية، دار المعرفة – لبنان.

197.

الفتاوى الكبرى لابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، 1408 هـ - 1987 م.

198.

فتاوى نور على الدرب، محمد بن صالح بن محمد العثيمين.

199.

فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، دار المعرفة - بيروت، 1379.

200.

فتح الباري شرح صحيح البخاري، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي، تحقيق: مجموعة من العلماء، الطبعة الأولى، مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة النبوية، الحقوق: مكتب تحقيق دار الحرمين – القاهرة،

ص: 510

1417 هـ - 1996 م.

201.

فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر، ومعه فتح المجيد في اختصار تخريج أحاديث التمهيد، رتبه واختصر تخريجه الشيخ: محمد بن عبدالرحمن المغراوي، بدون طبعة، مجموعة التحف النفائس الدولية للنشر والتوزيع، 1416 هـ – 1996 م.

202.

الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ومعه بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني، أحمد بن عبد الرحمن بن محمد البنا الساعاتي، الطبعة الثانية، دار إحياء التراث العربي.

203.

فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير [وهو شرح لكتاب الوجيز في الفقه الشافعي لأبي حامد الغزالي]، المؤلف: عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني، بدون طبعة، وبدون تاريخ، دار الفكر.

204.

فتح القدير، كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار الفكر.

205.

فتح القدير، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، دار الكلم الطيب - دمشق، بيروت - 1414 هـ.

206.

الفردوس بمأثور الخطاب، شيرويه بن شهردار بن شيرو يه بن فناخسرو، أبو شجاع الديلميّ الهمذاني، المحقق: السعيد بن بسيوني زغلول، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية – بيروت، 1406 هـ - 1986 م.

207.

الفروق الفقهية والأصولية، مُقوّمَاتُها- شرُوطُهَا- نشأتُهَا- تطوّرُهَا (دراسَة نظريَّة - وَصفيَّة- تَاريخيّة)، يعقوب بن عبد الوهاب بن يوسف الباحسين التميمي، الطبعة الأولى، مكتبة الرشد – الرياض، 1419 هـ - 1998 م.

208.

الفروق، عبد الله بن يوسف الجويني، المحقق: عبد الرحمن بن سلامة بن عبد الله المزيني، الطبعة الأولى، دار الجيل للنشر والطباعة والتوزيع – بيروت، 1424 هـ - 2004 م.

209.

الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، أحمد بن غانم (أو غنيم) بن سالم ابن مهنا، شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي، بدون طبعة،: دار الفكر، 1415 هـ -

ص: 511

1995 م.

210.

فيض القدير شرح الجامع الصغير، زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري، الطبعة الأولى، المكتبة التجارية الكبرى – مصر، 1356 هـ.

211.

القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي، المحقق: الدكتور محمد عبد الله ولد كريم، الطبعة الأولى، دار الغرب الإسلامي، 1992 م.

212.

قواعد ابن الملقن أو «الأشباه والنظائر في قواعد الفقه» ، سراج الدين أبو حفص عمر بن علي الأنصاري المعروف بـ ابن الملقن، تحقيق ودراسة: مصطفى محمود الأزهري، الطبعة الأولى، دار ابن القيم للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية، دار ابن عفان للنشر والتوزيع، القاهرة - جمهورية مصر العربية، 1431 هـ - 2010 م.

213.

قواعد الأحكام في مصالح الأنام، أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، الملقب بسلطان العلماء، راجعه وعلق عليه: طه عبد الرؤوف سعد، طبعة جديدة مضبوطة منقحة، الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية – القاهرة، (وصورتها دور عدة مثل: دار الكتب العلمية - بيروت، ودار أم القرى - القاهرة)، 1414 هـ - 1991 م.

214.

القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، د. محمد مصطفى الزحيلي، عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة، الطبعة الأولى، دار الفكر – دمشق، 1427 هـ - 2006 م.

215.

القواعد لابن رجب، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار الكتب العلمية.

216.

القوانين الفقهية، أبو القاسم، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي الغرناطي، بدون طبعة وبدون تاريخ.

217.

الكافي في فقه الإمام أحمد، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي، الطبعة الأولى، دار

ص: 512

الكتب العلمية، 1414 هـ - 1994 م.

218.

الكافي في فقه أهل المدينة، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، المحقق: محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني، الطبعة الثانية، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1400 هـ-1980 م.

219.

الكافية في الجدل، للجويني إمام الحرمين، تقديم وتحقيق الدكتورة: فوقية حسين محمود، 1399 هـ – 1979 م.

220.

الكامل في ضعفاء الرجال، أبو أحمد بن عدي الجرجاني، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود-علي محمد معوض، شارك في تحقيقه: عبد الفتاح أبو سنة، الطبعة الأولى، الكتب العلمية - بيروت-لبنان، 1418 هـ- 1997 م.

221.

كتاب الصيام من شرح العمدة، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، المحقق: زائد بن أحمد النشيري، تقديم: عبد الله بن عبد الرحمن السعد، الطبعة الأولى، دار الأنصاري، 1417 هـ - 1996 م.

222.

كتاب الفروع ومعه تصحيح الفروع لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي، المؤلف: محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي الحنبلي، المحقق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، 1424 هـ - 2003 م.

223.

الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي، المحقق: كمال يوسف الحوت، الطبعة الأولى، مكتبة الرشد – الرياض، 1409 هـ.

224.

كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار الكتب العلمية.

225.

الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله، الطبعة الثالثة، دار الكتاب العربي – بيروت، 1407 هـ.

226.

كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، عبد العزيز بن أحمد بن محمد، علاء الدين البخاري

ص: 513

الحنفي، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار الكتاب الإسلامي.

227.

الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث، برهان الدين الحلبي أبو الوفا إبراهيم بن محمد بن خليل الطرابلسي الشافعي سبط ابن العجمي، المحقق: صبحي السامرائي، الطبعة الأولى، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية – بيروت، 1407 هـ – 1987 م.

228.

كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار، أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن بن حريز بن معلى الحسيني الحصني، تقي الدين الشافعي، المحقق: علي عبد الحميد بلطجي ومحمد وهبي سليمان، الطبعة الأولى، دار الخير – دمشق، 1994 م.

229.

كفاية النبيه في شرح التنبيه، أحمد بن محمد بن علي الأنصاري، أبو العباس، نجم الدين، المعروف بابن الرفعة، المحقق: مجدي محمد سرور باسلوم، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، 2009 م.

230.

الكنى والأسماء، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري، المحقق: عبد الرحيم محمد أحمد القشقري، الطبعة الأولى، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، 1404 هـ-1984 م.

231.

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، محمد بن يوسف بن علي بن سعيد، شمس الدين الكرماني، الطبعة الأولى، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، 1356 هـ - 1937 م.

232.

الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري، أحمد بن إسماعيل بن عثمان بن محمد الكوراني الشافعي ثم الحنفي، المحقق: الشيخ أحمد عزو عناية، الطبعة الأولى، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، 1429 هـ - 2008 م.

233.

اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، جمال الدين أبو محمد علي بن أبي يحيى زكريا بن مسعود الأنصاري الخزرجي المنبجي، المحقق: د. محمد فضل عبد العزيز المراد، الطبعة الثانية، دار القلم - الدار الشامية - سوريا/ دمشق - لبنان/ بيروت، 1414 هـ - 1994 م.

ص: 514

234.

اللباب في الفقه الشافعي، أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم الضبي، أبو الحسن ابن المحاملي الشافعيّ، المحقق: عبد الكريم بن صنيتان العمري، الطبعة الأولى، دار البخارى، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، 1416 هـ.

235.

اللباب في شرح الكتاب، عبد الغني بن طالب بن حمادة بن إبراهيم الغنيمي الدمشقي الميداني الحنفي، حققه، وفصله، وضبطه، وعلق حواشيه: محمد محيي الدين عبد الحميد، بدون طبعة، المكتبة العلمية، بيروت – لبنان.

236.

لسان العرب، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى، الطبعة الثالثة، دار صادر – بيروت، 1414 هـ.

237.

لوامع الدرر في هتك أستار المختصر [شرح «مختصر خليل» للشيخ خليل بن إسحاق الجندي المالكي]، محمد بن محمد سالم المجلسي الشنقيطي، تصحيح وتحقيق: دار الرضوان، راجع تصحيح الحديث وتخريجه: اليدالي بن الحاج أحمد، المقدمة بقلم حفيد المؤلف: الشيخ أحمد بن النيني، الطبعة الأولى، دار الرضوان، نواكشوط- موريتانيا، 1436 هـ - 2015 م.

238.

ما صح من آثار الصحابة في الفقه، زكريا بن غلام قادر الباكستاني، الطبعة الأولى، دار الخراز- جدة، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت، 1421 هـ - 2000 م.

239.

المبدع في شرح المقنع، إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان الدين، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1418 هـ - 1997 م.

240.

المبسوط، محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي، بدون طبعة، دار المعرفة – بيروت، 1414 هـ - 1993 م.

241.

متن الخرقى على مذهب ابي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله الخرقي، بدون طبعة، دار الصحابة للتراث، 1413 هـ-1993 م.

242.

المجتبى من السنن = السنن الصغرى للنسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، الطبعة الثانية، مكتب المطبوعات

ص: 515

الإسلامية – حلب، 1406 هـ – 1986 م.

243.

مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده، يعرف بداماد أفندي، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار إحياء التراث العربي.

244.

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، المؤلف: أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، المحقق: حسام الدين القدسي، بدون طبعة، مكتبة القدسي، القاهرة، 1414 هـ-1994 م.

245.

مجمل اللغة لابن فارس، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين، دراسة وتحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، الطبعة الثانية، دار النشر: مؤسسة الرسالة – بيروت، - 1406 هـ - 1986 م.

246.

مجموع الفتاوى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، بدون طبعة، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416 هـ-1995 م.

247.

المجموع شرح المهذب ((مع تكملة السبكي والمطيعي))، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار الفكر.

248.

مجموعة الرسائل والمسائل، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، علق عليه: السيد محمد رشيد رضا، بدون طبعة وبدون تاريخ، لجنة التراث العربي.

249.

المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد، ابن تيمية الحراني، أبو البركات، مجد الدين، الطبعة الثانية، مكتبة المعارف- الرياض، الطبعة: 1404 هـ -1984 م.

250.

المحصول في أصول الفقه، القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي، المحقق: حسين علي اليدري - سعيد فودة، الطبعة الأولى، دار البيارق – عمان، 1420 هـ - 1999 م.

251.

المحكم والمحيط الأعظم، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي،، المحقق: عبد الحميد هنداوي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية – بيروت، 1421 هـ - 2000 م.

ص: 516

252.

المحلى بالآثار، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار الفكر – بيروت.

253.

المحيط البرهاني في الفقه النعماني فقه الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مَازَةَ البخاري الحنفي، المحقق: عبد الكريم سامي الجندي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 1424 هـ - 2004 م.

254.

مختار الصحاح، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي، المحقق: يوسف الشيخ محمد، الطبعة الخامسة، المكتبة العصرية - الدار النموذجية، بيروت – صيدا، 1420 هـ - 1999 م.

255.

المختصر الفقهي لابن عرف، محمد بن محمد ابن عرفة الورغمي التونسي المالكي، أبو عبد الله، المحقق: د. حافظ عبد الرحمن محمد خير، الطبعة الأولى، مؤسسة خلف أحمد الخبتور للأعمال الخيرية، 1435 هـ - 2014 م.

256.

مختصر المزني (مطبوع ملحقا بالأم للشافعي)، إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل، أبو إبراهيم المزني، بدون طبعة، دار المعرفة – بيروت، 1410 هـ-1990 م.

257.

مُخْتَصَر صَحِيحُ الإِمَامِ البُخَارِي، أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني، الطبعة الأولى، مكتَبة المَعارف للنَّشْر والتوزيع، الرياض، 1422 هـ - 2002 م.

258.

المخصص، علي بن إسماعيل بن سيده المرسي، المحقق: خليل إبراهم جفال، الطبعة الأولى، دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1417 هـ - 1996 م.

259.

المدونة، مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية،، 1415 هـ - 1994 م.

260.

مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح، حسن بن عمار بن علي الشرنبلالي المصري الحنفي، اعتنى به وراجعه: نعيم زرزور، الطبعة الأولى، المكتبة العصرية، 1425 هـ - 2005 م.

261.

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، أبو الحسن عبيد الله بن محمد عبد السلام بن خان محمد بن أمان الله بن حسام الدين الرحماني المباركفوري، الطبعة الثالثة، إدارة البحوث

ص: 517

العلمية والدعوة والإفتاء - الجامعة السلفية - بنارس الهند 1404 هـ، 1984 م.

262.

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري، الطبعة الأولى، دار الفكر، بيروت – لبنان، 1422 هـ - 2002 م.

263.

المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك، القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي، تحقيق: محمد بن الحسين السُّليماني وعائشة بنت الحسين السُّليماني، الطبعة الأولى، دَار الغَرب الإسلامي، 1428 هـ - 2007 م.

264.

المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية – بيروت، 1411 هـ – 1990 م.

265.

المستصفى، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، 1413 هـ - 1993 م.

266.

مسند أبي داود الطيالسي، أبو داود سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي البصرى، المحقق: الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى، دار هجر – مصر، 1419 هـ - 1999 م.

267.

مسند أبي يعلى، أبو يعلى أحمد بن علي بن المثُنى بن يحيى بن عيسى بن هلال التميمي، الموصلي، المحقق: حسين سليم أسد، الطبعة الأولى، دار المأمون للتراث – دمشق، 1404 هـ – 1984 م.

268.

مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، المحقق: أحمد محمد شاكر، الطبعة الأولى، دار الحديث – القاهرة، 1416 هـ - 1995 م.

269.

الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، المحقق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، 1421 هـ - 2001 م

270.

مسند الدارمي المعروف بـ (سنن الدارمي)، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن

ص: 518

بَهرام بن عبد الصمد الدارمي، التميمي السمرقندي، تحقيق: حسين سليم أسد الداراني، الطبعة الأولى، دار المغني للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، 1412 هـ - 2000 م.

271.

مسند الروياني، أبو بكر محمد بن هارون الرُّوياني، المحقق: أيمن علي أبو يماني، الطبعة الأولى، مؤسسة قرطبة – القاهرة، 1416 هـ.

272.

المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار إحياء التراث العربي – بيروت.

273.

المسند، الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي، بدون طبعة، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، صححت هذه النسخة: على النسخة المطبوعة في مطبعة بولاق الأميرية والنسخة المطبوعة في بلاد الهند، 1400 هـ.

274.

المسودة في أصول الفقه، آل تيمية [بدأ بتصنيفها الجدّ: مجد الدين عبد السلام بن تيمية، وأضاف إليها الأب: عبد الحليم بن تيمية، ثم أكملها الابن الحفيد: أحمد بن تيمية]، المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بدون طبعة، دار الكتاب العربي.

275.

مشارق الأنوار على صحاح الآثار، عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل، بدون طبعة وبدون تاريخ، المكتبة العتيقة ودار التراث.

276.

مشكاة المصابيح، محمد بن عبد الله الخطيب العمري، أبو عبد الله، ولي الدين، التبريزي، المحقق: محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الثالثة، المكتب الإسلامي – بيروت، 1985 م.

277.

مصابيح السنة، محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي، تحقيق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي، محمد سليم إبراهيم سمارة، جمال حمدي الذهبي، الطبعة الأولى، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، 1407 هـ - 1987 م.

278.

مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي، المحقق: محمد المنتقى

ص: 519

الكشناوي، الطبعة الثانية، دار العربية – بيروت، 1403 هـ.

279.

المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس، بدون طبعة وبدون تاريخ، المكتبة العلمية – بيروت.

280.

المصنف، أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني، المحقق: حبيب الرحمن الأعظمي، الطبعة الثانية، المجلس العلمي- الهند، يطلب من: المكتب الإسلامي – بيروت، 1403 هـ.

281.

المطَالبُ العَاليَةُ بِزَوَائِدِ المسَانيد الثّمَانِيَةِ، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، المحقق: مجموعة من الباحثين في 17 رسالة جامعية، تنسيق: د. سعد بن ناصر بن عبد العزيز الشَّثري، الطبعة الأولى، دار العاصمة للنشر والتوزيع - دار الغيث للنشر والتوزيع، من المجلد 1 - 11: 1419 هـ - 1998 م، من المجلد 12 - 18: 1420 هـ - 2000 م.

282.

مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مصطفى بن سعد بن عبده السيوطي شهرة، الرحيبانى مولدا ثم الدمشقي الحنبلي، الطبعة الثانية، المكتب الإسلامي، 1415 هـ - 1994 م.

283.

مطالع الدقائق في تحرير الجوامع والفوارق، جمال الدين الإسنوي، تحقيق: نصر الدين فريد واصل، الطبعة الأولى، دار الشروق للنشر، 2007 م.

284.

المطلع على ألفاظ المقنع، محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي، أبو عبد الله، شمس الدين، المحقق: محمود الأرناؤوط وياسين محمود الخطيب، الطبعة الأولى، مكتبة السوادي للتوزيع، 1423 هـ - 2003 م.

285.

معالم السنن سنن أبي داود، حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي، الطبعة الأولى، المطبعة العلمية – حلب، 1351 هـ - 1932 م.

286.

المعتصر من المختصر من مشكل الآثار، يوسف بن موسى بن محمد، أبو المحاسن جمال الدين المَلَطي الحنفي، بدون طبعة وبدون تاريخ، عالم الكتب – بيروت.

287.

المعجم الأوسط، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم

ص: 520

الطبراني، المحقق: طارق بن عوض الله بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، بدون طبعة، الناشر: دار الحرمين – القاهرة.

288.

معجم الصحابة، أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المَرْزُبان بن سابور بن شاهنشاه البغوي، المحقق: محمد الأمين بن محمد الجكني، الطبعة الأولى، مكتبة دار البيان – الكويت، 1421 هـ - 2000 م.

289.

المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني، المحقق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية، دار النشر: مكتبة ابن تيمية – القاهرة، ويشمل القطعة التي نشرها لاحقا المحقق الشيخ حمدي السلفي من المجلد 13 (دار الصميعي - الرياض/ الطبعة الأولى، 1415 هـ - 1994 م).

290.

المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، (إبراهيم مصطفى/ أحمد الزيات/ حامد عبد القادر/ محمد النجار)، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار الدعوة.

291.

معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعجي - حامد صادق قنيبي، الطبعة الثانية، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، 1408 هـ - 1988 م.

292.

معجم مصطلحات أصول الفقه، (عربي/ انكليزي) وضعه: د. قطب مصطفى سانو، قدم له وراجعه: محمد رواس قلعجي، الصف التصويري: بدون طبعة وبدون تاريخ، دار الفكر - دمشق.

293.

معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين، المحقق: عبد السلام محمد هارون، بدون طبعة، دار الفكر، عام النشر: 1399 هـ - 1979 م.

294.

معرفة السنن والآثار، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي، المحقق: عبد المعطي أمين قلعجي، الطبعة الأولى، جامعة الدراسات الإسلامية (كراتشي - باكستان)، 1412 هـ - 1991 م.

295.

المُعْلم بفوائد مسلم، أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التَّمِيمي المازري المالكي، المحقق: فضيلة الشيخ محمد الشاذلي النيفر، الطبعة الثانية، الدار التونسية للنشر، المؤسّسة الوطنية للكتاب بالجزائر، المؤسّسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدّراسات بيت الحكمة، 1988 م.

ص: 521

296.

المعونة على مذهب عالم المدينة «الإمام مالك بن أنس» ، أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي، المحقق: حميش عبد الحقّ، بدون طبعة وبدون تاريخ، المكتبة التجارية، مصطفى أحمد الباز - مكة المكرمة، أصل الكتاب: رسالة دكتوراة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.

297.

المغرب، ناصر بن عبد السيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار الكتاب العربي.

298.

مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، 1415 هـ - 1994 م.

299.

المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، في تخريج ما في الإحياء من الأخبار (مطبوع بهامش إحياء علوم الدين)، أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي، الطبعة الأولى، دار ابن حزم، بيروت – لبنان، 1426 هـ - 2005 م.

300.

المغني، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، بدونطبعة، مكتبة القاهرة، 1388 هـ - 1968 م.

301.

المفاتيح في شرح المصابيح، الحسين بن محمود بن الحسن، مظهر الدين الزَّيْدَانيُّ الكوفي الضَّريرُ الشِّيرازيُّ الحَنَفيُّ المشهورُ بالمُظْهِري، تحقيق ودراسة: لجنة مختصة من المحققين بإشراف: نور الدين طالب، الطبعة الأولى، دار النوادر، وهو من إصدارات إدارة الثقافة الإسلامية - وزارة الأوقاف الكويتية، 1433 هـ - 2012 م.

302.

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي، حققه وعلق عليه وقدم له: محيي الدين ديب ميستو - أحمد محمد السيد - يوسف علي بديوي - محمود إبراهيم بزال، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، دمشق - بيروت، دار الكلم الطيب، دمشق – بيروت، 1417 هـ - 1996 م.

303.

المقدمات الممهدات، أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، تحقيق: الدكتور محمد حجي، الطبعة الأولى، دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان، 1408 هـ - 1988 م.

ص: 522

304.

الممتع في شرح المقنع، زين الدين المُنَجَّى بن عثمان بن أسعد ابن المنجى التنوخي الحنبلي، دراسة وتحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، الطبعة الثالثة، مكتبة الأسدي - مكة المكرمة، 1424 هـ - 2003 م.

305.

من أصول الفقه على منهج أهل الحديث، زكريا بن غلام قادر الباكستاني، الطبعة الأولى، دار الخراز، 1423 هـ-2002 م.

306.

المنتقى شرح الموطإ، أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي القرطبي الباجي الأندلسي، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة - بجوار محافظة مصر، 1332 هـ، (ثم صورتها دار الكتاب الإسلامي، القاهرة - الطبعة الثانية، بدون تاريخ).

307.

المنتقى من السنن المسندة، أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري المجاور بمكة، المحقق: عبد الله عمر البارودي، الطبعة الأولى، مؤسسة الكتاب الثقافية – بيروت، 1408 هـ – 1988 م.

308.

منتهى الإرادات، تقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي الشهير بابن النجار، المحقق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، الأولى، 1419 هـ - 1999 م.

309.

المنثور في القواعد الفقهية، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، الطبعة الثانية، وزارة الأوقاف الكويتية، 1405 هـ - 1985 م.

310.

منح الجليل شرح مختصر خليل، محمد بن أحمد بن محمد عليش، أبو عبد الله المالكي، بدون طبعة، الناشر: دار الفكر – بيروت، 1409 هـ-1989 م.

311.

المِنَحُ الشَّافِيات بِشَرْحِ مُفْردَاتِ الإمَامِ أحْمَد، منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى، المحقق: أ. د. عبد الله بن محمد المُطلَق، الطبعة الأولى، دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، 1427 هـ - 2006 م.

312.

منحة الباري بشرح صحيح البخاري، زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، زين الدين أبو يحيى السنيكي المصري الشافعي، تحقيق: سليمان بن دريع العازمي، الطبعة الأولى، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية، 1426 هـ -

ص: 523

2005 م.

313.

المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، الطبعة الثانية، دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1392 هـ.

314.

المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود، محمود محمد خطاب السبكي، عني بتحقيقه وتصحيحه: أمين محمود محمد خطاب، الطبعة الأولى، مطبعة الاستقامة، القاهرة – مصر، 1351 - 1353 هـ.

315.

المهذب في اختصار السنن الكبير، اختصرهُ: أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عُثمان الذّهَبيّ الشَّافعيّ، تحقيق: دار المشكاة للبحث العلميِ، بإشراف أبي تَميم يَاسر بن إبراهيم، الطبعة الأولى، دار الوطن للنشر، 1422 هـ - 2001 م.

316.

الْمُهَذَّبُ في عِلْمِ أُصُولِ الفِقْهِ الْمُقَارَنِ، (تحريرٌ لمسائِلِه ودراستها دراسةً نظريَّةً تطبيقيَّةً)، عبد الكريم بن علي بن محمد النملة، الطبعة الأولى، دار النشر: مكتبة الرشد – الرياض، 1420 هـ - 1999 م.

317.

المهذب في فقة الإمام الشافعي، أبو اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، بدون طبعة، دار الكتب العلمية.

318.

مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي، المعروف بالحطاب الرُّعيني المالك، الطبعة الثالثة، دار الفكر، 1412 هـ - 1992 م.

319.

الموطأ، مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني، المحقق: محمد مصطفى الأعظمي، الطبعة الأولى، مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية - أبو ظبي – الإمارات، 1425 هـ - 2004 م.

320.

ميزان الاعتدال في نقد الرجال، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، الطبعة الأولى، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت – لبنان، 1382 هـ - 1963 م.

321.

الميسر في شرح مصابيح السنة، فضل الله بن حسن بن حسين بن يوسف أبو عبد الله،

ص: 524

شهاب الدين التُّورِبِشْتِي، المحقق: د. عبد الحميد هنداوي، الطبعة الثانية، مكتبة نزار مصطفى الباز، 1429 هـ - 2008 هـ.

322.

النتف في الفتاوى، أبو الحسن علي بن الحسين بن محمد السُّغْدي، المحقق: المحامي الدكتور صلاح الدين الناهي، الطبعة الثانية، دار الفرقان/ مؤسسة الرسالة - عمان الأردن/ بيروت لبنان، 1404 هـ - 1984 م.

323.

النجم الوهاج في شرح المنهاج، محمد بن موسى بن عيسى بن علي الدَّمِيري أبو البقاء الشافعي، المحقق: لجنة علمية، الطبعة الأولى، دار المنهاج (جدة)، 1425 هـ - 2004 م.

324.

نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار، أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى، المحقق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، الطبعة الأولى، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – قطر، 1429 هـ - 2008 م.

325.

نصب الراية لأحاديث الهداية مع حاشيته بغية الألمعي في تخريج الزيلعي، جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي، قدم للكتاب: محمد يوسف البَنُوري، صححه ووضع الحاشية: عبد العزيز الديوبندي الفنجاني، إلى كتاب الحج، ثم أكملها محمد يوسف الكاملفوري، المحقق: محمد عوامة، الطبعة الأولى، مؤسسة الريان للطباعة والنشر - بيروت -لبنان/ دار القبلة للثقافة الإسلامية- جدة – السعودية، 1418 هـ/ 1997 م.

326.

النفح الشذي شرح جامع الترمذي، محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، ابن سيد الناس، اليعمري الربعي، أبو الفتح، فتح الدين، تحقيق: أبو جابر الأنصاري، عبد العزيز أبو رحلة، صالح اللحام، الطبعة الأولى، دار الصميعي للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية، 1428 هـ - 2007 م.

327.

النكت على كتاب ابن الصلاح، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، المحقق: ربيع بن هادي عمير المدخلي، الطبعة الأولى، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، 1404 هـ/ 1984 م.

328.

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين الرملي، بدون طبعة، الناشر: دار الفكر، بيروت، 1404 هـ/ 1984 م.

ص: 525

329.

نهاية المطلب في دراية المذهب، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، أبو المعالي، ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين، تحقيق: عبد العظيم محمود الدّيب، الطبعة الأولى، دار المنهاج، 1428 هـ-2007 م.

330.

نهاية الوصول في دراية الأصول، صفي الدين محمد بن عبد الرحيم الأرموي الهندي)، المحقق: د. صالح بن سليمان اليوسف - د. سعد بن سالم السويح، الطبعة الأولى، المكتبة التجارية بمكة المكرمة، 1416 هـ - 1996 م.

331.

النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي- محمود محمد الطناحي، بدون طبعة، المكتبة العلمية - بيروت، 1399 هـ - 1979 م.

332.

النهر الفائق شرح كنز الدقائق، سراج الدين عمر بن إبراهيم بن نجيم الحنفي، المحقق: أحمد عزو عناية، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، 1422 هـ - 2002 م.

333.

النَّوادر والزِّيادات على مَا في المدَوَّنة من غيرها من الأُمهاتِ، أبو محمد عبد الله بن (أبي زيد) عبد الرحمن النفزي، القيرواني، المالكي، الطبعة الأولى، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الأولى، 1999 م.

334.

نيل الأوطار، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، الطبعة الأولى، دار الحديث، مصر، 1413 هـ - 1993 م.

335.

الهداية على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، محفوظ بن أحمد بن الحسن، أبو الخطاب الكلوذاني، المحقق: عبد اللطيف هميم - ماهر ياسين الفحل، الناشر: الطبعة الأولى، مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، 1425 هـ - 2004 م.

336.

الهداية في شرح بداية المبتدي، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، أبو الحسن برهان الدين (المتوفى: 593 هـ)، المحقق: طلال يوسف، دار احياء التراث العربي - بيروت – لبنان.

337.

الوجيز في إيضاح قواعد الفقة الكلية، الشيخ الدكتور محمد صدقي بن أحمد بن محمد آل

ص: 526

بورنو أبو الحارث الغزي، الطبعة الرابعة، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، 1416 هـ - 1996 م.

338.

الوسيط في المذهب، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي)، المحقق: أحمد محمود إبراهيم، محمد محمد تامر، الطبعة الأولى، دار السلام - القاهرة، 1417 هـ.

339.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان البرمكي الإربلي، المحقق: إحسان عباس، بدون طبعة وبدون تاريخ، دار صادر - بيروت.

ص: 527