المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة التحقيق الحمد لله رب العالمين الذي هدانا - المستفاد من ذيل تاريخ بغداد - ط العلمية - جـ ٢١

[ابن أيبك الدمياطي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمة التحقيق

الحمد لله رب العالمين الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.

فإن كتاب «المستفاد من تاريخ بغداد» أحد ذيول «تاريخ بغداد» للخطيب وهو عدد من التراجم التي اختارها ابن الدمياطي من الأصل الذي لم يصل إلينا منه إلا القليل، وعلى الرغم من أن عمل ابن الدمياطي يعتبر سطحي إلا أن هذا العمل يعد أكثر منفعة وأهمية لطلاب الحديث والأدب.

ولقد بلغت تراجم هذا المختصر مائتين وأحد عشر شخصا، ستة منهم نساء، وقد بدأ ابن الدمياطي كتابه بترجمة لابن النجار نقلا عن ابن الدبيثي، ثم دون التراجم بعد ذلك حسب الاسم ابتداء بمحمد بن أحمد الحسين، ثم إبراهيم، وانتهاء بيوسف. وبعد ذلك الكنى، ثم النساء.

وقد اهتم ابن الدمياطي في اختياره بالذين اشتهر عنهم السماع والتحديث.

‌صاحب المستفاد:

هو أبو الحسين أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامي، يعرف بابن الدمياطي. ولد بمصر سنة 700 هـ بدمياط ونشأ بها ثم رحل إلى الشام سنة 740 هـ ثم عاد إلى مصر إلى أن مات بالطاعون سنة 749 هـ.

وترك من المؤلفات ما لا بأس به منها:

1 -

ذيل على كتاب صلة التكملة لوفيات النقلة.

2 -

تخريج حديث الرافعي.

3 -

تخريج معاجم الدبوس والسبكي وغيرهما.

ص: 3

4 -

المستفاد من تاريخ بغداد

(1)

.

‌الكتاب ومنهج التحقيق:

الكتاب مخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم 1955 يقع في 168 صفحة المتوسط.

وقد قمنا بمراجعة المطبوعة على المخطوط وأثبتنا بعض ما ورد به من أغلاط مع تصحيحها وأغفلنا بعضها.

قمنا بتخريج ما ورد به من تراجم كلما أمكن، وعلقنا على بعض المواضع وقدمنا الكتاب بمقدمة مبسطة.

وندعو الله أن يجعله في صالح أعمالنا إنه قريب مجيب.

(1)

انظر ترجمته في: الدرر الكامنة 1/ 108. وكشف الظنون 2020. والأعلام 1/ 102.

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

رب يسر وأعن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأكملان الأتمان على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أما بعد! فإن علم الحديث من أشرف العلوم قدرا، وأكملها شرفا وذخرا، لا سيما معرفة تراجم العلماء وأحوال الفضلاء. وهذه تراجم وقع الاختيار عليها من «ذيل تاريخ بغداد» للحافظ محب الدين أبي عبد الله محمد بن أبي الفضل محمود بن أبي محمد الحسن بن هبة الله بن محاسن بن هبة الله البغدادي المعروف بابن النجار.

كان مولده في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة في ليلة الثالث والعشرين من ذي القعدة ببغداد، وتوفي بها في بكرة الخامس من شعبان سنة ثلاث وأربعين وستمائة، ودفن بمقابر الشهداء بباب حرب. وكان قد سمع ببغداد من أبي الفرج بن كليب وأبي حفص ابن طبرزد وأبي علي حنبل الرصافي وذاكر بن كامل والمبارك بن المبارك بن المعطوش

(1)

والحافظ أبي الفرج بن الجوزي في جماعة من أصحاب ابن الحصين

(2)

والقاضي أبي بكر الأنصاري. وحج وسمع بمكة والمدينة. ورحل إلى الشام، فسمع بدمشق من أبي اليمن الكندي وابن الحرستاني

(3)

، وبحلب من الهاشمي. ودخل بغداد.

ورحل منها إلى أصبهان وخراسان. سمع بأصبهان من جماعة من أصحاب إسماعيل بن الفضل بن الإخشيد وزاهر الشحامي؛ وبنيسابور من المؤيد وزينب السعدية في آخرين؛ وبمرو من أبي المظفر بن السمعاني. وسمع ببسطام ودامغان وساوه وهمذان.

ثم رحل إلى ديار مصر، وسمع بمصر والإسكندرية من جماعة من أصحاب الحافظ أحمد بن محمد السلفي، وكتب بخطه الكثير، وجمع وألف. وكان حافظا متقنا، عمدة، حسن التصنيف، عالي الهمة في طلب الحديث. ومن نظر في هذا التاريخ علم محله

(1)

في شذرات الذهب 4/ 343: «وأبو المعطوس» .

(2)

في كل المصادر: «ابن الحصن» .

(3)

في الأصل: «ابن الخزستاني» . والتصحيح من طبقات الأسنوي 1/ 445.

ص: 5

وإتقانه وكثرة اطلاعه وسعة رحلته- رحمه الله.

وقد أنبأني بجميع هذا التاريخ

(1)

الشيخ أبو محمد القاسم بن مظفر بن محمود بن عساكر الدمشقي وجماعة، وكان مولده في سنة تسع وعشرين [وستمائة]

(2)

وتوفي بدمشق في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة- رحمه الله. قال: كتب إلي الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن النجار البغدادي منها، رحمه الله تعالى. يتلوه محمد بن أحمد الشاشي.

‌1 - محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي، أبو بكر

(3)

:

ولد بميافارقين، وتفقه بها على أبي عبد الله محمد بن بيان الكازروني وعلى القاضي أبي منصور الطوسي صاحب أبي محمد الجويني، ودخل بغداد ولازم أبا إسحاق الشيرازي وقرأ على أبي نصر بن الصباغ «كتاب الشامل» . وسمع الحديث من أبي جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة وأبي الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون والقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء وغيرهم، وسمع بميافارقين من شيخه الكازروني وحدث، سمع منه جماعة من الحفاظ.

وكان من الأئمة الأعلام وفقهاء الإسلام، مرجوعا إليه في الفتاوى والأحكام ومعرفة الحلال والحرام. وقد صنف في المذهب عدة مصنفات مشهورة.

قال أبو بكر الشاشي: رأيت كأني أنشد هذه الأبيات في النوم من غير أن تكون على ذكرى:

قد نادت الدنيا على نفسها

لو كان في العالم من يسمع

كم واثق بالعمر أفنيته

وجامع بدّدت ما يجمع

وحدث محمد بن عبد الله القرطبي الفقيه قال: حضرت عند الإمام أبي بكر الشاشي وقد أغمى عليه في مرضه. فلما أفاق أحضروا له ماء ليشربه، قال: لا أحتاج مذ سقاني الآني ملك شربة أغنتني عن الطعام والشراب ثم مات.

مولده في يوم الأحد سابع المحرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وتوفي ليلة السبت خامس عشري شوال سنة سبع وخمسمائة، ودفن يوم السبت في تربة الشيخ أبي

(1)

في الأصل: «هذه التاريخ» .

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصول.

(3)

انظر: وفيات الأعيان 3/ 356. والوافي بالوفيات 2/ 73. ومعجم البلدان 5/ 212.

ص: 6

إسحاق الشيرازي، وصلى عليه ولده الأكبر بجامع القصر- رحمه الله.

‌2 - محمد بن أحمد بن عبد الباقي بن منصور بن إبراهيم الدقاق أبو بكر المعروف بابن الخاضبة

(1)

:

طلب الحديث وسمع الكثير من القاضي أبي الحسين محمد بن علي بن المهتدي وأبي الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون وأبي جعفر محمد بن المسلمة وأبي الحسين بن أحمد ومحمد بن النقور وأبي عبد الله محمد بن علي بن سكينة، والحافظ أبي بكر أحمد ابن علي الخطيب، وببيت المقدس أبا الحسين محمد بن بكر بن عثمان الأزدي وأبا زكريا عبد الرحيم بن أحمد البخاري.

وكتب بخطه كثيرا من الحديث والسير والأدب لنفسه وتوريقا للناس، وكان يكتب خطا حسنا وله معرفة بهذا الشأن. ويوصف بالحفظ والصدقة والثقة، وكان ورعا زاهدا محبوبا إلى الناس.

قال محمد بن طاهر المقدسي: ما كان في الدنيا أحسن قراءة للحديث من أبي بكر ابن الخاضبة في وقته؛ لو سمع بقراءته إنسان يومين لما ملّ قراءته.

قال أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي: سمعت أبا بكر بن الخاضبة يقول: لما كانت سنة الغرق وقعت داري على قماشي وكتبي، ولم يكن لي شيء، وكان لي عائلة: الوالدة والزوجة والبنات

(2)

، فكنت أورق الناس وأنفق على الأهل. فأعرف أني كتبت «صحيح مسلم» في تلك السنةبالوراقة سبع مرات، فلما كان ليلة من الليالي رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت. ومناد ينادي: أين ابن الخاضبة؟

فأحضرت، فقيل لي: ادخل الجنة، فلما دخلت الباب وصرت من داخل استلقيت على قفاي ووضعت إحدى رجلي على الأخرى وقلت: آه، استرحت والله من النسخ.

توفي أبو بكر بن الخاضبة في ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الأول من سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وصلي عليه بكرة يوم الجمعة في جامع القصر، وكان له يوم مشهود.

‌3 - محمد بن أحمد بن محمد بن سعيد بن زيد المنقري التكريتي، أبو البركات بن أبي الفرج بن أبي نصر

(3)

:

(1)

انظر: العبر 3/ 325. ومعجم الأدباء 17/ 226 - 230. والمنتظم 17/ 35، 36.

(2)

في معجم الأدباء 17/ 228: «الزوجة والبنت» .

(3)

انظر: الوافي بالوفيات 2/ 115. والمحمدون من الشعراء 1/ 43.

ص: 7

أصله من تكريت، وولد ببغداد في سنة أربعين وخمسمائة ونشأ بها، وكان يسكن بدرب الخبازين، وكان يبيع البربحان الصفة

(1)

بسوق الثلاثاء؛ وكان كثير المخالطة لأهل الأدب والفضل.

ومن شعره:

تصدت لقتلي بعد طول صدودها

بنفسي أفدي من تصدّت وصدت

أماتت بذات الهجر مني مهجة

فلو أنها بالطيف حيث لأحيت

أطاعت هوى الواشين في قتل وامق

وما استيقنت لكن تظنت وظنت

أعالج فيها شقة ومشقة

فأهوى عذابي شقتي ومشقتي

طويت الهوى في القلب والبعد

فوا كبدي من طيتي وطويتي

نحوها وله:

في ذلتي في حبكم وخضوعي

عار ولا شغفي بكم ببديع

دين الهوى ذل وجسم ناحل

وسهاد أجفان وفيض دموع

كم قد لحاني في هواكم لائم

فثنيت عطفي عنه غير سميع

ما يحدث للقلب عندي سلوة

لكم ولو جئتم بكل قطيع

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد

جاءت محاسنه بألف شفيع

توفي أبو البركات بن زيد في شهر ربيع الأول من سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالموصل ودفن بها.

‌4 - محمد بن الحسين بن الحسن بن الخليل بن الحسين أبو الفرح، الأديب

(2)

:

من أهل [هيت]

(3)

نزل بغداد، وكان يسكن باب البصرة، و [قرأ] الأدب على الشريف

(4)

أبي السعادات بن الشجري، وأنشأ الخطب والمقامات.

ومن شعره:

(1)

هكذا في الأصول.

(2)

انظر: المحمدون من الشعراء 1/ 261.

(3)

ما بين المعقوفتين ليست في الأصول.

(4)

في الأصل: «وعلى الأدب على الشريف» .

ص: 8

أمغرى بالدلال دع الملالا

فمن يدم السري يجد الكلالا

(1)

ولا تنس الإخا واذكر عهودا

عهدنا للسرور بها انقبالا

(2)

ولو حملت ما حملت من ضنبا؟

من الهجران لم تطق احتمالا

ولست وإن حملت رسيس وجد

بهجرك مزمعا عنك احتمالا

فهب لمتيم يهواك قلبا

يحاذر من تقلبك اغتيالا

وإن تك غير منّان بوصل

فزر بخيالك الدنف الخيالا

مولده سنة سبع وتسعين بهيت- وقيل: سنة خمس وتسعين وأربعمائة تقريبا، وتوفي يوم الأربعاء لسبع بقين من ربيع الأول سنة خمس وسبعين وخمسمائة، ودفن من الغد [عند قبر]

(3)

الإمام أحمد.

وذكر أبو بكر بن مشّق: أنه توفي ليلة الخميس رابع عشر ربيع الآخر.

‌5 - محمد بن الحسين بن عبد الله بن يوسف بن الشّبل بن أسامة، أبو علي الشاعر

(4)

:

من أهل الحريم الطاهري صاحب الديوان المشهور، وحدث عن أبي الحسن أحمد ابن علي بن الباذي والأمير أبي محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله، وكان أبو علي هذا إماما في النحو واللغة وعلم الأدب، وعلق عنه الحافظ أبو بكر الخطيب شيئا من رسائله.

ومن شعره:

يا قلب مالك لا تفيق وقد

رأت عيناك ذلّ مصارع العشاق

فبكت بك الحدق الحسان ولم تزل

تشكي [إليك]

(5)

جناية الأحداق

لو مس وجدي عين

(6)

عذبه

والنار أذهلها عن الإحراق

صروا على أبياتكم بلديغكم

يشفي ولا سعة هلاك الراقي

واستوهبوا لي نظرة تحيي بها

ما مات مني أن يموت الباقي

فوقى العقارب في السوالف رشفها

والسم ممتزج مع الترياق

(7)

(1)

في المصدر السابق: «يجد الملالا» .

(2)

في الأصل: «أقفهالا» .

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

(4)

انظر: الوافي بالوفيات 3/ 11 - 16. وفوات الوفيات 2/ 244.

(5)

ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

(6)

هكذا في الأصل.

(7)

في الأصل: «التياقي» .

ص: 9

مولده في سنة إحدى وأربعمائة، وتوفي في الحادي والعشرين من المحرم سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، ودفن بباب حرب.

وكان سماعه من الباذي غريب الحديث. وهو أحد المجودين

(1)

من الشعراء- رحمه الله تعالى.

‌6 - محمد بن حماد بن المبارك بن محمد بن حيان الشيباني المحرزي أبو نزار

(2)

(3)

:

من أهل باب الأزج، ذكره أبو عبد الله محمد بن محمد الأصبهاني في كتاب «الخريدة» الذي جمعه في شعراء العصر، وأجازني روايته عنه، قال: محمد بن حماد ابن المحرزي أديب فاضل من أهل [العلم]

(4)

، متطرف من كل فن، وكان مشغوفا بالجمع والتصنيف، توفي ستين وخمسمائة.

فمن شعره قوله:

فتنتني فتانة الألحاظ

صعبة الطوع سهلة الألفاظ

خدلة عبلة

(5)

كعوب لعوب

بعقول النّسّاك والوعاظ

ريقها يبرد الغليل ويشفي

(6)

سقم القلب من لهيب الشواظ

(7)

لست آسي عليك وصلا ولكن

لذة الحب بعد لوك المظاظ

‌7 - محمد بن محمد بن خلف بن الحسين بن المنى، أبو بكر البندنيجي المعروف بحنفش

(8)

:

أسمعه والده الحديث في صباه من أبي محمد الصريفيني وأبي الحسين بن النقور وأبي القاسم عبد الله بن الحسن الخلال وعلي بن أحمد بن محمد بن البسري.

أخبرنا شهاب بن محمود المزكي بهراة قال: سمعت أبا سعد بن السمعاني يقول:

محمد بن أحمد بن خلف البندنيجي أبو بكر نزل بغداد، وسكن النظامية، وتفقه على

(1)

في الأصل: «الموحدين» .

(2)

انظر: المحمدون من الشعراء 1/ 302.

(3)

في الأصل: «أبو مراد» . والتصحيح من المصدر السابق.

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة من المصدر السابق.

(5)

في الأصل: «جدلة عبدلة» .

(6)

في الأصل: «العليل ولسعي» .

(7)

في الأصل: «الشظا» .

(8)

- انظر: الأنساب للسمعاني 2/ 339. والطبقات للسبكي 4/ 68.

ص: 10

أبي سعد المتولي، فكان يتكلم في المسائل، وكان عسرا في الرواية، سيئ الأخلاق، ضجورا، أدار إلى أصحاب الحديث يتبرم بهم، وسمعت غير واحد ممن أثق بهم إنه كلّ بالصلوات، وليست له طريقة محمودة.

وسمعت أبا نصر الفتح بن أحمد بن عبد الباقي اليعقوبي بنيسابور يقول: قيل لحنفش إن ابن السمعاني ذكرك في «المذيل» وجرحك، فقال: ترى أخرج عني الدم؟.

سألته عن مولده، فقال: بعد قتل البساسيرى، وكان قتله في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة.

كتب إليّ أبو المعالي بن الصناع أن حنفش توفي يوم الخميس من شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، ودفن بالوردية وقيل: إنما لقب «حنفشا» لأنه كان حنبليّا ثم صار حنفيّا ثم صار شافعيّا.

‌8 - محمد بن سعيد بن إبراهيم بن سعيد بن نبهان، أبو علي بن أبي الغنائم الكاتب

(1)

:

من أهل الكرخ أسمعه جده لأمه أبو الحسين هلال بن المحسن الصابئ من أبي علي الحسن بن أحمد بن أدهم بن شاذان وابن الحسن بشرى بن عبد الله الفاتني وأبي علي الحسن بن الحسين بن دوما النعالي، ولم يبق على وجه الأرض من يروي عن هؤلاء الأربع غيره و [قرأت]

(2)

عنه بخط أبي بكر الخطيب.

أخبرنا أبو محمد بن الأخضر، قال: أنشدنا محمد بن ناصر من لفظه، قال: أنشدنا أبو علي بن نبهان لنفسه:

أسعدنا من وفّقه الله

لكل فعل منه يرضاه

ومن رضى من رزقه بالذي

قدّره الله وأعطاه

واطرح الحرص وأطماعه

في نيل ما لم يعطه مولاه

طوبى لمن فكر في بعثه

من قبل أن يدعو به الله

واستدرك الفارط فيما مضى

وما نسى والله أحصاه

فالموت حتم في جميع الورى

طوبى لمن تحمد عقباه

(1)

انظر: الوافي بالوفيات للصفدي. 3/ 104. والمحمدون من الشعراء 2/ 485.

(2)

ما بين المعقوفتين كلمة مطموسة في الأصل.

ص: 11

وكل من عاش إلى غاية

في العمر فالموت قصاراه

يعلمه

(1)

حقا يقينا بلا

شك ولكن يتناساه

(2)

كأنما خص به غيرنا

أو هو خطب نتوقاه

(3)

قال أبو العلاء محمد بن جعفر بن عقيل البصري: كان شيخنا أبو علي بن نبهان إذا مكثوا أصحاب الحديث عنده زمانا فقال: قوموا واخرجوا فإن عندي مريضا. بقي على هذا سنين، فكان الناس يقولون «مريض ابن نبهان قط لا يبرئ» .

مولده سنة إحدى عشرة وأربعمائة، وتوفي في ليلة الأحد السابع عشر من شوال سنة إحدى عشرة وخمسمائة، ودفن يوم الأحد في داره بالكرخ، وبلغ من العمر ستا وتسعين سنة.

قال الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر: ولم يكن من أهل الحديث، وكان رافضيا.

‌9 - محمد بن سعيد بن يحيى بن علي بن الحجاج بن محمد بن الحجاج بن مهلهل بن مقلد، أبو عبد الله بن أبي المعالي بن أبي طالب الدّبيثي

(4)

:

من أهل واسط، ذكر أنه ولد بواسط في يوم الأحد بعد صلاة الظهر السادس والعشرين من رجب سنة ثمان وخمسين وخمسمائة.

وقرأ القرآن بالروايات السبع والعشر على أبي الحسن علي بن المظفر خطيب شافياء

(5)

وعلى أبي بكر الباقلاني، وهما من أصحاب القلانسي، وتفقه على المجير محمود بن المبارك البغدادي لما قدم عليهم واسط. قال: وعلقت عنه الأصلين والخلاف. وقرأ الأدب على شيخنا مصدق؛ وسمع الحديث بواسط من القاضي أبي طالب محمد بن علي بن الكتاني، ورحل إلى بغداد مرارا، وسمع بها من أبي العز محمد ابن محمد بن الخراساني وأبي الفتح بن شاتيل وأبي السعادات القزاز

(6)

وأبي العلاء بن عقيل وعبد الجبار بن الأعرابي، وظاعن

(7)

بن محمود الخياط وأبي منصور البغدادي

(1)

في الأصل: «تعلمه» .

(2)

في الأصل: «تناساه» .

(3)

في الأصل: «نتناساه» .

(4)

انظر: طبقات الشافعية للسبكي 5/ 26. وتذكرة الحفاظ 4/ 199. والوافي بالوفيات 3/ 102.

ووفيات الأعيان 4/ 28، 29.

(5)

في الأصل: «سافياء» .

(6)

في الأصل: «القرار» .

(7)

هكذا في الأصل.

ص: 12

في آخرين، وكان حسن الصحبة وجميل الأخلاق والتودد والديانة وحسن الطريقة.

أنشدني أبو عبد الله محمد بن سعيد بن يحيى الحافظ لنفسه:

مدارك أعلام الشريعة أصلها

حديث رسول الله إذ كان يشرع

فكن جامعا منه لما صح نقله

فقد فاز من أمسى لما قال يجمع

ولا تستمع من كان فيه مفندا

فلتدين

(1)

الحكماء عن الخير تدفع

توفي أبو عبد الله بن الدبيثي في يوم الاثنين ثمان خلون من شهر ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وستمائة، ودفن من الغد بالوردية. وكان قد أضر في آخر عمره.

‌10 - محمد بن سليمان بن قترمش

(2)

بن تركانشاه السمرقندي أبو منصور

(3)

:

من أولاد الأمراء، وكان أديبا فاضلا، له النثر والنظم الجيد، يحفظ كثيرا من الحكايات والأشعار والنوادر ويكتب خطا مليحا، وكان عارفا بالنحو واللغة والحساب والفلسفة، وكان قليل الدين لا يعتقد شيئا.

أنشدنا أبو منصور محمد بن سليمان لنفسه بالمدرسة النظامية:

يبكي عليك وحقه يبكيكا

صب بمهجة نفسه يفديكا

ظمآن من شوق إليك وربه

لو كنت تنقعه مراشف فيكا

يا مسلمي لصدوده وبعاده

رفقا سلمت فبعض ذا يكفيكا

زعموا بأنك في الجمال كيوسف

صدقوا فرفقا يوسف يأتيكا

مولده في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وتوفي عشية الاثنين السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة عشرين وستمائة، وصلى عليه بالمدرسة النظامية، ودفن بالشونيزية.

(1)

هكذا في الأصل.

(2)

هكذا في الأصل، وفي معجم الأدباء:«قطرمش» .

(3)

انظر: معجم الأدباء 18/ 205. والمحمدون من الشعراء 2/ 487.

ص: 13

‌11 - محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله أبو الفضل

(1)

:

من أهل باب البصرة، كان خطيبا بجامع المنصور مدّة ثم تولى الخطابة بجامع القصر، وكان من أهل الديانة مديما للصيام، قرأ القرآن على أبي الخطاب أحمد بن علي بن عبد الله الصوفي، وسمع أباه وأبا القاسم عبد الله بن الحسن الخلال وأبا الحسين أحمد بن محمد بن النقور وأبا القاسم علي بن أحمد بن البسري.

مولده في العشر الأول من ذي الحجة سنة تسع وأربعين وأربعمائة، وتوفي في يوم الجمعة العشرين من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، ودفن يوم السبت في باب حرب على أبي الوفا بن القواس.

‌12 - محمد بن عبد الله بن عمر بن محمد بن الحسين بن علي الظريف

(2)

بن محمد بن أبي بكر أحمد بن الحسن بن سهل بن عبد الله الفارسي، أبو الحياة بن أبي القاسم بن أبي الفتح بن أبي بكر الشاه بوري الواعظ

(3)

:

من أهل بلخ، سافر أبو الحياة في طلب العلم وجال في خراسان وما وراء النهر؛ سمع ببلخ أباه وأبا حفص عمر بن علي المحمودي وأبا بكر محمد بن محمد الخلمي وأبا الشجاع عمر بن أبي الحسن بن عبد الله البسطامي؛ وبخوارزم محمود بن محمد بن عباس بن أرسلان وأبا حامد محمد بن إبراهيم بن أبي زكريا الفارابي، وبمصر أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير، وبالإسكندرية أبا طاهر السلفي وأقام عنده زمانا، وروى السلفي عنه، وكان يعظمه ويبجله ويعجب بكلامه؛ ثم قدم بغداد مرات، ثم استوطنها إلى حين وفاته.

وكان يعقد مجلس الوعظ بالنظامية، وكان فاضلا عالما مليح الوعظ، حسن الإيراد، حلو الاستشهاد، رشيق المعاني، لطيف الألفاظ، فصيح اللهجة؛ له يد باسطة في تنميق الكلام وتزويقه، وكان يرمي بأشياء منها شرب الخمر وشرى الجواري المغنيات وسماع الملاهي المحرمة، وأخرج عن بغداد مرارا لأجل ذلك.

سمعت عبد العظيم بن عبد القوي المنذري الحافظ بالقاهرة يقول: سمعت شيخنا

(1)

انظر: النجوم الزاهرة 5/ 273. وطبقات القراء 2/ 176.

(2)

في الأصل: «الطريف» .

(3)

انظر: الوافي بالوفيات 3/ 343.

ص: 14

الحافظ أبا الحسن علي بن المفضل المقدسي يقول: كتب البلخي مرة رقعة إلى شيخنا الحافظ السلفي وكتب على رأسها «فراش لمعة وفراش سمعة» قال: فأعجب بها شيخنا كثيرا وكان يكررها.

ويقال إنه كان يسب الصحابة

(1)

كثيرا. مولده في أوائل سنة ثلاثين وخمسمائة في ربيع الأول منها، وتوفي في يوم الجمعة التاسع عشر من صفر سنة ست وسبعين وخمسمائة- رحمه الله.

‌13 - محمد بن عبد الله بن محمد [بن]

(2)

أبي الفضل السّلميّ، أبو عبد الله

(3)

:

من أهل مرسية من بلاد الأندلس- قدم علينا بغداد شابا طالبا للعلم قافلا من مكة سنة خمس وستمائة، وأقام يسمع من شيوخنا الحديث ويقرأ الفقه والخلاف والأصلين بالمدرسة النظامية، ثم إنه سافر إلى خراسان وسمع بنيسابور وهراة؛ وحدّث ببغداد بكتاب «السنن» لأبي بكر البيهقي

(4)

عن منصور بن عبد المنعم الفراوي.

وكان من الأئمة الفضلاء في جميع فنون علم

(5)

الحديث وعلوم القرآن والفقه والخلاف والأصلين والنحو واللغة، وله قريحة حسنة، وفهم ثاقب، وتدقيق في المعاني، وله مصنفات في جميع ما ذكرناه من العلوم، وهو مشتغل بذلك في جميع أوقاته، وله النظم والنثر المليح، ومع ذلك فهو زاهد متورع، حسن الطريقة، متدين، كثير العبادة، متعفف، نزه النفس، قليل المخالطة للناس، ما رأيت في فنه مثله.

أنشدنا الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي الفضل السلمي لنفسه:

من كان يرغب في النجاة فما له

غير اتباع المصطفى فيما أتى

ذاك السبيل المستقيم وغيره

سبل الضلالة والغواية والردى

فاتبع كتاب الله والسنن التي

صحت فذاك إذا اتبعت هو الهدى

ودع السؤال بكم وكيف فإنه

باب يجر ذوي البصيرة للعمى

(1)

في الوافي: «يدس سب الصحابة» .

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة من الوافي.

(3)

انظر: الوافي بالوفيات 3/ 354. وشذرات الذهب 5/ 269. ومعجم الأدباء 18/ 209 - 213.

(4)

في الوافي: «حدث بالسنن الكبير للبيهقي وبغريب الحديث للخطابي» .

(5)

في الأصل: «في جميع فنون العلم»

ص: 15

الدين ما قال الرسول وصحبه

والتابعون ومن مناهجهم قفى

وله أيضا: قالوا فلان قد أزال بهاءه

(1)

ذاك العذار وكان بدر تمام

فأجبتهم: بل زاد نور بهائه

ولذا تزايد فيه فرط

(2)

عرامي

استقصرت ألحاظه فنكأتها

فأتى العذار يمدها بسهام

مولده بمرسية في سنة سبعين وخمسمائة. قلت وتوفي بين الزعقة والعريش من منازل الرمل وهو متوجه من مصر إلى دمشق في النصف من شهر ربيع الأول من سنة خمس وخمسين وستمائة، ودفن في بقعة بتل الزعقة- رحمه الله.

‌14 - محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان، أبو الفتح بن أبي القاسم الحاجب المعروف بابن البطي

(3)

:

من ساكني الصاغة من دار الخلافة، محدّث بغداد في وقته، [به]

(4)

ختم الإسناد، وكان أبواه صالحين، فعاد عليه بركتهما، سمع بإفادة أبي بكر بن الخاضبة، وأخذ له الإجازات من الشيوخ، وكان شيخا صالحا، حسن الطريقة، مليح الأخلاق، محبّا للتحديث، صدوقا، أمينا، سمع أبا عبد الله مالك بن أحمد بن علي البانياسي وأبا الخطاب نصر بن أحمد بن البطر وأبا عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد النعالي والنقيب طراد [بن محمد]

(5)

الزينبي وأبا محمد عبد الله بن علي بن ذكري الدقاق وأبا محمد رزق الله التميمي وأبا عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي وأبا بكر أحمد بن عمر السّمرقندي. وروي عنه جماعة من الحفاظ الأكابر.

مولده في يوم السبت رابع عشري جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وتوفي في ليلة الجمعة، ودفن يوم الجمعة ثامن عشري جمادى الأولى سنة أربع وستين وخمسمائة بباب أبرز

(6)

.

(1)

في الأصل: «بهاده» .

(2)

في الأصل: «فرظ» .

(3)

انظر: شذرات الذهب 4/ 213. والوافي بالوفيات 3/ 209. والعبر 4/ 188.

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة من الوافي.

(5)

ما بين المعقوفتين زيادة من العبر.

(6)

في الأصل: «ببابيرز» .

ص: 16

‌15 - محمد بن عبد الباقي بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مشجعة بن الحارث

(1)

بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري، أبو بكر بن أبي طاهر البزاز

(2)

:

من أهل النصرية، بكر به أبوه فأسمعه من أبي إسحاق إبراهيم البرمكي والقاضي أبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري وأبي الحسن محمد بن أحمد بن الآبنوسي، وأبي الحسن علي بن أبي طالب المكي وأبي الفضل هبة الله بن أحمد بن المأموني، فهؤلاء تفرد بالرواية عنهم. وسمع أيضا بنفسه القاضي أبا يعلى الفراء وعبد العزيز الأنماطي وعبد الله بن الحسن الخلال والقاضي أبا المظفر صاحب إبراهيم النسفي.

وقرأ بنفسه وكتب بخطه، وتفقه في صباه على القاضي أبي يعلى بن الفراء. وقرأ الفرائض والحساب والهندسة حتى برع في جميع ذلك، وله فيه مصنفات.

قرأت بخط أبي الفضل بن سامع: سمعت أبا محمد بن الخشاب يقول: سمعت قاضي المرستان- يعني محمد بن عبد الباقي- يقول: نظرت في كل علم وحصلت منه بعضه

(3)

أو كله إلا هذا النحو، فإني قليل البضاعة فيه.

أخبرني شهاب بن محمود المزكي بهراة قال: أنبأني أبو سعد بن السمعاني قال:

محمد بن عبد الباقي الأنصاري أسند شيخ بقي على وجه الأرض، وكانت إليه الرحلة من أقطار الأرض، عارف بالقوم، متدين، حسن الكلام، حلو المنطق، مليح المحاورة، ما رأيت أجمع للفنون منه، وكان سريع النسخ، حسن القراءة للحديث. سمعته يقول:

ما أعرف أني ضيعت ساعة من عمري في لهو أو لعب.

مولده في صفر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، وتوفي في رجب سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، ودفن بباب حرب قريبا من بشر الحافي؛ وأوصى أن يكتب على لوح قبره:{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} .

‌16 - محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي الحسن مسعود بن أحمد بن الحسين ابن محمد المسعودي، أبو عبد الله البنجديهي الصّوفي

(4)

:

(1)

في الأصل: «بن الحرب» .

(2)

انظر: شذرات الذهب 4/ 108. والعبر في خبر من غبر 4/ 96.

(3)

في الشذرات: «كله أو بعضه» .

(4)

انظر: الأنساب، للسمعاني 2/ 333. ومعجم الأدباء 18/ 215، 216.

ص: 17

هكذا رأيت نسبه بخطه- رحل في طلب الحديث وطاف الأقطار: خراسان والعراق وآذربيجان والجزيرة وديار مصر والشام، وكان من الفضلاء في كل فن في الفقه والحديث والأدب، وله مصنفات: منها «شرح المقامات» .

سمع ببلده أباه أبا السعادات عبد الرحمن وأبا الفضل عبد الرحمن بن الحسن بن علي بن شراف، وبسجستان أبا محمد عبد الله بن عمر بن أبي بكر السجزي، وببلخ أبا شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البسطامي وأبا الفتح حمزة بن محمد بن الحسون، وبنيسابور أبا بكر محمد بن علي الزاهد الطوسي وأبا المظفر محمد بن الحسن بن الحسين الزاهد، وبكرمان أبا المعالي إسماعيل بن الحسين المقرئ اللغوي، وبأصبهان أبا بكر محمد بن إبراهيم بن محمد الصالحاني، وبهمذان أبا الفرح ظهير بن زهير بن علي الرفاد، بتبريز أبا الصنوف إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم الحريري، وببغداد أبا المظفر محمد بن أحمد بن التريكي وأبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن سلمان وأبا محمد عبد الواحد بن الحسين البارزي، وبالموصل أبا محمد عبد الرحمن بن أحمد الطوسي، وبديار بكر أبا عبد الله مروان بن علي بن سلامة الوزير، وبمصر أبا محمد عبد الله بن رفاعة ابن غالب وأبا محمد عبد الله بن برى

(1)

، وبالإسكندرية أبوي طاهر أحمد بن محمد السلفي وإسماعيل بن مكي بن عوف.

كتب إلى عبد الخالق بن صالح بن زيدان المكي وأنشدني عنه ياقوت الحموي بحلب، قال: أنشدني محمد بن عبد الرحمن بن محمد المسعودي لنفسه:

قالت عهدتك تبكي

دما حذار التنائي

فلم تعوضت عنها

بعد الدماء بماء؟

فقلت: ما ذاك مني

لسلوة أو عزاء

(2)

لكن دموعي شابت

من طول عمر بكائي

توفي المسعودي في ليلة السبت التاسع والعشرين من شهر ربيع الأول، سنة أربع وثمانين وخمسمائة بدمشق، ودفن بسفح قاسيون. وذكر أن مولده في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.

(1)

في الأصل: «بن نرى» .

(2)

في الأصل: «لسلوة وعزاء» .

ص: 18

‌17 - محمد بن عبيد الله بن عبد الله، أبو الفتح الكاتب

(1)

:

سبط المبارك بن المبارك، المعروف بابن التعاويذي، من ساكني دار الخلافة، وكان شاعرا مجودا رشيق الألفاظ مليح المعاني رقيق الغزل حلوالعبارة، أكثر القول في الغزل وحدّث بشعره.

أخبرنا أبو الحسين بن الوارث قال: أنشدنا ابن التعاويذي لنفسه:

أمط اللثام عن العذار السائل

(2)

ليقوم عذري فيك عند عواذلي

واغمد لحاظك قد فللت تجلدي

واكفف سهامك قد أصبت مقاتلي

لا تجمع الشوق المبرح والقلى

والبين لي أحد

(3)

الثلاثة قاتلي

يكفيك ما تذكيه بين جوانحي

لهواك نار لواعجي وبلابلي

وهناك أني لا أدين صبابة

لهوى سواك ولا ألين لعاذلي

بت لاهيا جذلا بحسنك إنني

مذ بتّ في شغل بحزني شاغل

واعطف على جلد كعهدك في الهوى

واه وجسم مثل خصرك ناحل

ويلاه من هيف بقدك ضامن

تلفي ومن كفل بوجدي كافل

وبنفسي الغضبان لا يرضيه غي

ر دمي وما في سفكه من طائل

(4)

تصمي نبال جفونه قلبي فلا

شلت وإن أصمت يمين النابل

ويهز قدا كالقناة لحاظه

لمحبه منها مكان العامل

عانقته أبكي ويبسم

كالبرق أومض مض في غمام هاطل

فألين في الشكوى لفاس قلبه

وأجد في وصف الغرام الهازل

أخبرنا علي بن المبارك بن علي الحلاوي

(5)

، قال: أنشدنا ابن التعاويذي لنفسه:

تعشقته واهي المواثيق مذاقا

نرى كل يوم في الهوى منه أخلاقا

أشد نفارا من جفوني عن الكرى

وأضعف من عزمي على الصبر

(6)

سباقا

كثير التجني كما قل عطفه

على عاشقيه زاده الله عشاقا

(1)

انظر: العبر في خبر من غبر 4/ 253. ووفيات الأعيان 4/ 90. والوافي بالوفيات 4/ 11.

ومعجم الأدباء 18/ 235 - 249.

(2)

في الأصل: «السائلى» .

(3)

في الأصل: «والبين في أحد» .

(4)

في الأصل: «من كايل» .

(5)

هكذا في الأصل.

(6)

في الأصل: «عيزى على الصب» .

ص: 19

يجول

(1)

على متنيه سود غدائر

كما نفض الغصن المرنح أوراقا

وقالوا نجا من عقرب الصدغ خده

فقلت اعترفتم أن [في]

(2)

فيه درياقا

شكوت إليه ما أجن فقال لي

هل الوجد إلا أن تجن وتشتاقا

إذا ما تعشقت الحسان ولم تكن

صبورا على البلوى فلا تك عشاقا

مولده في يوم الجمعة عاشر رجب سنة تسع عشرة وخمسمائة، وتوفي يوم السبت ثامن عشر شوال سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وكان قد أضر في آخر عمره.

‌18 - محمد بن علي بن الحسن المؤذّن، أبو عبد الله الترمذي المعروف بالحكيم

(3)

:

كان إماما من أئمة المسلمين، له المصنفات الكبار في أصول الدين ومعاني الأحاديث، وله كتاب «نوادر الأصول» . حدث عن والده وعن قتيبة بنسعيد وإبراهيم بن يوسف الحضرمي وعلي بن حجر وقبيصة بن عقبة السوائي وصالح بن محمد ومحمد بن علي الشقيقي ومحمد بن مؤيد الواسطي وعمر بن أبي عمر العبدي ومحمد بن موسى الحرشي ومحمد بن بشار وسفيان بن وكيع.

‌19 - محمد بن علي بن الحسن بن صدقة الحراني البزّاز، أبو عبد الله التاجر، يعرف بابن الوحشي:

من أهل حران؛ سمع بنيسابور صحيح مسلم وغيره من أبي عبد الله الفراوي، وعاد إلى الشام، واستوطن بدمشق، وبنا بها مدرسة لأصحاب أحمد بن حنبل.

مولده سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وتوفي ليلة الثلاثاء سادس عشر ربيع الآخر سنة أربع وثمانين وخمسمائة.

‌20 - محمد بن علي بن عبيد الله بن أحمد بن صالح بن سليمان بن ودعان، أبو نصر

(4)

:

من أهل الموصل؛ وكان يتولى القضاء بها. قدم بغداد مرارا. قال السلفي: ليس بثقة.

(1)

في الأصل: «يجيل» .

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة من الديوان.

(3)

انظر: «طبقات الشافعية» للسبكي 2/ 20. والأعلام للزركلي 7/ 156.

(4)

انظر: لسان الميزان 5/ 305. واللبان 3/ 264. والأعلام 6/ 277.

ص: 20

قرأت بخط أبي الفضل محمد بن ناصر قال: رأيت القاضي بن ودعان

(1)

لما دخل بغداد وحدث بها ولم أسمع منه شيئا لأنه كان متهما بالكذب. وكتابه في الأربعين سرقه من زيد بن رفاعة، وحذف منه الخطبة، وركب على كل حديث منه رجلا أو رجلين إلى شيخ زيد بن رفاعة؛ وزيد بن رفاعة وضعه أيضا وكان كذّابا، وألّف بين كلمات قد قالها النبي صلى الله عليه وسلم وبين كلمات من كلام لقمان والحكماء وغيرهم، وطول الأحاديث.

مولده سنة اثنتين وأربعمائة في شعبان بالموصل، وتوفي في محرم سنة أربع وتسعين وأربعمائة.

‌21 - محمد بن علي بن محمد بن العربي، أبو عبد الله الطائي

(2)

:

من أهل الأندلس؛ ولد بمرسية ونشأ بها ودخل بلاد الشرق وبلاد الشام ودخل بلاد الروم، وصنف كتبا في علم التصوف

(3)

وفي أخبار المشايخ، وكان ورعا زاهدا.

أنشدني أبو عبد الله محمد بن العربي لنفسه بدمشق:

أيا حائرا ما بين علم وشهوة

ليتصلا ما بين ضدين من وصل

ومن لم يكن يستنشق الريح لم يكن

يرى الفضل للمسك الفتيق على الزبل

مولده في الاثنين سابع عشر رمضان سنة ستين وخمسمائة بمرسية، وتوفي ليلة الجمعة الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة بدمشق، ودفن بقاسيون.

‌22 - محمد بن علي بن ميمون بن محمد، أبو الغنائم النّرسيّ، المعروف بأبي

(4)

:

من أهل الكوفة. كان من حفاظ الحديث، سمع بالكوفة أبا عبد الله محمد بن علي ابن الحسن العلوي وأبا الحسن محمد بن إسحاق بن فلويه وأبا المثنّى دارم، ثم قدم بغداد وسمع بها أبا الحسن أحمد بن محمد بن كامل وأبا نصر أحمد بن عبد الله الثابتي

(1)

في الأصل: «بن ردعان» .

(2)

انظر: فوات الوفيات 2/ 300. والوافي بالوفيات 4/ 73 - 178. ونفح الطيب 1/ 567.

(3)

في الأصل: «علم القوم» .

(4)

انظر: النجوم الزاهرة 5/ 212. والعبر في خبر من غبر 3/ 22. وتذكرة الحفاظ 4/ 1260.

والوافي بالوفيات 4/ 143، 144.

ص: 21

وأبا الفتح أحمد بن علي بن محمد الأيادي وأبا الحسين أحمد بن محمد بن قفرجل وأبا محمد الحسن بن عبد الواحد بن سهل الدياج وأبا عبد الله الحسين بن محمد بن طاهر وأبا إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي وأبا محمد الجوهري والقاضي أبا الطيب طاهر الطبري وآخرين، وكتب بخطه كثيرا لنفسه وتوريقا للناس، وجمع مجموعات حسان في فنون ورواها.

قرأت بخط أبي الفضل محمد بن ناصر الحافظ السلامي وأنبأنيه عنه أبو محمد بن الأخضر قال: وفي هذا الشهر يعني شعبان من سنة عشر وخمسمائة مات الشيخ العدل أبو الغنائم محمد بن علي بن النّرسيّ الكوفي المقرئ المحدّث بحلة بني مزيد، وكان قد خرج من بغداد مريضا ليذهب إلى الكوفة، فمات يوم السبت السادس عشر من شعبان، وحمل إلى الكوفة ودفن هناك، وكان شيخا ثقة مأمونا فهما للحديث، عارفا بالحديث كثير تلاوة القرآن بالليل، وكان مولده على ما أخبرنا بذلك في شوال سنة أربع وعشرين وأربعمائة، فرحمه [الله] فما رأينا مثله في وقته.

‌23 - محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد بن أبي عيسى المديني، أبو موسى بن أبي بكر الحافظ

(1)

:

من مدينة أصبهان، أحد الأئمة الحفاظ المشهورين، انتشر علمه في الآفاق. سمع منه أقرانه، وكثر عنه الحفاظ، واجتمع له ما لم يجتمع لغيره. قرأ القرآن في صباه بالروايات؛ وتفقه على مذهب الشافعي على أبي عبد الله الحسن بن العباس الرستمي، وقرأ النحو واللغة حتى مهر فيهما. وأسمعه والده في صباه من أبي سعد محمد بن علي ابن محمد الكاتب وأبي علي بن أحمد الحداد وأبي القاسم غانم بن محمد البرجي وأبي منصور محمد بن عبد الله بن مندويه

(2)

.

وطلب هو بنفسه وقرأ على المشايخ، وكتب الكثير، ورحل إلى بغداد ودخلها في شوال سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وحج وعاد، فأقام بها. فسمع من أبي القاسم ابن الحصين وأبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وأبي العز بن كادش، ومن جملة مصنفاته كتاب «تتمة معرفة الصحابة» وكتاب «تتمة الغريبين» وكتاب «الأخبار

(1)

انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1334. والوافي بالوفيات 4/ 241 - 247. ووفيات الأعيان 2/ 414.

(2)

في الأصل: «بن منلو» .

ص: 22

الطوالات» وكتاب «اللطائف في المعارف» وغير ذلك.

سمعت أبا عبيد الله محمد بن محمد بن غانم الحافظ بأصبهان يقول: سمعت محمد ابن الحسين بن علي يقول: مر الشيخ أحمد الخواص على باب الشيخ أبي بكر بن أبي موسى يوم ولد أبو موسى فقيل له: «ولد اليوم للشيخ أبي بكر ابن، فقال: هذا المولود يكون ركنا من أركان الدين» .

مولده تاسع عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسمائة، وتوفي يوم الأربعاء منتصف النهار التاسع من جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. ودفن بالمصلى خلف المحراب؛ وصنف الأئمة في مناقبه.

‌24 - محمد بن طاهر بن أحمد بن علي الشيباني، أبو الفضل بن أبي بكر

(1)

:

من أهل بيت المقدس، يعرف بابن القيسراني، رحل في طلب الحديث إلى الأقطار، وصنف كثيرا، وكان حافظا متقنا متفننا حسن التصنيف. سمع ببيت المقدس أبا الفتح نصر [بن] إبراهيم النابلسي، وبمصر أبا إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال

(2)

، وبدمشق أبا القاسم علي بن محمد المصيصي، وبمكة أبا القاسم سعيد بن علي الزنجاني. ودخل بغداد، وسمع بها أبا الحسين أحمد [بن]

(3)

النقور وأبا محمد عبد الله الصريفيني، وسمع بأصبهان أبا عمرو عبد الوهاب بن مندة وأبا مسعود سليمان الحافظ، وبجرجان أبا القاسم إسماعيل بن مسعدة، وبهراة أبا إسماعيل عبد الله الأنصاري وخلقا كثيرا، وحدث باليسير لأنه لم يعمر؛ وروى عنه الحفاظ.

قرأت على أبي طالب بن أبي الفرج التاجر عن أبي زرعة طاهر بن حمد المقدسي قال: أنشدني والدي محمد بن طاهر لنفسه:

أضحى العذول يلومني في حبهم

فأجبته والنار حشو فؤادي

يا عاذلي لو بت محترق الحشا

لعرفت كيف تفتت الأكباد

صد الحبيب وغاب عن عيني الكرى

وكأنما كانا على ميعاد

أخبرني لامع بن أحمد في كتابه أن يحيى بن عبد الوهاب بن مندة أخبره قال: محمد

(1)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 486. والجمع 629. وميزان الاعتدال 3/ 75. ولسان الميزان 5/ 207. وآداب اللغة 3/ 67. والوافي بالوفيات 3/ 166. والأعلام 6/ 171، 172.

(2)

في الأصل: «الجمال» .

(3)

ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل.

ص: 23

ابن طاهر المقدسي أحد الحفاظ، حسن الاعتقاد، وجميل الطريقة، كان صدوقا، عالما بالصحيح والسقيم، كثير التصانيف، لازما للأثر.

قرأت على المرتضى بن حاتم بمصر عن أبي طاهر السلفي قال: سمعت الحافظ أبا الفضل محمد بن طاهر المقدسي يقول: كتبت صحيح البخاري ومسلم وأبي داود سبع مرات بالوراقة، وكتبت سنن ابن ماجة عشر مرات بالوراقة سوى التفاريق بالري.

قال الحافظ أبو الفضل بن ناصر: محمد بن طاهر ممن لا يحتج به، صنف كتابا في «جواز النظر إلى المرد» وأورد فيه حكاية عن ابن معين: رأيت جارية مليحة، صلى الله عليها، فقيل له: تصلي عليها؟ فقال: صلى الله عليها وعلى كل مليح؛ ثم قال: كان يذهب مذهب الإباحة.

مولده في شوال من سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ببيت المقدس. قرأت في كتاب أبي الفضائل عبد الله بن أبي بكر بن الخاضبة بخطه: توفي الحافظ محمد بن طاهر المقدسي ببغداد في الجانب الغربي برباط البسطامي ضحى يوم الخميس عشرين [من]

(1)

شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسمائة، ودفن في المقبرة وراء الرباط؛ وله حجات كثيرة على قدمه ذاهبا وجائيا، وراحلا وقافلا. وكان له معرفة بعلم التصوف وأنواعه متفننا فيه، ظريفا مطبوعا، وله تصانيف حسنة مفيدة في علم الحديث.

‌25 - محمد بن عمر بن يوسف بن محمد الأرموي، أبو الفضل الفقيه الشافعي

(2)

:

بكر بن أبوه وأسمعه من القاضي أبي الخير محمد بن علي بن المهتدي بالله وأبي الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون وأبي جعفر محمد بن المسلمة وأبي بكر أحمد ابن علي بن ثابت.

أخبرنا شهاب الحاتمي بهراة قال: أخبرنا أبو سعيد بن السمعاني قال: محمد بن عمر ابن يوسف الأرموي أبو الفضل من أهل أرمية كان قاضي دير العاقول، وهو إمام متدين ثقة صدوق صالح، حسن الكلام في المسائل، كثير التلاوة للقرآن، سألته عن مولده، فقال: في سنة تسع وخمسين وأربعمائة.

(1)

ما بين المعقوفتين زيادة من وفيات الأعيان.

(2)

انظر: الوافي بالوفيات 4/ 345. وطبقات الشافعية للسبكي 4/ 92.

ص: 24

وذكر عن ابن السمعاني أن مولد الأرموي في صفر سنة تسع وخمسين، وتوفي رابع رجب سنة سبع وأربعين وخمسمائة ودفن بباب أبرز

(1)

مقابل التاجية.

‌26 - محمد بن فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد بن يصل، أبو عبد الله بن أبي نصر الحميدي

(2)

:

سمع بالأندلس أبا القاسم أصبغ بن راشد بن أصبغ اللخمي وأبا محمد عبد الله بن عثمان القرشي وأبا العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري وأباعمر يوسف النمري وأبا محمد علي بن حزم الظاهري، ولازمه حتى قرأ عليه مصنفاته وأكثر عنه، وكان على مذهبه، إلا أنه لم يكن يتظاهر بذلك. ثم رحل إلى بلاد الشرق، فسمع بمصر أبا القاسم عبد العزيز بن الحسن الضراب وأبا زكريا عبد الرحيم بن أحمد بن نصر البخاري؛ وبدمياط أبا القاسم عبد البر بن عبد الوهاب بن برد الدمياطي؛ وبدمشق أبا محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني وأبا بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، وكتب أكثر مصنفاته عنه؛ وبمكة أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني. ودخل بغداد فسمع بها القاضي أبا الحسين محمد بن علي بن المهتدي بالله وأبا جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة. وانحدر إلى واسط وأقام بها مدة، وسمع بها من القاضي أبي تمام علي بن محمد بن الحسن. ثم إنه عاد إلى بغداد واستوطنها، وكتب بها الكثير عن أصحاب أبي علي بن شاذان وغيره، وصنف كثيرا في الحديث وغيره. روي عنه أبو بكر الخطيب وابن ماكولا.

ومن مصنفاته «تجريد الصحيحين للبخاري ومسلم والجمع بينهما» ، و «تاريخ الأندلس» ، وكتاب «تسهيل السبيل إلى علم الترسيل» ، ومولده قبل العشرين وأربعمائة.

وتوفي في ليلة الثلاثاء السابع عشر من ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، ودفن من الغد بمقبرة باب أبرز

(3)

بالقرب من قبر الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وصلى عليه الفقيه أبو بكر الشاشي في جامع القصر، ثم نقل بعد ذلك في صفر سنة إحدى وتسعين وأربعمائة إلى مقبرة باب حرب، ودفن عند قبر بشر الحافي.

(1)

في الأصل: «بباب برز» .

(2)

انظر: الوافي بالوفيات 4/ 317، 318. ومعجم الأدباء 18/ 282 - 286. ووفيات الأعيان 3/ 410.

(3)

في الأصل: «باب برز» .

ص: 25

‌27 - محمد بن المبارك بن محمد بن عبد الله بن محمد بن الخل، أبو الحسن بن أبي البقاء، الفقيه الشافعي

(1)

:

أحد الأئمة من أصحاب الشافعي درس المذهب والخلاف والأصول على أبي بكر الشاشي، وكان إماما كبيرا في معرفة المذهب، ونقل نصوص الشافعي. وكان من الورع والزهد والتقشف في غاية. وكان يصلي إماما بالإمام المقتفي لأمر الله، وصنف كتاب «التوجيه في شرح التنبيه» في مجلدين. وسمع الحديث من أبي الخطاب نصر بن أحمد بن البطر وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة النعالي وأبي عبد الله الحسين بن علي بن البسري.

مولده يوم الأربعاء عاشر ربيع الآخر سنة خمس وسبعين وأربعمائة.

وتوفي في يوم الأربعاء خامس عشر المحرم سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ودفن بالوردية. وله شعر لا بأس به، رحمه الله تعالى وإيانا.

‌28 - محمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن المظفّر بن الشهرزوري، أبو حامد بن أبي الفضل

(2)

:

وقد تقدم ذكر والده، ورد بغداد في صباه؛ كان عالما فاضلا متضلعا من علم الأدب، وله النظم المليح، وكان موصوفا بالبذل والعطاء والجود والسخاء والتواضع.

ومن شعره «في ساق أسود» :

وأسود معسول الشمائل ناعم ال

مفاصل مثل المسك في اللون والبشر

فبات يريني الشمس تطلع من دجى

إذا ضم يحسدها وتغرب في فجر

وله أيضا:

لا تحسبوا أني امتنعت من البكا

عند الوداع تجلدا وتصبرا

لكنني زودت عيني نظرة

والدمع يمنع لحظها أن تنظرا

إن كان ما فاضت فقد ألزمتها

صلة السهاد وسمتها هجر الكرا

مولده في سنة سبع عشرة وخمسمائة، وتوفي بالموصل في ثامن عشر جمادى الأولى سنة ست وثمانين وخمسمائة- رحمه الله تعالى.

(1)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 467. وطبقات الشافعية 4/ 69. والأعلام 7/ 17.

(2)

انظر: شذرات الذهب 4/ 287. والعبر في خبر من غبر 4/ 259. والوافي بالوفيات 1/ 210

ص: 26

‌29 - محمد بن محمد بن محمد الغزالي، أبو حامد بن أبي عبد الله

(1)

:

من أهل طوس، إمام الفقهاء على الإطلاق، ورباني الأمة بالاتفاق، ومجتهد زمانه وعين وقته وأوانه، ومن شاع ذكره في البلاد واشتهر فضله بين العباد؛ قرأ في صباه طرفا من الفقه ببلده على أحمد الرادكاني

(2)

، ثم سافر إلى جرجان إلى أبي نصر الإسماعيلي، وعلق عنه التعليق، وعاد إلى نيسابور فلازم الإمام أبا المعالي الجويني، وجد واجتهد حتى برع في المذهب والأصول والخلاف والمنطق، وقرأ الحكمة والفلسفة، وفهم كلام أرباب هذا العلم، وتصدى للرد عليهم وإبطال ما ادعوه، وصنف في كل فن من هذه العلوم كتبا أحسن تأليفها وأجاد ترتيبها وترصيفها.

توفي في يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة خمس وخمسمائة، وقبره بظاهر الطابران قصبة طوس.

‌30 - محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر، أبو الفضل السلامي

(3)

:

كان والده من أولاد الترك، وقد رأيت بخطه في كتاب أشهد عليه فيه المعدلين محمود بن أبي منصور الناصر استوري

(4)

- ويعرف بمحمد- بن تكسين- ويعرف بعلي- المضافري التركي الحر، ولم يكتب لهم هذا النسب في سماع قط، توفي والده وهو صغير فكفله جده لأمه أبو حكيم الخبري الفرضي، وأسمعه في صباه شيئا من الحديث يسيرا، وأشغله بحفظ القرآن والتفقه على مذهب الشافعي؛ ثم إنه صحب أبا زكريا التبريزي وقرأ عليه الأدب، وجدّ في طلب الحديث، وصحب أبا منصور بن الجواليقي في قراءة الأدب وسماع الحديث، ثم إنه خالط الحنابلة ومال إليهم، وانتقل

(5)

عن مذهب الشافعي إلى مذهب ابن حنبل، وكان إماما حافظا صحيح النقل والضبط؛ سمع أبا القاسم علي بن أحمد بن البسري وأبا طاهر محمد بن أبي الصقر الأنباري وأبا عبد الله مالك البانياسي وأبا محمد رزق الله التميمي وأبا الفوارس طراد الزينبي وأبا الخطاب نصر بن البطر وأبا محمد جعفر بن أحمد السراج. وكانت له إجازات قيمة

(1)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 463. وطبقات الشافعية 4/ 101. وشذرات الذهب 4/ 10. ومفتاح السعادة 2/ 191 - 210. وآداب اللغة 3/ 79. واللباب 2/ 170. والأعلام 7/ 22.

(2)

في الأصل: «الداركاني» .

(3)

انظر: وفيات الأعيان 3/ 420.

(4)

هكذا في الأصل.

(5)

في الأصل: «فكفلته» .

ص: 27

كابن النقور والصريفيني وابن ماكولا وغيرهم من الغرباء أخذها له ابن ماكولا في رحلته إلى البلاد.

أخبرنا شهاب بن محمود المزكي بهراة قال: حدثنا أبو سعد السمعاني قال: محمد ابن ناصر السلامي أبو الفضل سكن درب الشاكرية، حافظ ثقة ديّن خيّر متقن متثبت، له حظ كامل من اللغة ومعرفة تامة بالمتون والأسانيد، كثير الصّلاة، دائم التلاوة للقرآن، مواظب على صلاة الضحى، غير أنه يحب أن يقع في أعراض [الناس]

(1)

ويتكلم في حقهم. كان يطالع هذا الكتاب ويلحق على حواشيه بخطه ما يقع له من مثالبهم. سمعت جماعة من شيوخي يذكرون أن ابن ناصر وابن الجواليقي كانا يقرءان الأدب على التبريزي ويسمعان الحديث على المشايخ، فكان الناس يقولون: يخرج ابن ناصر لغوي بغداد وابن الجواليقي محدثها، فانعكس الأمر، فصار ابن ناصر محدث بغداد وابن الجواليقي لغويها.

مولده في ليلة الخميس الخامس عشر من شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة.

وتوفي ليلة الثلاثاء الثامن عشر من شعبان سنة خمسين وخمسمائة. ودفن من الغد بباب حرب- رحمه الله تعالى.

آخر الجزء الأول من المستفاد

(1)

على هامش الأصل: «بئس ما فعل

والله ما يستحقه».

ص: 28

الجزء الثاني من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد

انتقاه كاتبه أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامي عرف بابن الدمياطي لنفسه ثم لمن شاء الله من بعده عفا الله عنه.

للحافظ أبى عبد الله محمد بن النجار البغدادي

ص: 29

(سم الله الرّحمن الرّحيم) رب يسر وأعن

[حرف الألف]

‌31 - إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر بن ثعلبة بن سعد بن حلام ابن غزية بن أسامة بن ربيعة بن ضبيعة بن عجل بن نجم، أبو إسحاق الزاهد

(1)

:

من أهل بلخ، دخل بغداد مجتازا، وسكن الشام إلى حين وفاته، وقد طلب العلم والحديث ثم استقل بالزهد، وحدث عن أبيه أدهم وعن محمد بن زياد صاحب أبي هريرة والأعمش ومحمد بن عجلان ومنصور بن المعتمر ويحيى بن سعيد وسفيان الثوري وهشام بن حسان والأوزاعي، روي عنه بقية بن الوليد وسفيان الثوري وشقيق البلخي وسهل بن هاشم.

قال النسائي: أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم ثقة مأمون أحد الزهاد.

وروى المؤلف بسنده إلى عطاء بن مسلم قال: ضاعت نفقة إبراهيم بن أدهم بمكة [فبقي]

(2)

خمسة عشر يوما يستف الرمل.

وروى أيضا إلى عبد الله بن الفرج القنطري العابد قال: اطلعت على إبراهيم بن أدهم في بستان بالشام وهو مستلق وإذا حية في فهما طاقة نرجس فما زالت تذب عنه حتى انتبه.

وروى أيضا إلى المتوكل بن الحسين قال: قال إبراهيم بن أدهم: الزهد ثلاثة أصناف: فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة؛ فالفرض الزهد في الحرام، والفضل الزهد في الحلال، والسلامة الزهد في الشبهات.

قال محمد بن إسماعيل البخاري: مات إبراهيم بن أدهم سنة إحدى وستين ومائة، ودفن بسوقين حصن ببلاد الروم.

(1)

انظر: تهذيب التهذيب 1/ 102. الوافي بالوفيات 5/ 318. وتهذيب ابن عساكر 2/ 167 - 196.

(2)

ما بين المعقوفتين أثبت على الهامش الأصل.

ص: 31

قال أبو داود سليمان بن الأشعث: سمعت أبا توبة الربيع بن نافع يقول: مات إبراهيم بن أدهم سنة اثنتين وستين ومائة، ودفن على ساحل البحر.

‌32 - إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله الفيروزآبادي الشيرازي

(1)

، أبو إسحاق

(2)

:

إمام أصحاب الشافعي ومن انتشر فضله في البلاد، وفاق أهل زمانه بالعلم والزهد والسداد، وأقر بعلمه وورعه الموافق والمخالف والمعادي والمحالف، وحاز قصب السبق في جميع الفضائل وتعزى بالدين والنزاهة على كل الرذائل، وكان سخي النفس، شديد التواضع، طلق الوجه، لطيفا ظريفا، كريم العشرة، سهل الأخلاق، كثير المحفوظ للحكايات والأشعار.

ولد بفيروزآباد بليدة بفارس، ونشأ بها، ودخل شيراز، وقرأ الفقه على أبي عبد الله الأنصاري، وقرأ على أبي القاسم الداركي، وقرأ الداركي علىالمروزي، وقرأ المروزي علي ابن سريج، وقرأ ابن سريج على ابن الأنماطي، وقرأ ابن الأنماطي على المزني والربيع بن سليمان، وقرء على الشافعي، ثم دخل بغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة وقرأ على القاضي أبي الطيب الطبري، ولازمه حتى برع في العلم وصار من أنظر أصحابه، وامتدت إليه الأعين وتقدم على أقرانه.

وكان يدرس بمسجده بباب المراتب إلى أن بنى له الوزير نظام الملك أبو علي المدرسة على شاطئ دجلة فانتقل إليها، ودرّس بها بعد امتناع شديد، ولم يزل يدرّس بها إلى حين وفاته.

سمع ببغداد من أبي بكر أحمد بن محمد بن غالب البرقاني وأبي علي الحسن بن شاذان وأبي الطيب الطبري، روي عنه الخطيب الحافظ في بعض مصنفاته شيئا من شعره؛ وكان عارفا بالأدب.

ومن شعره:

(1)

بهامش الأصل: «الإمام الشيخ أبو إسحاق رضي الله عنه» .

(2)

انظر: طبقات الشافعية للسبكي 3/ 88 - 111. ووفيات الأعيان 1/ 9 - 12. والعبر في خبر من غير 3/ 283. وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة، ترجمة 200. الجدير بالذكر أن هذه الترجمة مكانها بالمخطوط بعد ترجمة: «أحمد بن إسماعيل بن يوسف

». واستبدل مكانها نظرا للترتيب الهجائي.

ص: 32

لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا

وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد

وقلت يا عدتي

(1)

في كل نائبة

ومن عليه لكشف الضر أعتمد

وقد مددت يدي والضر مشتمل

إليك يا خير من مدت إليه يد

فلا تردنها يا رب خائبة

فبحر جودك يروي كل من يرد

أنشدني شهاب الحاتمي بهراة قال: أنشدنا أبو سعد بن السمعاني قال: أنشدنا أبو المظفر شبيب بن الحسين القاضي، أنشدني أبو إسحاق- يعني الشيرازي- لنفسه:

جاء الربيع وحسن ورده

ومضى الشتاء وقبح برده

فاشرب على وجه الحبيب

ووجنتيه وحسن خده

قال ابن السمعاني: قال لي شبيب: ثم جاء بعد [أن]

(2)

أنشدني هذين البيتين بمدة: كنت جالسا عند الشيخ، فذكر بين يديه أن هذين البيتين أنشدا عند القاضي يمين الدولة حاكم صور، بلدة على ساحل بحر الروم، فقال لغلامه: احضر ذاك الشأن- يعني الشراب- فقد أفتانا به الإمام أبو إسحاق، فبكى الإمام ودعا على نفسه، وقال: ليتني لم أقل هذين البيتين قط. ثم قال لي: كيف نردها من أفواه الناس؟ فقلت:

يا سيدي هيهات! قد سارت به الركبان. كان أبو إسحاق إذا بقي مدة لا يأكل شيئا صعد إلى النصرية في أعلى بغداد وكان له فيها صديق باقلاني، فكان يثرد له رغيفا ويشربه بماء الباقلاء فربما صعد إليه وكان قد فرغ من بيع الباقلاء ويغلق الباب، فيقف أبو إسحاق ويقرأ {تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ} ويرجّع.

كان القاضي أبو الطيب يسمى الشيخ أبا إسحاق «حمامة المسجد» للزومه واشتغاله بالعلم طول ليله ونهاره. كان الشيخ أبو إسحاق يمشي في الطريق ومعه بعض أصحابه فعرض لهما كلب، فقال ذلك الفقيه للكلب: اخسأ! وزجره، فنهاه الشيخ أبو إسحاق عن ذلك وقال: لم طردته عن الطريق؟ أما عرفت أن الطريق بيني وبينه مشترك.

قال ابن الخاضبة: سمعت الشيخ أبا إسحاق يقول: لو عرض هذا الكتاب الذي صنفته- وهو المهذب- على النبي صلى الله عليه وسلم [لقال] هذا هو شريعتي [التي]

(3)

أمرت بها أمتي.

(1)

في الأصل: «يا عزتي» .

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة من طبقات الشافعية.

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من طبقات الشافعية.

ص: 33

قال الحافظ السلفي: سألت أبا غالب شجاع بن فارس الذهلي عن أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، فقال: إمام أصحاب الشافعي والمقدم عليهم في وقته ببغداد، كان ثقة ورعا صالحا عالما بمعرفة الخلاف علما لا يشاركه فيه أحد، سمعت منه شيئا من حديثه ومصنفاته.

مولده سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وتوفي ليلة الأحد. ودفن يوم الأحد الحادي والعشرين من جمادى الآخرة سنة ست وسبعين وأربعمائة، وقيل: إن مولده سنة خمس وتسعين.

‌33 - أحمد

(1)

بن إسماعيل بن يوسف بن محمد بن العباس، أبو الخير القزويني الزاهد الرباني

(2)

:

رئيس أصحاب الشافعي. كان إماما في المذهب والخلاف والتفسير والحديث.

ورحل من بلدة قزوين إلى نيسابور، فأقام بها عند الفقيه محمد بن يحيى، وقرأ عليه ولازمه حتى برع في العلم. دخل بغداد وعقد بها مجلس الوعظ وسارت وجوه الدولة إليه ملتفة، وكثر التعصب له، وكان يجلس بالنظامية وبجامع القصر ويحضر مجلسه الخلق الكثير والجم الغفير، ثم ولّى التدريس بالمدرسة النظامية في رجب سنة تسع وستين وخمسمائة، ودرّس بها، وعقد مجلس الوعظ إلى أوائل سنة ثمانين وخمسمائة، ثم إنه طلب العود إلى بلاده فأذن له في ذلك، فعاد إلى قزوين وأقام بها إلى حين وفاته.

سمع بقزوين أبا سعد إسماعيل، وبنيسابور أبا عبد الله الفراوي وأبا القاسم زاهرا، وأبا بكر وجيه بن طاهر الشحامي، وببغداد أبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد ابن سليمان.

وأملى بجامع القصر وبالنظامية عدة أمالي، وكان كثير العبادة، دائم الذكر، كثير الصّلاة والصيام والتهجد والتقلل من الطعام، حتى ظهر ذلك على وجهه وغيّر لونه، وكان لا يفتر لسانه من التسبيح في جميع حركاته وسائر أحواله.

مولده سنة اثنتي عشرة وخمسمائة في رمضان.

(1)

في الأصل: «محمد» ، والتصحيح من المصادر السابقة.

(2)

انظر: العبر في خبر من غبر 4/ 271. وشذرات الذهب 4/ 300. وطبقات القراء 1/ 39.

ص: 34

سمعت أبا المناقب محمد بن أحمد بن القزويني يقول: ولد والدي في السابع والعشرين من رمضان سنة إحدى عشرة وخمسمائة بقزوين، وتوفي بها في يوم الجمعة الحادي والعشرين من المحرم سنة تسع وثمانين وخمسمائة، رحمه الله تعالى.

‌34 - أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر، أبو عبد الرحمن النّسائي الحافظ

(1)

:

أحد الأئمة الأعلام. صنف «السنن» وغيرها من الأدب، وله الرحلة الواسعة. قدم بغداد، وكتب بها عن جماعة من الشيوخ، ودخل الشام ومصر وأقام هناك إلى حين وفاته، وحدث عن قتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه وإسحاق بن شاهين وإبراهيم ابن سعيد الجوهري وأحمد بن بكار بن أبي ميمونة وأحمد بن جعفر بن عبد الله وأحمد ابن عبد الله بن الحكم وهناد بن السري وعيسى بن حماد زغبة وأحمد بن عيسى التستري وأحمد بن عبد الواحد بن عبود، روي عنه ابنه عبد الكريم وأبو بشر الدولابي.

قال الحاكم أبو عبد الله بن البيع الحافظ: حدثني علي بن عمر الحافظ أنه لما امتحن بدمشق- أعني النسائي- قال: احملوني إلى مكة! فحمل إلى مكة وتوفي بها. وهو مدفون بين الصفا والمروة، وكانت وفاته في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة.

قال أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي: أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر النسائي يكنى أبا عبد الرحمن قدم مصر قديما، وكتب بها وكتب عنه، وكان إماما في الحديث، ثقة ثبتا حافظا، وكان خروجه من مصر في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثمائة، وتوفي بفلسطين يومالاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر سنة ثلاث وثلاثمائة.

ذكر الحافظ أبو القاسم علي بن عساكر أن أبا عبد الرحمن النسائي سئل عن مولده، فقال: يشبه أن يكون سنة خمس عشرة ومائتين.

‌35 - أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران، أبو نعيم الحافظ

(2)

:

(1)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 21. والبداية والنهاية 11/ 123. وطبقات الشافعية 2/ 83. وتذكرة الحفاظ 2/ 241. وخلاصة تهذيب الكمال 1/ 6. وشذرات الذهب 2/ 239. والأعلام 1/ 171.

(2)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 26. وميزان الاعتدال 1/ 52. ولسان الميزان 1/ 201. وطبقات الشافعية 3/ 7 والأعلام 1/ 157.

ص: 35

سبط محمد بن يوسف البناء. الزاهد من أهل أصبهان، تاج المحدثين وأحد أعلام الدين ومن جمع الله له في الرواية والحفظ والفهم والدراية، فكانت تشد إليه الرحال وعاجز إلى بابه الرجال.

سمع بأصبهان أباه وأبا محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، وأبا القاسم سليمان بن أحمد الطبراني وأبا بكر محمد بن إسحاق بن أيوب وأبا بكر محمد بن جعفر المغازلي وأبا عمر محمد بن أحمد بن إبراهيم العسال وأبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة الحافظ وأبا إسحاق إبراهيم بن إسحاق الخشاب وأبا أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، وبمكة أبا بكر محمد بن الحسين الآجري وأبا العباس أحمد بن إبراهيم بن علي الكندي وأبا الفضل العباس بن أحمد الجرجاني، وبواسط أبا عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن شعبان وأبا بكر محمد بن حبيش بن خلف الخطيب، وبالبصرة أبا بكر محمد بن علي بن مسلم، وبالأهواز القاضي أبا بكر محمد ابن إسحاق الأهوازي وأبا الحسين محمد بن أحمد بن إسحاق الدقيقي وأبا علي الحسين بن محمد بن أحمد بن يزيد الشافعي، وبالكوفة أبا الحسين محمد بن الطاهر بن الحسين بن محمد بن جعفر بن عبد الله وأبا عبد الله محمد بن محمد بن علي بن خلف ابن مطر، وبجرجان أبا أحمد محمد بن أحمد بن الغطريف، وبنيسابور أبا عمرو محمد ابن أحمد بن حمدان والحاكم أبا أحمد محمد بن محمد بن أحمد الحافظ، وخلقا كثيرا.

وجمع معجما لشيوخه، وحدث بالكثير من مسموعاته ومصنفاته. وصنف كثيرا، منها:«حلية الأولياء» و «المستخرج على الصحيحين» ذكر فيها أحاديث ساوى فيها البخاري ومسلما، وأحاديث علا عليهما فيها

(1)

كأنهما سمعاها منه، أو ذكر فيها حديثا كأن البخاري ومسلما سمعاه ممن سمعه منه، أو بلغ في رئاسة علم الحديث ما لم يبلغه غيره.

قرأت على محمود بن الحداد عن أبي طاهر الحافظ، قال: سمعت السيد حمزة- يعني ابن العباس العلوي الأصبهاني بهمذان- يقول: كان أصحاب الحديث في مجلس أحمد ابن الفضل الباطرقاني يقولون وأنا أسمع.

بقي أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير، لا يوجد شرقا وغربا أعلى إسنادا ولا أحفظ منه. وكانوا يقولون: لما صنف كتاب «حلية الأولياء» حمل إلى نيسابور حالة حياته، فاشترى هناك بأربعمائة دينار.

(1)

في الأصل: «فيهما» .

ص: 36

قال الحافظ أبو بكر الخطيب: وقد رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها، منها أن يقول في الإجازة: أنا من غير أن يبين! والله أعلم.

قال عبد العزيز النخشبي: لم يسمع أبو نعيم مسند الحارث بتمامه من أبي بكر بن خلاد، فحدث به كله!.

مولده في رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة.

وتوفي بكرة يوم الاثنين العشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة، ودفن وقت الظهر بمردنان تحت قبر أبي القاسم السوذرجاني، وصلى عليه محمد بن عبد الواحد الفقيه.

وحكى بعضهم أنه رأى في المنام قائلا يقول له: من أحب أن يستجاب دعوته فليدع عن قبر أبي نعيم سبط محمد بن يوسف- رحمه الله تعالى.

‌36 - أحمد بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد، أبو الحسن السلمي

(1)

:

من أهل دمشق من بيت مشهور بالحديث والرواية. سمع الحديث بدمشق من أبي طاهر الخشوعي

(2)

، وسافر إلى مصر فسمع بها من أبي القاسم هبة الله التوحيدي وإسماعيل بن صالح بن ياسين.

وقدم علينا ببغداد طالبا للحديث وهو شاب في سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وسمع معنا من جماعة من أصحاب ابن الحصين وأبي بكر بن عبد الباقي وعاد إلى دمشق، ثم إنه سافر إلى أصبهان وأقام بها مدة في سنة ثمان وستمائة، وحصل من الكتب والأجزاء

(3)

عدة أحمال. وعاد بها إلى بلاده، ثم إنه أقام بحران وسكن بعض قراها إلى حين وفاته، وحدث هناك وكتب عنه.

أنشدني أبو الحسن أحمد بن أبي الحديد السلمي من حفظه ببغداد قال: أنشدني أبو العباس أحمد بن ناصر قال: أنشدنا محمد بن الحراني

(4)

لنفسه في غلام اسمه سهم وقد التحى:

(1)

انظر: مرآة الزمان، لبسط ابن الجوزي، ص 211.

(2)

في الأصل بدون نقط.

(3)

في الأصل: «الأجرا» .

(4)

في الأصل: «البحراني» .

ص: 37

قالوا التحى السهم قلت حصّن

حشاك فالآن لا تطيش

فالسهم لا ينفذ الرمايا

إلا إذا كان فيه ريش

مولده بدمشق في جمادى الآخرة سنة سبعين وخمسمائة.

وتوفي في أحد الربيعين من سنة خمس وعشرين وستمائة بالذهبانية من قرى حران، ودفن بها.

‌37 - أحمد بن علي بن بختيار بن عبد الله، أبو القاسم الصوفي

(1)

:

كان والده أستاذ دار الخلافة. ونشأ أبو القاسم هذا متأدبا فاضلا، حسن الطريقة متدينا صالحا، له معرفة بالأدب، وهو مقيم برباط والده بباب الجعفرية.

أنشدني أحمد بن علي بن بختيار لنفسه:

أعاذلتي في الحب هل غير ذلك

فإني لأسباب الهوى غير تارك

دعيني وأوصافي فلست بعاشق

إذا رمت ميلا عن طريق المهالك

أرى الحب أن ألقي المنية مسفرا

إذا شئت أن ألقي عذاب المضاحك

أيا ظبية الوعساء إن حال بيننا

سباسب تنضى ناجيات الرواتك

فلست بناس وقفة لم تزل بها

دماء المآقي سافحات المسافك

تربعت من دون الأراكة معهدا

وغادرت عهدي بين تلك الأرائك

فقلت

(2)

إلى الواشي وكنت غرية

إذا ما سعى الواشي بما غير ذلك

ألم تعلمي أني ألم بعالج

وأشتاق آثارا حلت من جمالك

سألت أبا القاسم بن بختيار عن مولده، فقال: في أحد الربيعين سنة خمس وستين وخمسمائة.

وتوفي ليلة الخميس الثامن والعشرين من جمادى الآخرة من سنة اثنتين وأربعين وستمائة، ودفن من الغد برباط والده رحمه الله.

‌38 - أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب، أبو بكر الحافظ

(3)

:

(1)

انظر: مرأة الزمان، لبسط ابن الجوازي 8/ 250.

(2)

هكذا في الأصل.

(3)

انظر: مقدمة تاريخ بغداد الجزء الأول. ومعجم الأدباء 1/ 248. وطبقات الشافعية 3/ 12.

والنجوم الزاهرة 5/ 87. وتاريخ ابن عساكر 1/ 398. ووفيات الأعيان 1/ 27. والأعلام 1/ 172.

ص: 38

إمام هذه الصنعة

(1)

ومن انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والإتقان والقيام بعلوم الحديث. نشأ ببغداد وقرأ القرآن بالروايات، وقرأ الفقه على القاضي أبي الطيب الطبري، وعلق عنه شيئا من الخلاف، ثم إنه اشتغل بسماع الحديث من الشيوخ ببغداد، ثم رحل إلى البصرة.

سمع سنن أبي داود من القاضي أبي عمر الهاشمي، وتوجه إلى خراسان فسمع بها من أصحاب الأصم، ثم إنه خرج إلى الشام حاجّا في سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وسمع بدمشق وصور، وحج تلك السنة، وقرأ صحيح البخاري في خمسة أيام بمكة على كريمة المروزية.

ورجع إلى بغداد وصار له قرب من الوزير أبي القاسم بن المسلمة، فلما وقعت فتنة البساسيري ببغداد في سنة خمسين وأربعمائة وقبض على الوزير، استتر الخطيب وخرج إلى الشام، وكان يتردد ما بين صور ودمشق، ثم عاد إلى بغداد في آخر عمره.

سمع ببغداد أبا الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه وأبا الحسن أحمد بن محمد بن الصلت وأبا عمر عبد الواحد بن عبد الله بن مهدي، وبالبصرة القاضي أبا عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، وبنيسابور القاضي أبا بكر أحمد الحرشي، وبأصبهان أبا نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ، وبالري أبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن فضالة، وبهمذان أبا منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز، وبدمشق أبا الحسين محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أبي نصر، وبصور أبا الفرج عبد الوهاب بن الحسين ابن الغزال، وبحلب أبا الفتح أحمد بن علي بن محمد النحاس.

ومن شعره:

الشمس تشبهه والبدر يحكيه

والدر يضحك والمرجان من فيه

ومن سرى وظلام الليل معتكر

(2)

فوجهه عن ضياء البدر يغنيه

(3)

زوى له الحسن حتى حاز أحسنه

لنفسه وبقي للناس باقيه

فالعقل يعجز عن تحديد غايته

والوهم يقصر عن فحوى معانيه

يدعو القلوب فتأتيه مسارعة

مطيعة الأمر منه ليس تعصيه

(1)

أى كتابة التاريخ.

(2)

في الأصل: «معتدل» .

(3)

في الأصل: «تفنيه»

ص: 39

سألته زروة يوما أفوز بها

فأظهر الغضب المقرون بالتّيه

وقال لي دون ما تبغي وتطلبه

تناول الفلك الأعلى وما فيه

رضيت يا معشر العشاق منه

بأن أضحيت يعلم أني من محبيه

وأن يكون فؤادي في يديه لكي

يميته بالهوى منه ويحييه

وله:

لو قيل لي ما تمنى قلت في

عجل أخا صدوقا أمينا غير خوان

إذا فعلت جميلا ظل يشكرني

وإن أسأت تلقاني بغفران

ويستر العيب في سخط وحال رضى

ويحفظ الغيب في سر وإعلان

وأين في هذا الخلق عز مطلبه

فليس يوجد ما كر الجديدان

مولده في يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة.

قال: فأول ما سمعت الحديث، وقد بلغت إحدى عشرة سنة في المحرم سنة ثلاث وأربعمائة.

قال الأمير أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن ماكولا الحافظ: وبعد فإن أبا بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي كان أحد الأعيان ممن شاهدناه معرفة وإتقانا وحفظا وضبطا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفهما في علله وأسانيده وخبرة

(1)

برواته وناقليه، وعلما بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره وسقيمه ومطروحة، ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني من يجرى مجراه، ولا قام بعده مهتما بهذا الشأن سواه، فقد استفدنا كثيرا من هذا اليسير الذي نحسنه به وعنه، وتعلمنا شطرا من هذا القليل الذي نعرفه بتنبيهه ومنه، فجزاه الله تعالى عنا الخير ولقّاه الحسنى، ولجميع مشايخنا وأئمتنا ولجميع المسلمين.

حضر أبو بكر الخطيب درس الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، فروى الشيخ حديثا من رواية بحر بن كثير

(2)

السقائي، ثم قال للخطيب: ما تقول فيه؟ فقال الخطيب:

إن أذنت لي ذكرت حاله. فأسند الشيخ أبو إسحاق ظهره من الحائط قعد مثل ما يقعد التلميذ بين يدي الأستاذ يستمع كلام الخطيب، وشرع الخطيب في شرح أحواله ويقول: قال فيه فلان كذا، وقال فلان كذا وشرح أحواله شرحا حسنا وما ذكر فيه

(1)

في الأصل: «خبرية» ، والتصحيح من ابن عساكر.

(2)

في الأصل: «كنيز» .

ص: 40

الأئمة من الجرح والتعديل إلى أن فرغ منه، فأثنى الشيخ أبو إسحاق عليه ثناء حسنا وقال: هو دارقطني عهدنا.

لما رجع أبو بكر الخطيب من الشام كانت له ثروة من الثياب والعين، وما كان له عقب. فكتب إلى القائم بأمر الله: إني إذا مت يكون ما لي لبيت المال فأذن لي حتى أفرق مالي على من شئت! فأذن له الخليفة في ذلك، ففرقها على أصحاب الحديث.

ذكر بعض مصنفاته: «تاريخ بغداد» ، مائة وستة أجزاء، «المؤتلف والمختلف» أربعة وعشرون جزءا، «المتفق والمفترق» ثمانية عشر جزء، «تلخيص المتشابه» ، «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» ، «الكفاية» ، «رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب» ، «كتاب الفقيه والمتفقه» ، «السابق واللاحق» ، «المكمل في بيان المهمل» ، «تمييز المزيد

(1)

في متصل الأسانيد»، «التبيين لأسماء المدلسين» ، «سهو أصحاب الحديث» ، «من وافقت كنيته اسم أبيه» ، «تقييد العلم» ، «كتاب البخلاء» ، «كتاب الطفيليين» ، «كتاب القنوت» ، «قبض العلم» ، «الغسل للجمعة» ، «الجهر بالتسمية» ، «منهج سبيل

(2)

الصواب في أن التسمية آية في فاتحة الكتاب»، «من حدث ونسى» ، «صلاة التسبيح» ، «اقتضاء العلم العمل»

(3)

.

أنشدني جعفر بن علي الهمذاني في الإسكندرية قال: أنشدني أبو طاهر السلفي الحافظ لنفسه من مصنفات الخطيب:

تصانيف ابن ثابت الخطيب

ألذ من الصبا الغض

(4)

الرطيب

تراها إذا رواها من حواها

رياضا للفتى اليقظ اللبيب

ويأخذ حسن ما قد ضاع منها

بقلب الحافظ الفطن الأريب

فأية راحة ونعيم عيش

يوازي كتبها بل أي طيب

قال الحافظ أبو بكر الخطيب: من صنف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس. تقدم رئيس الرؤساء إلى الخطباء والوعاظ أن لا يرووا حديثا حتى يعرضوه على الخطيب، فما ذكر صحته أو ردوه، وما رده لم يذكروه. وأظهر بعض اليهود كتابا وادعى أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادات الصحابة

(1)

في الأصل: «تخير المريد» .

(2)

في الأصل: «منهج سبيل الصواب» .

(3)

في الأصل: «اقتضاء للعلم العمل» .

(4)

في الأصل: «الغد» .

ص: 41

وذكروا أن خط علي بن أبي طالب فيه، وحمل الكتاب إلى رئيس الرؤساء، فعرضه على الخطيب، فتأمله ثم قال: هذا مزور! قيل له: ومن أين قلت ذلك؟ فقال: في الكتاب شهادة معاوية بن أبي سفيان، ومعاوية أسلم عام الفتح سنة ثمان، وخيبر فتحت سنة سبع ولم يكن مسلما في ذلك الوقت ولا حضر ما جرى، وفيه شهادة سعد بن معاذ الأنصاري ومات يوم بني قريظة بسهم أصابه في أكحله

(1)

يوم الخندق، وذلك قبل فتح خيبر بسنتين، فاستحسن ذلك منه ولم يجزهم على ما في الكتاب.

قال أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون: توفي الخطيب ضحوة نهار يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة، ودفن بباب حرب إلى جنب بشر بن الحارث، وصلي عليه في جامع المنصور، وتقدم عليه القاضي أبو الحسين محمد بن علي بن المهتدي بالله وتصدق بجميع ماله وهو مائتا دينار، فرق ذلك على أصحاب الحديث والفقهاء والفقراء في مرضه، ووقف جميع كتبه على المسلمين وأخرجت من حجرة تلي النظامية في نهر مقلى، وتبعه الفقهاء والخلق العظيم، وكان بين يدي الجنازة جماعة ينادون: هذا الذي كان يذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. مولده سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة.

أخبرنا أبو البركات الأمين بدمشق، أنبأنا عمي أبو القاسم الحافظ قال: قرأت بخط غيث بن علي قال أبو القاسم مكي بن عبد السلام المقدسي: كنت جالسا في منزل الشيخ أبي الحسن الزعفراني ببغداد ليلة الأحد الثاني عشر من ربيع الأول سنة ثلاث وستين وأربعمائة فرأيت في المنام عند السحر كأنا اجتمعنا عند الشيخ أبي بكر الخطيب في منزله بباب المراتب لقراءة التاريخ على العادة، فكان الشيخ الإمام جالسا والشيخ الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي عن يمينه وعن يمين الفقيه نصر رجل جالس لا أعرفه فسألت عنه، فقلت: من هذا الرجل الذي لم تجر عادته بالحضور معنا؟ فقيل لي: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء ليسمع التاريخ. فقلت في نفسي: هذه جلالة للشيخ أبي بكر إذ يحضر النبي صلى الله عليه وسلم مجلسه، فقلت في نفسي: وهذا أيضا رد لقول من يعيب التاريخ ويذكر أن فيه تحاملا على أقوام- رحمه الله.

(1)

في الأصل: «كحله» .

ص: 42

‌39 - أحمد بن علي بن محمد بن برهان الوكيل، أبو الفتح الفقيه الشافعي

(1)

:

تفقه في صباه على مذهب أحمد بن حنبل على أبي الوفاء بن عقيل، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، وقرأ على أبي بكر الشاشي وأبي حامد الغزالي، وكان ذكيا، خارق الذهن، ولم يزل يبالغ في الطلب والاشتغال والحفظ والتحقيق وحل المشكلات واستخراج المعاني حتى صار يضرب به المثل. ولى التدريس بالنظامية، ثم عزل عنها.

سمع الحديث بنفسه من أبي طاهر أحمد بن الحسن الكرخي وأبي الخطاب نصر بن أحمد بن البطر وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة النعال.

توفي يوم الأربعاء ثامن عشر جمادى [الأولى]

(2)

من سنة ثمان عشرة وخمسمائة، وصلّى عليه بجامع القصر ودفن بباب أبرز.

‌40 - أحمد بن علي بن المعمر بن محمد بن المعمر بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبيد الله العلوي الحسيني

(3)

:

نقيب الطالبيين ببغداد. ولى النقابة على الطالبيين بعد أبيه في سنة ثلاثين وخمسمائة، ولم يزل على ولايته إلى حين وفاته، وكان يسكن بالحريم الظاهري في دار له مشرفة على دجلة.

سمع أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن العلاف وأبا الحسين المبارك بن عبد الجبار الصّيرفيّ، وكان مجدا في الرواية، وكان يشعر شعرا حسنا، وينثر نثرا فائقا، فمن شعره:

دمع يخد وجنة تتخدد

وجوى يزيد وزفرة تتجدد

وصبابة ترمي وصبر نافر

وضنى يجول وجور وجد يلبد

وهوى يشعب فكرتي ويذيبني

شوقا يقسمه كواعب خرد

وحنين قلب واشتجار وساوس

ودوام تهيام وجفني يسهد

وأنين خلب محدق وغرام ووج

د معلق وجوارح تتلبد

ونحول جسم واضح وسقام ح

ب فاضح وحياد عقل يشرد

(1)

انظر: طبقات الشافعية 4/ 24. والأعلام 1/ 167.

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة من طبقات الشافعية.

(3)

انظر: معجم الأدباء 4/ 70 - 72.

ص: 43

وغريم تذكار مقيم ساخط

أبدا على رسوله يتمرد

وتلفت نحو الديار وإنه

يحيى بها دمعي الذي لا يجمد

وتطلع نحو الغوير ولوعة

لسيارها شغفا يخب ويزيد

وتنسم الأنباء في رأد الضحى

وتنفس الصعداء إذ لا موعد

قرأت بخط النقيب أبي عبد الله: المولد في شوال سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة.

وتوفي يوم الأربعاء ثامن عشر جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة، ودفن من الغد.

‌41 - أحمد بن عمر بن الأشعث- ويقال ابن أبي الأشعث، أبو بكر المقرئ

(1)

:

من أهل سمرقند. سافر إلى الشام وسكن دمشق مدة، وقرأ بها القرآن على أبي علي الحسن بن علي الأهوازي، وسمع منه الحديث ومن أبي عبد الله الحسين بن محمد الحلبي، وأبي عمر إسماعيل الصابوني، ثم إنه قدم بغداد واستوطنها إلى حين وفاته، وأقرأ بها القرآن، وحدث، وكان مجوّدا متقنا عارفا بالروايات واختلافها متحريا.

ويحكى أن أبا بكر السّمرقندي خرج

(2)

مع جماعة إلى ظاهر البلد في فرجة، فقدموه

(3)

يصلي بهم، وكان مزاحا، فلما سجد بهم تركهم في الصّلاة وصعد في شجرة، فلما طال عليهم انتظاره رفعوا رءوسهم فلم يجدوه في مصلاه، وإذا به في الشجرة يصيح صياح السنانير، فسقط من أعينهم، فخرج إلى بغداد وترك أولاده بدمشق.

مولده سنة ثمان وأربعمائة، وتوفي في سادس عشر رمضان سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وقيل مولده سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، ودفن بمقابر الشهداء.

‌42 - أحمد بن أبي غالب بن أحمد بن عبد الله بن محمد الوراق، أبو العباس الزاهد المعروف بابن الطلاية

(4)

:

يقال إن والدته كانت تطلي الكاغذ عند عمله بالدقيق المعجون بالماء رقيقا قبل

(1)

انظر: طبقات القراء 1/ 92. وتهذيب ابن عساكر 1/ 415.

(2)

في الأصل: «خارج» .

(3)

في الأصل: «فقلدوه» .

(4)

انظر: العبر في خبر من غبر 4/ 129.

ص: 44

صقله، فاشتهرت بذلك. كان أحمد هذا من عباد الله الصالحين، كثير العبادة مشهورا بالزهد.

كان يذكر أنه سمع في صباه من أبي القاسم عبد العزيز بن علي الأنماطي بن بنت السّكّري شيئا من الحديث، ولم يظهر له عنه شيء.

توفي يوم الأحد ثاني عشر رمضان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، ودفن بمقبرة باب حرب، وكان من عباد الله الصالحين.

‌43 - أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب، أبو الحسين اللغوي

(1)

:

من أهل قزوين، سكن الري، فنسب إليها. سمع بقزوين أباه- وكان شافعيا لغويا، وأبا الحسن علي بن محمد بن مهرويه وأبا الحسين أحمد بن علان، وبأصبهان أبا القاسم سليمان الطبراني؛ وببغداد محمد بن عبد الله الدوري. وقرأ عليه البديع أحمد ابن الحسين الهمذاني صاحب المقامات.

وكان مقيما بهمذان إلى أن حمل إلى الري ليقرأ عليه أبو طالب بن فخر الدولة علي بن ركن الدولة حسن بن بويه الديلمي، فسكنها. وكان فقيها شافعيا حاذقا، فانتقل إلى مذهب مالك في آخر عمره، وسئل عن ذلك فقال: داخلتني الحمية

(2)

لهذا الإمام المقبول

(3)

على جميع الألسنة أن يخلو مثل هذا البلد عن مذهبه. فإن الري أجمع البلاد للمقالات والاختلاف. وقد حدث أبو الحسين ببغداد.

قال أبو الحسين بن فارس: دخلت بغداد طالبا للحديث، فحضرت مجلس بعض أصحاب الحديث، فرأيت شابا وعليه سمة جمال وليست معي قارورة، فاستأذنته في كتب الحديث من قارورته، فقال: من انبسط إلى الإخوان بالاستئذان فقد استحق الحرمان.

ومن شعره:

وقالوا كيف حالك قلت خير

تقضي حاجة وتفوت حاج

إذا ازدحمت هموم الصدر قلنا

عسى يوما يكون لها انفراج

(1)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 100. ومعجم الأدباء 4/ 80.

(2)

على الهامش الأصل: «أعوذ بالله من الحمية حمية الجاهلية» .

(3)

في الأصل: «المعقول» .

ص: 45

نديمي هرّتي وشفاء قلبي

دفاتر لي ومعشوقي السراج

قال: كان الصاحب بن عباد يقول: شيخنا أبو الحسين بن فارس رزق التصنيف وأمن من التصحيف.

وله من التصانيف: المجمل في اللغة- وكتاب متخير الألفاظ- وكتاب فقه اللغة- وكتاب غريب إعراب القرآن. يقال إن أبا الحسين بن فارس كان بقزوين يصنف في كل ليلة جمعة كتابا ويبيعه يوم الجمعة قبل الصّلاة ويتصدق بثمنه! فكان هذا دأبه.

توفي بالري في صفر سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى.

‌44 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن هارون البرداني، أبو علي بن أبي الحسن الحافظ

(1)

:

من ساكني الشذا من شارع دار الرقيق، سمع أباه وأبا طالب محمد بن محمد بن غيلان وإبراهيم وعلي ابني عمر البرمكي وأبا محمد الجوهري وأبا القاسم عبد العزيز ابن علي الأزجي وأبا الحسن علي بن إبراهيم بن عيسى الباقلاني وأبا بكر محمد بن عبد الملك بن بشران وأبا طالب محمد بن علي العشاري وأبا القاسم منصور بن عمر ابن علي الكرخي.

ولم يزل يسمع ويكتب إلى حين وفاته. وكتب بخطه كثيرا، وجمع وخرّج وصنّف في عدة فنون، وحدّث بأكثرها، وكان موصوفا بالحفظ والمعرفة والصدق والثقة والديانة.

مولده سنة ست وعشرين وأربعمائة في النصف من جمادى الأولى، وتوفي في الليلة التي صبيحتها يوم الخميس الحادي والعشرين من شوال سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، ودفن في هذا اليوم في مقبرة باب حرب. وكان عارفا بعلم الحديث.

‌45 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن سلفة، أبو طاهر السلفي

(2)

:

من أهل أصبهان، محدّث وقته وشيخ زمانه. سمع بأصبهان الرئيس أبا عبد الله القاسم بن الفضل الثقفي وأبا الحسن مكي بن منصور الكرجي وأبا نصر عبد الرحمن

(1)

انظر: العبر 3/ 350. وتذكرة الحفاظ 4/ 1232.

(2)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 87 - 90.

ص: 46

ابن محمد بن يوسف النضري وأبا العباس أحمد بن أشتة. وسافر إلى بغداد في شبابه وسمع بها أبا الخطاب نصر بن البطر القاري وأبا عبد الله الحسين بن علي بن البسري وأبا المعالي ثابت بن بندار، سافر إلى الحجاز

(1)

، وسمع بمكة والمدينة والكوفة وواسط والبصرة وهمذان وزنجان، ومضى إلى الشام، ودخل دمشق وسمع بها كثيرا، ثم إنه دخل ديار مصر وأحيا بها الحديث، وكان حافظا ثقة حجة نبيلا، ختم هذا العلم، وكانت الرحلة إليه من الأقطار، وعمّر حتى ألحق الصغار بالكبار.

وحدّث ببغداد وهو شاب، وسمع منه الحفاظ والأكابر.

أنشدني عبد الرحيم بن يوسف الدمشقي بالقاهرة من ديار مصر، قال: أنشدنا أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي لنفسه:

إذا بنى فرط تجافيه

وعذل عذالي معا فيه

دعوا ملامي وانظروا ظرفه

في طرفه والدر في فيه

ولاحظوا الحسن بألبابكم

كي تعذروا قلب مصافيه

ثم اعذلوني بعد أن كان

ما أصابني العقل ينافيه

أنشدني أبو القاسم الصوفي بديار مصر، قال: أنشدنا السلفي لنفسه:

لم تذق عيني مذ أبصرته

من شقائي طول ليل وسنا

ولها في ذاك عذر واضح

فهو كالبدر سناء وسنا

أخبرني عبد القادر بن عبد الله الرهاوي الحافظ، فيما سألني به وأذن لي في روايته عنه بحرّان قال: شيخنا الحافظ الإمام أبو طاهر السلفي الأصبهاني سمع الحديث بأصبهان من سنة ثمان وثمانين وأربعمائة إلى سنة ثلاث وتسعين، وحج ورجع إلى بغداد فأقام بها إلى سنة خمسمائة، فقرأ الحديث والفقه والنحو واللغة، سمع بقراءته الأئمة كالحافظ يحيى بن مندة والمؤتمن الساجي ومحمد بن منصور السمعاني وأبي نصر الأصبهاني وغيرهم.

سمعته يقول: كنت بالكوفة مريضا، فكان يجعل لي مخادا أستند إليها وأكتب الحديث؛ ثم خرج من بغداد سنة خمسمائة إلى واسط والبصرة ودخل نهاوند ومضى إلى همذان وقزوين وزنجان وساوة، ومضى إلى الري، ثم مضى إلى الدربند، وهو آخر

(1)

في الأصل: «سمع في الحجاز» .

ص: 47

بلاد الإسلام، ثم صعد إلى دمشق ودخل ديار

(1)

مصر- كل هذه البلاد يكتب بها الحديث في إحدى عشرة سنة- فلما وصل إلى الإسكندرية رآه كبراؤها وفضلاؤها، فاستحسنوا علمه وأخلاقه وآدابه، فأكرموه، ثم بعث إلى أصبهان فجاء يكتبه إليه.

وسمعته يقول: كنت أسمع الحديث بالحريم، فسمعت ليلة ثم جئت إلى مسجد، فوضعت الكيس الذي فيه الأجزاء تحت رأسي، فوقع عليّ شيء ثقيل يشبه الكابوس، فجعل يكبسني حتى ضاق نفسي، وقال: أتدري أيش صنعت؟ تضع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت رأسك؟ قال: فقمت فنحيت الكيس، ووضعت تحت رأسي آجرة، وجعلت الكيس في حضني ونمت، وبلغني أنه في هذه المدة التي كان بالإسكندرية- وهيستون سنة- ما خرج إلى بستان ولا فرجة غير مرة واحدة، بل كان عامة دهره لازما بيته ومدرسته، وما كان ندخل عليه إلا نراه مطالعا في شيء، وكان حليما متحملا لجفاء الغرباء.

سمعت أبا علي الأوقي بالقدس يقول: سمعت شيخنا أبا طاهر السلفي يقول: لي ستون سنة بالإسكندرية: ما رأيت منارتها إلا من هذه الطاقة- وأشار إلى طاقة في غرفة، وكان يجلس فيها.

قال الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي: مولده- شيخنا السلفي الحافظ- بعد السبعين والأربعمائة، ووفاته في ليلة الجمعة الخامس من شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمائة. وحدّث قبل بلوغ العشرين، وكان قدومه الإسكندرية في سنة إحدى عشرة وخمسمائة، ولم يزل مقصودا للسماع منه والرواية عنه أكثر من ستين سنة، وكتب بخطه شيئا كثيرا، وكان أكثر أصوله بخطه.

سمعته يقول: متى لم يكن أصلي بخطي، لم أفرح به. وكان جيد الضبط، حسن الخط، كثير البحث عما يشكل عليه إلى أن يجرده على ما يصح لديه، رحمة الله عليه.

‌46 - أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس، أبو جعفر النحوي

(2)

:

من أهل مصر، سمع بمصر جماعة منهم أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي وبكر بن سهل الدمياطي، وسمع

(1)

في الأصل: «دريا» .

(2)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 29. ومعجم الأدباء 4/ 224 - 230.

ص: 48

بالرملة من عبيد الله بن إبراهيم البغدادي؛ ورحل إلى بغداد، سمع بها أبا بكر جعفر ابن محمد الفريابي وعمر بن إسماعيل بن أبي غيلان، وإبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه وأبا العباس محمد بن يزيد المبرد وغيرهم، وسمع بالكوفة محمد بن الحسن بن سماعة وقرأ كتاب سيبويه على الزجاج ببغداد.

ثم إنه عاد إلى مصر، واشتغل بالتصنيف. فصنّف أكثر من خمسين مصنفا، منها:

«إعراب القرآن» و «الكافي في علم العربية» ، و «معاني القرآن» ، و «شرح المعلقات» .

ذكر أبو عبد الله الزبيدي المغربي في كتابه «أخبار أهل الأدب» أن أبا جعفر النحاس لم يكن له مشاهدة، فإذا خلا بقلمه جوّد وأحسن، وكان لا ينكر أن يسأل أهل النظر والفقه، ويناقشهم

(1)

عما أشكل عليه في تصانيفه.

قال: وكان لئيم النفس، شديد التقتير على نفسه. وحدث بمصنفاته توفي في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى.

‌47 - أحمد بن محمد بن الحسين بن علي الشيرازي الحاجي، أبو بكر بن أبي عبد الله الأرجاني

(2)

:

قاضي تستر. كان أحد أفاضل الزمان، لطيف العبارة، مليح النثر، رشيق النظم، دقيق المعاني، كامل الأوصاف. ورد بغداد مرات ومدح بها المستنجد بالله، وروى بها شيئا من الحديث ومن شعره. سمع بأصبهان أبا بكر محمد بن أحمد بن ماجة، وبكرمان من الشريف أبي يعلى بن الهبارية، وروي عن والده بالإجازة، سمع منه ابن الخشاب.

ومن شعره:

ومقسومة العينين من دهش النوى

وقد راعها بالعيس

(3)

رجع حداء

تجيب بإحدى مقلتيها تحيتي

وأخرى تراعي أعين الرقباء

رأت حولها الواشين طافوا فغيضت

لهم دمعها واستقصمت بحياء

فلما بكت عيني غداة وداعهم

وقد روعتني فرقة القرناء

(1)

في الأصل: «مفاتشتهم» .

(2)

انظر: طبقات الشافعية للأسنوي 1/ 110. وطبقات الشافعية للسبكي 4/ 51. ومرآة الجنان 3/ 281. والمنتظم 18/ 72 - 74.

(3)

في الأصل: «المعيش» .

ص: 49

بدت في محياها خيالات أدمعي

فغاروا وظنوا أن بكت لبكائي

وله:

ولما

(1)

بلوت الناس أطلب منهم

أخا ثقة عند اعتراض الشدائد

تطمعت في حالي رخاء وشدة

وناديت في الأحياء هل من مساعد

فلم أر فيما ساءني غير شامت

ولم أر فيما سرني غير حاسد

وله:

حيث انتهيت من الهجران [لي]

(2)

فقف

ومن وراء

(3)

دمي بيض الطبى فخف

يا عابثا

(4)

بعدات الوصل يخلفها

حتى إذا جاء ميعاد الفراق يفي

اعدل كفاتن قد منك معتدل

واعطف كمائل غصن منك منعطف

ويا عذولي ومن يصغى إلى عذلي

إذا رنا أحور العينين ذو هيف

تلوم قلبي أن أصماه ناظره

فيم اعتراضك بين السهم والهدف

سلوا عقائل هذا الحي أي دم

للاعين النجل عند الأعين الذرف

يستوصفون لساني عن محبتهم

وأنت تصدق يا دمعي لهم فصف

ليست دموعي لنار الشوق مطفئة

وكيف والماء بارد والحريف خفي

لم أنس يوم رحيل الحي موقفنا

والعيس تطلع

(5)

أولاها على شرف

والعين من لفتة الغيران ما حظيت

(6)

والدمع من رقبة الواشين لم يكف

وفي الحدوج الغوادي كل آنسة

إن ينكشف سجفها للشمس تنكسف

تبين عن معصم

(7)

بالوهم ملتزم

منها وعن مبسم باللحظ مرتشف

في ذمة الله ذاك الركب أنهم

ساروا وفيهم حياة المغرم الدنف

فإن أعش بعدهم فردا فيا عجبي

وإن أمت هكذا وجدا فيا أسفي

قل للذين رمت بي عن ديارهم

أيدي الخطوب إلى هذا الهوى انقذف

(1)

في الأصل: «ولو بلوت» .

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة من الديوان.

(3)

في الأصل: «ولاء» .

(4)

في الأصل: «غانيا» .

(5)

في الأصل: «مطلع» .

(6)

في الأصل: «ما خطبت» .

(7)

في الأصل: «مفصهم» .

ص: 50

إن أبق أرجع إلى العهد القديم وإن

ألق الوزير من الأيام أنتصف

وله:

أهواكم وخيالكم يهواني

فلقد شجاه فراقكم وشجاني

أضحى أخا سفر فما ألقاكم

وأبيت ذا سهر فما يلقاني

توفي بتستر سنة أربع وأربعين وخمسمائة، ومولده في حدود سنة ستين وأربعمائة.

آخر الجزء الثاني من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد

ص: 51

الجزء الثالث من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد

انتقاء كاتبه أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامي الدمياطي

ص: 53

بسم الله الرحمن الرحيم

رب أعن

‌48 - أحمد بن محمد بن عمر بن هبة الله بن خداداد، الغزنوي الأصل البادرائي المولد، أبو العباس الفقيه الشافعي

(1)

:

من ساكني المدرسة النظامية كان شابا فاضلا أديبا فقيها، وكان أحد تلامذة يوسف الدمشقي، وكان يتولى بعض الأمور بين يدي ابن هبيرة.

كتب إليّ أبو عبد الله محمد بن محمد الأصبهاني الكاتب، قال: أنشدنا أحمد بن محمد البادرائي للوزير ابن هبيرة قصيدة يمدحه بها وأنا حاضر به:

ولما بدا ربع الأحبة باللّوى

وقد جدّ جد الركب قلت لهم: قفوا

قفوا نزح الأنضاء أبدى تعطفا

عليها، وما منى عليها تعطف

وإن بودي لو تعرفت شرقها

لنمكث حينا باللوى ونجدّف

أحاول كتمان الهوى ومدامعي

تفيض فتبدى ما أجن وتكشف

وما بي بذاك الربع ظبى كأنما

تسنم حقفا منه غصن مهفهف

غزال على صيد الضواغم قادر

ويعجز عن حمل الوشاح ويضعف

تصدى لقتلي بالقلى عامدا فما

أصادفه إلا يصد ويصدف

ومنها:

كأني فعول في الطويل ومهجتي

بكف الأسى كالنّون بالكف ترجف

وها أنا معتل الثلاثي والضنا

من النحو تصريف يتصرف

ومنها:

إذا قال واش قد سلا فتيقنوا

هنالك أني مغرم القلب مدنف

أذل لكم في الحب ذلا مكانه

على عزكم والله يدري تعجرف

ويؤنسني هجرانكم ثم أنني

أعلل قلبي بالمنى وأسوّف

وأعسر من صبري فأثرى

(2)

تجلدا

كما يستر الأخلاق مني التعفف

(1)

انظر: شذرات الذهب 4/ 191. المنتظم، لابن الجوازي 10/ 214.

(2)

هكذا في الأصل.

ص: 55

‌49 - أحمد بن محمد بن عمر بن عبيد الله الأزجي، أبو بكر المؤدّب:

تفقه بالمدرسة الكمالية على أبي القاسم الفراتي الضرير، غلام ابن الخل وسمع الحديث من شيوخنا أبي الفرج بن الجوزي، وذاكر بن كامل ويحيىبن بوش وأمثالهم، ثم إنه سافر إلى الموصل، وسكن بدار الحديث المظفرية، وصحب شيخها عبد القادر الرهاوي، وكتب بخطه كثيرا وقرأ بنفسه. وكان شابا أديبا فاضلا، يكتب خطا حسنا، متوددا

(1)

، طيب الأخلاق.

أنشدني رفيقنا أحمد بن محمد الأزجي لنفسه:

أحبة قلبي طال شوقي إليكم

وعز دوائي

(2)

ثم لم يبق لي صبر

أحن إليكم والحنين يذيبني

وأشتاقكم عمري وينصرم العمر

فو الله ما اخترت البعاد ملالة

ولا عن قلى [يا] سادتي فلي العذر

ولكن قضى ربي بتشتيت

له الحمد فيما قد قضى وله الشكر

شملنا فصبرا لعل الله يجمع بيننا

نعود كما كنا ويصفو لنا الدهر

وجد أبو بكر الأزجي مقتولا على باب داره في سحرة يوم الأربعاء السادس عشر من شهر ربيع الآخر سنة عشر وستمائة، ودفن بمقبرة معروف الكرخي. وما أظنه بلغ الأربعين.

‌50 - أحمد بن محمد بن الفضل بن عبد الخالق، بن الخازن، الكاتب

(3)

:

أديب، غزير الفضل، وشاعر مليح الشعر، فمنه:

إنّ التواضع رفعة

خلق الكريم لها خلق

كالبدر أحسن ما ترا

هـ العين في ذيل الأفق

وله:

فرشت خدي للعشاق

(4)

قاطبة

فصحن خدي لهم أرض إذا عتقوا

لولا اخضراري من سقيا مدامعهم

لكنت من زفرات الوجد أحترق

(1)

في الأصل: «مقودد» .

(2)

في الأصل: «دواوى» .

(3)

انظر: شذرات الذهب 4/ 57. ووفيات الأعيان 1/ 121 - 124.

(4)

في الأصل: «العشاق» .

ص: 56

مات في صفر سنة ثمان عشرة وخمسمائة، هكذا ذكره ولده نصر الله.

‌51 - أحمد بن محمد بن محمد، الغزالي الطوسي، أبو الفتوح الواعظ

(1)

:

أخو الإمام أبي حامد. من أحسن الناس كلاما في الوعظ، وأرشقهم عبارة، مليح التصرف فيما يورده، حلو الاستشهاد، أظرف أهل زمانه وألطفهم طبعا. دخل بغداد ونزل برباط شيخ الشيوخ، وعقد مجلس الوعظ بجامع القصر وبالمدرسة التاجية وغيره.

قرأ المقرئ بين يديه بالمدرسة التاجية: {يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} - الآية شرفهم بياء الإضافة إلى نفسه بقوله: يا عبادي، ثم أنشد:

وهان على اللوم في جنب حبها

وقول الأعادي إنه لخليع

أصم إذا نوديت باسمي وإنني

إذا قيل لي يا عبدها لسميع

ومن شعره:

أتاني الحبيب بلا موعد

فأخلق خلق الورى بالكرم

أعاد الوصال وعاد الفراق

فحق التلاقي وزال التهم

فما زلت أرتع روض المنى

كما كنت أقرع سن الندم

وله:

أنا صب مستهام وهموم لي عظام

طال ليلي دون صحبي سهرت عيني وناموا

أرقب عيني لترق فشربناها وصاموا

بي غليل وعليل وغريم وغرام

ففؤادي لحبيبي ودمي ليس حرام

ثم عدولي لعذولي آفة العشق كرام

توفي بقزوين في حدود سنة عشرين وخمسمائة- رحمه الله تعالى.

‌52 - أحمد بن يحيى بن إسحاق بن الرّاوندي، أبو الخير

(2)

المتكلّم

(3)

:

من أهل مرو الروذ سكن بغداد، وكان من متكلمي المعتزلة، ثم فارقهم وصار ملحدا.

قال القاضي أبو علي التنوخي: كان ابن الراوندي ملازم أهل الإلحاد، فإذا عوتب

(1)

انظر: ميزان الاعتدال 1/ 61. ولسان الميزان 1/ 293. والمنتظم 17/ 581.

(2)

في وفيات الأعيان: «أبو الحسين» .

(3)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 78، 79. والأعلام 1/ 225. والعبر 2/ 116.

ص: 57

في ذلك قال: إنما أردت أن أعرف مذاهبهم، ثم إنه كاشف وناظر، ويقال إن أباه كان يهوديا، فأسلم هو.

وقال بعض اليهود: يقول للمسلمين لا يفسدن عليكم هذا كتابكم كما أفسد أبوه علينا التوراة.

ومن شعره:

محن الزمان كثيرة ما تنقضي

وسرورها يأتيك كالأعياد

ملك الأكارم فاسترق رقابهم

وتراه رقا في يد الأوغاد

هلك ابن الراوندي وله ست وثلاثون سنة مع ما انتهى إليه من

(1)

التوغل في المخازي، وذلك في سنة ثمان وتسعين ومائتين.

‌53 - أخمشاد بن عبد السلام بن محمود الغزنوي، أبو المكارم، الفقيه الحنفي

(2)

:

ذكره العماد الكاتب في «الخريدة» ، فقال: كان من فحول العلماء وقروم الفضلاء، بحرا متموجا وفجرا متبلّجا وهماما فاتكا وحساما باتكا؛ إذا جادل جدل الأقران، وإذا ناظر بذّ النظراء والأعيان. شاهدته بأصبهان في سني ثلاث وأربع وخمس وأربعين وخمسمائة وجاورته، فوجدته بحسن المنظر والمخبر، ذا رواء وروية، ولمعان وألمعية، فصيح العبارة، وكان عارفا بتفسير كتاب الله تعالى.

توفي في سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وقد بلغ سن الاكتهال واختلس عند الكمال.

ومن شعره ما أنشده لنفسه بأصبهان من قصيدة:

أما لك رقى

(3)

مالك اليوم رقة

على صبوتي والخير من تبعاتها

سألت حياتي إذ سألتك قبلة

لي الربح فيها خذ

(4)

حياتي وهاتها

وله:

(1)

في الأصل: «في التوغل» .

(2)

انظر: الجواهر المضية 1/ 135.

(3)

في الأصل: «بقي» .

(4)

في الأصل: «فيها عند حياتي» .

ص: 58

يا عاذلي أقصر وكن عاذري

في حب ظبيي أكحل الناظر

ما كحل الناظر ذاك الذي

قد قصد الأكحل من ناظري

حلا مذاقا وهو مستملح

والحلو

(1)

في الملح في النادر

‌54 - أسبهدوست بن محمد بن الحسن بن أسفار بن شيرويه الديلمي أبو منصور

(2)

:

شاعر مليح الشعر، مطبوع المعاني، رشيق الألفاظ. حدث عن أبي أحمد عبد السلام بن الحسين البصري وأبي نصر عبد العزيز بن نباتة السعدي، روى عنه ديوانه.

ومن شعره:

نفسي الفدا لمن غدا

قلبي أسيرا في يديه

قمر كأن بخده

زهر الربيع وعارضيه

لما رأيت بدائعا

(3)

من حسنه تدعو إليه

أبصرت أعوانا عليّ

ولم أجد عونا عليه

وله:

ما ليلة بتّ فيها

ضجيع غصن وبدر

ألذ منه بطيب

ومن جناه بخمر

جمعت بالوصل شملي

من بعد بين وهجر

لو لم يردعني

(4)

فؤادي

بضوء صبح وفجر

لكنت ليلة قدر

أجلّ من ألف شهر

وله في أبي الفتوح الواعظ، ولم يشاهد في زمانه أحسن صورة منه ولا أعذب لفظا:

وواعظ تيّمنا وعظه

فعرفه شيب بإنكار

ينهى عن الذنب وألحاظه

تأمر في الذنب بإصرار

(1)

في الأصل: «والحلق» .

(2)

انظر: النجوم الزاهرة 5/ 104. وقوات الوفيات 1/ 15، 16. والمنتظم 16/ 184.

(3)

في الأصل بلا نقط.

(4)

في الأصل: «يردعي» .

ص: 59

وما رأينا قبله واعظا

مكسب آثام وأوزار

لسانه يدعو إلى جنة

ووجهه يدعو إلى نار

مولده في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، وتوفي في يوم الجمعة لأربع بقين من شهر ربيع الأول من سنة تسع وتسعين وأربعمائة، ودفن بالخيزرانية.

‌55 - إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث السّمرقندي، أبو القاسم بن أبي بكر المقرئ

(1)

:

ولد بدمشق ونشأ بها، وأسمعه والده في صباه من أبي الحسن أحمد بن عبد الواحد ابن محمد بن أبي الحديد وأبي محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني وأبي الحسين عبد الدائم بن الحسن الهلالي، ثم قدم بغداد في سنة تسع وستين وأربعمائة واستوطنها إلى حين وفاته.

وسمع بها الكثير من أبي الحسين أحمد بن النقور وأبي محمد عبد الله بن محمد الصريفيني وأبوي القاسم عبد العزيز بن علي الأنماطي وعبد الله بن الحسن الخلال، وأبي منصور عبد الباقي بن محمد بن غالب العطار، وقرأ الكثير بنفسه، وكتب بخطه، وحصل الأصول الحسان، وحدث بالكثير، وكان ثقة صدوقا فاضلا، روى عنه ابن ناصر وابن الجوزي وجماعة من الأئمة.

أخبرني محمد بن محمود العدل بهراة قال: سمعت أبا سعد بن السمعاني يقول:

سمعت أبا القاسم بن السّمرقندي يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم كأنه مريض، وقد مد رجليه، فدخلت وكنت أقبل أخمص رجليه وأمرّ وجهي عليهما، فحكيت هذا المنام لأبي بكر بن الخاضبة، فقال لي: أبشر يا أبا القاسم بطول البقاء وبانتشار الرواية عنك لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فإن تقبيل رجله اتباع أثره، وأما مرض النبي صلى الله عليه وسلم، فيحدث وهن في الإسلام، فما أتى على هذا الحديث إلا قليل

(2)

حتى وصل الخبر أن الأفرنج استولت على بيت المقدس.

قال الحافظ أبو طاهر السلفي: أبو القاسم ثقة، وله أنس بمعرفة الرجال دون معرفة أخيه الحافظ أبي محمد.

(1)

انظر: طبقات الشافعية للسبكي 4/ 402. وطبقات القراء 1/ 161. وتهذيب تاريخ ابن عساكر 3/ 1.

(2)

في الأصل: «وليل» .

ص: 60

مولده يوم الجمعة رابع رمضان سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وتوفي ليلة الثلاثاء ودفن يوم الأربعاء ثامن عشر من ذي القعدة سنة ست وثلاثين وخمسمائة بباب حرب في مقابر الشهداء، وصلى عليه بجامع القصر وبالنظامية.

‌56 - إسماعيل بن عبّاد بن العباس بن عباد بن أحمد بن إدريس الطالقاني، أبو القاسم بن أبي الحسن الوزير الملقب بالصاحب

(1)

:

كان والده يلي الوزارة لركن الدولة الحسن بن بويه، وهو من طالقان، وولى ولده إسماعيل الكتابة لمؤيد الدولة أبي منصور بويه بن ركن الدولة أبي علي في أول أمره.

ورد معه إلى بغداد في أيام معز الدولة وجالس بها العلماء. وسمع الحديث من شيوخ ذاك الوقت.

قال أبو بكر محمد بن منصور بن إسماعيل: كنت في مجلس الصاحب بن عباد بالري لوقعة وقعت لي مع الباعة فرفعتها إليه وقد حضر جماعة من الفضلاء والأدباء، وتجاروا في طلب التجانس في أشعار المحدثين، فقال صاحبه الخاص أبو القاسم الكاتب: كان مولانا الصاحب ببغداد في مجلس عضد الدولة، فتجاروا بمثل ذلك؛ فأنشدنا كاتب الأمير بالحضرة، وعضد الدولة حاضر، فقال: ومن أطرف التجانس قول مولانا:

طربت من الصبوح إلى الصباح

ونثرت الراح بالعدد الملاح

وكان الثلج والكافور تبرا

ونارا بين نارنج وراح

فمشمومي ومشروبي وزادي

وصبحي والصبوح مع الصباح

حريق في حريق في حريق

صباح في صباح في صباح

قال أبو القاسم الكاتب: فقلت مسرعا: ولمولانا الصاحب على هذا الوزن والقافية، وأنشدت بحضرتهما:

تبسم إذ تبسم عن أقاح

وأسفر حين أسفر عن صباح

وأتحفني بكأس من رضاب

وكأس من حنى ورد وراح

له وجه يدل به وطرف

يمرضه فيسكر كل صاحي

حبيبك والمجلد والثنايا

صباح في صباح في صباح

(1)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 206 - 210. وأنباء الرواة 1/ 201 - 202. ومعجم البلدان 4/ 9.

ومعجم الأدباء 6/ 168. والمنتظم، لابن الجوزي 14/ 375 - 377.

ص: 61

وللصاحب بن عباد في السمعة:

وباكيات على الدجى أسفا

يقطع منهن أدمع صفر

تحيى إذا ما رءوسها قطعت

وهن بالليل أنجم زهر

وله:

ومهفهف أبهى من القمر

سلب الفؤاد بفاتر النظر

جالسه تفاح وجنته

من غير ما خوف ولا حذر

فأخافني قومي فقلت لهم

لا قطع في ثمر ولا كثر

وله في الثلج:

أقبل الثلج في علالة نور

يتهادى كلؤلؤ منثور

فكأن السماء زفّت على الأر

ض فصار النثار من كافور

وله:

الحب سكر خماره التلف

يحسن فيه الذبول والدنف

عابوه إذ لج في تصلفه

والحسن ثوب طرازه الصلف

رأى الصاحب ابن عباد بعض غلمانه الأتراك الحسان الوجوه ينكر على رجل شيئا من المنكر، فأنشأ يقول في الحال:

يا حاجّا سيف مقلتيه

يمنع عن درعه الدلاص

جميل الليل ما لسار

فيها إلى الصبح من خلاص

ووجهك البدر ليس يخشى

تمامه عهدة انتقاص

وجهك عذر لكل عاص

وأنت تنهى عن المعاصي

توفي الصاحب ابن عباد في يوم الجمعة لست بقين منه- أعني من صفر، سنة خمس وثمانين وثلاثمائة بالري، ودفن من غد في داره. ونظر في الأمور بعده أبو العباس أحمد ابن إبراهيم الضبي، ثم نقل إلى مدينة أصبهان. ومولده سنة ست وعشرين وثلاثمائة.

‌57 - إسماعيل بن علي بن محمد بن مواهب، أبو محمد

(1)

:

(1)

انظر: معجم الأدباء 7/ 23، 24. ومعجم المؤلفين 2/ 282. وبغية الوعاة ص 197 والأعلام 1/ 316.

ص: 62

من أهل الحظيرة من أعمال دجيل من نهر تاب. قدم بغداد في صباه وقرأ بها الأدب على أبي محمد بن الخشاب وغيره، وقرأ اللغة على أبي محمد بن الجواليقي، وبرع في ذلك، وأنشأ الخطب والرسائل، وصنف كتابا سماه «تحرير الجواب وتقرير الصواب» ، وكان زاهدا، حسن الطريقة، سكن الموصل.

ومن شعره:

مغرم يدعوك شوقا فأجيبي

وأثيبي بالهوى أو لا تثيبي

كم أنادي معرضا عن سقمي

ومعي من دعا غير مجيب

يا أصحابي ومن حسن الوفا

أن تجيبوا من دعا عند الخطوب

ليت شعري من رعى روض الحمى

بعدنا أم من سقى رد القلوب

مولده سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، وتوفي بالموصل لعشر مضت من صفر سنة ثلاث وستمائة.

‌58 - إسماعيل بن محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن أحمد بن موسى ابن زياد بن كرسيد المحتسب، أبو عثمان بن أبي سعد الواعظ، المعروف بابن ملة

(1)

:

من أهل أصبهان. سمع أباه وأبا بكر محمد بن ريذة وأبا بكر محمد بن أحمد بن محمد الكاتب، وعبد الرزاق بن أحمد الخطيب. قدم بغداد حاجّا فيسنة إحدى وتسعين وأربعمائة، وحدّث بها، ثم دخلها ثانيا بعد الخمسمائة وأقام مدة بها. وأملى عدة مجالس في جامع القصر. قال ابن ناصر: وضع ابن ملة حديثا وأملاه، وكان يخلط. قلت: وقد سرد به الحافظ بالصدق، وكذلك ابن ناصر اليزدي، ولم أعلم لأحد فيه طعنا إلا ما حكاه ابن السمعاني عن ابن ناصر! فالله أعلم.

مولده يوم الثلاثاء حادي عشر من رجب سنة ست وثلاثين وأربعمائة.

وتوفي في الثالث من ربيع الأول، سنة تسع وخمسمائة، يوم الثلاثاء، وصلي عليه في الجامع العتيق ودفن بالمصلى يوم الأربعاء.

‌59 - إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن مرداس أبو العباس- وليس بالسلمي- أبو القاسم بن أبي الفضل الإسماعيلي

(2)

:

(1)

انظر: المنتظم 17/ 143.

(2)

انظر: المنتظم 16/ 234. والعبر 3/ 286.

ص: 63

من أهل جرجان، حفيد الإمام أبي بكر صاحب الصحيح. كان من الأئمة الكبار في الفقه والحديث والوعظ والتقدم عند الملوك. وكان يعظ ويملي، سمع أباه وعمه أبا المعمر المفضل بن إسماعيل وأبا القاسم حمزة بن يوسف السهمي وأبا بكر محمد بن يوسف بن الفضل الخطيب وأبا عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين بن موسى البكرآباذي، وحدث بجرجان وأصبهان والري، وقدم بغداد حاجّا في سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة.

مولده سنة سبع وأربعمائة، توفي بجرجان سنة سبع وسبعين وأربعمائة وكان إماما عالما ثقة.

ص: 64

‌حرف الباء

‌60 - بهلول بن عمرو الصّيرفيّ، أبو وهيب المجنون

(1)

:

من أهل الكوفة. حدّث عن أيمن بن نائل وعمرو بن دينار وعاصم بن أبي النجود، وكان من عقلاء المجانين.

روى المصنف مسنده إلى محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، قال: رأيت بهلولا في بعض المقابر وقد دلى رجليه في قبر وهو يلعب بالتراب، فقلت له: ما تصنع هاهنا؟

فقال: أجالس أقواما لا يؤذونني، وإن غبت عنهم لا يغتابونني، فقلت: قد غلا السعر بمرة فهل تدعو الله فيكشف؟ فقال: والله ما أبالي، ولو حبة بدينار، إن لله علينا أن نعبده كما أمرنا، وإن عليه أن يرزقنا كما وعدنا! ثم صفق يده وأنشأ يقول:

يا من تمتع بالدنيا وزينتها

ولا تنام عن اللذات عيناه

شغلت نفسك فيما لست تدركه

تقول لله ماذا حين تلقاه

وله:

دع الحرص على الدنيا

وفي العيش فلا تطمع

ولا تجمع من المال

ولا تدري لمن تجمع

فإن الرزق مقسوم

وسوء الظن لا ينفع

فقير كل ذي حرص

غني كل من يقنع

قال علي بن عبد الصمد بن الكوفي: خدمت بهلولا عشر سنين أطوف معه حيث طاف، أتسقّط من نوادره، وأتلقّف من أشعاره، وأذبّ عنه من يؤذيه، فافتقدته ذات مرة أياما، فلم أره على شدة طلبي له، وافتقادي أثره إلى أن صادفته يوما في بعض أزقة الكوفة والصبيان حوله يرمونه بالحصى. فلما رأيته قصدت نحوه، فسلمت عليه، فلم يرد عليّ إلا أن قال: نحّ عنّي أولاد الطوامث، ففعلت، وجعلت أسأله عن أمره وحاله إلى أن قلت له: ماتشتهي؟ قال: أريد الباقي بدهن شيرج أو دهن الجوز، فهيأته له وأدخلته مسجدا، ووضعت القصعة بين يديه، فأقبل يأكل أكلا دلّني على أنه جائع.

فأمهلته إلى أن أتى على بعض ما في القصعة، فقلت له: أيها الأستاذ! هل أحدثت في زقة البشرة شيئا؟ فضرب يده إلى القصعة وهم أن يضرب بها رأسي، فتغافلت عنه إلى

(1)

انظر: فوات الوفيات 1/ 153 - 155. والطبقات الكبرى للشعرانى، 79.

ص: 65

أن سكن وشبع وطابت نفسه، فقلت: حاجتي أيها الأستاذ، فقال: اكتب:

أضمر أن أضمر حبي له

فيشتكي إضمار إضماري

رق فلو مرت به ذرة

لخضبته بدم جاري

فقلت: أريد أرق من هذا! فقال: اكتب:

أضمر أن يأخذ المرآة لكي

ينظر تمثاله فأدناها

فجازوهم الضمير منه إلى

وجنته في الهوى فأدماها

فقلت: أرق من هذا أيها الأستاذ! قال: نعم وما أظنه، اكتب:

شبهته قمرا إذ مر مبتسما

فكاد يجرحه التشبيه أو كلما

ومر في خاطري تقبيل وجنته

فسيلت فكرتي من عارضيه دما

فقلت: أرق من هذا! فقال: يا ابن الفاعلة! أرق من هذا كيف يكون؟ رويدك لأنظر، فعسى طبخ في المنزل حريرة أرق من هذا- رحمه الله تعالى.

ص: 66

‌حرف الجيم

‌61 - جعفر بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن جعفر، أبو محمد القارئ، المعروف بالسراج

(1)

:

سمع الكثير من أبي علي الحسن بن أحمد بن شاذان وأبي القاسم عبيد الله بن عمر ابن أحمد بن شاهين وأبي محمد الخلال وأبي إسحاق البرمكي. وسافر إلى مكة وسمع بها أبا بكر محمد بن إبراهيم الأردستاني وأبا القاسم علي بن الحسين بن محمد بن عبد الرحيم، ودخل الشام، فسمع بدمشق أبا محمد عبد العزيز الكتاني، وتوجه إلى ديار مصر فسمع بها أبا محمد الحسن بن عبد العزيز الضراب، وجمع مجموعات حسانا، منها: كتاب «مصارع العشاق» وكتاب «حكم الصبيان» وكتاب «مناقب السودان» ، ونظم كثيرا من الكتب شعرا في الفقه واللغة والتواريخ. وله شعر مليح، وكانت له معرفة بالحديث والأدب، وحدث بالكثير. وكان متدينا، حسن الطريقة مع ظرفه ولطف أخلاقه.

ومن شعره:

إذا كنتم تكتبون الحديث

ليلا وفي صبحكم تسمعونا

وأفنيتم فيه أعماركم

فأي زمان به تعملونا

وله:

بان الخليط فأدمعي

وجدا عليهم تستهل

وحدا بهم حادي الفرا

ق عن المنازل فاستقلوا

قل للذين ترحلوا

عن ناظري والقلب حلّوا

ودمي

(2)

بلا جرم أتيت

غداة بينهم استحلوا

ما ضرّهم لو أنهلوا

من ماء وصلهم وعلوا

سأله السلفي عن مولده، فقال: إما في أواخر سنة سبع عشرة أو أوائل سنة ثمان عشرة وأربعمائة ببغداد.

وتوفي في الليلة التي صبيحتها يوم الأحد الحادي والعشرين من صفر سنة خمسمائة،

(1)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 309، 310. ومعجم الأدباء 7/ 153 - 162.

(2)

في الأصل: «دمعي» .

ص: 67

ودفن في هذا اليوم في مقبرة باب أبرز.

‌62 - جعفر بن محمد بن جعفر بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي المكي، أبو محمد بن القاضي أبي الحسن:

نشأ أبو محمد هذا في طلب الحديث وسماعه، أسمعه والده في صباه من أبي الفتح عبيد الله بن شاتيل وأبي السعادات نصر الله بن عبد الرحمن القزاز وأبي المعالي الفراوي، وكتب عن أقرانه، وبالغ في الطلب بهمة عالية، وحرص وعناية شديدة.

وقرأ بنفسه الكثير، وكتب بخطه، واستكتب بخط غيره. سمعت معه وبقراءته، وكان عنده حفظ ومعرفة بالحديث وأسماء الرجال والتواريخ، ويكتب خطا مليحا، وينقل نقلا صحيحا. وكان حسن الأخلاق، وطيب المجالسة، حلو المعاشرة، ظريفا كيّسا متوددا متواضعا، إلا أنه كان ضجورا ملولا، محبا للعب والمزاح، مخالطا لغير أبناء جنسه، وضيّع أصوله بيعا وهبة، ولم يزل يسمع معنا إلى أن سافر في أوائل سنة ست وتسعين وخمسمائة إلى الشام، فسمع بالموصل وبلاد الجزيرة ودخل الشام، فسمع بحلب ودمشق.

أنشدني يوسف بن خليل الدمشقي بحلب قال: أنشدني أبو محمد جعفر بن محمد ابن أحمد العباسي لنفسه:

إن ضاقت الشام بي أو ملّ ساكنها

بها مقامي ففي أرض العراق سعة

ما لي وللمكث في أرض أذل بها

وهمتي في طلاب العز مرتفعة

والمرء يضطر أحيانا فيصنع ما

لو لم يكن منه مضطرا لما صنعه

الله ربي معي حيث اتجهت ولن

يضيع من هو في كل البلاد معه

مولده في ليلة الأربعاء رابع عشرين صفر سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وتوفي يوم الاثنين العشرين من ذي الحجة سنة ثمان وتسعين وخمسمائة بحماة، ودفن بها.

أوصى جعفر بن محمد العباسي عند موته أن يكتب على قبره «حوائج لم تقض، وآمال لم تنل، وأنفس ماتت بحسراتها» - رحمه الله تعالى عنه وكرمه، آمين.

[حرف الحاء]

[من اسمه الحسن]

‌63 - الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد العطار، أبو العلاء الحافظ المقرئ

(1)

:

(1)

انظر: طبقات القراء للجزرى 1/ 204. وشذرات الذهب 4/ 231. والمنتظم، لابن الجوزي 18/ 208، 209.

ص: 68

من أهل همذان. إمام في علوم القراءات والحديث والأدب والزهد وحسن الطريقة. قرأ القرآن بالقراءات بأصبهان على أبي الحداد وغيره، وصنف في القراءات والحديث. سمع بأصبهان من أبي علي الحداد، وببغداد من أبي القاسم بن بيان وأبي علي بن نبهان وأبي علي بن المهدي، وسافر إلى خراسان وسمع بها من أبي عبد الله الفراوي. قدم بغداد بعد الخمسمائة.

أخبرنا شهاب الحاتمي بهراة أنا أبو سعد بن السمعاني قال: الحسن بن أحمد بن الحسن العطار الحافظ أبو العلاء من أهل همذان، حافظ متقن ومقرئ فاضل، حسن السيرة، جميل الأمر، مرضي الطريقة، غزير الفضل، سخي بما يملكه، مكرم للغرباء بما تمتد إليه يده، يعرف الحديث والأدب والقراءات معرفة حسنة، سافر في طلب العلم والحديث إلى أصبهان وخراسان وبغداد، وسمع الكثير ونقل بخطه وفصل الكتب الكبار، سمعته منه بهمذان.

مولده في يوم السبت الرابع عشر من ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.

وتوفي في ليلة الخميس الرابع عشر من جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة- رحمه الله تعالى.

‌64 - الحسن بن أحمد بن محمد بن حكينا، أبو محمد بن أبي عبد الله، الشاعر

(1)

:

من أهل الحريم الطاهري. كان من ظراف الشعراء الخلفاء، سهل القول رشيقه، غواصا على المعاني، كثير الثلب والهجاء، وأكثر شعره مقطّعات، فمنه:

إن التي لفتورها

في قتل عاشقها نشاط

عين مخيطة لها

في القلب جرح ما يخاط

وله:

تزايد القول فيه إن له

وردا جنيا في صفحة الخد

فتكرشت عارضاه تشعر أن

الشوك لا بد منه للورد

وله:

(1)

انظر: فوات الوفيات 1/ 288. وشذرات الذهب 4/ 88. مرآة الزمان 8/ 542.

ص: 69

قيل لي ما تقول في شعرات

رحلت حسن ذلك الخد عنه

ونحولي على تزايد وجدي

قلت غطى سنا بأحسن منه

فتلافيت قلبه حين خانت

عارضاه بأنني لم أخنه

وله:

لما بدا خط العذا

ر يزين خديه بمشق

وظننت أن سواده

فوق البياض كتاب عتقي

فإذا به من سوء حظي

عهدة كتبت برقي

[وله]:

لافتضاحي في عوارضه

سبب والناس لوام

كيف يخفي ما أكتمه

والذي أهواه نمام

توفي بشارع دار الرقيق في يوم الاثنين سابع عشر ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وخمسمائة- رحمه الله تعالى-.

‌65 - الحسن بن أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان العباسي، أبو علي بن أبي العباس بن أبي عبد الله، المعروف بابن الحويزي

(1)

:

ولد ببغداد ونشأ بها، وقرأ القرآن بالروايات على أبي الكرم بن الشهرزوري، وسمع منه ومن أبي القاسم إسماعيل بن السّمرقندي وأبي الفرج عبد الخالق بن أحمد بن يوسف، وقرأ الأدب على أبي محمد بن الخشاب. ثم إنه سكن واسطا إلى حين وفاته.

وكان يقرئ بها القرآن والأدب ويعلم الصبيان الغناء بالألحان، وكانت له معرفة بالموسيقى. وكان مشتهرا بالسماع وحضور مجالس الغناء. وكان أديبا فاضلا، ويشعر حسنا، فمنه:

غرام كل يوم مستجد

وشوق ما له أمد وحد

وحب كلما يزداد

(2)

قلبي

به شغفا تزايد منه صد

فيا أملي إذا أملت شيئا

ويا ذخري ويا أثري المعد

(1)

انظر: المشتبه 194.

(2)

في الأصل: «يزاد» .

ص: 70

أرى موتي إذا أعرضت عني

وإن واصلتني روحي ترد

وله:

الصبر على الغرام أجمل

والعاشق للولاء أحمل

يا عاذل كف

(1)

عن ملامي

كم يسمح

(2)

والحبيب يبخل

كم أحرك خلاص قلبي

من ذلقته وقد توحل

وله:

من حيث أرجو صحتي جاء السقم

من لامني في حالتي فقد ظلم

أنحلني فراقه فها أنا من دقتي

أدخل في شق القلم

توفي بواسط في يوم الخميس الثاني عشر من ذي الحجة من سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، ودفن بتربة مسجد زنبور.

‌66 - الحسن بن سعيد بن عبد الله بن بندار، أبو علي الديار بكري الشاتاني

(3)

:

وشاتان قلعة من ديار بكر. كان مقيما بالموصل، قدم بغداد وتفقه على أبي علي الحسن بن سلمان، وقرأ الأدب على أبي السعادات [بن] الشجري، وسمع الحديث من أبي القاسم هبة الله بن الحصين. وكان يشعر حسنا ويعقد مجلس الوعظ.

فمن شعره يمدح الوزير ابن هبيرة:

أهدى إلى جسدي الضنا فأعلّه

وعسى يرق لعبده ولعلّه

ما كنت أحسب أن عقد تجلدي

ينحلّ بالهجران حتى حلّه

يا ويح قلبي أين أطله وقد

نادى به داعي الهوى فأضله

إن لم تجد بالعفو منه على الذي

قد ذاب من برح الغرام فمن له

وأشد ما يلقاه من ألم الهوى

قول العواذل أنه قد مله

إن لم تجد بالعطف منه على الذي

أضناه من فرط الغرام فمن له

مولده في سنة عشر وخمسمائة بشاتان، وتوفي في شعبان سنة تسع وسبعين

(1)

في الأصل: «كيف» .

(2)

في الأصل: «يسمع» .

(3)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 386. ومعجم البلدان 5/ 206.

ص: 71

وخمسمائة. هكذا ذكره أبو المواهب الحسن بن هبة الله الثعلبي.

‌67 - الحسن بن علي بن الحسن بن عبد الله بن مقلة، أبو عبد الله الكاتب

(1)

:

صاحب الخط المليح. سمع أبا عبد الله محمد بن العباس الزيدي. مولده يوم الأربعاء سلخ رمضان سنة ثمان وسبعين ومائتين.

وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة. وقيل مات بالشام وحمل إلى بغداد.

‌68 - الحسن بن علي بن محمد بن أحمد بن جعفر، أبو علي الوخشي

(2)

:

من أهل وخش- من نواحي طخارستان بلخ. أحد حفاظ الحديث الأثبات، سمع ببلخ أبا الفضل محمد بن عبد الله بن القاسم بن روزبه، وبنيسابور أبا زكريا يحيى بن إبراهيم المزكي، وبهمذان أبا منصور محمد بن أحمد بن محمد بن مزدين، وبأصبهان أبا نعيم أحمد الحافظ، وببغداد أبا عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي، وبدمشق أبا القاسم عامر بن محمد بن عبد الله الرازي، وبعسقلان أبا بكر محمد بن داود بن أحمد ابن المصحح، وبمصر أبا محمد عبد الرحمن بن عمر بن النحاس، وببيت المقدس أبا طالب محمد بن عبد الرحمن البلدي، وبحلب أبا القاسم الحسن بن علي بن عبيد الله ابن محمد بن أبي أسامة الحلبي.

أخبرنا ذاكر بن كامل بن أبي غالب الخفاف عن أبي غالب شجاع بن فارس الذهلي قال: أنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قرأت عليه في كتاب «المؤتلف والمختلف» من جمعه، قال: وأما الثاني، بالخاء المعجمة، فهو الحسن بن علي الوخشي من أهل وخش، وهي ناحية من نواحي بلخ. سافر في طلب الحديث إلى الشام ومصر وسمع بخراسان من أصحاب الأصم ونحوه. وعاد إلى بلده فأقام به.

حدث أبو علي الوخشي قال: كنت بعسقلان أسمع الحديث من أبي بكر بن مصحح وغيره، فضاقت عليّ النفقة، وبقيت أياما مع لياليها ما وجدت شيئا من الطعام، فأخذت جزءا من الحديث لأكتبه، فعجزت عن الكتابة للضعف الذي لحقني، فمضيت

(1)

انظر: الوافي بالوفيات 1/ 168. ومعجم الأدباء 9/ 28 - 34.

(2)

انظر: العبر 3/ 275. وشذرات الذهب 3/ 339. ومعجم المؤلفين 3/ 260. ولسان الميزان 2/ 241.

ص: 72

إلى دكان خباز وقعدت قريبا منه، وكنت أشم رائحة الخبز وأتقوى بها إلى أن كتبت الجزء، ثم فتح الله بعد ذلك.

قال أبو سعد بن السمعاني: مولد الوخشي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة.

سألت إسماعيل بن الفضل عنه فقال: حافظ كبير. ذكر عمر بن محمد السرخسي أنه مات في ليلة الثلاثاء لخمس ليال خلون من ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين وأربعمائة ببلخ- رحمه الله تعالى.

‌69 - الحسن بن محمد بن عبد الله بن هارون، أبو محمد المهلبي

(1)

:

كاتب معز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه. كان من ولد المهلب بن أبي صفرة، وكان ينوب أبا جعفر الصيمري وزير معز الدولة ببغداد. فلما مات الصيمري قلده معز الدولة الوزارة مكانه وخلع عليه، وقدمه وأدناه، وتخصص به، وتمكنت منزلته عنده.

حدّث أبو عبد الله الصوفي قال: كنت أنا وأبو محمد المهلبي بسيراف في أيام حداثته وصعلكته، فأنشدني لنفسه وقد مسته إضاقة:

ألا موت يباع فأشتريه

فهذا العيش ما لا خير فيه

ألا رحم المهيمن روح ميت

تفضل بالوفاة على أخيه

قال: ثم وردت بعد سنين كثيرة فألفيته بها وزيرا مالكا للأمور، فكتبت إليه:

قصدت إلى الوزير بغير احتشام

أذكره زمانا قد نسيه

زمانا كان ينشدني وقيدا

ألا موت يباع فأشتريه

قال: فوقع على ظهر رقعتي المتضمنة هذه الأبيات:

رق الزمان لفاقتي

ورثى لطول تحرقي

فأنالني ما أشتهي

وأدال مما أتقي

(2)

فلأغفرن له الكبير

من الذنوب السبق

حتى جنايته ما

فعل المشيب بمفرقي

(1)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 392 - 395. ومعجم الأدباء 7/ 1180152.

(2)

في الأصل: «بريقي» .

ص: 73

قال: ووصلني وأحسن إليّ وأغناني. ومن شعر الوزير المهلبي:

قال لي من أحب والبين قد جد

وفي مهجتي لهيب الحريق

ما الذي في الطريق [تصنع]

(1)

خلفي

قلت أبكي عليك طول الحريق

وله:

أعطيتني للهو بي خاتما

اسمك مكتوب على فصه

ما روعتني زفرات الهوى

إلا تروحت إلى مصه

وله:

يا هلالا يبدو فتهتاج نفسي

وهزارا يشدو فيزداد عشقي

زعم الناس أن رقك ملكي

كذب الناس أنت مالك رقي

مولده بالبصرة في يوم الثلاثاء، لأربع ليال بقين من المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين.

وذكر أبو القاسم التنوخي أنه توفي في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة- رحمه الله تعالى- بزاوطا

(2)

، وحمل تابوته إلى بغداد، فدفن بمقابر قريش. وكانت مدة وزارته ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر.

‌70 - الحسن بن محمد بن عبدوس، أبو علي الشاعر:

من أهل واسط. سكن بغداد، ومدح الإمام الناصر لدين الله. وكان فاضلا قيما بالأدب، جيد الشعر، حسن المعاني، مليح الإيراد، جميل الهيئة، كيّسا متواضعا.

قرأت بخط أبي علي بن عبدوس، قال: سألت إجازة بيتين هما:

حياكم الله وأحياكم

ولا عدا الوابل مغناكم

نحن عدمنا الصبر من بعدكم

فكيف أنتم لا عدمناكم

قال: فقلت:

قد كان لي كثيرا فأنفقته

أفقرني الوجد وأغناكم

(1)

ما بين المعقوفتين زيادة من وفيات الأعيان.

(2)

في الأصل: «براوطا» .

ص: 74

تشتاقكم عيني وقلبي فما

أطيب رؤياكم ورياكم

أكاد من فرط ولوعي بكم

أغرق في الذكرى فأنساكم

سكنتم القلب فلا توحشوا

ربعا حللتم فيه حاشاكم

إني على البعد لراج بأن

يجمعني الله وإياكم

وله:

لو شاء من باح بالهوى كتمه

وكيف يخفى عواده سقمه

قالوا مريض الفؤاد قلت لهم

والجسم أنفى بذلك التهمه

فارسفوني عذالا عدمتهم

(1)

ما هكذا عاد سالم سلمه

نعم وإن ساءهم عشقت وما

في العشق عار عندي ولا نقمه

أهيف من شكله القضيب ومن

شبه بالغصن فلا ظلمه

أحسن من ضمة القباء فلو

يستطيع من حبه له التزمه

قد استوى سهمه وناظره

عذب فنفس أشقيتها نعمه

توفي أبو علي بن عبدوس في ليلة الجمعة لخمس خلون من صفر سنة إحدى وستمائة. ودفن من الغد بمقابر قريش. وأظنه جاوز الأربعين بقليل- رحمه الله تعالى-.

آخر الجزء الثالث من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد.

والحمد لله على كل حال.

(1)

هكذا في الأصل.

ص: 75

الجزء الرابع من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد

للحافظ محب الدين أبي عبد الله بن النجار البغدادي انتخاب كاتبه الواثق بالله أحمد بن أيبك بن عبد الله

ص: 77

بسم الله الرحمن الرحيم

استعنت بالله

‌من اسمه الحسين

‌71 - الحسين بن عبد الله بن الحسين بن الجصّاص، أبو عبد الله الجوهري

(1)

:

كان من أعيان التجار. ولما بويع لعبد الله بن المعتز بالخلافة وانحلّ أمره وتفرق جمعه وطلبه المتقدر فاختفى عند ابن الجصاص هذا، فعلم به، فقبض عليه وعلى ابن الجصاص وصادره المقتدر على أموال جليلة. ويحكى عنه حكايات عجيبة في الغفلة والحماقة، منها:

أنه حج في بعض السنين، فلما بات بالمزدلفة في ليلة عيد الأضحى نظر إلى القمر وقال: لا إله إلا الله! حججت قبل هذه الحجة وبت هاهنا، وكان القمر أيضا في هذا الموضع نفسه، وهذا اتفاق عجيب. ونظر يوما في المرآة وقال: اللهم بيّض وجوهنا يوم تبيض وجوه، وسودها يوم تسود وجوه. ونظر يوما آخر في المرآة فقال لإنسان عنده: ترى لحيتي قد طالت؟ فقال له الحاضر: المرآة في يدك، فقال: صدقت، ولكن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.

وكسر يوما بين يديه لوز، فطفرت لوزة، فقال: لا إله إلا الله! كل شيء يهرب من الموت حتى البهائم. ونظر يوما في المصحف وجعل يقول: رخيص! والله هذا من فضل الله! أكل وتمتع بدرهم، وإذا في المصحف بـ {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا} فصحّف ذرهم وظن أنه درهم؟ توفي في شوال سنة خمس عشرة وثلاثمائة ببغداد- رحمه الله تعالى.

‌72 - الحسين بن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن بكر بن شبيب الطيبي، أبو عبد الله الكاتب، الملقب بسعيد الدين

(2)

:

(1)

انظر: فوات الوفيات 1/ 271 - 275. والعبر 2/ 12. والمنتظم 13/ 267 - 270.

(2)

انظر: معجم الأدباء 10/ 126 - 130 وفوات الوفيات 2/ 276 - 278.

ص: 79

كان موصوفا بجزالة الشعر، وعذوبة الألفاظ، ورشاقة النظم والنثر، وكمال الطرف، ونهاية اللطف. وكان مختصا بخدمة الإمام المستنجد بالله.

ومن شعره:

وأغيد لم تسمح لنا بوصاله

يد الدهر حتى دب في عاجه النمل

تمنيت لما اختط فقدان ناظري

ولم ار إنسانا تمنى للعمى قبل

ليبقى على مر الزمان خياله

خيالي وفي عيني لمنظره شكل

(1)

وذكره أبو عبد الله الأصبهاني في «الخريدة» فقال: الحسين بن شبيب حلو التشبيب، رقيق نسيم النسيب. وله أشعار تخجل الدر منظوما، والوشي مرقوما، والروض ناظر، والبدر زاهر، فمن مستحسن شعره قوله في المستنجد:

أنت الإمام الذي يحكي بسيرته

من ناب بعد رسول الله أو خلفا

أصبحت لب بني العباس كلهم

إن عددت بحروف الجمل الخلفاء

والمستنجد هو الثاني والثلاثون من خلفاء بني العباس، ولب اثنان وثلاثون في حساب الجمل. مولده في سنة خمسمائة.

وتوفي يوم الجمعة لتسع عشرة خلت من ربيع الآخر سنة ثمانين وخمسمائة ببغداد، ودفن بمقبرة معروف الكرخي.

‌73 - الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن محمد بن يوسف، أبو القاسم بن أبي الحسن الوزير المغربي

(2)

:

مولده بمصر في ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة. وكان أبو الحسن أبو يصحب سيف الدولة بن حمدان، وانتقل بعد ذلك إلى مصر وتولى الأعمال فيها.

نشأ أبو القاسم في أيام الحاكم بالله صاحب مصر وتقلد له ديوان الشام. فلما قبض الحاكم على أبيه علي وعمه محمد وقتلهما وقتل أخويه أيضا، طلب أبا القاسم فاستتر، وهرب إلى العراق، وقصد فخر الملك، وبلغ القادر بالله أمره، فاتهمه بالورود في إفساد على الدولة العباسية. ولي الوزارة للملك مشرف الدولة أبي علي بن بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة أبي شجاع ببغداد في سنة أربع عشرة وأربعمائة، وعزل في سنة خمس عشرة.

(1)

في الأصل: «شك» .

(2)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 428 - 432. والمنتظم، لابن الجوزي 15/ 185 - 187.

ص: 80

وكان عارفا فاضلا وبليغا مترسلا ومتفننا في كثير من العلوم الدينية والأدبية والنجومية. وكان خبيث الباطن، كثير الحيل، شديد الحسد على الفضل وإن أظهر الميل إلى أهله.

ومن شعره:

تأمل من أهواه صفرة خاتمي

فقال حبيبي لم نحيت أحمره

فقلت له من أحمر كان فصه

ولكن سقامي حل فيه فغيّره

توفي في رمضان سنة ثمان عشرة وأربعمائة بميافارقين عن ست وأربعين سنة، وحمل تابوته إلى الكوفة فدفن هناك. وكان كثير الفضائل، جيد الترسل، شديد الذكاء- رحمه الله.

‌74 - الحسين بن علي بن عبد الصمد الديلمي، أبو العباس المنشئ، المعروف بالطغرائي

(1)

:

من أهل أصبهان. كان يتولى الطغراء للسلطان محمد بن ملك شاه، وهي علامة تكتب على التوقيعات. وكان من أفراد الدهر وأعيان العصر، غزير الفضل، كامل العقل، وشعره ألطف من النسيم، وأرق من حواشي النعيم. قدم بغداد وأقام بها مدة، وروى بها.

ومن شعره:

تمنيت أن ألقاك في الدهر مرة

فلم أك من ذاك التمني بمرزوق

سوى ساعة التوديع دامت فكم منى

أنالت وما قامت بها أملا سوقي

فيا ليت أن الدهر كل زمانه

وداع ولكن لا يكون بتفريق

ومن شعره:

ذكرتكم عند الزلال على الظما

فلم أنتفع من ورده ببلال

وحدثت نفسي بالأماني فيكم

وليس حديث النفس غير ضلال

أواعدها قرب اللقاء ودونه

مواعيد دهر مولع بمطال

يقر بعيني الركب من نحو أرضكم

يرجون عيشا قيدت بكلال

(1)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 438 - 442. ومعجم الأدباء 10/ 56 - 79

ص: 81

أطارحهم جد الحديث وهزله

لأحبسهم عن سيرهم بمقالي

أسائل عمن لا أريد وإنما

أريدكم من بينهم بسؤالي

ويعثر ما بين الكلام ورجعه

لساني لكم حتى ينم بحالي

وأطوي على ما تعلمون جوانحي

وأظهر للعذّال أني سالي

بلى

(1)

والذي عافاكم وابتلى بكم

فؤادي ما اختار السلو ببالي

وقد كنت دهرا لا أبالي من النوى

فعلمني الأيام كيف أبالي

كانت الوقعة بين السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه وأخيه مسعود بباب همذان في ربيع الأول من سنة أربع عشرة وخمسمائة، فانهزم مسعود وعسكره، وأخذ من جملتهم الوزير الطغرائي مأسورا إلى حضرة السلطان محمود، فأمر بقتله، فقتل وقد جاوز الستين من عمره. وهو صاحب القصيدة الغراء التي أولها:

أصالة الرأي صابتني عن الخطل

وحلية العلم زانتني عن الحلل

‌75 - الحسين بن المبارك بن الحسين بن علي بن شقشق، أبو عبد الله بن أبي حرب بن أبي عبد الله:

ذكره أبو عبد الله الأصبهاني في «الخريدة» فقال: الحسين بن المبارك بن شقيق البغدادي، كانت لابن شقيق شقشقة في الشعر هادرة، وبديعة من الأدب نادرة، أدركته في أول العهد القديم، في زمان السلطان مسعود.

وأنشدني الفقيه شهاب الغزنوي مما نظمه مما مدح به برهان الدين الواعظ الغزنوي ببغداد من قصيدة أولها:

إن جرت بالرمل وكثبانه

فاقرأ تحياتي على بانه

وسائل الربع الذي قد عفا

ما صنع البين لسكانه

قوم هم كانوا جيرة

فانصدع الشمل بجيرانه

فالربع مفجوع بقطانه

والقلب موجوع بأشجانه

وإن كتمت الحب يوم النوى

أظهره دمعي بهتانه

أعاذلي في الهوى فارحما

(2)

وخليا قلبي بوجدانه

(1)

في الأصل: «بلا» .

(2)

في الأصل: «قدحما» .

ص: 82

‌حرف الذال

‌من اسمه ذو القرنين

‌76 - ذو القرنين بن الحسن بن عبد الله بن حمدان، أبو المطاع بن ناصر الدولة أبي محمد، كان يلقب بوجيه الدولة

(1)

:

ولي الإمارة بدمشق للخلفاء المصريين. وكان شاعرا حسنا مفلقا.

فمن شعره:

ومفارق ودعت عند فراقه

ودعت صبري عنه في توديعه

ورأيت منه فعل لؤلؤ عقده

من ثغره وحديثه ودموعه

وله:

لو كنت أملك أعتده من بعدكم نظرا

لأنه نظر من ناظر رمد

قال:

فكتبت طرفي ما نظرت به

من بعد فرقتكم يوما إلى أحد

ولست إليه ارتجالا صبرا أنت تملكه

عني تجازيت منك التيه بالصلف

أويت نظمي وجدا بت أضمره

جزيتني كلفا عن شدة الكلف

تعمد الرفق بي يا حب محتسبا

فليس يبعد ما تهواه من تلفي

قال أبو المطاع بن حمدان المذكور: كتب إليّ أخي أبو عبد الله من سفرة كان فيها:

قد كان في نزهة طرفي برؤيتكم

يتوب شاهدها عن كل معتقد

فالآن أشغله من بعد فقدكم

حفظا لعهدكم بالدمع والسهد

وقال أبو المطاع بن حمدان:

ترى الثياب من الكتان يلمحها

ومن البدر أحيانا فيبليها

فكيف تعجب أن تبلى غلائلها

والبدر في كل وقت لائح فيها

(1)

انظر: النجوم الزاهرة 5/ 27. ووفيات الأعيان 2/ 44، 45. والعبر 3/ 165. ومعجم الأدباء 11/ 119 - 121.

ص: 83

وقال:

إني لأحسد «لا» في أسطر الصحف

إذا رأيت عناق اللام والألف

(1)

وما أظنهما طال اجتماعهما

إلا لما لقيا من شدة الشغف

وقال:

أفدي الذي زرته بالسيف مشتملا

ولحظ عينيه أمضى من مضاربه

فما خلعت نجادي في العناق له

حتى لبست نجادا من ذوائبه

وقال:

قالت لطيف خيال زارها ومضى

بالله صفه ولا تنقص ولا تزد

فقال خلفته لو مات من ظمأ

وقلت قف عن ورود الماء لم يرد

قالت صدقت الوفا والحب عادته

يا برد طيب الذي قالت على كبدي

توفي أبو المطاع بمصر في صفر سنة ثمان وعشرين وأربعمائة- قاله ابن الأكفاني.

(1)

هكذا في الأصل، وفي وفيات الأعيان «اعتناق الأم للألف» .

ص: 84

‌حرف الراء

‌77 - رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث ابن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن الهيثم بن عبد الله التميمي، أبو محمد بن أبي الفرج بن أبي الحسن

(1)

:

من ساكني باب المراتب، شيخ الحنابلة. قرأ القرآن بالروايات على أبي الحسن علي ابن عمر الحمامي. وتفقه على أبيه وعلى عمه أبي الفضل عبد الواحد. وسمع منهما ومن أبي عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي وأبي الحسين أحمد بن محمد بن المتيم وأبي الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان وأبي الحسين علي وأبي القاسم عبد الملك ابني محمد بن عبد الله بن بشران، وأبي الحسن محمد بن محمد بن محمد بن مخلد وأبي القاسم عبد الرحمن الحرفي، وأبي علي الحسن بن شاذان، وأبي الفرج محمد بن عمر بن محمد الجصاص في آخرين، روى عنه جماعة من الحفاظ كأبي مسعود سليمان ابن إبراهيم الأصبهاني، وأبي علي أحمد بن محمد بن البرداني

(2)

، وعبد الوهاب بن المبارك الأنماطي.

وكان إماما في المذهب والخلاف والأصول، وله في ذلك مصنفات حسنة. وكان واعظا، مليح العبارة، لطيف الإشارة، فصيح اللسان، ظريف المعاني، معظما عند الخاص والعام.

ومن شعره قوله:

لا تسألاني

(3)

عن الحي الذي بانا

فإنني كنت يوم البين سكرانا

يا صاحبي على وجدي بنعمانا

هل راجع وصل ليلي كالذي كانا

ما ضرّهم لو أقاموا يوم بينهم

بقدر ما يلبس المحزون أكفانا

أم ذاك آخر عهد للقاء

(4)

بها

فنجعل الدهر ما عشناه أحزانا

ليت الجمال التي

(5)

للبين ما خلقت

وليت حاد حدي في الدهر حيرانا

(1)

انظر: معجم الأدباء 11/ 136 - 138 والمنهج الأحمد 2/ 164. وذيل طبقات الحنابلة 1/ 77.

وطبقات المفسرين، ص 82. والعبر 3/ 104، 320. والشذرات 3/ 384. وهدية العارفين 1/ 367.

(2)

في الأصل: «البراني» .

(3)

في الأصل: «لا تسألونى» .

(4)

في الأصل: «اللقا» .

(5)

في الأصل: «الذي للبين» .

ص: 85

وله:

أفق يا فؤادي من غرامك واستمع

مقالة محزون عليك شفيق

علقت فتاة قلبها متعلق

بغيرك فاستوثقت غير وثيق

فأصبحت موثوقا وراحت طليقة

فكم بين موثوق وبين طليق

قرأت على أبي الحسن بن المقدسي بمصر عن أبي طاهر السلفي، قال:

سألت أبا نصر المؤتمن بن أحمد الساجي عن أبي محمد التميمي فقال: هو الإمام علما ونفسا وأبوّة. وما يذكر عنه فتحامل من أعدائه.

قال الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي أنا أبو محمد رزق الله التميمي:

وما رأيت شيخا ابن سبع وثمانين سنة أحسن سمتا وهديا واستقامة

(1)

منه، ولا أحسن كلاما وأظرف وعظا وأسرع جوابا منه.

مولده سنة أربعمائة، وتوفي ببغداد في منتصف جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، ودفن بداره بباب المراتب، ثم نقل في سنة إحدى وتسعين إلى مقبرة باب حرب، ودفن إلى جنب قبر الإمام أحمد بن حنبل. وفي هذه السنة توفي ولده عبد الوهاب.

(1)

في الأصل: «واستقامة فاقة منه» تحريف.

ص: 86

‌حرف الزاي

‌78 - زاهر بن طاهر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد ابن المرزبان بن علي بن عبد الله بن المرزبان الشحامي، أبو القاسم بن أبي عبد الرحمن بن أبي بكر المستملي

(1)

:

من أهل نيسابور- شيخ وقته في علو الإسناد، بكر به أبوه فأسمعه من أبي سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي

(2)

وأبي عثمان سعيد بن محمد النجيرمي

(3)

وأبي سعد أحمد بن إبراهيم المقرئ وأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري وأبي عثمان سعيد بن أحمد العيار وأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي في آخرين. وسمع بنفسه وجمع لنفسه مشيخة. وكان يستملى على الشيوخ، وحدث بالكثير، وكتب عنه الحفاظ. قدم بغداد في سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وحدّث بها، سمع منه ابن ناصر في آخرين.

أخبرنا شهاب الحاتمي بهراة، قال: حدثنا أبو سعد بن السمعاني قال: زاهر بن طاهر الشحامي أبو القاسم شيخ متيقظ مكثر، جمع ونسخ بخطه، وكان صاحب أصول، وعمّر حتى حمل عنه الكثير، ورحل في رواية الحديث ونشره مثل ما يرحل الطلاب في جمعه، ورد علينا مرو قاصدا للرواية بها وحجّ، وسمع منه الكثير ببغداد وهمذان والري والحجاز، ورجع إلى نيسابور؛ وكان صبورا لا يضجر من القراءة عليه حتى قرأت عليه «تاريخ نيسابور» للحاكم أبي عبد الله في أيام قلائل، كنت أمضي قبل طلوع الشمس فأقرأ إلى وقت غروبها، وكان يقعد ويستمع، ولكنه كان يخل بالصلوات إخلالا ظاهرا، ووقت خروجه إلى أصبهان قال لي أخوه وجيه: أجهدت في قعوده ولا تخرج، فإن أمر صلاته مختل، ونفتضح من أهل أصبهان! فظهر الأمر كما قال أخوه، وعرف

(4)

أهل أصبهان ذلك، وشنعوا عليه حتى ترك أبو العلاء أحمد بن محمد بن الفضل الحافظ الرواية عنه. وقيل لزاهر في ذلك، فقال: لي عذر، وأنا أجمع بين الصلوات كلها. ولعله تاب ورجع عن ذلك في آخر عمره. وكان صحيح السماع كثيره.

(1)

انظر: العبر 4/ 91. والمنتظم 17/ 336.

(2)

في الأصل: «الجنزروذى» .

(3)

في الأصل: «النجيرى» .

(4)

في الأصل: «وعرد» .

ص: 87

مولده رابع عشر ذي القعدة سنة ست وأربعين وأربعمائة.

وتوفي ليلة الرابع عشر من ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة بنيسابور.

ودفن بمقبرة يحيى بن يحيى- رحمه الله تعالى وإيانا.

‌79 - زيد بن يحيى بن أحمد بن عبيد الله بن هبة الله البيع، أبو بكر

(1)

:

من أهل باب الأزج، وهو أخو أبي المعالي أحمد، وكان الأصغر. سمع بإفادة أخيه من أبي الوقت عبد الأول وأبي بكر محمد بن عبيد الله بن نصر الزاغوني في آخرين.

كتبت عنه من سماعه الصحيح لأنه كان يكشط اسم أخيه عبد المنعم من طباق السماع ويكتب اسمه موضعه بقلم غليظ ودواة ردية. فعل ذلك على عدة أجزاء من أصول أخيه أحمد.

مولده سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وتوفي ببغداد في منتصف رمضان سنة إحدى وعشرين وستمائة.

(1)

انظر: شذرات الذهب 4/ 128. والعبر 4/ 112.

ص: 88

‌حرف السين

‌80 - سعد الخير بن محمد بن سهل بن سعد الخير، أبو الحسن بن أبي عبد الله الأنصاري

(1)

:

من أهل بلنسية من شرقي الأندلس. قدم بغداد وسمع بها من أبي الخطاب نصر بن أحمد بن البطر وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن طلحة النعالي وأبي الفوارس طراد الزينبي في آخرين، وقرأ الأدب على أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي. وسافر إلى العراق، فسمع بدونة من نواحي همذان من أبي محمد عبد الرحمن بن محمد الدوني، وبأصبهان من أبي علي الحسن بن أحمد الحداد. وحصّل الكتب والأصول، وركب البحار، وقاسى الشدائد، ودخل بلاد الصين. ثم إنه عاد إلى بغداد بعد علو سنه واستوطنها إلى حين وفاته. وكان ثقة صدوقا متدينا.

توفي في يوم عاشوراء سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ببغداد.

‌81 - سعيد بن أحمد بن محمد بن نعيم بن أشكاب، أبو عثمان بن أبي سعيد الصوفي، يعرف بالعيّار

(2)

:

من أهل نيسابور. بكر به أبوه فأسمعه من أبي بكر محمد بن محمد بن الحسن بن هانئ البزاز وأبي محمد عبد الله بن أحمد الصّيرفيّ وأبي الحسين أحمد بن محمد بن عمر الخفاف وأبي طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة وأبي محمد عبد الله بن حامد الأصبهاني. وأسمعه بسرخس من أبي علي زاهر بن أحمد الفقيه وبأستراباد من أبي عبد الله محمد بن سعيد بن محمد، وبالري من أبي العباس عقيل بن الحسين العلوي، وبمكة من أبي الحسين

(3)

علي بن جعفر السيرواني. وعمّر حتى جاوز المائة. وخرج له الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي فوائد في عشرين جزءا. حدث بدمشق وأصبهان ونيسابور، وهرات وغزنة. ودخل بغداد في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.

أنبأنا ذاكر بن كامل الحذاء عن أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، قال: سعيد ابن أبي سعيد العيار يتكلمون فيه لروايته «كتاب اللمع» عن أبي نصر السراج وغيره.

(1)

انظر: تهذيب ابن عساكر 6/ 116. والعبر في خبر من غبر 3/ 241.

(2)

انظر: الأغانى 17/ 2. والأعلام للزركلي 3/ 146.

(3)

في الأصل: «أبى الحسن» .

ص: 89

وكان يزعم أنه سمع من زاهر بن أحمد السرخسي «كتاب الأربعين» لمحمد بن أسلم، ورواه عنه. فذكر بعض أهل العلم أنه لم يسمع من زاهر شيئا. وخرج له البيهقي عدة أجزاء «فوائد لطاف» ولم يخرج له فيها عن زاهر شيئا.

قلت: هكذا ذكر ابن طاهر هذا الكلام في كتابه «تكملة الكامل في ضعفاء المحدثين» من جمعه، وقد وهم في قوله:«لم يخرج له البيهقي في فوائده عن زاهر شيئا» لأن البيهقي خرج له في هذه الفوائد عدة أحاديث عن زاهر. وذكر أن عدة أجزائها عشرة، وأنها لطاف؛ وقد كتبت هذه الفوائد بأصبهان، وسمعتها من جماعة وهي أحد وعشرون جزءا، ولم يزل المقدسي كثير الوهم فيما يجمعه لتهوره وعجلته وإعجابه بنفسه. وإنما الشيخ الذي لم يخرج له البيهقي عنه في فوائده هو بشر بن أحمد الأسفراييني، فإن العيار قد روى عنه هذا من حديث قتيبة بن سعيد.

ورأيت بخط الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الدقاق الأصبهاني أحاديث قد كتبها عن العيار عن بشر بن أحمد الأسفراييني ثم إنه عاد وضرب عليها بقلمه وكتب عندها: «كذب العيار في روايته عن بشر» والله أعلم! فإن كان ابن طاهر قد سمع ممن حكى عنه أنه بشر واشتبه عليه ابن أحمد فهو صحيح، وإلا فليس بشيء- والله أعلم.

مولده- العيار سنة خمس وأربعين وثلاثمائة. وقال بعضهم: سبب تسميته بالعيار أنه كان في ابتدائه يسلك مسلك الشطار، ثم رجع إلى هذهالطريقة.

توفي بغزنة في ربيع الأول سنة سبع وخمسين وأربعمائة.

وذكر أبو الفضل بن خيرون وفاته في سنة اثنتين وخمسين- حكاه الحميدي عن ابن خيرون.

‌82 - سعيد بن حميد بن سعيد بن يحيى، أبو عثمان الكاتب

(1)

:

من أولاد الدهاقين، وأصله من النهروان الأوسط. ولد ببغداد ونشأ بها. وكان يذكر أنه مولى بني سامة بن لؤي. ويقال إنه ادعى أنه من أولاد ملوك الفرس. وكان شاعرا كاتبا مترسلا فصيحا مقدما في صناعته، إلا أنه كثير السرقات والإغارة. فهو كما قال بعضهم: لو قيل لكلام سعيد: ارجع إلى أهلك لما بقي عليه إلا التأليف.

(1)

انظر: الأغانى 17/ 2. والأعلام للزركلي 3/ 146.

ص: 90

كتب سعيد بن حميد إلى فضل الشاعرة يعتذر إليها من تغير ظنته بها

(1)

، وفي آخرها:

يظنون أني قد تبدلت بعدكم

بديلا وبعض الظن إثم ومنكر

إذا كان قلبي في يديك رهينة

فكيف بلا قلب أصافي وأهجر

‌83 - سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير، أبو القاسم اللخمي

(2)

:

من أهل طبرية. سمع بالشام ومصر والحجاز واليمن والعراق فأكثر وسكن أصبهان إلى حين وفاته. سمع بدمشق أبا زرعة عبد الرحمن بن عمرو وأحمد بن المعلّى وأحمد بن أنس بن مالك، وببيت المقدس أحمد بن مسعود الخياط، وبمصر يحيى بن أيوب العلاف وأحمد بن رشدين وأحمد بن إسحاق بن نبيط بن شريط الأشجعي، وببرقة أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي؛ وباليمن، إسحاق بن إبراهيم الدبري والحسن بن عبد الأعلى البوسي، وبالعراق أبا مسلم الكجي وأبا خليفة الجمحي والحسن بن سهل المحوز، وببغداد بشر بن موسى الأسدي في آخرين؛ وحدث كثيرا. سمع منه من شيوخه أبو مسلم الكجي وأبو خليفة الجمحي في آخرين. روى عنه أبو نعيم الحافظ وأبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسين بن فادشاه وأبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذة وهو آخر من حدث عنه.

قال أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن: سليمان بن أحمد الطبراني أشهر من يدل على فضله وعلمه، حدّث بأصبهان ستين سنة. فسمع منه الآباء ثم الأبناء ثم الأسباط حتى لحقوا بالأجداد؛ وكان واسع العلم، كثير التصانيف. وقيل: ذهبت عيناه في آخر أيامه. فكان يقول: الزنادقة سحروني.

قال يحيى بن عبد الوهاب بن مندة: رأيت بخط أبي بكر محمد بن ريذة مكتوبا قال الصاحب إسماعيل بن عباد:

قد وجدنا في معجم الطبراني

ما فقدنا في سائر البلدان

بأسانيد ليس فيها سناد

ومتون إذا وردن متان

قال الحافظ أبو نعيم: مولد الطبراني سنة ستين ومائتين.

(1)

في الأصل: «ظنته به» .

(2)

انظر: تهذيب ابن عساكر 6/ 240. ومعجم البلدان 6/ 25. ووفيات الأعيان 2/ 141.

ص: 91

وتوفي في ذي القعدة لليلتين بقيتا منه سنة ستين وثلاثمائة، ودفن إلى جنب حممة بباب مدينة جي، وحضرت الصّلاة عليه.

‌84 - سليمان بن أحمد بن محمد، أبو الربيع بن أبي عمر السرقسطي:

من أهل الأندلس. سمع بنصر من أبي الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد الحوفي

(1)

، وبواسط من أبي الحسن علي بن عبيد الله بن علي القصاب، وقدم بغداد واستوطنها.

قرأ القرآن بالقراءات على القاضي أبي العلاء محمد بن علي بن يعقوب الواسطي، فأنبأ وحدّث.

أخبرني شهاب الحاتمي بهراة، قال: سمعت أبا سعد بن السمعاني يقول: سمعت أبا الفضل بن ناصر يقول: إن السرقسطي كان كذّابا، وكان يلحق سماعاته.

مولده سنة تسع وتسعين وثلاثمائة.

وتوفي في ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وأربعمائة. وحدث بيسير، وكان فيه تساهل في دينه- قاله أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون الشاهد.

‌85 - سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث، أبو الوليد التجيبي الباجي

(2)

:

من أهل قرطبة- مدينة بالأندلس-. سمع بالأندلس أبا بكر محمد بن الحسن بن عبد الوارث والقاضي أبا الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث الصفار والقاضي أبا الأصبغ عيسى بن أبي درهم، وبمصر أبا محمد عبد الله بن محمد بن الوليد الأندلسي وأبا القاسم هبة الله بن إبراهيم بن عمر الصواف، وبدمشق أبا الحسن علي السمسار

(3)

، وبمكة أبا الحسن محمد بن علي بن صخر الأزدي، وبالكوفة الشريف أبا عبد الله محمد ابن علي العلوي. وقدم بغداد وأقام بها مدة يدرس الفقه والخلاف على القاضي أبي الطيب الطبري وأبي إسحاق الشيرازي حتى برع في ذلك. وسمع الحديث من أبي القاسم عبيد الله بن أحمد الصّيرفيّ وأبي طالب عمر بن إبراهيم الزهري ومحمد بن محمد بن عبد البر، وحدّث ببغداد بيسير. روي عنه أبو بكر الخطيب الحافظ. وعاد إلى

(1)

في الأصل: «الحذمى» .

(2)

انظر: وفيات الأعيان 2/ 142. وفوات الوفيات 1/ 356. وتهذيب ابن عساكر 6/ 248.

والعبر 3/ 280. ومعجم الأدباء 11/ 246 - 251.

(3)

في الأصل: «السمار» .

ص: 92

بلده، وولي القضاء ببعض ثغورها، ودرس وصنف في الفقه والحديث والخلاف.

ومن شعره:

إذا كنت تعلم أن لا تجيد

لذي الذنب عن هول يوم الحساب

فاعص الإله بمقدار ما

تحب لنفسك سوء العذاب

مولده في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة

(1)

، وتوفي لخمس خلون من رجب سنة أربع وسبعين وأربعمائة بمدينة المرية.

‌86 - سليم بن أيوب بن سليم، أبو الفتح، الفقيه

(2)

:

من أهل الري، فقيه الشافعية في زمانه. قدم بغداد في صباه، ولازم أبا حامد الأسفراييني وقرأ عليه المذهب والخلاف. سمع بالري أبا علي أحمد بن عبد الله الأصبهاني وأبا العباس أحمد بن محمد بن الحسين البصير، وبالكوفة أبا عبد الله محمد ابن [عبد الله بن]

(3)

الحسين الجعفي، وببغداد أبا الحسن أحمد بن محمد بن موسى ابن الصلت وأبا أحمد عبيد الله بن محمد بن أحمد الفرضي في آخرين. روي عنه الخطيب والفقيه نصر المقدسي في آخرين.

أنبأنا ذاكر بن كامل بن أبي غالب الخفاف عن أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، قال: سمعت إبراهيم بن نصر الصوفي بالري يقول: كان سليم بن أيوب الرازي الإمام من أهل قسطانة- وهي التي يقال لها بالفارسية: كستانة- على سبعة فراسخ من الري مما يلي طريق بغداد، وكان قد تفقه بالري، وقد خرج من بلده إلى بغداد، فتفقه على أبي حامد الأسفراييني، فلما مات أبو حامد جلس في موضعه للتدريس، فبلغ أباه بكستانة أن رئاسة أصحاب الشافعي قد انتهت إلى ابنك ببغداد، فخرج من قريته وقصد بغداد ودخل القطيعة، وكان يدرّس في مسجد أبي حامد، وقد فرغ من الدرس الكبير وهو يذكر درس الصبيان الصغار، فوقف على الحلقة، وقال: سليم! إذا كنت تعلّم الصبيان ببغداد فارجع إلى القرية فإني أجمع لك صبيانهاو تعلمهم وأنت عندنا! فقام سليم من الدرس وأخذ بيد أبيه ودخل به إلى بيته، وقدم

(1)

على هامش الأصل: «قال ابن نقطة: مولده في آخر ذى الحجة من سنة ثلاث وأربعمائة» .

(2)

انظر: وفيات الأعيان 2/ 133 والعبر 3/ 213. وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 168. ومرآة الجنان 3/ 64 وشذرات الذهب 2/ 275.

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من العبر 3/ 81.

ص: 93

إليه شيئا من المأكول، وخرج ودفع المفتاح إلى بعض أصحابه وقال: إذا فرغ أبي من الأكل فادفع إليه المفتاح، وقل: كل ما في البيت بحكمك! وخرج سليم من فوره إلى الشام وأقام بها، وصنّف ودرّس، فيها انتشر علمه.

غرق سليم بن أيوب في بحر القلزم عند ساحل جدة بعد عوده من الحج في صفر سنة سبع وأربعين وأربعمائة، وكان قد نيف على الثمانين؛ وقيل: في سلخ صفر.

ودفن في جزيرة بقرب الجار عند المخاضة.

ص: 94

‌حرف الشين

‌87 - شجاع بن فارس بن الحسين بن فارس بن الحسين بن غريب بن زنجويه، أبو غالب بن أبي شجاع الذهلي

(1)

:

طلب الحديث بنفسه، وكان مفيد أهل بغداد، والمرجوع إليه في معرفة الشيوخ وأحوالهم بعد الخطيب. وذيل على تاريخ الخطيب ثم غسله قبل موته. وكان ثقة ثبتا صدوقا فاضلا أديبا جميل السيرة، مرضي الطريقة، أفنى عمره في هذه الصناعة. سمع أبا طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان وأبوي القاسم عبد العزيز بن علي الأزجي وعلي بن المحسن التنوخي وأبا الفتح عبد الواحد بن الحسن بن علي المقرئ وأبا إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي وأبا الحسين أحمد بن محمد بن الآبنوسي ومحمد بن أحمد بن حسنون النّرسيّ وأبا بكر أحمد بن علي الحافظ الخطيب. وكتب عنه أكثر مصنفاته مرات ولغيره، وبالغ في الطلب.

وله شعر، فمنه:

وقائلة إني رقدت وقد بدا

لليل الصبى في العارضين قتير

فقلت لها إن المزيد من الكرى

يكون إذا كان الظلام ينير

قرأت بخط شجاع الذهلي قال: قلت فيما يكتب على مضراب العود وقد سألته:

أنا في كف مهاة ذات دل وجمال

أبدا أسلب بالتحريك ألباب الرجال

قرأت في كتاب أبي طاهر السلفي بخطه، وقرأته على أبي الحسن بن المقدسي بمصر عنه، قال: أبو غالب شجاع الذهلي كان من حفاظ بغداد المذكورين، وكنت أسمع أبا علي البرداني

(2)

الحافظ يثني عليه إذا جرى ذكره، وكان له أدب وشعر، وقد علقت عنه كثيرا من الفوائد الأدبية.

قال عبد الوهاب الأنماطي: دخلت على شجاع بن فارس وهو مريض، فقال لي:

توّبني، قد كتبت شعر ابن الحجاج سبع مرات. فقلت لشيخنا: لم كتبته؟ فقال لي:

كان فقيرا. وقيل: إنه بعد ذلك كتب بخطه ثلاثمائة مصحف تكفيرا لما فعل.

قال ابن ناصر: كان شجاع الذهلي عسرا في الرواية، فلهذا حدّث بالقليل، لضيق

(1)

انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 13. ومعجم المؤلفين 4/ 296. والمنتظم 17/ 134، 135.

(2)

في الأصل: «البردنى» .

ص: 95

وقته بالنساخة والتعليم لأولاد الرؤساء والأماثل.

مولده في منتصف رمضان سنة ثلاثين وأربعمائة. وتوفي في ثالث جمادى الأولى سنة سبع وخمسمائة.

‌88 - شقيق بن إبراهيم الأزدي، أبو علي الزاهد

(1)

:

من أهل بلخ. صحب إبراهيم بن أدهم وعباد بن كثير وأبا حنيفة. روي عنه ابنه محمد. قدم بغداد حاجّا ودخل إلى الرشيد ووعظه.

قال حاتم الأصم: سمعت شقيقا البلخي يقول: عملت في القرآن عشرين سنة حتى ميزت الدنيا من الآخرة، فأصبته في حرفين وهو قوله تعالى:{فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى} .

وقال حاتم أيضا: سمعت شقيقا البلخي يقول: ميز بين ما تعطى وتعطي

(2)

، إن كان ما يعطيك أحب إليك فأنت محب الدنيا، وإن كان ما

(3)

تعطيه أحب إليك فأنت محب الآخرة.

قال أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الحافظ الإدريسي: شقيق بن إبراهيم الزاهد روى أحاديث مناكير في الزهديات وغيرها. لم يكن من أهل الصناعة في الحديث، وقلما حدث عنه أيضا من يوثق بروايته، فلذلك لا يعتمد على روايته.

قتل شهيدا بجيلان سنة أربع وسبعين ومائة.

(1)

انظر: فوات الوفيات 1/ 187. ووفيات الأعيان 2/ 171. والأعلام 3/ 249. وتهذيب ابن عساكر 6/ 327.

(2)

في الأصل: «ويعطى» .

(3)

في الأصل: «من تعطيه» .

ص: 96

‌حرف الطاء

‌89 - طاهر بن محمد بن طاهر بن علي، أبو زرعة بن أبي الفضل المقدسي

(1)

:

تقدم ذكر والده في هذا المختصر. ولد بالري، وبكر به أبوه فأسمعه من أبي الفتح عبدوس بن عبد الله الهمذاني وأبي منصور محمد بن الحسين المقدمي وأبي الحسن محمد بن منصور بن علان وأبي محمد عبد الرحمن بن محمد الدوني، وسمع ببغداد أبا الحسين علي بن محمد بن العلاف وأبا القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان. وسكن همذان إلى حين وفاته. وكان تاجرا لا يفهم شيئا من العلم، وحدث بالكثير، وعمّر، وانفرد ببعض مروياته، وكان شيخا صالحا. حمل جميع كتب والده- وكانت كلها بخطه- إلى الحافظ أبي العلاء بهمذان، ورفعها على جميع أهل العلم وسلّمها إليه، وسمعت من يذكر أنها كانت في ثلاثين غرارة.

قدم بغداد بعد الخمسين وخمسمائة، وحدث بها بالكثير. سمع منه الأئمة: ابن الخشاب وابن شافع وابن الجوزي في آخرين. وذكر من سمعه يقول: حججت عشرين حجة.

مولده في الرابع والعشرين من رمضان سنة إحدى وثمانين وأربعمائة بالري. وتوفي بهمذان في سابع ربيع الآخر سنة ست وستين وخمسمائة.

‌90 - طراد بن محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد الوهاب بن سليمان ابن محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، أبو الفوارس الزينبي

(2)

:

من ولد زينب بنت سليمان بن علي. كان يسكن بباب البصرة. ولى النقابة على العباسيين ببغداد في رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. سمع من أبي الفتح هلال ابن محمد الحفار وأبي نصر أحمد بن محمد بن حسنون النّرسيّ وأبي الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان وأبي عبد الله الحسين بن عمر بن برهان الغزّال في آخرين.

وانفرد بالرواية عن أكثر شيوخه وحدث بالكثير؛ وأملى خمسة وعشرين مجلسا بجامع المنصور، وأملى بمكة والمدينة مجالس، روى عنه الحفاظ: محمد بن ناصر السلامي ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري وسعد الخير وشهدة بنت الإبري وهي آخر من حدث عنه.

(1)

انظر: شذرات الذهب 4/ 217. والعبر 4/ 192.

(2)

انظر: النجوم الزاهرة 5/ 162. وشذرات الذهب 3/ 396. والمنتظم 17/ 43 - 44. والعبر 3/ 331.

ص: 97

قال السلفي: سألت شجاع الذهلي عن طراد، فقال: حدّث ببغداد وبغيرها من البلاد وأملى عدة سنين في جامع المنصور، وكان صدوقا، وقد سمعت منه.

قال محمد بن عبد الباقي الأنصاري: سمعت أبا الفوارس طراد يقول: إن مولده في منتصف شوال سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة.

وتوفي في سلخ شوال سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ببغداد. ودفن بباب النصر في مستهل ذي القعدة في داره. وهو آخر من حدّث عن أبي نصر بن النّرسيّ وهلال الحفار والحسين بن عمر بن برهان الغزال في آخرين. ثم نقل بعد ذلك إلى مقابر الشهداء.

ص: 98

‌حرف العين

‌91 - عاصم بن الحسين بن محمد بن علي بن عاصم بن مهران بن أبي المضاء، أبو الحسين بن أبي علي العاصمي العطار

(1)

:

من أهل الكرخ، كان يعرف بابن عاصم الرصاص. سمع الكثير من أبي عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي الفارسي وأبي الفتح هلال الحفار، وأبوي الحسين علي بن محمد بن بشران ومحمد بن الحسين بن الفضل القطان وأبوي بكر محمد بن أحمد بن وصيف وأحمد بن محمد بن غالب البرقاني في آخرين. وحدث، وكتب بخطه الكثير. سمع منه أبو بكر الخطيب الحافظ، وروي عنه في كتاب «المؤتلف والمختلف» من جمعه. وكان صدوقا عفيفا متدينا مع ظرف كان فيه ولطف.

وله شعر، فمنه:

وا تلفي من ساخط معرض

مذ علق القلب به ما رضى

أمرض قلبي طول هجرانه

فديته لو شاء لم يمرض

فدمع عيني مارقا مذ جفا

وجفنها الساهر لم يغمض

وليس لي من حبه مهرب

فما احتيالي وبهذا [قد] قضى؟

قال السلفي: سألت الذهلي عن عاصم بن الحسن العاصمي فقال: حدّث عن جماعة، وله شعر مطبوع، وكان صدوقا، من أهل السنّة، وقد سمعت منه.

مولده سنة سبع وتسعين وثلاثمائة. وتوفي في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة ببغداد، ودفن بمقبرة جامع المدينة.

‌92 - عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن الخشاب، أبو محمد بن أبي الكرم

(2)

:

كان يسكن بباب المراتب. وكان أعلم أهل زمانه بالنحو حتى يقال: إنه كان في درجة أبي علي الفارسي. وكانت له معرفة بالحديث واللغة والمنطق والفلسفة والحساب والهندسة.

(1)

انظر: الأنساب، للسمعاني 9/ 147. والمنتظم 16/ 286، 287، 288.

(2)

انظر: وفيات الأعيان 2/ 288. والعبر 4/ 196. وأنباء الرواة 2/ 99. ومعجم الأدباء 12/ 47. والمنتظم 18/ 198. والأعلام 4/ 191.

ص: 99

قرأ الحساب والهندسة على أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري. وسمع الحديث منه ومن أبي القاسم علي بن الحسين الربعي وأبي الغنائم محمد بن علي النّرسيّ، وقرأ الحديث بنفسه على أبي القاسم بن الحصين وأبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش وأبي القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري في آخرين؛ وقرأ العالي والنازل، وكتب بخطه الكثير.

وكان يكتب خطا مليحا، ويضبط صحيحا، وحصّل من الكتب والأصول وغيرها ما لا يدخل تحت حصر؛ وكان ثقة في الحديث والنقل، صدوقا نبيلا حجة إلا أنه كان بخيلا، ولم يكن في دينه بذاك. وكان متبهدلا في مطعمه وملبسه ومعيشته

(1)

، متهتكا في حركاته، قليل المبالاة بحفظ ناموس العلم. وكان يلعب بالشطرنج على قارعة الطريق مع العوام، ويقف في الشوارع على أصحاب اللهو، وكان كثير المزاح واللعب، طيب الأخلاق.

وله شعر، فمنه:

أسلمته العيون درا فلما

جال فوق الخدود عاد عقيقا

وشموس ودّعن عند التلاقي

فكأن الغروب عاد شروقا

كتب إليّ محمود بن هبة الله بن الحلي، قال: أنشدنا أبو محمد بن الخشاب لنفسه ملغزا في الكتاب:

وذي أوجه لكنه غير بائح

بسر وذو الوجهين للسر يظهر

تناجيك بالأسرار أسرار وجهه

فتسمعها

(2)

ما دمت بالعين تنظر

قال أبو سعد بن السمعاني: سمعت شجاع البسطامي يقول: لما دخلت بغداد قرأ عليّ ابن الخشاب غريب الحديث لابن قتيبة قراءة ما رأيت قبلها مثلها في الصحة والسرعة، وحضر جماعة من الفضلاء سماعها، وكانوا يريدون أن يأخذوا عليه فلتة لسانه فما قدروا على ذلك.

أخبرنا شهاب الحاتمي قال: حدثنا أبو سعد بن السمعاني قال: عبد الله بن الخشاب شاب كامل فاضل، له معرفة تامة بالأدب واللغة والحديث، ويقرأ الحديث قراءة حسنة صحيحة مفهومة، سمع الكثير بنفسه، وجمع الأصول الحسان، كتبت عنه.

(1)

في الأصل: «تعيشه» .

(2)

على الهامش: «فتفهمها» .

ص: 100

وسألته عن مولده، فقال: أظن في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.

توفي في عشية الجمعة ثالث رمضان سنة سبع وستين وخمسمائة، ودفن بمقبرة أحمد.

‌93 - عبد الله بن أحمد بن صاعد بن صائم الإسكاف، أبو محمد بن أبي العباس بن أبي المجد

(1)

:

من أهل الحربية، سمع أبا القاسم بن الحصين وأبا غالب أحمد بن الحسن بن البناء وإسماعيل بن أحمد بن عمر السّمرقندي في آخرين. وكان شيخا صالحا حسن الأخلاق، حدّث عنه الإمام أحمد غير مرة، ودفع إليه قوم من أهل الشام شيئا من المال وذهبوا به متوجهين إلى دمشق ليسمعوا منه هناك، فلما وصلوا إلى الموصل تسامع به أصحاب الحديث، فأمسكوه عندهم مدة وسمعوا منه المسند، وبعد فراغهم من السماع بقي الشيخ أياما ثم مرض ومات، ولم يقدّر له أن يدخل الشام.

توفي بالموصل في الثاني عشر من محرم سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وقد نيف على الثمانين- رحمه الله.

‌94 - عبد الله بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث السّمرقندي، أبو محمد بن أبي بكر الحافظ

(2)

:

تقدم ذكر أبيه وأخيه إسماعيل. ولد بدمشق وسمع بها الكثير من أبي الحسن أحمد ابن عبد الواحد بن محمد بن أبي الحديد السلمي وأبي نصر الحسين بن محمد بن طلاب وأبي محمد عبد العزيز الكتاني، وببيت المقدس من أبي عثمان محمد بن أحمد ابن ورقاء الأصبهاني، وأكثر عن الحافظ أبي بكر الخطيب بدمشق من مصنفاته.

وقدم بغداد واستوطنها، وسمع بها الكثير من أبي محمد عبد الله بن محمد الصريفيني وأبي الحسين أحمد بن النقور وأبي منصور عبد الباقي بن محمد بن غالب العطار وأبوي القاسم عبد العزيز بن علي الأنماطي وعلي بن أحمد البسري. ورحل إلى خراسان فسمع بنيسابور أبا القاسم الفضل بن عبد الله بن المحب، وبهراة أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، وببلخ أبا القاسم أحمد بن محمد بن محمد بن عبيد الله

(1)

انظر: شذرات الذهب 4/ 335. والنجوم الزاهرة 6/ 181. والعبر 4/ 302.

(2)

انظر: معجم المؤلفين 6/ 29. والعبر 4/ 37. وتذكرة الحفاظ 4/ 1263. وشذرات الذهب 4/ 49. والمنتظم 17/ 211.

ص: 101

الخليلي في جماعة آخرين يطول ذكرهم.

وكتب بخطه الكثير، وحصّل الأصول وجمع وخرّج. وكان يكتب خطا مليحا، ويضبط صحيحا، وكان موصوفا بالحفظ والإتقان. روي عنه أخوه إسماعيل وابنته كمال ومحمد بن ناصر في آخرين.

قال السلفي: عبد الله بن أحمد السّمرقندي كان من حفاظ الحديث، ثقة، صاحب رحلة إلى خراسان وغيرها، وكان قد رزق حظّا من الأدب، وإذا قرأ الحديث أعرب وأغرب.

مولده بدمشق في سادس صفر سنة أربع وأربعين وأربعمائة. وأول سماعه في سنة خمسين.

وتوفي ببغداد في ثاني عشر ربيع الآخر سنة ست عشرة وخمسمائة، ودفن بباب أبرز.

‌95 - عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هشام الطوسي، أبو الفضل ابن أبي نصر الخطيب

(1)

:

ولد ببغداد في دار الخلافة ونشأ بها، وسمع بها الحديث من أبي الخطاب نصر بن أحمد بن البطر وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة وأبي الفضل محمد ابن عبد السلام الأنصاري وأبي الخطاب علي بن عبد الرحمن بن الجراح وأبي منصور محمد بن أحمد الخياط المقرئ وأبي الحسين المبارك بن عبد الجبار الصّيرفيّ وأبي محمد جعفر بن أحمد السراج في آخرين.

وقرأ الفقه والخلاف على الكيا أبي الحسن علي بن محمد الهراسي وأبي بكر الشاشي، والفرائض والحساب على الحسين بن أحمد الشقاق، والأدب على أبي زكريا التبريزي وأبي محمد الحريري. ثم إنه سافر إلى العراق وخراسان، وسافر إلى بلاد ما وراء النهر في سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وعاد إلى بغداد في سنة أربع عشرة. فسمع بأصبهان أبا علي الحسن بن أحمد الحداد، وبنيسابور أبا نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم القشيري. ثم إنه سكن الموصل وسمع بها أباه وعمه أبا البركات محمد بن محمد وأبا البركات محمد بن محمد بن خميس. وتولى الخطابة بالجامع العتيق، وتفرد بأكثر مسموعاته.

(1)

انظر: شذرات الذهب 4/ 262. والعبر 4/ 234. والمعجم المؤلفين 6/ 30.

ص: 102

وكان فاضلا أديبا، له شعر حسن. وكان محمد بن عبد الخالق بن أحمد بن يوسف البغدادي قد قدم عليه الموصل ونقل له سماعاته من ابن البطر وطراد وابن طلحة وغيرهم على فروع كتبها له بخطه، فقبلها الشيخ وحدّث بها، وكانت باطلة لا أصل لها، مما اختلقت يداه، وعلم بذلك فأبطلها أصحاب الحديث، فلا يقبل من رواية هذا الخطيب إلا ما شوهد أصله، وكان بخط من يوثق به من الطلبة، وما سوى ذلك فلا يجوز روايته.

مولده في منتصف سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وتوفي بالموصل في ليلة الثلاثاء لأربع عشرة خلت من شهر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة.

ومن شعره:

سقى الله أياما لنا ولياليا

نعمنا بها والعيش إذ ذاك ناضر

ليالي لا أصغى إلى لوم عاذل

وطرفي إلى أنوار وجهك ناظر

‌96 - عبد الله بن الحسين بن رواحة بن إبراهيم بن عبد الله بن رواحة بن عبيد بن محمد بن عبد الله بن رواحة، أبو محمد الأنصاري الخزرجي

(1)

:

من أهل حماة، وكان يتولى الخطابة بها. كان من ذوي الفضل والنبل والديانة والصيانة. قدم بغداد حاجّا، ومدح الإمام المقتفي لأمر الله فأكرمه.

ومن شعره في المقتفي:

أتعرف رسما دارس الآي بالحمى

عفا وتهاداه السحاب فأطسما

سلوت الهوى أيام شرخ شبيبتي

فهل رغبة فيه إذا الشيب عمما؟

وقالوا مشيبا كالنجوم طوالعا

وما حسن ليل لا ترى منه أنجما

ومنه:

وما الشمس في وسط السماء ودونها

حجاب عن الغيم الرقيق مفرق

بأحسن منها حين تستر وجهها

حياء وتبديه لعلى أرصق

ومنه:

أعلاق وجد القلب من أعلاقه

وتصاعد الزفرات من إحراقه

(1)

انظر: تاريخ ابن عساكر 7/ 367.

ص: 103

مولده سنة ست وثمانين وأربعمائة، وتوفي في يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وخمسمائة بحماة.

قال ابن عساكر: وكان شاعرا، له يد بيضاء في القراءات، وتهجد في الخلوات.

مدح المقتفي مرارا، وخلع عليه ثياب الخطابة، وقلده أمرها بحماة.

‌97 - عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسين العكبري، أبو البقاء بن أبي عبد الله الضرير النحوي

(1)

:

قرأ القرآن بالروايات على أبي الحسن البطائحي، وتفقه على القاضي أبي يعلى محمد بن أبي خازم بن الفراء، وقرأ العربية على أبي البركات يحيى بن نجاح وابن الخشاب. سمع الحديث عن أبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي وأبي زرعة طاهر ابن محمد بن طاهر وأبي بكر عبد الله بن محمد بن أحمد النقور في آخرين وحدث.

وكان ثقة صدوقا، غزير الفضل، كامل الأوصاف، كثير المحفوظ، متدينا، حسن الأخلاق. ذكر لي أنه أضر في صباه.

وله مصنفات كثيرة، منها: تفسير القرآن وإعرابه، وإعراب الشواذ

(2)

من القراءات، إعراب الحديث، المرام في نهاية الأحكام في مذهب الإمام أحمد، تعليق في الخلاف، شرح الهداية لأبي الخطاب، شرح الحماسة، شرح المقامات، شرح الخطب النباتية، والمصباح في شرح الإيضاح والتكملة، إعراب الحماسة، التوصيف في التصريف- في غير ذلك.

أنشدني علي بن عدلان بن حماد الموصلي النحوي قال: أنشدني شيخنا أبو البقاء عبد الله لنفسه مادحا لابن مهدي الوزير:

بك أضحى جيد الزمان محلى

بعد أن كان من حلاه مخلى

لا يجاريك في تجاريك خلق

أنت أعلى قدرا وأعلى محلا

دمت تحيى ما قد أميت من الفضل

وتنفى فقرا وتطرد محلا

سمعت من ذكر أنه سمع أبا البقاء يقول: ما عملت من الشعر سوى هذه الأبيات.

مولده ببغداد في أوائل سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وتوفي في ليلة يسفر صباحها عن تاسع شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وستمائة، ودفن بباب حرب- رحمه الله.

(1)

انظر: وفيات الأعيان 2/ 286. وبغية الوعاة، ص 281. والأعلام 4/ 208.

(2)

في الأصل: «إعراب السراد» .

ص: 104

‌98 - عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بن عبد الله بن علوان بن رافع، الأسدي، أبو محمد

(1)

:

من أهل حلب. أسمعه والده في صباه من أبي الفرج يحيى الثقفي ومن جماعة أخرى، ثم إنه هو سمع بنفسه كثيرا، وكتب بخطه، وحصل بهمة وافرة، وتفقه على مذهب الإمام الشافعي على أبي المحاسن يوسف بن رافع قاضي حلب، وصحبه، وعنى به عناية شديدة بما رأى من نجابته وفهمه وذكائه، واتخذه ولدا وصاهره، وصار معيدا لمدرسته وله نيف وعشرون سنة. ثم ولى التدريس بعدة مدارس، ونبل مقداره؛ وتقدم عند الملوك والسلاطين، وعلا به جاهه وارتفع شأنه، وروسل به إلى ملوك الشام ومصر، ثم إنه ناب في القضاء بحلب مدة حياة القاضي، فلما توفي ولي القضاء، وأرسل رسولا إلى دار الخلافة، فقدم علينا في شهر رمضان سنة أربع وثلاثين وستمائة، وأكرم مورده وجمع له فقهاء مدينة السلام بدار

(2)

الوزارة، وأحضر وتكلم مع الفقهاء. وكانت له معرفة حسنة بالحديث ويد باسطة في الأدب.

وكان محبا لأهل الدين والصلاح، وكان حسن الخلق والخلق، لطيفا مزّاحا، طيب المعاشرة، حلو المحاضرة، مقبول الصورة. اجتمعت به عند شيخنا أبي اليمن الكندي ثم بحلب مرات كثيرة. وله على أياد يعجز عن حصرها قلمي، ويقصر عن شرحها كلمي.

سمعت منه بحلب وسمع مني، وحدث ببغداد، وكان ثقة نبيلا، ما رأت عيناي أكمل منه.

أنشدني القاضي أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الأسدي لنفسه ببغداد، وذكر أنه اجتمع ببعض أصدقائه وأخصائه من أهل حلب بحمص متوجها إلى دمشق، فكتب إليه من حلب:

إلى الله أشكو ما وجدت من الأسى

بحمص وقد أمسى الحبيب مودعا

وأودع في العين السهاد وفي الحشا ال

لهيب وفي القلب الجوى والتصدعا

ولله أيام تقضت بقرية

فيا طيبها لو دمت فيها ممتعا

ولكنها عما قليل تصرمت

فأصبحت منبت السرور مفجعا

وقد كان ظني أن عند قفولنا

إلى حلب ألقى من الهم مفزعا

(1)

انظر: النجوم الزاهرة 6/ 301. وشذرات الذهب 5/ 170.

(2)

في الأصل: «بداره الوزارة» .

ص: 105

فأنشدت بيتي شاعر ذاق طعم ما

شربت بكأسات الفراق تجرعا

فلا مرحبا بالربع لستم حلوله

ولو كان مخضرّ الجوانب ممرعا

ولا خير في الدنيا ولا في نعيمها

إذا لم يكن شملي وشملكم معا

سألت القاضي عن مولده، فقال: في جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة.

وبلغني أنه توفي في شعبان من سنة خمس وثلاثين وستمائة في ليلة السادس عشر منه.

‌99 - عبد الله بن عمر بن علي بن زيد اللتي، أبو المحاسن

(1)

:

من أهل شارع دار الرقيق. سمع بإفادة عمه أبي بكر محمد بن علي من أبي القاسم سعيد بن أحمد بن الحسن بن البناء وأبي الوقت عبد الأول السجزي وأبي الفتح بن البطي وأبي علي الحسن بن جعفر بن عبد الصمد بن المتوكل على الله وأبي المعالي محمد بن محمد بن محمد بن اللحاس في آخرين وحدث. وتفرد بجماعة من شيوخه ومسموعاته، وقد حقق به حديث التقوى، فهو آخر من رواه عاليا، كتبنا عنه، وكان سماعه صحيحا. وسافر إلى الشام، وحدّث هناك وعاد.

مولده في العشرين من ذي القعدة سنة خمس وأربعين وخمسمائة.

وتوفي في رابع عشر جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وستمائة، ودفن بباب حرب، عن تسعين سنة إلا أشهرا

(2)

.

‌100 - عبد الله بن القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري، أبو القاسم ابن أبي محمد

(3)

:

صاحب المقامات، من أهل البصرة. نزل بغداد وسكنها، وروى بها عن والده «المقامات» و «درة الغواص» و «ملحة الإعراب» .

روى عنه شيخانا عبد الوهاب بن الأمين وأبو اليمن الكندي، وسألته عنه، فقال: كان ابن الحريري فقط- يشير إلى قلة علمه.

أخبرنا شهاب الحاتمي بهراة قال: حدثنا أبو سعد بن السمعاني قال: عبد الله بن

(1)

انظر: شذرات الذهب 5/ 171.

(2)

في الأصل: «أشهر» ، وفوقها:«كذا» .

(3)

انظر الأعلام 4/ 114.

ص: 106

القاسم بن علي الحريري أبو القاسم من أهل البصرة سكن بغداد، وهو ابن أبي محمد صاحب المقامات، شاب فاضل متميز، له حظ من الأدب واللغة، مليح الخط.

مولده سنة تسعين وأربعمائة. ولم يذكر وفاته.

‌101 - عبد الله بن محمد بن الحسين بن ناقيا بن داود بن محمد بن يعقوب، أبو القاسم بن أبي الفتح، الحنفي الشاعر، المعروف بأبي البندار

(1)

:

كان شاعرا مجوّدا، عذب الألفاظ، مليح المعاني، ظريفا، من محاسن الناس، إلا أنه كان مطعونا عليه في دينه وعقيدته. سمع الحديث من أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي وأبي طالب محمد بن علي العشاري والأمير أبي محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر في آخرين. روي عنه شجاع الذهلي وهبة الله بن علي بن المحلى ومحمد بن ناصر السلامي في آخرين- رحمه الله.

ومن شعره في الشمعة:

أبيت وشوقي مؤنسي وجليسة

يذوب أسى قلبي وجثمانها معا

مساعدة لي ما تملّ وقد حكت

بأحوالها في الليل حالي أجمعا

سهادا ووجدا واصطبارا وحرقة

ولونا وسقما وانتصابا وأدمعا

أكاد أناجيها بشكواي حيرة

ويا راحتي لو كنت صادفت مسمعا

أخبرنا عبد الوهاب بن ظافر بن رواح بقراءتي عليه بالإسكندرية قال: حدثنا أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي، أنشدنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن الدهان المرتب في المارستان قال: أنشدنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن ناقيا بنفسه:

معتدل القد ليس بالعدل

ألحاظه في القلوب كالنبل

قنعت بالذل في محبته

لأن عزى في ذلك الذل

يوعدني منه بالوصال ولا

يصح من وعده سوى المطل

من لي بنوم أراك فيه وقد

أقررت عيني بزورة من لي

قد طال شوقي إليك يا سكني

فارت دموعي إن كنت ذا خل

أخبرنا شهاب الحاتمي قال: سمعت ابن السمعاني يقول: سألت عبد الوهاب

(1)

انظر: بغية الوعاة، ص 292. ووفيات الأعيان 2/ 284، 285. ومعجم المؤلفين 6/ 116.

وإنباه الرواة 21/ 133

ص: 107

الأنماطي عن ابن ناقيا فأساء إلينا عليه وقال: ما كان يصلي، وكان يقول: في السماء نهر من خمر ونهر من لبن ونهر من عسل لا ينقط منه شيء، ينقط هذا الذي يخرب البيوت ويهدم السقوف.

مولده في نصف ذي القعدة سنة عشر وأربعمائة، وتوفي في رابع محرم سنة خمس وثمانين وأربعمائة، ودفن في مقابر باب الشام- رحمه الله تعالى.

‌102 - عبد الله بن محمد بن طاهر بن الحسين، أبو بكر العمروي

(1)

:

من أهل طريثيث. قدم بغداد وسمع بها أبا طالب بن غيلان وأبا محمد الحسن بن عيسى ابن المقتدر وأبا القاسم عبد الله بن شاهين في آخرين. وكان أديبا فاضلا بليغا، له مصنفات. قدم بغداد في آخر عمره واستوطنها، وحدث بها. سمع منه السلفي وجماعة.

أخبرني عبد الرحمن بن مكي بن عبد الرحمن بن الحاسب بالإسكندرية قال: أخبرنا جدي لأبي أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي قال: أنشدني القاضي أبو بكر عبد الله ابن محمد بن طاهر النيسابوري ببغداد قال: أنشدني أبو طاهر علي بن عبيد الله الشيرازي قال: أنشدني الكافي أبو علي أبزون بن مهبرد العماني لنفسه بعمان:

وقالوا أفق عن سكرة اللهو والصبى

وقد لاح شيب في رجال عجيب

فقلت أخلاي دعوني ولذّتي

فإن الكرى عند الصباح يطيب

مولد الطريثيثي سنة إحدى عشرة وأربعمائة، وتوفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسمائة.

‌103 - عبد الله بن علي بن عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن موسى بن الآبنوسي، أبو محمد الوكيل

(2)

:

سمع أبا القاسم علي بن المحسن التنوخي وأبا محمد الحسن بن علي الجوهري وأبا طالب محمد بن علي العشاري وأبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري في آخرين؛ وسمع تاريخ بغداد من مصنفه أبي بكر الخطيب ورواه. روى عنه ابن ناصر ومحمد بن عبد الباقي بن البطي في آخرين. جمع له أبو علي بن البرداني فوائد عن شيوخه.

ومن شعره- وليس له غيرهما:

(1)

انظر: بغية الوعاة، ص 288.

(2)

انظر: العبر 4/ 9. وشذرات الذهب 4/ 10.

ص: 108

أصبح الناس حثالة

كلهم يطلب ماله

لو بقي في الناس

(1)

حر

ما تعاطيت الوكالة

قال السلفي: أبو محمد الآبنوسي كان من أهل المعرفة بالحديث وقوانينه التي لا يعرفها إلا من طال اشتغاله بها

(2)

، وفي شيوخه وسماعاته كثرة، وكان ثقة، كتبنا عنه بانتقاء أبي علي البرداني الحافظ، وكان شافعي المذهب. سئل عن مولده فقال:

في شوال سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، وقيل: سنة سبع وعشرين.

قال شجاع الذهلي: توفي أبو محمد بن الآبنوسي الوكيل في الليلة التي صبيحتها يوم الثلاثاء السادس عشر من جمادى الأولى سنة خمس وخمسمائة، ودفن من الغد في مقبرة الشونيزي- رحمه الله تعالى.

آخر الجزء الرابع من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد لابن النجار، انتقاه أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامي، عرف بابن الدمياطي، سامحه الله لنفسه ثم لمن سأله الله من بعده، الحمد لله على كل حال.

(1)

في الهامش: «في الأصل: النار، وصوابه: الناس» .

(2)

في الأصل: «اشتغاله به» .

ص: 109

الجزء الخامس من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد

للحافظ أبي عبد الله محمد بن النجار البغدادي انتخاب كاتبه الواثق بالله أحمد بن أيبك بن عبد الله.

ص: 111

(بسم الله الرّحمن الرّحيم) استعنت بالله وحده

‌104 - عبد الله بن محمد بن هبة الله بن علي بن المطهر بن أبي عصرون، أبو سعد بن أبي السري، الفقيه الشافعي

(1)

:

من أهل الموصل، أحد الأئمة الأعيان. قدم بغداد في صباه، وأقام بها مدة، وقرأ القرآن بالروايات على البارع أبي عبد الله الحسين بن محمد الدباس، وقرأ المذهب والخلاف على أسعد بن أبي نصر الميهني، والأصول على أبي الفتح بن برهان، وسمع الحديث من أبي القاسم هبة الله بن الحصين وأبي عبد الله البارع

(2)

وأبي علي الحسين بن الخليل النسفي، وسمع بالموصل من جده لأمه أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الباقي الثعلبي. ثم انتقل إلى دمشق ودرّس بها في الزاوية الغربية، ثم قلد قضاء الشام بعد كمال الدين محمد بن عبد الله بن الشهرزوري في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وصنف مصنفات مفيدة في المذهب والأصول والخلاف.

مولده في ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.

وتوفي في شهر رمضان سنة خمس وثمانين وخمسمائة بمدينة دمشق وقد بلغ من العمر ثلاثا وتسعين سنة.

‌105 - عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق السجزي، أبو الوقت بن أبي عبد الله الصوفي

(3)

:

ولد بهراة ونشأ بها، وحمله والده إلى بوشنج، فأسمعه من أبي الحسن عبد الرحمن ابن محمد بن المظفر الداودي جميع صحيح البخاري ومسند الدارمي ومنتخب المسند لعبد بن حميد، وسمع أيضا من أبي القاسم أحمد بن محمد بن محمد العاصمي؛ وسمع

(1)

انظر: طبقات القراء 1/ 455. وطبقات الشافعية للسبكي 4/ 237. والنجوم الزاهرة 6/ 109 ووفيات الأعيان 2/ 256. والعبر 4/ 256.

(2)

في الأصل: «البا» .

(3)

انظر: وفيات الأعيان 2/ 392 - 393. والعبر 4/ 151. وشذرات الذهب 4/ 166.

ص: 113

بهراة من أبي عبد الله محمد بن عبد العزيز الفارسي وأبي صاعد يعلى بن هبة الله الفضيلي وأبي عاصم الفضيل بن يحيى

(1)

الفضيلي في آخرين. وحدث بالكثير، وسافر إلى العراق، فحدث بأصبهان وهمذان ونهاوند، وقدم بغداد في شوال سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ومعه أصوله، فحدث بها بجميع مروياته.

وكان الوزير أبو المظفر بن هبيرة قد استدعاه، وسمع عليه صحيح البخاري قرأه عليه أبو محمد بن الخشاب، وآخر من قرأه عليه ببغداد أبو محمد بن الأخضر. وكان شيخا صدوقا أمينا، من مشايخ المتصوفين ومحاسنهم، ذا ورع وعبادة مع علو سنه.

وله أصول حسنة وسماعات صحيحة.

أخبرني شهاب بن محمود الحاتمي بهراة قال: حدثنا أبو سعد بن السمعاني من لفظه قال: عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي أبو الوقت سجزي الأصل، هروي المولد والمنشأ، شيخ صالح، حسن الأخلاق والأخلاق

(2)

، استسعد بصحبة الإمام عبد الله الأنصاري، وكان صبورا علىالقراءة عليه، محبا للرواية. سمعت أن والده عيسى حمله على رقبته من هراة إلى بوشنج، وسمّعه صحيح البخاري ومسند الدارمي والمنتخب من حديث عبد بن حميد، فلحقته بركة والده.

وسمعت أن والده سماه «محمدا» فسماه الإمام عبد الله الأنصاري «عبد الأول» وكناه «بأبي الوقت» .

وقال ابن الصوفي بن وقتة: سألته عن مولده، فقال: في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وأربعمائة بهراة.

قال أبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع: توفي أبو الوقت في ليلة الأحد سادس ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، ودفن بالشونيزية. وتقدم بالصلاة عليه الشيخ عبد القادر الجيلي. وكان سماعه للحديث بعد الستين وأربعمائة- رحمه الله.

‌106 - عبد الحليم بن محمد بن الخضر بن محمد بن تيمية، أبو محمد، الفقيه الحنبلي

(3)

:

من أهل حران. قدم بغداد وتفقه بها حتى برع في الفقه وغيره، وسمع من أبي

(1)

في الأصل: «بن محمد» .

(2)

هكذا في الأصل.

(3)

انظر: شذرات الذهب 5/ 10.

ص: 114

الفرج بن كليب وأبي طاهر بن المعطوش وابن الجوزي وابن سكينة في آخرين وحدّث.

قرأ عليه «جزء أبي عوانة» الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي، وسأله عن مولده فقال: في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.

وتوفي بحران في السادس والعشرين من شوال سنة ثلاث وستمائة.

‌107 - عبد الحميد بن يحيى بن سعد، أبو يحيى الكاتب، مولى العلاء بن وهب العامري

(1)

:

من أهل الأنبار. كان معلما للصبيان، وينقل في البلدان، وكان الرقة؛ وكان من الكتاب البلغاء، وبه يضرب المثل في الكتابة؛ وعنه أخذ المترسلون.

قرأت في كتاب الوزراء لأبي عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري قال: أهدى عامل لمروان إلى مروان غلاما أسود، فقال لعبد الحميد: اكتب إليه واذمم فعله في هديته. فكتب إليه: «لو وجدت لونا شرا من أسود وعددا أقل من واحد لأهديته» ! وهذا مأخوذ من قول أعرابي قيل له: ما لك من الولد؟ فقال: قليل خبيث، فقيل له:

ما معناك في هذا؟ فقال: لا أقل من واحد، ولا أخبث من بنت. قال: وساير عبد الحميد يوما مروان على دابة، فقال له: كيف سيرها؟ فقال: همها أمامها وسوطها عنانها وما ضربت قط إلا ظلما.

قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: بلغني أن عبد الحميد استخفى بعد قتل مروان، فوجد بالشام أو بالجزيرة، فدفعه السفاح إلى عبد الجبار بن عبد الرحمن، وكان على شرطته، فكان يحمي طشتا بالنار ويضعها على رأسه حتى مات.

‌108 - عبد الخالق بن فيروز بن عبد الله بن عبد الملك بن داود الجوهري، أبو المظفر بن أبي جعفر الواعظ

(2)

:

أصله من همذان، ونشأ ببغداد وسكنها، وسمع به الحديث وبخراسان وأصبهان، ودخل الشام، وسكن مصر وحدّث هناك ووعظ.

ذكر أنه سمع من أبي عبد الله محمد بن الفضل الفراوي وإسماعيل بن أبي القاسم

(1)

انظر: وفيات الأعيان 2/ 394 - 397.

(2)

انظر: شذرات الذهب 4/ 301. والعبر 4/ 272.

ص: 115

القارئ وزاهر بن طاهر الشحامي وأخيه أبي بكر وجيه في آخرين. وحدث بجزء خرّجه

(1)

بنفسه عن هؤلاء الشيوخ وغيرهم، سمعه منه الحافظ أبو الحسن علي المقدسي. سمعت أنه لم يكن سماعه من الفراوي صحيحا، وأنه لم يكن موثوقا به، وقد رأيت سماع أخويه بنيسابور أبي جعفر عبد الواحد وأبي عبد الله عبد الكريم ابني فيروز من الفراوي بخط محمد بن علي الطوسي، فلعله وثب على سماع أخويه فادّعاه.

مولده في سابع عشري رجب سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة. وتوفي رحمه الله.

قال ابن الدبيثي: وبلغنا أنه اختلط- يعني عبد الخالق بن فيروز- في شيء من مسموعاته، وادعى سماع ما لم يسمعه، وتكلم الناس فيه ولم يحدّث ببغداد بشيء.

‌109 - عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، أبو القاسم النحوي

(2)

:

تلميذ أبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج، قرأ عليه ونسب إليه، وقرأ أيضا على أبي جعفر بن رستم الطبري كلام أبي عثمان المازني وأبي الحسن علي بن سليمان الأخفش. وسافر إلى الشام، وأملى بدمشق أمالي، روى عنه أحمد بن علي الحبال الحلي وعبد الرحمن بن عمر بن نصر. ويقال: إنه كان متشيعا، فكان إذا قام من مجلسه بجامع دمشق غسلوا موضعه لأجل تشيعه. وله مصنفات، منها الجمل والإيضاح وشرح خطبة أدب الكاتب. ويقال: إنه لما صنف كتاب الجمل لم يضع من مسألة إلا وهو على طهارة.

توفي بطبرية في رمضان من سنة أربعين وثلاثمائة- قاله عبد العزيز بن أحمد الكتاني.

‌110 - عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي، أبو الفرج الواعظ

(3)

:

كان والده يعمل الصفر بنهر القلاءين، توفي وهو صغير. فلما ترعرع، حمله عمه

(1)

في الأصل: «يحرحرحه» .

(2)

انظر: وفيات الأعيان 2/ 317 - 318. وشذرات الذهب 2/ 357. والعبر 2/ 254. ونزهة الألباب ص 379.

(3)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 279 والبداية والنهاية 13/ 28. ومفتاح 1/ 207. وآداب اللغة 3/ 91. ومرآة الزمان 8/ 481. والأعلام 3/ 316 - 317. ومقدمة كتاب المنتظم، لابن الجوزي، الجزء الأول ط. دار الكتب العلمية.

ص: 116

أبو البركات إلى الحافظ أبي الفضل بن ناصر وسأله فسمّعه الحديث. فأسمعه من أبي الحسن علي بن عبد الواحد الدينوري وهبة الله بن الحصين وأحمد بن الحسن بن البنا وأبي السعادات أحمد بن أحمد المتوكلي وجماعة آخرين، تجمعهم مشيخته

(1)

التي خرّجها لنفسه ولازم ابن ناصر وانقطع إليه، وتخرج به، وقرأ الفقه والخلاف والجدل على ابن الزاغوني ثم على أبي بكر أحمد بن محمد الدينوري وعلى القاضي أبي يعلى، وقرأ الأدب على ابن الجواليقي واشتغل بعلم الوعظ حتى صار أوحد أهل زمانه في ترصيع الكلام. وصنف مصنفات كثيرة لا تحصى في سائر الفنون، وهو آخر من حدث عن الدينوري والمتوكلي. وله الشعر الفائق، والنثر الرائق.

أنشدني أبو الحسن بن القطيعي قال: أنشدنا أبو الفرج بن الجوزي لنفسه:

ولما رأيت ديار الصفا

أقوت من إخوان أهل الصفا

سعيت إلى سد باب الوداد

وأحزن قلبي دناة الوفا

فلما اصطحبنا وعاشرتكم

علمتم بكم أن رأى ورأى

نقلته من خط ابن الجوزي، قال: لا أحقق مولدي، غير أنه مات [والدي]

(2)

في سنة أربع عشرة وقالت الوالدة: كان لك من العمر نحو ثلاث سنين.

توفي في ليلة الجمعة المسفر صباحها عن الثاني عشر من رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة، ودفن بباب حرب.

‌111 - عبد الرحمن بن محمد بن مرشد بن منقذ:

من أهل شيزر

(3)

. من بيت الإمارة والأدب، قدم بغداد رسولا من الملك الناصر صلاح بن يوسف، روى بها شيئا من شعره.

أنشدني ابن القطيعي قال: أنشدني أبو الحارث عبد الرحمن بن محمد بن مرشد بن منقذ لنفسه ببغداد:

لام العذول على هواه

فقلت عذل لا يفيد

زادت ملامته فقلّوا

من ملامي أو فزيدوا

(1)

في الأصل: «مسحه» .

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

(3)

في الأصل: «سيرر» .

ص: 117

قد جدد الوجد القديم

لدىّ عارضه الجديد

وأنشدني ابن القطيعي قال: أنشدني أبو الحارث بن منقذ لنفسه:

وأغيد مسب للعقول بوجهه

وثغر تبدى دره من عقيقة

إذا لدغت خدي عقارب صدغه

فليس شفائي غير درياق ريقه

مولده سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. قلت: وتوفي

(1)

.

‌112 - عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني، أبو المظفر ابن أبي سعد

(2)

:

من أهل مرو. بكر به والده فأسمعه من أبي الفتح محمد بن عبد الرحمن الكشميهني وأبي طاهر محمد بن محمد بن عبد الله الخطيب وأبي علي الحسن بن علي بن الحسين الشحامي وأبي الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد القشيري وأبي سعد محمد بن إسماعيل المقرئ وأبي البركات عبد الله بن محمد الفراوي وأبي منصور عبد الخالق بن زاهر الشحامي وأبي سعد عبد الوهاب بن الحسن بن عبد الله الكرماني وأبي بكر محمد بن أحمد بن الجنيد الخطيب، وأبي عبد الرحمن محمد بن عبد الخالق الميهني في جماعة آخرين.

وقدم بغداد طالبا للحج في آخر سنة خمس وسبعين وخمسمائة، فحدّث بها. سمع منه الحافظ أبو بكر الحازمي وأبو الحسن بن القطيعي في آخرين. وقد لقيته بمرو في رحلتي الأولى إلى خراسان، وسمعت منه كثيرا.

وكان فاضلا جليلا نبيلا متدينا محبا لرواية العلم، ذا أخلاق حسنة وسيرة جميلة، وكانت سماعاته التي بخط والده وخطوط المعروفين من المحدثين صحيحة، فأما ما كان بخطه فلا يعتمد عليه، فإنه كان يلحق اسمه في طباق لم يكن اسمه فيها إلحاقا ظاهرا، ويدعى سماع أشياء لم يوجد سماعه منها. وكان متسامحا.

سألته عن مولده، فقال: في ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وخمسمائة بنيسابور.

وتوفي بمرو ما بين سنة أربع عشرة أو ست عشرة وستمائة.

(1)

بياض بعد ذلك بمقدار ثلاثة أسطر.

(2)

انظر: شذرات الذهب 5/ 75. ولسان الميزان 4/ 6. ومعجم المؤلفين 5/ 206.

ص: 118

‌113 - عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة القشيري، أبو نصر بن الأستاذ أبي القاسم

(1)

:

من أهل نيسابور. كان من أئمة المسلمين وأعلام الدين. ولازم أبا المعالي الجويني ودرس عليه المذهب والخلاف حتى برع من ذلك، وقرأ الأدب حتى صار ينظم وينثر من عقود المعاني سمط حسن المباني. وسمع الحديث من أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وأبي الحسين عبد الغافر الفارسي وأبي حفص عمر بن مسرور وأبي عثمان سعيد بن أحمد النجيرمي

(2)

والحافظ أبي بكر البيهقي في آخرين.

وقدم بغداد وسمع بها أبا الحسين أحمد بن محمد بن النقور وعبد العزيز الأنماطي ويوسف بن محمد بن أحمد المهرواني وعقد مجلس الوعظ ببغداد، وظهر له القبول العظيم. وأظهر مذهب الأشعري، وقامت سوق الفتنة بينه وبين الحنابلة.

ومن شعره:

ليالي وصال قد مضين كأنها

لآلي عقود في نحور الكواعب

(3)

وأيام هجر أعقبتها [كأنها]

(4)

بياض مشيب في سواد الذوائب

وله:

تقبيل خدك أشتهي

أمل إليه أنتهي

لو نلت ذلك لم أبل

بالروح مني أن تهي

دنياي لذة ساعة

وعلى الحقيقة أنت هي

قال ابن السمعاني: توفي في ثمان عشرين جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وخمسمائة بنيسابور.

‌114 - عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن حمدان بن موسى، أبو الخير بن أبي الفضل، الحافظ

(5)

:

(1)

انظر: العبر 4/ 33. والأعلام 4/ 120. وشذرات الذهب 4/ 45. ومعجم المؤلفين 5/ 207.

ومرآة الجنان 3/ 210. وطبقات السبكى 4/ 249.

(2)

في الأصل: «البيجرى» .

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من طبقات السبكى.

(4)

في الأصل: «الكواكب» .

(5)

انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1321. وشذرات الذهب 4/ 228.

ص: 119

من أهل أصبهان. كان من حفاظ الحديث، سمع الكثير، وقرأ بنفسه، وكتب بخطه. قدم بغداد في شبابه، وسمع بها أبا القاسم بن الحصين وأبا العز بن كادش وأبا بكر الأنصاري. ثم قدمها ثانيا وحدث بها عن أبي علي

(1)

الحسن الحداد وأبي الفضل جعفر بن عبد الواحد الثقفي، وأملى بجامع القصر بعد صلاة الجمعة، واستملى عليه ابن الأخضر.

سمعت جماعة من أهل أصبهان يقولون: إنه كان يحفظ الصحيحين، وكانوا يفضلونه على الحافظ أبي موسى بالحفظ.

أخرج إليّ شيخنا أبو عبد الله الحنبلي بأصبهان محضرا قد كتب في حق أبي الخير ابن موسى وطلب من مشايخ الوقت أن يكتبوا فيه ما يعرفونه من حاله من مدح أو قدح، فشاهدت فيه خط إسماعيل بن محمد بن الفضل وعبد الجليل بن محمد المعروف بكوتاه وجماعة من الأئمة، وكلهم شهدوا أن أبا الخير بن موسى لا يحتج بنقله، ولا يقبل قوله، ولا يعتمد عليه، ولا يوثق به في ديانته وسوء سيرته.

مولد أبي الخير في ثامن صفر سنة خمسمائة.

وتوفي في عشية سابع عشرين شوال سنة ثمان وستين وخمسمائة.

‌115 - عبد الرحيم بن النفيس بن هبة الله بن وهبان بن رومي السلمي الحديثي، أبو نصر بن أبي جعفر

(2)

:

من ساكني الشمعية. قرأ القرآن وتفقه على مذهب الإمام أحمد، وتكلم في مسائل الخلاف، وحصّل من الأدب طرفا صالحا، وسمع الكثير في صباه من أبي الفتح بن شاتيل وأبي السعادات بن زريق وأبي العلاء محمد بن جعفر بن عقيل، وبالغ في الطلب بهمة عالية وجد واجتهاد.

وسافر في طلب الحديث إلى الشام والجزيرة وديار مصر والعراق وما وراء النهر، وكتب بخطه الكثير. وكان مليح الخط، صحيح النقل والضبط، متقنا فاضلا. وبعد خروجي من مرو توجه إلى بخارى وسمرقند، ثم إلى خوارزم وسكنها إلى أن استولى عليها التتر الترك وأهلكوا أهلها. فلاأدري أهلك مع من هلك أو خرج منها هاربا مع من هرب! والله أعلم.

(1)

في الأصل: «يعلى» .

(2)

انظر: شذرات الذهب 5/ 80. ومعجم المؤلفين 5/ 214.

ص: 120

أنشدني أبو نصر عبد الرحيم بن النفيس بن هبة الله الحديثي لنفسه ببغداد:

سلوا فؤادي هل صفا شربه

مذ نأيتم عنه أورقا

وهل يسليه إذا غبتم

أن أودع التسليم أوراقا

مولده ببغداد في عاشر ربيع الأول سنة سبعين وخمسمائة

(1)

.

‌116 - عبد السلام بن الحسين بن علي بن عون، أبو الخطّاب، الحريري:

شاعر ظريف، مليح المعاني. روى عنه الشريف أبو عبد الله الحسين بن محمد بن طباطبا العلوي ومهيار بن مرزويه الشاعر وغيرهما.

ومن شعره:

يا غائبا من سواد عيني

حللت من قلبي السوادا

ما غبت عن ناظري ولكن

غيبت عن ناظري الرقادا

قد قلت لما سعى وشاة

يبدون ما بيننا فسادا

حاشى لقلب وأنت فيه

يبلغ منه العدى مرادا

وله:

ليل المحبين مطوي جوانبه

مشمر الذيل منسوب إلى القصر

إذا الحبيبان باتا تحت جانبه

غابت أوائله في آخر السحر

ما ذاك إلا لأن الصبح نمّ بنا

فاطلع الشمس في غيض

(2)

على القمر

توفي في يوم الخميس، لشعر بقين من رجب سنة تسع وأربعمائة. وله أشعار ملاح.

‌117 - عبد السلام بن الحسين، أبو طالب المأموني

(3)

:

شاعر، طاف العراق وخراسان وما وراء النهر، ومدح الملوك والوزراء.

ذكره أبو منصور الثعالبي في كتاب «يتيمة الدهر» ، فقال: أبو طالب المأموني عبد السلام بن الحسين من أولاد المأمون. كان أحد بل أوحد أفراد الزمان، شريف نفس

(1)

وكانت وفاته في 816 هـ (شذرات الذهب).

(2)

هكذا في الأصل.

(3)

انظر: فوات الوفيات 1/ 273. ويتيمة الدهر 4/ 84 - 112. والأعلام 4/ 5.

ص: 121

ونسب، وبراعة وفضل وأدب، فيّاض الخاطر بشعر بديع الصنعة، مليح الصيغة، مفرغ في قالب الحسن والجودة.

ومن شعره:

يا ربع لو كنت دمعا فيك منسكبا

قضيت نحبي ولم أقض الذي وجبا

لا ينكرن

(1)

ربعك البالي بلى جسدي

فقد شربت بكأس الحب ما شربا

ولو أفضت دموعي حسب واجبها

أفضت من كل عضو مدمعا سربا

عهدي بربعك للذات مرتبعا

فقد غدا لغوادي السحب منتحبا

فيا سقاك أخو جفن السحاب حبا

يحبو ربى الأرض من نور الرياض حبا

وقال في الحمام:

وحمام له حر الجحيم

ولكن شابه برد النسيم

فذقت به ثوابا في عقاب

وزرت به نعيما في جحيم

‌118 - عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر بن الصباغ، أبو نصر، الفقيه الشافعي

(2)

:

كان إماما فاضلا نبيلا، انتهت إليه رئاسة أصحاب الشافعي ببغداد. وقال إنه أعرف بالمذهب من أبي إسحاق الشيرازي. وله مصنفات منها «الشامل» و «الكامل» و «تذكرة العالم والطريق السالم» و «كفاية السائل» . وهو أول من درس بالنظامية في سنة تسع وخمسين وأربعمائة. سمع مشيخة الحسن بن عرفة من أبي الحسين بن الفضل، وحدّث بها ببغداد وبأصبهان لما قدمها رسولا من دار الخلافة. روى عنه الحافظ أبو بكر الخطيب في التاريخ وهو أسن منه.

مولده في سنة أربعمائة، وتوفي في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وأربعمائة، ودفن بداره، ثم نقل إلى باب حرب.

‌119 - عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي بن سلمان بن إبراهيم بن عبد العزيز، التميمي الكتّاني، أبو محمد بن أبي طاهر الصوفي

(3)

:

(1)

في الأصل: «لا تنكرن» .

(2)

انظر العبر 3/ 244. وشذرات الذهب 3/ 355. وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 230. ومرآة الجنان 3/ 121. والنجوم الزاهرة 5/ 119. الأعلام 4/ 132.

(3)

انظر: تذكرة الحفاظ 3/ 1170 والعبر 3/ 161. وشذرات الذهب 3/ 325. ومعجم المؤلفين 5/ 242. والأعلام 4/ 137

ص: 122

سمع الكثير من أبوي القاسم صدقة بن محمد القرشي وتمام بن محمد الرازي وأبي محمد عبد الرحمن بن عثمان التميمي، ثم دخل بغداد فسمع بها أبا الحسن بن مخلد وأبا علي بن شاذان وأبا الحسن الحمامي وأحمد بن علي بن البادا. وكتب بخطه الكثير، وحدث ببغداد بيسير. روى عنه الحافظ أبو بكر الخطيب وأبو عبد الله الحميدي وأبو القاسم بن السّمرقندي- وهو آخر من روى عنه.

مولده في رجب سنة تسع وثمانين وثلاثمائة.

وتوفي بدمشق في سنة ست وستين وأربعمائة في ليلة العشرين من جمادى الآخرة.

‌120 - عبد العزيز بن الحسين بن عبد العزيز بن هلالة، أبو محمد بن أبي علي اللخمي الأندلسي

(1)

:

قدم بغداد في سنة خمس وستمائة فسمع بها من أصحاب ابن الحصين وابن البنا ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري. وانحدر إلى واسط فسمع بها من شيخنا القاضي أبي الفتح بن الماندائي، وتوجه إلى أصبهان فسمع بها معجم الطبراني من عفيفة الفارقانية، ومسند أبي يعلى الموصلي من أبي المجد زاهر بن أبي طاهر الثقفي. وسافر إلى خوارزم ومرو وبخارى وسمرقند وسمع بها. ثم إنه سافر إلى إربل والموصل وحلب ودمشق وسمع هناك كثيرا. وعاد إلى بغداد وأنا بأصبهان في رحلتي الثانية إليها، وتوجه إلى البصرة فأدركه أجله بها. وكان قد حدث ببغداد، سمع منه عبد الغني بن مشرف، وكان قد سمع كثيرا، وقرأ بنفسه وكتب بخطه، وحصل الأصول والكتب الكثيرة

(2)

. وكان فاضلا صدوقا لطيفا.

سألته عن مولده، فقال: ولدت بطبيرة من غربي الأندلس في شوال سنة سبع وسبعين وخمسمائة.

وتوفي بالبصرة في رمضان سنة سبع عشرة وستمائة، ودفن من الغد بمقابر الشهداء، رحمه الله.

‌121 - عبد العزيز بن عبد الملك بن تميم بن مالك الشيباني، أبو محمد المقرئ

(3)

:

(1)

انظر: شذرات الذهب 5/ 78.

(2)

في الأصل: «الكثير» .

(3)

انظر: شذرات الذهب 5/ 81.

ص: 123

من أهل دمشق. قرأ القرآن بالروايات على أبي اليمن الكندي، وسمع الحديث من أبي طاهر الخشوعي والقاضي أبي القاسم بن عبد الصمد في آخرين، وكتب بخطه الكثير وحصّل، وتصدر بجامع دمشق للإقراء، ثم إنه قدم بغداد في سنة إحدى وستمائة، فسمع من أصحاب ابن الحصين ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري، وقرأ القرآن على أبي أحمد بن سكينة، ثم عاد إلى دمشق، ثم قدمها مرة ثانية في سنة خمس وستمائة فأقام بها مدة، ثم انحدر إلى واسط فسمع ابن الماندائي، وسافر إلى العراق، فسمع بهمذان والري وأصبهان.

وكان حافظا لطرق القراءات بوجوهها، له يد في معرفة النحو وتحفظ الحديث وله به وبعلومه معرفة، إلا أنه كان متسمحا في الحديث.

لم يكن من أهل الإتقان ولا التحري؛ ونقل سماعات على مسند السراج بجماعة من شيوخنا، وسمعها الحافظ بنقله، ثم طولب بالأصل، فأحال على مواضع طلبت فلم توجد، واختلف كلامه واختلط، فتركنا رواية هذا المسند عمن نقل سماعهم، ولم نعتمد على ذلك.

وكان مطعونا عليه في دينه وأمانته، شوهد مرات يصلي بالناس إماما وهو على غير وضوء، وسرق كتب ابن السمعاني من مرو وأنفذها إلى هراة، وفعل أشياء لا تليق بأهل الدين.

مولده في رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة بدمشق.

وبلغنا أن الترك التتار أسروه لما استولوا على نيسابور، وكان في صفر سنة ثمان عشرة وستمائة، وأظنهم أهلكوه بعد ذلك- والله أعلم.

‌122 - عبد الغافر السروستاني

(1)

، الفقيه الشافعي

(2)

:

من أهل فارس، ويعرف بالركن. قدم بغداد طالبا للعالم، ونزل النظامية.

قال أبو عبد الله الكاتب في «الخريدة» : عبد الغافر السروستاني كان معنا في النظامية ببغداد، وهو عارف باللغة، كثير الفضل، وغلب عليه العشق حتى حمل إلى البيمارستان وقيّد، وكان عفيفا مستورا فاضلا، وبلي بهذا البلاء، فلما برأ من المرض لم يقم ببغداد خجلا.

(1)

في الأصل: «الشروستانى» .

(2)

انظر: طبقات الشافعية، للسبكي 4/ 255.

ص: 124

ورأيته بعد ذلك بأصبهان في سنة ست أو سبع وأربعين وخمسمائة، وقال: أنشدنا عبد الغافر لنفسه وهو مقيد في البيمارستان في حال استهتاره واستهاره

(1)

قصيدة أولها:

بأبى الوادي وصنوبره

وغزال الشعب وجوذره

ومكان فيه يطلع لي

ظبى

(2)

بحلى مستهتره

قبح الدنيا بمحاسنه

فتعالى الله مصوره

وهي قصيدة طويلة.

قال: وأنشدنا عبد الغافر لنفسه من قطعة:

ناحت ورقاء على فنن

نوح المشتاق على الدمن

ناحت وتغنت هاتفة

بالشجو تبوح وبالشجن

إن كان رضاكم في سهري

فسلام الله على الوسن

‌123 - عبد الغفار بن محمد بن الحسين بن علي بن شيرويه بن علي، أبو الحسين بن أبي بكر بن أبي الحسن، الشيروي الجنابذي، التاجر

(3)

:

من أهل نيسابور. وكان عفيفا متدينا صدوقا، وإليه انتهت الرحلة من البلدان، وختم به إسناد الأصم. سمع أباه وأبا بكر أحمد بن الحسن الحيري وأبا سعيد محمد بن موسى الصّيرفيّ وأبا سعيد فضل الله بن أبي الخير الميهني، وسمع بأصبهان أبا بكر محمد بن عبد الله بن ريذة وأبا طاهر أحمد بن محمود الثقفي، وحدث بالكثير؛ سمع منه الأئمة، وآخر من روى عنه على وجه الأرض أبو المعالي عبد المنعم بن عبد الله الفراوي.

وروى عنه الحسن بن محمد اليونارتي في معجم شيوخه، وقال فيه: ما رأيت أظرف منه ولا أحسن خلقا من الأكارم الأفاضل، وقد روى عنه أيضا أبو نصر المؤتمن بن أحمد الساجي.

مولده في شعبان سنة أربع عشرة وأربعمائة.

(1)

هكذا في الأصل.

(2)

في الأصل: «خبى» .

(3)

انظر: هدية العارفين 1/ 587. وشذرات الذهب 4/ 27. ومعجم المؤلفين 5/ 268.

ص: 125

وتوفي يوم الأحد ثامن عشر ذي حجة سنة عشر وخمسمائة قاله أبو نصر اليونارتي.

‌124 - عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي، أبو محمد الحافظ

(1)

:

من أهل دمشق. سمع الكثير ببلده من أبي المكارم عبد الواحد بن محمد بن المسلم ابن هلال وأبي المعالي عبد الله بن صابر، ورحل إلى الإسكندرية وسمع من الحافظ السلفي، وصحبه وكتب عنه الكثير.

ثم قدم بغداد في سنة ستين وخمسمائة، وسمع بها أبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي وأبا طالب المبارك بن علي بن خضير الصّيرفيّ في آخرين، وسمع بهمذان الحافظ أبا العلاء الحسن بن أحمد العطار، وبأصبهان أصحاب أبي قطيع، وأقام بها مدة، وحصّل الأصول، وكتب الكثير بخطه، ثم عاد إلى بغداد، وحدّث بها في سنة ثمان وستين [وخمسمائة]

(2)

، سمع منه أبو المكارم يعيش بن ريحان الفقيه، وكان حافظا من أهل الإتقان

(3)

والتجويد، قيما بجميع فنون الحديث، عارفا بقوانينه وأصوله وعلله، وصحيحه وسقيمه، وناسخه ومنسوخه، وغريبه ومشكله؛ وكان كثير العبادة، متمسكا بالسنة، ولم يزل بدمشق إلى أن تكلم في الصفات والقرآن بشيء أنكره عليه أهل التأويل، وشنعوا به عليه، وأباحوا إراقة دمه، فشفع فيه جماعة إلى السلطان على أن يخرج من دمشق إلى ديار مصر، فأخرج إلى مصر، وأقام بها خاملا

(4)

إلى حين وفاته.

سئل عن مولده فقال: أظن في سنة أربع وأربعين وخمسمائة بجماعيل من قرى بيت المقدس.

وتوفي بمصر في رابع عشرين ربيع الأول سنة ستمائة.

قال يوسف بن خليل بعد كلامه: وكان ثقة ثبتا دينا مأمونا، حسن التصنيف،

(1)

انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1372. والأعلام 4/ 160. وشذرات الذهب 4/ 345. والعبر 4/ 313.

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

(3)

في الأصل: «أهل الأمان» .

(4)

في الأصل: «حاملا» .

ص: 126

دائم الصيام، كان يصلي كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة. دعي إلى أن يقول «لفظي بالقرآن مخلوق» فأبى، فمنع من التحدث بدمشق، فسافر إلى مصر فأقام بها إلى أن مات.

قال تاج الدين الكندي: رأيت ابن ناصر والحافظ أبا العلاء الهمذاني وغيرهما من الحفاظ، فما رأيت أحفظ من عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي. وله مصنفات مشهورة.

‌125 - عبد القادر بن أبي صالح بن جنكي دوست

(1)

:

من أهل جيلان. أحد الأئمة الأعلام، صاحب الكرامات الظاهرة. قدم بغداد في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وله ثماني عشرة سنة، فقرأ الفقه على أبي الوفاء بن عقيل وأبي الخطاب الكلوذاني، وسمع الحديث من أبي غالب محمد بن الحسن الباقلاني وأبي سعد محمد بن عبد الكريم بن خشيش وأبي عثمان إسماعيل بن محمد بن مسلمة

(2)

الأصبهاني في آخرين، وقرأ الأدب على أبي زكريا التبريزي، ثم لازم الانقطاع والخلوة والرياضة والمجاهدة، وصحب الشيخ حماد الدباس وأخذ عنه علم الطريقة؛ ثم إن الله تعالى أظهره للخلق وأظهر الله الحكمة في قلبه على لسانه، وظهرت علامات من الله تعالى وأمارات ولايته. وحدث وصنف، وله الكلام المليح في الحقيقة، فمنه قوله:«الخلق حجابك عن نفسك، ونفسك حجابك عن ربك، ما دمت ترى الخلق لا ترى نفسك، وما دمت ترى نفسك لا ترى ربك» . وقال:

«الأولياء عرائس الله تعالى، لا يطلع عليهم إلا ذا محرم» .

سمعت عبد العزيز بن عبد الملك الشيباني يقول: سمعت عبد الغني بن عبد الواحد يقول: سمعت أبا محمد بن الخشاب النحوي يقول: كنت- وأنا شاب أقرأ النحو- أسمع الناس يصفون الشيخ عبد القادر ويذكرون حسن كلامه في مجالس وعظه، فكنت أريد أن أسمعه ولا يتسع وقتي لذلك؛ واتفق يوما أن حضرت مجلسه مع الناس، فلما تكلم لم أستحسن كلامه ولم أفهمه، وقلت في نفسي: ضاع النحو مني! قال:

فالتفت الشيخ إلى الجهة التي كنت فيها وقال: ويلك! تفضل الاشتغال بالنحو على مجالس الذكر وتختار ذلك؟ أصحبتنا تصيرك سيبويه؟.

(1)

انظر فوات الوفيات 2/ 4 - 6. وشذرات الذهب 4/ 198. والعبر 4/ 175. ومرآة الجنان 3/ 347. والمنتظم 18/ 173.

(2)

في الأصل: «بن ملة» .

ص: 127

مولده في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، وتوفي ببغداد في ليلة السبت عاشر ربيع الآخر سنة إحدى وستين وخمسمائة، ودفن بمدرسته.

سمعت عبد الرزاق بن عبد القادر يقول: ولد والدي تسعا وأربعين ولدا، سبع وعشرين ذكورا والباقي إناثا! رحمه الله.

‌126 - عبد القادر بن عبد الله، أبو محمد، الفهمي الرهاوي

(1)

:

كان من سبى الرهاء، فاشتروه بنو فهم الحرانيون وأعتقوه. وطلب الحديث في صباه في سنة تسع وخمسين وخمسمائة. ورحل من الجزيرة إلى الشام وديار مصر، فسمع بها وبالإسكندرية من الحافظ السلفي؛ ودخل العراق فسمع ببغداد من أبي محمد عبد الله بن منصور بن هبة الله الموصلي وأبي الحسين عبد الحق بن عبد الخالق ابن يوسف وأبي محمد بن الخشاب وشهدة الكاتبة؛ وسمع بهمذان الحافظ أبا العلاء العطار، وبأصبهان من أبي عبد الله الحسن بن العباس الرستمي، وسمع بنيسابور أبا بكر محمد بن علي الطوسي في آخرين، وكتب الكثير بخطه. ثم أقام بالموصل شيخا بدار الحديث المظفرية مدة طويلة، وحدث بالكثير، ثم انتقل عنها إلى حران، وكان حافظا متقنا عالما ورعا متدينا زاهدا عابدا ثقة نبيلا.

مولده في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وخمسمائة.

وتوفي بحران في يوم السبت ثاني جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وستمائة.

‌127 - عبد الكريم بن محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار، أبو سعد بن أبي بكر السمعاني

(2)

:

من أهل مرو. وهو الإمام ابن الأئمة، غذي بالعلم، ونشأ في حجر الفضل، وحمل على أكتاف الأئمة. أسمعه والده في صغره من أبي منصور محمد بن علي الكراعي، ورحل به وله ثلاث سنين إلى نيسابور، فأحضره على أبي بكر عبد الغفار ابن محمد الشيروي؛ ثم إنه اشتغل بالأدب حتى حصل منه طرفا، صالحا. وقرأ المذهب والخلاف، وتكلم في المناظرة، ثم اشتغل بالحديث، فسمع الكثير ببلده

(1)

انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1387. وشذرات الذهب 5/ 50. ومرآة الجنان 4/ 23. والأعلام 4/ 165.

(2)

انظر: طبقات الشافعية، للسبكي 4/ 259. والنجوم الزاهرة 5/ 160. ووفيات الأعيان 2/ 278. والأعلام 4/ 179. والعبر 4/ 1316.

ص: 128

وجال في خراسان، فسمع بنيسابور وطوس وميهنة من أبي عبد الله الفراوي وأبي القاسم الشحامي. ودخل بغداد سنة اثنتين وثلاثين فسمع بها الكثير من محمد بن عبد الباقي الأنصاري وأبي القاسم بن السّمرقندي. وحج وانحدر إلى واسط والبصرة، وعاد إلى بغداد، وتوجه إلى الشام فسمع بدمشق وحلب وحماة وحمص، وزار بيت المقدس، وجمع ذيلا على تاريخ الخطيب أبي بكر ثم عاد إلى نيسابور وقد ولد له شيخنا أبو المظفر عبد الرحيم. فلما بلغ حد السماع طاف به خراسان، وأسمعه بها الكثير، ثم عاد إلى مرو فألقى بها عصاه، وأقام بها مشتغلا بالتصنيف. وكان وافر الهمة في طلب الحديث، شديد الحرص على لقاء الشيوخ، مليح الخط، وجمع معجما لشيوخه في عشر مجلدات كبار، سمعت من يذكر أن عددهم سبعة آلاف شيخ.

وذكره الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق من جمعه، وأثنى عليه ثناء كبيرا.

وله من المصنفات: «المذيل» أربعمائة طاقة، «تاريخ المراوزة» ، «طراز الذهب في أدب الطلب» ، «الإسفار عن الأسفار» ، «الإملاء والاستملاء» ، «سلوة الأحباب ورحمة الأصحاب» ، «الأمالي» ، «الصدق في الصداقة والرفق في الرفاقة» وغير ذلك.

مولده في خامس عشر شعبان سنة ست وخمسمائة بمرو.

وتوفي في ليلة غرة ربيع الأول سنة اثنتين وستين وخمسمائة بمرو.

‌128 - عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي، الموصلي الأصل، البغدادي المولد والدار، أبو محمد بن أبي العز

(1)

:

أسمعه والده من أبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي وأبي زرعة طاهر بن محمد المقدسي ويحيى بن ثابت بن بندار وأبي بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن النقور في آخرين. وتفقه في صباه على مذهب الإمام الشافعي، وقرأ العربية على عبد الرحمن الأنباري، وصحب شيخنا الوجيه أبا بكر الضرير النحوي مدة حتى برع في النحو، وتميز على أقرانه، وقرأ علم الطب حتى أحكمه، وصنّف مصنفات في الأدب وغيره.

(1)

انظر: بغية الوعاة، ص 311 وإنباه الرواة 2/ 193. وفوات الوفيات 2/ 16. والأعلام 4/ 183. ومرآة الجنان 4/ 68. والأعلام 4/ 183. وشذرات الذهب 5/ 132.

ص: 129

وكان يكتب خطا مليحا. وسافر إلى الشام، ودخل ديار مصر، ورأى هناك قبولا كبيرا. وكان غزير الفضل، كامل العقل؛ ثم إنه دخل إلى بلاد الروم وأقام بها مدة، وكان يطبب

(1)

ملكها، وصادف قبولا عظيما، فلما توفي الملك عاد إلى حلب وحدث بها.

ثم توجه إلى بغداد فأقام بها إلى أن توفي في ثاني عشر محرم سنة تسع وعشرين وستمائة، ودفن في مقبرة الوردية.

وكان مولده في أحد الربيعين من سنة سبع وخمسين

(2)

.

‌129 - عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني، أبو المعالي بن أبي محمد، الفقيه الشافعي، الإمام، الملقب بإمام الحرمين

(3)

:

من أهل نيسابور. إمام الفقهاء شرقا وغربا، ومقدمهم عجما وعربا، من لم تر العيون مثله فضلا، ولم تسمع الآذان كسيرته نقلا؛ تفقه على والده، وتوفي والده وله دون العشرين سنة، فدرس مكانه. وقرأ الأصول على أبي القاسم الإسكاف الإسفرائيني. وكان يقعد كل يوم بين يديه ثلاثمائةفقيه. وسمع الحديث من والده وأبي حسان محمد بن أحمد بن جعفر المزكي وأبي سعيد عبد الرحمن بن حمدان النضروي وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن يحيى المزكي ومنصور بن رامش. وسمع ببغداد أبا محمد الحسن بن علي الجوهري وحدث، روى عنه أبو عبد الله الفراوي وزاهر الشحامي في آخرين.

ومن شعره:

أصخ لن تنال العلم إلا بستة

سأنبئك عن مجموعها ببيان

ذكاء وحرص وافتقار وغربة

وتلقين أستاذ وطول زمان

مولده في ثامن عشر محرم سنة تسع عشرة وأربعمائة.

وتوفي ليلة الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، وله مصنفات مشهورة منها «النهاية» .

(1)

في الأصل: «وكان يطب» .

(2)

في الأصل: «سبع وسبعين» ، وكذلك بقية المراجع.

(3)

انظر: الأعلام 4/ 306. وهدية العارفين 1/ 626. والعبر 3/ 291. وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 249. ووفيات الأعيان 2/ 341.

ص: 130

‌130 - عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي الفراوي، أبو المعالي بن أبي البركات بن أبي عبد الله

(1)

:

من أهل نيسابور، من بيت مشهور بالعدالة والرواية. سمع جده وأبا بكر عبد الغفار بن محمد الشيروي- وهو آخر من حدث عنه، وأبا نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم القشيري في آخرين. وقدم بغداد في سنة ثمانين وخمسمائة وحدث بها، سمع منه الحافظ أبو بكر الحازمي.

مولده في ربيع الأول سنة سبع وتسعين وأربعمائة.

وتوفي في شعبان سنة سبع وثمانين وخمسمائة.

‌131 - عبد المنعم بن عبد العزيز بن أبي بكر بن عبد المؤمن، أبو الفضل القرشي العبدري، المعروف بابن النطروني

(2)

:

من أهل الإسكندرية. قدم بغداد واستوطنها، ومدح بها الإمام الناصر لدين الله.

وكان شاعرا مجيدا، مليح الشعر، فاضلا، أديبا، فقيها مالكيا، مليح الشيبة، حسن السمت؛ رتب شيخا برباط العميد بالجانب الغربي، وناظرا في أوقافه.

أنشدني عبد العزيز بن عبد المنعم العبدري بالإسكندرية، قال: أنشدني والدي لنفسه ببغداد مادحا أمير المؤمنين الناصر لدين الله، ويهنئه:

يا ساحر الطرف ليلي ما له سحر

وقد أضر بجفني بعدك السهر

يكفيك مني إشارات بعين ضنى

لم يبق مني لا عين ولا أثر

أعاذك الله من شر الهوى فلقد

أذكى على كبدي نارا لها شرر

غررت فيه بروحي بعد ما علمت

إن السلامة من أسبابه غرر

وكان عذبا عذابي في بدايته

فصار في الصبر طعما

(3)

دونه الصبر

ولست أدري وقد مثلت شخصك في

قلبي المشوق أشمس أنت أم قمر؟

ما صور الله هذا الحسن في بشر

وكان يمكن أن لا تعبد الصور

من لي برد غديات بذي سلم

حيث النسيم عليل والثرى عطر

(1)

انظر: معجم المؤلفين 6/ 194. وشذرات الذهب 4/ 289. والعبر 4/ 262.

(2)

انظر: فوات الوفيات 2/ 33. والأعلام 4/ 316.

(3)

في الأصل: «طعم» .

ص: 131

ومنها:

وللغصون مناجاة إذا سمعت

من النسيم أحاديثا

(1)

لها خطر

وهي قصيدة طويلة.

توفي ببغداد في جمادى الآخرة لأربع خلون منه من سنة ثلاث وستمائة، ودفن بالشونيزية، وقد قارب السبعين- رحمه الله.

‌132 - عبيد الله بن محمد بن أحمد بن الحسين بن علي بن موسى، أبو الحسن ابن أبي عبد الله بن أبي بكر البيهقي

(2)

:

كان جده أحد الحفاظ المشهورين، وأبو الحسن هذا كان خاليا من العلم. سمع من جده كثيرا من مصنفاته، وسمع أيضا من أبي سعد أحمد بن إبراهيم المقرئ وأبي يعلى إسحاق بن عبد الرحمن الصابوني في آخرين. وقدم بغداد وحدث بها، روي عنه ابن ناصر.

أخبرني شهاب الحاتمي بهراة قال: سمعت أبا سعد بن السمعاني يقول: ورد سبط البيهقي بغداد وحدث بها، سمع منه جماعة، وكره آخرون السماع منه لقلة معرفته بالحديث. روي لنا عنه أبو القاسم الدمشقي وسألته عنه، فقال: ما كان يعرف شيئا، وكان يتغالى بكتب الإجازة؛ وكان يقول: ما أجيز إلا بطسوج. قال: وسمع لنفسه في جزء عن جده تسميعا طريا، وكان سماعه في غير ذلك صحيحا.

سأله ابن الخشاب عن مولده [فقال]

(3)

: في سنة تسع وأربعين وأربعمائة.

وتوفي ببغداد في ليلة الثالث من جمادى الأولى في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، ودفن بالوردية.

‌133 - عتيق بن علي بن الحسن الصنهاجي، أبو بكر الحميدي

(4)

:

من أهل الأندلس. قدم بغداد بعد الثمانين وخمسمائة، وأقام بها مدة للتفقه على أبي القاسم بن فضلان، وسمع الحديث من أبي السعادات بن رزيق في آخرين، وجمع مقامة وصف بغداد، وحدث بها، وعاد إلى بلاده.

(1)

في الأصل: «أحاديا» .

(2)

انظر: لسان الميزان 4/ 116. والعبر 4/ 54. وشذرات الذهب 4/ 67.

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

(4)

انظر: الأعلام 4/ 362.

ص: 132

ذكر لي بركات بن ظافر الصبان بمصر أن عتيق بن علي الحميدي- بفتح الحاء- نسبة إلى بعض أجداده وأنه أندلسي، قدم عليهم مصر مرتين، وكان أديبا فاضلا، له ديوان شعر، وصنف كتابا في الحلي والشيات وما يليق بالملوك من الآلات؛ وتولى القضاء بالمغرب، وتوفي هناك.

‌134 - علي بن أحمد بن سعيد بن الدباس، أبو الحسن المقرئ

(1)

:

من أهل واسط. قرأ القرآن بالروايات على أبي محمد عبد الرحمن بن الحسن بن الزجاجي، وسافر إلى همذان، فقرأ على الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد العطار، ودخل بغداد وذكر أنه قرأ بها على أبي الكرم المبارك بن الشهرزوري؛ وسمع الحديث بواسط من أبي المفضل محمد بن محمد بن ربيعة وأبي محمد الزجاجي في آخرين؛ ثم قدم بغداد وأقام بها إلى حين وفاته. وكان عالما بالقراءات [و]

(2)

وجوهها وعللها، عارفا بالنحو، حسن الأخلاق، متواضعا.

ذكر لي أبو عبد الله بن سعيد الحافظ أن أبا الحسن بن الدباس حدث بكتاب الحجة لأبي علي الفارسي عن القاضي أبي طالب بن الكتاني سماعا عن أبي الفضل بن خيرون إجازة، وما علمنا لابن الكتّاني إجازة من ابن خيرون، ولا روى عنه شيئا، ولم يشاهد ابن الدباس عند ابن الكتاني قط.

وذكر لنا من شاهد معه خطا يشبه خط ابن الشهرزوري بالقراءة عليه وليس بخطه، وأنه لم يصح أنه قرأ عليه.

مولده سنة سبع وعشرين وخمسمائة بواسط.

وتوفي ببغداد في ليلة السابع والعشرين من رجب سنة سبع وستمائة. وله شعر، وشهد عند القضاة فقبلوه.

‌135 - علي بن أحمد بن عبد العزيز بن علي

(3)

، أبو الحسن الأنصاري، يعرف بابن ظنّير- بضم الظاء المعجمة وبعدها نون مشددة مفتوحة وياء معجمة باثنتين من تحتها ساكنة وراء- هكذا رأيته بخط ناصر بن محمد.

من أهل ميروقة، من بلاد الأندلس. سمع أبا عمر يوسف بن عبد الله النمري وأبا

(1)

انظر: لسان الميزان 4/ 197 وطبقات القراءة 1/ 519.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

(3)

انظر: المشتبه، ص 418. والإكمال 5/ 258

ص: 133

محمد غانم بن وليد المخزومي، وقدم دمشق وسمع بها من أبي محمد عبد العزيز الكتاني وأبي نصر الحسين بن طلاب، وبصور أبا بكر الخطيب، وقدم بغداد سنة أربع وستين وأربعمائة، فأقام بها يسمع، وحدث، سمع منه أبو عبد الله الحميدي الحافظ؛ وكان عالما بالحديث والأدب.

قال الحافظ أبو طاهر السلفي: سألت أبا الكرم خميس الحافظ عن أبي الحسن علي النحوي الأندلسي، فقال: قدم علينا، وكان فاضلا في النحو، متقدما في العربية.

ومن شعره:

وسائلة لتعلم كيف حالي

فقلت لها بحال لا يسر

دفعت إلى زمان ليس فيه

إذا فتشت عن أهليه حر

توفي منصرفه من الحج بطريق البصرة على مسيرة ثلاثة أيام عنها بكاضمية

(1)

أو غيرها، في صفر سنة خمس وسبعين وأربعمائة.

وذكر أبو القاسم بن عساكر في «تاريخ دمشق» ، فقال: حدثني أبو غالب الماوردي قال: قدم علينا أبو الحسن علي بن أحمد الأنصاري البصرة، فسمع من أبي علي التستري

(2)

كتاب «السنن» ، فأقام عنده نحوا من سنتين.

‌136 - علي بن أحمد بن علي بن يحيى، أبو الحسن بن أبي بكر البيع، المعروف بابن حني- بكسر الحاء والنون- هكذا قيده الحميدي

(3)

:

سمع أبا الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه وحدّث. مولده في ذي الحجة سنة ست وثمانين وثلاثمائة.

وتوفي ببغداد في رمضان سنة ثمان وستين وأربعمائة، ودفن بباب حرب.

‌137 - علي بن أحمد بن محمد بن بيان، أبو القاسم بن أبي طالب العمري الكاتب، المعروف بابن الرزاز:

ذكر أبو القاسم بن السّمرقندي أنه من أولاد عمر بن الخطاب، أسمعه والده من

(1)

هكذا في الأصل، وفي معجم البلدان 7/ 802. «كالظلمة».

(2)

في الأصل: «النسترى» .

(3)

انظر: شذرات الذهب 4/ 27. وتذكرة الحفاظ 4/ 261. والمنتظم 17/ 147، 148 والعبر 4/ 21. والأنساب 6/ 107.

ص: 134

أبي الحسن محمد بن محمد بن محمد بن مخلد وأبي علي الحسن بن أحمد بن شاذان وأبي القاسم عبد الملك بن محمد بن بشران وعبد الرحمن بن عبيد الله بن الحرفي والحسين بن علي الطناجيري ومحمد بن محمد بن غيلان، وتفرد بجماعة من شيوخه، وصارت الرحلة إليه، وكتب عنهالحفاظ. سمع منه أبو غالب الذهلي والمؤتمن الساجي وأبو القاسم بن السّمرقندي وأبو الفرج بن كليب، وهو آخر من روي عنه.

سمعت الحاتمي يقول: سمعت ابن السمعاني يقول: سمعت محمد بن عبد الباقي البزاز يقول: إن بعض الطلبة حمل إلى [ابن]

(1)

بيان دينارا ليسمع منه نسخة الحسن بن عرفة، فمضى ومعه بعض الفقراء فقال له: الدخول على الشيخ وحضور القراءة ما إليه سبيل، ولكن تقعد على الباب بحيث لا يعرف الشيخ، وأنا أرفع صوتي وقت القراءة ويحصل مقصودك، ففعل، فلما قعد بين يدي الشيخ وشرع في القراءة وأحس الشيخ بما فعل، قال لجارية له: قومي واقعدي خلف الباب ودقي الشيح

(2)

الفلاني في الهاون؛ ومقصوده أن لا يسمع الذي على الباب، ثم قال: أنا بغدادي ما يخفى عليّ مثل هذا.

قال الحافظ المؤلف ابن النجار: كان من عادة أبي القاسم [أنه]

(3)

لا يسمع جزء ابن عرفة إلا بدينار لكل واحد من السامعين، وكان شيخنا ابن كليب لا يسمعه أيضا إلا بدينار ولكن لجماعة أو لواحد.

قال السلفي الحافظ: سألت شجاع الذهبي عن ابن بيان، فقال: حدث عن جماعة وهو صحيح السماع.

مولده في سادس صفر سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، وقيل: سنة ثلاث عشرة- قال الأول: أبو القاسم بن السّمرقندي، وقال الثاني: الحافظ السلفي.

وتوفي في سادس شعبان سنة عشر وخمسمائة، ودفن بباب حرب. وكان قد بلغ من العمر تسعا وتسعين سنة.

‌138 - علي بن أحمد بن يوسف بن جعفر بن عرفة بن المأمون بن المؤمل بن الوليد بن القاسم بن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية

بن عبد

(1)

ما بين المعقوفتين ليست في الأصل.

(2)

في الأصل: «الشيخ» ، تصحيف. والشيخ: النبات المعروف.

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

ص: 135

شمس بن عبد مناف، أبو الحسن بن أبي نصر القرشي الهكاري- هكذا رأيت نسبه بخط أبي علي بن البرداني

(1)

:

كان يعرف بشيخ الإسلام. سمع الكثير، وسافر في طلبه، وجمع كتبا في السنة.

ذكر أنه سمع بالموصل أبا جعفر محمد بن المحتاج المروزي الفقيه، وبحلب أبا القاسم علي بن أحمد بن المظفر المقرئ، وبمصر أبا عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف، وبمكة أبا الحسن محمد بن علي بن صخر، وحدث بالكثير؛ وانتقى

(2)

عليه محمد ابن طاهر المقدسي، وكان الغالب على حديثه الغرائب والمنكرات، ولم يكن حديثه يشبه حديث أهل الصدق، وفي حديثه متون موضوعة، مركبة على أسانيد صحيحة، وقيل: إنه كان يضع الحديث بأصبهان، قدم بغداد، وحدث بها. روي عنه أبو القاسم بن السّمرقندي.

كتب إليّ محمد بن معمر القرشي أن أبا نصر اليونارتي أخبره قال: علي بن أحمد الهكاري قدم علينا أصبهان، روى عن ابن نظيف، ولم يرضه أبو بكر بن الخاضبة فيما بلغني.

قال أبو القاسم بن عساكر: علي بن أحمد الهكاري لم يكن موثقا، بلغني أن ابن الخاضبة قصده لما قدم بغداد، فذكر له أنه سمع من شيخ استنكر سماعه منه، فسأله عن تاريخ سماعه منه، فذكر تاريخا متأخرا عن وفاة ذلك الشيخ، فقال ابن الخاضبة:

هذا الشيخ يزعم أنه سمع منه بعد موته بمدة، وتركه وقام.

مولده في شوال سنة تسع وأربعمائة، وتوفي في أول محرم سنة ست وثمانين وأربعمائة- كذا بخط شجاع بن فارس الذهلي أبي غالب- رحمه الله.

‌139 - علي بن أفلح بن محمد، أبو القاسم العبسي

(3)

:

كاتب أديب فاضل، شاعر مترسل بليغ. له ديوان شعر ورسائل، ويكتب خطّا حسنا.

(1)

انظر: الكامل لابن الأثير 1/ 93. ولسان الميزان 4/ 195. ووفيات الأعيان 3/ 31. وتذكرة 3/ 1199. والعبر 3/ 312. والمرآة الجنان 3/ 142.

(2)

في الأصل: «وانتفا» .

(3)

انظر: وفيات الأعلام 3/ 68. ومرآة الزمان 8/ 169. والأعلام 5/ 71. والمنتظم 17/ 338 - 341.

ص: 136

ومن شعره:

أيها المالك رقي قد تجافيت طويلا

بالذي يبقيك إلا ما تعطفت قليلا

إن أكن أذنبت ذنبا فاصفح الصفح الجميلا

أنا عبد ذل فارحم سيدي عبدا ذليلا!

مولده سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وتوفي في ثاني شعبان سنة خمس وثلاثين وخمسمائة.

آخر الجزء الخامس من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد.

ص: 137

الجزء السادس من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد

للحافظ محب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود بن الحسن ابن النجار

انتقاء كاتبه الواثق بالله أحمد بن أيبك بن عبد الله

ص: 139

بسم الله الرحمن الرحيم

حسبي الله

‌140 - علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب، أبو الحسن الباخرزي الكاتب

(1)

:

من أهل باخرز، ناحية من نواحي نيسابور، كان من أفراد عصره في الأدب والبلاغة وحسن النظم والنثر. سدا

(2)

في صباه طرفا من الفقه على أبي محمد الجويني، وسمع منه ومن أبي عثمان الصابوني وأبي الفضل عبيد الله بن أحمد المكيالي. ثم اشتغل بالكتابة، وخدم في ديوان الرسائل. وقدم بغداد في أيام القائم بالله ومدحه، وصنف كتابا سماه «دمية القصر» ذكر فيه شعراء عصره، وله ديوان شعر مشهور.

روى عنه أبو شجاع الذهلي.

وله قصيدة أولها:

هبّت نسيم صبا تكاد تقول

إني إليك من الحبيب رسول

سكرى تجشمت الربى لتزورني

من علتي وهبوبها معلول

قال أبو سعد بن السمعاني: قتل الباخرزي في ذي القعدة سنة سبع وسبعين وأربعمائة بباخرز، ودفن بها وهو في أيام الكهولة. قتل في مجلس أنس على يدي بعض المخاذيل في الدولة النظامية وظل دمه هدرا- رحمه الله تعالى.

‌141 - علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين، أبو القاسم بن أبي محمد بن أبي الحسين الشافعي، عرف بابن عساكر

(3)

:

من أهل دمشق، إمام المحدثين في وقته، ومن انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والإتقان، وبه ختم هذا الشأن، سمع بإفادة أخيه الأكبر في سنة خمس وخمسمائة من

(1)

انظر شذرات الذهب 3/ 327. والعبر 3/ 265. والأعلام 5/ 81. ومعجم الأدباء 13/ 32 - 48. ووفيات الأعيان 3/ 66 - 68.

(2)

أى طلب.

(3)

انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1328. والعبر 4/ 212. ووفيات الأعيان 2/ 471 - 472. ومعجم الأدباء 13/ 87.

ص: 141

أبي الحسن بن الموازيني وأبي القاسم النسيب

(1)

وأبي الوحش سبيع بن قيراط

(2)

المقرئ وأبي طاهر الحنائي، وسمع هو بنفسه من والده وأبي محمد بن الأكفاني وأبي الحسن بن قبيس وطاهر بن سهل الإسفرائيني. وحجّ في سنة إحدى وعشرين، وسمع بمكة أبا محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل المقرئ، ورحل إلى العراق في سنة عشرين. وسمع الكثير ببغداد من ابن الحصين وأبي الحسن الدينوري وأبي العز بن كادش وأبي القاسم الحريري ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري في آخرين، وسمع بالكوفة الشريف أبا البركات عمر بن إبراهيم الزيدي وعاد إلى بغداد، فأقام بها يسمع الحديث ويقرأ الفقه والخلاف بالمدرسة النظامية ويكتب ويحصّل خمس سنين، ثم عاد إلى دمشق، ورحل إلى خراسان على طريق آذربيجان، ودخل نيسابور في سنة تسع وعشرين وسمع أبا عبد الله الفراوي وأبا محمد السيدي وزاهر الشحامي وأخاه وجيها، وبمرو من يوسف بن أيوب الهمذاني، وسمع ببسطام ودامغان والري وزنجان وسمنان، وعاد إلى دمشق يملي ويحدث ويصنف، وسمع منه جماعة من شيوخه. وكان إماما حجة ثقة نبيلا، حدّث ببغداد، وروى عنه من أهلها أبو بكر بن كامل- وكان أسن منه.

قال سعد الخير: ما رأينا في سن الحافظ أبي القاسم مثله. وله من المصنفات:

«التاريخ» ، «الإشراف على معرفة الأطراف» ، «المعجم لأسماء شيوخه» ، «الموافقات عن شيوخ الأئمة الثقات» اثنان وسبعون جزءا.

قلت: وأملى أربعمائة مجلس في جامع دمشق، وكان يختمها بأبيات من شعره.

ولقد سمعت شيخنا عبد الوهاب بن علي الأمين يقول: كنت يوما مع الحافظ أبي القاسم بن عساكر وأبي سعد بن السمعاني نمشي في طلب الحديث ولقاء الشيوخ، فلقينا شيخا فاستوقفه ابن السمعاني ليقرأ عليه شيئا، وطاف على الجزء الذي هو سماعه في خريطته، فلم يجده وضاق صدره، فقال له ابن عساكر: ما الجزء الذي هو سماعه؟» قال: كتاب «البحث والنشور» لابن أبي داود سمعه من أبي النصر ابن الزينبي، فقال له: لا تحزن! وقرأ عليه من حفظه أو بعضه- الشك من شيخنا.

أخبرني شهاب الحاتمي، حدثنا ابن السمعاني قال: علي بن الحسن بن عساكر أبو

(1)

في الأصل بدون نقط.

(2)

في الأصل: «فراطا» .

ص: 142

القاسم من أهل دمشق كثير العلم، حافظ متقن ديّن خيّر، جمع من معرفة المتون والأسانيد، صحيح القراءة متثبت محتاط، رحل في طلب الحديث، وتعب في جمعه، وبالغ في الطلب. ورد بغداد، وسمع بها من أصحاب البرمكي والتنوخي والجوهري، ثم رجع إلى دمشق، ورحل إلى خراسان ودخل نيسابور قبلي بشهر أو أكثر، ثم رأيت نيسابور وصادفته بها، وجمع ونسخ، وأقام مديدة ببغداد، وحدثني بأحاديث، ثم اجتمعت به في رحلتي إلى الشام ببلدة دمشق في سنة خمس وثلاثين [وخمسمائة]

(1)

، وأفادني عن شيوخها، وسعى في تحصيل الشيخ لي، كتبت عنه وكتب عني، وكان قد شرع في «التاريخ الكبير» لدمشق على نسق تاريخ الخطيب؛ وصنّف التصانيف، وخرّج التخاريج.

قال الحافظ أبو محمد القاسم: ولد أبي في محرم سنة تسع وتسعين وأربعمائة؛ وتوفي ليلة الاثنين ثاني عشر رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة بدمشق، ودفن بمقابر باب الصغير- رضي الله عنه ورحمه.

‌142 - علي بن الحسين بن محمد بن مهدي، أبو الحسن بن أبي الفوارس الصوفي:

من أهل البصرة، كان جوّالا، سافر إلى الشام، ودخل ديار مصر وصحب المشايخ، وكانت أحواله ومقاماته حسنة، وصار من مشاهير الزهّاد والعلماء الورعين، له كرامات، سكن بغداد إلى حين وفاته، سمع بمصر من أبي الحسن علي بن الحسن الخلعي، وحدّث؛ روى عنه الحافظ بن عساكر.

اجتمع الإمام أبو حامد الغزالي وإسماعيل الحاتمي وأبو الحسن البصري وإبراهيم الشباك في آخرين بالمسجد الأقصى، فأنشد منشد هذينالبيتين:

فديتك لولا الحب كنت فديتني

ولكن بسحر المقلتين سبيتني

أتيتك لما ضاق صدري من الهوى

و [لو]

(2)

كنت تدري كيف شوقي أتيني

قال: فتواجد أبو الحسن البصري وجدا أثر في الحاضرين، وتوفي محمد الكازروني من بين الجماعة في ذلك المجلس ورفع ميتا.

توفي أبو الحسن البصري في جمادى الأولى سنة ست وعشرين وخمسمائة- رحمه الله.

(1)

ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

ص: 143

‌143 - علي بن زريق، الكاتب البغدادي:

صاحب القصيدة المشهورة التي رواها عنه أبو الهيجاء محمد بن عمران بن شاهين:

وما سر قلبي مذ شطت بك النوى

أنيس لا كأس ولا متصرف

وما ذقت طعم الماء إلا وجدته

كأن ليس بالماء الذي كنت أعرف

ولم أشهد اللذات إلا تكلفا

وأي سرور يقتضيه التكلف؟

قال أبو عبد الله الحميدي: قال لي أبو محمد علي بن أحمد بن حزم، فقال: من تختم بالعقيق وقرأ لأبي عمرو وتفقه للشافعي وحفظ قصيدة من ابن زريق فقد استكمل الظرف.

‌144 - علي بن سعيد بن عبد الله، أبو الحسن العسكري

(1)

:

من أهل عسكر سامراء. كان من الحفّاظ، سمع علي بن مسلم الطوسي وعبد الرحيم بن سلام بن المبارك الواسطي وعبد السلام بن عبيد وعمرو بن علي الفلاس والقاسم بن محمد الزبيدي ومحمد بن المثنّى الزمن في آخرين؛ روى عنه من أهل أصبهان القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد العسال.

ذكر أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ علي بن سعيد العسكري في تاريخ أصبهان وقال: كان من الثقات، يحفظ ويصنف.

توفي بالري سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة. قال الحافظ أبو نعيم: كان من الحفاظ.

‌145 - علي بن العباس النوبختي

(2)

:

كان وكيلا للمقتدر، وكان أديبا، راوية للأخبار والأشعار. كان علي بن العباس النوبختي مع جماعة من أهله على سطح أبي سهل النوبختي في ليلة من ليالي النصف يشربون ومعهم إبراهيم بن القاسم بن زرزر المغني، وكان إذ ذاك أمرد حسن الوجه، وكان في السماء غيم ينجاب مرة ويتصل أخرى، فانجاب الغيم عن القمر فانبسط، فقال علي بن العباس وأقبل على إبراهيم:

لم يطلع البدر إلا من تشوقه

إليك حتى يوافى وجهك النظرا

ولم يتمم البيت حتى استتر القمر فقال:

(1)

انظر: شذرات الذهب 2/ 233. والأعلام 5/ 102. والعبر 2/ 114.

(2)

انظر: الأعلام 4/ 297.

ص: 144

ولا تغيب إلا عند خجلته

لما رآك فولى عنك واستترا

توفي النوبختي في ربيع الأول سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وقد قارب الثمانين.

‌146 - علي بن عبد العزيز بن الحسن بن علي بن إسماعيل، أبو الحسن

(1)

:

من أهل جرجان، ولى القضاء بها ثم انتقل إلى الري وولى القضاء بها، وصنّف تاريخا، وله في الأدب اليد الطولى، روى ببغداد شيئا من شعره.

وذكره أبو منصور الثعالبي في يتيمة الدهر، قال: ومن ملح شعره قوله في الغزل:

أفدى الذي قال وفي كفه

مثل الذي أشرب من فيه

الورد قد أينع في وجنتي

قلت: فمن باللثم يجنيه

(2)

وقوله:

بالله فض العقيق عن برد

تروي أقاحيه من مدام فمه

وامسح عوالي العذار عن قمر

يقصر بالورد خد ملتثمه

قل للسقام الذي يناظره

دعه وأشرك حشاي في سقمه

كل غرام يخاف فتنته

فبين ألحاظه ومبتسمه

وقوله:

قد برح الحب بمشتاقك

فأوله حسن أخلاقك

لا تجفه وارع له حقه

فإنه خاتم عشاقك

توفي لست بقين من ذي الحجة اثنتين وتسعين وثلاثمائة بالري، وحمل تابوته إلى جرجان فدفن بها.

‌147 - علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن محمد بن عبد الله، أبو الوفاء الفقيه الحنبلي

(3)

:

قرأ القرآن بالقراءات على أبي الفتح عبد الواحد بن الحسين بن علي بن شيطا، وتفقه على القاضي أبي يعلى، وقرأ الأصول والخلاف على القاضي أبي الطيب

(1)

انظر الأعلام 5/ 114. وشذرات الذهب 3/ 56. ووفيات الأعيان 2/ 440. ومعجم المؤمنين 7/ 123. وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 3 ز 8 - 310. ويتيمة الدهر 3/ 238.

(2)

في الأصل: «بحسه» .

(3)

انظر: الأعلام 5/ 129. وشذرات الذهب 4/ 35. ولسان الميزان 4/ 243. والزيل على طبقات الحنابلة، وص 171. والعبر 4/ 29.

ص: 145

الطبري، وقرأ الأدب على أبي القاسم بن برهان، وسمع الحديث من أبي بكر محمد بن بشران وأبي الفتح بن شيطا وأبي محمد الحسن بن علي الجوهري وأبي طالب محمد بن علي العشاري في آخرين. روى عنه ابن ناصر في آخرين. وكان فقيها مبرزا، مناظرا، جدلا، كثير المحفوظ، دقيق المعاني. وصنف كتبا كثيرة في الأصول والمذهب والخلاف، وجمع كتابا سماه «الفنون» يشتمل على ثلاثمائة مجلدة أو أكثر.

قرأت بخط أبي الوفاء بن عقيل من كلامه في صفة الأرض أيام الربيع، قال: إن الأرض أهدت إلى السماء غبرتها بترقية الغيوم، فكستها السماء زهرتها من الكواكب والنجوم، وقال: كأن الأرض أيام زهرتها مرآة السماء في انطباع صورتها.

ومن شعره قوله من قصيد:

يقولون لي ما بال جسمك ناحل

ودمعك من آماق عينيك هاطل

وما بال لون الجسم بدل صفرة

وقد كان محمرا فلونك حائل

فقلت سقاما حل في باطن الحشا

ولوعة قلب بلبلته البلابل

وأنيّ لمثلي أن يبين لناظر

فلي باطن قد قطعته النوازل

وما أنا إلا كالزناد تضمنت

لهيبا ولكن اللهيب مداخل

مولده في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.

وقال السلفي: في جمادى الآخرة، وتوفي في ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، ودفن بباب حرب.

‌148 - علي بن علي بن سالم بن الشيخ

(1)

، أبو الحسن بن أبي البركات، الشاعر المعروف بالمفيد:

من أهل الكرخ. كان حسن الشعر فاضلا حسن الأخلاق.

أنشدني علي بن علي بن سالم المفيد لنفسه:

كم ذا التجني والجفا

ما هكذا أهل الوفا

طيفك لما زارني

شرد نومي ونفى

يا رشأ ألحاظه

غادرك قلبي هدفا

رميتني بأسهم

فيهن سقمي والشفا

(1)

في الأصل بدون نقط، وكتب فوقه:«كذا» .

ص: 146

رفقا بصبّ مدنف

كابد فيك التلفا

مذ غبت عنه سيدي

طيب الكرى ما عرفا

فقال إذ عاتبته

أطلت عذلي سرفا

لست ترى من بعدها

ما بيننا تآلفا

نأيت عنه نادما

أقرع سنى أسفا

أطلب صبري بعده

وكنز صبري قد عفا

مولده تقديرا سنة سبع وخمسين وخمسمائة، وتوفي في رجب سنة سبع عشرة وستمائة، ودفن بمشهد الحسين بن علي.

‌149 - علي بن علي بن نما بن حمدون، أبو الحسن بن أبي القاسم الكاتب:

من أهل الحلة السيفية. كان أديبا فاضلا، مليح الشعر، غاليا في التشيع، مبالغا في الرفض، خبيث العقيدة.

ومن شعره قوله:

ومهفهف جمع النحول بأسره

لشقاوتي في مقلتيه وخصره

قمر يبيح ثغور صبري ما حمى

وأسه عمدا من سلافة ثغره

وله:

إني لأغبط فيك عود أراكة

أوردتها من عذب ريقك منهلا

ويروقني حسد الزجاجة كلما

رشفت تجاه الخمر منك مقبلا

وأغار من ملق الوشاح إذا جرى

بنحيف خصرك ذاهبا أو مقبلا

مولده سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، وتوفي في سنة تسع وسبعين وخمسمائة ببغداد.

‌150 - علي بن المبارك بن أحمد بن محمد بن علي بن بكرى، أبو الحسن:

من أهل الحرم الطاهري. كان أديبا فاضلا بليغا. ذكره العماد الأصفهاني في «الخريدة» ووصفه بالفضل والعلم. سمع الحديث من أبي علي محمد بن محمد بن المهدي وهبة الله بن الحصين في آخرين وحدث، سمع منه أبو المحاسن عمر القرشي.

ومن شعره قوله:

ص: 147

نظرت إلى جوار سامرات

حللن بروضة مثل البدور

فقابلن الشقائق والأقاحي

بتوريد الخدود وبالثغور

وله في سوداء:

يا من فؤادي فيها متيما ما يزال

إن كان لليل بدر فأنت للصبح خال

وقال: وقد أهديت له تفاحة:

حيا بتفاحة فأحياني

بوصل بعد طول هجران

كأنما ريحها تنفّسه

ولونها ورد خده القاني

مولده سنة تسع وخمسمائة، وتوفي سنة إحدى وسبعين وخمسمائة ببغداد، ودفن بباب حرب.

‌151 - علي بن محمد بن أحمد بن العباس، أبو حيان التوحيدي

(1)

:

أصله من نيسابور وهو بغدادي، سكن شيراز. وكان أديبا نحويا لغويا؛ له المصنفات الحسنة المشهورة كالبصائر وغيرها. سمع أبا بكر محمد بن عبد الله الشافعي وأبا محمد جعفر بن محمد بن نصير والمعافى بن زكريا النهرواني وأبا عبيد الله المرزباني، روى عنه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن فارس في آخرين.

ومن شعره قوله:

قل لبدر الدجى وبحر السماحة

والذي راحتاه للناس راحة

ما تركت الحضور سهوا ولكن

أنت بحر ولست أدري السباحة

‌152 - علي بن محمد بن علي الهراسي، أبو الحسن الشافعي؛ المعروف بالكيا

(2)

:

من أهل طبرستان. هاجر إلى نيسابور وله عشرون سنة، وصحب إمام الحرمين أبا المعالي الجويني مدة، وتفقه عليه حتى برع في الأصول والفروع والخلاف؛ ثم خرج إلى بيهق فأقام بها مدة يدرس ويفيد الناس، ثم قدم بغداد وتولى التدريس بالنظامية في

(1)

انظر: طبقات الشافعية للسبكي 4/ 2. ومعجم المؤلفين 7/ 205. وبغية الوعاة، ص 348.

ومعجم الأدباء 15/ 5.

(2)

انظر: شذرات الذهب 4/ 8. ووفيات الأعيان 2/ 448. ومعجم المؤلفين 7/ 220. والأعلام 5/ 149. وطبقات الشافعية للسبكي 4/ 281.

ص: 148

سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة، ولم يزل على التدريس إلى حين وفاته. وكان كامل الفضل، فصيح العبارة، جهوري الصوت، له التعليق والمصنفات الحسنة. سمع كثيرا من شيخه الجويني وأبي علي الحسن بن محمد الصفار وأبي الفضل زيد بن صالح الطبري، وحدث ببغداد؛ روى عنه سعد الخير الأنصاري والسلفي.

قال السلفي: سمعت الفقهاء يقولون: كان أبو المعالي الجويني يقول في تلامذته إذا ناظروا التحقيق للخوافي والجريان للغزالي والبيان لإلكيا.

مولده في خامس ذي قعدة سنة خمسين وأربعمائة.

وتوفي ببغداد في مستهل محرم سنة أربع وخمسمائة، ودفن بمقبرة باب أبرز.

ورثاه أبو القاسم إبراهيم بن عثمان الغزي من قصيدة أولها:

هي الحوادث لا تبقى ولا تذر

ما للبرية من محتومها وزر

لو كان ينجى علو من بوائقها

لم تكسف الشمس بل لم يخسف

(1)

القمر

‌153 - علي بن محمد بن علي التميمي العنبري، أبو الحسن، المعروف والده بدوّاس القنا:

من أهل البصرة. قدم واسطا وسكنها إلى حين وفاته، وكان تام المعرفة بالأدب.

قدم بغداد ومدح بها صدقة بن منصور.

ومن شعره من قصيدة:

ساقوا الجمال وخلّفوني أثرهم

متململا أدعوهم وأنادي

يا راحلين عن العقيق وخاطري

لمطيهم هاد وقلبي حادي

إن كان قد حكم الهوى أن ترقدوا

عما أجن وتذهبوا برقادي

فترفقوا عليّ أفوز بنظرة

تطفي غليلا دائم الإيقاد

أسكنتم جسمي الضنا وسلبتم

جفني الكرى وذهبتم بفؤادي

إن تتهموا فتهامة أكرم بها

لبني الهوى من منزل ومراد

أو تنجدوا فالقلب منذ بلى بكم

وقف على الاتهام والإنجاد

توفي في رجب سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة ليلة سادسه.

(1)

في الأصل: «لم يكسف» .

ص: 149

‌154 - علي بن محمد بن غالب، أبو فراس العامري، المعروف بمجد العرب

(1)

:

شاعر مجيد، ذكره أبو عبد الله الكاتب في الخريدة وأثنى عليه، ومن شعره:

أمتعب ما رق من جسمه

بحمل السيوف ونقل

(2)

الرماح

علام تكلفت حملانها

وبين جفونك أمضى السلاح

وله:

لا تنكرين عليّ يا شمس الهدى

أني مررت عليك غير مسلم

فالشمس لا تخفي ولكن ضوأها

مخفف لها عن ناظر المتوسم

توفي بالموصل في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.

‌155 - علي بن محمد بن فهد، أبو الحسن التهامي، الشاعر

(3)

:

مولده ومنشؤه باليمن، وطرا إلى الشام، وسافر منها إلى العراق، ولقي الصاحب ابن عباد، وقرأ عليه وانتحل مذهب الاعتزال، وأقام ببغداد ودوّن بها شيئا من شعره، ثم عاد إلى الشام. وكان أديبا فاضلا متورعا.

وبلغ من تورعه أنه كان نسخ شعر البحتري، فلما بلغ إلى أبيات فيها هجو امتنع من كتبها وقال: لا أسطر بخطي مثالب الناس ومساوئهم تحرجا من ذلك؛ ومن شعره قوله:

لها ريقة أستغفر الله إنها

ألذ وأشهى في المذاق من الخمر

وصارم طرف ما يفارق غمده

ولم أر شيئا قط في غمده يفرى

وقال:

هل الوجد إلا أن تلوح خيامها

فتقضي يا هذا السلام ذمامها

وقفت بها أبكي وتردم أينقي

وتصهل أفراسي وتدعو حمامها

ولو بكت الورق الحما [ثم]

(4)

شجوها

بعين نجى أطواقهن انسجامها

(1)

انظر: الأعلام للزركلي 5/ 158.

(2)

في فوات الوفيات: «وثقل» .

(3)

انظر: النجوم الزاهرة 4/ 263. ووفيات الأعيان 3/ 60. وكشف الظنون، ص 771. ومرآة الجنان 3/ 92. وشذرات الذهب 3/ 204.

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

ص: 150

وفي كبدي أستغفر الله غلة

إلى برد يثنى عليه لثامها

وبرد رضاب سلس غير أنه

إذا شربته النفس زاد هيامها

فوا عجبا من غلة كلما ارتوت

من السلسبيل العذب زاد اضطرامها

كأن بعيد النوم في رشفاتها

سلاف رحيق رق منها مدامها

وتعبق ريّاها وأنفاسها معا

كنافجة قد فض عنها ختامها

ولم أنس يوم التقى در دمعها

ودر الثنايا فذها وتوامها

وقد بسمت عن ثغرها فكأنه

قلائد در في العقيق انتظامها

وقد نثرت در الكلام بعتبها

ولذ بسمعي عتبها وملامها

فلم أدر أي الدر أنفس قيمة

أدمعها أم ثغرها أم كلامها؟

وقد سفرت عن وجهها فكأنما

تحسر عن شمس النهار جهامها

ومن حيثما دارت بطلعتها يرى

لإشراقها في الحسن نورا تمامها

وألقت عصاها في رياض كأنما

يفض عن المسك العتيق ختامها

وضاحكها نور الأقاحي فراقني

تبسمه رأد الضحى وابتسامها

نظرت ولي عينان عين ترقرقت

ففاضت وأخرى حار فيها جمامها

فلم أر عيبا غير سقم جفونها

وصحة أجفان الحسان سقامها

خليليّ هل يأتي مع الطّيف نحوها

سلامي كما يأتي إليّ سلامها؟

ألمت بنا في ليلة مكفهرة

فما سفرت حتى تجلى ظلامها

أتت موهنا والليل أسود فاحم

طويل حكاه فرعها وقوامها

فأبصر مني الطيف نفسا أبية

تيقظها عن عفة ومنامها

إذا كان حظي أين حلت خيالها

فسيّان عندي نأيها ومقامها

وهل نافعي أن تجمع الدار بيننا

بكل مقام وهي صعب مرامها

أسيدتي رفقا بمهجة وامق

أيعذبها بالبعد منك غرامها

لك الخير جودي بالجمال فإنه

سحابة صيف ليس يرجى دوامها

وما الحسن إلا دولة فاصنعي بها

يدا قبل أن يمضي ويعبر رامها

أرى النفس تستحلى الهوى وهو حتفها

بعيشك هل يحلو لنفس حمامها

ذكر أبو الخطاب أن التهامي أظهر الانتساب في ولد الحسين بن علي، وحصل في أحياء طي، ودعا إلى نفسه، فأنفذ الطاهر بن الحاكم صاحب مصر إلى ابن عليان أمير طي، فقبض عليه وأنفذه إلى مصر فحبس بها، وقيل: إنه قتل.

ص: 151

‌156 - علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن علكان بن محمد بن دلف بن أبي دلف القاسم، أبو نصر بن أبي القاسم، المعروف بابن ماكولا

(1)

:

أصله من جرباذقان، وكان والده من وزراء القائم بأمر الله، وعمه قاضي القضاة.

وأحب العلم منذ صباه، وطلب الحديث، ورحل إلى الشام والثغور وديار مصر والجزيرة والعراق، وحصّل طرفا صالحا في هذا العلم، وقرأ الأدب حتى برع فيه، وله النثر والنظم الحسن والمصنفات الملاح. سمع ببغداد أبا طالب بن غيلان وأبا القاسم عبيد الله بن عمر بن أحمد بن محمد العتيقي وأبا محمد الجوهري والقاضي أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري، وسمع بدمشق من أبي الحسن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد وأبي محمد الكتاني، وبمصر من الشريف أبي إبراهيم أحمد بن القاسم الحسيني والقاضي أبي عبد الله القضاعي وآخرين. سمع منه الحافظان أبو بكر الخطيب وعبد العزيز الكتاني والفقيه أبو الفتح نصر المقدسي في آخرين.

ومن شعره قوله:

أقول لقلبي

(2)

قد سلا كل واجد

ونفض أثواب الهوى عن مناكبه

وحبك ما يزداد إلا تجددا

فيا ليت شعري ذا الهوى في مناك به

(3)

قال أبو عبد الله الحميدي: كان ابن ماكولا إذا سألناه عن شيء كأنه على طرف لسانه، ولو عاش لجاء منه شيء، وما سألنا الخطيب عن شيء قط فأجابنا عنه من حفظه، إنما يحيل على كتبه.

قال السلفي: سألت شجاع الذهلي عن ابن ماكولا فقال: كان حافظا فهما ثقة، صنف كتبا في علم الحديث وغيره.

وقال السلفي أيضا: سألت المؤتمن بن أحمد الساجي عن ابن ماكولا، فقال: كان له فهم وحسن معرفة بالحديث مع وساطة البيت. لم يلزم طريق أهل العلم فلم ينتفع بنفسه.

(1)

انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1201. ووفيات الأعيان 2/ 466 - 467. والنجوم الزاهرة 5/ 15.

شذرات الذهب 3/ 381. وفوات الوفيات 2/ 185. والعبر 3/ 317. والمنتظم 16/ 226، 17/ 8. ومعجم الأدباء 15/ 102 - 111.

(2)

في الأصل فوقها: «لنفس» .

(3)

على الهامش الأصل: «أنشد في هذين البيتين يونس بن إبراهيم العسقلاني عن أبي الحسن علي ابن أبي عبد الله البغدادي عن الحافظ أبي الفضل بن ناصر عن ابن ماكولا» .

ص: 152

مولده بعكبرا في منتصف شعبان سنة إحدى وعشرين وأربعمائة.

قرأت على أبي محمد بن الأخضر عن أبي الفضل بن ناصر قال: كان أبو نصر بن ماكولا قد سافر نحو كرمان وكان معه مماليكه الأتراك، فغدروا به وقتلوه وأخذوا الموجود من ماله، وذلك في سنة خمس وسبعين وأربعمائة وله من المصنفات كتابه المشهور في «المؤتلف والمختلف» .

‌157 - علي بن هلال بن البواب، أبو الحسن الكاتب، مولى معاوية بن أبي سفيان

(1)

:

قرأ الأدب على أبي الفتح بن جني، وسمع من أبي عبيد الله المرزباني، وكانت له معرفة بتعبير الرؤيا؛ وكان يعظ الناس بجامع المنصور، وله النظم والنثر المليح؛ وإليه انتهت الرئاسة في حسن الخط وجودته.

قال الحافظ أبو بكر الخطيب: علي بن هلال أبو الحسن بن البواب، صاحب الخط المستحسن المذكور، رأيته وكان رجلا دينا، لا أعلمه روى شيئا من الحديث.

وقد قال أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعرى في قصيدة له:

ولاح هلال مثل نون أجادها

بماء النضار الكاتب ابن هلال

قال محمد بن الليث الزجاج يهجو ابن البواب، وكان إذ ذاك منقطعا إلى الشريف الرضى وملازما له.

[أيهذا الشريف]

(2)

حاشاك حاشاك

ترى في فنائك ابن هلال

هو نحس النحوس في السادة العز

وسعد السعود في الأندال

انظر اللازم من هلال تجدها

فيه مشكولة بلا أشكال

توفي في ثاني جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ببغداد، ودفن بجوار أحمد.

‌158 - علي بن يلدرك بن أرسلان التركي، أبو الثناء بن أبي منصور الكاتب

(3)

:

كان شاعرا، لطيف الشعر، ومترسلا مليح النثر. روي عنه أبو الوفاء بن عقيل في

(1)

انظر: وفيات الأعيان 3/ 28 - 30. والأعلام 5/ 183. ومعجم الأدباء 15/ 120 - 134.

وتذكرة الحفاظ 3/ 56.

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

(3)

انظر: مرآة الزمان 8/ 99.

ص: 153

كتابه «الفنون» وابن ناصر.

ومن شعره:

ومد له علق الغرام بقلبه

فمواقد النيران من نيرانه

إن جن ليل جن لاعج حبه

أو مد سيل كان من أجفانه

عذب العذاب من أهوى عذابه

وحلا مرير الجور من سلطانه

يرتاح ما حدر الصباح لثامه

وارتاح قمري على أغصانه

ما لج عاذله عليه بعذله

إلا ولج عليه في عصيانه

بغداد موطنه ولكن الهوى

نجد وأين هواه من أوطانه؟

أو كان قيس العامري بعصره

دعي الخليّ من الهوى لعنانه

وله من قصيدة:

رقّت حواشي الحب بعدك رقة

غارت لها ببلادنا الصهباء

وحفت علينا بعد ذاك خشونة

فكأنها التفريق والقرباء

توفي في صفر سنة خمس عشرة وخمسمائة ببغداد، ودفن بباب حرب- قاله أبو الفرج بن الجوزي.

‌159 - علي بن الطستاني الأنباري:

شاعر حسن الشعر، سافر إلى الموصل واستوطنها.

توفي في سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة. ومن شعره قوله:

لو تراني في ليلة العيد واليأ

س لأبصرت أعجب الأشياء

كل عين ترنو إلى مغرب الشم

س وعيني ترنو إلى البطحاء

مقلتي تطلب الهلال على الأر

ض وهم يطلبونه في السماء

يتلوه عمر بن حسن بن دحية الكلبي رحمه الله تعالى

(1)

.

‌160 - عمر بن حسن بن علي بن محمد بن فرح- بسكون الراء وبالحاء المهملة- بن خلف بن قومس بن يزلال بن ملال بن أحمد بن دحية بن خليفة الكلبي، أبو الخطاب

(2)

:

(1)

هذه الترجمة أضيفت على الأصل في المخطوط.

(2)

انظر: شذرات الذهب 5/ 160 ووفيات الأعيان 3/ 212. ومرآة الزمان 8/ 698. والأعلام 5/ 201.

ص: 154

من أهل منورقة من بلاد الأندلس

(1)

؛ وذكر أنه يسمى عبد الله، وأن أمه أمة الرحمن بنت أبي عبد الله محمد بن أبي البسام موسى بن عبد الله بن الحسين بن علي ابن أبي جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب. فلهذا كان يكتب بخطه: ذو النسبين: بن دحية والحسين. قدم علينا بغداد، وأملى من حفظه، وكتبنا عنه، وذكر أنه سمع من أبي الفرج ابن الجوزي؛ وسافر إلى العراق فسمع بأصبهان من أبي جعفر الصيدلاني معجم الطبراني، ودخل خراسان فسمع بنيسابور من أبي سعد بن الصفار ومنصور الفراوي والمؤيد الطوسي في آخرين وحصل الأصول، وسمع بواسط من أبي الفتح بن الماندائي.

وذكر أنه سمع كتاب «الصلة» من أبي القاسم بن بشكوال، وأنه سمع بالأندلس من جماعة، غير أني رأيت الناس مجمعين على كذبه وضعفه وادعائه لقاء من لم يلقه، وسماع ما لم يسمعه، وكانت أمارات ذلك لائحة على كلامه، وكان القلب يأبى سماع كلامه، ويشهد ببطلان قوله. دخل ديار مصر، وسكن بالقاهرة، وصادف قبولا من السلطان الملك الكامل، وسمعت من يذكر أنه كان يسوى له الملابس حين يقوم.

وكان صديقنا إبراهيم السنهوري المحدث صاحب الرحلة إلى البلاد قد دخل بلاد الأندلس، وذكر لمشايخها وعلمائها أن ابن دحية يدّعى أنه قرأ على جماعة من الشيوخ القدماء، فأنكروا ذلك وأبطلوه وقالوا: لم يلق هؤلاء ولا أدركهم، وإنما اشتغل بالطلب أخيرا وليس نسبه بصحيح

(2)

، ودحية لم يعقب. فكتب السنهوري محضرا،

(1)

على الهامش الأصل: «ذكر ابن نقطة في» «تكملة الإكمال ونقله من خطه ابن دحية هذا، وإلا أنه قال في نسبه: أحمد بن بدر بن دحية، ثم قال بعد كلام له: وكان موصوفا بالمعرفة والفضل إلا أنه يدعي أشياء لا حقيقة لها، ذكر أبو القاسم بن عبد السلام قال: نزل عندنا بالحريم الظاهري أبو الخطاب بن دحية، فكان يقول: أحفظ صحيح مسلم والترمذي وغير ذلك، فأخذت جمة أحاديث من الترمذي وجمة أحاديث من مسند أحمد وجمة أحاديث من الموضوعات فجعلتها في جزء، ثم عرضت عليه حديثا من الترمذي فقال: ليس بصحيح، وآخر فقال:

لا أعرفه، ولم يعرف منها شيئا، وذكر ابن نقطة أنه يعرف بابن الجميل- بضم الجيم وفتح الميم وتشديد الياء المكسورة المعجمة من تحتها باثنتين».

وعلى الهامش أيضا إضافة من المحرر: «ثم شاهدت هذا النسب بخط الحافظ أبي الخطاب بن دحية في إجازة كتب بها لجماعة فيهم اسم بعض شيوخ شيوخنا، ومنهم يحيى بن علي القوسي وعلي بن شجاع بن سالم الغرير وجعفر الهمذاني وعبد الغني بن سليمان وزينب وعاصم بن الأسود» .

(2)

على هامش الأصل: «ذكر ابن دحية بن الزبير قال: روى سننه عن أبي محمد عبيد الله وغيره، ودخل الأندلس، وأخذ بها عن جماعة منهم الحافظ أبو بكر بن الجد أبو عبد الله بن رزقون وأبو العباس بن خليل، وكان معتنيا بالعلم، ومشاركا في فنون عدة، ومجتهدا معتنيا بالأخذ عن

ص: 155

وأخذ خطوطهم فيه بذلك، وقدم به ديار مصر، فعلم ابن دحية بذلك، فاشتكى إلى السلطان منه وقال: هذا يأخذ عرضي ويؤذيني! فأمر السلطان بالقبض عليه، وضرب، وأشهر على حمار وأخرج من ديار مصر، وأخذ ابن دحية المحضر وخرقه.

وبنى له السلطان الملك الكامل دارا للحديث.

وكان حافظا ماهرا عالما بقيود الحديث، فصيح العبارة، تام المعرفة بالنحو واللغة، وكان ظاهري المذهب، كثير الوقيعة في السلف، خبيث اللسان، أحمق، شديد الكبر، قليل النظر في الأمور الدينية، متهاونا في دينه.

قال الحافظ أبو الحسن بن علي بن المفضل المقدسي: كنا يوما بحضرة السلطان في مجلس عام وهناك ابن دحية، فسألني السلطان عن حديث فذكرته له، فقال لي: من رواه؟ فلم يحضرني إسناده وانفصلنا، فاجتمع بي ابن دحية وقال لي: يا فقيه! لما سألك السلطان عن إسناد ذاك الحديث، لم لم تذكر له أي إسناد شئت؟ فإنه ومن حضر مجلسه لا يعلمون هل هو صحيح أم لا! وكنت قد ربحت قولك «لا أعلم» ، وعظمت في عينه، قال: فعلمت أنه جرئ على الكذب.

أنشدني أبو المحاسن محمد بن نصر عرف بابن عنين لنفسه بدمشق يهجو ابن دحية:

دحية لم يعقب فلم تعتزي

إليه بالبهتان والإفك

ما صح عند الناس شيء سوى

أنك من كلب بلا شك

توفي ابن دحية بالقاهرة في ليلة رابع عشر ربيع الأول من سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وقد نيف على الثمانين. وكان يخضب بالسواد- قدس الله [روحه]

(1)

.

‌161 - عمر بن محمد بن عبد الله بن عمويه، السهروردي، أبو عبد الله الصوفي

(2)

:

ابن أخي الشيخ أبي النجيب. كان شيخ وقته في علم الحقيقة وطريقة التصوف، وإليه انتهت الرئاسة في تربية المريدين وتسليك طريق العبادة والزهد في الدنيا.

- الشيوخ، وأقر العبارة والأسانيد ورجال الحديث والجرح والتعديل، وكان موصوفا بالثقة والعدالة والصداقة والاعتناء التام».

(1)

ما بين المعقوفتين ليست في الأصل.

(2)

انظر: وفيات الأعيان 3/ 119. وشذرات الذهب 5/ 153. وطبقات الشافعية للسبكي 5/ 143. والأعلام 5/ 223. ومرآة الجنان 4/ 79. وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 103.

ص: 156

ولد بسهرورد وقدم بغداد في صباه، وصحب عمه وغيره، وسلك طريق الرياضيات، وقرأ الفقه والخلاف والعربية، وسمع الحديث. ثم انقطع عن الناس ولازم الخلوة، واشتغل بإدامة الصيام والقيام والذكر إلى أن خطر له عند علو سنه أن يظهر للناس ويتكلم عليهم؛ فعقد مجلس الوعظ بمدرسة عمه على شاطئ دجلة، وكان يتكلم على الناس بكلام مفيد، وظهر له قبول عظيم من الخاص والعام، واشتهر اسمه، وقصده المريدون. سمع الحديث من عمه ومن أبي المظفر هبة الله بن أحمد بن محمد بن الشبلي وأبي الفتح بن البطي وأبي زرعة المقدسي في آخرين. وحدّث وصنّف مصنفات مفيدة، منها مغاني المعاني، وأضر في آخر عمره.

أنشدني عمر بن محمد السهروردي لنفسه:

ربع الحمى مذ حللتم معشب نضر

تروق أكنافه يزهو بها النظر

لا كان وادي الفضا لا ينزلون به

ولا من

(1)

الحمى سحّ في أرجائه مطر

ولا الرياح وإن رقت نسائهما

إن لم تفد

(2)

نشركم لا ضمها سحر

ولا خلت مهجتي تشكو دسيس جوى

وحر قلبي بريّا حبكم عطر

ولا رقت عبرتي حتى يكون لمن

ذاق الهوى وصبا في عبرتي عبر

أنبأنا عبد

(3)

من شيوخنا، قالوا: أنبأنا أبو عبد الله السهروردي مولده في رجب سنة تسع وثلاثين وخمسمائة.

وتوفي ببغداد في ليلة الأربعاء مستهل محرم سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ودفن بالوردية في تربة له مستجدة- رحمه الله.

‌162 - عمر بن محمد بن معمر بن أحمد بن يحيى بن حسان، أبو حفص بن أبي بكر المؤدب، المعروف بابن طبرزد

(4)

:

من أهل دار القز. سمع الكثير بإفادة أخيه ومن آباء القاسم هبة الله بن الحصين وهبة الله بن أحمد الحريري وهبة الله بن عبد الله الواسطي وأبي غالب أحمد بن الحسن بن البناء وأبي المواهب أحمد بن ملوك وأبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري

(1)

«من» إضافة من الهامش.

(2)

هكذا في الأصل.

(3)

مكان النقط كلمات ممسوحة.

(4)

انظر: النجوم الزاهرة 6/ 201 - 202. ووفيات الأعيان 3/ 124. والزيل على طبقات الحنابلة، ولسان الميزان 4/ 329.

ص: 157

وأبي القاسم علي بن طراد الزينبي في آخرين وهو آخر من حدث في الدنيا عن ابن الحصين وابن البناء وابن ملوك. وطلب من الشام للسماع عليه فتوجه إلى هناك؛ وحدث بإربل والموصل وحران وحلب، وأقام بدمشق مدة طويلة؛ وروى أكثر مسموعاته، وحصّل مالا حسنا، وعاد إلى بغداد وأقام بها يحدث على حين وفاته، وكان يعرف شيوخه ويذكر مسموعاته.

وكانت أصول سماعاته بيده، وأكثرها بخط أخيه، وكان يكتب خطا حسنا، وكان متهاونا بأمور الدين. رأيته غير مرة يبول من قيام، فإذا فرغ من إراقة بوله أرسل ثوبه وقعد من غير استنجاء. وكنا نسمع منه أجمع، فنصلي ولا يصلي معنا، ولا يقوم لصلاة، وكان يطلب الأجر على الرواية، إلى غير ذلك من سوء طريقته.

مولده سنة ست عشرة وخمسمائة، وتوفي في رجب لتسع خلون منه من سنة سبع وستمائة. ودفن بباب حرب.

قال عبد العزيز بن هلاله: رأيت ابن طبرزد في النوم وعليه ثوب أزرق، فقلت له:

سألتك بالله ما لقيت بعد موتك؟ فقال لي: أنا في بيت من نار داخل بيت من نار داخل بيت من نار، فقلت: ولم؟ قال: لأخذ الذهب على الرواية.

‌163 - العلاء بن الحسن بن وهب بن الموصلاي

(1)

، أبو سعد بن أبي علي الكاتب

(2)

:

من أهل الكرخ. كاتب جليل مترسل كامل الأدب. روى عنه موهوب بن الجواليقي اللغوي.

قال: أنشدنا العلاء بن الحسن الكاتب لنفسه:

أحنّ إلى روض التصابي وأرتاح

وأمتح من حوض التصافي وأمتاح

وأشتاق رئما كلما رمت صيده

تصدّ يدي عنه سيوف وأرماح

غزال إذا ما لاح أو فاح نشره

تعذب أرواح وتعذب أرواح

بنفسي وإن عزت وأهلي أهله

لها غرر في الحسن تبدو وأوضاح

نجوم أغاروا النور للبدر عند ما

أغاروا على سرب الملاحة واجتاحوا

(1)

في المراجع السابقة: «المواصلايا» .

(2)

انظر: النجوم الزاهرة 5/ 189. ووفيات الأعيان 3/ 149. ومرآة الزمان 8/ 11. ومعجم الأدباء 12/ 196. والمنتظم 17/ 89

ص: 158

فتتضح الأعذار فيهم إذا بدوا

ويفتضح اللاحون فيهم إذا لاحوا

وكرخية عذراء يعذر حبها

ومن زندها في الدهر تقدح أقداح

إذا جليت في الكأس والليل ما انجلى

يقابل إصباح لديك ومصباح

يطوف بها ساق لسوقه جماله

نفاق لإفساد الهوى فيه إصلاح

به عجمة في اللفظ تغزى بوصله

وإن كان منه بالقطيعة إفصاح

وغرته صبح وطرته دجى

ومبسمه در وريقته راح

أباح دمي مذ بحت في الحب باسمه

وبالشجو من قبلي المحبون قد باحوا

وأوعدني بالسوء ظلما ولم يكن

لإشكال ما يفضي إلى الضيم إيضاح

وكيف أخاف الضيم أو أحذر الرديح

وعوني على الأيام أبلج وضاح

وظل نظام الملك للكسر جابر

وللضر منّاع وللنفع مناح

مولده ببغداد في ليلة سادس شوال سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.

وتوفي يوم الاثنين الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وأربعمائة، وبلغ من العمر خمسا وثمانين سنة، ودفن في تربة الطائع لله بالرصافة- رحمه الله تعالى.

‌164 - عيسى بن أبي عيسى بن بزاز

(1)

بن محير، أبو موسى، الفقيه المالكي:

من أهل قابس من بلاد المغرب. سمع بالمغرب أبا عبد الله الحسين بن عبد الرحمن الأجدابي، وبمكة أبا ذر الهروي، ودخل بغداد وسمع بها من أبي طالب بن غيلان والعشاري وابن المذهب وابن شاهين وأحمد بن محمد العتيقي والحسن بن علي الجوهري في آخرين؛ وحدث عنه الحافظ أبو بكر الخطيب وذكره في كتابه «المؤتلف والمختلف» من تأليفه، قال: وأما الثاني بالقاف والباء المعجمة بواحدة والسين المهملة فهو عيسى بن أبي عيسى بن بزاز القابسي. قدم علينا بغداد بعد الثلاثين [والأربعمائة]

(2)

فسمع من شيوخ ذلك الوقت، وأقام عندنا مدة، ثم رجع إلى بلده.

توفي بمصر في سنة سبع وأربعين وأربعمائة- قاله أبو محمد الأكفاني.

(1)

في الأصل: «نزار» ، والتصحيح من الأكمل 1/ 259.

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

ص: 159

‌حرف الفاء

‌165 - الفتح بن خاقان بن أحمد، أبو محمد التركي

(1)

:

تربى في دار المعتصم، واختص بولده المتوكل. فلما ولى الخلافة حوله على خاتمه، ولما سافر المتوكل إلى دمشق كان عديله. وولاه دمشق فاستخلف بها كلباتكين التركي، وعاد مع المتوكل إلى بغداد. وكان أديبا شاعرا، غاية في السماحة والجود، روى عنه أبو العباس محمد بن يزيد المبرد وغيره.

ومن شعره قوله:

بني الحب على الجور فلو

أنصف المعشوق فيه لسمج

ليس يستملح في وصف الهوى

عاشق يحسن تأليف الحجج

(2)

لا تعيبن من حبيب دله

دله للحب مفتاح الفرج

وقليل الحب صرف خالص

خير من حب كثير قد مزج

دخل المعتصم يوما إلى خاقان يعوده، فرأى الفتح ابنه وهو صبي، فقال له: أيما أحسن داري أم داركم؟ فقال الفتح: «يا سيدي، دارنا إذا كنت فيها أحسن» ، فقال المعتصم: لا أبرح والله أو تنثر عليه مائة ألف درهم، ففعل ذلك. ومن شعر الفتح قوله:

أيها العاشق المعذب صبرا

فخطايا أخي الهوى مغفورة

زفرة في الهوى أحط لذنب

من غزاة وحجة مبرورة

قتل الفتح ليلة الأربعاء، وقيل: ليلة الخميس بعد العتمة لأربع ليال خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين- رحمه الله تعالى.

‌166 - الفضل بن سهل بن بشر بن أحمد بن سعيد الإسفرائيني، أبو المعالي بن أبي الفرج، الواعظ، كان يعرف بالأمير الحلبي

(3)

:

ولد بديار مصر، ونشأ ببيت المقدس، وقدم دمشق مع والده، وكان والده محدّثا

(1)

انظر: فوات الوفيات 2/ 246 - 248. ومعجم الأدباء 16/ 174 - 186. وفهرست ابن النديم ص 169.

(2)

في الأصل: «الحج» .

(3)

انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1313. وهدية العارفين 1/ 819. ومعجم المؤلفين 8/ 68 وكشف الظنون 186.

ص: 160

مشهورا، فأسمعه بدمشق من أبي القاسم علي بن محمد المصيصي ونصر المقدسي، وسمع من والده وأجازه الخطيب، وسافر إلى حلب وأقام بها، فعقد مجلس الوعظ مدة، ثم أرسله صاحبها إلى بغداد رسولا، فأقام بها إلى حين وفاته.

ومن شعره قوله:

يا صاحب المرآة يا من قاده

إلى لقائي قدر نافذ

أريتني وجهي عز وما

يسوى الذي أنظر ما تأخذ

قال الفضل بن سهل: حضرت في مجلس فيه الأستاذ أبو الحسين بن مقلد لمعرفة خبر صاحب المخزن، فأحضر الطعام فأكلنا، وحضر مجلس الشرب، فنهضت أمضي؛ فقال لي صاحب المخزن والجماعة: اجلس واسمع الأستاذ أبا الحسن! فجلست فأخذوا في المفاكهة والمذاكرة، ثم عرض عليّ الشرب فامتنعت، فأعفيت من ذلك، ثم إنني سكرت من ريح المجلس وطيبه، فقلت:

سكرت من ريح ما شربتم

والراح محمودة الفعال

فيا لها سكرة حلالا

كأنها زورة الخيال

قال ابن السمعاني: الفضل بن سهل سافر بنفسه إلى العراق وخراسان، وكان يتجر ويقول الشعر؛ كتبت عنه ببغداد، وسمعت جماعة يتهمونه بالكذب في الأحاديث التي يذكرها والمحاورات.

قال عمر بن علي القرشي: رأيت قطعة كبيرة من سماعاته- يعني الفضل بن سهل- كالشمس في الوضوح بخط المعروفين الثقات غير أن خصائص على جمع النسائي، وكان ملكا للابن، وفيه طبقة فيها اسمه واسم ابنه أبي المجد عبد العامر وهي مفسودة تشهد على نفسها بالتزوير؛ وقد حدث به للابن عن أبيه، وقد قرأه عليه ابن شافع، فسألته عن الطبقة، فقال: سماع مزور، فقلت له: وكيف قرأته عليه؟ فقال: لعله من طبقة أخرى في الجزء؛ وأخذه وفتشه فلم ير فيه شيئا. وقد حدث به ابنه أبو المجد عن جده بذلك التسميع المفسود، ثم رأيت له بعد ذلك أجزاء وسماعه فيها مفسودة، وقد حدّث بها وفي بعضها. قد سمع لنفسه من أبيه، وسمع لجماعة منهم الفقيه نصر المقدسي، وذكر تاريخا. قد مات قبله نصر بمدة.

ص: 161

مولده في شعبان في ليلة سادس عشرة سنة إحدى وستين وأربعمائة.

وتوفي في ثاني رجب سنة ثمان وأربعين وخمسمائة فجأة ببغداد، ودفن بباب أبرز، وكان عسرا في التحديث- قاله ابن شافع.

آخر الجزء السادس من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد لأبي عبد الله ابن النجار البغدادي الحافظ- رحمه الله تعالى.

ص: 162

الجزء السابع من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد

للحافظ محب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود بن الحسن ابن النجار انتقاء كاتبه الواثق بالله أحمد بن أيبك بن عبد الله

ص: 163

بسم الله الرحمن الرحيم

حسبي الله وكفى

‌167 - القاسم بن الحسين بن الطوابيقي، أبو شجاع البغدادي

(1)

:

شاعر، حسن القول، لطيف الطبع. روي عنه عثمان بن عيسى البلطي النحوي.

قال أبو عبد الله الكاتب في «الخريدة» : أبو شجاع بن الطوابيقي، له نظم رائق وشعر فائق، وهو مقيم بالموصل.

ومن شعره قوله:

قامت تهز قوامها يوم النقا

فتساقطت خجلا غصون البان

وبكت فجاذبها البكا من مقلتي

فتمثل الإنسان في إنساني

ومنها:

فأحبكم وأحب حبى فيكم

وأجل قدركم على إنساني

وإذا نظرتكم بعين خيانة

قام الغرام بشافع عريان

إن لم يخلصني الغرام بجاهته

سافرت تحت عقوبة الهجران

ومنها:

أصبحت تخرجني بغير جناية

من دار إعزاز لدار هوان

كدم الفصاد يراق أرذل موضع

أبدا ويخرج من أعز مكان

توفي في سنة تسع وستين وخمسمائة- رحمه الله تعالى.

‌168 - القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري، أبو محمد

(2)

:

من أهل البصرة. قرأ الأدب على أبي الفضل بن محمد القصباني بالبصرة، ثم قدم بغداد، وقرأ على أبي الحسن علي بن فضال المجاشعي، وتفقهعلى أبي نصر بن الصباغ وأبي إسحاق الشيرازي، وقرأ الفرائض والحساب على أبي حكيم الخبري، وسمع

(1)

انظر: فوات الوفيات 2/ 258. والأعلام 6/ 8.

(2)

انظر: طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة 1/ 321. ووفيات الأعيان 3/ 227 - 231. والعبر 4/ 38. ومعجم الأدباء 16/ 261 - 292. والأنساب للسمعاني 4/ 106، 138. والأعلام 6/ 12.

ص: 165

الحديث بالبصرة من أبي تمام محمد بن الحسن المقرئ وأبي القاسم الفضل بن محمد بن علي النحوي وأبي القاسم الحسين بن أحمد بن الحسين الباقلاني وغيرهم.

وقدم بغداد بعد الخمسمائة وحدث بها، يحرف حديثه عن شيوخه، وبالمقامات.

روى عنه الشريف أبو علي الحسن بن جعفر بن عبد الصمد بن المتوكل على الله وأبو الفضل بن ناصر الحافظ. وكان من الفصاحة والبلاغة وحسن العبارة ورشاقة الألفاظ وملاحة النثر وحلاوة النظم على طريقة لم يسبقه من كان قبله، ولم يدركه من جاء بعده. وجمع المقامات الخمسين التي سارت في الدنيا سير الشمس، وتلقاها الناس بالقبول، وعقد على بلاغتها الخناصر.

قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن النقور البزاز: سمعت أبا محمد الحريري صاحب «المقامات» يقول: أبو زيد السروجي كان سجّاعا بليغا، ورد علينا البصرة، فوقف يوما في مسجد يتكلم، ويسأل الناس شيئا، وكان بعض الولاة حاضرا والمسجد غاص بالفضلاء، فأعجبهم بفصاحته؛ وذكر أسر الروم ابنته كما ذكرنا في المقامة الحرامية، وهي الثامنة والأربعون، قال: فاجتمع عندي عشية ذلك اليوم جماعة من الفضلاء، فحكيت لهم ما شاهدت من ذلك السائل من لطافة عبارته في تحصيل مراده، فحكى كل واحد من جلسائي أنه شاهد من هذا السائل مثل ما شاهدت، وأنه سمع منه في معنى آخر فصلا أحسن مما سمعت، وكان يغير في مسجد زيه وشكله، ويظهر في فنون احتياله فضله؛ فتعجبوا من جرأته في ميدانه وإمعانه في إحسانه.

قال الحريري: فابتدأت في إنشاء المقامة الحرامية تلك الليلة حاذيا حذوه؛ فلما فرغت منها أقرأنيها جماعة من الأعيان، فاستحسنوها في غاية الاستحسان، وأنهوا ذلك إلى وزير السلطان، واقترحوا عليّ أخواتها، والله المستعان؛ حكى لما قدم ابن الحريري بغداد وكان الناس يهتفون بفضائله ويسارعون

(1)

إلى إلقائه وسماع كلامه، فحضر إليه فيمن حضر ابن حكينا

(2)

الحريمي المنبوز بالبرغوث، فلم يجده على ما كان يظنه من الفصاحة واللسن، فنظم أبياتا، منها:

شيخ لنا من ربيعة الفرس

ينتف عثنونه من الهوس

أنطقه الله بالمشان وقد

ألجمه في العراق بالخرس

(1)

في الأصل: «ويسارلون» .

(2)

في الأصل: «ابن حكينا» .

ص: 166

قال ابن السمعاني: مولد ابن الحريري في سنة ست وأربعين وأربعمائة.

وتوفي في ثامن رجب سنة ست عشرة وخمسمائة بالبصرة وعمره سبعون سنة.

ص: 167

‌حرف الميم

‌169 - مالك بن أحمد بن علي بن إبراهيم البانياسي، أبو عبد الله بن أبي بكر المالكي الفراء

(1)

:

سمع أبا الحسن أحمد بن محمد بن الصلت وأبوي الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطّان وعلي بن محمد بن محمد بن عبد الله بن بشران وأبا الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ، وهو آخر من حدث عن ابن الصلت.

قال السلفي: سألت المؤتمن الساجي عن مالك البانياسي، فقال: كنت أراه قبل دخولي خراسان جالسا في السوق، فلم تطب نفسي بالسماع منه، كان ثقة فيما حدث به، تلّاء للقرآن. وقال السلفي أيضا: سألت شجاع الذهلي عن البانياسي، فقال: هو أبو عبد الله المالكي، سمعت منه شيئا عن ابن الصلت، وكان صدوقا.

قال شجاع الذهلي: وقع حريق في تاسع عشر جمادى الآخرة سنة خمس وثمانين وأربعمائة بنهر المعلّى فاحترق فيه أبو عبد الله مالك المالكي، ودفن من الغد بالجانب الغربي.

وقد رثاه أبو القاسم عبد الغني بن محمد بن حنيفة الباجرائي:

لن يجمع الله بين مالك

بعد احتراق وبين مالك

وهلكه هاهنا شهيدا

أشر من هلكه هنالك

‌170 - المبارك بن الحسن بن أحمد بن علي بن فتحان بن منصور الشهرزوري، أبو الكرم المقرئ

(2)

:

من ساكني دار الخلافة. أحد الشيوخ القراء المجوّدين بحفظ القراءات وطرقها ومعرفة وجوهها. وصنف في ذلك كتابا سماه «المصباح في القراءات الصحاح» . وكان عالما فاضلا أديبا، حسن الطريقة، قرأ القرآن بالقراءات على الشريف أبي الفضل عبد القاهر بن عبد السلام العباسي وأبي محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي وأبي المعالي ثابت بن بندار البقال في آخرين. وسمع الحديث الكثير بنفسه، وكتب بخطه، وحصّل الأصول، سمع رزق الله التميمي وطراد الزينبي وإسماعيل بن مسعدة

(1)

انظر: الأنساب للسمعاني 2/ 67. وشذرات الذهب 3/ 376. والعبر 3/ 308.

(2)

انظر: تذكرة الحافظ 1292. والعبر 4/ 141. ومعجم الأدباء 17/ 52. وكشف الظنون، ص 1706. والأعلام 6/ 149.

ص: 168

الإسماعيلي ونصر بن البطر القارئ. وأجازه أبو الحسين بن النقور في آخرين.

قال ابن السمعاني: ابن الشهرزوري شيخ صالح، حسن السيرة، قيم بكتاب الله، عارف باختلاف القراءات، جيد الأخذ على الطلاب، كتبت عنه؛ وذكر أن مولده سابع عشر ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وأربعمائة.

وتوفي في ليلة ثاني عشر ذي الحجة سنة خمسين وخمسمائة.

‌171 - المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم بن أحمد بن عبد الله بن الصّيرفيّ، أبو الحسين بن أبي القاسم، المعروف بابن الطيوري

(1)

:

من أهل الكرخ. محدّث بغداد ومسندها، سمع العالي والنازل. وكان أكثر مشايخ وقته سماعا، وأعلاهم إسنادا، وكتب بخطه ما لا يدخل تحت حصر. سمع أبا علي بن شاذان وأبا القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي وأبا عبد الله الحسين بن علي الصّيرفيّ وأبا الفرج الحسين بن علي الطناجيري وأبا طالب بن غيلان وأبا طاهر محمد ابن علي بن العلاف وأبا إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي والحسن بن علي الجوهري في آخرين. وسافر إلى البصرة فسمع بها أبا علي الحسن بن علي الشاموخي، وبواسط القاضي أبا جعفر محمد بن إسماعيل العلوي في آخرين.

وحدث بجميع مروياته. وروى عنه الأئمة والحفّاظ شرقا وغربا. روى عنه الحافظان أبو عامر العبدري وأبو عبد الله الحميدي وأبو منصور الجواليقي وعبد الوهاب الأنماطي والحافظ أبو طاهر السلفي في آخرين من الحفاظ والأئمة.

قال أبو نصر اليونارتي في معجم شيوخه وقد ذكر ابن الطيوري فقال: ثقة، ثبت، كثير الأصول، يحب العلم وأهله.

وقال أبو بكر بن الخاضبة: ابن الطيوري ممن يستسقى بحديثه.

أخبرنا شهاب الحاتمي قال: سمعت ابن السمعاني يقول: كان المؤتمن الساجي سيئ الرأي في ابن الطيوري، وكان يرميه بالكذب ويصرح بذلك مع أنه سمع منه الحديث

(1)

انظر: لسان الميزان 5/ 9. والعبر 3/ 356. والأعلام 6/ 151. وشذرات الذهب 3/ 412.

ومعجم المؤلفين 8/ 172. والمنتظم.

على هامش الأصل: «ذكره الأمير أبو نصر بن ماكولا في باب «الحمامي» بالتخفيف، فقال بعد كلام له: وصديقنا أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد ابن القاسم الصيرفي يعرف بالحمامي، سمع أبا علي بن شاذان وخلقا كثيرا بعده، وهو من أهل الخير والعفاف والصلاح، وأظن والده حدّث عن ابن شاذان».

ص: 169

وكتب عنه، وما رأيت أحدا من مشايخنا الثقات يوافق المؤتمن على ذلك، فإني سألت جماعة من مشايخنا عنه مثل عبد الوهاب بن الأنماطي وابن ناصر فأثنوا عليه ثناء حسنا، وشهدوا له بطلب الحديث والصدق والأمانة وكثرة السماع.

وقال محمد بن علي بن فولاذ الطبري: سألت أبا غالب الذهلي عن ابن الطيوري، فقال: لا أقول إلا خيرا، اعفني عن هذا! فألححت عليه وقلت له: رأينا سماعه- أنا والسمعاني

(1)

- بكتاب «الناسخ والمنسوخ» لابن عبيد ملحقا على رقعة ملصقا بالكتاب وكتاب «الفصل» لداود بن المجير كان سماعه إلى البلاغ بخط ابن خيرون، فأتم هو السماع للجميع بخطه؟ فقال: نعم! وغير ذا؟. وذكر المجلس عن الحرفي، فقال:

قط لم يسمع منه، وأخرجه في جزازة له بخطه، قالوا له: فأين كان إلى الساعة؟ قال:

كان قد ضاع، وجدته الآن. وقال الأسدي أيضا قريب منه.

وذكره السلفي وأثنى عليه، ثم قال بعد كلام له: كتبت عنه فأكثرت، وأخرج لي في جملة ما أخرج في سنة أربع وتسعين جزءا من حديث ما روى الخطابي كان يرويه عن أبي بكر بن النمط المقرر عنه فكتبته، وكان سماعا ملحقا بخطه، فحضرنا المجلس للقراءة على العادة، فأعطيته المؤتمن الساجي، فنظر فيه فرأى الإلحاق، فقال لي: رأيت هذا التسميع؟ قلت: نعم، والشيخ ثقة، جليل القدر، ربما نقله من نسخة أخرى وما ذكره ولا أحال عليه؛ فقال: نعم، يحتمل منه لأنه ثقة كبير. ثم رأيت بعد ذلك من هذا الخط غير جزء ابن النمط، أراني المؤتمن ومحمد بن منصور السمعاني، وكان أبو نصر محمود الأصبهاني حاضرا، فذكر أنه وقف على مثل هذا، قال: والعلة فيه أنه صاحب كتب كثيرة تنقل من نسخة إلى نسخة أخرى ولا يذكر الطبقة، وكذا التسميع اتكالا على ثقته. وحلف أبو نصر بالله أنه رأى مثل ذلك في أجزائه؛ ثم وجد في كتبه الأصول التي نقل منها. وأنا بعد وقفت على مثل ما ذكره أبو نصر، فالله أعلم.

مولده في ربيع الأول- وقيل: في ربيع الآخر- سنة إحدى عشرة وأربعمائة.

وتوفي في ليلة منتصف ذي القعدة سنة خمسمائة، ودفن بباب حرب. وكان صالحا.

‌172 - محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذاني، أبو الخطاب، الفقيه الحنبلي

(2)

:

(1)

في الأصل: «وأبا والسمعاني» .

(2)

انظر: النجوم الزاهرة 5/ 212. وشذرات الذهب 4/ 27. والبداية والنهاية 12/ 174. والمنتظم 17/ 152 - 155 وتذكرة الحفاظ 4/ 1261. والأعلام 6/ 178. وطبقات الحنابلة، ص 143.

والذيل لابن رجب 1/ 177.

ص: 170

درس الفقه على أبي يعلى بن الفراء، وصار إمام وقته وشيخ عصره، يدرّس ويفتي، وصنّف في المذهب والأصول؛ وكانت له يد حسنة في الأدب، ويقول الشعر اللطيف.

سمع الحديث من أبي محمد الحسن بن علي الجوهري وأبي طالب محمد بن علي العشاري والحسن بن غالب بن المبارك وأبي جعفر محمد بن المسلمة في آخرين، وكتب بخطه كثيرا من مسموعاته. روى عنه ابن ناصر والمبارك بن مسعود الغسال.

ومن شعره:

إن كنت يا صاح بوجدي عالما

فلا تكن لي في هواهم لائما

وإن جهلت ما ألاقي بهم

فانظر ترى دموعي السواجما

هم قتلوني بالصدود والقلى

وما رعوا في قتلي المحارما

يا من يخاف الإثم في قتلي ما

تخاف في سفك دمي المآثما؟

هبني رضيت أن تكون قاتلي

فهل رضيت أن تكون ظالما؟

سلوا النجوم بعدكم عن مضجعي

قل قرّ جنبي أو رأتني نائما؟

واستقبلوا الشمال كيما تنظروا

من حرّ أنفاسي بها شمائما

وهذه الأيك سلوا الأيك ألم

أعلّم النوح بها الحمائما

لقد أقمت بعد أن فارقتكم

على فؤادي بينهن قائما

وله:

وقرّبتني حتى تملكت مهجتي

وصرت حجابا بين قلبي والعذل

وأضرمت نيران الجوى في جوانحي

وأجريت دمعي [بين]

(1)

سكب ومنهل

تجافيت إما قاتلي أو معذبي

فهل لك نفع في عذابي وفي قتلي؟

خف الله في سفك الدماء فربما

ندمت على التفريط في موقف العدل

وقالوا ألا ينهاك عقلك عنهم

فقلت وهل أحببتهم ومعي عقلي

لقد بعتهم حلمي بحلو وصالهم

فخانوا فلا بالحلم فزت ولا الوصل

مولّد محفوظ الكلوذاني في ثاني شوال سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة.

وتوفي ببغداد في ثالث عشر جمادى الآخرة سنة عشر وخمسمائة، وقيل: في رابع

(1)

ما بين المعقوفتين ليست في الأصل.

ص: 171

عشر منه، ودفن إلى جانب الإمام أحمد.

‌173 - محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري، أبو القاسم النحوي

(1)

:

من أهل خوارزم، وزمخشر إحدى قراها. كان إماما في النحو واللغة، تشدّ إليه الرحال، وله في ذلك مصنفات. وكان فصيحا بليغا علّامة، قدم بغداد قبل الخمسمائة، وسمع بها من أبي الخطاب بن البطر، وتوجه إلى الحجاز فحجّ وأقام هناك مدة مجاورا، وعاد إلى خوارزم وأقام بها؛ ثم قدم بغداد بعد الثلاثين وخمسمائة.

لما قدم الزمخشري بغداد للحج جاءه الشريف أبو السعادات بن الشجري مهنّئا له بقدومه، فلما جالسه أنشده الشريف:

كانت مساءلة الركبان تخبرني

عن أحمد بن علي أطيب الخبر

حتى التقينا فلا والله ما سمعت

أذني بأحسن مما قد رأى بصري

وأنشده:

وأستكبر الأخبار قبل لقائه

فلما التقينا صغر الخبر الخبر

وأثنى عليه، ولم ينطق الزمخشري حتى فرغ الشريف من كلامه، فلما فرغ شكر الشريف وعظمه وتصاغر له وقال: إن زيد الخيل دخل على رسول الله عليه السلام، فحين بصر بالنبي صلى الله عليه وسلم رفع صوته بالشهادتين، فقال له الرسول: يا زيد الخيل! كل رجل وصف لي وجدته دون الصفة إلا أنت، فإنك فوق ما وصفت، ودعا له وأثنى عليه. قال: فتعجب الحاضرون من كلامهما لأن الخبر كان أليق بالشريف والشعر كانأليق بالزمخشري.

ومن شعره يرثي شيخه أبا مضر، يعني الزمخشري:

وقائلة ما هذه الدرر التي

تساقطها عيناك

(2)

سمطين سمطين

فقلت هو الدر الذي قد حشا به

أبو مضر أذني تساقط من عيني

مولده في سابع عشرين رجب سنة سبع وستين وأربعمائة.

وتوفي في ليلة عرفة من سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة بكركانج، وهي قصبة خوارزم

(1)

انظر: شذرات الذهب 4/ 118. وفيات الأعيان 4/ 254 - 260. والأعلام 8/ 55. والعبر 4/ 106. ومعجم الأدباء 19/ 126 - 135. وتذكرة الحفاظ 4/ 1283. ولسان الميزان 6/ 4.

وبغية الوعاة ص 388. والنجوم الزاهرة 5/ 274. والمنتظم 18/ 37 - 38.

(2)

في الهامش: «تساقط من عيناك» .

ص: 172

- قاله ابن السمعاني.

‌174 - مسعود بن المحسن بن الحسن بن عبد الرزاق بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو جعفر الهاشمي، المعروف بابن البياضي

(1)

:

شاعر مجود، رقيق الشعر، عذب الألفاظ، مليح المعاني. روى عنه أبو غالب الذهلي وأبو القاسم بن السّمرقندي.

ومن شعره قوله:

يقولون لي إن كان سمعك عاشقا

فما بال دمع العين في الخد جاريا

فقلت لهم قد لمت طرفي، فقال لي:

أتمنعني من أن أساعد جاريا

وقال:

يا من لبست بهجره ثوب الضنا

حتى خفيت به عن العواد

وأنست بالسهر الطويل فأنسيت

أجفان عيني كيف كان رقادي

إن كان يوسف بالجمال مقطّع ال

أيدي فأنت مقطّع الأكباد

توفي ابن البياضي في سادس عشر ذي القعدة سنة ثمان وستين وأربعمائة ببغداد.

ولابن البياضي أيضا:

ليس لي صاحب معين سوى اللي

ل إذ طال بالصدود عليّا

أنا أشكو بعد الحبيب إليه

وهو يشكو بعد الصباح إليّا

وله:

ألفت الضنا من بعدكم فلو انه

يزول إذا عدتم حننت إليه

وصار البكا لي مؤنسا فلو أنه

تغيّب عن عيني بكيت عليه

‌175 - المظفر بن الفضل بن يحيى، العلوي الحسيني، أبو علي بن أبي القاسم

(2)

:

قرأ الأدب وحفظ أشعار العرب، وقال الشعر في صباه فأجاد، ولم يزل في ارتفاع

(1)

انظر: شذرات الذهب 3/ 331 - 332. ومرآة الجنان 3/ 97. ووفيات الأعيان 4/ 285.

والأعلام 8/ 113. والمنتظم 16/ 175 - 176.

(2)

انظر: كشف الظنون، ص 1959. والأعلام 8/ 165

ص: 173

من فضله وتحصيله وجودة نظمه ونثره وحسن عبارته وعذوبة ألفاظه ورشاقة معانيه وملاحة خطه، وسمع الحديث.

أنشدني أبو علي المظفر الحسيني لنفسه:

كيف يشتاقك قلب

أنت في السوداء منه

إنما يشتاقتك التطر

ف الذي قد غبت عنه

وأنشدنا لنفسه:

ومفعمة الحجلين تشكو وشاحها

إلى القلب ما أشكوه من قلق الوجد

أتتني وقد نام السمير ولم أكن

على طمع في الوصل منها ولا الوعد

فبتنا جميعا والعفاف رقيبنا

وكفّ على كف وخد على خد

مولده بالموصل في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين وخمسمائة.

‌176 - معمر بن عبد الواحد بن رجاء بن عبد الواحد بن محمد بن الفاخر بن أحمد بن القاسم بن الفاخر بن محمد بن النعمان بن المنذر بن إسماعيل بن لقيط بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن كثير بن ربيعة بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو أحمد الق

رشي

(1)

:

من أهل أصبهان. كان من وجوه عدولها. طلب الحديث من صباه، وسمع ببلده من أبي الفتح أحمد بن محمد الحداد وأبي القاسم غانم بن محمد البرجي وأبي علي الحسن ابن أحمد الحداد في آخرين من أصحاب أبي نعيم الحافظ. وقدم بغداد بعد العشرين وخمسمائة وسمع بها أبا القاسم بن الحصين وأبا نصر بن رضوان وأبا غالب بن البناء، وعاد إلى أصبهان مشغولا بالسماع والقراءة على المشايخ؛ وقدم بغداد بعد ذلك تسع مرات ليسمع ويسمع أولاده ويحدّث. كتب الكثير، وكان موصوفا بالحفظ والمعرفة والثقة والصلاح والورع. وأملى عدة سنين، وصنّف وخرّج.

قال ابن السمعاني: معمر بن الفاخر أبو أحمد شاب كيّس، حسن الصحبة، جميل المعاشرة، سخي النفس، متوددا، يراعي حقوق الأصدقاء ويقضي حوائجهم، اصطحبنا بأصبهان مدة مقامي بها، وأكثر ما سمعت بإفادته، وكان يدور معي من

(1)

انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1319. ومرآة الجنان 3/ 377. وشذرات الذهب 4/ 214. والعبر 4/ 189. والأعلام 8/ 190.

ص: 174

الصباح إلى الليل على الشيوخ، كتب لي جزءا عن شيوخه، وحدثني به.

مولده لخمس بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وأربعمائة.

وتوفي في ثالث عشر ذي قعدة سنة أربع وستين وخمسمائة بطريق الحجاز بين مغيثة والواقصة عند المسجد المعروف بمسجد سعد، ودفن هناك. سمع منه الأئمة والحفاظ- رحمه الله.

‌177 - مكرم بن محمد بن حمزة بن محمد بن أحمد بن سلامة بن أبي الصقر، أبو المفضل القرشي

(1)

:

من أهل دمشق. سمع أبا يعلى حمزة بن علي بن الحبوبي الثعلبي وحمزة بن أسد بن القلانسي وأبا محمد عبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني في آخرين، وكان صحيح السماع. قدم بغداد وحدّث بها؛ وكان عسرا في الرواية.

مولده في رجب سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.

وتوفي بدمشق في ثاني رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة.

‌178 - منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل بن أحمد، أبو القاسم بن أبي المعالي، الصاعدي الفراوي

(2)

:

من أهل نيسابور، من أولاد المحدثين. سمع أباه وجده وجد أبيه وأبا القاسم زاهر ابن طاهر الشحامي وأبا محمد عبد الجبار بن محمد الخواري في آخرين. وقدم بغداد وحدّث بها. وكان شيخا نبيلا ثقة صدوقا، حسن الأخلاق متوددا.

مولده في رمضان سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.

وتوفي في ليلة السبت لسبع خلون من شعبان سنة ثمان وستمائة. وحدّث بالكثير.

‌179 - منوجهر بن محمد بن تركانشاه بن محمد بن الفرج، أبو الفضل بن أبي الوفاء الكاتب

(3)

:

كان أديبا فاضلا صادقا، حسن الطريقة صدوقا. سمع أباه وأبا عبد الله هبة الله بن أحمد الموصلي وأبا القاسم علي بن أحمد بن بيان في آخرين، وسمع المقامات للحريري

(1)

انظر: شذرات الذهب 5/ 174.

(2)

انظر: مرآة الزمان 8/ 758. وشذرات الذهب 5/ 34.

(3)

انظر: العبر 4/ 226. وبغية الوعاة 399. ومعجم الأدباء 19/ 196.

ص: 175

منه ورواها عنه مرارا، وهو آخر من روي عنه المقامات. روى عنه ابن السمعاني- ومات قبله، وروى عنه أيضا ابن الأخضر وابن الحصري وأحمد بن البندينجي.

مولده في ثاني عشر شوال سنة تسع وثمانين وأربعمائة.

وتوفي ببغداد في منتصف جمادى الآخرة سنة خمس وسبعين وخمسمائة، ودفن بباب حرب بوصيّة منه.

‌180 - المؤتمن بن أحمد بن علي بن الحسين بن عبيد الله، الربعي الساجي الديرعاقولي، أبو نصر بن أبي منصور بن أبي الحسن، الحافظ، يعرف بالمقدسي

(1)

:

حافظ، كامل، ثقة، نبيل، مجيد، واسع الرحلة، كثير الكتابة، صحيح النقل، جيد الضبط، حجّة. سمع أبا الحسين بن النقور وأبا القاسم عبد العزيز الأنماطي وعلي بن أحمد بن البسري. ورحل إلى الشام فسمع ببيت المقدس أبا عثمان محمد بن أحمد بن ورقاء الأصبهاني، وبصور الحافظ أبا بكر الخطيب، وبحلب أبا محمد الحسن بن مكي الشيزري، وعاد إلى العراق وسمع بأصبهان أبا عمرو عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن مندة، وسمع بنيسابور أبا بكر أحمد بن خلف الشيرازي، وبهراة عبد الله بن محمد الأنصاري في آخرين؛ وعاد إلى بغداد، وانقطع إلى حين وفاته. حدّث باليسير. روى عنه سعد الخير الأنصاري وأبو الفضل بن ناصر الحافظ في آخرين.

قال أبو الوقت عبد الأول بن عيسى: كان الإمام عبد الله الأنصاري إذا رأى مؤتمنا [قال]: لا يمكن أحدا أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دام هذا حيا.

قال أبو سعد بن السمعاني: سمعت عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي يقول: أقام المؤتمن عندنا بهراة قريبا من عشر سنين وقرأ ونسخ بخطه الكثير، كتب جامع الترمذي ست مرات، وكان فيه قناعة وعفة واشتغال بما يعنيه.

قال الحافظ أبو طاهر السلفي: لم يكن ببغداد أحسن قراءة للحديث من المؤتمن الساجي، كان لا يملي قراءته وإن طالت.

أنبأنا ذاكر بن كامل عن أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي. قال: ورأيت أنا من تساهله- يعني أبا نصر الساجي- أنّا كنا بنيسابور سنة ثمان وسبعين وكنا نحضر مجلس أبي بكر أحمد بن علي بن خلف الأديب، وكان لكل واحد منا نوبة يقرأ فيها، فظهر

(1)

انظر: شذرات الذهب 4/ 20. وتذكرة الحفاظ 4/ 1246. ومرآة الجنان 3/ 197. والعبر 4/ 15.

ص: 176

سماع الشيخ في الجزء الثاني من تفسير سفيان بن عيينة فقرأنا عليه، فلما كان يوم نوبتي، أخذ في قراءة الأول

(1)

من التفسير، فقلت له: وجدت السماع في الأول؟

قال: لا، قلت: فلم تقرأه؟ قال: تراه سمع الثاني ولم يسمع الأول؟ فذكرت ذلك للشيخ فمنعه من القراءة.

مولد الساجي في صفر سنة خمس وأربعين وأربعمائة.

وتوفي في سابع عشر صفر سنة سبع وخمسمائة ببغداد، ودفن بمقبرة الإمام أحمد بن حنبل.

‌181 - المؤتمن بن نصر بن أبي القاسم بن أبي الحسن، أبو القاسم بن أبي السعود التاجر

(2)

، عرف بابن قميرة

(3)

:

من أهل باب الأزج. سمع شهدة بنت الأبري، كتبت عنه، وهو شيخ حسن لا بأس به. سألته عن مولده فقال: سنة خمس وستين وخمسمائة- هذا آخر كلام ابن النجار المؤلف.

قلت: وتوفي ببغداد في ليلة السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة خمسين وستمائة ببغداد، وكان يسمى يحيى. وسمع أيضا من الحسن بن محمد بن شيرويه وأبي الرضا محمد بن بدر الشيحي وتجني بنت عبد الله الوهبانية، وحدث ببغداد ومصر.

سمع منه شيخنا محمد بن محمد بن عيسى الصوفي كتاب «الفرج بعد الشدة» . سمعت عليه أحاديث منتقاة منه.

‌182 - موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن بن محمد بن الجواليقي، أبو منصور بن أبي طاهر اللغوي

(4)

:

إمام أهل عصره في معرفة اللغة وكلام العرب، والمرجوع إليه في ذلك. قرأ الأدب على التبريزي ولازمه حتى نقل عنه كثيرا؛ وسمع الحديث من أبي القاسم علي بن أحمد ابن البسري وأبي طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصفر وطراد الزينبي ونصر بن أحمد بن البطر القارئ في آخرين. وكتب بخطه الكثير من كتب الأدب والحديث، وكان خطه مليحا، وضبطه صحيحا، وعلى خطه الاعتماد. روى عنه الأئمة ابن الجوزي وأبو

(1)

في الأصل: «للأحوال» .

(2)

انظر: شذرات الذهب 5/ 253.

(3)

في الأصل: «مميرة» .

(4)

انظر: شذرات الذهب 4/ 127. ووفيات الأعيان 4/ 424. وتذكرة الحفاظ 4/ 1286.

والأعلام 8/ 292. ومعجم الأدباء 19/ 205 - 207.

ص: 177

اليمن الكندي. وكان ثقة صدوقا حجّة نبيلا.

قال أبو سعد بن السمعاني: موهوب بن الجواليقي إمام في اللغة والأدب؛ وهو من مفاخر بغداد؛ وهو متدين ورع، غزير الفضل، وافر العقل، مليح الخط، كثير الضبط، صنّف التصانيف وانتشرت عنه، وشاع ذكره؛ ونقل بخطه الكثير، كتبت عنه.

وسألته عن مولده فقال: في سنة ست وستين وأربعمائة- وقيل: مولده في سنة خمس وستين في ذي القعدة، وتوفي في منتصف محرم سنة أربعين وخمسمائة ببغداد، وصلى عليه بجامع القصر، ودفن بباب حرب.

ص: 178

‌حرف النون

‌183 - ناصر بن عبد السيد بن علي المطرزي، أبو الفتح بن أبي المكارم، الأديب

(1)

:

من أهل خوارزم. كان في أعيان مشايخها، قرأ الأدب على [أبي]

(2)

المؤيد الموفق ابن أحمد بن علي المكي خطيب خوارزم وعلى والده أبي المكارمحتى برع في معرفة النحو واللغة، وصنّف كتبا حسانا، وشرح المقامات لابن الحريري وكان قد قرأ طرفا من الفقه على مذهب أهل العراق، وشيئا من الكلام على مذهب المعتزلة. وكان شديد التعصب، داعية إلى الاعتزال. قدم علينا في آخر سنة إحدى وستمائة، فحج وعاد. سمع الحديث من أبي عبد الله محمد بن علي بن أبي سعيد التاجر.

أنشدنا ناصر المطرزي لنفسه:

وزند ندى فواضله ورى

ورند ربى فصائله نضير

ودر جلاله أبدا ثمين

ودر نواله أبدا غزير

مولده في رجب سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة.

وتوفي بخوارزم في الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة عشر وستمائة. وكان مولده بخوارزم.

‌184 - نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، أبو الفتح الكاتب، المعروف بابن الأثير

(3)

:

من أهل جزيرة ابن عمر، ولد بها في آخر شعبان سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، وقرأ الأدب وعانى البلاغة والإنشاء حتى حاز قصب السبق في ذلك. وصنّف مصنفات في الأدب، وولى الوزارة للملك الأفضل على بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب. ثم سكن الموصل، وكان ذا لسان وعارضة وفصاحة وبيان. قدم بغداد مرارا رسولا من الموصل. وحدّث ببغداد و «بكتابه المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» .

(1)

انظر: الأعلام 8/ 311. ووفيات الأعيان 5/ 6. ومرآة الجنان 4/ 20 - 21. ومعجم الأدباء 19/ 212. وبغية الوعاة، ص 402، وكشف الظنون، ص 139.

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

(3)

انظر: شذرات الذهب 5/ 187، 189. ووفيات الأعيان 5/ 25 - 32. وبغية الوعاة، ص 404. ومرآة الجنان 4/ 97 - 100.

ص: 179

ومن شعره قوله:

رضيت بما يرضى به لي بحبه

وقدت إليك النفس قود المسلم

ومثلك من كان الفؤاد شفيعه

يكلمه عني ولم أتكلم

قدم رسولا في منتصف ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وستمائة. فبقى أياما ومرض، وتوفي في تاسع عشري الشهر المذكور، ودفن بمقابر قريش- رحمه الله.

[قال الشيخ ذكي الدين في وفياته: توفي ابن الأثير في أحد الجمادين من السنة.

وقال: مولده في العشرين من شعبان سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بجزيرة ابن عمر.

وكان يلقب ضياء الدين- رحمه الله]

(1)

.

‌185 - نصر الله بن هبة الله بن عبد الباقي بن هبة الله بن الحسين بن يحيى بن بزاقة الغفاري الكناني، أبو الفتح الكاتب

(2)

:

من أهل مصر. سكن دمشق، وكان خصيصا بالملك المعظم عيسى بن أبي بكر بن أيوب، ثم بابنه داود من بعده، وقدم معه بغداد في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وأقام بها مدة، وكتبنا عنه. وهو أديب فاضل، مليح النظم والنثر، ظريف، حسن المجالسة، طيب المحاضرة.

أنشدني أبو الفتح نصر الله بن هبة الله المصري لنفسه:

ولما أبيتم سادتي عن زيارتي

وعوضتموني بالعباد عن القرب

ولم تسمحوا بالوصل في حال يقظتي

ولم يصطبر عنكم لرقته قلبي

نصبت لصيد الطيف نومي حباله

فأدركت خفض العيش في النوم بالنصب

وأنشدني أبو الفتح نصر الله بن هبة الله لنفسه:

ما لك في الخلق عاشق مثلي

فكيف تختار في الهوى قتلي

إن أنكرت مقلتاك سفك دمي

خلى بخديك شاهدا عدل

لكنني غير طالب قودا منك

ولا راغبا إلى عقل

ولا ليوم المعاد أدخره

بل أنت منه في أوسع الحل

يا فارغ القلب جد على دنف

فؤاده من هواك في شغل

وعدتني إن تزورني فعسى

تقصر عما أطلت من مطل

(1)

ما بين المعقوفتين كتب على الهامش الأصل.

(2)

انظر: شذرات الذهب 5/ 252. والأعلام 8/ 354. والجواهر المضيئة 2/ 199.

ص: 180

مرارة الهجر ذقتها فمتى

تذيقني من حلاوة الوصل؟

يا عاذلي فيه عد على عذل

فلست أصغى فيه إلى العذل

أمرت بالصبر عن تذكره

من لي إن اسطعته من لي؟

لكن هواه غطاء على بصري

وسمعي فالفؤاد في خبل

فكيف أصغى لما يقول بلا سمع

ولا ناظر ولا عقل؟

سألت أبا الفتح بن البزاقة عن مولده، فقال: ولدت في رجب سنة تسع وسبعين وخمسمائة.

‌186 - نصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر، البزاز، أبو الخطاب بن أبي بكر القارئ

(1)

:

من ساكني باب الغرمة. سمع بإفادة أخيه من أبي محمد عبد الله بن عبيد الله بن يحيى البيع وأبي حفص عمر بن أحمد بن عثمان البزاز العكبري وأبي الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه وأبي بكر أحمد بن طلحة بن هارون المنقى وأبي طالب مكي بن علي ابن عبد الرزاق الحريري في آخرين. وعمر حتى تفرد بالرواية عن جماعة من شيوخه.

روى عنه الحفاظ كعبد الوهاب الأنماطي وأبي القاسم بن السّمرقندي ومحمد بن ناصر وسعد الخير الأنصاري وأبي طاهر السلفي في آخرين.

قال الحافظ أبو طاهر السلفي: سألت شجاع الذهلي عن نصر بن أحمد بن البطر، فقال: حدث عن جماعة، وكان مريب الأمر، ليّنا في الرواية.

قال السلفي: راجعته في ذلك وقلت: ما عرفنا مما ذكرت شيئا، وما قرئ عليه شيء يشك فيه، وسماعاته كالشمس وضوحا، فقال: لعمري هو كما ذكرت، غير أني وجدت في بعض ما كان له به نسخة سماعا يشهد القلب ببطلانه، ولم يحمل عنه شيء من ذلك.

كتب إليّ علي بن المفضل الحافظ بن علي بن عتيق الأنصاري أخبره عن القاضي عياض بن موسى التجيبي قال: سألت القاضي أبا علي الحسين بن محمد الصوفي المعروف بابن سكرة عن نصر بن البطر، فقال: شيخ مستور ثقة.

سأله السلفي عن مولده فقال: سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة.

(1)

انظر: شذرات الذهب 3/ 402. والعبر 3/ 340.

ص: 181

وتوفي في سادس عشر ربيع الأول سنة أربع وتسعين وأربعمائة، ودفن بباب حرب.

‌187 - نصر بن محمد بن علي بن أبي الفرج، أبو الفتوح بن أبي الفرج بن الحصري الوقاياتي الحافظ

(1)

:

من أهل همذان. قرأ القرآن بالقراءات على أبي بكر محمد بن عبيد الله بن الزاغوني والمبارك بن الحسن بن الشهرزوري في آخرين. ثم إنه قرأ الأدب وحصّل منه طرفا صالحا وطلب الحديث، وصحب الحافظ أبا بكر الباقداري وأخذ عنه علم الحديث، سمع أبا الوقت عبد الأول وأبا المظفر هبة الله بن أحمد بن محمد بن الشبلي وأبا محمد محمد بن أحمد بن عبد الكريم المادح وأبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي وأبا القاسم هبة الله بن الحسن بن هلال وأبا بكر أحمد بن المقرب الكرخي وأبا القاسم هبة الله بن الفضل المتوثي في آخرين. ولم يزل يسمع ويقرأ إلى أواخر عمره.

سمعنا منه وبقراءته، وكان يقرأ قراءة صحيحة إلا أنه يدغمها بحيث لا يفهم، ويكتب خطّا رديئا جدا؛ وكان من حفاظ الحديث العارفين بفنونه، متقنا ضابطا، غزير الفضل، كثير المحفوظ، ثقة صدوقا حجة نبيلا، من أعلام الدين وأئمة المسلمين. وكان يصوم الدهر ويكثر التلاوة. وخرج عن بغداد إلى مكة، وجاور بها نيفا وعشرين سنة، مديما للصيام والقيام، ويكثر الطواف والعمرة حتى أنه يكون يطوف في كل يوم وليلة سبعين أسبوعا. ثم إنه خرج من مكة في آخر عمره لما اشتد القحط، سافر إلى اليمن، فأدركه أجله بها.

سألت ابن الحصري عن مولده، فقال: أخبرني والده أنه في رمضان سنة ست وثلاثين وخمسمائة.

وبلغنا أنه توفي باليمن في بلدة تعرف بالمهجم في المحرم، وقيل في شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وستمائة- والله أعلم.

(1)

انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1382. والنجوم الزاهرة 6/ 253. وشذرات الذهب 5/ 83.

وطبقات القراءة 2/ 338.

ص: 182

‌حرف الهاء

‌188 - هبة الله بن الحسن بن المظفر بن الحسن بن السّبط الهمذاني أبو القاسم

(1)

:

من أولاد المحدثين. أسمعه والده الكثير في صباه، وعمّر حتى حدّث بالكثير، وانفرد بأكثر مسموعاته؛ وكان شيخنا قيّما ذكيا متأدّبا، لطيف المحاضرة، وفيّا، حلو الاستشهاد؛ وكان يعمل من الطرف والملح أشياء غريبة، من ذلك أنه عمل شطرنجا كاملا من آبنوس وعاج وزنه حبتان وأرزة، وأنه كان ينقله بالسفت الذي يكون للصائغ لأن الأنامل تعجز عن ضبطه لصغره وخفائه وكان على قدر حبة الخردل. ثم إن أبا القاسم هذا كبر وعجز وافتقر واحتاج إلى الناس، فساءت أخلاقه، وصار وسخا قذرا في جميع أحواله، لا يتنزه عن النجاسات، ولم يكن في دينه بذاك، فكان عسرا في التحديث، وكان يبغض هذا الشأن ويسبّ أباه كيف أسمعه الحديث. سمع أباه وأبا نصر أحمد بن عبد الله بن رضوان وأبا العز أحمد بن كادش وهبة الله بن الحصين وأبا الحسين محمد بن محمد بن الحسين بن الفراء ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري في آخرين. وكان صدوقا، صحيح السماع.

سألته عن مولده فقال: في سنة عشر وخمسمائة، وقرأت بخط والده: قال ولد ولدي هبة الله في ليلة الحادي والعشرين من رجب سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.

وتوفي في عشري محرم سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ببغداد، ودفن من الغد بالقصرية.

آخر الجزء السابع من «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» .

(1)

انظر: طبقات الشافعية للسبكي 4/ 320 والعبر 4/ 184. والدارس في تاريخ المدارس 1/ 416. ومرآة الجنان 8/ 273.

ص: 183

الجزء الثامن من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد

للحافظ محب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود بن الحسن ابن النجار انتقاء كاتبه الواثق بالله أحمد بن أيبك بن عبد الله

ص: 185

بسم الله الرحمن الرحيم

‌189 - هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين، أبو الحسين بن أبي محمد بن أبي الحسين، الفقيه الشافعي، المعروفبالصائن ابن عساكر:

أخو الحافظ أبي القاسم علي، وكان الأكبر. قرأ القرآن بالقراءات على أبي الوحش سبيع بن قيراط المقرئ، وسمع الحديث من الشريف أبي القاسم علي بن إبراهيم بن العباس العلوي وأبي طاهر بن الحنائي وأبي الحسن وأبي الفضل ابني الموازيني وأبي القاسم بن هلال، وقرأ الفقه على أبي الحسن علي بن المسلم ونصر الله ابن محمد المصيصي، ثم قدم بغداد في سنة عشر وخمسمائة وعلق درس الخلاف على أسعد الميهني، وقرأ أصول الفقه على أبي الفتح بن برهان، وأصول الكلام على أبي عبد الله بن القيرواني، وسمع الحديث من أبي علي محمد بن سعيد بن نبهان وأبي علي محمد بن محمد بن عبد العزيز بن المهدي.

قال ابن السمعاني: هبة الله بن عساكر من أهل دمشق، أحد من عني بجمع الحديث، وسمع الكثير، وكان طريفا فاضلا مطبوعا كيّسا معاشرا حريصا على طلب العلم.

وسألته عن مولده فقال: في رجب سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وتوفي في الثالث والعشرين من شعبان سنة ثلاث وستين وخمسمائة، ودفن بباب الصغير.

‌190 - هبة الله بن الحسين بن يوسف، أبو القاسم الأصطرلابي، المعروف ببديع الزمان

(1)

:

كان وحيد عصره وفريد دهره في علم الهندسة والهيئة، وكانت له معرفة حسنة بالأدب، وشعر مليح، وقد دوّن شعره، وروى منه شيئا. سمع منه أبو محمد الخشاب وأبو الوفاء بن الحصين.

ومن شعره قوله:

قيل لي قد عشقته أمرد الخد

وقد قيل: إنه نكريش

(1)

انظر: وفيات الأعيان 5/ 101 - 103. ومعجم الأدباء 19/ 273 - 275. ومرآة الزمان 8/ 184. ومرآة الجنان 3/ 261. والأعلام 9/ 58. وفوات الوفيات 2/ 614 - 616

ص: 187

قلت: فرخ الطاوس أحسن ما كا

ن إذا ما علا عليه الريش

وقال أيضا:

جدر لم التحى حبيبي

فماج في عشقه خصومي

وأرجفوا بالسلو عني

وشنعوا عنده لشومي

وكيف أسلو وقد رماني

خداه بالمقعد المقيم؟

وفروز الورد بالغتوا لي

ونقط البدر بالنجوم

وقال:

ولما بدا خط بخد معذبي

كظلمة ليل في ضياء نهار

تهتك ستري في هواه ولم أزل

خليع عذار في جديد عذار

وقال:

إن

(1)

هوى ذوي العذر

عذرا كلما أعتم الملام تبلج

كان قتلي ورد الخدود وقد

صار بلاي ورد عليه بنفسج

وله:

صبها صرفا فلما

قابلت ضوء السراج

ظنها في الكأس نارا

وطفاها بالمزاج

توفي البديع في رابع عشرين جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، ودفن بالوردية.

‌191 - هبة الله بن عبد الوارث بن علي بن أحمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم ابن جعفر بن بوزي، أبو القاسم الحافظ

(2)

:

من أهل شيراز. كان واسع الرحلة، جوّالا في الآفاق، مبالغا في الطلب والاجتهاد.

سمع بفارس والعراق وقومس وديار مصر والشام والثغور والسواحل، وجمع وخرّج وصنّف تاريخ شيراز، وكان من الحفاظ الثقات. سمع بشيراز أبا منصور عبد الجبار بن عبد العزيز المصري وأبا الفوارس عبد الوارث بن أحمد بن عبد الرحمن الواعظ،

(1)

كلمة ممسوحة.

(2)

انظر: شذرات الذهب 3/ 279. وتذكرة الحفاظ 4/ 1215. والأعلام 8/ 61. والعبر 3/ 314. والمنتظم 16/ 314.

ص: 188

وبأصبهان أبا الطيب عبد الرزاق بن عمر بن يوسف بن سمه التاجر وأبا بكر أحمد بن الفضل بن محمد الباطرقاني، وبهمذان أبا طالب ذا المحاسن بن الحسن بن علي الحسني، وبالكرخ أبا الصفا ناصر بن علي بن محمد الواعظ، وبعمان أبا الحسن علي بن أحمد ابن عبد العزيز الأنصاري، وبالبصرة أبا تمام محمد بن الحسن بن موسى المقرئ، وبواسط أبا تمام محمد بن الحسن العبدي، وبالكوفة أبا أحمد عبد الكريم بن المطلب بن محمد الهاشمي، وبالمدينة أبا علي الحسن بن أحمد بن عبد الله العثماني، وبصنعاء القاضي أبا الحسن أحمد بن محمد بن الحسن الأنباري، وبمصر أبا الحسين محمد بن مكي الأزدي وأبا محمد عبد الله بن عبيد الله بن محمد بن الحسن المحاملي وأبا إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله الحبال في آخرين، وقدم بغداد وسمع بها الشريفين أبا الحسين محمد بن علي بن المهتدي وأبا الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون والقاضي أبا يعلى بن الفراء في آخرين، وحدث.

قال يحيى بن عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن مندة: هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي قدم أصبهان مرات وكتب عن أصحاب ابن المقرئ، سافر كثيرا، وتغرّب في طلب الحديث. كثير الكتب، حسن الخلق، جميل الطريقة، كان يختلف إلى سماع الحديث إلى أن مات.

قال ابن السمعاني: توفي هبة الله الشيرازي في رمضان سنة خمس وثمانين وأربعمائة بمرو، ودفن بجنب يعقوب بن على باب رباطه. وكان به علة البطن، وكان في الليلة التي مات في صبيحتها احتاج إلى القيام سبعين مرة؛ ففي كل نوبة كل يغتسل في النهر إلى أن توفي على الطهارة.

‌192 - هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة بن علي بن عبيد الله بن حمزة بن محمد بن عبيد الله بن علي الملقب بأغر بن الأمير عبيد الله المعروف بالطبيب بن عبد الله بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو السعادات بن أبي الحسن العلوي الحسني،

المعروف بابن الشجري

(1)

.

من أهل الكرخ. كان شيخ وقته في معرفة النحو. قرأ الأدب على الشريف أبي المعمر يحيى بن محمد بن طباطبا. قرأ عليه الأدب أبو محمد بن الخشاب وأبو اليمن

(1)

انظر: وفيات الأعيان 5/ 96 - 100. وتذكرة الحفاظ 4/ 1294. والنجوم الزاهرة 5/ 281.

والأعلام 8/ 62. ومرآة الجنان 275: 3. والعبرة 4/ 116. وشذرات الذهب 4/ 132. ومعجم الأدباء 19/ 282 - 284. وفوات الوفيات 2/ 610.

ص: 189

الكندي. وسمع كتاب المغازي لسعيد بن يحيى بن سعيد الأموي من أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار الصّيرفيّ ورواه عنه.

كان ابن الشجري قد أنشد شيئا من نظمه في مجلس علي بن طراد الوزير فلم يجد فيه، وكان ابن حكينا حاضرا، فعمل هذين البيتين ارتجالا:

يا سيدي والذي يعيذك من زلة

لفظ يصدى به الفكر

ما فيك من جدك النبي سوى

أنك لا ينبغي لك الشعر

قال ابن السمعاني: هبة الله بن الشجري النحوي نقيب الطالبيين، أحد أئمة النحاة، له معرفة تامة باللغة والنحو. صنّف في النحو تصانيف، وكان فصيحا، حلو الكلام، حسن البيان والإفهام.

قرأ الحديث بنفسه على جماعة من المتأخرين مثل أبي الحسين بن الطيوري وأبي علي بن نبهان، كتبت عنه.

مولده في رمضان سنة خمسين وأربعمائة.

وتوفي في السادس والعشرين من رمضان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ببغداد، ودفن في داره بالكرخ، وحدث.

‌193 - هبة الله بن المبارك بن موسى بن علي بن غنم بن خالد السقطي، أبو البركات

(1)

:

طلب الحديث بنفسه، وسمع الكثير، وقرأ على المشايخ، وكتب بخطه، وحصل بجدّ واجتهاد، وسافر إلى واسط والبصرة والكوفة والموصل وأصبهان والجبال وسمع هناك، وبالغ في الطلب، وكتب عن المتقدمين والمتأخرين، حتى كتب عن أقرانه وعن جماعة حدثوه عن شيوخه. وكان حافظا، وله أنس بالأدب، ومعرفة بالسير والتواريخ وأيام الناس، وحدث باليسير؛ ولم يكن موثوقا به. كان متهافتا، قليل الإتقان، ضعيفا. سمع القاضي أبا يعلى محمد بن الحسين بن الفراء وأبا الحسين محمد بن علي بن المهتدي ومحمد بن أحمد بن النّرسيّ وأحمد بن محمد بن النقور وأبا جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة وأبا الغنائم محمد بن علي بن الدجاجي وأبا الحسن جابر بن ياسين الحنائي في آخرين. روى عنه الحافظ أبو طاهر السلفي وعبد القادر بن أبي صالح الجيلي في آخرين. وخرّج لنفسه معجما في نيف وعشرين جزءا، وحدث به.

(1)

انظر: الأنساب 7/ 153. والذيل على طبقات الحنابلة. والعبر 4/ 19. ولسان الميزان 6/ 189.

ومعجم المؤلفين 13/ 144. وشذرات الذهب 4/ 26. والأعلام 9/ 94.

ص: 190

سأله السلفي عن مولده، فقال: في سنة ثمان وأربعين- يعني وأربعمائة.

قال ابن السمعاني: هبة الله بن السقطي، قرأت في معجم شيوخه: أنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه وأنا أسمع، وهذا محال!.

قرأت بخط أبي بكر بن فولاذ: ذاكرت شجاعا الذهلي برواية السقطي عن الجوهري، قال: ما سمعنا بهذا قط، وضعفه فيه جدا.

قال ابن السمعاني: سألت الحافظ أبا الفضل بن ناصر عن السقطي: أكان ثقة؟

فقال: لا والله، حدّث بواسط عن شيوخ لم يرهم، وظهر كذبه عندهم؛ وسمعت ابن ناصر غير مرة يقول: السقطي لا شيء، هو مثل نسبه من سقط المتاع.

توفي في يوم الاثنين رابع عشر ربيع الأول سنة تسع وخمسمائة ببغداد، ودفن بباب حرب عند منصور بن عمار. وكان يتسامح فيما يرويه- قاله المبارك بن كامل الخفاف.

‌194 - هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن إبراهيم بن الحصين بن شيبان الشيباني، أبو القاسم بن أبي عبد الله الكاتب

(1)

:

أسمعه والده في صباه من أبي علي بن المذهب مسند الإمام أحمد بن حنبل، وفوائد أبي بكر الشافعي من ابن غيلان، وأخبار اليشكري من الأمير أبي محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله، وتفرد برواية ذلك عنهم وسمع أيضا أبا القاسم علي بن المحسن التنوخي وأبا محمد الجوهري وأبا الطيب الطبري الفقيه وعمر، وقصده الطلاب من الأقطار، وصارت الرحلة إليه، وألحق الأبناء بالآباء، وسمع منه الحفاظ، كالحافظ أبي موسى وأبي القاسم بن السّمرقندي وابن الخشاب وابن طبرزد- وهو آخر من روى عنه. وكان قد خرّج له ابن ناصر أربعين مجلسا من أصول سماعاته، وأملاها بجامع القصر في كل جمعة بعد الصّلاة، فاستملاها عليه ابن ناصر، وكتبها الناس ورووها عنه. وكان شيخا حسنا متيقظا صدوقا صحيح السماع.

مولده في صفر سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وقيل في رابع ربيع الأول.

وتوفي في رابع عشر شوال سنة خمس وعشرين وخمسمائة ببغداد، ودفن بباب حرب- رحمه الله.

(1)

انظر: شذرات الذهب 4/ 77. ومرآة الجنان 3/ 245. والمنتظم 17/ 268.

ص: 191

‌195 - هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن بن محمد بن عبد الملك بن طلحة القشيري، أبو الأسعد بن أبي سعيد بن أبي القاسم

(1)

:

من أهل نيسابور، من بيت العلم والتصوف والإمامة. حضر على جده وسمع أباه وعميه أبا سعد عبد الله وأبا منصور عبد الرحمن وأبا صالح أحمد بن عبد الملك بن علي المؤذن وأبا نصر عبد الرحمن بن علي بن موسى التاجر وأبا بكر محمد بن إبراهيم ابن يحيى المزكي وأبا عمرو عبد الوهاب بن عبد الرحمن السلمي وأبا سعيد محمد بن عبد العزيز الصفار وجدّته فاطمة بنت أبي علي الدقاق في آخرين. وقدم بغداد وحدّث بها، وسمع بها من أبي القاسم بن بيان وغيره، وتفرد بالرواية عن جده.

أخبرنا الحاتمي أنّ ابن السمعاني قال: هبة الرحمن بن عبد الواحد القشيري خطيب نيسابور، وهو مقدم القشيرية بها، ويرجع إلى فضل ويمن ومعرفة بعلوم القوم، طريف، حسن الأخلاق؛ وحضرت مجلس إملائه، وسمعت جماعة من أصحابنا أنه ادّعى سماع الرسالة عن جده وغيرها من تصانيفه، وما ظهر له أصلا فيه سماعه عنه غير أجزاء من حديث أبي العباس السراج ومجالس من إملائه وكتاب عيون الأجوبة في فنون الأسئلة.

مولده في العشرين من جمادى الأولى سنة ستين وأربعمائة.

وتوفي يوم الأربعاء ودفن يوم الخميس رابع عشر شوال سنة ست وأربعين وخمسمائة، ودفن عند أجداده بنيسابور.

‌196 - ياقوت بن عبد الله الرومي، أبو عبد الله الكاتب، مولى عسكر، الحموي التاجر

(2)

:

قرأ الأدب وكتب الخط المليح، وجالس العلماء، وسمع الحديث، وكتب من الأدب كثيرا، وصنف كتبا حسنة مفيدة، منها كتاب «أخبار الأدباء» ، وكتاب «أخبار الشعراء» ، وكتاب «أسماء البلدان والجبال والمياه والأماكن» ، وتاريخا على السنين وغير ذلك. وكان غزير الفضل، صحيح النقل، متحرّيا، صدوقا، له النظم الحسن والنثر الجيد.

(1)

انظر: طبقات الشافعية للسبكي 4/ 322. وتذكرة الحفاظ 4/ 1309. وشذرات الذهب 4/ 140. والعبر 4/ 125. والأعلام 9/ 57. ومرآة الجنان 3/ 284.

(2)

انظر: النجوم الزاهرة 6/ 152. وشذرات الذهب 5/ 121. ومرآة الجنان 4/ 95. ومعجم المؤلفين 13/ 178. ومعجم الأدباء 8/ 157.

ص: 192

أنشدني ياقوت الحموي لنفسه:

أقول لقلبي وهو في الغيّ جامح

أما آن للجهل القديم يزول

أطعت مهاة في الجدار خريدة

وكنت على أسد الفلاة تصول

ولما رأيت الوصل قد حيل دونه

وأن لقاكم ما إليه سبيل

لبست رداء الصبر لا عن ملالة

ولكنني للضيم فيك حمول

توفي بحلب في العشرين من رمضان سنة ست وعشرين وستمائة، ولم يبلغ الستين، ووقف كتبه ببغداد.

قلت: كتب عنه الحافظ أبو محمد المنذري في معجم شيوخه، وقال: سمعته يقول:

مولدي سنة أربع أو خمس وسبعين وخمسمائة.

أنشدنا أبو عمر يوسف بن عمر الفقيه الحنفي العدل قراءة عليه وأنا أسمع، قال:

أنشدنا الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري قال: أنشدنا الأديب الفاضل أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي لنفسه، قال: واستيقظت من النوم، فجرى على لساني هذه الأبيات من غير قصد ولا رويّة، فأنشدتها كأني أحفظها:

لعمرك ما أبكي على رسم منزل

ودار خلت من زينب ورباب

ولكنني أبكي على زمن مضى

تسود فيه بالذنوب كتابي

وأعجب شيء أنه لا يصدني

عن اللهو شيب حال دون شبابي

وقد جلى بازي للمشيب بعارضي

وما طار عن وكر الذنوب غرابي

فيا رب جد بالعفو منك فإنني

مريض حريض لما بي

ولا لي أهل في بلاد ومعشر

يعدون أيامي لوقت إيابي

وإن سرت عن دار فما من مشيع

ولا ملتق إن جئتها بركابي

(1)

ولا سكن أعتده لملمة

ولا أحد يرجى لدفع [مصابي]

(2)

(1)

في الأصل: «بالركابي» .

(2)

ما بين المعقوفتين من هامش الأصل.

ص: 193

‌حرف الياء

‌197 - يحيى بن الحسين بن أحمد بن جميلة، أبو زكريا الضرير المقرئ

(1)

:

من أهل أوانا. قدم بغداد في صباه وتلقّن بها القرآن وأتقنه، وقرأ بالقراءات الكثيرة على المشايخ، ولازم مجالس العلم، وحصل النسخ والأصول؛ ولم يزل في التحقيق والتجويد وضبط القراءات والإتقان حتى صار أحد القرّاء المشار إليهم. قرأ القرآن بالقراءات على عمر بن ظفر المغازلي وأبي الكرم بن الشهرزوري؛ وانحدر إلى واسط وقرأ بها على أبي الكرم محفوظ بن الحسين بن عبد الباقي بن التاريخ، وسمع الحديث من أبي عبد الله محمد بن علي بن الجلابي وأبي العباس بن الطلاية وأبي الفضل بن ناصر وابن الشهرزوري في آخرين؛ وحدّث كثيرا، سمعت منه، ولم يكن ثقة، ولا مرضيا في دينه ولا في روايته، فإنه كان مرتكبا للفواحش والمنكرات في المساجد. رأيته مرارا يبول في بالوعة المسجد ويخلّ بالصلوات. وكان يدّعى أنه قرأ على أبي محمد بن بنت الشيخ بجميع ما عنده ويروي عنه، ولم يكن بيده خطه؛ ولم يذكر أحد من تلامذة أبي محمد أنه رآه عنده قط.

مولده في ليلة رابع عشري ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.

وتوفي في ليلة ثالث عشري صفر سنة ست وستمائة، ودفن بباب حرب.

‌198 - يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد، أبو الفضل الطبري الخطيب، المعروف بالحصكفي

(2)

:

كان فقيها فاضلا أديبا بليغا، مليح الشعر، لطيف المعاني، رقيق الغزل، وكان يتشيع. قدم بغداد، وجالس أبا زكريا التبريزي، فقرأ عليه شيئا من شعره.

ومن شعر الحصكفي من أول قصيدة:

أقوت مغانيهم فأقوى الجسد

ربعان كل بعد سكن فدفد

أسأل عن قلبي وعن أحبابه

ومنهم كل فقير يجحد

وهل يجيب أعظم باليد

أو رأيتم دارسه من ينشد

توفي بميافارقين في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وكان مولده بعد الستين.

(1)

انظر: طبقات القراء 2/ 368. وشذرات الذهب 5/ 23.

(2)

انظر: النجوم الزاهرة 5/ 328. ووفيات الأعيان 15/ 651. والأعلام 9/ 183. ومعجم الأدباء 20/ 18 - 19. والمنتظم 18/ 1280133.

ص: 194

‌199 - يحيى بن عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن يحيى بن مندة، أبو زكريا بن أبي عمرو بن أبي عبد الله، الإمام العبدي

(1)

:

من أهل أصبهان. سمع الحديث من أبي بكر محمد بن عبد الله بن ريذة وأبي العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن النعمان وأبي عبد الله محمد بن علي الجصاص وأبي طاهر أحمد بن محمود الثقفي وأبيه أبي عمرو وعمّيه أبي الحسن عبيد الله وأبي القاسم عبد الرحمن، ورحل إلى خراسان، فسمع بنيسابور من أبي بكر أحمد بن منصور بن خلف المغربي وأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. وصنّف وأملى. ودخل بغداد، وحدّث بها، وأملى بجامع المنصور. سمع منه ابن الخشاب وعبد الوهاب الأنماطي.

قال شيرويه بن شهردار الديلمي قال: يحيى بن عبد الوهاب بن مندة كان حافظا فاضلا مكثرا، صدوقا، ثقة، يحسن هذا الشأن جيدا جدا، كثير التصانيف، شيخ الحنابلة ومقدمهم، حسن السيرة، بعيدا من التكلف، متمسكا بالمآثر.

قال الحافظ أبو موسى في معجم شيوخه: أنا الحافظ الأصيل أبو زكريا بن مندة، وكان مولده في تاسع عشر شوال سنة أربع وثلاثين- يعني وأربعمائة.

وتوفي في حادي عشر ذي حجة سنة إحدى عشرة- يعني وخمسمائة- رحمه الله.

‌200 - يحيى بن علي بن الحسن بن محمد بن موسى بن بسطام، الشيباني الخطيب، أبو زكريا

(2)

:

من أهل تبريز. سافر في طلب علم الأدب إلى الأقطار، فقرأ على عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني وأبي سعيد الحسين بن الحسين البيضاوي، وقرأ بالبصرة على أبي القاسم الفضل بن محمد بن علي القصباني، وببغداد على أبي محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن الدهان في آخرين؛ وسمع بها الحديث وكتب الأدب على أبوي الحسين هلال بن المحسن الصابئ ومحمد بن محمد بن السراج وأبي الطيب الطبري وأبي محمد الجوهري في آخرين، وسافر المعرة، ولازم أبا العلاء أحمد بن عبد الله التنوخي وقرأ عليه كثيرا من مصنفاته، ودخل الشام وقرأ بصيدا على عالي بن عثمان بن جني، وسمع الحديث من الفقيه سليم بن أيوب الرازي والحافظ أبي بكر الخطيب، وصنّف

(1)

انظر: وفيات الأعيان 5/ 217. وتذكرة الحفاظ 4/ 1250. والعبر 4/ 25. والأعلام 8/ 194.

(2)

انظر: شذرات الذهب 4/ 5، 6. ووفيات الأعيان 5/ 238. والنجوم الزاهرة 197. والأعلام 8/ 197. والأنساب 3/ 16. ومعجم الأدباء 20/ 25. ومعجم المؤلفين 13/ 214. والمنتظم 17/ 114 - 116.

ص: 195

مصنفات حسنة، منها تفسيرا للغريب وإعرابا، وشرح اللمع لابن جني، وشرح الحماسة ثلاثة شروح، وشرح ديوان المتنبي وديوان أبي تمام الطائي وسقط الزند للمعرّي. وسكن بغداد إلى حين وفاته، وتولى تدريس الأدب بالمدرسة النظامية. وكان إماما في اللغة، حجة في النقل، له معرفة تامة بالنحو، وكان صدوقا ثبتا نبيلا، انتهت إليه الرئاسة في فنّه، واتفقت الألسن على تفرده في وقته. روى عنه أبو بكر الخطيب في مصنفاته- وهو من شيوخه- وابن الجواليقي وابن ناصر والسلفي وسعد الخير الأنصاري في آخرين.

ومن شعر الخطيب قوله يرثي غلاما له مات بالموصل:

دفنت بدر التم بالموصل

فلا سقاه الغيث من منزل

يا صبر لا خل به مؤنسي

وارتحل الركب ولم ترحل

ما كنت إلا مقطعا جنب ال

وصل فلم سميت بالموصل؟

قال السلفي في معجم شيوخه: أبو زكريا يحيى التبريزي إمام في اللغة والنحو، ثقة، قرأ على أبي العلاء المعري وعلى عالي بن عثمان بن جني، وسمع أبا الطيب الطبري والجوهري؛ وله مؤلفات كثيرة، منها تفسير القرآن وغيره.

سألته عن مولده، فقال: في سنة إحدى عشرة وأربعمائة.

قال ابن السمعاني: سمعت أبا منصور بن خيرون يقول: أبو زكريا التبريزي ما كان مرضي الطريقة، وذاكرت أبا الفضل بن ناصر بما ذكره ابن خيرون فسكت، وكأنه ما أنكر ما قال، ثم قال: ولكن كان ثقة في اللغة وما كان ينقله.

توفي مساء يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسمائة بعد أن كان عبر يوم الاثنين- وهو صحيح- إلى النقيب الطاهر أبي الحسن علي بن معمر العلوي يهنئه

(1)

بالنقابة، فهنأه وعاد من عنده، فاشتهى أن تعمل له دجاجة، فعملت وأكل منها ثم نام، فانتبه في بعض الليل، فاستسقى غلامه، فأتاه بالماء، فوجده قد مات، ودفن بباب أبرز وهو في عشر التسعين- قاله أبو عمر العبدري.

‌201 - يحيى بن عيسى بن جزلة، أبو علي الطبيب

(2)

:

(1)

في الأصل: «تهنيته» .

(2)

انظر: النجوم الزاهرة 5/ 166. ووفيات الأعيان 5/ 310، 311. ومعجم المؤلفين 13/ 218.

والأعلام 9/ 202.

ص: 196

كان نصرانيا، وكان يقرأ المنطق على أبي علي بن الوليد شيخ المعتزلة ويلازمه، فلم يزل يدعوه إلى الإسلام ويشرح له الدلالات حتى أسلم. وكان عالما بالحكمة والطب.

وله مصنفات حسنة مفيدة في الطب، منها كتاب منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان.

ومن شعره قوله يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وشاهر السيف قبل السيف الذرهم

والناس قد عكفوا جهلا على هبل

إمام معجزة قولا ونممه

فعلا فأحكمه بالقول والعمل

توفي في آخر شعبان سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة، وكان وقف كتبه في مشهد أبي حنيفة.

‌202 - يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد بن حسين بن أحمد بن الحسن بن جهم بن عمر بن هبيرة بن علوان، أبو المظفر الوزير

(1)

:

قلده الإمام المقتفي لأمر الله الوزارة وخلع عليه. وكانت أيام وزارته منيرة بالعدل، مزهرة بالجود والفضل، وكان محبا لأهل العلم، يحضر مجلسه الفقهاء والأدباء والقرّاء وأصحاب الحديث، ويبحث مع كل منهم في فنه، فيسفر فكره عن فائدة لطيفة ونكتة ظريفة، ويشهد له الجماعة بوفور فضله وجلالة قدره. وكانت له مصنفات حسنة في عدة فنون من العلم والقراءات والحديث والأدب، وأجلّها كتاب الإفصاح عن معاني الأحاديث الصحاح، شرح فيه أحاديث صحيحي البخاري ومسلم، وبيّن فقهها ولغتها ومعانيها بألفاظ تعرب عن نبله وجلاله، وتفصح عن بعد مرماه في الفضل وكماله، وتبين عن غزارة علمه وحسن تصوره وفهمه.

وقرئ عليه في مجلس عام جامع لأئمة أهل الإسلام ثم إنه رتب لحفظ هذا الكتاب من المتعلمين ألفا وثمانمائة طالب، وجعل لهم مائة وأربعين معيدا لتحفيظهم وتفقيههم بحيث لم يبق مسجد ولا مدرسة إلا ويلقي فيهما درس منه. وبعد حفظ الطلبة لدروسهم يحضرون مع مفيدهم في حضرة الوزير فيقرءونه من حفظهم، فيوصل إليهم من المبارّ والأنعام ما يدهش سائر الأنام. ويقال: إنه أنفق على هذا الكتاب حتى جمعه مائة ألف دينار وثلاثة عشر ألف دينار. سمع الحديث من أبي عثمان إسماعيل بن قيلة وأبي القاسم هبة الله بن الحسين وأبي غالب بن البنا وأبي الحسين محمد بن محمد بن

(1)

انظر: النجوم الزاهرة 5/ 300. ووفيات الأعيان 5/ 274 - 287. وشذرات الذهب 4/ 191.

والأعلام 9/ 222. والدارسي 1/ 409. والعبر 4/ 212. والمنتظم 18/ 55 ومرآة 8/ 255.

ص: 197

الفراء وأبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وعبد الوهاب الأنماطي، وحدّث وأملى عدة مجالس بالديوان الزمامي.

ومن شعره قوله:

ربما فاتك ما تهواه والخيرة فيه

وكثيرا يعطب الإنسان فيما يشتهيه

وينال المرء ما يرجوه فيما يتقيه

توفي ليلة الأحد لاثنتي عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ستين وخمسمائة ببغداد.

وكان مولده في صفر سنة تسع وستين وأربعمائة- قاله ابن شافع.

أنشد القاسم بن عمر الخليع لنفسه يوم مات الوزير:

مات يحيى ولم نجد بعد يحيى

ملكا ماجدا به يستعان

وإذا مات من زمان كريم

مثل يحيى به يموت الزمان

‌203 - يحيى بن نزار بن سعيد، أبو الفضل التاجر

(1)

:

من أهل منبج. قدم بغداد واستوطنها، وكان من ذوي الثروة الواسعة والحرفة الكاملة. وله شعر حسن لطيف.

أخبرنا شهاب الحاتمي أن ابن السمعاني [قال] أنشدنا يحيى بن نزار المنبجي لنفسه:

لو صدّ عنّي دلالا أو معاتبة

لكنت أرجو تلاقيه وأعتذر

لكن ملالا فلا أرجو تعطفه

جبر الزجاج عزيز حين ينكسر

قال: وأنشدني لنفسه:

وأغيد غض زاد خط عذاره

لعاشقه في همه والبلابل

تموج بحار الحسن في وجناته

فتقذف منها عنبرا في السواحل

وتجرى بخديه الشبيبة ماءها

فتنبت ريحانا جنوب الجداول

مولده بمنبج في محرم سنة ست وثمانين وأربعمائة.

وتوفي ببغداد في ليلة سادس ذي حجة سنة أربع وخمسين وخمسمائة، ودفن بالوردية، وكان سبب موته أنه وجد في أذنه ثقلا، فاستدعى إنسانا في الطرقية فامتص أذنه، فخرج شيء من مخه، فكان سبب موته- قاله صدقة بن الحسين بن الحداد.

(1)

انظر: النجوم الزاهرة 5/ 300. ووفيات الأعيان 5/ 274 - 287. وشذرات الذهب 4/ 191.

والأعلام 9/ 222. والدارسي 1/ 409. والعبر 4/ 212. والمنتظم 18/ 55 ومرآة الجنان 8/ 255.

ص: 198

‌204 - يعقوب بن صابر بن أبي البركات بن عمّار بن علي بن الحسين بن علي بن حوثرة القرشي، أبو يوسف المنجنيقي

(1)

:

حراني الأصل. كان أديبا فاضلا، مليح الشعر لطيفه، ذا معان مطبوعة، وألفاظ سهلة. سمع أبا المظفر هبة الله بن عبد الله بن السّمرقندي، وحدّث، وكان حسن الأخلاق.

أنشدنا يعقوب بن صابر الحراني لنفسه:

كيف يسخو العاشق بوصال با

خل في الكرى بطيف الخيال

علق القرط حين بلبل صدغيه

بداج من فرعه كالليالي

فرأينا الدجى وقد سحب البدر إل

يه من قرطه بهلال

وأنشدنا أيضا لنفسه:

شكوت منه إليه جوره فبكى

واحمرّ من خجل واصفرّ من وحل

بالورد والياسمين الغض منغمس

في الطل بين البكاء والعذر والعذل

مولده في رابع محرم سنة أربع وخمسين وخمسمائة ببغداد، وتوفي بها في ليلة ثامن عشري صفر سنة ست وعشرين وستمائة، ودفن بمقابر قريش.

‌205 - يوسف بن خليل بن عبد الله الآدمي، أبو الحجاج الدمشقي

(2)

:

سمع الكثير ببلده، وقدم بغداد في سنة سبع وثمانين وخمسمائة، وسمع بها من أصحاب أبي القاسم بن بيان وأبي علي بن نبهان وأبي طالب بن يوسف في آخرين.

ثم سافر إلى أصبهان، وسمع بها من أصحاب أبي علي الحداد وغانم البرجي وأبي منصور الصّيرفيّ في آخرين. وعاد فسمع بالموصل ودخل ديار مصر وسمع بها البوصيري والشفيقي في آخرين. وكتب بخطه الكثير، وكان يكتب خطّا حسنا، ويفهم هذا الشأن فهما جيدا. ثم إنه قدم بغداد بعد العشرين وستمائة حاجّا وحدّث بها، كتب عنه أبو عبد الله الواسطي، ثم إنه عاد إلى حلب واستوطنها، وحدّث بها بالكثير على استقامة وحسن طريقة ومعرفة، كتبت عنه بحلب ونعم الشيخ هو.

مولده في سنة خمس وخمس وخمسمائة بدمشق.

(1)

انظر: وفيات الأعيان 6/ 35 - 45. وشذرات الذهب 5/ 120. ومعجم المؤلفين 13/ 250.

والأعلام 8/ 161.

(2)

انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1410. ومعجم المؤلفين 13/ 279. وشذرات الذهب 5/ 243.

وذيل طبقات الحنابلة، وص 235. والأعلام 8/ 304. والدارس في تاريخ المدارس 1/ 514.

ص: 199

قلت: وتوفي بحلب في ليلة عاشر جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وستمائة، ودفن من الغد ظاهر باب أربعين- سمعت من أصحابه رحمهم الله تعالى. ومعجم شيوخه يزيدون على أربعمائة شيخ- نقلته من خط الشريف عز الدين الحسيني.

ص: 200

‌الكنى

‌206 - أبو عبد الله بن خليفة الدوري:

ذكره أبو عبد الله الكاتب في كتاب «الخريدة» ، وقال: أنشدت له بيتين يهجو بهما ابن كامل العواد أحلى من نغمة العود، وألطف من نعمة الرود، وأطيب من وجدان الحظ المنشود، وأحسن من الروض المعهود، وهما:

إن وفت لابن كامل صنعة العود

فقد خانه غناء وحلق

هو للضرب مستحق ولكن

هو بالضرب للغناء أحق

قال: وله رباعيات في حسن الربيع بالمعنى البديع واللفظ الرصيع، فمنها:

يا من هربي منه وفيه أربي

ضدان هما عذاب قلبي التعب

أحيي وأموت وهو لا يشعر بي

كم وا حزني منه وكم وا طربي

قال ومنها:

يا من أدعو فيستجيب الدعوى

لا يحسن بي إلى سواك الشكوى

أنت المبلى فكن مزيل البلوى

لا مسعد للضعيف إلا الأقوى

‌207 - أبو الفوارس الصوفي، الملقب «قتيل الحب»:

روى عنه أبو علي أحمد بن البرداني أناشيد، منها ما أنشده لغيره.

قلت: وهما للشريف الرضى من جملة أربعة أبيات:

سهمك مدلول على مقتلي

فمن يرى سهمك يا نابل

قد رضى المقتول كل الرضى

وا عجبا لم يخط القاتل

وأنشد لبعضهم، أعنى قتيل الحب:

يا غائبا عن سواد عيني

حللت من قلبي السوادا

ما غبت عن ناظري ولكن

نفيت عن مقلتي الرقادا

‌208 - أبو المعالي بن محمد بن أحمد بن محمد الشروطي:

من أهل باب البصرة، كان شاعرا رقيق الشعر، لطيف الطبع.

ذكره أبو عبد الله الكاتب في «الخريدة» ، وقال: أذكره في أوان الصبى، ودكانه بباب النوبي، فجمع الظرفاء والأدباء، وهو يعمل شعرا ويلقبه صناع الغناء؛ فمن

ص: 201

نظمه قوله:

نادى منادي البين بالترحال

فلذلك المعنى تغير حالي

رصت ركابهم فلما ودعوا

رفعوا على الأجمال كل جمال

فجرت دموع في خدود خلتها

الياقوت قد نثرت عليه لآلي

وتفرق الشمل المصون وقبل ذا

لم يخطر البين المشت ببالي

توفي في ربيع الأول سنة خمس وأربعين وخمسمائة ببغداد، ولم يبلغ الأربعين.

ص: 202

‌ومن النساء

‌209 - بدر التمام بنت الحسين بن محمد بن عبد الوهاب الدباس

(1)

:

كان والدها يعرف بالبارع. وكانت شاعرة رقيقة الشعر، ومن شعرها قولها:

جمالك بين الورى عاذري

وذكرك في ليلتي سامري

ولا صح ودك لي إن سلوت

ولا جال حبك في خاطري

أما لان قلبك يا هاجري

ولا رقّ للمدنف الساهر؟

‌210 - بنان، جارية المتوكل:

كانت شاعرة- ذكرها أبو الفرج الأصبهاني. خرج المتوكل يوما يمشي في صحن القصر وهو متكئ على يد بنان ويد فضل الشاعرة فمشى شيئا، ثم أنشد قول الشاعر:

تعلمت أسباب الرضا خوف هجرها

وعلّمها حبي لها كيف تغضب

ثم قال: أجيزي هذا البيت! فقالت فضل:

يصد وأدنو بالمودة جاهدا

ويبعد عني بالوصال وأقرب

فقلت:

وعندي له العتبى على كل حالة

فما منه لي بد ولا عنه مذهب

‌211 - بوران بنت الحسن بن سهل وزير المأمون:

يقال

(2)

: إن اسمها خديجة.

ذكر الطبري أن المأمون تزوجها في سنة اثنتين ومائتين وبنى لها في رمضان سنة عشر بفم الصلح، فلما دخل عليها نثرت عليهما جدتها ألف درة كانت في صينية ذهب، فأمر المأمون أن تجمع فجمعت كما كانت في الطبق ووضعها في حجر بوران وقال: هذه نحلتك، وسلي حوائجك، [فأمسكت]

(3)

فقالت لها جدتها: كلمي سيدك واسأليه حوائجك فقد أمرك، فسألته الرضا عن إبراهيم بن المهدي، فقال: فقد فعلت؛

(1)

انظر: وفيات الأعيان 1/ 258. وتاريخ الطبري 10/ 271. والأعلام 2/ 56. والدر المنثور في طبقات ربات الخدور، ص 102.

(2)

انظر: تاريخ الطبري 10/ 251

(3)

ما بين المعقوفتين من الطبري وليست في الأصل.

ص: 203

وسألته الإذن لأم جعفر في الحج، فأذن لها، وألبستها أم جعفر البدنة الأموية. وابتنى بها في ليلته وأوقد في تلك الليلة شمعة عنبر فيها أربعون منا في تور ذهب، وأقام المأمون عند الحسن بن سهل سبعة عشر يوما، وكان مبلغ ما أنفق ابن سهل على المأمون وعسكره خمسين ألف ألف درهم، وأمر المأمون بعد انصرافه أن يدفع إلى الحسن عشرة آلاف ألف من مال فارس. وأقطعه الصلح؛ فحملت إليه على المكان.

وكانت [

]

(1)

فجلس الحسن ففرقها في قوّاده وحشمه وأصحابه. ويقال: إن الحسن كتب رقاعا فيها اسماء ضياعه ونثرها على القواد وعلى بني هاشم، فمن وقعت في يده رقعة منها فيها اسم ضيعة بعث فتسلمها. لما بنى المأمون على بوران، فرش له حصير من ذهب مسقوف، ونثر عليه جواهر، فجعل بياض الدر يشرق على صفرة الذهب وما مسّه أحد. فوجه الحسن إلى المأمون: هذا نثار يجب أن يلقط، فقال المأمون لمن حوله من بنات الخلفاء: شرفن أبا محمد، فمدت كل واحدة منهن يدها، فأخذت درة وبقي باقي الدّر يلوح على الذهب حصير. فقال المأمون: قاتل الله أبا نواس حيث يقول:

كأن صغري وكبري من فواقعها

حصباء درّ على أرض من الذهب

فكيف لو رأى هذا معاينة! وكان أبو نواس في هذا الوقت قد مات لما دخل المأمون على بوران أراد أن يقبضها، فلما كاد مشت فقالت: أتى أمر الله فلا تستعجلوه! ففهم المأمون قولها فوثب عنها. ومن شعر بوران بنت الحسن بن سهل ترثي المأمون:

أسعداني على البكا مقلتيا

صرت بعد الإمام للهم فيّا

كنت أسطو على الزمان فلما

مات صار الزمان يسطو عليّا

مولدها في صفر سنة اثنتين وتسعين ومائة، وتوفيت في ربيع الأول سنة إحدى وسبعين ومائتين ببغداد، وقد بلغت من السن ثمانين سنة.

‌212 - تجني بنت عبد الله الوهبانية، أم عتب عتيقة محمد بن وهبان

(2)

:

سمعت طراد الزينبي والحسين بن أحمد بن أحمد بن محمد النعالي، وهي آخر من

(1)

مكان النقط ممسوح في الأصل، وفي تاريخ الطبري 10/ 272. «وكانت معدة عند غسان بن وعياد».

(2)

انظر: شذرات الذهب 4/ 250. والعبر 4/ 223.

ص: 204

روت عنهما، روى عنها ابن السمعاني ومات قبلها. وكانت صالحة، صحيحة السماع.

مولدها سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وتوفيت في شوال سنة خمس وسبعين وخمسمائة.

‌213 - فاطمة بنت أبي حكيم عبد الله بن إبراهيم الخبري

(1)

:

سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة وأبا محمد عبد الله بن محمد الصريفيني وأبا الحسين بن النقور وأبا القاسم يوسف بن محمد بن أحمد المهرواني وأبا منصور محمد بن محمد بن عبد العزيز العكبري في آخرين، وحدثت، وكانت امرأة صالحة.

وسمع منها ابن أختها الحافظ أبو الفضل ناصر وأبو أحمد بن سكينة.

مولدها في جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين وأربعمائة. وتوفيت ليلة خامس رجب سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، ودفنت بباب أبرز.

‌214 - نعمة بنت علي بن يحيى بن علي بن محمد بن الطراح، المدعوة بستّ الكتبة

(2)

:

سمعت جدها. وكانت امرأة حسنة صادقة.

مولدها في سابع ذي حجة سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وتوفيت في ليلة ثامن عشري ربيع الأول سنة أربع وستمائة بدمشق، ودفنت خارج باب الفراديس، وحدثت بالكثير.

آخر الجزء الثامن من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد وهو آخر ما وقع عليه الاختيار من الذيل المذكور والله الموفق.

وكتب بتنقية أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامي عرف بابن الدمياطي وهو يستغفر الله تعالى ويسأله الإنابة والتوفيق والهداية.

(1)

انظر: مرآة الزمان 8/ 175. والمنتظم 18/ 7.

(2)

انظر: مرآة الزمان 8/ 539. وشذرات الذهب 5/ 12. والأعلام للزركلي 8/ 11

ص: 205