الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب العين
عاص
وعُويصٌ: واديان عظيمان بين مكَّة والمدينة. قال عبد بن حبيب الصَّاهليُّ
(1)
:
ألا أبلغْ يمانينَا بأنَّا
…
قتلْنَا أمسِ رَجْلَ بني حبيبِ
/357 قتلناهم بقتلى أهلِ عَاصٍ
…
فقَتلى منهمُ مُرْدٍ وشِيبِ
عَاصمُ،
كصاحبٍ: أُطُمٌ بالمدينة ابتناه بنو عبد الأشهل، وكان على الفقارة في أدنى بيوت بني النَّجَّار، ويقال: كان لحيٍّ من اليهود، وكانوا في بني عبد الأشهل، ويقال: بل كان لرهط حُذيفة بن اليمان
(2)
حليف بني عبد الأشهل.
عَاقِلٌ،
بكسر القاف: جبلٌ يناوح مَنْعِجاً
(3)
، قال جريرٌ
(4)
:
لَعمرُكَ لا أنسى لياليَ مَنْعِجٍ
…
ولا عاقلاً إذ منْزلُ الحيِّ عاقلُ
وقال ابنُ السِّكِّيت
(5)
:
(1)
شاعرٌ من بني هذيل فارس جاهلي.
والبيتان في شرح أشعار الهذليين 2/ 770 من قصيدة قالها يوم سُمْي، وفي معجم البلدان 4/ 67، و الثاني في معجم ما استعجم 3/ 912.
(2)
صحابي جليل، كان صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين. شهد أحداً وما بعدها، روى عنه عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وشارك في الفتوحات الإسلامية. توفي سنة 36 هـ. أسد الغابة 1/ 468، الإصابة 1/ 317.
(3)
يُناوح: يقابل. القاموس (نوح) ص 246، و مَنْعجاً: وادٍ. معجم البلدان 5/ 212، ويسمى العاقل اليوم: العاقلي.
(4)
البيت في (ديوانه) ص 332 من قصيدة يمدح بها الحجاج بن يوسف.
(5)
معجم البلدان 4/ 68، والبيت للنابغة الذُّبياني. في (ديوانه) ص 88، وروايته فيه:(كأني شددْتُ الرَّحْلَ حين تشذَّرَتْ).
القارح: الذي طلع نابه. القاموس (قرح) ص 235، (بزل) ص 966.
كأني شددْتُ الكُورَ حيث شددْتُه
…
على قارحٍ، ممَّا تضمَّنَ عاقلُ
قال ابنُ الكلبيِّ: عاقلٌ: جبلٌ كان يسكنه الحارث بن آكل المُرار
(1)
، جدُّ امرئ القيس الشَّاعر.
ويقال: عاقل: وادٍ بنجد، وقال أعرابيٌّ
(2)
:
ولم يبقَ من نجدٍ هوىً غيرَ أنني
…
يُذكِّرني رِيحُ الجنوبِ ذُرى الهَضْبِ
وأني أحبُّ الرِّمْثَ من أرض عاقلٍ
…
وصوتَ القطا في الظِّلِّ والمطرِ الضَّرْبِ
فإنْ أكُ من نجدٍ-سقى اللهُ أهلَهِ
…
بمنآةٍ منه فقلبي على قُرْبِ
وقال لبيدُ بن ربيعةَ
(3)
:
تمنَّى ابنتايَ أنْ يعيشَ أبوهما
…
وهل أنا إلا من ربيعةَ أو مُضَرْ
ونائحتانِ تندُبَانِ بعاقلٍ
…
أخا ثقةٍ لا عينَ منه ولا أثَرْ
وفي ابني نزارٍ أُسوةٌ إنْ جَزعتُما
…
وإنْ تسألاهم تُخْبَرا منهمُ الخَبَرْ
فقوما فقولا بالذي قد عَلِمتُما
…
ولا تَخْمِشَا وجهاً ولا تَحْلِقَا شَعَرْ
وقولا: هو المرءُ الذي لا خليلَهُ
…
أضاعَ ولا خانَ الصَّديقَ ولا غَدَرْ
(1)
الملك الحارث بن عمرو، آكل المُرار، سمي آكل المرار؛ لأن عمرو بن الهبولة الغساني أغار عليهم، وكان الحارث غائباً فغنم وسبى، وكان فيمن سبي امرأة الحارث بن عمرو، فقالت لعمرو في مسيره: لكأني برجل أدلم أسود كأن مشافره مشافر بعير آكل مرار قد أخذ برقبتك فسمي آكل المرار .. جمهرة النسب ص 492، نسب معدٍ 1/ 168، السيرة النبوية 4/ 228، شرح القصائد السبع الطوال ص 3.
والمُرار: شجر مُرٌّ. القاموس (مرر)474.
(2)
الأبيات في معجم البلدان 4/ 69. الضَّرْب: المطر الخفيف. القاموس (ضرب) ص 107.
(3)
الأبيات في ديوانه ص 79 قالها يخاطب ابنتيه لما حضرته الوفاة. معجم البلدان 4/ 69. ولبيد شاعر فارس شجاع، أحد أصحاب المعلقات، نزل الكوفة، ومات بها سنة 40 هـ. طبقات فحول الشعراء 1/ 135، أسد الغابة 4/ 314، الإصابة 3/ 326.
إلى الحولِ ثمَّ اسمُ السَّلامِ عليكما
…
ومَنْ يبكِ حولاً كاملاً فقد اعتذَرْ
العَاليَةُ،
تأنيث العالي، اسمٌ لكلِّ ما كان من جهة نجد من المدينة، من قُراها وعمائرها، إلى تهامة.
وأمَّا ما كان دون ذلك من جهة تهامة فهي السَّافلة.
وقال قومٌ: العاليةُ ما جاوز الرُّمَّة إلى مكَّة، وأهلُها عُكْلٌ وتَيمٌ وطائفة من بني ضَبَّة، وعامرٌ كلُّها، وغَنِيٌّ، وباهلةُ، وطوائف من بني أسد، وعبد الله بن غطفان
(1)
، ومن شَقِّه الشَّرقيِّ: أبان بن دارم
(2)
، وهم علويون، وأهل إمَّرة من بني أسد وألمامهم
(3)
. وطائفة من عوف بن كعب
(4)
/358 بن سعد بن سليم وبعض هوازن ومحارب كلُّها، وغطفان كلها علويون نجديون، ومن أهل الحجاز من ليس بنجديٍّ ولا غُوريٍّ، وهم الأنصار، ومُزينة، ومَنْ خالطهم من كنانة ممن ليس مِنْ أهل السيف فيما بين خيبر إلى العرج فما يليه إلى الحرة.
وقال أبو منصور
(5)
: عالية الحجاز: أعلاها بلداً وأشرفها موضعاً، وهي بلاد واسعة، وإذا نسبوا إليها قالوا: عُلْويٌّ، والأنثى عُلْوية على غير قياس.
وقد قالوا: عَاليٌّ على القياس أيضاً. قال الفَرَّاءُ
(6)
: تركوها ونسبوا إلى
(1)
عبد الله بن غطفان بن سعد من بني جذام. نسب معد ص 203، جمهرة أنساب العرب ص 421. وتحرّفت (بن غطفان) في الأصل إلى:(من غطفان).
(2)
أبان بن دارم بن مالك، أمُّهم هند بنت الحارث بن تيم الله، من أهل الجاهلية. جمهرة النسب ص 195.
(3)
تحرّفت في الأصل إلى: (والماء لهم).
(4)
تزوج عوف بن كعب السعفاء بنت غنم، وأنجبت له عطارداً، وبهدلة، وجشم، وبرنيقاً. ويقال لبنيها: الجذاع. جمهرة النسب ص 236.
(5)
هو الأزهريُّ. في تهذيب اللغة 3/ 187.
(6)
أبو زكريا، يحيى بن زياد، شيخ الكوفيين في النحو واللغة، قرأ على أبي جعفر الرؤاسي والكسائي، وأخذ عنه سلمة بن عاصم، وأبو عبيد القاسم بن سلام. توفي سنة 207 هـ. من كتبه (معاني القرآن) ط، و (المقصور والممدود) ط. طبقات النحويين واللغويين ص 144، وفيات الأعيان 6/ 176، بغية الوعاة 2/ 333.
مصدرها، إذ كانت العالية في المعنى ليست بأب ولا قبيلة، إنما هو نسب إلى علو من الأرض. وحكى القَصريُّ
(1)
عن أبي عليٍّ
(2)
: قالوا في النَّسب إلى العالية: عُلْوي وعَلَويٌّ، فنسبوا إلى العالية على المعنى.
وعالى الرجل وأعلى: إذا أتى إلى عالية نجد، ورجلٌ مُعَالٍ. قال بشر بن أبي خازم:
مُعاليةٌ لا هَمَّ إلا مُحجِّرٌ
…
وحرَّة ليلى السَّهلُ منها وَلُوبُها
وإياها أراد الشَّاعر بقوله
(3)
:
إذا هبَّ عُلويُّ الرِّياحِ وجدْتَني
…
يَهَشُّ لِعُلويّ الرياحِ فؤاديَا
وإن هبَّتِ الرِّيحُ الصَّبا هَيَّجَتْ لنا
…
عقابيلَ حُزْن لا يجدْنَ مُدَاويا
وقال الزُّبير-في تسمية أودية العالية عالية المدينة-: وبُطحان (وخبت نصيبين)
(4)
. مذينب: يأتي من سد عبد الله بن عمرو بن
(1)
أبو الطيب القصري، محمد بن طوس، من النحويين المعتزلة أحد تلاميذ أبي علي الفارسي، أملى عليه المسائل القصريات، وبه سميت. مات شاباً. معجم الأدباء 18/ 206، بغية الوعاة 1/ 122.
(2)
أبو علي الفارسي، الحسن بن أحمد، أحد عباقرة النحو، أخذ عن أبي إسحاق الزجاج، وأبي بكر ابن السراج، وأخذ عنه ابن جني، وعلي بن عيسى الربعي، اتصل بالسلطان عضد الدولة وحظي عنده. توفي سنة 377 هـ. من كتبه (الإيضاح العضدي) ط، و (الحجة في القراءات) ط. معجم الأدباء 7/ 349، إنباه الرُّواة 2/ 219، بغية الوعاة 1/ 496. وذكر أبو علي الفارسي في (التكملة) ص 241: وما لم يستمر في القياس قولهم في النسب إلى العالية: علويٌّ.
(3)
البيتان في معجم البلدان 4/ 71. العقابيل: بقايا العِلَّة والعشق. القاموس (عقبل) ص 1034.
(4)
غير واضح في الأصل، وفي عمدة الأخبار ص 364: جثيب نصبين، لكن في (تحقيق النصرة) ص 186: يأتي من التحيب، ثم يسكب ذو صلب ورانوناء في سد عبد الله بن عمرو.
عثمان
(1)
ومن الحرة، ويلتقي هو ووادٍ آخر عند الجبل الذي يقال له: مكمن أو مقمن.
وأما ذو صلب فيأتي من السد
(2)
.
وأمَّا ذو ريش فيأتي من جوف
(3)
الحَرَّة.
وأمَّا مَهزور فيأتي من بني قُريظة.
وأمَّا بُطْحان فيأتي من صدور جفاف
(4)
.
وأمَّا معجف
(5)
فيأتي سيله، وكان يمرُّ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال مرَّةً-عن غير واحد من الأنصار في سيول عالية المدينة من حيث تفترق: مذينيب شعبة تسيل من بطحان، يأتي مذينيب إلى الروضة روضة بني أمية، ثمَّ يتشعَّب من الرَّوضة نحواً من خمسة عشر جزءاً في أموال بني أمية، ثم يخرج من أموالهم حتى يدخل في بُطحان، وصدور مذينيب وبطحان يأتيان من الحَلائَيْنِ حلائي صعب
(6)
على سبعة أميال من المدينة أو نحو ذلك ومصبها في زَغَابة حيث تلتقي السيول عند أرض سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(1)
حفيد عثمان بن عفان، وأمه حفصة بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب، كان من أجمل الناس، ولقب المطرف لجماله. تزوج فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب. المعارف لابن قتيبة ص 199.
(2)
يراجع تفصيل سير هذه الأودية في وفاء الوفا 3/ 1072.
(3)
في الأصل: (جرف).
(4)
قال العياشيُّ: أما جفاف فالمقصود به حرَّة قربان التي فيها أم أعشر وأم أربع، وحصن كعب بن الأشرف. المدينة بين الماضي والحاضر ص 413.
(5)
في تاريخ ابن شبة 1/ 170: ومُعجب: هو الذي يمرُّ سيله في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
(6)
تقدمت في حرف الحاء.
وسيل مهزور مصدره من حَرَّة شَوران، وهو يصبُّ في أموال بني قريظة ثم يأتي المدينة فيشقُّها
(1)
، ويمرُّ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم /359 ثم يصبُّ في الزَّغَابة
(2)
.
عاند،
بكسر النُّون ثمَّ دالٍ مهملة: وادٍ بجنب السُّقيا من عمل الفُرع، ويروى: عايذ بالياء والذال المعجمة.
قال ربيعة بن مقروم الضَّبيُّ
(3)
:
فَدارَتْ رَحَانا بِفُرسانهم
…
فعادوا-كأنْ لم يكونوا-رَميما
بِطعنٍ يجيشُ لهُ عانِدٌ
…
وضربٍ يفلقُ هاماً جُثوما
عِرْقٌ عانِدٌ: لا يرقأ دمه، وأصله من عنود الإنسان: إذا بغى.
عَايِذٌ،
بالذال المعجمة: جبل قرب الرَّبذة.
عَايِرٌ:
ثنيَّةٌ عن يمين رَكوبة. ويقال فيه بالغين المعجمة أيضاً، والأوَّل أشهر.
عَبَابِيدُ:
موضعٌ قرب تِعْهِن
(4)
، ويروى فيه: عبابيب، بثلاث باآت موحَّدات، بعد الثانية مُثنَّاة تحتية. وفي حديث الهجرة أنه سلك بِهما الدَّليل
(1)
في وفاء الوفا 3/ 1706، فيسقيها.
(2)
مجتمع السيول آخر العقيق. وفاء الوفا 4/ 1227. وانظر خبر ذلك في تاريخ ابن شبة 1/ 165.
(3)
شاعر إسلامي مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، أسر في الجاهلية، ثم شهد القادسية وجلولاء. الشعر والشعراء ص 198، الأغاني 19/ 90، الإصابة 1/ 527 جعله من القسم الثالث.
والبيتان في المفضليات ص 184 من قصيدة يفخر بها بقومه وفي (شعره) ص 284 مع اختلاف صدر الأول، معجم البلدان 4/ 72، سمط اللآلي ص 37.
(4)
تبعد عن السقيا ثلاثة أميال، وهي بين مكة والمدينة من عمل الفرع. معجم البلدان 2/ 35، ما اتفق لفظه 450.
على مدلجة تِعْهن، ثمَّ على العبابيد، ويروى العبابيب، ويروى العَثيانة: بمثلَّثة بعدها مثنَّاة تحتية، ثمَّ ألف ونون وهاء، فمَنْ جعلها عبابيد، فكأنه جمعُ عِباد
(1)
، ومَنْ جعلها عبابيب فجمعُ عُبَاب، كأنه يعبُّ الماء فيه عَبَّاً. قاله [ابن] هشام
(2)
وغيره.
وعندي أنَّ العبابيد: الآكام، والطُّرق البعيدة، وهذا الموضع سُمّي بِها. والعبابيد أيضاً: الخيل الذَّاهبون في كلِّ وجه.
وأمَّا العَثْيَانة فلم يذكروا لها معنى، وكأنَّها مشتقَّةٌ من العَثْوَة، وهي اللُّمَّة
(3)
الطويلة، وامرأةٌ عَثْيَانة: كثيرة الشَّعر
(4)
. وكأنَّها سُمِّيت لكثرة نباتِها، والله أعلم.
عَبَاثِرُ،
جمع عَبَيْثُرَان، للنَّبات المعروف: نَقْبٌ
(5)
قرب المدينة، يؤدِّي إلى ينبع إلى السَّاحل
(6)
.
قال كُثيِّر يصف سحاباً
(7)
:
لهُ شُعَبٌ منها يَمانٍ ورَيِّقٌ
…
ومَرَّ فأروى يَنبُعاً فجنوبَه
شآمٌ ونجديٌّ وآخرٌ غائرُ
…
وقد جِيدَ منه جَيْدةٌ فعَباثِرُ
ورواه بعضهم: عُبَاثر، بضمِّ العين.
(1)
لكن في القاموس (عبد) ص 296: والعبابيد والعباديد، بلا واحدٍ من لفظهما.
(2)
السيرة النبوية 2/ 133، الروض الأنف 2/ 244.
(3)
اللُّمَّة: الشعر المجاوز شحمة الأذن. القاموس (لمم) ص 1159.
(4)
القاموس (عثى) ص 1309.
(5)
النقْب بسكون القاف: الطريق في الجبل. القاموس (نقب) ص 139.
(6)
أفاد الشيخ حمد الجاسر: أنه من أودية ينبع، ولا يزال معروفاً، يقع بقرب خط طول 30/ 38 ْ وخط عرض 30/ 24 ْ. حاشية كتاب الحازمي 2/ 655.
(7)
البيتان في ديوانه ص 374، معجم البلدان 4/ 73. والأول في معجم ما استعجم 3/ 915، المحكم 2/ 137 جَيدة: موضعٌ بالحجاز.
العَبْلاء،
بالفتح، ثمَّ السكون، ممدودة: موضعٌ من أعمال المدينة، وقد يقال له: عَبْلاء البَياض
(1)
، قال خِداش بن زهير
(2)
:
ألم يبلغْكَ أنَّا قد جدعْنَا
…
لدى العَبْلاءِ خِنْدِفَ بالقِيادِ
وقال أيضاً
(3)
:
ألم يبلغْكَ بالعبلاءِ أنَّا
…
ضربْنَا خِنْدِفاً حتى استقادوا
/360 قال ابن الفقيه: عَبْلاء الهُرْد، وعبلاء البياض: موضعان من أعمال المدينة.
قال اللَّيثُ
(4)
: صخرةٌ عَبْلاءُ؛ أي: بيضاء، وقال ابن السِّكِّيت ـ في تفسير
القِنان- إنَّها جبالٌ صغارٌ سودٌ، ولا تكون القُنَّة إلا سوداء، ولا الظِّراب
(5)
إلا سوداء، ولا الأعبل والعَبْلاء إلا بيضاء
(6)
، ولا الهضبة إلا حمراء.
وقال أبو عمرو
(7)
: العَبْلاءُ: مَعدِنُ الصُّفْر ببلاد قيس. والعَبلاءُ أيضاً:
(1)
قال السمهودي 4/ 1262: ويقال لها: عبلاء الهرد، نبت يصبغ به، وعبلاء البياض موضع آخر.
(2)
ديوانه ص 64، وفيه (ألم يبلغكم). معجم ما استعجم 3/ 961، معجم الأمثال 2/ 431. ويوم العبلاء من أيام الجاهلية وحروبِها.
وخداش شاعر جاهلي من الفرسان، له بلاء في حروب الفجار بين قريش وقيس، كان يهجو عبد الله بن جدعان التيمي، ولم يكن رآه، فلما رآه ندم على هجائه. الشعر والشعراء ص 430، معجم الشعراء ص 107، الأغاني 19/ 76 ومابعدها.
(3)
ديوانه ص 63.
(4)
في كتاب العين 2/ 148. والليث هو ابن المظفر الخراساني، ينسب إليه (كتاب العين) للخليل الفراهيدي، كان من أكتب الناس في زمانه، بارعاً في الأدب، بصيراً بالشعر والغريب والنحو، روى عنه قتيبة بن سعيد. مراتب النحويين ص 31، بغية الوعاة 2/ 270.
(5)
الظِّرَاب جمع ظَرِب، وهو الجبلُ المنبسط، أو الصغير. القاموس (ظرب) ص 110.
(6)
في الأصل: (أبيض).
(7)
أبو عمرو بن العلاء، أحد القُرَّاء السبعة، إمام أهل البصرة في القراءات والنحو واللغة، أخذ عن جماعة من التابعين، وقرأ القرآن على سعيد بن جبير، قرأ عليه اليزيدي والأصمعي. مات سنة 154 هـ. إنباه الرواة 4/ 131، معرفة القرآء الكبار ص 100، بغية الوعاة 2/ 231.
بلدةٌ كانت لخثعم. وقد يقال لها: العَبَلات.
عَبُّود،
بفتح أوَّله، وتشديد ثانيه، مِنْ عَبَّده: ذلَّله. قال تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}
(1)
.
قال أبو القاسم الزمخشريُّ
(2)
: عَبُّودٌ وصَفَرٌ: جبلان بين المدينة والسَّيَالة، ينظر أحدهما إلى الآخر، وطريق المدينة بينهما.
وقيل: عَبُّود؛ البريدُ الثاني من مكة
(3)
، في طريق بدر.
وقال أبو بكر ابن موسى
(4)
: عبُّودٌ جبل بين السَّيَالة وملل، له ذِكْرٌ في المغازي.
قال معن بن أوس
(5)
:
تأبّدَ لأْيٌ منهمُ فَعُتَائدُه
…
فَفَدْفَدُ عَبُّودٍ، فخبراءُ صائفٍ
فذو سَلَمٍ، أَنشاجُه وسواعدُه
…
فذو الجَفْر أقوى منهمُ فَفَدَافِدُه
وقال أبو ذُؤيب الهذليُّ
(6)
:
(1)
سورة (الشعراء) آية رقم: 22.
(2)
كتاب الأمكنة والمياه والجبال ص 159.
(3)
في وفاء الوفا 4/ 1260: من المدينة. وهو الصواب.
(4)
ما اتفق لفظه 2/ 656، وأفاد الشيخ حمد الجاسر: أنه يقع بقرب خط الطول 17/ 39 ْ، وخط العرض 18/ 24 ْ.
(5)
البيتان في ديوانه ص 40، والأول تقدم في مادة (دهماء مرضوض).
(6)
البيت ليس لأبي ذؤيب، وإنما هو للجموح الهذلي، وهو شاعر جاهلي فارس، كثير الغزو. في (شرح أشعار الهذليين) 3/ 872، من أبيات قالها يوم نبط. معجم البلدان 4/ 80. طرَّت: نبتت. القاموس (طر) ص 430، العقيقة: الشعرالذي يخرج على رأس المولود في بطن أمه يسمى عقيقة، لأنه يحلق. اللسان 10/ 257، الشَّرْيُ: شجر الحنظل. القاموس (شري) ص 1299.
كأنَّني خاضبٌ طرَّتْ عقيقتهُ
…
أَخْلى له الشَّرْيُ من أطرافِ عبُّودِ
العِتْرُ، بكسر أوَّله، وسكون المثنَّاة الفوقية، بعدها راء: جبلٌ بالمدينة من جهة القِبلة يُقال له: المستندر
(1)
الأقصى.
قال زهيرٌ
(2)
:
…
.................... كمنصبِ العِتْرِ دَمَّى رأسَهُ النُّسكُ
قالوا: أراد بمنصب العِتْر صنماً كان يُقَرَّبُ له عِتْرٌ، أي: ذبيحة، والعَتْرُ بالفتح:
الذَّبح.
عَتُّود،
بتشديد المثنَّاة فوق: جبلٌ أسودُ من جانب البقيع.
وقال بعضهم: جبلٌ على مراحل يسيرة بين السَّيَالة ومَلَل.
قلتُ: لعلَّه تصحيف عبود، ولكن ضبطوه هكذا بالمثنَّاة، والله أعلم.
عَثَاعِثُ:
جبالٌ صغارٌ سودٌ بحِمَى ضَرِيَّة مشرفاتٌ على وادي مهزول
(3)
.
عَثْعث،
بمثلَّثتين، كَرَبْرَب: جبلٌ بالمدينة، يقال له: سُليع
(4)
، عليه
(1)
هما جبلان أحدهما: المستندر الأدنى، والثاني: المستتندر الأقصى، فذكر المؤلف الأقصى والمستندر الأدنى: جبل صغير يبلغ ارتفاعه من ثلاثة إلى خمسة أمتار، وكان موقعه بجانب الداودية. وقد ذهب مع توسعة الشارع. تاريخ معالم المدينة للخياري ص 225، المدينة بين الماضي والحاضر للعياشي ص 127.
(2)
عجز بيت له في (ديوانه) ص 50، وصدره:(فزلَّ عنها وأوفى رأس مَرْقَبَةٍ). معجم البلدان 2/ 84.
(3)
قال ياقوت 4/ 84: اندفنت بالرمال. قلتُ: ومهزول غيرُ مهزور، قال الزمخشري في كتاب الجبال ص 228: مهزول: اسمُ وادٍ إلى أصل جبلٍ يقال له: ينوف.
(4)
قال صاحب الدرّ الثمين ص 231: يقع هذا الجبل إلى الغرب تماماً من سقيفة بني ساعدة بعد عبور شارع المناخة فوق النفق، وقد أكلته البيوت تكسيراً، وخنقته العمارات الشاهقة والفنادق، ولكن بقيت قمته صخراً أملس عالياً بين العمارات.
بيوت أسلم ابن أفصى
(1)
، تُنسب إليه ثنية عثعث
(2)
.
والعَثْعَثُ في اللُّغة: الكثيب السهل، وعَثْعَثَ متاعَه: بدَّده وفرَّقه.
عَثْمان،
بالفتح فَعْلان من العَثْم. يقال: عَثَمَتْ يدهُ: إذا جَبَرَتْ على غير استواء، وهو /361 اسمُ جبلٍ بالمدينة من ناحية الشام
(3)
.
عَدَنَة،
محرَّكة، واشتقاقُه مِنْ: عَدَنَ: أقام: موضعٌ من الشَّربَّة
(4)
، وفيه مياهٌ مُرَّةٌ.
عُدَيْنَةُ،
مُصغَّرةُ عَدَنة المتقدِّمة: وإنَّما سُمِّي عُدينة في الإسلام، بامرأةٍ اسمها عُدينة
(5)
، وكانت تسكنه.
عَذْقٌ،
بالفتح: أُطُمٌ من آطام المدينة لبني أُميَّة بن زيد
(6)
.
قال الزُّبير: نزل [بنو]
(7)
أُمية بن زيد بن قيس بن عامر بن مُرَّة بن مالك بن الأوس دارهم التي هم بِها اليوم، وابتنوا أُطُماً يقال له: العَذْق عند الكَبَّا
(8)
المواجهة مسجد بني أمية. كان لكُليب بن صيفي بن عبد الأشهل
(1)
أسلم بن أفصى بن حارثة، يرجع نسبه إلى خُزاعة. من أولاده: سلامان، وهوازن. نسب معد 2/ 456، جمهرة أنساب العرب ص 240.
(2)
قال الخياري: هذه الثنية ما بين جبل سليع وجبل سلع، وهي أقرب إلى سلع. تاريخ معالم المدينة ص 318.
(3)
في معجم البلدان 4/ 86: جبل بالمدينة، بينها وبين ذي المروة. وذو المروة تبعد عن المدينة ثمانية بُرْدٍ، كما عند السمهودي 4/ 1305. والبريد = 20 كم.
(4)
قال السمهودي 4/ 1263: هضبة من الفريش.
(5)
لم يذكرها ياقوت، وقال السمهودي 4/ 1263: أُطُمُ بالعصبة بين الصفاصف والوادي.
(6)
انظر نسب معد 1/ 389.
(7)
ما بين معقوفين زيادة لصحة الكلام. انظر معجم البلدان 4/ 91، وفاء الوفا 4/ 1263.
(8)
الكَبَّا: موضعٌ بِبُطحان. وفاء الوفا 4/ 1293، وقال العياشي: إنه في قربان. المدينة بين الماضي والحاضر ص 248.
الأمويّ
(1)
، وابتنوا المَوْجَا
(2)
، والعَذْقُ في الأصل: النَّخلة، وبالكسر: الكِبَاسة
(3)
.
عُذَيْبَة،
تصغير العَذَبَة: ماءةٌ بين ينبع والجار
(4)
.
والجار: بلدٌ على البحر قريبٌ من المدينة.
وإياها عنى كُثيِّرُ عزَّةَ
(5)
فأسقط الهاء:
خليليَّ إنَّ أُمَّ الحكيم تحمَّلَتْ
…
وأَخْلَتْ لخيمات العُذَيبِ ظِلالَها
فلا تسقياني من تِهامة بعدها
…
بِلالاً، وإِنْ صوبُ الرَّبيع أسالَها
وكنتم تَزِينون البلاط ففارقَتْ
…
عشية بِنْتُم زَينَها وجمالَها
وقال اليوسفيُّ
(6)
:
(1)
من فرسان العرب في الجاهلية، أسعف حُضير الكتائب يوم جُرح في الحرب بين الأوس والخزرج، وذهب به إلى بيته. فلبث عنده أياماً ثم مات من الجراحة. الأغاني 15/ 158.
(2)
موضعٌ يأتي في حرف الميم.
(3)
هي العِذق الكبير. القاموس (كبس) ص 569.
(4)
أفاد الشيخ حمد الجاسر في تعليقه على ما اتفق لفظه 2/ 663: أنه لا يزال معروفاً، جنوب الصفراء، وشمال ينبع النخل. تقع بين خطي الطول 15/ 38 ْ ـ 45/ 38 ْ، وبين خطي العرض 45/ 23 ْ و 24 ْ.
(5)
ديوانه ص 75، معجم البلدان 4/ 92، والأول في معجم ما استعجم 3/ 928.
البلال: الماء. اللسان (بلل) 11/ 63. البلاط: موضع بالمدينة. معجم البلدان 1/ 477، وتصحَّف في الأصل إلى:(البلاد).
(6)
هو أبو بكر محمد بن أحمد اليوسفي، من كبار الأدباء في خراسان من بلدة زَوْزَن فاق نظماً ونثراً، قصد الصاحب بن عباد، وأدّب أولاد ابن نفيع. ترجمته مع الأبيات المذكورة في تتمة يتيمة الدهر للثعالبي 5/ 209، والمحمدون من الشعراء ص 66. وهو من أهل القرن الرابع الهجري لأن الصاحب ابن عباد توفي سنة 385 هـ. وللمتنبي قصيدة على هذا الوزن، مطلعها:
…
…
تذكرت مابين العُذيب وبارق فجرَّ عوالينا ومجرى السوابق
شرح ديوانه للعكبري 2/ 317.
وقال أبو الفتح ابن جني: إنه أراد العذيبة، فأسقط الهاء، قال أبو طالب الوحيد: لوأراد العُذيبةَ، لما صلحَ أن يقرن بها بارقاً، لبعد مابينهما، وإنما أراد العُذيب الذي بظهر الكوفة، وبارقٌ هناك أيضاً، وبالكوفة منشؤه. معجم ما استعجم 3/ 928.
سقى البارقُ العلويُّ عذْباً من الحيا
…
محلتنا بين العُذَيْبِ وبارقِ
محلَّةَ إيناس، ومغنى أوانسٍ
…
ومركزَ راياتٍ ومَرْعَى أَيانقِ
فيا يومَها كم من مُنافٍ منافقِ
…
وياليلَها كمْ مِنْ مُوافٍ مُوافقِ
وعُذيب بلا هاء: اسمٌ لستة مواضع
(1)
.
عُرَاعِر،
بالضَّمِّ: ماءةٌ بالشَّرَبَّة
(2)
، وقيل: أرض سبخة. قال
(3)
:
ولا يُنِبتُ المرعى سباخُ عُراَعِرٍ
…
ولو نُسلت بالماءِ ستةَ أشهرِ
عراقيب:
قرية ضخمة ومَعْدِن بحِمى ضَرِيَّة.
والعرقوب من الوادي: مُنْحنى فيه. قال أعرابيٌّ
(4)
:
طَمِعْتُ في الرَّبحِ فطاحَتْ شاتي
…
إلى عراقيبِ المُعَرْقَباتِ
كان هذا الشَّاعر قد باع شاةً بدرهمين، فاحتاج إلى إهاب، فباعوه جلدها بدرهمين.
عَرِبٌ، بكسر الراء، كَكِتف، وهو ذَرَب
(5)
المعدة: ناحيةٌ قرب المدينة، أقطعها عبد الملك /362 بن مروان كُثيِّراً
(6)
الشاعر.
العَرْج،
بالفتح لغةً: الكثيرُ من الإبل، وقيل: إذا جاوزت الإبل المائتين وقاربت الألف فهي عَرْجٌ، وعُروجٌ، وأَعْراج، وقيل: العَرْجُ من الإبل نحو
(1)
انظرها في معجم البلدان 4/ 92.
(2)
موضع قريب من الرَّبذة. معجم البلدان 3/ 232، وتقدمت.
(3)
البيت في معجم البلدان 4/ 93. نُسلت: غُسلت.
(4)
البيت في معجم البلدان 4/ 95.
(5)
أي: فسادها. القاموس (ذرب) ص 85. وفي الأصل: (الذّرب).
(6)
وخبر ذلك في الأغاني 8/ 28.
الثمانين
(1)
.
وهو اسمُ موضعٍ بين الحرمين، على ثمانية وسبعين ميلاً من المدينة مسيرة يومين وبعض الثالث.
وقيل: العَرْجُ: عَقبةٌ بين مكة والمدينة على جادَّة الحاج.
قيل: لما رجع تُبَّعٌ من قتال أهل المدينة يريد مكة، رأى هنالك دوابّاً تعرج فسمَّاها بِها.
وقيل [لكثيِّر]
(2)
: لِمَ سُمِّيت العَرْجُ عَرْجاً؟ قال: يُعْرَج بِها عن الطريق.
قال ابنُ الفقيه
(3)
يقال: إنَّ جبل العَرْج الذي بين مكة والمدينة يمتدُّ إلى الشام حتى يتصل بلبنان من أرض حمص، وسُنَير
(4)
من دمشق، ويمضي إلى جبال أنطاكية وسُمَيْسَاط
(5)
، ويسمى هناك اللُّكَّام
(6)
، ثم يمتد إلى مَلَطية وشِميشاط
(7)
، وقاليقلا إلى بحر الخزر
(8)
، وفيه الباب والأبواب، وهناك يسمى القبق، وهو جبلٌ متَّصل ببلاد
الرَّان
(9)
، وطول الجبل خمسمائة فرسخ، وفيه اثنان وسبعون لساناً، لا يعرف كلُّ لسانٍ لغة صاحبه إلا بترجمان.
(1)
تهذيب اللغة 1/ 254.
(2)
ما بين معقوفين زيادة من معجم البلدان 4/ 98.
(3)
مختصر كتاب البلدان ص 28.
(4)
جبل بين حمص وبعلبكّ. معجم البلدان 3/ 269. وعليها في الأصل علامة توقّف.
(5)
مدينة على شاطئ الفرات. معجم البلدان 3/ 258.
(6)
تحرّفت في الأصل إلى: (البكام)، واللُّكّام بتشديد الكاف: هو الجبل المشرف على أنطاكية. معجم البلدان 5/ 22.
(7)
مدينة بالروم على شاطئ الفرات. معجم البلدان 3/ 258. وتحرّفت في الأصل إلى: (سميساط) بالسين.
(8)
الخزر في بلاد الروس، كما في معجم البلدان 2/ 367.
(9)
الرَّان: مدينة بين مراغة وزنجان. معجم البلدان 4/ 18.
والعَرْج أيضاً: بلدٌ باليمن قريب المهجم. والعَرْجُ أيضاً: قرية جامعة في وادٍ من أودية الطائف، وإليها ينسب العَرْجيُّ الشاعرُ
(1)
عبدُ الله بن عمر بن [عبد الله ابن عمرو بن]
(2)
عثمان بن عفان، وقد عرفتُ هذه القرية ومكانها، في مسيري إلى جبل إبراهيم، وهي على ثلاثة أميال من الطائف للراكب المجد.
قال القَتَّالُ الكلابيُّ
(3)
:
وما أنسَ مِ الأشياءِ، لا أنسَ نِسوةً
…
طوالعَ من حَوْضَى، وقد جنَح العَصرُ
ولا موقفي بالعَرْجِ، حتى أجَنَّها
…
عَليَّ من الفَرْجين أستَرةٌ حُمْرُ
العَرْصَة،
بالفتح، ثمَّ السُّكون، والصَّاد المهلة: ساحةُ الدَّار. قال الأصمعيُّ: كلُّ حَوْمةٍ مُتَّسعةٍ ليس فيها بناءٌ فهي عَرْصةٌ، وسميت لاعتراص الصبيان فيها، أي: للعبهم.
والعَرْصَتَان: بعقيق المدينة، من أفضل بقاع المدينة، وأكرم نواحيها، وأنزه أصقاعها. وبنو أمية كانوا يمنعون البناء في عرصة العقيق، ضَنَّاً بِها بينهم، وإنَّ سلطان المدينة لم يكن يُقطِعُ بِها قطيعةً إلا بأمر الخليفة، حتى خرج خارجة
(4)
بن حمزة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن العوام، إلى الوليد بن عبد الملك، يسأله أن يُقطعه موضع قصر فيها، فكتب إلى عامله بالمدينة، فأقطعه موضعَ قصر، وألحقه بالسراة، أي: بالحَرَّة، فلم يزل في أيديهم، حتى صار ليحيى
(5)
بن عبد الله بن علي ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
(1)
تقدمت ترجمته.
(2)
ما بين معقوفين من معجم البلدان 4/ 98.
(3)
ديوانه ص 49، معجم البلدان 4/ 99.
(4)
يأتي ثانية في مادة (قصر خارجة).
(5)
ذُكرت ترجمة أبيه في نسب قريش ص 59،64.
وقد ذكر الزُّبير: أنَّ العَرْصةَ كانت تُسمَّى السَّلِيل، وأنَّ تُبَّعاً لما شخص عن منزله بقناةَ قال: هذه قناةُ الأرض/363، فَسُمِّيت قناة، فلمَّا مرَّ بالجُرف قال: هذا جُرُفُ الأرض، فَسُمِّي الجُرف، ثم مرَّ بالسَّلِيل فقال: هذه عرصة الأرض فَسُمِّيت العَرْصة، ثمَّ مرَّ بالعقيق. فقال: هذا عقيق الأرض فَسُمِّي العقيق.
والعَرْصةُ: ما بين محجَّة يَيْن، إلى محجَّة الشام.
وكانت في العرصة قصورٌ مشيَّدة، ومناظرُ رائعةٌ، وآبارٌ عَذْبة، وحدائقُ ملتفَّةٌ، فخربت ودَثَرت على طول الزَّمان، وتكرُّر الحَدَثان، ولم يبق اليوم فيها إلا آثارٌ وآبارٌ، وبقايا أبنية متهدِّمة تدلُّ على ارتفاع الديار، لكن تَجد النَّفسُ برؤيتها أُنساً لا يكاد البيان يصفه، ويشاهد من منظرها روحا لا يكاد اللسان ينعته، فهو كما قال حبيب بن أوس
(1)
:
ما رَبْعُ ميَّةَ معموراً يُطيفُ به
…
غَيلانُ أبهى رُباً من رَبْعِها الخَرِبِ
ولا الخدودُ وإنْ أدمينَ من نظرٍ
…
أشهى إلى ناظرٍ من خَدِّها التَّرِبِ
وبالمدينة عرصةٌ أخرى شرقيَّةٌ، قريباً من العُرَيض
(2)
، ولديها سدٌّ يُعرف بسدِّ العَرْصة.
(1)
هو أبو تمام، أشعر أهل زمانه، كان لطيف الفطنة، دقيق المعاني، غوَّاصاً على ما يُستصعب، مدح الوزراء، والخلفاء العباسيين، له ديوان حافل، و (الحماسة). أخباره في الأغاني 15/ 96، تاريخ بغداد 8/ 48.
والبيت من بائيته المشهورة في مدح المعتصم، وفتح عمورية في (ديوانه) ص 19، ومطلعها: السَّيفُ أصدقُ إنباءً من الكتبِ
…
في حدِّه الحدُّ بين الجِدِّ واللعب.
وهما في تحقيق النصرة ص 183.
(2)
وادٍ بالمدينة. معجم البلدان 4/ 114. قلت: وهو في الحرّة الشرقية بقرب طريق المطار القديم.
وفي تاريخ رزين
(1)
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى في مسجد العرصة. قال: والعَرْصَةُ ضيعةٌ لسعد بن معاذ
(2)
رضي الله عنه.
وذُكر عن سعيد بن العاص
(3)
رضي الله عنه، أنَّه لما حضره الموت دعا ابنه عمراً
(4)
فقال
(5)
: أوصيك بخلالٍ ثلاث: أولُهنَّ: إنَّ عليَّ ديناً عظيماً فاكسر فيه مالي حتى تؤدِّيَه عني، وانظر إخواني، فإنْ فقدوا وجهي فلا يفقدوا معروفي، ولا تُزوِّج بناتي إلا الأكفاء، وإلا فاقصرهنَّ في الحِجال
(6)
. فمات سعيدٌ وركب عمرو إلى معاوية، فقال الحاجب: يا أمير المؤمنين عمرو بالباب؟. فقال معاوية: هلك والله سعيد، أدخله، فأدخله فنعى له سعيداً، وأخبره بوصيته في دَينه وغيره. فقال معاوية: نحن قاضون عنه الدَّيْن. فقال عمرو: إنما أوصى إليَّ أن يكون ذلك من صُلْب ماله. قال: فإني أفعل، مع أني أكره أن أُخشِّن بصدر مروان
(7)
وذويه من قريش بقضاء دَيْن أبيك، فبعني بعض
(1)
تقدمت ترجمته، وهو (رزين بن معاوية العبدري).
(2)
صحابي جليل، سيد الأوس، أسلم على يد مصعب بن عمير، وشهد بدراً، وما بعدها، وأصيب يوم الخندق بأكحله، ثم توفي على إثرها، حكَّمه الرسول صلى الله عليه وسلم في بني قريظة، فحكم فيهم بحكم الله. طبقات ابن سعد 3/ 420، أسد الغابة 2/ 221، الإصابة 2/ 37.
(3)
صحابي جليل، كان من أشراف قريش وأجوادهم وفصحائهم، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان بن عفان، غزا طبرستان وجرجان فافتتحهما. توفي سنة 59 هـ. طبقات ابن سعد 5/ 30، أسد الغابة 2/ 239، الإصابة 2/ 47.
(4)
كان يلقب الأشدق، أمه أم البنين بنت الحكم بن أبي العاص، من التابعين، كان كاتباً على ديوان المدينة، وأميراً لها زمن معاوية، ثم طلب الخلافة بعده، فقتله عبد الملك بن مروان. نسب قريش ص 176، المعارف ص 296، المحبر ص 377، أنساب الأشراف 6/ 55.
(5)
الخبر في أنساب الأشراف للبلادي 6/ 51 باختصار.
(6)
الحِجَال جمع حَجَلَة، وهي موضعٌ يُزيَّن بالثياب والستور للعروس. القاموس (حجل) ص 982.
(7)
مروان بن الحكم. وقد تقدمت ترجمته.
ضياعه، فباعه العرصة بألف ألف. فقالت قريش: أيخدَع معاوية نفسه أم يَكيدنا؟ فدخل مروان على معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين؟ مادون الله عز وجل يَدٌ تحجزك عن هواك، لَنَحْنُ أهوَن عليك فيما تريد من نقد
(1)
الحجارة، فعلامَ تخدع نفسك وتكيدها؟ هلاَّ جعلتَ ما أعطيتَ
عمراً صِلةً للحيِّ والميت؟.
فأقبل عليه معاوية، فقال: يا مروان؟ إنَّكَ عادَيْتَ سعيدَاً حيّاً وميتاً، وما يَبلغ من إثماني بضيعةٍ مَكِيدةَ قريش، ولو قضيتُ عن سعيد دَيْنه ما كان بأعظم صِلتي إياه، ولا معروفي عنده، ولقد علمتْ قريش أني أحفظ الميت في الحي/364 وأَصِلُ الحي للميت، ولهو كان خيراً لكم أن أكون كذلك. فأخذ عمرو المال فأتى به المدينة، فقضى دَيْن أبيه، ثمَّ قال: يا غلام؟ أَدْخِلْ عليّ إخوان أبي. فدخلوا عليه، فبدأَ بهم فوصَلَهُم؛ ثمَّ قال: أدخِلْ عَليَّ إخواني. فوقع الشرُّ بين عمرو ومروان، وكان مروان خالَه، فقال مروان:
يُكايدُنا معاويةُ بنُ حربٍ
…
ولسنا جاهلينَ بما يَكِيدُ
أتاهُ ناعياً لأبيه عمروٌ
…
وعمروٌ من خديعتِه بعيدُ
فكايدنا بسرف المال منه
…
وقد علمَتْ قريشٌ ما يريدُ
ولو أعطى معاويةُ بنُ حربٍ
…
سعيداً ألفَ ألفٍ، أو يزيدُ
فما أخطى بذاكَ، ولا رآه
…
كثيراً في مروءتِه سعيدُ
كذلك قَدْرُه حيَّاً ومَيْتَاً
…
له منه الضَّنانةُ والمزيدُ
فَفِيمَ يكيدُنا ويقولُ إمَّا
…
هلكتُ، فأنتمُ حيٌّ شريدُ؟
فإمَّا تَهلِكَنَّ، فلا لِذَاكُمْ
…
كسوفُ الشَّمسِ، أو أرضٌ تميدُ
ولا قَمَرٌ يَخِرُّ ولا سماءٌ
…
ونحن لوارثِ الدُّنيا عَبيدُ
سَيُغنينا الذي أغناكَ عَنَّا
…
وعندَ الله خيرٌ لا يَبيدُ
(1)
أصل النّقد: تمييز الدراهم، وإخراج الزيف منها. لسان العرب (نقد) 3/ 425.
فبلغ معاوية قوله، فقال. أطْرِ مروان ميتاً وذُمَّهُ حياً. وقال معاوية رضي الله عنه:
ألا للهِ دَرُّ غُواةِ فِهْرٍ
…
أريدُ سِوى الذي فِهْرٌ تريدُ
لعمرُكَ إنَّني منكمْ قريبٌ
…
وأنتمْ يا بَني فِهْرٍ بَعِيدُ
أراني كلَّما أخلقْتُ ضِغْناً
…
أتاني منكمُ ضِغنٌ جديدُ
فإنْ قَضيتُ حقوقَكُمُ غَضبتمْ
…
وإنْ تَرَكْتُ فأرضُكمُ تَمِيدُ
فما أدري، وما يَدريه بَعدي
…
بما يَبقى الذي منكم يَكيدُ
غفرتُ ذنوبكم وعفوتُ عنكم
…
وأبذلُ فيكمُ ما أستفيدُ
فإمَّا أُعْطِ عَمْراً ألفَ ألفٍ
…
فَقِدْمَاً نال مِثْلَيْها سعيدُ
فلم أرَ مثْلها واللهِ رُزْءاً
…
وقلتُ له: هلمَّ لك المزيدُ
(1)
وعن نوفل بن عمارة
(2)
قال: لما حضرت سعيدَ بن العاص رضي الله عنه الوفاةُ في قصره بالعَرْصة، دعا ابنه عمراً فقال: إنِّي موصيك بأربع: لا تنقلني من موضعي هذا حتى أموتَ، فإنَّه أحبُّ المواضع إليَّ، وقليلٌ لي من قومي في برّي بِهم وصلتي لهم أن يحملوني على رقابهم إلى موضع /365 قبري، وانظر بناتي فاجعل بيوتَهنَّ قبورهنَّ، إلا أن يأتيك كفوٌ، فإن جاءك فلا تحبسه ساعة من نهار، وانظر أصحابي، فلا يفقدون مني إلا وجهي، وأمَّا ديني فلا تقضه إلا من صلب مالي.
(1)
لم يذكر هذه القصة ياقوت في (معجمه)، وذكرها السمهودي 3/ 1056 مختصراً، ثم قال: قال الزبير: ولم يصحَّ عندي الشعران.
قلت: لأن معاوية بن أبي سفيان لم يعرف بالشعر. الرّزء والرّزيئة: المصيبة. القاموس (رزء) ص 41.
(2)
هو نوفل بن عمارة بن الوليد بن عدي من أهل المدينة، يروي عن هشام بن عروة والمدنيين، وروى عنه يعقوب بن محمد الزهري، وثَّقه ابن حبان. الثقات 7/ 540.
فلما تُوفِّي نقله إلى البقيع، ودخل على بناته فقال: اعلمْنَ أنِّي لا أحبسكنَّ عن كُفءٍ، ودعا كعباً فقال: انظر ما كان أبي يصنع بجلسائه فاصنع بهم مثله.
ثمَّ رحل إلى معاوية رضي الله عنه، فدخل عليه، وهو أشعثُ أغبر، ليس على حالِ ما كان يكون عليه. فقال: ما بالك يا أبا أمية على هذه الحال؟ قال: هلك أبو عثمان سعيدٌ يرحمه الله؟ فترحَّم عليه معاوية رضي الله عنه وقال: ما حاجُتك؟ قال: إنه أوصى بوصايا أنفذتُها، وبقيتْ واحدة. قال: وما هي؟. قال: دَينه. قال: وكم هو؟ قال: ثلاثة آلاف ألفٍ. قال: هو عليَّ. قال: إنه أمرني أن يكون من صلب ماله. قال: فبعني. قال: أبيعك العرصة. قال: قد أخذتُ العرصة بألف ألف، والنَّخل بألف ألف، والمزارع بألف ألف. ثم قال: يا أهل الشَّام، اكتبوا عليه لا يندم؟.
وروى الزُّبير عن جماعةٍ أنَّهم قالوا: العقيقُ من العرصة آخذ إلى البقيع.
وفي الحديث أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج في بعض مغازيه، فأخذ على الشَّارعة، حتى إذا كان بالعرصة قال
(1)
: «هي المنزلُ لولا كَثرةُ الهوامِّ» .
وكان سعيد بن العاص رضي الله عنه ابتنى قصراً في سُرَّة العَرْصة، واحتفر بِها بئراً، واغترس النخل والبساتين، وكان نخلُها أبكرَ شيءٍ بالمدينة، وكانت تُسمَّى عرصةَ الماء.
وابتنى مروان بعرصة البقل، واحتفر وغرس، وضرب لها عيناً وازدرع، واقتطع الناس في سلطان بني هاشم في العرصة وابتنوا. وفيها يقول ذؤيب السهميُّ
(2)
:
(1)
ذكره ياقوت 4/ 102، عن الحسن بن خالد العدواني، وسيأتي قريباً. وأخرجه ابن زبالة في تاريخ المدينة، كما ذكر المراغي في تحقيق النصرة ص 182.
(2)
الأبيات في معجم البلدان 4/ 101، وفاء الوفا 4/ 1058. بيتٌ زَبْن وزبين: مُتنحٍّ عن البيوت. القاموس (زبن) ص 1202. وذؤيب هو ابن عمرو السهمي من أهل المدينة، يروي عن محرز بن هارون المدني. تصحيفات المحدثين 3/ 1024، وتصحف (السهمي) إلى (الأسلمي). وفي الأصل:(بوادي)، وهو غير موزون.
قد أقرَّ اللهُ عيني
…
بغزالٍ يا ابنَ عونِ
طافَ من وادي دُجَيلٍ
…
بفتىً طَلْقِ اليدينِ
بينَ أعلى عَرْصةِ الما
…
ءِ إلى قصر زبين
فقضاني في منامي
…
كلَّ موعودٍ ودَينِ
وفيها يقول أبو الأبيض سهلُ بن أبي كثير
(1)
:
قلتُ: مَنْ أنتِ؟ فقالَتْ:
…
بَكرةٌ من بَكَراتِ
ترتعي نبتَ الخُزامى
…
بين تلكَ الشَّجراتِ
حبَّذا العَرصةُ داراً
…
في اللَّيالي المُقمراتِ
طابَ ذاك العيشُ عيشاً
…
وحديثُ الفتياتِ
ذاك عَيشٌ أشتهيه
…
من فُنوٍ من كمات
(2)
وفي العَرْصةِ الصُّغرى يقول داودُ بن سلم
(3)
:
أبرزتُها كالقمر الزَّاهرِ
…
في عُصفُرٍ كالشَّرَرِ الطَّائرِ
بالعرصةِ الصُّغرى إلى موعدٍ
…
بين خليج الوادِ والظاهر
قال: وإنما قال: العرصة الصغرى، لأنَّ العقيق الكبير يكتنفها من أحد جانبيها، وتكتنفها/366 عرصة البقل من الجانب الآخر، وتختلط عرصة البقل بالجرف، والخليج الذي ذكره هو خليج سعيد بن العاص
(4)
.
(1)
الأبيات في معجم البلدان 4/ 101، وفاء الوفا 4/ 1058.
(2)
كذا في الأصل، ولا معنى لها، وفي معجم البلدان 4/ 101 (من فنون ألمات)، وفي وفاء الوفا:(وحديثي مع لمات).
(3)
مولى آل أبي بكر، من شعراء الدولتين الأموية والعباسية، من ساكني المدينة، يقال له: داود الآدم. كان من أقبح الناس وجهاً، ومن أبخل الناس. الأغاني 5/ 128.
والبيتان في معجم البلدان 4/ 101، وفاء الوفا 4/ 1055.
(4)
في الأصل: (بن أبي العاص)، وهو خطأ، كما تقدم. وانظر أيضاً معجم البلدان 4/ 102.
وروى الحسن بن خالد العدواني أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال
(1)
: «نِعمَ المنزلُ العرصةُ لولا كثرةُ الهوامِّ» .
وكتب سعيد بن سليمان
(2)
المساحقي إلى عبد الأعلى بن عبد الله
(3)
بن محمد صفوان الجمحي وهما ببغداد يُذكِّرهما طيب العقيق، والعرصتان في أيام الربيع
(4)
:
ألا قلْ لعبدِ الله
(5)
إمَّا لقيتَهُ
…
وقلْ لابن صفوانٍ على القربِ والبعدِ:
ألم تعْلما أنَّ المصلّى مكانه
…
وأنَّ العقيقَ ذو الأراكِ وذو المَرْدِ
وأنَّ رياضَ العرصتينِ تزيَّنَتْ
…
بِنُوَّارها المُصفَرِّ والأشكلِ الفَرْدِ
وأنَّ بِها ـ لو تعلمان ـ أصايلا
…
ولَيلاً رقيقاً مثلَ حاشيةِ البُرْدِ
فهل منكما مستأنسٌ فمُسَلِّمٌ
…
على وطنٍ، أو زائرٌ لذوي الوُدِّ
فأجابه عبد الأعلى:
أتاني كتابٌ من سعيد فشاقني
…
وزادَ غرامَ القلبِ جَهداً على جَهْدِ
(1)
تقدم قريباً.
(2)
في الأصل: (سعيد بن العاص بن سليمان)، فقد التبس على الناسخ سعيد بن العاص، بسعيد بن سليمان. وسعيد بن سليمان بن نوفل، المديني المساحقي، ولي قضاء المدينة المنورة في خلافة المهدي، ووفد على هارون الرشيد، ثم قدم بغداد، فأدركه بها أجله، وكان من رجال قريش جلداً وجمالاً وشعراً. تاريخ خليفة ص 442، تاريخ بغداد 9/ 65.
(3)
تصحف في الأصل إلى: (عبد الأعلى بن عبد الله، ومحمد بن صفوان)
وعبد الأعلى من الشعراء والأدباء في العصر العباسي، جالس المهدي العباسي. الأغاني 4/ 57، 19/ 67، وفاء الوفا 4/ 1060.
(4)
أبيات عبد الأعلى وأبيات سعيد في معجم البلدان 4/ 102، وفاء الوفا 4/ 1060. والمَرْدُ: الغضُّ من ثمر الأراك. القاموس (مرد) ص 319. النُّوَّار كرُمَّان: الزهر. القاموس (نور) ص 488. الأشكل: ما فيه بياضٌ يضرب إلى الحمرة. القاموس (شكل) ص 1019. البُرد: ثوبٌ مخطط. القاموس (برد) ص 267. المراود جمع مِرْوَد، وهو الميل. القاموس (رود) ص 284. الأَرَج: توهّج ريح الطيب. القاموس (أرج) ص 179.
(5)
لعله عبد الله بن المصعب، كان من أصحاب عبد الأعلى. الأغاني 19/ 67.
وأذرى دموعَ العينِ، حتى كأنما
…
بِها رَمَدٌ عنه المَراودُ لا تُجدي
بأنَّ رياضَ العَرْصتين تزيَّنَتْ
…
وأنَّ المصلَّى والبِلاطَ على العَهْدِ
وأنَّ غديرَ اللابتَين، ونبْتَهُ
…
له أَرَجٌ كالمسك، أو عنبرِ الهندِ
فكدتُ-بما أضمرتُ من لاعج الهوى
…
ووجدٍ بما قد قال-أَقضي من الوَجْدِ
لعلَّ الذي كان التفَّرَّقُ أمرَه
…
يمنُّ علينا بالدُّنوِّ مِنَ البُعدِ
فما العيشُ إلا قربُكم وحديثُكمْ
…
إذا كان تقوى الله منَّا على عمدِ
وقال بعض المدنيين
(1)
:
وبالعَرْصَةِ البيضاء إنْ زرتَ أهلَها
…
مهاً مهملاتٌ ما عليهنَّ سائسُ
خرجْنَ لِحُبِّ اللهوِ من غير ريبةٍ
…
عفائفَ، باغي اللَّهو منهنَّ آيسُ
يَردْن إذا ما الشَّمسُ لم يُخشَ حرُّها
…
خلال بساتينٍ، خلاهنَّ يابسُ
إذا الحَرُّ آذاهُنَّ لُذْنَ بحرَّةٍ
…
كما لاذ بالظِّلِّ الظِّباءُ الكوانِسُ
العِرْض،
بالكسر: كلُّ وادٍ فيه قرى ومياه. قال شَمِر
(2)
: أعراضُ المدينة: بطونُ سوادها حيث الزُّروع. وقال الأصمعيُّ: أعراضُ المدينة: قُراها التي في أوديتها.
وقال غيرهُ: كلُّ وادٍ فيه شجرٌ فهو عِرْضٌ. وقيل: يقال للرساتيق بأرض الحجاز: الأعراض/367 واحدها عِرْض، وكلُّ وادٍ عِرْضٌ، ولذلك قيل: استُعمل فلانٌ على عِرْض المدينة. قال يحيى بن طالب
(3)
:
(1)
الأبيات في معجم البلدان 4/ 102، و وفاء الوفا 4/ 1058. المها جمع مهاةٍ: وهي البقرة الوحشية. القاموس (مها) ص 1336. الخلا: الرطب من النبات، واحدته: خلاة. لسان العرب (خلا)، 14/ 242. الكوانس جمع كانس: وهو الظبي يدخل في كناسه، وهو موضعٌ في الشجر يكتنُّ فيه ويستتر. لسان العرب (كنس) 6/ 198.
(2)
شمر بن حمدويه الهروي، أحد أئمة اللغة والأدب، أخذ عن ابن الأعرابي والأصمعي. له كتاب (الجيم) وكتاب السلاح والجبال والأودية. توفي سنة 255 هـ. إنباه الرواة 7/ 77، بغية الوعاة 2/ 4.
(3)
الأبيات في معجم البلدان 4/ 103، والثالث في وفاء الوفا 4/ 259، والمراد هنا بالعرض وادي اليمامة، لأنها بلد الشاعر.
ويحيى شاعر من أهل اليمامة من بني حنيفة، من شعراء الدولة العباسية، مُقِلٌّ، كان فصيحاً جواداً، غَزِلاً، فارساً، ركبه دين، فقضاه له هارون الرشيد. الأغاني 20/ 149.
يهيج عَليَّ الشَّوقَ مَنْ كان مُصعداً
…
ويرتاعُ قلبي أنْ تَهبَّ جَنوبُ
فيا ربِّ سَلِّ الهمَّ عني، فإنَّني
…
مع الهمِّ محزونُ الفؤادِ غريبُ
ولستُ أرى عَيْشاً يطيب مع النَّوى
…
ولكنَّه بالعِرْض كان يطيبُ
وقال أبو عبيدٍ السَّكوني: عِرْضُ اليمامة: وادي اليمامة، ينصبُّ من مهبِّ الشمال، ويفرغ في مهبِّ الجنوب مما يلي القبلة، فهو في باب الحَجْر، والزرع منها في أُباض، وبأسفل العِرْض المدينة ـ يعني مدينة اليمامة ـ وما حولها من القرى تسمَّى السُّفوح، والعِرْضُ كلُّه لبني حنيفة إلا شيئاً منه لبني الأعرج.
ويوم العِرْض من أيام العرب
(1)
، وهو اليوم الذي قُتل فيه عمرو بن جابر
(2)
فارس ربيعة، قتَله جَزْء بن علقمة التميميُّ
(3)
، وفيه يقول الشَّاعر
(4)
:
قَتلنا بجنبِ العِرْضِ عمروَ بنَ جابر
…
وحُمْران أقصَدْناهما والمثَلمَّا
وقال نصرٌ: العِرْضَان: واديان باليمامة
(5)
.
عرفات،
بلفظ عرفات مكَّة: موضعٌ قرب قُباء من قبلي المسجد، وهو تلٌّ مرتفع. قال ابن جبير في (رحلته)
(6)
: سُمِّيت بعرفات؛ لأنَّها كانت موقفاً للنبي
(1)
معجم البلدان 4/ 103.
(2)
في الأصل: (ابن صابر) وهو تحريف، وعمرو بن جابر، ويلقب المنكب الخزاعي لأبيات له، وهو من بني عمرو بن ربيعة. معجم الشعراء ص 180 و 234.
(3)
ذكره العسكري فقال: أحد فرسانهم. أي: فرسان العرب في الجاهلية. تصحيفات المحدِّثين 2/ 731، الإكمال 2/ 89، تبصير المنتبه 1/ 255.
(4)
البيت في معجم البلدان 4/ 103.
(5)
هما عِرْض شمام، وعِرْض حجر. ما اتفق لفظه 2/ 671.
(6)
رحلة ابن جبير ص 175.
صلى الله عليه وسلم، كان يقف عليه يوم عرفة فيرى منه عرفات. قال: ومنه زُويت له الأرض فأبصر النَّاس بعرفات.
عِرْقُ الظُّبية،
تقدم في الظاء.
عِرْنانُ،
بالكسر وبنونين: جبلٌ بالجناب، دون وادي القرى.
عُرْيَان،
بلفظ ضد المكتسي: أُطُمٌ من آطام المدينة لبني النَّجار من الخزرج في صُقع القبلة، لآل النضر رهط أنس بن مالك
(1)
رضي الله عنه.
عُرَيْضٌ،
تصغير عِرض أو عُرض: وادٍ بالمدينة
(2)
. قال أبو بكر الهمذانيُّ
(3)
، وله ذكر في المغازي
(4)
، خرج أبو سفيان من مكة حتى بلغ العُريض وادي المدينة، فأحرق صَوْراً
(5)
من صِيران نخل العُرَيض، ثمَّ انطلق هو وأصحابه هاربين إلى مكة.
وروى الزُّبير بسندٍ عن محمد بن عقبة بن أبي مالك
(6)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(7)
: «أصحُّ المدينة من الحُمىَّ ما بين حَرَّة بني قريظة إلى
(1)
خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خدمه عشر سنين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة، فكان بستانه يحمل في السنة مرتين، كان من المكثرين في رواية الحديث، روى عنه الحسن البصري، وابن سيرين، وهو آخر من توفي من الصحابة بالبصرة، توفي سنة 93 هـ. طبقات ابن سعد 7/ 17، أسد الغابة 1/ 151، الإصابة 1/ 71.
(2)
يقع بالحرَّة الشرقية، ومازال على اسمه إلى الآن.
(3)
هو الحازمي، في كتابه: ما اتفق لفظه 2/ 673.
(4)
وكان ذلك سبباً لغزوة السويق آخر السنة الثانية من الهجرة. السيرة النبوية 3/ 6، تاريخ الطبري 2/ 384.
(5)
الصَّوْر: النخل الصغار، أو المجتمع. القاموس (صور) ص 427.
(6)
القُرظي، ابن أخى ثعلبة بن أبي مالك، يروي عن أبيه وابن عباس، عِدَادُه في أهل المدينة، روى عنه محمد بن رفاعة وزكريا بن منظور. التاريخ الكبير 1/ 1/199، الثقات 5/ 359.
(7)
أخرجه الزبير بن بكار، كما ذكره المؤلف.
العُرَيض».
قال أبو قطيفة
(1)
:
ولحيٌّ بين العُريضِ وسَلْعٍ
…
حيثُ أرْسَى أوتادَهُ الإسلامُ
/368 كان أشهى إليَّ قرب جِوارٍ
…
من نصارى في دُورِها الأصنامُ
مَنْزلٌ كنتُ أشتهي أنْ أراهُ
…
ما إليه لِمَن بِحمْصَ مَرَامُ
وقال بُجَيْرُ بن زهير بن أبي سُلْمى
(2)
يوم حُنين، حين هرب
(3)
الناس
(4)
:
لولا الإلهُ وعبدُهُ وَلَّيتُمُ
…
حين استخفَّ الرُّعْبُ كلَّ جَبانِ
أينَ الذين هُمُ أجابوا رَبَّهُمْ
…
يومَ العُرَيضِ، وَبَيْعَةِ الرِّضوان؟
عُرَيْفِطان،
تصغير عُرْفُطَان، تثنية عُرفطٍ، وهو نبتٌ: وادٍ قرب المدينة، من جهة مكَّة.
قال عرَّامٌ
(5)
: تمضي من المدينة مُصعداً نحو مكَّة، فتميل إلى وادٍ يقال له: عُرَيْفطان، ليس به ماءٌ ولا مرعى، وحِذاؤه جبالٌ يقال لها: أُبلَى.
وقد تقدَّم في الألف بأتمَّ من هذا.
عُرَيْنَةُ،
كَجُهَينة، تصغير عِرْنَة: وهي شجرةٌ تشبه الدُّلْب، يُقطع منها
(1)
الأبيات في معجم البلدان 4/ 114. وأبو قطيفة اسمه عمرو بن الوليد بن عقبة، كان كثير الشعر، وأمُّه الرُّبيع بنت ذي الخمار من بني أسد بن خزيمة، له شعر كثير كان مع بني أمية، أخرجه عبدالله بن الزبير من المدينة إلى الشام. نسب قريش ص 146، معجم الشعراء ص 240، الأغاني 1/ 6.
(2)
أخو كعب بن زهير، صحابي جليل، أسلم قبل أخيه، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف، وما بعدها، كان شاعراً مُجيداً. أسد الغابة 1/ 197، الإصابة 1/ 138.
(3)
تحرفت في الأصل إلى: (قرب).
(4)
البيتان في سيرة ابن هشام 4/ 102، معجم البلدان 4/ 114. وفي الأصل عدة تصحيفات.
(5)
أسماء جبال تهامة ص 429.
مِدَقَّات القصَّارين، وهي الظِّمَخَةُ
(1)
وعُرَيْنة قرىً بالمدينة.
وذكر في (فتوح الشام) من كلام أبي حذيفة بن معاذ بن جبل
(2)
: أجمع رأي الملأ الأكابر منَّا أن يأكلوا قُرى عرينة، ويعبدوا الله حتى يأتيهم اليقين.
وقال في موضع آخر: في بَعثة أبي بكر رضي الله عنه عمرو بن العاص
(3)
إلى الشام، مدداً لأبي عبيدة
(4)
: وجعل عمرو بن العاص يستنفر مَنْ مرَّ به من البوادي وقرى عُرينة.
وضبطه بعض الحفَّاظ في الموضعين ضبط القلم بفتح العين والرَّاء والباء الموحدة المكسورة، والياء المشددة والله أعلم.
العَزَّافُ،
بالفتح وتشديد الزَّاي، آخره فاءٌ: حَبْل
(5)
من حبال الدَّهناء على اثني عشر ميلاً من المدينة
(6)
، عن السُّكَّري قاله في شرح قول
(1)
القاموس (ظمخ) ص 256.
(2)
هكذ في الأصل، ولم أجد لمعاذ بن جبل ولداً يسمى أبا حذيفة، ولعل صوابه: أبي حذيفة عن معاذ بن جبل، والله أعلم، كما لم أجد هذا الخبر في (فتوح الشام) للواقدي.
(3)
صحابي جليل، قرشي، من الدُّهاة. أسلم عام خيبر، سيَّره أبو بكر أميراً إلى الشام في الفتوحات، ثم ولي فلسطين لعمر بن الخطاب، ثم ولي مصر بعدما فتحها. وبعد مقتل عثمان انضم إلى معاوية، وشهد معه صفين. مات سنة 43 هـ. طبقات ابن سعد 4/ 254، أسد الغابة 3/ 741، الإصابة 3/ 2.
(4)
أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح، أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، شهد بدراً والمشاهد كلها. فتح الشام أيام عمر بن الخطاب. توفي في طاعون عمواس سنة 18 هـ. طبقات ابن سعد 3/ 409، أسد الغابة 3/ 24، الإصابة 2/ 252.
(5)
الحبل: الرَّمل المستطيل. القاموس (حبل) ص 981.
(6)
كذا ذكره المؤلف في القاموس (عزف) ص 837.
…
علق الشيخ حمد الجاسر (المغانم 261) بأن الدَّهناء تبعد عن المدينة مسافات طويلة، بطريق الكوفة. والعَزَّاف: موضع آخر يبعد عن المدينة مقدار اثني عشر ميلاً، وقد خلط المؤلف بينهما.
جرير
(1)
:
حيِّ الهِدَمْلَةَ من ذات المواعيسِ
…
فالحِنْوَ أصبحَ قَفْراً غيرَ مأنوسِ
حيِّ الدِّيارَ التي شبَّهتُها خَللا
…
أو مُنهجاً من يمانٍ محَّ، ملبوسِ
بين المُحَيْصَر والعزَّاف مَنْزِلةٌ
…
كالوحي من عهدِ موسى في القراطيسِ
الخِلل، جمعُ خِلَّة بالكسر، وهي بطانةٌ يُغشى بِها جَفْن السَّيف، وهي أيضاً سَيْر يكون في ظهر القوس وكلِّ جِلدةٍ منقوشة.
عَزَّة،
بالفتح وتشديد الزَّاي: أُطم ابتناه بنو عمرو بن عوف بقباء، وكان موضعه في موضع منارة مسجد قباء كان لبني حبيب بن عمرو بن عوف، رهط سويد بن الصامت
(2)
.
عَسْعَس،
كفَدْفَدٍ: جبلٌ طويل بجنب ضَرِيَّة
(3)
، أو بينهما فرسخ من قولهم عسعس /369: إذا أقبل. أو مِنْ: عسعس: إذا أدبر، لأنَّه من الأضداد
(4)
.
قال بشرُ بن أبي خازم
(5)
:
(1)
الأبيات في ديوانه ص 238، وهي مطلع قصيدة له، معجم البلدان 4/ 118.
الهِدَملة: الرملة الكثيرة الشجر. القاموس ص 1070، والمواعيسُ جمع ميعاس، وهو الرَّمل اللَّين. القاموس ص 580، المحّ: الثوب البالي. القاموس ص 240، الحِنْو: موضعٌ. معجم البلدان 2/ 312.
(2)
صحابي أوسي، أسلم قبل الهجرة، ثم قتلته الخزرج يوم بعاث، وقيل: قتل قبل أن يسلم، كان شاعراً محسناً كثير الحكم في شعره. أسد الغابة 2/ 337، الإصابة 2/ 134.
(3)
التعليقات والنوادر للهجري ص 258.
(4)
الأضداد لابن الأنباري ص 32.
(5)
البيت مطلع قصيدة في ديوانه ص 99، معجم البلدان 4/ 121.
…
عاديَّة: منسوبة إلى قوم عاد، أي: قديمة. اللسان (عدا) 15/ 32. السقط: منقطع الرمل. القاموس (سقط) ص 671. اللَّوى: حيث يلتوي الرمل ويرق. القاموس (لوى)1332.
لِمَنْ دِمْنَةٌ عاديةٌ لم تُؤنَّسِ
…
بِسِقْطِ اللِّوى بين الكُثيبِ فَعَسْعَسِ
وقال الأصمعيُّ: الناصفةُ ماءٌ، وجبل الناصفة عسعس. قال
(1)
:
ألم تسأل الرَّبْعَ القديمَ بعَسْعَسا
…
كأني أُنادي أو أكلّمُ أَخْرَسا
فلو أنَّ أهلَ الدَّار بالدَّار عرَّجوا
…
وجدت مقيلاً عندهم ومعرسا
وقال شاعرٌ جعفريٌّ لابن عمٍّ له
(2)
:
أعدَّ زيدٌ للطِّعانِ عَسْعَسا
…
ذا صهواتٍ وأديماً أملَسا
إذا علا غاربَهُ تأنَّسا
أَيْ: تبصَّرَ ليوم الطعان أعدَّ له الهرب، لجُبنه، يهزأ به.
قوله: (ذا صهوات)، أي: أعالي مستوية يمكن الجلوس فيها، وذا صهوات حالٌ لا صفة، لأنَّها نكرة، و (عسعسُ) معرفةٌ، وإن جعلتها صفةً عرَّفْتَ فقلت: ذا الصهوات، وجعلت (أديماً) عطفاً على (عسعسا)، أي: وأعدَّ أديماً.
عَسِيْبٌ:
جبل بعالية نجد معروف، وهو لهذيل.
وفي المَثَل
(3)
: لا أفعل ذلك ما أقامَ عَسيب. قال امرؤ القيس
(4)
:
أجارتَنا إنَّ الخُطوبَ تَنوبُ
…
وإنِّي مقيمٌ ما أقامَ عَسِيبُ
أجارتَنا إنَّا غريبانِ ها هنا
…
وكلُّ غريبٍ للغريبِ نَسيبُ
والعَسِيبُ لغةً: جريدُ النَّخل إذا جُرِّد عن خُوصه، وعسيبُ الذَّنَب: مُستدَقُّه.
(1)
البيتان لامرئ القيس، من قصيدة له قالها وهو يتوجع من مرضه بأرض الروم، وهما في ديوانه ص 115 مع بعض الاختلاف، معجم البلدان 4/ 121 دون نسبة.
(2)
الرَّجز في معجم البلدان 4/ 121. الغارب: الكاهل، أو ما بين السنام والعنق. القاموس (غرب) ص 120، وفي الأصل:(جعفي)، والتصويب من (المعجم).
(3)
تهذيب اللغة 2/ 113، القاموس (عسب) ص 114.
(4)
ديوانه ص 71، معجم البلدان 4/ 124، شرح مقصورة ابن دريد لابن خالويه ص 191.
عَسِيَّةُ:
موضعٌ بناحية معدن القَبَلِية
(1)
. ويروى: غَشيَّة، بالغين والشين المعجمتين.
العُشُّ،
بالضَّمِّ للغُراب وغيره. وذو العُشِّ: وادٍ من أودية عقيق المدينة.
قال القتَّال الكلابيُّ
(2)
:
كأنَّ سحيقَ الإثمدِ الجَوْنِ أقبلَتْ
…
مدامعُ عُنْجُوجٍ حُدِرْنَ نوالُها
تَتبَّعُ أفنانَ الأراكِ مقيلُها
…
بذي العُشِّ، يُعْري جانبيه اختصالُها
وقال ابن ميَّادة
(3)
:
وآخرُ عهدِ العينِ من أُمِّ جَحْدَرٍ
…
بذي العُشِّ إذ رُدَّتْ عليها العَرامِسُ
عَرامِسُ ما ينطقْنَ إلا تَبغُّماً
…
إذا أُلقيَتُ تحتَ الرِّحال الطَّنَافسُ
وإني لأنْ ألقاكِ يا أمَّ جَحْدَرٍ
…
وَيحتلَّ أهْلانا جميعاً لآيسُ
وذات العُشِّ أيضاً: منْزلٌ بين صنعاءَ ومكَّة.
عَشَمٌ،
مُحرَّكة: موضعٌ بين مكَّة والمدينة.
العُشَيرة،
تصغير عشرة من العدد، أو تصغير: عُشَرة واحدة، العُشَر للشجر المعروف.
قال أبو زيد: العُشَيرةُ: حصنٌ صغيرٌ بين ينبع والمروة، يُفَضَّل تمره على سائر تمور الحجاز إلا الصَّيحاني بخيبر، والبَرْنيَّ
(4)
، والعجوة بالمدينة.
(1)
تقدم أنه قريب من الفُرْع.
(2)
ديوانه ص 79، معجم البلدان 4/ 126. الجون: الأسود. القاموس (جون) ص 1187، العنجوج: الرَّائع من الخيل. اللسان (عنج) 2/ 330، اختصالها: رعيها الخصل، وهي أطراف القضبان الرطبة. اللسان (خصل) 11/ 206. وتصحفت (حدرن) إلى:(خدون).
(3)
الرَّماح بن ميادة، وميادة أمُّه، واسم أبيه أبرد، تقدمت ترجمته. والأبيات في (ديوانه) ص 163، معجم البلدان 4/ 126. العرامس: جمع عرمس، وهي الناقة الصلبة. القاموس (عرمس) ص 557، التَّبغُّم: صياح الناقة بولدها بأرخم ما يكون من صوتها. القاموس (بغم) ص 1080.
(4)
في الأصل: (والبردي)، وهو تصحيف، والتصويب من وفاء الوفا. عمدة الأخبار ص 371.
قال ابنُ الفقيه: ذو العُشيرة من أودية العقيق.
قال عروةُ بن أُذينة
(1)
:
يا ذا العُشَيرةِ قد هيَّجْتَ الغداةَ لنا
…
شوقاً وذكَّرْتَنا أيامنَا الأُولا
ما كانَ أَحسنَ فيك العيشَ مُؤتنقاً
…
غضَّاً وأطيبَ في آصالك الأُصُلا
قال الشيخ جمال الدين المطريُّ
(2)
: ذو العشيرة نقبٌ بالحفيا، والحَفْيا بالغابة شامي المدينة، وأمَّا التي غزاها النبي صلى الله عليه وسلم ففي كتاب البخاري
(3)
: العشيرة، أو العشيراء أو العشير، وهو أضعفها. وقيل: العُسَيرة والعَسيراء بالسين مهملة.
قال السُّهيليُّ
(4)
: وفي البخاريِّ
(5)
أنَّ قتادة
(6)
سئل عنها فقال: العسير، وقال معنى العسيرة والعسيراءُ بالسين المهملة أنه اسم موضع، مصغر العُسرى، والعسراء، وإذا صُغِّر تصغير التَّرخيم قيل عُسيرة، وهي بقلةٌ معروفة. قال الشَّاعر
(7)
:
وما منعاها الماءَ إلا ضنانةً
…
بأطرافِ عَسرى شوكُها قد تجردا
(1)
البيتان في ديوانه ص 349، معجم البلدان 4/ 128، وفاء الوفا 4/ 1266، وتقدمت ترجمته.
(2)
التعريف ص 66.
(3)
في المغازي، باب غزوة العشيرة، أو العُسيرة، رقم: 3949،7/ 326.
(4)
الروض الأنف 3/ 27.
(5)
الموضع السابق.
(6)
قتادة بن دعامة السدوسي، حافظ عصره، وقدوة المفسرين والمحدِّثين، روى عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب، وروى عنه أيوب السختياني والأوزاعي، كان رأساً في العربية، والغريب، وأيام العرب وأنسابها توفي 118 هـ. طبقات ابن سعد 7/ 229، التاريخ الكبير 7/ 185، سير أعلام النبلاء 5/ 269.
(7)
البيت في معجم البلدان 4/ 127، الروض الأنف 3/ 27، وفيه:(قد تخدَّدا). تخدَّد: نقص. القاموس (خدد) ص 279.
وهذا البيت يعطي معنى الحديث النبويِّ
(1)
: «لا يُمنَعُ فضلُ الماءِ ليُمنَعَ به الكلأ» .
وفي الصَّحيح أنَّه بالشِّين المعجمة، بلفظ تصغير العَشَرة، ثمّ أضيف إليها لفظ ذات
(2)
.
قال ابن إسحاق
(3)
: ذات العشيرة، من أرض بني مدلج.
عُصَبَةُ،
بوزن هُمَزة، كأنَّه كثيرُ العصبية، مثل الضُّحَكَة?للكثير الضحك: وهو موضعٌ بقباء، ويروى فيه المعصَّب. وفي (كتاب السيرة) لابن هشام
(4)
: نزل الزبير
(5)
رضي الله عنه لما قدم المدينة على منذر
(6)
بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بالعُصْبة، دار
(7)
بني جَحْجَبا بن كُلفة بطن من الأوس. هكذا ضبطه بالضم وسكون الصَّاد ضبطه بالقلم، والله أعلم. وقال
(1)
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري في الشرب والمساقاة، باب: من قال: إن صاحب الماء أحق بالماء، رقم: 2353، 5/ 31، ومسلم في المساقاة، رقم: 1566، 3/ 1198.
(2)
هذا آخر كلام السهيلي مع بعض التصرف.
(3)
السيرة النبوية 2/ 241. والعشيرة من بطن ينبع.
(4)
السيرة النبوية 2/ 119. وابن هشام اسمه عبد الملك، كان نحوياً، أخبارياً، هذَّب السيرة النبوية، نزل مصر وأقام بها، وتناظر مع الشافعي. توفي سنة 218 هـ. إنباه الرواة 2/ 211، وفيات الأعيان 3/ 177، سير أعلام النبلاء 10/ 428.
(5)
الزبير بن العوام، أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان له ألف مملوك يؤدُّون إليه الخراج، ويتصدق به كله. قتله ابن جرموز سنة 36 هـ. طبقات ابن سعد 3/ 100، أسد الغابة 2/ 97، الإصابة 1/ 545.
(6)
صحابي أنصاري، يكنى أبا عبيدة، وأبوه محمد سُمِّي بذلك في الجاهلية، شهد بدراً وأحداً، واستشهد ببئر معونة. أسد الغابة 4/ 495، الإصابة 3/ 461 و 380.
(7)
تصحفت في الأصل (دار) إلى: (ذات).
العمرانيُّ
(1)
: عُصَبَة كَهُمَزة: حِصنٌ جاء ذكره في الأخبار.
وقال الزُّبير: قال سعد بن عمرو الجحجبيُّ
(2)
لبشر بن السائب: تدري لم سكنَّا العُصَبَة؟ قال: لا والأمانة!. قال: إنا قتلنا قتيلاً منكم في الجاهلية، فخرجنا إلى العُصبة. /371 قال بشر: والأمانة! لوددتُ أنكم قتلتم منا آخر، وأنكم من وراء عير، يعني الجبل القبلي.
قال بعضهم: العُصَبة غربي مسجد قباء فيها مزارعُ وآبارٌ كثيرة.
عِصْرٌ،
بكسر أوَّله، وسكون ثانيه، ويروى بالتَّحريك: جبلٌ بين المدينة والفُرع.
قال ابن إسحاق
(3)
: في غزاة خيبر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر، سلك على عَصْر، وله فيها مسجد، ثم على الصهباء. [نصر]
(4)
هكذا رواه بالتَّحريك. ووافقه الحازميُّ
(5)
فيه، وكأنَّه وهمٌ. والصَّواب فيه الكسر.
ذُو عُظُم،
بضمتين، كأنَّه جمعُ عظيم: عِرْضٌ من أعراض خيبر فيه عيونٌ جاريةٌ، ونخيلٌ عامرةٌ، قال ابن هَرمة
(6)
:
أهاج صحبُكَ شيئاً من رواحلهم
…
بذي شَناصيرَ أو بالنَّعف من عُظُمِ
ويروى: عَظَم، بالتحريك.
(1)
تقدم ذكره.
(2)
لم أجده، لكن أبوه كان جاهلياً، ذكره الكلبيُّ في نسب معدٍّ 1/ 371.
(3)
السيرة النبوية 3/ 278.
(4)
سقط في الأصل، والمثبت من معجم البلدان 4/ 128.
(5)
في كتابه: ما اتفق لفظه 2/ 720.
(6)
ديوانه ص 287، معجم البلدان 4/ 131. وتقدم في مادة (شناصير) مع بعض الاختلاف.
عقرب،
بلفظ العقرب من الحشرات: أُطمٌ بالمدينة، وهو الأطم الأسود الصغير الذي في شامي الرحابة في الحرَّة. كان لآل عاصم بن عامر بن عطيّة.
العِقْيَان،
بالكسر، وبعد القاف مُثنَّاة تحتية: أُطمٌ بالمدينة في شامي أرض فِراس
ابن ميسرة، مما يلي السبخة، ابتناه بنو عمرو بن عامر بن زُريق.
العَقِيقُ،
بفتح أوله وكسر ثانيه، وقافين بينهما مثنَّاة تحتية: اسمٌ لكلِّ مسيل ماءٍ شقَّه السيل في الأرض، فأنهره ووسَّعه.
وعَلَمٌ لوادٍ عظيم، عليه أموال المدينة، وهو على ثلاثة أميال من المدينة، أو ميلين، أو ستة، أو سبعة.
قال عياض
(1)
: عقيق المدينة: أَعِقَّةٌ: أحدها: العقيق الأصغر، وهو الذي عقَّ عن حرَّتِها، أي: قطع. وفي هذا العقيق الأصغر بئر رُومة
(2)
.
والعقيق الأكبر بعد هذا، وفيه بئر عُروة.
وعقيق آخر أكبر من هذين، وفيه بئر على مقربة منه، وهو من بلاد مزينة، وهو الذي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث المزني
(3)
. ثم أقطعه عمر رضي الله عنه الناس، فعلى هذا يحمل الخلاف في المسافات.
ومنها العقيق الذي جاء فيه
(4)
: «صلِّ في هذا الوادي المبارك» . وهو
(1)
في مشارق الأنوار 2/ 108.
(2)
تقع في عرصة العقيق الكبرى، بقرب الأسيال مجتمع (زُغابة)، وقطرها أربعة أمتار، وعمقها 12 م، وعندها حديقة عامة تشتمل على مشاتل زراعية. آثار المدينة للأنصاري ص 240.
(3)
تقدمت ترجمته.
(4)
عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: «أتاني الليلة آت من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرةٌ في حجَّةٍ» . أخرجه البخاريُّ في الحج، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«العقيق وادٍ مبارك» ، (1534).
الذي ببطن وادي ذي الحليفة، وهو أقرب الثلاثة.
قلتُ: ظهر لي أنَّ في بلاد العرب سبعةَ أعِقَّة، وهي في أصل اللغة: أوديةٌ عاليةٌ شقَّتها السيول.
فمنها: عارضة اليمامة، وهو وادٍ واسعٌ ممَّا يلي العَرْمة
(1)
يتدفق /372 فيه شعاب العارض، وفيه عيون عذبة الماء، وقرى ونخيل كثيرة، وهو
(2)
لبني عُقيل، ويقال له: عقيق تمرة، وهو منبر من منابر اليمامة عن يمين مَنْ يخرج من اليمامة يريد اليمن، عليه أمير
(3)
.
ومنها عقيق قرية، قرب سواكن
(4)
من ساحل البحر يُجلب منه التمر الهندي وغيره.
ومنها عقيق ماء، لبني جعدة وجرم، تخاصموا فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى به النبي صلى الله عليه وسلم لبني جَرْمٍ.
ومنها عقيق البصرة: وهو وادٍ مما يلي سَفَوان.
(1)
في الأصل: (العرصة)، وهو تصحيف.
(2)
في الأصل: (وهي).
(3)
أفاد الشيخ حمد الجاسر (المغانم 267): أن المؤلف خلط بين موضعين: عقيق العارض، وعقيق تمرة. فعقيق العارض مما يلي العرمة، شرق الرياض بميلٍ نحو الشمال، ويعرف الآن باسم (الشوكي). وعقيق تمرة، وهو عقيق عقيل، وعقيق جعدة وجرم، وهو المعروف الآن باسم (وادي الدواسر)، بعيد عن العرمة مسيرة أيام وليالي في جنوب نجد.
وقال في تعليقه على (ما اتفق لفظه) 1/ 448: وهذه الأمكنة كلها تقع في جنوب نجد متصل بعضها ببعض بين خطي طول 45.41 ْ، وخطي عرض 19.12 و 20.35 ْ.
(4)
قال ياقوت الحموي 3/ 276: سواكنُ: بلد مشهور على ساحل بحر الجار قرب عيذاب. ا. هـ. والجار يُطلق على الساحل الشرقي من البحر الأحمر من غرب المدينة إلى جدة. (ما اتفق لفظه) 1/ 178 حاشية.
ومنها العقيق: قريةٌ بالطائف في بطن وادٍ، ولعلها محدثة.
ومنها عقيق آخر، قرب ذات عِرق، يدفع مسيله في غوري تهامة، وهو الذي ذكر الشافعيُّ رضي الله عنه فقال
(1)
: لو أهلُّوا من العقيق كان أحبَّ إلي.
ومنها عقيق القنان، تجري فيه سيول قلل نجد وجباله.
ومنها عقيق المدينة الشريفة، وهو عقيقان: أصغر وأكبر، وهما مما يلي الحَرَّة، ما بين أرض عروة بن الزبير
(2)
إلى قصر المراجل، ومما يلي الجماء، ما بين قصور عبد العزيز [بن عبد الرحمن]
(3)
بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، إلى قصر المراجل إلى منتهى العرصة.
وفي عقيق المدينة يقول الشاعر
(4)
:
إنِّي مررتُ على العقيق، وأهلهُ
…
يشكونَ من مَطر الرَّبيع نُزورا
ما ضرَّكمْ أنْ كان جعفرُ جارَكمْ
…
أن لا يكونَ عقيقُكم مَمطورا
قال الزُّبير: والعقيقُ ما بينَ محجَّة يَيْن، فاذهب به صُعداً إلى النَّقيع.
وكان هشام بن عروة
(5)
يقول: العقيق ما بين قصور المراجل، فهلمَّ
(1)
في الأم 2/ 200.
(2)
أخو عبد الله بن الزبير، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، حدَّث عن أبيه قليلاً لصغره، وعن خالته أم المؤمنين عائشة، وجابر، وروى عنه صفوان بن سليم، ومحمد بن المنكدر، كان كل يوم يقرأ ربع القرآن. توفي سنة 93 هـ. طبقات ابن سعد 5/ 178، المعارف ص 222، تاريخ دمشق لابن عساكر 40/ 237، سير أعلام النبلاء 4/ 421.
(3)
ما بين معقوفين ساقط من الأصل، وهو في معجم البلدان 4/ 139.
(4)
البيتان في معجم البلدان 4/ 139.
(5)
أحد أئمة الحديث، من التابعين، كان ثقة، ثبتاً، حجة، سمع من أبيه عروة بن الزبير بن العوام، وابن المنكدر، وحدَّث عنه شعبة ومالك. توفي ببغداد سنة 146 هـ. وصلَّى عليه الخليفة أبو جعفر المنصور. الثقات لابن حبان 3/ 280، تاريخ بغداد 14/ 47، سير أعلام النبلاء 6/ 34.
صُعداً، وما أسفل من ذلك فمن زَغابة.
وفي هذا العقيق قصورٌ ودورٌ، ومنازلُ وقرى، ذكرناها في هذا القسم من هذا الكتاب، على ترتيب الحروف.
وإلى عقيق المدينة يُنسب محمد بن جعفر بن عبد الله بن الحسين العقيقي
(1)
، له عقب، وفي ولده رئاسة، ومن ولده أحمد بن الحسين بن أحمد بن علي بن محمد العقيقي
(2)
، أبو القاسم، كان من وجوه الأشراف بدمشق. وزُوِّجَتْ أعرابية ممنَّ تسكن عقيق المدينة، وحُملت إلى نجدٍ، فقالت
(3)
:
إذا الريحُ من نحوِ العقيقِ تنَسَّمَتْ
…
تَجدَّدَ لي شوقٌ يضَاعفُ من وَجْدي
إذا رحلوا بي نَحو نَجدٍ وأهْلِهِ،
…
فحسْبي من الدُّنيا رجوعي إلى نَجدِ
وقال سعيد بن سليمان المُساحِقي
(4)
، يتشوَّق عقيق المدينة، وهو ببغداد، ويذكر غلاماً اسمه زاهر، وأنه ابتُلي بمحادثته بعد أحبَّته
(5)
:
أرى زاهراً لما رآني مُسَهّداً
…
وأنْ ليس لي من أهلِ بغدادَ زائرُ
أقامَ يُعاطيني الحديثَ، وإنَّنا
…
لمختلفانِ، حين تُبلى السَّرائرُ
(1)
جدُّه الحسين هو حفيد زين العابدين بن علي بن أبي طالب. ذكره ياقوت في معجم البلدان مع حفيده.
(2)
كان من وجوه الأشراف في دمشق، مدحه الشاعر أبو الفرج الوَاوَا. توفي بدمشق سنة 378 هـ، ودفن بباب الصغير. معجم البلدان 4/ 139.
(3)
البيتان في معجم البلدان 4/ 141.
(4)
تقدمت ترجمته في مادة (عرص).
(5)
الأبيات في معجم البلدان 4/ 140، وفاء الوفا 3/ 1059. المسهّد: من أصابه السهد، وهو الأرق. القاموس (سهد) ص 291. القريان: جمع قريّ، وهو مسيل الماء من التلاع. القاموس (قرى) ص 1324. الذبان: جمع ذُباب، وهو النحل. القاموس (ذبّ) ص 85.
…
تقرو: تتبع. القاموس (قرو) ص 1324.
/473 يحدِّثني مما يُجَمِّعُ عقلُهُ
…
أحاديثَ منها مستقيمٌ وحائرُ
وما كنت أخشى أن أراني راضياً
(1)
…
يُعلِّلُني بَعد الأحبّةِ زاهرُ
وبَعدَ المُصلّى، والعَقِيق وأهلهِ
…
وبعد البَلاط، حيث يحلو التَّزاوُرُ
إذا أعشبَتْ قُريانُهُ وتزيَّنَتْ
…
عِرَاصٌ بِها نَبْتٌ أنيق وزاهرُ
…
وغنَّى بِها الذِّبّانُ تقرو نباتَها
…
كما واقعَتْ أيدي القِيَانِ المزاهرُ
وقال الزُّبير: لما مَرَّ تُبَّعٌ بالعقيق، ولم يكن له اسم قال: هذا عقيق الأرض، فسمَّي به.
وقالت الخنساء
(2)
ترثي أخاها صخر بن عمرو
(3)
، ومات بالنقيع
(4)
:
هَريقي من دموعِكِ واستفيقي
…
فصبراً إنْ أطقْتِ ولن تُطيقِي
وقولي إنَّ خيرَ بني سُلَيْمٍ
…
وغيرهمُ، ببطحاءِ العقيقِ
فلا واللهِ ما سَكَّنتُ نفسي
…
بفاحشةٍ أتيتُ ولا عُقوقِ
ولكنْ قلتُ: غِبُّ الصبرِ خيرٌ
…
من النَّعلينِ والرَّأسِ الحليقِ
(1)
في الأصل: (طاهراً).
(2)
الخنساء بنت عمرو بن الشريد، واسمها تماضر، كانت من الشعراء الفصحاء في الجاهلية، خطبها دريد بن الصِّمَّة فرفضت، ثم أدركت الإسلام وأسلمت وقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومها، شهدت القادسية مع أولادها الأربعة، الذين استشهدوا فيها. الأغاني 13/ 129، أسد الغابة 6/ 88، الإصابة 4/ 287.
الأبيات في ديوانها ص 103، والأولان في وفاء الوفا 3/ 1040.
…
الفَنِيق: الفحل المكرم. القاموس (فنق) ص 919. الكباس: عظيم الرأس. اللسان (كبس) 6/ 190، وتحرفت في الأصل إلى:(كداس). الأدماء: ناقة لونها مُشْرَبٌ سواداً أوبياضاً. القاموس (أدم) ص 1074.
وكانوا في الجاهلية يحلقون رؤوسهم، ويعفرونه بالنعل عند المصيبة.
(3)
من فرسان قومه، وكان غزا بني سُليم في يوم الكُلاب ويسمى يوم الأثل، فأصاب غنائم وسبياً، وطعنه زيد بن ثور الأسدي طعنة استمر أثرها عاماً. ثم مات على إثرها. وقد ملَّت زوجته من مرضه. أخباره في الأغاني 13/ 130.
(4)
تصحفت في الأصل إلى: (البقيع).
ألا يا لهفَ قلبي بَعدَ عيشٍ
…
لنا بجنوبِ دَرٍّ بذي يهيقِ
وإذ فينا معاويةُ بنُ عمروٍ
…
على أَدْمَاءَ كالفحلِ الفَنِيقِ
وإذ يتحاكمُ الحكماءُ فينا
…
إلى أبنائِنا وذوي الحقوقِ
هو الرِّزْءُ المبينُ لا كباسٌ
…
عظيمُ الرأس يحلمُ بالنَّعيقِ
وعن جابر بن عبد الله
(1)
رضي الله عنهما قال: كان سلمة بن الأكوع الأسلميُّ
(2)
رضي الله عنه، يصيد الظِّباء فَيُهدي لحومها لرسول الله صلى الله عليه وسلم جَفيفاً
(3)
وطَرِيَّاً ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «سلمةُ، ما لك لا تأتيني بما كنتَ تأتي به» ؟ فقال يا رسول الله: تباعد عنا الصيد، فإنما نصيد بيتِيْب وصدور قناة. فقال [رسول الله] صلى الله عليه وسلم
(4)
: «أما إنك لو كنت تصيد بالعقيق لشيعتك إذا ذهبت، وتلقَّيْتُكَ إذا رجعت فإني أحبُّ العقيق» .
وعن زكريا بن إبراهيم
(5)
قال: بات رجلان بالعقيق، ثمَّ أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أين بتُّما)؟ قالا: بالعقيق. قال صلى الله عليه وسلم
(6)
(1)
صحابي جليل من أهل العقبة، غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم 17 غزوة، ولم يحضر بدراً وأحداً، كان من المكثرين في الرواية، شهد صفين مع علي بن أبي طالب. توفي سنة 74 هـ. طبقات ابن سعد 3/ 574، أسد الغابة 1/ 307، الإصابة 1/ 213.
(2)
صحابي ممن بايع تحت الشجرة، كان عدَّاءً، غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، روى عنه ابنه إياس، ومولاه يزيد بن أبي عبيد. توفي سنة 74 هـ بالمدينة. طبقات ابن سعد 4/ 305، أسد الغابة 2/ 271، الإصابة 2/ 66.
(3)
تحرفت في الأصل إلى: (طفيفاً).
(4)
أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة 1/ 147، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 195، والطبراني في المعجم الكبير 7/ 6 (6222)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار 2/ 367، وضعَّفه البيهقي. انظر علله في فضائل المدينة للرفاعي ص 629 لكن تصحف عنده يتيب إلى ثيب.
(5)
زكريا بن إبراهيم بن عبدالله بن مطيع، يروي عن أبيه، وروى عنه يحيى بن محمد الجابري، وليس هو بالمشهور. لسان الميزان 2/ 478.
(6)
الحديث منقطع، فإسناده ضعيف، ومعنى المتن صحيح. لشواهده الكثيرة، انظر: فضائل المدينة للرفاعي ص 623.
وعن عامر بن سعدٍ
(1)
رضي الله عنهما قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العقيق، ثمَّ رجع، فقال:«يا عائشة، جئنا من هذا العقيق، فما ألينَ موطئَه، وأعذبَ ماءَه!» قالت: قلتُ يا رسول الله، أفلا ننتقل إليه؟ فقال صلى الله عليه وسلم
(2)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: حدَّثني عبد الرحمن بن عوف
(3)
رضي الله عنه، في منزلي ببني سلمة فقال: اذهب بنا إلى العقيق، قال: فأرسلت إلى حماري في الحلة، فلم أجده، فقال عبد الرحمن رضي الله عنه: اركب على عجز حماري، فركبتُ وراءه حتى جئنا العقيق، وبعب
(4)
الطريق على بئر هاني، قال: فقلت له: يا أبا محمد؟ ما منعك من هذا الأمر، ولك من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لك؟ قال: إنما منعني رؤيا رأيتها في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رأيته يمشي والنَّاسُ يهرولون خلفه، ولا يدركون بهرولتهم مشيته، فأوَّلْتُ ذلك الخليفة الذي يكون بعده، فكنت أرجو أن لا أكونه.
(1)
عامر بن سعد بن أبي وقاص، من التابعين، أمُّه مكينة بنت عمرو، كان ثقة، كثير الحديث، يروي عن أبيه، وعثمان بن عفان، وعنه الزهري. توفي سنة 104 هـ بالمدينة. طبقات ابن سعد 5/ 167، الثقات لابن حبان 5/ 186، التاريخ الكبير للبخاري 3/ 2/449.
(2)
أخرجه ابن النجار في تاريخ المدينة ص 70 مرسلاً، وأخرجه ابن زبالة في تاريخ المدينة، ومن طريقه المطري في التعريف ص 62، وفيه ابن زبالة كذبوه.
(3)
أحد السابقين للإسلام، والعشرة المبشرين بالجنة، شهد بدراً والمشاهد كلها، وكان كثير الإنفاق في سبيل الله، روى عنه ابن عباس، وابن عمر. توفي بالمدينة سنة 31 هـ. طبقات ابن سعد 3/ 124، أسد الغابة 3/ 276، الإصابة 2/ 416.
(4)
هكذا رسمها في الأصل، ولم يظهر لنا معناها.
وعن عامر بن سعد
(1)
رضي الله عنهما قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نام بالعقيق، فقام رجلٌ من أصحابه يوقظه، فحال بينه وبينه رجلٌ من أصحابه، وقال: لا توقظه، فإنَّ الصلاة لم تفته. فتجاذبا حتى أصاب بعضُ أحدهما رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأيقظه. فقال صلى الله عليه وسلم:«ما لكما؟» فأخبراه فقال: «لقد أيقظتماني، وإني لأراني بالوادي المبارك»
(2)
.
وقال عمر بن الخطاب
(3)
رضي الله عنه: احصبوا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الوادي المبارك. يعني: العقيق.
وعن هشام بن إسحاق
(4)
قال: لما كانت الرَّمَادة
(5)
وانحلت، فسالت الأودية وسال العقيق أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقيل له: سال العقيق. فخرج على فرسٍ عُرْيٍ فوقف على المسيل، ومعه ناسٌ كثيرٌ، فقال أعرابيٌّ-وهو على شاطئ الوادي، من وراء السيل-: مَنْ هذا الشيخ الفَدْغَمُ
(6)
الأبيضُ الأصلعُ على الفرس؟ قالوا: هذا أمير المؤمنين، فدنا الأعرابيُّ، حتى كان على ربوة في السَّيل، ثمَّ صاح على أمير المؤمنين: يا ابن حَنْتَمَة
(7)
،
(1)
تقدمت ترجمته قريباً.
(2)
أخرجه ابن زَبالة في تاريخ المدينة، كما ذكر السمهودي في وفاء الوفا 3/ 1037.
(3)
أخرجه ابن النجار في الدرة الثمينة ص 154.
(4)
هشام بن إسحاق بن الحارث بن كنانة السهمي، القرشي، من أهل المدينة، يروي عن أبيه، وروى عنه حاتم بن إسماعيل، ذكره ابن حبان في الثقات 7/ 568، والبخاري في التاريخ الكبير 4/ 2/196.
(5)
عامٌ أَجْدَبَ الناس فيه على عهد عمر بن الخطاب، وذلك سنة 18 هـ. كانت الريح تسفي تراباً كالرَّماد، فسمِّي عام الرمادة، واشتدَّ الجوع. انظر خبره في تاريخ ابن شبَّة 2/ 736، الكامل لابن الأثير 2/ 555.
(6)
الرجل الحسن العظيم، والوجه الممتلئ الحسن. القاموس (فدغم) ص 1144.
(7)
حنتمة بنت هاشم بن المغيرة، أم عمر بن الخطاب، ابنة عمِّ أبي جهل، لم تدرك الإسلام. المحبر ص 130، نسب قريش ص 347، أسد الغابة 4/ 642. وتحرفت في الأصل إلى:(خيثمة).
جزاك الله خيراً، فواللهِ ما كنتَ فيها بابن ثأْدَاءَ
(1)
! فألوى عمر رضي الله عنه بيده أن اعبر، فلم يبرحوا به حتى عبر. فقال له: أنت القائلُ ما قلتَ؟! ويحك مَنْ أنت؟. قال: أنا حبيب بن عاصم المحاربيُّ
(2)
. قال: ويلك، لو كنتُ أنفقتُ على المسلمين من مالي ومال أبي لكنت حَرَىً
(3)
حتى مضت، ولكن أنفقت على المسلمين من مالهم
(4)
ورويَ أنَّ عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز
(5)
، ركب ومعه عبد الله بن حسن بن حسن
(6)
، ومحمد بن جعفر بن محمد
(7)
، على بغلات لهم، ليس معهم غيرهم، حتى إذا كانوا بالعقيق أصابهم المطر، وهنالك سرحة عظيمة، فدخلوا تحت السرحة. قال عبد العزيز بن عمر
(8)
:
/375 خبِّرينا يا سَرْحَ خُصِّصْتِ بالغيـ ـثِ بصدقٍ، والصِّدقُ فيه شفاءُ
(1)
الثأداء: الأَمَةُ والحمقاء. وما أنا ابن ثأداء، أي: بعاجز. القاموس (ثأد) ص 270.
(2)
أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره. ذكره ابن حجر في الإصابة 1/ 373 في القسم الثالث.
(3)
الحرى: الخليق. القاموس (حرى) ص 1273.
(4)
ذكر هذه القصة ابن حجر في الإصابة 1/ 373، ونسبها للزبير بن بكار.
(5)
الأموي القرشي، من ثقات رواة الحديث، روى عن نافع والزهريِّ، وروى عنه يحيى بن سعيد ووكيع، قال ابن حبان: يعتبر بحديثه إذا كان دونه ثقة. مات بعد سنة 147 هـ. الثقات لابن حبان 7/ 114، التاريخ الكبير 3/ 2/21.
(6)
جده الحسن بن علي بن أبي طالب، من رواة الحديث، يروي عن أبيه عن فاطمة بنت الحسين، وروى عنه إسماعيل بن عُلية وعبد الرحمن بن أبي الموالي. مات في حبس أبي جعفر المنصور. الثقات 7/ 1، تهذيب التهذيب 5/ 186.
(7)
أبوه جعفر الصادق، ولمحمد هذا ولدان: جعفر وإسماعيل. ذكره الذهبي مع أولاده وأحفاده في ترجمة أبيه جعفر في سير أعلام النبلاء 6/ 269.
(8)
البيتان مع القصة في وفاء الوفا 3/ 1061.
هل يَموتُ المُحبُّ من لاعجِ الحُـ ـبِّ ويَشفي من الحبيب اللِّقاءُ؟!
ثمَّ إنَّ السَّماءَ أقلعت عنهم، فساروا ساعة، ثمَّ رجعوا حتى جاؤوا إلى أصل السرحة، فإذا ورقةٌ مكتوبٌ فيها
(1)
:
إنَّ جهلاً سؤالُك السَّرْحَ عمَّا
…
ليس يوماً به عليكَ خَفاءُ
فاستمعْ تُخْبَرِ اليقينَ، وهل يَشـ
…
ـفي من الشَّكِّ نفسَكَ الأنباءُ
ليس للعاشقِ المحبِّ من الحـ
…
ـبِّ سوى رؤيةِ الحبيبِ شفاءُ
وروى الزُّبير قال: كان أبو هريرة رضي الله عنه، قد نزل الأرض التي بالشَّجرة، قبل أن تكون مُزْدَرَعاً، فمرَّ به مروان بن الحكم والي معاوية على المدينة فقال: مالي أراك ها هنا يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نزلتُ في هذه البرية مع أني أصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقطعه مروان أرضه، وظفَّرها
(2)
له، فتصدَّقَ بها أبو هريرة رضي الله عنه، على ولده فابتاعها هشام بن عبد الله بن عكرمة، واقتطع شجرها وازدرعها، ثمَّ خرجت من يده إلى بني هانئ مولى أم حسن بنت الزُّبير
(3)
. قال: ولم يزل العقيق نخلاً حتى عُملت العيون.
أُنْشِدنا لعبد السلام بن يوسف بن محمد الجماهري الدمشقي ثم البغداديِّ
(4)
،
وهو في غاية العذوبة
(5)
:
(1)
الأبيات في وفاء الوفا 3/ 1061.
(2)
ظفّرت الأرض: أخرجت من النبات ما يمكن احتفاره بالأصابع. القاموس (ظفر) ص 433.
(3)
أم حسن بنت الزبير بن العوام. تزوجها عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. المحبر ص 67 و ص 100.
(4)
هو عبدالسلام بن يوسف بن محمد بن مقلد الجماهري، أبو الفتوح، الدمشقي الأصل، البغدادي المولد والدار، أسمعه أبوه من أبي منصور ابن خيرون، وأبي الفضل الأرموي، وأبي الوقت السجزي، كان ذا فضل، خرج إلى دمشق وروى بها وبالموصل. توفي بدمشق بعد سنة 580 هـ. مختصر ذيل تاريخ بغداد للذهبي 15/ 252.
(5)
الأبيات في ذيل تاريخ بغداد 15/ 252، وفاء الوفا 3/ 1060.
على ساكني بطن العَقيقِ سلامُ
…
وإنْ أسهروني بالفراقِ ونَاموا
حظرتُمْ عليَّ النَّومَ وهو مُحلَّلٌ
…
وحلَلتُمُ التَّعذيبَ وهو حَرامُ
إذا بنتمُ عن حاجرٍ وحجرتُمُ
…
على السَّمْعِ أن يدنو إليه سلامُ
فلا ميَّلَتْ ريحُ الصَّبا فرعَ بَانةٍ
…
ولا سجعَتْ فوقَ الغصونِ حَمامُ
ولا قهقهَتْ فيه الرُّعودُ ولا بكى
…
على حافتيه بالعَشِيِّ غَمامُ
فما لي وما للرَّبْعِ قد بانَ أهلُه
…
وقد قُوِّضت من ساكنيهِ خِيامُ
ألا ليتَ شِعري هل إلى الرَّملِ عودةٌ
…
وهل لي بتلك البانتين لِمامُ؟
وهل نهلةٌ من بئر عروةَ عذَبْةٌ
…
أُداوي بها قلباً بَراه أُوامُ؟
ألا يا حماماتِ الأَراكِ إليكمُ
…
فما لي في تغريدِكُنَّ مَرامُ!
فوجدي وشوقي مُسعِدٌ ومُؤانسٌ
…
ونَوْحي ودمعي مطربٌ ومدامُ
وقال أعرابيٌّ
(1)
:
أيا سَرْوَتي وادي العقيقِ سُقيتُما
…
حَيَاً غَضَّةَ الأنفاس، طِّيبةَ الوردِ
تروَّيتما مجَّ الثرى وتغلغلَتْ
…
عروقُكما تحت النَّدى في ثرىً جَعْدِ
ولا يَهْنَيَنْ ظلاَّكما إنْ تباعدَتْ
…
بيَ الدَّار مَنْ يرجو ظلالكما بعدي
وقال أعرابيٌّ أيضاً
(2)
:
ألا أيُّها الرَّكْبُ المُخِبُّونَ هل لكمُ
…
بأهل العقيقِ، والمنازلِ من عِلْمِ؟
فقالوا: نعم، تلك الطُّلول كعهدهِا
…
تلوحُ، وما يُغني سؤالك عن علمِ؟
وقد أكثر الشُّعراء من ذكر العقيق، والتَّشُّوق إليه، وإنَّما أتيت بقصير من طويله، وحقير من جليله.
وأمَّا قصورها ودورها، ومنازلها وقراها؛ فإنما أوردناها على نسق الحروف في أبوابها، كما ذكرناه آنفا. وبالله التوفيق.
(1)
الأبيات في معجم البلدان 4/ 140، وفاء الوفا 3/ 1061. وتحرفت:(تروّيتما) إلى: (ترديما) في الأصل.
(2)
الأبيات في وفاء الوفا 3/ 1068.
…
المخبّون: المسرعون. قال في القاموس (خبب) ص 77: والخَبَب محرّكةً: ضربٌ من العدو، أو كالرّمل.
العَلاءُ،
بفتح أوَّله، وبالمدِّ بمعنى الرِّفْعة: موضعٌ بالمدينة أُطُمٌ أو غير أُطُمٍ.
وأمَّا العُلا-بالضَّمِّ والقصر-فموضعٌ بناحية وادي القرى، نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم، في طريقه إلى تبوك
(1)
، وبنى مكان مُصلاَّه مسجده.
والعُلا أيضاً: ركيَّاتٌ
(2)
بديار كلاب، وموضعٌ بغطفان.
العَمْق،
بفتح أوَّله، وسكون الميم، بعده قاف: وادٍ يسيل في وادي الفُرْع، ويسمَّى عَمْقَين، لقوم من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
وقيل: العَمْقُ: عينٌ بوادي الفُرع، وفيها تقول أعرابيةٌ منهم جَلَت إلى ديار مُضَر
(3)
:
أقول لعيُّوقِ الثُّريا وقد بَدَا
…
لنا بدوةً بالشَّام من جانبِ الشَّرقِ
جليتَ مع الجالين، أمْ لستَ بالذي
…
تبدَّى لنا بين الخَشاشين من عَمْقِ؟
والخشاشان: جبلان ثَمَّةَ.
وقال عمرو بن مَعِدي كَرِبَ
(4)
:
(1)
وما زال إلى الآن، ويبعد عن المدينة (400) كم، وفيه مدينة تحمل هذا الاسم، وهي محافظة تتبع إمارة المدينة المنورة. وقرب مدينة العلا آثار قبيلة ثمود.
(2)
جمع رَكِيَّة، وهي البئر. القاموس (ركو) ص 1290.
(3)
البيتان في معجم البلدان 4/ 156.
(4)
البيتان في ديوانه ص 125 - 126، معجم البلدان 4/ 156. العين: بقر الوحش. اللسان (عين) 13/ 301. الكوانس: المقيمة في كِناسها، وهو بيتها. القاموس (كنس) ص 571. الحُبيّا: منهل قرب نجران. اللسان (حبا) 14/ 163. حدسه: ضربه. القاموس (حدس) ص 537. وتحرفت (الحبيّا) في الأصل إلى: (الحميا).
وعمرو شاعر فارس مخضرم، أسلم ثم ارتد، ثم عاد إلى الإسلام، شارك بمعركة اليرموك والقادسية ونهاوند. توفي في آخر خلافة عمر. معجم الشعراء ص 208، الشعر والشعراء ص 235، أسد الغابة 3/ 770.
لِمَنْ طللٌ بالعَمْق أصبحَ دارسِاً
…
تبدَّل آراماً وعِيناً كَوانِسَا
بمعتَركٍ ضَنْكِ الحُبَيَّا ترى به
…
من القومِ مَحْدُوساً وآخرَ حَادِسَا
والعَمْقُ أيضاً: موضعٌ آخر قرب المدينة، من بلاد مزينة.
ويقال: عَمْقَى، كسَكْرَى.
والعَمْقُ أيضاً: موضعٌ بين حلب وأنطاكية.
والعَمْقُ: وادٍ
(1)
بالطائف نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا حاصر الطائف، وفيه بئرٌ ليس بالطائف أطولُ رشاءٍ
(2)
منها.
والعَمْقُ لغةً: المطمئنُّ من /377 الأراضي، وعُمْقُ الشيء ومَعْقُه: قَعْرُه.
العَمِيس
؛ بفتح أوَّله، وكسر ميمه، بعده ياءٌ، وسينٌ مهملة: وادٍ بين فَرْش ومَلَل. كان أحدَ منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر
(3)
، هكذا ضبطه أبو الحسن بن الفرات
(4)
، وعليه المحقِّقون. وقيل بالغين المعجمة، وقد يقال له: عَميس الحَمام
(5)
.
(1)
الصحيح أن اسمه العقيق، كما في السيرة النبوية 3/ 122 حيث قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين الطائف - نازلاً بوادٍ يقال له: العقيق، ليس بالطائف مال أبعد رشاء منه، ولا أشد مؤنة.
…
قلت: ويحتمل أنه صحيح، والتصحيف من مطبوعة السيرة.
(2)
الرشاء: الحبل. القاموس (رشو) ص 1288.
(3)
السيرة النبوية 2/ 187، وفيها بالغين المعجمة.
(4)
تقدمت ترجمته.
(5)
في الأصل: (الحمايم)، والتصويب من معجم البلدان 4/ 159، ووفاء الوفا 4/ 1268.
عُنَاب،
بضمِّ أوَّله، وفتح النون، وألف و [باء] موحَّدة: اسمٌ للطريق المطروقة من المدينة إلى فَيْد.
وقيل: العُنَاب: جبل بالمرُّوت
(1)
. قال جرير
(2)
:
أنكرْتَ عهدَكَ، غير أنَّك عارفٌ
…
طَللاً بألويةِ العُنَابِ مُحِيلا
فتعَزَّ إنَّ نفعَ العَزَاءُ مُكلِّفاً
…
فالشَّوقُ يُظهِرُ للفراقِ عَوِيلا
وقال جامع بن عمرو
(3)
:
أرقتُ بذي الآرامِ وَهْناً وعادني
…
عِدَادُ الهوى، بين العُنَاب وخَنْثلِ
قال أبو محمد الأعرابي
(4)
: العُنَابُ: جبلٌ أسود لكعب بن عبدَويه.
العُنَابَة،
بزيادة هاء: قارةٌ
(5)
سوداءُ أسفل من الرُّويثة، بين مكَّة والمدينة، وهي إلى المدينة أقربُ، قال كُثَيِّر
(6)
:
فقلتُ-وقد جَعلنَ بِرَاقَ بدرٍ
…
يميناً والعُنَابةَ عن شَمالِ-
والعُنَابَة أيضاً: ماءةٌ في ديار كلاب على طريق كانت تُسلك إلى المدينة، وكان علي بن الحسين زين العابدين
(7)
يسكنها، والمحدِّثون يشدِّدون النون.
(1)
المروت: موضع قرب النباج من ديار بني تميم. معجم البلدان 5/ 111.
(2)
البيتان في (ديوانه) ص 341 من قصيدة يهجو بها الفرزدق، معجم البلدان 4/ 159.
(3)
البيتان في معجم البلدان 4/ 159، وجامع هو ابن عمرو بن مرخية الكلابي، من شعراء الحجاز، له أبيات في فتوى لسعيد بن المسيب أنكرها عليه سعيد. الأغاني 8/ 92. ووقع في الأصل:(بن عمرة).
العِدَاد: مسٌّ من الجنون. القاموس (عدد) ص 298. خنثل: برث - أي: أرض سهلة-في ديار بني كلاب. معجم البلدان 2/ 391، القاموس (برث) ص 165. وتحرّفت (خنثل) في الأصل إلى:(حبنل).
(4)
المعروف بالأسود الغندجاني. وقد تقدمت ترجمته.
(5)
القارة: الجبل الصغير المنقطع عن الجبال. القاموس (قور) ص 467.
(6)
البيت في ديوانه ص 229، و معجم البلدان 4/ 160.
(7)
ستأتي ترجمته في مادة (عين).
والعُنَابة أيضاً: بِركةٌ ومكانٌ قرب سَميراء
(1)
.
العَنَاقة،
بالقاف، كسحابة: موضعٌ قرب ضَرِيَّةَ من أعمال المدينة.
قال أبو زياد: إذا خرج من المدينة عامل بني كلاب مصدِّقاً، فإنِّ أول مَنْزل [يَنْزله]
(2)
ويصدّق عليه: أُريكة، ثمَّ يرحل من أُرَيكة، إلى العَناقة، وهي لغنيٍّ فيصدق عليها غنيّاً
(3)
، وبطوناً من الضِّباب، وبطوناً من بني جعفر بني كلاب، ويُصَدّق إلى مِذْعَا
(4)
. قال ابن هرْمة
(5)
:
وقلتُ له: قمْ، فارتحلْ ثمَّ صِلْ بِها
…
غُدُوّاً ومِلْطاً بالغدُوِّ وَهَجِّرِ
فإنَّكَ لاقٍ بالعَنَاقَةِ-فارتحلْ
…
بسَعْدٍ-أبا مروانَ، أو بالمخَصَّرِ
عِنبَة، على لفظ واحدة العِنَب: بئرٌ بالمدينة على ميل.
قال العمرانيُّ: عَنْبة، بالفتح، وليس بشيءٍ، والصَّواب الأوَّل، وقد تقدَّم بئر عِنَبة في الباء.
العَواقِر:
جبالٌ في أسفل الفَرْش، وعن يسارها. قال مسلم الأشجعيُّ
(6)
:
تَطَرَّبني حُبُّ الأبارقِ من قنا
(7)
…
كأنَّ امرءاً لم يَجْلُ عن دارِه قبلي
فيا ليتَ شعِري هل بِغَيْقَةَ ساكنٌ
…
إلى السَّعدِ، أم هلْ بالعواقرِ من أهلِ؟
(1)
سَميراء: منزل بطريق مكة بعد توز مصعداً، وقبل الحاجز. معجم البلدان 3/ 255.
(2)
زيادة لا بد منها، وهي من معجم البلدان 4/ 160.
(3)
قبيلة غني بن أعصر. نسب الأشراف للبلاذري 13/ 249.
(4)
قول أبي زياد في معجم البلدان 4/ 90، ومذعى ماء لغنيٍّ.
(5)
البيتان في ديوانه ص 133، معجم البلدان 4/ 160.
(6)
مسلم بن قرط الأشجعي. والأبيات في معجم البلدان 4/ 166.
وقنا: جبلٌ في شرقي الحاجر، معجم البلدان 4/ 399، وتصحّف في الأصل (قنا) إلى:(فتى).
(7)
تحرّفت في الأصل إلى: فتى، والقنا: جبل في شرقي الحاجر. معجم البلدان 4/ 399.
فمَنْ لامَني في حبِّ نجدٍ وأهلِه
…
وإنْ بَعُدَتْ داري، فَلِيمَ على مثلي
على قُرْب أعداءٍ، ونأي عشيرةٍ
…
ونائبةٍ نابَتْ من الزَّمْنِ المحْلِ
وقال كُثيِّر
(1)
:
وسُيِّلَ أَكنافُ المرابدِ غُدوةً
…
وسُيِّلَ مِنه ضاحكٌ والعَواقِرُ
عُوَالٌ،
بالضَّمِّ والتَّخفيف: أحدُ الأجبل الثلاثة التي تكتنف الطَّرَف
(2)
، على يوم وليلة من المدينة، والآخران: ظَلِم واللَّعْباء.
وعُوالٌ أيضاً: موضعٌ باليمامة.
العَوَالِي:
ضيعةٌ عامرةٌ بينها وبين المدينة ثلاثة أميال، وذلك أدناها، وقيل: أبعدُها ثمانية أميال، وهي محفوفةٌ بالحدائق ذات النَّخيل، والآبار العذبة الكثيرة المياه، ترفُّ بساتينها غَضارةً ونضارةً، ويأتلق عليها رونق الخضارة، تجري في أكثر النهار مذانب تلك الأنهار المستعارة من الآبار، مُنسابةً في بساتينها الملتفة النخيل والأشجار، وحدائقها الظليلة اليانعة الثمار، وتنعطف على نخيلها انعطاف المَسْك
(3)
والسِّوار، غير أنَّ جليل شجرها النَّخيلُ، وغيرُها من الشجر إن وُجد فهو دخيل، نعم تكثر فيها الرَّياحين والخضر، وتموج قراحُها
(4)
بالقرع واللفت والجزر
(5)
.
وذكر الزُّبير بن بكَّار في سيول العوالي من حيث تفترق، عن غير واحد من الأنصار: مُذينِب
(6)
شعبةٌ من سيل بُطحان، يأتي مذينِب إلى الرَّوضة،
(1)
ديوانه ص 373، معجم البلدان 4/ 166، المحكم 1/ 107.
(2)
قاله عرَّام ص 424.
(3)
المَسْك: الأسْوِرة. القاموس (مسك) ص 953.
(4)
القَراح والقَريح: الأرض المخلَّصة للزَّرع والغرس. القاموس (قرح) ص 235.
(5)
أمَّا الآن فأصبحت العوالي حيَّاً سكنياً من أحياء المدينة، ولم يبق فيها من النخيل إلا الشيء اليسير.
(6)
في الأصل: (مذينيب).
روضة بني أُمية بن زيد، ثمَّ يتشَّعب من الروضة نحواً من خمسة عشر جزءاً في أموال بني أمية، ثمَّ يخرج من أموالهم، حتى يدخل في بُطحان، وصدور مذينِب، وبُطحان يأتيان من الحَلاءينِ
(1)
حلائي صعب، على سبعة أميال من المدينة أو نحوها ومصبُّهما في زغابة، حيث تلتقي السُّيول عند أرض سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
وسيل مهزور، وصدره من حَرَّة شوران، وهو يصبُّ في أموال بني قريظة، ثمَّ يأتي المدينة، فيشقُّها، وهو السَّيل الذي يمرُّ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ يصبُّ في الزَّغَابة، ويلتقي هو وبُطحان بزَغابة، حيث تلتقي السيول عند أرض سعد بن أبي وقاص.
وصدْر سيل ذي صُلب من رانونا، من التَّحفيف، ثمَّ يصبُّ ذو صلب
(2)
/379 ورانونا في سدِّ عبد الله بن عمرو، ثمَّ في ساحطة وأموال العصبة، ثمَّ في عَوْسا
(3)
، ثمَّ في بُطحان، ثمَّ يلتقي هو وبُطحان عند دار الشواترة
(4)
، وهم في عداد بني زريق، ويزعمون أنَّهم من عاملة.
وتجتمع سيول ما حول المدينة كلها، والعقيق وقناة وسيول العالية، ثمَّ تصبُّ كلُّها في إضم، ثمَّ تصُبُّ في البحر.
عَوْسَا،
بالسين المهملة: موضعٌ بالمدينة قرب قباء. قاله نصر.
قلتُ: هناك حديقة تُعرف اليوم بحوسا، هكذا يلفظه أهل المدينة، ولعلَّه
(1)
تقدما في حرف الحاء. وانظر تاريخ المدينة لابن شبة 1/ 169.
(2)
تقدَّم هذا الكلام في مادة: عقيق.
(3)
في وفاء الوفا 3/ 1072: بالغين المعجمة وهو تصحيف، كما سيأتي، وفي عمدة الأخبار ص 376: بالعين المهملة، كما هنا.
(4)
كذا في الأصل و وفاء الوفا، وفي عمدة الأخبار: الشَّوابرة.
تحريف منهم، والله أعلم.
عَيْرٌ،
بفتح أوَّله، وسكون المثنَّاة التحتية، آخرُه راءٌ، بلفظ العَير، لحمار الوحش، والعَيْر أيضاً: المثال الذي في الحَدَقة، ومآقي العين، وجَفْنُها أو لحظها، وما تحت الفرع من الأذن، وخشبةٌ تكون في مقدَّم الهودج، والوَتد والجبل، والسَّيِّد، والملك، والطَّبل، والمتن في الصلب، والعظم الناتئ في بؤبؤ العين
(1)
.
ووادٍ، وموضعٌ كان مُخْصِباً، فغيَّره الدَّهر فأقفره.
ولقَب حمار بن مويلع
(2)
، كافر له وادٍ، فأرسل الله عليه ناراً فأحرقته.
والعَظْمُ النَّاتئ في وسط الكتف، والنَّشْزُ المرتفع في وسط النَّصْل.
قال عَرَّام
(3)
: وعَيْر: جبلان أحمران، عن يمينك، وأنت ببطن العقيق، تريد مكة، وعن يسارك شَوْران، وهو جبلٌ يُطِلُّ على السَّدِّ.
وعن بعض أهل الحجاز أنَّ بالمدينة جبلين، يقال لأحدهما: عير الوارد، وللآخر عير الصادر، وهما متقاربان
(4)
، وهذا موافقٌ لقول عَرَّام.
(1)
تهذيب اللغة 3/ 164، القاموس (عير) ص 447. وتحرفت (بؤبؤ) في الأصل إلى:(نؤنؤ).
(2)
وهو رجل من عادٍ، كان مؤمناً بالله، ثم ارتدَّ، كان له بنون ووادٍ خصب، فسافر بنوه في بعض أسفارهم فأصابتهم صاعقة فأحرقتهم فكفر بالله، وقال: لاأعبدُ رباً أحرق بَنيَّ فاسودَّ الوادي، وصار لا يُنبت شيئاً، فَضُرِبَ به المثل. فصار يقال: وادٍ كجوف العير وأخلى من جوف حمار. شرح القصائد السبع الطوال لابن الأنباري ص 80، سوائر الأمثال لحمزة الأصفهاني ص 153، مجمع الأمثال 1/ 253، المستقصى 1/ 107.
(3)
أسماء جبال تهامة ص 425.
(4)
قال السمهودي 4/ 1269: عَيْرٌ: اسمٌ للجبل الذي في قبلة المدينة شرقي العقيق، وفوقه جبلٌ آخر يُسمَّى باسمه ويقال له: عير الصادر، وللأول: عير الوارد. وهو قريب من ذي الحليفة عند ميقات أهل المدينة.
وقال نصرٌ: عَيْرٌ: جبلٌ يقابل الثنية المعروفة بِشِعْب الخوز
(1)
، وثور: جبلٌ عند أُحُد.
وقد تقدَّم الكلام عليه في ثور، فلينظر هناك إن شاء الله تعالى.
العِيْصُ،
بالكسر، ثمَّ السُّكون، وإهمال الصَّاد: ماءٌ فوق السُّوارقية.
قال ابنُ إسحاق
(2)
-في حديث أبي بصير
(3)
-: خرج حتى نزل بالعيص، من ناحية ذي المروة على ساحل البحر، بطريق قريش التي كانوا يأخذون إلى الشام.
عَينان،
تثنية العين: اسمٌ لجبل أحد. ويقال: اسمٌ لجبلين عند أحد، وقيل عينان: اسمُ جبلٍ باليمن
(4)
بينه وبين غمدان ثلاثة أميال، ويقال ليوم أُحد: يوم عينين.
وفي حديث عمر رضي الله عنه، لما جاءه رجلٌ يخاصمه في عثمان رضي الله عنه، فقال: وأنه فَرَّ يوم عينين.
وقيل: عينين: جبلان بينهما وادٍ. ويسمَّى عامُ أُحُدٍ عامَ عينين. وضبطه بعضهم بكسر أوله، وليس بثبت. وقيل: عينان: جبلٌ بأُحُد، قام عليه إبليس-لعنه الله- ونادى: /380 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُتِل
(5)
.
(1)
أفاد الشيخ حمد الجاسر (المغانم 288): أن هذا ينطبق على جبل في الأبطح بقرب ثنية الحجون، يسمَّى العيرة.
(2)
السيرة النبوية 3/ 270.
(3)
اسمه عتبة بن أَسيد، حليف بني زهرة، أسلم بعد صلح الحديبية، وردَّه الرسول صلى الله عليه وسلم للصلح والعهد الذي مع قريش، فاجتمع إليه المسلمون الذين كانوا بمكة، فكانوا لا يظفرون برجل من قريش إلا قتلوه. مات قبل وصوله إلى النبي صلى الله عليه وسلم. أسد الغابة 5/ 36، الإصابة 2/ 452.
(4)
في الأصل: (باليمامة)، والتصويب من المعجم 4/ 174.
(5)
غريب الحديث لأبي عبيد 3/ 431.
وفي مغازي ابن إسحاق
(1)
: وأقبلوا حتى نزلوا بعينين، جبلٍ ببطن السَّبخة من قناة، على شفير الوادي، مقابل المدينة.
قال الفرزدق
(2)
:
ونَحنُ منعنا يوم عَيْنينِ مِنقراً
…
ولم ننب في يَومي جَدُودٍ، عن الأسلِ
قلتُ: وكان الرُّماة يوم أُحد على هذا الجبيل المسمَّى عينين.
وعنده مسجدان: أحدهما في ركن عينين الشرقي، يقال: إنَّه الموضع الذي طُعِنَ فيه حمزة رضي الله عنه، والمسجد الآخر وراء هذا المسجد على نحو رميةٍ بحجر على شفير الوادي، يقال: إنَّه مصرع حمزة رضي الله عنه، وإنَّه مشى بطعنته إلى هناك، فصُرع رضي الله عنه. وقد تجددت هناك عين ماء جددها الأمير بدر الدين وُدَيُّ بن جَمَّاز
(3)
صاحب المدينة، ومفيض هذه العين عند المسجد الأول، وعليها حديقة حسنة ونخل، وقد استبعلت
(4)
في هذه الأيام، لانقطاع العين ودثورها.
وعينان أيضاً: ماءةٌ بالبحرين، وإليه ينسب خُليد عَينين
(5)
الشاعر.
(1)
السيرة النبوية 3/ 26.
(2)
البيت ليس في ديوانه وليس له، بل هو للبعيث المجاشعي كما في نقائض جرير والفرزدق لأبي عبيدة 1/ 108 وذكر القصيدة، وهو في معجم البلدان 4/ 180، و معجم ما استعجم 3/ 986، وفيه:(ويوم جدودٍ لم نواكل عن الأصل) وهو في جمهرة اللغة 2/ 956 والتكملة والذيل للصاغاني: عين، 6/ 279.
والبعيث اسمه خداش بن بشر، كان خطيباً شاعراً مجيداً، بينه وبين جرير مهاجاة طويلة. توفي سنة 134 هـ. معجم الشعراء ص 56، معجم الأدباء 11/ 52.
(3)
تأتي ترجمته في الباب السادس.
(4)
استبعلت: صارت لا تسقى. القاموس (بعل) ص 967.
(5)
شاعر من بني عبد القيس، من شعراء العصر الأموي، مدح زياد بن أبيه، وله معارضة مع جرير. الشعر والشعراء ص 303، طبقات فحول الشعراء 1/ 449، أنساب الأشراف للبلاذري 12/ 50.
عَيْن أبي نَيْزَر،
بفتح النون، وياءٍ مُثنَّاةٍ تحتيةٍ، وزاي مفتوحة، ورَاءٍ، فيْعل من النَّزارة، وهي القِلّة: عينٌ كثيرة النَّخل، غزيرةُ الماء، من عمل المدينة.
وأبو نيزر
(1)
الذي تنسب إليه هذه العين مولى لعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان ابناً للنجاشي
(2)
ملك الحبشة، الذي هاجر إليه المسلمون، وإن علياً وجده عند تاجرٍ بمكة، فاشتراه منه وأعتقه، مكافأة لما صنع أبوه مع المسلمين، حين هاجروا إليه. وذكروا أن الحبشة مرج عليها أمرُها بعد موت النجاشيِّ، وأنَّهم أرسلوا وفداً منهم إلى أبي نيزر، وهو مع عليٍّ رضي الله عنه، ليملِّكوه عليهم، ويتوجَّوه، ولا يختلفون عليه، فأبى، وقال: ما كنتُ لأطلب الملك بعد أن مَنَّ الله عَليَّ بالإسلام. وكان أبو نيزر من أطول النَّاس قامة، وأحسنهم وجهاً، ولم يكن لونه كألوان الحبشة، إذا رأيته قلتَ: هذا رجلٌ عربيٌّ.
قال المبرد
(3)
: رووا أنَّ علياً رضي الله عنه أوصى إلى الحسن رضي الله عنه في وقف أمواله، وأن يجعل فيها ثلاثةً من مواليه، وقف فيها عين أبي نيزر، والبُغيبغة، وكأنَّه وهم؛ لأنَّ وقف هاتين الضيعتين كان لسنتين من خلافته.
(1)
ضبطه ابن حجر بكسر النون، وقال: يقال: إنه من أولاد النجاشي، جاء وأسلم. وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم في مؤنته، ونقل قصته هذه. في الإصابة 4/ 199.
(2)
أصحمة بن أبحر، أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إليه، كان ردءاً للمسلمين وحصناً، ولما مات صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب. قالت عائشة: كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور. أسد الغابة 1/ 119، الإصابة 1/ 109.
(3)
القصة في الكامل 3/ 207، والمبرِّد هو محمد بن يزيد، أحد أئمة النحو والأدب، أخذ عن المازني، والجرمي، جالس المتوكل العباسي، وأخذ عنه الصولي ونفطويه، من كتبه: المقتضب في النحو، و التعازي. توفي سنة 286 هـ. طبقات النحويين للزبيدي ص 101، إنباه الرواة 3/ 241، بغية الوعاة 1/ 269.
قال ابن هشام
(1)
: كان أبو نيزر من أبناء بعض الملوك الأعاجم، ثمَّ صحَّ عندي بعد أنه من ولد النجاشيِّ، فرغب في الإسلام صغيراً، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار مع فاطمة وولدها، رضي الله عنهم.
قال أبو نيزر: جاءني عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه /381 وأنا أقوم بالضيعتين، عين أبي نيزر، والبُغيبغة. فقال: هل عندك من طعام؟ فقلتُ: طعامٌ لا أرضاه لأمير المؤمنين، قرْعٌ من قرع الضيعة ضاءلته
(2)
بإهالةٍ سنخة
(3)
. فقال: عليَّ به؟ فقام إلى الرَّبيع
(4)
فغسل يديه [ثم أصاب من ذلك شيئاً، ثم رَجع إلى الربيع فغسل يديه]
(5)
بالرَّمل، حتى أنقاهما، ثمَّ ضمَّ يديه كلَّ واحدة منهما إلى أختها، وشرب فيهما، حسى من الرَّبيع، ثمَّ قال: يا أبا نيزر: إنَّ الأكفَّ أنظفُ الآنية. ثم مسح ندى ذلك [الماء] على بطنه، وقال: مَنْ أدخله بطنُه النَّار فأبعدهُ الله، ثمَّ أخذَ المِعْوَل وانحدر، فجعل يضرب، وأبطأ عليه الماء فخرج، وقد تنضَّح جبينه عرقاً، فانتكف العَرَق عن جبينه، ثمَّ أخذ المِعْوَل، وعاد إلى العين، فأقبل يضرب فيها، وجعل يُهَمْهِم، فانثالت كأنَّها عنقُ جَزورٍ، فخرج مُسرعاً وقال: أُشهِد الله أنَّها صدقة، عليَّ بِدَواةٍ وصحيفة. قال: فعجلتُ بِهما إليه، فكتب
(6)
: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما تصدَّق به عبد الله أمير
(1)
هو أبو محلّم الشيباني، محمد بن هشام، وليس هو صاحب السيرة. كان إماماً في اللغة والعربية وأيام الناس، سمع من سفيان بن عُيينةَ ووكيع، وروى عنه الزبير بن بكار، وثعلب والمبرد، جالس الخلفاء العباسيين. مات سنة 245 هـ. الوافي للصفدي 5/ 166،
بغية الوعاة 1/ 257.
(2)
ضاءلته: صغَّرته، فعند طبخه يصغر حجمه. القاموس (ضأل) ص 1024.
(3)
الإهالة السنخة: الدسم المتغير. اللسان (سنخ) 3/ 26.
(4)
الربيع: النهر الصغير. القاموس (ربع) ص 719.
(5)
ما بين معقوفين من الكامل.
(6)
انظر تاريخ المدينة لابن شبة 1/ 225.
المؤمنين، تصدَّق بالضيعتين المعروفتين، بعين أبي نيزر، والبُغيبغة على فقراء أهل المدينة، وابن السبيل، ليقيَ بِهما وجهَه حرَّ النَّار، يوم القيامة، لا يباعان ولا يوهبان حتى يرثهما الله وهو خير الوارثين، إلا أن يَحتاجَ إليهما الحسن أو الحسين، فهما طلقٌ لهما، وليس لأحد غيرِهما.
قال محمد بن هشام: فركب الحسينَ رضي الله عنه دَينٌ، فحمل إليه معاوية رضي الله عنه، بعين أبي نيزر مائتي ألف دينار، فأبى أن يبيع، وقال: إنما تصدق بِها أبي ليقي اللهُ تعالى وجهه حرَّ النَّار، ولست بائعها بشيء.
عُيونُ الحُسَينِ
بن زيد رضي الله عنهما. كان للحسين بن زيد
(1)
رضي الله عنهما ثلاثة عيون بأعمال المدينة، أجراها هو من خالص ماله، إحداها: كانت بالمضيق
(2)
، والأخرى بذي المروة، والثالثة بالسقيا
(3)
.
حكى القاضي أبو الفَرَج النَّهروانيُّ
(4)
بسنده عن سليمان بن جعفر
الجعفريِّ
(5)
، عن حسين بن زيد
(6)
، أنه كان نشأ في حَجْرِ أبي عبد الله.
(1)
ستأتي ترجمته قريباً.
(2)
تحرّفت في الأصل إلى: (المصيف)، وانظر وفاء الوفا 4/ 1309.
(3)
أفاد الشيخ حمد الجاسر (المغانم 291): أنَّها تعرف الآن باسم أمِّ البِرَك، تقع بطريق مكة إلى المدينة.
(4)
المعافى بن زكريا، كان ثقة من أعلم الناس، آية في الذكاء وحسن الحفظ، وسرعة الجواب تفقه بمذهب ابن جرير الطبري، ولقب الجريري نسبة إليه، وأخذ عن نفطويه، وأبي القاسم البغوي من كتبه (الجليس الصالح) ط، و (البيان الموجز في علم القرآن المعجز). توفي سنة 390 هـ. تاريخ بغداد 13/ 230، إنباه الرواة 3/ 296، غاية النهاية 2/ 302.
والقصة هذه ذكرها في كتابه الجليس الصالح الكافي 1/ 453.
(5)
أحد أهل العلم يروي عن حسين بن زيد، وروى عنه أبو أيوب الهاشمي المدني سليمان ابن مقبل، كما في الجليس الصالح ولم أجد مَنْ ترجمه.
(6)
حسين بن زيد بن علي زين العابدين، وأمه ريطة بنت أبي هاشم، عاش حتى عمي، وكانت بنته ميمونة عند المهدي العباسي، وله ولد. المعارف ص 216، مقاتل الطالبيين ص 406.
يعني: جعفر بن محمد
(1)
، فلما بلغ مبلغ الرِّجال، قال له أبو عبد الله: ما يمنعك أن تتزوَّجَ فتاةً من فتيات قومك؟ قال: فأعرضتُ عن ذلك، فأعاد عليَّ غيرَ مرَّةٍ، فقلتُ له: مَنْ ترى أن أتزوَّج؟ فقال: كلثوم بنت محمد بن عبد الله الأرقط، فإنَّها ذاتُ جمال ومال. قال: فأرسلتُ إليها فتهازرَتْ
(2)
على رسولي، وضحكتْ منه، وتعجبَتْ كلَّ العجب لإقدامي وجُرأتي على خطبتها، فأتيتُ أبا عبد الله، فأخبرتُه، فقال لمعتِّبٍ
(3)
: ائتني بثوبين يمنيين مُعْلَمين، فأتى بِهما فلبستُهما ثمَّ قال لي: تعرَّضْ أن تمرَّ بقربِ منْزلها وتستقيَ ماءً، واحرص على أن تعلمَ مكانك. /382 قال: فوقفتُ بالباب، فعلمَتْ بِمكاني ففتحَتْ، فنظرتُ إليها، فأشرفَتْ عليَّ، وأنا لا أعرفها، فنظرَتْ إليَّ ثم قالت:(تسمعُ بالمعُيَديِّ خيرٌ من أن تراه)
(4)
ثمَّ انصرفَتْ، فأتيتُ أبا عبد الله فأخبرتُه، وكنتُ ربَّما غبتُ عن المدينة أتصيَّدُ. فقال لي: إذا شئتَ فغِبْ عن المدينة أياماً، فغبتُ أياماً ثمَّ نزلتُ المدينة، فإذا مولاة لها قد أتتني، فقالت: نحن نريد أن نُعَمِّرَك
(5)
للعرس وأنت تطلبُ الصَّيدَ، وتَضْحَى
(6)
للشَّمس، قد جئتُ وطلبتُكَ غيرَ مرَّة، وبعثَتْ معي بألف دينار، وعشرةَ أثوابٍ، وتقول لك: تقدَّمْ إذا شئتْ فاخطبني، وأمهرنيها، فإنَّ لكِ عِشرةً جميلة ومواتاة
(7)
. فغدوتُ فملكتُها، وأَمرْتُها بالتهيُّؤ ثمَّ جئتُ أبا عبد الله، فأخبرتُه فقال: تَهيَّأ للسفر،
(1)
جعفر الصادق، وتقدمت ترجمته.
(2)
في الجليس الصالح: فثارت. وتهازرت: تضاحكت. القاموس (هزر) ص 497.
(3)
هو مولى أبي عبد الله جعفر الصادق، كما سيأتي.
(4)
هذا مثل من أمثال العرب. الأمثال لأبي عبيد ص 97، مجمع الأمثال 1/ 129.
(5)
نهيئك.
(6)
تضحى: تبرز. القاموس (ضحى) ص 1305.
(7)
موافقة.
وانظر مَنْ يَخرْج معكَ، وإذا كان ليلة الخميس فادخل مسجدَ النبي صلى الله عليه وسلم فسلِّمْ على جَدِّك وودِّعْه، ونحن ننتظرُك، ببئر زياد بن عبيد الله. ففعلتُ ما أمرني به، وأتيته، فأجده والقاسم بن إسحاق
(1)
، وإبراهيم بن حسن
(2)
، فلمَّا وقفتُ عليه أمر لي بثياب السفر، وخلا بي، فقال: استشعر تقوى الله، وأحدِثْ لكلِّ ذنبٍ توبة، لذَنْبِ السِّرِّ توبةَ سرِّ، ولذَنْبِ العلانية توبة علانية، امض لوجهك، فقد كتبتُ لك إلى معن بن زائدة
(3)
كتاباً وغيبتُكَ في سفرك هذا ثلاثةُ أشهر إن شاء الله تعالى، فإذا [جئتَ]
(4)
صنعاء فانزل منْزلاً، ولا تحمل بأحدٍ على مَعْنٍ، وتَأَتَّ له أن يُدخل عليه
(5)
بإذنٍ عامٍّ مع الناس. وإذا دخلت عليه فَعرِّفْه مَنْ أنت، فإنْ رأيتَ منه جفوةً ونَبْوةً فاغتفرها، وأعرض عنها، فإنَّك ستصيبُ منه عشرين ألف دينار، سوى ما تصيبُ من غيره، فخرجتُ حتى قدِمْت صنعاء، ففعلتُ جميعَ ما أمرني به، ودخلتُ عليه بإذنٍ عام، فإذا أنا به قاعدٌ وحده، وإذا برجلٍ جَهْمِ الوجه مُخْتضبٍ بالسَّواد، والنَّاس سِماطان
(6)
، قيامٌ، فأقبلتُ حتى سلَّمْتُ، فردَّ السَّلام وقال: مَنْ أنت؟ فأخبرتُه بنسبي، فصاح: لا واللهِ، لا أريد
(1)
القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، خرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن على أبي جعفر المنصور، وكان تولى اليمن لمحمد. مقاتل الطالبيين ص 301.
(2)
إبراهيم بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، وأولاده محمد وجعفر. كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفد أبوه على أبي العباس السفاح، ولم يفد ابنه معه، فاستاء السفاح. توفي سنة 145 هـ محبوساً. طبقات ابن سعد 5/ 235، المحبر ص 308، مقاتل الطالبيين ص 187.
(3)
أحد أجواد المسلمين وأبطالهم، تنقّل في الولايات، أيام بني أمية، ثم ولاه المنصور على سجستان. قتله الخوارج غيلة سنة 151 هـ أكثرَ من مدحه مروان بن أبي حفصة. تاريخ بغداد 13/ 235، الكامل لابن الأثير 5/ 606، وفيات الأعيان 5/ 244.
(4)
ساقطة من الأصل، وهي من كتاب النهرواني.
(5)
محرّفة في الأصل إلى: (إزالته)، والعبارة ناقصة، والتصويب من كتاب النهرواني.
(6)
سماطان: صفَّان. القاموس (سمط) ص 672.
أن تأتوني، ولَبَابُ أمير المؤمنين أعودُ عليكم من بابي. فقلتُ له: على رِسْلك! أنا أستغفرُ الله من حسنِ الظَّنِّ بك، وانصرفتُ من عنده، فأدركني رجلٌ من أهل بَلدِه، فأخبرتُه بخبري. فقال: قد عَوَّضكَ الله خيراً مما فاتكَ، ثمَّ بعث غُلاماً فأتاني بثلاثة آلاف دينار، فدفعها إليَّ، وسألني عمَّا أحتاج إليه من الكسوة فكتبتُها له، فلمَّا كان بعد العشاء، دخل عليَّ صاحبُ المنْزل فقال: هذا الأمير معنُ بن زائدة يدخلُ عليك. فلمَّا دخل أكبَّ على رأسي ويدي، ثمَّ قال: يا سيدي وابن سادتي، /383 اعذرني، فإنِّي أعرفُ ما أُداري فلمَّا قرَّ قرارُه أعلمتُه بالكتاب الذي من أبي عبد الله، فقبَّله، وقرأه، ثمَّ أمر لي بعشرة آلاف دينار، ثمَّ قال لي: أيُّ شيء أَقْدَمكَ؟! فأخبرتُه خبري، فأمر لي بعشرة آلاف دينار أُخرى، وبعشرٍ من الإبل، وثلاثِ نجائب برحالها، وكساني ثلاثين ثوباً وشياً، وغيرها، وقال لي: جُعلتُ فداك! إني لأظنُّ أبا عبد الله يتطلَّعُ إلى قدومك، فإنْ رأيتَ أن تخفَّ الوقفة، وتمضي فعلتَ ثمَّ ودَّعني، فتلوَّمْتُ بعد ذلك أياماً، ثمَّ قضيتُ حوائجي، ثمَّ خرجْتُ حتى قدمتُ مكَّةَ موافياً لعمرة شهر رمَضان، فإني لفي الطَّواف، حتى لقيتُ مُعتِّباً مَولى أبي عبد الله، فسلَّمتُ عليه، وسائلته فقال: هُو ذا أبو عبدِ الله قد وافى، وإنَّ أحدثَ ما ذكرك
البارحة، فمشيتُ إليه حتى أتيتُه فسلَّمتُ عليه، وسائلته وقبَّلْتُ رأسه. فقال: كيف تركت مَعنْاً؟!
فأخبرتُه بسلامته. فقال: أصبتَ منه-بعدما جَبَهك وصاح عليك-عشرين ألف دينار سوى ما أصبتَ من غيره؟! قلتُ: نعم جُعلتُ فداك!.
فقال: فإنَّ مَعَنا جماعةً من أصحابك ومواليك، وقد كانوا يدعون الله لك، ويذكرونك، فمُرْ لهم بشيءٍ. قلتُ: ذاك إليك، جعلني الله فداك!. قال: فأعطِهم ما رأيتَ، كم في نفسك أن تُعطيَهم؟! فقلت: ألف دينار. قال: إذًا تُجحفُ بنفسك، ولكن فَرِّقْ عليهم خمسمائة دينار، وخمسمائة دينار لمن
يعتريك بالمدينة، ويُهدي إليكَ. ففعلتُ ذلك وقدمتُ المدينة، واستخرجتُ عيناً بالمروَةِ، وعيناً بالمضيق، وعيناً بالسُّقيا، وبَنيتُ منازل بالبقيع، فترَوْني أُؤدِّي شكر أبي عبد الله وولده أبداً؟ وضممتُ إليَّ أهلي، ورُزقت منها عليَّاً والحسن ابني، والبنات.
عَينُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم،
روى الزُّبير بن بكَّار عن طلحة بن خِراش
(1)
قال: كانوا أيام الخندق، يخرجون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخافون البيَات، فيدخلون به كهف
(2)
بني حَرَام، فيبيتُ فيه، حتى إذا أصبح هبَط.
قال: ونقر رسول الله صلى الله عليه وسلم العُيينة التي عند الكهف، فلم تزل تجري حتى اليوم
(3)
.
وهذا الكهف الذي ذكره معروفٌ في غربي جبل سَلْع، عن يمين السالك إلى مساجد الفتح، من الطَّريق القِبلية، وعلى يسار السَّالك إلى المدينة، إذا زار المساجد وكرَّ راجعاً إلى المدينة، مستقبله للقبلة، تقابله حديقة نخل تُعرف بالغنيمية في بطن وادي بُطحان، غربي جبل سلع، وهذه العينُ التي ذكرها الزُّبير من جملة ما ذهب ودَثر، لا يُعرف اليوم لها عينٌ ولا أثر، والله تعالى أعلم.
/384 قال الفقيه أبو الحسين ابن جبير
(4)
: وقَبْلَ وصولك سور المدينة من جهة الغرب، بمقدار غَلوة، تلقى الخندق الشهير ذكره، الذي صنعه النبي
(1)
طلحة بن خراش بن عبد الرحمن، السُّلَميُّ، الأنصاري، من التابعين الثقات، من أهل المدينة، يروي عن جابر بن عبد الله، وروى عنه موسى بن إبراهيم، ويحيى بن عبد الله ابن يزيد. التاريخ الكبير 2/ 2/348، الثقات لابن حبان 4/ 394.
(2)
يأتي في حرف الكاف.
(3)
أخرجه ابن النجار في الدرة ص 84 من طريق ابن زبالة، وهو متهم بالكذب، وذكره السمهودي في وفاء الوفا 3/ 984.
(4)
رحلة ابن جبير ص 175 - 176، مع بعض الاختصار.
صلى الله عليه وسلم [عند تحزب الأحزاب، وبينه وبين المدينة، عن يمين الطريق، العين المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم]
(1)
وعليها حِلَقٌ عظيمٌ مستطيل
(2)
، ومنبع العين وسط ذلك الحلق، كأنه الحوض
(3)
المستطيل، وتحته سقايتان مستطيلتان باستطالة الحلق، وقد ضُربَ بين كلِّ سقايةٍ وبين الحوض المذكور [بجدار، فحصل الحوض مُحدقاً]
(4)
بجدارين، وهو يمدُّ السِّقايتين المذكورتين، ويُهبط إليهما على أدراج نحو الخمسة والعشرين درجاً، وماءُ هذه العين المباركة يعمُّ أهل الأرض، فضلاً عن أهل المدينة، فهي لتطهُّرِ الناس واستقائهم، وغسل أثوابهم، والحوضُ المذكور لا يُتناول منه غير الاستقاء خاصَّةً، صوناً له، ومحافظة عليه. انتهى كلامه.
ويشبه أن اشتبه عليه عين الأزرق، بعين النبي صلى الله عليه وسلم.
عين الخيف: هي عين تأتي من عوالي المدينة، تسقي ما حول مساجد الفتح من المزارع والنخيل.
عين الأزرق
(5)
: التي تُسمِّيها العامَّةُ العين الزَّرقاء، وهي عينٌ أجراها مروان ابن الحكم، لما كان والياً لمعاوية على المدينة، وكان أزرقَ العينين، فأضيفت العين إليه، أجراها بأمر معاوية رضي الله عنه، وأصلها من بئرٍ معروفة بقُباء، غربي المسجد، في حديقة نخل، وهي بئر واسعة الأرجاء، محكمة
(1)
مابين معقوفين من رحلة ابن جبير، يقتضيه السياق.
(2)
في الأصل: (مستدير)، والتصويب من (الرحلة).
(3)
تحرّفت في الأصل إلى: (الخوض).
(4)
مابين معقوفين ساقط من الأصل.
(5)
وفاء الوفا 3/ 986، وللشيخ أحمد الخياري المتوفى سنة 1380 هـ رسالة التحفة الشماء في تاريخ العين الزرقاء مطبوعة، فيها شرح واف عن تاريخ العين ومجراها.
البناء، متقنة الأطواء
(1)
، متوسِّطة الرِّشاء، عذبة الماء، يظهر منها هذا الماء الكثير، ويجري في أقناءٍ تحت الأرض إلى المصلَّى، وهناك تنقسم نصفين، وعلى المقسم قبَّةٌ كبيرة مقسومة نصفين، يجري الماء منها في وجهين مُدرَّجين: وجهٍ قِبْليٍّ، ووجهٍ شمالي، وتخرج العين من القبة من جهة المشرق، ثمَّ تأخذ إلى جهة الشمال.
وأخذ الأميرُ سيفُ الدِّين الحسينُ بن أبي الهيجاء
(2)
في حدود السِّتين وخمس مائة منها شعبةً من عند مخرجها من القُبَّة، فساقها إلى باب المدينة، باب المصلَّى، ثمَّ أوصلها إلى الرَّحْبة التي عند مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، من جهة باب السلام، وبنى لها منهلاً بدَرَج، من تحت الدُّور، يستقي منه أهل المدينة، وينتفعون بها، وجعل لها مصرفاً من تحت الأرض، يشقُّ وسط المدينة، على البلاط، ثمَّ يخرج إلى ظاهر المدينة من جهة الشمال، شرقيِّ حصن يسكنه أمير المدينة، وكان قد جعل منها شُعبةً صغيرةً، تدخل إلى صحن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل لها منهلاً بدَرَجٍ، عليه عقد، يخرج الماء إليه /385 من فَوَّارةٍ، يتوضأ منها مَنْ شاء، فحصل في ذلك انتهاك حرمة المسجد، من كشف العورات، والاستنجاء في المسجد، فَسُدَّتْ لذلك، وجُعل عليها علامة.
وهذه العين إذا خرجَتْ من القُبة التي بالمصلَّى، سارت إلى جهة الشمال، حتى تصل إلى سور المدينة، وتدخل من تحته، إلى منهل آخر، بوجهين
(1)
الأطواء: الطرائق، وهذا اللفظ مستعار من الأطواء في الناقة، والأطواء في الناقة: طرائق شحم سنامها. القاموس (طوى) ص 1308.
(2)
كان صهر الملك الصالح، ووزير الملوك المصريين، كانت ولايته في سنة ست وستين وخمسمائة. فدامت نحو عامين. التحفة اللطيفة 1/ 516.
مدرجين، ثمَّ تخرج إلى خارج المدينة، فتصل إلى منهل آخر، بوجهين مدرجين، عند قبر النَّفس
الزكية
(1)
، ثمَّ تخرج من هناك، وتجتمع هي وما يتحصل من مصلها في قناة واحدةٍ، إلى البركة التي ينْزلها الحجاج، عند ورودهم وصدورهم، قرب بئر رومة.
عين تُحَنِّس،
بضمِّ التاء
(2)
المثنَّاة فوق، وفتح الحاء المهملة، وكسر النُّون المشدَّدة، وسين مهملة: عينٌ معروفة كانت بالمدينة، للحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم، استنبطها له غلامٌ يقال له: تُحَنِّس
(3)
، باعها عليُّ
(4)
بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم من الوليد بن عتبة
(5)
بن أبي سفيان بسبعين ألف دينار، قضى بِها دين أبيه، وكان الحسين رضي الله عنه قتل وعليه دينٌ هذا مقداره.
عَينين، هو تثنية عين، وقد تقدَّم آنفاً، لكن بعضُهم يتلفَّظ به على هذه الصيغة في جميع أحواله، فإنَّ الأزهريَّ ذكره في عينان
(6)
مبسوطاً فقال مبتدئاً:
(1)
لقب محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، حدَّث عن نافع وأبي الزناد، وعنه عبد العزيز الدراوردي، وخرج على أبي جعفر المنصور، فقتله المنصور سنة 145 هـ، وكان كثير الصوم والصلاة. تاريخ خليفة 421، الكامل 5/ 553،
سير أعلام النبلاء 6/ 210. وكان قبره عند أول سلطانه مقابل مجمع الداودية حالياً أقرب قليلاً لجهة الحرم.
(2)
تحرّفت في الأصل إلى: (الياء)، وهو عجيب؛ لأن بعدها: المثناة فوق.
(3)
مولى الحسين بن علي.
(4)
الملقب زين العابدين، حدث عن أبيه، وعن صفية أمِّ المؤمنين، وأبي هريرة، وحدث عنه عمرو بن دينار، وهشام بن عروة، لم يكن في أهل البيت مثله. وهو من التابعين. مات سنة 94 هـ. طبقات ابن سعد 5/ 211، وفيات الأعيان 3/ 266، سير أعلام النبلاء 4/ 386.
(5)
في الأصل: (ابن عقبة)، وهو تحريف. الوليد بن عتبة، وأمه بنت عبد بن زمعة، ولاَّه معاوية المدينة،، وكان حليماً كريماً، وأولاده عثمان ومحمد وهند. توفي سنة 64 هـ. نسب قريش لمصعب ص 133.
(6)
في تهذيب اللغة 3/ 209.
عينين
(1)
: جبلٌ بأُحد.
وعينين أيضاً: موضعٌ بالبحرين، قال الحفصيُّ
(2)
:
يَتبعْنَ عُوداً قالياً لعينينْ
…
راحَ، وقد ملَّ ثواءَ البحرينْ
يَنْسَلُّ منهنَّ إذا تَدانَينْ
…
مثلَ انسلالِ الدَّمعِ من جَفْنِ العَينْ
وضبط بعضهم
(3)
عينين، بكسر العين، وفتح النُّون الأولى، وليس بثبت، والصَّحيحُ هو الأوَّل.
* * *
(1)
في الأصل: (عينان).
(2)
في المعجم 4/ 180: قال الحفصي: (عينين بالبحرين، وأنشد
…
) والحفصي هو شريف من اليمنية، كان مُغنِّياً، تزوج المبرد ابنته. إنباه الرواة 3/ 251.
(3)
ذكر السمهودي في وفاء الوفا 4/ 1270 أنه الصاغاني، لكن الذي في (التكملة) للصاغاني: عين، ضبطت بفتح العين، فليتنبَّه له.
باب الغين
الغَابَةُ:
الوَطَاءَةُ
(1)
من الأرض التي دونها وَهْدَة
(2)
، والغابة: الجمعُ من النَّاس، والغابةُ: الشجر الملتفُّ الذي ليس بمربوبٍ
(3)
لاحتطاب النَّاس ومنافعِهم.
وهي اسمُ موضعٍ قربَ المدينة، على نحو بريدٍ، وقيل: ثمانية أميال من المدينة، من ناحية الشَّام، فيه أموالٌ لأهل المدينة.
وفي زماننا مُلاَّكُها الأشراف بنو الحسين، لا يَشْركُهم في شيءٍ منها غيرُهم من العامَّة، اللهم إلا نفراً واحداً من علمائهم، له فيها قِسطٌ معلومٌ، قد توارثه.
وهذه الغابةُ هي الغابة المذكورة في حديث السِّباق
(4)
، من الغابة إلى موضع كذا
(5)
.
(1)
قال في القاموس (وطأ) ص 55: والوطاء والميطأ: ما انخفض من الأرض بين النِّشاز والإشراف.
(2)
الوَهْدَة: الأرض المنخفضة. القاموس (وهد) ص 327.
(3)
مربوب: مملوك. القاموس (ربب) ص 87.
(4)
قال في المشارق 2/ 143: قد صحف قديماً كثير هذا الحرف في حديث السباق فقال فيه: الغاية- بالمثناة تحت- فرده عليه مالك. وكذلك غلط في تفسيره بعض الشارحين.
…
وحديث السباق، رواه عمر رضي الله عنهما قال: سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل التي قد أضمرت، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع.
…
أخرجه البخاري، في الجهاد والسير، باب غاية السبق للخيل المضمرة، رقم:2870. ومسلم، في الإمارة، باب المسابقة بين الخيل وتضميرها، رقم:1870،3/ 1491.
…
والحفياء: أدنى الغابة.
(5)
قال العياشيُّ: وإذا أُطلقت الغابة في المدينة، فالمقصود بها منطقة العيون، ويحدها من المشرق جبل أحد. المدينة بين الماضي والحاضر ص 481.
وصُنع مِنبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم من طَرْفاء الغابة، أو من أثل الغابة
(1)
.
وكانت في /386 تركة الزُّبير رضي الله عنه، وكان اشتراها بمائةٍ وسبعين ألفاً، وبيعت في تركته بألف ألف وستمائة ألف
(2)
.
وروى محمد بن الضَّحَّاك
(3)
[عن أبيه]
(4)
قال: كان العبَّاس
(5)
رضي الله عنه، يقف على سَلْعٍ، فينادي غلمانه وهم بالغابة فيُسمعهم، وذاك في آخر الليل، وبين سلْعٍ والغابة ثمانيةُ أميال.
وقال محمد بن موسى الحازميُّ
(6)
: من مهاجرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى أن غزا الغابة-وهي غَزاة ذي قَرَدٍ
(7)
، ووفدت السِّباع على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وسألت أن يفرض لها ما تأكل- خمسُ سنين وأربعة أشهر، وأربعة أيام.
(1)
أخرج البخاري في الصلاة، باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب، رقم: 377، 1/ 579 عن أبي حازم قال: سألوا سهل بن سعدٍ: من أي شيءٍ المنبر؟ فقال: ما بقي في الناس أعلم مني هو من أثل الغابة.
(2)
قال العياشي ص 480: وهي معروفة اليوم عند أهل المدينة بغابة الزبير بن العوام، وهي من الشمال من أحد، وجعل الغابة التي فيها الغزوة غير غابة الزبير.
(3)
محمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي، من أهل المدينة، يروي عن أبيه ومالك، وروى عنه إبراهيم بن المنذر الحزامي، والزبير بن بكار كثيراً في (جمهرة نسب قريش)، وثَّقه ابن حبان. الثقات 9/ 59، لسان الميزان 5/ 152.
وأبوه الضحاك هو ابن أخي حكيم بن حزام القرشي، يروي عن نافع، وروى عنه الثوري. مات سنة 153 هـ. وهو من رواة الحديث الثقات. الثقات 6/ 482، التاريخ الكبير 2/ 1/335.
(4)
ما بين معقوفين زيادة من: معجم البلدان 4/ 182، ما اتفق لفظه 2/ 651 للحازمي.
(5)
العباس بن عبد المطلب، عمُّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأسنُّ منه بسنتين، كان رئيساً في الجاهلية، تأخر إسلامه، شهد فتح مكة وحنيناً، توفي سنة 32 هـ. أسد الغابة 3/ 60،
الإصابة 2/ 271.
(6)
تحرفت في الأصل إلى: (الخوارزمي)، والتصحيح من معجم البلدان.
(7)
انظر خبرها في سيرة ابن هشام 3/ 227.
والغابةُ أيضاً: قريةٌ بالبحرين.
ذاتُ الغَارِ: بئرٌ عَذْبةٌ، كثيرةُ الماء بالسُّوارقية، على ثلاثة فراسخٍ منها.
والغَارُ الذي في التَّنْزيل
(1)
بمكَّة، وكذا غار الكنز في جبل أبي قبيس، ويذكر في (كتاب مكة) إن شاء الله تعالى.
غُبَرُ
(2)
، كَزُفَر: وادٍ عند حِجْر ثمود، بين المدينة وتبوك.
الغُبَيْبُ،
بضمِّ الغين، تصغير غِبٍّ
(3)
: اسمُ موضعٍ ببطن وادي رانونا، وهو مكانٌ بني فيه مسجد الجمعة
(4)
، وقد ذُكر في المساجد.
ذو غُثَث
(5)
، كَصُرَد، بمثلَّثتين: جبلٌ بِحمَى ضَرِيَّة، تخرج سيول التَّسرير منه. وقيل: ماءٌ لِغنيٍّ
(6)
.
بئر غَدْق: ذُكِرَت في الباء.
ذو غُذُم،
بضمتين، والذَّالُ معجمة: موضعٌ بنواحي المدينة. قال إبراهيم بن هَرْمة
(7)
:
ما بالدِّيارِ التي كلَّمْتَ من صَمَمِ
…
لو كلَّمَتْكَ، وما بالعهدِ مِنْ قِدَمٍ
وما سؤالك ربعاً لا أنيسَ به
…
أيامَ شَوْطى، ولا أيامَ ذي غُذُمِ؟
(1)
في قوله تعالى: {ثاني اثنين إذ هما في الغار} سورة (التوبة) آية: 40.
(2)
في الأصل بالياء، وهو تحريف.
(3)
الغِبُّ: أن تشرب الإبل يوماً وتترك يوماً. معجم البلدان 4/ 186، القاموس (غبب) ص 119.
(4)
وهو قريب من مسجد قباء، وقد وُسِّعَ وَجُدِّد بناؤه في أيامنا.
(5)
في الأصل: (غشب)، وهو تحريف.
(6)
يسمى الآن غثاة. أفاده الشيخ حمد الجاسر (المغانم 300).
(7)
ديوانه ص 208، معجم البلدان 4/ 189.
وقال قِرْوَاش بن حَوْط
(1)
:
نُبِّئتُ أنّ عِقَالاً ابنَ خُويلدٍ
…
بِنِعَافِ ذي غُذُمٍ
(2)
، وأنَّ الأعلما
يُنمى وعيدُهما إليَّ، وبيننا
…
شُمٌّ فوارعُ من هضابِ يَلملما
لا تسأما لي من رَسيسِ عداوة
…
أبداً، وليس بِمُسْئِمي أن تسلما
والغُذُم كأنه جمع غَذَم، وهو: نباتٌ معروف. قال القُطاميُّ
(3)
:
................... في عَثْعَثٍ يُنبت الحَوْذانَ والغَذَما
غُرَاب،
بلفظ الغراب الطَّائر: جبلٌ قرب المدينة. قال ابنُ إسحاق ـ في غزاة النبي صلى الله عليه وسلم لبني لِحْيان
(4)
-: خرج من المدينة، فسلك على غُراب، جبلٍ بناحية المدينة، /387 على طريق الشَّام-في كلامٍ طويلٍ يُذكر بعد هذه الترجمة، وإياه أراد معن بن أوس المزَنيُّ
(5)
:
تأبَّدَ لأيٌ منهمُ فعُتَائِدُه
…
فذو سلَمٍ، أنشاجهُ، فسواعده
فمندفَعُ الغُلاَّنِ من جنبِ مُنشدٍ
…
فنعْف الغُرابِ، خطبُه فأساودُه
غُرَان،
بالضَّمِّ، والتَّخفيف، وآخره نون: عَلَمٌ مرتجل، لوادٍ ضخم وراء
(1)
الأبيات في معجم البلدان 4/ 189، شرح الحماسة 4/ 17.
…
ويروى: دسيس، والدَّس: الإخفاء. القاموس (دسّ) ص 545. والرَّسيسِ: رسيس الحُمَّى والهوى: ما يبدأ منهما. القاموس (رسّ) ص 549. وقرواش شاعر فارسٌ جاهلي من بني ضبة، من شعراء الحماسة. معجم الشعراء ص 339.
(2)
في الأصل: (قدم).
(3)
هذا عجز بيت له، وصدره:(كأنها بيضةٌ غرَّاءُ خُدَّ لها). وهو في ديوانه ص 79،
تهذيب اللغة 8/ 86، معجم البلدان 4/ 189.
والقطامي اسمه عمير بن شييم التغلبي، من شعراء العصر الأموي، كان نصرانياً، رقيق الشعر، له قصائد في مدح زفر بن الحارث الذي كان أسره، ثم أطلقه. معجم الشعراء ص 199، الشعر والشعراء ص 183، الأغاني 20/ 118.
(4)
السيرة النبوية 3/ 225.
(5)
البيتان في ديوانه ص 40 والأول تقدم في مادة (دهماء).
وادي ساية
(1)
.
ويقال له أيضاً: وادي رُهَاط.
قال الفضل بن عباس
(2)
:
تأمَّلْ خليليْ هل ترى من ظعائنٍ
…
بذي السَّرْح، أو وادي
غُرانَ
المصوِّبِ؟
جَزعْنَ غُراناً بَعْدَ ما مَتعَ الضُّحى
…
على كلِّ موَّارِ المِلاط، مُدَرَّبِ
قال ابنُ إسحاق-في غزاة الرَّجيع
(3)
-: فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على غُراب جبلٍ بناحية المدينة، على طريقه إلى الشام، ثمَّ على مَخِيض
(4)
، ثمَّ على البتراء، ثمَّ صَفَق
(5)
ذات اليسار، ثمَّ خرج على يَيْن، ثمَّ على صخيرات الثُّمام، ثمَّ استقام بالطَّريق على المحجَّة من طريق مكَّة، ثمَّ استبطن السَّيَالة، فأغذَّ السَّير سريعاً، حتى نزل على غُرَان، وهي منازل بني لِحْيَان.
وغُرَان: وادٍ بين أَمَج وعُسْفان، إلى بلدٍ يقال له: ساية.
قال الكلبيُّ: ولمَّا تفرَّقت قُضاعة من مأرِب، بعد تفرُّق الأزد انصرف ضُبيعة بن حَرام في أهله وولده وجماعةٍ من قومه، فنزل بين أمج وغُران، وهما
(1)
قال عرَّام ص 413: سايةُ، وهو وادٍ بين حاميتين، وهما حرَّتان سوداوان، وبه قرى كثيرة. وحدَّده بين عسفان والحجاز.
(2)
البيتان في معجم البلدان 4/ 191. جزعْنَ: قطعْنَ. القاموس (جزع) ص 709. متع: ارتفع. القاموس (متع) ص 762. الناقة الموَّارة: السريعة. القاموس (مور) ص 477.
…
والفضل بن عباس صحابيٌّ، ابن عمِّ الرسول صلى الله عليه وسلم، حضر فتح مكة وحنيناً، وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. روى عنه سليمان بن يسار والشعبي. مات في عمواس زمن عمر بن الخطاب. الإصابة 2/ 208.
(3)
وهي غزوة لحيان، كما تقدم.
(4)
السيرة 3/ 225. وانظر معجم البلدان 5/ 73.
(5)
صفق: انصرف. القاموس (صفق) ص 901.
واديان يأخذان من حَرَّة بني سُلَيم، ويفرغان في البحر، فجاءهم سيل وهم نيامٌ، فذهب بأكثرهم، وارتحل من بقي منهم، فَنَزلوا حول المدينة.
الغَرِدُ،
بفتح أوَّله وكسر ثانيه. كلُّ
(1)
صائتٍ طَربِ الصَّوتِ غَرِدٌ؛ وهو جبلٌ بين ضَرِيَّةَ والرَّبَذة، [من شاطئ الجريب
(2)
الأقصى لمحارب وفزارة، وقيل:]
(3)
من شاطئ ذي حُسا، بأطراف ذي ظَلاَّل
(4)
بِئْرُ غَرْس، تقدَّم في الباء.
و
وادي غَرْس:
بين معدن النُّقرة وفَدَك.
بَقِيعُ الغَرْقد،
في الباء تقدَّم ذكره.
الغِرْنِق، بكسر الغين والنون: ماءٌ بِأُبْلَى، بين مَعْدِن بني سُليمٍ والسُّوارقية، وقيل: موضعٌ بالحجاز.
غُرَّة،
بضَّمِّ أوَّله، وتشديد ثانيه، بلفظ غُرَّة الفَرَس، لبياضٍ يكون في جبهته، وغُرَّةُ القوم: سَيِّدُهم، وهي أيضاً: أنفسُ شيءٍ يُملك، وهو يكون العبد، والفرس والبعير، والفاضل من كلِّ شيء.
وغُرَّةُ أيضاً: أُطمٌ بالمدينة لبني عمرو بن عوف، بُنِيَ مكانه منارة مسجد قباء.
(1)
في الأصل: (وكل)، بزيادة حرف (و) وسياق الكلام لايقتضيها.
(2)
والجريب: وادي المياه، مازال إلى اليوم بهذا الاسم.
(3)
ما بين معقوفين ساقط من الأصل، وهو مستدرك من معجم البلدان 4/ 193.
(4)
تحرّف في الأصل إلى: (طلان).
قال ياقوت: ظَلاَّل: بفتح أوّله وتشديد ثانيه، وقد جاء في الشعر مخفّفاً ومشدّداً، والتشديد أولى فيما ذكر السهيليّ أنه فعّال من الظل. وهو ماء قريب من الرّبذة.
وقال أيضاً: بعضهم يرويه بالطّاء المهملة، وبعضهم يرويه بتشديد اللام والظاء المعجمة، وبعضهم يرويه بتخفيف اللام والظاء المعجمة. معجم البلدان 4/ 61، 62 باختصار.
غَزَّة،
بالفتح، وبالزَّاي: موضعٌ بالمدينة مشهورٌ بغزَّة الشَّام، قال الزُّبير ابن بكَّار: كان بنو خَطْمَة متفرِّقين في آطامهم، فلما جاء الإسلام اتخذوا مسجدهم. وكان أَوَّلَ مَنْ سكن منهم رجلٌ ابتنى عند المسجد بيتاً، وكانوا يتعاهدونه كلَّ يوم، ويسألون عنه، مخافة أن يكون السَّبُع عدا عليه باللَّيل، ثمَّ كثروا في الدَّار، حتى كان يقال لها: غَزَّة، نسبةً لغزَّةِ الشَّام من كثرة أهلها. انتهى كلامه.
ولعلَّه غُرَّة المتقدِّمة تصحَّف هذا من ياقوت، والله أعلم.
الغَرْو،
بفتح أوَّله، وسكون الرَّاء المهملة، بعدها واوٌ: موضعٌ على مقربة من
المدينة. قال عروةُ بن الورد
(1)
:
عَفَتْ بَعْدَنا من أُمِّ حَسّانَ غَضْوَرُ
…
وفي الرَّحْل منها آيةٌ لا تَغَيَّرُ
وبالغَرْوِ والغرَّاء مِنها منازلُ
…
وحَوْل الصَّفا مِن أهلها، مُتَدَوَّرُ
ليالينا إذا جَيْبُها لَكَ ناصحُ
…
وإذ ريحها مِسْكٌ ذكيٌّ وعنبرُ
الغُرَيَز،
بالضَّم وآخره زاي، تصغير غَرْز، وهو ركاب الرَّحل، والغَرْز أيضاً: النَّخسُ بالإبرة ونحوها، أو تصغير الغَرَز مُحرَّكة، وهو نبت.
وفي حديث عمر رضي الله عنه أنَّه رأى في روثة فرسٍ شعيراً عام الرَّمادة، فقال
(2)
: لئن عشتُ لأجعلنَّ له من غَرَز النقيع ما يكفيه، ويغنيه عن قوت المسلمين.
والغُريز: ماءٌ بحمى ضَرِيَّة من عمل المدينة، يستعذبه النَّاس لشفاههم لقلَّته.
(1)
الأبيات في (ديوانه) ص 39، معجم البلدان 4/ 196. متدوَّر، كان الدوار نُسكاً لهم يطوفون به في الجاهلية. غضور: مكانٌ، وسيأتي.
(2)
النهاية لابن الأثير 3/ 358.
غَزَال،
بلفظ غزال الظِّباء: وادٍ يأتيك من ناحية شمنصير، وفيه آبار، وهو لخزاعة خاصَّة، وهم سُكَّانه
(1)
.
غَشِيَّة،
بالفتح، ثم الكسر، والياء مشددة: موضعٌ بناحية معدن القَبَلية. وروي: [عَسِية] بمهملتين.
ذو الغُصْن،
بلفظ غُصن الشَّجر: وادٍ قريب من المدينة، تنصبُّ فيه سيول الحَرَّة، وقيل: من حَرَّة بني سُليم، يعدُّ في العقيق. قال كُثيِّرٌ
(2)
:
لِعَزّة من أيام ذي الغُصْنِ هاجَني
…
بضاحي قَرارِ الرَّوضتين رسومُ
الغَضَاض،
بالفتح، والتَّخفيف، وضادين معجمتين: ماءٌ بينه وبين الطَّرفِ ثلاثة أميال.
غَضْوَر،
كجعفر، آخره راء مهملة: وهو مدينةٌ فيما بين المدينة إلى بلاد خُزاعة وكِنانة.
قال عروةُ بنُ الوَرْد
(3)
:
عَفَتْ بَعْدَنا من أُمِّ حَسَّانَ غَضْوَرُ
…
وفي الرَّحْلِ منها آيةٌ لا تَغَيَّرُ
ذو الغَضَوَين،
مُحرَّكةً، بلفظ تثنية الغَضَا: جاء ذكرهُ في حديث الهجرة.
قال ابن إسحاق
(4)
: ثم سلك بِهما الدليل من مُجاح إلى مَرْجَح مُجَاح، ثم تبطَّن بهما مرجح، من ذي الغضوين، ويقال: من ذي العَصَوَين
(5)
، بالمهملتين.
(1)
رسالة عرّام ص 412.
(2)
ديوانه) ص 126، وقد تقدم في مادة (روضة ألجام).
(3)
تقدم قريباً.
(4)
السيرة النبوية 2/ 98.
(5)
وقع في مطبوعة السيرة: العضوين، وهو تصحيف. وانظر معجم البلدان 4/ 206.
غَمْرَة،
بالفتح، ثمَّ السُّكون، وهو ما يَغمر الشيء ويَغُمُّه، ومنه غَمْرة الحُبِّ واللَّهو، والموت، والشَّباب، وغير ذلك، وهو اسمُ موضعٍ من أعمال المدينة، على طريق نجد، أغزاه النبيُّ
(1)
صلى الله عليه وسلم عُكَاشةَ بن مِحْصَن
(2)
.
وقال نصر: غَمْرةُ: جبلٌ، يدلُّ على ذلك قول الشَّمَرْدَل بن شُريك
(3)
:
سَقى جَدَثاً أعرافُ غمرة دونَهُ
…
ببيشة ديَماتُ الرَّبيع هوَاطِلُه
الغُمُوض،
بالضَّمِّ، وبالضَّاد المعجمة: أحدُ حصون خيبر، وهو حصنُ بني الحُقَيْق، ومنه أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية
(4)
بنت حُيَي بن أخطب، فاصطفاها لنفسه، وقيل: الحصن قَمُوص، بالقاف والصاد المهملة، وهو أقرب إلى الصواب، والله أعلم.
غَمِيْسُ،
بالفتح، كأمير، والسِّين مهملة: موضعٌ بين المدينة وبدر، سلكه النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق-في غزاة بدر
(5)
-: مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على تُربان، ثمَّ على مَلَل، ثمَّ على غَميس الحمام. كذا ضبطه.
(1)
وذلك في السنة الثامنة من الهجرة، فرجع ولم يلق كيداً. تاريخ خليفة ص 85.
(2)
عكاشة، بتشديد الكاف وتخفيفها، من سادات الصحابة، هاجر إلى المدينة، وشهد بدراً وأبلى فيها بلاءً حسناً وما بعدها من المشاهد، كان من أجمل الرجال. استشهد في حروب الردة زمن أبي بكر الصديق. أسد الغابة 3/ 564، الإصابة 2/ 494.
(3)
البيت في معجم البلدان 4/ 212.
…
والشمردل: شاعرٌ من بني يربوع، كان يقال له: ابن الخريطة، شاعرٌ محسن في القصيد وفي الرجز، من شعراء الحماسة. معجم الشعراء ص 139، الشعر والشعراء ص 470، و شرح الحماسة للتبريزي 2/ 173.
(4)
زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت من سبي خيبر، أعتقها وجعل عتقها صداقها، توفيت سنة 36 هـ. أسد الغابة 6/ 169، الإصابة 4/ 346.
(5)
السيرة النبوية 2/ 256.
قال الأعشى
(1)
:
ما بكاءُ الكبير في الأطلال
…
بسؤالي، وما يَرُدُّ سؤالي
دِمْنةٌ قَفرةٌ تَعاورَها الصَّيـ
…
ـفُ برِيحينِ، من صَباً وشَمالِ
لات هنّا
(2)
ذكرى جُبيرة أو مَن
…
جاء منها بطائفِ الأهوالِ
حَلَّ أهلي بطنَ الغَمِيس فبادَوْ
…
لى وحَلَّتْ عُلويةً بالسِّخالِ
الغَميم،
بالفتح: الكلأ الأخضرُ تحت اليابس، والغَميمُ: المغمومُ، فَعيلٌ بمعنى مفعول.
والغميمُ: موضعٌ قرب المدينة، بين رابغ والجُحفة
(3)
. قاله نصر.
قال كُثيِّرٌ
(4)
:
قُمْ تأمَّلْ فأنتَ أبصرُ منِّي
…
هل ترى بالغَميمِ من أجمالِ؟
قاضياتٍ لُبانةً من مُنَاخٍ
…
وطَوَافٍ، وموقفٍ بالخيالِ
فسَقى اللهُ مُنتوى أُمِّ عَمْروٍ
…
حيثُ أمَّتْ به صدورَ الرجالِ
أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم أوْفى بن موألة
(5)
، وشرط عليه إطعامَ ابن السَّبيل
(1)
الأبيات في ديوانه ص 163 من قصيدة يمدح بها الأسود بن المنذر اللخمي. معجم البلدان 4/ 214.
…
والأعشى اسمه ميمون بن قيس، من فحول شعراء الجاهلية، يكنى أبا بصير، أدرك أول ظهور الإسلام، وصدَّه المشركون على الوفود على النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد الرجوع إليه فمات قبل ذلك، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم بشعره. معجم الشعراء ص 12، الشعر والشعراء ص 154، الأغاني 8/ 74.
بادَوْلَى: موضعٌ ببطن فُليج، بين البصرة والكوفة، والسِّخال: موضع بالعالية. معجم ما استعجم 3/ 1005.
(2)
لات هنا: أي ليس حين ذلك. اللسان 15/ 468.
(3)
يبعد عن عسفان ثمانية أميال. معجم البلدان 4/ 443.
(4)
الأبيات في (ديوانه) ص 396 - 398، معجم البلدان 4/ 214، وفي الديوان: وموقفٍ بالجبال.
(5)
صحابي جليل من بني العنبر، يُعدُّ في البصريين، وحديثه هذا في أسد الغابة 1/ 178،
الإصابة 1/ 88، وفيهما: ابن مولة.
/388 [مكرر] والمنقطع، وكتب له كتابا، في أديم أحمر.
وسُمِّي بالغُميم، برجلٍ اسمه الغميم.
غَيْقَةُ،
بالفتح، ثمَّ السُّكون، ثمَّ قاف، وهاء. والغَاقُ من طير الماء، وغاقِ غاقِ حكايةُ أصواتٍ الغربان، فيحتمل أَنَّه سُمِّي به لكثرة أصوات الغربان هناك.
قال أبو محمد الأسود: إذا أتاك غيقة في شعر هُذَيل فهو بالعين المهملة، وإذا أتاك في شعر كُثيِّرٌ فهو بالغين المعجمة
(1)
.
وهو موضعٌ في ساحل بحر الجار، قربَ المدينة، وفيه أوديةٌ، ولها شُعبتان، إحداهما: يرجع فيها، والأخرى في يَلْيَلٍ، وهو بوادي الصفراء.
وقال ابنُ السِّكِّيت: غيقةُ: أحساءٌ
(2)
على شاطئ البحر فوق العُذيبة.
وقال غيره: هو موضعٌ بظهر حَرَّةِ النَّار، لبني ثعلبة بن سعد بن ذبيان.
وقيل: غيقة مويهة عليها نخل بطرف جبل جهينة.
وغَيْقَة أيضاً: سُرَّةُ
(3)
وادٍ لبني ثعلبة. قال كُثيِّرٌ
(4)
:
(1)
مثال ذلك ما ورد في قصيدة صخر الغي بقوله:
إلى عَمَرينِ إلى عَيْقةٍ
…
فَيَلْيَلَ يهدي رِبَحْلاً رُجوفا
شرح أشعار الهذليين 1/ 297 ووردت بالعين. الرِّبَحْلُ: الثقيل. والعمران: جبلان. وفي شعر كُثيِّر ذكره المؤلف.
(2)
الأحساء جمع حَسٍ، وهو السهل من الأرض يُستنقع فيه الماء. القاموس (حسا) ص 1274.
(3)
سُرَّة الوادي وسَرارته: أفضل مواضعه. القاموس (سرر)406.
(4)
البيتان في ديوانه ص 269، معجم البلدان 4/ 222، وقد تقدما في مادة (حسنى).
قال ابن دريد: لايكون مع غَيْقةَ إلا (حسنى) فإذا ذُكر بُصاق أو طريق الشام، فهي (حسمى) بالميم. معجم ما استعجم 3/ 1010
عَفَتْ غيقةٌ من أهلها فجنوبُها
…
فَرَوضةُ حَسْنى قاعُها فكثيبُها
منازلُ من أسماءَ لم تعفُ رسمَها
…
رياحُ الثُّريا خِلفَةً فضَرِيبُها
خِلفة، أَيْ: ريحٌ تخلف أخرى، والضَّريب: الجليد.
* * *
باب الفاء
فارِعٌ،
بالرَّاء والعين المهملتين، مثال صاحب، مِنْ: فَرَعَ: إذا علا، والفارعُ: المرتفع العالي، الحسن الهيئة، وعدَّه ابنُ الأعرابيُّ في الأضداد
(1)
. وقال: الفارع العالي، والفارع المستفل، مِنْ: فَرَعَ: إذا صعد، وفَرَعَ: إذا نزل.
وفارع: أُطُمٌ من آطام المدينة. وقال بعضهم: فارعٌ: حِصنٌ بالمدينة. قال ابن السِّكِّيت: وهو اليوم دار جعفر بن يحيى
(2)
. قال كُثيِّرٌ
(3)
:
رَسا بينَ سَلْعٍ والعقيقِ وفارعٍ
…
إلى أُحُدٍ للمُزْن فيه غَشَامِرُ
وفارعٌ أيضاً: قريةٌ بأعلى سايةَ، بِها نخلٌ كثيرٌ، وعيونٌ تجري تحت الأرض.
كان رجلٌ من الأنصار قتل هشام بن صُبَابة
(4)
خطأً، فقدم أخوه مِقيَس ابن
(1)
انظر الأضداد لابن الأنباري ص 315.
(2)
ذكر السمهودي في وفاء الوفا 4/ 1279: أنه عند باب الرحمة. وقد دخل هذا الموقع حالياً في توسعة المسجد النبوي الأخيرة.
…
وجعفر بن يحيى البرمكي، الوزير الكبير لهارون الرشيد، كان وسيماً، فصيحاً، حاتمي السخاء، ولي نيابة دمشق قبل الوزارة. قتله الرشيد سنة 287 هـ. تاريخ بغداد 7/ 152، وفيات الأعيان 1/ 330، سير أعلام النبلاء 9/ 59.
(3)
البيت في ديوانه ص 375، معجم البلدان 4/ 228.
الغشامر، جمع غشمرة، وهي الصوت. القاموس (غشمر) ص 450. ويجوز أن تكون من: غشمر السيل: أقبل. أي: المزُن مقبلة.
(4)
صحابي جليل من بني كنانة، قتل خطأ في غزوة ذي قرد سنة ستٍ مسلماً. أسد الغابة 4/ 625، الإصابة 3/ 603.
صبابة
(1)
، على النبي صلى الله عليه وسلم مُظهراً الإسلام، وطلب دية أخيه، فأعطاه
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ عدا على قاتل أخيه فقتله، ولحق بمكة فقال
(2)
:
شفا النَّفسَ أن قد باتَ بالقاعِ مُسنداً
…
تُضَرِّجُ ثوبيه دماءُ الأخادعِ
وكانت همومُ النَّفس من قبل قتْلهِ
…
تُلِمُّ فتحميني وِطاءَ المضاجعِ
/389 حَلَلْتُ به وِتْري، وأدْرَكتُ ثُؤْرَتي
…
وكنْتُ إلى الأوثانِ أوَّلَ راجعِ
ثأرتُ به فِهْراً وحَمّلْتُ عَقْلَهُ
…
سَراةَ بني النَّجّارِ، أربابَ فارعِ
[فَاضِجَةُ
(3)
]، بكسر الضَّاد المعجمة، وفتح الجيم: أُطمٌ من آطام بني النَّضير بالمدينة. قاله ياقوت
(4)
.
والصَّوابُ: فاضجةُ اسمُ مالٍ بالمدينة، كان فيه أُطُمٌ لبني النضير عامة
(5)
، وهو اليوم خرابٌ، وفي مكانه حديقةٌ ذات نخيل تعرف بالفاضجة، وهي بالجفاف وراء العوالي.
[فاضِحٌ
(6)
]، بكسر الضَّاد المعجمة، بعدها حاءٌ مهملة: جبلٌ قرب رئم، وهو الوادي المعروف قرب المدينة، يصبُّ فيه وَرِقان-وقد تقدَّمَ في الراء.
وفاضِحٌ أيضاً: موضعٌ قرب مكَّة عند أبي قُبيس، كان النَّاس يخرجون إليه لحاجاتهم، سُمِّي بذلك لأنَّ بني جُرْهم وقطوراء تحاربوا عنده، فافتضحت
(1)
ارتد وبقي كافراً، وأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمه يوم فتح مكة، فقتله نميلة بن عبد الله، وهو رجل من قومه. سيرة ابن هشام 4/ 52.
(2)
الأبيات مع قصتها في سيرة ابن هشام 3/ 239، فتوح البلدان للبلاذري ص 56، تاريخ الطبري 2/ 609، معجم البلدان 4/ 228. أراد بالأخادع الأخدعين، وهما عِرْقان بالقفا.
(3)
مابين معقوفين ساقط من الأصل.
(4)
في معجم البلدان 4/ 231.
(5)
انظر وفاء الوفا 4/ 1279.
(6)
مابين معقوفين ساقط من الأصل.
قطوراء عنده يومئذ، وقتل رئيسهم السميدع
(1)
، فسمِّيت بذلك. وقيل: غير ذلك.
وفاضحٌ أيضاً: وادٍ بالشُّرَيف، شُرَيف بني نمير، قيل لأعرابيٍّ حين رأى قومه قد جمعوا سلاحهم: أين سيفُك؟ فقال -مشيراً إلى عصاه - هذا، وأنشد
(2)
:
فإنْ لا يكنْ سيفاً فإنَّ هِرَاوةً
…
مُقَطَّطةً عَجْراءَ من طَلْحِ فَاضح
مُقطَّطة: مُقطَّعة. عَجْراء: ذات عُجَر
(3)
.
[فَجُّ الرَّوْحاء
(4)
]، بفتح الفاء: كان طريقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار من المدينة إلى بدر، وإلى مكة عام الفتح، وعام حجة الوداع.
[فَحْلَان
(5)
]، بلفظ تثنية الفحل: موضعٌ في جبل أحد.
قال القَتَّال الكلابيُّ
(6)
:
(1)
السميدع بن هوثر، جاهلي، وهو أول من بغى بمكة. خبره في سيرة ابن هشام 1/ 103، الروض الأنف 1/ 136، الإكليل للهمداني 2/ 96، وقيل: قتله يوشع بن نون نبيُّ بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام، لأنه كان يُغير عليهم.
(2)
البيت في معجم البلدان 4/ 231.
(3)
العُجْرة: العقدة في الخشبة. القاموس (عجر) ص 436.
(4)
مابين معقوفين ساقط من الأصل.
(5)
مابين معقوفين ساقط من الأصل.
(6)
الأبيات في ديوانه ص 53، الأغاني 20/ 164 عدا البيت الأخير، معجم البلدان 4/ 237.
والبيتان الأخيران من قصيدة للرَّاعي النُّميري في ديوانه ص 122.
…
وعبد السلام: ابن الشاعر، والظُّعُن جمع ظعينة، وهي المرأة في الهودج. القاموس (ظعن) ص 1213، والأبرق: اسم موضع. معجم البلدان 1/ 69، وعاسم: رمل لبني سعد. معجم البلدان 4/ 67. وذو بقر: واد بين أخيلة الحمى حمى الربذة. معجم البلدان 1/ 471. والأحمرة جمع حمار. اللسان (حمر) 4/ 208.
عبدَ السَّلامِ! تأمَّلْ هل ترى ظُعُناً
…
إنِّي كَبِرْتُ، وأنتَ اليومَ ذو بَصَرِ
لا يُبْعِدُ اللهُ فتياناً أقولُ لهمْ
…
بالأبرَقِ الفَرْدِ لمَّا فاتهم نَظَري:
يا هل تراءى بأعلى عاسِمٍ ظُعُنٌ
…
نكَّبْنَ فَحْلَين، واستقبلْنَ ذا بقَرِ
صَلَّى على عَمْرَةَ الرَّحمنُ وابنَتِهَا
…
ليلى، وصلَّى على جاراتها الأُخَرِ
هُنَّ الحرائرُ، لا رَبَّات أحمِرَةٍ
…
سُودِ المحاجرِ، لا يَقرأنَ بالسُّوَرِ
[الفَحْلَتان]
(1)
: قُنَّتان مرتفعتان، على يوم من المدينة، تحتها صحراء، ولها ذكر في غزاة زيد بن حارثة
(2)
إلى بني جُذام. قدم رفاعة بن زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا ما صنع بهم زيد بن حارثة، وكان رفاعة بن زيد
(3)
قد أسلم، ورجع إلى قومه فأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زيد، وينْزع ما في يده ويد أصحابه، ويردَّه إلى أربابه، فسار إلى القوم /390 فلقي الجيش بفيفاء الفحلتين، فأخذ ما في أيديهم، حتى كانوا ينزعون لَبِيدَ الرَّجل من تحت المرأة
(4)
.
فَدَكُ،
بفتح الفَاء والدَّالِ المُهملة، بعدها كافٌ: قريةٌ على يومين من المدينة، أفاءها
(5)
الله على رسوله في سنة سبعٍ صُلْحاً، وذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما
(1)
ما بين معقوفين ساقط من الأصل.
(2)
زيد بن حارثة، كان النبي صلى الله عليه وسلم تبناه، حتى حرم التبني، تزوج زينب بنت جحش، ثم طلقها ذُكر اسمه صراحة في القرآن، استشهد في غزوة مؤتة. طبقات ابن سعد 3/ 40، أسد الغابة 2/ 129، الإصابة 1/ 563.
(3)
رفاعة بن زيد بن وهب، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية قبل خيبر في جماعة من قومه فأسلموا، وعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه. أسد الغابة 2/ 76، الإصابة 1/ 518.
(4)
انظر خبرها مفصَّلاً في سيرة ابن هشام 4/ 262، تاريخ الطبري 3/ 143،. وفيها: كانوا ينزعون لبيد المرأة من تحت الرَّجل، وهو أصحُّ. اللبيد: لِبْدٌ يُخاط عليه، واللِّبْدُ: بِساطٌ. القاموس (لبد) ص 316.
(5)
الفيء: ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولاجهاد، وأما الغنيمة فهي ما أصيب من أموال أهل الحرب وأوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب. النهاية 3/ 389 - 482.
…
ذكر الشيخ حمد الجاسر (المغانم 314): أنها تقع بين خيبر وحائل، في وادٍ عظيم من أودية الحَرَّة، وتعرف الآن باسم الحائط، وفيها نخيل كثيرة.
…
وتبعد عن المدينة 210 كم تقريباً.
نزل خيبر، وفتح حصونها، ولم يبق إلا ثلاث، فاشتدَّ بهم الحصار، راسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يُنْزلهم على الجَلاء وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أنْ يُصالحهم على النِّصف من ثمارهم وأموالهم، فأجابهم إلى ذلك، فهي ممَّا لم يُوْجَفْ
(1)
عليه بِخَيْل ولا ركاب، وكانت خالصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها عينٌ فَوَّارة، ونخيلٌ كثيرة.
وهي التي قالت فاطمة رضي الله عنها: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَحَلْنِيها
(2)
، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أريد بذلك شهوداً. فشهد لها عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فطلب شاهداً آخر، فشهدتْ لها أُمُّ أيمن
(3)
مولاةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: قد علمتِ يا بنتَ رسول الله أنَّه لا يجوز إلا شهادة رجل و
(4)
امرأتين. فانصرفت
(5)
. ثمَّ أدَّى اجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعده لما وُلي الخلافة، وفُتحت الفتوح، واتَّسعت على المسلمين، أن يردّها إلى ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليُّ بن أبي طالب، والعَّباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما يتنازعان فيها، وكان عليٌّ رضي الله عنه يقول: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جعلها في حياته لفاطمةَ رضي الله عنها، وكان العباس رضي الله عنه، يأبى ذلك ويقول:
(1)
الوجيف: ضرب من سير الخيل والإبل. القاموس (وجف) ص 859.
(2)
أعطانيها، والنِّحلة: الهدية. القاموس (نحل) ص 1061.
(3)
مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، وحاضنته، اسمها بركة الحبشية، تزوجها زيد بن حارثة فولدت له أسامة. ماتت بعد عمر بن الخطاب بعشرين يوماً. أسد الغابة 6/ 303، و الإصابة 4/ 433.
(4)
في الأصل: (أو)، وهو خطأ.
(5)
هذا منقولٌ من فتوح البلدان للبلاذري ص 43.
هي ملكٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا وارثه. فكانا يختصمان إلى عمر رضي الله عنه، فيأبى أن يحكم بينهما، ويقول: أنتما أعرف بشأنكما، وأما أنا فقد سلّمتها إليكما فافتصلا، فما
(1)
يؤتى واحدٌ منكما من قلَّة معرفة. فلمَّا ولي عمر بن عبد العزيز
(2)
رضي الله عنه الخلافة، كتب إلى
عامله بالمدينة، يأمره بردِّ فَدَك إلى ولد فاطمة رضي الله عنها، فكانت في أيديهم أيام عمر بن عبد العزيز، فلمَّا ولي يزيد بن عبد الملك
(3)
قبضها، فلم تزل في أيدي بني أمية، حتى ولي أبو العباس السَّفَّاح
(4)
الخلافة، فدفعها إلى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان هو القَيِّمَ عليها يُفَرِّقُها في ولد عليِّ بن أبي طالب، فلمَّا ولي المنصور، وخرج عليه بنو حسن قبضها عنهم. فلمَّا ولي المهدي بن المنصور الخلافة، أعادها عليهم، ثمَّ قبضها موسى الهادي
(5)
ومَنْ بعده إلى أيام
(1)
تحرّفت في الأصل إلى: فيما.
(2)
الخليفة الراشد الخامس، حفيد عمر بن الخطاب من جهة الأم، تولى الخلافة لمدة سنتين ونصف. حدَّث عن سهل بن سعد، وعروة بن الزبير، وعنه الزُّهري ويحيى بن سعيد، كان صاحب ورعٍ، ملأ الدنيا عدلاً، توفي سنة 101 هـ. طبقات ابن سعد 5/ 330،
الكامل 5/ 58، سير أعلام النبلاء 5/ 114.
(3)
الخليفة الأموي بعد عمر بن عبد العزيز، مدة خلافته أربعة أعوام، كان مصروف الهمة إلى اللهو والغواني، مات سنة 105 هـ. تاريخ اليعقوبي 3/ 52، الكامل 5/ 120،
سير أعلام النبلاء 5/ 150.
(4)
أول الخلفاء العباسيين، اسمه عبد الله بن محمد، تولى الخلافة سنة 132 هـ واستمر إلى 136 هـ، كان جواداً مهيباً، توفي وهو شاب. تاريخ خليفة ص 409، تاريخ بغداد 10/ 53، سير أعلام النبلاء 6/ 77.
(5)
موسى بن المهدي الخليفة العباسي، خلافته سنة وشهر، كان شجاعاً عظيم السطوة، فيه ظلم وشهامة، استأصل الزنادقة، توفي سنة 170 هـ. مروج الذهب 5/ 255،
تاريخ بغداد 13/ 21، سير أعلام النبلاء 4/ 441.
المأمون
(1)
، فجاءه رسولُ بني عليٍّ، فطالب بها، فأمر أن يسجل لهم بها، فكُتب السِّجِّل
(2)
، وقرئ على المأمون، فقام دعْبلٌ
(3)
وأنشد:
/391 أصبحَ وجهُ الزَّمانِ قد ضَحِكا
…
برَدِّ مأمون هاشمٍ فَدَكا
قال ياقوتٌ
(4)
: وفي فَدَك اختلافٌ كثير في أمرها بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وآل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن رواة خبرها، بحسب الأهواء، وطلب المراء، وأصحُّ ما ورد عندي في ذلك ما ذكره أحمد بن جابر البلاذريُّ في كتاب (الفتوح)
(5)
له، فإنَّه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مُنصرفَه من خيبر إلى أرض فَدَك محيصة بن مسعود
(6)
، ورئيسُ فدك يومئذ يوشعُ بن نون اليهوديّ، يدعوهم إلى الإسلام، فوجدهم مرعوبين خائفين لما بلغهم من أخذ خيبر، فصالحوهم على نصف الأرض، فقبل ذلك منهم وأمضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصار خالصاً له، لأنَّه لم يُوجف عليه بخيلٍ ولا ركاب، وكان يصرف ما يأتيه منها في أبناء السبيل، ولم
(1)
الخليفة العباسي، اسمه عبد الله بن هارون الرشيد، قرأ العلم والأدب والأخبار والعقليات، وأمر بتعريب كتب اليونان وترجمتها، كان حازماً عاقلاً مهيباً، كثير المحاسن، جرت بينه وبين أخيه الأمين حروب شديدة، كان كثير الغزو. توفي سنة 218 هـ. وكانت خلافته 23 سنة. مروج الذهب 2/ 247، تاريخ بغداد 10/ 183، سير أعلام النبلاء 10/ 272.
(2)
كتبه المأمون لِقُثَم بن جعفر، عامله على المدينة، وانظر نصَّ الكتاب في فتوح البلدان للبلاذري ص 45.
(3)
البيت في ديوانه ص 205 وهو بيت مفرد، معجم البلدان 4/ 239، عمدة الأخبار ص 388.
…
ودعبل هو ابن علي الخزاعي، شاعر زمانه في العصر العباسي، كان من غلاة الشيعة، وله هجوٌ مقذِعٌ حتى للخلفاء. مات سنة 246 هـ. الشعر والشعراء ص 576،
الأغاني 18/ 29، معجم الأدباء 11/ 99.
(4)
معجم البلدان 4/ 239.
(5)
فتوح البلدان ص 41.
(6)
صحابيٌّ أنصاريٌّ أوسيّ، يكنى أبا سعد، شهد أُحداً والخندق وما بعدها، وأسلم قبل الهجرة. أسد الغابة 4/ 343، الإصابة 3/ 388.
يزل أهلها بها حتى أجلى عمر رضي الله عنه اليهودَ، فوجَّه إليهم مَنْ قَوَّمَ نصف التربة بقيمة عدل، فدفعها إلى اليهود، وأجلاهم إلى الشَّام. وكان لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة لأبي بكر رضي الله عنهما: نَحَلْنِيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تجد لذلك شاهدين-كما تقدَّم-.
وروي عن أمِّ هانئٍ
(1)
أنَّ فاطمة أتت أبا بكر رضي الله عنهم، فقالت له: مَنْ يرثكَ؟ فقال: ولدي وأهلي. فقالت: فما بالك ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم دوننا؟! فقال: يا بنت رسول الله، ما ورثت ذهباً ولا فضة ولا كذا ولا كذا. فقالت: سهمنَا بخيبر، وصدَقَتنا بفَدَك. فقال: يا بنت رسول الله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
(2)
: «إنَّما هي طُعمةٌ أطعمنيها الله تعالى حياتي، فإذا متُّ فهي بين المسلمين» .
وعن عروة بن الزَّبير رضي الله عنه قال: إنَّ أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلن عثمان بن عفان إلى أبي بكر رضي الله عنهما، يسألن ميراثهنَّ من سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال [أبو بكر]
(3)
رضي الله عنه: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نحن معاشرَ الأنبياء لا نُورث، ما تركناه صدقة، إنَّما هذا المال لآل محمدٍ
(1)
أمُّ هاني بنت أبي طالب، بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، أسلمت عام الفتح، وزوجها هبيرة بن أبي وهب، وكان هرب إلى نجران عند فتح مكة، فلما أسلمت زوجته رجع، وكانت أجارت بعض الكفار، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم إجارتها، روى عنها عبدالله ابن عباس، ومجاهد. توفيت بعد عليٍّ، أي بعد 40 هـ. أسد الغابة 6/ 404، الإصابة 4/ 503.
(2)
أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة 1/ 197، والبلاذري في فتوح البلدان ص 43 من طريق الكلبي عن أبي صالح عن أم هاني كما للمؤلف، وهو سند ضعيف جداً.
…
وله شاهد من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أخرجه مسلم، في الجهاد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لانورث، رقم: 1759، وأبو داود، في الخراج والإمارة، باب صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم:2961،2962. وغيرهما.
(3)
ما بين معقوفين من فتوح البلدان ص 42.
لنائبتهم وضيفهم، فإذا متُّ فهو إلى والي الأمر بعدي»
(1)
فأمسكن.
فلمَّا ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه خطب النَّاسَ وقصَّ قصَّةَ فَدَك، وخلوصها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنَّه كان ينفق منها، ويضع فضلها في أبناء السبيل، وأنه صلى الله عليه وسلم لما قُبِض فعل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. فلمَّا ولي معاويةُ رضي الله عنه أقطعها مروان بن الحكم، وإنَّ مروان وهبها لعبد العزيز
(2)
ولعبد الملك ابنيه، ثمَّ إنَّها صارت لي، وللوليد وسليمان، وأنَّه لما ولي الوليد/392 سألتُه حصَّتَه فوهبها لي، وسألتُ سليمان حصَّته فوهبها لي أيضاً فاستجمعتها، وأنه ما كان لي مال أحبَّ إليَّ منها، وإني أشهدكم أني رددتُها على ما كانت عليه في أيام النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. فكان يأخذ مالها هو ومن بعده فيخرجه في أبناء السبيل.
فلما كانت سنة عشرين ومائتين، أمر المأمون بدفعها إلى ولد فاطمة رضي الله عنهم، وكتب إلى قُثَم بن جعفر
(3)
عامله بالمدينة: أنَّه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى ابنته فاطمة رضي الله عنها فدك، وتصدَّق بِها عليها، وأنَّ ذلك كان أمراً ظاهراً معروفاً عند آله عليهم السلام، ثمَّ لم تزل فاطمة رضي الله عنها تدَّعي منها بما هي أولى، وأنَّه قد رأى ردَّها إلى ورثتها وتسليمها إلى
(1)
أخرجه ابن شبة 1/ 197، والبلاذري ص 42 من طريق عروة.
…
ولبعضه شاهد من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
…
أخرجه البخاري، في الفرائض، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لانورث ماتركنا صدقة، رقم:6730. ومسلم في الجهاد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لانورث ماتركنا صدقة، رقم:1758.
(2)
كان ولي العهد بعد عبد الملك، استقلَّ بملك مصر عشرين سنة، روى عنه ابنه الخليفة العادل عمر، والزُّهري، وكان ثقة في الحديث، مات سنة 86 هـ. طبقات ابن سعد 5/ 236، المعارف ص 355، سير أعلام النبلاء 4/ 249.
(3)
قثم بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبدالله بن العباس، ولاّه المأمون المدينة في سنة 208 هـ ثم عزله بعدها. تاريخ خليفة ص 476، فتوح البلدان ص 45.
محمد
(1)
بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ليقوم بِها لأهلها، فلما استُخلف جعفر المتوكِّل
(2)
ردَّها إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز ومَنْ بعده من الخلفاء رضي الله عنهم.
واشتقاقُ فَدَك مِنْ: فدَّكتُ القُطن تفديكاً: إذا نفشتَه، أو لأنَّه نزلها فدك بن حام، أوَّلُ مَنْ نزل، فسمَّيت به. قال زهير
(3)
:
لئنْ حللتَ بِجَوٍّ في بني أسدٍ
…
في دِيْنِ عمرو، وحالَتْ بيننا فَدَكُ
ليأتينَّكَ مني مَنْطِقٌ قَذِعٌ
…
باقٍ كما دَنَّسَ القُبطِيَّةَ الوَدَكُ
الفُرَاء، بالرَّاء والمدِّ، كَغُراب: جبلٌ عند باب المدينة قربَ خَاخٍ، وثنية الشَّريد.
الفُرْس،
بضمِّ الفاء وقيل: بكسرها، والسين مهملة: وادٍ بين المدينة وديار طيء على طريق خيبر
(4)
بين ضرغد وأَوْل.
(1)
ذكر أباه مصعب الزبيري في كتابه نسب قريش ص 66.
(2)
الخليفة العباسي المتوكل على الله، جعفر بن المعتصم، بويع سنة 232 هـ بعد وفاة أخيه الواثق، فأظهر السنة ونصر أهلها، توفي سنة 247 هـ. تاريخ بغداد 7/ 165،
وفيات الأعيان 1/ 350، سير أعلام النبلاء 12/ 30.
(3)
البيتان في ديوانه ص 51، معجم البلدان 4/ 240، والأول في فُرحة الأديب ص 114، وقال الغُندُجاني: الصواب: خوٌّ، بالخاء المعجمة، وهو وادٍ لبني أسد، وثَمَّ قُتلَ عُتيبة ابن الحارث بن شهاب.
جوّ: موضعٌ، دين عمرو: طاعته، وهو عمرو بن هند ملك العراق، والقذع: الشتم القبيح، القُبطية: ثياب بيض، الوَدَك: الدَّسمُ من اللحم والشحم.
(4)
ذكر الشيخ حمد الجاسر (المغانم 315): أنه من أعظم أودية خيبر، تجتمع فيه الأودية بينه وبين المدينة في ظهر الحرَّة، ثمًّ يفضي إلى خيبر، وهو مرتفعٌ من ضرغد وأَوْل، اللذين لا يزالان معروفين.
…
وقال ياقوت 1/ 282: وأَوْل على يومين من ضرغد.
الفُرْع،
بضمِّ أوَّله، وسكون ثانيه وآخره عين مهملة، وقال السُّهيليُّ
(1)
: هي بضمتين.
وهو جمعٌ إمَّا للفَرْع، مثل: سَقْفٍ وسُقْف، وهو المال الطائل المُعَدُّ. وإمَّا جمع الفارع، مثل: بازل وبُزل، وهو العالي الحسن من كلِّ شيء. وإمَّا جمع فَرَع، محرَّكةً، كفَلَك وفُلْك، كانت الجاهلية إذا تمَّت إبلُ أحدهم مائة قدَّم منها بَكراً فنحره لصنمه، فذلك الفُرع. والفُرع أيضاً: طول الشَّعر.
والفُرعُ: قريةٌ من نواحي الرَّبذة عن يسار السُّقيا، بينها وبين المدينة ثمانية بُرُد
(2)
، على طريق مكة، وبِها منبرٌ ونخلٌ ومياهٌ كثيرة، وهي قريةٌ غنَّاءُ كبيرةٌ، وأجلُّ عيونها عينان غزيرتان، إحداهما الرَّبَضُ، والأخرى النَّجَف تسقيان عشرين ألف نخلة.
وبين الفُرع والمُرَيسيع ساعةٌ من نهار.
وهي كالكُورة، وفيها عدة /393 قُرى ومنابر ومساجد للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابنُ الفقيه: فأمَّا أعراض المدينة فأضخمُها الفرع، وبه منْزل الوالي، وفيه مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال السُّهيليُّ
(3)
: يُقال: هي أوَّلُ قريةٍ مارت إسماعيلَ وأُمَّهَ التمر بمكَّة.
وروى الزُّبير أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الأكمة من الفُرع فقال في مسجدها الأعلى، ونام فيه، ثمَّ راح، فصلَّى الظهر في المسجد الأسفل من الأكمة، ثمَّ استقبل الفُرع فبرَّكَ فيها.
(1)
في الروض الأنف 3/ 143.
(2)
والبريد 20 كلم.
(3)
في الروض الأنف 1/ 135 - 3/ 143. والميرة: جلب الطعام. القاموس (مير) ص 478.
وكان عبد الله بن عمر
(1)
رضي الله عنهما ينزل المسجد الأعلى فيقيل فيه، فيأتيه بعض نساء أسلم بالفراش، فيقول: لا، حتى أضع جَنبي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنبه، وأن سالم بن عبد الله
(2)
رضي الله عنهما، كان يفعل ذلك.
فُرَيْقات،
على جمع تصغير فِرقة: اسم موضعٍ بعقيق
(3)
المدينة. قالوا: وإياها عنى كُثيِّرٌ حيث يقول
(4)
:
ألا ليتَ شِعري هل تَغَيَّرَ بعدنا
…
أراكٌ بقُصْوَى فرقةٍ، وتُنَاضِبُ؟
وتناضب: ذُكِرَ في التاء.
الفَضاء،
بفتح الفاء والضاد المعجمة، وبالمدِّ، وقال الصَّاغانيُّ
(5)
: بالقصر: موضعٌ بالمدينة.
فَعْرَى،
بسكون العين المهملة، كَسَكْرى، وقيل: بكسر الفاء: وهو جبلٌ
(1)
أسلم مع أبيه وهو صغير، ولم يشهد بدراً لصغره، وأول مشاهده الخندق، كان كثير الاتباع لآثار النبي صلى الله عليه وسلم، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر، وعن عمر وعثمان. وعنه ابن عباس، وسعيد بن المسيب. توفي سنة 72 هـ. أسد الغابة 3/ 236، الإصابة 2/ 347.
(2)
سالم بن عبدالله بن عمر: مفتي المدينة، وأحد فقهائها السبع، حَدَّث عن أبيه، وعن عائشة، وعنه عمرو بن دينار والزهريُّ، كان زاهداً في الدنيا ورعاً، وفد على عبد الملك ابن مروان. مات سنة 109 هـ. طبقات ابن سعد 5/ 195، تاريخ البخاري 4/ 115، سير أعلام النبلاء 4/ 457.
(3)
في الأصل: (لعقيق).
(4)
البيت في ديوانه ص 153، و عجزه فيه:(أراكٌ فَصُرْما قادمٍ فَتُناضب).
…
أراك: وادٍ قرب مكة، وصرما قادمٍ موضع، وهو في معجم ما استعجم 1/ 320،
معجم البلدان- 4/ 260.
(5)
التكملة 6/ 486 (فضا) وليس فيه ذكر: بالقصر.
يصبُّ في وادي الصفراء. وقال
(1)
في موضعٍ آخر: فِعْرَى جبلٌ تصبُّ شِعابه في غَيقةَ.
قال كُثيِّرٌ
(2)
:
وأتْبَعْتُها عَينيَّ حتى رأيتُها
…
ألمَّتْ بفِعْرَى، والقَنانُ تزورُها
القَنَان:
جبلٌ فيه ماءٌ يدعى العُسَيلة، وهو لبني أسد.
الفَغْوَة،
بسكون الغين المعجمة: قريةٌ في لِحْفِ
(3)
جبل آرة، بين مكَّة والمدينة، وإلى المدينة أقرب. وآرة تقدَّم ذكرها.
الفَقير،
ضدُّ الغنيِّ: اسمٌ لموضعين قرب المدينة، يقال لهما: الفقيران.
وعن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما قال
(4)
: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقطع عَلِيّاً رضي الله عنه، أربع أرضين: الفقيرين، وبئر قيس، والشجرة. وأقطعه عمر رضي الله عنه ينبع، وأضاف إليها غيرها.
وقيل: الفقيرُ: اسمُ بئر بعينها. وقال الأديبيُّ
(5)
: الفقيرُ: رَكِيٌّ
(6)
بعينه، وقيل: مفازة
(7)
. قال
(8)
:
(1)
ها هنا اختصار مُخِلٌّ، ففي المعجم 4/ 268: قال ابن السِّكيت: فَعْرَى، بفتح الفاء: جبلٌ. قال البكري: فَعْرَى، تصحيفٌ، إنما هو فِعْرى: هو جبلٌ يصبُّ في وادي الصفراء، وقال في موضع آخر: فِعْرَى: جبلٌ تصبُّ شعابه في غيقة.
(2)
البيت في (ديوانه) ص 315، معجم ما استعجم 3/ 1026، معجم البلدان 4/ 268.
(3)
اللِّحْفُ: أصل الجبل. القاموس (لحف) ص 852.
(4)
الخبر في فتوح البلدان للبلاذري ص 22، تاريخ المدينة لابن شبة 1/ 220، وفاء الوفا 4/ 1282.
(5)
أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الأديبي، من مشاهير فضلاء خوارزم وأدبائها وشعرائها، كان كاتباً بارعاً، حسنَ التصرُّف في الترسل، جيد الخط. معجم الأدباء 2/ 131.
(6)
ركي: بئر قليلة الماء. اللسان (ركا) 14/ 333.
(7)
ذكر ياقوت في معجم البلدان 4/ 269: أنها بين الحجاز والشام.
(8)
الرَّجز للشمَّاخ بن ضرار الغطفاني، شاعر مخضرم، كان أشعر غطفان أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم. وشهد فتح القادسية، وأذربيجان. توفي زمن عثمان بن عفان. الإصابة 2/ 154.
…
وهو في (ديوانه) ص 414، والثاني فيه (ساهرةٌ تُودي برُوحِ الإنسان)، الأزمنة والأمكنة للمرزوقي 2/ 159، معجم البلدان 4/ 269.
…
يقال: فلان في قُرْح سِنِّه، أي: في أول سِنِّه. اللسان (قرح) 2/ 558. أي: تؤدى مَنْ كان في أول الشباب على قوته.
/394 ما ليلةُ الفقيرِ إلا شَيطانْ
…
مجنونةٌ، تُؤذي قرِيحَ الأسنانْ
لأنَّ السير فيها مُتْعِبٌ.
فُقَير، مثال زُبير: موضعٌ قرب خيبر.
فِلَاج،
ككتاب، آخره جيم، جمع فِلْج بالكسر، كقِدْح وقِدَاح، أو جمع فَلْج بالفتح، كزَنْدٍ وزِنَاد
(1)
: وهي رياضٌ بنواحي المدينة، جامعةٌ للناس أيام الربيع، وبِها مَسَاكٌ
(2)
كبيرٌ تجتمع فيه مياه المطر، ويكتفون به صيفهم وربيعهم إذا مُطِروا، وليس بِها آبار ولا عيون، منها غديرٌ يقال له: المختَبي
(3)
، لأنَّه بين عِضاهٍ وسَلَم وسِدْرٍ وخِلَاف
(4)
، وإنَّما يُؤتى من طرفه دون جنبيه؛ لأنَّ له حرفين لا يُقدر عليه من جهتهما، وإياهما عنى أبو وجزةَ
(5)
بقوله:
إذا تربَّعْتَ ما بين الشُّرَيقِ إلى
…
روضِ الفِلاجِ أُولاتِ السَّرْح والعُبَبِ
واحتلَّتِ الجوَّ، فالأجراعَ من مَرَخٍ
…
فما لها من مُلاقاةٍ ولا طلبِ
مَرَخ: وادٍ بين فَدَك والوابشية.
(1)
تحرّفت في الأصل إلى: (زياد).
(2)
النقل من فُرحة الأديب ص 73. المَسَاك: الموضع يُمسك الماء. القاموس (مسك) ص 953.
(3)
تحرّفت في الأصل إلى: (المجتبي)، وقد علّل المصنف تسميته بذلك، والتصويب من المعجم 4/ 270، وفاء الوفا 4/ 1283.
(4)
كلُّها أنواع من النبات.
(5)
البيتان في معجم البلدان 4/ 270. العُبَب: شجرٌ. القاموس (عبب) ص 111. وأبو وجزة هو السعدي. تقدَّم. وتحرّفت (العبب) في الأصل إلى: (الغبب).
فَلْجَة،
بالفتح، وسكون اللام، وفتح الجيم: موضعٌ بعقيق المدينة بعد الصُّوَير.
وفَلْجَة أيضاً: منْزلٌ على طريق مكَّة من البصرة، لبني البكاء، وقيل: بعد
(1)
الزُّجَيج
(2)
، وماؤه مِلْح.
فُلَيج،
كَزُبير، تصغير فَلْج، أو فَلَج: من العيون التي تجتمع فيها فيوض أودية المدينة، وهي: العقيق، وقناة، وبُطحان، قال هلال بن الأشعر المازني
(3)
:
أقولُ وقد جاوزتُ نُقمى وناقتي
…
تحنُّ إلى جَنْبَيْ فُليجٍ مع الفجرِ
سَقى الله يا ناقُ البلادَ التي بِها
…
هواكِ وإنْ عَنّا نأتْ سُبلُ القطرِ
وقال سعد بن ناشب المازني
(4)
:
تغَيَّرَتِ المعارفُ من فُليجٍ
…
إلى وَقْبَانَ بعدَ بني عياضِ
هُمُ جَبلٌ تليدٌ
(5)
به الأعادي
…
ونابٌ لا يُفَلُّ من الغماضِ
(1)
تحرّفت في الأصل إلى: (بين).
(2)
قال الحربيُّ في المناسك ص 898: وعلى سبعة أميال من فَلْجة موضعٌ يقال له: سُواج والزَّجيج.
(3)
البيتان في الأغاني 2/ 180، معجم البلدان 4/ 276.
…
وهلال شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، كان شديداً، عظيم الخَلْق
…
، أكولاً، زعموا أنَّه أكل بَكْراً، وكان شجاعاً، شديد البأس، عُمِّر طويلاً. الأغاني 2/ 175، أنساب الأشراف 13/ 54. وتحرّف اسمه في الأصل إلى:(بن أسعد).
(4)
الأبيات في معجم البلدان 4/ 276. وقبان: جبل. معجم البلدان 5/ 380. أغمض السيف في اللحم: غاب. القاموس (غمض) ص 649. تصحف في الأصل إلى: (مسعر).
…
وسعد بن ناشب، شاعر إسلامي، كان من فُتَّاك بني تميم بالبصرة، كان بلال بن أبي بردة قد هدم داره بالبصرة، وكان من شياطين العرب، وهو صاحب يوم الوقيظ في الإسلام بين تميم وبكر. الشعر والشعراء ص 464، شرح الحماسة للتبريزي 1/ 25، سمط اللآلي 2/ 793.
(5)
تليدٌ: مقيمٌ. القاموس (تلد) ص 270.
كأنَّ الدَّهرَ من أسفٍ سليمٌ
…
أصمُّ حين يَسؤر وهو قاضي
فَنْدٌ،
بالفتح، وسكون النُّون، ودالٍ مهملة: اسم جبلٍ بعينه بين المدينة ومكة.
فَنِيق:
بالفتح وكسر النون ثمَّ ياء مُثنَّاة تحتيةٍ وقاف، وأصلُ معناه الجملُ الفحل: اسمُ موضعٍ قرب المدينة.
الفُوَيْرع:
أُطمٌ من آطام المدينة، لبني غَنْم بن مالك.
/395
فَيْفاءُ الخَبار،
بالعقيق. ذكرناه في الخاء.
* * *
باب القاف
القَائم،
كصاحب: مالٌ كان بالمدينة لبعض بني أُنيف
(1)
.
القَارُ:
قريةٌ من قرى المدينة الشريفة. قاله الصَّاغاني في (العباب)
(2)
.
القَاحَةُ،
بفتح الحاء المهملة بعدها هاءٌ بمعنى الباحة، وقَاحَةُ الدَّار وباحتُها: وسطها، وهي اسمُ مدينةٍ على ثلاث مراحل من المدينة قبل السُّقيا بنحو ميلٍ.
قال عرَّام
(3)
: وفي ثافل الأصغر -وهو جبلٌ-
(4)
: في جوفه دوَّار يقال له: القاحة، وفيها بئران عذبتان غزيرتان.
وروي بالفاء وبالجيم.
وفي حديث الهجرة
(5)
: القاحة والفاجة، والقاف أشهر وأكثر.
القاعُ:
ما انبسط من الأرض الحُرَّةِ
(6)
السَّهلة الطين، وهي مستويةٌ ليس بِها احديدابٌ ولا تطامن
(7)
، وهي بالمدينة الشريفة أُطُمٌ من آطامها يقال له:
(1)
في قبلة قباء من المغرب. الوفاء 4/ 1284.
(2)
العباب: قور.
(3)
رسالة عرام ص 401.
(4)
في الأصل تداخل هاهنا حيث أعيد تفسير مادة (القائم)، والتصويب من رسالة عرّام ص 401.
(5)
في سيرة ابن هشام 2/ 133: قال ابن إسحاق: ثمَّ أجاز بهم الفاجة، ويقال: القاحة، فيما قال ابن هشام. وفي المعالم الأثيرة ص 221: والقاحةُ وادٍ يبلغ طوله تسعين كيلاً، ومن روافده الفاجة، وهي بين المدينة والجحفة، ولكنها خربت. مختصراً.
(6)
الحرة: الطَّيبة. القاموس (حرر) ص 374.
(7)
تطامن: انخفاض، لسان العرب (طمن) 13/ 268. ووقع في الأصل:(يطامن) وهو تحريف.
أُطم البلويين، وعنده بئرٌ تعرف ببئر عذق
(1)
.
وقاعٌ أيضاً: منْزلٌ
(2)
بطريق مكة قِبلَ العَقَبة لمَنْ يتوجَّه إلى مكَّة.
وموضعٌ آخرُ في ديار سُليم.
وموضعٌ باليمامة.
قال يحيى بن طالب
(3)
:
أيا أثلاتَ القاعِ من بطن تُوضِحٍ
…
حنيني إلى أظلالكنَّ طويلُ
قباء،
بالضَّمِّ والقصر، وقد يُمدُّ، وأنكر البكريُّ القصر
(4)
، ولم يحك القاليُّ
(5)
سوى المدِّ. وقال الخليل
(6)
: هو مقصورٌ: قريةٌ قبلي المدينة.
(1)
تقدمت في حرف الباء.
(2)
تحرفت في الأصل إلى: (ينزل).
(3)
البيت في الأمالي للقالي 1/ 123، معجم البلدان 4/ 298. الأثلات جمع أثلة، وهي شجرة. القاموس (أثل) ص 960.
(4)
في معجم ما استعجم 3/ 1046، وعبارته: وقال ابن الأنباري في كتاب التذكير والتأنيث، وقاسم بن ثابت في الدلائل قالا: وقد جاءت قباء مقصورة، وأنشدا:
فلأبغينَّكم قباء وعُوارضا
…
ولأُقبلنَّ الخيل لَايةَ ضَرْغَدِ
…
وهذا وهمٌ منهما؛ لأن الذي في البيت إنما هو (قنا) بفتح القاف بعدها نون، وهو جبل في ديار بني ذبيان. ا. هـ.
…
والبيت المذكور لعامر بن الطفيل، والنقل من كتاب ابن الأنباري ص 469، وهو أيضاً في فُرحة الأديب ص 59.
(5)
في كتاب البارع في اللغة ص 512، ونقل ذلك عن الخليل كذلك.
…
وأبو علي القالي اسمه إسماعيل بن القاسم، أحد أئمة اللغة والأدب، نشأ في بغداد، ثم سافر إلى الأندلس، ولقي فيها حظوة كبيرة، قرأ على ابن دُرُستويه وابن دريد، وابن الأنباري، وأخذ عنه محمد بن الحسن الزُّبيدي، وسعيد بن عثمان، من كتبه الأمالي. توفي سنة 356 هـ. طبقات النحويين ص 205، إنباه الرواة 1/ 208، بغية الوعاة 1/ 438.
(6)
في كتاب العين 5/ 229.
…
والخليل هو ابن أحمد الفراهيدي، مؤسس علم العروض، أحد كبار الأئمة، وكان زاهداً لا يختار صحبة الملوك والأمراء، قرأ عليه سيبويه، والأصمعي، والنضر بن شميل. توفي سنة 175 هـ. طبقات النحويين ص 57، إنباه الرواة 1/ 376، بغية الوعاة 1/ 557.
[وقال]
(1)
ابن جبير
(2)
: كانت مدينةً كبيرةً متصلة بالمدينة المقدَّسة، والطريقُ إليها من حدائق النخل.
قلتُ: وهي في الأصل اسمُ بئرٍ هناك عُرفت القرية بها.
وهي مساكنُ بني عمرو بن عوف من الأنصار.
وألفه واوٌ، ويُمنَع ويُصَرف، ومَنْ قصر كأنه جعله جمعَ قَبْوة، وهو الضَّمُّ والجمُع في لغة أهل المدينة، وقد قَبَوْتَ الحرف: إذا ضممتَه، ومنه القباء من الثياب، والقَبْوَةُ: انضمامُ ما بين الشَّفتين.
قال النُّحاةُ: لم تُجمع فَعْلة على فُعَل مما لامه حرف علة إلا بَرْوَةٌ وبُرَى التي تجعل في أنف البعير، وقرية وقرى، وكَوَّة وكوى، وقَبْوة وقباء - فيما ذكره ياقوت
(3)
.
وهي على ميلين من المدينة على يسار القاصد مكة بها أثر بنيان كثير.
وهناك المسجد الذي أُسس على التَّقوى، وهو مسجد مربَّع مستوي الطول والعرض، وفيه مئذنةٌ طويلة بيضاء تظهر على بُعد، وفي وسط المسجد مَبْرَك الناقة /396 بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعليه حظيرةٌ قصيرةٌ شبهُ روضةٍ صغيرة يُتبَّرك بالصلاة فيه، وفي صحنه مما يلي القِبلة شبهُ مِحراب على مصطبة، هو أولُ موضع ركع فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وفي قبلته محاريب. قاله ابن جبير
(4)
.
(1)
ما بين معقوفين ساقط من الأصل.
(2)
رحلة ابن جبير ص 174.
(3)
في معجم البلدان 4/ 302.
(4)
في رحلته ص 175.
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إذا دخله صلى إلى الأسطوانة المخلَّقة، وكان ذلك مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وله باب من جهة الغرب، وهو سبع بلاطات في الطول ومثلها في العرض، وفي قبلة المسجد دار بني النَّجَّار، وهي دار أبي أيوب الأنصاريُّ
(1)
رضي الله عنه، وفي الغرب من المسجد رحبةٌ فيها بئر.
وهي منبع عين الأزرق التي تُسمِّيها العامَّةُ العينَ الزَّرقاء، وعليها حديقة أنيقة.
وإلى جانبها على مقدار رمية بحجر بئرُ أريس التي تفل فيها النبي صلى الله عليه وسلم فَعَذُبَتْ بعد أن كان ماؤها أُجاجاً، وفيها وقع خاتمه صلى الله عليه وسلم من يد عثمان رضي الله عنه، والحديث مشهور
(2)
.
وبإزائها دار عمر، ودار فاطمة، ودار أبي بكر رضي الله عنهم.
قال ابن جبير: وفي آخر قرية قباء: تَلٌّ مُشرفٌ يُعرف بعرفات يدخل إليه على دار الصُّفَّة حيث كان عمار وسلمان وأصحابهما المعروفون بأهل الصُّفَّة، وسُمِّي ذلك التَّلُ عرفات؛ لأنَّه كان موقفَ النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، ومنه زويت له
(1)
اسمه خالد بن زيد، صحابي خزرجيٌّ، شهد العقبة وبدراً وما بعدها، روى عنه البراء بن عازب وأنس بن مالك، استخلفه عليٌّ على المدينة لما خرج إلى العراق، ثم لحق به وشهد معه قتال الخوارج، غزا مع يزيد بن معاوية القسطنطينية، ومات فيها سنة 50 هـ. طبقات ابن سعد 3/ 484، الإصابة 1/ 405.
(2)
أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة، باب: لبس النبيّ صلى الله عليه وسلم خاتماً من ورق 3/ 1656 (2091) عن ابن عمر قال: اتخذ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من ورِق، فكان في يده، ثم كان في يد أبي بكر، ثم كان في يد عمر، ثمَّ كان في يد عثمان، حتى وقع منه في بئر أريس. نَقْشُه: محمد رسول الله.
الأرض فأبصر الناس بعرفات
(1)
. قاله أبو الحسين محمد بن أبي جعفر الكناني البلنسي الأديب في (رحلته).
قال البشاريُّ
(2)
: وبِقباء مسجدُ الضِّرار يتطوَّع العوامُّ بهدمه.
قال أحمد بن جابر
(3)
: كان المتقدِّمون في الهجرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَنْ نزلوا عليه من الأنصار بنوا بِقباء مسجداً يصلُّون فيه الصَّلاة سَنةً إلى بيت المقدس، فلمَّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وورد قباء صلى بِهم فيه وأهل قباء يقولون: هو المسجد الذي أُسس على التَّقوى من أوَّل يوم.
قلتُ: اختلافُ المفسرين مشهورٌ في ذلك.
وقال السُّهيليُّ
(4)
: هذا المسجد أوَّلُ مسجدٍ بني في الإسلام، وفي أهله نزلت {فيه رجالٌ يحبُّون أَنْ يتطَهَّروا}
(5)
فهو على هذا المسجدُ الذي أُسِّس على التقوى، وإِنْ كان قد رُوي عن أبي سعيد الخدريِّ
(6)
رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن المسجد الذي أُسِّس على التَّقوى فقال
(7)
: «هو مسجدي هذا» .
(1)
إلى هنا نهاية كلام ابن جبير.
(2)
أبو عبدالله محمد بن أحمد البنّاء البشاريُّ المقدسي، ذكره ياقوت في مقدمة معجم البلدان فيمن صنفوا في المسالك والممالك. واسم كتابه (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) مطبوع، ولد سنة 336 هـ وتوفي في حدود 380 هـ. مقدمة أحسن التقاسيم.
(3)
هو البلاذريُّ، وقد تقدمت ترجمته، والنقل من كتابه فتوح البلدان ص 8، أنساب الأشراف 1/ 311.
(4)
في الروض الأنف 2/ 246.
(5)
سورة (التوبة) آية رقم: 108.
(6)
اسمه سعد بن مالك، من فضلاء الصحابة، والمكثرين من الرواية، أول مشاهده الخندق، روى عنه جابر وابن عباس. توفي بالمدينة سنة 74 هـ. ودفن بالبقيع. أسد الغابة 2/ 213، الإصابة 2/ 35.
(7)
أخرجه مسلم في الحج، باب بيان أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: 1398، 2/ 1015.
وفي روايةٍ أخرى قال
(1)
وقد قال صلى الله عليه وسلم لبني عمرو بن عوف حين نزلت: {لمسجدٌ أُسِّسَ على التقوى
(2)
}: «ما الطُّهور الذي أثنى الله به عليكم؟» . فذكروا له الاستنجاء بالماء، بعد /397 الاستجمار بالحجارة. فقال:«هوذاكم فعليكموه»
(3)
.
وليس بين الحديثين تعارضٌ، كلاهما أُسس على التَّقوى. غير أن قوله تعالى:{من أوَّل يوم} يقتضي مسجد قباء؛ لأنَّ تأسيسه كان في أول يوم من حلول رسول الله صلى الله عليه وسلم دارَ هجرته والبلد الذي هو مهاجره، وفي قوله سبحانه:{من أوَّل يوم} وقد علم أنَّه ليس أول الأيام كلها، ولا أضافه إلى شيء من اللفظ الظاهر، فيه من الفقه صحَّةُ ما اتفَّق عليه الصَّحابة مع عمر رضي الله عنه، حين شاورهم في التَّاريخ، فاتفَّقَ رأيُهم أن يكونَ التَّاريخ من عام الهجرة؛ لأنَّه الوقت الذي عزَّ فيه الإسلام، والحين الذي أمن فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأسس المساجد، وعَبَدَ الله آمناً كما يحب، فوافق رأيهم هذا ظاهر التَّنْزيل، وفهمنا الآن بفعلهم أنَّ قوله سبحانه:{من أوَّلِ يومٍ} أنَّ ذلك اليوم هو أوَّلُ يوم التاريخ الذي يُؤرَّخ به الآن، فإنْ كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذوا هذا من الآية فهو الظنُّ بِهم وبأفهامهم؛ لأنَّهم أَعلمُ النَّاس بتأويل كتاب الله وأفهمهم بما في القرآن من إشارات إفصاح، وإنْ كان ذلك منهم عن رأي واجتهاد فقد علم الله ذلك منهم قبل أنْ يكونوا، وأشار إلى صحته قبل أن يفعل، إذ لا يعقل قول
(1)
أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة، باب ما جاء في المسجد الذي أسس على التقوى، رقم: 323، 2/ 144.
(2)
سورة (التوبة)، آية:108.
(3)
أخرجه أحمد 3/ 422 من حديث عويم بن ساعدة. وابن ماجه، في الطهارة، باب الاستنجاء، رقم: 355، 1/ 127.
القائل: فعلْتُه أول يوم إلا بإضافةٍ إلى عام معلوم، أو شهر معلوم، أو تاريخ معلوم، وليس هاهنا إضافة في المعنى إلا إلى هذا التاريخ المعلوم، لعدم القرائن الدَّالة على غيره من قرينة لفظ أو قرينة حال، فتدَّبْره ففيه مُعْتَبرٌ لمن ادَّكر، وعلْمٌ لمن رأى بعين فؤاده واستبصر، والحمد لله.
وليس يُحتاج في قوله: {من أوَّل يوم} إلى إضمارٍ، كما قدَّره بعض النُّحاة: من تأسيس أول يومٍ، فراراً من دخول (مِنْ) على الزَّمان.
ولو لُفظ بالتَّأسيس لكان معناه: من وقت تأسيس أوَّل يوم. فإضماره للتأسيس لا يفيد شيئاً. و (مِنْ) تدخل على الزمن وغيره، ففي التَّنْزيل:{من قبلُ ومن بعدُ}
(1)
والقَبْل والبَعْدُ زمان.
وفي الحديث
(2)
: «ما من دابَّةٍ إلا وهي مُصيخةٌ يوم الجمعة من حين تطلعُ الشَّمس إلى أنْ تَغْرُبَ» .
قال النابغة
(3)
:
تُورِّثْنَ من أزمانِ يومِ حليمةٍ
…
إلى اليوم، قد جُرِّبْنَ كل التَّجارِبِ
وبين (مِنْ) الداخلة على الزمان، وبين (منذ) فرق بديع. انتهى
(4)
.
عن عاصم بن سويد
(5)
عن أبيه قال: كان مسجد قباء على سبع أساطين،
(1)
سورة الروم آية رقم: 3.
(2)
جزء من حديث طويل عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: أخرجه مالك في (الموطأ)، في الجمعة، باب ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة، رقم: 16، 1/ 108، وأبو داود في الصلاة، باب تفريع أبواب الجمعة، رقم 1039، 2/ 83، وغيرهما.
(3)
هو الذبياني، والبيت في (ديوانه) ص 11 من قصيدة يمدح بها عمرو بن الحارث الأصغر، وفي الروض الأنف 2/ 246، مغني اللبيب ص 420.
(4)
هنا نهاية كلام السهيلي.
(5)
عاصم بن سويد بن عامر بن يزيد، الأنصاري، من أهل المدينة، يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري، روى عنه محمد بن الصباح، وعلي بن الحجر السعدي. وثقه ابن حبان وغيره. الثقات لابن حبان 7/ 259، التاريخ الكبير 3/ 2/489.
وأبوه سويد، تابعي مدني، سمع الشموس بنت النعمان ولها صحبة، وروى عنه مُجمِّع بن يحيى الأنصاري ويروي سويد أحاديث مرسلة، وهو ثقة. الثقات لابن حبان 4/ 324،
التاريخ الكبير 2/ 2/146.
وذكره ابن الأثير في أسد الغابة 3/ 338، وقال: لا تعرف له صحبة.
وكانت له درجة لها قُبَّة يؤذَّن فيها يقال لها: النعامة، حتى زاد فيه الوليد بن عبدالملك.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم /398 صلَّى في مسجد قباء إلى الأسطوانة الثَّالثة في الرَّحبة. إذا دخلتَ من الباب الذي بفناء دار سعد بن خيثمة
(1)
.
ودارُ سعد هذه أحد الدور التي قِبل مسجد قباء يدخلها النَّاسُ للزِّيارة والتَّبرُّك. وهناك أيضاً دار كلثوم بن الهدم
(2)
.
وفي تلك العَرْصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نازلاً قبل خروجه إلى المدينة، وكذلك أهله وأهل أبي بكر رضي الله عنهم، حين قدم بِهم عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه، بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وهنَّ: سَوْدة بنت زمعة
(3)
،
(1)
صحابي أنصاري من الأوس، شهد العقبة وبدراً، كان نقيباً لبني عمرو بن عوف. استشهد يوم بدر. ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس للناس في بيته، وكان يسمى بيت العُزَّاب. طبقات ابن سعد 3/ 481، أسد الغابة 2/ 194، الإصابة 2/ 25.
(2)
في الأصل: (أم كلثوم)، وهو خطأ.
…
وكلثوم صحابي أوسي، كان شيخاً كبيراً أسلم قبل وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ونزل عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أيام ثم خرج إلى أبي أيوب الأنصاري، توفي قبل بدر بيسير. طبقات ابن سعد 3/ 623، أسد الغابة 4/ 195، الإصابة 3/ 305.
(3)
أم المؤمنين، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد وفاة خديجة رضي الله عنها، وأَسَنَّت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووهبت ليلتها لعائشة، توفيت في آخر خلافة عمر. طبقات ابن سعد 8/ 52، أسد الغابة 6/ 157، الإصابة 4/ 338.
وعائشة
(1)
وأمُّها أمُّ رومان
(2)
، وأختها أسماءُ
(3)
وهي حامل بعبد الله بن الزُّبير
(4)
رضي الله عنهم، فولدته بِقباء
قبل نزولهم إلى المدينة، وكان أوَّل مولودٍ ولد من المهاجرين بالمدينة، والمنازل المذكورة اليوم خَرابٌ ليس بِها إلا حيطان مكتومة، وآثار بنيان متهدِّمة، تُزار معاهدها، ويتبرَّك بمواقعها ومعاقدها.
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر بِقباء يوم الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، وركب يوم الجمعة يريد المدينة، فجمَّعَ في مسجد بني سالم ابن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج
(5)
، فكانت أوَّل جُمعةٍ جُمِّعتْ في الإسلام.
وقد جاء في فضل مسجد قباء أحاديث عدة. منها ما رواه الشَّيخان في
(1)
أم المؤمنين، لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بكراً غيرها. كانت من أفقه الناس، وأعلمهم بالشعر، روى عنها ابن عباس، وابن عمر، وجمع كثير من التابعين، توفيت سنة 57 هـ. طبقات ابن سعد 8/ 5، أسد الغابة 6/ 190، الإصابة 4/ 359.
(2)
أم رومان بنت عامر الكنانية، امرأة أبي بكر الصديق. توفيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سنة ست من الهجرة. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرها واستغفر لها. طبقات ابن سعد 8/ 276، أسد الغابة 6/ 331، الإصابة 4/ 450.
(3)
أسماء بنت أبي بكر الصديق، وأمها قيلة بنت عبد العزى، وهي زوج الزبير بن العوام لُقِّبت ذات النطاقين، روى عنها عبد الله بن عباس وابنها عروة، ماتت سنة 73 هـ. طبقات ابن سعد 8/ 249، أسد الغابة 6/ 9، الإصابة 4/ 229.
(4)
أول مولود للمهاجرين في المدينة، حنَّكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبيه وعمر وعثمان، وروى عنه ابناه عامر وعباد، وعبيدة السلماني، غزا إفريقيا مع ابن أبي السرح، وشهد الجمل مع أبيه، وامتنع من بيعة يزيد ابن معاوية، ثم بويع بالخلافة بعد يزيد إلى أن قتله الحجاج سنة 73 هـ. أسد الغابة 3/ 138، الإصابة 2/ 309.
(5)
نسب معد 1/ 414.
(صحيحيهما) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور قباء راكباً، وماشياً، فيصلي فيه ركعتين
(1)
.
وفي روايةٍ
(2)
أنه كان يأتي مسجد قباء كل سبت ماشياً وراكباً.
وكان عبد الله رضي الله عنه يفعله. وفي روايةٍ أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يأتي قباء كلَّ سبت. وفي لفظٍ: كان يأتيه راكباً وماشياً.
وعند النَّسائيِّ عن سهل بن حُنيف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج حتى يأتي هذا المسجد مسجد قباء فيصلي فيه، فإن له كعدل عمرة»
(3)
وعند الترمذيِّ، عن أُسيد بن ظُهير رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصلاة في مسجد قباء كعمرة»
(4)
.
وذكر ابن هشام
(5)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسس مسجد قباء لبني عمرو بن عوف، ثمَّ انتقل إلى المدينة.
قلتُ: ذكر بعضُ العلماء أنَّ الموضع الذي بني فيه منارة المسجد بقباء
(1)
أخرجه البخاري في الاعتصام، باب إثم من دعا إلى ضلالة، رقم: 7326، 13/ 317، ومسلم في الحج، باب فضل مسجد قباء، رقم: 1399، 2/ 1016.
(2)
عند مسلم، رقم:(516) 1399، 2/ 1016، وكذا الرواية التي بعدها.
(3)
في (المساجد) باب فضل مسجد قباء والصلاة فيه، رقم: 699، 2/ 37.
…
وسهل بن حنيف صحابي أوسيٌّ، شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت يوم أُحد، شهد صفين مع عليِّ بن أبي طالب، وتولى قيادة بلاد فارس له. مات بالكوفة سنة 38 هـ. طبقات ابن سعد 3/ 471، أسد الغابة 2/ 318.
(4)
في أبواب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء، رقم: 324، 2/ 146، وقال: حسن غريب.
…
وأسيد بن ظُهير بن رافع الأنصاري، ابن عم رافع بن خديج، استصغر يوم أحد، وشهد الخندق. توفي في خلافة عبدالملك بن مروان. أسد الغابة 1/ 114، الإصابة 1/ 49.
(5)
السيرة النبوية 2/ 136.
كان أُطُماً لبني عمرو بن عوف وكان يدعى عزة، فهدم وبني منارة المسجد مكانه.
وروى الزُّبير عن سعيد
(1)
بن عمرو بن سليم الزُّرقي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب حماراً له ويمشي حوله الصحابة رضي الله عنهم ويأتي مسجد قباء كلَّ سبت.
/399 وعن زيد بن أسلم
(2)
رضي الله عنه قال: الحمد لله الذي قرَّبَ منا مسجد قباء، ولو كان بأفق من الآفاق لضربنا إليه أكباد الإبل.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: لو يعلم الناس ما في مسجد قباء لضربوا إليه أكباد الإبل.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(3)
: لو كان مسجد قباء بأفق من آفاق الأرض لضربنا إليه أكباد الإبل.
وعن شيخٍ من أهل قباء قال: أتانا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقباء فقال لخياط بِسُدَّةِ الباب: انطلقْ فأتني بجريدةٍ، وإياك والعَواهنَ
(4)
. قال: فأتاه بجريدةٍ فقشرها وترك لها رأساً، وجعل يضرب به قبلة المسجد حتى نَفضَ عنه
(1)
في الأصل: (سعد)، وسعيد أصح، وسعيد أنصاري من أهل المدينة، يروي عن أبيه، والقاسم بن محمد، وروى عنه عبد الملك بن الحسن، مات سنة 134 هـ. وثقه ابن حبان. الثقات 6/ 349، التاريخ الكبير 2/ 1/457.
(2)
من أئمة التابعين، يروي عن ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وروى عنه الإمام مالك والثوري، كان له حلقة للعلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي سنة 136 هـ. طبقات ابن سعد 7/ 314، الثقات لابن حبان 4/ 246، سير أعلام النبلاء 5/ 316.
(3)
أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 245، وابن شبة في تاريخ المدينة 1/ 535.
(4)
العواهن جمع العاهن، وهنَّ السَّعَفَات اللاتي يلين القِلبَة من النخل. القاموس (عهن) ص 1218.
الغبار، وقال: لو كنتَ بأفقٍ من الآفاق لضربنا إليك أكباد الإبل.
وذكر ابن أبي خيثمة
(1)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسسه كان هو أوَّلَ [مَنْ] وضع حجراً في قِبلته، ثمَّ جاء أبو بكر رضي الله عنه بحجر فوضعه، ثمَّ جاء عمر رضي الله عنه بحجرٍ فوضعه ثمَّ إلى حجر أبي بكر رضي الله عنه، ثمَّ أخذ النَّاس في البنيان.
وروى الخطابيُّ
(2)
عن الشَّموس بنت النعمان
(3)
قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بنى مسجد قباء يأتي بالحجر قد صَهَره إلى بطنه فيضعه، فيأتي الرجل يريد أن يُقِلَّه فلا يستطيع حتى يأمره أن يدَعه، ويأخذ غَيره.
يقال: صهره وأصهره: إذا ألصقه بالشيء، ومنه اشتقاق الصِّهْر في القرابة.
وروى الزبير بن بكَّار
(4)
عن عتبة بن وديعة
(5)
عن الشَّموس بنت النعمان، وكانت من المبايعات، قالت: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤسس المسجد
(1)
أحمد بن أبي خيثمة، صاحب (التاريخ الكبير) الكثير الفائدة، سمع أباه، وأبا غسان النهدي، وأحمد بن حنبل، وروى عنه ابنه محمد الحافظ، وأبو القاسم البغوي، وكان ثقة عالماً، متقناً حافظاً، بصيراً بأيام الناس، راوية للأدب. مات سنة 279 هـ. تاريخ بغداد 4/ 162، معجم الأدباء 3/ 35، سير أعلام النبلاء 11/ 492، ونحو هذا الحديث أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 1/ 402، البزار في مسنده 1/ 430 (303).
(2)
في كتابه غريب الحديث 1/ 662، ورواه الطبراني أيضاً في المعجم الكبير 24/ 318 (802). والخطابي: تقدمت ترجمته.
(3)
صحابية مدنية، كانت من المبايعات، وحضرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسس مسجد قباء، روى عنها عتبة بن وديعة. أسد الغابة 6/ 165، الإصابة 4/ 343.
…
صهره: قرَّبه وأدناه. القاموس (صهر) ص 427.
(4)
في كتاب (أخبار المدينة) كما ذكر ابن حجر في الإصابة 4/ 343، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 24/ 317، وانظر (الأحاديث الواردة في فضائل المدينة) ص 530.
(5)
تابعي، له رواية عن الشموس بنت النعمان، كذا ذكره ابن عبد البر في (الاستيعاب) وابن حجر في الإصابة في ترجمة الشموس، ولم يزيدا.
بقباء، فيأتي بالصخرة أو الحجر فيحمله بيده حتى أنظر إلى بياض التراب على سُرَّته أو بطنه
(1)
، فيأتي الرجل من قريش أو الأنصار فيقول: يا رسول الله، أعطني الحجر أحمله فيقول صلى الله عليه وسلم: لا، خذ حجراً مثله».
قالت: وكأني أنظر إلى بياض التراب على سُرة النبي صلى الله عليه وسلم وبطنه، ويقولون: تراءى
(2)
له حتى أمَّ له القبلة. قال: فنحن نقول: ليس قِبلة أعدلَ منها، هذا من قول عتبة.
قال الزُّبير: وكان سعد
(3)
بن عبيد بن قيس بن النعمان يُصلِّي في مسجد قباء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي زمان أبي بكر رضي الله عنه، فتوفي في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأمر عمر مُجمِّعَ
(4)
بن جارية أن يصليَّ بِهم بعد أن ردَّه وقال له: كنتَ إمام مسجد الضّرار. فقال: يا أمير المؤمنين: كنتُ غلاماً حَدَثاً.
وممَّن يُنسب إلى قباء: أفلح بن سعيد القبائي
(5)
. روى عنه أبو عامر العَقَديُّ
(6)
وزيد/400 بن الحُباب
(7)
.
(1)
في الأصل: (ابطية)، والتصحيح من أسد الغابة، والإصابة.
(2)
أي: جبريل، كما فسرته الرواية في الإصابة. وفي الأصل (تورا)، وهو تحريف.
(3)
صحابي أنصاري أوسي، شهد بدراً، وكان إماماً في قباء، كان يسمى القاري من بني قارة، حضر القادسية واستشهد فيها. أسد الغابة 2/ 207، الإصابة 2/ 31. وفيها خلاف في نسبه.
(4)
صحابي أنصاري من الأوس، كان أبوه ممن اتخذ مسجد الضرار، كان جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سورة أو سورتين. أسد الغابة 4/ 390، الإصابة 3/ 366.
(5)
من رواة الحديث، يروي عن عبد الله بن رافع، ذكره ابن حبان في الثقات 8/ 134، وابن حجر في تهذيب التهذيب 1/ 367، وياقوت في معجم البلدان 4/ 302.
(6)
اسمه عبد الملك بن عمر القَيسي، من أهل البصرة، من الثقات، يروي عن شعبة وعلي بن المبارك وروى عنه أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، مات سنة 205 هـ. الثقات لابن حبان 8/ 388، الجرح والتعديل 2/ 259، تقريب التهذيب ص 364 (4199).
(7)
ترجمته تأتي قريباً.
وعبد الرحمن بن عيَّاش الأنصاري القباءئي
(1)
.
ومحمد بن سليمان المدني القباءئي
(2)
، من أهل قباء، يروي عن أبي أُمامة ابن سهل بن حنيف
(3)
.
روى عنه عبد العزيز الدَّرَاوَرْدي
(4)
، وحاتم بن إسماعيل
(5)
، وعبد الرحمن بن أبي الموالى
(6)
، وزيد بن الحباب
(7)
، وغيرهم.
وأمَّا أبو المكارم رزق الله بن محمد القباءئي
(8)
، وشيخ الصوفية
(1)
عبد الرحمن بن عياش السمعي، المدني، مقبول من الطبقة السابعة، روى له أبو داود، وثقه ابن حبان. يروي عن دلهم بن الأسود، وعنه عبد الرحمن بن المغيرة. الثقات 7/ 71، التاريخ الكبير 3/ 1/335، تقريب التهذيب ص 348 (3976).
(2)
محمد بن سليمان بن سلمان، يروي عن الحجازيين، وزاد ابن حبان في الرواة عنه عيسى ابن يونس، وكان ثقة. التاريخ الكبير للبخاري 1/ 1/96، الثقات لابن حبان 7/ 372.
(3)
اسمه أسعد، أنصاري أوسي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ورآه، حدَّث عن أبيه وعمر، وزيد بن ثابت، وحدث عنه الزهري، وأبو حازم، توفي سنة 100 هـ. طبقات ابن سعد 5/ 82، أسد الغابة 6/ 18، سير أعلام النبلاء 3/ 516.
(4)
تقدمت ترجمته.
(5)
حاتم بن إسماعيل الكوفي، كنيته أبو إسماعيل، سكن المدينة، يروي عن جعفر بن محمد، وبشير بن المهاجر، وروى عنه قتيبة بن سعد، وهشام بن عمار، كان ثقة، مات سنة 187 هـ. التاريخ الكبير 2/ 1/71، الثقات 8/ 210، سير أعلام النبلاء 8/ 518.
(6)
واسم أبي الموالي زيد، مولى لعلي بن أبي طالب، من أهل المدينة، صدوق، وربما أخطأ، يروي عن محمد بن المنكدر، وعنه الثوري وقتيبة بن سعيد، مات سنة 173 هـ. الثقات لابن حبان 7/ 91، التاريخ الكبير 3/ 1/355، تقريب التهذيب ص 351 (4021).
(7)
الإمام الحافظ، الثقة الرَّباني، رحل في طلب العلم، روى عن قرَّة بن خالد، وسفيان
الثوري، وحدث عنه أحمد بن حنبل، وأبو خيثمة، توفي سنة 203 هـ. طبقات ابن سعد 6/ 402، الجرح والتعديل 3/ 561، تاريخ بغداد 8/ 442.
…
وفي الأصل: (ابن أبي الحباب)، وهو خطأ.
(8)
هو الأديب أبو المكارم رزق الله بن محمد بن أبي الحسن بن عمر القباءوي، كان يعلم الصبيان الأدب، سكن بخارى، روى عن أبي الفضل بكر بن محمد الزرنجري، سمع منه الحافظ السمعاني. الأنساب 4/ 442، معجم البلدان 4/ 302.
إبراهيم بن علي ابن الحسين القباءئي
(1)
، فهما منسوبان إلى قباء مدينة كبيرة قرب الشاش من ناحية فرغانة
(2)
.
وقباء أيضاً: موضعٌ بين مكَّة والبصرة.
وفي قباء طيبةَ يقول السَّريُّ بن عبد الرحمن بن عتبة بن عويم بن ساعدة الأنصاريُّ
(3)
:
ولها مَرْبَعٌ بِبُرْقَةِ خَاخٍ
…
ومَصِيفٌ بالقصرِ قصرِ قباء
كفِّنوني إنْ متُّ في درعِ أَروى
…
واغسلوني من بئرِ عروةَ مائي
سخنةً في الشتاءِ باردةً في الصيفِ
…
سِراجٌ في اللَّيلة الظَّلماءِ
قال الزُّبير: كان بِقباء بنو القَصيص، وكان لهم الأُطم الذي في شرقي مِرْبد مُسلم بن سعيد بن المولى
(4)
.
وكان بِقباء رجلٌ من اليهود يقال له: المعترض بن الأشوس. يقال: هو من بني النَّضير. وكان لهم أطم يقال له: عاصم، كان في دار توبة
(5)
بن
(1)
مولده سنة 394 هـ. كان كثير الدَّرس للقرآن، طويل الصمت ملازماً لما يعنيه، رحل إلى خراسان والعراق والحجاز، ثم نزل صور، فاستوطنها حتى مات فيها سنة 471 هـ. معجم البلدان 4/ 302.
(2)
مدينة متاخمة لتركستان. معجم البلدان 4/ 253.
(3)
الأبيات في الأغاني 9/ 60، معجم البلدان 4/ 302، والأول تقدم في مادة (خاخ).
…
والثاني في أنساب الأشراف 9/ 443.
والسري شاعر من شعراء أهل المدينة الغزليين، ليس بمكثر ولا فحل. أخباره في الأغاني 18/ 65.
(4)
مسلم بن سعيد، مولى ابن الحضرمي، يروي عن أبي جهيم رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه يزيد بن خصيفة. الجرح والتعديل 4/ 1/184. الثقات لابن حبان 5/ 394.
(5)
لم أجده، لكن أبوه الحسين مقبولٌ من الطبقة الثالثة. يروي عن أبيه المراسيل. روى عنه الزهري. الثقات 4/ 155، تقريب التهذيب ص 166 (1322).
الحسين بن السائب ابن أبي لبابة، وفيه البئر التي يقال لها: قباء. وكان لهم أطم يقال له: الأعنق، كان في المال الذي يقال له: البردعة. وكان له أطم يقال له: صيصة، كان موضعه في المال الذي يقال له: السمنة، فصارت هذه الآطام الثلاثة لسلمة
(1)
بن أمية أحد بني عمرو بن عوف.
وكانت بنو ناعصة
(2)
بِقباء، ولا يعلم لهم مكانُ أُطُم، وقيل: كانت ناعصة وهي حيٌّ من اليمن، وكانت منازلهم في شِعْب بني حرام حتى نقلهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن بني حرام إلى مسجد الفتح، وآثارهم هنالك.
ولهذا الفصل تتمةٌ سُقناها في باب المساجد، عند ذكر مسجد قباء، فلينظر هناك إن شاء الله تعالى.
القبابَة،
بالضَّمِّ كصُبابة: أُطمٌ من آطام المدينة. قال الصَّاغانيُّ
(3)
: هو قباب بزِنَة غُراب.
وقال ياقوت
(4)
: والقبابة في الأصل: اسمٌ لضرب من السمك يشبه الكنعد
(5)
.
قلتُ: القباب للسَّمك إنما هو بكسر القاف، فلا مدخل له فيما نحن فيه.
(1)
لم أجد له ترجمة.
(2)
منهم الشاعر أسد بن ناعصة. وهو قديم جاهلي نصراني. القاموس (نعص) ص 633. وتحرفت في الأصل إلى: (باعضة).
(3)
الذي في كتاب (الذيل) للصاغاني (قبب) 1/ 234: والقبابَةُ: أُطم من آطام المدينة.
(4)
معجم البلدان 4/ 303، القاموس (قبب) ص 122، الذيل (قبب) 1/ 233.
(5)
هكذا وردت هذه الكلمة هنا نقلاً من معجم البلدان 4/ 303، وكذا هي في التكملة (عبب) للصاغاني، ولم أجدها في المعاجم، ولعلها مصحفة من كلمة أخرى؟ أو هي أعجمية.
القَبَلِيَّة،
بفتح القاف، والباء، مثل عَرَبية، كأنَّه نِسبةٌ إلى القَبَل، مُحَرَّكةً، وهو /401 النَّشَزُ من الأرض يستقبلك.
وقَبَلٌ أيضاً: جبلٌ بدومة الجندل
(1)
.
والقَبَلُ أيضاً: أن يتكلَّم الرَّجلُ بالكلام ولم يستعدَّ له.
والقَبَليَّة من نواحي الفرع بالمدينة. قال الزَّمخشريُّ
(2)
: القَبَلِيَّة: سَراةٌ فيما بين المدينة وينبع، ما سال منها إلى ينبع سُمِّي بالغَوْر، وما سال منها إلى أودية المدينة سُمِّي بالقبلية، وحَدُّها من الشام ما بين الحُتِّ- وهو جبلٌ من جبال بني عرك من جُهينة- وما بين شَرف السَّيَالة، أرضٌ يطأها الحاج، وفيها جبال وأودية.
وقال الطبرانيُّ
(3)
في (المعجم الكبير)
(4)
: أنبأنا الحسين
(5)
بن إسحاق، أنا هارون بن عبد الله، أنا
(6)
محمد بن الحسن: حدثني حميد بن صالح، عن
(1)
تقع شمال تيماء بمسافة 450 كم. المعالم الأثيرة ص 117.
(2)
في كتاب الجبال ص 188 نقلاً عن شيخه الشريف عُلَيِّ بن وهاس.
(3)
أبو القاسم سليمان بن أحمد الشامي الطبراني، الإمام الحافظ، الثقة، الجوَّال، ازدحم عليه المحدثون ورحلوا إليه من الأقطار. روى عن أبي زرعة الدمشقي، وهاشم بن مرثد، وحدَّث عنه أبو خليفة الجمحي، والحافظ ابن عقدة، وهما من شيوخه، له (المعاجم الثلاثة: الصغير والأوسط، والكبير)، توفي سنة 360 هـ. طبقات الحنابلة 4/ 49، وفيات الأعيان 2/ 407، سير أعلام النبلاء 16/ 119.
(4)
المعجم الكبير 1/ 370 (1141) وأخرجه الحاكم أيضاً في المستدرك 3/ 517، وفيه محمد بن الحسن بن زبالة، قال عنه الهيثمي في (المجمع) 6/ 9: وهو متروك.
(5)
تصّحف في الأصل إلى: (الحسن)، وهو الحسين بن إسحاق التُّستري، كان من الحفاظ الرَّحالة، أكثر عنه الراوية أبو القاسم الطبراني، مات سنة 290 هـ. تاريخ بغداد 12/ 23، سير أعلام النبلاء 14/ 57.
(6)
في المعجم: ثنا، أي: حدّثنا، في الموضعين.
عُمارة
(1)
، وبلال ابني يحيى بن بلال بن الحارث، عن أبيهما [عن جدهما]
(2)
بلال بن الحارث المُزَني: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه هذه القطيعة، وكتب إليه ما صورتُه: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمدٌ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بلالَ بن الحارث، أعطاه معادن القبلية
(3)
، غَوْرِيَّها وجَلْسِيَّها
(4)
: غشية، وذات النصب، وحيث صلح الزرع من قدس، إن كان صادقاً»، وكتب معاوية.
ويروى
(5)
: «وحيث يصحُّ الزرع من قُرَيس»
(6)
.
غَشِيَّة، بفتح الغين وكسر الشِّين المعجمتين، وفتح المُثنَّاة التَّحتية المشدَّدة: موضعٌ بناحية معدن القَبَلية، ويروى بالعين والسين المهملتين
(7)
، وذات النُّصب: موضعٌ آخر، وسنذكره إن شاء الله تعالى في النون
(8)
.
(1)
في الأصل: (عمَّار)، وهو تحريف، والتصويب من (المعجم الكبير) وكتاب (من روى عن أبيه عن جده) لابن قطلوبغا ص 139.
(2)
مابين المعقوفين ساقط من الأصل.
(3)
ذكر البلاذري في: أنساب الأشراف 11/ 326 عن أبي عكرمة مولى بلال بن الحارث المزني قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً أرضاً فيها جبل ومعدن، فباع بنو بلال عمرَ بن عبدالعزيز أرضاً منها، فظهر فيها معدن، فقالوا: إنما بعناك أرض حرثٍ ولم نبعك المعادن، وجاؤوا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم في جريدة، فقبّلها عمر ومسح بها عينيه، وقال لقيّمه: انظر ماخرج منها وماأنفقتَ فقاصّهم بالنفقة، ورُدَّ عليهم الفضل.
(4)
في الأصل: (جبليها)، وهو تصحيف. وقال الخطابيُّ في معالم السنن 3/ 42: جَلْسِيَّها، يريد نجديها، ويقال لنجد: جَلْس، قال الأصمعيُّ وكلُّ مرتفع جَلْسٌ، والغَور: ما انخفض من الأرض، يريد أنه أقطعه وِهَادَها وَرُباها.
(5)
عند أبي داود، في الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في إقطاع الأرضين، رقم: 3058، 3/ 502 كما تقدم، لكن فيه: من قُدس.
(6)
تصحفت في الأصل إلى: (قريش).
(7)
أي: عَسِيَّة. وتقدمت في حرف العين.
(8)
قوله: (في النون) جاءت في الأصل خطأ بعد قوله: (معدن القبلية).
قُدْس،
بالضَّمِّ، وسكون الدال. قال عَرَّامٌ
(1)
: بالحجاز جبلان يقال لهما: القدسان، قُدْس الأبيض وقُدْس الأسود، وهما عند وَرِقَان. أما الأبيض فيقطع بينه وبين وَرِقان عَقَبةٌ يقال لها: رَكُوبة، وهو جبلٌ شامخٌ ينقاد إلى المتعشَّى بين العَرْج والسُّقيا. وأمَّا قُدْس
(2)
الأسود فيقطع بينه وبين وَرِقان عَقَبةٌ يقال لها: حَمْت،
والقُدسان جميعاً لمزينة، وأموالهم ماشيةٌ من الشَّاء والبعير، وفيهما أوشال
(3)
كثيرة.
والقُدْس أيضاً: اسمُ للبيت المقدَّس، شرَّفه الله.
والقُدْس أيضاً: جبلٌ عظيمٌ بنجدٍ، ويعرف بقُدْس أُوارَة
(4)
.
قال البَغْيتُ
(5)
:
ونحنُ وقعنا في مُزَينةَ وقعةً
…
غداةَ التقَينا بين غَيْقٍ وعَيْهَما
ونحن جلبنا يومَ قُدْسٍ وآَرَةٍ
…
قنابلَ خَيْلٍ تتركُ الجوَّ أقتما
وقال الأزهريُّ
(6)
: قُدْسٌ وآَرَةُ: جبلان لمزينة، وهما معروفان.
(1)
في رسالته ص 403 - 404. وفي الأصل: (أبو عرّام)، وهو خطأ.
(2)
قال في المعالم الأثيرة ص 222: قدس سلسلة جبلية في الحجاز، تشرف على مضيق الفرع جنوباً، وتمتد شمالاً إلى قرب الطريق من مكة إلى المدينة، يبلغ طولها قرابة 150 كلم.
(3)
الأوشال جمع وشل، وهو الماء القليل يُتحلَّبُ من جبل أو صخرة ولا يتصل قطره. القاموس (وشل) ص 1068.
(4)
أفاد الشيخ حمد الجاسر (المغانم 333): أن أوارة جبل قرب الكويت، وليس في نجد.
(5)
البغيت الجهني، سمي كذلك لأنه كان يأتي الناس بغتة، وهو شاعر جاهلي فاتك، كثير الغارات. وترجمته مع الأبيات في معجم الشعراء ص 57، والأبيات في معجم البلدان 4/ 311.
…
غيقٌ: موضع. معجم البلدان 4/ 221. عَيْهَم: موضع بالغور من تهامة. معجم البلدان 4/ 181. أقتم: أسود من الغبار. القاموس (قتم) ص 1146.
(6)
تهذيب اللغة 8/ 397، وانظر الحاشية (3) فيها.
القَدُوم،
كصَبُور وشَكُور: اسم جبل قرب المدينة. وفي حديث فُريعة بنت مالك
(1)
/402 خرج زوجي في طلب أعلاج له إلى طرف القَدُوم
(2)
.
وذكر المدائنيُّ
(3)
في ترجمة قناة: هي وادٍ يمرُّ على طرف القدوم في أصل قبور الشهداء بأحد.
قال الزمخشريُّ
(4)
: وقَدُوم أيضاً ثنيةٌ بالسَّراة.
وقَدُوم أيضاً: موضعٌ من نَعْمَان
(5)
.
وقَدُوم أيضاً: حصن باليمن.
وقَدُوم أيضاً: قرية بحلب.
(1)
أخت أبي سعيد الخدري، وأمها حبيبة بنت عبد الله بن أبي، من الأنصار، شهدت بيعة الرضوان. طبقات ابن سعد 8/ 277، أسد الغابة 6/ 235، الإصابة 4/ 386.
(2)
وحديثها: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدْرة، فإنَّ زوجها خرج في طلب أعبدٍ له أبقوا، حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، فسألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإنه لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. قالت: فخرجت حتى إذا كنتُ في الحجرة دعاني، فَدُعِيتُ له، فقال: كيف قلت؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي، قالت: فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت: فاعتددتُ فيه أربعة أشهر وعشراً.
أخرجه أبو داود في الطلاق، باب في المتوفى عنها زوجها تنتقل، رقم: 2294، 3/ 122.
والترمذي، في الطلاق، باب أين تعتد المتوفى عنها زوجها، رقم: 1204، والنسائي، في الطلاق، باب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها حتى تحل،6/ 199، وغيرهم.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(3)
أبو الحسن المدائني تقدمت ترجمته.
(4)
في كتاب (الأمكنة والمياه والجبال) للزمخشري ص 185: القدوم: موضع اختتن به إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه.
(5)
وادٍ بين مكة والطائف. معجم البلدان 4/ 293.
وقَدُوم أيضاً: اسم مُخْتَتَن
(1)
إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.
وقال القاضي عياض: وأما طرف القدوم: موضعٌ إلى جنب القريعة فبفتح القاف وتشديد الدال في قول الأكثر، وقد خفَّفه بعضهم، قال: ورواه أحمد بن سعيد الصَّدَفي
(2)
: بضمِّ القاف وتشديد الدال: ثنيةٌ بجبل
(3)
من بلاد دوس. انتهى كلامه، وفيه نظر. والصواب ما تقدم.
قال أبو الحسن الخوارزميُّ
(4)
: القَدُّوم مشددَّةً: اسم قرية بالشام اختتن بها إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.
والقدوم بالتشديد، والتخفيف وهو أكثر: فأس النَّجَّار.
قُدَيد،
كَزُبير: موضع بين الحرمين
(5)
.
وقيل: وادٍ.
والقُديد أيضاً: المسَيْحُ الصَّغير
(6)
.
القُدَيمْة،
بضمِّ القاف وفتح الدَّال المهملة. مثال جُهينة: جبلٌ بالمدينة.
(1)
ووقع في الأصل: (مجلس)، وهو تصحيف. والمختتن: مكان اختنانه، كما بيناه عن الزمخشري.
(2)
وهو أحد رواة الموطأ، سمع من محمد بن أحمد الزراد، وإسحاق بن إبراهيم بن النعمان، ألف (تاريخ الرجال) كبير، سمع منه خلف بن أحمد، وأحمد بن محمد الإشبيلي، توفي سنة 350 هـ. جذوة المقتبس ص 117، معجم الأدباء 3/ 49، الوافي 6/ 389.
(3)
تحرفت في الأصل إلى: (لجيل).
(4)
تقدمت ترجمته.
(5)
وهو أقرب إلى مكة، بين خليص وعسفان، يبعد عن مكة حوالي 105 كلم.
(6)
المُسَيْحُ تصغير مِسْح، وهو البَلاس، نوعٌ من الثياب. القاموس (مسح) ص 241، (بلس) ص 534.
قال عبد الله بن مصعب الزُّبيريُّ
(1)
يذكر العَرْصتين والعقيق
(2)
:
أشرِفْ على ظهرِ القُدَيمةِ هل ترى
…
بَرْقاً سَرَى في عارضٍ مُتهلِّلِ؟
نَضَح العقيقَ فبطنَ طيبةَ مُوهنا
…
ثم استمرَّ يؤمُّ قصدَ الصُّلصلِ
في أبيات تقدَّمت في صُلصُل.
قُرَاضِمٌ، بضمِّ القاف وكسر الضَّاد المعجمة: اسمُ موضعٍ بالمدينة.
قال الأحوص
(3)
يخاطب كُثيِّراً
(4)
لما ادَّعى أنَّ خُزاعة من ولد النضر:
وأَصبحْتَ لا كعباً أباك لحقْتَهُ
…
ولا الصَّلْتَ إذْ ضيَّعْتَ جدَّكَ تلحقُ
وأَصبحْتَ كالمُهريقِ فَضْلَةَ مائِه
…
لِضاحي سرابٍ بالملا يَتَرَقْرَقُ
دعِ القومَ ما احتلَّوا ببطنِ قُرَاضمٍ
…
وحيثُ تقشَّى بيضُه المُتفلِّقُ
وقال ابنُ هرمة
(5)
:
عفَا أَمَجٌ من أهلِهِ فالمُشلَّلُ
…
إلى البحر لم يأهلْ له بعدُ منْزلُ
فأجراعُ كَفْتٍ فاللِّوى فَقُرَاضِمِ
…
تناجَى بليلٍ أهلُه فتحمَّلوا
قَرَاقِرُ،
بالفتح وبقافين: موضعٌ من أعراض المدينة لآل حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
/403 قُرْحٌ، بالضَّمِّ ثمَّ السُّكون: اسمٌ لسوق وادي القرى، وقصبتها من
(1)
تحرفت في الأصل إلى: (الترمدي).
(2)
تقدمت ترجمته، والأبيات في مادة (صلصل).
(3)
الأبيات في ديوانه ص 160، معجم البلدان 4/ 317، نسب قريش ص 12، ونسبها لعبد العزيز بن وهب بن جبير مولى خزاعة، وذكر قصتها. ورواية البيت الأول في الديوان: فإنَّك لا عمراً أباكَ حفظتَه
…
ولا النَّضْرَ إنْ ضيَّعْتَ شيخَك تلحقُ
تقشَّى: تقشَّر. القاموس (قشر) ص 1324.
(4)
في الأصل: (كسرى)، وهو تصحيف، تبعاً لمطبوعة معجم البلدان.
(5)
البيتان في (ديوانه) ص 165، معجم البلدان 4/ 317 وهما في مادة (كفت). وتحرّفت في الأصل (كفت) إلى:(لفت).
أعمال المدينة من ناحية الشَّام. وفي حديث أبي شموس البلويِّ
(1)
: صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي في صعيد قُرْحٍ فعلَّمْنَا مُصلاَّه بعظم وحجارةٍ، فهو في المسجد الذي يصليِّ فيه أهل وادي القرى
(2)
. قال عبد الله بن رواحة
(3)
:
جلبنا الخيلَ من آجامِ قُرْحٍ
…
يغرُّ من الحشيشِ لها العُكومُ
وقيل: بهذه القرية كان هلاك عادٍ قوم هود عليه السلام: قال أميةُ بن أبي الصلت
(4)
:
..................... أهل قرح بها قد أمسوا ثُغورا
أي: متفرِّقين، جاهلين، الواحد: ثَغْرٌ
(5)
.
وكانت من أسواق العرب في الجاهلية.
أنشد السُّكَّريُّ
(6)
لبعض بني أَسَدٍ من اللُّصوص، والأبياتُ مُقْواةٌ
(7)
:
(1)
قال ابن السكن: أبو الشموس البلوي: له صحبة ورواية، ولا يوقف على اسمه وقال البغوي: سكن الشام. الإصابة 4/ 103.
(2)
رواه ابن زبالة، كما ذكر السمهودي في وفاء الوفا 3/ 1031.
(3)
البيت في معجم البلدان 4/ 321، الوفا 4/ 1288. وابن رواحة صحابي خزرجي، أحد شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحد النقباء ليلة العقبة، شهد بدراً وما بعدها، كان أحد القواد الثلاثة الذين استشهدوا يوم مؤتة. طبقات ابن سعد 3/ 525، أسد الغابة 3/ 130، الإصابة 2/ 306.
(4)
عجز بيت في ديوانه ص 407، وصدره: سِنفةٌ أُرسلت تخبِّر عنهم.
…
وأمية، كان أشعر ثقيف، تعبَّد في الجاهلية، وحرَّم الخمر، وتجنب الأوثان، أدرك الرسولَ صلى الله عليه وسلم وكاد أن يسلم. أنساب الأشراف 13/ 441، الإصابة 1/ 129.
(5)
القاموس (ثغر) ص 359.
(6)
أبو سعيد السكري، تقدمت ترجمته، وله كتاب (اللصوص)، وتحرفت في الأصل تبعاً لمعجم ياقوت إلى:(السّدِّي).
(7)
الإقواء: هو اختلاف حركة الرَّويِّ في قصيدة واحدة بكسر وضم. (العروض الواضح) ص 146. والأبيات في مجالس ثعلب 1/ 311، معجم البلدان 4/ 321، والثاني في اللسان: (شرب) 1/ 493، (قرح) 2/ 562، مفردات ألفاظ القرآن للراغب مع اختلاف يسير 449. الأقران جمع قَرَن: وهو حبل يقرن به بين بعيرين. القاموس (قرن) ص 1223. يقال: أشرب البعير والدابة الحبل: وضعه في عنقها. والعَيْبَةُ: مايُجعل فيه الثياب. القاموس (عيب) ص 118. الأجواز: الأوساط. القاموس (جوز) ص 506.
لقد عَلِمَتْ ذَوْدُ الكلابيِّ أنني
…
لهنَّ بأجوازِ الفَلاةِ مُهينُ
تَتابعْنَ في الأقرانِ حتى حبسْتُها
…
بِقُرْحٍ، وقد ألقينَ كلَّ جنينِ
ولما رأيتُ التَّجْرَ قد عصبوا بها
…
مساومةً، خَفَّت بِهنَّ يميني
فأدَّيتُ منها عَيبْةً ذات حلَّةٍ
…
كَسَيْرِ أبي الجارودِ وهو بَطينُ
قَرَدٌ،
قال ابنُ الأثير
(1)
: ذو قَرَدٍ بين المدينة وخيبر، على يومين من المدينة، وقال غيره: على نحو يوم من المدينة.
وقال ياقوت
(2)
: ذو قرد: على ليلتين من المدينة، بينها وبين خيبر، وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إليها لما خرج [في طلب عُيَيْنَةَ
(3)
بن حِصْن الفزاري]
(4)
حين أغار على لقاحه.
وقال أبان بن عثمان
(5)
صاحب (المغازي): ذو قَرَدٍ: ماءٌ لطلحة
(6)
بن
(1)
في النهاية في غريب الحديث 4/ 336. وابن الأثير هو مجد الدين أبو السعادات المبارك ابن محمد الجزري، كان فقيهاً، محدثاً، أديباً، نحوياً، من كتبه (جامع الأصول) و (النهاية)، توفي سنة 606 هـ. وفيات الأعيان 3/ 34، إنباه الرواة 2/ 47، طبقات السبكي 4/ 185.
(2)
في معجم البلدان 4/ 321.
(3)
أسلم قبل فتح مكة، وكان من المؤلَّفة قلوبُهم، ولم تصح له رواية، وشهد حنيناً والطائف، ارتد في عهد أبي بكر الصديق، ثم عاد إلى الإسلام، عاش إلى خلافة عثمان. أسد الغابة 4/ 31، الإصابة 3/ 54.
(4)
في الأصل: (لما خرج عيينة حين أغار على لقاحه). وما بين معقوفين من معجم البلدان.
(5)
أبان بن عثمان بن يحيى اللؤلؤيِّ الأحمر، عالم بالأخبار والأنساب، إماميٌّ شيعيٌّ أخذ عنه أبو عبيدة. توفي في حدود سنة 200 هـ. بغية الوعاة 1/ 405، الأعلام 1/ 27.
(6)
أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين للإسلام، شهد أحداً وما بعدها، وبايع بيعة الرضوان. قتل يوم الجمل سنة 36 هـ. طبقات ابن سعد 3/ 214، أسد الغابة 2/ 467، الإصابة 2/ 229.
عبيد الله اشتراه، فتصدَّق به على مارَّة الطريق.
قال القاضي عياض: جاء في حديث قُتيبة
(1)
في (الصحيح)
(2)
: أنَّ بذي قَرَد كان سَرْحُ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أغارت عليه غطفان. وهذا غلطٌ
(3)
، إنما كان بالغابة قرب المدينة. قال: وذو قَرَد حيث انتهى المسلمون آخر النهار، وبه باتوا، ومنه انصرفوا، فَسُمِّيت به الغزوة. وقد بيَّنه في حديث سلمة بن الأكوَع
(4)
.
وقول بعض شيوخ مسلم، في آخر حديث قُتيبة: فلحقهم بذي قَرَد. يدلُّ على ذلك، لأنَّهم لم يأخذوا السرْح ويقيموا بمكانِهم حتى لحق بِهم الطلب.
قال محمد بن موسى
(5)
: غزوة الغابة هي غزوةُ ذي قَرَد، وكانت سنة ستٍّ.
القَرْنين،
تثنية قَرْن، ويقال له: ذاتُ القرنين أيضاً، وهي موضعٌ في أعلى /404 وادي رَوْلان
(6)
، من ناحية المدينة، سُمِّي بذات القرنين؛ لأنَّه بين جبلين
(1)
وقع في الأصل: (قبيصة)، وهو تحريف. وقتيبة هو ابن سعيد شيخ البخاري ومسلم، رويا عنه القصة في صحيحيهما، وهو شيخ الإسلام ارتحل في طلب العلم، وكتب ما لا يوصف كثرة، أخذ عن مالك والليث وأبي عوانة، توفي سنة 240 هـ. طبقات ابن سعد 7/ 379، طبقات الحنابلة 1/ 257، سير أعلام النبلاء 11/ 13.
(2)
أخرجه البخاري، في المغازي، باب غزوة ذات القرد، رقم: 4194، 7/ 526، ومسلم في الجهاد والسير، باب غزو ذي قرد وغيرها، رقم: 1806،3/ 1432.
(3)
قال ابن حجر في الفتح 7/ 526: ما في الصحيح من التاريخ لغزوة ذي قرد أصح مما ذكره أهل السير. وانظر أقوالاً أخرى ذكرها الحافظ في الفتح.
(4)
تقدم.
(5)
هو الحازمي، ولم أجده في كتابه ما اتفق لفظه.
(6)
وادٍ من أودية بني سليم. معجم البلدان 3/ 97.
صغيرين، وإنما يُنْزَعُ منه الماء بالدِّلاء، إذا انخفضت قليلاً
(1)
.
قُرَيس،
بالسِّين المهملة، على زِنَةِ زُبير، ومعناه لغةً: البردُ والصَّقيع: وهو جبلٌ يذكر مع قَرس كلاهما قرب المدينة.
وفي كتاب أبي داود
(2)
: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلالَ بن الحارث معادنَ القَبَليةَ، جَلسيَّها، وغوريَّها، وحيث يصلح الزَّرع من قريس.
وفي (معجم الطبراني): من قُدس، وقد تقدَّم
(3)
.
القُرَيَّةَ،
مثال سُمَيَّة وعُلَيّة: موضعٌ بنواحي المدينة. ذكره إبراهيم بن هرمة، فقال
(4)
:
انظرْ لعلّكَ أن ترى بسُويقةٍ
…
أو بالقُرَيَّة، دون مَفضى عاقِل
أظعانَ سَوْدَةَ كالإشَاءِ غوادياً
…
يَسلكنَ بين أبارقٍ وخمائل
وأمَّا القُرَيَّة في قول امرئ القيس
(5)
:
تَبِيتُ لَبوني بالقُرَيَّةِ أُمَّناً
…
وأَسْرَحُها غِبَّاً بأكناف حائِلِ
فمكانٌ بجبلي طيء.
وأمَّا قول الحطيئة
(6)
:
(1)
رسالة عرّام ص 428.
(2)
كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في إقطاع الأرضين، رقم: 3057، 3/ 501، وفيه كذلك: من قُدس، لا من قُريس.
(3)
في مادة (قدس).
(4)
ديوانه ص 172، معجم البلدان 4/ 341.
(5)
البيت في ديوانه ص 175، من قصيدة يمدح بها جارية بن مُرٍّ، ويذمُّ خالد بن سدوس النبهاني. معجم البلدان 4/ 340
(6)
وَهِم المؤلف في نسبة الأبيات، تبعاً لياقوت، والبيتان ليسا للحطيئة، بل هما للمُخبَّل السعدي، كما في (شعره)، وناقضه الحطيئة فقال:
إنما اليمامة خيرُ ساكنها أهلُ القُريَّة من بني ذُهْلِ
معجم ما استعجم 3/ 1070، ديوان الحطيئة، الأغاني 2/ 43، وهما في معجم البلدان 4/ 341، وآخر كلمتين في البيتين ساقطتان من الأصل.
…
الطَّحْلُ: لونٌ بين الغُبرة والسواد. القاموس (طحل) ص 1025، والحُمُر جمع حمار. ويروى: كالقُمَّل الطُّحل.
إنَّ اليمامةَ شرُّ ساكِنها
…
أهلُ القُرَيَّةِ من بني [ذُهْلِ]
قومٌ أبادَ اللهُ [غابرَهم]
…
فجميعهم كالحُمْر [الطُّحْلِ]
[فهي قُرَيَّةُ بني سدوس باليمامة، بها] قصر عظيم، [من صخر كله]
(1)
، بناه الجنُّ لسليمان بن داود عليه السلام، والقصرُ كلُّه من صخرةٍ واحدة.
قال محبوب بن أبي العشنَّط فيها أو في القُرَيَّة [التي بجانب]
(2)
المدينة
(3)
:
لَرَوضةٌ من رياض الحَزْنِ أو طَرَفٌ
…
من القُرَيَّة جَرْدٌ غيرُ مَحروثِ
يفوحُ منه إذا مجَّ النَّدى أَرَجٌ
…
يشَفي الصُّداعَ ويُنقي كلَّ مَمْغُوثِ
أملى وأحلى لعيني إن مررت به
…
من كَرْخِ بغدادَ ذي الرُّمَّانِ والتُّوثِ
القُرى، جمعُ قرية، ولم تُجمع فَعْلَةٌ على فُعَلٍ إلا في أربعة ألفاظٍ ذكرتُها في قباء
(4)
.
ووادي القرى: وادٍ من أعمال المدينة من جهة الشام، سنذكرها مُتوسّطةً في الوادي إن شاء الله تعالى.
قُشامٌ،
كَغُراب، بالشين المعجمة: جبلٌ على أيام من المدينة.
(1)
ما بين معقوفين بياض في الأصل، والمثبت معجم البلدان 4/ 341.
(2)
ما بين معقوفين بياض في الأصل.
(3)
الأبيات في معجم البلدان 4/ 340، في مادة (قرية) وهي قرية بني سدوس، قال: وربما قيل لها: القُرَيَّة. الممغوث: المحموم. القاموس (مغث) ص 176. التُّوث: لغةٌ في التُّوت. القاموس (توث) ص 165.
(4)
تحرّفت في الأصل إلى: (قنى).
ذكر ابن خالويه
(1)
بسندٍ له قال: قالت أُنيسةُ زوجة جُبيهاءَ الأشجعي
(2)
لزوجها جُبَيهاء -واسمه يزيد
(3)
بن عبيد-: لو هاجرتَ بنا إلى المدينة وبعت إبلك وافترضت في العطاء كان خيراً لك؟. قال: أفعل وأقبل بها وبإبله، حتى إذا كان بحرَّة واقم شرقي المدينة، شرَّعها حوضاً وأقام يسقيها، فحنَّت ناقةٌ منها ونزعت /405 إلى وطنها، وتبعتها الإبل وطلبها ففاتته. فقال لزوجته: هذه إبل لا تَعقِل تحنُّ إلى أوطانها، فنحن أولى بالحنين منها! أنت طالقٌ إن لم ترجعي!. فقالت: فعل بك وفعل! ورجع إلى وطنه وقال
(4)
:
قالت أُنيسةُ: بِعْ تِلادَكَ والتمسْ
…
داراً بيثربَ ربَّةِ الآطامِ
تُكتبْ عيالُك في العطاءِ وتُفترضْ
…
وكذاك يفعلُ حازمُ الأقوامِ
[فَهممْتُ ثمَّ ذكرتُ ليلَ لِقاحِنا
…
بلوى عُنيزةَ، أو بِقُفِّ قُشَامِ]
(5)
إذ هُنَّ عن حَسَبي مذاودُ كلما
…
نزلَ الظَّلامُ بعصبةٍ أغتَام
إنَّ المدينةَ لا مدينة فالزمي
…
حقف السِّتارِ وقنَّة الأرجام
(6)
(1)
تقدمت ترجمته في مادة (حمى).
(2)
جُبيهاء، ويقال: جبهاء الأشجعي، شاعر بدوي من مخاليف الحجاز. نشأ وتوفي في أيام بني أمية، وهو مقلٌّ، وليس من معدودي الفحول، اجتمع مع الفرزدق. الأغاني 16/ 141، معجم الشعراء ص 77.
(3)
تحرّف في الأصل إلى: (زيد).
(4)
الأبيات مع قصتها في تاريخ المدينة لابن شبّة 1/ 288، الأغاني 16/ 141، معجم البلدان 4/ 351.
(5)
هذا البيت ساقط من الأصل، وهو من المعجم و تاريخ المدينة لا بد منه لارتباط ما بعده به، وهو محلُّ الشاهد.
(6)
في الأصل: (لقشام)، والتصويب من (الأغاني) و (المعجم).
الأغتام جمع أغتم، وهو من لا يفصح شيئاً. القاموس (غتم) ص 1142. ووقع في الأصل:(الحرام)، بدل:(الجرّام، محرّفاً). الستار: عند حمى ضرية. الأرجام: جبل. ذكره ياقوت 1/ 142، وذكر فيه البيت.
يُحلبْ لك اللَّبنُ الغريضُ ويُنتزع
…
بالعيش من يَمَنٍ إليكِ وشامِ
وتجاوري النَّفرَ الذين بنبلِهم
…
أرمي العدو إذا نهضت أُرامي
الباذلين إذا طلبتُ تِلادَهم
…
والمانعي ظهري من الجُرَّامِ
قَصْرُ خارجة،
هو خارجةُ بن حمزةَ بن عبدِ الله بن عبد الرَّحمن بن العوَّام
(1)
.
قال الزُّبير: خرج خارجةُ إلى الوليد بن عبد الملك فسأله أن يُقطعه موضع قصرٍ في العرصة، فكتب إلى عامله بالمدينة: أنْ أقطعه موضعَ قصر في العرصة، وألحقه بالسواد
(2)
، فلم يزل بأيديهم حتى صارت بعد ليحيى
(3)
بن عبيد [الله]
(4)
بن حسين بن علي بن حسين
(5)
.
قَصْرُ عاصم،
هو عاصم بن عمر بن عثمان بن عفان
(6)
، قصرٌ عظيمٌ
(1)
تقدَّم ولم أجد مَنْ ترجمه.
(2)
أي: بالحرّة، كما في (المعجم).
(3)
أمُّه أمُّ عبيد الله بنت طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، ذكر نسبه مصعب في نسب قريش ص 63،74، وتزوج أبوه أيضاً زينب بنت محمد بن علي.
(4)
ما بين معقوفين ساقط من الأصل.
(5)
بعدها في الأصل: (كان لأبيه أبي كبير بن نفيل بن عبد قصي، وكان يقال لذلك الوادي وادي أبي كبير، وكانت لهم ماشية كثيرة من إبل وغنم، وكانت لهم بئر بطرف القرى يوردون عليها ثمانين بعيراً). ولم يذكره السمهودي، ولا العباسي، ولا محلَّ له هنا. وإنما محلها الصحيح في مادة (وادي أبي كبير).
(6)
في الأصل: (بن عمرو)، وهو خطأ، فإن لعثمان من الولد: عمر وعمرو، وأولاد عمرو هم عثمان الأصغر، وعبد الله الأكبر، وعثمان بن عمرو، وعنبسة، وعمرو، والمغيرة، وبكير، وسعيد، وعبد الله الأصغر. وأولاد عمر هم عاصم، وزيد، وأمية. نسب قريش ص 112 و 120.
…
وعاصم بن عمر بن عثمان بن عفان من رواة الحديث الثقات، يروي عن عروة عن عائشة، وروى عنه عمرو بن عثمان بن هانئ. التاريخ الكبير 3/ 2/478، الثقات لابن حبان 7/ 257.
بالمدينة على مقربةٍ من بئر عروة قبل الجمَّاء
(1)
، وكان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن
جعفر بن أبي طالب
(2)
، وعمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير
(3)
تعاونا فقالا يهجوان قصر عاصم
(4)
:
ألا يا قصرَ عاصم لو تبينُ
…
فتستعدي أميرَ المؤمنين
فتذكرُ ما لقيتَ من البلايا
…
فقد لاقيتَ حُزناً بعد حينِ
تَبيتُ على طريق النَّاس طُرَّاً
…
يَمسُّك
(5)
كلُّ ذي حَسَبٍ ودينِ
ولم توضعْ على غمضٍ فتخفي
…
ولم توضعْ على سهلٍ ولينِ
يُرى فيك الدُّخانُ لغير شيءٍ
…
فقد سُمِّيتَ خَدَّاع العيونِ
فقال القصرُ: شاني أنَّ ربي
…
بناني كلُّ مجتهد ضنينِ
يَعُدُّ حجارتي، ويعدُّ لبني
…
ويُقتِرُ بعد إثراءِ
(6)
السنينِ
/406 ماناوعاصم عكما جماهره
(7)
…
بمنْزلة الشمال من اليمينِ
(1)
يقع في شِعْب جبل تُضارع المسمى غرابة في وجاه بئر عروة الوسطى. المدينة بين الماضي والحاضر للعياشي ص 443.
(2)
كان جواداً، شاعراً، فارساً، خطيباً مفوَّهاً، قدم أصفهان متغلباً عليها أيام مروان الحمار، ومعه أبو جعفر المنصور سنة 128 هـ، مات سنة 131 هـ. مقاتل الطالبيين ص 161، الكامل 5/ 130، أنساب الأشراف 2/ 319.
(3)
من الثقات عند ابن حِبَّان، وقال ابن حجر: مقبول من السادسة، يروي عن جدِّه عروة، وروى عنه محمد بن إسحاق، وأمُّه أمُّ حكيم بنت عبد الله بن الزبير، روى له البخاري ومسلم. الثقات 7/ 166، نسب قريش ص 246، تقريب التهذيب ص 414 (4931).
(4)
لم يذكر ياقوت هذا القصر. وبعض هذه الأبيات في الوفا 3/ 1049، وليست هي في شعر عبدالله بن معاوية المجموع.
(5)
هكذا في الأصل، ولعل الصواب: يسبُّك.
(6)
تصحّفت في الأصل إلى: (امرا)، وعليها علامة توقّف.
(7)
الشطر غير واضح في الأصل، وعليه علامتا توقف ولعل مراده جمهره: جمع عليه التراب ولم يطيِّنه. القاموس (جمهر) ص 368.
قبيح الوجه منعفر الأواسي
(1)
…
جنيب الخلف
(2)
مطرورٌ بطينِ
فلما سمع عاصم: (مطرورٌ بطين) اشترى له قِضَّة
(3)
بألفي درهم، فطرَّه بها وقال
(4)
:
[بنوا وبنيتُ واتَّخذوا قُصوراً
…
فما سَاوَوا بذلك ما بنيتُ
بنيتُ على القَرار، وجانبوه
…
إلى رأس الشَّواهقِ، واستويتُ
على أفعالِهمْ، وعلى بناهم
…
علوتُ، وكان مَجْداً قد حويتُ
وتلك صُلاصِلُ قد فلَّستْهم
…
وذاك وَدِيُّهم فيها يموتُ
فليس لعاملٍ فيها طعامٌ
…
وليس لضيفهم فيها مبيتُ
وقيل: البيتان الأخيران لزيد بن عاصم، قال الزُّبير
(5)
: وهو أشبه]
(6)
، وقال
(7)
:
بنيتَ القصَر يا عا
…
صم في خُطَّة شيطانِ
فلا بدَّ من أن يبنى
…
على ذلك أو ابانِ
(8)
قصرُ ابن عوان:
قصرٌ كان بالمدينة، وكان ينْزل في شقِّه اليماني بنو الجَذْمَا حيٌّ من اليمن من يهود المدينة كانوا بها قبل الأوس والخزرج.
(1)
في الأصل: (الأوامر)، وعليها علامة توقف، والأواسي: جمع آسيةٍ، وهي الدعامة والسارية. القاموس (أسى) ص 1259.
(2)
في الأصل (الحلف)، وعليها علامة توقف، والخلف: هو الذي وراء البيت. القاموس (خلف) ص 806.
(3)
القضَّة: أرض ذات حصى. القاموس (قضَّ) ص 652.
(4)
ما بين معقوفين ساقط من الأصل، وبدونه يختل المعنى، وينقطع الكلام. وهو مأخوذ من الوفا 3/ 1049. صلاصل: موضع تقدم في الصاد، الوَدِيُّ: صغار الفسيل من النخل. القاموس (ودي) ص 1342.
(5)
هو ابن بكار. وقد تقدم مراراً.
(6)
ما بين معقوفين ساقط من الأصل، وهو مستدرك من الوفا 3/ 1409 لتمام المعنى به.
(7)
أي: أحدهما في ذمِّه.
(8)
أبان: هكذا في الأصل، ووضع عليه الناسخ علامة توقف (ط).
قصر عروة:
هو بالعقيق منسوب إلى عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد
(1)
.
روى عروة بن الزبير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(2)
: «يكون في أمتي خسف وقذف، وذلك عند ظهور عمل قوم لوط فيهم» .
قال عروة: «وبلغني أنه قد ظهر ذلك فتنحيت عن المدينة، وخشيت أن يقع وأنا بها فنزلت العقيق» ، وبنى به قصره المشهور عند بئره. وقال فيه لما فرغ منه
(3)
:
بَنيناهُ فأحسنَّا بناهُ
…
بحمد الله، في وسط العقيقِ
تراهمْ ينظرون إليه شزْراً
…
يلوح لهمْ على وضَح الطَّريقِ
فساءَ الكاشحين، وكان غيظاً
…
لأعدائي، وسُرَّ به صديقي
يراه كلُّ مرتفق، وسارٍ
…
ومعتمرٍ إلى البيتِ العتيقِ
وأقام عبد الله
(4)
بن عروة بالعقيق في قصر أبيه، فقيل له: تركتَ المدينة؟ فقال: لأني كنتُ بين رجلين: حاسدٍ على نعمة، وشامتٍ بنكبة.
(1)
تقدَّمت ترجمته.
(2)
أخرجه الزبير في كتاب النسب-كما ذكر الذَّهبي في السير 4/ 428، قال: حدثني محمد ابن حسن، عن محمد بن يعقوب بن عتبة، عن عبد الله بن عكرمة عن عروة، والحديث ضعيف لإرساله، وجهالة محمد بن يعقوب بن عتبة، وعبد الله بن عكرمة لم يوثقه غير ابن حِبَّان، ومحمد بن حسن هو ابن زبالة: كذبوه.
(3)
الأبيات في تاريخ دمشق لابن عساكر 40/ 281، معجم البلدان 4/ 361، سير أعلام النبلاء 4/ 428، وفاء الوفا 3/ 1044. وتحرف قوله:(ومعتمر) إلى: ومعتمد.
(4)
أخو هشام بن عروة، يروي عن أبيه، وروى عنه أخوه هشام، والزُّهري، كان يشبَّه بعبدالله بن الزبير في لسانه وجلده، زوَّجَه عبد الله ابنته أم حكيم وكانت أحبَّ ولده إليه. نسب قريش ص 246، الثقات 7/ 2، التاريخ الكبير 3/ 1/163، سير أعلام النبلاء 4/ 428.
قال عامر بن صالح
(1)
في قصر عروة
(2)
:
حبّذا القصرُ ذو الطهارة والبئـ
…
ـرُ ببطن العقيق، ذاتُ الشِّيَاتِ
ماءُ مُزْنٍ، لم يبْغ عروة فيها
…
غيرَ تقوى الإله في المقطعات
بمكانٍ من العقيق أنيس
…
باردِ الظلِّ، طيِّبِ الغدوات
وقصر عروة أيضاً: قرية بضواحي بغداد، من ناحية بين النهرين.
قال الزبير
(3)
: لما أقطع عمر بن الخطاب رضي الله عنه العقيق فدنا من موضع قصر عروة قال: أين المستقطعون منذ اليوم؟ فوالله ما مررت بقطيعة تشبه هذه القطيعة. فقام إليه خَوّات بن جُبَير الأنصاري
(4)
رضي الله عنه فقال: أقطعنيها يا أمير المؤمنين /407 فأقطعه إياها. فكان يقال لموضعها: خَيْف حَرّة الوبرة، فلما كانت سنة إحدى وأربعين أقطع مروان بن الحكم عبد الله
(5)
بن عبَّاس بن علقمة ابن عبدالله بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ابن غالب، ما بين الميل الرابع من المدينة إلى ضفيرة أرض المغيرة بن الأخنس
(6)
، التي في وادي العقيق، إلى الجبل الأحمر الذي يطلعك على قباء. قال: وشهود قطيعته: عبدالملك وأبان
(7)
ابنا
(1)
يروي عن هشام بن عروة، وروى عنه يعقوب الدورقي. سير أعلام النبلاء 4/ 430 - 433.
(2)
الأبيات في معجم البلدان 4/ 361، الوفا 3/ 1047.
(3)
وهذا الخبر في تاريخ دمشق 40/ 379 من طريق الزبير.
(4)
صحابي أنصاري، شهد أحداً والمشاهد التي بعدها. توفي سنة 40 هـ بالمدينة. طبقات ابن سعد 3/ 477، أسد الغابة 1/ 625، الإصابة 1/ 457.
(5)
تقدمت ترجمته في مادة (ضفيرة).
(6)
تقدم.
(7)
أبان بن مروان بن الحكم، كان والياً على فلسطين لأخيه عبد الملك، أمه أم أبان بنت عثمان بن عفان، شارك في القتال يوم الدار يوم حصر عثمان. المعارف ص 354، نسب قريش ص 161، المنمق ص 325.
مروان بن الحكم، وعبد الله بن عبد الله بن أبي أمية
(1)
بن المغيرة، وعبد الرحمن بن الحارث
(2)
قال هشام: فاشترى عروة موضع قصره وأرضه وبئاره من عبد الله بن العباس
(3)
بن علقمة بن عبد الله بن أبي قيس العامري، وابتنى، واحتفر، واحتجر، وضفر
(4)
، فقيل له: يا أبا عبد الله! إنك بغير موضع مدر. فقال: يأتي الله به من النقيع. فجاء سيل فدخل في مزارعه، فكساها من خليج كان خلجه، وكان بناؤه جنابذ
(5)
.
وكان لعبد الله بن عمرو بن عثمان الناحية الأخرى المراجل، وقصر أمية والمنيف، والآبار التي هنالك، منها بئر كافورة، والمزارع، فاستعشى
(6)
عبد الله بن عمرو بن عثمان، على عروة بن الزبير، وقال: إنَّه حمل على حقِّ السلطان. فأرسل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، من هدم جنابذه، وضفائره وسدَّ بئاره.
فقال: قدم رجل من آل خالد
(7)
بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، يريد
(1)
المخزومي القرشي، قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين، وله صحبة، أمه بنت طارق بن عبد الله بن عامر، وثقه ابن حبان، روى عن سليمان بن يسار. الثقات 3/ 215، الإصابة 2/ 336.
(2)
عبد الرحمن بن الحارث بن عياش يروي عن حكيم بن حكيم بن عباد وأهل المدينة، روى عنه الثوري، أمه أم ولد، كان من أهل العلم. مات في ولاية أبي جعفر المنصور. الثقات 7/ 69، التاريخ الكبير 3/ 1/271.
(3)
تقدمت ترجمته في مادة (ضفيرة).
(4)
بنى بحجارة بلا كلس وطين. القاموس (ضفر) ص 429.
(5)
الجنابذ جمع جنبذ، وهو المرتفع من كل شيء والمستدير. القاموس (جنبذ) ص 332.
(6)
استعشى: استظلم. يقال: عشي عليه عَشَاً: ظلمه. القاموس (عشى) ص 1311.
(7)
خالد بن أسيد، صحابي، قرشي، أسلم عام الفتح، كان من المؤلفة قلوبهم، مات بمكة. أسد الغابة 1/ 566، الإصابة 1/ 401.
الوليد ابن عبد الملك، فنزل العقيق، فسأل عن عروة فقيل له: صالح على ما فعل به عمر ابن عبد العزيز! وأخبروا الخالديَّ قصَّتَه، فخرج حتى قدم على الوليد بن عبدالملك، فسأله عن أهل المدينة فأخبره، فسأله عن عروة فأخبره، وقال: خيراً يا أمير المؤمنين على ما أتى إليه عمر بن عبد العزيز، هدم قصره، وغوَّر بئاره، فقال: ما له وله؟ قال: زعم أنَّه حمل على حق السلطان، ودخل فيما ليس له. فكتب الوليد إلى عمر بن عبدالعزيز فقال: ما عروة ممن يُتَّهَم، فدعه وما انتقص من حق السلطان، إنَّه في سَعَة منه، فبعث إليه عمر بن عبد العزيز فقال: كتبتَ فيَّ إلى أمير المؤمنين؟ قال: ما فعلتُ. قال: فاذهب فاصنع ما بدا لك. فقال عروة
(1)
: جَزِعُوا من جنابذ نبنيها، والله لأبْنِيَنّها بناءً لا يبلغونه إلا بشق الأنفس، فبنى قصره، ونثل بئاره. فقال ابنه عبد الله: يا أبتاه لو ابتدأتَ بئاراً فحفرتها، لكان أهون في الغرم، فقال: لا والله إلا هي بأعيانها!.
ثمَّ تصدَّق عروة رضي الله عنه بقصره على ولده، وبئره على المسلمين، وأوصى إلى الوليد بن عبد الملك. قال: فاختلف عبد الله ويحيى
(2)
ابنا عروة.
ثمَّ توفي عبد الله، وأوصى /408 إلى عثمان بن عروة
(3)
، فوليها هشام بن عروة بالسنِّ.
(1)
وقع في الأصل: (عمر)، وهو خطأ.
(2)
يحيى بن عروة بن الزبير. من الثقات. يروي عن أبيه، وروى عنه الزهري، وأمه هي أم حكيم بنت الحكم بن أبي العاص، وفد على عبد الملك بن مروان. نسب قريش ص 159،247، الثقات 7/ 593، التاريخ الكبير 4/ 2/296.
(3)
عثمان بن عروة بن الزبير، أمه أم يحيى بنت الحكم، عَمَّةُ عبد الملك بن مروان، كان من وجوه قريش وساداتهم، روى عنه هشام بن عروة مع أنه أسنّ منه، وقتل مع عمه عبدالله بن الزبير سنة 73 هـ. نسب قريش ص 246 - 247.
ثم وليها عبيد الله بن عروة فقال
(1)
:
لو يعلمُ الشَّيخُ غُدُوّي بالسَّحَرْ
…
نحوَ السِّقايةِ التي كانَ احتَفرْ
بفتيةٍ مثل الدَّنانير، غُرَر
…
وقاهمُ اللهَ النِّفاقَ والضَّجَرْ
بني أبي بكرٍ وزيدٍ وعمر
…
ثمَّ الحواريُّ لهم جَدٌّ أغرّْ
فهم عليها بالعشيِّ والبُكَرْ
…
يسقون مَنْ جاء، ولا يُؤْذَى بَشَرْ
لزادَ في الشُّكرِ وكان قد شَكَرْ
قال: ولما فرغ من بناء قصره في العقيق و [حفر]
(2)
بئاره، دعا جماعة من الناس وكان فيمن دعا ابن أبي عتيق
(3)
، قال
(4)
: فَطعمَ النَّاس وجعلوا يُبرِّكون وينصرفون، ويقولون: ما رأينا ماءً أعذب ولا أطيب، ولا منزلاً أكرم من هذا. فقام ابن أبي عتيق فبرَّك وقال: لولا خصلةٌ واحدةٌ ما كان في الأرض مثلها.
قال: فاشرأَبَّ لذلك عروة والنَّاس، وقال: ما هي؟ قال: ليس لها وقاية، ولا دونها وديعة
(5)
. قال: فضحك عروة ومن حضرهم، وأعجبهم ذلك من قول ابن أبي عتيق.
قال: ولما ولي [إبراهيم بن]
(6)
هشام المدينة لهشام بن عبد الملك، أراد
(1)
الأبيات في سير أعلام النبلاء 4/ 429، الوفا 3/ 1046،.
(2)
ما بين معقوفين ساقط من الأصل.
(3)
اسمه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، يروي عن عائشة، وروى عنه ابناه عبد الرحمن، ومحمد، وثقه ابن حبان. الثقات 5/ 41، التاريخ الكبير 3/ 1/184.
(4)
الخبر في تاريخ دمشق لابن عساكر 40/ 280.
(5)
الوديعة: الخزانة تستودع بالمطر إذا جاء فيكون لها غذاء.، والوقاية: أن يكون لها ميضأةٌ لئلا يرجع عليها الماء، كذا فسَّرهما ابن عساكر.
(6)
إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي، خال الخليفة هشام بن عبد الملك، ولي المدينة ثم وعُزل عنها سنة 114 هـ. قتله يوسف بن عمر سنة 125 هـ بأمر الخليفة الوليد بن يزيد. نسب قريش ص 246، تاريخ خليفة ص 357. شرح الحماسة للتبريزي 1/ 28 - 29.
…
وما بين معقوفين ساقط من الأصل.
أن يدخل في حقوق بني عروة بالفُرع، فحال عبد الله ويحيى ابنا عروة بينه وبين ذلك، فاضطغن ذلك عليهما، حتى كان منه إلى يحيى وعبد الله ما كان، وهدم قصر عروة، وشعثه، وطرح في بئر عروة جملاً مطليَّاً بقطران، وكتب عبد الله بن عروة إلى هشام بن عبدالملك، يتظلَّم من ابن هشام، ويذكر هدمه قصر عروة، فكتب هشام إلى ابن عطاء
(1)
عاملِه على ديوان المدينة، أن يردَّه على ما كان، حتى يضع الوتد في موضعه، فكان غرم ذلك ثلاثين ألف درهم وألف دينار.
وكان عبد الله بن عروة لما اتخذ عروة قصره بالعقيق قال له النَّاس: قد جفوتَ مسجدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيتُ مساجدهم لاهية، وأسواقهم لاغية، والفاحشة في فِجاجهم عالية، فكان فيما هنالك عما هم فيه عافية
(2)
.
وذكر عن ابن أبي ربيعة
(3)
أنه مرَّ على عروة، وهو يبني قصره بالعقيق فقال: أردت الحرثَ يا أبا عبد الله؟ قال: لا. ولكنه ذكر لي أنه سيصيبها عذاب - يعني المدينة -: فقلت: إن أصابها شيء كنت متنحياً عنها.
قصْرُ عَنْبَسَة:
هو قصر بالعقيق
(4)
. قال: ركب هشام بن عبد الملك ومعه
(1)
في الأصل: (ابن أبي عطاء)، وأظنه محمد بن عمرو بن عطاء القرشي المدني، يروي عن ابن عباس وأبي حميد الساعدي، توفي في آخر خلافة هشام بن عبدالملك. الثقات 5/ 368. التاريخ الكبير 1/ 1/189، الجرح والتعديل 8/ 29.
(2)
تاريخ دمشق لابن عساكر 40/ 280.
(3)
عمر بن أبي ربيعة، شاعر قريش في وقته، تقدمت ترجمته. توفي هو وعروة بن الزبير سنة 93 هـ.
(4)
وهذا القصر موجود الأساسات، قائم على مرتفع الحرة الشرقية بالعنابس في البئر المعروفة اليوم بأم جماجم، وهو في شرقي سلطانة (شارع أبي بكر الصديق) إلى الشمال قليلاً، يفصل بينهما مجرى وادي العقيق. المدينة بين الماضي والحاضر ص 443.
عنبسة بن سعيد بن العاص
(1)
إلى العقيق، فمرَّ هشامٌ بموضع قصر عنبسة وهو جبل فقال: نِعمَ موضع القصر يا أبا خلف قد أقطعته
(2)
لك. قال: يا أمير المؤمنين ومَنْ يقوى على ذلك؟ قال: فإني أُعينك عليه بعشرين ألف دينار.
قال: فدفعها عنبسة إلى ابنه /409 عبد الله وقال: إنك قد نزلت بين الأشياخ فانظر كيف تبني. قال: وكان أوَّل مَنْ قارب بين القصور، ونزل إلى جنب عبد الله ابن عامر، فلما فرغ من القصر بنى ضفائره باللَّبن المطبوخ قال له عنبسة: أما علمت أن متنزهي المدينة يدقوُّن عليه العظام؟ ابنه بالحجارة المطابقة ففعل. قال:
وبعث إليه [هشام] بأربعين بُختياً
(3)
، فكان ينضح عليها الماء في مزارعه.
وعن إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز
(4)
[عن]
(5)
الزُّهريِّ، عن بعض ولد عنبسة قال: بينا عبد الله بن عنبسة
(6)
نائمٌ في قاعة القصر وعنده خَصِيٌّ له
(1)
الأموي، القرشي، كنيته أبو خالد، ثقة، من الطبقة الثالثة، روى عن أبي هريرة، وروى عنه الزهري، كان أثيراً عند الحجاج بالكوفة، مات على رأس المائة تقريباً. الثقات لابن حبان 5/ 268، التاريخ الكبير 4/ 1/35، نسب قريش ص 180.
(2)
في الأصل: (قطعته)، والمثبت هو الصواب.
(3)
البُخْتيُّ: الإبل الخراسانية. القاموس (بخت) ص 147.
(4)
جدُّه عبد العزيز هو ابن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، كان محمد من وجوه بني عبدالعزيز، ويصحب عبد الملك بن صالح، وأبوه كان على قضاء المدينة في زمن المنصور. نسب قريش ص 271.
(5)
ما بين معقوفين ساقط من الأصل، وهي لا بدّ منها.
(6)
عبد الله بن عنبسة بن سعيد، ذكر في كذَّابي قريش وبه ظلم، كان بمكة قبل أيام داود ابن علي، ثمَّ قتله داود بن علي. المنمق 400، المحن ص 315، جمهرة أنساب العرب ص 82، أنساب الأشراف 6/ 69.
يذُبُّ عنه وكان له غلام صُغْديٌّ
(1)
يسقيهم الماء، إذ دخل عليه الصُّغديُّ فانتزع القِربة ونظر إلى عبدالله نائماً فشدَّ عليه بالخنجر كان معه، وثار الخصِيُّ يحول بينه وبينه فضربه بالخنجر حتى قتله، وانتبه عبد الله فاتقَّاه بوسادةٍ من ريش فضربه بها حتى خرقها، وتداعى عليه أهل القصر فأخذوه، وأمر به عبد الله بن عنبسة فَقُتل وصُلب بفناء القصر.
وكان قصر عنبسة فيما اصطُفي من أموال بني أُمية، ثم رُدَّ على عنبسة.
وكان جعفر بن سليمان
(2)
قد نزله، وابتنى إليه أرباضاً وسكَّنها حشمه، وعمر مزارعه وصهريجه، ثمَّ تحول منه إلى العرصة فابتنى بها وسكنها.
قصْرُ نَفِيس،
بالفتح وكسر الفاء، على ميلين من المدينة يُنسب إلى نفيس بن محمد رجلٍ من موالي الأنصار.
قال أحمد بن جابر
(3)
: قصرُ نَفيسٍ منسوبٌ -فيما يقال- إلى محمد بن زيد بن عبيد بن معلى بن لوذان من حلفاء بني زريق بن عبد بن حارثة بن الخزرج، وهذا القصر بِحَرَّةِ واقم بالمدينة. واستشهد عبيد بن المعلى
(4)
يوم أُحُد. ويقال: إن جدّ نفيس الذي بنى القصر بحرَّة واقم عبيد بن مُرَّة
(5)
، وإنَّ عبيداً وأباه من سبي عين التمر، ومات عبيد أيام الحرَّة.
(1)
منسوب إلى الصُّغد، وهي بلدة في سمرقند. معجم البلدان 3/ 409.
(2)
تقدمت ترجمته.
(3)
هو البلاذري في فتوح البلدان ص 23.
(4)
أسد الغابة 3/ 444، قتله عكرمة بن أبي جهل.
(5)
قال البلاذري في فتوح البلدان ص 345 بعد ذكره فتح خالد بن الوليد عين التمر: وكان منهم - أي من سبي عين التمر- مرَّة أبو عبيد، جدُّ محمد بن زيد بن عبيد بن مرة، ونفيس بن محمد بن زيد بن عبيد بن مرَّة، صاحب القصر عند الحَرَّة، ابن محمد هذا وبنوه يقولون: عبيد بن مُرَّة بن المعلّى الأنصاري، ثم الزُّرقي.
ذُو القَصَّةِ،
بفتح القاف والصَّادِ المشدَّدة: موضعٌ على بريدٍ من المدينة تلقاء نجد، خرج إليه أبو بكر رضي الله عنه
(1)
فقطع فيها الجنود، وعقد فيها الألوية.
وقال نصر: بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلاً، وهو طريق الرَّبذة، وإلى هذا الموضع بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة
(2)
إلى بني ثعلبة ابن سعد.
وذو القَصَّة أيضاً: موضع بين زبالة والشقوق دون الشقوق بميلين فيه قَلْبٌ
(3)
للأعراب، يدخلها ماء السماء عذبٌ زلال. وإلى هذا الموضع كان انتهى أبو عبيدة ابن الجراح
(4)
رضي الله عنه /410 في غزاته التي أرسله إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم
(5)
.
وذُو القَصَّة: ماءٌ لبني طريف في أجأ، وأهله موصوفون بالملاحة. قال
(6)
:
تشبُّ بعودَيْ مِجْمَرٍ تصطليهما
…
عِذَابُ الثَّنايا من طريف بنِ مالكِ
القُصَيبة،
بالضَّمِّ، وفتح المهملة، وسكون المُثَنَّاة تحت، وفتح
(1)
قال البلاذري في فتوح البلدان ص 132: فخرج أبو بكر إلى القصَّة من أرض محارب لتوجيه الزُّحوف إلى أهل الرِّدَّة، ومعه المسلمون.
…
ثم قال: ثم عقد أبو بكرٍ وهو بالقصَّة لخالد بن الوليد على الناس. تاريخ ابن خياط ص 101.
(2)
صحابيٌّ، تقدمت ترجمته.
(3)
القلب: ماءٌ بِحَرَّة بني سليم. القاموس (قلب) ص 127.
(4)
اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح، اشتهر بكنيته، ونسبه إلى جده، أحد العشرة المبشرين بالجنة. شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها، هاجر إلى الحبشة والمدينة، كان أحد الأمراء في فتح الشام، توفي سنة 18 هـ. طبقات ابن سعد 3/ 409، أسد الغابة 3/ 35،
الإصابة 2/ 252.
(5)
السيرة النبوية لابن هشام 4/ 256.
(6)
البيت في معجم البلدان 4/ 366.
المُوحَّدة: وادٍ بين المدينة وخيبر، وهو يزهو أسفل وادي الدوم، وما قارب ذلك
(1)
.
وقال ثعلبٌ: القُصيبةُ أرضٌ، ثمَّ الكُواثل، ثمَّ حوله جبل [ثم الرُّقيبة]
(2)
، وهذه هي التي قرب خيبر.
وعن عروة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(3)
: «يكون في آخر أُمتي مسخٌ، وقذفٌ، وخَسْفٌ، وذلك عند ظهور عمل قوم لوط» .
قال عروة: فبلغني أنه قد ظهر شيءٌ من ذلك العمل فتغيَّبْتُ عنها، أي: عن المدينة، وخشيتُ أن يقع وأنا بها، وبلغني أنه لا يصيب إلا أهل القُصيبة
(4)
.
قالت وَجِيهةُ بنت أوس
(5)
:
وعاذلةٍ هبَّت بليل تلومني
…
على الشَّوقِ، لم تمحُ الصَّبابةَ من قلبي
فما لي إنْ أحببتُ أرضَ عشيرتي
…
وأَحببْتُ طرفاءَ القُصيبة من ذَنْبِ
فلو أنَّ ريحاً بلَّغَتْ وَحْيَ مُرسِلٍ
…
خَفِياً لناجيتُ الجنوبَ على النَّقبِ
وقلتُ لها: أَدّي إليها تحيَّتي
…
ولا تخلطيها-طالَ سعدُك-بالتُّرْبِ
(1)
يبعد عن المدينة 94 كلم، وعن خيبر 48 كلم. أفاده الشيخ حمد الجاسر (المغانم 348).
(2)
ما بين معقوفين زيادة من معجم البلدان 4/ 366، وتحرّفت فيه إلى: الرقة. وقال ياقوت في المعجم 3/ 60: الرقيبة: جبل مطلٌّ على خيبر.
(3)
تقدَّم في مادة (قصر عروة).
(4)
عند السمهودي 3/ 1046: لا يصيب إلا أهل القصبة، قصبة المدينة. وفي نسخة المجد- أي: الفيروزآبادي-: القُصيبة، مُصغّراً، فأورده في ترجمة القصيبة، وهو وهم.
(5)
الأبيات في معجم البلدان 4/ 367، شرح الحماسة للمعري 3/ 924، شرح الحماسة للتبريزي 3/ 187.
…
ووجيهة بنت أوس شاعرة من بني ضَّبة، من شعراء الحماسة.
فإني إذا هبَّت شمالاً سألتُها:
…
هل ازداد صدَّاح النميرة مِن قُرْبِ؟
والقُصَيبة أيضاً: من نواحي اليمامة.
ذو القُطْب،
بالضَّمِّ وسكون الطَّاء المهملة: موضعٌ بعقيق المدينة.
القُفُّ، بالضَّمِّ، وتشديد الفاء
(1)
: عَلَمٌ لوادٍ من أودية المدينة عليها مال لأهلها.
والقُفُّ في الأصل: ما ارتفع من الأرض وغَلُظ، ولم يبلغ أن يكون جبلاً.
وقال ابن شميل
(2)
: [القُفُّ]
(3)
: حجارةٌ مترادفٌ بعضها على بعض، لا يخالطها من اللين والسهولة شيء.
وقال في (العُباب)
(4)
: هو جبلٌ، غير أنَّه ليس بطويل في السماء، فيه إشرافٌ على ما حوله، وفيه حجارةٌ متقلعة عِظام، كالإبل البروك، وأعظم، وصغار وربَّ قُفٍّ حجارته فنادير
(5)
أمثال البيوت، وقد يكون فيه رياض وقيعان.
قالت تماضر بنت مسعود، أخي ذي الرُّمَّة، وكان زوجُها خرج إلى القُفَّين
(6)
:
(1)
تحرفت في الأصل إلى: (القاف).
(2)
النَّضر بن شميل، تقدمت ترجمته.
(3)
ما بين معقوفين زيادة ضرورية، وهي من معجم البلدان 4/ 383.
(4)
العُباب (قف)، ص 516، والمادة اللغوية كلها مأخوذة من العُباب. وانظر: اللسان (قف) 9/ 289، القاموس (قف) ص 846.
(5)
الفنادير، جمع فندير، وهي الصخرة العظيمة تنقلع عن عرض الجبل. (القاموس)(فندر) ص 458.
(6)
الأبيات في أمالي القالي 2/ 31، معجم البلدان 4/ 384، وتقدّم بعضها في مادة (حزوى). وتحرفت (القفين) في الأصل إلى:(القفير). الآل: السّراب. القاموس (آل) ص 963. والأمل أصلها: الأُمُل بالضّمّ، وسكّنت للوزن. وهي جمع أميل، وهو المرتفع من الرمل. القاموس (أمل) ص 963. المكاكيّ جمع مكّاء، وهو طائر. اللسان (مكو) 15/ 290.
نظْرتُ ودوني
القُفُّ
ذو النَّخلِ، هل أرى
…
أجارعَ في آل الضُّحى من ذرى الأُملِ
(1)
فيا لك من شوقٍ وجيعٍ ونظرةٍ
…
ثناها عليَّ القُفُّ خَبْلاً من الخَبْلِ
ألا حبذا ما بين حُزوى وشارعٍ
…
وأنقاء سلمى، من حُزونٍ ومن سهلِ
لعمري لأصواتُ المكاكيِّ بالضُّحى
…
وصوتُ صباً في حائطِ الرِّمْثِ بالدَّحلِ
وصوتُ شمالٍ، زعزعَتْ بعد هَدْأةٍ
…
ألاءً وأسباطاً، وأرطى من الحبلِ
أحبُّ إلينا من صياح دجاجةٍ
…
وديكٍ، وصوتِ الريح في سَعَفِ النَّخلِ
فيا ليتَ شعري هل أبيتنَّ ليلةً
…
بجمهور حُزوى حيث ربّبني أهليِ
وأضاف زهير إليه شيئاً آخر وثناه، فقال
(2)
:
كم للمنازلِ من عامٍ، ومن زَمَنِ
…
لآل سلماء، بالقُفَّينِ فالرُّكُنِ
والقف أيضاً: موضع بأرض بابل.
القِلادة، بلفظ قِلادة العُنق: جبلٌ من جبال القَبَليَّة.
قَلَهِيٌّ،
بفتح القاف، واللام، وكسر الهاء، [والياء]
(3)
المشدَّدة: حفيرةٌ
(4)
قرب المدينة لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، بها اعتزل سعدٌ النَّاس بعد قتل عثمان رضي الله عنه، وأمر أن لا يُحدَّث بشيءٍ من أخبار النَّاس
(1)
عند ياقوت: (الرمل).
(2)
ديوان زهير بن أبي سلمى ص 105، العباب (قفّ) ص 517، معجم البلدان 4/ 384، وفي (الديوان):(فالقُفَّينِ فالرُّقن)، وهما موضعان.
(3)
ما بين معقوفين ساقط من الأصل، وهو من معجم ما استعجم 3/ 1093، الوفا 4/ 1292، وانظر القاموس (قله) ص 1251، حيث قال: وقلهيّا. محركة مشددة الياء: كمرحيّا وبرديّا.
(4)
الحفيرة: البئر الموسعة فوق قدرها. اللسان (حفر) 4/ 204.
حتى يصطلحوا
(1)
.
وقال ابن السِّكِّيت: قَلَهيٌّ: مكانٌ، وهو ماء لبني سليم، عادي غزير رِواءٌ. قال كثيِّرٌ
(2)
:
لعزَّةَ أطلالٌ أبتْ أن تكلَّما
…
تَهيجُ مغانيها الطَّروبَ المُتيَّما
كأنَّ الرِّياح الذَّارياتِ عشيةً
…
بأطلالها ينسجْنَ رَيْطاً مُسَهَّما
أبت، وأبى وَجْدي بعزَّة إذْ نأَتْ
…
على عُدَواء الدَّارِ أن يتصرَّما
ولكنْ سقى صوبُ الرَّبيع إذا أتى
…
إلى قلهيَّا الدَّارَ والمُتخيَّما
بغادٍ
(3)
من الوَسْميِّ لما تصوَّبَتْ
…
عثانينُ واديه على القَصْرِ دَيَّما
وفي أبنية (كتاب سيبويه)
(4)
: قَلَهيَّا، وبَرَديَّا، ومَرَحيَّا. قالوا في تفسير قلهيا: حفيرةٌ لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
قَلَهَى، مثال جَمزَى، وبشَكَى: قريةٌ بوادي ذي رولان، من أودية المدينة، وقَلَهى: قريةٌ كبيرة لها ذكر في الشعر والقصص، وفي حروب عبس وفزارة لما اصطلحوا ساروا حتى نزلوا ماء يقال له: قَلَهى، وعليه بَثْقُ
(5)
ثعلبةَ بن سعد بن ذبيان، وطالبوا بني عبس بدماء عبد العُزَّى بن حذار
(6)
، ومالك بن سبيع
(7)
، ومنعوهم الماء حتى أعطوهم
(1)
الرياض النضرة 4/ 330.
(2)
ديوانه ص 131 من قصيدة يمدح بها يزيد بن عبد الملك. معجم البلدان 4/ 394.
…
الذَّاريات: الرِّياح التي تذري التُّراب، أي: تُطيِّره. المسهَّم: المُخطَّط. عدواء الدار: بُعدها. الوسْميُّ: المطرة الأولى. العثانين جمع عُثنون، وهو أول المطر.
(3)
تحرفت في الأصل إلى: (لغادٍ). والقصر إلى: (القعر).
(4)
كتاب سيبويه 4/ 265.
(5)
البثق: منبعث الماء. القاموس (بثق) ص 865، وانظر نقائض جرير والفرزدق 1/ 83.
(6)
سيد بني قيس بن عيلان في الجاهلية. قتل يوم داحس والغبراء. النقائض 1/ 74،83.
(7)
مالك بن سبيع بن عمرو التغلبي، سيد بني غطفان في الجاهلية بعد أبيه، قتله بنو عبس في حروب داحس والغبراء، وكان القاتل الحكم بن مروان بن زنباع. الكامل لابن الأثير 1/ 578، نقائض جرير والفرزدق 1/ 74، نسب الأشراف للبلاذري 13/ 167.
الدية
(1)
. قال /412 معقل بن عوف الثعلبي
(2)
:
لنِعْمَ الحيُّ ثعلبةُ بنُ سعدٍ
…
إذا ما القومُ عضَّهمُ الحديدُ
هُمُ ردُّوا القبائلَ من بغيضٍ
…
بِغَيظهمُ، وقد حَمِيَ الوقُودُ
تُطَلُّ دماؤهم والفضلُ فينا
…
على قَلهَى، ونحكم ما نريدُ
وقد حكى بعضهم سكون اللام من قَلَهى، لكن سيبويه إنما جاء به محرَّكاً، وينشد
(3)
:
ألا أبلغْ لديكَ بني تميمٍ
…
وقد يأتيك بالنُّصحِ الظَّنونُ
بأنَّ بيوتنا بمحلِّ لَحْي
…
بكلِّ قرارةٍ منها نكونُ
إلى قَلَهى تكونُ الدَّار منَّا
…
إلى أكنافِ دُومةَ فالحجونُ
بأوديةٍ أسافلهُنَّ روضٌ
…
وأعلاها إذا خِفنا حصونُ
قناة،
القناةُ لغةً: آبارٌ تحفر ويُخرق تحت الأرض بعضُها إلى بعض، ويجرى فيها الماء حتى يظهرَ على وجه الأرض كالنهر.
وقنَاةُ: وادٍ بالمدينة، وهي أحد أوديتها الثلاثة، عليه حَرْثٌ ومال بين أُحد والمدينة
(4)
، وقد يقال: وادي قناة، قالوا: سُمِّي قناةً؛ لأنَّ تُبَّعاً مرَّ به فقال:
(1)
انظر أخبار حروبهم في الكامل 1/ 46، العقد الفريد 3/ 313، العمدة لابن رشيق 2/ 207.
(2)
الأبيات في معجم البلدان 4/ 393، نقائض جرير والفرزدق 1/ 83.
طلَّ الدَّم: أهدر ولم يُثأر به. القاموس (طلل) ص 1026.
ومعقل بن عوف بن سبيع الثعلبي، فارسٌ شاعر جاهلي، أخباره في حرب داحس والغبراء ضمن (النقائض).
(3)
أي: ذلك البعض، وليس سيبويه. والأبيات في معجم البلدان 4/ 393.
(4)
قال العياشي في المدينة بين الماضي والحاضر ص 456: يبعد عن المدينة (4.5 كم) في طريق الشهداء، ويقع في شماله جبل أحد. ا. هـ.
…
ويسمى اليوم وادي العاقول لمجيئه من سد العاقول. ينظر (على طريق الهجرة) للبلادي ص 109.
هذه قناة الأرض
(1)
.
قال أحمد بن جابر
(2)
: أقطع أبو بكر رضي الله عنه [الزُّبير] ما بين الجُرف إلى قناة.
قال المدائنيُّ
(3)
: وقناةُ: وادٍ يأتي من الطائف، ويصبُّ في الأرحضية، وقرقرة الكُدر
(4)
، ثمَّ يأتي بئر معاوية
(5)
، ثمَّ يمرُّ على طرف القدوم في أصل قبور الشهداء بأُحدٍ.
قال أبو صخر الهذليُّ
(6)
:
قُضاعيَّةُ الأنسابِ، أدنى محلِّها
…
قناةُ، وأنَّى من قنَّاةَ المُحصَّبُ؟
وقال النُّعمان بن بشير
(7)
وقد ولي اليمن يخاطب زوجته
(8)
:
أنّى تذكرها، و عَمرةُ دونَها
…
هيهاتَ بطنُ قناة من بَرَهُوتِ؟
كم دون بطنِ قناة من متلدَّدٍ
…
للناظرين وَبْربَخٍ مروت
البربخ: منفذ الماء، ومجراه.
(1)
ذكر ذلك المطري في التعريف ص 64.
(2)
هو البلاذري، في كتابه فتوح البلدان ص 21، وما بين معقوفين منه.
(3)
أبو الحسن علي المدائني، تقدمت ترجمته.
(4)
تحرفت في الأصل إلى: (الكور) وقد تقدمت.
(5)
المقصود بمعاوية بطنٌ من الأوس، وليس معاوية بن أبي سفيان، كما يزعم العامّة. المدينة بين الماضي والحاضر 296.
(6)
البيت في شرح أشعار الهذليين 2/ 937، وفيه:(قضاعيةٌ أدنى ديار تحلُّها)، وانظر الحاشية ثَمَّ، الأغاني 21/ 97، معجم البلدان 4/ 402.
وأبو صخر اسمه عبد الله بن سلم، شاعر إسلامي أموي، وقد تقدم. الأغاني 21/ 95.
(7)
صحابيٌّ، تقدمت ترجمته.
(8)
البيتان في ديوانه ص 119، معجم البلدان 4/ 352.
برهوت: وادٍ باليمن. معجم البلدان 1/ 405. المرُّوت: وادٍ لبني حِمَّان، والمروت بالتخفيف: المفازة بلا نبات. القاموس (مرت) ص 160.
القَمُوصُ،
كصَبُور، آخره مهملة: جبلٌ بخيبر. كذا في (العباب)
(1)
.
وقيل: إنَّه حصن، وقيل: جبل عليه حصن أبي
(2)
الحُقيق اليهودي
(3)
، وقيل:
الحصن بالغين والضاد المعجمتين، وقد ذُكر.
القَواقِلُ،
بقافين: أُطُم من آطام المدينة، في طرف بيوت بني سالم، مما يلي ناحية العصبة /413 كان لبني سالم بن عوف بن عمرو الخزرجي، ابتناه سالم وغنم ابنا عوف، سموه القواقل، لأنَّهم إذا ما آوَوْا
(4)
أحداً قالوا له: قوقل حيث شئتَ
(5)
. أي: اذهب حيث شئت، فلا بأس عليك.
القَوْبَعُ،
كصومع: موضعٌ بعقيق المدينة.
قَوْرَى، كَسَكرى: موضعٌ بظاهر المدينة.
قال قيس بن الخطيم
(6)
:
ونحن هَزمنا جَمْعَهم بكتيبةٍ
…
تَضَاءلَ منها حَزْنُ قَوْرَى وقَاعُها
تركنا بُعاثاً يوَم ذلك منهمُ
…
وقَوْرَى على رَغْمٍ، شِبَاعاً سباعها
قَيْنُقَاعُ،
بالفتح ثم سكون الياء، وضمِّ النُّون، وكسرها وفتحها، وبقاف
(1)
العباب) و (الذيل)(قمص).
(2)
تصحفت في الأصل إلى (لبني).
(3)
من يهود المدينة قبل الإسلام، وابنه سلام بن أبي الحقيق، المكنى أبي رافع قتله المسلمون في غزوة عبد الله بن عتيك خيبر. السيرة النبوية 3/ 218 - 278.
(4)
تصحفت في الأصل إلى: (راوا).
(5)
نسب معدّ واليمن الكبير 1/ 414.
(6)
البيتان في ديوانه ص 142 من قصيدة قالها في يوم بعاث، وفيه: جمعكم. معجم ما استعجم 3/ 1102، معجم البلدان 4/ 412.
ثانية، بعدها ألف وعين مهملة: وهو اسمٌ لشَعْبٍ من اليهود الذين كانوا بالمدينة،
أُضيف إليهم سوقٌ كان بها
(1)
. ويقال: سوق بني قينقاع.
* * *
(1)
قال السمهودي 4/ 1238: كان سوقاً عظيماً في الجاهلية عند جسر بطحان، يقوم في السنة مراراً، ويتفاخر الناس به، ويتناشدون الأشعار.
باب الكاف
كَبَّا،
بالفتح والتَّشديد، مقصورةً. مثالُ حتَّى: موضعٌ بقرب المدينة، على نحو ميلٍ أو ميلين. قال ابنُ الكلبيِّ: كان بالمدينة مُخنثٌ يقال له: النغاشي، -ويقال: نغاشُ، فقيل لمروان
(1)
والي المدينة يومئذ: إنَّه لا يقرأَ من القرآن شيئاً، فبعث إليه فاستقرأه أمَّ القرآن، فقال: واللهِ ما أقرأُ بناتِها فكيف الأم؟ فقال مروان: أتهزأ بالقرآن، لا أمَّ لك؟! وأمر به فَضُرِبت عنقه، في موضعٍ يقال له: كَبَّا، في بُطحان.
كُتَانةُ،
بضم أوله، ثمَّ مُثنَّاة فوقانية، وألف، ونون مفتوحة، وهاء، وهو فُعَالة من الكَتَنِ، وهو ترابُ أصل النَّخلة، أو مِنْ: كَتَّان الماء وهو طُحْلُبه، وهو ناحيةٌ من أعراض المدينة، لآل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال ابنُ السِّكِّيت
(2)
: كُتَانةُ: عينٌ بين الصفراءِ والأُثيل، كانت لبني جعفر بن إبراهيم
(3)
من ولد جعفر بن أبي طالب
(4)
، وهي اليوم لبني أبي مريم السَّلوليِّ
(5)
.
(1)
هو مروان بن الحكم، وقد تقدمت ترجمته.
(2)
قوله في معجم البلدان 4/ 435.
(3)
في الأصل: (جعفر بن إبراهيم بن جعفر بن إبراهيم).
(4)
ابن عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشبه الناس به خَلقاً وخُلقا، هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، كان أحد القواد يوم مؤته، وبها استشهد. طبقات ابن سعد 4/ 34، أسد الغابة 1/ 341، الإصابة 1/ 237.
(5)
أبو مريم السلولي، اسمه مالك بن ربيعة، صحابي من أهل الحديبية، والمبايعين تحت الشجرة عداده في الكوفيين، وهو أحد الشهود أن زياد هو ابن أبي سفيان. روى عنه ولده يزيد. طبقات ابن سعد 6/ 37 و 7/ 54، أسد الغابة 4/ 248، الإصابة 3/ 344.
قال كثيِّرٌ
(1)
:
غدتْ أُمُّ عمرو، واستقلَّتْ خُدورُها
…
وزالتْ بأسدافٍ من الليل عيرُها
أجدَّتْ خُفوقاً من جنوبِ كُتانةٍ
…
إلى وجمةٍ لما اسجَهَرَّتْ حَرورها
وقال كُثيِّرٌ أيضاً
(2)
:
أيامَ أهلونا جميعاً جِيرةٌ
…
بكُتانةٍ فَفُراقدٍ فَثُعالِ
وقال أيضاً
(3)
:
وطوتْ جانِبَيْ كُتانةَ طيّاً
…
فجنُوبَ الحمى فذاتَ النِّضَالِ
قيل: كُتانة: هضبةٌ عالية، وقيل: جبلٌ.
كَتيِبَةُ،
بلفظ كتيبة الجيش، وقال أبو عبيدٍ
(4)
: بالثَّاء المثلَّثة: حصنٌ من حصون خيبر. لما قُسِمَتْ خيبر كان القَسم على نَطاة والشِق والكتيبة فكانت النَّطاة والشِّقُّ في سُهمان المسلمين، وكانت الكتيبة خُمس الله تعالى وسَهم النبي صلى الله عليه وسلم، وسَهْمَ ذوي القربى واليتامى والمساكين، وطُعم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم،
(1)
البيتان في (ديوانه) ص 313 من قصيدة يرثي بها عبد العزيز بن مروان، و معجم البلدان 4/ 435.
الأسداف جمع سَدَف، وهو الظلمة. القاموس (سدف) ص 818. أجدَّت خفوقاً: ارتحلت مسرعة. اللسان (خفق) 10/ 80. اسَجهَرَّ، (المسجهر: الأبيضَّ، واسجهر النبات: طال وانبسط. القاموس (سجهر) ص 405. حَرورها: حرُّها. اللسان (حرر) 4/ 177.
وتحرفت (حرورها) في الأصل إلى: (خدورها).
(2)
ديوانه ص 285، وقد تقدَّم.
(3)
ديوانه ص 398، ما اتفق لفظه للحازمي 2/ 809، معجم البلدان 4/ 436.
(4)
هو القاسم بن سلام في كتابه الأموال، ص: 71، في كتاب: فتوح الأرضين صلحاً، باب: فتح الأرض تؤخذ عنوة، لكن فيه بالتاء، بنقطتين فوق، كذلك هي في كتاب (الأموال) لحميد بن زنجويه (ت:251 هـ) 1/ 189.
ووقع في الأصل: بالتاء المثناة، وهو خطأ.
وطُعم رجال مشوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهْل فَدك بالصُّلح.
كُدْرٌ،
بالضَّمِّ جمع أكدر: اسمُ موضعٍ قرب المدينة، يقال له: قَرْقَرة الكُدُر.
قال الواقديُّ: بناحية المعدن قريبة من الأرحضية، بينها وبين المدينة ثمانية بُرد.
وقال غيره: ماءٌ لبني سُليم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليها، لجمع من سُليم، فلما أتاه وجد الحيَّ خُلوفاً
(1)
فاستاق النَّعَم، ولم يلق كيداً
(2)
.
وقال عرام
(3)
: في حَزْم بني عُوال مياه آبار، منها بئر الكُدْر.
وغزا النبيُّ صلى الله عليه وسلم بني سُليم
(4)
بالكُدر، في سنة ثلاث، في حادي عشر المحرم.
قال كُثيِّرٌ
(5)
:
سقى الكُدْرَ فاللَّعْباءَ فالبرقَ فالحِمَى
…
فلَوْذَ الحصَى من تَغْلَمينَ فأظلما
كُرَاع الغَمِيم،
تقدَّم في الغين المعجمة.
كَشْر،
في (كتاب مكة) شرَّفها الله تعالى.
الكِفَاف،
بالكسر: موضعٌ قرب وادي القرى.
(1)
الخلوف: الذين ذهبوا من الحي. القاموس (خلف) ص 806.
(2)
السيرة النبوية 3/ 5.
(3)
رسالة عرّام ص 425 مع تصرف.
(4)
في الأصل: (بني سلهم)، والتصويب من السيرة 3/ 5.
(5)
ديوانه ص 132 من قصيدة يمدح بها يزيد بن عبد الملك، معجم ما استعجم 1/ 316، معجم البلدان 4/ 442.
…
اللعباء: ماء لبني سليم، وتغلمان: موضع في بني فزارة، وأظلم: جبلٌ في أرض بني سليم.
كَفْت،
بفتح أوله، وسكون ثانية: ناحيةٌ من نواحي المدينة. قال ابن هرمةَ
(1)
:
عفا أَمَجٌ من أهله فالمشلَّلُ
…
إلى البحر، لم يأهلْ به بعدُ مَنْزِلُ
فأجزاعُ كَفْتٍ فاللِّوى فَقُراضم
…
تناجى بليْلٍ أهله فتحمَّلوا
كَفْتَة، بزيادة هاء في آخره: اسمٌ لبقيع الغرقد، وهي مقبرةُ أهل المدينة، سُمِّيت بذلك؛ لأنها تَكْفِتُ الموتى، أي: تحفظهم وتحرزهم.
كُلاف،
بالضَّمِّ، آخره فاء: اسمُ وادٍ من أعمال المدينة. قال لبيد
(2)
:
عشْتُ دهراً ولا يدومُ على الأيا
…
مِ إلا يَرَمْرَمٌ وتِعارُ
وكُلافٌ وضَلْفَعٌ، وبَضِيعٌ
…
والذي فوق خُبّةٍ، تِيمارُ
وقال ابنُ مُقبلٍ
(3)
:
/415 عفا من سُليمى ذو كُلافٍ فَمَنْكِفُ
…
مبادي الجميعِ القَيْظُ والمتصَيِّفُ
يجوز أن يكونَ من قولهم: بعيرٌ أكلفُ، وناقةٌ كلفاءُ، وهو الشَّديد الحُمْرة.
كَلْب:
أطمٌ من آطام المدينة.
ورأس الكلب: جبل
(4)
.
وكلبٌ أيضاً: موضع بين الرَّي وقُومِس
(5)
.
(1)
البيتان تقدما في مادة (قراضم).
(2)
ديوانه ص 76، معجم البلدان 4/ 474. وكلها أسماء جبال.
(3)
ديوانه ص 189، معجم ما استعجم 3/ 1133، معجم البلدان 4/ 475.
…
مَنكف: وادٍ. معجم البلدان 5/ 216، المبادي: حيث يبدو القوم. اللسان (بدا) 14/ 65.
(4)
قال الحازمي 2/ 808: ورأس الكلب من ناحية اليمامة. زاد الشيخ حمد الجاسر (المغانم 357): بأعلى وادي الخرج.
(5)
تقع في ذيل جبال طبرستان، على طريق خراسان. معجم البلدان 4/ 414.
كُلَيَّة،
تصغير كُلْيةٍ: قريةٌ بين مكة والمدينة. قال نُصَيْبٌ
(1)
:
خليليَّ إن حلَّتْ كُلَيَّةُ فالرّبا
…
فذا أمَجٌ فالشّعب ذا الماء والحمضِ
وأصبحَ من حورانَ أهلي بمنزلٍ
…
يُبَعّدُه من دونِها نازحُ الأرضِ
وأَيْأَسْتما
(2)
أنْ يجمعَ الله بيننا
…
فخوضا لي السَّمَّ المضرَّج بالمحضِ
ففي ذاك عن بعض الأمورِ سلامةٌ
…
وللموتُ خيرٌ من حياةٍ على غَمْضِ
وقيل: كُلَيَّةُ: وادٍ يأتيك من شمنصير، وقيل: بقرب الجحفة آبار على ظهر الطريق، يقال لتلك الآبار: كُليَّة، وبِها سُمِّي الوادي، وكان نُصيب يسكنها، وكان بِها يوم للعرب
(3)
.
قال خويلدُ بنُ أسدٍ
(4)
:
أنا الفارسُ المذكورُ يوم كُليَّةٍ
…
وفي طَرفِ الرَّنقاءِ يومُكَ مظلمُ
كَمْلَى،
مثال سَكْرَى: اسمٌ لبئر ذي أروان.
قال ابنُ الكلبيِّ، عن أبي صالح
(5)
عن ابن عباس رضي الله عنهما: طُبَّ
(1)
الأبيات في ديوانه ص 100، الأغاني 1/ 142، معجم البلدان 4/ 479.
(2)
تحرفت في الأصل إلى: (وإن شئتم).
(3)
كان بين جمعٍ من قريش، وجمع عظيم من بني بكر بن كنانة، وسببه: أن خويلداً كان صادراً من سفرٍ في رهط من قريش، فلما أتى كلية، وجد عليها حاضراً عظيماً من بني بكر بن كنانة، فمنعوهم الماء، إلا بالثمن، فحمل عليهم خويلد بمن معه، فقتل رجلاً، وأشوى آخر بطعنة، وانهزمت بنو بكر. معجم ما استعجم 4/ 1134.
(4)
البيت في معجم ما استعحم 4/ 1134، معجم البلدان 4/ 479، وخويلد بن أسد كان رئيس بني عبد الدار في حروب الفِجار، وهو أحد رؤوساء قريش وفد على سيف بن ذي يزن يهنئه بظفره على الحبشة. الأغاني 10/ 165 و 16/ 77، الكامل 1/ 593.
(5)
سند تالف، وقد تقدم. وتقدمت رواية الحديث في مادة (ذروان) بأسانيد وروايات صحيحة. وأبو صالح اسمه باذام، مولى أمِّ هانئ بنت أبي طالب، حدَّث عنها عن عليٍّ ابن أبي طالب وابن عباس، وحدّث عنه الأعمش والسُّدِّي ومحمد بن السائب الكلبي، قال ابن معين: ليس به بأس، وإذا حدَّث عنه الكلبيُّ فليس بشيء، وضعَّفه النسائي.
طبقات ابن سعد 5/ 302، التاريخ 2/ 144، سير أعلام النبلاء 5/ 37.
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مرض مرضاً شديداً فبينما هو بين النائم واليقظان، رأى ملكين، أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما وجعه؟ قال: طُبَّ. قال: ومَنْ طبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهوديُّ. قال: وأين طبَّه؟ قال: في كرَبة
(1)
تحت صخرة في بئر كملى. فانتبه صلى الله عليه وسلم وقد حفظ كلام الملكين فوجَّه علياً وعمَّاراً، وجماعة، فنَزحا ماءها فانتهوا إلى الصَّخرة، فقلبوها، فوجدوا الكربة تحتها، وفيها وتد فيه إحدى عشرة عقدة، فأحرقوا الكربة وما فيها، فزال وجعه صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله تعالى عليه المعوذتين إحدى عشرة آية، على قدر عدد العقد، فكان لبيد بعد ذلك يأتيه صلى الله عليه وسلم فلا يذكر له شيئاً من فعله، ولا يوبخه به، وبقية الروايات باختلاف ألفاظها ذكرت قبل في (ذروان).
كَنْس
حُصين، بالفتح وسكون النون وإهمال السِّين، وحُصين تصغير حصن: أُطُمٌ بالمدينة، كان موضعه عند المهراس بقباء، كان لحصين بن ودقة بن الجُلاح، ثمَّ صار لبني عبد المنذر، في دية جدِّهم رفاعة بن زنبر
(2)
.
كُواكب
؛ بضم الكاف الأولى وقد تفتح، وكسر الثانية: جبلٌ بين المدينة وتبوك، معروفٌ تُنْحَت منه الأرحية
(3)
. وقال ابنُ إسحاق في عدد
(1)
الكربة: وجمعها كِراب، وهي: أصول السقف الغلاظ العراض. انظر القاموس (كرب) ص 130.
(2)
تقدم ذكره.
(3)
الأرحية جمع رحا، الحجر العظيم -وهي معروفة - التي يطحن بها. اللسان 14/ 312.
مساجد النبي صلى الله عليه وسلم بين المدينة
(1)
وتبوك: ومسجد بطرف البتراء من ذنب كُواكب
(2)
.
قال أبو زياد الكلابيُّ: الكُواكب: جبالٌ عِدَّةٌ في بلاد أبي بكر بن كلاب.
كَوْثر:
جبل بين المدينة والشَّام. قال عوفٌ النَّصري
(3)
يخاطب عيينة
(4)
بن حصن الفزاري
(5)
:
أبا مالكٍ إن كان ساءكَ ما ترى
…
أبا مالكٍ فانطح برأسك كوثرا
أبا مالكٍ لولا الذي لن تنالهُ
…
أَثرْنَ عَجاجاً حول بيتك أكدرا
وكوثر أيضاً: قرية بالطائف كان الحجَّاج
(6)
معلِّماً بها.
قال الشَّاعر
(7)
:
أينْسى كُليبٌ زمانَ الهُزا
…
لِ وتعليمهُ صِبية الكوثرِ؟
(1)
في الأصل: (الكوفة)، وهو خطأ، وانظر السيرة النبوية 4/ 172.
(2)
قال البكري 1/ 244: كذا قال كواكب، أي: ابن إسحاق، وإنما هو كوكب، والله أعلم. وهو جبل في ذلك الشق من بلاد بني الحارث بن كعب.
(3)
البيتان في معجم البلدان 4/ 487. وتحرف (النصري) في الأصل إلى: (البصري). وقد تقدم ذكره.
…
وعوف هو ابن مالك النصري، كان قائد هوازن من المشركين في غزوة حنين ثم انهزم بهم. سيرة ابن هشام 4/ 81.
(4)
تحرفت في الأصل إلى: (عتبة).
(5)
تقدمت ترجمته، وله صحبة.
(6)
الحجاج بن يوسف الثقفي، أمير العراق والمشرق كله لبني أمية، كان ظلوماً جباراً، سفاكاً للدماء، ذا فصاحة ومكر ودهاء، وتعظيم للقرآن، حاصر ابن الزبير في مكة، ورمى الكعبة بالمنجنيق، توفي سنة 95 هـ. مروج الذهب 3/ 132، الكامل لابن الأثير 4/ 583، سير أعلام النبلاء 4/ 343.
(7)
البيت في معجم البلدان 4/ 487.
كُوَيْرٌ
(1)
، كَزُبير: جبلٌ بَضَرِيَّة قرب المدينة.
الكُوَيْرَةُ،
كالذي قبله بزيادة هاء: جبلٌ من جبال القَبَلية قرب المدينة
(2)
.
كَيْدَمة
؛ بالفتح وسكون الياء التحتية وفتح الدال المهملة والميم آخرها: موضعٌ بالمدينة، وهي سهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه من بني النَّضير
(3)
.
* * *
(1)
تحرفت في الأصل إلى: (كوبر) وكوير تصغير كور. معجم البلدان 4/ 396.
(2)
الأمكنة والمياه والجبال للزمخشري ص 188.
(3)
فتوح البلدان ص 27.
باب اللام
لأَىً،
بوزن لَعَا: ناحيةٌ من نواحي المدينة. قال ابنُ هرمَة
(1)
:
حَيِّ الدِّيارَ بمُنشدٍ
(2)
فالمنتضى
…
فالهضْبِ هضبِ رُواوتَين إلى لأى
لعبَ الزمانُ بِها فغيَّرَ رَسْمَها
…
وخريقه يجتال
(3)
من قِبَلِ الصبَّا
فكأنما بَلِيَتْ وجوهُ عِراصِها
…
فبكيتُ من جزعٍ لمِا كشَفَ البِلى
اللابتان، تثنية لابة، وهي الحَرَّةُ، وجمعها لابٌ. وفي الصحيح
(4)
(أنَّ النبي ? حرَّم ما بين لابتيها)، يعني المدينةَ؛ لأنَّها بين حَرَّتين-ذكرناهما في الحاء المهملة.
قال الأصمعيُّ: اللاَّبَةُ: الأرض التي قد أُلبست الحجارةَ السُّود، وجمعُها: لاباتٌ، من الثلاثة إلى العشرة، فإذا كثرت فهي اللاَّبُ واللُّوب.
قال الرَّياشيُّ
(5)
: توفي ابنٌ لبعض المهالبة بالبصرة، فأتاه شبيبُ بن شيبة المنقريُّ
(6)
يُعزِّيه وعنده بكرُ بن حبيب السَّهميُّ
(7)
، فقال شبيبٌ: بلغنا (أنَّ
(1)
الأبيات في ديوانه ص 61 من قصيدة مدح بها محمد بن عبدالعزيز، معجم البلدان 5/ 3.
(2)
في الأصل: (بمسند)، وهو تحريف، وأورد البكري قول معن بن أوس:
فمندفع الغلان غلان منشد فنعف. وقال: ومنشد: وادٍ هناك. معجم ما استعجم 4/ 1148.
(3)
في الأصل: (يجتاب).
(4)
أخرجه البخاريُّ في فضائل المدينة، باب حَرَم المدينة (1869) من حديث أبي هريرة.
(5)
تقدمت ترجمته.
(6)
خطيب البصرة وشريفها، حدَّث عن الحسن البصري وهشام بن عروة، وروى عنه عيسى بن يونس والأصمعي، قدم بغداد أيام المنصور، فاتصل به وبالمهدي من بعده، وكان كريماً عليهما. توفي بعد المائتين. تاريخ بغداد 9/ 274، معجم الأدباء 11/ 268، ميزان الاعتدال للذهبي 2/ 262 (3660). وتصحف في الأصل:(ابن شيبة) إلى (ابن شبة).
(7)
أحد علماء العربية، في طبقة أبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر، وهو أكبر من الخليل ابن أحمد، ولم يكن له شهرته، أخذ عن أبي إسحاق، روى عنه ابنه عبد الله. معجم الأدباء 7/ 86، إنباه الرواة 1/ 279، بغية الوعاة 1/ 462.
الطفل لا يزال محبنطئاً
(1)
على باب الجنة فيشفع لأبويه)
(2)
، /417 فقال بكر: إنما هو مُحبنطياً، غير مهموز، فقال له شبيب: أتقول لي هذا، وما بين لابتيها أفصحُ مني؟ فقال بكر: وهذا خطأ ثانٍ، ما للبصرة واللُّوب؟ لعلك غرَّك قولهم: ما بين لابتي المدينة
(3)
. يريدون حَرَّتَيْهَا.
وقد ذُكر مثل ذلك عن ابن الأعرابيِّ
(4)
.
وقال أبو سعيد إبراهيم
(5)
يرثي بنى أميَّةَ:
(1)
المحبنطئ- بالهمز وتركه- المتغضب المستبطئ للشيء. وقيل: هو الممتنع امتناع طلبة، لا امتناع إباء. النهاية في غريب الحديث. ابن الأثير 1/ 331.
(2)
أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث 1/ 130.
(3)
انظر القصة في شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف للعسكري ص 34، تصحيفات المحدثين للعسكري 1/ 29، أمالي الزَّجاجي ص 248، الأشباه والنظائر للسيوطي 3/ 75.
(4)
وخبره ما قاله الحزنبل: كنا عند ابن الأعرابي وحضر أبو هفان، فقال ابن الأعرابي. قال ابن أبي شبة العبلي:
أفاضَ المدامعَ قتلى كَذا
…
وقتلى بكبوة لم تُرْمسِ
فغمز أبو هفان رجلاً، فقال: قل: ما معنى (قتلى كذا) قال: يريد كثرتهم، فلما قمنا قال لي أبو هفان: سمعت إلى هذا المعجب الرقيع؟ صحف اسم الرجل، وهو ابن أبي سنَّة، والشعر:
أفاضَ المدامعَ قتلى كِداء
…
وقتلى بكثوة لم تُرمسِ
فبلغ ذلك ابن الأعرابي، فقال: لمثلي يقال هذا، وما بين لابتيها أعلم بكلام العرب مني؟ فقال أبو هفان: هذه رابعة، ماللكوفة واللُّوب، إنما اللابتان للمدينة، وهما الحرتان. شرح ما يقع فيه التصحيف ص 205، معجم البلدان 4/ 438، مع الأبيات بتمامها.
(5)
أبو سعيد إبراهيم بن أبي سنة العبلي، مولى فائد، ومولى بنى أمية، كان شاعراً مجيداً، ومغنياً ناسكاً، مقبول الشهادة بالمدينة معدلاً، عمِّر إلى خلافة الرشيد، وله قصائد جياد في بني أمية. (الأغاني) 4/ 86. وفي الأصل:(أبو سعيد بن إبراهيم) وهو خطأ.
والأبيات أيضاً في الأغاني 4/ 90، مع القصة، جمهرة نسب قريش للزبير بن بكار ص 500.
أفاضَ المدامعَ قتلى كُدَاء
…
وقتلَى بوجٍّ وباللاَّبتين
وبالزَّابيين نفوسٌ ثَوتْ
…
أولئك قومٌ أناخت بِهم
همُ أضرعوني لريب الزَّما
…
فما أنسَ لا أنس قتلاهمُ
وقتلى بكثوةَ لم تُرْمَسِ
…
من يثرب خيرِ ما أَنفُسِ
وأُخرى بنهرِ أبي فُطْرُسِ
…
نوائبُ من زمنٍ مُتْعِسِ
نِ وهم ألصقوا الرغم بالمعطسِ
…
ولا عاش بعدهمْ مَنْ نسِي
لأْيٌ، مثال لَحْي، بالهمزة بعده ياءٌ تحتية، وهو البُطء: اسمُ موضعٍ بعقيق المدينة. وهو غير لأَى المذكور أول الباب. قال معنُ بن أوس
(1)
:
تغير لأيٌ بعدنا فقتائدُه
…
فذو سلم أنشاجُه فسواعده
وقال زهير بن أبي سلمى
(2)
:
وقفتُ بها من بعد عشرين حِجَّةً
…
فَلأْياً عرفتُ الدَّارَ بعدَ تَوهُّمِ
لَجَأَةُ، محرَّكةً مهموزة: جبلٌ قرب ضَرِيَّة، وماؤها ضَرِيٌّ
(3)
بئر من حفر عاد.
لحيا جمل،
بالفتح ثم السكون، تثنية اللَّحْي، وهما العظمان اللذان فيها الأسنان من كلِّ ذي لَحْي، وجَمَل بالجيم: البعير.
وفي الحديث
(4)
: «احتجم النبي صلى الله عليه وسلم بِلَحْيَيْ جمل» : وهي عقبةٌ على سبعة أميال من السقيا
(5)
.
(1)
البيت تقدم في مادة (دهماء مرضوص).
(2)
ديوانه ص 75، شرح القصائد السبع الطوال ص 341، معجم البلدان 5/ 9.
…
اللأي هنا: الجهد والإبطاء.
(3)
الضَّرِيُّ: الذي لا يكاد ينقطع. القاموس (ضرى) ص 1305.
(4)
تقدم في مادة (جمل).
(5)
السُّقيا: تبعد عن الرُّويثة 31 ميلاً، والرُّويثة تبعد عن الصفراء 7 كلم. والصفراء تبعد عن المدينة 140 كلم. فمقدار بعد السقيا عن المدينة 170 كلم تقريباً. انظر المناسك للحربي ص 447.
وفي كتاب مسلم
(1)
أنه ماء. ويروى: (بلحي جمل) على الإفراد
(2)
. ويروى بكسر اللام، والفتح أشهر
(3)
.
لَظَى،
بالفتح والقصر، من أسماء النَّار: وهو اسمُ منْزل من بلاد جُهينة في جهة خيبر. ويقال له: ذات اللظى أيضاً. قال زيد بن خالد الخناعيُّ
(4)
:
فما ذرَّ قَرْنُ الشَّمس حتى كأنَّها
(5)
…
بذات اللَّظى خُشْبٌ تُجَرُّ إلى خُشْبِ
لَعْلَعٌ:
جبلٌ قرب المدينة. ولعلعٌ أيضاً: ماءٌ بالبادية.
ولَعلعٌ أيضاً: منْزلٌ بين البصرة والكوفة. قال المسيَّبُ بن عَلَس
(6)
:
/418 بانَ الخليطُ ورُقِّعَ الخرقُ
…
ففؤادُه في الحيِّ مُعتلِقُ
منعوا طلاقَهُمُ ونائلَهُمْ
…
يومَ الفراق فَرَهْنُهم غَلِقُ
قطعوا الموامي واستتبَّ بِهم
…
يومَ الرَّحيل لِلعْلَعٍ طُرقُ
لَفْتٌ،
بالفتح، وقيل: بالكسر، وقيل: بالتحريك: ثَنيَّةٌ بمكانٍ بين مكة
(1)
لعله يشير إلى حديث أبي الجهم الذي أخرجه مسلم في الحيض، باب التيمم، رقم:369،1/ 281.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب جزاء الصيد، باب الحجامة للمحرم، رقم: 1836، 4/ 60.
(3)
انظر فتح الباري 4/ 62.
(4)
البيت في شرح أشعار الهذليين 1/ 466، معجم ما استعجم 4/ 1155، معجم البلدان 5/ 18.
وهو لمالك بن خالد الخناعي الهذلي، وليس لزيد، كما قاله المؤلف نقلاً عن ياقوت. ومالك شاعر من بني هذيل، فارسٌ، له مشاركات في أيام الجاهلية.
(5)
هكذا في الأصل، وفي معجم البلدان، معجم ما استعجم: كأنهم.
(6)
الأبيات في معجم البلدان 5/ 19، والأخير في معجم ما استعجم 4/ 1157.
والمسيَّب اسمه زهير، شاعر جاهلي، لم يدرك الإسلام، وهو أحد الشعراء المقلين، وهو خال الأعشى، وكان الأعشى راويته. الشعر والشعراء ص 95، طبقات فحول الشعراء 1/ 456، الموشح ص 76. الموامي: الصحاري. القاموس (ميي) ص 1336. وتحرفت إلى: (المرامي). وتحرف (علس) في الأصل إلى: (عبس).
والمدينة، وإلى المدينة أقربُ، وقيل: وادٍ بجنب هرشى. وقيل: ثنية.
قال كُثيِّرٌ
(1)
:
قَصْدَ لَفْتٍ وهنَّ مُتَّسقاتٌ
…
كالعَدَوْلى لاحقاتِ التَّوالي
وقال أبو صخر الهذليُّ
(2)
:
لأسماءَ لم تهتجْ لشيءٍ إذا خَلا
…
فأدبرَ ما اختبَّتْ بلفتٍ رَكائبُ
وقال معقلٌ الهُذَليُّ
(3)
:
لعمرُكَ ما خشيتُ وقد بلغْنَا
…
جبالَ الجَوْزِ من بلدٍ تِهامي
نزيعاً مُحْلِباً من آل لَفْتٍ
…
لحيٍّ بين أثلةَ فالنِّجَامِ
لِقْفٌ،
بكسر أوَّله وسكون قافه، بعدها فاء: ماءُ آبارٍ كثيرة عذبٌ ليس عليها مزارع، ولا نخل فيها، لغلظ موضعها وخشونته، وهو بأعلى قَوْرَان: وادٍ من ناحية السُّوارقية على فراسخ
(4)
.
وفي لِقْفٍ ولفت وقع الخلاف في حديث الهجرة
(5)
، وكلاهما صحيح. هذا موضع، وذاك موضع آخر.
(1)
ديوانه ص 397، الأغاني 1/ 206، ما اتفق لفظه 2/ 818.
العدولى: السفن المنسوبة إلى عدولى بالبحرين. القاموس (عدل) ص 1030.
(2)
البيت في شرح أشعار الهذليين 2/ 945، معجم ما استعجم 4/ 1159، ما اتفق لفظه 2/ 818.
اختبَّتْ، من الخَبَب، وهو مَشْيٌ كالرَّمَلِ. القاموس (خبب) ص 77. وأبو صخر تقدمت ترجمته.
(3)
البيت في شرح أشعار الهذليين 1/ 377 من قصيدة قالها يوم لفت ويوم الرجيع،
معجم ما استعجم 4/ 1158، معجم البلدان 5/ 20. ويوم لفتٍ بين هذيل وخزاعة، خبره في شرح أشعار الهذليين. نزيع: غريب. القاموس (نزع) ص 766. محلب: الناصر. القاموس (حلب)76.
(4)
معجم البلدان 4/ 411.
(5)
قال ابن إسحاق: ثم سلك بهما لِقْفَاً. قال ابن هشام: ويقال: لَفْتاً. السيرة النبوية 2/ 132.
اللِّوى،
بالكسر والقصر كـ (إِلى) وهو في الأصل: مُنْقَطَعُ الرَّمل، يقال: قد ألويتم فانزلوا. أي: بلغتم منقطع الرمل، وهو موضعٌ بعينه بالحجاز، وقيل: وادٍ من أودية بني سُليم.
ويوم اللِّوى: وقعةٌ كانت فيه لبني ثعلبة على بني يربوع
(1)
.
وممَّا يدلُّ على أنَّه وادٍ قولُ بعض العرب
(2)
:
لقد هاجَ لي شوقاً بكاءُ حمامةٍ
…
ببطن اللِّوى ورقاءَ تَصْدَحُ بالفجرِ
هتوفٍ تبكي ساق حُرٍّ ولا ترى
…
لها عبرةً يوماً على خَدِّها تجري
تغنَّتْ بصوتٍ فاستجابَ لصوتِها
…
نوائحُ بالأصيافِ من فَنَنِ السِّدْرِ
وأسعدْنَها بالنَّوحِ حتى كأنما
…
شربْنَ سُلافاً من مُعتَّقةِ الخمرِ
دعتْهنَّ مطرابُ
(3)
العشيَّاتِ والضُّحى
…
بصوتٍ يهيجُ المُستَهام على الذِّكْرِ
يجاوبن لحناً في الغُصونِ كأنَّها
…
نوائحُ ميتٍ يَلْتَدِمْنَ على قَبْرِ
فقلتُ: لقد هيجن صَبَّاً مُتيَّماً
…
حزيناً وما منهنَّ واحدةٌ تدري
/419 وقال نُصيبٌ
(4)
:
وقد كانت الأيامُ إذ نحن باللِّوى
…
تُحسِنُ لي لو دامَ ذاك التَّحسُّنُ
ولكنَّ دهراً بعد دهرٍ تقلَّبَتْ
…
بنا من نواحيه ظهورٌ وأبطنُ
(1)
خبر ذلك في العمدة لابن رشيق 2/ 202، الأغاني 9/ 3.
(2)
الأبيات في معجم البلدان 5/ 23. دون نسبة، وهي لجهم بن خلف المازني، كما في (الحيوان) للجاحظ 3/ 242، وجهمٌ راويةٌ عالمٌ بالغريب والسفر، كان معاصراً للأصمعي. الفهرست طبعة مصر ص 70. الأصياف جمع صيف، وتصحَّف في الأصل إلى: (بالأصناف). ساق حُرٍّ: ذَكَرُ القماريّ. القاموس (حرر) ص 374. السُّلاف: الخمر. القاموس (سلف) ص 820. يلتدمن: يلطمن وجوههن. القاموس (لدم) ص 1157. المستهام: الهائم. يقال: هام يهيم هيماً وهيماناً: أحب امرأة. القاموس (هام) ص 1172.
(3)
تحرفت في الأصل إلى: (مطربات)، وبها ينكسر البيت.
(4)
البيتان في معجم البلدان 5/ 24.
باب الميم
المَايةُ:
مالٌ كان بالمدينة لبعض بني أُنيف
(1)
.
الماجشونية،
نسبةٌ إلى ماجشون، عَلَمٌ، مُعَرَّبُ ماه كون
(2)
: موضعٌ بوادي بُطحان من المدينة
(3)
.
المَأْثُولُ،
بضمِّ الثَّاء المُثلَّثة، آخره لامٌ: ناحيةٌ من نواحي المدينة
(4)
.
قال كُثيِّرٌ
(5)
:
(1)
هم حيٌّ من بَلِيٍّ، ويقال: إنهم بقية من العماليق، وهم حلفاء بني عمرو بن عوف. الوفا 1/ 865، المدينة بين الماضي والحاضر ص 244.
(2)
في الأصل: (ماكول)، وهو تصحيف. وانظر القاموس (مجش) ص 605. وهذه المادة لم يذكرها ياقوت.
(3)
تُسمَّى الماجشونية اليوم: المدشونية، وعندها تربة صعيب وهي أول وادي بطحان. فموقعها في شارع قربان. المدينة بين الماضي والحاضر ص 360، آثار المدينة المنورة ص 39.
(4)
قال البكري 4/ 1174: موضعٌ بوَدَّان. والغريب أنَّ السمهودي والعياشي اللذين هما من أهل المدينة لم يُعيِّنا موضعه، وكذا المؤلف مع أنه زارها، وعينه البكري وهو ليس من أهلها.
(5)
ديوانه ص 367، والأول فيه:
كأنَّ حمولَهم لما تولَّتْ بِيَلْيَلَ والنَّوى ذاتُ انفتال
كوارع: شاربات الماء. اللسان (كرع) 8/ 306. جاذية: دانية من الأرض. اللسان (جذا) 14/ 137. الرقال: النخل التي تفوت اليد. القاموس (رقل) ص 1007. وقد تقدم البيت الثاني في مادة (خرماء). ورواية الديوان: (شوارع) بدل (كوارع). ازلأمَّت: انبسطت. القاموس (زلم) ص 1118.
كأنَّ حُمولَهم لما ازلأَمَّتْ
…
بذي المأثولِ مجمعة التوالي
كوارعُ في ثرى الخَرْمَاءِ ليستَ
…
بِجاذية الجذُوعِ ولا رِقَالِ
المَبْرَكُ،
كَمَقْعَد: موضعٌ داخل المدينة، خلف المسجد المقدَّس من شرقيه إلى جهة رِجْلَيِّ النبي صلى الله عليه وسلم تجاه بيت عثمان رضي الله عنه من قِبليه، وهو المكانُ الذي بركت فيه راحلة النبي صلى الله عليه وسلم به لما قدم المدينة مهاجراً. فقال
(1)
: «هذا المنْزل إن شاء الله» وبُني على هذا المكان مدرسةٌ للمذاهب الأربعة، وهي كانت دار أبي أيوب الأنصاريِّ
(2)
رضي الله عنه، فاشترى عَرْصَتها الملك المظفَّر شهاب الدين غازي بن أبي بكر بن أيوب بن شاذي
(3)
، وبناها مدرسة، ووقف عليها أوقافاً بميَّافارقين
(4)
، وكان مقيماً بها، وهي دار ملكه، وبدمشق لها وقفٌ آخرُ أيضاً، وللمدرسة قاعتان كبرى وصغرى، وفي إيوان الصُّغرى الغربيِّ خزانةٌ صغيرة جداً مما يلي القبلة فيها محراب، يقال: إنها مبرك
(5)
ناقة النبي صلى الله عليه وسلم. وموضعُ هذه المدرسة كانت دار أبي أيوب الأنصاري، التي أقام فيها النبي صلى الله عليه وسلم سبعة أشهر.
(1)
وفاء الوفا 1/ 259.
(2)
مشهور بكنيته، واسمه خالد بن زيد، أنصاري، خزرجي، شهد العقبة، وبدراً، وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، غزا أرض الروم زمن معاوية سنة 51 هـ. وتوفي عند القسطنطينية. طبقات ابن سعد 3/ 484، أسد الغابة 5/ 25، الإصابة 1/ 405.
(3)
كان ملكاً جواداً، شجاعاً مهيباً، كبير الشأن، ومملكته في خلاط وميا فارقين وحصن منصور. حجَّ في تجمُّلٍ زائد، مات في رجب سنة 645 هـ. مرآة الزمان 8/ 768،
سير أعلام النبلاء 22/ 133، شذرات الذهب 5/ 233.
(4)
مِيّافارقين: أشهر مدينة بديار بكر. معجم البلدان 5/ 235. وهي مدينة جنوب تركيا حالياً.
(5)
تحرفت في الأصل إلى: (منزل).
ونقل ابنُ إسحاق في كتابه (المبتدأ) أنَّ هذا البيت بناه تُبَّان أسعد
(1)
من التَّبابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يكنى أبو كَلِيْكَرب
(2)
، وهي من المزارات المقصودة بالمدينة الشريفة اليوم.
مَبْرَكان،
بزيادة ألف ونون. قال ابنُ حبيبٍ
(3)
: موضعٌ قريبٌ من المدينة- وقال ابنُ السِّكِّيت:-في شرح قول كُثيِّرٍ
(4)
:
إليكَ ابنَ ليلى تمتطي العِيْسَ صُحبتي
…
ترامى بنا مِن مَبْركينِ المناقِلُ
أراد: مَبْرَكاً ومُنَاخاً فثنَّى، وهما نقبان ينحدر
(5)
أحدهما على ينبع بين مضيق يَلْيَل وفيه طريق المدينة /420، ومُناخ على قَفا الأشعر
(6)
، والمناقل: المنازل، واحدها: مُنْقَل.
مَبْعُوق:
موضعٌ قرب المدينة. قال أبو صخر
(7)
:
(1)
أسعد الحميري يلقب تُبَّان -بوزن غُرَاب ورُمَّان، وهو أسعد بن كليكرب، أبو كرب، كذا نسبه ابن قتيبة، وهو تُبَّع الأوسط، أكثرَ الغزو، وطالت مدته، ثم قتل. ويقال: إنه آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم قبل مجيئه.
…
والتبابعة ملوك اليمن، والواحد: تُبَّع، ولا يسمَّى به إلا إذا كانت له حمير وحضرموت. السير والمغازي لابن إسحاق ص 52، المعارف ص 631، القاموس (تبع) ص 706، (تبن) ص 1183.
(2)
تحرفت في الأصل: (كلكيكرب).
(3)
تقدمت ترجمته.
(4)
البيت في (ديوانه) 293، من قصيدة يمدح بها عبد العزيز بن مروان. صفة الجزيرة للهمداني ص 227، معجم البلدان 5/ 51.
(5)
في الأصل: (بنجد)، وهو تحريف، والتصويب من معجم البلدان 5/ 51، وهذا الذي يقتضيه الكلام.
(6)
الأشعر: جبل بين مكة والمدينة. معجم البلدان 1/ 198.
(7)
هو الهذلي، وتقدمت ترجمته. والبيت في شرح أشعار الهذليين 2/ 941، من قصيدة يمدح بها عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد. معجم ما استعجم 1/ 115، معجم البلدان 5/ 52.
إنَّ المُنى بعدما استيقظَت وانصرفَتْ
…
ودارُها بينَ مَبْعُوقٍ وأَجيادِ
أي: بين الحرمين.
مَثْغَر،
بالثَّاء المثلَّثة والغين المعجمة، كمَقْعَدٍ، ويروى بالعين المهملة: وادٍ من أودية القَبَلية، وهو ماءٌ لجُهَينةَ معروف. قال ابنُ هرمةَ
(1)
:
يا أَثْلَ لا غِيَراً أُعْطِي ولا قَودَاً
…
عَلامَ أو فيمَ إسرافاً هَرَقْتِ دمي؟
إلا تَرُدِّي
(2)
علينا الحقَّ طائعةً
…
دون القضاةِ فقاضينا إلى حَكَمِ
صادَتْكَ يومَ الملا من مَثْغَرٍ عَرَضاً
…
وقد تلاقي المنايا مطلِعَ الأَكَمِ
بمقلتي ظبية أدماءَ خاذلةٍ
…
وجيدها يتراعى ناضِرَ السَّلَمِ
ما أنجزَتْ لك موعُوداً فتشكرَها
…
ولا أنالتك منها بَرَّةَ القَسَمِ
المِثْقَب،
بكسر الميم، بعده مثلَّثةٌ ساكنة، وقاف مفتوحة، بعدها مُوحَّدة: اسمٌ للطريق التي بين المدينة ومكَّة، يجوز أن يكون مِنْ: ثَقَبَ الزَّنْدُ
(3)
، أو مِنْ: ثَقَبْتُ الشَّيءَ: إذا أنفذتَه، كأنَّه يثقبُ بالسَّير فيه بتلك الصحاري، أو كأنه الآلة التي تقدح النَّار، لحرِّه وشدَّته.
وقال أبو المنذر
(4)
: إنَّما سُمِّي طريقَ مِثْقَبٍ باسم رجلٍ من حِمْيَرَ يقال له: مِثْقَب، وكان بعض ملوك حمير بعثه على جيش كبير، وكان من أشراف حمير، فأخذ ذلك الطريق فَسُمِّي به لأخذه فيه.
ومِثْقَب أيضاً: طريقُ العراق من الكوفة إلى مكة، ويقال: مَثْقَب، بفتح الميم، عن الأصمعيِّ.
(1)
ديوانه ص 209، معجم البلدان 5/ 54.
(2)
تحرفت في الأصل إلى: (تريحي).
(3)
يقال: ثقبَتْ النَّارُ ثُقوباً: اتَّقدَتْ. القاموس (ثقب) ص 63. والزَّنْدُ: العود الذي يُقدح به النار. القاموس (زند) ص 285.
(4)
هو الكلبيُّ، وقد تقدَّمت ترجمته.
ومِثْقَب أيضاً: طريقٌ من اليمامة إلى الكوفة.
المَجْدَلُ:
أُطُمٌ كان بالمدينة لبعض اليهود.
مَجْرٌ، بالفتح، وسكون الجيم، بعدها راء، وهو الكثير المتكاثف، ومنه جيشٌ مَجْرٌ، والمجر أيضاً: أن يُباع البعير بما في بطن النَّاقة، وهو بيعٌ فاسد.
وهو اسُم غديرٍ كبيرٍ في بطن قَوْرَان
(1)
من ناحية السُّوارقية، ويقال له: ذو مَجْر أيضاً، ويقال: هضباتُ مَجْرٍ.
المُجْتَهَر،
هكذا وقع [في] حديث كعب بن مالك بالجيم والهاء المفتوحة. قال
(2)
ولم يتعرَّضْ /421 مؤرخو المدينة لشرحه، فإنْ صحَّت الكلمة فهي اسمُ موضعٍ بالمدينة، وإلا فيحتمل أن يكون تصحيف المحيصر، بالحاء والصاد المهملتين
(3)
، والله أعلم.
المَحْضَة
(4)
، بالحاء المهملة، من المحض للخالص، قريةٌ بلِحْف جبل
(1)
تقدَّم في حرف القاف.
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط 10/ 69، وفيه تصحيفاتٌ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 305: وفي طرقه عبد العزيز بن عمران بن أبي ثابت، وهو ضعيف، وأخرجه ابن النجار بسنده في الدرة الثمينة ص 67 من طريق عبد العزيز المذكور، والمطري في التعريف ص 65.
(3)
انظر عمدة الأخبار ص 410.
(4)
من هاهنا طمس بعضه خفيف وبعضه شديد، فأثبتنا النص بالاستعانة بمعجم البلدان ووفاء الوفا والنسخة المطبوعة.
آراة قرب المدينة
(1)
، والمَحْضَةُ أيضاً: من نواحي اليمامة
(2)
.
مُحَنِّبُ،
بضمِّ الميم، وبفتح الحاء، وكسر النُّون المشدَّدة، ثمَّ باءٍ موحَّدة، اسم الفاعل من الحَنَب، وهو الاعوجاج في السَّاقين، من صفات الخيل. وهو اسمُ بئرٍ وأرضٍ في المدينة من ناحية طريق العراق.
المُحَيْصِر،
تصغير المُحْصِر من الحصار: موضعٌ قريبٌ من المدينة. قال جرير
(3)
:
بين المُحيصر فالعزَّافِ منْزلةٌ كالوحْيِ من عهد موسى في القراطيسِ
ومن أبرق العزاف إلى المدينة اثنا عشر ميلاً.
مَحِيص،
بكسر الحاء كمَحِيض، ومَكِيد: موضعٌ بالمدينة. وهو غير مَخِيض-بالخاء والضاد المعجمتين-قال الشَّاعر
(4)
:
اُسلُ عمَّنْ سلا وِصَالكَ عمداً
…
وتصابَى وما به مِنْ تصابي
ثمَّ لا تَنْسها على ذاك حتى
…
يَسكُنَ الحيُّ عند بئرِ رِئابِ
فإلى ما يلي العقيقَ إلى الجمَّا
…
ءِ، وسَلْعٍ فمَسْجدِ الأحزابِ
فَمَحِيصٍ، فَوَاقِمٍ، فَصُؤَارٍ
…
فإلى ما يلي حَجاجَ غُرابِ
مُخَايل،
بالضَّمِّ وخاءٍ معجمة ومثنَّاة تحتية مكسورة، ولام، كأنَّه مِنْ: خايل يُخايل فهو مخايل: إذا أراك خَياله، أو ما أشبه هذا التأويل، وهو: اسم موضعٍ في عقيق المدينة. قال
(5)
:
(1)
قال عرَّام ص 404: آرة، وهو جبلٌ أحمرُ تَخِرُّ من جوانبه عيونٌ، على كلِّ عينٍ قريةٌ، ثم قال: ومنها قرية يقال لها: المحضة.
(2)
طمس شديد بمقدار نصف سطر.
(3)
ديوانه) ص 238، من قصيدة يهجو بها التيم. معجم البلدان 5/ 66.
(4)
الأبيات في معجم البلدان 5/ 67، الوفا 4/ 1300.
(5)
البيتان في معجم البلدان 5/ 70 دون نسبة، ونسبهما السمهودي في الوفا 4/ 1300، لنُمير مولى عمر، وكذا العباسي في عمدة الأخبار ص 410.
ألا قالَتْ أُثالةُ يومَ قَوٍّ
…
وحُلْوُ العيشِ يُذكرُ في السِّنينِ
سَكنتَ مُخايلاً وتركْتَ سلعاً
…
شقاءً في المعيشةِ بعد لِينِ
مُخْرِي
(1)
، اسم فاعل مِنْ: أخراه: إذا أسلحه: اسم أحد جبلي الصفراء، واسم الآخر مُسْلِح.
قال ابنُ إسحاق
(2)
: لما توجَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدرفلمَّا استقبل الصفراء-وهي قريةٌ بين جبلين سأل عن جبليهما ما اسماهما؟ فقالوا لأحدهما: هذا مُسْلِح، وللآخر: هذا مُخْري. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المرور بينهما، فتركهما بيسار، وسلك ذات اليمين.
ولتسمية هذين الجبلين سبب وهو: أنَّ عبداً لغِفِار كان يرعى بهما غنماً لسيده، فرجع/422 ذات يوم من المرعى، فقال له سيِّده: لمَ رجعتَ؟ فقال: هذا الجبل مُسْلِحٌ للغنم، وهذا مُخرٍ لها. فَسُمِّيا بِهما
(3)
.
مَخِيْض،
بلفظ المخيض من اللَّبن: موضعٌ قرب المدينة، له ذِكرٌ في غزوة بني لِحْيَان.
قال عبد الملك بن هشام
(4)
: سلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم على غُراب، ثمَّ على مخيض، ثمَّ على البتراء. قاله ياقوت
(5)
.
(1)
هنا نهاية الطمس.
(2)
السيرة النبوية 2/ 257.
(3)
نقلها المؤلف عن معجم البلدان 5/ 72، وهو نقلها عن السهيلي في الروض الأنف 2/ 45 ولم يسمِّه.
(4)
السيرة النبوية 3/ 225، وذلك في السنة السادسة من الهجرة.
(5)
في معجم البلدان 5/ 73، وهذه عادة المؤلف ينقل عن ياقوت دون الرجوع إلى المصادر التي اعتمد عليها ياقوت.
وقال الشيخ جمال الدين المطري
(1)
: مَخِيضٌ: جبلٌ بالمدينة، وهو الجبل الذي
على يمين القادم من طريق الشام حيث يُفضي من الجبال إلى البِرْكة، وهو موضعُ
موردِ الحجَّاج من الشَّام، ويسمُّونَها عيونَ حمزة.
مُدَجِّجُ،
مِنْ: دَجَّجَ: إذا لبس السِّلاح واختفى فيه: وادٍ بين مكة والمدينة. زعموا أنَّ دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكَّبه لما هاجر إلى المدينة
(2)
.
مِدْرَانُ
(3)
: موضعٌ في طريق تبوك من المدينة، فيه مسجد للنبي صلى الله عليه وسلم ويقال له أيضاً: ثَنيَّة مِدْرَان.
مُدَرَّجٌ،
بفتح الراء، مِنْ: دَرَّجَه إلى كذا: إذا رفعه دَرجةً بعد درجةً. وهو اسمٌ مُحَدثٌ لثنيَّة الوداع.
مِدْعَى
(4)
، بكسر الميم، وسكون الدَّال المهملة، وقيل: بالمعجمة وعين مهملة، وألفِ مقصورة: موضعٌ قربَ المدينة.
قال أبو زياد
(5)
: إذا خرج عامل المدينة إلى بني كلاب مُصَدِّقاً
(6)
فأول مَنْزلٍ يَنْزله يصدِّق عليه أُريكة، ثمَّ العَناقة، ثمَّ يرد مِدْعَا لبني جعفر بن كلاب، ثمَّ يَرِدُ المصلوق، وعلى مِدْعَا عُظم بني جعفر، وكعب بن كلاب، وغاضرة بن صعصعة.
(1)
التعريف ص 66.
(2)
انظر ما اتفق لفظه 2/ 832.
(3)
هكذا ضبطها المؤلف في القاموس (مدر) ص 474، وخالفه البكري، فقال: بفتح أوله، وكسر ثانيه، بعده راء مهملة. معجم ما استعجم 4/ 1200.
(4)
تحرفت في الأصل إلى: (مدرى).
(5)
تقدَّم كلامه هذا في مادة (الحليف).
(6)
المصدِّق، كمحدِّث: آخذ الصدقات. القاموس (صدق) ص 900.
وقال مرَّةً أُخرى: ومن مياه بني جعفر بالحِمَى حِمى ضَرِيَّةَ مِدْعَا، وهي خيرُ مياه بني جعفر، وهي مُتوحٌ
(1)
مطويةٌ بالحجارة. قال
(2)
:
يُهدِّدُني ليأخذَ حَفْرَ مِدْعا
…
ودون الحَفْرِ غَوْلٌ للرِّجالِ
وقال
(3)
:
أَشاقَتْكَ المنازلُ بينَ مِدْعَا
…
إلى شعرٍ فأكنافِ الكؤودِ
ومِدْعا: موضعٌ بالوَضح
(4)
.
المَذَادُ،
بالفتح، آخرُه دالٌ مهملة: اسمُ مكانٍ مِنْ: ذَادَه يذوده: طرده. وهو اسمُ موضعٍ بالمدينة حيث حفر النبيُّ صلى الله عليه وسلم الخندق. قال كعب بن مالك يوم الخندق
(5)
:
مَنْ سرَّهُ ضربٌ يُرَعْبِلُ بعضَه
…
بعضاً كَمَعْمَعَةِ الأَباءِ المُحْرَقِ
فليأتِ مأسدة تُسَلُّ سيوفُها
…
بين المَذادِ وبين جزعِ الخندقِ
وقيل المذاد: وادٍ بين سَلْعٍ والخندقِ خندقِ المدينة
(6)
.
قال الزُّبير: المذادُ: أُطُمٌ ابتناه بنو حرام بن كعب بن غنم بن سلمة في الأرض التي كانت لمعبد بن مالك، فسُمِّيت تلك الناحية المذاد. والأُطُم الذي
(1)
البئر المتوح: هي التي يمد منها باليدين على البكرة. القاموس (متح) ص 240.
(2)
البيت في معجم البلدان 5/ 89 وذكره في مادة مذعى، بالذال المعجمة.
(3)
البيت في معجم البلدان 5/ 90. وشعْر: جبل ضخم يشرف على معدن الماوان قبل الربذة. معجم البلدان 3/ 349.
(4)
هو الحمى لبني جعفر بن كلاب. معجم البلدان 5/ 379.
(5)
البيتان في ديوانه ص 244، السيرة النبوية لابن هشام 3/ 209، الوفا 4/ 1302.
…
المعمعة: صوت اتقاد النار. اللسان (معع) 8/ 340، الأباء: القصب. اللسان (أبي) 14/ 6. المأسدة: مكان الأُسُود. اللسان (أسد) 3/ 72، وأراد بها مكان المعركة.
(6)
قال الطبري في (تاريخه) 2/ 567: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام الأحزاب من أُجُم الشيخين طرف بني حارثة حتى بلغ المذاد.
عند المزرعة التي يقال لها: المذاد
(1)
.
المذاهب:
موضعٌ بنواحي المدينة. قال ابنُ هرمة
(2)
:
ومنها بشرقيِّ المذاهبِ دِمنةٌ
…
مُعطَّلَةٌ آياتُها لم تَغيَّرِ
قصرْنَا بِها كما عرفْنَا رُسومَها
…
أزمة سمحات المعاطف ضُمَّر
مُذَيْنِب،
تصغير مُذْنب: وادٍ بالمدينة لا يسيل إلا بماء المطر خاصَّة. روى مالك
في (موطئه)
(3)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سَيْل مهزور ومُذينب: «يُمْسَك حتى الكعبين ثمَّ يُرْسَلُ الأعلى على الأسفل» .
والمذينب: كهيئة الجدول، يسيلُ عن الروضة بمائها إلى غيرها فيتفرَّقُ ماؤها فيها، والتي يسيل عليها الماء مذنب أيضاً.
المَرابِدُ،
جمعُ مِرْبد: موضعٌ بعقيق المدينة، ويقال له: ذاتُ المرابد أيضاً. قال معن بن أوس
(4)
:
فذاتُ الحماطِ خَرْجُها وطلولها
…
فبطنُ العقيقِ قاعُه فمرابدُه
وقيل: ثَمَّ مواضعُ يقال لها: مرابد، يغادر فيها السيل.
المَرَّان
(5)
: في كتاب مكة شرفها الله تعالى.
(1)
حدَّد موقعها العياشي فقال: منطقة المذاد هي كلُّها في غربي وادي أبي جيدة، مما يلي مسجد الفتح، وهذه المنطقة تعرف اليوم بجزع السيح. ومن هذه المنطقة بدءاً من الحرة الغربية مما يلي غرب شمال السيح كان بدء خط الخندق. آخذاً في الاتجاه إلى جهة المشرق، حتى يكون في شمال جبل القرين التحتاني. المدينة بين الماضي والحاضر ص 52.
(2)
ديوانه ص 132، معجم البلدان 5/ 89.
(3)
الموطأ، كتاب الأقضية، باب القضاء في المياه، رقم: 28، 2/ 744.
(4)
تقدمت ترجمته.
(5)
قال عياض: موضع على ثمانية عشر ميلاً من المدينة. المشارق 1/ 394.
وقال السمهودي تعقيباً على إحالة المؤلف لكتاب مكة، يعني: مرَّ الظهران، بقرب مكة، فإنه يقال فيه: مرَّان، وكأنه ينكر مقالة عياض، لكن في عمل المدينة مرَّان أيضاً وإن لم يكن على المسافة التي ذكرها عياض. الوفا 4/ 1303 بتصرف.
المرَاوِح،
بالفتح جمع مَرْوح: أطُمٌ بناه بنو عمرو بن عوف بالمدينة في دار توبة بن حسين بن السائب بن أبي لبابة، وكان لثابت بن الأقلح
(1)
، من بني ضبيعة ابن زيد
(2)
.
المِرْبَد،
بالكسر ثمَّ السُّكون، ثمَّ مُوحَّدة مفتوحة، ودالٍ مهملة، وليس بجارٍ على فِعْل. على أنَّ ابن الأعرابيِّ روى أنَّ الرابد: الخازن.
وقال عياض
(3)
: أصله مِنْ: رَبَد بالمكان: أقام به، وقياسه على هذا أن يكون بفتح الميم وكسر الباء، فهو أيضاً غير مقيس، وهو اسمٌ لموضع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث
(4)
النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ مسجده كان مِرْبداً ليتيمين في حجْر معاذ بن عفراء
(5)
فاشتراه منهما مُعوِّذ بن عفراء
(6)
، فجعله للمسلمين فبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجداً.
(1)
في الوفا 4/ 1303: لثابت بن ضبيعة.
(2)
نسبهم في نسب معد 1/ 365.
(3)
في مشارق الأنوار: ربد 2/ 266.
(4)
هذه رواية ابن إسحاق في (سيرته) ونقله عنه ابن هشام في السيرة النبوية 2/ 137، وابن حجر في فتح الباري 7/ 290، وكذا عند أبي عبيد في غريب الحديث 1/ 247.
…
وأصحُّ منه ما جاء في البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، رقم: 3906، 7/ 282، وهو حديث طويل، وفيه:«حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربداً للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة ù» .
(5)
صحابي أنصاري من الخزرج، وعفراء أمه، واسم أبيه الحارث، شهد بدراً مع أخويه عوف ومُعوِّذ، وباقي المشاهد، وشارك في قتل أبي جهل، وعاش إلى أيام علي بن أبي طالب بصفين. طبقات ابن سعد 3/ 491، أسد الغابة 4/ 421، الإصابة 3/ 428.
(6)
شهد بدراً وقتل أبا جهل يومها، ثم استشهد يوم بدر، ولم يعقب. طبقات ابن سعد 3/ 394، أسد الغابة 4/ 464، الإصابة 3/ 450.
/424 ومِرْبَدُ النَّعَمَ: موضعٌ على ميلين من المدينة
(1)
، وفيه تيمَّم ابن عمر
(2)
رضي الله عنه.
والمِرْبَدُ أيضاً من أشهر محالِّ البصرة وأجلِّ شوارعها كان
(3)
، وهي الآن بائنةٌ عنها على ثلاثة أميال وأكثر، كالبلدة المنفردة وسط البرية. قدم أَعرابيٌّ البصرة فكرهها، وقال
(4)
:
هَلِ اللهُ من وادي البُصيرةِ مُخرِجي
…
وأُصبحُ قد جاوزتُ سَيْحانَ سالماً
ومِرْبَدهُا المُذْرِي علينا تُرابَهُ
…
فنُضحِي بها غُبْرَ الرُّؤوسِ كأنَّنا
فأُصبِحُ لا تبْدو لعيْني قُصورُها
…
وأَسلَمَني أسواقُها وجُسورُها
إذا سحجَتْ أبغَالُها وحميرُها
…
أناسِيُّ موتى نُبْشَ عنها قُبورُها
مِرْبَعُ،
كمنبر: أُطُمٌ بالمدينة في بني حارثة.
مَرْتِجٌ،
بفتح أوله، وسكون ثانيه، وكسر المُثنَّاة فوق، وجيم: وادٍ قرب المدينة لحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. وقيل: موضعٌ قرب وَدَّان.
(1)
وكذا نقله السمهودي 4/ 1303 عن أبي علي الهجري، ورجح أنه على بعد ميلٍ وتعقبه العياشي وقال: لا يصح هذا، ومربد النعم هو ما يعرف اليوم بالعطن، ويبعد عن المدينة نصف كلم. المدينة بين الماضي والحاضر ص 126 وص 90.
(2)
أخرجه البخاريُّ في التيمم، باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء، وخاف فوت الصلاة، قبل رقم: 337، 1/ 525. قال: وأقبل ابن عمر من أرضه بالجرف، فحضرت العصر بمربد النعم، فصلى، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة، فلم يُعِدْ.
(3)
هاهنا طمس إلى مادة: مرحب، فأثبتنا النص بالاستعانة بـ (معجم البلدان) 5/ 98، ومعجم ما استعجم، ووفاء الوفا، والنسخة المطبوعة.
(4)
الأبيات في معجم البلدان 5/ 98.
…
سيحان: نهر في أذنة، وهي أضنة اليوم في تركيا، وهو غير نهر سيحون. معجم البلدان 3/ 293. سحجت: أسرعت. القاموس (سحج) ص 193. الأناسي جمع إنسان.
مَرْجَح:
موضعٌ بطريق المدينة له ذِكْرٌ في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابنُ إسحاق
(1)
: ثم سلك بهما الدَّليل من مَجَاح إلى مَرْجَح مَجَاح، ثمَّ تبطَّنَ بهما مَرْجَح من ذي العضوين.
قال المكشوحُ المراديُّ
(2)
: وكان عمرو بن أمامة
(3)
-وهو ابن المنذر بن ماء السماء الملك-نزل على مُراد، مراغماً لأخيه عمرو بن هند
(4)
فتجبَّر عليهم فقتله
[المكشوح] وقال
(5)
:
نحنُ قتلْنَا الكبشَ إذ ثُرْنَا به
…
بالخلِّ من مَرْجَح، إذ قمْنَا بهِ
بكلّ سيفٍ جيِّدٍ يُعْصَى به
…
يختصمُ النَّاسُ على اغترابهِ
(1)
السيرة النبوية 2/ 133.
(2)
اسمه هبيرة بن عبد يغوث، ولقب المكشوح لأنَّ جنبه كُشِح بالنار، أي: كوي. من فرسان العرب في الجاهلية، وهو الذي قتل عمرو بن المنذر. الأغاني 10/ 139، المحبر ص 252، الاشتقاق ص 247.
(3)
عمرو بن أمامة، وهو ابن المنذر، أحد ملوك الحيرة اللخميين، ملكها ست عشرة سنة، وفي أيامه ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يلقب مُضَرِّط الحجارة، سمي بذلك لشدة وطأته وصرامته. الديباج لأبي عبيدة ص 83، المحبر ص 359، المعارف ص 648.
(4)
عمرو بن هند، أحد ملوك غسان بعد أبيه، وله قصة مشهورة مع السموأل لما طلب منه ردَّ ودائع امرئ القيس. الديباج ص 48 و 72، المعارف ص 648، شرح مقصورة ابن دريد لابن خالويه ص 209.
…
وملخص الخبر أن الملك المنذر بن امرئ القيس تزوج هنداً ابنة الحارث فأتته بثلاثة أولاد، ثم لما كبرت تزوج أمامة بنت سلمة، وهي ابنة أخي هند فولدت له عَمْراً، فجعل أبوه الملك له من بعده، ثم لإخوته من هند، فوقع الشر بينه وبين إخوته، ولحق عمرو بن أمامة باليمن واستنجد بملكها فأنجده بجيش من مراد. تفاصيل ذلك في شرح القصائد السبع الطوال لابن الأنباري ص 117.
(5)
الأبيات في شرح القصائد السبع ص 118 مع بعض الاختلاف، معجم البلدان 5/ 102، والأول في الوفا 4/ 1304.
وقال قيس بن مكشوح
(1)
، لعمرو بن معدي كرب
(2)
:
كلُّ أبَوَيَّ من عَمٍّ وخالِ
…
كما بَيَّنْتُهُ للمجدِ نامِ
وأعمامي فوارسُ يومَ لَحْجٍ
…
ومرجح-إن شكوت-ويومَ شامِ
مَرْحَب،
كمَقْعد: طريقٌ بين المدينة وخيبر، له ذِكْرٌ في المغازي.
قال الرَّاوي في غزوة خيبر: إنَّ الدَّليل انتهى برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع له طريقٌ إلى خيبر، فقال يا رسول الله: إنَّ لها طرُقاً تُؤتى منها كلِّها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَمِّها لي» . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ الفأل والاسم الحسن ويكره الطِّيرة
(3)
والاسم القبيح. فقال الدليل: لها طريق يقال له: الحَزْن. قال: (لا تسلكها). قال: لها طريق يقال لها: شاس. قال: (لا تسلكها). قال: لها طريق يقال لها: حاطب. قال: (لا تسلكها)، ما رأيتُ كالليلة اسماً أقبح)! [فقال بعض رفقائهم]
(4)
فسمِّ /425 لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لها طريق واحدةٌ لم يبق غيرها، اسمها مَرْحب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«نعم اسلكها» ! فقال عمر
(1)
قيس بن المكشوح المرادي، تقدَّم ذكر أبيه. كان سيد قومه، وهو ابن أخت عمرو بن معدي كرب، ولما ظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب منه عمرو أن يذهب معه ليلقاه فرفض، ثم إنه أسلم بعد، وشارك في قتل الأسود العنسي، وفي القادسية. قاتل في صفين مع علي بن أبي طالب وقتل بها. معجم الشعراء ص 323، أسد الغابة 4/ 147، الإصابة 3/ 274.
…
والأبيات في معجم الشعراء ص 323، سمط اللآلي 1/ 64، معجم البلدان 5/ 102.
(2)
فارس زبيد، وشاعر محسن، أسلم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد مع مرتدي اليمن، ثم عاد إلى الإسلام، وشهد الفتوحات وأبلى فيها بلاءً حسناً، وأصيبت عينه يوم اليرموك. توفي في خلافة عثمان بن عفان. معجم الشعراء ص 208، أسد الغابة 3/ 770، الإصابة 3/ 18.
(3)
حديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ الفأل الحسن، ويكره الطيرة. أخرجه أحمد في المسند 2/ 332 من حديث أبي هريرة، ونحوه في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أخرجه البخاري، في الطب، باب لاعدوى، رقم:5776، ومسلم، في السلام، باب الطيرة والفال ومايكون فيه من الشؤم، رقم:2224.
(4)
سقط مابين المعقوفين في الأصل، والمثبت يقتضيه النص، وهو في معجم البلدان 5/ 102.
رضي الله عنه: ألا سَمَّيتَ هذا الطريق أوَّل مرَّة؟
(1)
ذو المرْخ،
بالخاء المعجمة، وسكون الرَّاء: موضعٌ قرب ينبع، في ساحل البحر. قال كُثيِّرٌ
(2)
:
لِعَزَّةَ هاجَ الشَّوقُ فالدَّمْعُ سافحُ
…
بذي المَرْخِ من وَدَّانَ غيَّر رَسمها
وقال بعضُ الأعراب
(3)
:
مَغَانٍ، ورسمٌ قد تَقَادَمَ مَاصِحُ
…
ضَروبُ النَّدى، ثمَّ اعْتَقَتْهَا البَوارحُ
مَنْ كان أمسى بذي مَرْخٍ وساكنِهِ
…
أرى بعينيَ نحو الشَّرقِ كلَّ ضُحى
قريرَ عينٍ، لقد أصبحْتُ مُشتاقا
…
دأبَ المُقَيَّدِ، مَنَّى النَّفسَ إطلاقا
ذو مَرَخٍ،
بفتح الميم، والرَّاء، بعدها خاءٌ معجمة: وادٍ بين فَدك والوابشية
(4)
، خَضِرٌ نَضِرٌ، كثير الشَّجر، قيل: وقد تُسكَّن راؤه.
قال الحطيئة
(5)
:
ماذا أقولُ لأفراخٍ بذي مَرَخٍ
…
زُغْبِ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجَرُ
وقال الزُّبير بن بكار في كتاب (العقيق): بالمدينة، وقال: هو مَرَخٌ، وذو
(1)
معجم البلدان 5/ 102، الوفا 4/ 1304.
(2)
البيتان مطلع قصيدة له في ديوانه ص 181، ورواية عجز الثاني فيه:
ضروب الندى قد أعتقتها البوارحُ
وتصحف في الأصل (البوارح) إلى (النوازح). وهما في معجم البلدان 5/ 103.
ما صحٌ: دارسٌ، مصحت الدَّار: عفت وذهبت آثارها. اللسان (مصح) 2/ 598، اعتقتها: حلت بعقوتها، أي: ساحتها. اللسان (عقا) 15/ 79، البوارح: الريح الحارة في الصيف. القاموس (برح) ص 213.
(3)
البيتان في معجم البلدان 5/ 103.
(4)
وادٍ بين وادي القرى والشام. معجم البلدان 5/ 341.
(5)
البيت في ديوانه ص 191، وله قصة مع عمر بن الخطاب. الشعر والشعراء ص 203، طبقات فحول الشعراء 1/ 116.
مُرَخٍ.
وأنشد لأبي وجزة
(1)
:
واحتَلَّتِ الجوَّ، فالأجزاعَ من مَرَخِ
…
فما لها من مُلاحاةٍ ولا طلبِ
مَرْدَان، بزنة سكران، والدَّال مهملةٌ: موضعٌ بين المدينة وتبوك.
قال ابنُ إسحاق
(2)
: كانت مساجدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين المدينة إلى تبوك معلومةً مُسمَّاةً: مسجد تبوك، ومسجد ثنية مَرْدَان، وذكر الباقي، والمَرْدُ: ثَمَرُ الأراك.
مَرَسٌ،
كَجَرس وفَرَس: موضعٌ عند المدينة معروف
(3)
. قال ابنُ مُقْبِلٍ في نونيته المشهورة
(4)
:
واشتقَّتِ القُهْبُ ذاتَ الخَرْجِ من مَرَسٍ
…
شَقَّ المُقاسِمِ عنه مِدْرَعَ الرَّدَنِ
مَرْوان،
تثنية مَرْوٍ: للحجارة البيض البرَّاقة
(5)
: اسمُ جبلٍ بأكناف الرَّبذةِ
(6)
.
(1)
أبو وجزة السعدي، تقدمت ترجمته، والبيت في معجم البلدان 5/ 377.
(2)
السيرة النبوية 4/ 172.
(3)
لم يذكره السمهودي، وذكره العباسي في عمدة الأخبار ص 415، تبعاً للمؤلف. وفسَّر ياقوت مرساً بأنها موضع لبني نمير، فيعني أنها في اليمامة لا في المدينة.
(4)
البيت في (ديوانه) ص 302 من نونيته التي مطلعها:
قد فَرَّقَ الدَّهرُ بين الحيِّ بالظَّعَنِ
…
وبين أرجاءِ شرجٍ يومَ ذي يَقَنِ
…
وكتاب الجبال والأمكنة للزمخشري ص 98.
…
القُهْب جمع قَهْب: وهو الجمل المُسِنُّ. القاموس (قهب) ص 128. المِدْرع: ضربٌ من اللباس. اللسان (درع) 8/ 81. الرَّدَن: الحرير. القاموس (ردن) ص 1200. ذات الخرج: قرية باليمامة. معجم البلدان 2/ 357.
(5)
في الأصل: (الذافة)، وهو تحريف، والتصحيح من القاموس (مرو) ص 1334.
(6)
قال الحازمي 2/ 841: موضع أحسبه بأكناف الرَّبذة.
وقيل: حصن. وكان مالكه الشُّليل
(1)
جدُّ جرير بن عبد الله البَجَلي
(2)
. قال عمرو بن الخثارم البجليُّ
(3)
ينتمي إلى معدٍّ، في قِضَّة
(4)
:
لقد فُرِّقْتمُ في كلِّ قومٍ
…
كتفريقِ الإلهِ بني مَعَدِّ
وكنتمْ حولَ مروانٍ حُلولاً
…
جميعاً أهلَ مأثرةٍ ومجدِ
ففرَّقَ بينكمْ يومٌ عبوسٌ
…
من الأيامِ نحسٌ غيرُ سَعْدِ
ذو المرْوَةِ،
بلفظ المروة أُختِ الصَّفا: قريةٌ بوادي القرى. وقيل: هي بين خُشُب ووادي القرى
(5)
. وكان بذي المروة عينٌ قد أجراها الحسين بن زيد
(6)
، وقد ذكرتُها في ترجمة العيون.
وروى الزُّبير عن خارجةَ بن مصعب
(7)
، عن ابن أبي أوفى
(8)
قال: نزل
(1)
اسمه جابر بن مالك، وهو تصغير أشل، من بني خزيمة، وهم بطن من بجيلة، وبجيلة اسم أمهم. نسب معد 1/ 344، الاشتقاق ص 516.
(2)
صحابي أنصاري، تأخر إسلامه، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذي الخَلَصة لهدم الصنم، وشارك في الفتوحات لاسيما القادسية، ثم سكن الكوفة، فقرقيسيا وبها مات سنة 51 هـ. طبقات ابن سعد 6/ 22، أسد الغابة 1/ 333، الإصابة 1/ 232.
(3)
شاعر من بني عشيرة من بجيلة، جاهلي. نسب معد 1/ 353، النسب لأبي عبيد ص 303، معجم الشعراء ص 236.
(4)
الأبيات في معجم البلدان 5/ 110، ويوم قِضَّة، بتشديد الضاد وتخفيفها، ويقال له: يوم تحلاق اللمم من أيام العرب في الجاهلية كان بين بكر وتغلب. الأغاني 4/ 142،
الكامل 1/ 536.
(5)
قال السمهودي 4/ 1305: هو المعروف، لكن أهل المدينة اليوم يسمون االقرى التي بوادي ذي خشب: وادي القرى.
(6)
تقدمت ترجمته، وهو الحسين بن زيد بن علي بن الحسين. وانظر المعارف 16.
(7)
خارجة بن مصعب متروك من الطبقة الثامنة، مات سنة 168 هـ. تقريب التهذيب ص 186.
(8)
عبد الله بن أبي أوفى، واسم أبيه: علقمة بن خالد، ولهما صحبة، شهد الحديبية، وروى أحاديث شهيرة، ثم نزل الكوفة سنة 87 هـ. وكان آخر من مات بها من الصحابة. غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست غزوات. طبقات ابن سعد 4/ 301، أسد الغابة 3/ 78، الإصابة 2/ 280.
النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذا المروة ونحن معه، فلمَّا صلَّى الفجر مكث لا يُكلِّمنا حتى تعالى النهار
(1)
، ثمَّ كلَّمنا، ثمَّ تنفَّس صُعداً. فقلنا: يا رسولَ الله أخبرنا! قال صلى الله عليه وسلم: «نزل عليَّ {لإيلاف قريش} إلى آخرها» .
وإنَّ رجلاً من الأنصار يقال له: عمرو بن سويد
(2)
سرق درعاً لأُسيد بن حُضير، فدفعها الأنصاريُّ إلى سُراقةَ اليهودي، فبعث إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَن أعطاك الدرع؟ فقال: ما أدري. فقال للأنصاري: أسرقتها؟ قال: لا» ! فخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى أتى ذا المروة، فأسند إليها ظهره ملصقاً، ثمَّ دعا حتى ذرَّ قَرن
(3)
الشَّمس شرقاً، يدعو ويقول في آخر دعائه: «اللَّهم بارك فيها من بلاد، واصرف عنهم [الوباء]
(4)
، وأطعمهم من الجنان، اللَّهمَّ اسقهم الغيث، اللَّهمَّ سلِّمهم من الحاجّ وسلِّم الحاجَّ منهم». ثمَّ قال:«لا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم»
(5)
.
وعن نُفيع بن إبراهيم قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي المروة، فاجتمعَتْ إليه جُهينة من السهل والجبل، فشكوا إليه نزولَ النَّاس بِهم، وقهر النَّاس لهم عند المياه، فدعا أقواماً فأقطعهم، وأشهد بعضهم على بعض (بأني قد أقطعتُهم، وأمرتُ أن لا يُضاموا، ودعوتُ لكم، وأمرني حبيبي جبريل-عليه الصلاة والسلام-أن أعدَّكم حلفاء)
(6)
.
(1)
في الأصل: (تعالى أخرى النهار).
(2)
لم أجده.
(3)
أي: طلع. القاموس (ذرر) ص 396.
(4)
مابين معقوفين بياض في الأصل.
(5)
أخرجه ابن زبالة في تاريخ المدينة، كما ذكر السمهودي في وفاء الوفا 4/ 1305، وتفرُّده به يدل على ضعفه.
(6)
أخرجه ابن زبالة، كما عند السمهودي 4/ 1306.
مُرَيْح،
(1)
تصغير مَرَح أيضاً، وهو الفَرَح: اسمُ أُطمٍ من آطام المدينة، لبني قينقاع
(2)
، عند منقطع جسر بُطحان، عن يمينك، وأنت تريد المدينة.
مُرَيْخ،
تصغير مَرْخ، وهو شجرُ النَّار الذي يُضرب به المثل
(3)
: (في كلِّ شجرٍ نارٌ، واستمجَد المَرْخ والعَفَار). وهو اسمُ لقرنٍ
(4)
أسودَ قرب ينبع بين بِرْكٍ وودَعان.
وقال الأصمعيُّ: مُريخة والممها: ماءتان يقال لهما: الشعبان، وأنشد
(5)
:
ومُرَّ على ساقي مريخةَ والتمِسْ
…
به شَربةً يسقيكها أو يبيعها
مُرَيْسِيع،
بالضَّمِّ، ثمَّ الفتح، ومثنَّاة تحتية ساكنة، وسين مهملة مكسورة، وياء أخرى، وآخرُه عينٌ مهملةٌ في أصحِّ الرِّوايات وأشهرها، وضبطه آخرون بالغين /427 المعجمة، وكأنَّه تصغير المرسوع
(6)
، وهو الذي انسلقَتْ عينه سَهَراً، وهو اسم ماءٍ من ناحية قُديد إلى السَّاحل، سار النبيُّ صلى الله عليه وسلم في سنة ستٍّ إلى بني المصطلق من خزاعة، لما بلغه أنَّ الحارث بن أبي ضرار الخزاعي
(7)
قد جمع له جمعاً، فوجدهم على ماءٍ يقال له: المريسيع، فقاتلهم وسباهم، وفيها
(1)
وقعت هذه المادة في الأصل بعد (مُريخ) بالخاء، وحقها أن تقدم.
(2)
انظر القاموس (مرح) ص 241.
(3)
المثل في كتاب الأمثال لأبي عبيد ص 136، فصل المقال ص 202.
…
استمجد: اتخذ من النار ما هو حسبهما. اللسان (مجد) 3/ 395، ويروى:(استنجد)، ومعناه: قوَّى واستكثر من النار. المرخ والعَفار: شجران سريعا الإيقاد للنار. اللسان (مرخ) 3/ 53.
(4)
القَرْن: أعلى الجبل. القاموس (قرن) ص 1223.
(5)
البيت في معجم البلدان 5/ 117.
(6)
في الأصل: (المريسع)، والتصويب من معجم البلدان، القاموس (رسع) ص 721.
(7)
الحارث بن أبي ضرار، والد جويرية، أسلم ومعه ابنان له وناس من قومه. الإصابة 1/ 281.
كان حديث الإفك، ومن سَبْيها جويرية أمُّ المؤمنين
(1)
رضي الله عنها.
المُسْتَظِلُّ،
اسمُ فاعل من قولهم: استظلَّ بظلِّ الشَّجرة ونحوها: أُطُمٌ لبني عمرو ابن عوف بالمدينة
(2)
، كان موضعه عند بئر غرس، كان لأُحيحة بن الجُلاح، ثمَّ صار بعد لبني عبد المنذر، في دية جدِّهم رفاعة بن زنبر
(3)
.
مُزَاحِم،
بالضَّمِّ، وكسر الحاء المهملة: أُطُمٌ من آطام المدينة ابتناه بنو الحُبلى بين ظهراني بيوت بني الحُبلى
(4)
، كان لعبد الله بن أُبيِّ بن سلول
(5)
.
قال قيس بن الخطيم
(6)
:
(1)
جويرية بنت الحارث، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتق الصحابة ما بأيديهم من بني المصطلق وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم. روت عن النبي أحاديث، وروى عنها ابن عباس وجابر بن عبدالله. توفيت سنة 50 هـ. طبقات ابن سعد 8/ 116، أسد الغابة 6/ 56، الإصابة 4/ 265.
(2)
قال السمهودي في الوفا 4/ 1307: عند بئر عذق، وبئر عذق بقباء في الجنوب الغربي من المسجد بنحو مائة متر. انظر المدينة بين الماضي والحاضر ص 258.
(3)
تصحَّف اسمه في كل الكتب التي ذكرته، وهو رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية بن مالك بن عوف بن عمرو صحابي شهد بدراً، وهو أخو أبي لبابة، وقتل يوم خيبر. الدرر لابن عبد البر ص 119، نسب معد 1/ 367، الاستيعاب 2/ 77 - 78.
(4)
بنو الحبلى، واسم الحبلى مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج الأكبر، نزلوا بين قباء وبين دار بني الحارث بن الخزرج الأكبر في غربي وادي بطحان وصعيب. الوفا 3/ 1000، المدينة بين الماضي والحاضر ص 111، وذكر المؤلف أنه رأى أثر أُطم مزاحم في الشمال الغربي من بئر القين.
(5)
رأس المنافقين في المدينة، ولما توفي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألبسه قميصه إكراماً لابنه. أنساب الأشراف 1/ 325.
(6)
ديوانه ص 81 - 86، قالها في حرب حاطب، وهي إحدى الحروب الكبرى بين الأوس والخزرج. معجم البلدان 5/ 120، وبعضها في طبقات فحول الشعراء ص 229.
…
القوانس جمع قونسة: وهي الناتئ في أعلى البيضة. اللسان (قنس) 6/ 183. القتير: رؤوس مسامير لحلق الدُّروع. القاموس (قتر) ص 459. السَّام: عروق الذَّهب. اللسان (سوم) 12/ 310، معناه: تراصَّ القوم في الحرب، حتى لو ألقيت حنظلاً فوق بيضهم لم يصل إلى الأرض.
ولمَّا رأيتُ الحربَ حرباً تجرَّدَتْ
…
لبسْتُ مع البُرْدَينِ ثوبَ المُحارِبِ
مُضَاعَفةً يَغْشَى الأناملَ رَيْعُها
…
كأنَّ قَتِيْرَيْها عيونُ الجَنادبِ
وكنتُ امرءاً لا أبعثُ الحربَ ظالماً
…
فلمَّا أبوا أشعلْتُها كلَّ جانبِ
رجالٌ متى يُدْعَوا إلى الموتِ يُسْرِعوا
…
كمشيِ الجمالِ المُسرعاتِ المصاعبِ
رمَيْنا بِها الآطامَ حَولَ مُزاحِمٍ
…
قَوانِسُ أُولى بَيْضِها كالكواكبِ
لو انَّكَ تُلقي حَنْظلاً فوقَ بَيضِنا
…
تدحرجَ عن ذي سامِهِ المتقارِبِ
مُزْجٌ،
بالضَّمِّ، ثمَّ السُّكون، وبجيم: يجوز أَنْ يكونَ جمعَ المِزْج
(1)
، وهو الشَّهْد: اسمُ غديرٍ يُفضي إليه سيل النقيع، ويمرُّ به أيضاً وادي العقيق، فهو أبداً لا يخلو من الماء، وبينه وبين المدينة ثلاثة أيام، وقيل: ثلاثون فرسخاً أو نحوه، والصَّواب يومٌ ونصف يوم. قال الأحوص بن محمد الأنصاريُّ
(2)
:
وأنّى له سلمى إذا حَلَّ وانتوى
…
بحُلْوانَ، واحتلَّتْ بِمُزْجٍ وجُبْجِبِ؟
ولولا الذي بيني وبينك لم تَجُبْ
…
مسافةَ ما بين البُويبِ ويثربِ
المُزْدَلِفَ،
بضمِّ أوَّله، وسكون الزَّاي، وفتح الدَّال المهملة، ولام مكسورة، وفاءٍ: أُطُمٌ بالمدينة ابتناه سالم وغنم ابنا عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، وهو عند بيت عِتبان بن مالك
(3)
. كان لمالك بن عجلان
(1)
تصحفت في الأصل إلى: (المرخ).
(2)
البيتان في (ديوانه) ص 86، معجم البلدان 5/ 120. جُبْجُب: ماء بنوا حي اليمامة. معجم البلدان 2/ 101. والبُويب: نهر بالعراق. معجم البلدان 1/ 512.
(3)
صحابي أنصاري من الخزرج، شهد بدراً وغيرها، كان إمام قومه بني سالم، آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عمر بن الخطاب، مات في خلافة معاوية، وقد عمي في آخر عمره. طبقات ابن سعد 3/ 550، أسد الغابة 3/ 454، الإصابة 2/ 452.
السالمي
(1)
، وفيه يقول
(2)
:
/428 إني بَنَيْت للحروبِ المزدَلفْ
…
قذفتُ فيه جندلاً مثل الرِّدَفْ
المُسَيَّرُ،
(3)
بالضَّمِّ ثمَّ الفتح والتَّشديد: أُطُمٌ من آطام المدينة ابتناه بنو حارثة ابن الحارث. قال الزُّبير: كان في دار بني عبد الأشهل أطمان؛ أحدهما واقمٌ، أُطُم سماك بن رافع الأشهلي، وأُطمٌ كان لبني حارثة يقال له: المسير، وله يقول محيصة ابن مسعود الحارثي
(4)
:
فمَنْ مُبلِغٌ عني حُضيراً رِسالةً
…
فإنْ كانَ أمثَال بنوك فابشرِ
فإني زعيمٌ أنْ تبينَ ظَعينةٌ
…
ويخربَ قصرٌ مثلَ قصرِ المُسيَّرِ
وإِنَّ أخا الأضرارِ بالسَّيف والدي
…
وخالي أبو بشرٍ حُباب بن منذر
المَسْكَبَةُ
(5)
، بالفتح اسمُ مكانٍ مِنْ: سَكَبه: صَبَّه: أُطُمٌ كان بقباء لبني ساعدة ابن عابس بن عويم بن ساعدة
(6)
، وشاهدُه في واقم.
المَسْلحُ،
بالفتح ثمَّ السُّكون ثم لام مفتوحة وحاء مهملة: اسمُ موضعٍ من أعمال المدينة. عن القُتبيِّ
(7)
.
(1)
مالك بن عمرو بن عجلان، الخزرجي، أبو عتبان بن مالك، المتقدم، كما نص عليه السمهودي 4/ 1306. مات قبل الإسلام.
(2)
في الأصل الدنف، وفوقها علامة توقف، والردف جبلٌ، وهذه المادة لم يذكرها ياقوت.
(3)
تصحف في الأصل إلى: (المستن)، ولم يذكرها ياقوت.
(4)
صحابي، أنصاري، من الأوس يكنى أبا سعد، أسلم هو وأخوه حويصة، وهو أصغر وإسلامه أول، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإسلام، وشهد الخندق وما بعدها. ونعتقد أن هذه الأبيات قيلت في الجاهلية خلال الحروب بين الأوس والخزرج وأن الأبيات لمسعود والد محيصة. أسد الغابة 4/ 344، الإصابة 1/ 363 - 3/ 388.
(5)
تحرفت في الأصل إلى: (المسكنة).
(6)
انظر نسبهم في نسب معد 1/ 411.
(7)
هو ابن قتيبة، واسمه عبد الله بن مسلم، أحد أئمة الأدب، وأوعية العلم، أخذ عن ابن سلام الجمحي، واللحيان صاحب أبي عبيد، وروى عنه قاسم بن أصبغ الأندلسي، والهيثم بن كليب الشاشي، له تأويل مشكل القرآن، عيون الأخبار، توفي سنة 276 هـ. تاريخ بغداد 10/ 670، وفيات الأعيان 2/ 246، بغية الوعاة 2/ 63.
مُسَلِّح،
بالضَّمِّ ثمَّ السُّكون ثمَّ كسر اللام المشدَّدة
(1)
: اسم أحدِ جبلي الصفَّراء-وقد تقدَّم سبب تسميته في ترجمة مُخْرِي-.
مَشْرُوحُ،
بالفتح، وسكون الشين المعجمة وراء وحاء مهملة: موضعٌ بنواحي المدينة في شعر كُثَيِّرٍ قال
(2)
:
وأخرى بذيِ المشروحِ من بطنِ بيشةَ
…
بِها لمطافيلِ النِّعاجِ جُؤَارُ
مِشْعَلٌ،
كمِنْبر: بين مكة والمدينة وهو من عمل المدينة. قال الشَّنفرَى
(3)
:
خرجْنَا من الوادي الذي بين مِشْعَلٍ
…
وبين الجبَا هيهاتَ أنشأْتُ سُرْبَتي
المِشْعَطُ
(4)
: جبلٌ أو موضعٌ بالمدينة
(5)
.
(1)
ضَبَطه بضمِّ الميم وسكون السين، وكسر اللام المشددة، وهذا لايصحُ، وثَمَّ مَوضعُ آخر مُسَلِّحٌ، بضمِّ أوّله وفتح ثانيه وتشديد اللام وكسرها، وهو شِعبٌ بَجِبلة، دخلته بنو عامر يوم جبلة، فحصّنوا فيه نسائهم وذراريّهم. ذكره ياقوت 5/ 129. والذي يغلب على ظني أن هاهنا يوجد سقط، إما من الأصل للمؤلف، أو الناسخ حيث أدخلا المادتين في بعضهما.
(2)
ديوانه ص 426، وقبله:
أمن أمِّ عمروٍ بالخريقِ ديارُ
…
نعم دراساتٌ قد عفْونَ قِفَارُ
وفيه: صوار. والجؤار: صوتها. اللسان (جأر) 4/ 112. والصوار: القطيع. اللسان (صور) 4/ 473، وهو في المحكم 3/ 135، معجم البلدان 5/ 133.
(3)
الشنفرى شاعر جاهلي من الصعاليك، كان أحد العدَّائين الذين يسبقون الخيل على الأرجل حتى قيل: أعدى من الشنفرى، وهو ابن أخت تأبط شراً.
…
والبيت في المفضليات ص 110، الأغاني 21/ 91، التكملة للصاغاني: 1/ 156. السُّرْبة: جماعة الخيل مابين العشرين إلى الثلاثين. القاموس (سرب) ص 96.
(4)
ضبطه السمهودي 4/ 1307: بوزن مرفق، وكذا العباسي في عمدة الأخبار ص 418، ووقع في الأصل:(مشتعط)، وهو تحريف، وضبطه البكري 4/ 1226: مُشْعُط.
(5)
ذكر السمهودي في وفاء الوفا 4/ 1307، أنَّه في غربيِّ البقيع، وانظر المدينة بين الماضي والحاضر ص 162.
ومنه الحديث
(1)
: «إنْ كان الوباءُ في شيءٍ من المدينة فهو في ظلِّ مِشْعَط» .
وفي الحديث الآخر
(2)
: «وانقل وباءها إلى مهيعة، وما بقي منه فاجعله تحت ذنب مشعط» .
المُشَقَّقُ:
وادٍ بين المدينة وتبوك.
قال ابن إسحاق في غزوة تبوك
(3)
: وكان في الطريق ماءٌ يخرجُ من وَشَلٍ
(4)
فيما يروي الرَّاكبَ والرَّاكبين والثَّلاثة، بوادٍ يقال له: المُشقَّق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقينَّ منه شيئاً حتى نأتيَه» قال: فسبقه إليه نفرٌ من المنافقين، فاستقوا ما فيه، فلمَّا أتاه رسول الله /429 صلى الله عليه وسلم وقف عليه، ولم ير فيه شيئاً فقال:«مَنْ سبقنا إلى هذا» فقيل له: يا رسول الله، فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ، فقال صلى الله عليه وسلم:«أولم أَنْهَهُمْ أن يستقوا منه شيئاً حتى آتيهم» ؟. ثم لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا عليهم، ثم نزل ووضع يده تحت الوَشَل، وجعل يصبُّ في يده ما شاء الله أن يَصُبَّ، ثمَّ نضَحه به ومسحه بيده، ودعا بما شاء الله أن يدعو به، فانخرق من الماء-كما يقول مَنْ سمعه- ما إنَّ له حِسّاً كحِسِّ الصواعق، فشرب النَّاس، واستقوا حاجتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لئن بقيتم، أو بقي منكم لتسمعُنَّ بِهذا الوادي وهو أخصبُ ما بين يديه وما خلفه»
(5)
.
(1)
رواه ابن زبالة، كما في وفاء الوفا للسمهودي 1/ 60. وابن زبالة: كذبوه.
(2)
انظر: الحديث في سيرة ابن هشام 2/ 230، وانظر النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 4/ 371، ومهيعة هي الجحفة.
(3)
السيرة النبوية 4/ 167، 168.
(4)
الوشل: الماء القليل يُتحلَّب من جبل أو صخرة، ولا يتصل قطره. القاموس (وشل) ص 1068.
(5)
أخرجه بنحوه من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعاً:
…
مسلم في الفضائل، باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، رقم:706،4/ 1784، ومالك في قصر الصلاة في السفر، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر، رقم:2،1/ 143.
المُشَيْرِبُ
(1)
، تصغيرُ مَشْرَب لموضع الشُّرب: موضعٌ له ذكرٌ في حدود حرم المدينة، وحديثه ذكرناه في باب أسماء المدينة في شرح الحرم، وهو اسمُ موضعٍ فيما بين جبالٍ في شاميِّ ذات الجيش بينها وبين خَلائق الضَّبوعة.
مَصَرٌّ،
بفتحتين، وتشديد الرَّاء، كأنَّه مَفَعْلٌ مِنْ: أصرَّ على الشَّيء، أو صَرَّ الجُندب، أو صرير الباب. وهو وادٍ بأعلى حمى ضَرِيَّة، وقد تُكسر صاده.
مَصْلوُقٌ:
ماءٌ من مياه بني عمرو بن كلاب قرب المدينة
(2)
. ذُكر في مدعا، قال ابنُ هرمة
(3)
:
لم ينسَ ركبُك يومَ زالَ مطيُّهم
…
من ذى الحُلَيفِ، فصبَّحوا مَصْلُوقا
المُصَلَّى،
بالضَّمِّ ثمَّ الفتح، ثمَّ لامٍ مشدَّدة مفتوحة: موضعُ الصَّلاة، وهو أيضاً: اسمُ موضعٍ بعينه في عقيق المدينة، قال إبراهيمُ بن موسى
(4)
[بن صديق]:
ليتَ شِعري هل العقيقُ فَسَلْعٌ
…
فقصورُ الجَمّاءِ فالعَرْصَتَانِ
فإلى مسجدِ الرَّسولِ فما جَا
…
زَ المُصلَّى، فجانبي بُطْحَانِ
(1)
هاهنا طمس في هذه المادة والتي بعدها إلى آخر مادة المصلى. فأبقينا النص على مافي نسخة الشيخ حمد الجاسر مع الاستعانة بمعجم البلدان.
(2)
أفاد الشيخ حمد الجاسر (المغانم 383): أنه في غربي نجد من ناحية الجنوب، بعيد عن المدينة. ولا يزال معروفاً، ويسمى (المصلوم) تحريفاً. ورواه البكري بالسين.
(3)
ديوانه ص 149، معجم ما استعجم 4/ 1229، معجم البلدان 5/ 143.
(4)
إبراهيم بن موسى بن صديق بن موسى بن عبد لله بن الزبير، أمُّه صفية بنت عبدالوهاب ابن يحيى، كان من أهل الفضل والنُّسك والعلم بالآثار والأشعار والأخبار والفقه والفصاحة. نظر في العلم فلما كان فيه رأساً، اعتزل بالسُّوارقية حتى مات. جمهرة نسب قريش للزبير بن بكار ص 230.
…
والأبيات في معجم البلدان 5/ 144، الوفا 3/ 1060.
فبنو مازنٍ كعهدي أم ليـ
…
ـسوا كعهدي في سالفِ الأزمانِ؟
وقال آخر
(1)
:
طَرِبْتُ إلى الحُورِ كالرَّبْرَبِ
…
عَمَرْنَ المُصلَّى ودورَ البَلا
تراعْينَ في البلدِ المُخْصِبِ
…
طِ، وتلكَ المساكنَ من يِثْرِبِ
والمُصَلَّى الذي صلَّى فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الأعياد، ذكرناه في باب المساجد في ترجمة مسجد المُصلَّى.
المَضِيقُ،
بالفتح وكسر الضَّاد المعجمة، ومثنَّاةٍ تحتيةٍ وقافٍ: قريةٌ قربَ المدينة /430 في
(2)
لِحْفِ جبلِ آرةَ، وكان في المضيقِ عينُ ماءٍ قد أجراها الحُسين بن زيد لَمَّا رجع من اليمن في جملة ما أجرى من العيون، وقد ذكرتُ قصَّتها في ترجمة العيون.
قال ياقوتٌ
(3)
: أغارت بنو عامر، ورئيسُهم علقمةُ بن عُلاثة
(4)
، على زيد [الخيل] الطائي
(5)
، فالتقوا بالمَضيق، فأسرهم زيدُ الخيل عن آخرهم، وكان
(1)
البيتان في معجم البلدان 5/ 144.
(2)
هاهنا سقط ورقة من الأصل، وفيما بعده طمس متفاوت الشدة، فأبقينا النص على ما في نسخة الشيخ حمد الجاسر مع الاستعانة بمعجم البلدان.
(3)
في معجم البلدان 5/ 146، وذكر هذه القصة الأصبهاني في الأغاني 16/ 54، وأسامة ابن منقذ في (لباب الآداب) ص 221.
(4)
فارس من فرسان الجاهلية، كانت بينه وبين عامر بن الطفيل منافرة، ثم أسلم وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد أيام أبي بكر. ورجع إلى الإسلام. مات في أيام عمر ابن الخطاب. أسد الغابة 4/ 583، الإصابة 2/ 404، خزانة الأدب 1/ 183.
(5)
زيد بن مهلهل الطائي، كان فارساً مغواراً، مظفَّراً شجاعاً، سمي زيد الخيل لكثرة خيله، أدرك الإسلام، ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع، فسماه زيد الخير، مات في خلافة عمر. الأغاني 16/ 46، أسد الغابة 2/ 149، الإصابة 1/ 572.
فيهم الحطيئة، فشكا إليه الضائقة فمنَّ عليه، فقال الحطيئةُ
(1)
:
إلا يكنْ مالي بآتٍ فإنَّهُ
…
سيأتي ثنائيْ زيداً بنَ مُهلهلِ
فما نِلْتَنَا غَْدراً ولكنْ صبَحْتَنَا
…
غداةَ التقينا في المَضِيقِ بأخْيلِ
كريمٌ تفادى الخيلُ من وَقَعاتهِ
…
تفادي خَشاشِ الطيرِ من وَقْعِ أَجْدلِ
والمَضِيقُ أيضاً: موضعُ مدينة الزَّبَّاء
(2)
على الفرات.
مَطْلوبٌ:
بئرٌ قربَ المدينة، من ناحية الشَّام.
ومطلوبٌ أيضاً: ماءٌ من مياهِ نَمَلى.
ومطلوبٌ أيضاً: ماءٌ كان لخثعم، فاتَّخذَ عليه عبد الملك بن مروان ضَيعةً، هي من خيار ضياعِ بني أمية. [وهو في] موضع بوادي بيشةَ يقال له: المعمَل.
قال رياحٌ الهلاليُّ
(3)
:
يا أثْلَتي بطنِ مطلوبٍ هَويْتُكُمَا
…
لو كانتِ النَّفسُ تدني من أمانيها
تبدي ظلالَكُمَا، والشَّمسُ طالعةٌ
…
حتى يواريَها في الغَوْرِ راعيها
مَنْ يُعطِهِ اللهُ في الدُّنيا ظلالَكُمَا
…
تُبنى له درجاتٌ عالياً فيها
مُظْعِنٌ،
بالضَّمِّ، وسكون الظَّاء المعجمة، وكسر العين المهملة: وادٍ بين السُّقيا والأبواء. قال كُثَيِّرٌ
(4)
:
(1)
الأبيات في ديوانه ص 302، وفي المراجع المتقدمة. الأجدل: الصقر. القاموس (جدل) ص 975.
(2)
الزَّباء بنت عمرو بن الظرب، عاشت قبل الإسلام بزمن بعيد، كانت ملكة على الفرات بعد مقتل أبيها على يد جذيمة الأبرش، ثم احتالت على جذيمة ورغبته في زواجها حتى قتلته بأبيها، ثم قتلت بعد. الأغاني 14/ 70، شرح مقصورة ابن دريد لابن خالويه ص 200، خزانة الأدب 7/ 293.
(3)
الأبيات في معجم البلدان 5/ 150، معجم ما استعجم، 4/ 134، معجم البلدان 5/ 152.
(4)
ديوانه ص 249 من قصيدة يمدح بها عبد الملك بن مروان.
…
دوَّة: موضع وراء الجحفة. معجم البلدان 2/ 490. ورواها البكري مُطْعُن، بضم الميم، وبطاء ساكنة، وعين مضمومة. معج مااستعجم 4/ 1240.
إلى ابنِ أبي العاصي بِدَوَّةَ أدلجَتْ
…
وبالسَّفحِ من ذاتِ الرُّبا فوقَ مُظْعِنِ
مَعْدِنُ الأحْسَن،
ويقال فيه: مَعْدِن الحُسْن، قال ابنُ الفقيه: موضعٌ أو قريةٌ من أعمال المدينة لبني كلاب. وقيل: هو من قرى اليمامة.
مَعْدِنُ بني سُليم، بضَّمِّ السِّين: من أعمال المدينة. ويقال عنه: مَعْدِن فَرَانِ، على طريق نجد
(1)
.
المُعَرَّسُ،
بالضَّمِّ، ثمَّ الفتح وتشديد الرَّاء المفتوحة، وسين مهملة: اسمٌ لمسجد ذي الحُليْفة على ستة أميال من المدينة. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعرِّس قُربه ثمَّ يرحل بِغزاةٍ أو غيرها.
والتَّعريسُ: نومةُ المسافر بعد إدلاجه، فإذا كان وقتُ السَّحَر نام نومةً خفيفةً، ثمَّ يثور مع انفجار الصُّبح لجهة قصده.
مُعْرِضٌ:
(2)
أُطُمٌ كان لبني قريظة ما بين البقيع إلى النخيل التي يخرج منها السيل، ومُعْرِضٌ: أُطُمٌ ابتناه بنو عمرو وبنو ثعلبة ابنا الخزرج
(3)
، وهو الأُطُمُ الذي في دار سُويد المواجهة لمسجد بني ساعدة، كان لبني عمرو بن ساعدة، وكان آخر أُطم بُني بالمدينة، قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يبنونه، فاستأذنوه
(1)
أفاد الشيخ حمد الجاسر (المغانم 386): أنه الآن يدعى: مهد الذهب.
(2)
لم يذكر ياقوت هذه المادة.
(3)
دارهم عند قرية بني ساعدة، وهي عند بئر بضاعة، وذكر السمهودي 1/ 208 أنها شرقي سوق المدينة. ا. هـ.
…
وسوق المدينة كانت ما بين المصلَّى- أي: مسجد الغمامة-إلى جرار سعد- أي: شمال مستشفى الملك عبد العزيز، المسماة الآن مستشفى الأنصار- فالأطم في هذه المنطقة قريب من الفيروزية. المدينة بين الماضي والحاضر ص 90.
في إتمامه، فأذن لهم، وله يقول أبو أُسَيْد الساعديُّ
(1)
:
ونحنُ حمينَا عن بُضاعةَ كلِّها
…
ونحنُ بنينا مُعْرِضاً فهو مُشْرِفُ
فأصبحَ معموراً طويلاً قَذَالُه
…
وتخرَبُ آطامٌ بِها وتقَصَّفُ
المُعَصَّبُ،
بوزن المُعَرَّس قبله، والعينُ والصَّاد مهملتان: اسمُ موضعٍ بقباء. وقيل فيه: العُصْبةُ
(2)
، وهو الموضع الذي نزل به المهاجرون الأولون، كذا فسَّرَه البخاريُّ
(3)
، ويجوز أن يكون مأخوذاً من العَصَبة، أي: ذو عَصْب.
المَغْسِلَة،
بكسر السِّين المهملة، مثال مَنْزِلة: جَبَّانةٌ في طرف المدينة يُغسل فيها. هكذا ذكره أصحاب التواريخ، وهو اليوم حديقةٌ كثيرة النخيل، وهي من أقرب الحدائق الكبار إلى المدينة
(4)
.
مُغِيثٌ،
اسم فاعل، مِنْ: أغاثه إذا استغاثه. وهو اسم وادٍ بين معدن النَّقرة والرَّبَذَة، ويعرف بِمُغيث ماوان.
(1)
البيتان في الروض الأنف 3/ 15، معجم البلدان 1/ 255.
…
وأبو أسيد الساعدي اسمه مالك بن ربيعة، صحابي أنصاري، شهد بدراً وأحداً وما بعدهما، وكانت معه راية بني ساعدة يوم الفتح، روى عنه أنس بن مالك وسهل بن سعد، توفي سنة ستين. طبقات ابن سعد 7/ 557، أسد الغابة 4/ 247، الإصابة 3/ 344.
(2)
منْزل بني جحجبا، غربي مسجد قباء. الوفا 4/ 1267.
(3)
أخرجه البخاري في الأذان، باب إمامة العبد والمولى، رقم: 2692/ 216 عن ابن عمر قال: لما قدم المهاجرون الأولون العصبة-موضع بقباء- قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤمُّهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآناً.
(4)
حدَّد السمهودي موضعها في الوفا 4/ 1310 أنها غربي بطحان، وقال العياشي في المدينة بين الماضي والحاضر ص 174: المغسلة هي القسم الجنوبي من دار بني دينار، وكان في جانبها الشرقي غديرٌ يتجمَّع فيه من مياه وادي بطحان. وهي اليوم قرب مبنى البنك الأهلي أول قباء.
مَغُوثَةُ،
بضمِّ الغين المعجمة، وواوٍ، ومثلَّثةٍ مفتوحة: موضعٌ قرب المدينة
(1)
.
مُفْحِلٌ،
بالضَّمِّ، وسكون الفاء، وكسر الحاء المهملة، ولام: ناحيةٌ من نواحي المدينة. قال ابنُ هرمةَ
(2)
:
تذكَّرْتُ سلمى والنَّوى تستبيعُها وسَلمى المُنى، لو أنَّنا نَستطيعُها
فكيفَ إذا حَلَّتْ بأكنافِ مُفْحلٍ وحلَّ بوعساءِ الحُلَيفِ تَبيِعُها
مَقَارِيبُ،
بالفتح، وبعد الألف راءٌ، ثمَّ مثنَّاة تحتيَّةٌ، وباءٌ مُوحَّدةٌ: اسمُ موضعٍ من نواحي المدينة. قال كُثيِّرٌ
(3)
:
ومنَّا بأجزاعِ المقاريبِ دِمْنَةٌ
…
وبالسَّفح من فُرعانَ آلٌ مُصَرَّعُ
المَقَاعِدُ،
جمع مَقْعَدٍ: موضعٌ عند باب المدينة
(4)
، وقيل: مَساقِفُ حولها، وقيل: دكاكين عند دار عثمان بن عفان رضي الله عنه
(5)
.
قال الدَّاووديُّ: هي الدَّرَج.
(1)
في كتاب الحازمي 2/ 849: مغونة بالنون. وكذا نقلها عنه ياقوت في معجمه 5/ 162. وتابع المؤلف العباسي في (عمدة الأخبار) ص 421، والسمهودي في الوفا 4/ 1310، فذكراها بالثاء.
(2)
ديوانه ص 145، معجم البلدان 5/ 163، والثاني في الوفا 4/ 1310.
(3)
البيت في ديوانه ص 402، معجم ما استعجم 3/ 1021، معجم البلدان 5/ 164.
(4)
قال السمهودي 4/ 1310: عند باب المسجد.
وقال العياشي ص 139: في لحف الجدار الشرقي من المسجد مما يلي باب جبريل من جنوبه دكة مرتفعة عن الأرض بنحو نصف متر، وبطول ثلاثة أمتار تقريباً في عرض مترين، وهي المقصودة.
…
قلت: فعلى هذا تكون دخلت ضمن المسجد النبوي في توسعته الكبيرة.
(5)
كانت داره عند باب المسجد في المشرق. وأخرج البخاري في كتاب الرِّقاق، باب ما يُحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، رقم: 6433، 11/ 254 عن حمران بن أبان قال:(أتيت عثمان بن عفان بطهور وهو جالس على المقاعد، فتوضأ فأحسن الوضوء). . الحديث.
وحكى أبو الفرج النَّهروانيُّ
(1)
قال: جاء أبو بكر رضي الله عنه بشاعرٍ من العرب، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في /431 المسجد فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينشد شعراً قاله في الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم:«لا. . . . . . . في شعر»
(2)
. فقال أبو بكر رضي الله عنه: نعم يا رسول الله! إنَّه مدح لله ورسوله. فقال صلى الله عليه وسلم: «قوموا بنا إلى المقاعد» . فلمَّا أتوا المقاعد أنشد شعره، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمالٍ، وعرَّفه أنَّ ذلك على المدح لله عز وجل، لا على المدح له صلى الله عليه وسلم
(3)
.
المُقْشَعِرُّ،
من القُشَعْرِيرة، اسم فاعلٍ مِنْ: اقشعرَّ: اسمٌ لجبلٍ من جبال القَبَلِيَّة. ذكَره الزَّمخشريُّ
(4)
.
مُقَمِّلٌ،
بفتح القاف والميم المشدَّدة، وآخرُه لامٌ: مسجدٌ للنبي صلى الله عليه وسلم بحمِى غَرْزِ النَّقيع.
وروى الزُّبير: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أشرف على مُقمِّلٍ: ظِرْبٍ وسطَ النقيع وصلَّى عليه، فمسجده هنالك.
قال أبو هيصم المزنيُّ
(5)
: كان أبو البختريِّ وهب بن وهب
(6)
في سلطانه
(1)
تقدمت ترجمته.
(2)
بياض في الأصل، لعله بمعنى: لاحاجة لي. انظر: (المغانم 388).
(3)
ذكره السمهودي في وفاء الوفا 4/ 1311 نقلاً عن أبي الفرج النهرواني.
(4)
في كتابه الأمكنة والمياه والجبال ص 188 في حرف القاف، مادة: القبلية.
(5)
صحابي ذكره ابن حجر في الإصابة 4/ 214، ونقل قصة استعماله على الوادي من أخبار المدينة لابن زبالة.
(6)
والي المدينة للرشيد، قدم بغداد فولاه الرشيد القضاء بعسكر المهدي قبل، ثم عزل عن المدينة، فقدم بغداد وتوفي بها سنة 200 هـ. له رواية في الحديث لكنه كان ضعيفاً، حدث عن عبيدالله ابن عمر العمري، وهشام بن عروة. المعارف ص 516، تاريخ بغداد 13/ 481.
…
ولا يصحُّ هذا، ولعله يوجد تحريف في الأسماء، فبين أبي الهيصم وأبي البختري وسائط.
على المدينة، بعث إليَّ بثمانين درهماً فعمرته بها.
قال ابنُ هيصم
(1)
عن أبيه: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي وقال: «إني مستعملك على هذا الوادي، ممن جاء من هاهنا، وهاهنا» - يشير نحو مطلع الشمس ومغربها- «فامنعه» . فقال: إني رجل ليس لي إلا بناتٌ، وليس معي أحدٌ يعاونني. فقال صلى الله عليه وسلم:«إنَّ الله يزرقك ولداً» . قال فعمل عليه، وكان له بعد ذلك ولد.
فلم تزل الولاة يولُّون عليه منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كان داود بن عيسى
(2)
، فتركه، في سنة ثمان وتسعين ومائة
(3)
.
وذكرناه في باب المساجد.
المَكْرَعَةُ،
بالفتح: موضعٌ [بقُباء] قرب بئر عَذْق.
المُكَسَّر،
اسم مفعولٍ مِنْ: كسَّره تكسيراً: موضعٌ من أعمال المدينة. ويقال: ذو المُكَسَّر.
قال الأحوصُ
(4)
:
أَمِنْ عِرْفانِ آياتٍ ودُورِ
…
تلوحُ بذي المُكَسَّرِ كالبُدورِ
(1)
محمد بن هيصم المزني، يروي عن أبيه أبي الهيصم. كما هاهنا.
(2)
داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، روى عن أبيه، وولي إمرة الحرمين للأمين، ثم أقام في مكة. وفي سنة 198 هـ أصلح المنبر النبوي. المحبر ص 39، و التحفة اللطيفة 2/ 35، وذكر هذا ابن النَّجار في الدرة الثمينة ص 71.
(3)
ذكر السمهودي في حمى النقيع 3/ 1085 - 1086، وقال: وإنما تركه داود؛ لأن الناس جَلَوا عنه للخوف ذلك الزمان، فلم يبق فيه أحد يستعمله عليه.
(4)
البيت في (ديوانه) ص 134، وفيه:(تلوح بذي المسهر كالسطور). وكذا هو في معجم ما استعجم 4/ 1229، وبرواية المؤلف في معجم البلدان 5/ 180.
مُكَيْمِنٌ، تصغير مَكْمَن: موضعٌ بعقيق المدينة
(1)
. قال عَدِيُّ بن الرِّقاع
(2)
:
أطَرِبْتَ أم رُفِعَتْ لعينكَ غدوةً
…
بين المُكَيمنِ والزُّجيجِ حُمولُ؟
رِجْلاً تَرَاوحَها الحُداةُ فحبْسُها
…
وَضَحَ النَّهار إلى العشيِّ قليلُ
ويقال له: مُكَيمِن الجمَّاء.
وقد ردَّه إلى مُكَبَّره سعيد بن عبد الرحمن [بن حسان] بن ثابت فقال
(3)
:
/432 عفَا مَكْمَنُ الجمَّاءِ من أمِّ عامرِ
…
فسَلْعٌ عَفا منها فحَرَّةُ واقِمِ
مُلْتَذٌّ،
بالضَّمِّ ثمَّ السُّكون، ومثنَّاةٍ فوقيةٍ مفتوحةٍ، وذالٍ معجمة: موضعٌ بعقيق المدينة. قال عُروة بن أُذينةَ
(4)
:
فروضةُ مُلْتَذٍّ فجنبا منيرةٍ
…
فوادي العقيقِ انساحَ فيهنَّ وابلُهْ
المَلْحَةُ: أُطُمٌ لبني قُريظةَ كان في بئر سعيد، دُبرَ مالِ ابنِ أبي حُدير كان
لكعب بن أسد القُرَظي
(5)
.
مِلْحَتانِ:
تثنية مِلحةٍ للقطعة من المِلْح: وادٍ من أودية القَبَلِيَّة. حكاه أبو القاسم الزَّمخشريُّ
(6)
.
مَلَلٌ،
بالتَّحريك وبلامين: اسمُ موضعٍ على ثمانيةٍ وعشرين ميلاً من المدينة من ناحية مكة
(7)
.
(1)
ويقع في المغرب الجنوبي من ركن جمَّاء تضارع، وينفصل عن جماء تضارع بِشِعْب المكيمن، ويسيل ماؤه إلى وادي الدعيثة القادم من البيداء. المدينة بين الماضي والحاضر ص 453.
(2)
البيتان في ديوانه ص 69، معجم البلدان 5/ 188.
(3)
تقدَّمت ترجمته مع البيت في مادة: (جمَّاء).
(4)
البيت في معجم البلدان 5/ 189، الوفا 4/ 1312.
(5)
تقدم ذكره.
(6)
في كتاب الجبال ص 188.
(7)
حدَّده العياشي بأنه على مسافة 24 كلم من المدينة في الجنوب الغربي منها. المدينة بين الماضي والحاضر ص 143.
وقيل: بينه وبين المدينة ليلتان، وجمعَه كُثَيِّرٌ
(1)
فقال:
سَقْياً لِعَزَّةَ خُلَّةً، سَقْياً لها
…
إذ نحنُ بالهضباتِ من أَمْلالِ
أراد: من مَلَل.
وقال بعضهم
(2)
: مَلَل: وادٍ قرب المدينة ينحدر من وَرِقانَ جبلِ مُزينة حتى يصبَّ في الفَرْشِ، فرشِ سُويْقة، ثمَّ ينحدر من الفَرْش حتى يصبَّ في إضم، وإضمُ: وادٍ يسيل حتى يُفْرِغ في البحر، فأعلى إضم القناةُ التي تمرُّ دُوَينَ المدينة.
قال ابنُ الكلبيِّ: لَمَّا صدَرَ تُبَّعٌ عن المدينة يريد مكَّةَ بعد قتال أهلها، نزل مَلَل وقد أعيا وملَّ، فسمَّاه ملل.
وقيل لكُثيِّرٍ: لمَ سُمِّيَ مَلَلٌ مَلَلاً؟ قال: لأنَّ ساكنه ملَّ المقام به. قيل: فالرَّوحاءُ؟ قال: لانفراجها ورَوحها. قيل: فالسُّقيا؟ قال: [لأنَّهم] سُقوا بِها
(3)
عذباً. قيل: فالأبواء؟ قال: تبوَّؤا بِها المنْزل. قيل فالجُحفة؟ قال: جَحَفهم بِها السَّيل. قيل: فالعَرْجُ؟ قال: يعرجُ بِها الطَّريق. قيل: فَقُديد؟ قال: ففكَّرَ ساعةً ثمَّ قال: ذهب به سيله قِدَداً.
وقيل: إنَّما سُمِّي مَلَلاً؛ لأنَّ الماشي إليه من المدينة لا يبلغه إلا بعد جهدٍ ومَلَل.
(1)
البيت في ديوانه ص 285، وكذا جمعه في قوله في ديوانه ص 398:
طالعاتِ الغميسِ من عبُّودٍ
…
سالكاتِ الخَويِّ من أملال
وبيت المؤلف في الأغاني 3/ 311، معجم البلدان 1/ 255، الوفا 4/ 1312.
(2)
هو ياقوت في معجم البلدان 5/ 194. ديوان كثير ص 567.
(3)
تحرفت في الأصل إلى: (سقوها). وما بين معقوفين من المعجم.
قال [أبو حنيفة] الدِّيْنَوَرِيُّ
(1)
: المَلَلُ: مكانٌ مُستوٍ، يُنبتُ العُرْفُطَ والسَّيَّال والسَّمُر، يكون نحواً من ميل أو فرسخ، وإذا نبتَ العُرْفُطُ وحده فهو وَهْطٌ، [كما يقال]: وإذا أنبتَ الطَّلح وحده: غَوْلٌ، وإذا أنبت الصِّلِيَّان والنَّصِيَّ وكان نحواً من ميلين قيل: لمعةٌ
(2)
.
وفي أخبار نُصَيْبٍ
(3)
: كانت بملَلٍ امرأةٌ يَنْزل بِها الناس فَنَزل بِها أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة
(4)
. قال نُصيبٌ:
ألا حيِّ قبلَ البَيْنِ أُمَّ حبيبِ
…
وإنْ لمْ تكنْ منَّا غداً بقريبِ
/433 لئنْ لم يكن حُبِّيكِ حبَّاً صدَقْتُه
…
فما أحدٌ عندي إذاً بحبيبِ
سهامٌ أصابَتْ قلبَهُ مَلَلِيَّةٌ
…
غريبُ الهوى يا ويحَ كلِّ غريبِ!
وذكر ابنُ جنيٍّ في كتاب (النوادر الممتعة) عن أبي دُلَفٍ هاشم بن محمد الخزاعيِّ، عن رجلٍ من أهل العراق أنَّه نزل مَلَل، فسأل عنه فَخُبِّرَ باسمه فقال: قبَّحَ الله الذي يقول
(5)
:
............. على مَلَلٍ يا لَهْفَ نفسي على مَلَلْ!!
(1)
اسمه أحمد بن داود، كان نحوياً لغوياً، راوية ثقة، ورعاً زاهداً، يعرف الهندسة والحساب، أخذ عن ابن السِّكيت وغيره، جمع بين آداب العرب وحكم الفلاسفة، له كتاب (النبات) مطبوع، لم يؤلف في معناه مثله، توفي سنة 281 هـ. بغية الوعاة 1/ 306.
(2)
النقل من كتاب الروض الأنف 3/ 28. وما بين معقوفين من معجم البلدان 5/ 195.
(3)
القصة مع الأبيات في الأغاني 1/ 134، معجم البلدان 5/ 195.
(4)
تقدمت ترجمته.
(5)
هو جعفر بن الزُّبير يرثي ابناً له مات بملل، فقال:
أهاجك بَيْنٌ من حبيبٍ قد احَتَمل
…
نَعَمْ ففؤادي هائم القلبِ مُخْتَبَلْ
أحزُنُ على ماء العُشيرة والهوى
…
على مللٍ يا لهف نفسي على مَلَلْ
فتى السِّنِّ كهلُ الحلمِ يهتزُّ للنَّدى
…
أَمَرُّ من الدِّفلى وأحلى من العَسلْ
…
انظر معجم ما استعجم 4/ 1257. وقيل: البيت لكُثيِّر، والأصح ما ذكرناه.
أيُّ شيءٍ كان يتشوَّق من هذه، وإنما هي حَرَّةٌ سوداءُ؟!. قال: فقالت له صَبِيَّةٌ كانت تلقط النوى: بأبي أنت وأمي!: إنَّه كان واللهِ له بِها شَجَنٌ ليس لك!!.
المَنَاصِعُ:
موضعٌ بعينه خارجَ المدينة
(1)
، وكان النِّساء يتَبرَّزْنَ
(2)
إليه باللَّيل على مذاهب العرب في الجاهلية. وفي حديث الإفك
(3)
: وكان مُتَبَرَّزَ النِّساء بالمدينة قبل أن تُتَّخذَ الكُنفُ في البيوتِ: المناصعُ.
وقال أبو محمد
(4)
: المناصعُ: موضعٌ بالمدينة
(5)
.
وقال الأزهريُّ
(6)
: المناصعُ: المواضعُ التي
(7)
يُتَخَلَّى فيها لبولٍ أو حاجةٍ، الواحدُ مَنْصَعٌ.
المَنَاقِبُ:
اسمُ جبلٍ معترضٍ بقرب المدينة، قيل: سُمِّي بذلك لأنَّ فيه ثنايا وطرقاً إلى اليمن وإلى اليمامة، وإلى أعالي نجد. قال أبو جُؤيةَ عائذُ بن جؤية الهذليُّ
(8)
:
(1)
حدَّدها العياشي أنها الرحبة التي في شمال بقيع العمات، وفي شرقي شارع الملك عبدالعزيز عند مكان فندق التيسير إلى الشمال. المدينة بين الماضي والحاضر ص 146.
…
وبموجب هذا الوصف تكون عند عمارة الأوقاف رقم (1) اليوم وما حولها.
(2)
تحرفت في الأصل إلى: (يتبرزون).
(3)
أخرجه البخاري في الوضوء، باب خروج النساء إلى البزار، رقم:(146) عن عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كنَّ يخرجْنَ بالليل إذا تبرَّزْنَ إلى المناصع، وهو صعيد أفيحُ، فكان عمر يقول للنبي صلى الله عليه وسلم احجب نساءك. الحديث. وانظر حديث رقم:(6240) في البخاري.
(4)
هو الأسود الغُندجاني، وقد تقدمت ترجمته.
(5)
قال السمهودي 4/ 1313: وهو ناحية بئر أبي أيوب، ولعلها المعروفة اليوم ببئر أيوب، شرقي سور المدينة شامي بقيع الغرقد.
(6)
في تهذيب اللغة 2/ 36، ثم قال: وأرى أن المناصع موضعٌ بعينه خارج المدينة.
(7)
تحرفت في الأصل إلى: (الذي).
(8)
وَهمَ المؤلفُ في اسم قائل الأبيات، واختلط عليه ساعدة بن جؤية الهذلي بعائذ بن جؤية النصري. فالأبيات لعائذ بن جؤية النصري اليربوعي، لا الهذلي. معجم الشعراء ص 83 مع الأبيات، وانظر خزانة الأدب 3/ 87، وتصحف في مطبوعة معجم البلدان 5/ 203 اسمه إلى عابد، وذكر الأبيات ثَمّ. راجع شرح أشعار الهذليين 3/ 1340، وقلب اسمه إلى جؤية بن عائذ، وكذا في اللسان (برم) 12/ 45، (عشم) 12/ 402.
ألا أيُّها الرَّكْبُ المُخِبُّونَ هلْ لكم
…
بأهلِ العقيقِ والمناقبِ مِنْ عِلْمِ؟
فقالوا: أعَنْ أهلِ العقيقِ سألْتَنا
…
أولي
(1)
الخيلِ والأنعامِ والمجلسِ الفَخْمِ؟
فقلتُ: بلى إنَّ الفؤادَ يَهِيجُه
…
تَذكُّرُ أوطانِ الأحبَّةِ والخدمِ!
ففاضَتْ لما قالوا مِنَ العينِ عَبْرَةٌ
…
ومِنْ مثل ما قالوا جرى دمعُ ذي الحِلمِ
فظلْتُ كأنيِّ شاربٌ بِمُدامةٍ
…
عُقَاراً تَمشَّى في المفاصلِ والدَّمِ
مُنْتَخِرٌ
(2)
، بالضَّمِّ، ثمَّ السُّكون، وتاءٍ مثنَّاةٍ فوقية، وخاءٍ معجمة مكسورة: مُفْتَعِلٌ مِنْ: نَخَرَ العظمُ: إذا بَلِيَ: موضعٌ بناحية فَرْشِ مَلَلٍ، على ليلة من المدينة، وهو إلى جانب مَثْغَر.
مُنْشِدٌ،
بالضَّمِّ، وسكون النُّون، وكسر الشِّين المعجمة، بعدها دالٌ مهملةٌ: جبلٌ على ثمانية أميال من حمراء المدينة، بطريق الفُرْع.
قال معنُ بنُ أوسٍ المُزَنيُّ
(3)
:
تَعفَّتْ مغانيها، وخَفَّ أنيسُها
…
منَ ادْهمَ محروسٍ، قَديمٍ مَعاهدُه
فمُنَدفعِ الغُلاَّنِ من جنبِ مُنْشِدٍ
…
فَنَعْفُ الغُرابِ، خَطْبُه وأساودُه
ومُنْشِدٌ أيضاً: بلدٌ لتميم.
وموضعٌ لطيء. قال زيدُ الخيل
(4)
:
/435
(5)
سقى اللهُ ما بينَ القَفيلِ فطابةٍ
…
فما دون أَرمامٍ، فما فوقَ مُنْشِدِ
(1)
تحرفت في الأصل إلى: (الي).
(2)
تحرفت في الأصل إلى: (منتخن).
(3)
البيتان في معجم البلدان 5/ 210. والثاني تقدم. والنعف: ما انحدر من حزونة الجبل، وارتفع من منحدر الوادي. القاموس (نعف) ص 857.
(4)
البيت في (معجم البلدان) 5/ 210.
(5)
حصل سهو في الأصل عند ترقيم الصفحات، فسقط رقم (434).
مَنْعِجٌ،
بسكون النُّون، وكسر العين المهملة، مِنْ: نَعِجَ يَنْعِجُ: إذا سَمِن، وقياسه فتحُ العين، ومجيئُه مكسوراً شاذٌّ، على أنَّ بعضهم رواه بفتح العين: موضعٌ بحمى ضَرِيَّة بقرب المدينة، ووادٍ يأخذ بين حَفَر أبي موسى والنَّباحِ. ووادٍ لبني أسدٍ، كثير المياه.
قال بعضُ الأعراب
(1)
:
ألمْ تعلمي يا دارَ مَلْحاءَ أنَّه
…
إذا أَجدبَتْ أو كان خِصْباً جَنابُها
أَحَبُّ بلادِ اللهِ ما بينَ مَنْعِجٍ
…
إليَّ وسلمى أن يصوبَ سَحابُها
بلادٌ بِها حلَّ الشَّبابُ تميمتي
…
وأوَّلُ أرضٍ مسَّ جِلدي ترابُها!
المُنَقَّى:
اسم مفعول مِنْ: نَقَّاهُ يُنَقِّيه تَنقِيةً: اسمُ الأرض التي بين أُحُدٍ والمدينة.
قال ابنُ إسحاق
(2)
: وقد كان النَّاس انهزموا عن رسول صلى الله عليه وسلم يوم أُحُدٍ حتى انتهى بعضهم إلى المُنَقَّى دون الأعوص.
قال ابنُ هرمة
(3)
:
كأنِّيَ من تَذكُّرِ ما أُلاقي
…
إذا ما أَظلمَ اللَّيلُ البَهيمُ
سليمٌ ملَّ منه أقربوهُ
…
وودَّعَهُ المُداوي والحميمُ
(1)
الأبيات لأبي النضير رقاع بن قيس الأسدي، وهي في المصون للعسكري ص 199 وفيه:(يادار بلجاء)، أمالي القالي 1/ 84، الحماسة البصرية 1/ 129، معجم البلدان 5/ 212، اللسان (تمم) 12/ 69 - 70.
(2)
السيرة النبوية 3/ 50.
…
وقال السمهودي 4/ 1314: بل هو معروف شرقي المدينة في طريق العراق. وقال البكري في معجم ما استعجم 4/ 1272: المنقَّى: موضع على سيف البحر مما يلي المدينة.
(3)
ديوانه ص 201 من أبيات يمدح بها عبدالواحد بن سلمان، معجم البلدان 5/ 215. وعجز الأخير في الديوان: نقيِّ اللون ليس بذي لوم. والأقارع جمع أقرع: جبل بين مكة والمدينة. معجم البلدان 1/ 236.
فكم بين الأقارعِ فالمُنَقَّى
…
إلى أُحدٍ إلى مَيْطِانَ ريمُ
إلى الجمَّاءِ من خَدٍّ أسيلٍ
…
عوارضُه ومِن دَلٍّ رخيمِ
مَنْكثَة،
(1)
اسمُ مكان مِنْ: نَكَثَ يَنْكُثُ: إذا نقض وحلَّ بَرْمَ الأكسية المنسوجة: اسمُ وادٍ من أودية القَبَلِية. حكاه أبو القاسم الزَّمخشريُّ
(2)
.
مَنْوَر،
بالفتح ثمَّ السُّكون، وفتح الواو وبعده راءٌ: جبلٌ قرب المدينة. ومنه قول أبي هريرةَ رضي الله عنه
(3)
: أيُّكم يعرفُ زورٌ ومَنْوَرٌ؟ فقال رجلٌ من مزينة: أنا. قال: نِعْمَ المنْزلُ ما بين زَوْرٍ
(4)
ومَنْوَرٍ، لا تقربها مقانب
(5)
الخيل، أمَا
(6)
واللهِ، إنَّ حظِّي
(7)
مِنْ دنياكم هذه مسجدٌ بين زورٍ ومَنْوَرٍ، أعبدُ الله فيه، حتى يأتيني اليقين.
مَهَايعُ،
كأنه جمعُ مَهْيعٍ: وهو الطَّريقُ الواضح: قريةٌ غَنَّاءُ كبيرةٌ بِها ناسٌ كثير. ومِنبرٌ بقرب سايةَ، وواليها من قِبَلِ أمير المدينة.
مَنِيعٌ،
فَعِيلٌ من المنع: أُطُمٌ بالمدينة، ابتناه بنو سواد بن غنم، كان موضعه في يماني مسجد القبلتين، على ظهر الحَرَّة يمين الجرن التي في أرض ابنِ أبان، أو دون ذلك قليلاً /436 كان لأبي كعب بن القين بن كعب بن سواد
(8)
.
(1)
وقال البكري: إنه بالباء، مبكثة. معجم ما استعجم 4/ 1180.
(2)
في كتاب الجبال ص 188.
(3)
ذكره السمهودي في وفاء الوفا 4/ 1315 دون إسناد، ولم أقف عليه مسنداً.
(4)
قال ياقوت 3/ 157: والزَّور: جبل يذكر مع منور جبل في ديار سليم بالحجاز.
(5)
القِنَاب من الخيل: ما بين الثلاثين إلى الأربعين. يريد: جماعة من الخيل. القاموس (قنب) ص 127.
(6)
تحرفت في الأصل إلى: (أم).
(7)
تحرفت في الأصل إلى: (خطر).
(8)
لم أجد ترجمته.
مُنِيفٌ،
اسمُ فاعلٍ مِنْ: أنَافَ: أشرف
(1)
: اسمُ أُطُمٍ بالمدينة ابتناه بنو دينار بن النَّجَّار، وهو الذي عند مسجد بني دينار
(2)
، بناه مالك بن كعب بن عبد الأشهل
(3)
.
وكان إذا وضع حجراً ومعه امرأته يقول: للأبد!. وله يقول القائل
(4)
:
يا عينُ فابكي مالكا
…
ويعزُّ ذلكَ هالكا
ولقد بنيتَ مُشيِّدا
…
دونَ الكواكبِ سامِكا
مَهْجُورٌ،
بالجيم والرَّاء: ماءٌ من نواحي المدينة. قال
(5)
:
بروضةِ الخُرْجَينِ من مهجورِ
…
تربَّعَتْ في غاربٍ نضيرِ
المِهْرَاسُ،
بكسر أوَّله، وسكون ثانيه، وآخره سين مهملة: ماءٌ بجبل أُحُدٍ. قاله المُبرِّدُ
(6)
. وروي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عطشَ يومَ أُحدٍ، فجاءه علي رضي الله عنه في دَرَقته
(7)
بماءٍ من المِهْرَاس، فعافه، وغسل به الدَّمَ عن وجهه
(8)
.
(1)
تحرفت في الأصل إلى: (مشرف).
(2)
قال العياشي ص 185: والأُطم موجود الأثر في مغرب مسجد المغسلة على نحو مائتي متر تقريباً، وفي جنوب محطة السكة الحديدية على نحو مائة متر تقريباً، وهو يعلو الحرَّة في شَرفها الشرقي الجنوبي هناك على يسار الذاهب من باب العنبرية.
(3)
هو مالك بن عبيد بن كعب بن عبد الأشهل جاهليُّ، وحفيده سعد بن زيد بن مالك من أهل العقبة وبدر. نسب معد 1/ 377.
(4)
البيتان لم أجدهما ولم يذكرهما ياقوت. السامك: المرتفع، وفي القاموس (سمك) ص 943: وسمكه سمكاً، فسمك سموكاً: رفعه فارتفع.
(5)
تقدم في (روضة الخرجين).
(6)
تقدَّمت ترجمته.
(7)
الدرقة: الحجفة، وهي ترس من جلد. القاموس (درق) ص 882، (حجف) ص 798.
(8)
السيرة النبوية 3/ 48.
قال سُدَيف بن ميمون
(1)
يذكر حمزة
(2)
، وكان دُفن بالمِهْرَاس
(3)
:
أَقْصِهمْ أيُّها الخليفةُ واحْسِمْ
…
عنكَ بالسَّيفِ شَأْفَةَ الأَرجاسِ
واذكُرَنْ مقتلَ الحسينِ وزيداً
…
وقتيلاً بجانب المِهْرَاسِ
قلتُ: وقد شاهدنا أُحداً والمِهْرَاس، والأمرُ على غير ما ذكروه. وإنَّما المِهرَاسُ شبهُ حَوضٍ كبيرٍ في وسط الوادي، على يسار الصَّاعد إلى أُحُدٍ، وهو نُقرةٌ في الجبل، طولُها نحو أربعة عشر ذراعاً، في عرض سبعة أذرع، وهو بعيدٌ عن حَوْمةِ القتال، وأبعدُ منه
(4)
احتمالُ نقلِ عليٍّ رضي الله عنه الماء في الدَّرَقة من هناك. نَعمْ في أوَّل الوادي نُقيراتٌ صغارٌ يحتمل أن يكون نُقل من إحداهنَّ الماءُ الذي قد يكون مجتمعاً فيهنَّ من ماء السَّماء.
والمِهْرَاسُ غبُّ
(5)
السَّماء يصير غديراً صافياً يسبح فيه، ولو أنَّ أهل المدينة إذا خرجوا متنَزِّهين إلى أُحدٍ، لكفاهم ذلك الماء الذي يكون بالمِهْرَاس.
والمِهْرَاسُ أيضاً: موضعٌ باليمامة.
وفي اللغة: حَجَرٌ مستطيلٌ منقورٌ يُتوضَّأ منه.
مَهْرُوزُ:
بتقديم المهملة على الزَّاي: موضعُ سوقِ المدينة كان تصدَّق به
(1)
سديف بن ميمون، كان مولى لآل أبي لهب، وكان مائلاً إلى المنصور ثم ساعد الخارجين على المنصور فكتب المنصور إلى عبد الصمد بن علي والي المدينة بقتله، فقتله. أنساب الأشراف 4/ 297، الشعر والشعراء ص 514.
(2)
هو ابن عبد المطلب، عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. تقدمت ترجمته.
(3)
الأبيات لَها قصة في الأغاني 4/ 93، معجم البلدان 5/ 232، العمدة لابن رشيق ص 62. والثاني في معجم ما استعجم 4/ 1274، ونسبه لشبل بن عبد الله مولى هاشم، والأول أصح.
(4)
في الأصل: (منهم).
(5)
تحرفت في الأصل إلى: (عن). والغب: أن تأتي يوماً وتترك آخر. القاموس (غب) ص 119.
رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، قاله الزَّمخشريُّ: في الهاء مع الزاي، من (الفائق).
(1)
المَوْجَا،
بالفتح والجيم: أُطُمٌ بالمدينة لبني وائل بن زيد بن قيس بن عامر بن مُرَّة بن مالك بن الأوس في دارهم التي كانوا بِها وابتنوا العَذْق أيضاً.
/437 مَهْزور، بفتح أوَّله، وسكون الهاء، وضمِّ الزَّاي، بعدها واو وراء، مِنْ: هَزَرُه يَهْزرُهُ: ضربه بالعصا على ظهرهِ وجنبه، وهو اسم وادٍ بالمدينة
(2)
، ومهزور ومُذينب يسيلان بماء المطر خاصَّة.
قال أبو عُبيدٍ
(3)
: مهزورٌ: وادي قريظة، لما قَدِمت اليهود المدينة نزلوا السَّافلة فاستوْبَلوها
(4)
. فبعثوا رائداً لهم حتى أتى العالية: بُطحان ومهزوراً وهما واديان يهبطان من حَرَّةٍ ينصبُّ منها مياهٌ عذبةٌ فرجع إليهم، فقال: قد وجدتُ لكم بلداً نَزِهاً طيِّباً، وأوديةً تنصبُّ إلى حَرَّةٍ عذيَّة
(5)
، ومياهاً طيبةً في مناخر الحرَّة، فتحوَّلوا إليها، فَنَزَلَ بنو النضير ومَنْ معهم بُطحان، ونزلت قُريظة على مهزور، فكانت لهم تِلاعٌ وما سقى شمران.
(6)
(1)
الفائق في غريب الحديث 4/ 103.
(2)
قال العياشي ص 499 - 500: يقع في الجنوب الشرقي من المدينة في أقصى منطقة العوالي، وذكر حدود منطقة النضير ثم قال: فما انحدر منها على قربان كان منه وادي مذينب، وما انحدر منها للعوالي كان منه وادي مهزور، وأول ما يسقي من جهة الجنوب البويرة والعاقلية والغانمية، وما إليها، ومن الشرق: حاجزة وما حولها، ثم ينصرف هذا الوادي في عدة شُعب بين بساتين العالية.
(3)
النقل من معجم البلدان 5/ 234.
(4)
استوبل الأرض: إذا لم توافقه وإن كان محباً لها. القاموس (وبل) ص 1067.
(5)
العذية: الأرض الطيبة البعيدة من الماء والوخم. القاموس (عذا) ص 1310.
(6)
هكذا في الأصل، وفي معجم البلدان 5/ 234، وماءٌ يسقي سَمُرات.
وفي مهزور اختُصم إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مالك بن ثعلبة عن أبيه
(1)
أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أتاه أهل مهزور فقضى أنَّ الماء إذا بلغ الكعبين لم يُحبس الأعلى
(2)
.
وكانت المدينة أشرفت على الغرق في خلافة عثمان رضي الله عنه من سيل مهزور حتى اتخذَ عثمانُ رضي الله عنه له ردماً.
وجاء أيضاً ماءٌ عظيم مخوف في سنة ست وخمسين ومائة فبعث إليه عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس
(3)
- وهو الأمير يومئذ - عبيدَالله بن أبي سلمة العمريَّ فخرج، وخرج النَّاس بعد صلاة العصر وقد ملأ السَّيلُ صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدلَّتهم عجوزٌ من أهل العالية على موضعٍ كانت تسمع الناس يذكرونه، فحفروه فوجدوا للماء مسيلاً، ففتحوه ففاض الماء منه إلى وادي بُطحان.
قال أحمد بن جابر
(4)
: ومن مهزور إلى مذينب شُعبةٌ يصبُّ فيها.
مَهزُول:
وادٍ بحمى ضَرِيَّةَ ينفلق واديين هما شُعبتا مهزول. قال
(5)
:
(1)
أبو مالك اسمه مالك، من بني قريظة، مقبول، من الخامسة. تقريب التقريب ص 516 (6428)، وأبوه ثعلبة مختلفٌ في صحبته. قال ابن معين: له رؤية، وهو ممن لم يُقتل من بني قريظة لصغره. يروي عن ابن عمر، روى عنه الزهري وابن الهاد. الثقات لابن حبان 4/ 98، التاريخ الكبير 1/ 2/173، الإصابة 1/ 201.
(2)
الحديث تقدم في مادة (جدر) من طريق آخر، وأخرجه البغوي وابن أبي عاصم، ورجاله ثقات كما ذكر ذلك ابن حجر في الإصابة 1/ 201.
قلتُ: وأخرجه من هذا الطريق أيضاً البلاذري في فتوح البلدان ص 17.
(3)
عم الخليفة أبي جعفر المنصور، ولي المدينة لعمه ثم البصرة، ثم وليها لهارون الرشيد. مات سنة 185 هـ ببغداد، وصلى عليه هارون الرشيد. المعارف ص 374، التحفة اللطيفة 2/ 20.
(4)
هو البلاذري. وقد تقدم؛ وذكر ذلك في فتوح البلدان ص 19 مع القصة.
(5)
الرجز في معجم البلدان 5/ 235، نقلاً عن أبي زياد الكلابي.
عُوجا خليليَّ على الطلُّولِ
…
بين اللِّوَى وشُعبتي مَهْزولِ
وما البُكا في دارسٍ مُحيلِ
…
قَفْرٍ وليس اليومَ كالمأهولِ
وقال الزَّمخشريُّ
(1)
: مهزولٌ: وادٍ في أصل جبلٍ يقال له: يَنُوف.
مَيَاسِرُ:
موضعٌ بين الرَّحبة والسُّقيا من بلاد عُذرة، سُقيا الجِزْل، قريبٌ من وادي القرى. قال كثيِّرٌ
(2)
:
إلى ظُعُنٍ بالنَّعفِ نعْفِ مياسرٍ
…
حَدَتها تواليها ومارَتْ صدُورُها
مِيْث،
بكسر أوَّله، وسكون ثانيه، آخره مثلثة: موضعٌ بعقيق المدينة كأنه من الميْثَاء، وهي الرَّملة اللَّينة. وجمعها: مِيْثٌ، ويقال: ذو المِيْثِ في الموضع المذكور. قال عليٌّ بن أبي جحفل
(3)
:
/438 أتزعمُ يومَ المِيثِ عمرةُ أنني
…
لدى البَينِ لم يعزِزْ عليَّ اجتنابُها
وأُقسمُ أنسى حبَّ عمرةَ ما مشت
…
وما لم تَرمْ أجراعَ ذي الميث لابُها
مَيْطَانُ،
(4)
بفتح أوَّله وسكون ثانيه، وطاء مهملة، وألف ونون: من جبال
المدينة مقابل شَوْرَان، به بئرٌ يقال لها: ضَفَّة
(5)
، وليس به نباتٌ، وهو لمزينة ولسُليم
(6)
.
(1)
في كتابه الفائق في غريب الحديث 4/ 104.
(2)
البيت في ديوانه ص 312 من قصيدة يرثي بها عبد العزيز بن مروان، معجم ما استعجم 4/ 1281، ما اتفق لفظه 2/ 898. وموضع البيت في الأصل بياض.
…
وذكر في معجم البلدان 5/ 235 البيت مع بيتين آخرين.
…
مارت: تحرَّكت وتموَّجت. اللسان (مور) 5/ 186.
(3)
البيتان في معجم البلدان 5/ 241. وعلي بن أبي جحفل لم أجده.
(4)
ضبطه البكري 4/ 1284 بكسر أوَّله.
(5)
انظر رسالة عرَّام ص 426، معجم ما استعجم 3/ 879 و 906. وتحرفت في الأصل إلى:(صعة).
(6)
وهو جبلٌ أحمرٌ، له قِمَّةٌ واحدةٌ مستديرة، ويقع في الجنوب الشرقي في القاع الأحمر. المدينة بين الماضي والحاضر ص 473.
قال معن بن أوس المُزني وكان طلَّق امرأته ثمَّ ندم
(1)
:
كأنْ لم يكنْ يا أُمَّ حِقَّةَ قبل ذا
…
بِمَيْطَانَ مُصْطافٌّ لنا ومَرابعُ
وإذ نحنُ في غضِّ الشَّبابِ وقد عسا
…
بنا الآن إلا أن يُعَوِّضَ جازعُ
فقد أنكَرتْه أُمُّ حِقَّةَ حادثاً
…
وأنكرَها ما شئتَ والحبُّ جارعُ
ولو آذنتنا أُمُّ حِقَّةَ إذ بنا
…
شَبابٌ وإذ لَمَّا تَرُعنا الرَّوائعُ
لقلنا لها: بِيني-كَلَيْلى-حميدةً
…
كذاك بلا ذَمٍّ، تُردُّ الودائعُ
* * *
(1)
الأبيات في ديوانه ص 50، والأغاني 10/ 160، معجم البلدان 5/ 243 وتصحَّف في الأصل:(غضّ) إلى عصر. ورواية الديوان للبيت الثالث: ألا أنكري ما شئت فالودُّ فادعُ. المرابع: الإقامة زمن الربيع. وفي القاموس (ربع) ص 718 ربع وارتبع بمكان كذا: أقام به في الربيع، وتحرفت في الأصل إلى:(المراتع). عسا الشيخ يعسو، وعسي: كبر. القاموس: (عسا). القاموس ص 1311.
باب النون
نابعٌ،
كصاحب، مِنْ: نَبَعَ الماءُ يَنْبُعُ؛ إذا ظهر: موضعٌ قربَ المدينة معروف.
نَاجِيةُ:
موضعٌ قرب المدينة، على طريق البصرة
(1)
.
النَّازِيَة،
بالزَّاي وتخفيف الياء: عينٌ ثَرَّة
(2)
قرب الصفراء، بين المدينة والجُحفة، وهي إلى المدينة أقربُ.
قال ابنُ إسحاق
(3)
: ولما سار النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى بدرٍ ارتحل إلى الرَّوحاء، حتى إذا كان بالمنصرف ترك طريق مكَّة يساراً، وسلك ذات اليمين على النَّازِيَة يريد بدراً، فسلك ناحيةً منها حتى جزَعَ
(4)
وادياً يقال له: رُحقان بين النَّازية ومضيق الصفراء.
كأنه مِنْ: نزا ينْزو: إذا قفز، والنَّازيةُ: رحبةٌ واسعة فيها عِضَاهٌ ومُروجٌ.
ناصِفَةُ،
بكسر الصاد المهملة وفاء وهاء: موضعٌ بعقيق المدينة.
قال أبو معروف التميميُّ
(5)
:
(1)
لكنه يبعد عن المدينة كثيراً، وأقرب إلى البصرة. فقد ذكر الحربي في المناسك ص 606: أثال: جبل لبني عبس بينه وبين الماء الذي ينزل الناس عليه إذا خرجوا من البصرة إلى المدينة ثلاثة أميال، وهو بعد قوٍّ وقبل الناجية. وقال الشيخ حمد الجاسر (المغانم 403): إن أثال لا يزال معروفاً قرية من قرى الجواء في الشمال الغربي من مدينة بريدة.
(2)
الثرة من العيون: الغزيرة. القاموس (ثرر) ص 358.
(3)
السيرة النبوية 2/ 257.
(4)
جَزَعَ، أي: قطع. القاموس (جزع) ص 709.
(5)
البيت في معجم البلدان 5/ 252، وأبو معروف أحد بني عمرو بن تميم. ومن هذه القصيدة أبيات في معجم ما استعجم 3/ 881.
ألم تلممْ
(1)
على الدِّمَنِ الخشوعِ
…
بناصفةِ العقيقِ إلى النَّقيع؟
وناصفة أيضاً: وادٍ من أودية القَبَلية، عن أبي القاسم الزمخشريُّ
(2)
.
وناصفةُ أيضاً: ماءٌ لبني جعفر بن كلاب.
نَاعِمٌ
(3)
، كصاحب: حصنٌ من حصون خيبر عنده قتل محمود بن مسلمة أخو محمد بن مسلمة ألقوا عليه رَحَاً فقتلوه عام خيبر.
والنَّاعمُ موضع آخر. قال أبو دُؤاد
(4)
:
…
أَوحشَتْ من سَروبِ قومي تِعارُ
…
فأَرومٌ فَشَابةٌ فالسِّتَارُ
/439 فإلى الدُّور فالمرُوراتِ منهم
…
فحفيرٌ، فناعمٌ، فالدِّيارُ
ونَاعِمَةُ: حديقةٌ غنَّاءُ بالعوالي، وإلى جانبها أخرى صغيرةٌ تدعى نُويعمة، وسيأتي لها تكملة في ترجمة النواعم إن شاء الله تعالى.
النِّباعُ،
بالكسر وإهمال العين: موضعٌ بين ينبع والمدينة.
قال ابنُ هرمة
(5)
:
نباع عفا من أهله فالمشلَّلُ
…
إلى البحرِ لم يَأْهَلْ له بعدُ منْزلُ
فأجراعُ كفْتٍ فاللِّوى فَقُرَاضِمٍ
…
تناجى بليلٍ أهلُه فتحمَّلُوا
(1)
لمّه: جمعه. القاموس (لمم) ص 1159.
(2)
في كتاب الجبال ص 188.
(3)
تقدَّم في مادة (خيبر).
(4)
البيتان في معجم البلدان 5/ 253، والثاني في معجم ما استعجم 4/ 1218.
…
وأبو دُؤاد هو الإيادي، اسمه جويرية بن الحجاج، شاعر مشهور جاهلي، وهو أحد نُعَّات الخيل المجيدين، مدح الحارث بن همام، فأعطاه عطايا كثيرة. الشعر والشعراء ص 140، معجم الشعراء ص 115، الأغاني 15/ 91.
(5)
البيتان في ديوانه ص 165. وفي الأصل: (عفا أمج)، بدل: (نباع عفا)، ولا شاهد في نص الأصل، يناسب (نباع)، والتصحيح من معجم البلدان 5/ 256.
نُبَيْعٌ،
كَزُبير، مِنْ: نَبعَ الماءُ: موضعٌ قرب المدينة. قال زهيرٌ
(1)
:
غَشِيتُ دياراً بالنُّبيعِ فَثَهْمَدِ
…
دَوارِسَ قد أقويْنَ من أمِّ مَعْبدِ
أَربَّتْ بِها الأرواحُ كلَّ عشيةٍ
…
فلم يبقَ إلا آل خَيْمٍ مُنضَّدِ
النَّبيُّ،
بلفظ النبيّ صلى الله عليه وسلم: جبلٌ قرب المدينة. قال عديُّ بن زيدٍ
(2)
:
سقى بطنَ العقيقِ إلى أُفَاقٍ
…
فَفَاثورٍ
(3)
إلى لَبَبِ الكَثيبِ
فرَوَّى قُلَّةَ الأدحالِ وَبْلاً
…
فَفَلْجَا، فالنبيَّ فذا كَرِيبِ
والنبيُّ أيضاً: موضعٌ من وادي ظَبْي
(4)
.
والنبيُّ أيضاً: ماءٌ بالجزيرة، من ديار تغلب والنَّمر بن قاسط
(5)
، وقيل: هو بضمِّ النون، وفتح الباء. قال القُطّاميُّ
(6)
:
لَمَّا وَرَدْنَا نَبيَّاً واستتبَّ بنا
…
مُسْحَنْفِرٌ كخطوطِ السَّيحِ، مُنْسَحِلُ
(1)
البيتان في ديوانه ص 19، وهما مطلع قصيدة له يمدح بها هرم بن سنان. معجم البلدان 5/ 259. ووقع في الأصل (بالنُّبيط) ولا شاهد فيها.
أربَّت: أقامت. القاموس (ربب) ص 87، الأرواح جمع ريح، الآل جمع آلة: وهي عمود الخيمة. المعجم الوسيط 1/ 33. منضَّد: الذي جُعل بعضه فوق بعض. القاموس (نضد) ص 322.
(2)
ديوانه ص 38، وفيه: وبلٌ، وهو أحسن. معجم البلدان 5/ 259، معجم ما استعجم 4/ 1127. وعدي بن زيد شاعرٌ جاهليٌّ نصرانيٌّ كانت له مكانة عند كسرى. الأغاني 2/ 17، الشعر والشعراء ص 130. وتحرّفت (وبلا) إلى:(وثلاً).
(3)
فاثور: اسم موضع أو واد بنجد. معجم البلدان 4/ 224.
(4)
ظَبْيٌ: وادٍ لبني تغلب. معجم البلدان 3/ 59.
(5)
انظر نسبهم في نسب معد للكلبي 2/ 18.
(6)
البيت في ديوانه ص 77، معجم البلدان 5/ 259، الزاهر 2/ 113.
…
…
مسحنفر: طريق مستقيم. القاموس ص 405 مُنْسحل: مسرع. انسحال الناقة: إسراعها في الذهاب. لسان العرب (سحل) 11/ 329.
…
قال ابن الأنباري في الزاهر 2/ 112: يجوز أن يكون النبيُّ سمِّي نبياً لبيان أمره ووضوح خبره، أخذ من النبيِّ، وهو عندهم الطريق.
وقيل: النَّبيُّ: رملٌ بعينه.
واختلف في اشتقاقه، فقيل: من النَّبْوَة والنَّباوة، للارتفاع، لأنَّ النبيَّ مُشِرفٌ على سائر الخلق. وقيل: من النَّبأ، وهو الخبر؛ لأنَّه عن الله يخبر. وقيل: من النَّبيِّ الذي هو الطريق؛ لأنَّ الأنبياء طرقُ الهدى. وقيل: فعيل، مِنْ: نبا ينبو؛ إذا علا وارتفع.
قال أوس بن حَجَر
(1)
:
لأصبَح رَتْماً دُقاق الحصى
…
مكانَ النبيِّ من الكاثبِ
النَّبيُّ: المكان المرتفع، والكاثبُ: الرَّملُ المجتمع.
قال الزَّجّاج
(2)
: القراءةُ [المُجمعُ] عليها في النَّبيين، والأنبياء، تركُ الهمز، وقد همزَ جماعة من أهل المدينة
(3)
في جميع القرآن، والأجوَد تركُ الهمز، لأنَّ الاستعمال يوجب أنَّ ما كان مهموزاً من فَعِيلٍ، فجمعُه فُعَلاء كَكُبَراء وبُرَآء، فإذا كان من ذوات الياء فجمعه: أَفْعِلَاء، كغنيٍّ وأغنياء، ونبيٍّ وأنبياء، بغير همزٍ، فإذا همزت قلتُ: نبيءٌ ونبآء.
النُّجَيْلُ،
تصغير النَّجْل، وهو يطلق على معانٍ: النَّجلُ: الولد، والماء المستنقع، والجمع الكثير من الناس، والمَحجَّة، وسلخ الجلد من قفاه، وإثارة أخفاف الإبل الكمأة، والسَّير الشديد/440، ومحو الصبي اللوح، ورميك الشيء، وسَعة العين.
(1)
البيت في ديوانه ص 11، معجم ما استعجم 3/ 823، معجم البلدان 5/ 259، الاشتقاق ص 462. الرَّتم: المكسور. القاموس (رتم) ص 1110. الكاثب: مكانٌ. القاموس (كثب) ص 129.
(2)
النقل من كتابه معاني القرآن وإعرابه 1/ 145 مع بعض التصرّف.
(3)
وهو الإمام نافع، قارئ أهل المدينة، قرأ لفظ النبي وما اشتُقَّ منه بالهمز.
والنُّجَيل المذكور: عِرْضٌ من أعراض المدينة من ينبع. قال كُثيِّرٌ
(1)
:
وحتى أجازَتْ بطنَ ضَاسٍ ودُونَها
…
رِعَانٌ فهضبَا ذي النُّجيلِ فَيَنْبُعُ
نُخالٌ،
بالضَّمِّ، آخره لام: عَلَمٌ مرتجل لاسم شِعْبٍ من شُعَب، وشُعَب: وادٍ يصبُّ في الصفراء قرب المدينة. قال كُثَيِّرٌ
(2)
:
وذكرْتُ عزَّة إذ تصاقَبُ دارَها
…
بِرُحَيِّبٍ فَأُرابنٍ فَنُخَالِ
نَخْلٌ،
بلفظ اسم جنس النخلة: منْزلٌ من منازل بني ثعلبة على مرحلتين من المدينة.
وقيل: موضعٌ بنجدٍ من أرض غطفان، مذكور في غزوة ذات الرِّقاع
(3)
.
قال كُثيِّرٌ
(4)
:
وكيف ينَالُ الحاجبيةَ آلِفٌ
…
بيَلْيَلَ مَمْساهُ وقد جاوزَتْ نخلا
قال ابنُ السِّكِّيت: نخلٌ: منْزلٌ لبني مُرَّة بن عوف، على ليلتين من المدينة.
وقال زهير بن أبي سُلمى
(5)
:
وإنِّي لَمُهدٍ من ثناءٍ ومِدْحَةٍ
…
إلى ماجدٍ تُبْغَى لديه الفَواضلُ
أُحابي به مَيْتاً بنَخْلٍ وأبتغي
…
إخاءَك بالقِيلِ الذي أنا قائلُ
وأمَّا الذي ذكره المتنبيُّ في قوله
(6)
:
(1)
البيت في ديوانه ص 403، معجم البلدان 5/ 274، الوفا 4/ 1318. رِعَان: موضع. بين الصفراء وينبع. معجم البلدان 3/ 51. وضاس: تقدم في حرف الضاد مع البيت نفسه.
(2)
البيت تقدم.
(3)
قال ابن إسحاق: حتى نزل نخلاً، وهي غزوة ذات الرقاع. السيرة النبوية 3/ 155.
(4)
البيت في ديوانه ص 382، من قصيدة يهجو بها بني ضمرة، ويفتخر برهطه.
الخصائص 2/ 298، معجم ما استعجم 4/ 1303، معجم البلدان 5/ 277.
(5)
البيتان ليسا في ديوانه، وهما في معجم البلدان 5/ 277.
(6)
البيت في ديوانه 1/ 38.
فمرَّتْ
(1)
بِنَخْلٍ، وفي رَكبِها
…
عن العالمينَ وعنه غِنَى
فهو موضعٌ في طريق الشَّام من ناحية مصر.
نَخَلىَ،
مثال بشَكَى وجَمَزى: وادٍ في صدور ينبع
(2)
، قاله ابنُ الأعرابيِّ، وله نظائرُ ستٌّ تقدَّم ذكرُها
(3)
.
نُخَيْلٌ،
تصغير نخل: اسمُ عينٍ على خمسة أميال من المدينة.
قال كُثيِّرٌ
(4)
:
جعلنَ أراخيَّ النُخَيْلِ مكانه
…
إلى كلِّ قَرٍّ مستطيلٍ مُقَنَّعِ
ويوم النُّخيل من أيامهم
(5)
.
والنُّخيل أيضاً: موضعٌ بناحية الشام.
و
ذو النُّخيل:
بمكة بين المغمِّس
(6)
والأَثْبِرَة
(7)
، يفرغ في صدر مكة.
وموضعٌ دُويَن حضرموت.
نِساح،
بالكسر-وقيل بالفتح- وسين وحاء مهملتين، جمع نِسْح:
(1)
في الأصل: (ومرّ).
(2)
أفاد الشيخ حمد الجاسر (المغانم 407): أنه مازال معروفاً بهذا الاسم.
(3)
وهي بَشَمى، وصَوَرى، وضَفَوى، وقَلَهى، وقَمَلَى، ونَقَمى، وزاد عليها ابن دريد ألفاظاً كثيرة في جمهرة اللغة 2/ 1180.
(4)
البيت في ديوانه ص 412، وقد اختلف في روايته، ففي الديوان (أراخيَّ البُحير) وقال شارحه: البحير: عين غزيرة في يليل.
…
وهو عند البكري في مادة (نجيل) 4/ 1300، وقال: النُّجيلُ: موضعٌ أسفل ينبع. وههنا كما عند ياقوت 5/ 278، النُّخيل. الأراخيّ: بطون الأودية.
(5)
انظر خبره في الأغاني 4/ 133.
(6)
المُغمِّس: موضعٌ في طرف الحرم، وهو الذي ربض فيه فيل أبرهة. معجم ما استعجم 4/ 1248.
(7)
جمع ثبير، وهو جبل بمكة. معجم البلدان 1/ 90.
ماتحاتَّ من
قشر التَّمر، وهو موضعٌ بمِلك
(1)
على ثمانية وعشرين ميلاً من المدينة.
وقال نصرٌ: نِسَاح: موضعٌ أظنُّه بالحجاز.
ونِسَاح أيضاً: ناحيةٌ من جَوِّ اليمامة.
قال عرقل بن الخطيم
(2)
:
/441 لعمرُك لَلرَّمّانُ إلى بَثاء
…
فحزمُ الأشيمَين إلى صَباحِ
أَحَبُّ إليَّ من كنَفَيْ لِحاءٍ
…
وما رأَتِ الحواطِبُ من نِساحِ
وحَجَّرٍ، والمصانعِ حول حجرٍ
…
وما هَضمتْ عليه من النفاح
النِّسَارُ،
بالكسر: جَبَلٌ بِحِمَى ضَرِيَّةَ. قال الأصمعيُّ: سألتُ رجلاً من بني غنيٍّ: أين النِّسار؟ فقال: هما نِسران، وهما أبرقان من جانب حِمَى ضَرِيَّةَ، ولكن جُمعا، وجُعِلا موضعاً واحداً.
وقيل: هو جبلٌ يقال له نَسرٌ، فجُمِعَ في الشعر.
وقال أبو عبيدة
(3)
: النِّسارُ أجبلٌ متجاورة، يقال لها: الأنسر، وهي النِّسار. وكانت به وقعةٌ بين الرَّباب وبين هَوازن، وسعد بن عمرو بن تميم، فَهُزمت هوازن، فلمَّا رأوا الغلبة، سألوا ضَبَّةَ أن يشاطروهم أموالهم وسلاحهم، ويخلّوا عنهم، ففعلوا، فقال ربيعةُ بن مقروم
(4)
:
(1)
تصحفت في الأصل إلى: بملل، والمثبت هو الصواب، كما عند ياقوت 5/ 283، وهو وادٍ باليمامة 4/ 194، وأفاد الشيخ حمد الجاسر (المغانم 408): أنه قريب من الخرج بينما مَلَل تبعد عن المدينة 28 كلم، وليست المرادة.
(2)
أحد اللصوص المشهورين والأبيات في معجم البلدان 5/ 283، وللأبيات تتمة في أنساب الأشراف 11/ 265. الرَّمانُ وبثاء وحزم وصباح ونساح وحجر كلها أمكنة. وتحرفت الرمّان في الأصل إلى:(الزمان).
(3)
في كتابه نقائض جرير والفرزدق 1/ 174، وانظر خبره في أنساب الأشراف 11/ 173.
(4)
الأبيات من (مفضليته) وهي في المفضليات ص 183، شرح اختيارات المفضل للتبريزي 2/ 841،844، وفي نقائض جرير والفرزدق لأبي عبيدة 2/ 359، معجم البلدان 5/ 283.
…
وربيعة بن مقروم الضَّبيُّ أحد شعراء مضر المعدودين في الجاهلية والإسلام، وفرسانها، أسلم وحسن إسلامه، وشهد القادسية وغيرها من الفتوح، وعاش مائة سنة. معجم الشعراء ص 125، من الضائع من معجم الشعراء ص 64، الشعر والشعراء ص 198، الإصابة 1/ 527.
قَوْمي، فإنْ كنتَ كذّبْتَني
…
بما قلتُ، فاسألْ بقومي عَلِيما
فِداً بِبُزَاخَةَ أهلي لهمْ
…
إذا ملأوا بالجموعِ القَصِيما
وإذْ لَقِيَتْ عامِراً بالنِّسا
…
رِ، منهم وطِخْفَةَ يوماً غَشُوما
به شاطروا الحيَّ أموالهمْ
…
هوازنَ، ذا وَفْرِهَا والعَدِيما
نَسْرٌ،
بلفظ النَّسْر الطَّائر: موضعٌ من نواحي المدينة. ذكره الزُّبير بن بكَّار في كتاب (العقيق)، وأنشد لأبي وجزةَ السَّعديِّ
(1)
:
بأجمادِ العقيقِ إلى مراخٍ
…
فَنَعْفِ سُويقة، فَنِعَافِ نَسْرِ
ونَسْرٌ: أَحدُ الأصنام الخمسةِ التي عبدها قومُ نوح عليه السلام
(2)
، وصارت إلى
عمرو بن لُحَيٍّ
(3)
، ودعا القومَ إلى عبادتِها، فكان فيمن أجابه حِمْيَر فأعطاهم نسراً فعبدوه بأرض بَلْخَع
(4)
من اليمن.
قال الأخطلُ
(5)
:
(1)
تقدم البيت في مادة (روضة نسر).
(2)
وهي المذكورة في قوله تعالى: {وقالوا لا تَذَرُنَّ آلهتكَم، ولا تَذَرُنَّ وَدَّاً ولا سُوَاعاً ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً} سورة (نوح) آية رقم: 24.
(3)
هو أوَّلُ مَنْ دعا العرب إلى عبادة الأصنام. انظر خبره في ذلك في (المنمق) ص 327، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيتُ عمرو بن عامر بن لُحَيِّ الخُزاعيَّ يَجُرُّ قُصْبَه في النَّار، وكان أوَّلَ مَنْ سيَّبَ السَّوائب» . أخرجه البخاري في المناقب، باب قصة خزاعة، رقم: 3521، 6/ 633. ومسلم في الجنة، باب النار يدخلها الجبارون، رقم: 2856.
(4)
معجم البلدان 1/ 480.
(5)
الأبيات ليست له، وإنما قائلها عمرو بن عبد الجنّ التنوخي، وهو شاعر جاهليٌّ قديم، يرد على عمرو بن عدي، كما في معجم الشعراء ص 210، تاريخ الطبري 1/ 622 وفيه الأولان، ولم يعرف الثالث، لسان العرب (أبل) 11/ 6، الصحاح (أبل) 4/ 1620. وهي في معجم البلدان 5/ 284 للأخطل، وهو خطأ، تابعه عليه المؤلف، العندم: نبت أحمر. اللسان (عندم) 12/ 430، الأبيل: راهب النصارى. اللسان (أبل) 11/ 3، المائرات: الجاريات على وجه الأرض. القاموس (مور) ص 477.
أَمَا وَدِماءٍ مَائراتٍ تَخالُها
…
على قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ عَنْدَمَا
وما سبَّحَ الرَّحْمنَ في كلِّ بِيعَةٍ
…
أبيلُ الأبيلينَ المسيحُ بنُ مرْيَما
لقد ذاقَ منّا عامرٌ يوم لَعْلَعٍ
…
حُساماً إذا ما هزَّ بالكفِّ صَمَّما
نِسْعٌ،
بكسر أوله، وسكون ثانيه، وعين مهملة، والنِّسْعُ: المِفْصَل بين الكفِّ والساعد، والنِّسْعُ أيضاً: ريحُ الشَّمال، وسيرٌ مضفورٌ من أَدَمٍ تُشَدُّ به الرِّحال. وهو اسمُ موضعٍ بالمدينة حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده. وهو صدر وادي العقيق.
/442 قال ابنُ ميَّادَة
(1)
يخاطب خليلين له:
. . . . . . . . . . . . . .
…
وسِيلا ببطن النِّسْعِ حيثُ يَسيلُ
النُّصْبُ،
بالضَّمِّ، ثمَّ السُّكونِ، والصَّادِ المُهمَلَةِ، والباءِ الموُحَّدة: اسمُ موضعٍ قرب المدينة، بينها وبينه أربعة أميال، وقيل: هي من معادن القَبَلِية.
وعن مالك بن أنس
(2)
رضي الله عنه قال: إنَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ركب إلى ذات النُّصب، فقصر الصلاة.
والنُّصب، بالضَّمِّ، وبالضَّمتين: الأصنامُ المنصوبةُ للعبادة.
النِّصْعُ،
بالكسر والسُّكون وإهمالِ الصَّاد والعين: جبالٌ سودٌ بين الصَّفراء
(1)
عجز بيت له في (ديوانه) ص 184، وصدره: خليلي سيرا واذكرا الله ترشدا. شرح أدب الكاتب ص 152، سمط اللآلي 1/ 306.
(2)
رواه في الموطأ، كتاب قصر الصلاة في السفر، باب ما يجب فيه قصر الصلاة، رقم: 12، 1/ 147. قال مالك:(وبين ذات النصب والمدينة أربعة بُرُد). والبريد: 20 كلم.
وينبع، لبني ضمرة. قال مُزَرِّد
(1)
:
أتاني وأهلي في جُهينةَ دارُهم
…
بِنِصْعٍ فرَضْوَى من وراءِ المَرَابدِ
تأوُّهُ شيخٍ قاعدٍ، وعجوزُه
…
حَرِيْبَيْنِ بالصَّلعاءِ ذاتِ الأَساودِ
والنِّصْعُ لغةً: كلُّ لونٍ خالصِ البياض أو الصفرة أو الحمرة.
نَضَادِ،
بالفتح، وآخره دالٌ مهملة: جبلٌ بالعالية مِنْ: نَضَدَ المتاع: إذا رَصفَه، وأهلُ الحجاز يقولون: نَضَادِ، كقَطَامِ، وتميمٌ يُنَزِّلونه منْزلة ما لا ينصرف. قال
(2)
:
لو كانَ من حَضَنٍ تضاءَلَ متنُه
…
أو من نَضاد بكى عليه نَضَادُ
النَّضِير،
بفتح النُّون وكسر الضَّاد، ثمَّ ياءٍ تحتية، وراءٍ مهملة: اسمُ قبيلةٍ من اليهود الذين كانوا بالمدينة، وكانوا هم وقُريظة نزولاً بظاهر المدينة في حدائق وآطام لهم، ومنازلُهم التي غزاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيها: وادي بُطحان، والبُوَيرة. وقد تقدَّما، وذلك في سنة أربع للهجرة
(3)
، ففتح فيها [حصونهم، وأخذ] أموالهم، وجعلها صلى الله عليه وسلم خالصةً له، لأنَّه لم يُوجِف عليها بِخَيْلٍ ولا ركاب، فكان يزرع في أرضهم تحت النَّخل، فجعل من ذلك قوت أهله
(1)
البيتان من مفضليته، وهما في المفضليات ص 76، شرح اختيارات المفضل 1/ 370 و معجم البلدان 5/ 388، والأول في معجم ما استعجم 4/ 1310. وحريبين: محروبين سُلبَ مالهما، وتصحفت في الأصل إلى: حزينين. الأساود: جمع الأسود، وهي الحية العظيمة. القاموس (سود) ص 290. وكنى بها عن الغدر والشر.
…
ومزرِّد بن ضرار الغطفاني، شاعر مخضرم، فارس، وهو أخو الشمَّاخ، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشده شيئاً من شعره. كان هجَّاءً. الشعر والشعراء ص 195، معجم الشعراء ص 190،496، الأغاني 8/ 97، الإصابة 3/ 405.
(2)
البيت في معجم البلدان 5/ 290، دون نسبة، تاج العروس (نضد) 9/ 227، وهو لعُويف القوافي، كما ذكره البكري في معجم ما استعجم 3/ 872.
(3)
راجع خبرها في السيرة النبوية 3/ 155.
وأزواجه لسنته، وما فَضَلَ جعله في الكُرَاع
(1)
والسِّلاح، وأقطع منها أبا بكر، وعبد الرحمن ابن عوف
(2)
رضي الله عنهما، وقسمها بين المهاجرين ولم يعط أحداً من الأنصار شيئاً، إلا رجلين كانا فقيرين، سهل بن حُنيف
(3)
، وأبا دُجَانة سِمَاك بن
خَرَشة الأنصاريَّ السَّاعديَّ
(4)
رضي الله عنهما.
قال الواقديُّ: كان مُخَيريقُ
(5)
، أحدَ بني النضير، عالماً، فآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل ماله-وهو سبعة حوائط-لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلها صدقة.
وهي: الميْثَب
(6)
، والصافية
(7)
، والدَّلال
(8)
، وحُسْنى
(9)
، وبُرْقة
(10)
،
(1)
الخيل. القاموس (كرع) ص 758.
(2)
أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين أوصى بهم عمر، أسلم قديماً، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً وسائر المشاهد، كان من أغنياء الصحابة والمنفقين في سبيل الله، مات سنة 32 هـ. طبقات ابن سعد 3/ 124، أسد الغابة 3/ 376، الإصابة 2/ 417.
(3)
صحابيٌّ من الأوس، شهد بدراً وما بعدها من المشاهد، روى عنه ابناه أبو أمامة، وأسعد. استخلفه عليٌّ على البصرة بعد الجمل، وشهد معه صفين، مات سنة 38 هـ بالكوفة. طبقات ابن سعد 3/ 471، أسد الغابة 2/ 318، الإصابة 2/ 87.
(4)
شهد بدراً، وأبلى بلاءً حسناً يوم أحد حتى كثرت فيه الجراحة، قيل: إنه شارك في قتل مسيلمة، توفي يوم اليمامة. طبقات ابن سعد 3/ 556، أسد الغابة 2/ 229،
الإصابة 4/ 58.
(5)
مخيريق النضري، كان حبراً، وعالماً، غنياً كثير الأموال، وكان يعرف رسول الله صلىالله عليه وسلم بصفته. أسلم وأوصى بأمواله للنبي صلى الله عليه وسلم، واستشهد يوم أحد. الإصابة 3/ 393 وهذا النقل من فتوح البلدان ص 28.
(6)
قال العياشي: إنَّ الميثب هو الفقير، وهو بالعالية. المدينة بين الماضي والحاضر ص 392.
(7)
الصافية المرادة هنا في دار بني خطمة، وتعرف اليوم بزرب الكتمة، محرَّفاً من ظرب بني خطمة، وتسمى الصوافي. السابق ص 390.
(8)
وهي مقابل الصافية، قريبة من دار أبي أيوب الأنصاري التي نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسمى الثمين. السابق ص 390.
(9)
قال العياشي: تعرف اليوم بالحسينية. السابق ص 391.
(10)
بئر مدرى هي ما يعرف اليوم بالمنْزل، وإن المنْزل هو نفس برقة. السابق ص 393.
والأعواف
(1)
، ومَشرَبة
(2)
أمُّ إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم مارية القبطية.
/443 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج بني النضير على أنَّ لهم ما حملت إبلهم إلا الحَلْقة
(3)
والآلة.
نَطَاةُ،
كَقَطَاة: عَلَمٌ مرتجلٌ لحصن من حصون خيبر. وقيل: لأرضٍ بخيبر، وقيل: عينُ ماءٍ يسقي بعضَ نخيل قراها، وهي وَبِئة.
وتوهَّم اللَّيثُ
(4)
توهُّماً فاضحاً فقال: النَّطاةُ: حُمَّى تأخذ أهل خيبر، وإنما أوهمه قول الشاعر يصف محموماً
(5)
:
كأنَّ نطاةَ خَيْبَر زوَّدَتْهُ
…
بَكُورَ الوِرْدِ رَيِّثَةَ القُلُوعِ
فظنَّ اللَّيثُ أنَّها اسمٌ للحمَّى.
قال الأزهريُّ
(6)
: نَطَاةُ: عينُ ماءٍ بقريةٍ من قرى خيبر، تسقي نخيلها وهي-فيما
زعموا-وَبِئةٌ.
قال كثيِّر
(7)
:
(1)
هي جملة آبار ومزارع يسقيها مهزور. السابق ص 394.
(2)
تقع بالعالية وقد كانت بستاناً. السابق ص 396.
(3)
الحَلْقة: السِّلاح. اللسان (حلق) 10/ 58.
(4)
الليث بن المظفَّر، الذي يُنسب إليه كتاب (العين) للخليل، وقد تقدمت ترجمته. ونبَّه على هذا قبله-وقبل ياقوت المنقول عنه-الأزهري في تهذيبه 14/ 31.
(5)
البيت للشماخ في ديوانه ص 223، تهذيب اللغة 14/ 31، معجم ما استعجم 4/ 1312، معجم البلدان 5/ 291. وتحرف في الأصل قوله:(زودته) إلى: (دوده).
…
بكور الورد: حمى تباكر بورودها جسمه. اللسان (بكر) 4/ 76. ريثة القلوع: بطيئة الذهاب. اللسان (ريث) 2/ 157.
(6)
تهذيب اللغة 14/ 31.
(7)
عجز بيت في ديوانه ص 396، و صدره:(حُزِّيَتْ لي بحزْمِ فيدة تُحدي). ما اتفق لفظه 2/ 752، معجم البلدان 5/ 291، اللسان (رقل) 1/ 293.
…
حُزيت: رُفعت. اللسان (حزا) 14/ 174، الرِّقال: جمع رقلة، وهي النخلة إذا ارتفعت ففاتت اليد. اللسان (رقل) 11/ 293.
...........................
…
كاليهوديِّ من نَطاةِ الرِّقالِ
نُعَيم،
كَزُبير: موضعٌ قرب المدينة. جَمعه الفضل بن عباس اللَّهبي بأحرانه
(1)
فقال
(2)
:
ألم يأتِ سلمى نأينُا ومُقامُنا
…
بباب دُفَاقٍ في ظلالِ سُلالمِ
سنينَ ثلاثاً بالعقيقِ نَعُدُّها
…
وبيت جريدٍ دونَ فَيْفَا نَعائمِ
نَعْفُ مَيَاسِر
(3)
: قال ابنُ السِّكِّيت
(4)
: نَعْف-هاهنا-ما بين الدُّوَدَاء
(5)
وبين المدينة
(6)
، وهو حدُّ الخلائقِ، خلائقِ الأحمديين، والخلائقُ: آبارٌ
(7)
.
ذو نَفَر،
بالتَّحريك، وقد تُسَكَّنُ الفاء: موضعٌ خلفَ الرَّبذة على ثلاثة أميال من السَّليلة، بينها وبين الرَّبذة
(8)
. وقيل: خلف الرَّبذة بمرحلةٍ.
قصرُ نَفِيس:
على ميلين من المدينة، يُنسب إلى نَفِيس بن محمد، من
(1)
هكذا رسمها غير منقوطة.
(2)
البيتان في معجم البلدان 5/ 293، و 2/ 457.
…
دُفاق: موضع قرب مكة، وتصحف في الأصل إلى:(رقاق). وسُلالم من حصون خيبر، وذكرها ياقوت في مادة (نعائم).
(3)
تحرفت في الأصل إلى: (مياسير)، وكذا في الوفا 4/ 1321.
(4)
قوله في معجم البلدان 5/ 293.
(5)
الدُّوداء: موضعٌ قرب المدينة. معجم البلدان 2/ 480.
(6)
وهو منطبقٌ على ما انحدر من جبل عير، من الناحية الجنوبية الغربية، ويعرف اليوم بالمُليز، وهو مكان سباق الخيل. وهذا النعف يسامت المناصفة من الناحية الشرقية. المدينة بين الماضي والحاضر ص 432.
(7)
قريبة من حمراء الأسد. السابق ص 433. ووقع في الأصل بالحاء. وانظر القاموس (خلق) ص 881.
(8)
المناسك للحربي ص 329.
موالي الأنصار.
(1)
النَّقَّاب،
بالفتح والتَّشديد: أُطُمٌ بالمدينة، ابتناه بنو عامر بن عنان بن عامر بن خَطمة
(2)
، على البئر التي كان يقال لها: بئر عمارة، وكان لبني حارثة بن لواذن.
النِّقَاب
(3)
، بالكسر، بلفظ نِقَاب المرأة: موضعٌ من أعمال المدينة، يتشعَّب منه طريقان إلى وادي القرى ووادي المياه، ذكره أبو الطيَّب فقال
(4)
:
وأمسَتْ تُخَيِّرُنا بالنِّقَا
…
بِ وادي المياهِ، ووادي القُرى
نَقْعَاء،
كحمراء، بالقاف والعين المهملة: موضعٌ خلف المدينة، خلف النَّقيع، من ديار مُزَيْنة. وكان منْزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، وله ذكرٌ في المغازي.
وقال ابنُ إسحاق
(5)
: [هو ماء. وقد]
(6)
سَمَّى كُثَيِّرٌ مرجَ راهطٍ: نَقْعَاءَ راهط.
(7)
ونقعاءُ أيضاً: قريةٌ لبني مالك بن عمرو بن ثمامة.
وموضعٌ في ديار طيء.
(1)
وهذا القصر بحرَّة واقم بالمدينة. معجم البلدان 4/ 364، وتقدمت ترجمة نفيس مع قصره في مادة (قصر نفيس) من حرف القاف.
(2)
تحرَّفت في الأصل إلى: (حطومه). وهذه المادة لم يذكرها ياقوت ولا السمهودي.
(3)
في الأصل بياض.
(4)
هو المتنبي، والبيت في ديوانه 1/ 38، معجم ما استعجم 4/ 1319.
(5)
السيرة النبوية 3/ 238.
(6)
ما بين معقوفين ساقط من الأصل، وهو من معجم البلدان 5/ 299.
(7)
وذلك في قوله في ديوانه ص 257:
أبوكم تلافى يومَ نقعاء راهطٍ
…
بني عبدِ شمسٍ وهي تُنفَى وتُقتلُ
النَّقَا،
بالفتح، والتخفيف، مقصورةً: القطعةُ من الرمل تنقاد، مُحْدَوْدِبَة، وتثنيتها نَقَوَان، ونقَيَان، والجمع أنقاء، ونُقِيٌّ. والنَّقا أيضاً: عظم العَضُد، ويطلق أيضاً على كلِّ عظم /444 ذي مُخِّ.
والنَّقَا: اسمٌ لمكانٍ مشهورٍ بالمدينة غربيَّ المُصلَّى إلى منْزل الحجَّاج، غربيَّ وادي بُطحان، والوادي يفصل بين النقا والمصلَّى
(1)
، ولأجل تجاورهما وتقاربهما يُذكران معاً في الأشعار، ومنه قول بعضهم
(2)
:
ألا يا سارياً في قَفرِ عمر
…
تُكابدُ في السُّرى وَعْراً وسَهْلا
بلغْتَ نَقا المَشيبِ، وجُزْتَ عَنهُ
…
وما بعدَ النَّقا إلا المُصلَّى؟
وقال الشيخ شمسُ الدِّين الذَّهبيُّ
(3)
:
تولَّى شبابٌ كأنْ لم يكنْ
…
وأقبلَ شَيبٌ علينا تدلَّى
ومَنْ عاينَ المُنحنى والنَّقَا
…
فما بعدَ هذين إلا المُصلَّى
نَقَمَى،
مثال بَشَكى وجَمَزى: موضعٌ من أعراض المدينة قُرَيبَ أُحدٍ
(4)
، كان لآل أبي طالب.
(1)
قال العياشي: فالنَّقا من غربي مسجد الغمامة إلى السُّقيا في محطة القطار الحديدي، وما في جنوبها. والمصُلَّى: عند مسجد الغمامة. المدينة بين الماضي والحاضر ص 176.
(2)
البيتان في وفاء الوفا 4/ 1322، عمدة الأخبار ص 430 التعريف للمطري ص 52 دون نسبة، وهما لعمر بن عوض الشارعي، أحد أعيان القرن الثامن، كما في الدرر الكامنة 3/ 182، ورواية الأول:
…
ألا يا سائراً في بطنِ قَفْرٍ
…
ليقطعَ في الفلا وَعراً وسهلا
(3)
تقدَّمت ترجمته. والبيتان في طبقات الشافعية الكبرى 9/ 106، شذرات الذهب 6/ 155، ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني ص 37. وهما من الأبيات السائرة.
(4)
قال العياشي: وادي نقمى، يجري ماؤه جنوباً فيمرُّ ما بين موقع المطار وبين جبلي وعيرة وَوُعيرة، وفي الجنوب الشرقي منها يلتقي مع وادي قناة، فيشكلان سيلاً واحداً، ويلتقي بوادي نعمان عند جبل ثور. المدينة بين الماضي والحاضر ص 457.
قال ابنُ إسحاق
(1)
: وأقبلت غَطَفان يوم الخندق ومَنْ تَبِعها من أهل نجد حتى نزلوا بذَنَبِ نَقَمى إلى جانب أُحد، ويروى: نَقَم.
نَقِيعٌ،
بالفتح ثمَّ الكسر، وياءٍ تحتية ساكنة وعين مهملة، والنَّقِيعُ لغةً: مُسْتَنْقَعُ الماء، والنَّقيعُ: القاعُ.
وهو اسمُ موضعٍ قرب المدينة، يقال له: نَقِيعُ الخَضِمَات بفتح الخاء المعجمة، وكسر الضَّاد المعجمة، والخَضِيمة: النَّبات الناعم الأخضر الغَضُّ، والخَضِيمة أيضاً: الأرضُ النَّاعمة النبات، جمعوها
(2)
على خَضِمات، كأنَّهم أسقطوا الياء تخفيفاً لكثرة الاستعمال، حماه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لخيل المسلمين، وهو من أودية الحجاز يدفع سيله إلى المدينة، يسلكه العرب إلى مكة.
و
حِمَى النَّقيع
على عشرين فرسخاً من المدينة، أو نحو ذلك.
وقال نصر: النَّقيعُ: موضعٌ قرب المدينة كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماه لخيله، وله هناك مسجد يقال له: مقمِّل، وهو من ديار مُزينة، وبين النقيع والمدينة خمسون فرسخاً. وهو غير نقيع الخَضِمات، وكلاهما بالنون. وأما الباء فيهما فخطأٌ صُرَاح.
قال القاضي عياض
(3)
: النَّقيع الذي حماه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ عمر رضي الله عنه وهو الذي يُضاف إليه في الحديث
(4)
: «غرز النقيع» .
(1)
السيرة النبوية 3/ 171، 172.
(2)
تهذيب اللغة 14/ 31.
(3)
مشارق الأنوار 2/ 130، وقال: يروى بفتح الراء وسكونها.
(4)
ذكر السمهودي في (الوفا) 3/ 1089: أن عمر رضي الله عنه، رأى في روث فرسه شعيراً في عام الرَّمادة، فقال: لأجعلن له من غرز النقيع ما يكفيه.
…
وفي رواية: المسلمون لا يشبعون والشعير في روثك؟ لتعالجن غرز النقيع. غريب الحديث للخطابي 3/ 261 و 1/ 619، الفائق 3/ 63.
…
والغرز: نوع من أنواع الثُّمام دقيق لا ورق له. وأخرجه أحمد 2/ 157 دون لفظ (غرز).
وفي الحديث الآخر
(1)
: «بقدح لبن من النَّقيع
(2)
».
وحِمَى النقيع على عشرين فرسخاً، ومساحته ميلٌ في بريد، وفيه شجرٌ يستجِمُّ حتى يغيب الراكب فيه.
(3)
واختلف الرُّواة في ضبطه فمنهم مَنْ ضبطه بالنون منهم: النَّسائيُّ
(4)
، والقَابِسيُّ
(5)
، والصَّدَفيُّ
(6)
،
(1)
عن أبي حميد الساعدي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح من لبن من النقيع ليس بمُخمَّرٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لولا خمّرته ولو بعودٍ تعرضه» أخرجه مسلم في الأشربة، باب في شرب النبيذ وتخمير الإناء، رقم: 201، 3/ 1593، وأحمد في (المسند) 5/ 425.
(2)
في الأصل: (بالنقيع).
(3)
قال السمهودي في تعيينه 3/ 1083: وهو صدر وادي العقيق، وهو أخصب موضع هناك، ويمتد من حُضير لمسافة أربعة برد.
(4)
أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب، صاحب (السنن) سمع من قتيبة بن سعيد، وإسحاق بن راهويه، وجمع كثير، وجال في طلب العلم في خراسان والحجاز ومصر والعراق والشام، حدَّث عنه أبو بشر الدولابي، وأبو جعفر الطحاوي، كان من بحور العلم مع الفهم والإتقان، ونقد الرجال. توفي سنة 303 هـ. وفيات الأعيان 1/ 77، تهذيب الكمال 1/ 23، سير أعلام النبلاء 14/ 125.
(5)
أبو الحسن علي بن محمد القابسي، عالم المغرب، له (الملخص) على الموطأ. كان عارفاً بالعلل والرجال والفقه والأصول والكلام. من أصح العلماء كتباً، سمع من حمزة الكتاني، وابن مسرور الدباغ، توفي بالقيروان سنة 403 هـ. ترتيب المدارك 4/ 616، وفيات الأعيان 3/ 320، تذكرة الحفاظ 3/ 179.
(6)
أبو علي الحسين بن محمد الصدفي، المعروف بابن سُكَّرة، الأندلسي، روى عن أبي الوليد الباجي، والفقيه نصر، روى عنه ابن صابر والقاضي عياض، خرج له ابن الأبَّار (المعجم) في شيوخه. استشهد في ملحمة قتندة في سنة 514 هـ، وخلَّف كُتباً نفيسة وأصولاً متقنة، تدل على حفظه وبراعته. الصلة لابن بشكوال 1/ 144، الغنية لعياض ص 192، سير أعلام النبلاء 19/ 376.
والهَرَويُّ
(1)
، والخطابيُّ.
قال [الخطابيُّ]
(2)
: وقد صحَّفه بعض أهل الحديث /445 بالباء، وإنما الذي بالباء هو مدفن أهل المدينة. ووقع في كتاب الأَصِيلي
(3)
بالفاء مع النون، وهو تصحيف.
قال أبو عُبيد البكري
(4)
: هو بالباء والقاف مثل بقيع الغرقد، هكذا حكاه عنه عياض
(5)
، وحكى السُّهيليُّ عنه خلافه. قال السُّهيليُّ
(6)
: في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه حَمَى غرز النقيع.
وفي حديث عمر
(7)
رضي الله عنه وقد رأى شعيراً في روُث فرس في عام
(1)
أبو عبيد الهروي، أحمد بن محمد، العلامة الشافعي، اللغوي المؤدب، أخذ عن الأزهري، وأبي إسحاق أحمد بن محمد البزاز، حدَّث عنه أبو عثمان الصابوني وأبو عمر عبد الواحد المليحي، له (الغريبين) في غريب القرآن والحديث، وهو من الكتب النافعة، الذي سار في الآفاق، توفي سنة 401 هـ. معجم الأدباء 4/ 260، طبقات السُّبكي 4/ 84، سير أعلام النبلاء 17/ 146.
(2)
ما بين معقوفين ساقط من الأصل، وهو من معجم البلدان 5/ 302.
(3)
أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي، شيخ المالكية، وعالم الأندلس، أخذ عن ابن المشاط، وأبي الطاهر الذُّهلي، كان عالماً بالحديث وعلله ورجاله، له كتاب (الدلائل) في اختلاف مالك وأبي حنيفة والشافعي، حدَّث عنه الدارقطني، توفي سنة 392 هـ. تاريخ علماء الأندلس 1/ 249، ترتيب المدارك 4/ 642، سير أعلام النبلاء 16/ 560.
(4)
الذي ذكره في كتابه معجم ما استعجم 4/ 1323 بالنون والقاف.
(5)
وهذا خطأ في النقل عنه والرواية، وسهو من القاضي.
(6)
الروض الأنف 2/ 196، والمادة منقولة عن السهيليِّ.
(7)
الفائق في غريب الحديث 3/ 63، وقد تقدَّم.
الرمادة: لأجعلنَّ له من غرز النقيع ما يكفيه ويغنيه عن طعام المسلمين.
وفي رواية: أن عمر رضي الله عنه رأى رجلاً يعلفُ بعيراً. فقال له: أما كان في النقيع ما يكفيك؟.
قال أبو قَطيفةَ
(1)
:
ليتَ شِعري-وأين مني ليت؟
…
أَعَلى العهدِ يَلْبَنٌ فَبَرَامُ؟
أم كعهدي النَّقيعُ؟ أمْ غيَّرتْهُ
…
بعديَ المعصراتُ والأيَّامُ؟
قال الخطابيُّ
(2)
: النقيعُ: القاع، والغَرْزُ: نبتٌ يُشبه الثُّمام.
وعند ابن إسحاق-مرفوعاً إلى أبي أُمامة
(3)
- أن أوَّل جُمعة جُمِّعت بالمدينة في هَزْم بني بياضة، في نقيعٍ يقال له: نقيع الخَضِمات. هكذا المشهور في جميع الروايات المعتبرة. وقد ذكره ابن هشام
(4)
في هَزْم بني النَّبيت.
وروى عبيد بن مراوح
(5)
: نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالنقيع على مُقمِّل، فصلى وصليت معه. وقال:«حِمَى النَّقيعِ نِعْمَ مرتعُ الأفراس يُحمى لهنَّ، ويُجاهد بِهنَّ في سبيل الله تعالى» .
(1)
البيتان في تاريخ ابن شبة 1/ 295، الأغاني) 1/ 14، معجم ما استعجم 4/ 1326.
(2)
في غريب الحديث 3/ 619.
(3)
تحرفت في الأصل إلى: (ثمامة).
(4)
السيرة النبوية 2/ 83. وبنو النبيت هم بنو عمرو بن مالك بن الأوس. نسب معد 1/ 375، المدينة بين الماضي والحاضر ص 208.
والهزمُ لغةً: ما اطمأنَّ من الأرض. القاموس (هزم) ص 1170.
(5)
عبيد بن مراوح المزني، صحابي، استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على النقيع، وحديثه هذا أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة، والزبير بن بكار في (الموفقيات)، كما ذكره ابن حجر في الإصابة 2/ 446، ولم أجده في القسم المطبوع من الموفقيات. وتحرف اسمه في الأصل إلى:(مروح).
وقال عبدُ الرَّحمن بنُ حسَّان
(1)
في قاع النَّقيع
(2)
:
أَرِقْتُ لبرقٍ مُستطيرٍ كأنَّه
…
مصابيحُ تخبو ساعةً ثمَّ تلمحُ
يُضيءُ سَناهُ لي شرورى ودُونه
…
بقاعِ النَّقيعِ أو سنا البرقِ أَنزحُ
وقيل: صدرُ العقيق ما دفع في النَّقيع من قُدس
(3)
، وما قَبَلَ من الحَرَّة، وما دبَرَ من النَّقيع، وثنيَّة عمق تصبُّ في الفرع، وما قبل الحرة التي تدفع في العقيق يقال له: بطاويح. كلُّها أوديةٌ في المدينة تصبُّ في العقيق.
قال عبيد الله بن قيس الرُّقَيات
(4)
:
أَزجرْتَ الفُؤادَ منكَ الطَّرُوبا؟
…
أَمْ تصابيْتَ أَنْ رأيتَ المَشِيبا؟
أمْ تذكَّرْتَ آلَ سَلمةَ إذْ حلُّـ
…
ـوا رياضاً من النَّقيع، وَلُوبا؟
ثمَّ لم يتركوا على ماءِ عمْقٍ
…
للرجالِ المشُيِّعين قُلُوبا
قال أبو صخر الهذليُّ
(5)
:
قُضَاعيَّةٌ أدنى ديارٍ تحُلُّها
…
قَناةُ، وأنَّى من قَناةَ المُحصَّبُ
/446 ومن دُونِها قاعُ النَّقيعِ، فأسقفٌ
…
فبطنُ العقيقِ، فالجَنِيب، فَعُنْبَبُ
نَمَلَى،
كَجَمزَى، وبَشَكَى، وقَلَهى: ماءٌ بقرب المدينة عن الجَرْميِّ
(6)
. ويقال: نَمْلاء، كحمراء، قال: سُمِّي لكثرة النَّمل عنده.
(1)
تقدَّمت ترجمته، ووقع في الأصل: عبد الله، وهو خطأ.
(2)
البيتان في ديوانه ص 19، معجم البلدان 5/ 302، الوفا 3/ 1089. أنزح: أبعد.
(3)
راجع حرف القاف مادة (قدس).
(4)
الأبيات في ديوانه ص 107، معجم البلدان 5/ 302. واللُّوب جمع لابة، وهي الحَرَّة. القاموس (لوب) ص 135.
(5)
البيتان في شرح أشعار الهذليين 2/ 937.
…
والأول تقدم. وفي رواية: فالخُبَيْتُ فَعُنْبَبُ. وعُنْببَ: وادٍ يمانٍ.
(6)
أبو عمر الجَرْميُّ، تقدَّمت ترجمته.
وقيل: نَمَلَى: جبلٌ حوله
(1)
جبالٌ متَّصلةٌ به سودٌ، ليست بطوالٍ ممتنعة، وفيها رَغْنٌ
(2)
، والماشية تشبع فيها. وسُمع هاتفٌ في جوف الليل من الجنِّ يقول
(3)
:
وفي ذاتِ آرامٍ خُبوءٌ كثيرةٌ
…
وفي نَمَلَى-لو تعلمون- الغنائمُ
وفي نَمَلَى مياهٌ كثيرة بأسماء مختلفة منها: الخَنْجَرة
(4)
، والشَّبكة، والجفر، والودكاء
(5)
، وتُنَيْضِبَة، والأبرقة، والمُحدَث.
قال معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب
(6)
:
أَجَدَّ القلبُ عن سَلمَى اجتنابَا
…
فأقَصرَ، بعدَما شابَتْ وشَابَا
فإنْ يك نبلُها طاشَتْ ونبلي
…
فقد نرمي بِها حِقَباً صِيابَا
وتصطادُ الرِّجالَ إذا رَمَتْهُمْ
…
وأصطادُ المُخبَّأةَ الكَعَابَا
فإنْ يك لا تصيدُ اليومَ شيئاً
…
وآبَ قَنِيصُها سَلَماً وآبَا
(1)
قوله: (جبل حوله) تكرر في الأصل.
(2)
الرَّغن: الأرض السهلة. القاموس (رغن) ص 1201.
(3)
البيت في معجم البلدان 5/ 305، وفاء الوفا 4/ 1324، عمدة الأخبار ص 431.
(4)
بالخاء المعجمة، كما في معجم البلدان 2/ 392، ووقع في الأصل و الوفا (الحنجرة)، بالحاء، وهو تصحيف.
(5)
تحرفت في الأصل إلى: (الوركاء)، وهو موضع من حدود كسكر. وكسكر بلد بالعراق، كما في معجم ما استعجم 3/ 1128.
(6)
الأبيات مطلع قصيدته المفضليَّة في المفضليات ص 357، شرح اختيارات المفضل 3/ 1477، الأصمعيات ص 213، معجم الأدباء 5/ 305.
…
ومعاوية بن مالك يعرف بِمُعوِّد الحكماء، وهو فارسٌ شاعرٌ جاهلي، عمُّ لبيد، وهو خامس إخوته كلهم ساد وعرف بخصلة، وأمهم أم البنين بنت ربيعة. معجم الشعراء ص 288، الأغاني 16/ 21، المحبّر ص 458، المعارف ص 89. وفي المفضليات (وخابا) بدل من (وآبا). الصِّياب: جمع صائب، وهو السهم الذي يقصد الرَّميَّة فلا يخطئها. اللسان (صيب) 1/ 537. الكَعَاب: التي قد برز ثَدْيُها. اللسان (كعب) 1/ 717. وتحرفت: (شابت) إلى: (شبتَ).
(7)
اسمه أسامة بن الحارث، شاعر مخضرم، من بني هذيل. الإصابة 1/ 104، وانظر شرح أشعار الهذليين 3/ 1293.
…
والبيت في شرح أشعار الهذليين 3/ 1349، معجم البلدان 5/ 305. وتحرف (كورد) إلى:(ورد).
فإنَّ لها منازلَ خاوياتٍ
…
على نَمَلَى، وقفْتُ بِها الرِّكَابَا
قال أبو سهم الهذلي
(7)
:
تَلطُّ بنا وهنَّ معاً وشتَّى
…
كوردِ قَطاً إلى نَمَلَى مُنيبِ
النَّواعِم:
موضعٌ قرب العوالي، وكانت منْزل بني النَّضير، وكان لهم أُطُمٌ يقال له: مَنْوَر، وهو الأُطُم الذي في دار ابن طهمان، وغير ذلك من الآطام التي ذكرناها في (فصل تاريخ المدينة المقدسة).
نَهْبَانُ،
بالفتح فَعْلان من النَّهْب: قربَ المدينة مقابل القُدْسَينِ، وهما جبلان: نَهب الأسفل، ونَهب الأعلى، وهما لمُزينة وبني ليث، ونباتُهما العَرْعَر والإِثرار-وهو شجرٌ يتخذ منه القَطِران-، وبه قَرَظٌ
(1)
، وهما جبلان مرتفعان شامخان شاهقان كبيران، وفي نَهب الأعلى ماء في دوارٍ من الأرض، وبئرٌ واحدةٌ كبيرةٌ غزيرة الماء، عليها مباطخُ
(2)
، وبقولٌ ونخلات، ويقال لها: ذو خيمى، وفيه أوشال
(3)
، وفي نَهب الأسفل أوشال، ويفرُق بين هذين الجبلين وقُدس ووَرِقان الطريقُ
(4)
.
نِيَارٌ،
بالكسر، كأنَّه جمعُ نِيْرٍ لعَلَم الثوب: اسمُ أُطُمٍ من آطام المدينة. أو اسم شخصٍ أُضيف إليه أُطُم نِيار، وهو في بيوت بني مَجْدَعة من الأنصار.
(1)
القَرَظ: ورق السَّلَم. القاموس (قرظ) ص 697.
(2)
جمع مبطخة، وهي أرض يزرع فيها البطيخ. اللسان (بطخ) 3/ 9.
(3)
الأوشال جمع وَشَل، وهو الماء القليل يُتحلَّب من جبل أو صخرة، ولا يتصل قطره. القاموس (وشل) ص 1068.
(4)
النقل من رسالة عرام ص 403.
النِّيْر،
بالكسر، عَلَم الثَّوب، وخشَبٌ للحائك، يلفُّ عليه المِحْوَك، وهو جبلٌ قرب ضَرِيَّةَ
(1)
لغنيِّ بن أعصر، وقيل: لغاضرة بن صعصعة. قال أبو هلال الأسدي
(2)
:
أشاقَتْكَ الشَّمائلُ والجَنوبُ
…
ومن عَلْو الرِّياح لها هُبوبُ
أتتكَ بنفحةٍ من شِيْحِ نجدٍ
…
تضوَّعُ والعَرارُ بِها مَشُوبُ
وشِمْتَ البارقاتِ فقلْتُ جِيْدَتْ
…
جبالُ النِّير أو مُطِرَ القَلِيبُ
ومن بستانِ إبراهيمَ غنَّتْ
…
حمائمُ تحتها فَنَنٌ رطيبُ
فقلتُ لها: وُقيتِ سهامَ رامٍ
…
ورُقْط الرِّيشِ مطعمُها القلوبُ
كما هيَّجْتِ ذا طَربٍ ووجْدٍ
…
إلى أوطانِه، فبكى الغَريبُ
وبالنِّير قبرُ كُليب بن وائل
(3)
.
نِيْقُ العُقَاب،
(4)
بالكسر وضمِّ العين: موضعٌ بين مكة والمدينة قرب
(1)
انظر التعليقات والنوادر للهجري 1/ 213. قال الشيخ حمد الجاسر (المغانم 419): إنه بعيد عن ضرية، وهو سلسلة جبال عظيمة تقع في عالية نجد، يشاهدها المتجه إلى مكة، وواديها طينان ينحدر من النير.
(2)
الأبيات في معجم البلدان 5/ 330، وقال ياقوت: وفيه دلالة على أنه لغاضرة بني أسد.
والأول في معجم ما استعجم 3/ 965، وهي في أمالي القالي 1/ 53، ونقل عن أحمد بن يحيى النحوي قال: قدم علينا أعرابيُّ، فسمع غناء حمائم بستان إبراهيم بن المهدي، فاشتاق إلى وطنه، فقال، وذكرها.
الشِّيح: نبت. القاموس (شيح) ص 227 تضوَّع: انتشرت رائحته. القاموس (ضاع) ص 742.
جِيدت: مُطرت. القاموس (جيد) ص 275. الرُّقطة: سوادٌ يشوبه نُقَطُ بياضٍ. القاموس (رقط) ص 668، ومراده بِرُقط الريش: الأقواس.
(3)
أحد فرسان الجاهلية، قاد ربيعة ومضر وقضاعة يوم خزازى إلى اليمن، يُضرب به المثل في العز. قتله جساس بن مرة، فكانت لذلك حرب البسوس التي دامت سنوات طويلة. الأغاني 4/ 139، المحبر ص 300 و 249، معجم الشعراء ص 354.
(4)
في الأصل: (الغُراب)، وهو تحريف، والتصويب من معجم البلدان 4/ 1341.
الجُحْفَة، لقي به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب
(1)
، وعبدُ الله بن أمية بن المغيرة
(2)
مهاجرينِ، وهو يريد مكَّة عام الفتح
(3)
.
(1)
ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرَّضاعة، أسلم عام الفتح، وشهد حُنيناً وثبت فيها'، مات سنة 15 هـ في خلافة عمر. طبقات ابن سعد 4/ 49، أسد الغابة 5/ 144، الإصابة 4/ 90.
(2)
ابن عمَّة النبي صلى الله عليه وسلم، كان شديداً على المسلمين حتى أسلم عام الفتح، وشهد الفتح مسلماً وحُنيناً والطائف، واستشهد بالطائف. أسد الغابة 3/ 73، الإصابة 2/ 277.
(3)
السيرة النبوية 4/ 41.
باب الواو
وَابِلٌ،
كصاحبٍ: موضعٌ في أعالي المدينة. والوَابْلُ: المطرُ الشَّديدُ الضَّخْمُ القَطْرِ، العظيمُ الدَّفْع.
وَادِي،
مَعْرِفَةٌ غير مضافة: عَلَمٌ للوادي الذي بَفَجِّ الرَّوحاء، ويعرف اليوم بوادي بني سالم.
وعند البخاريِّ
(1)
عن ابن عمر رضي الله عنهما «أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينْزل بذي الحليفة» ، وكان إذا رجع من غزوة كان في تلك الطريق، أو حجٍّ أو عُمرةٍ هبط بطن واد، فإذا ظهر من بطن واد أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقية، فعرَّس ثَمَّ حتى يصبح. وتمام الحديث في (باب المساجد التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى مكة).
وادي الدَّوْم:
وادٍ معترضٌ من شمالي خيبر إلى قبليها، أوَّله من الشَّمال عمرة ومن القِبلة القُصَيبة، وهذا الوادي يفصل بين خيبر والعوارض
(2)
.
وادي القُرى:
وادٍ كبيرٌ من أعمال المدينة
(3)
، كثير القرى بين المدينة
(1)
كتاب الصلاة، باب المساجد التي على طريق المدينة، والمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: 484، 1/ 676 وفيه:(كان ينزل بذي الحليفة حين يعتمر، وفي حجته حين حجَّ تحت سَمُرةٍ في موضع المسجد الذي بذي الحليفة).
(2)
وهو إلى خيبر أقرب، والعوارض: حَرَّة العويرض الواقعة غرب هذا الوادي وشماله. أفاده الشيخ حمد الجاسر (المغانم 422). والقُصَيبة بين المدينة وخيبر، وهو وادٍ يزهو أسفل وادي الدَّوم، وما قارب ذلك. معجم البلدان 3/ 366، وتحرفت في الأصل (العوارض) إلى:(العراصي).
(3)
هو بين المدينة وتبوك، ويعرف بوادي العُلا، يبعد عن المدينة حوالي 350 كلم. المعالم الأثيرة ص 224.
والشام. فتحه النبي صلى الله عليه وسلم في سنة سبع عَنْوَةً، ثمَّ صولحوا على الجزية.
قال أحمد بن جابر
(1)
: في سنة سبع لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر أتى وادي القرى، فدعا أهلَه إلى الإسلام فامتنعوا عليه وقاتلوه ففتحه عنوة، وغنم أموالهم، وأصاب المسلمون /448 أثاثاً ومتاعاً، فخمَّس رسولُ الله ذلك، وترك النخل والأرض في أيدي اليهود، وعاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر. فقيل: إنَّ عمر رضي الله عنه أجلى يهودها فيمن أجلى، وقسمها بين مَنْ قاتل عليها. وقيل: إنَّه لم يُجْلِهم لأنَّها خارجةٌ عن الحجاز، وهي الآن مضافةٌ إلى عمل المدينة. وكان فتحها في جمادى الآخرة سنة سبع.
قال عبد الباقي بن حصين المَعريُّ
(2)
:
إذا غِبْتَ عن ناظري لم يكَدْ
…
يمرُّ بهِ وأبيكَ الكَرَى
فَيُؤلمُني أنني لا أرا
…
كَ إذا ما طلبتُكَ-فيمَنْ أَرى
لقد كذَبَ النومَ فيما استقل
…
بشخصِك في مُقلتي وافتَرى
فكيفَ وداري بأرضِ الشَّآ
…
مِ، ودارُكَ أرضٌ بوادي القُرَى
وبعد، فلي أملٌ في اللِّقا
…
فإني وإياكَ فوقَ الثَّرَى
وقال جميل
(3)
:
ألا ليتَ شِعري هل أَبيْتنَّ ليلةً
…
بوادي القُرى، إني إذاً لسعيدُ
وهل أرَيَنْ جُمْلاً به وهي أيّمٌ
…
ومَا رُثَّ من حبلِ الوصالِ جديدُ
والنِّسبةُ إلى وادي القرى واديٌّ، [وقد نُسِبَ إليه]
(4)
جماعةٌ منهم:
(1)
هو البلاذري. والنقل من كتابه أنساب الأشراف 1/ 445، فتوح البلدان ص 79.
(2)
الأبيات في معجم البلدان 5/ 345. وعبد الباقي يكنى أبا يعلى، كان قاضياً.
(3)
جميل هو صاحب بثينة، تقدم، والبيتان في (ديوانه) ص 38، من قصيدة مطلعها:
ألا ليتَ رَيعانَ الشَّبابِ يعودُ
…
ودهراً تولَّى يا بُثَين يعودُ
…
معجم البلدان 5/ 345.
(4)
ما بين معقوفين ساقط من الأصل، وهو من معجم البلدان 5/ 345.
عمر بن داود بن راذان مولى عثمان بن عفان، المعروف بعمر الوادي
(1)
، المُغنّي وكان مهندساً، وهو أستاذ حَكَم الوادي.
(2)
وادي بطحان،
وذو صلب، وذو ريش، ومهزول، ومعجف
(3)
، ومذينب، وزَغَابة، ورانونا، وساحطة، وعَوسا. كلٌّ منها ذُكر في محلِّه من هذا الباب، فَلُينظر إن شاء الله.
وَاسِطٌ:
موضعٌ بين ينبعَ وبدرٍ.
وقريةٌ بالحلَّة، وبمكة وبالموصل، وبِزَبيد، وببلْخ، وبحلب، وبالخابور
(4)
، وبِدُجيل، وبلدٌ بالأندلس، ومنزل لبني قُشير، وبلد بالعراق.
وَاقِفٌ،
كصاحب: موضعٌ بأعالي المدينة.
وَاقِم،
كصاحب: أُطُمٌ من آطام المدينة ابتناه بنوعبد الأشهل، كأنَّه سُمِّي بذلك لحصانته، مِنْ وَقَمَهُ الأمر: إذا ردَّه عن حاجته وقصده. كأنَّه يردُّ عن أهله، وحَرَّةُ واقم إلى جانبه، نُسبت إليه. قال شاعرُهم يذكر حُضير الكتائبِ، وكان قُتل يوم بعاث
(5)
:
فلو كانَ حَيٌّ ناجياً من حِمَامِه
…
لكان حُضيرٌ يومَ أَغلقَ وَاقِماً
(1)
عمر بن داود بن راذان حذق في الغناء، كان طيب الصوت، وهو أول من غنى من أهل وادي القرى، اتصل بالوليد بن عبد الملك في أيام إمارته، فكان يسميه جامع لذتي ومحيي طربي. الأغاني 6/ 137.
(2)
هو الحكم بن ميمون، مولى الوليد بن عبد الملك، كان جمَّالاً ينقل الزيت من وادي القرى إلى المدينة، كان ينقر بالدُّف ويغنِّي ارتجالاً وعُمِّرَ طويلاً حتى أدرك الرشيد. الأغاني 6/ 62.
(3)
لم يذكرها في مادة مستقلة.
(4)
نَهر الخابور-يقع شمال شرق سوريا.
(5)
البيت لخُفاف بن نُدبة، وهو في شعره ص 448، معجم البلدان 5/ 354، شرح ما يقع فيه التصحيف للعسكري ص 75، اللسان (وقم) 12/ 642.
قال الزُّبير بن بكَّار: وكان واقمٌ للحُضير بن سماك الأشهلي
(1)
. وله يقول شاعرهم
(2)
:
نحنُ بَنَيْنا واقماً بالحَرَّةْ
…
بِلازِبِ الطِّين وبالأصِرَّةْ
/ 449 وله يقول خُفَاف بن ندبة
(3)
:
لو أنَّ المنايا هِبْنَ من ذي مَهابةٍ
…
لهِبْن حُضيراً يومَ أغلقَ وَاقِماً
يُطيفُ به، حتى إذا اللَّيلُ جَنَّهُ
…
تبوَّأ منه مَضْجعاً مُتناعماً
وفجعْنَ بالرّحَّال عُروةَ قومَه
…
وأدْرَكْن صيَّادَ الفوارسِ هاشِما
وقال عاصم بن سويد عن أبيه
(4)
: واقمٌ: أُطُمٌ لآل أبي لُبابة، وكانت
(1)
أحد سادات العرب، وهو من الأوس، ووالد أسيد بن الحضير الصحابي، كان قائد الأوس يوم بعاث، غرز الرمح في قدمه وقال: لا أفر، قتل ذلك اليوم. شرح ما يقع فيه التصحيف ص 75، نسب معد 1/ 389.
(2)
البيت في الوفا 4/ 1329. الأصِرَّة، جمع صِرَار، وهو ما يُشَدُّ به. القاموس (صرر)423.
(3)
نُدبة هي أمُّه، واسم أبيه عمير، فارسٌ، شاعرٌ، مُجِيدٌ، وهو من أغربة العرب لسواده، وهو ابن عمِّ الخنساء، أسلم وشهد فتح مكة، وبقي إلى زمن عمر بن الخطاب. معجم الشعراء ص 108، الشعر والشعراء ص 212، الإصابة 1/ 452، والأبيات في الأغاني 15/ 158، و (شعره) ضمن كتاب شعراء إسلاميون ص 488.
ورواية الأول فيه: (لو أن المنايا جدن) والبيت الأول في معجم ما استعجم 2/ 437،
لسان العرب (وقم) 12/ 642.
ورواية الثالث: (وأوديْنَ بالرَّحال عروة قبله
…
وأهلكن صياد. . . . .).
(4)
عاصم بن سويد بن عامر بن يزيد بن جارية الأنصاري، من أهل المدينة، يروي عن يحيى ابن سعيد الأنصاري، وروى عنه محمد بن الصباح الجرجراني، وعلي بن الحجر السعدي، وثَّقه ابن حبان. التاريخ الكبير 3/ 2/489، الثقات لابن حبان 7/ 259. وأبوه من التابعين، روى عن الصحابية الشموس بنت النعمان، وروى عنه مجمع بن يحيى الأنصاري. ترجمته في التاريخ الكبير 2/ 2/146، الثقات 4/ 324.
المَسكبة،
وهي في شرقيِّ مسجد قباء، لساعدة بن عابس
(1)
، وكان لهم فيها أُطُمٌ يقال له: واقم، وله يقول الشاعر
(2)
:
نحنُ بنيْنا واقِماً والمَسْكَبةْ
…
قبلُ وكانا للجِفَارِ مَلْعَبَةْ
يَزيْنُها فَعْمٌ عريضُ المَنْقَبةْ
…
يَبْرُقُ في الصُّبحِ كلونِ المُذْهَبةْ
وَبْرَةُ،
بالسُّكون: اسمُ قريةٍ على عين ماءٍ تَخرُّ من جبل آرةَ، وهي قريةٌ ذات نخيل من أعراض المدينة
(3)
. جاء ذكرُها في حديث أُهبان الأسلميِّ
(4)
أنَّه كان يسكن يَيْن وبرة وهي بلادُ أسلم، بينا هو يرعى بحرَّة الوَبرة عدا الذِّئب على غنمه. الحديث
(5)
.
وَبِعَان،
بفتح أوله، وكسر ثانيه، والعين مهملة، وآخره نون، ويقال باللام بدل الباء: اسمُ قريةٍ على أكناف آرةَ، وآرةُ من جبال المدينة. تقدَّم ذكرها غير مرَّةٍ. قال الشَّاعرُ
(6)
:
فإنَّ بخَلْصٍ فالبُريْراءِ فالحَشا
…
فَوَكْدٍ إلى النَّقْعاءِ من وَبِعَانِ
جواريَّ من حي عِدَاءٍ كأنَّها
…
مَها الرَّمْلِ ذي الأزواجِ غيرِ عَوَانِ
جُنِنَّ جُنوناً من بُعولٍ كأنَّها
…
قُرودٌ تَنَازى في رِياطِ يَمانِ
وَجْمَةُ،
بالفتح ثمَّ السُّكون، واحدة: الوَجْم، وهي الحجارةُ بعضها فوق
(1)
لم أجده.
(2)
البيتان في معجم مااستعجم 1/ 437، الوفا 4/ 1329. والجفار جمع جفر، من أولاد الشاء. القاموس (جفر) ص 366. وتحرفت في الأصل (كلون) إلى: (لكون).
(3)
أسماء جبال تهامة لعرَّام ص 404.
(4)
صحابي قديم الإسلام، صلى إلى القبلتين، ونزل الكوفة، ومات بها في ولاية المغيرة. الإصابة 1/ 78.
(5)
تقدم في مادة (حَرَّة الوبرة). وقال البخاريُّ: إسناده ليس بالقوي. الإصابة 1/ 75.
(6)
الأبيات تقدَّمت في مادة (خلص) وهي في معجم ما استعجم 3/ 1052، ما اتفق لفظه 2/ 910. وفي الأصل تحريفات كثيرة.
بعض على رؤوس القُور
(1)
والآطام: اسمُ جبلٍ يدفع سيله في غَيقة من أرض ينبع.
الوَحيدَة،
مؤنَّث الوحيد للمتفرِّد: عِرْضٌ من أعراض المدينة. قال ابن هرمة
(2)
:
أدارَ سُليْمى بالوحيدةِ فالغَمْرِ
…
أَبيني سقاكِ القَطْرُ من مَنْزلٍ قَفْرِ
عن الحيِّ أنَّى وجَّهوا والنَّوى لها
…
مُغيرٌ بعُوديه قوى مِرَّةٍ شَزْرِ
وَدَّان،
بالفتح والتشديد وإهمال الدال، آخره نون: قريةٌ من نواحي الفُرع
(3)
، بينها وبين الأبواء ثمانية أميال. وهي لضمرة وغِفار وكِنانة.
وقد أكثر نُصيبٌ من ذِكرها في شعره، ومن ذلك
(4)
:
أقولُ لِرَكبٍ قافلينَ، عَشِيةً
…
قفا ذات أوشال، ومولاك قاربُ:
قِفوا خبِّروني عن سليمان إنني
…
لمعروفه من أهل وَدَّانَ راغبُ
فعاجوا فأثنوا بالذي أنتَ أهله
…
ولو سكتوا أثنَتْ عليك الحقائبُ
وعن كُرَاعِ
(5)
، عن بعض الحاجِّ
(6)
قال: خرجتُ حاجَّاً، فلمَّا صرْتُ بوَدَّانَ أنشدتُ
(7)
:
(1)
القور جمع قارة، وهو الجبيل الصغير المنقطع عن الجبال. القاموس (قار) ص 467.
(2)
البيتان في ديوانه ص 132، معجم البلدان 5/ 364.
(3)
تقرب من مستورة، وتبعد عن المدينة 250 كلم. المعالم الأثيرة ص 296.
(4)
الأبيات في مدح سليمان بن عبد الملك، وهي في الشعر والشعراء ص 260،
الأغاني 1/ 130، أمالي القالي 1/ 94.
(5)
علي بن الحسن الهُنائي المعروف بكراع النمل، من أهل مصر، كان نحوياً كوفياً، له المنتخب من غريب كلام العرب، مطبوع. توفي في حدود 310 هـ. معجم الأدباء 13/ 13، بغية الوعاة 2/ 158، إنباه الرواة 2/ 240.
(6)
هو يعقوب بن حميد، كما ذكره البكري في معجمه 4/ 1374.
(7)
البيت في معجم البلدان 1/ 142 و 5/ 365 دون نسبة، وهو لعبد الله بن أبي شجرة السُّلمي-وهو ابن الخنساء- من أبيات يُشبِّبُ بها برملة بنت الزبير بن العَّوام. كما في معجم ما استعجم 4/ 1374.
…
أرثد: وادٍ بين مكة والمدينة. معجم البلدان 1/ 142، وتصحف في الأصل إلى:(مربد). ونسبه الحربي في المناسك ص 455، لِنُصيب.
أيا صاحبَ الخيماتِ مِن بَعدِ أَرْثَدٍ
…
إلى النَّخل من وَدَّانَ ما فعلَتْ نُعْمُ؟
فقال لي رجلٌ من أهلها: انظر هل ترى نخلاً؟! فقلتُ: لا! فقال: هذا خطأ، إنما هو النَّحْل، ونحل الوادي: جانبه.
قال أبو زيدٍ
(1)
: وَدَّان مِن الجُحفة، على مرحلةٍ، بينها وبين الأبواء ستة أميال
(2)
، وبِها كان في أيام مُقامِي بالحجاز رئيسٌ للجعفريين، أعني [بني] جعفر ابن أبي طالب، ولهم بالفرُعِ وَسايَة
(3)
ضِياعٌ كثيرةٌ وعشيرة، وبينهم وبين الحسنيين حروب ودماء، ولم يزل كذلك، حتى استولت طائفة من اليمن تُعرف ببني حرب على ضياعهم، فصاروا حرباً لهم فضعفوا.
ويُنسب إلى وَدَّان: الصعب بن جَثَّامة بن قيس اللَّيثي الوَدَّاني
(4)
، كان ينْزله فَنُسب إليه، هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه ابن عباس وشريح الحضرمي
(5)
، ومات في خلافة أبي بكر رضي الله عنه.
(1)
أبو زيد الأنصاري، سعيد بن أوس، أحد أئمة اللغة والأدب والنحو، روى عن أبي عمرو بن العلاء ورؤبة بن العجاج، وروى عنه سيبويه، وأبو عبيد، كان يحفظ ثلثي اللغة، له كتاب النوادر، توفي سنة 215 هـ. معجم الأدباء 11/ 212، إنباه الرواة 2/ 30، بغية الوعاة 1/ 583.
(2)
تبعد الأبواء عن رابغ 43 كلم، المعالم الأثيرة ص 17. وتبعد رابغ عن مكة 100 كلم.
(3)
تقدمت في حرف السين.
(4)
صحابي ليثي، حليف لقريش، أمه فاختة أخت أبي سفيان، شهد حُنينًا، وهو الذي صاد حماراً وحشيّاً وأهداه للرسول صلى الله عليه وسلم، فردَّه بسبب الإحرام. أسد الغابة 3/ 20، الإصابة 2/ 184.
(5)
ذكره ابن حجر في الإصابة 2/ 147، ورى عنه السائب بن يزيد، وذكر له حديثاً، وقال ابن الأثير في أسد الغابة 2/ 366: كان من أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ووَدَّان أيضاً: مدينةٌ بالمغرب، وجبلٌ طويلٌ بِفَيْد.
وَدْعَان،
بالفتح وعين مهملة ونون: موضعٌ قرب ينبع
(1)
، فَعْلانُ مِنْ: وَدَعَه
(2)
يَدَعُه: تركه، أو مِنْ: وَدَع يَدَعُ دَعةً: استراح. وهذا المكان موصوفٌ بكثرة البَيْضُ.
قال العجَّاج
(3)
:
........................ في بَيْضِ وَدْعَان مكانٌ سَيُّ
أي: مستوٍ.
وَرِقَان،
بالفتح، ثم الكسر، وقافٍ وألفٍ ونونٍ، وقد يُسكَّنُ ثانيه في الشعر.
قال جميلٌ
(4)
:
يا خليليَّ إنَّ بَثْنَةً بانَتْ
…
يومَ وَرْقَان بالفؤادِ سبيِّا
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه
(5)
(1)
هكذا نقله المؤلف عن ياقوت في معجمه 5/ 369.
…
وذكر ياقوت في المعجم 2/ 457: دَعَان، وقال: وادٍ بين المدينة وينبع. وقد تابع المؤلف على ذكر (ودعان) السمهودي في (الوفا) 4/ 1330.
…
والعباسي في عمدة الأخبار ص 436.
(2)
وهذا الفعل الماضي لا يستعمل إلا شذوذاً. قال الزنجاني في (تصريفه) ص 15: وأماتوا ماضي وَدَعَ ووَذَرَ.
(3)
الرَّجز في ديوانه ص 255، وقبله:(حيث انثنى ذو اللَّمَّة المحنىُّ)، معجم البلدان 5/ 369، معجم ما استعجم 4/ 1375.
…
والعجاج اسمه عبد الله بن رؤبة، أدرك أبا هريرة وسمع منه أحاديث، كان مشهوراً بالرجز. الشعر والشعراء ص 392.
(4)
البيت في ديوانه ص 90، وهو في معجم ما استعجم 4/ 1377، معجم البلدان 5/ 372.
(5)
نقله المؤلف عن ياقوت في معجمه 1/ 109، ونقله السمهودي 3/ 51 عن المؤلف ونحوه عند ابن شبة في تاريخ المدينة 1/ 83 مرسلاً.
وهو جبلٌ أسودُ إلى الحمرة، بين العَرْج والرُّويثة على يمين المصعد من المدينة إلى مكة، ينصبُّ ماؤه إلى رئم
(1)
.
قال نوفل بن عمارة
(2)
:
أرى نَزَواتٍ بينهنَّ تفاوتُ
…
وللدَّهرِ أحداثٌ، وذا حَدَثانُ
أرى حَدَثاً مَيْطَانُ مُنقلِعٌ له
…
ومُنقطِعٌ من دونه وَرِقانُ
قال عرَّام
(3)
: ولِمَنْ صدَرَ من المدينة مُصعِداً أوَّلُ جبلٍ يلقاه من عن يساره:
وَرِقان، وهو جبلٌ عظيمٌ أسودٌ كأعظم ما يكون من الجبال، ينقاد من سَيالةَ إلى المتعشَّى، بين /451 العَرْج والرُّويثة
(4)
. وفي وَرِقان أنواعُ الشَّجر المثمر كلّه وغير المثمر، وفيه القَرَظ، والسُّمَّاق، والخَزَم
(5)
وفيه أوشالٌ وعيون، وسُكَّانُ وَرِقان بنو أوسٍ من مزينة.
قال أبو سلمة
(6)
يمدح الزبير
(7)
رضي الله عنه:
(1)
واد لمزينة قرب المدينة يصب فيه ورقان. معجم البلدان 3/ 114.
(2)
البيتان في معجم البلدان 5/ 372.
ونوفل هو ابن عمارة بن الوليد. تقدمت ترجمته في مادة (العرصتان).
(3)
في رسالته ص 401.
(4)
قال العياشي: ورقان يقع طرفه الغربي في جهة الشرق للشمال من وادي الجي، ويليه من الجنوب قليلاً القدسين الأبيض والأسود، وفي جهتهما طريق القاحة فورقان عند رَكُوبة. المدينة بين الماضي والحاضر ص 469.
(5)
الخزم: شجرٌ مثل شجرة الدوم، وله أفنان وبسر صغارٌ، يسوَدُّ إذا أينع، مُرٌّ. اللسان (خزم) 12/ 176.
(6)
أبو سلمة لم أجده. والبيتان في معجم البلدان 5/ 372.
(7)
الزبير بن العوَّام، حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، والستة أصحاب الشورى، من السابقين إلى الإسلام، شهد بدراً والمشاهد كلها والفتوحات، انسحب يوم الجمل، فقتله عمر بن جرموز غدراً، سنة 36 هـ. طبقات ابن سعد 3/ 100، أسد الغابة 2/ 97، الإصابة 1/ 545.
إنَّ السَّماح مع الزُّبيرِ مُحالِفٌ
…
ما كان من وَرِقان ركنٌ يافعُ
فتحالفا لا يَغْدِرانِ بذمَّةٍ
…
هذا بجودِ ندىً وهذا شافعُ
وقال أبو هريرة
(1)
رضي الله عنه: «خيرُ الجبال أُحُدٌ، والأشعر، وورقان» .
ورُوينا من حديث أنسٍ
(2)
رضي الله عنه، يرفعه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال
(3)
الوَسْبَاء،
بالفتح، ثمَّ السُّكون، وسين مهملة، وباءٍ مُوحَّدة وبالمدِّ: ماءٌ لبني سُليم، في لِحْف
(4)
جبل أُبْلى
(5)
بقرب المدينة.
دَارَةُ وَسَطٍ:
جبلٌ عظيمٌ بجنب ضَرِيَّة. وهي لبني جعفر. قال بعضُهم
(6)
:
(1)
تقدم قريباً. وهنا طمس خفيف في الأصل بمقدار 13 سطراً، لكنه مقروء بصعوبة.
(2)
أنس بن مالك، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم لمدة عشر سنوات، وآخر الصحابة موتاً بالبصرة سنة 93 هـ، دعا له الرسول بالبركة فكان بستانه يحمل مرتين بالسنة. طبقات ابن سعد 7/ 17، أسد الغابة 1/ 151، الإصابة 1/ 71.
(3)
أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة 1/ 79، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 10/ 441 من طريق عبد العزيز بن عمران، وهو متروك. وقال الخطيب: هذا الحديث غريب جداً لم أكتبه إلا بهذا الإسناد.
وأورده ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 120، ونقل عن ابن حبان قوله: هذا حديث موضوعٌ ولا أصل له. وقال ابن كثير في تفسيره 2/ 245: هذا حديث غريب بل منكر. الأحاديث الواردة في فضائل المدينة للرفاعي ص 577.
(4)
اللِّحْفُ، بالكسر: أصل الجبل. القاموس (لحف) ص 852.
(5)
تقدم في حرف الهمزة.
(6)
البيتان في معجم البلدان 5/ 376، دون نسبة، وفاء الوفا 3/ 1098. سغبت: جاعت. القاموس (سغب) ص 97.
…
والقائل هو أبو شمر ذو الجوشن، واسمه شرحبيل بن الأعور، جاهلي، ثم أسلم، كما في المناسك ص 594. وفيه اختلاف في الصدر، معجم ما استعجم 3/ 865.
دَعَوْتُ الله إذ سَغِبَتْ عيالي
…
ليرزقَني لَدى وَسَطٍ طعاما
فأعطاني ضَرِيَّةَ خيرَ أرضٍ
…
تمجُّ الماءَ، والحبَّ التُّؤاما
وَسْوَسُ،
كأنَّه منقولٌ عن الماضي من الوسواس: اسمُ وادٍ من أودية القَبَلية. قاله أبو القاسم الزمخشري
(1)
.
الوَشِيجَةُ،
بالفتح، ثمَّ الكسر، ثمَّ تحتيَّةٍ وجيمٍ: موضعٌ بعقيق المدينة الشريفة، والوشيج: الرِّماح.
ذو وَشِيع،
بفتح الواو، وكسر الشِّين والعين مهملة: موضعٌ بالمدينة مشهور بحسن النَّخل وجَوْدَة الزرع.
الوَطِيح:
سُمِّي بوطيح بن مازن، رجلٍ من ثمود
(2)
. وكان الوطيحُ أعلى حصون خيبر، وأعظمها وأحصنها وآخرها فتحاً، هو والسَّلالم.
وفي كتاب أبي عبيد
(3)
: الوَطِيحةُ بزيادة هاءٍ.
و
الوَطَحُ:
ما تعلَّقَ بالأظلاف ومخالب الطير من طينٍ وغيره، ونحو ذلك. وتواطحت الإبل على الحوض: ازدحمت.
وَعِيْرَةُ،
بفتح الواو، وكسر العين المهملة، وسكون المثنَّاة تحتُ، وفتح الراء، ثم هاء:/452 من الوُعورة، وهي الخُشونة في الأرض، أرضٌ وَعِرةٌ، ووَعِيرةٌ، أي: خشنة، صعبة المسلك، كثيرة الحجارة، وهو اسمُ جبل شرقي ثورٍ
(4)
، وهو أكبر من جبل ثور، وأصغر من جبل أُحد.
(1)
في كتاب الأمكنة والمياه والجبال ص 188.
(2)
معجم البلدان 5/ 179، نقلاً عن السُّهيليِّ في الروض الأنف 4/ 59، وهو نقله عن البكري في معجم ما استعجم 4/ 1380.
(3)
من كتاب الأموال ص 62.
(4)
قال العياشي: وعيرة ووُعيرة جبلان متجاوران يكادان يلتقيان ببعضهما، إلا أن المصغَّرة أصغر من المُكبَّرة، ولونهما أحمر، يقعان في شرقي أحد، ويسيل نقمى من شرقيهما، ونغمان من غربيهما، وهما على 9 كم عن طريق العريض، وعلى 11 كم عن طريق جبل ثور. المدينة بين الماضي والحاضر ص 459 - 464.
وَلِعان:
لغةٌ في وَبِعان، بالباء الموحَّدة، وقد تقدَّم.
باب الهاء
الهَدَبِيَّةُ،
بفتح أوله وثانيه، وكسر الموحَّدة، والياء التَّحتِيَّة مشدَّدة، وهاء، كأنه نسبة إلى الهَدَب، وهو أغصانُ الأرطى
(1)
ونحوه، ممَّا لا ورق له من الشَّجر، وهي ماءةٌ قرب المدينة
(2)
.
قال عَرَّام
(3)
: إذا جاوزت عين النَّازية، وردت ماءةً يقال لها: الهَدَبية، وهي ثلاثة آبار ليس عليهن من زرع ولا نخل، ولا شجر، وهي بِقَاعٍ كبير، يكون ثلاثة فراسخ في طول ما شاء الله، وهي لبني خفاف، بين حَرَّتين سوداوين، وليس ماؤهن بالعذب، وأكثر ما عندها من النبات الحَمْض، وهي على ثلاثة أميال من السُّوارقية.
الهُدُم
(4)
، بضمتين وإهمال الدَّال: ماءٌ لِبَلِيٍّ وراء وادي القرى.
هَرْشَى،
مثال سَكْرَى، والشين معجمة: ثَنِيةٌ بطريق مكَّة بين بدرٍ ووَدَّان، يُرى منها البحر ولها طريقان، وكل مَنْ سلك واحداً منهما أفضى به إلى موضعٍ واحد، ولذلك قال قائلهم
(5)
:
خُذَا أنفَ هَرْشَى أو قَفَاها فإنَّما
…
كِلا جانبي هَرْشَى لَهنَّ طريقُ
(1)
الأَرْطَى: شجرٌ مُرٌّ. القاموس (أرط) ص 658.
(2)
تقع شمال السوارقية بنحو ثلاثة أميال، والسوارقية بلدة لاتزال معروفة بمنطقة المهد. أفاده الشيخ حمد الجاسر في تعليقه على كتاب الحازمي مااتفق لفظه 2/ 919.
(3)
في رسالته أسماء جبال تهامة ص 431.
(4)
تحرفت في الأصل إلى: (الهدن).
(5)
البيت في المناسك ص 456، معجم ما استعجم 4/ 1351، معجم البلدان 5/ 397 بلا نسبة.
وقال الحربي في المناسك ص 456: وعلى ثمانية أميال من الأبواء عقبة هرشى.
يحكى أنَّ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كاتب رجلاً من قريش، أمُّه أخت
عقيل بن عُلَّفَة
(1)
(2)
فقال له: قبَّحك الله أشبهْتَ خالك في الجفاء. فبلغ عُقيلاً فجاء حتى دخل على عمر رضي الله عنه، وقال له: ما وجدتَ لابن عمِّك شيئاً تُعيِّره به إلا خؤولتي؟ فقبَّح الله شرَّكما خالاً؟، فقال صُحَير بن أبي الجهم
(3)
-وأمه قرشية-: آمين، يا أمير المؤمنين، قبَّحَ الله شرَّكما خالاً وأنا معكما. فقال عمر رضي الله عنه: إنَّك لأعرابيٌّ جِلْفٌ
(4)
، أما لو تقدَّمْتُ إليك لأدَّبتك، والله لا أراك تقرأ من كتاب الله شيئاً. قال: بلى؟ إني لأقرأ. قال: فاقرأ. فقرأ: {إذا زلزلت}
(5)
حتى بلغ آخرها. فقرأ: فمَنْ يعملْ مثقالَ ذرَّةٍ شراً يره، ومَنْ يعملْ مثقالَ ذرَّةٍ خيراً يره.
فقال عمر رضي الله عنه: ألم أقل لك إنك لا تحسن أن تقرأ؟ إنَّ الله قدَّم الخير، وأنت قدَّمت الشر. فقال عقيلٌ:
خُذَا أنفَ هَرْشَى أو قَفَاها فإنَّما
…
كلا جانبي هَرْشَى لَهنَّ طريقُ
فجعل القوم يضحكون من عَجْرَفته
(6)
.
(1)
تحرفت في الأصل إلى: (علقمة).
(2)
كان شاعراً شريفاً، مُجيداً مُقلاً، غيوراً جافياً، لا يرى أن له كفوءاً، وهو في بيت شرف قومه، تزوَّج ابنته يزيد بن عبد الملك، كان يهاجي بكير بن المغيرة. معجم الشعراء ص 301، الأغاني 11/ 81، أنساب الأشراف 13/ 110.
(3)
هو صحير بن أبي جهم بن حذيفة بن غانم العدوي، وأمه قرشية، كان جواداً، طلبه عبد الملك بن مروان فهرب منه، وحارب بني أمية. المنمق لابن حبيب ص 296 - 298،306، المحبر ص 153.
(4)
الجِلف ـ بالكسر-: الرجل الجافي. القاموس (جلف) ص 797.
(5)
سورة (الزلزلة).
(6)
العَجْرَفَة: الجفوة في الكلام، والخُرْق في العمل. القاموس (عجرف) ص 835. وهذه القصة في الأغاني 11/ 85، ولا أصل لهذه القصة.
وقيل: إنَّ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال ذلك /453 ليعقوب بن سلمة ابن بنتِ لعقيل. فقال: بلى والله، إني لقارئٌ لآية وآيات؟ وقرأ: إنَّا بعثنا نوحاً إلى قومه. فقال عمر رضي الله عنه: قد أعلمتك أنك لا تحسن، ليس هكذا. فقال: فكيف؟ فقال: {إنا أرسلنا نوحاً}
(1)
. فقال: فما الفرق بين أرسلنا وبعثنا؟:
خُذَا أنفَ هَرْشَى أو قَفَاها فإنَّما
…
كلا جانبي هَرْشَى لَهنَّ طريقُ
وقال عَرَّام
(2)
: هَرْشَى: هضبةٌ ململمة، لا تنبت شيئاً.
وهي على ملتقى طريق الشَّام وطريق المدينة. أراد بطريقِ الشَّام طريق أَيْلَةَ
(3)
التي هي طريق مصر اليوم.
وهَرْشى في أرض مستوية، وأسفل منها: وَدَّان، علي ميلين مما يلي مغيب الشمس، يقطعها المُصعدون من حُجَّاج المدينة، ويتصل بها مما يلي مغيب الشمس خَبْتٌ
(4)
رملٌ، وفي وسط هذا الخَبْت جُبيلٌ أسودُ شديد السواد، يقال له: طَفيل.
هَكِرٌ،
بفتح أوَّله، وكسر الكاف، وراءٍ مهملة: على أربعين ميلاً من المدينة
(5)
.
قال امرؤ القيس
(6)
:
(1)
سورة (نوح) آية رقم: 1.
(2)
في رسالته ص 411.
(3)
وتسمَّى اليوم العقبة. وهي في جنوب الأردن.
(4)
الخَبْتُ: المتسع من بطون الأرض. القاموس (خبت) ص 150.
(5)
ما اتفق لفظه 2/ 922.
(6)
الأبيات في ديوانه ص 100 من قصيدة يمدح بها سعد بن الضباب الإيادي، ويهجو هاني ابن مسعود، ومطلعها:
لعمرُك ما قلبي إلى أهل بِحَرْ
…
ولا مقصِرٍ يوماً فيأتيني بِقَر
المدامة: الخمر. القاموس (دوم) ص 1109. المعتقة: القديمة. اللسان (عتق) 10/ 234. وهما في معجم البلدان 5/ 409.
أُغادي الصَّبوحَ، عند هِرٍّ وفَرْتَنىَ
…
وليداً، وما أفنى شبابيَ
(1)
غيرَ هِرْ
إذا ذقتُ فاها قلتُ: طعمُ مُدامةٍ
…
مُعتَّقةٍ مما تجيءُ بِها التُّجُرْ
كناعمتين من ظِباءِ تَبَالةٍ
…
لدى جُؤْذُرَينِ، أو كبعضِ دُمَى هَكِرْ
(2)
هَمَجٌ،
بالتَّحريك، وهو في اللُّغة: البعوضُ، ويقال: الجوع، ويقال لِرُذال
(3)
النَّاس: هَمَجٌ، والهَمَجُ: ماءٌ وعيونٌ عليه نخلٌ من عمل المدينة من ناحية وادي القرى.
* * *
(1)
في الأصل: (شبابك)، والمثبت من الديوان.
(2)
هِر وفرتنى: صاحبتيه. انظر: شرح ديوان امرئ القيس للأستاذ مصطفى عبدالشافي. وتبالة: قرية بقرب الطائف على طريق اليمن إلى مكة. معجم ما استعجم 1/ 301. التُّجُر: جمع تاجر. القاموس (تجر) ص 356. الجُؤْذُر: ولد البقرة الوحشية. القاموس (جذر) ص 363. هكر: مدينة باليمن. معجم البلدان 5/ 409.
(3)
الرُّذَال، جمع رذيل. القاموس (رذل) ص 1005.
باب الياء
يَتيبُ،
بالفتح، ثمَّ الكسر، ثمَّ مثنَّاةٍ فوق، ثمَّ ياء تحتية، وباءٍ مُوحَّدة: جبلٌ بالمدينة
(1)
. له ذِكْرٌ في حدود الحرم.
قال ابن عقبة
(2)
: خرج أبو سفيان في ثلاثين فارساً أو أكثر حتى نزل بجبل من جبال المدينة يقال له: يتيب، فبعث رجلاً أو رجلين من أصحابه، فأمرهما أن يحرقا أدنى نخل يأتيانه، من نخل المدينة، فوجدا صوراً من صِيران نخلِ العُرَيضِ فأحرقاه
(3)
.
يَثرِب،
تقدَّم شرحه في: أثرب من (باب أسماء المدينة)، وكانت يثربُ أمَّ قرى المدينة.
يَدِيع،
بيائين ومهملتين: ناحيةٌ بين فَدَك
(4)
وخيبر، بِها مياهٌ وعيونٌ لبني
(1)
في المناسك للحربي ص 408: جبل ثيب.
…
وأفاد الشيخ حمد الجاسر (المغانم 77): قيل لي: إن في شرقي المدينة جبلا عظيماً يُشاهد من سد العاقول يدعى (تيماً) فلعله هو ما ذكره المصنف. ا. هـ.
…
وهو يقع شرقي المدينة. والظاهر أنَّه تصحف على المؤلف، فقد قال السمهودي 1/ 100: ثيب، بفتح المثلثة، ثم مثناة تحتية، ثم موحدة. كذا في النسخة التي وقفت عليها من ابن زبالة، وكذا هو في (العقيق) للزبير بن بكار، وكذا رأيته مضبوطاً بالقلم من أصل معتمد من (تهذيب ابن هشام)، وكذا هو في (العقيق) لأبي علي الهجري، إلا أنه قال عقبه: ثَيْأَب، كَثَيعب.
(2)
موسى بن عقبة، صاحب المغازي، وقد تقدم.
(3)
السيرة النبوية 3/ 6، وكان ذلك سبب غزوة السويق، وكانت في ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة.
(4)
أفاد الشيخ حمد الجاسر (المغانم 438): أنه يعرف اليوم باسم الحويط، وأنَّ فدك تعرف باسم الحائط.
فزارة وبني مُرَّة بعد وادي أخثال
(1)
.
وقيل: هو بديع بالباء الموحَّدة، وهو تصحيفٌ.
يَراجِم:
(2)
غديرٌ بالنقيع. وروى الزُّبير بسندٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه توضأ /454 [من غدير]
(3)
يراجم بالنقيع، وقال
(4)
قال تُبَّعٌ الملك
(5)
:
ولقد شربتُ على يَراجمَ شَرْبةً
…
كادَتْ بباقيةِ الحياةِ تُذيعُ
قال: وهناك بناءٌ قديم وبيوت مُعرَّشةٌ، وبئر كانت هنالك عند غدير يَلْبَن، وقد تَهورت وكانت عذبةً وهي في درج الوادي.
يَرَعَة،
محرَّكة، وبإهمال العين: موضعٌ من أعمال المدينة، في ديار فزارة، بين بَوانةَ والحُرَاضة.
يَلْبَن،
بفتح أوَّله، وسكون ثانيه، وفتح الموحَّدة، بعدها نون: جبلٌ قرب المدينة.
قال ابنُ السِّكِّيت: يَلْبَنُ: قَلْتٌ
(6)
عظيم بالنقيع، من حَرَّة سُليم على مرحلة
(7)
من المدينة.
(1)
وادٍ لبني أسد. معجم البلدان 1/ 119.
(2)
بالجيم، وهذه المادة من زيادات المؤلف على ياقوت، وتصحَّفت في معجم ما استعجم 4/ 1325 إلى الباء: براجم. وفي الأصل بالحاء.
(3)
ما بين معقوفين زيادة من عمدة الأخبار ص 438، الوفا 4/ 1333.
(4)
ذكره السمهودي في وفاء الوفا هكذا معزواً إلى الزبير 4/ 1333، ولم أقف عليه سنداً.
(5)
البيت في معجم ما استعجم 4/ 1325، الوفا 4/ 1333.
(6)
القَلْتُ: النُّقرة في الجبل. القاموس (قلت) ص 158.
(7)
تحرفت في الأصل إلى: (حرة)، والتصحيح من معجم البلدان 5/ 440.
قال كُثَيِّرٌ
(1)
:
وأسلاكَ
(2)
سَلمى، والشَّبابَ الذي مَضى
…
وفاةُ ابن ليلى، إذ أتاك خبيرُها
فلستُ بناسيه وإنْ حِيلَ دونه
…
وجالَ بأجوازِ الصَّحاصِحِ مُورُها
وإن انطوَتْ من دونه الأرضُ، وانبرى
…
لنكَبِ الرِّياح وَفْيُها وحفيرُها
حياتيَ، ما دامَتْ بشرقيِّ يَلْبَنٍ
…
بَرامٌ، وأضحَتْ لم تُسَيَّرْ صخورُها
وقال كُثَيِّرٌ أيضاً
(3)
:
أَأَطلالَ دارٍ من سعادَ بِيَلْبَنٍ
…
وقفتُ بِها وَحْشاً كأنْ لم تُدَمَّنِ
وقيل: يَلْبَن: غديرٌ بالمدينة، وفيه يقول أبو قَطيفَة
(4)
:
ليتَ شِعري-وأينَ مني ليتُ؟ -
…
أَعَلى العهدِ يَلْبَنٌ فَبَرامُ؟
يَلْيَل،
بتكرير الياء مفتوحتين، ولامين: اسمُ قريةٍ، قُرَيبَ وادي الصفراء، من أعمال المدينة، وفيه عينٌ كبيرة تخرج من جوف رمل من أغزر ما يكون من العيون، وأكثرِها ماءً، وتجري في رملٍ لا يستطيعون الزِّراعة عليها إلا
(1)
الأبيات في ديوانه ص 316 - 317 من قصيدة يرثي بها عبد العزيز بن مروان، معجم البلدان 5/ 440.
…
الصَّحاصح: جمع صحصح، وهو الأرض الجرداء المستوية. اللسان (صحح) 2/ 507، المور: التراب. اللسان (مور) 5/ 186، الوفُي من الأرض: الشَرَف المرتفع. اللسان (وفى) 15/ 399، الحفير: المنخفض. اللسان (حفر) 4/ 204، بَرام: جبل في سُليم. معجم البلدان 1/ 366.
(2)
تحرف قوله (أسلاك) إلى: (اسأل).
(3)
البيت في ديوانه ص 248، وهو مطلع قصيدة له يمدح بها عبد الملك بن مروان. معجم ما استعجم 4/ 1325، معجم البلدان 5/ 440. وفي الأصل:(وإن لم تدمن)، والمثبت من (الديوان).
(4)
البيت في معجم البلدان 5/ 440، معجم ما استعجم 4/ 1326، وتقدَّم.
في مواضع يسيرةٍ من أحناء
(1)
الرمل، وتصبُّ في البحر عند ينبع فيها نخيل، وتتخذ فيها البقول، والبِطِّيخ وتسمَّى هذه العين البحير، ووادي يَلْيَلُ يصبُّ في البحر. قال كُثَيِّرٌ
(2)
:
وكيف ينالُ الحاجبيةَ آلِفٌ
…
بَيَلْيَلَ ممْساهُ وقد جاوزَتْ نَخلا
وقال جريرٌ
(3)
:
نظرَتْ إليك بِمثلِ عَيْني مُغْزِلٍ
…
قطعَتْ حبائلَها بأعلى يَلْيَلِ
/455 وقال ابنُ إسحاق في غزاة بدر
(4)
: ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي، خلف العَقَنْقَل ويَلْيَل، بين بدرٍ
(5)
وبين العَقَنْقَل
(6)
.
يَنْبُع،
بالفتح ثمَّ السُّكون، وضمِّ الموحَّدةِ، وعين مهملة، مضارعُ نبعَ الماء: ظهر، ويجوز تثليث باء مضارعه لغةً
(7)
. وهي كانت من عمل المدينة على سبع مراحل من المدينة. وكانت تسكنها الأنصار وجُهينة وليث، وهي
(1)
تحرفت في الأصل إلى: (أحياء).
والأحناء جمع حِنْوٍ، وهو كل شيء فيه اعوجاج أو شبه الاعوجاج. انظر اللسان (حنا) 14/ 204.
(2)
البيت في ديوانه ص 382 من قصيدة يهجو بِها بني ضمرة ويفتخر برهطه. الخصائص لابن جني 2/ 298، معجم ما استعجم 4/ 1303، معجم البلدان 5/ 441.
(3)
البيت في ديوانه ص 335 من قصيدة يخاطب بها الفرزدق، وكتاب الجبال للزمخشري ص 231، معجم البلدان 5/ 441.
(4)
السيرة النبوية 2/ 262.
(5)
قال السمهودي في الوفا 4/ 1233: فَيَلْيَلُ هذا غير يَلْيَل السابق ذكره في الخلائق، لأن ذاك عند الضبوعة، ومن مجتمعهما تخرج إلى فرش ملل.
(6)
العَقَنْقَل: الوادي العظيم المتَّسع، والكثيب المتراكم. القاموس (عقل) ص 1035.
(7)
القاموس (نبع) ص 765.
اليوم لبني حسن ابن علي.
وكان عمر رضي الله عنه أقطعها علياً رضي الله عنه
(1)
.
وفيها عيونٌ عِذابٌ غزيرة، وواديها يَلْيَل، وبِها منبرٌ وهي قريةٌ غنَّاءُ، وواديها يصبُّ في غَيْقَةَ.
وقيل: ينبع: حصنٌ بِه نخيلٌ، وماء وزرع، وبِها وقوفٌ لعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه يتولاها ولده.
وقال ابنُ دريد
(2)
: ينبع: بين مكة والمدينة. وقال غيرهُ: ينبعُ: من أرض تهامة غزاها النبيُّ صلى الله عليه وسلم فلم يلق كيداً، سُمِّيت بينبع لكثرة ينابيعها. قال الشريف ابن سلمة بن عياش الينبعي
(3)
: عددتُ بِها مائة وسبعين عيناً.
وعن جعفر بن محمد قال
(4)
: أقطع النبيُّ صلى الله عليه وسلم عليَّاً رضي الله عنه أربع أرضين: الفقيرين وبئر قيس، والشجرة، وأقطعه عمر رضي الله عنه ينبع مضافة إلى غيرها.
قال كُثَيِّرٌ
(5)
:
(1)
ذكر ابن شبة في تاريخ المدينة 1/ 220 أن عمر رضي الله عنه قطع لعليٍّ رضي الله عنه ينبع، ثمَّ اشترى عليٌّ رضي الله عنه إلى قطيعة عمر أشياء فحفر فيها عيناً، فبينما هم يعملون فيها إذ انفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء، فأُتي عليٌّ رضي الله عنه فَبُشِّرَ بذلك. فقال: يَسْرُ الوارث، ثم تصدَّق بها.
(2)
جمهرة اللغة 1/ 368.
(3)
لم أجده.
(4)
تاريخ ابن شبة 1/ 223
(5)
الأبيات في ديوانه ص 312 من قصيدة يرثي بها عبد العزيز بن مروان، معجم البلدان 5/ 450.
…
الرقم: ضربٌ من الثياب. اللسان (رقم) 12/ 248. الأنطاكي: المنسوب إلى أنطاكية. هاجرات الشَّوْل: التي بعد عهدها بالنِّتاج. والشول من النوق: التي أتى عليها سبعة أشهر من نتاجها، فلم يبق في ضرعها إلا بقية من لبن. اللسان (شول) 11/ 374، قوارض: مائلات. القاموس (قرض) ص 652. الحضن: الجانب. اللسان (حضن) 13/ 122، العناقان: تثنية عناق، وهي موضعٌ بحمى ضَرَّية.
أهاجَتْكَ سلمى أمْ أَجَدَّ بكُورُها
…
وحُفَّتْ بأنطاكي رَقْمٍ خُدورُها
على هاجراتِ الشَّول قد خَفَّ خطرُها
…
وأسلمَها للظَّاعناتِ جُفورُها
قوارضُ حَضْنَي بطنِ ينبعَ غدوةً
…
قواصدَ شرقيِّ العَناقين عِيْرُها
يُنسب إليها أبو عبد الله: حرملة المدلجيِّ
(1)
. له صحبةٌ ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.
يَهيق:
موضعٌ بقرب المدينة، ولم أر مَنْ تعرَّض لذكره مِمَّنْ صنَّف في أسماء الأماكن.
وفي الحديث
(2)
: «ليوشكنَّ أن يبلغ بُنيانُهم يَهِيقاً» . يعني بنيانَ أهل المدينة. وذُكر الحديث بطوله في باب الفضائل.
يَيْنُ،
بالفتح، ثم السكون
(3)
، بيائين، ونون، وليس في كلامهم ما فاؤُه وعينه ياءٌ غيره. قال نصر: يَيْنٌ: ناحيةٌ من أعراض المدينة، على بريد منها، وهي منازل أسلم، من خزاعة. وضبطه الصَّاغاني
(4)
: يَيَن، بتحريك اليائين.
(1)
حرملة المدلجي، أبو عبد الله، كان ينْزل ينبع، سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه، وقيل: إنه سافر معه أسفاراً. لولده عبد الله صحبة. ذكر له ابن الأثير حديثاً. أسد الغابة 1/ 476، الإصابة 1/ 321.
(2)
تقدم في باب الفضائل.
(3)
ذكر المؤلف في القاموس (يين) ص 1241: أنه محرّك الياء. وذكر محشِّي القاموس ما نصّه: صرّح جماعة بأنه لا ينصرف، للعلمية والتأنيث. وضبطه ابن القطّاع بالفتح، وقال: إنه لا نظير له في كونه مبدوءاً بتحتيتين، والتحريك فيه كما قال المصنف أشهر.
(4)
في كتاب التكملة والذيل (يين) 6/ 231، وفيه سكون على الياء الثانية.
وقال الزَّمخشريُّ
(1)
: يَيْنُ: عينٌ بوادٍ يقال له: حورتان، وهي اليوم لبني زيد الموسويِّ، من بني الحسن.
وقال غيرُه: يَيْنُ اسمُ وادٍ بين ضاحكٍ وضويحكٍ وهما جبلان أسفل الفَرْش، ذكره ابنُ جنيِّ في /456 «سر الصناعة»
(2)
.
وقيل: يَيْنُ موضعٌ في بلاد خُزاعة. وجاء في حديث أُهْبَان الأسلميِّ ثمَّ الخزاعيِّ أنَّه كان يسكن يَيْنَ، فبينا هو يرعى بِحَرَّة الوَبْرة عدا الذِّئب على غنمه-الحديثَ.
(3)
قال ابن هرمة
(4)
:
أَدارَ سُليمى بيَن يَيْنٍ فَمَثْعَرِ
…
أَبيني فما استُخبرْتِ إلا لِتُخبري
أَبِيني حَبَتْكِ البارقاتُ بِوَبْلِها
…
لنا مَنْسماً عن آل سَلمى وشَغْفَرِ
لقد شَقِيَتْ عيناكَ إن كنْتَ باكياً
…
على كلِّ مَبْداً من سُليمى ومَحْضَر
ويَيْنُ أيضاً: اسمُ بئر بوادي عباثر
(5)
.
قال علقمةُ بن عَبَدَة
(6)
:
(1)
في كتاب الجبال ص 233.
(2)
سر صناعة الإعراب 2/ 729، وقال: وليس له في الأسماء نظير، وذكر له نظائر في الأفعال.
(3)
تقدم في مادة (حرة الوبرة).
(4)
الأبيات في (ديوانه) ص 125، معجم البلدان 5/ 454.
(5)
قال ياقوت في معجم البلدان 4/ 73: عباثر: نقبٌ منحدرٌ من جبل جهينة يسلك فيه من خرج من إضم يريد ينبع.
(6)
البيت في ديوانه بشرح الأعلم الشنتمري ص 81 من قصيدته التي مطلعها:
ذهبْتَ من الهجرانِ في غيرِ مذهبِ
…
ولم يكُ حقَّاً كلُّ هذا التَّجنُبِ
…
وفيه (تحلُّ بإيرٍ) وهو موضعٌ، شُرْبُب: موضعٌ، الرَّبعَية: منسوبة إلى ربيعة بن مالك، وهو في معجم ما استعجم 4/ 1404، معجم البلدان 5/ 455.
…
وعلقمة بن عَبَدة شاعر فحل جاهلي له منافرات مع امرئ القيس، وكلٌّ منهما يدَّعي أنه أشعر من صاحبه، كان وصافاً للخيل. معجم الشعراء ص 152، الشعر والشعراء ص 125، الأغاني 21/ 111.
وما أنتَ أَمْ ما ذكرُها رَبَعيةً
…
تَحُلُّ بِيَيْنٍ أم بأَكنافِ شُرْبُبِ
أراد: أَمْ ما ذِكرُك
(1)
. فصرف الخطاب إلى الغَيبة، كما هو من أسلوب بلاغتهم
(2)
؛ قال تعالى
(3)
: {حتى إذا كنْتُم في الفُلْكِ، وجَرَيْنَ بِهم بريحٍ طيِّبةٍ} .
* * *
(1)
تصحفت في الأصل إلى: (إلا ذكرك).
(2)
ويُسمَّى هذا في البلاغة الالتفات.
(3)
سورة (يونس) آية رقم: 22. ولم يقل: وجَرتْ.
الباب السَّادس: /456 في ذكر جماعةٍ أدركناهم بالمدينة أو ذَكَر لنا أشياخنا المدنيون أنَّهم أدركوهم بِها
على اختلاف طبقاتِهم، وتباين درجاتِهم،
من السَّادة الأولياء، والأئمة العلماء، والأكابرِ الفُضلاء، والحُكَّام الكبراء، والفقهاء والقُرَّاء، والأشراف والأمراء، والعُبَّاد والصُّلحاء، والخُدَّام النُّجباء، والمؤذِّنين الأُمْنَاء
(1)
، وسُقنا أسماءهم على نَسق حروف الهجاء، فمن ذلك في:
حرف الهمزة
1 - أحمد بن بالغ، شهاب الدِّين المصريُّ
(2)
، من قدماء المجاورين، المشهورين بالعِفَّة والدِّين، والتوكُّل واليقين، وسلوكِ طريق العارفين، وبذلِ الوعظ والنُّصح للمُتَّعظين، والغرامِ بالتئامِ الإخوان ولو غَرِم فيه المِئِيْن، والاقتناعِ بما يفتحُ الله تعالى عليه، وتسوقه يدُ القِسمة والتَّقدير إليه. قيل له: لِمَ لا تشتري لأولادك نخلاً وداراً، يكون لأولادك وأهلك منْزلاً وَوِجاراً؟
(3)
(1)
يشير لقوله صلى الله عليه وسلم: «الإمامُ ضامنٌ، والمؤُذِّن مُؤْتَمنٌ» . أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت. حديث رقم:(517)، وأخرجه الترمذي في الصلاة، باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، حديث رقم:(191).
(2)
نصيحة المشاور لابن فرحون ص 182، التحفة اللطيفة للسخاوي 1/ 171.
(3)
مسكناً ومأوى، وأصل الوِجار: جُحر الضبع. القاموس (وجر) ص 491.
فقال: أمَّا زوجتي فما أشكُّ أنَّها تتزوَّج بعدي، وأمَّا السَّعيد من وُلدي
(1)
، فلا يضرُّه أن [لا] أترك له شيئاً مِمَّا عندي، وأمَّا الشَّقيُّ منهم فلا ينتفع بالموروث مني بعدَ بُعْدي
(2)
، وعلى ذلك جرت الحال، وصدق الشَّيخ فيما قال، تزوَّجت ساعته بعده، وولده السَّعيد لاقى سعده، والآخر قعد به الدَّهرُ شرَّ قَعْدَة، وصدق فيه الزَّمان وعده
(3)
.
2 - إلياس بن عبد الله
(4)
. كان من الفقهاء المباركين، والصَّلحاء المنفردين. صحب الشَّيخ أبا عبد اللهِ القصري
(5)
، وقرأ عليه، وانتسب إليه، وانتفع بِصِحابه، وارتفع بجنابه، حتى صار أكبر أصحابه.
وخُصَّ بسيرةٍ زكيَّة، وغريزةٍ
(6)
عزيزية، غير نَكِيَّة
(7)
، وسريرةٍ أثيرةٍ
(8)
مَلَكية، وعطيةٍ كثيرةٍ مَلِكِيَّة. كان موته فجأة، وذلك أنَّه خرج إلى البقيع، فزار أهله أجمعَهم، ورجع إلى بيته فتغيَّرَ حالُه فما بات إلا معهم، رحمة الله عليه.
(1)
الولْد: جمع ولد. القاموس (ولد) ص 327.
(2)
أي: موتي. يقال: بَعُدَ وبَعِدَ بُعْداً وبَعَداً، أي: مات. القاموس (بعد) ص 268.
(3)
جاءت النصوص بالنهي عن سب الدهر كما ورد في حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:«يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار» أخرجه البخاري، في التوحيد، باب قول الله تعالى:{يريدون أن يبدلوا كلام الله} . 13/ 472، برقم:7491. ولو قال المؤلف: «قعد به عمله .. » لكان أسلم.
(4)
نصيحة المشاور ص 180، التحفة اللطيفة 1/ 338. وزاد ذكر نسبته: المغربي المالكي.
(5)
محمد بن علي، من العلماء والصالحين، توفي في أواخر القرن السابع. عنوان الدراية للغبريني ص 86، توشيح الديباج للبدر القرافي ص 236.
(6)
غريزة: طبيعة. القاموس (غرز) ص 519.
(7)
النكية: المصابة بعلة. يقال: نكى العدو نِكايةً: أصاب منه. لسان العرب (نكى) 15/ 341.
(8)
أثيرة: صافية خالصة. يقال: فلانٌ أثيري، أي: من خُلصائي. القاموس (أثر) ص 342.
3 - أبو بكر بن أحمد النَّجَّاريُّ
(1)
. كان في العِمارة
(2)
من الصُّلحاء المتورِّعين، وفي النِّجارة من الكبراء المتقدِّمين. قدم المدينة بعد حريق المسجد بعشر سنين
(3)
، وأتى بِهذا المِنبر من جهة المِصريين، ووضعه في موضعه، وأحسنَ في وضعه، وبالغ في إتقان صَنعته، ثمَّ انقطع في المدينة مُجاوراً، وبالصُّلحاء العارفين مخالطاً مُحَاوراً، مُقتنعاً بكسب يده الصَّنَاع
(4)
، ممتنعاً عن الالتفات إلى مُدنِّسات الأطماع، مُكِبَّاً على الخيرات، مُحبِّاً للأفعال الصَّالحات. حسن العِشرة، ثابتَ العزائم، دائم الإحسان حتى إلى البهائم، أَلِفَ منزلَه السَّنانيرُ
(5)
والقِطاط، ويمِدُّ لَهم الخِوان والسِّماط
(6)
، ويفرغ لهم السُّفَر والبِساط
(7)
، فتوالدوا حتى كثروا عن حدِّ العدِّ والحساب، وهو يعرفهم بالأسماء والأنساب، فيقول: هذا جدُّ هذا، وهذا أمُّه، وهذا خال هذا وهذا عمُّه، وكذلك كان يحسن إلى الدواب المُضيَّعة في الأسواق، وكان إلى المبادرة إلى مثل ذلك بالأشواق.
ذَكَر أنَّه لمَّا قدم المدينة لم يجد بِها مَنْ يُدعى أبا بكر. قال: فظهر لي
(1)
نصيحة المشاور ص 168، وجعله: ابن يوسف، والنَّجاري نسبة إلى صنعة النِّجارة، لا إلى بني النَّجَّار الأنصار.
(2)
في الأصل: (العبارة)، وهي تصحيف، ففي نصيحة المشاور من الأكابر الصلحاء المتقدمين في عمارة الحرم بالنجارة.
(3)
أي: في سنة 664، لأنَّ احتراق المسجد كان سنة 654 هـ
(4)
رجلٌ صَناعُ اليدين: حاذقٌ في الصنعة. اللسان (صنع) 8/ 208.
(5)
جمع سِنَّوْر، وهي الهِرَّة. اللسان (سنر) 4/ 381.
(6)
الخِوَان: ما يؤكل عليه الطعام، والسِّماط مثله. القاموس (خون) ص 1194. (سمط) ص 672.
(7)
في الأصل: (البطاط) ولا معنى لها، فهي تصحيف من الناسخ.
كراهتهم لهذه التَّسمية الناشئة العالية
(1)
، جَمع ما انضاف إليها من تسمية بنتي بعائشة، فهممتُ بتغيير اسمي، وتنكير رسمي ووسمْي، فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: لِمَ تُغيِّرُ اسمك؟ فقلت له: يا رسول الله، إجلالاً لصاحبك رضي الله عنه، فقال: لا تفعل، انظر إلى هؤلاء الذين تَخشى منهم، وأشار إلى آخر الحَرَم، قال: فنظرتُ فإذا سبعون شخصاً أعرفهم من أهل المدينة، وجوهُهم وجوه بني آدم، وسائر جسدهم في صورة الخنازير، ثمَّ قال صلى الله عليه وسلم خذ هذه العصا، وأخرجهم من المدينة، فقلتُ: يارسول الله، أحبُّ أنْ أُعمَّرَ حتى أدفِنهم، فقال صلى الله عليه وسلم: ستعيش بعدهم، فانتبهتُ بالسُّرور محفوفاً، وصار ذلك الخاطر عني مصروفاً، وشرع أولئك /458 الجماعة ينقرضون طبقةً بعد طبقةٍ، وتنطفئ منهم حدقةٌ بعد حدقة، قال: فكنتُ إذا جئتُ الفقراءَ أصحابي يقولون: كم بقي من غُرَمائك؟
فأقول: عشرون، عشرة، خمسة، حتى انقرضوا عن آخرهم في حياتي.
ونيَّف أبو بكر على مائة سنةٍ رحمة الله عليه.
4 - إبراهيم ابن المِكْنَاسي
(2)
، بكسر الميم. كان رجلاً صالحاً من أصحاب الشَّيخ أبي محمد البَسْكَريِّ
(3)
، وكان حافظاً لكتاب الله المجيد، مؤدِّياً له بأداءٍ حسنٍ وصوتٍ سعيد، ملازماً على طريقة مشكورة، وديانة موفورة،
(1)
يستنتج من هذا الخبر أن غلاة الرافضة كانوا مسيطرين على المدينة في هذه الفترة، فتجنب الناس تسمية أولادهم باسم أبي بكر، وأن صاحب الترجمة أراد تغيير اسمه خوفاً منهم من جهة وصوناً لاسم أبي بكر من شتم الرافضة المغالين، ويؤكد هذا الاستنتاج أخبار عدة أوردها ابن فرحون في نصيحة المشاور ص 169 - 170.
(2)
نصيحة المشاور ص 181 وفيه (كان والده من أصحاب الشيخ أبي محمد البسكري)، التحفة اللطيفة 1/ 155.
(3)
اسمه عبد الله بن عمر بن موسى. ستأتي ترجمته برقم (51).
وعزلةٍ عن الناس، وحسن صحبةٍ مع الجُلاَّس، وكان من القُرَّاء، بِسُبع ابن السَّلعوس
(1)
، وإذا غرَّد بحسن نغماته أطرب القلوب، وأبطر النُّفوس. توفي عام سبع وأربعين وسبعمائة.
5 - أبو بكر الشيرازي
(2)
. صحب الشَّيخ أبا العباس
(3)
صاحب الشَّيخ أبي الحسن [الشَّاذلي]
(4)
. شيخُ الوقار كَشْفاً وحالاً
(5)
، ومقدَّمُ الإخوان حِلاً وارتحالاً، وكان في العلم والدِّين وسائر المعاني، قرينَ الشَّيخ نجم الدِّين الأصفهانيِّ
(6)
. كان يقال: إذا سئل من يُزار في المدينة بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قيل: الشَّيخ أبو بكر الشِّيرازي، وهذا علو منقبة لا تساوي منقبة ولا توازي، واشتهارُ هذا الشَّيرازي كالبازي، طار في الأقطار، وعلا علمُه كلَّ مطار، وقضى الناس بقصده المُنى، وبلغوا الآمال والأوطار. شَرْحُ حاله في استحالة، بالقيام
(1)
شهاب الدين أحمد بن محمد بن نحلة، أحد أئمة القراء، تتلمذ على ابن بطحان والتقى الصائغ، قسّم المصحف إلى أسباع لتسهيل التعليم والحفظ. توفي سنة 732 هـ. غاية النهاية 1/ 133.
(2)
نصيحة المشاور ص 110.
(3)
أبو العباس المرسي، كما عند ابن فرحون، واسمه أحمد بن عمر، فقيه متصوف، من أهل الإسكندرية، لأهلها فيه اعتقاد كبير إلى اليوم، توفي 683 هـ. المنهل الصافي 2/ 43، شجرة النور الزكية ص 187.
(4)
في الأصل: (الشيرازي)، وهو خطأ، والتصويب من مخطوطة ابن فرحون ص 99. واسمه علي بن عبد الله، توفي سنة 656 هـ. شذرات الذهب 5/ 278، شجرة النور الزكية ص 186.
(5)
من عبارات الصوفية، فإن كان المقصود منها أنه يظهر ويخبر عن أمور لم تقع فهذا من الغيب.
والصواب أننا نسير مع الدليل في كل أمر من أمور الغيب ولانحيد عنه.
يقول سبحانه وتعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} سورة الجن، الآيتان 26 - 27.
(6)
اسمه عبد الله بن محمد، كان مقيماً بِمكة، وتوفي بِها سنة 721 هـ. الدرر الكامنة 2/ 302، شذرات الذهب 6/ 55.
والصيام، وامتثاله بالإيثار والإطعام، وتفقُّد المنقطعين بِملوكي الشَّراب والطعام، مِمَّا يَقف دونه أقدامُ الأقلام، ولا يصف مَعُونَه
(1)
انتظامُ الكلام. حظي الشَّيخ أحمد بن التستري
(2)
وولده
(3)
بخدمته، وتخصصاً بلزوم عَتَبَته، وحمَّلهما من ميامن بركته
(4)
، وتوفي الشَّيخ إلى رضوان الله ورحمته، في عام أحد وثلاثين وسبعمائة.
6 - أحمد بن عبد الله، الشَّيخ شهاب الدين القَرمي
(5)
، الواعظ اللاَّفظ، البارع الفارع، أحد الصُّلحاء العُبَّاد، وأحد النُّبهاء الزُّهَّاد، نشأ ببلاد خوارزم وما والاها، وتسنَّم ذُرى الفضائل السَّنية وعَالاها، وسلك هنالك أسلوب الوعظ والتَّذكير، وصعود المنابر للتحديث والتفسير، وإرشاد الأصاغر والأكابر بحسن التعبير والتحبير، ثمَّ جعل المسافرة أقصى سُؤْله، واختار المهاجرة إلى الله ورسوله، فقدم لجوار المدينة، بأوقارٍ
(6)
من الحِشمة والسَّكينة، وملازمة/459 العبادة والدِّيانة، والعِفَّة والصَّيانة، واتَّباع السُّنَّة إلى
(1)
أي: عَوْنَه، قال الكسائي: المَعُون: المعونة. الصحاح (عون) 1/ 2168.
(2)
هو أحمد بن عثمان التستري، كان من أهل الصلاح والدين، ومن الرجال الملازمين للصف الأول، ومن أصحاب السكينة والوقار. وتستر تعريب شوشتر. نصيحة المشاور ص 111، التحفة اللطيفة 1/ 200، الدرر الكامنة 3/ 338، معجم البلدان 20/ 29. قال في القاموس (تستر) ص 455: تُسْتَر: كجندَب، موضع، وشُشتَر بمعجمتين: لحن.
(3)
ولده: محمد بن أحمد بن عثمان التستري، شمس الدين، ولد في المدينة المنورة سنة 710 هـ، وأجاز له كثير من العلماء، وحدّث عن الجمال المطري. توفي ليلة النصف من شعبان سنة 785 هـ. الدرر الكامنة 3/ 338، التحفة اللطيفة 3/ 478.
(4)
إن كان المقصود بركة العلم والتأسي بأهل الصلاح والدين فنعم، وإن كان المقصود التبرّك بالذوات والآثار فليس هذا بمشروع بل هو من الغلو في الصالحين وقد نهينا عن هذا.
(5)
نصيحة المشاور ص 106، التحفة اللطيفة 1/ 281.
(6)
. جمع وِقْر، وهو الحِمل الثَّقيل. القاموس (وقر) ص 493.
الأمد الأقصى، والاقتداء بِها بحيث لم يترك في شريطته نقصا، لم يَشِنْ حُسنَ طريقته ارتباك، ولم يَعْنِه
(1)
في وعظه الجميل تلجلجٌ والْتِبَاك
(2)
، فهو ما بين مُصلٍّ وذاكر، وتالٍ وباكٍ، ملازماً لآخر الصفِّ الأوَّل بلصق الشُّبَّاك، هذا مع النَّفس الزَّكية النَّفيسة، والهمَّة العالية الرَّئيسة، والأخلاق المرضية الأنيسة، ومع المحاضرة الحُلْوة، والمداعبة في مسامرة الخَلوة. والنَّوادر المنَّزهة عن الغُلَوَاء
(3)
في الغَلْوة
(4)
. توفي رحمه الله عند قُديدٍ
(5)
راجعاً من الحجِّ إلى المدينة في عام أربعٍ وأربعين وسبعمائة.
7 - أبو بكر بن أحمد، الشَّيخ صفيُّ الدِّين السلاَّمي
(6)
، بتشديد اللاَّم، نسبة إلى السَّلاَّمية: قريةٍ كبيرةٍ بشرقي دجلة على مرحلة من الموصل.
كان من السَّادات الكبار، وهو الذي أعرض عن الدُّنيا بالاختيار، بعد الثَّروة والحِشمة والاعتبار، جعل نَصْبَ عينه الجنَّةَ والنَّار، وأبغض الدِّرهم والدِّينار، وتوجَّه إلى المدينة الشَّريفة بنيَّة الجِوار، فأقام فيها على قدمٍ في المعالي عالية، وهِمَمٍ على الشَّوامخ العوالي مُعالية، وانقطاعٍ إلى العبادة المَحْضَة، لا يَفْتُر عن الذِّكر والصَّلاة والتوَّجُّه لحظة، حتى يَحُضَّ
(7)
السُّلوك والارتياض والمجاهدة مَحِضَّه، وأبدعت
(8)
الزهادة والعبادة عن ماء
(1)
. يَعْنِه: يُهمُّه. يقال: عَنَاه، يَعْنِيه: أهمَّه. القاموس (عنى) ص 1316.
(2)
التِبتاك: اختلاط. التبك الأمر: اختلط. القاموس (لبك) ص 952.
(3)
أصل الغُلَواء: سرعة الشباب وشِرَّتُه. لسان العرب (غلا) 15/ 133.
(4)
أصل الغَلْوة: المرماة، فكلُّ مرماة غلوة، وأراد البُعد عن الغلو في القول. القاموس (غلا) ص 1319، وقال الجوهري: الغلوة: الغاية، مقدار رمية. الصحاح (غلا).
(5)
بين مكة والمدينة، تبعد عن المدينة 280 كم تقريباً.
(6)
نصيحة المشاور ص 112، الدرر الكامنة 1/ 439.
(7)
حضَّ: حثَّ. القاموس (حض) ص 640.
(8)
أُبدعت: انقطعت. قال في الصحاح: أبدعت الراحلةُ، أي: كلَّت، وقد أُبدع بالرجل، أي: كلّت راحلته. 3/ 1184.
النُّزَافة
(1)
رَحْضه
(2)
، كان يقف على قدميه طول النَّهار
(3)
، ويذهب إلى أسطوانٍ بأُخريات المسجد حَذاراً عن الإظهار، وفراراً من الاشتهار، فلم يبرح قائماً كأحد الأساطين المؤسَّسة، ولا يُفارق مكانه إلا لأداء الفرائض بالرَّوضة المقدَّسة. وهذا شأنه وقد ترفَّع سِنُّه وتَقَعْقَع شَنُّه
(4)
وتَتَعْتَع بُنيانه، وتزعزع جثمانه، وتضعضع أركانه، وهويِ قَلبُه على ذلك دينَه وإيِمانَه، وصدقهَ وإيقانه، ونور قلبه الذي يهزُّ على ضعف بدنه برهانه، وأمَّا بذله للدُّنيا فَحدِّثْ عن البحر ولا حرج، يعطي عطاء مَنْ فارق الدَّنيا ومنها خرج، وإذا وهب المال، وهب من لزمه الشَّمال، ولا يعقل الفضة على الفضة، ولا الذهب على الأَهَب
(5)
، ولا اللآل على اللآل.
له في مقام البذل مقامات، وحكاياتٌ غرائبُ تشبه المنامات، بنى بالمدينة رباطين، واغتبط بوقفهما اغتباطين، وقف أحدهما على النِّساء
(1)
الماء القليل. قال الجوهري: النُّزفةُ بالضم: القليل من الماء أو الشراب. الصحاح (نزف) 4/ 1431.
(2)
الرحض: الغسل. يقال: رحضتُ يدي وثوبي: غسلته. الصحاح (رحض) 3/ 1077.
(3)
لم نتعبد بطول الوقوف ولامعنى لهذا في الشرع بل يخشى أن يكون من البدع المحدثة. إلا إن قصد المؤلف بذلك طول الوقوف للصلاة فهذا شأن آخر لكن يشكل عليه كيف يتنفل هذا العالم طول النهار وقد وردت السنة بالنهي عن الصلاة في أوقات النهي مع مافي ذلك من المشقة المخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
كناية عن اتِّضاعه لحوادث الدهر وضعفه، ففي المثل: وما يُقَعْقع له بالشِّنان، يُضرب لمن لا يتضع لحوادث الدهر، ولا يروعه ما لا حقيقة له. القاموس (قعقع) ص 754.
(5)
الأُهب: جمع إِهاب، وهو الجلد مالم يدبغ، والجمع: أَهَبٌ على غير قياس، وقد قالوا: أُهُبٌ بالضم، وهو قياسٌ. الصحاح (أهب) 1/ 89. يريد: لا يدَّخر أمواله في الجلود، بل يُنْفقها.
والرِّجال، والآخر يخصُّ الذُّكور فما لغير الرِّجال فيه مجال، ووقف على المتجرِّدين مسكنه الأنيس، وأمر بعمارة بئر أريس، وتجديد ما احتاج إليه من داثرٍ ودريس
(1)
، /460 وتوفي رحمه الله في عام خمسة عشر وسبعمائة تقريباً
(2)
، ودُفن عند قبر سيِّدنا إبراهيم
(3)
عليه السلام قريباً، وكان الشَّيخ محمد الكازروني
(4)
من المختصين بخدمته، فانتفع ببركته وارتفع بِهمَّته، ورُزِق به الخير في ذرَّيته.
8 - أحمد بن سليمان، الشَّيخُ شِهابُ الدِّين الصَّقِيليُّ
(5)
، بفتح الصَّاد المهملة، ويقال: بالسين، نسبه إلى قريةٍ قرب قِليوب من أرض مصر.
كان من المشهورين بالصَّلاح، والمذكورين فيمَنْ ظهر عليه نور التَّوفيق ولاح، وهبَّتْ على فَنَن
(6)
فُنونه من لواقح القَبول رياح، ودبَّت للتبرُّك بزيارته أرجل الرِّجال بالغُدوِّ والرَّواح، والإمساءِ والإصباح.
سلك طريق الانقطاع والاعتزال أحسن سلوك، وخشع له صناديد العظماء من العلماء والملوك.
وكان لا يسمح لأحدٍ منهم بالقيام، ويكتفي مِمَّا يتعين لهم من التَّعظيم والإكرام، بردِّ السَّلام، وترحيبٍ يسيرٍ لا يندفع به الملام، ولا يرتفع به عن ذي الجاه الآلام، وهو غير مكترثٍ بشأنهم، ولا مُبالٍ بمكانتهم ومكانِهم، يقلع
(1)
الخَلَقْ البالي. القاموس (درس) ص 544.
(2)
ذكر ابن حجر في الدرر الكامنة أنَّ وفاته سنة 726 في شهر القعدة، وهو أضبط.
(3)
ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في نصيحة المشاور، ص 113.
(4)
هو محمد بن روزبة، له ذكرٌ عند ابن فرحون ص 113. التحفة اللطيفة 3/ 567، توفي سنة 751 هـ.
(5)
الدرر الكامنة 1/ 139، إنباء الغُمر 1/ 201، التحفة اللطيفة 1/ 181.
(6)
الفَنَن: الغصن. القاموس (فنن) ص 1222.
بزواجر الوعظ من الجبابرة حَدَقَة بعد حدقة، ويحقِّق بعدم الالتفات إليهم معنى: التَّكبرُ على المُتكبِّر صدقة
(1)
، ولي بالآخرة منصب الخَطابة والإمامة بالحرم الشَّريف، انتزعها من سمِّيه القاضي أبي البركات النُّويري
(2)
. وما كان يليق بمثله أن يحيف، على أنه خطب للمنصب بالسؤال الوافي، لكنَّ طريق الامتناع كان عليه غير خافي، ولكنَّ حبَّ الرَّسول، سوَّغ له القَبول، وحسَّن له فيه الدُّخول، وحجب عنه أولوية الإعراض، وعجب منه الصَّالحون الذين جَدُّوا
(3)
عن حُبِّ المناصب حبال الأغراض. فحجَّ في عام ولايته بأهله وعائلته، وتوجَّه إلى المدينة الشريفة، وباشر الوظيفة، وسلك طريقةً مرضية، وملك ـ بتوفيق الله ـ في أموره أحسن سجيَّة، وصدعَ بخُطَبٍ دمعت لها العيون الجوامد، وخشعت لها القلوب التي تحكي الجلامد
(4)
، ولم
يتمَّ له ذلك سوى عامٍ واحد، فلما جاء الموسم دعاه داعي المنون، فسافر إلى مسقط رأسه بابليون
(5)
، فكان هناك لحدُه وترابُه
(6)
، وفُجِعَ بفقده أولادُه وأحبابُه.
9 - أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن، القاضي
محبُّ الدِّين أبو البركات ابن القاضي كمال الدين أبي الفضل بن القاضي شهاب الدين أبي العباس العقيلي النُّويريُّ
(1)
نقل ملا علي القاري في الموضوعات ص 97 عن الرازي: أنه كلامٌ مشهور قال: لكن معناه مأثور. فليس بحديث.
(2)
أحمد بن عبدالعزيز النويري العقيلي، سكن مكة سنة 723، واشتهر بالعلم والصلاح، توفي في شوال سنة 737 هـ. الدرر الكامنة 1/ 173، التحفة اللطيفة 1/ 186.
(3)
جدُّوا: قطعوا. القاموس (جدد) ص 271.
(4)
الجلامد جمع جلمد، وهو الصخر. القاموس (جلمد) ص 274.
(5)
معجم البلدان 1/ 11.
(6)
قال ابن حجر في الدرر: رجع من المدينة إلى القاهرة سنة 778 هـ، فمات بِها في
ثامن ربيع الآخر منها.
الشَّافعي
(1)
.
[نسبٌ كأنَّ عليه من شمس الضُّحى نورا، ومن وضَح النَّهار بياضا]
(2)
حفظ/461 القرآن المجيد في صِباه، وهبَّ عليه من الله قَبول القَبول وصَباه
(3)
، وحفظ في الفقه والأصول والقراءات كُتباً، ورفع العلمُ قدَره حتى قَرَع من المعالي كُتُباً
(4)
، فلمَّا جمع مجامع الفضائل والمعاني، وسمع من محاسنه ما أطرب النَّفوس بِمَا أزرى على المباني، فنابَ والدَه في الحكم والخطابة بحضرة أول بيتٍ وُضع لنا قبل استكمال العَقْد الثَّاني
(5)
، فلمَّا ناجاه من عمره العشرون
(6)
، فَاجَأه من مصره المبشرون، وأحضروا له تقليداً بالقضاء والخَطابة والإمامة بالمدينة الشَّريفة النَّبوية، صلَّى الله على ساكنها وسلَّم، فأحيا به مادثَر من أَكثم
(7)
، يحيى بن أكثم
(8)
، وتذكَّر النَّاس بولايته ولاية معاذ
(9)
وعتَّاب
(10)
(1)
الدرر الكامنة 1/ 244، إنباء الغمر 3/ 340، التحفة اللطيفة 1/ 221، شذرات الذهب 6/ 357.
(2)
ما بين معقوفين ذُكر قبل لفظ القاضي، وهاهنا محلُّه.
(3)
القبول والصبا من أسماء الريح. القاموس (قبل) ص 1045، (صبي) ص 1302.
(4)
جمع كتيبة. قال في اللسان: الكتيبة: القطعة من الجيش. اللسان (كتب) 1/ 701.
(5)
قبل إكمال العشرين من عمره.
(6)
في الأصل: (العشرين)، وعليها علامة توقُّف.
(7)
الأَكْثم: الطريق الواسع. القاموس (كثم) ص 1153.
(8)
قاضي بغداد للمأمون العباسي ولد سنة 159 هـ. وكان عمره أول ما استقضى عشرين سنة وتوفي بالربذة سنة 242 هـ. سير أعلام النبلاء 12/ 5.
(9)
معاذ بن جبل.......
(10)
وعتّاب بن أسيد بن أبي العاص الأموي، رضي الله عنه، أسلم يوم الفتح، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة، توفي يوم توفي أبوبكر رضي الله عنه، وقيل: توفي آخر خلافة عمر رضي الله عنه. الإصابة 2/ 451، أسد الغابة 3/ 556.
وسوَّار
(1)
، وكُثَار
(2)
الحُكَّام الذين وُلُّوا في عُنفوان
(3)
الأعمار، فتوجَّه إلى المدينة الشَّريفة في موكبٍ من العزِّ حفيل، والسَّعدُ يُجاري عنانه وهو بإنجاح القصد له كفيل، فباشر الوظيفة كأحسن من باشر، وعاشر المؤالف والمخالف بالإحسان، فياحُسْنَ ما عاشر، ثم بعد قليل، أكثروا من القال والقيل، وحرمت الأعداء المقيل، وتوسَّلوا إلى التَّهجين بكلِّ ما إليه سبيل، وأَنْهَوا لأرباب الدول أموراً في شرحها تطويل، ولم يبرح للحُسَّاد بِمن ساد على الإفساد تعويل، فوقع الاِّتفاق على تشريكه مع شخصٍ من أكابر مشايخ صَقِيل، فاستقلَّ أحمد بالحكم والزَّعامة، وباشر الصَّقيل بالخَطابة والإمامة، واستقرَّ فيها سَنَة، ولم يُجرِ الدَّهر لحصانهِ رَسَنَه، فرجع إلى مصره، ووَجِعَ على إِصْره
(4)
، وفُجِعَ بِموته أهل نصره، وظهر له بعد اشتهاره بالفقر أموال، وأعاد الله الوظيفتين إلى أحمدَ على أحمدِ مِنْوَال، والويلُ لمَنْ مالَهُ من الله وال، وماله من التَّقوى لباس، فماله من التِّقوال باس، واستقرَّ فيها استقرار الدرَّة في اللُّجَّة، وإذا ركزته في المنصب تداور الأُكْرَة
(5)
في الفُجَّة
(6)
.
(1)
سوّار بن عبدالله بن سوّار، العنبري البصري، كان قاضياً على الرصافة ببغداد، سمع من يحيى بن سعيد القطان، وبشر بن المفضل وغيرهما، وحدّث عنه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم. وكان شاعراً مفوهاً توفي سنة 245 هـ. سير أعلام النبلاء، 11/ 543، تاريخ بغدد 9/ 210.
…
يريد معاذ بن جبل لما وجَّهه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضياً إلى اليمن، وعتاب ابن أسيد الذي ولاَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة. وسوَّار بن عبد الله قاضي الرُّصافة من بغداد.
(2)
كثار: جماعات. القاموس (كثر) ص 468.
(3)
عنفوان: أوَّل. القاموس (عنف) ص 839.
(4)
إصره: ذنبه. القاموس (أصر) ص 343.
(5)
الأكرة: الكُرة. القاموس (أكر) ص 344.
(6)
الفجة: الفُرْجَة. القاموس (فجج) ص 201.
وقطع من المنافقين أظفار العَقار
(1)
والنِّقار، واستدركهم أَطْبَاءُ
(2)
اللطَّف
والرفق والوقار، ولم يعاملهم بسطوةٍ تبدي لهم شوكة واقتدارا، بل لاطف وحاسن ووافق ودارى، فَظفِر بالمطلوب، وأحبَّته القلوب، والمؤالفُ غالب، والمخالفُ مغلوب.
واللهُ المسؤول أن يُحييه حياة السُّعداء، ويُجنِّبه هيئات البعداء، وأن يجعل خير عمره آخره، وخاتم عمله محاسنه ومفاخره، وأمَّا ترجمة والده وجدِّه الإمام ابن الإمام، فقد ذكرناها بالموضع اللائق من كتابنا مهيج الغرام إلى البلد الحرام
(3)
.
ثمَّ انتقل إلى مكَّة حاكماً وخطيباً إلى سنة تسع وتسعين وسبعمائة
(4)
.
10 - أحمد التَّادلي
(5)
الفقيه، أبو العباس المغربي المالكي
(6)
.
كان إماماً عالماً بارعاً، وفقيهاً /462 فاضلاً فارعاً، تبحَّر في الأصول والفروع، وجمع بين المعقول والمشروع، والمقصور والمسموع، مع الورع المتين، والدَّين المكين، وسلوك منهاج العلماء المتقين، شرحَ رسالة ابن أبي زيد
(7)
شرحاً بديعاً، ممتعاً جامعاً، وشرح عمدة الأحكام شرحاً على سائر
(1)
هذا مأخوذ من قول العرب: نعوذ بالله من العواقر والنواقر، فالعواقر مايعقر أي يقتل والنواقر السهام التي تصيب. اللسان (عقر) 4/ 595.
(2)
جمع طبي، وهي حَلَمات الضَّرْع، وفيها كناية. القاموس (طبي) ص 1306.
(3)
تقدمت الإشارة إليه في الباب الثالث.
(4)
كان ذهابه إليها سنة 789، ووفاته سنة 799 هـ.
(5)
نسبة إلى تادلة، بلدة بين فاس ومراكش، الموسوعة المغربية 4/ 303.
(6)
نصيحة المشاور ص 220، الديباج المذهب ص 81، التحفة اللطيفة 1/ 184، درَّة الحجَّال 1/ 42، واسم أبيه: عبد الرحمن.
(7)
الرسالة في الفقه المالكي، طبعت عدة طبعات. ذخائر التراث العربي الإسلامي 1/ 36.
شروحه فارعاً، ووضع على (تنقيح) القرافي لُباباً ما عرفنا أحسن منه وضعاً، وأمكن منه واضعاً، على أن تآليفه كلها نجوم لوامع، وتصانيفه جميعَها بدور سواطع، وللغرائب جوامع، ومع ذلك يقوم عليه القاضي شرف الدِّين
(1)
لكونه أثبت محضراً لنافع بن مطرِّف يشتمل على أن العِهْنَ
(2)
قد باعه صاحبه في الحبس مقهوراً مغصوباً مستضاماً، فغضب القاضي غضباً لم يغضب مثله، وترك الصَّلاة بالنَّاس أياماً، ولم يحضر يوم الجمعة إلا بعد لأْيٍ
(3)
، وعزل التادلي
(4)
عن نيابته، واستناب عوضه الشيخ جمال الدين المطري
(5)
، وكان كناقل الليث إلى غابته، وتارك الغيث من سحابته.
11 -
أيمن بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد ابن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أيمن، أبو البركات السَّعديُّ المغربيُّ
(6)
. من الأدباء البارعين، والفُضلاء الفارعين، والعلماء العاملين، والكبراء الكاملين، كان أُعجوبة وقته في الفَطانة والفَصاحة، وسرعة الجواب الحَسنِ على البَداهة، وإيراد الحكايات المُطرفة، وإسناد الروايات الغريبة المُتحفة
(7)
.
ينقضي المجلس بلوامع الأدب وبارقته العجيبة، ولا يخطر ببال جليسه
(1)
شرف الدين الأميوطي، واسمه: محمد بن محمد، ستأتي ترجمته في حرف الميم.
(2)
العِهْنُ: الصُّوف. القاموس (عهن) ص 1218.
(3)
لأي: شدة. القاموس (لأي) ص 1329.
(4)
وكانت وفاته سنة 741 هـ
(5)
اسمه: محمد بن أحمد جمال الدين، ترجمته في حرف الميم.
(6)
نصيحة المشاور ص 162، الوافي بالوفيات للصفدي 10/ 33، الدرر الكامنة 1/ 431، التحفة اللطيفة 1/ 352، وقال ابن حجر: محمد أربعة عشر آباء في نسقٍ. لم يوجد نظير ذلك إن كان ثابتاً. ا. هـ. وفي الأصل خمسة عشر.
(7)
في الأصل: (الملحفة).
مباعدته ومفارقته.
كان يُخبر أنه رأى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فأنشده بعض قصائده، فبصق النبيُّ صلى الله عليه وسلم في فيه، وقال له: لا فُضَّ فوك. ومن مصدِّقات هذه الرُّؤيا أنَّه نيَّف على التِّسعين وأسنانهُ تلمع، وأجمع من أسنان بنت عشرين، لم تسقط إلى أن تَمَّت له مائة سنة
(1)
، وأُجيبت فيه دعوةُ مشرِّع الفرض والسُّنَّة، كان يتناول الخُشكنانة
(2)
العتيقة التي تحاكي الحجر، فَيُقَرْطِمُه
(3)
قرطمة الصَّبي الجريء البطل، أنشدني أبو عمر عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة
(4)
فيما قرأتُ عليه عوداً على بدء قال: أنشدني أيمن بن محمد بالمدينة الشَّريفة لنفسه:
بلغتُ بشعري في الصِّبا وعقيبهِ
…
جميعَ الأماني من جميعِ المطالبِ
فلما رأتْ عينايَ سبعين حجَّةً
…
قريباً هجرتُ الشعِّرَ هَجْرَ الأجانبِ
أَيَجْمُلُ بالشَّيخِ الذي ناهزَ الفَنا
…
بقاءٌ على ذِكْرِ الصِّبا والكواعبِ
حَثثْتَ السُّرى ليلَ الشَّبابِ فكيف لا
…
أُريحُ لدى صُبْحِ المشيبِ بِجانبِ
لعمرُكَ إنَّ العمرَ يومٌ وليلةٌ
…
يكِرَّانِ، والدُّنيا مُناخٌ لراكبِ
إذا طال عُمر المرءِ سُرَّ وساءَه
…
على أيِّ حالٍ كان فقدُ الحبائبِ
وفي نفسهِ إنْ ماتَ قبل انتهائه
…
مصيبتُه، فالمرءُ رأسُ المصائبِ
وبه إليه لنفسه يصف النخل وقد جدَّه:
انظر إلى النَّخل وأعناقِها
…
وقد جُرِّدتْ من ثَمْرهِا الزَّاهي
مثلَ عروسٍ تمَّ أُسبوعها
…
فَجُرِّدتْ من حَلْيها الباهي
(1)
وكانت وفاته سنة 734 هـ.
(2)
كلمة فارسية مركبة من: خُشك، أي: اليابس، ونان، أي: الخبز، المعرب ص 283 بالحاشية.
(3)
يقطعها. القاموس (قرطم) ص 1148.
(4)
عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة المصري الشافعي، قاضي المسلمين، ولد بدمشق سنة 694 هـ وتوفي بمكة سنة 767 هـ ودفن بالمعلاة. الدرر الكامنة 2/ 379. التحفة اللطيفة 3/ 36، معجم الشيوخ للذهبي 1/ 401.
12 - إبراهيم بن أحمد بن عيسى القرشي المخزومي، المُلقَّب بدر الدين، الشهير بابن الخَشَّاب
(1)
. كان من الأعيان الأماثل، والفقهاء ذوي الفضائل، وكان ذا شيبة مليحة، ومُهجة فصيحة، ورِياسةٍ ظاهرة، وكِياسةٍ باهرة، ومآثرَ شهيرة، ومفاخرَ كثيرة، ولي قضاء المدينة الشَّريفة ثلاث مرَّات: أولاها في ذي الحجة من عام أربع وخمسين وسبعمائة، قدمها قاضياً في صحبة مَخدومه ومُسْتَنيبه شيخنا أبي عمر عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة قاضي القضاة بالدِّيار المصرية
(2)
، لمّا جاور بأهله وأولاده وحاشيته.
فقام القاضي بدر الدين بوظائفه من القضاء والخطابة والإمامة أحسن القِيام، وغمر النَّاسَ بالإفضال والإنعام، وأظهر اليد البيضاء في فصل القضايا والأحكام. وشكرته فيما سار من السيرة الجميلة ألسنة الخاص والعام، واستمر على ذلك إلى آخر هذا العام، وورد في الموسم تقليدٌ وخلِعةٌ باسم القاضي شمس الدين محمد بن عبد المعطي بن السبع
(3)
الذي كان متولياً قبله، ثم انصرف القاضي بدر الدين إلى الديِّار المصرية، وعاد إلى نيابة قاضي القضاة عزِّ الدين المتقدِّم ذكره إلى اثنتين وستين وسبعمائة أعيدت الولاية والوظائف إلىإبراهيم بن أحمد، فعاد إلى المدينة الشَّريفة، وكان العود أحمد، فسلك مسلكاً جَميلاً، وحقَّق ما كان الناس أمَّلوا فيه تأميلاً، قام بحرمة المنصب،/464 وإقامة النَّاموس، ورفع شعار السُّنَّة، وإخماد نار البدعة، ورعاية حقوق الكافَّة، ثم انفصل عنها إلى عام أنْ قُدِّر له السَّفر إلى الديار المصرية، لمصالحَ دنيوية
(1)
نصيحة المشاور ص 227، الدرر الكامنة 1/ 12، التحفة اللطيفة 1/ 102، المنهل الوافي 1/ 48.
(2)
تقدَّمت ترجمته.
(3)
ستأتي ترجمته في حرف الميم.
ودينية، فأدركته في الطَّريق المنيَّة، قبل بلوغ الأمل، ومات في المُحرَّم من عام ثلاث وسبعين وسبعمائة.
13 - إبراهيم بن عبدٍ، العُريان، الرُّوميُّ الأصل
(1)
.
كان من الفقراء المجرَّدين، والصُّلحاء المفردين، لم يبرح عُرياناً يتَّزر كساءً،
وهو على ذلك صيفاً وشتاءً، مقتنعاً من الدُّنيا بِبَلاسة
(2)
، وقُبَّعِ صُوفٍ على قُبَّةٍ برأسه، وأقام في المدينة نيِّفاً وخمسين سنة، على طريقة حسنة، وكان ساكناً في المدرسة الشِّيرازية، واتَّخذ التَّجرُّد عن الدُّنيا زِيَّه، اشتُهر بين النَّاس الأعيان، ولم يزد على ذلك اللِّباس وهو عُريان، أظهر في المدينة آثاراً حميدة، ومشاعر سعيدة، وعمَّر المدرسة المذكورة برفع إِسْطامها
(3)
، ودفع التَّخلخُل عن سقوفها ورواشينها
(4)
، ولم تزل المدرسة في أيامه محترمة الجَناب، مَحْمِيَّة الأعتاب، لا يسكنها إلا الصُّلحاء والأخيار، والفقراء والأبرار، اشترى نخلاً وَنوَّه بوقفه وحبسه، بعد أن اجتهد في عمارته بِماله ونفسه، وكان قويَ الخَلْق شديد الباس، لا يُعاشِر إلا بالإلطاف والإيناس. وتوفي بالمدينة في عام ثلاثين وسبعمائة.
14 - إبراهيم التلمساني
(5)
، الشَّافعي،
العالم النَّاسك، الزَّاهد السَّالك، عارف زمانه، وفارس ميدانه، وحافظ لسانه، والمُقبل على شانه. سلك في الانقطاع مَسلكاً حسناً، وملك بترك الاجتماع مُلكاً حسناً، لا يخالط النَّاس إلا
(1)
نصيحة المشاور ص 118، التحفة اللطيفة 1/ 154.
(2)
البَلاس، كلمة فارسية معِّربة، معناها: الثوب الغليظ من الشَّعَر. اللسان (بلس) 6/ 29.
(3)
الإسطام بالكسر: المسعار، وهو حديدة. يريد عمودها. القاموس (سطم) ص 1120.
(4)
جمع رَوْشن، وهو: الخرق في أعلى السقف. اللسان (رشن) 13/ 180.
(5)
نصيحة المشاور ص 170، الدرر الكامنة 1/ 79، التحفة اللطيفة 1/ 113، وسمَّى أباه: رجباً.
يَشْغلَهُم بالعلم الشَّريف، لعلمه بالاختلاط أنَّه مَهْمَهٌ
(1)
مُخيف، لم يزل في أواخر الحرم مُلازماً للتدريس والإفادة، ولا يقع في مَجلسه على ذلك زيادة، من الكَلِم المعتادة، ولا يدخل منْزلَه إلا للوضوء والطَّهارة، ولا يأتيه آحاد النَّاس إلا للتبرُّك والزِّيارة، تَخرَّج عليه جماعةٌ من طَلَبة المدينة، وانتفعوا بملازمته، وارتفعوا بمنادمته، لكن اخترمتهم المنية في الشَّباب، فأجزل الله لهم الثَّواب، ويَمَّنَ عليهم بحسن الانقلاب، وكان رحمه الله مع هذا الانقطاع يُؤذى بأنواع الكلام، ويُرمى بسهام الملام، ويبلغه ذلك فلا يُعاتب قائله، ولا يقطع عنه نائله، وكانت له كتبٌ نفيسة، وأصولٌ معتمدة جليلة، في فنون العلم، وقف أكثرها بِمدرسة فيها له فِعَال، ووقف بعضها بالمدرسة الشِّهابية بالمدينة، وأعتق عبداً له كان قد ربِّاه، وأحسن إليه /465 أحسنَ الله مثواه، وتوفي عام خمس وخمسين وسبعمائة.
…
15 - أبو الغَمْر الطَّنجِيُّ
(2)
، قاضي طنجَة،
وهي مدينةٌ مقابلةُ الجزيرة الخضراء على ظهر جبل، وماؤُها في قناةٍ تجري إليهم من موضعٍ لا يعرفون مَنْبَعه، وأعمالها مسيرة شهرٍ في شهر.
أعرض عن قضاء بلده وتوجَّه إلى الحجاز، وأقبل على الحقيقة وترك المجاز، وآثر المجاورة بدار الإيمان، مُنقطعاً إلى عبادة الرَّحمن، منفرداً بالعلم والعمل على جميع الأقران، مع التَّوجُّه العظيم، والصَّوم المقيم، والمُجاهدة في الأعمال، والمُباعدة عن النَّاس وماهم فيه من الأحوال، والرِّياضة البليغة التي أضمرته حتى لم يبق منه إلا شِبْهُ الخيال
(3)
، وإِقراءِ العلوم لمَنْ يقصِدُه من
(1)
المَهْمَةُ: المفازة البعيدة الأطراف. الصحاح (مهه) 6/ 2250.
(2)
نصيحة المشاور ص 126، التحفة اللطيفة 2/ 114، العقد الثمين 4/ 523، وسمَّاه في التحفة: السائب بن عبد الله الأنصاري.
(3)
المبالغة في التعبد والرهبنة غير مشروعة في الإسلام، بل جاءت السنة بالرفق بالنفس في أعمال الظاهر مع إصلاح السرائر كما كان على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وخيار الأمة.
خواص الرِّجال، أحبَّ بالآخرة أنْ يتزوَّج متابعةً للسُّنة، مع نحافة البدن وقَصافة
(1)
الجسم، وضعف المُنَّة
(2)
، فخطب له أصحابه حليلةً جميلة، بِرشاعة
(3)
شاعت محاسنها بين القبيلة، فلمَّا دخل عليها، ونظر إليها، وجدها مُوشَّمة الشِّفاه، منمَّمة السعاة، فاشمأزَّ طبعه، وتكدَّر مما اصطفاه واستصفاه، فلم يَفْغَرْ
(4)
لمحادثتها فاه، وخرج من عندها وأرسل صَدَاقها وأوفاه، ثم لم يتزوَّج بعدُ حتى استأثر الله به وتوفَّاه.
أخبر الشَّيخُ الإمام أبو عبد الله الوادي آشي
(5)
عنه أنَّه قال له بِمكة: يا سيدي هل وقفتَ بِمكةَ على كرامةٍ أعدها عنك، وأرويها لمن بعدك؟ قال: وما تحت ذلك من طائل؟ قال: فتضرَّعتُ إليه، وألححتُ عليه، فقال: كنتُ ليلةً أطوف بالبيت وحدي، فرأيتُ عن يَميني وعن شمالي جماعةً يطوفون معي رؤوسهم مُشرِفةٌ على البيت. توفي عام ثَمانية عشر وسبعمائة رحمة الله عليه.
16 - أبو عبد الله القَبْتَوْري
(6)
، وقَبْتَوْر جزيرة بالمغرب، وسعيد بن محمد بن سعيد الأنصاري
(7)
الخطيب بجزيرة قَبْتَوْر من أئمة القرآن والعربية.
(1)
قصافة: ضعف، كأنه تكسَّر كالعُود. القاموس (قصف) ص 845.
(2)
المنة: القوَّة. القاموس (منن) ص 1235.
(3)
برشاعة: سيئة الخُلق. القاموس (برشع) ص 702.
(4)
يفغر: يفتح. القاموس (فغر) ص 457.
(5)
اسمه محمد بن جابر، صاحب كتاب البرنامج المطبوع في ذكر شيوخه. توفي بتونس سنة 749 هـ. ترجمته في معجم الشيوخ للذهبي 2/ 180، التحفة اللطيفة 3/ 675، وسماه محمد بن علي بن جابر، وله ذكر في نصيحة المشاور ص 88.
(6)
اسمه خلف بن عبدالعزيز. نصيحة المشاور ص 129، الدرر الكامنة 2/ 85. انظر الترجمة (24) من هذا الباب.
(7)
الصلة لابن بشكوال 1/ 216، وعنه ياقوت في معجم البلدان 4/ 304، وفيه قَبثور، بالثاء، وهو تصحيف، وكانت وفاته في حدود سنة 420 هـ.
وكان الشَّيخ أبو عبد الله من العلماء المتبحِّرين، والفضلاء المتقنين، وكان شأنه عن العامة مغطَّى، وله علو سندٍ بكتابي (الشفاء) و (الموُطَّا)، انقطع إلى جوار المدينة مع جماعة من أخواله، متوجِّها إلى الله مُقبلاً على شانه، لا يرجعُ أحدٌ عنه مُمتلياً
(1)
، ولا يُرى قطُّ إلا ذاكراً أو مصلياً، ويذكر عنه كرامات سعيدة، ومقامات حميدة، دُفِن في قطعة أرضٍ اشتراها بطرف البقيع على طريق مسجد الإجابة، أعلى الله برضوانه انقلابَه، وأجزل من فضله العميم ثوابه.
17 - إبراهيم بن مسعود بن سعيد، الشَّيخُ برهانُ الدين القاهريُّ، المعروفُ بابن الجابيِّ المسروريّ
(2)
، الإربلي المَحْتِد والنِّجَار
(3)
، كان شيخاً ذا هيبة وسكينة ووقار، حسنَ السَّمْت، مليحَ الشَّيبة، كثير الصَّمت صبيح النَّقيبة
(4)
، مال المستفيدون جميعهم إليه، وانتفعوا به وجوَّدوا عليه، وكان من الشُّيوخ القدماء المُقدَّمين، أقرأ القرآن الكريم بالسَّبع مدَّة سنين
(5)
، واستنابه في الإمامة والخطابة القاضي شرف الدِّين
(6)
، وكان قد استنابه قبلُ فيهما الشَّيخ المطريُّ جمال الدِّين
(7)
، فقام بِهما أحسن القيام، وأقرَّ بحسن أدائِه كلُّ خطيبٍ وإمام، وابتلي في الآخرةِ بذهاب البصر، فاحتسب على الله وصبر، وفاز من الله بأطيب البُشَر، توفي سنة خمس وأربعين وسبعمائة.
* * *
(1)
ممتلياً: مخذولاً. يقال: تلوتُه: إذا خذلته وتركته. الصحاح (تلا) 6/ 2290.
(2)
نصيحة المشاور ص 148، غاية النهاية 1/ 27، الدرر الكامنة 1/ 73، التحفة اللطيفة 1/ 146.
(3)
المَحْتِد: الأصل، والنِّجار مثله. اللسان (حتد) 3/ 139، (نجر) 5/ 193.
(4)
النقيبة: النَّفس والطبيعة. القاموس (نقب) ص 139.
(5)
وكان قد جمع القراءات على علي بن ظهير، المعروف بابن الكفتي شيخ الإقراء بالجامع الأزهر، توفي سنة 689 هـ.
(6)
شرف الدين الأميوطي، واسمه محمد بن محمد بن إبراهيم. ستأتي ترجمته في حرف الميم.
(7)
ستأتي ترجمته في حرف الميم، واسمه محمد بن أحمد.
حرف الجيم
18 - جمَّاز بن شيحة
(1)
بن هاشم بن قاسمٍ أبي فُليتةَ بن مهنا بن حسين بن مهنا بن داود بن قاسم بن عبد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسين ابن جعفر بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب. أمير المدينة الشريفة، كان بطلاً باسلا، وعَمَيْثَلاً
(2)
مُنَازلاً، ومَهِيباً سائسا، وقِلِّيباً حُمَارسا
(3)
، وفتَّاكاً ضِرْزماً
(4)
، وسفِّاكاً غَشَمْشَما
(5)
، وقَرْماً
(6)
هُمَاماً، وعبقرياً قَمْقَاما
(7)
، ترقَّتْ به همَّتُه إلى أن قصد مكَّة في صَكَّةِ عُمَيٍّ
(8)
، وأراد انتزاعها من يد الأمير نجم الدِّين أبي نُمَي
(9)
، فهجم على مكة هجوم الطَّيف، وافتضَّ عُذرتَها بِحدِّ السيف. وذلك أنَّه بات ليالي على بابِها مُخيِّماً، وعلى إخراجه منها جازماً
(1)
نصيحة المشاور ص 233، الدرر الكامنة 1/ 538، التحفة اللطيفة 1/ 423، المنهل الوافي 5/ 18.
(2)
عَمَيْثَلاً: نشيطاً جَلْداً. القاموس (عمثل) ص 1036.
(3)
القِلِّيب: الذِّئب، والحُمارس: الشديد الجريء. القاموس (قلب) ص 127، (حمرس)
ص 539.
(4)
الضِّرزم: الشديد، وأصله: شديد العَضِّ. القاموس (ضرزم) ص 1131.
(5)
الغشمشم: الذي يركب رأسه. القاموس (غشم) ص 1142.
(6)
القرم: السيد. القاموس (قرم) ص 1148.
(7)
القمقام: السيد. القاموس (قمم) ص 1151.
(8)
أي: في نصف النهار في شدة الحر، والصَّكَّة: الضربة. القاموس (صكك) ص 946. وعُمَىُّ: اسم رجلٍ من العماليق أغار في هذا الوقت على حيٍّ، فَنُسب إليه. المستقصى في الأمثال 2/ 287.
(9)
هو محمد بن حسن بن علي الحسني، انتزع إمارة مكة من عم أبيه إدريس بن قتادة سنة 670 هـ، مات بمكة سنة 701 هـ. الدرر الكامنة 3/ 422، الدر الثمين 1/ 456.
مُصمِّماً. فحاصرهم وقاتلهم، ودافعهم ونازلهم، إلى أنْ دبَّ إليها، واستولى عليها. وخرج الأمير أبو نُمي منها، وصدق
عزم جماز مكة ولم يَحِنْها
(1)
، واستقرَّ فيها مدَّةَّ
حاكماً، وصار الخمول متكامناً، والسَّعدُ متراكماً، ثمَّ ردَّ الله تعالى مَكَّةَ إلى أبي نُمي، وجمع الزمان بين غَيْلانَ ومي
(2)
، وعاد جَمَّاز إلى محلِّ ولايته، باسطاً على المدينة ظِلَّ رايته.
وكانت ولايتُه وراثةً عن والده، ومنه كان تَهيّأ له تناول مقالده، ولكن لم تَصفُ له إلا بعد هزاهز
(3)
، ومنازعاتٍ بينه وبين مالكٍ وعيسى وغيرهما من ذوي قرابتهم الجمامز، كما ذكرناه في ترجمة شيحة مطَّولاً وبينَّاه مجملاً ومفصَّلاً.
وكان جمَّاز ذا رأي صليد
(4)
، وقلبٍ نجيد
(5)
، وجأشٍ جليد
(6)
، وسَماحٍ على ذوي قرابته عظيم، وعطاءٍ إلى بني عمِّه عميم، ولم يزل يَبَرُّهم بالإنعام الجزيل، ويغمرهم/467 بالنَّوال الحفيل، إلى أنْ استمال قلوبَهم، وملك بجوده غالبَهم ومغلوبَهم.
وكان أولاده أحد عشر ولداً كأنَّهم أسود، منهم: منصور، وسند، ومقبل، ووُدَي، وقاسم، وراجح، ومبارك، وثابت، ومسعود.
وكان له من الإخوة ثمانية يَخْطِمون ببأسهم المَخاطِم
(7)
، منهم: منيف،
(1)
يحنها: يهلك أهلها، والحَيْنُ: الهلاك. القاموس (حين) ص 1192.
(2)
غيلان هو اسم الشاعر المعروف بذي الرُّمة، كان من عُشِّاق العرب، وصاحبته ميَّة. الشعر والشعراء ص 351.
(3)
الهزاهز: تحريك البلايا والحروب الناس. القاموس (هزز) ص 529.
(4)
الصليد: الصلب والبريق أيضاً، وكلاهما محتمل هنا. القاموس (صلد) ص 293.
(5)
نجيد: شجاع. القاموس (نجد) ص 321.
(6)
جليد: قويّ. اللسان (جلد) 3/ 124.
(7)
المخاطم، أي: يضربون الأنوف. القاموس (خطم) ص 1104. المعنى: يضربون الأنوف.
وعيسى، وأبو الرديني جدُّ الردنة، ومحمد جدُّ الفواطم. ولم يزل جَمَّاز مستقلاً في ولايته إلى رأس السبعمائة، فلما وجد شمس الشَّباب قد غربت في عينٍ حَمئة، وترفَّع السِّنُّ، وتَقَعقع الشَّنُّ، وخان البصر، ومان
(1)
القوى والقُدر، نزل عن المنصب لأبَرِّ أولاده منصور، وفوَّض إليه أمر الإمارة بِمحضر الجمهور، وحالَفَ النَّاس على معاملته بالطاعة والنصرة والوفا، وأمر أنْ يُخطب له بحضرته على منبر هذا النبي المصطفى، فلمَّا باشر المنصب وظهرت شِعار شوكته، وقع الحسد والتباغض بينه وبين إخوته، فطلع منصور إلى حصن والده هذا الموجود الذي بناه أذى لحناجر العدا، و قذى في مَحاجر من أرادهم برديٍّ أو ردى، وانفرد أولاد جَمَّاز للتعَرُّض للبَلى، وأمَّروا عليهم أخاهم مُقبلاً، وصاروا يحاصرون المدينة، ويَدِبون إليها، ويضايقون البلدة الشريفة، ولا يقدرون عليها، ثمَّ إنَّ مقبلاً استعمل سُلَّماً طويلاً مُفصَّلا، قابلاً للفكِّ والنَّقض، وعند الحاجة يُركَّب بعضه في بعض، استصحبه من الشَّام، لما سافر إليها في ذلك العام، فتقدَّم به في نفر مئين من أصحابه، وسلَّطوه على الحصن بانتصابه، ودخلوا الحصن، واختفوا إلى الصباح، ولم يكن بالمدينة غير كبش بن منصور فاستغاث أهلَ المدينة بأعلى صياح، فأغاثوه وقاتلوا دونه، وقتلوا مقبلاً وقاسماً وجوشناً قَتْل مَنْ لا يدونه
(2)
، فعظمت المصيبة على الإخوة والأولاد، وانتظمت أسباب الفتن بالجدال والجِلاد، فقدَّموا عليهم وُدَيَّ بن جَماز لأخذ القَوَد كأشدِّ مَنْ أَقاد، واستحكم بينهم أسباب الفتنة والفساد،
وتوالت بينهم الحرب، وتعالت فيهم الطعن والضَّرب، ومرَّ على المنصور حالي العيش
(3)
، وعظم عليه إكثار النفقات على الجيش، وحصل له لذلك ضِيق وشدة، وبلغ
(1)
مان: كذب. أي خانته القوى. القاموس (مين) ص 1236.
(2)
لا يدفعون ديته. تقول: وَدَيتُ القتيل، أَدِيهِ دِيةً: إذا أعطيت ديته. الصحاح (ودى) 6/ 2521.
(3)
أي: اليسر والعسر.
السَّيل الزُّبا وجاوز الحِزام حدَّه
(1)
، واتَّخذ حينئذٍ من صهوة الجور مقعداً كظهر الشَّيهم
(2)
، وطلب من الخُدَّام المُجبرين من كلّ نفرٍ ألفَ درهم، فامتنعوا وقالوا: لا نفعلها سُنةً أبداً، ولا نرى/468 منا يد الدَّهر
(3)
سَبَداً ولا لَبَدا
(4)
، فشدَّد عليهم الطماعة، وأنزل في الجُبِّ منهم جماعة، فتقدَّم طائفة من المجاورين للغضب في العصبية، وإحياء الشِّقْشقة
(5)
العربية، وقالوا: مَنْ يتقدَّم في نزول الجُبِّ على الخدام، ويترك عار ذلك على وجهٍ حالكٍ إلى يوم القِيام، وطال في ذلك الكلام، من المُجاورين واشتدَّ النِّزاع والخِصام، ثم فرج الله الكربة، ببركات مُشرِّف هذه التربة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
19 - جَمَّاز بن منصور بن جَمّاز بن شيحة
(6)
، الأمير عزُّ الدِّين الهاشميُّ الحسينيُّ، وتقدَّمَ بقيَّةُ نسبه في ترجمة جدِّه جَمَّاز.
كان رحمه الله في أسرته ضَمْضَاماً
(7)
شارعاً
(8)
، وقَمْقَاماً
(9)
فارعاً
(10)
، وهُماماً في جميع المفاخر بارعاً، وهِلْقَاماً
(11)
لملابس المآثر
(1)
هذان مثلان يضربان في الشَّرِّ المفظع ومجاوزة الحدِّ. المستقصى 2/ 14.
(2)
الشيهم: ذكر القنفذ. القاموس (شهم) ص 1128.
(3)
يقال لا آتيه يد الدهر، أي: الدهر كله. اللسان (يدي) 15/ 425.
(4)
يقال في المثل: ماله سَبَدٌ ولا لَبَدٌ، كناية عن شدَّة الفاقة، وأصل السبد الشعر، واللَّبد: الصوف. المستقصى 2/ 331.
(5)
أصل الشِّقْشِقَةِ: شيء كالرئة يخرجه البعير من فيه إذا هاج، والمراد الحمية العربية. القاموس (شقق) ص 898.
(6)
نصيحة المشاور ص 259، التحفة اللطيفة 1/ 426.
(7)
الضَّمضام: الذي يحتوي على كلِّ شيء. القاموس (ضمم) ص 1132.
(8)
الشَّارع: العالم الرباني العامِل المعلِّم. القاموس (شرع) ص 733.
(9)
قمقاماً: سيِّداً. القاموس (قمم) ص 1151.
(10)
فارعاً: عالي القدر شريفاً. القاموس (فرع) ص 746.
(11)
الهِلْقام: السَّيد الضَّخم ذو الحَمالات. القاموس (هلقم) ص 1171.
دارعاً
(1)
، كم صرع بسطوته ضَيْغماً
(2)
مصارعاً، وكم قرع بِخطوته يَلَنْدَدا
(3)
مُقارعا، شَكساً ضَرِساً
(4)
مُذْرِباً
(5)
مِرْمَرِيسا
(6)
، شُطَسِياً
(7)
ضِبِّيساً
(8)
مُحترباً عِتْريساً
(9)
، ولي المدينة الشَّريفة عن ماتع بن علي بحكم انفصاله، وأخذ الملك في حَجر إحسانه، بعد اسْتِتْمَام حمله وفِصاله، وذلك بعد أنْ علا ماتِعٌ على المجاورين بِجَوْره، وعدا في الطُّغيان حدَّه وطَوْرَه، واحتملوا ذلك مِراراً عِدَّة، وطالت بذلك المدَّة، فاتَّصلت الأخبار بأرباب الدَّولة، واطَّلعت علومهم بمالَه على أهل المدينة من صولةٍ بعدَ صولة، فأرسلوا إلى الأمير عزِّ الدِّين جمَّاز، لعلمهم بأنه انفرد باستحقاق الملك وامتاز، وولَّوه إِمْرة المدينة، وراعوا في ذلك حَسَبَه ودينه، فوصل المدينة في سنة تسع وخمسين
مستصحباً للتَّقليد والخِلعة، وقُرئ تقليدُه وصعِد مصحوباً بالسَّعد صَهْوة القلعة، وكانت حُرمته وافرة، وأظفاره بقلع الأعادي ظافرة، والمخالفون من سطوة بأسه نَافِرة، فهابت لهيبته الباديةُ والحاضرة، وخشعت لجلالته القلُوب العاقلة والعيون النَّاظرة، فلمَّا استقرَّ الملك تضاعف منه الجبروت، وترادف في النُّفوس منه الرَّهبوت، وأمضى أحكامه في اشتدادٍ زائد، وأجرى أوامره ونواهيه في الأقارب والأباعد.
(1)
أصله: لبس الدُّرَّاعة، وهي ثوب، فمراده: لبس ثياب المفاخر والمآثر. القاموس (درع) ص 714.
(2)
ضيغماً: أسداً. القاموس (ضغم) ص 1132.
(3)
يلندداً: خصماً شديداً. القاموس (لدد) ص 317.
(4)
ضرساً: صعب الخلق. القاموس (ضرس) ص 553.
(5)
مذرباً: حادَّ اللّسان. القاموس (ذرب) ص 85.
(6)
مرمريساً: داهياً. القاموس (مرس) ص 574.
(7)
الشُّطَسِيُّ: الرجل المنكر المارد الداهية. القاموس (شطس) ص 552.
(8)
الضبيس: الشكس العسر. القاموس (ضبس) ص 553.
(9)
العتريس: جبَّاراً. القاموس (عترس) ص 556.
هذا وكان في أكثر الأوقات رهين الضَّعف والمرض، ولم يسلم غالباً بدنُه من تغيُّر وعَرَض، وذكر لي الثِّقاتُ أنَّه لما وصل إليه التَّقليد والخلعة السُّلطاني توجَّه إلى المدينة في جماعته وهم في صورة ركب حفيل إلى أنْ قربوا من باب المدينة، ونزلوا تحت القلعة ولم يتحقق الناس منون، وتفرقت الأوهام والظُّنون، فتوهَّم /469 بعضٌ أنَّه قافلةٌ من الشَّام، وقيل: ركبٌ من ينبعَ لحمل الزَّاد والطَّعام، ثمَّ كُشف الحال وانجلى المستور، فإذا هم جماعةُ جمَّاز بن منصور، متولِّياً للمدينة بمرسوم السُّلطان، ومعه القاضي تقي الدِّين الهُورِيِني
(1)
، وقد أُعيد إلى القضاء كما كان، ومعهم مرسومٌ بعزل عزِّ الدِّين دينار
(2)
، وتقليدٌ بولاية ياقوت
(3)
المدعو بالافتخار، وتعجّب النَّاس من حلولهم فجأةً قبل بلوغ خبر، ودخلوا المدينة في صبيحة الحادي عشر، وخرج آل جَمَّاز من المدينة تالين آية الفِرَار، سائحين على وجوههم هِزِّيمَى
(4)
مَنْ دمه جُبَار
(5)
، وتقوَّضوا فُلاَّلا
(6)
متعلِّقين بالدُّروب مُتسلِّقين في الأسوار، فأراد الأمير جمَّاز اتِّباعَهم بعسكره، فكبحته
أَرْيَحيَتُه عن ذلك، ومنعته حميتَّه في ذوي القربى عن سلوك تلك المسالك، فنادى في المدينة أنْ لا يتبعهم أحدٌ في فِرارهم، ويُتركون سالمين ذاهبين إلى باديتهم ومحلِّ قَرارهم، ولا يتتبع رِجل إنسان لاقتفاء آثارهم، فخرجوا معفواً عنهم، مهوَّناً عليهم، ودرجوا إلى البراري عازمين على البداوة قانعين بما لديهم، واستقرَّ جمَّاز في القلعة حاكماً.
(1)
اسمه عبد الرحمن بن عبد المؤمن، توفي سنة 760 هـ. الدرر الكامنة 2/ 334.
(2)
ستأتي ترجمته في حرف الدال.
(3)
ستأتي ترجمته في حرف الياء.
(4)
الهِزِّيْمى: الهزيمة. لسان العرب (هزم) 12/ 610.
(5)
جُبَار: هَدَرٌ. القاموس (جبر) ص 361.
(6)
فُلالاً: منهزمين. القاموس (فلل) ص 1044.
وبعد قليل تغيرَّت الأُمور، وصار الظُّلم متراكماً، وحاول إعادة الإمامية بعد إبادتِهم، وقصد إجراءهم في الأحكام والقضايا على عادتِهم، وأَذِن لفقيه الإمامية أنْ يحكم بين الغرماء، ورفعوا لهم بذلك عَلماً، فلمَّا ظهرت كلمتهم وبَهرت شوكتهم، وحصل من الأمير للمجاورين غِلظةٌ وجفا، وألبس متونَهم من الأذى هَزْلاً وعَجْفاً، وسارت الرُّكبان بالأخبار، وشاعت السِّيرةُ العوجاء في الأقطار والأمصار، وبلغ مسامعَ السُّلطان شيءٌ من ذلك، وأنَّ بعض فقهاء الحنفية ضُرب في القلعة ضرباً كاد أنْ يُلحِقَه بالهوالك، فغضب لسماعه هذه الأمور، وقوَّى غضبَه كلامُ جماعةٍ من الكُبراء والصُّدور، فكتب إلى نائب الشَّام يأمره بأَنْ يُوجِّه فدائيين إليه يتبتلان لِحَتْلِه
(1)
، ويتوسَّلان إلى قتله، فلمَّا كان اليوم الحادي والعشرون من شهر ذي القَعدة من سنة سبعٍ وخمسين قدم الرَّكب الشَّامي، وخرج الأمير جمَّاز للقاء المَحْمِل السُّلطاني، على عادته، فلمَّا وصل إلى المحمل ترجَّل عن فرسه، وغفل عن افتراسه، وأظهر للسُّلطان الطَّاعة وغاب عن حذره واحتراسه، فَفُرش له بساط، وخُلع عليه فوقه، وأُعطي العِمامة ليلقيها على رأسه، فلما أخذ العِمامة بكفه، وشرع في كوره ولفِّه، وثب إليه شخصان أشقران خبيثان كأنَّهما عُقابان، على الصَّيد حثيثان، فضرباه بخنجرين، واختفيا في الحين، كأنَّهما صارا حجرين، فأنفذ الضَّربُ /470 مقاتله،
وردَّ اللهُ بالخسران قاتلَه، وظنَّ آلُ منصور أنَّ الأمر أشدُّ من ذلك، وأنَّ كُلاًّ منهم لا شكَّ هالك، ولهذا السَّبيلِ سالك، فلمَّا تراجعوا وعلموا أنَّ الأمر قاصرٌ على جماز، فدرؤوا سفك دماء المسلمين وإثارة فتنة تنادي خاز بِاز
(2)
،
(1)
يتبتلان: يقطعان، والحَتْل: الرَّديء من كل شيء. القاموس (بتل) ص 964، (حتل) ص 982.
(2)
الخاز باز: الذباب، وقيل: حكاية أصوات الذباب، والمراد: الضجيج والجلبة. اللسان (خوز) 5/ 347.
فعصم الله ذلك بالأمير بدر الدِّين هبةَ بن جمَّاز، فرأس بذلك واختص بمآثر بِها عن السادة امتاز، وقد ذكرنا في ترجمة ولده تتمةً لهذه الواقعة، فلْتُنظر هناك إنْ شاء الله تعالى.
20 - جُوبانُ الأمير الكبير
(1)
، نائب المملكة القاءانية
(2)
، وأتابك
(3)
العساكر المُغلية، ومنشيءُ المدرسة الجُوبانية بالمدينة الشَّريفة، وليس في المدينة مدرسةٌ ولا رباطُ ولا دارٌ أحسُن بناءً وأتقن، وأمكن وآنس وأحصن منها، مع شرف الجِوار، وقرب الدِّيار، مع ملاصقة الجِدار بالجدار، ولو صرف من أوقافها المعشار، لمَا وجدتَ أعمرَ منها ولا أفخر، ولا أشهر في جميع مدارس الأقطار، ولكن على كلِّ خيرٍ مانع، ولا يدري أحدٌ أسرارَ ما اللهُ في عبادِه صانع.
وكان جوبان ملكاً مُهاباً، منُجداً شَرِساً، حِبْل أَحْبَال
(4)
، بطلاً نَهِيكاً
(5)
، حُوَلِياً
(6)
قِلِّيبَاً
(7)
صِلُّ أصلال
(8)
، صارماً ثَبْتَ الغَدَر
(9)
، رابطَ الجأش، صدق
(1)
الوافي للصفدي 11/ 220، مرآة الجنان 4/ 278، الدرر الكامنة 1/ 541، التحفة اللطيفة 1/ 431، المنهل الوافي 5/ 33.
(2)
القاءانية: نسبةٌ إلى القان، وهو قائد المغول.
(3)
أتابك العساكر: الأمير الذي تعهد إليه إمارة العسكر. الموسوعة العربية 1/ 44. والمُغلية نسبة إلى بلاد المغول، أو المغل.
(4)
يقال للرجل الداهية: إنَّه لحِبْلٌ من أحبالها. القاموس (حبل) ص 981.
(5)
النَّهيك: المبالغ في جمع الأشياء. القاموس (نَهك) ص 956.
(6)
حُوليا: شديد الاحتيال. القاموس (حول) ص 989.
(7)
القِلِّيب: الذِّئب. القاموس (قلب) ص 127.
(8)
صل أصلال: دَاهٍ مُنكَرٌ في الخصومة وغيرها. القاموس (صلل) ص 1023.
(9)
ثابتٌ في القتال والجدل، وفي جميع ما يأخذ فيه. القاموس (غدر) ص 449.
اللِّقاء، شرَّاباً ما بقع
(1)
…
(2)
، سَمَيْذَعاً
(3)
أَرْيَحياً
(4)
، غَمْرَ الرِّداء
(5)
نشيط النَّفس، طليق اليدين، خَذِمَ
(6)
العطاء، عالي الهِمَّة، شامخ القمة، رفيع الأعلام، صحيح الإسلام، متين الدِّين، ذا حظٍّ من الصَّلاة والصيام، بذل الأموالَ بالأحمال، حتى أجرى إلى مكة الماء الزُّلال، فجرى سَلْسَاً له من الأَبطح إلى المَسْفل وعَال، وأذهب عنهم العطش وأزال، ولم يَبق للماءِ ثمنٌ غيرُ أجرةِ النِّقال.
ومِمَّا يدلُّ على علوِّ هِمَّته، وحقارة الدُّنيا في نظره، أنَّه لمَّا فوَّض في أمر عين مكة وبأنه يُمكن إِجراؤُها من مسيرة يومين، بادر في الحال إلى تجهيز المال، ولم يصدر منه عن كِمِّية ما يُحتاج إليه سؤال، وإنَّما أمرهم بالشُّروع، ووعدهم بواصلة الأموال، إلى انتهاء الأعمال.
وأخبرني الثِّقةُ أنَّه أقبل على مَنْ فاوض في ذلك وقال: ادخل الخزانة وخذ منها ما يكفي إجراء الماء من أجزاء المال.
ومن ذلك أنَّه لمَّا روجع في شأن المدرسة التي أمر بإنشائها بالمدينة الشَّريفة، وأُنْهي إليه الحال، وأنَّ طينَها يحتمل أن يكون غيرَ قابلٍ لعمل الآجُرِّ فقال: يُحمل ذلك من بغداد على ظهور الجمال. ولا يخفى أن بعض حمولة ذلك تُبنى منه مدارس، ولكن النَّظر إلى صَغْو
(7)
ذلك سجَّيةُ الأشِحَّاء
(1)
أي: مانزل في البقعة. وهي المكان يستنقع فيه الماء. القاموس (بقع) ص 704.
(2)
هنا كلمة لم تظهر.
(3)
سميذعاً: كريْماً شريفاً. القاموس (سمذع) ص 730.
(4)
أريحياً: واسع الخُلق. القاموس (ريْح) ص 222.
(5)
غمر الرداء: كثير المعروف. القاموس (غمر) ص 451.
(6)
خذم: سريع. القاموس (خذم) ص 1100.
(7)
صغو: سماع. يقال: أصغيت إلى فلان: إذا ملت بسمعك نحوه. الصحاح (صغا) 6/ 2401.
الطَّنافِس
(1)
.
وله على المسلمين أيادي، منها: إيقاع الصُّلح /471 بين السُّلطان بُو
(2)
سعيد
(3)
والسُّلطان الملك النَّاصر
(4)
، ولولاه لثارت فتنٌ تقطَّعت منها الأواصر، وتشقَّقتْ منها الخواصر.
ومنها: ترحيلُ خربندا
(5)
عن رحبة مالك بن طوق
(6)
، وإخمادُ تلك الثَّائرة التي جلَّ غَمَرُها
(7)
عن الطَّوق.
يحكى أنَّه لمَّا نزل خربندا على الرَّحبة ونصب المجانيق، رمى منجنيق قرا سنقر
(8)
حجراً زعزع القلعة، وشقَّ منها بُرجاً، ولو رمى آخر هدمها، وكان
(1)
طنافس: جمع طنفس، وهو السيء الخلق. القاموس (طنفس) ص 555.
(2)
في الأصل: (أبي)، والصواب المثبت. الوافي للصفدي 10/ 322.
(3)
بو سعيد بن خرنبدا بن أرغون المغلي، ملك التتار، صاحب العراق والجزيرة وخراسان والروم، كان مسلماً حسن الإسلام، توفي سنة 737 هـ. الوافي للصفدي 10/ 322؛ الدرر الكامنة 1/ 501.
(4)
هو محمد بن قلاون الصالحي، ولد سنة 684 هـ، وتوفي سنة 741 هـ. الدرر الكامنة 4/ 144.
(5)
وهو محمد بن أرغون بن أبغا بن هلاكو بن تولي بن جنكيز خان، أسلم، ثم استمالته الرافضة فاعتنق مذهبهم، مات سنة 716 هـ. الدرر الكامنة 3/ 378، المنهل الوافي 5/ 203.
(6)
رحبة مالك بن طوق: بين الرقة وبغداد، على شاطئ الفرات أسفل من قرقيسيا. بناها مالك بن طوق، كان أميراً على دمشق والأردن في ولاية الواثق ثم في ولاية المتوكل. وكان أحد أجواد العرب وأسخيائهم المشهورين. مات بالرحبة سنة 260 هـ. معجم البلدان 3/ 38، مختصر تاريخ دمشق 24/ 50، وتبعد 1 كم عن مدينة الميادين في شرق سوريا على نهر الفرات.
(7)
غرها: شدَّتُها. القاموس (غمر) ص 452.
(8)
قرا سنقر الجوكندار الجركسي: اشتراه المنصور قلاون فرقَّاه وجعل منه نائباً على حلب. وكان ذا خبرة ودهاء وأموال عظيمة، مات سنة 728 هـ. الدرر الكامنة 3/ 246.
جوبان رحمه الله يطوف على العساكر ويشاهد المحاصرين، فلمَّا رأى ذلك أحضر المنجنيقيَّ وقال: تريد أَنْ أقطَع يدك السَّاعة؟ وسَّبه وذمَّه بانزعاج وحنق، وقال: وَالَك
(1)
في شهر رمضان تحاصر المسلمين وترميهم بحجارة المناجيق؟ ولو أراد القَانُ أنْ يقولَ لهؤلاء المغل الذين معه، ارموا على هذه القلعة تراباً كلُّ فارسٍ مِخْلَاة كانوا طمَّوها، وإنَّما يريد هو أنْ يأخذها بالأمان من غير سفك دم، والله متى عُدتَ رميتَ حجراً آخر سمَّرُتك على سهم المنجنيق.
وكان رحمه الله ينْزع النَّصل من النُّشَّاب ويكتب عليه: إياكم أنْ تُذعنِوا وتُسلموا وطوِّلوا روحكم، فهؤلاء مالهم ما يأكلونه، وكان يحذِّرهم هكذا دائماً بسهام يرميها إلى القلعة.
ثمَّ اجتمع بالوزير وقال له: هذا القان ما يبالي، ولا يقع عليه عيب، وفي غدٍ وبعدُ، إذا تحدَّث النَّاس إيش يقولون؟ نزل خربندا على الرَّحبة وقاتل أهلها، وسفك دماءهم وهدمها في شهر رمضان، فيقول النَّاس: فما كان له نائبٌ مسلم ولا وزيرٌ مسلم، وقرَّر معه أن يحدِّثا القان خربندا في ذلك، ويُحسِّنا له الرَّحيل عن الرَّحبة، فدخلا إليه وقالا له: المصلحةُ أنْ تطلب كبار هؤلاء وقاضيهم، ويطلبوا منك الأمان، وتخلع عليهم ونرحل بحرمتنا، فإنَّ الطابق
(2)
وقع في خيلنا، وما للمغل ما تأكلُ خيلُهم، وإنَّما هم يأخذون قُشور الشَّجر ينْحتونَها ويُطعمونَها خيلهم، وهؤلاء مسلمون، وهذا شهر رمضان وأنت مسلمٌ وتسمع قراءتَهم للقرآن، وضجيجَ الأطفال والنِّساء في الليل، فوافقهم على ذلك، وطلبوا القاضي وأربعةَ أنفسٍ من كبار البحرية، وحضروا قُدَّام خربندا، وخلعوا عليهم وأعادوهم وباتوا، فما أصبح للمغل أثر، ونزلوا المناجيق
(1)
أي: ويلك.
(2)
الطّابَق والطّابِق: الآجر الكبير، وهو فارسي معرب. اللسان (طبق) 10/ 209.
وأثقالها رصاصا، والطَّعام والعجين وغيره، وهذه الحركة تكفيه إنْ شاء الله تعالى ذخيرةً ليوم حسابه عند الله تعالى، حقن دماء المسلمين ودفع الأذى عنهم.
وكان السَّلطان بُو سعيد تزوَّج بابنته بغداد
(1)
، وكان ابنه دمشق قائداً لعشرة آلاف فارس، فزالت دولتهم، وزالت سعادتُهم، وتنمَّرَ لهم بُو سعيد، وقتل دمشق خواجا ولده /472، وهرب أبوه إلى هراةَ مستجيراً فآواه
(2)
، ثم أدخله القلعة، ثم أشار عليه بعض المفسدين بقتله فقتله، ونُقل في تابوتٍ إلى بغداد في سابع عشر شوال سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وصُلِّي عليه في المدرسة المستنصرية، فُعل ذلك بإشارة ابنته بغداد خاتون.
وسُلِّم إلى أمير الرَّكب العراقي بمرسوم السلطان بو
(3)
سعيد، ليأخذه معه إلى الحجاز الشَّريف، ويدفنه في تربته التي بناها في هذه المدرسة تحت الشُّبَّاك الذي يَستنشق من الحُجرة النَّبوية الرَّوح والرَّيحان، ويتنعَّمُ من شَميم فوائح جوِّها تنسُّم الرَّوض والرِّضوان. فلمَّا وصلوا به إلى عرفات، وقفوا به الوقفة، وحملوه في مَحْمِل السُّلطان بو سعيد ودخلوا به ليلاً إلى مكة شرَّفها الله تعالى، وطافوا به حول البيت، وصلَّوا عليه، ثمَّ حملوه معهم إلى المدينة، فلمَّا أرادوا أنْ يدفنوه في تربته ما مكَّنهم صاحب المدينة حتى يشاور الملك النَّاصر. هكذا ذكره بعض المؤرِّخين.
وقال صلاح الدِّين الصفديُّ
(4)
: لما جَهَّزَتْ ابنته بغداد تابوته ليدفن في
(1)
بغداد ابنةجوبان، كانت زوجة للشيخ حسن قبل أن يأخذها منه بو سعيد ويتزوجها عنوة. وبقيت عنده إلى أن توفي، ثم قتلت سنة 736. الدرر الكامنة 1/ 480.
(2)
والي هراة. الوافي للصفدي 11/ 221.
(3)
في الأصل: (أبي)، والصواب المثبت.
(4)
الوافي 11/ 221. وصلاح الدين الصفدي: هو خليل بن أيبك بن عبدالله، الأديب ولد سنة 697 أو 696 وأخذ عن القاضي بدر الدين بن جماعة والتقي السبكي وأبي عبدالله الذهبي وغيرهم. توفي بدمشق سنة 64 هـ، الدرر الكامنة 2/ 8، شذرات الذهب 6/ 200.
المدينة بلغ الخبرَ السُّلطانُ الملكُ النَّاصر، فجَّهز الهِجن إلى المدينة وأمرهم أن لا يمكّن من الدَّفن في تربته، فدُفن تابوته في البقيع.
ووجهُ الجمع بين القولين ظاهرٌ، وهو أنَّه يحتمل أنَّّ السلطان أرسل بالمنع، وأمير المدينة أرسل للاستئذان فتوافقا، والله أعلم.
ولعل دفنه بالبقيع كان من دلائل قبوله، وأقربَ إلى نيل مقصوده ومأموله، وأدلَّ على دَرك مرادِه وسوله، من الاقتراب بعد وفاته من حرم الله وحرم رسوله.
توفي في العام المذكور شهيداً، وخلَّف من الأولاد: تمرتاش، ودمشق خواجا، وهرعان شيرا، وبعضطى، وسلجقشاه
(1)
، والأشرف، والأشتر، وبغداد خاتون، رحمة الله تعالى عليه.
* * *
(1)
في (الوافي) و (التحفة): سلجوق شاه.
حرف الحاء
21 - حسن الأسواني
(1)
الشَّيخُ عزُّ الدِّين، كان أَحدَ الفضلاءِ الأبدال، الجوَّالين في عالم الخيال، قد غلب عليه التَّوهُّم والتَّخيُّل، حتى سُدَّ عنه باب التَّدبُّر والتَّحيُّل، كان شأنه في التَّخيُّل من أعجب العجائب، وله فيه حكاياتٌ وواقعاتٌ غرائب، إذا خرج من بيته يقف زماناً طويلاً على الباب، ويقرأ عليه ويُعَوِّذ ويُحوِّط بآي كثيرةٍ من الكتاب، ويُحكمه بأقفالٍ ومغاليقَ وثيقة، وإذا رجع لا يشكُّ أنَّه تغيَّر جميع ما في بيته حقيقة، وكان يتَّهِم جماعةً من الصالحين الكبار، بأنَّهم يسحرونه آناء الليل والنَّهار.
/ 473 ذكر بعض أشياخ الحرم قال: قال لي يوماً: بينما قِدْرَتي على النَّار، إذ صار أسفلُها مثلَ الغِربال، ينْزل منه المَرَق نزول المطر، فعلمتُ أنَّها مسحورة، فقرأتُ عليها كذا وكذا فزال، واستوى الطعام في الحال.
وإذا أعاره أحدٌ كتاباً وجاء يطلبه يدخل بيته ويُفتِّش ثم يخرج ويقول: كتابك أُخِذ من بيتي السَّاعة، ولكنهم سيردُّونه قريباً، فهذا شأنُهم معي، فلا تكن له كئيباً، ولا بعده غريباً، ثمَّ يرجع إليه فيعطيه الكتاب، ويقول: هذا قد ردَّه إليَّ الأصحاب، ومع ذلك كان كثير الصَّلاة والصيام والعبادة، عظيم الانقطاع إلى الله قوي المجاهدة، عظيم الزِهادة، وقد بُلينا نحن بالآخرة بصاحب يجري مع الشَّيخ المذكور مجرى الأخوان، وهو معه في عالم التَّخيُّل كفَرسي رِهان، يتوهَّمُ حُلوماً فيواصل، ويتخيل حنبوصا
(2)
فَيُفاصل، فَبَيْنَ
(1)
نصيحة المشاور ص 100، الدرر الكامنة 2/ 29، التحفة اللطيفة 1/ 485، وهو الحسن ابن علي بن سيد الكل، وذكره الإسنوي في طبقات الشافعية 1/ 85 في ترجمة أخيه الحسين وأثنى عليه، وذكر ابن حجر أنَّ وفاته سنة 724 هـ.
(2)
الحنبصة: الروغان في الحرب. اللسان (حنبص) 7/ 18.
رضعِه وفِطامه صيف خيال، وبين نقضه وتَمامه طوف رِيال
(1)
، وبين احترافه
(2)
والْتِئَامِه فكرة، وبين افتراقه والتحامه خطرة.
22 - حسن بن عيسى، أبو علي الحاحائيُّ
(3)
، هكذا يُنسب، وليست نسبةً إلى بلد، ولعَّله من قولهم: حاء حاءَ بالغنم: إذا دعاه إلى الماء، أومن قولهم: حاحيت حِيحاءً، وليس له نظيرٌ في كلام العرب سوى عاعيتُ وهاهيتُ.
وكان الشيخ حسن من العلماء المتَّقين، وأئمة الصِّدق واليقين، الرَّاقي من مدارج الفضل إلى مصاعد المرتقين، وكان إماماً في مذهب مالكٍ وفي أصول الفقه وأصول الدين.
وأمَّا في علم الفرائض والحساب فكان رُحلةً
(4)
للطَّالبين، وقِبلةً للقاصدين، وله من اللُّغة والأدب نصيبٌ صالح، وفي البحث يدُ مَنْ بأظفارِ الظَّفَرِ راشٍ
(5)
مَنْ جالحه
(6)
ولو مُجالح
(7)
. خصَّه الله تعالى من الفضل والورع بمواهب، فشغل وأفاد، وانتفع به جماعاتٌ من جميع المذاهب، وكان ساكناً رباط دُكالة في حجرة الأولياء، مصوناً في حميد طريقته عن شوائب السُّمعة والرِّياء، مُرغِّباً للطالبين في الطَّلب والاشتغال، جامعاً بين الهيبة القوية وحسن الخُلق ولُطف المقال. توفي رحمه الله عام تسعةٍ وأربعين وسبعمائةٍ تقريباً.
(1)
الريال: اللُّعاب. القاموس (رَيَل) ص 1008.
(2)
حرف عن الشيء وانحرف بمعنى عدل ومال. اللسان (حرف) 9/ 43.
(3)
نصيحة المشاور ص 176، التحفة اللطيفة 1/ 494، وزاد نسبته: المغربي المالكي.
(4)
الرُّحْلَةُ: الوجه الذي تقصده. القاموس (رحل) ص 1005.
(5)
راشَ: أصلح. وأصله راش السهم: ألزق عليه الريش. القاموس (ريش) ص 595.
(6)
جالحه: كاشفه بالعداوة والمكابرة. القاموس (جلح) ص 215.
(7)
المجالح: الأسد. (السابق).
23 - حسن بن أحمد بن محمد بن عبد الرَّحمن القَيسيُّ، الشَّافعيُّ، المِصريُّ
(1)
، القاضي بدر الدين، كان إماماً فاضلاً، وحَبْراً مُناضلاً، قدِم المدينة في ذي الحجَّة سنة ثَمان وأربعين وسبعمائة متولِّياً، مُستقلاً بالحكم والخطابة والإِمامة بعد أنْ باشرها مدة من /474 السنين نيابةً عن صهره القاضي شرف الدِّين.
…
فلمَّا استقلَّ بالمناصب، حاول أن يسلك مسلك صهره بما يناسب، فوطئ النَّاس بقدم الصَّلابة، ونشر عليهم عَلَمَ المهابة، وشدَّد على الأُمراء والأشراف، وبلغ في منابذتِهم حدَّ الإفراط والإسراف، إلى أنْ كتب إلى السلطان يشكو من الأمير طُفيل
(2)
، غير مكترث بأنْ ينُسب في ذلك إلى الرَّأي الفَيْل
(3)
، ولم يُبالِ فيه من صروف دهره، وارتكب ذلك اقتداءً بصهره.
فلمَّا بلغ طفيلاً الخبر، أظهر الغضبَ وما صبر، وحصل في حقّ القاضي منه تَهديد، وأرعد وأَبرق بالوعيد الشَّديد، فلم يسعِ القاضيَ غيرُ التَّولي عن رجف إيعاده، وقصوه عن المدينة الشَّريفة وابتعاده، فتوَجَّه إلى مكة بنيَّة الاعتمار، وفي صحبته جماعةٌ من الفقراء الأخيار، والخُدَّام الكبار، واستناب بالمدينة نائباً، واستمرَّ بقية العام بمكة غائباً، وسافر في الموسم إلى القاهرة، وانتقل عام أحدٍ وخمسين إلى الدار الآخرة.
(1)
نصيحة المشاور ص 223، الدرر الكامنة 2/ 12، التحفة اللطيفة 1/ 470.
(2)
ذكر ابن حجر في الدرر الكامنة أنه تشدد على الروافض فمقته طفيل أمير المدينة.
(3)
الفيل: الخاطئ. القاموس (فيل) ص 1045.
حرف الخاء
24 - خلف بن عبد العزيز بن محمد، أبو القاسم القَبْتَوْريُّ الإشبيليُّ
(1)
، الشَّيخُ الإمامُ الزَّاهد البارعُ الفارع، ذو الفضائل الجمَّة، والمناقب العالية، توفي بالمدينة الشَّريفة في أوّل عام أربعةٍ وسبعمائة، وكان مولده في سنة خمس عشرة وستمائة، رحمة الله عليه
(2)
. ومن نظمه المليح:
أَسِيلي الدَّمعَ يا عيني ولكن
…
دماً ويقلُّ ذلك لي، أسيلي
فكم في التُّرْبِ من طَرْفٍ كحيل
…
لِترْبٍ لي ومن خَدٍّ أسيلٍ
(3)
وله رحمة الله عليه أيضاً:
ماذا جنيتُ على كفِّيْ بِما كسبَتْ
…
كفِّيْ فياويح نفسي من أذى كفِّي
ولو يشاءُ الذي أجرى عليَّ بِذَا
…
قضاؤُه الكفَّ عني كنتَ ذا كَفِّ
وله عفا الله عنه ورحمه:
واحسرتا لأمورٍ ليس تبلغها
…
بالي وهُنَّ مُنى نفسي وآمالي
أصبحتُ كالآلِ
(4)
لا جدوى لديَّ وما
…
أَلوتُ جِدَّاً، ولكن جَدِيَّ الآلي
(5)
وله أيضاً غفر الله له ورحمه:
(1)
الدرر الكامنة 2/ 85، التحفة اللطيفة 2/ 19، انظر الترجمة رقم (16) من هذا الباب.
(2)
وذكر السخاوي في (التحفة) 2/ 246، أن صواباً الشمس الحسامي أحد الخدَّام بالحرم النبويِّ الشريف ممن سمع على خلف القبتوري (الشفاء) للقاضي عياض في سنة اثنتين وسبعمائة.
(3)
التِّرْب: المساوي في العمر. والخدُّ الأسيل: الطويل المسترسل. القاموس (ترب) ص 61، (أسل) ص 961.
(4)
كالسَّراب. القاموس (أول) ص 963.
(5)
جدى الآلي: حظيَّ المقصِّر. القاموس (جدد) ص 271.
رجوتُكَ يا رحْمنُ إنَّك خيرُ مَنْ
…
رجاه لغفرانِ الجرائمِ مُرْتَجي
(1)
فرحمتُك العظمى التي ليس بابُها
…
وحاشاك فِي وجه المسُيء بِمُرتجِ
(2)
* * *
(1)
مرتجي: اسم فاعل من: ارتجى. قال في اللسان: الرجاء بمعنى: التوقع والأمل، ورجاه وارتجاه وترجاه بمعنى. اللسان (رجا) 14/ 310.
(2)
مرتج: مغلق. القاموس (رتج) ص 190. وفي البيتين جناسٌ.
حرف الدال
25 - دينار بن عبد الله الحبشيُّ
(1)
، الشَّيخُ عزُّ الدِّين، وكان كلقبه ذا عِزٍّ ودين، وحِشمةٍ وتمكين، ورئاسةٍ وترقين
(2)
، وطريقٍ رَضِيٍّ وحسنِ يقين.
وليَ المشيخة في الحرم الشَّريف النَّبويّ على ساكنه الصَّلاة والسَّلام، في عام سبعٍ وعشرين وسبعمائة، بعد وفاة الشَّيخ ناصر الدين نصرٍ عطاء الله
(3)
، وكان قد صحب أكابر الأشياخ وسادات المجاورين، والعلماء المتقين، فكان يهديهم يهتدي، وبطريقتهم يقتدي، وإلى خِدمتهم ينتمي، وعن المكاره بِهمَّتهم يحتمي.
وقف نفسه على أفضل العبادات، فنال به أكملَ السَّعادات، وأجملَ المُرادات، وذلك أنه لم يبرح في قراءة القرآن، وقِرى الأَقران، ومدِّ الخِوان
(4)
، وسَدِّ خَلَّةِ الإخوان، بالإنعام والإحسان، والمواظبة على القيام، والمداومة على الصِّيام، في أكثر الأيام، بذل في الله الأنفاس والنَّفائس، وساسَ المنصب بعلو هِمَّته فكان أحسنَ سائس، شرح الله بولايته الصُّدور، وأَطلعَ به من أُفق الكرم أتمَّ بدور، ووقف أملاكاً كثيرة ما بين نخيلٍ ودور، وأعتق من الإِماء والعبيد زهاء الثَّلاثين بل تزيد، وكفل جماعات من الأرامل
(1)
نصيحة المشاور ص 57، الدرر الكامنة 2/ 103، التحفة اللطيفة 2/ 40، المنهل الصافي 5/ 333.
(2)
ترقين: تحسين. القاموس (رقن) ص 1201.
(3)
ستأتي ترجمته في حرف النون.
(4)
الخُوان السُّفرة للطعام. القاموس (خون) ص 1570.
والأيتام، وعمَّهم بالإنعام، ورتَّب لهم الشَّراب والطَّعام، والمسكن والملبس والمقام، وآَلَهم
(1)
في جميع أحواله أحسن إِياله، وبرَّهم ونعَّمهم بِمثل ما برَّ به أهلَه وعِياله.
أمَّا شِدَّته على الأشراف فقد سبق فيه مَنْ تقدَّمه وقصا
(2)
، وأمَّا انقيادُه إلى الشَّرع الشَّريف فكان إلى الأَمَد الأقصى، ومسابقتُه إلى الخير كانت شدَّاً، ومبادرته إلى المآثر كانت جِدَّا، ومساعدته لذوي الضَّرائر لا يعرف له أحدٌ حدَّاً، وملاطفتُه في أولاد المجاورين تحكي ملاطفة الأب الرُّؤوف أو الأمِّ العطوف. إذا رأى أحَدَهم سأل عن حاله، ثمَّ عن حال عياله، ثمَّ عن كلِّ مَنْ في البيتِ نسائِه ورجالِه، سؤالاً يُشعر بالمحبَّة في الله، لِلُطف مقاله، ويتصدَّى لقضاء حوائجهم بنَفَسٍ مبشوش، ووجهٍ بشوش، قد طهَّر الله قلبه من أدناس الغُشوش، حتى إنَّه لِتمكُّنِ الإخلاص والوِدَادة التي بالله ملبوسٌ مرشوش.
يُحكى أنَّه سافر من المدينة في بعض السِّنين، واستخلف على بيته وماله وأهله وعياله أحد أصدقائه المتديِّنين، وكان في البيت جمعٌ كثيرٌ من الخُدَّام والإماء والعبيد اللؤما، فاستأمنهم الوكيل، فوقع التبسيل
(3)
، ورعى الذئب في البكيل
(4)
، فاتَّفقوا على الخِيانة، وتصرَّفوا في الخِزانة، /476 فضيَّعوا ما فيها، وإذا بالشَّيخ موافيها، فوجد المال قد مال، والحال تقتضي الارتحال، فخاطب الوكيل فيه فقال: لا علم لي بشيء، ومَنْ فعل ذلك فالله يكفيه، كنت أُخرج من المقرور به وأصرفه على الحال، ولا علم لي بشيء من هذه الأحوال، فحاسبه
(1)
آلهم: سَاسَهم، والإيالة: الولاية، وفي المَثَلِ: أُلْنَا وإِيلَ علينا. الصحاح (أول) 4/ 1627.
(2)
قصا أبعد. يقال: قصا المكان، يقصو، قُصُوَّاً: بَعُدَ. الصحاح (قصا) 6/ 2462.
(3)
التبسيل: الحرام، القاموس (بسل) ص 966.
(4)
البكيل: الغنم. القاموس (بكل) ص 967.
على ما خلفه فوجد الضائع منه آلافاً مُؤلَّفَة، فقال له: هذه تلزمك شرعاً، وكذا شأن من استرعي ولا يرعى، فقال: نعم لازمتني وأقوم بِها، فخذ بِها من أملاكي ما شئت من الأراضي والنَّخيل، وإنْ كنتُ مُفِّرطاً فلا تحسبنِّي أُنازع في ذلك منازعة بَخيل، ثمَّ خلا الشَّيخ بأصحابه، وفاوضهم في بابه، فقالوا عن بَواءٍ
(1)
واحدٍ: المفرِط أولى بالخسارة، ووقعَ من جميعهم على تغريم الوكيل الإشارة، فقال الشَّيخ: والله إنَّ رأيكم لغيرُ مصيب، وكيف يا إخوتي، حتى ما لكم في الفُتوَّة نصيب، رجلٌ صحبته من قديم الزَّمان، وأقرأني القرآن، ثمَّ إني كلَّفته باستخلافة مكاني، أُغرِّمه شيئاً ضيَّعة عبيدي وغلماني، ينبغي أن يُسلك معه أحسنُ المسالك فإني لا أشكُّ أنه لم يتدنَّس بشيءٍ معاذَ الله من ذلك، وأُبرئُ ذمتهم وذمته، وأُعلي بالتَّنَزُّه وعدمِ الاكتراث همَّته، ولم يزل الوكيل له صديقاً، إلى أنْ أوقع الموت بينهما تفريقاً.
وكان دينار رحمه الله مع كثرة حِشمته وأدبه، كان سريع الفيئة من غضبه، ولا يغضب إلا بعد لأْيٍ
(2)
، ولا يَحرد وإنْ آذاه المخاطب وكأى
(3)
، وإنْ غضب قليلاً أسرع إلى الرِّضا وشأى
(4)
، ثم إنَّه سُعي عليه فعُزل بمختصٍّ الدَّيرِّي الآتي ذِكره في حرف الميم، البادي نُكره في الحديث والقديم، ثمَّ عُزل الديري بالشَّرف الخزنداري
(5)
، ثمَّ عزل بالديري، ولم يمض قليلٌ حتى عزل الديري وعاد عزُّ الدِّين دينار إلى منصبه، واستمر في الولاية على طريقته الجميلة، وخليقته التي تحاكي في الحُسن
(1)
بواء، سواء. القاموس (بوء) ص 34.
(2)
اللأْيُ: الإبطاء والشدَّة. القاموس (لأى) ص 1329.
(3)
كأى: أوجع بالكلام. القاموس (كأى) ص 1327.
(4)
شأى: سابق. القاموس (شأو) ص 1298.
(5)
شرف الدين الخزنداري، ستأتي ترجمته في حرف الشين.
خميلة
(1)
، ولم يزل كذلك إلى أَنْ كَبِر سنُّه، وتقعقع شَنُّه، وغَلب ضعفه، وخلب
(2)
العجز وعقَّه، فأقبل على العبادة والعزلة والانقطاع، فَسُعِيَ عليه تعلُّلاً بعجزه عن القيام بأمر المنصب وشانه، فصُرف واستقر افتخار الدِّين ياقوت
(3)
في مكانه.
وإذا لم يكنْ من الصَّرفِ بُدُّ
…
فليكنْ بالكبار لا بالصِّغار
وإذا كانت المحاسنُ بعد الصر
…
ف محروسةً فليس بعارِ
وكان يتأدَّب ياقوتُ مع عزِّ الدِّين ويَحضر مجلسه ويهنيه بالشهر، ويتقَّرب إليه بكل سبيل حتى أحبَّه عزُّ الدين، وكان يقول هذا خادمٌ محتشم رئيس، ولم يزل عزُّ الدِّين /477 معظَّماً مكرَّماً، مبجَّلاً مفخَّماً، إلى أَنْ توفي في عام أحد وستين وسبعمائة.
26 - دينارُ البدَريُّ
(4)
، عزُّ الدِّين،
كان هو والمُقدَّمُ قبله كأنَّهما ديناران وازنان، وفي ميزان الاختبار والاعتبار راجحان رَازِنان، ولكنه لم يلِ المشيخَة وكأنه سبق في المكارم كثيراً من المشايخ، له قَدمٌ في المفاخر راسية، وعِرقٌ في الرِّئاسة راسخ، غوثٌ للرَّاجين، وغيثٌ للمحتاجين
(5)
، كان مسكنه بدار الشرابيِّ في زُقاق الخُدَّام، فهيَّأها منْزلاً للخاصِّ والعام، وكلِّ مَنْ يتجشَّم إليه بنقل الأَقْدام، قلبُه في معارك المبارِّ إليه إِقْدامٌ وأَيُّ إِقدام، جعل في منْزله
(1)
الخميلة: الموضع الكثير الشَّجر. القاموس (خمل) ص 995.
(2)
خلبه: جرحه أو قطعه. القاموس (خلب) ص 81.
(3)
تأتي ترجمته في حرف الياء.
(4)
نصيحة المشاور ص 57، التحفة اللطيفة 2/ 43، وتصحف في الأصل إلى (الرزي).
(5)
إطلاق هذه العبارات من الغلو في الأشخاص، فالله تعالى هو المرجو وإليه الملتجأ كما قال تعالى:{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} . سورة (البقرة) آية (186).
مارستاناً
(1)
للمرضى، ويعدُّ القيام بحاجتهم عليه حتماً فرضاً، لا يسمع بمريضٍ من الخُدَّام أو المجاورين، والفقراء والمسافرين، إلا ويُبادر في الحين إلى عِيادته، ويحمل إليه من الأشربة والأغذية الملوكية حسب شهوة المريض وإرادته، وإذا وُصِفَ لمريضٍ دواءٌ مفقود، يبذل في تحصيله النُّقود، ولا يُبقي في ذلك شيئاً من المجهود.
وأمَّا ما هو سهلُ الوجدان كالسُّكَّر والشَّرابات والمياه، فإنَّها مبذولةٌ لكلِّ سائل، محمولةٌ إلى منازل المرضى المتقطِّعةِ الوسائل، يبذل بذلَ الملوك ويعطي عطاء السَّلاطين، لا يُفرِّق عند التَّصدُّق بين التِّبْرِ والتِّين، ولا بين الطِّيب والطين، إذا سُئل سُكَّرةً أعطى شيئاً كثيراً، وإذا طُلب ماء وردٍ أوماء خِلاق
(2)
ملأ الإناء ولو كان كثيراً، وإذا تحقَّق مريضاً داوم في بيته على طبخ الأغذية اللطيفة العطرةِ الفائقة، والأدوية المناسبة اللائقة، ويَحملها بنفسه ويُحضرها عنده، ولا يستعمل في ذلك أحداً، ولا غلامه ولا عبده، ولا يَخصُّ بعوارفه مَعارِفَه، بل يعمُّ به كلَّ مَنْ كان جاهلَه أو عارفَه.
وهذا شأنُه في كلِّ ما ملكت يمينه، ووراء ذلك بذلُ العِرض وكسرُ الوجه في مساعدة المُنكسِر المديون، والفقير الذي قلَّلت الدُّيون منه نور العيون، فإنه كان يجتهد في إرضاء مِدْيانِهم
(3)
، وإن أحوج الحال إلى الضَّمان دخل بنفسه في ضمانِهم، ولقد ضمن مرَّةً نحو خمسين ألفَ درهمٍ فَطُولب بِها، وضيَّقَ عليه الغريم، فلم يكترث لذلك حتى فرَّج الله عنه ببركةِ هذا النبيِّ الكريم، تُوفي رحمه الله في عام أربعةٍ وثلاثين وسبعمائة.
* * *
(1)
المرستان: المصحة أو المستشفى. المعجم الوسيط 2/ 863.
(2)
الخِلاق: ضربٌ من الطيب. اللسان (خلق) 10/ 85.
(3)
المِدْيان: الذي يُقرض كثيراً. القاموس (دين) ص 1198.
حرف الراء
27 - رشيد الدُّورخاني
(1)
، شمسُ الدِّين،
كان أحدَ الخُدَّام المذكورين بِمَكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، مُحِّباً للصالحين، مُكِّباً على خدمة العلماء العاملين، كثيرَ الإحسان /478 إلى المعارف والأجانب، من السَّذاجة السُّودانية على جانب. ترجمه بعض المشايخ
(2)
فقال: كان بيتُه بيتَ الملوك، ونوبته: اقرأْ من كلام الله ما بعدَ (يأتوك)
(3)
، لا يعرف الغِشَّ والنِّفاق، وأحبُّ ما إليه الإنفاق، والإحسانُ إلى النَّاس والإشفاق، فرأَسَ بين الأقران وفاق، ومات في سنة ثلاثٍ وأربعين وسبعمائة.
28 - رشيدُ بن عبد الله، شهابُ الدِّين السَّعيديُّ
(4)
، تميَّز من بين الخُدَّام باشتغاله حتَّى تَفَقَّه، وتفطَّن للنَّظر في الكتب العلمية وتنبَّه، مع دوام التَّعبُّد، والقيام والتَّهجُّد، وكان مُولعاً بشراء الكتب المليحة، وكان له خِزانةٌ بدار الزَّيات تحتوي على جملةٍ من الكتب الغريبة الصَّحيحة، وله بالمدينة رِباطٌ ودُورٌ موقوفة، جُهلت أماكنُها بعد أن كانت معروفة. عاش حميداً، ومات شهيداً، وكان كاسمه رشيداً، مات في سنة بعد العشر والسبعمائة.
(1)
نصيحة المشاور ص 58، التحفة اللطيفة 2/ 65.
(2)
هو ابن فرحون في نصيحة المشاور ص 58.
(3)
كانت هناك وظيفة في قراءة القرآن، يتناولها عددٌ من الخُدَّام وغيرهم، وكان المُترجَم منهم، والمراد من يأتوك: قوله تعالى: {وأذِّنْ في النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً} سورة (الحج) آية رقم: 27.
(4)
نصيحة المشاور ص 53، وجعله: السَّعدي، التحفة اللطيفة 2/ 64.
29 - ريْحان الطَّباخيُّ
(1)
، عزُّ الدِّين،
كان حنفياً مُتَفَقِّهاً كثيرَ الالتئام بالعلماء، شديدَ الانتظام في سلك الفقهاء، يقوم بأعباء المعضلات، والقيام عند الشُّيوخ في حَلِّ المشكلات، وإزالة الخصومات، مُرْتَضِعاً من أَطْبَاءِ الكَرم أفاويق
(2)
، مُولعاً بتكرار الحج إلى بيت الله العتيق، تُوفي سنةَ ستٍ وأربعين وسبعمائة.
30 - ريحان الهنديُّ
(3)
، كان ريحانةَ الجماعة، وأَطال اللهُ في الخيرات باعَه، وكان ذا طريقةٍ طريفة، ومن الخُدَّام الذين طالت إقامتهم في المدينة الشَّريفة، وله مفاخرُ مذكورة، ومآثر مشهورة، لم يكن بنفائسِه بخيلاً، ووقف على الفقراء رباطين ودوراً ونخيلاً، وبنى سِقايةً للماء، وحبس بِرَّه على الصُّلحاء والعلماء، وتوفي رحمه الله بعد العشرين والسَّبعمائة.
* * *
(1)
نصيحة المشاور ص 61، التحفة اللطيفة 2/ 71.
(2)
الأَطْبَاء: جمع طُبْي، وهي حَلَمات الضَّرْع، والأفاويق: جمعُ جمعِ فِيْقَة، وهي اللبن المجتمع في الضرع ما بين الحلْبتين. يريد أنه رضع الكرم مراراً. القاموس (طبى) ص 1306، (فوق) ص 920.
(3)
نصيحة المشاور ص 61، التحفة اللطيفة 2/ 73.
حرف السين
31 - سعدُ الخادم
(1)
، الملقَّب سعد الدِّين، الزَّاهريُّ، الضَّرير،
شيخُ الخُدَّام بالحرم الشَّريف النَّبويِّ، وليها بعد وفاة كافور الحريري
(2)
سنة أحد عشر وسبعمائة، تمَّ معناه لكن نقصت قوَّته، ومنعته عن القيام بحقِّ المنصب ضرورته، وحَجَبَهُ عَماهُ أن يحمي حماه، فلم يشتهر ذكره ولم يسمُ سُماه، ولمَّا حجَّ الملكُ النَّاصرُ الحجَّة الثَّانية في سنةِ تسعَ عشرةَ وسبعمائة دخل المدينة زائراً، ووجد الأعمى ناظراً، فأُوغِرَ بالتَّغيير، وتعيين بصير /479 فولَّى في الحال الظَّهير
(3)
فحفظ المنصب بأيدهِ
(4)
حفظاً، كما يأتي شرحه في حرف الظاء.
32 - سعد بن ثابت بن جمَّاز الحسينيُّ
(5)
، أمير المدينة الشَّريفة، وتقدَّم نسبه في ترجمة جدِّه، ولي أمارة المدينة في عام خمسين وسبعمائة، وبعد سنةٍ شرع في حفر الخندق الموجود، ولم يُكمله إلى أَنْ كمَّله الأميرُ فضلٌ في ولايته، وسبب ولايته ذكرناها في ترجمة طفيل
(6)
.
وكان سعدٌ أميراً كبيرَ الشَّان، عظيم الاعتشان
(7)
، وقد صان الله شأنه عمَّا
(1)
نصيحة المشاور ص 44، التحفة اللطيفة 2/ 140.
(2)
تأتي ترجمته في حرف الكاف.
(3)
هو ظهير الدين مختار الأشرفي. تأتي ترجمته في حرف الظاء، رقم (43).
(4)
أيده: قوَّته. القاموس (أيد) ص 266.
(5)
نصيحة المشاور ص 256، الدرر الكامنة 2/ 134، التحفة اللطيفة 2/ 125.
(6)
الترجمة رقم (42).
(7)
اعتشن: قال برأيه. القاموس (عشن) ص 1215.
شان، وهو أوَّل مَنْ قمع اللهُ تعالى به البِدعة وأركانَها، ورفع به قواعدَ السُّنَّة وبُنيانَها، ولمَّا استقرَّ في الولاية بدأ أولاً بمنع آل سنان وغيرهم من الإمامية من التَّعرُّض للأحكام الشَّرعية، وعقود أنكحة الرَّعية، وردَّ الأمرَ بأسره إلى أهل السُّنَّة، وأزال ببأسه عن مخالفتها المَنَّ والمُنَّة
(1)
، وأخمد نار الشِّيعة وأطفأها، وقلب قدر قُدورهم على صلة الذِّلَّة وأكفأها، ونادى في المدينة وأسواقها جِهاراً نَهاراً أن لا يَحكمَ في المدينة إلا القاضي الشَّافعيُّ، ومَنْ فعل فقد وَطِئ جُرُفَاً منهاراً، فبطل بالكُلية أمرُهم ونَهيهم، وظهر على الكلية وَهْنُهم ورَهْبُهم.
ثمَّ إنَّه منع قُضاة الشِّيعة أن يدخلوا معه الحُجرة الشَّريفة، وعيَّن إبراهيم بن عبد الله المؤذِّنَ في هذه الوظيفة، فكان يدخل أَمامه، ويواصل أنغامه، ويُبلِّغ خيرَ العالمين صلاتَه وسلامه، ثمَّ يأتي بالشَّريف ومَنْ معه إلى الشَّيخين المقدَّمين، والسَّيِّدين المعظَّمين، مُزْدَلِفَيْن إليهما، مُسلِّمين عليهما، وإبراهيمُ رافعٌ عقيرتَه
(2)
بالتَّسليم، والشَّريفُ وراءه في وقارٍ وخُضوع عظيم.
33 - سليمان الغُماري
(3)
، الشَّيخُ أبو الرَّبيع.
كان من العُبَّاد المتكلّمين، والزُّهَّاد المُقلِّلين، والأولياء المُحقِّقين، والأسخياء المُتصدِّقين، أُضِرَّ في أواخر عمره، فَعُرِضَ عليه الخِدمة والقيامُ بنحو الطعام والإدام، وما لابدَّ للضرير منه من الطبخ أو مِلاء إبريقٍ من البئر، فامتنع وأبى كلَّ الإبا، ولم يجعل بينه وبين الله سببا، باشر بنفسه خَدمَه، فثبَّتَ الله لذلك قَدَمه، وحفظه عن إخلاء أعمال العميان وعصمه، وسلك في طريقته أحسنَ المسالك، وكان إليه ترجع
(1)
المنة: القوة. القاموس (منن) ص 1235.
(2)
عقيرته: صوته. القاموس (عقر) ص 443.
(3)
نصيحة المشاور ص 81، التحفة اللطيفة 2/ 187.
الفُتيا على مذهب مالك، وتستنير بأنوار كرامته دياجرُ
(1)
الحوالك.
ذكر بعض الفقهاء أنَّه كان في بيتٍ بإزاء بيت الشَّيخ، وكان يُكرِّر في درسه بصوتٍ جَهْوَريٍّ، فتشوش الشَّيخ، فقال: خَفِّضْ من صوتك، فقلت: /480 يا سيدي، ما أقدر أَنْ أقرأ إلا كذا، فقال: فخفِّض قليلاً، فلم أفعل، فأصابتني نزلةٌ منعتني عن الكلام رأساً، فمَرَّ الشَّيخُ عليَّ فقال: يا محمدُ، ما ترفع صوتك؟ فقلتُ بالإشارة: أنا تائب إلى الله يا سيدي، ففرَّجَ الله عني في الحال.
وذكر بعض الصالحين أنَّه حضره لما احتضر قال: فكان يقرأ القرآن، فلمَّا وصل في سورة يوسف إلى قوله تعالى:{تَوَفَّنِي مُسْلِمَاً وَألْحِقْنِي بالصَّالِحِين}
(2)
فاضت روحه رضي الله عنه وأرضاه
(3)
.
* * *
(1)
دياجر: جمع ديجور، وهو الظلام. القاموس (دجر) ص 391.
(2)
سورة (يوسف)، آية:101.
(3)
ذكر ابن فرحون في نصيحة المشاور أنه توفي قبل والده بزمن طويل، وكانت وفاة والده سنة 721 هـ، فتكون وفاة المترجم في أوائل السبعمائة.
حرف الشين
34 - الشَّيخُ شهابُ الدِّين الصَّنعانيُّ
(1)
، الفقيهُ الشَّافعيُّ، الإمامُ العَلاَّمة، والحَبرُ الخيِّرُ السَّالكُ طريقَ السَّلامة، كان ملازماً للمسجد والعبادة، ذِكْراً وصلاةً وصياماً، معظِّماً لله سبحانه، حتى إنَّه لم يحلف بالله منذ خمسين عاماً، وباشر الحكم نيابةً عن القاضي سراج الدين، فَحُمِدت سيرته، وشُكرت سريرته، لا يعرف لغير الله الغضب والحِدَّة، ولا يألفُ الصَّلابة واليَباسة والشِّدَّة، خُلقه اللُّطف والسَّجاحة
(2)
، وهِجِّيرُهُ
(3)
الفضلُ والسَّماحة، وكلُّ أخلاقه سديدة، مع التصانيف الحميدة العديدة، مات سنة خمسٍ وثلاثين وسبعمائة.
35 - شيحة بن هاشم بن قاسم بن مُهنَّا الحسينيُّ
(4)
، وقد ذكرنا نسبه في ترجمة جدِّه قاسم، وولده جَمَّاز.
ولي الأمير شيحةُ المدينةَ سنة أربعٍ وعشرين وستمائة، انتزعها من الجمامزة ببأسه وسطوته، وحدِّة شوكته، وذلك أنَّ الأمير قاسم بن مهنَّا كان منفرداً بولاية المدينة من غير مشارك ولا منازع، فلمَّا توفي تولَّى مكانه أكبرُ أولاده جماَّزٌ جدُّ الجمامزة، واستمرَّ في ولايته إلى أَنْ توفي، ثمَّ استقرَّ في موضعه ولدُه قاسمُ بنُ جمَّاز ابنِ قاسم بن مهنَّا، واستمرَّ فيه إلى أَنْ قتله بنو لام،
(1)
نصيحة المشاور ص 161، التحفة اللطيفة 1/ 278، واسمه: أحمد.
(2)
السجاحة: اللِّين. القاموس (سجح) ص 223.
(3)
هجيره: دَأْبُه وشأنه. القاموس (هجر) ص 495.
(4)
نصيحة المشاور ص 233 - 247، التحفة اللطيفة 2/ 225.
وركبوا مِنْ قِبَلِه صهوةَ الملام.
وكان الأميرُ شيحةُ نازلاً في عَرَبِه قريباً منه، فلمَّا بلغه قتل قاسم، افترَّ
(1)
من مُحيا شأنه المباسم، فركب سُبل الفُرصة وسلكها، ولم يزل مسرعاً حتى دخل المدينة وملكها، وذلك في سنة أربعٍ وعشرين وستمائة، واستقرَّ فيها استقرارَ العان
(2)
، الشَّامخ الأعيان، ولم يتمكن الجمامزة من نزعها منه ومن ذريته إلى الآن.
وأقام الأميرُ شيحةُ في ولايته مدَّةً طويلة، وبُرهة من الزَّمان حفيلة، وكان من عادته إذا غاب أن يستنيب ولده عيسى
(3)
في المدينة، وكان مُجتباه وحِبَّه، وعلى المُلك أمينه، فَقُدِّر أَنَّ شيحة سافر إلى العراق، وصفا لأعاديه من بني لامٍ الوقت /481 وراق، وعارضوه في الطَّريق وختلوه
(4)
، فظَفِروا به في بعض الأماكن وقتلوه، فبلغ الخبر الجمامزة، فطمعوا في المدينة، فتوجَّهت جماعةٌ منهم في سكونٍ وسكينة، وقصدوا الاستيلاء على البلد، وتفريح رُوحِ الوالد باتباعه الولد، فَفطِن لهم الأمير عيسى وقَبَضَ بهم قَبضَ الدابغ الجلد، ومغَّسهم تمغيساً
(5)
، واستقرَّ عيسى في الولاية مُدَّة، على ما يليق بالحال من استكمال العِدَّة والعُدَّة، إلى أن أظهر الكراهية لأخويه جمَّاز
(6)
ومنيف
(7)
، وأخرجهما
(1)
افترَّ: ضحك. القاموس (فرر) ص 455.
(2)
العاني: المهتم، عناه الأمر: أهمه. القاموس (عنى) ص 1316.
(3)
عيسى بن شيحة. كان ينوب عن أبيه في إمرة المدينة، فلما قتل بنو لام أباه استقل في إمرتها، وأقام في الولاية إلى أن احتال عليه أخواه منيف وجماز فحل منيف محله. توفي في ربيع الأول سنة 683 هـ. التحفة 3/ 383.
(4)
ختلوه: خدعوه. القاموس (ختل) ص 991.
(5)
مغسهم: طعنهم طعناً. القاموس (مغس) ص 575.
(6)
جماز بن شيحة: ترجمته في حرف الجيم.
(7)
منيف بن شيحة، استقر أميراً سنة 657 هـ وتوفي في نفس السنة. السلوك قسم 2/ 421. التحفة 3/ 382.
من المدينة بالوجه العنيف، ومنعهما من الدُّخول إليها، وصدَّهما عن الوقوف لديها، فاتَّفق رأيهما على إعمال حيلةٍ تحتوي على خلعه، واستعمال مكيدة تنطوي على قطعه وقلعه، فكاتبا وزيره، والتزما توقيرَه وتعزيره
(1)
، ووعداه بكل جميل، وسألاه أنْ يزيغَ عن صاحبه ويميل، فأمرهما بالتَّوجُّه إليه والقدوم عليه، فلمَّا قدما احتال لهما في دخول الحصن العتيق باللَّيل، فقبضا على عيسى قَبض القنَّاصِ على اللَّيْل
(2)
، من غير إعمالِ رجلٍ
وخيل، وأصبح حاكمَ المدينة الأميرُ منيفُ بن شيحة، ورقيَ المنبر حقاً أبانَ به توشيحه وترشيحه، ولم يزل في المدينة حاكماً في اعتزاز، والمُلكُ به في اهتزاز، ومؤازرُهُ وساعدهُ أخوه جمَّاز، إلى أن تُوفي في عامِ سبعٍ وخمسين وستمائة، فوليها من يومئذ الأميرُ عزُّ الدِّين بنُ جمَّاز بنِ شيحة، ولم ينازعه أخوه الأمير عيسى بن شيحة.
ثمَّ إنَّ ابن أخيه مالكَ بنَ منيف انتزعها منه في سنةِ ستٍ وستين وستمائة، فاستنجد عليه الأميرُ جمَّاز بصاحب مكة
(3)
وغيره من العُربان، وساروا إلى المدينة في جمعٍ حفيل، وجمٍّ غفير، كأنهم رِجلان من الغِرْبان
(4)
، فلمَّا عجزوا عن إخراجه، وتعرض للبور وأتراجه
(5)
، قوَّضوا
(6)
وتفرَّقوا، وانفضُّوا من حوله وتمزَّقوا، وبقي جمَّازُ في جماعته، وتفرَّد في رِفاقته ورِباعته
(7)
، أرسل إليه
(1)
تعزيره: تعظيمه. القاموس (عزر) ص 439.
(2)
الليل الحبارى. القاموس (ليل) ص 1055.
(3)
يعني نجم الدين أبو نمي محمد بن حسن بن علي الحسني. العقد الثمين 3/ 436.
(4)
رجل الغراب: ضرب من صَرِّ الإبل. لا يقدر معه الفصيل أن يرضع أمه. يريد بذلك عدم قدرتِهم. اللسان (رجل) 11/ 265.
(5)
أتراجه: إشكالاته. القاموس (ترج) ص 182.
(6)
أصل التقويض: نقض البناء في غير هدم. القاموس (قوض) ص 653.
(7)
الرِّباع: جمع رَبْعٍ، وهي الدار. القاموس (ربع) ص 718.
مالك بن منيف يقول: أراك حريصاً على إمرة المدينة وأنت عمي وصِنْوُ أبي، وقد كنتَ له معاضداً مساعداً، وعمَّا يكره مجانباً ومُباعداً، ونحن نتجنب عقوقك، ويجب أَنْ نحترمك ونرعى حقوقك، وقد استخرتُ الله تعالى، ونزلتُ لك عن إمرة المدينة طوعاً، وتركتها غيرَ مُكْرَهٍ ولا موصلٍ إلى أحدٍ بقتالك رُعباً ورَوْعاً، فَسُرَّ بذلك جمَّازُ وشكر على إزاحة الفساد، وحمِدَ الله تعالى على حقن الدماء وبلوغ المراد، واستقلَّ بالإمارة من يومئذٍ إلى أَنْ حَلَّ في حُفْرته، ثمَّ استقرت إلى الآن بيدِ أولاده وذرِّيته.
36 - شاه شجاع
(1)
، الملك المُطاع، والسُّلطان الرَّوَّاع، والخاقان
(2)
القنَّاع
(3)
، جلال الدِّين، أبو الفوارس بن الملك المؤيَّد، والسُّلطان المسدَّد، والصِّنديد الأَصْيَدُ
(4)
، مبارزُ الدِّين محمدُ بن المظَّفر، ومَنْ نصيبُه من جميع الفضائل مُوفَّى موفَّر، وصناديدُ الأرض في انفساحات ساحاته تفتخر بالعُنق الخاضع والخَدِّ المُعفَّر
(5)
.
أحيا الله تعالى به دولةً زهت بِمُلكها على الأنام، وتاهت محاسنُه المجتمعة فيه على ملوك الأيَّام، وتاهت بما أُوتيه من حِلمٍ كأنَّما استلبه الورى فهم لديه بلا أحلام، ملَّكه الله في البسيطة أَزِمَّة البسط والقبض، والإعلاء والخفض، والإبرام والنقض، فهو عينُ الأيَّام، بل نورُ إنسانِها، وزينةُ الأنَام
(1)
التحفة اللطيفة 2/ 209، نقلاً عن المؤلف، الدرر الكامنة 2/ 187،
المنهل الوافي 6/ 204، واسم أبيه: محمد.
(2)
الخاقان: اسم لكل ملك من التُّرك. القاموس (خقن) ص 1194.
(3)
القَنَّاع: المنسوب إلى القِنَاع، وهو السَّلاح. القاموس (قنع) ص 757.
(4)
الصنديد: السيد الشجاع، والأصيد: الملك. القاموس (صند) ص 294، (صيد) ص 295.
(5)
هذا من الخضوع المذموم المحرم، ولربما وصل إلى الشرك، وإنما يكون احترام السلاطين والعلماء بما هو مشروع في الدين لاخضوع الأعناق وتعفير الخدود بالتراب.
ومَعْدِنُ إحسانِها، ومُدبِّر فَلَكها
(1)
، ومنير حَلَكها، وكوكب سعدِها وشمسُ ضُحاها، والشِّهابُ الثَّاقب لضدِّها، بل بدرُ دُجَاها.
كم له من موقفٍ تشيب له الولدان، وثباتٍ في مواقف فَرْقِها مَنْ عجز عن نِطاحة الفرقدان، شَرُفَتْ لبسطه الورى، وافتخرت سجاياه على ملوك الورى، وتمكَّنت محبَّتُه من القلوب فكانت أحلى في القلوب من نَيْل المُنى، وألذَّ في الأجفان من سِنَةِ الكرى، وصحَّت أسانيد المدحِ إلى صفاته الزَّكية فلم يكن حديثاً يُفترى، ووطَّد قواعدَ المجد في الممالك وخصَّ به الحرمين الشَّريفين طيبةَ وأمَّ القُرى، وانتشر فيهما من جميل آثاره وأخباره ما أَشبه الآنف منظراً ومخبراً.
جمع بين شرف الملوك وشرف العلماء، فكادت أسرة الملك تشتري لموطئه وهي وريقة
(2)
بقطر الماء.
وكم له مِن سعيٍ أجملَ فيه لله رَواحاً وغُدوَّا، وكم أغنى وأقنى
(3)
بسيبه وسيفه في طوريَ الميعاد والإيعاد وليِّاً وعدوّاً.
شرّف الله به ممالك طالما شرفت بأسلافه، وعلم أهلُها كيف يُستخرج الدُّرُّ من أصدافه، وشاهدوا من عزَّته نضرة النَّعيم، وكادوا يقولون عند رؤيته:{مَا هَذَا بَشَرَاً، إنْ هَذَا إلا مَلَكٌ كَرِيمٌ}
(4)
.
له في الحرم الشَّريف المدني آثار أبرزتْهَا خوافي المحامد، وآثار، منها: الخزانة الشَّريفة المشتملة على محاسن الكتب ومفاخرها، فما مِنْ طالبٍ مقتبِسٍ
(1)
في هذه العبارات أيضاً مبالغات وتجاوزٌ مُفرط.
(2)
وَرِيقة: كثيرة الورق، والمراد: النضارة والنضوج والتمام. القاموس (ورق) ص 928.
(3)
أقنى: أعطى القُنية، وهي الكَسْبَة. القاموس (قني) ص 1326.
(4)
سورة (يوسف)، آية 31.
إلا هو مستمدٌ من جواهر زواخرها.
ومنها: التُّربةُ التي أمر بإنشائها في صدر البقيع فافتخر بِها على آخرها، أخلص نواته قاصداً أَنْ يكون مدفنَه بعد عمرٍ طويل، ويأوي إليه لِنَيل شَرفِ الجوار إذا نُودي بالرَّحيل، وللمنقطعين بالمدينة من عوارفه رزق دار، وعيش تارّ
(1)
، وقلب سار، وأملُهم في مضاعفته بجميل عاطفته حقيقٌ سَديد،/483 وحَبْلُ رجائهم في مرادفته ومكاتعته وثيقٌ شديد.
وله بمكةَ رباطٌ بذكر الله معمور، ولوقوعه في لصق أمن الله و سجاح
(2)
نَهي الله بالنُّور مغمور.
وله سجايا ملوكيةٌ تتصل بي أخبارها، لكن أضرعُ إلى الله في تيسير النّظر إلى مُحيَّاه لتغمرني أنوارها
(3)
، فأثبت حينئذٍ أدلة صالحة ناشئة البنيان، وأخبر عن النَّظر، فإن البَوْن كبيرٌ بين الخبر والعِيان.
وتوفي في شعبان عام ستٍّ وثَمانين وسبعمائة بشيراز.
37 - الشَّرَفُ الخَزَنْدَاري
(4)
شيخُ الخُدَّام بالحرم الشَّريف النَّبويّ،
على ساكنه الصَّلاةُ والسَّلامُ.
ولي المشيخة في عام اثنين وأربعين وسبعمائة، تناولها عن الدَّيريِّ
(5)
بحكم صرفه، وكان الشَّرَفُ داهيةً في الأُمور الدُّنيوية، والمباشرات المالية
(1)
تارٌّ: ممتلئ. القاموس (ترر) ص 356.
(2)
السجاح: اللطف واللين. القاموس (سجح) ص 223.
(3)
هذا من الغلو المحرم، فلم تثبت أن لوجوه الأنبياء أنواراً تغمر الناظرين إليها، فكيف بمن دونهم، فكيف بسؤال الله ذلك بحق من مات.
(4)
نصيحة المشاور ص 49، الدرر الكامنة 4/ 344.
(5)
هو شرف الدين الديري.
الدَّنيَّة، وكان شَكِسَ الأخلاق، شَرِس التَّلاقِ، صَلْبَ العود شديدَ النِّزاق
(1)
ومع ذلك ذا حَنَقٍ
(2)
شديد، وحقدٍ عن التَّصافي بعيد، إذا اسْتُرْضِيَ لا يرضى، ولا يُزيل العُتبى على أمرٍ أضرَّ قلبه مَرضى، ويَرى في تلك الحالة طلاقةَ الوجه ولينَ الكلام فَرضاً.
كان من إخوانه في الله، وخِلاَّنه لله الشَّيخُ العالمُ المُقرئ الكبير الشَّأن عبدُالرَّحمن بنُ ياقوت المؤذِّن
(3)
، اتَّفقَ له السَّفَرُ معه إلى الدِّيار المصرية، فبات معه ليلةً في دارٍ واحدة، فهبَّ الشَّيخُ عبد الرحمن من نومه دَهِشَاً رَعِشاً، مسلوبَ العقل، مغلوب الخَتل
(4)
، فلم يكن له دأبٌ غير أنْ سلَّ السَّيف ونزل به على الشَّرف بضربة، لو أصابَتْه أَحْطَأَتْهُ
(5)
لكنه أَخْطَأَتْهُ، فأُمسك وأُلقي في القيد إلى أنْ رجع إلى عقله، فسعى به الشَّرَفُ عند أرباب الدَّولة حتى سُجن، ثمَّ جُعل في رِجلهِ قيدٌ، وأُدخل في زُمَرِ المُقَيَّدِين من أرباب الكبائر والذُّنوب العظائم، وهو ضعيفُ البِنية، لطيف الهيئة، كثير الصَّوم والعبادة، دائم الذِّكر والتِّلاوة، واستمرَّ على ذلك مُدَداً، وشَفِع فيه النَّاس فلم يُشفِّع أحداً، إلى أَنْ سخَّر الله له من سهَّلَ له المجاز، وأرسله إلى الحجاز، فلمَّا وصل الشرف تتبعه في طائفه
(6)
وفي نفسه وعياله، وسعى عند الأشراف ليخرجوه من المدينة فلم يُجب إلى ذلك، ولم يزل كذلك إلى أَنْ طالت المُدَّة، وهلك الشَّرَف، وعاش الشَّيخُ
(1)
النزاق: الخِفَّة عند الغضب. القاموس (نزق) ص 925.
(2)
حنق: غيظٍ. القاموس (حنق) ص 877.
(3)
عبدالرحمن بن ياقوت المدني المؤذن. كان كبير القدر في القراءة مع حسن الصوت وسلامة الصدر وحسن الخلق. التحفة 2/ 548. نصيحة المشاور ص 49.
(4)
الختل: الحيلة والخديعة. القاموس (ختل) ص 991.
(5)
أحطأته: صرعته. القاموس (حطأ) ص 37.
(6)
الطائف: الشرطة والعسس. القاموس (طوف) ص 833.
بعده، وصُرِف الشَّرَفُ بإعادة عزِّ الدِّين دينار إلى المشيخة، وكان يعاشره عزُّ الدِّين بالإجلال والاحترام، ويتلقَّاه بالإعظام والإكرام، ومع ذلك سعى في المشيخة وخاب، فحمل مرسوماً بأن يستناب، فاستقرَّ نائباً لدينار إلى آخر ولايته ثم لياقوت إلى أن مات فجأةً، /484 أصبح في فراشه ميتاً في ربيعٍ الآخر عام تسعةٍ وخمسين وسبعمائة.
38 - شفيعٌ الكرمونيُّ
(1)
، كان خادماً شَكِلاً طُوالاً
(2)
، أعظم أبناء جِلدته هيبةً وصِيالاً
(3)
، يسطو على كلِّ مَنْ رأى منه أدنى مخالفة، ويبطش ببأسه مَنْ خالط أَحداً من المبتدعة وآلفه.
كان قد بنى داراً رفيعةً جليلة، وغَرِم عليها أموالاً جزيلة، فلمَّا بناها وسواها، انتقل إلى الآخرة قبل سُكناها.
(1)
نصيحة المشاور ص 56، التحفة اللطيفة 2/ 221.
(2)
الشَّكِل: الحسن الشكل، والطُّوال: كثير الطول. القاموس (شكل) ص 1019، (طول) ص 1027.
(3)
صيالاً: سطوةً واستطالة. القاموس (صيل) ص 1023.
حرف الصاد
39 - صوابُ بنُ عبدِ الله المُغِيثيُّ
(1)
، شمسُ الدِّين. كان من الخُدَّام الموصوفين بالدِّين المتين، والورع المكين، والسَّابقين إلى الخيرات الفاخرة، واللاَّحقين بالسَّالفين من أولئك الفِئة الزَّاهرة، كان مجتهداً في البَدار إلى مباشرة الخدمة الشَّريفة، معتنياً على الاستباق إلى تعليق القناديل وما تعلَّق به من وظيفة، وكان من أوَّلِ الدَّاخلين إلى المسجد للصَّلاة، والحائزين بِها من مواهب الله أجزلَ الصِّلات.
لزِم أُسطوانة المهاجرين وإليها أَلِف، وواظب على الصَّلاة إليها حتى بِها عُرِف، بذل في طاعة اللهِ الأيام، فَليلُه قيام، ونَهارُه صيام، وقوي له بحبل الله الاعتصام، ولاقى أرباب الدَّولة بصولةٍ أَمضى من حدِّ الصَّمْصَام
(2)
.
وأمَّا في إطعام الطَّعام، وإكرام الأَقوام، فقد فاقَ جميع أقرانه من الخُدَّام، وتقدَّم عليهم في معازل
(3)
المعارف بأَقدام الإقدام، فبقي اسمهُ على ممرِّ الأعوام ودام، وثبت اسمه على مَكَرِّ الأيَّام واستدام، على أنَّ جميعَ الخُدَّام في تلك الأزمان كانوا بالمكارم يتفاضلون، وبالبذل والسَّخاء في ميدان الإخاء يتناضلون
(4)
، لكنْ بعضٌ منهم على بعضٍ يزيد، وكلٌّ بذلك وجه اللهِ يقصد ويريد.
(1)
نصيحة المشاور ص 56، التحفة اللطيفة 2/ 247، المنهل الصافي 6/ 355.
(2)
الصمصام: السَّيف. القاموس (صمم) ص 1130.
(3)
هكذا في الأصل، ولعل الصواب: منازل.
(4)
يتناضلون: يتبارَوْن. القاموس (نضل) ص 1063.
وممَّا يُحكى من شَهامتِه، ويُذكر من شدَّةِ صرامته: كان بعضُ مشايخ العلم توفي إلى رحمة الله تعالى وخلَّف أيتاماً ووظائف، فسعى بعض المفيدين عند الأمير وهو من الله غيرُ خائف، وبذل على ذلك جملةً من المال، وأصغى إليه الشَّريف وإلى الباطل مال، ورسم بانتزاعها منهم على كلِّ حال، ولم يبق إلا أَنْ يحضرَ ويباشرَ المُفسدُ المحتال، فقام حينئذٍ المغِيثيُّ واستغاث، وعلم أَنَّ الذِّئب قد استولى على الغنم وعاث، وقال الشيخ: قم بِهِمَّتك معنا في دفع هذا الأذى، فإنَّه واللهِ لا يصلُ هذا اللَّعين إلى هذه الوظيفة إلا أَنْ يُفعل بي كذا وكذا، فبلغ الأميرَ خبرُه فأعرض عن السَّاعي وعن المال، واستقرَّ أولاد الشَّيخ /485 في وظائفهم على أجمل الأحوال.
توفي رحمه الله سنة أربعٍ وثلاثين وسبعمائةٍ، ودفن أمام قبة سيدنا إبراهيم عليه السلام.
40 - صوابٌ الجَمداريُّ، شمسُ الدِّين
(1)
. كان من أجاويد الخُدَّام الأخيار، إذا شاهدْته رأيتَ جُملاً من الحِشْمة والوَقار، وأمَّا البَشاشة والهَشاشة فَبِالأحمال والأوْقَار، وكان يتفقد بِكِسْرَتِه المحتاجين وأربابَ الافتقار.
وأمَّا تعظيمُه للشَّرع وأهلِه فهِجِّيرُه
(2)
الذي كان يفتخر به غايةَ الافتخار، ولم يُذكر عنه أَنَّه تعرَّض لأحدٍ من أهل العلم بنوع إزْرَاءٍ واحتقار.
ناب الشَّيخَ عزَّ الدِّين
(3)
في المشيخةِ فأرضى الصِّغار والكبار، وأعتق العبيدَ والإماء ووقف النَّخيلَ والدِّيار، فرحمةُ اللهِ تُصيب وجهه المِدْوار. توفي عام ثمان وخمسين وسبعمائة.
(1)
نصيحة المشاور ص 58، التحفة اللطيفة 2/ 245.
(2)
هجيره: دأبه وشأنه. القاموس (هجر) ص 495.
(3)
هو عزُّ الدِّين دينار البدري، المتقدم ذكره في حرف الدال.
41 - صوابٌ الحَمَويُّ، شمسُ الدِّين النَّاصريُّ
(1)
، كان من رؤساء الخُدَّام، وكبرائِهم الأعلام، مُبادراً عند اللِّقاء إلى السَّلام، محاذراً مالا يَعْني من الكلام، وإذا جلس إلى الشَّيخ أَمر بالمعروف ونَهى عن المنكر على الدَّوام، وقام بذلك على الشَّيخ أشدَّ القيام، ويغتنم الشَّيخُ موافقته فيما يقوله غاية الاغتنام.
وكان ذا رأيٍ صائب، وفِكْرٍ ثاقب، وجملةٍ صالحةٍ من المفاخر والمناقب، له كثيرُ حسنات اجتهد في إخفائه حتى خَفِي، وحُفِظ من شرِّ الرِّياء والسُّمعة فيه وكُفِي، ثمَّ أراد اللهُ [إظهارَ ذلك فظهر بعد أنْ توفي، وغرس في الحرم غرساً صالحاً، وأعتقَ]
(2)
خادماً دَيِّناً فالحاً، وكان كاسمه مفيداً، وفي رسمه ووَسْمِه حميداً، اشتغل بحفظ القرآن وقراءة الفِقه على مذهب الإمام الشَّافعيِّ، وصحب الصَّالحين، واشتُهر بالخير والدِّين، وكان على حاصل الحرم أميناً ونِعْمَ الأمين.
فرحمه الله ومَنْ كان حسنة من حسناته وبركة من بركاته.
توفي مفيدٌ سنَة أربعٍ وسبعين وسبعمائة.
* * *
(1)
نصيحة المشاور ص 54، الدرر الكامنة 2/ 208، وتصحف الحموي إلى المحمودي، التحفة اللطيفة 2/ 246.
(2)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، وهو في التحفة نقلاً عن المؤلف، ولا يتم الكلام
إلا به.
حرف الطاء
42 - طُفيل بن منصور بن جمَّاز بن شيحة
(1)
وتقدَّم نسبه في ترجمة جدِّه جمَّاز. كان أميراً كبيراً كامل السُّؤدد، عالي الهِمَّة، مَهِيباً، معظَّماً في النُّفوس، مُحبَّباً إلى الرَّئيس والمرؤوس، جمعَ مفاخر المناقب، وفرعَ
(2)
من المآثر أَعاليَ المناقب، هِجِّيرُهُ الإحسان لا سيما إلى المجاورين، وسجيته السَّماحَة خصوصاً للوافدين والزَّائرين.
شفاعاتُ المجاورين عنده مقبولة، وطِينتُه الكريمة بماءِ مُوالاتِهم ومُمالاتِهم مجبولة.
كان ينوب عن أخيه كُبيش
(3)
، في تلك الأيَّام القليلة التي لم يَصْفُ له فيها عيش، ثمَّ إنَّه لما /486 هجم وُدَيٌّ
(4)
على المدينة بما معه من رَجِلٍ وخَيل، واستولى عليهم وأخرجَ بعد المُقاتلة طفيل، سار طفيلٌ على قدميه إلى الديار المصرية، وأخبر السُّلطان بما اتَّفق من هجوم تلك السَّرية، وأقام ببابه مُكْرَماً، والسُّلطانُ يُسدِي إليه بعد الغمِّ أنْعُماً.
فطمع وُدَيُّ في مرسومٍ من السُّلطان، وإِقراره على ما كان منه من انتزاع الملك من الإخوان، فجهز هديَّة سَنِيةَ، وتوجَّه إلى الأبواب العلية، فلمَّا وصل
(1)
نصيحة المشاور ص 253، الدرر الكامنة 2/ 223، التحفة اللطيفة 2/ 258.
(2)
فرع: طال وعلا. القاموس (فرع) ص 746.
(3)
كبيش بن منصور بن جماز بن شيحة، ولي إمرة المدينة سنة 725 هـ وقتل على يد أولاد عمه مقبل بن جماز سنة 728 هـ. الدرر الكامنة 3/ 262، التحفة 3/ 426.
(4)
ستأتي ترجمته في حرف الواو.
في أثناء رمضان، ودخل على السُّلطان، قَبِل هديته، وأجزل عطيته، وأَمهله إلى انسلاخ الشَّهر السَّعيد.
فلمَّا كان ليلةُ العيد، برزَ له المرسوم بالحبسِ والتَّقييد، ورجع طفيل إلى كُبيش بالبادية عند العربان، وجهز من عنده هديةً حفيلة ورجع بِها إلى السُّلطان، ووصل بِها في الثَّاني عشر من شهر شعبان.
فلمَّا كان بعد أيام وصل الخبر إلى مصر بأنَّ أولادَ مُقبلِ بن جمَّاز، قتلوا كُبيشاً بالحجاز، فخلع السُّلطان على طفيل بن منصور، وولاَّه المدينة بتقليدٍ ومنشور، فدخل المدينة في الحادي عشر من شوَّال من العام المذكور، وطار مَنْ كان بها من آل وُدَيٍّ طيرانَ صقورٍ من الوكور.
واستمرَّ طفيلٌ في المدينة حاكماً، والعدوُّ من خارجٍ عليه مُتراكماً، يشنُّون على المدينة الغارات، ويطلبون بِها الثَّارات، ويرعون الزُّروع، وينهبون الضُّروع، ويحرقون النَّخيل والأشجار، ويَجِدِّون ما أينع من الثِّمار.
فلمَّا اشتدَّ الحال، وامتدَّ الأعوال
(1)
، وتواتر الصِّوال، خرج إليهم القاضي شرفُ الدِّين وشيخُ الخُدَّام وأعيانُهم وصالحوهم على خمسة عشر ألف دِرهم، وعلى ثمرة أملاكهم وأملاك مَنْ يلوذُ بِهم.
فلمَّا تمَّ الصُّلح بينهم، وقضى كلُّ فئةٍ من النِزاع بينهم، استنجد طُفيل بصالح ابن حُديثةَ من آل فضلٍ، وبعمر بن وُهيبة من آل مرا، وبعساف بن متروك الزَّراق
(2)
، فجاؤوه في جموعٍ كالجبال، وعسكرٍ عن القتال غيرِ مُبال.
فساروا بِجمعهم الكثير، وجَمِّهم الغفير، على عسكرِ ابن وُدَيٍّ وعَدِّه النَّزر اليسير، يقال: إنَّهم كانوا ثَمانيةَ عشر فارساً، أو نحو خمسةٍ وعشرين،
(1)
الأعوال جمع عول، وهو كلُّ ما عالكَ، وقوتُ العيال. القاموس (عول) ص 1037.
(2)
التحفة اللطيفة 3/ 187، نصيحة المشاور ص 253.
فركبوا عليهم وكسروهم وضربوهم، وبلغوا منهم البِلغين
(1)
، وخلصوا منهم سالمين، وحيث غدروا بِهم بعد الصُّلح لم يفلحوا، ولا عاقبةَ للظالمين.
ولمَّا كان في عام ستٍّ وثلاثين توجَّه طفيل إلى مصر واستخلف ولده المسمى بعجمي
(2)
، فغضب عليه السُّلطان لكتابٍ ورد عليه من القاضي شرف الدِّين الأميوطي
(3)
، فبرز مرسوم إلى القاضي مضمونُه: إنَّا قد سلَّمْنَا إِمْرةَ المدينة إلى الأمير أبي مزروعٍ /487 وُدَيِّ بن جمَّاز
(4)
، وقد كتبنا له تقليداً، فتمكَّن نُوَّابُه من المدينة، وتمنَّع آل منصور أن يتعرضوا لأذية النَّاس، ثمَّ وصل وُدَيٌّ في ذي القعدة وحبس طفيلاً نَحو أربعين يوماً، ثمَّ أخرج من الحبس وأُنعم عليه بأخبازٍ يستغني بِها، ورسم لهم بأملاكهم التي بالمدينة.
واستمرَّ وُدَيٌّ إلى سنةِ ثلاثٍ وستين وسبعمائة، فلمَّا كان في شهر القَعدة من هذا العام توجَّه طُفيل إلى المدينة بِجموعه ومعه آلُ منصور قاطبةً بأهلهم وأموالهم، ونزلوا تحت جبل سلع ممَّا يلي المدينة، فلمَّا كان سَحَرُ تلك الليلة نصبوا على السُّور سُلَّماً ودخلوا المدينة، ولمَّا يتعرَّض لقتالهم أحدٌ، فداروا على الدُّروب وكسروا أقفالها، وفتحوا أبوابَها، حتى دخل جميع مَنْ كان معهم، ونَهب بعض الدور، وكسَّرت العرب جميع دكاكين السُّوق ونَهبوا ما فيها، فلمَّا أصبحوا نادى طُفيلٌ بالأمان فأمِنَ النَّاس وخرجوا إليه وهنَّؤوه بالنُّصرة والولاية.
واستقرَّ إلى أَنْ جهَّز أخاه جمَّازاً إلى مصر صحبة الرَّكب فأنعم عليه
(1)
يقال للداهية: بلغت منا البِلَغِين. أي كلَّ مبلغ. القاموس (بلغ) ص 780.
(2)
ذكر في التحفة 3/ 179 أن أباه استخلفه حين توجه لمصر سنة 736 هـ.
(3)
اسمه محمد بن محمد، ترجمته في حرف الميم.
(4)
تأتي ترجمته في حرف الواو.
السلطان وقرَّر طفيلاً على الولاية، وبعث إليه بالخِلعة والتَّقليد.
واستمرَّ حاكماً على طريقةٍ رضية، ومآثر بَهية، إلى سنة خمسين وسبعمائة، فصدرت منه أشياءُ عن سوءِ تدبير بعض الوزراء، فَعُزل لذلك، وَوُلي سعد
(1)
بن ثابت بن جمَّاز.
فلمَّا كان في ذي القعدة جمع طفيلٌ جميع آل منصور وكثيراً من العرب وعزم على منع سعد من دخول المدينة، فاستنجد سعدٌ بأُمراء الركب الشَّامي، فامتنعوا عن المساعدة إلا بعد مراجعة السلطان فقوَّض سعد عن البركة، وبعث إلى السلطان يستأذنه في ذلك.
فلمَّا كان سادس عشر ذي الحجة جاءه قاصد طفيل من مكة يخبر آل منصور بأنَّ مرسوم السلطان ورد إلى جميع أمراء الحُجَّاج بمساعدة سعدٍ وتمكينه في المدينة، فانزعج آل منصور لذلك، واتفقوا على نَهْب المدينة، وكان طفيلٌ لذلك كارهاً، لكنَّه غُلب على رأيه.
فنهبوا المدينة، وأخذوا جميع بضائع الحاج، ولم يسلم منه شيءٌ إلا النَّادر، ونَهبوا دُور الخُدَّام والمدارس، وخرجوا جميعُهم من المدينة، فجلست حينئذ هِميان بنتُ مبارك بن مقبل في شُبَّاك الإمارة بالقلعة، وحكمت في المدينة يوم السبت ويوم الأحد. ثمَّ وصل محمد بن مقبل بن جمَّاز، ودخل سعد يوم الثَّلاثاء وقرأ منشورَه، واستقر وابتدأ في عمل الخندق الذي حول السُّور، ومات ولم يكمله، وأكمله فضل
(2)
في ولايته.
ولمَّا كان في أوَّل عام اثنين وخمسين توجَّه طفيل إلى مصر فغضب عليه
(1)
تقدمت ترجمته في حرف السين.
(2)
تأتي ترجمته في حرف الفاء.
السُّلطان بسبب ما نُهب للحاج، فأمر بحبسه في القلعة، وغُرِّم بعضُ ما نَهب للحاج، وصالح عن البعض/488 وتوفي في حبسه في شوال من العام المذكور رحمه الله.
* * *
حرف الظاء
43 - الظَّهيرُ الأشرفيُّ
(1)
المسمَّى مختار، وهو كاسمه مختار، ولاَّه الملك النَّاصر في عام تسع عشرة وسبعمائةٍ، لمَّا دخل المدينة ووجد سعداً الضَّرير
(2)
، فبادر إلى النَّكير، وتقدَّم بتولية الظَّهير، فجبر دمامة صورته، بإقامة صولته، وقرن حقارة هِبَّته
(3)
بِحمَارَّة
(4)
هيبته، أوعبَ حقوق الضِّعاف والفقراء، وأرعب قلوبَ الأشراف والأُمراء، واستعاد منهم ما تغلَّبوا عليه من الأوقاف، وهو قوَّالٌ للحقِّ عنده وقَّاف.
ومن جملة ما استخلص من المُتعدِّين الجوشن، والفُرن، والمارستان، ودار المدرسة الشّهابية في كذا كذا حديقةٍ وبستان.
وبشدَّة سطوته عزَّ الخُدَّام والمجاورون وأضاء ماموسهم
(5)
، وقويت بهيبته على الظلمة نفوسهم، وقام بشوكته ناموسهم
(6)
، وكان في المجاورين مَنْ ينتمي إلى الأشراف، ويلقى إلى آذانِهم من أحوال المجاورين ما يُؤْرِنُ
(7)
الخلاف، وطمسَ هذه الحال، وأخرج لذلك جماعةً من الأشياع، وفَرَسَهم
(8)
(1)
نصيحة المشاور ص 44، الدرر الكامنة 2/ 345.
(2)
انظر ترجمته في حرف السين.
(3)
ثوب مهبب أي مخرق وقد تهبب وهببه خرقه. اللسان (هبب) 1/ 779. والمراد رثة بزته.
(4)
الحمارة: الشدة. اللسان (حمر) 4/ 211.
(5)
ماموسهم: نارهم. القاموس (ممس) ص 575.
(6)
ناموسهم: صاحب سرِّهم. القاموس (نمس) ص 579.
(7)
يؤرن: يُنشِّط. القاموس (أرن) ص 1175.
(8)
يقال: فَرَسَ فريسته: دقَّ عُنَقها. القاموس (فرس) ص 562.
ببأسه فَرْسَ السِّباع، وقطع جماعةً من القُوَّام والفَرَّاشين، وعاملهم معاملة الصقور الورَّاشين
(1)
، فاستقامت الأمور، واستنار الدَّيجور
(2)
، وبَارَ أهلُ الفساد والفُجور، وألزمَ أربابَ الوظائف بِملازمة الحضور، ومَنْ غاب عن وظيفته أخذ منه قسط ذلك اليوم في الحين، وصرفَه إلى من ارتضى رأيه من الفقراء والمساكين.
فالأوقافُ تعمَّرت وتكمَّلت، والوظائف تحبَّرتْ
(3)
وتَجمَّلت، وأدركت النُّفوس من مكارمه ما أمَّلَتْ، وكان من النوائب، أنه لما حجَّ أرغون
(4)
النَّائب، فقدم إليه أصحابُ الغَرَض، ومَنْ في قلبه مَرض، وشكوا إليه أخلاق الشَّيخ وما يُذيقهم من الضّغن
(5)
، فخاطبه بحضرة الأعداء
…
(6)
عليه، وغضَّ منه، وأزرى به، فلم تحتمل نفسُه الأبية ذلك، وامتعض
(7)
منه امتعاضاً سلك به سبيلَ الهوالك، ولم يمكث إلا تمامَ جُمعته، حتى توفَّاه الله إلى رحمته، وذلك في سنة ثلاثٍ وعشرين وسبعمائة.
(1)
الوراشين: الحريصين. القاموس (ورش) ص 609.
(2)
الديجور: الظلام. القاموس (دجر) ص 391.
(3)
تحبرت: تحسَّنت. القاموس (حبر) ص 370.
(4)
أرغون الدوادار، اشتراه الملك المنصور فربَّاه مع ولده محمد الناصر، ثم ولاه نيابة السلطنة بالديار المصرية، حج سنة 715 هـ، وتوفي سنة 731 هـ، ترجمته في الدرر الكامنة 2/ 351.
(5)
الضغن: الميل والحقد. القاموس (ضغن) ص 1211.
(6)
هنا كلمة لم تظهر
(7)
امتعض: غضب وشق عليه. القاموس (معض) ص 654.
حرف العين
44 - عبدُ الرَّحمن بنُ عبدِ المؤمنِ بن عبد الملك
(1)
، القاضي تقيُّ الدِّين ابن الشَّيخِ جمال الدِّين ابنِ الشَّيخِ رشيد الدِّين الهُورِينيُّ الشَّافعيُّ المصِريُّ.
وهُورين بلدةٌ بالدِّيار المصرية، ولا /489 أدري [أهي] هونين
(2)
التي ذكرها أصحاب المسالك والممالك في ديار مصر فغيَّرتها العَامَّةُ، أو هما متغايران؟ والله أعلم.
ولي قضاء المدينة في عامِ خمسٍ وأربعين، فوردها بعلمٍ غزير، وفضلٍ كثير، وعقلٍ مزير
(3)
، ورئاسةٍ تصعد إلى الفلك الأثير، وهيبةٍ تُرعب الجاهل الغَرير، ويتأدَّب معها العاقل الكبير، ونصرةٍ للشَّرع حيث لا مُعينٌ ولا نصير، وقيامٍ في الحقَّ ببأسٍ يخضع له الفَطِن النصير، مع الشَّكالةِ الصَّبيحة، والشَّيبة المليحة، واللَّهجة الفصيحة.
واستنابَ في الحكم القاضيَ بَدر الدِّين بنَ فرحون
(4)
، فقام به قياماً صفَّى اللُّحون، وصحَّح الملحون، وأسالَ على وادي الأعادي سَيْحون وجَيْحون.
ثمَّ إنَّ القاضيَ تقيَّ الدِّين أُصيب ببصره لماءٍ نزل عليه، فتوجَّه إلى الدِّيار المصرية ليقدحَ عينيه، فَسُعِيَ عليه فَعُزِل، وأُضعف حمل إبله عن العود إلى المدينة وهُزِل.
(1)
نصيحة المشاور، ص 221، الدُّرر الكامنة 2/ 335، التحفة اللطيفة 2/ 508.
(2)
ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان 5/ 420، فقال: هُونين: بلد في جبالِ عاملةَ مُطِلٌّ على نواحي مصر.
(3)
مزير: نافذ الرأي. القاموس (مزر) ص 475.
(4)
مؤلف نصيحة المشاور، اسمه عبد الله، وستأتي ترجمته قريباً.
واستمرَّ منفصلاً إلى شهور سنة تسعٍ وخمسين، فهبَّت نسمةُ سعدٍ أزاحت عنه نكبات التَّعسِين
(1)
والتَّعيين، فأعيدت الولايةُ ثانياً، وصار لمجاني
(2)
الأماني بيدِ الظَّفَر جانياً.
ووصل إلى المدينة فجأةً صحبة الأمير جمَّاز، واستقرَّ على عادته في الولاية محفوفاً بالإكرام والإعزاز، مُزال الهموم، مَنْفِيَ الأحزان، مُزَال الكُرَب، مُقبلاً على الطَّاعة، مشتغلاً بالعبادة وما يتوسَّل به إلى الله من القُرَب.
وتُوفي في أوائل سنةِ ستين وسبعمائة، وكان مولده عام أربعٍ وتسعين وستمائة.
45 - عبد الله بن حجاج
(3)
، أبو محمد المغربيُّ، الفلسفيُّ، المَنْطِقيُّ، الحكيمُ،
المكشوفُ الرَّأس، لأنَّه كان كذلك صيفاً وشتاءً.
كان من أكابر العلماء المُطَّلعين على العلوم اليونانية، وأكابر الفضلاء المتضلعين بالعلوم الإيْمانية.
انقطع إلى المجاورة بالمدينة، واجتمع إلى نفسه وعبادته في سكونٍ وسَكينة، وجمعَ غرائبَ الكُتب ونفائسَها أَحْمَالاً، وصرف في تَحصيلها وتصحيحها أعماراً وأموالاً، وحاز من الأصول الفاخرة صناديقَ وسِلالاً
(4)
، وجلُّها كتبُ الحديث والفقه، والتَّاريخ، والطِّبِّ والمنطق والحكمة، وعلومٍ أُخرى شتَّى لم ينهض لمعرفتها في عصرنا
(1)
التَّعسِيْن: قلة المطر. اللسان (عسن) 13/ 285. والتعيين مأخوذٌ من قولهم: عين فلاناً: أخبره بِمساوئه في وجهه، والمراد ذهب عنه الأذى والسوء. القاموس (عين) ص 1219.
(2)
المجاني: جمع مجني، وهو المتناول. من قولهم: جَنى الثمرة. القاموس (جنى) ص 1271.
(3)
نصيحة المشاور ص 161، التحفة اللطيفة 2/ 318.
(4)
سلال: جمع سَلَّة، وهي الخابية. القاموس (سلل) ص 1015.
هِمُّ
(1)
ولا هِمَّة، وأكثرها بالخطوط الفائقة المليحة، وأصولٍ مُتقنة مضبوطةٍ صحيحة.
وكان من عادته إذا حجَّ إلى بيت الله الحرام، أَنْ يُهيِّئ ما يَحتاج إليه أهلُه وعيالُه من الماء والطعام والإدام، ويَجمعَ العيال والزَّاد في مَنْزِلِهِ، ويسدَّ عليهم الباب بالبناء الموثوق، ولا يطلَّع على شيءٍ من أحوالهم مخلوق، ولا يزال /490 البيتُ كذلك حتى يرجعَ إليهم، ويفتحَ الباب بيده عليهم.
وكان له جارٌ يدعى بالنُّور بن الصفيِّ
(2)
، فقيهُ الإمامية وإمامهم في زمانه، وكان من جملة أحباب أبي محمدٍ وخواصِّ إخوانه، فلمَّا أدركه الأجل، أوصى إلى النُّور الجار، وكان له أولادٌ صغار، فدخل الكتب في حبس الأخطار بِحصار، وأكلتها الأَرَضَةُ والفار، وبلَّلتها الأنداء
(3)
والأمطار، وذهب منها النُّقاوة والخِيار، وما بقي منه بيعت كلُّ عشرين بدينار، وامتلأت المدينة من بقاياها بعوائدَ غيرِ مألوفة، وحصلت في بيت كلِّ طالبٍ جملةٌ من علومٍ غيرِ معروفة، وذلك في عام أحد وسبعمائة.
46 - عبدُ السَّلام بنُ سعيدٍ بن عبدِ الغالب القَرَوي
(4)
بفتح القاف والرَّاء، قال جماعةٌ منهم ياقوتٌ الحمَوَيُّ
(5)
: يُنسب إلى قيروان، مدينةٌ عظيمة بإفريقية: قَرَويُّ.
منها: أبو أيوب القَرَويُّ صاحب (تاريخ المغرب). والقَرَويُّ أيضاً جماعة
(1)
الهِمُّ: الشيخ الفاني، ويحتمل ضبطها بالفتح: هَمٌّ، أي: قصدٌ. القاموس (همم) ص 1171.
(2)
علي بن الصيفي، نور الدين. كان من رؤساء أهل المدينة، يوالي المجاورين ويخدمهم ويقضي حوائجهم. نصيحة المشاور ص 162، التحفة 3/ 224.
(3)
الأنداء: جمع ندىً، وهي الرطوبة. القاموس (ندي) ص 1338.
(4)
نصيحة المشاور ص 176، الدرر الكامنة 2/ 366، التحفة اللطيفة 3/ 7.
(5)
معجم البلدان 4/ 421، وعبارته: ويُنسب إلى القيروان: قيروانيُّ، وقرويُّ.
يُنسبون إلى القرية.
وعبد السَّلام المذكور كان من الأفاضل المشهورين بالدِّين والورع، ومَنْ رَقى قِنَان
(1)
المعالي وفرع، مع الخُلق السَّاجح
(2)
، والعقل الرَّاجح، والرَّأي الناجح، والجَبْلَة
(3)
الجميل، والجِبِلَّة التي إلى غير الخير لا تميل.
صحب المشايخ الأفراد، والأولياء الأوتاد.
أقام بالمدرسة الشِّهابية سنين، وهو بنفائس أنفاسه ضنين، وليس له إلى سوى معالاة المعالي حنين.
وكانت وفاته في أوائل سنة ستٍّ وستين.
47 - عبدُ الله بنُ محمد بنِ أحمدَ بنِ عيسى السعدي العباديُّ المدنيُّ
(4)
.
أبو السِّيادة، الشَّيخُ عفيف الدِّين المَطريُّ، شيخُ العلمِ والحديثِ، والتَّصوفِ، والتَّأذين بِحرمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
جمع إلى حُسن الخَلْق محاسنَ الأخلاق، ورحل إلى مصرَ والشَّام والعراق، وبرع في علم الحديث والتاريخ وفاق، وصار عديم النَّظير فيهما بالاتفاق.
أدرك من أكابر المسندين جمعاً كثيراً، ولقي من المشايخ المعتبرين جَمَّاً غفيراً. اختار متاعب السَّفَر على الإِسار في
(1)
القِنانُ جمع قُنَّة بالضم، وتطلق على قلة الجبل أي أعلاه. القاموس (قنن) ص 1226 و (قلل) ص 1049 ..
(2)
الساجح: السَّهل اللَّيِّن. القاموس (سجح) ص 223.
(3)
الجبلة: الوجه. القاموس (جبل) ص 974.
(4)
نصيحة المشاور ص 151، معجم الشيوخ للذهبي 1/ 336، الدرر الكامنة 2/ 284، التحفة اللطيفة 2/ 384.
سِرار
(1)
أُسرته، فَسَفَرَ السَّفَرُ عن سِرارةِ أساريرِ
(2)
غُرَّتِهِ، رجع عن بغداد وتبريز، وقد سبكته المسافرةُ سبك الذَّهب الإبريز، وبرز في العلوم على الأقران أيَّ تبريز، فأقام في مولد أشرف البلاد منتحياً عن التَّعلُّق بالأهل والأولاد. سالكاً مسالك المُجرَّدين، صارفاً أوقاته في مهمِّات أمر الدِّين، وخِدمة الوافدين الواردين، وهو لهم كالأب الرَّؤوف، والمُشفق العطوف، يتلقَّاهم من الإحسان بأتمِّ الصُّنوف، فما منهم من أحدٍ إلا وهو ببرِّه محفوف، ومعروفُه إليه معروف، ونَهارُه بإسماع الحديث /491 ونشر العلوم موصوف.
خُصَّ في علم الحديث من الله بمزيد عطايا، فصار يُضرب به وإليه أمثال البرايا، وأكباد المطايا.
وقد ابتُلي بِمحنةٍ ثبَّته الله فيها وصبَّره، ولم يغضَّ بِها عن قَدْرِه بل كبَّره، وذلك أنه في عام اثنين وأربعين مات مختارٌ البغداديُّ وكان خِصِّيصاً لخدمة الشَّيخ وملازمته، فاتَّهمه والي المدينة ثابتُ بن جَمَّاز
(3)
، فطلب العفيفَ، وقابله بالخطاب العنيف، وطالبه بِمالِ مُختار، وما ترك من الدِّرهم والدِّينار، فحلف له أنَّه ليس عندي شيءٌ من ذلك، فلم يصدِّقه ورماه في جُبٍّ مُعَدٍّ لمن يقصدُ إلقاءَه في المهالك، ثمَّ أمر بنهب داره، وتخريب دياره، فَأَخذ جميعَ ما في بيته من شِعاره ودِثاره، حتى مجاليد كتب العلم وأسفاره، إلى حُصر المنْزل وبواريه والمسامير مِن جداره، وعَذَّبَ خادمه لِيُقِرَّ على درهمه وديناره، فلم يكن سوى إقراره ببعض نفقةٍ وحُليٍّ لبعض جواره، فأخذ الجميع، ولم يفكر في
(1)
سرار: رُبوع ووسط. القاموس (سرر) ص 406.
(2)
الأسارير: محاسن الوجه. القاموس (سرر) ص 406.
(3)
ثابت بن جماز: ناب عن أخيه ودي في إمرة المدينة، قتل في رمضان سنة 743 هـ. التحفة 1/ 391.
هذا الأمر الفظيع، وساوى في طلب حِزَامِ بين الرَّفيع والوضيع.
وبقي الشُّيخُ في الجُبِّ يومين وليلتين، وكان من أقوى الأسباب لسرعة زوال الجولتين، هلك النَّائب والمنوب، ولعبت في منازلهم الصَّبا والجنوب
(1)
، واختطفت لحومهم العِقْبان
(2)
والنُّسور، ونسج الحائك عصراً من العَبور
(3)
، لهزَ
(4)
به من عظمهم المكسور، وناء بالبذور، فسبحان القهَّار الغيور.
ثمَّ أخرج الشِّيخ من الجُبِّ الأسود، على أنْ يدفعَ إليهم سبعةَ أحمالٍ من الرُّزِّ الأبيض، فاقترض ثَمَنَهُ وأعطاهم، وغرِم للمستودعين ودائعهم وأرضاهم، وفاز بصبره واحتسابه، ولم يقبل في ذلك شيئاً من أحدٍ من أصحابه.
وحكى وزير الأمير المذكور أنَّ الحاصل الذي جمعه من بيت الشِّيخ العفيف مع حاصلين آخرين له ولزوجةِ ولده خرج بِها الأمير تحت الليل من باب سرِّ القلعة فدفنه خارج المدينة في مواضع مُجهَّلة، ولم يَطَّلعْ على ذلك مخلوقٌ سوى عبد كان معه، فلمَّا رجع إليه افتقده، وذهب في تِيهِ العدم جميع ما انتقده
(5)
، فعاقبَ العبدَ على الاستقرار، فلم يكن منه سوى الإصرارِ على الإنكار، فأوكله للَّتعذيب هُرْزَوْقَاً
(6)
، فأصبح مُعاقباً مخنوقاً، والمالُ ذاهباً مسروقاً، والظَّالم بعذاب الله مُعاقباً محقوقاً. ثمَّ إنَّ الشَّيخ جمع مفاخر الكتب
(1)
الصبا والجنوب من أنواع الرياح. القاموس (صبا) ص 1302، و (جنب) ص 69 - 70. وهذا كناية عن هلاكهم وخواء ديارهم.
(2)
العِقْبان جمع عُقاب، وهو من أنواع الطيور. القاموس (عقب) ص 117.
(3)
العبور من الغنم التي لم تُجز عامها. اللسان (عبر) 4/ 531.
(4)
لهز: خالط. القاموس (لهز) ص 525.
(5)
أي: أخذه نقداً غير مؤجَّل. قال في القاموس: النقد خلاف النسيئة (نقد) ص 322.
(6)
الهُرْزوقى اسمٌ للحبس، والمُهَرْزَق: المحبوس. القاموس (هزرق) ص 930.
ومحاسن الأصول الغريبة العزيزة التي تفوت الحصر عدداً، فذهبت بوفاته أيدي سبا
(1)
، وطرائقَ قِدَداَ
(2)
، وكانت وفاته في عام خمسٍ وستين وسبعمائة.
48 - عمرُ بن أحمد بن الخضر بن ظافر بن طِرَاد بن أبي الفتوح، الأنصاريُّ، الخزرجيُّ
(3)
، الشَّيخُ الإمامُ/492 الأوحدُ، الفقيهُ، الأصوليُّ، النحويُّ المِفَنُّ
(4)
، القاضي سراج الدِّين.
تفقَّه على الشَّيخ عِزِّ الدِّين بنِ عبد السَّلام
(5)
أوَّلاً، ثمَّ بالسَّديد
(6)
التِّزْمَنْتِي، والنَّصير ابن الطَّباخ
(7)
.
وسمع مجلسَ البطاقة
(8)
على الرَّشيد
(1)
هذا مَثَلٌ يُضرب في التَّفرُّق. القاموس (سبا) ص 1293.
(2)
قددا: مختلفة. القاموس (قدد) ص 308.
(3)
نصيحة المشاور ص 208، الدُّرر الكامنة 3/ 149، طبقات الشَّافعية للإسنويِّ 1/ 348، التُّحفة اللطيفة 3/ 312. يُعرف بالسِّراج السُّويداويِّ.
(4)
المِفَنُّ: الذي يأتي بالعجائب في العلوم. القاموس: (فنن): ص 1222.
(5)
سلطان العلماء عبد العزيز بن عبد السلام، توفي بِمصر سنة 660 هـ، و حضر الصلاة عليه السلطان بيبرس، ومن مؤلفاته:(قواعد الأحكام). ذيل الروضتين 655.
(6)
اسمه عثمان بن عبد الكريم، من الفقهاء الشَّافعية. درَّس بالمدرسة الفاضلية بالقاهرة. توفي سنة 664 هـ، وتصحَّف في الأصل إلى: السَّيد. ترجمته في طبقات الشَّافعية للإسنوي 1/ 153 (292)، والتِّزْمنتي: نسبة إلى تِزْمنت من صعيد مصر الأدنى. معجم البلدان: 2/ 29.
(7)
أبو البركات، المبارك بن يحيى، كان بارعاً في الفقه، ذكيُّ القَرِيْحَة، حاد الذهنَ، توفي سنة 667 هـ. طبقات الشافعية الكبرى 8/ 367.
(8)
هو جزءٌ حديثي يُملَى في مجلسٍ واحدٍ عادةً في حديث البطاقة بِطُرقه الذي أخرجه الترمذي من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما في الإيْمان، باب ماجاء فيمن يموت وهو ويشهد أن لا إله إلا الله رقم: 2639، 5/ 24 وغيره، ولفظه: «إنًّ الله سيُخلِّصُ رجلاً من أمَّتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشُرُ عليه تسعةً وتسعين سِجِلاًّ. كلُّ سِجِلٍّ مثلُ مدِّ البصر، ثمَّ يقول: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كَتَبتي الحافظون؟
فيقول: لا، ياربِّ، فيقول: أَفَلَكَ عُذرٌ؟
فيقول: لا، ياربِّ.
فيقول: بلى، إنَّ لك عندنا حسنةً، فإنَّه لا ظلم عليك اليوم، فتخرجُ بطاقةٌ فيها: أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.
فيقول: احضَرْ وزْنَك، فيقول: ياربِّ ما هذه البطاقةُ مع هذه السِّجِلاَّت؟
فقال: إنَّك لا تُظلم. قال: فَتُوضع السِّجِلاّتُ في كِفَّةٍ، والبطاقةُ في كِفَّةٍ، فطاشت السِّجِلاّت، وثَقُلت البطاقة، فلا يثقلُ مع اسم الله شيء».
حديث صحيح.
العطَّار
(1)
، وأجاز له الزَّكيُّ عبد العظيم
(2)
والشَّرَف المُرسي
(3)
وغيرُهم.
قَدِم المدينةَ الشَّريفة سنة اثنتين وثَمانين وستمائة مُتولِّياً الإِمامة والخَطابة، وفي بعض التَّواريخ: ولي الإِمامة سنة إحدى وثمانين، ثمَّ ولي الخطابة، وكانت بأيدي آل سنان بن عبد الوهاب بن نُميلة الشَّريف الحسيني، وكان الحُكم أيضاً راجعاً إليهم، ولم يكن لأهل السُّنَّة بالمدينة حاكمٌ ولا خطيبٌ منهم، فأُخذت الخَطابةُ منهم في سنةِ اثنتين وثمانين، واستمرُّوا حُكَّاماً على حالهم، وذلك في دولة المنصور قلاوون الصَّالحي
(4)
، فخطب سراج الدِّين قليلاً وسافر، ثمَّ صار السُّلطان يُرسل في كلِّ عامٍ خطيباً يُقيم لأهل السُّنَّة الخَطابة
(1)
أبو البركات يحيى بن علي، المصري، المالكي، انتهت إليه رئاسة الحديث بالديار المصرية، روى عنه قاضي القضاة نَجم الدين ابن صعرى، والحافظ الدمياطي. توفي سنة 662 هـ. فوات الوفيات 4/ 245.
(2)
هو الإمام المنذريُّ، صاحب كتاب (الترغيب والترهيب) واسمه: عبد العظيم بن عبدالقوي، المتوفى سنة 656 هـ. سير أعلام النبلاء 23/ 219.
(3)
محمد بن عبد الله بن محمد، الأندلسي، كان نَحوياً محدثاً مفسراً، صنَّف تفسيراً كبيراً لم يُتمَّه. توفي سنة 655 هـ. الوافي للصفدي 3/ 354.
(4)
قلاوون الألفي الصالحي، أول ملوك الدولة القلاوونية بمصر والشام، تولى السلطنة سنة 678 هـ وتوفي سنة 689 هـ. فوات الوفيات 3/ 203.
والإمامة، ولا يقدر واحدٌ على استكمال سنةٍ لتسلُّط الإمامية وأذاهم. فتلا سراجَ الدِّين الشَّيخُ شمسُ الدِّين الحلبيُّ
(1)
، ثمَّ مِنْ بعدِه شرفُ الدِّين السِّنجاري
(2)
، ثمَّ عاد سراج الدِّين إلى منصبه، ولم يزل مباشراً أربعين سنةً.
وأُوذي في أوائل مباشرته بأشدِّ أنواعِ الأذى، ورُمي في عين عيشه بقاف
(3)
التَّحدِّي، ورأى منهم مالم يكن قد ظنَّ وحسب، ولكن وفَّقه الله حتى صبر واحتسب.
كان إذا صعِد المنبر ليخطبَ عاملوه بالتَّحصيب، وجعلوا له من الرَّمي بالحصباء أَوفرَ نصيب، فلمَّا تكرر ذلك تقدَّم الخُدَّام إلى بين يدي الخطيب، وهي سُنَّةٌ باقيةٌ إلى الآن، وخصلةٌ حميدةٌ لائقةٌ بشرف المكان.
وبلغ من أذاهم أنَّه كان يصبح وقد أُغلق عليه باب الدَّار، ولطَّخوا الباب بالعَذِرات والأقذار، وهو لكلِّ ذلك محتمِلُ صبَّار، وربَّما بسط عنهم الأعذار، فإنَّهم توارثوا الخطابة من زمن الفاطميين فشقَّ الفِطام، وصعُب انقطاع ما كان يُجمع لهم بِها من الحُطام، فإنَّه كان من خَلاّتِهم أنْ يُجمع للخطيب في الموسم مالٌ جزيل، ولا يُكمل خطبتَه حتى يُحصِّلَ ما فيه منه التَّأميل.
قال الفقيه أبو عبد الله بن جُبير
(4)
: شاهدنا بالمدينة في يوم الجمعة سابعِ المحرَّم من عام تسعٍ وخمسين وسبعمائة من أُمور البدعة أمراً يُنادي له الإسلامُ: ياللهِ، ياللمسلمين، وذلك أنَّ الخطيب وصل للخطبة فصعِدَ منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
نصيحة المشاور ص 209.
(2)
نصيحة المشاور ص 209: شرف الدين السخاوي. واسمه محمد بن موسى بن أبي بكر السخاوي المالكي، نزيل المدينة وقاضيها، ولد سنة 819 وتوفي سنة 895 هـ.
(3)
بقاف التحدي، أي: بالتحدي كله. اللسان (قوف) 9/ 293.
(4)
رحلة ابن جبير ص 179، بتصرف يسير. وأبو عبدالله بن جبير هو محمد بن أحمد، ولد في بلنسية سنة 539 هـ وتوفي في الإسكندرية سنة 614 هـ. شذرات الذهب 60/ 5.
وهو على ما يُذكر على مذهبٍ غير مرضيٍّ، فلمَّا أذَّن المؤذِّن قام وقد تقدَّمته الرَّايتان السَّوداوان فوقف/493 بينهما، فلمَّا فرغ من الخُطبة الأولى جلس جلسةً خالف فيها جِلسةَ الخُطباء المضروب بِها المثَلُ في السُّرعة، وابتدر الجمعَ مَرَدةٌ من الخَدَمة يَخترقون الصُّفوف ويَتخطَّون الرِّقاب كُدْيةً
(1)
على الأعاجم والحاضرين لهذا الخطيب القليلِ التَّوفيق.
فمنهم مَنْ يطرح الثَّوب النَّفيس، ومنهم مَنْ يُخرج الشِّقَّة
(2)
الغالية من الحرير فيعطيها وقد أعدَّها لذلك، ومنهم مَنْ يخلع عِمامته فينبذها، ومنهم مَنْ يتجرَّد عن بُرْدِه فَيُلقي بِها، ومنهم مَنْ لا تتَّسع حالُه لذلك فيسمحُ بفضلةٍ من الخام، ومنهم مَنْ يدفع القُراضة مَنْ الذهب، ومنهم مَنْ يَمدُّ يده بالدِّينار والدِّينارين إلى غير ذلك. ومن النِّساء مَنْ تطرحُ خَلْخَالها، وتُخرج خاتِمها فتلقيه، إلى ما يطولُ له الوصف من ذلك، والخطيبُ في أثناء هذا الحالِ كلِّها جالسٌ على المنبر يلحظ هؤلاء المسْتَجْدِين
(3)
له، المسْتَسْعِين على النَّاس بلَحَظاتٍ
(4)
يكدُّها الطَّمع والحرص وتقيدها الرَّغبةُ والاستزادة، إلى أَنْ كاد الوقت ينقضي، والصَّلاة تفوت، وقد ضجَّ مَنْ له دينٌ وإخلاص من النَّاس، وأعلن بالصِّياح وهو قاعدٌ ينتظر استفاف
(5)
صُبابة
(6)
الكُدية، وقد أراق عن وجهه ماءَ الحياء، فاجتمع له من ذلك السُّحت المؤلَّف كومٌ عظيمٌ أمامهُ، فلمَّا أرضاه قام وأكمل خطبته، وصلَّى بالنَّاس، وانصرف أهلُ التَّحصيل باكين على
(1)
الكدية: الإلحاح في المسألة. اللسان (كَدَيَ) 15/ 216.
(2)
القطعة. القاموس (شَقَقَ) ص 898.
(3)
المستجدين: الطالبين المال السائلين. لسان العرب (جَدَيَ) 14/ 134.
(4)
لحظات: نظرات. القاموس (لحِظِ) ص 698.
(5)
استفاف: جَمْعُ. القاموس (سفَفَ) ص 819.
(6)
صبابة: بقية. القاموس (صَبَبَ) ص 104.
الدِّين، يائسين من فلاح الدُّنيا، متحقِّقين أَشراطَ القيامة، ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعد.
49 - عبد الواحد الجُزوليُّ
(1)
الشَّيخُ الزَّاهد العابد، المُتجرِّدُ المجاهد، كان من أحد أصحاب الشَّيخ عبد الله البَسْكَريِّ
(2)
وأتباعه، مُتَّبعاً له حَذْوَ القُذَّة بالقُذَّة
(3)
، ومنقطعاً إلى الله كانقطاعه، مُجاوراً في رِباطه، مُرتبطاً بالتَّجرُّدِ كارتباطه، عالماً بالقرآن والحديث، سالكاً إلى منهج العارفين العرفان بالسَّير الحثيث
(4)
، ويُضرب به المَثل في الشِّدَّة في الدِّين، وقوَّة اليقين، وكان الإحسانُ إلى العموم من إسانه
(5)
، وإذا رأى مُنكراً غيَّره بيده ولسانه.
حكى بعض مشايخ المدينة: أنَّ بعض الشُّيوخ الكبار ترتَّب
(6)
مرَّةً في قراءة ختمةٍ قبل صلاة الجمعة، يجلس لقراءتِها على كرسيٍّ ويرفع صوته بالقراءة، فلمَّا باشرها قال له الشَّيخ عبد الواحد: لا تجلسْ في هذا الوقت، ولا ترفعْ صوتك بالقراءة فيتأذى النَّاس برفع صوتك، فقال: هذه مشروطةٌ بِهذه الصِّفة، فلا بُدَّ من مُراعاة الشَّرط لكيلا آكلَ حراماً، فقال له: قد نَهيتُك فإنْ /494 لم تفعلْ وجلستَ بعد هذا أخذتُ بلحيتك هذه وأنزلتُك عن كُرسيِّك، فإنْ شئتَ فافعلْ، وإنْ شئتَ فدَعْ، فترك ذلك، رحمه الله.
(1)
نصيحة المشاور ص 68، التحفة اللطيفة 3/ 104.
(2)
ستأتي ترجمته برقم (51).
(3)
القُذَّة: رِيش السَّهم. القاموس (قذَذَ) ص 336، وفي الحديث:«لتركبُنَّ سَننَ مَنْ كان قبلكم حَذْوَ القُذَّة بالقُذَّة» أي: كما تُقدَّر كلُّ واحدةٍ منهما على قدْرِ صاحبتها وتقطع. وهذا يُضرب مثلاً للشيئين يستويان ولا يتفاوتان. النهاية في غريب الحديث 4/ 28.
(4)
الحثيث: السَّير المسرع. القاموس (حَثَثَ) ص 167.
(5)
الإسان والأسن: الخلق. القاموس (أسن) ص 104.
(6)
ترتب: تعيَّن بِمُرَتَّبٍ. لسان العرب (رَتَبَ) 1/ 409.
وهي الختمة التي يُقرأ فيها اليوم قبل صلاة الجُمعة في الرَّوضة المقدَّسة من غير صعودِ كرسيٍّ ولا رفع صوت جَهْوريٍّ، بل يجلس القارئ على الأرض، ويرى خفض الصَّوت في قراءته كاللاَّزم الفرض. مات الشَّيخ رحمه الله سنة سبعةَ عشرَ وسبعمائةٍ تقريباً.
50 - عبدُ الحميد بن عليٍّ الموغانيُّ
(1)
. ومُوْغَان بالضَّمِّ والغين المعجمة، هكذا ينطق به العجم، والصَّواب: مُوْقَان بالقاف
(2)
، وهي ولايةٌ فيها قُرى ومُروج يَحتلُّها التُّركمان للرَّعي، وهي بأَذْرَبيجان. وكان عبد الحميد من أهل الخير والصَّلاح، ومِمَّن رزقه الله برؤية المشايخ الكبار النُّجْحَ والفلاح.
أقام بالمدينة مُتخلِّياً عن الدُّنيا، متحلياً بطلب المرتبة العُليا، مُواظباً على تلقين القرآن طوال النَّهار، تنتفع به الشُّيوخ والكُهول والكِبار والصِّغار، مع ضبطٍ وتقييد، وتحريرٍ وتجويد.
لقي الشَّيخَ أبا العباس المُرسي، صاحبَ الشَّيخ أبي الحسن الشَّاذليِّ.
وصحب هو وصاحبُه يحيى التُّونسيُّ
(3)
الشَّيخَ نجمَ الدِّين الأصفهانيَّ من الإسكندرية إلى مكَّة، وخدماه وانتفعا به، وأقاما عنده بمكة مدَّةً طويلة، ثمَّ ارتحلا إلى المدينة فأقاما بِها.
وسافر الشَّيخ عبد الحميد بأولاده يريد التَّعريف بِهم، والإعانة عليهم، وكان يقول قبل سفره: ما أظنُّ أجلي إلا قد قَرُبَ، فإني أُسافر من المدينة عن غير ضرورة، فما أظنُّ ذلك إلا للنُّقلة إلى التُّربة، فكان كذلك.
(1)
نصيحة المشاور ص 141، التحفة اللطيفة 2/ 457.
(2)
معجم البلدان 5/ 225.
(3)
ترجمته في حرف الياء.
توفي رحمه الله بِقَطْيَةَ
(1)
من طريق مصر، في سنة سبعٍ وعشرين وسبعمائة.
51 - عبدُ الله بن عمرَ بن موسى البَسْكَريُّ المِغراويُّ
(2)
، الشَّيخ أبو محمَّدٍ، ذو المقاماتِ الفاخرة، والكراماتِ الظَّاهرة، والولايةِ العَلِيَّة، والعِناية الجَلِيَّة، والزَّنْدِ الوَرِي
(3)
بالأنوار، والقلبِ الرَّوي بالأسرار.
كان أعبدَ مشايخ عصرهِ وأزهدَهم، وأقدرهم على الرِّياضة وأجهدَهم
(4)
، وأعلاهم في الطَّريق غَاياً
(5)
، وأجلاهم في التَّحقيق آياً
(6)
.
أعرض عن طريفه وتِلادِه
(7)
، وسافر عن دياره وبِلاده، وهاجر إلى الله على قدمِ التَّجريد، وانقطع بإخلاصه إلى عالم التَّحقيق والتَّفريد، شرَّق البلاد وغرَّب، وخَبَرَ العباد وجرَّب، وصَحِب المشايخ المُحقِّقين، وانتفع بجماعةٍ من
(1)
قال ياقوت الحموي في معجم البلدان 4/ 378: قَطْيَةُ: بالفتح ثمَّ السكون، وياءٍ
مفتوحة، أظنُّه مِنْ: تقطَّيتُ على القوم: إذا تطلبتَهم حتى تأخذ منهم شيئاً. وقَطْية: قريةٌ في طريق مصر في وسط الرمل قرب الفرما.
(2)
نصيحة المشاور ص 65، الدرر الكامنة 2/ 280، التحفة اللطيفة 2/ 368، وتصحَّف في الأصل إلى (اليشكري).
(3)
الزَّنْدُ: العود الذي يُقدح به النار. ووَرِيَ الزَّندُ: خرجت ناره، ففي الكلام استعارة عن فوائده ونفعه. القاموس (زَنَدَ) ص 285.
(4)
لم تُتعبد الأمة في دينها بالرياضة وإنما هي من مخترعات بعض المتصوفة، بل أمرنا بالرفق في العبادة والمقاربة والتسديد لابالتنطع والتشديد على مادلت على ذلك السنة الصحيحة وعلى ماكان عليه سلف الأمة الصالح.
(5)
الغَايُ: جمعُ غايةٍ، وهي الرَّاية. المعجم الوسيط (غَيَيَ) 2/ 669.
(6)
الآيُ: جمع آية، وهي العلامة. القاموس (آية) ص 1261.
(7)
الطَّريف: الحديثُ من المال، والتِّلاد: القديمُ من المال. القاموس (طَرَفَ) ص 831، (تلد) ص 270.
أرباب اليقين، ثمَّ انضوى
(1)
إلى المدينة بِنيَّة الجِوار، وأَلقى بِفِنائه عصا التَّسيار،/495 وصادف وروده زمانَ شِظَاف
(2)
، وكَلَباً
(3)
حكى منه المُزارع أطرافَ قِصاف
(4)
، فأقام بالمدرسة الشِّهابية مُدَّة، ولم يكنْ له غيرُ التَّوكُّل عُمدةً وعُدَّة، ثمَّ انتقل إلى رباط دُكَالة، والنَّفسُ غيرُ حريصة ولا أكَّالة، فمكث بِها سنين لا يعلم أحدٌ حاله، وفي خدمته جماعةٌ من المجاهدين، يصارعون الطَّوى
(5)
، ويقارعون البَلا، كأزهد الزاهدين.
يطوون مراحل الأيَّام بقليلٍ من الطعام، كان لهم فقراءُ معارفُ عَرَفوا بالآخرة حالهم، وكانوا إذا فرغَوا في مَخْن
(6)
الحديقة أشغالهم [الغير محمية]
(7)
، حملوا لهم من سُقاطات
(8)
اللِّفْتِ والسِّلْقِ المرميَّة، ورُفَاتات
(9)
الجَزَر والبقول اللحمية
(10)
، وأتوا بِها إليهم كأنَّما أنعموا بجزيلٍ من النِّعم عليهم، فيأخذه خادمهم ويَسِلقه بالماء، فإذا رجعوا من صلاة العشاء تناولوا منه لُقَمَاً، وما فَضَل من ذلك أخذه الخادم، ورمى به خارجَ البلدة لتأكلَه البهائم، استمرُّوا على ذلك أعواماً، لا يعرفون غير ذلك طعاماً ولا إِداماً، فَفِطن لهم بعض النَّاس فكان يأتيهم بشيءٍ من عِشر التَّمر والشَّعير،
(1)
أي لجأَ وانضمَّ. القاموس (ضَوى) ص 1306.
(2)
الشِّظاف: جمعُ شَظَف، وهو يُبْس العيش وشدَّته. القاموس (شَظَفَ) ص 824.
(3)
الكَلَبُ: العطش. اللسان (كَلَبَ) 1/ 723.
(4)
يقال: قَصِف العُود: صار خوَّاراً. القاموس (قَصَفَ) ص 845.
(5)
الطَّوى: الجوع. القاموس (طَوَىَ) ص 1308.
(6)
المخن: النَّزع من البئر والقَشْر. القاموس (مخن) ص 1233.
(7)
مابين معقوفين من التحفة اللطيفة.
(8)
السُّقاطات: جمعُ سُقاطة، وهي ما سقط من الشَّيء. القاموس (سَقَطَ) ص 671.
(9)
جمع رُفاتٍ، وهو الحُطام. القاموس (رَفَتَ) ص 152.
(10)
في الأصل تداخلٌ واضطراب في هذين السطرين، والتصويب من التحفة اللطيفة 2/ 373.
ويجتزئون
(1)
من ذلك بأيسرَ من اليسير، إلى أن انتشر صِيتُهم، واشتهرت أخبارهم، وكَثُرَ أتباعُهم وزُوَّارُهم، والتفَّ عليهم الأعيان والخُدَّام، وقُصِدوا من اليمن والشَّام.
وكان الشَّيخُ رحمه الله يأبى العيشَ الرَّغد، ولا يدَّخر أبداً شيئاً لغد، ولا يردُّ المسكين والفقير، ولا يتعدَّى في الملبس خَلَقَ نقير
(2)
، ويتصدَّق بجميع ما حضر من القليل والكثير، فيقول للسَّائل: ارفع الحصير، وخُذْ ما تَحت الحصيرة.
وإذا أطعم الفقراء وفَّى حقَّ الإنعام، حتى لم يدَعْ في بيته البتةَ شيئاً من الشَّراب والطَّعام.
واشتهر عنه سيرةُ السَّلف الغابرين، وكذلك عن أصحابه الأخيار من الصَّادقين الصَّابرين، وكان الشَّيخُ رحمه الله إذا دخل المسجد خضع لهيبته كلُّ إنسان، وإذا رأى مُنكراً بادر إلى إنكاره باليد وإلا فباللِّسان، وكان من باهر كراماته: أنَّه إذا تظلَّمَ إليه مظلومٌ شفِعَ له، فإن شُفِّعَ فيه، وإلا لَحِقَ الظَّالم في الحين عقوبةُ ما فعله.
وفي الجملة فله المناقبُ السَّنية، والمراتبُ العَليَّة، وله القصيدةُ المباركة المشهورة التي منها:
دارُ الحبيبِ أحقُّ أَنْ تَهواها
…
وتَحِنَّ من طَرَبٍ إلى ذِكْرَاها
وآخرها:
(1)
يجتزئون: يكتفون. القاموس (جزأ) ص 36، ووقع في الأصل:(ويتجزون)، والتصويب من التحفة اللطيفة 2/ 373.
(2)
الخَلَق: الثوب البالي، والنَّقير: النُّكتة في ظهر النواة، وهو يُضرب به المَثل في القِلَّة، أي: لا يجاوز الثياب البالية ولا شيئاً قليلاً. القاموس (خَلِقَ) ص 881، (نقر) ص 486.
والحمدُ لله الكريمِ وهذه كَمُلَتْ، وظَنِّي أنَّه يرضاها
رأى بعض الصَّالحين
(1)
النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام وقد أنشده هذه القصيدة وهو /496 صلى الله عليه وسلم يقول: رضيناها رضيناها.
52 - عزيز الدَّولة العزيزيُّ
(2)
، شيخُ الخُدَّامِ بالحرَم الشَّريف، وَلِي المشيخةَ في أواخر المائةِ السَّادسة، وكان شيخاً شهيرَ الخير، غزير البِرِّ، أثير الذِّكْرِ، كثيرَ البِشْر، قائماً بالمعروف، دائمَ الوقوف عند تحبيس الوُقوف
(3)
، أفاض إحسانه على الأشراف، حتى كاد يبلغُ شأنُه فيه الإسراف، بذل دون حاجاتِهم فِضَّته وذَهَبه، وسمحَ بإيثار ما سألوه ووهبه، حتى رَمْوا بالرَّفض والتَّشيُّع مذهبَه.
فاضلٌ ذوي المكارم حتى يفضَّ الجفير
(4)
، وأعتقَ من العبيد والإماء الجمَّاءَ الغفير، وكثيرٌ من النخل التي في الحرم غُرِس في زمانه، وكان شيءٌ منه قبلَه لكن ذهب أَثرُه وأَثرُ مكانِه، وكأنه لم يتعرَّض أحدٌ لإنكار هذه البدعة إجلالاً لشانه، أو خوفاً من لسانه، أو تمكيناً له من الاقتداء بِمِنْ غرسه قبله، وحَلَق في عُنقه من هذا المنكر حَبْلَه، وقد انْجعفت
(5)
تلك النَّخيل بِهبوب عاصفةٍ ذهبَتْ في أواخر مشيخة ياقوت
(6)
الآتي ذِكْره.
(1)
قال ابن فرحون ص 71: وأشكُّ هل كان هو الشيخ رحمه الله أو غيره؟
(2)
نصيحة المشاور ص 41.
(3)
جمع وَقْفٍ. القاموس (وَقَفَ) ص 860.
(4)
يفضُّ: يفرِّقُ. الجفير: جَعْبَة السهام تُصنع من الجلد. يريد: لكرمه يبذل كلَّ ماعنده. القاموس (فَضّ) ص 650، (جَفَرَ) ص 367.
(5)
انجعفت: انقلعت. القاموس (جَعَفَ) ص 797.
(6)
تأتي ترجمته في حرف الياء.
وأُعيد غِراس الفُسلان
(1)
مغارسها ولم يَبْلَ نُكْرُه، على أنَّه وقع الإنكارُ من بعض النَّاس في الإعادة، لكنْ لم يصادف كلامه محلاً من الإشادة والإفادة.
ولعلَّه سوَّغ ذلك حملاً على احتمال أَنَّه لم يغرس أوَّلاً إلا بنوعٍ من الاستحقاق، وصادفَ هذا التَّأويلُ من خواطر الخُدَّامِ واللازمة
(2)
الملاءمة والوِفَاق.
ولا شكَّ أَنَّ لاعتمال الاحتمال في المسألة أدنى مجال، لكن لا يخفى من قلَّة من علَّةِ النَّفي مافي اعتماد الاحتمال البعيد على كُمَّل الرجال.
فإنْ قلتَ: فما حكمُ ثَمرِها؟
قلتُ: سُئل الإمامُ مالكٌ عن ذلك، فقال: هو حلالٌ لجميع المسلمين.
قلتُ: وظاهرُ الفقه أنَّ ما لا مالكَ له من الأشجار، فأولى النَّاس بِما يؤتيه من الأُكل والثِّمار من عانى في
…
(3)
كده بالسقْي والتَّشذيب
(4)
والإبار
(5)
، وفي مثله جاء الأثر
(6)
: (الثَّمرُ لمَنْ أبَّرَ).
توفي عزيز الدَّولة في عام سبعمائةٍ، بالمدينة الشَّريفة.
53 - عبدُ الكريم بنُ عبدِ الرَّحمن
(7)
، الشَّيخُ عِزُّ الدِّين الواسطيُّ، الجامعُ
(1)
الفُسلان بضمِّ الفاء: جمعُ فَسيلة، وهي النَّخلة الصغيرة. القاموس (فَسَلَ) ص 1042.
(2)
هكذا في الأصل.
(3)
هنا كلمة غير واضحة.
(4)
التشذيب: قطع قشر الشَّجر. القاموس (شَذَبَ) ص 100.
(5)
التأبير: الإلقاح للنخل. القاموس (أَبَرَ) ص 341.
(6)
من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: أخرجه البخاري، في البيوع، باب من باع نخلاً قد أبرت، رقم:2203،4/ 469، بلفظ:«أيُّما نَخلٍ بيعت قد أُبِّرت، لم يذكر الثمر، فالثَّمرُ للذي أبَّرَها» .
(7)
نصيحة المشاور ص 71، التحفة اللطيفة 3/ 59، وجعله في التحفة ابن عبد المعز.
بين العلم والعمل، الفائقُ في طريق التَّجريد على كلِّ مَنْ جَال ورحل.
دخل المدينة قاصداً للزِّيارة، فلمَّا وصل بابَ السَّلام وقعت عليه الهيبة، فوقف هنالك مُبتعداً، وسلَّم خاشعاً مُرْتَعِداً
(1)
، ورجع إلى منْزِله، فقيل له في ذلك؟ فقال: لم أجدني أهلاً للوصول إلا إلى هنالك؟ /497 وأمَّا الدخول فَمَنْ أنا حتى أصل لذلك؟ ثم آثر الجِوار، والإقامة بِهذه الدِّيار، على قدمِ الافتقار والاصطبار.
وكان رَطْبَ اللِّسانِ بالذِّكر والتِّلاوة، بلهجةٍ فائقة الطَّلاوة
(2)
، رائقة الحلاوة.
قد لاحَ عليه نورُ الصَّلاح، وفاحَ لديه نورُ الفَلاح، هذا مع السَّذاجة وسلامة الباطن، والاجتناب عن التوطن فيما لا يغني عن المواطن.
إذا خوطب بأمرٍ من الأمور الدنيوية، أجاب بكلامٍ حلوٍ من الأحوال الأخروية، فينقطع معه الكلام، وينقدعُ
(3)
المتكلم من غير ملام.
ومن إفادته التي يرجى بِها عميمُ بركاته: أنَّه كان إذا اشتكى أحدٌ إليه من مرضٍ أو عَرَضٍ، قال له: قل: يا أوَّل الأوَّلين، ويا آخِر الآخِرين
(4)
، وياذا
(1)
الخشوع من أجل العبادات القلبية، ولايصح صرفه لغير الله وصرفه للنبي صلى الله عليه وسلم حياً أو ميتاً من الغلو المذموم، وإنما حق النبي صلى الله عليه وسلم التعزير والتوقير وتقديم محبته على الأهل والنفس وحسن المتابعة لشرعه، واعتقاد ما شرّفه الله به من المقامات العظيمة التي اصطفاه الله بها وشرفه على سائر خلقه.
(2)
الطَّلاوة: الحُسن والبهجة. القاموس (طَلَوَ) ص 1307.
(3)
ينقدع: ينكفُّ. القاموس (قَدَعَ) ص 749.
(4)
لم يرد من أسماء الله الحسنى أول الأولين وآخر الآخرين وإنما ورد الأول والآخر من غير إضافة كما في قوله تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن} سورة الحديد آية 3، ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء
…
» أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً، في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب مايقول عند النوم وأخذ المضجع، رقم:2713، 4/ 2084. وقد قرر أهل العلم أن باب الأسماء والصفات باب توقيفي لايتجاوز فيه النص فينبغي ملاحظة هذا ومراعاته ففيه الخير والسلامة إن شاء الله.
القوَّة المتين، ويا راحم المساكين، ويا أرحم الرَّاحمين، سخِّرْ لي كذا وكذا، واصرفْ عني كذا وكذا.
فإن شكى فاقة أو قلة قال له: قل: {مَا يَفْتَحِ اللهُ للنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا، وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ}
(1)
.
وكان لا يَجتمع بأحدٍ من أهل الدنيا أبداً، اللهمَّ إلا في شفاعةٍ تتعيَّن، أو دفاعة ضرٍّ تلوحُ له وتتبين.
...........................
(2)
توفي الشَّيخ رحمه الله سنة إحدى وأربعين وسبعمائة
(3)
.
54 - علي الواسطيُّ.
(4)
كان من أكابر الصالحين، وأخيار الأولياء المتقين، مُديمَ الصَّوم، عديمَ النَّوم
(5)
، يقيمُ على طريقة
(1)
سورة (فاطر) آية: (2).
(2)
هنا طمس بمقدار ستة أسطر.
(3)
وقال السخاويُّ في (التحفة): مات ظنَّاً سنة خمسٍ وثلاثين وسبعمائة.
(4)
نصيحة المشاور 80، معجم الشُّيوخ للذهبي 2/ 24، الدُّرر الكامنة 3/ 37، التحفة اللطيفة 3/ 279. واسم والده: الحسن.
(5)
ليس من السنة أن يمدح الرجل بترك النوم بالكلية، بل أنكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا كما في قصة الثلاثة الذين جاءوا بيوت النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم: أصلي الليل أبداً وقال الآخر أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج، فقال صلى الله عليه وسلم:«أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» . أخرجه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً البخاري في النكاح، باب الترغيب في النكاح، رقم:5063، 9/ 5 ومسلم في النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، رقم:1401،2/ 1020.
القوم
(1)
، وكان معه الوقار والسَّكينة، مشغوفاً بِجوار مكَّة والمدينة .....
(2)
كان من ديدنه في التَّجرد، وهِجِّيره في التوكل والتَّفرد، أنه إذا اشتاق إلى وطنه، وأُذن له إلى قصد جهته وسكنه، أخذ عصاه وركوته، ودخل البادية جاعلاً التَّوكُّل عمدته وقوته، ولا نظر ضعفه وقوَّته، فكان لا يعترضه أحدٌ من الأعراب، ولا يقابلونه إلا بالطَّعام والشَّراب، والإكرام والتِّرحاب.
/498 وكان طوائف العرب يعرفونه ويأنسون بحضوره ورؤيته، ويألفونه ويألمون لِفرقته، ويتبرَّكون بعصاه وخرقته
(3)
.
وله أنواع من الكرامات والولايات، وانْجماعٌ إلى أرباب الخصوص والعنايات. توفي رحمه الله في حدود ثلاثين وسبعمائة، رحمة الله عليه.
55 - ........................
(4)
.
56 -
عمر بن الأعمى
(5)
، سراجُ الدِّين، من المنعوتين بالفَطانة واللباقة، الموصوفين بالكياسة والحذاقة، ولايَنملُّ
(6)
الجليس من جميل عشرته ومجاورته، ولا يَملُّ الخليط من حسن خُلطته ومحاورته، يَتغنَّى في القرآن بصوتٍ يهزُّ الجماد، ويُنغَّم فيه بِنغمة تَحزُّ في الصُّمِّ الصِّلاد
(7)
، ويكتب خطَّاً
(1)
السنة ألا يتخذ المسلم طريقة في التعبد مما ينسب إلى بعض المشايخ، وإنما يتبع السنة ويحكمها على نفسه اعتقاداً وتعبداً وسلوكاً ومعاملة.
(2)
هنا سطر مطموس.
(3)
لايجوز التبرك بشيء من آثار الصالحين لاماذكر هنا ولاغيره، وإنما تحصل البركة باتباع السنة والعمل بها وحفظ الله في دينه.
(4)
هنا طمسٌ بِمقدار 11 سطراً.
(5)
نصيحة المشاور 159، التحفة اللطيفة 3/ 365.
(6)
ينملُّ: ينسلُّ. القاموس (ملل) ص 1058.
(7)
حجر صلد وصلود: بين الصلادة والصلود، صلب أملس. اللسان (صلد) 3/ 256.
تخال الوشْيَ
(1)
في الخبير، ويضاهي في جنَّة الَّروض النضير.
كتَّب أكثر أولاد المجاورين، وسوَّر أياديهم من غرابة براعته بالأساور والزين، فقرَّبه الأشراف منهم وأكرموه، وفخَّموا قدره وعظَّموه، وعُرف باعتبار القول عندهم، وقبول الشَّفاعة، فكثَّر الله للمسلمين نَفاعه
(2)
، قضى جملاً جليلة من حاجات الإخوان، ورفع عن المجاورين شرور السُّعاة الخوَّان، وترك أولاداً نُجباء مؤذِّنين، وتوفي في عام أربعة وثلاثين، رحمة الله تعالى عليه./ 499
57 - علي بن محمد بن فرحون بن محمد بن فرحون اليعمري،
المدني، نور الدِّين، أبو الحسن الجيَّاني، الأندلسيُّ
(3)
.
وتمام نسبه عند ذكر والده.
سبق الأقران في علوم العربية، والفنون الأدبية، وبَذَّ
(4)
كلَّ مجتهدٍ في العلم مُعَاني، وسبقهم في اللُّغة والنَّحو والبيان والمعاني، مع ما حوى من علم الفقه والأصول، وروى من السُّنن وأحاديث الرَّسول، فصنَّف وأفاد، وألَّفَ وأجاد، ووضع في الحديث والتَّصوُّف واللُّغة جملةً من الكتب الجياد، وله ديوان شعر أكثرُه في مدح سيِّد المرسلين صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الأكرمين.
كان يحضر درسه أكابر الفقهاء المالكية، فَيُثنون على درسه الثَّناءَ
(1)
الوشي: النقش. القاموس (وشى) ص 1343.
(2)
منفعته. القاموس (نفع) ص 767.
(3)
نصيحة المشاور ص 268، الدرر الكامنة 3/ 115، وترجَمهُ ولده في الديباج المذهب ص 214، والتحفة اللطيفة 3/ 252.
(4)
بذَّ: غلب. القاموس (بذذ) ص 331.
الجميل، وكلٌّ منهم إلى معاودته وحضور درسه يرغبُ ويميل، وله ميعادُ وعظٍ بعد صلاة الجمعة يقعد في الرَّوضةِ الشَّريفة على كرسيٍّ عال، ويعظ بأداءٍ غريب وصوت مُطرب لا يهتدي إلى سامعه الملال، وإنْ أطنبَ وأطال، بل كلما زاد إطناباً زاد إطراباً، وكلما أكثر إغراباً ازداد الحاضرون إعراباً حسن حاله.
وكَلِفَ به كلُّ قلبٍ وأحبه، وأصبح كلُّ نفس تَهوى وعظه صَبَّة، حتى كأنَّه سلبَ ابن الجوزيِّ لُبَّه.
وكان رحمه الله أوَّل من اتَّعظ بِمقاله، فصار يَجتهد في أمراعٍ
(1)
منْ حَاله يسرد الصيام، ويقومُ الليلَ والنَّاسُ نيام، ويتحسَّرُ على ما أذهب في علم الأدب من الأيام، ويقول: ياليته صرف العمرَ أجمعَ في الكتاب والسُّنَّة وأخبار الصحابة الكرام. وتوفي رحمه الله سنة ست وأربعين وسبعمائة.
58 - عبد الله بن محمد أبي القاسم فرحون بن محمد بن فرحون، اليعمري،
الأُبُّدي، الجيَّاني التونسي المدني المالكي، القاضي بدر الدين
(2)
، أبو محمد.
أوَّلُ مَنْ رأيته، ووقع نظري عليه من أهل العلم بالحرم الشريف، وذلك في حوالي الخمسين والسبعمائة، فشاهدت منه طود وقار، وعيلم
(3)
علم لا يهتدي إلى تيار مائه اختفار
(4)
، وغزارة فضل للناس إلى قري مرايا مريه
(5)
(1)
أمراع: إصابات، يقال في المثل:(أمرعتَ فانزل)، أي: أصبت حاجتك فانزل. القاموس
…
(مرع) ص 763.
(2)
الدرر الكامنة 2/ 300، التحفة اللطيفة 2/ 403. وترجم لنفسه في آخر كتابه نصيحة المشاور ص 271، وترجمه ابن أخيه في الديباج المذهب 144. والأُبُّدي، نسبة إلى بلدةٍ بالأندلس.
(3)
العَيْلَمُ: البحر. القاموس (علم) ص 1140.
(4)
الاختفار: المنع، يقال خفره: أجاره ومنعه. القاموس (خفر) ص 386.
(5)
القري: مصدر من قرى الماء في الحوض قرياً إذا جمعه. القاموس (قرى) ص 1323. والمرايا: العروق التي تمتلئ وتدر باللبن، والمري: مأخوذة من الناقة المري. أي الغزيرة اللبن فهي تدر بالمري على يد الحالب. القاموس (مرى)1334.
افتقار، ووقار وحشمة ورياسة وأدب دون نصيف
(1)
مُدِّها الأحمال والأقار، ناب في الحكم سنين عديدة، وعتيدة
(2)
عوارفه لجميع الناس عتيدة
(3)
، إليه يشار في حفظ الأواصر، وعليه بادئ بدء تعقد الخناصر، ويغضب لدين الله ونصره حيث لا معين ولا ناصر، طنَّ بذكره البلاد من اليمن إلى العراق ومن أم خِنَّور إلى خُناصر
(4)
، وحنَّ إلى لُقي ما شاع عنه من غزارة الفضل وطيب العناصر.
ومن شعره ما أنشدنيه مشافهة
(5)
:
/500 بفضل الإلهِ مالك المُلكِ غافرِ
…
مُقسِّم أرزاق العباد وقاهرِ
تقسَّمت الأوطان بين المعاشرِ
…
فكان نصيبي كابراً بعد كابرِ
مدينةَ خير الرُّسل مَهْبِط وَحْيهِ
…
سقاها إلهي ماطراً بعد ماطرِ
ومدَّ عليها وَبْلَهُ وسيوله
…
فَيَغْدَوْدِق
(6)
الوادي بأُحْدٍ وحاجرِ
(7)
وتزهو تلاعٌ بالعقيقِ وزهوها
…
وسلع إلى السقيا إلى سفحِ عايرِ
(8)
(1)
النصيف: لغةٌ في النصف. القاموس (نصف) ص 856.
(2)
العتيدة: الحُقَّةُ يكون فيها طِيب الرجل والعروس. القاموس (عتد) ص 297.
(3)
العتيدة هنا بمعنى: مهيَّأة حاضرة. قال في القاموس: العتيد: الحاضر المهيأ (عتد) ص 297.
(4)
أُم خِنَّور: بفتح أوله وتشديد ثانيه اسم لمصر، وخُناصر: بلدة بالشام. معجم ما استعجم 1/ 511.
(5)
القصيدة في نصيحة المشاور ص 274.
(6)
اغدودق المطر: كَثُرَ قَطْرُه. القاموس (غدق) ص 914.
(7)
حاجر: موضعٌ بالمدينة، يقع غرب وادي بُطحان. تقدم في الباب الخامس، حرف الحاء.
(8)
جبل عائر: أحد حدود حرم المدينة، ففي صحيح البخاري «المدينة حرم مابين عائر إلى كذا» أخرجه من حديث علي رضي الله عنه مرفوعاً البخاري، في فضائل المدينة، باب حرم المدينة، رقم:1870، 4/ 97. وورد بلفظ (عير) ينظر الباب الخامس.
ووادي قناة يا له كم به ثوى
…
شهيدٌ كعبدِ الله والدِ جابرِ
وبئرِ أريسٍ مع قباءَ ورامةٍ
…
بها طبتُ في وقتٍ من الهمِّ شاغرِ
وفي خَيْفِ بُطْحَانِ السعيد مساجدٌ
…
تُرى بين نخلٍ كالنجومِ الزواهرِ
دعا المصطفى فيها ففرّ عداتُه
…
وكانت قلوبُ القومِ عند الحناجرِ
كريمُ مقاماتٍ تجلَّت بقاعُها
…
بها أمنُ عاصٍ من مقيمٍ وزائرِ
كَلِفتُ بها حتى ألفتُ جمالَها
…
وحتى بدا مني خفيُّ الضَّمائرِ
وكنتُ إلى الراحاتِ ترتاحُ مهجتي
…
وتهذي بربَّاتِ الخدورِ السواحرِ
وألهو إذا وقتي خلا من مُنغِّصٍ
…
بإخوان صدقٍ نزهةٍ للمحاضرِ
فبعد الصبا عفتُ الهوى ومزاحه
…
وقلتُ: أيا نفسي كفى أنْ تكابري
فنكِّبْ إذنْ عن عَزَّةٍ وسعادِها
…
وحاشاك أن تهوى كحيلَ المحاجرِ
ودعْ عنك لبنى واستماعَ غنائها
…
وأقبلْ على الأخرى بقلبٍ وخاطرِ
فلو نظرتْ سُعدى إليَّ تعجبت
…
وقالت بمن اعتاض عني مسامري
ألم تعلمي أني تعوَّضت طيبةً
…
فلا تطمعي في العود يا أمَّ عامرِ
تبدَّلتُ من كلِّ البلادِ بأسرها
…
بلادَ رسولِ الله أبركِ طاهرِ
فما مثلها عندي شبيهٌ لذاتها
…
سوى مكَّة سادَتْ بتلك المشاعرِ
فضائلُ صحَّت في الصحاحِ لطيبةٍ
…
فخذها بقلبٍ واستمعها لآخرِ
شهيدٌ لنا أو شافعٌ سيد الورى
…
لصبرٍ على لأوائِها المتكاثرِ
كذاك لمن وافى بها مثل هذا له
…
ليهن بوعد من صدوق لشاكر
وكم صحَّ في أخبارها من فضائلٍ
…
فمن تُربِها للداءِ دفعُ الضَّرائرِ
حباها بمثلَيْ ما دعاه لمكَّة
…
فجاور وطِبْ نفساً بهذي المفاخرِ
/501 وذلك ضِعفُ الضِعفِ صدق محققٌ
…
فكن قانعاً فيها بقوتٍ وصابرِ
وكم من كراماتٍ تجلَّت لأهلها
…
بلفظٍ رُوينا مسندٍ متواترِ
فمن سعدِكم يا نازلين جواره
…
تحّوُلُ حُمَّاها ونفي الضَّرائرِ
وطابت فما الدجَّال يُهوي خلالها
…
ولا مجرمٌ إلا ابتليْ بالدوائرِ
ومَنْ أهلَها بالسوءِ قصداً أرادهم
…
أُذيب كملحٍ ذابَ ويلٌ لماكرِ
ولمَّا أن اختارَ المهيمنُ حفظها
…
حماها بأملاكٍ شِدادِ البوادرِ
فمن عِزِّها أملاكُه في نِقابها
…
ترِّدد دجَّالاً مُحَلاً بكافرِ
وطاعنُ طاعونٍ كذاك تردُّه
…
وإنْ عمَّ تطوافاً فليس بعابرِ
وأمَّنَ من خسفٍ ومن أنْ يصيبَنا
…
عذابٌ وهو فينا بقدرةِ قادرِ
ومنها لمجذومٍ دواء سِباخُها
…
فخذها كراماتٍ أتت ببشائرِ
وكان إذا ليلٌ سجى قام داعياً
…
لأهل بقيعِ الغرقدِ المتفاخرِ
فيهدي إليهم من حفيلِ دعائِه
…
ويسأل مولاه بإحضارِ خاطرِ
ووصَّى جميعَ النَّاس طرَّاً بجارِه
…
فقال: احفظوني أمتي في مجاوري
وقد قال: ما من ذاك واللهِ أبتغي
…
مكاناً لدفني من جميعِ المقابرِ
سوى هذه يعني بها تُربَ طيبةٍ
…
فأكرِمْ بتربٍ للرسولِ مباشرِ
دَعَا ودَعَا حتى دَعَا في ثمارِها
…
فصار بها يزكو كحائط جابرِ
(1)
كذلك في صاع ومدٍّ دعا لنا
…
فيشبعنا ربعٌ وشطرٌ لصابرِ
وجا أنَّها تنفي الذُّنوب مُصحَّحاً
…
وإطلاقه يحوي عظيمَ الكبائرِ
لها مسجدٌ للمصطفى أيُّ مسجدٍ
…
به حجرةٌ فيها الدليلُ لحائرِ
صلاةٌ بألفٍ يا سعادتنا به
…
فوائدُ طابت متجراً لمتاجرِ
به مِنْبَرٌ في روضةٍ وَسْطَ جنَّةٍ
…
علت يا لها من روضةٍ لمفاخرِ
ومنبره فالحوض تحت رِتاجه
(2)
…
وهل مثلُه من منبرٍ في المنابرِ
وحول ضريحِ المصطفى قد تعاقبت
…
ملائكةٌ سبعون ألف مظاهرِ
ذكرتُ قليلاً من فضائلِ طيبةٍ
…
ومَنْ رام حصراً ما يكونُ بقادرِ
ألا لا تلوموني فإني أحبُّها
…
فكم خوَّلتني ما تمنَّتْ خواطري
/502 فمن طيبِها طيبي وأحمدُ طيبُها
…
سوى البيتِ لا يُلفى لها من مُناظرِ
أيا عاذلي فيها تأمَّلْ جمالَها
…
وأنوارُ خيرِ الخلق بادٍ وحاضرِ
سألزمُها دهري وأحكي علومَها
…
وأدفع عنها طاقتي كلَّ جائرِ
(3)
(1)
حديثه عند البخاري في الاستقراض، باب إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز برقم (2395).
(2)
الرتاج: الباب العظيم. القاموس) (رتج) ص 190، اللسان (رتج) 2/ 279.
(3)
زاد في نصيحة المشاور بيتاً هو:
وأُلزم ذاتي صحنَها ورحابَها
…
وحجرتَها والسر خلفَ الستائرِ
حلفتُ يميناً ليس في الكونِ مثلها
…
لأنَّ بِها قبرَ الشفيعِ الموازرِ
فمرِّغْ بها خديك حبَّاً لأحمد
(1)
…
وقل: يا حبيبي يا شفيعي وناصري
جوارَك يا خيرَ البريةِ أرتجي
…
فكنْ لي مُجيراً عند عدِّ جرائري
لِذُليِّ لعصياني تداركْ بنظرةٍ
…
فعندي ذنوبٌ أعدمتني بصائري
فظنِّي أنَّ حالي إليك شكوتُه
…
تجيبُ بنا لبيك لستُ بناشرِ
(2)
إلهي فَعُدْ ياربِّ بالعفوِّ مِنَّةً
…
فقد رجفتْ مني لخوفي بوادري
وصلِّ على المختار من آلِ هاشمٍ
…
وآلٍ وصحبٍ في مساءٍ وباكرِ
أخصُّ أبا بكر حبيبَ محمدٍ
…
وصاحبَه الفاروقَ ماضي الأوامرِ
ولا نَنْسَ عثمانَ الشهيدَ بداره
…
ومَنْ كعليٍّ في قتالِ العساكرِ
زبيرٍ وسعدٍ وابنِ عوفٍ وطلحة
…
وبعدُ سعيدٌ والختامُ بعامرِ
فعفواً وصفحاً يا كريمُ بحبِّهم
…
فإني غريقٌ في ذنوبٍ غوابرِ
مدحتُك لا -واللهِ- غيرُك مقصدي
…
وما خْفتُ تقصيراً لأنَّك عاذري
عُبيدٌ ضَعيفٌ عاجزٌ بك مُلْتَجٍ
…
غريبٌ غدت أحبابُه في المقابرِ
وفي دارِ خيِر الرُّسل عندك مولدي
…
وفيها مقامي لم أَحُلْ دهرَ داهرِ
ولي قد مضى سبعون عاماً مُصانةً
…
تنيفُ ثماناً طابَ زرعاً لباذرِ
تخلَّلها خمسون حجَّاً وعمرةً
…
تنيفُ بسبعٍ حبذا من ذخائرِ
ولي نسب أرجو إليك تَجُرُّني
…
شريفٌ كريمٌ فاخرٌ جدُّ فاخرِ
عليك أصلِّي يا شفيعاً مشفَّعاً
…
حَنانيك مِنْ مَاحٍ مُقَفٍّ وحاشرِ
عليك سلام اللهِ بدءًا وموئلاً
(3)
…
عليك سلامُ الله مدَّ المحابرِ
عليك صلاةُ اللهِ جُهدي وطاقتي
…
وبعدُ فأفديكم بسمعي وناظري
(1)
فضل المدينة لايدرك بهذا وإنما بالصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسابقة إلى الطاعات، وأما تمريغ الخدود بتربة المدينة فمخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
(2)
ماجاء في هذه الأبيات من التوجه بالدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم شرك أكبر إذ الدعاء من أجل العبادات التي لايصح صرفها لغير الله، والواجب على المسلم الالتجاء إلى الله وحده دون ماسواه من المخلوقين كما قال تعالى:{وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} سورة (غافر) آية:60.
(3)
موئلاً: مَلْجأً. القاموس (وأل) ص 1066.
فياربِّ غَفْراً للجميع بجاههِ
(1)
…
وبالفضل عَامِلْنا ولطفٍ مُباشرِ
على سنَّةِ المختار ثبِّتْ قلوبَنا
…
ولا تُخزنا في يوم كشف السَّرائرِ
/503 وهذي بتشويق النُّفوس وسَمْتُها
…
فسارعْ إلى نصِّ العروسِ وبادِرِ
ـ أعقب أولاداً أحيوا ذكره بالمآثر، ورفعوا لأقداحهم منابر المفاخر، وتولى كبيرهم الحكم استقلالاً وباشره مباشرة قال لها لسان الزمان: هكذا هكذا. وإلا فلا لا.
59 - عطيَّةُ بنُ منصورِ بنِ جمَّازِ بنِ شيحةَ بنِ هاشمِ بنِ قاسمٍ
(2)
، وتَقَّدم نسبُه في ترجمة جدِّه جمَّاز.
وهو الأميرُ العبَّادُ السَّجَّاد، الحائزُ من المناقب ما يضيق
(3)
عن حصره التَّعداد.
وَلِيَ المدينةَ بعد أخيه جمَّازِ بن منصور
(4)
كارهاً غير راضٍ، وقَدَرُ الله في العبد ماضٍ، وعليه قاضٍ.
وذلك أنَّهُ لمَّا قُتل جمَّازُ، سئل ولده الأميرُ هِبةُ
(5)
أن يُقبلَ على الولاية ويَقَبلَها، ويسترَ على الرَّعية بذيل مَعْدلته ويُسْبِلَها، فامتنع وأبى، وكَلَّ سيفُ
(1)
التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم غير جائز لعدم ورود الدليل به، وإنما تمسك من أجازه بحديث موضوع لاتقوم به حجة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (روى بعض الجهال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم» وهذا الحديث كذب ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث، مع أن جاهه عندالله تعالى أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين. قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة تحقيق: د. ربيع المدخلي ص 252.
(2)
نَصِيحَة المشَاور ص 260، التُّحفة اللَّطيفة 3/ 197.
(3)
في الأصل: (ما يصبوا) والتصحيح من التحفة.
(4)
تقدَّمت ترجمته في حرف الجيم.
(5)
تأتي ترجمته في حرف الهاء.
عَزْمِه عن قَبول الفُضول ونبَا، فأقبلوا على زيَّان
(1)
، واجتمع عليه الحيَّان، فقال: حاشايَ أن أتقدَّم على أخي عطَّية، فإنَّ تقدُّمي عليه خطأٌ أو خطيَّة، وهو أصلحُنا وأولانا، وأَسْوَدُنا وأعلانا، وخيرُنا في ديننا ودُنيانا، وعليه تقع قرعة الاختيار ولا ثُنْيَانا
(2)
.
فاتَّفقت الآراءُ على تقديمه وتأميره، وتسويده في الأَشراف وتكبيره، كلُّ ذلك وهو غائبٌ في عَرَبِه، وليس هذا الأمُر من بُغْيَته ولا أَرَبِه.
فكُتب إلى السُّلطانِ شفاعة في أَنْ يُوَلِّي عليهم الأمير عطيَّة، وأنَّهُ أوفقُ وأصلحُ للمدينة والرَّعية.
وسافَر نُعيرٌ بالشَّفاعة إلى السُّلطانِ، فلمَّا وصل مصر أمر بحبسه شهراً من الزَّمان، ثُمَّ طُلب وخُلِع عليه، وكُتب تقليدٌ للأمير عطية بالولاية وجهَّز صُحبتَه إليه.
فحضر نُعيرٌ في ثامن ربيعٍ الآخر سنةَ ستين بالخِلْعة والتَّقليد، وحضر الأمير عطيةُ ولبِسها وباشر الولايةَ بالطَّالع السَّعيد، والرَّأي السَّديد، والسَّبْرِ
(3)
المَحمود، والسَّيرِ الحَميد.
فلم يزلْ في ولايته ساعياً في مصالح المسلمين، راعياً للبلاد بالتَّطمين والتَّأمين، داعياً إلى الله بما يجب على كلِّ مسلمٍ التَّأمين، سَائساً للمُلك سياسةً مقطوعةَ العيوب، ماشياً بسيرةٍ أحيت بِها شيئاً من سير ابن أَيُّوبِ
(4)
، شِيمتُه
(1)
زيّان بن منصور بن جماز بن شيحة، أو حميد الحسيني، جد آل زيان المنسوبين إليه، كان هو وأخوه في مقتلة بالمدينة المنورة سنة 736 هـ. نصيحة المشاور ص 260، التحفة 2/ 91.
(2)
الثنيان بالضم: الذي بعد السيد. وجاء في الحاشية: قال أبو عبيد: يقال للذي يجئ ثانياً في السؤدد، ولايجئ أولاً. القاموس (ثَنَيَ) ص 1268.
(3)
السَّبْر: الهيئة الحسنة. القاموس (سَبَرَ) ص 404.
(4)
يريد بذلك: السُّلطانَ صلاح الدِّين الأيوبيَّ، رحمه الله.
العبادةُ والصَّلاح، وطريقتُه التَّوجُّه إلى الله بالغُدوِّ والرَّواح، والإِمساءِ والإصباح، مع الكراهة في اليمين والأمر
(1)
، والنَّزاهة عن القبض على الجمر، من تنكيدٍ أو تشويشٍ على زيد وعمرو.
غيرُ راغبٍ في الدُّنيا ولا طالب، وهو مع الله بالقلب وإنَّما مع النَّاس بالقَالَب.
يجلس في النَّادي، ويجتمع عنده الحاضرُ والبادي، ولا يخوضُ معهم فيما خاضوا، ولا يُفيض /504 فيما استفاضوا، من أحاديثِ الحوادث وفيه أفاضوا.
أخذ الصَّمتَ والسُّكون عادة، وشغَل قلبَه بِما يُصلح به مُتَقَلَّبَه ومَعاده، شِيمتُه الخشيةُ من الله، وعَزْمٌ في العبادة جادٌّ غيرُ لاهٍ، مع مُراعاةِ النَّظر في مصالح الرَّعية، وتدبير المُلك بِما جُبِلَ عليه من الغريزة الأَلْمعية
(2)
.
وأكرهُ شيءٍ إليه مُخالطةُ الأمور الدُّنيوية، وأحبُّ شيءٍ إليه الزُّهد في هذه الدُّنيا الدَّنية، يسلكُ مِنْ لَوَاحبِ
(3)
العدل والبُعدِ
(4)
لَهِمَّاً
(5)
مُوضحاً، وأعدَّ من بأسهِ لمفارِقِ فَرْقِ الطُّغيان مِدْعَسَاً
(6)
مُرْضِحاً
(7)
، وإذا صلَّى الصُّبح جلس في مُصلاَّهُ لا يتكلَّم حتى يُصلِّيَ الضُّحى.
فانصلح بصلاحه جميعُ ذوي قرابته، وتعجَّبَ الكافَّة من عجيب أمرهِ
(1)
أي: يريد حلف اليمين، وإصدار الأوامر.
(2)
الألمعيُّ واليلمعيُّ: الذَّكيُّ المتوقِّدُ. القاموس (لمع) ص 761.
(3)
اللَّواحبُ جمعُ لَحْبٍ، وهو الطريق الواضح. القاموس (لحب) ص 133.
(4)
الحزم، يقال: إنَّه لذو بُعْدٍ، وبُعْدَةٍ، أي: رأيٍ وحزم. القاموس (بعد) ص 268.
(5)
اللَّهَمُ: الجوادُ السابقُ. القاموس (لهم) ص 1160.
(6)
المِدْعَسُ: الرُّمح. القاموس (دعس) ص 545.
(7)
مرضحاً كاسراً. القاموس (رضح) ص 219.
وغَرابته، وجمعِه بين نَظْمِ أُمور المُلك وزُهدِه وخشوعهِ في عبادِته وإنابته.
ورَدَّ المدينة بعَدلِه إلى حالةٍ يُغْبَطُ أهلُها على سُكْنَاها، وبلغت كلُّ نفسٍ من الخِصْب والعدل والأمنِ مُنَاها، وأَمِنت الناس على أنفسهم وأهلِيهم وأموالهم في مَنَاها
(1)
.
وكان عنده وَحشةٌ عظيمةٌ من أخذ العشور والمُكوس
(2)
، على أنَّه لم يدخل شيءٌ منه في مطعومٍ ومشروب وملبوس
(3)
، ولم يزلْ يحمل همَّها، وينفي سَمَّها، إلى أَنْ طهَّره اللهُ منها بحسن نِيَّة، وخُلوص طَوِيَّة، وعوَّضَه عنها، ما هو خيرٌ منها، ورُتِّب له من الحلالِ مالٌ جزيل، عوضاً عمَّا تركه من ذلك الحرام القليل.
وكان لا يظهر عليه آثار الإِمْرة والولاية، ولا له في ترتيب الأُمور المعتادة للأُمراء اهتمام وعناية.
حكى لي أبو عبد الله محمدُ بنُ الحَكري
(4)
أحدُ قضاةِ المدينة قال: بلغني ضَعْفُه وانقطاعه في البيت فتوجَّهتُ لعيادتِه، ودخلتُ إليه لزيارته، فوجدتُ شخصاً على جِلٍّ
(5)
مُلتفاً بكساءٍ عتيق، فظننتُه بعضَ الخُدَّام أو بعضَ الرَّقيق، فقصدت التَّخطي، حتى أُخبرتُ أَنَّه المُتَغطِّي، فأدَّيتُ من عيادته ما وجب، وقضيتُ من زَهَادتِه العجب.
(1)
مناها: قدرِها وتقديرها، ويحتمل المَنَى: الموت. يريد أنَّ الناس أمنوا على أموالهم بعد موتهم من السَّلب والنَّهب. القاموس (مني) ص 1336.
(2)
المُكوس: جمع مَكْسٍ، وهي ما تُعرف بالضَّرائب. القاموس (مكس) ص 575.
(3)
أي: له.
(4)
شمس الدِّين محمد بن سليمان الحَكري، المقرئ، ولي قضاء المدينة سنة 766 هـ، توفي سنة 782 هـ. نَصِيحَةُ المُشَاور ص 231، الدُّرَرُ الكَامِنَةُ 3/ 451، وستأتي ترجمته في حرف الميم.
(5)
الجِلُّ: البِساط. القاموس (جَلَل) ص 978.
ومع ذلك لم يُقِمْ بالمدينة سنةً كاملة من حين مَلَكَها إلى أَنْ فارقها وتركها، وكان يُبْلِغُ في وصيته مَنِ استنابه بحُسن السِّيرة في الرَّعايا، والعدل في الأحكام والقضايا، ولذلك سارت أحوالهُ في النَّاس أحسن سيرة، وتخلَّقوا بالخلائق الحميدة، والمكارمِ الأثيرة
(1)
.
60 - عليُّ بنُ يوسفَ بنِ الحسنِ، الشَّيخُ نورُ الدِّين ابنُ الشَّيخِ عزِّ الدِّين الزّرنديُّ، المدنيُّ، الأنصاريُّ
(2)
.
كان من أفاضل الدَّهر، وأماثلِ العصر، واحدَ الزمان، وفريدَ الأقران، /505 الرَّاقي مراقي الأعلام، بالبيان واللِّسان والأقلام، مع القريحة الوقَّادة، والبصيرة النَّقَّادة، والسَّريرةِ التي بِها سادَ القادة، وقادَ السَّادة.
تفقَّه على مذهب الإمام أبي حنيفة، وحوى من فنون العلم كلَّ نُخْبَةٍ طريفة، وألقى بالآخرِ شَرَاشِره
(3)
على علوم الأحاديث الشَّريفة، وفَرَّعَ بِها من قُلَلِ
(4)
المعالي كلَّ قُنَّةٍ
(5)
مُنيفة، مع نظم يخترع في ارتجاله الأفكار، وتُفترع
(6)
في حِجاله
(7)
الأبكار، ويَطْلَعُ في غياضهِ
(8)
الأَنْوار
(9)
،
(1)
الأثيرة: المختارة المُفضَّلة. قال في اللسان: فلان أثيري أي خُلصاني (أثر) 4/ 8.
(2)
نَصِيحَةُ المُشَاور ص 106، الدُّرَرُ الكَامِنَةُ 3/ 142، التُّحفة اللَّطيفة 3/ 268.
(3)
شراشره: أثقاله، ونفسه. القاموس (شرر) ص 415. وكلا المعنيين صالحٌ هاهنا، يقال: ألقى عليَّ شراشره. وتصحفت في الأصل إلى: (شراسه).
(4)
القُلَلُ: جمعُ قُلَّة، وهي أعلى كلِّ شيءٍ. القاموس (قلل) ص 1049.
(5)
القُنَّة: أعلى الجبل. القاموس (قنن) ص 1226.
(6)
يقال: افترعَ البِكرَ: افتضَّها. القاموس (فرع) ص 746.
(7)
الحِجَال: جمع حَجَلة، وهي موضعٌ يُزَيَّنُ بالِّثياب والسُّتور للعروس. القاموس (حجل) ص 982.
(8)
الغِياض: جمعُ غَيْضَة، وهي مجتمع الشَّجر في مغيض ماءٍ. القاموس (غيض) ص 650.
(9)
الأنوار: جمع نَوْرٍ بفتح النُّون، وهو الزَّهر. القاموس (نور) ص 488.
ويبدعُ
(1)
في رياضهِ الأزهار، ويَفْسُرُ
(2)
فضلُه بالفضائل حَالِ، ونجمُه في أُفق المعالي عَالِ، ومصنفاتٍ تروق الطَّالبين إتقاناً، ومُؤلَّفاتٍ تشوق المستفيدين إيقاناً، ودروسٍ أحيت عِلمَ النُّعمان
(3)
بعد ما درس، وفوائدَ سقى بنَميرها
(4)
ما في قلوب الطُّلاب من العلمِ غَرَس.
وَلِي عَام سبعٍ وستين وسبعمائة وظيفتي الحُكم والحِسْبة، ولمَّا كان أنصارياً قام بنصر سُنَّةِ المصطفى قياماً صحَّح به النِّسبة.
دفع بسيف بأسه البِدعَة وأهلَها، وأُيِّدَ ببركة سَمِيِّهِ المرتضى
(5)
، قَدِمت خلائقُ الخلائق
(6)
حَزْنُها وسَهْلُها، وإنْ لم يكنْ سَمِيُّ عليٍّ للملَّة الحنيفيَّة فمَنْ لَها؟
وكان له إلى الدِّيار المصرية تَرْدَاد، وَوِفادةٌ كلمَّا تكرَّرت جعلَتْ مواد، ودارتنا تزداد
(7)
. واتَّفق له في عام أحدٍ وسبعين دخولُ العراق، وأقام مدَّةً ببغداد، وأَحْيَا بإسماع الحديث مادَثَرَ من معالمه وبَاد، وأفادَ وأجادَ، وأَبْدَأَ وأعاد، ورفع أركان السُّنَّة وأَشاد، وتُلُقِّي بالإكرام والإمجاد، وحسنِ الإصدار والإيراد، وبعد إكمال عامه، رجع إلى وطنه ومَقامه.
وقدم اليمن في سنة سبعٍ وخمسين وسبعمائة، فدخل مدينة
(1)
يبدع: من بدع الشيء إذا أنشأه وبدأه. اللسان (بدع) 8/ 6.
(2)
يفسر: يظهر. القاموس (فَسَرَ) ص 456.
(3)
النُّعمان بن ثابت، هو الإمام أبو حنيفة.
(4)
النَّمير: الماء العذب. القاموس (نَمَرَ) ص 487.
(5)
هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فالمؤلف سميه، أي: موافقه في الاسم.
(6)
خلائق الأولى، المراد بها: الطبيعة التي يخلق المرء بها، والثانية: الخلق. المعجم الوسيط 1/ 252.
(7)
الدارة: البيت. القاموس (دير) ص 393، وتزداد: أي سروراً وأنساً به.
زبيد
(1)
دخولاً عظيماً، وأقبل إليه أهلها إقبالاً كريماً، ووقف بين الحنفية مفيداً، وفي مَغاني
(2)
مذهبهم مجيداً، ثمَّ ارتحل إلى الملك المجاهد
(3)
فأكرمه غاية الإكرام، وعرض عليه الولاية بنشر الأعلام، فرغب عنها، ثم دخل التعز الأعظم......
(4)
، ثم قدم المخلاف إلى الفقيه عبد الله السقالي، وزار الصالحين هنالك، ثم قصد الفقيه حسن بن أبي النيروز واستفاد منه، ثم رجع إلى بلده على أحسن حال، وأنعم بال.
وفي الحجَّة من عامِ ثلاثٍ وسبعين عقيب صدوره من مصر أدركه الأجل المحتوم، وظهر له الأمَدُ المكتوم، وأعقب أولاداً كِراماً، كلٌّ منهم بلغ من الفضل مَرَاماً.
أنشدني رحمه الله تعالى من شعره من قصيدة طويلة:
أشتاقُ قُرْبَكَ واللَّيالي تُبْعِدُ
…
وأَرومُ عَطْفَكَ والزَّمانُ يُنكدُ
ما غَيَّرَ الهجرُ المقيمُ ولا الجَفَا
…
ما كنتَ من حسنِ المودَّة تَعْهَدُ
إنْ كان في تَلَفي رضاك فإنَّني
…
أهوى هواكَ وأبتغي ما يَقْصدُ
أَعلمتَ أنَّ السُّقْم بَعدَك لم يدعْ
…
لي ...........................
(5)
ومن العجائبِ أنني لك سائلٌ
…
والدَّمعُ مني سائلٌ مُتَبَدِّدُ
وله رحمة الله عليه من قصيدة:
(1)
زبيد: مدينة مشهورة في اليمن، أحدثت في أيام المأمون. معجم البلدان 3/ 131.
(2)
المغاني: جمع مغنىً، وهو المنْزل الذي غَنِي به أهلهُ، ثم ظعنوا. القاموس (غنى) ص 1319.
(3)
الملك المجاهد الرسولي: علي بن داود، من ملوك الدولة الرسولية في اليمن، ولي المُلك بعد وفاة أبيه سنة 721 هـ، واستمَّر إلى حين وفاته سنة 764 هـ. الدرر الكامنة 3/ 49، البدر الطالع 1/ 444.
(4)
أربع كلمات مقطوعة في الأصل، وتعز: مدينة في اليمن.
(5)
بياض في الأصل ومطبوعة التحفة، والأبيات في التحفة 3/ 272.
/506 هبَّ إذْ هبَّ شَمالٌ وصَبا
…
مِنْ كَراهُ الشَّوقُّ صَبَّاً وصَبَا
(1)
صبَّ دمعاً فَرَجَا في صَبِّه
…
فَرَجاً فازدادَ منه وَصَبَا
(2)
هاجَهُ ذكرُ ليالٍ سلفَتْ
…
بلذيذ العيشِ أيَّامَ الصِّبَا
يارعَى اللهُ لُيَيْلَاتٍ مضَتْ
…
مَعَ مَنْ تَهوى ودهراً أَخْصَبا
حينَ لا نخشى من الواشي وقَدْ
…
غَفَلَتْ عنَّا عيونُ الرُّقَبا
مَنْ لِمَنْ قد بانَ عنه إِلْفُهُ
…
وعن الأحبابِ رَغْماً غُيِّبَا
(3)
شَرَّقَتْ أحبابُه إذْ غَرَّبَا
…
أين مَنْ شرَّقَ ممَّنْ غَرَّبا
(4)
أَتُراهم يذكرونا بعدَهم
…
أمْ نَسُونا منذْ صِرْنَا جُنُبا
(5)
فأعِدْ يا سعدُ ذِكْرَ المُنْحنى
…
إنَّ ذِكْرَاه تُهِيجُ الطَّرَبا
(6)
قِفْ بأُحْدٍ ومغاني طيبةٍ
…
حبَّذا تللك المغاني والرُّبا
إنْ تُرِدْ قلبَ المُعنَّى تَلْقَهُ
…
بينْ سَلْعٍ والمُصلَّى وَقُبا
(7)
وعلى وادي العقيق اجتزو
…
فيالك من مائهِ ما أَعْذَبا
لكنْ النَّفسُ ولو نالت من الد
…
هر ما نالَتْ عُلاً أو مَنْصِبا
مَيْلُها طبعاً إلى أوطانها
…
تَذْكُر المَرْبَا وتَهوى اللَّعِبا
سِيِّما ما كان منه وطناً
…
حلَّه أَزْكَى البَرايا نَسَبا
يَمِّمِ المَغْنَى الذي مَنْ أَمَّهُ
…
نالَ في الدَّارين ما قدْ طَلَبا
* * *
(1)
الشَّمال والصَّبا: من أسماء الريح، والصَّبُّ: المشتاق. القاموس (شَمَلَ) ص 1020، (صَبَوَ) ص 1302، (صبب) ص 104، والكرى: النوم والنعاس. اللسان (كرا) 15/ 221.
(2)
الوَصَبُ: المرض. القاموس (وَصَبَ) ص 141.
(3)
بان: انفصل. القاموس (بَيَنَ) ص 1182.
(4)
غَرَب: غاب. القاموس (غرب) ص 120.
(5)
جُنُبا: غرباء بعداء. القاموس (جنب) ص 69.
(6)
المنحنى: موضع له ذكر في الغزل في أماكن المدينة، وأهلها اليوم يقولون: إنه قرب المصلى (مسجد الغمامة) شرقي وادي بطحان. الوفا 4/ 1314.
(7)
وَقَبَ: دخل. القاموس (وقب) 142، ويحتمل ضبطها وقُبَا.
حرف الفاء
61 - فضلُ بنُ قاسمِ بنِ قاسمِ بنِ جمَّازِ بن شيحة الحسينيُّ
(1)
، تقدَّم نسبُه في ترجمة جدِّ أبيه جمَّاز.
كان أميراً كَمِيَّاً
(2)
، ومَزِيراً
(3)
جَرِيَّاً
(4)
، وصِنْدِيداً سَرِيَّاً
(5)
، وعميداً عَبْقَرِيَّاً
(6)
، وسَنْدَرِيَّاً
(7)
بالزَّعامة حَرِيَّاً، ذا دَهَاءٍ في الأمور حُوَلِيَّاً قُلَّبِيَّاً
(8)
، وَلِيَ إمارة المدينة بعد وفاةِ سعد بن ثابت
(9)
في شهر ربيعٍ الآخر عام اثنين وخمسين وسبعمائة.
اجتمع آل جمَّاز وأجمعوا على تقديمه، واتَّفقوا على رياسته لحديثه وقديمه، وحالفوه على النُّصرة والطَّاعة، وعاقدوه على تنفيذ أوامره المُطاعة، وخَطَبَ على المنبر باسمه الخطيب، ونَشَر من عدله على الرَّعية أطيب طِيب.
(1)
نَصِيحَة المُشَاور ص 258، الدُّرَر الكَامِنَة 3/ 232، التُّحفة اللَّطيفة 3/ 396.
(2)
الكَمِيُّ: الشجاع. القاموس (كَمَيَ) ص 1329.
(3)
المَزِير: الشَّديُد القلب النَّافذ. لسان العرب (مزر) 5/ 172.
(4)
جرياً: جريئاً. قال في القاموس (جرأ) ص 36: الجرأة والجراية بالياء نادر: الشجاعة.
(5)
الصِّنديد: السَّيد الشَّجاع، والسَّريُّ: الرَّئيس. القاموس (صند) ص 294، لسان العرب (سري) 14/ 377.
(6)
العَبْقَريُّ: الكاملُ من كلِّ شيء، والسَّيِّد. القاموس (عبقر) ص 435.
(7)
السَّندَريُّ: الجريء الشَّديد. القاموس (سندر) ص 410.
(8)
الحُوَليُّ: شديد الاحتيال، والقُلَّبيُّ: البصير بتقلُّب الأمور. القاموس (حول) ص 989، (قلب) ص 127.
(9)
سعد بن ثابت بن جماز الحسيني، ترجمته في حرف السين.
وتوجَّه مانعُ بنُ عليٍّ
(1)
إلى السُّلطان لاستنجاز مرسوم يتضمَّنُ إمضاءَ هذا الشَّان، فلمَّا دخل مصر وطلع بالخبر إلى القلعة، ورسم له بالتَّقليد والخِلْعة، /507 ووصل بِهما في جُمادى الآخرة، فتضاعف في ولايته مفاخرُه الفاخرة.
واستمرَّ في ولايته إلى آخر عام أربعة وخمسين، فمرِض مرضَاً شديداً لقي منه البُرَحِين
(2)
، وتُوفِّي في ذي القَعدة بعد مضيِّ ستةٍ وعشرين، ودُفن بقُبَّة الحسن والعبَّاس، وفَقَد من أخلاقه النَّاس، ما أزرى على الورد والآس
(3)
.
* * *
(1)
مانع بن علي بن مسعود بن جماز الحسيني، ولي إمرة المدينة في ذي القعدة سنة 753 هـ بعد الفضل بن قاسم، توفي سنة 759 هـ. السلوك ج 3 قسم 1/ص 46، التحفة 1/ 94.
(2)
يقال: لقي منه البُرَحِين، أي: الدَّواهي والشَّدائد. القاموس (برح) ص 213.
(3)
الآس: شجر معروف. القاموس (أوس) ص 531.
حرف القاف
62 - قاسمُ بن مُهنَّا
(1)
بن حسينِ بن مُهنَّا بن داودَ بن قاسمِ بن عبدالله بن طاهرِ بن يحيى بن الحسين بن جعفر بن الحسينِ بن عليِّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الأميرُ عزُّ الدِّين أبو فُليتة.
كان جميلَ النَّقيبة
(2)
، وسيم المُحيَّا
(3)
، قَيِّم
(4)
الوجه، أسحجَ
(5)
أبلجَ
(6)
، مَنْظَرانياً
(7)
بَهِياً، وضَّاحاً غسَّانيَّا
(8)
ذا رَأْيٍ سديد، وشَأْوٍ
(9)
بعيد.
قال العمادُ الأصفهانيُّ
(10)
رحمه الله في فصلٍ يذكر السُّلطانَ الملكَ العادلَ صلاحَ الدِّين يوسفَ بن أيُّوب
(11)
، قال: وكان أميرُ المدينة النَّبويِّة
(1)
له ذكرٌ في نَصِيحَةِ المُشَاور ص 247، الكامل لابن الأثير 12/ 20، التُّحفة اللَّطيفة 3/ 404، ولم يذكر أحدٌ سنة وفاته.
(2)
النقيبة: النَّفس. القاموس (نقب) ص 139.
(3)
المحيا: الوجه. القاموس (حيي) ص 1278.
(4)
قيم: مستقيم حسن. اللسان (قوم) 12/ 502.
(5)
أسحج: ليِّن التَّسريح على فروة الرأس. القاموس (سحج) ص 193.
(6)
أبلج: مشرق الوجه. القاموس (بلج) ص 181.
(7)
منظرانياً: حسن المنظر. القاموس (نظر) ص 484.
(8)
غسانياً: في جدَّة الشَّباب. القاموس (غسن) ص 1220.
(9)
الشَّأو: السَّبق. القاموس (شأو) ص 1298.
(10)
في كتابه البرق الشامي، وهو: العماد الأصفهانيُّ محمد بن محمد المؤرِّخ، الأديب، الفقيه، الشافعي، له تاريخ (البرق الشامي) وغيره. توفي سنة 597 هـ. وفيات الأعيان 5/ 147.
(11)
السلطان الكبير، الملك الناصر، صلاح الدين يوسف بن أيوب التكريتي، ولد سنة 532 وتوفي بدمشق سنة 589 هـ. سير أعلام النبلاء 21/ 278.
صلواتُ الله على ساكنها في موكبه، فكأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سَّيرَ الفقير إلى نُصرته، مَنْ يثْرِي
(1)
به مِنْ يَثْرِبِه. وهذا الأميرُ عزُّ الدِّين أبو فُليتة، وقد وفد في تلك السَّنة أوانَ عودِ الحاجِّ، وهو ذو شيبةٍ تَقِدُ
(2)
كالسِّراج، وما بَرِحَ مع السُّلطان مأثورَ المآثر، مذكورَ المفاخر، ميمونَ الصُّحبة، مأمونَ المحبَّة، مباركَ الطَّلْعة، مُشارِكاً في الوقعة، فما تمَّ فتحٌ في تلك السِّنين إلا بحضوره، ولا أشرق مطلعٌ من النَّصر إلا بنوره
(3)
.
فرأيتُه ذلك اليوم للسُّلطان مُسايراً، ورأيتُ السُّلطانَ له مُشاوراً مُحاوراً، وأنا أسير معهما، وقد دنوتُ منهما، ليسمعاني وأسمعهما.
وقال أبو شامة
(4)
: كان السُّلطان صلاح الدِّين مُحبَّاً في الأمير قاسم بن مُهنَّا، يستصحبه في غزواته، ويستنصر
(5)
ببركاته في فتوحاته، حضر معه أكثر
(1)
يثري: يُكثر. القاموس (ثري) ص 1267.
(2)
تقد: تضيء، وهو مضارع وَقَد. القاموس (وقد) ص 327.
(3)
هذا من الغلو في الأشخاص، فالنصر بيد الله وله فيه المنة والفضل، قال تعالى:{وماالنصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} سورة (آل عمران) آية: 126 وقال تعالى: {والذين تدعون من دونه لايستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون} سورة (الأعراف) آية:197.
(4)
في الروضتين 2/ 134، وقد حضر مع السلطان صلاح الدين فتوحات سنة 584 هـ، وكانت فتوحاتٍ كثيرة، وكان قدومه دمشق بعد حضور المعارك في شهر رمضان، كما ذكر ابن الأثير في الكامل 12/ 20، وأبو شامة هو عبد الرحمن بن إسماعيل، العلامة ذو الفنون، أخذ القراءات على علم الدين السخاوي وقرأ على العز بن عبد السلام، من مؤلفاته: كتاب الروضتين و شرح الشاطبية، توفي سنة 665 هـ. فوات الوفيات 2/ 269، غاية النهاية 1/ 365، شذرات الذهب 4/ 250.
(5)
الاستنصار يكون بالوسائل التي جعلها الله سبباً للنصر ومن ذلك نصرة الله في دينه كما قال تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم} سورة (محمد) آية: 7. وكذلك التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وفي عامة غزواته وأما التوسل ببركة فلان وغيره فمخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة ومن بعدهم.
الفتوحات في تلك السِّنين، وكان السُّلطانُ يجلسه منه على اليمين، ويستوحش بغيبته، ويستأنس بشيبته، وما حضرَ مع السُّلطان حصارَ بلدٍ أو حصنٍ إلا فتحه الله على المسلمين.
وكان السُّلطانَ يعتقد بركة نسبه الطَّاهر، ويُتحفه ويُكرمه بالمكارم البواهر. وَلِيَ أمارة المدينة في أيَّام أمير المؤمنين المستضيء بالله
(1)
بن المُستنجد بالله.
وذكِرُ ترجمةِ الشَّريف أبي فُليتة ليس من شرطِ كتابي هذا، وإنَّما ذكرتُه بسؤالٍ من بعض الأشراف، وطلبٍ ممَّنْ تعيَّن مقابلةُ التماسه بالإجابة والإسعاف.
63 - قاسمٌ التكروريُّ
(2)
. من المُنقطعين عن هذه الدَّار، ملازماً للسياحة في الجبال والبَرار، لايدخل المدينة إلا من جُمعةٍ إلى جمعة، ويقتات بالبُقول، ويتَّبع مسَّاكات
(3)
المياه والأنهار والتي بين الجبال، كَغُدْرَانِ وَرِقَانَ
(4)
، ونُعمان
(5)
والسُّدُّ
(6)
وغيرها، فيصيدُ منها ما يتيسَّر من الحوت،
(1)
المستضيء العباسي، كان مولده سنة 536 هـ، وتولى الخلافة سنة 566 هـ، وكانت خلافته تسع سنين وستة أشهر، ووفاته سنة 575 هـ.
وقد ذكر السخاوي أنه انفرد بولاية المدينة خمساً وعشرين سنة، فإن كان وليها أول خلافة المستضيء سنة 566 هـ، فتكون نهاية ولايته ووفاته سنة 591 هـ.
(2)
نَصِيحَة المُشَاور ص 134، الدُّرَر الكَامِنَة 3/ 241 مختصراً، التُّحفة اللَّطيفة 3/ 406.
(3)
المساكات: جمع مَسَاكٍ، وهو الموضع يُمسك الماء. القاموس (مسك) ص 953.
(4)
ورقان: جبل بالمدينة، انظر الباب الخامس.
(5)
نعمان: اسم وادٍ بجانب أحد. عمدة الأخبار ص 432.
(6)
السد: هو ماء في جبل شوران بالمدينة؛ انظر الباب الخامس.
ويُهيِّئ لنفسه منه بعض القوت، وما فضلَ منه يهديه إلى أحبابه، ويُفرِّقه على أصحابه
(1)
.
وكان وضع في عُنقه غُلاًّ عظيماً يتذكَّر به أحوال الآخرة وأهوالها، حتى قيل: إنَّه مخالفةٌ للسُّنة وابتداعٌ في الشَّريعة
(2)
، فأخرجها وأزالها.
وكان يسرد الصِّيام، ويتحرَّى بيسير ممَّا تيسَّرَ من الطَّعام.
ومات بطريق مكَّة مُحرِماً عام سبعةٍ وسبعين وسبعمائة، رحمة الله عليه.
* * *
(1)
هذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم بل من الرهبانية المحرمة. لما فيه من هجر للمساجد وتضييع للصلوات الخمس وتأخر عن تأديتها في الجماعة وتفريط في حقوق الأهل والأولاد والأقارب والأرحام، والذي كان عليه خيار سلف الأمة من الصحابة وفقهاء الأمة هو الزهد في الدنيا بقلوبهم ومخالطة الناس بأبدانهم كما قرر ذلك أهل العلم في هذا الباب.
(2)
وهذا هو الصحيح، لمخالفة هذا الفعل لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
حرف الكاف
64 - كافورٌ المُظَفَرِيُّ
(1)
، المعروف بالحريريِّ،
المُلقَّب شِبلَ الدَّولة، شيخُ الخُدَّام بالحَرم الشَّريف النَّبويِّ.
تولَّى المشيخة عامَ سبعمائةٍ بعد موت عزيزِ الدَّولة العَزيزيِّ.
ربَّاهُ الملوكُ، وربَّى الملوكَ، وسلكَ في المشيخة أحسنَ سلوك، أخرج لطيبِهِ طيِّبَ محاسنِ الشِّيَم من عَيْبَتِه
(2)
، وأرعبَ قلوبَ الأشراف بصلابته وهيبته.
ذو كَرَمٍ يُلقح آمال الرِّجال بلواقح رِياحه، ويَملأُ أطراف الحرم بشوامخ صباحه. كان إذا سمع هَدَّةً أو صوتاً مُزعجاً من انكسارِ قِنْديلٍ أو انحسار طِرْبيل
(3)
، قابله بصيحةٍ أجفت جَرْسَهُ
(4)
، وأعدمَتْ حِسَّه، وسكَّنت رحبه، وضيَّقت بزعزعته نحبه.
ومن غريب ما يُذكر عنه أنَّه عطَس مرَّةً من المِرار، فوقعَ لهيبته المُؤذِّنُ من أعلى المنار. وله في الحرمِ الشَّريف آثارٌ حسنَة، ربَط بِها في سِجلِّ السَّعادة رَسَنَهُ، ومن أظهرِها وأشهرِها، وأعلاها وأفخرها؛ بناءُ المنارة التي أنشأها بباب السَّلام، وشهد بحُسنها ولياقتِها لسانُ الإجماعِ على رُؤوس الأعلام.
(1)
نَصِيحَة المُشَاور ص 42، الدُّرَر الكَامِنَة 3/ 261، التُّحفة اللَّطيفة 3/ 425.
(2)
العَيْبَةُ: وعاء من جلد. القاموس (عيب) ص 118.
(3)
طربيل: حديدة المحراث التي يدق بها مايحصد. المعجم الوسيط 2/ 553 - 962.
(4)
أجفت: مأخوذ من أجفى الماشية إذا أتبعها. اللسان (جفا) 14/ 149، والجرس: الصَّوت. القاموس (جرس) ص 535.
يحكى أنَّه لما حجَّ بيبرس
(1)
وسَلاَّر
(2)
، ودخلا المدينة لنيل شرفِ الازديار، فاوضهما كافورٌ في أمر المنار، وإنَّما قصد الإذَن منهما لا الدِّرهم والدِّينار، وصرَّح لكلٍّ منهما بذلك، وقال: عندي من قناديل الذَّهب والفِضَّة ما يكفيني عن مالك.
وكان قد ربَّاهما في بيت السُّلطان، وأنشأهما صغيرين في حَجرِ الإحسان، فأصبح مُجَلاًّ لديهما، مُدِلاًّ عليهما، مَرْعِيَ الجَناب، مُراعَى الحقوق، مسموعَ الكلام، ممنوع العقوق.
فأنعما له بالإذن من غير امتناع، ووعداه بتجهيز /509 المُؤَن وإرسال الصُّنَّاع، فخاف كافورٌ صروفَ الحوادث، واشتغالهما بالمُلك مع قِلَّة البواعث، فبادر إلى تحصيل المُؤَن والحِجارة، وما يُحتاج إليه في عِمارة المنَارة، فجمع من ذلك أمثالَ الجبال الرَّواسي، ونَهض بعزمةٍ أحدَّ من المواسي
(3)
، وهِمَّةٍ تأنف من كلِّ مساعدٍ مُوَاسي، وأمر بحفر الأساس، واستقلَّ بالعمل من بين الأُناس، ولا دبَّر ولا قاس، ولا خاف القِلَّة والإفلاس، ولم يكن عِمدتُه على قناديل الحرم، وإنَّما حمله على ذلك الإخلاصُ والكَرَم، وقد أراد اللهُ ذلك وبه حَكَم، فلم ينْزلوا إلا قليلاً إذْ وجدوا باب مروان بن الحكم، فنبشوه فإذا بَرْنِيَةٌ
(4)
مَلأى من المال، سهَّل الله بِها الأعمال، وبلَّغ المخلصين المنى والآمال.
(1)
بيبرس البرجي العثماني، كان من مماليك المنصور قلاون، وترقَّى في المناصب فصار من أكابر الأمراء، حج سنة 701 هـ، مات سنة 713 هـ. الدُّرَر الكَامِنَة 1/ 502.
(2)
سلاَّر المنصوري، ناب في الملك عن السلطان الناصر، كان يرسل الطعام إلى الحرمين، شهد وقعة شقحب مع الملك الناصر ضد المغول، وأبلى فيها بلاء حسناً. توفي سنة 710 هـ. الدُّرَر الكَامِنَة 3/ 179.
(3)
المواسي: جمع مُوسى، وهي السِّكين التي يُحلق بها. اللسان (موس) 6/ 223.
(4)
البَرْنية: فخَّارةٌ ضخمة خضراء أو إناء من خزف. اللسان (برن) 13/ 50.
وحفروا حتى أماهوا
(1)
، وشرب النَّاس، ثمَّ دكُّوا الأساس، وحضر عقيب ذلك الصُّنَّاع والمُعلِّمون، وأهلُ الهندسة والمُقدَّمون، فقال مُقَدَّمهم ورئيسهم: لابدَّ من نقض الأساس بِرُمَّتِه، وإعادة أساسٍ مُتْقَنٍ يقع البناءُ على قِمَّته، والواجبُ أنْ يُعطى كلُّ أحدٍ حقَّ صَنْعَته، ومتى بنينا على هذا الأساس المجهولِ الإتقان، لا نأمنُ غائلة التَّخَلْخُل في هذا البُنيان.
فلمَّا طال بينه وبين كافور التَّعارض، وآل الأمرُ فيه إلى الخِلاف والتَّناقض، أعرض المهندس عن الشُّغل وترك، وقال: إنِّي أخشى ما يلزمني في ذلك من الدَّرَك، مع ما يلحق واجبَ الصَّنْعَة من المَعَاب، فطلب المآب وركب اللَّيل وغاب.
فقال كافورٌ لبقية المُعلِّمين: اعملوا وأنا لكم بحصول القصدِ ضمين، وشَمِّروا في الخدمة وأنا لكم ناصحٌ أمين، وأرجو أنْ يَمنَّ اللهُ عليكم بالإتمامِ، وحُسنِ النِّظام ببركة سيد الأنام، وأشرفِ الرُّسل الكرام، عليه أفضلُ الصَّلاة والسَّلام.
فعَمِلوا وكمَّلوا، وأَتقنوا وجَمَّلوا، وجاءَ وثيقَ المبنى، رشيقَ الصُّورة والمعنى، يُفاخر القرائنَ من المآذن حُسناً، وعليها اليوم اعتمادُ المُؤذِّنين في سائر الأوقات، لأنَّها متوسطةٌ يبلغ الأذانُ منها جميعَ الجهات، فجزاه اللهُ عن هذه الحسنة غفراناً، كما يؤتيه عند كلِّ أذانٍ منها رَوحاً وريحاناً.
ومن آثاره الطَّاهرة، وأنواره الظَّاهرة تعطيلُ الطَّواف بالسَّعَف والجريد اليبيس، وتبديلها بالشُّموع المغروزة في الفوانيس.
وذلك أنَّ في أيام مَنْ تَقَدَّمه من الشُّيوخ كانت العادة أَنْ يأخذَ جماعةٌ من
(1)
أماهوا: وصلوا الماء. القاموس (موه) ص 1253.
الفَرَّاشين شُعَلاً من سَعَف النَّخل يَجْرُون بِها من الرُّواق إلى الرُّواق، جَرْيَ الخيلِ المُضَمَّرةِ في حَلبةِ السِّباق، فإذا وصلوا إلى باب النِّساء رموا بقايا الشُّعل، وفعل كلُّ منهم في خبطٍ/510 شُعْلته على الأرض كأقبحِ مَنْ فعل، فَسَوَّدَ الباب والبلاط، وأوقع البوابة في الأخلاط والاختباط، ولم يزل ذلك من أشنع ما يقع في هذا المكان أَنْ تعدَّتْ شناعتُه حدَّ الإمكان، وأمر كافورٌ بالإبطال، وأَنْ تُبدل بالشُّموع الزَّواهر أحسنَ إبدال، ويحملها فتيانٌ من الصَّقالبة
(1)
الحاكين في الانتظام سِلك لآل
(2)
.
ومن سُنَّتهم أنَّهم إذا وصلوا حِذاء باب كافور وضعوا الفوانيس لحظةً ثمَّ رفعوها إيذاناً بهذا الحال.
ومِمَّا يُذكر من عُلوِّ هِمَّته، وسَعة نعمته، أنَّه لما استقرَّ الأميرُ منصورُ بنُ جمَّاز
(3)
في ولايته، نزل من الحصن إلى الحرم، وجلس في وسط المسجد، وأمر بإحضار مَنْ في المدينة من المجاورين والخُدَّام، وكان قد تخيَّل منهم أنَّهم كاتبوا فيه السُّلطان، وأنَّ ما جرى عليه من الإمساك والاعتقال، والعَزْل والإذلال، إنَّما كان بسببهم، فشرع يقولُ لكلِّ واحدٍ واحدٍ من الحاضرين، ويخاطب بنفسه فرداً فرداً من الخُدَّام والمجاورين: ما اسمُك؟ فإذا عرفَه قال: ما بلدُك؟ فإذا أخبره قال: دونَك بلدَك، وإنْ تخلَّفْتَ حللْتَ مالكَ ودمَك
(1)
الصقالبة: جيل من الناس كانت مساكنهم إلى الشمال من بلاد البلغار، وانتشروا الآن في كثير من شرقي أوربة، وهم المسمّون الآن بالسّلاف. القاموس (صقلب) ص 105، المعجم الوسيط 1/ 519.
(2)
لآل: جمع لؤلؤة. اللسان (لألأ) 1/ 150.
(3)
مولده سنة 655 هـ، نزل له والده عن الإمارة سنة 700 هـ، فحسده إخوته إلى أن توفي والده سنة 704 هـ فدارت بينهم معارك. إلى أن قُتل في سنة 725 هـ. نصيحة المشاور ص 248 - 252.
وأهلك، وهكذا ولدك، فخاطبهم من هذا المقام، حتى أتى على آخرهم وقام.
فوقع النَّاس في شِدَّةٍ عظيمة، وكُربةٍ عميمة، فقال كافورٌ رحمه الله: لا يُهِمَنَّكم، هذا الحال، فأنا دونكم بالنَّفس والمال، وإنْ كان الله سبحانه أراد بكم الانتقال، وانبرم منه هذا المقال، فأنا مُتكفِّلٌ لجميع الفقراء وذوي العيال، بالنَّفقة والجمال، إلى أنْ تبلغوا مَآمنكم، وتدخلوا مكامنكم، وبعث إلى بني سالمٍ وسائر العُربان، وعيَّن الظُّهور
(1)
وقَدَّم الأُرْبَان
(2)
.
فقَدَّر الله تعالى أَنَّ زوجَةَ الأمير منصور ـ وكانت من الصَّالحات المباركات، قالت له: يا منصور، هَبْ أنَّك مُسلَّمٌ من الملك النَّاصر، أَمانعاً أَنَّ جميع العُربان من آل فضل وخالد وبني لام يجزمون ويحكمون بأنَّك كافر؟ ولم تزلْ عليه حتى أرسل إليهم بالتَّأمين والاستقرار، والتَّطمين والاستمرار.
وكان كافورٌ رحمه الله من أحسن الخُدَّام منظراً وقَدَّاً، وأسمحِهم وجهاً وخَدَّاً، وأجملِهِم صورةً وشكلاً، وأعظمهم صوناً وأُكْلاً
(3)
.
وكان رحمة الله عليه إنَّه تَوْأَمٌ، مات أخوه بعد أن ولدتهما أمُّهما، يعقل ذلك عقلاً.
لم يزل رحمه الله في منصب المشيخة من يوم توَّلاها إلى أَنْ توفي في عام أحد عشرَ وسبعمائة، رحمة الله عليه.
65 - كافورٌ بنُ عبد الله الخُضَريُّ
(4)
، المُلقَّب شِبلَ الدَّولة،
كان
(1)
الظهور: الخيل والجِمال التي يركبون على ظهرها. اللسان (ظهر) 4/ 520، القاموس (ظهر) ص 434.
(2)
الأربان: العُرْبون. المعجم الوسيط (أرب) 1/ 12.
(3)
أُكلاً: رزقاً. القاموس (أكل) ص 961.
(4)
نَصِيحَة المُشَاور ص 53، معجم الشُّيوخ للذَّهبيِّ 2/ 120، وذكر الَّذهبيُّ أنه أجاز له مروياته من المدينة سنة 673 هـ. التُّحفة اللَّطيفة 3/ 424.
من الخُدَّام المقدَّمين في فعل الخيرات، والمبادرة إلى المبرَّات، والمُثابرة على الحسنات، والمُواظبة على الأعمال الصَّالحات، ومن المشهورين بعُلوِّ الرَّوايات، والمذكورين فِيمَنْ سمع على جماعةٍ من أصحاب الأسانيد العاليات.
يشهدُ له بذلك خُطوط الضَّابطين في الطَّبقات القديمات، باسطاً كفَّيه من الغُدُوات إلى العَشيَّات، بإنفاق الدُّرَيهمات، وإخراج الحسنات.
أعتقَ جماعةً من العبيد الخَيِّرين والإِماء الخَيِّرات، وكان من جملتهم الشَّيخُ عبد الله الخضريُّ، الذي قلَّ ما تَسمحُ بمثله الأزمان والأوقات.
يُحكى عن شبل الدَّولة أنَّه كان يضعُ معلومَهُ في غُلْفِ أباليج
(1)
السُّكَّر، محطوطاً في أطراف البيت، لا عليه قُفْلٌ مُغْلَقٌ ولا بابٌ مُسكَّرٌ، وإنَّما يَملأ منه كيساً يجعلُه في جيبه، لا تفتر عنه يده، نَهاره كالسَّحاب الصَّيِّب بِسَيْبِه
(2)
، يعطيه علانيةً وسِرَّاً، ويُنفقه خُفيةً وجهراً، ويتَّخذه عند الله الكريم ذُخراً.
وكان الخُضريُّ والعادليُّ في السُّكنى مُتعادلين متجاورين، وعلى فعل الحسنى متعاونين مُتَوازِرَينِ.
توفي رحمه الله قبل السَّبعمائة.
66 - [كافور] البنويُّ الصَّلاحيُّ
(3)
، قال العماد الكاتب: سيِّدٌ أسود،
(1)
الأباليج جمع أُبلوج، وهو السُّكَّر، والغُلْف جمع غِلاف. القاموس (بلج) ص 181، (غلف) ص 842.
(2)
السَّيْبُ: العطاء. القاموس (سيب) ص 98.
(3)
ترجمته منقولة حرفياً في التُّحفة اللَّطيفة 3/ 426 عن المؤلف.
شاعرٌ مُجوِّد، قرأتُ في (تاريخ السّمعانيِّ)
(1)
، أنَّه كان أسودَ طويلاً، لا لحيةَ له خَصِيَّاً.
ومن شعره:
حتامَ همُّكَ في حطٍّ وتِرْحَال
…
تبغي العُلى، والمَعالي مَهْرُها غالي
يا طالبَ المجدِ دون المجدِ ملحمةٌ
…
في طَيِّها تَلَفٌ للنَّفس والمالِ
وللَّيالي صروفٌ قلَّ ما انجذبت
…
إلى مرادِ امرئٍ يسعى بآمال
* * *
(1)
والسمعاني هو: أبو سعد عبد الكريم بن محمد، محدِّث المشرق، المؤرخ، الفقيه الشافعي، ذو الرحلة الواسعة في طلب العلم، له عدة تواريخ، توفي سنة 562 هـ. طبقات الشافعية الكبرى 7/ 180.
حرف الميم
67 - مختار الزُّمرُّديُّ، ظهيرُ الدِّين
(1)
كان قريباً لمحسن الإخميمي جمالِ الدِّين
(2)
، فهما يتآنسان ويغربان في قَرَن
(3)
، ولا يَتدنَّسان من معايب المثالب بِدَرَن، ويمشيان في نسقٍ واحدٍ من الهيبة والمهابة، ويُمسيان في لَسَقٍ
(4)
شديدٍ من حُسْنِ الودادة والصِّحابة، مع رُجْلَةٍ
(5)
وشهامة، وحذاقةٍ بدقائق الرِّئاسة والزَّعامة، ومحافظةٍ على وظائف المرُوَّة، وملاحظةٍ لما يتعيَّن على المسلم من المكارم والفُتُوَّة.
ولمَّا تُوفي الزُّمرديُّ، رَأَسَ محسن
(6)
الخُدَّامَ، وتقدَّم عليهم، وتكرَّم على الكل وأحسن /512 إليهم، مع لين الجانب، وكثرةِ الأدب مع الأصحاب والأجانب، وجمع الله له بين حسن الأخلاق والخلائق، حتى اجتمعت الجماعة على أنَّه للمشيخة لائق، فأدركه الأجل قبل تنفيذ هذا الرَّأي منهم، وانتقل إلى الآخرة، وتعوَّض برحمة الله عن المشيخة وعنهم.
68 - مرشدُ القاري، شهاب الدين
(7)
جليسُ المجاورين، وأنيسُ
(1)
نصيحة المشاور ص 59، وذكر أنَّ وفاته كانت في سنة 750 هـ، وتقدَّمت ترجمته في حرف الظاء.
(2)
أحد خدام المسجد النبوي، ممن سمع على العفيف المطري مسند الشافعي، توفي سنة 755 هـ. نصحية المشاور ص 59، التحفة 3/ 448.
(3)
القَرَن: حبلٌ يُقرن به البعيران، يقال: أعطاه بعيرين في قَرَن، ففيه كناية عن تلازمهما.
(4)
اللَّسقُ واللَّصَقَ بمعنىً واحدٍ، وهو التلاصق. القاموس (لسق) ص 922.
(5)
رجلة: قوَّة. القاموس (رجل) ص 1003.
(6)
في الأصل: (مختار) وهو خطأ، والصواب من نصيحة المشاور ص 59.
(7)
نصيحة المشاور ص 59، وفيها:(القادي) بدل القاري.
المُسامرين، كان إلى مؤانسة مَنْ يُخالطه مَيَّالاً، وإلى مجالسة مَنْ يعاشره سَيَّالاً، وإلى الخواطر أليفاً قريباً، وإلى القلوب حَليفاً حبيباً، فهو طول عمره يَجْبر كسيراً، أو يُطعم فقيراً، ويُؤنس غريباً، ويعتني بتحصيل فاخر الأشربة والمياه والمعاجين، وجَمْعِ محاسنِ البَقول والفواكه والحلاوى بالعُلَب في الصَّناديق والمراجين
(1)
، وكلُّ ذلك مبذولٌ للأصحاب والإخوان، وممدودٌ لهم من مفاخر الإطعمة الخِوَان
(2)
.
يُبدع من الحلاوى والطبائخ غرائبَ ويُبديها، ويُتحف بها صالحي المجاورين ويُهديها، لا يُطلَبُ منه حاجةٌ فيقول: لا أجد، بل إن وجدها يَجُدْ بها، وما لا يجدها يطلبها من مظانِّها ويستنجد ويبذل غاية الجهد في تحصيل حاجة الصاحب وإليه يُسندها.
69 - مُحمد بنُ مُحمدِ بنِ أحمَدَ بنِ إبراهيمَ بنِ يحيى بنِ أبي المجد، القاضي شرفُ الدِّين
(3)
، أبو الفتح، ابن القاضي عز الدِّين أبي عبد الله ابن الشَّيخ كمال الدِّين أبي العباس ابن العلامة شيخ الشافعية برهان الدِّين أبي أحمد الشافعيُّ، المِصريُّ، الشهير بابن الأُميوطي.
كان فقيهاً يُضرب بحفظه الأمثال، ويُلقط من لفظه اللآل، وتُشَدُّ إليه الرِّحال، وتُضرب إليه أكباد الآبال، وينال المستفيدون من غزارة علمه غاياتِ الآمال.
إذا نَقَلَ الفقه فَحدثْ عن البحور، وإذا رقا المنبر فاحكِ عن الخِراص
(4)
(1)
المراجين: جمع مَرْجونة، وهي القُفَّة. القاموس (رجن) ص 1199.
(2)
الخُوان: بضمّ الخاء وكسرها: الذي يؤكل عليه. اللسان (خون) 13/ 146.
(3)
نصيحة المشاور ص 217، الدرر الكامنة 4/ 159.
(4)
الخراص: جمع خُرْص، وهي حلقة الذهب والفضة. وتصحفت في الأصل إلى: الخواص. القاموس (خرص) ص 617.
وقد زُيِّنت بِها النُّحور، وإذا تعرَّض لاستنباط معاني الأحاديث، تضاءلت البُزَاة
(1)
عنده حتى إنَّها براغيث.
كان يفتكر فيما لا يظهر له محل فيفتقر له أجناس المحامل، ويبتكر في شرح الحديث غرائبَ يَعَضُّ لحسنها الأنامُ الأنامل، مع الخُلق الأضفى
(2)
والوُدِّ الأصفى، والجودِ الأوفى، والعدلِ الذي قضى به على كلِّ ذي حقٍّ حقَّه وأوفى، والهيبةِ التي أودعت كلَّ قلبٍ زائغٍ عن الحق رُعباً وخوفاً.
وكان مُتمسِّكاً من السُّنة النَّبويَّةِ بالعروة الوثقى، سطا ببأسه على المخالفين المبتدعة /513 فأنكى، وأبكى منهم النَّواظر بَخْقاً
(3)
وبثقاً
(4)
.
وله تصانيفُ عديدة، وتآليفُ مفيدة، منها:(الجواهر السَّنية في الخطب السُّنِّية)، قلَّتْ خُطبةٌ خلت عن توبيخ أهل الابتداع، وردعٍ بعنف قلَّ ما يتأخَّر عنه الانزجار والارتداع.
وله في المدينة الشريفة مقاماتٌ رائقات، وحسناتٌ على وجه الزَّمان باقيات.
منها: إبطالُ صلاة النِّصف من شعبان
(5)
، وإزالة هذه البدعة التي كان
(1)
البزاة: جمع بازٍ، ضرب من الصُّقور. القاموس (بزو) ص 1262.
(2)
الأضفى: التَّام. اللسان (ضفو) 14/ 485.
(3)
بَخَقَ عينه: عورها. القاموس (بخق) ص 865.
(4)
بثقت العين: أسرع دمعها. القاموس (بثق) ص 865.
(5)
كان يُدَّعى أن فيها أحاديث، مرَّة تصلَّى مائة ركعة، وفي رواية: عشر ركعات يقرأ بِها: {قل هو الله أحد} ألف مرة، إلى غير ذلك من الروايات، قال السُّيوطيُّ في الحديث الوارد بذلك: موضوعٌ، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل، وفيهم ضعفاء، والحديث محال. اللآلئ المصنوعة 2/ 59.
الشَّارع على مُخترعها جِدَّ عَتْبَان.
وكان ينضمُّ إليها مبتدَعاتٌ أُخَر، ومنكراتٌ جزيلُ الأجر لمزيلها مُدَّخَر.
ومنها: زينةُ المسجد بكثرةِ الأنفال
(1)
والإشعال
(2)
، وخروج المُخدَّرات من الحِجَالَ
(3)
، واختلاطهن في المسجد بالرَّجال، ومتابعة بالصياح والعِياطِ
(4)
ومداركة المِياط والهِياط
(5)
، بحيث لا يبقى للحرم احترام، ويعجز عن دفع ذلك القُرَمَةُ
(6)
والخُدَّام.
ومنها: أنَّ الإماميةَ كانوا ينفردون لصلاة العيد، في مسجدٍ عن المُصلَّى بعيد، وكانوا يزعمون أنَّه مسجد عليِّ بن أبي طالب، وأنَّ الصلاة فيه من أعظم المطالب، فعزَّ عليه افتراقُ جموع المسلمين، فتَعهَّدهم من ذلك بسطوته القاهرة وأيْدِه
(7)
المتين، وألزمهم الحضورَ والصلاة في مُصلَّى الرَّسول، والدُّخولَ مع جماعة المسلمين فيما هو أقرب إلى القَبول، وأقومُ طريقٍ إلى الوصول.
ومنها: أنَّ الإمامية كانوا يُقيمون صلاة الظُّهر بانفرادهم والإمامُ على
(1)
الأنفال: جمع نَفَلٍ، وهو نبت نَورُه أصفر طيِّب الرائحة. القاموس (نفل) ص 1064.
(2)
الإشعال: إيقاد النار. المعجم الوسيط (شعل) 1/ 485.
(3)
المُخَدَّرَات: النِّساء اللاتي في الخدور. وهي ستورهنُّ. اللسان (خدر) 4/ 230.
والحِجال جمع حجلة، وهي موضعٌ يُزيَّن بالثياب والستور للعروس. القاموس (حجل) ص 982.
(4)
العِياط: الجَلَبة والصياح، وهي من العامية الفصيحة. اللسان (عيط) 7/ 357.
(5)
يقال: ما زال في هَيْطٍ ومَيْطٍ، أي: ضجاجٍ وشَرٍّ وجَلَبَةٍ، وفي هياطٍ ومياطٍ: دُنوٍّ وتباعد. القاموس (هيط) ص 693، (ميط) ص 689.
(6)
القَرَمةُ: السَّادة. القاموس (قرم) ص 1148.
(7)
الأيْدُ: القوَّة. القاموس (آد) ص 266.
المنبر، فلمَّا نُبِّهَ لذلك تغيَّر عليهم وتنمَّر، وزجرهم بالزَّجر البليغ فازدجر منهم من ازدجر، وربَّما دلَّس عليه بعض المغَالين فوصل بتحية المسجد ظُهْرَه، فيتفطَّنُ له فيدعوه ويُوجع بالضَّرب المُؤلم ظَهْرَه.
ولم يزل ذلك دأبَهم ودأبَه، حتى أزال المنكر وسدَّ بابَه، وأراحَ الخلاف وحدَّ أسبابه، فأجزل الله له ثوابه، وأكرم مُنقلبه ومآبه.
ومنها: أنَّه أمر بتسوية الحفرة التي يصلِّي فيها الإمام، بِمحراب النبي عليه الصلاة والسلام، واختار بأنْ يُسدَّ ذلك ببناءٍ وثيق لايُزال، وإلا فبألواح خشبٍ قابلهٍ للنَّقل والانتقال، وذلك ليتساوى موقفُ المأموم والإمام، وتسلم صلاتُهم عن المَرَاهة
(1)
والكراهة باتِّفاق الأعلام من أئمة الإسلام، فلم يُوافَقْ على ذلك وقُوبل بالعِناد، فنعوذ بالله من استحكام الفساد، وتركَ الصَّلاة في المحراب وتقدَّم إلى الحجرة الشَّريفة، وصلَّى بالنَّاس على بعض الأساطين، وأرغم بذلك المفسدين والشَّياطين، فمضى عليه هنالك سنون، وهو لم يزل على ذلك حتى جاءته المنون
(2)
.
وكان ينوب عنه في الحكم الشَّيخُ أحمدُ الفاسي
(3)
، والفقيه العلاَّمة [أحمد التادلي]
(4)
.....................
(5)
(1)
المَرَاهةُ: الفساد. القاموس (مره) ص 1253.
(2)
وكانت وفاته سنة 745 هـ.
(3)
أحمد الشهاب، أبو العباس الفاسي، الفقيه الفاضل. استنابه الشريف الأميوطي في فصل الخصومات، وكان محصّلا للعلوم مدرّساً، نفاه الأمير طفيل إلى خيبر ثم عاد إلى المدينة، وتوفي فيها، وذلك سنة 733 هـ. التحفة 1/ 276.
…
وجاء في الأصل: (القابسي)، والتصحيح من نصيحة المشاور ص 220.
(4)
تقدمت ترجمته.
(5)
هنا سَقَطٌ من الأصل بمقدار ورقة على الأقل.
70 - [محمد بن أحمد الأمين، الشيخ أبو عبد الله الاقشهري، ثم الأخلاطي
(1)
. الشيخ أمين الدِّين.
ارتحل من بلاد الروم إلى بلاد المغرب في شبابه، وتجرَّد لالتماس العلم وتِطلابه، وطلب الفضل والأدب من أبوابه، وطاف في أقطار الأندلس وجال، ولقي من أهل العلم فحول الرجال، واقتبس من أنفاسهم، وأنس من ناموسه نبراسُهم، وتعلم من تِبيانِهم، وتكلم بِلسانِهم، وتأسَّن
(2)
بأَنْسَائِهم
(3)
.
فتح الله عليه في خدمة الحديث باباً، سهَّل عليه مدخله، فَعِلمُ الحديث وتدوينه محطُّه ومرحله، صنَّف فيه تصانيف، وجمع وألَّف فيه تأليف ونفع، وكان متردِّداً بين الحَرَمين، رافعاً من شرف جوارهما عَلَمين، ثمَّ إنَّه اختار في الآخرة مجاورة المدينة، ورزقه الله بها من التمنيات حليلة خدينة، فأحبَّت الشيخ واختارت على الدنيا جَنابه، وأتت منه ببنتين فسمَّاهما: طيبة وطابة، فأحبَّهما غاية الحبابة، واسترغد بِهما العيش واستطابه، ثمَّ إنَّهما تُوفيتا في حياته، وسلبتاه ضوء إياته
(4)
، وصفاء ساعاته، وحزن بفقدهما إلى أقصى غاياته. توفي عام تسعٍ وثلاثين وسبعمائة]
(5)
(1)
نصيحة المشاور ص 107، التحفة اللطيفة 3/ 460، العقد الثمين 1/ 286، ذيل التقيد 1/ 39.
وآقشهر، بِقُونية، وهي مدينة في تركيا، وذكر الفاسي أن مولده سنة 666 هـ.
(2)
تأسَّن أباه: أخذ أخلاقه. القاموس (أسن) ص 1176.
(3)
الأنساء جمع نَسْء، وهو اللبن الرقيق الممذوق بالماء، أو الشراب الذي يزيل العقل. اللسان (نسأ) 1/ 169 - 170.
(4)
أصل الإياة: ضوء الشمس. اللسان (أيا) 14/ 63. يريد: إصابته بالعمى.
(5)
وهذه الترجمة ساقطة من الأصل مع السقط، واستدركناها من التحفة اللطيفة 3/ 462 لأنَّه نقلها عن المؤلف كعادته في النقل عنه.
71 - [محمد بن عبد الله السبتي]
(1)
. .. . . . . . . . . . . . . .
(2)
/514 وأنزلهم من منازل حسن الإرشاد غُرَفاً، وكان له فيهم فراسة عظيمة تصادف صِدْقا، وإذا قال بظَنِّه لأحدهم: أنت فعلتَ كذا وكيت فكان كذا، يكون ذلك حقاً، وربَّمَا يقول لأحدهم: أنت يجيء منك وزير، ويا فلان أنت يجيء منك تاجرٌ كبير، وهذا يكون فقيهاً عالماً، وهذا يكون سفيهاً ظالماً، وهذا يكون بطَّالاً باهلاً
(3)
، وهذا يكون غلاَّجاً
(4)
جاهلاً، إلى أن يذكر لغالبهم ما يتفرَّس فيهم، ويبِّين ما يستأنسه في أسارير نواصيهم.
فلا تخطئ عليهم في المقال، ولم يتعَّد أحدٌ ممَّا رسم له من الأحوال.
يُحكى أنَّ شفيعاً الكرموني
(5)
شيخ الخُدَّام وقف عليه يوماً وقال له: قد فَقَد عُمَّار الحرمِ خشبةً مدهونة نحوَ ذراعٍ في ذراع، وما نظنُّ أن يأخذها إلا بعض هذه الأولاد، فقال له: اذهب فإنَّها تأتيك، ثمَّ قال لهم: اقرؤوا وارفعوا أصواتكم، ففعلوا، ثم قال لهم: اسكتوا فسكتوا، فقال عَجِلاً: قم يا حسين وأت بالخشبة ولا تتكلَّم، فقال: ما أخذتُها، وجعل يبكي ويتظلَّم، فقال اقرأ على حالِك، ونَحن نستخرجها من رحالك، ثمَّ قال: امض إلى أهله وقل: حسين يقول لكم: هاتوا الخشبة المدهونة التي أتيتكم بِها البارحة، فما كان قليلاً إلا وجاء بِها وهو ينظر، فضربه وأمر الصبيان فضربوه.
(1)
نصيحة المشاور 178، التحفة اللطيفة 3/ 616.
(2)
هنا نهاية السَّقَط.
(3)
باهلاً: لا يصل إليه السُّلطان، فيفعل ما يشاء. القاموس (بَهل) ص 970.
(4)
غلاجاً: ظالماً. تَغَلَّجَ: بغى وظلم. القاموس (غلج) ص 200.
(5)
تقدمت ترجمته في حرف الشين.
وكان يعزم على الجانِّ فيُحضِرهم ويُخوِّفهم ويُحذِّرهم، وكان يكتب ورقةً على طول المصروع فيعلِّقها عليه فيبرأ في الحين.
ولم يزل كذلك حتى فلجوه بنفسه، أصبح يوماً مصروعاً في وسط داره، وقد بطل كله، وبقي كذلك مدَّة، وقاسى في ذلك ذِلَّة وشدَّة، إلى أنْ توُفي في عام عشرين وسبعمائة تقريباً، رحمة الله عليه.
72 - محمدُ بنُ محمدِ بنِ محمدِ الغرناطيُّ
(1)
، الشَّيخُ، الفقيهُ، العالمُ، النَّاسك، أبو عبد الله، الفَرَضِيُّ، المُقرئ.
أتقن القراءاتِ السَّبع وجوَّد، وأحكم الفرائض والحساب حتى تفرَّد فيهما وتوحَّد.
يُحكى أنَّه عرض له أمرٌ خاف أن يتعدَّى فيه أَطْوَرَيْهِ
(2)
، ويرتكب مالم تدعُ الشريعة إليه، فبادر إلى اجتثاثِ أنثييه، واستلال خُصييه، وإنَّما كان تسويلاً من الشيطان، وغُلب عليه.
ثمَّ إنَّه تبتَّل في الزَّهادة، وانقطع إلى الله والعبادة، فرغب فيه الخُدَّام، ووَفَّوه حقَّ الإكرام، وأدخلوه في زُمرتِهم، وجعلوه من جملتهم، وولَّوه الخدمة الشَّريفة، وعلَّوه إلى محالها المنيفة، وقَدَّموه على أنفسهم في المعاشرات، وفوَّضوا إليه ما يتعلَّق بِهم من الأعمال والمباشرات.
وكان إليه حفظ /515 الحواصل، والنَّظر في الأوقاف والمُغَلاَّت
(3)
(1)
نصيحة المشاور ص 157، الدرر الكامنة 4/ 236.
(2)
أطوريه: طرفيه، وهو أقصاه وأدناه. يُقال في المَثَل: بلغَ في العلمِ أَطْوَرَيه، أي: غايته، والغرضُ بالتثنية التوكيد. يُضرب للمتناهي في العلمِ. المستقصى 2/ 14، القاموس (طور) ص 432.
(3)
المغلات: اسم مفعول من: غلَّ، والغَلَّةُ: الدَّخْل. القاموس (غلل) ص 1039.
الدَّواخل. ورأس فيهم رئاسةً تامَّة، وتَميز تَميُّزاً كثيراً على لفيف العامَّة.
ثمَّ دخل في جملة المُؤذِّنين، وأذَّن بالمعلوم مدَّة سنين، ووقف كُتباً شهيرةً على العلماء، وأعتق جملةً كثيرة من العبيد والإماء.
وكان يُجالس من العلماء الرُّؤساء والرُّؤوس، ويَحضر كلَّ يومٍ مجالس الدُّروس.
وكان محبَّباً إلى كل إنسان، مشهوراً بِعفَّة اليد واللّسان.
توفي سنة أربعٍ وخمسين وسبعمائة.
73 - مُختصٌّ الدَّيريُّ
(1)
، شرفُ الدِّين شيخُ الخُدَّام.
وَلِيَ المشيخة عن عزِّ الدِّين دينار مصروفاً، فباشر لا يُنكِر منكراً ولا يعرف معروفاً، وتلقى النَّاسَ بأخلاقٍ غيرِ رضيَّةٍ، وأعراقٍ عن المكارمِ عَرِيَّةٍ، فبلغ من الاستكبار، مبلغاً يعامل الكبار بالزَّجر والانتهار، فلم تُحمَد لذلك سيرتُه، ولم تُشكر سريرته، على أنَّه كان بالعِمارة مُولَعاً، وبإصلاح ما خَرِب من الأوقاف مُوزعاً
(2)
، يصرف في ذلك ليلَه ونَهاره، ودِرهمه وديناره، ويباشر بنفسه الغَرْس والعِمارة، وإذا خرج إلى النَّخل لمصالحها استصحب من المطاعم الشَّهية، والمآكل الملوكية، ما أعربَ به عن هِمَّةٍ عليَّة، وذِمَّةٍ بالسَّماحة مليَّة.
فانعمرت في أيامه الأوقاف، وتبدَّلت كافُ كُربةِ الفُقراء بالقَاف.
(1)
نصيحة المشاور ص 48، الدرر الكامنة 4/ 344، هدية العارفين 2/ 257، الأعلام 8/ 26، وتقدمت ترجمة أخيه عليٍّ.
(2)
موزعاً: مُغْرَىً، يقال: أوزعه بالشيء فأُوزع به، فهو موزعٌ: مُغْرَىً به. القاموس (وزع) ص 770.
ثم سُعي فَعُزل بالخَزْنَداريِّ
(1)
، وبعد سنتين أُعيد الدَّيريُّ إلى ولايته، وعُزل بعد أشهر بعزِّ الدِّين دينار
(2)
، واستمرَّ معزولاً، وسافر إلى مصر وأقام بِها إلى أن مات.
74 - محمدُ بنُ يوسفَ بنِ الحسن
(3)
، الشَّيخُ الإمامُ شمسُ الدِّينِ، أبو عبدالله الزَّرنديُّ، الأنصاريُّ، المدنيُّ، المحدِّث بالمسجد المقدَّس النَبويِّ، صلَّى الله على مُشرِّفه.
كان أكبرَ إخوانه عُمراً، وأغزرهم بَحراً، أنشأه الله في تربية والديه نَشاءً صليحاً، فبدأ به في غُرِّه
(4)
، فحرَّر الفوائد
…
(5)
مليحاً.
حفظ القرآن المجيد في صغره، ولاحت أسارير السَّعادة في غَرْغَره
(6)
.
سافر إلى مصر والشَّام، وأدرك من المُسندين المشايخَ العِظام، وسمع أبا المعالي الأَبَرْقُوهي
(7)
وطبقته، وتحبَّب إلى الأشياخ وغرس في قلوبِهم مِقَتَه
(8)
،
(1)
وذلك في سنة 742 هـ، كما في نصيحة المشاور، وهو شرف الدين، تقدمت ترجمته في حرف الشين.
(2)
تقدمت ترجمته في حرف العين.
(3)
نصيحة المشاور ص 105، الدرر الكامنة 4/ 295، هدية العارفين 2/ 257، الأعلام 8/ 26.
(4)
غره: أول عمره. اللسان (غرر) 5/ 11.
(5)
هنا كلمة لم تظهر.
(6)
في غرغرة، غرة الشيء: أوله ومنه الغُرَرُ: وهي ثلاث ليال من أول كل شهر. والغِر: الشاب الذي لا تجربة له. اللسان (غرر) 5/ 15 - 16.
(7)
نسبة إلى أَبَرْقُوه، بلدةٍ بأصبهان، واسمه أحمد بن إسحاق، كان مُسْنِد زمانه، حدَّثَ عن الفتح بن عبد السلام، وابن صرما، والفخر ابن تيمية، توفي سنة 701 هـ. معجم الشيوخ للذهبي 1/ 37، الدرر الكامنة 1/ 102، شذرات الذهب 6/ 4.
(8)
مِقَتَهُ: محبَّته. القاموس (ومق) ص 929.
خرَّج له الذَّهبيُّ
(1)
مشيخة جليلة، أعربَ بِها عن رحلة واسعةٍ وهِمَّةٍ أثيلة
(2)
.
وسمع بِمكَّة والمدينة كبارَها، وبيت المقدس والمِصْرَينِ
(3)
نبلاءها وأخيارها.
ثُمَّ ارتَحل إلى بلاد ما وراء النَّهر، فأضاء نور شمسه هنالك وَبَهَر.
زيَّنَ خُوارزم بِحضرته، واستفاد فضلاؤها من بَهجةِ فضله ونُضرته، ودخل العراق مرَّات، وله بِها في ميدان السُّنة جولاتٌ وكرَّات، ووفد علينا بالآخرة مدينة /516 شيراز، وتُلُقِّيَ بالتَّعظيم والإعزاز، ونزل أوَّلاً بالمُعَزِّيَةِ نزيلاً لمعزِّ الدِّين ابنِ أخت قاضي القضاة مجدِ الدِّين، ثُمَّ انتقل إلى منازلنا وتأهل، وأرحب بحمد الله في انتماء واستنهل.
وصنَّفَ لسلطان فارس "الأربعين" وشَرَح، وأثنى في ديباجته على السُّلطان ومدح، فقابله بِمالٍ جزيل، ووفَّى حقَّه من التَّعظيم والتبجيل، وولاَّه درس الحديث في مسجد والده، وأولاه من خارف
(4)
المال وتالده
(5)
، وشاهد من مكارم أهل تلك البلاد، ما عوَّقه عن الرُّجعى إلى الأهل والأولاد.
وكثيراً ما كان ينشدنا رحمه الله:
ولا عيبَ فيكم غير أنَّ ضُيوفكم
…
تُعَابُ بنسيانِ الأحبَّة والوطَنْ
(1)
اسمه محمد بن أحمد، المحدِّث، المؤرخ المشهور، المتوفى سنة 748، صاحب سير أعلام النبلاء وغيرها. الدرر الكامنة 3/ 336.
(2)
أثيلة: أصيلة. القاموس (أثل) ص 960.
(3)
المِصْرَان هما الكوفة والبصرة. القاموس (مصر) ص 476.
(4)
سمّي الخريف خريفاً؛ لأنه تخرف فيه الثمار، أي: تجنى، فسمي المال خارفاً على سبيل الاستعارة. يريد الحديث العهد، كما قالوا: اللبن الخريف، أي: الطري الحديث العهد بالحلب. اللسان (خرف) 9/ 62 - 64.
(5)
التَّالد: القديم. القاموس (تلد) ص 270.
فلم يزل هنالك مُلَجَّجاً
(1)
في العِزِّ والمال، والقَبُول والإقبال، وسَعة الحال، وفراغ البال، والتَّصنيف والتَّأليف والاشتغال، ومع ذلك لا يُفارقه الالتياع
(2)
والحنين إلى مَنْ خلَّفهم من البنات والبنين، حتى نيَّفَ على عشرٍ من السِّنين، فتوفِّي بِها في عام تسعٍ وخمسين، وحضر جنازته صناديدُ البلد أجمعين، ودُفِنَ بِمقبرةٍ مشهورةٍ تُدعى مقامَ الرِّجال الأربعين.
75 - محمدُ بنُ عبد الله، الشَّيخُ شمسُ الدِّين الخُجَندِيُّ
(3)
.
من الأخيار العابدين، والأبرار الزَّاهدين، وأصحاب المجاهدات، وأرباب المعاملات، وله مواظبةٌ على الدُّخول على الأربعينات، ومُلازمة الخلوات، ومع ذلك لا ينقطع عن الصفِّ الأوَّل في أوقات الصَّلوات، لكن لا يخرجُ إلا في غطاءٍ يحجبه عن النَّظر والالتفات، إلى الجهات المختلفات، وعقيب تسليم الإمام يرجع إلى خلوته ويشتغل بالذِّكر وما عيِّن له من العبادات.
وكان قد بُورك له في الطَّعام بَركةً ظاهرة للخاصِّ والعامِّ، ويُطعم الجمَّ الغفير من نزرٍ يسير، ويُشبع الجمع الكثير، من طُعم حقير.
ذكر بعض الصَّالحين أنَّه أعطاه صاعاً من دقيق، وأمره أنْ يعمل له منه رشيدية
(4)
ويرسل إليه منها كلَّ ليلةٍ جفنةً مطبوخة، قال: ففعلتُ، واستمرَّ الحال على ذلك مدَّة، ثمَّ قال: اِعمل لي منه كل ليلةٍ قرصاً، ففعلتُ مُدَّة، ثمَّ
(1)
ملججاً: مليئاً ومنه: البحر اللُّجيُّ: المليء العميق. القاموس (لجج) 1/ 313.
(2)
اللَّوعة والالتياع: وجع القلب من المرض والحب والحزن، وقيل: حرقة الحزن والهوى والوجد. اللسان (لوع) 8/ 327.
(3)
نصيحة المشاور ص 167، الدرر الكامنة 4/ 318، وذكره في فضل الجماعة الذين لم يستحضر أسماء آبائهم. التحفة اللطيفة 3/ 614.
(4)
الرشيدية: عجين فطير يعمل رقاقاً ويقطع طولاً ويكسر حين يجف، ويطبخ باللبن غالباً. القاموس (رشد) ص 882، المعجم الوسيط 1/ 345 - 346.
قال: اعمل لي كلَّ ليلةِ جُمعةٍ قصعة طعامٍ للفقراء، وكانوا يجتمعون عنده للذِّكر، فآتيه بذلك الطَّعام الذي دون شِبَع ثلاثة فيقدِّم لهم، فيأكل منه أكثرُ من عشرين نفساً.
قال: ولايَزالُ يُنفق مما يعطينا حتى نَمَلَّ، ثمَّ نأخذُ البقية بعد ذلك كلِّه.
مات سنة أربعٍ وستين وسبعمائة /517 عن وصيةٍ وصدقةٍ بِجميع ما يَملكه حتى بفراشه من تَحته.
76 - محمدُ بنُ محمدِ بنِ سهلِ بنِ مالكِ بنِ سهلِ
(1)
، المقرئُ،
المُحدِّثُ، النَّحويُّ، الفَلَكيُّ، الأندلسيُّ، الغرناطيُّ، الإمامُ الجليل، الوَرِع، الزَّاهد، العارف، جامع المعارف والعوارف.
كان في ابتداء أمره وزيراً بالأندلس من بيت الوزارة، وكان وَرِثَ من والده مالاً جزيلاً، فأعرض عن الكلِّ، واستصحب من أجلِّ ماله جملةً صالحة، وكان يقتات منه ولا يأكل من غيره أبداً، ولا يضيف من الخلق أحداً، وهو مُكِبٌّ على محافظة الوقت والتزامه، والمواظبة على صيامه وقيامه، ولزوم طريق الانقطاع، والاعتزال عن الخلق وترك الاجتماع، خصَّه الله بِمواهبَ عَلية، وأظهر عليه آثار العناية الأزلية، توفي سنةَ ثلاثين وسبعمائة، رحمة الله عليه.
77 - مُحيي الدِّين الخُوَارِزْميُّ
(2)
، تَفَقَّه على الحافظ محبِّ الدِّين الطبري
(3)
بِمكَّة، ثمَّ اختار مجاورة المدينة فجاور بِها عشرين سنةً على قدمٍ
(1)
معجم الشيوخ للذهبي 2/ 272، الوافي بالوفيات للصفدي 1/ 236، الدرر الكامنة 4/ 178، نصيحة المشاور ص 90.
(2)
نصيحة المشاور ص 94، وفيه:(الحوراني) بدل (الخوارزمي).
(3)
أحمد بن عبد الله، شيخ الحرم، وحافظ الحجاز، تفقه على مجد الدين القشيري، وسمع الحديث من ابن المُقَيَّر، وابن الجُمَّيزي، من مؤلفاته:"الرياض النضرة في فضائل العشرة"، توفي سنة 694 هـ. تذكرة الحفاظ 4/ 1474، طبقات الشافعية الكبرى 8/ 18.
راسخةٍ في العلم، وثباتِ جأشٍ على الاشتغال والانقطاع عن المنال والمال.
وكان عنده كتبٌ جليلة، ونُسَخٌ نفيسة حفيلة، وقَفها كلَّها على أهل العلم، وجعل مَقرَّها المدرسة الشَّهابية في خزانتها، وشرطَ ألا تُغيَّرَ الخزانةُ من موضعها، فلمَّا تغيَّرت الأُمور غُيِّرت، وصُيِّرت الكُتب إلى حيث سُيِّرت، واللهُ تعالى يُصلح الأحوال، ويحفظنا من شرور منكرات هذه الأهوال.
مات سنة إحدى وعشرين وسبعمائة رحمة الله عليه.
78 - محمدُ بُن أحمدَ بنِ خلفِ بن عيسى
(1)
، الشيخ جمالُ الدِّين الخَزْرجيُّ السَّعديُّ، العباديُّ، المدنيُّ، الشَّهير بالمطريِّ.
رئيسُ المُؤذِّنين بالحرم الشَّريف النَّبوي، صلَّى الله على ساكنه وسلَّم.
كان إماماً مُقدَّماً في فنونٍ من العلوم، أمَّا تقدُّمُه في الحديث فمشهورٌ معلوم،
والفقه كان ابنَ بَجْدَتِه
(2)
، وأما التاريخ فطلاَّعُ أَنْجِدَتِه
(3)
، ناب عن القاضي شرفِ الدِّين
(4)
في الحكم والخَطابة والإمامة، فَوَفَّى في خلافته حقَّ الرِّئاسة والزَّعامة.
وكان سالكاً مسالك الأولياء المتقين، مُتخلِّقاً بآداب الأتقياء المُحقِّقين، قائماً بِحقوق الواردين، صارفاً عُمره في خدمة كبراء الفقراء الوافدين.
(1)
نصيحة المشاور ص 149، الدُّرر الكامنة 3/ 315، وفيها (بن خالد بن عيسى)؟ وهو تصحيف، و "لحظ الألحاظ" لابن فهد ص 110، التحفة اللطيفة 3/ 466، ذيل التقييد 1/ 43.
(2)
يقال في المَثَل: هو ابن بَجْدَتِها، للعالم بالشَّيء، ولَمنْ لا يُبرحُ عن قوله. القاموس (بَجد) ص 266.
(3)
الأنْجدة: جمع النُّجود، والنُّجود جمع النَّجْد، وهو ما أشرف من الأرض، وفي استعمال المؤلف استعارة. القاموس (نَجد) ص 321.
(4)
شرف الدين الأميوطي، محمد بن محمد، وقد تقدمت ترجمته.
ومسامرته دُرِّيةٌ تستمقى
(1)
، ومحاروته سُكَّرية تُستبقى، محاضرته مطريةٌ تُستسقى، مناظرتُه غَضَنْفَرِيةٌ لا تسلنقى
(2)
.
وإذا طلع المِئْذنةَ الشَّريفةَ أطرب بصوته الجماد، وهزَّ بنَغماته الدَّاوودية
(3)
/518 الصُّمَّ الصِّلاد
(4)
، وإذا ذكَّر في السَّحَر لم يبق عُنقٌ إلا مَالَ ومَاد.
ورِث مَنْصِبَ التَّأذين عن والده، فكان أعزَّ ما ورِث من طارفِه وتالده
(5)
، غاب عن الوظيفة يوماً إلى قُبا، فاستخلف عزَّ الدِّين
(6)
أحدَ أصحابه المُؤذِّنين فما أبى، لكنْ خالف في الخِلافة، إمَّا لعذرٍ به، أو قصدِ خِلافه، فتعرَّض عليه عزيزُ الدَّولة شيخُ الخُدَّام، وشرعَ بالملام، وآذاه بالكلام، فالتزم يَميناً أنْ لا يصعد هذه المِئذنَة للتَّأذين، حتى يموتَ عزيزُ الدَّولة وعزُّ الدِّين، فماتا بعد سنين، وانْحلت اليمين، وعاد المِئْذَنةَ رئيسُ المُؤذِّنين.
ومات في عامِ أحدٍ وأربعين، عند استكمال عشر السَّبعين
(7)
، رحمه الله وإيَّانا أجمعين.
79 - محمدُ بن عبدِ المعطي بنِ سالمِ بن عبدِ العظيم بن محمدٍ الكِنَانيُّ،
(1)
تستمقى: تعلو وتطول. القاموس (سمق) ص 895.
(2)
تسلنقى: لا ترجع خاسرة منقلبة على ظهرها. القاموس (سلق) ص 895.
(3)
المنسوبة إلى سيدنا داود عليه السلام المشهور بِحسن صوته.
(4)
الصلاد: الحجارة الصلبة. القاموس (صلد) ص 293.
(5)
الطارف: الحديث من المال، والتالد: عكسه. القاموس (طرف) ص 831.
(6)
عز الدين المؤذن، قدم من مصر إلى المدينة لمعرفته الأوقات، فكان حسن الهيئة، ذا رئاسة مليحة. توفي سنة 700 هـ. نصيحة المشاور ص 150.
(7)
أي: في سنة 710 هـ.
المِصريُّ، الشَّافعيُّ
(1)
، أصله من عسقلان، ويُعرف بابن سَبْع.
مولدُه عامَ ثَمانين وستمائةٍ بالقاهرة، وتفقَّه على القاضي نجم الدِّين ابن
الرِّفعة
(2)
، وكان له بذلك على أقرانه رِفعة، وكان قد قرأ القراءات على الشَّطَنوفيِّ
(3)
، ولكن كان لحقوق المعرفةِ بِها غيرَ مُوفي.
ولي الحكم والخطابةَ بالمدينة في عام خمسين وسبعمائة، فباشرها بسياسة تامَّة، ورئاسةٍ عامة، جعل المحاسَنةَ له أحسنَ منهاج، ولا تجدُ له بالمخاشنة مِنْ هَاجٍ، مع الحلم الكافي، والخُلُق الضافي، والكرمِ الوافي، والوِرْد الصَّافي، والخُطَبِ الفصائح، ومحاسن المواعظ والنَّصائح، والصَّوت الجَهْوَري، واللَّفظ الجوهري.
إذا صلَّى فكَّ تلبيب
(4)
المأسور، وإذا خطب أسمعَ مَنْ في السُّوق بل مَنْ على السُّور، غير أنَّه كان قاصراً عن مَنْ كان قبله في درجات العلوم، مُقصراً فيما يتعَيَّنُ على المتولِّي إقامته من شرائط ورسوم، فاشتغل النَّاس به وبالطَّعن عليه، وهمزوه بأنَّ شروط الواقف لم تَجتمَعْ لديه، وإنَّ من جملتها العلم بالقراءات ومعرفة الأصلين، وإنَّه لم يقرأ منهما في مناظِر النُّظَّار فصلين، ولا في مناضل النِّضال
(5)
نَضْلين.
وكان يُعاب بأنَّ فيه شيئاً من طباع العوام، منها أنَّه يُقبِّلُ الأرض إذا تَمثَّل
(1)
نصيحة المشاور ص 224، الدرر الكامنة 4/ 30، التحفة اللطيفة 3/ 654.
(2)
أبو العباس أحمد بن محمد، شافعيُّ زمانه، تفقَّه على السَّديد والظهير التزمنتيينِ، وعنه التقي السبكي، توفي سنة 710 هـ. طبقات الشافعية الكبرى 9/ 24، الدرر الكامنة 1/ 284.
(3)
أبو الحسن بن علي بن يوسف، شيخ الديار المصرية، قرأ القراءات على صالح بن إبراهيم الأسعردي، توفي سنة 713 هـ. غاية النهاية 1/ 585.
(4)
التلبيب: موضع اللَّبب، واللْبَب: موضع القِلادة من الصَّدر. القاموس (لبب) ص 133.
(5)
يقال: ناضله نِضالاً: باراه في الرَّمي. القاموس (نضل) ص 1063.
بين يدي النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام، في أشياء كثيرةٍ يهول نُكْرُها، ويطول ذِكْرُها.
فسافر جماعةٌ من المجاورين وأشاعوا عنه تلك الأُمور، وساعدهم على ذلك القاضي عزُّ الدِّين ابن جماعةَ
(1)
في آخرين من الصُّدور، فَعُقِدَ لهم مجلسٌ في القلعة وأُحضروا، وشهدوا عند ابن جماعة، وقَبِلَهم وأثبتوا ما ذكروا، ونصل النصل، ونَفَذَ النُّشَّاب
(2)
، وعُزلَ وولِّي مكانَه القاضي بدرُ الدِّين ابنُ الخَشَّاب
(3)
/519.
80 - مختارٌ الموَلَّه
(4)
، كان من إخوان نصرٍ الطَّواشي
(5)
في خُلُقه وآدابه، والقيامِ بِحقوقِ إخوانه وأصحابه، صحب المشايخ الكبار، والأئمة الأخيار، فاستضاء بسواطع أنوارهم واستنار، واكتسب من شرائفِ عاداتِهم ما ألبسه ثوبَ الافتخار، وعَرَّاهُ من مَعَرَّةِ
(6)
الاعتياد بالقِنْية والادِّخار.
صحب الشَّيخ أبا محمد
(7)
البَسْكَريَّ فتحلَّى بِسُكَّرِه، وخدم الشَّيخ أبا عبد الله العسكري فتقوَّى بِجنده وعَسكرِه، وخَبَرَ طريقَ الحقِّ فتعرَّف بِمعروفه، وتنكرَّ عن منكره.
(1)
عبد العزيز بن محمد، بلغ عدد شيوخه ألفاً وثلاثُمائة نفس. ولي قضاء الديار المصرية، توفي في مكة سنة 767 هـ. معجم الشيوخ للذهبي 1/ 401، الدرر الكامنة 2/ 379.
(2)
النُّشَّاب: النبل أوالسهام. اللسان (نشب) 1/ 757. ونفذ السهم في الرمية: خالط جوفها ثم خرج طرفه من الشق الآخر. اللسان (نفذ) 3/ 514، ففيه كناية عن نفاذ الأمر وانقضائه.
(3)
اسمه إبراهيم بن أحمد، تقدَّمت ترجمته في حرف الهمزة.
(4)
نصيحة المشاور ص 60.
(5)
ستأتي ترجمته في حرف النون، وتصحَّف في الأصل إلى:(الشَّواطي).
(6)
المَعَرَّةُ: الإثم والجناية. القاموس (عرر) ص 438.
(7)
في الأصل (أبابكر) والصواب ماأثبتناه، كما في نصيحة المشاور ص 65، وقد تقدمت ترجمته.
كان له أقطاعٌ من مفاخر الأخيار، وكان قد حكم فيه الشَّيخُ العارف عمر الخرَّاز
(1)
، يتديَّن طول السَّنة من كلِّ مِدْيان
(2)
، فإذا جاء الموسم احتفنه من خُبز
مختار حَفَنات من غير ميزان
(3)
.
وكان يتحيَّلُ في إيصال الخير إلى الفقراء سِرِّاً، ويَجتهد في إِسْداء المعروف إلى أهله بحيث لا يُدرى.
توفي رحمه الله عام أحدٍ وأربعين وسبعمائة.
81 - مفتاحٌ الهِنديُّ
(4)
، كان من أَربابِ الكرامات، وأصحابِ المقامات، وله في طريقِ الفقر ارتحالاتٌ وإقامات.
كان يعمل في شهر ربيعٍ مولداً
(5)
للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بِجمع حفيل، ووضعٍ جميل،
(1)
عمر بن عياذ الأنصاري، موطنه الأصلي الأندلس، هاجر إلى الحجاز مع أسرته لما ضعف أهل ناحيته وغلب عليهم الإفرنج. نصيحة المشاور ص 116، التحفة 3/ 354، الدرر الكامنة 3/ 182، وفيه:(عمر بن عياض الجزار).
(2)
المِدْيان: الذي يقرض الناس. اللسان (دين) 13/ 168.
(3)
قال ابن فرحون موضِّحاً القصة هذه: وكان الشَّيخُ عمر الخرَّاز من إخوانه وكان عمر يأخذ الدَّين الكثيرَ لأجل عياله، فيأتي الموسم وعليه فوق الثَّلاثة آلاف درهم، فيقضيها الطواشي مختار، وربَمَّا يقول له: خذ من خبزي بغير ميزان فيحفن له حفنات تقضي دينه.
(4)
نصيحة المشاور ص 62.
(5)
لاشك في بدعيته عند علماء أهل السنة لعدم ورود الدليل بمشروعيته، وكل ماكان كذلك فهو من البدع المحدثة لما أخرج الإمام مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خطب:«أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» . أخرجه مسلم في الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم:867،2/ 592. ومعلوم باتفاق العلماء من محدثين وفقهاء ومؤرخين أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم /لم تعرفه القرون الثلاثة المفضلة ولافعله أحد من السلف بل إن أول من أحدثه الرافضة في أواخر القرن الرابع بمصر، فلا يسيغ في شرع ولا عقل أن تضل الأمة بأسرها عن هذا العمل لو كان مشروعاً ثم يهتدي لذلك الرافضة الضلال بعد انقضاء العصور ودروس الأيام.
وإِنفاقٍ جزيل، ووقفَ نَخلاً من أحسن النَّخيل، ويذكر دائماً أنَّه في سادس رجب يكون الرَّحيل.
ويُحكى عنه أنَّه أكل عند بعض العلماء طعاماً فَغَصَّ بلحمةٍ شَهِقَ منها شَهْقةً ما شكَّ أحدٌ أنَّه مات، ثمَّ ازْدَرَدَها
(1)
وأفاق، وقال: خفتُ على أني أموت اليوم، لا، بقي لي كذا وكذا يوماً وأموت، فكان كما قال رحمة الله عليه.
82 - محمدُ بنُ عبدِ العزيز الجَبَرْتيُّ
(2)
، شمسُ الدِّين، كان من رؤساء المدينة المذكورين بالثَّراء والكرم، المشهورين بالسَّخاء وعلوِ الهِمَم، مَلِثٌ
(3)
مِفْضَال، وأَثعلُ
(4)
فِعال، غَمَر مَعَارفه بالطَّول والنَّوال
(5)
، وهو عن العُسر والشَّكاسَةِ خالٍ، وعند العشرة بالسَّماحة لُهْمُوم
(6)
خَال
(7)
.
وَلِيَ شهادة الحرم الشَّريف والنَّظر على جميع حواصله وعماراته، فكان المنصب مُعرباً عن تباشير خبره وإماراته، فاستوى أمرُهُ وانبرم، وغلَب أقرانَه بالفخر والكرَم، وصار إليه المرجعُ في جميع الآراءِ الصَّادرة عن شيوخ الحرم.
وكان على المكارم من المثابرين، وسبقَ في حَلْبة الفَخَار العَابرين والغَابرين، وحوى من مفاخر الأملاك والأموال مالم يَحوِه مثلُهُ أحدٌ من أولاد المجاورين.
(1)
ازدردها: ابتلعها. القاموس (زرد) ص 285.
(2)
نصيحة المشاور ص 183، التحفة اللطيفة 3/ 648.
(3)
ملث: طيب النفس. القاموس (ملث) ص 176.
(4)
أثعل: أعظم، والأثعل أيضاً: السَّيد الضَّخم. القاموس (ثعل) ص 972.
(5)
النَّوال: العطاء. القاموس (نول) ص 1066.
(6)
لهموم: غزيرٌ كثير. القاموس (لهم) ص 1160.
(7)
الخَال: الرِّجل السَمْح. القاموس (خيل) ص 996.
وخَلَّفَ النُّجباء من الأولاد، وكان فيهم مَنْ قام مَقام والده فيما ذُكِرَ وزادَ أو كاد.
توفي شمسُ الدِّين سنةَ خمسٍ وستين.
..........................
…
(1)
[83 - محمد بن إبراهيم، المؤذِّن، المصريُّ، النَّجَّارُ، المدنيُّ الدَّار
(2)
.
قَدِمَ والده من مصر لمَّا أُنْهي إلى الأبواب العالية، أنَّه ليس بالمدينة مَنْ يُوثق به في معرفة الأوقات ......، فإنَّهم أرسلوا لها إذ ذاك ثلاثةً من المؤذِّنين رؤساء: أحدهم: أحمد بن خلف المطريِّ، والد الشَّيخ جمالِ الدِّين، والثَّاني: عزُّ الدِّين المؤذِّن، والثَّالث: الشيخ إبراهيم
(3)
.
وكان أحمد وإبراهيم في حُسنِ الأداء، وطِيب الخُلق، وحُسنِ الصَّوت، ورِقَّة الأنفاس فرسين.
فجاء الفقيه محمد بن إبراهيم على سمت والده رضيه، إذا تكلَّم على المأذنة طرِبَ كلُّ أحدٍ لِكَلَمِه، وكان من الفقهاء النُّبهاء، وعلى نفسه وحسبه روح
ونقاء، شارحٌ صدره بخدمة الفقراء وقضاء حاجتهم]
(4)
.
/520 طارحٌ للتَّكلُّيفِ بسلوك سبيل المتُبذِّلين في لباسهم ومنهاجهم، من أحسن النَّاسِ صحبةً وعِشْرة، غيرُ مانعٍ من أجد
(5)
لُطفَه وبِرَّه وبِشْرَه، لو
(1)
سقط من الأصل بمقدار ورقةٍ على الأقل، ولم يتنبه المرقم لذلك، فجرى ترقيم الصفحات متسلسلاً.
(2)
نصيحة المشاور ص 154، التحفة اللطيفة 3/ 458.
(3)
إبراهيم بن محمد بن مرتضى، والد صاحب الترجمة، كان رئيساً للمؤذنين قبل ابنه محمد. التحفة 1/ 143.
(4)
ما بين معقوفين ساقطٌ من الأصل، وقد استدركناه من التحفة، نقلاً عن المؤلف حرفياً.
(5)
الأُجْدُ: الوُجْد، والهمزة فيه بدلُ من الواو.
كلَّمه فقيرٌ في حبيِرهِ الجديد
(1)
لَوَهَبْ، ولو دعاه صغيرٌ إلى حضرة البعيد لذهب، وكان أَمينَ الحكم في أيَّام سراجِ الدِّين القاضي، ففارق الدُّنيا وكلُّ أحدٍ عن حُسن طريقته راضي، وأعقب ولده عبد الله أبا محمد.
وتوفي سنة تسعٍ وعشرين وسبعمائة.
84 - محمدُ بنُ عبد الرَّحمن
(2)
، المُؤذِّنُ
هو ووالدُه وجَدُّه، وكان في الفقهاء النُّبلاء النُّبهاء البارعين عَدُّه، بذل في طلب العلم الاجتهاد، فنبغ حتى ألَّف وصنَّف وأَفَاد، ونَسَلَ
(3)
في الطَّلَبِ من كلِّ حَدَبٍ، وغلب على من انتدب لجِداله في كلِّ نَدَب
(4)
، وتَفرَّد عن أقرانه في علم اللُّغة وَفَنِّ الأدب، يشهد بقوَّة بلاغَتِه، ويُعرب نظمه عن كمال براعته، هذا مع متانةِ دينٍ وتقوى، وصيانةٍ زَانَها مع الورع الأقوى، وديانةٍ أينما حلَّت ما أَقْفَرَ عن الخير ولا أقوى
(5)
، وصوتٍ تميدُ الأطواد إذا عَلا به مِأْذَنةً أو رَقَوَةً
(6)
.
توفي رحمه الله عام عشرين وسبعمائة.
85 - مسرورُ بن عبدِ الله الشِّبليُّ، المُلقَّب زينّ الدِّين.
زَيْنُ الخُدَّام وجمالُهم، وزينتهم، ........
(7)
بصرامته حالهم.
(1)
الحبير: البرد الموشَّى. القاموس (حبر) ص 370.
(2)
نصيحة المشاور ص 155، التحفة اللطيفة 3/ 641، العقد الثمين 2/ 105.
(3)
أسرع، وفي هذه الجملة اقتباسٌ من قوله تعالى:{من كلِّ حَدَبٍ يَنْسِلون} سورة (الأنبياء) آية: 96.
(4)
النَّدَب: الرَّشْق. القاموس (ندب) ص 137.
(5)
أقوى: ما خلا منه. القاموس (قوى) ص 1327.
(6)
الرّقوة: الكثيب من الرمل. القاموس (رقو) ص 1289، (دعص) ص 619.
(7)
هنا كلمتان مطموستان.
نابَ الشَّيخَ افتخارَ الدِّين
(1)
في الوظيفة، فسلكَ في نيابته طريقةً ظريفة، وأبرز على منصبه كلَّ سيرةٍ حميدة وسَجيَّةٍ شريفة، وظهر في الأقران بغريزةٍ عزيزة، ونفسٍ عفيفة. فلما جاء أجمعت المساحل
(2)
على نشر محامدِ صفاته، وسمعت المسامعُ ما اشتهر من مآثره ونَصفَاته
(3)
، برز تقليدٌ سلطانيٌّ باستمراره في نِيابة ياقوت واستقلاله بعد وفاته.
فلمَّا ورد الأجلُ الموقوت، وضعضعَ أركانَ ياقوت
(4)
، باكر المشيخة بحكم التَّقليد المذكور، وهو في ذلك على سَننٍ حميدٍ ووضعٍ مشكور.
فلم يمضِ على ذلك من الأيَّام إلا يسير، إذ قد ورد تقليدٌ شريفٌ باستقرار الوظيفة لزَين الدِّين مُقْبِلٍ الكبير
(5)
، وهو أخوه في الله وخليلُه، وكلُّ منهما هادٍ للآخر إلى مناهج الخير ودليلُه.
فاستقلَّ الشِّبليُّ في نيابةِ مُقبلٍ المذكور، وكلٌّ منهما مُقبلٌ على صاحبه وبه جَذْلاُن مسرور، وهذا الشبليُّ خادمٌ وسيم، بوجهٍ قسيم
(6)
، ومُحَيَّاً قد هبَّ عليه من جنَّة النَّعيم نسيم، ووسمته يد التَّقدير بِمِيْسَم الجمال أحسنَ توسيم.
حاذقٌ باغتلاب نحائس المناحس بعُلُوبه
(7)
، مطيقٌ لاستلاب نفائسِ /521 أنفاسِ المُنافسِ بأسلوبه، محايله
(8)
من أيْنِ شمائله، محاسن
(1)
هو ياقوت بن عبد الله، وستأتي ترجمته في حرف الياء.
(2)
المساحل: جمع مِسْحَل، وهو اللِّسان، القاموس (سحل) ص 1013.
(3)
النَّصَفَات: جمع نَصَفَة، وهي العدل. اللسان (نصف) 9/ 331.
(4)
وذلك في سنة 781 هـ، كما في ترجمة ياقوت.
(5)
ستأتي ترجمته بعد قليل.
(6)
قسيم: جميل. القاموس (قسم) ص 1149.
(7)
علوبه: شدَّته، جمع عَلْب. القاموس (علب) ص 117.
(8)
المحايل جمع مَحَالة، وهي القوة. اللسان (حيل) 11/ 196.
مناسجه
(1)
في الحسنى واضحة، نوافجه
(2)
بالخُلق الأسنى فائِحة، مَبَاهجُه إلى العيش الأهنى لائحة، وألسُن الشُّكر بنَغَمِ نغماتِ نَعْمائه صَادِحَة
(3)
، وافترارُ
(4)
الثَّنايا بالثَّناء على أثناء رُوائِه
(5)
واضحة.
86 - محمد بن سليمان
(6)
، الشَّيخُ شمسُ الدِّين، أبو عبد الله الحَكريُّ،
المِصريُّ، الشَّافعيُّ، الُمقريُ، الفقيهُ، الجامعُ لعيون الفضائل والمآثر والمعالي، اللاَّمعُ نجومُ علومِه في براقع البراقع
(7)
، والتعالي مع النَّفس الزَّكية، والطَّريقة الرَّضيَّة، والهِمَّة العَليَّة، والسَّجيَّة النَّقيَّة، والمفاخر السَّنِيَّة.
كان شيخَ عصره في القراءات بلا مُدافعة، وفارسَ ميدانِها المحكوم له بالسَّبق من غير ممانعة.
كان مُختصَّاً بصحبة أكابر الأُمراء المِصرية، ومَنْ يتقدَّم منهم للنَّظر في أمر الملك برأيه، فكأنَّه كان من لوازمه اختيار الحكريِّ لإمامته وإقرائه. وذلك لِمَا اشتهر منه من حسن عِشرته، والأمنِ من شِرَّته
(8)
، وقلَّةِ الفضول في
(1)
المنسج: موضع النساج، والجمع مناسج. القاموس (نسج) ص 207.
(2)
النَّوافج: جمع نافجة، وهي وعاء المِسك، والمراد: جمال أخلاقه فائحةٌ كالعطر. القاموس (نفج) ص 208.
(3)
الصادح: مرتفعة الأصوات. اللسان (صدح) 2/ 508.
(4)
افترَّ: ضحك ضَحِكاً حسناً، فعند الضَّحك تظهر الأسنان، والمراد: المدح له. القاموس (فرر) ص 455.
(5)
الرُّواء: حسن المنظر. اللسان (روى) 14/ 345.
(6)
نصيحة المشاور ص 231، الدرر الكامنة 3/ 451، التحفة اللطيفة 3/ 580، شذرات الذهب 6/ 277.
(7)
البراقع الأولى جمعُ بُرْقُع، وهو نوعٌ من اللباس، والبراقع الثانية جمع بِرْقَع، وهي اسمٌ للسماء السابعة، ففي هذا كناية عن ارتفاع تعجبه في العلوم، وإضاءتها. اللسان (برقع) 8/ 9 - 10.
(8)
الشِّرَّة: النَّشاط. القاموس (شرر) ص 415.
مُداخلاتِهم، وعدمِ الطَّمع في أموالهم وغَلاَّتِهم، والإعراض عن أدناس دُنياهم، وتركِ الاعتراض عليهم في مُصابِهم وبلاياهم.
أَشرتُ مرَّةً على نائب السُّلطان بتوليته قضاء بيت المقدس فولاَّه، فباشر المنصب وزيَّنه بالعدل والعِفَّة والإحسان، وخّلاَّه، وولي قضاء المدينة الشَّريفة قبل ذلك بعد انفصال القاضي تاج الدِّين الكَرَكيِّ
(1)
بأيام، فقدِم المدينة وقام بالوظيفة أحسن قيام، وشهد له جماعةٌ من العلماء الأعلام، مِمَّن كان يخالط القُضاة والحكَّام، أنَّه لم يلِ أحدٌ هذه المناصبَ ألينَ منه عريكةً، ولا أحسن سيرةً، ولا أكثر تواضعاً، ولا أصحَّ منه سَريرةً، ولا أصفى قلباً للمجاورين، ولا أوفى إيفاءً حقوقَ الفقراء الزَّائرين.
غير أنَّه وجد عند الخُدَّام بقايا كرورٍ
(2)
....
(3)
تركّمت من أيَّام الكَركيِّ، وحاول إزالتها بالشِّدة والسَّطوة، وقصد إحالتها بالحِدَّة والقوَّة، فما زادهم إلا عِناداً، ولم يملك لهم قِياداً.
وقصد إزالة الحفرة التي في المحراب، إمَّا بسدِّها بحصىً، أو تطبيقها بأخشاب، فعارضته الخُدَّام، فلم يكترث بِهم وصنع لها لوحاً يقف عليه الإمام، فوافق ذلك الحال /522 قدومَ ابن جماعةَ
(4)
، فاجتمع به في ذلك اجتماعه، وخاشنه في الكلام،
وشافهه بما هو أوجع من الكِلَام
(5)
.
فكتب فيه إلى وليِّ الأمر، وشبَّ عنده منه ما هو أَحرُّ من الجمر، فكان
(1)
ترجمته بعد هذا مباشرة.
(2)
الكرور: جمع كُرّ وهو الحبل. القاموس (كر) ص 469.
(3)
مكان النقط في الأصل (لمن عباد) ولم يظهر معناها.
(4)
هو قاضي القضاة عزُّ الدِّين، عبد العزيز بن محمد ولي قضاء الديار المصرية، له المناسك
الكبرى، توفي بمكة سنة 767 هـ. المعجم المختص 1/ 401، الدرر الكامنة 3/ 280.
(5)
الكِلَام جمع كَلْمٍ، وهو الجرح. القاموس (كلم) ص 1155.
ذلك سببَ انفصاله، وعوده إلى خِيَسِ
(1)
أشباله، بأهله وعياله.
فرافَقَنا في الطَّريق إلى مصر وأَنِس، وتوَّلى بعد قليلٍ قضاء بيت المقدِس، ثمَّ انتقل إلى قضاء مدينة الخليل، واستقرَّ بِها مدَّةً سالكاً أحسن سبيل، ثمَّ انفصل.
وبعد شهورٍ تولى تدريس المدرسة اليلبغاوية بالرَّمْلة، ووجَّه من القاهرة إليها رحله وَزُمْله
(2)
، واستقر بِها مفيداً، إلى أَن مات بالبيت المقدس بالبطن شهيداً، وذلك في عام أحدٍ وثمانين وسبعمائة.
86 - محمدُ بن عثمانَ الكَرَكِيُّ
(3)
، القاضي تاجُ الدِّين، أبو عبد الله،
الشَّيخُ، الإمامُ، العالمُ، الأوحد.
كان علاَّمة زمانه، ومِقدامَ أقرانه، وفارسَ مَيْدانه، وغارسَ خَيْزُرَان الفضل وحارسَ أغصانه.
تفقَّه على الشّيخ برهانِ الدِّين ابن الفِرْكَاح
(4)
، وعلى قاضي القضاة شرفِ الدِّين البارزيِّ
(5)
القَرْميِّ
(6)
الجَحْجَاح
(7)
.
وتخرَّج عليهما وبرع، وإلى ذُرى المعالي صعِدَ وفَرع، وصنَّف وأفاد،
(1)
الخِيْسُ: موضع الأسد وبيته. القاموس (خيس) ص 543.
(2)
الزَّاملة: التي يُحمل عليها من الإبل وغيرها. القاموس (زمل) ص 1010.
(3)
نصيحة المشاور ص 229، الدرر الكامنة 4/ 47، التحفة اللطيفة 3/ 663.
(4)
إبراهيم بن عبد الرحمن، فقيه الشام، تفقه على والده، وسمع الحديث من ابن عبد الدائم، توفي سنة 729 هـ. طبقات الشافعية الكبرى 9/ 312.
(5)
هبة الله بن عبد الرحيم، سمع من أبيه وجدِّه، وجمع القراءات السبع، وبرع في الفقه، كان قاضي حماة، توفي سنة 738 هـ. الدرر الكامنة 4/ 401.
(6)
القرمي: السيد. القاموس (قرم) ص 1148.
(7)
الجَحْجَاحُ: السيد أيضاً. القاموس (جحح) ص 215.
وألَّف وأجاد، ودرَّس وأعاد.
وفي سنة ستين وسبعمائة ولي قضاء المدينة الشَّريفة، والإمامة والخَطابة، وورد طيبة بأخلاقٍ مُطابة، ونفسٍ نَقِيَّة زكيَّة، وقريحةٍ أَلمعيَّة ذكية، وعلومٍ في أُفقِ المعالي صاعدة، وتخوم
(1)
عن شيم
(2)
عن الأماجد الأعمال متباعدة، فوجد الأمور قد اكتنفت بالاختلال، والصُّدور قد اعتنقت بالاغتلال
(3)
، فستر العيوب، وجبر القلوب، وطوى بساط الأذحال
(4)
والأوتار
(5)
، وبَتَر مِن قِسيِّ
(6)
العصيان والخلاف الأوتار
(7)
.
وتجَّنب عن مخالفة المشاورين، وتحَّبب إلى طائفة المجاورين، واستمالَ خواطر الخُدَّام، واستماعَ
(8)
الوُدِّ من قلوب الخاصِّ والعامِّ.
وحثَّ الطَّلَبة على الاشتغال، وتبتَّلَ للإفادة والتَّدريس في غالب الأحوال، فَعَلِقت القلوب على محبَّته، ووقفت النُّفوس مُتذلِّلة لهيئته وهيبته، واندلعت
(9)
المفاصل
(10)
بجميل ذكره، وانطلقت
(1)
أصل التخُّوم: الفصل بين الأرضين من المعالم والحدود. القاموس (تخم) ص 1082.
(2)
الشِّيم: كلُّ أرضٍ لم يُحفر فيها قبلُ باقيةٌ على صلابتها فشبَّه علمه بالفاصل بين العلوم على صلابتها والمهيمن عليها. القاموس (شيم) ص 1128.
(3)
الاغتلال: الغِلُّ والغليل: الغش والحقد والعدوان، واغتللت الثوب: لبسته تحت الثياب. اللسان (غلل) 11/ 499 - 502.
(4)
جمع ذحْل، وهو الثَّأر. القاموس (ذحل) ص 1001.
(5)
جمع وِتْر، وهو الثَّأر أيضاً. القاموس (وتر) ص 490.
(6)
القِسَيُّ جمع قوسٍ. القاموس (قوس) ص 568.
(7)
جمع وَتَرٍ، وهو شِرْعةُ القوسِ ومُعلَّقها. القاموس (وتر) ص 490.
(8)
استماع: أجرى. القاموس (ميع) ص 765.
(9)
اندلعت: خرجت. القاموس (دلع) ص 716.
(10)
المفاصل: جمع مِفْصَل، وهو اللِّسان. القاموس (فصل) ص 1042.
المَقَاول
(1)
بجزيل شكره.
فلمَّا طالت بالمدينة إقامته، وطالت كلَّ مطاولٍ بالطُّول قامته، احتفَّت
(2)
به طوائفُ أغمارٌ شباب، ممن لم تُحنِّكه اللَّيالي ولم يعضَّه الدَّهر بناب، وأظهروا له الخلوص في الوِدَادة والحِبَاب، ودخلوا على غفلةٍ من كلِّ باب، ولم يبرحوا متلاعبين بعقله، متجاذبين لِنَمِّ الكلام ونقله، إلى أن كدَّروا وِرْدَه /523 النَّمير، وغيروا عليه الصَّغير والكبير، وأوقعوا بينه وبين الخُدَّام، وبدَّلوا إضاءة محبَّتهم واعتقادهم بالإظلام، وخلطوا أَضاة
(3)
أُلفتهم بشوائب من قبيح الكلام، وتَحزَّبت النَّاسُ حينئذ أحزاباً، وفتحوا إلى إثارة الفتن أبواباً، وحصره الخُدَّام يوماً في داره، ومعهم جماعةٌ من مناحِيس البلد وأشراره.
واتَّفق له معهم شرور في ذلك النَّهار، ولولا صيانةُ الله تعالى إياه لَكَادت الجُرُف تنهار، ويُقدمون على إذهاب نفسه ونفيسه، وانتهاب طارفه وتالده
(4)
، وتذكير النَّاس بِما جرى في الدَّار لِسَميِّ والده
(5)
.
وكان قد فوَّض أوَّل مرَّةٍ أحكام الحَرمِ والوظائفَ، والكلامَ في الرُّبُطِ والأوقاف إلى شيخ الخدام، وأراد بالآخرة أن يعيد ما يتعلَّق به إليه فما أعاد، ولا نفع الكلام فيه ولا أفاد، وتمكَّنَ الشَّرُّ واستحكم الفساد، فأعرض عن الفضول، ودارى بقيَّةَ السَّنَة شبه المعزول.
فلمَّا حضر الموسم توجَّه مع الركب المِصريِّ إلى الدّيار
(1)
المقاول: جمع مِقْوَلٍ، وهو اللِّسان أيضاً. القاموس (قول) ص 1051.
(2)
احتفت: أحاطت. اللسان (حفف) 9/ 49.
(3)
أصل الأضاة: المُستنقِع من سيلٍ وغيره. القاموس (أضي) ص 1259، فشبَّه مودتهم بماء السيل الصافي، ثم خلطوه.
(4)
الطَّارف: المال المستحدث، والتَّالد: القديم. القاموس (طرف) ص 831.
(5)
سَمِيُّ والده عثمان بن عفان رضي الله عنه.
المصرية
(1)
، وأعرض عن المنصب إعراضاً كليَّة، ولم يزل مُقبلاً على شأنه إلى أن وافته المنية.
87 - مُقْبِلُ بن عبد الله، زينُ الدِّين الرُّوميُّ، الشَّهيرُ بِمُقْبِلٍ الكبير
(2)
.
كان عند الملك النَّاصر حسنِ بنِ محمدٍ بن قلاوون
(3)
من الخواصِّ المُقدَّمين،
والنُّجباء المُعظَّمين، وله في ذلك الوقت انتماءٌ إلى أهل العلم وخدمتهم، واعتزالٌ
(4)
لاعتقادهم ومحبَّتهم، واشتهارٌ بتعظيمه وإقامة حرمتهم، واعتمادٌ في جُلِّ أموره على خاطرهم وهمَّتهم، فساقته تلك العادات والخلائق، إلى الانقطاع بالكلية عن جميع العلائق، وتَبَتَّل للقيام بخدمة الحرمين، بِهمَّةٍ في العلو تُشامخ الهَرَمين
(5)
.
جاور مدَّةً بحضرة البيت العتيق، وعطَّر مَنَاشقَ الخَلقِ من الخُلقِ المُنَافج
(6)
للمِسك العتيق، فتارةً قام يرفع ما سقط من سقف الحرم، وتارةً وقف على إجراء الماء من مِنى إلى بِرْكَة السَّلَم، وتارةً تصدَّى لإصلاح ما دثر من آبار عرفات، وتجديد ما تشعَّث
(7)
من الحرمين من معالم تلك الأرْفَات
(8)
.
فأوثق له بطريق الخير اعتلاقاً وارتباطاً، وبنى بمكَّة شرَّفها الله من خالص ماله رباطاً، فصادفت أعماله القبول، وبلَّغه الله بحسن نيَّته غاية المأمول،
(1)
حج سنة خمسٍ وستين، ثم توجَّه إلى القاهرة.
(2)
الضوء اللامع 10/ 167.
(3)
مولده سنة 735 هـ، وقتل سنة 762 هـ. الدرر الكامنة 2/ 39.
(4)
في الأصل اعتزالاً بالنصب، ولعلَّه خطأ من الناسخ.
(5)
يريد أهرام مصر العالية.
(6)
المنافج: الذي هبَّ بالروائح الطيبة. اللسان (نفج) 2/ 381.
(7)
تشعث: تفرَّق وانتشر. القاموس (شعث) ص 171.
(8)
الأرفات جمع رُفات، وهو الحُطام. القاموس (رفت) ص 152.
وساقته يد العناية إلى خدمة الرَّسول.
فانتقل إلى الحرم المدنيِّ مجاوراً، وأقبل على سلوك النَّهج السُّنيِّ باطناً وظاهراً، فاتَّفقت في أثناء جِواره وفاةُ ياقوت
(1)
، /524 وأجمعت الهِمَم على ولاية شخصٍ محبوبٍ إلى القلوب غيرِ مَمقوت، فصادف مُقِبلٌ من الخواطر إقبالاً، وكتب له قلم التَّقدير من القَبول مَنالاً، فأتته المشيخة مُنقادة، لأنَّه جعل على الله اعتماده، وعلى عنايته تُكْلَانه واستناده.
فباشرها بسيرةٍ حميدة، وسريرةٍ سعيدة، وبصيرةٍ سديدة، وسجيَّةٍ عن العسير وشكاسةِ الأخلاق بعيدة، بلطفٍ عند الحق ألينَ من الوصال، وعنفٍ عند الباطل أحسنَ من النِّصال، والمأمولُ من الله الكريمُ إعانتُه على تمهيد الأمور، وتسديد مصالح الجمهور، وتجديد ما دَثَر من معالم الوقوف، وتشديد القول في صرف ما يتعين للفقراء من مصروف، وتأييد أهل العلم فيما يُشيرون إليه من نهي المنكر وأمر المعروف
(2)
.
88 - مُهنَّا بنُ سِنان
(3)
، الشِّيعيُّ، الإماميُّ، القاضي نجمُ الدِّين.
ذو الفضيلةِ الحفيلة، والآدابِ الجميلة، والمحاضرة الحلوة، والمحاورة التي لا يَعْتري مُحبُّها السَّلوة، قلَّ ما رُئِي شيعيٌّ على طريقته، أو إماميٌ جُبِل على خليقته.
كان في موالاة أهل السُّنة إلى الأمد الأقصى، ولا يدع في حُسن مَمَالأة المجاورين وحميد شيمته نقصاً، يتجاهر في محبَّتهم بِما يُنبئ عن حسن عقائده، ويتظاهر بذلك فيمدحهم بالمدائح البليغة من غُرر قصائده، ويُوافقهم
(1)
ياقوت بن عبد الله، ستأتي ترجمته في حرف الياء، وكانت وفاته سنة 781 هـ.
(2)
وكانت وفاته سنة 819 هـ.
(3)
مهنَّا بن سنان بن عبد الوهاب بن نُميلة الحسيني. الدُّرر الكامنة 4/ 368.
في حضور مواعيدهم، وسلوك مناهجهم، ويتعرَّضُ دائماً لاستعراض خدمهم واستقضاء حوائجهم.
بِدَارُه
(1)
إلى الرَّوضة المقدسة لأداء الخمس دائمٌ حثيث، ولا يفوته حضور مجامع العلم ومجالس الحديث.
لا يدع التَّرضيَّ عن الشَّيخين في مقالته وكتابته، ويسلك مسلكاً يقطعُ الإنسانُ بخلوص مودَّته، لأهل السُّنَّة وحِبَابته
(2)
، وكثيراً ما كان يُصرِّح بالذَّمِّ البليغ لجماعته وصحابته.
وفي الجملة كان غريباً في أسلوبه، عجيباً في يائيته
(3)
، وكان هو القاضي حقيقةً من بين سائر ذوي قرابته.
يرأسهم في جميع الأمور ويسودهم، وينتظمُ شَمْلهم، ويلتئم شأنهم ويحضر عَوْدَهم
(4)
.
وبه يُناط الحَلَّ والعقد، وإليه ترجع محاكماتُ السَّلطنة، وأنكحتُهم وعقودُهم، وهو مع ذلك يتغالى في مُوالاة أهل السُّنَّة، ويتعالى بحبِّهم مِنْ ذُرى الممادح إلى أعلى قِنَّة
(5)
.
فإن كانت حقيقة فتلك سَجِيحةٌ
(6)
تقية، وإنْ كانت تَقِيَّةً فما أبقى من التَّقية نَقِيَّة
(7)
.
وله مع الفضل الفائق، شعرٌ رائق، ونظمٌ لائق، ومنه قولُه في هجو الإمامية:
(1)
البِدَارُ: العجلة، وهو مصدر: بادر مُبادرة. القاموس (بدر) ص 347.
(2)
حبابة: محبّة ووُدّ. قال في اللسان: الحباب بالضمّ: الحبّ (حبب) 1/ 290.
(3)
يائيته: لُطفه. يقال: يَأْيأ يَأْيَأَةً ويَأْيَاءً: أظهر إلطافه. القاموس (يأيأ) ص 57.
(4)
العَوْد: زيارةُ المريض، كالعِياد، والعِيادة والعُوادة. القاموس (عود) ص 302.
(5)
القِنَّة: أعلى الجبل. يريد: أعلى الممادح. القاموس (قنن) ص 1226.
(6)
السَّجيحة: الخُلق. القاموس (سجح) ص 223.
(7)
أصلُ النَقِيُّ: مخُّ العظم. يريد: ما أبقى شيئاً. القاموس (نقي) ص 1340.
/525 أرى الدُّنيا تميلُ عن الكِرامِ
…
وترغبُ في مُصَاحبةِ اللِّئامِ
فيزدادُ اللَّئيمُ بذاك لُؤْماً
…
ويصبح سَاحِباً ذيلَ احتشامِ
ويَنْسُبُ نفسَه للعلمِ حُمْقاً
…
وعندَ الله فهو من الطَّغْامِ
(1)
ويُفتي المسلمين بغيرِ علمٍ
…
ويَخْبُطُ خَبْطَ عشوا في الظَّلامِ
فكَمْ أفتى بتحريمٍ لحِلٍّ
…
وكمْ أفتى بتحليلِ الحرامِ
فمن حفظ الزَّيارةَ فهو مُفْتٍ
…
يُدرِّس في الفُروعِ وفي الكلامِ
كذاك من اشترى كرَّاً وصلى
…
عليه فإنَّه رأسُ السِّنامِ
تُشَدُّ إليه أكوارُ المطايا
…
ويُقْصَدُ في المهمَّات العِظامِ
(2)
ولو قد جاءهُ شخصٌ خبيرٌ
…
وباحثَهُ لكان من العَوَامِ
وما صلَّى وصام وَقامَ إلا
…
ليحويَ ما حواه من الحُطَام
ولو تَلِفَ الذي هو في يديه
…
إذاً تركَ الصَّلاةَ مع الصِّيامِ
فقد ترك الزَّكاةَ لأنَّ فيها
…
خروجَ المالِ وهو إليه ظامي
وأمَّا الخُمْسُ فهو به بخيلٌ
…
ويبخلُ بالبشَاشةِ والكلامِ
ألمْ تسمعْ كلامَ اللهِ حقَّاً
…
وقولُ اللهِ أحسنُ في النِّظامِ
بأنَّا لا نُمَهِّلُهم لخيرٍ، ولكنْ
…
كي يزيدوا في الإِثامِ
(3)
فمهلاً فسوف ترتجع اللَّيالي
…
عطاياها ويُجْدِبُ بالحُطَامِ
وتطلبُ أن يقال ولاتَ حينٍ
…
وقد خَلَصَ المخِفُّ من الزِّحامِ
توفي سنة أربعٍ وخمسين وسبعمائة.
* * *
(1)
الطَّغَام: أوغادُ النَّاس. القاموس (طغم) ص 1133.
(2)
الأكوار جمع كُور، وهو الرَّحْلُ أو بأداته. القاموس (كور) ص 472.
(3)
يريد قوله تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّمَا نُمْلي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهم، إنَّمَا نُمْلِيْ لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إثْمَاً، وَلَهُم عَذَابٌ مُهِيْنٌ} سورة (آل عمران) آية رقم: 178.
حرف النون
89 - نَصرُ المُلقَّب عطاءُ الله، الشَّيخُ ناصرُ الدِّين
(1)
.
وَلِي مشيخة الخُدَّام بالحرم الشَّريف النَّبويِّ، صلَّى الله على ساكنه وسلَّم، بعد وفاة ظهير الدِّين مُختارٍ الأشرفيِّ
(2)
.
وكان ظهيرُ الدِّين قد أسَّس القواعد وأحكم المباني، فكان ذلك نصيراً لنصر فيما يُعاني، كان في ولايته سعيداً، وجد الأمور مُمَّهدَةً فزادها تمهيداً، كان يُسَدِّدُ الأمر المُعضِل تسديداً، لا يُعالج فيه وعداً ولا وعيداً، ولا يمازج بطشاً ولا تشديداً، ولا يحاجج إلا بلطف لا يخلط به ضرراً ولا تهديداً.
وهو مع ذلك مُوقَّرٌ مُهاب، مُعظَّم الجانب مَحْميُّ الجناب، لا يرجع عن رأيه لكلامِ /526 الأصحاب، يستعمل جهده في إتمام ما يقوم فيه، ولا يكترث بمخالفِه ومُنافيه، ويكمل صاحبَه حقَّ الصُّحبة ويُوفيه.
كان آيةً في حفظ آية المنصب وسُورته، غايةً في كمال معناه وحسن صورته، وبهي شُورته
(3)
.
آخى الشَّيخَ جمالَ الدِّين المطريَّ، فكان لا يخرج عن رأيه ومشورته، بل يعامل جميع شيوخ العلم معاملته، ويُنزِّلهم في ذلك المعنى منْزلته، لكن كان له مزيةُ خصوص، وطيرانٌ في هواءِ هواه إلى محلٍّ جناحُ الغيرِ دونَه مقصوص.
(1)
نصيحة المشاور ص 45، الدرر الكامنة 4/ 393، التحفة اللطيفة 3/ 189.
(2)
شيخ الخدام، قرره الناصر محمد بن قلاوون سنة 719 هـ، قام بالمشيخة أحسن قيام، وتعصب لأهل السنة وقمع الرافضة. نصحية المشاور ص 44، الدرر الكامنة 4/ 345.
(3)
شورته: منظره. القاموس (شور) ص 420.
وكان رحمه الله حافظاً للقرآن، محافظاً للأقران، قليلَ الكلام، كثيرَ الصِّيام، غزيرَ الإنعام.
شرح اللهُ به صدر المجاورين، ولم يتمَّ لهم ذلك سوى أربع سنين، فتوفي رحمه الله بعد السبعمائة في عام سبعٍ وعشرين.
* * *
حرف الواو
90 - وُدَيٌّ بنُ جمَّازِ بن شِيحةَ
(1)
.
وتقدَّم نسبه في ترجمة أبيه وجدِّه، وهو بضمِّ الواو وفتح الدَّال المُهملة، تصغير وَدِيٍّ
(2)
لصغار النَّخل التي تُعْرَش، أو تصغيرُ: وَدَىً كفَتَىً، وهو الهَلاك، كأنَّه هلاكٌ للأعداء، أو تصغير وَدْيٍ كَظَبْيٍ، وهو الماءُ القليل، والأوَّل أولى، لأنَّ كنيته أبو مزروع، وكان أميراً خيِّراً.
صعِد من الاحتشام أَعلى مرقى، وتمسَّكَ من سديد الرَّأي وحميد العقل بالعروة الوُثقى، واحتمى من المهابة العظيمة الزَّائدة بِها بالمِجَنِّ
(3)
الأوقى، وتدرَّع من الشَّجاعة بِما خلَّدَ به ذكرَه على وجه الدَّهر وأبقى.
وَلِيَ إمارةَ المدينة في عام ستٍ وثلاثين وسبعمائة.
ورد في ذي القَعدة مثالٌ
(4)
شريفٌ ناصريٌّ
(5)
إلى القاضي شرفِ الدِّين
(6)
مضمونُه: إنَّا قد فوَّضنا إمارة المدينة إلى الأمير أبي مزروع وُدَيِّ بنِ جَمَّاز، وقد كتبنا له بذلك تقليداً، فتمكَّن نُوَّابُه من المدينة، وتَمنَّع آل منصور أنْ يتعرَّضوا لأذية
الناس، وأن يمسكوا شيئاً من جِمال السَّواني
(7)
للارتحال عليها.
(1)
نصيحة المشاور ص 250، وما بعدها. الدرر الكامنة 4/ 406.
(2)
الوَدِيُّ بوزن غَنِيّ.
(3)
المِجَنُّ: التُّرْس. القاموس (مَجَنَ) ص 1187.
(4)
مرسومٌ سلطاني يصفُ صورة تعيينه.
(5)
منسوب إلى الملك النَّاصر محمد بن قلاوون، وقد تقدَّمت ترجمته.
(6)
شرف الدِّين الأميوطي، وقد تقدَّمت ترجمته.
(7)
السَّواني جمع سانية، وهي الإبل التي يُسقى عليها. القاموس (سني) ص 1297.
فخرج آلُ منصور من المدينة إلى البادية، ولم يتعرَّضوا لشيء من جِمال السَّانية، فجهَّز الوزير ما كان عندهم من الأحمال والأوْقار
(1)
، وحمل ذلك وسافر بأهله وأولاده على أبقار.
ثمَّ وصل وُدَيٌّ عقيب ذلك وقُرئ منشوره، واستقامت أُموره، إلى أن توفي الملك النَّاصر في ذي الحجِّة سنة إحدى وأربعين.
توجَّه إلى مصر لاختلاف الدولة وتكدُّر مائها المَعِين
(2)
، فرسم بإكرامه ورعايته، وتقريره على /527 إمارته وولايته، فتجهَّز للسفر مُعجِّلاً، وعاد إلى المدينة مُكْرَماً مُبَجَّلاً.
واستمرَّ حاكماً إلى سنة ثلاثٍ وأربعين، فهجم طفيلٌ على المدينة ودخلها، وقبض على نُوَّاب وُدَيِّ وتعرَّق
(3)
أعظمهم وخلخلها، ورسم بحبس جُحَيْدِب
(4)
وقلاوون، وبعد قليلٍ أُصيبا بداءٍ يقف دونَها المُداوون.
ومكث الأمير وُدَيٌّ في عَرَبهِ وأقاربِهِ، إلى [أن] حَملهُ زمان المَنون إلى ساحل البرزخ في قَارِبه.
وتقدَّم
(5)
في طُفيلٍ شيءٌ من ترجمته، فلينظر مَنْ أراد النَّظر في كمال خبره وتتمته.
(1)
جمع وِقْر، وهو الحِمْل الثَّقيل. القاموس (وقر) ص 493.
(2)
المعين: الجاري. اللسان (معن) 13/ 410 - 411.
(3)
تعرَّق العظم: أكلَ ما عليه من اللَّحم، ففيه كناية عن إكثار الضرب والقتل فيهم. القاموس (عرق) ص 908.
(4)
جحيدب بن منيف بن قاسم بن جماز، جاء من مصر إلى المدينة سنة 736 هـ أثناء ولاية ودي، فاستنابه عليها هو وقلاوون، ثم قتلا خنقاً بعد عام 740 هـ. التحفة 1/ 410، نصيحة المشاور ص 258.
(5)
في حرف الطاء.
حرف الهاء
91 - هِبةُ بنُ جمَّازِ بنِ منصورِ بنِ جمَّازِ بنِ شِيحة الحسينيُّ الشَّافعيُّ
(1)
.
الأميرُ بدرُ الدِّين أبو سليمان،
ذو المناقبِ الحميدة، والمآثرِ العديدة، والخلائقِ السَّديدة، والفضائل العتيدة، والمفاخر السَّنِيَةِ السَّعيدة.
كان سببُ ولايته انتقالَه إلى
(2)
مذهب
(3)
الإمام المُطَّلِبيِّ أبي عبد الله محمدِ بن إدريس الشافعيِّ رضي الله عنه، فلمَّا علمت الدَّولةُ المِصريةُ بذلك، سلكَتْ في تقديمه وتعظيمه أحسنَ المسالك، واختاروه للولاية والتَّأمير، واصطفوه على كلِّ شريفٍ وأمير، وأحمدوه في نقل مذهبه وَوُرُودِه المَنْهل العَذْب النَّمير
(4)
.
فخلع السُّلطانُ عليه خِلعةً مُنيفة، وقلَّده إمارةَ المدينة الشَّريفة، وجلَّله من عواطفه وعوارفه بكلِّ طريفة، فلمَّا باشر الولاية نشرَ أعلام السُّنَّة النبَّويَّةِ نَشْراً جميلاً، وبلَّغَ المجاورين أمانيَّهم فيما كانوا يُرومونه تأميلاً، وحسن ما مهَّده ابنُ عمِّه من المعدلة
(5)
برفع قواعد السُّنَّة تتميماً وتكميلاً، وطمس تُرَّهَاتِ
(6)
مسالِك المبتدعة وبُنيَّات طُرقهم
(7)
مِيلاً فَمِيلاً. فأصبح بين الأشراف
(1)
بعض أخباره في نصيحة المشاور ص 260.
(2)
في الأصل (من مذهب) ولاتستقيم مع بقية الفقرة.
(3)
في حاشية الأصل بخط الناسخ: لعلَّه من مذهب الشيعة إلى مذهب الشافعي، فإنَّ سياق الكلام على عكس هذا.
(4)
النَّمير: الزَّاكي من الماء. القاموس (نمر) ص 487.
(5)
المعدلة: العدل. القاموس (عدل) ص 1030.
(6)
التُّرَّهات: جمعُ تُرَّهةٍ، وهي الباطل. القاموس (تره) ص 1244.
(7)
بُنيَّات الطريق: هي الطُّرق الصغار تتشعَّب من الجادَّة. اللسان (بنى) 14/ 91.
بازاً
(1)
أشهباً، وعلى مناكب المناقب ومراتب المناصب طِرازاً
(2)
ذهباً، واهتزَّت أرجاءُ المدينة الشَّريفة لظهور السُّنَّة الغرَّاء فَرحاً وطَرَباً، وهَرب من عدله الحائِت
(3)
حوتُ بِدعةِ المحائِت
(4)
واتَّخذ سبيلَه في البحر سَرَباً.
ظَفِرت السُّنَّة من البدعة بالانتصار، وحَسُنُ الزمان به إلى أنْ صار كما في عصر الأنصار، فالسُّلطانُ
(5)
شافعيٌّ، والقاضي
(6)
شافعيٌّ، وشيخُ خدَّام
(7)
الحرم شافعيٌّ، وهذا مِمَّا لم يُعهد في عصرٍ من الأعصار.
وهو سلَّمه الله كان قبل ذلك لمَّا استُشهِد والده سُئل أَنْ يقبل الولاية فامتنع وأبى، واتَّخذ لنفسه من الفراغ والانعزال أحسنَ جنىً
(8)
، وقال: لا أتعرَّض للولاية وحملها، وإنَّما أجلسُ في القلعة لحفظ المدينة وأهلها،/528 وأقومُ في هذه الأيام لحماية الحاجِّ، وأمَّا الولاية فانظروا لها غيري، فإنِّي لستُ إليها بمحتاج.
فَوُلِيَّ عمُّه عطيةُ كما ذكرناه في ترجمته، واستقرَّ بالأمر إلى أنْ ساقه الله إلى هِبَتِه من عطيَّته، فكانت ولايتُه كاسمه هِبةً من الله للمسلمين، وهيبةً في قلوب المخالفين.
(1)
الباز والبازي: نوع من الصقور. القاموس (بزى) ص 1262، والأشهب المخلوط بياضُه بسواده. القاموس (شهب) ص 103.
(2)
الطِّراز: علم الثْوب، وهي من الكلمات المعرَّبة. القاموس (طرز) ص 515.
(3)
الكثير العذل، أي للمخالفين. القاموس (حوت) ص 150.
(4)
المحائت: المراوغ يقال: حاوتك فلانٌ: إذا راوغك. القاموس (حوت) ص 150.
(5)
هو حسن بن محمد بن قلاوون الصالحي.
(6)
هو شمس الدِّين محمد بن زكي، المعروف بابن سبع، المصري، الشافعي.
(7)
هو ياقوت الخزنداري، افتخار الدين، الآتي ذكره.
(8)
جنى: ثمرةً وفائدة. انظر: القاموس (جنى) ص 1271.
وقد أقرَّ الله عينه ببنين غُرٍّ أنجاب، كأنَّهم أسودٌ في أثوابٍ أُموثٍ
(1)
في رحاب غيوثٌ للبعداء والأصحاب.
وثارت فتنٌ بينهم وبين بني عمِّهم في عام تسعٍ وسبعين، وبلغ التَّحريش من السُّلطان اللعين البلَغَين
(2)
، وكم مرَّةٍ أقامَ الحربَ بينهم على ساق، ودارت كؤوسها بين حَاسٍ
(3)
وساق.
والتهب لظى القتال، في أيام الموسم وتَصادُمِ المحاملِ
(4)
، واغتصاصِ المدينة وظاهرِها بالزَّوامل
(5)
والبغال، فخاضوا في غمار الحرب للجِلاد
(6)
مستقلِّين، واندفعوا في تيار الظَّفَر والضَّرب بالمنايا مُسْتَبْسِلين، واتَّصلت بينهم الحملات، وتوالت بينهم الضَّربات، وهبةُ وأولادُه لم يبلغوا العِشرين، وعطيةُ وأحفادُه مُنيفين على السِّتين.
فازدحموا عليهم إلى أَنْ كادوا يأخذوهم من فوق ومن قُدَّام، والرِّماح تنفذهم ما بين لحومٍ وعظام، فودَّعوا الرَّاحات، واستودعوا الجراحات، ويَبِست على مقابض السِّلاح الرَّاحات
(7)
، وأنزل الله إذْ ذاك نصره، وشيَّدت مواهب الله بتأييد هِبةَ في صَرْمِه
(8)
، وحمل عليهم بعزمته
(1)
أُموث جمع مَيْث، كَفلْسٍ وفُلوسَ، وهي اللينة. القاموس (ميث) ص 177.
(2)
يقال: بلغَ البِلَغين: للداهية، وللأمر الذي بلغ كلَّ مبلغ لشدَّته. القاموس (بلغ) ص 780.
(3)
اسم فاعلٍ من: حَسَا يحسو: شرب. القاموس (حسا) ص 1274.
(4)
جمع محمِل: شِقَّان على البعير يحمل فيهما العديلان. القاموس (حمل) ص 987، والمراد: مراكب الحجاج.
(5)
الزَّوامل: جمع زاملة، وهي التي يُحمل عليها من الإبل وغيرها. القاموس (زمل) ص 1010.
(6)
الجلاد: النُّوق. القاموس (جلد) ص 273.
(7)
جمع راحة، وهي الكف. اللسان (روح) 2/ 461، ففي الكلام جِناسٌ.
(8)
صرمه: قطعه لخصومه. القاموس (صرم) ص 1129.
المبيرة
(1)
، وهمَّته الأثيرة، وأسمعهم منادي النُّصرة:{كمْ مِنْ فئةٍ قليلةٍ غلَبْت فِئةً كثيرة}
(2)
، وكم مرَّةٍ حشدوا العرب وجمَّعوا الجموع، ونزلوا على المدينة واستغزروا العيون بالدُّموع، وأكلوا الزُّروع، وجدُّوا
(3)
النَّخيل، وأحزنوا السَّخيَّ وأبكوا البخيل.
وهم: جَمَّاز، وهيازع، وجعفر، وعتبة، وبيشة، وسليمان، وزُبالة، ومنصور، ومحمد وإخوانه.
ذُكِرَ في ترجمة والده.
* * *
(1)
المبيرة: المهلكة، يقال: أباره الله: أهلكه. القاموس (بور) ص 354.
(2)
سورة (البقرة) آية رقم: 249.
(3)
جدّوا: قطعوا يقال: جَدَّ وجَذَّ، بالدَّال المهملة، والذَّال المنقوطة معاً. القاموس (جدد) ص 271، (جذذ) ص 331.
حرف الياء
92 - ياقوتُ بنُ عبد الله، الخزندار، الرسوليُّ
(1)
، الشَّيخُ افتخارُ الدِّين،
شيخ الخُدَّام بالحرم الشَّريف النَّبويِّ.
ولي المشيخةَ في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، بحكم انقطاع عزِّ الدِّين دينار
(2)
إلى العُزلة والعبادة، وضعفه عن المباشرة ومُراعاة الأُمور المعتادة، فقام بحرمةِ المنصب بأحسن قيام، وأَقعد بهيبته عن الحِراك طوائف اللِّئام، واستغرق في حفظ الحرم وخِفارته
(3)
اللَّيالي والأيام، ويرجع إلى عِفَّةٍ ودين وورعٍ /529 وصلاةٍ وصيام، لم يترك صوم الاثنين والخميس أعوام، وخدم الملوك خمسةً وعشرين سنة فلم يتناول في جامكيته
(4)
ما فيه شبهةُ حرام، وإنَّما يتناولها من جِزْيةٍ
(5)
لا يشكُّ في حِلِّها إمام، وكان مُعدَّلاً مقبول الشَّهادة عند القضاة والحُكَّام.
فلمَّا وَلي المشيخَة بالغ في بسط الهيبة، وأفرط في ضبط الغَيْبَة، حتى ذكر كلُّ أحدٍ عَيْبَه، وشانوا شأنه بالاستبداد والاستقلال، وترك مراجعة الأصحاب في أكثر الأحوال، ولم يكترث بجماعته ولا يخطرون منه ببال، بل
(1)
نصيحة المشاور ص 49 - 51، الدرر الكامنة 4/ 408.
(2)
تقدَّمت ترجمته.
(3)
خفارته: مِنعه وإجارته. يقال: خَفَرَ يَخْفِرُ ويَخْفُرُ: أجاره ومنَعَه. القاموس (خفر) ص 386.
(4)
الجامَكي: كلمة فارسية معناه: مرتب الخادم أو الجندي. المعجم الذهبي (فارسي -عربي) ص 198.
(5)
قال ابن فرحون: لا يتناول جامكيته إلا من الجِزيةِ المأخوذة من أهل الكتاب، تورُّعاً من أموال السُّلطان. نصيحة المشاور ص 51.
يركب الأمور بقدميه بلا معاوذة أحدٍ ولا سؤال، فاستفتح من ذلك الاعتلال والاختلال، ونفر منه بعض الخواطرِ وعنه مال، وتكرر في ذلك من النَّاس المقال، فَعُزل وَوُلي مكانَه السَّاقي إقبال
(1)
، فلم يُقابَلْ بقَبولٍ يُمكِّنه من الاقتبال
(2)
في الاقتبال
(3)
، فلم يكن إلا كلا ولا
(4)
وقد جاء عزلُه وإعادة ياقوت إلى ما كان عليه من الحال، واستمرَّ إلى أن جاءه أمُر الله بالارتحال، فتوفي في عام أحدٍ وثمانين وسبعمائة، في ليلة السَّابع والعشرين من شهر رمضان ولم يُفطر.
93 - يحيى التُّونسيُّ
(5)
من الصَّالحين الأخيار، فاز بلُقيِّ جماعةٍ من السَّادات الكبار، كالشَّيخ
(6)
أبي العباسِ المُرسي
(7)
ومَنْ في طبقته من المشايخ الشَّاذلية.
واجتمع عنده الشَّيخ أبو العبَّاس في الإسكندرية بالشَّيخ نجم الدِّين الأصفهانيِّ
(8)
، ورافقه إلى مكَّة مع رفيقه عبد الحميد المُوغاني
(9)
، ثمَّ أقاما عنده بِمكَّة مدَّةً طويلة، واكتسبا منه مآثر جليلة، وانتقلا إلى المدينة.
وكان الشَّيخُ يحيى ذا محاضرةٍ كأنَّها حلاوة، ومُحاورةٍ عليها من اللُّطف
(1)
هو إقبال الجمال الساقي، أحد خُدَّام الحرم النبوي، سمع بالروضة على العفيف المطري مسند الشافعي سنة 753 هـ. التحفة اللطيفة 1/ 336.
(2)
يقال: اقتبل أمره: إذا استأنفه. اللسان (قبل) 11/ 545.
(3)
الابتداء. القاموس (قبل) ص 1046.
(4)
سبقت في الباب الرابع عند الكلام في احتراق المسجد النبوي الشريف.
(5)
نصيحة المشاور ص 141.
(6)
في الأصل: بالشيخ.
(7)
تقدمت ترجمته.
(8)
تقدمت ترجمته.
(9)
تقدمت ترجمته في حرف العين.
طَلاوة
(1)
. وحكاياتٍ غريبة، ورواياتٍ لحسنها إلى القلوب حبيبة، لا يَمَلُّه السَّامع إذا قال، ولا يستثقله أهل المَجامع ولو أطال، وكان على جانبٍ صالح من السَّذاجة وقلَّةِ الاهتبال
(2)
ولي نيابة القاضي شرف الدِّين في الإمامة والخَطابة، فيأتي في خُطبته بكلِّ مُلَفَّقة مُبدَّدة لكنَّها مُستطابة، فَخُطبته عن التَّصنُّع بَرِيَّة، وعن تكلُّف الفِقَر
(3)
فقيرة عَرِيَّة.
أخبرنا جماعةٌ عن يحيى بن موسى القُسَنْطيني
(4)
عنه قال: لمَّا خرجنا مع الشَّيخ نجم الدِّين الأصفهانيِّ من الإسكندرية سلكنا طريق الصَّعيد نُقيم النَّفْلَ والفَرض، وليس لنا قوتٌ إلا من نبات الأرض، فلمَّا قَرُبنا من مدفن الشَّيخ أبي الحسن الشَّاذليِّ، قال الشيخ نجمُ الدِّين: إذا كان غداً إنْ شاء الله ستزورون قبر الشَّيخِ أبي الحسن، وضيافتكم عندُه زبيب /530 ولوز، فكان كذلك.
فلمَّا وصلنا عيذاب
(5)
تلقَّانا النَّاس بالضِّيافات الكثيرة الحافلة، فجعل الشَّيخُ يبعث إلى كلِّ واحدٍ واحدٍ من القافلة، فندموا على تفريطهم في حقِّ الشيخ وأصحابه، وتقصيرهم فيما كان ينبغي من إرحاب رحابه.
ثمَّ قال لنا الشَّيخُ: يا يحيى وعبدَ الحميد، لنْ تجوعا بعد هذه الجوعة التي حصلت لكما إلى أن تلقيا الله تعالى، فكان كذلك.
وحُكي لنا أنَّه كان في ابتداء أمره مشتغلاً بالعلم، وكانت له أملاكٌ كثيرةٌ
(1)
الطَّلاوة بتثليث الطَّاء: الحُسن والبهجة. القاموس (طَلَوَ) ص 1307.
(2)
الاهتبال: الاكتساب. اهتبل لأهله: تكسَّب. القاموس (هبل) ص 1070.
(3)
الفِقَر جمع فَقَرة. اللسان (فقر) 5/ 61.
(4)
يحيى بن موسى بن إبراهيم القسطنطيني، سمع بالمدينة المنورة من الجمال المطري، وحدث بالمدينة المنورة. الدُّرر الكامنة 4/ 429، نصيحة المشاور ص 147، العقد الثمين 7/ 459.
(5)
قال ياقوت في معجم البلدان 4/ 171، عَيْذَاب بُليدةٌ على ضفَّة بحر القلزم، وهي مرسى المراكب التي تقدم من عدن إلى الصعيد.
وأموالٌ فتركها، وصحب كبيراً من مشايخ عصره، وسأله أن يدلَّه على طريق السُّلوك، فقال له: نعم، اكشف لي عن مسألة كذا وكذا وأخبرني بما قيل فيها، فذهب وكشف ثمَّ رجع وأخبره بِما رأى، فقال له: يا ولدي، أَقبلْ على الاشتغال بالعلم، فراجعه في السُّؤال عن طريق السُّلوك، فلمَّا ألحَّ عليه في بعض المِرَار قال له: اكشف لي عن مسألة كذا وكذا، وأعلمني، فذهب وفتح مَظِنَّة المسألة فوجد جميع أوراق الكتاب أبيضَ ليس فيه حرفٌ، ثمَّ فتح كتاباً آخر فوجده كذلك، حتى نظر في كتبه كلِّها فوجدها صحائف بيضاء.
فرجع إلى الشَّيخ وهو مرعوبٌ ممَّا رأى، فأخبره خبره، فقال الشيخ: الآن صفا قلبُك وصحَّ توجُّهك، وصدق طلبُك، ادخل الخلوة.
فدخل الخلوة فأقام أربعين يوماً
(1)
، ثمَّ خرج وهو جوهرةٌ لمَّاعة أضاءت أنوارُ الهداية أَبصارَهُ وأسماعه، فكان منه ما كان، وتيسَّر له من المراتب العليَّة ما يقف دون شرحها الإمكان.
وعاش الشيخ يحيى حتى تَتَعْتَعَتْ
(2)
سِنُّه وتَقَعْقَعَتْ شَنُّه
(3)
.
وكان في أوائله كلما سمع بحكايةٍ عن الصَّالحين وكرامة ممَّا دُوِّنت في الكتب يقول: هذه بعينها أو قريباً منها اتَّفق لي.
وكان من كثرة سياحاته لم يسمع بغريبةٍ إلا ويُخبر أنَّه رآها، وتوفي سنة ثلاثٍ وأربعين وسبعمائة.
(1)
هذه الخلوة من الأمور المحدثة التي لم يدل الدليل على مشروعيتها فتكون من البدع المنهي عنها.
(2)
تتعتع: تردَّدَ في كلامه من حصرٍ أو عيِّ. القاموس (تعع) ص 707.
(3)
أصلُ الشَّنِّ: القِرْبةُ الخَلَقُ الصغيرة، وتقعقع: اضطرب ويبس، ففي هذا كناية عن شدَّة ضعفه، وفي المُثَل: ما يُقَعقَعُ له بالشِّنان: يُضرب لمن لا يتَّضعُ لحوادث الدَّهر، ولا يروعه مالا حقيقة له. القاموس (شنن) ص 1210، (قعع) ص 754.
94 - يعقوبُ بنُ جمالٍ، القاضي عَلَمُ الدِّين القُرَشيُّ المِصريُّ
(1)
.
كان فقيهاً فاضلاً ذا رئاسةٍ، وحاكماً عادلاً وافرَ السِّياسة، وكان نائباً للقاضي سراج الدِّين
(2)
في الأحكام، فلمَّا تُوفِّي سراجُ الدِّين سعى له بعض أصحابه من الأماجد الكرام، فاستقلَّ بالمنصب ولم يكنْ له بالمرام.
وولي وظيفتي الخَطابة والإِمامة، شخصٌ يسمَّى بَهاء الدِّين ابنَ سلامة
(3)
. كان فاضلاً أديباً، وكاتباً أريباً، ومُتَرَسِّلاً لبيباً، يحوك الكلام نثراً ونظماً، ويفوق الأنام بفك الخطَّ المُعمَّى.
واستمرَّ عامين في الإِمامة والخطابة /531 وما استمرأ المعلوم ولا استهناه ولا استطابه، وذلك لأنَّه اطَّلعَ على شرط الواقف، فوجد من جملتها معرفةَ علوم القراءات، ومعرفَة الأصلين
(4)
ومعرفة الفرائض، وغيرَ ذلك من الدِّرايات، فخاف على دينه واستقال، وطلب من الله الرِّزق الحلال، فأُعطي معلوماً بدمشق مضافاً إلى ما كان بيده من معلوم الكِتابة، وفضَّل ذلك على معلوم الإمامة والخطابة.
ولمَّا عُزل وُلِّي القاضي شرفُ الدِّين الأُميوطي
(5)
الوظيفتين واستجلى على منصبه المقصود من الوصيفتين
(6)
.
(1)
ذكره ابن فرحون في نصيحة المشاور ص 215، والسَّخاويُّ في التحفة اللطيفة 1/ 54. الدرر الكامنة 4/ 434. وجعل اسم أبيه عبد الله، فيكون جمال لقب أبيه.
(2)
سراج الدين عمر بن أحمد الخضري، وقد تقدمت ترجمته.
(3)
بهاء الدين بن سلامة المصري، كان فاضلاً أديباً، أقام في المدينة أميراً سنتين، ثم عزل نفسه واستقال. نصيحة المشاور ص 215، التحفة اللطيفة 1/ 54.
(4)
هما علم أصل الدِّين، أي: العقائد، وعلمُ أصل الفقه.
(5)
تقدَّمت ترجمته.
(6)
الوصيفتين: الخدمتين. القاموس (وصف) ص 860.
وعُزل القاضي علمُ الدِّين فلم يتأسَّف لذلك، بل كان مُتمنَّاهُ أنْ يتخلَّص قبل الموت من حِنْدِس
(1)
الحكم الحالك.
وكان رحمه الله أُسلوبُه غريباً، وطريقه في التَّشديد على الخُدَّام عجيباً، حتى منعهم من الشَّمع والدَّراهم، وجميعِ ما يجمعونه في صندوق النُّذور أيام المواسم.
وقال: هذا يجري في مصالح الحرم لا في الحرام، ولا يجوز لكم قَسْمُه بينكم في مذهب أحدٍ الأئمة من الأعلام.
فعزَّ ذلك عليهم، ولم يُبال وغلبهم، وانتزعه من يديهم، ولم يصرف عليهم منه نقيراً
(2)
، وطردهم عنه بأسرهم غنياً كان أو فقيراً.
وكان رحمه الله يقول: واللهِ ما فرحتُ بِهذا المنصب، وإنِّي لأرجو أن يُقيلَني الله تعالى منه، وقد رأيتُ في منامي كأني على سطحِ مسجدٍ، وأني قد تدلَّيتُ على طرف الحائط ولم يبق إلا السُّقوطُ و الهلاك.
فكان من الخوف لذلك على شَفا، حتى صرف الله عنه شرَّ الحكم وكفى، وبدَّل الكَدَر من أوقاته بالصَّفا.
توفي سنة
…
(3)
وسبعمائةٍ.
95 - يوسفُ بُن الحسنِ بنِ محمدِ بنِ محمودٍ، الشَّيخُ عِزُّ الدِّين الزَّرنديُّ
(4)
، المدنيُّ، الأنصاريُّ، المُحدِّث، الجامعُ بين العلم والعمل،
(1)
الحِنْدِس بكسر الحاء: الظُّلمة. القاموس (حندس) ص 540.
(2)
شيئاً يسيراً، وأصلُ النَّقير: النُّكتة في ظهر النُّواة. القاموس (نقر) ص 486.
(3)
بياضٌ في الأصل، وفي الدرر الكامنة أنه مات سنة 745 هـ.
(4)
نصيحة المشاور ص 104، الدرر الكامنة 4/ 452، والزُّرنديُّ نسبة إلى زرند من أعمال الرِّي، وهي الآن في بلاد إيران. وتقدَّمت ترجمة ولده (عليٍّ).
والسَّيِّد الذي تمَّ في جميع الفضائل وكَمَل.
سادَ السَّادة، وأرغم أعداءه وحُسَّاده، وتوسَّدَ من المفاخر السَّنِيةِ أفخرَ وِسَادةَ، وساقَ إلى سوق العلم باجتهادٍ بَدَّل بالنَّفاق كَسَادَه، وإذا حَضَرَ قلب القصراء ذلك بِمرْغَاتِه
(1)
أشاده.
قدم المدينة الشَّريفة فأقام برباط الأصفهانيِّ، فوجده من الخراب في مآتم، فلاقاهُ من العمارة بالتَّهاني، صلح ببركته حاله، واتَّخذه خِيْساً
(2)
إلى أَنْ كَثُرَ فيه أشباله.
وكان من هِجِّيره
(3)
أَنْ يُواظب على قراءة (صحيح البخاريِّ) في الرَّوضة الشَّريفة على طريقة طريفة، لا يقصد فيه رياءً ولا سمُعة، ويختم الكتاب من الجمعة إلى الجمعة، إلى أن صار الكتاب في سِطةِ
(4)
قلبه، وعلى طرف لسانه، وخدمة
أَلْسُنِهِ
(5)
والقيام بنشرِهِ/532 أشرف آسانِهِ
(6)
.
انطلق على القراءة مُفصَّلةَ الصَّمصام
(7)
، بحيث كان يختم البخاريَّ في أربعة أيام، هذا مع العلوم العديدة، والمناقب العتيدة، والمفاخر السعيدة، و المقامات الحميدة، والإقبال على العبادة، وإسبال أذيال الفضائل المرتادة، وعدم العناية بشيءٍ من الأُمور الدُّنيوية الدَّنيةَّ، وصرف الهِمَّة إلى صعود قِنَّة
(8)
(1)
المرغاة بوزن مسماة: شيء يؤخذ به الرغوة. القاموس (رغو) ص 1289.
(2)
الخِيْسُ: بيت الأسد وموضعه. القاموس (خيس) ص 543.
(3)
هجيره: دأبه وشأنه. القاموس (هجر) ص 495.
(4)
السُّطَةُ: مصدر وَسَطَ يَسِطُ سِطَةً: جلس وسطهم. القاموس (وسط) ص 692.
(5)
لُغاته. القاموس (لسن) ص 1230.
(6)
أي: أخلاقه. القاموس (أسن) ص 1176.
(7)
الصَّمصام: السيف الصارم الذي لاينثني. الصحاح 5/ 1968، والمراد: المواظبة والتتابع.
(8)
القِنَّة: أعلى الجبل. القاموس (قنن) ص 1226.
القِمَّة من المعالي الباقية السَّنِيَّة.
وأكرمه الله بعقبٍ أحيا به ذكره، ورزقه أولاداً سادة أوجب لهم عليه شكره.
وتوفي رحمه الله في عام اثنتي عشرة وسبعمائة بطريق العراق ذاهباً.
رآه في المنام الشَّيَخ أبو عبد الله العُصيَّاتي
(1)
فقال له: أخبر ذوي قرابتي وإخواني، بأنَّ الملائكة قد نقلوا إلى البقيع جثماني، فمْن أراد زيارتي من أولئك الأُناس، فليقصد حوالي قُبًّة سيِّدنا العباس
(2)
.
وفضائله في الجملة كثيرة، وكرامته ومناقبه شهيرة، والله تعالى يتغمَّده برحمته إنَّه لا إله سواه.
(1)
اسمه محمد. ترجمته في (نصيحة المشاور) ص 133.
(2)
ذكر السخاوي في المقاصد الحسنة ص 127 هذه القصة وأمثالها، ثم ذكر حديثاً لفظه:«إنَّ لله ملائكةً تنقل الأموات» فقال معقباً: لم أقف عليه.
مسألة
(1)
[حكم الحُجَر الشريفة]
إن قيل ما حكم أماكن الحُجَرِ الشريفةِ الثمان؟ هل حكمها حكم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الصلاة فيها تُضَاعَفُ على قول من يقول: إن المضاعفة مختصة بِمِقْدَارِ المسجدِ الذي بناه صلى الله عليه وسلم دون ما أُضِيفَ إليه وزِيدَ فيه بعدُ كالنووي وغيره
(2)
مِمَّنْ صرَّح بالاختصاص
(3)
. وما وجه إدخالها في المسجد؟ وهل كانت ملكاً لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن أو ملكاً للنبي صلى الله عليه وسلم؟
قلت: لم أجد في ذلك نقلاً شافياً، غير أن المسجد وإن فُضِّلت الصلاةُ فيه وقلنا بالاختصاص، فالحُجْرَةُ لها فضل آخر مختص بِهَا، يزيدُ شرفُها به، فحكم أحدهما غيرُ حكم الآخر.
والحُجْرَةُ الشريفةُ هي مكان المدفنِ الشريفِ في بيت عائشةَ رضي الله عنها، وما حوله.
ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم لما وسِّعَ دخلت الحُجَرُ كُلُّها في المسجد، فأما ما كان غير بيت عائشة رضي الله عنها فكانت للنسوة الثمان به اختصاص، ولَهُنَّ في
(1)
نقل المصنف هذه المسألة من كتاب تنْزيل السَّكينة على قناديل المدينة لتقي الدين السُّبكي، مخطوط 13 أ.
(2)
من أمثال ابن عقيل الحنبلي كما نقل ذلك ابن الجوزي في كتابه الوفا بأحوال المصطفى 1/ 256 باب فضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
ذكر النووي في شرحه لصحيح مسلم في معرض كلامه عن مضاعفة الصلاة في المسجد النبوي: (
…
أن الفضيلة مختصة بنفس مسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمانه دون ما زيد فيه بعده
…
). النووي شرح صحيح مسلم 10/ 166.
تلك البيوت حق السُكنى، ولم يَظْهَر لَهُنَّ حق مُلْكٍ فيها.
غير أن الله سبحانه أضاف البيوت إليهنَّ تارة، وأضافها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرى فقال تعالى:/533 {واذْكُرْنَ مَا يُتْلَى في بُيُوتِكُنَّ}
(1)
وقال عز وجل: {بُيُوتَ النَّبِيِّ}
(2)
، ولا يظهر في أحدهما أنه إضافة ملك دون الآخر.
نعم إضافة المُلْكِ إلى النبي صلى الله عليه وسلم أولى، وإذا قلنا بذلك فيكون بعده صدقة
(3)
، ويكون لهنَّ فيها حق السُكنى، وبعد أن أُدْخِلَتْ في المسجد فهي باقية على حكم صدقته صلى الله عليه وسلم، ومن جُمْلَةِ صدقتهِ انتفاع المسلمين بالصلاة والجلوس فيها.
وإن قلنا بالآخر؛ فيحتمل أنَّهَا كانت لهنَّ ودخلت في المسجد بالشراء أو الوقف كغيرها من البيوت والأماكن، هذا كله في غير المدفن الشريف.
وأما المدفن الشريف فلا يشمله حكم المسجد، بل هو أشرف من المسجد، وأشرف من مسجد مكة، وأشرف من الكعبة، ومن جميع البقاع كما حكيناه عن القاضي عياض
(4)
، وذلك ظاهر إن شاء الله باعتبارين؛
أحدهما: ما جاء في بعض الآثار أن كلَّ أحدٍ مخلوقٌ من تراب
(1)
سورة الأحزاب آية رقم: 34.
(2)
سورة الأحزاب آية رقم: 53.
(3)
يريد قوله صلى الله عليه وسلم: «إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة
…
».
(4)
انظر الشفا 2/ 91، و الحجج المبينة للسيوطي ص 48.
…
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 27/ 37 - 38:
…
«وأما التربة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم فلا أعلم أحداً من المسلمين قال إنها أفضل من المسجد الحرام، أو المسجد النبوي، أو المسجد الأقصى إلا القاضي عياض، فذكر ذلك إجماعاً، وهو قول لم يسبقه إليه أحد فيما علمنا، ولاحجة عليه، بل بدن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من المساجد، وأما ما منه خُلق أو فيه دُفِنَ فلا يلزم إذا كان هو أفضل أن يكون ما منه خُلق أفضل
…
».
مدفنه
(1)
.
والثاني: باعتبار ما يَتَنَزَّلُ عليه من الرحمة والرضوان والملائكة المقربين، فحينئذٍ يظهر شرفه على الكعبة وعلى جميع الأماكن شرفاً ظاهراً، ويعلو قَدْرُهُ بهما على جميع بقاع العالم علواً باهراً
(2)
.
لا يقال: فلِمَ لا يُحْكَمُ بِمُضَاعَفَةِ الأعمال فيه؟ لأنا نقول: ذلك مُختص بأماكن أعمالنا، ومدفنه صلى الله عليه وسلم ليس مَحل عمل لنا، لأنه ليس مسجداً، ولا له حكم المساجد، بل هو مُسْتَحَقُّ النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تكون الأعمال مُضَاعَفَةٌ فيه باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم حي، وأعماله فيه مضاعفة.
وإذا ظهر أنه أفضل وأشرف من الكعبة ومن جميع الأماكن والبقاع، فيجب حينئذٍ من مراعاة الأدب، وملازمة الحضور ما لا يَجِبُ في غيره من الأماكن، ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يَمْنَعُ من رفع الصوت فيه
(3)
، ولم يكن يفعل ذلك في مسجد مكة، وما ذلك إلا للأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجوب معاملته الآن كما كان يَجب أن يُعَامَلَ به لمَّا كان بين أظهرنا.
(1)
والقصد أن الرسول صلى الله عليه وسلم دُفِنَ في نفس التربة التي خُلق منها، وإذا ثبت ذلك؛ فتكون تربة المدينة لها فضيلة بارزة على سائر الأرض، وخاصة تلك البقعة الشريفة التي ضمت الأعضاء الشريفة. واستدلوا بحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال:«مر النبي صلى الله عليه وسلم بِجنازة عند قَبْرٍ، فقال: قَبْرُ من هذا؟ فقالوا: فلانٌ الحبشي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا الله، سِيقَ من أرضه وسمائه إلى التربة التي منها خُلِقَ» . أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الجنائز، 1/ 521، رقم 1356/ 92. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ولهذا الحديث شواهد.
…
لكن وإن صح الحديث فليس فيه مايفيد العموم، بل هو خاص بالمذكور وهو الحبشي. والله أعلم.
(2)
انظر تعقيب شيخ الإسلام ابن تيمية على القاضي عياض، وقد تقدم قبل قليل.
(3)
أخرجه البخاري، في الصلاة، باب رفع الصوت في المسجد، رقم 470،1/ 668.
وكانت عائشة رضي الله عنها تسمع الوتدَ يُوْتدُ، والمسمارَ يُضرَبُ في البيوت المُطِيفَةِ به فتقول: لا تؤذوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
فمن هذا الوجه يستحق من التعظيم والتوقير ما لا يستحقه غيره، فافهم ذلك تَرْشُدْ إن شاء الله تعالى.
* * *
(1)
الدُّرة الثمينة لابن النجار 205.
/534
فصل [حكم قناديل المدينة المصوغة من الذهب والفضة]
في ما ذُكِرَ في قناديل المدينة المصوغة من الذهب والفضة وحكمها، وهل تعليقها والتزين بِهَا جائز أم لا؟ وإن كان جائزاً، فهل يَجوز كسرها أو بيعها لعمارة المكان ومصالحها أم لا؟
صنَّفَ شيخُنا أبو الحسن علي بن عبد الكافي السُّبكي
(1)
في المسألة مصنفاً
(2)
، أبدع في تصنيفه، ولم يأل جهداً في تَهْذيبه وترصيفه، ونَحن نذكر من
ذلك زُبَدَهُ، وما جعل عليه استناده وعمدته، ثم نَختار منه ما كان صَوابُهُ واضحاً كالصبح الأبْلَج، ولا يتبلبل مِفْصَلٌ
(3)
مُحِقٌّ لتزييفه ولا يتلجلج.
(1)
تقي الدين، أبو الحسن علي بن عبد الكافي السُّبْكِي الشَّافعي، ولد سنة 683 هـ، تفقه على والده، ثم دخل القاهرة فأخذ عن كبار علمائها، ورحل إلى الشام والإسكندرية والحجاز، وولي قضاء الشام ومشيخة دار الحديث بالأشرفية. توفي بمصر سنة 756 هـ. طبقات الشافعية 10/ 139، الدرر الكامنة 3/ 63، بغية الوعاة 2/ 176.
(2)
المصنَّفُ هو تَنْزِيلُ السكينةِ على قناديلِ المدينةِ -مخطوط- صُنِّفَ في يومي السبت والأحد الرابع والعشرين من شهر رجب، عام أربعة وخمسين وسبعمائة بظاهر دمشق، كما ذكر المصنِّفُ في آخره.
وقد حصلنا على نسختين منها:
الأولى من جامعة الرياض. رقم 81. (18 ق) وقد اعتمدنا عليها في البحث.
الثانية من دار الكتب المصرية، ولها صورة في الجامعة الإسلامية ميكروفيلم رقم 982. (23 ق)، ورمزنا لها بـ (ب)، وعنونت بـ: رسالة في بيان حكم القناديل من الذهب والفضة وصفائح الذهب والفضة، وتذهيب حائط الكعبة الشريفة والمسجد النبوي ونَحوهما، وما وضع فيهما من النفائس.
(3)
المِفْصَلُ: اللسان. القاموس (فصل) ص 1042.
ذكر رحمه الله أولاً ما رواه البخاري عن أبي وائل
(1)
رضي الله عنه قال: جلست مع شَيْبَةَ
(2)
على الكرسي في الكعبة فقال: لقد جلس هذا المجلسَ عُمَرُ رضي الله عنه فقال: «لقد هَمَمْتُ أن لا أدعَ فيها صفراءَ ولا بيضاءَ إلا قَسمتها، قلت: إن صاحبيكَ لم يفعلا، قال: هما المرآنِ أقتدي بِهِمَا»
(3)
.
وفي لفظ في باب الاقتداء بِسُنَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما أنتَ بفاعلٍ، قال: لِمَ؟ قلت: لم يَفْعَلهُ صاحباك. قال: قال هما المرآن يُقْتَدَى بِهِمَا
(4)
.
ولفظه عن أبي داود قلت: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى مكانه، وأبو بكر رضي الله عنه، وهما أحوج منك إلى المال ولم يُحرِّكَاهُ، فقام فخرج
(5)
.
وخَرَّجَهُ ابن ماجه، وزاد في أوله عن شقيق
(6)
قال: بعث رجلٌ معي بدراهمَ هديةً إلى البيت، قال: فدخلت البيتَ وشيبةُ جالسٌ على كرسيٍّ، فناولته إياها، فقال: أَلَكَ هذه؟ قلت: لا، ولو كانت لي لم آتك بِهَا، قال: أمَّا
(1)
أبو وائل، شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، أدرك النَّبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، ثقة مُخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مائة سنة. أُسد الغابة 2/ 527، ترجمة رقم:2446. التقريب ص 268.
(2)
شيبة بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العُزَّى بن عثمان بن عبد الله بن عبد الدار بن قُصَي العبدري الحَجَبي، نسبة إلى حجب الكعبة، يُكَنَّى بأبي عثمان، أسلم يوم الفتح، وقيل يوم حنين، وليس له في الصحيحين إلا هذا الحديث عند البخاري وحده، مات سنة سبع وخمسين، وقيل: تسع وخمسين. أُسد الغابة 2/ 534. التقريب ص 269.
(3)
أخرجه البُخاري، الحَجُّ، باب كسوة الكعبة. رقم 1594،3/ 533.
(4)
أخرجه البُخاري، الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بِسُنَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم: 7275،13/ 263.
(5)
أخرجه أبو داود، في المناسك، باب في مال الكعبة، رقم 2024، 2/ 535، وفي نسخة منه: فلم يُخرجاه. ويأتي في ابن ماجه: فلم يُحركاه.
(6)
شقيق بن سلمة، وهو أبو وائل، وقد تقدم ذكره.
لَئِنْ قلت ذاك، لقد جلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه ..
(1)
وساق بنحو سياق أبي داود، ثم قال: وهذا عمدةٌ في مال الكعبة، وهو ما يُهْدَى إليها أو يُنْذَرُ لها، [وإياك أن تغلط فتعتقد]
(2)
أنَّ ذلك يُصرفُ إلى فقراءِ الحرمِ أو إلى مكةَ، أما إذا كان إلى الكعبةِ نفسها فلا يُصْرَفُ إلا إليها.
ثم نَقَلَ عن الشيخ أبي إسحق
(3)
: وإن كان قد نَذَرَ الهَدْيَ لِرِتَاجِ
(4)
الكعبةِ وعمارةِ مسجدٍ، لَزِمَ صرفُهُ فيما نَذَرَهُ.
وقال الرافعي
(5)
: إن نَذَرَ أن يَجعل ما يهديه لرتاج الكعبةِ وتطييبها. قال إبراهيم المرورُّوذِي
(6)
: ينقله إليها، ويُسلمهُ إلى القَيِّمِ ليصرفه إلى الجهةِ المنذورة.
قال: وإذا وجدنا مالاً في الكعبة واحتُمِلَ أن يكون من هذه الجِهَةِ حَمَلْنَاهُ عليها عملاً باليدِ، كما تبقى أيدي أرباب الأملاك على ما بأيديهم، فكذلك
(1)
أخرجه ابن ماجه، في المناسك، باب مال الكعبة، رقم: 3116،2/ 1040.
(2)
في الأصل: ولايغلط، بدل: وإياك أن تغلط فتعتقد. والمثبت من مخطوطة تنزيل السكينة 3 ب، وهو الصواب.
(3)
أبو إسحاق، إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروزابادي. صاحب التنبيه والمهذب وطبقات الفقهاء وغير ذلك، ولد بفِيروزاباد سنة 393 هـ، وتوفي ببغداد سنة 476 هـ. عبر 3/ 334، وفيات الأعيان 1/ 29، طبقات الشافعية الكبرى 4/ 215 ترجمة رقم 356.
(4)
الرِّتَاجُ: الباب العظيم، أو الباب المغلق، وعليه باب صغيرٌ. القاموس (رتج) ص 190.
(5)
عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل الرافعي القزويني، أبو القاسم، صاحب الشرح الكبير العزيز في شرح الوجيز، توفي بقزوين سنة 623 هـ، وله 66 سنة. العبر 3/ 190، شذرات الذهب 5/ 108، النجوم الزاهرة 6/ 266.
(6)
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن عطاء المرورُّوذِي، أبو إسحاق، ولد سنة 453 هـ، أصله من قرية فضلخار من قرى مَرْو الرُّوذ، قُتل سنة 536 هـ. الأنساب 430، طبقات الشافعية الكبرى 7/ 31، ترجمة رقم 721.
/535 يبقى ما في الكعبةِ من المال على ما هو عليه، لا يُحرِّكه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن قلت: ما مُستنَدُ عمر رضي الله عنه فيما هَمَّ به؟
قلت: هو إمام هُدَىً، ومَنْ تَقَدَّمَهُ أعظمُ منهُ، ولا يلزمنا النظر في سبب هَمِّهِ وقد رَجَعَ عنه بِمُجرد ما سَمِعَ.
قال ابن بطاَّل
(1)
: أراد عمر رضي الله عنه أن يصرفه في منافع المسلمين نظراً لهم، فلما أخبره شيبةُ صَوَّبَ فِعلهمَا، وإنَّما تَرَكَاهُ لأنَّ ما جُعِلَ للكعبةِ وسُبِّلَ لها يَجري مَجرى الأوقافِ، ولا يَجوزُ تغييرُ الأوقافِ، وفي ذلك أيضاً تعظيم الإسلام وحُرُمَاتِهِ وترهيبُ العَدُوِّ.
وقال أيضاً: رأى عُمَر رضي الله عنه أن ما فيها من الذهبِ والفضةِ لا يُحْتَاجُ إليه لكثرتهِ.
وقال مرةً: أراد أن يَقْسِمَ المالَ الذي تَجَمَّعَ، وفَضُلَ عن نفقتها ومُؤْنَتِها ويضعه في مصالحِ المسلمين، فلما ذَكَّرَهُ شيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه بعده لم يَتَعَرَّضَا له لم يَسَعْهُ خِلافهما، ورأى أن الاقتداءَ بِهمَا واجبٌ.
فربَّما تَهَدَّمَ البيت أو خَلَقَ
(2)
بعض آلاته، فَصَرَفَ ذلك المال فيه، ولو صَرَفَ ذلك في منافعَ، لكان كأنه قد أُخْرِجَ عن وجهِهِ الذي سُبِّلَ فيه.
ثم قال: فإن قلت: قد ذكر الفقهاء وجهين في صحة الهِبَةِ للمسجدِ، وأنه
(1)
محمد بن أحمد بن محمد بن بطَّال الرَّكْبِي الشافعي اليمني، جاور في مكة 14 سنة، فقيه، شاعر، نَحوي، له مصنفات منها: النظم المستعذب في شرح غريب المهذب و أربعون حديثاً في أذكار المساء والصباح. توفي في بلده سنة 633 أو 630 هـ. بغية الوعاة 1/ 43، كشف الظنون 2/ 1913، الأعلام 5/ 320.
(2)
خَلَقَ: بفتح اللام وكسرها وضمها: بَلِيَ. القاموس (خلق) ص 881.
هل يَملك أو لا يَملك؟ قلت: أصحهما الجوازُ، وأنه يصح الهبة له، ويقبلها قيمةً ويَمْلِكُ.
وقد اختلف العلماءُ في الوقفِ على المسجدِ، هل هو وقفٌ على المسلمين أو على مصالحِ المسجدِ
(1)
؟ والأصح الثاني.
فظهر بِهَا القطع بثبوت اختصاص الكعبة بِمَا يُهْدَى إليها، وما يُنْذَرُ لها، وما يُوجدُ فيها من الأموالِ، وامتناع صَرْفِها في غيرِها لا للفقراءِ ولا للخارجِ عنها المحيطِ بها إلا أن يَعْرِضَ لنفس الكعبة عمارةٌ أو نَحوها فحينئذٍ يُنْظَرُ، فإن كانت تلك الأموالُ قد أُرْصِدَتْ لذلك، صُرِفَتْ فيه، وإلا فَيَختص بِهَا الوجه الذي أُرْصِدَتْ له، فالمُرصَدُ للبخورِ مثلاً لا يُصْرَفُ للسترة.
وقال: ويَحِلُّ الصرفُ المذكور إذا عُلِمَ من حالهِ ذلك، أو كانت عليه قرينةٌ بذلك، مثل كونِهِ دراهمَ أو دنانير، أما القناديل التي فيها والصفائح التي عليها فلا يُصْرَفُ منها شيء بل تَبْقَى على حَالِهَا.
ثم نَقَلَ عن الرافعي أنه قال: لا تَجوز تَحلية الكعبة بالذهب والفضة، وتعليق قناديلها.
وقال أيضاً: وفي تَحلية الكعبةِ والمساجدِ بالذهَبِ والفضةِ/536 وتعليقِ قناديلها، فيها وجهان مرويان في الحاوي
(2)
وغيره.
أحدهما: الجواز تعظيماً كما في المصحفِ، وكما يَجوزُ سترُ الكعبة بالديباجِ.
وأظهرهما: المنع إذ لم يُنقل ذلك عن فعل السلف.
(1)
ورد في المغني: «
…
فإن قيل قد جَوَّزْتُم الوقف على المساجد والسقايات وأشباهها وهي لا تَملك، قلنا: الوقف هناك على المسلمين؛ إلا أنه عين في نفع خاص لهم». المغني 5/ 646.
(2)
الحاوي الكبير للماوردي 3/ 276 باب زكاة الحُلِي.
ثم استَشْكل كلامَ الرافعي فقال: أما التسويةُ بين الكعبةِ والمساجدِ فلا تنبغي، لأن للكعبة من التعظيمِ ما ليس للمساجد، ألا ترى أن سَتْرَهَا بالحريرِ مُجْمَعٌ عليه، وفي سترِ المساجدِ خلافٌ، فحينئذٍ الخلافُ في الكعبةِ مُشْكِلٌ، وترجيحُ المنعِ فيها أشكل، وهذا الكلام لا يَخفى على الفقيه ضَعْفُهُ.
ووجه الإشكال والإشكالية غير ظاهر، وفي التمسكِ بِجوازِ سَترِ الكعبةِ بالحريرِ تكلفٌ ظاهرٌ وتعسُّفٌ بَيِّنٌ، والحريرُ إنَّمَا جَوَّزُوهُ للإجماعِ وفِعْلِ السلفِ، ولم يُنقل تَحليته بالذهب عنهم.
وما وقع في أيام الوليد من تذهيبِ سقوفِ مسجدِ النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلحُ دليلاً ولا استئناساً، فإن الوليدَ كان له غرضٌ في ذلك، ولأجل ذلك لم يراجعه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، على أن المقدار الذي وقع هنالك لم يكن إلا تمويهاً غير مَحظور دون تَحليةٍ بصفائحَ أو تعليقٍ لقناديل.
ثم قال: قد وليَ عمرُ بن عبد العزيز رضي الله عنه الخلافة، وأراد أن يُزيلَ ما في جامع بني أمية من الذهب، فقيل له: إنه لا يتحصل منه شيء كثير. فلو كان فعلها حراماً لأزالها في خلافته، لأنه إمام هُدَىً، فلما سَكَتَ عنها وتركها وَجَبَ القطعُ بِجوازها. انتهى، وفيه أمران:
أحدهما: أن أمر عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بِحَكِّ المموهِ دليلٌ على عَدمِ جوازِ تَحليةِ المساجدِ بالذهبِ قليلهِ وكثيرهِ، والأمر في الصفائح والقناديل أَطَمُّ وأعظم
(1)
.
الثاني: أن في أيامِ عمرَ بن عبد العزيز رضي الله عنه لم يثبتْ أنه كانت على الكعبةِ صفائح الذهب والفضة ولا قناديل منهما فيها، وإنَّما صارت بعده
(1)
في الأصل: (أعلم)، والصواب ما أثبت.
في خلافة بني العباس، وعلى تقدير أنَّها كانت موجودة، وصح أن الوليدَ أوَّلُ من عمل ذلك، وكانت باقية إلى خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فسكوته عنها، وتركه الأمر بإزالتها يَحتمل وجوهاً:
منها: أنه غفل عنها لاشتغاله بما هو أعظم وأهم، وهذه جزئية غير واقعة في النظر ولا في القرب، فتحتمل الإغفال.
ومنها: أن مدة خلافته كانت سنتين فلم يُذَكَّرْ به، ولو ذُكِّرَ به لفعل.
ومنها: أن الصفائح ليس حُكمُها حُكمَ القناديلِ حتَّى يُنْظَمَا في سِلْكٍ واحدٍ.
ولا خلافَ أن الوليدَ لم يُعَلِّقْ في الكعبةِ قناديل، وإنَّما الكلامُ /537 في الصفائحِ، فإن صَحَّ أنه ارتكب ذلك، وأبقاه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مع التذكرِ والتيقُّظِ له فإنَّما فعل ذلك لأنه صار في حُكمِ المال الموقوف الموضوع في خزانة، ولأنه أحفظ له من قلعهِ ووضعهِ في جوفِ الكعبةِ أو خزانةٍ.
بل ربَّما كان يتعينُ إبقاؤها لهذا المعنى، لأن قَلْعَه ربَّما يؤدي إلى تَلَفِ مالِ الكعبة، فلأجل هذا المحذور يُحتمل أنه تساهل في إبقائه.
ولا يَمتنع أن يكونَ ابتداءُ الشيء حَرَاماً، ثم تكونُ استدامته جائزة، ولها نظائر.
وقال: إن القاضي حسيناً
(1)
جَزَمَ بتحليةِ المسجدِ بالقناديلِ من الذهبِ ونَحوها، وأن حكمها حكم الحلي المباح، وهذا أرجحُ مِمَّا قاله الرافعي لأنه
(1)
الحسين بن محمد بن أحمد، أبو علي القاضي الْمَرْوَرُّوذِي، صاحب «التعليقة» ، كان فقيه خُراسان وحَبْر المذهب، توفي في المحرم سنة 462 هـ. وفيات الأعيان 2/ 134، طبقات الشافعية الكبرى 4/ 356، ترجمة رقم 393. العبر 2/ 312.
ليس على تحريمِها دليل، والحرامُ من الذهب إنَّما هو استعمال الذكور له، والأكل والشرب، ونحوهما من الاستعمال من أوانيه، وليس في تَحلية المسجد بالقناديل الذهبية ونَحوها شيء من ذلك. انتهى.
وهذا فيه ما لا يَخفى من ترجيح [المرجوح]
(1)
وتقوية الضعيف بما هو أضعف، حيث جعل الدليل على إباحته عدم الدليل على حرمته، والحال أن الدليل على حرمته قائم.
ثم القول: بأن الحرام من الذهب استعمال الذكور له والأكل والشرب ونَحوهما من الاستعمال من أوانيه، ليت شعري ما أراد "بنحوهما" من الاستعمال؟ وهل استعمال القنديل إلا تعليقه في المكان تارة للتَّزين، وتارة للإيقاد، ولم يعهد قط أن القناديل يؤكل فيها ويشرب، بل استعمال كل شيء بِحَسَبِهِ.
وأعجب من ذلك استدلاله بِمَقَال الغزالي: الذي يتبين لي أنَّ مَنْ كَتَبَ القرآنَ بالذهب فقد أحسن، ولا زكاة عليه فيه.
فلم يثبت في الذهب إلا تحريمه على ذكورِ الأمةِ فيما يُنْسَبُ إلى الذكورِ، وهذا لا يُنْسَبُ إلى الذكور، فيبقى على أصلِ الحلِّ ما لم ينتهِ إلى الإسرافِ.
وهذا يصلحُ دليلاً عليه حيث قال بالتحريمِ إذا بلغ حَدَّ الإسرافِ، فهذا في القناديل المعلقة ونَحوها من باب الأَوْلى.
وليت شعري متى يبلغ الكاتب حَدَّ الإسرافِ، فإن القنديلَ الصغيرَ يَحْتَمِلُ أن يُكتب بمحلوله مائة مصحف.
ثم قال: هذا كُلُّهُ في الكعبةِ شرفها الله تعالى، أما غيرها من المساجد فلا
(1)
في الأصل: المرَجَّح. والمثبت هو الصواب.
ينتهي إليها، فلا يبعد جريان الخلاف فيه، والأرجح منه الجواز كما قاله القاضي حسين، ولا أقول إنه ينتهي إلى حَدِّ القُرْبَةِ، ولهذا استقرَ الناس على خلافه في الأكثر.
قال: وأما تعليل الرافعي بأن ذلك لم ينقل عن فعل السلف فعجيب، لأن هذه العلة لا تقتضي التحريم، وقُصَاراها
(1)
أن تقتضي أنه ليس بسُنَّة أو مكروه/538 كراهة تَنْزيه، أما التحريم فلا، وليس لنا أن نَجزم بِمِثْلِ ذلك حتى يَرِدَ نَهْيٌّ من الشارعِ. انتهى كلامه؛ وفيه أمور:
أحدها: أن قول الشيخ: (تعليل الرافعي عجيب) أعجبُ وأعجبُ! إذ الرافعي لم يَجعل ذلك بِمُفردِهِ عِلَّةً، بل مضموماً إلى ما وَرَدَ عن السلف من إلبَاسِ الكعبةِ الحريرَ مع وُرُودِ النَّهيِ عن استعماله واستعمالِ الذهبِ أيضاً.
كذلك ورد النهي عن استعماله، ولم يستعمله السلف في الكعبة مع عنايتهم بشأنها وتعظيمها وتبجيلها فهذا المجموع يدل على المنع، إذ لو كان كذلك مُسَاغَاً لفعلوه كما فعلوا في الحرير.
الثاني: قوله: (حتى يَرِدَ نَهْيٌّ عن الشارع)، وكم من نَهْيٍ ورد عن الشارع في ذلك ! كما ذكر هو بعضه بعد ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ شَرِبَ في إنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ فَإنَّما يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَاراً مِنْ جَهَنَّمَ»
(2)
، وفي لفظ:«أو في إنَاءٍ فِيهِ شَيءٌ مِنْهَا»
(3)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لاتَشْرَبُوا في آنِيَةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ولا تَأكُلُوا في صِحَافهَا،
(1)
قُصاراها: غايتها. القاموس (قصر) ص 463.
(2)
أخرجه مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً في اللباس والزينة، باب تَحريم استعمال أواني الذهب والفضة، رقم:2065،3/ 1635.
(3)
الدارقطني 1/ 40. وفيه: «أو إناء فيه شيء من ذلك».
فَإنَّهَا لَهُم في الدُّنْيَا وَلَكُم في الآخِرَةِ»
(1)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير: «هذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أمَّتي، حِلٌّ لإنَاثِهَا»
(2)
.
وقاسَ جماهيرُ العلماءِ الأكلَ والشربَ عليها.
قال الشيخ محي الدين النووي: أجْمَعَ العلماءُ على حرمةِ استعمالِ أواني الذهبِ والفضةِ
(3)
، هكذا قال، ولم يَحْكِ خلافاً، ولم يستثن آنية عن آنية، والقناديل من الأواني بلا خلاف، ومن منع فمكابر، وسنبين ذلك بأوضح من هذا.
ثم قال: وتكلموا في العلَّةِ المقتضية لقياسِ غيرِ الأكلِ والشربِ عليهما، فمنهم من قال: التَّشَبُّه في الأعاجِمِ.
قال: وَرُدَّ بأن هذهِ العلة تقتضي الكراهيةَ لا التحريم.
وقال بعضهم: العِلَّةُ السرفُ والخُيَلاءُ، أو كسر قلوبِ الفقراءِ وتضييقِ
(1)
من حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً: أخرجه البخاري، في الأطعمة، باب الأكل في إناء مفضض، رقم: 5426، 9/ 465. و مسلم، في اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة، رقم:2067، 3/ 1637.
(2)
أخرجه من حديث علي رضي الله عنه:
…
أبو داود، في اللباس، باب الحرير للنساء، رقم: 4054،4/ 403 والنسائي في الزينة، باب تَحريم الذهب على الرجال. رقم:5144،8/ 160، وابن ماجه في اللباس، باب لبس الحرير والذهب للنساء، رقم: 3596، 2/ 1189.
…
والحديث صحيح بشواهده الكثيرة، انظر: إرواء الغليل 1/ 305 - 309.
(3)
قال النووي: (قال أصحابنا: انعقد الإجماع على تَحريم الأكل والشرب وسائر الاستعمال في إناء ذهب أو فضة إلا ما حُكِيَ عن داود وقول الشافعي في القديم، فهما مردودان بالنصوص والإجماع
…
)، صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب اللباس والزينة، باب تَحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الشرب وغيره على الرجال والنساء 14/ 29.
النقدين، وجميعُ هذه العِلَلِ بالنسبةِ إلى ما يستعملهُ الشخصُ كالأكلِ والشربِ.
أما تَحلية المساجد تعظيماً لها فليس فيه شيء من هذه العلل، وهكذا القناديل من الذهبِ والفضةِ لأن الشخص إذا اتَّخذها للمسجد لم يقصد استعمالها ولا أن يتزين بِهَا هو ولا أحد من جهته، والذي حَرَّمَ اتِّخاذها على أصح الوجهين إنَّما حَرَّمَ ذلك لأن النفسَ تدعو إلى الاستعمال المحرم، وذلك إذا كانت له، وأما جعلها للمسجدِ فلا تدعو النفسُ إلى استعمال حرام أصلاً، فكيف تَحْرُمُ وهي لا تُسَمَّى أواني؟
ورأيت الحنابلة
(1)
قالوا بتحريمها للمسجدِ، وجعلوها من الأواني أو مَقِيسَةً عليها، وليس بصحيحٍ، لا هي أواني ولا في معنى الأواني. انتهى.
وهذا فصل يقضي منه العجب كل العجب، قوله:(تَحلية المساجد ليس فيه شيء من هذه العلل) قول/539 ظاهر الخلل، إذ السرف فيه أظهر من نارٍ على علمٍ، وتضييق قلوب الفقراء أوضح وأظهر، لأن المسجد محلهم ومقامهم، وينظرون إلى شيء يضيع لا ينتفع به أحد من المسلمين، وهم مُحتاجون إلى صرف حبة منها، بِخلاف ما في أَجْوُفِ
(2)
البيوت والمخادع فإنه قد لا تَحصل منه هذه المفسدة العظمى، والبَلِيَّة الكبرى.
وأما تضييقُ النقدين المؤدي إلى غلاء السعرِ، وتقليلِ أسبابِ المعاملاتِ، فهذا أحدُ أسبابهِ لا يضاهيها نوع آخر من أنواع استعمال النقدين، وذلك لأنه يَبْطُلُ حكمه بالكليةِ، ولا يَجوز لأحد صرفه، ولا كسره، ولا بيعه، بل يبقى كذلك إلى أن يأتي بِزَعْمِ الشيخِ إلى صاحبهِ يومَ القيامةِ بعينهِ، ويعلَّقُ
(1)
ورد في المغني عن ابن قدامة: (
…
ولا يَجوز تَحلية المصاحف ولا المحاريب، ولا اتِّخَاذ قناديل من الذهب والفضة لأنَّها بِمَنْزِلَةِ الآنية) المغني. باب زكاة الذهب والفضة. 3/ 18.
(2)
أجوف البيوت: داخلها. اللسان (جوف) 9/ 35.
عليه في الجنانِ، هذا مِمَّا لا يليقُ بكلامِ الوعَّاظِ والقُصَّاصِ.
وقوله: (لأن الشخص الذي اتَّخذها لم يقصد استعمالها، ولا أن يتزين بِهَا، ولا أحد من جهته). فيه أن اتِّخَاذ ذلك حرام، ولا اعتبار لقصد الاستعمال وعدمه.
ثُم إنا نَمْنع أنه لم يقصد التزين بِهَا، بل قَصَدَ ذلك وتَزَيَّنَ كما قاله الشيخُ بعد: إنه أراد به لسان صدق في الآخرين، وأي تزين أعظم من ذلك.
وقوله: (ولا أحد من جهته) وكالنائب له في ذلك، والمؤتَمِرِ لأمره، والقائم مقامه.
وقوله: (كيف تحرم ولا تسمى أواني، ولا هي في معنى الأواني)؟
هذا عدمُ اطلاعٍ على معنى كلامِ العربِ، وقلةُ فهم لموضوعِ لغتهم، وهذه كتبُ اللغةِ لمنْ لا يذوقُ بنفسهِ لغةَ العربِ تشهدُ بأنَّ الآنيةَ والوعاءَ والظرفَ أخواتٌ من وادٍ واحدٍ، تَسْتَعْمِلُ العربُ كلاً منها مقامَ الآخر، ولا تفرق البَتَّة.
ولا يَختلف اثنان في أن القنديل ظرف ووعاء، وإذا ثبت ذلك فهو إناء أيضاً. وقد صح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو فارس ميدان البلاغة أنه اغترف الماء بكفيه، ثم قال لمولاه أبي نِيْزَر
(1)
: (هذه أنظف آنية المرء)، فجعل الكف من الأواني.
وفي حديث آخر مرفوع: «إن لله تعالى أواني أشرفُها وأفضلُها قلوب
(1)
أبو نِيْزَر: كان من أبناء بعض الملوك الأعاجم، رغب في الإسلام صغيراً، فأسلم عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان معه في مؤنته، ثم كان مع فاطمة، ثم مع ولدها. ويقال إنه ولد النجاشي جاء وأسلم. الإصابة 7/ 343، الكامل للمبرد 3/ 207. وفيه قول علي لأبي نيزر: إن الأكُفَّ أنظفُ الآنية. والقصة بكاملها ذكرت في الباب الخامس (عين أبي نَيْزَر) بفتح النون.
العارفين»
(1)
، أو كما قال، فجعل القلوب من الأواني.
وفي الجملة: وكل ظرف آنية، والإناء مشتق من أنِيَ يَأنَى
(2)
، كَرضِي يَرْضَى
(3)
، إذا ثبت واستقر، سُمِّيَ الإناء إناءً لأنه يستقر فيه الماء والطعام وغير ذلك، فإذا عرفت ذلك فكن الحاكم الفيصل هل يكون القنديل إناءً أم لا؟
وقوله: (والذي حرَّمَ اتخَاذها إنَّما حرَّمَ ذلك لأن النفس تدعو إلى الاستعمال المحرم). فيه أنه قد يقول المحرم: إن هذا إثباتٌ عَلَيَّ فيما لم أُرِدْ ولم أقْصِدْ، وإنَّمَا حرَّمتُ ذلك لتحريم الشارع استعمالَه سواء دعت النفس/540 إلى استعماله أم لم تدع.
ثم قال: (وقد رأيتُ في القناديلِ شيئاً آخر، فإنه وَرَدَ في الحديثِ في أرواحِ الشهداءِ تأوي إلى قناديلَ معلَّقةٍ بالعرشِ
(4)
، ولعل من هنا جعلت القناديل في
المساجد، وإلا فكان مِسْرَجَةٌ
(5)
تكفي أو مسارجٌ).
وهذا من كلام المتصوفة، ولو كان لذلك أصلٌ وَوَجْهُ مُنَاسَبَةٍ لكان أولى الناس بفعله النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون والسلف، وإنما تعليق القناديل في
(1)
قال الزبيدي: (
…
قال صلى الله عليه وسلم: «إن لله أواني في أرضه وهي القلوب، وأحب القلوب إلى الله أصفاها وأصلبها وأرقُّها» قال العراقي: رواه الطبراني في حديث أبي عقبة الخولاني، إلا أنه قال:«ألينها وأرقها» .... ولفظ حديثه: «إن لله تعالى آنية من أهل الأرض، وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إلى الله ألينها وأرقها» وفي إسناده بقية بن الوليد وهو مدلس، لكنه صرح بالتحديث فيه). إتحاف السادة المتقين للزبيدي 6/ 209، و المغني عن حمل الأسفار للعراقي 2/ 173 - 3/ 14.
(2)
القاموس (أنِيَ) ص 1260.
(3)
القاموس (رضِيَ) ص 1288.
(4)
أخرجه مسلم من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في الإمارة، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، رقم:1887،3/ 1502.
(5)
المسْرَجَةُ: مايوضع فيها الفتيلة والدهن للإضاءة. اللسان (سرج) 2/ 297.
المساجد بدعة حدثت بالآخر بعد فشو المنكرات، وظهور الأمارات.
ثم قال: (والأصح على ما اخترناه الجواز، وعلى ما قاله الرافعي التحريم، ولا دليل له لأنَّها لا أواني ولا مشبهة للأواني، ولم يرد فيها نَهْي ولا فيها معنى ما نُهِيَ عنه لا في المساجدِ ولا في الكعبةِ، فكان القول بتحرِيْمِهَا فيهِمِا بَاطِلاً). انتهى.
وقد تقدم ما ينقض ذلك كله، إذ هي أواني وإلا فلا أقل من أنَّها مشبهة بالأواني، وقد ورد النهي في استعمال الأواني الذهب والفضة، ولا يَحْتَاجُ عمومُ النهي إلى تَخصيصِ المساجدِ والكعبةِ بالذكرِ، ولا الرُّبُط
(1)
والزَّوايا والمدارسِ ومجامع الخيرِ ومجالس إقْرَاء العلم بالليل فإنَّها إلى القناديلِ أحوج من مواضعِ الصلواتِ.
ثم قال: (هذا ما يَتَعَلَّقُ بِمَذْهبنا في اتِّخاذها من غير وقف، فإن وُقِفَ المُتَّخَذُ من ذلك من القناديلِ أو الصفائحِ ونَحوها، فقد قطع القاضي حسين والرافعي أنه لا زكاة فيه.
فأما قطع القاضي حسين فلا يرد عليه شيء لأنه يقول بإباحتها، ومقتضاه صحة وقفها، وإذا صح وقفها فلا زكاة.
وأما الرافعي فقد رَجَّحَ تحريمها ومقتضاه أنه لا يَصِحُّ وقفها لهذا الغرضِ، وإذ لم يَصِحَّ وقفُها تكون باقية على ملكِ مالكها، وتكون زكاتُها مبنية على الوجهين فيما إذا لم تكن موقوفة، فلعل مراد الرافعي إذا وقفت على قصد صحيح، أو وقفت وفرعنا على صحة وقفها).
ونُقِلَ عن سحنون
(2)
المالكي فيما حكى عنه
(1)
جمع رباط. القاموس (ربط) ص 667.
(2)
أبو سعيد، عبد السلام بن سعيد بن حبيب بن حسان التنوخي، الحمصي الأصل، المغربي القيرواني المالكي، قاضي قيروان، وصاحب المدونة، لازم ابن وهب وابن القاسم وأشهب حتى صار من نظرائهم، وساد أهل المغرب في تَحرير المذهب، وانتهت إليه رئاسة العلم بالمغرب، توفي سنة 240 هـ، وله 80 سنة. وفيات الأعيان 3/ 180، سير أعلام النبلاء 12/ 93، العبر 1/ 340.
القرافي
(1)
في الذخيرة
(2)
أنَّ تَحْلِيةَ الكعبةِ والمساجدِ بالقناديلِ والعلائقِ والصفائحِ على الأبوابِ والجُدُرِ من الذهبِ والوَرِقِ يُزكِّيهِ الإمام كل عام كالعين المُحبَّسة.
ثم قال: (قواعد أبي حنيفة تقتضي أن تعليق قناديل الذهب والفضة في المساجد جائز).
وهذه كُتُبُ الحنفية بأيدينا ونصوصُ الجميع تعطي أن ذلك غير جائزٍ، وإنَّما الجائز من ذلك هو تَمْويهٌ أو تزيينٌ
(3)
، والأكثرون من الحنفية كرهوا ذلك أيضاً /541 وأن المسجد يُصَانُ عن الزَّخَارِفِ
(4)
.
ثم قال: (وأما الحَنَابِلَةُ ففي المغني من كتبهم لا يَجوز تَحلية المصحف ولا المحاريب ولا [اتخاذ] قناديل من الذهب والفضة لأنَّها بِمَنْزِلَةِ الآنية، وإنْ
(1)
أبو العباس، شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي القرافي، مصري المولد والمنشأ والوفاة، من علماء المالكية، وله مصنفات في الفقه والأصول، منها الذخيرة، وشرح تنقيح الفصول، توفي سنة 684 هـ. الديباج المذهب ص 62، شجرة النور الزكية ص 188.
(2)
الذخيرة 3/ 50.
(3)
قال المرغيناني صاحب الهداية: (ولا بأس أن ينقش المسجد بالجص والساج وماء الذهب). فتح القدير لابن الهمام 1/ 435.
(4)
قال ابن الهمام: (ومنهم من كرهه لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراطِ الساعةِ أن تُزَيَّنَ المساجدَ» ، ثم قال: ومحمل الكراهة التكلف بدقائق النقوش ونحوه خصوصاً في المحراب، أو التزيين مع ترك الصلوات
…
) فتح القدير 1/ 434.
وقفها على مسجد ونَحوه لم يَصِح، ويكون بِمَنْزِلَةِ الصدقة، فَيُكْسَر ويُصرف في مصلحةِ المسجدِ)
(1)
. ثم رد عليهم رداً ليس بذاك.
ثم قال: (هذا ما يَتَعَلَّقُ بِمَكَّة شرفها الله تعالى، فننتقل إلى المدينة الشريفة وقد ذكرنا حكم المساجدِ في التحليةِ وتعليقِ قناديلِ الذهبِ والفضةِ، وأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أَوْلى بذلك من سائر المساجدِ) انتهى.
وقد ذكرنا الجواب عن ذلك، ولو جَوَّزَ مُجَوِّزٌ ذلك وارتكبه مع كراهة في بعض المساجدِ لكان مسجدُ النبي صلى الله عليه وسلم الذي شرفه الله تعالى بهذا النبي العظيم والنور العميم أولى بتنزيههِ وتطهيرهِ عن ذلك.
السِّرُّ أنه أمر وقع فيه الخلافُ بين الأئمةِ المجتهدين، وذهب جماهيرهم أو جمهورهم أو كثيرهم إلى حرمته وعدم جوازه، أليس صاحب هذا المحل الشريف ومشرفه صلى الله عليه وسلم أبعَدَ الناس عن زخارف الدنيا وزينتها، وأكثرَ الخلق تَجَنُّباً عن النَّظَرِ إليها والالتفات إلى صفوها؟
أليس هو الذي شَقَّقَ قِرَامَ
(2)
البيت وقال: «إنا لن نؤمرَ أن نستر الحجارة والطين»
(3)
؟!
أليس هو الذي
…
(4)
خاتم ذهب ثم نزعه ورماه لأنه لا ينبغي للمتقين
(5)
؟!
(1)
المغني 3/ 18، ومابين معقوفين سقط من الأصل، والمثبت من المغني.
(2)
قِرَام: الستر الأحمر، أو ثوب ملون من صُوف، فيه رَقْمٌ ونُقُوشٌ، أو سِتْرٌ رقيقٌ. القاموس (قرم) ص 1148.
(3)
جزء من حديث أم المؤمنين عائشة: أخرجه مسلم في اللباس والزينة، باب تحريم صورة الحيوان، رقم: 2107، 3/ 1666 بلفظ:«إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين» .
(4)
كلمة غير واضحة في الأصل.
(5)
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتَماً من ذهب في يد رجل فَنَزَعَهُ وطرحهُ وقال: «يعمدُ أحدُكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده» ، أخرجه مسلم، في اللباس والزينة، باب تَحريم خاتَم الذَّهب على الرجال، ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام، رقم: 2090،3/ 1655.
ثم قال: (أما الحجرة الشريفة المعظمة فتعليق القناديل الذهب فيها أمر معتاد من زمان، ولا شك أنه أولى بذلك من غيرها) انتهى.
وليته قَيَّدَ الزمانَ، فإنه يَصْدُقُ على القليل والكثير من الأحيانِ، ولم ينكر ما قاله إنسانٌ، ولم يَختلف فيه اثنان، ولكن تيسَّرَ زمان سُوِّغَ فيه هذا الذي حرمه النبي صلى الله عليه وسلم بصريح البيان.
ثم قال: (فهذا المكانُ له شَرَفٌ على جميع المساجدِ وعلى الكعبةِ، فلا يلزم من مَنْعِ تعليقِ قناديل الذهب في المساجد والكعبة المنعُ من تعليقها هنا، ولم نرَ أحداً قال بالمنع هنا، وكما أن العرش أفضل الأماكن العلوية وحوله قناديل، كذلك هذا المكان أفضل الأماكن الأرضية، فناسب أن يكون فيه قناديل، وينبغي أن يكون من أشرفِ الجواهرِ، كما أن مكانَهَا أشرف الأماكن، فقليل في حقها الذهب والياقوت) انتهى.
ويقول: (إنه لكون المكان أشرف من جميع الأماكن قلنا: يتعين تنزيهه عما فيه شُبْهَةُ حُرمةٍ، ولا يَختلف اثنان في أن/542
(1)
لا يصورون التماثيل غالباً إلا تَمْاثيل الخنازير، وقد صور أحد بناة النصارى تِمْثَال خنْزِير في هذا
(1)
يوجد سقط بين الصفحتين، لعدم تناسق المعنى بينهما، والغالب أن السقط عبارة عن قصة المجمرة التي أُتِيَ بِهَا من الشام في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي من فضة فيها تَماثيل- فدفعها عمر إلى سعد أحد المؤذنين، وأمره أن يُجْمِرَ بِهَا في الجمعة وفي شهر رمضان، وكانت تُوضع بين يدي عمر رضي الله عنه. واستمر الأمر على ذلك حتى قَدِمَ إبراهيم بن يَحيى بن محمد بن العباس المدينةَ والياً سنة ستين ومائة، فأمر بِهَا فغُيِّرتْ. تَنْزِيل السكينة 15 ب، تحقيق النصرة 87.
المسجد الشريف، فأمر عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بضرب عنقه
(1)
، وأمر يتعين فيه ضرب الرقاب كيف يُمَكِّنُ من فِعْلِهِ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه، أو كيف يُجزم بأمره باستعمال الفضة المحرم، وارتكاب المنهي عنه في هذا الحرم المعظم؟! هذا ما لا يقبله ذو دين، ولا يُقْبِلُ عليه ذو لب متين.
ثم قال كالمعتذر: (وقال الفقهاء إنَّها إذا احتوى عليها حرام، ويقتضي اشتراطهم الاحتواء أن هذا الصنيع غير حرام، لكن العرفَ دَلَّ أن ذلك استعمال، فإما أن يكون الحديث ضعيفاً، وإما أن يكون احتمل ذلك لأجل المسجد تعظيماً له، فتكون القناديل بطريق الأولى إذ لا استعمال فيها) انتهى.
وقوله: (ويقتضي اشتراطهم الاحتواء أن هذا الصنيع غير حرام) غير جيد، ولا مقتض لما ذكره، بل مقتضٍ أنه قد توجد مَجْمَرَةٌ وفيها بَخُورٌ إما بفعل جاهل، أو صبي، أو ذمي، أو فاسق، ويَمُر عليها مارٌّ فيشتم منها بَخُوراً فإنه لا يأثم بذلك، وإن قصد الاشتمام.
وليس المراد بالاحتواء أن يَجعله تَحت ثيابه، أو يسبل عليه ذيله أو كمه كما يظنه جهلة المتفقهة، وإنَّما المراد بالاحتواء أن تَحوزه وتضمَّه إما بما ذكرنا، أو بالقعود بقربه بِحيث يُعَدُّ مُتَبَخَّراً به، أو بوضعه في منزله ليبخِّرَ به منزله؛ كل ذلك احتواء، هذا إذا ذهبنا مذهب من يشترط الاحتواء، وحينئذٍ حرام استعماله، وإذا ثبت ذلك فاستعماله من الكبائر في مذهب الشيخ، لأنه يقول بالذنوب والمعاصي كلها كبائر
(2)
.
(1)
وذلك عندما أمر الوليد بن عبد الملك في خلافته بتوسيع المسجد النبوي، وكتب إلى ملك الروم: إنا نريد أن نعمر مسجد نبينا الأعظم، فأعِنَّا فيه بعمال وفسيفساء، فأرسل له عمالاً وأموالاً، فقام أحد العمال برسم صورة خنْزِير في جدار القبلة في صحن المسجد، فظهر عليه عمر بن عبد العزيز-وكان حينئذ والياً على المدينة-فأمر بضرب عنقه.
(2)
جاء في ترجمة ابنه -تاج الدين السُّبكي- له تَحت عنوان: (ذكر شيء مما انتحله مذهباً وارتضاه رأياً لنفسه) قوله: وأنه لا صغيرة في الذنوب، بل الكُّلُّ كبائرٌ، ولكن بعضها أكبر من بعض، وهو رأي الأستاذ أبي إسحاق، ونسبه الشيخ الإمام إلى أبي الحسن الأشعري نفسه. طبقات الشافعية الكبرى 9/ 234.
وتبع في ذلك جماعة من السلف
(1)
.
ومن الكبائر أيضاً في مذهب من حَدَّ الكبيرة بِمَا وَرَدَ فيه وعيد.
وعلى المذهب الشَّاذِّ القائل بأنه من الصغائر قالا على استعماله من الكبائر.
ويَجب على ولي الأمر منع من يُحْضِرُهَا بين يدي الإمام في مِحراب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يَجوز للإمام أن يقف مُحتوياً عليها، ويصلي بالمسلمين، وأي دعاء يَصْعَدُ إلى مَحَلِّ القَبُولِ مع ملابسة الكبيرةِ بِحضرة الرسول؟! أعاذنا الله من أمثال ذلك، ووقانا وأحبابنا سلوك مظلمات المسالكِ.
وقال في بعض مباحثه: (وكم من عالم وصالح من أقطار الأرض قد أتاها للزيارة ولم يَحصل من أحدٍ إنكارٌ للقناديلِ الذهبِ التي هناك، فهذا وَحْدَهُ كافٍ للعلمِ بالجوازِ) انتهى.
وهو كلام عجيبٌ، لأن هذه القناديل لم تكن في زمن الصحابة والتابعين وأتباعِ التابعين/543 الذين كانوا أئمة الدين وهداة المتقين، ومن الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر بِمَكان مكين.
وإنَّما حَدَثَ ذلك بعدهم، ومع ذلك فَحُسْنُ الظن بالعلماءِ أنه ما من عالم
(1)
جاء في الزواجر لابن حجر الهيثمي: (اعلم أن جماعة من الأئمة أنكروا أن في الذنوب صغيرة، وقالوا بل سائر المعاصي كبائر، منهم الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني، والقاضي أبو بكر الباقلاني، وإمام الحرمين الجويني في الإرشاد، وابن القشيري في المرشد،.... واعتمد ذلك أيضاً التقي السُّبكي) الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 7.
حَضَرَ واطَّلَعَ على ذلك إلا وقد أَنْكَرَ غايةَ الإنكارِ، وأصرَّ المخالفون على ضلالهم غاية الإصرار.
وكم من بدعة شنيعة كانت يُتَظَاهر بِهَا هنالك غايةِ الإظهارِ، ومع ذلك لم يبلغنا عن أحد من العلماء أنه تَصَدَّى للإنكار، فعدم بلوغ خبره إلينا لا يدل على عدم وقوعِ الإنكار منهم.
* * *
[الكلام على بيع القناديل الذهب التي بالحجرة]
(1)
ثم قال: (سبب كلامي في ذلك أني سُئِلْتُ عن بيع القناديل الذهب التي بالحجرة المعظمة الشريفة، وأن بعض الناس قصد بيعها لعمارة الحرم الشريف النبوي على ساكنه أفضل الصلاة والسلام، فأنكرته واستقبحته.
أما إنكاره فمن جهة الفقه، لأن هذه القناديل إن كانت وقفاً صحيحاً فلا يصح بيعها، ومن يقول من الحنابلة والحنفية
(2)
ببيع الأوقاف عند خرابِهَا فإنَّمَا يقول بذلك إذا كان يَحصل به غرض الواقف بقدر الإمكان، وأما هنا فقصد الواقف إبقاؤها لمنفعة خاصة وهي التزيين، فبيعها للعمارة مُفَوِّتٌ لهذا الغرض، وإن كانت مُلْكَاً للحُجْرَة كالمُلْكِ للمسجد، فكذلك لما قدمناه إن قصد الآتي بِهَا إدخالها لهذه الجهة.
وإن جُهِلَ حالها فَيُحْمَلُ على إحدى هاتين الجهتين فيمتنع البيع أيضاً، وإن عرف لها مالك معين فأمره إليه) انتهى.
وقوله: (إن غرض الواقف أمر خاص وهو التزيين فبيعها مفوت لهذا الغرض) غير جيد، لأن غرض الواقف ليس إلا التقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليس غير، ولا غرض له في التزيين به البتة، ولا في الإبقاء، وهذا أمر مشاهد يَجده
…
(3)
كل مسلم من نفسه، لا سبيل لأحد إلى إنكاره.
وذلك أن كل من عَلَّقَ هنا قنديل ذهب، ثم عَرَضَ للحجرة الشريفة
(1)
عنوان من هامش الأصل.
(2)
انظر: المغني 5/ 631، شرح فتح القدير 6/ 220.
(3)
كلمتان غير واضحتين في الأصل.
عِمَارة، لكان منتهى أُمْنِيَّة ذلك الإنسان أن يُصْرَفَ قنديله في عِمَارته دون مال غيره، ليفوز هو بذلك، ولو تَحقق أن كل من يبذل المال في العمارة المذكورة فإنه يود أن لا يصرف في عمارة الحجرة إلا قنديله أولاً، فكيف يَجزم الإنسان بأنه يفوت به مقصود الواقف وهو التزيين.
وقوله: (يَحصل بسبب إزالتها تنقيص، فتجب إدامتها) قول ساقط جداً لا يساوي مداده، وذلك أن أمر القناديل وتعليقها وإزالتها أحقر وأصغر وأذل وأدْحر من أن يُنْسَبَ بسببه تنقيصٌ إلى تراب مزابل المدينة المقدسة، لا سيما إلى المسجد الشريف، خصوصاً إلى حُجْرَةِ من خلق الله تعالى له/544 الكونين وشَرَّفَ به الثقلين.
ثم قال: (أما الاستقباحُ فلما يَبْلُغ الملوكَ في أقطار الأرض أنَّا بِعْنَا قناديل نبينا لعِمَارَةِ حَرَمِهِ، ونَحن نفديه بأنفسنا فضلاً عن أموالنا) انتهى.
وهذا الكلام لو صدر عن غير شيخنا رحمه الله لَصِحْتُ
(1)
لله العجب مَنْ ملوك الأرض، وما مَحلهم حتى يُسْتَقْبَح جائز أو واجب بسبب إنكارهم أو تَهْوينهم لنا واحتقارهم؟!.
أذلك أهون وأيسر على النفس؛ أم إحاطة علوم علماء العالم الذين هم ملوك الوجود حقيقة بارتكابنا المنكرات بِحَضَرِ نبينا الأعظم، واستدلالنا لها بالواهيات على إباحة المحرم، وترجيح الأقوال المرجوحة الضعيفة، والاستدلال لها بأقاويل وَعْظِيَّةٍ يُسميها النكت اللطيفة.
وهذا الذي استقبحه الشيخ وخافه واقع فيه لا مَخرج له عنه البتة، وهو أن العادة جارية من قديم الأعصار وإلى يومنا في ضريح سيدنا أبي الأنبياء إبراهيم
(1)
في الأصل: لسحت.
الخليل صلوات الله وسلامه عليه أن تُجْمَع قناديل الذهب والفضة التي وُقِفَتْ هنالك في كل سنة أو أكثر أو أقل، وتُكسر وتُباع وتُصرف في مصالح المكان وعِمَارته وجوامك
(1)
المباشرين وغير ذلك.
وهذا الخبر أيضاً يبلغ ملوك الأرض وسلاطين الأقطار، فكيف لم يُنْكِرْ عليهم ذلك ولا منعهم، ولا نطق فيه ببنتِ شفةٍ، مع أنه حاكم بلد الخليل وبيت المقدس والناظر فيهما، فكان [عمله]
(2)
هذا أعْوَدَ عليه من أمر المدينة التي ليست مَحل ولايته، فما وجه تَخصيص المدينة باهتمامه وعنايته؟!
ثم يُنْظَرُ فيما ذكره من التاريخ أن وزير ابن زنكي عمل للحُجْرَةِ الشريفةِ شُباكاً من خشب الصندل والأبنوس، وأن صاحب اليمن أرسل منبراً من صندل، وكذلك إلى آخر فصل التاريخ فيه أشياء لا تليق بِجلالة قدره، وليس ذلك من قصدي، وإنَّما المراد بيان أن الصحيح عند العلماء خلاف ما ذهب إليه شيخنا رحمه الله من جواز اتِّخَاذ قناديل الذهب والفضة وتزيين المساجد بِهَا.
وهذا القول _ وإن قال به بعض العلماء وفرد من أفراد الأئمة الكبراءِ فلا ينبغي أن نعضده ونقويه ونؤيده ونُمَشِّيه، فإن مقالات العلماء كثيرة بِحسب اجتهاداتِهِم واستنباطاتِهِم، لكن الذي يليق بِحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أوضح دليلاً وأَلْوَح منهجاً وسبيلاً، وأبعد عن شتات طرق الأنام، وأقرب من اتفاق جماعات فرق الإسلام، وأنسب لخدمة
…
(3)
وخليقته، وأوفق لفطرته الطاهرة وطريقته، ولما أجَلَّهُ الله تعالى من قُرْبِ جنابِهِ بالمنْزلة /545 العُلْيَا، وخصه من بين سائر المرسلين والمقربين من الرُّتب بالغاية
(1)
الرواتب الشهرية التي تدفع للموظفين والعمال.
(2)
في الأصل: عامد أو علمه.
(3)
كلمة غير واضحة في الأصل.
القُصْيَا
(1)
، وجعله سيد الكونين وإمام الثقلين، ومصطفى الفريقين بلا ثُنيا
(2)
.
خاطبه بقوله الكريم: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجَاً مِنْهُم زَهْرَةَ الحيَاةِ الدُّنْيَا}
(3)
. وأنشد رحمه الله لنفسه:
نَفْسُ النَّبِيِّ لَدَيَّ أغْلَى الأنفسِ
…
فاتْبَعْهُ في كُلِّ النَوَائِبِ واتَّسِي
واتْرُكْ حُظُوظَ النَّفْسِ عَنْكَ وقُلْ لها
…
لا تَرْغَبِي عَنْ نَفْسِ هذا الأنْفَسِ
فَرُدِي الرَّدَى، واحميهِ كل مُلِمَّةٍ
…
فلقد سعدت إذا خُصِصْتِ بأبؤسِ
إن تُقْتَلي يُصْعَد بِروحِكِ في العلا
…
بيدِ الكرامِ على ثِيابِ السندسِ
وتَرَيْنَ ما تَرْضَيْنَ مِنْ كُلِّ المُنَا
…
في مَقْعَدٍ عِنْدَ المليكِ مُقَدَّسِ
أو تَرْجِعي بغنيمةٍ يُحظى بِهَا
…
وبذُخْرِ أجْرٍ تَرْتَجيهِ وترأسِ
ما أنتِ حتى لا تكوني فديةً
…
لمحمدٍ في كل هَوْلٍ مُبْلِسِ
(4)
ما في حياتك بعده خيرٌ ولا
…
إن ماتَ تَخلفه جميعُ الأنفسِ
فمحمدٌ بِحَياته تُهْدَى الأنامُ
…
وتَنْمَحِي سُدَفُ
(5)
الظَّلامِ الحِنْدِسِ
(6)
ويقومُ دينُ الله أبيضَ طاهراً
…
في غيظِ إبليسَ اللعينِ الأنْجَسِ
أعظم بنفسِ محمدٍ أنْ يُقْتَدَى
…
أهون بنفسك يا أُخَيَّ وأخْنِسِ
ثم قال: نظمتها في سنة سبع وثلاثين في كلام في تفسير قوله تعالى: {ما كانَ لأهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِنَ الأعْرَابِ أنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ ولا يَرْغَبُوا
(1)
القصيا: الغاية البعيدة. القاموس (قصا) ص 1325.
(2)
الثُنْيا: كل مااستثنيته. القاموس (ثنى) ص 1268.
(3)
سورة طه آية رقم: 131.
(4)
البَلَسُ، مُحركةٌ: من لا خير عنده، أو عنده إبلاسٌ وشَرٌ. القاموس (بلس) ص 533.
(5)
السَّدَفُ، بفتح السين المشددة، والدال: ظلمة الليل، والجمع أسداف، والسُّدْفَةُ في لغة تَميم الظلمة، وفي لغة قيس الضوء، وهما من الأضداد، أو سُمِّيَا باسمٍ، لأن كُلاً يأتي على الآخر. ولم أجدها بالضم (سُدَف) في القواميس، إلا أنَّها هكذا في تنْزِيل السكينة ب 22 أ. القاموس (سدف) ص 818.
(6)
الحِنْدِسُ، بالكسر: الليل المظلم، والظلمةُ، القاموس (حندس) ص 540.
بأنْفُسِهِم عَنْ نَفْسِهِ}
(1)
وَرَدتْ عند تصنيفي للتبرك.
ولَقَبْرُهُ أغْلى البقاعِ وخَيْرُها
…
فبِطَيبةٍ طَابَ الثوى
(2)
ونزيلها
أفدي عمارتَها ومسجدَها بِمْا
…
إني يهونُ عَلَيَّ بيعُ حَشَاشَتي
لَوْ جَازَ بَيعُ النَّفْسِ بَعتُ وَكَانَ لي
…
صَلَّى عليهِ اللهُ كُلَّ دقِيقَةٍ
ذَاكَ على التَّقْوى أجَلُّ مؤسَّسِ
…
أزكى قِرَىً في كُلِّ وادٍ أقدسِ
أحوي، وبي
(3)
كُلُّ البريَّةِ تَأتَسِي
…
في ذاك بالثمن الأقلِ الأبْخَسِ
فَخْرٌ بِذَاكَ الرِّقِ أشَرفُ مَلْبَسِ
…
عَدَدَ الخَلائِقِ نَاطِقٍ أو أخرسِ
قال مؤلفه الملتجئ إلى حرم الله تعالى محمد بن يعقوب الفيروزآبادي: فقلت على القافية والوزن ارتِجالاً:
/546 ياعينُ بالدمع الصبيب تَبَجَّسِي
(4)
…
من مدنفٍ عاصٍ كثيرِ تَهَوُّسِ
(5)
وتأملي يانفس ....
(6)
نحيفة
…
من عظم أثْقَالِ الخطايا أوجسي
كم من عدو لين مِستَجْلِسِ
…
تسعون تدخل عاجلاً في بولس
(7)
وسهامُهُم مسمومةٌ فتحفَّظي
…
بإنابة ومتابة وتَحرُّسِ
وبِجاه خَيْرِ المرسلين تَوسَّلي
(8)
…
وتستَّرِي وتدرَّعي وتَتَرَّسِي
صدر الأنامِ ومن رقى السَّبع العلى
…
في ساعة من جوف ليل حِنْدِسِ
السيد الماحي الرفيع الحاشر
…
الطود العظيم الألمعي الأرأسِ
وقفي على باب التمسكن خاضعاً
…
شبه الذليل الخاشع المُلتمِسِ
وأدم بكاءك للحضور ببابه
…
من حاكم أو خادم أو مُرئسِ
(1)
سورة التوبة آية رقم: 120.
(2)
وفي مخطوطة تنْزيل السكينة: الثَّرى 18 أ.
(3)
في الأصل: (وفي)، والتصحيح من مخطوطة تنْزيل السكينة 18 أ.
(4)
تبجس: تفجر بغزارة. القاموس (بَجس) ص 532.
(5)
تهوس: الإفساد. القاموس (هوس) ص 582.
(6)
كلمة غير واضحة في الأصل.
(7)
بُولَس: سجنٌ بِجهنم. القاموس (بلس) ص 534.
(8)
ليس على التوسل بالجاه دليل، من الكتاب ولا من السنة، بل ثبت في السنة وفي الآثار عن السلف مايدل على تركه ولو كان مشروعاً أو مستحباً لسبقونا إلى فعله.
حَرَمُ النبي مُقَدَّسٌ فتجنَّبُوا من
…
أن تُهينوه بغير تقدسِ
وتزينوه بِمَا أُجِيِدَ مصاغه
…
من ذهب أو فضة أو أنْحسِ
إلا بشيء قد أباح نبيكم
…
كزجاجِ سَبك كالنجوم الخنسِ
ما للتزين بالحرام وأمةٌ
…
منحت من الآزال طُهْرَ الأنفسِ
إن التزين بالحرام مُخصص
…
بِقُوَيْصِر وهُرَيْقِل ومُقَوْقِسِ
وبِهُرْمِزٍ وببطرك وبدقمن
…
وبآل خاقانَ وبالبطليمسِ
ظأما الجناب العالي من خير الورى
…
فمن المعالي في مَحل أقدسِ
ومن المفاخرِ في مقامٍ أرفع
…
ومن المناصب في أعالي الكُنَّسِ
(1)
لو كان يقبل زينة وزخارفاً
…
كَسِوَاهُ في دار الدنا أو مرمسِ
(2)
لرأيت أجبال الحِجَازِ وتُربَهَا
…
من خالص التِّبْرِ النقاء الأنْفَسِ
ونظرتَ جُدْرَانَ المدينة كُلِّها
…
قد أُلبِسَتْ من سندس أو أطلسِ
(3)
لكأنما الحلي المعود زينة
…
لنقيصةٍ تَبْدُو وفعل مدلِّسِ
أما الجمال إذا تكمل [سحره]
…
فَسَنَاهُ غان عن حلي المفلسِ
هذا الكلام على مباح فعله
…
ومُسَوَّغٍ في الشرعِ غير ملبسِ
أما إذا ما شانه في حِلِّهِ
…
شُبَهٌ فذاك مَجْدَعٌ للمعطسِ
وَضَعِ الأُلُوَّة
(4)
في مجامرِ فِضَّةٍ
…
في الروضةِ الغراءِ ليس بكيسِ
(1)
الكُنَّسُ: جمع كِنَاسٍ، وهو مُسْتَتَرُ الظبي في الشجر. القاموس (كَنَسَ) ص 571. وفي اللسان (كنس) 6/ 198: الكُنَّسُ: جمع كانس، وهي التي تغيب، من كنس الظبيُ إذا تغيَّب واستتر في كِنَاسِهِ، وهو الموضع الذي يأوي إليه. والكُنَّسُ: النجوم تطلع جارية، وكُنُوسُهَا أن تغيب في مغاربِها التي تغيب فيها. اللسان (كنس) 6/ 198. نقله عن الجوهري والزجاج وغيرهم، وهو مراد المؤلف.
(2)
الْمَرْمَسُ: القَبْرُ والدَّفْنُ. القاموس (رمس) ص 549.
(3)
الثوب الخَلَقُ. القاموس (طلس) ص 554. اللسان (طلس) 6/ 124. وفي المعجم الوسيط أن من معاني الأطلس نسيج من حرير. (طلس) 2/ 561. وهو مراد المؤلف هنا لمناسبتها للسندس.
(4)
الأُلُوَّةُ والأَلُوَّةُ: العود يُتبخَّر فيه. القاموس (ألى) ص 1260. والألوة: العود الرطب، وفيها أربع لغات؛ أَلوة، وأُلوة (بفتح الهمزة وضمها)، ولوة بغير ألف ولية، قاله أبو حنيفة. الروض الأُنُف 3/ 43.
وبِحُرمةٍ قال الأئمة كلهم
…
حاشا شذوذاً بالغرابة يكتسي
فتأملوا نصحي و قولي فاسمعوا
…
بقبول نفس كاللبيبِ الأكيِسِ
وإلى الحبيب تقربوا .......
…
............................
(1)
.
صلى عليه الله ..................
…
...................
(2)
…
بالنرجس
/547 قال مؤلفه رحمه الله:
هذا آخر ما يسر الله تعالى من تقييد المغانم المطابة في معالم طابة. وهو إن شاء الله تعالى أوحد في بابه، مؤمر على جميع أضرابه.
وإني وإن كنت مستصغرَ هذهِ الغايةِ فهي كبيرة، وإن كنت مستقلاً فهي نعمة والله كثيرة.
وأما الاستيعاب فلا يفي به طول الأعمار، والاستيعاب أمر شهي دونه الأزمان والأعصار. ولو تَوَثَّقْتُ من الهمم بأنَّها من
…
(3)
إسرافها لضاعفت فرائدها أضعاف ضعافها، ولكن تَعَيَّنَ
…
(4)
هاهنا ارتباطها وخير الأمور أوساطها.
واللهَ نسأل أن لا يَحرمنا ثوابه، وأن يفتح لنا ببركة هذا السيد الكريم والنبي العظيم إلى كل خير بابه. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وأرأف النبيين محمد شفيع المؤمنين، وعلى آله وصحبه الأكرمين، وحسبي الله ونعم الوكيل.
وكان الفراغ من هذه النسخة المباركة في ظهر يوم الاثنين، السابع من
(1)
كلمات غير واضحة بالأصل.
(2)
كلمات غير واضحة بالأصل.
(3)
كلمة غير واضحة بالأصل.
(4)
كلمة غير واضحة بالأصل.
شوال أحد شهور سنة ستٍ وستين وثَمانِمائة، بِمَنْزِلِنَا بِمَكة المشرفة تِجاه الكعبة المعظمة على يد أفقر عباد الله تعالى وأحوجهم إلى عفوه وغفرانه أبو بكر أحمد بن محمد بن محمد أبي الخير محمد بن فهد الهاشمي المكي الشافعي. ختم الله له بالحسنى.
والحمد لله و. . . . . .
(1)
صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. حسبنا الله ونعم الوكيل.
* * *
(1)
كلمة غير واضحة في الأصل.