المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المسائل الفقهية فِي ضَوْءِ مَا اتُّفَقَ عَلَيْهِ فِي الطَّهَارَاتِ - رسالة التخرج - المسائل الفقهية في ضوء ما اتفق عليه في الطهارات

[عبد الله نذير قشلان]

فهرس الكتاب

المسائل الفقهية

فِي ضَوْءِ مَا اتُّفَقَ عَلَيْهِ فِي الطَّهَارَاتِ

- رسالة التخرج من معهد الفتح الإسلامي بدمشق-

عام 1420 - 1421 هـ- 1999 م-2000 م

تأليف

عبد الله نذير قَشْلان

إشراف:

الشيخ الأستاذ أحمد عمر المصري

تقريظ

الدكتور الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور -رحمه الله تعالى-

ص: 2

‌الإهداء

إلى ينبوع الشريعة ومعدن الحقيقة، إمام المتقين وخاتم النبيين، وأشرف المرسلين، سيدي محمد بن عبد الله رسول الله، وحبيبه ومصطفاه، صلى الله عليه وسلم، وإلى أرواح أئمة الاجتهاد من الصحابة والتابعين، وسلف هذه الأمة ولاسيّما أصحاب المذاهب الفقهية أئمة الأمصار رضوان الله عليهم أجمعين.

وإلى روح العلامة المجاهد مؤسس معهد الفتح الإسلامي، ومؤسس النهضات العلمية، المرشد الكبير سيدي الشيخ محمد صالح الفرفور، رحمه الله تعالى وطيب ثراه.

وإلى أساتذتي ومشايخي عامة، وإلى أسرة معهد الفتح الإسلامي خاصة، الذين أتيتهم مُحِبًّا فكافؤوني بأنظارهم وعنايتهم، وأدبهم الرفيع، وروحهم الزكية، وعلمهم الثري، وأخص بالذكر:

فضيلة العلامة سيدي وأستاذي أديب الكلاس بارك الله لنا بعمره.

وفضيلة الدكتور الشيخ عبد الفتاح البزم أعطاه الله المدد والعون لنصرة دينه.

وفضيلة الدكتور الشيخ حسام الدين الفرفور أيده الله بروح من عنده لما فيه الخير للمسلمين.

ص: 5

وإلى من أشرف على رسالتي هذه من بدايتها فأرشدني إلى السبل التي توصل عملي إلى بَرّ الأمان بنجاح وتوفيق فضيلة الشيخ عمر أحمد المصري جزاه الله عني كل خير.

وإلى من أرضعني بحب الشرع وغرس مني محبة العلم والمعرفة وأخذ بيدي إلى مسالك العلم والعلماء فضيلة سيدي ووالدي وشيخي نذير أحمد قشلان حفظه الله وجعله ذخراً للأمة الإسلامية.

وإلى من زمّلتني ببرد الرحمة والأمن والرعاية، التي ما فَتِئَتْ تدعو لي بالتوفيق والسداد والدتي العزيزة أمدها الله بالعمر المديد.

وإلى كل باحث عن الحقيقة العلمية المجردة، من المنصفين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إلى هؤلاء وأولئك أتقدم بهذا الجهد المتواضع علّه أن يكون لبنة في بناء الحضارة الإسلامية والإنسانية المنشودة.

ص: 6

‌تقريظ فضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الباحث الشيخ: عبد الله قشلان سلمك الله ورعاك.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعده.

فلقد اطلعتُ على مصنفك الذي قدمته للتخرج، وجعلتَ موضوعه:(المسائل الفقهية في ضوء ما اتفق عليه في الطهارات) في مخطوطته، وقرأتُ كثيرًا من أبحاثه، وعلقتُ بما هو أسدُّ وأكثر صواباً إن شاء الله. وكنتُ أتمنى عليكَ مراجعة القضايا النحوية التي نَدَّتْ عنكَ واستدراكها أولاً .. وتوحيد العزو الى المصنفين ثانيًا

وأن ترجع الى المُفتى به في كل مذهب من الكتب، لا إلى كتب التعليم والتفقه ثالثًا

(1)

.

ولكن هذا لا يغض من قيمة عملك، فهو باكورة طيبة إن شاء الله، من جذور طيبة مباركة، ولا سيما والدك الحبيب، وجدّك الذي كان والدنا يحبه ويَوَدُّهُ

رحم الله جدك، وبارك لك بالوالد، وبارك لنا به، وكتب الله لك

(1)

كانت هذه الملاحظات عند الانتهاء من كتابة الرسالة في بداية عام (2000 م)، وقد تم بفصل الله بعد ذلك التصحيح والتعديل، واستدراك الملاحظات التي أشار إليها فضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور رحمه الله تعالى.

ص: 7

التوفيق والسداد، وجعل منك قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله.

وإذا رأيتَ من الهلالِ بُدُوَّهُ أيقنتُ أنْ سيكونُ بدرًا كاملاً.

وأوصيك ألا تعجل في نشره، بل بالغ بتنقيحه ومراجعته على مكث، فخير الكلام المُحَكَّكِ

(1)

.

سدد الله على طريق العلم النافع خطاك، ونفعك بالقرآن العظيم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

دمشق في 13/ جمادى الثانية/ 1424 هـ

11/ 8/ 2003 م

محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

خادم العلم الشريف بدمشق الشام

(1)

وقد عملتُ بوصية شيخنا -رحمات الله عليه-فنشرت الكتاب بعد قراءته وتنقيحه وضبط بعض مسائله؛ ليكون إن شاء الله نافعاً مفيداً فريداً في بابه.

ص: 8

‌المقدمة

الحمد لله رب العالمين، أكمل الحمد على كل حال، والصلاة والسلام الأتمّان على سيد المرسلين كلما ذكره الذاكرون، وكلما غفل عن ذكره الغافلون، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه وسائر النبيين، وسائر الصالحين، نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون.

أما بعد:

فلمّا كان الفقه الإسلامي من أشرف العلوم منزلة، وأعلاها رتبة، وأرفعها درجة، وأولاها قرباً، وأكثرها ثواباً وأجراً، حثَّ الله عز وجل عليه في قوله:

(فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[سورة التوبة: 122].

وكذلك قوله صلوات الله عليه: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)

(1)

.

ثم إن الكثير من العلماء ألَّفوا حول خلافات الفقهاء في مسائل الفقه، وجمعوا ذلك في كتب كثيرة ككتاب:(اختلاف العلماء) لمحمد بن نصر المروزي وغيره

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري (71) ومسلم (1037).

(2)

هو الإمام محمد بن نصر بن الحجا المروزي شيخ الإسلام، ولد ببغداد سنة (202 هـ). قال أبو بكر الخطيب فيه: كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام، توفي سنة (293 هـ). سير أعلام النبلاء (14/ 33).

ص: 9

فساقتني عناية المولى أن أجمع بحثاً يضم فيه مسائلهم التي اتفقوا عليها، فإن الشيء إذا ضُمَّ إلى شكله، وقُرِن بنظيره، سَهُلَ حفظه، وأَمكن طَلبه، وقَرُب تناوُله، ووَضُحَ خطأُ من خالف الحق به، ولم يتَعَنَّ المتخصّصون في البحث عن مكانه عند تنازعهم فيه، وكي لا يُدَّعى خلافٌ في مسائله مما لا خلاف فيه أصلاً، وحرصاً على ضبط المتفق عليه فيما بين المسائل الفقهية المختلف فيها، وبعد البحث والدراسة فيمن أَلَّف في بحثي هذا من قبل، لم أجد إلا كتابين جُمعت فيهما المسائل الفقهية المتفق عليها، وهما:(الإجماع): لابن المنذر النيسابوري

(1)

، و (مراتب الإجماع): لابن حزم الظاهري

(2)

.

وكلاهما لم يُفصِّلا في هذه المسائل، ولم يذكرا فروعها، ولم يبوبا لها؛ فكتاب الإجماع مثلاً: جمع ما يقارب أربعين اتفاقاً، بينما أتيتُ ببحثي هذا بأضعاف هذا العدد، وكذلك حال كتاب (مراتب الإجماع)

(3)

.

(1)

هو العلامة محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، ولد سنة (242 هـ)، وتوفي بمكة سنة (318 هـ) وصنف في اختلاف العلماء كتباً لم يصنف أحد مثلها، وكان من عظماء الشافعية وأئمة المسلمين وكان يقال له:(الباز الأشهب). (طبقات الفقهاء 2/ 118).

(2)

هو الإمام الحافظ العلامة علي بن سعيد بن حزم الظاهري، ولد بقرطبة سنة (384 هـ). كان ابن حزم كثير الوقعية في العلماء بلسانه وقلمه، فأورثه ذلك حقداً في قلوب أهل زمانه، وما زالوا به حتى بغضوه إلى ملوكهم، فطردوه عن بلاده، حتى كانت وفاته في قرية له في شعبان وقد جاوز التسعين. (البداية والنهاية 12/ 11).

(3)

ومن الكتب المعاصرة الحديثة كتاب "موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي" للأستاذ سعدي أبو جيب.

ص: 10

ثم إني إضافة إلى ذلك أوردت مع كل اتفاق في هذه المسائل دليلاً من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس، وقلما أترك الدليل، بينما كتاب (الإجماع)، و (مراتب الإجماع) لم يأتيا بالأدلة إطلاقاً.

وتتميماً للفائدة أشرت في بعض الأحيان إلى المسائل التي اختلفوا فيها تنبيهاً للقارئ عليها، وقد ذُكر مثل هذا في كتاب (مراتب الإجماع)، وليس في كتاب (الإجماع)، راجياً بذلك جزيل الأجر من الله عز وجل، فإن المنفعة بجمع هذه المسائل جليلة جداً.

منهجي في هذا البحث:

1 -

جمع المسائل التي تم الاتفاق عليها بين الأئمة الأربعة، وهم:(أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد)، أو أصحاب مذاهبهم المفتى بقولهم بها، رضوان الله عليهم أجمعين، ليُعرف أنَّ ما عدا ذلك قد وقع فيه خلاف، مقتصراً في ذلك على قسم الطهارات فقط.

2 -

الاستشهاد على ذلك بالأدلة النقلية في كتاب الله عز وجل، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآثار الصحابة رضوان الله عليهم، وقد أتعرض لبعض التعليلات العقلية، والاستدلالات القياسية.

3 -

قد يكون في المذهب قولان فاختار المفتى به وأودعه مع أقوال الأئمة الآخرين، فإن وافقهم وإلا أخذت بالقول الآخر في بعض المسائل، وبيّنت في

ص: 11

الحاشية أخذي بالقول غير المشهور أو المفتى به، حرصاً على الاتفاق وتقليلاً من الخلاف.

4 -

نصصت على بعض المسائل المهمة المختلف فيها ذاكراً أنهم اختلفوا فيها، فإن كان المخالف واحداً ذكرت من هو المخالف في الحاشية، مختصراً في ذلك، مع عزو نقلي إلى مرجعه في غالب المسائل، وإن كان المخالف اثنين والمتفق اثنين، أقتصر على قولي:(اختلفوا إلى فريقين)، وإلا أقتصر على قولي:(اختلفوا في كذا).

5 -

وضعت تعاريف للأشياء مختاراً فيها تعريفاً واحداً لبعض الأئمة أو أكثر، دون النظر فيما اتفقوا عليه أو لا، لأن تعاريف الفقهاء لها متقاربة.

6 -

عزو آراء المذاهب إلى أصحابها، وتوثيقها من مصادر المذهب المعتمدة.

7 -

جعلت ذلك في فصول وأبحاث ومطالب، تسهل على الدارسين والباحثين قراءتها ومراجعتها.

8 -

تخريج الآيات القرآنية، بتعيين السورة التي ذكرت فيها، ورقمها بين آياتها.

9 -

تخريج الأحاديث النبوية الشريفة، والآثار المروية عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم.

10 -

بيان معاني الألفاظ الغريبة، والمصطلحات الفقهية.

ص: 12

11 -

وضعت كشافات فنية للآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، والمصادر والمراجع، ولما كانت نصوص البحث خالية من آثار الصحابة والتابعين في أكثر الأحيان لم أجد موجباً لوضع فهرسة خاصة بها.

وختامًا:

فقد بذلت غاية الجهد في إخراج هذا البحث بصورة عملية عِلمية لتكون رسالة تخرج لنيل شهادة معهد الفتح الإسلامي.

فإن أصبتُ فمن الله عز وجل وتوفيقه، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله العظيم، وأبرأ إلى الله تعالى من حولي وقوتي إلى حول الله وقوته، ورحم الله أمرأً أهدى إليَّ عيوبي وبصَّرني بأخطائي.

والله تعالى أسأل، أن يجعلها في ميزان الحسنات، والصحائف الصالحات، ويتولاّنا بفضله، ويمنُّ علينا بكرمه، ويجعلنا من السابقين، والقليل الآخرين، إنه أكرم مسؤول، ومنه التفضل بالقبول.

قال سعد الشيرازي:

والعفوُ إنْ كانَ على قدْر الكرمْ

فكُلُّ ذنبٍ سوفَ يمحوهُ القَلَمْ

وإنْ تكُنْ منْكَ على قدْرِ الغضبْ

فالظلمُ يُمحى والمصيرُ للّهبْ

ماليَ أعمالٌ بها أستشفعُ

ولم يكنْ إلا إليكَ المفزعُ

ص: 13

بضاعتي يا ربُ مُزجاةٌ فما

جئتُ بها لكنْ أتيتُ مسلماً

والحمدُ للهِ ربِّ العَالَمينْ

عبد الله نذير قشلان

ص: 14

الفصل الأول: الطهارة

وفيه ثمانية مباحث

المبحث الأول: معناها.

المبحث الثاني: أهميتها.

المبحث الثالث: شروط وجوب الطهارة.

المبحث الرابع: أنواع المطهرات.

المبحث الخامس: أنواع المياه.

المبحث السادس: حكم الأسآر.

المبحث السابع: حكم الآبار

المبحث الثامن: أنواع الأعيان الطاهرة.

ص: 15

‌الفصل الأول: الطهارة

‌المبحث الأول- معنى الطهارة:

الطهارة لغة: النظافة والخلوص من الأوساخ والأدناس الحسية: كالأنجاس من بول وغيره، والمعنوية كالعيوب والمعاصي.

شرعاً: النظافة عن النجاسة، حقيقية: كانت وهي الخبث، أو حكمية: وهي الحدث

(1)

.

والخبث في الحقيقة: عين مستقذرة شرعاً.

والحدث: وصف شرعي يحل في الأعضاء يزيل الطهارة.

وعرفها الشافعية: كما قال الإمام النووي: رفع حدث، أو إزالة نجس، أو ما في معناهما، وعلى صورتهما كالتيمم والأغسال المسنونة، وتجديد الوضوء

(2)

.

(1)

الدر المختار (1/ 57)، اللباب في شرح الكتاب (1/ 10).

(2)

نهاية المحتاج (1/ 60).

ص: 16

‌المبحث الثاني- أهمية الطهارة

(1)

:

للطهارة أهمية كبيرة في الإسلام، سواء أكانت حقيقية: وهي طهارة الثوب والبدن ومكان الصلاة من النجاسة، أم طهارة حكمية: وهي طهارة أعضاء الوضوء من الحدث، وطهارة جميع الأعضاء الظاهرة من الجنابة، لأنها شرط دائم لصحة الصلاة التي تتكرر خمس مرات يومياً، وبما أن الصلاة قيام بين يدي الله تعالى، فأداؤها بالطهارة تعظيم لله، والحدث والجنابة وإن لم يكونا بنجاسة مرئية، فهي نجاسة معنوية توجب استقذار ما حل بها، فوجودها يخل بالتعظيم، وينافي مبدأ النظافة التي تتحقق بالغسل المتكرر، فبالطهارة تطهر الروح والجسد معاً.

واهتمام الإسلام بجعل المسلم دائماً طاهراً من الناحيتين المادية والمعنوية أكمل وأوفى، دليل على الحرص الشديد على النقاء والصفاء، وعلى أن الإسلام مثل أعلى للزينة والنظافة، والحفاظ على الصحة الخاصة والعامة، وبناء البنية الجسدية في أصح قوام، وأجمل مظهر، وأقوى عماد، ولصون البيئة والمجتمع من انتشار المرض والضعف والهزال، لأن غسل الأعضاء الظاهرة المتعرضة للغبار والأتربة والجراثيم يومياً وغسل الجسم في أحيان متكررة عقب كل جنابة، كفيل بحماية الإنسان من أي تلويث، وقد ثبت طبياً أن أنجع علاج

(1)

انظر: الفقه الإسلامي للزحيلي (1/ 89)، والفقه الإسلامي للسلقيني (1/ 39).

ص: 17

وقائي للأمراض الوبائية وغيرها هو النظافة، والوقاية خير من العلاج، وقد امتدح الله تعالى المتطهرين، فقال:(إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين)[سورة البقرة: 222].

وأثنى سبحانه على أهل مسجد قُباء بقوله: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين)[سورة التوبة: 108].

وعلى المسلم أن يكون بين الناس مثالاً متميزاً بارزاً في نظافته، وطهره الظاهر والباطن، قال صلى الله عليه وسلم لجماعه من صحبه:(إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ، فَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ وَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ)

(1)

.

ولا تنفع الطهارة الظاهرة إلى مع الطهارة الباطنة بالإخلاص لله والنزاهة عن الغل والغش والحقد والحسد وتطهير القلب عما سوى الله من الكونين، فيعبده لذاته لا لعلة مفتقراً إليه وهو يتفضل بالمن بقضاء حوائجه المضطر بها عطفاً عليه، فيكون عبداً فرداً للمالك الاحد الفرد الذي لا يسترِقُكَ شيء من الأشياء سواه ولا يستملك هواك عن خدمتك إياه.

(1)

أخرجه أبو داود (4089) في اللباس، باب ما جاء في إسبال الإزار، وإسناده حسن، وحسنه النووي في " الرياض "، وأخرجه أحمد 4/ 179، 180.

ص: 18

‌المبحث الثالث: شروط وجوب الطهارة

وتجب الطهارة على من وجبت عليه الصلاة، وذلك بتسع شروط وهي

(1)

:

الأول: الإسلام، فلا يصح أداء العبادة من الكفار ما داموا كفاراً، وإذا أسلموا فلا يطالبون بالقضاء إجماعاً.

الثاني: العقل، فلا تجب الطهارة على المجنون والمغمى عليه، إلا إذا فاقا في بقية الوقت. أما السكران فلا تسقط عنه الطهارة.

الثالث: البلوغ، وعلاماته خمس: الاحتلام، وإنبات الشعر، والحيض، والحمل، وبلوغ السن: وهو خمسة عشر عاماً، وقيل: سبعة عشر عاماً، وقيل: ثمانية عشر عاماً، فلا تجب الطهارة على الصبي.

الرابع: وجود الحدث.

الخامس: وجود الماء المطلق المطهر الكافي: وعند عدمه يتيمم كما سيأتي.

السادس: القدرة على استعماله.

السابع والثامن: عدم الحيض والنفاس.

التاسع: تنجيز خطاب المكلف بضيق الوقت

(1)

الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي ص (192)، الفقه الإسلامي للزحيلي (1/ 90).

ص: 19

‌المبحث الرابع- أنواع المطهرات:

وفيه أربعة مسائل:

‌المسألة الأولى:

اتفق الأئمة الأربعة

(1)

على أن الطهارة واجبة شرعاً، وأن المفروض منها هو: الوضوء، والغسل من الجنابة والحيض والنفاس بالماء، والتيمم عنهما: عند فقد الماء، أو التضرر باستعماله، وإزالة النجاسة. وذلك ثابت بالدليل القطعي المجمع عليه، على النحو الآتي:

1) الدليل على وجوب الطهارة بالمياه، فقوله تعالى:(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِنْ السَّمَاء مَاء لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ)[سورة الأنفال: 11].

2) الدليل على فرضية الوضوء: قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ)[سورة المائدة: 6].

3) الدليل على فرضية الغسل من الجنابة: قوله تعالى: (وَإِنْ كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)[سورة المائدة: 6].

(1)

بداية المجتهد (1/ 50)، الإفصاح عن معاني الصحاح (1/ 50)، الفقه الإسلامي (1/ 92).

ص: 20

4) الدليل على فرضية الغسل من الحيض: قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ)[سورة البقرة: 222].

5) الدليل على فرضية الغسل من النفاس: عن عمرو بن الحصين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَنْتَظِرُ النُّفَسَاءُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَإِنْ رَأَتِ الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَهِيَ طَاهِرٌ، وَإِنْ جَاوَزَتِ الْأَرْبَعِينَ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ تَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ)

(1)

.

6) الدليل على فرضية التيمم عن الوضوء والغسل عند فقد الماء: قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ)[سورة المائدة: 6].

(1)

أخرجه الحاكم في المستدرك (625). كتاب (الطهارة). والحديث أخرجه البيهقي في الخلافيات (3/ 416) من طريق الحاكم به. وأخرجه الدارقطني في السنن (1/ 221) ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 386) اه.

ص: 21

‌المسألة الثانية:

اتفق الأئمة الأربعة

(1)

على جواز التطهير بالماء الطهور أو المطلق، وهو ما يسمى ماءً بدون تقييد بوصف، كماء مستعمل، أو بإضافة كماء الورد مثلاً.

والمياه المتفق عليها بين الأئمة الأربعة سبعة أنواع وهي: (ماء المطر، وماء العين، وماء النهر، وماء البحر، وماء البئر، وماء الثلج، وماء البَرد) وتندرج هذه المياه جميعها تحت قولنا: [ما نزل من السماء أو نبع من الأرض]، وذلك للأدلة الآتية:

أما ماء السماء، فلقوله تعالى:(وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا)[سورة الفرقان: 48].

ولقوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِنْ السَّمَاء مَاء لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ)[الانفال: 11].

وأما ماء النهر، فلما روي عن ابن عباس قال:(بَحْرَانِ لَا يَضُرُّكَ مِنْ أَيِّهِمَا تَوَضَّأْتَ مَاءُ الْبَحْرِ وَمَاءُ الْفُرَاتِ)

(2)

.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 92)، مراقي الفلاح (1/ 62) الهداية (1/ 20)، اللباب (1/ 24)، الدر المختار (1/ 120)، شرح فتح القدير (1/ 60)، منهاج الطالبين ص (9)، نهاية المحتاج (1/ 60 - 61)، الإقناع (1/ 18) بداية المجتهد (1/ 50)، حاشية العدوي (1/ 158)، حاشية الدسوقي (1/ 33) منار السبيل (1/ 8) الروض المربع ص (16).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه برقم (1393). وللأثر متابعات وشواهد. انظر كتاب سلسلة الآثار الصحيحة أو الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين 1/ 319. لأبي عبد الله الداني بن منير آل زهوي.

ص: 22

وأما ماء البحر، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ)

(1)

.

وأما ماء البئر: عن أبي سعيد الخدري قال: قيل يا رسول الله أنتوضَّأ من بئرِ بُضاعة -وهي بئرٌ يُطرَحُ فيها الحِيَضُ

(2)

ولحمُ الِكلابِ والنَّتْنُ-؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (الماءُ طَهُورٌ لَا يُنجِّسُهُ شَيْءٌ)

(3)

.

وأما ماء الثلج والبَرد:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبّر في الصلاة سكت هُنَيهةً قبل القراءة، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أرأيت سُكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: (أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ، كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي

(1)

رواه مالك في الموطأ 1/ 22 في الطهارة، باب الطهور للوضوء، وأبو داود رقم (83) في الطهارة، باب الوضوء بماء البحر، والترمذي رقم (69) في الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور، والنسائي 1/ 176 في المياه، باب الوضوء بماء البحر، وهو حديث صحيح.

(2)

الحِيَضُ: بِالْكَسْرِ: خِرقة الحيْض (النهاية في غريب الحديث 1/ 469).

(3)

أخرجه أبو داود (66) والترمذي (66) وقال الترمذي: حديث حسن.

ص: 23

مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ)

(1)

.

‌المسألة الثالثة:

اتفق الأئمة الأربعة

(2)

على جواز التطهير بالمسح بالورق أو الحجارة في حالة الاستنجاء، أي إزالة النجاسة من المخرجين من بول وغائط ما لم يفحش الخارج والدليل على ذلك: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: اتبعت النبي صلى الله عليه وسلم وخرج لحاجته فكان لا يلتفت، فدنوت منه فقال:(ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضُ بِهَا أَوْ نَحْوَهُ وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثٍ)

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري (711) ومسلم (598).

(2)

الفقه الإسلامي (1/ 92)، مراقي الفلاح (1/ 88)، الهداية (1/ 38)، اللباب (1/ 57 - 58)، شرح فتح القدير (1/ 187)، الدر المختار (1/ 224).

منهاج الطالبين ص (11)، نهاية المحتاج (1/ 144 - 145)، الإقناع (1/ 53)، أنوار المسالك ص (40)، حاشية العدوي (1/ 172)، بداية المجتهد (1/ 127)، منار السبيل (1/ 16)، الروض المربع ص (24)

(3)

أخرجه البخاري (154). ومعنى أَسْتَنْفِضُ بِهَا: أَيْ أسْتَنْجي بِهَا (النهاية في غريب الحديث 5/ 97). و الرَّوْثُ: رجيعُ ذَوَاتِ الحافرِ (النهاية في غريب الحديث 2/ 271).

ص: 24

‌المسألة الرابعة:

اتفق الأئمة الأربعة

(1)

على مشروعية التطهير بالتراب طهارة حكمية، وعلى طهارة الخمر بالتخلل بنفسها.

والدليل على مشروعية التطهير بالتراب:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)

(2)

.

والدليل على طهارة الخمر بالتخلل:

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نِعْمَ الأُدُمُ، أو الإدامُ الخل)

(3)

.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 92)، الهداية (4/ 298)، اللباب (3/ 108)، الاختيار (4/ 362)، منهاج الطالبين ص (15)، نهاية المحتاج (1/ 247)، الإقناع (1/ 94)، أنواع المسالك ص (60 - 61)، بداية المجتهد (3/ 34)، منار السبيل (1/ 51)، الروض المربع ص (51).

(2)

أخرجه مسلم (279) وأحمد (9511).

(3)

أخرجه مسلم (2051) والدارمي (2093).

ص: 25

‌المبحث الخامس- أنواع المياه

اتفق الأئمة الأربعة

(1)

على نوعين من أنواع المياه:

‌النوع الأول- الماء الطهور أو المطلق:

وهو الطاهر في نفسه المطهر لغيره، وهو كل ماء نزل من السماء، أو نبع من الأرض، ما دام باقياً على أصل الخِلْقة، فلم يتغير أحد أوصافه الثلاثة وهي (اللون والطعم والرائحة)، أو تغير بشيء لم يسلب طهوريته كتراب طاهر أو ملح أو نبات مائي، ولم يكن مستعملاً.

مثل: ماء المطر والأودية

(2)

والعيون والينابيع، والآبار والأنهار والأبحار، وماء الثلج والبرد، ونحوها من كل ماء عذب أو مالح، ويشمل الماء الذي ينعقد ملحاً، أو يرشح ويتبخر بخار ماء، لأنه ماء حقيقة

(3)

. والدليل على طهورية الماء المطلق: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في

(1)

مراقي الفلاح (1/ 64)، اللباب (1/ 24)، رد المحتار والدر المختار (1/ 120)، شرح فتح القدير (1/ 60 - 61)، الهداية (1/ 20) منهاج الطالبين ص (9)، نهاية المحتاج (1/ 60) الإقناع (1/ 21)، أنوار المسالك ص (12)، حاشية العدوي (1/ 159)، حاشية الدسوقي (1/ 33 - 34)، الروض المربع، ص (16)، منار السبيل (1/ 8).

(2)

جمع وادي: وهو كل منفرج بين الجبال والتلال والآكام، سمي بذلك لسيلانه يكون مسلكاً للسيل ومنفذاً. (المعجم الوسيط: مادة ودى).

(3)

قال الحنفية: الماء الذي ينعقد فيه الملح طهور قبل الانعقاد، أما بعد الانعقاد والذوبان، فإنه يكون طاهراً غير طهور فلا يرفع الحدث، ويزيل الخبث، انظر: الدر المختار ورد المختار (1/ 121).

ص: 26

المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:(دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا معسرين)

(1)

.

واتفق الأئمة الأربعة على أن كل ما يغير الماء مما لا ينفك عنه غالباً: أنه لا يسلبه صفة الطهارة والتطهير، فلا يضر تغير أوصاف الماء كلها أو بعضها بطول المكث (البقاء في المكان مدة طويلة) لتعذر الاحتراز عنه، ولا بتراب طهور، وطُحلُب (خضرة تعلو على وجه الماء)، وما في مقره وممره، ولا بمخالط مجاور (وهو ما يمكن فصله) كعود ودهن ولو مطيبين، ومن البخور، ولا ببعض المعادن كملح ماء وكبريت، ولا بما يعسر الاحتراز عنه كالتين وورق الشجر، ولا بجيفة ملقاة على الشاطئ تغير الماء بريحها، ولا بدابغ إنائه كقطران

(2)

وَقَرَظٌ

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري (217) والترمذي (147). سَجْلاً: الدَّلو الْمَلْأَى مَاءً. ويُجْمع عَلَى سِجَالٍ (النهاية في غريب الحديث 2/ 344). ذَنُوبًا: الدلو الكبير أو المملوء (بذل المجهود 2/ 613).

(2)

القِطرَانُ: عصارة شجر الأرز والأبهل. تطبخ ثم تطلى بها الإبل. وفي التنزيل العزيز (سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ)[إبراهيم: 49] لأنه شديد الاشتعال. وهي مادة سوداء سائلة لزجة تستخرج من الخشب والفحم وحموها بالتقطير الجاف، وتستعمل لحفظ الخشب من التسوس والحديد من الصدأ. (المعجم الوسيط، مادة: قطر).

(3)

القَرَظ: شجر عظيم لها سوق غلاظ أمثال شجر الجوز، ورقه أصغر من ورق التفاح، وهو نوع من أنواع الصمغ العربي، يستخرج منه صمغ مشهور، واحدته (قرظة) (المعجم الوسيط مادة: قرظ).

ص: 27

‌النوع الثاني- الماء النجس

(1)

:

وهو الذي وقعت فيه نجاسة غير معفو عنها، مثل قليل الأرواث، وكان الماء راكداً (غير جارٍ) قليلاً

(2)

، وأما الماء الجاري فينجس بظهور أثر النجاسة فيه، والأثر: طعم النجاسة أو لونها أو ريحها.

وبذلك يكون الماء المتنجس نوعين:

الأول: ما كان طهوراً قليلاً، ووقعت فيه نجاسة لم تغير أحد أوصافه، إلا ما يعفى عنه كميتة ما لا دم له سائلة مثل الذباب والنمل إذا وقع بنفسه أو ألقته الرياح

(3)

.

الثاني: ما كان طهوراً كثيراً وقعت غير نجاسة غيرت أحد أوصافه الثلاثة.

والمتنجس عند أكثر الفقهاء لا ينتفع به، ولا يستعمل في طهارة ولا في غيرها، إلا في نحو سقي بهيمة أو زرع، أو في حالة ضرورة كعطش.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 126) مراقي الفلاح (1/ 69)، الهداية (1/ 21)، شرح فتح القدير (1/ 64)، الدر المختار (1/ 125) منهاج الطالبين ص (9)، نهاية المحتاج (1/ 74 - 75)، الإقناع (1/ 25 - 26)، أنوار المسالك ص (12)، بداية المجتهد (1/ 51) حاشية العدوي (1/ 160 - 161). الروض المربع ص (20)، منار السبيل (1/ 12).

(2)

وهناك خلاف في حد قلة الماء وكثرته بين الأئمة الأربعة.

(3)

وهناك قول ثان للمالكية بأنه طاهر ولكنه مكروه، فيخرق هذا القول الاتفاق. انظر بداية المجتهد (1/ 51).

ص: 28

الأدلة:

والدليل على نجاسة الماء إذا كان الماء قليلاً.

1 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لَا تَبُلْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ تَغْتَسِلْ مِنْهُ)

(1)

. فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ الماء من النجاسة وهذا نهي، والنهي عن الشيء أمر بضده.

2 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ)، فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: (يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا)

(2)

.

والدليل على نجاسة الماء الكثير إذا تغير أحد أوصافه حديث أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ)

(3)

.

والحديث وإن كان ضعيفاً - رغم تعدد طرق - قواه إجماع الأمة على مضمونه.

(1)

أخرجه مسلم (282) وأحمد (8186).

(2)

أخرجه مسلم برقم (283) وابن ماجه (605).

(3)

أخرجه ابن ماجه (521) والدار قطني (45).

ص: 29

قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الماء القليل أو الكثير، إذا وقعت غير نجاسة، فغيرت طعماً أو لوناً أو ريحاً فهو نجس

(1)

.

(1)

التحفة الرضية (1/ 58). قال الشوكاني بعدما ذكر طرق الحديث وتبين ضعفها: قال في البدر المنير: فتلخص أن الاستثناء المذكور " إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ "ضعيف، فتعين الاحتجاج بالإجماع كما قال الشافعي والبيهقي وغيرهما. يعني الإجماع على أن المتغير بالنجاسة ريحاً أو لوناً أو طعمًا نجس. انتهى نيل الأوطار 1/ 35.

ص: 30

‌المبحث السادس - حُكْمُ الأسآر:

الأسآر لغة: جمع سؤر، والسؤر: البقية والفضلة.

واصطلاحاً: هو بقية الماء في الإناء أو في الحوض، بعد شرب الشارب منه، ثم استعير لبقية الطعام

(1)

.

اتفق الأئمة الأربعة

(2)

على طهارة أسآر بني آدم صغيراً أو كبيراً، مسلماً

(3)

أو كافراً إن لم يكن في فمها نجاسة، جنباً أو حائضاً. والدليل على طهارة سؤر الآدمي مطلقاً.

1 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وهو جنب، فانسلّ فذهب فاغتسل، فتفقده النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاءه قال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: يا رسول الله

(1)

الدر المختار (1/ 148).

(2)

الفقه الإسلامي (1/ 129)، مراقي الفلاح (1/ 71)، الهداية (1/ 25)، اللباب (1/ 34)، شرح فتح القدير (1/ 94)، الدر المختار (1/ 148)، الإقناع (1/ 92)، نهاية المحتاج (1/ 238)، حاشية الدسوقي (1/ 35) منار السبيل (1/ 53)، الروض المربع ص (52).

(3)

يكره عند المالكية سؤر شارب خمر مسلم أو كافر، أي: مَنْ شأنه ذلك لا من وقع منه مرة أو مرتين، وشك في فمه. حاشية الدسوقي (1/ 44).

ص: 31

لقيتني وأنا جنب، فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ)

(1)

.

2 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فِيَّ فيشرب، وأتعرّق العَرَقَ

(2)

وأنا حائض فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فِيَّ)

(3)

.

3 -

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتيَ بلبن قد شيب بماء

(4)

، وعن يمينه أعرابي، وعن شماله أبو بكر، فشرب ثم أعطى الأعرابي، وقال:(الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ)

(5)

.

وفي رواية: فلما فرغ قال عمر: هذا أبو بكر، فأعطى الأعرابيّ فضلَة ثم قال:(الْأَيْمَنُونَ الْأَيْمَنُونَ، أَلَا فَيَمِّنُوا). قال أنس: فهي سنة، فهي سنة، ثلاث مرات

(6)

.

(1)

أخرجه البخاري (281) ومسلم (371).

(2)

العَرَق: ما رشح من مسامّ الجلد من غدد خاصة، يقال: عَرِقَ الحائطُ، وعَرِقَتِ الأرضُ فهو عَرِق وعَرْقان. انظر (المعجم الوسيط، مادة: عَرِق) وشرح السيوطي (1/ 56).

(3)

أخرجه مسلم (300) والنسائي (282) ومعنى (فِيَّ): أي فمي.

(4)

الشَوْبُ: الخلط، وشَوب اللبن، هو خلطه بالماء. (لسان العرب 1/ 511) (مادة: شوب).

(5)

أخرجه البخاري (2296) ومسلم (2029).

(6)

أخرجه البخاري (2432).

ص: 32

واتفق الأئمة الأربعة

(1)

على طهارة سؤر الحيوان المأكول اللحم كالإبل والبقر والغنم والفرس ونحوها.

والدليل على طهارتها: حديث جابر بن سَمُرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قال: (إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ)

(2)

قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: (نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ)، قال: أُصلي في مرابض الغنم؟ قال: (نعم) قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: (لا)

(3)

.

واللُّعاب متولد من اللحم، فإذا كان اللحم طاهر كان اللعاب طاهر وإلا فينجس، وإذا جاز الوضوء من لحم الإبل دل على طهارة لحمه وبالتالي دل على طهارة سؤره.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 129)، مراقي الفلاح (1/ 72)، الهداية (1/ 25)، اللباب (1/ 234)، شرح فتح القدير (1/ 91)، الدر المختار (1/ 148)، الإقناع (1/ 92)، نهاية المحتاج (1/ 238)، بداية المجتهد (1/ 56)، حاشية الدسوقي (1/ 34)، الروض المربع ص (52)، منار السبيل (1/ 52)، الإفصاح (1/ 52).

(2)

تَوَضَّأْ: أصلها (تَتَوَضَّأْ) حذفت إحدى التاءين تخفيفاً.

(3)

أخرجه مسلم (97) وأحمد (20955).

ص: 33

‌المبحث السابع- حُكم الآبار:

اتفق الأئمة الأربعة

(1)

على أن الماء الكثير وهو (عشر في عشر)

(2)

لا ينجس إلا بظهور أثر النجاسة فيه، وأما الماء القليل فيتنجس ولو لم تتغير أوصافه، وقدروا استحساناً مقادير معينة في نزح ماء البئر القليل، على النحو التالي:

أولاً- حالة بقاء الواقع في البئر حياً:

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 135)، مراقي الفلاح (1/ 79)، الهداية (1/ 24)، اللباب (1/ 30)، رد المحتار على الدر المختار (1/ 141)، منهاج الطالبين ص (15)، أنوار المسالك ص (17)، الإقناع (1/ 25)، نهاية المحتاج (1/ 87)، حاشية الدسوقي (1/ 45)، حاشية العدوي (1/ 160)، منار السبيل (1/ 52)، الروض المربع ص (52).

(2)

وهذا تقدير الحنفية للماء الكثير ودونه يكون قليلاً، ومعنى (عشر في عشر): أي عشرة أذرع بعشرة أذرع في الحوض المربع، وإن كان مستديراً فيعتبر كثيراً وإن بلغت مساحته ستة وثلاثين ذراعاً، ولا بد أن يكون عمق الماء بحيث لا تنكشف أرضه بالغرف منه، هذا هو الصحيح، والذراع: تقديره أربع وعشرون أصبعاً، بما يساوي خمسين سنتمتر تقريبًا، فيكون عشراً في عشر، يساوي خمسة أمتار بخمسة أمتار تقريباً، والشافعية والحنابلة: اعتبروا الماء كثيراً، إذا بلغ قُلَّتَيْنِ، وهي خمسمائة عشر رطل بالعراقي، والقلة تساوي (93. 75) صاعاً وتساوي (160. 5) لتراً من الماء، والمالكية لم يعتبروا هذين التقديرين، ولم يقولوا بالفرق بين القليل والكثير، انظر معظم لغة الفقهاء ص (368)، منار السبيل (14/ 12) بداية المجتهد (1/ 51)، حاشية الطحاوي (1/ 21).

ص: 34

اتفق الأئمة الأربعة على أنه إذا سقط آدمي أو حيوان مأكول اللحم وخرج حياً، فلا ينجس البئر إذا لم يكن على بدنه نجاسة، فإن كان عليه نجاسة تنجس الماء لوجود النجاسة.

واختلفوا في الباقي بناء على حكم الآبار.

الدليل على طهورية الماء الواقع فيه الآدمي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّهُ لَقِيَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ فَانْسَلَّ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ، فَتَفَقَّدَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَقِيتَنِي وَأَنَا جُنُبٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ حَتَّى أَغْتَسِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(سُبْحَانَ اللهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ)

(1)

.

ثانياً- حالة موت الإنسان والحيوان في البئر:

اتفق الأئمة الأربعة على أنه لا ينجس البئر بموت حيوان لا دم له سائل: كذباب وصرصور وخنفساء وزنبور وبق وعقرب، أو بموت حيوان مائي كسمك، وضفدع، وتمساح وسرطان وكلب ماء وخنزيره.

أما موت الآدمي فقد اختلف فيه بين الأئمة الأربعة.

(1)

أخرجه البخاري (281) ومسلم (371).

ص: 35

والدليل على طهورية الماء بموت حيوان لآدم لرسائل: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لْيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وفِي الآخَرِ دَاءً)

(1)

.

وفي رواية لأبي سعيد: (فِي أَحَدِ جَنَاحَيِ الذُّبَابِ سُمٌّ، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءٌ، فَإِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ، فَامْقُلُوهُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ، وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ)

(2)

.

ثالثاً- حالة وقوع النجاسة في الماء:

اتفق الأئمة الأربعة على نجاسة البئر الصغيرة بوقوع نجاسة فيها

(3)

، وإن قلت كقطرة دم، وقطرة خمر، وبول وغائط من أدمي، وينزح ماء جميع البئر،

(1)

أخرجه البخاري (3142) وأبو داود (3844) وابن ماجه (3505).

وقد أَكَّدَ العلمُ الحديثُ صحّةَ هذا الحديثِ من الناحية الطبية، فقد كُشفَ أنّ في بعضِ جناحي الذبابةِ مادةً ترياقيةً مضادةً للجراثيمِ، ولأنواعِ الميكروبات، فإذا علِقَ بأرجلِ الذبابةِ بعضُ الجراثيمِ، أو الميكروباتِ، أو البكترياتِ الضارّةِ، ووقعَ هذا الذبابُ في سائلٍ، فعليكَ أنْ تغمسَ الجناحَ الثانيّ، فإنّ في بعضِ الأجنحةِ الدواءَ الترياقَ المضادَّ لهذه الجراثيمِ .. ولتمام الفائدة ينظر لكتاب "الإصابة في حديث الذبابة" حيث أجاد المؤلف الدكتور:"خليل إبراهيم خاطر" بدراسة الحديث النبوي دراسة وافية من حيث السند والمتن، وأجاد في تخريجه للأحاديث، ثم تحدث عن بعض الاكتشافات الحديثة التي تتعلق بوضع الحديث وما فيه من دلالات الإعجاز الطبي.

(2)

أخرجه أحمد (11643) وابن ماجه (3504). وهو حديث صحيح، ومعنى (امقلوه): اغمسوه (النهاية في غريب الحديث 4/ 347).

(3)

البئر الصغيرة والكبيرة قد أوضحته في أول الباب.

ص: 36

بعد إخراج عين النجاسة، وتطهر البئر والدلو والرشاء (الحبل) والبكرة، ويد المستقي.

والدليل على نجاسة الدم قوله تعالى: (أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ)[سورة الأنعام: 145].

والدليل على نجاسة الخمر قوله تعالى: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ)[سورة المائدة: 90].

والدليل على نجاسة بول الآدمي: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ، أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ

(1)

.

(1)

أخرجه البخاري (219) ومسلم (284)

ص: 37

‌المبحث الثامن- أنواع الأعيان الطّاهرة:

جميع ما في الكون إما جماد، أو حيوان، أو فضلات.

والأصل في الأشياء الطهارة، ما لم يثبت بنجاستها بدليل شرعي، والفقهاء متقاربون في الحكم بطهارة الأعيان.

اتفق الأئمة الأربعة

(1)

على أن الجماد (وهو كل جسم لم تحلّه الحياة ولم ينفصل عن حي

(2)

كله طاهر إلا المسكر.

فجميع أجزاء الأرض الجامدة والمائعة وما تولد منها طاهرة، ومن الجامد: المعادن كالذهب والفضة والحديد ونحوها، وجميع أنواع النبات ولو كان ساقاً أو مخدراً كالحشيش والأفيون والبنج، ومن المائع: المياه والزيوت وعسل القصب، وماء الأزهار، والطيب والخل.

واتفقوا على أن كل جاف طاهر، وأن نافجة (وعاء) المسك طاهرة كالمسك، وأن الزَّباد

(3)

والعنبر طاهر

(4)

، وأن شعر الحيوان المأكول طاهر، وأن الخمر المتخلّلة بنفسها طاهرة.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 140)، الهداية (1/ 36)، رد المحتار والدر المختار (1/ 205)، منهاج الطالبين ص (15)، نهاية المحتاج (1/ 231). حاشية الدسوقي (1/ 49)، الروض المربع ص (23)

(2)

أما المنفصل عن الحي كالبيض والسمن وعسل النحل فليس من الجماد، لانفصاله عنه، وهو طاهر.

(3)

الزَّبَادَ: هُوَ لَبَنُ سِنَّوْرٍ فِي الْبَحْرِ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ (المجموع للنووي 2/ 573).

(4)

العنبر: نبت ينبت في البحر يبلعه حوت (البيان في مذهب الشافعي 4/ 160).

ص: 38

والدليل على أن أجزاء الأرض الجامدة والمائعة وما تولد منها كان طاهر إلا المسكر قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ)[سورة الجاثية: 13].

والدليل على طهارة شعر الحيوان المأكول وجميع أجزائه قوله تعالى: (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِين)[سورة النحل: 80].

والدليل على طهارة الخمر إذا تخللت بنفسها: حديث عَائِشَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (نِعْمَ الْأُدُمُ، أَوِ الْإِدَامُ الْخَلُّ)

(1)

.

واتفق الأئمة الأربعة على طهارة الحيوان المذكى ذكاة شرعية، وعلى طهارة ميتة السمك والجراد.

والدليل على طهارة الحيوان المذكى قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ)[سورة المائدة: 3].

والدليل على طهارة ميتة السمك والجراد: حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ: الْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ)

(2)

.

(1)

أخرجه مسلم (2051) والدارمي (2093).

(2)

أخرجه أحمد (5723) وابن ماجه (3314) وليس في روايات الحديث لفظ (السمك) وإنما الوارد (الحوت) وهو يشمل السمك الكبير والصغير. وقد حسَّن الحديث الإمام المناوي، وهو يُروى مرفوعاً وموقوفاً من كلام ابن عمر وهو أصح، ومع ذلك فله حكم المرفوع كما قال البيهقي رحمه الله:"وإِذا قَالَ الصَّحَابِيّ: " أحل لنا، أَوْ حرم علينا " كَانَ ذَلِك مُسْندًا؛ إِذْ لَيْسَ أحد يُؤْخَذ عَنهُ ذَلِك إِلَّا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. (مختصر خلافيات البيهقي 5/ 76)

ص: 39

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ)

(1)

.

(1)

أخرجه مالك (12) وأحمد (7233) والترمذي (69). قال الترمذيّ: حديث حسنٌ صحيحٌ.

ص: 40

الفصل الثاني

النجاسة

وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: أنواع النجاسة إجمالاً وحكم إزالتها.

المبحث الثاني: المقدار المعفو عنه من النجاسة.

المبحث الثالث: كيفية تطهير النجاسة الحقيقية بالماء.

المبحث الرابع: حكم الغسالة.

ص: 41

‌الفصل الثاني: النجاسة

‌المبحث الأول- أنواع النجاسة إجمالاً وحكم إزالتها

النجاسة: ضد الطهارة، والنَّجِسُ ضد الطاهر، والأنجاس جمع نَجَس: اسم لعين مستقذرة شرعاً، ويطلق على الحكمي والحقيقي، ويختص الخبث بالحقيقي، ويختص الحدث بالحكمي، والنَّجَسُ بفتح الجيم: اسم، وبكسرها صفة.

وتنقسم النجاسة إلى قسمين: حقيقية، وحكمية.

أ النجاسة الحقيقية لغة: العين المستقذرة، كالدم والبول والغائط.

وشرعاً: مستقذرة يمنع من صحة الصلاة حيث لا مرخص.

ب والنجاسة الحكمية: أمر اعتباري يقوم بالأعضاء يمنع من صحة الصلاة حيث لا مرخص، ويشمل (الحدث الأصغر) الذي يزول بالوضوء، و (الحدث الأكبر: الجنابة) الذي يزول بالغسل.

والنجاسة الحقيقية أنواع: إما مغلظة أو مخففة، وإما جامدة أو مائعة، وإما مرئية أو غير مرئية

(1)

.

(1)

مراقي الفلاح (1/ 185)، الفقه الإسلامي (1/ 149).

ص: 42

وأما حكم إزالة النجاسة غير المعفو عنها عن الثوب والبدن والمكان للمصلي: فهو واجب عند الأئمة الأربعة

(1)

، لقوله تعالى:(وَثِيَابَكَ فَطَهِّر)[سورة المدثر: 4].

فإن صلى المرء بالنجاسة عامداً قادراً على إزالتها، أعاد صلاته أبداً، وجوباً لبطلانها.

أنواع النجاسات المتفق عليها بين الأئمة الأربعة:

الأول: لحم الخنزير: وإن كان بذبحه شرعاً

(2)

. لقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ)[سورة المائدة: 3].

الثاني: الدم: دم الآدمي غير الشهيد، ودم الحيوان غير المائي، الذي انفصل منه حياً أو ميتاً، إذا كان مسفوحاً (جارياً) كثيراً

(3)

.

(1)

وهناك قول ثاني للمالكية بالسنية، إلا أن فروع المذهب قالوا بالوجوب، فيتفق مع الأئمة بالوجوب. انظر القوانين الفقهية ص (27).

(2)

الفقه الإسلامي (1/ 150)، مراقي الفلاح (1/ 186)، اللباب (3/ 123) و (1/ 55) الهداية (1/ 37) و (4/ 352)، رد المحتار والدر المختار (1/ 212) و (5/ 195) شرح فتح القدير (1/ 177)، منهاج الطالبين ص (15)، نهاية المحتاج (1/ 237) بداية المجتهد (1/ 116)، حاشية الدسوقي (1/ 57)، منار السبيل (2/ 410)، الروض المربع ص (50 - 521).

(3)

المراجع السابقة نفسها.

ص: 43

فيخرج دم الشهيد ما دام عليه، ودم السمك ودم الكبد والطحال والقلب، وما يبقى من عروق الحيوان بعد الذبح ما لم يسل، ودم القمل والبرغوث والبق.

والدليل على نجاسة دم الآدمي، ودم الحيوان غير المائي قوله تعالى:(أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ)[سورة الأنعام: 145].

الثالث: بول الآدمي وقيئته وغائطه

(1)

:

ولا فرق في كون الآدمي صغيراً أو كبيراً، أكل الطعام بعد أم لم يأكل، ذكراً كان أو أنثى، وكذلك بول الحيوان غير المأكول اللحم وغائطه وقيئه.

الدليل على نجاسة بول الآدمي: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فقام إليه الناس ليقعوا به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ)

(2)

.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 151)، مراقي الفلاح (1/ 187)، الهداية (1/ 187)، الهداية (1/ 37)، اللباب (1/ 55) منهاج الطالبين ص (15)، نهاية المحتاج (1/ 242)، بداية المجتهد (1/ 116)، حاشية الدسوقي (1/ 58)، منار السبيل (1/ 53)، الروض المربع ص (18)، المقدمة الحضرمية ص (44).

(2)

أخرجه البخاري (217) والترمذي (147).

ص: 44

والدليل على نجاسة قيء الآدمي وغائطه: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ أَوْ مَذْيٌ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ)

(1)

.

وعن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: (كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْراً ألا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أيامٍ ولياليهِنَّ إلا من جنابةٍ، لكنْ منْ غائطٍ وبولٍ ونومٍ)

(2)

.

والدليل على نجاسة بول الحيوان غير المأكول اللحم: حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن أتيهُ بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد، فأخذت روثه فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة

(3)

، وقال:(هذه رِكْس)

(4)

.

الرابع: الخمر: نجسة نجاسة مغلظة، كالبول لثبوتها بالدلائل القطعية:

(1)

أخرجه ابن ماجه (1221)، وصححه الزيلعي في "نصب الراية" 1/ 38. وضعفه البوصيري.

قال الخليل: القَلَسُ: ما خرج ملء الفم أو دون ذلك، فإذا غلب فهو قيء (فيض القدير 4/ 539).

(2)

أخرجه أحمد (18091) والترمذي (96) وابن ماجه (478) وقال الترمذي: حسن صحيح.

(3)

الروث: ما يخرج من دبر الحيوان، ويقاس ما يخرج من القبل على ما خرج من الدبر. انظر: التحفة الرضية ص (21).

(4)

أخرجه البخاري (155) وأحمد (3966) والنسائي (42). والرّكس: النجس.

ص: 45

قوله تعالى: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ)[سورة المائدة: 90].

والخمر تشمل كل مُسكر مائع عند الجمهور والمعتمد عند الحنفية

(1)

.

الخامس: القيح، وهو مادة بيضاء غليظة لا يخالطها دم، تخرج من الجروح ونحوها، ومثله الصديد: وهو ماء رقيق يخالط دم، والنجس منهما هو الكثير، ويعفى عن القليل

(2)

.

السادس: الْمَذْيَ والودْي:

الْمَذْيُ: هو ماء أبيض رقيق يخرج عند شهوة لا بشهوة ولا دفق ولا يعقبه فتور، وربما لا يُحَسُّ بخروجه، وهو أغلب في النساء من الرجال، ويسمى في جانب النساء (قذى).

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 151، 152)، الهداية (1/ 17، 20، 37)، مراقي الفلاح (1/ 123، 135، 186، 187)، اللباب 1/ 15، 17، 24)، الدر المختار (1/ 213)، الاختيار (1/ 43)، منهاج الطالبين ص (15)، نهاية المحتاج (1/ 234، 240، 243) بداية المجتهد (1/ 116)، حاشية الدسوقي (1/ 49، 56، 131)، منار السبيل (1/ 33، 51، 53)، الروض المربع ص (38 - 51) والإفصاح (1/ 51).

(2)

المراجع السابقة نفسها.

ص: 46

وَالْوَدْيُ: هو ماء أبيض كدرٌ ثخين لا رائحة له يعقب البول وقد يسبقه، وهما نجسان للأمر بغسل الذكر من الأول، ولخروجه مع البول أو بعده من الثاني

(1)

.

والدليل على نجاسة المذي ووجوب غسل الذكر منه والوضوء: حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت رجلاً مذّاء، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال:

(فيهِ الوُضُوءُ)

(2)

.

ولمسلم: (يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ)

(3)

.

ولأحمد وأبي داود: (يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ)

(4)

.

السابع: لحم ميتة الحيوان غير المائي الذي له دم سائل:

سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكول، كالكلب والشاة والهرة والعصفور ونحوها

(5)

.

(1)

المراجع السابقة نفسها.

(2)

أخرجه البخاري (132) ومسلم (303).

(3)

أخرجه مسلم (303) وأحمد (606).

(4)

أخرجه أحمد (1008) وأبو داود (208). حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين. (تحقيق المسند: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون 2/ 293).

(5)

الفقه الإسلامي (1/ 152)، مراقي الفلاح (1/ 187)، الهداية (1/ 352)، منهاج الطالبين ص (15)، نهاية المحتاج (1/ 238) التحفة الرضية (1/ 15)، الفقه المالكي في ثوبه الجديد (1/ 100)، منار السبيل (1/ 52)، الروض المربع ص (521).

ص: 47

وأما أجزاء الميتة فاختلف فيها، والدليل على نجاسة ميتة الحيوان قوله تعالى:(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)[سورة المائدة: 3].

الثامن: لحوم الحيوان غير المأكول، وإن ذكّيت وذبحت، وكذا ألبانها، لأنها متولدة من اللحم فتأخذ حكمه، وذلك مثل الخيل

(1)

والبغال والحمير وغيرها، فالمذبوح منه والميتة سواء، وتذكيته لا تؤثر فيه الطهارة

(2)

.

والدليل على نجاسة لحوم الحيوان الغير المأكولة: حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ والْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ)

(3)

. والنهي عن أكلها دليل بنجاستها.

التاسع: الجزء المنفصل أو المقطوع من الحيوان الحي في حال حياته، كاليد والآلية، إلا الشعر وما في معناه

(4)

، لقوله تعالى:(وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِين)[سورة النحل: 80].

(1)

خالف في ذلك الحنابلة فقالوا بإباحة أكل الخيل، انظر: منار السبيل (2/ 413) فدل على طهارتها عندهم.

(2)

المراجع السابقة نفسها.

(3)

أخرجه أبو داود (3790) والنسائي (4332). حسَّنه السيوطي في الجامع، وضعفه غيره. انظر كتاب (البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير 9/ 362 لابن الملقن)

(4)

الفقه الإسلامي (1/ 152)، منهاج الطالبين ص (15)، نهاية المحتاج (1/ 245) التحفة الرضية (1/ 17)، الفقه المالكي (1/ 101)، بدائع الصنائع (5/ 44) المبدع لابن مفلح (1/ 76) كشاف القناع 1/ 57) البحر الرائق (8/ 261) رد المحتار والدر المختار (1/ 207).

ص: 48

والدليل على ذلك: حديث أبي واقد اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ، فَهُوَ- أي المقطوعُ - مَيْتَةٌ)

(1)

.

(1)

أخرجه أحمد (21903) وابن ماجه (3216) وغيرهما. وصححه الحاكم على شرط البخاري.

ص: 49

‌المبحث الثاني: المقدارُ المعفُوُّ عَنَهُ مِنَ النَّجاسةِ

للفقهاء تقديرات للمعفو عنه من النجاسات، اختلفوا فيها اختلافاً كبيراً، ولم أجد فيها ما اتفقوا عليه

(1)

.

(1)

انظر: الفقه الإسلامي (1/ 169)، مراقي الفلاح (1/ 188) نهاية المحتاج (1/ 240) حاشية الدسوقي (1/ 71) الروض المربع ص (52).

ص: 50

‌المبحث الثالث: كيفية تطهير النجاسة الحقيقية بالماء:

المواضع التي تزال عنها النجاسة الحقيقية ثلاثة: هي الأبدان، والثياب، ومواطن الصلاة.

وقد عرفنا في بحث المطهرات: أن الماء الطهور هو الأصل في إزالة النجاسة والدليل على ذلك: حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إِحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ، كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟ فقال:(تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فيهِ)

(1)

.

وأما كيفية التطهير بالماء أو شروطه: فقد اختلف فيها الأئمة الأربعة، ولم يتفقوا على شيء من هذا

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري (225) ومسلم (291).

(2)

الفقه الإسلامي (1/ 177 - 178)، مراقي الفلاح (1/ 193) نهاية المحتاج (1/ 250) حاشية الدسوقي (1/ 78) الروض المربع ص (50).

ص: 51

‌المبحث الرابع: حُكُمُ الغَسالة:

الغُسالة: هي الماء المستعمل في إزالة حدث أو خبث، أو إزالة النجاسة الحكمية أو الحقيقية.

أما حكمها: فقد اختلف قول الحنفية مع الجمهور، فلم يتفقوا على شيء في هذا الباب، وللفقهاء تفصيلات في شأنها

(1)

.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 188) مراقي الفلاح (1/ 64) نهاية المحتاج (1/ 72) حاشية الدسوقي (1/ 41) الروض المربع ص (19).

ص: 52

الفصل الثالث

الاستنجاء

وفيه خمسة مباحث:

المبحث الأول: معنى الاستنجاء والفرق بينه وبين غيره.

المبحث الثاني: حكم الاستنجاء والاستجمار والاستبراء.

المبحث الثالث: وسائل الاستنجاء وصفاته وكيفيته.

المبحث الرابع: مندوبات الاستنجاء.

المبحث الخامس: آداب قضاء الحاجة.

ص: 53

‌الفصل الثالث: الاستنجاء

‌المبحث الأول: معنى الاستنجاء والفرق بينه وبين غيره

معنى الاستنجاء والفرق بينه وبين غيره من الاستبراء والاستجمار ونحوهما

(1)

.

اصطلاحاً: هو قلع النجاسة بنحو الماء، ومثل القلع التقليل بنحو الحجر.

الاستجمار: هو إزالة النجس بالأحجار ونحوها، مأخوذ من الجمرات أي: الأحجار.

والاستبراء: هو طلب براءة المخرج عن أثر الرشح من البول.

والاستنزاه: طلب البعد عن الأقذار، وهو بمعنى الاستبراء.

والاستنقاء: طلب النّقاوة، وهو أن يدلك المقعدة بالأحجار أو بالأصابع حالة الاستنجاء بالماء.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 192)، مراقي الفلاح (1/ 86)، الروض المربع ص (21). رد المحتار على الدر المختار (1/ 230) الإقناع (1/ 53).

ص: 54

‌المبحث الثاني- حكم الاستنجاء والاستجمار والاستبراء:

أما حكم الاستنجاء والاستجمار:

اتفق الأئمة الأربعة

(1)

أنه يجب الاستنجاء أو الاستجمار

(2)

من كل خارج معتاد من السبيلين، كالبول أو المذي أو الغائط، هذا إن كان الخارج قدر الدرهم، ليتفق الأئمة الثلاثة مع أبي حنيفة القائل بالسنية في أقل من قدر الدرهم، المخالف فيه لباقي الأئمة القائلين بالوجوب إطلاقاً.

والدليل على وجوب الاستنجاء: أو وجوب إزالة النجاسة كما هي عبارة الحنفية:

1 -

قوله تعالى: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُر)[سورة المدثر: 5]، وهو يعم كل مكان ومحل من ثوب أو بدن، ولأن الاستنجاء بالماء هو الأصل في إزالة النجاسة.

2 -

عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ لِحَاجَتِهِ فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنهُ)

(3)

.

3 -

عن ابن مسعود قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني في

أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين ولم أجد ثالثاً فأتيته بروثة

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 193)، مراقي الفلاح (1/ 87)، منهاج الطالبين ص (11 - 12)، نهاية المحتاج (1/ 123)، حاشية الدسوقي (1/ 112) الروض المربع ص (26)، منار السبيل (1/ 18).

(2)

وعبارة الحنفية هي وجوب إزالة النجاسة.

(3)

أخرجه أحمد (24771) وأبو داود (40) والنسائي (44) والدارقطني (1: 54) وقالَ: إسنادهُ حسنٌ صحيحٌ.

ص: 55

فأخذهما، وألقى الروثة، وقال:(إنَّهَا رِكْسٌ)

(1)

.

4 -

وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ)

(2)

.

وفي رواية أخرى: (لقد نهانا أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ)

(3)

. وهذا نهي يفيد التحريم، وعكسه يقتضي الوجوب.

واتفق الأئمة الأربعة

(4)

على أن من نام أو خرجت منه ريح فليس عليه استنجاء، والدليل على ذلك:

1 -

قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)[سورة المائدة: 6].

أي: إذا قمتم من النوم، ولم يؤمر بغيره، فدل على أنه لا يجب، ولأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة، ولا نجاسة ههنا.

2 -

ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من اسْتَنْجَى مِنْ رِيحٍ فليس مِنَّا)

(5)

.

(1)

ركس: نجس. أخرجه أحمد (3966) والترمذي (17) وابن أبي شيبة (424). قال محققوا المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأصله عند البخاري (156).

(2)

أخرجه مسلم (262) وأحمد (23708) والنسائي (49).

(3)

أخرجه مسلم (262) وأبو داود (7).

(4)

المراجع السابقة نفسها.

(5)

ذكره ابن عدي في الكامل في الضعفاء (2/ 384).

ص: 56

أما حكم الاستبراء: فقد اختلف الأئمة الأربعة في حكمه

(1)

.

وهو: طلب براءة المخرج من أثر الرشح حتى يزول أثر البول، إما بالمشي أو التنحنح أو الاضطجاح على شقه الأيسر، أو غيره، بنقل أقدام وركض، ويكون الاستبراء بنتر وسلت خفيفين ثلاثاً، والنتر: جذبه، وندب أن يكون في كل منهما برفق، وذلك حتى يغلب على الظن نقاوة المحل من البول، ولا يتتبع الأوهام، فإنه يورث الوسوسة، وهي تضر بالدين.

واستبراء المرأة: أن تضع أطراف أصابع يدها اليسرى على عانتها، والاستبراء عموماً يختلف باختلاف الناس، والقصد أن يظن أنه لم يبق في مجرى البول شيء يخاف خروجه، ودليل طلب الاستبراء:

1 -

عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرْ بقبرين، فقال:(إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ)

(2)

.

2 -

عن الْحَسَنِ البصري رحمه الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسْتَنْزِهُوا مِنَ البَوْلِ؛ فإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ القَبْرِ مِنَ البَوْلِ)

(3)

.

(1)

المراجع السابقة نفسها.

(2)

أخرجه البخاري (215) ومسلم (292)

(3)

أخرجه هَنَّاد في (الزهد) ورواه ابن سمعون في (أماليه) ورواه سعيد بن منصور في (سننه). قال ابن حجر العسقلاني: رواته ثقات مع إرساله. (التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير 1/ 312)

ص: 57

‌المبحث الثالث- وسائل الاستنجاء وصفاته أو كيفيتهُ:

اتفق الأئمة الأربعة

(1)

أن الاستنجاء يكون بالماء أو بالحجر ونحوه من كل جامد طاهر قالع غير محترم، كورق وخرق وخشب، لحصول الغرض به كالحجر.

والأفضل الجمع بين الجامد والماء، فيقدم الورق ونحوه، ثم يتبعه بالماء، لأن عين النجاسة تزول بالورق أو الحجر، والأثر يزول بالماء.

والاقتصار على الماء أفضل من الاقتصار على الحجر ونحوه، لأنه يزيل عين النجاسة وأثرها، بخلاف الحجر والورق ونحوه.

والدليل على أن الاقتصار بالماء أفضل من الاقتصار على الحجر ونحوه: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما نزلت (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا)[سورة التوبة: 108]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ، فَمَا طُهُورُكُمْ؟) قَالُوا: نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، وَنَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَنَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ. قَالَ:(فَهُوَ ذَاكَ، فَعَلَيْكُمُوهُ)

(2)

.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 195)، مراقي الفلاح (1/ 88) رد المحتار والدر المختار (1/ 224) منهاج الطالبين ص (11)، نهاية المحتاج (1/ 143) حاشية الدسوقي (1/ 113) الروض المربع ص (26)، منار السبيل (1/ 16).

(2)

أخرجه ابن ماجه (355) والحاكم في المستدرك (3287). قال الزيلعي في نصب الراية (1/ 218): سنده حسن، وعتبة بن أبي حكيم فيه مقال، قال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وضعفه النسائي، وعن ابن معين فيه روايتان. اه

ص: 58

مسألة: وهل يشترط عدد ثلاثة أحجار في الاستنجاء؟ أم يستحب؟

اختلف الأئمة الأربعة في هذه المسألة ولم يتفقوا عليها

(1)

.

صفة الاستنجاء

(2)

:

1 -

أن يفرغ الماء على يده اليسرى قبل أن يلاقي الأذى، ثم يغسل القبل: المخرج خاصة في حالة البول، والذكر كله في حالة المذي، ثم يغسل الدبر، ويوالي صب الماء، ويدلكه بيده اليسرى، ويسترخي قليلاً، ويجيد العرك حتى ينقي، ولا يستنجي باليمين، ولا يمس به ذكره، وسيأتي في آداب الاستنجاء.

كيفية الاستنجاء

(3)

:

أن يمسح بالحجر الأول من جهة المقدم إلى خلف، وبالثاني من خلف إلى قدام، وبالثالث من قدام إلى خلف إذا كان الخصية مدلاة، خشية تلويثها، وإن

(1)

المراجع السابقة نفسها.

(2)

اخترت في صفة الاستنجاء قول المالكية، انظر التحفة الرضية (1/ 231)، الفقه الإسلامي (1/ 198).

(3)

اخترت في كيفية الاستنجاء قول الحنفية، انظر: مراقي الفلاح (1/ 89 - 90)، الفقه الإسلامي (1/ 199).

ص: 59

كانت غير مدلاة، يبتدئ من خلف إلى قُدّام، والمرأة تبتدئ من قدام إلى خلف، خشية تلويث فرجها.

ص: 60

‌المبحث الرابع - مندوبات الاستنجاء:

يُسن في الاستنجاء ما يأتي:

1 -

اتفق الأئمة الأربعة

(1)

على أن الاستنجاء يكون بطاهر قالع غير محترم، فلا يجوز (أو يكره تحريماً عند الحنفية) الاستنجاء بالنجس كالبعر والروث، ولا بالعظام والطعام أو الخبز لآدمي أو بهيمة، لأنه إتلاف وإهانة، ولا بغير القالع نحو الزجاج والقصب الأملس والآجر والخزف، ولا بالمتناثر كتراب أو مدر وفحم رخوين، بخلاف التراب والفحم الصلبين، ولا بالشيء المحترم لشرف ذاتي كالذهب والفضة والجواهر، أو لكونه حق الغير كالشيء المملوك للغير، ومن جدار الغير ولو وقوفاً.

الدليل على عدم جواز الاستنجاء بالبعر والروث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة

(2)

فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال:(هَذَا رِكْسٌ)

(3)

.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 200)، مراقي الفلاح (1/ 93)، اللباب (1/ 58)، رد المحتار (1/ 58)، رد المحتار والدر المختار (1/ 221) نهاية المحتاج (1/ 143) حاشية الدسوقي (1/ 113) الروض المربع ص (26)، منار السبيل (1/ 16).

(2)

الروثة: براز الحيوان المأكول اللحم وغيره.

(3)

الرِكْس: النجس. أخرجه البخاري (155) وأحمد (3966) والنسائي (42).

ص: 61

والدليل على عدم جواز الاستنجاء بالعظم والطعام: حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ. قَالَ: فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ: لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا. وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ)

(1)

.

2 -

اتفق الأئمة الأربعة

(2)

على سُنِّيَّةِ الاستنجاء باليد اليسرى، وأنه يكره أن يستنجي باليد اليمنى إلا لعذر.

والدليل على كراهة الاستنجاء باليد اليمنى: حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ)

(3)

.

3 -

للمستنجي بالماء أن يدلك يده بنحو أرض، ثم يغسلها بعد الاستنجاء بتراب أو صابون وأشنان

(4)

ونحوه.

(1)

أخرجه مسلم (450) وأحمد (4149) والترمذي (3258).

(2)

المراجع السابقة نفسها.

(3)

أخرجه البخاري (152) والنسائي (47). ومعنى (يتمسح): يستنجي.

(4)

الأُشنان: بالكسر والضم، والضم أولى: نوع من النبات ينبت في الأرض الرملية، يستعمل هو أو رماده في غسل الثياب والأيدي. (لسان العرب ج 13/ 18 بتصرف).

ص: 62

4 -

تنشيف المقعدة قبل القيام إذا كان صائماً، لئلا تجذب المقعدة شيئاً من الماء.

5 -

يبدأ الرجل في الاستنجاء بالقبل لئلا تتلوث يده إذا شرع في الدبر، فالمرأة مخيرة في البداية بأيهما شاءت.

ويستحب عند الشافعية والحنابلة أن ينضح الماء على مخرجه وإزاره ليزيل الوسواس عنه.

ص: 63

‌المبحث الخامس - آداب قضاءُ الحاجة:

يندب لقاضي الحاجة من بول أو غائط ما يأتي:

1 -

اتفق الأئمة الأربعة

(1)

على كراهة حمل شيء مكتوب عليه اسم الله عز وجل، أو كل اسم معظم كالملائكة، والعزيز والكريم، ومحمد وأحمد، والدليل على ذلك حديث أنس رضي الله عنه قال:(كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا دَخَلَ الخَلَاءَ نَزَعَ خَاتمَهُ)

(2)

.

وقد صح في الحديث: (كانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ: محمدٌ رسولُ اللهِ) صلى الله عليه وسلم

(3)

. فإن احتفظ به، واحترز عليه من السقوط فلا بأس.

2 -

أن يلبس نعليه، ويستر رأسه، ويأخذ أحجار الاستنجاء أو يهيء ويعد المزيل للنجاسة من ماء ونحوه.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 202)، الهداية (1/ 38)، اللباب (1/ 57)، مراقي الفلاح (1/ 92) الدر المختار (1/ 223) منهاج الطالبين ص (11)، نهاية المحتاج (1/ 127) بداية المجتهد (1/ 130) حاشية الدسوقي (1/ 104) حاشية العدوي (1/ 172) الروض المربع ص (23) منار السبيل (1/ 16).

(2)

أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. لأنه كان منقوشًا عليه محمد رسول الله، وكان إذا راسل الملوك ختم به الكتاب، وفيه أنه لا يجوز دخول الخلاء بشيء فيه اسم الله تعالى، وبالأولى القرآن أو شيء منه إلا إذا خيف عليه الضياع.

(3)

أخرجه الترمذي (1745) والبزار (5774) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

ص: 64

3 -

يدخل الخلاء برجله اليسرى، ويخرج برجله اليمنى، لأن كل ما كان من التكريم يبدأ فيه باليمين وخلافه باليسار، لمناسبة اليمين للمكرم، واليسار للمستقذر، لكن المسجد والمنزل يقدم يمناه فيهما، ويقول عند إرادة الدخول:(بسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) أي أتحصن من الشيطان، وأعتصم بك يا الله من ذكور الشياطين وإناثهم.

والدليل على ذلك: حديث أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: (اللهمَّ إني أعوذُ بكَ من الخُبثِ والخَبائثِ)

(1)

.

ويقول عند خروجه (غُفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) إتباعا للسنة والدليل على ذلك: حديث أنس رضي الله عنه قال: (كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا خرجَ من الخلاءِ قال: الحمدُ للهِ الذي أذهبَ عنِّي الأذى وعافاني)

(2)

.

4 -

يعتمد في حال جلوسه على رجله اليسرى، لأنه أسهل لخروج الخارج والدليل على ذلك: حديث سراقة بن مالك قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فقال رجل كالمستهزئ أما علمكم كيف تخرؤن؟: قال

(1)

أخرجه البخاري (142) ومسلم (375).

(2)

أخرجه ابن ماجه (301). وأخرجه أيضاً النسائي عن أبي ذر، ورمز السيوطي بصحته. وضعفه غيره. وفي حمده صلى الله عليه وسلم إشْعَارٌ بِأَنَّ هَذِهِ نِعْمَةٌ جَلِيلَةٌ وَمِنَّةٌ جَزِيلَةٌ، فَإِنَّ انْحِبَاسَ ذَلِكَ الْخَارِجِ مِنْ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ فَخُرُوجُهُ مِنْ النِّعَمِ الَّتِي لَا تَتِمُّ الصِّحَّةُ بِدُونِهَا ا. هـ (نيل الأوطار 1/ 98)

ص: 65

بلى، والذي بعثه بالحق لقد أمرنا أَنْ نَتَوَكَّأَ عَلَى الْيُسْرَى وَأَنْ نَنْصِبَ الْيُمْنَى

(1)

. ويوسع فيما بين رجليه، ولا يتكلم إلا لضرورة، ولا يطيل المقام أكثر من قدر الحاجة، لأن ذلك يضره بظهور الباسور، أو إدماء الكبد ونحوه.

5 -

لا يبول في مهب الريح، لئلا تعود النجاسة إليه، ولا في ماء راكد، وقليل جار، والدليل على ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ)

(2)

ولا يبول في شقٍّ أو ثقب لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُبال في الجحر

(3)

، ولا يبول في المقابر احتراماً لها، ولا في الطرقات ومتحدّث الناس.

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا اللَّعَّانَيْنِ)، قالوا: وما اللّعانان يا رسول الله؟ قال: (الَّذِي يَتَخَلَّى في طريقِ الناسِ أو في ظلِّهِمْ)

(4)

.

6 -

ويستحب ألا ينظر إلى السماء، ولا إلى فرجه، ولا إلى ما يخرج منه، ولا يعبث بيده، ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً، ولا يستاك، لأن ذلك كله لا يليق

(1)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (6605). وابن المنذر في الأوسط (1/ 339) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: فيه رجل لم يسم.

(2)

أخرجه البخاري (236) ومسلم (282).

(3)

أخرجه أبو داود (29) عن عبد الله بن سرجس. وقال شعيب الأرنؤوط: رجاله ثقات، وقد روي أن سعد بن عبادة-رضي الله عنه-بال في جُحر في أرض حوران فقتله جنيٌّ. (الدرر المباحة ص: 27).

(4)

أخرجه مسلم (269) وأبو داود (25).

ص: 66

بحاله، ولا يطيل قعوده، لأنه يورث الباسور، وأن يسبل ثوبه شيئاً فشيئاً قبل انتصابه، ويحرم البول في المسجد ولو في إناء، لأن ذلك لا يصلح له، ويحرم أيضاً على القبر المحترم، ويكره عند القبر، احتراماً له، وإذا عطس حمد الله بقلبه، ويقول بعد الاستنجاء:(اللهم طهر قلبي من النفاق، وحصن فرجي من الفواحش)(الحمدُ للَّه الذى أَذَاقنِى لذَّتَهُ وأَبْقَى فيَّ مَنْفَعَتَهُ، وأَخْرَجَ عني أَذاهُ)

(1)

.

(1)

أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (25). وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن نوحاً لم يقم عن خلاء قط إلا قال: "الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في منفعته وأخرج عني أذاه". وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن العوام قال: حدثت أن نوحاً عليه السلام كان يقول: "الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في منفعته وأذهب عني أذاه". ا. هـ (الدر المنثور في التفسير بالمأثور 5/ 237).

ص: 67

الفصل الرابع

الوضوء وما يتبعه

وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول- الوضوء:

المبحث الثاني- السواك:

المبحث الثالث:

المسح على الخفين:

ص: 68

‌الفصل الرابع: الوضوء وما يتبعه

‌المبحث الأول الوضوء

وفيه تسع مطالب:

‌المطلب الأول- تعريف الوضوء، وحكمه:

الوُضوء: في اللغة بضم الواو: هو اسم للفعل، أي استعمال الماء في أعضاء مخصوصة، وهو المراد هنا، مأخوذ من (الوَضَاءَةِ والْحُسْنِ والنَّظَافَةِ)، يقال: وَضُؤَ الرجل: أي (صَارَ وَضِيئاً).

وأما بفتح الواو: فيطلق على الماء الذي يتوضأ به.

وشرعاً: نظافة مخصوصة

(1)

.

أو: أفعال مخصوصة مفتتحة بالنية

(2)

.

أو: استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة

(3)

.

حكمه: الفرضية

(4)

، لأنه المقصود أصالة للصلاة، ولأنه شرط لصحة الصلاة والدليل على فرضيته:

1 -

القرآن: لقوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ)[سورة المائدة: 6].

(1)

مراقي الفلاح (1/ 97).

(2)

نهاية المحتاج (1/ 153).

(3)

الروض المربع، ص (30).

(4)

الفقه الإسلامي (1/ 208)، بداية المجتهد (1/ 31)، مراقي الفلاح (1/ 97).

ص: 69

2 -

السنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَا يَقْبَلُ اللهُ صلاةَ أحدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)

(1)

.

3 -

إجماع الأمة على وجوبه: فإنه لم ينقل عن أحد من المسلمين في ذلك خلاف، ولو كان هناك خلاف لنقل.

وفُرِض الوضوء على ما عليه المحققون في المدينة المنورة، لعدم النص النَّاهض على خلافه

(2)

.

‌المطلب الثاني- فرائض الوضوء:

فرائض الوضوء المتفق عليها بين الأئمة الأربعة أربعة

(3)

منصوص عليها في القرآن العظيم وهي:

الفرض الأول: غسل الوجه:

الغَسْل: مصدر (غسلتُه) وبالضم: الاسم، وبالكسر: ما يغسل به من صابون ونحوه.

والغَسل: إسالة الماء على المحل بحيث يتقاطر، وأقله قطرتان في الأصح، ولا تكفي الإسالة بدون التقاطر.

(1)

أخرجه البخاري (6954) ومسلم (225).

(2)

سبل السلام (1/ 40).

(3)

الفقه الإسلامي (1/ 214)، مراقي الفلاح (1/ 97، 98)، الهداية (1/ 15)، اللباب (1/ 10)، منهاج الطالبين (12) نهاية المحتاج (1/ 164)، بداية المجتهد (1/ 36)، حاشية الدسوقي (1/ 85)، حاشية العدوي (1/ 158)، الروض المربع ص (30)، منار السبيل (1/ 24).

ص: 70

والوجه: ما يواجه به الإنسان، وحده طولاً: ما بين منابت رأسه ومنتهى لحييه، أو من مبدأ سطح الجبهة إلى أسفل، الذقن، وهو مجمع لحييه.

واختلفوا في تقدير الداخل في حده بالعرض، وكذلك في تقدير من كانت له لحية كثة ومسترسلة.

والدليل على فرضية غسل الوجه:

1 -

القرآن: قوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)[المائدة: 6].

2 -

السنة: منها حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم: (ثم غسل وجهه ثلاثاً)

(1)

والأحاديث في هذا كثيرة مستفيضة.

الفرض الثاني: غسل اليدين إلى المرفقين مرة واحدة:

والمرفق: ملتقى عظم العضد والذراع، ويجب عند الأئمة الأربعة إدخال المرفقين في الغسل، لأن حرف (إلى) لانتهاء الغاية، وهي هنا بمعنى (مع) كما في قوله تعالى:(وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ)[هود: 52]، (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ) [النساء: 2].

والدليل على فرضيته:

(1)

أخرجه البخاري (158) وأحمد (415)

ص: 71

1 -

القرآن: قوله تعالى: (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)[المائدة: 6].

2 -

السنة: منها حديث عثمان السابق ذكره في بيان صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ)

(1)

.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم قال:(هَكَذَا رَأَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يتوضأُ)

(2)

.

3 -

إجماع الأمة على ذلك.

الفرض الثالث: مسح الرأس:

والرأس: منبث الشعر المعتاد من المقدم فوق الجبهة إلى نقرة القفا، والمسح: هو إمرار اليد المبتلة على العضو.

واختلف الأئمة الأربعة في قدر القرض المجزء في مسحه.

والدليل على فرضيته:

1 -

القرآن: قوله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ)[المائدة: 6].

(1)

أخرجه البخاري (158) وأحمد (415).

(2)

أخرجه مسلم (246) والحاكم في المستدرك (577).

ص: 72

3 -

السنة: منها حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه (أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ)

(1)

.

الفرض الرابع- غسل الرجلين إلى الكعبين:

والكعبان: هما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل القدم.

والدليل على فرضيته:

1 -

القرآن: قوله تعالى: (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)

(2)

[المائدة: 6].

2 -

السنة: منها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَفْرَةٍ فأدركنا وقد أَرْهَقْنَا العصر فجعلنا نتوضأ، ونمسح على أرجلنا، قال: فنادى بأعلى صوته: (وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ) مرتين أو ثلاثاً

(3)

.

أرهقنا العصر: أخرّناه، ويروى أرهقتنا العصرُ: بمعنى دنا وقتُها.

والواجب عند الأئمة غسل الكعبين، أو قدرهما عند فقدهما مع الرجلين مرة واحدة لدخول الغاية في المغيَّا، أي لدخول ما بعد (إلى) فيما قبلهما ودليل ذلك:

(1)

أخرجه البخاري (183) ومسلم (235).

(2)

قراءة أبي جعفر وابن كثير وأبي عمرو البصري وخلف العاشر وشعبة عن عاصم بكسر اللام، والباقي بفتحها.

(3)

أخرجه البخاري (96) ومسلم (241).

ص: 73

حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه توضأ حتى وصل إلى الرجلين، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال:(هَكَذَا رَأَيْتُ رسولَ اللهِ يَتَوَضَّأُ)

(1)

.

ويلزم عند الأئمة أيضاً غسل القدمين مع الكعبين، ولا يجزئ مسحها والدليل على ذلك:

منها: عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لم يغسل عقبه، فقال:(ويل للأعقاب من النار)

(2)

.

وثبوت الأحاديث الدالة على وجوب الغسل دون المسح كثيرة ومستفيضة، مع إجماع الصحابة على الغسل فكانت حينئذ موجبة لحمل قراءة (وأرجلِكم) بالكسر على حالة نادرة مخالفة للظاهر، ولا يجوز حمل المتنازع فيه عليها، وعطفها على (برؤوسِكم) بالجر للمجاورة

(3)

، وأما قراءة النصب، فهي عطف على اليدين في الغسل.

(1)

أخرجه مسلم (246) والحاكم في المستدرك (577).

(2)

أخرجه البخاري (96) ومسلم (241).

(3)

ومن لطيف ما ذكر الزمخشري: أن قراءة الجر في قوله "وَأَرْجُلَكُمْ" محمولة في المعنى على النصب ويكون السبب في عطفها على الرؤوس المجرورة، للإشارة إلى وجوب عدم الإسراف في الماء. فقد قال: فإن قلت: فما تصنع بقراءة الجر ودخولها في حكم المسح؟ قلت: الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها: فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه، فعطفت على الثالث المسموح لا لتمسح، ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها. ا. هـ (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل 1/ 611)

ص: 74

والخلاصة: أن أركان الوضوء المتفق عليها أربعة:

[غسل الوجه، واليدين والرجلين مرة واحدة، والمسح بالرأس مرة واحدة].

وأما التثليث فهو سنة كما سيأتي.

ص: 75

‌المطلب الثالث- شروط الوضوء:

شروط الوضوء نوعان: شروط وجوب، وشروط صحة.

شرائط الوجوب: هي التي إذا اجتمعت وجبت الطهارة على الشخص.

شرائط الصحة: ما لا تصح الطهارة إلا به.

1) شروط الوجوب:

لم يتفق الأئمة الأربعة إلا على شرطين من شرائط الوجوب وهما

(1)

:

1 -

عدم الحيض.

2 -

عدم النفاس: بانقطاعهما شرعاً فلا يجب على الحائض والنفساء.

2) شروط الصحة:

اتفق الأئمة الأربعة على ثلاثة أشياء تشترط لصحة الوضوء وهي

(2)

:

1 -

عموم البشرة بالماء الطهور: بأن يعم الماء جميع أجزاء العضو المغسول، بحيث لا يبقى من شيء إلا وقد غسل، فيغمر الماء جميع أجزاء البشرة، فلو بقي مقدار مغرز إبرة لم يصبه الماء من المفروض غسله، لم يصح

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 227) مراقي الفلاح (1/ 100) الإقناع (1/ 36) حاشية الدسوقي (1/ 84) منار السبيل (1/ 25) الروض المربع ص (32).

(2)

المراجع السابقة نفسها.

ص: 76

الوضوء. أما تحريك الخاتم من أجل وصول الماء إلى البشرة فلم يتم الاتفاق على اشتراطه.

2 -

إزالة ما يمنع وصول الماء إلى العضو: أي ألا يكون على العضو الواجب غسله حائل يمنع وصول الماء إلى البشرة، كشمع وشحم ودهن ودهان، ومن عماص العين، والحبر الصيني المتجسم، وطلاء الأظافر للنساء، أما الزيت ونحوه فلا يمنع نفوذ الماء للبشرة.

3 -

عدم المنافي للوضوء: أو انقطاع الناقض من خارج أو غيره:

أي انقطاع كل ما ينقض الوضوء قبل البدء به، لغير المعذور، من دم حيض ونفاس وبول ونحوهما، وانقطاع حدث حال التوضؤ، لأنه بظهور بول وسيلان ناقض لا يصح الوضوء.

والخلاصة:

أنه لا يصح الوضوء لغير المعذور حال خروج الحدث أو وجود ناقض للوضوء.

ص: 77

‌المطلب الرابع- سنن الوضوء:

ميز الحنفية بين السنة والمندوب

(1)

، فقالوا:

السنة: هي المؤكدة، وهي الطريقة المسلوكة في الدين من غير لزوم على سبيل المواظبة، إن كان النبي صلى الله عليه وسلم تركها أحياناً، وحكمها: الثواب على فعلها، وفي تركها العتاب لا العقاب.

المندوب: فهو ما لم يواظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم وقد فعله مرة أو مرتين.

وحكمه: الثواب بفعله وعدم اللوم على تركه.

ولم يفرق الأئمة الثلاثة الأخر: بين السنة والمندوب.

اتفق الأئمة الأربعة على ست سنن من سُنن الوضوء وهي

(2)

:

1 -

غسل اليدين إلى الرسغين قبل إدخالهما الإناء: لغير المستيقظ من النوم ليلاً.

(1)

مراقي الفلاح (1/ 104 - 111).

(2)

الفقه الإسلامي (1/ 211) مراقي الفلاح (1/ 104) الهداية (1/ 15) اللباب (1/ 13) الدر المختار (1/ 75) منهاج الطالبين ص (17) نهاية المحتاج (1/ 185) أنوار المسالك ص (22) بداية المجتهد (1/ 33) حاشية الدسوقي (1/ 96) حاشية العدوي (1/ 179) منار السبيل (1/ 27) الروض المربع ص (29).

ص: 78

والدليل على السُّنية: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ)

(1)

.

2 -

السواك: سنة بالاتفاق

(2)

، وسنخصص له مبحثاً مستقلاً.

2 -

المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم:

وتكره للصائم خوف الإفطار. والدليل على ذلك: حديث لقيط بن صبْرة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء؟ قال: (أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا)

(3)

.

4 -

تخليل اللحية الكثة والأصابع:

يسن تخلل اللحية الكثة بكف ماء من أسفل، وتخليل أصابع اليدين والرجلين أيضاً.

والدليل على تخليل اللحية الكثة، حديث عثمان رضي الله عنه (أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ)

(4)

.

(1)

أخرجه البخاري (162) ومسلم (278).

(2)

واعتبره المالكية من الفضائل، القوانين الفقهية ص 20.

(3)

أخرجه الترمذي (788) وأبو داود (142) وابن ماجه (407). قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

(4)

أخرجه الترمذي (31) وابن ماجه (430) وقال الترمذي: حسن صحيح.

ص: 79

والدليل على تخليل الأصابع: حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِّلْ أَصَابِعَ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ)

(1)

.

5 -

تثليث الغسل: اتفق الفقهاء على أنه يسن تثليث الغسل

(2)

والدليل على ذلك:

حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بماء فتوضأ مرة مرة، وقال:(هَذَا وَظِيفَةُ الْوُضُوءِ) أَوْ قَالَ: (وُضُوءٌ مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْهُ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً)، ثُمَّ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ:(هَذَا وُضُوءٌ مَنْ تَوَضَّأَهُ، أَعْطَاهُ اللَّهُ كِفْلَيْنِ مِنَ الْأَجْرِ)، ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، فَقَالَ:(هَذَا وُضُوئِي، وَوُضُوءُ الْمُرْسَلِينَ مِنْ قَبْلِي)

(3)

.

6 -

البداءة بالميامن في غسل اليدين والرجلين

(4)

.

والدليل على ذلك: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ، فِي نَعْلَيْهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ)

(5)

.

(1)

أخرجه الترمذي (39) والحاكم في المستدرك (648) وقال الترمذي: حسن صحيح.

(2)

اعتبره المالكية من الفضائل، القوانين الفقهية، ص (20).

(3)

أخرجه ابن ماجه (420) والدارقطني (263). ومعنى (وظيفة الوضوء): أي عمله الذي يحصل به مسمى الوضوء. وقال السندي: قوله: "هذا وظيفة الوضوء" أي: القدر اللازم في صحته، ولا يصح بدونه. (مرشد ذوي الحجى والحاجة إلى سنن ابن ماجه 3/ 474).

(4)

واعتبره المالكية من الفضائل أيضاً، القوانين الفقهية ص 20.

(5)

أخرجه البخاري (168) ومسلم (268) واللفظ لمسلم.

ص: 80

‌المطلب الخامس: آداب الوضوء أو فضائله:

عبّر الحنفية عن ذلك بالآداب جمع أدب: وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين ولم يواظب عليه.

وحكمه: الثواب بفعله وعدم اللوم على تركه.

وآداب الوضوء عندهم أربعة عشر شيئاً، وعبّر عنها المالكية بالفضائل أي الخصال والأفعال المستحبة، وهي عندهم عشرة، والفرق بينها وبين السنة:

أن السنة: ما أكد الشارع أمرها، وعظم قدرها.

وأما المندوب أو المستحب: فهو ما طلبه الشارع طلباً غير جازم، وخفف أمره، وكل منهما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.

فاتفق الأئمة الأربعة على خمسة أشياء مندوب إليها عند الحنفية، ومن الفضائل عند المالكية وهي

(1)

:

1 -

استقبال القبلة: لأنها أشرف الجهات ولأنها حالة أرجى لقبول الدعاء، واعتبره الحنابلة والشافعية سنة، إذ لم يفرقوا بين السنة والأدب.

(1)

مراقي الفلاح (1/ 111) الدر المختار (1/ 84) الفقه الإسلامي (1/ 251) منهاج الطالبين ص (17)، نهاية المحتاج (1/ 194) أنوار المسالك ص (26) الإقناع (1/ 46) حاشية الدسوقي (1/ 96) حاشية العدوي (1/ 178) الروض المربع ص (27) منار السبيل (1/ 27).

ص: 81

2 -

الدعاء بالمأثور: أي المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، في أثناء الوضوء ولكن لا أصل له في كتب الحديث كما قال النووي رحمه الله

(1)

.

3 -

تحريك الخاتم الواسع، وتحريك الخاتم الضيق وإن علم وصول الماء، مبالغة في الغسل.

والدليل على ذلك حديث أبي رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ حَرَّكَ خَاتَمَهُ)

(2)

.

4 -

كون المضمضة والاستنشاق باليد اليمنى، والامتخاط باليسرى لامتهانها.

والدليل على ذلك عن علي رضي الله عنه أنه دعا بوَضوء فتمضمضَ واستنشقَ، ونَثَرَ بيدهِ اليُسرى، فَفَعَلَ هَذَا ثَلَاثاً، ثم قال: (هَذَا طَهُورُ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(3)

.

5 -

الإتيان بالشهادتين والدعاء بعد الوضوء:

وهو أن يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من

(1)

قال محقق الشافعية الرملي: فيُعمل به في فضائل الأعمال وإن أنكره النووي، الدر المختار (1/ 87).

(2)

أخرجه ابن ماجه (449) والدارقطني (273).

(3)

أخرجه أحمد (1133) والنسائي (91). وإسناده صحيح.

ص: 82

المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك و أتوب إليك).

ويسن الصلاة والسلام بعد الوضوء على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول:(اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد).

والدليل على النطق بالشهادتين والدعاء:

حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ)

(1)

.

ولأحمد وأبي داود: (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ)

(2)

.

وزاد الترمذي: (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ)

(3)

.

(1)

أخرجه مسلم (234) وأحمد (17314).

(2)

أخرجه أحمد (121) والترمذي (55) وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره.

(3)

أخرجه الترمذي (55).

ص: 83

‌المطلب السادس: مكروهات الوضوء:

المكروه عند الحنفية نوعان

(1)

:

(أ) - مكروه تحريماً: وهو ما كان إلى الحرام أقرب، وتركه واجب، وهو المراد عندهم حالة الإطلاق.

(ب) - مكروه تنزيهاً: وهو ما كان تركه أولى من فعله، أي خلاف الأولى، وكثيراً ما يطلقونه، وعلى هذا إذا ذكروا مكروهاً فلا بد من النظر في دليله، فإن كان نهياً ظنياً يُحكم بكراهة التحريم إلا لصارف عن التحريم إلى الندب، وإن لم يكن الدليل نهياً بل كان مفيداً للترك غير جازم، فهي تنزيهية.

ولم يفرق الجمهور غير الحنفية بين نوعي الكراهة، ويراد بها عندهم: التنزيهية.

ويكره للمتوضئ ضد ما يستحب من الآداب فلا حصر لها بعدها فمنها ما اتفق عليها الأئمة الأربعة وهي ثمانية

(2)

.

1 -

الإسراف في صب الماء: بأن يستعمل من فوق الحاجة الشرعية، أو ما يزيد عن الكفاية، وهذا إذا كان الماء مباحاً أو مملوكاً للمتوضئ، فإن كان

(1)

رد المحتار على الدر المختار ج 1/ 89، الفقه الإسلامي ج 1/ 261.

(2)

الفقه الإسلامي (1/ 261)، مراقي الفلاح (1/ 161)، الدر المختار (1/ 84) الإقناع (1/ 52)، فتح العلام (1/ 315) أنوار المسالك ص (28)، منهاج الطالبين ص (13)، نهاية المحتاج (1/ 177) حاشية الدسوقي (1/ 99) حاشية العددي (1/ 182) الروض المربع ص (28) منار السبيل (1/ 27).

ص: 84

موقوفاً على الوضوء منه كالماء المعد للوضوء في المساجد، فالإسراف فيه حرام.

ومن الإسراف: الزيادة على ثلاث في الغسالات.

والدليل على الكراهة: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء فأراه ثلاثاً ثلاثاً، وقال:(هَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ)

(1)

.

والكراهة تنزيهية حتى عند الحنفية، إلا إذا اعتقد أن ما زاد على الغسلات الثلاث من أعمال الوضوء، فتكون الكراهة حينئذ تحريمية عندهم.

وذكر ابن عابدين في حاشيته

(2)

أن الكراهة مطلقاً تنزيهية، فإن زاد للنظافة أو للطمأنينة أو قصد الوضوء على الوضوء بعد الفراغ منه فلا كراهة.

2 -

لطم الوجه أو غيره بالماء:

والكراهة تنزيهية، لأنه يوجب انتضاح الماء المستعمل على ثيابه، وتركه أولى، وهو أيضاً خلاف التؤدة والوقار، فالنهي عنه من الآداب.

3 -

التكلم بكلام الناس: والكراهة تنزيهية، لأنه يشغله عن الأدعية

(1)

أخرجه أحمد (6684) وأبو داود (135). قال محققو المسند: صحيح.

(2)

رد المحتار على الدر المختار (1/ 89).

ص: 85

حتى عند الشافعية كما قال صاحب الإقناع

(1)

.

4 -

الاستعانة بالغير بلا عذر: وقد عرفنا أن الثابت في السنة جواز المعاونة في الوضوء، لكن حُمل ذلك على حالة العذر، لأن الضرورات تبيح المحظورات. والدليل على ذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَكِلُ طَهُورُهُ إِلَى أَحَدٍ)

(2)

.

والدليل على الأصل وهو الجواز في المعاونة حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وأنه ذهب لحاجة له، وأن المغيرة جَعَلَ يصب الماء عليه وهو يتوضأ، فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين

(3)

.

5 -

التوضؤ في موضع نجس: لئلا يتنجس منه، وزاد الحنفية

(4)

: التوضؤ بفضل ماء المرأة أو في المسجد إلا في إناء أو في موضع أعد لذلك، وإلقاء النخامة والاتخاط في الماء.

6 -

مبالغة الصائم في المضمضة والاستنشاق مخافة أن يفسد صومه: والدليل على الكراهة عن لقيط بن صبرة قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن

(1)

الإقناع للشربيني الخطيب (1/ 52).

(2)

أخرجه ابن ماجه (362).

(3)

أخرجه البخاري (381) وأحمد (18141).

(4)

الدر المختار ج 1/ 90.

ص: 86

الوضوء؟ قال: (أَسْبِغِ الوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا)

(1)

.

7 -

ترك سنة من سنن الوضوء، السابق بيانها في ما مضى، وهو ترك ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدون من بعده، فيستحق على من تركها بلا عذر حرمان الشفاعة، لقوله عليه الصلاة والسلام:(فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)

(2)

.

8 -

الوضوء بفضل طهور المرأة إذا استقلت به

(3)

. فإن اشترك الرجل معها فلا بأس، والدليل على الكراهة عن الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ)

(4)

ودلالة الحديث على عدم الجواز، ولكن القول بالكراهة للأدلة الدالة على الجواز، فجمع بين أدلة الجواز وعدمه إلى الكراهة التنزيهية.

(1)

أخرجه الترمذي (788) وأبو داود (142) وابن ماجه (407). قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لسنن ابن ماجه: حديث صحيح. وإسناد ابن ماجه حسن.

(2)

أخرجه البخاري (5063) ومسلم (1401).

(3)

وهناك قول آخر لأحمد: أنه لا يجوز، أما ما اختاره الأئمة الثلاثة فهو الكراهة فقط فيتفق الثلاثة مع القول الأول للحنابلة وليس في القول الثاني انظر منار السبيل ج 1/ 9.

(4)

أخرجه الترمذي (64) وأبو داود (82) وقال الترمذي: حسن صحيح. قال المَرْدَاوِيُّ: مَنْعُ الرجل من استعمال فضل طهور المرأة تعبدي لا يعقل معناه.

ص: 87

ومن أدلة الجواز: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن ميمونة رضي الله عنهما (أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ بِفَضْل غُسْلِهَا مِنَ الْجَنَابَةِ)

(1)

.

‌المطلب السابع: نواقض الوضوء:

النواقض: جمع ناقضة، والنقض: إذا أضيف إلى الأجسام كنقض الحائط: يراد به إبطال تأليفها.

(1)

أخرجه مسلم (323) وأحمد (3465).

ص: 88

وإذا أضيف إلى المعاني كالوضوء: يراد به إخراجها عن إقامة المطلوب بها.

والمعنى الثاني هو المراد هنا، فمعنى ناقص الوضوء: إخراجه عن إفادة المقصود منه، كاستباحة الصلاة بالوضوء

(1)

.

والنواقض أو المعاني الناقضة للوضوء المبطلة المتفق عليها بين الأئمة الأربعة هي أربعة

(2)

:

1 -

كل خارج من أحد السبيلين معتاد: كبول، أو غائط، أو ريح، أو مذي، أو مدي، فقط قليلاً كان الخارج أو كثيراً.

والدليل على نقض الوضوء بالبول والغائط:

1.

قوله تعالى: (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ)[المائدة: 6].

(1)

مراقي الفلاح (1/ 122).

(2)

الفقه الإسلامي (1/ 265) مراقي الفلاح (1/ 122) الدر المختار (1/ 90) الهداية (1/ 17) اللباب (1/ 17) الإقناع (1/ 59) أنوار المسالك ص (72)، منهاج الطالبين ص (10)، نهاية المحتاج (1/ 108) فتح العلام (1/ 292)، بداية المجتهد (1/ 63) حاشية الدسوقي (1/ 114) حاشية العدوي (1/ 129) الروض المربع ص (38) منار السبيل (1/ 33) الإفصاح (1/ 61).

ص: 89

2.

عن صفوان بن عسّال رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ، وَبَوْلٍ، وَنَوْمٍ)

(1)

.

والدليل على نقض الوضوء بالريح: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) فقال رجل من أهل حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: (فُسَاءٌ أو ضُرَاطٌ)

(2)

.

والدليل على نقض الوضوء بالمذي:

حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ أَوْ مَذْيٌ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ)

(3)

.

واختلف الأئمة الأربعة في حكم الأشياء الأخرى التي تخرج من أحد السبيلين.

(1)

أخرجه الترمذي (96) وابن ماجه (478) وقال الترمذي: حسن صحيح.

(2)

أخرجه البخاري (135) ومسلم (225).

(3)

أخرجه ابن ماجه (1221). وصححه الزيلعي في "نصب الراية" 1/ 38

ص: 90

3 -

الولادة من غير رؤية دم: وهو الصحيح عند الحنفية، وهو قول الصاحبين

(1)

وقالا: أن المرأة لا تكون حينئذ نفساء لتعلق النفاس بالدم ولم يوجد، وإنما عليها الوضوء للرطوبة.

وقال أبو حنيفة: عليها الغسل احتياطاً لعدم خلوه عن قليل دم غالباً.

3 -

غيبة العقل، أو زواله بالمخدرات أو المسكرات، أو بالإغماء أو الجنون، أو الصرع، أو النوم

(2)

.

والسبب في ذلك، لأنه يترتب عليها غالباً خروج شيء من أحد السبيلين، فيكون ناقضاً للوضوء، لأن زائل العقل لا يشعر بحال، والجنون والإغماء ونحوها أشد تأثيراً من النوم، والنوم: يذهب معه الحسّ.

والدليل على نقض الوضوء بالجنون والإغماء والسكر ونحوه:

1 قياساً على النوم، لأن أبلغ في معناه، إذ إن النائم - مهما كان نومه ثقيلاً - ينبته بأقل تنبيه، وأما الجنون أو المغمى عليه أو السكران فإنه لا يتنبه مهما نبه حتى يزول عنه ما هو فيه فلذا كان أولى بالنقص.

(1)

مراقي الفلاح (1/ 122).

(2)

اختلف الأئمة في مقدار النوم الناقص للوضوء، وأسهل الأقوال قول المالكية والحنابلة حيث قالوا: أن النوم اليسير أو الخفيف لا ينقض، والنوم الثقيل ينقض. انظر: حاشية الدسوقي (1/ 118)، الروض المربع ص (39).

ص: 91

2 ويمكن أن يستأنس لهذا بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ثقل

(1)

النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أَصَلَّى النَّاسُ؟) قلنا: لا، هم ينتظرونك، قال: (ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَب

(2)

، قالت: ففعلنا، فاغتسل،

إلى أن قال: (مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ)

(3)

.

والدليل على نقض الوضوء بالنوم.

عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ)

(4)

.

4 -

لمس المرأة: لم يتفق الأئمة في هذا الباب إلا في مسألة واحدة وهي عبارة الحنفية

(5)

: ينتقض الوضوء بالمباشرة الفاحشة

(6)

، وهي: التقاء الفرجين مع انتشار العضو بلا حائل يمنع حرارة الجسد، أو هي: أن يباشر الرجل المرأة

(1)

ثقل: اشتد مرضه.

(2)

المخضب: وعاء من خشب أو حجر، التحفة الرضية (1/ 46).

(3)

أخرجه البخاري (655) ومسلم (418).

(4)

أخرجه أبو داود (203) وابن ماجه (477). وقد ذكره ابن السكن في سننه الصحاح، وقد ضعفه غيره. والسّه: حَلْقَةُ الدُّبُر، جَعل اليَقَظَة للاسْتِ كالوِكاء للقِرْبة، كَمَا أَنَّ الوِكاء يَمْنعُ مَا فِي القِرْبة أَنْ يَخْرُج، كَذَلِكَ اليَقظَة تَمْنَع الاسْتَ أَنْ تُحْدِث إِلَّا باخْتيار. (النهاية في غريب الحديث 5/ 222).

(5)

مراقي الفلاح (1/ 126).

(6)

وهذا القول هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف، إذ لا تخلو غالباً هذه المباشرة عن مذي وهو الناقض، فاعتبر كالنوم احتياطاً، وإقامة للسبب مقام المسَبَّبِ، وإلا فمجرد وجود المباشرة غير ناقض كما هو قول محمد، وأكثر الكتب متضافرة على أن الصحيح المفتى به قول محمد، وعدم ذكر صاحب الهداية لها في النواقض يشعر باختياره. انظر رد المحتار على الدر المختار (1/ 99).

ص: 92

بشهوة وينتشر لها، وليس بينهما ثوب، ولم يرَ بللاً.

وغير هذا فقد اختلف فيه الأئمة الأربعة اختلافاً كبيراً.

ص: 93

‌المطلب الثامن: وضوء المعذور:

لم يتفق الأئمة الأربعة في شيء من هذا الباب، وإنما اختلفوا فيه اختلافاً كبيراً

(1)

.

‌المطلب التاسع: ما يحرم بالحدث الأصغر، أو ما يمنع من غير المتوضى:

اتفق الأئمة الأربعة على ثلاثة أشياء تحرم على المحدث حدثاً أصغر

(2)

.

1 -

الصلاة ونحوها: اتفق الأئمة الأربعة على أنه يحرم على المحدث غير المتوضئ الصلاة فرضاً كانت أو نفلاً، ونحوها: كسجود التلاوة، وسجود الشكر، وصلاة الجنازة.

(1)

مراقي الفلاح (1/ 183) الدر المختار (1/ 202). منهاج الطالبين ص (19)، نهاية المحتاج (1/ 333) بداية المجتهد (1/ 96) حاشية الدسوقي (1/ 167) منار السبيل (1/ 59) الروض المربع ص (57).

(2)

الفقه الإسلامي (1/ 294) مراقي الفلاح (1/ 181)، الدر المختار (1/ 193) الميزان للشعراني (1/ 72) منهاج الطالبين ص (11) نهاية المحتاج (1/ 122) أنوار المسالك ص (36 - 37)، الإقناع (1/ 104)، فتح العلام (1/ 354) حاشية الدسوقي (1/ 125) بداية المجتهد (1/ 72) الروض المربع ص (41)، منار السبيل (1/ 36) الإفصاح (1/ 59).

ص: 94

والدليل على الحرمة حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةً بِغَيرِ طَهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ)

(1)

.

2 -

الطواف بالبيت الحرام فرضاً أو نفلاً

(2)

: لأن الطواف صلاة. والدليل على الحرمة ما ورد عن طاووس، عن رجل قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم: قال:

(إنَّمَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، فَإِذَا طُفْتُمْ فَأَقِلُّوا الْكَلَامَ)

(3)

.

3 -

مسّ المصحف: اتفق الأئمة الأربعة على حرمة لمس المصحف كله أو بعضه ولو آية: والمحرم هو لمس الآية ولو بغير أعضاء الطهارة من غير حائل.

والدليل على الحرمة:

1.

قوله تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)[الواقعة: 79]، أي المتطهرون وهو خبر بمعنى النهي.

(1)

أخرجه مسلم (224) وابن ماجه (272) والغُلُولُ: هُوَ الْخِيَانَةُ فِي المغْنَم والسَّرقَة مِنَ الغَنِيمة قَبْلَ القِسْمة (النهاية في غريب الحديث 5/ 97).

(2)

جعل الحنفية الطهارة للطواف واجباً لا شرطاً في صحته، فيصح مع الكراهة التحريمية الطواف محدثاً، ويدخل هذا القول مع قول الأئمة الثلاثة في الحرمة، انظر: فتح باب العناية (1/ 694).

(3)

أخرجه أحمد (15423) والترمذي (960). وصححه ابن السكن، وابن خزيمة وابن حبان مرفوعاً وموقوفاً. (نيل الأوطار: 207/ 1)

ص: 95

فالله عز وجل أخبر أن هذا القرآن الكريم لا يمسه إلا المطهرون إجلالاً له وتعظيمًا، وجاء الإخبار في الآية بصيغة الحصر فاقتضى ذلك حصر الجواز في المطهرين، وعموم سلبه في غيرهم، والمراد بالمطهرين؛ المطهرون من الأحداث والأنجاس من بني آدم.

2.

عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتاباً، وكان فيه:(لَا يَمَسُّ الْقُرآنَ إِلَّا طَاهِرٌ)

(1)

.

واتفق الفقهاء أن غير المتوضئ يجوز له تلاوة القرآن أو النظر إليه دون لمسه، كما أجازوا للصبي لمس القرآن للتعلم، لأنه غير مكلف، والأفضل التوضأ.

واختلف الأئمة الأربعة فيما إذا كان اللمس مع حائل.

(1)

أخرجه الموطأ في القرآن، باب الأمر بالوضوء لمن مس القرآن مرسلاً، وإسناده صحيح، وهو قطعة من كتاب كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أقيال اليمن، وبعث به عمرو بن حزم وبقي بعده عند آله، وقد رواه الحاكم بطوله في " المستدرك " 1/ 395 من طريق الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه عن جده، وصححه هو وابن حبان رقم (793) وصححه غير واحد من الحفاظ. وأخرجه الدارمي (2312) والنسائي (8/ 57) والدارقطني (439).

ص: 96

‌المبحث الثاني: السواك

وفيه أربع مطالب

‌المطلب الأول- تعريف السواك:

السواك لغة: الدلك وآلته.

وفي الشرع: استعمال عود أو نحوه كأسْنان في الأسنان وما حولها ليذهب الصفرة وغيرها عنها

(1)

.

‌المطلب الثاني - حكمه:

اتفق الأئمة الأربعة

(2)

على أن السواك من سنن الفطرة (أي من السنة أو من الدين) لأنه سبب لتطهير الفم، وموجب لرضا الله على فاعله، ودليل مشروعيته:

عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ)

(3)

.

(1)

نهاية المحتاج (1/ 177 - 178)، الفقه الإسلامي (1/ 300)، نيل الأوطار (1/ 167).

(2)

الفقه الإسلامي (1/ 300) مراقي الفلاح (1/ 105) الدر المختار (1/ 78) الهداية (1/ 15)، منهاج الطالبين ص (13)، نهاية المحتاج (1/ 177) أنوار المسالك ص (23)، حاسية الدسوقي (1/ 102)، الروض المربع ص (27)، منار السبيل (1/ 27)، الإفصاح (1/ 56).

(3)

أخرجه أحمد (24332) والدارمي (692) وإسناده صحيح. ا. هـ (جامع الأصول 7/ 177)

ص: 97

وهذا الحديث يدل على مطلق شرعيته دون تخصيص بوقت معين، ولا بحالة مخصوصة، فهو مسنون في كل وقت، واتفقوا أيضاً على أنه من السنن المؤكدة، لحث الشارع ومواظبته عليه، وترغيبه وندبه إليه، وليس بواجب في حال من الأحوال. والدليل على ذلك:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ)

(1)

.

ولأحمد: (لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء)

(2)

.

وللبخاري تعليقاً: (لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء)

(3)

.

واختلف الأئمة الأربعة في وقت سنتية لاختلاف بعض الروايات التي مرت، فمنهم من قال: عند الوضوء، ومنهم من قال: عند الصلاة، ويسن أيضاً كما قال العلماء:

لتغير الفم أو الأسنان بنوم أو أكل أو جوع، أو سكوت طويل أو كلام كثير؛ ودليل ذلك: عن حذيفة رضي الله عنه قال: (كَانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فاه بالسواك)

(4)

.

(1)

أخرجه البخاري (887) ومسلم (252)

(2)

أخرجه أحمد (9928). قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

(3)

أورده الإمام البخاري تعليقاً انظر (887).

(4)

أخرجه البخاري (242) ومسلم (255)(يَشُوص) شَاص فاه بالسِّواك يَشُوصه شَوْصاً: إذا اسْتاك به.

ص: 98

وفي رواية للنسائي عن حذيفة قال: (كُنَّا نُؤْمَرُ بِالسِّوَاكِ إِذَا قُمْنَا مِنَ اللَّيْلِ)

(1)

.

وكما أنه يتأكد للصلاة ولتغيير الفم وإصفرار الأسنان، يتأكد أيضاً لقراءة قرآن، أو حديث شرعي، ولعلم شرعي، وعند الاحتضار

(2)

، وفي السّحر، وللأكل، وبعد الوتر، وقبل صلاة الظهر وبعده خلاف، ولذكر الله تعالى، ولنوم يقظة، ولدخول منزله وأدلة ذلك:

1 -

عن المقدام بن شريح، عن أبيه، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك

(3)

.

2 -

عن عامر بن ربيعة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم

(4)

.

3 -

وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرقد ليلاً ولا نهاراً فيستيقظ إلا تسوك

(5)

.

(1)

أخرجه النسائي (1623) والبزار (2860).

(2)

قيل إنه يسهل خروج الروح.

(3)

أخرجه مسلم (253) وابن ماجه (290).

(4)

أخرجه أحمد (15678) والترمذي (725) وقال الترمذي: حديث حسن.

(5)

أخرجه أحمد (24900) والطبراني في الأوسط (3557). قال محققو المسند: حسن لغيره.

ص: 99

4 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة نومه عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فلما استيقظ من منامه أتى طهوره فأخذ السواك فاستاك)

(1)

.

(1)

رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه والحاكم. (نيل الأوطار 1/ 37)

ص: 100

‌المطلب الثالث- كيفيته وأدائه:

وفي هذا الباب خلاف في كيفيته وأداته بين الأئمة، وكذلك اختلفوا في أنه هل تحصل السنة بالأصبع عند عدم السواك؟!.

ولا يستاك بعود الرمان ولا الآس ولا الريحان ولا الأعواد الذكية الرائحة؛ لأنها تضر بلحم الفم ولم يرد بها الشرع.

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَخَلَّلُوا بِعُودِ الرَّيْحَانِ، وَلَا الرُّمَّانَ، فَإِنَّهُمَا يُحَرِّكَانِ عِرْقَ الْجُذَامِ)

(1)

.

ولا يستاك أيضاً بقصب الشعير ولا بعود الحلفاء ونحوهما من كل ما يضر أو يجرح، ولأنهما يورثان الآكلة أو البرص، ولا يتسوك ولا يتخلل بما يجهله لئلا يتضرر منه.

ويكره أن يزيد طول السواك على شبر، في البيهقي عن جابر رضي الله عنهما قال:(كَانَ مَوْضِعُ سِوَاكِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ)

(2)

.

ويقول إذا استاك "اللهمَّ طهر قلبي ومحص ذنوبي

(3)

".

(1)

رواه محمد بن الحسين الأزدي الحافظ بإسناده عن قبيصة بن ذؤيب (الغني لإبن قدامة ج 1/ 70). وذكره المتقي الهندي في الكنز وعزاه لابن عساكر عن قبيصة بن ذؤيب. (كنز العمال 15/ 255)

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (157). وأخرجه ابن عدي في الكامل 7/ 2692 من طريق عثمان بن أبي شيبة به. والخطيب في تاريخ بغداد 12/ 101 من طريق يحيى بن يمان به

(3)

استحبه بعض فقهاء الحنابلة منهم صاحب كتاب الرعاية. (المبدع في شرح المقنع 1/ 82)

ص: 101

أو يقول:

" اللَّهُمَّ طهر فمي وَنور قلبِي وطهر بدني وَحرم جَسَدِي على النَّار وأدخلني بِرَحْمَتك

فِي عِبَادك الصَّالِحين"

(1)

.

أو يقول:

"اللَّهُمَّ بَيِّضْ بِهِ أَسْنَانِي، وَشُدَّ بِهِ لِثَاتِي، وَثَبِّتْ بِهِ لَهَاتِي، وَبَارِكْ لِي فِيهِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ"

(2)

.

(1)

قاله العلامة المحدث العيني في شرحه على البخاري. (عمدة القاري شرح صحيح البخاري 6/ 181)

(2)

النووي في المجموع: وهذا، وإن لم يكن له أصل فلا بأس به، فإنه دعاء حسن. (المجموع 1/ 283 (2)

ص: 102

‌المطلب الرابع- فوائد السواك:

ذكر العلماء من فوائد السواك

(1)

: أنه يبطئ بالشيب، ويحد البصر، وأحسنها أنه شفاء لما دون الموت، وأنه يسرع في المشي على الصراط، وأنه مطهرة للفم، ومرضاة للرب ومفرحة للملائكة، ومجلاة للبصر، ويذهب البَخَرَ والحَفْر

(2)

، ويبيض الأسنان، ويشد اللثة، ويهضم الطعام، ويقطع البلغم ويضاعف الصلاة، ويطهر طريق القرآن، ويزيد في الفصاحة، ويقوي المعدة ويسخط الشيطان، ويزيد في الحسنات، ويقطع المرة، ويسكن عروق الرأس، ووجع الأسنان، ويطيب النكهة، ويسهل خروج الخارج.

قال في النهر: ومنافعه وصلت إلى نيف وثلاثين منفعة أدناها إماطة الأذى، وأعلاها تذكير الشهادة عند الموت، رزقنا الله ذلك بمنّه وكرمه.

ويوصي الأطباء المعاصرون باستعمال السواك لمنع نخر الأسنان، والقلح (الطبقة الصفراء على الأسنان)، والتهابات اللثة والفم، ومنع الاختلاطات العصبية، والعينية، والتنفسية، والهضمية، بل ومنع ضعف الذاكرة، وبلادة

(1)

ابن عابدين في حاشية رد المحتار على الدر المختار (1/ 78).

(2)

البَخَرُ: الرائحة المتغيرة من الفم، قال أبو حنيفة: البَخَرُ: النتن يكون في الفم وغيره (لسان العرب 4/ 47) والحَفْرُ: صُفرة تعلو الأسنان أو تقشّر في أصوله (المعجم الوسيط، مادة: حَفَر).

ص: 103

الذهن، وشراسة الأخلاق

(1)

.

ما يلحق بالسواك من سُنن العادات الحسنة

سنن الفطرة

ورد في السنة النبوية أحاديث تبين مجموعة حسنة من الآداب أو السنة الدينية المرتبطة بنظافة الإنسان من أشعار وأظفار ونحوها، يحسن ذكرها كما وردت، ثم تشرح وتوضح على طريقة الفقهاء، ومن أهم هذه الأحاديث اثنان:

الأول: فيه خمس من سنن الفطرة.

الثاني: ذكر فيه عشر خصال من الفطرة.

الحديث الأول: من سنن الفطرة الخمس:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الِاسْتِحْدَادُ وَالْخِتَانُ وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ)

(2)

.

التعريف بهذه السنة:

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 300). وينظر كتاب"تحفة النُّساك في فضل السواك"للعلامة عبد الغني الغنيمي الدمشقي الميداني الحنفي.

(2)

أخرجه البخاري (5550) ومسلم (257).

ص: 104

1 -

الاستحداد: وهو حلق العانة، وهو سنة باتفاق الأئمة الأربعة، ويكون بالحلق والقص والنتف والنورة

(1)

.

والمراد بالعانة: الشعر النابت حول فرج الرجل، أو فرج المرأة. وقال

النووي الأفضل الحلق

(2)

.

2 -

الختان: وهو قطع جميع الجلدة التي تغطي حشفة ذكر الرجل، حتى ينكشف جميع الحشفة، وفي المرأة: قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج واختلفوا في حكمه للأنثى والذكر.

3 -

قص الشارب: وهو سنة بالاتفاق، والقاص مخير بين أن يتولى بذلك بنفسه، أو يوليه غيره، لحصول المقصود، بخلاف الإبط والعانة، والدليل على السنية:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ)

(3)

.

واختلف الأئمة في المراد بالقص هل هو التقصير أم الاستئصال؟ أما إرخاء اللحية أو إعفائها: فهو تركها وعدم التعرض لها بتغيير، ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة، ولا أخذ ما تحت حلقه، واختلفوا في حلقها؟.

(1)

النورة: حَجَرٌ يُحْرَقُ ويُسَوَّى مِنْهُ الكِلْسُ وَيُحْلَقُ بِهِ شَعْرُ الْعَانَةِ (لسان العرب 5/ 244).

(2)

نيل الأوطار ج 1/ 177 - 178 وما بعدها، الفقه الإسلامي ج 1/ 305 وما بعدها.

(3)

أخرجه مسلم (260) وأحمد (8778).

ص: 105

والدليل على إرخاء اللحية أو إعفائها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ)

(1)

.

وزاد البخاري: (وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه)

(2)

.

4 -

نتف الإبط: وهو سنة بالاتفاق أيضاً.

قال النووي

(3)

: والأفضل فيه النتف إن قوي عليه، ويحصل أيضاً بالحلق والنورة.

5 -

تقليم الأظافر: والتقليم: تفعيل من القلم، وهو القطع. وهو سنة بالاتفاق.

ويستحب في كل هذه الخصال التي مرّت البدء بالجانب الأيمن، والدليل على استحباب هذا حديث عائشة رضي الله عنها: قالت: (كَانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطَهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ)

(4)

.

الحديث الثاني- خصال الفطرة العشرة:

(1)

أخرجه البخاري (5553) ومسلم (259).

(2)

أخرجه البخاري (5553)

(3)

نيل الأوطار (1/ 179).

(4)

أخرجه البخاري (426) ومسلم (268).

ص: 106

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظَافِرِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ قال الراوي مصعب بن شيبه: ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضةُ)

(1)

.

وقد سبق بيان معظم هذه الخصال في الحديث السابق وفي سنن الوضوء، وبقي ثلاثة أشياء لم نذكرها

(2)

:

1 غسل البراجم: والبراجم: عقد الأصابع ومعاطفها كلها.

فهو سنة مستقلة ليست بواجبه، قال العلماء: ويلحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن، وقعر الصماخ، فيزيله بالمسح ونحوه.

2 -

انتقاص الماء: (الاستنجاء): وفي رواية (الانتضاح)، وهو نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينتفي عنه الوسواس.

3 العاشرة: وقد نسيها الراوي مصعب، وقد شك أن تكون المضمضة، قال القاضي عياض: ولعلها الختان المذكور مع الخمس الأولى، قال النووي: وهو أولى.

(1)

أخرجه مسلم (261) وأحمد (25060).

(2)

نيل الأوطار (1/ 181)، الفقه الإسلامي (1/ 309).

ص: 107

ما يلحق بخصال الفطرة بناء على الحديثين السابقين وغيرها

1 -

الطيب وقلم الظفر والكحل:

يسن الادهان في بدن وشعر غبّاً: يوماً فيوماً، والاكتحال وتراً في كل عين قبل النوم، والوتر: ثلاثة في العين اليمنى، وثلاثة في اليسرى، وتقليم الأظافر بادئاً كما يرى الشافعية بسبابة يده اليمنى إلى الخنصر، ثم الإبهام، ثم خنصر اليسرى إلى الإبهام ويستحب غسل رؤوس الأصابع بعد قص الأظافر تكميلاً للنظافة، وينبغي دفن الشعر والأظافر، وإن رمى بها فلا بأس، وقطع الظفر بالأسنان

مكروه

(1)

، والدليل لما سبق بالترتيب:

1.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلَا يَرُدَّهُ، فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ، طَيِّبُ الرَّائِحَةِ)

(2)

.

2.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ)

(3)

.

وتقليم الأظافر من سنن الفطرة مرّ الحديث عنها في الحديثين السابقين.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 309).

(2)

أخرجه أحمد (8264) وأبو داود (4172) والنسائي (5259). قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

(3)

أخرجه أحمد (8838) وابن ماجه (3498) والدارمي (689).

ص: 108

والمرأة تتطيب في بيتها، وتمنع من الطيب في غير بيتها لأنه يؤدي إلى الفتنة والفساد.

والدليل على النهي: حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، وَالْمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ فَهِيَ كَذَا كَذَا: يَعْنِي زَانِيَةً)

(1)

.

2 الانتعال وإطالة الثياب: يكره بلا عذر المشيء في نعل واحد للنهي الصحيح عنه، ولئلا يختل توازنه ومشيه، كما يكره الانتعال قائماً للنهي الصحيح عنه أيضاً، ولأنه يخشى من السقوط.

والدليل على أن التنعل بنعل واحد مكروه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رسول الله قال: (لَا يَمْشِيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعاً أَوْ لِيُحْفِهِمَا جَمِيعاً)

(2)

.

وكذلك يستحب البدء بالتنعل باليمين، وينزع نعله باليسرى، والدليل على ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه

(1)

أخرجه الترمذي (2786) وقال: حسن صحيح.

(2)

أخرجه البخاري (5856) ومسلم (2097).

ص: 109

وسلم قال: (إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ، وَإِذَا انْتَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ، لِتَكُنِ الْيُمْنَى أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ، وآخِرَهُمَا تُنْزَعُ)

(1)

.

وسيأتي في بحث الحظر والإباحة إن شاء الله تعالى مزيد بيان لأحوال الإنسان وعاداته في اللبس واستعمال الأواني والنظر واللمس واللهو والطعام والشراب.

(1)

أخرجه البخاري (5855) وأبو داود (4139) ..

ص: 110

‌المبحث الثالث: المسح على الخُفين

وفيه تسعة مطالب:

‌المطلب الأول: معنى المسح على الخفين:

المسح على الخفين بدل من غسل الرجلين في الوضوء.

ومعناه لغة: إمرار اليد على الشيء.

وشرعاً: إصابة اليد المبتلة بالماء (البلّة) لخف مخصوص، في موضع مخصوص، وفي زمن مخصوص

(1)

.

والخف شرعاً: الساتر للكعبين فأكثر من جلد ونحوه.

والموضع المخصوص: ظاهر الخفين لا باطنهما.

والزمن المخصوص: هو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ولم يحدد المالكية مدة للمسح.

‌المطلب الثاني: مشروعية المسح على الخفين:

حكمه: أنه شرع رخصة.

واتفق الأئمة الأربعة

(2)

على جوازه في السفر والحضر، للرجال والنساء، تيسيراً على المسلمين وبخاصة في وقت الشتاء والبرد، وفي السفر، ولأصحاب

(1)

الدر المختار ورد المحتار (1/ 174)، الفقه الإسلامي (1/ 317).

(2)

الفقه الإسلامي (1/ 317)، مراقي الفلاح (1/ 164) الهداية (1/ 30)، اللباب (1/ 41)، الدر المختار (1/ 174)، الميزان للشعراني (1/ 91)، منهاج الطالبين ص (17)، نهاية المحتاج (1/ 199)، الإقناع (1/ 73)، حاشية الدسوقي (1/ 141)، حاشية العدوي (1/ 235)، بداية المجتهد (1/ 44)، منار السبيل (1/ 30)، الروض المربع ص (35)، الإفصاح (1/ 70).

ص: 111

الأعمال الدائمة كالجنود، والشرطة والطلاب المواظبين على العمل في الجامعات ونحوهم.

مشروعيته: ثبتت مشروعيته بالسنة النبوية في طائفة من الأحاديث منها:

1 -

عن جرير رضي الله عنه أنه بال ثم توضأ ومسح على خفيّه، فقيل له: تفعل هكذا؟ قال: نعم، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ، ومسح على خفيه. قال إبراهيم: فكان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة

(1)

.

2 -

عن علي رضي الله عنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه لقد رأيت رسول الله يمسح على ظاهر خفيه

(2)

.

3 -

عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في مَسير، فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه وغسل ذراعيه ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه، فقال:(دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا)

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري (387) ومسلم (272).

(2)

أخرجه أبو داود (162) وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.

(3)

أخرجه البخاري (203) ومسلم (274).

ص: 112

قال النووي في شرح مسلم: وقد روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة، وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين منهم العشرة المبشرون بالجنة.

وقال الإمام أحمد بن حنبل: فيه أربعون حديثاً عن الصحابة مرفوعة

(1)

.

قال الحسن: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين

(2)

.

والقول بالمسح قول علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وبلال وحذيفة، وبريدة، وخزيمة بن ثابت، وسلمان، وجرير البجلي وغيرهم رضي الله عنهم.

وشرع المسح على الخفين في السنة التاسعة من الهجرة، ولم يكن منسوخاً بآية المائدة، وهو قوله تعالى:(وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)[المائدة: 6] لأن آية الوضوء هذه نزلت في غزوة المريسيع في السنة السادسة للهجرة، ومسحه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة، فنسخ المتأخر المتقدم إجماعاً

(3)

.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 318)، نيل الأوطار (1/ 278).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 307).

(3)

الفقه الإسلامي (1/ 319)، نهاية المحتاج (1/ 197).

ص: 113

‌المطلب الثالث- كيفية المسح على الخفين ومحله.

لم يتفق الأئمة الأربعة على كيفية المسح على الخفين وذلك لتعارض الأثر وهو حديثان

(1)

.

‌المطلب الرابع - شروط المسح على الخفين:

اتفق الأئمة الأربعة

(2)

على اشتراط شروط ثلاثة في المسح على الخفين لأجل الوضوء وهي ما يأتي:

1 -

لبسهما على طهارة كاملة والدليل عليه:

حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في مسير فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه، وغسل ذراعيه، ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه، فقال:(دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ)، فمسح عليهما

(3)

.

(1)

أحدهما: حديث المغيرة بن شعبة، والثاني: حديث علي (السابق ذكرهما). انظر: الفقه الإسلامي (1/ 321).

(2)

الفقه الإسلامي (1/ 324) مراقي الفلاح (1/ 165) الهداية (1/ 30) اللباب (1/ 42) الدر المختار (1/ 174) الميزان (1/ 91) منهاج الطالبين ص (14) نهاية المحتاج (1/ 202) الإقناع (1/ 73) حاسية الدسوقي (1/ 143) حاشية العدوي (1/ 236) بداية المجتهد (1/ 48) الروض المربع ص (35) منار السبيل (1/ 30) الإفصاح (1/ 69).

(3)

أخرجه البخاري (203) ومسلم (274).

ص: 114

واختلف الأئمة الأربعة في اشتراط تلك الطهارة هل تكون بالماء، أو بغيره.

2 -

أن يكون الخف طاهراً، ساتراً المحل المفروض غسله في الوضوء:

وهو القدم بكعبين من سائر الجوانب، لا من الأعلى، فلا يجوز المسح على خف غير ساتر الكعبين مع القدم، كما لا يجوز المسح على خف نجس، كجلد الميتة قبل الدباغ عند الحنفية والشافعية، وكذلك بعد الدباغ عند المالكية والحنابلة، لأن الدباغ عندهم غير مطهر، والنجس منهي عنه.

3 -

إمكان متابعة المشي فيه بحسب العادة، واختلفوا في تقدير ذلك الإمكان.

ص: 115

‌المطلب الخامس- مدة المسح على الخفين:

لم يتفق الأئمة الأربعة في توقيت مدة المسح، فالجمهور حدد ثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، ويوم وليلة للمقيم، وخالف المالكية في ذلك فقالوا: لا يقيد بمدة ..

(1)

.

(1)

بداية المجتهد (1/ 47، حاشية الدسوقي ج 1/ 143، حاشية العدوي ج 1/ 235.

ص: 116

‌المطلب السادس: مبطلات (أو نواقض) المسح على الخفين:

اتفق الأئمة الأربعة

(1)

على بطلان المسح على الخف في حالات أربع وهي:

1 -

نواقض الوضوء: ينتقض المسح على الخف بكل ناقض للوضوء، لأنه بعض الوضوء، ولأنه بدل فينقضه ناقض الأصل، وحينئذ يتوضأ ويمسح.

2 -

الجنابة ونحوها: إن أجنب لابس الخف، أو حدث منه موجب غسل، كحيض في أثناء المدة بطل المسح، ووجب غسل الرجلين، فإن أراد المسح على الخف بعد الغسل، جدد لبسه، والدليل على نقض المسح بالجنابة ونحوها:

عن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: (كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْراً ألا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أيامٍ ولياليهِنَّ إلا من جنابةٍ، لكنْ منْ غائطٍ وبولٍ ونومٍ)

(2)

.

وقيس بالجنابة غيرها، ممّا هو في معناها، كالحيض والنفاس والولادة.

3 -

نزع أحد الخفين أو كليهما:

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 338) مراقي الفلاح (1/ 169) الهداية (1/ 31)، اللباب (1/ 43) الدر المختار (1/ 183) منهاج الطالبين ص (13) نهاية المحتاج (1/ 198) الإقناع (1/ 76)، بداية المجتهد (1/ 49)، حاشية الدسوقي (1/ 145) حاشية العدوي (1/ 235) منار السبيل (1/ 31) الروض المربع ص (37).

(2)

أخرجه أحمد (18091) والترمذي (96) وابن ماجه (478) وقال الترمذي: حسن صحيح.

ص: 117

ولو كان النزع بخروج أكثر القدم إلى ساق الخف، ينتقض بذلك، لمفارقة محل المسح مكانه، وللأكثر حكم الكل.

وفي هذه الحالة: لم يتفق الأئمة الأربعة إلا في حالة واحدة وهي: هل يغسل قدميه أم عليه الوضوء من جديد؟ والمخالف هنا الحنابلة في الرواية المشهورة عن أحمد

(1)

.

وعلى كلّ: لا يكتفي بغسل الرجل المنزوع خفها، وإنما لا بد من غسل الرجلين، إذ لا يجوز الجمع بين غسل ومسح.

4 -

ظهور بعض الرجل بتخَرُّقٍ أو غيره:

ولم يتفق الأئمة الأربعة في تقدير هذا الظهور للقدم.

واختلف الأئمة في بقية النواقض، وبعض النواقض لم يذكرها بعضهم

(2)

.

(1)

الروض المربع ص (38)، منار السبيل (1/ 32)، أما الرواية الأخرى الموافقة لبقية المذاهب فهي: الغسل فقط دون الوضوء كما صرح بها في الإفصاح (1/ 70).

(2)

وإنما صرح بها الحنفية فقط مثل: إصابة الماء أكثر إحدى القدمين في الخف، ناقض للمسح على الخف. انظر (مراقي الفلاح 1/ 169).

ص: 118

‌المطلب السابع- المسح على العمامة:

لم يتفق الأئمة الأربعة في جواز المسح على العمامة، وما يأخذ حكمها، مثل القلنسوة، والبرقع والقفازين

(1)

.

‌المطلب الثامن - المسح على الجواب:

اتفق الأئمة الأربعة على جواز المسح على الجوربين

(2)

، إذا كانا مجلدين أو منعلين

(3)

. واختلفوا في الجور بين العاديين.

(1)

العمامة: غطاء الرأس. والقلنسوة: لباس للرأس مختلف الأنواع والأشكال. والبرقع: النقاب الذي تضعه نساء الأعراب على وجههن. القفازان: يعمل لليدين محشواً بقطن له أزرار، يزر على الساعدين من البرد، تلبسه النساء، ويتخذه الصياد من جلد أو لبد إتقاء لمخالف الصقر.

(2)

الجورب: لفافة الرجل، قال الزركشي: هو غشاء من صوف يتخذ للدف.

(3)

هو الجورب الذي يوضع الجلد أسفله، كالنعل للقدم، وإذا جعل أعلاه وأسفله يقال له: مُجلَّد. مراقي الفلاح (1/ 165).

ص: 119

‌المطلب التاسع المسح على الجبائر:

وفيه ثمانية مسائل:

‌المسألة الأولى: معنى الجبيرة:

الجبيرة: هي عيدان من جريد تُلّفُّ بورق وتربط على العضو المنكسر

(1)

.

أو هي خشب أو قصب يُسوّى ويُشد على محل الكسر أو الخلع لينجبر

(2)

.

وفي معناها: جبر الكسور بالجبس.

وفي حكمها: عصابة الجراحة ولو بالرأس، وموضع الفصد والكي، وخرقة القرحة، ونحو ذلك من العمليات الجراحية

(3)

.

‌المسألة الثانية: مشروعية المسح على الجبيرة:

المسح على الجبائر جائز بالاتفاق والدليل على ذلك السنة والمعقول:

أما السنة: فأحاديث كثيرة، منها:

1 -

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: انكسرت إحدى زندي، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم (فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ)

(4)

.

(1)

مراقي الفلاح (1/ 172).

(2)

نهاية المحتاج (1/ 286).

(3)

الفقه الإسلامي (1/ 346).

(4)

أخرجه ابن ماجه (657) والدارقطني (878). قال النووي: اتفق الفقهاء على ضعف هذا الحديث، (نصب الراية ج 1/ 186) و (سبل السلام ج 1/ 99).

ص: 120

2 -

عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم، فقال لأصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. قال: فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك، فقال:(قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا؟! فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعَيِّ السُّؤَالُ، إِنَّما كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ - شك موسى - عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ)

(1)

.

أما المعقول: فهو أن الحاجة تدعوا إلى المسح على الجبائر، لأن في نزعها حرجاً وضرراً

(2)

.

قال المرغيناني في الهداية: إن الحرج فيه فوق الحرج في نزع الخف، فكان أولى بشرع المسح

(3)

.

(1)

أخرجه أبو داود (336) والدارقطني (729). وصححه ابن السكن. و (العِيُّ): الجَهْلُ

(2)

الفقه الإسلامي ج 1/ 346.

(3)

الهداية (1/ 32).

ص: 121

‌المسألة الثالثة- حكم المسح على الجبيرة:

اتفق الأئمة الأربعة

(1)

على أن المسح على الجبائر بالماء فرض

(2)

، استعمالاً للماء بما أمكن، وقياساً على الخفين بجامع الضرورة وبطريق الأولى والدليل على الفرضية:

حديث علي بن أبي طالب السابق ذِكْرُه قال: انكسرت إحدى زندي، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، (فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ)

(3)

.

ولا يجوز اتفاقاً المسح على جبيرة رِجْل مع مسح خف الأخرى الصحيحة وإنما يجمع بين المسح والغسل.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 347)، مراقي الفلاح (1/ 172) الدر المختار ورد المحتار (1/ 185) الهداية (1/ 32)، منهاج الطالبين ص (17)، نهاية المحتاج (1/ 286) أنوار المسالك ص (51) الإقناع (1/ 83) حاشية الدسوقي (1/ 162)، منار السبيل (1/ 32)، الروض المربع ص (38).

(2)

ولكن خالف الأحناف بقولهم: إنه فرض عملاً، والفرض العملي ما يفوت الجواز بوقته كمسح ربع الرأس وهو أقوى نوعي الواجب، فهو فرض من جهة العمل، ويلزم على تركه ما يلزم على ترك الفرض من الفساد، لا من جهة العلم والاعتقاد، فلا يكفربجحده، كما يكفر بجحد الفرض القطعي، بخلاف النوع الآخر من الواجب كقراءة الفاتحة فإنه لا يلزم من تركه الفساد ولا من جحوده إلاكفار، وذلك لثبوته بحديث ظني، وهو حديث علي المذكور في الأعلى، وإن كان ضعيفاً ولكن يتقوىّ بعدة طرق، ويكفي ما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما:(أنه مسح على العصابة)، فإنه كالمرفوع، لأن الأبدال لا تنصب بالرأي، وهذا القول من أنه فرض عملاً هو قول الصاحبين، وهو المفتى به في المذهب وإليه رجع الإمام أبو حنيفية عن قوله بالوجوب. الدر المختار ورد المحتار (1/ 185 - 186).

(3)

أخرجه ابن ماجه (657) والدارقطني (878). وقد سبق تخريجه وبيان حاله.

ص: 122

‌المسألة الرابعة- شرائط المسح على الجبيرة:

يشترط لجوازه ما اتفق عليه الأئمة الأربعة

(1)

وهي ثلاثة شروط:

1 -

ألا يمكن نزع الجبيرة، أو يخاف من نزعها بسبب الغسل حدوث مرض، أو زيادته، أو تأخر البرء كما في التميم؛ وذلك إذا كان الجرح ونحوه في أعضاء الوضوء في حالة الحدث الأصغر، أو في الجسد في حالة الحدث الأكبر.

2 -

ألا يمكن غسل أو مسح نفس الموضع بسبب الضرر، فإن قدر عليه فلا مسح على الجبيرة، وإنما يمسح على عين الجراحة إن لم يضر المسح بها، ولا يجزئه المسح على الجبيرة، وإن لم يستطع المسح على الجبيرة.

3 -

ألا تتجاوز الجبيرة محل الحاجة، فإن تجاوزت الجبيرة محل الحاجة: وهو ما لا بد منه للاستمساك، وجب نزعها، ليغسل الجزء الصحيح من غير ضرر؛ لأنها طهارة ضرورية فتقدر بقدرها، فإن خاف من نزعها تلفاً أو ضرراً، تيمم لزائد على قدر الحاجة، ومسح ما حاذى محل الحاجة، وغسل ما سوى ذلك فيجمع إذن بين الغسل والمسح والتيمم.

ولم يتفق الأئمة الأربعة على اشتراط وضع الجبيرة على طهارة مائية.

(1)

المراجع السابقة نفسها.

ص: 123

‌المسألة الخامسة- القدر المطلوب مسحه على الجبيرة:

لم يتفق الأئمة الأربعة على القدر الواجب مسحه على الجبيرة والمخالف الواحد هم الأحناف

(1)

.

‌المسألة السادسة- هل يجمع بين المسح على الجبيرة والتيمم؟

أيضاً لم يتفق الأئمة الأربعة في حكم الجمع بين المسح على الجبيرة والتيمم

(2)

.

‌المسألة السابعة- هل تجب إعادة الصلاة بعد البُرء؟

بناء على اختلافهم في اشتراط وضع الجبيرة على طهارة، اختلفوا أيضاً في أنه هل تجب إعادة الصلاة بعد البُرء

(3)

؟

(1)

حيث قالوا: يجب مسح الأكثر، والباقون قالوا: يجب مسح الكل. انظر في المراجع السابقة.

(2)

المراجع السابقة نفسها.

(3)

المراجع السابقة نفسها.

ص: 124

‌المسألة الثامنة- نواقض المسح على الجبيرة:

لم يتفق الأربعة

(1)

، إلا على ناقض واحد من أصل ناقضين وهو (الحدث) فيبطل المسح على الجبيرة بالاتفاق بالحدث، لكن إذا أحدث صاحب الجبيرة اختلف ماذا عليه؟

أما نزعها وسقوطها: فلم يتفق الأئمة الأربعة على بطلان المسح عليها، والمخالف الوحيد هم الحنفية

(2)

.

(1)

المراجع السابقة نفسها.

(2)

مراقي الفلاح (1/ 173).

ص: 125

الفصل الخامس

الغُسل

وفيه ثمانية مباحث:

المبحث الأول: خصائصه.

المبحث الثاني: موجباته.

المبحث الثالث: فرائضه.

المبحث الرابع: سننه.

المبحث الخامس: مكروهاته.

المبحث السادس: ما يحرم على الجنب.

المبحث السابع: الأغسال المسنونة.

المبحث الثامن: ملحق في أحكام المساجد.

ص: 126

‌الفصل الخامس: الغُسل

‌المبحث الأول: خصائص الغسل:

الغُسل بضم العين لغة: اسم من الاغتسال.

وشرعاً: هو تمام غسل الجسد، واسم لما يغتسل به أيضاً.

والضم هو الذي اصطلح عليه الفقهاء أو أكثرهم وإن كان الفتح أفصح وأشهر في اللغة

(1)

وعرفه الشافعية بالفتح وهو المشهور والأفصح لغة: سيلان الماء على الشيء.

وشرعاً: سيلانه على جميع البدن بالنية في غسل الميت بشرائط مخصوصة

(2)

.

وبالضم لغة: للماء الذي يغتسل به، وبالكسر: لما يغتسل به من سدر ونحوه.

والأصل في مشروعيته

(3)

:

قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)[المائدة: 6].

وهو أمر بتطهير جميع البدن، إلا أن ما يتعذر إيصال الماء إليه كداخل العينين خارج عن الإرادة، لما في غسلهما من الضرر والأذى.

(1)

رد المحتار (1/ 102)، مراقي الفلاح (1/ 130).

(2)

نهاية المحتاج (1/ 209).

(3)

مراقي الفلاح (1/ 130)، الفقه الإسلامي (1/ 359).

ص: 127

والقصد منه التنظيف، وتجديد الحيوية وإثارة النشاط، لأن عملية الجنابة تؤثر في جميع أجزاء الجسد، فتزال آثارها بالاغتسال.

وركنه: عموم ما أمكن من الجسد، من غير حرج، بالماء الطهور.

وسببه: إرادة ما لا يحل من الجنابة أو وجوبه.

وحكمه: حل ما كان ممتنعاً قبله، والثواب بفعله، تقرباً إلى الله.

أما الستر للغسل: فيجوز أن ينكشف للغسل في خلوة، أو بحضرة من يجوز له نظره إلى عورته والستر أفضل، والدليل على هذا.

حديث يعلى بن أمية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يغتسل بالبَراز، فصعد المنبر وأثنى عليه ثم قال:(إِنَّ اللهَ عز وجل حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِّبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ)

(1)

.

(1)

أخرجه أبو داود (4012) والنسائي (406). وأحمد في " المسند " 4/ 224، وإسناده حسن. وصححه النووي في "الخلاصة"(1/ 204). (جامع الأصول في أحاديث الرسول 7/ 300)

ص: 128

‌المبحث الثاني- موجبات الغسل:

يسمى ما يوجب الغسل (حدثاً أكبر)، كما يسمى ما يوجب الوضوء (حدثاً أصغر).

وموجبات الغسل على المكلف (البالغ العاقل) ذكراً أو أنثى المتفق عليها بين الأئمة

(1)

الأربعة خمسة أشياء وهي:

1 -

خروج المنيّ: اتفق الأئمة الأربعة على وجوب الغسل بخروج المني، وهو بروزه إلى الظاهر من فرج الرجل أو المرأة، بلذة معتادة تدفقاً، في حالة النوم أو اليقظة، بنَظَر أو فكر في جماع أو بمباشرة فعلية لإنسان حيّ.

والمنيّ: هو ماء أبيض ثخين ينكسر الذكر بخروجه يشبه رائحة الطَّلع.

ومني المرأة: رقيق أصفر. ولا غسل للمذي والودي.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 360) مراقي الفلاح (1/ 130) الهداية (1/ 19) اللباب (1/ 22) الدر المختار (1/ 107) شرح فتح القدير (1/ 53) الميزان (1/ 87) منهاج الطالبين ص (14)، نهاية المحتاج (1/ 214) أنوار المسالك ص (42) الإقناع (1/ 65) المقدمة الحضرمية ص (41) حاشية الدسوقي (1/ 126) حاشية العدوي (1/ 210) بداية المجتهد (1/ 80) القوانين الفقهية ص (23) الإفصاح (1/ 64 - 65)، العدة ص (57) الروض المربع ص (41) منار السبيل (1/ 38).

ص: 129

أما المذي: فهو رقيق أبيض مائل إلى البياض، يخرج عند ملاعبة الرجل أهله.

وأما الودي: فهو الغليظ من البول يعقب الرقيق منه.

ولا يجب بالاتفاق الغسل على امرأة بمني وصل للفرج ما لم تحبل منه.

واتفقوا على أن رطوبة الفرج طاهرة وغسله سنة.

والدليل على وجوب الغسل بخروج المني للرجل والمرأة:

أ - عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلاً مذاءً فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:(فِي الْمَذْيِ الْوُضُوءُ وَفِي الْمَنِيِّ الْغُسْلُ)

(1)

.

ولأحمد فقال: (إِذَا خَذَفْتَ الْمَاءَ

(2)

فَاغْتَسِلْ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ خَاذِفاً فَلا تَغْتَسِلْ)

(3)

.

ب - وعن أم سلمة رضي الله عنها أن أُمَّ سليم رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة الغسل إذا

(1)

أخرجه أحمد (869) وأبو داود (206) والترمذي (114). وقال الترمذي: حسن صحيح.

(2)

حَذَفْتَ: يروى بالحاء المهملة والخاء المعجمة بعدها ذال معجمة مفتوحة ثم خاء وهو الرمي وهو لا يكون بهذه الصفة إلا لشهوة (نيل الأوطار ج 1/ 338).

(3)

أخرجه أحمد (847) وقال شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره.

ص: 130

احتلمت؟ قال: (نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ)، فقالت أم سلمة: وتحتلم المرأة؟ فقال: (تَرِبَتْ يَدَاكِ فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا)

(1)

.

وليس في المذي والودي غسل، وفيهما الوضوء وغسل الذكر، والدليل على عدم وجوب الغسل من المذي والودي:

حديث عبد الله بن سعد الأنصاري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، فقال: (ذَاكَ الْمَذْيُ، وَكُلُّ فَحْلٍ يُمْذِي، فَتَغْسِلُ مِنْ ذَلِكَ فَرْجَكَ وَأُنْثَيَيْكَ

(2)

وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ)

(3)

.

2 -

التقاء الختانين

(4)

ولو من غير إنزال:

أو الجنابة بغيب حشفة (رأس الذكر)، أو قدرها من مقطوعها في فرج مطيق للجماع، قبلاً أو دبراً، من ذكر أو أنثى حيّ بالغين، طائع أو مكره، نائم أو يقظان، ولا يشترط الإنزال بالاتفاق.

(1)

أخرجه البخاري (130) ومسلم (313).

(2)

الأُنثيان: الخصيتان (لسان العرب 2/ 112).

(3)

أخرجه أحمد (1907) وأبو داود (211). قال الشيخ شعيب في تحقيقه لسنن أبي داود: إسناده صحيح.

(4)

الخِتانُ: موضع الختن من الذكر، موضع القطع من نواة الجارية، قال أبو منصور: هو موضع القطع من الذكر والأنثى. (لسان العرب 13/ 138).

ص: 131

واختلف الأئمة الأربعة في وجوب الغسل للمراهق والصغيرة التي وطئها بالغ، واختلفوا أيضاً في وجوب الغسل على واطئ البهيمة أو الميتة.

وكل هذا الخلاف من غير إنزال، فإذا وجد الإنزال وجب الغسل بالاتفاق من غير خلاف.

واختلفوا أيضاً في وجوب الغسل في حالة عدم الإنزال ولكن بإيلاج بحائل، كأن يلف على ذكره خرقة أو يدخله في كيس.

والدليل على إيجاب الغسل بالتقاء الختانين:

1 -

القرآن: قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)[المائدة: 6].

2 -

السنة: منها؛

أ- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ)

(1)

.

ولمسلم: (وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ)

(2)

.

ت - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ مَسَّ الخِتَانُ الْخِتَانَ، فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ)

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري (287) ومسلم (348) وأحمد (7198) ومعنى (شُعَبِهَا الأرْبَع): هِيَ الْيَدَانِ والرِّجلانِ (النهاية في غريب الحديث 2/ 477). ومعنى (جَهَدَهَا): أَيْ دَفَعَها وحَفَزَها (النهاية في غريب الحديث 1/ 320).

(2)

أخرجه مسلم (348) والبزار (9594).

(3)

أخرجه مسلم (349) وأبو داود (216).

ص: 132

وللترمذي: (إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ، وَجَبَ الْغُسْلُ)

(1)

.

ج- وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: إن الفتيا التي كانوا يقولون: (الماء من الماء) رُخصة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص بها في أول الإسلام، ثم أمرنا بالاغتسال بعدها.

وفي لفظ (إِنَّمَا كَانَ الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُهِيَ عَنْهُ)

(2)

.

فدل هذا الحديث على أن حديث رافع بن خديج وغيره عند مسلم وأحمد وأبو داود وهو: (الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ)

(3)

منسوخ، وبه يرد على الأنصار الذين كانوا يقولون: لا يجب الغسل بِالْإِكْسَالِ (أي من غير إنزال) إذ إن هذه الأحاديث صريحة في إيجاب الغسل من التقاء الختانين، أنزل أم لم ينزل، وقد انعقد إجماع الصحابة على ذلك

(4)

.

وليس المراد من التقاء الختانين تجاورهما أو انضمامهما فقط، وإنما مجاوزة الختان الختان فهو مجاز أريد به الإيلاج، أو إدخال الحشفة في الفرج (القبل أو الدبر) إذ الختانان محلُّ القطع في الختان، وختان المرأة فوق مخرج البول، ومخرج البول فوق مدخل الذكر.

(1)

أخرجه أحمد (25037) والترمذي (108) وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

(2)

أخرجه أحمد (21100) والدارقطني (456) وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح.

(3)

أخرجه مسلم (43) وأبو داود (217) وابن ماجه (607).

(4)

سبل السلام (1/ 84، 85).

ص: 133

3 -

4 الحيض والنفاس:

ويوجبان الغسل باتفاق الأئمة الأربعة.

والدليل على وجوب الغسل على الحائض:

1 -

القرآن: قوله تعالى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)[البقرة: 222].

3 -

السنة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني امرأة أُستحاض فلا أطْهُر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي)

(1)

.

وفي رواية للبخاري: (وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي)

(2)

.

والدليل على وجوب الغسل على النفساء.

حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَنْتَظِرُ النُّفَسَاءُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَمَنْ رَأَتِ الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَهِيَ

(1)

أخرجه البخاري (300) ومسلم (333)

(2)

أخرجه البخاري (319).

ص: 134

طَاهِرٌ، وَإِنْ جَاوَزْتِ الْأَرْبَعِينَ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ تَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ)

(1)

.

ولأنه دم حيض مجتمع احتبس لأجل الحمل.

ولا يجب الغسل بدم الاستحاضة، لكن يندب إذا انقطع.

وانقطاع دم الحيض والنفاس شرط وجوب الغسل وصحته، بدليل قوله تعالى:(فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ)[البقرة: 222] يعني إذا اغتسلن.

قيل: منع الزوج وطأها قبل الغسل، فدل على وجوبه عليها.

واختلف الأئمة الأربعة في وجوب الغسل على الولادة بلا بلل، والمخالف الوحيد هم الحنابلة

(2)

.

5 -

موت المسلم غير الشهيد:

يجب تعبداً باتفاق المذاهب الأربعة على المسلمين وجوب كفاية غسل الميت المسلم غير الشهيد، الذي لا جنابة منه، والدليل على الوجوب:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم خرَّ رجل من بعيره فَوُقِصَ فمات فقال: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القيامةِ مُلَبِّيًا)

(3)

(1)

أخرجه الحاكم في المستدرك (625) والدارقطني (858).

(2)

في أرجح أقوالهم: حيث قالوا بعدم وجوب الغسل، والأئمة الثلاثة بالوجوب. انظر: كشاف القناع (1/ 146). والمغني (1/ 134).

(3)

أخرجه البخاري (1851) ومسلم (1206). والوقص: كسر العنق.

ص: 135

وللنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغْسِلُوا الْمُحْرِمَ فِي ثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ أَحْرَمَ فِيهِمَا، وَاغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تُمِسُّوهُ بِطِيبٍ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحْرِمًا)

(1)

فهو دليل على وجوب غسل الميت، وقد غُسل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بعده، وتوارثه المسلمون.

واختلف الأئمة الأربعة

(2)

في وجوب الغسل على الكافر إذا أسلم، أو المرتد، أو المميز، هذا إذا لم يكن جنباً، فإذا كان جنباً فيجب الغسل بالاتفاق للأدلة التي مرت معنا في وجوب الغسل من الجنابة.

ويلاحظ أنه إذا اجتمع شيئان يوجب الغسل، كالحيض والجنابة، أو التقاء الختانين والإنزال؛ أجزاه غسل واحد، واختلفوا في أنه هل تنوب نية الغسل عن الوضوء، والمخالف هم الحنابلة

(3)

.

(1)

أخرجه النسائي (1904).

(2)

المراجع السابقة نفسها.

(3)

حيث قالوا: أنه لا بد من نية الوضوء أيضاً، بخلاف الأئمة الثلاثة فلم يشترطوا ذلك لدخول الموضوع تحت الغُسل بخلاف العكس انظر: كشاف القناع (1/ 93).

ص: 136

‌المبحث الثالث: فرائض الغسل:

ثبتت فرضية الغسل باتفاق الأئمة الأربعة:

1 -

بالقرآن: قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)[المائدة: 6].

وقوله سبحانه وتعالى: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا)[النساء: 43].

2 -

السنة: صِفَةِ غُسْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كاملة وهي:

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ. ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ. فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ. ثم يتوضأ وضوئه لِلصَّلَاةِ. ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ. فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ. حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدِ اسْتَبْرَأَ، حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ. ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ. ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ)

(1)

.

وفي رواية أخرى: (ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدَيْهِ شَعْرَهُ، حَتَّى إذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ، أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ)

(2)

.

(1)

أخرجه مسلم (316).

(2)

أخرجه البخاري (269) والنسائي (420).

ص: 137

وقد اتفق الأئمة الأربعة

(1)

على فرائض وواجبات في الغسل وهي:

تعميم الجسد-شعره وبشرته-بالماء الطهور:

اتفق الأئمة الأربعة على أنه يجب تعميم الشعر والبشرة بالماء مرة واحدة، حتى لو بقيت بقعة يسيرة لم يصبها الماء يجب غسلها، ويجب تعهد مواطن تجاعيد البدن، كالشقوق التي في البدن، أي التكاميش والسرة، والإبطين وكل ما غار من البدن، بصب الماء عليها.

وهل يجب نقض ضفائر الشعر؟ اتفق الأئمة الأربعة على أن نقض الشعر غير واجب إن وصل الماء لأصول الشعر، واختلفوا في فروع هذه المسألة بآراء متقاربة، والدليل على ذلك:

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ:(لَا. إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ)

(2)

.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 369) مراقي الفلاح (1/ 137) الهداية (1/ 19) اللباب (1/ 21) الدر المختار (1/ 102) شرح فتح القدير (1/ 50)، المقدمة الحضرمية ص (42)، منهاج الطالبين ص (14)، أنوار المسالك ص (45) الإقناع (1/ 68) نهاية المحتاج (1/ 222) القوانين الفقهية ص (22) حاشية العدوي (1/ 210) حاشية الدسوقي (1/ 126) بداية المجتهد (1/ 77) الروض المربع ص (41) العدة ص (58) منار السبيل (1/ 39).

(2)

أخرجه مسلم (330) ومعنى (أشد ضفر رأسي): أحكم فتل شعري.

ص: 138

أما غسل بشرة الرأس: فواجب الاتفاق، سواء أكان الشعر كثيفاً أم خفيفاً، وكذلك ما تحت الشعر كجلد اللحية وغيرها وذلك ثابت بالدليل:

لحديث علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعَرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يُصِبْهَا مَاءٌ، فَعَلَ اللهُ تَعَالَى بِهِ كَذَا

وَكَذَا مِنَ النَّارِ) قَالَ عَلِيٌّ: (فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ شَعْرِي)

(1)

.

وزاد أبو داود: وكان يجزُّ شعره رضي الله عنه

(2)

.

واختلف الأئمة إلى فريقين في وجوب غسل المسترسل من الشعر وعدمه.

واختلفوا أيضاً في وجوب المضمضة والاستنشاق وعدمه إلى فريقين أيضاً.

واختلفوا أيضاً في وجوب النية وعدمها إلى فريقين، وفي وجوب التسمية وعدمه والمخالف واحد

(3)

.

(1)

أخرجه أحمد (727) والدارمي (778) وقوله: "عَادَيْتُ شَعْرِي" أَيْ: اسْتَأْصَلْتُهُ وَحَلَقْتُهُ لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ، وَقِيلَ: أَيْ رَفَعْتُهُ عِنْدَ الْغُسْلِ، مِنْ قَوْلِهِمْ عَادَيْت رِجْلِي عَنْ الْأَرْضِ أَيْ: جَافَيْتهَا وَعَادَيْتُ الْوِسَادَةَ أَيْ: ثَنَيْتُهَا. (طِلبة الطَّلبة ص: 6 لأبي حفص النَّسَفي).

(2)

أخرجه أبو داود (249).

(3)

وهم الحنابلة: حيث قالوا أن التسمية فرض كالوضوء، بخلاف الأئمة الثلاثة فقالوا بالسنية. انظر: كشاف القناع (2/ 93).

ص: 139

واختلفوا أيضاً في وجوب الدلك والموالاة والترتيب وعدمه والمخالف واحد

(1)

.

‌المبحث الرابع- سنن الاغتسال:

بيَّنا كيفية غسل النبي صلى الله عليه وسلم وهو دليل لصفة الغسل الكامل الشامل للواجب.

والسنة: وهو ما اجتمع فيه اثنا عشر شيئاً كما فهمه الحنفية

(2)

، وهو جامع وشامل لسنن الغسل وفضائله وواجباته عند بقية المذاهب وهي:

1 -

الابتداء بالتسمية.

2 -

النية.

3 -

غسل اليدين إلى الرسغين.

4 -

غسل نجاسة لو كانت بانفرادها.

5 -

غسل فرجه.

6 -

الوضوء كوضوئه للصلاة.

7 -

تثيلث الغسل ومسح الرأس، ولكنه يؤخر غسل الرجلين إن كان يقف في محل يجتمع فيه الماء.

(1)

وهم المالكية: حيث قالوا بالوجوب بخلاف الأئمة الثلاثة فقالوا بالسنية. انظر: القوانين الفقهية ص (22).

(2)

مراقي الفلاح (1/ 140 - 141)، الفقه الإسلامي (1/ 380).

ص: 140

8 -

إفاضة الماء على بدنه ثلاثاً.

9 -

الابتداء في صب الماء برأسه.

10 -

يغسل بعدها منكبه الأيمن.

11 -

ثم الأيسر.

12 -

يدلك جسده.

واختلف الأئمة في أصل حد تقدير ماء الغسل والوضوء إلى قسمين هل هو سنة أم لا؟

وآداب الاغتسال: هي آداب الوضوء، إلا أنه لا يستقبل القبلة، لأنه يكون غالباً مع كشف العورة والدليل عليه قد سبق ذكره في بحث الوضوء.

ص: 141

‌المبحث الخامس- مكروهات الاغتسال:

اختلف الأئمة الأربعة في آراء مختلفة في الذي يكره في الغسل، ولكنهم اتفقوا

(1)

على كراهة الإسراف في الماء، ولو على نهر جار، والدليل على الكراهة:

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بسعد رضي الله عنه وهو يتوضأ فقال: (مَا هَذَا السَّرَفُ؟) فقال: أفي الوضوء إسراف! قال: (نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ)

(2)

.

ويكره للجنب ومنقطعة دم الحيض والنفاس ترك الوضوء لنوم فقط، ولا يكره تركه لأكل وشرب ومعاودة وطء، وإنما يستحب لهما الوضوء.

والدليل على كراهة ترك الوضوء للجنب ومنقطعة دم الحيض والنفاس قبل النوم:

أ- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: يا رسول الله، أينام أحدنا وهو جنب؟ قال:(نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ)

(3)

.

ب- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ، غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ)

(4)

.

(1)

المراجع السابقة نفسها.

(2)

أخرجه أحمد (7065) وابن ماجه (425). قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.

(3)

أخرجه البخاري (285) وأحمد (4662) والترمذي (120).

(4)

أخرجه البخاري (284) ومسلم (305).

ص: 142

والدليل على استحباب الوضوء للأكل والشرب للجنب:

حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِلْجُنُبِ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ، أَنْ يَتَوَضَّأَ)

(1)

.

والدليل على كون الوضوء يستحب للجنب لمعاودة الوطء:

حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ)

(2)

.

وزاد بعضهم: (فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ)

(3)

.

لكن الغسل لمعاودة الوطء أفضل من الوضوء، لأنه أنشط.

فائدة:

قال الغزالي في الأحياء

(4)

:

لا ينبغي أن يُقلِّم أويحلق أو يستحدّ

(5)

أو يخرج دماً، أو يُبيْن من نفسه جزءاً وهو جنب، إذ يُردُّ إليه سائر أجزائه في الآخرة، فيعود جنباً. ويقال: إنّ كل شعرة تطالب بجنابتها.

(1)

أخرجه أبو داود (225).

(2)

أخرجه مسلم (308) وابن ماجه (687).

(3)

سنن البيهقي (985) وصححه الحاكم في " المستدرك ".

(4)

مغني المحتاج (1/ 57).

(5)

الاستحداد: حلق شعر العانة (لسان العرب 3/ 141).

ص: 143

‌المبحث السادس: ما يحرم على الجنب ونحوه:

اتفق الأئمة الأربعة

(1)

على أنه يحرم على الجنب والحائض والنفساء ما يحرم على المحدث حدثاً أصغر وغيرها، وهي أربعة أشياء:

1 -

الصلاة، ومثلها سجود التلاوة: تحرم على الجنب ونحوه إجماعاً والدليل على الحرمة:

أ- قوله تعالى: (وَإِنْ كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)[سورة المائدة: 6].

ب- السنة: عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ)

(2)

.

2 -

الطواف حول الكعبة، ولو نفلاً، لأنه صلاة والدليل على الحرمة:

عن طاووس، عن رجُلٍ قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إنَّمَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، فَإِذَا طُفْتُمْ فَأَقِلُّوا الْكَلَامَ)

(3)

.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 383) مراقي الفلاح (1/ 178) الهداية (1/ 33) اللباب (1/ 7) الدر المختار (1/ 115) شرح فتح القدير (1/ 148) الميزان (1/ 87) المقدمة الحضرمية ص (35 - 36 - 41)، منهاج الطالبين ص (11 - 14)، أنوار المسالك ص (36 - 41)، نهاية المحتاج (1/ 217) الإقناع (1/ 67). بداية المجتهد (1/ 83) حاشية الدسوقي (1/ 138) القوانين الفقهية ص (25)، الروض المربع ص (42) العدة ص (62) منار السبيل (1/ 36).

(2)

أخرجه مسلم (224) وابن ماجه (272)

(3)

رواه أحمد والنسائي والترمذي والحاكم والدارقطني من حديث ابن عباس، وهو صحيح (نيل الأوطار: 207/ 1).

ص: 144

3 -

مس القرآن والدليل على الحرمة:

أ- القرآن: قوله تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)[الواقعة: 79]. أي: المتطهرون وهو خبر بمعنى النهي.

ب- السنة: عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتاباً، وكان فيه:(لا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلا طَاهِرٌ)

(1)

.

ولمالك في الموطأ مرسلاً قال: إن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: (ألا يَمَسَّ القُرْآنَ إلا طَاهِرٌ)

(2)

.

وقال الأشرم: واحتج أبو عبد الله: يعني أحمد بن حنبل بحديث ابن عمرو: (ولا يُمَسَّ المصحفُ إلا على طَهَارَةٍ)

(3)

.

(1)

أخرجه الدارمي (2312) والدارقطني (439).

(2)

أخرجه مالك (297). قال ابن عبد البر في التمهيد (17/ 396): "كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم إلى أهل اليمن في السنن والفرائض والديات كتاب مشهور عند أهل العلم معروف يستغني بشهرته عن الإسناد"

(3)

أخرجه الدارقطني (439) بمعناه.

ص: 145

وهذه الأمور الثلاثة تحرم على المحدث حدثاً أصغر أو أكبر، ويزاد علها للجنب ونحوه أيضاً:

4 -

الاعتكاف في المسجد، والمكث في المسجد والدليل على الحرمة:

أ- عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: (وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَصْنَعِ الْقَوْمُ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِمْ رُخْصَةٌ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ بَعْدُ فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ)

(1)

.

ب- وعن أم سليم رضي الله عنها قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم صرحة هذا المسجد، فنادى بأعلى صوته:(إنَّ المَسْجِدَ لَا يَحِلُّ لحائضٍ ولا لِجُنُبٍ)

(2)

.

واختلف الأئمة في عبور الجنب أو الحائض أو النفساء المسجد إلى فريقين.

واختلفوا أيضاً في تقدير الجزء المحرم من قراءة القرآن إلى فريقين أيضاً.

ولكنهم اتفقوا على أنه لا يحرم النظر في القرآن لجنب وحائض ونفساء؛ لأن الجنابة لا تحل العين الناظرة.

(1)

أخرجه أبو داود (232) وابن خزيمة (1327). وقوله: (وجهوا) أي حولوا أبواب البيوت.

(2)

أخرجه ابن ماجه (645) والبيهقي. وقال: صحيح.

ص: 146

‌المبحث السابع: الأغسال المسنونة

الغسل قد يكون واجباً: كالغسل من الجنابة والحيض والنفاس.

وقد يكون سنة أو مندوباً أو مستحباً.

واتفق الأئمة الأربعة

(1)

على سُنية الأغسال الثمانية التالية:

1 -

الغسل لصلاة الجمعة:

وذلك للأدلة المتعددة: منها:

أ - حديث ابن عمررضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ)

(2)

.

ب- وعن سمرة بن جنب أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ تَوَضَّأَ لِلْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَذَلِكَ أَفْضَلُ)

(3)

.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 386) مراقي الفلاح (1/ 144) الهداية (1/ 20)، اللباب (1/ 23)، الدر المختار (1/ 113) شرح فتح القدير (1/ 57) الإقناع (1/ 71) أنوار المسالك ص (46) نهاية المحتاج (1/ 229) القوانين الفقهية ص (22)، حاشية الدسوقي (1/ 133) بداية المجتهد (1/ 232)، منار السبيل (1/ 42) الروض المربع ص (130)، العدة ص (140).

(2)

أخرجه البخاري (837) وأبو داود (844).

(3)

أخرجه أحمد (20174) والدارمي (1540) والترمذي (497) وقال: حديث حسن.

ص: 147

واختلف الأئمة هل السنية في يوم الجمعة أم لصلاة الجمعة؟ إلى فريقين، ولكنهم اتفقوا على أنه لا يعتبر الغسل بعد صلاة الجمعة إجماعاً.

مسألة: واتفق الأئمة الأربعة على أنه من اغتسل لجنابة، أو نحوها، مع غسل جمعة أو عيد أجزأه الغسل عنهما إذا نوى بالجنابة وأتبعها الجمعة، كما لو اغتسل لفرضي جنابة وحيض اتفاقاً.

وغسل الجمعة آكد الأغسال المسنونة للأدلة الكثيرة، ولا يستحب للنساء.

2 -

الغسل لصلاة العيدين:

والدليل على السنية: حديث الفاكة بن سعد، رضي الله عنه وكان له صحبته:(أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ)، وكان الْفَاكِهُ بْنُ سَعْدٍ يأمر أهله بالغسل في هذه الأيام

(1)

.

ولأنها صلاة شرعت لها الجماعة، فأشبهت الجمعة.

3) للإحرام بالحج أو بالعمرة، ولوقوف عرفة بعد الزوال، ولدخول مكة، ومبيت مزدلفة، وطواف زيارة، وطواف وداع.

(1)

أخرجه عبد الله بن أحمد في المسند (16720) والطبراني في الكبير (828).

ص: 148

والدليل على سنية الغسل للإحرام: حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه (رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَجَرَّدَ لِإهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ)

(1)

، وظاهره ولو مع حيض ونفاس بدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت: نُفِسَتْ أسماء بنت عُمَيس رضي الله عنها، بمحمد بن أبي بكر بالشجرة، (فَأَمَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أبَا بكرٍ أَنْ يَأْمُرْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وتُهِلَّ)

(2)

.

والدليل على سنية الغسل لوقوف عرفة:

أ- عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن علياً كرم الله وجهه كان يغتسل يوم العيدين، ويحرم الجمعة، ويوم عرفة، وإذا أراد أن يحرم

(3)

.

ب- وعن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يَغْتَسِلُ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِدُخُولِهِ مَكَّةَ، وَلِوُقُوفِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ

(4)

.

والدليل على سنية الغسل للدخول إلى مكة ولو مع حيض:

عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان لَا يَقْدَمُ مَكَّةَ إِلَّا بَاتَ بِذِي طُوًى

(1)

أخرجه الترمذي (830) وابن خزيمة، وقال الترمذي: حسن غريب.

(2)

أخرجه مسلم (1029) وأبو داود (1743) وابن ماجه (2911).

(3)

أخرجه الشافعي في مسنده ص (74) وانظر معرفة السنن والآثار (5/ 49) ..

(4)

أخرجه مالك في الموطأ (1152).

ص: 149

حَتَّى يُصْبِحَ، وَيَغْتَسِلَ، ثم يدخل مكة نهاراً، ويُذْكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله

(1)

.

وأما الغسل لمبيت مزدلفة ورمي الجمار في منى وطواف الزيارة والوداع، فلأنها أنساك يجتمع لها الناس، فيعرقون، فيؤذي بعضهم بعضاً، فاستحب الغسل لها كالجمعة دفعاً للروائح وللتنظيف.

4) لصلاة الكسوف (للشمس) والخسوف (للقمر) والاستسقاء؛ لأنها عبادة يجتمع لها الناس فأشبهت الجمعة والعيدين، وقال الحنفية: إنه مندوب فقط

(2)

.

5) لغسل الميت المسلم أو الكافر

(3)

. والدليل على الاستحباب أو الندبية:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ غَسَّلَ مَيْتاً فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)

(4)

، وظاهر الحديث يدل على

(1)

أخرجه البخاري (1680) ومسلم (1259).

(2)

مراقي الفلاح (1/ 146 - 147).

(3)

وهو مستحب عند الثلاثة، مندوب عن الحنفية.

(4)

أخرجه أحمد (9862) والترمذي (99) وأبو داود (3161) قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين. قال أبو داود: إنه منسوخ. انظر نيل الأوطار (1/ 364).

ص: 150

الوجوب، لكنه محمول على الندب عند الأئمة الأربعة لحديث:(إنَّ مَيِّتَكُمْ يَمُوتُ طَاهِراً فَحَسْبُكُمْ أَنْ تَغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ)

(1)

.

ولحديث: (كُنَّا نُغَسِّلُ الْمَيِّتَ فَمِنَّا مَنْ يَغْتَسِلُ وَمِنَّا مَنْ لَا يَغْتَسِلُ)

(2)

.

ولحديث: (لَا غُسْلَ عَلَيْكُمْ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ)

(3)

وهذا الحديث يدل على عدم الوجوب عند الأحناف، وقالوا بالندبية خروجاً من الخلاف، لكن قال الشوكاني

(4)

: القول بالاستحباب هو الحق، لما فيه من الجمع بين الأدلة بوجه مستحسن، وبه يتبيّن أن طلب الغسل غير لازم لغسل الميت، مندوب إليه في المذاهب الأربعة.

6) للمستحاضة

(5)

والدليل على السنية:

حديث عائشة رضي الله عنها قالت: استُحيضتْ زينب بنت جحش رضي الله عنها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:

(1)

أخرجه البيهقي (1385) والحاكم في المستدرك (1426). وقد حسن ابن حجر إسناده.

(2)

أخرجه الدارقطني (1820) والبيهقي في السنن (1481). وإسناده صحيح كما قال الحافظ ابن حجر.

(3)

رواه الدارقطني (1839). والحاكم مرفوعاً من حديث ابن عباس، وصحح البيهقي وقفه، وقال: لا يصح رفعه.

(4)

نيل الأوطار (1/ 365).

(5)

عند الشافعية والحنابلة أنه يسن لها الاغتسال لكل صلاة، وقال المالكية: إنه مستحب، وقال الحنفية: يندب لها إذا انقطع دمها.

ص: 151

(اغْتَسِلِي لِكُلِّ صَلَاةٍ)

(1)

.

ويجوز الاقتصار على غسل واحد لما يجوز جمعه بين الصلاتين: الظهر والعصر والمغرب والعشاء لحديث عائشة رضي الله عنها: (إِنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو اسْتُحِيضَتْ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا بِالْغُسْلِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا جَهَدَهَا ذَلِكَ أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِغُسْلٍ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِغُسْلٍ، وَالصُّبْحَ بِغُسْلٍ)

(2)

.

7) للإفاقة من جنون أو إغماء أو سكر: يندب الغسل لمن أفاق من جنون ونحوه. والدليل على الندبية: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (أَصَلَّى النَّاسُ). قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، قَالَ:(ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ). قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:(أَصَلَّى النَّاسُ). قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ .. فَذَكَرَتْ إرْسَالَهُ إلَى أَبِي بَكْرٍ)

(3)

.

(1)

أخرجه أبو داود (292) والبيهقي (1641)

(2)

أخرجه أحمد (24879) وأبو داود (295).

(3)

أخرجه البخاري (655) ومسلم (418). المخضب: إناء يغْتَسل فِيه. فَذَهَبَ لِيَنُوءَ: أي: لينهض بجهد.

ص: 152

8) عند حجامة، وفي ليلة براءة، وليلة القدر إذا رآها:

يندب عند الحنفية الغسل من الحجامة خروجاً من خلاف من ألزمه

(1)

.

وفي ليلة براءة: وهي ليلة النصف من شعبان لإحيائها وعظم شأنها، إذ فيها تقسم الأرزاق والآجال

(2)

وفي ليلة القدر إذا رآها، لإحيائها.

وفي حال فزع من خوف، التجاء إلى الله وكرمه، لكشف الكرب عنه.

وفزع من ظلمة وريح شديد، لأن الله تعالى أهلك به من طغى، كقوم عاد فيلتجئ المتطهر إليه، ويندب الغسل للتائب من ذنب، وللقادم من سفر، ولم أصابته نجاسة وخفي مكانها، فيغسل جميع بدنه، وجميع ثوبه احتياطا.

(1)

مراقي الفلاح (1/ 146 - 147).

(2)

وهو قول عكرمة وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما. والجمهور أن ذلك في ليلة القدر. (انظر كتاب ليلة النصف من شعبان لعبد الإله العرفج ص: 89)

ص: 153

‌المبحث الثامن: ملحق بالغسل، في أحكام المساجد:

المساجد أفضل بقاع الأرض، وأفضل المساجد ثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد المدينة، والمسجد الأقصى، وأفضل الثلاثة عند الجمهور: مسجد مكة، وعند مالك

(1)

: مسجد المدينة، كما أن مالكاً فضّل المدينة على مكة خلافاً للجمهور.

وقال الحنفية

(2)

: مسجد أستاذه للعلوم أفضل اتفاقاً - بعد المساجد الثلاثة-ومسجد الحي أفضل من الجامع.

والدليل على أنّ أفضل المساجد بعد الكعبة هو مسجد المدينة:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ)

(3)

.

والدليل على أنّ أفضل المساجد بعد الكعبة والمدينة هو بيت المقدس:

(1)

القوانين الفقهية ص (37).

(2)

الدر المختار (1/ 443).

(3)

أخرجه البخاري (1133) ومسلم (1394).

ص: 154

حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى)

(1)

.

وهذا بيان ما اتفق عليه الأئمة الأربعة

(2)

في أحكام المساجد: وهي اثنان وعشرون شيئاً:

1) يحرم على الجنب والحائض والنفساء دخول المسجد والمكوث فيه، واختلفوا في عبوره إلى فريقين، وقد مرّ دليله فيما يحرم على الجنب ونحوه.

2) يجوز للحدث الجلوس في المسجد، بإجماع المسلمين، سواء لغرض شرعي كاعتكاف، أو سماع قرآن، أو علم آخر، أم لغير غرض، ولا كراهة في ذلك.

3) اتفق الأئمة الأربعة على جواز النوم في المسجد، واختلفوا هل في ذلك كراهة أم لا؟

(1)

أخرجه البخاري (1132)، ومسلم (1397).

(2)

الفقه الإسلامي (1/ 392)، الدر المختار ورد المحتار (1/ 441) المجموع للنووي (2/ 196) كشاف القناع (2/ 364) القوانين الفقهية ص (37).

ص: 155

والدليل على الجواز فعل عبد الله بن عمر: أنه كان ينام وهو شابّ عزِب لا أهل له في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولفظ أحمد (كُنَّا نَنَامُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْنُ شَبَابٌ)

(1)

.

واختلف الأئمة الأربعة في حكم جواز دخول الكافر المسجد.

4) اتفق الأئمة الأربعة على جواز الأكل والشرب ووضع المائدة في المسجد، واختلفوا في هذا هل فيه كراهة أم لا؟ والدليل على الجواز:

حديث عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: (كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ)

(2)

.

واختلف الأئمة في حكم من أكل الثوم أو البصل، أو الكرّاث. أو غيرها مما له رائحة كريهة وبقيت رائحته ثم دخل المسجد من غير ضرورة، والمخالف واحد

(3)

.

5) يكره البصاق في المسجد. والدليل على الكراهة:

حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1)

أخرجه أحمد (4607) والترمذي (321) وقال: حسنٌ صحيح.

(2)

أخرجه ابن ماجه (3300) وابن حبان (1657). قال البوصيري في "مصباح الزجاجة "(2/ 179)"هذا إسناد حسن".

(3)

وهم المالكية: حيث قالوا بالحرمة، والباقي بالكراهة، نص المالكية على الحرمة في حاشية العدوي (1/ 465).

ص: 156

(البُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا)

(1)

.

6) تكره الخصومة في المسجد، ورفع الصوت فيه، ونشد الضّالة والدليل على الكراهة في الثالثة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ فِي الْمَسْجِدِ ضَالَّةً، فَلْيَقُلْ لَهُ: لَا أَدَّاهَا اللهُ إِلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا)

(2)

.

واختلف الأئمة في البيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود في المسجد والمخالف واحد

(3)

.

7) يكره إدخال البهائم والمجانين

(4)

، والصبيان الذين لا يميزون المسجد لأنه لا يؤمن تلويثهم إياه، ولا يحرم ذلك. والدليل على الجواز وعدم حرمته:

حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب، فإذا ركع وضعها، وإذا قام حملها

(5)

.

(1)

أخرجه البخاري (415) ومسلم (552).

(2)

أخرجه أحمد (8588) وأبو داود (473). قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم

(3)

قال الحنابلة بالحرمة، وإن وقع فهو باطل، والباقي قالوا بالكراهة، كشاف القناع (2/ 366).

(4)

أجاز الحنابلة إدخال المجانين في المساجد لحاجة، كتعليم الكتابة، كشاف القناع، (2/ 367).

(5)

أخرجه البخاري (494) ومسلم (543).

ص: 157

ولا ينفي هذا الحديث الكراهة، لأنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان الجواز فيكون حينئذ أفضل في حقه فإن البيان واجب.

8) يكره أن يجعل المسجد مقعداً لحرفة، كالخياطة ونحوها. والدليل على الكراهة:

حديث أنس بن مالك، رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عز وجل وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ)

(1)

.

أما من ينسخ فيه شيئاً من العلم، أو خاط ثوبه، ولم يجعله مقعداً للخياطة، فلا بأس به.

9) يجوز الاستلقاء في المسجد على القفا، ووضع إحدى الرجلين على الأخرى والدليل على الجواز:

عن عبّاد بن تميم عن عمه: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ رَافِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى)

(2)

.

10) ويكره التشبيك والفرقعة في المسجد إجماعًا.

والدليل على كراهة التشبيك في المسجد:

(1)

أخرجه مسلم (285) وأحمد (12984).

(2)

أخرجه البخاري (463) ومسلم (2100).

ص: 158

حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَإِنَّ التَّشْبِيكَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَزَالُ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ)

(1)

.

والدليل على كراهة فرقعة الأصابع في المسجد

حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُفَقِّعْ أَصَابِعَكَ فِي الصَّلَاةِ)

(2)

.

11) لا بأس بإنشاء الشعر في المسجد، إذا كان مدحا للنبوة أو الإسلام، أو كان حكمة، أو في مكارم الأخلاق، أو الزهد، أو نحو ذلك من أنواع الخير، والدليل على ذلك:

عن سعيد بن المسيّب قال: مرّ عُمر رضي الله عنه في المسجد وحسّان فيه ينشد فلحظ إليه، فقال: كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال: أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:(أَجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)؟ قال: نعم

(3)

.

(1)

أخرجه أحمد (11385) وقال المنذري والهيثمي: رواه أحمد بإسناد حسن" الترغيب 1/ 204 - المجمع 2/ 25.

(2)

أخرجه ابن ماجه (965) والتَّفْقِيعُ: الْفَرْقَعَةُ. وَهُوَ غَمْزُ الْأَصَابِعِ حَتَّى يُسْمَعَ لَهَا صَوْتٌ.

(3)

أخرجه البخاري (3040) ومسلم (2485).

ص: 159

أما ما فيه شيء مذموم كهجو مسلم، أو صفة الخمر، أو ذكر النساء أو المُرْد، أو مدح ظالم، أو افتخار منهي عنه، أو غير ذلك؛ فحرام، والدليل على الحرمة حينئذ:

حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم قال:(نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الْأَشْعَارُ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ الضَّالَّةُ، وَعَنِ الْحِلَقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ)

(1)

.

12) يسن كنس المسجد وتنظيفه وإزالة ما يرى فيه من نخامة أو بصاق أو نحو ذلك. والدليل على ذلك:

حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا)

(2)

.

القذاة: الواحدة من التبن والتراب وغير ذلك.

13) السنة لمن دخل المسجد ومعه سلاح، أن يمسك على حدّه، كنصل السهم وسنان الرمح ونحوه. والدليل على ذلك:

(1)

أخرجه أحمد (6676) وابن خزيمة (1304). قال محققو المسند: إسناده حسن.

(2)

أخرجه الترمذي (2916) أبو داود (461) وقال الترمذي: غريب. و (القذاة): ما يقع في العين.

ص: 160

حديث جابر رضي الله عنه قال: مرّ رجل في المسجد ومعه سهام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا)

(1)

.

14) السنة للقادم من سفر: أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين. والدليل عليه:

حديث كعب بن مالك رضي الله عنه: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ)

(2)

.

15) يكره لداخل المسجد: أن يجلس فيه حتى يصلي:

والدليل على ذلك: حديث أبي قتادة السّلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ)

(3)

.

16) يكره أن يتخذ على القبر مسجد:

والدليل على ذلك: حديث جندب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: (أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ

(1)

أخرجه البخاري (440) ومسلم (2614).

(2)

أخرجه البخاري (4418) ومسلم (716).

(3)

أخرجه البخاري (433) ومسلم (714).

ص: 161

مَسَاجِدَ! إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ)

(1)

.

وأما حفر القبر في المسجد، فحرام شديد التحريم.

17) السنة لمن أراد دخول المسجد، أن يتفقد نعليه، ويمسح ما فيهما، من أذى قبل دخوله والدليل على ذلك: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا، أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا)

(2)

.

18) يكره الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي إلا لعذر، والدليل على ذلك:

أ- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (إِذَا كُنْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَلَا يَخْرُجْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُصَلِّيَ)

(3)

.

ب- عن أبي الشعثاء قال: خرج رجل من المسجد بعدما أُذنّ فيه، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: (أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم

(4)

.

(1)

أخرجه مسلم (532) وابن أبي شيبة (7754).

(2)

أخرجه أبو داود (650) والبيهقي (4086) قال النووي: وإسناده صحيح. (المجموع 2/ 179 - ط المنيرية)

(3)

أخرجه أحمد (10933) قال الحافظ المنذري: وإسناده صحيح. (الترغيب والترهيب 1/ 189)

(4)

أخرجه مسلم (655) والترمذي (204) وابن ماجه (733).

ص: 162

19) يستحب أن يقول عند دخوله المسجد، وعند خروجه ما ورد في الحديث عن أبي حُميد وأبي أسيْد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لَنَا أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ)

(1)

.

ويقدم رجله اليمنى في الدخول، واليسرى في الخروج.

20) لا يجوز أخذ شيء من أجزاء المسجد، كحجر وحصاة وتراب وغيره.

والدليل على ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الحَصَاةَ لَتُنَاشِدُ الَّذِي يُخْرِجُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ)

(2)

.

21) يجوز بناء المسجد في موضع كان كنيسة وبيعة

(3)

أو مقبرة درست إذا أصلح ترابها.

والدليل على ذلك: حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَسْجِدَ الطَّائِفِ حَيْثُ كَانَ طَوَاغِيتُهُمْ)

(4)

.

(1)

أخرجه أحمد (16067) وابن حبان (2048). قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم.

(2)

أخرجه أبو داود (460) بإسناد صحيح.

(3)

الْبِيَعَةُ: كَنِيسَةٌ لِلنَّصَارَى (مختار الصحاح ص 43).

(4)

أخرجه أبو داود (450) وابن ماجه (743).

ص: 163

وقال عمر رضي الله عنه: إنا لا ندخل كنائسهم من أجل التماثيل التي فيها الصور

(1)

.

وكان ابن عباس يصلي في البيعة إلا بيعة فيها التماثيل

(2)

.

22) ورد في فضل المساجد أحاديث كثيرة، منها:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(أَحَبُّ البِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا. وَأَبْغَضُ البِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا)

(3)

.

(1)

شرح السنة للبغوي (2/ 413).

(2)

صحيح البخاري (1/ 167).

(3)

أخرجه مسلم (671) والبزار (8839).

ص: 164

الفصل السادس

وفي ثمانية مباحث:

المبحث الأول- تعريف التيمم

المبحث الثاني- مشروعيته وصفته

المبحث الثالث- أركان التيمم أو فرائضه

المبحث الرابع- كيفية التيمم

المبحث الخامس- شروط التيمم

المبحث السادس- سننه ومكروهاته

المبحث السابع- نواقض التيمم أو مبطلاته

المبحث الثامن- حكم فاقد الطهورين

ص: 165

‌الفصل السادس: التيمم

‌المبحث الأول- تعريف التيمم:

التيمم لغة: القصد، ومنه قوله تعالى:(وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ)[البقرة: 267].

وشرعاً: عرفه الفقهاء بعبارات متقاربة:

فقال الحنفية

(1)

: مسح الوجه واليدين عن صعيد مطهّر، والقصد شرط له لأنه النية.

وقال الشافعية

(2)

: إيصال التراب إلى الوجه واليدين بشرائط مخصوصة.

وقال المالكية

(3)

: طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين بنيته.

وقال الحنابلة

(4)

: مسح الوجه واليدين بصعيد على وجه مخصوص.

(1)

مرافي الفلاح (1/ 149).

(2)

نهاية المحتاج (1/ 263).

(3)

حاشية الدسوقي (1/ 147).

(4)

الروض المربع، ص 25.

ص: 166

‌المبحث الثاني- مشروعيته وصفته:

مشروعيته: التيمم من خصائص الأمة الإسلامية، شرع في غزوة بني المصطلق (غزوة المريسيع) في السنة السادسة من الهجرة، حينما أضاعت عائشة عِقْدها، فبعث صلى الله عليه وسلم في طلبه، وحانت الصلاة، وليس معهم ماء، فنزلت آية التيمم، كما نزلت آيات براءة عائشة من الإفك في سورة النور، فقال أُسيْد بن حُضير:(جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا، فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا)

(1)

واختلف الأئمة الأربعة في التيمم، هل هو رخصة، أم عزيمة؟ والمخالف واحد

(2)

.

وأدلة مشروعيته:

أ- الكتاب، قوله تعالى:(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)[المائدة: 6].

وهذا يدل على أن التيمم فريضة بدل الغسل بالماء.

ب- السنة، فأحاديث كثيرة منها:

(1)

أخرجه البخاري (329) ومسلم (367).

(2)

وهم الحنابلة، حيث قالوا إنه عزيمة، كشاف القناع (1/ 161).

ص: 167

حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بالناس، فإذا هو برجل معتزل فقال: ما منعك أن تصلي؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال:(عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ)

(1)

.

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسَاجِدَ وَطَهُورًا، أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ)

(2)

.

4 -

الإجماع، وأجمعت الأمة على جواز التيمم في الجملة.

أما صفته أو الطهارة التي هو بدل عنها: فاتفق الأئمة الأربعة

(3)

على أن التيمم ينوب عن الوضوء وعن الغسل من الجنابة والحيض والنفاس، فالمحدث والجنب والحائض والنفساء، ومن ولدت ولداً جافاً تتيمم للصلاة وغيرها من الطاعات، لأن الضمير في قوله تعالى:(فَلَمْ تَجْدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا)[المائدة: 6]. يعود على المحدث حدثًا أصغر وعلى المحدث حدثًا

(1)

أخرجه البخاري (341) والنسائي (321) والدارمي (7700). الصَّعِيدُ: التُّرَابُ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ وَجْهُ الْأَرْضِ (مختار الصحاح ص 176).

(2)

أخرجه أحمد (7068) والبيهقي (1060) وأصله في الصحيحين.

(3)

الفقه الإسلامي (1/ 407)، شرح فتح القدير (1/ 111)، الهداية (1/ 28)، الدر المختار، (1/ 152) الميزان (1/ 88)، الحضرمية ص (46)، منهاج الطالبين ص (16)، نهاية المحتاج (1/ 264) القوانين الفقهية ص (30)، حاشية الدسوقي (1/ 147)، بداية المجتهد (1/ 101)، منار السبيل (1/ 47)، الروض المربع ص (45).

ص: 168

أكبر عند القائلين بأن الملامسة هي الجماع، أما من كانت الملامسة عنده هي اللمس باليد في قوله تعالى (أو لامستم النساء) [المائدة: 6]، فالضمير يعود على المحدث حدثًا أصغر فقط، وتكون مشروعيته التيمم للجنب ثابتة بالسنة، وذلك بحديث عمران بن حصين السابق ذكره.

أما الطاعات التي يتيمم لها: فيجوز التيمم لكل ما يتطهر له من صلاة مفروضة أو نافلة، أو مس مصحف، أو قراءة قرآن، أو سجود تلاوة أو شكر، أو لبث في مسجد، للأحاديث السابقة، ولأنه يستباح بالتيمم ما يستباح بطهارة الماء.

وبناء على اختلاف الأئمة في أن التيمم هل هو بدل مطلق أو بدل ضروري، اختلفوا في الفروع، فاختلفوا في وقت التيمم، والمخالف واحد

(1)

.

ولكن اتفقوا في هذا الباب على أن الأفضل تأخير التيمم لآخر الوقت إن رجا وجود الماء حينئذ، فإن يئس من وجوده، فاختلف الأئمة فيه، والمخالف واحد

(2)

.

واختلف الأئمة في هذا بأنه هل يصلي بالتيمم الواحد فرضًا واحداً أو أكثر.

(1)

وهم الحنفية: القائلون بجواز التيمم قبل الوقت ولأكثر من غرض، والثلاثة: أنه لا يصح إلا بعد دخول وقت ما يتيمم له من فرض أو نفل. مراقي الفلاح (1/ 158).

(2)

وهم الحنابلة: أن تأخير التيمم أولى بكل حال، والثلاثة: تقديمه، كشاف القناع (1/ 178).

ص: 169

واختلفوا أيضا في هذا بأنه هل التيمم للنفل يجيز صلاة الفرض.

‌المبحث الثالث: أركان التيمم أو فرائضه:

للتيمم أركان أو فرائض، علماً بأن المراد بالركن أو الفرض:(ما يتوقف عليه أساساً وجود الشيء أو هو جانبه الأقوى). وهو اصطلاح الجمهور غير الحنفية.

أما الحنفية: فيحصرون الركن فيما يتوقف الشيء على وجوده، وكان جزءًا من حقيقته.

وأركان التيمم أو فرائضه المتفق عليها بين الأئمة الأربعة

(1)

هي اثنان:

1 -

2 مسح الوجه واليدين مع الاستيعاب: والدليل على الركنية أو الفرضية:

أ- قوله تعالى (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)[المائدة: 6].

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 426)، مراقي الفلاح (1/ 157)، الدر المختار (1/ 154) الهداية، (1/ 28)، شرح فتح القدير (1/ 109) المقدمة الحضرمية ص (50)، منهاج الطالبين ص (16)، نهاية المحتاج (1/ 289) الإقناع (1/ 80) القوانين الفقهية ص (30)، حاشية الدسوقي (1/ 154) بداية المجتهد (1/ 105) حاشية العدوي (1/ 228) الروض المربع ص (48)، منار السبيل (1/ 47)، العدة ص (59).

ص: 170

ب- السنة، منها، حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في التيمم:(ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ)

(1)

. وفي لفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم (أَمَرَهُ بِالتَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ)

(2)

.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (التَّيِمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ)

(3)

.

واختلف الأئمة الأربعة في المفروض عن التيمم، هل هو ضربة أم ضربتين؟ إلى فريقين.

واختلف الأئمة الأربعة أيضاً في المطلوب من اليدين، هل إلى المرفقين أم إلى الكوعين فقط؟؟ إلى فريقين.

واتفق الأئمة الأربعة على وجوب نزع الخاتم في التيمم بخلاف الوضوء، لأن التراب كثيف لا يسري إلى ما تحت الخاتم بخلاف الماء.

(1)

أخرجه الترمذي (144) والدارمي (772) وابن خزيمة (267) وقال الترمذي: حسن صحيح.

(2)

أخرجه الترمذي (144) وصححه، والنسائي (302).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (12266) والدارقطني (685) والحاكم في المستدرك (634). وصَحَّحَ الأَئِمَّةُ وقْفَهُ. (فتح الباري لابن رجب 2/ 235).

ص: 171

‌المبحث الرابع: كيفية التيمم:

لم يتفق الأئمة الأربعة على كيفية واحدة للتيمم، فاختلفوا إلى فريقين.

ولكنهم اتفقوا على أنه إن تيمم بأكثر من ضربتين جاز؛ لأن المقصود إيصال التراب إلى كل الفرض، فكيفما حصل جاز، كالوضوء.

ص: 172

‌المبحث الخامس- شروط التيمم

اتفق الأئمة الأربعة على

(1)

شرط واحد من شروط التيمم، وهو:

طلب الماء:

فيشترط لجواز التيمم باتفاق المذاهب الأربعة طلب الماء، مالم يتيقن عدم وجوده، لأنه لا يُسمى فاقد الماء (أو غير واجده أو عادمه) إلا إذا طلب الماء، فلم يجده.

لكن الفقهاء اختلفوا في تقدير المسافة التي يلزم طلب الماء فيها.

(1)

المراجع السابقة نفسها.

ص: 173

‌المبحث السادس- سننه ومكروهاته:

لم يتفق الأئمة الأربعة على سنية شيء في التيمم، واختلفوا فيها، والمخالف في معظمها واحد

(1)

.

ولم يتفقوا أيضا في الأمور المكروهة في التيمم، لأن الحنفية لم يبينوها ولم ينصوا عليها.

(1)

وهم الحنابلة: حيث قالوا بالوجوب فيما سنه بقية المذاهب كالتسمية والموالاة والترتيب، انظر: الروض المربع ص (28).

ص: 174

‌المبحث السابع- نواقض التيمم أو مبطلاته:

اتفق الأئمة الأربعة

(1)

على أن نواقض التيمم ثلاثة وهي:

1) كل ما ينقض الوضوء والغسل ينقض التيمم؛ لأنه بدل عنهما، وناقض الأصل ناقض لِخَلَفِهِ، فلو تيمم للجنابة، ثم أحدث صار محدثًا لا جنبًا، فيتوضأ وينزع خفيه إن كان لابسهما ثم بعده يمسح عليهما، ما لم يجد الماء.

2) زوال العذر المبيح له كذهاب العدو والمرض والبرد ووجود آلة نزع الماء، وإطلاق سراحه من السجن الذي لا ماء فيه؛ لأن ما جاز بعذر بطل بزواله.

3) رؤية الماء أو القدرة على استعمال الماء الكافي ولو مرة عند الحنفية والمالكية، ولو لم يكف عند الشافعية والحنابلة، وذلك قبل الصلاة، لا فيها باتفاق العلماء.

فاختلفوا إن رأى لمتيمم الماء في أثناء صلاته إلى فريقين:

واتفقوا على أن من رأى الماء بعد انتهاء الصلاة وكان ذلك بعد خروج وقت الصلاة، فلا يعيد الصلاة إجماعا، دفعا للحرج، وإن كان في أثناء الوقت فاختلفوا في إعادة الصلاة.

(1)

المراجع السابقة نفسها.

ص: 175

‌المبحث الثامن- حكم فاقد الطهورين:

فاقد الطهورين: هو فاقد الماء والتراب، كأن حبس في مكان ليس فيه واحد منهما. أو في موضع نجس لا يمكنه إخراج تراب مطهر.

ومثله: من عجز عن الوضوء والتيمم معًا، بمرض ونحوه، كمن كان به قروح لا يستطيع معها مسّ البشرة بوضوء ولا تيمم.

أما حكمه: فمختلف فيه بين الأئمة الأربعة إلى رأيين مختلفين.

ص: 176

الفصل السابع

الدماء وأحكامها

وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول- الحيض

المبحث الثاني- النفاس

المبحث الثالث- أحكام الحيض والنفاس وما يحرم على الحائض والنفساء

المبحث الرابع- الاستحاضة

ص: 177

‌الفصل السابع: الدماء وأحكامها

الدماء التي تخرج من الفرج ثلاثة:

أ دم حيض: وهو الخارج في حالة الصحة.

ب ودم استحاضة: وهو الخارج في حالة المرض، وهو غير دم الحيض.

ج ودم النفاس: وهو الخارج مع الولد.

ولكل أحكام، ففي هذا الفصل مباحث أربعة:

‌المبحث الأول: الحيض. وفيه مطلبان:

‌المطلب الأول- تعريف الحيض:

الحيض لغة: هو السَّيلان، يقال:(حاض الوادي)، إذا سال، و (حاضت الشجرة): إذا سال صمغها

(1)

.

وشرعاً: هو الدم الخارج في حالة الصحة من أقصى رحم المرأة من غير ولادة ولا مرض، في أمر معين، ولونه عادة: السواد، وهو محتدم (أي شديد الحرارة)، لذاع محرق (أي موجع مؤلم)، كريه الرائحة

(2)

. والأصل فيه:

(1)

مراقي الفلاح (1/ 175).

(2)

الفقه الإسلامي (1/ 455).

ص: 178

أ- القرآن، قوله تعالى:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ)[البقرة: 222]، أي الحيض.

ب - السنة، قول النبي صلى الله عليه وسلم:(هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ)

(1)

.

وقال بعضهم: كان أول ما أرسل الحيض على بني إسرائيل، قال الإمام البخاري: وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر

(2)

.

ووقته من بلوغ الأنثى تقريباً تسع سنين قمرية

(3)

، إلى سن اليأس، فإن رأت الدم قبل هذه السن أو بعد سن اليأس، فهو دم فساد أو نزيف. وتصبح الأنثى برؤية الحيض بالغة مكلفة مطالبة بجميع التكاليف الشرعية من صلاة وصوم وحج ونحوها، كما أن الولد يبلغ بالاحتلام بخروج المني.

ويحصل البلوغ باستكمال سن الخامس عشرة، إذا لم يحصل الاحتلام أو الحيض.

واختلف الفقهاء في تحديد سن اليأس لعدم النص فيه، ولاعتمادهم على الاستقراء والتتبع لأحوال النساء.

(1)

أخرجه البخاري (290) ومسلم (1211).

(2)

صحيح البخاري (1/ 113) في أول كتاب الحيض. ومعنى قول الإمام البخاري: (أكثر) أي: أكثر قوة وآكد ثبوتًا.

(3)

السنة القمرية: (1/ 6، 1/ 5، 354) ثلاثمائة وأربعة وخمسون يومًا، وخمس يوم، سدس.

ص: 179

واختلف الأئمة الاربعة في أنه هل تحيض الحامل أم لا؟ للأئمة فيه رأيان.

ألوان الدم:

دم الحيض في أيام العادة الشهرية باتفاق الأئمة هي: إما أسود أو أحمر أو أصفر أو أكدر (أي: متوسط بين السواد والبياض) وليست الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ بعد العادة حيضاً.

ولا يعرف انقطاعه إلا برؤية بياض خالص، بأن تدخل المرأة خرقة نظيفة أو قطنة في فرجها لتنظر هل بقي شيء من أثر الدم أم لا؟

والدليل على أن هذه الألوان في أيام العادة حيض: هو دخولها في عموم النص القرآني: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ)[البقرة: 222]، وأخبار في السنة:

منها قول عائشة رضي الله عنها: (كان النساء يَبْعَثْنَ إليها بِالدُّرْجةِ فِيها الكُرْسُفُ، فيهِ الصُفْرَةُ والكدرة مِنْ دَمِ الحَيْضِ، فتقول: لا تعجلنّ حتى ترين القَصَّةَ البَيْضاءَ)

(1)

، تريد بذلك الطهر من الحيض.

والدليل على أن ما بعد الحيضة من الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ ليس حيضاً: حديث

(1)

أخرجه مالك في الموطأ (97) وذكره البخاري في ترجمة باب 1/ 356 في الحيض. و (الدُرْجة): هي نحو خرقة كقطنة تدخلها المرأة فرجها ثم تخرجها لتنظر هل بقي شيء من أثر الدم أو لا. و (الكُرْسُف): القطن. (القَصَّةَ البَيْضاء): ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض.

ص: 180

أم عطية قالت: (كنا لا نعدّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شيئًا)

(1)

.

(1)

أخرجه البخاري (320) وابن ماجه (647)

ص: 181

‌المطلب الثاني- مدة الحيض والطهر:

أما أقل الحيض وأكثره: فلم يتفق الأئمة الأربعة على المقدار الأقل والأكثر.

أما أقل الطهر وأكثره: فاختلفوا في أقل الطهر، واتفقوا على أنه لا حدَّ لأكثره.

واتفق الأئمة الأربعة

(1)

على أن الطهر (المتخلل) بين الدمين إذا كان خمسة عشر يوماً فأكثر يكون فاصلًا بين الدمين، وما قبله وما بعده يعد حيضاً إذا بلغ أقل مدة الحيض.

(1)

المراجع السابقة نفسها.

ص: 182

‌المبحث الثاني: النفاس. وفيه مطلبان:

‌المطلب الأول- تعريف النفاس:

تعريفه لغة: مصدر نَفست المرأة بضم النون وفتحها- إذا ولدت فهي نفساء.

وشرعًا: عرفه الحنفية والشافعية

(1)

: هو الدم الخارج عقب الولادة.

أما الخارج مع الولد حال الولادة أو قبله، فهو دم فساد واستحاضة، فتتوضأ إن قدرت وتصلي.

وعرفه المالكية

(2)

: فهو الخارج من الفرج بسبب الولادة.

وعرفه الحنابلة

(3)

: الدم الخارج مع الولادة.

‌المطلب الثاني- مدة النفاس:

اختلف الأئمة الأربعة في تقدير أقل مدة النفاس وفي أكثره.

(1)

مراقي الفلاح (1/ 176)، الإقناع (1/ 96).

(2)

القوانين الفقهية ص (31).

(3)

الروض المربع ص (57).

ص: 183

‌المبحث الثالث- أحكام الحيض والنفاس وما يحرم على الحائض والنفساء:

‌المطلب الأول- أحكام الحيض والنفاس

للحيض والنفاس أحكام، وهي ما اتفق عليه الأئمة الأربعة:

1) الحيض ومثله النفاس، يوجب الغسل بعد انقطاعه. والدليل على وجوب الغسل.

أ- القرآن: قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ). [البقرة: 222].

ب- السنة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قالت فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، وَصَلِّي)

(1)

.

(1)

أخرجه أحمد (25167) وأبو داود (641) وابن ماجه (655). قال محققوالمسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

ص: 184

وفي رواية للبخاري: (وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي)

(1)

.

2) البلوغ. تبلغ الأنثى وتصبح أهلًا للتكاليف الشرعية بالحيض. والدليل على ذلك.

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ)

(2)

.

فأوجب عليها أن تستتر لأجل الحيضة، فدل على أن التكليف حصل به.

3) الحكم ببراءة الرحم في الاعتداد بالعدة بالحيض، ومن المعلوم أن الأصل في مشروعية العدة العلم ببراءة الرحم.

4) الاعتداد بالحيض عند الحنفية والحنابلة، وبالطهر عند الشافعية والمالكية على التفصيل لكل منهم.

5) الخلاف في كفارة وطء الحائض. هل هي واجبة أم لا؟

(1)

أخرجه البخاري (300) ومسلم (333).

(2)

أخرجه أحمد (25167) وأبو داود (641) وابن ماجه (655) وصححه ابن خزيمة. وقوله: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) أي التي بلغت سن المحيض وجرى عليها القلم ولم يرد في أيام حيضها. لان الحائض لا صلاة عليه. (النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 469).

ص: 185

‌المطلب الثاني- ما يحرم بالحيض والنفاس.

اتفق الأئمة الأربعة

(1)

على سبعة أشياء تحرم بالحيض والنفاس وهي على النحو التالي:

1) الصلاة: يحرم على الحائض والنفساء الصلاة، والدليل عليه حديث فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ رضي الله عنها المتقدم ذكره، حيث قال صلى الله عليه وسلم:(فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ)

(2)

.

لكن يسقط فرض الصلاة ولا يقضى، بإجماع العلماء.

والدليل على سقوط الصلاة عنها في أيام الحيض والنفاس حديث معاذة قالت: سألت عائشة رضي الله عنها، فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ)

(3)

.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 469) مراقي الفلاح (1/ 178) الهداية (1/ 33)، واللباب (1/ 47) الدر المختار (1/ 193) الميزان (1/ 93) الإقناع (1/ 99) منهاج الطالبين ص (12 - 19) الحضرمية ص (52)، نهاية المحتاج (1/ 327) أنوار المسالك ص (57)، القوانين الفقهية ص (31)، حاشية الدسوقي (1/ 172) حاشية العدوي (1/ 147) بداية المجتهد (1/ 92) الروض المربع ص (54) العدة ص (62) منار السبيل (1/ 56).

(2)

أخرجه البخاري (300) ومسلم (333)

(3)

أخرجه مسلم (335) وابن ماجه (1670).

ص: 186

ولأنه يشق قضاء الصلاة لتكرر الحيض وطول مدته، بخلاف الصوم.

2) الصوم، يحرم على الحائض والنفساء الصوم، ويمنع صحته، لحديث عائشة رضي الله عنها السابق ذكره، فإنه يدل على أنهن كن يفطرن، ولا يسقط قضاؤه عنهما، فتقضي الحائض، والنفساء الصوم دون الصلاة للحديث نفسه، ولأن الصوم في السنة مرة، فلا يشق قضاؤه، فلم يسقط، وهناك حديث آخر:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء: (أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟) قلن: بلى، قال:(فَذَلِكُنَّ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟) قلن: بلى، قال:(فَذَلِكُنَّ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا)

(1)

.

3) الطواف:

والدليل على الحرمة: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ، فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ، طَمِثْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: (مَا يُبْكِيكِ). قُلْتُ: لَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنِّي لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ. قَالَ: (لَعَلَّكِ نُفِسْتِ). قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (فَإِنَّ ذَلِكِ شَيْءٌ

(1)

أخرجه البخاري (298) والترمذي (2613).

ص: 187

كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي)

(1)

.

ولأنه يفتقر إلى الطهارة ولا يصح من الحائض.

4) قراءة القرآن ليس عن ظهر قلب، ومسّ المصحف وحمله، كما سبق في الجنابة والدليل على ذلك:

أ- القرآن: قوله تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)) [الواقعة: 79]. أي المتطهرون وهو خبر بمعنى النهي.

ب- السنة: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ)

(2)

.

واختلف الأئمة الأربعة في قراءة الحائض والنفساء القرآن عن ظهر قلب، والمخالف واحد

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري (299) ومسلم (1211).

(2)

أخرجه الترمذي (131) والدارقطني (1879). وهو حديث حسن بشواهده، قال الترمذي: وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، مثل سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، قالوا: لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئاً، إلا طرف الآية والحرف، ونحو ذلك، ورخصوا للجنب والحائض في التسبيح والتهليل.

(3)

وهم المالكية، فلا يحرم عندهم سواء أكانت جنبا أم لا. القوانين الفقهية ص (31).

ص: 188

5) دخول المسجد، واللبث فيه، والاعتكاف فيه ولو بوضوء.

والدليل على الحرمة:

حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائضٍ وَلَا جُنُبٍ)

(1)

.

واختلف الأئمة الأربعة في حكم عبور الحائض والنفساء المسجد من غير لبث، والمخالف اثنان

(2)

.

6) الوطء في الفرج (أي الجماع) ولو بحائل، باتفاق العلماء، والدليل على الحرمة:

أ- القرآن، لقوله تعالى:(فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)[البقرة: 222].

والمراد بالاعتزال: ترك الوطء.

ب- السنة، عن أنس بن مالك أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يواكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،

(1)

أخرجه أبو داود (232) وابن خزيمة (1327). وحسنه ابن القطان.

(2)

وهم الشافعية والحنابلة: حيث أجازوا ذلك مع أمن تلويث المسجد بالنجاسة وغيرها. الإقناع (1/ 67)، كشاف القناع (1/ 148).

ص: 189

فأنزل الله عز وجل: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)[البقرة: 222]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ)

(1)

وفي لفظ: (إلا الجماع)

(2)

.

واختلف الأئمة الأربعة في حكم الاستمتاع بما بين السرة والركبة والمخالف واحد

(3)

.

واختلف الأئمة الأربعة هل تستمر حرمة الوطء إلى أن تطهر وتغتسل، أم إلى أن تطهر ويمضي عليها وقت صلاة كامل من غير غسل، والمخالف واحد

(4)

.

واختلف الأئمة أيضا على من وطء الحائض ونحوها، هل عليه كفارة أم الاستغفار والتوبة؟ والمخالف واحد

(5)

.

(1)

أخرجه مسلم (302) وأحمد (12354) وابن ماجه (644).

(2)

أخرجه النسائي (9049).

(3)

وهم الحنابلة: فأجازوا ذلك بما دون السرة وفوق الركبة أيضاً ما عدا الوطء في الفرج. الروض المربع ص (108).

(4)

وهم الحنفية: حيث قالوا إن طهرت ولم تغتسل ومضى عليها وقت صلاة كامل بأن تجد من الوقت زمناً يسع الغسل حلّ وطؤها. مراقي الفلاح (1/ 170).

(5)

وهم الحنابلة: حيث قالوا بوجوب الكفارة، وكذلك على المرأة إن طاوعته، والكفارة هي دينار أو نصف دينار. منار السبيل (1/ 64).

ص: 190

7) الطلاق، يحرم الطلاق في الحيض، ويكون الطلاق بدعياً واقعاً لما فيه من تطويل العدة على المرأة والدليل على الحرمة:

أ- القرآن: لمخالفة قوله تعالى: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)[الطلاق: 1] أي في الوقت الذي يشرعن فيه العدة، لأن بقية الحيض لا تحسب من العدة فتتضرر بطول مدة التربص والانتظار.

ب- السنة: حديث ابن عمر رضي الله عنهماأَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ)

(1)

.

أما بعد انقطاع الدم وقبل الغسل فيحل الطلاق، وهكذا يبين أنه إذا انقطع الدم لم يحل قبل الغسل غير الصوم، والطلاق، والطهر، والصلاة المكتوبة إذا فقدت المرأة الطهورين.

(1)

أخرجه البخاري (5251) ومسلم (1471).

ص: 191

ولا تبدأ العدة إذا طلق الرجل زوجته في أثناء الحيض، لقوله تعالى:(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)[البقرة: 228]. وبعض القُرء ليس بقرء.

الفرق بين الحيض والجنابة

(1)

:

ما يحرم على الحائض ونحوها أكثر مما يحرم على الجنب، وهناك فروق أخرى وهي:

1) فالجنب يجوز له أداء الصوم مع الجنابة، ولا يجوز للحائض والنفساء؛ لأن الحيض والنفساء أغلظ من الحدث، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في تفسير نقصان الدين عند المرأة:(نُقْصَانُ دِينِكُنَّ الحَيْضَةُ، تَمْكُثُ إِحْدَاكُنَّ الثَّلَاثَ وَالأَرْبَعَ لَا تُصَلِّي)

(2)

.

2) يقضي الجنب الصلاة والصوم، والحائض ونحوها لا تقضي الصلاة، وإنما تقضي الصوم فقط، لأن الحيض يتكرر في كل شهر، فتخرج في قضاء أيام العادة، ولا حرج في قضاء الصوم؛ لأنه مفروض في السنة مرة.

3) يحرم قربان المرأة في حالتي الحيض والنفاس، ولا يحرم قربان المرأة التي أجنبت، لقوله تعالى:(فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)[البقرة: 222]، ومثل

(1)

المراجع السابقة نفسها.

(2)

أخرجه الترمذي (2613) وحسَّنه.

ص: 192

هذا لم يرد في الجنابة، بل وردت الإباحة بقوله تعالى:(فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)[البقرة: 187]، أي الولد، فقد أباح المباشرة وطلب الولد بالجماع مطلقاً على الأحوال.

فائدة:

بدن الحائض وعرقها وسؤرها طاهر، ولا يكره طبخها وعجنها وغير ذلك، ولا وضع يديها في شيء من المائعات.

وأجمع العلماء على جواز مؤاكلة الحائض كالمعتاد دون عزلها. لأن المراد من اعتزالها هو وطؤها. والدليل على ذلك:

أ- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كُنْتُ أَشْرَبُ، وَأَنَا حَائِضٌ، وَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ، وَأَنَا حَائِضٌ، وَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ)

(1)

.

ب- وعن عبد الله بن سعد رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مؤاكلة الحائض، فقال:(وَاكِلْهَا)

(2)

.

(1)

أخرجه مسلم (300) وأحمد (24351) والنسائي (282) والعَرْق: العظم الذي عليه بقية اللحم انظر: فتح المنعم شرح صحيح مسلم (2/ 282) ..

(2)

أخرجه أحمد (19008) وابن ماجه (651) والدارمي (1113).

ص: 193

‌المبحث الرابع: الاستحاضة.

وفيه مطلبان:

‌المطلب الأول- تعريف الاستحاضة:

هي سيلان الدم في غير أوقاته المعتادة (غير الحيض والنفاس) من مرض وفساد، من عرق أدنى الرحم، يقال له:(العازل)، فكل نزيف من الأنثى قبل مدة الحيض (وهي تسع سنين)، أو نقص عن أقل الحيض، أو زاد على أكثره، أو أكثر النفاس، أو زاد عن أيام العادة الشهرية، وجاوز أكثر مدة الحيض هو استحاضة

(1)

.

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 427)، مراقي الفلاح (1/ 177).

ص: 194

‌المطلب الثاني- أحكام المستحاضة

(1)

:

هل يحرم شيء على المستحاضة مما يحرم على الحائض؟

اتفق الأئمة الأربعة على أن الاستحاضة حدث دائم كسلس بول ومني وريح بالاتفاق، أو كرعاف دائم. أو جرح لا يرقأ دمه، أي لا يسكن، فلا يمنع شيئا مما يمنعه الحيض والنفاس من صلاة وصوم ولو نفلا، وطواف، وقراءة قرآن، ومس مصحف، ودخول مسجد واعتكاف، ووطء

(2)

. بلا كراهة للضرورة، والأدلة في ذلك كثيرة، سنأتي على ذكر شيء منها:

(1)

الفقه الإسلامي (1/ 478) مراقي الفلاح (1/ 177) الهداية (1/ 32) اللباب (1/ 47) الدر المختار (1/ 198) الإقناع (1/ 96) منهاج الطالبين، ص (19)، الحضرمية ص (52)، أنوار المسالك ص (56) نهاية المحتاج (1/ 333) القوانين الفقهية ص (32)، حاشية الدسوقي (1/ 170) بداية المجتهد (1/ 96) منار السبيل (1/ 59) العدة ص (66) الروض المربع ص (55).

(2)

وهذا عند الأئمة الأربعة على قول الإمام أحمد الأول، وهناك قول آخر ويظهر أنه الراجح: وهو أنه لا توطأ المستحاضة إلا أن يخاف على نفسه الوقوع في محظور، لما روى الخلال بإسناده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:(المستحاضة لا يغشاها زوجها)[أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1563] ولأن بها أذى فيحرم وطؤها كالحائض، لكن إذا انقطع دم المستحاضة أبيح وطؤها عند الحنابلة من غير غسل، لأن الغسل ليس بواجب عليها كسلس البول. أنظر الروض المربع ص (56 - 57).

ص: 195

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ، قَالَ: (لَا اجْتَنِبِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ مَحِيضِكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ

صَلَاةٍ، ثُمَّ صَلِّي، وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ)

(1)

.

ت - عن عكرمة، عن حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها أنها كانت تستحاض، وكان زوجها يجامعها

(2)

وعنه أيضا قال: كانت أم حبيبة تستحاض وكان زوجها يغشاها

(3)

، وكانت أم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف، كذا في صحيح مسلم

(4)

وكانت حمنة تحت طلحة بن عبيد الله

(5)

.

طهارة المستحاضة بالوضوء والغسل:

اختلف الأئمة الأربعة في أنه هل يجب على المستحاضة أن تتوضأ لكل

(1)

أخرجه أحمد (25681) وابن ماجه (624) وهو حديث صحيح كما قال محققوا المسند.

(2)

أخرجه أبو داود (310) قال النووي: اسناده حسن.

(3)

أخرجه أبو داود (309). وقال الحافظ في " الفتح ": وهو حديث صحيح إن كان عكرمة سمع منها.

(4)

أخرجه مسلم (334).

(5)

أخرجه الحاكم في المستدرك (5596).

ص: 196

صلاة أم ذلك مستحب؟ والمخالف واحد

(1)

.

واختلفوا أيضاً في أنه هل تصلي المستحاضة بوضوئها ما شاءت من الفرائض والنوافل أم لا؟

تقدير مدة حيض المستحاضة:

اختلف الأئمة الأربعة في تقدير مدة حيض المستحاضة، ولكل إمام رأي.

والحمد لله رب العالمين

انتهيت من كتابتها يوم السبت 20/ 5/ 2000 م - 17/ صفر/ 1421 هـ

والله الموفق والميسر.

(1)

وهم المالكية: حيث قالوا بالاستحباب دون الوجوب، أي يستحب أن تتوضأ المستحاضة لكل صلاة. القوانين الفقهية ص (22).

ص: 197

‌كشاف المصادر والمراجع

‌أولاً- مراجع الفقه الحنفي:

1 -

رد المحتار على الدر المختار: للعلامة ابن عابدين، (7) مجلدات، مطبعة إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية (1407 هـ، 1987 م).

2 -

اللباب في شرح الكتاب: للعلامة الغنيمي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السلام، مصر، الطبعة الرابعة (1381 هـ، 1961 م).

3 -

الهداية شرح بداية المبتدي: لشيخ الإسلام المرغيناني، اعتنى بتصحيحه طلال يوسف، مطبعة إحياء التراث العربي، بيروت (1415 هـ-1995 م).

4 -

شرح فتح القدير: للعلامة الكمال ابن الهمام، (9) مجلدات، مطبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت.

5 -

مراقي الفلاح: للعلامة الشرنبلالي، تحقيق عبد الجليل العطا، مطبعة الكتاب العربي، الطبعة الأولى (1411 هـ، 1990 م).

6 -

الاختيار لتعليل المختار: للإمام عبد الله بن مودود الموصللي الحنفي، تحقيق محمود أبو دقيقة، الطبعة الأولى (1419 هـ، 1998 م).

ص: 215

7 -

الأشباه والنظائر: للعلامة ابن نجيم الحنفي، تحقيق د. محمد مطيع الحافظ، مطبعة دار الفكر، الطبعة الثانية (1420 هـ، 1999 م).

8 -

حاشية الطحطاوي علي مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، للطحطاوي، طبعة تركية جديدة، ورق أصفر، مجلد واحد.

9 -

بدائع الصنائع في تركيب الشرائع: لملك العُلماء الكاساني، (7) أجزاء، مطبعة دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية (1983 م).

10 -

البحر الرائق شرح كنز الدقائق: للعلامة زين ابن نجيم (7) أجزاء، مطبعة دار المعرفة، بيروت.

12 -

فتح باب العناية بشرح النُّقاية: علي القاري، تحقيق: محمد نزار تميم وهيثم نزار تميم (3) أجزاء، مطبعة دار الأرقم، بيروت، الطبعة الأولى:(1418 هـ -1997 م).

‌ثانياً- مراجع الفقه الشافعي:

1 -

منهاج الطالبين وعمدة المفتين: للعلامة أبي زكريا النووي الشافعي، مطبعة دار الفكر ببيروت (1412 هـ، 1992 م).

ص: 216

2 -

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: لشمس الدين بن شهاب الرملي، (8) مجلدات، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى (1412 هـ، 1992 م).

3 -

مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: محمد الخطيب الشربيني، (4) أجزاء، مطبعة دار الفكر، بيروت.

4 -

المجموع شرح المهذب: للعلامة محي الدين بن شرف النووي، (9) أجزاء، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى (1417 هـ، 1996 م).

5 -

الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع: محمد الشربيني الخطيب، دار الفكر، بيروت، (1415 هـ، 1995 م).

6 -

الميزان الكبرى: لأبي المواهب المعروف بالشعراني الشافعي، دار الفكر، بيروت (1415 هـ، 1995 م).

7 -

المقدمة الحضرمية: للعلامة الحضرمي، تحقيق ماجد الحموي، الدار المتحدة، الطبعة الثانية (1413 هـ، 1992 م).

8 -

أنوار المسالك شرح عمدة المسالك وعدة الناسك: للعلامة ابن النقيب الشافعي، محمد الزهري الغمراوي، تعليق يوسف علي بديوي، دار الطباع، الطبعة الثالثة (1417 هـ، 1996 م).

ص: 217

9 -

فتح العلاّم بشرح مرشد الأنام: للعلامة الجرداني، تعليق وتصحيح محمد الحجار، دار السلام، مصر، الطبعة الرابعة (1410 هـ، 1990 م).

‌ثالثاً- مراجع الفقه المالكي:

1 -

حاشية الدسوقي: للعلامة محمد عرفة الدسوقي على الشرح الكبير لأبي البركات أحمد الدردير (6) مجلدات، دار الفكر.

2 -

حاشية العدوي: للعلامة علي الصعيدي العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى (1418 هـ 1998 م). بالإضافة إلى طبعة أخرى بتحقيق: يوسف محمد البقاعي (1412 هـ).

3 -

بداية المجتهد ونهاية المقتصد: للإمام محمد بن رشد القرطبي، تحقيق: عبد المجيد طعمة حلبي، مجلدان ب (4) أجزاء، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى (1418 هـ، 1997 م).

4 -

القوانين الفقهية: لابن جُزيّ المالكي، دار الكتب العلمية، بيروت.

ص: 218

5 -

التحفة الرضية في فقه السادة المالكية شرح وأدلة وتكملة من العشماوية، د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، الطبعة الأولى (1412 هـ، 1992 م).

6 -

الفقه المالكي في ثوبه الجديد، للدكتور محمد بشير الشقفة، دار القلم، الطبعة الرابعة (1417 هـ، 1996 م).

‌رابعاً- مراجع الفقه الحنبلي:

1 -

الروض المربع بشرح زاد المستنقع: للعلامة منصور البهوتي، تحقيق محمد عبد الرحمن عوض، دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية (1406 هـ، 1986 م).

2 -

كشاف القناع على متن الإقناع: للعلامة منصور البهوتي، (6) مجلدات، تحقيق هلال مصيلحي مصطفى هلال، دار الفكر، بيروت، (1402 هـ).

3 -

العدة شرح العمدة: للعلامة بهاء الدين القدسي، تحقيق عبد الرزاق المهْدي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثالثة (1417 هـ، 1996 م).

ص: 219

4 -

منار السبيل في شرح الدليل: للعلامة ابن ضوبان، تحقيق زهير الشاويش، مطبعة المكتب الإسلامي، الطبعة السابعة (1409 هـ، 1989 م).

5 -

الإفصاح عن معاني الصحاح:

6 -

المبدع: لابن مفلح الحنبلي (10) أجزاء، المكتب الإسلامي، بيروت (1400 هـ).

6 -

المغني: لابن قدامة المقدسي (10) أجزاء، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى (1405 هـ).

‌خامسا- كتب فقه أخرى:

1 -

الفقه الإسلامي وأدلته: للدكتور وهبة الزحيلي (9) مجلدات، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة (1409 هـ، 1989 م).

2 -

الفقه الإسلامي: للدكتور إبراهيم السلقيني، جامعة دمشق، (1416 هـ - 1995 م).

ص: 220

‌سادسا- كتب الحديث وشروحها، وما يتعلق بها:

1 -

صحيح البخاري: ترقيم د. مصطفى ديب البغا، (6) مجلدات، دار القلم، الطبعة الأولى (1401 هـ-1981 م)، بالإضافة إلى طبعة دار الفيحاء ودار السلام، المرقمة حسب المعجم المفهرس وفتح الباري، الطبعة الثانية (1419 هـ - 1999 م).

2 -

صحيح مسلم: بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، (5) مجلدات، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى (1375 هـ- 1955 م).

3 -

صحيح ابن خزيمة: لمحمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، (4) أجزاء، المكتب الإسلامي، بيروت، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي (1390 هـ - 1970 م).

4 -

سنن أبي داود: لسليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، (4) أجزاء، دار الفكر، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.

5 -

سنن ابن ماجه: لمحمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني، جزآن، دار الفكر، بيروت، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

6 -

مصنف ابن أبي شيبة: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، (7) أجزاء، دار الرشد بالرياض، الطبعة الأولى (1409 هـ) تحقيق: كمال يوسف الحوت.

ص: 221

7 -

الجامع الصغير: للحافظ السيوطي، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الطبعة الصغيرة المتداولة.

8 -

المعجم الكبير: أبو القاسم الطبراني، (20) جزء، مكتبة العلوم والحكم بالموصل، الطبعة الثانية (1404 هـ- 1983 م)، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي.

9 -

نيل الأوطار: للشوكاني، تحقيق: أحمد السيد، ومحمود بزّال، ومحمد أديب الموصللي، (5) مجلدات، دار الكلم الطيب، الطبعة الأولى (1419 هـ - 1999 م).

10 -

نصب الراية: للزيلعي، (4) مجلدات، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثالثة (1407 هـ-1987 م).

11 -

سبل السلام: للكملاني أو الصنعاني، تحقيق محمد عبد العزيز خولي، مجلدان في (4) أجزاء، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الرابعة (1379 هـ-1960 م).

12 -

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: علي بن أبي بكر الهيثمي، (10) أجزاء، دار الريان للتراث، القاهرة ودار الكتاب العربي، بيروت، (1407 هـ).

ص: 222

13 -

فيض القدير شرح الجامع الصغير: لعبد الرؤوف المناوي، (6) أجزاء، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة الأولى (1356 هـ).

14 -

الفردوس بمأثور الخطاب: أبو شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي الهمذاني، (5) أجزاء، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى (1986 م)، تحقيق: السعيد بن بسيوني زغلول.

15 -

شرح سنن النسائي: للحافظ جلال الدين السيوطي (8) أجزاء، دار المطبوعات الإسلامية، حلب، الطبعة الثانية (1406 هـ-1986 م)، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة.

16 -

سنن البيهقي الكبرى: لأبي بكر البيهقي (10) أجزاء، دار الباز، مكة المكرمة، (1414 هـ-1994 م)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا.

‌سابعا- كتب التاريخ والتراجم:

1 -

سير أعلام النبلاء: للحافظ الذهبي، (23) جزء، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ومحمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة التاسعة (1413 هـ).

ص: 223

2 -

البداية والنهاية: للحافظ ابن كثير، (8) مجلدات في (14) جزءأً، مكتبة المعارف، بيروت، الطبعة الثانية (1411 هـ - 1990 م).

3 -

طبقات الفقهاء: لأبي إسحاق الشيرازي، تحقيق: خليل الميس، دار القلم، بيروت.

‌ثامناً- كتب المعاجم والغريب:

1 -

المعجم الوسيط: الصادر عن مجمع اللغة العربية، وقام بإخراجه إبراهيم مصطفى، أحمد حسن الزيّات، حامد عبد القادر، محمد علي النجار، أشرف على طبعه: عبد السلام هارون. مجلدان، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

2 -

لسان العرب: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، (15) جزء، دار صادر، بيروت، (الطبعة الأولى).

3 -

معجم لغة الفقهاء: محمد رواس قلعه جي وحامد صادق قنيبي، الطبعة الثانية (1408 هـ-1988 م) دار النفائس، بيروت.

4 -

المغرب في ترتيب المعرب: أبو الفتح ناصر الدين بن المطرز (جزآن) مكتبة أسامة بن زيد، حلب، الطبعة الأولى (1979 م)، تحقيق: محمود فاخوري، وعبد الحميد مختار.

ص: 224