المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور - المسائل العقدية المتعلقة باسم الله عز وجل

[محمد بن خليفة التميمي]

فهرس الكتاب

‌المقدمة

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران 102].

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء 1].

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب 70 - 71].

أما بعد: فإن الله أمر المؤمنين بالإيمان في غير موضع من كتابه الكريم، فقال جلّ وعلا {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء 136].

وقال سبحانه وتعالى {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة 186].

ص: 5

إلى غيرها من الآيات الدالة على وجوب الإيمان بالله.

وإن من أهم ما يتضمنه الإيمان بالله تعالى -الذي هو أول أركان الإيمان وأعظمها- التعرف عليه سبحانه بأسمائه وصفاته، معرفة يتبعها العمل بآثارها على منهج أهل السنة والجماعة. وإن مما يبين‌

‌ أهمية موضوع أسماء الله الحسنى

أموراً كثيرة منها:

1 ـ أن العلم بالله وأسمائه وصفاته أشرف العلوم وأجلها على الإطلاق؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم في هذا العلم هو الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله، فالاشتغال بفهم هذا العلم، والبحث التام عنه، اشتغال بأعلى المطالب، وحصول للعبد من أشرف المواهب، ولذلك بينه الرسول صلى الله عليه وسلم غاية البيان، ولاهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم ببيانه لم يختلف فيه الصحابة رضوان الله عليهم كما اختلفوا في الأحكام

(1)

.

2 ـ أن معرفة الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى، مما يزيد الإيمان، كما قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي

(2)

رحمه الله: ((إن الإيمان

(1)

انظر: درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام (1/ 27، 28)، والفتوى الحموية له (ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام)(5/ 6)، وإعلام الموقعين لابن قيم الجوزية (1/ 49)، تيسير الكريم الرحمن للشيخ عبد الرحمن بن سعدي (1/ 24).

(2)

عبد الرحمن بن ناصر السعدي، من مواليد عنيزة عام 1307 هـ، من أشهر شيوخه: صالح بن عثمان القاضي، ومحمد بن عبد العزيز المانع، أكثر القراءة في كتب التفسير، والحديث، والتوحيد. وصنف فيها مصنفات نافعة، كان بذولا للعلم، ومرجعا للفتيا في بلده، توفي سنة 1376 هـ. انظر في ترجمته: علماء نجد خلال ستة قرون للبسام (2/ 422)، مشاهير علماء نجد وغيرهم لآل الشيخ ص 256، روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين للقاضي (1/ 220).

ص: 6

بأسماء الله الحسنى ومعرفتها يتضمن أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأنواع هي روح الإيمان ورَوْحُه، وأصله وغايته، فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه وقوي يقينه))

(1)

.

3 ـ أن معرفة الله تدعو إلى محبته وخشيته، وخوفه ورجائه، وإخلاص العمل له، وهذا هو عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه الحسنى، والتفقه في فهم معانيها.

4 ـ أن الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه، وهذا هو الغاية المطلوبة منهم؛ لأنه كما قال ابن القيم رحمه الله:((مفتاح دعوة الرسل، وزبدة رسالتهم، معرفة المعبود بأسمائه وصفاته وأفعاله، إذ على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها))

(2)

.

فالاشتغال بمعرفة الله، اشتغال بما خلق له العبد، وتركه وتضييعه إهمال لما خلق له، وليس معنى الإيمان هو التلفظ به فقط دون معرفة الله؛ لأن حقيقة الإيمان بالله أن يعرف العبد ربه الذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة الله بأسمائه وصفاته، وبحسب معرفته بربه يزداد إيمانه.

5 ـ أن العلم بأسماء الله الحسنى أصل للعلم بكل معلوم، كما يقول ابن القيم رحمه الله: ((إن العمل بأسماء الله الحسنى أصل للعلم بكل معلوم؛ فإن المعلومات سواه إما أن تكون خلقاً له تعالى أو أمراً، إما علم بما كوّنه، أو علم بما شرعه، ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى، أصل لإحصاء كل معلوم؛ لأن المعلومات هي

(1)

التوضيح والبيان لشجرة الإيمان ص 41.

(2)

الصواعق المرسلة (1/ 150، 151).

ص: 7

من مقتضاها ومرتبطة بها.))

(1)

.

فينبغي للمؤمن أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الأسماء والصفات، وتكون معرفته سالمة من داء التعطيل، ومن داء التمثيل، الذين ابتلي بهما كثير من أهل البدع المخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، بل تكون المعرفة متلقاة من الكتاب والسنة، وما روي عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان. فهذه هي المعرفة النافعة التي لا يزال صاحبها في زيادة في إيمانه، وقوة في يقينه، وطمأنينة في أحواله.

ومن مقتضيات هذا الإيمان الوقوف على مباحث تتعلق بلفظ الجلالة (الله)، وما خص به هذا اللفظ من خصائص لفظية

(2)

ومعنوية، مع بيان معناه من حيث اللغة واشتقاقه واختلاف العلماء في ذلك. والتنبيه إلى حقيقة الخلاف الدائر بين علماء أهل السنة ومن خالفهم من أهل الأهواء والبدع في بعض مسائله، إلى غير ذلك من المباحث التي سيقف عليها القارئ في ثنايا هذا البحث الذي ضمنته المباحث الآتية:

التمهيد: وفيه استعراض مواقف الطوائف من أسماء الله الحسنى.

المبحث الأول: الخلاف في اسم ((الله)) هل هو مشتق أم جامد

وفيه أربعة مطالب:

(1)

بدائع الفوائد (1/ 163). وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (2/ 16)، جامع البيان للطبري (1/ 38)، درء تعارض العقل والنقل (5/ 310)، القصيدة النونية لابن القيم ص 189، مختصر الصواعق المرسلة للموصلي (1/ 101)، تيسير الكريم الرحمن للسعدي (1/ 24 - 26).

(2)

وقد جمع الأستاذ محمد موسى الروحاني المدرس بالجامعة الأشرفية بلاهور نحواً من (800) خاصية في كتابه: فتح الله بخصائص الاسم (الله).

ص: 8

المطلب الأول: تعريف الاسم لغة واصطلاحاً

المطلب الثاني: هل أسماء الله جامدة أم مشتقة.

المطلب الثالث: هل لفظ الجلالة جامد أم مشتق.

المطلب الرابع: مادة اشتقاق اسم ((الله)).

المبحث الثاني: هل هو اسم الله الأعظم.

وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: المفاضلة بين أسماء الله تعالى.

المطلب الثاني: الأقوال في تحديد الاسم الأعظم.

المطلب الثالث: القائلين بأن الاسم الأعظم لفظ الجلالة (الله) وأدلتهم.

المطلب الرابع: الراجح في المسألة.

المبحث الثالث: الذكر بلفظ الجلالة مفرداً.

وفيه تمهيد ومطلبان

التمهيد: في فضل ذكر الله والمشروع فيه.

المطلب الأول: من قال بالذكر المفرد وشبهتهم.

المطلب الثاني: الرد عليهم.

المبحث الرابع: خصائص لفظ الجلالة.

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: الخصائص اللفظية لاسم الله عز وجل.

المطلب الثاني: الخصائص المعنوية لاسم الله عز وجل.

الخاتمة.

وقد كان جهدي منصباً على جمع وترتيب ما تفرق من كلام أهل العلم في هذه المسائل، وهو جهد بشري يعتريه ما يعتري عمل البشر من نقص وقصور، فإن أصبت فذلك من توفيق الله وعونه، وإن حصل فيه قصور ونقص وخلل فذلك من طبيعة عمل البشر.

ص: 9

سائلاً المولى عز وجل أن ينفع به كاتبه وقارئه، وهو سبحانه الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

ص: 10

‌التمهيد

فيه استعراض مواقف الطوائف من أسماء الله الحسنى:

إن من فضل الله ونعمته على أهل السنة أن وفقهم للعمل بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالهداية والنور والحق إنما هي في الكتاب والسنة، فالله يقول في شأن كتابه {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء 9]، وقال {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى 52]، وقال تعالى {الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [الرعد 1].

وقال في شأن رسوله صلى الله عليه وسلم {الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [الشورى 52]، وقال تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب 45، 46]، وقال تعالى {رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الطلاق 11].

فكل إنسان لا يمكنه أن يخرج من ظلمات الجهل والشرك والكفر والشك إلى نور العلم والتوحيد والإيمان واليقين إلا بالكتاب والسنة، ففيهما بحمد الله طريق الهدى وسبيل الرشاد، وضياء النفوس وشفاء الصدور، وبصائر القلوب والتذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ومعلوم أن كل من سلك إلى الله عز وجل علما وعملا بطريق ليست مشروعة موافقة للكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة

ص: 11

وأئمتها فلا بد أن يقع في بدعة قولية أو عملية، فإن السائر إذا سار على غير الطريق المهيع فلا بد أن يسلك بنيات الطريق، بخلاف الطريق المشروعة في العلم والعمل، فإنها أقوم طريق ليس فيها عوج، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال:((خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً وخط خطوطاً عن يمينه وشماله ثم قال: ((هذه سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو الناس إليه ثم قرأ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]))

(1)

.

ومعلوم أن الضلال والتهوك إنما استولى على كثير من المتأخرين بنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم، وإعراضهم عما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من البينات والهدى، وتركهم البحث عن طريقة السابقين من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، والتماسهم علم معرفة الله ممن لم يعرف الله

(2)

.

ولقد كان من نتاج ذلك البعد والإعراض الذي وقع فيه هؤلاء المبتدعة إلحادهم في أسماء الله الحسنى، بنوعيه الجلي الواضح والخفي غير المباشر معاندة ومشاقة لقوله تعالى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف 180].

فمسألة أسماء الله مع وضوحها وجلائها في النصوص، مع ذلك لم تسلم من إلحاد المعطلة على اختلاف طوائفهم

(3)

، فأحببت

(1)

رواه أحمد (4437).

(2)

الفتوى الحموية ص 6.

(3)

المعطلة ينقسمون إلى: فلاسفة وأهل الكلام.

أما الفلاسفة فينقسمون إلى:

أهل فلسفة محضة كالفارابي والكندي.

وإلى أهل فلسفة باطنية.

وأهل الفلسفة الناطنية ينقسمون إلى:

رافضية إسماعلية كابن سينا وإخوان الصفا.

وإلى صوفية اتحادية كابن عربي وابن سبعين.

أما أهل الكلام فهم الجهمية والمعتزلة والكلابية

والأشاعرة والماتريدية.

أما مسالك التعطيل فتنقسم إلى قسمين هما:

المسلك الأول: مسلك التبديل (تبديل المعاني). وينقسم إلى مسلك الوهم والتخييل (الفلاسفة).

ومسلك التحريف والتأويل (أهل الكلام) وهم من يزعم أن المراد خلاف مدلول الظاهر وينبغي علم ذلك المراد عما سوى الله.

وأما المسلك الثاني: فمسلك التجهيل (أي من يزعم الجهل معانيها) وهم ينقسمون إلى قسمين:

فهناك قسم يزعم أن المراد خلاف مدلول الظاهر، وينفي علم ذلك المراد عما سوى الله.

وهناك من يزعم أنها تجرى على ظاهرة، ومع ذلك لا يعلم تأويلها إلا الله.

ص: 12

أن أعرض في هذا التمهيد لتلك الأقوال التي صدرت عن هؤلاء، لأجل أن تعرف المقالات والمذاهب في هذا الباب وما هي عليه من الدرجات والمراتب ليعطى كل ذي حق حقه ويعرف المسلم أين يضع قدمه، وإن كان ليس المقصود في هذا التمهيد بيان خطأ هؤلاء وبيان ما في مقالاتهم من الخطأ والصواب، وموافقة أهل السنة ومخالفتهم، بل أن يعلم مقالة كل فريق على حقيقتها.

ثم إن العرض لهذه الأقوال المخالفة، ثم إتباع ذلك بعرض قول أهل السنة هو من باب إظهار حسن الشيء بذكر ضده، كما قيل ((الضد يظهر حسنه الضد)) و ((وبضدها تتميز الأشياء)). والقصد

ص: 13

في ذلك أن يتبين للقارئ الكريم معالم معتقد أهل السنة في باب الأسماء الحسنى وما تميز واختص به من بين سائر الأقوال الأخرى، الأمر الذي يساعد على تصور فهم ما سيعرض في هذه الدراسة من مسائل ومباحث لها صلة وعلاقة بما أظهرته تلك الطوائف من مقالات فاسدة في باب أسماء الله الحسنى.

وإليك عرض تلك الأقوال المخالفة وهي أربعة أقوال ثم أتبعها بذكر القول الخامس وهو قول أهل السنة والجماعة:

القول الأول: من يقول إن الله لا يسمى بشيء.

وهذا قول الجهمية أتباع جهم بن صفوان، والغالية من الملاحدة كالقرامطة والفلاسفة.

وهؤلاء المعطلة نفاة الأسماء لهم في تعطيلهم لأسماء الله أربعة مسالك هي:

المسلك الأول: الاقتصار على نفي الإثبات فقالوا لا يسمى بإثبات.

المسلك الثاني: أنه لا يسمى بإثبات ولا نفي.

المسلك الثالث: السكوت عن الأمرين الإثبات والنفي.

المسلك الرابع: تصويب جميع الأقوال بالرغم من تناقضها.

فهم بذلك اتفقوا على إنكار الأسماء جميعاً، ولكن تنوعت مسالكهم في الإنكار.

1 ـ فأصحاب المسلك الأول: اقتصروا على قولهم: بأنه ليس له اسم كالحي والعليم ونحو ذلك. وشبهتهم في ذلك:

أ ـ أنه إذا كان له اسم من هذه الأسماء، لزم أن يكون متصفاً

ص: 14

بمعنى الاسم كالحياة والعلم؛ فإن صدق المشتق -أي الاسم كالعليم- مستلزم لصدق المشتق منه -أي الصفة كالعلم-، وذلك محال عندهم.

ب ـ ولأنه إذا سمي بهذه الأسماء فهي مما يسمى به غيره. والله منزه عن مشابهة الغير

(1)

.

فهؤلاء المعطلة المحضة -نفاة الأسماء- يسمون من سمى الله بأسمائه الحسنى مشبهاً، فيقولون: إذا قلنا حي عليم فقد شبهناه بغيره من الأحياء العالمين؛ وكذلك إذا قلنا هو سميع بصير فقد شبهناه بالإنسان السميع البصير، وإذا قلنا رؤوف رحيم فقد شبهناه بالنبي الرؤوف الرحيم، بل قالوا إذا قلنا إنه موجود فقد شبهناه بسائر الموجودات لاشتراكهما في مسمى الموجود

(2)

.

وهذا المسلك ينسب لجهم بن صفوان، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:((جهم كان ينكر أسماء الله تعالى فلا يسميه شيئاً لا حياً ولا غير ذلك إلا على سبيل المجاز))

(3)

.

وهو كذلك قول ابن سينا وأمثاله

(4)

.

2 ـ وأما أصحاب المسلك الثاني: فقد زادوا في الغلو فقالوا لا يسمى بإثبات ولا نفي، ولا يقال موجود ولا لا موجود، ولا حي ولا لا حي؛ لأن في الإثبات تشبيها بالموجودات وفي النفي تشيبها له بالمعدومات، وكل ذلك تشبيه

(5)

.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (6/ 35، 3/ 100)، ودرء تعارض العقل والنقل (3/ 367)، والصفدية (1/ 88 - 89 - 96 - 97).

(2)

منهاج السنة (2/ 523، 524).

(3)

مجموع الفتاوى (12/ 311).

(4)

الصفدية (1/ 299 - 300).

(5)

مجموع الفتاوى (6/ 35، 3/ 100).

ص: 15

والمسلك الثاني: ينسب لغلاة المعطلة من القرامطة الباطنية والمتفلسفة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فالقرامطة الذين قالوا لا يوصف بأنه حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز، بل قالوا لا يوصف بالإيجاب ولا بالسلب، فلا يقال حي عالم ولا يقال ليس بحي عالم، ولا يقال هو عليم قدير ولا يقال ليس بقدير عليم، ولا يقال هو متكلم مريد، ولا يقال ليس بمتكلم مريد.

قالوا لأن في الإثبات تشبيها بما تثبت له هذه الصفات، وفي النفي تشبيها له بما ينفي عنه هذه الصفات

(1)

.

3 ـ وأما أصحاب المسلك الثالث فيقولون: نحن لا نقول ليس بموجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت، فلا ننفي النقيضين، بل نسكت عن هذا وهذا، فنمتنع عن كل من المتناقضين، لا نحكم لا بهذا ولا بهذا، فلا نقول: ليس بموجود ولا معدوم، ولكن نقول هو موجود ولا نقول هو معدوم.

ومن الناس من يحكي نحو هذا عن الحلاج، وحقيقة هذا القول هو الجهل البسيط والكفر البسيط، الذي مضمونه الإعراض عن الإقرار بالله ومعرفته وحبه وذكره وعبادته ودعائه

(2)

.

وأصحاب المسلك الثالث هم المتجاهلة اللاأدرية.

وأصحاب المسلك الثاني هم المتجاهلة الواقفة الذين يقولون لا نثبت ولا ننفي.

وأصحاب المسلك الأول هم المكذبة النفاة.

(1)

شرح العقيدة الأصفهانية ص 76.

(2)

الصفدية (1/ 96 - 98).

ص: 16

4 ـ وهناك مسلك رابع يقول بتصويب كل واحد من القائلين للأقوال المتناقضة، كما يقوله من يقوله من أصحاب الوحدة، كابن عربي ونحوه الذي يقول بأن كل من اعتقد في الله عقيدة فهو مصيب فيها حتى قال:

عقد الخلائق في الإله عقائدا

وأنا أعتقد جميع ما عقدوه

فأصحاب وحدة الوجود يعطون أسماءه سبحانه لكل شيء في الوجود إذ كان وجود الأشياء عندهم هو عين وجوده ما ثمت فرق إلا بالإطلاق والتقييد

(1)

.

وهذا منتهى قول طوائف المعطلة

(2)

.

وغاية ما عندهم في الإثبات قولهم هو وجود مطلق أي وجود خيالي في الذهن، أو وجود مقيد بالأمور السلبية، وقالوا لا نقول موجود ولا معدوم، أو قالوا: هو لا موجود ولا معدوم

(3)

.

حكم القول بنفي الأسماء:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((والتحقيق أن التجهم المحض وهو نفي الأسماء والصفات كما يحكى عن جهم والغالية من الملاحدة ونحوهم، من نفي الأسماء الحسنى كفر بين مخالف لما علم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم)

(4)

.

القول الثاني: أن الله يسمى بالخالق القادر فقط.

وهذا القول منسوب كذلك للجهم بن صفوان.

(1)

شرح القصيدة النونية للهراس (2/ 126).

(2)

الصفدية (1/ 98 - 99).

(3)

الصفدية (1/ 116 - 117).

(4)

النبوات ص 198.

ص: 17

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((كان الجهم وأمثاله يقولون: إن الله ليس بشيء؛ وروي عنه أنه قال: لا يسمى باسم يسمى به الخلق فلم يسمه إلا بالخالق القادر، لأنه كان جبريا يرى أن العبد لا قدرة له))

(1)

.

وقال أيضاً: ((ولهذا نقلوا عن جهم أنه لا يسمي الله بشيء، ونقلوا عنه أنه لا يسميه باسم من الأسماء التي يسمى بها الخلق، كالحي، والعالم، والسميع، والبصير، بل يسميه قادراً خالقاً، لأن العبد عنده ليس بقادر، إذ كان هو رأس الجهمية الجبرية))

(2)

.

القول الثالث: إثبات الأسماء مجردة عن الصفات

وهذا قول المعتزلة فهم يجمعون على تسمية الله بالاسم ونفي الصفة عنه، يقول ابن المرتضى المعتزلي:((فقد أجمعت المعتزلة على أن للعالم محدثاً قديماً قادراً عالماً حياً لا لمعان))

(3)

.

ولهم في ذلك النفي مسلكان:

المسلك الأول: من جعل الأسماء كالأعلام المحضة المترادفة

(4)

(1)

منهاج السنة (2/ 526 - 527). وانظر: الأنساب للسمعاني (2/ 133).

(2)

درء تعارض العقل والنقل (5/ 187)، ومجموع الفتاوى (8/ 460).

(3)

كتاب ذكر المعتزلة من كتاب ((المنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل)) لأحمد بن يحيى بن المرتضى ص 6، ط: دار صادر، بيروت. شرح الأصول الخمسة ص 151 للقاضي عبد الجبار، مقالات الإسلاميين ص 164 - 165.

(4)

المترادفة: أي اختلفت في ألفاظها واتحدت في مدلولاتها (فالرحمن والقدير والعزيز) اختلفت في ألفاظها واتحدت في دلالتها على مسمى الله.

(فأسماء الله الحسنى كلها متفقة في الدلالة على نفسه المقدسة، ثم كل اسم يدل على معنى من صفاته ليس له المعنى الذي دل عليه الاسم الآخر. انظر: كتاب الإيمان لابن تيمية ص 175.

ص: 18

التي لم توضع لمسماها باعتبار معنى قائم به. فهم بذلك ينظرون إلى هذه الأسماء على أنها أعلام خالصة لا تدل على صفة والمحضة الخالصة الخالية من الدلالة على شيء آخر، فهم يقولون إن العليم والخبير والسميع ونحو ذلك أعلام لله ليس دالة على أوصاف، وهي بالنسبة إلى دلالتها على ذات واحدة هي: مترادفة، وذلك مثل تسميتك ذاتا واحدة بزيد وعمرو ومحمد وعلي، فهذه الأسماء مترادفة وهي أعلام خالصة لا تدل على صفة لهذه الذات المسماة بها

(1)

.

المسلك الثاني: من يقول منهم إن كل علم منها مستقل، فالله يسمى عليما وقديراً، وليست هذه الأسماء مترادفة، ولكن ليس معنى ذلك أن هناك حياة أو قدرة.

ولذلك يقولون عليم بلا علم، قدير بلا قدرة، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر.

وقول المعتزلة وإن كان دون قول الجهمية، لكنه عظيم أيضاً

(2)

.

قال أبو الحسن الأشعري: ((وزعمت الجهمية -يعني المعتزلة- أن الله عز وجل لا علم له ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر له، وأرادوا أن ينفوا أن الله عالم قادر حي سميع بصير، فمنعهم خوف السيف من إظهارهم نفي ذلك، فأتوا بمعناه، لأنهم إذا قالوا: لا علم لله ولا قدرة له، فقد قالوا: إنه ليس بعالم ولا قادر، ووجب ذلك عليهم؛ وهذا إنما أخذوه عن أهل الزندقة

(1)

التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية (1/ 46).

(2)

النبوات ص 198.

ص: 19

والتعطيل، لأن الزنادقة قال كثير منهم: إن الله ليس بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا بصير، فلم تقدر المعتزلة أن تفصح بذلك، فأتت بمعناه، وقالت: إن الله عالم قادر حي سميع بصير من طريق التسمية من غير أن يثبتوا له حقيقة العلم والقدرة والسمع والبصر))

(1)

.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((إن المعتزلة لما رأوا الجهمية قد نفوا أسماء الله الحسنى، استعظموا ذلك لما فيه من تكذيب القرآن تكذيباً ظاهر الخروج عن العقل، فأقروا بالأسماء ونفوا الصفات، فصاروا هم كذلك متناقضين، فإن إثبات حي عليم قدير حكيم سميع بصير، بلا حياة ولا علم ولا قدرة، ولا حكمة ولا سمع، ولا بصر، مكابرة للعقل كإثبات مصلٍّ بلا صلاة وصائم بلا صيام، وقائم بلا قيام، ونحو ذلك من الأسماء المشتقة كأسماء الفاعلين والصفات المعدولة عنها))

(2)

.

وقد ضم المعتزلة إلى بدعتهم هذه بدعاً أخرى منها:

1 ـ قولهم بأن أسماء الله مخلوقة.

2 ـ قول بعضهم بأن أسماء الله ليست توقيفية.

أما قولهم بأن أسماء الله مخلوقة فلأنهم يقولون: الاسم غير المسمّى، وأسماء الله غيره، وماكان غيره فهو مخلوق، ويقولون إن كلام الله مخلوق، وأسماؤه مخلوقة، وهو نفسه لم يتكلم بكلام يقوم بذاته ولا سمّى نفسه باسم هو المتكلم به، بل قد يقولون إنه

(1)

الإبانة عن أصول الديانة ص 107 - 108، الناشر: مكتبة دار البيان.

(2)

النبوات ص 63 - 64 بتصرف.

ص: 20

تكلم به، وسمى نفسه بهذه الأسماء بمعنى أنه خلقها في غيره، لا بمعنى أنه نفسه تكلم بها كلام القائم به. فالقول في أسمائه هو نوع من القول في كلامه.

وقد ذم السلف المعتزلة بقولهم هذا وغلَّظوا فيهم القول؛ لأن أسماء الله من كلامه وكلام الله غير مخلوق، بل هو المتكلم به، وهو المسمِّي لنفسه بما فيه من الأسماء.

ولهذا يروى عن الشافعي والأصمعي وغيرهما أنه قال: ((إذا سمعت الرجل يقول: الاسم غير المسمى فاشهد عليه بالزندقة))

(1)

.

وقال الإمام أحمد: ((من قال أسماء الله تعالى مخلوقة فقد كفر))

(2)

.

وأما بدعتهم الثالثة في أسماء الله فهي قولهم بأن أسماء الله غير توقيفية.

فقد نقل البغدادي عن المعتزلة البصرية أنهم أجازوا إطلاق الأسماء على الله بالقياس

(3)

.

وقال أبو الحسن الأشعري: ((واختلفت المعتزلة هل يجوز أن يسمي الباريء عالما من استدل على أنه عالم بظهور أفعاله عليه وإن لم يأته السمع من قبل الله سبحانه بأن يسميه بهذا الاسم أم لا على مقالتين:

فزعمت الفرقة الأولى منهم أنه جائز أن يسمي الله سبحانه

(1)

مجموع الفتاوى (6/ 185 - 187) باختصار.

(2)

لوامع الأنوار البهية (1/ 119)، طبقات الحنابلة (2/ 199).

(3)

الفرق بين الفرق ص 337.

ص: 21

عالما قادرا حيا سميعا بصيرا من استدل على معنى ذلك أنه يليق بالله وإن لم يأت به رسول.

وزعمت الفرقة الثانية أنه لا يجوز أن يسمي الله سبحانه بهذه الأسماء من دله العقل على معناها إلا أن يأتيه بذلك رسول من قبل الله سبحانه يأمره بتسميته بهذه الأسماء))

(1)

.

- موافقة ابن حزم للمعتزلة في مسألة نفي معاني الأسماء:

هذا القول بإثبات الأسماء ونفي الصفات قال به أيضاً بعض متكلمة الظاهرية

(2)

كابن حزم الذي قال: ((إن أسماءه الحسنى كالحي والعليم والقدير بمنزلة أسماء الأعلام التي لا تدل على حياة ولا علم ولا قدرة، وقال: لا فرق بين الحي وبين العليم وبين القدير في المعنى أصلا))

(3)

.

وهذا القول لابن حزم وأمثاله من الظاهرية في باب الصفات هو بعينه مسلك المعتزلة في الصفات كما سبق وأن بيناه. ومثل هذه المقالات إنما هي في الحقيقة سفسطة في العقليات وقرمطة في السمعيات.

القول الرابع: إثبات الأسماء الحسنى مع إثبات معاني بعضها وتحريف معاني البعض الآخر، وهذا قول الكلابية والأشاعرة والماتريدية ومن وافقهم.

(1)

مقالات الإسلاميين ص 197.

(2)

إمام الظاهرية داود الظاهري وأكابر أصحابه كانوا من المثبتين للصفات على مذهب أهل السنة والحديث، ولكن من أصحابه طائفة سلكت مسلك المعتزلة ووافقوهم في مسائل الصفات وإن خالفوهم في القدر والوعيد. شرح الأصفهانية ص 77 - 78.

(3)

الفصل (2/ 161)، وشرح الأصفهانية ص 76.

ص: 22

ورأيهم في هذه المسألة مبني على قولهم في صفات الله تعالى.

فالكلابية وقدماء الأشاعرة ينفون الصفات الاختيارية وبالتالي لا يثبتون معاني الأسماء التي اشتقت من الصفات الاختيارية على الوجه الصحيح.

وأما المتأخرون من الأشاعرة ومعهم الماتريدية، فإنهم لا يثبتون من الصفات سوى سبع صفات وهي:(العلم، والقدرة، والحياة، والسمع، والبصر، والإرادة والكلام) ويزيد بعض الماتريدية صفة ثامنة هي (التكوين)

(1)

.

فالاسم عندهم إن دل على ما أثبتوه من الصفات، أثبتوا ما دل عليه من المعنى، وإن كان دالاً على خلاف ما أثبتوه صرفوه عن حقيقته وحرفوا معناه.

ومعلوم أنه لم يرد في باب الأسماء من تلك الصفات التي ذكروها إلا خمسة فقط وهي: (العليم) و (القدير) و (الحي) و (السميع) و (البصير)؛ فهذه الخمسة يثبتون معناها وإن كان هناك من يرجع صفتي (السمع) و (البصر) إلى (العلم) ولكن جمهورهم على خلاف ذلك

(2)

.

(1)

انظر: تحفة المريد ص 63، وإشارات المرام ص 107 - 114، وكتاب الماتريدية دراسة وتقويم ص 239، وكتاب الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات (2/ 430)، ورسالة منهج أهل السنة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف ص 401.

(2)

كتاب لباب العقول للمكلاتي ص 213، 214، شرح الأصفهانية ص 445، والمسايرة لابن الهمام ص 67، وكتاب الماتريدية دراسة وتقويم ص 264، وكتاب الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات (2/ 431)، ورسالة منهج أهل السنة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف ص 409.

ص: 23

وأما بقية الأسماء التي لا تتفق مع ما أثبتوه من الصفات، فإنهم لا يثبتون ما دلت عليه من المعاني، بل يحرفونها كتحريفهم لمعنى (الرحمة) في اسمه (الرحمن) إلى (إرادة الثواب، أو إرادة الإنعام)، و (الود) في (الودود) بـ (إرادة إيصال الخير)

(1)

.

ومن المخالفات التي وقع فيها بعض هؤلاء بالإضافة إلى ما تقدم:

1 ـ قولهم بأن في الأسماء اسما غير مشتق.

2 ـ قول بعضهم بأن أسماء الله ليست توقيفية.

3 ـ مسألة الاسم والمسمى:

وأما بالنسبة لما يتعلق بالمسألة الأولى، فإن بعض الأشاعرة يقسمون الأسماء إلى قسمين:

القسم الأول: أسماء مشتقة.

القسم الثاني: أسماء غير مشتقة.

قال البغدادي: ((جملة أسمائه قسمان مشتق وغير مشتق))

(2)

.

فيجعلون اسم الله غير مشتق أي لا يدل على معنى، فيعاملونه معاملة الأسماء الجامدة، وهذا مخالف لمذهب أهل السنة الذين يعتقدون بأن أسماء الله جميعها متضمنة لمعان وليس فيها اسم جامد لا يدل على معنى.

وأما المسألة الثانية وهي كون أسماء الله توقيفية.

فإن الماتريدية وجمهور الأشاعرة يوافقون أهل السنة في هذه

(1)

شرح الأسماء الحسنى للرازي ص 287.

(2)

أصول الدين للبغدادي ص 118.

ص: 24

المسألة، ولكن القاضي الباقلاني من الأشاعرة لا يشترط أن يكون توقيف من الكتاب والسنة في أسماء الله واشترط أمرين:

1 ـ أن يدل على معنى ثابت لله تعالى.

2 ـ أن لا يكون إطلاقه موهما لما لا يليق بالله تعالى

(1)

.

وتوقف الجويني في هذه المسألة

(2)

.

وأما المسألة الثالثة وهي مسألة الاسم والمسمى.

فإن قول الأشاعرة والماتريدية فيها واحد، فهم يقولون:((الاسم عين المسمى))

(3)

.

وحقيقة هذه العبارة عندهم أن المسمى أي الله غير مخلوق وأما التسميات فهي مخلوقة.

فهم وافقوا الجهمية والمعتزلة في المعنى، وإن أظهروا أنهم موافقون لأهل السنة في اللفظ بقولهم:((إن أسماء الله غير مخلوقة)).

ومرادهم بذلك أن الله غير مخلوق. وهذا مما لا تنازع فيه الجهمية والمعتزلة

(4)

.

القول الخامس: إثبات الأسماء الحسنى مع إثبات معانيها جميعاً وإثبات ما يتعلق بها من الأحكام والمقتضيات.

وهذا قول أهل السنة والجماعة واعتقادهم يمكن إجماله في النقاط التالية:

(1)

شرح المقاصد للتفتازاني (4/ 344، 345)، ولوامع الأنوار للسفاريني (1/ 124).

(2)

الإرشاد ص 136 - 137.

(3)

أصول الدين للبغدادي ص 114، 115، وتبصرة الأدلة ص 198.

(4)

مجموع الفتاوى (6/ 195 - 196).

ص: 25

1 ـ الإيمان بثبوت الأسماء الحسنى الواردة في القرآن والسنة من غير زيادة ولا نقصان.

2 ـ الإيمان بأن الله هو الذي يسمي نفسه، ولا يسميه أحد من خلقه، فالله عز وجل هو الذي تكلم بهذه الأسماء، وأسماؤه منه، وليست محدثة مخلوقة كما يزعم الجهمية والمعتزلة والكلابية والأشاعرة والماتريدية.

3 ـ الإيمان بأن هذه الأسماء دالة على معان في غاية الكمال فهي أعلام وأوصاف، وليست كالأعلام الجامدة التي لم توضع باعتبار معناها، كما يزعم المعتزلة.

4 ـ احترام معاني تلك الأسماء وحفظ ما لها من حرمة في هذا الجانب وعدم التعرض لتلك المعاني بالتحريف والتعطيل كما هو شأن أهل الكلام.

5 ـ الإيمان بما تقتضيه تلك الأسماء من الآثار وما ترتب عليها من الأحكام.

وبالجملة فإن أهل السنة يؤمنون بأسماء الله إيمانا صحيحاً وفق ما أمرت به نصوص القرآن والسنة ووفق ما كان عليه فهم سلف الأمة، بخلاف أهل الباطل الذين أنكروا ذلك وعطلوه، فألحدوا في أسماء الله إلحاداً كلياً أو جزئياً، كما سبق وأن بيناه خلال عرض الأقوال الأربعة السابقة. وهذا التمهيد ضروري لطالب العلم، حتى يقف على الحقيقة ويعرف الباطل معرفة تفصيلية، وحتى لا يشتبه عليه الحق والباطل. فإن الاشتقاق مثلا في لفظ الجلالة (الله) والخلاف الموجود فيه بين أهل السنة وطوائف أهل الباطل مرجعه إلى ما ذكرت، فهو خلاف عقدي وإن كان أهل الأهواء جعلوا

ص: 26

الخلاف اللغوي وهو عدم الاشتقاق سلما ومطية لخدمة معتقدهم في هذا الباب أعني باب الأسماء الحسنى.

ولا يضرك الخلاف الموجود بين علماء أهل السنة في قضية الاشتقاق في لفظ الجلالة وعدمه، فذاك مرجعه إلى اللغة وأن استعمال لفظ الجلالة استعمال الأعلام الجامدة لغلبة الاستعمال فلا يقع صفة ولا خبراً عند من قال بعدم الاشتقاق فيه من أهل السنة كالشافعي وغيره، لا يعني ذلك عدم دلالته على صفة الألوهية واشتقاقه منها ودلالتها عليه باللزوم، وسيأتي مزيد بيان لذلك في بابه إن شاء الله.

ص: 27

‌المبحث الأول: الخلاف في اسم (الله) هل هو مشتق أم جامد.

وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: تعريف الاسم لغة واصطلاحاً.

المطلب الثاني: هل أسماء الله جامدة أم مشتقة.

المطلب الثالث: هل لفظ الجلالة جامد أم مشتق.

المطلب الرابع: مادة اشتقاق اسم ((الله)).

ص: 29

‌المطلب الأول: تعريف الاسم لغة واصطلاحاً.

‌أ- أصل اشتقاق الاسم:

اختلف في أصل اشتقاق "الاسم" على قولين:

القول الأول: أنه مشتق من "السُّمُوِّ" وهو العلوُّ والارتفاع، وقال به النُّحاةُ البصريُّون.

القول الثاني: أنه مشتق من "السمة"، وهي العلامة، وقال به النُّحاة الكوفيُّون.

والصواب من القولين هو القول الأول

(1)

‌أولاً: لأن اشتقاقه من "السُّمُوِّ" هو "الاشتقاق الخاصُّ"

(2)

.

الذي يتفق فيه اللفظان في الحروف وترتيبها، فإنهم:

• يقولون في تصريفه: "سمِّيت"، ولا يقولون:"وَسَمْتُ".

• ويقولون في جمعه: "أسماء"، ولا يقولون:"أوسام".

(1)

كتاب العين 7/ 318، تهذيب اللغة 13/ 117.

(2)

الاشتقاق الأصغر الخاص هو الاشتراك في الحروف وترتيبها وهو المشهور، كقولك: عَلِمَ يَعْلَمُ فهو عالم.

(والاشتقاق الأوسط أن يشتركا في الحروف لا في ترتيبها، كقول الكوفيين: الاسم مشتق من السِّمةِ.

(والاشتقاق الأكبر إذا اشتركا في أكثر الحروف وتفاوتا في بعضها، وقيل: أحدهما مشتق من الآخر. (انظر: منهاج السُّنة 5/ 192).

ص: 30

• ويقولون في تصغيره: "سُمَيٌّ"، ولا يقولون:"وُسيم".

• ويقالُ لصاحبه: "مسمَّى"، ولا يقالُ:"موسومٌ".

وأما "السِّمة" فهي تتفق مع الاسم في "الاشتقاق الأوسط " وهو ما يتفق فيه حروف اللفظين دون ترتيبهما، فإنه في كليهما (السِّين والميم والواو) لكن اشتقاقه من "السُّمُوِّ" هو الاشتقاق الخاصُّ، كما أسلفنا.

‌ثانيا: ثُمَّ إن "السُّمُوَّ" هو بمعنى العلوِّ والارتفاع والرِّفعة.

و"السَّمة" بمعنى العلامة.

وإذا كان الاسم مقصوده إظهار المسمَّى وبيانه فإن المعنى الثاني وإن كان صحيحا، لكن المعنى الأول أخص وأتم، فإن العلو مقارن للظُّهور، فالاسم يظهر به المسمَّى ويعلو؛ فيقالُ للمسمِّي: سمِّهِ: أي أظهره وأعلِه، أي أعلِ ذكره بالاسم الذي يُذكرُ به، وبعض النحاة يقول: سمي اسمًا لأنه علا على المسمَّى؛ أو لأنه علا على قسيميه الفعل والحرف؛ وليس المراد به هذا، بل لأنه يُعلي المسمى فيظهر؛ ولهذا يقالُ: سمَّيته أي أعليته وأظهرته، فتجعل المعلى المظهر هو المسمى، وهذا إنما يحصل بالاسم. وما ليس له اسم فإنه لا يُذكر ولا يظهر ولا يعلو ذكره؛ بل هو كالشيء الخفي الذي لا يُعرفُ؛ ولهذا يقال:

الاسم دليل على المسمَّى، وعلمٌ على المسمَّى، ونحو ذلك.

ولهذا كان أهل الإسلام الذين يذكرون أسماء الله، يعرفونه ويعبدونه ويحبونه ويذكرونه، ويظهرون ذكره. بخلاف الملاحدة الذين

ص: 31

ينكرون أسماءه وتُعرِضُ قلوبهم عن معرفته وعبادته ومحبته وذكره

(1)

.

‌ب- تعريف الاسم في اللغة:

عُرّف الاسم بعدَّة تعريفات، نذكر منها:

ا- الاسم: هو اللفظ الدَّلُّ على المسمَّى

(2)

.

2 -

الاسم: هو القول الدال على المسمَّى

(3)

.

3 -

الاسم: حروف منظومة دالة على معنى، مفرد.

(4)

4 -

الاسم: قول يدل على مذكور يضاف إليه.

(5)

‌ج- الفرق بين "الاسم" و"المسمَّى" و"التَّسمية":

يجب التفريق بين هذه الألفاظ الثلاثة؛ لأن منشأ الغلط في هذه المسألة من إطلاق هذه الألفاظ لغير معانيها التي لها، فلا يفصل النزاع إلا بتفصيل تلك المعاني، وتنزيل ألفاظها عليها

(6)

.

فـ "الاسم" هو: اللفظ الدال على المسمَّى.

وأما "المسمى" فهو: الشيء الموجود في الأعيان أو الأذهان.

وأما "التسمية" فهي: فعل المُسمِّى ووضعه الاسم للمُسمَّى.

كما أن التحلية عبارة عن فعل " المُحلى" ووضعه الحلية للتَّحلية.

ولهذا تقول: سمَّيت هذا الشخص بهذا الاسم، كما تقول:

(1)

مجموع الفتاوى 6/ 207 - 309 (باختصار).

(2)

بدائع الفوائد 1/ 16.

(3)

مجموع الفتاوى 6/ 192.

(4)

مجموع الفتاوى 6/ 189.

(5)

مجموع الفتاوى 6/ 189.

(6)

بدائع الفوائد 1/ 16 - 17.

ص: 32

حليته بهذه، التَّحلية، والحلية غير المحلَّى

(1)

والتَّسمية: مصدر "سمَّى""يُسِّمي ""تسمية" فالتسمية نطق بالاسم وتكلُّمٌ به وليست هي الاسم نفسه

(2)

.

فهنا ثلاث حقائق "اسم" و"مسمى" و"تسمية" ك"حلية" و"مُحلى" و"تحلية"، و"علامة" و"مُعْلَم" و"تعليم"، ولا سبيل إلى جعل لفظين منهما مترادفين على معنى واحد، لتباين حقائقها، وإذا جعلت الاسم هو المسمى، بطل واحد من هذه الثلاثة ولابدَّ

(3)

.

(1)

بدائع الفوائد 1/ 16 - 17.

(2)

مجموع الفتاوى 6/ 195.

(3)

بدائع الفوائد 1/ 17.

ص: 33

‌المطلب الثاني: هل أسماء الله جامدة أم مشتقة؟

‌القول الأول: قول أهل السنة والجماعة في المسألة.

من الأمور المتقرِّرة في عقيدة أهل السنة والجماعة أن أسماء الله الحُسنى متضمنة للصفات، فكل اسم يدلُّ على معنى من صفاته ليس هو المعنى الذي دل عليه الاسم الآخر، فالعزيز متضمِّنٌ لصفة العزة وهو مشتقٌ منها، والخالق متضمن لصفة الخلق وهو مشتق منه، فأسماء الله مشتقة من صفاته وليست جامدة كما يزعم المعتزلة ومن وافقهم الذين ادَّعوا أنها أعلامٌ جامدةٌ لا معاني لها، فقالوا: سميع بلا سمع، بصيرٌ بلا بصر، وعزيزٌ بلا عزة، فسلبوا بذلك عن أسماء الله معانيها.

فالرب تعالى يُشتقُّ له من أوصافه وأفعاله أسماءٌ ولا يشتق له من مخلوقاته، وكل اسم من أسمائه فهو مشتقٌ من صفة من صفاته أو فعل قائم به.

فأسماء الله الحُسنى كلها متفقة في الدلالة على نفسه المقدسة، ثم كل اسمٍ يدل على معنى من صفاته ليس هو المعنى الذي دلَّ عليه الاسم الآخر

(1)

.

وذلك لأن أسماءه الحسنى لها اعتباران:

(1)

الإيمان لابن تيمية ص 175.

ص: 34

ـ اعتبارٌ من حيث الذات، واعتبارٌ من حيث الصفات.

فهي أعلام باعتبار دلالتها على الذَّات، وأوصاف باعتبار ما دلَّت عليه من المعاني.

وهي بالاعتبار الأول مترادفة لدلالتها على مسمى واحد هو الله عز وجل، فـ ((الحي، العليم، القدير، السميع، البصير، الرحمن، الرحيم، العزيز، الحكيم)) كلها أسماء لمسمى واحد هو الله سبحانه وتعالى.

قال تعالى {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء 110].

فأسماء الله تعالى تدل كلها على مسمى واحد، وليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى يضاد دعاءه باسم آخر، بل كل اسم يدل على ذاته.

وهي بالاعتبار الثاني: متباينة لدلالة كل واحد منها على معناه الخاص، فمعنى الحي غير معنى العليم، ومعنى العليم غير معنى القدير، وهكذا

(1)

.

قال ابن القيم رحمه الله: ((أسماء الله الحسنى هي أعلمٌ وأوصافٌ، والوصفُ بها لا ينافي العلمية؛ بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميتهم؛ لأن أوصافهم مشتركة فنافتها العلمية المختصة، بخلاف أوصاف الله تعالى))

(2)

.

وقال رحمه الله: ((أسماء الرب تعالى، أسماء كتبه، وأسماء نبيه صلى الله عليه وسلم هي أعلام دالة على معان هي بها أوصاف، فلا تضاد فيها العلميةُ

(1)

بدائع الفوائد 1/ 162، القواعد المثلى ص 8، جلاء الأفهام ص 138.

(2)

بدائع الفوائد 1/ 162.

ص: 35

الوصفَ بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين، فهو الله الخالق البارئ المصوذِر القهَّار؛ فهذه أسماء له دالة على معان هي صفاته

))

(1)

.

‌الأدلة على أن أسماء الله أعلامٌ وأوصافٌ.

‌دلالة القرآن والسنة على ذلك:

تنوعت دلالة القرآن والسنة في إثبات هذه المسألة، فمن ذلك:

‌أ ـ أن الله يخبر بمصادرها ويصفُ نفسه بها: والمصدر هو الوصف الذي اشتقت منه تلك الصفة.

فمن القرآن:

• قال تعالى: {وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [الشورى 19]، وقال تعالى {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات 58]، وقال تعالى {الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر 10].

فعُلم أنَّ ((القويِّ)) من أسمائه، ومعناه الموصوف بالقوة.

وكذلك ((العزيز)) من أسمائه، ومعناه الموصوف بالعزة.

فالقوي من له القوة، والعزيز من له العزة، فلولا ثبوت القوة والعزة لم يُسمَّ قويا ولا عزيزاً.

• وقال تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الأحقاف 8]، وقال تعالى {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} [الرعد 6]، وقال تعالى {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف 58].

فالغفور هو المتصف بالمغفرة، والرحيم هو المتصف بالرحمة.

(1)

جلاء الأفهام ص 133، 134.

ص: 36

• وقال تعالى: {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)} [الزخرف 84]، وقال تعالى {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر 12]. فهو الحكيم الذي له الحكم.

• وقال تعالى: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء 166]، وقال تعالى {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة 255].

وفي السنة:

ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسطَ ويرفعه، يرفعُ عملَ الليل قبل النهار، وعملَ النهار قبل الليل، حجابه النُّور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه))

(1)

.

فأثبت المصدر الذي اشتق منه اسمه ((البصير)).

• وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: ((الحمدُ لله الذي وَسعَ سمعه الأصوات))

(2)

.

فأثبت المصدر الذي اشتق منه اسمه ((السميع)).

• وفي الصحيح حديث الاستخارة ((اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك))

(3)

.

فهو قاردٌ بقدرة.

• وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تبارك وتعالى: العظمة

(1)

أخرجه مسلم في صحيحه 1/ 162.

(2)

صحيح البخاري 4/ 195.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى. انظر: فتح الباري 3/ 48، ح 1162.

ص: 37

إزاري، والكبرياء ردائي))

(1)

.

فهو العظيم الذي له الكبرياء.

• وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أعوذ برضاك من سخطك))

(2)

، وقوله صلى الله عليه وسلم:((أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت))

(3)

.

فقد دل القرآن والسنة على إثبات مصادر هذه الأسماء له سبحانه وصفاً، ولو لا هذه المصادر لانتفت حقائق الأسماء والصفات والأفعال، فإن أفعاله غير صفاته، وأسماؤه غير أفعاله وصفاته، فإذا لم يقم به فعلٌ ولا صفةٌ فلا معنى للاسم المجرَّد وهو بمنزلة صوتٍ لا يفيد شيئاً، وهذا غاية الإلحاد

(4)

.

فكلُّ ما دلت عليه أسماؤه فهو مما وصف به نفسه، فيجب الإيمان بكل ما وصف به نفسه.

‌ب ـ أن الله يخبر عن الأسماء بأفعالها ((أي حُكم تلك الصفة))

• قال تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة 1].

• وقال تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه 46].

• وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النحل 19].

(1)

أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر 136، وأخرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس باب ما جاء في الكبر ح 4090 - 4/ 350، 351، وابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب البراءة من الكبر والتواضع 2/ 421 ح 4228، وأخرجه الإمام أحمد 3/ 276، 414، 427، 442.

(2)

صحيح مسلم 1/ 352.

(3)

صحيح البخاري 4/ 194، صحيح مسلم 4/ 2086.

(4)

شفاء العليل 566، التفسير القيم 30، 31.

ص: 38

• وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة 185].

فلو لم تكن أسماؤه مشتملة على معانٍ وصفات لم يسغ أن يخبر عنها بأفعالها؛ فلا يقال: يسمع ويرى ويعلم ويريد، فإن ثبوت أحكام الصفات فرعُ ثبوتها، فإذا انتفى أصل الصفة استحال ثبوت حُكْمها.

‌ج ـ أن الله يعلل أحكامه وأفعاله بأسمائه:

((فالله سبحانه يعلل أحكامه وأفعاله بأسمائه، ولو لم يكن لها معنى لما كان التعليل صحيحاً،

• كقوله تعالى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح 10].

• وقال تعالى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة 226 - 227]، فختم حكم الفيء الذي هو الرجوع والعود إلى رضى الزوجة والإحسان إليها بأنه غفورٌ رحيم، يعود على عبدخ بمغفرته ورحمته إذا رجع إليه بالمغفرة والرحمة.

{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، فإن الطلاق لما كان لفظاً يسمع ومعنى يقصد عَقَّبَه باسم ((السميع)) للنطق به ((العليم)) بمضمونه.

• وقال أهل الجنة {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر 34].

أي لما صاروا إلى كرامته بمغفرته ذنوبهم وشكره إحسانهم قالوا {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} وفي هذا معنى التعليل: أي بمغفرته وشكره وصلنا إلى دار كرامته، فإنه غفر لنا السيئات وشكر لنا الحسنات.

ص: 39

• وقال تعالى {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء 147].

فهذا جزاء لشكرهم، أي إن شكرتم ربكم شكركم، وهو عليمٌ بشكركم لا يخفى عليه من شكره ممَّن كفره))

(1)

.

‌د ـ الله يستدل على توحيده بأسمائه

فالله سبحانه يستدل بأسمائه على توحيده ونفي الشريك عنه، ولو كانت أسماءً لا معنى لها لم تدل على ذلك.

• كقول هارون لعبدةِ العجل {يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ} [طه 90].

• وقوله سبحانه في القصة {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه 98].

• وقوله تعالى {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة 163].

• وقوله تعالى {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر 22 - 24].

فسبح نفسه عن شرك المشركين به عقب تمدحه بأسمائه الحسنى المقتضية لتوحيده، واستحالة إثبات شريك له

(2)

.

(1)

جلاء الأفهام ص 135 - 136.

(2)

جلاء الأفهام ص 147.

ص: 40

‌هـ ـ أن الله يعلق بأسمائه المعلومات من الظروف والجار والمجرور

وغيرهما:

فالله سبحانه يعلق بأسمائه المعلومات من الظروف والجار والمجرور وغيرهما، ولو كانت أعلاماً محضة لم يصح فيها ذلك.

• كقوله تعالى {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحجرات 16].

• وقوله تعالى {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [الجمعة 7].

• وقوله تعالى {فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ} [آل عمران 63].

• وقوله تعالى {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب 43].

• وقوله تعالى {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة 117].

• وقوله تعالى {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران 189].

• وقوله تعالى {وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا} [النساء 39].

• وقوله تعالى {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى 27].

ونظائره كثيرة

(1)

.

‌و ـ وصف الله عز وجل أسماءه بأنها حسنى:

قال ابن القيم رحمه الله: ((أسماءُ الرب تبارك وتعالى كلها أسماء مدح، ولو كانت ألفاظاً مجردة لا معاني لها، لم تدل على المدح، وقد وصفها الله بأنها حسنى كلها فقال {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف 180].

فهي لم تكن حسنى لمجرد اللفظ، بل لدلالتها على أوصاف الكمال.

(1)

جلاء الأفهام ص 137 - 138.

ص: 41

ولهذا لما سمع بعض العرب قارئاً يقرأ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة 38](والله غفور رحيم).

قال: ليس هذا كلام الله.

فقال القارئ: أتكذب بكلام الله تعالى؟

فقال: لا، ولكن ليس هذا بكلام الله تعالى.

فعاد إلى حفظه وقرأ: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .

فقال الأعرابي: صدقتَ، عزَّ، فحكمَ، فقطعَ، ولو غفر ورحم لما قطع.

ولهذا إذا ختمت آية الرحمة باسم عذاب، أو بالعكس، ظهر تنافر الكلام وعدم انتظامه، ولو كانت هذه الأسماء أعلاماً محضة لا معنى لها لم يكن فرقٌ بين ختم الآية بهذا أو بهذا))

(1)

.

وقال أيضاً: ((أخبر سبحانه أنه إله واحد، وإن تعددت أسماؤه الحسنى المشتقة من صفاته، ولهذا كانت حسنى، وإلا فلو كانت كما يقول الجاحدون لكماله أسماء محضة فارغة من المعاني ليس لها حقائق لم تكن حسنى، ولكانت أسماء الموصوفين بالصفات والأفعال أحسن منها))

(2)

.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((الله له الأسماء الحسنى دون السوءى، وإنما تميز الاسم الحسن عن الاسم السيء بمعناه، فلو كانت كلها بمنزلة الأعلام الجامدات التي تدل على معنى لم

(1)

جلاء الأفهام 135 - 136.

(2)

الصواعق المرسلة 135 - 136 ..

ص: 42

تنقسم إلى حسنى وسوءى))

(1)

.

‌دليل الإجماع:

‌أ ـ إجماع أهل اللغة:

((أجمع أهل اللغة على أنه لا يُقال: عليمٌ إلا لمن له علمٌ، ولا يقال سميع إلا لمن له سمعٌ، وهذا أمرٌ بيِّنٌ لا يحتاج إلى دليل))

(2)

.

‌ب ـ إجماع المسلمين:

((أجمع المسلمون أنه لو حلف بحياة الله أو سمعه أو بصره أو قوته أو عزته أو عظمته انعقدت يمينه، وكانت مكفرة لأن هذه صفات كماله التي اشتق منها أسماؤه))

(3)

.

‌ج. دليل العقل:

• ((أنه يُعلم بالاضطرار الفرق بين الحي والقدير والعليم والملك والقدوس والغفور.

وإن العبد إذا قال: رب اغفر لي وتُب عليَّ إنك أنت التواب الغفور، كان قد أحسن في منجاة ربه.

وإذا قال: اغفر لي وتُب عليَّ إنك أنت الجبار المتكبر الشديد العقاب، لم يكن محسناً في منجاته))

(4)

.

• ـ إن من المستحيل أن يكون عليماً قديراً سميعاً بصيراً ولا علم له ولا قدرة؛ بل صحة هذه الأسماء مستلزمة لثبوت معانيها له،

(1)

شرح العقيدة الأصفهانية ص 77.

(2)

بدائع الفوائد 1/ 165.

(3)

القواعد المثلى ص 8.

(4)

مدارج السالكين 1/ 28، 29.

ص: 43

وانتفاء حقائقها عنه مستلزم لنفيها عنه، والثاني باطلٌ قطعاً فتعين الأول))

(1)

لأن شرط صحة إطلاق هذه الأسماء حصول معانيها وحقائقها للموصوف))

(2)

.

‌القول الثاني: قول المعتزلة ومن وافقهم ((النجارية، والضرارية، والرافضة الإمامية، والزيدية، وابن حزم وغيرهم)).

فهؤلاء يقولون بأن الأسماء جامدة لا معاني لها وأنها كالأعلام المحضة التي لم توضع لمسماها باعتبار معنى قائم به، فقالوا: إن الله سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر، وعزيز بلا عزة.

واستند هؤلاء في زعمهم بأمرين:

أولاً: في القاعدة النحوية التي وضعها النحاة لأنفسهم في التفريق بين الاسم والصفة، فالنحاة يفرقون بين الإسم والصفة، فحقيقة الاسم عندهم: هو كل لفظ جعل للدلالة على المعنى إن لم يكن مشتق، فإن كان مشتقاً فليس باسم وإنما هو صفة.

قال ابن حزم: ((إننا لا نفهم من قولنا: قدير وعالم إذا أردنا بذلك الله تعالى إلا ما نفهم من قولنا الله فقط، لأن كل ذلك أسماء أعلام لا مشتقة من صفة أصلاً))

(3)

.

الرد على ذلك: هذه القاعدة أسسها سيبويه ليرتب عليها قانوناً من الصناعة في التصريف والجمع والتصغير والحذف والزيادة والنسبة وغير كلك من الأبواب

(4)

.

(1)

شرح العقيدة الأصفهانية ص 76.

(2)

مختصر الصواعق 2/ 189.

(3)

الفصل (2/ 121، 129، 165) وقد سبق بيان ذلك في (ص 13).

(4)

أحكام القرآن لابن عربي 2/ 802، 803.

ص: 44

ولكن مسألة التفريق بين الوصفية والعلمية لا تنطبق على أسماء الله، ((لأن أسماء الله الحسنى أعلام وأوصاف، والوصف بها لا ينافي العلمية، بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميتهم))

(1)

وذلك لسببين:

السبب الأول: أن أوصاف الخالق مختصة به، فلذلك لا تنافي بينها وبين العلمية المحضة. بخلاف أوصاف العباد فهي مشتركة بينهم فنافتها العلمية المحضة.

وشرح ذلك: أن الاسم وظيفته الاختصاص والتعيين ولذلك قالوا في تعريفه: هو اللفظ الموضوع للشيء تعييناً له وتمييزاً. وبالتالي لا يمكن للصفات أن تؤدي هذه الوظيفة بالنسبة للمخلوق لأن صفات العباد مشتركة بينهم فيتعذر بذلك الاختصاص الذي هو وظيفة الاسم.

ولذلك إذا سمى الإنسان بوصف من الأوصاف مثل كريم، وشجاع، وجميل فإن هذه الألفاظ تتجرد من خصائص الوصفية ويصبح لها خصائص العلمية.

السبب الثاني: لا تقاس أسماء الله بأسماء المخلوق، لأن أسماء الخلق مخلوقة مستعارة وليست أسماؤهم نفس صفاتهم، بل قد تكون مخالفة لصفاتهم، وأسماء الله وصفاته ليس شيء منها مخالفاً لصفاته، ولا شيء من صفاته مخالفاً لأسمائه.

فمن ادعى أن صفة من صفات الله مخلوقة أو مستعارة فقد كفر وفجر، لأنك إذا قلت ((الله)) فهو ((الله)) وإذا قلت ((الرحمن)) فهو

(1)

بدائع الفوائد 1/ 162.

ص: 45

((الرحمن)) وهو ((الله)) فإذا قلت ((الرحيم)) فهو كذلك، وإذا قلت ((حكيم - عليم - حميد - مجيد - متكبر - قاهر - قادر)) فهو كذلك هو ((الله)) سواء لا يخالف اسم له صفته ولا صفته اسماً، فهذا في حق الخالق.

وأما في حق المخلوق فقد يسمى الرجل حكيماً وهو جاهل، وحكماً وهو ظالم، وعزيزاً وهو حقير، وكريماً وهو لئيم، وصالحاً وهو طالح، وسعيداً وهو شقي، ومحموداً وهو مذموم، وحبيباً وهو بغيض، وأسداً وحماراً وكلباً وجدياً وكليباً وهراً وحنظلة وعلقمة، وليس كذلك.

والله تعالى وتقدس اسمه كل أسمائه سواء، ولم يزل كذلك، كان خالقاً قبل المخلوقين، ورازقاً قبل المرزوقين، وعالماً قبل المعلومين، وسميعاً قبل أن يسمع أصوات المخلوقين، وبصيراً قبل أن يرى أعيانهم مخلوقة

(1)

.

وبهذين السببين يتأكد التفريق بين أسماء الخالق وأسماء المخلوقين وأن أسماء الله مشتقة من صفاته وليست أعلاماً جامدة لا تدل على معنى.

ثانياً: نفيهم لقيام الصفات بالله تعالى لاعتقادهم أن الصفات أعراض وأن قيام العرض به يقتضي حدوثه

(2)

.

ومن أجل ذلك كان قول المعتزلة ومن وافقهم في الله: إنه قديم، واحد، ليس معه في القدم غيره، فلو قامت به الصفات لكان

(1)

الرد على المريسي ص 365.

(2)

مجموع الفتاوى 6/ 147 - 148، 359.

ص: 46

معه غيره، ولكان جسماً، إذ إن ثبوت الصفات تقتضي كثرة، وتعداداً في ذاته، وتقتضي أنه جسم، وذلك خلاف التوحيد.

بالإضافة إلى زعمهم أن الصفات لا تقوم إلا بأجسام، فهم -أيضاً- يزعمون أن في إثبات الصفات قول بكثرة وتعدد ذات الله، لأنهم يقولون: إن من أثبت لله صفة أزلية قديمة، فقد أثبت الإلهين. كما اعتقدوا أن الصفات لو شاركته في القدم لشاركته في الألوهية

(1)

.

فهم يزعمون أن توحيد الله وتنزيهه متوقف على أنه ليس بجسم، وكونه ليس بجسم موقوف على عدم قيام الأعراض والحوادث التي هي الصفات والأفعال، ونفي ذلك عندهم موقوف على ما يلي عليه حدوث الأجسام، والذي دلهم على حدوث الأجسام أنها لا تخلو من الحوادث، وما لا يخلو من الحوادث لا يسبقها، وما لا يسبق الحوادث فهو حادث.

ويزعمون أيضا أن الأجسام لا تخلو من الأعراض، والأعراض لا تبقى زمانين؛ فهي حادثة، فإذا لم تخل الأجسام منها لزم حدوثها.

ويزعمون أيضاً أن الأجسام مركبة من الجواهر المفردة، والمركب مفتقر إلى جزئيه، وجزؤه غيره، وما افتقر إلى غيره لم يكن إلا حادثاً مخلوقاً، فالأجسام متماثلة، فكل ما صح على بعضها صح على جميعها، وقد صح على بعضها التحليل، والتركيب،

(1)

انظر: الملل للشهرستاني 1/ 44 - 46، مقالات الإسلاميين 1/ 245، منهاج السنة 2/ 169.

ص: 47

والاجتماع، والافتراق، فيجب أن يصح على جميعها

(1)

.

والمعتزلة يقولون: إننا بهذا الطريق أثبتنا حدوث العالم، ونفي كون الصانع جسماً وإمكان المعاد.

الرد عليهم: مما تقدم نعلم أن المعتزلة بنوا دليلهم في نفي الصفات على أن القديم لا يكون محلاً للصفات والحركات، فلا يكون جسماً ولا متحيزاً؛ لأن الصفات أعراض وهم يستدلون على حدوث الجسم بحدوث الأعراض والحركات، وأن الجسم لا يخلو منها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.

فهم بهذا القول نفوا صفات البارئ، وجعلوا نفيها يتوقف عليه ثبوت الصانع، وحدوث العالم، فإذا جاء في القرآن والسنة ما يدل على إثبات الصفات لم يكن القول بموجبه.

والمتدبر لحجج المعتزلة يرى فيها الأمور التالية:

أولاً: أنهم يستدلون لأقوالهم بعبارات مبتدعة، وفيها الكثير من الاشتباه والإجمال، وذلك كلفظ العرض، والجسم، والحيز، والمركب، وغير ذلك، فهم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ليخدعوا به جهال الناس بما يشبهون عليه، وهذه الألفاظ المجملة تتضمن معاني باطلة، ومعاني أخرى صحيحة، فهم بهذا ينفون كلا المعنيين الحق والباطل.

وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما في هذه الألفاظ من معانٍ، وما تدل عليه من عبارات

(2)

، وكيف استعملها هؤلاء المعطلة

(1)

انظر: مختصر الصواعق 1/ 254.

(2)

انظر: شرح ابن تيمية لهذه العبارات في نقض تأسيس الجهمية 1/ 504، 511، وفي مجموع الفتاوى 5/ 418 - 430.

ص: 48

في نفي صفات البارئ عز وجل، حيث ادعوا أن هذه الأمور من مستلزمات الجسمية، والله منزه عن ذلك، وقد بين شيخ الإسلام أن استعمال هذه الألفاظ نفياً وإثباتاً لم يرد عن السلف، ولا جاء به أثر صحيح، ولم يستعملها الأقدمون بالمعنى الاصطلاحي الذي اتفق عليه هؤلاء، بل جميعهم معترفون بأن العلو صفة كمال، كما أن السفل صفة نقص، وما ثبت لله من العلو فهو العلو المناسب لكمال ذاته، المنزهة عن اعتبارات المحدثين ومماثلتهم.

ومعلوم أن القول بأن العلو يستلزم هذه المعاني المبهمة إنما هو مأخوذ من قياس الغائب على الشاهد، ومحاولة تطبيق الاعتبارات الإنسانية على الصفات الإلهية وهذا قياس خاطئ إذ ليس معنى كونه في السماء أن السماء تحويه، وتحيط به، وتحصره، أو هي محمل وظرف له، بل هو سبحانه محيط بكل شيء، وسع كرسيه السموات والأرض، وهو فوق كل شيء، وعلا كل شيء

(1)

.

ثانياً: إن ما استدل به المعتزلة لا أصل له من الكتاب أو السنة بل هو مأخوذ من كلام الفلاسفة الذين يزعمون أن للعالم صانعاً ليس بعالم ولا قادر ولا حي

(2)

.

كما أن مذهب المعتزلة في الذات قريب من مذهب اليونان القائلين بأن ذات الله واحدة، لا كثرة فيها بوجه من الوجوه

(3)

.

ثالثاً: أن أصل هذه القاعدة التي اعتمد عليها المعتزلة في نفي

(1)

انظر: كتاب: موقف ابن تيمية من قضية التأويل ص 381 - 385.

(2)

مقالات الإسلاميين 2/ 177، وموقف المعتزلة من السنة النبوية ص 53.

(3)

موقف المعتزلة من السنة النبوية ص 53.

ص: 49

الصفات إنما هي مأخوذة من قولهم في دليل حدوث العالم

(1)

، الذي أثبتوا فيه حدوث العالم بحدوث الأجسام وهذا دليل قد بين الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر: أنه دليل محرم في شرائع الأنبياء، ولم يستدل به أحد من الرسل ولا أتباعهم

(2)

، فهي بهذا طريق يحرم سلوكها لما فيها من لخطر والتأويل، وما يلزم عليها من لوازم باطلة؛ لأنها مستلزمة لنفي الصانع بالكلية، وهي مستلزمة لنفي صفاته، ونفي أفعاله، ونفي المبدأ والمعاد، فهذه الطريق لا تتم إلا بنفي سمع الرب، وبصره، وقدرته، وحياته، وإرادته، وكلامه، فضلاً عن نفي علوه على خلقه، ونفي الصفات الخبرية من أولها إلى آخرها، فلو صحت هذه الطريقة لنفت الصانع، وأفعاله، وصفاته، وكلامه، وخلقه للعالم، وتدبيره له، وما يثبته أصحاب هذه الطريقة من ذلك لا حقيقة له، بل هو لفظ لا معنى له، وبهذه الطريقة قالت الجهمية بفناء الجنة والنار، وأن الله بذاته في كل مكان، وقال إخوانهم: إنه ليس داخل العالم، ولا خارج العالم، وقالوا بخلق القرآن، إلى غير ذلك من اللوازم الباطلة

(3)

.

وأما قولهم: بأن ثبوت الصفات يستلزم تعدد القدماء.

فهذه العلة عليلة بل ميتة لدلالة السمع والعقل على بطلانها.

أما السمع: فلأن الله تعالى وصف نفسه بأوصاف كثيرة مع أنه الواحد الأحد، فقال تعالى {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ

(1)

انظر الكلام على دليل حدوث العالم في: مجموع الفتاوى 13/ 153.

(2)

انظر كتاب: رسالة أهل الثغر ص 164 - 172 تحقيق عبدالله شاكر الجنيدي، رسالة ماجستير من قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية.

(3)

مختصر الصواعق 1/ 256، 257، ودرء تعارض العقل والنقل 1/ 38 - 40.

ص: 50

وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16)} [البروج 12 - 16].

وقال تعالى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الأعلى 1 - 5].

وأما العقل: فلأن الصفات ليست ذوات بائنة من الموصوف حتى يلزم من ثبوتها التعدد، وإنما هي صفات من اتصف بها فهي قائمة به، وكل موجود فلا بد له من تعدد صفاته

(1)

.

فبهذا يعلمُ ضلال من سلبوا أسماء الله تعالى معانيها فنفي معاني أسمائه الحسنى من أعظم الإلحاد فيها، قال تعالى {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف 180].

(1)

القواعد المثلى ص 8.

ص: 51

‌المطلب الثالث: هل اسم ((الله)) جامد أم مشتق.

‌القول الأول: القائلون بأن لفظ الجلالة جامد غير مشتق وحجتهم.

ذهب جماعة من أهل العلم هذا المذهب، على اختلاف معتقداتهم ومقصودهم، فقد نقل القول بعدم الاشتقاق في لفظ الجلالة عن بعض العلماء، وسأسرد ما تيسر لي جمعه من أسماء القائلين بعدم الاشتقاق في لفظ الجلالة مرتباً أسماءهم حسب الوفيات وهم:

أبو حنيفة

(1)

، والخليل بن أحمد الفراهيدي في رواية عنه

(2)

، وسيبويه

(3)

، والشافعي

(4)

، والمازني النحوي

(5)

، والزجاج

(6)

وابن الفضل الكوفي

(7)

، وابن كيسان النحوي

(8)

،

(1)

لوامع البينات للرازي ص 80.

(2)

انظر: كتاب العين 4/ 91، زاد المسير لابن الجوزي 1/ 8، لسان العرب لابن منظور 13/ 467، تهذيب اللغة للأزهري 6/ 422.

(3)

انظر: الكتاب 1/ 309، و 2/ 144 - 145.

(4)

انظر: تفسير ابن كثير 1/ 123، وتفسير القرطبي 1/ 120.

(5)

انظر: تفسير العلوم والمعاني للإقليشي ص 155.

(6)

تفسير أسماء الله الحسنى ص 25.

(7)

انظر: تفسير العلوم والمعاني للإقليشي ص 155، ولوامع البينات للرازي ص 80.

(8)

انظر: تفسير أبي المظفر السمعاني 1/ 32، وتفسير العلوم والمعاني للإقليشي ص 155.

ص: 52

والخطّابي

(1)

، والجويني

(2)

، وأبو حامد الغزالي

(3)

، والقفال الشاشي

(4)

، وأبو بكر العربي

(5)

، والسهيلي

(6)

، والفخر الرازي

(7)

، وابن جزي

(8)

، والخازن

(9)

، والسمين الحلبي

(10)

، والفيروزآبادي

(11)

، والزبيدي

(12)

، وأبو البقاء الكفوي

(13)

،

فأما من ذهب إلى عدم اشتقاقه واحتج بأن الأصل في الأسماء الجمود ولا تلمح منها الدلالة على الوصفية إلا إذا ألمح أصلها وهو الوصف، فقد سبق الرد على هذه الشبهة في المطلب الأول.

‌حجتهم:

وأما بعضهم فقد احتج بأن الاشتقاق يستلزم مادة يشتق منها

(1)

انظر: شأن الدعاء للخطابي ص 30 - 35، وتفسير ابن كثير 1/ 123، وتفسير القرطبي 1/ 120.

(2)

انظر: تفسير ابن كثير 1/ 123، وتفسير القرطبي 1/ 120، ولوامع البينات للإقليشي ص 155.

(3)

انظر: تفسير ابن كثير 1/ 123، وتفسير القرطبي 1/ 120، ولوامع البينات للإقليشي ص 155.

(4)

انظر: تفسير أبي المظفر السمعاني 1/ 33.

(5)

انظر: بدائع الفوائد 1/ 22.

(6)

انظر: كتابه نتائج الفكر في النحو ص 51 - 52، وبدائع الفوائد 1/ 22.

(7)

انظر: تفسيره 1/ 156.

(8)

انظر كتابه: التسهيل 1/ 31.

(9)

انظر: تفسيره 1/ 15.

(10)

انظر تفسير: الدر المصون 1/ 24.

(11)

انظر: القاموس المحيط ص 1603.

(12)

انظر: تاج العروس 9/ 374.

(13)

انظر كتابه: الكليات ص 172.

ص: 53

واسمه تعالى قديم والقديم لا مادة له، فهو كسائر الأعلام المحضة التي لا تتضمن صفات تقوم بمسمياتها

(1)

، والله سبق الأشياء التي زعم غيرهم أنه مشتق منها.

قال السهيلي: ((ولا نقول: إن اللفظ قديم، ولكنه متقدم على كل لفظ وعبارة، ويشهد بصحة ذلك قوله تعالى {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم 65]، فهذا نص في عدم المسمى، وتنبيه على عدم المادة المأخوذ منها الاسم))

(2)

.

‌الرد عليهم:

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((زعم السهيلي وشيخه أبو بكر بن العربي أن اسم الله غير مشتق، لأن الاشتقاق يستلزم مادة يشتق منها واسمه تعالى قديم والقديم لا مادة له فيستحيل الاشتقاق، ولا ريب أنه إن أريد بالاشتقاق هذا المعنى وأنه مستمد من أصل آخر فهو باطل ولكن الذين قالوا بالاشتقاق لم يريدوا هذا المعنى ولا ألم بقلوبهم وإنما أرادوا أنه دال على صفة له تعالى وهي الإلهية كسائر أسمائه الحسنى كالعليم، والقدير، والغفور، والسميع، والبصير،

(1)

شرح العقيدة الواسطية للهراس (ص 46).

(2)

نتائج الفكر في النحو (51 - 52)، والمعنى على ما ذكره السهيلي هل تعلم له ما يسمى به وجه الاستدلال بهذه الآية هو أنه لو كان لفظ الله مشتقاً لكان له مشتق منه، فيكون له سميٌ، لكن قال المفسرون معناها: هل تعلم له ولداً أو نظيراً أو مثلاً أو شبيهاً يستحق مثل اسمه الذي هو الرحمن. وروي عن ابن عباس قال: ((هل تعلم أحداً سمي الرحمن))، قال القرطبي:((وهو قول صحيح لا يقال الرحمن إلا الله)) وقال قتادة والكلبي: ((هل تعلم أحداً يسمى الله تعالى غير الله أو له الله غير الله)) وهل بمعنى لا، أي لا تعلم، والله تعالى أعلم. انظر: تفسير القرطبي (11/ 113).

ص: 54

فإن هذه الأسماء مشتقة من مصادرها بلا ريب وهي قديمة والقديم لا مادة له فما كان جوابكم عن هذه الأسماء فهو جواب القائلين باشتقاق اسمه الله ثم الجواب عن الجميع أننا لا نعني بالاشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى لا أنها متولدة منها تولد الفرع من أصله وتسمية النحاة للمصدر والمشتق منه أصلا وفرعا ليس معناه أن أحدهما تولد من الآخر وإنما هو باعتبار أن أحدهما يتضمن الآخر وزيادة. وقول سيبويه إن الفعل أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء هو بهذا الاعتبار لا أن العرب تكلموا بالأسماء أولا ثم اشتقوا منها الأفعال فإن التخاطب بالأفعال ضروري كالتخاطب بالأسماء لا فرق بينهما فالاشتقاق هنا ليس هو اشتقاقا ماديا وإنما هو اشتقاق تلازم المتضمِن بالكسر مشتقا والمتضمن بالفتح مشتقا منه ولا محذور في اشتقاق أسماء الله تعالى بهذا المعنى))

(1)

(2)

(1)

بدائع الفوائد (1/ 22 - 23).

(2)

أما قول السهيلي: ((ويشهد بصحة ذلك قوله تعالى {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} وأنه نص في عدم المسمى وتنبيه على عدم المادة المأخوذ منها الاسم))، فليس بصحيح وهو غير لازم لأن الذي سمّى المشركون أصنامهم هو ما حكاه الله تعالى بقوله {يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} وقال {إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى} ، فأما اسم الله فلام التعريف اللازمة عوض عن الهمزة فلم يمى به غير الله ولم يستعمل قط منكراً، وقوله تعالى {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} أي هل تعلم شيئاً يسمى الله غيره؟ أو هل تعلم له نظيراً في الخلق أو وجوب الإلهية. انظر: معنى لا إله إلا الله للزركشي ص 118 - 119.

ص: 55

‌القول الثاني: القائلون باشتقاقه وحجتهم.

‌أولاً: تعريف الاشتقاق

• الاشتقاق لغة: الأخذ في الكلام يمينا وشمالاً، واشتقاق الحرف أخذه منه، ويقال شقق الكلام إذا أخرجه أحسن مخرج

(1)

.

• واصطلاحاً: نزع لفظ من آخر بشرط مناسبتهما معنى وتركيباً ومغاير في الصيغة

(2)

.

• وأقسامه ثلاثة: صغير وكبير وأكبر وبعضهم يزيد قسما رابعاً ويجعلها: صغيراً وكبيراً وكُبَاراً وكُبّاراً

(3)

.

• وأصل المشتقات المصدر الذي هو الصفة عند البصريين خلافاً للكوفيين الذين يرون أن أصل المشتقات الفعل

(4)

.

• وجوده في اللغة

يقول ابن فارس: أجمع أهل اللغة إلا من شذ منهم أن للغة العرب قياساً وأن العرب تشتق بعض الكلام من بعض

(5)

.

ففي لغة العرب على سبيل المثال حرف الجيم والنون (ج ن) يدلان على الستر، تقول العرب للدِّرع: جنة، وأجنه الليل، وهذا جنين، أي هو في بطن أمه واسم الجن من الاجتنان

(6)

.

(1)

لسان العرب (10/ 184) شقق.

(2)

بحث في علم الاشتقاق لعبد الله أفندي أمين ضمن مجلة مجمع اللغة العربية بمصر (1/ 381) والتعريفات للجرجاني ص 27.

(3)

بحث في علم الاشتقاق (1/ 381)، وانظر: المزهر (1/ 345 - 354).

(4)

بحث في علم الاشتقاق (1/ 382).

(5)

المزهر في علوم اللغة (1/ 345).

(6)

المزهر في علوم اللغة (1/ 345 - 346).

ص: 56

‌ثانياً: مذهب القائلين بأن لفظ الجلالة مشتق وحجتهم:

• وإلى هذا ذهب ابن جرير

(1)

رحمه الله وهي رواية عن الخليل بن أحمد

(2)

وكذا ابن قيم الجوزية

(3)

وغيرهم، ومن المتأخرين محمد رشيد رضا

(4)

ومحمد الطاهر بن عاشور

(5)

، وغيرهما.

• أدلتهم

الاشتقاق في أسماء الله الحسنى

إن صفاته معان قائمة بذاته والأسماء أعلام والأسماء تدل على الصفات وهي مشتقة منها وصفاته دلت على أسمائه

(6)

. فتحصل من هذا أن هذه القاعدة تعالج موضوع الأسماء والصفات من ستة وجوه:

الأول: من جهة كونها معان دالةً على الكمال.

الثاني: من جهة قيام الصفات بالرب عز وجل.

الثالث: من جهة دلالة الأسماء على العلمية.

الرابع: من جهة دلالة الأسماء على الصفات.

الخامس: من جهة اشتقاق الأسماء من الصفات.

السادس: من جهة الصفات على الأسماء.

فمعرفة أسماء الله وصفاته هي الوسيلة الكبرى لمعرفة ذاته

(1)

انظر: جامع البيان (1/ 122).

(2)

أشار إلى ذلك ابن الجوزي في زاد المسير (1/ 8).

(3)

انظر: بدائع الفوائد (1/ 22).

(4)

انظر: تفسير المنار (1/ 44).

(5)

انظر: تفسير التحرير والتنوير (1/ 162).

(6)

توضيح المقاصد وتصحيح القواعد لابن عيسى (2/ 128).

ص: 57

المفصحة عن طريق معاملته وعبادته وما يجب له من شكر نعمه والحمد على آلائه، لأن تكاثر صفات الموصوف أسماءه من أعظم الدلالات على كماله، ولذا فلا بد أن تكون هذه الصفات دالة على معان كمالية في الموصوف وذلك لوجوه:

الوجه الأول: أن المراد بذكرها مدح الموصوف بها ولا مدح فيما لا يدل على معنى فيه ثناء على الممدوح

(1)

.

الوجه الثاني: أن صفاته لو كانت ألفاظاً مجردة لا دلالة فيها على المعاني الكمالية لكان في القرآن ما لا معنى له وهو باطل.

الوجه الثالث: أن الصفات ألفاظ عربية والعرب لا تضع كلمة إلا للدلالة على معنى تريده.

الوجه الرابع: أنها لو لم تدل على معان جمالية لما كان في إضافتها إلى الرب عز وجل فائدة فلا حاجة لمعرفتها فضلاً عن الحاجة للتكليف بالإيمان بها.

الوجه الخامس: أن موجب تسميتها صفة دلالتها على معنى في الموصوف.

الوجه السادس: أن ما لا دلالة له على معنى لا يشتق منه شيء والصفات اشتقت منها أسماء كالرحمن من الرحمة والحكيم من الحكمة ولو لم تدل على شيء لامتنع الاشتقاق إذ لابد من تناسب في المعنى بين المشتق والمشتق منه.

الوجه السابع: أنها لو لم تدل على معاني المدح والثناء لما صح الإخبار عنه بأفعالها كيسمع ويرى ويعلم ويقدر، فإن ثبوت

(1)

الكواشف الجلية ص 164، والتنبيهات السنية ص 107.

ص: 58

أحكام الصفة فرع ثبوتها

(1)

.

الوجه الثامن: أنها لو لم تدل على ما يمدح به الرب عز وجل لم يكن بينها فرق، والفرق بينها في الدلالة والتعبير مما لا ينكره عاقل.

الوجه التاسع: انعقاد الإجماع على أن من حلف بصفة من صفات الله كسمعه وبصره وقوته كانت يمينه منعقدة، فلو كانت لا كمال فيها فلا معنى للحلف بها إذ الحلف عن تعظيم واللفظ المجردة لا يعظم لأنه مقصود لغيره. فإن صاحبه شيء من التعظيم فلما يشتمل عليه من معنى كمالي.

الوجه العاشر: أنها لو لم تدل على حمد الرب والثناء عليه لما اختصت به إذ ما الفرق بين إطلاق السمع على الله وعلى العبد ما دام المراد إجراء اللفظ.

الوجه الحادي عشر: أنها لو لم تدل على الكمال والجمال لما كان لنفي التشبيه فيها بعد إثباتها معنى إذ نفي التشبيه يتوجه للمدلول الممدوح دون اللفظ المجرد عن المعاني وإذا تقرر بما سبق اشتمال الصفات على الدلالة على معاني الكمال والجمال والجلال، فلا بد وأن تكون قائمة بالرب عز وجل على معنى اتصافه بها على وجه الاختصاص به سبحانه لأن ثبوت الصفة لموصوفها يمنع من الشركة فيها ويوجب اختصاصه بها ولأن المعاني لا تقوم بنفسها بل بمن وصف بها إذ لا يوجد في الوجود الخارجي معنى مستقل بذاته عن الموصوف به ولأنه لو انفصل عنه لما كان صفة له إذ لا يقوم بالشيء معنى فارقه، ولما كانت أسماء لله دالة على الوصفية كان لابد وأن يكون منشأ الاشتقاق هو الوصف إذ

(1)

التفسير القيم ص 29، مدارج السالكين (1/ 29).

ص: 59

الأسماء في أصلها جامدة ولا تلمح الدلالة منها على الوصفية إلا إذا ألمح أصلها وهو الوصف ومما يوضح الأمر ويجليه أن الأسماء في اللغة لا تدل على الوصف لذاتها إلا في ثلاثة مواضع:

الأول: منها كون الاسم مشتقاً كمحمود ونحوه.

الثاني: دخول أل الاسمية الدالة على لمح الأصل على العلم كالنعمان فدخول أل عليه يراد به لمح أصله وهو حمرة الدم.

الثالث: ما جاء السماع بجريان الوصف على وزنه كفَعَلْ وفَعِيل ومن أمثلته فرج وجميل.

ولما كانت أسماء الله تعالى دالة على الوصفية كان الوصف مصدراً لها وهي مشتقة منه وذلك لعدة أمور:

الأمر الأول: أنها لو لم تشتق من صفة لم تكن حسنى

(1)

إذ إن نسبة الحسن إليها تدل على أنها مشتقة من معنى حسن.

الأمر الثاني: ولأنه لو سمي سميعاً ولا سمع له لكان الاسم كاذباً وهذا ما لا يعقل في أسماء الله.

الأمر الثالث: أن الصفة إذا ثبتت للموصوف اشتق له اسم منها إذا كانت مما يشتق منها

(2)

.

الأمر الرابع: دلالتها على الوصفية إذ لو لم تكن أسماؤه مشتقة من صفاته لما دلت عليها.

الأمر الخامس: المناسبة الظاهرة بين ألفاظ الأسماء والصفات ومعانيها.

(1)

التنبيهات السنية ص 107، والكواشف الجلية ص 164.

(2)

التفسير القيم ص 28، مدارج السالكين (1/ 28).

ص: 60

وينبني على اشتقاق الأسماء من الصفات دلالة الصفات على الأسماء لأن صدق المشتق لا ينفك عن صدق المشتق منه، فإذا وصف الرب عز وجل بالسمع فإن من لوازم ذلك تسميته بالسميع إذ لا يقوم السمع إلا بسميع ومن ليس كذلك فلا ينسب السمع له ودلالة الصفة على الاسم تابعة لطريقة استعمالها في الكتاب والسنة والصفات في الاستعمال الشرعي على ضربين

(1)

.

الضرب الأول: ما جاء في النصوص الوصف بلفظه مطلقاً واشتق لله منه اسم كالسمع والبصر فهي دالة على هذا الاسم دلالة لزومية إذ لا يعقل في الوجود صفة سمع بلا سميع ولا صفة بصر بلا بصير.

الضرب الثاني: ما جاء في النصوص الفعل منه وهو نوعان:

أحدهما: ما وصف الله به نفسه مطلقاً كصفة الخلق والرزق والإحياء والإماتة ونحوها، فهي دالة على ما اشتق منها من أسماء كالخالق والرازق والمحيي والمميت دلالة لزوم كالضرب الأول إذ لا يصح في المعقول صفة خلق بلا خالق وصفة رزق بلا رازق وهكذا.

الثاني: أفعال أطلقها الله على نفسه على سبيل الجزاء والمقابلة كصفة مخادعته للكافرين ومكره بهم ونسيانه إياهم ونحوها.

فهي دالة على ما يناسب معناها من الأسماء إلا أنها ليست من أسمائه الحسنى فلا تكون مما يقصد في هذا الأصل إذ هو يبحث في دلالة الصفات التي اشتقت منها أسماؤه الحسنى دون ما جرى من الأسماء في الإخبار بقيده.

(1)

توضيح المقاصد لابن عيسى (1/ 294).

ص: 61

فتحرر بذلك أن باب دلالة الصفات على الأسماء أوسع من باب الاشتقاق منها فما من صفة إلا وهي تدل على اسم إلا أن الدلالة لا تلازم الاشتقاق لأن مرجع الدلالة لغوي ومصدر الاشتقاق شرعي فما دلت عليه اللغة أوسع مجالاً مما دل عليه الشرع لما في المعاني اللغوية من التسامح في الاستعمال دون المعاني الشرعية التي تبنى على ورود نصوص الشرع بها ولذا يسمى الله بما مصدره الشرع من الأسماء ولا يسمى بما كان موجبه اللغة فاشتملت دلالة الصفة شرعاً على أمرين:

الأول: دلالتها على الاسم بالتلازم وهو أمر عقلي.

الثاني: دلالتها على الاسم بمعنى اشتقاقه منها لفظاً ومعنى وهو أمر لغوي شرعي فبان أن ما يقرره الشرع لا يخالف اللغة مطلقاً، لأن من مباني الشرعيات أصولاً لغوية وأما اللغة فيتسامح فيها بما لا يتسامح فيه شرعاً.

وبالنظر فيما تقدم يتبين اشتمال هذه القاعدة على عدة نتائج:

النتيجة الأولى: أن أسماءه تعالى أعلام وأوصاف

(1)

وأنه لا تنافي بين هذين الأمرين بالنسبة للرب عز وجل.

النتيجة الثانية: أن ما لم يقم بذاته فليس بوصف له.

النتيجة الثالثة: أن أسماءه وصفاته كذاته في القدم والأزلية.

النتيجة الرابعة: أن مما بني على كون أسمائه حسنى عدم دلالتها على الذم مطلقاً سواء في باب الإخبار أو التسمية.

(1)

انظر: الكواشف الجلية ص 164، الأسئلة والأجوبة الأصولية ص 161، التنبيهات السنية ص 107، التفسير القيم ص 28، ومدارج السالكين (1/ 28).

ص: 62

النتيجة الخامسة: أن التسمية ملازمة للوصفية وأما الوصفية فربما وصف الرب بصفة ولم يطلق عليه اسم منها، فباب الصفات أوسع من باب التسمية من جهة أن كل اسم له تعالى فلا بد وأنه مشتق من صفة وأما كل صفة فلا يجب أن يشتق له اسم منها.

النتيحة السادسة: أن دلالة الصفات على الأسماء دلالة لغوية واشتقاق الأسماء من الصفات أحكام شرعية، فباب دلالة الصفات أوسع من باب اشتقاق الأسماء.

النتيجة السابعة: أن أسماء الله تفارق المخلوقين في أن أفعاله تعالى مشتقة من أسمائه وأما المخلوقين فأسماؤهم مشتقة من أفعالهم

(1)

فيستدل بأسمائه على ما يمكن أن يتصف به من الأفعال فيقال اسمه حكيم فأفعاله في غاية الحكمة، وأما المخلوقون فيستدل بأفعالهم على أسمائهم فيقال: بخل فهو بخيل، وأكرم فهو كريم ونحو ذلك.

النتيجة الثامنة: أن كل اسم من أسمائه مشتق من صفة مستقلة بمعناها فله كمال من كل اسم سمى به نفسه ومن كل صفة اشتق منها ذلك الاسم

(2)

.

النتيجة التاسعة: أن تعدد الأسماء والصفات تكثير لأنواع الكمال وبيان لأصناف جمال الخالق وليس هو تعداداً في الذوات.

النتيجة العاشرة: أن ما ثبت وصف الرب عز وجل به مطلقاً في

(1)

شرح السنة (1/ 179 - 180).

(2)

انظر: مدارج السالكين (1/ 417).

ص: 63

الكتاب والسنة أخبر عنه بأفعالها، فيقال يسمع ويرى ويعلم ونحو ذلك

(1)

.

النتيجة الحادية عشر: أن ثبوت أحكام الصفات للموصوف مرتب على ثبوت الصفات له في نفس الأمر، فإذا انتفى أصل الصفة استحال ثبوت حكمها

(2)

.

النتيجة الثانية عشر: أن استعمال لفظ الجلالة استعمال الأعلام الجامدة -عند من يقول بذلك من أهل السنة- لغلبة

(3)

الاستعمال فلا يقع صفة ولا خبراً لا يعني ذلك عدم دلالته على صفة الألوهية واشتقاقه منها ودلالتها عليه باللزوم.

النتيجة الثالثة عشر: أن ثبوت الصفة للموصوف يدل على ثبوت المشتق منها له وتوضيح ذلك أنه لما اتصف سبحانه بالعلم اشتق له منها اسم العليم ولما اتصف سبحانه بالرحمة اشتق له منها اسم الرحمن

(4)

.

والصحيح في الأقوال التي ذكرت أن الله أصله الإله وهو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ منهم، كما نص على ذلك ابن قيم الجوزية رحمه الله

(5)

، وقد سبق بيان ذلك فيما إذا ترددت كلمة بين أصلين أو أكثر وأنه يطلب الترجيح وله وجوه.

(1)

انظر: التفسير القيم ص 29، ومدارج السالكين (1/ 29).

(2)

التفسير القيم ص 29، مدارج السالكين (1/ 29).

(3)

ويرى بعض اللغويين أنه ليس من قبيل العلم بالغلبة بل من قبيل العلم بالانحصار مثل الشمس والقمر، التحرير والتنوير (1/ 163).

(4)

توضيح المقاصد وتصحيح القواعد (2/ 128)، وانظر القواعد الكلية للأسماء والصفات عند السلف للدكتور إبراهيم البريكان (251 - 258).

(5)

انظر: تيسير العزيز الحميد (ص 13).

ص: 64

• الترجيح: وبعد عرض ما سبق، يترجح لنا أن قول من قال إن لفظ الجلالة مشتق

(1)

وإنه هو الصحيح، كما هو قول المحققين من أهل العلم، وأما قول القائلين بعدم اشتقاقه فمذهبهم مرجوح.

وعليه فإن أسماء الله مشتقة من صفاته أو أفعاله، فالاسم إذا أطلق جاز أن يؤخذ منه المصدر والفعل فيخبر به عنه فعلا ومصدرا؛ نحو (السميع والقدير) يطلق عليه منه السمع والقدرة ويخبر عنه بالأفعال من ذلك نحو:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} ، {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} ، هذا إن كان الفعل متعدياً.

أما إن كان الفعل لازما، فإنه يطلق عليه منه الاسم والصفة دون الفعل، نحو الحي فإنه يثبت لله اسم الحي وصفة الحياة أما الإخبار بالفعل فلا يقال حيي

(2)

، ولا يحق لأحد أن يشتق من الفعل أو من الصفة إسماً إلا ما ورد الشرع به لأن الأسماء توقيفية فلا نسمي الله إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم

فإذا ثبت الاسم بالنص علمنا أنه مشتق من الصفة والفعل أو من الصفة فقط

(3)

والله أعلم.

(1)

قال العلامة الكافيجي: ((إن اشتقاق لفظ الله من أله أو من وله من الاشتقاق الكبير لما بين الحروف من التناسب ويصلح أن يكون صغيراً)) انتهى. انظر: أنوار السعادة (ق 4)، والمزهر للسيوطي (1/ 345).

(2)

انظر: بدائع الفوائد (1/ 17، 162)، وشفاء العليل (ص 566) ومدارج السالكين (1/ 28).

(3)

وانظر: اختلاف الناس في اشتقاق أسماء الله في معنى كتاب معنى لا إله إلا الله للزركشي ص 141 - 145، وفتح الباري لابن حجر (11/ 226).

ص: 65

‌المطلب الرابع: مادة اشتقاق اسم الله.

ثم اختلفوا في أصل اشتقاقه على أقوال:

• فقيل هو مأخوذ من إله

(1)

، وتقديرها فعلانية بالضم، تقول إله بين الإلهية والأُلهانية، وأصله من أَلِهَ يَاْلَهُ إذا تحير

(2)

، يريد إذا وقع العبد في عظمة الله وجلاله وغير ذلك من صفات الربوبية وصرف همه إليها، أبغض الناس حتى لا يميل قلبه إلى أحد.

قال أبو الهيثم: فالله أصله إله

(3)

، قال الله عز وجل:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون: 91].

قال: ولا يكون إلها حتى يكون معبودا. وحتى يكون لعابده خالقا ورازقًا ومدبرًا وعليه مقتدرًا، فمن لم يكن كذلك فليس بإله وإن عُبد ظلمًا بل هو مخلوق ومُتعبد. قال: وأصل إله وِلَاهٌ

(4)

(1)

انظر: القاموس المحيط (1603) والصحاح (6/ 2223)، ومعجم مقاييس اللغة (1/ 127)، والعين (4/ 90)، وتهذيب اللغة (6/ 422)، ولسان العرب (13/ 467)، والمحكم (4/ 259).

(2)

انظر: لسان العرب (13/ 467)، وقال ابن فارس: فأما قولهم في التحير أَلِه يَأْلَهُ فليس من الباب لأن الهمزة واو. (1/ 127).

(وانظر: الصحاح (6/ 2224)، والقاموس المحيط (1603).

(3)

انظر: لسان العرب (13/ 468)، وتهذيب اللغة (6/ 423).

(4)

انظر: لسان العرب (13/ 468)، وتهذيب اللغة (6/ 424).

ص: 66

فقلبت الواو همزة كما قالوا للوشاح إشاح وللوجاح إجاح، ومعنى وِلاه أن الخلق يَولَهون إليه في حوائجهم و يضرعون إليه فيما يصيبهم ويفزعون إليه في كل ما ينوبهم كما يَوله كل طفل إلى أمه

(1)

.

وقد سمت العرب الشمس لما عبدوها إلاهة

(2)

.

وقد ضعف الزجاج هذا القول وهو أن أصل إله وِلَاه

(3)

.

وقال ابن سيدَه

(4)

: والإلاهة والألوهة والألوهية العبادة، وقد قرئ {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} وقرأ ابن عباس ((ويذرك وإلاهتك)) بكسر الهمزة

(5)

أي وعبادتك، وهذه الأخيرة عند ثعلب كأنها هي المختارة. قال: لأن فرعون كان يُعبد ولا يَعبد فهو على هذا ذو إلاهية لا ذو آلهة والقراءة الأولى أكثر والقراء عليها.

قال ابن برِّي: يقوي ما ذهب إليه ابن عباس في قراءته: ((ويذرك وإلاهتك)) قول فرعون {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} وقوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}

(6)

.

(1)

انظر: لسان العرب (13/ 468)، وتهذيب اللغة (6/ 424).

(2)

انظر: القاموس المحيط (ص 1603) والصحاح (6/ 2224)، ولسان العرب (13/ 468)، وتهذيب اللغة (6/ 424)، ومعجم مقاييس اللغة (1/ 127)، والمحكم (4/ 259).

(قلت وفي ذلك يقول ابن مالك في مثلثه.

(والشمس سمّاها صدوق النبأة إلهة واضممه للإضراب.

(فيقال الإلاهة والألاهة وألاهة وانظر المحكم لابن سيده (4/ 259).

(3)

انظر: اشتقاق أسماء الله ص 27.

(4)

انظر: المحكم (4/ 259).

(5)

انظر: لسان العرب (13/ 468).

(6)

انظر لسان العرب (13/ 468) وتهذيب اللغة (6/ 424).

ص: 67

وكانت العرب في الجاهلية يدعون معبوداتهم من الأوثان والأصنام آلهة وهي جمع إلاهة

(1)

.

قال الله عز وجل: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} وهي أصنام عبدها قوم فرعون معه والله أصله إلاه على فِعَال بمعنى مفعول لأنه مَأْلوه أي معبود كقولنا إمام فِعَال بمعنى مفعول لأنه مؤتم به فلما أدخلت عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفا لكثرته في الكلام

(2)

.

والمقرر في باب الاشتقاق أنه إذا ترددت الكلمة بين أصلين أو أكثر طلب الترجيح وله وجوه منها كون أحد الأصلين أشرف لأنه أحق بالوضع له والنفوس أذكر له وأقبل وقد مثلوا له بلفظ الجلالة فقالوا كدوران لفظ الجلالة الله فيمن اشتقها بين الاشتقاق من أله أو وله فيقال من أله أشرف وأقرب

(3)

.

وثمة مذاهب أخر أعرضت عن ذكرها حتى لا يطول البحث، فإن من العلماء من أعرض عن تفسير لفظ الجلالة كما فعل ابن دريد فقال:

(1)

انظر: الصحاح (6/ 2223)، ولسان العرب (13/ 469).

(2)

وإسنادها ضعيف، والقراءة الصحيحة المعروفة {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} وأما هذه القراءة {وإلاهتك} فقد نقلها صاحب إتحاف البشر (ص 229) عن ابن محيصن والحسن. ونقلها ابن خالويه في كتاب القراءات الشاذة (45) عن علي وابن مسعود وابن عباس وذكرها أبو حيان في البحر (4/ 367) عن هؤلاء الثلاثة وأنس وجماعة غيرهم. وذكر ابن الجوزي في ((زاد المسير)) (3/ 244) أن من قرأ بهذه القراءة كذلك سعيد بن جبير ومجاهد وأبو العالية. انظر:((تفسير ابن كثير)) (3/ 460).

(3)

المزهر في علوم اللغة (1/ 349)، والعلم الخفاق من علم الاشتقاق لمحمد صديق حسن خان (ص 104).

ص: 68

((فأما اشتقاق اسم الله عز وجل فقد أقدم قوم على تفسيره ولا أحب أن أقول فيه شيئاً))

(1)

.

وذهب أبو عثمان المازني إلى أنه اسم موضوع هكذا لله وليس أصله إله ولا ولاه ولا لاه.

قال: والدليل على ذلك أني أرى لقولي الله فضل مزية على إله وأني أعقل به مالا أعقل بقوله إله.

وذكر قطرب وغيره من أصحاب العربية أن هذا الإسم لكثرة دوره في الكلام واستعماله قد كثرت فيه اللغات فمن العرب من يقول والله لا أفعل ومنهم من يقول لَاهِ لا أفعل ومنهم من يقول واللهْ بإسكان الهاء وترك تفخيم اللام ومنهم من يقول واه لا أفعل ذلك

(2)

، إلى غير ذلك من الأقوال وقد أوصلها بعضهم إلى ثلاثين قولا

(3)

. وهو من الغرائب بل ومن المصائب التي وقعت في هذه الأمة، وإلى ذلك أشار العلَامة ابن قيم الجوزية بقوله:

ومن المصائب قول قائلهم بأنّ

الله أظْهَرُ لفظةٍ بلسانِ

وخلافهم فيه كثير ظاهر

عربي وضع ذاك أم سرياني

(4)

وكذا اختلافهم أمشتقاً يُرَى

أم جامدا قولان مشهوران

والأصل ماذا فيه خلف ثابت

عند النحاة وذاك ذو ألوان

هذا ولفظ الله أظهر لفظة

نطق اللسان بها مدى الأزمان

(1)

الاشتقاق لابن دريد (ص 11).

(2)

انظر: شرح أسماء الله للزجاجي (ص 28).

(3)

أشار إلى ذلك الزبيدي في ((تاج العروس)) (9/ 374).

(4)

وممن قال ذلك أبو زيد البلخي حيث قال: قولنا الله ليس من الألفاظ العربية. انظر: لوامع البينات للرازي (ص 79).

ص: 69

فانظر بحق الله ماذا في الذي

قالوه من لبس ومن بهتان

هل خالف العقلاء أن الله ربُّ

العالمين مدبِّرُ الأكوان

ما فيه إجمال ولا هو موهم

نقلَ المجاز ولاله وضعان

والخلف في أحوال ذاك اللفظ لا

في وضعه لم يختلف رجلان

وإذا همُ اختلفوا بلفظةِ مَكَّةٍ

فيه لهم قولان معروفان

أفبينهم خُلْفٌ بأن مرادهم

حَرَمُ الإله وقبلة البلدان

وإذا هم اختلفوا بلفظة أحمدٍ

فيه لهم قولان مذكوران

أفبينهم خلف بأن مرادهم

منه رسول الله ذو البرهان

ونظير هذا ليس يُحْصَرُ كثرةً

يا قوم فاستحيوا من الرحمن

(1)

إن أصحاب هذا القانون قالوا: أظهر الألفاظ لفظ الله وقد اختلف الناس فيه أعظم اختلاف، هل هو مشتق أم لا؟ وهل هو من مشتق من التأله أو من الوله أو من لاه إذا احتجب

(2)

، وكذلك اسم الصلاة

(3)

وفيه من الاختلاف ما فيه، هل هو مشتق من الدعاء أو

(1)

الكافية الشافية (ص 199)، وانظر: توضيح المقاصد وتصحيح القواعد لابن عيسى (2/ 109).

(2)

قلتُ جمعها الناظم وهو محمد سيدِ بن أبتِ اليعقوبي الشنقيطي بقوله:

الله مشتق وقيل مرتجل وهو أعرف المعرفات جل

أَلَهَ أي عبد أو من الأَلَه وهو اعتماد الخلق أو من الوله

أو المحجَّب عن العيان من لاهت العروس في البنيان

أو أَلِه الحيران من قول العرب أو من أَلِهْتُ أي سكنت للأرب

(3)

قال في مطالع المسرات: الصلاة أصلها الإنحناء والانعطاف مأخوذة من الصّلوين وهما عرقان في الظهر، ينحنيان في الركوع والسجود. قال النووي:((قيل في اشتقاقها أقوال كثيرة، أكثرها باطل)). انتهى وذكر عياض في الشبهات أقوالاً وحاصلها ما قاله الناظم لها في قوله:

من الصّلا الصّلاة والتصليةُ أو المصلي والصّلا والصلةُ

انظر: مشتهى الخارف الجاني للشيخ محمد الخضر الجكني ص 380.

ص: 70

من الاتباع أو من تحريك الصلوين وهما عرقان يمتدان من الظفر يكتنفان عجب الذنب، فإذا كان هذا في أظهر الأسماء فما الظن بغيره.

فتأمل هذا الوهم والإيهام واللبس والتلبيس فإن جميع أهل الأرض علمائهم وجهلائهم ومن يعرف الاشتقاق ومن لا يعرفه وعربهم وعجمهم يعلمون أن الله اسم لرب العالمين خالق السموات والأرض الذي يحي ويميت وهو رب كل شيء ومليكه، فهم لا يختلفون في أن هذا الاسم يراد به المسمّى وهو أظهر عندهم وأعرف وأشهر من كل اسم وضع لكل مسمّى وإن كان الناس متنازعين في اشتقاقه فليس ذلك بنزاع منهم في معناه وكذلك الصلاة لم يتنازعوا في معناها الذي أراده الله ورسوله وإن اختلفوا في اشتقاقها وليس هذا نزاعا في وجه الدلالة عليه وكذلك قوله تعالى:{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} يقدره البصريون كراهة أن تضلوا والكوفيون لئلا تضلوا وكذلك اختلافهم في التنازع وأمثال ذلك إنما هو نزاع في وجه دلالة اللفظ على ذلك المعنى مع اتفاقهم على أن المعنى واحد وهذا اللفظ لا يخرج اللفظ عن إفادته السامع اليقين بمسماه

(1)

.

(1)

مختصر الصواعق (1/ 79).

ص: 71

‌المبحث الثاني: هل هو اسم الله الأعظم.

وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: المفاضلة بين أسماء الله تعالى.

المطلب الثاني: الأقوال في تحديد الاسم الأعظم.

المطلب الثالث: القائلين بأن الاسم الأعظم لفظ الجلالة (الله) وأدلتهم.

المطلب الرابع: الراجح في المسألة.

ص: 73

‌المطلب الأول: المفاضلة بين أسماء الله تعالى.

‌المسألة الأولى: معنى المفاضلة في اللغة واشتقاقها

(1)

المفاضلة على وزن مفاعلة، ومعلوم أن هذا البناء فيه التشريك بين جهتين. وفيه معنى المغالبة: فيدل على غلبة أحدهما، فالمفاضلة هي المقارنة بين شيئين أو جهتين وتغليب أحدهما على الآخر في الفضل، إذا فالمفاضلة إثبات الفضل لشيء على آخر، وتقديمه بذلكأ عليه، ولذا يقال: فاضلته ففضلته، إذا غلبته في الفضل، كما في الصحاح

(2)

وفي اللسان: «الفضال والتفاضل: التمازي في الفضل، وفضله: مزاه والتفاضل بين القوم: أن يكون بعضهم أفضل من بعض، ورجل فاضل: ذو فضل، ورجل مفضول: قد فضله غيره، ويقال: فضل فلان على غيره إذا غلب في الفضل عليهما

(3)

، والمفاضلة مصدر قياسي من (فاضل).

والأصل الذي اشتق منه اسم المفاضلة هو الفعل: فضل، يقال: فضل الشيء يفضل كدخل يدخل أو فضل يفضل كحذر

(1)

المصدر: مباحث المفاضلة في العقيدة ص: 13 ــ 17

(2)

الصحاح: 5/ 1791.

(3)

لسان العرب: 11/ 524

ص: 74

يحذر، وفيه لغأة ثالثة مركبة منها: فضل كحذر يفضل كيدخل وهي نادرة شاذة لا نظير لها

(1)

.

لكن جاء في تاج العروس: «والذي في كتاب الفرق لابن سيد أن هذه اللغات الثلاث إنما هي في الفضل الذي يراد به الزيادة فأما الفضل الذي هو معنى الشرف فليس إلا لغة واحدة وهي فضل يفضل كقعد بقعد

(2)

.

وفي التاج أيضا: «قال الصيمري في كتاب التبصرة له: فضل يفضل كنصر ينصر، من الفضل الذي هو السؤدد، وفضل يفضل يكسرها في الماضي وضمها في المضارع من الفضلة وهي بقية الشيء

(3)

.

وقد ذكر الجوهري قول سيبويه في لغة كسر الماضي وضم المضارع فقال: «قال سيبويه: هذا عند أصحابنا ما يجيء على لغتين

يعني أنه ليس لغةأ مستقلة وردت، قال سيبويه: وكذلك نعم ينعم، ومت تموت، وكدت تكود،

(4)

أوكذا يرى الفراء أنها مركبة من اللغتين - نقل عنه ذلك الأنباري واستحسنه

(5)

.. وعليه تكون لغة كسر الماضي وضم المضارع نادرة شاذة لا نظير لها كما قطع به ابن فارس والجوهري فلا تكون أصلا مستقلاأ

(والفاء، والضاد، واللام) أصل واحد يدل على الزيادة حيث

(1)

انظر: الصحاح 5/ 1791، معجم مقاييس اللغة 4/ 525، ولسان العرب 11/ 525، والقاموس المحيط 4/ 31 وبصائر ذوي التمييز 4/ 196، وتاج العروس 8/ 61.

(2)

تاج العروس 8/ 61

(3)

تاج العروس 8/ 62

(4)

الصحاح 1/ 1791.

(5)

انظر الأضداد ص (12).

ص: 75

تصرف

(1)

ومنه الفضل والفضلة وهي البقية الزائدة من الشيء وكذا منه الفضل والفضيلة وهي الزيادة في الرفعة والشرف، ولذا قال الجوهري: الفضل والفضلة: خلاف النقص والنقيصة

(2)

‌المسألة الثانية:

بناء على اختلاف الناس في مسألة تفاضل

(3)

أسماء الله تعالى بين مثبت وناف، فإنهم بالتبع اختلفوا هل يثبت لله تعالى اسم أعظم، له خصائص ومزايا تميزه عن غيره من سائر الأسماء الحسنى؟

(4)

إلى طائفتين نفاة ومثبتة.

(1)

انظر معجم مقاييس اللغة 4/ 508

(2)

الصحاح 5/ 1791

(3)

وقال ابن القيم رحمه الله في ((بدائع الفوائد)) (1/ 167): ((أسماء الله وصفاته يفضل بعضها بعضا ولا يقتضي تفاضلها نقصا وتفسير بعضها لا يعني تماثلها من كل وجه بل له سبحانه من كل صفة معنى من معاني الكمال والجمال)).

وانظر للتوسع جواب أهل العلم والإيمان (17/ 5 - 206) ضمن مجموع الفتاوى، والروض الأنف للسهيلي (1/ 196 - 211)، والبرهان للزركشي (1/ 438) وأغلب كتب أصول الفقه في مبحث نسخ القرآن بالسنة، والمسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين لمحمد العروسي ص 242 - 248، وفتح الله لموسى الروحاني ص 544.

(4)

وهل الاسم الأعظم داخل في التسعة والتسعين المبثوثة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة؟ فالصوفية يخرجونه من أن يكون في التسعة والتسعين والراجح أنه داخل فيها لأنها تجمع المعاني المنبئة عن جلال الله وعظمته فلا يكون غيرها أفضل منها.

انظر فتح الله بخصائص الاسم الله (ص 577) وابن حزم وموقفه من الإلهيات (ص 213).

ص: 76

‌المسألة الثالثة أدلة تفاضل أسماء الله

والحاصل أن أسماء الله كثيرة لا تحصر ولا تحد بعدد، وهي متفاضلة غير متساوية في الفضل بعضها أفضل من بعض، وإن كانت أسماء لمسمى واحد، والأدلة على تفاضل أسماء الله متعددة،

الدليل الأول: أن النصوص تدل على أن بعض أسمائه سبحانه أفضل من بعض، ففي الآثار ذكر اسمه الأعظم سبحانه وقد وردت روايات متعددة في ذكر الاسم الأعظم، ففي روايات بقول صلى الله عليه وسلم: «لقد سأل الله باسمه الأعظم

(1)

وفي أخرى: «دعا الله باسمه الأعظم

(2)

، وفي أخرى: لقد دعا الله باسمه العظيم

(3)

، وفي أخرى: (اسم الله الأعظم في كذا

(4)

، وفي رواية: «باسمه الأعظم الأكبر

(5)

، وفي رواية: أسألك باسمك الأعلى الأعز الأجل الأگرم

(6)

، على اختلاف في تعيين الاسم الأعظم ما هو؟ وهي مسألة للناس فيها خلاف معروف في كتب أهل العلم

(7)

.

(1)

انظر مسند أحمد 5/ 349، 350، 360، وسنن ابن ماجة 2/ 1268، وسنن الترمذي - مع التحفة، 9/ 455.

(2)

انظر سنن الترمذي - مع التحفة. 9/ 529، والمستدرك 1/ 504

(3)

انظر سنن أبي داود 2/ 80، وسنن النسائي 3/ 52.

(4)

انظر المسند 6/ 461، وسنن الدارمي 2/ 450، وسنن ابن ماجة 2/ 1267، وسنن أبي داود 2/ 80 وسنن الترمذي - مع التحفة. 447/ 9

(5)

أخرجها الحاكم في المستدرك 1/ 504.

(6)

أخرجه الطبراني، انظر مجمع الزوائد 10/ 156.

(7)

انظر مشكل الآثار للطحاوي 1/ 61 - 64، وفتح الباري 11/ 224 فقد ذكر أربعة عشر قولاً في تعيين الاسم الأعظم.

ص: 77

ففي هذه الروايات دلالة ظاهرة على تفاضل الأسماء الحسني، لدلالتها على أن في الأسماء الحسنى اسم اعظم يفضلها فهو أعظمها.

الدليل الثاني: ومن الأدلة على تفاضل أسمائه سبحانه قوله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحد، من أحصاها دخل الجنة))

(1)

، فخص النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الأسماء التسعة والتسعين بهذه الفضيلة، وهي أن من أحصاها دخل الجنة، فاختصت بهذه الفضيلة.

وأسماء الله غير محصورة في هذا العدد فله سبحانه أسماء غيرها إذ هذه هي دلالة الحديث التي نقل النووي الاتفاق عليها في قوله: "واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها"

(2)

.

وقد مثل العلماء لهذا بقول من يملك الف مملوك: إن لي مائة مملوك أعددتهم للجهاد فليس قوله هذا مانع من أن له غيرهم معدون لغير الجهاد، فلا دلالة في الحديث لمن احتج به على حصر الأسماء الحسنى في هذا العدد وأنه ليس له من الأسماء إلا هذا العدد فقط،

(1)

متفق عليه، انظر صحيح البخاري مع الفتح 5/ 354، وصحيح مسلم 2063/ 4.

(2)

شرح مسلم 5/ 17، وانظر المقصد الأسنى 131، والفتاوى 6/ 381، وبدائع الفوائد 1/ 166.

ص: 78

كما فعله ابن حزم

(1)

.

الدليل الثالث: ومن الأدلة على تفاوت أسماء الله في الفضل: حديث: (وأسالك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندكأ

(2)

، وفي الموطأ عن كعب الأحبار في دعائه: (

وبأسماء الله الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم»

(3)

.

ففي هذا دلالة على تفاوتها وعلى اختصاص كل منها بخصيصة.

ثم أن كل دليل من كتاب وسنة دل على تفاضل صفات الله التي تدل عليها أسماؤه، هو دليل على تفاضل تلك الأسماء، لتفاضل دلالتها، لأن الاسم يراد لمعناه لا لحروفه.

الدليل الرابع: وجوه تفاضل أسماء الله:

الناظر في أسماء الله يجد أنها تتفاوت من وجوه عدة يظهر بها تفاضلها، فمن ذلك:

أن أسماءه تعالى منها ما يطلق عليه مفرداً ومقترناً بغيره، وهو غالب الأسماء، كالقدير والسميع والبصير والعزيز والحكيم، وهذا پسوغ أن يدعا به مفرداً ومقترناً بغيره، فتقول: يا عزيز، يا حليم، يا

(1)

انظر المحلى 1/ 30، والدرة 242.

(2)

أخرجه أحمد في المسند 1/ 391 - 452، وابن أبي شيبة 10/ 53، وأبو يعلى 5/ 35، والطبراني في الكبير 10/ 219، وصححه ابن حبان - الإحسان 2/ 160 والحاكم 1/ 509، وضعفه الدارقطني في العلل 5/ 201. وانظر السلسلة الصحيحة ح 198.

(3)

الموطأ 953

ص: 79

غفور، يا رحمن يا رحيم، وأن يفرد كل اسم، وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه بما يسوغ لك الإفراد والجمع، ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده بل مقرونا بمقابله كالمانع والضار والمنتقم، فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله، فإنه مقرون بالمعطي والنافع والعفو، فهو المعطي المانع، الضار النافع، المنتقم العفو، المعز المذل، لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله، لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية وتدبير الخلق والتصرف فيهم عطاءً ومنعا ونفعاً وضراً وعفوا وانتقاما، وأما أن يثني عليه بمجرد المنع والانتقام والإضرار فلا يسوغ، فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الاسم الواحد، الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض، فهي وإن تعددت، جارية مجرى الأسم الواحد، والله لم تجيء مفردة، ولم تطلق عليه الا مقترنة، فاعلمه، فلو قلت يا مذل يا ضار يا مانع واخبرته عنه بذلك لم تكن مثنياً عليه ولا حامداً له حتي تذكر مقابلها

(1)

، فهذا وجه من وجوه تناولها يظهر به تفاضلها فليس الإسم الدال على الكمال بمفرده مساوياً للذي لا يدل على الكمال إلا باقترانه بمقابله

الدليل الخامس: أن من أسمائه سبحانه ما يدل على صفة واحدة كالسميع والبصير، ومنها ما يدل على صفات عديدة لا تختص بصفة معينة كالمجيد والعظيم:

فإن المجيد من اتصف بصفات متعددة من صفات الكمال، وهو موضوع لبلوغ النهاية في كل محمود، ولنبل الشرفي بكرم الفعال، وللكثرة، ولذا قالوا: استمجد المرخ والعفار أي استشرا

(1)

بدائع الفوائد (1/ 67) وانظر تفسير الرازي 15/ 67.

ص: 80

من النار حتى تناهيا في ذلك حتى إنه يقبس منهما

(1)

، وكذا العظيم من اتصف بصفات كثيرة من صفات الكمال، وكذلك الصمد، قال ابن عباس أرضي الله عنهما: «الصمد، السيد الذي كمل في سؤدده والشريف الذي كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه والحكيم الذي قد كمل في حكمه، وهو الذي قد كمل في أنواع

الشرف والسؤدد

(2)

، فهذا وجه من وجوه تفاوت أسماء الله، وهو دال على تفاضلها فليس الاسم المتضمن الصفات عديدة كالدال على صفة واحدة.

ومن ذلك:

أن من الأسماء ما يتضمن سلب صفة نقص عن الله، وهي الصفة المقابلة للصفة التي يثبتها الاسم، كالبصير مثلا فيها سلب صفة نقص عن الله وهي العمي سبحانه وتعالى وتنزه وتقدس.

ومنها ما يرجع إلى التنزيه المحض من كل نقص وعيب جملة وتفصيلا فيكون متضمنا للكمال المحض كالقدوس والسلام، وهو وجه قريب من سابقه.

ومن ذلك:

أن من أسمائه سبحانه ما يدل على صفة بعينها، ومنها ما يدل

(1)

انظر: تهذيب اللغة 98210، والصحاح 2/ 536، ومعجم مقاييس اللغة 5/ 297.

(2)

أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص: 78، وغيره، انظر الدر المنثور 6/ 415.

ص: 81

على تلك الصفة وزيادة، كالعليم يدل على صفة العلم مطلقا، والخبير يدل على علمه بالأمور الباطنة، وكذلك الغني هو الذي استغنى بنفسه عن كل شيء فلا يحتاج إلى شيء، والملك أيضا لا يحتاج إلى شيء ولكنه يحتاج إليه كل شيء، فيكون الملك مفيد معنى الغني وزيادة

(1)

.

ويدل على تفاوت الأسماء الحسنى في الفضل، وجود أسماء منها دالة على صفة واحدة، واشتقاقها واحد، مع الاختلاف في مبانيها، مثل: القدير المقتدر القادر، والغفور الغفار الغافر، والرحمن الرحيم، ونحو ذلك فإن كلا منها معدود اسما مستقلا، وهي متغايرة متفاضلة، دل على تفاضلها صيغ مبانيها، فإن فعال وفعيل وفعلان صيغ مبالغة و (فعال) أبلغ من (فاعل)، ثم (فعلان) أبلغ من (فعيل)، ولذا ذكر ابن جرير أنه لا تمانع بين أهل العلم بلغات العرب أن الرحمن أبلغ من الرحيم

(2)

، وهو مذهب أكثر العلماء

(3)

.

فهذه بعض أدلة ووجوه تفاضل أسماء الله فيما بينها، فبعضها أفضل من بعض وهي كلها فاضلة في غاية التمام والكمال ليس فيها نقص، ولذا فإن قولنا بأنها متفاضلة غير قادح في كونها فاضلة كلها متوافرة في الكمال، لأن التفاضل بينها دلالة النصوص كما أرايت ولان التفاضل بين الأشياء الفاضلة الكاملة لا يستلزم نقص المفضول

(4)

.

(1)

انظر المقصد الأسنى ص: 22.

(2)

تفسير الطبري 1/ 42.

(3)

انظر البرهان في علوم القرآن 2/ 504، ومعترك الأقران 1/ 412.

(4)

المصدر بشيء من التصرف مباحث المفاضلة في العقيدة 66 - 76

ص: 82

‌المطلب الثاني: الأقوال في تحديد الاسم الأعظم.

وفيه مسائل:

‌المسألة الأولى: الأحاديث الواردة في إثبات اسم الله الأعظم.

ذهب جمهور العلماء قديماً وحديثاً إلى إثبات الاسم الأعظم لله تعالى، وذلك لورود النص الصريح بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث، وهي على النحو التالي:

أولًا: حديث عبد الله بن بريدة الأسلمي عن أبيه أنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد، قال: فقال: (والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم؛ الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى). وفي أحد لفظي أبي داود: (لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب)

(1)

وهذا الحديث هو أصح الأحاديث الواردة في إثبات الاسم الأعظم لله تبارك وتعالى.

(1)

أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة باب الدعاء (4/ 362 ح 1479 العون)، وأحمد في المسند (5/ 350) وابن حبان في صحيحه (3/ 173 ح 891 الإحسان) جميعهم من طريق يحيى بن سعيد القطان عن مالك بن مغول عن =

ص: 83

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ابن بريدة عن أبيه به، وأخرجه أحمد (5/ 360)، وابن ماجه في الدعاء باب اسم الله الأعظم (2/ 1267 - 1268 ح 3857)، وابن أبي شيبة في المصنف (10/ 271 ح 9409) و (14/ 31 ح 17456) من طريق وكيع عن مالك بن مغول به، وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة باب الدعاء (4/ 363 ح 1480) من طريق زيد بن الحباب عن مالك بن مغول به.

وأخرجه الترمذي في كتاب الدعوات باب جامع الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم 5/ 515 ح 3475) من طريق زيد بن الحباب عن زهير بن معاوية عن مالك بن مغول به وقال حسن غريب.

وأخرجه أحمد (5/ 349) من طريق عثمان بن عمر بن فارس عن مالك بن مغول به مطولا.

وأخرجه البغوي في شرح السنة (5/ 37 ح 1259) من طريق عثمان بن عمر قال حدثنا عمرو بن مرزوق قال أخبرنا مالك بن مغول به مطولا.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 514) من طريق محمد بن سابق عن مالك بن مغول به وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

وأخرجه الترمذي (5/ 516 ح 3475) والحاكم في المستدرك (1/ 514) وقال على شرط مسلم ووافقه الذهبي والطحاوي في مشكل الآثار (1/ 160 ح 177) من طريق شريك عن أبي إسحاق عن عبد الله بن بريدة به، وعند الطحاوي عن شريك ومالك بن مغول به قال الترمذي:(روى شريك هذا الحديث عن أبي إسحاق عن ابن بريدة عن أبيه وإنما أخذه أبو إسحاق الهمداني عن مالك بن مغول وإنما دلسه وروى شريك هذا الحديث عن أبي إسحاق). وشريك صدوق يخطئ كثيرا إلا أنه هنا متابع وقد ساق الحاكم هذا الحديث شاهدا لما قبله.

وأخرجه الإمام أحمد (4/ 338)، والنسائي في السهو باب الدعاء بعد الذكر (5/ 52 ح 1301) من طريق حسين المعلم عن ابن بريدة قال حدثني حنظلة بن علي أن محجن بن الأذرع حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد

فذكره وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم (قد غفر له ثلاثا) ولم يرد فيه ذكر الاسم الأعظم والحديث إسناده صحيح، وقد صححه العلامة الألباني في تخريج المشكاة (2/ 708 ح 2289) وقال الحافظ عن هذا الحديث:(هو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك) أي الاسم الأعظم. الفتح (11/ 228) وقال المنذري: قال شيخنا أبو الحسين المقدسي: إسناده لا مطعن فيه ولم يرد في الباب أجود منه إسنادا) تحفة الذاكرين (ص 71) ولوامع الأنوار البهية (1/ 35).

ص: 84

ثانيا: حديث أنس أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل

(1)

يصلي، ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد دعا باسمه العظيم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى)

(2)

(1)

هو أبو عياش زيد بن الصامت الزرقي. قاله الخطيب في الأسماء المبهمة (ص 346 ح 172.

(2)

حديث أنس روي من أربع طرق:

الأولى: طريق خلف بن خليفة عن حفص بن أخي أنس عن أنس.

أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة باب الدعاء (4/ 363 ح 481 العون)، والنسائي في السهو باب الدعاء بعد الذكر (3/ 52 ح 1300)، وأحمد في المسند (3/ 158، 245)، والبخاري في الأدب المفرد برقم 705، وابن حبان في صحيحه (3/ 175 ح 893 الإحسان)، والبغوي في شرح السنة (6/ 36 ح 1258)، والحاكم في المستدرك (3/ 503 - 504)، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي والطحاوي في المشكل (1/ 161 ح 175)، والطبراني في الدعاء برقم 116، والبيهقي في الأسماء والصفات (1/ 61 ح 28) و (1/ 340 ح 271) وهذا إسناد حسن.

خلف بن خليفة صدوق اختلط في الآخر كما في التقريب (ص 194) وحفص بن أخي أنس صدوق التقريب (ص 174) وقد توبعا.

الثانية: طريق وكيع قال حدثني أبو خزيمة عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك.

أخرجه ابن ماجه في الدعاء باب اسم الله الأعظم (2/ 1268 ح 3858)، وأحمد في المسند (3/ 120)، وابن أبي شيبة في المصنف (10/ 272 ح 9410) و (14/ 371 ح 17457) وإسناده حسن، أبو خزيمة هو العبدي واسمه نصر بن مرداس وقيل صالح وهو صدوق، التقريب (ص 636).

الثالثة: طريق محمد بن إسحاق قال حدثني عبد العزيز بن مسلم مولى آل رفاعة قال حدثني إبراهيم بن عبيد بن رفاعة عن أنس

أخرجه أحمد (3/ 265) والطحاوي في المشكل (1/ 160، 161) ح 174، والطبراني في الصغير برقم 1012، والخطيب في التاريخ (5/ 255) وإسناده حسن إن شاء الله.

عبد العزيز بن مسلم لم يوثقه غير ابن حبان (الثقات 5/ 123) ولذلك قال الحافظ في التقريب مقبول أي عند المتابعة وإلا فلين الحديث وقد تابعه عياض بن عبد الله الفهري عند الحاكم (1/ 504) والبيهقي في الأسماء والصفات (1/ 70 ح 340) إلا أنه لين كما في التقريب (ص 437) قال الهيثمي: ((رواه أحمد والطبراني في الصغير ورجال أحمد ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس وإن كان ثقة)) مجمع الزوائد (4/ 156) وقد انتفت شبهة تدليس ابن إسحاق بتصريحه بالتحديث عند الطحاوي والخطيب والبيهقي.

الرابعة: طريق سعيد بن زربي عن عاصم الأحول وثابت عن أنس

أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات باب (100) خلق الله مائة رحمة (5/ 550 ح 3544) وقال: (حديث غريب من حديث ثابت عن أنس، وقد روي من غير هذا الوجه عن أنس)

وهذا إسناد ضعيف فيه سعيد بن زربي العباداني وهو منكر الحديث كما في التقريب (ص 235) والحديث صحيح بمجموع طرقه وقد صححه كل من:

• ابن حبان.

• الحاكم.

• موافقة الذهبي للحاكم.

• العلامة الألباني في تخريجه المشكاة (2/ 709) والله أعلم

ص: 85

ثالثا: حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}

(1)

وفاتحة سورة آل عمران

(1)

سورة البقرة آية (163)

ص: 86

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}

(1)

(2)

رابعا: حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن اسم الله الأعظم لفي سور من القرآن ثلاث، البقرة وآل عمران وطه)

(3)

.

(1)

سورة آل عمران آية (1، 2)

(2)

أخرجه أبو داود في كتاب الدعاء (4/ 464 ح 1482 العون)، والترمذي في كتاب الدعوات باب 65 وقال حسن صحيح، وابن ماجة في كتاب الدعاء باب اسم الله الأعظم (2/ 1267 ح 3855) وأحمد في المسند (6/ 461) والدارمي في سننه (2/ 323 ح 3392) وابن أبي شيبة في المصنف (14/ 30 ح 7455 و 9412) والطبراني في الكبير (24/ 174) وفي الدعاء برقم 113 والطحاوي في مشكل الآثار (1/ 164 ح 178، 179) والبغوي في شرح السنة (5/ 39 ح 1261) وقال حديث غريب والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 250 ح 184) من طريق عبيد الله بن أبي زياد القداح قال حدثنا شهر بن حوشب عن أسماء مرفوعا وفيه شهر وهو صدوق كثير الإرسال والأوهام انظر التقريب (ص 269) وفيه عبيد الله القداح وهو ليس بالقوي كما في التقريب (ص 371) وقد تعقب الترمذي في تحسينه الحافظ ابن حجر كما في الفتح (11/ 227) والمناوي كما في فيض القدير وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع (1/ 319 ح 991) ولعله لأجل الشاهد وهو حديث أبي أمامة رضي الله عنه وهو الحديث الرابع وسيأتي تخريجه بعد هذا والله أعلم.

(3)

حديث أبي أمامة روي من ثلاث طرق:

الأولى: طريق عمرو بن أبي سلمة الدمشقي، سمعت عيسى بن موسى، سمع غيلان بن أنس يحدث عن القاسم عن أبي أمامة يرفعه، أخرجه ابن ماجه في الدعاء (2/ 1267 ح 3856) والطحاوي في مشكل الآثار (1/ 163 ح 177) والطبراني في الكبير (8/ 214، 215 ح 7758) والبيهقي في الأسماء والصفات (1/ 59، 60 ح 27) وإسناده حسن. غيلان هو ابن أنس الكلبي مقبول كما في التقريب (ص 443) لكنه لم يتفرد به بل تابعه عبد الله بن العلاء كما سيأتي والقاسم هو ابن عبد الرحمن الدمشقي صدوق يغرب كثيرا، التقريب (ص 450)

الثانية: طريق الوليد بن مسلم حدثني عبد الله بن العلاء بن زبر، عن القاسم عن أبي أمامة يرفعه، أخرجه الطحاوي في مشكل الأثار (1/ 162 ح 176) والطبراني في الكبير (8/ 282 ح 7925) والحاكم في المستدرك (1/ 505) وابن مردويه كما في تفسير ابن كثير (1/ 454)

الثالثة: طريق عمرو بن أبي سلمة عن عبد الله بن العلاء عن القاسم مقطوعا

أخرجه ابن ماجه في الدعاء (2/ 1267 ح 3856) وقال البوصيري: (رجال إسناده ثقات وهو موقوف وأما الإسناد المرفوع ففيه غيلان ولم أر لأحد فيه كلاما لا جرحاً ولا توثيقاً وباقي رجال إسناده ثقات) وقوله موقوف ينبغي أن يقيد بعلى أي موقوف على القاسم كما هو اصطلاح أهل الحديث

وهو شاهد لحديث أسماء المتقدم. والحديث حسنه المناوي كما في تحفة الذاكرين (ص 70) والألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 382 ح 746) والله أعلم.

ص: 87

‌المسألة الثانية: اختلف أهل العلم في " اسم الله الأعظم " من حيث وجوده على أقوال:

‌القول الأول: إنكار وجوده أصلاً.

لاعتقادهم بعدم تفضيل اسم من أسماء الله تعالى على آخر، وقد تأول هؤلاء الأحاديث الواردة السابقة فحملوها على وجوه:

الوجه الأول: من قال بأن معنى " الأعظم " هو " العظيم " وأنه لا تفاضل بين أسماء الله تعالى.

ذهب كل من الإمام أبي جعفر الطبري

(1)

، وأبي الحسن الأشعري وجماعة بعدهما كأبي حاتم ابن حبان والقاضي أبي بكر الباقلاني

(2)

إلى نفي أن يكون لله تعالى اسم أعظم، له مزايا وخصائص تميزه عن غيره من سائر الأسماء.

(1)

جامع البيان (1/ 481).

(2)

انظر: فتح الباري (11/ 227).

ص: 88

وقالوا: لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض، ونسب ذلك بعضهم لمالك لكراهيته أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها من السور، لئلا يظن أن بعض القرآن أفضل من بعض

(1)

.

• واحتجوا لذلك بما يلي:

1 ـ يلزم من القول بأن لله تعالى اسما أعظم أن ما عداه مفضول والمفضول مظنة النقص والعيب. وليس في أسماء الله تعالى مفضول، بل كلها حسنى. فانتفى تخصيص أحد هذه الأسماء بالأعظمية والأفضلية على غيره.

2 ـ أن الاسم كلمة مركبة من حروف مخصوصة، اصطلحوا على جعلها معرفة للمسمى، فعلى هذا: الاسم لا يكون له في ذاته شرف ومنقبة، وإنما شرفه ومنقبته بشرف المسمى. وأشرف الموجودات وأكملها هو الله سبحانه وتعالى. وكل اسم ذكر العبد ربه به على ما يكون عارفا بعظمة الرب فذلك الاسم هو الاسم الأعظم

(2)

.

3 -

لو كان الاسم الأعظم موجودًا لدعا به النبي صلى الله عليه وسلم في المواقف الصعبة كيوم بدر ويوم الأحزاب وغيرها. ولأجابه الله تعالى في كل ما دعاه ومن ذلك دعاؤه لأمته صلى الله عليه وسلم ثلاث دعوات فاستجاب الله تعالى له اثنتين ومنعه الثالثة. كما في حديث سعد بن أبي وقاص قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة؛ سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها)

(3)

.

(1)

انظر: فتح الباري (11/ 227).

(2)

لوامع البينات للرازي (ص 92).

(3)

أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/ 175)، ومسلم في صحيحه كتاب الفتن باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض ح 2890 (4/ 2216)، وأخرجه الترمذي في الفتن باب ما جاء في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا في أمته؛ ح 2175 (4/ 471) من حديث خباب بن الأرت وقال حسن غريب صحيح.

ص: 89

فلو كان هناك اسم أعظم لسأل به النبي صلى الله عليه وسلم ما منع منه وهو الرحيم بأمته عليه الصلاة والسلام.

4 ـ وذهب بعضهم إلى أن ذلك راجع إلى حالة الداعي وليس إلى اسم بعينه.

• كما روي عن جعفر الصادق رحمه الله أنه قال: (إن كل اسم من أسمائه تعالى يكون في غاية العظمة إلا أن الإنسان إذا ذكر اسم الله عند تعلق قلبه بغير الله لم ينتفع به، وإذا ذكره عند انقطاع طمعه من غير الله كان ذلك الاسم الأعظم)

(1)

.

روي ذلك عنه في قصة مفادها أن رجلا سأله عن الاسم الأعظم فأمره أن يغتسل بماء شديد البرودة والزمان شتاء ففعل، فلما أراد أن يخرج منع من الخروج فتضرع إلى المانع حتى انقطع رجاؤه منه، ثم تضرع إلى الله تعالى فخلى سبيله، فجاء إلى جعفر الصادق فقال: الآن علمني اسم الله الأعظم؟ فقال جعفر: يا هذا إنك قد تعلمت الاسم الأعظم، ودعوت الله به، وأجابك. فقال: وكيف ذلك؟ فذكر له الكلام المذكور آنفا.

• وروي نحو هذا عن الجنيد في امرأة فقدت ابنها فترددت إليه تسأله أن يدعو لها ليعود ابنها، وهو في كل مرة يقول لها: اذهبي واصطبري. فقالت مرة: عيل صبري، وما بقيت لي طاقة فادع لي.

(1)

لوامع البينات.

ص: 90

فقال لها الجنيد: (إن كان كما قلت فاذهبي فقد رجع ابنك) فمضت، ثم عادت تشكر الله فقيل للجنيد: بم عرفت ذلك؟ قال: قال الله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل آية 62]

(1)

.

• وروي عن أبي يزيد البسطامي أن رجلا قال له: أخبرني عن اسم الله الأعظم؟ فقال: (اسم الله الأعظم ليس له حد محدود، ولكن فرِّغ قلبك لوجه الله لوحدانيته فإذا كنت كذلك فاذكر أي اسم شئت

(2)

.

• قال الفخر الرازي بعد ذكر هذه الآثار: (واعلم أنه ظهر من هذا الكلام أن العبد كلما كان انقطاع قلبه عن الخلق أتم، كان الاسم الذي به يذكر الله عز وجل أعظم)

(3)

.

وحملوا ما ورد في ذلك من الآثار على أن المراد بالأعظم العظيم وأن أسماء الله كلها عظيمة وعبارة أبي جعفر الطبري: (اختلفت الآثار في تعيين الاسم الأعظم، والذي عندي أن الأقوال كلها صحيحة، إذ لم يرد في خبر منها أنه الاسم الأعظم، ولا شيء أعظم منه)

(4)

.

الوجه الثاني: أن المراد بالأحاديث السابقة بيان مزيد ثواب من دعا بذلك الاسم.

• قال الحافظ ابن حجر: (فكأنه يقول كل اسم من أسمائه تعالى يجوز وصفه بكونه أعظم، فيرجع إلى معنى عظيم كما تقدم)

(5)

.

(1)

لوامع البينات (ص 93).

(2)

لوامع البينات (ص 93)، وانظر حلية الأولياء (10/ 39)، وسير أعلام النبلاء (13/ 87).

(3)

لوامع البينات (ص 93).

(4)

فتح الباري (11/ 227).

(5)

فتح الباري (11/ 227).

ص: 91

• وقال ابن حبان: (الأعظمية الواردة في الأخبار إنما يراد بها مزيد ثواب الداعي بذلك، كما أطلق ذلك في القرآن والمراد به مزيد ثواب القاري

(1)

.

الوجه الثالث: أن المراد بالاسم الأعظم حالة يكون عليها الداعي، وهي تشمل كل من دعا الله تعالى بأي اسم من أسمائه، إن كان على تلك الحال.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: وقيل: المراد بالاسم الأعظم: كل اسم من أسماء الله تعالى دعا العبد به مستغرقاً بحيث لا يكون في فكره حالتئذ غير الله تعالى، فإن من تأتَّى له ذلك: اأستجيب له، ونقل معنى هذا عن جعفر الصادق، وعن الجنيد، وعن غيرهما

(2)

.

‌القول الثاني: قول من قال بأن الله تعالى قد استأثر بعلم تحديد اسمه الأعظم،

وأنه لم يُطلع عليه أحداً من خلقه.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: وقال آخرون: استأثر الله تعالى بعلم الاسم الأعظم ولم يطلع عليه أحداً من خلقه

(3)

.

‌القول الثالث: ذهب بعضهم إلى أن الله تعالى يختص بمعرفته من يشاء من الأنبياء والأولياء، دون غيرهم من سائر الناس.

قال الغزالي: الاسم الأعظم لا يعرفه الجماهير

(4)

، أوقال:

(1)

فتح الباري (11/ 227) وانظر عون المعبود (4/ 362).

(2)

انظر فتح الباري، لابن حجر (11/ 224).

(3)

انظر فتح الباري، لابن حجر (11/ 224).

(4)

انظر المقصد الأسنى، لأبي حامد الغزالي (ص 168).

ص: 92

الاسم الأعظم يختص بمعرفته نبي أو ولي

(1)

.

‌القول الرابع: قول من أثبت وجود اسم الله الأعظم وعيَّنه.

ذهب جمهور العلماء إلى القول بتعيين الاسم الأعظم استنباطا من الأدلة الواردة في ذلك، لكنهم اختلفوا في هذا التعيين إلى أقوال كثيرة جدا، ذكر الحافظ ابن حجر منها أربعة عشر قولا

(2)

، وقد ذكرها السيوطي وأفردها بمصنف

(3)

وأوصلها إلى عشرين قولا، وقال الشوكاني: إنها على نحو أربعين قولاً، ولكنه لم يسرد الأقوال واكتفى بذكرها عدداً

(4)

. وذكر الروحاني أنها تنيف عن ستين قولا

(5)

وقد اختلف هؤلاء المعينون في الاسم الأأعظم على أربعة عشر قولاً! وقد ساقها الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه

(6)

فقال:

الأول: الاسم الأعظم (هو) نقله الفخر الرازي عن بعض أهل الكشف، ؤرء واحتج له بأن من أراد أن يعبر عن كلام معظم بحضرته لم يقل له أنت قلت كذا: وإنما يقول: هو يقول: تأدبا معه.

الثاني: (الله)؛ لأنه اسم لم يطلق على غيره؛ ولأنه الأصل في الأسماء الحسنى، ومن ثم أضيفت إليه.

(1)

انظر المقصد الأسنى، لأبي حامد الغزالي (ص 169).

(2)

فتح الباري (11/ 227).

(3)

وهو الدر المنظم في الاسم الأعظم ضمن الحاوي للفتاوي (1/ 394 ـ 397)، وله كتاب مخطوط بعنوان أقوال العلماء في الاسم الأعظم ذكره الحمود في النهج الأسمى (1/ 13)

(4)

تحفة الذاكرين (ص 71).

(5)

فتح الله بخصائص الاسم (الله) لمحمد موسى الروحاني (557).

(6)

انظر فتح الباري، لابن حجر (11/ 224).

ص: 93

الثالث: (الله الرحمن الرحيم)، ولعل مستنده ما أخرجه ابن ماجه، عن عائشة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمها الاسم الأعظم فلم يفعل فصلت ودعت «اللهم إني أدعوك الله وأدعوك الرحمن وأدعوك الرحيم وأدعوك بأسمائك الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم» الحديث، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال:«لها إنه لفي الأسماء التي دعوت بها» قلت: وسنده ضعيف وفي الاستدلال به نظر لا يخفى.

الرابع: (الرحمن الرحيم الحي القيوم) لما أخرج الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]، وفاتحة سورة آل عمران: {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 1 - 2]» ، أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي، وحسنه الترمذي، وفي نسخة صحيحة وفيه نظر؛ لأنه من رواية شهر بن حوشب.

الخامس: (الحي القيوم) أخرج ابن ماجه من حديث أبي أمامة، «الاسم الأعظم في ثلاث سور البقرة وآل عمران وطه» قال القاسم: الراوي عن أبي أمامة التمسته منها فعرفت أنه الحي القيوم، وقواه الفخر الرازي واحتج بأنهما يدلان من صفات العظمة بالربوبية ما لا يدل على ذلك غيرهما كدلالتهما.

السادس: (الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام الحي القيوم)، ورد ذلك مجموعًا في حديث أنس عند أحمد والحاكم وأصله عند أبي داود والنسائي، وصححه ابن حبان.

السابع: (بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام) أخرجه، أبو يعلى من طريق السري بن يحيى عن رجل من طي،

ص: 94

وأثنى عليه قال: "كنت أسأل الله أن يريني الاسم الأعظم فأريته مكتوبًا في الكواكب في السماء".

الثامن: (ذو الجلال والإكرام)، أخرج الترمذي من حديث معاذ بن جبل قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يقول: «يا ذا الجلال والإكرام فقال: قد استجيب لك فسل» ، واحتج له الفخر بأنه يشمل جميع الصفات المعتبرة في الإلهية، لأن في الجلال إشارة إلى جميع السلوب، وفي الإكرام إشارة إلى جميع الإضافات.

التاسع: (الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم من حديث بريدة، وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك.

العاشر: (رب رب) أخرجه الحاكم من حديث أبي الدرداء، وابن عباس: بلفظ "اسم الله الأكبر رب رب"، وأخرج ابن أبي الدنيا عن عائشة:"إذا قال العبد يا رب يا رب قال الله تعالى: لبيك عبدي سل تعط" رواه مرفوعًا، وموقوفًا.

الحادي عشر: (دعوة ذي النون) أخرج النسائي، والحاكم، عن فضالة بن عبيد رفعه:«دعوة ذي النون في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم قط إلا استجاب الله له» .

الثاني عشر: (هو الله الله الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم) نقل الفخر الرازي عن زين العابدين: "أنه سأل الله أن يعلمه الاسم الأعظم فرأى في النوم هو الله الله الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم".

ص: 95

الثالث عشر: (هو مخفي في الأسماء الحسنى)، ويؤيده حديث عائشة المتقدم لما دعت ببعض الأسماء، وبالأسماء الحسنى فقال لها صلى الله عليه وسلم:«إنه لفي الأسماء التي دعوت بها» .

الرابع عشر: (كلمة التوحيد)، نقله عياض

(1)

.

سرد الإمام السيوطي أقوال العلماء في اسم الله الأعظم نحو عشرين قولًا في رسالته (الدر المنظم في الاسم الأعظم)، وهي ضمن كتاب الحاوي في الفتاوى للسيوطي

(2)

:

ذكر هذه الأقوال وزاد عليها أقوال أخرى، وهي:

الخامس عشر: (اللهم) حكاه الزركشي في شرح جمع الجوامع، واستدل لذلك بأن الله دال على الذات، والميم دالة على الصفات التسعة والتسعين ذكره ابن مظفر، ولهذا قال الحسن البصري:"اللهم مجمع الدعاء"، وقال النضر بن شميل: من قال: "اللهم فقد دعا الله بجميع أسمائه".

السادس عشر: (الم) أخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: "الم هو اسم الله الأعظم"، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال:"الم اسم من أسماء الله الأعظم"، وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال:"الم قسم أقسم الله به وهو من أسمائه تعالى"

السابع عشر: قال بأعض الصوفية وغيرهم: اسم الله الأعظم هو (بسم الله الرحمن الرحيم) كلها

(3)

.

(1)

انظر فتح الباري، لابن حجر (11/ 224 - 225).

(2)

انظر الحاوي للفتاوي، للسيوطي (1/ 380 - 383).

(3)

انظر لوامع الأنوار البهية، للسفاريني (1/ 35).

ص: 96

وزاد صاحب كتاب فتح الله بخصائص اسم الله في ذكر بقية الأقوال، ومما ذكره:

الثامن عشر: قوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]

(1)

.

التاسع عشر: أنه في ست آيات في آخر سورة الحشر.

العشرون: أنه الدعاء المبارك المنقول عن بعض الأولياء

(2)

.

الحادي والعشرون: (القيوم)، ذهب إليه جمع من العلماء

(3)

.

الثاني والعشرون: قيل: اسم الله الأعظم في البقرة آيتان، وفي آل عمران واحدة، وفي الأنعام ثلاث، وفي الأعراف آيتان، وفي الأنفال آيتان، وفي الرعد آية، وفي مريم آية، وفي طه أربع آيات، وفي المؤمنون آية، وفي الفيل آية، وفي الروم آية، وفي السجدة آية، وفي يس آيتان، وفي غافر ثلاث، وفي الجاثية آية، وفي أالرحمن آيتان، وفي الحشر ثلاث، وفي الملك آية، وفي الإخلاص آيتان.

(4)

الثالث والعشرون: حكي عن شريح رحمه الله أنه ذهب لرجل يعلمه اسم الله الأعظم، فقال: هو كل ما في القرآن من:

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} .

{الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [آل عمران: 1 - 3] الآية.

(1)

انظر الدر المنثور شرح أسماء الله الحسنى، لعبد العزيز يحيى (ص 5).

(2)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 388).

(3)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 397).

(4)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 398).

ص: 97

{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 6].

{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 6].، {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19].

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [النساء: 87] الآية.

{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}

(1)

.

الرابع والعشرون: أنه (ن) قيل: إنه الاسم الأعظم أخرجه ابن جرير بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: هو اسم الله الأعظم

(2)

.

الخامس والعشرون: أنه (الرحمن) قاله الألوسي في روح المعاني في تفسير قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: آية 110]

(3)

.

السادس والعشرون: هو دعاء وقيل: إن كل اسم منها هو اسم الله الأعظم، وهو: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت يا حنان يا منان يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحيم يا أحد يا صمد يا ذا الجلال والإكرام يا وهاب يا خير الوارثين يا غفار يا قريب يا سميع يا عليم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين يا أرحم الراحمين يا سميع الدعاء يا ربنا ياربنا أسألك باسمك الله

(1)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 398).

(2)

انظر الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (3/ 26 - 27).

(3)

انظر روح المعاني، للألوسي (15/ 193).

ص: 98

الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم الم كهيعص طسم طس حم عسق، حسبنا الله ونعم الوكيل أسألك الله بها وبالآيات كلها وبالأسماء كلها وبالاسم الأعظم منها يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد أن تصلي وتسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه

(1)

.

السابع والعشرون: ترك المعاصي، روي ذلك عن علي رضي الله عنه.

الثامن والعشرون: (الأحد الصمد).

التاسع والعشرون: (ربنا).

الثلاثون: (أرحم الراحمين).

الحادي والثلاثون: (الوهاب) لدعاء سليمان عليه السلام.

الثاني والثلاثون: (حسبنا الله ونعم الوكيل).

الثالث والثلاثون: (الغفار).

الرابع والثلاثون: (خير الوارثين).

الخامس والثلاثون: (السميع العليم).

السادس والثلاثون: (سميع الدعاء).

السابع والثلاثون: أن يقرأ ست آيات من سورة الحديد، وآأخر سورة الحشر، فإذا فرغت من قراءتها قلت يا من هو كذلك افعل لي كذا

(2)

الثامن والثلاثون: (القريب).

(1)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 401 - 402).

(2)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 402).

ص: 99

التاسع والثلاثون: (العلي، العظيم، الحليم، العليم) أي: مجموع الأربعة.

الأربعون: (السميع البصير).

الحادي والأربعون: (الودود).

الثاني والأربعون: (سلام قولًا من رب الرحيم).

الثالث والأربعون: أنه في سورة الحج في قوله تعالى: (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله)[الحج: 58].

الرابع والأربعون: (المانع).

الخامس والأربعون: (العلي العظيم).

السادس والأربعون: (العليم).

السابع والأربعون: أوائل السور أي الأحرف النورانية، وهي أربعة عشر حرفًا.

الثامن والأربعون: (اللطيف)، وصرح به بعض العلماء، وأن في هذا الاسم أسررًا لطيفة، وله ثمرات عالية تحصل لمن داوم على ورده

(1)

.

التاسع والأربعون: أنه الإنسان نفسه هو الاسم الأعظم فمن عرف نفسه فقد عرف ربه.

الخمسون: أنه كمال المائة وليسي في الأسماء التسعة والتسعين، وهو اختيار عبد العزيز الدباغ المصري

(2)

.

(1)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 403).

(2)

انظر الإبريز في كلام سيدي عبد العزيز، لأحمد بن المبارك السلجماسي (ص 257).

ص: 100

الحادي والخمسون: (المميت).

الثاني والخمسون: (يا ظاهر).

الثالث والخمسون: (الله الحميد القهار).

الرابع والخمسون: حديث ابن عباس (اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في هذه الآية وهي: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء) إلى آخر الآية. [آل عمران: 26]، وهو حديث عند الطبراني في الكبير، لكنه ضعيف

(1)

.

الخامس والخمسون: (الحق) صرح به بعض العلماء

(2)

.

السادس والخمسون: (السريع).

السابع والخمسون: (يا الله)

(3)

.

الثامن والخمسون: كل اسم من أسماء الله تعالى دعا العبد به مستغرقاً بحيث لا يكون في فكره حالتئذ غير الله تعالى، فإن من تأتَّى له ذلك: استجيب له، ونقل معنى هذا عن جعفر الصادق، وعن الجنيد، وعن غيرهما

(4)

.

التاسع والخمسون: أن الله تعالى قد استأثر بعلم تحديد اسمه الأعظم، وأنه لم يُطلع عليه أحداً من خلقه.

الستون: إنكار وجوده أصلاً! لاعتقادهم بعدم تفضيل اسم من أسماء الله تعالى على آخر

(5)

.

(1)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 407).

(2)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 408).

(3)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 408).

(4)

انظر فتح الباري، لابن حجر (11/ 224).

(5)

انظر الحاوي للفتاوي، للسيوطي (1/ 380 - 383).

ص: 101

• قال الشيخ الألباني رحمه الله:

واعلم أن العلماء اختلفوا في تعيين اسم الله الأعظم على أربعة عشر قولاً، ساقها الحافظ في الفتح، وذكر لكل قول دليله، وأكثرها أدلتها من الأحاديث، وبعضها مجرد رأي لا يلتفت إليه، مثل القول الثاني عشر؛ فإن دليله: أن فلاناً سأل الله أن يعلِّمه الاسم الأعظم، فرأى في النوم؛ هو الله، الله، الله، الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم!!.

وتلك الأحاديث منها الصحيح، ولكنه ليس صريح الدلالة، ومنها الموقوف كهذا، ومنها الصريح الدلالة؛ وهو قسمان:

قسم صحيح صريح، وهو حديث بريدة: «الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد

» إلخ، وقال الحافظ:"وهو أرجح من حيث السند من جميع أما ورد في ذلك "، وهو كما قال رحمه الله، وأقره الشوكاني في تحفة الذاكرين

(1)

، وهو مخرج في صحيح أبي داود (1341).

والقسم الآخر: صريح غير صحيح، بعضه مما صرح الحافظ بضعفه؛ كحديث القول الثالث: عن عائشة في ابن ماجه (3859)، وهو في ضعيف ابن ماجه رقم (841)، وبعضه مما سكت عنه فلم يحسن! كحديث القول الثامن من حديث معاذ بن جبل في الترمذي، وهو مخرج في الضعيفة برقم (4520).

وهناك أحاديث أخرى صريحة لم يتعرض الحافظ لذكرها، ولكنها واهية، وهي مخرجة هناك برقم (2772، 2773، 2775)

(2)

.

(1)

تحفة الذاكرين، للشوكاني (ص 84).

(2)

انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، للألباني (13/ 279).

ص: 102

الترجيح:

والذي يترجح من الأقوال السابق ذكرها قول من أثبت لله الاسم الأعظم لورود النصوص بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم على ضعف في بعض طرقها وهي بمجموعها تقوم بها الحجة في إثبات أن لله تعالى اسما أعظم وهو اسم مخصوص من بين سائر أسمائه الحسنى تبارك وتعالى والقول بأن من أسماء الله ما هو فاضل لا يعني أن غيرها مفضول بل يعني أن كل أسماء الله فاضلة ولكن بعضها يفضل بعضا. ويمكن أن يجاب على أدلة النفاة بما يلي:

1 ـ أما دعوى أنه يلزم من تفضيل بعض الأسماء على بعض أن يكون هناك فاضل ومفضول والمفضول مظنة النقص والعيب. فهذا اللازم ليس بلازم وإنما يكون هناك فاضل وأفضل وحسن وأحسن وعظيم وأعظم.

2 ـ أما قولهم بأن الاسم كلمة مركبة من حروف مخصوصة

الخ فيقال إن شرف الاسم ليس راجعا إلى الحروف المركبة المخصوصة؛ وإنما إلى المعاني التي تحملها هذه الحروف الدالة على شرف المسمى سبحانه وتعالى. فكلما كان الاسم يحمل معان أكثر دلالة على شرف المسمى كان هذا الاسم أعظم وأشرف.

3 ـ أما أن يكون المراد النظر إلى حال الداعي ومدى التجائه إلى الله عز وجل فلا شك أنه كلما كان العبد أكثر التجاء إلى الله تعالى وأعظم تعلقا وأخلص في الدعاء كلما كان أقرب إلى القبول، وأحرى أن يستجيب الله تعالى له ولكن هذا لا ينافي أن يكون بعض الأسماء أعظم من بعض.

4 ـ أما تفسير الأعظمية بأنها مزيد ثواب الداعي

الخ

ص: 103

فهذا من باب التفسير بالازم، بل إن زيادة ثواب الداعي بذلك الاسم تدل على تميز هذا الاسم وأعظميته والله أعلم.

5 ـ وأما حمل الروايات الواردة بلفظ الأعظم على معنى عظيم فهذا مردود لأن أسماء الله كلها عظيمة وعليه فلا معنى لهذه الأحاديث لولم يكن لهذا الاسم ميزة يختص بها ثم إن حمل أعظم بمعنى عظيم وأكبر بمعنى كبير وأهون بمعنى هين باطل عند حذاق النحاة كما قال السهيلي.

(1)

6 ـ أما كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤثر عنه أنه دعا بهذا الاسم في تلك المواطن، فلا يعني عدم وجود هذا الاسم، وقد يكون عند النبي صلى الله عليه وسلم من الأسباب والحكم المخفية عنا ما منعه من دعاء الله بهذا الاسم والله تعالى أعلم

(2)

.

(1)

انظر الروض الأنف (1/ 202)

(2)

انظر اسم الله الأعظم للدكتور عبد الله بن عمر الدميجي (ص 93 ـ 100).

ص: 104

‌المطلب الثالث: القائلين بأن الاسم الأعظم لفظ الجلالة (الله) وأدلتهم.

• القائلون بأن لفظ الجلالة هو اسم الله الأعظم:

والذي يهمنا هو قول من قال إن لفظ الجلالة هو الاسم الأعظم، وهذا مروي عن ابن عباس

(1)

رضي الله عنهما والشعبي

(2)

وجابر

(3)

بن زيد وابن المبارك

(4)

وأبي حنيفة

(5)

والطحاوي

(6)

، وابن العربي

(7)

، وعبد القادر الجيلاني

(8)

، والطرطوشي وقال:(وبهذا المذهب قال معظم العلماء)

(9)

وإليه أشار الخطابي

(10)

، والقرطبي

(11)

. وقال السفاريني

(1)

أخرجه ابن مردويه كما في الدر المنثور (1/ 23).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (10/ 273) و (14/ 32) والدارمي في الرد على المريسي (1/ 168) السيوطي في الدر المنثور (1/ 24) من طريق ابن أبي شيبة ونسبه في الدر المنظم (1/ 395 الحاوي) إلى ابن أبي الدنيا في الدعاء.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (10/ 273) و (14/ 32) والدارمي في الرد على المريسي (1/ 169) وعزاه السيوطي في الدر المنثور (1/ 23) إلى البخاري في تاريخه وابن الضريس في فضائله وابن أبي حاتم في تفسيره.

(4)

الدعاء المأثور وآدابه للطرطوشي (ص 97).

(5)

شرح مشكل الآثار (1/ 162).

(6)

شرح مشكل الآثار (1/ 161).

(7)

أحكام القرآن (2/ 808).

(8)

فتح الله بخصائص الاسم "الله"(ص 578).

(9)

الدعاء المأثور وآدابه (ص 96).

(10)

شأن الدعاء (ص 25).

(11)

الجامع لأحكام القرآن (1/ 102).

ص: 105

(عند أكثر أهل العلم)

(1)

، ورجحه المباركفوري

(2)

، والأشقر

(3)

، وهو مفهوم كلام الحمود

(4)

، ورجحه الشيخ عبد الله الغصن

(5)

.

واستدلوا على ذلك بأدلة منها:

1 ـ أن لفظ الجلالة (الله) هو الاسم المذكور في كل الأحاديث الواردة

(6)

. قال أبو جعفر: (فهذه الآثار قد رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متفقة في اسم الله الأعظم أنه الله جل وعز

(7)

.

وقد جاء لفظ الجلالة الله في بعضها ولفظ اللهم في بعضها الآخر. ولا خلاف أن لفظة اللهم معناها يا الله ولهذا لا تستعمل إلا في الطلب

(8)

. فلما حذفوا الياء من أول الحرف زادوا الميم في آخره ليرجع المعنى الذي في يا الله

(9)

.

2 ـ لأن هذا الاسم هو المأثور عن السلف رضي الله عنهم كابن عباس وجابر بن زيد والشعبي وابن مبارك وعليه جمهور العلماء بعدهم.

3 ـ لما لهذا الاسم من الخصائص والمزايا المعنوية واللفظية ما لا يوجد في غيره

(10)

.

مناقشة أدلة القائلين بأن الاسم الأعظم لفظ الجلالة (الله):

1 ـ أما الاستدلال بأن لفظ الجلالة هو الاسم المشترك بين جميع الأحاديث الواردة سواء كان وروده بلفظ الجلالة (الله) أو بلفظ

(1)

لوامع الأنوار البهية (1/ 35).

(2)

تحفة الأحوذي (9/ 446).

(3)

أسماء الله وصفاته في معتقد أهل السنة والجماعة (ص 87).

(4)

النهج الأسمى (1/ 57).

(5)

أسماء الله الحسنى (ص 96).

(6)

تحفة الأحوذي (9/ 446).

(7)

شرح مشكل الآثار (1/ 161).

(8)

جلاء الأفهام (ص 109).

(9)

شرح مشكل الآثار (1/ 165).

(10)

وقد تقدم ذكرها.

ص: 106

اللهم ففيه نظر. وذلك أن هذا اللفظ لم يرد في جميع النصوص التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الاسم الأعظم فيها ومن ذلك حديث أسماء بنت يزيد

(1)

، فلفظ الجلالة لم يرد في الآية التالية وهي قوله تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة آية 163].

وإله ليس مرادفا للفظ الجلالة (الله) وإن كان هو أصل اشتقاقه، ولذا فليس لهذا الاسم من الخصائص ما للفظ الجلالة (الله)، فـ (إله) تطلق على غير الله تعالى كقوله عز وجل:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون آية: 91].

وقوله تعالى: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [القصص آية: 88]، وقوله:{وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} [طه آية: 97].

2 ـ وأما الاستدلال بأنه المأثور عن السلف رضوان الله عليهم فلم يؤثر عن أحد من الصحابة إلا عن ابن عباس رضي الله عنهما فيما ذكر، وقد أثر عنه غيره مثل الحي القيوم

(2)

ورب رب

(3)

وغير ذلك.

(1)

ولفظه قالت رضي الله عنها: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة آية 163]، وفاتحة سورة آل عمران {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران آية 1 - 2]، وسبق تخريجه.

(2)

ذكره الرازي في لوامع البينات (ص 310)، وهذا المذهب رجحه ابن قيم الجوزية حيث قال في نونيته. اسم الإله الأعظم اشتمل على اسم الحي والقيوم مقترنان. فالكل مرجعها إلى الاسمين يدري ذاك ذو بصر بهذا الشأن.

شرح النونية لابن عيسى (1/ 259) وقال في زاد المعاد (1/ 204): (ولهذا كان اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى هو اسم الحي القيوم). وذكر عن شيخ الإسلام أنه كان يشير إلى أنهما الاسم الأعظم. مدارج السالكين (1/ 448).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه كتاب الدعاء باب اسم الله الأعظم (10/ 273 برقم 9414)، وفي الرقائق (14/ 32 برقم 17459)، والحاكم في المستدرك (1/ 505) بإسناديهما إلى هشام بن أبي رقية وهو تابعي ثقة ذكره العجلي في تاريخ الثقات (457)، وابن حبان في ثقاته (5/ 501)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 57). انظر الفتح (11/ 228).

ص: 107

3 ـ وأما الاستدلال بالخصائص والمزايا التي تميز بها لفظ الجلالة، فلا شك أن هذه المزايا والخصائص صحيحة، وتدل على شرف هذا الاسم، لكن لا يلزم من ذلك أنها تدل على أنه الاسم الأعظم المعني في الأحاديث الواردة.

4 ـ ثم لو كان الاسم الأعظم هو لفظ الجلالة لكان هذا واقعا من كل داعٍ، لأن غالب الداعين لا يخلو دعاؤهم من قول اللهم كما هو معلوم. وعليه فلا معنى لهذا التشويق للدعاء بالاسم الأعظم ما دام واقعا مَدْعُواً به عند أكثر الداعين.

5 ـ وأيضا لو كان الاسم الأعظم هو لفظ الجلالة لما كان لتخصيصه ببعض السور معنى، كما في حديث أبي أمامة

(1)

، ولا معنى أيضا لتخصيصه ببعض الآيات كما في حديث أسماء، لأنه قل أن توجد آية أو سورة في القرآن إلا وقد ورد فيها لفظ الجلالة.

(1)

ولفظه عنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن اسم الله الأعظم لفي سور من القرآن ثلاث؛ البقرة، وآل عمران، وطه) وسبق تخريجه.

ص: 108

‌المطلب الرابع: الراجح في المسألة.

رجح جمع من أهل العلم أن الأقرب من تلك الأقوال هو " الله "؛ فهو الاسم الجامع لله تعالى الذي يدل على جميع أسمائه وصفاته تعالى، وهو اسم لم يُطلق على أحد غير الله تعالى، وعلى هذا أكثر أهل العلم.

1 -

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى: "اسم " الله " دالٌّ على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا بالدلالات الثلاث".

(1)

2 -

وقال ابن أمير حاج الحنفي - رحمه الله تعالى: عن محمد بن الحسن قال: سمعتُ أبا حنيفة رحمه الله يقول: اسم الله الأعظم هو " الله "، وبه قال الطحاوي وكثير من العلماء

(2)

.

3 -

وقال أبو البقاء الفتوحي الحنبلي - رحمه الله تعالى:

في قرن الحمد بالجلالة الكريمة - دون سائر أسمائه تعالى- فائدتان:

الأولى: أن اسم " الله " علم للذات، ومختص به، فيعم جميع أسمائه الحسنى.

الثانية: أنه اسم الله الأعظم عند أكثر أهل العلم الذي هو

(1)

انظر مدارج السالكين، لابن القيم (1/ 32)

(2)

انظر التقرير والتحبير، لابن الأمير الحاج (1/ 5).

ص: 109

متصف بجميع المحامد

(1)

.

4 -

وقال الشربيني الشافعي رحمه الله:

وعند المحققين أنه اسم الله الأعظم، وقد ذكر في القرآن العزيز في ألفين وثلثمائة وستين موضعاً

(2)

.

5 -

وقال الشيخ عمر الأشقر رحمه الله:

والذي يظهر من المقارنة بين النصوص التي ورد فيها اسم الله الأعظم أنّه: (الله)، فهذا الاسم هو الاسم الوحيد الذي يوجد في جميع النصوص التي قال الرسول صلى الله عليه وسلم إنّ اسم الله الأعظم ورد فيها.

ومما يُرجِّح أن (الله) هو الاسم الأعظم أنه تكرر في القرآن الكريم (2697) سبعاً وتسعين وستمائة وألفين - حسب إحصاء المعجم المفهرس - وورد بلفظ (اللهم) خمس مرات، في حين أنّ اسماً آخر مما يختص بالله تعالى وهو (الرحمن) لم يرد ذكره إلا سبعاً وخمسين مرة، ويرجحه أيضاً: ما تضمنه هذا الاسم من المعاني العظيمة الكثيرة

(3)

.

ويأتي في الدرجة الثانية من القوة في كونه اسم الله الأعظم (الحي القيوم)، وهو قول طائفة من العلماء، ومنهم النووي، ورجحه الشيخ العثيمين رحمه الله

(4)

.

وقال ابن تيمية رحمه الله في كلامه عن اسم (الحي): فالحي نفسه

(1)

انظر شرح الكوكب المنير، لأبي البقاء الحنبلي (1/ 24 - 25).

(2)

انظر مغني المحتاج، للخطيب الشربيني (1/ 88).

(3)

انظر العقيدة في الله، لعمر الأشقر (ص 213).

(4)

انظر شرح العقيدة الواسطية، لابن عثيمين (ص 166).

ص: 110

مستلزم لجميع الصفات وهو أصلها ولهذا كان أعظم آية في القرآن: أ {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: الآية 255] وهو الاسم الأعظم

(1)

.

وقد اختار هذا القول الإمام ابن القيم رحمه الله: وفي تأثير قوله: (يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث) في دفع هذا الداء مناسبة بديعة فإن صفة الحياة متضمنة لجميع صفات الكمال، مستلزمة لها، وصفة القيومية متضمنة لجميع صفات الأفعال، ولهذا كان اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى: هو اسم الحي القيوم، والحياة التامة تضاد جميع الأسقام والآلام، ولهذا لما كملت حياة أهل الجنة لم يلحقهم هم ولا غم، ولا حزن ولا شيء من الآفات. ونقصان الحياة تضر بالأفعال، وتنافي القيومية، فكمال القيومية لكمال الحياة، فالحي المطلق التام الحياة لا تفوته صفة الكمال البتة، والقيوم لا يتعذر عليه فعل ممكن البتة، فالتوسل بصفة الحياة القيومية له تأثير في إزالة ما يضاد الحياة، ويضر بالأفعال.

ونظير هذا توسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه بربوبيته لجبريل، وميكائيل، وإسرافيل أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، فإن حياة القلب بالهداية، وقد وكل الله سبحانه هؤلاء الأملاك الثلاثة بالحياة.

فجبريل: موكل بالوحي الذي هو حياة القلوب.

وميكائيل: بالقطر الذي هو حياة الأبدان والحيوان.

وإسرافيل: بالنفخ في الصور، الذي هو سبب حياة العالم، وعود الأرواح إلى أجسادها.

فالتوسل إليه سبحانه بربوبية هذه الأرواح العظيمة الموكلة

(1)

انظر مجموع الفتاوى' لابن تيمية (18/ 311).

ص: 111

بالحياة له تأثير في حصول المطلوب

(1)

.

وأما الشيخ رشيد فله رأي يجمع بين هذين الرأيين فإنه يرى أن اسم الله الأعظم هو (الله الحي القيوم) يقول الشيخ رشيد: وبجمع هذين الاسمين الكريمين هذه المعاني وغيرها من معاني الكمال الأعلى كان القول بأنهما مع اسم الجلالة ما يعبر عنه بالاسم الأعظم هو القول الراجح المختار عندنا

(2)

.

والذي يظهر أن الجزم بتحديد الاسم الأعظم وتعيينه على وجه قطعي من الأمور المتعذرة، لأن العلم به من الأمور الموقوفة على الوحي السماوي لا مجال للاجتهاد فيه، وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع مما يمكن الاحتجاج به ليس صريحا في تعيينه وما روي عمن تقدم من العلماء في تحديده إنما هو اجتهاد منهم في فهم هذه النصوص الواردة.

وعليه فإن تحديد هذا الاسم على وجه القطع غير متيسر وقد أخفاه الله عنا بعد أن بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أهم خصائصه وبعض مواطن وجوده وأماكن تحريه لنجتهد في الثناء على الله تعالى بأسمائه عز وجل والتوسل إليه بأكبر قدر ممكن من أسمائه الحسنى خاصة ذات الشرف والفضل لعلنا نظفر بدعوة لله تعالى بهذا الاسم فتتحقق الإجابة.

ونظير ما نحن فيه أن الشارع الحكيم قد أخفى على وجه التحديد بعض الساعات والليالي التي تجاب فيها الدعوة بعد أن أوضح خصائصها ومواطن تحريها كليلة القدر وذلك والله أعلم لحفز الهمم على الاجتهاد في العبادة والدعاء في هذه الأوقات الفاضلة، فلا يبعد أن يكون إخفاء الاسم الأعظم من هذا القبيل. ومما يدل على خفاء الاسم الأعظم قلة الآثار الواردة عن السلف

(1)

انظر زاد المعاد، لابن القيم (4/ 187 - 188).

(2)

انظر تفسير المنار، لمحمد رشيد رضا (1/ 74) ..

ص: 112

رضوان الله عليهم في هذا الموضوع سوى ما ذكر عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما. وكذلك من تكلم فيه من أهل العلم بعدهم قليل جدا ولو كان معروفا لاشتهر وانتشر والله أعلم.

ولا ننسى أن الله قد وعد بالإجابة لمن دعاه على وجه الإطلاق قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} . [غافر آية 60]، وقال عز وجل:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة آية 186].

وهذا دليل قطعي لا مجال للخلاف فيه ووعد مؤكد والله تعالى لا يخلف الميعاد. والإجابة متحققة بإذن الله تعالى عند توفر شروطها وانتفاء موانعها.

وأخيرا ينبغي أن يعلم أيضا أن تحديد الاسم الأعظم عند من قال به لا يعني أنه حد من رحمة الله وفضله بل إن تخصيص الاسم الأعظم من باب زيادة الخير للعباد والاستجابة لهم مع أن الأدعية الأخرى التي ليس فيها الاسم الأعظم قد يستجيب الله لها إذ توفرت الشروط وانتفت الموانع.

ولا يلزم كذلك أن تجاب كل دعوة دعا بها أحد بالاسم الأعظم لأن لإجابة الدعوة شروطا يجب أن تتوفر من أهمها الإخلاص وأكل الحلال وموانع لابد أن تزول كأكل الحرام ولبس الحرام فمن توفرت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع فهو ممن يُرجى قبول دعائه

(1)

.

(1)

انظر: أسماء الله الحسنى لعبد الله بن صالح الغصن (198) واسم الله الأعظم للدكتور عبد الله الدميجي فقد بحث المسألة بحثا وافيا ومنه استفدت (93 - 171).

ص: 113

‌المبحث الثالث: الذكر بلفظ الجلالة مفرداً.

وفيه تمهيد ومطلبان

التمهيد: في فضل ذكر الله والمشروع فيه.

المطلب الأول: من قال بالذكر المفرد وشبهتهم.

المطلب الثاني: الرد عليهم.

ص: 115

‌التمهيد: في فضل ذكر الله والمشروع فيه.

قد دل الكتاب والسنة وآثار سلف الأمة على جنس المشروع المستحب في ذكر الله ودعائه كسائر العبادات. وبين النبي صلى الله عليه وسلم مراتب الأذكار كقوله في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: ((أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت))

(1)

.

وفي صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الكلام أفضل؟ قال: ((ما اصطفى الله لملائكته سبحان الله وبحمده))

(2)

، وفي كتاب الذكر لابن أبي الدنيا وغيره مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم:((أفضل الذكر: لاإله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله))

(3)

.

(1)

هذا الحديث بهذه الألفاظ أورده البخاري معلقا في كتاب الأيمان والنذور (11/ 566)، ورواه مسلم موصولا بلفظ أحب بدلا من أفضل كذا في كتاب الآداب حديث رقم 12/ 4/ 1685)، ورواه الإمام أحمد (5/ 201).

(2)

رواه مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل سبحان الله وبحمده (4/ 12093 ح 84، والترمذي في كتاب الدعوات، باب أي الكلام أحب إلى الله (5/ 537) ح 3593، وقال حسن صحيح وأحمد (5/ 148).

(3)

رواه الترمذي في الدعوات، باب أن دعوة المسلم مستجابة ح 3383، وابن ماجه: الأدب، باب فضل الحامدين (2/ 1249 ح 3800) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1115، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 1497، وعزاه للخرائطي في فضيلة الشكر.

ص: 116

وفي الموطأ وغيره حديث طلحة بن عبد الله بن كريز عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))

(1)

.

وفي السنن حديث الذي قال: يا رسول الله إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما يجزئني في صلاتي فقال: قل: ((سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر))

(2)

.

ولهذا قال الفقهاء: إن من عجز عن القراءة في الصلاة انتقل إلى هذه الكلمات الباقيات الصالحات. وإنما الغرض من الذكر والدعاء ما ليس بمشروع الجنس أو هو منهي عنه أو عن صفته كما قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55].

وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]، فلا يدعى إلى بأسمائه الحسنى.

ومن المنهي عنه: ما كانوا يقولونه في الجاهلية في تلبيتهم:

(1)

رواه مالك في الموطأ: القرآن، باب ما جاء في الدعاء (1/ 214) ح 32، والترمذي كتاب الدعوات، باب في دعاء يوم عرفة حديث رقم 3585، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 1113، وفي الصحيحة برقم 1503.

(2)

رواه أبو داود كتاب الصلاة، باب ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة حديث رقم (832)، والنسائي (2/ 143) ح 3800، وأحمد (4/ 356)، وحسنه الشيخ الألباني كما في صحيح سنن أبي داود (1/ 235) ح 832، وكذا المشكاة برقم (2252).

ص: 117

لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. ومثل قول بعض الأعراب للنبي صلى الله عليه وسلم:((إنا نستشفع بالله عليك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: شأن الله أعظم من ذلك: إن الله لا يستشفع به على أحد من خلقه))

(1)

، ومثل ما كانوا يقولون في أول الإسلام: السلام على الله قبل عباده. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله هو السلام، فإذا قعد أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات))

(2)

.

وكذلك الدعاء المكروه مثل الدعاء ببغي أو قطيعة رحم أو دعاء منازل الأنبياء أو دعاء الأعرابي الذي قال: اللهم ما كانت معذبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا

(3)

، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم للمصابين بميت لما صاحوا:(لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون)

(4)

. وقد قال تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} وقال تعالى: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11].

(1)

رواه أبو داود في سننه كتاب السنة، باب في الجهمية (13/ 11، 12) ح (470 العون)، وضعفه الشيخ الألباني كما في ضعيف الجامع برقم (6150).

(2)

رواه البخاري في صحيحه كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة (2/ 311) ح 831، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة (1/ 301) ح 55.

(3)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 107)، ومسلم: في الذكر والدعاء، باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة حديث رقم 23، والترمذي في الدعوات، باب ما جاء في عقد التسبيح باليد حديث رقم 3487، وقال حسن صحيح غريب.

(4)

رواه مسلم في صحيحه كتاب الجنائز، باب في إغماض الميت والدعاء له إذا حضر (2/ 634) ح (7).

ص: 118

وإنما الغرض هنا أن الشرع لم يستحب من الذكر إلا ما كان كلاما تاما مفيدا مثل (لا إله إلا الله) ومثل (الله أكبر) ومثل (سبحان الله والحمد لله) ومثل (لا حول ولا قوة إلا بالله) ومثل (تبارك اسم ربك) و (تبارك الذي بيده الملك) و (سبح لله ما في السموات والأرض) ومثل (تبارك الذي نزل الفرقان).

ص: 119

‌المطلب الأول: من قال بالذكر المفرد وشبهتهم.

هل يشرع الذكر باسم الله مفردا؟

فأما الاسم المفرد مظهرا مثل: ((الله)) ((الله)) أو ((مضمراً)) مثل ((هو)) ((هو)) فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنة، ولا هو مأثور أيضا عن أحد من سلف الأمة، ولا عن أعيان الأمة المقتدي بهم، وإنما لهج به قوم من ضلال المتأخرين.

وربما اتبعوا فيه حال شيخ مغلوب فيه

(1)

، مثلما يروى عن الشبلي أنه كان يقول:((الله، الله)) فقيل له: لم لا تقول لا إله إلا الله؟ فقال: أخاف أن أموت بين النفي والإثبات. وهذه من زلات الشبلي التي تغفر له لصدق إيمانه، وقوة وجده، وغلبة الحال عليه، فإنه كان

(1)

ولذا ترى المفتونين بهؤلاء المشايخ يحاولون دأباً إيجاد مخرج لمثل هذه التصرفات التي صدرت من هؤلاء الأكابر زعماً، حيث يقول المقري في إضاءة الدجنة:

وموهم المحذور من كلام

قوم من الصوفية الأعلام

جرياً على عرفهم المخصوص

يُرجعُ بالتأويل للمنصوص

وما يفوهون به في الشطح

فقيل غير مقتض للقدح

وَهْوَ إلى التأويل ذو انتحال

أو أنهم قد غلبوا في الحال

وقيل بل يناط حكم الظاهر

بهم صيانة لشرعٍ طاهر

ونحوه كلام ابن بون في الوسيلة، وما هذا إلا نتيجة ضعف الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم عند أهل البدع والله المستعان.

ص: 120

ربما يجن ويذهب إلى المارستان، ويحلق لحيته، وله أشياء من هذا النمط التي لا يجوز الاقتداء به فيها، وإن كان معذورا أو مأجورا، فإن العبد لو أراد أن يقول:((لا إله إلا الله))، ومات قبل كمالها لم يضره ذلك شيئا، إذ الأعمال بالنيات، بل يكتب له ما نواه. وربما غلا بعضهم في ذلك حتى يجعلوا ذكر الاسم المفرد للخاصة، وذكر الكلمة التامة للعامة، وربما قال بعضهم:((لا إله إلا الله)) للمؤمنين، و ((الله)) للعارفين، و ((هو)) للمحققين، وربما اقتصر أحدهم في خلوته أو في جماعته على ((الله، الله، الله)) أو على ((هو)) أو ((يا هو)) و ((لا هو إلا هو)).

وربما ذكر بعض المصنفين في الطريق تعظيم ذلك. واستدل عليه تارة بوجد، وتارة برأي، وتارة بنقل مكذوب، كما يروي بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لقن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقول:((الله، الله، الله)). فقالها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا، ثم أمر عليا فقالها ثلاثا. وهذا حديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، وإنما كان تلقين النبي صلى الله عليه وسلم للذكر المأثور عنه، ورأس الذكر ((لا إله إلا الله)) وهي الكلمة التي عرضها على عمه أبي طالب حين الموت ((وقال: يا عم قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله))

(1)

، وقال: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند الموت إلا وجد روحه لها روحا))

(2)

،

(1)

رواه البخاري في صحيحه كتاب مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب (7/ 193 ح 3884)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت حديث رقم 39، والإمام أحمد (5/ 433).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 27، 38)، وابن ماجه في سننه كتاب الأدب، باب فضل لا إله إلا الله حديث رقم 3795، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع برقم 2488.

ص: 121

وقال: ((من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة))

(1)

.

وقال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلا الله، وأن محمدا رسول الله؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله))

(2)

.

والأحاديث كثيرة في هذا المعنى.

(1)

أخرجه أبو داود في الجنائز باب في التلقين حديث رقم 3100، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6355، وفي إرواء الغليل برقم 687.

(2)

رواه البخاري في الإيمان، باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} الآية حديث رقم 25، ومسلم في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله حديث رقم 34، 36.

ص: 122

‌المطلب الثاني: الرد عليهم.

فأما ذكر ((الاسم المفرد)) فلم يشرع بحال، وليس في الأدلة الشرعية ما يدل على استحبابه.

وأما ما يتوهمه طائفة من غالطي المتعبدين في قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ} ويتوهمون أن المراد قول هذا الاسم فخطأ واضح؛ ولو تدبروا ما قبل هذا تبين مراد الآية؛ فإنه سبحانه قال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: 91] أي قل الله أنزل الكتاب الذي جاء به موسى، فهذا كلام تام وجملة اسمية مركبة من مبتدأ وخبر، حذف الخبر منها لدلالة السؤال على الجواب.

وهذا قياس مطرد في مثل هذا في كلام العرب كقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ} [الزُّمَر: 38]، وقوله:{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل: 60]، وكذلك ما بعدها. وقوله:{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [المؤمنون: 77، 87]،

ص: 123

على قراءة أبي عمرو

(1)

.

وتقول في الكلام من جاء؟ فتقول: زيد، ومن أكرمت؟ فتقول زيدا، وبمن مررت؟ فتقول: بزيد، فيذكرون الاسم الذي هو جواب من؛ ويحذفون المتصل به، لأنه قد ذكر في السؤال مرة، فيكرهون تكريره من غير فائدة بيان، لما في ذلك من التطويل والتكرير.

وأغرب من هذا ما قاله شخص لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]، قال المعنى وما يعلم تأويل ((هو)) أي اسم ((هو)) الذي يقال فيه:((هو، هو)) وصنف ابن عربي كتاب في ((الهو))

(2)

. قال شيخ الإسلام: فقلت له. وأنا إذ ذاك صغير جداً ـ لو كان كما تقول: لكتبت في المصحف مفصولة (تأويل هو) ولم تكتب مفصولة، وهذا الكلام الذي قاله هذا معلوم الفساد بالإضطرار. وإنما كثير من غالطي المتصوفة لهم مثل هذه التأويلات الباطلة في الكتاب والسنة. وقد أودع الشيخ أبو

(1)

قرأ أهل البصرة {سيقولون الله} برفع الهاء أي بإثبات ألف الوصل قبل اللام ورفع هاء الجلالتين فيهما وممن قرأ بهذه القراءة أبو عمرو وعبد الله بن مسعود والحسن والجحدري وابن وثاب ونصر بن عاصم وأبو الأشهب يعقوب، واليزيدي وقرأ الباقون (لله) بغير ألف وجر الهاء فيهما.

انظر: معجم القراءات القرآنية للدكتور أحمد مختار عمر، والدكتور عبد العال سالم مكرم (3/ 341)، وكذا كتاب المستنير في القراءات العشر لأحمد بن علي البغدادي الحنفي ت 496 هـ (ص 695)، بتحقيق الدكتور أحمد طاهر أويس.

(2)

وذكره السيوطي في الحاوي (1/ 32)، وكذا للحلاج كتاب باسم هو هو، ذكر ذلك الزركلي في الأعلام (2/ 260) ترجمة الحسين بن منصور الحلاج وقبله الذهبي كما في السير (14/ 353).

ص: 124

عبد الرحمن السلمي ((حقائق التفسير)) من هذا قطعة، وإنما الغرض بيان حكم ذكر الاسم وحده من غير كلام تام وقد ظهر بالأدلة الشرعية أنه غير مستحب.

كذلك بالأدلة العقلية الذوقية

(1)

، فإن الاسم وحده لا يعطي إيمانا ولا كفرا، ولا هدى ولا ضلالا، ولا علما ولا جهلا، وقد يذكر الذاكر اسم نبي من الأنبياء، أو فرعون من الفراعنة، أو صنم من الأصنام، ولا يتعلق بمجرد اسمه حكم إلا أن يقرن به ما يدل على نفي أو إثبات، أو حب أو بغض، وقد يذكر الموجود والمعدوم.

(1)

ولا تعجب أخي القارئ إذا وقفت على كلام لابن حجر الهيتمي وهو يقرر هذا الذوق الفاسد المخالف للفطرة السليمة والشرع الحنيف حيث يقول في فتاواه الحديثية: ((لا إله إلا الله أفضل عند أئمة الظاهر من ذكر الجلالة مطلقاً، وعند أهل الباطن الحال يختلف باختلاف أحوال السالك، فمن هو في ابتداء أمره ومقاساة شهود الأغيار وعدم انفكاكه عن التعلق بها وعن إراداته وشهواته وبقائه مع نفسه يحتاج إدمان الإثبات بعد النفي، حتى يستولي عليه سلطان الذكر وجواذب الحق المترتبة على ذلك، فإذا استولت عليه حتى أخرجته عن شهواته وحظوظه وجميع أغراض نفسه، صار بعيداً عن شهود الأغيار، واستولى عليه مراقبة الحق أو شهوده، فحينئذ يكون مستغرقاً في حقائق الجمع الأحدي، والشهود السرمدي الفردي، فالأنسب بحاله الإعراض عما يذكره بالأغيار، والاستغراق فيما يناسب حاله من ذكر الجلالة فقط، لأن ذلك فيه تمام لذته ودوام مسرته ونعمته ومنتهى أربه ومحبته، بل إذا وصل السلك لهذا المقام وأراد قهر نفسه إلى الرجوع إلى شهود غيره حتى ينفيه أو يتعلق به خاطره لا تطاوعه نفسه المطمئنة لما شاهدت من الحقائق الوهبية والمعارف الذوقية والعوارف اللدنية)). انتهى انظر: مشتهى الخارف الجاني في رد زلقات التجاني الجاني للشيخ محمد الخضر الجكني ص 290، وقد كفانا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مؤنة رد هذا الإفك.

ص: 125

ولهذا اتفق أهل العلم بلغة العرب وسائر اللغات على أن الاسم وحده لا يحسن السكوت عليه؛ ولا هو جملة تامة؛ ولا كلاما مفيدا ولهذا سمع بعض العرب مؤذنا يقول أشهد أن محمدا رسولَ الله، قال: فعل ماذا؟ فإنه لما نصب الاسم صار صفة، والصفة من تمام الاسم الموصوف، فطلب بصحة طبعه الخبر المفيد؛ ولكن المؤذن قصد الخبر ولحن.

ولو كرر الإنسان اسم الله ألف مرة لم يصر بذلك مؤمنا، ولم يستحق ثواب الله ولا جنته؛ فإن الكفار من جميع الأمم يذكرون الاسم المفرد، سواء أقروا به وبوحدانيته أم لا؛ حتى إنه لما أمرنا بذكر اسمه كقوله:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4]، وقوله:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]، وقوله:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وقوله:{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74]، ونحو ذلك: كان ذكر اسمه بكلام تام مثل أن يقول: بسم الله، أو يقول: سبحان ربي الأعلى، وسبحان ربي العظيم، ونحو ذلك. ولم يشرع ذكر الاسم المجرد قط، ولا تحصل بذلك امتثال ولا حل صيد ولا ذبيحة ولا غير ذلك.

فإن قيل: فالذاكر أو السامع للاسم المجرد قد يحصل له وجد محبة، وتعظيم لله، ونحو ذلك، قلت

(1)

: نعم، ويثاب على ذلك الوجد المشروع، والحال الإيماني لا لأن مجرد الاسم مستحب، وإذا سمع ذلك حرك ساكن القلب، وقد يتحرك الساكن بسماع ذكر محرم أو مكروه، حتى قد يسمع المسلم من يشرك بالله، أو يسبه

(1)

القائل هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

ص: 126

فيثور في قلبه حال وجد ومحبة لله بقوة نفرته وبغضه لما سمعه، وقد قال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم:((إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يحترق حتى يصير حممة أو يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، قال: أو قد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان))

(1)

، وفي رواية قال:((الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة))

(2)

.

فالشيطان لما قذف في قلوبهم وسوسة مذمومة تحرك الإيمان الذي في قلوبهم بالكراهة لذلك والاستعظام له، فكان ذلك صريح الإيمان؛ ولا يقتضي ذلك أن يكون السبب الذي هو الوسوسة مأمورا به.

ففرق بين أن يكون نفس السبب موجبا للخير ومقتضيا، وبين أن لا يكون؛ وإنما نشأ الخير من المحل.

فثبت بما ذكرناه أن ذكر الاسم المجرد ليس مستحبا؛ فضلا عن أن يكون هو ذكر الخاصة.

ومن أسباب هذه الاعتقادات والأحوال الفاسدة الخروج عن الشرعة والمنهاج الذي بعث به الرسول صلى الله عليه وسلم إلينا، فإن البدع هي مبادئ الكفر ومظان الكفر، كما أن السنن المشروعة هي مظاهر الإيمان ومقوية للإيمان

(3)

.

(1)

رواه أحمد (2/ 441)، ومسلم: الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها (1/ 119 ح 209) بنحوه، وأبو داود: الأدب، باب في رد الوسوسة حديث رقم 5089.

(2)

رواه الإمام أحمد (1/ 235)، وأبو داود: الأدب، باب في رد الوسوسة ح 5090.

(3)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام (10/ 553 - 567) بتصرف، وانظر:(10/ 226 - 233)، وانظر العبودية ص 201.

ص: 127

وقال العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله:

((

حتى رتب على ذلك بعضهم أن الذكر بالاسم المفرد وهو ((الله، الله)) أفضل من الذكر بالجملة المركبة كقوله ((سبحان الله))، و ((الحمد لله))، و ((لاإله إلا الله))، و ((الله أكبر)) وهذا فاسد مبني على فاسد. فإن الذكر بالاسم المفرد غير مشروع أصلا، ولا مفيد شيئا، ولا هو كلام أصلا، ولا يدل على مدح ولا تعظيم، ولا يتعلق به إيمان، ولا ثواب، ولا يدخل به الذاكر في عقد الإسلام جملة، فلو قال الكافر الله الله من أول عمره إلى آخره لم يصر بذلك مسلما فضلا عن أن يكون من جملة الذكر أو يكون أفضل الأذكار. وبالغ بعضهم في ذلك حتى قال: الذكر بالاسم المضمر أفضل من الذكر بالاسم الظاهر فالذكر بقوله هو هو أفضل من الذكر بقوله الله الله وكل هذا من أنواع الهوس والخيالات الباطلة المفضية بأهلها إلى أنواع من الضلالات فهذا فساد هذا البناء الهائر، وأما الفساد المبني عليه فإنهم ظنوا أن قوله تعالى:{قُلِ اللَّهُ} أي قل هذا الاسم، فقل: الله الله. وهذا من عدم فهم القوم لكتاب الله، فإن اسم الله هنا جواب لقوله:{قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} [الأنعام: 91] إلى أن قال {قُلِ اللَّهُ} [الأنعام: 91] أي قل: الله أنزله، فإن السؤال معاد في الجواب فيتضمنه فيحذف اختصارا كما يقول: من خلق السموات والأرض؟ فيقال: الله، أي الله خلقهما، فيحذف الفعل لدلالة السؤال عليه، فهذا معنى الآية الذي لا يحتمل غيره

(1)

.

(1)

طريق الهجرتين (338 - 339).

ص: 128

وقال العلامة صديق بن حسن خان:

قلت: أما المسمون بالمجاذيب الذين يلوكون لفظ الجلالة بأفواههم ويقولونها بألسنتهم، ويخرجونها عن لفظها العربي، فهم من أجناد إبليس اللعين، ومن أعظم حمر الكون، الذين ألسنتهم حلل التلبيس والتزيين، لما أن إطلاق لفظ الجلالة مفردا عن إخبار عنها بقولهم:((الله الله)) ليس بكلام ولا توحيد، وإنما يلعب بهذا اللفظ الشريف بإخراجه عن لفظه العربي، ثم إخلاؤها عن المعنى.

ولو أن رجلا عظيما صار مسمى بزيد، وصار جماعة يقولونه ((زيد زيد)) يعد ذلك استهزاء وإهانة وسخرية لا سيما إذا زادوا إلى ذلك تحريف اللفظ.

ثم انظر هل أتى في لفظة من الكتاب والسنة ذكر الجلالة بانفرادها وتكريرها؟ إذ الذي فيهما هو طلب الذكر والتوحيد والتسبيح والتهليل.

وهذه أذكار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، خالية عن هذا الشهيق، والنهيق، والنعيق، التي اعتادها من هو عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمته ودله، في مكان سحيق.

ثم قد يضيفون إلى الجلالة الشريفة أسماء جماعة من الموتى والمقبورين، مثل ابن علوان وأحمد بن الحسين وعبد القادر والعيدروس. بل قد انتهى الحال إلى أنهم يغدون إلى أهل القبور من أهل الظلم والجرأة كعلي ورومان وعلي الأحمر وأشباههم

ولقد صان الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، وأهل الكساء وأعيان الصحابة عن إدخالهم في أفواه هؤلاء الجهلة الضلال، فيجمعون أنواعا من الجهل والشرك والكفر.

ص: 129

وأما قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: 91] وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حتى لا يبقى على الأرض من يقول: الله الله))

(1)

أو كما قال، فليس من هذا الوادي، ولا من جملة الأذكار المأمور بها، بل هما في سياق آخر، والمراد بهما قول ((لا إله إلا الله)) على طريق الرمز والإيجاز، والإشارة إلى المحذوف المقدر، فتدبر.

ثم قال صاحب التطهير: "فإن قلت: إنه قد يتفق من هؤلاء الذين يلوكون الجلالة ويضيفون إليها أهل الخلاعة والبطالة خوارق عادات وأمور تظن كرامات، كطعن أنفسهم وحملهم لمثل الحنش، والحية، والعقرب، وأكلهم النار، ومسهم إياها بالأيدي، وتقلبهم فيها بالأجسام.

قلت: هذه أحوال شيطانية، وإنك لملبوس عليك إن ظننتها كرامات للأموات، أو حسنات للأحياء، لما هتف هذا الضال بأسمائهم جعلهم أندادا لله، وشركاء له في الخلق والأمر

(2)

.

وقد وجه سؤال للعلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز وهذا نصه:

السؤال: لنا جماعة هم أصحاب الطريقة التيجانية يجتمعون كل يوم جمعة ويوم الاثنين ويذكرون الله بهذا الذكر: لا إله إلا الله،

(1)

أخرجه الترمذي (2208) في الفتن، باب ما جاء في أشراط الساعة من طريق محمد بن بشار عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس وأخرجه مسلم (148): الإيمان، باب ذهاب الإيمان آخر الزمان من طريق عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس ومن طريق عثمان عن حماد عن ثابت عن أنس. وجاء مفسرا عند أحمد (3/ 162) حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله.

(2)

الدين الخالص (3/ 577 - 578).

ص: 130

ويقولون في النهاية: الله، الله بصوت عال فما حكم عملهم هذا؟.

الجواب: هذه العقيدة التيجانية من العقائد المبتدعة والطرق المنكرة، وفيها منكرات كثيرة، وبدع كثيرة، ومحرمات شركية يجب تركها، ولا يؤخذ منها إلا ما وافق الشرع المطهر الذي جاء به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.

والاجتماع على الذكر بصوت جماعي لا أصل له في الشرع، وهكذا الاجتماع بقول: الله، الله، أو هو هو، إنما الذكر الشرعي أن يقول: لا إله إلا الله فهذا هو الذكر الشرعي، أو سبحان الله والحمد لله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، أستغفر الله، اللهم اغفرلي. أما الاجتماع بصوت واحد لا إله إلا الله أو الله الله، أو هو هو فهذا لا أصل له بل هو من البدع المحدثة.

فالواجب على المسلمين ترك البدع، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))

(1)

، يعني فهو مردود.

ويقول: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))

(2)

.

ويقول أيضا عليه الصلاة والسلام: ((وإياكم ومحدثات الأمور

(1)

البخاري تعليقا بصيغة الجزم (4/ 298): البيوع، باب النجش ووصله في الصلح (5/ 221) باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، ومسلم برقم (1718): الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، وأبو داود في السنة، باب لزوم السنة (2/ 506)، وأخرجه ابن ماجة في المقدمة باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم 14.

(2)

رواه البخاري موصولا (2/ 166) ومعلقا مجزوما (2/ 25، 4/ 437) ومسلم (5/ 132)

ص: 131

فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة

(1)

. وكان يخطب في الجمعة صلى الله عليه وسلم فيقول: ((أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة))

(2)

.

فالواجب على المسلمين أن يحذروا البدع كلها سواء كانت تيجانية أو غيرها وأن يلتزموا بما شرعه الله على لسان نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، هذا هو الواجب على المسلمين، كما قال الله عز وجل:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]، وقال عز وجل:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10].، وقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحُجُرات: 10].

فالواجب على أهل الإسلام من الرجال والنساء طاعة الله ورسوله والحذر من البدع في الدين، بل الله كفانا سبحانه وتعالى وأتم لنا النعمة وأكمل لنا الدين، كما قال عز وجل:{أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

فالإسلام الذي رضيه الله وأكمله لنا، علينا أن نلتزم به وأن نستقيم عليه وأن نحافظ عليه، وألا نحدث في الدين ما لم يأذن

(1)

أبو داود في السنة برقم 4607، باب لزوم السنة، والترمذي في العلم رقم 2678، باب 16 وإسناده صحيح وأخرجه أحمد في المسند (4/ 126، 127)، وابن ماجه في المقدمة رقم 42 باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين، وانظر: شرح الحديث مفصلا في جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب الحنبلي.

(2)

رواه مسلم: الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة (2/ 592) ح 43، 44.

ص: 132

به الله ونسأل الله للجميع الهداية

(1)

.

ووجه سؤال أجابت عنه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وهذا نص السؤال والجواب:

السؤال: هل الذكر الذي يعمله بعض الناس في مصر وأريافها من الدين؛ مثلا يقفون ويتمايلون يمينا ويسارا ويذكرون لفظ الجلالة؟.

الجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه

وبعد

هذا العمل لا نعلم له أصلا في دين الله بل هو بدعة ومخالفة لشرع الله يجب إنكارها على من يعملها ولا سيما مع القدرة على ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها وفي الباب أحاديث أخرى صحيحة مثله في المعنى وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

(2)

.

وقد يتعلق بعض الضلال بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقام الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله))

(3)

. وليس في هذا الحديث مستند لمن

(1)

فتاوى نور على الدرب (1/ 358)، وانظر البدع والمحدثات وما لا أصل له: لحمود بن عبد الله المطر ص (425 - 427).

(2)

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، السؤال الثاني من الفتوى رقم 3232، وانظر البدع والمحدثات وما لا أصل له لحمود بن عبد الله المطر ص 433 - 434.

(3)

أخرجه الترمذي (2208) في الفتن، باب ما جاء في أشراط الساعة، وأخرجه مسلم (148) في الإيمان، باب ذهاب آخر الزمان، الأول عن حميد عن أنس والثاني عن ثابت عن أنس.

ص: 133

يسوغ الذكر بالاسم المفرد، لأن المراد منه أنه لا يبقى في الأرض من يوحد الله توحيدا حقيقيا، ويعبده عبادة صادقة كما جاء مفسرا في الحديث الآخر:((لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله))

(1)

وسنده صحيح، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولا عن أحد من القرون المشهود لها بالفضل أنهم ذكروا الله بالاسم المفرد لأن الذكر ثناء والثناء لا يكون إلا بجملة مفيدة يحسن السكوت عليها فيا خيبة من يقول إن توحيد العوام لا إله إلا الله و توحيد الخواص الله الله.

ويسميه بعضهم أعني لفظ الجلالة الاسم الذاتي، كما كتب بذلك محمود حسن وهو من مشايخ جماعة التبليغ إلى الشيخ فتح الدين (لائلفور) في رسالة يقول فيها: ((

وقل لزوجتك أن تقرأ الاسم الذاتي أي الله أربعة آلاف مرة في كل يوم وليلة في أوقات مختلفة))

(2)

.

فرد عليه بدعته هذه العلامة محمد تقي الدين الهلالي قائلا: ((

واقتصاره على ذكر اسم الجلالة مفردا بدعة ضلالة، وذكر اسم الجلالة (الله) كلمة واحدة دون أن تتألف منها جملة بدعة ضلالة، وليس بكلام في أي لغة؛ لأن السنة جاءت أن يذكر الله تعالى بكلام له معنى، والكلمة الواحدة لا معنى لها؛ فالحمد لله ذكر له معنى؛ لأنه مؤلف من مبتدأ وخبر، ولا إله إلا الله ذكر له معنى

(1)

رواه الإمام أحمد في المسند (3/ 162) من طريق عفان عن حماد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه مرفوعا.

(2)

بيس بري مسلمان (ص 299 - 300)، وانظر القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ (ص 119).

ص: 134

كذلك والله أكبر ذكر له معنى كذلك، وسبحن الله ذكر له معنى وهو تنزيه الله عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله، ولم يجي ذكر (الله، الله) كلمة واحدة في كتاب الله ولا في سنة رسوله، وجهال المتصوفة يستعملون ذلك، وهو من بدعهم المنكرة))

(1)

.

وقال العلامة حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله:

((وليس الاقتصار على هذه الكلمة من الذكر المشروع، وإنما هو من الاستهزاء بالله تعالى وبذكره، ومن تلاعب الشيطان بالصوفية وأتباعهم من التبليغيين، وقد زعم الصوفية أن الاقتصار على هذه الكلمة هو ذكر خاصة الخاصة وهذا من جهلهم وضلالهم

(2)

.

(1)

انظر: القول البليغ (ص 119) وللشيخ محمد تقي الدين الهلالي كتاب بعنوان السراج المنير في تنبيه جماعة التبليغ على أخطائهم ولعل الكلام المذكور فيه لأن الشيخ التويجري ينقل عنه.

(2)

القول البليغ (ص 160).

ص: 135

‌المبحث الرابع: خصائص لفظ الجلالة.

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: الخصائص اللفظية لاسم الله عز وجل.

المطلب الثاني: الخصائص المعنوية لاسم الله عز وجل.

ص: 137

‌المطلب الأول: الخصائص اللفظية لاسم الله عز وجل.

ذكر بعض العلماء جملة من الخصائص اللفظية

(1)

والمعنوية لهذا الاسم الشريف، وذلك لما لهذا الاسم من الخصائص والمزايا المعنوية واللفظية ما لا يوجد في غيره، منها

(2)

:

1 ـ أن هذا الاسم ما أطلق على غير الله تعالى، والعرب كانت تطلق على آلهتهم التي يعبدونها آلهة ولا يطلقون هذا الاسم إلا على الله تعالى، قال عز وجل:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان آية 35]، وهذا أحد معنيي {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم آية 65]، ولذلك لم يثن ولم يجمع

(3)

فهو بهذا أشرف أسماء الله.

فهو أعرف المعارف بإجماع الأدباء والنحاة وسائر العلماء، كيف لا ومسماه أعرف المعارف له في كل شيء آيات بينات، وعلامات باهرات، وحجج واضحات نيراأت، تدل على وجوب وجوده وعلو جبروته ولذا سمى الله ذاته باسم الظاهر

(4)

.

(1)

ذكر ابن القيم عشر خصائص لفظية، نقله في ((تيسير العزيز الحميد)) (ص 14) ولم أقف عليها في كتب ابن القيم المطبوعة والله أعلم.

(2)

قد جمع الأستاذ محمد موسى الروحاني المدرس بالجامعة الأشرفية بلاهور نحوا من 800 خاصية في كتابه فتح الله بخصائص الاسم ((الله)).

(3)

الجامع لأحكام القرآن (1/ 102)، وانظر التوحيد لابن منده (2/ 21).

(4)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (1/ 71).

ص: 138

2 ـ أن هذا الاسم هو الأصل في أسماء الله، وسائر الأسماء مضافة إليه، قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف آية 180]، فأضاف سائر الأسماء إليه، ولا محالة أن الموصوف أشرف من الصفة، ولأنه يقال: الرحمن الرحيم الملك القدوس كلها أسماء الله تعالى، ولا يقال: الله اسم الرحمن الرحيم. فدل على أن هذا الاسم هو الأصل

(1)

.

3 ـ أن هذا الاسم دال على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا وذلك لأنه مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دال عليها بالإجمال والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم الله. واسم الله دال على كونه مألوها معبودا، تألهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا وفزعا إليه في الحوائج والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته، المتضمنين لكمال الملك والحمد. وإلهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه مستلزم لجميع صفات كماله

(2)

.

4 ـ قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء آية 110].

خص هذين الاسمين بالذكر، وذلك يدل على أنهما أشرف من غيرهما، ثم إن اسم الله أشرف من اسم الرحمن أما أولا فلأنه قدمه في الذكر. وأما ثانيا فلأن اسم الرحمن يدل على كمال الرحمة، ولا يدل على كمال القهر والغلبة والعظمة والقدس والعزة، وأما اسم الله فإنه يدل على كل ذلك، فثبت أن اسم الله أشرف

(3)

.

(1)

شأن الدعاء للخطابي ص 25.

(2)

مدارج السالكين (2/ 32 - 33).

(3)

لوامع البينات للرازي ص (95).

ص: 139

5 ـ هذا الاسم له خاصية غير حاصلة في سائر الأسماء، وهي أن سائر الأسماء والصفات إذا دخل عليه النداء أسقط عنه الألف واللام، ولهذا لا يجوز أن يقال: يالرحمن، يالرحيم. بل يقال: يا رحمن، يا رحيم، أما هذا الاسم فإنه يحتمل هذا المعنى، فيصح أن يقال: يا الله، وذلك أن الألف واللام في هذا الاسم صار كالجزء الذاتي، فلا جرم ألا يسقطا حال النداء. وفيه إشارة لطيفة؛ وذلك لأن الألف واللام للتعريف، فعدم سقوطهما عن هذا الاسم يدل على أن هذه المعرفة لا تزول أبدا البتة

(1)

.

6 ـ أن هذا الاسم هو أول اسم يذكر في القرآن الكريم على ترتيب المصحف، على اعتبار أن أول آية منه هي:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] أو {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] كما أنه آخر مذكور في القرآن الكريم في قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ} [الناس: 1 - 3] فلما كان المذكور في آخر القرآن وأوله هو هذا الاسم علمنا إن هذا الاسم أشرف الأسماء.

7 ـ أن هذا الاسم تكرر في كتاب الله عددا يفوق كثيراً أي اسم آخر. فقد تكرر في كتاب الله (2602) مرة، منها (980) مرة مرفوعا، (592) مرة منصوبا و (1125) مرة مجرورا، وخمس مرات بلفظ اللهم

(2)

.

8 -

أنّه لا يصحّ إسلام أحد من النّاس إلاّ بالنّطق به، فلو قال: لا إله إلاّ الرّحمن، لم يصحّ إسلامه عند جماهير العلماء.

(1)

لوامع البينات للرازي ص (95).

(2)

الأسماء والصفات في معتقد أهل السنة والجماعة (ص 87) للأشقر.

ص: 140

9 -

أنه لا تنعقد صلاة أحد من النّاس إلاّ بالتلفّظ به، فلو قال: الرّحمن أكبر، لم تنعقد صلاته.

10 -

أن غالب الأذكار مقترنة به، تقول: سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، حسبنا الله ونعم الوكيل.

11 -

أنه يقتضي التسليم بأنه وحده المستحقّ للعبادة دون سواه، وهذا هو تحقيق التّوحيد الذي جاءت به الرّسل، وأُنزلت لأجله الكتب، وهو توحيد العبادة، حيث كل رسول كان يقول لقومه:{يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [لأعراف: الآية 59].

12 -

من بدائع خصائص هذا الاسم المجيد دلالته على مسماه بعد إسقاط حرف حرف منه مثل دلالته على مسماه قبل الإسقاط وهذا من بدائع اللطائف ولطائف البدائع

(1)

.

قال الإمام الرازي في تفسيره: "إن هذا الاسم أي: اسم الله مختص بخواص لم توجد في سائر أسماء الله سبحانه ونحن نشير إليها. فالخاصية الأولى أنك إذا حذفت الألف من قولك (الله) بقي على صورة (لله) وهو مختص به سبحانه كما في قوله: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الفتح: آية 7]، وقوله:{وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: آية 7].

وإن حذفت عن هذه البقية اللام الأولى بقيت البقية على صورة (له) كما في قوله تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الشورى: آية 12]، وقوله:{لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن: آية 1] هذه خاصية ثانية.

(1)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (1/ 88 - 89).

ص: 141

فإن حذفت اللام الباقية كانت الباقية هو قولنا: (هو)، وهو أيضا يدل عليه سبحانه، كما في قوله:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: آية 1]، وقوله:{هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: آية 2]، والواو في كلمة (هو) زائدة بدليل سقوطها في التثنية والجمع فإنك تقول: هما، وهم، فلا تبقى الواو فيهما هذه خاصة ثالثة، فهذه الخصائص الثلاث البديعة موجودة في لفظة (الله) غير موجودة في سائر الأسماء"

(1)

.

13 -

من خصائص اسم (الله) الشريف أنه أشهر ألفاظ نقلت بالتواتر، فليس في لغاتهم وكلمات لسانهم لغة، وكلمة أشهر وأعرف من هذا الاسم المبارك، فهو أشهر المتواترة

(2)

.

14 -

من خصائص اسم (الله) الشريف أنه أشهر ألفاظ نقلت بالتواتر، فليس في لغاتهم وكلمات لسانهم لغة وكلمة أشهر وأعرف من هذا الاسم المبارك، فهو أشهر المتواترة.

15 -

من خصائص هذا الاسم الكريم أنه أول اسم من الأسماء الحسنى جرى على لسان الإنسان، وبعبارة أخرى أنه أول اسم مبارك أثنى به الإنسان على ربه سبحانه.

16 -

من خصائصه أنه آخر اسم مبارك له تعالى مفرد يجري على لسان الإنسان عند انقطاع الدنيا بأحوالها؛ وأنه أول اسم يفوه به الإنسان عند بدء دار الآخرة أي: عند دخول الجنة، كما نص الله تعالى في قوله:{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: آية 10].

حكاية عن أهل الجنة، فقولهم الحمد لله آخر كلام نوع الإنس باعتبار الدنيا، وأول كلام له بالنظر إلى العقبى، وكذلك الجن باعتبار أن أالآية عامة؛ لأنه شامل لكل مؤمن يدخل الجنة سواء كان

(1)

انظر تفسير الرازي (1/ 89).

(2)

كتاب فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (1/ 109).

ص: 142

من الإنس أو الجن

(1)

.

16 -

من خصائص اسم (الله) الرسمية الخطية من بين أسماء الله الحسنى حذف الألف منه حتمًا، ووجوبًا في الرسم والخط بعد اللام، وقيل الهاء، فيكتب حتمًا هكذا (الله) بغير الألف ولا يكتب (اللاه) بالألف على ما هو القياس، ولا نظير له في ذلك من أسمائه تعالى أما اسم الرحمن فيكتب بغير الألف بشرط أن لا يجرد من اللام، وليست اللام لازمة عه كما لزمت لاسم الله، ومحصول الجواب عن ألف الرحمن أن حذفها في الرحمن ليس بواجب على الإطلاق

(2)

.

17 -

من خصائص هذا الاسم الشريف جواز نصب اسمين اثنين من بين جميع الأسماء أضيفا إلى هذا الاسم الشريف، وذلك في القسم بعد إضمار الجار؟، وهما (كعبة)، و (قضاء)، وهذا من لطائف الخصائص ونفائس المزايا نقول: عند إرادة القسم (قضاءَ الله)، و (كعبةَ الله) بنصب المضاف فيهما أي: بقضاء الله، وبكعبة األله.

قال الحافظ السيوطي في همع الهوامع

(3)

بعد إضمار حرف الباء القسمية برفع تاليها وينصب، خلافًا لمن منع النصب إلا في حرفين (قضاءَ الله)، و (كعبةَ الله).

18 -

من خصائص اسم الله كونه فاتحة وخاتمة للصلوات كلها من النوافل والسنن والواجبات والفرائض، سواء كانت فرض عين

(1)

كتاب فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (1/ 118).

(2)

كتاب فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 136).

(3)

همع الهوامع، للسيوطي (2/ 38).

ص: 143

كالصلوات الخمس أو فرض كفاية كصلاة الجنازة

(1)

.

19 -

من خصائص اسم الله اختصاص تاء القسم به تقول: (تالله لأفعلن) ولا يقال (تالرحيم) ولا يشاركه في هذه الخاصية اسم

(2)

.

20 -

اختصاص لام القسم به، فيقال لله لأفعلن كذا، ولا يقال للرحمن لأفعلن كذا

(3)

.

21 -

من خصائص هذا الاسم تأخير إسرافيل النفخة عند سماع ذكر هذا الاسم الجليل، كما ورد في الحديث، فعن أنس، أن رسول الله صألى الله عليه وسلم قال:«لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله»

(4)

.

22 -

من خصائص هذا الاسم الكريم انعقاد اليمين به عند دخول حرف القسم عليه سواء أسكنت الهاء في آخر هذا الاسم المبارك أو نصبتها أو رفعتها مع أن العرب لا تعرف في مثل (بالله لا أفعل كذا) لا الجر

(5)

.

وفي الفتاوى وفي الظهيرية بالله لا أفعل كذا وسكن الهاء أو نصبها، أو رفعها يكون يمينا ولو قال: الله لا أفعل كذا وسكن الهاء، أو نصبها لا يكون يمينًا إلا أن يعربها بالجر فيكون يمينًا، وقيل: يكون يمينًا مطلقا ولو قال: بله بكسر اللام ألا أفعل كذا

(1)

كتاب فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (1/ 207).

(2)

كتاب فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (1/ 250).

(3)

كتاب فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (1/ 259).

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه (148).

(5)

كتاب فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (1/ 462 - 463).

ص: 144

قالوا: لا يكون يمينا إلا إذا أعرب الهاء بالكسر وقصد اليمين

(1)

.

23 -

من خصائص اسم الجلالة حذف الجار عنه وإبقاء عمله في القسم، فيقال:(اللهِ لأفعلن كذا) بخفض الجلالة، والتقدير (بالله لأفعلن كذا) فحذف حرف القسم وأبقى عمله وهو الخفض، وحذف الجار وإبقاء عمله مما لايجوز ولم يتحقق مطردًا، وإن تحقق في بعض المواضع، فنادر لا ينقاس.

وأما حذف الجار عن اسم (الله) فكثير شائع، والمسوغ لذلك كثرة وقوعه مقسمًا به

(2)

.

24 -

من خصائص الاسم الشريف أن ذكره أعظم الأذكار وأكبرها، وأن ذكر هذا الاسم الشريف بخصوصه ذكرًا كثيرًا مأمور الله تعالى وأحب إليه قال تعالى:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: آية 10]، فأضاف الله تعالى كثرة وتكراره إلى هذا الاسم الشريف

(3)

.

25 -

من خصائص الجلالة من بين الأسماء الحسنى تعينها شرعًا في لفظ التحريمة أي: تحريمة الصلاة، فلا يجوز الشروع في الصلاة إلا بلفظ (الله أكبر) دون (الرحمن) و (القدير)، وغيرهما من الأسماء الحسنى فلا بد من لفظ الجلالة، وهو مختار كثير من الأئمة، وهو مذهب الشافعي، ومالك، وأحمد، وأبو يوسف، وداود الظاهري، ومن تبعهم رحمهم الله تعالى

(4)

.

(1)

انظر البحر الرائق، لابن نجيم (4/ 313).

(2)

كتاب فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (1/ 466).

(3)

كتاب فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (1/ 498).

(4)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 1).

ص: 145

26 -

من بدائع خصائص الجلالة ولطائف مزاياها اختصاص لفظ (أيمن) بلغاته بالإضافة إليها عند القسم، يقال:(أيمن الله لأفعلن كذا) مثل (لعمر الله لأفعلن كذا) ولا يصح أن يقال: (أيمن الرحمن) ولا أن يقال (أيمن القدوس لأفعلن كذا) بإضافته إلى اسم آخر من أسماء الله تعالى، وهذه الخاصة من غرائب خصائص اسم الله الشريأف.

قال العلامة الخفاجي في نسيم الرياض

(1)

، ولا يُجر لفظ (أيمن) بالإضافة إلى ما بعده إلا لفظ (الله)، وجوز ابن مالك رحمه الله جر غيره.

27 -

من خصائص اسم (الله) اختصاص حرف (مِ) الجارة بالدخول عليه فيقال (م الله لأفعلن كذا) ولفظ (مِ) حرف جر للقسم.

28 -

من خصائص اسم (الله) اختصاص حرف (أمُ) الجارة به حيث تدل عليه لا على غيره من الأسماء فيقال: (أمُ الله لأفعلن كذا)، وهي أيضًا حرف جار للقسم فهاتان خاصتان للفظ (الله) ولم يثبت مع غير الاسم (الله) كونهما جارتين فضلًا عن كونهما للقسم، بل لم يتحقق دخولهما على ما سوى اسم (الله)

(2)

.

29 -

من خصائص اسم (الله) دخول (من) الجارة القسمية عليها، وإذا دخلت عليها أفادت معنى القسم فيقال:(من الله لأفعلن كذا) بمعنى (والله لأفعلن)، وهذا مذهب سيبويه وابن مالك، واختاره السيوطي في الجمع.

(1)

انظر نسيم الرياض، للخفاجي (3/ 34).

(2)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 71).

ص: 146

30 -

من خصائص (من) مع اسم الجلالة يسوغ في (من) هذه الفتحتين أي: فتح الميم والنون، والضمتين والكسرتين مع أنها في مثل هذه المواضع لا تكوأن إلا بكسر ثم فتح ولا يشارك اسم (الله) في هذه الخاصة إلا الاسم (الرب)

(1)

.

31 -

من خواص اسم (الله) إبدال الواو الجارة القسمية ميما إذا دخلت عليه، فيقال في (وَالله لأفعلن كذا)(مَ الأله لأفعلن)، واقتضت الفتح كالواو لن ساغ في الميم الضم، والكسر مع الفتح

(2)

.

32 -

من خصائص اسم (الله) كثرة اللغات والتصرفات في الاسم الذي أضيف إليه وهو اسم (أيمن) في (أيمن الله)، والسبب لكثرة تصرفهم فيها كثرة الاستعمال، أوكذلك من الأسباب سعة دائرة قدرته ومقدوراته تعالى التي لا تحصى ولا تعد

(3)

.

33 -

من رفيع خصائص اسم (الله) أنه سيد الأسماء الحسنى، أو سيد الأسماء مطلقًا. ألا ترى أنه يقدم عند اجتماعه مع سائر أسماء الله الحسنى، ولذا قدم في البسملة، وفي قوله تعالى:(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الفاتحة: 2]. وألا ترى أنه يوصف بالأسماء الحسنى، ولا يوصف به اسم منها، وألا ترى أنه علم لذات الله تعالى، ألا ترى أنه لم يسم بالاسم (الله) غيره تعالى؛ لأن الله تعالى هو السيد الكامل

(4)

.

(1)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 76).

(2)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 102).

(3)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 108).

(4)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 118).

ص: 147

34 -

من خصائص اسم الجلالة تطويل باء (بسم) الداخلة على الاسم المضاف إلى الجلالة رسمًا ورقمًا فتنمق هكذا (بسم الله الرحمن الرحيم) بتطويل الباء وإعلائها خطًا ورسمًا، ولا تكتب بغير إعلاء وتطويل، واستحسنوا تطويل الباء ههنا رسمًا وخطًا لوجوه:

أنه عوض عن همزة الاسم المحذوفة رسمًا.

أنهم أرادوا أن لا يستفتحوا كتاب الله إلا بحرف معظم.

أنه فيه إشارة لارتفاع شأن ما يليها، وهو اسم (الله) فإن أسماء الله تعالى كلها عالية معظمة وسامية مفخمة.

أنه يدل على تعظيم الباء وفخامة فحواها وكرامة مغزاها وسعة دائرتها وطول ساحتها؛ حيث صرحوا أن جميع علوم القرآن في البسملة وجميع علوم البسملة في الباء

(1)

.

35 -

من بدائع خصائص اسم (الله) لشريف من بين أسماء الله الحسنى بل من بين مطلق الأسماء والأعلام أنه أكثر استعمالًا في القرآن المجيد.

فكثرت إضافة الأمور التكوينية والتشريعية إلى هذا الاسم، وبنيت عليه ونسبت إليه أكثر أحوال الدنيا والآخرة وأحكامهما في كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

36 -

من بدائع الخصائص حذف الهمزة من اللفظ المضاف إلى الجلالة، وهو لفظ (اسم) فيكتب هكذا (بسم الله) بدون همزة، وهذا عند الجمهور ومنهم ابن الحاجب، وقالوا: إن هذا خاص

(1)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 127 - 128).

(2)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 234).

ص: 148

بالبسملة التامة، وإلا فتثبت الهمزة فتكتب (باسم الله) بالألف، ولذا كتب قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] بالألف

(1)

.

37 -

من خصائص اسم (الله) ختصاصه بالذكر غالبًا عند التعجب واستعظام أمر وتفخيمه سواء كان ذلك الأمر خيرًا أو شرًا.

وذلك في مواضع ثلاثة من مواضع التعجب:

الموضع الأول: عند إضافة لفظة (سبحان) ليه نحو قولهم في مقام التعجب: (سبحان الله).

الموضع الثاني: عند دخول اللام الجارة على الجلالة نحو (لله فلان) و (لله در فلان).

الموضع الثالث: عند إضافة اسم أريد استعظام حال مسماه وتفخيمه إلى الجلالة نحو (بيت الله)، و (كعبة الله)، و (خليل الله)، و (نار الله)، و (ناقة الله)، ومن عادة العرب نسبة الأشياء إلى الله تعالى تعظيمًا لها وتفخيمًا وتهويلًا

(2)

.

38 -

من خصائص اسم (الله) أن كل شيء من جماد ونبات وغيرهما يذكره، وقد ثبت من الأحاديث أن كل شيء من مخلوقات الله، يعقل ربه وخالقه ويذكره ويسبحه مستمرًا ويخشع له ويخاف عقابه وسخطه يقول تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: آية 44]

(3)

.

(1)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 141).

(2)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 171).

(3)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 206).

ص: 149

39 -

من خصائص هذا الاسم الشريف من بين أسماء الله الحسنى أن أسماء الله الحسنى تصلح للتعلق

(1)

والتخلق إلا هذا الاسم فإنه لا يصلح إلا للتعلق، وأما التخلق به فلا يمكن بل يمتنع، ومن ادعى التخلق والاتصاف بالألوهية فقد كفر، كما قال فرعون:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: آية 24]، وقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: آية 38]، ونفي الله سبحانه وتعالى اتصاف الغير بالألوهية فقال:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: آية 22]، فاسم الله للتعلق فقط

(2)

.

40 -

من خصائص اسم (الله) لكريم انعقاد اليمين به مع إسقاط آخره وهو الهاء، فلو قال:(والله) بغير هاء فهو يمين بخلاف نحو (الرحيم) بغير ميم و (القدير) بغير راء؛ حيث لا يكون يمينًا كذا في كتب الفقه، ووجه ذلك كون اسم (الله) عرق في القسم.

وفي أمالي ابن الشجري

(3)

أن هذا الاسم لكثرة دوره كثرت فيه اللغات، فمن العرب من يقول: والله أفعل، ومنهم من يقول: لاه أفعل. انتهى

(4)

.

41 -

من بدائع خصائص الجلالة ما ذكره بعض المحققين زيادة الاسم معها في البسملة حيث قال: إن لفظة اسم في قوله تعالى: (? ? ? ?) مقحمة والأصل (بالله) والقول بأن إقحام لفظة اسم في البسملة خاصة بالجلالة إنما يستقيم

(1)

التعلق: التقرب إلى مسماه بالطاعات والحسنات وطلب رضاه.

(2)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 264).

(3)

الأمالي، لابن الشجري (2/ 16).

(4)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 299).

ص: 150

على مذهب البصريين حيث لا يجوزون إقحام الاسم وزيادته إلا في الشعر.

وأهل الكوفة وإن قالوا: بجواز زيادة الاسم وإقحامه نثرًا ونظمًا لكنهم لا يقولون بجواز عموم زيادته واطراده حيث صرحوا بأن إقحامه أمر نادر قليل جدًا في الكلام

(1)

.

42 -

من خصائص اسم (الله)

• الرأفة والعناية {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: آية 143]،

• وإرادة اليسر بالمؤمنين {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: آية 185]،

• وإضافة العلم المحيط {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: آية 216]،

• وتبيين الآيات {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: آية 219]،

• والعهد القديم الواجب الإيفاء {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: آية 152]،

• والحجة البالغة {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: آية 149]،

• وصرف الحياة والممات، والإخلاص في العمل {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: آية 162]،

• والتنزيه عن الأمر بالفحشاء {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: آية 28]،

• وزينة الظواهر {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} [الأعراف: آية 32]،

(1)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 312).

ص: 151

• والترهيب باللعنة {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [البقرة: آية 161]

(1)

.

43 -

من خصائص اسم (الله)

• الإضافة للتنويه بشأن المضاف {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} [الأعراف: آية 73]،

• والترهيب عن شدة المضاف {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} [الأعراف: آية 99]،

• والاستعانة {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} [الأعراف: آية 128]،

• وما قدر للعباد {أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} [الأعراف: آية 131]،

• واستعظام الافتراء {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} [يونس: آية 17]،

• والأسماء الحسنى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: آية 180]،

• والاستعاذة {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: آية 200]،

• والغنائم والأنفال {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: آية 1]،

• وإخزاء أعداء الله {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} [التوبة: آية 2]،

• والكتب السماوية: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب: آية 6]،

(1)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 350).

ص: 152

• وأخذ العصاة بذنوبهم {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ} [غافر: آية 21]،

• ونسبة المساجد لإظهار تعظيمها {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: آية 18]

(1)

.

44 -

من خصائص اسم (الله) الكلمة بمعنى

• كلمة الشهادة، أو بمعنى الإسلام {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: آية 40]،

• والحلف {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ} [التوبة: آية 95]، والأمر الغالب {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: آية 21]،

• والمعية مع أهل الصبر {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: آية 249]،

• وإيتاء الملك والحكمة {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: آية 247]،

• والتكلم مع المقربين ورفع درجاتهم {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: آية 253]،

• ومشيئة القضاء والقدر {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [آل عمران: آية 47]،

• والتفضيل بإيتاء النبوة والحكم {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [آل عمران: آية 79]،

• والتحذير من نفسه {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: آية 28].

• والتأييد بالنصرة {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: آية 13]،

• والشهادة {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ

(1)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 350).

ص: 153

} [آل عمران: آية 18]، ومحاسبة ذرة ذرة بعد الموت {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: آية 284]

(1)

.

45 -

من خصائص اسم (الله):

• التنزيه من إرادة الظلم {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران: آية 117].

• ومحبة المحسن {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: آية 134].

• وتمحيص المؤمنين ومحق الكافرين {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: آية 141].

• ومحبة الصابرين {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: آية 146]،

• وأخذ الميثاق {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: آية 187].

• وإرادة التخفيف عن الناس {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: آية 28].

• وتزكية النفوس ومدحها {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النساء: آية 49].

• والإنعام بالمقربين {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء: آية 69].

• وكف بأس أعداء الله عن أهل الله {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: آية 84].

• والتنكيل والبأس {وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [النساء: آية 84]،

(1)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 351).

ص: 154

• والجمع والحشر يوم القيامة {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} [النساء: آية 87].

• وإعداد العذاب للأعداء والغضب عليهم {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: آية 93].

• والأمر بالطاعة له {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: آية 1].

• والبعث من القبور {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: آية 7]،،

• والقوة {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: آية 25].

• وإتمام نور الإسلام {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: آية 8].

• وإحلال الحلال {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: آية 1]

(1)

.

46 -

من خصائص اسم (الله):

• ولايته للمؤمنين {وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: آية 2].

• وضرب الأمثلة الكاملة للتفهم {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ} [التحريم: آية 10].

• وضرب الإنبات {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: آية 17].

• وإضافة جميع العالم ملكًا {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ} [الأنعام: آية 12].

• واللقاء في الآخرة {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ} [الأنعام: آية 31].

(1)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 351).

ص: 155

• اختيار الإجتباء {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: آية 73].

• ونسبة السبيل المرضي {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا} [آل عمران: آية 167].

• والرجوع إليه يوم القيامة {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: آية 281].

• وإضافة الرضاء الإلهي {وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: آية 174].

• دين الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: آية 19].

• أنصار الحق {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} [الصف: آية 14].

• والعهد الأزلي {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: آية 77].

• والإذن فيكون طيرًا بإذن الله {فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 49].

• واللعنة {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: آية 61].

• وذكر افتراض الحج {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: آية 97].

• والاعتصام {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: آية 101].

• والرجوع بعد الحشر {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمران: آية 158].

ص: 156

• والمغفرة والرحمة {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [آل عمران: آية 157]

(1)

.

47 -

من خصائص اسم (الله) ملك كل أمر {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: آية 154].

• ونسبة الأمور المعظمة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} [المائدة: آية 2].

• واختصاصه بالذكر عند ذكر الكبرياء {إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ} [المائدة: آية 17].

• وإنزال السكينة على النبي صلى الله عليه وسلم {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة: آية 40].

• وعد المغفرة التامة لأوليائه {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [المائدة: آية 9].

• وامتحان القلوب للتقوى {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [الحجرات: آية 3].

• والإنعام بالهداية للإيمان {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: آية 17].

• تخصيصه ببروز الناس إليه يوم القيامة {وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}

(2)

.

(1)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 352 - 353).

(2)

انظر فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (2/ 353).

ص: 157

‌المطلب الثاني: الخصائص المعنوية لاسم الله عز وجل.

قد قال الإمام ابن القيم: ((وأما خصائصه المعنوية فقد قال فيها أعلم الخلق به صلى الله عليه وسلم: (لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)

(1)

، وكيف تحصى خصائص اسمٍ مُسمَّاه كل كمال على الاطلاق، وكل مدح، وكل حمد، وكل ثناء، وكل مجد، وكل جلال، وكل إكرام، وكل عز، وكل جمال، وكل خير وإحسان وجود وبر وفضل فله ومنه، فما ذُكِر هذا الاسم في قليل إلا كَثَّره، ولا عند خوف إلا أزاله، ولا عند كرب إلا كشفه، ولا عند غم إلا فرجه، ولا عند ضيق إلا وَسَّعه، ولا تعلق به ضعيف إلا أفاد القوة، ولا ذليل إلا أناله العز، ولا فقير إلا أصاره غنيا، ولا مستوحش إلا آنسه، ولا مغلوب إلا أيده ونصره، ولا مضطر إلا كشف ضره، ولا شريد إلا آواه، فهو الاسم الذي:

• تُكشف به الكربات،

• وتستنزل به البركات والدعوات،

• وتقال به العثرات،

(1)

أخرجه مسلم في كتاب الصلاة باب ما يقال في الركوع والسجود ح 486 (1/ 352)، وأبو داود في الصلاة باب في الدعاء في الركوع والسجود ح 865 (3/ 132 العون)، وابن ماجه في الدعاء باب ما تعوذ منه صلى الله عليه وسلم ح 3841 وغيرهم.

ص: 158

• وتستدفع به السيئات

• وتستجلب به الحسنات،

• وهو الاسم الذي قامت به السموات والأرض،

• وبه أنزلت الكتب،

• وبه أرسلت الرسل،

• وبه شرعت الشرائع،

• وبه قامت الحدود،

• وبه شرع الجهاد،

• وبه انقسمت الخليقة إلى سعداء وأشقياء،

• وبه حقت الحاقة،

• ووقعت الواقعة،

• وبه وضعت الموازين القسط،

• ونصب الصراط،

• وقام سوق الجنة النار،

• وبه عُبد رب العالمين وحمد،

• وبحقه بعثت الرسل،

• وعنه السؤال في القبر، ويوم البعث والنشور،

• وبه الخصام،

• وإليه المحاكمة،

• وفيه الموالاة والمعاداة،

• وبه سعد من عرفه وقام بحقه،

ص: 159

• وبه شقي من جهله وترك حقه،

• فهو سر الخلق والأمر، وبه قاما وثبتا، وإليه انتهيا، فالخلق والأمر به وإليه ولأجله، فما وجد خلق ولا أمر ولا ثواب ولا عقاب إلا مبتدئا منه منتهيا إليه، وذلك موجبه ومقتضاه، {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191]

(1)

.

• ومن ثمرات فقه لفظ الجلالة "الله"، أنه يورث المحبة. قال ابن القيّم رحمه الله: فإنّ الإله هو الّذي يألَه العبادَ حبًّا، وذلاًّ، وخوفا، ورجاءً، وتعظيما، وطاعة له، بمعنى مألوه، وهو الّذي تألَهه القلوب أي: تحبّه وتذلّ له

(2)

.

وفي حديث معاذ، يقول الله - تعالى - لنبيه:"سَلْ". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي، وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ. أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا»

(3)

.

• ومن أعظم ثمرات فقه لفظ الجلالة "الله"، تحقيق الطمأنينة القلبية، كما قال - تعالى -:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

يقول ابن القيم رحمه الله: إذ استغنى الناس بالدنيا، فاستغن أنت بالله، وإذا فرح الناس بالدنيا، فافرح أنت بالله، وإذا أنس الناس

(1)

انظر: تيسير العزيز الحميد (14 - 15).

(2)

انظر مدارج السالكين، لابن القيم (3/ 27).

(3)

أخرجه الترمذي في سننه (3235)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3235).

ص: 160

بأحبائهم، فأنس أنت بالله، وإذا ذهب الناسأ إلى ملوكهم وكبرائهم يسألونهم الرزق، ويتوددون إليهم، فتودد أنت إلى الله

(1)

.

ولذلك جاء في الحديث: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ»

(2)

.

• من الخصائص أنك إذا دعوت الله بالرحمن فقد وصفته بالرحمة وما وصفته بالقهر، وإذا دعوته بالعليم فقد وصفته بالعلم وما وصفته بالقدرة، وأما إذا قلت (يا الله)، فقد وصفته بجميع الصفات؛ لأن الإله لا يكون إلهًا إلا إذا كان موصوفًا بجميع هذه الصفات، فثأبت أن قولنا:(الله) قد حصلت له هذه الخاصية التي لم تحصل لسائر الأسماء

(3)

.

• من خصائص هذا الاسم أنه طريق مستقيم في وصول الخلق إلى الله سبحانه وتعالى، وأن جميع أسماء الله تعالى تحت حيطة هذا الاسم، فلا يمكن الوصول إلى اسم الله وكنهه إلا بطريق أسماء الله تعالى وصفاته

(4)

.

• من خصائص هذا الاسم الكريم سر أحديته في ذاته وتصرفه وحده في المخلوقات وإحاطته بها، والله من ورائها محيط، سر

(1)

انظر الفوائد، لابن القيم (ص 118).

(2)

أخرجه الترمذي في سننه (2516)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2516).

(3)

انظر تفسير الرازي (1/ 89).

(4)

كتاب فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (1/ 160).

ص: 161

تصرفه فيها حسب ما يشاء ولا يشغله شأن عن شأن، وسر تقدسه وتنزهه عن الأشباه

(1)

.

• من خصائص الجلالة أن الله تعالى جعلها فاتحة وخاتمة الأذان والإقامة؛ فإن أول الأذانين التكبير أي: (الله أكبر) وأول التكبير هو الجلالة، ثم آخر الأذانين كلمة التوحيد أي:(لا إله إلا الله)، وآخرها إنما هو الجلالة والأذان من أبدع طاعات وأكرمها، خصت به هذه الأمة حتى أن أصحاب سائر الأديان يتأثرون منه كثيرًا ويتعجبون من حسن كلماته المنتظمة المستنيرة ويعترفون بمزيد سماع الأذان أنه يأخذ بالقلوب إليه بشدة كأن غاشية غيبية إلهية تغشى القلوب عند ذاك وتجذبها إليه

(2)

.

• من خصائص اسم (الله) الكريم أنا مأمورون شرعًا أن نؤسس على هذا الاسم الجليل حياتنا ومماتنا، وأن نقيم عليه الحياة الدنيا والحياة البرزخية لنيل السعادة في الحياتين ولصون النفس عن آفاتهما فوقت الولادة مبدأ هذه الحياة، وفي وقت نزع الروح حيث إننا أمرنا بالتأذبن والإقامة في أذني مولود عند الولادة، وأول كلمة في الأذانين الاسم (الله)، وبذلك يصير الاسم (الله) أول ما يقرع سمع المولود وأول ما يتغلغل في قلبه ودماغه، ففي هذا حكم إشارة إلى أن كمال سعادة المرء مربوط بأن يبني على هذا الاسم الكريم حياته وعمره

(3)

.

قال ابن القيم رحمه الله: وسر التأذين والله أعلم أن يكون أول ما

(1)

كتاب فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (1/ 265).

(2)

كتاب فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (1/ 265).

(3)

كتاب فتح الله بخصائص اسم الله، للروحاني (1/ 270).

ص: 162

يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثيره به وإن لم يشعر مع ما في ذلك من فائدة أخرى وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان وهو كان يرصده حتى يولد فيقارنه للمحنة التي قدرها الله وشاءها فيسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به.

وفيه معنى آخر وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان كما كانت فطرة الله التي فطر عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ونقله عنها ولغير ذلك من الحكم

(1)

.

(1)

انظر تحفة المودود بأحكام المولود، لابن القيم (ص 31).

ص: 163

‌الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، فهو سبحانه أهل الحمد والثناء، وأصلي على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،

وبعد، فهذا ما تيسر لي جمعه من مسائل عقدية تتعلق باسم الله عز وجل، وقد اجتهدت ـ بحمد الله ـ في جمعها من مصادر متعددة، وقمت ترتيبها وعرضها وتناولها بحسب موضوعاتها، من خلال ما وقفت عليه من كتب أهل العلم، واجتهدت في ذكر ما ورد في كلام السلف الصالح في ترجيح ما ورد فيه خلاف ونزاع، ولا أدعي في ذلك الإحاطة والاستقصاء وحسبي أنني جمعت ما تفرق، ورتبت المسائل بحسب نوعها ويندرج تحت كل مسألة من فروع وتفاصيل، وإن من المؤكد أن هناك بعض الأمور قد فات علي ذكرها بحكم عدم وقوفي واطلاعي عليها، واستدراك ذلك قد يتيسر في طبعات قادمة بإذن الله إن وقفت في هذه المسائل على جديد، أو لعل غيري من طلبة العلم يتمم ما بدأت به، فالعلم رحم بين أهله وميادين العلم بحمد الله فسيحة، والنقص من طبيعة البشر وما سيستدرك في هذه المسألة فيه تتميم وتكميل ومزيد فائدة بإذن الله، فأرجو من كل من وقف على مزيد فوائد تتعلق بهذه المسائل أن يتحفني بها لأضيفها لهذا العمل في المستقبل بإذن الله.

والله أسأل أن يتقبل هذا العمل، وأن يجعله لوجهه خالصاً، وأن يجعله في ميزان من رباني وعلمني وأدبني، وأن يجزي كل

ص: 165

من ساعدني في إنجاز هذا العمل وقام بنشره خير الجزاء، وبالله التوفيق، ومنه استمد العون والتسديد، والحمد لله رب العالمين.

ص: 166