المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مُقَدَّمةُ التحْقِيق الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، محمد الهادي - المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية - جـ ١

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

‌مُقَدَّمةُ التحْقِيق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، محمد الهادي الأمين ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الأنصار المهاجرين، ومَن جاء بعدهم من التابعين، ومَن سار على نهجهم، واتبع رشدهم إلى يوم الدين، فرضي اللَّه عنهم أجمعين.

أما بعد:

فهذا عمل تعاون عليه ثلاثة من علماء النحو، استمروا يعملون فيه طوال ست سنوات ليلًا ونهارًا، صيفًا وشتاءً، يعملون فيه بإخلاص وبلا كلال، كل واحد يحث الآخر على الإنجاز والإتقان متحليًا بالصبر والتفاني والإحسان، إن قصر واحد في أمر أكمله الآخر، أو نَسِي واحد شيئًا تداركه وقام به الآخر، حتى خرج العمل والجميع راضٍ عنه، وشاهد له بالتمام والكمال.

والقصة من أولها أن كتاب "المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية" للإمام بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى المصري الإقامة والوفاة، والشهير بالعيني نسبة إلى البلدة التي ولد فيها، وهي: عنيتاب

(1)

بالشام (762 - 855 هـ) رأيناه كتابًا لا يستغني عنه أحد ممن يشتغل بالنحو معلمًا أو متعلمًا، رأينا كذلك ونحن ندرس هذا العلم طوال ثلاثين عامًا؛ لأن النحو هو الشواهد، وهو التطبيق على كلام العرب، والكتاب المذكور يشرح تلك الشواهد، فيذكر قائليها، ويترجم لهم، ويشرح مفردات الشواهد، ويوضح معناها، ويعربها إعرابًا كاملًا، ويبين وجه الاستشهاد بها، وكلها أمور عظيمة، وأهداف جليلة، ومقاصد مهمة لطالب العلم عامة، وراغب في النحو خاصة، وقد فعل ذلك في عدد كبير من أبيات الشواهد بلغ ألفًا وثلاثمائة وثمانين شاهدًا، وهي في الأكم الأغلب من أكثر شواهد النحو والصرف، جمعها الشارح من شروح الألفية الأربعة المشهورة التي كان بعضها أقدم شرحًا، وبعضها أغزره، وبعضها أقصره، وبعضها لين هذا وذاك، وهي على الترتيب المذكور كالآتي:

1 -

شرح ابن الناظم (686 هـ).

2 -

المرادي (749 هـ).

(1)

بعد سؤال أهل الشام من الزملاء الكرام ممن يحملون في جامعة الجوف بالمملكة العربية السعودية، أقر أحدهم أنها تسمى:"عين تاب".

ص: 9

3 -

ابن هشام (761 هـ).

4 -

ابن عقيل (769 هـ).

ولم يقتصر الشارح على سرد الشواهد والحديث عنها فقط، بل كان يسرد في كثير منها عددًا من أييات القصيدة التي منها الشاهد، ويشرح تلك الأبيات، ويذكر سبب تأليف القصيدة، وشيئًا عن حياة الشاعر مما يتصل بشعره وقصيدته وبيته، كل هذه المعاني وغيرها نبهتنا إلى أهمية الكتاب الذكور، وإلى تحقيقه، وإخراجه إلى الناس، وطلاب العلم؛ ذلك لأن الكتاب قد طُبع قديمًا قبل (أكثر من مائة عام في مطبعة بولاق) وكأنه لم يطبع؛ حيث طُبع على هامش كتاب خزانة الأدب للبغدادي، وكانت طباعته غير جيدة، وغير مقصودة، أما كونها غير مقصودة؛ فلأن الكتاب الأصلي المقصود بالطباعة كان في الخزانة، وأما كونها غير جيدة؛ فلأنها خلت من الشكل والضبط، ومن التنظيم والترتيب، ومن الفهارس والمفاتيح.

لم تزد طبعة بولاق عن سرد الشواهد وشرح العيني لها والتعليق عليها، ولم تفترق عن النسخ المخطوطة للكتاب في شيء، وكان البحث في هذه النسخة صعبًا، والرجوع إليها والوقوف على بيت منها أمرًا عسيرًا مع أهمية الكتاب وشدة الحاجة إليه، فهو أقدم كتاب يشرح الشواهد بهذا التفصيل والتطويل.

عرفنا الكتاب وأهميته قديمًا وحديثًا فحملناه في صدورنا لننظر فسحة من الوقت، وسماحة من الأيام، وخلوًّا من المشاغل والأعمال؛ لنحقق الكتاب، ونخرجه للناس سهلًا ميسرًا محققًا موثقًا، ينتفعون به ويستفيدون منه.

فلما تم ذلك لنا، وسمح الزمن البخيل بالوقت بحثنا عن نسخ الكتاب المخطوطة مع النسخة الأصلية المطبوعة على هامش الخزانة، فوجدنا نسختين كاملتين صحيحتين واضحتين، إحداهما في جزء كبير، والثانية في جزأين، وبدأنا العمل واقتسمناه؛ لينجز كل واحد منا ما أسند إليه من تحقيق وتدقيق ومقارنة وتوثيق، ورجوعًا بكلام العيني كله إلى مصادره الأصلية من كتب اللغة والنحو والأدب والتاريخ، واتفقنا على منهج واحد؛ ليكون الكتاب كله كأن محققه واحد، وافترقنا وكل يعمل في ناحية، وفي جهة من الأرض نائية، وكنا نجتمع بين الحين والحين؛ ليعرض كل واحد عمله على الآخر، ويطمئن كل واحد على إنجاز الثاني، حتى خرج الكتاب بعد ست سنوات على ما نحبه ونرضاه، ويحبه طلاب العلم، ويرضى عنه اللَّه ورسوله والناس.

لم يكن الزمن يهمنا، ولم يكن إخراج الكتاب سريعًا هدفنا، بل كان الذي نقصد إليه ونرغب فيه العمل الجيد، والتحقيق المتقن، والتوثيق الصحيح، وتواصينا بالصبر، وأن كتاب المرء عقله، ونحن سنعرض عقولنا على علماء في اللغة متخصصين، فهذا واحد في اللغة وأصولها،

ص: 10

وذاك آخر في الأدب والنقد، ثم ثالث في النحو والإعراب، ورابع في السير والتراجم والتاريخ.

حققنا الكتاب تحقيقًا صحيحًا بالرجوع بكل آية قرآنية إلى سورتها وآيتها، وكل بيت من الشواهد -أو الأبيات التي كانت تأتي عرضًا- إلى قصيدته التي هو منها، وكل قصيدة إلى ديوان قائلها، أو المجموعات الشعرية التي هو منها، وزدنا ما نقصه أو تركه العيني من ذكر مناسبة للبيت أو القصيدة، ومن فوائد عثرنا عليها في الديوان؛ كما وضحنا قاعدة نحوية، أو فسرنا كلمة لغوية.

حققنا الكتاب تحقيقًا صحيحًا بتوثيق كل رأي ذكره العيني بإسناده إلى صاحبه، وإلى الكتاب الذي أُخذ منه ونُقل عنه، وبذلنا في ذلك أقصى ما يمكن بذله؛ لنتأكد من صحة الكلام والعدالة في الأحكام، وذيلنا كل استشهاد بتلخيص للمسألة، ليخرج القارئ فاهمًا للقواعد ومطبقًا على الشواهد.

وخرج الكتاب -كما يرى القارئ- في صورة جيدة، وطبعة عظيمة، وإخراج صحيح، خرج الكتاب في أربعة أجزاء كبيرة اشتمل كل جزء على عدة أبواب، وآثرنا أن تكون هي أبواب نسخة الخزانة، وإن كان ذلك لا يهم كثيرًا؛ لكن هكذا رأينا.

وزاد الجزء الأول، وهو عبارة عن دراسة عامة عن الكتاب المحقق؛ كما زاد الجزء الرابع -أيضًا- ما يقرب من مائة صفحة في آخره، كانت فهارس مختلفة له، رأينا ذلك ليكون العمل صحيحًا، والكتاب مفيدًا، والانتفاع به عظيمًا.

اشتمل الجزء الأول على ثمانية أبواب كبيرة؛ هي: شواهد الكلام، والمعرب والمبني، شواهد النكرة والمعرفة، والعلم، وأسماء الإشارة، والموصول، والمعرف بأل، وشواهد الابتداء.

واشتمل الجزء الثاني على ثمانية أبواب أخرى كانت كالآتي: شواهد كان وأخواتها، وشواهد ما ولا ولات وإن، وشواهد أفعال المقاربة، وإن وأخوتها، ولا التي لنفي الجنس، وظن وأخواتها، وعلم وأخواتها، ثم شواهد الفاعل ونائبه، وباب الاشتغال، ثم ختم الجزء بشواهد تعدي الفعل ولزومه.

واشتمل الجزء الثالث على عدة أبواب؛ كان أولها: شواهد التنازع، وثانيها: شواهد المفعول المطلق، ثم بقية المفاعيل، ثم شواهد أبواب الاستثناء والحال والتمييز، فشواهد حروف الجر والإضافة، وشواهد إعمال المصدر واسم الفاعل، وأبنية المصادر، والصفة المشبهة، وخُتم الجزء بعد ذلكَ بشواهد باب التعجب.

ص: 11

ثم كان الجزء الرابع والأخير، وكان كثير الأبواب؛ حيث اشتمل على أبواب نحوية كثيرة، وعلى أبواب صرفية أكثر، فبدأ بشواهد نعم وبئس، وختم بشواهد الإدغام، وكان بين هذا وذاك شواهد التفضيل والتوابع والنداء والتحذير والإغراء، ونوني التوكيد، وشواهد ما لا ينصرف، وإعراب الفعل، وعوامل الجزم، ثم شواهد العدد، وجمع التكسير، والنسب، والتصغير، وخُتم الجزء بشواهد الوقف والإمالة والإبدال.

ثم ذيل الجزء الرابع بعدة فهارس مختلفة كثيرة؛ لإيماننا أن الفهارس مفاتيح الكتب، وبخاصة المحقق منها؛ كهذا الكتاب وأمثاله من كتب التراث مما يشتمل على شواهد قرآنية كثيرة، وعلى شواهد شعرية شرحها الشارح، وعلى شواهد أخرى جاءت عرضًا، كما اشتمل الكتاب على مسائل نحوية كثيرة وعلى أعلام مختلفين ترجم لهم العيني، وأعلام آخرين ترجمنا لهم، فكان لا بد من ييان ذلك كله بمفتاح مع القارئ يفتح به مغاليق العلم وكنوز المعرفة، فكان لا بد من تلك الفهارس المفصلة، وإلا كان الكتاب مطبوعًا مثله مخطوطًا.

وأما الدراسة العامة التي قدَّمنا بها وجاءت أول الكتاب فقد كانت مهمة وكانت مطلوبة ليقف القارئ عما في الكتاب عامة قبل أن يأخذ في قراءته، ويعلم بها فوائد كتابه قبل أن يبدأ طريقه ويشرع في رحلته، وقد اشتملت على ثمانية فصول مختلفة.

كان الفصل الأول منها عن: حياة العيني ومؤلفاته في مختلف العلوم من نحو ولغة وفقه وحديث وتاريخ، وختمنا الفصل الأول بشعر للعيني، ثم جاءت بقية الفصول في حديث مفصل عن كتاب:"المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية" المشهور بـ "شرح الشواهد الكبرى".

وكان الفصل الثاني بعنوان: "كتاب المقاصد يحوي علومًا كثيرة" عرضنا فيه نماذج مختلفة جاءت في الكتاب لهذه العلوم، فهذه معارف في علم النحو والصرف والعروض، وتلك أخرى في علم اللغة وتفسير المفردات، وثالثة في البلاغة، ورابعة في التفسير والسير.

وكان الفصل الثالث بعنوان: "كتاب المقاصد يحوي قصائد ومقطوعات كثيرة" عرضنا فيه أمثلة من هذه القصائد والمقطوعات، حيث ذكرنا مطالع ما يقرب من عشرين مقطوعة ذكرها العيني، وكل هذه نماذج وأمثلة، وأما الكتاب فمليء بها.

وأما الفصل الرابع فكان بعنوان: "كتاب المقاصد مصادره وأصوله" حيث بيَّنا الكتب والمصادر التي استقى منها العيني كتابه وتأثر بها، سواء كتب النحو والإعراب، أو كتب اللغة

ص: 12

والمعاجم، أو كتب شرح الشواهد ومجموعات الشعر، أو كتب الأدب والتاريخ والأخبار.

وأما الفصل الخامس فكان بعنوان: "كتاب المقاصد منهجه وطريقته"، وقد وصلنا بهذا المنهج إلى ثلاثة عشر أمرًا من وضع رموز لشروح الألفية الأربعة إلى ذكر الشاهد، وقائله، والاختلاف فيه، والدقة في ذلك، وسرد البحر الذي جاء عليه الشاهد، والقصيدة أو المقطوعة التي جاء منها، ومناسبة ذلك، وشرح المفردات، وبيان الإعراب، وذكر وجه الاستشهاد، وغير ذلك، وختمناه بميول العيني واتجاهه إلى المذهب البصري، فعلنا ذلك ليكون القارئ على بينة من أمره وهو يقرأ الكتاب، فهو يعرف طريقة العيني، ومنهجه في كتابه، فلا يصيبه الملل والسأم.

ثم كان الفصل السادس في الدراسة وكان بعنوان: "تأثر كتاب المقاصد بما سبقه من كتب وتأثيره فيما جاء بعد منها"؛ حيث عرضنا في الأول الكتب السابقة التي تأثر بها واستفاد منها، سواء في ذلك كتب اللغة أو النحو أو الأدب، وعرضنا في الأمر الثاني تأثر البغدادي في كتابيه: خزانة الأدب، وشرح أبيات مغني اللبيب بكتاب المقاصد النحوية للعيني، ومثله فعل السيوطي في كتابه شرح شواهد المغني.

ثم كان الفصل السابع عن نقد كتاب المقاصد، وتقويمه؛ حيث عرضنا كلام العيني ونداءه للقارئ بأن يعفو عما في الكتاب من زلات ويغفر ما فيه من مآخذ وهنات، ثم عرضنا نماذج من محاسن الكتاب بلغت ثمانية، ومثلها أيضًا من مآخذ، كل هذا وغيره عرضناه بأسلوب سهل ميسر وعبارات جزلة قوية، مستشهدين على كل ما نذكره بأمثلة وشواهد من كتاب المقاصد.

ثم ختمنا هذه الدراسة الطويلة بفصل أخير وكان بعنوان: (كتاب المقاصد المخطوط والمطبوع) عرضنا فيه النسخ المخطوطة للكتاب التي عملنا فيها ورجعنا إليها وقارنَّا بعضها ببعض.

ثم عقبنا ذلك بذكر طبعات الكتاب فذكرنا طبعته الأولى وهي طبعة بولاق التي جاءت على هامش كتاب خزانة الأدب للبغدادي، والتي كانت من زمن بعيد؛ لكن تبرز فائدتها بمعرفة الناس بهذا الكتاب، ثم ذكرنا سوءات هذه الطبعة؛ حيث خلت من الشكل والضبط والفهارس المختلفة وغيرها.

ثم كانت طبعته الثانية التي كانت من عام واحد؛ حيث طُبع الكتاب في دار الكتب العلمية، وبينا مزايا تلك الطبعة من الرجوع في تحقيق الشواهد إلى كتب الأدب ودواوين الشعراء، ثم التراجم المختلفة للأعلام الذين جاؤوا في الكتاب، ثم ذكرنا بعض مآخذ هذه الطبعة من خلوها من الدراسة التي تكون في أول الكتب المحققة، وخلوها من الفهارس المفصلة المتنوعة للكتاب؛

ص: 13

كما أن هناك كثيرًا من مسائل النحو وآراء النحويين لم يتيسر للمحقق الرجوع بها إلى مصادرها وكتبها الأصلية، وكذا معالجة بعض القضايا النحوية الغامضة التي جاءت في وجوه الاستشهاد؛ كما أن هناك بعض الأخطاء المطبعية التي كان يجب تداركها والبعد عنها.

وأما تحقيقنا فنرجو أن يكون قد تدارك ذلك كله، وجاء على ما يرضي القارئ لذي طال انتظاره وظمؤه لتحقيق هذا الكتاب العظيم من كتب التراث.

واللهَ نسأل أن يكون عملنا عظيمًا، وقصدنا جليلًا، وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه.

إذا لم يكن عَوْنٌ مِنَ الله لِلْفَتَى

فأولُ ما يجنِي عَلَيهِ اجْتِهَادُهُ

ونختم هذه المقدمة بما قاله العيني في مقدمة كتابه المقاصد؛ إذ يقول: "والمسؤول ممن ينظر فيه أن يصلح ما يحتاج إلى الإصلاح؛ أداءً لحق الأخوة بالنصح والانتصاح، وأن القلم له هفوة، والجواد له كبوة، والإنسان غير معصوم عن الخطأ والنسيان، وهما بالنص عنا مرفوعان، وأن يذكرني بصالح دعواته، عقب صلواته في خلواته، ثم قال: فإني جعلته خالصًا لوجهه الكريم، ابتغاءً لمرضاته وطلبًا لغفرانه العظيم، والأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، ولا يبرز اللسان عن الجنان إلا ما حوى، فها أنا أشرع في المقصود متوكلًا على الملك المعبود" هذا والله أعلم.

تم الانتهاء منه في يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر جمادى الأولى من عام: 1427 هـ - الموافق الرابع عشر من شهر يونيه لسنة: 2006 م بالرياض عاصمة المملكة العربية السعودية

المحققون

* * *

ص: 14

القسم الأول:

‌الدراسة

ص: 15

‌الفَصلُ الأوَّلُ: كتاب المقاصد (حياة المؤلف وآثاره)

‌أولًا: حياة المؤلف:

هي ترجمة له من كتاب المنهل الصافي لابن تغري بردي، وكان معاصرًا للعيني، وهي أقدم ترجمة له، يقول

(1)

:

"هو محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود العلامة، فريد عصره، ووحيد دهره، عمدة المؤرخين، مقصد الطالبين، قاضي القضاة بدر الدين أبو محمد وأبو الثناء، ابن القاضي شهاب الدين، ابن القاضي شرف الدين، العنيتابي الأصل والمنشأ، المصري الدار والوفاة، الحنفي، قاضي قضاة الديار المصرية، وعالمها، ومؤرخها.

سألته عن مولده فكتب لي بخطه رحمه الله: "مولدي في السادس والعشرين من شهر رمضان سنة اثنتين وستين وسبعمائة، في درب كيكن"، انتهى.

قلتُ: ونشأ بعنيتاب بين حلب وأنطاكية بالشام، وحفظ القرآن الكريم، تفقه على والده وعلى غيره، وكان أبوه قاضي عنيتاب، وتوفي بها في شهر رجب سنة (784 هـ)، ورحل ولده

(1)

انظر ترجمة العيني في المصادر والمراجع الآتية:

- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي (15/ 110).

- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي (2/ 275).

- شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي (1089 هـ)، (7/ 287).

- الضوء اللامع لأهالي القرن التاسع لشمس الدين السخاوي (9/ 131 - 135).

- البدر الطالع بمحاسن القرن السابع للشوكاني (1250 هـ)، (2/ 294).

- معجم المؤلفين لرضا كحالة (12/ 150).

- الأعلام للزركلي (7/ 163).

- مقدمة كتاب السيف المهند في سيرة الملك المؤيد (1 - 15).

- مقدمة كتاب عمدة القاري في شرح صحيح البخاري (1/ 1 - 10).

ص: 17

صاحب الترجمة إلى حلب، وتفقه بها، وأخذ عن العلامة جمال الدين يوسف بن موسى الملطي الحنفي وغيره، ثم قدم لزيارة بيت المقدس، فلقي به العلامة علاء الدين أحمد بن محمد السيرامي الحنفي، شيخ المدرسة الظاهرية برقوق، وكان العلاء أيضًا توجه لزيارة بيت المقدس، فاستقدمه معه إلى القاهرة في سنة ثمانٍ وثمانين وسبعمائة، ونزّله في جملة الصوفية بالمدرسة الظاهرية، ثم قرره خادمًا بها في أول شهر رمضان منها، فباشر المذكور الخدامة حتى توفي العلامة علاء الدين السيرامي في سنة (790 هـ).

وقد انتفع به صاحب الترجمة وأخذ عنه علومًا كثيرة في مدة ملازمته له، ولما مات العلاء السيرامي أخرجه الأمير جاركس الخليلي أمير آخور من الخدامة وأمر بنفيه لما اتُّهم به؛ حسدًا من الفقهاء، حتى شفع فيه شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، فأُعفي من النفي، وأقام بالقاهرة ملازمًا للاشتغال، وتردد على الأكابر من الأمراء مثل الأمير حكم بن عوض، والأمير قلمطاي الداودار قبله، وتغري بردي القردمي، وغيرهم، حتى توفي الملك الظاهر برقوق في سنة (801 هـ) فولي بعد ذلك حسبة القاهرة.

قلتُ: وولايته الحسبة بالقاهرة يطول الشرح في ذكر ذلك؛ لأنه وليها غير مرة، آخرها في سنة (846 هـ) عوضًا عن يار علي الطويل الخرساني. انتهى.

ثم ولي المذكور في الدولة الناصرية عدة تداريس ووظائف دينية، واشتهر اسمه وأفتى ودرَّس، وأكبَّ على الاشتغال والتصنيف إلى أن ولي في الدولة المؤيدية شيخ نظر الأحباس، وصار من أعيان فقهاء الحنفية، وأرَّخ وكتب، وجمع وصنف، وبرع في علوم كثيرة؛ كالفقه، واللغة، والنحو، والتصريف، والتاريخ، وشارك في الحديث، وسمع الكثير في مبدأ أمره، وقرأ بنفسه، وسمع التفسير، والحديث والعربية.

فمن التفسير: تفسير الزمخشري، وتفسير النسفي، وتفسير السمرقندي.

ومن الحديث: الكتب الستة، ومسند الإمام أحمد، وسنن البيهقي، والدارقطني، ومسند عبد ابن حميد، والمعاجم الثلاثة للطبراني، وغير ذلك.

ومن العربية: المفصل للزمخشري، والألفية لابن مالك في النحو وغيرهما.

وتصدى للإقراء سنين، واستمر على ذلك إلى أن طلبه الملك الأشرف برسباي، وأخلع عليه باستقراره قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية في سنة (829 هـ)، بعد عزل قاضي القضاة: زين الدين عبد الرحمن التفهني، فباشر المذكور وظيفة القضاء بحرمة وافرة، وعظمة زائدة، لقربه من الملك، ولخصوصيته به، ولكونه ولِيَ القضاء من غير سعي.

ص: 18

وكان ينادم الملك الأشرف، ويبيت عنده في بعض الأحيان، وكان يعجب الأشرف قراءته في التاريخ؛ لكونه كان يقرأه باللغة العربية، ثم يفسر ما قرأه باللغة التركية، وكان فصيحًا في اللغتين.

وكان الملك الأشرف يسأله عن دينه، وعما يحتاج إليه من العبادات وغيرها، وكان العيني يجيبه بالعبارة التي تقرب من فهمه، ويحسن له الأفعال الحسنة، حتى سمعت الأشرف في بعض الأحيان يقول: لولا العنتابي ما كنا مسلمين. انتهى.

واستمر في القضاء إلى أن صُرف وأعيد التفهني في سنة (833 هـ)، فلزم المذكور داره أيامًا يسيرة، وطلبه السلطان، وصار يقرأ له على عادته، ثم ولي حسبة القاهرة، ثم أعيد إلى القضاء في سنة (835 هـ) عوضًا عن التفهني يحكم طول مرض موته.

باشر القضاء والحسبة والأحباس معًا مدة طويلة؛ إلى أن صرف عن الحسبة بالأمير صلاح الدين بن حسن بن نصر الله، واستمر في القضاء، ونظر في الأحباس إلى أن توفي الملك الأشرف برسباي سنة (841 هـ)، وتسلطن ولده الملك العزيز يوسف، وصار الأنايك جقمق العلائي مدبر مملكته، عزله جقمق المذكور عن القضاء بشيخ الإسلام سعد الدين بن محمد الديري سنة (842 هـ)، فلزم المذكور داره مكبًّا على الاشتغال والتصنيف.

ثم ركدت ريحه وضعف عن الحركة لكبر سنه، واستمر مقيمًا بداره إلى أن خرجت عنه الأحباس لعلاء الدين علي بن محمد بن الزين، أحد نواب الحكم الشافعي، وندماء الملك الظاهر جقمق في سنة (853 هـ) فعظم عليه ذلك لقلة موجوده، وصار يبيع من أملاكه وكتبه إلى أن توفي ليلة الثلاثاء رابع ذي الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وصُلِّي عليه من الغد بالجامع الأزهر، ودُفن بمدرسته بجوار داره رحمه الله، وكانت جنازته مشهودة، وكثر أسف الناس عليه.

وكان بارعًا في عدة علوم، مفندًا، عالمًا بالفقه، والأصول، والنحو، والتصريف، واللغة، مشاركًا مشاركة حسنة، أعجوبة في التاريخ، حلو المحاضرة، محفوظًا عند الملوك -إلا الملك الظاهر جقمق- كثير الاطلاع، واسع الباع في المعقول والمنقول، قَلَّ أن يذكر علم إلا ويشارك فيه مشاركة جيدة.

ومصنفاته كثيرة الفوائد، وأخَذتُ عنه، واستفدت منه، وليَ منه إجازة بجميع مروياته وتصانيفه.

وكان شيخًا أسمر اللون، قصيرًا، مسترسل اللحية، فصيحًا باللغة التركية، لكلامه في التاريخ وغيره طلاوةٌ، وكان جيد الخط سريع الكتابة، قيل: إنه كتب كتاب القدوري في الفقه في ليلة واحدة في مبادئ أمره، وكان مسوداته مبيضات، وله نظم ونثر ليسا بقدر علمه.

ص: 19

‌ومن مصنفاته:

شرح البخاري في مجلدات كثيرة نحو العشرين مجلدًا، وشرح الهداية في الفقه، وشرح الكنز في الفقه، وشرح مجمع البحرين في الفقه -أيضًا- وشرح تحفة الملوك، وشرح الكلم الطيب لابن تيمية، وقطعة كبيرة من سنن أبي داود، وقطعة كبيرة من سيرة ابن هشام، وشرح العوامل المائة، وشرح الجاربردي، وكتاب في المواعظ والرقائق في ثمانية مجلدات، ومعجم مشايخه في مجلد، ومختصر في الفتاوى الظهيرية، ومختصر المحيط، وشرح التسهيل لابن مالك مطولًا ومختصرًا، وشرح شواهد الألفية لابن مالك وهو كتاب نفيس احتاج إليه صديقه وعدوه، وانتفع بهذا الكتاب غالب علماء عصره، وشرح معاني الآثار للطحاوي في ثنتي عشرة مجلدة، وكتاب طبقات الشعراء، وحواشي على شرح الألفية لابن مالك، وكتاب طبقات الحنفية، والتاريخ الكبير على السنين في عشرين مجلدة، واختصره في ثلاث مجلدات، والتاريخ الصغير في ثلاث مجلدات، وعدة تواريخ أخر، وحواشي على شرح السيد عبد الله، وشرح الساوية في العروض، واختصر تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر، وله مصنفات أخر لم يحضرني الان ذكرها، وفي الجملة كان من العلماء الأعلام -رحمه الله تعالى-

(1)

.

‌مقتطفات من تراجم أخرى:

السخاوي صاحب الضوء اللامع يقول فيه

(2)

: "هو محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود البدر، أبو محمد وأبو الثناء، ابن الشهاب الحلبي الأصل، العنيتابي المولد، ثم الظاهري، الحنفي، ويعرف بالعيني، انتقل أبوه من حلب إلى عنيتاب من أعمالها، فولي قضاءها، وولد له البدر بها، وذلك كما قرأته بخطه في: السابع عشر من رمضان لسنة (762 هـ).

ويقول في موضع آخر

(3)

: "لزم البدر بيته مقبلًا على الجمع والتصنيف مستمرًّا على تدريس الحديث بالمؤيدية ونظر الأحباس حتى مات، وكان إمامًا عالمًا مشاركًا في الفنون، لا يمل المطالعة والكتابة، وصنف الكثير بحيث لا أعلم بعد شيخنا أكثر تصانيف منه".

ويقول في موضع ثالث

(4)

: "ولم يزل ملازمًا للجمع والتصنيف حتى مات، بعد أن صرف عن نظر الأحباس، وكان يبيع من أملاكه وكتبه -سوى ما وقفه على مدرسته- وهو شيء

(1)

انتهت ترجمة العيني من كتاب المنهل الصافي لابن تغري بردي الذي كان تلميذًا لصاحب الترجمة.

(2)

الضوء اللامع لأهالي القرن التاسع (9/ 131).

(3)

المرجع السابق (132).

(4)

المرجع السابق (133).

ص: 20

كثير، وكان موته في ليلة الثلاثاء رابع ذي الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة، ودُفن من الغد بمدرسته التي أنشأها بعد أن صلَّى عليه المناوي بالأزهر، وعظم الأسف على فقده، ولم يخلف بعد في مجموعه مثله.

‌ثناء الناس عليه بالنثر:

جاء هذا الثناء في مقدمة كتابه: "عمدة القاري في شرح صحيح البخاري"، فمن حقق الكتاب قديمًا يقول

(1)

: "هو الإمام العلامة الكبير، الحافظ البارع بلا نكير، شيخ حفاظ عصره، المشهور له بالتبريزي في دهره، الفقيه الناقد الورع المعمر، عالم البلاد المصرية، ومؤرخها الأكبر، قاضي القضاة وشيخ الإسلام، بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى الحلبي الأصل، العنيتابي المولد والمنشأ، ثم القاهري الدار والوفاة، المعروف بالبدر العيني، إمام عصره في المعقول والمنقول، ووحيد دهره في الفروع والأصول، امتاز بين العلماء الذين وقفوا لكثرة التأليف، بسعة العلم، وجودة البحث، وحسن الترصيف، حتى ملأ خزائن العلم في العالم بمصنفاته الجليلة في الحديث، والفقه، والتاريخ، والعربية، وغيرها، تناقلها العلماء عصرًا بعد عصر، وتشهد لمؤلفها الجليل بالبراعة والفخر.

ولا تزال آثاره الكثيرة ومؤلفاته المبسوطة زخزا خالدًا ونورًا ثاقبًا تتداولها أيدي رواد التحقيق من العلماء ليسجلوا بأنوارها عن وجوه أبحاثهم الظلماء ولا غرو؛ (ففي الليلة الظلماء يُفتقد البدر).

ويذكر الباحث الذي صنع رسالة في كتاب فرائد القلائد في شرح مختصر الشواهد فيقول في خاتمة بحثه

(2)

: "أفصحت الدراسة عن نتائج كثيرة؛ منها:

أن العيني كان إمامًا في اللغة والفقه والتاريخ وغير ذلك من العلوم، كان عمدة المؤرخين، عالمًا بالصرف والعربية، حافظًا للتاريخ واللغة، كثير الاستعمال لها، مشاركا في كل الفنون.

أن العيني تتلمذ على يد علماء كثيرين من أكابر علماء عصره، وفي هذا تكوين لشخصيته العلمية، وأنها تميزت بسعة الثقافة وشمول المعلومات؛ كما أنه لم يأخذ حقه من الترجمة ممن

(1)

مقدمة عمدة القاري في شرح صحيح البخاري (1/ 2) ط. دار الفكر.

(2)

انظر (445) من الرسالة المذكورة "اعتراضات العيني على النحاة"، د. سيد أبو المعاطي.

ص: 21

تتلمذ على يديه، وفي هذا إجحاف له وغمط لفضله، ولعل ذلك يرجع إلى العصبية للمذهب، والسياسة التي إن دخلت محراب العلماء أوقعتهم في الشدائد".

والشوكاني صاحب البدر الطالع يقول عنه: "وتصانيفه كثيرة جدًّا، وانتفع بها الناس، وأخذ عنه الطلبة من كل مذهب، وأدركه حظ عند العلماء".

‌ثناء الناس عليه بالشعر:

مدحه بعض الشعراء فقال

(1)

:

لقدْ حُزْتَ يَا قَاضيَ القُضاةِ مَنقِبًا

يُقَصِّرُ عَنْهَا مَنْطِقِي وبَيَانِي

وأثنى عليك الناسُ مَشرقًا ومَغْرِبًا

فلا زِلْتَ مَحْمُودًا بِكُلِّ لِسَانِ

وقال أبو المعالي

(2)

: وقد أسف المسلمون على فقد العيني، وهو الحري بقول القائل:

وإني لمعْزُورٌ إذا ما بكَيتُهُ

بِأكثَرَ مِنْ قَطْرِ الغَمَامِ وأَغْزَرِ

ولِي عَبْرَةٌ لَمْ تَرْقَ عِنْدَ ادِّكَارِهِ

كما لِي فيهِ عبْرَةُ المتُفَكِّرِ

وقد كان لم يُحْجَبْ ثَنَاهُ بحاجب

ولم تَسْتَتِر أَضْوَاؤُهُ بِمُتَسَتِّرِ

فَوَا أَسَفًا إِنْ كَانَ يُغْنِي تَأَسُّفِي

ووَا حَذَرًا إِنْ كَانَ يُغْنِي تَحَذُّرِي

وكُنْتُ أَرَانِي فيِ النَّوَائِب صَابرًا

فَأَعْدَمَنِي صَبرِي فَأَيْنَ تَصَبُّرِي

وَإنِّي لَمَقْبُولُ المعَذِيرِ فيِ الأَسَى

ومَنْ يَعْتَذِرْ مِثْلِي إِلَى الصَّبْرِ يُعْذَرِ

‌ثانيًا: مؤلفات العيني المطبوعة والمخطوطة:

كان العيني كثير التأليف -كما قلنا- سريع الكتابة، حتى يروى أنه كان يكتب بعض كتبه في ليلة واحدة، وقد كثرت كتبه، وجاءت في مختلف الفنون، منها ما هو في اللغة والنحو، ومنها ما هو في الفقه، ومنها ما هو في الحديث، ومنها ما هو في التاريخ.

‌كتبه في اللغة والنحو:

- كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية، وهو الكتاب الذي نحققه الآن، وهو الذي بين يديك -أخي القارئ- وقد ذكر العيني سبب تأليف هذا الكتاب، يقول في مقدمته:

(1)

مقدمة عمدة القاري (1/ 5).

(2)

مقدمة عمدة القاري (1/ 8).

ص: 22

"لما رأيت شدة اهتمام محصلي النحو في الدارك وغاية ألفتهم بكتاب ألفية ابن مالك

(1)

؛ لكونه موصلًا إلى مقاصدهم بأوضح المسالك، غير مستغنين عن شرحه المنسوب إلى ابن الناظم

(2)

، وشرحه الذي ألفه ابن أم قاسم

(3)

، وشرحه الذي رتبه ابن هشام

(4)

، وشرحه الذي أملاه ابن عقيل

(5)

؛ أردت أن أستخرج الأبيات الذي ذُكِرَتْ فيها على سبيل الاستشهاد في الأبواب، وأُبَيِّنَ ما فيها من اللغات والمعاني والإعراب، وأزيل ما فيها من المبهمات التي تتصحف على الطلاب، وأكشف الألفاظ التي تشتبه عليهم في هذا الباب، متعرضًا إلى بيان ما فيها من الأبحُر والأوزان، وإلى ذكر بقية كل بيت بحسب الطاقة والإمكان، وإلى إيضاح قائله عند الظفر والوجدان.

وذلك لأني رأيت الشراح قد أهملوا هذه الأمور، واكتفوا بذكو ما فيها من الشاهد المشهور، بحيث قد آل بعضها إلى حالة قد استحق بها الهجران، وصار بعضها في بعض الأذهان كالسُّها والدَّبُران

(6)

، فهذا هو الذي نَدَبَنِي إلى هذا الترتيب الغريب والجمع الموشح بكل عجيب، مع ما سألني في ذلك مَن لا تسعني مخالفته، ولا توافقني مرادفته، واعتصمت في ذلك بربي الكريم، إنه الميسر لكل صعب عظيم".

والحديث عن هذا الكتاب سيأتي في طول الفصول القادمة التي تختتم بالفصل الثامن عن مخطوطاته ومطبوعاته.

(1)

محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني ألَّف تسهيل الفوائد وشرحه والكافية الشافية وشرحها ولامية الأفعال وغير ذلك (ت 672 هـ). الأعلام (6/ 233).

(2)

محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي أبو عبد اللَّه بدر الدين، نحوي له: شرح الألفية يعرف بشرح ابن الناظم، ولامية الأفعال، وشرح غريب تصريف ابن الحاجب (ت 686 هـ). الأعلام (7/ 31).

(3)

هو بدر الدين الحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي المرادي المصري النحوي اللغوي الفقيه، له: شرح التسهيل وشرح المفصل وشرح الألفية والجني الداني في حروف المعاني وغيرها (ت 749 هـ). الأعلام (2/ 211)، وشذرات الذهب (6/ 160، 161).

(4)

هو عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام، صنَّف: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، وأوضح المسالك، والجامع الكبير، وشذور الذهب وغيرها (ت 761 هـ). الأعلام (4/ 147).

(5)

عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد القرشي الهاشمي بهاء الدين بن عقيل، له: شرح ألفية ابن مالك في النحو، والمساعد في شرح التسهيل، وغيرهما، (ت 769 هـ). الأعلام (4/ 96).

(6)

السُّها: كُوَيْكِبٌ صغير خفي الضوء في بنات نعش الكبرى والناس يمتحنون به أبصارهم، يقال: إنه يسمى أسلم مع الكوكب الأوسط من بنات نعش، وفي المثل: أريها السُّها وتُريني القمر. اللسان مادة (سُها).

والدبران: نجم بين الثريا والجوزاء ويقال له: التابع والتويبع وهو من منازل القمر، سمى دبرانًا؛ لأنه يدبر الثريا، أي يتبعها.

اللسان مادة (دبر).

ص: 23

- فرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد، وهو اختصار للكتاب السابق، لم يتعرض العيني فيه للشاهد بأكثر من بيان قائله وبحره وشرح مفرداته باختصار، وإعراب بعض كلماته، وييان وجه الاستشهاد، وقد طبع الكتاب الذكور طبعة واحدة في القاهرة (1297 هـ) أي منذ أكثر من مائة عام، وهي طبعة قديمة دون تحقيق، وقد عُملتْ في هذا الكتاب رسالة ماجستير بجامعة الأزهر تحت عنوان: "اعتراضات العيني على النحاة واختياراته من خلال كتابه فرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد سنة (2001 م) للباحث السيد محمد أبو المعاطي، وقد رأينا فرائد القلائد هذا وقرأنا فيه.

- رسائل الفئة في شرح عوامل المائة، حققه الدكتور: خالد أبو جندية (جامعة الأزهر).

- ملاح الألواح في شرح مراح الأرواح، وهو في علم الصرف، حققه: عبد الستار جواد، ونشر في مجلة المورد العراقية (1975 م).

‌كتب في الحديث:

- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، وهذا الكتاب بلغ في بعض طبعاته اثني عشر مجلدًا، يحتوي على خمسة وعشرين جزءًا، وقد طبع عدة طبعات (ثلاثة أو أكثر):

1 -

إدارة الطباعة المنيرة، لصاحبها: محمد منير أغا الدمشقي (بيروت، دون تاريخ).

2 -

مصطفى البابي الحلبي، (1972 م).

3 -

دار الفكر، (1979 م)(مصورة عن الطبعة الأولى).

وقد اطلعت على هذا الكتاب وقرأت فيه ثم كتبت قائلًا: "العيني في شرحه لصحيح البخاري، كنت أظنه يقتصر على شرح الحديث من الناحية الدينية، وهي معناه واستنباط ما فيه، من أحكام تشريعية -كما يفعل غيره- ولكنني وجدت فيه فوق المعاني والأحكام الشرعية ما يلي:

الجانب اللُّغوي: وقد أسهب فيه العيني إسهابًا، فهو يشرح معاني المفردات، وينقل عدة نقول من كتب اللغة؛ كالصحاح والعباب، وكتب ابن دريد، وغير ذلك وهو كثير.

الجانب الصرفي: وفيه يتحدث عن أصل بعض الكلمات، وما اعتراها من إبدال وإعلال، وقلب، وأبواب الماضي مع المضارع، ومعاني الزيادة في الأفعال، والحذف، والنقل وغير ذلك.

الجانب النحوي: وفيه يتعرض لإعراب الحديث كلمة بعد أخرى، ويتعرض لموقع الجملة مما قبلها؛ كما يتعرض لاحتمال الكلمة ثلاثة أوجه في الإعراب، ويخرِّج كل وجه، كما

ص: 24

يتعرض لبعض الخلافات النحوية، كأن تكون الجملة حالًا بتقدير قد؛ لأنها مصدرة بفعل ماضٍ، وغير ذلك.

الجانب البلاغي: وفيه يذكر المسائل البلاغية في الحديث، متعرضًا لعلوم البلاغة الثلاثة: المعاني وهو الإسناد والمجاز العقلي وغير ذلك، ثم البيان وهو التشبيه والاستعارة، ثم البديع، وما جاء منه في الحديث.

ويجدر بطلاب العلم دراسة هذه العلوم كلها في الكتاب المذكور، كلٌّ في تخصصه، فطلاب فقه اللغة يدرسون الجانب اللُّغوي، وطلاب النحو يدرسون الجانب النحوي والصرفي، وطلاب البلاغة يدرسون الجانب البلاغي، وهكذا.

وقد استمر منهج العيني المذكور إلى أكثر من نصف الكتاب، ثم جاء في النصف الثاني واختصر الجوانب اللغوية التي عرضناها اكتفاءً بما ذكره.

- شرح سنن أبي داود (دار الكتب المصرية 286 حديث).

- نخب الخطار في شرح معاني الآثار للطحاوي (دار الكتب المصرية 526 حديث).

- العلم الهيب في شرح الكلم الطب لابن تيمية (دار الكتب المصرية 112 حديث).

- كتاب في مصطلح الحديث (دار الكتب المصرية 92 مصطلح الحديث).

‌كتب في الفقه:

- رمز الحقائق في شرح كنز الدقائق، طبع قديمًا في مصر (1285 هـ) وهو في مجلدين.

- التبيان في شرح الهداية، طبع قديمًا في مصر سنة (1293 هـ ـ)، وقد شُرح عدة شروح.

- الدرر الزاهرة في شرح البحار الزاخرة (دار الكتب المصرية 183 فقه حنفي).

- المسائل البدرية من الفتاوى الظهرية (دار الكتب المصرية 418 فقه).

‌كتب في التاريخ والسير:

وهذه كثيرة جدًّا وطويلة، وهي كالآتي:

- عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، وهو كتاب كبير بلغ عدة مجلدات، تعرَّض فيه لأحداث الزمان من أول الخلق حتى سنوات القرن التاسع الهجري، وقد طبعت عدة أجزاء منه بتحقيق الدكتور: محمد محمد أمين "جامعة القاهرة"، وقد طبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقد اطلعت عليه، وقرأت فيه، ونقلت منه ترجمة العيني المذكورة في المنهل الصافي

ص: 25

لابن تغري بردي، في أول هذا الفصل.

- السيف المهند في سيرة الملك المؤيد، وهو جزء واحد، طبع في القاهرة عدة طبعات، بتحقيق: فهيم شلتوت، ومراجعة الدكتور: محمد مصطفى زيادة "جامعة الأزهر"، وقد اطلعت عليه، وقرأت فيه كثيرًا؛ حيث يتعرض لموضوعات مختلفة من أحوال السلاطين، والملوك، ومن يريد حجبتهم، وغير ذلك.

- الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر، وهو كتاب ليس بالكبير، طبع عدة طبعات بالقاهرة، آخرها طبعة مصطفى الحلبي، تعرض فيه لسيرة الملك العاشر من سلاطين الملوك الأتراك الذين حكموا مصر، والذين كان أولهم الملك المعز أيبك، ثم قطز، ثم بيبرس، ثم المنصور قلاوون، ثم تاسعهم الملك المؤيد الذي كتب سيرته العيني، والكتاب يحتوي على عدة فصول في أوصاف الملك، وأخلاقه، وما ينبغي له أن يفعل، وما لا ينبغي، وقد قرأته في ليلة واحدة.

- تاريخ البدر في أوصاف أهل العصر، وهو مختصر من كتاب عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، ويقع في عدة أجزاء، ومنه مخطوط في جامعة الدول العربية برقم (597) تاريخ، وآخر في جامعة الإمام في الرياض برقم (8443 ف)، وقد اطلعت على هذا الأخير، فوجدته في التاريخ الإسلامي يحكي سيرة الخلفاء الراشدين من أول أبي بكر حتى خلافة عبد الملك بن مروان عامًا بعد عام (من 10 هـ إلى 65 هـ).

‌كتب أخرى في فنون مختلفة:

1 -

في العَروض، له:

- مقصد الطالب في شرح قصيدة ابن الحاجب (نور عثمانية: 4963).

- ميزان النصوص، وهو في العَروض -أيضًا- وفي المكتبة السابقة.

2 -

في المواعظ والرقائق:

- كتاب تحفة الملوك (الجزائر: 992).

- منحة السلوك في شرح تحفة اللوك (دار الكتب المصرية (1/ 467) فهرس).

- شرح خطبة مختصر الشواهد (دار الكتب المصرية 53 م).

- ديوان شعر في مدح الملك المؤيد وتاريخه (مكتبة برلين- 41).

ص: 26

‌العيني والتأليف في التاريخ:

- قد يسأل سائل: ما هذه الكتب الكثيرة التي ألفها العيني في التاريخ حتى إنه ألفَّ كتابًا واحدًا بلغ ثمانية عشر مجلدًا من بدء الخليقة حتى سنة (850 هـ)؛ أي قبل وفاته بخمس سنين، وهو عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، وقد طبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب (1584 تاريخ) يجيب عن هذا السؤال الأستاذ فهيم شلتوت، الذي حقق كتاب السيف المهند في تاريخ الملك المؤيد، فيقول في (مقدمة الكتاب المذكور):

- "قد اشتهر عصر البدر العيني بأنه ضم كثيرًا من صفوة العلماء، وخصوصًا في التاريخ، ثم يسرد عددًا منهم من مثل:

- ابن خلدون: صاحب كتاب العبر وديوان الخبر والمبتدأ في أيام العرب والعجم والبربر.

- القلقشندي: صاحب كتاب صبح الأعشى في صناعة الإنشا، وضوء الصبح المسفر، وقلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان.

- ابن حجر العسقلاني، صاحب كتب رفع الإصر عن قضاة مصر، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، إنباء الغمر بأنباء العمر.

- أبو المحاسن بن تغري بردي: صاحب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، وصاحب المنهل الصافي، والمستوفي بعد الوافي، وغير ذلك.

- السخاوي: صاحب الضوء اللامع لأهل القرن التاسع.

‌شعر العيني:

وكما أن العيني ناثر ومؤرخ كبير، فهو أيضًا شاعر؛ إلا أن العلماء ذكروا أن شعره لا يرقى في العلو كما ترقى كتابته في النثر.

- ومن ذلك مدحه للنبي صلى الله عليه وسلم يقول:

ذَكَرنَا مَدَائِحَ للنبِيِّ مُحَمَّد

طَربْنَا بلا عودٌ سكرنَا ولا كَرْمُ

فَتلْكَ مُدَامَةٌ يَسُوغُ شَرَابُهَا

ولَيسَ يَشُوبُهَا هَمٌّ ولا إِثْمُ

- ومن ذلك ما قاله ردًّا على ابن حجر، وقد عرض به الأخير سافرًا حينما هدمت إحدى مئذنتي جامع المؤيد قائلًا:

لجَامِعِ مَولانَا المُؤَيدِ رَوْنَقٌ

مَنَارَتُهُ بالحُسْنِ تَزْهُو وبالزَّيْنِ

ص: 27

تَقُولُ وَقَدْ مَالت عَلَيهِمْ تَمَهَّلُوا

فَلَيسَ عَلَى جسمي أَضَرُّ منَ العَيِن

وفي البيت تورية بالعين الجارحة، والعيني صاحب الترجمة، فرد العيني قائلًا بالتورية نفسها -أيضًا-:

مَنَارَةٌ كعَرُوسِ الحُسْن إِذْ حَلِيَتْ

وهَدْمُهَا بقَضَاءِ الله والقَدَرِ

قَالُوا أُصِيبَتْ بِعَينٍ قُلْتُ ذَا غَلَطٌ

مَا آفَةُ الهَدْمِ إلا خِسَّةُ الحجَرِ

- ومن ذلك أيضًا مدحه للمؤيد قائلًا:

عَلَتْ دَوْلَةُ الإسْلَامِ واهْتَزَّ عُودُهُ

وعَادَ اللهِ مَاوُهُ وهْوَ يَابِسُ

وأَشْرَقَ مِنْ أُفُقِ الوُعُود سُعُودُهُ

وسَاعَدَنَا الدهْرُ العنودُ المدُاحِسُ

- ومن ذلك أيضًا قوله في المؤيد:

تَأيَّدَتِ الأحكَامُ والشَّرْعُ حينمَا

تَوَالى عَلَى مِصْر مَلِيكٌ مُؤَيَّدُ

أَبُو النَّضرِ كَنَاهُ إِلَهُ خلائِقٍ

فَبَيْنَ الوَرَى منْ ذَاكَ بِشْرٌ مُؤَيدُ

مَلِيكٌ بِهِ أَحْيَا الإلَهُ شَرِيعَة

لَهَا زَمَنٌ بَارتْ فصَارَتْ تُجَرَّدُ

فدولةُ ظُلْمٍ قَدْ تَوَلَّتْ وولْوَلَتْ

وَأَصْحَابُ ظُلْمٍ قَدْ أُذِلُّوا وَأخْمِدُوا

لَهُ غَزَوَاتٌ مَعَ فِرِنْجٍ بِسَاحِل

بصَيدَا وبيروت بعِزٍّ تُشَيَّدُ

فَيَا رَبّ صُنْهُ من ذَوي المكر والرَّدَى

وأَعْلِ لَهُ سَيفًا عَلَى مَنْ تمَرَّدُوا

فدَوْلَتُهُ الغَرَّا تطولُ بِمَنِّهِ

وعَسْكرُهُ الزَّهْرَا تُطيعُ وتَحْمدُ

* * *

‌كتب ورسائل في العيني:

- بدر الدين العيني وأثره في علم الحديث، تأليف: صالح يوسف معقوف، دار البشائر الإسلامية، بيروت، (1987 م).

- مع المقاصد النحوية، بحث في نقد كتاب المقاصد الذي نحققه للدكتور سيد تقي "جامعة الأزهر"(1992 م).

- اعتراضات العيني على النحاة واختياراته من خلال كتابه فرائد القلائد "ماجستير بالأزهر" سيد أبو المعاطي، (2001 م).

ص: 28

‌قصر العيني بالقاهرة:

العيني وهو بدر الدين محمود بن أحمد نسبة إلى عين تاب من أعمال أنطاكية في حلب بدمشق، وهو البلد الذي ولد فيه صاحب الترجمة، له ابن ابن يدعى الأمير الشهابي أحمد بن عبد الرحيم بن البدر العيني، يقول محقق عمدة القاري: وإلى هذا الحفيد ينسب قصر العيني المشهور بالقاهرة، وهذا الأمير كان له ثروة هائلة، وله وقائع في التاريخ، ولم يكن على سيرة جده.

* * *

ص: 29

‌الفصل الثاني: كتاب المقاصد (يحوي علومًا كثيرة)

لم يقتصر كتاب المقاصد على ذكر الشاهد من شراح الألفية، وبيان وجه الاستشهاد، وإنما حوى هذا الكتاب علومًا كثيرة غير النحو، وكانت الثقافة الواسعة لمؤلفه ووقوفه على كثير من العلوم سببًا في معارف مختلفة في الكتاب، وفي هذا الفصل سنعرض نماذج علمية مختلفة احتوى عليها الكتاب؛ فمنها ما هو في النحو والصرف والعروض، ومنها ما هو في اللغة وتفسير المفردات، وبيان للهجات العرب، ومنها ما هو في البلاغة والنقد، ومنها ما هو في التاريخ والسير والتراجم:

‌أولًا: النحو والصرف والعروض:

احتوى كتاب المقاصد في هذه العلوم من المعارف والنماذج المختلفة، وسنعرض لكل فن من هذه الفنون مسألة واحدة؛ لأن الكتاب إنما ألف لها ومن أجلها، وعلى القارئ أن يتزود من تلك العلوم بقراءة الكتاب.

ففي النحو وفي باب التمييز والجمع بين التمييز والفاعل الظاهر في مثل قول الشاعر "شواهد نعم وبئس"

(1)

:

وَقَائِلَة نِعْمَ الفَتَى أَنْتَ مِنْ فَتىَ

إِذَا المُرْضِعُ العَوْجَاءُ جَال بَريمُهَا

وفيه ثلاثة مذاهب:

- المنع وهو مذهب سيبويه؛ إذ لا إبهام يرفعه التمييز.

- والجواز وهو مذهب المبرد وابن السراج والفارسي، قال ابن مالك: وهو الصحيح.

- والثالث: التفصيل: فإن أفاد التمييز معنى لا يفيده الفاعل جاز نحو: "نعم الرجل رجلًا

(1)

البيت من بحر الطويل للكروس بن حصن، وهو الشاهد رقم (793) من شواهد هذا الكتاب.

ص: 30

عالمًا، ومنه بيت الشاهد:

.......... نِعْمَ الفَتَى أَنْتَ مِنْ فَتَى

......................

حيث يفيد التمييز ما لا يفيده الفاعل، فلذلك جاز، وإلا لم يجز وصححه ابن عصفور رحمه الله.

‌ومن المسائل الصرفية التي تكلم عنها

(1)

:

حديثه عن ألف المقصور حين يوقف عليه نحو أن تقول: رأيت فتى، قال: "نحو: رأيت فتى، وفي هذه الألف ثلاثة مذاهب:

الأول: أنها بدل من التنوين في الأحوال الثلاثة، وهو مذهب أبي الحسن والفراء، والمازني.

والثاني: أنها الألف المنقلبة في الأحوال الثلاثة، وأن التنوين حُذِف، فلما حُذِف عادت الألف وهو مذهب الكوفيين، وروي عن أبي عمرو والكسائي، وإليه ذهب السيرافي وابن كيسان وابن مالك في الكافية، وقال في شرحها: ويقوي هذا الذهب ثبوت الرواية بإمالة الألف وقفًا والاعتداد بها رويًّا.

الثالث: اعتباره كالصحيح والألف في النصب بدل من التنوين، وفي الرفع والجر بدل من لام الكلمة، وهو مذهب سيبويه، ومعظم النحاة، وإليه ذهب أبو علي الفارسي -رحمه الله تعالى-".

وأما علم العَروض:

فقد كان العيني متمكنًا منه، وقد نسب الشواهد التي شرحها كلها إلى بحورها، ولم يخطئ في واحد منها إلا سهوًا، ولم يكتفِ بنسبة الأبيات، وإنما كان يشرح بين الحين والحين مسألة عروضية، انظر إليه وهو يشرح أول بيت في شواهده، وهو قول لبيد

(2)

:

ألَا كلُّ شيءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلٌ

وَكلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالةَ زَائِلُ

يقول: "البيت من بحر الطويل، وهو أول بحور الدائرة الأولى من الدوائر الخمس المسماة بدوائر المختلف، وسميت به لاختلاف كمية أجزائها، وهي مشتملة على خمسة أبحر، ثلاثة مستعملة وهي: الطويل والديد والبسيط، وبحران مهملان؛ وهما: المستطيل مقلوب الطويل، والممتد مقلوب المديد".

ثم شرح بحر الطويل قائلًا: "وأصله في الدائرة: فعولن مفاعيلن أربع مرات

(3)

، وقد دخله

(1)

هذا الحديث قد ثبت للعيني في الشاهد رقم (1221)، وهو بيت للشماخ من بحر الرجز المشطور.

(2)

الشاهد الأول من شواهد هذا الكتاب.

(3)

في (أ، ب): ثمان مرات، والصحيح أنها: أربع مرات.

ص: 31

القبض في ضربه، وأما عروضه فتكون مقبوضة دائمًا.

والقبض هو: حذف الخامس الساكن، فتُحذف الياء من "مفاعيلن" فيصير مفاعلن، فتقول:(ألا كل) فعولن- سالم، (ل شيء ما) مفاعيلن- سالم، (خلا اللا) فعولن- سالم، (هـ باطل) مفاعلن، مقبوض".

ثم انتقل إلى موضوع آخر فقال: "والبيت الشاهد مقفى، وهو أول القصيدة على ما ذكره الخالديان

(1)

في الأشباه والنظائر، وكذا ابن السيد

(2)

.

وعند جماعة منهم ابن هشام اللخمي

(3)

والعسكري

(4)

، أول البيت ما ذكرناه من قوله:

ألا تسألانِ المرءَ مَاذَا يُحَاولُ

........................ "

ويستمر قائلًا: "وهو أيضًا مصرَّع مقفى، والفرق بين التقفية والتصريع أن التصريع عندهم تبعية العروض للضرب قافية ووزنًا وإعلالًا، والتقفية: أن يكون العروض على زنة الضرب وقافيته سواء تغيرت العروض عما يجب لها أم لا، فكل تصريع تقفية ولا ينعكس".

ثم مضى يوضح معنى التصريع قائلًا: "وسمي البيت إذا كان فيه تصريع مصرعًا تشبيهًا له بمصراعي الباب، فكأن البيت الذي هو المصرع وهو ما له قافيتان شبيه بالبيت الذي له بابان، وقيل: إنه مشتق من الصرعين، وهما نصف النهار، فانتصاف النهار صَرْعٌ، وسقوط الشمس صَرْعٌ، والأول أقرب".

وعرف العيني العلل والزحافات المختلفة في علم العروض؛ كما ذكر استعمالات البحور، وذكر بقية الدوائر، وكان ينتهز أي بيت فيه صلة بعلم العروض ليشرح مصطلحاته، وغير ذلك، ففي قوله

(5)

:

(1)

هما سعيد بن هاشم بن وعلة بن عرام اشتهر هو وأخوه محمد بالخالديين (ت 371 هـ). الأعلام (3/ 103) واسم أخيه محمد بن هاشم بن وعلة أبو بكر الخالدي (ت 380 هـ). الأعلام (7/ 129).

(2)

عبد الله بن محمد بن السيد أبو محمد البطليوسي له: شرح أدب الكاتب وغيره (ت 521 هـ). بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي (2/ 55، 56) ط. دار الفكر، ثانية، (1979 م).

(3)

محمد بن أحمد بن هشام بن إبراهيم بن خلف اللخمي النحوي له: كتاب الفصول والمجمل في شرح أبيات الجمل وغيرهما. توفي بعد (557 هـ). بنية الوعاة للسيوطي (1/ 48، 49).

(4)

الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد أبو هلال العسكري صاحب الصناعتين (ت 395 هـ). بغية الوعاة (1/ 506، 507).

(5)

الشاهد رقم (35) من شواهد هذا الكتاب.

ص: 32

ما أنت باليَقْظَانِ نَاظِرُه إذا

نَسيتَ بِما تَهْوَاهُ ذِكْرَ العَوَاقبِ

يقول: "البيت من الطويل من الضرب الثاني المماثل للعروض

(1)

، وفيه الثلم وهو حذف فاء فعولن، فيبقى "عولن" فينقل إلى: فعلن، ويختص بالجزء الأول بيانه

(2)

، تقول:(ما أن): "فعلن" أثلم، (ت باليقظا):"مفاعيلن"، (نِ ناظ)"فعول- مقبوض"، (رهو إذا):"مفاعلن"، (نسيت):"فعول مقبوض"، (بما تهوا):"مفاعيلن"، (هـ ذكر ال):"فعولن"، (عواقب):"مفاعلن- مقبوض"، وقد أنشده بعضهم:

وَما أنت باليَقْظَانِ ..........

........................

بالواو فحينئذ لا ثلم فيه، ولكن الرواية المشهورة الصحيحة بدون الواو".

ولم ينس العيني علم القافية في خِضَمِّ الشرح والتحليل والتعريف فقال

(3)

: "وقافيته من المتدارِك وهو ما بعد ساكنه الأول حركتان، وسمي بذلك لتدارك السكون الثاني فيه الأول، أي: تداركه فلم يترك الحركات تتزايد، أو لأن الحركة الثانية أدركت الأولى ولم يفصل بينهما ساكن، ومثاله

(4)

:

قفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِل

........................

والقافية تأتي على خمسة أنواع هذا أحدها".

‌اللغة وتفسير المفردات، وبيان لهجات العرب:

يغلب هذا الجانب على العيني في كتابه المقاصد؛ حيث أطال في شرح مفردات الشواهد التي كان يستشهد بها ويذكرها، ولم يكتفِ بمفردات البيت الواحد، وهو الشاهد، وإنما كان يشرح أحيانًا القصيدة كلها التي تشتمل على ألفاظ غريبة، وعليه أن يشرحها ويوضحها للقارئ.

انظر إليه وقد سرد قصيدة لرؤبة بن العجاج بلغت مائة وواحدًا وسبعين بيتًا من الرجز المشطور، وكلماتها كلها غريبة، ومع ذلك شرحها العيني كلها، يقول بعد أن سرد القصيدة "شواهد الكلام- البيت الرابع": وإنما سقنا هذه الأرجوزه بكمالها لوجوه:

(1)

يقصد أن العروض مقبوضة وضربها مقبوض.

(2)

الوافي في العروض والقوافي (41).

(3)

هكذا قال في شرح الشاهد الأول من شواهده "الكتاب الذي بين يديك".

(4)

من الطويل لامرئ القيس مطلع معلقته المشهورة، ينظر الديوان (29)(دار صادر).

ص: 33

الأول: لكونها عزيزة الوجود وَقلَّ من يقف عليها كاملة.

والثاني: فيها أبيات كثيرة مستشهد لها فيما نحن بصدده.

والثالث: لتكثير الفائدة لاشتمالها على لغات غريبة وألفاظ عجيبة.

والرابع: أن مطلعها بيت مستطرق كثير الورود في كتب النحو واللغة، فلأجله ذكرنا الباقية.

والخامس: ليدل على توغلنا في هذا الفن وشدة تَنْقيرِنا في مظان الأشياء ومدارك اللغات والألفاظ، فنتكلم على لغاتها مختصرة تكثيرًا للفائدة، وإزاحة للإهمال عن ألفاظها الغريبة".

ومثل ذلك فعل مع قصيدة عمر بن أبي ربيعة: "أَمِن آلِ نُعْمٍ" وقد بلغت أربعة وسبعين بيتًا سردها كلها وشرح مفرداتها ومعانيها

(1)

.

- تعرضه للفعل واستعمالاته، وكأنه يؤلف معجمًا في اللغة، انظر إليه وهو يشرح هذا البيت مبينًا الشاهد فيه وهو قوله:"باب ظن وأخواتها"

(2)

:

وكُنَّا حَسِبنَا كُلَّ بَيضَاءَ شَحْمَةً

عَشِيَّةَ لاقينا جذامَ وَحِمْيَرًا

يقول:

"الاستشهاد فيه: في قوله: "حسبنا" فإن حسب ها هنا بمعنى ظن؛ فلذلك نصب مفعولين.

واعلم أن حَسُب

(3)

قد جاء بالضم والفتح والكسر على معانٍ: فحسِب بكسر السين يحسَب ويحسِبُ بفتح السين وكسرها في المضارع حِسْبًا بكسر الحاء ومحسَبة ومحسِبة بفتح السين وكسرها بمعنى ظن فهو حاسب، والشيء محسوب، أي مظنون، والأمر: احسَب واحسِب بفتح السين وكسرها، وحسب الرجل بكسر السين حسبًا فهو أحسب إذا صار ذا شقرة وبياض كالبرص، وحسَب بفتح السين بمعنى عدّ يحسُب بضم السين حسبًا وحسابًا وحسبانًا وحسابة وحسبة فهو حاسب، والشيء محسوب والأمر احسُب بضم السين لا غير.

وأما حسُب بضم السين فمعناه: صار حسيبًا يحسُب بضم السين حسابه فهو حسيب، والذي هو من هذا الباب وينصب المفعولين هو الذي يكون بمعنى ظن، وأما الذي بمعنى: عد فينصب مفعولًا واحدًا، والآخران لازمان".

وأما ذكره لغات العرب وبيان لهجاتها فقد سرد فيه الكثير، من ذلك:

(1)

انظر الشاهد رقم (64) من شواهد هذا الكتاب.

(2)

انظر الشاهد رقم (335) من شواهد هذا الكتاب.

(3)

راجع هذه المعاني في اللسان مادة: "حسب".

ص: 34

- لغة بني أسد في فتح نون المُثنى، ولغة أخرى في ضم نونه:"هما خليلان".

- لغة بني الحارث في إلزام المثنى الألف.

- لغة أهل اليمن في إبدال اللام ميمًا في كلمة أل.

- لغة هذيل في قلب ألف المقصور ياءً وإدغامها في ياء المتكلم.

- لغة أهل الحجاز في تعدية الفعل "هدى" بنفسه، تقول: هديته الطريق، وغيرهم يقول: هديته إلى الطريق.

- لغة بني سليم في نصب قال للمفعولين مطلقًا، سواء أكان ماضيًا أم غيره، مسندًا للمخاطب أم غيره، معتمدًا على استفهام أم لم يعتمد.

- لغة عقيل في الجر بـ"لعل".

- لغة بني الحارث في إلحاق الفعل علامات التثنية والجمع.

‌البلاغة والنقد:

تعرض العيني في كتابه: "المقاصد النحوية" لبعض المسائل البلاغية، وقضايا النقد، وإن لم يكن كثيرًا، فمثلًا وهو يشرح هذا البيت

(1)

:

وإنَّ من النِّسْوَانِ مَنْ هِيَ رَوْضَةٌ

تَهِيجُ الرِّيَاضُ قبلها وتصَوّحُ

يقول: "شبه بعض النساء بالروضة التي تتأخر في هيجان نباتها وتشقق أزهارها عن غيرها من الرياض، وأراد بها: النساء التي تتأخر عن الولادة عن وقتها، وهذا تشبيه بليغ؛ حيث حذف فيه أداة التشبيه؛ لأن الأصل في قوله: مَن هي روضة مَن هي كروضة، وهذا تشبيه وليس باستعارة؛ لأن الطرفين مذكوران، وشرط الاستعارة أن يذكر أحد طرفي التشبيه ويترك الآخر"

(2)

.

وعرف التجريد فقال: هو أن ينتزع من أمر ذي صفة أمرًا آخر مثله في تلك الصفة مبالغة في كمالها، وهو على أنواع:

منها نحو قولهم: لي من فلان صديق حميم؛ أي بلغ من الصداقة حدًّا صح معه أن يستخلص منه صديقًا آخر.

(1)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة طويلة لجران العود، بفتح العين، وهي في ديوان جران (1) ط. دار الكتب، وهو في المقاصد الذي بين يدي رقم (138).

(2)

ينظر بغية الإيضاح لعبد المتعال الصعيدي (3/ 96) وما بعدها، ط. مكتبة العلوم والحكم.

ص: 35

ومنه نحو قولهم: لئن سألت لتسألن به البحر، ومنه نحو قوله تعالى:{لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} [فصلت: 28]، فإن جهنم هي دار الخلد؛ لكن انتزع منها مثلها، وجعلها منزلًا للكافرين تهويلًا لأمرها، ومنه مخاطبة الإنسان غيره، وهو يريد نفسه؛ كقول الأعشى

(1)

:

وَدِّعْ هُرَيْرةَ إنَّ الركبَ مرتحلٌ

وهل تطيقُ ودَاعًا أيُّها الرَّجُلُ؟

وأما قضايا النقد:

فقد أثار العيني في كتابه قضية انتحال الشعر، وهو يشرح بيتًا لمجنون ليلى؛ حيث نقل عن العلماء قولهم بالانتحال، يقول:

"قال الجاحظ

(2)

: ما ترك الناس شعرًا مجهول القائل قيل في ليلى إلا نسبوه للمجنون، ولا شعرًا هذه سبيله قيل في لبنى إلا نسبوه إلى قيس

(3)

بن زريح

(4)

، وعن الأصمعي: أُلقي على المجنون من الشعر، وأضيف إليه أكثر مما قاله هو".

وعن العتبي عن عوانة أنه قال: المجنون اسم مستعار لا حقيقة له في بني عامر أصلًا ولا نسب، قيل: فمَن قال هذه الأشعار؟ فقال: فتى من بني أمية

(5)

.

وفي موضع آخر حكى العيني واقعة بين حماد الراوية والمفضل الضبي، وكيف أن الأول كان يؤلف الأشعار ويلصقها بالشعراء، وأن هارون الرشيد سأله ذات مرة قائلًا:"اصدقني القول، فقال يا أمير المؤمنين: أنا زدت هذه الأييات، فقال الرشيد: من أراد الثقة والرواية الصحيحة فعليه بالمفضل، ومن أراد الاستكثار والتوسع فعليه بحماد".

وأما بيتا حماد، ونقد النابغة لهما قول مشهور، وقد حكى ذلك العيني وهو يشرح الشاهد في جمع التكسير، وهو قول حسان

(6)

:

لنَا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بالضحى

وأَسْيَافنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دَما

ولدْنَا بَنِي العَنْقَاءِ وابْنَيْ مُحَرِّقِ

فأَكْرِمْ بِنَا خالًا وأَكرمْ بنا ابنمَا

(1)

ينظر الديوان (130)(شرح مهدي محمد ناصر)، و (91) بشرح وتحقيق محمد حسين.

(2)

عمرو بن بحر بن محبوب الكناني كبير أئمة الأدب صاحب المؤلفات المتعددة (ت 255 هـ). الأعلام (5/ 74).

(3)

قيس بن زريح بن سنة بن حذافة الكناني من الشعراء المتيمين في العصر الأموي (ت 68 هـ). الأعلام (5/ 205).

(4)

هذا النص موجود في الأعلام (5/ 208).

(5)

انظر الشاهد رقم (77) من كتاب المقاصد الذي بين يديك.

(6)

البيتان في ديوانه بشرح يوسف عبيد، ط. دار الجيل (256، 357)، وهما الشاهد (1204) من شواهد الكتاب الذي بين يديك:"المقاصد النحوية".

ص: 36

حيث قال النابغة لحسان: "إنك شاعر لولا أن بيتك معيب من ثلاثة أوجه:

- قلتَ: جفنات وأسياف ويقطرن، ولم تقل: جفان وسيوف ويجرين.

- وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك.

- وقلت: يلمعن بالضحى ولم تقل: يبرقن في الدجى، ولو قلت كان أبلغ في المدح؛ لأن الضيف بالليل أكثر"

(1)

.

‌التاريخ والسير والتراجم:

‌أولًا: التاريخ والسير:

كان العيني مؤرخًا كبيرًا، وله كتب كثيرة في التاريخ، منها المطبوع، ومنها المخطوط؛ كما ذكرنا في مؤلفاته، ومن هنا كان ينتهز أي حادثة تاريخية لها صلة بالبيت الذي يشرحه ثم يسردها، وهذه نماذج من ذلك:

- حكى قصة ورقة بن نوفل وقد أخبرته خديجة بنزول الوحي على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو القائل من قصيدة الشاهد

(2)

:

بأن محمدًا سَيَسُودُ قومًا

ويخصمُ مَنْ يكونُ له حَجِيجَا

- وحكى قصة الأعشى وذهابه إلى المدينة ليمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلن إسلامه، فقابله أبو سفيان، ورده على وجهه، وأعطاه مائة ناقة، وكان ذلك بعد صلح الحديبية، ومطلع القصيدة

(3)

:

ألمْ تَغْتَمِضْ عَينَاكَ لَيلَةَ أَرْمَدَا

وبت كما باتَ السَّليمُ مُسَهَّدًا

- وحكى قصة هند بنت عتبة وهجائها أهل مكة بهذا البيت

(4)

:

أَفِي السِّلْمِ أعْيَارًا جَفَاءً وغِلْظَةً

وفي الحرْبِ أمثال النساءِ العوَاركِ

- وحكى قصة أبي عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان، وقد وقع في أسر المسلمين، وطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمن عليه فمنَّ عليه، وأطلق سراحه، فمدحه بقوله من قصيدة في باب إن وأخواتها

(5)

:

(1)

راجع الشاهد رقم (1204) من شواهد هذا الكتاب الذي بين يديك.

(2)

انظر الشاهد رقم (75) من شواهد هذا الكتاب الذي بين يديك.

(3)

انظر الشاهد رقم (447) من شواهد هذا الكتاب الذي بين يديك.

(4)

انظر الشاهد رقم (491) من شواهد هذا الكتاب الذي بين يديك.

(5)

هو الشاهد رقم (273) من شواهد هذا الكتاب الذي بين يديك.

ص: 37

فإنكَ مَنْ حَارَبْتَه لمُحَارَب

شَقِيٌّ وَمَنْ سَالمْتَه لَسَعِيدُ

ثم بعد ذلك حارب المسلمين ووقع في الأسر مرة أخرى، وطلب المن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

"لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"، "لا تمسح عارضك، وتقول: خدعت محمدًا صلى الله عليه وسلم مرتين" فقتله، ويقال: إنما أسره وقتله حين خرج إلى حمراء الأسد

(2)

.

- وحكى قصة عبد الله بن العباس، ونزوله ضيفًا على أعرابي ذبح شاة له وكان لا يملك غيرها تكريمًا لهذا الهاشمي، ولكن عبد الله عوضه كثيرًا، فقال الأعرابي مادحًا إياه من مقطوعة منها هذا الشاهد

(3)

:

فَعَوَّضَنِي عَنْهَا غِنَايَ وَلَمْ تَكُنْ

تساوي عَنْزِي غيرَ خَمْسِ دراهمِ

- وحكى قصة اتفاق الخوارج على قتل معاوية، وعمرو بن العاص، وعلي بن أبي طالب، ثم نجاة الأولين وقتل الثالث على يد عبد الرحمن بن ملجم -لعنه الله- ذكر ذلك وهو يشرح هذا البيت، وهو لمعاوية

(4)

:

نَجَوْتُ وقَدْ بَلَّ المُرَاديُّ سَيفَهُ

من ابْن أبي شَيخِ الأَبَاطحِ طالِبِ

- وحكى قصة إطلاق معاوية ليزيد بن مفرغ الحميري من سجن عباد بن زياد بن أبي سفيان، وإرسال معاوية له فرسًا يركبها، فقال يزيد في ذلك وهو بيت الشاهد

(5)

:

عَدَسْ مَا لِعَبَّادٍ عَلَيكِ إمَارَةٌ

أَمِنْتِ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ

‌ثانيًا: التراجم:

ترجم العيني لكثير من العلماء الذين كانوا يردون في كتابه، فقد ترجم لجميع الشعراء -إلا القليل- الذين قالوا أييات الشواهد، والقصائد التي شرحها، ولم تكن الترجمة قصيرة، بل كان يترجم للشاعر بالصفحة والصفحتين؛ كما فعل مع لبيد قائل الشاهد الأول في كتابه، وكان يعلل لاسم الشاعر فيقول: "سمي الأخطل لكبر أذنه، يقال: رجل أخطل؛ أي عظيم

(1)

الحديث في البخاري، كتاب الأدب، باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين برقم (6133)، وفي مسلم كتاب الزهد، باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وفي سنن الدارمي باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين برقم (2781) في الجزء (2/ 411) تحقيق: فواز أحمد زمزلي، وخالد السبع الحلم، ط. دار الريان للتراث بالقاهرة، أولى (1987 م)، وفي ابن ماجه، كتاب الفتن، باب العزلة (2/ 1318)، عن أبي هريرة، وأيضًا عن ابن عمر.

(2)

موضع بالقرب من المدينة، ينظر محجم البلدان (2/ 346).

(3)

الشاهد رقم (45) من شواهد هذا الكتاب الذي بين يديك.

(4)

انظر الشاهد رقم (960) من شواهد هذا الكتاب الذي بين يديك.

(5)

انظر الشاهد رقم (112) من شواهد هذا الكتاب الذي بين يديك.

ص: 38

الأذن، وشاة خطلاء، أي عطمة الأذن مسترخية، وكان يضبط العلم بالحركات والسكنات حتى ينطق صحيحًا، فيقول: يزيد بن مفرغ الحميري بضم الميم، وفتح الفاء، وتشديد الراء المكسورة، وفي آخره غين معجمة، وإنما سمي بذلك؛ لأنه كان راهن على شرب سقاء كبير مفرغة.

ترجم العيني لشعراء الجاهلية؛ أمثال: لبيد والأعشى وعنترة وامرئ القيس والشماخ وتميم بن مقبل وقيس بن الخطم والمتلمس وزهير.

كما ترجم لشعراء صدر الإسلام؛ أمثال: حسان، وكعب بن مالك، وأبي ذؤيب الهذلي، والعباس بن مرداس، والخنساء، والأحوص، والنعمان بن بشير، وجميل بن معمر، والحطيئة، وابن ميادة وكثير عزة، وعمر بن أبي ربيعة، وأبي العتاهية، وأبي النجم العجلي، والعرجي، وحميد الأرقط، والكميت، ورؤبة، وأبيه العجاج، والمتنبي وغير ذلك، وهم كثير في ثنايا الكتاب.

* * *

ص: 39

‌الفَصْلُ الثَّالِثُ: كتاب المقاصد (يحوي قصائد ومقطوعات كثيرة)

عُنِيَ العيني في كتابه بالشعر وقصائد الشعر التي كان يشرحها عناية فائقة، فما من بيت يشرحه إلا ذكر معه أبياتًا من القصيدة إن لم تكن القصيدة كلها أو كثيرًا منها، وقد أفاد هذا في كثير من القصائد التي ضاع دواوين أصحابها أو لم تجمع هذه الدواوين.

‌أولًا: القصائد الكاملة:

سرد العيني هذه القصائد:

- قصيدة رؤبة بن العجاج التي أولها (شواهد الكلام)

(1)

:

وَقَاتِمِ الأَعْمَاقِ خَاوي المُخْتَرَقْن

.............................

وقد بلغت مائة وواحدًا وسبعين بيتًا من الرجز المشطور.

- قصيدة النابغة الذبياني التي أولها (شواهد الكلام)

(2)

:

أمن آلِ ميَّةَ رائحٌ أو مُغْتَدِ

عَجلانَ ذا زاد وغيرَ مُزَوَّدِ

وقد بلغت اثنين وثلاثين بيتًا.

- قصيدة امرئ القيس التي أولها (شواهد المعرب والمبني)

(3)

:

أَلا عِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الطَّلَلُ الْبَالِي

وَهَل يعِمَنْ مَنْ كَانَ فيِ العُصُرِ الخَالِي

وقد بلغت ستة وخمسين بيتًا.

(1)

البيت من بحر الرجز لرؤبة بن العجاج هو أولها، وقد سردها الشارح كاملة في الشاهد رقم (4).

(2)

الشاهد رقم (5) من شوهد هذا الكتاب.

(3)

الشاهد رقم (34) من شواهد العيني الذي بين يديك.

ص: 40

- قصيدة عمر بن أبي ربيعة التي أولها "شواهد الضمير"

(1)

:

أَمِنْ آلي نُعْمٍ أَنْتَ غَادٍ فَمُبكرُ

غَدَاةَ غَدٍ أَمْ رَائِحٌ فَمُهجِّرُ

وقد بلغت أربعة وسبعين بيتًا.

- قصيدة زياد بن حمل بن سعد التي أولها

(2)

:

لا حبذَا أَنْتِ يَا صَنْعَاءُ منْ بَلَدٍ

ولا شعُوبُ هوًى منِّي ولا نُقُمُ

وقد بلغت القصيدة أربعة وأربعين بيتًا.

- قصيدة طرفة بن العبد التي أولها

(3)

:

لِخَوْلَةَ بِالأَجْزَاعِ مِنْ إضَمٍ طَلَلْ

وبالسَّفْحِ مِنْ قَوّ مُقَامٌ ومُحْتَمَلْ

وقد بلغت أربعة عشر بيتًا.

- قصيدة عنترة بن شداد التي أولها

(4)

:

طَرِبْتَ وهاجتْك الظِّبَاءُ السَّوَانِحُ

غَدَاةَ غدَا ينْهَا سَنِيحٌ وبَارحُ

وقد بلغت عشرين بيتًا.

- لامية السموأل بن عاديا في الحكم التي أولها

(5)

:

إذا المرءُ لم يدْنسْ من اللومِ عِرضُهُ

فكُل رِدَاءٍ يَرْتَديهِ جَميلُ

وقد بلغت ثلاثة وعشرين بيتًا.

- قصيدة زهير بن أبي سلمى التي منها هذا البيت

(6)

:

بَدَا لِي أَنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ ما مضى

وَلَا سَابِقٍ شَيئًا إذَا كَانَ جَائِيَا

وقد بلغت أربعة وعشرين بيتًا.

- قصيدة الفرزدق في مدح علي زين العابدين بن الحسين التي أولها

(7)

:

(1)

الشاهد رقم (64) من شواهد العيني التي بين يديك.

(2)

الشاهد التاسع والأربعون من شواهد العيني التي بين يديك.

(3)

الشاهد الثمانون من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(4)

الشاهد الحادي والثلاثون بعد المائة من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(5)

الشاهد رقم (213) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(6)

الشاهد رقم (282) من شواهد الكتاب الذي بين يديك

(7)

الشاهد رقم (411) من شواهد هذا الكتاب الذي بين يديك.

ص: 41

هَذَا الذِي تَعْرِفُ البَطْحَاءُ وَطأَتَهُ

والبَيتُ يَعْرِفُهُ والحِلُّ وَالحَرَمُ

وقد بلغت ستة وعشرين بيتًا.

- قصيدة الأعشى في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي أولها

(1)

:

ألمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ لَيلَةَ أَرْمَدَا

وبِتُّ كما باتَ السَّليمُ مُسَهَّدا

وقد بلغت أربعة وعشرين بيتًا.

- قصيدة حاتم الطائي في الأخلاق الفاضلة والكرم والتي منها هذا الشاهد

(2)

:

وأغفر عوراء الكريمِ ادخارُهُ

وَأُعْرِضُ عن شَتْمِ اللئيم تكَرُّما

وقد بلغت تسعة وعشرين بيتًا.

- قصيدة ذي الأصبع العدواني التي أولها

(3)

:

يا من لقلب شديد الهم محزون

أمسى تذكَّر ريَّا أم هارون

والتي بلغت اثنين وثلاثين بيتًا.

- قصيدة زهير بن أبي سلمى التي مدح بها هرم بن سنان، والتي أولها

(4)

:

لِمَنِ الدِّيَارُ بِقُنَّةِ الحُجْرِ

أَقْوَيْنَ مُذْ حِجَجٍ وَمُذْ دهْرِ

- قصيدة كثير عزة التي أولها

(5)

:

خَلِيلَيَّ هَذَا رَبْعُ عَزَّةَ فَاعْقِلَا

قُلُوصَيْكُمَا ثُمَّ ابْكِيَا حَيثُ حَلَّتِ

وهي ثمانية عشر بيتًا، وصدرها بقوله:"وهي من منتخبات قصائده".

- قصيدة كثير عزة أيضًا التي أولها

(6)

:

ألا حيّيَا ليلَى أجَدَّ رَحِيلِي

وآذَنَ أصْحَابِي غَدًا بِقُفُولي

وقد بلغت ثلاثة وعشرين بيتًا.

(1)

الشاهد رقم (447) من شواهد هذا الكتاب الذي بين يديك.

(2)

الشاهد رقم (453) من شواهد هذا الكتاب الذي بين يديك.

(3)

الشاهد رقم (576) من شواهد الكتاب الذي بين يديك، والبيت لذي الأصبع في الأغاني (3/ 108).

(4)

الشاهد رقم (587) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(5)

ينظر الشاهد رقم (350) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(6)

ينظر الشاهد رقم (647) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

ص: 42

- قصيدة أبي الأسود الدؤلي في الحكم، والتي أولها

(1)

:

تَلْقَى اللبِيبَ مُحَسَّدًا لَمْ يَجْتَرِمْ

شَتمَ الرِّجَالِ وعِرضُهُ مَشتُومُ

وقد بلغت عشرين بيتًا.

- قصيدة جذع بن سنان الغساني التي أولها

(2)

:

أَتَوْا نَارِي فَقُلْتُ مَنُونَ أنتُمْ؟

فَقَالُوا: الجنُّ قلتُ عِمُوا ظَلَامًا

وهي ستة عشر ييتًا، وغير ذلك من القصائد.

‌ثانيًا: المقطوعات:

وأما المقطوعات التي ذكرها العيني وسردها في كتابه، فهي كثيرة، وتبدأ بسبعة أبيات إلى عشرين بيتًا، يقتطعها العيني من قصيدة الشاعر، ولا يكاد يخلو شاهد من الشواهد التي ذكرها العيني في الشروح الأربعة للألفية، والتي تعدت الألف بيت إلا ذكر مقطوعة من قصيدة الشاهد، وعلى ذلك يعد كتاب المقاصد النحوية مصدرًا كبيرًا لجمع دواوين الشعراء الذين فُقد ديوانهم، وأعجب من ذلك أن العيني إذا ذكر شاهدًا واحدًا له قافيتان (رويَّان) ذكر لكل قافية المقطوعة التي منه، ففي شواهد باب الحكاية، أنشد هذا الشاهد وهو يقول:

أتَوْا نَارِي فَقُلتُ: مَنُونَ أنْتُمْ

فَقالُوا: الجِنُّ، قلتُ: عِمُوا ظَلَامًا

ثم ذكر عن الرواة والعلماء أن البيت يروى هكذا:

أتَوْا نَارِي فَقُلتُ: مَنُونَ أنْتُمْ

فَقالُوا: الجِنُّ، قلتُ: عِمُوا صبَاحًا

ثم ذكر عن ابن السيد نقلًا من كتابه (الحلل في شرح أبيات الجمل) أن كلتا القافيتين صحيحة، وأن الشعر الذي على قافية الميم ينسب إلى سمر بن الحارث الضبي، ثم أنشد عدة أبيات من قصيدة الميم، وأن الشعر الذي على قافية الحاء ينسب إلى جذع بن سنان الغساني، ثم أنشد ستة عشر بيتًا لهذه القصيدة الحائية، ثم شرح ما اقتطعه من القصيدتين.

وسنعرض هنا نماذج وأمثلة لبعض المقطوعات التي سردها من قصائد الشواهد، والتي تنتشر بكثرة في ثنايا الكتاب، ولم يخل من ذلك إلا الشواهد المجهولة القائل، والتي استشهد بها منفردة بلا أخ (بيت آخر)، وبلا أب (قائل).

(1)

انظر الشاهد رقم (1078) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(2)

انظر الشاهد رقم (1181) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

ص: 43

- سرد أبياتًا من قصيدة الصمة القشيري في الحنين إلى وطنه نجد عندما غادره غاضبًا من أبيه وعمه حينما لم يزوجاه بنت عمه، والتي منها هذا الشاهد

(1)

:

دَعَانِي منْ نَجْدٍ فَإِنَّ سِنِينَهُ

لعِبْنَ بنَا شِيْبًا وَشَيَّبْنَنَا مرْدَا

وقد أنشد منها عشرة أبيات.

- سرد أبياتًا من قصيدة لجران العود، قالها في امرأتيه والتي منها قوله

(2)

:

وَإِنَّ من النِّسْوَانِ مَنْ هِيَ رَوْضَةٌ

تَهيجُ الرِّيَاضُ قبلها وتصَوّحُ

وقد أنشد منها ستة عشر بيتًا.

- سرد أبياتًا من قصيدة حميد بن ثور الهلالي، والتي منها هذا الشاهد في وصف الذئب

(3)

:

يَنَامُ بإِحْدَى مُقْلَتَيهِ ويَتَّقي

بأُخْرَى المَنَايَا فَهو يَقْظَانٌ هَاجِعٌ

وقد أنشد منها خمسة عشر بيتًا.

- سرد جزءًا من قصيدة امرئ القيس التي مطلعها

(4)

:

خَلِيلَيَّ مُرَّا بي عَلَى أُمِّ جُنْدَب

لِنَقْضيَ حَاجَاتِ الفُؤَادِ المُعَذَّبِ

وقد أنشد منها خمسة عشر بيتًا.

- سرد جزءًا من قصيدة عبد قيس بن خفاف التي يوصي ابنه فيها، وأولها قوله

(5)

:

أبُنَيّ إنْ أبَاكَ كارِبُ يَوْمِه

فإذَا دُعيتَ إلى المكَارِمِ فاعْجَلِ

وقد أنشد منها سبعة عشر بيتًا.

- سرد جزءًا من قصيدة الأعشى في مدح قيس بن معدي كرب الكندي، والتي منها قوله

(6)

:

وَأُنْبئْتُ قَيسًا ولَمْ أَبْلُهُ

كَمَا زَعَمُوا خَيرَ أهْلِ اليَمَنِ

وقد أنشد منها اثني عشر بيتًا.

(1)

الشاهد رقم (28) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(2)

الشاهد رقم (138) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(3)

الشاهد رقم (177) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(4)

الشاهد رقم (230) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(5)

الشاهد رقم (255) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(6)

الشاهد رقم (370) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

ص: 44

- سرد جزءًا من قصيدة عروة بن حزام في الغزل، والتي منها قوله

(1)

:

فيَا لَيْتَ كُلَّ اثْنَين بَينَهُمَا هَوًى

منَ النَّاسِ بَعْدَ اليَأْسِ مُجْتَمعَانِ

وقد أنشد منها عشرة أييات.

- سرد جزءًا من قصيدة علقمة بن عبدة بن النعمان التي أولها

(2)

:

طَحَا بِكَ قَلْبٌ في الحِسَانِ طَرُوبُ

بُعَيدَ الشباب عَصْرٌ حَانَ مَشيبُ

وقد أنشد منها ستة عشر بيتًا.

- سرد جزءًا من قصيدة الكميت في مدح بني هاشم التي أولها

(3)

:

طَرِبْتُ ومَا شَوْقًا إلَى البيضِ أَطربُ

ولا لعبًا منِّي وذو الشيب يلعبُ

وقد أنشد منها سبعة عشر بيتًا.

- سرد جزءًا من قصيدة طويلة للعباس بن مرداس في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أولها

(4)

:

أَلا مَنْ مُبلِغُ الأقوامِ أنَّ مُحمدًا

رسولَ الإلَهِ رَاشِدٌ حيثُ يَمَّمَا

وقد أنشد منها عشرة أبيات.

- سرد جزءًا من قصيدة جميل بثينة في الغزل، والتي منها هذا الشاهد

(5)

:

وطرفُكَ إما جئتَنَا فاصرفَنَّه

كيما يحسَبُوا أنَّ الهوى حيثُ تنظرُ

وقد أنشد منها اثني عشر بيتًا.

- سرد جزءًا من قصيدة صخر بن عمرو، والتي يذكر فيها أن امرأته ملَّت لطول مرضه، والتي مطلعها هذا الشاهد

(6)

:

أرَى أمَّ صَخْرٍ مَا تَمَلُّ عِيَادَتي

ومَلَّتْ سُلَيمَى مَضْجَعِي ومَكَانِي

وقد أنشد منها ستة أييات.

(1)

الشاهد رقم (424) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(2)

الشاهد رقم (433) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(3)

الشاهد رقم (470) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(4)

الشاهد رقم (764) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(5)

الشاهد رقم (1090) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(6)

الشاهد رقم (1142) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

ص: 45

- سرد جزءًا من قصيدة الحطيئة في المدح، والتي منها هذا الشاهد وهو قوله

(1)

:

متَى تأتهِ تعشُو إِلَى ضوْءِ نَارِه

تجِدْ خيرَ نَارٍ عندها خيرُ موقدِ

وقد أنشد منها تسعة أبيات، وفي ثنايا الكتاب الكثير والكثير.

* * *

(1)

الشاهد رقم (1125) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

ص: 46

‌الفَصْلُ الرَّابع: كتاب المقاصد (مصادره وأصوله)

تعددت مصادر كتاب المقاصد النحوية الكبرى للعيني، وذلك بسبب تعدد فنونه وتنوع أغراضه؛ وذلك لأن الحديث عن الشواهد كان من عدة نواحٍ، فمن بحورها إلى قائليها إلى ترجمة هؤلاء القائلين، إلى ذكر القصيدة أو المقطوعة التي منها الشاهد، إلى السبب والغرض الذي قيلت فيه، إلى شرح مفردات القصيدة والاستشهاد على ذلك الشرح بآيات قرآنية، أو شواهد شعرية، ثم إلى بيان معنى الشاهد، وما اشتمل عليه من لغات أدبية أو وجوه بلاغية، إلى البيت الذي يجعل المعرب يتعرض لكثير من أبواب النحو وقضاياه، ثم يكون ختام الحديث عن وجه الاستشهاد بالبيت، واختلاف النحويين في ذلك.

ومن هنا كثرت مصادر الكتاب، وتعددت وتنوعت فكان منها النحوية واللغوية، ومنها كتب شرح الشواهد، ومجموعات الأشعار، ودواوين الشعراء، ومنها كتب التراجم والتاريخ، وغير ذلك وهو كثير.

وقد ذكر العيني مصادر كتابه، وما رجع إليه من مؤلفات ومصنفات مرتين، واحدة في مقدمة كتابه، وهي مجملة، والأخرى في آخر كتابه، وهي مفصلة، وسأذكر هنا النص، يقول العيني في مقدمة كتابه، وذكر عنوانه: (اجتهدتُ في تصنيفه بُرْهَةً من الزمان، وجاهدتُ في تأليفه مدة من الأوان، بعد مراجعة شديدة إلى كتب عديدة، ومطالعة مديدة في دواوين سديدة، مع مقاساة العناء والنصَب من حوادث الزمان، ومكابدة تجرع الغصص من أهل الحسد والجهل والطغيان، وكساد سوق العالم وبوار بضاعته النفيسة، ورواج معاش الجهل وتقدمه في صناعته الخسيسة، وإلى الله المشتكى وعليه التكلان، وفي كل أمر هو المستعان، فجاء بحمد الله وفيه شفاء صدور المنتهين، وكفاية مؤنة المشتغلين المبتدئين، مشتملًا على فوائد جسيمة، وفرائد من النكات العظيمة، على أن نفعه

ص: 47

عام لأكثر الكتب النحوية، وفوائده شاملة لغالب الشواهد المحكية، مسمى بكتاب:"المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية").

وسأسرد هنا بعض هذه الكتب مما نقل منه العيني دون أن أتعرض إلى مواضع هذه النقول في الكتاب، وذلك كثير.

‌أولًا: كتب النحو واللغة:

- كتاب سيبويه والشروح المختلفة للكتاب، وأهمها شرح السيرافي.

- المقتضب للمبرد، والأصول لابن السراج، والمقدمة الجزولية للشلوبين.

- المفصل للزمخشري، وشروح كتاب المفصل؛ كابن يعيش، وابن الحاجب، وكذلك: شرح أبيات المفصل.

- الكافية لابن الحاجب، والشروح المختلفة لها، التي منها الموجود والمفقود.

- الألفية لابن مالك، وشراح الألفية كابن الناظم، وابن هشام، وابن عقيل، والمرادي.

- التسهيل لابن مالك، وشراح التسهيل؛ كأبي حيان، وابن مالك، والمرادي، وابن عقيل.

- الألفية لابن معطى، وشروحها بشرح القواس عبد العزيز بن جمعة الموصلي.

- كتب لأبي علي الفارسي؛ كالإيضاح، وشرح الأبيات المشكلة الإعراب، ومسائله المختلفة في كثير من المدن والبلاد.

- كتب ابن عصفور المختلفة؛ كالضرائر، وشروح الجمل والمقرب.

- كتب ابن مالك المختلفة مثل: شرح الكافية الشافية، وشرح عمدة الحافظ.

- كتب ابن هشام المختلفة؛ كمغني اللبيب، وأوضح المسالك.

- كتب ابن الأنباري؛ كالإنصاف في مسائل الخلاف، والأضداد.

وأما كتب اللغة فهي أيضًا كثيرة منها:

- تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري، الذي أخذ منه كثيرًا في شرح مفردات الشواهد، أو الأبيات، أو القصيدة التي كان يسردها مع الشواهد.

- كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، والحروف لأبي عمرو، ومجالس ثعلب، والمجاز لأبي عبيدة.

- نوادر أبي زيد الأنصاري، والنوادر لابن الأعرابي، ومقاييس اللغة لابن فارس.

ص: 48

- الجمهرة لابن دريد، والمحكم لابن سيده، والمعرب للجواليقي، والعباب للصاغاني.

- كتب الفراء في اللغة مثل: المذكر والمؤنث، والأيام والليالي والشهور.

‌ثانيًا: كتب شرح الشواهد، ومجموعات الشعر المختلفة:

- شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي، وابن النحاس وغيرهما.

- فرحة الأديب للغندجاني، والحلل في شرح أبيات الجمل.

- شرح الأعلم الشنتمري للشعراء الستة الجاهليين.

- شروح ديوان الحماسة لأبي تمام؛ كالمرزوقي والتبريزي وغيرهما.

- الحماسيات الأخرى؛ كحماسة ابن الشجري، وحماسة البحتري، والحماسة البصرية.

- ديوان الهذليين، وشرح ديوان الهذليين.

- شرح الشواهد لابن هشام المسمى: تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد.

- دواوين الشعراء، وشروح هذه الدواوين على اختلاف أنواعها، ومنها شرح ابن جني لديوان المتنبي.

‌ثالثًا: كتب الأدب والتاريخ والأخبار:

- كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.

- الأمالي لأبي علي القالي، والأمالي لهبة الله بن الشجري.

- الحيوان للجاحظ، والكامل للمبرد، وطبقات فحول الشعراء لابن سلام.

- كتب أبي عبيدة البكري كسمط اللآلئ وغيره.

* * *

‌كتب مفقودة مختلفة:

وتظهر منة كتاب المقاصد للعيني في هذه النقول التي وجدت في كتابه،، قد ضاعت أصولها، وفقدت كتبها على طول ستة قرون؛ أي من وفاة العيني (855 هـ) حتى الآن، وهذه نماذج قليلة من كتب لم نرها، ويوجد مثلها كثير في كتاب المقاصد:

- التذكرة لأبي علي الفارسي، والتذكرة لابن هشام.

- شرح الكافية للركني، وشرح الكافية للنيلي: إبراهيم بن الحسين.

ص: 49

- المهذب لابن كيسان.

- الخيل وأنساب الخيل لأبي عبيدة.

- شرح الحماسة للبياري، وشرح اللب للشيخ العلامة شمس الدين الزرعي شيخ العيني.

نقل من كتاب: التذكرة لأبي علي الفارسي:

يقول في شرح هذا الشاهد

(1)

:

إذا فَاقِدٌ خَطبَاءُ فَرْخَيْنِ رَجَّعَتْ

ذَكَرْتُ سُلَيْمَى في الخَلِيطِ المُزَايلِ

يقول العيني بعد كلامه في بيان وجه الاستشهاد: " (وقال أبو علي في التذكرة: لا يكون فرخين منصوبًا إلا بمضمر دل عليه فاقد، ولا يكون منصوبًا بفاقد لأمرين:

أحدهما: أنك قد وصفتها بخطباء، واسم الفاعل إذا وصف لم يعمل.

والآخر: أن فاقدًا غير جارٍ على الفعل؛ إذ لو كان جاريًا عليه لقيل: فاقدة؛ فدل على أنه بمعنى النسب نحو امرأة طالق؛ فلا يعمل حينئذ عمل فعله".

العيني يسرد مصادر كتابه:

ونختتم هذا الفصل بهذا النقل الطويل المختصر الذي كتبه العيني في آخر كتابه، طويل؛ لأنه كذلك في الكتاب، ومختصر؛ لأني سأكتفي ببعض الدواوين والكتب التي سيذكرها، وعلى كل حال، فها هي في آخر الكتاب الذي بين يديك، قال العيني:

"هذا وإني قد بذلت فيه طاقتي حسب الإمكان، بترك ما تستلذه نفس الإنسان، مع تجرع الغصص من مكابدة أهل الزمان، وتحصيل كتب كثيرة فيما يتعلق بهذا الشأن، حتى إني جمعت من الدواوين للشعراء المتقدمين، الذين احتج بهم نحاة الأولين والآخرين ما يُنَيّف على مائة في عدد مبين، وهي:

ديوان امرئ القيس الكندي، وديوان النابغة الذبياني، وديوان علقمة بن عبدة التميمي، وديوان زهير بن أبي سلمى المزني، وديوان طرفة بن العبد الوابلي، وديوان عنترة بن شداد العبسي، وديوان الأعشى، وديوان الحطيئة، وديوان جرير، وديوان أبي دؤاد، وديوان كعب بن زهير، وديوان الفرزدق، وديوان رؤبة بن العجاج، وديوان لبيد العامري، وديوان الشنفرى، وديوان عمر بن أبي ربيعة، وديوان ذي الرمة، وديوان الحارث بن حلزة، وديوان أبي ذؤيب

(1)

الشاهد رقم (731) من شواهد هذا الكتاب الذي بين يديك.

ص: 50

الهذلي، وديوان أبي كبير الهذلي، وديوان ساعدة بن جؤية الهذلي، وديوان أبي خراش الهذلي، وديوان أبي المثلم، وديوان صخر الغي، وديوان المتنخل، وديوان أبي العيال، وديوان أسامة بن الحارث، وديوان الأعلم بن عبد الله، وديوان بريق بن خويلد، وديوان ساعدة بن العجلان، وديوان خالد الخزاعي، وديوان السموأل بن عدي، وديوان حنظلة بن الشرقي، وديوان سحيم بن عبد الحسحاس، وديوان أبي حلحلة الفَزَاريُّ، وديوان حارثة بن بدر العداني، وديوان وضاح اليمن، وديوان نهار بن توسعة، وديوان توسعة بن تميم، وديوان الحارث الذبياني، وديوان عمرو بن قميئة، وديوان عمرو بن كلثوم، وديوان النُّعمان بن بشير الأنصاري، وديوان مزاحم العقيلي، وديوان الشماخ، وديوان القتامي، وديوان أوس بن حجر، وديوان عبيد الله بن قيس الرقيات، وديوان النمر بن تولب، وديوان جران العود، وديوان راشد بن سهاب بالسين المهملة، وديوان سعد بن كعب الغنوي، وديوان أبي الطمحان القيني، وديوان حميد بن ثور، وديوان أبي طالب، وديوان أبي الدمينة، وديوان قيس بن الزريح، وديوان جابر بن زيد، وديوان عابر بن سعد، وديوان حرملة بن جنادة، وديوان عبد الله بن جلهمة، وديوان شهم بن مرَّة، وديوان أبي رهدم، وديوان الهيثم بن معاوية، وديوان زهير بن جعدة، وديوان عبد الرحمن بن سيحان، وديوان عبيد بن ريحان، وديوان عامر بن قشير الخصفي، وديوان صخر بن الجعد، وديوان كميت، وديوان الأخطل، وديوان زفر بن أنس، وديوان نزال بن واقد، وديوان حنظلة بن ذؤيب، وديوان كثير عزة، وديوان مرار الأسدي، وديوان قيس المجنون، وديوان الأحوص، وديوان أميَّة بن أبي الصلت، وديوان جميل، وديوان سعد بن مكرم، وديوان ابن ميادة، وديوان زياد الأعجم، وديوان الصمة بن عبد الله، وديوان القلاح، وديوان العرجي، وديوان أبي أميَّة الهذلي، وديوان المتلمس، وديوان ذي الأصبع حرثان، وديوان قوبة بن حمير، وديوان كعب بن مالك الأنصاري، والمهلهل بن امرئ القيس، وديوان مزرد، وديوان الراعي، وديوان زفر بن حنان، والطرماح، وخرنق بن هفان، وجنوب أخت عمرو ذي الكلب، وليلى، وعاتكة".

ثم قال: "ومن دواوين المحدثين الذين تذكّر أشعارهم لأجل التمثيل: ديوان أبي العتاهية، وديوان عطاء السندي، وديوان أبي نواس، وديوان المعري، وديوان المتنبي، وديوان بشار بن برد، وديوان أبي الوليد الأنصاري، وديوان البحتري".

ثم قال: "ومن الحماسات: حماسة أبي تمام، الحماسة البصرية، والحماسة العسكرية".

ثم قال: "ومن النوادر: نوادر ابن دريد، ونوادر القالي، ونوادر اللحياني، ونوادر الأصمعي، ونوادر أبي زيد الأنصاري".

ص: 51

ثم قال: "ومن كتب اللغة: العباب للصاغاني، والصحاح للجوهري، والمحكم لابن سيده، ودستور اللغة للبطيري، والمجمل لابن فارس، والكفاية للأجداني، والجمهرة لابن دريد، والأفعال لابن قوطية، والمنظم للقراع".

ثم قال: "ومن كتب الأدب: كتاب الفرزة، وكتاب العققة، وكتاب العمري، وكتاب أولاد السراري، وكتاب الأغاني الكبير، ومختصر الأغاني، وكتاب الزينة لأبي حاتم، وكتاب خلق الإنسان، والخيل، والحيوان، وتثقيف اللسان، والكامل للمبرد، وكتاب الأمثال لأبي عبيد، وسؤالات المبرد، وهيتيات أبي علي، وكتاب سر الصناعة، والمختار من أشعار القبائل، وكتاب الإصلاح، وكتاب المنقذ، وكتاب الاقتضاب، وكتاب أدب الكاتب، وكتاب الأمثال السائرة، وكتاب التأويلات، وكتاب تحفة العرب، وكتاب تقويم اللسان، وكتاب المقصور والممدود للأنباري، والمقصور والممدود للقالي، وكتاب الترز لأبي طاهر، وكتاب درة الغواص، وكتاب الطير لأبي حاتم، وكتاب الفصيح، وكتاب اليوم والليلة، وكتاب المشترك، وكتاب الأدواء، وكتاب المؤتلف والمختلف في أسماء الأماكن، والمؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء، وطبقات الشعراء، وطبقات النحاة، وشرح أبيات الإيضاح، وشرح أبيات الكتاب للنحاس، وشرح أبيات الإصلاح، وشرح أبيات كتاب الزمخشري، وتذكرة النحاة لأبي علي، وتذكرة أثير الدين، وتذكرة ابن هشام، وتذكرة ابن الصَّائغ".

ويختم كلامه قائلًا: "غير ما تصفحت من كتب النحو وشروحها من تصانيف العرب والعجم، من مؤلفات السلف والخلف من الأمم، وغير ما وقفت عليه من فوائد الأجلاء من المشايخ والأساتذة، ومن نكات الأفاضل الأماثل الجهابذة، وغير ما قدمته أفكاري من فيض الخالق الباري، وغير ما أنتجه تصوري وولده تفكري". انتهى.

* * *

ص: 52

‌الفصل الخامس: كتاب المقاصد (منهجه وطريقته)

‌مقدمة:

رغب العيني في كتابه: "المقاصد النحوية الكبرى" أن يشرح الشواهد التي جاءت في شروح الألفية المختلفة لابن الناظم (686 هـ)، وشرحه الذي ألفه ابن أم قاسم (749 هـ)، وشرحه الذي رتبه ابن هشام (761 هـ)، وابن عقيل (769 هـ)، وأن يذكر فيها أمورًا، ويوضح فيها أشياء لم يذكرها أو يوضحها شراح الألفية، أو هي ليست من هدفهم وقصدهم من الشَّرح، كما أراد أن يبين: قائل البيت، وبحره، وقصيدته، ومعناه، ويعربه إعرابًا كاملًا، ثم يبين آخر كلامه وجه الاستشهاد به. ورد ذكر ذلك في مقدمة كتابه حيث قال بعد أن ذكر الشروح الأربعة التي سيشرح شواهدها قال:

"أردت أن أستخرج الأبيات الذي ذُكِرَتْ فيها على سبيل الاستشهاد في الأبواب، وأُبَيِّنَ ما فيها من اللغات والمعاني والإعراب، وأزيل ما فيها من المبهمات التي تتصحف على الطلاب، وأكشف الألفاظ التي تشتبه عليهم في هذا الباب، متعرضًا إلى بيان ما فيها من الأبحُر والأوزان، وإلى ذكر بقية كل بيت بحسب الطاقة والإمكان، وإلى إيضاح قائله عند الظفر والوجدان، وذلك لأني رأيت الشراح قد أهملوا هذه الأمور، واكتفوا بذكر ما فيها من الشاهد المشهور".

وسنذكر في هذا الفصل المنهج الذي سار عليه العيني في تأليف كتابه، والطريقة التي اتبعها ليكون القارئ على بينة من أمره حين يأخذ في قراءة الكتاب.

‌أولًا: وضع رموز مختلفة في صدر كل بيت:

لما كان العيني يشرح أربعة كتب، ويسرد البيت الذي جاء فيها أو بعضها، وضع رمزًا في كل بيت ليدل بهذا الرمز على وجود البيت في هذا الكتاب، وفي بابه الذي يتناوله؛ إذ قد يوجد البيت في الكتاب، لكنَّه في غير الباب الذي يسرد شواهده، فلا يذكره العيني حينئذ؛ فوضع

ص: 53

(الظاء) للدلالة على أن البيت في شرح ابن الناظم، كما وضع (القاف) للدلالة على وجود البيت في شرح ابن أم قاسم، وهو المرادي، ووضع (الهاء) رمزًا لابن هشام، و (العين) رمزًا لابن عقيل، وهكذا، وقد أغناه ذلك عن ذكر الكتاب أو الكتب التي يوجد فيها البيت، وقد أبان عن ذلك في مقدمة كتابه المقاصد فقال:

"ثم أني بينت نسبة كلِّ بيت إلى مَن ذكره في تأليفه برمز حرف من أشهر حروفه، فإن اتفقت الأربعة على ذكر بيت منها رمزت عليه هكذا: "ظقهع" فالظاء من ابن الناظم، والقاف من ابن أم قاسم، والهاء من ابن هشام، والعين من ابن عقيل الإمام، وإن كانت الثلاثة أو الاثنان منهم مطلقًا ذكرته ورمزت عليه هكذا: "ظقه- ظقع - طق -طع - قه - قع - هع" وإن انفرد واحد منهم رمزت رمزه المعين، ليُعْلَمَ كل منهم ويتبين".

‌ثانيًا: ذكر البيت، وذكر الروايات المختلفة فيه:

يسرد العيني بيت الشاهد من الكتب التي ندب نفسه لشرح شواهدها، فإن كانت في البيت روايتان ذكرهما، وإن كانت واحدة أصوب من الأخرى وضح ذلك كله، يقول: "وفي هذا البيت

(1)

:

فَإنَّ الحُمُرَ منْ شَرِّ المَطَايَا

كَمَا الحَبِطَاتُ شَرُّ بَنِي تميم

قوله: "فإن الحمر" بضم الحاء المهملة وسكون الميم جمع حمار، وهكذا وجدته مضبوطًا في نسخ صحيحة لأبي علي الفارسي، أعني التذكرة، ووجدت في موضع آخر:"فإن الخمر" بفتح الخاء المعجمة وهي التي تشرب، وهذا أقرب، وإن كان ذلك أصوب، وقد شبه الخمر بالمطية التي لا خير فيها، ووجه التشبيه حصول الشر من كل منها".

وينشد هذا البيت بثلاث روايات، وثلاث قوافٍ، وهو قوله

(2)

:

"أبالأَرَاجيز يَابن اللؤم توعدُني

وَفِي الأَرَاجِيز خلتُ اللؤمُ والحورُ

قال هكذا: رواه بعضهم "بروي الراء المضمومة"، وأن النحاس والجاحظ روياه باللام المضمومة هكذا:

أبِالْأَرَاجِيزِ يَابنَ اللؤمِ تُوعدُنِي

وَفي الأَرَاجِيز خلتُ اللؤمُ والفشلُ

(1)

الشاهد رقم (605) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(2)

انظر الشاهد رقم (348) من شواهد هذا الكتاب.

ص: 54

وذكر أن البيت هكذا فيه إقواء؛ لأنَّه من كلمة رويُّها لام مكسورة؛ لأنَّ قبله:

إنِّي أَنا ابنُ جَلا إن كُتتَ تَعْرفُني

يَا رُؤبَ والحيَّةُ الصَّمَّاءُ في الجَبَلِ

ثم قال: "وثبت الأبيات الثلاثة في كتاب الوحشي وليس فيها إقواء؛ لأنه روي فيها:

..........................

وفي الأراجِيزِ رَأْسُ القَولِ والفَشَل".

‌ثالثًا: نسبة الأبيات إلى بحورها:

نسب العيني أبيات الشواهد جميعها إلى بحورها، وكانت النسبة كلها صحيحة، ولا عجب في ذلك، فهو يقف على علم العروض، ويعرفه جيدًا، ولا نكاد نجد ذلك عند غير العيني، فهذا كتاب "خزانة الأدب" على شهرته، وتفوق مؤلفه، وهو الإمام عبد القاهر البغدادي لا تنسب فيه الأبيات إلى بحورها، ولا يكتفي العيني بنسبة الأبيات إلى بحورها، وإنَّما يقول في هذا الشاهد، ومثله كثير

(1)

:

ذُمَّ المنازلَ بَعْدَ مَنْزلَةِ اللِّوى

والعيشَ بَعدَ أُولَئُكَ الأيَّامِ

"من الكامل وفيه الإضمار والقطع، والإضمار هو تسكين الثَّاني فيصير: متفاعلن، فيرد إلى مستفعلن، والقطع: حذف ساكن السبب ثم إسكان متحركه في الوتد".

ويقول في شاهد آخر لامرئ القيس، وهو قوله

(2)

:

أَلا عِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الطَّلَلُ البَالي

وَهَلْ يَعِمَنْ مَن كَانَ فيِ العُصُر الخَالي

"من الطَّويل، فإن قلتَ عروض الطَّويل تكون مقبوضة دائمًا، فما بال امرئ القيس أتى بها على الأصل، وهو عيب عندهم.

قلت: البيت إذا كان مصرعًا لا يقبح فيه ذلك، وإنَّما يقبح إذا كان غير مصرع، وها هنا البيت مصرع".

‌رابعًا: العناية بالقائل، وذكر الخلاف في ذلك:

عني العيني بذكر قائل البيت؛ لأنَّ معرفته وإسناد البيت لقائله تفيد كثيرًا، فهذا شاعر يحتج بشعره، وهذا مولد لا يحتج به، وهذا من قبيلة فصيحة، وذاك من أخرى أقل فصاحة، فإذا لم يجد للشاهد قائلًا حكم عليه أنَّه مجهول القائل، وإذا وجد خلافًا حول القائل ذكر ذلك الخلاف، وهكذا، يقول في هذا الشاهد، وهو قوله

(3)

:

(1)

الشاهد رقم (92) من شواهد هذا الكتاب.

(2)

الشاهد رقم (105) من شواهد هذا الكتاب.

(3)

الشاهد رقم (940) من شواهد هذا الكتاب.

ص: 55

"كَحِلفةٍ منْ أبِي ربَاحٍ

يَسْمَعهَا لاهمُ الكِبَارُ

قائله بعض العرب، أنشده الفراء، ولم يبين قائله، وذكر بعض شراح الكتاب أن قائله هو الأعشى، وكذا قاله ابن جني في سر الصناعة، وكذا الصاغاني في العباب".

ويقول في بيت آخر، وهو قوله

(1)

:

أَنَا ابنُ جَلا وَطَلاعُ الثَّنَايَا

متَى أَضَع العِمَامَةَ تَعْرِفوني

"قائله هو سحيم بن وثيل الرياحي، وقيل: المثقب العبدي، وقيل: أبو زبيد، ونسبه بعضهم إلى الحجاج بن يوسف الثَّقفيُّ، وليس بصحيح، وإنَّما هو أنشده على المنبر لما قدم الكوفة واليًا عليها".

ويقول في بيت ثالث وهو قوله

(2)

:

قد سالمَ الحيَّاتُ مِنه القَدَمَا

الأفعوَانَ والشُّجَاعَ الشَّجْعَمَا

"قائله هو أبو حيان الفقعسي، كذا قاله ابن هشام الحنبلي، وقال ابن هشام اللخمي: قائله: مساور العبسي، ويقال: العجاج والد رؤبة، وقاله السيرافي: قال الدبيري، وقال الصغاني: قائله عبد من عبس".

‌خامسًا: وقفة في نسبة البيت للقائل:

لا يسلِّم العيني بذكر القائل من نقل أو سماع أو غير ذلك، وإنَّما يعود إلى ديوان الشاعر ليتأكد من صحة هذه النسبة، أو خطئها، ويظهر ذلك فيما ذكره، يقول في هذا الشاهد

(3)

:

لقَد خَشيتُ أنْ أرى جَدَبَّا

مثلَ الحريق وَافَقَ القَصَبَّا

"قائله هو رؤبة على ما ذكره في الكتاب، وليس بموجود في ديوانه".

ويقول في شاهد آخر

(4)

:

كَم دونَ مَيَّةَ مَومَاةٍ يَهَالُ لَهَا

إذا تيَمَّمَهَا الخرِّيتُ ذُو الجلدِ

"قيل: إن قائله ذو الرمة، ولم أجده في ديوانه".

(1)

الشاهد رقم (1031) من شواهد هذا الكتاب.

(2)

الشاهد رقم (825) من شواهد هذا الكتاب.

(3)

الشاهد رقم (1224) من شواهد هذا الكتاب.

(4)

الشاهد رقم (1179) من شواهد هذا الكتاب.

ص: 56

‌سادسًا: ترجمة قائل الشاهد:

نص العيني في كتابه أنَّه أخذ على نفسه أن يترجم للشعراء أصحاب الشواهد ترجمة تكشف عنهم، وعن نسبتهم وقبيلتهم، وعصرهم، وما قيل في أشعارهم، وقد ساعده في ذلك معرفته بالتاريخ، وسير النَّاس، وقبائل العرب، وتاريخهم في الجاهلية، وبعد الإسلام، وتاريخ الدولة الأموية وشعرائها، والدولة العباسية وشعرائها، فإن لم يجد ترجمة مطولة للشاعر عرَّف بعصره، وشعره، يقول في معن بن أوس المزني

(1)

: "معن بن أوس المزني شاعر جاهلي مقلٌّ".

ويقول في ابن ميادة

(2)

: "ابن ميادة، واسمه الرَّمَّاح بن أبرد بن ثوبان بن سراقة بن حرملة، كذا قاله ابن بكار"

(3)

.

وقال ابن الكلبي: ثوبان بن سراقة بن سلمى بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرَّة بن عوف بن سعد بن ذُبيَان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر، وأمه ميادة، أم ولده بَربَريّة، وروي أنها كانت صقلية، ويكْنى أبا شَراحيل، ويقال: أبا شرحبيل، وكان ابن ميادة يزعم أن أمه فارسية.

وهو شاعر متقدم من مخضرمي شعراء الدولتين، وجعله ابن سلام في الطَّبقة السابعة، وقرن به عمر بن لجاء

(4)

والقحيف العقيلي

(5)

، والعجير السلولي

(6)

، وكان فصيحًا يحتج بشعره وقد مدح بني أميَّة، وبني هاشم، ومات في صدر من خلافة المنصور".

وقد يعلل لاسم الشاعر أو لقبه فيقول

(7)

: "والعجاج لقبه، لُقب بذلك لقوله: حتَّى يَعُجُّ عِنْدَهَا مَنْ عَجْعَجَا، والعَجُّ: رفع الصوت يقال: رجل عجاج أي صَياح، والأنثى عجاجة".

ومثله ما قاله في زياد الأعجم عند ذكر الشاهد التاسع والخمسين بعد الثلاثمائة فيقول:

(1)

الشاهد الثَّاني من شواهد هذا الكتاب.

(2)

الشاهد السادس والثلاثون من شواهد هذا الكتاب.

(3)

هو عبد الرحمن بن بدر بن بكار النابلسي، شاعر له مدائح في الناصر الأيوبي وأولاده، توفي بدمشق سنة (619 هـ).

الأعلام (3/ 300).

(4)

عمرو بن لجأ من تيم بن عبد مناة بن أد بن طانجة بن اليأس بن مضر، من بطن يقال فيهم أيسر، لم تذكر وفاته، ينظر الشعر والشعراء لابن قتيبة (161)، وذكره ابن سلام من شعراء الطَّبقة الرابعة الإسلامية (583).

(5)

هو القحيف بن خمير بن سليم الندي بن عوف بن حزن بن خفاجة من بني عامر بن صعصعة، ذكره ابن سلام في الطَّبقة العاشرة. طبقات فحول الشعراء (770).

(6)

طبقات فحول الشعراء (593)، وهو العجير بن عبد الله بن عبيدة بن كعب بن عائشة بن الربيع بن ضبيط بن جابر بن عبد الله بن سلول، من الطَّبقة الخامسة من فحول الإسلام.

(7)

الشاهد الثالث من شواهد هذا الكتاب.

ص: 57

"قائله هو زياد الأعجم، سمي به؛ لأنَّ مولده ومنشأه بفارس".

وإذا سبقت ترجمة الشاعر ثم أعيد مرَّة ثانية نبه على ذلك وعلى موضع الترجمة.

‌سابعًا: ذكر القصيدة أو المقطوعة التي منها الشاهد:

ومما ألزم به العيني نفسه، واستمر معه طول كتابه على كثرة الشواهد التي تعدت الألف وزادت ربع ألف أخرى، أنَّه كان يسرد مع الشاهد بعض الأبيات ليتبين للقارئ، أن هذا البيت من قصيدة، وأن هذا الفرع من شجرة؛ فيتأكد لديه صحة البيت الذي يتبعه صحة الاستشهاد، وقد ذكرنا ذلك بالتفصيل في الفصل الثالث؛ حيث عرضنا قصائد كاملة ذكرها العيني مع بعض الشواهد، كما عرضنا مقطوعات كان يذكرها بعد الشاهد، وفي أبيات مختارة، ومقطوعات جيدة في مختلف أغراض الشعر، من غزل، أو حكمة، أو فخر؛ ليخفف بذلك جفاف قواعد النحو، أو ليأخذ القارئ بعيدًا عن ثقل الإعراب، وصعوبة الاستشهاد، فصار الكتاب حديقة غناء، فيها شدو البلابل، وزئير الأسود.

‌ثامنًا: ذكر مناسبة القصيدة أو المقطوعة التي منها الشاهد:

وهذا الأمر له علاقة بما ذكر قبله، وهو أن يعيش القارئ في جو الشاهد، وما يحيط به، فهذه قصيدة، وتلك مناسبة القصيدة التي قيلت فيها، وقد سبق أن ذكرنا شيئًا من ذلك في الفصل الثَّاني، في حديث مطول عن اشتمال كتاب المقاصد النحوية على عُمير من حوادث التاريخ، ممَّا كان سببًا في إنشاد القصيدة، أو المقطوعة، أو البيت؛ إلَّا أننا هنا نذكر مناسبة ذلك بعيدًا عن حوادث التاريخ ووقائعه، فهذه واقعة اجتماعية، وتلك واقعة أخرى في الغزل ولقاء المحبين، وثالثة فيما يعرض للشعراء من أحداث مع النَّاس، ولقاءات وغير ذلك.

يقول في هذا البيت، وهو لقيس بن ذريح

(1)

:

تكَنَّفَني الوُشَاةُ فَأَزْعَجُوني

فَيَا للهِ لِلواشِي المُطَاع

هذا البيت من قصيدة طويلة قالها قيس لما فارقته زوجته لبنى، وخرج متوجهًا نحو الطَّريق الذي سلكته يتشمم روائحها، فسنحت له ظبية فقصدها فهربت فقال:

ألا يا شِبهَ لُبْنَى لا تُرَاعي

ولا تتَيَمَّمي قلل القلَاعِ

ويقول في بيت آخر، وهو لكثير

(2)

:

(1)

الشاهد رقم (956) من شواهد هذا الكتاب.

(2)

الشاهد رقم (256) من شواهد هذا الكتاب.

ص: 58

فَإنَّك مُوشِكٌ أَنْ لا تراها

وتَعْدو دُونَ غَاضِرة العَوادي

"إن أم البنين زوج الوليد بن عبد الملك أمرت الشعراء أن ينسبوا بها، ولكن كُثيرًا خشي من الزوج الخليفة، فتغزل في جاريتها غاضرة، وأمَّا وضاح اليمن فتغزل في أم البنين زوج الخليفة فقتله الخليفة".

كما يتحدث عن الغرض الشعري للقصيدة والبيت، فيقول وقد ذكر هذا الشاهد وقصيدته

(1)

:

ضَرُوبٌ بِنَصْلِ السَّيفِ سُوقَ سِمَانِهَا

إذا عدِمُوا زادًا فإنكَ عاقرُ

"وكان أبو طالب رثى بهذه القصيدة أميَّة بن المغيرة المخزومي، وكان خرج إلى الشام فمات في الطَّريق في موضع يقال له سرو سحيم".

‌تاسعًا: شرح معاني المفردات:

أخذ العيني على نفسه أن يشرح مفردات الشاهد، ويكشف عن معانيها اللغوية؛ ليتضح بعد ذلك معنى البيت، ولم يكتف بشرح الشاهد النحوي، وإنَّما كان يشرح مفردات القصيدة التي منها الشاهد إذا أوردها، أو أورد جزءًا منها، وقد ساعده في ذلك معاجم اللغة التي كانت تحت يده من مثل: معجم الصحاح للجوهري، الذي كان له النصيب الأوفر من النقول في شرح مفردات البيت، يليه بعد ذلك المعاجم الأخرى مثل: الجمهرة لابن دريد، والعباب للصاغاني، وكتب ابن سيده، وابن فارس، وغير ذلك.

كما ساعده في شرح مفردات الشاهد أو القصيدة كتب شروح القصائد مثل: شرح ديوان الحماسة للمرزوقي، أو التبريزي، أو شرح المفضليات للضبي، أو شرح الأعلم لشواهد سيبويه، أو الشعراء الستة الجاهليين، أو أشعار الهذليين للسكري، أو الشروح المختلفة للمعلقات؛ كما ساعده أيضًا شروح الدواوين التي ورد بها الشاهد.

‌عاشرًا: إعراب الشاهد:

ويتميز كتاب المقاصد النحوية للعيني عن الكتب الأخرى التي تعرضت لشرح الشواهد، وهي كثيرة، أنَّه أعرب البيت الذي أورده من الشروح الأربعة إعرابًا كاملًا مفصلًا؛ حيث تعرض لإعراب مفردات البيت، ثم بيان موقع الجملة لما قبلها، بعد ذكر إعراب المفردات، وغير ذلك من تفاصيل الإعراب، يقول في إعراب الشاهد، وهو للنابغة

(2)

:

(1)

الشاهد رقم (723) من شواهد هذا الكتاب.

(2)

ينظر الشاهد رقم (1002) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

ص: 59

يا دَارَ مَيَّةَ بالعَليَاء فالسَّنَدِ

أَقوَت وَطَال عَلَيْهَا سَالف الأَبَد

"قوله: "أقوت": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه، الذي يرجع إلى دار مية ومحلها النصب على الحال بتقدير: قد؛ كما في قوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] أي: قد حصرت".

ولا يسأم العيني وهو يعرب البيت من ذكر أكثر من وجه في إعراب الكلمة، أو توضيح مسألة نحوية جاءت عرضًا، وهو يعرب البيت، وقد جاءت إعراباته كلها صحيحة إلَّا ما نبهنا عليه أثناء التحقيق، أو نبه عليه الإمام عبد القادر أو غيره، وهو نزر يسير.

‌حادي عشر: ذكر وجه الاستشهاد:

وذكر وجه الاستشهاد هو الهدف من تأليف كتب الشواهد بعد تمامه، أو أن ذكر البيت ووجه الاستشهاد هو النتيجة الحتمية للقاعدة النحوية، من هنا عني به شراح الشواهد معللين سبب مجيء البيت، وهل طابق القاعدة فيحكم عليه بالصحة، أو خالفها فيحكم عليه بالضرورة، وهكذا.

وقد عني العيني بذكر وجه الاستشهاد في كل بيت، وتوضيحه للقارئ، ولا يكتفي بذلك؛ بل يذكر الخلافات الواردة في وجه الاستشهاد، والآراء الأخرى في ذلك، يقول في هذا البيت

(1)

:

تقولُ ابْنَتي لمَّا رَأَتنِي شَاحِبًا

كأنك فِينَا يَا أبات غَرِيبُ

"الاستشهاد فيه في قوله: "يا أبات" حيث زاد فيه التاء؛ لأنَّ أصله: يا أبا بالقصر، ولو لم يُعَوِّض لقال: يا أباي؛ كما يقال: يا فتاي، وقال الفارسي: ردَّ اللام وقلبها ألفًا كما تقلب في: قطاة ونحو ذلك، قال ابن سيده: وذهب أبو عثمان المازني في قراءة من قرأ: {يَاأَبَتِ} [مريم: 43]، بفتح التاء إلى أنَّه أراد: يا أبتاه، فحذف الألف وأراد: يا أبتا، فقدم الألف وأخر الياء، وقال أبو حيان: وزعم بعض رواة اللغة من البغداديين أن قول الشاعر:

.........................

....... يا أبات .................

إنما أراد: يا أبتي فقلب، وهذا ممتنع بعيد؛ لأنَّه يلزم على هذا أن تكون تاء التأنيث قد لحقت بعد الياء التي هي اسم المتكلم، وهذا لا يجوز ولم يوجد في موضع، ومع ذلك فإن التاء في: يا أبت في تقدير الإضافة، وقال أبو حيان: والأصل في مثل هذا البيت تخريجه على الإشباع؛ كما قال الراجز:

(1)

ينظر الشاهد رقم (952) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

ص: 60

أعوذ بالله من العقراب

.........................

وقاس سيبويه:

لا يزالون يقولون يا أبات

................................ ".

‌ثاني عشر: سرد شواهد بعض الأبواب حيثما اتفق:

لم يسرد العيني أبيات الشواهد مرتبة حسب ما جاءت في الشروح، وإنَّما كان يضعها في بعض الأبواب حسبما يتفق، وكان الواجب أن يتحرى وضعها مرتبة على ما جرت عليه في شروح الألفية؛ لأن قارئ كتابه سبق له أن قرأ الشروح الأربعة التي يشرح شواهدها، فهو يعرف الشواهد في ذهنه، ويعرف مواضعها من الباب، ولعل هذا لم يكن من أهداف العيني الكبيرة بقدر ما كان يهمه شرح الأبيات والشواهد واحدًا بعد الآخر، وعلى كل حال لم يقع العيني في ذلك الخلط إلَّا في أبواب يسيرة من كتابه:

من ذلك باب إعراب الفعل، وأبيات المضارع المنصوب؛ فالمعهود كما مشى ابن مالك في الألفية أن يبدأ بشواهد لن ثم كي ثم أن وأنواعها من مصدرية، وزائدة، ومخففة من الثقيلة، ثم شواهد إضمارها وجوبًا، ثم شواهد إضمارها جوازًا، ويختم الباب بشواهد حذفها شذوذًا، من مثل قول الشاعر، وهو طرفة

(1)

:

ألا أيُّهَذَا الزَّاجِرِيُّ أحضرَ الوَغَى

وأن أشهدَ اللذَّات هل أنت مُخْلدِي؟

ولكن العيني لم يراعِ ذلك، بل وضع أبيات الباب كلها أمامه، ثم أخذ يشرحها دون ترتيب حيث يذكره بشواهد كي ثم أن وأنواعها، ثم إذن، ثم مواضع إضمار أن وجوبًا، ثم حتَّى، ثم مواضع إضمار أن جوازًا، ثم حذفها دون المواضع المذكورة، ثم عاد لكي، ثم إذن ثم أن الزائدة، ثم مواضع إضمار أن وجوبًا بعد فاء السببية، ثم ختم الباب بهذا البيت الذي مكانه أول الباب، وهو قوله

(2)

:

وأُقْسِمُ أَنْ لَو التَقَينَا وَأنتمُ

لكانَ لكُم يَوْمٌ من الشَّرِّ مُظلِمُ.

‌ثالث عشر: عرض المسائل النحوية الدقيقة:

لم يقتصر العيني على شرح مفردات البيت أو إعرابه، وبيان وجه الاستشهاد، وإنَّما كان ينتهز أي فرصة ليتكلم أو يعرض المسائل النحوية الدقيقة، ويورد الآراء المختلفة فيها، انظر إليه مثلًا

(1)

الشاهد رقم (1085) من شواهد هذا الكتاب.

(2)

الشاهد رقم (1101) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

ص: 61

وهو يتحدث عن إعراب هذا الشاهد، وهو قوله

(1)

:

وَكَم مَوْطِنٍ لَوْلايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى

بأَجْرَامِهِ مِن قنَّة النيق مُنهَوى

يقول: "وأمَّا لولاي ولولاك ولولاه فقليل، ثم مذهب سيبويه والجمهور هي جارة للضمير مختصة به؛ كما اختصت حتَّى والكاف بالظاهر، ولا يتعلق لولا بشيء، وموضع المجرور بها رفع بالابتداء والخبر محذوف.

وقال الأحفش: الضمير مبتدأ، ولولا غير جارة، ولكنهم أجابوا الضمير المخفوض عن المرفوع؛ كما عكسوا؛ إذ قالوا: ما أنا كأنت ولا أنت كأنا.

وقال النحاس: لولاك ولولاي إذا أضمر فيه الاسم جر، وإذا ظهر رفع.

وذكر العيني أن أبا العباس لا يجيز: لولاي ولولاك؛ لأنَّ هذا ضمير جر، والاسم الظاهر يكون مرفوعًا، وصحته: لولا أنت، ثم رد عليه بورود هذا الشاهد، فكيف ينكره، وهو كلام فصيح.

وفي مثل توكيد الحرف دون ما اتصل به في مثل قول الشاعر

(2)

:

إِنَّ إنَّ الكَريمَ يَحْلُمُ مَا لَم

يَرَيْنَ مَنْ أَجَارَهُ قَدْ ضِيمَا

يقول العيني: "الحرف لا يعاد إلَّا مع ما اتصل به، أو لكونه كالجزء منه نحو: إن زيدًا إن زيدًا قائم، ولا يعاد وحده إلَّا في الضرورة، نص عليه ابن السَّرَّاج، وأجاز صاحب الكشاف ذلك من غير إعادة اللفظ المتصل، واحتج على ذلك بقول الشاعر المذكور، وتبعه على ذلك ابن هشام الخضراوي، ورد عليه ابن مالك في شرح التسهيل، وقال: قوله مردود؛ لعدم إمام بسند إليه وسماع يعتمد عليه".

‌رابع عشر: عرض الرأيين للعالم الواحد من كتبه المختلفة:

لا يكتفي العيني بذكر الرأي الواحد في المسألة للقائل به، وإنَّما يذكر الرأيين للعالم بناءً على ما ذكره في كتابين مختلفين، فمثلًا قول الشاعر متغزلًا

(3)

:

إن سَلْمَى منْ بعد يَأْسي هَمَّتْ

بوصالٍ لَوْ صَحَّ لم يبق إلَّا بُوسًا

عيَّنَت ليلة فَمَا زلْتُ حتَّى

نِصفِها زاجِيًا فَعُدْتُ يَؤُوسًا

(1)

الشاهد رقم (559) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(2)

الشاهد رقم (843) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(3)

الشاهد رقم (562) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

ص: 62

يقول: "الاستشهاد في قوله: "حتى نصفها" فإن ابن مالك استدل به على أنَّه لا يشترط في مجرور (حتَّى) كونه آخر جزء، ولا ملاقي آخر جزء، وهذا الذي ذكره في التسهيل، وأمَّا ما ذكره في شرح الكافية فهو ما ذهب إليه الزمخشري والمغاربة، من أن المجرور بحتى يلزم كونه آخر جزء أو ملاقي آخر جزء، بخلاف (إلى)، لو قلت: سرت النهار حتى نصفه لم يجز، ولو قلت: إلى نصفه جاز".

‌خامس عشر: اتجاه العيني وميوله نحو المذهب البصري:

يعقد الأستاذ الذي عمل رسالة في فرائد القلائد مبحثًا بعنوان: "دلالة الكتاب على اتجاه العيني النحوي" فيقول

(1)

: "هذا الكتاب في مجمله يدل على أن اتجاه العيني النحوي يتفق في أغلبه مع مذهب البصريين، وربما يرجع سبب ذلك على شيوع هذا المذهب في مصر والشام بعد سقوط بغداد، حيث صار القطران ملتقى العلماء النازحين من بغداد إليهما، ثم ذكر بعض المسائل التي اختار فيها العيني مذهب البصريين منها:

- سد الفاعل مسد الخبر بشرط الاعتماد على نفي أو شبهه.

- إعراب ما بعد لولا مبتدأ محذوف الخبر.

- جواز تقديم الخبر على المبتدأ.

- إهمال ما الحجازية إذا انتقض النفي بإلا.

- إعمال ثاني المتنازعين.

ثم قال: "ومع ميوله للبصريين، إلَّا أنَّه يرجح رأي غيرهم، ومن ثم نجده أحيانًا كوفيًّا، لم يسرد بعض المسائل التي وافق فيها الكوفيين منها:

- جواز إعراب حين وبنائها إذا أضيفت إلى الجملة الاسمية.

- جواز توكيد النكرة المحدودة توكيدًا معنويًّا.

- جواز حذف حرف النداء قبل اسم الإشارة.

ثم يختم البحث قائلًا: "إن العيني نحوي يتخير من المذاهب النحوية أفضل آرائها، فهو ليس بصريًّا صرفًا، ولا كونهما صرفًا، وإنَّما يغلب على آرائه المذهب البصري، فهو قد جمع بين النزعتين؛ لكنَّه يميل إلى ترجيح رأي البصريين".

* * *

(1)

اعتراضات العيني على النحاة، واختياراته من خلال كتابه فرائد القلائد (43 - 45).

ص: 63

‌الفصل السادس: كتاب المقاصد (التأثر والتأثير)

يتكون هذا الفصل من شقين:

‌الأول: تأثر العيني في كتابه بمن سبقه من العلماء

وما جاء في هذا الكتاب من آثار لهؤلاء العلماء.

‌الثَّاني: تأثير العيني وكتابه فيمن خلفه من العلماء،

وما جاء منه في كتب وآثار هؤلاء العلماء.

أما عن الشق الأول، وتأثر العيني بمن سبقه فيكفي أن تقرأ الفصل الرابع من هذه الدراسة لتجد العيني قد ملأ كتابه بكتب السابقين وحشاه بآرائهم، ومؤلفاتهم على اختلاف مناحيها ومشاربها.

فمن كتب النحو واللغة تأثر العيني بكتاب سيبويه، وكتاب المقتضب للمبرد، وكتب النحو ومتونه، وشروح هذه المتون مثل: المفصل للزمخشري، وشروحه، والكافية لابن الحاجب، وشروحها، والألفية والتسهيل لابن مالك وشروحهما.

تأثر العيني أيضًا بمؤلفات ابن عصفور وابن مالك وابن هشام وغيرهم، وكما ظهر أثر كتب النحو في الإعرابات والاستشهادات ظهر أثر كتب اللغة والمعاجم المختلفة في شرح الأبيات، ومعاني المفردات كالصحاح للجوهري، والنوادر لأبي زيد، وغير ذلك، وهو كثير.

وأمَّا كتب شروح الشواهد التي ظهر أثرها في كتاب المقاصد النحوية فهي كثيرة، مثل شروح ديوان الحماسة لأبي تمام على اختلافها، وشروح الأعلم الشنتمري؛ كشرحه للأشعار الجاهلية، أو شرحه لشواهد سيبويه.

وليس ذلك فقط؛ بل انعكست ثقافة العيني التاريخية التي لها علاقة بالشاهد الذي يذكره

ص: 64

أو القصيدة التي يشرحها؛ إذ قد جاء في كتاب المقاصد نقول كثيرة من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، وكتاب الحيوان للجاحظ، والكامل للمبرد، والأمالي لأبي علي القاضي، وغيرها.

وأمَّا مقطوعات الشعر، ودواوين الشعراء، فقد ظهر ذلك جليًّا في الكتاب المذكور، فما من بيت من أبيات الشواهد التي شرحها العيني، إلَّا وقد ذكر فيه مقطوعة أو عددًا كبيرًا من أبيات القصيدة التي منها الشاهد، وقد سردنا في الفصل المذكور الدواوين التي رجع إليها العيني، والتي زادت على المائة، فلتراجع هناك.

وأمَّا الحديث عن الشق الثَّاني، وتأثير كتاب المقاصد النحوية للعيني فيمن جاء بعده، أو ما تلاه من الكتب، فنقول:

"إن كتاب المقاصد قد ألفه صاحبه من ستة قرون مضت، وقد ظل مقطوعًا لا يعرفه أحد، إلى وقت قريب ظل الكتاب حبيسًا في البيوت أو المكتبات العامة، لا يراه ولا يعرفه إلَّا واحد أو اثنان أو ثلاثة من العلماء بعد النسخ المخطوطة له، وحين طبع من مائة وخمسة وعشرين عالمًا لم يطبع كتابًا مستقلًّا يراه النَّاس ويعرفه الطلاب، وإنَّما طُبع على هامش خزانة الأدب للبغدادي، وعلى ذلك فإن الكتاب الأصلي المطبوع أو المقصود بالطباعة، إنَّما كان كتاب خزانة الأدب، أما الكتاب الفرعي أو الذي طبع تكملة، إنَّما كان كتاب المقاصد.

لقد ظل كتاب المقاصد مجهولًا لا يعرفه النَّاس، ولا يقف عليه العلماء، أو يستفيدون منه حتَّى وقتنا الحاضر، وما طُبع على هامش حاشية الصبان، إنَّما هو نزر يسير ممَّا في الكتاب، بعنى أن المطبوع كان شيئًا لا قيمة له بقيمة ما في الكتاب من فوائد.

ومع ذلك كله تستطيع أن تقول: إن هناك عالمين كبيرين وشارحين عظيمين للشواهد، انتفعا بكتاب المقاصد، وظهر أثره في كتبهما، وهما الإمام عبد القادر البغدادي (1093 هـ) في كتابه: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، وهو الكتاب الذي يشرح فيه شواهد شرح الكافية المرضي (686 هـ)، وشرح أبيات مغني اللبيب الذي يشرح فيه شواهد المغني لابن هشام.

وأمَّا الإمام الآخر فهو السيوطي (911 هـ) الذي شرح شواهد مغني اللبيب أيضًا.

أولًا: كتاب خزانة الأدب للبغدادي: اعتمد البغدادي وهو مؤلف كتابه المشهور: "خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب" على كتاب المقاصد للعيني، وجعله مرجعًا من مراجعه الكثيرة، وقد اعترف بذلك في أول كتابه حين سرد المؤلفات التي أخذ منها ونقل عنها

(1)

.

(1)

انظر كتاب خزانة الأدب للبغدادي (1/ 19).

ص: 65

لقد نقل البغدادي عن العيني في كتابه المقاصد نقولًا كثيرة، فما من بيت اشترك في شرحه الإمامان البغدادي والعيني، إلَّا وقد وجدت الإمام عبد القادر البغدادي يشير إلى العيني وكتابه المقاصد النحوية، لقد بلغت أبيات الخزانة تسعمائة وسبعة وخمسين ييتًا، وقد جاء أكثرها في كتاب المقاصد الذي بلغت شواهده ألف عن ومائتين وثمانين؛ أي أنها تزيد على شواهد الخزانة بأكثر من ثلاثمائة بيت.

لقد كنا ونحن نحقق كتاب المقاصد نضع أمامنا كتاب الخزانة دائمًا، وبخاصة إذا اشترك الإمامان في شرح بيت، كُنَّا نرجع إلى كتاب الخزانة في تصحيح نص أو توثيق بيت الشعر، أو قراءة صحيحة للنص، أو غير ذلك ممَّا يتطلبه التحقيق.

ولقد تتبعنا الفهرس الذي صنعه الأستاذ عبد السَّلام هارون لكتاب الخزانة، فوجدنا الإمام عبد القادر البغدادي قد نقل من كتاب المقاصد ثلانمائة وعشرين نقلًا، وكان في بعض النقول يسميه باسمه، وهو كتاب المقاصد النحوية، أو يسميه باسم صاحبه فيقول:"وقال شارح شواهد الألفية".

وكان الإمام عبد القادر ينقل من العيني مادحًا أو قادحًا أو ساكتًا، إلَّا أنَّه في أكثر النقول كان يغلب عليه القدح، ولا عجب في ذلك، فالإمام عبد القادر من شراح الشواهد العظماء، فإذا وجد من قصر في ذلك نبه عليه، وقد فعل ذلك مع العيني وغيره.

كانت نقول الإمام عبد القادر من العيني كثيرة مختلفة، شأنه شأن اطلاعاته الواسعة، فهنا تفسير لكلمة، وذاك إعراب لها، وهذا بيان لمعنى البيت، وذاك سرد لحادثة تاريخية، وهذا تنبيه على خطأ وقع فيه العيني في تفسير مفردة، وهذا تصحيح لإعراب أعربه العيني على غير وجهه، وهكذا، وسيرى ذلك القارئ في تحقيقنا لكتاب المقاصد؛ حيث كُنَّا نشير إلى تعليق الإمام عبد القادر البغدادي، وكلامه للذي وصمناه بالمدح، أو القدح، أو السكوت.

ولم يظهر أثر كتاب المقاصد في كتاب الخزانة وحده للإمام عبد القادر، وإنَّما امتد أثره أيضًا إلى كتابه الآخر في شرح الشواهد، وهو شرح أبيات مغنى اللبيب لابن هشام، حيث وجدت عدة نقول في هذا الكتاب من المقاصد بلغت أكثر من مائة نقل.

ثانيًا: كتاب شرح شواهد المغني للسيوطي: وكما اعتمد البغدادي على كتاب المقاصد وجعله، مرجعًا في تأليفه وكتبه، فعل ذلك السيوطي في كتابه الذي شرح به شواهد مغني اللبيب، فلقد اعتمد السيوطي على كتاب المقاصد اعتمادًا يفوق صاحب الخزانة، حيث نقل السيوطي من

ص: 66

المقاصد نقولًا كثيرة مطولة تبلغ الصفحة والصفحتين، نبه على ذلك أو لم ينبه.

وقد ظهر ذلك لنا ونحن نحقق كتاب المقاصد؛ حيث كُنَّا نرى النقل الطَّويل لتفسير مفردات البيت عند السيوطي؛ كما هي عند العيني، وكنا نجد كثيرًا من مقطوعات الشواهد عند السيوطي؛ كما هي عند العيني.

لقد تأثر السيوطي في شرحه لشواهد مغني اللبيب للسيوطي بالعيني تأثرًا كبيرًا؛ حيث كان ينقل منه قصيدة البيت، وشرح القصيدة كلها، ولا يترك إلَّا كلمة:"قوله" التي تميز بها العيني، وكان يلقب كتابه بقوله:"قال العيني في الكبرى"

(1)

.

هذا بيت من الرجز، وهو قوله

(2)

:

قَدْ سَالمَ الحَيَّاتِ مِنْهُ القَدَمَا

الأُفْعُوَانَ والشُّجَاعَ الشَّجْعَمَا

ذكره السيوطي في شرحه

(3)

، ثم أتبعه بأبيات الأرجوزة، وبعد سرد الأبيات أتبعه السيوطي بشرح الأبيات، ووجدت الأمر كما فعله العيني تمامًا بتمام.

وعلى ذلك فإن كتاب المقاصد من الكتب الأساسية التي اعتمد عليها السيوطي في شرحه لشواهد أخرى.

كتب أخرى تأثرت بكتاب المقاصد: ولم يقف تأثير كتاب المقاصد الكبرى للعيني على كتب الإمامين عبد القادر البغدادي، وجلال الدين السيوطي فحسب، بل امتد تأثيره إلى كتب أخرى، فهذا كتاب شرح فيه صاحبه شواهد همع الهوامع للسيوطي، وهو كتاب:(الدرر اللوامع على همع الهوامع شرح جمع الجوامع في العلوم العربية) للعلامة الفاضل الشَّيخ أحمد ابن الأمين الشنقيطي المتوفى (1331 هـ)؛ حيث وجدت في الكتاب المذكور عدة نقول أيضًا من كتاب المقاصد، ولا عجب في ذلك، فكلاهما يسير في طريق واحد، وكلاهما يقصد إلى هدف واحد، وهو شرح الشواهد النحوية.

وهنا أمر يجب أن ننبه عليه ونشير إليه، له علاقة بتأثير كتاب المقاصد فيمن جاء بعده، نختم به هذا الفصل، هو أن جامعي الدواوين والقصائد والمقطوعات في العصر الحديث اعتمدوا على كتاب المقاصد كثيرًا في سرد القصائد والمقطوعات، وبخاصة الدواوين التي فقدت، أو الشعراء

(1)

انظر شرح شواهد مغني اللبيب للسيوطي (557).

(2)

انظر الشاهد رقم (825) من شواهد هذا الكتاب.

(3)

انظر شرح شواهد مغني اللبيب للسيوطي (973 - 975).

ص: 67

المغمورون الذين لم يكن لهم ديوان مجموع مخطوط في القديم، ويظهر ذلك في طبعات الدواوين المختلفة، أو تحقيقها في العصر الحديث، وهو أمر مشهور يعرفه المحققون والأدباء، فقد اعتمدوا على كتاب المقاصد للعيني مرجعًا وتوثيقًا وتصحيحًا؛ كما اعتمدوا على مجاميع الشعر المختلفة كالحماسيات والمفضليات.

* * *

ص: 68

‌الفصل السابع: كتاب المقاصد (النقد والتقويم)

مؤلف كتاب المقاصد رجل ذو خبرة وعين ناقدة بصيرة، رجل تخصص في التاريخ، قرأه فاعتبر، ووقف عليه فاتعظ وتأثر، عرف الدول كيف تقوم ثم تذهب، وشموس الملوك والسلاطين كيف تشرق ثم تغرب، وكل نجم يبزغ، له في السماء نجوم ألداء، وحساد، وأعداء.

وهكذا كان العيني حساده كثيرون، والحاقدون عليه لا يعدون ولا يحصون، ومن هنا امتلأت مقدمات كما نبه وخواتيمها بالنقود من هؤلاء الحساد، وأن يبعدهم الله عنه، ويكون لهم بالمرصاد.

طلب العيني من قارئ كتبه أن يصغوا عما فيها من زلات، وأن يتذكر أن فيها كثيرًا من الحسنات، وأن الله قد قال في محكم الآيات:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، طلب العيني من قارئ كتبه أن يضع نصب عينيه قول المتنبي:

فَإِنْ يَكُن الفِعْلُ الذِي سَاءَ واحِدًا

فَأَفْعَالُهُ اللائِي سَرَرْنَ أُلُوفُ

وها هي عدة نقول من كتبه توضح هذه المعاني:

يقول في مقدمة كتابه: (عمدة القارئ شرح صحيح البُخاريّ): "النَّاس فيما تعبت فيه الأرواح على قسمين متباينين، قسم هم حسدة ليس عندهم إلَّا جهل محض، وطعن، وقدح، وعض؛ لكونهم بمعزل عن انتزاع أبكار المعاني، وعن تفتيق ما رتق من المباني.

إذا لم يكن للمرء عين صحيحة

فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر

وصنف هُم ذوو فضائل وكمالات، وعندهم لأهل الفضل اعتبارات، المنصفون اللاحظون إلى أصحاب الفضائل والتحقيق، وإلى أرباب الفضائل والتدقيق بعين الإعظام والإجلال، وقليل ما هم، وهم كالكثير، الواحد منهم كالجم الغفير، ولكن أين ذلك الواحد؟ ".

ص: 69

وفي مقدمة كتابه المقاصد يقول: "والمسؤول ممن ينظر فيه، أن يصلح ما يحتاج إلى الإصلاح؛ أداءً لحق الأخوة بالنصح والانتصاح، فإن القلم له هفوة، والجوادَ له كبوة، والإنسان غير معصوم من الخطأ والنسيان، وهما بالنص عنا مرفوعان، وأن يَذْكُرَني بصالح دعواته عَقِبَ صلوَاتِه في خلواته، فإني جعلته خالصًا لوجهه الكريم ابتغاء لمرضاته، وطلبًا لغفرانه العظيم، والأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، ولا يبرز اللسان عن الجنان إلَّا ما حوى، فها أنا أشرع في المقصود متوكلًا على الله المعبود".

وفي ختام كتابه المذكور يقول: "والمأمول من الناظر فيه ألا يكون من الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا من الذين يتصفحون في مبادئه ومقاطعه، وكم من متصرف في المهذب بالزيادة والنقصان، ومن صفوق نحوه أسهم الظن والطعان، جزاء سنمار حين بنى الخورنق للنعمان، وهل هذا إلَّا من حسد ركب الأجساد؟ ولأنهم عزل عما يكني أهل الفضل والاجتهاد، فلذلك تراهم يخرطون القتاد".

ثم يختم كلامه بعد أن يبين فضل كتابه قائلًا: "ومع هذا كله ينتبذ ذو حسد من الجهل اللئام، ومن الطاعنين فيما تعبت فيه أفاضل الأنام، متصديًا للأعراض، متمنيًا فرض أثره بالمقراض لينال بذلك إلى المفاسد من الأغراض، ولكن من له دين قومٍ، أو طبع سليم يستنكف عن نبش المعايب، ولا يرضى لدينه بث المثالب، مذعنًا فيما ظهرت آياته إلى القول، ومتجنبًا فيما قامت بياناته عن النكول، فنسأل الله تعالى أن يعصمنا عن الأباطيل، ويهدينا إلى سواء السبيل".

وفي كتابه عمدة القارئ يقول -أيضًا- في هذا المعنى: "والمأمول من الناظر فيه أن ينظر بالإنصاف، ويترك جانب الطعن والاعتساف، فإن رأى حسنًا يشكر سعي زائره، ويعترف بفضل عاثره، أو خللًا يصلحه؛ أداءً لحق الأخوة في الدين، فإن الإنسان غير معصوم عن زلل مبين:

إنْ تَجِدْ عَيبًا فَسُدَّ الخللا

جَلَّ مَنْ لا عَيبَ فِيهِ وعلا

فالمنصف لا يشغل بالبحث عن عيب مفصح، والمتعسف لا يعترف بالحق الموضح.

فَعَينُ الرضَا عَنْ كُل عَيبٍ كلَيلةٌ

ولكن عَينَ السُّخْطِ تَبدِي المَسَاويَا

وسنحاول في هذا الفصل -إن شاء الله- أن ننتقد العيني في كتابه المقاصد فنذكر محاسنه، ثم نتبعها بمآخذه، فقد عشنا معه ست سنوات كاملة، وقفنا فيها على حسنات وهنات، وليس ما نذكره من حسنات سبع أو ثمان، وما نسرده من هنات مثلها هي كل ما في الكتاب، بل فيه

ص: 70

من الحسنات الكثير، ولكن يكفي من الغيث قطرة، ومن البستان زهرة؛ إنه تقويم عام للكتاب، ووضعه في ميزان النقد، وإعطاء القارئ مقدمة وفكرة عما في الكتاب، حتَّى إذا أخذ في قراءته بابًا بعد باب عرف ما يشتمل عليه كتابه جملة.

‌محاسن الكتاب:

‌أولًا: السير على منهج واحد لم يتغير:

اتخذ العيني لنفسه منهجًا لم يتغير طوال كتابه، وشرحه للشواهد، حيث كان يبدأ بسرد البيت ثم يذكر القائل، ثم يترجم له، ثم يذكر البحر العروضي للبيت، ثم يسرد عدة أبيات من قصيدته، أو يسرد القصيدة كلها إن كانت نادرة، أو من منتخبات الشعر وجيِّده، ثم يشرح مفردات البيت، أو الأبيات التي يسردها، ثم يعرب بيت الشاهد إعرابًا كاملًا، يظهر فيه موضع الجمل، وغير ذلك، ثم يختم الكلام بذكر وجه الاستشهاد، وما فعله العيني هو أمر بين الاختصار والتطويل، وبذلك شرح ما يقرب من ألف وثلاثمائة شاهد، في أربعة أجزاء كما يرى القارئ، بخلاف صاحب الخزانة الذي شرح ألف عن أو أقل في أحد عشر جزءًا، وما ذلك إلا لأن صاحب الخزانة قد أطال الكلام في البيت، ونقل نقولًا كثيرة من كتب الأدب واللغة والنحو.

‌ثانيًا: شرح العيني أبياتًا لم يشرحها غيره:

انفرد كتاب المقاصد بذكر أبيات وشواهد لا توجد إلَّا فيه؛ حيث جمع صاحبه شواهد أربعة كتب وشروح للألفية، فكثرت الشواهد، وانفرد بعضها بوجودها في هذا الكتاب دون غيره، فمثلًا شواهد باب ظن وأخواتها في كتاب المقاصد جاءت قريبة من خمسين بيتًا، بينما جاءت شواهد هذا الباب في كتاب خزانة الأدب للبغدادي لا تزيد على ثلاثة عشر بيتًا

(1)

.

وهناك أبيات كثيرة في أبواب أخرى انفرد بها العيني، فمثلًا هذا الشاهد، وهو قوله

(2)

:

تَعَزَّيْتُ عَنْهَا كَارهًا فَتَرَكْتُهَا

وَكَأَنَّ فراقِيَهَا أَمَرُّ من الصَّبْر

فهذا الشاهد لا يوجد إلَّا في كتاب المقاصد دون غيره من الكتب؛ كالخزانة وغيرها، وهو ليحيى بن طالب الحنفي، قاله حين حنَّ إلى وطنه، وفيه مقطوعة شعرية بلغت ثمانية أبيات من

(1)

انظر شواهد ظن وأخواتها في الكتاب الذي بين يديك في الجزء الثَّاني.

(2)

انظر الشاهد رقم (61) من شواهد هذا الكتاب.

وانظر الحديث عن شواهد ظن وأخواتها في كتاب الخزانة للبغدادي (9/ 129 - 186).

ص: 71

أرق أييات الحنين إلى الوطن، يقول في أولها:

1 -

أحَقًّا عِبَادَ الله أَن لَسْتُ نَاظِرًا

إِلى قَرقَرَى يَومًا وَأَعْلامِهَا الغُبرِ

2 -

كَأَنَّ فُؤَادِي كُلَّمَا مَرَّ رَاكِبٌ

جناحُ غُرابٍ رَامَ نهضًا إِلَى وَكْرِ

‌ثالثًا: كثرة المسائل النحوية والصرفية في الكتاب:

يعد العيني فارسًا من فرسان النحو والصرف بله الأدب، ما يشهد على ذلك كتاب المقاصد، حيث لم يترك العيني شيئًا من النحو في البيت الذي يشرحه إلَّا وقد أتى عليه وشرحه واجتهد في شرحه، ولا يترك شاردة ولا واردة في الإعراب إلَّا وقد أتى عليها ما يريد جلاء الحقيقة ووضوح اللبس، وفي اعتقادي أن العيني يفوق الإمام عبد القادر البغدادي في هذه الناحية، فإذا كان الإمام عبد القادر يفوق العيني في الأدب، فإن العيني يفوق البغدادي في النحو، ولا أدل على ذلك من هذا البيت، وهو قول امرئ القيس

(1)

:

فلَوْ أنَّ مَا أسعَى لأدْنَى مَعِيشَةٍ

كَفَانِي وَلَم أطْلُبْ قَلِيل مِنَ المالِ

فقد انتشر هذا البيت في كتب النحاة، وكثر كلامهم فيه، كما كثر كلام العيني؛ حيث تكلم فيه صفحتين طويلتين، بينما ذكره الإمام عبد القادر، ولم يتكلم فيه بشيء إلَّا قوله:"هذا بيت من باب التنازع، وقد بينه الشارح المحقق، وأصله من إيضاح ابن الحاجب".

ثم ملأ الإمام البغدادي في البيت عشر صفحات في كتابه الخزانة، كانت كلها في كلام في الأدب، وليس فيها كلمة واحدة في النحو.

أما العيني -كما قلنا- فقد أتى على البيت وصال وجال، وبين معنى لو، وذكر أن هذا البيت يحتمل أن يكون من باب التنازع، وألا يكون، ثم مضى يبين ذلك مطولًا ومفصلًا.

وكان شرح العيني لمفردات الشاهد وبيان معانيها يدعوه لأنَّ يتعرض لمسائل صرفية دقيقة، فكان يذكر باب الماضي مع المضارع في كثير من الأفعال، وإذا كان للمضارع بابان ذكرهما أيضًا، انظر إليه، وهو يشرح هذا الشاهد

(2)

:

يا رُبّ يومٍ لي لا أُظَلَّلُهْ

أُرْمَضُ مِن تحتُ وأُضْحَى مِنْ عَلُهْ

يقول: "وأُضحى" على صيغة المجهول -أيضًا- من ضحيت الشَّمس ضحاء ممدودًا، إذا برزت، وضحت ضحاء بالفتح مثله، والمستقبل أضحى في اللغتين جميعًا".

(1)

الشاهد رقم (438) من شواهد هذا الكتاب الذي بين يديك.

(2)

انظر الشاهد رقم (1220) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

ص: 72

ويستمر قائلًا: "الهاء في "من عله" مشكلة؛ لأنها لا تخلو من أن تكون ضميرًا، أو هاء سكت، فلو كانت هاء الضمير لوجب أن يقال: من عله بالجر؛ لأنَّ الظرف لا يبنى في حال إضافته، ولا تكون هاء السكت؛ لأنَّ هاء السكت لا تدخل معها حركة بناء تشبه حركة المعرب، ولذلك لا تدخل على الماضي لمضارعته المضارع، وحركة هذا الضرب من المبنيات تجري مجرى حركة المعرب ثم ذكر أن الهاء بدل من الواو، والأصل: علو".

وهكذا لا تقابله مسألة نحوية أو صرفية إلَّا ذكرها وبينها وعللها.

‌رابعًا: ضبط كلمات البيت ضبطًا تامًّا:

عني العيني بالضبط الصَّحيح للكلمات ضبطًا تامًّا بالحروف والصورة والشكل حتَّى لا تلتبس بغيرها، فيقول:"الشيمة" بكسر الشين المعجمة، و "الأريب" بفتح الهمزة، وكسر الراء، وشاحبًا بالشين المعجمة، والحاء المهملة، والباء الموحدة: من شحب لونه يشحب، إذا تغير فهو شاحب، ولا يترك القارئ يتخبط في الكلمة وضبطها ونطقها، وهو شيء محمود.

وفي الشاهد السابق، وهو قوله

(1)

:

يا رُبّ يوم لي لا أُظَلَّلُهْ

أُرْمَضُ مِن تحتُ وأُضحَي مِنْ عَلُه

يقول: "لا أظلله" على صيغة المجهول من الظل، و "أُرمض" على صيغة المجهول أيضًا، و "تحت" أصله: من تحتي بالإضافة إلى ياء المتكلم، فلما قُطع عن الإضافة بُني على الضم، و "عله" بضم اللام وفتح العين وسكون الهاء.

وهكذا لا يترك القارئ يحار في النطق، وإنما يوضح له ويبين له النطق الصَّحيح لكلمات البيت، وهو ممَّا يدل على الدقة في العلم.

‌خامسًا: لا يثق إلَّا في نفسه، وفيما تراه عينه:

كان العيني دقيقًا في أحكامه لا يقبل كل ما كتب، وكل ما جاء من غيره، وإنما يتحرى بنفسه، ويبحث عن الحقيقة بحسه، انظر إليه وهو يشرح هذا البيت

(2)

:

فَبَكَى بَنَاتي شَجوهُنَّ وَزَوجَتي

وَالطَّامِعُونَ إِليَّ ثُمَّ تَصَدَّعُوا

ثم يقول: "أقول: قيل: إن قائله هو أبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي، من قصيدته

(1)

انظر الشاهد رقم (1220) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

(2)

الشاهد رقم (390) من شواهد هذا الكتاب.

ص: 73

المشهورة التي أولها هو قوله:

أمنَ المنُونَ ورَيبُها تتوَجَّعُ

والدَّهرُ ليسَ بمعْتِبٍ مَنْ يجزع

ولم أجده في القصيدة المذكورة ولا في ديوانه، والحقُّ أنَّه ليس منها، ولكنه لما كان من بحرها وهو بحر الكامل وقريبًا منها ربما ظُن أنَّه منها.

وإذا لم يستطع التحري أسند العلم إلى صاحبه؛ ليكون على مسؤوليته، يقول في شاهد: قائله عويف القوافي، قاله الصغاني، أو قائله أبو زبيد الطَّائي، قاله اللخمي في شرح أبيات الجمل.

‌سادسًا: تصحيح أخطاء السابقين:

كان العيني لا يقبل كل كلام يُلقى إليه ممن سبقه، فقد يكون ما جاءه من غيره خطأ، وهكذا انظر إليه وهو يشرح هذا البيت

(1)

:

وَرَدَّ جَازِرُهُم حرفًا مُصّرّمَةً

ولا كَريمَ مِنَ الولدان مَصْبُوحُ

يقول بعد أن أنشد البيت: "وفيه خطأ من وجهين:

أولهما: أن الزمخشري نسب البيت إلى حاتم الطَّائي؛ كما أن الجرمي نسبه إلى أبي ذؤيب.

ثم قال: والصَّواب أنَّه لرجل جاهلي من بني النبيت

(2)

جمع هو وحاتم والنابغة الذبياني عند مأوية بنت غفزر خاطبين لها، فقامت حاتمًا عليهم وتزوجته، فقال هذا الرجل شعرًا، وأوله هو قوله

(3)

:

هذا سألتِ النبيتيَين ما حَسَبِي

عندَ الشتاء إذا ما هبتِ الريحُ

الخطأ الثاني: أن هذا البيت أنشده النحويون، من أول سيبويه وأبي علي الفارسي حتَّى ابن الناظم هكذا كما هو مكتوب في صدر الكلام".

قال العيني: "وهذا البيت ممَّا ركب فيه صدر بيت على عجز آخر" ثم سرد البيتين صحيحين هكذا:

2 -

وَرَدَّ جَازِرُهُم حرفًا مُصّرَمَةً

في الرأسِ منهَا وفيِ الأَصلاءِ تمليحُ

3 -

وقال رائدُهُم سيَّانَ ما لَهُمُ

مثلان مثلٌ لمن يرعى وتسريحُ

4 -

إذا اللقاحُ غدت مُلقًى أصِرَّتُهَا

ولا كَرِيمَ مِنَ الولْدَانِ مَصْبُوحُ

(1)

الشاهد رقم (324) من شواهد هذا الكتاب.

(2)

لم أر أحدًا نسبه إليه إلَّا العيني، ونص عليه في المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (175).

(3)

هامش الديوان (63) تحقيق: حنا الحتي، والأغاني (17/ 382).

ص: 74

‌سابعًا: التخفيف عن القارئ بذكر ما هو بعيد عن النحو واللغة:

يعد كتاب المقاصد كتابًا جامعًا، فيه النحو واللغة والحوادث والتاريخ، فعل ذلك مؤلفه حتَّى لا يمل القارئ من رتابة ما يقرأ، وما يتكرر في كل بيت من إعراب وشاهد وغير ذلك.

لقد كان العيني يتحف القارئ بقصة جميلة في بعض الأبيات تخفف عنه ثقل الإعراب، أو شرح المفردات، أو بيان الشاهد، هذا بيت ذكره وهو قول كُثير عزة

(1)

:

قضَى كُلُّ ذِي دَينٍ فَوَفَّى غَرِيمَهُ

وَعَزَّةُ مَمْطُولٍ مُعَنًى غَريمُهَا

يقول وهو يشرح معنى البيت: "إن عزة دخلت على أم البنين بنت عبد العزيز، وهي أخت عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، زوجة الوليد بن عبد الملك الأموي فقالت لها: أرأيت قول كثير:

قضَى كُلُّ ذِي دَينٍ فَوَفَّى غَريمَهُ

.......................... إلخ

ما كان ذلك الدين؟، قالت: وعدته قبلة فخرجت منها، فقالت أم البنين: أنجزيها وعلي إثمها".

كما يذكر في هذا البيت -أيضًا- أن عطارًا لكثير وهب عزة ثمن بضاعة اشترتها منه، فأعجب كثير بفضله وأعتقه ووهب له ما في حانوت العطر حبًّا وكرامة لعزة.

ويحكي قصة سوداء الغميم، ومرضها، وكلف العوام بن عقبة بها، ومجيئه إليها يزورها، وذلك في قوله

(2)

:

وَخُبِّرتُ سَوْدَاءَ الغَميم مَرِيضَةً

فَأَقبَلْتُ منْ أَهْلي بمصْرَ أَعُودُهَا

- ويحكي قصة الزباء، وقتلها نفسها قائلة:"بيدي لا بيد عمرو" وهو: عمرو بن أخت جذيمة الأبرش، وهي قصة طويلة جاء ذكرها في هذا البيت

(3)

:

مَا لِلجَمَالِ مَشْيُهَا وَئيدا

أَجَنْدَلًا يَحْملنَ أَمْ حَديدا

ونعود إلى ما قلناه أول الفصل: أن الكتاب مليء بكثير من المحاسن لكن يكفي من الغيث قطرة.

‌مآخذ الكتاب:

وهي مآخذ عامة لا تنقص من قيمة الكتاب، تتعلق بالشاهد، والقصيدة التي منها الشاهد،

(1)

الشاهد رقم (428) من شواهد هذا الكتاب.

(2)

الشاهد رقم (371) من شواهد هذا الكتاب.

(3)

الشاهد رقم (376) من شواهد هذا الكتاب.

ص: 75

وقائل الشاهد، وهي أيضًا مآخذ لا تغض من قيمة الكتاب؛ لأنها لا تتكرر كثيرًا بل منها المثال، أو المثالان أو الثلاثة.

‌أولًا: سرد القصيدة جملة واحدة:

كان العيني يسرد القصيدة التي منها الشاهد، والتي قد تبلغ ثلاثين أو أربعين بيتًا جملة واحدة، ثم يأخذ في شرحها بعد ذلك فيئًا بعد آخر، فيحار القارئ في أي بيت يشرح، وفي أي مكان في القصيدة يفسر، ولو أنَّه سرد خمسة أبيات، ثم شرحها، ثم أعقبها بخمسة أخرى بشرحها حتَّى ينتهي من القصيدة لكان أفضل وأجدى، وانظر مثالًا على ذلك أرجوزة رؤبة بن العجاج التي مطلعها وشاهدها قوله

(1)

:

وقاتِم الأَعْماقِ خاوي المُختَرَقْ

مُشْتَبِه الأَعْلام لَمّاع الخَفَق

وقد بلغت واحدًا وسبعين ومائة بيت من الرجز المشطور، سردها كلها مرَّة واحدة، ثم شرحها بعد ذلك في خمس عشرة صفحة، ومثل ذلك قصيدة عمر بن أبي ربيعة التي بلغت أربعة وسبعين بيتًا من بحر الطَّويل، والتي أولها

(2)

:

أَمنْ آلِ نُعْم أَنْتَ غَاد فَمُبْكِرُ

غَدَاةَ غَدٍ أَمْ رَائحٌ فَمُهَجِّرُ

سردها كلها مرَّة واحدة، ثم شرحها بعد ذلك بيتًا بيتًا.

‌ثانيًا: سرد بعض أبيات القصيدة حيثما اتفق:

كان العيني يذكر الشاهد، ثم يذكر بعده عدة أبيات حيثما اتفق دون تفريق بين الجيد والأجود، بل كان يتوقف عن السرد، وبعض المعاني ناقصة.

ففي قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي، والتي منها هذا الشاهد وهو قوله

(3)

:

هل الدَّهرُ إلَّا لَيلَةٌ وَنَهارُهَا

وإلا طُلُوعُ الشَّمْس ثُمَّ غَيَارُها

ذكر عدة أبيات كان آخرها قوله:

فَمَا أُمُّ خَشْفٍ بالعَلابَة فاردٌ

تَنُوشُ البَرير حَيثُ نَال اهْتصَارُهَا

وفيه ذكر اسم ما الحجازية، وترك خبرها في بيت قال، وهو قوله

(4)

:

بأَحسَنَ منهَا يوم قَامَت فَأَعرَضَت

تُواري الدموع حين جَدَّ انحدَارُهَا

(1)

الشاهد الرابع من شواهد هذا الكتاب.

(2)

الشاهد رقم (64) من شواهد هذا الكتاب.

(3)

الشاهد رقم (472) من شواهد هذا الكتاب.

(4)

انظر شرح أشعار الهذليين (1/ 70).

ص: 76

‌ثالثًا: الخطأ في ذكر مطلع القصيدة:

كان العيني يذكر الشاهد ثم يتبعه بقوله: وهو من قصيدة أولها كذا، ونعود للديوان فلم نجد الأمر كما ذكره، ففي قول جرير

(1)

:

فغُضّ الطَّرْفَ إنَّكَ من نُمَير

فلا كعبًا بلَغْتَ ولا كلابًا

يقول: "أقول قائله هو جرير بن الخطفى وهو من قصيدة من الوافر، أولها هو قوله:

لَنَا حَوضُ الحَجِيجِ وَسَاقِيَاهُ

ومَنْ وَرِثَ النُّبُوَّةَ والكِتَابَا

بينما المطلع في ديوان جرير، وفي جميع طبقات الديوان قوله

(2)

:

أَقِلّي اللَومَ عاذِلَ وَالعِتابا

وَقولي إن أَصَبتُ لَقَد أَصابا

وهو نفسه قد خالف في هذا البيت -أعني: أقلي- فجعل أول قصيدته، وقد سرد منها تسعة أبيات

(3)

.

- ومثل ذلك قوله

(4)

:

فَأَتَتْ بِهِ حُوشَ الفُؤَادِ مُبطَّنًا

سهْدًا إِذَا مَا نَامَ لَيلُ الهَوْجَلِ

قال العيني: "قائله هو أبو كبير الهذلي، واسمه: عامر بن الحليس الجرُبي، وهو من قصيدة لامية من الكامل قالها في تأبط شرًّا، وكان زوج أمه، وأولها هو قوله:

ولقَدْ سَرَيتُ عَلَى الظَّلامِ بِمِغشَم

جَلدٍ مِنَ الفتْيَانِ غَيرِ مُثَقَّلِ

والذي ذكره العيني ليس مطلع القصيدة، بل هو البيت الرابع عشر فيها، أما مطلعها فهو قوله

(5)

:

أزهيرٌ هلْ عَنْ شَيبَةٍ مِنْ مَعْدَلٍ

أم لا سبيلَ إلى الشبابِ الأولِ؟

وقد ذكر المطلع صحيحًا في شاهد آخر، وهو قوله

(6)

:

مَا إنْ يَمَسُّ الأَرضَ إلَّا مِنكَبٌ

منهُ وحَرفُ السَّاق طَيَّ المحمَلِ.

(1)

الشاهد رقم (1279) من شواهد هذا الكتاب.

(2)

انظر على سبيل المثال ديوان جرير، ط. دار صادر (58).

(3)

انظر الشاهد السادس من شواهد هذا الكتاب.

(4)

الشاهد رقم (618) من شواهد هذا الكتاب.

(5)

ديوان الهذليين (2/ 88)، وشرحه (3/ 1069).

(6)

انظر الشاهد رقم (446) من شواهد هذا الكتاب.

ص: 77

‌رابعًا: نسبة بعض الأبيات إلى غير قائلها:

وهذا الأمر ليس بالكثير، وإنَّما يوجد منه المثال والمثالان، من ذلك قوله

(1)

:

تُهَاضُ بِدَارٍ قَد تَقَادَمَ عَهدُهَا

وَإمَّا بأَمْوَات ألَمَّ خَيَالُهَا

نسبه العيني إلى ذي الرمة، والصحيح أنَّه للفرزدق

(2)

، وقد ذكر ذلك أيضًا أي النسبة الصحيحة صاحب خزانة الأدب

(3)

، والعيني تابع في هذه النسبة ابن مالك؛ فقد نسب الشاهد المذكور لذي الرمة

(4)

.

ومن ذلك قوله

(5)

:

فيَا شَوْقَ مَا أبْقَى ويَا لي مِنَ النَّوَى

ويا دَمعُ ما أجْرَى ويا قلبُ ما أصْبَا

قال العيني بعد إنشاده: "أقول: قيل إنه من كلام المحدثين وهو الظاهر"، ونقول: إن البيت للمتنبي من قصيدة يمدح بها سيف الدولة الحمداني بدأها بالغزل

(6)

.

‌خامسًا: يذكر أن الييت مجهول، وقد اكتشفنا قائله:

وهذا الأمر -أيضًا- لا يوجد منه عدد كثير من الأبيات، وفيه ذكر العيني أن قائل البيت مجهول، أو لم يقف عليه، بينما اكتشفنا قائله، أو وجدناه في مراجع أخرى، من ذلك قوله

(7)

:

حَتَّى إِذَا رَجَبٌ تَوَلَّى وَانقَضَى

وجُمَادِيَّانِ وَجَاءَ شَهرٌ مُقبلٌ

قال العيني: "أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل"، ونقول: البيت لأبي العيال الهذلي، وهو في شرح أشعار الهذليين

(8)

.

ومن ذلك قوله

(9)

:

وَلَسْتُ أَبَالي بَعدَ فَقدي مَالِكًا

أَمَوتِي نَاءٍ أَم هُوَ الآنَ وَاقعُ

قال العيني: "لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل"، ونقول: البيت لمتمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك

(10)

.

(1)

انظر الشاهد رقم (876) من شواهد هذا الكتاب.

(2)

ديوان الفرزدق (2/ 123)(دار صادر).

(3)

خزانة الأدب (11/ 87).

(4)

شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ (642).

(5)

الشاهد رقم (961) من شواهد هذا الكتاب.

(6)

ديوان المتنبي بشرح العكبري (1/ 59).

(7)

الشاهد رقم (858) من شواهد هذا الكتاب.

(8)

الكتاب المذكور (1/ 434).

(9)

الشاهد رقم (863) من شواهد هذا الكتاب.

(10)

ديوان متمم بن نويرة (105).

ص: 78

ومن ذلك -أيضًا- قوله

(1)

:

وَلَيتَ سُلَيمَى في المنام ضَجِيعَتِي

هُنَالِكَ أَمْ في جَنَّةٍ أمَّ في جَهَنَّمِ

قال العيني: "أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل لا، ونقول: البيت لعمر بن أبي ربيعة، وهو في ديوانه

(2)

.

‌سادسًا: نسب بعض الأبيات إلى كتب ليست فيها:

وهذا الأمر من فوائد التحقيق؛ حيث ذكر العيني أن هذا البيت أنشده الفراء، وأنشده ابن جني، وأنشده سيبويه، وأعود إلى كتب هؤلاء، وأبحث عن البيت فلا أجده، من ذلك قوله

(3)

:

مَرُّوا عَجَالى وَقَالُوا كَيفَ سيدُكُم

فَقَال مَن سئلوا أَمْسَى لمجهُودَا

قال العيني: "هذا من أبيات الكتاب، ولم ينُسب فيه إلى أحدًا، ونقول بحثنا عنه في الكتاب فلم نجده.

ومن ذلك قوله

(4)

:

كَيْ تَجْنَحُونَ إلى سِلْمٍ وما ثُئِرتْ

قَتْلاكُمُ ولظَى الهَيجَاء تَضْطَرمُ

قال العيني: "أنشده سيبويه، ولم يعزه إلى قائله"، ونقول بحثنا عنه في الكتاب، ولم نجده. ومن ذلك -أيضًا- قوله

(5)

:

أبا عُرْوَ لا تبعَد فَكُلُّ ابنُ حُرَّةٍ

سيدعُوهُ دَاعِي مَيتَة فَيُجيبُ

قال العيني: "أقول: قائله مجهول، كذا قاله ابن يعيش وشارح الجزولية"، ونقول: البيت في شرح المفصل لابن يعيش فقط

(6)

، وليس في شرح المقدمة الجزولية "الكبير" لأبي علي الشلوبين.

‌سابعًا: يشرح أبياتًا ليست في الكتب الأربعة:

وهذا أمر لا يوجد منه إلَّا المثال الواحد أو المثالان، حيث أخذ الشارح على نفسه أن يشرح شواهد شرح ابن الناظم، وشرح المرادي، وشرح ابن هشام، وشرح ابن عقيل، ولكنه شرح شواهد ليست في الكتب الأربعة، ولعلّه قد يكون في يده نسخة من الكتب الأربعة، منها هذا

(1)

الشاهد رقم (869) من شواهد هذا الكتاب.

(2)

ديوان عمر بن أبي ربيعة (318) ط. دار صادر.

(3)

الشاهد رقم (297) من شواهد هذا الكتاب.

(4)

الشاهد رقم (1057) من شواهد هذا الكتاب.

(5)

الشاهد رقم (978) من شواهد هذا الكتاب.

(6)

انظر الكتاب المذكور (2/ 20).

ص: 79

الشاهد، من ذلك قوله

(1)

:

إلَّا رَسُولَ لَنَا مِنَّا فيُخبرَنَا

ما بعدُ غَايتنَا مِنْ رَأسِ مُجْرَانَا

وقد ذكره شاهدًا على نصب الفعل بخبرنا بأن مضمرة بعد فاء السببية الواقعة في جواب التمني.

والبيت لا يوجد في واحد من الكتب الأربعة المذكورة، وإن ذكر أنَّه في شرح المرادي.

‌ثامنًا: مآخذ ذكرها بعض الباحثين:

ويأخذ الباحث الذي صنع رسالة في كتاب

(2)

: "فرائد القلائد في شرح مختصر الشواهد على العيني" عدة مآخذ:

- منها أنَّه كان ينقل من الآخرين دون إشارة، ويستشهد على ذلك بنقوله عن ابن مالك من شرح التسهيل، وشرح الكافية الشافية، ونقول عن ابنه بدر الدين في شرحه على الألفية، أو نقوله عن المرادي في شرحه على الألفية -أيضًا-، ونقوله عن ابن هشام من مغني اللبيب، وأوضح المسالك، وتخليص الشواهد؛ كما نقل عن ابن يعيش، وابن عصفور، وغيرهم، دون أن يشير.

ونحن نقول: إن الأمر أسهل من هذا بكثير، فقد ذكر العيني هؤلاء الأعلام كثيرًا، وأشار إليهم، وتكرر ذكرهم في كتاب المقاصد، وغيرهم كثيرًا، وكان العيني أمينًا في النقل عنهم، بذكر موضع النقل من كتبهم؛ بل كان حريصًا على أن يذكر هؤلاء الأئمة في كتابه، فهو يعلم أن ذكرهم والنقل عنهم موافقًا أو مخالفًا يرفع قدر كتابه، ويعلي قيمة شرحه، فإذا نقل مرَّة أو مرتين أو ثلاث دون إسناد، فذلك إنَّما كان للاختصار، أو لاشتهار كتبهم وآرائهم، وإذا تصفح الباحث الكتاب الأصلي لكتابه، وهو المقاصد الكبرى للعيني لوجد صفحاته كلها تمتلئ بهؤلاء الأئمة وغيرهم، وتغص بذكر العلماء، والنقول عنهم في كل فن ومجال.

-كما يأخذ الباحث على العيني اضطرابه في الأسلوب في بعض المواضع، وأن الدكتور: سيد تقي "جامعة الأزهر" ألف كتابًا ذكر فيه عدة مسائل مختلفة أخذها على العيني.

ونقول: إننا قرأنا الكتاب المذكور مرات، وكنا نريد أن نقف فيه على عدة مآخذ علق فيها على كتاب العيني، وعلى شرحه للشواهد، وآلينا على أنفسنا أن نأخذ الكتاب كله، ونضعه في

(1)

الشاهد رقم (1096) من شواهد هذا الكتاب.

(2)

انظر الرسالة بعنوان: اعتراضات العيني على النحاة، واختياراته من خلال كتابه فرائد القلائد (427 - 444)"ماجستير- الأزهر- سيد أبو المعاطي".

ص: 80

التحقيق والتَّعليق، ونحدد مآخذ على الشَّرح، وهو ما توجهه قضايا التحقيق؛ إلَّا أننا لم نجد شيئًا ذا بال؛ حيث كُنَّا نقرأ العشر مسائل لا نجد واحدة تستحق التعليق والأخذ، وكلها مآخذ لفظية أسلوبية، أو خلاف في الرأي، أو سهو من العيني غير مقصود.

- وبعد أن يذكر الباحث عدة مآخذ مختلفة يختم ذلك بقوله: "وبعد: فإن هذه الهنات التي وقفت عليها لا تغض من قيمة هذا الكتاب، فهو كتاب أثرى المكتبات العربية لقيمته العلمية، وهذه الهنات لا تقدح في قيمته، وذلك نظرًا لكثرة اشتغالاته الوظيفية، ولأنه عمل بشري، والكتاب مليء بأشياء كثيرة استفاد منها العلماء المعاصرون له، ومن جاء بعدهم حتَّى يومنا هذا

(1)

. انتهى.

* * *

(1)

انظر الرسالة بعنوان: اعتراضات العيني على النحاة، واختياراته من خلال كتابه فرائد القلائد (444).

ص: 81

‌الفصل الثامن: كتاب المقاصد (المخطوط والمطبوع)

نستعرض في هذا الفصل النسخ المخطوطة والمطبوعة لكتاب المقاصد النحوية للعيني، ووصف تلك النسخ، ثم فائدة هذه وعيوب تلك ليكون القارئ على بينة ممَّا يقرأ، فذلك أصل التحقيق.

نستعرض هنا النسخ التي وقعت بأيدينا مخطوطة، ومطبوعة، والتي عملنا فيها نحن الثلاثة ست سنوات (أكتوبر 2001 م- فبراير 2007 م) ولو أن هذا عمل فرد لاستغرق أكثر من عشر سنوات.

‌أولًا: الحديث عن النسخ المخطوطة:

لا شك أن نسخ هذا الكتاب في مكتبات العالم كثيرة، منها ما هو في دار الكتب المصرية حيث ألف العيني الكتاب، ومنها ما هو في غيرها، وعلى كل حال عندما عزمنا على تحقيق الكتاب بعد أن تبينت لنا فوائده، صورنا منها نسختين مخطوطتين، كانتا في المكتبة المركزية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، الأولى كانت برقم:(7547 - 7548 ف) والثانية برقم (2146 ف)، وقد رمزنا للنسخة الأولى (أ) وذلك تقدم نسخها، حيث نسخت سنة (817 هـ)، وللنسخة الثَّانية برمز (ب)؛ لأنَّ تاريخ نسخها أحدث ممَّا قبلها، حيث نسخت سنة:(1142 هـ).

واكتفينا بهاتين النسختين على أن تكون النسخة المطبوعة على هامش الخزانة "طبعة بولاق" هي النسخة الأصلية الصحيحة؛ لأنها تعد كأنها محققة، ثم ظهرت نسخة أخرى مطبوعة أخرى سنة:(2005 م) كما سنتحدث بعد ذلك.

‌وصف النسخة المخطوطة (أ):

هي نسخة مكونة من جزأين: الجزء الأول مكتوب بخطِّ المؤلف، وقال: إنه فرغ من تأليفه

ص: 82

وكتابته سنة: (817 هـ)، وهو يبدأ بأول الكتاب، وينتهي عند آخر باب: تعدي الفعل ولزومه، وهذا الجزء عبارة عن:(334) لوحة، في كل لوحة صفحتان، وفي كل صفحة خمسة وعشرون سطرًا، وكله مكتوب بخط أسود كبير وهو برقم (7547 ف) بالمكتبة المركزية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعنوانه:"شرح الشواهد الكبرى للعلامة: محمود بن أحمد العيني" وبقية الصفحة فيها طمس كبير.

وأمَّا الجزء الثَّاني، فهو مكتوب بخطِّ: أحمد بن محمد بن عبد الله الحموي، وهو عبارة عن (367) لوحة، في كل لوحة صفحتان، وفي كل صفحة خمسة وعشرون سطرًا، ويبدأ هذا الجزء بباب التنازع حيث انتهى الجزء الأول حتَّى آخر الكتاب، وقد كتب في شهر جمادى الثَّانية سنة:(1118 هـ)، وهذا الجزء مكتوب بخط كبير أسود، وهو في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، برقم:(7548 ف) وعنوانه: "الجزء الثَّاني من شرح الشواهد الكبرى لعلامة زمانه: محمود بن أحمد العيني رحمه الله".

‌وصف النسخة المخطوطة (ب):

هي نسخة مكونة من جزء واحد، وعدد لقطاتها أربعمائة لقطة بالعنوان، في كل لقطة صفحتان، فكأنها ثمانمائة صفحة بالتمام والكمال، في كل صفحة خمسة وثلاثون سطرًا، وفي كل سطر ثلاث عشرة كلمة، وهي مكتوبة بخطِّ النسخ الجميل، وقد كتب بيت الشاهد والرموز الخاصة به "ظقهع"، والعناوين الخاصة أيضًا بالبيت "الإعراب -وجه الاستشهاد- قوله" بخطّ أحمر مميز، وبقية الكلام بخطّ أسود جميل لا يتعب في القراءة، ولم يكن عيبها إلَّا كثرة السطور في الصفحة الواحدة، ولكن الصبر على قراءتها كان فوق كل شيء.

تبدأ النسخة المذكورة بما بدأ به الكتاب، وهو خطبة المؤلف التي جاء فيها:"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إياك نحمد يا مَن علمتَنا مِن العلوم ما لم نعلم، وألهمتَنا إبرازَ المعاني بالنون والقلم، وإيَّاك نستعين في كل أمر يبتدأ ويختم، اهدنا صراط من مننت عليهم بالنعم، وأمَّنْتَهم من الغضب والضلال والظلم. وعلى نبيك المختار المستأثر بالحُكْم والحِكَمِ نصلِّي صلاة تدوم إلى يوم حَشْرِ الأمم. وعلى آله وصحبه ذَوى المروآتِ والكَرَمِ .. إلخ".

وتختتم النسخة المذكورة بهذا الكلام، وهو قول العيني: "نسأل الله أن يعصمنا عن الأباطيل، ويهدينا إلى سواء السبيل، وأن الفضل بيده يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى الله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.

آمين".

ص: 83

- ثم ذيلت النسخة بهذا الكلام:

"قد نجز بحمد الله تعالى هذا الكتاب الميمون، المحتوي على كل در مكنون، برسم سيدنا ومولانا حجر السعادة، ورضيع ثدي السيادة، نتيجة الدهر والأوان، ونخبة الأماجد والأقران، مكاوي صنوف الآداب بتمامها، ومستخرج زهرات الفضائل من أكمامها، ذي المجد الأثيل، والفجر الجليل، والأعراق الطاهرة، والشيم الفاخرة، سامي الجد والهمم، حاوي الغر والكرم، فرع الشجرة الزكية، وطراز العصابة الهاشمية، جناب حضرة السيد: محمد أفندي الكيلاني، نجل حضرة سيدنا ومولانا السيد: عبد القادر أفندي الكيلاني الحسني الحسيني -أدام الله رفعته- وحرس بهجته، وأبقى بيتهم الطَّاهر عالي العماد، ثابت الأركان والأوتاد، من غير تغيير ولا ائثلام، ولا زالوا ملجأ للخاص والعام، ما دامت الليالي والأيام، والحمد لله على التمام على يد الفقير إليه رحمه الله تعالى محمد الرسامي - عفا الله عنه - تحريرًا في شهر شعبان المبارك من شهور سنة اثنتين وأربعين ومائة وألف، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى الله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين. آمين".

‌ثانيًا: الحديث عن النسخ المطبوعة:

‌أولًا: النسخة المطبوعة قديمًا:

النسخة المطبوعة قديمًا هي النسخة التي على هامش كتاب خزانة الأدب للبغدادي، والتي قلنا عنها: إنَّها لم تكن المقصودة بالطباعة، وإنَّما كان المقصود هو كتاب الخزانة، ثم كانت هذه تباعًا على الهامش، ولم يجد النَّاس الباحثون غيرها لكتاب المقاصد رضوا أم أبوا، فكانت لهم المرجع والمصدر الوحيد -طوال أكثر من مائة عام- لهذا الكتاب.

طبعت هذه النسخة في مطبعة بولاق سنة (1300 هـ) أو بالتحديد سنة (1299 هـ)، فكأن عمرها الآن مائة وخمسة وعشرون عامًا.

تخلو النسخة المذكورة من ضبط الأبيات أو غيرها، وتصعب قراءتها جدًّا أو الرجوع إليها، لخلوها من فهرس أو غيره، ولا يستطيع قراءتها إلَّا باحث اتسم بالصبر والأناة والحرص على العلم، وعندما صورتها دار صادر ببيروت صورتها على ما هي عليه دون زيادة أو نقصان، ودون شكل أو ضبط أو تنظيم، شأنها شأن الكتاب الأصلي فيها، وهو كتاب الخزانة، وعندما حقق الأستاذ عبد السَّلام هارون كتاب الخزانة، وأخرجه للطباعة في طبعة حديثة "أحد عشر مجلدًا

ص: 84

غير الفهارس" هجر النَّاس وطلاب العلم كتاب الخزانة القديم المطبوع على هامشه كتاب: المقاصد النحوية، وبالتالي أيضًا هجروا كتاب المقاصد مع أهميته، والنّاس تنظر إلى أهميه الكتاب في أيديهم

إلخ، وقريبًا منهم لا يتحملون عناء البحث عنه أو البحث فيه، ومن هنا برزت أهمية تحقيق كتاب المقاصد الكبرى، وطباعته منفصلًا.

كما حقق وانفصل كتاب الخزانة، واعتمد النَّاس والطلاب عليه، مع كثرة عدد أجزائه؛ لوضوح خطه، وحسن طباعته، وضبط شواهده، وإن كان يحتاج إلى تحقيق آخر غير تحقيق الأستاذ عبد السَّلام هارون.

دعوت الأخوين الفاضلين: شقيقي وهو الدكتور عبد العزيز فاخر، وأخي وهو الدكتور أحمد السوداني، وكانت لهما أهمية كتاب المقاصد لطلاب العلم ممن تخصص في النحو، ومن تخصص في الأدب، ومن تخصص في اللغة، فأسرعا في تلبية الطّلب، وعملا في الكتاب ليلًا ونهارًا، وصيفًا وشتاءً، وعملت معهما مراجعة وتحقيقًا، ودراسة وتدقيقًا، وكانت كثرة النسخ معنا جعلت كل واحد يعمل في ناحية، حتَّى خرج كتابنا ونحن راضون عنه.

وصف النسخة المطبوعة على هامش الخزانة: طبع كتاب المقاصد النحوية على هامش الخزانة في أربعة أجزاء كبيرة، كان الجزء الأول يبدأ بشواهد الكلام، وانتهى عند آخر شواهد باب المبتدأ والخبر "ثمانية أبواب"، والجزء الثَّاني بدأ بشواهد كان وأخواتها، وانتهى بشواهد تعدي الفعل ولزومه "أحد عشر بابًا"، والجزء الثالث بدأ بشواهد التنازع في العمل، وانتهى بشواهد التعجب "ستة عشر بابًا" والجزء الرابع والأخير بدأ بشواهد نعم وبئس، وما جرى مجراها حتَّى آخر الكتاب، وهو شواهد الإدغام، فكان "ثلاثة وثلاثين بابًا"، فيها ما هو في النحو وما هو في الصرف، وختمت نسخة الخزانة، وطبعة بولاق بما ختمت به النسخ المخطوطة من سرد الكتب والمراجع التي رجع إليها العيني في كتابه، ومن خوف العيني من حساده، والطاعنين على كتابه، ثم دعا الله قائلًا:"نسأل الله تعالى أن يعصمنا عن الأباطيل، ويهدينا إلى سواء السبيل".

وقد ذيلت هذه النسخة بصفحة كبيرة كتبها صاحب مطبعة بولاق، لا بأس من إيراد ما يهمنا من هذه الصفحة، من ثناء على كتاب الخزانة، أو كتاب المقاصد، اللذين طبعهما الرجل أو تاريخ الطباعة، يقول:

"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، نحمدك يا من قامت الآيات والشواهد على أنك المستحق لجميع الممادح والمحامد، ونصلي ونسلم على رسولك أفصح من نطق فأبان، وأبلغ من أعرب عما في الضمير والجنان، وعلى آله الحائزين به طراز الجلال، وأصحابه المرشدين إلى محجة الكمال والجمال.

ص: 85

وبعد، فيقول المتوسل بالنبي الخاتم، الفقير إلى الله تعالى محمد قاسم، قد تم بمطبعة بولاق التي ازدهرت محاسنها بسائر الآفاق، طبع شرح العلامة، الأديب الفهامة، الألمعي الأريب، من أينعت أزهار رياض علومه، وأسفرت أنوار كواكب فهومه، وسارت بركبه الركبان في كل واد، الشَّيخ عبد القادر بن عمر البغدادي، المسمى: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب على شواهد شرح الكافية، التي هي لمقاصد القواعد متممة، ولقلة العباد شافية، لنجم الأئمة الإستراباذي الشَّهير بالرضي، أرضاه الله تعالى بما تقر به عينه، وعنه رضي، وناهيك به من كتاب تخضع له رقاب ذوي الألباب، لما توشج به من غرر الفوائد، وتحلى به من درر الفوائد

" إلخ.

وبعد أن أثنى على كتاب الخزانة بما هو أهله، أثنى على كتاب المقاصد للعيني فقال:"وقد طرز هامشه النضير بشرح شواهد الحبر الكبير، خاتمة المحققين العلامة محمود العيني بدر الدين الموسوم بالمقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية، ويا له من شرح جامع لعقود الفوائد، وصنوف البدائع؛ طالما أعرب فأعزب، وفسر المفردات فأعجب وأطرب، وبالجملة فإن شرحه للشواهد على كمال رسوخ قدمه في الأدب أصدق شاهد على براعة عبارته، وحسن بيانه وإشارته".

ثم ذكر بعد ذلك أسماء الذين ساهموا في طبع الكتابين: "الخزانة والمقاصد"، ونصيب كل واحد منهم بالقيراط، وانتهى بعد ذلك إلى ذكر تاريخ الطباعة التي كانت في عهد الخديوي توفيق ووزير معارفه: علي بك جودت، يقول:"وذلك في أيَّام صاحب السعادة، ومطلع تلك المجادة والسعادة، من هو بالثناء عليه حقيق، الخديوي الأعظم محمد توفيق؛ لا زالت تلك الأيَّام آمنة في ظلال عدله، رافلة في مطارف جوده وفضله، مشمولًا طبعه بإدارة، صاحب نظارتها، المشمر عن ساعد الجد في تدبير نضارها ونضارتها، من به المعارف إلى أوج الكمال رفت، سعادة: علي بك جودت، وقد طبع بدر ثمامه، وتاج مسك ختامه في أواسط أخرى بين الجمادتين، عام تسع وتسعين وألف ومائتين من هجرة السيد المختار -صَلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار، ما سطعت نعمات الأزهار، وما هبت نسمات الأسحار." انتهى.

وقد كانت نسخة طبعة بولاق "الخزانة، والمقاصد الكبرى" أربعة أجزء كبيرة؛ كما قلنا، في كل جزء ستمائة صفحة من الحجم الكبير، وكان كل جزء يختم بفهرس للموضوعات إجمالًا، واحد لكتاب الخزانة في صفحتين أو ثلاث، وآخر لكتاب المقاصد الكبرى في صفحة واحدة، وقد رمزنا إلى هذه النسخة المطبوعة على هامش الخزانة بنسخة الخزانة.

فائدة نسخة الخزانة: لقد اعتقدنا واعتقادنا صحيح -إن شاء الله تعالى- أن النسخة

ص: 86

المطبوعة على هامش الخزانة أصح من النسخ المخطوطة؛ وذلك لأنَّه قد توفر على طباعتها علماء أجلاء في القديم، كانوا يحبون العلم، ويعكفون عليه، وهكذا كل مطبوع في القدم من كتاب سيبويه "طبعة بولاق"، ومن كتاب الخزانة، وغير ذلك، وأعتقد أن هؤلاء العلماء وقفوا على نسخ لكتاب المقاصد مخطوطة غير التي وقفنا عليها، ورجعنا إليها، لقد كنا نرى سقطًا في بعض مقطوعات الشعر في نسختي "أ - ب" المخطوطتين، كان يدلنا عليها المقارنة والقراءة في نسخة بولاق المطبوعة، وعلى كل حال فنحن أخذنا العلم وصححنا الكلام، ووثقناه وأكدناه من النسخ الثلاث؛ المخطوطتين والمطبوعة، وكان هذا الذي يهمنا.

- مثال من السقط والتكملة: ومن نماذج السقط من النسخ المخطوطة والتكملة من نسخة الخزانة هذا الشاهد، وهو قوله

(1)

:

فَأَصبَحنَ لا يَسأَلْنَهُ عَنْ بِمَا بِهِ

أَصَعَّدَ فيِ عُلُوِّ الهَوَى أَمْ تَصَوَّبَا

جاء في نسختي "أ، ب" قول العيني: "أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل، ثم بدأ بشرح مفردات البيت".

والذي جاء هنا قاله الإمام عبد القادر، وهو يشرح البيت في كتابه الخزانة يقول:"هذا البيت لم أقف على اسم قائله، ولا تتمة. والله أعلم"

(2)

.

لكن نسخة المقاصد المطبوعة على هامش الخزانة أسعفتنا بوجود القائل، وقد ذكرت أربعة أبيات من قصيدة الشاهد.

يقول العيني بعد أن ذكر البيت السابق: "أقول: قائله هو الأسود بن يعفر من قصيدة من الطَّويل، وأولها هو قوله:

صَحَا سكرٌ مِنْهُ طَويلٌ بِزَيْنَبَا

تعَاقِبهُ لما اسْتَبَانَ وجَرَّبَا

وَأَحكَمَهُ شَيبُ القَذَالِ عن الصبَا

فَكَيفَ تُصَاببهُ وَقَدْ صَارَ أَشْيَبا

وكَانَ لَهُ فيمَا أَفَادَ حلائلٌ

عَجَّلْنَ إذا لاقَينَهُ قَلْنَ مَرحَبا

فَأَصْبَحْنَ ................

................... إلى آخره

وبعده:

طَوَامِحُ بِالأَبْصَارِ عَنْهُ كَأنَّمَا

يرينَ عليهِ حلّ أَدْهَم أَجْرَبا

قوله: "أصعد" أي ارتقى، قوله:"أم تصوب" أي أم نزل.

(1)

الشاهد رقم (840) من شواهد هذا الكتاب.

(2)

خزانة الأدب (5/ 527)"هارون".

ص: 87

وهكذا ذكرت النسخة بعد أول بيت في القصيدة بيتين آخرين، ثم بيت الشاهد، ثم بيتًا خامسًا.

ومع ذلك كله، وتقديرنا لنسخة المقاصد المطبوعة على هامش الخزانة؛ إلَّا أن فيها -غير إهمال الشكل- بعض الأخطاء الهينة، حتَّى لا يبقى الكمال إلا لله وحده، فمثلًا هذا شاهد، وهو قوله

(1)

:

حَمَامَةُ بَطْن الوَادِيَين ترنَّمِي

سَقَاكِ مِنَ الغُرِّ الفَوَادِي مَطيرُهَا

وهو شاهد في باب التوكيد؛ لإقامة المثنى مقام المفرد في قوله: "بطن الواديين"، وأصله: بطن الوادي، وعلى ذلك مكانه باب التوكيد؛ لكنَّه جاء في نسخة الخزانة في آخر باب النعت، وبعد الانتهاء من شرحه جاء العنوان: شواهد التوكيد، والصحيح أن باب التوكيد يبدأ بالبيت المذكور.

‌ثانيًا: وصف النسخة المطبوعة حديثًا:

اعتكفنا على تحقيق كتاب المقاصد بعد الاقتناع بأهميته وفائدته لطلاب العلم ما يقرب من أربع سنوات كاملة، من سنة (2002 م) إلى سنة (2006 م)، كلٌّ يعمل فيما يسره الله له، وفيما اقتسمناه في العمل نحن الثلاثة المحققين، وقبل الانتهاء منه بأشهر قليلة فوجئنا بطبعة للكتاب في ثلاثة أجزاء بتحقيق: محمد باسل عيون السود، لا تعرف عنه شيئًا إلَّا أنَّه دمشقي الجنسية؛ كما جاء في مقدمته، وكان ذلك سنة:(2005 م)"منشورات دار الكتب العلمية- لبنان- بيروت- محمد علي بيضون"، متوسط الجزء ما بين خمسمائة صفحة، أو ستمائة صفحة، ويختم كل جزء بفهرس للموضوعات في صفحة أو صفحتين.

ومضينا في العمل، ولم يثننا شيء؛ فقد كنا انتهينا من العمل والتحقيق أو قاربنا الانتهاء، وتصفحنا النسخة المطبوعة من كتاب المقاصد، وكانت كالآتي:

- مزايا وحسنات:

1 -

تتميز النسخة في التحقيق بالرجوع إلى كتب الأدب كثيرًا؛ ككتاب الأغاني، وشرح ديوان الحماسة، وغير ذلك.

2 -

تتميز بالرجوع إلى دواوين الشعراء في الشواهد والمقطوعات التي يوردها العيني في كتابه.

(1)

الشاهد رقم (828) من شواهد هذا الكتاب.

ص: 88

3 -

تتميز بالتراجم المختلفة للأعلام الذين يوردهم العيني في كلامه وكتابه.

4 -

تتميز بذكر عدة مراجع للشاهد الذي يورده العيني من الكتب التي يشرح شواهدها.

5 -

تتميز بترقيم الأبيات للمقطوعات التي يوردها العيني في كتابه تكملة للشاهد.

- مآخذ وسوآت:

1 -

تخلو النسخة المطبوعة من الدراسة العامة التي تكون في أول الكتب المحققة، يتحدث فيها المحقق عن الكتاب وأهميته، ومنهج المؤلف للكتاب في تأليفه له، وعن المصادر والكتب التي استقى منها كتابه، وتأثيرها، وعن حسناته أو مآخذه، ممَّا يجعل القارئ بعد أن يقرأ هذه الدراسة متأهلًا للدخول في قراءة الكتاب، مستعدًّا للوقوف عما فيه، فقد وقف على معرفة إجمالية عنه قبل الدخول في تفاصيله، وهو ما فعلناه في الفصول الثمانية، التي تكونت منها الدراسة المختلفة عن الكتاب.

2 -

تخلو النسخة المطبوعة من فهارس تفصيلية للكتاب، فلا يوجد فيها فهرس لما يشتمل عليه الكتاب من آيات قرآنية، أو أحاديث، أو فهرس للأشعار والشواهد التي تملأ الكتاب، وإذا أراد قارئ أن يبحث عن شاهد، أو يقف على آخر، أو يعرف هل البيت في الكتاب أو لا فلا يستطيع؛ لأنَّ الكتاب يخلو من ذلك، مع كثرة الشواهد فيه، التي بلغت ألفًا وثلاثمائة وثمانين شاهدًا، غير الأبيات التي كانت تأتي عرضًا.

3 -

تخلو النسخة المطبوعة من وصف للنسخ المخطوطة التي رجع إليها المحقق؛ كما تخلو من المقارنات في الهامش والزيادة والنقصان في كل نسخة، وأعتقد أن المحقق رجع إلى النسخة المطبوعة على هامش الخزانة واطمأن إليها، وجعلها أصلًا له، وأنها كفته عن كل شيء في التحقيق، ومسائله وقضاياه.

4 -

هناك كثير من المسائل النحوية واللغوية، والتي كان يجب توثيقها من مراجعها، مع سهولتها، ولكن ذلك لم يكن.

5 -

لم تتميز العناوين البارزة في الكتاب مثل معنى البيت، أو كلمة الإعراب، أو وجه الاستشهاد، أو كلمة قوله، أو بيت الشاهد الذي كان يجب أن يكون بخطّ بارز واضح، أو يبدأ به أول الصفحة، وهو ممَّا يخص طباعة الكتاب.

6 -

ومما يخص الطباعة أيضًا أن الصفحة مليئة بالأسطر والكتابة، ممَّا يتعب القارئ، وكان يجب أن تكون أقل من ذلك، حتَّى لو زاد الكتاب جزءًا آخر.

ص: 89

7 -

ومما يتصل بالنواحي العلمية، وهو ما تصفحناه سريعًا ما يلي:

1 -

في الجزء الأول، الصفحة العاشرة ترجم المحقق للجوهري فقال هو: محمد بن عبد المنعم شمس الدين، عالم بارع في العلوم، له: شرح شذور الذَّهب، وشرح الإرشاد، توفي سنة (889 هـ)، وهذه الترجمة خطأ، فالجوهري هو أبو نصر الفارابي إسماعيل بن حماد الجوهري، صاحب تاج اللغة وصحاح العربية، المتوفى سنة (398 هـ).

ب- في الجزء الثالث، الصفحة:(361) قال: إن أبيات ميسون الكلابية المشهورة، والتي أولها

(1)

:

لَلُبسُ عَبَاءة وتَقَرَّ عينِي

أَحَبُّ إِلَيَّ مِن لُبس الشفوفِ

في خزانة الأدب: (5/ 503)، والصَّواب أنَّه في:(8/ 503).

جـ- أَلا عِمْ صَبَاحًا يأيُّها الطَّلَلُ الْبَالي

وَهَلْ يعِمَنْ مَنْ كَانَ فيِ العُصُرِ الخالِي

قال العيني

(2)

: "قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدة طويلة أولها هذا البيت، وقد سقناها بتمامها"، وقال المحقق: تقدمت في شواهد المعرب والمبني (1/ 196)، والصَّواب:(1/ 119).

- ومثل هذا البيت

(3)

:

بِأَبِهِ اقتَدَى عَدِيٌّ فِي الكَرَمِ

وَمَنْ يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَم

- قال المحقق: (1/ 383)، الرجز لرؤبة، تقدم (ص 129)، والصَّواب (ص 77).

د- وفي قول جميل: (3/ 371).

وطرفُكَ إما جئتَنَا فاصرفَنه

كيما يحسَبوا أن الهوى حيثُ تنظرُ

جاء في شرحه بنص لابن مالك، وهو قوله:"الكاف فيه للتشبيه، كفت بما، ودخلها معنى التعليل، فنصبت وذلك قليل" وكتب ابن مالك ملأت الدُّنيا وشغلت النَّاس، ولم يخرجه المحقق، والنص في شرح التسهيل لابن مالك:(3/ 173)، العيني:(ص 19)، وفي شرح الكافية الشافية:(ص 820، 1535).

- ومثل ذلك ما فعله في نص لابن هشام، وهو تعليق على قول جميل أيضًا

(4)

:

(1)

الشاهد رقم (1080) من شواهد هذا الكتاب.

(2)

الشاهد رقم (34) من شواهد هذا الكتاب.

(3)

الشاهد رقم (16) من شواهد هذا الكتاب.

(4)

الشاهد رقم (1086) من شواهد هذا الكتاب.

ص: 90

أَلَم تَسأَلِ الرَّبْعَ القَوَافيِ فَينطِقُ

وهل تُخْبرَنكَ اليومَ بِبَيدَاءَ سملَقُ

نقل العيني نصًّا لابن هشام: "وقال ابن هشام: الفاء فيه للاستئناف عند بعضهم، والتقدير: فهو ينطق؛ لأنَّها لو كانت للعطف لجزم ما بعدها، ولو كانت للسببية لنصب"، وهذا الكلام في كتاب أوضح المسالك لابن هشام، باب إعراب الفعل، ولم يوثقه المحقق.

- ومثل ذلك: مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين، وتحقيقها من كتاب الإنصاف للأنباري ما أسهله، ومع ذلك فهناك مسائل لم تحقق:(3/ 381)، وهي مسألة العطف على الضمير المتصل دون توكيد أو فصل، وهي في الإنصاف:(ص 474).

- وأمَّا الأخطاء المطبعية فهي كثيرة في الكتاب، من ذلك:

- ومنع ابن مالك كون لو للتمني، وقدرها هنا: لو نعان، فهو جواب عن إنشائي كجواب ليت، والصَّواب: فهو جواب تمنٍّ إنشائي كجواب ليت: (3/ 377).

- قول الراجز:

إن الألى قد بغوا علينا

........................

وصحته: إن الأولاء، (3/ 412).

- يقول العيني: "وذكر ابن مالك في شرح التسهيل أن حذف النون من "هما اللتا" للضرورة، وهو مخالف لما ذكره في شرح التسهيل من جواز حذف نون اللذان واللتان في الاختيار، وهو خطأ، والصَّواب: "وهو مخالف لما ذكره في التسهيل من جواز

إلخ". (1/ 249).

- وفي قول ذي الرمة

(1)

:

وَانْسَانُ عَينِي يَحْسِرُ الماءَ تارَةً

فَيبدُو ........................

قال العيني: "الاستشهاد فيه ها هنا؛ في قوله: "يحسر الماء" حيث؛ حذف منه إن؛ إذ أصله: إن يحسر الماء، فلما حذف ارتفع الفعل، وإنَّما قدروا فيه إن محذوفة، وأن تقديره. وإنسان عيني إن يحسر الماء تارة فيبدو

إلخ". إن في هذا النص كله مكسورة الهمزة، وهي إن الشّرطيّة، وقد تكررت أربع مرات، ولكنها في التحقيق جاءت بفتح الهمزة، وهو غير مراد:(3/ 411).

من أجل ذلك كله مضينا في تحقيق الكتاب وأكملنا عملنا، فتحقيق الكتاب الواحد مرتين أو ثلاث لا بأس به.

والله الموفق ..

(1)

الشاهد رقم (1134) من شواهد هذا الكتاب.

ص: 91

عنوان النسخة (أ) وهي في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برقم (7547 ف)

ص: 93

الصفحة الأولى من النسخة (أ) الجزء الأول

ص: 94

الصفحة الأخيرة من الجزء الأول من النسخة (أ)

ص: 95

صفحة العنوان للجزء الثَّاني من النسخة (أ) رقم (7548 ف) بجامعة الإمام محمد بن سعود

ص: 96

الصفحة الأولى من النسخة (أ) الجزء الثَّاني

ص: 97

الصفحة الأخيرة من النسخة (أ) الجزء الثَّاني

ص: 98

الصفحة الأولى من النسخة (ب) برقم (2146 ف)، بمركز المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (800 صفحة)

ص: 99

الصفحة الأخيرة من النسخة (ب) وفيها يظهر تاريخ النَّسخ (شعبان 1142 هـ)

ص: 100

عنوان الجزء الرابع من طبعة بولاق لكتاب خزانة الأدب، وبهامشه المقاصد النحوية للعيني (جمادى الثانية 1299 هـ)

ص: 101

عنوان الأخيرة من طبعة بولاق لكتاب خزانة الأدب والمقاصد النحوية، وفيها يظهر تاريخ الطباعة (1299 هـ)

ص: 102

الصفحة الأخيرة من فهرس (الجزء الرابع) لكتاب المقاصد النحوية المطبوع على هامش الخزانة

ص: 103

القسم الثاني:

التحقيق

ص: 105

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مُقَدِّمةُ الشَّارح

إياك نحمد يا مَن علمتَنا مِن العلوم ما لم نعلم، وألهمتَنا إبرازَ المعاني بالنون والقلم، وإياك نستعين في كل أمر يبتدأ ويختم، اهدنا صراط من مننت عليهم بالنعم وأمنْتَهم من الغضب والضلال والظلم. وعلى نبيك المختار المستأثر بالحُكْم والحِكَمِ. نصلي صلاة تدوم إلى يوم حَشْرِ الأمم. وعلى آله وصحبه ذَوى المروآتِ والكَرَمِ.

وبعد:

فإن العبد الفَقِيرَ إلى مولاه الغني أبا محمد محمود بن أحمد العيني

(1)

، عامله ربه ووالديه بلطفه الجلي والخفي يقول: لما رأيت شدة اهتمام محصلي النحو في المدارك وغاية ألفتهم بكتاب ألفية ابن مالك

(2)

؛ لكونه موصلًا إلى مقاصدهم بأوضح المسالك، غير مستغنين عن شرحه المنسوب إلى ابن الناظم

(3)

، وشرحه الذي ألفه ابن أم قاسم

(4)

، وشرحه الذي رتبه ابن هشام

(5)

، وشرحه الذي أملاه ابن عقيل

(6)

؛ أردتُ أن أستخرج الأبيات التي ذُكِرَتْ فيها

(1)

محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بدر الدين العيني الحنفي، مؤرخ له مؤلفات كثيرة، منها الكتاب الذي نحققه كما ألف: عمدة القاري في شرح البخاري وغيره (ت 855 هـ). الأعلام (7/ 163).

(2)

محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني، ألف تسهيل الفوائد وشرحه والكافية الشافية وشرحها ولامية الأفعال وغير ذلك (ت 672 هـ). الأعلام (6/ 233).

(3)

محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي أبو عبد الله بدر الدين، نحوي له: شرح الألفية يعرف بشرح ابن الناظم، ولامية الأفعال، وشرح غريب تصريف ابن الحاجب (ت 686 هـ). الأعلام (7/ 31).

(4)

هو بدر الدين الحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي المرادي المصري النحوي اللغوي الفقيه له: شرح التسهيل، وشرح المفصل، وشرح الألفية، والجنى الداني في حروف المعاني، وغيرها (ت 749 هـ). الأعلام (2/ 211)، وشذرات الذهب (6/ 160، 161).

(5)

هو عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام، صنف: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، وأوضح المسالك، والجامع الكبير، وشذور الذهب، وغيرها (ت 761 هـ). الأعلام (4/ 147).

(6)

عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد القرشي الهاشمي بهاء الدين بن عقيل، له: شرح ألفية ابن مالك في النحو، والمساعد في شرح التسهيل وغيرها (ت 769 هـ). الأعلام (4/ 96).

ص: 107

على سبيل الاستشهاد في الأبواب، وأُبَيِّنَ ما فيها من اللغات والمعاني والإعراب، وأزيلَ ما فيها من المبهمات التي تتصحف على الطلاب، وأكشفَ الألفاظ التي تشتبه عليهم في هذا الباب، متعرضًا إلى بيان ما فيها من الأبحُر والأوزان، وإلى ذكر بقية كل بيت بحسب الطاقة والإمكان، وإلى إيضاح قائله عند الظفر والوجدان، وذلك لأني رأيت الشراح قد أهملوا هذه الأمور، واكتفوا بذكر ما فيها من الشاهد المشهور، بحيث قد آل بعضها إلى حالة قد استحق بها الهجران، وصار بعضها في بعض الأذهان كالسُّها والدَّبُران

(1)

، فهذا هو الذي نَدَبَنِي إلى هذا الترتيب الغريب والجمع الموشح بكل عجيب، مع ما سألني في ذلك مَن لا تسعني مخالفته، ولا توافقني مرادفته، واعتصمتُ في ذلك بربي

(2)

الكريم؛ إنه الميسر لكل صعب عظيم.

ثم إني بينت نسبة كل بيت إلى مَن ذكره في تأليفه برمز حرف من أشهر حروفه، فإن اتفقت الأربعة على ذكر بيت منها رمزت عليه هكذا:"ظقهع"؛ فالظاء من ابن الناظم، والقاف من ابن أم قاسم، والهاء من ابن هشام، والعين من ابن عقيل الإمام، وإن كانت الثلاثة أو الاثنان منهم مطلقًا ذكرته ورمزت عليه هكذا: (ظقه- ظقع- قهع- ظق- ظه- ظع- قه- قع- هع". وان انفرد واحد منهم، رمزتُ رمزه المعين، ليُعْلَمَ كل منهم ويتبين.

فاجتهدتُ في تصنيفه بُرْهَةً من الزمان، وجاهدتُ في تأليفه مدة من الأوان، بعد مراجعة شديدة إلى كتب عديدة، ومطالعة مديدة في دواوين سديدة، مع مقاساة العناء والنصَب من حوادث الزمان، ومكابدة تجرع الغصص من أهل الحسد والجهل والطغيان، وكساد سوق العالم وبوار بضاعته النفيسة، ورواج معاش الجهل وتقدمه في صناعته الخسيسة، وإلى الله المشتكى وعليه التكلان، وفي كل أمر هو المستعان، فجاء بحمد الله وفيه شفاء صدور المنتهين، وكفاية مؤنة المشتغلين المبتدئين، مشتملًا على فوائد جسيمة، وفرائد من النكات العظيمة، على أن نفعه عام لأكثر الكتب النحوية، وفوائده شاملة لغالب الشواهد المحكية، مسمى: "بكتاب

(3)

المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية" المسئول

(4)

ممن ينظر فيه أن يصلح ما يحتاج إلى الإصلاح؛ أداءً لحق الأخوة بالنصح والانتصاح، فإن القلم له هفوة، والجوادَ له كبوة، والإنسان

(1)

السَّها: كُوَيكِبٌ صغير خفي الضوء في بنات نعش الكبرى والناس يمتحنون به أبصارهم، يقال: أنه يسمى أسلم مع الكوكب الأوسط من بنات نعش، وفي المثل: أريها السُّها وتُريني القمر. اللسان مادة (سُها).

والدبران: نجم بين الثريا والجوزاء ويقال له التابع والتوبيع وهو من منازل القمر، سمي دبرانًا لأنه يدبر الثريا أي يتبعها. اللسان مادة (دبر).

(2)

في (أ، ب): على ربى.

(3)

في (ب): مقاصد.

(4)

في (أ): فالمسئول.

ص: 108

غير معصوم من

(1)

الخطأ والنسيان، وهما بالنص عنَّا مرفوعان، وأن يَذْكُرَني

(2)

بصالح دعواته عَقِبَ صلوَاتِه في خلواته، فإني جعلته خالصًا لوجهه الكريم، ابتغاءً لمرضاته، وطلبًا لغفرانه العظيم، والأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، ولا يبرز اللسان عن الجنان إلا ما حوى، فها أنا أشرع في المقصود، متوكلًا على الله المعبود:

(1)

في (أ): عن.

(2)

الضمير يعود على الناظر في الكتاب.

ص: 109

‌شواهد الكلام

‌الشاهد الأول

(1)

،

(2)

ألا كلُّ شيءٍ مَا خَلا الله بَاطِلُ

.........................

أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن الجعفري العامري، صحابي، شاعر من فحول الشعراء مُفْلِق

(3)

، متقدم في الفصاحة، مجيد، فارس جواد حكيم، يكنى أبا عقيل، مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وهو عند ابن سلام

(4)

في الطبقة الثالثة من شعراء الجاهلية

(5)

، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة وَفَدَ بنو جعفر، فأسلم وحسن إسلامه.

وقال ابن قتيبة

(6)

: قَدِمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كلاب، وكان شريفًا في الجاهلية والإسلام، وكان لبيد وعلقمة بن علاثة

(7)

العامريان من المؤلفة قلوبهم، وحَسُن إسلامهما، وقال

(1)

انظر البيت في شرح الألفية لابن الناظم (4) ط. دار السرور بيروت، تصحيح محمد بن سليم اللبابيدي.

(2)

البيت من بحر الطويل للبيد بن ربيعة، في الدوران (132) ط. دار صادر بيروت، وهو موجود في غالب كتب النحو وشروح شواهدها، ومنها شرح شواهد المغني للسيوطي (150)، وانظر الشعر والشعراء لابن قتيبة:(170) تحقيق د / مفيد قميحة، ومراجعة: نعيم زرزور، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، ثانية (1985 م).

(3)

"مفلق" يقال: أفلق الرجل أي أتى بالروائع والعجيب في شعره، ينظر أساس البلاغة للزمخشرى مادة:"فلق"، ط. دار صادر، بيروت (1979 م).

(4)

محمد بن سلام بن عبيد الله الجمحي بالولاء، له طبقات الشعراء الجاهليين والإسلاميين، وبيوتات العرب، وغرب القرآن (ت 232 هـ)، ينظر الأعلام (6/ 146)، وشذرات الذهب (2/ 71).

(5)

ينظر طبقات فحول الشعراء (1/ 123) شرح: محمود محمد شاكر، ط. دار المدني بجدة.

(6)

عبد الله بن مسلم بن قتيبة: الدينوري، من أئمة الأدب، ولد ببغداد وتوفي بها (276 هـ) له: أدب الكاتب، والمعارف، والمعاني، والشعراء والشعراء وغيرها. الأعلام (4/ 137).

(7)

هو علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر العامري، ولاه عمر بن الخطاب حوران فنزل بها حتى مماته في (20 هـ) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (4/ 267) ط. دار الكتب العلمية. الأعلام (4/ 247).

ص: 111

عمر بن الخطاب

(1)

-[رضي الله عنه]- للبيد رضي الله عنه

(2)

،: أنشِدْني شيئًا من شعرك، فقال: ما كنتُ أقول

(3)

شعرًا بعد أن علمني الله البقرة وآل عمران، فزاده عمر [رضي الله عنه

(4)

] في عطائه خمسمائة، وكان ألفين، فلما كان في زمن معاوية

(5)

- رضي الله [تعالى

(6)

] عنه- قال له معاوية: هذان الفَوْدَانِ، فما بال العلاوة؟ يعني بالفودين: الألفين

(7)

وبالعلاوة: الخمسمائة، وأراد أن يحطَّه إياها، فقال: أموت الآن وتبقى لك العلاوة والفَؤدَانِ، فرق له وترك عطاءَه على حاله، فمات بعد ذلك بيسير، وقيل: لم يدرك لبيد خلافة معاوية - رضي الله [تعالى

(8)

] عنه -

(9)

[إنما مات بالكوفة في إمارة الوليد بن عقبة

(10)

عليها في خلافة عثمان

(11)

- رضي الله تعالى عنه-] وهو الأصح.

وقال الإمام مالك

(12)

بن أنس رحمه الله

(13)

: بلغني أنه عاش مائة وأربعين سنة، وقيل: مات وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة، وقال أكثر أهل العلم بالأخبار: لم يقل شعرًا منذ أسلم، ويقال: لم ينظُم في الإسلام غير قوله

(14)

:

الحمدُ للهِ إذ لم يأتِني أجَلي

حتى اكتَسَيتُ مِنَ الإسلامِ سِرْبَالا

(1)

عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وخليفته الثاني (ت 23 هـ)، ينظر الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 279)، والأعلام (5/ 45).

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (أ).

(3)

في (أ): لأقول.

(4)

ما بين المعقوفين زيادة في (ب).

(5)

معاوية بن أبي سفيان هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، مؤسس الدولة الأموية: في الشام وأحد دهاة الحرب (ت 60 هـ). الأعلام (7/ 261)، والإصابة في تمييز الصحابة (6/ 112).

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (أ).

(7)

والفودان في الأصل: جانب الرأس مما يلي الأذن والشعر النابت فوقه، وهما فودان.

(8)

و

(9)

ما بين المعقوفين زيادة من (أ).

(10)

ما بين المعقوفين في (أ): رضي الله تعالى عنه، وهو أبو وهب الوليد بن عقبة بن عقبة معيط، من فتيان قريش وشعرائهم وأجوادهم، وهو أخو عثمان بن عفان لأمه (ت 61 هـ). الأعلام (8/ 122)، والإصابة (6/ 321).

(11)

هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي أمير المؤمنين (ت 35 هـ). الأعلام (4/ 210)، والإصابة (4/ 223).

(12)

هو مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري، أحد الأئمة الأربعة، وإليه تنسب المالكية، وتوفي بالمدينة (179 هـ). الأعلام (5/ 257)، الإمام مالك: حياته وآثاره لمحمد بن يعيش، دار الصفوة القاهرة.

(13)

في (أ): رضي الله تعالى عنه.

(14)

من البسيط، والسربال هو الثوب والقميص، المعجم الوسيط:"سربل" والبيت في الشعر والشعراء (168) لابن قتيبة، تحقيق: مقيد قميحة ومراجعة نعيم زرزور، ط. دار الكتب العلمية بيروت ثانية (1985 م) والديوان (236) ط. دار صادر (ملحق)، وشرح شواهد المغني (155).

ص: 112

وقيل: قوله

(1)

:

ما عَاتَبَ المرءَ الكريمَ كَنفسِهِ

والمرءُ يُصْلِحُهُ الجَلِيسُ الصالِحُ

وقال ابن عبد البر

(2)

: في هذه

(3)

القصيدة ما يدل على أنه قاله في الإسلام، وهو قوله

(4)

:

وَكُلُّ امرئٍ يومًا سَيَعْلَمُ سَعْيَهُ

إِذَا انكشفتْ عِندَ الإِلَهِ المحاصلُ

وقال الحافظ أبو الفتح اليعمري

(5)

: البيت الذي نسب إليه، وهو قوله:

الحمد لله .................... .... .........................

لفروة بن نفاثة بن عمرو بن نوابة، عُمِّر وطال عُمرُه

(6)

، ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم وقال

(7)

:

بَانَ الشبابُ فلم أحْفَل بِهِ بالا

وأقبلَ الشَّيبُ والإسلامُ إقْبَالا

وقد أُدوِّي نَدِيِمي من مُشَعْشِعَةٍ

وَقَدْ أُقلِّبُ أوْرَاكًا وَأَكَفَالا

الحمدُ لله إذْ لَمْ يَأْتيني أَجَلِي

حَتَّى اكْتَسَيْتُ منَ الإِسْلَامِ سِرْبَالا

ثم اعلم أن تمام البيت المذكور

(8)

هو قوله:

............................

وَكُلُّ نَعِيمٍ لا مَحالةَ زَائِلُ

وهو من قصيدة لامية أولها هو قوله

(9)

:

(1)

البيت من بحر الكامل، وهو في الشعر والشعراء (168)، والديوان (224)، ط. دار صادر (ملحق)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (155).

(2)

عبد الله بن محمد بن أبي القاسم بن علي بن عبد البر التنوخي، مؤرخ تونسي (ت 737 هـ). الأعلام (4/ 126).

(3)

في (أ): وفي هذه.

(4)

البيت من بحر الطويل، في ديوانه (132) دار صادر، وانظره في الشعر والشعراء (171).

(5)

هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن سيد الناس اليعمري، مؤرخ عالم بالأدب (ت 734 هـ). الأعلام (7/ 34).

(6)

ذكره ابن حجر بأنه فروة بن نفاثة السلولي في الإصابة (5/ 209)، وذكر في (5/ 235)، تحت مسمى: قردة بن نفاثة السلولي بن عمرو بن ثوابة بن عبد الله.

(7)

من البسيط، والأبيات في الإصابة في تمييز الصحابة (5/ 235)، والقصة كاملة، والبيت الأخير يروى:

فالحمد لله إن لم يأتني أجلي

.......................

المفردات: بان: بعد، نَديمي: أي مصاحبي على الشراب المساهر، المشعشعة: هو الشراب الممزوج بقليل من الماء، الأوراك: جمع وَرْك وهو ما فوق الفخذ من الإنسان، الأكفال: جمع الكَفَل وهو العجز للإنسان والدابة. المعجم الوسيط "ورك- كفل".

(8)

يقصد به الشاهد.

(9)

الديوان (131) دار صادر، وشرح شواهد المغني للسيوطي (150)، والأبيات غير مرتبة كما في الديوان، وفيها إبدال كلمات بأخرى، لكنها لا تؤثر في المعنى.

ص: 113

1 -

ألا تسأَلانِ الْمَرءَ مَاذَا يُحَاول

أَنَحْبٌ فَيقضَى أَمْ ضَلالٌ وَبَاطلُ

2 -

أَرى الناسَ لا يَدرونَ ما قَدرُ أَمرهم

بَلى كُلُّ ذي لُبٍّ إلى اللهِ واصِلُ

3 -

ألا كل شيءٍ مَا خَلا الله بَاطل

وَكُل نَعيمٍ لا مَحَالةَ زَائلُ

4 -

وَكُل أُنَاسٍ سَوفَ تَدْخُلُ

(1)

بَينَهُم

دُوَيهيَةٌ تَصْفَرُّ مِنْهَا الأَنَامِلُ

5 -

وَكُل امْرئ يَوْمًا سَيَعلَمُ سَعيَه

إذا حُصِّلَت عِندَ الإلَهِ المَحَاصِلُ

6 -

إذا المرءُ أَسرَى ليلةً خال أنه

قضَى عمَلًا والمرءُ ما دام عاملُ

7 -

فَقولا لَهُ إِن كانَ يَقسِمُ أَمرَهُ

ألمَّا يَعظكَ الدَهرُ أُمُّكَ هابلُ

8 -

فَإن أَنتَ لَم ينفعْكَ عِلمُك فَانتَسِب

لعلَّكَ تهديكَ القُرونُ الأَوائِلُ

9 -

فَتَعلَمَ أَن لا أَنتَ مُدرِكُ ما مَضى

وَلا أَنتَ مما تَحذَرُ النَفسُ وائلُ

10 -

فَإن لَم تجِد من دُونِ عَدنانَ والِدِّا

وَدونَ مَعَدٍّ فَلتَرُعْكَ العَواذِلُ

وهي من الطويل، وهو أول بحور الدائرة الأولى من الدوائر الخمس المسماة بدوائر المختلف، وسميت به لاختلاف كمية أجزائها

(2)

، وهي مشتملة على خمسة أبحر، ثلاثة مستعملة وهي: الطويل والمديد والبسيط، وبحران مهملان وهما: المستطيل مقلوب الطويل، والممتد مقلوب المديد

(3)

، وأصله في الدائرة: فعولن مفاعيلن أربع مرات

(4)

، وقد دخله القبض في ضربه، وأما عروضه فتكون مقبوضة دائمًا

(5)

.

والقبض هو

(6)

: حذف الخامس الساكن

(7)

، فتحذف

(8)

الياء من "مفاعيلن" فيصير مفاعلن، فتقول

(9)

: (ألا كل) فعولن سالم، (ل شيء ما) مفاعيلن سالم، (خلا اللا) فعولن سالم، (هـ باطل) مفاعلن، مقبوض.

(1)

في (أ): "يدخل".

(2)

ينظر الوافي في العروض والقوافي للخطيب التبريزي (12)، تحقيق: فخر الدين قباوة. دار الفكر سوريا، ط. رابعة (1986 م).

(3)

السابق نفسه (10، 11).

(4)

في (أ، ب): ثمان مرات، والصحيح أنها: أربع مرات.

(5)

ينظر المفصل في العروض والقافية وفنون الشعر: عدنان حقي، ط. مؤسسة الإيمان بيروت، أولى (1987 م)(25 - 29).

(6)

في (أ): والقبض حذف الخامس الساكن (بإسقاط هو).

(7)

ينظر المفصل في العروض والقافية وفنون الشعر (15).

(8)

في (ب): فيحذف.

(9)

في (ب): وتقول.

ص: 114

والبيت الشاهد مقفى، وهو أول القصيدة على ما ذكره الخالديان

(1)

في الأشباه والنظائر، وكذا ابن السيد

(2)

.

وعند جماعة منهم ابن هشام اللخمي

(3)

والعسكري

(4)

، أول البيت ما ذكرناه من قوله:

ألا تسألانِ المرءَ مَاذَا يُحَاولُ

............................

وهو أيضًا مصرعٌ مقفى، والفرق بين التقفية والتصريع أن التصريع عندهم تبعية العروض للضرب قافية ووزنًا وإعلالًا

(5)

.

والتقفية: أن يكون العروض على زنة الضرب وقافيته، سواء تغيرت العروض عما يجب لها أم لا

(6)

، فكل تصريع تقفية ولا ينعكس

(7)

، وسمي البيت إذا كان فيه تصريع مصرعًا تشبيهًا له بمصراعي الباب، فكأن البيت الذي هو المصرع

(8)

، وهو ما له قافيتان شبيه بالبيت الذي له بابان، وقيل: إنه مشتق من الصرعين، وهما نصفا النهار، فانتصاف النهار صَرْعٌ، وسقوط الشمس صَرْعٌ، والأول أقرب.

وقافيته من المتدارك، وهو ما بعد ساكنه الأول حركتان، وسمي بذلك لتدارك السكون الثاني فيه الأول، أي: تداركه فلم يترك الحركات تتزايد، أو لأن الحركة الثانية أدركت الأولى

(1)

هما سعيد بن هاشم بن وعلة بن عرام، اشتهر هو وأخوه محمد بالخالديين (ت 371 هـ). الأعلام (3/ 103)، واسم أخيه محمد بن هاشم بن وعلة أبو بكر الخالدي (ت 380 هـ). الأعلام (7/ 129).

(2)

عبد الله بن محمد بن السيد أبو محمد البطليوسي، له: شرح أدب الكاتب وغيره (ت 521 هـ). بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي (2/ 55، 56)، ط. دار الفكر، ثانية (1979 م).

(3)

محمد بن أحمد بن هشام بن إبراهيم بن خلف اللخمي النحوي، له: كتاب الفصول والمجمل في شرح أبيات الجمل وغيرهما. توفي بعد (557 هـ). بغية الوعاة للسيوطي (1/ 48، 49).

(4)

الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد أبو هلال العسكري صاحب الصناعتين (ت 395 هـ). بغية الوعاة (1/ 506، 507).

(5)

المفصل في العروض والقافية وفنون الشعر (18).

(6)

ينظر الكافي في العروض والقوافي للتبريزي، تحقيق الحساني حسن عبد الله (20)، ط المدني (1969 م).

(7)

في (أ): ولا عكس، ومثال المصرع المقفى قول شوقي:

قم في فم الدنيا وحي الأزهرا

وانثر على سمع الزمان الجوهرا

ومثال المقفى فقط:

ولد الهدى فالكائنات ضياء

وفم الزمان تبسم وثناء

(8)

في (ب): مصرع.

ص: 115

ولم يفصل بينهما ساكن

(1)

، ومثاله

(2)

:

قفَا نَبكِ مِنْ ذكرَى حَبيب وَمَنْزل .... ............................

والقافية تأتي على خمسة أنواع هذا أحدها.

1 -

قوله: "يحاول" من حاولت الشيء أي

(3)

: أردته، والنحب بفتح النون وسكون الحاء المهملة وهو: المدة والوقت، يقال: قضى فلان نحبه إذا مات.

2 -

قوله: "ألا": كلمة تنبيه تدل على تحقق ما بعدها، قوله:"شيء" الشيء اسم للموجود، فلا يقال للمعدوم شيئًا، وفيه خلاف تقرر في الأصول، قوله:"خلا" كلمة يستثنى بها وتنصب ما بعدها وتَجر، تقول: جاءني القوم خلا زيدًا، فتنصب بها إذا جعلتها فعلًا من خلا يخلو خلوًّا ويضمر فيها الفاعل؛ كأنك قلت: خلا مَنْ جاءني مِن زيد

(4)

.

وإذا قلت: خلا زيدٍ بالجر فهي عند بعضهم حرف جر بمنزلة: حاشا

(5)

، وعند بعضهم مصدر مضاف

(6)

.

وأما: ما خلا بكلمة (ما) فلا يكون بعدها إلا النصب، تقول: جاءني القوم ما خلا زيدًا؛ لأن

(1)

الكافي في العروض والقوافي للتبريزي (148).

(2)

من الطويل لامرئ القيس، مطلع معلقِته المشهورة، ينظر الديوان (29)(دار صادر)، وينظر أيضًا: شرح المعلقات السبع للزوزني (5) ط. دار الكعب العلمية، وشرح القصائد العشر للتبريزي (20) تحقيق: قباوة، ط. دار الآفاق الجديدة، بيروت (1979 م)، وتمامه:

........................

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

وثنى "قفا"؛ لأنه خطاب الرفيقين، أو أنه أراد قفن بنون التوكيد الخفيفة، وأبدل الألف من النون، وهو شاهد على أن القافية من المتدارِك.

(3)

في (أ): "إذا".

(4)

"خلا" تكون فعلًا متعديًا ناصبًا للمستثنى، وفاعلها ضمير مستتر عائد على مصدر الفعل المتقدم عليها، أو اسم فاعله، أو البعض المفهوم من الاسم العام، والجملة مستأنفة أو حالية. ينظر المغني (133، 122).

(5)

قال ابن هشام: "خلا على وجهين: أحدهما أن تكون حرفًا جارًّا للمستثنى، والثاني: أن تكون فعلًا متعديًا ناصبًا له" المغني (133)، ومنه ما ورد من قول الشاعر المجهول من الطويل:

خلا الله لا أرجو سواك وإنما

أعد عيالي شعبة من عيالكا

ونسب إلى سيبويه عدم سماع الجر بها والصحيح خلافه، فقد قال سيبويه: وبعض العرب يقول: ما أتاني القوم خلا عبيد الله فيجعل خلا بمنزلة حاشا" الكتاب (2/ 349، 350)، وينظر شرح ابن عقيل (2/ 234)، أما إذا اقترنت بها ما فيتعين النصب بها كبيت الشاهد.

(6)

هو قول ابن مالك: "فالأجود أن يجعل الفاعل مصدر ما عمل في المستثنى منه فيقدر: قاموا عدا زيدًا: جاوز قيامهم زيدًا، ويستمر على هذا السنن أبدًا إذا دعت إليه الحاجة". شرح التسهيل (2/ 311).

ص: 116

خلا لا يكون بعدها "ما" إلا صلة، وهي معها مصدر؛ كأنك قلت: جاءني القوم خُلُوَّ زيدٍ

(1)

، أي خلوهم من زيد، يعني خالين من زيد

(2)

، وعن قريب يأتي مزيد الكلام فيه -إن شاء الله تعالى-

(3)

.

وقوله: "ما خلا الله باطل" من هذا القبيل، لا يجوز فيه إلا النصب، وذلك لأن "ما" فيه مصدرية فدخولها يعين الفعلية

(4)

، ولفظة "الله" اسم للذات المعبود بالحق المستجمع لجميع الصفات، وقد شاع كلام الناس فيه

(5)

، هل هو مشتق أم اسم موضوع؛ فلا يحتاج إلى ذكره

(6)

.

قوله: "باطل": من بطل الشيء يبطل بطلانًا وبطولًا وبُطْلًا، ومعناه: ذهب ضياعًا وخسرانًا، وزاد ابن القطاع

(7)

بطولة، وأبطل إذا جاء بالباطل، والأباطيل: جمع باطل على خلاف القياس، كأنه جمع إبطيل

(8)

، والباطل ضد الحق، وفي عرف المتكلمين الباطل: الخارج عن الانتفاع، والفاسد: يقرب منه، والصحيح ضده ومقابله، وفي عرف الشرع: الباطل من الأعيان: ما فات معناه المقصود، المخلوق له من كل وجه بحيث لم يبق

(9)

إلا صورته، ولهذا يذكر في مقابلة الباطل الحق الذي هو عبارة عن الكائن الثابت، وفي الشرع يراد به ما

(10)

هو المفهوم منه لغة، وهو: ما كان ثابت المعنى من كل وجه مع وجود الصورة، إما لانعدام محلية التصرف؛ كبيع الميتة والدم، أو لانعدام أهلية المتصرف؛ كبيع المجنون والصبي الذي لا يعقل.

فإن قلتَ: ما معناه ها هنا؟.

(1)

في (ب): خلوًّا زيدًا.

(2)

قال ابن مالك: "واتفق النحويون، إلا أبا عمرو الجرمي على وجوب نصب المستثنى بما عدا وما خلا كقول لبيد "البيت"؛ لأن ما مصدرية ولا يليها حرف جر، وإنما توصل بجملة فعلية، وقد توصل بجملة من مبتدأ وخبر .... " شرح التسهيل (2/ 310).

(3)

ينظر إعراب الشاهد الآتي بعد صفحات.

(4)

ارتشاف الضرب، تحقيق: النماس (2/ 318)، ومغني اللبيب، تحقيق: محمد محيي الدين (1/ 134).

(5)

نظرات بلاغية في أذكار الصلاة الفرضية، د / رفعت السوداني.

(6)

اختار الزمخشري كونه اسمًا مشتقًّا، ينظر الكشاف (1/ 6) ط. دار الريان، الثالثة (1987 م)، وروح المعاني للآلوسي (1/ 54)، وما بعدها، دار إحياء التراث العربي بيروت، وانظر بيانًا مفصلًا عن لفظ الجلالة في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 177) وما بعدها.

(7)

هو علي بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن الحسين المعروف بابن القطاع، صنَّف: أبنية الأفعال وأبنية الأسماء وغيرهما (ت 515 هـ)، بغية الوعاة (2/ 153، 154).

(8)

اللسان مادة: "بطل" وإنما كان على خلاف القياس؛ لأن جمع فاعل يكون على فواعل فجمع الباطل القياس هو: بواطل.

(9)

في (ب): تَبْق.

(10)

في (ب): كما.

ص: 117

قلتُ: المعنى ها هنا: كل شيء سوى الله تعالى زائل فائت مضمحل ليس له دوام.

قوله: "وكل نعيم" النعيم: ما أنعم الله به عليك، وكذلك النعمة والنعمى والنعماء، فالمد في الفتح، والقصر [في الضم]

(1)

، قوله:"لا محالة" أي: لا حيلة، ويجوز أن تكون من الحول وهو القوة والحركة، وهي مفعلة منهما، وأكثر ما تستعمل لا محالة بمعنى الحقيقة واليقين، أو بمعنى: لا بد، والميم زائدة، ومنه ما جاء في حديث

(2)

قُسّ بن ساعدة

(3)

:

أَيقَنتُ أَنِّي لا مَحالَةَ

حَيثُ صارَ القَومُ صائِرُ

قال الجوهري

(4)

قولهم: "لا محالة" أي: لا بد، يقال: الموت آت لا محالة

(5)

.

فإن قلت: الجنة نعيم، وهي لا تزول أبدًا، فكيف قال: وكل نعيم لا محالة زائل؟ وهذا كلام غير صحيح، ولهذا لمّا أنشده لبيد رد عليه عثمان بن مظعون

(6)

-رضي الله تعالى عنه- وقال له: كذبتَ، نعيم الجنة لا ووول، على ما روى محمد بن إسحاق صاحب المغازي

(7)

.

وقال حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عمن حدثه قال: لما رأى عثمان بن مظعون -رضي الله تعالى عنه- ما يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الأذى، وهو يغدُو ويروح في أمان الوليد بن المغيرة

(8)

، قال عثمان: والله إن غدوي ورواحي آمنًا بجوار رجل من أهل الشرك وأصحابي وأهل بيتي يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني، فمشى إلى الوليد بن المغيرة وهو في المسجد، وقال

(9)

: يا أبا عبد شمس وفت ذمتك، وقد

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

قُسّ بن ساعدة بن عمرو بن عدي من بني إياد، شاعر وخطيب مفوَّه، أول من قال: أما بعد، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، توفي سنة (23) قبل الهجرة. الأعلام (5/ 196)، وموسوعة شعراء العصر الجاهلي (265).

(3)

مقطوعة من بيت، من مجزوء الكامل لقس بن ساعدة في التذكير بالموت وأولها:

في الذاهِبينَ الأَوَّليـ

ـــنَ من القُرونِ لَنا بَصائِر

(4)

إسماعيل بن حماد الجوهري أبو نصر الفارابي، صنَّف: الصحاح ومقدمة في النحو وكتابًا في العروض وغيرهم (ت 393 هـ) بغية الوعاة (1/ 446) وما بعدها.

(5)

الصحاح مادة: "حول"، وموسوعة شعراء العصر الجاهلي (265).

(6)

هو عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب الجحمي، صحابي توفي في الثانية للهجرة، الأعلام (4/ 214).

(7)

محمد بن إسحاق بن يسار بن جبار، ألف كتاب الخلفاء وكتاب السيرة وكتاب المبتدأ وكتاب المغازي توفي سنة (150 هـ)، ينظر كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (6)، (7).

(8)

الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، جاهلي عادى الإسلام وقاوم الدعوة توفي في السنة الأولى للهجرة، الأعلام (8/ 122).

(9)

في (أ): "فقال".

ص: 118

كنت في جوارك، وقد أحببت أن أخرج منه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَلِيَ به وبأصحابه أسوة، فقال: فلعلك يا ابن أخي أوذيت أو انتهكت قال: لا، ولكن أرضى بجوار الله تعالى، ولا أستجير بغيره، قال: فانطلق إلى المسجد فاردد إليَّ جواري علانية؛ كما أجرتك علانية، فقال: انطلق، فخرجا حتى أتيا المسجد، فقال الوليد: هذا عثمان بن مظعون قد جاء ليرد عليَّ جواري، فقال عثمان: صدق وقد وجدته وفيًّا كريم الجوار، وقد أحببت أن لا أستجير بغير الله تعالى، وقد رددت عليه جواره، ثم انصرف عثمان بن مظعون ولبيد بن ربيعة هذا في مجلس قريش، فجلس معهم عثمان وهو ينشدهم:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

....................

فقال عثمان: صدقت، قال لبيد:

..........................

وكل نعيم لا محالة زائل

فقال عثمان: كذبت، فالتفت القوم إليه، فقالوا للبيد: أعد علينا فأعاد لبيد، فأعاد عثمان بتكذيبه مرة وبتصديقه مرة، وإنما يعني عثمان؛ إذ قال كذبت يعني: نعيم الجنة لا يزول، فقال لبيد: والله يا نفر قريش ما كانت مجالسكم هكذا، فقام سَفِيهٌ منهم على عثمان بن معظون فلطم عينيه فاخضرت، فقال [له]

(1)

مَنْ حوله: والله يا عثمان لقد كنت في ذمة منيعة، وكانت عينك غنية عما لقيت، فقال: جوار الله آمن وأعز، وعيني الصحيحة فقيرة التي ما لقيت أختها، ولي برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن

(2)

آمن معه أسوة، فقال الوليد: هل لك في جواري؟، فقال عثمان: لَا أَرَبَ لي في جوار أحد إلا في جوار الله تعالى، ثم هاجر عثمان -رضي الله تعالى عنه- إلى المدينة.

قلت: الجواب عن ذلك من وجهين:

الأول: أن لبيدًا إنما قال ذلك قبل أن يسلم، فيمكن أن يكون اعتقاده [في]

(3)

ذلك الوقت أن الجنة لا وجود لها، أو كان يعتقد وجودها، ولكن لا يعتقد دوامها كما ذهبت

(4)

إليه طائفة من أهل الأهواء والضلال.

والثاني: أنه يمكن أن يكون أراد به ما سوى الجنة من نعيم الدنيا؛ لأنه كان في صدد ذم الدنيا، وبيان سرعة زوالها، وأما تكذيب عثمان بن مظعون رضي الله عنه إيَّاه؛ فلكونه حمل الكلام عن العموم.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة في (ب).

(2)

في (أ): "وبمن آمن".

(3)

ما بين المعقوفين زيادة في (ب).

(4)

في (ب): كما ذهب.

ص: 119

10 -

قوله: "فَلْتَرُعْكَ العواذل" من رَوَّعَهُ يُرَوِّعُه إذا كفه

(1)

، والعواذل ها هنا حوادث الدهر وزواجره، وإسناد العذل إليه مجاز

(2)

.

الإعراب:

قوله: "ألا كل شيء"، ألا: حرف استفتاح، غير مركبة؛ ولذلك قال سيبويه

(3)

: إذا سميت بها أعربت ولم تحك، وهي

(4)

بمنزلة: قفا

(5)

، وادعى الزمخشري

(6)

فيها التركيب

(7)

، ولم يقم على دعواه الدليل، فتصدر

(8)

بها الجملة الاسمية؛ كقوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [البقرة: 12]، والفعلية؛ كقوله تعالى:{أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود: 8].

ولفظ (كل) المشهور فيه أن لا يخلو استعماله عن الإضافة لفظًا، فإن خلا لفظًا يكون مضافًا معنى؛ كقوله تعالى:{وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: 87]

(9)

، وأجاز الأخفش

(10)

تجريده

(1)

في القاموس مادة: "روع" راع فلانًا أفزعه يتعدى، ويلزم كروع بالتشديد، والروع الفزع، وهو المقصود، فقول العيني في معناه:"كفه" غير صحيح. وفي الصحاح مادة: "روع" الرَوْعُ بالفتح: الفَزَعُ. والرَوْعَةُ: الفَزْعَةُ، ومنه قولهم:"أفزعَ رَوْعُهُ، أي ذهب فَزعُه، ورُعْتُ فُلانًا ورَوَّعْتُهُ فارْتاعَ، أي أَفزعته ففزع. وتَرَوَّعَ، أي تَفَزَّع".

(2)

هو مجاز عقلي؛ حيث أسند الفعل إلى العواذل، والعواذل ها هنا حوادث الدهر؛ فهي التي تروعه أي تفزعه، فهو إسناد إلى غير ما هو له، لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي. ينظر علم البيان، عبد العزيز عتيق (145) وما بعدها.

(3)

هو عمرو بن عثمان بن قنبر من موالي بني الحارث بن كعب، اشتهر بلقبه سيبويه، وهو لقب أعجمي، ومعناه رائحة التفاح، يسمى كتابه المشهور قرآن النحو؛ لأنه أول كتاب في هذا العلم، وسيبويه يعد عمدة النحويين (ت 180 هـ). ينظر مراتب النحويين (65)، وطبقات النحويين واللغويين للزبيدي (66)، ومجالس العلماء للزجاجي (8/ 154)، وطبقات القراء لابن الجزري (1/ 602)، وشذرات الذهب (1/ 252).

(4)

في (أ): "فهي".

(5)

قال سيبويه: "ألا التي في الاستفهام حكاية، وأما قولك: ألا إنه ظريف، وأما إنه ظريف فبمنزلة قفًا ورحًى ونحو ذلك" الكتاب (3/ 232)، ط هارون.

(6)

محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشري، من أئمة الدين والتفسير واللغة، صنَّف الكشاف وأساس البلاغة والمفصل وغيرها (ت 538 هـ). الأعلام (7/ 178).

(7)

قال الزمخشري: "ألا مركبة من همزة الاستفهام وحرف النفي؛ لإعطاء معنى التنبيه على تحقق ما بعدها، والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحقيقًا؛ كقوله تعالى: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ} [القيامة: 40] ولكونها في هذا المنصب من التحقيق لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم". الكشاف (1/ 62)، وظاهرة التركيب في النحو العربي (89)، د. أحمد السوداني، ط أولى (2005 م).

(8)

في (أ): فيتصدر.

(9)

ينظر بدائع الفوائد لابن قيم الجوزية (1/ 283) وما بعدها، بتحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، أولى (1969 م).

(10)

هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة، من أكبر أئمة النحو البصريين بعد سيبويه، صنف: معاني القرآن، وشرح أبيات المعاني، والاشتقاق، ومعاني الشعر وغيرها (ت 215 هـ). الأعلام (3/ 101، 102)، والمدارس النحوية (94) =

ص: 120

عن الإضافة وانتصابه حالًا

(1)

، ووافقه أبو علي

(2)

في الحلبيات

(3)

، ويعضده قراءة نافع

(4)

: (إنا كلًّا فيها)

(5)

[غافر: 48]، و "كل شيء" كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله:"باطل". وقد علم أن كلمة "كل" إذا أضيفت إلى نكرة تقتضي عموم الأفراد، وإذا أضيفت إلى المعرفة تقتضي عموم الأجزاء، تقول: كل زُمَّانٍ مأكول، ولا تقول: كل الرمان مأكول، ولفظة "الله" منصوبة بقوله "خلا".

فإن قلت: ما موضوع الجملة كلها من الإعراب؟.

قلت: يجوز أن يكون حالًا

(6)

، وبه جزم السيرافي

(7)

، فيكون التقدير: ألا كل شيء حال كونه خاليًا عن الله باطل؛ كما تقول في قولك: جاءني القوم ما خلا زيدًا، يعني جاءني القوم حال كونهم خالين عن زيد، ويجوز أن يكون نصبًا على الظرفية

(8)

؛ فيكون التقدير: ألا كل شيء وقت خلوهم عن الله باطل كما تقول في قولك: جاءني القوم ما خلا زيدًا. جاءني القوم وقت خلوهم عن زيد.

= وما بعدها، والزبيدي (74)، وشذرات الذهب (2/ 36)، ومعجم الأدباء (11/ 224).

(1)

قال أبو حيان: "وشذ تنكيره وانتصابه حالًا في ما حكى الأخفش". الارتشاف (2/ 515، 516).

(2)

هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان بن أبان الفارسي، صنَّف الإيضاح والتكملة والحلبيات وغيرها (ت 377 هـ)، ينظر تاريخ بغداد (7/ 275، 276) للخطيب البغدادي، القاهرة (1931 م)، ووفيات الأعيان (2/ 80 - 82)، ومعجم الأدباء (7/ 232 - 261). والأعلام (2/ 193، 194).

(3)

لم أعثر عليه في الكتاب المذكور كما أشار العيني.

(4)

نافع المدني أبو عبد الله من أئمة التابعين بالمدينة، مجهول النسب (ت 169 هـ). الأعلام (8/ 5).

(5)

قال مكي: "وأجاز الكسائي والفراء نصب كل، على النعت للمضمر المنصوب بإن، ولا يجوز ذلك عند البصريين؛ لأن المضمر لا ينعت، ولأن كلًّا نكرة في اللفظ، والمضمر معرفة. ووجه قولهما أنه تأكيد للمضمر، والكوفيون يسمون التأكيد نعتًا، وكل وإن كان لفظة نكرة فهو معرفة عند سيبويه على تقدير الإضافة والحذف، ولا يجوز البدل؛ لأن المخبر عن نفسه لا يبدل منه غيره. ينظر مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب (637) تحقيق حاتم الضامن، ط. مؤسسة الرسالة. رابعة (1988 م) ومعاني القرآن للفراء (3/ 10) والكتاب (2/ 113) وما بعدها، هارون، والقرطبي (15/ 321)، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت (1985 م).

(6)

قال أبو حيان: "والفعل نصب لا خلاف في ذلك بين البصريين والكوفيين موضوع موضع الحال. قاله السيرافي الارتشاف (2/ 318)، وينظر ابن يعيش (2/ 78).

(7)

هو أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان، شرح كتاب سيبويه وشرح شواهده، وصنف المدخل إلى الكتاب وغيرها (ت 368 هـ). ينظر المدارس النحوية:(145) وما بعدها، وشذرات الذهب (3/ 65).

(8)

قال أبو حيان: "وذهب ابن خروف إلى أن انتصابه على الاستثناء انتصاب غير، وقيل: مصدرية ظرفية؛ أي: وقت خلوهم ودخوله معنى الاستثناء". الارتشاف (2/ 318)، وينظر المغني (1/ 133، 134).

ص: 121

التقدير: ألا كل شيء وقت خلوهم عن الله باطل، وقد قلنا: إن "خلا" إذا دخلت عليها كلمة "ما" لا تجر عند الجمهور

(1)

، ونقل الجرمي

(2)

عن بعض العرب جر المستثنى بعد: "ما خلا"، وبعد "ما عدا"، على أن "ما" زائدة، وعدا وخلا حرفا جر وهذا شاذ

(3)

؛ لأن "ما" تزاد بعد الحرف متأخرة عنه، كما في قوله تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159]، و {عَمَّا قَلِيلٍ} [المؤمنون: 40] {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: 25]، وها هنا هي متقدمة عن الحرف فلا يحكم عليها بالزيادة.

وإذا كانتا مجردتين من كلمة "ما" يجوز الجر بهما على أنهما حرفا جر، والنصب على أنهما فعلان فاعلهما مضمر وجوبًا، والمستثنى مفعولهما، تقول: قام القوم خلا زيدًا وخلا زيدٍ، وعدا زيدًا وعَدا زيدٍ

(4)

.

الاستشهاد فيه:

أنه أورده شاهدًا لإطلاق الكلمة على الكلام، وهو مجاز مهمل عند النحويين، مستعمل عند المتكلمين، وهو من باب تسمية الشيء باسم جزئه على سبيل التوسع، فإنه عليه الصلاة والسلام قال: "أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:

أَلا كُلُّ شَيء مما خَلا اللهَ باطِلُ

............................. "

فأطلق الكلمة على الكلام توسعًا، وقد روينا عن أبي هريرة

(5)

-رضي الله تعالى عنه- من طريق البخاري

(6)

ومسلم

(7)

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أصدق كلمة قالها شاعر، كلمة لبيد:

(1)

قال ابن يعيش: "أما ما خلا وما عدا فلا يقع بعدهما إلا منصوب، لأن ما فيهما مصدرية فلا تكون صلتها إلا فعلًا وفاعلها مضمر مقدر بالبعض .. وما وما بعدها في موضوع مصدر منصوب". ابن يعيش (2/ 78).

(2)

صالح بن إسحاق أبو عمر الجرمي، لزم الأخفش وأخذ عنه، له: المختصر في النحو، وكتاب الأبنية، وصنَّف العروض وغيره (ت 225 هـ)، طبقات القراء لابن الجزري (1/ 332)، وشذرات الذهب (2/ 57).

(3)

قال ابن هشام: "وزعم الجرمي والربعي والكسائي والفارسي وابن جني أنه قد يجوز الجر على تقدير ما زائدة، فإن قالوا ذلك بالقياس ففاسد؛ لأن ما لا تزاد قبل الجر والمجرور بل بعده نحو: {عَمَّا قَلِيلٍ}، و: {فَبِمَا رَحْمَةٍ} وإن قالوا بالسماع فهو من الشذوذ بحيث لا يقاس عليه". المغني (1/ 134) وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 310).

(4)

ينظر المغني (1/ 133).

(5)

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أكثر الصحابة حفظًا للحديث والرواية (ت 59 هـ). الأعلام (3/ 308).

(6)

هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، صاحب الجامع الصحيح وغيره (ت 256 هـ). الأعلام (6/ 34).

(7)

هو مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، صاحب صحيح مسلم وغيره (ت 261). الأعلام:(7/ 221).

ص: 122

ألا كُلُّ شيءٍ مما خَلا اللهَ باطلُ

.................

(1)

.

وكاد ابن أبي الصلت

(2)

أن يسلم"، وفي رواية لهما قال: "أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد" إلخ، وهذه الرواية رويناها أيضًا من طريق الترمذي

(3)

-رحمه الله تعالى- وقد رويت هذه اللفظة بألفاظ مختلفة منها: إن أصدق كلمة

(4)

، ومنها: إن أصدق بيت قاله الشاعر

(5)

، ومنها: أصدق بيت قاله الشاعر، ومنها: أصدق بيت قالته الشعراء، وكلها في الصحيح، ومنها: أشعر كلمة قالتها العرب، قاله ابن مالك في شرحه للتسهيل

(6)

، وكلها في وصف المعاني مبالغة بما يوصف به الأعيان؛ كقولهم: شعر شاعر، وخوف خائف، وموت مائت، ثم يصاغ من أفعل باعتبار ذلك المعنى، فيقال: شعرك أشعر من شعره، وخوفي أخوف من خوفه

(7)

، وفيه شاهد آخر: وهو تقديم المستثنى، ولكن الشارح لَمْ يورده لذلك، وإنما أورده لما ذكرنا [فافهم]

(8)

.

‌الشاهد الثاني

(9)

،

(10)

وَكَم عَلَّمْتُهُ نَظْمَ القوافي

فَلَمَّا قَال قَافِيَةً هَجَانِي

أقول: قائله هو معن بن أوس المزني

(11)

شاعر جاهلي مقل، قاله في ابن أخت له، وهو من

(1)

ينظر صحيح البخاري بشرح فتح الباري لابن حجر، دار المعارف بيروت (7/ 149)، وصحيح مسلم بشرح النووي (15/ 13) ط أولى، المطبعة المصرية بالأزهر (1930 م).

(2)

أمية بن أبي الصلت الثقفي الشاعر المشهور (ت 9 هـ) بالطائف، مسلم (15/ 12)، ولم توجد هذه الرواية في البخاري: كتاب مناقب الأنصار (7/ 149).

(3)

محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي، من أئمة الحديث وحفاظه (ت 279 هـ). الأعلام (6/ 322)، وينظر الحديث في تصحيحه (9/ 291) ط. دار الكتب العلمية بيروت.

(4)

صحيح مسلم (15/ 13).

(5)

التي في مسلم: أصدق بيت قاله الشاعر (15/ 13) كما هي الرواية التالية.

(6)

شرح التسهيل لابن مالك (1/ 6) تحقيق: عبد الرحمن السيد ومحمد بدوي المختون، ط. هجر، أولى (1990 م).

(7)

شرح التسهيل لابن مالك (1/ 139)، وفيه:"وخوفي أخوف من خوفك".

(8)

ما بين المعقوفين زيادة في (أ).

(9)

ابن الناظم (4) ط. دار السّرور.

(10)

البيت من بحر الوافر لمعن بن أوس المزني وهو في البيان والتبيين للجاحظ (3/ 231، 232) تحقيق: هارون، دار الجيل بيروت.

(11)

معن بن أوس بن نصر بن زياد المزني، شاعر فحل، من مخضرمي الجاهلية والإسلام، له مدائح في جماعة من الصحابة، وكان معاوية يفضله ويقول: أشعر أهل الجاهلية زهير بن أبي سلمى، وأشعر أهل الإسلام ابنه كعب ومعن بن أوس، وهو صاحب لامية العجم التي أولها:

لعمرك ما أدري وإني لأوجل

على أينا تعدو المنية أول =

ص: 123

قصيدة نونية، وقال الجاحظ

(1)

: أولها قوله

(2)

:

1 -

فلا وَأبِي حبيبةَ ما نفاه

من أرْضِ بَني رَبيعَةَ من هوانِ

2 -

وكان هو الغَنيَّ إلى غِنَاهُ

وكانَ من العَشِيرَةِ في مَكَانِ

3 -

تَكَنَّفَهُ الوُشَاة فَأَزْعَجُوهُ

ودسوا من قضاعة غيرَ وَانِ

4 -

فَلَولا أَن أُمَّ أَبيهِ أُمّي

وَأَن مَن قَد هَجاهُ فَقَد هَجاني

5 -

إِذًا لأصابَهُ مِني هِجاءٌ

يُمِرُّ بِهِ الرَويُّ عَلى لِساني

6 -

أَعَلِّمُهُ الرِمايَةَ كُل يَومٍ

فَلَمّا استدَّ ساعِدُهُ رَماني

7 -

وكم علمته ..........

..................... إلخ

وقال ابن دريد

(3)

: هي لمالك بن فهم الأزدي

(4)

وكان ابنه سَلِيمَة رماه بِسَهْم فقتله، ووزن سليمة على وزن صحيفة، ومالك هذا ابن فهم بن غنم تنخت عليه تنوخ ونزلوا الحيرة وتحالفوا هناك، فاجتمعت اليهم قبائل من العرب فوثب سليمة على أبيه فقتله فقال أبوه الأبيات المذكورة فتفرقت بنو مالك ولحقوا بعمان، وهي من الوافر، وهو أول الدائرة المسماة بالمؤتلف

(5)

، وهي تشتمل على بحرين؛ هما الوافر والكامل، وأصل الوافر في الدائرة مُفَاعَلَتُن

(6)

ست مرات

(7)

.

والبيت المذكور قد دخله العصب بالمهملتين وهو: تسكين الخامس المتحرك ويبقى

(8)

= مات في المدينة سنة (64 هـ). انظر الأعلام (7/ 273).

(1)

عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، كبير أئمة الأدب. صنف الحيوان، والبيان والتبيين، وغيرهما، توفي سنة (255 هـ). الأعلام (5/ 74).

(2)

الأبيات في كتاب البيان والتبيين (3/ 231، 232) تحقيق هارون، دار الجيل بيروت.

(3)

محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، من أئمة اللغة والأدب، له كتاب الجمهرة في اللغة (ت 321 هـ). الأعلام (6/ 80).

(4)

مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن نصر بن مالك بن الأزد، شاعر، أول من مُلك على العرب بأرض الحيرة، أصله من قحطان عاش ما بين:(480 ق. هـ 157 / م).

(5)

سميت بذلك؛ لأن بحريها مركبان من أجزاء سباعية مكررة، فاجزاؤها متماثلة، ولائتلاف أجزئها. ينظر الوافي في الروض والقوافي للتبريزي (94).

(6)

في (ب): "مفاعيل" وأثبت الصحيح في ذلك. ينظر مختصر في العروض لابن جني (110) تحقيق د / إمام حسن الجبوري ط ثانية (1987 م).

(7)

ينظر الكافي في العروض والقوافي للتبريزي (51) وما بعدها.

(8)

في (أ): فيبقى.

ص: 124

مفاعلتن بسكون اللام فينقل إلى مفاعيلن

(1)

، ودخله القطف أيضًا- بالقاف في أوله، وهو الحذف بعد العصب حتى يصير: مفاعل فيرد إلى فعولن

(2)

فتقول: (وكم علم) مفاعيلن معصوب (ته نظمل) مفاعيلن معصوب، (قوافي) فعولن مقطوف، (فلما قا) مفاعيلن معصوب (ل قافية) مفاعلتن سالم، (هجاني) فعولن مقطوف.

قوله: "فلما استد" بالسين المهملة من قولهم: سدد الرامي رميته، وأنشده الجوهري في فصْل سدد شاهدًا على ما ذكر

(3)

؟ وكذا أنشده الزمخشري في أساس البلاغة، يُقال: استد ساعده وتسدد على الرمي: استقام، وسدد السهم نحوه وتسدد السهم نفسه

(4)

، وقال ابن دريد في كتاب الاشتقاق: يروى بالشين المعجمة من الاشتداد وهو القوة، وهذا يرد قول من يدّعي من المتأخرين أن من رواه بالمعجمة فقد صحف.

قوله: "علمته" الضمير فيه يرجع إلى المذكور في الأبيات السابقة وهو ابن أخت الشاعر. قوله: "القوافي "جمع قافية وهي اللفظ الأخير من البيت الذي يكمل البيت هذا عن الأخفش

(5)

، وقال قطرب

(6)

: القافية هي الروي

(7)

، وهو الحرف الذي تبنى عليه القصيدة، وقال ابن كيسان

(8)

: هي ما لزم إعادته في آخر الأبيات من الحروف والحركات، وقال الخليل

(9)

: هي ما تحرك

(10)

من آخر البيت مع الساكنين التاليين له أحدهما ملاصق للمتحرك الأخير

(11)

وقد يسمى النصف الأخير من البيت قافية تجوزًا، وأراد بها الشاعر القصيدة على ما نذكره إن شاء الله تعالى.

7 -

قوله: "هجاني" من الهجو وهو خلاف المدح في اللغة، تقول: هجوته هجوًا وهجاء وتهجاء، وفي الاصطلاح: الهجو إظهار ما في الشخص من المعايب والمثالب والحط عليه بما ليس

(1)

ينظر الكافي في العروض والقوافي للتبريزي (53).

(2)

السابق (51).

(3)

ينظر الصحاح، مادة:"سدد".

(4)

أساس البلاغة، مادة:"سدد" وفيه: "بنفسه" بدلًا من "نفسه".

(5)

ينظر الوافي في العروض والقوافي للتبريزي (199).

(6)

محمد بن المستنير بن أحمد، نحوي عالم الأدب واللغة (ت 206 هـ). الأعلام (7/ 95).

(7)

ينظر الوافي في العروض والقوافي للتبريزي (199).

(8)

محمد بن أحمد بن إبراهيم عالم العربية نحوًا ولغة (ت 299 هـ). الأعلام (5/ 308).

(9)

الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، من أئمة اللغة والأدب، وواضع علم العروض، وأستاذ سيبويه (ت 170 هـ) الأعلام (2/ 314).

(10)

في (أ): (هي من محرك آخر البيت).

(11)

في الوافي في العروض والقوافي ما نصه: "فقال الخليل: هي من آخر البيت الي أول ساكن يليه مع المتحرك الذي قبل الساكن"(199).

ص: 125

فيه من النقائص وهذان البيتان مثل يضرب لمن يسيء إليك وقد أحسنت إليه، وأنشد الميداني

(1)

في أمثاله

(2)

:

فيا عَجَبًا لمن ربّيتُ طفْلًا

ألقِّمُهُ بأطرافي البَنَانِ

أعلمهُ الرمايِةَ كل يومٍ

فلما استدّ ساعدُه رَمَاني

أعلِّمهُ الروايةَ كل وقتٍ

فلما قال قافيةً هَجَاني

(3)

أعلِّمهُ الفُتُوّة كلَّ يومٍ

فلمّا طرَّ شاربُه جَفَاني

(4)

الإعراب:

قوله: "وكم علمته" الواو للعطف على ما قبله، وكم خبرية، والمميز محذوف تقديره: وكم تعليم علمته، أو كم مرةٍ علمته، ولا خلاف في حذف المميز جوازًا

(5)

، فإن قلت: ما محل "كم"؟ قلت: إن قدرته تعليمًا فكم مفعول مطلق، وإن قدرته وقتًا فهي ظرف.

قوله: "نظم القوافي "كلام إضافي، مفعول ثان لعلمته؛ لأن علم منقول بالتضعيف عن عَلِم بمعنى عَرَف، وفَعَّل يتعدى بالتضعيف إلى اثنين دون التاء؛ كعلَّمتُه الخير وجنَّبته الشر، وبالتاء إلى واحد كتعلَّم الخير وتجنب الشر.

قوله: "فلما" بمعنى حين، وجوابه قوله:"هجاني و"قافية" نصب على أنه مَفْعُول قال، فإن قلت: القول يستدعي أن يكون مقوله جملة، وليس كذلك ها هنا، قلت: إذا كان القول بمعنى الحكاية يقع مقوله مفردًا؛ كما في قولك: قلت شعرًا بمعنى حكيته

(6)

.

(1)

أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الميداني النيسابوري، صاحب مجمع الأمثال، ونزهة الطرف في علم الصرف (ت 518 هـ). الأعلام (1/ 214).

(2)

مجمع الأمثال للميداني (3/ 130)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط الحلبي.

(3)

روايته في مجمع الأمثال:

وكم علمته نظم القوافي

فلما قال قافية هجاني

(4)

روايته في مجمع الأمثال: (أعلمه الفتوة كل وقت).

(5)

قال ابن هشام: "وإذا وقع بعد كم اسم معرفة رفعته وأضمرت التمييز. فقلت: كم مالك؟ وكم طعامك؟ وكم غلمانك؟ فكم اسم استفهام مرفوع بالابتداء، والأسماء المرفوعة بعدها الخبر، كأنك قلت: كم درهما مالك؟ وكم غلامًا غلمانك؟ فـ (درهمًا وغلامًا) نصبت على التمييز، وأضمرتها بعد كم لدلالة ما بعدها عليهما". شرح جمل الزجاجي لابن هشام، تحقيق: علي محسن عيسى مال الله (8/ 2) ط. عالم الكتب، أولى (1985 م).

(6)

في تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد للدماميني: "يحكى بالقول الجمل نحو: قالوا معنا، ونحو: يقولون ربنا آمنا، وينصب به المفرد المؤدي معناها أي معنى الجمل؛ كالحديث والقصة والشعر والخطبة والكلام، ويعتبر ذلك بأن تجعل مكان ذلك المفرد جملة ثم تحمل عليها ذلك المفرد تقول: قلت كلامًا حقًّا؛ كما ينصب به المفرد المراد به مجرد =

ص: 126

واعلم أن القول يتعدى بخمسة أحرف: بالباء نحو: قال به بمعنى: حكم به، وباللام نحو: قال له: خاطبه، وبعن نحو: قال عنه، أي روى عنه، وبفي نحو: قال فيه، أي اجتهد فيه، ويستعمل مجردًا بمعنى: افترى، فإن قلتَ: ما الفاء في قوله: فلما قال: قلت: للتعقيب مع مراعاة معنى السببية على ما لا يخفى.

الاستشهاد فيه:

في كونه أطلق القافية التي هي جزء القصيدة على القصيدة، من باب إطلاق اسم الجزء على الكل، أو تسمية الشيء باسم بعض؛ لأن حقيقة القافية ما ذكرناها.

‌الشاهد الثالث

(1)

،

(2)

يَا صَاحِ مَا هَاجَ العُيُون الذُّرَّفَنْ

من طَلَلٍ كَالأَتْحميِّ أَنْهَجَنْ

أقول: قائله هو الراجز العجاج، واسمه عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر بن كنيف بن عميرة بن حُيَيِّ بن ربيعة بن سعد بن مالك التميمي السعدي من سعد تميم البصري، يكنى بأبي الشعثاء والعجاج لقبه، لقب بذلك لقوله: حتى يَعُجُّ عِنْدَهَا مَنْ عَجْعَجَا، والعج: رفع الصوت، يقال: رجل عجاج أي صَيَّاح، والأنثى عجاجة، يقال: أشعر الناس العجاجان، أي رؤبة وأبوه

(3)

، ورؤبة يكنى بأبي محمد وبأبي الجحاف، وهو وأبوه

(4)

راجزان مشهوران، كل منهما له ديوان رجز ليس فيه شعر سوى الأراجيز، وهما مجيدان

(5)

في رجزهما، وهما عالمان

(6)

باللغة، وهما في الطبقة التاسعة من رجاز الإسلام

(7)

.

وقال أبو عمرو بن العلاء

(8)

: ..................................................

= اللفظ نحو: قلت كلمة" (4/ 191، 192) تحقيق: محمد عبد الرحمن المفدي، ط. أولى (1981 م).

(1)

ابن الناظم (5) ط. دار السرور، توضيح المقاصد (1/ 27).

(2)

البيت من بحر الرجز للحجاج، وهو في سيبويه (4/ 207) هارون، والخصائص لابن جني (1/ 171)، وشرح أبيات سيبويه للسيرافي (2/ 303) تحقيق محمد علي الريح هاشم، ط دار الفكر (1974 م) وروايته في شرح أبيات سيبويه:

يا صاح ما هاج العيون الذرفن

من طلل أمسى تخال المُصْحَفَنْ

(3)

و

(4)

في (ب): وابنه.

دراسة: لم يشر إلى دائرة بحر الرجز هنا، وقد آخره التي ذكر بحر الرمل، الشاهد رقم (20).

(5)

في (أ): يجيدان.

(6)

في (أ): وهما عالمان، وفي (ب): وعالمًا باللغة وقد أثبت الصحيح.

(7)

ينظر طبقات فحول الشعراء لابن سلام (2/ 753) وما بعدها تحقيق: محمود شاكر، ط. دار المدني بجدة.

(8)

أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان بن عبد الله بن الحصين التميمي المازني البصري (ت 156 هـ) بالكوفة، انظر =

ص: 127

ختم الشعر بذي الرمة

(1)

والرجز برؤبة، وقال أبو عبد الله الرعيني

(2)

في كتابه: "المؤاخي النادر في الجمع بين اللآلي والنوادر": إن العجاج أدرك أبا هريرة رضي الله عنه وروى عنه، وكان من أعراب البصرة، مخضرم أدرك الدولتين، ورؤبة وابنه أيضًا كان مقيمًا بالبصرة، فلما ظهر بها إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي رضي الله عنه

(3)

، وخرج على أبي جعفر المنصور

(4)

خاف رؤبة على نفسه، وخرج إلى البادية لتجنب الفتنة، فلما وصل إلى الناحية التي قصدها أدركه أجله بها، فتوفي هناك سنة خمس وأربعين ومائة، وكان قد أسن، قال محمد بن سلام: قلت ليونس

(5)

النحوي: هل رأيت أعرابيًّا أفصح من رؤبة؟ قال: لا

(6)

وعن ابن قتيبة: كان رؤبة يأكل الفأر فعوتب في ذلك، فقال رؤبة: هي أنظف من دواجنكم ودجاجكم اللائي يأكلن العذرة، وهل يأكل الفأر إلا نقي البر ولباب الطعام

(7)

؟.

ورؤبة بضم الراء وسكون الهمزة وفتح الباء الموحدة وبعدها هاء ساكنة، وهي في الأصل اسم لقطعة من الخشب يشعب بها الإناء، وجمعها رئاب، وباسمها سمي الراجز المذكور

(8)

، وعن يونس: الرؤبة خميرة اللبن، وقطعة من الليل، والحاجة، وجمام ماء الفحل

(9)

.

قوله: "من طلل .. إلى آخره" ليس من تتمة قوله: يا صاح ما هاج

إلى آخره؛ كما زعمه

= وفيات الأعيان (3/ 466) وما بعدها، ط. دار صادر، تحقيق: إحسان عباس، والمدارس النحوية د / شوقي ضيف:(27).

(1)

غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي، من مضر أبو الحارث ذو الرمة، من فحول الطبقة الثانية في عصره (ت 117 هـ). الأعلام (5/ 124).

(2)

هو محمد بن شريح بن أحمد الرُّعَيني أبو عبد الله، عالم بالقراءات من أهل أشبيلية، من كتبه: الكافي في القراءات (ت 476 هـ). الأعلام (6/ 185) والعِبَر في خبر من غبر للذهبي، تحقيق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول (2/ 235)، ط، دار الكتب العلمية بيروت، أولى (1985 م)، وقد يكون هو محمد بن سعيد بن محمد بن عثمان الأندلسي أبو عبد الله، رحالة من العلماء بالحديث (ت 778 هـ). الأعلام (6/ 139)، ولم يذكر أحد كتاب:"المؤاخي النادر في الجمع بين اللآلي والنوادر".

(3)

(ت 145 هـ). الأعلام (1/ 48).

(4)

هو عبد الله بن محمد بن علي بن العباس، ثاني خلفاء العباسيين (ت 158 هـ). الأعلام (4/ 117).

(5)

يونس بن حبيب البصري، أستاذ سيبويه (ت 182 هـ)، ينظر المدارس النحوية (28)، ومعجم الأدباء (20/ 64).

(6)

ينظر طبقات فحول الشعراء (2/ 761 - 767) الترجمة (5).

(7)

في الشعر والشعراء لابن قتيبة يقول: قال أبو عبيدة: دخلت على رؤبة وهو يجيل جرذانًا على النار فقلت: أتأكلها؟ قال: نعم، إنها خير من دجاجكم إنها تأكل البر والتمر (141) ط. عالم الكتب، ثالثة (1984 م)، وينظر الخزانة للبغدادي (1/ 91).

(8)

ينظر اللسان، مادة:"رأب".

(9)

ينظر خزانة الأدب للبغدادي (1/ 92، 93) تحقيق: هارون، ط الهيئة المصرية العامة للكتاب، ثانية لسنة (1979 م).

ص: 128

ابن الناظم وغيره

(1)

فإنهم وهموا في ذلك وَهْمًا فاحشًا؛ بل لكل منهما قافية تغاير قافية الآخر، فإن تمام الأول قوله

(2)

:

1 -

..........................

من طَلَلٍ أَمْسَى يُحَاكي المصحَفَا

[وبعده]

(3)

:

2 -

رُسُومَهُ والمُذهَبَ المزَخْرفَا

(4)

جَرَّتْ عَلَيهِ الريحُ حَتَّى قَدْ عَفَا

3 -

وَقَدْ أَرَاني بِالدِّيَارِ مُتْرَفَا

أزْمَانَ لا أحسبُ شيئًا مُنْزَفا

4 -

أَزمَانَ غَرَّاءُ تَرُوقُ الشُّنَّفَا

كَأن ذَا فَدَّامة مُنَطَّفَا

5 -

قطف من أعنَابِه ما قَطَفَا

فَعَمَّهَا حَوْلَينِ ثُمَّ استَودَفَا

6 -

خالط من سَلْمَى خَيَاشيمَ وَفَا

صَهبَاءَ خُرْطُومًا عقارًا قَرْقَفَا

7 -

فَشَنّ في الإِبريقِ منها نُزَفَا

حتى تَنَاهَى في صَهَاريجِ الصَّفَا

ومن هذه القصيدة قوله أيضًا:

1 -

وَمَهْمَهٍ يمطُو مَدَاهُ الْعُسَّفَا

بذَات لَوْثِ أَوْ نُبَاج أَشْدَفَا

2 -

نَاجٍ طَوَاهُ الأَيْنُ ممَّا وَجَفَا

طَيّ اللَّيَالِي زُلَفًا فَزُلَفا

3 -

سَمَاوَةَ الهلَالِ حَتى احْقَوْقَفَا

.......................

وتمام الثاني هو قوله

(5)

:

1 -

مَا هَاجَ أَشجَانًا وَشَجْوًا قَدْ شجَا

مِنْ طَلَلٍ كَألأَتْحُمى أَنْهَجَا

وبعده:

2 -

أمْسَى لِعَافِي الرامِسَاتِ مدرجَا

واتخذتهُ النَّائجَاتُ مَنْأَجًا

3 -

مَنَازِلٌ هيّجْنَ مَنْ تَهَيَّجَا

من آل ليلى قد عفون حججا

(1)

ابن الناظم (5)، وتوضيح المقاصد (1/ 27).

(2)

انظر القصيدة كلها في ديوان العجاج (368) بتحقيق سعد حناوي، دار صادر، كما ينظر شرح أبيات سيبويه (2/ 303) وروايته:"تخال" بدلًا من "تحاكي".

(3)

ما بين المعقوفين نقص في (أ).

(4)

شرح أبيات سيبويه يروي "المزخرفن" بالنون.

(5)

ينظر المغني: شواهد رقم (607) وروايته:

ما هاج أشواقًا وشجوًا قد شجا

من طلل كالأتحمي أنهجا

وشرح شواهد المغني للسيوطي (793، 794)، ويقصد بالثاني: الشطر الثاني الذي لفقه النحويون؛ حيث أتوا بالشطر الأول من قصيدة فائية وبالثاني من قصيدة جيمية.

ص: 129

4 -

والشَّخطُ قطَّاعٌ رَجَاءَ مَنْ رَجَا

أَزْمَانَ أَبْدَت واضحًا مفلَّجا

5 -

أغرَّ برَّاقًا وطرْفًا أبرجا

وَمُقلَةً وحاجبًا مُزَجَّجا

6 -

وفاحمًا ومَرْسِنًّا مسرَّجا

وكفلًا وَعْثًّا إذا ترجرجَا

7 -

ومهمهٍ هالكٍ من تعرَّجا

هَائِلة أَهْوَالُهُ مَنْ أدْلَجا

ومن هذه القصيدة أيضًا:

1 -

كأنَّ تحتي ذات شَغبٍ سمحجا

قَوْدَاءَ لا تحمل إلا مُخْدَجًا

2 -

جَأْبًا ثرَى تَلِويلَةَ مُسَحَّجَا

............................

ومنها قوله:

3 -

فعَرَفُوا أن لا يُلاقُوا مخرجا

أو يَبتَغُوا إلَى السَّمَاء دَرَجَا

4 -

حَتَّى يَعُجَّ ثخَنًا مَن عجْعَجَا

فُيُودِي المُودِيُّ وَينْجُو مَنْ نَجَا

وبه سمي العجاج كما ذكرناه، فالأول: رجز فائي، والثاني: رجز جِيمي، وأصله في الدائرة: مستفعلن ست مرات، وقد دخله الطي

(1)

وهو إسقاط الرابع الساكن وهو الفاء

(2)

فيصير: مستعلن، فيرد إلى مفتعلن وتقمعه ظاهر، فقوله:(من طلل) مطوي، وزنه مفتعلن والباقي سالم.

1 -

قوله: "هاج" من الهيجان، يقال: هاج الشيء يهيج هيجًا وهياجًا وهيجانًا، واهتاج يهيج أي: ثار وتحرك، يقال: هاج به الدم والمرة، يقال: هاج وهاجه، يتعدى ولا يتعدى

(3)

وها هنا هاج متعد، و "الذُّرَّف" بضم الذال المعجمة وفتح الراء المشددة جمع ذارفة، من ذَرَفَ الدمعُ إذا سال فهو ذارف ومذروف وذريف ودموع ذوارف، وقد ذَرِف دمعه ذروفًا، وذرفت عينه الدموع ذروفًا، وحكى في الصحاح ذَرَفَانَا

(4)

، وقال الفراء

(5)

ذَرّفَتْ عينهُ تذرافًا وتذرفيًا وتَذْرِفة

(6)

، وقوله:"من طَلَل" بفتحتين وهو: ما شخص من آثار الدار وما سَوَّدُوا فيها، وجمعه: أطلال وطلول.

(1)

ينظر علم العروض والقافية، د / عبد العزيز عتيق (71) ط. دار النهضة العربية: بيروت (1987 م).

(2)

في (أ): إسقاط الساكن الثاني من السبب الثاني.

(3)

لسان العرب مادة: "هيج".

(4)

الصحاح مادة "ذَرَفَ".

(5)

يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي أبو زكرياء الفراء، أخذ عن الكسائي، وكان أبرع الكوفيين، له معاني القرآن وغيره (ت 207 هـ)، انظر إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغوين لعبد الباقي اليماني، تحقيق: عبد المجيد دياب (379)، ط أولى (1986 م). الأعلام (9/ 178) وبغية الوعاة (2/ 333).

(6)

ينظر اللسان، مادة:"ذرف".

ص: 130

قوله: "يحاكي المصحفا" أي يشابه، والمعنى: أي شيء هيج العيون الذارفة بالدموع من طلل؛ أي: من رؤية طلل؛ كقوله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ} [الحج: 22] أي: من أجل غم، يعني: من طلل دار قد أمسى يحاكي سطور المصحف في الخفاء، والاندراس، "والمصحف" مثلث الميم

(1)

حكاه في شرح الكافية

(2)

وهو ما يكتب فيه من جلد أو قرطاس، ويقال: صحيفة وصحف وصحائف.

2 -

"والمزخرف": المزين، "عفا": انمحى أثره.

3 -

قوله: "مترفًا" أي: منعمًا منزهًا، من الإتراف، قوله:"منزفًا" أي: مقطوعًا، قوله:"غراء"؛ أي: بيضاء، قوله:"تروق"، أي تعجب، قوله:"الشَّنَّفَا" جمع شانف وهو الناظر يمينا وشمالًا، قال الجوهري: شنفت إلى الشيء بالفتح: نظرت في اعتراض

(3)

.

4 -

قوله: "ذَا فَدَّامةٍ" بالفاء؛ أي ذا خرقة، "والمنُطَّف" بالطاء المهملة، معناه: المُقَرَّط، يقال: تنطفت المرأة إذا تقرطت، والنَطَفَةُ بالحركات: القرط.

5 -

قوله: "قطف" أي: نزع بيديه، قوله:"استودفا"؛ أي: استوكفا.

6 -

قوله: "صهباء"؛ الصهباء: الخمر سميت بذلك للونها، و:"الخُرَطُومَ" بضم الخاء المعجمة هو الخمر قاله الجوهري، وأنشد البيت المذكور

(4)

، و "العُقار" من أسماء الخمر؛ لأنها تعاقر القلوب، و"القرقف" أيضًا من أسماء الخمر؛ لأنها تقرقف صاحبها؛ أي: ترعده.

7 -

قوله: "فشنَّ" من شن الماء على الشراب إذا صَبَّهُ، قوله:"نُزُفا" بضم النون جمع نزفة، وهو القليل من الماء والشراب، ويقال: النزفة؛ الجرعة.

1 -

قوله: "ومهمه"، أي: مفازة، قوله:"يمطو"، أي: يمد؛ و "المدى": الأمد الذي إليه ينتهي، و "العُشف" جمع عاسف وهو القاطع بغير طريق، وربما قطع عليه الطريق، قوله:"لوث"؛ أي: قَوَّة. قال الجوهري: اللوث بالفتح القوة

(5)

، و:"النُّبَاج" بضم النون وتخفيف الباء الموحدة وفي آخره جيم مثل: النباح بالحاء المهملة، وهو الردام أيضًا، و:"الأشدف" الذي فيه ميل على يده اليسرى.

2 -

قوله: "الأين: الإعياء، قوله: "زلفًا": جمع زلفة وهي الدنو.

(1)

أي مفتوحها ومكسورها ومضمومها.

(2)

غير موجودة لدى ابن مالك.

(3)

الصحاح، مادة:"شنف".

(4)

الصحاح، مادة:"خرطم".

(5)

الصحاح، مادة:"لوث".

ص: 131

3 -

قوله: "سماوة الهلال" سماوة كل شيء: شخصه، أراد كشخص الهلال في دقته وانحنائه، و:"الاحقيقاف" الاعوجاج.

1 -

قوله: "أشجانا" جمع شجن بفتحتين وهو الحزن، وأما الشجن الذي معناه الحاجة فيجمع على شجون، قال الشاعر

(1)

:

والنفس شتى شجونها

............................

والعروضيون يروونه: ما هاج أحزانًا وشجوا قد شجا

(2)

والشجو الحزن أيضًا، يقال: شجاني الشيء أحزنني، والشجا: ما نشب في الحلق من غصة هم، و:"مفازة شجواء": صعبة المسالك.

فإن قلت: ما فائدة عطف الشجو الذي هو الحزن على (أحزانًا) على رواية العروضيين؟.

قلت: لما تغاير اللفظان عطف أحدهما على الآخر، وإن كان معناهما واحدًا.

قوله: "كالأتحمي" بفتح الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق وفتح الحاء المهملة: نوع من البرود بها خطوط دقيقة، وليس الياء فيها للنسبة، فإنما هي مثل الياء في قولهم: قصب يردي وكلب زفتي، ويقال: هو نسبة إلى أتحم موضع باليمن تعمل

(3)

فيه البرود وتنسب إليه، والأول هو الصحيح، وشبه به الأطلال من أجل المخطوط التي فيه؛ كما شبه بالمصحف، قوله:"أنهجا"، فعل ماض، يقال: أنهج الثوب إذا بلي وخَلِق، قال الجوهري: أنهج الثوب إذا أخذ في البلى، قال

(4)

عبد بني الْحَسْحَاس

(5)

:

فما زَال بُرْدِي طيبًا من ثيابها

إلى الحَوْلِ حَتَّى أنْهَجَ البُرْدُ بَالِيَا

2 -

قوله: "مدرجًا"؛ أي: طريقًا؟ قوله: "واتخذته النائجات منأجًا"، من نأجت الريح

(1)

مطلع أرجوزة للعجاج في ديوانه (7) وهو شاهد على جمع شجن على شجون

(2)

ينظر الوافي في العروض والقوافي للتبريزي: (105).

(3)

في (أ): يعمل.

(4)

هو سحيم عبد بني الحسحاس شاعر رقيق كان عبدًا نوبيًّا، أعجمي الأصل، اشتراه بنو الحسحاس، رآه النبي صلى الله عليه وسلم وكان يعجبه شعره (ت 40 هـ). الأعلام (3/ 79) وفوات الوفيات (2/ 42) وما بعدها تحقيق د. إحسان عباس، ط. دار صادر بيروت.

(5)

من الطويل، انظر ديوان سحيم (20) ط. دار الكتب. وروايتهُ في الصحاح:

فما زال بردي طيبًا من ثيابها

إلى الحول حتى أنهج الثوب بالي

ينظر الصحاح، مادة:"نهج"، وطبقات فحول الشعراء لابن سلام (1/ 188) تحقيق: محمود شاكر، وهو شاهد على أن "نهج" بمعنى بلى وخلق.

ص: 132

تنأج نئيجًا تحركت فهي نؤوج ولها نئيج؛ أي: مَرٌّ سريع مع صوت، ومادته: نون وهمزة وجيم.

4 -

قوله: "واضحًا مفلجًا"، الواضح: الثغر الأبيض، والمفلج: المتفرق، و:"الأبلج" شديد بياض البياض، شديد سواد السواد، وقال الأصمعي

(1)

: الواسع والمزجج بالإثمد المطول به

(2)

.

6 -

و "الفاحم" بالفاء والحاء المهملة: الشعر الأسود، و:"المرسن" الأنف، و"المسرج" المحسن المليح، و "الوعث الوثير" هو المكان السهل. تغيب فيه الأقدام، وامرأة وثيرة: كثيرة اللحم وكذلك امرأة وعثة: كثيرة اللحم، و "ترجرج" إذا اضطرب وتمخض.

7 -

و "الهالك": من قولهم: هلكه الله

(3)

، قاله أبو عبيدة

(4)

، و "أدلج": سار ليلًا.

1 -

و "الشغب" بالشين والغين الساكنة المعجمتين والباء الموحدة، وهو شدة النفس وشرهها، و "السمحج": المنطوية البطن، وقال الأصمعي: الطويلة

(5)

، و "القوداء": الطويلة العنق، و "المخدج": الناقص الخَلْق، وفي حديث علي - رضي الله تعالى عنه- في ذي الثدية مخدَج اليد؛ أي: ناقصها.

2 -

قوله: "جأيّا" بفتح الجيم وسكون الهمزة وفي آخره ياء موحدة، وهو الغليظ من حمر الوحش، قال أبو زيد

(6)

: يهمز ولا يهمزة

(7)

، قوله:"مسحجًا" بتقديم الحاء المهملة على الجيم وهو المعضد، يقال: حمار مسحج؛ أي: مُعَضَّض مُكَدحٌ، وهو بمعنى التسحيج؛ كقوله تعالى:{مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: 7]، وتوهم بعضهم أنه اسم مفعول [مصحف بنيته فقال: تليله، والليت بكسر اللام: صفحة العنق، والتليل بفتح التاء المثناة من فوق هو العنق]

(8)

.

4 -

وقوله: "حتى يعج" من العج وهو رفع الصوت، و "الثخن" بفتح الثاء المثلثة والخاء

(1)

هو عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع، راوية العرب، له: المترادف، وشرح ديوان ذي الرمة وغيرهما (ت 216 هـ). الأعلام (4/ 162).

(2)

ينظر اللسان، مادة:"بلج".

(3)

اللسان، مادة:"هلك".

(4)

هو أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي البصري، من أئمة الأدب واللغة، له مجاز القرآن لإعراب القرآن والأمثال وغيرها (ت 209 هـ). الأعلام (7/ 272) وإشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين (350) وشذرات الذهب (2/ 24، 25).

(5)

ينظر تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي، مادة:"سمحج"، تحقيق د / حين نصار، ط. دار إحياء التراث العربي بيروت.

(6)

هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري، من أئمة الأدب واللغة، صنف النوادر في اللغة ولغات القرآن وغيرهما (ت 215 هـ). الأعلام (3/ 92)، وإشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين (128).

(7)

أساس البلاغة، مادة:"جأب".

(8)

ما بين المعقوفين في (أ) مذكورة قبل الآية: الكريمة.

ص: 133

المعجمة وفي آخره نون

(1)

، ويروى: حتى يعج عندها من عجعجا، قال اللحياني

(2)

: رجل عجعاج؛ أي صيَّاح

(3)

.

الإعراب:

قوله: "يا صاح" كلمة يا: حرف النداء، وصاح: منادى مرخم على لغة الانتظار

(4)

ولم يرخم على لغة الاستقلال

(5)

وترخيمه نادر كقولهم: أطرق كرا

(6)

؛ لأنه ليس بعلم ولا مؤنث، وقول من قال أصله: صاحبي رُخِّمَ بحذف المضاف إليه، ثم بحذف آخر المضاف

(7)

مردود.

قوله: "ما هاج" ما: مبتدأ، وهاج: فعل، والضمير الذي هو فيه فاعله يرجع إلى "ما" والعيون مفعوله، "الذرَّفَنْ": نصب على أنها صفة للعيون، والجملة خبر المبتدأ، قوله:"من طلل" جار ومجرور متعلق بقوله: هاج، قوله:"أمسى" جملة في محل الجر على أنها صفة لطل، وأمسى من الأفعال الناقصة، ومعناهُ ها هنا صار

(8)

.

قوله: "المصحفن" مفعول يحاكي، والجملة في محل النصب على أنها خبر أمسى، قوله:"ما هاج أشجانًا" الكلام فيه كالكلام في قوله: ما هاج العيون.

قوله: "قد شجا" جملة فعلية وقعت صفة لقوله: شجوًا، ومفعول شجا محذوف تقديره.

(1)

لم يفسر معناه العيني: يقال ثخن ككرم ثخونة غلظ وصلب فهو ثخين، ففي الصحاح مادة:"ثخن" يقول الجوهري: "ثخن ثَخُنَ الشيء ثَخانَةً، أي غلُظَ وصلب، فهو ثَخينٌ".

(2)

علي بن المبارك أبو الحسن اللحياني، من بني لحيان بن هذيل، له: النوادر المشهورة، لم يذكر وفاته. بغية الوعاة (2/ 185).

(3)

قال الجوهري: "العجُّ": رفع الصوت، الصحاح، مادة:"عجج".

(4)

يقصد بلغة الانتظار عند النحويين: بقاء الاسم على حاله بحد الحذف منه لأجل الترخيم؛ كقوله: يا فاطم ببقاء الميم مفتوحة، ينظر ابن يعيش (2/ 20)، وابن الناظم (233)، وتطبيقات نحوية وبلاغية، د / عبد العال سالم مكرم (2/ 122) وما بعدها، ط. مؤسسة الرسالة بيروت، ثانية (1992 م).

(5)

هو جعل الاسم المرخم بعد الحذف منه اسمًا كاملًا مبنيًّا على الضم دون النظر إلى ما حذف منه، ينظر ابن الناظم (233) وتطبيقات نحوية وبلاغية (2/ 122).

(6)

يقول ابن مالك: "ولا يستباح في غير ضرورة ترخيم منادى عارٍ من علمية ومن هاء تأنيث، وشذ قولهم في صاحب: يا صاح، وفي كروان: يا كرا، وزعم المبرد أن ذكر الكروان يقال له: كرا، ومن أجل قوله قلت: وأطرق كرا على الأشهر؛ لأن الأشهر في أطرق كرا، أطرق يا كروان فرخم وحقه ألا يرخم؛ لأنه اسم جنس عار من هاء التأنيث وقدر ما بقى مستقلًا فأبدلت الواو ألفًا، وحذف حرف النداء، وحقه ألا يحذف؛ لأنه اسم جنس مفرد". شرح التسهيل (3/ 342).

(7)

قال الصبان: "زعم ابن خروف أن الأصل: صاحبي وأنه أجري مجرى المركب المزجى، فرخم بحذف الكلمة الثانية ثم أدركه ترخيم آخر بعد ذلك الترخيم فحذف الباء من صاحب، وهو تعسف لا داعي له"(3/ 185).

(8)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 345).

ص: 134

وشجوًا قد شجاه، أي: أي شيء هيج الشجو الذي قد شجاه.

قوله: "من طلل" متعلق

(1)

بقوله ما هاج، قوله:"كالأتحمي" صفة موصوفها محذوف، أي كالبرد الأتْحمي، وهو صفة لطلل ومحلها الجر، قوله:"أنهجا" جملة فعلية ماضية في محل النصب على الحال بتقدور "قد" أي كالبُرد الأتحمي حال كونه قد أنهجا. أي بلي وأخلق

(2)

.

الاستشهاد:

في قوله: "الذرفن" فإنه جمع بين الألف واللام وتنوين الترنم، وفي قوله:"أنهجن" فإنه أدخل تنوين الترنم في الفعل، وتنوين الترنم: هو المبدل من حرف الإطلاق عوضًا عن مدات الترنم، وهي الألف والواو والياء

(3)

، أما الألف ففي ما مر من قوله:"الذرفن" و "أنهجن".

وأما الواو ففي قول الآخر

(4)

:

.........................

سُقيت الغيثَ أيَّتهَا الخِيامُنْ

وأما الياء ففي قول الآخر

(5)

:

...........................

كانَتْ مُباركَةً من الأيامن

(1)

في (أ): يتعلق.

(2)

في (أ، ب): أي بلي و "خلولق" وأثبت الصحيح.

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 11) وقال ابن يعيش: "وهذا التنوين يستعمل في الشعر والقوافي للتطريب معاقبًا بما فيه من الغنة لحروف المد واللين". شرح المفصل لابن يعيش (9/ 33).

(4)

من الوافر لجرير، عجز بيت وصدره:

متى كان الخيام بذي طلوح

......................

ينظر ديوان جرير (512) بشرح محمد الصاوي، دار صعيب بيروت، وسيبويه (4/ 206) وروايته في الكتاب "الخيامو"، وابن يعيش (9/ 33)، والارتشاف (3/ 272)، والمنصف (1/ 224)، وشرح شواهد المغني (226).

(5)

من الكامل، عجز بيت نسبه سيبويه لجرير، وصدره:

أيهات منزلنا بنعف سويقة

......................

وليس في الديوان، انظر الكتاب (4/ 206)، والخصائص (3/ 243)، واللسان، مادة:"سوق"، وروايته في الكتاب:"الأيامى".

ص: 135

‌الشاهد الرابع

(1)

،

(2)

وَقَاتِمِ الأَعْمَاقِ خَاوي المُختَرَقْن

.............................

أقول: قائلة هو رؤبة بن العجاج، وقد ترجمناه فيما مضى

(3)

، وهو من قصيدة قافية مرجزة، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

وقاتِم الأَعْماقِ خاوي المُختَرَقْ

مُشتَبِه الأَعْلامِ لمّاع الخَفَقْ

2 -

يَكلُّ وَفْدُ الرِيحِ مِنْ حَيثُ انْخَرَق

شأز بِمَن عَوَّهَ جَدْبِ المُنْطَلَق

3 -

ناءٍ مِنَ التَصْبِيح نَائِي المُغتَبَق

تبدُو لَنَا أَعْلامُهُ بَعْد الغَرَقْ

4 -

فيِ قِطَعِ الآلِ وَهَبوَاتِ الدُقَقْ

خارِجَةً أَعْناقُهَا مِنْ مُعْتَنَقْ

5 -

تَنَشَّطَتْهُ كُلُّ مِغْلاةِ الوَهَقْ

مَضْبُورَة قَرْواءَ هِرْجاب فُنُقْ

6 -

مائِرَةِ العَضدَينِ مِصْلاة العُنُقْ

مُسْوَدَّة الأَعْطاف مِنْ وَشمِ العَرَقْ

7 -

إذا الدليل استافَ أَخْلاقَ الطرُقْ

كَأَنها حَقْباءُ بَلْقاءُ الزَّلَقْ

8 -

أَوْ جادرُ اللِّيتَيِن مطْويُّ الحَنَقْ

مُحَمْلجٌ أُدْرجَ إدْراج الطَّلَق

9 -

لَوَّحَ مِنْهُ بَعْدَ بُدْنٍ وَسَنَقْ

منْ طُولِ تَعْداء الرَّبيع فيِ الأَنقْ

10 -

تَلْويحَكَ الضامرَ يُطْوَى للسَّبَقْ

قُودٌ ثَمانٍ مِثْل أَمْراس الأَبَق

11 -

فيها خُطُوطٌ منْ سَوادٍ وَبَلَقْ

كَأَنهَا فيِ الجِلْد تَوْليعُ البَهَقْ

12 -

يُحْسَبْنَ شامًا أَوْ رِقاعًا مِنْ بنَقْ

فَوْقَ الكُلَى من دائراتِ المُنتَطَقْ

13 -

مَقْذُوذَةُ الآذان صَدْقاتُ الحَدَقْ

قَد أَحْصَنَتْ مِثْلَ دَعَاميص الرَّنقْ

14 -

أَجنةً في مُستَكنات الحلَقْ

فَعَفَّ عَن أَسرارها بعْد الغسَقْ

15 -

وَلَم يُضعْها بين فِركٍ وَعَشَقْ

لا يَتْرُكُ الغَيرَةَ منْ عَهْدِ الشَبَقْ

16 -

ألَّفَ شَتَّى لَيسَ بالراعِي الحَمِقْ

شذّابَةٌ عَنْهَا شذى الرُّبْع السُّحُقْ

17 -

قَبّاضةٌ بَيَنْ العَنيف وَاللبقْ

مُقْتَدرُ الضَيعَةِ وَهْوَاهُ الشَّفَقْ

(1)

ابن الناظم (5)، وتوضيح المقاصد (1/ 29)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 20).

(2)

البيت من بحر الرجز لرؤبة بن الحجاج، هو أولها وقد سردها الشارح كاملة، وبيت الشاهد في الكتاب (4/ 210)، وشرح التسهيل (1/ 11)، والدرر اللوامع (2/ 38، 104)، والخصائص (1/ 228)، والمنصف (2/ 3، 308) والمحتسب (1/ 86)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (764).

(3)

انظر الشاهد الثالث من هذا الكتاب.

(4)

الديوان.

ص: 136

18 -

شهْرين مَرعاهَا بِقِيعان السلَقْ

مَرْعًى أنيقَ النبت مُجّاجَ الغدَقْ

19 -

جَوَازئًا يَخْبِطْنَ أَنْداءَ الغمَقْ

مِنْ باكِر الوَسْمِيِّ نَضَّاخ البُوَقْ

20 -

مُستَأْنِف الأَعْشاب مِنْ رَوْضٍ سَمَق

حَتى إذا ما اصْفَرَّ حُجْرَانُ الذُّرقْ

21 -

وَأَهْيَجَ الخلصاءَ من ذاتِ البُرَقْ

وَشفَّها اللَّوْحُ بمَأْزولٍ ضَيَقْ

22 -

وحلَّ هَيفُ الصَّيف أقْرَانَ الرِّبقْ

وَبَتَّ حَبلُ الجُزْء قَطْعَ المنحَذِقْ

23 -

وَخَفَّ أَنْواءُ الرَبيع المُرْتزَقْ

وَاستنَّ أَعْراف السَفَا عَلَى القيَقْ

24 -

وَانْتَسَجَتْ في الريحِ بُطْنانُ القَرَقْ

وَشجَّ ظَهْر الأَرْضِ رَقاصُ الهَزَقْ

25 -

هَيجَ وَاجْتابَتْ جِدِيدًا عَنْ خَلَقْ

. كَالْهَرَوي انْجَابَ عَنْ لَوْن السَّرَقْ

26 -

طَيَّرَ عَنْهَا النَسءُ حَوْليَّ العقَقْ

فَانْمَارَ عَنْهُنَّ مُوَارَاتُ المزَقْ

27 -

وَمَاجَ غُدْرانُ الضحَاضيحِ اليَقَقْ

وَافْتَرَشت أَبْيَضَ كَالصُّبْح اللَّهَقْ

28 -

قَوارِبًا منْ واحفٍ بَعْدَ العَبَقْ

للعِدِّ إذ أَخْلَفَهَا مَاء الطَّرَقْ

29 -

بَين القَريَّين وَخَبرَاء العَذَقْ

يَشْذبُ أُخْراهُن مِنْ ذاتِ النَّهَقْ

30 -

أَحْقَبُ كَالمحلج مِنْ طُول القَلَقْ

كَأنهُ إذ راحَ مَسْلُوسَ الشَّمَقْ

31 -

نُشِّرَ عَنْهُ أَوْ أَسِيرٌ قَدْ عتَقْ

مُنْسَرحًا إلِّا ذَعَاليبَ الخِرقْ

32 -

مُنْتَحيًا منْ قَصدِه عَلَى وَفَقْ

صاحِبَ عادَاتٍ منَ الِورْد الغفَقْ

33 -

تَرمِي ذرَاعَيهِ بِجَثْجاث السوَقْ

ضَرحًا وَقَد أَنْجَدْنَ منْ ذات الطوَقْ

34 -

صَوَادِقَ العَقْبِ مَهَاذِيبَ الوَلَقْ

مُستويَاتِ القَدِّ كَالجَنْبِ النَّسَقْ

35 -

تحيدُ عَن أَظْلالِهَا مِنَ الفَرَقْ

مِن غائلات اللَيلِ وَالهَول الزَعَقْ

36 -

قُبُّ مِنَ التعداءِ حُقْبٌ في سوَقْ

لَوَاحِقُ الأَقْرابِ فِيهَا كالمقَقْ

37 -

تَكَاد أَيْدِيهِن تهْوي في الزَّهَقْ

منْ كَفْتها شَدًّا كَإضْرام الحَرَقْ

38 -

سَوَّى مَسَاحِيهِنَّ تقْطِيطَ الحُقَقْ

تَفْليلُ ما قارَعْنَ مِنْ سُمْرِ الطُرَق

39 -

رُكِّبْنَ في مَجْدُول أَرْساغٍ وُثقْ

يَتْرُكْنَ تُرْبَ الأَرْض مَجْنُونَ الصِّيَقْ

40 -

وَالمروَ ذا القَدَّاح مَضْبُوحَ الفلَق

ركبن في جدول أرساغ وثق

41 -

يَنصَاحُ مِنْ جُبْلَةِ رضمٍ مُدَّهَق

إذا تَتَلَّاهُنّ صَلْصال الصَّعَقْ

42 -

مُعتَزِمُ التَّجْلِيحِ مَلّاخُ الملق

يرمى الجلاميد بجلمود مِدَقْ

ص: 137

43 -

مماتن غايتها بعد النَّزَقْ

حَشرَجَ في الجَوْفِ سَجيلًا أَو شَهَقْ

44 -

حَتَّى يُقَال ناهِقٌ وَما نَهَق

كَأنَّهُ مُستنشِق مِنَ الشرَقْ

45 -

خُرًّا منَ الخردَلِ مُكرُوهَ النَشَقْ

أَوْ مُقرعٌ مِن رَكْضهَا دَامي الزنَقْ

46 -

أَوْ مُشتَكٍ فَائِقَهُ مِنَ الفَاق

في الرَأسِ أَو مَجْمَعِ أَحْناء يرقَقْ

47 -

شَاحيَ لحيَي قَعْقَعَانيِّ الصَلَقْ

قَعَقَعَةَ المحوَر خُطافَ العَلَقْ

48 -

حَتَّى إذا أَقحَمَهَا فيِ المنسَحَق

وَانْحَسَرَت عَنَها شقابُ المُخَتَنَقْ

49 -

وَثلَمُ الوادِي وَفَرْغُ المُندَلَقْ

وَانْشَقَّ عَنْها صَحْصَحَانُ المنُفَهَقْ

50 -

زُورًا تَجَافى عَنْ أَشَاءَاتِ العُوَقْ

في رَسم آثارٍ وَمدْعاسٍ دَعَق

51 -

يَردْنَ تَحْت الأَثل سَيَّاحَ الدَّسَقْ

أَخْضرَ كَالبُرد غَزِيرَ المُنبَعَق

52 -

قَد كَفَّ عَن حَائرِه بَعْدَ الدفَقْ

في حاجرٍ كَعكَعَهُ فَي البَثَق

53 -

وَاعتَمَسَ الرامي لِما بَينَ الأُوَق

في غِيلِ قَصْباءَ وَخِيسٍ مُختَلَقْ

54 -

لا يَلتوي من عاطِسٍ وَلا نَغقْ

وَلَم يُفَجَّشْ عِنْدَ صَيدٍ مُخْتَرَق

55 -

نيئ وَلا يَذخُرُ مَطْبُوخَ المَرَقْ

يَأوي إِلَى سفعَاءَ كَالثَوبِ الخلَقْ

56 -

لَم ترْجُ رِسلًا بَعْد أَعْوَام الفَتَق

إذا احْتَسَى مِن لَومها مُرَّ اللعَقْ

57 -

جَدَّ وجَدَّت إِلقَةٌ مِنَ الإِلَق

لَو صخبت حَوْلًا وَحَوْلًا لَم تَفِق

58 -

ترمل فيِ الباطلِ مِنْهَا المُمْتَذَقْ

غُولٌ تَشَكّى لِسَبنْتى مُعتَرَقْ

59 -

كَالحيَّة الأَصْيَدِ من طُول الأَرَقْ

لا يشَتكي صُدغَيه مِن داء الوَدَق

60 -

كَسَّرَ مِن عَينيهِ تَقويمُ الفُوَق

وَما بعَينيه عَواويرُ البَخَق

61 -

حَتَّى إِذا توَقَّدَت مِنَ الزَّرَقْ

حَجرِيَّةٌ كَالجَمرِ منْ سَنِّ الذَّلَقْ

62 -

يُكسَينَ أَرياشًا مِنَ الطَيرِ العُتُق

سَوَّى لَهَا كَبدَاءَ تنْزُو فيِ الشَّنَقْ

63 -

نَبعِيَّةً سَاوَرَهَا بَينَ النيَق

تنثُرُ مَتنَ السَمهَريِّ المُمتَشَقْ

64 -

كَأنمَا عَوْلَتُها من التَأق

عوَلَةُ عَبرَى وَلوَلَت بَعْدَ المأَق

65 -

كَأَنها في كَفِّهِ تَحتَ الرِّوَق

وَفقُ هِلالٍ بَين لَيلٍ وَأُفُق

66 -

أَمْسَى شَفَى أَو خَطّة يَوْمَ المحق

فَهيَ ضَرُوحُ الرَّكضِ مِلحَاقُ اللحَق

67 -

لَوْلا يُدلي حَفضُهُ القِدحَ انزَرَق

وَقَد بَنَى بَيتًا خَفيَّ المُنْزَبَقْ

ص: 138

68 -

رَمسًا منَ النَامُوسِ مَسدُودَ النفَقْ

مُقْتَدِرَ النَقْب خَفيَّ المُمْتَرَقْ

69 -

مَضطَمرًا كَالقَبرِ بالضيق الأَزَق

أَسَّسَهُ بَين القَرِيب وَالمَعَقْ

70 -

أَجْوَفَ عَنْ مَقعَدِه وَالمُرتَفَق

فَباتَ وَالنفْسُ منَ الحرصِ الفَشَق

71 -

فيِ الذرْب لَوْ يَمْضعُ شريًا ما بَصَقْ

لَمَّا تَسَوَّى في ضَئِيلِ المُنْدَمَقْ

72 -

وأوفقت الرَّمْي حَشرَاتُ الرشَق

سَاوَى بِأَيْديهن مِنْ قَصدِ اللمَق

73 -

مَشْرَعَةٌ ثلْماءُ مِنْ سَيلِ الشدَقْ

فَجئْنَ وَاللَيلُ خَقيُّ المُنسَرَقْ

74 -

إذا دَنَا مِنْهُن أَنْقاضُ النُّفَقْ

في الماء وَالساحِلُ خَضخاضُ البثَقْ

75 -

بَصبصنَ وَاقْشَعرَرْنَ مِنْ خَوف الزَّهَقْ

يَمْصَعنَ بِالأَذْنابِ مِنْ لَوْحٍ وَبَق

76 -

حَتَّى إِذَا ما خُضْنَ في الحَوْمِ المَهَقْ

وَبَل نَضحُ الماء أَعضَادَ اللَّزَقْ

77 -

وَسْوَسَ يَدْعُو مُخلِصًا رَبَّ الفَلَق

سرًّا وَقَدْ أَوَّنَّ تَأْوينَ العُقُقْ

78 -

وَارتَازَ عيرى سَندَرِيٍّ مُخْتَلَق

لَوْ صَف أَدْراقًا مَضَى مِن الدرَقْ

79 -

يَشقَى بِهِ صَفْحُ الفَرِيصِ وَالأَفَق

وَمَتن مَلساءِ الوَتينِ في الطبَقْ

80 -

فَمَا اشتَلاهَا صَفقُهُ لِلمُنصَفَق

حَتَّى تَهَاوَى أَربَعٌ فيِ المُنْعَفَقْ

81 -

بِأَرْبَعَ يَنزَعْنَ أَنفَاسَ الرمَق

تَرَى بها منْ كُل مِرشاشِ الوَرَق

82 -

كثمَر الحُمَّاض مِن هَفْتِ العَلَق

وَانصَاعَ بَاقِيهِنَّ كَالبَرقِ الشقَق

83 -

ترمِي بأَيديها ثَنَايَا المنفَرَق

كَأَنها وَهْي تَهاوَى بِالرفقْ

84 -

مِن ذَروهَا شبراقُ شَدٍّ ذِي عَمَق

حين احْتَدَاها رُفقَةٌ منَ الرفَق

85 -

أَوْ خَارِبٌ وَهْيَ تَغَالى بِالحزَقْ

فَأَصْبَحَت بالصلْبِ مِنْ طُول الوَسَقْ

86 -

إِذَا تَأَنَّى حِلمَهُ بَعدَ الغلَق

كاذَبَ لَومَ النفسِ أَو عنْهَا صَدَقْ

وإنما سقنا هذه الأرجوزة بكمالها لوجوه:

الأول: لكونها عزيزة [الوجود]

(1)

وقلّ من يقف [عليها كاملة]

(2)

.

والثاني: فيها أبيات كثيرة مستشهد [فيها بما]

(3)

نحن بصدده.

والثالث: لتكثير الفائدة؛ لاشتمالها على لغات غريبة وألفاظ عجيبة.

(1)

زيادة في (أ).

(2)

في (أ): على تمامها.

(3)

في (أ): بها فيما.

ص: 139

والرابع: [أن]

(1)

مطلعها بيت مستطرق كثير الورود في كتب النحو واللغة، فلأجله ذكرنا الباقية.

والخامس: ليدل على توغلنا في هذا الفن وشدة تَنْقيرِنا في مظان الأشياء ومدارك اللغات والألفاظ، فنتكلم على لغاتها مختصرة تكثيرًا للفائدة، وإزاحة للإهمال عن ألفاظها الغربية.

1 -

فقوله: "وقاتم الأعماق"؛ أي: ومكان قاتم الأعماق، أي مغبر النواحي، القاتم: المكان المظلم المغبر من القَتَامِ وهو الغبار، وقال ابن السكيت

(2)

: يقال: أسود قاتم وقاتن

(3)

، والقتمة: لون فيه غبرة وحمرة ومثلة القُترة، وفي الأساس

(4)

: لون قاتم وأقتم: أغبر يعلوه سواد، وقَدْ قَتَمَ يَقْتِمُ من باب ضرب يضرب، وقتِم يقتَم من باب علم يعلَم قتمًا وقتمة، و"الأعماق" جمع عمق بفتح العين وضمها، قال الجوهرى: العُمقُ والعَمقُ ما بَعُدَ من أطراف المفاوز، ثم قال: ومنه قول رؤبة:

وَقَاتم الأَعمَاقِ خَاوي المُخْتَرقن

...........................

وعمق كل شيء آخره ومنتهاه

(5)

، و "الخاوي" بالخاء المعجمة من خوى البيت إذا خلا، قال الله تعالى:{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاويَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل: 52]، قيل معناه: خالية، وقيل ساقطة

(6)

، والخواء بالفتح الهواء بين السماء والأرض، وكل فرجة بين السماء والأرض خوى، وفي الأساس: خوي البطنُ خلا من الطعام فأصابه الخوى، أي: الجوع

(7)

، و"المخترقن" الممر الواسع المتخلل للرياح؛ لأن المار يخترقه، مفتعل من الخرق وهي المفازة، [وأصله]

(8)

من خرقت الأرض خرقًا، أي جبتها، والخرق: الأرض الواسعة تنخرق فيها الرياح، والخريق المطمئن من الأرض وفيها نبات.

قوله: "مشتبه الأعلام"، أي: الجبال، وهو جمع عَلَم؛ كالقلم يجمع على أقلام، والمعنى: إن أعلام هذه الطرق يشبه بعضها بعضًا فلا يهتدي السالك بها، قوله:"لمَّاع الخفق" اللماع: من لمع البرق لمعًا ولمعانًا إذا أضاء، وكذا التمع ونحوه، و:"الحفق" من خفق العلم والنجمُ خَفْقًا

(1)

في (أ): زيادة "أن".

(2)

هو يعقوب بن إسحاق أبو يوسف بن السكيت، له مصنفات عديدة في النحو وغيره (ت 244 هـ). بغية الوعاة (2/ 349).

(3)

القلب والإبدال لابن السكيت، الصحاح، مادة:"قتم".

(4)

أساس البلاغة للزمخشري: مادة "قتم".

(5)

الصحاح للجوهري، مادة:"عمق" وروايته: المخترق.

(6)

ينظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/ 125)، والصحاح للجوهرى، مادة:"خوي".

(7)

أساس البلاغة للزمخشري مادة: "خوي".

(8)

ما بين المعقوفين زيادة في (ب).

ص: 140

بسكون الفاء، قال ابن فارس

(1)

: يقال فيه أخفق يخفق إذا تهيأ للمغيب، قالوا: فإذا غاب فقد خفق، وخفق القلب [يخفق]

(2)

خفقانًا إذا اضطرب، وخفق الطائر إذا طار، وأخفق الرجل بثوبه إذا لمع به، والخافقان جانبا الجو، وأصله لماع الخفْق بسكون الفاء، وإنما حركه الراجز للضرورة، والمعنى: أنه يلمع فيه السراب ويضطرب

(3)

.

2 -

قوله: "يَكِلّ" من كَلَّ السيف والطرف، واللسان يكل كلًّا وكلّةً وكلالةً وكلولًا، والمعنى: أنه موضع تكل فيه الريح عن عملها في غير هذا الموضع

(4)

، "وفد الريح": أولها وما جاء منها؛ مثل: وفد القوم.

قوله: "من حيث الخرَق"، والخرق: الأرض الواسعة، قوله:"شَأْز" بفتح الشين المعجمة وسكون الهمزة، وفي وآخره زاي معجمة؛ أي: غليظ، قوله:"عوَّه"[بتشديد الواو]

(5)

أي: أقام وحُبس قليلًا، وكُلّ من احتبس في مكان فقد عوه.

3 -

قوله: "ناء من التصبيح" تقول: هذا الماء نأى من أن يصبحه الراكب فيصطبح منه أو يأتيه ليلًا فيغتبق، قوله:"تبدو لنا أعلامه بعد الغَرَق"، أي: تظهر لنا أعلامه، أي: جباله بعد أن تغرق في الآل.

4 -

قوله: "في قطع الآل وهبوات الدُّقَق" قطع الآل: غدْران من الآل تقطع، و "الهَبْوات" بفتح الهاء وسكون الباء الموحدة: جمع هبوة وهي الغبرة، و "الدُّقَق" بضم الدال وفتح القاف جمع دُقة، وهو التراب الدقيق، والضمير في أعناقها يرجع إلى الأعلام، قوله:"من معتنق"؛ أي: من حيث اعتنقت، أُخِذ من موضع العنق.

5 -

قوله: "تنشطته"؛ أي: تنشطت هذا البلد، و "كل ناقة مغلاة الوهق" أي: مبعدة المسافة، قال الجوهري: ناقة مغلاة الوهق تغتلي إذا تواهقت أخفاقها، ثم أنشد البيت المذكور، ثم قال: والهاء للخرق

(6)

، و"مضبورة": مجموعة الخلق يضم بعض خلقها إلى بعض، و"القرواء" بالقاف: الطويلة، و "الهِرجابُ" بكسر الهاء وبالجيم وفي آخره باء موحدة؛ وهي

(1)

هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن حبيب الرازي، وقد اختلف في نسبه ووطنه، وله مجمل اللغة وغيره، وقد اختلف في وفاته، فقيل (395 هـ)، وقيل (390 هـ) ينظر معجم البلدان (7/ 337).

(2)

ما بين المعقوفين زيادة في (أ).

(3)

ينظر المجمل في اللغة لابن فارس"باب الخاء والفاء وما يثلثهما"(1/ 296) تحقيق: زهيرة عبد المحسن سلطان ط. مؤسسة الرسالة، ثانية (1986 م).

(4)

اللسان والصحاح، مادة:"كلل".

(5)

ما بين المعقوفين زيادة في (أ).

(6)

ينظر الصحاح، مادة:"غلا".

ص: 141

الضخمة، و (الفنق)

(1)

بضم الفاء والنون، يقال: ناقة فُنُق؛ أي: فتية سمينة، وامرأة فنق أي: منعمة.

6 -

قوله: "مائرة الضبعين" من مار يمور: تحرك وجاء وذهب، والضبع العضد، ويروى: مائرة العضدين، و"مصلات العنق" المتحسرة الشعر غير وبراء.

7 -

قوله: "استاف" أي شَمَّ، يقال ساف يسوف سوفًا إذا اشتم، وذلك بالليل يشم الدليل التراب فيعرف البلد، و "أخلاق الطرق" أي: قديمة عادية ليست بجدد، و"حَقْباء" بفتح الحاء المهملة وسكون القاف وبالباء الموحدة؛ وهي الحمارة الوحشية، وسميت بذلك لبياض في حقويها

(2)

والذكر أحقب، و"البلقاء" تأنيث الأبلق، وأراد "بالزلق" عجيزتها حيث تزلق

(3)

منه.

8 -

قوله: "أو جادر اللَّيْتَين" أراد: عضتها الفحول فصار في عنقها جدرات، ومنه الجدري، والليتان بكسر اللام: صفحتا العنق حيث تقع

(4)

عليه المحاجم، قوله:"مطوي الحنق" أي: طوي بالحنق، يقال أحنق إذا ضمر، قال الجوهري: حمار محنق: ضمر من كثرة الضراب، والمحانيق: الإبل الضمرة

(5)

، قوله:"محملج" من حملج الحبل إذا فتله فتلًا شديدًا، والحاء المهملة قبل الجيم، و"الطَلَق" بفتح الطاء واللام: قيد من أدم أدرج، وفتل فتلًا شديدًا.

9 -

قوله: "لوح منه"؛ أي: غيره وأضمره بعد بدن، يعني بعد أن كان بادنًا، قوله:"سَنَق" بفتح السين المهملة والنون، وهو كراهة الطعام من كثرته حتى لا يشتهيه، و"الأَنق" بفتح الهمزة والنون وهو المنظر العجيب، ومنه الأنيق.

10 -

قوله: "تلويحك" منصوب بقوله لوح منه، أراد: لوح منه كتلويحك الضامر، وهو مصدر مضاف إلى فاعله، و"الضامر" مفعوله، قوله:"قُوَد"[بضم القاف]

(6)

: جمع قوداء وهي الطويلة العنق، و"الأمراس": جمع مرسة؛ وهو الجبل. قال الجوهري: المرَسَةُ: الحبلُ، والجمع مَرَس، وجمع الْمَرَسِ أمْرَاسٌ

(7)

، و"الأبَق"بفتح الهمزة والباء الموحدة؛ وهو القنَّب، ويقال: الأبق الكتان يفتل، شبه الأتن في ضمرها بالحبال يقول: هذه الأتن كأنها حبال من شدة طيها.

11 -

قوله: "توليع البهَق"، التوليع ألوان مختلفة، والبهق بياض يخرج في عنق الإنسان وصدره.

12 -

و"الشام" التي تكون في الجسد، وهو جمع شامة و"الرقاع" جمع رقعة،

(1)

في (أ): وفنق.

(2)

في (أ): حقوبه.

(3)

في (أ): يزلق.

(4)

في (أ): يقع.

(5)

الصحاح: مادة "حنق".

(6)

ما بين المعقوفين زيادة في (أ).

(7)

الصحاح: مادة "مرس".

ص: 142

و"البنَق" بكسر الباء الموحدة وفتح النون؛ جمع بنيقة، وتجمع أيضًا علي بنائق؛ وهي دخاريص القميص، وأراد بقوله:"فوق الكلا" وراء الخاصرة مما يلي الصلب، وهي جمع كُلية و "الدائرات": جمع دائرة، وهي دائرة تكون في ذلك الموضع يكون النطاق عليها.

13 -

قوله: "مَقْذُوذَةُ الآذَان" يعني: مؤللات الآذان؛ كما يقذّذ السهم حين يجدد ريشه، قوله:"صَدْقَاتَ الحَدَقْ" يعني: صلبات الأعين، قوله:"دعاميص الرنق" الدعاميص: جمع دعموص، وهي دوبية تغوص في الماء، و"الرنق" بفتح الراء والنون: مصدر قولك: رنِق الماء بالكسر، أي: تكدر، وماء رَنْق بالتسكين؛ أي كدر.

14 -

و"الأجنة": جمع جنين، و"الحلق": حلق الرحم، قوله:"فعف عن أسرارها" أي: عن جماعها، وعف عنه إذا تركه، و"العسق" بالعين والسين المهملتين؛ من عسِق به بالكسر إذا أولع به، ويقال: لزقَه، ولزق به.

15 -

و"الفِرك" بكسر الفاء وسكون الراء؛ وهو البغض، تقول: منه فركت المرأة زوجها بالكسر تفركه فركًا؛ أي: أبغضته؛ فهي فروك وفارك، وكذلك فركها زوجها، ولم يسمع هذا الحرف في غير الزوجين، قوله:"وعَشَق" بفتح العين المهملة وفتح الشين المعجمة؛ من عَشِقهُ عِشْقًا نحو: علمه علمًا، وعشَقًا أيضًا بالفتح، قاله الفراء

(1)

.

وقال ابن السراج:

(2)

إنما حركه ضرورة، ولم يحركه بالكسر إتباعًا للعين؛ كأنه كره الجمع بين الكسرتين؛ لأن هذا عزيز في الأسماء

(3)

، و"الشبق" بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة؛ وهو شدة الغلمة، وفعله: شبق بالكسر؛ أراد أنه يمنعها من الفحول، وهو بين الفارك والمبغض من فرط الشبق، و:"الحمِق" بفتح الحاء، وكسر الميم؛ وهو الأحمق.

16 -

قوله: "شذَّابة" أي: يشذب عنها، أي: يقطع عنها واحدًا واحدًا؛ كما تشذب الشجرة، وهو قطع ما لان من أغصانها حتى تستوي، والشذا: الأذى و"الربع": جمع رَباع وهو الذي يلقي ثنيتَهُ، و"السحق": الذي يسحق العدو، أي: يبعده

(4)

.

17 -

قوله: "قباضة": مبالغة قابضة، و"العنيف"؛ من العنف و"اللَّبِق" بفتح اللام وكسر الباء الموحدة؛ وهو الرجل الحاذق الرفيق فيما يعمله، قوله:"مقتدر الضيعة" أراد: ليس

(1)

في الصحاح، مادة: عشق: "قال الفراء: يقولون امرأة محب لزوجها وعاشق".

(2)

محمد بن السري البغدادي أبو بكر بن السراج، صنف الأصول، وشرح سيبويه والجمل وغيرها (ت 316 هـ)، بغية الوعاة (1/ 109، 110).

(3)

الصحاح، مادة:"عشق"، يراجع الأصول.

(4)

في (أ): يبعد.

ص: 143

بقاس عليه وهو بين ذلك، قوله:"وهواه الشفق" يقال: وَهْوَهَ الأسد في زئيره فهو وهواه، ووهوه الحمار حول عانته إشفاقًا عليها، و"العانة" بالعين المهملة، وبعد الألف نون: قطيع من حمر الوحش.

18 -

و"السَّلَق" بفتح السين المهملة واللام؛ وهو القاع الصفصف وجمعه سلقان مثل خلق وخلقان، وكذلك السملق بزيادة الميم، والجمع السمالق، ويقال: يجمع السملق

(1)

على أسلاق، وهي أماكن مستوية ملس طينها، طيب، قوله:"مَجّاج الغدق" [المجَّاج

(2)

بتشديد الجيم] على وزن فعال من مجّ الرجل الشراب والماء من فيه إذا رمى به، ومنه يقال: مجاج المزن وهو المطر، ومجاج النحل وهو العسل، و"الغدق" بفتح الغين المعجمة والدال هو الندى، والغدق: الماء الكثير أيضًا.

19 -

قوله: "أنداء الغمق" بفتح الغين المعجمة والميم؛ وهو كثرة الماء، ويقال: أرض غمقة أي: كثيرة الندى والبلة، يقول: هن جوارٍ يخبطن مظان الندى؛ أي يطأن الندى لا يردن الماء معه، قوله:"من باكر الوسمي" الوسمي: مطر الربيع الأول؛ لأنه يسم الأرض بالنبات، نسب إلى الوسم، والأرض موسومة.

قوله: "نضاخ البُوق" بضم الباء الموحدة؛ وهي الدفعة تنساق من الماء، ويقال: انباقت عليها بوقة مُنكرة.

20 -

قوله: "مستأنف الأعشاب" أراد أن الحمار يستأنف الأعشاب، "من روض سَمَق" أي: بعيدة الأطراف، و"الحجران": رياض بها حاجز يحبس الماء عليها، قال الجوهري: جمع الحاجر حُجْرَانٌ مثل: حائرٍ وحُورَانٍ

(3)

و"الذَّرق" بفتح الذال المعجمة وفتح الراء؛ وهو الحندقون.

21 -

قوله: "وأهيج الخلصاء" من أهاج

(4)

الريح النبت أيبسته، و"الخلصاء": أرض بالبادية فيها عين ماء، قوله:"من ذات البُرَق" بضم الباء الموحدة وفتح الراء، وهي أماكن من الأرض فيها حجارة ورمل أو طين وحجارة، قوله:"وشفها" أي: جهدها، واللوح: العطش، قوله:"بمأزول" أي: بموضع أزل، يعني: خشن ضيق.

22 -

قوله: "هَيف الصيف" الهيف: ريح حارة تجئ من قِبل اليمن تيبس البقل، قوله:"أقران الربق" الأقران الحبال، وهي

(5)

جمع قَرَن بفتحتين، وهو حبل يقرن به البعيران

(1)

في (أ): السلق.

(2)

في (أ): مَجَّاج: بفتح الجيم وتشديد الجيم.

(3)

الصحاح، مادة:"حجر".

(4)

في (أ): أهاجت.

(5)

في (أ): وهو.

ص: 144

و"الرِّبق" بكسر الراء وفتح الباء الموحدة؛ جمع رِبقة وهي العروة، والرِّبق بكسر الراء: حبل فيه عدة عُرًى تشد بها البهيم، قوله:"وبَتّ حبل الجزء قطع المنحذق" يقول: كان الناس في جزء من الرطوبة

(1)

فقطع ذلك قطع الانحذاق فتفرقوا، والانحذاق- بالذال المعجمة: القطع.

23 -

قوله: "وخف أنواء الربيع" أي: ذهب، قوله:"واستن" أي: مضى على سنن، قوله:"أعراف السَّفى" بفتح السين المهملة وبالفاء، قال الجوهري: السَّفَى: التراب، والسَّفَاةُ أخصُّ منه

(2)

و"القيق" بكسر القاف وفتح الياء آخر الحروف: جمع قيقاء؛ وهي الأرض الغليظة، والهمزة مبدلة من الياء، والياء الأولى مبدلة من الواو، يدلك عليه قولهم -أيضًا- في الجمع: القوافي، وهو فعلاء ملحق بسرداح.

24 -

قوله: "بطنان القرق" البطنان جمع بطن، والقاع القرق هو: الجيد الطيب حرّه، وهو بفتح القاف وكسر الراء. قال الجوهري: القرق -بكسر الراء: المستوى، يقال: قاع قَرِقٌ

(3)

، قوله:"شج" أي: علا، و "الهزق"بالزاي المعجمة؛ هو النشاط، وهذا مثل وإنما يراد به السراب.

25 -

قوله: "هَيَّج" يقول: هيج هذا الحمار أتنة للورد واجتابت جديدًا، يعني: ألقت الوبر العتيق فاكتست جديدًا، قوله:"كالهروي" أي: كَلَوْنِ الهروي، ولون الهروي أكدر، و"السَّرَق" بفتح السين والراء المهملتين؛ وهو جمع سَرَقَةُ: وهو الحرير.

26 -

قوله: "النسءُ" بفتح النون وهو بدء السمن، ويقال للمرأة أول ما تحمل: قد نسِئت، وهو نسيء، و"حولي العقق" ما أتى عليه حول، وكان ينبغي أن يقول: عقائق، وواحدها: عقيقة، قوله:"فانمار عنهن" أراد ما مار عن لبنها فتمزق، و"المِزَقَ" بكسر الميم وفتح الزاي؛ وهو القطع من الثوب الممزق، والقطعة منها مِزَقة.

27 -

قوله: "الضحاضيح": جمع ضحضاح، يقال: ماء ضحضاح، أي قريب القعر و"اليقق": الأبيض ويكون للواحد والجمع، قوله:"وافترشت أبيض" أي: ركبت طريقًا واضحًا، و"اللهق": الأبيض، يقال للواحد، والجمع أيضًا.

28 -

قوله: "قواربًا" يعني: بينها وبين الماء ليلة و "الواجف" بكسر الجيم: اسم موضع، قوله:"بعد العبق" أي: بعد اللصوق، قال الجوهري: العَبَقُ بالتحريك مصدر قولك: عَبقَ به الطِيبُ بالكسر؛ أي: لزِق به عَبَقًا وعَبَاقِيَةً مثل ثمانية

(4)

، قوله:"للعد" بكسر العين المهملة

(1)

في (أ): من الرطب.

(2)

الصحاح، مادة "سفى".

(3)

الصحاح، مادة:"قرق".

(4)

الصحاح، مادة:: "عبق".

ص: 145

وتشديد الدال: وهو الماء الذي له مادة ولا ينقطع؛ كماء العين والبئر، والجمع: الأعداد، و"الطرق" بالطاء بفتحتين، وأصله: الطرق -بسكون الراء؛ وهو ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر.

29 -

قوله: "بين القريين" القَريّ على وزن فعيل: مجرى الماء من الأرض، والجمع أقرية وقريان، قوله:"وخبراء العذق" الخبراء: أرض تنبت السدر، ويقال: خبراوات وخِبَرة، و"العِذقَ" بكسر العين المهملة وفتح الذال المعجمة، وهي العلامات، والواحدة عذقة، و"النهق" بفتح النون والهاء: نبت بعينه.

30 -

قوله: "أحقب" هو الحمار الوحشي، شبهه بالمحلج لصلابته، والقلق بالقافين كناية عن عدم ثباته، قوله:"مسلوس الشمق" أي النشاط، ويقال للرجل إذا ذهب عقله:[سلس عقله]

(1)

.

31 -

قوله: "نشر عنه" أراد كأنما كان به داء، "فنشر عنه" من النشرة من السحر، قوله:"منسرحًا" أراد أنه انسرح من وبره، "إلا ذعاليب"[أي]

(2)

إلا بقايا بقيت، يقال: ما بقي من ثوبه إلا ذعاليب؛ أي خرق، واحدها ذعلبة.

32 -

قوله: "من الورد الغفق" يقال: فلان يتغفق الماء إذا جعل يشربه

(3)

ساعة فساعة، ومادته: غين معجمة وفاء ثم قاف. قوله: "بجثجاث السُّوَق" الجثجاث: شجر منتن الثمر والسُّوق بضم السين المهملة وفتح الواو: موضع.

33 -

قوله: "ضرحًا" من ضرحه إذا شقه، قوله:"أنجدن" أي: صِرْنَ إلى نجد.

34 -

قوله: "صوادق العقب" بفتح العين المهملة وسكون القاف؛ وهو الجري بعد الجري الأول، يقال لهذا الفرس عقب حسن، قوله:"مهاذيب الولق" المهاذيب من التهذيب؛ وهو الإسراع في الطيران والعَدْو والكلام، والولق: السير السريع، قوله:"مستويات القدّ" بكسر القاف وتشديد الدال: أراد أن حذاءهن واحد؛ كأنهن أضلاع الجنب، يعني مستويات على قدر واحد.

35 -

قوله: "تحيد" أي تميل، و:"الفرق": الخوف، و"غائلات الليل": مايغتال من ذيب ونحوه، و"الزعق": الإفزاع، يقال: أزعقه يزعقه إزعاقًا.

36 -

قوله: "قُبٍّ" بضم القاف وتشديد الباء؛ أي خماص، مما قد عدون و "حُقْبٌ" بضم الحاء المهملة وسكون القاف، جمع حقباء؛ يعني لهن بياض في موضع الحقب، و"السَّوَق" بفتح

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): يعني.

(3)

في (أ): شربه.

ص: 146

السين المهملة والواو: الطول، يقال: نخلة سوقاء

(1)

؛ أي: طويلة. قوله: "لواحق الأقراب"؛ أي: خماص البطون، و"المقق": الطول.

37 -

قوله: "تهوي في الزهق"؛ أي: تسقط، من باب ضرب يضرب ضربًا، والزَّهَق بفتح الزاي المعجمة والهاء؛ وهو التقديم

(2)

، ويقال للفرس: انزهقت بين يدي الخيل فمزت، وأزْهَقْتُها [أنا]

(3)

إذا أبعدتها، و"الكفت": الانقباض وكفت إذا أسرع، والكفت: السَّوْقُ الشديد، ورجل [كفت]

(4)

وكفيت؛ أي: سريع.

38 -

قوله: " [سوى]

(5)

مساحيهن"؛ أي حوافرهن، أراد أن حوافرها كأشد المساحي، وهو جمع مسحاة؛ وهي المجرفة من حديد. قوله: "تقطط الحقق"؛ أي: كما يقط

(6)

الحقُق؛ وهي جمع حقة، قوله:"من سمر الطُّرَق"، قال أبو سعيد: الحجر الأسمر أصلب من غيره، والطرق -بضم الطاء وفتح الراء؛ جمع طرقة؛ وهي حجارة بعضها فوق بعض.

39 -

قوله: "مجنون الصِّيَق" بكسر الصاد المهملة وفتح الياء آخر الحروف؛ جمع صَيَقة وهي الغبار نحو: جيفة وجيف، وأراد أنها تثير التراب فترفعه الريح وتلف به [حتى]

(7)

كأنه مجنون.

40 -

و"المرو ذا القداح" هو الحجر الذي يوري النار، و"مضبوح الفلق": بالضاد المعجمة. قال الجوهري: المضبوحة: حجارة القدَاحَة التي كأنها محترقة، ثم أنشد البيت المذكور

(8)

و"الفِلق" بكسر الفاء: جمع فلقة الحجر.

41 -

قوله: "ينصاح"؛ أي: ينشق، و"الجُبْلة" بضم الجيم وسكون الباء الموحدة. الغليظة و"الرضم": الحجارة بعضها فوق بعض، و"مدهق": معتصر، ومنه الدهق، قال الجوهري: الدَّهَقُ بالتحريك ضَرْبٌ من العَذَابِ، وهو بالفارسية أشْكَنْجَة

(9)

، قوله:"إذا تتلاهن" من تتلَّيت حقي إذا تتبعته حتى استوفيته، وجاءت الخيل تتاليًا؛ أي متتابعة، و"الصعق": شدة الصوت، وأصله

(10)

بسكون العين فحركت للضرورة، حتى لا يلتقي ساكنان.

(1)

في (أ): سوداء.

(2)

في (أ): التقدم.

(3)

ما بين المعقوفين زيادة في (ب).

(4)

و

(5)

سقط في (ب).

(6)

في (ب): "تقط".

(7)

سقط في (ب).

(8)

الصحاح، مادة:"ضبح".

(9)

الصحاح، مادة:"دهق" وفيه: أشكنجة بالشين المعجمة.

(10)

في (ب): أصله.

ص: 147

42 -

قوله: "معتزم التجليح" بالجيم قبل الحاء المهملة. أي: قوي الاعتماد. وقال الجوهري: والتَّجْلِيحُ: الإِقدامُ الشَّدِيدُ والتصميم

(1)

و"الملاخ": بالخاء المعجمة. قال الأصمعي: الملْخُ: السيرُ الشديدُ. وقال الجوهري: مَلَخَ القومُ مَلْخَةً إذا أبعدوا في الأرض. وقال رؤبة يصف الحمار:

......................

معتزم التجليخ ملاخ الملق

(2)

و"الملق": ما استوى من الأرض

(3)

وقال غيره: ملقه بالعصا يملقه ملقًا. يريد أنها تملق الأرض بضربها بحوافرها تثير التراب، و"الجلاميد": جمع جلمود وهو الحجر و"مِدق" بكسر الميم، يريد أنه يدق هذه الحجارة.

43 -

قوله: "مماتن": من متن يومه إذا عدى يومه إلى الليل. قوله: "بعد النزق" بفتح النون والزاي المعجمة؛ وهو الخفة والنشاط، قوله:"حشرج"[من حشرجة]

(4)

الحمار صوته وهي تردده في حلقه، و"السحيل" بالحاء المهملة هو الصوت الذي يدور في صدر الحمار، وكذلك السُّحَال بالضم.

44 -

قوله: "كأنه مستنشق من الشَّرَق" بفتح الشين المعجمة والراء، أراد: كأنه شرق فهو يداوى من ذلك بفتح فمه ساعة فساعة على هيئة الفواق.

45 -

قوله: "أو مُقرِع"

(5)

بضم الميم وكسر الراء وبالعين المهملة، وهو الذي قد أفرع؛ يعني: قد كبح ورفع رأسه، و"الزنق": بفتح الزاى المعجمة والنون: موضع الزناق، أراد كأنه حمار ركبته فضربت موضع زناقه حتى دمي، يقال: دَمِيَ الشيء يَدْمَى من باب علم يعلم دمًا ودُميًا.

46 -

قوله: "أو مشتك فائقه" الفائق موصل العنق في الرأس، فإذا طال الفائق طال العنق، "الفَأَق" بفتح الفاء والهمزة اشتكاء موضع الفائق، قوله:"أحناء دِقق" بكسر الدال وفتح القاف الأولى أراد حيث يجتمع أحناء لحييه ويستدق في ناحيتي الفم.

47 -

قوله: "شاحَي لحبي قعقعاني الصَلَق"، يقال: شحى فاه يشحُوه شحوًا؛ أي فتح وهو بالحاء المهملة أراد أنه فاتح فاه، و"القعقعاني": الذي يسمع له قعقعة، ومنه قعقع الراعي غنمه إذا زجرها، وقال: قع قع، والصلق بفتح الصاد المهملة واللام جمع صلقة، يقال: سمعت صلقة القوم إذا سمعت أصواتهم في صياح، و"المحور" بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفي آخره

(1)

الصحاح، مادة:"جلح".

(2)

الصحاح، مادة:"ملخ".

(3)

الصحاح، مادة:"ملق".

(4)

سقط في (ب).

(5)

في (أ): ومفرع.

ص: 148

راء، وهو الذي تدور عليه البكرة، و"العلق" بفتح العين المهملة واللام وهو الذي تعلق به البكرة من القامة. يقال: أعرني عِلقك" أي: أداة بكرتك.

48 -

قوله: "أقحمها" أي: أدخلها في المنسحق؛ أي: المتسع، و"انحسرت": انكشفت، والشِّعاب بكسر الشين المعجمة جمع شعب؛ وهو المكان الضيق، و"المختنق" موضع الاختناق.

49 -

و"ثلم الوادي" بالتحريك، وهو أن يثلم حرفه، و"الفرغ" بالفاء والغين المعجمة مجرى كل ريح وماء، و"المندلق" حيث يندَلق الوادي، وهو أن ينحدر في الأرض، ومنه اندلقت سرته إذا خرجت و"الصحصحان" المستوي، و"المنفهق" المستوي.

50 -

و"الأشاءات" جمع إشاءة وهي نخل صغار ملتفة، و"العُوق" بضم العين المهملة وفتح الواو: اسم مكان يقال له: ذات العوق، و"المدعاس": الذي تدعسه، أي: تطؤه. قال الجوهري: المِدْعَاسُ: الطريق الذي لينته المارة ثم أنشد البيت المذكور

(1)

، قوله:"دَعَق" بفتح الدال والعين المهملتين، يقال: دعق الطريق فهو مدعوق؛ أي كثر عليه الوطء، ودعقته الدواب: أثرت فيه.

51 -

[قوله]

(2)

"سياح الدسق" السياح: الماء الذي يسيح. و"الدسق": البياض، وقوله:"غزير المنبعق" أي: كثير الانبعَاق. أي: الشق وهو الموضع [الذي]

(3)

ينبعق الماء منه. أي: ينشق ويسيل.

52 -

قوله: "في حائر" بالحاء المهملة، هو مكان مشرف النواحي يتحير فيه المار، و (الدفق) بفتح الفاء وأصله السكون حركت للضرورة، قوله:(كعكعه). أي رده عن البثق وهو الانفجار.

53 -

قوله: "واغتمس الرامي لها" أي: للأتن أراد دخل الرامي لها بين الأوق، وهي الحفرة فيها الماء، وهو جمع أوقة، و (الغِيل) بكسر الغين المعجمة كل شجر ملتف، و "القصباء" الأجمة، و "الخِيْس" بكسر الخاء المعجمة وسكون الياءآخر الحروف وفي آخره سين مهملة وهو الشجر الملتف، وموضع الأسد أيضًا، و"مختلق" بالخاء المعجمة معناه: تام.

54 -

قوله: "لا يلتوي" أي لا يتطير إذا سمع عاطسًا، ولا صوت غراب، وهو النغق

(1)

الصحاح، مادة:"دعس".

(2)

سقط في (أ).

(3)

سقط في (ب).

ص: 149

بالغين المعجمة، و"ومخترق" بالخاء المعجمة؛ هو الذي قد خرقه السهم، ويقال: المخترق هو الصيد نفسه.

55 -

قوله: "نيِئ" بكسر النون وهو خلاف المضبوخ، قوله:"سعفاء" أراد امرأته السوداء الوجه من الجهد؛ كالثوب البالي.

56 -

قوله: "لم ترجُ رِسْلًا"، الرسل بكسر الراء وسكون السين المهملة، وهو اللبن. أراد: لم تزل في جدب لم تذق لبنًا بعد أعوام، "الفتق": وهي

(1)

التي فتقت

(2)

الإبل، و"اللعق" طاهر، حركت عينه للضرورة.

57 -

قوله: "جدّ" أي

(3)

: أخذ بالجد، وجدت هي أيضًا: أخذت بالجد، و "الألقة": واحدة الألق وهو الكذب، ومنه قيل للكذاب الأَلاق، قوله:"لو صخبت" من الصخب [بالصاد المهملة والخاء المعجمة]

(4)

من الصخب وهو الغط والصياح.

58 -

قوله: "ترمل" أي: تسرع، و"الممتذق": المخلوط أراد أنها تخلط حقًّا بباطل. قوله: السَّبَنْدَى والسَّبَنْتَى واحد؛ وهو الجريء من كل شيء. قال الأصمعى: هو النَّمِر

(5)

، والأنثى سبنداة وسبنتاة، و"المُعْترق": المهزول.

59 -

قوله: "كالحية الأصيد" هو الذي يمل بصره من طول الأرق، وهو السَّهر، أراد أنه يكسر عينه، و"الودق": جمع ودقة وهي نكتة تخرج من العين.

60 -

قوله: "كسر من عينيه" يقول: إذا أراد أن يقوم السهم نظر إليه فيكسر نظره

(6)

لأن ينظر إليه أبه عوج فيقومه، و"الفوق" بضم الفاء وسكون الواو موضع الوتر من السهم وحركت الواو ها هنا للضرورة و"العواوير" الرمد وواحده عوار، و"البَخَق" بفتح الباء الموحدة والخاء المعجمة؛ وهو العور بانخساف العين.

61 -

قوله: "من الزرق" من قولهم: نصل أزرق بيِّن الزرق، إذا كان شديد الصفاء، و"السَّن" بفتح السين المهملة: التحديد، و"الذلق" بفتح الذال المعجمة واللام؛ من التذليق وهو تحديد طرف شيء.

62 -

قوله: "من الطير العُتُق" بضم العين والتاء المثناة من فوق، وأراد بها العتاق الرقاق،

(1)

في (ب): هي.

(2)

في (أ): تفتقت.

(3)

في (أ): يعني.

(4)

سقط في (ب).

(5)

الصحاح، مادة:"سبد".

(6)

في (أ): بَصَره.

ص: 150

وكبداء عريضة، قوله:"تنزو" يعني

(1)

: من شدة ما وترت؛ كأنها تنزو في الشنق، وهو أن يرفع رأسه إذا شده، والشناق الحبل.

63 -

[قوله]

(2)

"نبعية": نسبة إلى النبع، وهي شجرة تتخذ

(3)

منها القسي، و"النِّيق" بكسر النون وفتح الياء آخر الحروف، وهي رؤوس الجبال، واحدتها نيق بكسر النون. قوله "تنثر": أي تمد الوتر فتجذبه، قوله:"السّمهري" بفتح السين المهملة، ومعناه

(4)

: الشديد، و"الممتشق"؛ أي: يمد الوتر بين الشيئين، ثم يؤخذ ذنب بقرة أو قطعة حبل، فيمر عليه حتى يلين.

64 -

قوله: "عَولتها" العولة: رفع الصوت بالبكاء، وكذلك العول والعويل، و"التأق" بفتح التاء الفوقية

(5)

والهمزة: الإقلاق من حزن و"عَبرى" بفتح العين المهملة تأنيث العبران؛ هو الباكي، و"ولولت": أي صاحت بالويل، و"المأق" بفتح الميم والهمزة؛ الامتلاء من الحزن والهم

(6)

.

65 -

قوله: "تحت الروق": أصله: الرواق، وهي الشقة المقدمة من البيت والمؤخرة، يقال لها: الكفة بضم الكاف، قصره للضرورة. شبَّه عطف القوس ودقتها بهلال طلع في الأفق إذا طلع لليلة، قوله:"بين ليل وأفق" يريد: حين جاء الليل من ناحية المشرق ولم يغب في الأفق وهو بين ذلك.

66 -

قوله: "أمسى شفى". قال ابن السكيت: يقال للرجل عند موته، وللقمر عند محاقه، وللشمس عند غروبها: ما بقي منه إلا شفا. أي: قليلًا، وشفا كل شيء أيضًا حرفه. قال تعالى:{وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ} [آل عمران: 103]، قوله:"أو خطة يوم المحق" أراد: بقية، والخطة من الخط؛ كالنقطة من النقط، ويوم المحاق هو اليوم الأخير من الشهر حين يدق ويصغر، قصره للضرورة. قوله:"فهي ضروح الركض" أي: الدفع وأراد "باللحق": اللحاق. قال الجوهري: الضَّرُوحُ: الفرسُ النَّفُوحُ بِرِجْلهِ، وقَوْسٌ ضَرُوحٌ إذا كانت شديدةُ الدَّفْع، والحَفْز للسَّهمِ ومادته: ضاد معجمة، وراء وحاء مهملتان

(7)

.

67 -

قوله: "لولا يدلي" يعني: لولا يدلي فترفق به، لا نزرق، والانزراق أن يمر فجا ويذهب، و"المنزبق" بضم الميم وسكون النون وفتح الزاي المعجمة والباء الموحدة، ومعناه: الدخول.

(1)

في (أ): تعني.

(2)

سقط في (أ).

(3)

في (أ): يتخذ.

(4)

في (أ): معناه.

(5)

في (أ): المثناة.

(6)

في (أ): الهم والحزن.

(7)

الصحاح، مادة:"ضرح".

ص: 151

قال الجوهري: انْزَبَقَ؛ أي: دَخَلَ وهو مَقلوبُ انْزَقَبَ

(1)

.

68 -

قوله: "مسدود النفق" أراد أن الناموس ليس بواسع، قوله:"خفي الممتزق" حيث يمتزق منه، أي: حيث يخرج منه بيت الصائد.

69 -

قوله: "الأزق" بفتح الهمزة والزاي المعجمة، وهو الأزل وهو الضيق، وأصله بسكون الزاي، [قوله:"والمعق" بفتح الميم والعين وهو بسكون العين في الأصل]

(2)

فحركه للضرورة

(3)

قال الجوهري: وقد يحرك مثل نَهْرٍ ونَهَرٍ، يقال نَهْر مَعِيقٌ أي: عَمِيق

(4)

.

70 -

قوله: "أجوف عن مقعده"، يعني: إذا قعد تجافى عنه، وإذا اتكأ أيضًا يقال: بات فلان مرتفقًا، أي: متكئًا، قوله:"الفَشَق" بفتح الفاء والشين المعجمة أي: النشاط، قال أبو عمرو: وانتشار النفس والحرص

(5)

.

71 -

قوله: "في الذرب" بفتح الذال العجمة؛ أي: في الحذر، و"الشَّرْي" بفتح الشين المعجمة وسكون الراء: الحنظل، قوله:"في ضئيل المندفق"؛ أي: في صغير المدخل.

72 -

قوله: "وأوفقت" بتقديم الفاء على القاف؛ أي: وضع الفوق في الوتر، قوله:"حشرات الرشق" الحشرات جمع حشرة. قال الجوهري: الحَشْر من القُذَذِ مَا لَطُفَ

(6)

، و"الرشق": أصله التسكين فحركت للضرورة و"اللمق": من الطريق، وكذلك اللقم.

73 -

قوله: "ثلماء" من الثلم، أراد من قصد الطريق مشرعة ماء يشرعن فيه انثلمت فهن يدخلن فيه و:"الشَّدَق" بفتح الشين المعجمة والدال المهملة؛ وهو اعوجاج في الوادي.

74 -

قوله: "أنقاض النقق" الأنقاض: التصويت، ومنه: أنقاض العلك، والنُّقُق: جمع ناقوق بفتح النون على خلاف القياس؛ وهو الضفدع. قوله: "خضخاض البثق" أراد أن ماءه إذا انبثق يتخضخض.

75 -

قوله: "بصبصن"؛ أي حركن أذنابهن و"الزهق" بفتح الزاي المعجمة؛ وهو الهلاك و"اللوح" بفتح اللام: العطش، و"البق": البعوض.

76 -

و"الحوم" بفتح الحاء المهملة: الكثير و "المهق": الأبيض، يقال: عين مهقاء في شدة البياض، قوله:"أعضاد اللزق" أراد عطشن فالتزقت رئاتهن، فلما شربن ابتل نواحيهن مني: ما التزق من العطش.

(1)

الصحاح، مادة:"زبق".

(2)

سقط في (ب).

(3)

في (أ) فحرك.

(4)

الصحاح، مادة:"معق".

(5)

الصحاح، مادة:"فشق".

(6)

الصحاح، مادة:"حشر".

ص: 152

77 -

قوله: "وقد أون تأوين العُقُق" بضم العين المهملة والقاف الأولى، ويقال بفتح القاف أراد: أنهن شربن حتى كأن حمارًا منهن أتان حامل، جمع عقوق وهي التي عظم بطنها ودخلت في عشرة أشهر، و"الأون": العدل، فشبه بطونها بالأعدال. قال الجوهري: الأَوْنُ: أَحَدَ جانبي الخُرْج وهذا خُرْجٌ ذو أَوْنَينْ، وهما كالعِدْلَيِن، ومنه قولهم: أَوَّنَ الحمارُ إذا أكل وشرِب وامتلأ بطنه واشتدت خاصرتاه فصار

(1)

مثل الأوْنِ. قال رؤبة:

وسوس يدعو ..............

.................... إلى آخره

(2)

وقال: في "العقق" يريد جمع العقوق، وهي الحامل مثل: رسول ورسلْ.

78 -

قوله: "وارتاز عيرى سندري" مني عمر بطنه لينظر إلى صلابته، والسندري: الأزرق و "المختلق" التام، قوله:"لَوْ صَفّ أذراقًا" أراد لو صف لهذا السهم أذراقًا لأنفذها.

79 -

و"الفريصُ" بالفاء؛ جمع فريصة. قال الجوهري: فريصُ العنق: أوداجها

(3)

، و "الأَفَق" بفتح الهمزة والفاء: جمع أفيق؛ وهو الجلد الذي لم تتم دباغته، مثل أديم وأدم، قوله:"الوتين" وهو عرق

(4)

في القلب إذا انقطع مات صاحبه، ويروى بالثاء المثلثة، و "الطبق" بفتح الطاء والباء الموحدة: الفقار، كل واحد طبقة.

80 -

قوله: "فما اشتلاها" من اشتلاه إذا أنقذه

(5)

وكذلك اشتلاه، يعني: ما أنجاها أي الأتن صفقهُ حين صفقها، وصفقه: صرفه إياها، قوله:"للمنصفق" أي: للانصفاق، و "تهاوى" من تهاوى القوم في المهواة إذا سقط بعضهم في إثر بعض، و "المنعفق": الموضع حين ينعفق أي: يرجع.

81 -

قوله: "بأربع" أي: بأربع رميات، "ينزعن"؛ أي: يتنفس من هذه الرميات، و "الورق": قطع الدم، أراد: يخرج من كل موضع رمية "مرشاش": يريق الدم. قال الجوهري: "الوَرَقُ" ما استدار من الدم على الأرض

(6)

قال أبو عبيدة: أوله وَرَقٌ وهو مثل الريق

(7)

.

82 -

قوله: "كثمر الحماض"، وهو أبيض فيه حمرة، شبه الزبد الذي يخرج مع الدم بذلك، و "الهفت": السقوط.

83 -

قوله: "المنفرق" بفتح الراء: حيث ينفرق الطريق، و"تهاوى" أصله: تتهاوى، أي:

(1)

في (أ): وصار.

(2)

الصحاح، مادة:"أون".

(3)

الصحاح، مادة:"فرص".

(4)

في (ب): هو.

(5)

في (أ): استنقذه.

(6)

و

(7)

الصحاح، مادة:"ورق".

ص: 153

يهوي بعضها في أثر بعض، قوله:"بالرقق" يريد: الرقاق، فقصره للضرورة. قال الجوهري: الرَّقَاقُ بالفتح: أرض مستوية لينة التراب تحته صلابة

(1)

.

84 -

قوله: "من ذروها" بفتح الذال المعجمة. يقال: مَرّ فلان يذرو ذروًا؛ أي: يمر مرًّا سريعًا. قوله: "شبراق" شد من شبرقت الثوب شبراقًا إذا قطعته ومزقته، و"ذي عمق" ذو بعد، أراد: عدوًا بعيدًا غزيرًا. قوله: "حتى احتدَاها"؛ أي: جمعها وسقاها، و"الرُّفَق" بضم الراء وفتح الفاء؛ وهي الجماعة، ورواه الأصمعي بكسر الراء، وأصله: رِفاق، فقصره للضرورة

(2)

.

85 -

قوله: "أو خارب" بالخاء المعجمة؛ وهو اللص، أراد ولص من اللصوص يسوق إبلًا وهي ثقال لجماعها بالحَزق؛ أي: صارت حذقًا، وهو بكسر الحاء المهملة وفتح الزاي المعجمة وهي جمع حذقة، وهي الجماعة من الناس، والطير والنحل وغيرها مثل: فرق وفرقة، و"الصلب" بضم الصاد المهملة: اسم موضع، و "الوسق" بفتح الواو والسين: الطرد، وكلما طرد فقد وسق، والوسيقة: الطريدة.

86 -

قوله: "إذا تأنى حلمه" يعني: إذا ثبت في حلمه، و "الغلق" بفتح البش المعجمة [واللام]

(3)

: اسم من الإغلاق، حاصل معنى البيت: إذا ثبت في حلمه غلق، وإذا لامته نفسه في أمرها يكاذب لومه في أمرها، فيقول: أنا لم أفعل بها هذا، إنما القدر الذي أقحمها فيما أصابها، قوله:"أو صدق": يريد يصدق نفسه فيقول: أنا

(4)

حملتها على ذلك فافهم.

الإعراب:

قوله: "وقاتم الأعماق" الواو فيه واو رب، وأصله: ورب قاتم الأعماق، وفي الحقيقة هذا صفة موصوفها محذوف. أي: ورب مهمه قاتم الأعماق، والقاتم مضاف إلى الأعماق إضافة لفظية.

قوله: "خاوي المخترقن" كلام إضافي، مجرور على الوصفية، وكذا الكلام في الشعر الثاني وجواب هذا محذوف، والتقدير: ورب قاتم الأعماق إلى آخره قد قطعته، أوجبته، أو نحو ذلك.

الاستشهاد فيه:

أن النون الساكنة في قوله: "المخترقن" هي التنوين الغالي

(5)

والغرض من إلحاقها: الدلالة

(1)

الصحاح، مادة "رقق".

(2)

ينظر الصحاح مادة "رفق".

(3)

سقط في (ب).

(4)

في (أ): إذا.

(5)

وهو الذي يلحق القوافي المقيدة وأثبت هذا الأخفش. ينظر المغني (2/ 342)، شرح ابن عقيل (1/ 20).

ص: 154

على الوقف فإن الشعر يسكن آخره وقفًا ووصلًا، فإذا ألحقت هذا التنوين دل على أنك واقف لا واصل؛ ولهذا لا يلحق إلا القافية المقيدة؛ أي: الساكنة لتظهر فائدتها دون القافية الطلقة، وإنما سمي الغالي لمجاوزته الوزن، والغلو: المجاوزة.

قال ابن الناظم: التنوين الغالي: هو اللاحق الروي المقيد

(1)

.

أراد بالروي حرف القصيدة، وهو الحرف الذي تنسب إليه القصيدة من كونها لامية أو ميمية أو نحو ذلك، مأخوذ من الرواء بكسر الراء، والمد وهو حبل يشد به الرحل على ظهر البعير فكأن الشاعر شد حروف قصيدته بحبل وأراد بالمقيد الساكن، والروي المقيد في الرجز المذكور هو القاف، فافهم.

‌الشاهد الخامس

(2)

،

(3)

أفِد الترحلُ غيرَ أنّ رِكَابَنَا

لما تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قد

أقول: قائله النابغة الذبياني؛ واسمه زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان، وهو

(4)

بضم الذال المعجمة وكسرها. قال ابن الأعرابي

(5)

: رأيت الفصحاء يختارون الكسر، وحكى أبو عبيدة عن الكلبي

(6)

قال: كان أبي يقول: ذبيان بالكسر وغيره ذُبيان. وقال ابن دريد: هو من ذبي الشيء يذبي ذبيًا إذا لان واسترخى

(7)

والذبياني في قبائل.

ففي قيس غيلان ذبيان بن بغيض بن ريث بن عطفان بن سعد بن قيس بن غيلان منهم النابغة المذكور، وفي جهينة: ذبيان بن رشدان بن قيس بن جهينة، وفي ربيعة بن نزار ذبيان بن كنانة بن يشكر، وفي بجيلة: ذبيان بن ثعلبة، وفي الأزد: ذبيان بن ثعلبة بن الدول، وفي

(1)

ابن الناظم (5).

(2)

توضيح المقاصد (1/ 28)، شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 19).

(3)

البيت من بحر الكامل للنابغة الذبياني، من قصيدة قالها في وصف المتجردة امرأة النعمان بإشارة منه، وانظرها في الديوان (68 - 74) ط. دار الكتاب العربي، و (38 - 42) ط. دار صادر، وقد نقلها العيني كلها إلا بيتين في آخرها.

(4)

في (أ): وهي.

(5)

محمد بن زياد أبو عبد الله بن الأعرابي، له النوادر، ومعاني الشعر وغيرها (ت 230 هـ) بغية الوعاة (1/ 105).

(6)

هو محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث الكلبي، عالم كالتفسير والأخبار وأيام العرب ولد بالكوفة ومات بها سنة (146 هـ). الأعلام (6/ 133).

(7)

كتاب الاشتقاق لابن دريد تحقيق (هارون)(275) ط. دار الجيل، بيروت، أولى (1991 م).

ص: 155

همدان: ذبيان بن مالك [بن مالك]

(1)

بن معاوية، والنابغة الذبياني متقدم على النابغة الجعدي

(2)

.

والجعدي من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -

(3)

والذبياني شاعر مفلق كان ممن يجالس النعمان بن المنذر

(4)

وينادمه وكان عنده بمكانة. قال الأعلم

(5)

: وإنما سمي النابغة؛ لأنه لم يقل شعرًا حتى صار رجلًا وساد قومة فلم يفاجئهم إلا [وكان]

(6)

قد نبغ عليهم بالشعر بعد ما كبر، فسمي النابغة.

وقيل: [إنما]

(7)

سمي بذلك لبيت قاله، وهو

(8)

:

وَحَلَّت في بَني القَين بن جَسرٍ

فَقَد نَبَغَت لَنا مِنهُم شُؤونُ

والبيت المذكور من قصيدة دالية قالها في المتجَردة امرأة النعمان بإشارة النعمان، وكان قاعدًا ليلًا وعنده المتجردة والنابغة، وقال: صفها يا نابغة في شعرك فوصفها فقال، وكنى عنها

(9)

:

1 -

أمن آلِ ميَّةَ رائحٌ أو مُغْتَدِ

عَجلانَ ذا زاد وغيرَ مُزَوَّدِ

2 -

أفِدَ التَّرَحُّلُ غيرَ أنّ رِكَابَنَا

لمّا تَزُل بِرِحَالِنا وكأنْ قَدِ

3 -

زَعَمَ البَوارِحُ أَنَّ رِحلَتَنا غَدًا

وَبِذاكَ خَبَّرَنا الغُرابُ الأَسوَدُ

4 -

لا مرحَبا بِغَدٍ ولا أهلًا بِهِ

إنْ كان تفريقُ الأَحِبَّة فيِ غدِ

5 -

حَانَ الرَّحيلُ ولم نُوَدِّع مَهْدَدَا

والصبحُ والإمْسَاءُ منها مَوْعِدِي

6 -

فيِ إِثْرِ غَانِيةٍ رَمَتْكَ بسَهمِها

فأَصَابَ قَلْبَكَ غير أَنْ لم تُقْصدِ

7 -

غَنِيَتْ بذلك إذْ هُمُ لكَ جيرَةٌ

منها بعَطْفِ رِسَالةٍ وَتَودُّدِ

(1)

سقط في (ب).

(2)

ينظر طبقات فحول الشعراء لابن سلام السفر الأول (125)"شرح محمود شاكر".

(3)

سقط في (ب).

(4)

هو النعمان بن المنذر بن الحارث الغساني أمير بادية الشام قبيل الإسلام، مات نحو (23 ق. هـ). ينظر الأعلام (8/ 43).

(5)

يوسف بن سليمان بن عيسى المعروف بالأعلم الشنتمري (ت 476 هـ) البغية (2/ 356).

(6)

و

(7)

سقط في (أ).

(8)

البيت من بحر الوافر من قصيدة عدتها تسعة أبيات، ومطلعها:

نَأَت بِسُعادَ عَنكَ نَوًى شَظونُ

فَبانَت وَالفُؤادُ بها رَهينُ

إلا أنها غير موجودة في الديوان بشرح عباس عبد الساتر، وهو في ط. دار صادر بيروت (126) بعنوان:"كذلك كان نوح لا يخون".

(9)

في الديوان (68): "من".

ص: 156

8 -

وَلَقَدْ أَصَابَ فُؤَادَهُ مِنْ حُبِّها

عنْ ظَهْرِ مِرْنَانٍ بسَهْمٍ مُصَرَّدِ

9 -

نَظَرَت بِمُقلَةِ شادِنٍ مُتَربِّبٍ

أَحوى أَحَمّ المُقلَتَينِ مُقَلَّدِ

10 -

وَالنَظمُ في سِلكٍ يُزَينُ نَحرَها

ذَهَبٌ تَوَقَّد كَالشِهابِ الموقَدِ

11 -

صَفراءُ كَالسِيَراء أُكمِلَ خَلقُها

كَالغُصن في غُلَوائِهِ المُتَأَوِّدِ

12 -

وَالبَطنُ ذو عُكَنٍ لَطيفٌ طَيُّهُ

وَالإِتبُ تَنفُجُهُ بثَديٍ مُقعَدِ

13 -

مَحطوطَةُ المتَنَين غَيرُ مُفاضَةٍ

رَيّا الرَّوادِفِ بَضَّةُ المُتَجَردِ

14 -

قامَت تَراءى بَينَ سَجفَي كِلَّةٍ

كَالشَمسِ يَومَ طُلوعِها بِالأَسعُدِ

15 -

أَو دُرَّةٍ صَدَفِيَّةٍ غَوّاصُها

بَهِجٌ مَتى يَرَها يُهِلَّ وَيَسجُدِ

16 -

أَو دُميَةٍ مِن مَرمَرٍ مَرفوعَةٍ

بُنِيَت بآجُرٍّ تُشادُ وَقَرمَدِ

17 -

سَقَطَ النَصيفُ وَلَم تُرِد إِسقاطَهُ

فَتَناوَلَتهُ وَإتَّقَتنا بِاليَدِ

18 -

بِمُخَضَّب رَخصٍ كَأَنَّ بَنانَهُ

عَنَمٌ يَكادُ مِنَ اللَطافَةِ يُعقَدِ

19 -

نَظَرَت إِلَيكَ بِحاجَةٍ لَم تَقضِها

نَظَرَ السَقيمِ إِلى وُجوهِ العُوَّدِ

20 -

تَجلو بِقادِمَتَي حَمامَةِ أَيكَةٍ

بَرَدًا أُسِفَّ لِثاتُهُ بالإِثمِدِ

21 -

كَالأقحُوانِ غَداةَ غِبَّ سَمائِهِ

جَفَّت أَعاليهِ وَأَسفَلُهُ نَدي

22 -

زَعَمَ الهُمامُ بِأَنَّ فاها بارِدٌ

عَذبٌ مُقَبَّلُهُ شَهِيُّ المَورِدِ

23 -

زَعَمَ الهُمامُ وَلَم أَذُقهُ أَنَّهُ

يُشفى بِرَيّا ريقِها العَطِشُ الصَدي

24 -

أَخَذَ العَذارى عِقدَها فَنَظَمنَهُ

مِن لُؤلُؤٍ مُتَتابِعٍ مُتَسَرِّدِ

25 -

لَو أَنَّها عَرَضَت لِأَشمَطَ راهِبٍ

عَبَدَ الإِلَه صَرورَة المتُعَبِّدِ

26 -

لَرَنا لِرُؤيتِها وَحُسنِ حَديثِها

وَلخَالهُ رُشدًا وَإِن لَم يَرشُدِ

27 -

بِتَكَلُّم لَو تَستَطيعُ سَماعَهُ

لَدَنَت لَهُ أَروى الهضابِ الصُخَّدِ

28 -

وَبِفاحِمٍ رَجلٍ أَثيثٍ نَبتُهُ

كَالكَرمِ مال عَلى الدِّعامِ المُسنَدِ

29 -

فَإِذا لَمسَتَ لَمَستَ أَخثَمَ جاثِمًا

مُتَحَيِّزًا بَمَكانِهِ مِلءَ اليَدِ

30 -

وإذا طعنْتَ طعنْتَ في مستهدفٍ

رابِي المَجَسَّةِ بالعبير مُقَرْمَدِ

31 -

وإذا نزعت نزعت عن مُسْتَحَصِفٍ

نزْعَ الحَزَوِّرِ بالرِّشَاءِ المُحْصَدِ

3 -

لا وارِدٌ منها يحور لِمصْدَرِ

عنها ولا صَدِرٌ يحورُ لموْرِدِ

ص: 157

وهي من الكامل، وأصله في الدائرة: متفاعلن ست مرات

(1)

وقد دخله الإضمار وهو إسكان الثاني فيصير: متْفاعلن فيرد إلى مستفعلن، وقوله:(لما تزل) مستفعلن مضمر.

1 -

قوله: "أمن آل مية رائِح" يخاطب نفسه يقول: أرائح أنت من آل مية أو مغتدي؛ أي: أتروح اليوم أم تغتدي غدًا، وليس هذا شكًّا لكنه كالمستثبت

(2)

، قوله:"عجلان" من العجلة.

2 -

قوله: "أفد"؛ على وزن: فَعِل "بكسر العين"

(3)

ومعناه قرب ودنا، وفي حديث الأحنف

(4)

: قد أفد الحج؛ أي: دنا وقته وقرب، ويقال رجل آفد

(5)

؛ أي مستعجل، ويروى أزف الترحل، ومعناه: قرب أيضًا، و "الترحل" الرحيل، و "الركاب" الإبل الرواحل واحدها راحلة - ولا واحد لها من لفظها، وقيل: جمع ركوب وهو ما يركب من كل دابة فعول بمعنى مفعول، والركوبة أخص منه، والرحال من الرحل

(6)

وجمع رحل أيضًا وهو مسكن الرجل ومنزله، قوله:"وكأن قد" أي: وكان قد زالت وذهبت بقرينة لم تزل.

3 -

قوله: "زعم الغراب" يعني الغراب نعب فأنذرهم برحيله، وكانوا يتطيرون به، ويسمونه حاتمًا؛ لأنه كان يحتم عندهم بالفراق.

4 -

قوله: "مهدد" اسم جارية، ويحتمل أن يريد بها مية، وقد يسمون المرأة في أشعارهم باسمين أو أكثر من ذلك اتساعًا.

5 -

و "الغانية" التي غنيت بجمالها عن الحلي، قوله:"لم تقصد" من الإقصاد؛ أي: لم تقتلك حين رمتك فتستريح؛ يقال: رماه فأقصده إذا قتله.

6 -

قوله: "غنيت بذلك"، أي: أقامت وعاشت بما أودعتك من حبها.

7 -

قوله: "مرنان" مفعال من الرنين، وهو صوت القوس عند الرمي، يريد: رمتك عن ظهر قوس ترن عند الرمي لشدة وترها، قوله:"مصرد"؛ أي منفذ. يقال صرد السهم أصردته أنا إذا أنفذته.

8 -

قوله: "شادن" الشادن من أولاد الظبَاء: الذي قد شدن وقوي على المشي، و"المتربب"

(1)

ينظر الوافي في العروض والقوافي للتبريزي (78).

(2)

في (أ): كالمتثبت.

(3)

سقط في (ب).

(4)

هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين المري يضرب به المثل في الحلم ولد بالبصرة وأدرك النبي ولم يره. الأعلام (1/ 276).

(5)

في (ب): يقال أفد.

(6)

في (أ): الرحيل.

ص: 158

المحبوس في البيت، و ["الأحوى"]

(1)

الذي فيه خطتان سوداوان، وأحم المقلتين: أسودهما، و"المقلد" الذي زين بالحلي وقلائد اللؤلؤ.

11 -

قوله: "صفراء" يعني: أنها تطلى بالزعفران تتطب به، وصفها بالنعمة وتمكن الحال، والسيراء: الحريرة الصفراء، شبهها بها لصفرة الطب وللين بشرتها ولطافتها، و"الغلواء" ارتفاع الغصن ونماؤه، و "المتأوِّد" المنثني لطوله.

12 -

قوله: "والبطن ذو عكن" أي: هي مهفهفة وخميصة البطن، ولو كانت مفاضة عظيمة البطن لم يكن لها عكن، قوله:"تنفحه" أي: تعليه وترفعه، والمقعد الغليظ الأصل في أول نهوده الذي لم يسترخ.

13 -

قوله: "محطوطة المتنين" هي التي في متنيها حطان بالحاء المهملة، وهما كالخطين بالخاء المعجمة كما تخط جلود المصاحف إذا زينت بالحديدة، وقال الأصمعي: محطوطة؛ أي: ملساء الظهر غير منقبضة الجلد، و"المحط" بكسر الميم وبالحاء المهملة؛ حديدة يصقل بها الجلد، و "الفاضة": الواسعة البطن العطمة، و "الريا": المتلئة، و"البضة" بالباء الموحدة؛ الناعمة البيضاء، والمتجرد: الجسيم المجرد.

14 -

تراءى أي: تعرض نفسها لنا وتتظاهر. و "السجف": الستر المشقوق الوسط.

15 -

قوله: "بهج" أي: فرح مسرور.

16 -

و "الدمية" بضم الدال: التمثال والصورة و "المرمر": الرخام الأبيض. قوله: "يشاد" أي: يبني ويرفع بالشَدّ وهو الجص، و "القرمد": خزف مضبوخ مثل الآجُر.

17، 18 - و "النصيف": نصف خمار أو نصف ثوب يعتجر به، يصف أنه فاجأها

فسقط نصيفها فسترت وجهها بمعصمها، وهو قوله بمخضب "رخص"، أي ناعم كأن بنانه

أصابعه، "عنم" بالعين المهملة: وهو شجر أحمر الثمر أشبه شيء بالأصابع المخضوبة.

19 -

قوله: "العُوّد" بضم العين وتشديد الواو؛ جمع عائد، قوله:"تجلو بقادمتي حمامة أيكة" يعني: إذا ابتسمت كشفت عن أسنان؛ كأنها برد لبياضها وصفائها.

20 -

و "القادمتان": الريشتان اللتان في مقدم الجناحين؛ يريد أن في شفتيها لعسًا وحوة وهي سمرة في الشفتين، وهما لطيفتان براقتان، فشبههما بالقادمتين لذلك، قوله:"أسف لثاته"؛ أي: ذُرّ الإثمد على لثاتها، وكذلك كان يفعل أهل الجاهلية يغرزون اللثة بالإبرة ثم يذرون عليها

(1)

سقط في (أ).

ص: 159

إثمدًا فيبقي سواده فيحسن بياض الثغر.

21 -

و "الأقحوان" نبت له نوار أبيض، ووسطه أصفر، وغب الشيء: بعده، وأراد بالسماء المطر.

22 -

قوله: "زعم الهمام" أراد به النعمان بن المنذر، ومعناه: السيد، سمي به؛ لأنه إذا هم بأمر أمضاه.

23 -

و "الريا": الريح الطيبة، و"الصدِي" بكسر الدال المهملة: الشديد العطش.

24 -

و "العذارى": أبكار الجواري، و "المتسرد": الذي تبع بعضه بعضًا.

25 -

و "الأشمط": الأشيب، و "الصرورة": بالصاد المهملة؛ الملازم لصومعته لا يريد حجًّا ولا عمرة، وأراد به نصارى الشام الذين لا يعرفون الحج، وقيل: الصرورة هنا: الذي لا يأتي النساء، وقيل: هو الذي لم يذنب قط.

26 -

قوله: "لرنا" اللام جواب لو؛ أي: لأدام النظر إليها، ولأعرض عما هو فيه من عبادته ولظن ذلك رشدًا، ولم ير فيه حرجًا، وإن لم يكن فيه رشد.

27 -

قوله: "أروى الهضاب" الأروى: إناث الوعول، والهضاب: الجبال الصغار، والصخد: الملس، وقيل: المنتصبة، وقيل: الركد الثابتة.

28 -

قوله: "وبفاحم رجل" أراد به الشعر، والفاحم: الشديد السواد، و "الأثيث" الكثير الذي ركب بعضه بعضًا، و "الرجل": المرجل الممشوط، و "الدعام" بالكسر: جمع دعامة، و "المسند": الذي رفع وأسند بعضه إلى بعض.

29 -

قوله: "أخثم جاثمًا" الأخثم: العَريض في ارتفاع، و "الجاثم": الذي اتسع موضعه وتمكن.

30 -

و "المستهدف": المرتفع، و "الرابي": المرتفع من الربوة، وهو ما ارتفع من الأرض، و "العبير" هو الزعفران، وقيل هو الخلوق، و "المقرمد" هو المطلي.

31 -

و "المستحصف": الشديد الضيق القليل البلل، و "الحَزَوّر" بفتح الحاء المهملة والزاي وتشديد الواو وفي آخره راء؛ وهو الغلام القوي، و "الرشاء": الحبل، و "المحصد": الشديد الفتل.

32 -

قوله: "لا وارد" إلى آخره معناه: الذي يرد من

(1)

هذه المرأة، أي: ينال منها ما يريد

(1)

في (ب): في.

ص: 160

بذلك بدلًا فيصدر عنها، ولا الذي يصدر عنها لا يريد منها بدلًا أيضًا، فيصدر ليريد غيرها، ومعنى يحور: يرجع.

الإعراب:

قوله: "أفد الترحل": جملة من الفعل والفاعل

(1)

، و "أن" مع جملتها في محل الجر بإضافة "غير" إليها، [قوله]

(2)

: لما "تزل": جملة وقعت خبرًا لأن، قوله:"وكأن" مخففة من الثقيلة، و "قد": حرف وحذف فعله؛ كما ذكرنا.

فإن قلت: الاستثناء فيه منقطع أم متصل؟

قلت: منقطع؛ أي: قرب ارتحالنا ولكن

(3)

رحالنا بعد لم تزل على عزمنا على الانتقال.

الاستشهاد فيه:

في دخول تنوين الترنم في الحرف، وذلك في قوله:"وكأن قدن" وذلك أن تنوين الترنم يشترك في الاسم والفعل والحرف.

أما الاسم فكما في قوله:

يا صاح ما هاج العيون الزرقن

.....................

(4)

وأما في الفعل كما في قوله:

..........................

كالأتحمى أنهجن

وأما في الحرف فكما في هذا البيت

(5)

، وفيه استشهاد آخر وهو حذف الفعل الواقع بعد كلمة "قد"

(6)

ولكن لم يورد ها هنا

(7)

إلا لما ذكرنا [فافهم]

(8)

.

(1)

في (أ): من فعل وفاعل.

(2)

سقط في (ب).

(3)

في (أ): لكن.

(4)

ينظر الشاهد رقم (3)، البيتان للعجاج.

(5)

ينظر الخزانة (3/ 232)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (1/ 490) وما بعدها، وهو شاهد على دخول الترنم في الحرف وهو "قد".

(6)

أشار بهذا إلى جواز حذف الفعل بعد قد، ويكون التقدير:(وكأن قد زالت) وفي الخزانة يقول: وقد أورده ابن هشام على أن الفعل يجوز حذفه بعدها لقرينة، والتنوين أيضًا على أن، دال قد لحقها تنوين الترنم وهو اللاحق للقوافي المطقة بدلًا من حروف الإطلاق، وظهر قوله: إنه تنوين محصل للترنم، وقد صرح بذلك ابن يعيش والذي صرح به سيبويه وغيره من المحققين أنه جيء به لقطع الترنم، وأن الترنم هو التغني يحصل بأحرف الإطلاق لقبوله لمد الصوت فيها فإذا أنشدوا ولم يرنموا جاءوا بالنون في مكانها، ولا يختص هذا التنوين بالاسم بدليل قوله:"وكأن قد" البيت، ينظر الخزانة (3/ 235) وابن يعيش (9/ 29).

(7)

في (ب): هنا.

(8)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 161

‌الشاهد السادس

(1)

أَقِلّي اللَومَ عاذِلَ وَالعِتابن

وَقولي إِن أَصَبتُ لَقَد أَصابن

أقول: قائله هو جرير بن عطية

(2)

بن الخطفي بفتح الخاء العجمة، والطاء المهملة وبالفاء وهو لقب، واسمه حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم بن مرو التميمي الشاعر المشهور، كان من فحول شعراء الإسلام، وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة ونقائض، وهو أشعر من الفرزدق عند أكثر أهل العلم بهذا الشأن، وأجمعت العلماء على أنه ليس في شعراء الإسلام مثل ثلاثة: جرير والفرزدق

(3)

والأخطل

(4)

.

والجرير في اللغة: الحبل، توفي جرير سنة عشر، أو إحدى عشرة ومائة، وكان يكنى بأبي حَزْرَة بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وفتح الراء وبعدها هاء ساكنة، وهي المرة الواحدة من الحزر

(5)

، والبيت المذكور هو من قصيدة بائية طويلة، وأولها هذا البيت المذكور، وبعده

(6)

:

2 -

أَجَدِّكَ ما تَذَكَّرُ أَهلَ نَجدٍ

وَحَيَّا طال ما انتَظَروا الإِيابا

3 -

بَلى فَارفَضَّ دَمعُكَ غَيرَ نَزرٍ

كَما عَيَّنتَ بِالسَرَبِ الطِبابا

4 -

وَهاجَ البَرقُ لَيلَةَ أَذرِعاتٍ

هَوىً ما تَستَطيعُ لَهُ طِلابا

5 -

أيجمع قلبه طربًا إليكم

وهجرًا بيت أهلك واجتنابا

6 -

سَأَلنَاها الشِّفاءَ فَما شَفَتنا

وَمَنَّتنا التَّوَدُّدَ وَالخِلابا

(7)

7 -

فَقُلتُ بِحاجَةٍ وَطَوَيتُ أُخرى

وَهاجَ

(8)

عَلَيَّ بَينَهُم اكتِئابًا

(9)

8 -

أَباحَت أُمُّ حَزرَةَ مِن فؤادي

شِعابَ الحُبِّ إِنَّ لَهُ شِعابًا

(1)

أوضح المسالك (1/ 14)، شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 18).

(2)

الديوان (57) شرح مهدي ناصر الدين.

(3)

انظر ترجمته، الشاهد رقم (10).

(4)

هو غياث بن غوث بن الصلت من بني تغلب، شاعر، اشتهر في عهد بني أمية وأشعر أهل عصره (ت 90 هـ). الأعلام (1/ 123).

(5)

طبقات فحول الشعراء (2/ 374) وما بعدها.

(6)

والأبيات في الديوان بينها تقديم وتأخير؛ فالبيت السادس هو الرابع في الديوان، والبيت الثامن ترتيبه الخامس، والبيت الخامس ترتيبه السادس، ثم حذف ثلاثة أبيات توجد في الديوان (58) ولم توجد في المخطوطين، والبيت السابع ترتيبه العاشر في الديوان بعد بيت الشاهد.

(7)

في الديوان (58)"المواعد" شرح مهدي محمد ناصر الدين، ط. دار الكتب العلمية بيروت، أولى (1986 م).

(8)

في الديوان (57)"فهاج".

(9)

في الديوان (57)"بينهما".

ص: 162

9 -

وَوَجدٍ قَد طَوَيتُ يَكادُ مِنهُ

ضَميرُ القَلبِ يَلتَهِبُ التِهابا

وهي من الوافر وفيه العصب بالمهملتين والقطف، فقوله:(وقولي إن) مفاعيلن معصوب، وقوله:(أصابن) فعولن مقطوف.

1 -

قوله: (أقلِّي) أمر من الإقلال من القلة، واللوم - بالفتح؛ العذل، يقال: لمته لومًا، والرجل ملوم، والمليم هو الذي يستحق اللامة.

2 -

قوله: أجدك، معناه: أبجد منك هذا، ونصبها على طرح الباء، قاله الأصمعي، وقال أبو عمرو معناه: مالك أجدًّا منك ونصبها على المصدر

(1)

، وقال ثعلب

(2)

. ما أتاك في الشعر من قولك؛ أجدك فهو بالكسر، وإذا أتاك بالواو وجدك فهو مفتوح

(3)

قال الجوهري: أجدك وأجدك بمعنى ولا يتكلم به إلا مضافًا

(4)

، قوله: الإيابا بالكسر

(5)

وهو الرجوع.

3 -

قوله: فارفض؛ أي: تفرق وذهب، وكل متفرق ذاهب مرفض وهو من ارفضاض

(6)

الدمع، وهو ترششه، والنزر بفتح النون: القليل، قوله:"بالسرب الطبابا"[بكسر الطاء]

(7)

جمع طبابة، قال الأصمعي: هي الجلدة التي يُغَطَّى بها الخُرَزُ، وهي معترِضة كالإِصْبَع، مَثْنِيَّةٌ على موضع الخَرز

(8)

.

5 -

قوله: "الخلابا" بكسر الخاء المعجمة وهو الخديعة باللسان، وأم حزرة كنية امرأة جرير.

الإعراب:

قوله: "أقلِّي": جملة من الفعل والفاعل، وهو أنت المستكن فيه، واللوم مفعوله.

قوله: "عاذلَ" بفتح اللام: منادى مرخم حذف حرف ندائه، أصله: يا عاذلة، قوله:"والعتابن": عطف على قوله: "اللوم". قوله: "وقولي": جملة معطوفة على "أقلي".

قوله: "لقد أصابن" جمله فعلية وفاعلها

(9)

مستتر، وهي مقول القول.

(1)

الصحاح، مادة:"جدد".

(2)

هو أحمد بن يحيى بن يسار الشيباني أبو العباس، إمام الكوفيين في النحو، صنَّف: المصون في النحو واختلاف النحويين ومعاني القرآن وغير ذلك (ت 291 هـ). بغية الوعاة (1/ 396) وما بعدها.

(3)

و

(4)

الصحاح، مادة:"جدد".

(5)

في (أ): بكسر الهمزة.

(6)

في (أ): ارتفاض.

(7)

سقط في (ب).

(8)

الصحاح، مادة:"طبب".

(9)

في (ب): وفاعله، قوله:"وهو أنت المستكن فيه" مذهب المازني، ومذهب الجمهور ياء الخاطبة هي الفاعل.

ص: 163

فإن قلت: فأين جواب الشرط؟.

قلتُ: محذوف تقديره: إن أصبت لا تعذلي وقولي: لقد أصاب.

الاستشهاد:

في قوله: "العتابن، وأصابن"؛ لأن أصلهما: العتابا وأصابا، فجيء بالتنوين "بدلًا"

(1)

من الألف لأجل قصد الترنم

(2)

.

‌الشاهد السابع

(3)

،

(4)

7 / ق .........................

وَيَعْدُو عَلَى الْمَرْءِ مَا يَأْتَمِرْن

أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حُجْر بن الحرث

(5)

بن عمرو بن الحُجْر الأكبر بن عمر بن معاوية بن الحرث بن معاوية بن كندة بن ثور بن مرتع بن عليم بن الحرث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشخب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان الكندي الشاعر المفلق الفائق، مات في بلاد الروم عند جبل يقال له: عسيب، وكان قد صار إلى قيصر ملك الروم مستنجدًا به على بني أسد؛ لأنهم كانوا قد قتلوا والده حُجْرًا، فلما عاد من عند قيصر مات في عسيب، ويقال: إن ملك الروم سَمّه في حلة. قال الأصمعي: "وقد كان"

(6)

يقال لامرئ القيس الملك الضليل، ومات بأنقرة منصرفًا من قيصر، وفيه يقول القائل

(7)

:

يا جَبَلَةً مُتَحَيِرَه - وطَعْنَةً مُثْعَنْجَره - قَدْ غُودِرْتَ بأنْقَره

قلتُ: عسيب بفتح العين وكسر السين المهملتين وفي آخره باء موحدة؛ وهو اسم جبل

(8)

.

(1)

في (ب): بدل.

(2)

قال ابن مالك: "وإما أن كون عوضًا من الإطلاق في روي مطق فلا يختصّ باسم؛ لأن الروي قد يكون بعض فعل؛ كما يكون بعض اسم، وذلك في لغة تميم كإنشاد بعضهم. "البيت". ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 11)، وينظر ابن يعيش (9/ 29).

(3)

توضيح المقاصد (1/ 30).

(4)

البيت من بحر المتقارب لامرئ القيس بن حجر، من قصيدة طويلة في الديوان (68) ط. دار الكتب العلمية بعنوان:"وماذا عليك بأن تنتظر" وانظر بيت الشاهد في الخزانة (1/ 354)، (2/ 279)، والدّرر (5/ 179) ونسب البيت الشاهد للنمر بن تولب، وهو في ملحقات ديوانه (404)، واللسان:"أمر"، وانظر المقتضب (4/ 234)، والهمع (2/ 143).

(5)

في (أ): الحارث.

(6)

في (أ): وكان.

(7)

الأبيات من الرجز المنهوك.

(8)

معجم البلدان (4/ 135) تحقيق: فريد عبد العزيز الجندي ط. دار الكتب العلمية، أولى (1990 م) ومجمل =

ص: 164

وفيه يقول امرؤ القيس

(1)

:

أَجَارَتنَا إِنَّ الخُطُوبَ تَنُوبُ

وَإنِّي مُقِيِمٌ مَا أَقَامَ عَسِيبٌ

وكان أبو امرئ القيس حُجْر أول ملوك كندة، وهو ملك بن مالك

(2)

وقد روينا عن أبي هريرة رضي الله عنه من حديث خرجه الإمام أحمد

(3)

في مسنده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار"

(4)

وصدر البيت المذكور:

أَحَارِ بْنَ عَمْرو كَأَني خَمِرن

.........................

وهو من قصيدة طويلة، وأولها هو البيت المذكور، وبعده

(5)

:

2 -

لَا وَأَبِيكِ ابْنَةَ العَامِرِيّ

لا يَدَّعِي الْقَوْمُ أَنِّي أَفِر

3 -

تَمِيمُ بنُ مُرٍّ وَأَشيَاعُهَا

وَكِنْدَةُ حَوْلِي جَمِيعًا صُبُرْ

4 -

إِذَا رَكِبُوا الْخَيْلَ وَاسْتَلأمُوا

تَحَرَّقَتِ الأَرْضُ والْيَوْمُ قُرّْ

5 -

تَرُوحُ مِنَ الحق أَمْ تَبتَكِرْ

وَمَاذَا يَضُرُّكَ لَوْ تَنْتَظِرْ

6 -

أَمَرْخٌ خِيَامُهُمْ أَمْ عُشُرْ

أَمِ الْقَلْبُ في إِثْرِهِمُ مُنْحَدِرْ

7 -

أَفِيمَنْ أَقَامَ مِنَ الْحَيِّ هِرّ

أَمِ الظَّاعِنُونَ لَهَا فِي الشُّطُرْ

8 -

وَهَرٌّ تَصِيدُ قُلُوبَ الرجالِ

وَأَفْلَتَ منها ابنُ عَمْرٍو حُجرْ

9 -

رَمَتْنِي بسَهْمٍ أَصَابَ الفُؤَادَ

غَدَاةَ الرَّحِيلِ فَلَمْ انْتَصِرْ

10 -

فَأَسْبَلَ دَمْعِي كَغُصْنِ الجُمَانِ

أَو الدُّرِّ رَقْرَاقِهِ المُنْحَدِرْ

11 -

وَإذْ هِيَ تَمْشِي كَمَشْي النَّزِيـ

ـفِ يَصْرَعُهُ بِالْكَتِيبِ البُهُر

12 -

بَرهْرَهَةٌ رَخْصَةٌ رَوْدَةٌ

كَخُرْعُوبَةِ الْبَانَةِ الْمُنْفَطِرْ

= اللغة: "عسب".

(1)

من الطويل من ديوانه (357) والخزانة (8/ 551) وشرح شواهد المغني (715) والمغني (304) والخطوب جمع خطب، وهو المصيبة والبيت لا شاهد نحوي، إنما شاهد على أن "عسيب" اسم جبل كان بجوار القبر الذي دفن فيه امرأة غريبة.

(2)

في (أ): ملك.

(3)

أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني، إمام المذهب الحنبلي، وأحد الأئمة الأربعة، له مؤلفات متعددة (ت 241 هـ). ينظر الأعلام (1/ 203).

(4)

حديث ضعيف في الجامع المفهرس لأطراف الأحاديث النبوية للألباني (1/ 185) برقم (1348)، تأليف سليم بن عيد الهلالي، دار ابن الجوزي، ط (1989 م).

(5)

ينظر ديوان امرئ القيس (124)(دار المعارف) و (109)(دار صادر).

ص: 165

13 -

فُتُورُ القيَامِ قَطِيعُ الكلا

مِ تَفْتَرُّ عَنْ ذِي غُرُوبٍ خَصِرْ

14 -

كَأَنَّ المُدَامَ وَصَوْبَ الغُمَامِ

وَرِيحَ الحُزَامَى وَنَشْرَ القَطَرْ

15 -

يُعلُّ بِهِ بَرْدَ أَنْيَابِهَا

إِذَا طَرَّبَ الطَّائِرُ المُسْتَحِر

16 -

فَبِتُّ أُكُابِدُ لَيلَ التَّمَامِ

وَمَا الْقَلْبُ مِنْ خَشْيةٍ مَقشَعِرْ

17 -

فَلَمَّا دَنَوْتُ تَسَدَّيْتُها

فَثَوْبًا نَسِيتُ وَثَوْبًا أَجُر

18 -

فَلَم يَرَنَا كَالِئ كَاشِحٌ

وَلَمْ يَفْش مِنَّا لَدَى الْبَيَتْ سِرْ

19 -

وقَدْ رَابَنِي قَوْلُهَا يَا هَنَاهُ

وَيْحَكَ أَلْحَقْتَ شرًّا بِشَر

وهذا الذي ذكرناه أن قوله: "أحار بن عمرو كأني خمرن

(1)

" الذي هو أول القصيدة هو المنقول عن الأصمعي، وقال غيره: إن أولها هو قوله:

لا وأبيك ابنة العامري

..........................

وقال الأصمعي: أنشدني أبو عمرو بن العلاء هذه القصيدة لرجل من النمر بن قاسط يقال له: ربيعة بن جشم، وقال أبو عمرو الشيباني

(2)

: لم يشك أحد أن هذه القصيدة لامرئ القيس ولكن تخلط بها أبيات للنميري وقد رواها أبو عمرو والفضل

(3)

.

وهي من المتقارب من الدائرة الخامسة، وهي مشتملة على بحرين: المتقارب والمتدارك. وأصل المتقارب في الدائرة: فعولن ثمان مرات

(4)

وفيه الحذف

(5)

فإن قوله: (نمر)، فَعِل: محذوف، وكذا قوله:(خمر)، وفي أول القصيدة: ثرم

(6)

وهو قوله: (لا و) فإن وزنه فعْل.

2 -

قوله: "لا وأبيك" بكسر الكاف؛ لأنه خطاب للمؤنث؛ لأن تقديره: لا وحق أبيك يا ابنة العامري، والعامري من بني عمرو بن عامر بن الأزد. قوله: تميم بن مرٍّ: بدل من القوم، أو عطف بيان.

(1)

في (أ، ب): خمر.

(2)

هو إسحاق بن مرار أبو عمرو الشيباني الكوفي، صنف: كتاب النوادر وكتاب الجيم وغير ذلك (ت 206 هـ). بغية الوعاة (1/ 439، 440).

(3)

المفضل بن محمد بن معلى الضبي النحوي لم تذكر وفاته. بغية الوعاة (2/ 297).

(4)

من دائرة المتفق، ينظر أهدى سبيل (114)، الوافي في العروض والقوافي (168).

(5)

وهو حذف السبب الخفيف من آخر التفعيلة. ينظر السابق (169).

(6)

الثرم: مركب من الخرم والقبض مثل: فعولن تصبح عول وتحول إلى: فعل. ينظر العروض الواضح لمحمود حقي (53) ط. مكتبة دار الحياة (1984 م) السادسة عشرة.

ص: 166

3 -

قوله: "صُبُرٌ" بضم الصاد والباء، جمع صابر.

4 -

قوله: "واستلأموا" أي يلبسوا

(1)

اللأمة وهي الدرع، وقيل: هي السلاح. قوله: "تحرقت الأرض" بالحاء المهملة، يعني من شدة ذلك، قوله:"قُر" بضم القاف أي: بارد ويروى: صِر بكسر الصاد أي: شديد البرد، والجملة وقعت حالًا.

5 -

قوله: "تروحُ" أصله: أتروح فأسقط الهمزة لدلالة أم عليها.

6 -

قوله: "أمرخ" الهمزة للاستفهام، والمرخ: شجر حواري

(2)

ضعيف تتخذ منه الزناد واحدها:

(3)

مرخة "وإذا"

(4)

هبت له ريح فحك بعض عيدانه بعضًا احترقت، قوله:"وعُشَر" بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة: هو

(5)

شجر لين، فالمرخ ينبت بالنجد، والعُشَر بالغور، والعشر لها ورق عراض ولها لبن إذا قطع الورق أو العود.

7 -

قوله: "هر" هي ابنة العامري، وهو سلامة بن عبد اللَّه بن عُلَيم، قوله:"أم الظاعنون" بالظاء المعجمة، من ظعن إذا سار، و "الشطر" بضم الشين المعجمة، جمع شطر؛ وهو الغريب.

10 -

قوله: "كغصن الجمان" أي: كتفرق الجمان إذا انقطع سلكه، والجمان: اللؤلؤ الصغار يعمل من فضة، ويروى: كفيض الجمان من فاض إذا سال، قوله:"رقراقة" قال الأعلم: الرقراق ما جاء وذهب وهو مجرور على أنه بدل من الدر

(6)

وقال غيره: رقراق الدمع: ما ترقرق منه العين؛ أي تردد

(7)

.

11 -

قوله: "النزيف" بفتح النون وكسر الزاي؛ وهو السكران الذي نزف عقله، والكثيب: ما اجتمع من الرمل، والبُهر بضم الباء الموحدة من الإبهار؛ وهو انقطاع النفس وعلوه من التعب.

12 -

قوله: "برهرهة": هي الرقيقة الجلد، وقال الأصمعي: هي الممتلئة المترجرجة

(8)

، قوله:"رخصة" أي: ناعمة، والرأدة بضم الراء؛ الشابة الناعمة، وكذلك الرادة والخُرعوبَة بضم الخاء؛ القضيب الناعم، والمنفطر: الذي ينفطر بالورق، وهو ألين ما يكون وأشده تثنيًا حين يجري فيه الماء ويورق بعضة جدًّا، وإنما لم يقل المنفطرة؛ لأنه رده على القضيب.

13 -

قوله: "فتور " القيام؛ يعني أنها بطيئة القيام لثقل عجيزتها، قوله:"قطيع الكلام": يعني نزر الكلام لكثرة حيائها، قوله:"تفتر": أي تبتسم، وقيل معناه تبدي أسنانها ولا تضحك

(1)

في (أ): أي إذا لبسوا.

(2)

في (أ): حوار.

(3)

في (أ): واحدتها.

(4)

في (أ): وربما.

(5)

في (أ): وهو.

(6)

أشعار الشعراء الستة الجاهلين (1/ 114).

(7)

ينظر اللسان، مادة:"رقرق".

(8)

"مادة": برهر.

ص: 167

ضحكًا شديدًا، قوله:"غروب"؛ أي: عن ثغر ذي غروب، وغروب السن: حدها، وغرب كل شيء: حده، قوله:"خَصْر" بفتح الخاء المعجمة وسكون

(1)

الصاد؛ أي بارد.

14 -

قوله: "كأن المدام" وهي الخمر سميت بذلك؛ لأنها أديمت في الدن، أي: عتقت، والغمام: السحاب، وصوبه: ما صاب منه أي وقع، وهو المطر، و "الخزامى" خير البر بكسر

(2)

الخاء المعجمة وهو خزامي البر، و "النشر" الرائحة، و "القُطُر" بضمتين: العود.

15 -

قوله: "يعل" يعني: يسقى مرة بعد أخرى، قوله:"إذا طرب الطائر" أي: إذا صوت الديك ونحوه، ويقاك: أراد البلبل الذي يصوت في السحر، قوله:"المستحر" هو المصوت بالسحر.

16 -

قوله: "أكابد" أي: أقاسي، قوله:"لَيْلَ التِّمِامَ" قال أبو عمرو: وليل التمام إذا كان الليل "اثنتي عشرة ساعة"

(3)

وهو ليل التمام إلى خمس عشرة ساعة

(4)

قال الأصمعي: (ليل التمام بالكسر، وولد الصبي لتمام)

(5)

و "مقشعر"

(6)

يعني: وجل من أهلها.

17 -

قوله: "تسديتها" يعني: علوتها وركبتها، قاله الأصمعي.

18 -

قوله: "كالئ" أي: حافظ راقب، و "الكاشح": المتولي بوده.

19 -

قوله: "يا هناه" كناية بمنزلة يا رجل، يا إنسان، وأكثر ما تستعمل عند الجفاء والغلظة، قوله:"ألحقت شرًّا بشر" معناه: كنت متهما عند الناس، فلما رأوْك عندي ألحقتك تهمة بتهمة وشرًّا بشرٍّ

الإعراب:

"أحار بن عمرو" منادى مرخم، يعني: يا حارث بن عمرو، والراء في حار مكسورة كما كانت أولًا، وابن عمرو: كلام إضافي منصوب، قوله:"كأني" كأني هي

(7)

حرف من الحروف المشبهة بالفعل، واسمه ياء المتكلم، وخبره قوله:"خمر" بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم، معناه: كأني خامر في داء أو وجع، وأصله من الخمر بفتحتين؛ وهو كل ما سترك من شجر أو بناء أو غيره، ومنه الخمر التي تشرب فإنها تستر العقل، وتخمير الأواني

(8)

وهو تغطيتها.

(1)

في (أ): وكسر.

(2)

سقط في (أ).

(3)

و

(4)

في (ب): اثنتي عشر ساعة.

(5)

سقط في (ب).

(6)

ينظر اللسان، مادة:"قشعر".

(7)

سقط في (أ).

(8)

في (أ): الآية.

ص: 168

قوله: "ويعدو" فعل وفاعله قوله: "ما يأتمر" وما مصدرية، والتقدير: ويعدو على الرجل ائتماره أمرًا ليس برشد، وذلك أن الرجل إذا ائتمر أمرًا ليس برشد، فكأنه يعدو عليه فيهلكه. وقال الأعلم: معناه يصيبه وينزل عليه مكروه ما يأتمر به ويحمل نفسه على فعله

(1)

: وهذا نحو قول العامة: من حفر حفرة وقع فيها.

فإن قلتَ: ما هذه الواو في قوله: "ويعدو"؟

قلتُ: تصلح لأن

(2)

تكون للاستئناف، وتصلح

(3)

أن تكون للتعليل على معنى لام التعليل على رأي من أثبت هذا، فيكون المعنى: يا حارثُ بن عمرو، كأني خامرني داء لأجل عدوان الائتمار بأمر ليس برشد، ويصلح أن تكون زائدة على رأي الكوفيين

(4)

والأخفش.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ما يأتمرن" حيث أدخل فيه التنوين الغالي، وهو اللاحق للروي المقيد

(5)

وهو كتنوين الترنم في عدم الاختصاص بالاسم

(6)

.

‌الشاهد الثامن

(7)

،

(8)

8 / قه قَالتْ بَنَاتُ العَمِّ يَا سَلْمَى وَإنْن

كَانَ فَقِيرًا مُعْدَمًا قَالتْ وَإِنْنْ

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج؛ كذا ذكروه، ولم أجده في ديوانه، وتمامه:

(1)

أشعار الشعراء الستة الجاهليين (1/ 112).

(2)

في (أ): أن.

(3)

في (أ): ويصلح.

(4)

قال ابن هشام: "والثامن: واو دخولها كخروجها؛ وهي الزائدة، أثبتها الكوفيون والأخفش وجماعة وحمل على ذلك:{حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 73]

إلى آخره. المغني (2/ 362).

(5)

عرفه ابن هشام بقوله: "هو اللاحق لآخر القوافي في القصيدة" وعرف تنوين الترنم بقوله: "وهو اللاحق للقوافي المطلقة بدلًا من حرف الإطلاق وهو الألف والواو والياء". المغني (2/ 342).

(6)

قال ابن مالك: "وقد ذكر تنوين خامس يسمى الغالي كإنشاد بعضهم:

وقاتم الأعماق خاوي المخترفن

.................................

ذكره الأخفش في كتب القوافي وهو أيضًا غير خاص بالأسماء؛ لأنه يلحق الروي المقيد سواء كان بعض اسم أو كان بعض فعل، فقد جاء الاحتراز بتقييد الخاص بالاسم بكونه في غير روي، وقد أنكر السيرافي الغالي ونسب رواته إلى الوهم، ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 11)، وابن يعيش (9/ 33).

(7)

توضيح المقاصد (1/ 31)، أوضح المسالك (1/ 15).

(8)

البيت من بحر الرجز لرؤبة بن العجاج، وهو في ديوانه المسمى بمجموع أشعار العرب (186) تحقيق: وليم بن الورد، ومع ذلك نص العيني في الشرح أنه لم يجده في ديوانه.

ص: 169

1 -

قَالتْ سُلَيْمَى لَيْتَ لِي بَعْلًا يَمُنْ

يَغْسِلُ جِلْدِي ويُنَسِّينِي الحَزَنْ

2 -

وَحَاجَةً مَا إِنْ لَهَا عِنْدِي ثَمَنْ

مَيسُورَةً قضاؤها مِنَّهْ وَمِنْ

3 -

قَالتْ بَنَاتُ العَمِّ يَا سَلْمَى وَإِنْن

كَانَ فَقِيرًا

(1)

مُعْدِمًا؟ قَالتْ وَإنْنْ

وهي

(2)

من الرجز المسدس، وفيه الخبل وهو الخبهن والطي، فيصير متعلن فيرد إلى فعلتن

(3)

.

1 -

قوله: "سليمى": تصغير سلمى ذكرها الراجز [مصغرة]

(4)

ومكبرة، وكلتاهما واحدة، قوله:"بعلًا" أي زوجًا، قوله:"يمن" بتخفيف النون وأصله التشديد؛ لأنه من المنة ولكنه

(5)

خفف للضرورة.

3 -

قوله: "معدمًا" يعني: ليس له شيء أصلًا، و "الفقير" على نوعين: فقير مقل، وهو الذي يملك شيئًا قليلًا، ويقال له المسكين أيضًا، وفقير معدم: وهو الذي لا يملك شيئًا أصلًا.

ويروى: وإن كان عَيِيًّا معدمًا كما ذكرناه، وكذا أنشده الشيخ أبو حيان رحمه الله

(6)

. وهو فعيل من العي وهو العجز

(7)

.

الإعراب:

"قالت" فعل، و "سليمى" فاعله، والجملة أعني قولها: "ليت لي بعلًا

إلخ": مقول القائل، قوله: "يمن": جملة في محل النصب على أنها صفة لـ"بعلًا"، وتقديره: يمن علي، وقوله: "يغسل جلدي": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقعت بيانًا عن قوله يمن، وهي من الجمل الكاشفة.

قوله: "وينسيني الحزن": جملة بيانية معطوفة على الجملة الأولى. قوله: "وحاجة" بالنصب، عطف على (بعلًا)، وأرادت

(8)

بها حاجة قضاء الشهوة، فسَّرتها بجملتين:

الأولى: هي قوله: "ما إن لها عندي ثمن"، وكلمة "ما" للنفي، و "إن": زائدة لتأكيد

(1)

في (أ): عييًّا.

(2)

في (أ): وهو. وكلاهما صحيح فالمذكر للشاهد والمؤنث للقصيدة.

(3)

الخبن: هو حذف الثاني الساكن، والطي: هو حذف الرابع الساكن، واجتماعهما يسمى خبلًا. ينظر الوافي في العروض والقوافي (106).

(4)

سقط في (ب).

(5)

في (ب): لكنه.

(6)

محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي الغرناطي، صنَّف: الارتشاف، والبحر المحيط، والتذييل والتكميل وغير ذلك (ت 745 هـ). بغية الوعاة (1/ 280).

(7)

الارتشاف (3/ 312) تحقيق د. مصطفى النماس (باب الضرائر ومبرراتها).

(8)

في (ب): أرادت.

ص: 170

النفي كما في قوله: وما إن طبنا جبن.

والثانية قوله: "قضاؤها مني ومن": أي قضاء تلك الحاجة من البعل ومني

(1)

وقوله: "ميسورة" صفة لقولها: حاجة.

قوله: "قالت" فعل، و "بنات العم" كلام إضافي فاعل، والألف واللام في العم بدل من المضاف إليه: قالت بنات عمي.

وقوله

(2)

: "يا سلمى": منادى مقول القول، قوله:"وإن كان فقيرًا"، إن حرف شرط، وكان من الأفعال الناقصة، واسمها

(3)

: الضمير المستتر فيه العائد إلى البعل، وخبرها:

(4)

قوله: "فقيرًا"، والجملة فعل الشرط، والجواب محذوف تقديره: وإن كان البعل فقيرًا ترضين به أو تقبلينه، أو نحو ذلك.

فإن قلت: هذه الجملة معطوفة على ماذا؟

قلت: على المقدر تقديره: كان البعل عَيِيًّا

(5)

وإن كان فقيرًا. قوله: معدمًا: صفة (فقيرًا)،.

قوله: "قالت": جملة من الفعل والفاعل، والمقول

(6)

محذوف، وهو الذي عطف عليه، وإن تقديره: قالت وإن كان البعل غنيًّا وإن كان فقيرًا، وقد حذف الشرط والجزاء جميعًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وإنن" في الموضعين؛ حيث أدخل الراجز فيه التنوين زيادة على الوزن، فلذلك سمي

(7)

التنوين الغالي؛ ألا ترى أن الوزن لا يستقيم إلا بحذف التنوين؛ لأنك تقول: (قالت بنا) مستفعلن، (ت العم يا) مستفعلن (سلمى وإن) مستفعلن، فإذا قلت:(سلمى وإنن) يخرج عن الوزن، وكذا الكلام في قوله: قالت وإنن.

وقد ارتكب الشاعر ها هنا أمورًا:

الأول في قوله: يمنْ؛ إذ أصله يمنّ بالتشديد.

والثاني في قوله: (منه ومن) أصله: ومني.

والثالث: أدخل التنوين في؛ إن حتى خرج البيت عن الوزن

(8)

.

(1)

سقط في (ب).

(2)

في (ب): قوله.

(3)

في (أ): واسمه.

(4)

في (أ): وخبره.

(5)

في (ب): غنيًّا.

(6)

في (أ): والمقول.

(7)

في (ب): سميت.

(8)

ينظر شرح شواهد المغني (936) والخزانة (3/ 630).

ص: 171

‌الشاهد التاسع

(1)

،

(2)

9 / ق سلام الله يا مطر عليها

........................

أقول: قائله هو الأحوص

(3)

، [واسمه: عبد الله بن محمد بن ثابت بن قيس بن عصمة]

(4)

ابن النعمان بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عمرو بن مالك بن الأوس، ويكنى أبا عاصم، وهو شاعر مجيد من شعراء الدولة الأموية، والأحوص هو الذي في مؤخرة عينيه ضيق، وتمام البيت:

.............................

وليس عليك يا مطر السلام

وهو من قصيدة من الوافر، أولها قوله:

1 -

أَإِنْ

(5)

نادى هَدِيلًا يَوْم فَلْجٍ

معَ الإشْرَاقِ فيِ فَنَن حَمَامُ

2 -

ظَلَلْتَ كَأَنَّ دَمْعَكَ دُرُّ سِلْكٍ

وَهِيَ

(6)

نَسَقًا وَأَسْلَمَهُ النّظامُ

3 -

كَأَنَّكَ مِنْ تَذَكُّرِ أمِّ عَمْرٍو

(7)

وَحَبْلُ وَصَالِهَا خَلَقٌ رِمَامُ

4 -

تَمُوُتُ تَشَوُّقًا طورًا

(8)

وتَحْيا

وَأَنْتَ حَر

(9)

بِدَائِكَ مُشتَهَامُ

5 -

صَرِيعُ مُدَامَةٍ غَلَبَت عَليْه

(10)

تَمُوتُ لَها الْمفَاصِلُ وَالْعِظَامُ

6 -

وأنّي من بلادك أم عمرو

(11)

سَقَى بَلَدًا تَحُلُّ بِهِ الْغَمَامُ

7 -

تَحُلُّ النَّهْدَ

(12)

مِنْ أُحُدٍ وَأَدْنى

مَسَاكِنِها النسيكة

(13)

أو سَنَامُ

8 -

كَأَن المالِكيَن نِكَاحَ سَلْمى

غَدَاةَ نكاحها مطر نِيَامُ

(14)

9 -

فَلَوْ لَمْ يَنْكِحُوا إلَّا كَفِيًّا

لَكَان كَفِيئُها

(15)

الملَكُ الهُمَام

(1)

توضيح المقاصد (1/ 32).

(2)

البيت من قصيدة ميمية للأحوص الأنصاري، من بحر الوافر في شعر الأحرص الأنصاري (140)، وما بعدها، تحقيق: عادل سليمان جمال، تقديم د. شوقي ضيف، ط الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، (1970 م)، وانظر الديوان بشرح مجيد طراد، سلسلة (شعراؤنا)(174، 175) نشر دار الكتاب العربي بيروت، ط. أولى لسنة:(1994 م)، وأبيات القصيدة فيه مخالفة للترتيب الذي ذكره العيني.

(3)

الديوان (175).

(4)

سقط في (ب).

(5)

في الديوان: أأن.

(6)

في الديوان: هَوَى.

(7)

في الديوان: أم حفص.

(8)

في الديوان: طربًا.

(9)

في الديوان: جَو.

(10)

في الديوان: عليه.

(11)

في الديوان: وأني من ديارك أم حفص.

(12)

في الديوان: النعف.

(13)

في الديوان: الشبيكة.

(14)

في الديوان: غداة يرومها مطر نيام.

(15)

في الديوان: كفيها.

ص: 172

10 -

سَلامُ الله يَا مَطَرٌ عَلَيها

وَلَيسَ عَلَيك يَا مَطَرُ السَّلَامُ

11 -

فَإنْ يَكُنِ النِّكَاحُ أَحَلَّ شيئًا

فإِن نِكَاحَهَا مَطر

(1)

حَرامُ

12 -

فَطلِّقْهَا فَلسْتَ لها بِكفْءٍ

(2)

وإلا يَعْل مَفْرِقَكَ الحُسَامُ

13 -

فَلا غَفَرَ الإِلَهُ لِمنْكِحِيهَا

ذُنُوبَهُمُ وَإنْ صَلُّوا وَصَامُوا

1 -

قوله: "هديلًا" بفتح الهاء؛ وهو الذكر من الحمام، ويقال: الهديل: فرخ كان على عهد نوح عليه السلام، فصاده جارح من جوارح الطير، قالوا. فليس من حمامة إلا وتبكي عليه، والهديل: صوت الحمام أيضًا؛ كالهدير

(3)

، وانتصابه على المفعولية، والفاعل هو قوله: حمام، قوله:"يوم فلج" بفتح الفاء وسكون اللام وفي آخره جيم؛ وهو

(4)

موضع بين البصرة وضربة، قوله:"في فنن" بفتحتين؛ وهو الغصن وجمعه

(5)

: أفنان.

2 -

قوله: "وهَي"[فعل ماض]

(6)

أي: سقط من الضعف، قوله:(نسقًا) من قولهم: دُرٌّ نسقٌ، يعني: منظم، وثغر نسق إذا كانت الأسنان مستوية، قوله:"وأسلمه" أي: خذله.

3 -

قوله: "خَلَق" بفتح الخاء المعجمة واللام؛ أي: بالٍ، و "رمام" بكسر الراء؛ جمع رمة بالكسر؛ وهي العظام البالية، ويجمع على رمم أيضًا.

4 -

قوله: "وأنت حر" بكسر الراء، يقال: فلان حريٌّ بذلك، أي: لائق به، وكذلك حر وحري، وقلب مستهام: أي هائم؛ من الهيام، وهو كالجنون من العشق.

9 -

و "الكفي "على وزن فعيل؛ بمعنى النظير، وكذلك:"الكف والكفؤ"

(7)

.

10 -

قوله: "يا مطر": مطر اسم رجل، وكان دميمًا أقبح الناس، وكانت امرأته من [أحسن النساء وأجملهن]

(8)

وكانت تريد فراقه ولا يرضى [مطر]

(9)

بذلك، فأنشد الأحوص هذه القصيدة يصف فيها أحوالهم.

12 -

قوله: "فلست لها ببعل"، ويروى: بكفء، قوله:"وإلا يعل": من علا يعلو، و"المفرق": موضع فرق الشعر من الرأس، و "الحسام" بضم الحاء؛ السيف.

(1)

في (أ، ب): مطرًا، وكلاهما صحيح، فإذا رفع كان الفاعل، وإذا نصب كان المفعول.

(2)

في (أ): ببعل، وفي الديوان بأهلٍ.

(3)

في (ب): كالنذير.

(4)

في (ب): هو.

(5)

في (ب): جمعه.

(6)

سقط في (ب).

(7)

في (أ): الكفء والكفو.

(8)

في (أ): من أجمل النساء وأحسنهن.

(9)

سقط في (ب).

ص: 173

الإعراب:

قوله: "سلام الله" كلام إضافي مبتدأ؛ و "عليها" خبره، والضمير يرجع إلى امرأة مطر وقوله:"يا مطر": منادى مفرد، نونه الشاعر للضرورة

(1)

وهو معترض بين المبتدأ والخبر.

قوله: "وليس" من الأفعال الناقصة، قوله:"السلام" اسمه، و "عليك" خبره، وقوله:"يا مطر": معترض بين اسم ليس وخبرها، وهذا جاء على الأصل؛ لأن الأصل في المنادى المفرد أن يبنى على الضم

(2)

.

الاستشهاد:

في قوله: "يا مطر" فإنه منون في غير محله، فقيل

(3)

: إنه ضرورة، وليس هو تنوين تمكين، لأن الاسم مبني على الضم، وقد عده بعضهم من أقسام التنوين، وسماه تنوين الاضطرار.

قلت: مثل هذا ضرورة، فلا يحتاج إلى عده من أقسام التنوين

(4)

.

‌الشاهد العاشر

(5)

،

(6)

10 / ظقه ما أنْتَ بِالحَكَيم التُّرْضَى حُكُومَتُهُ

ولا الأَصِيلِ ولا ذِي الرَّأيِ والجَدَلِ

أقول: قائله هو الفرزدق، واسمه همام، وقيل هميم "بالتصغير" ابن غالب بن صعصعة [ابن ناحية]

(7)

بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم، واسمه:"بحر بن مالك"، واسمه: عرف

(8)

بالراء، سمي بذلك لجوده -ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مرة

(9)

التميمي المعروف بالفرزدق؛ الشاعر المشهور صاحب جرير.

وكان أبوه غالب من جلة قومه وسراتهم، وأمه ليلى بنت حابس أخت الأقرع بن حابس، وكان من الكرم على جانب عظيم، وكان جده صعصعة بن ناجية عطم القدر في الجاهلية

(1)

في (أ): ضرورة.

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 392).

(3)

في (أ): قيل.

(4)

التنوين في قوله "يا مطرٌ" تنوين ضرورة، وهو اللاحق لما لا ينصرف، والضرورة تبيح الصرف، وليس هذا تنوين تمكين؛ لأن الاسم مبني على الضم. ينظر مغني اللبيب (2/ 343).

(5)

لم نعثر على البيت في ابن الناظم، وهو في توضيح المقاصد (1/ 35)، وأوضح المسالك (1/ 17).

(6)

البيت من بحر البسيط، منسوب للفرزدق، وهو والبيت المذكور معه غير موجودين في الديوان على طبعاته المختلفة والكثيرة.

(7)

سقط في (ب).

(8)

سقط في (ب).

(9)

في (أ): مر.

ص: 174

واشترى ثلاثين موؤودة، وفي ذلك قال

(1)

الفرزدق

(2)

:

وجدي الذِي مَنَعَ الوَائِدَاتِ

وَأَحْيَا الوَئِيدَ فَلَمْ تُوْأد

وهو أول من أسلم من أجداد الفرزدق، وقد ذكره أبو عمر في كتاب الاستيعاب

(3)

في جملة الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -.

وكان الفرزدق يكنى بأبي فراس، وهو شاعر إسلامي لقي علي بن أبي طالب

(4)

وروى عنه، وعن أبي هريرة، والحسن بن علي، وابن عمر

(5)

- رضي اللَّه [تعالى]

(6)

عنهم -.

وهو في الطبقة الأولى من الشعراء الإسلاميين

(7)

وهم جرير والفرزدق والأخطل والراعي

(8)

، وكان على فضله وتقدمه يروي للحطيئة

(9)

كثيرًا، وكان الحطيئة راوية زهير

(10)

، وزهير راوية أوس بن حجر

(11)

وطفيل

(12)

الغنوي جميعًا، توفي بالبصرة سنة عشر ومائة وعمره قد ناهز مائة سنة.

(1)

في (أ): يقول.

(2)

من المتقارب وروايته في الديوان:

ومنا الذي منع الوائدات

وأحيا الوئيد فلم يوأد

ديوان الفرزدق (1/ 155) شرح علي فاعور، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، أولى (1987 م).

(3)

كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب للحافظ أبي عمر ووصف بن عبد الله، المعروف بابن عبد البر المتوفى سنة (463 هـ). ينظر كشف الظنون (1/ 81).

(4)

هو علي بن أبي طالب بن عبد المطب الهاشمي، من العشرة المبشرين بالجنة، وابن عم النبي وصهره، أحد الشجعان وأول الناس إسلامًا بعد السيدة خديجة، ولد سنة (23 ق. هـ) وتوفي سنة (40 هـ) الأم (4/ 295).

(5)

هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، صحابي، كان جريئًا هاجر مع أبيه، وشهد فتح مكة، وأفتى الناس ستين سنة وغزا إفريقية وآخر من توفي بمكة من الصحابة سنة (73 هـ). الأعلام (4/ 108).

(6)

سقط في (ب).

(7)

ينظر طبقات فحول الشعراء (298).

(8)

هو عبيد بن حصين بن معاوية بن جندل، ولقب بالراعي لكثرة وصفة الإبل، عاصر الفرزدق وجريرًا، توفي سنة (90 هـ). الأعلام (4/ 188، 189).

(9)

هو جرول بن أوس بن مالك العبسي، مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، توفي سنة (45 هـ). الأعلام (2/ 118)، الشعر والشعراء (64) عالم الكتب ط الثالثة.

(10)

هو زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني، شاعر جاهلي حكيم. (ت 13 ق. هـ). الأعلام (3/ 52)، الشعر والشعراء (23).

(11)

هو أوس بن حجر بن مالك التميمي، شاعر جاهلي، عمر طويلًا، (ت 2 ق. هـ). الأعلام (2/ 31)، الشعر والشعراء (25).

(12)

هو طفيل بن عوف بن كعب، من بني غني، شاعر جاهلي فحل، عاصر زهيرًا والنابغة الجعدي (ت 13 ق. هـ) الأعلام (3/ 228).

ص: 175

والفرزدق في الأصل [قيل]

(1)

: قطع العجين، واحدتها فرزدقة، لقب بذلك؛ لأنه كان جهم الوجه، وقيل: لقب به لغلظه

(2)

وقصره، شبه بالفتيتة التي تشربها النساء وهي الفرزدقة، والقول الأول أصح؛ لأنه أصابه جدري في وجهه ثم برئ منه فبقي وجهه جهمًا متغضبًا

(3)

، ويروى أن رجلًا قال له: يا أبا فراس كأن وجهك أحراح مجموعة، فقال: تأمل هل ترى فيها حر أمك، والأحراح: جمع حرح؛ وهو الفرج فحذفت في المفرد حاؤه الثانية فبقي حرًّا، ومتى جمعت عادت الحاء؛ لأن الجمع يرد الأشياء إلى أصولها

(4)

، وقبل البيت المذكور بيت آخر هو قوله

(5)

:

يا أرغم الله أنفًا أنت

(6)

حامله

يا ذا الخنا ومقال الزور والخَطل

والأصل في ذلك ما حدثه الكلبي أن رجلًا من بني عذرة دخل على عبد الملك بن مروان

(7)

يمدحه، وعنده جرير والفرزدق والأخطل فلم يعرفهم الأعرابي، فقال له عبد الملك: هل تعرف أهجى بيت في الإسلام؟، قال: نعم، قول جرير

(8)

:

فَغُضِّ الطَّرفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ

فَلا كَعْبًا بَلَغْتَ وَلا كِلابًا

فقال: أحسنت، فهل تعرف أمدح بيت قيل في الإسلام؟ قال: نعم قول جرير

(9)

:

أَلَسْتُمْ خَيرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا

وَأَنْدَى الْعَالمِينَ بُطُونَ رَاحِ

فقال: أصبت وأحسنت، فهل تعرف أرق بيت قالته العرب في الإسلام؟ قال: نعم قول جرير

(10)

:

إِنَّ العُيُونَ التي في طَرْفِهَا مَرَضٌ

قَتَلْنَنَا ثُمَّ لم

(11)

يُحْيِينَ قَتْلانا

فقال: أحسنت، فهل تعرف جريرًا؟ قال: لا والله، وإني لرؤيته مشتاق، فقال: هذا جرير،

(1)

سقط في (ب).

(2)

في (أ): لقب بغلظه.

(3)

متغضنًا.

(4)

ينظر الكتاب لسيبويه (3/ 322).

(5)

لم أعثر عليه في الديوان مع طبعاته الكثيرة.

(6)

في (ب): أنه.

(7)

هو عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي، نشأ في المدينة واستعمله معاوية عليها، وكان جبارًا على معانديه قوي الهيبة، ولد سنة (23 هـ)(ت 86 هـ). الأعلام (4/ 165).

(8)

البيت من بحر الوافر، الديوان (61)"شرح مهدي محمد ناصر" والخزانة (1/ 72 - 74) والورد (6/ 322) وابن يعيش (9/ 128) والمقتضب بلا نسبة (1/ 185) والكتاب (3/ 533).

(9)

البيت من بحر الوافر في ديوان جرير (74)، وينظر طبقات فحول الشعراء (2/ 379)، وشرح شواهد المغني (42)، وابن يعيش (8/ 123)، والمقتضب (3/ 292).

(10)

من بحر البسيط، الديوان (452) وروايته. "في طرفها حَوَرٌ". وينظر طبقات فحول الشعراء (2/ 379) والمقتضب (2/ 173) وشرح شواهد المغني (2/ 712) وابن يعيش (5/ 9).

(11)

سقط في (ب).

ص: 176

وهذا الفرزدق، وهذا الأخطل، فأنشأ الأعرابي يقول

(1)

:

فحيا الإله أبا حزرة

وأرغم أنفك يا أخطل

وجد الفرزدق أتعس به

ودق خياشمه الجندل

فأنشد الفرزدق:

يا أرغم الله أنفًا ........

............... إلخ

(2)

البيتين

ثم أنشد الأخطل

(3)

:

يا شَرَّ مَنْ حَمَلَتْ سَاقٌ عَلَى قَدَمٍ

مَا مثلُ قَولكَ في الأقْوامِ يُحْتَمَلُ

إنَّ الحكُومَةَ لَيسَتْ فيِ أبِيكَ ولا

فيِ مَعْشَرٍ أنتَ مِنهم إنَّهُمْ سُفُلُ

فقام جرير مغضبًا وهو يقول

(4)

:

شَتَمْتُمَا قَائِلًا بالحق مُهْتديًا

عِنْدَ الخليفةِ والأقوالُ تَنْتضِلُ

(5)

أتشتمان شَفاهًا خَيْرَكُمْ حَسَبًا

ففيكما الأوهيان

(6)

الزورُ والخطل

شَتَمْتماهُ على رَفْعي وَوَضْعِكُما

لا زِلْتُمَا في سِفَال أيُّها السُّفُلُ

ثم وثب فقبَّل رأس الأعرابي وقال: يا أمير المؤمنين جائزتي له، وكانت خمسة عشر ألفًا، فقال عبد الملك: وله مثلها من مالي، فقبض ذلك كله.

والبيت المستشهد به من البسيط، وهو من الدائرة الأولى، وهي دائرة المختلف المشتملة على: الطويل والمديد والبسيط، وأصله فيها: مستفعلن فاعلن أربع مرات، وله ثلاثة أعاريض وستة أضرب، وهو من العروض الأولى المخبونة

(7)

والضرب الأول المخبون، وقافيته من المتراكب، وهو ما بين ساكنيه ثلاث حركات، وسمي بهذا الاسم؛ لأن الحركات توالت فيه فركب بعضها بعضًا

(8)

.

(1)

الأبيات من المتقارب وهي في هجاء الفرزدق والأخطل ومدح جرير (أبي حزرة).

(2)

في (أ): يا أرغم الله أنفًا على قوله: والخطل.

(3)

البيت من بحر البسيط.

(4)

البيت من بحر البسيط في ديوان جرير (366).

(5)

في (أ): تنتصل.

(6)

رواية البيت في الديوان هكذا:

.......................

ففيكما وإلهي الزور والخطل

(7)

الخبن: هو حذف الثاني الساكن، ينظر ميزان الذهب في صناعة شعر العرب للسيد أحمد الهاشمي (15) ط ثانية (1995 م) لمؤسسة الكتب الثقافية.

(8)

ينظر العروض الواضح لممدوح حقي (139) وميزان الذهب (105).

ص: 177

قوله: "يا أرغم الله" المنادى فيه محذوف تقديره: يا قوم أرغم اللَّه أنفًا، أي: ألصقه بالرغام بفتح الراء وهو التراب، و "الخنا" الفحش، والخطل: بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة؛ الفاسد المضطرب، وقد خطل في كلامه بالكسر خطلًا، وأخطل؛ أفحش.

قوله: "بالحكم" بفتح الحاء والكاف، وهو الذي يحكمه الخصمان ليحكم

(1)

بينهما، قوله:"ولا الأصيل" أي: ولا الجيد

(2)

، يقال: فلان لا أصل له ولا فصل، قال الكسائي

(3)

: الأصل الحسب، والفصل: اللسان.

قوله: "ولا ذي الرأي" ولا صاحب الرأي، والجدل بفتحتين شدة الخصومة، وهو اسم من جادله إذا خاصمه، مجادلة وجدالًا.

الإعراب:

قوله: "ما" للنفي، و "أنت" مبتدأ، وخبره، قوله:"بالحكم الترضى حكومته" والباء فيه زائدة للتأكيد، والخطاب لذلك الأعرابي الذي هو من بني عذرة، وقد ذكرناه.

وقوله: "الترضى حكومته" جملة فعلية في محل الرفع؛ لأنها صفة لقوله "بالحكم" وَالحكم مرفوع

(4)

تقديرًا لأنه خبر، ويجوز أن يكون في محل الجر باعتبار الظاهر؛ لأن الخبر في الظاهر مجرور بالباء، و "الترضى" على صيغة المجهول، و "حكومته" مرفوع بها.

قوله: "ولا الأصيل" عطف على قوله: "بالحكم" أي: ولا أنت بالأصيل ولا بذي الرأي ولا بذي الجدل.

الاستشهاد فيه:

في دخول الألف واللام في الفعل المضارع تشبيهًا له بالصفة؛ لأنه مثلها في المعنى، وهذا ضرورة عند النحويين

(5)

وقال ابن مالك: "ليس"

(6)

بضرورة لتمكن الشاعر من أن يقول: ما أنت بالحكم المرضي حكومته، فيدخل الألف واللام في اسم المفعول

(7)

، قلت: وهذا الذي

(1)

في (أ): ليفصل.

(2)

في (أ): ولا الحسيب.

(3)

هو علي بن حمزة بن عبد الله بن عثمان أبو الحسن الكسائي، صنف: معاني القرآن، ومختصر في النحو والنوادر وغيرها (ت 182 هـ). بغية الوعاة (2/ 162) وما بعدها، المدارس النحوية (172) وما بعدها.

(4)

يوجد هنا سقط كبير في نسخة (أ) من أول هذا المكان حتى الشاهد رقم (25) وسننبه عليه في نهايته.

(5)

ضرائر الشعر لابن عصفور (288) تحقيق: السيد إبراهيم محمد (دار الأندلس).

(6)

سقط في (ب).

(7)

قال ابن مالك: "واستدل ابن برهان على موصولية الألف واللام بدخولها على الفعل"، واستدلاله قوي؛ لأن =

ص: 178

قاله ابن مالك منقول عن سيبويه

(1)

، ثم عن ابن السراج، وليس هو القائل من ذاته، ولكن هذا لا يستقيم إلا إذا سكنت الياء من المرضي ليستقيم الوزن فافهم.

وقال الأخفش: هي موصولة وليست للتعريف، كأنها لما كانت بمعنى الذي وصلت بصلتها

(2)

.

وقال ابن عصفور

(3)

: ومنهم من ذهب إلى أن (أل) ها هنا مبقاة من الذي، وهو مردود؛ لأنها لو كانت كذلك لجاز أن يقع في صلتها الماضي كما جاز في صلة الذي، فلما اختصت بالفعل الشبه للوصف وهو المضارع دل على إبهامه.

‌الشاهد الحادي عشر

(4)

،

(5)

11 / قه أَقَائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودَا

.............................

أقول: قائله رؤبة بن العجاج، وتمامه:

= حرف التعريف في اختصاصه بالاسم كحرف التنفيس في اختصاصه بالفعل، فكما لا يدخل حرف التنفيس على اسم لا يدخل حرف التعريف على فعْل، فوجب اعتقاد الألف واللام في: الترضى واليجدع واليرى واليروح أسماء بمعنى الذي لا حرف تعريف، ثم قال:"وعندي أن مثل هذا غير مخصوص بالضرورة لتمكن قائل الأول أن يقول: (ما أنت بالحكم المرضي حكومته)، وتمكن قائل الثاني أن يقول: (إلى ربنا صوت الحمار يجدع)، ولتمكن الثالث من أن يقول: (ما من يروح)، ولتمكن الرابع من أن يقول: (وما من يرى)، فإذا لم يفعلوا ذلك مع استطاعته ففي ذلك إشعار بالاختيار وعدم الاضطرار، وأيضًا فمقتضى النظر وصل الألف واللام؛ إذ هما من الموصولات الاسمية بما توصل به أخواتها من الجمل الاسمية والفعلية والظروف، فمنعوها ذلك حملًا على المعرفة؛ لأنها مثلها في اللفْظ وجعلوا صلتها ما هو جملة في المعنى، ومفرد في اللفظ صالح لدخول المعرفة عليه، وهو اسم الفاعل وشبهه من الصفات، ثم كان في التزام ذلك إيهام أن الألف واللام معرفة لا اسم موصول، فقصدوا التنصيص على مغايرة المعرفة فأدخلوها على الفعل المشابه لاسم الفاعل وهو المضارع، فلما كان حاملهم على ذلك هذا السبب وفيه إبداء ما يحق إبداؤه وكشف ما لا يصلح إخفاؤه، استحق أن يجعل مما حكم فيه بالاختيار، ولا يخص بالاضطرار، ولذلك لم يقل في أشعارهم". شرح التسهيل (1/ 201، 202).

(1)

(س) رمز سيبويه، وينظر الكتاب (1/ 200 - 203).

(2)

قال ابن هشام: (أل) على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون اسمًا موصولًا

وربما وصلت بظرف أو جملة اسمية أو فعلية فعلها مضارع، وذلك دليل على أنها ليست حرف تعريف .... والجميع خاص بالشعر خلافًا للأخفش وابن مالك في الأخير. المغني (49).

(3)

علي بن مؤمن بن محمد بن علي الإشبيلي، صنف: الممتع في التصريف، وشرحًا على الجمل وغير ذلك (ت 563 هـ). بغية الوعاة (2/ 210).

(4)

توضيح المقاصد (1/ 43)، وأوضح المسالك (1/ 19).

(5)

البيت من بحر الرجز لرؤبة بن العجاج، وهو في ديوانه المسمى مجموع أشعار العرب (173)، وانظرها في المحتسب (1/ 193).

ص: 179

أَرَيْتَ إِنْ جَاءَتْ بِهِ جُلْمُودَا

(1)

مُرَجَّلًا وَيْلبَسُ البُرُودَا

أَقائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودَا

..............................

وهي من الرجز المسدس.

1 -

قوله: "أريت" أصله: أرأيت، حذفت الهمزة منه للتخفيف، وكذلك قالوا في: أريتك بلا همزة، ومعنى "أرأيت" أخبرني، قوله:"أملودًا" بضم الهمزة وسكون اليم وضم اللام؛ وهو الناعم.

2 -

قوله: "مرجلًا" بالجيم أي: مزينًا، وأصله من رجلت شعره إذا سرحته، وضبطه بعضهم بالحاء المهملة؛ وهو برد يصور عليه الرجال، وقال الجوهري: مِرْط مُرَجَّلٌ: إِزَار خِزٍّ فيه عَلَمٌ

(2)

، ويقال: الرجل بالجيم: ثوب فيه صور الرجال، والرحل بالحاء: ثوب فيه صور تشبه الرجال، قوله:"البرود" جمع برد؛ وهو نوع من الثياب معروف.

الإعراب:

قوله: "أقائلن" اسم فاعل دخل عليه حرف الاستفهام ونون التأكيد، والمعنى: هل أنتم قائلون؟ فأجراه مجرى: أتقولون: أحضروا الشُّهُودَا، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقعت مقولًا للقول.

الاستشهاد فيه:

حيث أدخل الشاعر فيه نون التأكيد على الاسم، وهي مختصة بفعل الأمر المستقبل طلبًا أو شرطًا بعد إما؛ كقوله تعالى:{فَإِمَّا تَرَيِنَّ} [مريم: 26]، و {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} [الأنفال: 57] وقد تلحق الماضي نذورًا كما في قوله عليه السلام: "فإما أدركن واحد منكم الدجال"

(3)

، وقال الشاعر

(4)

:

دَامَنَّ سَعْدُكِ لَوْ رَحِمْتِ مُتَيَّمًا

.............................

(1)

وروايته في شرح التسهيل لابن مالك "أملودَا" وهو ما وافق شرح العيني له بعد ذلك.

(2)

الصحاح، مادة:"رَمَلَ".

(3)

الحديث أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الفتن وأشراط الساعة (باب ذكر الدجال وصفته وما معه" (4/ 2249) كما أخرجه أحمد في مسنده (5/ 386 - 405) عن حذيفة بن اليمان.

(4)

من الكامل، مجهول القائل، وتمامه:

.................................

لولاك لم يك للصبابة جانحا

ورواية الصدر في شرح التسهيل:

.................................

دامن سعدُك إن رحمت متيمًا =

ص: 180

كما سيأتي - إن شاء الله - وأندر من ذلك دخولها في اسم الفاعل، كما في البيت المذكور، وإنما سوغها شبه الوصف بالفعل

(1)

.

وقال ابن جني

(2)

: دل هذا على أن نون التوكيد ليست من خواص الفعل لدخولها على اسم الفاعل

(3)

وفيه نظر؛ لأن دخولها على اسم الفاعل لا يلتفت إليه لندورته وقلته، لا سيما الشاعر فإنه مضطر، ويرتكب أمورًا متعسفة فلا يبنى عليه حكم.

‌الشاهد الثاني عشر

(4)

12 / ق دَامَنَّ سَعْدُكِ لَوْ

(5)

رَحِمْتِ مُتَيَّمًا

............................

أقول: لم أقف على اسم قائله، وتمامه:

..............................

لولاكِ لَمْ يَكُ للصَّبَابَةِ جَانِحًا

وهو من الكامل وفيه الإضمار.

وقوله: "دامن" أصله دام من الدوام، ودخله نون التوكيد على وجه الشذوذ

(6)

، و"سعدك" خطاب لمحبوبته، و"المتيم" من تيمه الحب إذا عبده بالتشديد، و "الصبابة": المحبة والعشق، يقال: رجل صب إذا غلبه الهوى، و "الجانح" من جنح إذا مال، قال الله تعالى:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] أي: وإن مالوا.

= ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 14)، والتصريح (1/ 41)، والدرر (2/ 99)، وهو الشاهد الآتي برقم (12) من هذا التحقيق.

(1)

قال ابن مالك: "ونون التوكيد علامة للفعل وتلحق منه المضارع والأمر

وقد تلحق الفعل الماضي وضعًا المستقبل معنى .... وقيد نون التوكيد بالشائع احترازًا من شذوذ لحاقها اسم الفاعل في قول الراجز: (البيت) ". شرح التسهيل لابن مالك (1/ 14)، وتوضيح المقاصد (4/ 90، 91)، وتسويغ دخول نون التوكيد على اسم الفاعل تشبيهًا له بالفعل المضارع، هو ما قال به ابن جني في الخصائص (1/ 136)، وسر الصناعة (2/ 447)، وينظر الخزانة (4/ 574).

(2)

هو أبو الفتح عثمان بن جني، صنف الخصائص وشرح تصريف المازني واللمع والمحتسب وغير ذلك (ت 392 هـ) بغية الوعاة (2/ 132).

(3)

قال ابن جني بعد أتم ذكر البيت: "فألحق نون التوكيد اسم الفاعل تشبيهًا له بالمضارع، فهذا إذًا استحسان لا عن قوة علة ولا عن استمرار عادة". الخصائص (1/ 136).

(4)

توضيح المقاصد (1/ 42).

(5)

في شرح التسهيل لابن مالك: إنْ رَحِمْتِ، ويراجع التصريح (1/ 41) والدرر (2/ 99).

(6)

في شرح التسهيل لابن مالك: "وقد تلحق الفعل الماضي وضعًا المستقبل معنى؛ نحو قوله: صلى الله عليه وسلم "فإما أدركن واحد منكم الدجال" فلحقت أدرك، وإن كان بلفظ الماضي؛ لأن دخول (إما) عليه جعله مستقبلًا معنى، ثم ذكر البيت وقال: فلحقت دام؛ لأنه دعاء، والدعاء لا يكون إلا بمعنى الاستقبال" ينظر (1/ 14).

ص: 181

الإعراب:

قوله: "دامن" فعل، و"سعدك" كلام إضافي فاعله، وهي في الحقيقة جملة دعائية، قوله:"لو" للشرط، و"رحمت" جملة من الفعل والفاعل، والمفعول وهو "متيمًا" وقعت فعل الشرط، والجواب محذوف تقديره: لو رحمت متيمًا أدام الله سعدك، وأغنت عن ذلك الجملة المتقدمة.

قوله: "لولاك" كلمة (لولا) لربط امتناع الثانية لوجود الأولى نحو: لولا زيد لأكرمتك، أي: لولا زيد موجود، فإن وجود زيد هو الذي منعه الإكرام، وقد وليها ها هنا ضمير

(1)

وكان حقها أن يكون ضميررفع نحو: {لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31] ، ولكن جاء قليلًا لولاك، ولولاي، ولولاه خلافًا للمبرد

(2)

، ثم عند الجمهور أنها جارة للضمير، وموضع المجرور رفع بالابتداء، والخبر محذوف، وقد سد مسده جواب لولا وهي الجملة التي بعده

(3)

.

وقال الخليل: لولا لا تجر، ولكنهم أنابوا الضمير الخفي عن المرفوع؛ كما عكسوا؛ إذ قالوا: ما أنا كأنت ولا أنت كأنا

(4)

.

قوله: "لم يك" جواب لولا وأصله: لم يكن فحذفت النون تخفيفًا

(5)

والضمير المستتر فيه العائد إلى المتيم هو اسم يكن، وقوله:"جانحًا" خبره، و "للصبابة" يتعلق به، والمعنى: لولا أنت موجودة لم يكن المتيم مائلًا للصبابة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "دامن" حيث دخلت فيه نون التوكيد وهو ماضٍ، ونون التوكيد من خواص الأمر والمضارع، وهو قليل شاذ

(6)

.

(1)

ينظر مغني اللبيب (1/ 272) وما بعدها.

(2)

ينظر الكامل للمبرد (1/ 280). ت / محمد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، وهو محمد بن يزيد الأزدي ولد سنة (210 هـ) وألف مؤلفات عديدة منها: الكامل والمقتضب ومعاني القرآن وغير ذلك، توفي سنة (285 هـ). ينظر المدارس النحوية (123) وما بعدها، والبغية (1/ 269).

(3)

قال سيبويه: هذا باب ما يكون مضمر فيه الاسم متحولًا عن ما له إذا أظهر بعده الاسم وذلك (لولاك ولولاي) إذا أضمرت الاسم فيه جر، وإذا أظهرت رفع، ولو جاءت علامة الإضمار على القياس لقلت لولا أنت؛ كما قال سبحانه:{لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} ولكنهم جعلوه مضمرًا مجرورًا. الكتاب (2/ 373).

وقال ابن هشام: قال سيبويه والجمهور: هي جارة للضمير مختصة به، كما اختصت في الكاف بالظاهر ولا تتعلق لولا بشيء، وموضوع المجرور بها رفع بالابتداء والخبر محذوف. المغني (1/ 274).

(4)

ينظر المغني (1/ 274)، وهذا أيضًا قول الأخفش.

(5)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 366).

(6)

المغني (2/ 339).

ص: 182

‌الشاهد الثالث عشر

(1)

،

(2)

13 / قه يَا لَيْتَ شِعْرِي منكم حنيفًا

أَشَاهِرُنَّ بَعْدَنَا السُّيُوفَا

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وهو من الرجز المسدس.

قوله: "شعري" بمعنى: علمي من الشعور، قال ابن فارس: شعرت بالشيء إذا فطنت له

(3)

، و "الحنيف" هو المسلم ها هنا، وله معان أخر: المختون والناسك، والمستقيم الطريقة، والمائل إلى الدين المستقيم، ويقال: فلان متحنف؛ أي: يتحرى أقوام بالطريق، وفلان يتحنف؛ أي: يذهب مذهب أبي حنيفة

(4)

رضي الله عنه، قوله:"أشاهرن" من شهر سيفه: انتضاه فرفعه؛ يعني: أبرزه من غمده.

الإعراب:

قوله: "يا ليت" كلمة (يا) في مثل هذا الموضع تكون لمجرد التنبيه لدخولها على ما لا يصلح للنداء

(5)

، وقد يقال: إنها على أصلها، والمنادى محذوف تقديره: يا قوم ليت شعري "أي: ليتني أشعر، فأشعر هو الخبر، وناب شعري الذي هو المصدر عن أشعر، ونابت الياء في شعري عن اسم ليت الذي في قولك: ليتني، وأشعر: من الأفعال المتعدية، وقد يعلق فيقال: ليت شعري أزيد قام أم محمد؟ ومعنى التعليق إبطال عمله في اللفظ وإعماله في الموضع"

(6)

، فيكون موضع الاستفهام وما بعده نصبًا بالمصدر.

قوله: "حنيفًا" نصب على أنه مفعول المصدر المضاف إلى فاعله، قوله:"منكم" في محل النصب على أنها صفة لـ (حنيفًا)، والتقدير: ليتني أشعر حنيفًا كائنًا منكم.

قوله: "أشاهرن" اسم فاعل دخلت عليه همزة الاستفهام ونون التوكيد، وهو في معنى المستقبل؛ لأن تقدير الكلام: ليتني أشعر حنيفًا مسلمًا منكم يشهر بعدنا السيوف، و "بعدنا" كلام إضافي نصب على الظرف، و "السيوفا" نصب بقوله: أشاهرن.

(1)

توضيح المقاصد (1/ 43) وروايته: شعري عندكم، والبيت غير موجود في أوضح المسالك.

(2)

البيت من بحر الرجز لرؤبة بن العجاج في ديوانه المسمى: مجموع أشعار العرب (179)(ملحق الديوان).

(3)

مجمل اللغة، مادة:"شعر".

(4)

هو النعمان بن ثابت، التيمي بالولاء، الكوفي، أبو حنيفة، إمام الحنفية وأحد الأئمة الأربعة، له مؤلفات عديدة (ت 150 هـ). ينظر الأعلام (8/ 36).

(5)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 390)، مغني اللبيب (2/ 374).

(6)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 88)، أوضح المسالك (6/ 311) وما بعدها ..

ص: 183

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أشاهرن" حيث دخلت فيه

(1)

نون التوكيد وهو اسم، وهي مختصة بالأمر والمضارع كما ذكرنا

(2)

.

‌الشاهد الرابع عشر

(3)

،

(4)

14 / ق يَحْدُو بهَا كُلُّ فَتَى هَيَّاتٍ

وَهُنَّ نَحْوَ البَيْتِ عَامِدَاتِ

أقول: قائله راجز لم أقف على اسمه، وقبله:

تَرْمِي الأماعيزُ بمَجْمَراتِ

وأَرْجُلٍ رَوْحٍ مُحَنَّبَات

وهي من الرجز المسدس.

1 -

قوله: "ترمي الأماعيز" وهو جمع إمعاز، والإمعاز جمع معز؛ وهو المكان الصلب الكثير الحصى، وأرض معزى: بينة المعز، والأماعيز: جمع أمعوز أيضًا؛ وهو السرب من الطاء ما بين الثلاثين إلى الأربعين، و "مجمرات" بالجيم: جمع مجمرة بفتح الميم الثانية، وقال الفراء: يجوز الكسر، أي: قوى صلب

(5)

، و "أرجل" جمع رجل، و "روح" بفتح الراء وسكون الواو وفي آخره حاء مهملة، وهي سعة في الرجلين، وهو دون الفحج، إلا أن الأروح تتباعد صدور قدميه، ويتدانى عقباه، وكل نعامة روحاء.

و"الفحج" بفتح الحاء وسكون الحاء المهملة وفي آخره جيم؛ مشية الأفحج، وهو الذي تدانى صدور قدميه ويتباعد عقباه و "محنبات" جمع محنبة بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد النون وفتح الباء الموحدة. قال أبو عبيدة: المحنب: البعيد ما بين الرجلين من غير فحج، وهو مدح، وتحنب فلان أي: تقوس وانحنى

(6)

، وقال الأصمعي: التحنيب في الفرس: إعياء وتوتير في الصلب واليدين، فإذا كان ذلك في الرجلين فهو تجنيب بالجيم

(7)

.

2 -

قوله: "يحدو بها" أي: بالإبل؛ أي: يزجرها للمشي. قال ابن فارس: الحدو بالإبل:

(1)

سقط في (ب).

(2)

انظر الشاهد الثاني عشر.

(3)

توضيح المقاصد (1/ 9).

(4)

البيت من بحر الرجز المسدس لقائل مجهول وهو في المحتسب (1/ 317)، والخصائص (1/ 34)، واللسان، مادة:"نحو، وهيت"، والمحكم والمحيط الأعظم، مادة:"وحن".

(5)

اللسان "جمر" وخف مُجْمِر: صلب شديد مجتمع.

(6)

و

(7)

الصحاح، مادة:"حنب".

ص: 184

زجرها والغناء لها

(1)

، قوله:"هَيَّات" على وزن فعال بالتشديد، من هيت به إذا صاح به ودعاه وكذلك هوت به، قوله:"نحو البيت" أراد به الكعبة المشرفة، قوله؛ "عامدات" أي: قاصدات من عمد إذا قصد.

الإعراب:

قوله: "يحدو" فعل، و "بها" في محل النصب على المفعولية، "وكل فتى": كلام إضافي فاعله، قوله:"هيات" مجرور؛ لأنه صفة فتى، و "فتى" مجرور بالإضافة، والمعنى: يهيت بالإبل كل فتى صياح، قوله:"وهن" مبتدأ، و"نحو البيت" كلام إضافي في تقدير الرفع على الخبرية والتقدير: وهن كائنات نحو البيت، أو متوجهات نحوه. قوله:"عامدات" بالنصب حال، وقيل: تمييز، وفيه ما فيه

(2)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "نحو البيت" فإن لفظة "نحو" ها هنا ظرف وهو يجيء لمعانٍ كثيرة:

الأول: بمعنى إلى الظرف، وهو غير تقول: توجهت نحو الدار، أي: جهتها.

الثاني: بمعنى القصد تقول: نحوت معروفه؛ أي: قصدته.

والثالث: بمعنى الطريق، تقول: هذا نحو المدينة؛ أي: طريقها.

الرابع: بمعنى مثل، تقول: هذا الطريق نحو ذاك؛ أي مثله.

والخامس: بنو نحو قوم من العرب، ينسب إليهم النحوي.

والسادس: نحو الكلام، وهو قصد القائل: أصول العربية ليتكلم بمثل ما تكلموا به، والنحو في اصطلاح القوم: معرفة كيفية كلام العرب وتصرفاتهم فيه، وما يستحق كل نوع منهم من الإعراب منه؛ كرفع الفاعل ونصب المفعول وجر الضاف، والنسبة إليه أيضًا نحوي، والفرق بينه وبين النسبة إلى بني نحو بالقرينة.

والسابع: النحو يجيء بمعنى الإمالة، يقال: نحوت بصدري إذا أملته، وكذلك نحيته وأنحيته بمعنى أملته.

والثامن: بمعنى القسم، يقال: هذا على أربعة أنحاء، أي: أربعة أقسام

(3)

.

(1)

المجمل في اللغة لابن فارس، مادة:"حدو".

(2)

قال ابن جني بعد أن ذكر البيت: "فنصب (عامدات) على الحال لتمام الكلام من قبلها". المحتسب (1/ 317).

(3)

وقد ذكر المرادي أربعة من هذه المعاني حيث قال: "للنحو في اللغة أربعة معان: الأول أن يكون مصدرًا تقول =

ص: 185

‌شواهد المعرب والمبني

‌الشاهد الخامس عشر

(1)

،

(2)

15 / ظهع فإما كرامٌ مُوسِرُونَ رأيتهم

فَحَسْبِي مِن ذِي عِنْدَهُم مَا كَفَانِيَا

أقول: قائله هو منظور بن سحيم الفقعسي، شاعر إسلامي

(3)

، وهو من قصيدة يقولها في امرأته، وأولها قوله

(4)

:

1 -

ذَهَبْتُ إلَى الشَّيطَانِ أَخْطُبُ بِنْتَهُ

فَأَدْخَلَهَا مِنْ شِقْوَتِي فيِ حِبَالِيا

2 -

فَأنْقَذَنِي مِنْهَا حِمَارِي وَجُبَّتِي

جزى الله خيرًا جبتي وحِمَارِيَا

3 -

ولستُ بهَاجٍ في القِرَى أهل منزل

على زادِهِمْ أَبْكِي وأُبْكِي البواكِيا

4 -

فإما كرامٌ مُوسِرُونَ لَقِيتُهم

فَحَسْبِي مِن ذِي عِنْدَهُم مَا كَفَانِيَا

5 -

وإما كرامٌ مُعسِرُونَ عذرتهم

وإمَّا لِئَامٌ فادَّخَرتُ حَيَائِيَا

6 -

وعرضي أبقى ما ادخرت دخيرة

وبطني أطويه كطي ردائيا

= نحوت كذا نحوًا أي قصدته قصدًا، والثاني أن يكون ظرفًا ثم ذكر بيت الشاهد، والثالث أن يكون بمعنى مثل، يقال: هذا نحو هذا؛ أي مثله، والرابع أن يكون بمعنى القسم، يقال: هذا على أربعة أنحاء؛ أي أقسام، وإطلاق لفظ النحو على هذا العلم من إطلاق لفظ المصدر على المفعول به .. ".

توضيح المقاصد (1/ 9، 10) وينظر الخصائص (1/ 34)، واللسان، مادة:"نحو".

(1)

ابن الناظم (34)، أوضح المسالك (1/ 30)، شرح ابن عقيل (1/ 45).

(2)

البيت من بحر الطويل لمنظور بن سحيم الفقعسي في الدرر (1/ 59)، وروايته في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 199)(وإما كرام موسرون لقيتهم).

(3)

ذكره المرزباني في معجمه كما ذكر أربعة أبيات من القصيدة، انظر معجم الشعراء (282).

(4)

انظر الأبيات المذكورة في شرح الحماسة للتبريزي برقم مسلسل (422)، وانظرها أيضًا في معجم الشعراء (282).

ص: 186

وهي من الطويل وقافيته من المتدارك

(1)

.

قوله: "فأنقذني منها حماري وجبتي"، وقصته أنه حلق شعر رأس امرأته، فرفعته إلى الوالي فجلده واعتقله، وكان له حمار وجُبَّة، فدفعهما إلى الوالي فسرحه.

قوله: "كرام": جمع كريم؛ كعجاف جمع عجيف، قوله:"رأيتهم" ويروى أتيتهم كما ذكرنا، قوله:"فحسبي" أي يكفيني، قوله:"من ذي عندهم" أي من الذي عندهم، أي: عند الكرام، والألف في كفانيا للإشباع.

الإعراب:

قوله: "فإما": "الفاء" للعطف، وإما للتفصيل

(2)

، وقوله:"كرام" مرفوع بفعل مضمر تقديره: فإما يقصد كرام موسرون، ويجوز أن يكون: كرام مبتدأ، وقد تخصص بالصفة وهي قوله:"موسرون"، وقوله:"رأيتهم" جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الرفع على الخبرية، وفي الوجه الأول على الوصفية.

وقوله: "فحسبي" مبتدأ، وخبره قوله:"ما كفانيا" والجملة على جواب الشرط، فلذلك دخلتها الفاء، وذلك أن "إما" التفصيلية أجاز فيها الكوفيون أن تكون هي "إن" الشرطية

(3)

.

قوله: "من ذي عندهم" متعلق بقوله: "كفانيا"، و "ذي" بمعنى الذي، وعندهم صلة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من ذي" حيث أعرب كإعراب ذي التي بمعنى الصاحب، ويجوز أن يقال: من ذو عندهم كما ذكرنا.

(1)

هي التي بين ساكنيها متحركان. ينظر الروض الواضح (139).

(2)

ينظر مغني اللبيب (1/ 60).

(3)

يقول ابن هشام: "وأجاز الكوفيون كون إما هذه للتفصيل، وهي مركبة من إن الشرطية وما الزائدة". المغني (1/ 60).

ص: 187

‌الشاهد السادس عشر

(1)

،

(2)

16 / ظقهع بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ فِي الكَرَمِ

وَمَنْ يُشابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ

أقول: قائله هو رؤبة

(3)

، وهو من الرجز المسدس.

قوله: "بأبه اقتدى عدي" أراد به عدي بن حاتم الطائي، وهو صحابي جليل، وهو عدي بن حاتم بن عدي بن سعيد بن الحشرج بن امرئ لقيس بن عدي بن أخرم بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن غوث بن طيء الطائي.

وفد على النبي عليه السلام سنة تسع في شعبان، وقيل: سنة عشر فأسلم، وكان نصرانيًّا

(4)

، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم على أبي بكر رضي الله عنه

(5)

في وقت الردة بصدقة قومه وثبت على الإسلام ولم يرتد وثبت قومه معه، وكان جوادًا شريفًا في قومه معظمًا عندهم وعند غيرهم، حاضر الجواب، شهد فتح العراق ووقعة القادسية ووقعة مهران، ويوم الجسر مع أبي عبيدة رضي الله عنه وغير ذلك.

وكان مع خالد بن الوليد رضي الله عنه

(6)

لما سار إلى الشام، وشهد معه بعض الفتوح، توفي سنة سبع وستين، وله مائة وعشرون سنة، قيل: مات بالكوفة أيام المختار

(7)

، وقيل: مات بِقَرقِيسْيَا، والأول أصح.

وأما أبوه حاتم بن عدي فهو الموصوف بالجود الذي يضرب به المثل، وكان يكنى أبا سفانة، وكانت له مآثرُ وأمورٌ عجيبة مستغربة، ولكنه لم يقصد بها وجه اللَّه تعالى والدار الآخرة، وإنما كان قصده السمعة.

(1)

ابن الناظم (12)، توضيح المقاصد (1/ 74)، أوضح المسالك (1/ 32) شرح ابن عقيل (1/ 50).

(2)

البيت من بحر الرجز المسدس لرؤبة بن العجاج في ديوانه المسمى: مجموع أشعار العرب (182)(الملحقات) من قصيدة طويلة بيت الشاهد آخرها، وقبله:

أنت الحليم والأمير المنتقم

تصدع بالحق وتنفي من ظلم

(3)

انظر ديوان رؤبة (مجموع أشعار العرب)(182). وهو آخر بيت من أرجوزة طويلة.

(4)

ينظر الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 288).

(5)

هو عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن كعب التيمي القرشي أول من آمن بالرسول، ولد بمكة بعد عام الفيل بسنتين، وتوفي سنة (13 هـ)، ينظر الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 101) وما بعدها. الأعلام (4/ 102).

(6)

هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، سيف الله، شهد مع كفار قريش الحروب إلى عمرة الحديبية، أسلم سنة (7 هـ) بعد خيبر، مات بحمص سنة (21 هـ). الإصابة في تمييز الصحابة (2/ 100).

(7)

هو المختار بن أبي عبيدة بن مسعود الثقفي، توفي سنة (67 هـ). الأعلام (7/ 192).

ص: 188

وأخرج البزار

(1)

في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ذُكر حاتم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"ذاك أراد أمرًا فأدركه"

(2)

، والمعنى أن عدي بن حاتم اقتدى بأبيه حاتم الطائي في الجود والكرم فمن يشابه أباه أو يحاكيه في صفاته فما ظلم في هذا الاقتداء؛ لأنه أتى بالصواب ووضع الشيء في محله، والظلم: وضع الشيء في غير محله.

وهذا البيت نظم فيه الشاعر المثل الثائر: "مَن يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ"

(3)

واختلفوا في معنى "فما ظلم" في المثل، فقيل: فما وضع الشبه في غير موضعه، وقيل: فما ظلم أبوه حين وضع زرعه حيث أدى إليه الشبه، وقيل إنما الصواب: فما ظلمت، أي: فما ظلمت أمه، أي: لم تزن بدليل مجيء الولد مشابهًا أباه. قاله اللحياني، ويضعف هذين القولين أن اسم الشرط إذا كان مبتدأ فلا بد في الغالب من ضمير يعود من الجزاء إليه

(4)

، وهذا البيت يرد قول اللحياني.

الإعراب:

الباء في قوله: "بأبه" تتعلق بقوله: "اقتدى"، وكذا قوله:"في الكرم" قدم الظرف للاختصاص، أي: لم يقتد في الكرم إلا بأبيه.

قوله. "ومن يشابه أبه"، كلمة (من) موصولة في محل الرفع على الابتداء بتضمن معنى الشرط، ولهذا دخلت الفاء في خبره، وهو قوله: فما ظلم، وقوله:"أبه": منصوب بقوله: يشابه الذي هو صلة الموصول.

فإن قلتَ: (فمن يشابه) قد روي بالفاء وبالواو، فما حكمهما؟

قلتُ: أما الواو فوجهه ظاهر، وأما الفاء فإن صح فوجهه أن يكون للتعليل

(5)

.

(1)

هو أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، من علماء الحديث، له مسند البحر الزاخر وغيره، وتوفي بالشام سنة (292 هـ). الأعلام (1/ 189).

(2)

مسند أحمد بن حنبل (4/ 258) حديث رقم (18288) روايته عن مري بن قطري قال: سمعت عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله إن أبي كان يصل الرحم ويفعل كذا وكذا، قال:"إن أباك أراد أمرًا فأدركه"؛ يعني الذكر، قال: قلت: إني أسألك عن طعام لا أدعه إلا تحرجًا، قال:"لا تدع شيئًا ضارعت فيه نصرانية"، قلت: أرسل كلبي فيأخذ الصيد، وليس معي ما أذكيه به فأذبحه بالمروة والعصا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أمر الدم بما شئت واذكر اسم الله عز وجل"، وعلق على الحديث شعيب الأرنؤوط: قوله: "إن أباك أراد أمرًا فأدركه" حسن، وقوله: "أمر الدم بما شئت

" صحيح، وهذا إسناد ضعيف لجهالة مري بن قطري.

(3)

جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري (2/ 244)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش، ط. دار الجيل ودار الفكر، ثانية (1988 م).

(4)

ينظر ارتشاف الضرب لأبي حيان (2/ 564)، شرح التسهيل لابن مالك (4/ 68).

(5)

قال أبو حيان: "وتغلب السببية في الفاء إذا عطف بها جملة أو صفة"، مثال ذلك {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ =

ص: 189

الاستشهاد فيه:

هو أن الأب قد استعمل فيه في الموضعين بحذف اللام معربًا بالحركات، فهذا لغة بعض العرب

(1)

، وعلى هذه اللغة يقال في التثنية: أبان، وفي الجمع أبون، ولكن أكثر الاستعمال فيه أن يكون بالحروف، وقد يقال: إن الأصل أبيه وأباه فحذفت الياء والألف للضرورة

(2)

.

‌الشاهد السابع عشر

(3)

،

(4)

17 / ظقه إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا

قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا

أقول: قائله هو أبو النجم، قاله الجوهري

(5)

، ويقال: هو رؤبة بن العجاج وليس في ديوانه، وأنشد الجوهري

(6)

:

1 -

وَاهًا لِرَيَّا ثُمَّ وَاهًا وَاهًا

هِيَ الْمُنَى لَوْ أَنّنَا نِلْنَاهَا

2 -

يَا لَيتَ عَينَاهَا لَنَا وَفَاهَا

بِثَمَنِ نرضي بِهِ أَبَاهَا

3 -

إِن أَباها وَأَبا أَباها

قد بلغا في المجد غايتاها

وأنشد أبو زيد في نوادره

(7)

عن المفضل الضبي

(8)

قال: أنشدني أبو الغول لبعض أهل اليمن:

= فَتَابَ عَلَيْهِ} (البقرة: 37،

إلى آخره). ارتشاف الضرب (2/ 636)، والمغني (1/ 164).

(1)

لسان العرب، مادة:"أبو".

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 46)، وابن يعيش (1/ 52)، توضيح المقاصد (1/ 73، 74).

(3)

ابن الناظم (12)، وتوضيح المقاصد (1/ 75)، وأوضح المسالك (1/ 33)، وشرح ابن عقيل (1/ 51) ط. دار الفكر.

(4)

البيت من بحر الرجز، نسب لأبي النجم العجلي، وهي في ديوانه على الموسوعة الشعرية (CD) نشر دولة الإمارات العربية المتحدة، ولرؤبة بن العجاج وليس في ديوانه "مجموع أشعار العرب"، وهي مذكورة في ديوانه على الموسوعة الشعرية، نشر دولة الإمارات العربية، المتحدة، وانظره في الصحاح مادة:"ووه"، وشرح شواهد المغني للسيوطي (128)، وانظره في الخزانة: الشاهد (26)، (58).

(5)

الصحاح مادة "ووه".

(6)

الصحاح مادة "ووه" وينظر شرح شواهد المغني (128).

(7)

انظر النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري (249، 457).

(8)

المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر الضبي، أبو العباس: راوية، علامة بالشعر والأدب وأيام العرب، انظر الأعلام للزركلي (7/ 280).

ص: 190

1 -

أَيُّ قَلُوص رَاكِبٍ تَرَاهَا

شالوا عَلَيهِنَّ فَشُلْ عَلاهَا

(1)

2 -

واشْدُدْ بِمَثْنَي حَقَبٍ حَقْوَاها

نَاجِيَة وَنَاجِيًا أَبَاهَا

3 -

إن أباها وأبا أباها

قد بلغا في المجد غايتاها

(2)

وهي من الرجز، وفيه الخبن والقطع، والخبن هو حذف الثاني الساكن، والقطع: حذف ساكن السبب ثم إسكان متحركه في الوتد

(3)

.

1 -

قوله: "واهًا" كلمة يقولها المتعجب، قال الجوهري: إذا تَعَجَبتَ مِنْ طِيبِ الشَّيءِ قلتَ: وَاهًا له ما أَطْيَبَهُ

(4)

، وكذلك في التفجع وواه أيضًا، قوله:"لريا"، ويروى لليلى، وكلاهما اسم المحبوبة، وريا في الأصل مؤنث الريان الذي هو ضد العطشان، تقول؛ رجل ريان وامرأة ريا، وأصله من رويَ يَرْوَى من باب علم يعلم، ريا أصله: رويا قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء.

فإن قلت: لم لا تقلب الياء في ريا واوًا؛ لأنهم يقلبون الياء واوًا في فعلى كما في: التقوى والثروى؟

قلت: إنما يفعلون ذلك في فعلى إذا كانت اسمًا كما في المثال المذكور، وإذا كانت صفة تركوها على أصلها، وقالوا: امرأة خزيا وريا، ولو كانت اسمًا. لقالوا: رَوَّى؛ لأنك كنت تبدل الألف واوًا موضع اللام، وتترك الواو التي هي عين الفعل على الأصل، والشاعر أخرجه على الصفة فلذلك قال: ريا، فافهم

(5)

.

3 -

قوله: "إن أباها"، أي إن أبا ريا المذكورة وَجَدَّها قد بلغا في المجد، وهو الكرم، ومنه المجيد وهو الكريم. يقال: مجد الرجل بضم الجيم فهو مجيد وماجد، قال ابن السكيت

(6)

: الشرف والمجد يكونان بالآباء، يقال رجل شريف ماجد إذا كان له آباء متقدمون في الشرف، قال: والحسب والكرم يكونان في الرجل نفسه، وإن لم يكن له آباء لهم شرف

(7)

، وهذا التفسير على ما ذكره الجوهري من أن قبل البيت: واهًا لريا ثم واهًا واهًا.

(1)

في الصحاح هي لغة بلحارث بن كعب. مادة: "علا".

(2)

ينظر شواهد المغني (128).

(3)

ينظر العروض الواضح (52).

(4)

الصحاح، مادة:"ووه".

(5)

ينظر الممتع في التصريف لابن عصفور (2/ 542) وما بعدها.

(6)

ابن السكيت يعقوب بن إسحاق، أبو يوسف، ابن السكيت: إمام في اللغة والأدب، أصله من خوزستان (بين البصرة وفارس) تعلم ببغداد. من كتبه:"إصلاح المنطق" عاش وتوفي ما بين (186 - 244 هـ = 802 - 858 م).

انظر الأعلام (8/ 195)

(7)

الصحاح، مادة:"حسب"، ينظر شرح شواهد المغني (129).

ص: 191

وأما على قول من قال: إنه في مدح قلوص كما ذكرنا يكون الضمير في قوله: "إن أباها" للقلوص أي: إن أبا القلوص المذكورة وأبا أباها قد بلغا في المجد؛ أي في شرف الأصالة غايتاها.

1 -

[قوله: "فشل علاها" أي عليها، قال سيبويه رحمه الله ألف "علا" منقلبة من الواو؛ لأنها تقلب مع الضمير ياء، تقول: عليك، وبعض العرب يتركها على حالها

(1)

، قال الراجز: أي قلوص راكب إلى قوله: "شالوا علاها" ويقال: هي لغة بلحارث بن كعب

(2)

ويقال: طاروا علاهن فطر علاها ومعناهما واحد. يقال: شال يشول إذا ارتفع الأمر، شل بالضم، ويعدى بالهمزة وبالباء فيقال: أشلته وشلتُ به

(3)

، والمفعول محذوف تقديره: شالوا علاهن بأرجلهم فشل علاها برجلك.

والمعنى: أن الركبان قد رفعوا أرجلهم على قلائصهم، فارفع أنت أيضًا رجليك على قلوصك، و "الحقب" بالتحريك؛ حبل يشد به الرحل إلى بطن البعير مما يلي ذيله كي لا يجتذ به التصدير.

2 -

قوله: "حقواها" أي: حقويها وهو تثنية حقو، وهو الخاصرة، ومشد الإزار، قوله:"ناجية" بالنون والجيم، قال الجوهري: والناجية والنجاة: الناقة السريعة تنجو بمن يركبها، والبعير ناج. قال الشاعر:

............................

ناجية وناجيا أباها

(4)

فإن قلت: (ناجية) منصوب بماذا؟

قلت: بمحذوف تقديره: أمدح ناجية، و "أباها" فاعل ناج، وجاء على لغة القصر، أو هو مبني على لغة النقص

(5)

، وحذفت النون للإضافة]

(6)

.

(1)

قال سيبويه: "هذا باب ما يتغير في الإضافة إلي الاسم إذا جعلته اسم رجل أو امرأة .. وأما ما يتغير فلدى وإلى وعلى إذا صرن أسماء لرجال أو لنساء: قلت هذا لداك وعلاك وهذا إلاك، وإنما قالوا لديك وعليك وإليك في غير التسمية ليفرقوا بينها وبين الأسماء المتمكنة

وحدثنا الخليل أن ناسًا من العرب يقولون: علاك ولداك وإلاك". الكتاب (3/ 412، 413)، وهذا هو الذي في الكتاب، وأما النص الذي ذكره العيني فلم نجده.

(2)

ابن يعيش (1/ 53).

(3)

الصحاح، مادة:"شول".

(4)

الصحاح، مادة:"ووه".

(5)

والنقص يعني حذف الألف والواو والياء، والأعراب بالحركات الظاهرة على الباء والخاء والميم من أب وأخ وحم وهذا قليل. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 46)، توضيح المقاصد (1/ 73، 74).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب) و (أ). وقد استعنت من قوله: "فشل علاها" إلى أول الإعراب في تصحيحه وإثباته بشرح الشواهد المطبوع على هامش الخزانة (1/ 136، 137).

ص: 192

الإعراب:

قوله: "لريا" اللام فيه متعلقة بمحذوف تقديره: أتعجب لها، قوله:"ثم واهًا" عطف على "واهًا" الأولى، وقوله:"واهًا" جميد لفظي، قوله:"وفاها" عطف على قوله: "عيناها" قوله: "بثمن" متعلق بقوله: "نُرضي" قوله: "أباها" كلام إضافي مفعول لنرضى، قوله:"إن أباها" إن حرف من الحروف المشبهة بالفعل وقوله: "أباها" اسمه، وقوله:"وأبا أباها" عطف عليه، قوله:"قد بلغا" خبره، قوله:"غايتاها"؛ في تقدير النصب على أنها مفعول بلغا، والضمير فيه رجع إلى رَيّا المذكورة فيما قبل البيت.

الاستشهاد فيه:

في موضعين: الأول: أنه استعمل الأب مقصورًا، وهو الذي أراده الشراح ها هنا

(1)

.

الثاني: فيه استعمال المثنى بالألف في حالة النصب وهو قوله: "غايتاها"، وكان القياس أن يقول: غايَتَيْها، فنسب الكسائي هذه اللغة إلى بلحارث وزبيد وخثعم وهمدان ونسبها أبو الخطاب

(2)

لكنانة، ونسبها بعضهم لبلعنبر، وبلجهيم وبطون من ربيعة

(3)

، وأنكره المبرد مطلقًا

(4)

، وهو مردود بنقل الأئمة أبي زيد وأبي الخطاب وأبي الحسن والكسائي ومما سمع من ذلك قوله: ضربت يداه، ويشهد لذلك ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه

(5)

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مما صنع أبو جهل"

(6)

، فانطلق ابن مسعود

(7)

فوجده قد ضربه ابنا عفراء

(8)

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 45).

(2)

عبد الحميد بن عبد المجيد أبو الخطاب الأخفش الأكبر، أستاذ سيبويه، لم تذكر وفاته. ينظر بغية الوعاة (2/ 74).

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 62) وابن يعيش (3/ 128، 129)، وروح المعاني (16/ 23)، والبحر المحيط (6/ 255).

(4)

ينظر المقتضب (2/ 153 - 155).

(5)

أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم البخاري الخزرجي الأنصاري أبو تمامة صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم وخادمه روى عنه (2286) حديث، آخر من مات بالبصرة من الصحابة (ت 93 هـ). ينظر الأعلام (2/ 24، 25).

(6)

شرح النووي على مسلم - (8/ 256) برقم (3358) - مروي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ينظر لنا ما صنع أبو جهل؟ فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برك قال فأخذ بلحيته فقال آنت أبو جهل؟ فقال: وهل فوق رجل قتلتموه أو قال قتله قومه؟ قال وقال أبو مجلز قال أبو جهل فلو غير أكار قتلني".

(7)

ابن مسعود: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي أبو عبد الرحمن له (848) حديثًا (ت 32 هـ). ينظر حلية الأولياء (1/ 124) والبيان والتبيين، تحقيق: هارون (2/ 56) والإصابة رقم (4955) والأعلام (4/ 137).

(8)

هي عفراء بنت مهاجر بن مالك من بني حنبة بن عبد، شاعرة (ت 50 هـ) الأعلام (4/ 238).

ص: 193

[حتى]

(1)

برد، فقال له: أنت أبا جهل؟ قال ابن علية:

(2)

قال سليم هكذا

(3)

.

قال أنس رضي الله عنه: وهو واضح، وهو مما روي بلفظه لا بمعناه

(4)

وهذا يؤيد ما روي عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه من قوله: "لا وَلَوْ رَمَاهُ بِأَبَا قُبَيْسٍ" حيث لم يقل بأبي قبيس، وأن هذه لغة صحيحة، وأنه ليس بخطأ؛ كما زعم بعض المتعصبين حتى لحنوا الإمام في ذلك بجهلهم وإفراطهم في تعصبهم، ومن شأن المسلم ومقتضى الإسلام أن لا يتكلم في حق إمام من هؤلاء الأئمة؛ ولا سيما الأئمة الأربعة؛ فإنهم من خواص الله تعالى وسرج دينه المتين.

‌الشاهد الثامن عشر

(5)

،

(6)

18 / ق .........................

يُصْبِحُ ظَمْآنَ وَفِي الْبَحْرِ فَمُهْ

أقول: قائله هو رؤبة بنُ العَجَّاج وهو من قصيدة طويلة مرجزة، وأوَّلُهَا قوله:

1 -

قلتُ لِزَيرٍ لم تَصْلهُ مريمه

هل تعرف الرَّبعَ المحيل أرسُمُه

2 -

عفت عوافيه وطال قدمه

بل بلدٍ ملءِ الفِجَاج قَتَمُهْ

3 -

لا يشترى كتانه وجَهْرَمُه

يجتاب ضحضاح السراب أَكَمُهُ

4 -

كالحوت لا يُرْويهِ شَيءٌ يَلهَمُهْ

يُصْبحُ ظَمْآنٌ وَفِي الْبَحْر فَمُهْ

5 -

من عطش لوّحه مُسْلَهْممُهْ

والدهر أخنى لا يزال ألمه

6 -

يثلم أركان الشداد ثلمه

أفنى قرونًا وهْوَ باق أزْلَمُهْ

7 -

بذاك باذت عاده وإرمه

.........................

1 -

قوله: "لزيرٍ" بكسر الزاي المعجمة؛ وهو الذي يكثر زيارة النساء وخلطتهن.

2 -

[قوله: "قتمه" أي: غباره]

(7)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

هو إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي، من رجال الحديث، مصري (ت 218 هـ). الأعلام (1/ 32).

(3)

هو سليم بن قيس الهلالي العامري الكوفي، كان من أصحاب الإمام علي بن أبي طالب، وعاش بالكوفة، وله كتاب السقيفة (ت 85 هـ). الأعلام (3/ 119).

(4)

الحديث في صحيح البخاري بشرح فتح الباري (7/ 293) حديث (3962).

(5)

توضيح المقاصد (1/ 80).

(6)

البيت من بحر الرجز التام لرؤبة بن العجاج، في ديوانه المسمى مجموع أشعار العرب (149)، والقصيدة كما قال العيني طويلة جدا تجاوزت المائتي بيت، والأبيات المختارة فيها غير متجاورة.

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 194

3 -

قوله: "كتانه" قال ابن يسعون

(1)

: الكتان هنا: السبائب، قلت: هو جمع سبيبة. قال الجوهري: السِّبُّ: شَقَّةُ كِتَّان رَقِيقَةٌ وكذلك السَّبيبَةُ

(2)

، قوله:"جهرمه" أصله جهرميته، أراد: الثياب الجهرمية، أي المنسوبة إلى جهرم قرية بفارس

(3)

، قال ابن يسعون: الجهرمية: بسط شعر تنسب إلى جهرم، وقال أبو حاتم

(4)

والزيادي

(5)

: الجهرم: البساط من الشعر، والجمع: الجهارم، قلت: فَعَلَى هذا ليس فيه نسب ولا تأويل حذف المضاف، وقال صاحب العين

(6)

: جعل الجهرم اسمًا بإخراج ياء النسب منه

(7)

، وأراد رؤبة بذلك السراب، وبذلك قال لا يشترى، قوله:"يجتاب" أي: يلبس، و"الضحضاح": ماء قريب القعر.

4 -

قوله: "يلهمه"؛ أي: يبتلعه من اللهَّام، فَعَّال من لهمت الشيء ألهمه إذا ابتلعته، ومنه سمي الجيش لهّامًا. قوله:"ظمآن" أي: عطشان، وكذلك وقع في بعض المواضع.

5 -

قوله: "مسْلهممه"، قال الجوهري: الْمُسْلَهِمُّ: المُتَغَيِّرُ في جِسْمِهِ وَلَوْنِهِ، وقد اسْلَهَمَّ لونُه اسْلِهْمَامًا، وَسِلْهِمُ حيٌّ من مذحج بكسر السين

(8)

. قوله: "أخنى" بالخاء المعجمة، يقال: أخنى عليه الدهر، أي: أتى عليه وأهلكه، ومعناه ها هنا: شديد، ويقال: معوج لا يستقيم.

6 -

قوله: "أزلمه" بالزاي المعجمة؛ وهو الدهر، قوله:"بادت" أي: أهلكت.

الإعراب:

قوله: "يصبح" فعل من الأفعال الناقصة، واسمه هو الضمير المستتر فيه، وخبره قوله:"ظمآن" ومُنِعَ "ظمآن" من الصرف للوصف، والألف والنون المزيدتين، قوله:"وفي البحر فمه" جمله اسمية وقعت حالًا.

(1)

هو يوسف بن يبقى بن يوسف بن مسعود بن عبد الرحمن بن يسعون، لغوي (ت 542 هـ). الأعلام (8/ 256، 257).

(2)

الصحاح، مادة:"سبب".

(3)

معجم البلدان (2/ 225).

(4)

هو سهيل بن محمد بن عثمان بن القاسم أبو حاتم السجستاني، صنَّف: إعراب القرآن ولحن العامة وغيرهما (ت 254 هـ) بغية الوعاة (1/ 606)

(5)

إبراهيم بن سفيان بن سليمان بن أبي بكر أبو إسحاق الزيادي، له: النقط والشكل والأمثال وغيرهما (ت 249 هـ). بغية الوعاة (1/ 414)

(6)

معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 هـ).

(7)

معجم العين، مادة:"جهرم".

(8)

الصحاح، مادة:"سلهم".

ص: 195

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فَمُه" حيث أثبت الشاعر الميم فيه حالة الإضافة، وليس ذلك للضرورة خلافًا لأبي علي رحمه الله

(1)

.

‌الشاهد التاسع عشر

(2)

،

(3)

19 / هـ طَال لَيْلِي وَبِتُّ بالْمَجْنُونِ

واعْتَرَتْني الهَمُومُ بالْمَاطرونِ

أقول: قائله هو أبو دهبل الخزاعي، واسمه: وهب بن وهب بن زمعة بن أسيد -بكسر الهمزة- بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي الشاعر المجيد المحسن المداح. وهو من قصيدة نونية، وأولها هو قوله:

1 -

طال ليلي وبت بالمجنون

..............................

وبعده

(4)

:

2 -

صاحِ حيَّا الإلهُ حيًّا ودورا

عند أصْلِ القَنَاة من جَيْرُونِ

3 -

عن يساري إذا دخلتُ إلى الدَّا

رِ وَإنْ كنت خارجًا فَيَمينِي

4 -

فلتلك اغْتَربْتُ بالشَّام حتى

ظَنَّ أَهلي مُرجّمَات الظُنُونِ

5 -

وَهيَ زَهراءُ مِثلُ لُؤلُؤَةِ الغَوّ

اصِ ميزَت من جَوهَر مَكنونِ

6 -

وإذا ما نَسَبتَها لم تَجدْهَا

في سَناءٍ من المكارِم دُونِ

7 -

تجعل المسك واليلنجوحَ والنَّـ

ـدَّ صَلاءً لها على الكانُونِ

8 -

ثم خَاصَرْتُها إلى القُبَّةِ الخضـ

ـراء تمشي في مَرْمَرٍ مَسْنُونِ

9 -

قبةٌ من مراجل ضربتْها

عند حَدّ الشتاء في قَيْطُون

10 -

ثم فَارَقْتُهَا على خير ما كا

ن قرينٌ مفارقًا لقرين

(1)

ينظر رأي أبي علي في البصريات (893) وتوضيح المقاصد (1/ 80)، شرح التسهيل لابن مالك (1/ 49). ويرد على أبي علي قوله صلى الله عليه وسلم:"لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" البخاري بفتح الباري (4/ 103) حيث ورد في النثر فلم يحتج إلى ضرورة، وإن أضيف ها هنا إلى الظاهر فقد أضيف في البيت إلى المضمر.

(2)

أوضح المسالك (1/ 37).

(3)

البيت من بحر الخفيف لأبي دهبل الخزاعي من قصيدة ذكر منها الشاعر: اثني عشر بيتًا، والشاهد في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 85)، وهو في كتب النحو:"وبت كالمجنون" وفي نسخ المقاصد النحوية: "وبت بالمجنون".

(4)

انظر الأبيات في خزانة الأدب للبغدادي (7/ 314)، هارون، وفي الموسوعة الشعرية وعددها خمسة عشر بيتًا.

ص: 196

11 -

فَبَكَتْ خَشْيَةَ التَّفَرُّقِ للبَيْـ

ــــنِ بكاءَ الحزِينِ إثر الحزين

12 -

ليت شِعْرِي أَمِنْ هَوًى طَارَ نَوْمِي

أم بَرَانِي رَبِّي قَصِيرَ الجُفُونِ

وسبب ذلك: أن أبا دهبل شبب بعاتكة بنت معاوية حين حجت، ورجع معها إلى الشام فمرض بها وقال ذلك.

ويقال: إن يزيد

(1)

قال لأبيه معاوية: إن أبا دهبل ذكر رملة ابنتك فاقتله، فقال: أي شيء قال: قال:

وهي زهراء مثل لؤلؤة الغوّ

اص ميزت من جوهر مكنون

قال معاوية: رضي الله عنه[أحسن، قال]

(2)

فقد قال:

وإذا ما نسبتها لم تجدها

في سناء من المكارم دوني

قال: صدق، فقد قال:

ثم خاصرتها إلى القبة الخضـ

ــــراء تمشي في مرمر مسنون

فقال معاوية: كذب.

وقال ثعلب

(3)

: حدثنا الزبير

(4)

قال: حدثني مصعب

(5)

قال: حدثني إبراهيم بن أبي عبد الله

(6)

قال: خرج أبو دهبل يريد الغزو، وكان رجلًا صالحًا جميلًا، فلما كان بجيرون جاءته امرأة فأعطه كتابًا فقالت: اقرأ لي هذا الكتاب فقرأه لها، ثم ذهبت فدخلت قصرًا ثم خرجت إليه فقالت: لو تبلغت معي إلى هذا القصر، فقرأت الكتاب على امرأة فيه كان لك في ذلك أجر - إن شاء اللَّه تعالى؛ فإنه أتاها من غائب يَعْنِيهَا أمْرهُ، فبلغ معها القصر، فلما دخله فإذا فيه

(1)

هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي، نشأ يدمشق وولي الخلافة بعد أبيه (60 هـ)(ت 64 هـ). الأعلام (8/ 189).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

أحمد بن يحيى بن يسار، إمام الكوفيين في النحو واللغة وصاحب المجالس، ولد سنة (200 هـ). انظر بغية الوعاة (1/ 396).

(4)

هو الزبير بن العوام بن خويلد القرشي الصحابي، أحد العشرة المبشرة بالجنة، شهد بدرًا وغيرها (ت 36 هـ). الأعلام (3/ 43).

(5)

هو مصعب بن الزبير بن العوام بن خويلد القرشي، أحد الأبطال في صدر الإسلام (ت 71 هـ). الأعلام (7/ 247، 248).

(6)

هو إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب أحد الشجعان، وكان شاعرًا عالمًا بأخبار العرب (ت 145 هـ). الأعلام (1/ 48).

ص: 197

جوارٍ كثيرة فأغلقن عليه القصْر، وإذا امرأة وضيئة دعته إلى نفسه فأبى فحبس وضيق عليه حتى كاد يموت، ثم دعته إلى نفسها، فقال: أما الحرام فو الله لا يكون ذلك، ولكن أتزوجك فتزوجته، وأقام معها زمانًا طويلًا لا يخرج من القصر حتى يئس منه، وتزوج بنوه وبناته واقتسموا ماله، وأقامت زوجته تبكي عليه حَتَّى عَمِيَت

(1)

ثم إن أبا دهبل قال لامرأته: إنك قد أثمت فِيَّ وفي أهلي وولدي فأذَنِي لي في المسير

(2)

إليهم وأعود إليك، فأخَذَتْ عليه العهود أن لا يقيم إلا سنة، فخرج من عندها وقد أعطته مالًا كثيرًا حتى قدم على أهله فرأى حال زوجته وما صارت إليه من الضر، فقال لأولاده: أنتم قد ورثتموني وأنا حَيُّ وهو حظكم، والله لا يشرك زوجتي فيما قَدِمْتُ به أحد، فتَسَلَّمَتْ جميع ما أتى به، ثم إنه اشتاق إلى زوجته الشامية وأراد الخروج إليها فبلغَه موتُها، فأقام وقال:

طال ليلي وبت كالمجنون

.......................... إلخ

ويقال هذه القصيدة لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنهما وذهب إليه الجوهري وغيره

(3)

، وقال ابن بَرِّي: والصحيح أنها لأبي دهبل الجمحي، والدليل عليه الحكاية المذكورة

(4)

.

وهي من الخفيف وهو من الدائرة الرابعة المسماة بالمشتبه وهي تشتمل على السريع والمنسرح والخفيف والمضارع والمقتضب والمجتث

(5)

، وأصله في الدائرة فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن مرتين، وفيه الخبن والتشعيث [فالخبن في قوله "وبت بال" والتشعيث]

(6)

فإنه مفعولن وهو مشعث، وهو إسقاط أحد متحركي الوتد فيصير: فاعاتن

(7)

، أو فالاتن، فيرد إلى مفعولن.

2 -

قوله: "صاح" أصله يا صاحبي، و "جيرون"[بفتح الجيم]

(8)

وسكون الياء آخر الحروف، وقال الجوهري: الجيرون: باب من أبواب دمشق

(9)

.

(1)

في نسخة الخزانة: عميت.

(2)

في (ب): في المصير. وقد صححته لمسايرة الأسلوب.

(3)

لم نعثر عليه في الصحاح، وانظره في خزانة الأدب (7/ 317).

(4)

اللسان مادة: (جمع).

(5)

ينظر أهدى سبيل إلى علمي الخليل (العروض والقافية) لمحمود مصطفى (114) ط مصطفى الحلبي (1936 م).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب) وصححته من نسخة الخزانة (1/ 145)، والتشعيث هو حذف أول أو ثاني الوتد المجموع. ينظر العروض الواضح (52).

(7)

في (ب): فاعتن.

(8)

سقط في (ب): وصحح من نسخة الخزانة (1/ 145).

(9)

الصحاح، مادة:"جرن".

ص: 198

4 -

قوله: "مرجمات الظنون" من الترجيم، والرجم أن يتكلم الرجل بالظن. قال الله تعالى:{رَجْمًا بِالْغَيْبِ} [الكهف: 22]، قال الجوهري: ومنه الحَدِيثُ المُرَجَّمُ بالتشديد

(1)

.

7 -

قوله: "اليلنجوج" بفتح الياء آخر الحروف واللام وسكون النون وبجيمين بينهما واو ساكنة؛ وهو عود يُتَّبَخّرُ به، وكذلك: يلنجج وألنجج وهو يَفَنْعِل وأفَنْعَل، و "النَّدَّ" بفتح النون وتشديد الدال المهملة، وهو نوع من الطيب وليس بعربي، قوله:"صِلاء" بكسر الصاد وبالمد؛ صلاء النار.

8 -

قوله: "ثم خَاصَرْتُها" من خاصَر الرجلُ صاحَبه إذا أخذ بِيَدِه في المشي، ومادته: خاء معجمة وصاد مهملة. [وراء مهملة]

(2)

، قوله:"مسنون" أي: أملس.

9 -

و: "المراجل" جمع مرجل وهو القدر النحاس.

1 -

قوله: "بالمجنون" ويروى: كالمجنون، ويروى: كالمحزون، فالأولان من الجِنَّة وهو الجنون والمعنى: بت بالجِنة، ويجيء المصدر على وزن مفعول، كما في قوله تعالى:{بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم: 6] أي الفتنة، والثالث من الحزن وهو الهم.

قوله: "واعترتني" من عراه هذا الأمر إذا غَشِيَه، قوله:"بالماطِرُون" بالميم والطاء المهملة وضم الراء، وهو اسم موضع، وقال أبو الحسن القفطي

(3)

: الماطرون: بستان بظاهر دمشق، وقال الجوهري: الناطرون موضع بناحية الشام، وذكره بالنون موضع الميم

(4)

، وفي شرح كتاب سيبويه: الماطرون بالميم وطاء مفتوحة، والمشهور أن الماطرون بالميم وكسر الطاء

(5)

.

(1)

الصحاح، مادة "رجم"، وفتح الباري لابن حجر (10/ 266)، باب {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} ، قال عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة في قوله:{رَجْمًا بِالْغَيْبِ} قال: "قذفا بالظن، وقال أبو عبيده في قوله:{رَجْمًا بِالْغَيْبِ} قال: الرجم ما لم يستيقنه من الظن، قال الشاعر:

وَمَا الْحَرْب إلا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقتُمْ

وَمَا هُوَ عَنْهَا بالْحَدِيثِ الْمُرَجَّم

(2)

قال صاحب الخزانة: "المراجل جمع مرجل، وهو ضرب من برود اليمن، وأخطأ العيني في قوله: القدر من النحاس إذ لا مناسبة له هنا".

(3)

هو علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني، مؤرخ من الكتاب، ولد بصعيد مصر (568 هـ، وت 646 هـ). الأعلام (5/ 33).

(4)

الصحاح، مادة:"مطر".

(5)

قال الجوهري: "المُصَنِّف مسبوقٌ في ذلك، فقد صحَّحَ الأَزْهَرِيّ أن الموضِع بالميم دون النون. قال الجَوْهَرِيُّ: والقول في إعرابه كالقول في نَصِيبين، ويُنشد هذا البيتُ بكسْرِ النون:

ولها بالنَّاطِرونِ إذا

أَكَلَ النَّمْلُ الذي جَمَعَا

ومِمّا يُسْتَدْرَك عليه: رؤوس النَّواطير: إحدى منازلِ حاجّ مصرَ، بينها وبين عَقَبَةِ أَيْلَةَ".

ص: 199

الإعراب:

قوله: "طال" فعل ماض و "لَيْلِي" كلام إضافي فاعله، قوله:"وَبِتُّ بالمجنون" جملة وقعت حالًا، وقد عُلِمَ أن الحال إذا كانت مصدرة بفعل ماضٍ فهي على سبعة أضرب منها: أن تكون مقرونة بالواو، وحدها كما في قوله تعالى:{الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا} [آل عمران: 168] وقوله: "وبت بالمجنون" من هذا القبيل

(1)

.

قوله: "واعترتني الهموم" جملة من الفعل والمفعول والفاعل، وهو الهموم، وهي معطوفة على الجملة الأولى. قوله:"بالماطرون" متعلق بقوله: "واعترتني" والباء فيها ظرفية أي: فيها.

الاستشهاد فيه:

قوله: [بالماطرون فإنه]

(2)

جمع مسمًّى به، وفي الجمع المسمى به أربعة أوجه

(3)

: وجهان فصيحان ووجهان ضعيفان، وأفصح الفصيحين الحكاية؛ كما في قوله تعالى:{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} [المطففين: 19، 18].

والثاني من الفصيحين: التزام الياء وإعرابه بالحركات؛ كما في قوله تعالى: {وَلَا طَعَامٌ إلا مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة: 36].

وأضعف الضعيفين: التزام الواو وفتح النون على حكاية حالي الرفع التي هي أشرف أحوال الاسم، وعلى ذلك قولهم: علي بن أبو طالب ومعاوية بن أبو سفيان، وقراءة بعضهم:(تبت يدا أبو لهب)

(4)

، وقوله:"بالماطرون".

وأسهلهما: التزام الواو والإعراب بالحركات تشبيهًا لها بالزيتون ونحوه من الأسماء المفردة التي آخرها واو ونون.

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 361) وتوضيح المقاصد (2/ 169) وما بعدها، ومن تلك المواضع التي يقع فيها الماضي حالًا غير ما ذكر: أن يكون الماضي تاليًا لـ"إلا" نحو: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلا كَانُوا} ومثلوا بـ"أو" نحو: "اجتهدت أو رسبت" ومنها اقترانه بقد ظاهرة أو مقدرة.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 85) وما بعدها، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 37) وما بعدها.

(4)

ينظر أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي وحاشية الشهاب الخفاجي (9/ 590) ضبط الشيخ عبد الرازق مهدي، نشر: محمد علي بيضون، ط. دار الكتب العلمية، أولى (1997 م).

ص: 200

‌الشاهد العشرون

(1)

،

(2)

وَلَهَا بِالْمَاطِرُون إذا

أكلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَعَا

أقول: قائله هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، صخر بن حرب بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأُمَويّ، وهو من قصيدة عَينيَّةٍ يتغزل بها يزيد بن معاوية في نصرانية كانت قد ترهبت في "دير خَراب" عند الماطرون، وهو بُستَانٌ بظاهر دمشق، ويسمى اليوم (المنطور)، وأولها

(3)

:

1 -

آَبَ هَذَا اللَّيلُ فَاكْتَنَعَا

وَأُمِرَّ النومُ فَامْتَنَعَا

2 -

رَاعِيًا للنَّجْم أَرقُبُهُ

فإذا ما كوكبٌ طَلَعَا

3 -

حَال حَتَّى إنَّنِي لأَرَى

أَنَّهُ بالفَوْر قَدْ رَجَعَا

4 -

وَلَهَا بِالْمَاطِرُون إذا

أكلَ النَّملُ الَّذِي جَمَعَا

5 -

خُرفةٌ حِتَى إذا ارتبَعْتْ

سكنت من جِلَّق بِيَعا

6 -

في قِبَاب حَوْلَ دَسْكِرة

حَوْلَهَا الزيتونُ قَدْ يَنَعَا

وهو من الرمل، وهو من الدائرة الثالثة المسماة بدائرة المجتلب، وهي تشتمل على الهزج والرمل والرجز

(4)

، وأصله في الدائرة "فاعلاتن" ست مرات، وفيه الخبن والحذف فإن قوله:"ولها بال" فعلاتن مخبون، وقوله:"ماطرو" فاعلن محذوف؛ وقوله: "ن إذا" فعلن مخبون محذوف وكذا الشطر الثَّاني.

1 -

قوله: "آب" أي: رجع، قوله:"فاكتنعا" أي: قرب؛ من كنع الأمر إذا قرب، ومادته كاف ونون وعين مهملة.

5 -

وقوله: "خرفة" قال الخطابي

(5)

: الخرفة تقع على كل ما يُجْتَنَى من النبات والثمار

(1)

لم نعثر عليه في أوضح المسالك، باب المعرب والمبني.

(2)

البيت من بحر المديد ليزيد بن معاوية القرشي، في الموسوعة الشعرية من مقطوعة عدتها ستة أبيات، وفيها ألفاظ كثيرة مغيرة عما ذكره العيني.

(3)

وانظر الأبيات المذكورة في خزانة الأدب (7/ 312).

(4)

أهدى سبيل إلى علمي الخليل (العروض والقافية)(114)، وقول العيني: إن القصيدة من بحر الرمل خطأ إذ القصيدة من بحر المديد.

(5)

الخطابي هو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب، فقيه محدث له مؤلفات عديدة (ت 388 هـ). الأعلام (2/ 273).

ص: 201

وغيرها، وقال ابن القوطية

(1)

: الرّواية هي: الخلفة باللام وهو ما يطلع من الثمر بعد الثمر الطيب والخرفة: ما يخترف من الثمر؛ أي: يجتنى، قوله:"ارتبعت" من ارتبع البعير إذا أكل الرَّبيع، وارتبعنا في موضع كذا؛ أي أقمنا به في الربيع، قوله:"من جلق" بكسر الجيم وتشديد اللام وفي آخره قاف؛ وهو موضع بالشام، وسوق الجلق بدمشق مشهور، قوله:"بيعا" بكسر الباء الموحدة وفتح الياء آخر الحروف، وهو جمع بيعة. قال الجوهري: البيعة بالكسر للنصارى، قلت: البيعة لليهود، والكنيسة للنصارى

(2)

.

6 -

قوله: "في قباب" بكسر القاف؛ جمع قبة، و "الدَّسكرة" بفتح الدال؛ بناء على هيئة القصر فيه منازل وبيوت للخدم والحشم، وليست بعربية محضة، قوله:"ينعا" بفتح الياء آخر الحروف ثم النون من: ينع الثمر يينع من باب: ضرب يضرب ينعًا ويُنعا وينوعًا إذا نضج وكذلك أينع.

الإعراب:

قوله: "ولها" الضمير يرجع إلى النصرانية التي يتغَزَّل بها الشاعر، وهو في محل الرفع على أنَّه خبر مبتدأ مذكور في البيت الذي يليه، وهو قوله:"خرفة".

قوله: "بالماطرون"؛ أي: في الماطرون، والباء ظرفية ومحلها الرفع؛ لأنها صفة لخرفة، والتقدير: خرفة كائنة بالماطرون لها

(3)

، قوله:"إذا" للوقت، والتقديرُ: لها خرفة وقت أكل النمل الذي جمعه، وأراد به أيَّام الشتاء؛ فإن النمل يخزن ما يجمعه تحت الأرض ليأكله أيَّام الشتاء لأنها لا تخرج أيَّام الشتاء على وجه الأرض.

قوله: "النَّمل" فاعل أكل، و "الذي" موصول و "جمعا" صلته، والموصوف والعائد محذوفان، تقديره: الشيء الذي جمعه، والألف للإطلاق.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بالماطرون" حيث نزل منزلة الزيتون في إلزامه الواو وإعرابه بالحروف، وقد مر

(1)

ابن القوطية: أبو بكر بن القوطية تلميذ القاضي، وألف كتاب الأفعال (ت 367 هـ). ينظر المدارس النحوية (291) ووفيات الأعيان (1/ 512) وإنباء الرواة (3/ 178).

(2)

الصحاح، مادة:"بيع".

(3)

قال صاحب الخزانة (7/ 313) معلقًا على قول العيني: بالماطرون صفة لخرفة، وهذا مخالف لقولهم: إن صفة النكرة إذا تقدمت صارت حالًا منه.

ص: 202

تحقيق الكلام فيه في البيت السابق

(1)

.

‌الشاهد الحادي والعشرون

(2)

،

(3)

........................

خَالطَ مِنْ سَلْمَى خَيَاشِيمَ وَفَا

أقول: قائله هو العجاج والدُ رُؤبة، وهو من قصيدته المرجوزة الطويلة التي ذكرنا عدة أبيات عند قوله

(4)

:

1 -

مِن طَلَل أمَسَى يُحَاكِي المُصْحَفَا

رُسُومَه والمذهب المزخرفا

إلى أن قال:

2 -

فعمها حولين ثم استودفا

صهباء خرطومًا عقارًا قرقفَا

3 -

فشن في الإبريق منها نُزَفا

من رصف نازع سيلًا رصفا

4 -

حتَّى تناهى في صهاريج الصفا

.......................

قوله: "خالط" من المخالطة، و "سلمى" اسم امرأة، و "الخياشيم" جمع خيشوم وهو الأنف، قوله:"وفا" أي: وفمها، يصف الراجز عذوبة ريقها؛ كأنه عقار خالط خياشيمها وفاها، وأصل الفم فوه؛ لقولك في الجمع أفواه، فحذفت منه الهاء وأبدل من الواو ميم ليصح تحريكها في الإعراب، فإذا أضفته رددته إلى الأصل فقلت: أفوه وفاه وفيه، ولا يستعمل هكذا إلَّا مضافًا

(5)

وأمَّا قول العجاج: "وفا" بدون الإضافة فإنَّه حذف المضاف إليه للعلم به

(6)

.

وقال أبو علي في التذكرة: الألف في "فا" عين الفعل وليست بدلًا من التنوين

(7)

، وفي شرح كتاب سيبويه: حكم ألف "فا" أن تكون بدلًا من التنوين، والمنقلبة من العين سقطت لالتقاء الساكنين؛ لأنَّه الساكن الأول، وبقي الاسم على حرف واحد وجاز هذا في الشعر للضرورة.

(1)

ينظر الشاهد رقم (19).

(2)

أوضح المسالك (1/ 28).

(3)

البيت من بحر الرجز لرؤبة بن الحجاج، وانظر البيت في التصريح (1/ 62) وهمع الهوامع (1/ 40) والمقتضب (1/ 240) وابن يعيش (6/ 89) وحاشية يس (1/ 125).

(4)

ينظر الشاهد رقم (3).

(5)

قال سيبويه: "هذا باب ما يتغير في الإضافة إلى الاسم إذا جعلته اسم رجل أو امرأة وما لا يتغير إذا كان اسم رجل أو امرأة ..... فأما فمٌ اسم رجل فإنَّك إذا أضفته قلت: فمُك وكذلك إضافة فم، والذين قالوا: فوك لم حذفوا الميم ليردوا الواو، ففوك لم يغير فمٌ في الإضافة وإنَّما فوك بمنزلة قولك: ذو مال". الكتاب (3/ 412).

(6)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 50).

(7)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 49، 50).

ص: 203

الإعراب:

قوله: "خالط": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر الذي يرجع إلى العقار، وقوله:"خياشيم": مفعوله، وقوله:"وفا" عطف عليه، والتقديرُ: خياشيمها وفاها، وقوله:"من سلمى": بيان لصاحب الخياشيم والفم.

الاستشهاد فيه:

أن أصل "فا" فاها؛ أي: فمها كما ذكرنا وقال محمد بن يزيد: كثير من النَّاس نسبوا العجاج فيه إلى اللحن، وهو ليس عندي بِلاحِنٍ؛ لأنَّه حيث اضطر أتى به في قافية لا يلحقه تنوين، ومن كان سرى تنوين القوافي لم ينون هذا

(1)

، وقال شارح الكتاب: القول فيه أنَّه أجراه في الإفراد مجراه في الإضافة للضرورة.

‌الشاهد الثاني والعشرون

(2)

،

(3)

والله أسماكِ سُمًا مُبَارَكًا

آثَرَك الله بهِ إيثاركا

أقول: قائله أبو خالد القناني

(4)

الراجز، والقناني بالقاف والنون نسبة إلى قنان بن سلمة، وهو في مذحج من قولهم: قن في الجبل إذا صار في قَنَّتِهِ.

وهو من الرجز المسدس وفيه الطي والخبن.

قوله: "أسماك" بمعنى سماك، ويروى: والله سَمَّاك، قوله:"سُمًا" بضم السِّين على وزن هُدًى.

قوله: "آثرك الله"؛ أي: اختصك الله به؛ أي: بالاسم المبارك. قال ابن جني في شرح إصلاح المنطق

(5)

قوله: "آثرك الله إيثارك"؛ أي: آثرك بالتسمية الفاضلة كما آثرك بالفضل وقيل: إيثارك للمعالي وللذكر الحسن.

(1)

قال المبرد: "فأمَّا فوك فإنَّما حذفوا لامه لموضع الإضافة، ثم أبدلوا منها في الإفراد الميم لقرب المخرجين، فقالوا: فم؛ كما ترى لا يكون في الأفراد غيره، وقد لحَّن كثير من النَّاس العجاج في قوله: "

البيت" وليس عندي بلاحنٍ؛ لأنَّه حيث اضطر أتى له في قافية لا يحق معها التنوين في مذهبه". ينظر المقتضب (1/ 240).

(2)

أوضح المسالك (1/ 25).

(3)

البيت من بحر الرجز قائله أبو خالد القناني، ولم يترجم له العيني، وهو من شواهد التصريح (1/ 54)، والإنصاف (15).

(4)

شاعر إسلامي معاصر لقطري بن الفجاءة المتوفى (78 هـ).

(5)

إصلاح المنطق (1/ 134) ويقال: اسم واسم، وسم وسصم، قال: وأنشدني القناني:

الله أسماك سمًا مباركًا

آثرك الله به إيثاركا

ص: 204

الإعراب:

قوله: "والله" مبتدأ، و "أسماك" جملة من الفعل والفاعل والمفعول خبره، قوله:"سمًا" مفعول ثانٍ لأسماك، و "مباركًا" صفته، قوله:"آثرك الله" جملة من الفعل والفاعل والمفعول وبه يتعلق بآثرك، والضمير يرجع إلى "سما".

قوله: "إيثاركا" نصب بنزع الخافض؛ أي: كإيثاركا، والمصدر مضاف إلى مفعوله، وطوي ذكر الفاعل، والتقدير: آثرك الله بالاسم المبارك كإيثاره إياك.

فإن قيل: "آثرك الله" ما وجه ارتباطها بما قبلها؟

قلت: هي جملة كاشفة معنى المبارك، فلذلك تكون كالصفة، ولهذا ترك العاطف.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "سمًا" فإنَّه استشهد به من يحكي اللغة الخامسة في الاسم، وذلك لأنهم نقلوا خمس لغات: اسم -بكسر الهمزة وهو أشهرها، واسم بضمها، وسِمٌ بكسر السِّين، وسُم بضمها، واللغة الخامسة هي: سُمًى على وزن هدًى

(1)

، حكاها من يستشهد بالبيت المذكور

(2)

، ولكن لا يتم به دعواه؛ لاحتمال أن يكون هذا على لغة من قال:"سُم" بضم السِّين ثم نصبه مفعولًا ثانيًا لأسماك كما قلنا

(3)

.

وفي شرح كتاب سيبويه أنَّه قد يكون (سمًا) في البيت غير المقصود سيكون ألفه ألف التنوين بدليل رواية: سِمًا فيه بالكسر.

‌الشاهد الثالث والعشرون

(4)

،

(5)

وَكَانَ لَنَا أبو حَسَنٍ عَلِيٌّ

أبًا برًّا ونحنُ لَهُ بنينُ

أقول: قائله هو أحد أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(1)

ينظر اللسان مادة (سما).

(2)

الضمير يعود على ابن هشام وغيره ممن يستشهدون بهذا البيت.

(3)

وفي (الاسم) ثمان عشرة لغة جمعها الدنوشري في قوله:

سُمِاء سِمٌ واسمٌ سماةٌ كذا سُمًا

وزد سمة واثلث أوائلَ كلِّها

حاشية الشيخ يس على التصريح:

(4)

لم يرد البيت في شرح ابن الناظم، وهو في أوضح المسالك (1/ 29).

(5)

البيت من بحر الوافر المقطوف العروض والضرب، وقد نسب لأحد أبناء علي بن أبي طالب.

ص: 205

وهو من الوافر، وعروضه وضربه مقطوفان وأراد بأبي الحسن علي بن أبي طالب

رضي الله تعالى عنه.

الإعراب:

و"كان" من الأفعال الناقصة، و "أبو حسن" اسمه، و "أبًا" خبره، وقوله:"لنا" نعت لـ (أبًا) فلما تقدم عليه صار حالًا و "برًّا" صفة لـ (أبًا)، وقوله:"علي" عطف بيان وهو من عطف الاسم على الكنية؛ كقوله: أبو حفص عمر.

قوله: "ونحن" مبتدأ، وقوله "بنين" خبره، والمعنى: بنين أبرار، فحذف الصفة لفهم المعنى، ولولا هذا لم يكن له فائدة؛ لأنَّه معلوم من الأول.

قوله: "له" في محل الرفع صفة لبنين، والتقديرُ: ونحن بنون كائنون له؛ أي لأبي الحسن.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بنين" حيث أجراه الشاعر مجرى غسلين، فأجرى الإعراب على النون حيث رفعها؛ لأنها خبر عن قوله ونحن، والقياس: له بنون

(1)

.

‌الشاهد الرابع والعشرون

(2)

،

(3)

كِلاهُمَا حِينَ جَدَّ الْجَريُ بَينَهُمَا

قَدْ أَقْلَعَا وكِلا أَنْفَيهمَا رَابِي

أقول: قائله هو الفرزدق، وقد ترجمناه فيما مضى، وبعده

(4)

:

2 -

مَا بَالُ لَوْمَكَهَا إِذْ جِئْتَ تَعْتُلها

حين اقتحمتَ بها أُسْكفَّة البَابِ

وهما من البسيط وقافيته من المتواتر

(5)

، وقد دخله الخبن والقطع.

قوله: "كلاهما" يعني: كلا الفرسين، قوله:"حين جد الجري"؛ أي: حين اشتد الجري وقوي لين الفرسين المذكورتين وهذا من الإسناد المجازي

(6)

، وأصله: جدًّا في الجري؛ أي: اجتهدا فيه.

(1)

قال ابن مالك: "وقد يجعل إعراب المعتل اللام في النون منونة غالبًا ولا تسقطها الإضافة ويلزمه النون". ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 85).

(2)

ابن الناظم (14)، وتوضيح المقاصد (1/ 84).

(3)

البيت من بحر البسيط، نسب للفرزدق غير أنَّه ليس في ديوانه، شرح: علي فاعور، وانظر شرح شواهد المغني (552).

(4)

غير موجود في دورانه بشرح علي فاعور.

(5)

قافية المتواتر عبارة عن محرك بين ساكنين. ينظر الوافي للتبريزي (198).

(6)

الإسناد المجازي هو ما يكون إلى سبب الفعل، أو زمانه، أو مكانه، أو مصدره، أو بإسناد المبني للفاعل إلى المفعول، =

ص: 206

قوله: "قد أقلعا" أي قد كفا عنه، يقال: أقلع عن كذا إذا كف عنه وامتنع، قوله:"رابي" اسم فاعل من ربا يربو ربوًا وهو النَّفَسُ العالي، يقال: ربا إذا أخذه الربو، وَرَبا الْفَرَسُ إذا انتفخ من عدو أو فزع، قال بشر بن أبي حازم

(1)

:

كَأَنَّ حَفِيفَ منْخَرِه إِذَا مَا

كَتَمنَ الرَّبْوَ كِيرٌ مُستَعار

(2)

وهو من الوافر، والربو في الأصل الزيادة، ومنه: الربا لأن فيه فضلًا، وقال الفراء في قوله تعالى:{فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً} [الحاقة: 10] أي: زائدة

(3)

.

قوله: "تعتلها" من عَتَلَهُ إذا حمله حملًا عَنِيفًا، وقال ابن دريد: إذا جَذَبَهُ جَذْبًا عَنِيفًا

(4)

، وقال صاحب العين: إذا أخذ بتلبيبه فجرَّ وذهب به

(5)

، ومنه قوله تعالى:{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} [الدخان: 47].

قوله: "اقْتَحَمتَ بِهَا" من اقْتَحَمَ المنْزِلَ إِذَا هَجَمَهُ، و "أُسكفَّة" بضم الهمزة وتشديد الفاء؛ العتبة السفلى.

الإعراب:

قوله: "كلاهما" مبتدأ، وخبره قوله:"قد أقلعا" وهو العامل في قوله: حين جد الجري، و "الجري" بمعنى الجريان يجوز أن يكون مرفوعًا بقوله:"جد" الذي هو فعل ماض من جد يَجُد من باب نصر ينصر، ويجوز أن يكون مجرورًا بالإضافة على أن يكون الجد مصدرًا، والعامل [في]

(6)

بينهما هو قوله: "جَدَّ" في الحالتين.

قوله: "وكلا أنفيهما" كلام إضافي مبتدأ، وقوله:"رابي" خبره، والجملة حالية.

= أو المبني للمفعول إلى الفاعل. ينظر علم البيان د / عبد العزيز عتيق (147) ط. دار النهضة العربية.

(1)

هو بشر بن أبي حازم بن عمرو بن عوف شاعر جاهلي فحل، توفي قتيلًا نحو (22 ق. هـ). الأعلام (2/ 54).

(2)

البيت المذكور من بحر الوافر، وهو في اللسان مادة:(ربا).

اللغة: الحفيف: سماع الصوت، الكبير: جهاز من جلد أو نحوه يستخدمه الحداد وغيره للنفخ في النَّار لإشعالها، والبيت لم يجئ لشاهد نحوي إنَّما جاء لبيان معنى قوله:(رابي) وهو بمعنى النَّفس العالي.

(3)

معاني القرآن للفراء (3/ 181).

(4)

جمهرة اللغة لابن دريد، مادة:(ت ع م)، ونصه:"وعَتَلت الرجل أعتِله وأعتُله عتلًا، إذا جذبته جذبًا عنيفًا".

(5)

العين، مادة:"عتل".

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب): وزدته للإيضاح.

ص: 207

الاستشهاد فيه:

في موضعين:

الأول: أنَّه اعتبر معنى (كلا) وثنى الخبر؛ حيث قال: "أقلعا".

الثَّاني: أنَّه اعتبر لفظ "كلا" ووحد الخبر حيث قال: "رابي".

ويقال: فيه استشهاد آخر حيث قال: "أنفيهما" ولم يقل آنافهما على الأفصح مثل قوله تعالى: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4].

قلت: فيه نظر من وجهين:

الأول: أنَّه لو قال آنافهما لخرج الكلام عن الوزن.

والثاني: أنَّه ذكر على الأصل؛ لأنَّ الفرسين ليس لهما إلَّا أنفان، وذكر الآناف وإرادة الأنفين مجاز، والأصل ترك المجاز إلَّا لنكتة، فافهم

(1)

.

‌الشاهد الخامس والعشرون

(2)

،

(3)

في كِلْتَ رِجلَيهَا سُلامَى وَاحِدَهْ

..........................

أقول: قائله راجز من الرجاز لم أقف على اسمه، وتمامه:

.........................

كِلْتاهُمَا مَقْرُونَةٌ بزَائِدَهُ

وهو من الرجز المسدس.

قوله: "في كلتا رجليها"؛ أي: "في أحد رِجلَيهَا سُلامَى"، بضم السِّين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم؛ وهي واحدة السلاميات، وهي العظام التي تكون بين مفصلين من مفاصل الأصابع في اليد والرجل.

الإعراب:

قوله: "سُلامى" مبتدأ و "واحده" صفَتُه، وخبره قوله:"في كلتا رجليها".

(1)

قال الزمخشري: "ويجعل الاثنان على لفظ الجمع إذا كانا متصلين كقولك: ما أحسن رؤوسهما، وفي التنزيل:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ..... وفيه: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} . المفصل للزمخشري (187) ط. دار الجيل، وشرح ابن يعيش (4/ 155)، وينظر شرح شواهد المغني (552).

(2)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 87).

(3)

البيت من بحر الرجز، غير معروف قائله، وانظره في الإنصاف (439)، وابن يعيش (6/ 6).

ص: 208

الاستشهاد فيه:

في قوله: "في كلت" استدل به البغداديون أن "كلت" تجيء للواحدة، وكلتا للمثناة

(1)

، ويقال: أراد الشاعر في كلتا رجليها، فحذف الألف في "كلتا" كما قال الشاعر

(2)

:

دَرَسَ المَنَا بمُتَالِعَ فَأبَان

..................

(3)

أراد المنازل فحذف بعض الكلمة وهو شاذ نادر، و "متالع وَأبان" جبلان، وتحقيق هذا الموضوع أن "كلا" في تأكيد الاثنين نظير "كل" في المجموع، وأنه اسم مفرد غير مثنى.

وقال الفراء: هو اسم مثنى مأخوذ من "كل" فخففت اللام وزيدت الألف للتثنية، وكذلك كلتا للمؤنث، ولا يكونان إلَّا مضافين، ولا يتكلم منهما بواحد، ولو تكلم به لقيل: كل، وكلت، وكلان، وكلتان، واحتج الفراء بالبيت المذكور أنها تجيء للواحد.

وهذا القول ضعيف عند البصريين؛ لأنَّه لو كان مثنى لوجب أن ينقلب ألفه في النصب والجر ياءً مع الاسم الظاهر، ولأن معنى كلا [مخالف لمعنى كل؛ لأنَّ كلا]

(4)

للإحاطة، وكذا يدل على شيء مخصوص.

وأمَّا البيت فإن شاعرهُ قد حذف الألف للضرورة، وقدر أنها زائدة، فلا يجوز الاحتجاج به، فثبت أن "كلا" اسم مفرد كمعًى، إلَّا أنَّه وضع ليدل على التثنية؛ كما أن قولهم:"نحن" اسم مفرد يدل على الاثنين فما فوقهما

(5)

.

(1)

قال المرادي: "وزعم البغداديون أن (كلتا) قد نطق لها بمفرد في قول الراجز .. ثم ذكر البيت". توضيح المقاصد (1/ 87).

(2)

نهاية السطر من النسخة (أ) من الشاهد رقم (10) إلى هنا.

(3)

شطر من الكامل للبيد، ديوانه، وينظر اللسان:"تلع" وتمامه:

......................

بالحِبس بَينَ البيدِ والسُّوبان

اللغة: دَرَس: عفى، المنا: يقصد به المنازل، متالع: جبل بناحية البحرين من السَودةِ والإحْسَاءِ، وفي سفحه عين ماء تسمى متالع.

والبيت إنما أورده للاستشهاد على جواز حذف الألف من (كلتا) كما ورد حذف بعض الكلمة من كلمة (المنازل) فقال: (المنا) وهو حذف قبيح على حد قول ابن منظور.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ينظر الإنصاف (439) وما بعدها، وابن يعيش (6/ 6)، قال الأنباري:(ذهب الكوفيون إلى أن كلا وكلتا فيهما تثنية لفظية ومعنوية، وأصل كلا (كل) فخففت اللام وزيدت الألف للتثنية، وزيدت التاء في كلتا للتأنيث، والألف فيها كالألف في الزيدان، ولزم حذف نون المكانية منهما للزومهما الإضافية، وذهب البصريون إلى أن فيها إفرادًا لفظيًّا وتثنية معنوية، والألف فيهما كالألف في ..... ". الإنصاف (439) وما بعدها.

ص: 209

وأما "كلتا" فقد قال سيبويه: إن ألفها للتأنيث، والتاء بدل من لام الفعل وهي واو، والأصل: كِلوا، وإنما أبدلت تاء؛ لأنَّ في التاء علم التأنيث، وقد تصير هذه الألف تاءً مع المضمر فيخرج عن علم التأنيث فصار في إبدال الواو تاء تأكيد للتأنيث

(1)

.

وقال الجرمي: التاء ملحقة والألف لام الفعل، وتقديرها عنده: فعتل، وليس الأمر كذلك؛ إذ لو كان كذلك لقالوا في النسبة إليها كلتوي، فلما قالوا: كلوي وأسقطوا التاء دل [على]

(2)

أنهم أجروها مُجْرَى التاء التي في أخت إذا نَسَبتَ إليها قلت: أخوي

(3)

.

‌الشاهد السادس والعشرون

(4)

،

(5)

تلاعب الريح بالعصرين قسطله

والوابلون وتهتان التجاويد

أقول: قائله هو أبو صخر

(6)

واسمه عبد الله بن مسلم السهمي الهذلي، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأمويَّة، وكان مواليًا لبني أميَّة متعصبًا لهم، وحبسه ابن الزُّبير

(7)

- رضي الله [تعالى]

(8)

عنهما - إلى أن قتل، وهو من قصيدة دالية أولها:

1 -

عَرَفْتُ بن هنْدَ أطلالًا بِذِي التُّودِ

قَفْرًا وَجَاراتِها البِيضِ الرَّخاويد

2 -

وَحشًا سِوَى زَجَل القُمريّ كُلِّ ضُحَى

والمطفِلاتِ وَفُرَّاد مَوَاحِيدِ

3 -

وَغَيرَ أشعثٍ قَد بَلَّ الزَّمَانُ بِهِ

مُقَلَّدٍ في حَديدِ التقريب مَوتُودِ

4 -

يَرمِي بِدِق رَغَام الترب مصطبرًا

والجلِّ كُلَّ غَدَاة من حَصَا البيدٍ

5 -

وَصَفَّ أَحْدَبَ شقَّته وليدتُهَا

تُبَادِرُ السَّيلَ بالمسحَاة مَخْدُودِ

(1)

الكتاب (4/ 315) وما بعدها، قال سيبويه: "فممَّا يبين لك أن التاء فيه زائدة التنضب

وكذلك تاء أخت وبنت وثنتين وكلتا؛ لأنهن لحقن للتأنيث، وبنين بناء ما لا زيادة فيه من الثلاثة كما بنيت (سَنبَتة) بناء (جندلة) واشتقاقهم منها ما لا زيادة فيه دليل على الزيادة".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر الكتاب لسيبويه (3/ 360)، وما بعدها، وشرح المفصل لابن يعيش (6/ 6)، وشرح الشافية للرضي (2/ 70، 71)، وتوضيح المقاصد (1/ 88)، والممتع (1/ 385).

(4)

ابن الناظم (16).

(5)

البيت من بحر البسيط المخبون، لأبي صخر عبد الله بن مسلم الهذلي، وهو في شرح أشعار الهذليين (2/ 913).

(6)

شاعر مشهور من بني هذيل إسلامي، توفي سنة (80 هـ)، انظر شرح أشعار الهذليين (3/ 912 - 976).

(7)

هو عبد الله بن الزُّبير بن العوام القرشي، أول مولود في المدينة بعد الهجرة، وبويع بالخلافة سنة (64 هـ) وتوفي سنة (73 هـ). الأعلام (4/ 87).

(8)

ما بين المعقوفين زيادة في (أ).

ص: 210

6 -

وغيرَ وتْرٍ ظُؤَار حَوْلَ مُلتَبدٍ

هَابي الرّوَاكد من دَفَع الذَّكَا سُودِ

7 -

مَحَا مَغَانيهُ جَولانُ منتَخلٍ

يَشتنُّ ريعانه بالموزِ مطرود

8 -

تلاعب الريح بالعصرين قَسطَلَه

والوابلون وتهتانُ التَّجاويد

وهو من البسيط وفيه الخبن.

1 -

قوله: "أطلالًا": جمع طلل؛ وهو ما شخص من آثار الدار، قوله:"بذي التود" بضم التاء المثناة من فوق وسكون الواو وفي آخره دال مهملة؛ وهو شجر، وذو التود: موضع سمي بهذا الشجر، ويروى بذي البيد بكسر الباء الموحدة.

قوله: "وجاراتها"؛ أي: وجارات هند، وهو جمع جارة، و "البيض" بكسر الباء الموحدة جمع بيضاء، و "الرخاويد": جمع رِخْوَدّة بالخاء المعجمة، ومعناها: الرخصة الناعمة.

2 -

قوله: "والمطفلات" جمع مطفل، وهي الظبية معها

(1)

طفلها، وهي قريبة عهد بالنتاج، وكذلك الناقة، والقياس في جمع مطفل: مطافيل

(2)

، "فُرَّاد" بضم الفاء وتشديد الراء جمع فارد، بمعنى منفرد، و "المواحيد" جمع ميحاد، والميحاد من الواحد كالمعشار من العشرة.

3 -

قوله: "وغير أشعث" بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح العين المهملة وفي آخره ثاء مثلثة؛ وهو الوتد، ولهذا وصفه بقوله: موتود، وهو من وتدت الوتد إذا دققته في الأرض، قوله:"قد بل الزمان به"؛ أي: ظفر الزمان به، يقال: بللت برجل صدق؛ أي: ظفرت به.

4 -

قوله: "بِدقّ رَغَام التراب"؛ أي: بدقاقه، والرغام -بفتح الراء والغين المعجمة-: التُّراب، وصحت إضافته إلى التُّراب لاختلاف اللفظين، والجل بكسر الجيم وتشديد اللام؛

(1)

في (أ): وهي الظبية التي معها.

(2)

قال ابن يعيش: "وقالوا: مطفل ومطافل ومشدن ومشادن، وربما قالوا: مطافيل ومشادين على غير القياس". شرح المفصل (5/ 68)، والمطفل: التي معها طفلها، والمشدن: الظبي يستغني عن أمه، وفي لسان العرب مادة:(طفل) "قال أبو عبيد: ناقة مُطفلٌ ونوق مَطافِلُ ومَطافِيلُ بالإشباع: معها أَولادها، وفي الحديث:(سارت قريشٌ بالعوذ المطافِيل) أَي الإبلِ مع أولادها، والعوذ: الإبل التي وَضَعَت أَولادها حَدِيثًا، ويقال أطْفَلَتْ فهي مُطفلٌ ومُطفِلة يريد أَنهم جاؤوا بأجمعهم كبارهم وصغارهم، وفي حديث علي عليه السلام فأقبَلْتم إليّ إقبال العُوذ المَطافِل فجمع بغير إشباع، والمُطفِل ذات الطِّفل من الإنسان والوحش معها طِفْلُها وهي قوله؛ عهد بالنِّتاج وكذلك الناقة، والجمع مَطافِيل ومَطافِلُ. قال أَبو ذؤيب:

وإنَّ حَديثًا مِنكِ لو تَبذُلينه

جَنَ النَّخل في أَلبانِ عُوذٍ مَطَافِل

مَطافِيلَ أَبكارٍ حديث

نَتاجُها تُشاب بماء مِثل ماء المِفاصِل

ص: 211

جلال التُّراب، والبيد بكسر الباء جمع بيداء.

5 -

قوله: "مخدود" بالخاء المعجمة؛ أي محفور.

6 -

قوله: "ظؤار" بضم الظاء المعجمة وفتح الهمزة وفي آخره راء؛ وهي الأثافي، سميت بذلك لتعطفها على الرماد، والملتبد: شجرة كثيرة

(1)

الأوراق، و"الرواكد": الرياح الساكنة من ركدت إذا سكنت، و "الذّكا" بالذال المعجمة؛ مقصور من ذكت النَّار تذكو أي: اشتعلت، و "السفع" بالضم؛ السود تضرب إلى العمرة، ومنه تسمى الأثافي سفعًا؛ لأنَّ النَّار سفعتها.

7 -

قوله: "مغانيه" أي منازله، وأراد بالمنتخل: انتخال الودق والثلج، و "وريعان" الشيء: أوله، و "المنثور" بضم الميم؛ الغبار بالريح.

8 -

وقوله: "بالعصرين" أراد بهما الغداة والعشي، قوله:"قسطله" بالقاف وبالسين وبالصاد أيضًا، وهو الغبار، وجاء فيه القسطال؛ كأنه ممدود منه مَع قِلّة فِعلال من غير المضاعف، وقال

(2)

أوس بن حجر يرثي رجلًا

(3)

:

ولَنِعْمَ وفْدُ الْقَوم يَنتِظِروُنَهُ

ولَنِعمَ حشْوُ الدِّرع والسِّربَالِ

ولَنعْمَ مَثوَى المستضيفَ إذا دعَا

وَالخيلُ خَارجَةٌ من القَسطَال

[من الكامل]

(4)

.

قوله: "والوابلون" جمع وابل. قال الجوهري: والوابل: المطر الشديد، وقد وبلت السماء

(1)

في (ب): شجر.

(2)

أوس بن حجر بن مالك التميمي، أبو شريح: شاعر تميم في الجاهلية، أو من كبار شعرائها، زوج أم زهير بن أبي سلمى، عمر طويلًا، ولم يدرك الإِسلام، وفي شعره حكمة ورقة، وكانت تميم تقدمه على سائر شعراء العرب، وكان غزلًا مغرمًا بالنساء، قال الأصمعي: أوس أشعر من زهير، إلَّا أن النابغة طأطأ منه، وهو صاحب الأبيات المشهورة التي أولها:(أيتها النَّفس أجملي جزعًا)، له (ديوان شعر- مطبوع) وعاش ما بين (98 - نحو 2 ق. هـ = 530 - نحو 620 م). انظر الأعلام (2/ 31).

(3)

ينظر ديوان أوس بن حجر (109)، تحقيق د. محمَّد نجم، ط. دار مصادر، والرواية في الديوان:

فلنعم رفد الحي ينتظرونه

.....................

وينظر لسان العرب مادة: "قسطل" والممتع في التصريف (1/ 151)، والخصائص (3/ 213)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (747).

اللغة: السربال: القميص والدرع، المستضيف: المستغيث، القسطال: غبار الموقعة والبيت ها هنا أورده العيني شاهدًا على معنى القسطل. وأن الفعلال لا يأتي إلَّا قليلًا.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 212

تبل والأرض موبولة

(1)

. قال الأخفش: ومنه قوله تعالى: {أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 16]، أي شديدًا

(2)

، وضرب وبيل وعذاب وبيل؛ أي: شديد، وقال البعلي

(3)

: قالوا للمطر الذي يعظم شأنه ويعم نفعه وابلون.

قوله: "وتهتان التجاويد" التهتان بتاءين مثناتين من فوق مفتوحتين بينهما هاء ساكنة؛ نحو من الديمة. قال أبو زيد

(4)

وأنشد

(5)

:

يَا حَبَّذَا نَضْحُك بِالمشافر

كأنَّه تَهتَانُ يَوْم مَاطِر

من الرجز، وقال النضر بن شميل

(6)

: التهتان مطر ساعة ثم يفتر ثم يعود، وأنشد للشماخ

(7)

:

أَرْسَلَ يَوْمًا دِيمةً تهْتَانَا

سيلِ المتان يَمْلأُ القُربَانَا

(8)

والتهتان ها هنا مصدر على وزن تَفْعَال بفتح التاء للمبالغة كالتَرْدَاد والتَجْوَال، وكل ما جاء من هذه الصيغة فهو بالفتح إلَّا كلمتين جاءَتَا بالكسر وهما: تِبيَان وتِلْقَاء

(9)

، يقال: هتن المطر والدمع يهتن هتنًا وهتونًا وتهتانًا إذا قطر، وسَحَابٌ هاتِنٌ وسَحَائِبُ هُتَّن نحو: رَاكِعٌ وَرُكَّعٌ، وسحاب هَتُون، والجمع هُتُن مثل عمود وعُمُدُ، و "التجاويد" أصله: الأجاويد جمع: أجواد، جمع: جود وهو المطر، والمعنى: وقطر الأمطار.

(1)

الصحاح، مادة:"وبل".

(2)

لا يوجد هذا المعنى في معاني القرآن (2/ 718).

(3)

محمَّد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي الحنبلي، له شرح على الألفية وآخر على الجرجانية. (ت 709 هـ). بغية الوعاة (1/ 208).

(4)

أبو زيد الأنصاري هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري، أحد أئمة الأدب واللغة، من أهل البصرة ووفاته بها. عاش ما بين (119 - 215 هـ = 737 - 830 م). الأعلام للزركلي (3/ 92).

(5)

بيتان من الرجز المشطور غير منسوبين لأحد، وهما في اللسان، مادة:"هتن".

اللغة: المشافر جمع مشفر بفتح الميم وكسرها، هو للبعير كالشفة للإنسان، ويقال للإنسان: عظم المشافر على سبيل الاستعارة، اللسان، مادة:"شفر" ويوم ماطر: كثير المطر، والبيت ورد كشاهد على معنى كلمة التهتان.

(6)

هو النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد المازني، عالم بأخبار العرب وراوٍ للحديث، توفي سنة (203 هـ). الأعلام (8/ 33).

اللغة: (المشافر) قال ابن منظور: "المشِفر والمشَفر للبعير كالشفة للإنسان، وقد يقال للإنسان".

(7)

هو الشماخ بن ضرار بن حرملة بن سنان المازني، شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإِسلام (ت 22 هـ). الأعلام (3/ 157).

(8)

من الرجز في ملحقات ديوان الشماخ بن ضرار (62)، شرح صلاح الدين الهادي- نشر دار المعارف، وينظر اللسان، مادة:"هتن"، و (الديم): المطر يطول زمانه في سكون، المتان: المرتفع.

(9)

ينظر شرح ابن يعيش (6/ 56).

ص: 213

الإعراب:

قوله: "تلاعب" فعل، و:"الريح" فاعله

(1)

، وقوله:"قسطله" كلام إضافي مفعوله والباء في "بالعصرين" ظرفية تتعلق بتلاعب، قوله:"والوابلون" عطف على قوله الريح، و "وتهتان التجاويد" كلام إضافي عطف على "الوابلون".

فإن قيل: كيف إضافة التهتان إلى التجاويد؟

قلت: إضافة المصدر إلى فاعله، والمعنى وقطر التجاويد وسيلانها.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "والوابلون" فإنَّه جمع وابل، وقد جمعه في الشعر بالواو والنون مع أنَّه ليس بعَلَم ولا صفة ولا مسماه عاقل

(2)

.

‌الشاهد السابع والعشرون

(3)

،

(4)

مِنَّا الذِي هو مَا إنْ طَرَّ شَارِبُهُ

والعَانسُونَ ومِنَّا المُردُ والشِّيبُ

أقول: قائله هو أبو القيس بن رفاعة الأنصاري

(5)

؛ كذا قاله ابن السيرافي

(6)

في شرح أبيات الإصلاح لابن السكيت، وقال البكري

(7)

: اسمه دثار وهو من شعراء يهود، وقال أبو عبيدة:

(1)

من هنا سقط في (ب) إلى أول الشاهد الرابع والثلاثين.

(2)

وقد نص ابن مالك على شروط ما يجمع جمعًا صحيحًا بقوله: "وتصحيح المذكر مشروط بالخلو من تاء التأنيث الغارة لما في نحو: عِدَة، وثُبَة، علمين، ومن إعراب بحرفين، ومن تركيب إسناد أو مزج، وبكونه لمن يعقل أو مشبه به علمًا أو مصغرًا، أو صفة تقبل تاء التأنيث أن قصد معناه". التسهيل بشرحه لابن مالك (1/ 76).

(3)

توضيح المقاصد (1/ 93).

(4)

البيت من بحر البسيط، لقائل مختلف في اسمه على ما ترى في الشَّرح، وقبل البيت الشاهد قوله:

أما ترينا وقد خفف مجالسنا

والموت أهو لهذا النَّاس مكتوب

فقد غنينا وفينا ساهر غنج

وساكن كأني لليل مرهوب

انظر في ذلك سمط اللآلئ للبكري (1/ 56 - 70) والأمالي لأبي علي القاضي (1/ 33)، (2/ 76) وقد ذكر البيت دون نسبة.

(5)

شاعر جاهلي مقتدر وحكيم أقام علاقات طيبة مع المناذرة في العراق، والغساسنة في الشام، وقيل: أدرك الإِسلام وأسلم، وكان أعور. معجم الشعراء (197).

(6)

هو أبو محمَّد يوسف بن الحسن بن عبد الله بن السيرافي، قرأ على والده، وله شرح أبيات الكتاب وشرح أبيات الإصلاح وغيرهما (ت 385 هـ). البغية (2/ 355).

(7)

هو عبد الله بن عبد العزيز بن محمَّد البكري الأندلسي المؤرخ العلامة بالأدب، صاحب معجم ما استعجم، =

ص: 214

أحسبه جاهليًّا، وقال القاضي

(1)

في أماليه: هو قيس بن رفاعة، وقال الأصبهاني

(2)

: قائل هذا البيت أبو قيس بن الأسلت الأوسي في حديث ثعلب واسمه: دثار

(3)

.

وهو من البسيط وفيه الخبن.

قوله: "طرد شاربه" بفتح الطاء، معناه: نبت شاربه، قيل: كثير منهم ينشدونه بضم الطاء وهو خطأ؛ لأنَّ طُرَّ بالضم معناه قطع، ومنه طر النَّبَات، قلت: المخطئ مخطئ؛ لأنَّ الصاغاني

(4)

حكى في العباب أن طر بالضم في طر الشارب لغة.

قوله: "والعانسون" جمع عانس، وهو من بلغ حد التزوج ولم يتزوج مذكرًا كان أو مؤنثًا، و "المُردُ" بضم الميم؛ جمع أمرد، و "الشّيب" بكسر الشين المعجمة، جمع أشيب، وهو المبيض الرأس.

الإعراب:

قوله: "الذي" مبتدأ، وخبره مقدم هو قوله:"منا"، وقوله:"هو ما إن طر شاربه" صلة الموصول، وكلمة "ما" بمعنى حين. قاله ابن السكيت. قال معناه: حين طر وزيدت "إن" بعدها لشبهها في اللفظ بما النافية كما في قول الشاعر

(5)

:

وَرَجِّ الفَتَى لِلْخَيرِ مَا إِنْ رَأَيتَهُ

......................

(6)

وقال بعض الفضلاء: الأولى أن تكون (ما) نافية؛ لأنَّ زيادة (إن) حينئذ قياسية

(7)

.

= والإحصاء لطقبات الشعراء، وشارح أمالي القالي، وغيرها (ت 487 هـ).

(1)

إسماعيل بن القاسم بن عبد عيذون بن هارون بن عيسى بن محمَّد بن سلمان أبو علي القاضي (ت 356 هـ).

الأعلام (1/ 321).

(2)

هو أبو الفرج علي بن الحسن الكاتب الأديب، له كتاب الأغاني (ت 356 هـ). ينظر شذرات الذَّهب (3/ 19).

(3)

الأغاني: غير موجود فيه، ط. دار الكتب العلمية، ثانية (1992 م).

(4)

الحسن بن محمَّد بن الحسن بن حيدر بن علي العدوي العمري أبو الفضل الصاغاني، له مجمع البحرين والعباب وغيرهما (ت 605 هـ). بغية الوعاة (1/ 519).

(5)

البيت من بحر الطَّويل منسوب في مراجعه للمعلوط القريعي، وهو في المغني (25، 38، 304)، ونسبه السيوطي إلى إياس بن الأرت، وعجز البيت:

.......................

على السن خيرًا لا تزال يزيد.

وانظره في شرح أبيات المغني (1/ 107)، والكتاب (4/ 222)، والمقرب (1/ 97)، والبيت شاهد هنا على زيادة (إن) بعد (ما) المصدرية الظرفية.

(6)

ينظر مغني اللبيب (304).

(7)

قال ابن هشام بعد أن ذكر (البيت): "وبعد فالأولى في البيت تقدير ما نافية؛ لأنَّ زيادة إن حينئذ قياسية". انظر المغني (304).

ص: 215

قلتُ: نظر ابن السكيت إلى لزوم الفساد في الذهاب إلى هذا؛ وذلك لأنَّ ذكر المُرد بعد ذلك لا يحسن؛ لأنَّ الذي لم ينبت شاربه أمرد، ومن هنا قيل: إن في هذا الشعر عيبًا؛ لأنَّ الذي ما طر شاربه لا يضاد المرد، والعانسون لا يضاد الشيب، وإذا لم تكن الأقسام متقابلة كانت القسمة باطلة، وقوله:"شاربه" فاعل طر، و "العانسون" عطف عليه، قوله:"ومنا المرد" جمله اسمية من المبتدأ وهو المرد، وخبره وهو قوله:"منا"، والشيب عطف على قوله:"المرد"، والتقدير: ومنا الشيب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "والعانسون" فإن الكوفيين جوزوا جمع الصفة بالواو والنون مع كونها غير قابلة للتَّاء محتجين بهذا. وعند الجمهور فيه شذوذان:

الأول: إطلاق العانس على المذكر، وإنَّما الأشهر استعماله في المؤنث.

والثاني: جمعه بالواو والنون

(1)

.

‌الشاهد الثامن والعشرون

(2)

،

(3)

دَعَانِي منْ نَجْدٍ فَإن سِنِينَهُ

لَعِبْنَ بِنَا شِيبًا وَشَيَّبنَنَا مُرْدَا

أقول: قائله هو الصِّمة بن عبد الله بن الطفيل بن قرة بن هبيرة بن عامر بن سلمة الخير ابن قشير بن كعب بن ركعة بن عامر، شاعر إسلامي بدوي مقل، من شعراء الدولة الأموية، ولجده قرة بن هبيرة صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد وفود العرب عليه، وكان الصمة يَهْوَى بِنْتَ عَمٍّ له دنية أوثر عليه في تزويجها غيره؛ لأنَّ عَمَّهُ لَؤُمَ في المهر واشتط فيه، ولؤم أبوه في إكماله، فأنف الصمة من فعلهما وخرج إلى طبرستان، وهي مقر الدولة فأقام بها حتَّى مات، وخبره مشهور، والبيت، المذكور من قصيدة أولها هو قوله:

(1)

قال ابن مالك: "ولم يشترط الكوفيون الخلو من تاء التأنيث ولا قبولها عند قصد معناها، بل أجازوا أن يقال في هبيرة: الهبيرون، وفي أحمر: أحمرون؛ وإلى ذلك الإشارة بقولنا خلافًا للكوفيين في الأول والآخر، والبصريون لا يجيزون شيئًا من ذلك، فإن سُمع شيء منه عدوه نادرًا، ولم يقيسوا عليه". شرح التسهيل (1/ 79) وينظر توضيح المقاصد (1/ 93، 94)، والمغني (305)، وشرح شواهده (716).

(2)

ابن الناظم (16)، وتوضيح المقاصد (1/ 97)، وأوضح المسالك (1/ 41)، وشرح ابن عقيل (1/ 65).

(3)

الأبيات من بحر الطَّويل للصمة بن عبد الله بن الطفيل، وبيت الشاهد في الخزانة (8/ 58، 59، 61، 62، 76) والتصريح (1/ 77)، وابن يَعيش (5/ 11، 12)، واللسان:"نجد، وسنه".

ص: 216

1 -

خَليلَيَّ إن قَابَلْتُمَا الهَضْبَى أَوْ بَدَا

لَكُم سَنَدَ الْوَركَاء أن تَبكيَا جَهْدَا

2 -

سَلا عبدًا لعلي حيث أَوْفَى عَشِيَةً

خزَازي ومد الطرف هل أنسى النَّجْدَا

3 -

فما عنَّ قِلَى للنجد أصبحت ها هنا

إلى جبل الأوشال مُسْتَخْبيًا بُردَا

4 -

دَعَاني من نجد فإن سنينَه

لعبن بنا شيبًا وشيبننا مُردا

5 -

لَحَا الله نجدًا كَيفَ يَتْرُكُ ذَا النَّدى

بَخيلًا وحُرَّ الناسِ تحسَبُه عَبدَا

6 -

عَلَى أَنَّ نجدًا قَدْ كَسَاني حُلَّةً

إِذَا مَا رَآنِي جاهلٌ ظَنَّنِي عبدَا

7 -

سَوَادًا وأَخْلاقًا من الصُّوف بَعدَمَا

أَرَانِي بنَجدٍ نَاعِمًا لابسًا بُردَا

8 -

سَقَى الله نَجْدًا من ربيع وَصَيِّفٍ

وماذا تُرجي من ربيع سقى نجدًا

9 -

ألم تر أن الليلَ يقصُر طوله

بنجد ويزدادُ النّطافُ به بُردَا

10 -

عَلى أنَّه قد كان للعين قُرَّة

وللبيض والفتيان منزله حَمْدَا

وإنَّما قال هذه الأبيات، وقد اشتاق إلى ذي الود من وطنه بنجد، وهي من الطَّويل معروف، وفيه القبض.

1 -

قوله: "الهَضْبُ" بفتح الهاء وسكون الضَّاد المعجمة، وهو موضع معروف، و "الوركاء" هضبة شمال يذبل؛ وهو جبل، والجمع ورك. هكذا قال أبو علي الهجري في نوادره

(1)

.

2 -

وقوله: "سلا عبدًا لعلي" أصله عبد الأعلى، قوله:"خزازي" بالخاء المعجمة والزاءين المعجمتين، وهو اسم جبل توقد عليه العرب نار الغارة.

3 -

قوله: "الأوشال" جمع وشل بالتحريك؛ وهو الماء القليل، ووشل اسم جبل عظيم بناحية تهامة، وفيه مياه عذبة، قوله:"مستخبيًا بردًا" أي متخذه خباءً.

4 -

قوله: "دعاني"؛ أي: اتركاني؛ يخاطب خليليه، ومن عادة العرب أنهم يخاطبون الواحد بصيغة التثنية؛ كما في قول امرئ القيس

(2)

:

(1)

هارون بن زكريا، أبو علي الهجري: عالم بالأدب وببلدان الجزيرة العربية، كان مؤدب أولاد طاهر بن يحيى بن الحسن الحسيني الطالبي بمكة، ويرجح أنَّه من هجر (الإحساء) سكن مكّة واجتمع فيها بالهمداني (صاحب الإكليل) وببعض علماء الأندلس سنة (288 هـ). الأعلام للزركلي (8/ 60).

(2)

البيت من بحر الطَّويل في ديوانه (29) ط. دار صادر، وينظر الكتاب (4/ 205)، والخزانة (11/ 6)، والدرر (6/ 71)، وسر الصناعة (501)، وعجزه:

........................

بَسَقْطِ اللَّوَى بَينَ الدُّخُول فَحَوْمَلِ

والبيت شاهد على مخاطبة الواحد بصيغة الاثنين.

ص: 217

قفَا نَبكِ من ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزلٍ

.................................

فإن (قفا) صيغة تثنية يخاطب بها الواحد، وكذلك ها هنا (دعاني) صيغة تثنية يخاطب بها الواحد وهو صاحبه وخليله، [وأصله]

(1)

من يدع دع أي اترك، وهذا فعل قد أمات العرب استعمال ماضيه، فلا يقال: ودع، وهذا قول الجمهور من أهل الأدب

(2)

.

ولكن قد جاء استعماله في القرآن على قراءة من قرأ {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3] بالتخفيف

(3)

، وروى بعضهم ذراني موضع دعاني ومعناهما واحد، وهو أيضًا أمر من يذر معناه يترك، ويجوز أن يراد به التأكيد؛ لأنهم يخاطبون الواحد بصيغة التثنية للتأكيد ومعناه:[دعني دعني، ومن ذلك قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24] ومعناه]

(4)

ألق ألق

(5)

.

قوله: "من نجد" النجدُ اسم للبلاد التي أعلاها تِهامَة واليمنُ، وأسفلُها العراقُ والشامُ، وأولها من ناحية الحجاز ذاتُ عرق إلى ناحية العراق.

قوله: "فإنّ سَنِينَهُ" جمع سنة، وفيها معنيان:

الأول: يراد به الأعوام مطلقًا.

والثاني: يراد به الأعوام المجدِبَة، يقال: أرض بني فلان سنة إذا كانت مجدبة، وأصل سنة سنوة، والمحذوف منها واو، ويقال: المحذوف منها الهاءُ، وأصلها: سنهة مثل: جبهة؛ لأنها من سنهْت النخلةُ إذا أتت عليها السنون، ونخلةٌ سنهاء إذا حملت سنة وتركت سنة وفي التصغير تقول: على الأول: سنية أصلها سنيوة، قلبت الواو ياء، وأدغمت الباء في الياء فصار سُنَيّة، وعلى الثَّاني: سُنَيهة، وإذا جمعتها بالواو والنون تقول: سنون بكسر السِّين، وبعضهم يقول: سنون بضم السِّين

(6)

، وأمَّا الكلام في حركة النون فيجئ عن قريب إن شاء الله تعالى-.

قوله: "شِيبًا" بكسر الشين؛ جمع أشيب وهو المبيضُّ الرأس، وقد شاب رأسُه شيبًا وشيبةً فهو أشيب على غير قياس؛ لأنَّ هذا النعت إنَّما يكون من باب فَعِل تفعَل مثل: عَلِم يعلَمُ، والشيب بفتح الشين المعجمة هو المشيب وقال الأصمعي: الشيب بياض الشعر والمشيب: دخول الرجل في حد الشيب

(7)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

اللسان، مادة:"ودع".

(3)

المحتسب لابن جني (2/ 364)، والكتاب (4/ 109)، واللسان، مادة:"ودع".

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

المحرر الوجيز لابن عطية (15، 178) ط. دار الكتاب الإسلامي- القاهرة (1411 هـ-1991 م).

(6)

ينظر شرح شافية ابن الحاجب للرضي (1/ 222).

(7)

الصحاح، مادة "شيب".

ص: 218

قوله: "شَيَّبنَنَا" من شيّب بالتشديد يُشيّبُ تَشْييبًا، قوله:"مُردًا" جمع: أمرد، يقال: غلامٌ أمرد بيِّن المَرَد بالتحريك من قولهم: رملةٌ مرداء: لا نبت فيها، وغصن أمرد: لا ورق عليه، ويقال: مَّردتُ الغصنَ تمريدًا إذا جردته من ورقه.

8 -

قوله: "سقى نجدًا" من سقي الماء.

9 -

قوله: "النطاف" بكسر النون وبالطاء المهملة وفي آخره فاء، وهو جمع نُطْفة، وهو الماء الذي في إناء قل أو كثر، وأمَّا النطفة التي هي ماء الرجل فجمعها نطف

(1)

.

10 -

قوله: "حمدًا" أي محمودًا.

الإعراب:

قوله: "دعاني" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله:"من نجد": يتعلق به، وفيه حذف تقديره: دعاني من ذكر نجد، قوله:"فإن سنينه" الفاء فيه للتعليل، و "سنينه": اسم إن وقوله: "لعبن بنا" جمله في محل الرفع لأنها خبر إن، و "لعبن": فعل وفاعله النون، و "بنا" في محل النصب مفعوله.

قوله: "شيبًا" حال عن قوله: "بنا" أي حال كوننا في الشَّيب، قوله:"وشيبننا" جملة من الفعل والفاعل والمفعول عطف على قوله: "لعبن"، قوله:"مردًا" حال من ضمير المفعول في قوله: "شيبننا".

الاستشهاد فيه:

في إجراء السنين مجرى العين في الإعراب بالحركات، والتزام النون مع الإضافة، ولو لم يجعل الإعراب بالحركة على نون الجمع لحذفت النون وقال: فإن سنيه

(2)

.

وأعلم أن هذه لغة بني عامر فإنهم يعربون المعتل اللام بالحركات في النون كما في غسلين.

ويقولون: هذه سنينٌ، ورأيت سنينًا، وأقمت بسنين، وعلى هذا ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم:"اللَّهم اجعلها عليهم سنينًا كسنين يوسفَ"

(3)

، وتميم أيضًا يجعلون الإعراب في النون ولكن لا ينونونها فيقولون: سنونُ وسنينَ وسنيِن جره بالكسر، ولا تسقط النون ها هنا، ولو عند الإضافة؛ لأنها

(1)

ينظر اللسان، مادة "نطف".

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 85)، وتوضيح المقاصد (1/ 96).

(3)

الحديث في صحيح البُخاريّ بشرح فتح الباري (8/ 57) رقم (4821).

ص: 219

نزلت منزلة نون مسكين

(1)

.

‌الشاهد التاسع والعشرون

(2)

،

(3)

رُبَّ حَيٍّ عَرَنْدَسٍ ذي طَلالٍ

لا يَزَالُون ضَارِبينَ القِبَابَ

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الخفيف.

قوله: "عرندس" بفتح العين والراء المهملتين وسكون النون وفتح الدال المهملة وفي آخره سين مهملة، ومعناه: الشديد، قوله:"ذي طلال" بفتح الطاء المهملة؛ وهي الحالة الحسنة والهيئة الجميلة، قوله:"ضاربين القباب" ويروى: ضاربين الرقاب وهو الأشهر.

الإعراب:

قوله: "رب" حرف جر، و "حي" مجرور بها، و "عرندس"، و "ذي طلال": صفتان لحي، قوله:"لا يزالون" الضمير المستتر

(4)

فيه اسم لا يزال، و "ضاربين القباب" كلام إضافي خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ضاربين القباب" حيث أجراه الشاعرُ مجرى غسلين في الإعراب، فصار إعرابه على النون؛ فلذلك أثبتت في الإضافة، وقد يُخَرَّجُ على أن يكون على حذف "ضاربي"؛ أي:

(1)

إعراب سنين وبابه إعراب جمع المذكر السالم يكون بالواو رفعًا وبالياء نصبًا وجرًّا لغة الحجاز وعلياء قيس، وأمَّا بعض بني تميم وبني عامر فبالأعراب بالحركات الظاهرة على النون ولزوم الياء، وهؤلاء قد ينونون وهو الأكثر، وقد لا ينونون وهو الأقل، واختلف في اطراد التنوين، والصحيح أنَّه لا يطرد وأنه مقصور على السماع، وقد ورد في حديث للنبي صلى الله عليه وسلم مرَّة منونًا وهو:"اللَّهم اجعلها عليهم سنينًا كسنين يوسف" وأخرى دون تنوين وهو: "اللَّهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف".

وتخريج الحديث: إما أن يكون النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم تكلم باللغتين جميعًا مرَّة بهذه ومرة بتلك، وهو الظاهر هنا، وإما أن يكون قد تكلم بإحدى اللغتين ورواه الرواة بهما جميعًا، كل منهم رواه بلغة قبيلته على ما هو الوارد من جواز رواه؛ الحديث بالمعنى. ومن العرب من يلزمه الواو ويجعل الإعراب بحركات ظاهرة على النون كإعراب زيتون ونحوه، ومنهم من يجري ملحقات جمع المذكر مجرى جمع المذكر مطلقًا. ينظر شرح ابن عقيل على الألفية ومنحة الجليل (1/ 64، 65).

(2)

أوضح المسالك (1/ 43).

(3)

البيت من بحر الخفيف، مجهول قائله، وانظره في خزانة الأدب (8/ 61)، والدرر (1/ 136)، والتصريح (1/ 77)، والهمع (1/ 47).

(4)

يقصد به الضمير المتصل وهو: واو الجماعة.

ص: 220

ضاربين ضاربي القباب، وحذف ضاربي لدلالة ضاربين عليه، فصار نظير قول الشاعر

(1)

:

رَحِمَ الله أَعْظُمًا دَفَنُوهَا

بِسِجِستَانَ طلحةَ الطَّلَحَاتِ

وهنا وجه آخر، وهو ما ذكره أبو علي في تخريجه، وهو أن يكونَ القبابُ منصوبًا بضاربين، ويريدُ القبابي فَأَلْحَق الجمع ياء النسبة، ثم حذف إحدى الياءين، ثم أسكن الياء الباقية كما كان الاسم في موضع نصب قال

(2)

:

كفى بالنأي من أسماء كافي

..................................

يريد: كافيًا، ولما نَسَب إلى الجمع جعل ياءَ النِّسْبَةِ غيرَ مُعْتدٍّ بها، فلذلك لم يَرُدّ القبابَ إلى المفرِد؛ كما جاء في شعر الشماخ

(3)

:

خُضر أنبات ..............

..............................

فلم يرد خضر إلى الواحد، ومن مجيء ياء النسبة زائدة في الاسم قول ابن أحمر

(4)

:

كَم دون لَيلى من تَنُوفِيَّةٍ

لمَّاعَة تُنْذَرُ فيها النُّذُر

(5)

(1)

البيت من بحر الخفيف لابن قيس الرقيات، وهو في ديوانه (20) ط. دار صادر، وانظره في الإنصاف مسألة (4)، وابن يعيش (1/ 47)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 271)، والدرر (1/ 137)، والمعجم المفصل (99).

ورواية البيت في الديوان:

نضّر الله أعظمًا دفنوها

...........................

والشاهد فيه: بقاء طلحة على جره من غير عطف، ولا لإضافة إلى مثل المحذوف، وهو غير الغالب في استعمال العرب.

(2)

صدر بيت من الوافر، نسب لبشر بن أبي خازم في خزانة الأدب (4/ 439)، (10/ 477، 482) وديوان بشر (142)، كما نسب لأبي حية النميري في اللسان، مادة:"قفا"، وانظره في الخصائص (2/ 268)، وابن يعيش (6/ 51)، (10/ 103)، والمنصف (2/ 115) وتمامه:

............................

وليس لحُبِّهَا ما عِشتُ شافي

اللغة: النأي: البعد، والشاهد فيه:(كافي) حيث وقف عليه بالسكون، والقياس أن يبدل تنوينه ألفًا، ولكن هنا حذف تنوينه، ووقف عليه بالسكون على لغة بعض العرب.

(3)

البيت لم نعثر عليه في شعر الشماخ، ديوانه، شرح: صلاح الدين الهادي، ط. دار المعارف القاهرة، وهو شاهد على إضافة الجمع دون الرجوع إلى مفردها.

(4)

هو عمرو بن أحمر بن فراس، شاعر مخضرم أسلم واشترك في مغازي الروم، عام في طويلًا حتَّى تسعين سنة، وفي شعره ألفاظ غريبة، (ت 65 هـ)، معجم الشعراء للمرزباني (24).

(5)

البيت من بحر السريع، وهو في ديوانه (65)، واللسان مادة:"نذر"، و "تنف" وقد استشهد به على أن التنوف، والتنوفية: هي المفازة والأرض القفر.

ص: 221

‌الشاهد الثلاثون

(1)

،

(2)

على أحوذيينَ اسْتَقَلَّت عشية

فما هِيَ إلَّا لمحةٌ وتَغِيبُ

أقول: قائله هو حميد بن ثور بن حزن بن عمرو بن عامر بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر بن صعصعة، وكنيته: أبو المثني، وقيل: أبو الأخضر، وقيل: أبو خالد شهد حنينًا مع الكفار ثم قدم على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فأسلم وأنشد أبياتًا، والبيت المذكور من قصيدة بائية يصف بها حميدٌ القطاةَ، وأولها قوله:

1 -

إذا وُجِّهَتْ وَجهًا أَبَانَتْ مُدِلَّةً

كَذَاتِ الهَوَى بالمشْفَرَين لَعوْبُ

2 -

كما جَبَّبَتَ كدراءُ تَسقِي فِرَاخَها

بشَمطَةَ رِفْهًا والميَاهُ شُعُوبُ

3 -

غَدَتْ لم تُصَعّدْ في السماءِ وتحتَها

إذا نَظَرتْ أُهْويَّةٌ وصُبوبُ

4 -

قرينة سبع إِن تَوَاتَرنَ مرةً

ضربْنَ فَصَفت أَرْؤُسٌ وجنوبُ

5 -

ثمانٍ على سِكْرين ما زدن عِدَّةَ

غدون قُرَانَى ما لهُنّ جَنِيبُ

6 -

إذا ما تَبَالينَ البُلَيَّ تَزَغَّمَتْ

لَهُنّ قَلَوْلاةُ النجاء طلوبُ

7 -

فجاءتْ وما جاءَ القَطَا ثُمَّ شَمرتْ

لمسكِنها والوارِدَاتُ تنوُبُ

8 -

[تبادر أطفالًا مَسَاكِينَ دونها]

فَلا لا تَخَطَّاهُ العُيُونُ رَغِيبُ

(3)

9 -

وجاءت ومسقاها الذي وَرَدَتْ به

[إلى النَّحْرِ مَشْدُودُ العِصَامِ كتيبُ]

10 -

وَصَفْنَ لَهُنَّ مُزْنًا بأرضِ تنوفةٍ

فما هي إلا نهلةٌ فَوُثُوبُ

11 -

على أحوذيّيِن استقلّتْ عشيّةَ

فما هي إلا لمحة وتَغِيبُ

12 -

ثمان بإسْتَارَيْنِ يَهْوْين مَقْدَمًا

صبيحة خِمسٍ ما لهن جنيبُ

13 -

تجوبُ الدجى كدريةٌ دونَ فَرَخها

بمطل أريك سَبسَبٌ وسُهوبُ

وهو من الطويل وفيه القبض والحذف على ما لا يخفى.

(1)

ابن الناظم (17)، وأوضح المسالك (1/ 46)، وشرح ابن عقيل (1/ 69).

(2)

البيت من بحر الطويل، لحميد بن ثور الهلالي من قصيدة في وصف القطاة، وانظر الأبيات في ديوان حميد (10) ط. دار صادر، وبيت الشاهد في الخزانة (7/ 458)، والدرر (1/ 137)، وابن يَعيش (4/ 141)، وسر الصناعة (488)، والتصريح (1/ 78)، واللسان، مادة:"حوذ" والهمع (1/ 49).

(3)

سقط صدر هذا البيت من الأصل، وعجز البيت الذي يليه، وقد استدركهما محقق المقاصد النحوية: محمَّد باسل عيون السود (1/ 108).

ص: 222

1 -

قوله: "إذا وجهت وجهًا"؛ أي: إذا توجهت إلى جهة، والجهة والوجه بمعنى واحد، والهاء عوض من الواو و "مدلة" من الإدلال وهو التغنج

(1)

.

2 -

و "كدراء" هي نوع من القطا، ويقال بها: الكدرى أيضًا ضرب من القطا غير الألوان، رقش الظهور صفر الحلوق. قوله:"رفهّا" من الرفاهية، و "شعوب" أي: متفرقة.

3 -

و "لم تصعد" أصله ولم تتصعد، فحذفت إحدى التاءين، و "أهوية" بضم الهمزة وسكون الهاء وكسر الواو وتشديد الياء آخر الحروف على وزن أفعولة، وهي الوهدة العميقة، وكذلك الهوة وارتفاعها على الابتداء، وخبرها قوله:"وتحتها" مقدمًا، و "صبوب" عُطِفَ عليه، وأراد بها ما انحدر من الأرض.

5 -

و "السكر" بكسر السِّين؛ ما يسكر فيه الماء من الأرض؛ أي: يحبس فيه، والسَّكر بالفتح؛ حبسك الماء.

6 -

قوله: "تزغمت" بالزاي والغين المعجمتين؛ من تزغم الفصيل: حَنَّ حنينًا خفيفًا.

9 -

و "كتيبُ" من كتبت البغلة إذا جمعت بين شفريها بحلقة أو سير.

10 -

و "أرض تنوفة": هضبة في جبل طيئ.

11 -

قوله: "على أحوذيين" تثنية أحوذي، والأحوذي بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الواو وكسر الذال المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف؛ وهو الخفيف في الشيء لحذقه.

وفي ديوان الأدب: الأحوَذِيّ: الراعي المشمر للرعاية الضابط لما ولي وكذلك الأحوزي بالزاي المعجمة، وأراد بهما الشاعر ها هنا: جناحي قطاة يصفهما بخفتهما، وليست الياء فيه للنسبة وهذا كما يقال: النوع من الحصير بردي، ولنوع من التمر بَرْنِيّ

(2)

ولنوع من الكلب زفتي

(3)

.

قوله: "استقلت" أي: استبدت، يقال:[استقل]

(4)

الطائر: ارتفع في الهواء، قوله:"لمحة" أي: نظرة من لمح البرق والنجم لمحا، ورأيته لمحة البرق، ويروى:

............... اسْتَقَلَّتْ عَلَيهِمَا

نَجَاةً فَتَبْدُو تَارَةً وتَغِيبُ.

12 -

قوله: "خِمس" بكسر الخاء المعجمة، وهو ورود الماء في اليوم الرابع بعد الرعي ثلاثة أيَّام.

(1)

اللسان، مادة:"دلل" والتغنج هو شكل المرأة لزوجها؛ أي: بيان حسنها.

(2)

في اللسان: "برن": "البَرنيُّ ضربٌ من التمر أَصْفَرُ مُدَوّر، وهو أَجود التمر، واحدتُه بَرنيَّةٌ، قال أبو حنيفة: أَصله فارسي، قال: إنَّما هو بارِنيّ: فالبار الحَملُ، ونِيّ: تعظيمُ ومبالغة".

(3)

أي أسود من الزفت وهو القار.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 223

13 -

قوله: "تجُوب" أي: تقطع، و "الدّجى" بضم الدال جمع دجية بضم الدال، وهي فترة الصائد؛ أي: ناموسه، وهو المكان الذي يستتر فيه، قوله:"بمطل أريك" أي بطول الأريك، والأريك بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره كاف؛ وهو اسم واد، و "سبسب" بسينين مهملتين مفتوحتين وباءين موحدتين؛ وهي المفازة، و "سهوب" بضم السِّين المهملة، وهو جمع سَهب؛ وهو الفلاة.

الإعراب:

قوله: "على أحوذيين" يتعلق بقوله: "استقلت"، والضمير فيه يرجع إلى القطاة، وهي التي وصفها بقوله:"كدراء" في الأبيات السابقة، و "عشية" نصب على الظرفية، وهي ظرف زمان والمراد بها: إما عشية ما، أو عشية معينة، ولو أريد بها معينة تمنع من الصرف عند البعض، وهو القياس

(1)

.

قوله: "فما هي" كان أصله: فما مشاهدتها، ثم حَذَف المضاف فصار فما هي، ويقال تقديره فما مسافة رؤيتها، ثم حذف المضاف الأول، وأناب عنه الثَّاني، ثم الثَّاني وأناب عنه الثالث فارتفع وانفصل، ومثله في حذف مضافين: أنت مني فرسخان؛ أي: ذو مسافة فرسخين؛ إلَّا أن هذا حذف من الخبر، وقد يقدر: بُعْدُك مني فرسخان، فالمحذوف واحد من المبتدأ، وكلمة "ما" بطل عملها لوجود إلَّا، وهي مبتدأ "ولمحة" خبره، وإلا بمعنى غير.

قوله: "وتغيب" معناه تغيب بعدها، وهي جملة فعلية عطفت على الجملة الاسمية، وفيه خلاف مشهور، فأجازه بعضهم مطلقًا، وهو المفهوم من قول النحويين في باب الاشتغال الذي مثل: قام زيد وعمرًا أكرمته، إن نصب عمرو أرجح؛ لأنَّ تناسب الجملتين المتعاطفتين أولى من تخالفهما، ومنعه بعضهم مطلقًا

(2)

، وقال أبو علي: يجوز في الواو فقط

(3)

.

(1)

قال المرادي: "إذا قصد بسحر سحر يوم بعينه فالأصل أن يعرف بأل أو بالإضافة، فإن تجرد منها مع قصد التعيين فهو حينئذ ظرف لا يتصرف ولا يتعرف، نحو: جئت يوم الجمعة سحر، والمانع له من الصرف: العدل والتعريف" ونظير سحر: عشية، وأمس وغيرهما من الظروف. ينظر توضيح المقاصد (4/ 156).

(2)

قال أبو حيان: "ويجوز عطف الفعل على الاسم كقوله تعالى: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [الملك: 19] والاسم على الفعل نحو قوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [الأنعام: 95] ولا يكون ذلك إلَّا إذا كان كل واحد منهما في تقدير الآخر، وزعم أبو زيد السهيلي أنَّه يحسن عطف الفعل على الاسم إذا كان اسم فاعل، ويقبح عطف الاسم على الفعل نحو: مررت برجل يقوم وقاعد. انتهى". الارتشاف (2/ 664، 665)، وينظر المغني (485)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 142)، والكتاب (1/ 88).

(3)

قال ابن هشام في المغني: في عطف الاسمية على الفعلية والعكس ثلاثة أقوال: الجواز مطلقًا، وهو قول النحويين، =

ص: 224

الاستشهاد فيه:

في فتح نون

(1)

التثنية، والقياس: كسرها، ولكن الفتح ها هنا ليس بضرورة؛ إذ الوزن لا ينكسر بالكسر، وإنَّما هي لغة بني أسد من العرب نقلها الفراء عنهم، وكذلك جاء الضم في بعض اللغات، حكى أبو علي عن أبي عمرو الشيباني: هما خليلانُ بضم النون، وقال: ضم نون التثنية لغة

(2)

، قال الشاعر

(3)

:

1 -

يَا أبَتَا أَرَّقَنِي القذَّانُ

فَالنّوْمُ لا تَطْعمهُ العَينَانُ

2 -

مِنْ عَضِّ بَرغُوثٍ لَهُ أَسْنَانُ

وللخَمُوشِ فَوْقَنَا تَطْنَانُ

قال أبو علي البغدادي: "القذان" بكسر القاف وإعجام الذال المشددة، جمع قذذ، وهو البرغوث، وقال الخليل: القذان جمع قذة

(4)

، وقال المبرد:"الخموش" البعوض، والواحد أيضًا خموش، سمي بذلك لأنَّه يخمش الجلد.

‌الشاهد الحادي والثلاثون

(5)

،

(6)

أَعْرِفُ مِنْهَا الجِيدَ وَالعَينَانَا

ومَنْخَريْن أَشْبَهَا ظَبيَانَا

أقول: قيل: إن قائله لا يعرف، وهو غير صحيح، وقيل: قائله هو رؤبة بن العجاج، وهو أيضًا غير صحيح، والصحيح ما قاله أبو زيد: أنشدني المفضل لرجل من بني ضبة، هلك منذ أكثر من مائة سنة، وهي

(7)

:

= والمنع مطلقًا، وهو المحكي عن ابن جني، والثالث: الجواز في الواو فقط وهو لأبي علي، نقله عنه أبو الفتح في سر الصناعة. انظر سر الصناعة (488)، والمغني (485).

(1)

في (أ): في فتح النون.

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 62)، وتوضيح المقاصد (1/ 100)، وما بعدها.

(3)

أبيات من بحر الرجز في ملحق ديوان رؤبة بن العجاج (186)(مجموع أشعار العرب)، وانظرها في خزانة الأدب (1/ 92)، وشرح التصريح (1/ 79)، والدرر (1/ 57)، وشرح الأشموني (1/ 39)، وهمع الهوامع (1/ 49).

(4)

كتاب العين (5/ 20)، باب القاف مع الذال، مستعمل فقط .. والقِذّانُ: البَراغيثُ، واحدتُها قذةٌ، قال: يُؤَرقُني قِذّانُها وبَعُوضُها، تحقيق: د. مهدي المخزومي، ود. إبراهيم السامرائي، نشر: دار ومكتبة الهلال.

(5)

توضيح المقاصد (1/ 101)، وأوضح المسالك (1/ 47)، وشرح ابن عقيل (1/ 71).

(6)

البيت من بحر الرجز المسدس، لقائل مختلف فيه على ما ذكره الشارح، وانظره في نوادر أبي زيد (15)، وقد نسب لرؤبة وهو في ملحق ديوانه (مجموع أشعار العرب)(187)، وانظره في الدرر (1/ 139)، والخزانة (7/ 452، 453، 456، 457)، ورصف المباني (24)، وسر الصناعة (489).

(7)

انظر في نوادر أبي زيد (15).

ص: 225

3 -

.....................

وَهيَ تَرَى سَيِّئَهَا إحسَانَا

4 -

أَعرِفُ منهَا الجِيدَ وَالعَينَانَا

ومَنْخَرَيْن أَشْبَهَا ظَبيَانَا

ويروى:

أَعرِفُ مِنْهَا الأَنْفَ والعَينَانَا

...........................

وأنشدوا قبله:

1 -

إنَّ لِسَلْمَى عِنْدَنَا دِيوَانَا

أَخْزَى فُلانًا وابنَهُ فُلانًا

2 -

كانتْ عجُوزًا عمَّرَت زَمَانَا

فَهيَ ترى سَيِّئَهَا إحسَانَا

إلى آخره.

وهي من الرجز المسدس.

قوله: "الجيد" بكسر الجيم؛ وهو العنق.

قوله: "ظبيانا" بفتح الظاء المعجمة وسكون الباء الموحدة، وبالياء آخر الحروف، وهو اسم رجل بعينه، وليس هو تثنية ظبي. فافهم.

الإعراب:

قوله: "أعرف" جملة من الفعل والفاعل، و "الجيد" مفعوله، والضمير في "منها" يرجع إلى سلمى المذكورة في البيت السابق، قوله:"والعينانا" تثنية عين عُطِفَ على الجيد، وكان القياس أن يقال: والعينين؛ لأنَّ نصب التثنية بالياء كجرها، و "منخرين" عطف على ما قبله "أشبها" جملة من الفعل والفاعل وقعت صفة لمنخرين، و "ظبيانا" منصوب لأنَّه مفعول أشبها.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "والعينانا" حيث فتح الشاعر نون التثنية والقياس كسرها

(1)

وقد قيل: الاستشهاد فيه في قوله: "ظبيانا" وادعى أن "ظبيانا" تثنية ظبي، وإليه مال الهروي

(2)

أيضًا؛ حيث قال

(1)

فتح نون المثنى لغة بني أسد، نقلها عنهم الفراء، ويكون نصبه بفتحة مقدرة على الألف. هامش شرح ابن يعيش (4/ 142).

(2)

هو أبو الحسن علي بن محمَّد الهروي، صاحب الأزهية في الحروف، وله أيضًا الذخائر في النحو، عالم بالنحو جيد القياس، مقيم بالديار المصرية. بغية الوعاة (2/ 205)(ت 415 هـ).

ص: 226

في الذخائر

(1)

: "والتقدير: أشبها منخري ظبيين" فجعله تثنية ظبي، وليس هذا بصحيح، بل الظبيان اسم رجل كما ذكرنا، والتقدير: ومنخرين أشبها منخري ظبيانا.

وفيه استشهاد آخر وهو إجراء المثني بالألف في حال النصب كما في قوله: "والعينانا" تثنية عين، والقياس: والعينين، وليس هذا بضرورة، بل هي لغة بني الحارث بن كعب، ونسبها بعضهم إلى بني العنبر وبني الهجيم"، وبهذه اللغة قرأ نافع وابن عامر

(2)

والكوفيون إلَّا حفصًا

(3)

قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] فإن هؤلاء يجرون المثني مجرى المقصور، فيجعلونه بالألف في كل حال

(4)

، وقال ابن كيسان: من فتح نون الاثنين في النصب والخفض استخف الفتحة بعد الياء فأجراها مُجرى أين وكيف، ولا يجوز عند أحد من الحُذّاق علمته فتحها مع الألف، وإنشادهم:

أعرف منها الأنف والعينانا

...................................

لا يلتفت إليه؛ لأنَّه لا يعرف قائله ولا له وجه. انتهى.

ولو ثبت أنَّه من لسان العرب لكان له وجه من القياس؛ لأنها ألف ثابت عن الياء؛ لأنها ليست للرفع، بل الكلمة منصوبة، وكان القياس أن يقول: والعينين، فلما ثابت عن الياء اضطر إلى ذلك؛ لأنَّ ما قبله من النظم مفتوح الآخر عَامَل هذه الألف معاملة الياء بخلاف قولك: قام الزيدان، فالألف لم تنُبْ عن الياء؛ لأنَّ الاسم مرفوع.

‌الشاهد الثاني والثلاثون

(5)

عَرِينٌ مِنْ عُرَيْنة ليس منا

بَرِئتُ إِلى عُرَيْنَةَ مِنْ عَرِينٍ

عَرَفْنَا جَعْفَرًا وَبَنِي أَبِيهِ

وَأَنْكَرْنَا زَعَانِفَ آخَرِينِ

أقول: قائله هو جرير بن عطية بن الخطفي، وهما من قصيدة نونية، وأولها

(6)

:

(1)

كتاب في النحو كبير (أربعة مجلدات) للهروي، قال ياقوت الحموي: رأيته بمصر بخطه.

(2)

عبد الله بن عامر بن عمرو بن الحجاج أبو معمر المنقري، وقيل: اسمه عبد الله بن عمرو بن الحجاج (ت 224 هـ).

ينظر طبقات القراء (1/ 423 - 439).

(3)

حفص بن عمر بن عبد العزيز، إمام القراءة في عصره، وأول من جمع القراءات (ت 246 هـ). الأعلام (2/ 264).

(4)

ينظر البحر المحيط (6/ 255)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 62، 63).

(5)

ابن الناظم (17)، توضيح المقاصد (1/ 99) أوضح المسالك (49) شرح ابن عقيل (1/ 67).

(6)

الديوان (437): وروايته: وبني عبيد، وطبقات فحول الشعراء (71).

ص: 227

1 -

أَتُوعِدُنِي وَرَاءَ بَنِي رِيَاح

كَذَبْتَ لَتَقْصُرَنَّ يَدَاكَ دُونِي

2 -

لَنِعْمَ الوفْدُ وَفْدُ بَنِي رِيَاحِ

وَنِعْمَ فَوَارِسُ الفَزَعِ المبين

3 -

عَرينٌ مِنْ عُرَيْنة ليس منا

بَرِئْتُ إِلَى عُرَيْنَةَ مِنْ عَرِينٍ

4 -

عَرَفْنَا جَعْفَرًا وَبَنِي أَبِيهِ

وَأَنْكَرْنَا زَعَانِفَ آخَرِينِ

5 -

قَبَيلَةٌ أَنَاخَ اللُّؤْمُ فِيهَا

فليسَ اللُّؤْمُ تَاركَهُم لحِيِن

وهو من الوافر وفيه العصب والقطف وسبب هذا الشعر ما حكاه النَّارَنْجي أن ابن الفهم

(1)

حدثه عن ابن سلام قال: حدثني أبو البيداء، قال: أوعد جريرًا بعضُ عشرين فقالت بنو رياح: كذبتم إنه يمدح أَحْيَانَا ويؤبِّن مَؤتَانَا، قال ابن سلام فسألت يونس

(2)

عن التأبين فقال: مدح البيت وأنشد قوله

(3)

:

وامدح بلالًا غير مأبون

..........................

وذكر في ديوان جرير: وقال جرير يهجو فَضَالة العريني

(4)

وعرين

(5)

بن ثعلبة

(6)

:

عَرِينٌ مِنْ عُرينَة لَيسَ مِنَّا

........................... إلخ

قوله: "عرين" بفتح العين وكسر الراء المهملتين؛ وهو بطن من تميم، و "عرينة" مصغرة بطن من بجيلة، والعرين في الأصل مأوى الأسد الذي يألفه، يقال: ليث عرينة، وليث غاية وأصل العرين جماعة الشجر، والمراد من العرين ها هنا: رجل مسمًّى به، كذا قاله القزاز

(7)

، وهو عرين بن ثعلبة بن يربوع، وقال الأخفش: عرين في البيت وابن يربوع وهو وهم.

و"وبني أبيه"؛ أي: بني أبي جعفر، وفي بعض الروايات:

عَرَفْنَا جَعْفَرًا وَبني رِيَاح

...............................

(1)

سبقت ترجمته في الحديث عن الشاهد رقم (2).

(2)

يونس بن حبيب الضبي أبو عبد الرحمن (ت 182 هـ). ينظر بغية الوعاة (2/ 365).

(3)

البيت لرؤبة، من الرجز، ديوانه (162)، وروايته في اللسان:"وامدح بلالًا غير ما مؤبِّنِ" وبعده: تراه كالبازي انتمى في المؤكن، والمعنى: امدح بلالًا غير معيب ولا هالك ولا قبيح. وهو شاهد هنا على تعداد ذكريات الميت الحسنة.

(4)

فضالة بن شريك بن سليمان بن خويلد الأسدي، شاعر من أهل الكوفة، (ت 64 هـ)، الأعلام (5/ 146).

(5)

هو عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة، جد جاهلي بنوه بطن من غيم وليست له سنة وفاة. الأعلام (4/ 228)، وطبقات فحول الشعراء (71).

(6)

انظر ديوان جرير (1/ 429) ط. دار المعارف.

(7)

محمَّد بن جعفر القزاز القيرواني أبو عبد الله التميمي؛ له: الجامع في اللغة والضرائر وغيرهما (ت 412 هـ). ينظر البغية (1/ 71).

ص: 228

وأنشده ابن أم القاسم

(1)

:

عَرَفْنَا جَابِرًا وَبَنِي رِيَاح

.........................

(2)

وأنشد في شرح التسهيل

(3)

:

عَرَفْنَا جَعْفَرًا وَبَنِي عَبِيدٍ

...........................

كما ذكرناه. قوله: بني عبيد بفتح العين وكسر الباء الموحدة، وجعفر وعشرين وعبيد أولاد ثعلبة بن يربوع، وبنو عبيد أيضًا حي من بني عدي، وبنو رياح قبائل في تميم. رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم، وفي قضاعة رياح بين عوف بن عميرة بن الهون بن أعجب بن قدامة بن بجرم بن ريان بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة، وفي سليم رياح بن نقطة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم.

قوله: "زعانف" بفتح الزَّاي المعجمة والعين المهملة وبعد الألف نون وفي آخره فاء؛ وهو جمع زِعنِفة بكسر الزَّاي والنون؛ وهو القصير، وأصل الزعانف أطراف الأديم وأقارعه، والمراد من الزعانف ها هنا الأدعياء الذين ليس أصلُهم واحدًا، وقيل: هم الفرق بمنزلة: زعانف الأديم، وهي أطراف كما قلنا.

والمعنى: وأنكرنا الأدعياء من جماعة آخرين.

الإعراب:

قوله: "عرينٌ" مضموم بالابتداء، وقد قلنا: إنه علم لرجل أو قبيلة. وقوله: "من عرينة" خبره، والتقدير: عرين كائن من عرينة، قوله:"ليس منا" تقرير لقوله: عرين من عرينة، فهو استئناف أو خبر ثان، قوله:"برئت إلى عرينة من عرين" الجرّ في موضعين يتعلق بقوله: "برئت"، يقال برئ له؛ لأنَّ "إلى" تجيء مُرَادِفَةَ اللام، ويجوز أن تكون "إلى" ها هنا بمعنى الغاية.

والمعنى: برئت من عرين منتهيًا إلى عرينة؛ كما في قولك: أحمد إليك الله؛ أي أنْهِي حمده إليك، فعلى هذا يكون محل "إلى عرينة" نصب على الحال، والعامل فيه:"برئت".

(1)

هو بدر الدين الحسن بن أم قاسم بن عبد الله بن علي المرادي، المعروف بابن أم قاسم، وهي جدته لأبيه، صاحب شرح التسهيل والألفية والجنى الداني، وكلها كتب مشهورة، وله أيضًا شرح الألفية (ت 749 هـ).

(2)

أي أنشده في شرح الألفية المسمى بتوضيح المقاصد والمسالك، والذي حققه الدكتور عبد الرحمن سليمان (أسيوط) في ستة أجزاء، وانظر ما قاله في (1/ 99).

(3)

شرح التسهيل للمرادي (1/ 73) تحقيق أ. د. أحمد محمَّد عبد الله يوسف، (دكتوراه بالأزهر)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 72 - 85)، وهي رواية الديوان (437).

ص: 229

قوله: "عرفنا جعفرًا" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله:"وبني أبيه" عطف على "جعفرًا" أي: وعرفنا بني أبي، و "أنكرنا زعانف" عطف على عرفنا، قوله:"آخرين" مجرور بالإضافة.

الاستشهاد فيه:

[في آخرين]

(1)

فإنَّه كسر النون فيه، ونون الجمع لا تكسر، وذلك لأنَّ نون الجمع حقها الفتح، وقد تكسر للضرورة لأجل أخواتها؛ كما أن حق نون التثنية أن تكسر وأن تفتح للضرورة على ما ذكرنا.

ويقال: إن كسر نون الجمع ليسر بضرورة، وإنَّما هو لغة قوم بني الشاعر كلامه على هذه اللغة

(2)

.

‌الشاهد الثالث والثلاثون

(3)

،

(4)

أَكُلُّ الدَّهْر حِلٌّ وارتحال

أما يُبقي عَلَيَّ ولا يَقيني

وماذا يبتغي الشعراء مني

وقد جاوزت حد الأربعيِن

أقول: قائله هو سحيم بن وثيل الرياحي

(5)

، وكان عبدًا حبشيًّا، كان عبد بني الحسحاس

(6)

، وكان فصيحًا بليغًا، وكان قد اتهم ببنت مولاه فقتله هذا، فيما قاله الجوهري، وابن سلام في طبقاته

(7)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في النسخة (أ) وزدته لبيان موطن الشاهد.

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 85، 86)، وتوضيح المقاصد (1/ 99)، فقد جزم المرادي على أنها ليست لغة، وينظر الخزانة (8/ 956)، والدرر (1/ 140)، والتصريح (1/ 79).

(3)

ابن الناظم (17)، وشرح ابن عقيل (1/ 68)، والبيتان في ديوان جرير (437).

(4)

الأبيات من قصيدة من بحر الوافر، اختلف في نسبها إلى قائلها بين: سحيم، وأبي زبيد الطَّائي، والمثقب العبدي، على ما ذكر الشارح، وانظر بيت الشاهد في خزانة الأدب (8/ 61، 62، 65، 67، 68)، والدرر (1/ 140)، وابن يَعيش (5/ 11)، وسر الصناعة (627)، وشرح التصريح (1/ 77)، والبيت السابق للشاهد مذكور في ديوان جرير (437)، وقيل: أن البيت الأول للمثقب العبدي، وهو في ديوانه (198)، وانظره في اللسان، مادة:"حلل"، وأمَّا البيت الثَّاني فهو لسحيم بن وثيل في شرح التصريح (1/ 76، 79).

(5)

شاعر مخضرم عاش في الجاهلية أربعين سنة، وفي الإِسلام ستين سنة، له أخبار مع زياد بن أبيه، ومفاخرات مع والد الفرزدق، الخزانة (1/ 265).

(6)

خلط العيني في الترجمة بين سحيم بن وثيل، وسحيم عبد بني الحسحاس.

(7)

طبقات الشعراء (71)، دار الكتب العلمية، بيروت.

ص: 230

وقال الأصمعي: هذا الشعر لأبي زبيد الطَّائي

(1)

، ويقال: البيت الأول للمثقَّب العبدي

(2)

واسمه: عائدٌ بن محصن بن ثعلبة، والمثقب بتشديد القاف المفتوحة، ويقال بالمكسورة، والبيت الأول من قصيدة أولها قوله

(3)

:

1 -

أَفَاطِمَ قَبلَ بَينكِ مَتِّعِيني

وَمَنْعُكِ مَا سَأَلْتُ كَأَنْ تَبينِي

2 -

فلا تَعدِي مواعد كاذباتٍ

تَمرُّ بها رياحُ الصَّيْف دُوني

3 -

فإني لو تُخَالِفُني شمالي

خلافك ما وصلت بها يميني

4 -

إذن لَقَطَعْتُهَا ولَقُلْتُ بيني

كذلك أجْتَوى مَنْ يَجْتَويني

5 -

إذا ما قمتُ أرْحَلُهَا بليلٍ

تَأَوَّهَ آهَةَ الرجلِ الحَزِين

6 -

تقول إذا دَرَأْتُ لَهَا وَضيني

أهَذَا دِينُهُ أبدًا وديني

7 -

أكلُّ الدهر حِلٌّ وارتِحَالٌ

أما يُبقِي عَلَيّ ولا يَقيني

8 -

فإما أن تكَون أخِي بصْدقٍ

فَأَعرفُ منك غَثّي من سميني

9 -

وإلا فاطْرَحْني واتَخِذْنِي

عَدُوًّا أتَّقيكَ وَتَتَّقيني

10 -

فما أدري إذا يمَّمْتُ أرضًا

أريد الخير أيهما يليني

11 -

أألخير الذي أنا أبتغيه

أم الشر الذي هو يبتغيني

12 -

فلو أنَّا على حجر ذُبحْنَا

جرى الدَّمَيَانِ بالخبر اليقين

13 -

دعني ماذا علمت سأتَّقيهِ

ولكن بالمغيَّبِ أنْبئيني

والبيت الثَّاني لسحيم وقبله

(4)

:

1 -

أنا ابن جلا وطلاع الثَّنايا

متى أضع العمامة تعرفوني

وبعدهما قوله:

3 -

أخو خمسين مجتمع أشدي

ونَجَّدَني مداورة الشؤون

وهذه الأبيات الثلاثة تمثل بها الحجاج

(5)

على منبر الكوفة يوم دخلها، ويقال: إن الأبيات التي

(1)

نسب العيني هذا القول إلى الأصمعي مع أن الأصمعي أول من ذكر القصيدة في الأصمعيات ونسبها إلى سحيم بن وثيل، ولم يتشكك في نسبتها، الأصمعيات: رقم (1)(17).

(2)

شاعر جاهلي تردد على عمرو بن هند ومدحه، وتوفي سنة (587 م).

(3)

ينظر المفضليات، اختيار الضبي الكوفيِّ (162)، المفضلية رقم (76).

(4)

قال البغدادي في الخزانة في قائل هذه القصيدة (1/ 267): ما أورده العيني مجموع من شعر شعراء ثلاثة.

(5)

الحجاج بن يوسف الثَّقفيّ، وجه حضاري في تاريخ الإسلام لهزاع بن عيد الشّمّري (24) ط. ثانية.

ص: 231

في ذكر الناقة لسحيم، وأوائل القصيدة للمثقب، وفيها أبيات لأبي زبيد الطَّائي وهي من الوافر.

[ما شرح من أبيات المثقب العبدي]

6 -

قوله: "وَضيني" الوضين بفتح الواو وكسر الضَّاد المعجمة وبالياء آخر الحروف الساكنة وفي آخره نون؛ وهو للهودج بمنزلة البطان للقتب، والتصدير للرجل، والحزام للسرج، وهما كالنسع إلَّا أنهما من السيور إذا نسج نساجة بعضه على بعض مضاعفًا، والجمع وُضُن كذا فسره الجوهري، ثم أنشد البيت المذكور ونسبه إلى المثقب

(1)

.

7 -

قوله: "حل" أي حلول، والحل والحلول والمحل مصادر من حل المكان؛ أي: أَكلَّ الزمان موضع حلول؛ أي نزول وموضع ارتحال. قوله: "ولا يقيني" أي: ولا يحفظني، من وقي يقي وقاية.

[ما شرح من أبيات سحيم]

2 -

قوله: "وماذا تبتغي"؛ أي: وما تطلب، وأنشده الزمخشري والجوهري:

وماذا يدّري الشُّعَرَاءُ مِنِّي

...............................

بتشديد الدال المهملة، يقال: ادّاره يدريه إذا ختله وخدعه، وكذلك تدراه تفعّل وافتعل بمعنى واحد

(2)

.

3 -

قوله: "أَشُدّي" بفتح الهمزة وضم الشين وتشديد الدال، بمعنى القوة وهو ما بين ثمانية عشر إلى ثلاثين، وهو واحد جاء على مثال الجمع، مثل: آنكٍ وهو الأُسْرُبُّ

(3)

ولا نظير لهما، ويقال: هو جمع لا واحد له من لفظه مثل: أبابيل وعَبَادِيد

(4)

.

وكان سيبويه يقول: واحده شدة وهو حسن في المعنى؛ لأنَّه يقال: بلغ الغلام شدته، ولكن لا تجمع فعلة على أفعل

(5)

.

قوله: "ونجذني" بالذال المعجمة من قولهم: رجل منجذ؛ أي: مجرب، أحكمته الأمور،

(1)

الصحاح، مادة:"وضن".

(2)

أساس البلاغة، مادة:"درى".

(3)

لسان العرب، مادة:"سرب" وفيه يقول: "والأُسربُ والأسربُّ: الرَّصاصُ أَعْجَمِيٌّ، وهو في الأَصْل: سُرب، والأسْرُبُ دُخانُ الفِضَّةِ يَدخُلُ في الفَمِ والخيشومِ والدُّبر فيُحْصِره فربَّما أفْرقَ، ورُبَّما ماتَ، وقد سُرِبَ الرجل فهو مَسرُوبٌ سَربًا، وقال شمر: الأسْرُبُ مخفَّف الباءِ، وهو بالفارسية سُرب".

(4)

ينظر الصحاح، مادة:"شدد" وكذا اللسان، مادة:"شدد".

(5)

الكتاب (3/ 581، 582) حيث يقول: "وقد كسرت فِعلةٌ على (أفعُل) وذلك قليل عزيز ليس بالأصل قالوا: نعمة وأنعم وشدة وأشُد .... ".

ص: 232

فقوله: "مداورة الشؤون؛ أي معالجة الأمور".

الإعراب:

قوله: "أكلُّ الدهر" الهمزة فيه للاستفهام على وجه الإنكار، و "كل الدهر" كلام إضافي وارتفاعه بالخبرية، وقوله:"حل" مرفوع بالابتداء، ويجوز أن يكون ارتفاع "حل" لكونه فاعلًا بالظرف لاعتماده على الهمزة.

قوله: "أما يبقي عليَّ" الهمزة فيه للاستفهام أيضًا، وما نافية بدليل مجيء "لا" بعدها

(1)

؛ أي: أما يبقي الدهر علي، وعلى هذا نحو قولهم: أبقيت على فلان إذا أرعيت [عليه]

(2)

وَرَحِمتُهُ، يقال: لا أبقى الله عليك إن أبقيت علي. قوله: "ولا يقيني" عطف على قوله: "أما يبقي" وهو جملة من الفعل والفاعل والمفعول.

قوله: "وماذا" بمعنى: أي شيء، فكلمة "ما" مبتدأ، و "ذا" مبتدأ ثان، وقوله:"يبتغي الشعراء" جملة من الفعل والفاعل خبر المبتدأ الثَّاني، والجملة خبر المبتدأ الأول، والعائد محذوف تقديره: وماذا تبتغيه الشعراء، وكذا الكلام في قوله:"وماذا يدّري الشعراء مني"

(3)

.

و"حد الأربعين" كلام إضافي لقوله: "جاوزت".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "الأربعين" فإنَّه كسر النون فيه، وكان الأصل فتحها، ولكن كسرها للضرورة، ويجوز أن يكون أجراه مجرى العين فأعرب بالحركات

(4)

.

‌الشاهد الرابع والثلاثون

(5)

تَنَوَّرْتُهَا مِن أَذْرِعَات وَأَهْلُهَا

بِيَثْرِب أدْنى دَارِها نَظَرٌ عَالِي

أقول: قائله هو امرؤٌ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدة طويلة أولها هو قوله

(6)

:

(1)

في (أ): بعد.

(2)

زيادة للإصلاح.

(3)

هناك في نسخة هامش الخزانة زيادة وهي قوله:

" .........................

وقد جاوزت حد الأربعين.

جملة حالية" (1/ 195).

(4)

ينظر الشاهد رقم (32).

(5)

أوضح المسالك (1/ 51)، شرح ابن عقيل (1/ 76).

(6)

من الطويل وتوجد في الديوان، وينظر مختار الشعر الجاهلي لمصطفى السقا (7/ 34) ط. المكتبة الشعبية ثالثة (1969 م).

ص: 233

1 -

ألا عم صَبَاحًا أيُّها الطَّلَلُ الْبَالي

وَهلْ يَعمَنْ مَنْ كَانَ في العُصُرِ الخالي

2 -

وَهَل يَعِمَنْ إلَّا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ

قَليلُ الهُمُوم مَا يَبيتُ بأَوْجَال

3 -

وَهَل يَعمَن مَن كَان آخرُ عَهدِهِ

ثَلاثينَ شَهْرًا في ثَلاثة أحْوَال

(1)

4 -

ديَار لِسَلمَى عَافيَاتٌ بِذي الخالِ

أَلحَّ عَلَيها كل أسحم هطال

5 -

وَتَحسِبُ سَلْمَى لا تَزَالُ كَعَهْدِنَا

بِوادي الخُزَامَى أَوْ عَلَى رَأْسِ أَوْعَال

6 -

وَتَحْسِبُ سَلْمَى لا تَزَالُ تَرَى طَلًا

منَ الوَحْشِ أَوْ بَيضًا بمَيثَاءَ محلالِ

(2)

7 -

لَيَالِيَ سَلمَى إذْ تريكَ مُنْصَبًّا

وَجِيدًا كجيدِ الرِّئْمِ لَيسَ بمعْطَالِ

8 -

ألا زَعَمَت بَسبَاسَةُ الْيَوْمَ أَنَّني

كبرتُ وَأنْ لَا يشهَدُ اللَّهْوَ أَمْثَالي

(3)

9 -

بلى رُبَّ يَومٍ قَدْ لَهَوتُ وليلة

بآنسَة كَأنَّهَا خَطُّ تِمثَالِ

(4)

10 -

يُضِيءُ الفِرَاشَ وَجْهُهَا لِضَجيعهَا

كمصْبَاحِ زَيتٍ في قَناديلِ ذُبَّالِ

11 -

كَأنَّ عَلَى لَبَّاتِهَا جَمْرَ مُصْطَلٍ

أَصَاب غَضًا جَزْلًا وَكُفَّ بأَجْزَال

12 -

وَهَبَّتْ لَهُ ريحٌ بمُخْتلفِ الصُّوَى

صبًا وشَمَالًا في مَنَازِلَ قُفَّالِ

13 -

كَذَبْتِ لَقَد أُصبِي عَلَى الْمَرء عِرسَهُ

وَأَمْنَعُ عِرسِي في أَنْ يُزَنَّ بِهَا الخالِ

14 -

وَمِثلِكِ بَيضَاءِ العَوَارِضِ طَفْلَةٍ

لَعُوبِ تُنَسِّيني إذا قُمْتُ سِرْبَالِي

15 -

لَطيفَةُ طَيِّ الكَشح غَيرُ مُفَاضَةٍ

إذا أنْفذ مُرتجَّةً غَيرَ متفال

16 -

إذا مَا الضَّجيعُ ابْتَزَّهَا منْ ثيَابهَا

تميلُ عَليهِ هُونَةً غيرَ معطال

17 -

كدَعْصِ النَّقى يَمْشي الوَليدَانِ فَوْقَهُ

بمَا احْتَسَبَا منْ لين مَسِّ وتَسهَالِ

(5)

(1)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

وهل يعمن من كان أحدث عهده

...........................

(2)

هذا البيت والسابق عليه بينهما تبادل في الموضع في: مختار الشعر الجاهلي.

(3)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

.......................

لا يحسن اللهو أمثالي

(4)

بينه وبين ما يليه ورابعه تبادل، وروايته في مختار الشعر الجاهلي:

ويا رب يوم قد لهوت وليلة

...........................

(5)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

كحِقْفِ ...........

...........................

ص: 234

18 -

إذا ما استحمت كان فيض حميمها

على متنتيها كالجمان لذي الحال

(1)

19 -

تَنَوَّرْتُهَا مِنْ أَذْرِعَاتٍ وَأَهلُهَا

بِيَثْرب أدْنى دَارِها نظرٌ عَالِي

20 -

نَظَرتُ إِلَيِهَا وَالنُّجُومُ كَأَنَّها

مَصَابِيحُ رُهْبَانٍ تُشَبُّ لِقُفَّالِ

21 -

سَمَوْتُ إِلَيهَا بَعْدَمَا نَامَ أَهْلُهَا

سُمُوٌ حَبَابِ الْماءِ حَالًا عَلَى حَالِ

(2)

22 -

فَقَالتْ سَبَاكَ الله إِنَّكَ فَاضِحِي

أَلستَ ترَى السُّمَّارَ وَالنَّاسَ أَحْوَالِي

23 -

فَقلتُ يَمينُ اللهِ مَا أَنَا بَارِحٌ

وَلوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالي

(3)

24 -

فَلَمَّا تَنَازَعنَا الحدِيثَ وَأَسْمَحَتْ

هَصَرْتُ بِغُصْنٍ ذِي شَماريخَ مَيَّالِ

25 -

فَصِرنَا إلَى الحُسنَى وَرَقَّ كَلامُنَا

وَرُضْتُ فَذَلَّتْ صَغبَةَ أَيَّ إذلالِ

26 -

حَلَفْتُ لَهَا باللهِ حلْفَةَ فَاجِرٍ

لَنَامُوا فما إِن منْ حَدِيث وَلَا صَالي

27 -

فَأَصْبَحتُ مَعْشُوقًا وَأَصْبَحَ بَعْلُهَا

عَلَيهِ القَتَامُ كَاسِفَ الظَّن وَالْبَال

(4)

28 -

يَغُطُّ غَطِيط البَكْرِ شُدَّ خنَاقُهُ

ليَقْتُلَني وَالْمَرْءُ لَيسَ بقَتالِ

29 -

وَلَيسَ بِذي سَيفٍ فَيقْتُلَني بِهِ

وَلَيسَ بِذي رُمْح وَليس بنَبالِ

(5)

30 -

أيَقْتُلُني وَالْمشَرَفِيُّ مُضَاجعي

وَمَسنُونَةٌ زُرقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ

31 -

ليَقْتُلُني وَقَدْ قطرت فُؤَادَهَا

كَمَا شغف الْمَهْنُوءَةَ الرَّجُلُ الطَّالي

(6)

32 -

وَقَدْ عَلمَتْ سَلْمَى وَإِنْ كَانَ بَعْلهَا

بأَن الْفَتَى يَهْذي وَلَيسَ بفَعَّالِ

33 -

وَمَاذَا علَيهِ أَنْ ذَكَرْتُ أَوَانِسًا

كَغزْلانِ رَمْلٍ في محاريب أَقْيَالِ

(1)

هذا البيت غير موجود في مختار الشعر الجاهلي ضمن أبيات الفصيدة.

(2)

في (أ): سموم حباب.

(3)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

فقلت يمين الله أبرح قاعدًا

...................................

(4)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

............................

عليه القتام سيء الظن والبال

(5)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

وليس بذي رمح فيطعنني به

وليس بذي سيف ولا بنبال

(6)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

أيقتلني وقد شغفت فؤادها

كما شغف المهنوءة الرجل الكالي

ص: 235

34 -

وَبَيتِ عَذَارَى يَومَ دَجْنٍ دَخَلْتُهُ

يَطُفْنَ بجَفاءِ المَرَافِقِ مِكسَالِ

(1)

35 -

قليلةُ جَرسِ اللَّيلِ إِلا وَساوسًا

وَتَبسُمُ عَنْ عذبِ المَذَاقَةِ سلسال

(2)

36 -

سِبَاطُ البَنَانِ والعَرَانِيِن كالقَنا

لِطَافُ الخصُورِ في تَمَامٍ وَإكْمَالِ

(3)

37 -

أَوَانِسُ يُتبِعْنَ الهَوَى سُبُلَ الرَّدَى

يَقُلْنَ لأَهْلِ الحِلْمِ ضَلًّا بِتَضْلالِ

(4)

38 -

صَرَفْتُ الْهَوَى عَنْهُنَّ مِنْ خَشْيَةِ الرَّدَى

وَلَسْتُ بِمَقْلِيِّ الخِلالِ وَلا قَالِي

39 -

كَأنِّي لَمْ أَرْكَبْ جَوَادًا لِلَذَّةٍ

وَلَم أَتَبَطَّنْ كَاعِبًا ذَاتَ خُلْخَالِ

40 -

وَلَم أَسْبَأ الزِّقَّ الرَّويَّ وَلَم أَقُلْ

لخيلي كُرِّي كَرَّةً بَعْدَ إِجْفَالِ

41 -

وَلَم أَشهَدِ الخيلَ المُغيرَةَ بِالضُّحَى

عَلَى هَيكَلِ نَهْدِ الجُزَارَةِ خوُّالِ

(5)

42 -

سَلِيمُ الشَّظَا عَبلُ الشَّوَا شَنِجُ النَّسَا

لَهُ حَجَبَاتٌ مُشْرِفَاتٌ عَلَى الفَالِ

43 -

وَصُمٌّ صِلابٌ مَا بَقِينَ مِنَ الْوَجَا

كَأَنَّ مَكَانَ الرِّدْفِ مِنْهُ عَلَى رَالِ

(6)

44 -

وَقَدْ أَغْتَدِي وَالطَّيْرُ فيِ وُكُنَاتِهَا

لِغيثٍ مِنَ الوَسْمِيِّ رَائِدُهُ خَالِي

45 -

تَحَامَاهُ أَطْرَافُ الرِّمَاحِ تَحَامِيًا

وَجَادَ عَلَيهِ كُلُّ أَسْحَمَ هَطَّالِ

46 -

بِعَجْلَزَة قَد أَتْرَزَ الجريُ لحمَهَا

كُمَيتٍ كَأنَّهَا هَرَاوَةُ مِنْوَالِ

47 -

ذَعَرتُ بِهَا سِرْبًا نَقِيًّا جُلُوُّدُهُ

وَأكرُعُهُ وَشْيُ البُرُودِ مِنَ الخالِ

48 -

كَأَنَّ الصِّوَارَ إِذْ تَجَهَّدَ عَدْوُهُ

عَلَى جَمَزَى خَيلٌ تَجُولُ بِأَخلالِ

(7)

(1)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

وبيت عذارى يوم دجن ولجتُهُ

يَطُفْنَ .........................

(2)

هذا البيت سقط في مختار الشعر الجاهلي.

(3)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

سباط البنان والعرانين والقنا

لطاف الخصور في تمام وإكمال

(4)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

نواعم يتبعن سبل الردى

يقلن لأهل الحلم ضَلٌّ بتضلال

(5)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

ولم أشهد الخيل المغيرة بالضحى

على هيكل عبل الجزارة جوال

(6)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

وصم صلاب ..................

........................

(7)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

كأن الصوار إذا تجهد عدوه

على جمزى خيل تجول بإجلال

ص: 236

49 -

فخرّ لروقيه وأَمْضَيت مقدمًا

طوال القَرَى والرَّوْقِ أَخْنَسَ ذَيَّالِ

(1)

50 -

فَعَادَى عِدَاة بَين ثَوْرٍ وَنَعْجَةٍ

وَكَانَ عَدَاءُ الوَحْشِ فِيَّ عَلَى بَالِ

(2)

51 -

كَأَنِّي بِفَتْخَاءِ الجنَاحَيِن لَقْوَة

عَلَى عَجَلٍ مِنْهَا أطأطئ شِمْلالِ

(3)

52 -

تَخَطَّفُ خِزَّانَ الأُنَيعِمِ بالضُّحَى

وَقَدْ حَجَرَتْ مِنْهَا ثَعَالِبُ أَوْرَالِ

(4)

53 -

كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيرِ رَطْبًا وَيَابِسًا

لَدَى وَكْرِهَا العُنَّابُ وَالحشَف البَالِي

54 -

فَلَوْ أَن مَا أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيشَة

كَفَانِي وَلَم أَطْلُبْ قلِيلٌ مِنَ المالِ

55 -

وَلَكِنَّمَا أَسْعَى لمجدٍ مُؤَثَّلٍ

وَقَدْ يُدْرِكُ المجدَ الموثَّلِ أَمْثَالِي

56 -

وَمَا المَرءُ مَا دَامَتْ حُشَاشَةُ نَفْسِهِ

بِمُدْرِكِ أَطْرَافِ الخُطُوبِ وَلا آلي

وإنَّما سقت هذه القصيدة بكمالها؛ لأنَّ فيها أبياتًا عديدة وقعت في الشواهد وتكثيرًا للفائدة.

1 -

قوله: "ألا عم صباحًا" كلمة كانوا يحيون بها النَّاس بالغدوات، و "الطلل" ما شخص من آثار الديار، و "الخالي" الماضي.

2 -

و "الأوجال" جمع [وجل]

(5)

وهو الخوف، وسيأتي تحقيق هذه الأبيات في موضعها -إن شاء الله تعالى-.

4 -

قوله: "عافيات" أي دارسات من عما يعفو عفًّا إذا درس، و "ذو الخال" بالخاء المعجمة؛ اسم موضع، وفي كتاب الأذواء: ذو الخال: جبل ممَّا يلي نجدًا، وأنشد

(6)

البيت، و "الأسحم" الأسود وهو ما أغزر ما يكون [من الغيم]

(7)

يقول: ألح عليها حتَّى عفاها، وقوله:"هطال" أي: سيال دائم.

(1)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

فجال الصوار واتقين بقرهب

طويل القرا والروق أخنس زيال

(2)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

فعادى عداء بين ثور ونعجة

وكان عداء الوحش مني على بال

(3)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

.........................

صَيودٍ من العِقبَانِ طأطأت شملال

(4)

روايته في مختار الشعر الجاهلي:

تخطف خزان الشربة بالضحى

........................

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(6)

في (أ): ثم أنشد البيت.

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 237

5 -

قوله: "أو على رأس أو عال" هي هضبة يقال لها: ذات أوعال، ويروى: رس أوعال والرس: البئر.

6 -

و "الطلا" بفتح الطاء المهملة؛ ولد الظبية

(1)

، والمعنى: تحسبها لا تزال ظبية تنظر إلى ولدها أو تحسبها في بياض بيض نعام، و "الميثاء" بفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالثاء المثلثة وبالمد؛ طريق للماء عظيم مرتفعٌ من الوادي، وإذا كان الطَّريق صغيرًا فهو شعبة، وإذا

(2)

كان أكثر من ذلك فهو تلعة

(3)

، وإذا كان نصف الوادي أو ثلثيه فهو ميثاء، قوله:"محلال" بكسر الميم، وفسره بعض شراح القصيدة، وقال: أي بالبادية حيث يكون بيض النعام أو ولد الوحش.

7 -

قوله: "منصبًّا" يعني ثغرًا مستوي النبتة

(4)

ليس مثل أسنان الرمح ولا متراكمًا أثعل، ويروى: مقصبًا بالقاف موضع النون، يقال: شعر مقصب أي: قصبة، قصبته: أي جعد، و "الجيد" بكسر الجيم؛ العنق، و "الريم" بكسر الراء؛ ظبي خالص البياض، قوله:"ليس بمعطال"

(5)

يعني ليس بكثير العطل، يقال: امرأة عطل لا حُليَّ عليها، وكذلك عاطل وعطول.

8 -

قوله: "بشباسَه" بباءين موحدتين مفتوحتين بينهما سين مهملة ساكنة وبعد الألف أخرى

(6)

مفتوحة؛ وهي امرأة من بني أسد.

9 -

قوله: "بآنسة" أي هي ذات أنس من غير ريبة، و "التمثال" الصورة، و "خطها" نقشها.

10 -

و "الذُّبُّال" بضم الذال المعجمة وتشديد الباء الموحدة؛ وهو جمع ذبالة وهي الفتيلة، والمعنى: في ذبال قناديل، وروى أبو عبيدة: في قناديل آبال، جمع أبيل مثل: شريف وأشراف، والأبيل: صاحب الناقوس

(7)

.

11 -

قوله: "غضا" بغين وضاد معجمتين؛ وهو شجر يحسن وقود حطبه وتبقى ناره، و "الجزل" الحطب الغليظ، و "الأجزال" جمع جزل، وهو أصل الخطيب.

12 -

قوله: "بمختلف الصُّوى" بضم الصاد المهملة وتخفيف الواو؛ وهو جمع صوة، وهو الآكام، و "القُفّال" بضم القاف وتشديد الفاء؛ جمع قافل من قفل.

(1)

في (أ): الظبي.

(2)

في (أ): فإذا.

(3)

في (أ): ثلعة.

(4)

في (أ): البنية.

(5)

في (أ): بمعطال فقط دون ليس.

(6)

في (أ): وبعد الألف سين أخرى.

(7)

اللسان، مادة:"أبل".

ص: 238

13 -

و "أصبى" من الصبوة، و "العِرس" بكسر العين المهملة وسكون الراء وفي آخره سين مهملة؛ وهي الزوجة، وقوله:"أن يُزَنّ" أي: أن يتهم، ومادته زاي معجمة، ونون مشددة، و "الخالي": الذي لا زوجة له.

14 -

[قوله: "لعوب" أي: مزاحة]

(1)

، قوله:"سربالي" أي قميصي.

15 -

و "الكشح" ما بين آخر الأضلاع إلى الورك، و "المفاضة" بالفاء؛ الواسعة البطن والجلد، قوله:"إذا انفتلت"

(2)

أي إذا تحركت، ويروى: إذا انصرفت، وإذا انْحَرفت، قوله:"مرتجة" أي: يترجرج لحمها، قوله:"غير متفال" أي: غير تفلة، يعني غير متطيبة

(3)

ومادته تاء مثناة من فوق [وفاء]

(4)

.

16 -

و "الضجيع": المضاجع، و "ابتزها" أي: انتزعها من ثيابها، ومنه قول النَّاس

(5)

: من عزّ بز؛ أي: من غلب سلب، و (هونة) أي: لينة سهلة، و (غير معطال) أي غير متعطلة من الحلي، وروى أبو عبيدة: غير محبال. قال الأصمعي: "المحبال": الغليظة

(6)

.

17 -

قوله: "كدعص النقا" الدعص: الكثيب الصَّغير من الرمل، ويقال: الدعص دون النقا، وهو المجتمع من الرمل، ويقال: الدعص الرملة المجتمعة ليست بالضخمة جدًّا، يشبه به أعجاز النساء، قوله:"الوليدان" أي الصبيان، قوله:"بما احتسبا"؛ أي: بما اكتفيا، قوله:"وتَسْهَال" بفتح التاء المثناة من فوق، بمعنى السهولة [وهو مصدر]

(7)

كالتمثال

(8)

والتكرار.

18 -

قوله: "استحمت" أي: عرقت، من الحميم وهو العَرَق، ويقال معناه: إذا اغتسلت بالحميم وهو الماء الحار، يريد: ما تناثر من الماء والعرق من جسدها يُشْبِه الجمان في بياضه وحسنه.

19 -

قوله: "تنورتها" يعني: نظرت إلى نارها، وإنَّما يعني بقلبه لا بعينه، ويقال: تنَوَّرتُ النَّارَ من بعيد؛ أي: تَبَصَرْتُهَا

(9)

، فكأنه من فرط الشوق يرى نارها، وقال ابن الأعرابي: معناه نظرت

(1)

ما بين المعقوفين مقدم في (ب) على تفسير معنى: "أن يزن".

(2)

في (ب): انفلتت.

(3)

في (أ): مستطيبة.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري (2/ 288) ورقمه (1698)، وهو مثل لعبيد بن الأبرص، ومعناه: من غلب سلب، وقيل: لجابر بن رألان، وقيل للمنذر بن ماء السماء.

(6)

الصحاح، مادة:"حبل".

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

في (أ، ب): كالتمثا، وصحيحها: كالتمثال.

(9)

مجمل اللغة لابن فارس، واللسان، مادة:"نور".

ص: 239

إلى ناحية نارها

(1)

، قوله:"من أذرعات" بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر العين وبالعين المهملة؛ بلدة بالشام

(2)

وهي مدينة كورة البثينة من دمشق أخذها يزيد بن أبي سفيان بالصلح، وذلك حين فتح المسلمون بُصْرَى، فأتاهم صاحب أذرعات فصولِح على ما صولح عليه أهل بُصْرى، على أن تكون أرض البثينة خراجًا، فمضى يزيد بن أبي سفيان إليها حتَّى دخلها، و "يثرب" مدينة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قوله:"أدنى دارها نظر عالي" يقول: كيف أراها وأدنى دارها نظر مرتفع؟ يقال: أتت على فلان سن عاليه، والعرب تقول: بيني وبينك نظر ونظران، وكذا وكذا: نظرًا؛ أي: قدر ما يدرك العين في الأرض المنفسحة، ويقال: معناه: أقرب دارها منا بعيد.

20 -

قوله: "تشب" أي توقد "لقُفّال" بضم القاف وتشديد الفاء؛ جمع قافل، وهو الذي قد رجع من غزوة.

21 -

قوله: "سموت" أي: نهضت، و "الحَبَاب" بفتح الحاء المهملة وتخفيف البَاء الموحدة؛ الطرائق التي في الماء كأنها الوشى.

22 -

قوله: "سَبَاكَ الله" أي: أبعدك الله، وأذهبك إلى غربة، ويقال: لعنك الله، وقال أبو حاتم: معناه: سلط الله عليك من يسبيك

(3)

.

24 -

قوله: "أسمحت" أي: سهلت ولانت، قوله:"هصرت بغصن" أي ثنيت غصنًا والباء زائدة.

25 -

قوله: "رضت" من راض يروض.

26 -

قوله: "فاجر" أي: كاذب، "ولا صالي" أي: ولا مصطلي، يقال: صلا النَّار يصلاها صلًا وصلاء.

27 -

و "القتام": الغبار، و "كاسف البال"؛ أي: سيئ المخاطر.

28 -

قوله: "يغطّ" يعني [ترى]

(4)

له غطيطًا من الغط؛ كما ترى للبكر إذا خنق فشدت الأنشوطة في عنقه، و "البَكر" بفتح الباء الموحدة؛ المفتي من الإبل، قوله:"ليس بقتال" أي: ليس بصاحب قتل.

(1)

لا يوجد في اللسان والصحاح ومجمل اللغة.

(2)

معجم البلدان (1/ 30)(أذرعات).

(3)

قال ابن منظور: وسباه الله يسبيه سببًا لعنه وغربه وأبعده الله. كما تقول: لعنه الله، ويقال: ماله سباه الله؛ أي: غربه، وسباه إذا لعنه، ومنه قول امرئ القيس "البيت" أي: أبعدك وغربك، واللسان:"سبى".

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 240

29 -

قوله: "وليس بذي رمح" أي: ليس بفارس، و "النبال": الرامي بالنبل.

30 -

قوله: "والمشرفي "بفتح الميم؛ هو السيف المنسوب إلى مشارف الشام، وهي قرى للعرب تدنو من الروم تتاخم الروم، فما طبع فيها فهو مشرفي، و "مسنونة" أي محدودة بالمسن، وأراد بها: المشاقص، و "الأغوال": الشياطين، وأراد بها التهويل، قال أبو نصر

(1)

سألت الأصمعي عن الأغوال، فقال: همرجة من همرجة الجن.

31 -

قوله: "قطرت فؤادها" بالقاف يعني: بلغت منها ما يبلغ القطران من الناقة الجربة؛ لأنها تسدر حتَّى يكاد يغشى عليها، وربما وجد طعمه في لحمها، وقوله:"قطرت" فعل من القطران، و "المهنوءة" من هنأت البعير أهنؤه هنأ، والاسم الهناء، و "الطَّائي" من طلى يطلي.

32 -

قوله: "يهذي" بالذال المعجمة؛ من الهذيان.

33 -

قوله: "أوانسًا" جمع آنسة، و "المحاريب": جمع محراب؛ وهو صدر المجلس وأفضله، و "الأقوال" جمع قيل وهو الملك، وكذلك:"الأقيال": جمع قيل، ولا يقال في الواحد إلَّا بالياء.

34 -

قوله: "دَجْن" بفتح الدال وسكون الجيم، وهو إلباس الغيم السماء، و "الجماء" المرأة التي ليس لمرفقيها حجم، ومنه شاة جماء لا قرنين لها، قوله:"مِكْسَال" بكسر الميم؛ أي: ليست بوثابة ولا سريعة.

35 -

قوله: "قليلة جرس الليل" الجَرَس والجرس: الصوت، و "الوسواس" صوت الحلي بها، و "السلسال" والسلسل واحد؛ وهو السهل اللين.

36 -

و "العرانين": الأنوف، و "القنا": جمع قناة، "لطاف الخصور" يعني: ضوامر البطون.

37 -

و "الأوانس": اللاتي بُؤنس بحديثهن، قوله:"وضَلَّا بتضلال" قال أبو عبيدة: ضل بفتح الضَّاد أراد: ضلالًا [بضلال]

(2)

، قال وما سمعت في "ضُل" بضم الضَّاد إلَّا في قولهم: ضُل ابن ضُل، إذا كان لا يدري من هو ومن أبوه.

38 -

و "الردى" الهلاك، و "الخلال": الخصال، و "قالي": فاعل من قلى إذا أبغض.

39 -

و "كاعبًا" من كعب ثديها فملأ اليد.

40 -

قوله: "ولم أسبأ" من سبأت الخمر أسبؤها سبأ إذا اشتريتها، و "الزق" الروي الذي

(1)

محمَّد بن محمَّد بن طرخان بن أوذلغ أبو نصر الفارابي (ت 339 هـ). الأعلام (7/ 20).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 241

يروي من شربة، قوله:"بعد إجفال" أي بعد انقلاع، يقال: أجفلوا إذا انقلعوا.

41 -

"والهيكل": العظيم، قوله:"نهد الجُزَارة" وهو بضم الجيم وفتح الزَّاي المعجمة وبعد الألف راء؛ وهي من الجزور القوائم والرأس.

42 -

و "الشظى": عظم لاصق بالذراع من باطنه مثل المخرز، فإذا تحرك ذلك العظم شظا كأنه فسخ، و "عبل الشوى": يعني غليظ القوائم، والشواة جلدة الرأس و "النسا" بفتح النون؛ عرق يخرج من الورك يستبطن الفخذ ويجري في الساق فينحرف عن الكتب ثم يخرج في الوظيف حتَّى يبلغ الحافر، فإذا هزلت الدابة ماج فخذها فخفي النسا، وإذا سمنت انفلقت الفخذ بلحمتين فرأيت بينهما كأنه حبل، قوله:"له حجبات" يقال في الورك ثلاثة أسماء: حرفاها اللذان يشرفان على الفخذين: الجارعتان

(1)

، واللذان

(2)

يشرفان على الظهر: الفربان، واللذان

(3)

يشرفان على الخاصرتين: الحجبتان، ويستحب منهما أن تظهرا من اللحم وتشرفا، ويكره منهما أن يغمرها اللحم وأن يدلكا، قوله:"الفالي" أراد القائل وهو عرق يخرج من فوارة الورك فيصير في الرجل، يقول: الحجبة قد أشرفت على هذا العرق.

43 -

قوله: "وصم صلاب" يعني: حوافره صلاب، و "الوجا" هو أن يشتكي قوائمه وحوافره

(4)

، قوله:"كأن مكان الردف" أي كأن عجزه عجز رأل من إشرافه على ظهره، والرأل: فرخ النعام، وجمعه: رئال ورئلان، وهو في الأصل مهموز، لكنَّه خفف الهمزة للقافية.

44 -

قوله: "أغتدي"؛ أي أغدو قبل خروج الطير، و "الوُكنات" بضم الواو وفتح الكاف؛ وهي الأعشاش، ويروى "أكنانها": جمع أكنة، قوله:"كغيث من الوسمى" وهو أول مطر الرَّبيع، و "رائده" أي مرتاده يجده خاليًا لا أحد فيه لخوفه يقال رجل [خالي]

(5)

إذا كان في خلاء.

45 -

قوله: "جاد" من الجود، و "الأسحم": السحاب الأسود، و "الهطال": السيال المتتابع القطر.

46 -

قوله: "بعجلزة" العجلزة بكسر العين المهملة وسكون الجيم وكسر اللام، وقيل بفتحها وبفتح العين -أيضًا- وفي آخره زاي معجمة؛ وهو فرس صلب، وكذلك العجلز، قوله:"أترز" بالراء قبل الزَّاي معناه: أيبس وثلاثيَّه: ترز إذا ليس، و "الهراوة"

(6)

بكسر الهاء

(7)

(1)

في (أ): الجاعران.

(2)

و

(3)

في (أ): واللتان.

(4)

في (أ): أو حوافره.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(6)

في (ب): والعراوة.

(7)

في (ب): العين.

ص: 242

التي يلف عليها الغزل، و "المنوال" بكسر الميم الأستيج، ويقال: هو الحائك.

47 -

قوله: "ذعرت" أي أفزعت، و "الشرب" بكسر السِّين المهملة؛ القطع من البقر والظباء والقطا والجاريات والنساء، و "الخال" بالخاء المعجمة؛ ضرب من البرود اليمانية.

48 -

و "الصِّوار" بكسر الصاد؛ القطع من البقر، و "الجمد" بضم الجيم والميم ما صلب من الأرض، و "الأجلال" جمع جل.

49 -

قوله: "لرَوْقَيه" تثنيه روق بفتح الراء؛ وهو القرن، و "القَرَى" بفتح القاف والراء؛ الظهر، قوله:"أخنس" من الخنس؛ وهو قصر في الأرنبة وتأخر في الوجه والبقر كلها خنس، قوله:"ذيال" يعني: ذنبه ذيال سابغ.

51 -

قوله: "فتخاء الجناحين" يعني: لينة الجناحين، و "اللقوة" بكسر اللام؛ العقاب، قوله:"شماليّ" بالتشديد، أصله شمالي، معناه: شمال، فزيدت فيه الياء؛ كما يقال: رجل ألدّ وألندد بالنون، ورواه المفضل: شمألي، ومعناه: سريعتي، يقال: ناقة شملال وشمللة

(1)

.

52 -

قوله: "تخطف" أي تختطف هذه العقاب التي يشبه بها فرسه، و "الخِزَّان"

(2)

بكسر الخاء وتشديد الزَّاي المعجمتين، [جمع]

(3)

خزن، وهو الذكر من الأرانب، قوله:"حجرت" بمعنى: توارت، و "أورال" موضع، يقال

(4)

: ثعالب ذلك الموضع لا ترعى من خوف ذلك العقاب.

53 -

قوله: "والحشف البالي" أي: العتيق، والحشف أردأ التمر.

55 -

قوله: "مجد مؤثل" أي: قديم له أصل.

56 -

و "حشاشة النَّفس" بغيتها

(5)

، و "الخطوب": الأمور، واحدها خطب، قوله:"ولا آلي" أي: ولا مقصر من ألى يألو.

الإعراب:

قوله: "تنورتها" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، و "من أذرعات" يتعلق بها.

والمعنى: نظرت إلى نارها من أذرعات وأهلها بيثرب، وأراد أن الشوق يخيلها إليه فكأنه ينظر إلى نارها، وهذا مثل ضربه لشدة شوقه، قوله:"وأهلها" مبتدأ وخبره قوله: "بيثرب" والجملة

(1)

الصحاح مادة "شمل".

(2)

في (ب): الخزار.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

في (أ): تقول.

(5)

في (أ): بقيتها.

ص: 243

حالية، قوله:"أدنى دارها" كلام إضافي مبتدأ، وقوله:"نظر عالي" خبره، وأراد أن القريب من دارها بعيد فكيف بها ودونها نظر عالي، [أي: مرتفع]

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أذرعات" حيث يجوز فيه الأوجه الثلاثة:

الأول: أن يعرب على اللغة الفصحى، فيكسر في الجر والنصب وينون، تقول: هذه أذرعاتٌ، ورأيت أذرعاتٍ، ودخلت في أذرعاتٍ، فيستوي جره ونصبه، ونحوه: عرفات؛ وذلك لأنَّه لما جمع بالألف والتاء ثم سمي به جعل اسمًا مفردًا، وأعرب بعد التّسمية بما كان يعرب به قبلها

(2)

.

والثاني: أنَّه يعرب ولكن يمنع منه التنوين فيجر وينصب بالكسرة

(3)

تقول: هذه أذرعاتُ، ورأيت أذرعاتِ، ودخلت في أذرعاتِ

(4)

.

والثالث: أنَّه يمنع من الصرف فيجر وينصب بالفتحة ولا ينون

(5)

، ومنع البصريون الثالث، وأجازه الكوفيون، وأنشدوا البيت المذكور بالفتح، أعني: من أذرعاتَ بفتح التاء، ويروى بالكسر من غير تنوين، وبه مع التنوين وهو المشهور.

‌الشاهد الخامس والثلاثون

(6)

،

(7)

ما أنت باليَقْظَانِ نَاظِرُه إذا

نَسيِتَ بِما تَهْوَاهُ ذِكْرَ العَوَاقِبِ

أقول: لم أقف على اسم قائله.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

قال سيبويه: (وقال [الخليل] في رجل اسمه مسلمات أو ضرباب: هذا ضرباتٌ ومسلماتٌ وكذلك المرأة لو سميتها بهذا انصرفت، وذلك أن هذه التاء لما صارت في النصب والجر جرًّا أشبهت عندهم الياء التي في مسلمين والياء في رجُلين، وصار التنوين بمنزلة النون؛ ألا ترى إلى عرفات مصروفة في كتاب إليه عز وجل وهي معرفة، الدليل على ذلك قول العرب: هذه عرفات مباركًا فيها، ومثل ذلك: أذرعات. ثم ذكر البيت: الكتاب (3/ 233) وهذا الوجه هو المشهور.

(3)

في (أ): بالكسر.

(4)

أثار سيبويه إلى هذا الوجه بقوله: "ومن العرب من لا ينون أذرعات ويقول: هذه قريشيات، كما ترى شبهوها بهاء التأنيث". الكتاب (3/ 234).

(5)

قال ابن مالك: "ومنهم من يقول: رأيت عرفاتَ ومررت بعرفاتَ فيلحق لفظه بلفظ ما لا ينصرف". شرح التسهيل (1/ 42)، وينظر ابن يعيش (1/ 46).

(6)

توضيح المقاصد (1/ 106).

(7)

البيت من بحر الطَّويل، مجهول القائل، وهو في حاشية الصبان (1/ 96).

ص: 244

وهو من الطَّويل من الضرب الثَّاني المماثل للعروض

(1)

، وفيه الثلم وهو حذف فاء فعولن، فيبقى "عولن" فينقل إلى: فعلن، ويختص بالجزء الأول بيانه

(2)

، تقول:"ما أن": فعل أثلم، "ت باليقظا": مفاعيلن، "ن ناظ" فعول مقبوض، "ره إذا": مفاعلن، "نسيت": فعول مقبوض، "بما تهوا": مفاعيلن، " هـ ذكر ال": فعولن، "عواقب": مفاعلن مقبوض

(3)

، وقد أنشده بعضهم:

وَما أنت باليَقْظَانِ .............

............................

بالواو فحينئذ لا ثلم فيه، ولكن الرّواية المشهورة الصحيحة بدون الواو.

قوله: "باليقظان" أي: بالحذر، قال كراع

(4)

: رجل يقظ إذا سهر من غم أو علة، أو كان ذلك عادة، وفي الأساسِ للزمخشري: أيقظه فاستيقظ وتيقظ، ورجل يقظان، وامرأة يقظى وقوم أيقاظ، والاسم اليقظة كالغلبة

(5)

.

قوله: "ناظره" الناظر من المقلة السوداء: الأصغر الذي فيه إنسان العين، ويقال للعين المناظرة، و "النِّسيان" بكسر النون؛ خلاف الذكر والحفظ، والنَّسيان بالفتح، كثير النسيان للشيء، قوله:"تهواه" من هوي يهوى هوًى كجوي يجوى جوًى إذا أحب، و "العواقب" جمع عاقبة وعاقبة كل شيء: آخره، والمعنى: ما أنت [بالرجل]

(6)

الذي يقظ ناظره إِذا غطى هواك على بصيرتك بسبب محبتك له، ونسيت ذكر عواقب ما يؤول إليه أمرك.

الإعراب:

قوله: "ما أنت" كلمة "ما" نافية بمعنى ليس، و "أنت": اسمها، و "باليقظان" خبرها، والباء فيه زائدة، والألف والسلام في اليقظان موصولة، فلوجودها انصرف يقظان وإلا لكان غير منصرف للوصف والألف والنون المزيدتين، قوله:"ناظره" مرفوع باليقظان: لأنَّ الصفة المشبهة بالفعل تعمل عمل فعلها كاسم الفاعل واسم المفعول، والتقدير: ما أنت بالذي تيقظ

(7)

ناظره، فلفظة يقظان مع فاعله صلة للموصول، والضمير المجرور بالإضافة عائد إليه.

قوله: "إذا" ظرف فيه معنى الشرط، و "نسيت" جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "ذكرَ

(1)

يقصد أن العروض مقبوضة وضربها مقبوض.

(2)

الوافي في العروض والقوافي (41).

(3)

القبض: وهو حذف الخامس الساكن. ينظر العروض الواضح (78).

(4)

هو علي بن حسن الهنائي المعروف بكراع النمل، صنف: المنضد في اللغة وغيره، و (ت 309 هـ). ينظر بغية الوعاة (2/ 158)، والأعلام (4/ 272).

(5)

أساس البلاغة للزمخشري، مادة:"يقظ".

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(7)

في (أ): يتيقظ.

ص: 245

العواقب" كلام إضافي مفعوله، والباء في: "بما تهواه" للسببية؛ أي: بسبب ما تهواه؛ أي تحبه، وكلمة "ما" تصلح أن تكون موصولة، و "تهواه" جملة من الفعل والفاعل والمفعول صلتها، ويصلح أن تكون مصدرية، والمعنى: إذا نسيت ذكر العواقب بسبب هواك.

فإن قلت: "إذا" ها هنا تضمنت معنى الشرط فأين جوابه؟

قلت: مقدر محذوف لدلالة السياق عليه، تقديره: إذا نسيت ذكر العواقب بسبب هواك ما أنت باليقظان ناظره، والعامل في "إذا" إما شرطها وإما ما في جوابها من الفعل

(1)

أو شبهه على الاختلاف المشهور بين القوم

(2)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ما أنت باليقظان" فإنَّه انصرف لوجود الألف والسلام وانجر بالكسرة، وأن الألف والسلام فيه موصولة التي تدخل على اسمي

(3)

الفاعل والمفعول

(4)

.

‌الشاهد السادس والثلاثون

(5)

،

(6)

رأَيتُ الوَليدَ بنَ اليزيدَ مُبَاركًا

شديدًا بأحنَاء الخلافَة كاهلُه

أقول: قائله وابن ميادة، واسمه الرَّمَّاح بن أبرد بن ثوبان بن سراقة بن حرملة، كذا قاله ابن بكار

(7)

.

(1)

في (أ): من فعل.

(2)

ذهب الجمهور إلى أن "إذا" الشّرطيّة مضافة للجملة التي بعدها، واختلف في العامل في "إذا"؛ فذهب الجمهور إلى أن العامل فيها جواب الشرط من فعل أو شبهه. وهو قول الأكثرين ورد هذا القول، وذهب المحققون إلى أن العامل فيها شرطها فتكون بمنزلة أيان ومتى وحيثما، قال المرادي:"وذهب الجمهور إلى أن "إذا" مضافة للجملة التي بعدها، والعامل فيها الجواب، وذهب بعض النحويين إلى أنها ليست مضافة إلى الجملة، بل هي محمولة للفعل الذي بعدها لا لفعل الجواب". الجنى الداني (369)، وينظر ارتشاف الضرب لأبي حيان (2/ 549)، ومغني اللبيب (96) وما بعدها.

(3)

في (أ): على اسم الفاعل والمفعول.

(4)

قال ابن مالك: "وتنوب الفتحة عن الكسرة في جر ما لا ينصرف، إلَّا أن يضاف أو يصحب الألف والسلام أو بدلها" شرح التسهيل (1/ 41) يعني أن الاسم الممنوع من الصرف إذا أضيف، أو صحبته الألف واللام المعرفة أو الزائدة أو الموصولة وجب جره بالكسرة كالبيت المذكور.

(5)

توضيح المقاصد (1/ 107).

(6)

البيت من بحر الطَّويل لابن ميادة، وانظره في سر الصناعة (2/ 451)، وخزانة الأدب (2/ 226)، والإنصاف (1/ 317) والهمع (1/ 24)، وشرح الأشموني (1/ 85).

(7)

هو عبد الرحمن بن بدر بن بكار النابلسي، شاعر له مدائح في الناصر الأيوبي وأولاده، توفي بدمشق سنة (619 هـ) الأعلام (3/ 300).

ص: 246

وقال ابن الكلبي: ثوبان بن سراقة بن سلمى بن ظالم بن جزيمة بن يربوع بن غيظ بن مرَّة بن عوف بن سعد بن ذُبْيَان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس غيلان

(1)

بن مضر، وأمه ميادة أم ولده بَربَريَّة، وروي أنها كانت صقلية، ويكْنى أبا شَراحيل، ويقال: أبا شرحبيل، وكان ابن ميادة يزعم أن أمه فارسية.

وهو شاعر متقدم من مخضرمي شعراء الدولتين، وجعله ابن سلام في الطبقة السابعة، وقرن به

(2)

عمر بن لجأ

(3)

والقحيف العقيلي

(4)

، والعجير السلولي

(5)

، وكان فصيحًا يحتج بشعره وقد مدح بني أميَّة، وبني هاشم، ومات في صدر من خلافة المنصور، والبيت المذكور من قصيدة هائية

(6)

، وهو أولها وبعده:

2 -

أَضَاءَ سِرَاجُ الملكِ فَوْقَ جَبِينَهُ

غَدَاةَ تَبَارَى بالنجاح قَوَابلهُ

(7)

3 -

عظيمٌ مُشَاشِ المنكبَيِن مخصر

كنَصْلِ اليمَانِ أنزع الرَّأس كَافِلُهُ

4 -

كَأَنَّ ثيَابَ الخزِّ وَهيَ ثيَابُهُ

عَلَى قضبِ الرِّيحَانِ أفْلَحَ سَائِلُهُ

وهي من الطَّويل، من الضرب الثَّاني المقبوض وقافيته من المتدارك والهاء فيه وصل وليست

(1)

في (أ): ابن قيس بن غيلان.

(2)

لا ذكر لابن ميادة في الطبقات، وعمرو بن لجأ في الطبقة الرابعة، طبقات فحول الشعراء (2/ 584).

(3)

عمرو بن لجأ بن تيم بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، من بطن يقال فيهم أيسر، لم تذكّر وفاته.

ينظر الشعر والشعراء لابن قتيبة (161)، وذكره ابن سلام من شعراء الطبقة الرابعة الإِسلامية (583).

(4)

هو القحيف بن خمير بن سليم الندي بن عوف بن حزن بن خفاجة، من بني عامر بن صعصعة، ذكره ابن سلام في الطبقة العاشرة. طبقات فحول الشعراء (770).

(5)

طبقات فحول الشعراء (593)، وهو العجير بن عبد الله بن عبيدة بن كعب بن عائشة بن الربيع بن ضبيط بن جابر بن عبد الله بن سلول من الطبقة الخامسة من فحول الإِسلام.

(6)

قال صاحب الخزانة: هذا البيت من قصيدة لامية (وليست هائية) لابن ميادة يمدح بها الوليد المذكور، وليس هو أول القصيدة كما زعم العيني، بل هو أول المديح، وقبله:

هممت بقول صادق أن أقول

وإني على رغم العدو لقائله

وبعده:

أضاء سراج الملك فوق جبينه

غداة كبارى بالنجاح قوابله

وأول القصيدة:

ألا تسأل الربع الذي ليس ناطقًا

وإني على ألا يبين لسائله

أي: إني مع عدم إبانته لسائله. انظر خزانة الأدب (2/ 226).

(7)

البيت في شرح شواهد المغني للسيوطي (164) وروايته:

أضاء سراجُ الملك فوق جبينه

غداة تناجى بالنجاة قوابلُه

ص: 247

رويًّا؛ لأنها ليست من نفس الكلمة، والوصل

(1)

يكون بالمدة الكائنة بعد النووي، والهاء الكائنة وصلًا هاء الإضمار، وهاء التأنيث وهاء [السكت]

(2)

.

1 -

قوله: "رأيت" بمعنى أبصرت، ويجوز أن يكون بمعنى علمت

(3)

، وأراد بالوليد هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، وكنيته أبو العباس، قوله:"بأحناء" جمع حِنو بكسر الحاء المهملة؛ وهو حنو السرج والقتب، وحنو كل شيء: اعوجاجه ويروى: "بأعباء الخلافة" جمع عبء بكسر العين وفي آخره همزة؛ وهو كل ثُقل من غرم أو غيره، وأراد "بأعباء الخلافة" أمورها الشاقة، و "الكاهل" ما بين الكتفين.

ومعنى البيت: أبصرت هذا الرجل في حال كونه مباركًا شديدًا كاهله بتحمل أمور الخلافة الشديدة، شبهه بالجمل الحمول، وشبه الخلافة بالقتب، وأراد أنَّه يحمل شدائد أمور الخلافة.

وحاصله: أن هذا الخليفة ميمون النقيبة على المسلمين، شديد دولته في جوانب ملكه، وعبر عن ذلك بشدة الكاهل على وجه الاستعارة؛ لأنَّ شدة الرجل في العادة باعتباره، فيعبر عن كل شديد في المعنى بشدة الكاهل

(4)

.

الإعراب:

قوله: "رأيت": فعل وفاعل وهو بمعنى أبصرت، فلذلك اكتفى بمفعول واحد وهو قوله:"الوليد"، قوله:"ابن اليزيد" كلام إضافي منصوب؛ لأنَّه صفة للوليد، قوله:"مباركًا" نصب على الحال، والعامل فيها رأيت، قوله:"شديدًا" نصب على أنَّه صفة لـ "مباركًا".

وقال ابن هشام: وينبغي أن يكون "شديدًا" مفعولًا ثانيًا، ولا يقال: إنه مفعول ثالث؛ لأنَّ شرط تعدد المفاعيل اختلاف تعلق بينها؛ ألا ترى أنك إذا قلت: أعطت زيدًا دينارًا، فتعلُّق الإعطاء يزيد غير تعلُّقِه بالدينار

(5)

.

قوله: "بأحناء الخلافة" كلام إضافي جار ومجرور يتعلق بقوله: "شديدًا"، و "كاهله" مرفوع

(1)

هو حرف المد (أو الهاء) الواقع بعد حرف الروي، ينظر ميزان الذَّهب (99).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

قال ابن مالك: "ومن المستعمل لليقين رأى كقوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: 6 - 7] أي: يظنونه ونعلمه

وقال: رأيت الشيء بمعنى أبصرته، ورأيت رأي فلان بمعنى اعتقدته، ورأيت الصيد بمعنى أحسبته في رأيته فهذه متعدية إلى واحد". شرح التسهيل لابن مالك (2/ 81)، وينظر: المغني (417).

(4)

ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (166)، والخزانة (2/ 226)، والدرر (1/ 87).

(5)

لم نجد هذا القول لابن هشام في مؤلفاته التي بين أيدينا، وهي: أوضح المسالك، وقطر الندى، والمغني، وانظره في الخزانة (2/ 227).

ص: 248

على أنَّه فاعل لقوله: "شديدًا" وهو صفة مشبهة تعمل عمل فعلها، ويجوز أن يكون رأيت بمعنى علمت؛ فحينئذ يكون له مفعولان: الأول: هو قوله: الوليد، والثاني: هو قوله: مباركًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "الوليد بن اليزيد" حيث أدخل الشاعر فيهما

(1)

الألف والسلام بتقدير التنكير فيهما، وهي في الحقيقة زائدة

(2)

.

‌الشاهد السابع والثلاثون

(3)

،

(4)

......................

تَبِيتُ بَلِيل أمأرمَدِ اعْتَادَ أَوْلَقا

أقول: قائله بعض الطائيين، ولم أقفْ على اسمه، وأوله:

أئِنْ شِمْتَ مِنْ نَجْدٍ بَرِيقًا تَأَلقا

...........................

وهي من الطَّويل، والقافية من المتدارك.

قوله: "أئن شمت" من شمت البرق أشيمُه شَيمًا إذا نظرته أين يصوب، قوله:"بريقًا" أي لمعانًا، ووجدته بخطِّ [بعض]

(5)

الفضلاء على صورة التصغير، قوله:"تألّقا" بتشديد اللام يقال تألق البرق إذا لمع.

قوله: "بليل أمارمد" أراد بليل الأرمد، والميم أبدلت من اللام، وهو لغة أهل اليمن، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:"ليس من امبر في امصيام في امسفر"

(6)

. وفي بعض الروايات: "تكابد ليل أمأرمد" من المكابدة، وهي من المعاناة

(7)

والمقاساة، قوله:"أولقًا" الأولق: الجنون، والبيت من القلوب، والمعنى: أئن لاح لك من هذه الجهة أدنى بريق بت بليلة رجل أرمد اعتاده الجنون.

(1)

في (أ): فيه.

(2)

أن الزائدة نوعان: لازمة كالتي في الأسماء الموصولة، وغير لازمة وهي ضربان: زائدة في نادر من الكلام، وزائدة للضرورة، وأل الداخلة على الوليد في البيت للمح الصفة، والتي في اليزيد ضرورة، وقيل: أن في الوليد واليزيد للتعريف وأنهما نكرا ثم أدخلت عليها أل كما ينكر العلم عند الإضافة. ينظر الجنى الداني (197، 198)، والمغني (51، 52)، وشرح شواهده (164) والخزانة (1/ 327).

(3)

توضيح المقاصد (1/ 108).

(4)

البيت من بحر الطَّويل، مجهول القائل، وهو في الدرر (1/ 17)، وشرح الأشموني (1/ 42)، والهمع (1/ 24).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

أخرجه البُخاريّ في كتاب الصوم برقم (1844)، وأيضًا في مسند الإمام أحمد (5/ 434).

(7)

في (أ): وهي المعاناة.

ص: 249

الإعراب:

قوله: "أئن شمت" الهمزة فيه للاستفهام على وجه الإنكار، وإن: حرف شرط، وشمت جملة من الفعل والفاعل؛ فعل الشرط، و "من نجد" يتعلق به، وقوله:"بريقًا" مفعول شمت وهو بضم الباء الموحدة وفتح الراء؛ تصغير برق، صغر للتقليل والتحقير، قوله:"تألقا" جملة وقعت صفة لـ "بريقًا"، قوله:"تبيت" جواب الشرط

(1)

.

قوله: "بليل أمأرمد" أي في ليل أمأرمدٍ، وأرمد لا ينصرف للصفة والوزن، ولكن لما دخلت عليه أم المعرفة جر بالكسرة، كما يفعل به ذلك مع الألف والسلام، قوله:"اعتاد" فعل ماض وفيه ضمير مستتر يرجع إلى الأرمد، وهو فاعله وقوله:"أولقا" مفعوله، والجملة وقعت حالًا لأنَّه اكتسى حلية التعريف في اللفظ، ويحتمل الوصف؛ لأنَّه نكرة في المعنى، ومثله:{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37]، وقوله:{كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5].

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بليل أمأرمد" فإن أرمد لا ينصرف، ولكن لما دخله الميم التي هي عوض اللام على لغة أهل اليمن انجر بالكسرة، كما ينجرّ فيما إذا دخله اللام نحو: مررت بالأحسن، ثم ما لا ينصرف إذا دخله "أل" أو عِوضه وانجر بالكسرة، هل يسمى منصرفًا أو لا؟ فيه خلاف مشهور

(2)

.

‌الشاهد الثامن والثلاثون

(3)

،

(4)

وعِرقُ الفَرَزدَق شرُّ العُروقِ

خَبِيثُ الثّرَى كَابِئُ الأزْنُدِ

أقول: قائله هو جرير بن عطية يهجو فرزدقًا والبعيث والأخطل، وهو من قصيدة دالية، وهي طويلة، وأولها

(5)

:

(1)

وإنما جاء بالجواب مرفوعًا؛ لأنَّ الشرط ماض وهو جائز، ومثل البيت قوله:

وإن أتاه خليل يوم مسغبة

يقول ...........................

(2)

ذهب سيبويه والمحققون من النحاة إلى أن الاسم الممنوع من الصرف إذا أضيف أو اقترن بأل صُرف؛ لأنَّ الاسم لما دخله الألف والسلام والإضافة، وهما خاصة للاسم، بَعُدَ عن الأفعال وغلبت الاسمية فانصرف، وذهب بعض النحاة إلى أنَّه ممنوع من الصرف وباقي على منعه. ينظر الكتاب (3 - 221)، والكامل للمبرد (1227)، ابن يعيش (1/ 58) توضيح المقاصد (1/ 109)، وهمع الهوامع (1/ 24).

(3)

توضيح المقاصد (1/ 113).

(4)

البيت من بحر المتقارب لجرير بن عطية الخطفي، وهو في الدرر (1/ 76)، وهمع الهوامع (1/ 53).

(5)

ديوان جرير (100)(شرح مهدي ناصر) و (842)، تحقيق: د. نعمان طه (دار المعارف).

ص: 250

1 -

زَارَ الْفَرَزْدقُ أهلَ الحِجَازِ

فَلَمْ يَحْظَ فِيهْم وَلمْ يُحْمَدِ

2 -

وَأَخْزَيْتَ قَوْمَكَ عِندَ الحَطِيمِ

وبين البَقيعَين والغَرْقَدِ

3 -

وَجَدْنَا الفَرزدقَ بالموْسِمينْ

خَبيثَ المدَاخِل والمَشْهَدِ

4 -

نَفَاكَ الأَغَرُّ بنُ عَبْد العَزيز

بِحَقِّكَ تُنْحى عَن المسَجْد

(1)

5 -

وَشَبّهْتَ نفسك أشقَى ثمودَ

فقالوا ضَللْتَ ولم تَهْتَدِ

6 -

وقد أُجِلُّوا حين حَلّ العَذَابُ

ثلاثَ لَيالٍ إلى الموْعِدِ

7 -

وَشبّهْتَ نفسَك حوقَ الحمار

خَبِيثَ الأواريِّ وَالمِرْوَدِ

8 -

وجدنَا جُبَيْرًا أبا غالِبٍ

بعيدَ القَرَابَةِ من مَعْبَدِ

9 -

أتجعلُ ذا الكير من مالكٍ

وأين سُهَيْلُ منَ الفَرْقد

10 -

وشرُّ الفلاءِ ابنُ حوقِ الحِمارِ

وتلْقى قُفيَرة بالمَرْصَدِ

11 -

وعِرْقُ الفَرَزْدق شَرُّ العُرُوق

خبيثُ الثرى كابى الأزنُدِ

وهي من المتقارب، وهي الدائرة الخامسة وهي دائرة المتفق المشتملة على بحْرَي المتقارب والمتدارك، وأصله في الدائرة:"فعولن" ثمان مرات، وفيه الحذف والثلم

(2)

.

2 -

قوله: "والغرقد" بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفتح القاف؛ وهو شجر، وبقيع الغرقد: مقبرة أهل المدينة.

7 -

قوله: "الأواري" بفتح الهمزة؛ وهي محابس الخيل ومرابطها، واحدها: آرى، و "المرود" بكسر الميم هي الحديدة التي تدور في اللجام، ومحور البكرة إذا كان من حديد.

10 -

قوله: "حُوق الحمار" الحوق بالضم؛ ما أحاط بالكمرة من حروفها.

11 -

قوله: "وعرق الفرزدق" أراد به أصله، يعني أصل الفرزدق شر الأصول، قوله:"خبيث الثرى" بالثاء المثلثة؛ أي خبيث التربة، وأراد به الأصل أيضًا، ويقال للرجل إذا كان رديء الأصل: خبيث التراب، قوله:"كابي الأزند" من كبا الزند إذ لم يخرج ناره، والأزند بضم النون؛ جمع زند، قال الجوهري: الزند: العود الذي يقدح به النار وهو الأعلى، والزندة

(1)

روايته في الديوان: تنفى بدلًا من تنحى.

(2)

الوافي في العروض والقوافي (37) وما بعدها، والثلم أو الخرم هو حذف أول متحرك من الوتد المجموع في أول البيت. الوافي (41).

ص: 251

السفلى فيها ثقب وهي الأنثى، فإذا اجتمعا قيل: زندان، ولم يقل زندتان، والجمع زِناد، وأزنُد، وأزْنَاد

(1)

.

الإعراب:

قوله: "وعرق الفرزدق" كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله:"شر العروق"، قوله:"خبيث الثرى، كلام إضافي خبر بعد خبر، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: هو خبيث الثرى، ويجوز أن ينتصب على الذم، وكذا الكلام في قوله: "كابي الأزنُد" على الذم لا يبقى فيه شاهد؛ لأن الشاهد فيه إذا كانت الياء مضمومة، وذلك لأن علامة الرفع هي الضمة المقدرة في الياء، ويجعلون ذلك لأجل الاستثقال لا لأجل تعذر إمكان النطق بها، ألا ترى أنها قد ظهرت ها هنا في قوله: كابي الأزند، ولكنه محمول على الضرورة، وفي السعة لا تظهر الضمة بل تقدر؛ كما في قوله تعالى:{يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} [القمر: 6] فإن الداعي مرفوع لأنه فاعل، وعلامة الرفع الضمة المقدرة على الياء

(2)

.

‌الشاهد التاسع والثلاثون

(3)

،

(4)

فَيَوْمًا يُوَافِينَ الهَوَى غَيْرَ مَاضِي

(5)

وَيَوْمًا تَرَى مِنْهُنَّ غُولًا تَغَوَّلُ

أقول: قائله هو جرير بن عطية.

وهو من قصيدة طويلة من الطويل يهجو بها الأخطل، وأولها قوله

(6)

:

1 -

أَجِدَّكَ لا يَصْحُو الفُؤَادُ المعُلَّلُ

وَقَدْ لاحَ من شَيْبٍ عذارٌ وَمِسْحَلُ

(1)

الصحاح مادة: "زند".

(2)

تقدر الحركات فوق حروف العلة الواو والياء، ولا يجوز ظهورها في الأسماء المعتلة الآخر إلا لأجل الضرورة، ومن ظهور الرفع الضمة على الياء لأجل الضرورة بيت الشاهد. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 56، 57)، والدرر (1/ 167)، والهمع (1/ 53).

(3)

توضيح المقاصد (1/ 114).

(4)

البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة يهجو فيها جرير الأخطَل، وانظر بيت الشاهد في الكتاب (3/ 314)،

وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 56)، وابن يعيش (10/ 101)، والمقتضب (1/ 144)، (3/ 354)، والخصائص (3/ 159)، والمنصف (2/ 80، 114)، وابن الشجري (1/ 76).

(5)

في (ب) ماضئ.

(6)

الديوان (343) شرح مهدي ناصر، و (140)، تحقيق: د. نعمان طه، وروايته:

فيومًا يجارين الهوى غير ما صبا

........................

ص: 252

2 -

أَلا لَيْتَ أَنَّ الظَّاعِنِينَ بذي الغَضَا

أَقَامُوا وَبَعْضُ الآخَرِينَ تَحَمَّلُوا

3 -

فَيَوْمًا يُجَازِينَ الهَوَى غير ماضي

وَيَوْمًا تَرَى مِنْهُنَّ غُولًا تَغَوَّلُ

4 -

أَلا أَيُّهَا الوَادِي الذِي بَانَ أَهْلُهُ

فَسَاكِنٌ مَغْنَاهُمْ حَمَامٌ وَدُخَّلُ

5 -

فَمَنْ رَاقَبَ الجَوْزَاءَ أَوْ بَاتَ لَيْلَهُ

طَويلًا فَلَيْلِي بالمُجَازَاةِ أَطْوَلُ

1 -

قوله: "أجدك" معناه: أبجد منك، ونصبها على طرح الباء، قال أبو عمرو: معناه: ما لك أحقًّا منك، ونصبها على المصدر

(1)

، قوله:"ومسحل" بكسر الميم وسكون السين وفتح الحاء المهملتين، قال ابن عباد

(2)

: مسحل الرجل: عارضه.

2 -

قوله: "بذي غضا" بفتح الغين والضاد المعجمتين؛ وهو اسم وادٍ بنجد.

3 -

قوله: "يوافين الهوى" أي يجازين الهوى، وهكذا هو وقع في رواية الزمخشري، وهو من المجازاة بالزاي المعجمة

(3)

، قال ابن بري: ويروى: يجارين بالراء، ومجازاتهن الهوى يعني بألسنتهن، أي يجارين الهوى بألسنتهن ولا يمضينه، قوله:"غير ماضي" من مضى يمضي، ويروى: غير ما صبا، من صبا يصبو بالصاد المهملة أي: من غير صبا منهن إليّ، وقال ابن القطاع: الصحيح: "غير ما صبا" وقد صحفه جماعة.

قلت: وهكذا هو في ديوانه كما ذكرنا آنفًا، فعلى هذا لا استشهاد فيه.

قوله: "غولًا" بضم الغين؛ وهو من السعالي جمع سعلاة وهي أخبث الغيلان، قوله:"تغول" أصله تتغول فحذفت إحدى التائين كما في: {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] وهو من تغولت الإنسان الغول، أي ذهبت به وأهلكته.

المعنى: أنه يصف النساء بأنهن يومًا يجازين العشاق بوصل مقطع ويومًا يهلكنهم بالصدود والهُجران، قوله:"ودخل" بضم الدال وتشديد الخاء المعجمة؛ وهو طائر صغير ويجمع على: دخاليل.

الإعراب:

قوله: "فيومًا" الفاء للعطف و "يومًا" منصوب على الظرف، قوله:"يوافين" جملة من

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 189).

(2)

هو إسماعيل بن عباد بن العباس بن عباد بن أحمد بن إدريس، له: المحيط في اللغة وجوهرة الجوهرة وغيرهما (ت 380 هـ). ينظر البغية (1/ 449).

(3)

ينظر المفصل للزمخشري (386)، وشرحه لابن يعيش (10/ 101).

ص: 253

الفعل والفاعل والضمير فيه يرجع إلى النساء، وقوله:"الهوى" فيه حذف تقديره: ذا الهوى؛ أي ذا العشق، أي صاحبه، وهو منصوب على أنه مفعول لقوله: يوافين.

قوله: "غير ماضي" كلام إضافي منصوب؛ لأنه مفعول ثان لقوله: "يوافين"؛ لأن فعل الموافاة والجزاء يقتضي مفعولين، تقول: وافاك الله خيرًا، وجزاك

(1)

خيرًا، وهو في الحقيقة صفة لمصدر محذوفٍ تقديره: وصلًا غير ماضي، أو يكون التقدير: يوافين موافاة غيرَ ماضي، أو يجازين جزاء غير ماضي، قوله:"ويومًا" عطف على قوله: "فيومًا".

قوله: "ترى" فعل مخاطب وفاعله مستتر فيه، قوله:"غولًا" مفعوله الأول، وقوله:"تغول" جملة فعلية في محل النصب على أنها مفعول ثانٍ لقوله ترى، قوله:"منهن" يتعلق بقوله ترى؛ أي من النساء.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "غير ماضي" حيث حركت الياء في "ماضي" للضرورة، والقياس إسكانها؛ لأنه فاعل من مضى يمضي؛ كقاضٍ من قضى يقضي، فبعد الإعلال يصير ماضيًا وتحذف منه الياء، ويكتفى بالنون فافهم

(2)

.

‌الشاهد الأربعون

(3)

،

(4)

أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالأَنْبَاءُ تَنْمِي

بِمَا لاقَتْ قَلُوصُ بَنِي زِيَادِ

أقول: قائله هو قيس بن زهير العبسي شاعر جليل.

وهو من قصيدة دالية من الوافر، وأولها هو البيت المذكور، وبعده

(5)

:

(1)

في (أ) وجزاك الله خيرًا.

(2)

يريد بالنون التنوين، وأصله لما ثقلت الضمة والكسرة على الياء حذفتا، فالتقى ساكنان الياء والتنوين، فحذفت الياء، وبقي التنوين ليدل على تمكن الكلمة، وأما الفتحة فبقيت لخفتها وبقيت معها الياء، وبيت الشاهد دليل على جواز إظهار الجر على الياء. ينظر ابن يعيش (10/ 101)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 55، 56)، والكتاب (3/ 314).

(3)

توضيح المقاصد (1/ 117)، وأوضح المسالك (1/ 55)، وروايته في (أ):

ألم يأتيك والقلوص ..... ................................

(4)

البيت من بحر الوافر من قصيدة لقيس بن زهير العبسي، وانظر بيت الشاهد في: الكتاب (3/ 316) والخصائص (1/ 333، 337)، والمحتسب (1/ 67، 196، 315)، والمنصف (2/ 81)، وابن الشجري (1/ 84)، والإنصاف (3)، وشرح شواهد الشافية (408)، وابن يعيش (8/ 24)، (10/ 104)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 52)، وشرح التصريح (1/ 87).

(5)

انظر أبياتًا من القصيدة المذكورة في: خزانة الأدب (8/ 366)، وأمالي ابن الشجري (1/ 117).

ص: 254

2 -

وَمَحْبَسُهَا على القرشي تُشْرَى

بأَدْرَاع وَأَسْيَافٍ حِدَادٍ

3 -

كَمَا لاقِيتُ منْ حَمْلِ ابنِ بَدْرٍ

وَإخْوَتِهِ عَلَى ذَاتِ الإِصَادِ

4 -

فَهُمْ فَخِرُو عَلَيَّ بغيرِ فَخْرٍ

وَرَدُّوا دُونَ غَانِيَةٍ جَوَادِي

5 -

وَكُنْتُ إذا مُنِيتُ بخصمٍ سَوْءٍ

دلِفْتُ لَهُ بدَاهِيَةٍ نآدِي

(1)

6 -

وَقَدْ دَلِفُوا إلَيَّ بِفِعْلِ سَوْءِ

فَألْفَوْنِي لهم صعبَ القيَادِ

7 -

أُطَوِّفُ مَا أُطَوِّفُ ثُمَّ آوي

إلَى جَارٍ كَجَارِ أَبِي دُؤَادِ

8 -

جَزَيْتُكَ يَا رَبِيعُ جَزَاءَ سُوءٍ

وَقَدْ تُجْزَى المقَارِضُ بالإِيادِي

9 -

وَمَا كَانَتْ بفَعْلَةٍ مثلُ قَيْسٍ

وَإنْ تَكُ قدْ غدرتَ ولم تُعَادِي

10 -

أَخَذْتُ الدِّرَعَ مِنْ رَجُلٍ أَبِيٍّ

وَلَمْ تَخْشَ العُقُوبةَ في المِعَادِ

11 -

وَلَوْلا صِهْرُهُ مِنِّي لَكَانَتْ

بهِ العَثَرَاتُ في سُوءِ المقَادِ

وقصته أن قيس بنَ زهير قال هذا الشعرَ فيما كان شجر بينه وبين الربيع بن زياد العبسي، وذلك أن أحيحة بن الجلاح كان وهب لقيس بن زهير دروعًا

(2)

يقال له: ذات الحواشي، فأخذها منه الربيع بن زياد، وأبي أن يردها عليه، فأغار قيسٌ على إبل الربيع بن زياد، وأخذ له أربعمائة ناقة، وقتل رُعاتها وفرّ إلى مكة، فابتاعها من حرب بن أمية وهشام بن المغيرة بخيل وسلاح وقال في ذلك، ويقال: ابتاعها من عبد الله بن جدعان.

1 -

قوله: "والأنباء" بفتح الهمزة؛ جمع نبأ وهو الخبر، قوله:"تنمي" بفتح التاء المثناة الفوقية

(3)

، من نَمَيْتُ الحديث أَنْمِيهِ بالتخفيف إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير، فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة قلت: نمَّيْته بالتشديد، قاله أبو عبيد وابن قتيبة

(4)

.

قوله: "قلوص بني زياد" القلوص بفتح القاف وضم اللام؛ هي الناقة الشابة، ويقال: لا تزال قلوصًا حتى تصير بازلًا، ويجمع

(5)

على: قِلاص وقلائص وقُلُص، ويروى: بما لاقت لبون بني زياد، اللبون

(6)

بفتح اللام؛ الناقة ذات اللبن، ويسمى ابنها: ابن اللبون، وبنتها: بنت لبون، وهما إذا أتى عليهما سنتان، ودخلا في الثالثة فصارت أمهما لبونًا، أي ذات لبن؛ لأنها تكون قد حملت حملًا آخر ووضعته، و "بنو زياد" هم الربيع وإخوته، وهم الذين أغار قيس بنُ زياد على إبلهم.

(1)

في (أ): أوتادي.

(2)

في (أ): درعًا.

(3)

في (أ): المثناة من فوق.

(4)

ينظر الصحاح، مادة:"نمى".

(5)

في (أ): وتجمع.

(6)

في (أ): واللبون.

ص: 255

2 -

قوله: "ومحبسها على القُرَشِيّ" أي محبس قلوص بني زياد، أراد حبسها، وأراد بالقرشي: حرب بن أمية، أو عبد اللَّه بن جدعان، و "الأدراع" جمع درع، و "الأسياف" جمع سيف، و "حداد" جمع حديدة، من حدّ السيف يَحُدّ حِدَّة إذا صار حادًّا أو حديدًا.

3 -

قوله "الإصاد" بكسر الهمزة، قال الجوهري: ذات الإصاد هو الموضع الذي كان فيه غاية في الرهان بين داحس فرس قيس بن زهير العبسي، والغبراء فرس حذيفة بن بدر الفزاري، وبسببها كانت الوقعة المشهورة في العرب بداحس والغبراء، ودامت بينهم أربعين سنة، و "الإصاد" أجمة

(1)

كثيرة الحجارة بين أجبل

(2)

.

5 -

قوله: "إذا منيت" بضم الميم وكسر النون؛ أي إذا ابتليت، قوله:"دلفت له" أي تقدمت له، يقال: دلفت الكتيبة في الحرب؛ أي تقدمت، قوله:"نأدى" بفتح النون والهمزة، قال الجوهري: النآدى: الداهية، ويكون ذكرها للتأكيد

(3)

.

6 -

قوله: "وقد دلفوا" أي تقدموا إليّ.

الإعراب:

قوله: "ألم يأتيك" الهمزة للاستفهام، ويأتيك: جملة من الفعل والمفعول والفاعل، قوله:"بما لاقت" الباء فيه زائدة، قوله:"والأنباء تنمي" جملة معترضة بين الفعل ومرفوعه، ويحتمل أن يكون:"يأتي وتنمي" قد تنازعا في قوله: "ما لاقت" فأعمل الثاني وأضمر الفاعل في الأول فحينئذ لا يكون اعتراض، ولا حكم بزيادة الباء، فافهم

(4)

قوله: "قلوص بني زياد" كلام إضافي وارتفاع قلوص بقوله: لاقت.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ألم يأتيك" حيث أثبت الشاعر الياء مع الجازم

(5)

، وفي سر الصناعة رواه يعني أصحابنا:"ألم يأتك"؟ على ظاهر الجزم، فحينئذ لا استشهاد فيه

(6)

، وعن الأصمعي: أهل أتاك والأنباء تنمي؟ ولا استشهاد فيه أيضًا.

(1)

في (أ): أكمة.

(2)

الصحاح مادة "أصد".

(3)

الصحاح، مادة:"نأد".

(4)

اختلف البصريون والكوفيون في أي العاملين أولى بالعمل في المعمول؟ فاختار البصريون الثاني لقربه، واختار الكوفيون الأول لتقدمه. ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 74) توضيح المقاصد (2/ 65) وفي البيت أعمل الثاني وأضمر في الأول، ولم يفصل بين العامل الثاني ومعموله.

(5)

ينظر الضرائر (62، 63).

(6)

سر صناعة الإعراب (87، 631).

ص: 256

‌الشاهد الحادي والأربعون

(1)

،

(2)

........................

لمْ تَهْجُو ولمْ تَدَعِ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وتمامه:

هَجَوْتَ زَبَّانَ ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِرًا

مِنْ هَجْو زَبَّانَ ................

وهو من البسيط.

و"زبان" بفتح الزاي وتشديد الباء الموحدة؛ اسم رجل، واشتقاقه من الزبب وهو طول الشعر وكثرته.

الإعراب:

قوله: "هجوت" فعل وفاعل، و "زبان" مفعول به، قوله:"ثم جئت" عطف على هجوت، قوله:"معتذرًا" نصب على الحال من الضمير الذي في جئت، وقوله:"من هجو" جار ومجرور متعلق بقوله "معتذرًا" و "زبان" مضاف إليه، وهو مفتوح في موضع الجر؛ لأنه منع من الصرف لأجل العلمية والألف والنون المزيدتين.

قوله: "لم تهجو" جملة من الفعل والفاعل، والمفعول محذوف تقديره: لم تهجوه، وكذا الكلام في قوله:"ولم تدع" أي: ولم تدعه، أي لم تتركه من الهجو، وأراد بهذا الكلام الإنكار عليه في هجوه، ثم اعتذاره عنه؛ حيث لم يستمر على حالة واحدة، فلا هو استمر على هجوه ولا هو تركه من الأول، فصار بين الأمرين، فلا ذم في هجوه لأجل اعتذاره، ولا شكر على اعتذاره لسبق هجوه.

فإن قلت: ما موقع

(3)

الجملتين من الجمل الأولى؟.

قلت: وقعتا كاشفتين؛ فلذلك تركا العاطف بينهما فافهم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لم تهجو" حيث أثبت الشاعر الواو مع الجازم، وقد تقرر في القاعدة أن الياء والواو والألف التي تقع في آخر المضارع تحذف عند الجوازم نحو: لم يغز، ولم يرم، ولم يخش،

(1)

توضيح المقاصد (1/ 118).

(2)

البيت من بحر البسيط، لأبي عمرو بن العلاء في نزهة الألباب (24)، وانظره في معجم الأدباء (11/ 158)، ومعاني القرآن (1/ 162)، (2/ 188)، وابن الشجري (1/ 85)، والإنصاف (15)، وشرح شواهد الشافية (4/ 406)، الضرائر الشعرية لابن عصفور (45).

(3)

في (أ، ب): "ما وقعت".

ص: 257

وإثباتها معها شاذ فلا يرتكب إلا للضرورة

(1)

.

‌الشاهد الثاني والأربعون

(2)

،

(3)

............................ .... ولا تَرْضَاهَا وَلا تَمَلَّقِ

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز، وأوله:

1 -

إذا العَجُوزُ غَصِبَتْ فَطَلِّقْ

وَلا تَرْضَاهَا ولا تَمَلَّق

2 -

واعْمِدْ لأُخْرَى ذَاتِ دل مونق

لَيِّنَة المسِّ كمَسِّ الخِرْنِق

وهي من الرجز المسدس، وفيه الخبن والخبل باللام.

المعنى: إذا غضبت العجوز وخاصمتك فطلقها ولا ترفق بها واقصد لغيرها من ذوات الدلال الأنيقة، و "الخرنق" بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء وكسر النون؛ ولد الأرنب.

الإعراب:

قوله: "إذا" للشرط، و "العجوز" مرفوع بفعل يفسره الظاهر بعده، أي إذا غضبت العجوز، قوله:"فطلق" جواب الشرط، وفاعل "طلق" أنت مستتر فيه، قوله:"ولا ترضاها" جملة من الفعل والفاعل والمفعول عطف على قوله: "فطلق"، قوله:"ولا تملق" عطف على قوله: "ولا ترضاها"، أصله: ولا تتملق، فحذف إحدى التاءين.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولا ترضاها" حيث أثبت الشاعر فيه الألف وقدر الجزم تشبيهًا بالياء في قول الآخر

(4)

:

أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالأَنْبَاءُ تَنْمِي

................................

وقال ابن جني: وقد روي على الوجه الأعرف: ولا ترضَّها ولا تملق

(5)

وقد أجاب بعضهم عن هذا بأن "لا" في قوله: "ولا ترضاها" نافية وليست بجازمة، والواو فيه للحال، والتقدير حينئذ: فطلقها حال كونك غير مترض عنها، ويكون قوله:"ولا تملق" جملة نهي معطوفة

(1)

يراجع الضرائر (44، 45)، والتسهيل وشرحه لابن مالك (1/ 55)، والإنصاف (14).

(2)

توضيح المقاصد (1/ 119).

(3)

الأبيات من بحر الرجز لرؤبة بن العجاج، وهي في الديوان (179) المسمى (مجموع أشعار العرب) بيروت:(1979 م).

(4)

ينظر الشاهد رقم (40) السابق.

(5)

ينظر سر الصناعة (78).

ص: 258

على جملة الأمر التي هي قوله: "فطلق"

(1)

.

فإن قلت: هل يجوز عطف [النهي على]

(2)

الأمر؟

قلت: هذا لا خلاف فيه

(3)

، وإنما الخلاف في عطف الخبر على الإنشاء وفي عكسه، فمنعه أهل المعاني والبيان

(4)

، ووافقهم على ذلك ابن عصفور وابن مالك

(5)

، وابن عصفور نقل هذا عن الأكثرين، وأجازه الصفار

(6)

وجماعة

(7)

.

وأما عطف الاسمية على الفعلية وبالعكس ففيه ثلاثة أقوال: الجواز مطلقًا، والمنع مطلقًا، والثالث قاله أبو علي: إنه يجوز في الواو فقط، وأضعفها القول الثاني

(8)

.

‌الشاهد الثالث والأربعون

(9)

،

(10)

مَا أَقْدَرَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِي عَلَى شَحَطٍ

مَنْ دَارُهُ الحَزْنُ مِمَّنْ دَارُهُ صُولُ

أقول: قائله هو حُنْدُج بن حُنْدُج المري، وهو من قصيدة لامية، وأولها هو قوله:

1 -

فيِ لَيْلِ صُولٍ تنَاهَى العَرْضُ والطُّولُ

كأنما ليلُهُ بالحَشْرِ موصولُ

2 -

لا فَارقَ الصبحُ كفي إِنْ ظَفَرْتَ

بِهِ وَإنْ بدتْ غُرَّةٌ منهُ وتحجيلُ

3 -

لساهرٍ طال في صولٍ تململُهُ

كأنه حيةٌ بالسَّوطِ مقتولُ

4 -

متَى أرى الصبحَ قدْ لاحتْ مخايلُه

والليلُ قدْ مُزِّقتْ عنهُ السرابيلُ

5 -

ليلٌ تحيرَ ما ينحطُّ في جِهَةٍ

كأنهُ فوق متنِ الأرضِ مشكولُ

(1)

ينظر في ذلك: الضرائر الشعرية لابن عصفور (46، 47).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر هامش ابن يعيش (1/ 106، 107).

(4)

ينظر دلائل الإعجاز للجرجاني، تحقيق: محمود شاكر، وينظر شرح الأشموني وحاشية الصبان (3/ 121). وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 140).

(5)

ينظر الكتاب (2/ 60)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 249 - 261) والمغني بحاشية الأمير (2/ 99).

(6)

هو قاسم بن علي بن محمد بن سليمان الأنصاري البطيوسي الشهير بالصفار، صحب الشلوين، وابن عصفور، وشرح كتاب سيبويه شرحًا وافيًا حسنًا يقال: إنه من أحسن شروحه، (ت 630 هـ). ينظر بغية الوعاة للسيوطي (2/ 356).

(7)

ينظر الكتاب (2/ 60)، والواو د. عبد المعطي سالم (226)، والمغني بحاشية الأمير (2/ 100)، وحاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي (6/ 201).

(8)

ينظر في ذلك: المغني بحاشية الأمير (2/ 100، 101).

(9)

توضيح المقاصد (1/ 120).

(10)

البيت من بحر البسيط.، وهو من قصيدة لامية لحندج المري، وانظره مع القصيدة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1828)، مقطوعة (826) ط. دار الجيل بيروت.

ص: 259

6 -

نُجُومُهُ رُكَّدٌ ليستْ بزائلةٍ

كأنما هنَّ في الجوِّ القناديلُ

7 -

ما أقدرَ اللهَ أنْ يُدني على شَحَطٍ

مَنْ دَارُهُ الحَزْنُ ممَّنْ دارُه صُولُ

8 -

اللهُ يطوي بساط الأرضِ بينهما

حتى ترى الرَّبْعَ منه وهو مَأْهُولُ

وهي من البسيط والقافية متواترة.

1 -

قوله: "تناهى العرض والطول" جعل الليل من المجسمات حتى جعله ذا طول وعرض.

2 -

قوله: "لا فارق الصبح كفي "يجوز أن يكون [دعاء]

(1)

أي: لا فارق اللَّه بيني وبينه ويجوز أن يكون إخبارًا، والمعنى: أنه يتشبث به فلا يفارقه، وعني بالغرة والتحجيل: تباشير الصباح ممتزجة بالظلام.

3 -

و "التململ" القلق والانزعاج.

4 -

قوله: "متى أرى الصبح؟ "[لفظة: متى]

(2)

استفهام ومعناه التمني، قوله:"قد مزقت عنه السرابيل" أي الظلام.

7 -

قوله: "أن يدني" من الإدناء، من دنا يدنو إذا قرب، قوله:"على شحط" بالشين المعجمة والحاء المهملة، أي [على]

(3)

بعد، من شحط يشحط بفتح عين الفعل فيهما والمصدر: شحْط بفتح الشين وسكون الحاء، وها هنا حركت الحاء للضرورة، أو يكون الشحط بالتسكين مصدرًا وبالتحريك اسمًا.

قوله: "من داره الحزن" بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة، وهو اسم موضع ببلاد العرب، قال الجوهري: الحزن: بلاد العرب، والحزْن في الأصل: ما غلظ من الأرض وفيه حُزُونة

(4)

، قوله:"صول" بضم الصاد المهملة وسكون الواو؛ اسم موضع قاله الجوهري

(5)

، قلت: هو اسم ضيعة من ضياع جرجان، ويقال لها جول بالجيم.

الإعراب:

قوله: "ما أقدر الله! " مثل: ما أعظم اللَّه! وكلاهما تعجب.

فإن قلت: هذا مشكل [وذلك]

(6)

لأنك إذا قلت: ما أحسن زيدًا! فإن معناه: أي شيء

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

و

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

الصحاح مادة: "حزن".

(5)

الصحاح مادة: "صول"، وانظر معجم البلدان (3/ 435).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 260

جعله حسنًا، وها هنا كيف يقال: أي شيء جعل اللَّه قادرًا! وصفات الله قديمة؟!

قلت: هذا السؤال وارد على قول الفراء؛ حيث جعل "ما" في باب التعجب استفهامية

(1)

وهو ضعيف لاقتضاء الاستفهام الجواب

(2)

، والوجه في ذلك ما قاله سيبويه، وهو ما في قولك: ما أحسن زيدًا! نكرة معناه: شيء أحسن زيدًا، وهو في محل الرفع على الابتداء، وما بعده خبره

(3)

، والمسوغ لذلك كون القصد منه التعجب لا الإخبار المحض.

واشتراط تعريف المبتدأ إنما هو في الخبر المحض، وأما على قول الفراء فالتقصي عن ذلك بأن يقال: إن العباد اعتقدوا عظمة اللَّه وقدرته، وأنهما قديمتان ولا يخطر بالبال أن شيئًا صيره كذلك وقد خفي علينا، وكال: ما أقدر اللَّه! لفظة تعجب ومعناه: الطلب والتمني، ثم [إن]

(4)

"ما" نكرة بمعنى شيء، والضمير في "أقدر" يرجع إليه، ولفظة "الله" مفعوله.

قوله: "أن يدني" أي: على أن يدني، فحذف الجار، ومثل هذا الحذف يكثر مع أن لطوله بصلته، و "أن" مصدرية. والتقدير: ما أقدر اللَّه على إدناء من داره الحزن ممن داره صول! أراد: أن يدني من هو مقيم بالحزن ممن هو مقيم بالصول، قوله:"على شحط" يتعلق بقوله: "يدني" وموضعه النصب على الحال، قوله:"من داره الحزن" كلمة "من" موصولة، و "داره" كلام إضافي مبتدأ و "الحزن" خبره والجملة صلة الموصول، والموصول مع صلته في محل النصب على أنها مفعول لقوله: يدني.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أن يدني" حيث أثبت الشاعر [فيه]

(5)

الياء ساكنة مع تقدير النصب، وهو قليل

(6)

.

(1)

هو مذهب الفراء وابن درستويه، ونقله في شرح التسهيل لابن مالك عن الكوفيين. ينظر (32/ 3)، توضيح المقاصد (3/ 56)

(2)

هو اعتراض على قول الفراء.

(3)

قال سيبويه: "هذا باب ما يعمل عمل الفعل ولم يجر مجرى الفعل ولم يتمكن تمكنه وذلك قولك: ما أحسن عبد الله! زعم الخليل أنه بمنزلة قولك: شيء أحسن عبد الله، ودخله معنى التعجب". الكتاب لسيبويه (1/ 72) وينظر الجنى الداني (337)، والإنصاف (128).

(4)

و

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(6)

الأولى في المضارع المعتل الآخر بالياء (المنصوب) أن يكون منصوبًا بفتحة ظاهرة، وتقدير نصب الياء ضرورة.

ينظر توضيح المقاصد (1/ 119).

ص: 261

‌الشاهد الرابع والأربعون

(1)

،

(2)

...............................

أَبَى اللهُ أَن أَسْمُوَ بِأُمٍّ ولا أَبٍ

أقول: قائله هو عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الجفري، كان سيد بني عامر في الجاهلية.

قال أبو موسى

(3)

: اختلف في إسلامه وأورده أبو العباس المستغفري

(4)

في الصحابة رضي الله عنهم، وقال ابن الأثير

(5)

: قول المستغفري وغيره ليس بحجة في إسلام عامر؛ فإن عامرًا لم يختلف أهل النقل من المتقدمين أنه مات كافرًا، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، وعلى أربد بن قيس أخي لبيد لأمه، وقال

(6)

: "اللهم اكفنيهما بما شئت" فأنزل الله على أربد صاعقة، وأخذت عامر الغدة، فكان يقول: غدة كغدة البعير، ومات في بيت سلولية، فلم يختلفوا في ذلك، وأول البيت المذكور:

فمَا سَوَّدَتْنِي عَامِر عَنْ ورَاثَةٍ

أَبَى اللهُ أَنْ أَسْمُوَ بأُمٍ ولا أَبٍ

وهو من قصيدة بائية، وهي هذه

(7)

:

1 -

تقولُ ابنَة العَمْرِيّ ما لك بعدما

أراكَ صحيحًا كالسَّليمِ المعذَّبِ

2 -

فقلتُ لها هَمِّي الذي تعرفينَهُ

منَ الثأرِ في حيِّيْ زُبَيْدٍ وأرْحَبِ

3 -

إنْ أغزُ زُبَيْدًا أغْزُ قومًا أعزةً

مراكبُهُم في الحيِّ خيرُ مراكبِ

4 -

وإنْ أَغْزُ حيَّيْ خثعمٍ فَدِمَاؤُهُمْ

شفاءٌ وخيرُ الثأرِ للمتأوِّبِ

5 -

فمَا أدْرَكَ الأوتارَ مثلَ محقِّقٍ

بأجردَ طاوٍ كَالعَسِيبِ المشذَّبِ

(1)

توضيح المقاصد (1/ 120).

(2)

البيت من بحر الطويل لعامر بن الطفيل، وانظره في الضرائر الشعرية لابن عصفور (90)، والخصائص (2/ 342)، والمحتسب (1/ 127)، والمغني (677)، وشرح شواهد شرح الشافية (4/ 404)، والخزانة (3/ 527)، وشرح شواهد المغني (953).

(3)

هو سليمان بن محمد بن أحمد أبو موسى النحوي البغدادي المعروف بالحامض، له مختصر في النحو، وله غيره، (ت 305 هـ)، ينظر بغية الوعاة (1/ 601).

(4)

هو جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد المستغفري، فقيه اشتغل بالتأريخ، ألف فضائل القرآن وغيره (ت 432 هـ). الأعلام (2/ 128).

(5)

هو نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني (ت 637 هـ). ينظر الأعلام (8/ 31).

(6)

ينظر صحيح مسلم (4/ 2300) برقم (3005).

(7)

انظر الأبيات المذكورة في ديوان عامر بن الطفيل (26 - 28)، ط. دار صادر.

ص: 262

6 -

وأسمرَ خَطِّي وأبيضَ باترٍ

وزَغْفَ دِلاصٍ كالغديرِ المثوِّبِ

7 -

فإني وإن كنت ابنَ سيدِ عامرٍ

وفارسهَا المشهورَ في كلّ موكبِ

8 -

فَمَا سَوَّدَتْنِي عامرٌ عنْ وراثَةٍ

أبى اللهُ أن أسموَ بأمٍ ولا أبِ

9 -

ولكنني أحمِي حمَاهَا وأتَّقِي

أذَاهَا وأرْمِي من رماها بمَنْكِبِ

وهي من الطويل.

1 -

قوله: "كالسليم" أي: كاللديغ.

2 -

و "زبيد" بضم الزاي [المعجمة]

(1)

وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، و "أرحب" بالحاء المهملة؛ وهما قبيلتان.

5 -

قوله: "فما أدرك الأوتار" جمع وتِر بالكسر؛ وهي الجناية، و "الأجرد" الذي لا شعر عليه، و "الطاوي" هو طاوي البطن، و "العسيب" بفتح العين المهملة وكسر السين المهملة؛ منبت الذنب، و "المشذب" بضم الميم وفتح الشين المعجمة والذال المعجمة المشددة؛ وهو الطويل، يقال: فرس مشذب، وجذع مشذب؛ أي: طويل، وكذا يقال لكل طويل.

6 -

و "الأسمر": الرمح، و "الخطي" بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة؛ نسبة إلى الخط؛ موضع باليمامة تنسب إليه الرماح، و "الأبيض" السيف، و "الباتر" القاطع، قوله:"وزغف" بفتح الزاي وسكون الغين المعجمتين وفي آخره فاء؛ جمع زغفة

(2)

بفتحتين؛ وهي الدرع الواسعة، قوله:"دلاص" بكسر الدال، الدرع اللينة والتقدير في البيت: وزغف ودلاص.

8 -

قوله: "فما سودتني" من السيادة، قوله:"أن أسمو" من السمو، وهو العلو والارتفاع.

9 -

قوله: "حماها" الضمير فيه وفي قوله: "أذاها ورماها" وفي قوله: "وفارسها" كلها ترجع إلى عامر، وهو اسم قبيلة؛ فلذلك أنث الضمائر

(3)

، قوله:"بمنكب" بفتح الميم وسكون النون وكسر الكاف؛ وهو

(4)

أعوان العرفاء، وقيل: المنكب: رأس العرفاء، من النكابة وهي العرافة والنقابة.

والمعنى: وأرمي من رماها بجماعة رؤساء من الفوارس، والدليل عليه ما جاء في رواية أخرى، و "بمقنب"

(5)

بكسر الميم وسكون القاف وفتح النون؛ وهي جماعة الخيل والفرسان، وقيل: هي

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

في (أ) وزغف.

(3)

في (أ) الضمير.

(4)

في (أ) وهم.

(5)

في (أ) بمنقب.

ص: 263

دون المائة، وقال ابن فارس: المقنب: نحو الأربعين من الخيل، والقنب: الجماعة من الناس

(1)

.

الإعراب:

قوله: "فما سودتني" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقوله:"عامر" فاعله، وأراد بـ"عامر" بني عامر القبيلة؛ فلذلك أنث الفعل المسند إليها؛ لأنه كان سيد بني عامر، قوله:"من وراثة" متعلق

(2)

بقوله: "سودتني" ومحلها النصب على أنها صفة لمصدر محذوف، والتقدير: ما سودتني عامر سيادة حاصلة عن وراثة، وأراد بهذا الكلام: أن سيادته من نفسه لأجل كرمه وشجاعته لا أنها وراثة من أبيه

(3)

وأن الرجل الكريم وإن كان آباؤه لئامًا لم يضره، وإن كان آباؤه كرامًا لم ينفعه، والأصل: أن يكون كرم الشخص في ذاته وسليقته.

قوله: "أبى اللَّه" من الإباء، وهو شدة الامتناع، وهي جملة من الفعل والفاعل، قوله:"أن أسمو" مفعول، و "أن" مصدرية، والتقدير: أبى الله سموي، أي: علوي وسيادتي لأم وأب، أي: من جهة الآباء والأمهات، قوله:"ولا أب" عطف على قوله: "بأم"، وزاد كلمة:"لا" تأكيدًا للنفي، وأخَّر الأب لأجل القافية.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أن أسمو" حيث سكن الشاعر الواو مع الناصب؛ لأن الحق أن يقال: أن أسموَ بنصب الواو، ولكنه سكنها للضرورة

(4)

.

‌الشاهد الخامس والأربعون

(5)

،

(6)

............................... .... تساويُ عَنْزِي غيرَ خَمْسِ دراهِمِ

أقول: هذا البيت أنشده الفراء، ولم يذكر قائله، وقال أبو حيان

(7)

: لا يعرف قائله، بل لعله

(1)

المجمل في اللغة، مادة:"قنب".

(2)

في (أ) يتعلق.

(3)

في (أ) آبائه.

(4)

هو شاهد على أن النصب على الواو يقدر كثيرًا لأجل الضرورة، وأورده الأخفش في كتاب المعاياة على أنه إجراء للنصب مجرى الرفع والجر، وأورده ابن عصفور في الضرائر على أنه إجراء للنصب مجرى الرفع فحذف الفتحة. ينظر الضرائر (90).

(5)

توضيح المقاصد (1/ 121).

(6)

البيت من بحر الطويل، قيل: لرجل من الأعراب، وقيل: مصنوع، وقيل: مجهول القائل، وانظره في الارتشاف (3/ 269)، والضرائر الشعرية لابن عصفور (46).

(7)

محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي، ومؤلفاته متعددة في النحو، (ت 745 هـ). بغية الوعاة: =

ص: 264

مصنوع، قلت: قائله رجل من الأعراب، وله حكاية نذكرها الآن -إن شاء الله تعالى- وصدره:

فَعَوَّضَنِي عَنْهَا غِنَايَ وَلَمْ تَكُنْ

..........................

وهو من قصيدة ميمية من الطويل، وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

توسمتُهُ لمَّا رَأَيْتُ مَهَابَةً

عَلَيهِ وقلْتُ المرْءُ مِنْ آل هاشِمِ

2 -

وإلَّا فَمِنْ آلِ المُرَارِ فإنهمْ

ملوكٌ عِظَامٌ من كرامٍ أَعَاظِمِ

3 -

فقُمْتُ إِلَى عنزِ بقيَّةِ أَعْنُزٍ

لأذبحَهَا فعل امرِئ غيرِ نادمِ

4 -

فَعَوَّضَنِي عَنْهَا غِنَايَ وَلَمْ تَكُنْ

تساويّ عَنْزِي غيرَ خَمْسِ دراهِمِ

5 -

فقلتُ لأهلِي في الخَلاءِ وَصِبْيَتِي

أَحَقًّا أرى أم تلكَ أحلامُ نائمِ

6 -

فقالوا جَمِيعًا لا بل الحقُّ هذه

تخب بها الرُّكْبَانُ وسْطَ المواسِمِ

7 -

بخمسِ مئينَ من دنانيرَ عُوِّضَتْ

من العنزِ ما جادتْ به كفُّ حاتمِ

وحكايته أنه خرج عبد اللَّه بن العباس - رضي الله تعالى عنهما - مرة يريد معاوية بن أبي سفيان - رضي الله تعالى عنهما - فأصابته سماء، فنظر إلى نويرة عن يمينه، فقال لغلامه: مل بنا إليها، فلما أتياها إذا شيخ ذو هيئة رثَّةٍ، فقال له الشيخ: انِخْ انزل حُيِّيتَ، ودخل إلى منزله فقال لامرأته: هيِّئِي لي شاتك أقضي بها ذمام هذا الرجل؛ فقد توسمت فيه الخير؛ فإن يكن من مضر فهو من بني عبد المطلب، وإن يكن من اليمن فهو من بني آكل المرار، فقالت له: قد عرفت حال صبيتي، وإن معيشتهم منها، فأخاف الموت عليهم إن فقدوها، فقال: موتهم أحبّ إليّ من اللؤم، ثم قبض على الشاة وأخذ الشفرة، وأنشد

(2)

:

1 -

قَرِينَتِي لا تُوقِظُنِي بَنِيَّهْ

إِنْ يُوقَظُوا يَنْتَحِبُوا علَيَّهْ

2 -

وَيَنْزَعُوا الشَّفْرَةَ مِنْ يَدَيَّهْ

أَبْغَضُ هذا أن يُرَى لَدَيَّهْ

ثم ذبحها وقشط جلدها وقطعها أرباعًا وقذفها في القدر حتى إذا استوى أثرد في جفنته

(3)

فعشاهم ثم غداهم، فلما أراد عبد الله الرحيل، قال لغلامه: ارم للشيخ ما معك من نفقة، فقال: ذبح لك الشاة فكافأته بمثل عشرة أمثالها وهو لا يعرفك، فقال: ويحك! إن هذا لم يكن يملك من الدنيا غير هذه الشاة فجادَ لنا بها، وإن كان لا يعرفني فأنا أعرف نفسي، ارم بها إليه، فرماها إليه

= (1/ 280 - 285).

(1)

انظر الأبيات في خزانة الأدب (8/ 282)، الشاهد رقم (622).

(2)

أربعة أبيات من بحر الرجز المشطور، انظرها في الخزانة (8/ 283).

(3)

في (أ): في جفنه.

ص: 265

فكانت خمسمائة دينار، فارتحل عبد الله فأتى معاوية [- رضي اللَّه تعالى عنهما -]

(1)

فقضى حاجته، ثم أقبل راجعًا إلى المدينة حتى إذا قرب من ذلك الشيخ قال لغلامه: ملْ بنا إليه ننظر في أي حالة هو، فانتهينا إليه، فإذا برجل سريّ عنده دخان عال ورماد كثير وإبل وغنم ففرح بذلك، فقال له الشيح: انزل بالرحب والسعة، فقال: أتعرفني؟ قال

(2)

: لا واللَّه فمن أنت؟ قال

(3)

: أنا نزيلك ليلة كذا وكذا، فقام إليه وقبّل رأسه ويديه ورجليه، وقال: قد قلت أبياتًا، أتسمعها مني؟ فقال: هات، فأنشده هذه الأبيات، فضحك عبد الله وقال: قد أعطيتنا أكثر مما أخذت

(4)

منا، يا غلام: أعطه مثلها، فبلغت فعلته معاوية رضي الله عنه، فقال: لله در عبد الله! من أي بيضة خرج؟ وفي أي عش درج؟ هي لعمري من فعلاته.

1 -

قوله: "توسمته" من التوسم يقال: توسمت فيه الخير، أي تفرست، قوله:"من آل المرار" بضم الميم وتخفيف الراء؛ وهو شجر مرّ إذا أكلتْ منه الإبل قلصتْ عنه مشافرُها، الواحد مرارة، قال الجوهري: ومنه بنو آكل المرار، وهم قوم من العرب

(5)

.

قلت: آكل المرار هو أول ملوك كِنْدَة واسمه حجر بن عمرو وهو من ولد كندة، واسمه ثور بن عفير بن الحرث من ولد زيد بن كهلان بن سبأ، وإنما سمي حجر آكل المرار لكون امرأته قالت: خدر كأنه جمل قد أكل المرار لبغضها فيه فغلب ذلك لقبًا عليه.

الإعراب:

قوله: "فعوضني عنها" أي عن العنز التي ذبحها الأعرابي لعبد اللَّه، فالفاء للعطف على ما قبله، و "عوضني" جملة من الفعل والمفعول والفاعل هو الضمير المستتر فيه العائد إلى عبد الله، والمفعول هو الضمير المتصل به والجار والمجرور يتعلق به، "غناي" كلام إضافي مفعول ثان لعوض.

قوله: "ولم تكن" جملة وقعت حالًا، قوله:"تساوي" فعل مضارع من ساوى يساوي مساواة، يقال: هذا الشيء لا يساوي هذا الشيء أي لا يعادلُه، قوله:"عنزي" كلام إضافي فاعل يساوي، وقوله:"غير خمس دراهم" خبر كان

(6)

، وخمس مجرور بالإضافة وكذلك قوله:"خمس دراهم".

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

و

(3)

في (أ): فقال.

(4)

في (أ): مما أعطيناك.

(5)

الصحاح، مادة:"مرر".

(6)

قوله: "خبر كان" ليس كذلك، بل الخبر هو جملة "تساوي"، وأما "خمس" فهي مفعول.

ص: 266

الاستشهاد هيه:

في قوله: "تساوي" حيث أبرز الشاعر فيه الضمة على الياء لضرورة

(1)

الوزن

(2)

، وقد جاء نظير ذلك في الاسم وهو قول الشاعر

(3)

:

تَرَاهُ وَقَدْ بَزَّ الزَّمَانُ كأَنَّهُ

أَقَامَ كلاب عنهمْ مُصْغِيُ الخَدِّ أصْلَمُ

‌الشاهد السادس والأربعون

(4)

،

(5)

إذا قُلْتُ عَلَّ الْقَلْبَ يَسْلُوُ قُيِّضَتْ

هَوَاجِسُ لا تَنْفَكُّ تغْرِيه بِالوجْدِ

أقول: هو من الطويل.

قوله: "علَّ" أي لعلَّ، وعلَّ لغة في لعلَّ، وفيها: إحدى عشرة

(6)

لغة: لعل وعلّ، ولعنَّ ولغَنَّ بالمعجمة

(7)

ولأن ولعلت وعن، وغن بالعجمة وإن ورعنَّ، ورغنَّ بالمعجمة

(8)

، واللام الأولى في:"لعل" أصل في أقوى القولين

(9)

، وقال الجوهري: لعل: كلمة شك، وأصلها: علّ، واللام في أولها زائدة

(10)

.

(1)

الضرائر الشعرية لابن عصفور (46)، وينظر خزانة الأدب (8/ 282)، والدرر (1/ 169)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 53).

(2)

قال ابن عصفور بعد أن تحدث عن ظهور الحركات على الياء والواو: "ولا يجوز مثل ذلك في الألف عند المحققين من النحويين، لا يقال: لم تخش ولا لم ترض، وسبب ذلك شيئان: أحدهما أن الجازم ليس له إذ ذاك ما يحذفه إلا الحركة المقدرة في الألف، وإذا حذفها وجب أن يرجع حرف العلة إلى أصله، فيقال: لم تخش ولم ترض؛ لأن انقلاب الياء ألفًا يصح لذهاب الحركة منها، فلما لم يصححوها، دل ذلك على أنهم لم يحذفوا الحركة المقدرة، والآخر: أن الياء والواو لما شاع ظهور الضمة فيهما إذًا أجريا مجرى الصحيح، ومن أمثلة ذلك قوله: (

البيت) حذف الجازم تلك الحركة الظاهرة، ولم يحذف حرف العلة كما يفعل بالصحيح، والألف لا يمكن ظهور الحركة فيها؛ فلم يجر لذلك مجرى الحرف الصحيح". الضرائر (46).

(3)

من الطويل، مجهول ولم أعثر عليه في كتب النحاة التي بين يدي،، وقد قيل: إنه لأبي خراش الهذلي في شرح أشعار الهذليين (3/ 1219)، وروايته في (أ):

............ الرماة ........

..............................

وهو شاهد على أن: "مصغي" قد ظهرت فيه الضمة على الياء لضرورة الوزن.

(4)

توضيح المقاصد (1/ 122).

(5)

أقول: البيت من بحر الطويل، وهو مجهول القائل، ولم يشر إلى نسبه، وهو في الدرر (1/ 30)، ومعجم الشواهد العربية، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 57)، وفيه قال: هو لرجل من طيئ، والارتشاف (3/ 269).

(6)

في (ب): عشر.

(7)

في (أ): بالمعجمتين.

(8)

ينظر اللغات في: الجنى الداني (582).

(9)

راجع الإنصاف (28) وما بعدها.

(10)

الصحاح، مادة:"لعل".

ص: 267

قوله: "يسلو" من سلوت عنه سلوًا، إذا أبرد قلبه من هواه، قوله:"قيضت" أي: سلطت، قال تعالى:{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} [فصلت: 25]، قوله:"هواجس": جمع هاجسة، من هجس في صدري شيء إذا حدث، والهاجس: الخطر، قوله:"تغريه" من الإغراء؛ وهو التحريض، قوله:"بالوجد" وهو شدة الشوق.

الإعراب:

قوله: "إذا": للشرط، و "قلت": جملة من الفعل والفاعل، وقعت فعل الشرط، وقوله:"قيضت": جواب الشرط، قوله:"علَّ القلب يسلو": جملة من الفعل والفاعل، وقعت مقولًا للقول، والقلب: منصوب بعل، و "يسلو": جملة خبره، قوله:"هواجس": مفعول لقيضت، ناب عن الفاعل، قوله: "لا تنفك

إلى آخره" في محل الرفع على أنه صفة لهواجس، ولا تنفك من الأفعال الناقصة، ولا تعمل إلا إذا صحبت نفيًا موجودًا أو مقدرًا أو نهيًا أو دعاءً؛ كزال وبرح وفتئ

(1)

، وفيه ضمير مستتر يرجع إلى الهواجس وهو اسمه، وقوله:"تغريه بالوجد": خبره والضمير المنصوب فيه يرجع إلى القلب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "يسلو" حيث أظهر الضمة على الواو؛ فدل هذا أن المحذوف عند دخول الجازم هو الضمة الظاهرة التي كانت على الواو، وهذا على رأي بعض النحاة

(2)

.

* * *

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 333)، وتوضيح المقاصد (1/ 296).

(2)

يراجع في هذا شرح التسهيل لابن مالك (1/ 55) وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 53) وتوضيح المقاصد (1/ 119).

ص: 268

‌شواهد النكرة والمعرفة

‌الشاهد السابع والأربعون

(1)

،

(2)

وَمَا نُبَالِي إِذَا مَا كُنْتِ جَارَتِنَا

أَنْ لا يُجَاورُنَا إِلَّاكِ دَيَّارُ

أقول: هذا البيت أنشده الفراء ولم ينسبه إلى أحد.

وهو من البسيط، وفيه الخبن والقطع، وهو قوله:"ديار" فإنه فعلن، وهو مقطوع.

قوله: "وما نبالي" أي: وما نكترث، من بالى يبالي مبالاة، قوله:"جارتنا" تأنيث الجار، قوله:"أن لا يجاورنا"، [جاء]

(3)

فيه "علَّا يجاورنا" بإبدال الهمزة عينًا، [قوله:]

(4)

"إلاك"، أي: إلا إياك، قوله:"ديار" أي أحد يقال ما بها

(5)

ديار، أي ما بها أحدٌ، وكذلك ما بها دوري، وهو فَيْعَال من درت، وأصله: ديوار؛ قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء.

المعنى: إذا كنت أيتها

(6)

المحبوبة جارة لنا، لا نبالي ألا يجاورنا أحدٌ غيرك؛ ففيك الكفاية وحاصله: أنتِ المطلوبة، فإذا حصلتِ فلا التفات إلى غيرك.

الإعراب:

قوله: "وما نبالي": جملة من الفعل والفاعل و "أن لا يجاورنا"، في محل النصب مفعوله،

(1)

ابن الناظم (57) دار الجيل، وتوضيح المقاصد (1/ 128)، وأوضح المسالك (1/ 100) دار المعرفة ومعه مصباح السالك، وشرح ابن عقيل (1/ 90).

(2)

البيت من بحر البسيط، مجهول القائل، وهو في الخزانة (2/ 278)، والخصائص (1/ 307)، والدرر (1/ 176)، وشرح شواهد المغني (844)، وابن يعيش (3/ 101)، والمغني (441)، وشرح شواهد ابن عقيل (12)، وشرح أبيات المغني (6/ 333).

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

في (أ): ما فيها.

(6)

في (أ): أيها.

ص: 269

و "أن": مصدرية، والتقدير: ما نبالي عدم مجاورة أحد غيرَك إيانا، إذا ما كنت أنت جارتنا، وكلمة:"ما": زائدة، والمعنى: حين كنت، ويجوز أن تكون مصدرية، والتقدير: حين كونك جارتنا، قوله:"ديار": مرفوع بقوله: "يجاورنا"، و "إلا": بمعنى غير، وهو استثناء مقدم، والمعنى: أن لا يجاورنا ديار إلا أنت.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إلاك" فإنه أتى بالضمير المتصل بعد إلا، وكان القياس أن يقال: إلا إياك بالضمير المنفصل، وهذا شاذ لضرورة الشعر

(1)

.

‌الشاهد الثامن والأربعون

(2)

،

(3)

أَعُوذُ برَبِّ العَرْشِ مِنْ فِئَةٍ بَغَتْ

عَلَيَّ فَمَا لِي عَوْضٌ إلَّاهُ نَاصِرُ

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الطويل.

قوله: "من فئة" أي من جماعة، والهاء عوض من الياء التي نقصت في وسطه، وأصله: فيء مثال فيع؛ لأنه من فاء، ويجمع على فئون وفئات، قوله:"بغت" من البغي؛ وهو الظلم والعدوان.

الإعراب:

قوله: "أعوذ": جملة من الفعل والفاعل وهو أنا مستتر فيه، و "برب العرش" صلة، و "من فئة" متعلق بأعوذ، وفيه ضمير حذف تقديره: من شر فئة، أو من ظلم فئة، وما أشبه ذلك، قوله:"بغت": جملة من الفعل والفاعل في محل الجر؛ لأنها صفة لفئة، قوله:"علي": صلة [بغت]،

(4)

في محل النصب، قوله:"فما لي" كلمة ما بمعنى ليس، و "ناصر" مرفوع

(1)

قال ابن عصفور: (ومنه وضع ضمير النصب المتصل بدل ضمير النصب المنفصل أو بدل ضمير النفس .... ومن الثاني قوله: أنشده الفراء (

البيت) يريد إلا ياك، فوضع الضمير المتصل وهو الكاف موضع المنفصل للضرورة". ينظر الضرائر (261، 262)، وابن يعيش (3/ 101)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 152)، وتوضيح المقاصد (1/ 128) وما بعدها.

(2)

توضيح المقاصد (1/ 129)، وشرح ابن عقيل (1/ 89).

(3)

البيت من بحر الطويل، غير منسوب في مراجعه لأحد، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 276)، وشرح التصريح (1/ 98).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 270

اسمه، وقوله:"إلاه": خبره، قوله:"عوض": ظرف لاستغراق المستقبل مثل: أبدًا، إلا أنه مختص بالنفي، وهو مبني على الضم، وقد جاء فيه البناء على الكسر والفتح- أيضًا، فإذا أضيف يعرب؛ كما في قولك: لا أفعله عوض العائضين

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إلاه" حيث وقع الضمير المتصل بعد "إلا"، وهو شاذ، وكان القياس أن يقال: إلا إياه

(2)

، وأنكر المبرد وقوع المتصل بعد "إلا" مطلقًا، حتى إنه أنشد قوله:"إلاك ديار" في البيت السابق: سواك ديار، وأنكر رواية: إلاك. فافهم

(3)

.

‌الشاهد التاسع والأربعون

(4)

،

(5)

وَمَا أُصَاحِبُ مِنْ قَوْمٍ فأَذكُرهُمْ

إلا يَزِيدُهُمْ حُبًّا إِلَيَّ هُمُ

أقول: قائله هو زياد بن حمل بن سعد بن عميرة بن حريث، ويقال: زياد بن منقذ، وهو أحد بني العدوية من بني تميم، وأتى اليمن فنزع إلى وطنه ببطن الرمث، وهو من بلاد بني تميم

(6)

،

(1)

ينظر مغني اللبيب (150).

(2)

ينظر ما قيل في ذلك في: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 275، 276).

(3)

قال المبرد: "في باب: هذا تكرير الاستثناء بغير عطف

ومن ذلك قول:

فما لي إلا الله لا شيء غيره

وما لي إلا الله غيرَك ناصرُ

كأنه قال: إلا إياك". المقتضب (4/ 424).

(4)

ابن الناظم (23)، وأوضح المسالك (1/ 65).

(5)

البيت من بحر البسيط، من قصيدة عدتها أربعة وأربعون بيتًا لزياد بن حريث، ويقال: لزياد بن منقط، وانظرها بتمامها في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1389)، وتوجد منها أبيات كثيرة في الخزانة (5/ 246)، وفي شرح أبيات مغني اللبيب (1/ 202)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (134)، وانظر بيت الشاهد في: سر الصناعة (271)، وشرح التصريح (1/ 104)، وشرح شواهد المغني (135 - 137)، وابن يعيش (7/ 26)، والأغاني (10/ 330)، والمغني (146).

(6)

قال البغدادي في الخزانة (5/ 250): "واسم المرار هذا زياد بن منقذ، قاله الحصري في زهر الأداب، وإلى اسمه نسب الشعر. وفي الحماسة قال شراح الحماسة: هو لزياد بن منقذ، وهو أحد بني العدوية من تميم، ولم يقل غير هذه القصيدة، ولم قال أحد مثلها، وكان قد أتى اليمن فنزع إلى وطنه ببطن الرمة. قال أبو العلاء: الرمة: وادٍ بنجد، يقال بتشديد الميم وتخفيفها وصحفه بعضهم، وتبعه العيني، فقال: ببطن الرمث بالمثلثة، وقد نسب الحصري أيضًا هذا الشعر للمرار، قال: أنشد أبو عبيدة لزياد بن منقذ الحنطي، وهو المرار العدوي، نسب إلى أمه العدوية، وهي فكيهة بنت تميم بن الدئل بن جل بن عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة، فولدت لمالك بن حنطة عديًّا ووربوعًا. فهؤلاء من ولده. قال لهم: بنو العدوية، وكان زياد نزل بصنعاء فاجتواها ومنزله في نجد، فقال في ذلك قصيدةً يقول فيها، وذكر قومه:

لم ألق بعدهم حيًّا فأخبرهم

إلا يزيدهم حيًّا إليّ هم

وأراه أول من استثار هذا المعنى".

ص: 271

وأنشد وهو من قصيدة طويلة، وأولها

(1)

:

1 -

لا حبَّذَا أَنْتِ يَا صَنْعَاءُ مِنْ بَلَدٍ

ولا شَعُوبُ هوًى منِّي ولا نُقُمُ

2 -

ولنْ أُحِبَّ بِلادًا قد رَأَيْتُ بِهَا

عَنْسًا ولا بَلَدًا حَلَّتْ بهِ قُدُمُ

3 -

إذا سقَى اللهُ أَرْضًا صَوْبَ غَادِيَةٍ

فلا سقاهنَّ إلا النَّارَ تَضْطَرِمُ

4 -

وحبذا حينَ تُمْسِي الريحُ بَارِدَةً

وادِي أُشَيَّ وفتيانٌ بهِ هُضُمُ

5 -

الحَامِلُونَ إِذَا مَا جَرَّ غيرُهُمُ

على العشيرَةِ والكافونَ ما جَرَمُوا

6 -

والمطعِمُونَ إِذَا ما هَبَّتْ شآمِيَةٌ

وباكر الحي مِنْ صُرَّادِهَا صِرَمُ

7 -

وشَتْوَةٍ فلَّلُوا أَنْيَابَ لزبتها

عنهم إذا كَلَحَتْ أنيابُها الأُزُمُ

8 -

حتى انْجلَى حَدُّهَا عنهم وجارهم

بِنَجْوَةٍ منْ حِذَارِ الشرِّ مُعْتَصِمُ

9 -

هُمُ البُحُورُ عَطَاءً حينَ تسأَلُهُمْ

وفي اللقاءِ إذَا تَلْقَى بهم بُهَمُ

10 -

وَهُمْ إذا الخيلُ حَالُوا في كواثِبِهَا

فَوَارِسُ الخيلِ لا مِيلُ ولا قَزَمُ

11 -

لَمْ أَلْقَ بعدهم حيًّا فأخْبِرَهُمْ

إلَّا يَزِيدُهمْ حُبًّا إِلَيَّ هُمُ

12 -

كمْ فيهمْ مِنْ فتًى حُلْوٌ شَمائِلُهُ

جَم الرَّمَادِ إذا ما أخمدَ البرمُ

13 -

تحبّ زوجاتِ أقوامٍ حلايلَهُ

إذا الأنوفُ امتَرَى مكنُونَهَا الشَّبَمُ

14 -

تَرَى الأرامِلَ والهلاكَ تتبعُهُ

يستنُّ منه عليهم وابلٌ رَذِمُ

15 -

كَأَنَّ أَصْحَابَهُ بالقفرِ يَمْطُرُهُمْ

من مستجيرٍ غزيرٍ صوبُهُ دِيَمُ

16 -

غَمْرُ النَّدَى لا يَبِيتُ الحقّ يَثمُدُهُ

إلا غدا وهو سَامِيَ الطرف مُبْتَسِمُ

17 -

إلى المكارمِ يَبْنِيهَا وَيَعْمُرُهَا

حتى ينال أمورًا دونها قُحَمُ

18 -

تشقى بهِ كلُّ مِزبَاعٍ مُودَّعَةٍ

عرفاءَ يَشْتُو عليها تَامِكٌ سَنِمُ

19 -

من العَقَائِلِ لا يَدْعُو لِميْسِرِها

ولا يشحُ عليها حينَ تَقتَسِمُ

20 -

تَرَى الجِفَانَ منَ الشِّيْزَى مُكلَّلَةً

قدامَهُ زَانَهَا التشْرِيفُ والكرَمُ

21 -

يَنُوبُهَا النَّاسُ أَفْوَاجًا إذَا نَهِلُوا

عَلُّوا كَمَا عَلَّ بعد النَّهْلَةِ النَّعَمُ

22 -

زَارَتْ رُوَيْقَةُ شُعْثًا بعدَمَا هجعُوا

لدَى النَّوَاحِلِ في أَرْسَاغِهَا الخَدَمُ

23 -

فقمتُ للزَّوْرِ مُرْتَاعًا وأَرَّقَنِي

فقلتُ أهي سرت أم عادني حُلُمُ

(1)

القصيدة في شرح شواهد المغني (134) وما بعدها.

ص: 272

24 -

وَكَانَ عَهْدِي بِهَا والمَشْيُ ينهَضُهَا

من القريبِ ومعهَا النومُ والسَّأمُ

25 -

وبالتكَالِيفِ تأْتِي بيتَ جَارَتِهَا

تَمْشِي الهُوَيْنَى ومَا يَبْدُو لَهَا قَدَمُ

26 -

سُودٌ ذَوَائِبُهَا حُمْرٌ تَرَائِبُهَا

دُرْمٌ مَرَافِقُهَا في خَلْقِهَا عَمَمُ

27 -

رُوَيقُ إِنِّي ومَا حجَّ الحَجِيجُ لهُ

وَمَا أَهَلَّ بِجَنْبِي نَخْلةَ الحُرُمُ

28 -

لَمْ يُنْسَنِي ذِكْرَكُمْ مُذْ كَمْ أُلاقِكُمْ

عيشٌ سلوتُ به عنكمْ ولا قِدَمُ

29 -

ولمْ تُشَارِكْكَ عِنْدِي بعدُ غانِيَةٌ

لا والذي أصبحتْ عندِي لهُ نعمُ

30 -

مَتَى أَمرّ على الشقْرَاءِ مُعْتَسِفًا

خَلَّ النَّقَا بِمَروحٍ لَحْمُهَا زِيَمُ

31 -

والوشمِ قد خَرَجَتْ مِنْهَا وقابلها

مِنَ الثَّنايَا التي لم أقلها ثَرَمُ

32 -

يا ليتَ شِعْرِي عنْ جَنْبِي مُكَشَّحَةٍ

وحيثُ يُبْنَي منَ الحِنَّاءَةِ الأطُمُ

33 -

عَنِ الأَشَاءَةِ هلْ زَالتْ مَخَارِمُهَا

وَهَلْ تَغَيَّرَ منْ آرامِهَا إِرَمُ

34 -

وَجَنَّةٍ مَا يَذُمُّ الدهرُ حاضِرُهَا

جَبَّارُهَا بالْحَيَا والحَمْلِ مُحْتَزِمُ

35 -

فيهَا عَقَائِلُ أَمْثَالُ المَهَا خُرُدٌ

لمْ يَغْذُهُنّ شَقَا عيش ولم يُتُمُ

36 -

يَنْتَابُهُن كِرَامٌ ما يَذُمُّهُمُ

جَارٌ غَرِيبٌ ولا يُؤْذَى لهم حشمُ

37 -

مُخَدَّمُونَ ثِقَالٌ في مَجَالِسِهِمْ

وفي الرِّحَالِ إذَا لاقيتَهمْ خَدَمُ

38 -

بلْ ليتَ شِعْرِي متى أَغْدُو تُعَارِضُنِي

جرداء سابِحَةٌ أو سابحٌ قدم

39 -

نحوَ الأُمَيْلِحِ أوْ سَمْنَانَ مبتكرًا

بِفِتْيَةٍ فيهم المَرَّارُ والحكمُ

40 -

ليسَتْ علَيْهمْ إذَا يَغْدُونَ أَرْدِيَةً

إلا جيَادُ قسيِّ النبعِ واللُّجُم

41 -

مِنْ غَيْرِ عُدْمٍ ولكنْ مِنْ تبذلهم

للصيدِ حِين يُصِيخُ القَانِصُ اللَّحِمُ

42 -

فَيَفْزَعُونَ إِلى جُرْدٍ مُسَوَّمَةٍ

أَفْنَى دَوَابِرَهُنَّ الركْضُ والأكَمُ

43 -

يَصْرُخْنَ صمّ الحَصَا في كلِّ هَاجِرَة

كما تطايرَ عَنْ مُرْضَاحِهِ العَجَمُ

44 -

يغدُو أَمَامَهُمْ فيِ كُلِّ مَرْبَأَةٍ

طَلَّاعُ أَنْجِدَة في كَشْحِهِ هضمُ

وهي من البسيط والقافية من المتراكب

(1)

.

1 -

قوله: "ولا حبذا أنت" أشار به

(2)

إلى الشيء، والتقدير: لا أنت يا صنعاء محبوبة في

(1)

في (أ): والقافية متراكب.

(2)

في (أ): أشير.

ص: 273

الأشياء، ولما كان "ذا" يشار به إلى الشيء وقع للمذكر والمؤنث على حالة واحدة، لكن

(1)

لفظ الشيء عام يشمل الكل، وصنعاء: مدينة اليمن، و "شعوب" بفتح الشين المعجمة وضم العين المهملة وفي آخره باء موحدة؛ موضع باليمن، و "نقم" بضم النون والقاف -أيضًا- موضع بها.

2 -

و "عنسًا" بفتح العين المهملة وسكون النون وفي آخره سين مهملة؛ حي باليمن، و "قدم" بضم القاف والدال كذلك.

3 -

قوله: "صوب غادية" الصوب: نزول المطر، والغادية بالغين المعجمة؛ سحابة تنشأ صباحًا، قوله:"تضطرم" في موضع الحال للنار.

4 -

قوله: "أشي" بضم الهمزة وفتح الشين المعجمة وتشديد الياء؛ اسم موضع يروى مصروفًا [وغير مصروف]

(2)

، قوله:"هضم" بضمتين؛ جمع هضوم، وهو المنفاق في الشتاء.

6 -

قوله: "شآمية" نصب على الحال، قوله:"من صرادها" بضم الصاد المهملة وتشديد الراء، وهو السحاب البارد، و "صرم" بكسر الصاد وفتح الراء، ومعناه: القطع كأنها جمع صرمة.

7 -

قوله: "فللوا" أي كسروا، و "اللزبة" بفتح اللام وسكون الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة؛ السنة المجدبة، وجعل الأنياب مثلًا لشدائدها، و "الكلوح" بدوّ الأسنان عند العبوس، و "الأزم" بضم الهمزة والزاي المعجمة؛ جمع أزوم وهي العوارض.

8 -

و "النجوة": الأرض المرتفعة لا يبلغها السيل.

9 -

و "عطاء" نصب على التمييز، ويجوز أن يكون مفعولًا له، قوله:"بهم بهم" الباء في الأول حرف جر في خلت على الضمير، وفي الثاني من نفس الكلمة وهي

(3)

جمع بهمة؛ وهو الشجاع الذي لا يدري كيف يؤتى لاستبهام شأنه، وهو مبتدأ وخبره قوله:"في اللقاء".

10 -

قوله: "كواثبها": جمع كاثبة؛ وهي قدام المنسج من الدابة، وهو أعلى الظهر منها، و "ميل" بكسر الميم؛ جمع أميل، وهو الذي يَزْوَرّ عن وجه الكتيبة عند الطعان، وقيل: هو الذي لا يثبتُ على ظهر الفرس، و "القزمُ" بفتح القاف والزاي المعجمة؛ الصغار، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر [والمؤنث.

12 -

قوله: "إذا ما أخمد البَرَمُ" بفتح الباء الموحدة والراء المهملة؛ وهو الرجل الشحيح

(1)

في (أ): لأن.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

في (أ): وهو.

ص: 274

الذي لا يدخل مع القوم في الميسر، ومفعول أخمد محذوف تقديره:]

(1)

إذا أخمد البرم النار لبخله.

13 -

قوله: "امترى": استخرج، و "الشَّبم" بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة؛ البرد، وأراد "بالمكنون" ما يسيل من الأنوف عند البرد.

14 -

و "الأرامل": جمع أرملة وأرملٍ؛ لأنه يقع على الذكر والأنثى، و "الهلَّاك" بضم الهاء؛ هم الذين انقطع زادهم، قوله:"يستن" أي: ينصب، من سَنَنْتُ الماء إذا ما صببته وأسننته بمعنى، و "الوابل": المطر العظيم القطر، و "رذم" من رذم الشيء، إذا سال.

15 -

قوله: "من مستحير" المستحير بالحاء المهملة؛ سحاب ثقيل متردد ليس له ريح تسوقه، و "غزيرًا" أي كثيرًا صوبُه، أي نزول مطره، و "ديم" بكسر الدال وفتح الياء آخر الحروف؛ جمع ديمة، وهو المطر الذي ليس فيه رعد ولا برق، أقله ثلث النهار وثلث الليل، وأكثره ما بلغ من الغد.

16 -

قوله: "يثمده"

(2)

: يكثر عليه حتى يفنى ما عنده، والماء الثمود: المزدحم عليه حتى يُنْزَفُ نزفًا.

17 -

و "القحم" بضم القاف وفتح الحاء المهملة الشدائد؛ وهو

(3)

جمع قحمة.

18 -

و "المرباع": الناقة التي من شأنها أن تضع ولدها في الربيع، وهو المحمود في النتاج، وهو بناء المبالغة، و "المودعة": المُكْرَمَة يصونها عن الحمل لنفاستها عندهم، و "العرفاء": التي لسمنها صار لها كالعرف، ويقال: التي صار لها على عنقها كالعرف من الوبر، و "التأمك" بالتاء المثناة من فوق؛ السنام المشرف، و "السنِم" بفتح السين وكسر النون؛ العالي يقال: بعير سنم؛ أي: مشرف السنام.

19 -

و "العقائل": جمع عقيلة؛ وهي كريمة الإبل، وعقيلة كل شيء: أكرمه.

20 -

و "الشيزى" بكسر الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الزاي المعجمة؛ وهو خشب أسود يُتَّخَذُ منه القصاع وكذلك الشيز، قوله:"مكللة" أراد أن الجفان المعدة للأضياف عليها كالأكاليل من فدر اللحم.

21 -

و "أفواجًا" نصب على الحال، قوله:"إذا نهلوا" أي: إذا عطشوا، والناهل: العطشان

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

في (أ): بثمره.

(3)

في (أ): وهي.

ص: 275

والريان -أيضًا- وهو من الأضداد، قوله:"علُّوا" من العلل، وهو الشرب الثاني، يقال: علل بعد نهل، وعله يعله ويعله إذا سقاه السقية الثانية، و "علّ" يتعدى ولا يتعدى، و "النعم" تقع على الأزواج الثمانية، والغالب عليها الإبل.

22 -

قوله: "وزادت رويقة" وهي امرأة، قوله:"شعثًا" أي: قومًا شعثًا، وهو جمع أشعث وهو الأغبر، و "الخدم" بفتح الخاء المعجمة والدال؛ جمع خدمة؛ وهي الخلخال.

23 -

و "الزور": الزائر، و "مرتاعًا" نصب على الحال، من الروع وهو الفزع.

24 -

قوله: "يبهظها" أي: يثقل عليها ويشق.

25 -

و "الهوينى" تصغير الهونا، والهونا: تأنيث الأهون، وموضعها من الإعراب النصب على المصدر.

26 -

قوله: "درم" بضم الدال المهملة وسكون الراء، يعني: لم يكن لمرافقها حجم لكثرة اللحم عليها، قوله:"عمم" بفتح [العين]

(1)

المهملة [والميم]

(2)

أي: طول.

27 -

قوله: "رويق" منادى مرخم [يعني: يا رويقة]

(3)

، قوله:"بجنبي نخلة" وهو مكان يقرب [من]

(4)

مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، قوله:"وما أهل" أي له.

28 -

قوله: "لم ينسني" جواب القسم. ويجاب اليمين من حروف النفي بما ولا

(5)

، ولكنه اضطر، فوضع (لم ينسني) موضع (ما أنساني).

29 -

و "الغانية": التي غنيت بجمالها.

30 -

و "الشقراء" فرسه. قال الأصمعي: قيل: والشقراء بلد لعكل، وفيه نخل، وقيل: إنه هضبة، و "الاعتساف": الأخذ على غير هداية ولا دراية، قوله:"خل النقا" مفعول (معتسفًا)

(6)

(1)

و

(2)

و

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

يجاب عن القسم من حروف النفي (لا) و (ما) و (إن)، قال سيبويه:"هذا باب الأفعال في القسم، وإذا حلفت على فعل منفي لم تغيره عن حاله التي كان عليها قبل أن تحلف، وذلك قولك: والله لا أفعل". الكتاب لسيبويه (3/ 105)، وقال ابن مالك:"ونبهت بقولي: وبالنفي بما أو لا أو إن على النوافي المخصوصة بجواب القسم وهي مخصوصة بالفعل فأرادوا أن يكون ما ينفى به الجواب مما لا يمتنع دخوله على الاسم؛ لأن ما لا يمتنع دخوله على الاسم ويجوز دخوله على الفعل والجواب، قد يصدر بكل واحد منهما؛ فلذلك لم ينف جواب القسم -دون ندور- بغير الثلاثة التي لا تختص إلا أن المنفي بها في القسم لا يتغير عما كان دون قسم، إلا إن كان فعلًا موضوعًا للمضي فقد تحدد له الانصراف إلى معنى الاستقبال". شرح التسهيل لابن مالك (3/ 206).

(6)

في (أ): متعسف.

ص: 276

والخل بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام؛ طريق في الرمل يذكر ويؤنث، و "النقا" مقصور؛ كثيب من الرمل، قوله:"بمروح" بفتح الميم وضم الراء وفي آخره حاء مهملة، يقال: فرس مروح وممراح، أي: نشيط، قوله:"زيم" بكسر الزاي المعجمة وفتح الياء آخر الحروف؛ أي متفرق، ويقال: مكتنز؛ أي: غليظ.

31 -

قوله: "والوشم" بفتح الواو وسكون الشين المعجمة، قيل: إنه بلد ذو نخل دون اليمامة وهناك قبائل من مضر وربيعة، وقوله:"قد خرجت منه" أي الفرس المروح أو الناقة منه، أي من الوشم، و "الثنايا": العقبات، قوله:"لم أقلها" أي: لم أبغضها، و "الثرم" بفتح الثاء المثلثة والراء؛ وهو الذي يصيب الثنايا، ومنه الأثرم وهو الذي سقطت بعض ثناياه فصارت بينها فرجة.

32 -

قوله: "جنبي مكشحة" هي موضع، ويروى: جزعي مكشحة، و "الحنأة" بكسر الحاء المهملة وتشديد النون، اسم رمل، و "الأطم" بضمتين؛ الحصن وكل بناء مرتفع.

33 -

و "الأشاءة" بفتح الهمزة والشين المعجمة؛ موضع، و "الخارم": جمع مخرم بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء؛ منقطع أنف الجمل

(1)

، و "الآرام": جمع ريم بالكسر وهو الظبي الأبيض الخالص، و "الإرم" بكسر الهمزة وفتح الراء؛ حجارة تنصب علمًا في المفازة.

34 -

قوله: "جبارها" الجبار بفتح الجيم وتشديد الباء الموحدة؛ من النخل ما طال وفات اليد، يقال: نخلة جبارة وناقة جبارة، أي: عظيمة سمينة، قوله:"بالحيا"

(2)

أي بالخصب، ويروى: بالندي و "محتزم" بالحاء المهملة والزاي المعجمة أي ملتف.

35 -

قوله: "فيها" أي: في الجنة، "عقائل" أي: كرام من النساء، و "المها" جمع مهاة وهي البقرة الوحشية، ويروى: الدمى جمع [دمية]

(3)

وهي الصورة من العاج ونحوه، قوله:"خرد" بضم الخاء المعجمة والراء جمع خريدة وهي الحيية من النساء

(4)

تجمع

(5)

على خرائد -أيضًا-.

36 -

و "حشم الرجل": أتباعه.

37 -

وأراد بـ"الثقال" ذوو الوقار والحلم.

38 -

و "الجرداء": الفرس الذي لا شعر عليها، و "السابح": الفرس الجاري، و "قدم" بمعنى متقدم.

(1)

في (أ): الحبل، وهو خطأ.

(2)

في (أ): بالحياء.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

الصحاح، مادة:"خرد"، واللسان، مادة:"خرد".

(5)

في (أ): ويجمع.

ص: 277

39 -

و "الأميلح" بضم الهمزة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وكسر اللام وفي آخره حاء مهملة؛ وهو ماء لبني ربيعة، و "سمنان" بفتح السين؛ ديارهم، و "المرار" بفتح الميم وتشديد الراء؛ اسم رجل، وكذلك الحكم بفتحتين.

41 -

و "العدم" بالضم؛ الفقر، و "التبذل" بالذال المعجمة: ترك التصاون

(1)

، و "القانص" الصائد، من قنص، و "اللحم" بفتح اللام وكسر الحاء؛ صفة مشبهة من لحم إذا اشتهى [اللحم]

(2)

.

42 -

قوله: "فيفزعون" أي يلجئون، و "الجرد" بالضم؛ جمع جرداء وقد ذكرناه الآن، و "مسومة": معلمة، ويروى: مسحجة؛ أي: سحج بعضها بعضًا بالعض، و "الدوابر": جمع دابرة، و "الحافر" وهو ما حاذى مؤخر الرسغ، و "الأكم": جمع أكمة.

43 -

قوله: "يضرحن" من ضرحه الفرس بيده إذا ضربه بها، ويروى: يرضخن، من الرضخ وهو الرمي، والمرضاخ: الحجر الذي يكسر عليه النوى أو به، قوله:"كما تطاير" ويروى: كما تطايح بمعناه، ويروى: تصايح، من الصيحة وتضابح من الضبح، وهو الصوت.

44 -

قوله: "مربأة" أي: مرقبة، من ربأت القوم وارتبأتهم إذا رقبتهم، قوله:"أنجدة": جمع نجد؛ كفرخ وأفرخة، و "النجد": ما ارتفع من الأرض، يقال: فلان طلاع أنجدة وطلاع الثنايا إذا كان ساميًا لمعالي الأمور، و "الكشح": ما بين الخاصرة إلى الضلع، و "الخلف والهضم" بفتحتين؛ انضمام الجنبين.

الإعراب:

قوله: "وما أصاحب" كلمة "ما" للنفي، و "أصاحب": جملة من الفعل والفاعل و "من قوم" مفعوله، وكلمة:"من" زائدة، وزيادة "من" في النفي كثيرة، والخلاف في زيادتها في الإثبات

(3)

.

والمعنى: ولست أصاحب قومًا فأذكر لهم قومي إلا يزيدون أنفسهم حيًّا إليَّ، وحاصل المعنى: ما صاحبت قومًا بعد قومي فذكرت قومي لهم إلا بالغوا في الثناء عليهم حتى يزيدوا قومي حبًّا.

قوله: "فأذكرهم" بنصب الراء؛ لأنه جواب النفي، ويجوز فيه الرفع عطفًا على قوله:"أصاحب"، قوله: "إلا يزيدهم

إلخ" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، أما الفعل فهو

(1)

اللسان، مادة:"بذل".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

قال ابن مالك: "ولا يكون المجرور بها عند سيبويه إلا نكرة بعد نفي أو نهي أو استفهام نحو: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3] وإلى النهي والاستفهام أشرت بذكر شبه النفي، وأجاز أبو الحسن الأخفش وقوعها في الإيجاب وجرها المعرفة، وبقوله أقول لثبوت السماع بذلك نظمًا ونثرًا

". شرح التسهيل لابن مالك (3/ 138)، وينظر الكتاب لسيبويه (2/ 315، 316)، وتوضيح المقاصد (2/ 203).

ص: 278

يزيد وأما الفاعل فهو قوله: "هم" الذي في آخر البيت، وأما المفعول فهو قوله:"هم" الذي في "يزيدهم"، و "حبًّا" مفعول ثان، وقال ابن مالك: الأصل يزيدون أنفسهم، ثم صار يزيدونهم، ثم فصل ضمير الفعل للضرورة، وأُخِّر عن ضمير المفعول به

(1)

.

وقال ابن هشام: وحاصله على ذلك ظنه أن الضميرين لمسمى واحد، وليس كذلك؛ فإن مراده أنه ما يصاحب قومًا فيذكر قومه لهم إلا ويزيد هؤلاء القوم قومه حبًّا إليه؛ لما يسمعه من ثنائهم عليهم

(2)

.

الاستشهاد فيه:

في فصل الضمير المرفوع لأجل الضرورة؛ لأن القياس أن يقال: ألا يزيدونهم حبًّا إليَّ. وقال الخطيب التبريزي: ارتفع "هم" الأخير بـ"يزيد" ووقع المنفصل موضع المتصل لأن الوجه أن يقال: إلا يزيدونهم حبًّا إليَّ، وهذا كما يوضع الظاهر موضع المضمر، والمضمر موضع الظاهر.

وزعم [بعض]

(3)

من فسر الضرورة بما ليس للشاعر عنه مندوحة، أن هذا ليس بضرورة لتمكن الشاعر أن يقول: ألا يزيدونهم حبًّا إليَّ هم، ويكون الضمير المنفصل توكيدًا للفاعل

(4)

.

ورَدَّه ابن مالك بأنه يقتضي كون الفاعل والمفعول ضميرين متصلين لمسمى واحد، وإنما يجوز في باب ظن، نحو قوله تعالى:{أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 7] وهذا سهو؛ لأن مسمى الضميرين مختلفان؛ إذ ضمير الفاعل راجع لقوم، وضمير المفعول لقومه الممدوحين

(5)

فافهم.

‌الشاهد الخمسون

(6)

،

(7)

بِالبَاعِثِ الوَارِثِ الأَمْوَاتِ قَدْ ضَمِنَتْ

إِيَّاهُمُ الأرْضُ في دَهْرِ الدَّهَارِيرِ

أقول: قيل: قائله أمية بن أبي الصلت ولا يوجد في ديوانه، والأكثرون على أنه للفرزدق،

(1)

قال ابن مالك: "فـ (هم) الأخير فاعل (يزيد)، وظن بعضهم أن هذا جائز في الشعر؛ لأن قائله لو قال: يزيدونهم لصلح فيجعل المتصل وهو الواو فاعلًا، والمنفصل توكيدًا. وهذا وهم، لأن لك ضميرين متصلين لمسمى واحد، أحدهما فاعل والآخر مفعول، وذلك لا يكون في غير فعل قلبي". ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 156).

(2)

ينظر المغني (146) والنص فيه كاملًا.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ينظر الضرائر الشعرية لابن عصفور (260)، وشرح التصريح (1/ 107).

(5)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 156).

(6)

ابن الناظم (24)، وتوضيح المقاصد (1/ 137)، وأوضح المسالك (1/ 66)، وشرح ابن عقيل (1/ 101).

(7)

البيت من بحر البسيط، وقد اختلف في قائله على ما ذكره الشارح، فتارة يقال: هو للفرزدق وصححه الشارح، وهو موجود في ديوانه (190)، وروايته: =

ص: 279

وهو الأصح، وقبله

(1)

:

1 -

إِنِّي حَلَفْتُ وَلَمْ أَحْلِفْ عَلَى فَنَدٍ

فِنَاءَ بَيْتٍ مِنَ السَّاعِينَ مَعْمُورِ

وهما من البسيط.

1 -

[قوله: "على فند" بفتح الفاء والنون، وهو الكذب. وقد أفند إفنادًا إذا كذب]

(2)

قوله: "فناء بيت" أراد به الكعبة المشرفة -عظمها الله تعالى-، وأراد "بالساعين" الطائفين والذين يسعون إليه من كل الجهات، ويروى: من السارين.

2 -

و "الباعث" الذي يبعث الأموات ويحييهم بعد فنائهم، و "الوارث" الذي ترجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك، قوله:"قد ضمنت" بكسر الميم المخففة بمعنى: تضمنت أي اشتملت عليهم، أو بمعنى كفلت؛ كأنها تكفلت بأبدانهم، قوله:"في دهر الدهاير" الدهر: الزمان، ويجمع على دهور، ويقال: الدهر: الأبد، ويقال: دهر داهر؛ كقولهم: أبد أبيد، وقولهم: دهر دهارير؛ أي شديد كقولهم: ليلة ليلاء، ونهار أنهر، ويوم أيوم، وساعة سوعاء، ويقال: دهرُ الدهارير: الزمن السالف، وقيل: أول الأزمنة السالفة، فهو من باب التشبيه

(3)

؛ كما في قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]؛ لأنه إذا بعث من تقادم دهره وتطاول عهده فما قرب أولى، وإذا قيل: دهر دهارير بالصفة فمعناه: شديد كما ذكرنا، وأنشد سيبويه لرجل من أهل نجد

(4)

:

حَتَّى كَأَنْ لمْ يكنْ إلا تَذَكُّرَهُ

والدهرُ أيَّتَمَا حَالٍ دَهَارِيرُ

الإعراب:

قوله: "إني حلفت": جملة اسمية مؤكدة بإن، وقولهم:"ولم أحلف": جملة مؤكدة للجملة السابقة، وقوله:"على فند" متعلق بقوله: لم أحلف، قوله:"فناء البيت" كلام إضافي

= ................................

إياهم الأرض بالدهر الدهارير

وأخرى لأمية بن أبي الصلت، وانظره في الخزانة (2/ 409)، وشرح التصريح (1/ 105)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 156).

(1)

هذا البيت قبل بيت الشاهد ببيت آخر هو:

في أكبر الحج حافٍ غير منتعل

من حالف محرم بالحج مصبور

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

في (أ): التنبيه.

(4)

البيت من بحر من البسيط، نسب لعثير بن لبيد العذري، وقيل: لعثمان بن لبيد العذري، وقيل: لحريث بن جبلة، وقيل: لابن عيينة المهلبي، ومعناه: أن الدهر دهور متقلبة بالناس متصرفة بالخير والشر. ينظر اللسان، مادة:"دهر". وهو في الكتاب لسيبويه (1/ 240)، وفيه يقول: "وأما قوله (

البيت) فإنما هو بخزلة قولك: والدهر دهارير كل حال وكل مرة، أي في كل حال وفي كل مرة، فانتصب لأنه ظرف كما تقول: القتال كل مرة وكل أحوال الدهر".

ص: 280

نصب على الظرف، والعامل فيه حلفت، قوله:"من الساعين" يتعلق بقوله: معمور، ومعمور مجرور؛ لأنه صفة للبيت، وقوله:"من الساعين" معترض بين الصفة والموصوف

(1)

، قوله:"بالباعث" متعلق بقوله: إني حلفت، و "الأموات" إما منصوب بالوارث على أن الوصفين يتنازعان فيه وأعمل الثاني

(2)

، وإما مخفوض بإضافة الأول والثاني على حد قولهم

(3)

:

..........................

بين ذراعي وجبهة الأسد

قوله: "قد ضمنت" قد: للتحقيق، و "ضمنت": فعل ماض، و "الأرض" فاعله، و "إياهم" مفعوله.

فإن قلت: [ما محل هذه الجملة؟

قلت: حال من الأموات، ويجوز أن يكون صفة.

فإن قلت: الجملة بعد المعرفة]

(4)

لا تكون صفة.

قلت: الأموات جنس، وفيه معنى التنكير، قوله:"في دهر" يتعلق بقوله: "ضمنت"، وأضيف إلى الدهارير نحو: جرد قطفة

(5)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إياهم" حيث فصل الضمير المنصوب لأجل الضرورة، وكان القياس أن يقال: قد ضمنتهم، أي: تضمنتهم، كما ذكرنا

(6)

.

(1)

في (أ): وموصوفها.

(2)

هذا على مذهب البصريين، وأما الكوفيون فيعملون الأول. ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 76)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 164) وما بعدها، وتوضيح المقاصد (2/ 65).

(3)

البيت من بحر المنسرح، وقد نسب للفرزدق، ولكنه غير موجود بديوانه وصدره:

يا من رأى عاضًا أسر به

................................

واستشهد به على حذف المضاف إليه وبقاء المضاف لعطف مثله عليه؛ أي جواز حذف المضاف إليه من الأول لدلالة الثاني عليه، وشرط الفراء أن يكون في المصطحبين كاليد والرجل وغيرهما. ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 180)، وابن يعيش (3/ 21)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 248) وما بعدها، وتوضيح المقاصد (2/ 282) وما بعدها، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 274)، والمغني (2/ 45)، وابن يعيش (3/ 21)، والشاهد رقم (136) من الخزانة.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

يقصد أن المضافَ إليه جنس للمضاف، والإضافة فيه على معنى (من)، وهي إضافة محضة.

(6)

ينظر الضرائر الشعرية (261) وفيه يقول: "ومنه وضع ضمير النصب المتصل بدل ضمير النصب المنفصل، أو بدل النفس، فمن الأول، وأنشد البيت، ثم قال: يريد قد ضمنتهم". وينظر الإنصاف (409)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 156)، والخصائص (1/ 307).

ص: 281

‌الشاهد الحادي والخمسون

(1)

،

(2)

أَنَا الذَّائِدُ الحَامِي الذِّمَارُ وَإِنَّمَا

يُدَافِعُ عَنْ أَحْسَابِهِمْ أَنَا أَوْ مِثْلِي

أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب، وهو من قصيدة لامية، وبعد البيت المذكور قوله:

2 -

فَمَهْمَا أَعِشْ لا يُضْمِنُونِي وَلَا أُضَع

لَهُمْ حَسَبًا مَا حَرَّكَتْ قَدَمِي نَعْلِي

3 -

يَوَدُّ لَكَ الأَدْنَوْنَ لَوْ مُتَّ قبلَهُمْ

يَرَوْنَ بِهَا شرًّا عَلَيْكَ من القَتْلِ

4 -

أَتَى أَبَدٌ مِنْ بَعْدِ حِدْثَانِ عَهْدِنَا

وَجَرَّتْ عَلَيْهِمْ كلُّ نَافِجَة شَمْلِي

5 -

وصدَّتْ فَأُعْلِنا بِهَجْرٍ صُدُودَهَا

وهُنَّ منَ الأَخْلافِ قبلكِ والمطلِ

6 -

ويوم شَهِدْنَاهُ تَسَامَى ملوكه

بمُعْتَرَكٍ بينَ الأَسِنَّةِ والنَّبْلِ

7 -

وَإِنَّا لَذَوَّادُونَ كُلَّ كَتِيبَةٍ

تَجُرُّ مَنَايَا القومِ صادقةَ القَتْلِ

8 -

أبَى لِكُلَيْبٍ أنْ تساوَى معشرًا

من الناسِ أنْ ليسُوا بفرعٍ ولا أَصْلِ

9 -

سواسية سود الوجوهِ كأنهم

ظرابِي غِرْبَانٍ بمجرودةٍ محلِ

وهذه القصيدة من القصائد التي عارض بها الفرزدق جريرًا، ويذمه ويهجوه، وهي من الطويل.

2 -

قوله: "ولا أضع" من الإضاعة.

3 -

قوله: "الأدنون" أي الأقربون.

4 -

قوله: " [بعد]

(3)

حدثان عهدنا" بكسر الحاء وسكون الدال، وحدثان الشيء: أوله، وهو مصدر حدث يحدث حدوثًا، وحدثًا وحدثانًا ضد القديم، قوله: "نافجة" بالجيم النافجة: أول كل شيء يبدأ بالشدة، يقال: نفجت الريح إذا أتت بقوة.

7 -

و "الكتيبة": الجيش، و "المنايا" جمع منية من الموت.

(1)

توضيح المقاصد (1/ 138)، وأوضح المسالك (1/ 68).

(2)

البيت من بحر البسيط، وهو من النقائض، وانظره في ديوان الفرزدق (488)، تحقيق: علي فاعور، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، ورواية الشاهد:

أنا الضامن الراعي عليهم وإنما

........................

والبيتان بالقصيدة غير متتاليين، وباقي الأبيات ليست بالديوان، وانظر الشاهد في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 148)، والدرر (1/ 39).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 282

9 -

قوله: "سواسية" أي أشباه، قوله:"ظرابي": غربان، والظرابي جمع ظربان بفتح الظاء وكسر الراء، وهي دويبة منتنة، و "الغربان": جمع غراب، وجمع القلة أغربة، و"المجرودة" من جردت الأرض، إذا أكل الجراد نَبْتَهَا فصارت سوداء، والتقدير: بأرض مجرودة، قوله:"محل" صفة أخرى، يقال: أرض محل، وأرض محول؛ كما يقال: أرض جدبة، وأرض جدوب، و "المحل": انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلأ، قوله:"أنا الذائد" بالذال المعجمة في أوله من ذاد يذود إذا منع، ويقال: أين الذود؟ وهو الطرد، وقال الجوهري: الذياد: الطرد، يقال: ذدته عن كذا ذيادًا وذدت الإبل: سقتها وطردتها والتذويد مثله ورجل ذائد وذوّاد: أي حامي الحقيقة دفاع

(1)

، و "الحامي" من الحماية؛ وهي الدفع وهذا شيء حِمًى على فِعَل؛ أي محظور لا يقرب، و "الذمار" بكسر الذال المعجمة وتخفيف الميم ما لزمك حفظه مما وراءك ويتعلق بك، وإنما سمي ذمارًا؛ لأنه يجب على أهله التذمر له أي؛ التشمر لدفع العار عنه، يقال: ذمرته أذمره ذمرًا إذا حثثته ومنه الذِّمَرِّ بكسر الذال وكسر الميم وتشديد الراء مثل فلز؛ وهو الشجاع، ويقال: الذمار: العهد، وفي حديث أبي سفيان [رضي الله عنه]

(2)

قال: "يوم الفتح حبذا يوم الذمار"

(3)

. يريد: الحرب؛ لأن الإنسان يقاتل على ما يلزمه حفظه، وفي الحديث:"فخرج يتذمر" أي يعاتب نفسه ويلومها على فوات الذمار.

والمعنى: ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلي، وقال الزوزني

(4)

: معناه: ما يدافع عن أحساب قومه إلا أنا ومن يماثلني في إحراز الكمالات، فصل مع إنما كما ترى.

الإعراب:

قوله: "أنا الذائد" جملة من المبتدأ والخبر، و "الحامي" خبر بعد خبر، قوله:"الذمار" يجوز فيه النصب والجر، فالنصب على المفعولية، والجر على الإضافة، قوله:"أنا" فاعل لقوله: "يدافع"، و "أو مثلي" عطف عليه، وقصد الفرزدق بهذا التركيب القصر والاختصاص

(5)

، أما القصر؛ فلأنه ذكر إنما، وهي من أدوات القصر، وأما الاختصاص فبتقديمه:"عن أحسابهم" على قوله: "أنا"؛ وذلك لأن غرضه كان تخصيص المدافع لا المدافع عنه، فلذلك أخَّر أنا؛ إذ لو

(1)

اللسان والصحاح "ذود".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

الحديث في فتح الباري (8/ 6) حديث رقم (4280).

(4)

هو حسين بن أحمد بن حسين الزوزني أبو عبد الله، له: شرح المعلقات وغيره (ت 486 هـ)، ينظر الأعلام (2/ 231).

(5)

يعرف الاختصاص بأنه: تخصيص شيء بشيء، أو أمر بآخر بطريق مخصوص. ينظر علم المعاني لعبد العزيز عتيق (151).

ص: 283

قال: "وإنما أدافع أنا عن أحسابهم" لصار المعنى إلى أنه يزعم أن المدافعة تكون عن أحساب غيرهم؛ كما إذا قال: وما أدافع إلا عن أحسابهم، وليس ذلك مقصوده، بل مقصوده أنه يزعم أن المدافعَ هو لا غيره.

فإن قلتَ: لمَ لا يجوز أن يكون ذلك للضرورة؟

قلتُ: لا يجوز أن ينسب فيه إلى الضرورة؛ لأن أدافع ويدافع واحد في الوزن.

فإن قلتَ: كان يمكنه أن يقول: فإنما أدافع عن أحسابهم أنا، فيقدم الأحساب على أنا.

قلتُ: لو كان كذلك كان الفاعل الضمير المستكن في الفعل، وكان "أنا" الظاهر تأكيدًا له والحكم يتعلق بالمؤكد دون التأكيد؛ لأن التأكيد كالتكرير، فلا يجيء إلا بعد نفوذ الحكم، فلا يكون تقديم:"عن أحسابهم" على الضمير الذي هو تأكيد تقديمًا على الفاعل؛ لأن تقديم المفعول

(1)

على الفاعل إنما يكون إذا ذكرت المفعول قبل أن تذكر الفاعل، لا بعد أن تذكر الفاعل، وقبل أن تذكر تأكيده، ولا سبيل لك إذا قلت: أنا أدافع عن أحسابهم إلا

(2)

أن تذكر المفعول قبل ذكر الفاعل؛ لأن ذكر الفاعل هنا هو ذكر الفعل، من حيث إنه مستكن في الفعل فكيف يتصور تقديم شيء عليه؟

(3)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وإنما يدافع عن أحسابهم أنا" حيث أتى فيه بضمير منفصل لغرض القصر فلم يتأت له الاتصال لمعنى إلا؛ لأنا قد قلنا: إن معنى: وإنما يدافع عن أحسابهم أنا: ما يدافع [عن أحسابهم]

(4)

إلا أنا. فافهم فإنه دقيق

(5)

، وقال الشيخ عبد القاهر

(6)

: ولا يجوز أن ينسب فيه إلى الضرورة؛ لأنه ليس به ضرورة، وقد حققناه

(7)

.

(1)

في (أ): لأن تقديمه على الفاعل.

(2)

في (أ، ب): إلى.

(3)

ينظر دلائل الإعجاز (328 - 330)، تحقيق: محمود شاكر، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب. ويراجع المسائل الحلبيات لأبي علي الفارسي (228) تحقيق: د. حسن هنداوي.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ينظر البيت في: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 148).

(6)

هو عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني النحوي وإمام البلاغيين، له في النحو: المقتصد في شرح الإيضاح، وفي البلاغة دلائل الإعجاز وغيره (ت 470 هـ). ينظر بغية الوعاة (2/ 106).

(7)

قال الإمام عبد القاهر: "وإذا استبنت هذه الجملة عرفت منها أن الذي صنعه الفرزدق في قوله: (

البيت) شيء لو لم يصنعه لم يصح له المعنى ذلك؛ لأن غرضه أن يخص المدافع لا المدافع عنه، ولو قال: إنما أدافع عن أحسابهم لصار المعنى أنه يخص المدافع عنه، وأنه يزعم أن المدافعة منه تكون عن أحسابهم لا عن أحساب غيرهم، كما يكون إذا قال: وما أدافع إلا عن أحسابهم، وليس ذلك معناه إنما معناه أن يزعم أن المدافع هو لا غيره فاعرف ذلك، فإن الغلط =

ص: 284

‌الشاهد الثاني والخمسون

(1)

،

(2)

لَئِنْ كَانَ حُبِّيْكِ لِي كَاذِبًا

لَقَدْ كَانَ حُبِّيكِ حَقًّا يَقِينًا

أقول: هذا من أبيات الحماسة ولم ينسب فيه إلى أحد، ولم يوجد في أكثر نسخ الحماسة، وقبله:

1 -

أمَّا والذي أَنَا عَبدٌ لَهُ

يَمِينًا وَمَا لَكِ أُبْدِي اليَمِينَا

2 -

لَئِنْ كُنْتِ أَوْطَأْتِنِي عَشْوَةً

لقدْ كنتِ أَصْفَيْتُكِ الوُدِّ حِينًا

3 -

ومَا كُنْت إلا كذِي نُهْزَةٍ

تَبَدَّلَ غَثًّا وأعطي سمِينَا

وهو من المتقارب وفيه الحذف.

2 -

قوله: "أوطأتني" قال الجوهري: أوطأته الشيء فوطئه، يقال: أوطأك عَشْوَةً، وهي بفتح العين المهملة وسكون الشين المعجمة، وهي أن تركب أمرًا على غير بيان، يقال: أوطأني عَشْوَةً وعِشْوَةً وغشوة أي: أمرًا ملتبسًا

(3)

.

3 -

و "النهزة" بضم النون وسكون الهاء وفتح الزاي المعجمة؛ وهي الفرصة، ويقال: كذي بُهْزة بضم الباء الموحدة وسكون الهاء وفتح الزاي المعجمة؛ أي: كذي غلبة، و "الغث": المهزول.

الإعراب:

قوله: "لئن كان حبيك" وفي أصل الحماسة: وإن كان، وكذا أنشده أثير الدين في شرح التسهيل

(4)

واللام فيه تسمى اللام الموطئة؛ لأن اللام الداخلة على أداة الشرط للإيذان بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها، ولذلك تسمى اللام المؤذنة والموطئة -أيضًا- لأنها وطأت الجواب للقسم، أي مهدته

(5)

، وإن: حرف شرط.

وقوله: "كان حبيك" فعل الشرط، وقوله:"لقد كان": جواب الشرط، وكان: ناقصة،

= كما أظن يدخل على كثير ممن تسمعهم يقولون: إنه فصل الضمير للحمل على المعنى فيُرى أنه لو لم يفصله لكان يكون معناه مثله الآن، هذا ولا يجوز أن ينسب فيه إلى الضرورة فيجعل مثلًا نظير قول الآخر:

كأنا يوم قرى إنما نقتل إيانا

واحدًا في الوزن، فاعرف هذا أيضًا ............... ". دلائل الإعجاز (340) وما بعدها.

(1)

أوضح المسالك (1/ 69).

(2)

البيت من بحر المتقارب، غير منسوب لأحد في مراجعه، وانظره في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 153).

(3)

الصحاح، مادة:"وطأ".

(4)

التذييل والتكميل في شرح التسهيل (2/ 237) تحقيق د. حسن هنداوي.

(5)

ينظر ابن يعيش (9/ 22) والجنى الداني (136).

ص: 285

وقوله: "حبيك": مصدر مضاف إلى مفعوله، وهو ياء المتكلم، والكاف فاعله، والتقدير: حبك إياي، والجملة في محل الرفع؛ لأنها اسم كان

(1)

، وقوله:"لئن كان حُبِّيْك" هكذا رأيته قد ضبطه أبو حيان رحمه الله بيده

(2)

، وعند غيره:"لئن كان حبك لي كاذبًا" بدون ضمير المتكلم، فالتقدير فيه: إن كان حبك إياي كاذبًا لقد كان حبي إياك حقًّا يقينًا، ويكون الاستشهاد في الشطر الثاني فقط، وعلى قول أبي حيان في الشطرين جميعًا.

قوله: "لقد كان" قد قلنا: إنه جواب الشرط؛ ولذلك دخلت اللام فيه للتأكيد

(3)

، و "قد" للتحقيق، وكان -أيضًا- ناقصة، وقوله:"حبيك": مصدر مضاف إلى فاعله، وهو الياء والكاف مفعوله، والتقدير: حبي إياك، والجملة اسم كان، وخبره قوله:"حقًّا"، ومعناه: ثابتًا محققًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لئن كان حبيك" حيث أتى بالاتصال عند اجتماع الضميرين، مع أن الفصل أرجح، وكان ينبغي أن يقال: حبي إياك، ولكن أتى بالاتصال للضرورة، والأصح أن هذا غير مخصوص بالضرورة، فافهم

(4)

.

‌الشاهد الثالث والخمسون

(5)

،

(6)

أَخِي حَسِبْتُكَ إِيَاهُ وَقَدْ مُلِئَتْ

أَرْجَاءُ صَدْرِكَ بالأَضْغَانِ والإِحَنِ

أقول: هذا من البسيط، وفيه الخبن.

قوله: "أرجاء صدرك" أي نواحي صدرك، وهو جمع رَجَى غير مهموز بوزن عصى، قال الجوهري: الرجا مقصور: ناحية البئر وحافتاها، وكل ناحية رجا، يقال: منه أرجيت البئر، والرجوان حافتا البئر

(7)

، و "الإضغان": جمع ضِغن بكسر الضاد على وزن عِلْم، وهو الحقد، وقد

(1)

ليس المصدر وما أضيف إليه جملة، والجملة لا تكون اسمًا لكان؛ كما أنها لا تكون مبتدأ.

(2)

التذييل والتكميل (2/ 237).

(3)

جعله هذا الجواب للشرط لا يجوز، بل هو جواب القسم المحذوف؛ لأن جواب الشرط لا يقترن باللام.

(4)

يجوز الاتصال والانفصال في خبر كان إذا كان ضميرًا، واختلف في المختار منهما، فاختار سيبويه الانفصال، واختار ابن مالك الاتصال، ولم يصرح سيبويه بأن الاتصال ضرورة. راجع: الكتاب (2/ 358).

(5)

ابن الناظم (24)، وأوضح المسالك (1/ 71).

(6)

البيت من بحر البسيط، غير منسوب في مراجعه، وانظره في شرح الأشموني بحاشية الصبان (1/ 119)، وشرح التصريح (1/ 107)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1030).

(7)

الصحاح، مادة:"رجا".

ص: 286

ضغن عليه بالكسر ضغنًا، وتضاغن القوم إذا انطووا على الأحقاد، و "الإحن" بكسر الهمزة وفتح الحاء المهملة؛ جمع إحنة وهي الحقد، وقد أحنيت عليه بالكسر والمؤاحنة؛ المعاداة.

الإعراب:

قوله: "أخي": منادى حذف حرف النداء منه، وأصله: يا أخي

(1)

، وقوله:"حسبتك" جملة من الفعل، والفاعل وهو التاء، والمفعول وهو الكاف، وقوله:"إياه" مفعول ثان لحسبت، وقوله: "قد ملئت

إلخ" جملة وقعت حالًا، و "أرجاء صدرك" كلام إضافي مفعول لقوله "ملئت" ناب عن الفاعل، والباء في: "بالأضغان" يتعلق بمُلِئَتْ، قوله: "والإحن" عطف عليه تقديره: وبالإحن.

الاستشهاد فيه:

في فصل الضمير في قوله: "حسبتك إياه" حيث لم يقل حسبتكه، والجمهور اختاروا فيه الانفصال نظرًا إلى أنه خبر في الأصل

(2)

، واختار جماعة

(3)

منهم ابن مالك الاتصال لكونه أخصر، هذا الذي اختاره ابن مالك في كتابه الألفية

(4)

، وأما الذي اختاره في التسهيل فهو الانفصال

(5)

، ونص سيبويه على أن الانفصال هو الوجه، قال سيبويه وتقول: حسبتك إياه، وحسبتني إياه؛ لأن حسبتنيه وحسبتكه قليل في كلامهم

(6)

.

(1)

قال الدنوشري: أعرب العيني (أخي): منادى حذف منه حرف النداء، وليس بصواب ولا يستقيم عليه المعنى، وكيف يناديه الأخوة وهو يخبر أن نواحي صدره ملئت بالأضغان والإحن؟. التصريح - حاشية يس (1/ 107).

(2)

وقوع ثاني ضميرين منصوبين بفعل ناسخ، اختار الجمهور فيه الانفصال، وهو قول سيبويه، ووجهه أن الضمير خبر في الأصل، وحق الخبر الانفصال، وبه قال ابن مالك في التسهيل. ينظر توضيح المقاصد (1/ 144، 145).

(3)

الرماني وابن الطراوة. ينظر توضيح المقاصد (1/ 145).

(4)

قال ابن مالك:

وصل أو افصل هاء سلنيه وما

أشبهه في كنته الخلف انتمى

كذاك خلتنيه واتصالًا

أختار غير اختار الانفصالا

(5)

قال ابن مالك: "ويختار اتصال نحو هاء أعطيتكه، وانفصال الآخر من نحو فراقيها ومنعُكَها وخلتُكَه". ينظر تسهيل الفوائد (27)، وقال:"وغذا كان الضمير كهاء خلتكه في كونه ثاني مفعولي أحد أفعال القلوب، فالانفصال به أولى؛ لأنه خبر مبتدأ في الأصل، وقد حجزه عن الفعل منصوب آخر". شرح التسهيل لابن مالك (1/ 154).

(6)

قال سيبويه: "وتقول حسبتك إياه، وحسبتني إياه؛ لأن حسبتنيه وحسبتكه قليل في كلامهم؛ وذلك لأن حسبت بمنزلة كان

". الكتاب لسيبويه (2/ 365).

ص: 287

‌الشاهد الرابع والخمسون

(1)

،

(2)

بُلِّغْتَ صُنْعَ امْرِئٍ بَرٍّ إِخَالُكَهُ

إِذْ لَمْ تَزَلْ لاكْتِسَابِ الحَمْدِ مُبْتَدِرًا

أقول: هذا البيت احتج به جماعة من النحاة، ولم أر أحدًا منهم نسبه إلى قائله.

وهو من البسيط وفيه الخبن.

قوله: "بَرٍّ" بفتح الباء الموحدة يقال: رجل برٌّ، أي: صادق، ومنه برَّ فلانٌ في يمينه؛ أي صدق، قوله:"إخالكه" أي: أظنكه، وهو بكسر الهمزة، وهو الأفصح، وإن كان القياس فتحها، وعلى القياس لغة بني أسد

(3)

وهو من خلت الشيء خيلًا وخيلة ومخيلةً وخيلولةً، أي ظننته، قال الجوهري: وتقول في مستقبله: إخال بكسر الهمزة، وهو الأفصح

(4)

، قوله:"مبتدرًا" من الابتدار، وهو الإسراع.

الإعراب:

قوله: "بلغت" على صيغة المجهول، والتاء مفعول ناب عن الفاعل، وقوله:"صنع امرئ": كلام إضافي وقع مفعولًا ثانيًا لبلغت، قوله:"بر": صفة لامرئ، قوله:"إخالكه" جملة من الفعل والفاعل، والمفعولين أحدهما الكاف، والآخر الهاء، قوله:"إذ" للتعليل، و "لم تزل" جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير الذي هو اسم: لم تزل، وقوله:"مبتدرًا" بالنصب خبره، وقوله:"لاكتساب الحمد" يتعلق به.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إخالكه" حيث أتى فيه بالضمير المتصل؛ حيث لم يقل إخالك إياه، وقد ذكرنا أن الجمهور على الفصل في مثل هذا الباب، واختار ابن الطراوة

(5)

والرماني

(6)

وابن مالك الاتصال، واستشهدوا بالبيت المذكور

(7)

.

(1)

أوضح المسالك (1/ 72).

(2)

البيت من بحر البسيط، مجهول القائل، ولم ينسبه أحد من النحويين، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 155).

(3)

و

(4)

الصحاح، مادة:"خيل".

(5)

سليمان بن محمد بن الطراوة تلميذ الأعلم الشنتمري، صنف: المقدمات على كتاب سيبويه، (ت 528 هـ). ينظر المدارس النحوية (296).

(6)

علي بن عيسى بن علي بن عبد اللَّه أبو الحسن الرماني، شرح كتاب سيبويه وأصول النحو وغيرهما (ت 384 هـ) ينظر بغية الوعاة (2/ 181).

(7)

ينظر الشاهد رقم (53).

ص: 288

‌الشاهد الخامس والخمسون

(1)

،

(2)

بِنَصْرِكُمْ نَحْنُ كُنْتُمْ ظَافِرِينَ وَقَدْ

أَغْرَى العِدَا بِكُمْ اسْتِسْلَامُكُمُ فَشَلًا

أقول: بهذا -أيضًا- من البسيط.

قوله: "ظافرين" من الظفر، وهو الفوز، وقد ظفر بعدوه وظفره -أيضًا- مثل: لحق به ولحضه فهو ظَفِر، ومعنى الظَّفَر ها هنا: الاستيلاء على العدو، قوله:"أغرى": أي أشلى، من الإغراء، ومنه أغريت الكلب على الصيد وأغريت بينهم، قال تعالى:{فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 14]، و "العدا" بكسر العين؛ جمع عدو، و "الاستسلام": الانقياد والطاعة، و "الفشل" بالفاء والشين المعجمة المفتوحتين؛ من فشِل بالكسر إذا جبن، قال تعالى:{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ}

(3)

[آل عمران: 152].

الإعراب:

قوله: "بنصركم" الباء تتعلق بقوله: كنتم، والنصر: مصدر مضاف إلى مفعوله، و "نحن" فاعله، والتقدير: كنتم ظافرين على العدا بنصرنا إياكم، و "كان": ناقصة واسمها هو الضمير المتصل بها، وخبرها هو قوله:"ظافرين"، قوله: "وقد أغرى

إلخ": جملة فعلية وقعت حالًا، و "أغرى": فعل ماض، وفاعله هو قوله: "استسلامكم"، قوله: "العدا" مفعوله، والباء في: "بكم" تتعلق بأغرى، وهو بمعنى على؛ كما في قوله تعالى: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] أي: على قنطار، والتقدير: كنتم ظافرين على العدا بنصرنا إياكم في حالة إغراء استسلامكم أعداءكم عليكم، قوله: "فشلًا" نصب على التعليل؛ أي: لأجل الفشل، أي لأجل فشلكم وخوفكم، وهو معلل للاستسلام؛ لأن الاستسلام هو الانقياد والخضوع، وذلك لا يكون إلا من الفشل والخوف.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بنصركم نحن" حيث جاء الضمير فيه منفصلًا لعدم تأتي الاتصال، وقد علم أن المواضع التي يتعين فيها الانفصال لعدم تأتي الاتصال اثنا عشر موضعًا

(4)

منها: أن ترفع بمصدر

(1)

توضيح المقاصد (1/ 139).

(2)

البيت من بحر البسيط، وهو مجهول القائل، ينظر همع الهوامع للسيوطي (1/ 63)، وفرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد للعيني (30)، والدرر (1/ 39)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 149).

(3)

تمام الآية: {فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152].

(4)

المواضع التي يتعين فيها الانفصال لعدم تأتي الاتصال اثنا عشر موضعًا هي: أن يكون الضمير محصورًا بإلا، أو إنما، أو يرفع بمصدر مضاف إلى المنصوب، أو يرفع بصفة جرت على غير صاحبها مطلقًا عند البصريين، وبشرط أمن اللبس =

ص: 289

مضاف إلى المنصوب؛ كما في البيت المذكور.

‌الشاهد السادس والخمسون

(1)

،

(2)

فَإِنْ أَنْتَ لَمْ يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ فَانْتَسِبْ

لَعَلَّكَ تَهْدِيكَ القُرُونُ الأَوَائِلُ

أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة العامريّ، وهو من قصيدته المشهورة التي يقول فيها:

ألا كلُّ شيءٍ مَا خلا اللهَ باطلُ

..........................

وقد مر ذكرها مع ترجمته في أول الكتاب

(3)

.

وهي من الطويل، وفيه القبض.

قوله: "فانتسب" من الانتساب، وتمام معناه في البيت الذي يليه، وهو:

فَإِنْ لَمْ تَجِدْ من دُونِ عَدْنَانَ وَالِدًا

وَدُونَ مَعَدٍّ فَلْتَزَعْكَ العَوَاذِلُ

المعنى: أن غاية الإنسان الموت، فينبغي أن يتعظ فينسب نفسه إلى عدنان أو معد، فإن لم يجد من بينه وبينهما من الآباء، فليعلم أنه يصير إلى مصيرهم، فينبغي أن ينزع عما هو عليه، وهو معنى قوله:"فلتزعك العواذل" يقال: وزعه يزعه، إذا كفه.

والمراد بـ: "العواذل" ها هنا حوادث الدهر وزواجره، وإسناد العذل إليها مجاز

(4)

، قوله:"تهديك" من هديته الطريق، والبيت هدايةً [إذا]

(5)

عرفته، هذه لغة أهل الحجاز، وغيرهم يقولون

(6)

: هديته إلى الطريق وإلى الدار، حكاها الأخفش

(7)

، وهدى واهتدى بمعنى،

= عند الكوفيين وأن يحذف عامله، أو يؤخر عامله، أو يكون العامل حرف نفي، أو يفصل بينه وبين عامله بالمتبوع، أو يلي واو المصاحبة، أو يلي أما، أو يلي اللام المفارقة، أو ينصبه عامل في مضر قبله غير مرفوع، إن اتحدا رتبة. ينظر توضيح المقاصد (1/ 138 - 143) بالتفصيل، وفرائد القلائد (30).

(1)

توضيح المقاصد (1/ 140).

(2)

البيت من بحر الطويل، للبيد بن ربيعة العامري، وهو من قصيدة، كان منها أول شاهد من هذا الكتاب، وانظر شرح التصريح (1/ 108)، والخزانة (3/ 34) وشرح الأشموني (1/ 188) وشرح شواهد المغني (151).

(3)

ينظر الشاهد الأول من هذا الكتاب.

(4)

مجاز عقلي وعلاقته الزمانية، والمجاز العقلي هو إسناد الفعل، أو ما في معناه إلى ملابس لغير ما هو له بتأويل. ينظر الإيضاح لمختصر تلخيص المفتاح (20)، ومفتاح العلوم للسكاكي (208)، ودلائل الإعجاز (194)، وعلم البيان لعبد العزيز عتيق (144) وما بعدها.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(6)

في (أ): يقول.

(7)

ينظر اللسان، مادة:"هدي".

ص: 290

قال اللَّه تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: 37] قال الفراء: لا يهتدي

(1)

، و "القرون" جمع قرن، والقرن بفتح القاف، قال الجوهري: القرن من الناس: أهل زمان واحد، قال الشاعر

(2)

:

إذا ذَهَبَ القَرْنُ الذي أَنْتَ فِيهِمُ

وَخُلِّفْتَ في قرْنٍ فَأَنْتَ غَرِيبُ

(3)

ويقال: القرن: ثلاثون سنة، وقيل: مائة سنة

(4)

، و "الأوائل": جمع أول، وهو نقيض الآخر وأصله: أوْأَلُ على وزن أفعَل، مهموز الأوسط، قلبت الهمزة واوا وأدغم، ويقال

(5)

: وَوْأَلُ على وزن فوعل، فقلبت الواو الأولى همزة

(6)

.

الإعراب:

قوله: "فإن أنت" إن: حرف الشرط، وهي تدخل على كلامين، تجعلهما كلامًا واحدًا، يسمى الأول منهما شرطًا والثاني جوابًا وجزاءً، وهي مختصة بالدخول على الجملة الفعلية، فإن وليها الاسم كان الفعل مقدرًا، فلذلك قُدِّر ها هنا الفعل، والتقدير: فإن ضللت لم ينفعك علمك فأضمر ضللت لفهم المعنى؛ فلذلك انفصل الضمير

(7)

، ويقال: أصل "فإن أنت": "فإن إياك" ثم أناب المرفوع عن المنصوب؛ كقراءة الحسن

(8)

،

(9)

: (إياك يعْبَدُ)[الفاتحة: 5]

(10)

، وخرجه السهيلي

(11)

على وجهين:

أحدهما: أن يكون أنت مبتدأ، وذلك على ما أجازه سيبويه من جواز الرفع بالابتداء بعد أداة الشرط، إن كان في الجملة التي هي مطلوب الشرط فعل هو خبر؛ نحو: إن الله أمكنني من فلان

(12)

.

والوجه الثاني: أن يكون أنت في موضع نصب، وهو مما وُضِع فيه الضمير المرفوع موضع الضمير المنصوب؛ كما وضعوا المنصوب موضع المرفوع، قالوا: لم يضربني إلا إياه، وفي

(1)

معاني القرآن للفراء (2/ 99)، واللسان، مادة:"هدى".

(2)

من الطويل ينظر الصحاح، مادة:"قرن".

(3)

الصحاح، مادة:"قرن".

(4)

ينظر فرائد القلائد (31).

(5)

في (أ): يقال.

(6)

ينظر الممتع لابن عصفور (1/ 332، 339)، توضيح المقاصد (6/ 15).

(7)

ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 133، 134) والجنى الداني (207).

(8)

هو الحسن بن أبي الحسن أبو سعيد البصري (ت 110 هـ). طبقات القراء (1/ 235).

(9)

ينظر الإتحاف (1/ 364)، وقد اعترضه البغدادي في الخزانة (1/ 293).

(10)

التنظير في مطلق الإبانة، وإلا فإن البيت قد ناب فيه المرفوع عن المنصوب، وفي القراءة العكس.

(11)

هو أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله، تلميذ ابن الطراوة، ألف: الروض الأنف في السيرة النبوية، ونتائج الفكر في النحو، وغيرهما، (ت 581 هـ). ينظر المدارس النحوية (299).

(12)

الكتاب (3/ 113).

ص: 291

الحديث: "من خرج إلى الصلاة لا ينهزه إلا إياها"

(1)

وفي المحكي من كلام العرب: إذا هو إياها وإذا هي إياه

(2)

.

قوله: "علمك": كلام إضافي مرفوع بقوله: لم ينفعك، قوله:"فانتسب" جواب الشرط فلذلك دخلت فيه الفاء، والأصل فيه أن يكون فعلًا؛ كما أن الشرط الذي هو علة له فعل، وقد يكون الجواب جملة فعلية طلبية؛ كما في قوله تعالى:{وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ} [الأنفال: 40] ومنه قوله: "فانتسب"

(3)

، قوله:"لعلك" لعل ها هنا للتعليل كما في قوله تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] والكاف اسمه، وقوله:"تهديك القرون" خبره، والقرون فاعل يهديك، و "الأوئل" صفتها.

الاستشهاد فيه:

انفصال الضمير في قوله: "فإن أنت" فإنه لما أضمر العامل، وهو فعل الشرط؛ وذلك لأن التقدير: فإن ضللت كما ذكرنا تعين انفصال الضمير.

‌الشاهد السابع والخمسون

(4)

،

(5)

...............................

تَكُونُ وَإيَّاهَا بِهَا مَثَلًا بَعْدِي

أقول: قائله هو أبو ذؤيب خويلد بن خالد بن محرث الهُذَليّ، وهو من قصيدة يخاطب بها خالدَ ابنَ أخته، وكان أبو ذؤيب يرسله قَوَادًا إلى معشوقة له تدعى أم عمرو، فأفسدها عليه واستمالها إلى نفسه، فقال فيه:

(1)

صحيح البخاري (فتح الباري)(4/ 338)، برقم (2119)، وروايته عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صلاة أحدكم في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بِضْعًا وعشرين درجة؛ وذلك بأنه إذا توضًا فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لا ينهزه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفع بها درجة أو حطت عنه بها خطيئة، والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ما لم يحدث فيه، ما لم يؤذ فيه وقال: أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه".

(2)

ينظر المغني (88)، وهذا القرل من المسألة الزنبورية، وهي عبارة عن مناظرة بين سيبويه والكسائي، وقد انتصر فيها الكسائي على سيبويه، مجاملة للحاكم، وقد نص عليها في غالب كنب النحاة، ومنها المغني لابن هشام.

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (4/ 75)، وتوضيح المقاصد (4/ 251).

(4)

توضيح المقاصد (1/ 141).

(5)

البيت من بحر الطويل، لأبي ذؤيب الهذلي، انظره مع الأبيات الذي ذكرها الشارح في ديوان الهذليين (1/ 159)، وكذا في شرح الديوان لأبي سعيد السكري (1/ 219)، وانظر بيت الشاهد في: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 150)، والدرر (1/ 40)، والمقتصد (659)، وشرح التصريح (1/ 105).

ص: 292

1 -

تُرِيدينَ كَيْ مَا تَجْمَعِينِي وَخَالِدًا

وهَلْ يجْمَعُ السيفَان ويْحَكِ فيِ غِمْدِ

2 -

أخالدٌ مَا رَاعَيْتَ مِنْ ذِي قَرَابَةٍ

فَتَحْفَظَنِي بالغَيْبِ أو بَعْض مَا تُبْدِي

3 -

دَعَاكَ إِلَيهَا مُقْلَتَاهَا وَجِيدُهَا

فَمِلْتَ كمَا مَال المُحِبّ عَلَى عَمدِ

4 -

فَكُنْتَ كَرَقْرَاقِ السَّرَابِ إِذَا جَرَى

لِقَوْمٍ وَقَدْ بَاتَ المطيُّ بهم تَخْذِي

5 -

فآليتُ لا أَنْفَكُّ أَحْذُو قصيدةً

تَكونُ وإيَّاهَا بِهَا مَثَلًا بَعْدِي

وهي من الطويل.

1 -

قوله: "تريدين" خطاب لأخ عمرو، قوله:"في غمد" بكسر الغين المعجمة وسكون [الميم]

(1)

وهو غلاف السيف.

2 -

قوله: "أخالد" أي: يا خالد، قوله:"أو بعض ما تبدي" أراد: وفي بعض ما تظهر لي من الإخاء والمودة، وأراد:"بالغيب" السر، ومن قوله:"ما تبدي به" العلانية.

3 -

قوله: "وجيدها" أي عنقها.

4 -

قوله: "كرقراق السراب" يعني: ظننت أن لك أمانة، فكنت كالسراب الذي يكذب من رآه، يظن أنه ماء وليس بماء، فكذلك أنت، و "الرقراق": الجاري، قوله:"تخدي" بالخاء المعجمة، يقال: خدت الناقة تخدي إذا أسرعت، مثل: وخدت وخوَّدت كله بمعنى.

5 -

قوله: "فآليت" أي: حلفت، من الإيلاء وهو اليمين، قوله:"لا أنفك" أي: لا أزال، قوله:"أحذو" بالحاء المهملة والذال المعجمة، من حذوت النعل بالنعل حذوًا إذا سويت إحديهما على قدر الأخرى، و "الحذو": التقدير والقطع، ويروى: أحدو بالدال المهملة؛ من قولهم: حدوت البعير إذا سقته وأنت تُغَنِّي في إثره لينشط في السير، وقال ابن يسعون:[عندي]

(2)

في أحدو ثلاثة أوجه:

الأول: أنه يريد أحدو قصيدة إليك، أي أسوقها حاديًا كما يسوق الحادي الإبل عند سوقها لأنه يتغنى، وإنما أراد بذلك الشهرة.

الثاني: أن يريد أحدو غَدْرَتُكَ بي قصيدة، أَبْلُغُ بتخليدها فيك أملي. فحذف المفعول للحال الدالة عليه، ونصب قصيدة نصب الصدر، أي: حدو قصيدة، فإنما حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

الثالث: أن يريد التحدي بها وأتبعها ناظمًا لها، حتى كأنه قال: أو إلى قصيدة.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 293

الإعراب:

قوله: "فآليت" الفاء للعطف، وآليت: جملة من الفعل والفاعل، قوله:"لا أنفك" من الأفعال الناقصة، فالضمير فيها اسمها، وخبرها قوله:"أحدو"، قوله:"قصيدة" [مفعول أحدو، وقال أبو سعيد السكري

(1)

: أحدو معناه: أغني فعلى هذا ينبغي أن يكون قوله: "قصيدة"]

(2)

مفعولًا بإسقاط حرف الجر أغني بقصيدة

(3)

.

قوله: "تكون" في موضع الصفة لقصيدة وهي صفة جرت على غير من هي له ولو جعلتها صفة محضة لبرز ضمير الفاعل المستتر فيها فيقول: تكون أنت وإياها والضمير في قوله: "بها" يعود على القصيدة، و "إياها" يعود على المرأة كأنه قال: حلفت لا أزال أصنع قصيدة تكون في هذه المرأة بها مثلًا بعدي، والضمير في:"تكون" اسمه، وخبره قوله:"مثلًا" والواو في: "وإياها" للمصاحبة والباء تتعلق بتكون، و "بعدي" كلام إضافي في محل النصب على الظرف.

فإن قلت: كيف يكون مثلًا خبرًا والتطابق شرط؟

قلت: هو مفرد، وقع موقع التثنية، وكذلك قد يقع موقع الجمع، لما فيه من العموم المقتضي للكثرة

(4)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "تكون وإياها" حيث جاء الضمير منفصلًا لكونه ولي واو المصاحبة، وقال أبو علي مستشهدًا: إنه نصب قوله: "وإياها" على المفعول معه، بتوسط الحرف الذي هو واو العطف لما لم يمكنه العطف فيقول تكون، وهي لأمرين:

أحدهما: كسر البيت لو فعل ذلك.

والثاني: قبح العطف على الضمير المرفوع وهو غير مؤكد

(5)

، قال أبو الفتح: وذهب أبو الحسن إلى انتصاب المفعول معه انتصاب الظرف

(6)

.

(1)

هو الحسن بن الحسين بن عبيد الله بن عبد الرحمن العتكي، المعروف بالسكري، أبو سعيد (ت 275 هـ)، ينظر بغية الوعاة (2/ 502).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

انظر ما نقله العيني في شرحه لأشعار الهذليين (1/ 219).

(4)

ينظر فرائد القلائد للعيني (32).

(5)

ينظر الإيضاح العضدي لأبي علي الفارسي (216) تحقيق د. حسن شاذلي فرهود، والمقتصد (659).

(6)

كتاب اللمع في العربية (144)(الحاشية).

ص: 294

‌الشاهد الثامن والخمسون

(1)

،

(2)

بِكَ أَوْ بِي استَعَانَ فَلْيَلِ إِمَّا

أَنَا أوْ أَنْتَ مَا ابْتَغَى المُسْتَعِينُ

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الخفيف، وأصله في الدائرة: فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن مرتين.

قوله: "استعان" من الاستعانة، وهي طلب العون، قوله:"فَلْيَلِ" أمر، من ولي الأمر يليَه ولَايَةً، قوله:"ما ابتغى" من الابتغاء، وهو الطلب.

الإعراب:

قوله: "بك" جار ومجرور يتعلق بقوله: "استعان"، وقوله:"أو بي" عطف عليه، و "استعان" جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه، قوله:"فليل" الفاء فيه تصلح أن تكون للتعليل، وهو فعل أمر، وفاعله قوله:"أنا"، وقوله:"إما" ها هنا للتخيير، قوله:"أو أنت" عطف على قوله: "أنا" والتقدير: "ليل إما [أنا أو ليل"]

(3)

أنت، قوله:"ما ابتغى المستعين" جملة في محل النصب على أنها مفعول "فَلْيلِ"، وما: موصولة، و "ابتغى المستعين": صلته والعائد محذوف تقديره: مما ابتغاه المستعين.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إما أنا" حيث جاء الضمير فيه منفصلًا؛ لأنه وقع فيما يلي إما، وتعذر الاتصال فيه، ومواضع الانفصال التي يتعذر فيها الاتصال اثنا عشر موضعًا منها: أن يلي الضمير (إما) كما في البيت المذكور

(4)

.

‌الشاهد التاسع والخمسون

(5)

،

(6)

إِنْ وَجَدْتُ الصَّدِيقَ حَقًّا لإيَّا

كَ فَمُرْنِي فَلَنْ أَزَال مُطِيعًا

أقول: هذا -أيضًا- من الخفيف وفيه الخبن، والمعنى ظاهر.

(1)

توضيح المقاصد (1/ 142).

(2)

البيت من بحر الخفيف، مجهول القائل، وانظره في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 150).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

سبق الحديث عن هذه المواضع في تحقيق الشاهد (56)، وينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 150).

(5)

توضيح المقاصد (1/ 142).

(6)

البيت من بحر الخفيف، لقائل مجهول، وانظره في: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 151)، والدرر (1/ 40)، =

ص: 295

الإعراب:

قوله: "إن وجدت"[إن: حرف الشرط]

(1)

، ووجدت: جملة من الفعل والفاعل، وقعت فعل الشرط، وقوله:"لإياك" جواب الشرط، واللام فيه تسمى اللام الفارقة

(2)

، و "الصديق" منصوب؛ لأنه مفعول أول لوجدت، و "حقًّا" مفعوله الثاني، قوله:"فهرني" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، والفاء فيه فاء الجواب؛ لأن التقدير: إذا كنت أنت الصديق حقًّا فمرني فإني متمثل أمرك دائمًا وهو معنى قوله: "فلن أزال مطيعًا" والفاء فيه للتعليل، و "أزال" منصوب بلن، واسمه مستتر فيه، وخبره قوله:"مطيعًا".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لإياك" حيث جاء الضمير منفصلًا لعدم تأتي الاتصال، وقد ذكرنا أن المواضع التي يتعين فيها الانفصال اثنا عشر موضعًا، منها: أن يلي الضمير اللام الفارقة كما في البيت المذكور، ومثله: إن ظننت زيدًا لإياك. فافهم

(3)

.

‌الشاهد الستون

(4)

،

(5)

فَلا تَطْمَعْ -أَبَيْتَ اللَّعْنَ- فِيهَا

وَمَنْعُكَهَا بشيءٍ يُسْتَطَاعُ

أقول: قد ذُكر في الحماسة البصرية أن قائله هو قحيف العجلي، ويقال: قائله رجل من تميم، وكان قد طلب منه ملك من الملوك فرسًا يقال له: سكاب، فمنعه إياها وقال:

1 -

أَبَيْتَ اللَّعْنَ إِنّ سَكَابَ عِلْقٌ

نَفِيسٌ لا يُعَارُ ولا يُبَاعُ

(6)

2 -

مُفَدَّاةٌ مُكَرَّمَةٌ عَلَيْنَا

يُجَاعُ لَهَا العِيَالُ ولا تُجَاعُ

3 -

سَلِيلَةُ سَابِقِينَ تَنَاجَلاهَا

إذَا نُسِبَا يَضُمُّهُمَا الكراعُ

4 -

فَلا تَطْمَعْ -أَبَيْتَ اللَّعْنَ- فِيهَا

وَمَنْعُكَهَا بشيءٍ يُسْتَطَاعُ

= وشرح التصريح (1/ 109)، والهمع (1/ 63).

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ينظر المغني (231).

(3)

ينظر تحقيق الشاهد (56).

(4)

ابن الناظم (24)، توضيح المقاصد (1/ 146).

(5)

البيت من مقطوعة من بحر الوافر، وهو مع الأبيات الثلاثة قبله منسوب للقحيف العجلي في الحماسة البصرية (2/ 78) تحقيق: مختار الدين أحمد (عالم الكتب)، وانظر المقطوعة أيضًا في حماسة أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي (1/ 112)، طبعة عالم الكتب، والخزانة (5/ 298)، وفي الشاهد يقول البغدادي:"هذا البيت آخر أبيات أربعة أوردها أبو تمام في الحماسة ونسبها إلى رجل من بني تميم .. " وكذلك فعل الخطيب التبريزي.

(6)

ينظر حماسة أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي (1/ 112) وفيه: "لا تعار ولا تباع".

ص: 296

وهي من الوافر وقد دخله العصب والقطف.

1 -

قوله: "أبيت اللعن": تحية الملوك في الجاهلية، قال ابن السكيت: معناه: أبيت أن تأتي من الأمر ما تلعن عليه

(1)

، و "اللعن" في الأصل: الطرد والإبعاد، ومنه سمى الشيطان لعينًا وملعونًا؛ لأنه مطرود مبعد

(2)

، قوله:"إن سكاب" قد قلنا: إنه اسم فرس، وفيه وجهان:

الأول: منع الصرف لأجل التأنيث والتعريف

(3)

ويكون معربًا، والشاعر تميمي وهذه لغة قومه.

والثاني: البناء على الكسر كحذامِ وإخوته؛ لأنه مؤنث، وهذه لغة الحجاز

(4)

، قوله:"علق": نفيس، يعني: مال يبخل به، قال الجوهري:"العِلْق" بالكسر؛ النفيس من كل شيء ويقال: عِلْق مُضِنَّة، أي: ما يُضَنّ به، والجمع أعلاق.

وأما قول الشاعر

(5)

:

إِذَا ذُقْتَ فَاهَا قُلْتَ عِلْقٌ مُدَمِّسٌ

أُرِيدَ بِهِ قَيْلٌ فَغُودِرَ فيِ السَّأْبِ

فإنما يريد به الخمر، وسماها بذلك لنفاستها

(6)

.

قلت: "مدمس" من دمست الشيء: دفنتَهُ وأَخْفَيْتَهُ وخَبّأْتَهُ، وكذلك التدميس، و "القيل" بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام؛ وهو شرب نصف النهار، قوله:"فغودر" أي: نزل في السأب، وهو الزق وهو بفتح السين المهملة وسكون الهمزة وفي آخره باء موحدة، والجمع السؤب.

3 -

قوله: "سليلة سابقين" معناه: مسلولة سابقين، أراد أنها متولدة [من فرسين سابقين]

(7)

، قوله:"تناجلاها" أي تناسلاها، من النجل، وهو النسل، يقال نجله أبوه أي: ولده، قوله:"إذا نسبا" أي إذا نسبت هذان السابقان يضمهما الكراع، أراد به الفحل المشهور فيما بينهم.

4 -

قوله: "فلا تطمع -أبيت اللعن- فيها" أي في هذه الفرس وهي سكاب، يعني: لا تطمع في أخذها، قوله:"ومنعكها" أي: منعك عنها.

(1)

الصحاح، مادة: "أبى

(2)

ينظر اللسان، مادة:"لعن".

(3)

في (أ): لأجل التعريف والتأنيث.

(4)

في (أ): حجازية.

(5)

البيت من بحر الطويل، ويوجد في الصحاح، مادة:"علق" ولم أعثر له على قائل فيما بين يدي من كتب النحاة وشروح شواهدها، والبيت ورد لا لشاهد نحوي، وإنما هو شاهد على بيان معنى:"علق" وهو في البيت بمعنى الخمر.

(6)

الصحاح، مادة:"علق".

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 297

الإعراب:

قوله: "فلا تطمع" عطف على البيت الذي قبله، قوله:"فيها" يتعلق به، وقوله:"أبيت اللعن": جملة معترضة بينهما، وهي جملة دعائية، لا محل لها من الإعراب

(1)

، قوله:"ومنعكها": مصدر مضاف إلى فاعله، مرفوع على الابتداء، وخبره قوله:"يستطاع"، قوله:"بشيء" يتعلق بالمصدر.

الاستشهاد فيه:

أنه وصل ثاني ضميرين عاملهما اسم واحد، وهو ضعيف، وكان القياس أن يقول: ومنعك إياها

(2)

.

‌الشاهد الحادي والستون

(3)

،

(4)

............................

وَكَأَنَّ فِراقِيَهَا أَمَرُّ من الصَّبْرِ

أقول: قائله هو يحيى بن طالب الحنفي، قاله حين حَنَّ إلى وطنه، وصدره:

تَعَزَّيْتُ عَنْهَا كَارِهًا فَتَرَكْتُهَا

...........................

وهي من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله:

1 -

أحَقًّا عِبَادَ الله أَنْ لَسْتَ نَاظِرًا

إِلى قَرْقَرَى يَوْمًا وَأَعْلاقِهَا الغُبْرِ

2 -

كَأَنَّ فُؤَادِي كُلَّمَا مَرَّ رَاكِبٌ

جناحُ غُرابٍ رَامَ نهضًا إلَى وَكْرِ

3 -

إذا ارْتَحَلَتْ نَحْوَ اليمَامَةِ رُفْقَةٌ

دَعَاكَ الهَوَى وَاهْتَاجَ قَلْبُكَ للذِّكْرِ

4 -

فَيَا رَاكِبَ الوَجْنَاءِ أُبْتُ مُسَلَّمًا

ولا زِلْتَ مِنْ رَيْبِ الحَوَادِثِ في سَتْرِ

5 -

إذَا مَا أَتَيْتَ العِرْضَ فاهْتِفْ بِجَوِّه

سُقِيتَ عَلَى شَحَطِ النَّوَى سَبَل القَطْرِ

(1)

ينظر الجملة الاعتراضية وأحكامها في المغني (386 - 399).

(2)

ينظر فرائد القلائد (33) وفي الخزانة يقول: "على أن ما بعد الضمير المجرور إذا كان أنقص تعريفًا جاز فيه الانفصال والاتصال، فإنه كما جاز (منعكها) يجوز (منعك إياها)، وكاف المخاطب محلها الجر بإضافة المصدر إليها، وهو المنع وضمير الغائب أنقص تعريفًا من ضمير المخاطب، وقال ابن هشام في شواهده: هذا مما اتفق على أن فصله أرجح وأورده ابن الناظم والمرادي في شرح الألفية على أن هذا، أعني وصل ثاني ضميرين عاملهما اسم واحد ضعيف، والقياس: ومنعك إياها، كذا نقل العيني عنهما

". ينظر (5/ 297) الشاهد رقم (388)، والمغني (102).

(3)

توضيح المقاصد (1/ 146).

(4)

البيت من بحر الطويل ليحيى بن طالب الحنفي، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 153)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (418)، ومعجم الشواهد (184)، ومعجم البلدان "قرقرى".

ص: 298

6 -

فَإِنَّكَ مِنْ وَادٍ إِلَيَّ مُرَحِّبٌ

وَإنْ كُنْتَ لا تُزَارُ إِلا عَلَى عُفْرِ

7 -

فيا حزنَا ماذَا أُجِنُّ مِنَ الهَوَى

ومن مُضْمَرِ الشَّوْقِ الدَّخِيلِ إِلَى حِجْرِ

8 -

تَعَزَّيْتُ عَنْهَا كَارِهًا فَتَرَكْتُهَا

وكأن فُرَاقِيهَا أمرُّ من الصبرِ

1 -

قوله: "قوقرى" على وزن فعللى؛ اسم موضع، ويقال: قرقرى: [اسم]

(1)

ماء لبني عبس، قال الحطيئة

(2)

:

بِذِي قَرْقَرَى إِذْ شُهَّدُ النَّاسِ حَوْلَنَا

فَأَسْدَيْتَ ما أَعْيا بِكَفَّيْكِ نائره

قوله: "الغبر" بضم الغين المعجمة وسكون الباء الموحدة؛ جمع أغبر، و "الوجناء": الناقة الشديدة، شبهت بصلابتها بالوجين، وهو ما غلظ من الأرض.

4 -

[قوله: "]

(3)

أبت" أي: رجعت، من آب يئوب أوبًا، وهو الرجوع.

5 -

قوله: "إذا ما أتيت العرض" بكسر العين المهملة وسكون الراء وفي آخره ضاد معجمة وهو اسم واد باليمامة، وكلُّ واد فيه شجر فهو عِرْضٌ

(4)

، قوله:"فاهتف" أمر، من هتف إذا صاح، يقال: هتفت الحمامة تهتف هتفًا، من باب ضرب يضرب، و "الجوّ" بفتح الجيم وتشديد الواو؛ اسم بلد باليمامة

(5)

، و "الشحط": البعد، و "النوى": التحول من واد إلى واد، و"السبل" بتحريك الباء؛ المطر.

6 -

قوله: "إلا على عفر" بضم العين المهملة وسكون الفاء، يقال: لقيت فلانًا على عفر، أي بَعْدَ شهر ونحوه.

7 -

قوله: "إلى حجر" بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم، وهو حجر الكعبة [المشرفة]

(6)

- شرفها الله تعالى- ولكنه ذكره وأراد به الكعبة التي كانت [في]

(7)

وطنه.

8 -

قوله: "تعزيت" بالعين المهملة والزاي المعجمة؛ من العزاء وهو الصبر والتأسّي، وقد ضبطه بعضهم بالغين المعجمة والراء المهملة، وهو من التغرب، وله وجه، والأول أصح وأشهر.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

البيت من بحر الطويل، وليس في ديوانه برواية وشرح ابن السكيت، تحقيق: حنا نصر الحتي، نشر دار الكتاب العربي طبعة أولى (1995 م)، وهو موجود في ديوانه (21) ط. دار صادر، من قصيدة يذكر فيها الزبرقان، والنائر: من نثر الثوب، وهو ما يجمع عليه الخيوط، والمعنى: أنك فعلت فعلًا لم تقدر على إتمامه وإتقانه.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

معجم البلدان (42/ 102)(عرض).

(5)

معجم البلدان (2/ 190)(الجو).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 299

الإعراب:

قوله: "تعزيت": جملة من الفعل والفاعل، و "عنها" يتعلق به، والضمير يرجع إلى الحجر، و"كارها": نصب على الحال من التاء في تعزيت، قوله:"فتركتها" عطف على قوله: "تعزيت" والضمير فيه -أيضًا- يرجع إلى الحجر، قوله:"وكان" من النواقص، و "فراقيها" كلام إضافي اسمه. وقوله:"أمر من الصبر": خبره، وأمرُّ: أفعل تفضيل فلذلك استعمل بمن.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فراقيها" حيث جاء الضمير فيه متصلًا لضرورة الوزن، وإلا لكان الأحسن أن يكون منفصلًا نحو: وكان فراقي إياها، وذلك أن الضمير المنصوب بمصدر مضاف إلى ضمير قبله هو فاعل يجوز فيه الاتصال والانفصال، ولكن الانفصال أحسن؛ إلا أن ها هنا جاز الاتصال للضرورة

(1)

.

‌الشاهد الثاني والستون

(2)

،

(3)

لَا تَرْجُ أَوْ تَخْشَ غَيْرَ اللَّه إِنَّ أَذًى

وَاقِيكَهُ اللَّهُ لا تَنْفَكُّ مَأْمُونَا

أقول: استشهد به ابن مالك ولم يعزه إلى أحد، ولا وقفت على اسم قائله.

وهو من البسيط.

قوله: "لا ترج" من رجا يرجو رجاء، وهو الأمل. والأذى: مصدر من أذى يؤذي أذىً وأذاه وأذيَّة، قوله:"واقيكه الله" الواقي: اسم فاعل من وقى يقي وقايةً وهي الحفظ.

الإعراب:

قوله: "لا ترج" نهي، فلذلك سقطت منه الواو علامة الجزم، قوله:"أو تخش""أو" ها هنا بمعنى "ولا"، والمعنى: لا ترج ولا تخش، وأراد: لا ترج غير اللَّه ولا تخش غير اللَّه.

فإن قلت: هل تأتي "أو" بمعنى ولا؟

قلت: ذكر جماعة منهم ابن مالك أن "أو" تجيء بمعنى ولا، واستدلوا على ذلك

(1)

ينظر في ذلك: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 153)، وتوضيح المقاصد (1/ 145).

(2)

توضيح المقاصد (1/ 147).

(3)

البيت من بحر البسيط، غير منسوب في مراجعه لأحد، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 153)، وشرح التصريح (1/ 107).

ص: 300

بقوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} [النور: 61] معناه: ولا بيوت آبائكم، وهذا غريب

(1)

، قوله:"غير اللَّه" كلام إضافي تنازع فيه الفعلان، فلك أن تعمل أيهما شئت، فإن أعملت الثاني أضمرت المفعول في الأول، والتقدير: لا ترج غير الله ولائتخش غير اللَّه

(2)

، وإن أعملت الأول أضمرت في الثاني نحوه

(3)

.

قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، قوله:"أذًى" اسمه، قوله:"لا تنفك مأمونًا" خبره، قوله:"واقيكه اللَّه": جملة في محل النصب على أنها صفة لأذى، وقوله:"واقي" اسم فاعل أضيف إلى كاف الخطاب، والضمير الذي بعد الكاف منصوب؛ لأنه مفعول ثان للواقي، والكاف مفعوله الأول، ولكنه مجرور بالإضافة، وقوله:"اللَّه" مرفوع؛ لأن اسم الفاعل عمل فيه عمل فعله على معنى: إن أذى يقيكه اللَّه، يعني: يحفظك اللَّه منه لا ينفك مأمونا، وقوله:"لا ينفك" من الأفعال الناقصة، واسمه ضمير مستتر فيه، و "مأمونا" خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "واقيكه اللَّه" حيث جاء الضمير فيه متصلًا مع جواز الانفصال في مثل هذا الكلام، ولكن هاهنا لا يتيسر لأجل الوزن، والأصل فيه أن يقال: إنَّ أذى واقيك اللَّه إياه، والضمير إذا كان منصوبًا باسم فاعل مضاف إلى ضمير هو مفعول أول يجوز فيه الوجهان، والمختار الانفصال عند الضرورة

(4)

.

‌الشاهد الثالث والستون

(5)

،

(6)

فَإِنْ لا يَكنْهَا أوْ تَكُنْهُ فَإنَّهُ

أَخُوهَا غَذَّتْهُ أُمُّهُ بِلبَانِهَا

أقول: قائله هو أبو الأسود الدؤلي، واسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر، ويقال:

(1)

انظر في شرح التسهيل لابن مالك (3/ 365)، وفيه يقول:"وإذا وقع نهي أو نفي قبل "أو" كانت بمعنى الواو مردفة بلا .... ومثال ذلك مع النفي قوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} إلى {أَوْ صَدِيقِكُمْ} أي ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم ولا بيوت آبائكم"، وانظر أيضًا: فرائد القلائد (33)، والجنى الداني (230، 231).

(2)

هذا على رأي البصريين. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 167).

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 167).

(4)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 152) وما بعدها، وتوضيح المقاصد (1/ 147) وما بعدها.

(5)

ابن الناظم (24).

(6)

البيت من بحر الطويل، لأبي الأسود الدؤلي، في ديوانه (162)، وانظره في: الكتاب (1/ 46) وابن يعيش (3/ 107)، والمقتضب (3/ 98)، والمقرب (1/ 96)، والخصائص (1/ 265).

ص: 301

عثمان بن عمرو، ويقال: عمرو بن سفيان، وقال الواقدي

(1)

: عويمر بن ظويلم البصري قاضيها، وهو أول من تكلم في النحو، والأصح: أن أوك من وضع النحو علي بن أبي طالب

(2)

رضي الله عنه وأخذه عنه أبو الأسود الدؤلي.

وقال الزبيدي

(3)

في طباقات النحاة

(4)

أبو الأسود الدؤلي اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن حليس بن نفاثة بن عدي بن بكر بن كنانة.

وكان صاحب علي - رضي الله [تعالى]

(5)

عنه - خذ عنه النحو، وهو شيخ البصريين في العربية، وهو أول من أوضح سُبُلَها وقياسها، وذلك حين اضطرب كلام العرب.

وتوفي أبو الأسود الدؤلي سنة تسع وستين في طاعون الجارف، وهو ابن خمس وثمانين سنة، وقبل البيت المذكور:

1 -

دع الخمْرَ يشربْهَا الغوَاةُ فإنني

رَأيتُ أخَاها مُغنِيًا بمكانها

وهما من الطويل.

1 -

قوله: "دع الخمر" أي: اتركها، يخاطب به أبو الأسود مولًى له، كان حمل له تجارة إلى الأهوار، وكان إذا مضى إليها يتناولُ شيئًا من الشراب فاضطرب أمرُ البضاعة، فقال أبو الأسود: دع الخمر

الخ، ينهاه عن ذلك ويقول له: إنَّ الزبيب يقوم مقامها، فإن لم تكن الخمرة نفسُها من الزبيب فهي أخته اغتذتا من شجرة واحدة.

قوله: "الغواة": جمع غاوٍ وهو الضال، قوله "رأيت أخاها" أراد بأخيها: النبيذ الذي يُعْمَلُ من الزبيب.

2 -

قوله: "بلبانها" بكسر اللام. تقول: هو أخوك بلبان أمه، قال إبن السكيت: ولا يقال بلبن أمه. إنما اللبن الذي يشرب

(6)

، قال الكميت

(7)

يمدح مخلد بن يزيد

(8)

:

(1)

هو محمد بن عمر بن واقد السهمي (ت 207 هـ)، ينظر الأعلام (6/ 311).

(2)

قيل: إن علي بن أبي طالب وضع مقدمة النحو وأخذها عنه أبو الأسود الدؤلي. ينظر المدارس النحوية (13 - 16).

(3)

محمد بن الحسن بن عبد الله بن مذحج بن محمد بن عبد الله بن بشر أبو بكر الزبيدي، (ت 379 هـ)، ينظر بغية الوعاة (1/ 84، 84).

(4)

ينظر بغية الوعاة (2/ 22) وطبقات النحويين للزبيدي (2).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(6)

ينظر الصحاح، مادة:"لبن"، وينظر الخزانة (5/ 332).

(7)

الكميت بن معروف بن ثعلبة بن نوفل الأسدي، توفي سنة ستين هجرية، ينظر الأعلام (5/ 233).

(8)

مخلد بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، أمير من بيت رياسة وبطولة، توفي سنة مائة للهجرة، ينظر الأعلام (7/ 194).

ص: 302

ترى الندَى ومخلدًا حليفين

كانا معًا في مَهدِهِ رَضِيعَينِ

(1)

تنازَعَا فيهِ لِبَانَ الثدْيَينِ

...................................

واللبان بالفتح: الصدر، وبالضم: هو الحاجة.

الإعراب:

قوله: "فإن لا يكنها" الفاء فيه تفسيرية، تفسر معنى الشطر الثاني من البيت الذي قبله

(2)

و "إن" للشرط، وقوله:"لايكنها" فعل الشرط، وقوله:"فإنه أخوها" جواب الشرط واسم يكن مضمر فيه يرجع إلى قوله: "أخاها" في البيت السابق، وخبره: الضمير المتصل به.

والمعنى: فإن لا يكن النبيذ الخمر بعينها فإنه أخوها؛ لأنه يعمل عملها، وكلاهما من أصل واحد؛ حيث قال: غذته أمه بلبانها.

قوله: "أو تكنه" عطف على قوله: "لا يكنها" أي: ولا يكنه، أي: ولا يكن الخمر النبيذ فاسم لا يكن هو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الخمر، وخبره الضمير المتصل به الذي يرجع إلى النبيذ.

قوله: "فإنه" جواب الشرط؛ كما ذكرنا، و "إن" حرف من الحروف المشبهة بالفعل، والضمير المتصل بها اسمها، وقوله:"أخوها" خبرها، أي: فإن النبيذ أخو الخمر، قوله:"غذقه أمه" جملة من الفعل والمفعول والفاعل وهو قوله: "أمه" أي: غذته النبيذ أمه بلبان الخمر، والجملة في محل الرفع على أنها خبر بعد خبر، ويجوز أن تكون حالًا من الهاء في "أخوها"، والعامل فيها: إن

(3)

.

قال سيبويه في قولهم: مررت بزيد قائمًا، إن العامل في الحال الباء في: بزيد، واحتج بأنه لا يجوز تقديم قائم على الباء هنا، فلا يقال: مررت قائمًا بزيد؛ لأن الحال لا يتقدم على عاملها فافهم

(4)

.

(1)

من بحر الرجز، ينظر الخزانة (5/ 332)، وليس في ديوان الكميت.

(2)

وهو قوله:

دعِ الخمْرَ يشربهَا الغُوَاةُ فإننِي

رَأَيتُ أَخَاهَا مُغنِيًا بمكانهَا

(3)

هي العيني جواز أن تكون الحروف هي العاملة بنفسها في الحال، وقد استدل على ذلك بقول سيبويه، فقال في فرائد القلائد: "قوله: (غذته أمه) أي غذته النبيذ أمه بلبان الخمر، وهي جملة في محل الرفع على أنها خبر بعد خبر، ويجوز أن تكون حالًا من الهاء في (أخوها). (34)، وينظر الخزانة (5/ 332)، والكتاب لسيبويه (2/ 124).

(4)

قال سيبويه: "

ومن ثم صار: مررت قائما برجل لا يجوز؛ لأنه صار قبل العامل في الاسم وليس بفعل، والعامل الباء، ولو حسن هذا لحسن: قائمًا هذا رجل". الكتاب لسيبويه (2/ 124).

ص: 303

الاستشهاد فيه:

على وصل الضمير المنصوب بكان، فإن القياس: فإن لا يكن إياها أو تكن إياه

(1)

.

‌الشاهد الرابع والستون

(2)

،

(3)

لَئِنْ كَانَ إِياهُ لَقَدْ حَال بَعْدَنَا

عَنِ العَهْدِ وَالإِنْسَان قَدْ يَتَغَيَّر

أقول: قائله هو عمر بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار القرشي المخزومي الشاعر المشهور، لم يكن في قريش أشعر منه، وهو كثير الغزل والنوادر والخلاعة والمُجُون.

توفي [في سنة]

(4)

ثلاث وتسعين للهجرة بالغرق في سفينة، وولد يوم مقتل عمر بن الخطاب

(5)

- رضي اللَّه تعالى عنه - سنة ثلاث وعشرين للهجرة، فقال الحسن البصري

(6)

- رضي الله تعالى عنه - وقد جرى ذكر عمر بن أبي ربيعة: أي حق رفع وأي باطل وضع.

والبيت المذكور من قصيدة طويلة من الطويل، وهي قصيدة عظيمة حتى ذكر المبرد في الكامل

(7)

أن ابن عباس

(8)

- رضي اللَّه تعالى عنهما - سمع الكلمة التي منها هذا البيت وعدّ أبياتها ثمانين فحفظها من مرة.

(1)

عند ابن مالك إذا كان العامل فعلًا ناسخًا "كان"، فيجوز في الخبر إذا كان ضميرًا الاتصال والانفصال، والاتصال عنده هو المختار، والانفصال أرجح عند سيبويه قياسًا على الأفعال الحقيقية فيتصل بها ضمير خبرها اتصال ضمير المفعول بالفعل الحقيقي في نحو: ضربته وضربني وما أشبهه". ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 152)، وتوضيح المقاصد (1/ 144)، والخزانة (2/ 426)، والكتاب لسيبويه (1/ 46)، (2/ 358).

(2)

ابن الناظم (24)، وأوضح المسالك (1/ 73).

(3)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة طويلة لعمر بن أبي ربيعة، في ديوانه (120)، وانظر بيت الشاهد في: الكامل للمبرد (1152)، وتخليص الشواهد (93)، وابن يعيش (3/ 107)، وشرح الأشموني (1/ 53)، والمقرب (1/ 95)، وشرح التصريح (1/ 112).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثاني، مات شهيدًا بطعنة أبي لؤلؤة سنة (23 هـ) ينظر الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 279)، وشذرات الذهب (1/ 33).

(6)

سبقت ترجمته في الشاهد رقم (56).

(7)

ينظر الكتاب المذكور (1152، 1153).

(8)

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، سمع النبي، وروى عن جماعة من الصحابة، (ت 69 هـ). ينظر طبقات المفسرين للداوودي (1/ 239).

ص: 304

وزعم الهيثم بن عدي

(1)

أن الحرث بن أبي ربيعة عم عمر بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة أتى بعمر إلى ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فقال له: إن ابن أخي هذا قال شعرًا، فإن كان مما يَجْمُلُ بمثله تركته وإلا حبسته، فاستنشده ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فأنشده عمر:

أَمِنْ آلِ نُعْمٍ أَنْتَ غَاب فَمُبكِرُ

...........................

حتى أتى على آخرها، فقال ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - للحرث: لئن بقي ابن أخيك هذا ليُخْرِجَنَّ الخبّآت من خدورهن، وهذه هي القصيدة

(2)

:

1 -

أَمِنْ آلِ نُعْمٍ أَنْتَ غَادٍ فَمُبكِرُ

غَدَاةَ غَدٍ أَمْ رَائِحٌ فَمُهَجِّرُ

2 -

بِحَاجَةِ نَفْسٍ لَمْ تَقُلْ فيِ جَوَابِهَا

فَتُبْلِغَ عُذْرًا وَالمقَالةُ تُعْذِوُ

(3)

3 -

تَهِيمُ إِلَى نُعْمِ فَلَا الشَّملُ جَامِعٌ

ولا الحَبْلُ مَوْصُولٌ ولا القَلْبُ مُقْصِرْ

4 -

وَلا قُرْبُ نُعْمٍ إِنْ دَنَتْ لَكَ نَافِعٌ

ولا نَأْيُهَا يُسلِي وَلا أَنْتَ تَصْبرُ

5 -

وَأُخْرَى أَتَتْ مِنْ دُونِ نُعْم وَمِثْلُهَا

نَهَى ذَا النُّهَى لَوْ تَرْعَوي أَوْ تُفَكِّرُ

6 -

إِذَا زُرْتَ نُعْمًا لَمْ يَزَلْ ذُو قَرَابَة

لَهَا كُلَّمَا لاقَيتُهَا يَتَنَمَّرُ

7 -

عَزِيزٌ عَلَيهِ أَنْ أُلِمَّ بِبَيتِهَا

يُسِرُّ لِي الشَّحْنَاءَ وَالبغْضُ مُظْهَرُ

8 -

أَلِكْنِي إِلَيْهَا بالسَّلامِ فإِنُّهُ

يُشَهرُ إِلْمامِي بِهَا وَيُنَكَّرُ

9 -

بِآيَة مَا قَالتْ غدَاةَ لَقِيتُهَا

بِمَدْفَعِ أكْنَانِ أَهَذَا المشُهَّرُ

10 -

قِفِي فَانْظُرِي أَسْمَاء هَلْ تَعْرِفِينَهُ

أَهَذَا المُغيرِيُّ الذِي كَانَ يُذْكَرُ

11 -

أَهذَا الذي أَطْرَيْتِ نَعْتًا فَلَم أكُنْ

وَعَيشِكِ أَنْسَاهُ إِلَى يَوْمِ أُقْبَرُ

12 -

فقالتْ نَعَم لا شَكَّ غَيَّرَ لَوْنَهُ

سرَى الليلِ يُحْييِ نَصُّهُ والتَّهجُّرُ

13 -

لَئِنْ كَانَ إِيَّاهُ لَقَدْ حَال بَعْدَنَا

عَنْ العَهْدِ والإِنْسَان قُد يَتَغَيرُ

14 -

رَأَتْ رَجُلًا أمَّا إذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ

فَيضْحَى وَأَمَا بِالْعَشِي فَيَخْضَرُ

15 -

أَخَا سَفَرٍ جَوَّابَ أَرْضٍ تَقَاذَفَتْ

بِهِ فَلَوَاتٌ فَهْوَ أَشعَثُ أَغْبَرُ

(1)

هو الهيثم بن عدي بن عبد الرحمن الثعلبي الطائي البحتري، له طبقات الفقهاء والمحدثين وغيره (ت 207 هـ). ينظر الأعلام (8/ 104).

(2)

ينظر القصيدة في ديوان عمر بن أبي ربيعة (119) وما بعدها، شرح: عبدأ علي مهنا، و (122) نشر دار الكتاب العربي، د. فائز محمد.

(3)

روايته في الديوان هكذا:

............... لم تقل في جوابها .... ...................................

ص: 305

16 -

قلِيلٌ عَلَى ظَهْرِ المَطِيَّة ظِلُّهُ

سوَى مَا نَفَى عَنْهُ الرِّدَاءُ المُحَبَّرُ

17 -

وَأعْجَبَهَا من عَيْشهَا ظِلُّ غرْفةٍ

وَرَيَّانُ مُلْتَفُّ الحَدَائِقِ أَخْضَرُ

18 -

وَوَالٍ كَفَاهَا كُل شَيْء يهُمُّهَا

فَلَيْسَتْ لِشَيْء آخِرَ الليل تَسْهَرُ

19 -

وَليلةَ ذِي دَورَانَ جَشَّمَتْنِي السُّرَى

وَقَدْ يَجْشَمُ الهَوْلَ المحُبُّ المغُرَّر

20 -

فَبِتُّ رَقِيبًا للرِّفَاقِ عَلَى شَفَا

أُحَاذِرُ منْهُمْ مَنْ يَطُوفُ وَأنْظُرُ

21 -

إلَيهمْ مَتى يَسْتَمْكِنُ النومُ مِنْهُمُ

وَلِي مَجْلِسٌ لَوْلَا اللُّبَانَةُ أَوْعَرُ

22 -

وَبَاتَت قَلُوصِي بِالعَرَاءِ وَرَحْلُهَا

لطَارِقِ ليْل أَوْ لمن جَاءَ مُعْورُ

23 -

وبتٌ أُنَاجِي النَّفْسَ أيْنَ خِبَاؤُهَا؟

وَكَيفَ لِما آتِي من الأَمْرِ مَصْدَرُ

24 -

فَدَلَّ عَلَيهَا القَلْبُ رَيا عَرَفْتُهَا

لَهَا وَهَوَى النَّفْسِ الذي كادَ يَظْهَرُ

25 -

فَلَمَّا فَقَدْتُ الصَّوْتَ منْهُمْ وأُطْفِئَتْ

مَصَابِيحُ شُبَّتْ بالعِشَاء وَأَنْؤُرُ

26 -

وَغَابَ قُمَيْرٌ كُنْتُ أَهْوَى غُيُوبَهُ

وَرَوَّحَ رُعْيَانٌ وَنُوَّم سُمَّرُ

27 -

وَخُفِّضَ عَنّيِ الصَّوْتُ أَقْبَلْتُ مشْيَةَ ال

حُبَاب وَشَخصِي خَشْيَةَ الحيِّ أَزْوَرُ

28 -

فَحَيَّيْتُ إذْ فَاجَأْتُهَا فَتَوَلَّهَتْ

وَكَادَتْ بمَخْفُوضِ التحِيَّة تَجْهَرُ

29 -

وقَالتْ وعَضَّتْ بالبَنَانِ فَضَحْتَني

وَأَنْتَ امرُؤٌ مَيْسُورُ أَمْرِكَ أَعْسَرُ

30 -

أَرَيْتَكَ إذ هُنَّا عَلَيْكَ أَلَمْ تخَفْ

رَقيبًا وَحَوْلي من عَدُوَّكَ حُضَّرُ

31 -

فَوَ اللَّه مَا أَدْرِي أَتَعْجيلُ حَاجَةٍ

سَرَتْ بِكَ أمْ قَدْ نَامَ مَنْ كُنْتَ تَحْذَرُ

32 -

فقلْتُ لَهَا بَلْ قَادَنِي الشَّوْقُ والهَوَى

إِلَيْكِ وَمَا نَفْسٌ مِنَ الناسِ تَشْعُرُ

33 -

فَقَالتْ وَقَدْ لانَتْ وَأَفْرَخَ وَوْعُهَا

كَلاكَ بحِفْظِ ربُّكَ المتُكَبِّرُ

34 -

فَأَنْتَ أَبَا الخطَّاب غَيرَ مُنَازعٍ

عَلَيَّ أميرٌ ما مَكثْتَ مُؤَمَّرُ

(1)

35 -

فَبِتُّ قَرِيرَ العَيْنِ أُعْطِيتُ حَاجَتِي

أقبلُ فَاهَا في الخَلاءِ فَأكثِرُ

36 -

فَيَا لَكَ مِنْ لَيْلٍ تَقَاصَرَ طُولُهُ

وَمَا كَانَ لَيْلِي قَبْلَ ذَلكَ يَقْصُرُ

37 -

وَيَا لَكَ مِنْ مَلْهَى هُنَاكَ وَمَجْلِسٌ

لَنَا لَمْ يُكَدِّرْهُ عَلَينَا مُكدِّرُ

38 -

يَمُجُّ زَكِيَّ الْمِسْكِ مِنْهَا مُقَبَّلٌ

نَقِيُّ الثَّنايَا ذُو غُرُوبٍ مؤشر

(1)

روايته في الديوان هكذا:

................. غير مدافع

......................

ص: 306

39 -

تَرَاهُ إِذَا تَفْتَرُّ عَنْهُ كَأَنَّهُ

حَصَى بَرَدٍ أَوْ أُقْحُوَانٌ مُنَوَّرُ

40 -

وَتَرْنُو بِعَيْنَيْهَا إِلَيَّ كَمَا رَنَا

إِلَى ظَبْيَةٍ وَسْطَ الخَمِيلَةِ جُؤْذَرُ

41 -

فَلَمَّا تَقَضَّى اللَّيْلُ إِلا أَقَلَّهُ

وَكَادَتْ تَوَالِي نَجْمِهِ تَتَغَوَّرُ

42 -

أَشَارَتْ بأَنَّ الحَيَّ قَدْ حَانَ مِنْهُمُ

هُبُوبٌ وَلَكِنْ موعدٌ مِنْكَ عَزْوَرُ

43 -

فَمَا رَاعَنِي إلا مُنَادٍ تَرَحَّلُوا

وَقَدْ لاح مَفْتُوقٌ منَ الصُّبْحِ أَشْقَرُ

44 -

فَلَمَّا رَأَتْ مَنْ قَدْ تَنَبَّهَ مِنْهُمُ

وَأَيْقَاظَهُمْ قَالتْ أَشِرْ كَيْفَ تَأْمُرُ

45 -

فَقُلْتُ أُبَادِيهِمْ فَإِمَّا أَفُوقُهُمْ

وَإِمَّا يَنَالُ السَّيْفُ ثَأْرًا فَيَثْأَرُ

46 -

فَقَالتْ أَتَحْقِيقًا لِما قَال كَاشِحٌ

عَلَيْنَا وَتَصْدِيقًا لِما كَانَ يُؤْثَرُ

47 -

فَإِنْ كَانَ مَا لا بُدَّ مِنْهُ فَغَيْرُهُ

مِنَ الأَمْرِ أَدْنَى لِلْخَفَاءِ وَأَسْتَرُ

48 -

أَقُصُّ عَلَى أُخْتَيَّ بَدْءَ حَدِيثِنَا

وَمَا لِي مِنْ أَنْ يَعْلَمَا مُتَأَخَّرُ

(1)

49 -

لَعَلَّهُمَا أَنْ تَطْلُبَا لَكَ مَخْرَجًا

وَأَنْ تَرْحبَا صَدْرًا بِمَا كُنْتُ أَحْصُرُ

50 -

فَقَامَتْ كَئِيبًا لَيْسَ فيِ وَجْهِهَا دَمٌ

مِنَ الحُزْنِ تُذْرِي عَبْرَةً تتحدر

51 -

فَقَالتْ لأُخْتَيْهَا أَعِينَا عَلى فَتَى

أَتَى زَائِرًا والأَمْرُ للأَمْرِ يُقْدَرُ

52 -

فَقَامَتْ إِلَيْهَا حُرَّتَانِ عَلَيْهِمَا

كِسَاءَانِ مِنْ خَزٍّ دِمَقْصٌ وَأَخْضَرُ

(2)

53 -

فَأَقْبَلَتَا فَارْتَاعَتَا ثُمَّ قَالتَا

أَقِلِّي عَلَيْكِ اللَّوْمَ فالْخَطْبُ أَيْسَرُ

54 -

فَقَالتْ لَهَا الصُّغْرَى سَأُعْطِيهِ مِطْرَفيِ

وَدِرْعِي وَهَذَا البَرْدُ إِنْ كَانَ يَحْذَرُ

55 -

يَقُومُ فَيَمْشِي بَيْنَنَا مُتَنَكِّرًا

فَلا سِرَّنَا يَفْشُو وَلا هُوَ يَظْهَرُ

56 -

فَكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَنْ كُنْتُ أَتَّقِي

ثَلاثُ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ وَمُعْصِرُ

57 -

فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ قُلْنَ لِي

أَلَمْ تَتَّقِ الأَعْدَاءَ والليلُ مُقْمِرُ

58 -

وَقُلْنَ أَهَذَا دَأْبُكَ الدَّهْرَ سَادِرًا

أَمَا تَسْتَحِي أَوْ تَرْعَوي أَوْ تُفَكِّرُ

59 -

إذَا جِئْتَ فَامْنَحْ طَرْفَ عَيْنِكَ غَيْرَنَا

لِكَيْ يَحْسَبُوا أَنَّ الهَوَى حَيْثُ تَنْظُرُ

60 -

فآخِرُ عَهْدِ لِي بِهَا حِينَ أَعْرَضَتْ

ولاحَ لَهَا خَدٌّ نَقِيٌّ ومَحْجرُ

(1)

روايته في الديوان هكذا:

.......................

........ من أن تعلما متأخرُ

(2)

هذا البيت مذكور في الديوان قبل البيت السابق عليه.

ص: 307

61 -

سِوَى أَنَّنِي قَدْ قُلْتُ يَا نُعْمُ قَوْلَةً

لَهَا وَالْعِتَاقُ الأَرْحَبِيَّاتُ تُزْجَرُ

62 -

هَنِيئًا لأَهْلِ العَامِرِيَّةِ نَشْرُهَا الل

لذيد وَرَيَّاهَا الذي أَتَذَكَّرُ

63 -

وَقُمْتُ إِلَى عَنْسٍ تَخَوَّنَ نِيَّهَا

سُرَى اللَّيْلِ حتَّى لَحْمُهَا مُتَحَسِّرُ

64 -

وَحَسْبِي عَلَى الحَاجَاتِ حَتَّى كَأَنَّهَا

بَقِيَّةُ لَوْحٍ أَوْ شِجَارٌ مُؤَسَّرُ

65 -

وَمَاءٍ بمَوْمَاةٍ قَلِيلٍ أُنِيسُهُ

بَسَابِسَ لَمْ يَحْدُثْ بِهِ الضَّيْفَ محضر

66 -

بِهِ مُبْتَنًى لِلْعَنْكَبُوتِ كَأَنَّهُ

عَلَى طَرَفِ الأَرْجَاءِ خَامٌ مُنَشَّرُ

67 -

وَرَدْتُ وَمَا أَدْرِي أَمَا بَعْدَ مَوْرِدِي

مِنَ اللَّيْلِ أَمْ قَدْ مضَى مِنْهُ أَكْثَرُ

68 -

فَقُمْتُ إِلَى مِغْلاةِ أَرْضٍ كَأَنَّهَا

إِذَا الْتَفَتَتْ مَجْنُونَةٌ حِينَ تَنْظُرُ

(1)

69 -

مُحَاولَةً لِلْمَاءِ لَولا زِمَامُهَا

وَجَذْبِي لَهَا كانتْ مِرَارًا تكسَّرُ

(2)

70 -

فَلَمَّا رَأَيْتُ الضُّرَّ مِنْهَا وَإِنّنِي

بِبَلْدَةِ أَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مُعَصَّرُ

71 -

قَصَرُتَ لَهَا مِنْ جَانِبِ الحَوْضِ ناشئًا .... جَدِيدًا كَقَابِ الشِّبْرِ أَوْ هُوَ أَصْغَرُ

(3)

72 -

إِذَا شَرَعَتْ فِيهِ فَلَيْسَ لِمُلْتَقَى

مَشَافِرِهَا مِنْهُ قِدَى الكَفِّ مُسْأَر

(4)

73 -

وَلا دَلْوَ إلَّا القَعْبُ كَانَ رِشَاؤَهُ

إِلَى الماءِ نِسْع والجَدِيلُ المُضَفَّرُ

(5)

74 -

فَسَافَتْ وَمَا عَافَتْ وَمَا رَدَّ شُرْبَهَا

عَنِ الرَّيِّ مَطْرُوقٌ مِنَ الماءِ أكْدَرُ

وإنما سقت هذه القصيدة بكمالها وإن كان قد طال بها الكتاب من وجوه:

• الأول: فيها أبيات كثيرة يستشهد بها في كتب النحو؛ ولا سيما فيما نحن بصدده.

• الثاني: لحسنها ورياقتها ما أردت إخلالها.

(1)

بعد هذا البيت في الديوان:

تنازعني حرصًا على الماء رأسها .... ومن دون ما تهوى قليب معور

(2)

روايته في الديوان هكذا:

.......................

............ كادت مرارًا تكسر

(3)

روايته في الديوان هكذا:

قصرت لها من جانب الحوض منشًا

..............................

(4)

روايته في الديوان هكذا:

.............................

........ قديّ الكف مسأرُ

(5)

روايته في الديوان هكذا:

..........................

.............. والأديم المضفر

ص: 308

• الثالث: قلَّ من يقف عليها وهي صحيحة سالمة من التصحيفات والتحريفات.

• الرابع: طلبًا لزيادة الفائدة.

• الخامس: حتى ينصف الحاسد من جهلة الأقران، ويرى ما فيه من قوة اجتهاد من ساق هذه وأمثالها في هذا الكتاب على نمط الصحة والصواب، ولعله يصفى خلده، ويهاجر حسده ليربح قلبه وجسده.

1 -

قوله: "أمن آل نُعْم" بضم النون وسكون العين المهملة وفي آخره ميم؛ وهي اسم المرأة التي كان يشبب بها عمر بن أبي ربيعة، قوله:"فمهجّر" بتشديد الجيم [أصله: متهجر]

(1)

من التهجر وهو السير في الهاجرة.

2 -

قوله: "والمقالة تعذر" من الإعذار.

5 -

قوله: "لو يرعوي" أي: لو يكف عن القبيح.

7 -

و "الشحناء": العداوة.

8 -

قوله: "ألكني" معناه: كن رسولي وتحمل رسالتي إليها، وقد أكثروا من هذا اللفظ في الأشعار، قال عبد بني الحسحاس قوله

(2)

:

أَلِكْنِي إليهَا عَمْرَكَ اللَّهُ يَا فَتَى ......................................

والقياس أن يقال: ألاكه يليكه إلاكة، وقد حكي هذا عن أبي زيد، وهو وإن كان من الألوك في هذا المعنى وهو الرسالة، فليس منه في اللفظ؛ لأن الألوك فعول، والهمزة فاء الفعل إلا أن يكون مقلوبًا أو على التوهم.

9 -

و "الأكنان" جمع كن، وهي السترة، قال تعالى:{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} [النحل: 81].

13 -

قوله: "لئن كان إياه" المعنى: لئن كان هذا الرجل هو الرجل الذي رأيناه قبل، لقد

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

شطر بيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة قاربت المائة بيت لسحيم، وهي في ديوانه (16 - 33)، ومطلعها قوله:

ودع هريرة إن تجهزت غاديًا

كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيًا

وبقية بيت الشاهد هو قوله:

........................

بآية ما جاءت إلينا تهاديا

المفردات: ألكني: أي أبلغيها عني رسالة، ومنه المأكلة وهي الرسالة.

ص: 309

حال، أي تغير عن العهد، أي الذي كنا نعهده من الشبيبة إلى الشيب، وهكذا الإنسان يتغيم من حال إلى حال.

14 -

قوله: "فيضحى" أي يظهر للشمس. يقول يسير نهارًا، وإذا جاء الليل خَصِر، بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة، يقال: خصر الرجل إذا آلمه البرد في أطرافه، وماء خصر أي بارد.

15 -

و "الجوّابُ" بالتشديد من جاب يجوب جوبًا إذا خرق وقطع، قال تعالى:{وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)} [الفجر: 9].

16 -

و "المحبر" المزين.

19 -

قوله: "ذي دَوْرَان" بفتح الدال وسكون الواو: وفتح الراء وبعد الألف نون؛ وهو موضع بين القديد والجحفة، قوله:"جشمتي السرى" أي كلفتي إياه، يقال: جشمته الأمر. تجشيمًا وأجشمته إذا كلفته إياه، والسرى هو السير بالليل.

20 -

قوله: "على شفا" أي: على طرف النهار أي: آخره.

21 -

قوله: "لولا اللبانة" بضم اللام وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف نون؛ الحاجة، و "أعور" الذي قد عور ولم تقض حاجته ولم يصب ما طلب، وليس من عور العين.

22 -

و "القلوص" من النوق: الشابة، ويجمع على قلائص وقُلُص، و "العراء" بالمد؛ الفضاء لا ستر به، قال تعالى:{فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ}

(1)

[الصافات: 145]، ويقال: هذا مكان معور يخاف فيه القطع.

27 -

قوله: "مشية الحبُاب" بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة؛ وهي الحية، و "الأزور" من الزور بتحريك الواو؛ وهو الميل.

33 -

قوله: "أفرخ روعها" أي: ذهب فزعها، يقال: ليفرخ روعك، أي: ليخرج عنك

فزعك؛ كما يخرج الفرخ من البيضة، قوله:"كلاك" أي: حفظك من كلأ يكلأ إذا حفظ.

38 -

قوله: "ذو غُروب" بضم الغين المعجمة والراء؛ هو حدة الأسنان وماؤها، قال عنترة

(2)

:

(1)

وتمامها: {وَهُوَ سَقِيمٌ} .

(2)

البيت من بحر الكامل،: وهو من معلقة عنترة بن شداد المشهورة التي مطعها:

هل غادر الشعراء من متردم

............................

وبيت الشاهد في وصف صاحبته، وهو في ديوانه بشرح التبريزي (155) وروايته في الديوان:

إذ تستبيك بأصلتيّ ناعم

عذب مُقَبّلُه لذيذ المَطْعَمِ

اللغة: "إذ تستبيك" أي: تذهب بعقلك، و "الأصلتي": الثغر البراق، "عذب مقبله": عذب رائحة الفم موضع =

ص: 310

إِذْ تَسْتَبِيكَ بِذِي غرُوبٍ وَاضِحٍ

عَذْبٌ مُقَبَّلهُ لَذِيذُ المَطْعَمِ

و"المؤشر" بتشديد الشين المعجمة من الوشر وهو أن تحدد المرأة أسنانها وترققها، وفي الحديث:"لعن اللَّه الواشرة والمؤتشرة"

(1)

.

39 -

و"الأقحوان" بضم الهمزة؛ لون أبيض فيه أصفر، قال الجوهري: هو البابونج على أفعْلان، هو نبت طيب الرائحة

(2)

حواليه ورق أبيض ووسطه أصفر

(3)

.

40 -

قوله: "وترنو" من رنا إليه إذا نظر، و "الخميلة" بفتح الخاء المعجمة؛ وهو الشجر المجتمع الكثيف، وقال الأصمعي: الخميلة: رملة تُنبِت الشجر

(4)

، و "جُؤْذَر" بضم الجيم وسكون الهمزة وفتح الذال المعجمة وفي آخره راء؛ وهو ولد البقرة الوحشية، ويقال: جوْذر -أيضًا- بلا همزة، والجمع جآذر.

42 -

قوله: "عَزْوَر" بفتح العين المهملة وسكون الزاي المعجمة، وهو مكان وهو ثنية الجحفة، وهو -أيضًا- موضع بمكة، وأيضًا: جبل يقابل رضوى.

46 -

و"الكاشح" بالشين [المعجمة]

(5)

، وهو الذي يضمر لك العداوة، يقال: كشح له بالعداوة وكاشحه بمعنى.

49 -

"أحصر" بالحاء والصاد المهملتين، من الحصر وهو الضيق.

52 -

و "دمقص" بكسر الدال وفتح اليم وسكون القاف، وهو القز.

56 -

قوله: "فكان مجني" المجن بكسر اليم: الترس، و "كاعب" تثنية كاعب، وهي الجارية حين يبدو ثديها للنهود، وقد كعب تكعُب بالضم كعوبًا وكعّب بالتشديد مثله، و "المعصر": الجارية أول ما أدركت وحاضت، يقال: قد أعصرت كأنها دخلت عصر شبابها أو بلغته.

58 -

قوله: "سادرًا" من سدر إذا تحير، والسادر هو الذي لا يهتم ولا يبالي ما صنع.

= التقبيل، و "لذيذ المطعم" أي: وجدت له طعمًا لذيذًا، والبيت جاء لبيان معنى قوله:"بذي غروب" وهو حدة الأسنان، وهو أيضًا في ديوان عنترة (17) ط. دار صادر بيروت.

(1)

ينظر سنن أبي داود (4/ 325) رقم (5049). قال ابن منظور: "المُؤُتَشِرَة والمُسْتأْشِرَة كلتاهما التي تدعو إلى أَشْر أَسنانها، وفي الحديث: "لُعِنتَ المأْشورةُ والمستأْشِرة"، قال أَبو عبيد: الواشِرَةُ: المرأَة التي تَشِرُ أَسنانها، وذلك أَنها تُفَلَّجها وتُحَدِّدها حتى يكون لها أُشُر، والأُشُر: حِدَّة ورِقَّة في أَطراف الأَسنان، ومنه قيل: ثَغْر مؤُشَّر، وإِنما يكون ذلك في أَسنان الأَحداث تفعله المرأَة الكبيرة تتشبه بأُولئك، ومنه المثل السائر: أَعْيَبْتِني بأُشُرٍ فَكَيْفَ أَرْجُوكِ؟ ". اللسان مادة: "أشر"، وانظر مادة:"وشر" من نفس المرجع.

(2)

في (أ): الريح.

(3)

الصحاح، مادة:"قحا".

(4)

الصحاح، مادة:"خمل".

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 311

60 -

قوله: "ومحجِر" بفتح اليم وسكون الحاء المهملة وكسر الجيم، وهو الموضع الذي يقع القناع منه، ومحجر العين: مشق جفنيها.

61 -

قوله: "والعتاق" بكسر العين؛ جمع عتيق وهو الفرس الرائع، و "الأرحبيات": النجائب منها، وهي نسبة إلى أرحب وهي قبيلة من همدان.

63 -

و "العنس" بفتح العين المهملة وسكون النون وفي آخره سين مهملة؛ وهي الناقة الصلبة، قوله:"تَخَوَّنَ نِيّها" أي: انتقص لحمها وشحمها، و "النِّي" بكسر النون وتشديد الياء؛ وهو الشحم.

64 -

قوله. "بقية لوح" أي: عطش، و "الشجار" بكسر الشين وبالجيم، وهو مركب دون الهودج، و "مؤسر" أي: مشدود، قال تعالى:{وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ}

(1)

[الإنسان: 28].

65 -

و "الموماة" واحدة الموامي وهي المفاوز، و "البسابس" جمع بسبس وهي القفر.

66 -

و "الأرجاء": النواحي، وهي جمع رجا مقصور.

68 -

قوله: "مِغْلاة أرض" المغلاة بكسر اليم وسكون الغين المعجمة، وهي السهم، يقال: غلوت السهم غلوًّا إذا رميت به أبعد ما تقدر عليه، والغلوة: الغاية مقدار رمية.

69 -

قوله: "تكسر" أي تتكسر.

70 -

قوله: "معصّر" بتشديد الصاد المفتوحة؛ أي ملجأ، وأصله من العصر بالتحريك وهو الملجأ والمنجى.

71 -

قوله: "كقاب الشبر" أي كقدره.

72 -

وكذا قوله: "قدى الكف" أي كقدر الكف، قوله:"مسأر" مفعل، من السؤر وهو بقية الماء التي يبقيها الشارب، معناه: إذا التفت شفتاها عليه لم تبق منه شيئًا، ويروى: مؤسر بتقديم الهمزة على السين، من أسرت الحوض إذا سددته.

73 -

و "النِّسْع" بكسر النون وسكون السين المهملة وفي آخره عين مهملة، جمع نسعة وهي التي تنسج عريضًا للتصدير، و "الجديل" بفتح الجيم وكسر الدال؛ الزمام المجدول من أدم.

74 -

قوله: "فسافت" من السوف، وهو الشم، يقال: سفت الشيء أسوفه سوفًا ومنه المسافة؛ وذلك لأن الدليل يسوف التراب ليعلم أعلى قصد هو أم على جور، قوله:"وما عافت"

ص: 312

من عاف الرجل الطعام والشراب يعافه عيافًا، أي: كرهه فلم يشربه فهو عائف، قوله:"مطروق" المطروق والطرق: ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر.

الإعراب:

قوله: "لئن كان" اللام فيه هي اللام الداخلة على أداة الشرط للإيذان بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها لا على الشرط، ومن ثمة تسمى: اللام المؤذنة واللام الموطئة -أيضًا- لأنها وطّأت الجواب للقسم، أي مهدته له نحو قوله تعالى:{لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ} [الحشر: 12]، و "إن" للشرط، و "كان إياه" فعل الشرط.

وقوله: "لقد حال" جواب الشرط، و "كان" ناقصة واسمها مستتر فيه، وقوله:"إياه" خبره، قوله:"لقد حال" اللام فيه للتأكيد، وقد للتحقيق، والضمير في حال هو الضمير الذي في (كان)، قوله:"بعدنا": ظرف يتلق بحال وهو العامل فيه، و "عن العهد" يتعلق به، وقوله:"والإنسان": مبتدأ، و "قد يتغير" خبره، والجملة وقعت حالًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لئن كان إياه" حيث جاء خبر كان منفصلًا، قال ابن الناظم: الصحيح اختيار الاتصال لكثرته في النظم والنثر الفصيح

(1)

، وقال الزمخشري: الاختيار في ضمير خبر (كان) وأخواتها الانفصال كقوله: لئن كان إياه

(2)

، والصواب ما قاله الزمخشري؛ لأن منصوب (كان) خبر في الأصل، والأصل في الخبر أن يكون منفصلًا وليس للاتصال فيه دخل

(3)

.

(1)

ابن الناظم (24).

(2)

قال الزمخشري: "والاختيار في ضمير خبر كان وأخواتها الانفصال كقوله: (

البيت) وقوله:

ليس إياي وإيا

ك ولا تخشى رقيبًا

وعن بعض العرب: عليه رجلا ليسني، وقال:

.............................

إذ هب القوم الكرام ليسي".

ينظر المفصل (131) ط. دار الجيل، وابن يعيش (3/ 105).

(3)

ترجيحه لرأي الزمخشري وهو قول سيبويه. ينظر الشاهد السابق.

ص: 313

‌الشاهد الخامس والستون

(1)

،

(2)

وَقَدْ جَعَلَتْ نَفْسِي تَطِيبُ بِضَغْمَةٍ

لِضَغْمِهِمَاهَا يَقْرَعُ العَظْمَ نَابُهَا

أقول: قائله هو المغلس بن لقيط بن حبيب بن خالط بن نضلة الأسدي، جاهلي، هو وأخواه: بعثر

(3)

ونافع ابنا لقيط شعراء، وهو من قصيدة هائية يرثي بها أخاه أطيطًا ويشتكي من قرينين له يؤذيانه، وقيل: هما أبناء أخيه وهما: مدرك ومرة، وأولها هو قوله:

1 -

وَأبْقَتْ لِيَ الأَيَّامُ بَعْدَكَ مُدْرِكًا

وَمُرَّةً والدُّنْيَا قَلِيلٌ عِتَابُهَا

2 -

قَرِينَيِن كَالذَّئْبَيِن يَقْتَسِمَانِنِي

وَشَرُّ صَحَابَاتِ الرَّجَالِ ذِئَابُهَا

3 -

إِذَا رَأَيَا لِي غَفْلَةً أَسَّدَا بِهَا

أَعَادِي والأَعْدَاءُ كَلِبَيْ كِلابُهَا

4 -

وَإِنْ رَأَيَانِي قَدْ بَحَوْتُ تَبَغَّيَا

لِرَجْلِي مُغَوَّاةً هَيَامًا تُرَابُهَا

5 -

فَلَوْلا رَجَائِي إِنْ تَئُوبَا وَلا أَرَى

عُقُولَكُمَا إلا شَدِيدًا ذَهَابُهَا

(4)

6 -

سَقَيْتُكُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ شَرْبَةً

يَمُرُّ عَلَى بَاغِي الظَّلامِ شَرَابُهَا

7 -

وَقُدْ جَعَلْتُ نَفْسِي تَهُمُّ بِضَغْمَةٍ

عَلَى عَلّ غَيْظٍ يَقْصِمُ العَظْمَ نَابُهَا

هكذا رواه أبو عمرو في كتاب: "الحروف" له، وابن الناظم رواه كما رواه سيبويه

(5)

، وأبو علي في الإيضاح

(6)

.

وهو من الطويل.

2 -

قوله: "قرينين" أي: متقاربين، قوله:"يقتسمانني" أي: يختصمانني ويروى: يصطحبانني، قوله:"ذئابها": جمع ذئب.

3 -

قوله: "أسّدا بها" أي أغريا بها، أي بسبب الغفلة، يقال: أسّدته وأوسدته إذا أغريته بالصيد، والواو منقلبة عن الألف. وأسدت بين القوم أي أفسدت، قوله:"كلبي": جمع كلب

(1)

ابن الناظم (25).

(2)

البيت من بحر الطويل، من مقطوعة لمغلس بن لقيط بن حبيب بن خالط بن نضلة الأسدي، وهو والمقطوعة في الخزانة، الشاهد رقم (389) في (5/ 301)، وروايته:"لضغمة" بدلا من: "بضغمة"، وبيت الشاهد في الكتاب (2/ 365)، وابن يعيش (3/ 105)، وابن الشجري (1/ 8، 9)، (2/ 101).

(3)

في (أ): جعفر.

(4)

روايته في (أ): شديد.

(5)

ينظر الكتاب لسيبويه (2/ 365) وفيه لضغمة، وأيضًا في ابن الناظم (25).

(6)

غير موجود في طبعات الإيضاح المختلفة، وهو في الإيضاح لابن الحاجب (شرح المفصل)(1/ 465).

ص: 314

بفتح الكاف وكسر اللام، قال الفراء وغيره: رجل كلب وقوم كلبى إذا أصابهم الكلب، والكلب بفتح اللام؛ الذي لا يبرأ منه

(1)

.

4 -

قوله: "تبغيا" أي طلبا، قوله:"مغواة" بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الواو؛ وهي حفرة كالزبية، يقال: من حفر مغواة وقع فيها، وتجمع على مغويات، قوله:"هيامًا" الهيام بكسر الهاء وتخفيف الياءآخر الحروف؛ وهو الرمل اليابس

(2)

، ورواه أبو علي في التذكرة: هيالي ترابها، [قال: وهذا يدل على أن التراب جمع ترب، ولو كان مفردًا لقال: هائل ترابها]،

(3)

، وقال صاحب العين: الهائل والأهيل والهيل من الرمل؛ الذي لا يثبت

(4)

، وضرب ذا مثلًا لكثرة معرفتهما بالشر والتحيل في جلب أنواع الضر.

6 -

قوله: "الظلام" بالضم؛ بمعنى الظلم، قال أبو الحجاج

(5)

وقد يكون جمعًا لظلم؛ كما ذهب إليه أبو علي في التراب أنه جمع ترب، فيلحق بالألفاظ التي جمعت على فُعال، وقد قيل فيه الظلام بكسر الظاء. وكذا رأيته مكسورًا في نسخة من شعر أبي دؤاد، زعم كاتبها أنه قابلها بنسخة كانت بخط سيبويه [رحمه اللَّه تعالى]

(6)

، وقد قيده صاحب كتاب الموعب

(7)

عن أبي زيد فقال: فلان يريد ظِلامِي بكسر الظاء وظلامتي وظلمي وأنشد

(8)

:

..........................

وسامته العشيرة الظّلاما

وقال ابن دريد: الظلام مصدر ظالمه

(9)

وقال كراع: جمع الظلم ظلام، وأنشد للمثقب

(10)

(1)

ينظر اللسان، مادة:"كلب".

(2)

قال في الخزانة: "الهيام بفتح الهاء لا بكسرها كما زعمه العيني بعدها مثناة تحتية؛ الرمل الذي لا يتماسك أن يسيل من اليد للينه"(5/ 304).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

العين مادة: "هيل" تحقيق: مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.

(5)

أبو الحجاج هو يوسف بن محمد بن عبد اللَّه بن يحيى بن غالب (ت 604 هـ). ينظر الأعلام (8/ 247).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(7)

في هدية العارفين: كتاب الموعب لتمام بن غالب بن عمرو بن البناء المرسي القرطبي أبو غالب المعروف بابن التباني -بكسر التاء، وقيل: فتح التاء- اللغوي المالكي توفي سنة (436 هـ)، من تصانيفه: أخبار تهامة، تلقيح العين في اللغة، شرح الفصيح لثعلب في اللغة، فتح العين على كتاب العين، الموعب في اللغة.

(8)

البيت من بحر الوافر، وهو في لسان العرب مادة:"ظلم"، وتمامه:

ولَو أَنِّي أَمُوتُ أَصابَ ذُلًّا

وسَامَتْه عَشِيرتُه الظّلامَا

(9)

جمهرة اللغة: باب العين والغين.

(10)

هو عائذ بنِ محصن بن ثعلبة بن واثلة بن عدي بن منبه بن نكرة بن عبد قيس. طبقات فحول الشعراء (271).

ص: 315

العبدي

(1)

:

وَهُنَّ عَلَى الظِّلامِ مُطَلِبَاتٍ

قَوَاتِلُ كُلِّ أَشْجَعِ مُسْتَكِينِ

وقال ابن يسعون: وقد يكون الظلام لغة في ظلم؛ كلبس ولباس ونحوه، وقد يكون جمع ظلم كما قال كراع، وإن كنت لا أعلم فِعَالًا في جمع فعل إلا في المضاعف في نحو: قِفّ وقِفَاف كما قد يكون الظلام جمع ظلامة وهو أشبه وجوهه.

7 -

قوله: "لضغمة" بالضاد والغين المعجمتين، وهي العضة، يكنى بها عن الشدة والصيبة؛ لأن من عرضت له الشدة يعض على يديه، يقال: ضَغَمَتْه الشدة إذا أصابته، ويقال: الضغم هو العض بجميع الفم، ومنه سمي الأسد ضيغمًا، والياء فيه زائدة، قوله:"يقرع العظم" أي يدقه وهذه مبالغة في أنه عضت الشدة عضًّا قويًّا بلغت منتهى ما يبلغ العض وكنى ببلوغ العظم الناب عن ذلك.

وحاصل المعنى: قد رَضِيَتْ

(2)

نفسي وطابت للشدة التي أصابتني؛ لإصابتها من قصدني بمثلها.

وقال ابن الحاجب

(3)

في الأمالي: إنه يقول: طابت نفسي للشدة التي أصابتني لوقوع العارض لي في أعظمي

(4)

، وقال شيخ شيخي شمس الدين اليشكري رحمه الله في شرحه (اللب) والمعنى: قد جعلت نفسي تطب لضغمتي إياهما ضغمة شديدة تشبه ضغمتهما لي، يعني: إنما تطب نفسي بأن يصيبهما مثل هذه الشدة التي أصابتني

(5)

.

الإعراب:

قوله: "وقد جعلت" هذه من أفعال المقاربة التي يجب أن يكون خبرها مضارعًا، قوله:"نفسي": اسمها، وقوله:"تطيب": خبرها، قوله:"لضغمة": مفعول تطيب؛ كما تقول طبت بزيد، فاللام بمعنى الباء وليست بمعنى المفعول لأجله؛ لأنه لم يرد أنها طابت لأجل الضغمة، وإنما يريد أنها طابت بالضغمة.

قوله: "لضغمهماها" اللام فيه للتعليل، والضمير الأول في موضع خفض من الإضافة وهي

(1)

البيت من بحر الوافر، وهو في ديوان المقب العبدي (150)، وانظره في تاج العروس:"ظلم" والقافية فيها مستلينا، وقد أورده العيني دليلًا على أن الظلم يجمع على ظلام.

(2)

في (أ): نصبت.

(3)

ابن الحاجب: هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، العلامة جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب الكردي المقري النحوي له في النحو: الكافية وشرحها ونظمها، والوافية وشرحها، وفي التصريف الشافية وشرحها، وشرح المفصل، بشرح أسماه: الإيضاح، وله: الأمالي في النحو، وغيرها (ت 646 هـ). بغية الوعاة للسيوطي (2/ 134، 135)

(4)

ينظر الأمالي النحوية لابن الحاجب (381).

(5)

ينظر الخزانة (5/ 301 - 305).

ص: 316

فاعل في المعنى يرجع إلى الرجلين المذكورين في البيت السابق وهما: "مدرك ومرة"، والضمير الثاني في موضع نصب على المفعولية، وهو عائد إلى الضغمة، والتقدير: وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة يقرع العظم نابها لأجل ضغمهما إياها مثل هذه الضغمة التي أصابتها.

وقيل: الضمير الأول يرجع إلى الذئبين المذكورين في البيت السابق، والثاني إلى النفس يقول: لكثرة ما أصابه من المحن ورزايا الدهر عادت نفسي تروم وتطيب لأن يعضها السباع وتهلكها لتتخلص مما [هي]

(1)

عليه.

وقيل: الضمير الأول مفعول به، والثاني: فاعل، أي تطيب نفسي لأن ضغمتهما ضغمة كما ضغمتني.

قوله: "يقرع العظم نابها" في موضع [خفض إما]

(2)

صفة لضغمة الأولى، وفصل للضرورة بالجار والمجرور وهو لضغمهماها، وهذا ضعيف لأجل الفصل بين الصفة والموصوف بالأجنبي، وإما في موضع الصفة لمثل محذوف؛ لأن معناه: لضغمهما مثلها؛ لأن الضغمة الأولى لم تصب هذين، وإنما أصابهما مثلها، فهو في المعنى مراده، ومثلٌ: نكرة وإن أضيف إلى المعرفة فجاز أن يوصف بالجملة ويجوز أن [يكون]

(3)

"يقرع العظم نابها": جملة مستأنفة تبين أمر الضغمة في الموضعين جميعًا؛ فلا موضع لها من الإعراب؛ لأنها لم تقع موقع مفرد.

فإن قلتَ: فإذا كان اللام في لضغمهما للتعليل على ما ذكرت فما موقعه؟

قلتُ: هو بدل من قوله: "لضغمة".

فإن قلتَ: الضغم مصدر، والضغمة مرة منه، فكيف يجوز إبدال العام من الخاص؟ وهذا عندهم من بدل الغلط؛ كما في قولك: مررت بزيد القوم؟

قلت: يجوز أن تكون الضغمة بمعنى الضغم؛ كالرجمة بمعنى الرجم، فالتاء ليست للمرة، أو نكون التاء محذوفة من الأخيرة للضرورة، أي لضغمتهماها.

الاستشهاد فيه:

في اجتماع الضميرين، وكان القياس في الثاني منهما الانفصال فجاء متصلًا على غير القياس نحو: لضغمهماها، والقياس لضغمهما إياها، وقال ابن يسعون: استشهد به أبو علي في الإيضاح على وقوع الضمير المتصل موقع المنفصل؛ لأن مجيء الضمير المنفصل مع المصدر أحسن. والمصدر هو لضغمهما، وهو مضاف إلى هما، وهما في المعنى فاعلان، والمفعول المضغوم محذوف،

(1)

و

(2)

و

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 317

ولو ذكره مع هذه المتصلة العائدة على ضغمة لقال: لضغمهماها

(1)

إياي وإياها، ولو أتى بضمير الضغمة منفصلًا على الوجه الأحسن لقال: لضغمهما إياي إياها، وكان إياي يتقدم لوجهين:

أحدهما: لأنه ضمير الخاطب، وهو أولى بالتقديم من الضمير الغائب.

والوجه الآخر: أن إياي ضمير المفعول به، وإياها ضمير المصدر، فهي فضلة مستغنى عنها بما هو آكد منها، وكان الأصل: لضغمهما إياي، مثلها أي مثل تلك الضغمة، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، فكان ينبغي أن يأتي بالضمير المنصوب المنفصل، وحذفُ المفعول مع المصدر إذا كان معه الفاعل كثير؛ كما قد يحذف معه الفاعل - أيضًا -

(2)

.

‌الشاهد السادس والستون

(3)

،

(4)

لوجهِكَ في الإحْسَانِ بَسْطٌ وَبَهْجَةٌ

أَنَا لهُمَاهُ قَفْوًا أكْرَم وَالِدِ

أقول: هذا لم أقف على اسم قائله.

وهو من الطويل.

قوله: "في الإحسان" أي وقت الإحسان، قوله:"بسط" أي: بشاشة وترك تعبّس، قوله:"وبهجة" أي: حسن وسرور؛ وذلك لأن الكريم يَسُوُّهُ إحسانه إلى العفاة، قوله:"أنا لهما" من أنال ينيل إنالةً، وثلاثيه: نال إذا بلغ ووصل، قوله:"قفو" بالقاف بعدها الفاء، من قفوت أثره قفوًا وقفوًّا إذا أتبعته، يعني: اتباع أكرم الوالدين، أراد كرام الآباء والأسلاف.

وحاصل المعنى: وجهك منبسط ومبتهج في وقت الإحسان إلى الناس، وقد حصل لك ذلك من اتباع آثار آبائك الكرام وأسلافك الكرماء.

الإعراب:

قوله: "بسط" مبتدأ، و "بهجة" عطف عليه، وخبره قوله:"لوجهك"، وقوله:"في الإحسان" يتعلق بقوله: بسط. والمضاف إليه محذوف كما ذكرنا، قوله:"أنالهما" جملة من الفعل والفاعل وهو أنال، والمفعولين أحدهما هو قوله:"هما" اللذان يرجعان إلى البسط

(1)

في (أ): لضغمهما.

(2)

غير موجود بالإيضاح لأبي علي بشرح المقتصد، وينظر الخزانة (2/ 419)، والكتاب لسيبويه (2/ 365).

(3)

ابن الناظم (25)، وتوضيح المقاصد (1/ 150)، وأوضح المسالك (1/ 75).

(4)

البيت من بحر الطويل، وهو مجهول القائل، وانظره في شرح التصريح (1/ 109)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 63)، والدرر (1/ 41).

ص: 318

والبهجة، والآخر هو الضمير الذي بعدهما يرجع إلى الوجه، والفاعل وهو قوله:"قفو أكرم والد"، وقوله:"قفو" مضاف إلى أكرم، وأكرم مضاف إلى والد، وأصل والد: والدين بكسر الدال؛ جمع والد، حذف منه بعض الكلمة، ومثله [كثير]

(1)

في الأشعار.

فإن قلتَ: ما موقع هذه الجملة؟

قلتُ: الرفع؛ لأنها صفة لقوله: بسط وبهجة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أنالهماه" وكان القياس أن يقال: أنالهما إياه بالانفصال، فجاء متصلًا، قيل: إن الاتصال ها هنا أحسن؛ لأن العامل فعل وهو قوله: "أنال" بخلاف البيت السابق؛ فإن الانفصال فيه أحسن؛ لأن العامل هناك اسم وهو

(2)

قوله: "الضغم" والفعل أجمل للوصل من الاسم

(3)

.

‌الشاهد السابع والستون

(4)

،

(5)

..........................

إذ ذهَبَ القَوْمُ الكِرَامُ لَيسِي

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وصدره:

عَدَدْتُ قَوْمِي كَعَدِيدِ الطَّيْسِ

................................

وهو من الرجز المسدس، وفيه الطي والخبن والقطع.

قوله: "عددت": من العد والإحصاء، والعديد -بفتح العين وكسر الدال؛ الاسم مثل العدد، يقال: هم عديد الحصى والثرى في الكثرة، و "الطيس" بفتح الطاء المهملة وسكون الياء المثناه من تحت وفي آخره سين مهملة؛ وهو الرمل الكثير، وكذلك يقال للماء الكثير: الطس، ويقال: الطيسل بزيادة اللام، قال الشاعر يصف حميرًا

(6)

:

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (ب): لأن العامل هنا اسم وهو قوله: "الضغم هناك اسم وهو قوله: .... ".

(3)

ينظر فرائد القلائد (35)، وتوضيح المقاصد (1/ 150).

(4)

غير موجود في ابن الناظم في بابه، وقد نسبه في (ب): إلى ظقه. وتوضيح المقاصد (1/ 152)، وأوضح المسالك (1/ 78)، وشرح ابن عقيل (1/ 109).

(5)

البيت من بحر الرجز لرؤبة بن العجاج، في ديرانه (175)، وقبله:

عددت قومي كعديد الطيس

.............................

ينظر ابن الناظم (25)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 59) ط "صبيح"، وشرح الأشموني (1/ 55)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 64)، وابن يعيش (3/ 108)، والخزانة رقم (392).

(6)

البيت من بحر الرجز، غير معروف قائله، وهو في اللسان مادة:"طيس" وجاء البيت لبيان معنى كلمة.

ص: 319

وَصَبَّحْتُ مِنْ شُبرُمَانَ مَنْهلًا

أَخْضَرَ طَيسًا زَغْرَبيًّا طَيْسِلًا

اللام فيه زائدة، و "شبرمان" موضع، و "المنهل": المورد، وهو عين ماء ترده الإبل في المرعى، و "الزعزب" بزاءين معجمتين بينهما عين مهملة، وهو الماء الكثير؛ والنسبة إليه: زعزبي، قوله:"الكرام": جمع كريم؛ كالعجاف جمع عجيف، والمعنى: عددت قومي وكانوا بعدد الرمال في الكثرة، ومع تلك الكثرة ما فيهم كرام غيري.

الإعراب:

قوله: "قومي": كلام إضافي مفعول عددت، قوله:"كعديد الطيس": صفة لمصدر محذوف تقديره: عدًّا كعدِّ الطيس، قوله:"إذ" ظرف زمان، و "ذهب": فعل ماض، و "القوم" فاعله، و "الكرام" صفته، قوله:"ليسي" أي [ليس]

(1)

الذاهب إياي، فاسم ليس مستتر فيها، وخبرها الضمير المتصل بقوله: ليسي.

الاستشهاد فيه:

حيث حذف فيه نون الوقاية للضرورة مع لزومهًا جميع الأفعال قبل ياء المتكلم، وحيث جاء خبر ليس التي هي من أخوات كان مضمرًا متصلًا على خلاف القياس في الاختيار؛ لأن الاختيار هو الانفصال، ولكنه لم يرد لذلك فافهم

(2)

.

‌الشاهد الثامن والستون

(3)

،

(4)

كَمُنْيَةِ جَابِر إِذْ قَال لَيْتِي

أصَادِفُة وَأفْقِدُ بَعْض مَالِي

أقول: قائله هو زيد الخيل، وهو زيد بن مهلهل بن يزيد بن منهب بن عبد رُضَى، وكان رُضَى صَنَمًا لطيء بن مختلس بن ثور بن عدي بن كنانة بن مالك بن نائل بن نبهان، وهو أسد بن عمرو بن الغوث بن جلهمة، وهي طيء، سمي به؛ لأنه كان يطوي المناهل في غزواته ابن أدد وهو مذحج بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر وهو هود النبي، عليه السلام

(5)

، وكان زيد الخيل من المؤلفة قلوبهم ثم أسلم وحسن إسلامه، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد طيء سنة تسع، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم زيد الخير وأقطعه أرضين، وكان يكنّى أبا مكنف، وكان له ابنان: مكنف وحريث أسلما وصحبا النبي صلى الله عليه وسلم وشهدا قتال الردة مع خالد بن الوليد، ولما انصرف

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 155) والخزانة (5/ 324).

(3)

ابن الناظم (26)، وتوضيح المقاصد (1/ 156)، وشرح ابن عقيل (1/ 111).

(4)

البيت من بحر الوافر، لزيد الخير، وانظره في ابن يعيش (3/ 90)، والخزانة (5/ 375).

(5)

في (أ): عليه الصلاة والسلام.

ص: 320

زيد من عند النبي صلى الله عليه وسلم أخذته الحُمّى، فلما وصل إلى أهله مات، قيل: توفي في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

(1)

وقبله:

1 -

تَمَنَّى مَزْيَدٌ زَيْدًا فَلاقَى

أَخًا ثِقَةً إذا اخْتَلَفَ العَوَالِي

وهما من الوافر وفيه العصب والقطف.

1 -

و "مزيد" بفتح الميم وسكون الزاي العجمة وفتح الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة؛ وهو رجل من بني أسد وكان يتمنى لقاء زيد فلما لقيه طعنه زيد فهرب، وكذلك جابر كان عدوه، وكان يتمنى لقاءه فلما لقيه طعنه فهرب فقال زيد الخيل حينئذ: تمنى مزيد

إلخ، وإنما لم يقل تمناني مزيد؛ لأن زيدًا اشتهر بالشجاعة فكأنه قال: تمنى مزيد الشجاع المشهور؛ ولأن بين مزيد وزيد تجانسًا

(2)

.

قوله: "العوالي": الرماح، واحدها العالية، قال الجوهري: عالية الرمح: ما دخل في السنان إلى ثلثه

(3)

.

2 -

قوله: "كمنية جابر" المنية بضم الميم؛ المتمنى وهو في الأصل: الشيء المتمنى كالفرقة والأكلة، قوله:"أصادفه" يعني: أجده من قولهم: صادفت فلانًا إذا وجدته، والمعنى: تمني مزيد كتمني جابر حين، قال: ليتني أجد زيد الخيل في الحرب ولا أجد بعض مالي، وروى الجوهري: وأفقد جل مالي وهو الأحسن

(4)

، ومن زعم أن بعضًا ترد بمعنى كل، وخرج عليه قوله تعالى:{يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [غافر: 28]، وقول الأعشى

(5)

:

قدْ يُدْرِكُ المُتَمَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ

وَقَدْ يَكُونُ مَعَ المُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ

صح عنده حمل رواية الجماعة على ذلك فيكون أبلغ من رواية الجوهري إلا أن هذا القول مردود

(6)

، ويروى: وأتلف بعض مالي موضع: وأفقد، ويروى: وأغرم

(7)

.

(1)

ينظر الخزانة (5/ 375) وسبقت ترجمته.

(2)

التجانس هو تشابه اللفظين في النطق واختلافهما في المعنى. ينظر علم البديع لعبد العزيز عتيق (196).

(3)

الصحاح، مادة:"علا".

(4)

الصحاح، مادة:"ليت"، وروايته:

..........................

أصادفه وأغرم جل مالي.

(5)

من البسيط في الخزانة (2/ 447) والديوان (25)، ونسب للقطامي في جمهرة أشعار العرب (2/ 805) وهو بلا نسبة في لسان العرب، مادة:"بعض"ومجالس ثعلب: (437) والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية: (704) والبيت شاهد على ورود بعض بمعنى كل.

(6)

ينظر الخزانة (2/ 447) وفرائد القلائد (36).

(7)

ينظر السابقان، والصحاح، مادة:"ليت".

ص: 321

الإعراب:

قوله: "كمنية جابر": كلام إضافي في محل النصب على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: تمنى مزيد تمنيًّا كتمني جابر، قوله:"إذ" ظرف بمعنى حين، والعامل فيه المصدر، والضمير في (قال): يرجع إلى جابر، قوله:"ليتي أصادفه" مقول القول، واسم ليت مضمر متصل، وخبرها قوله:"أصادفه"، قوله:"وأفقد بعض مالي" بالرفع: جملة فعلية عطف على أصادفه؛ كذا قيل، وفيه نظر؛ لأنه يلزم أن يكون فقد بعض ماله متمنيًا، وليس كذلك، والصحيح أنه مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقدوره: وأنا أفقد بعض مالي، وتكون الواو للحال، وبعض منصوب بـ "أفقد"

(1)

.

ويقال: وأفقد منصوب؛ لأنه جواب التمني؛ كما في قوله تعالى: {يَاليْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} [النساء: 73]

(2)

.

قلت: هذا لا يتمشى إلا إذا قرئ بالفاء: فأفقد

(3)

، ولكن يجوز نصبه بإضمار أن تقديره: ليتني أصادفه وأن أفقد بعض مالي

(4)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ليتي" حيث جاءت مضافة إلى ياء المتكلم بدون نون الوقاية، وذلك لأجل الضرورة

(5)

.

‌الشاهد التاسع والستون

(6)

،

(7)

فَقُلْتُ أَعِيرَانِي القَدُومَ لَعَلَّنِي

أَخُطُّ بِهَا قَبْرًا لِأَبْيَضَ مَاجِدِ

أقول: لم أقف على اسم قائله.

(1)

عارضه البغدادي قائلًا: "لا مانع على الوجه الأول من جعل الواو للمعية

". الخزانة (5/ 378).

(2)

قائله بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفضل عن صدر الأفاضل، قال البغدادي:"قال صدر الأفاضل: وأفقد بالنصب كما لو كان مكان الواو والفاء كأَنه قال: ليتني أصادف زيدًا وأن أفقد بعض مالي، أو يجتمع هذا مع فقدان بعض المال". الخزانة (5/ 378).

(3)

عارضه البغدادي قائلًا: "كأنه لم يطرق أذنه أن المضارع ينصب بإضمار أن بعد واو المعية كما ينصب بعد فاء السببية في جواب أحد الأشياء الثمانية". الخزانة (5/ 378).

(4)

علق البغدادي على قول العيني قائلًا: "كأن هذا الإضمار عنده من القسم السماعي الذي لم يطرد". الخزانة (2/ 448).

(5)

قال سيبويه: "وقد قالت الشعراء: ليتي إذا اضطروا، كأنهم شبهوه بالاسم حيث قالوا: الضاربي، والمضمر منصوب قال زيد الخيل: (

البيت) ينظر الكتاب (2/ 370)، والخزانة (5/ 378).

(6)

ابن الناظم (26). وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 113).

(7)

البيت من بحر الطويل، مجهول القائل، وهو في همع الهوامع (1/ 64)، وتخليص الشواهد (105)، والدرر=

ص: 322

وهو من الطويل.

قوله: "القَدُوم" بفتح القاف وضم الدال المخففة، وهي الآلة التي يُنجّر بها الخشب، قوله:"أخط بها" أي؛ أنحت بها، وأصل الخط من خط بإصبعهِ في الرمل، ومنه اختط فلان الأرض بأن يخطّ عليها خطًّا ليعلم أنه قد اختارها، وبها سميت خطط الكوفة والبصرة، والمراد ها هنا: ما ذكرناه من معنى النحت.

قوله: "قبرًا" أي؛ غلافًا. أراد بها أنحتُ بها غلافًا للسيف؛ لأن المراد من الأبيض هو السيف، وسمي الغلاف بالقبر لمعنى المواراة؛ لأن الغلاف يواري السيف؛ كما أن القبر يواري الميت، والضمير في "بها" يرجع إلى القدوم، وهو دليل على تأنيث القدوم.

الإعراب:

قوله: "فقلت" جملة من الفعل والفاعل، و "أعيراني القدوم" مقول القول، والقدوم: منصوب؛ لأنه مفعول ثان لأعيراني، يقال: أعرته ثوبًا، قوله:"لعلني" اسم لعل هو الضمير المتصل به وخبره قوله: "أخط بها قبرًا"، "أخط" جملة من الفعل والفاعل، وهو"أنا" مستتر فيه، و "قبرًا" مفعوله و "بها" صلة أخط، والباء فيه للاستعانة؛ كما في: كتبت بالقلم، واللام في "لأبيض" للتعليل، و "ماجد" مجرور؛ لأنه صفة لأبيض، و "أبيض" لا ينصرف للصفة ووزن الفعل، وقيل ويروى: لأكرم ماجد، ثم قيل: ماجد صفة عند من روى: لأبيض، ومضاف إليه عند من روى لأكرم، فأبيض مفتوح وأكرم مكسور.

قلت: فعلى رواية من روى "لأكرم ماجد" يكون القبر على حقيقته، ويكون الماجد اسم رجل ويكون إضافة أكرم إليه من قبيل إضافة جرد قطفة، وسحق عمامة

(1)

، وفي الرواية المشهورة: الماجد صفة لأبيض الذي هو السيف؛ من مجد الشيء إذا عظم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لعلني" فإنها جاءت بنون الوقاية، والأشهر فيها بدون النون؛ كما في قوله تعالى:{لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} [غافر: 36] و "لعل" في هذا الباب عكس "ليت"

(2)

.

= (1/ 110)، وشرح الأشموني (1/ 56).

(1)

أي من إضافة الموصوف إلى الصفة.

(2)

ينظر فرائد القلائد (37)، وشرح ابن عقيل علي الألفية (1/ 112، 113)، والفصيح تجريد لعل من النون، ويقل ثبوتها، وينظر أيضًا همع الهوامع للسيوطي (1/ 64)، والمعجم المفصل في شرح شواهد النحو الشعرية (1/ 249) د. إميل بديع يعقوب، ط دار الكتب العلمية، أولى (1992 م)، والدرر (1/ 212).

ص: 323

‌الشاهد السبعون

(1)

،

(2)

أَيُّهَا السَّائِلُ عَنْهُمْ وَعَنِّي

لَسْتُ مِنْ قَيْسٍ ولا قيس مِنِّي

أقول: قائله مجهول لا يعرف؛ كذا قال صاحب التحفة

(3)

.

وهو من المديد، وأصله في الدائرة: فاعلاتن فاعلن ست مرات وفيه الخبن والحذف

(4)

.

قوله: "عنهم" أي عن القوم المعروفين عندهم، و "قيس" أبو قبيلة من مضر، وهو قيس غيلان، واسمه: إلياس بن مضر بن نزار، وقيس لقبه، وعبد القيس أيضًا [أبو]

(5)

قبيلة من أسد بن ربيعة، وهو عبد القيس بن أقصى بن دُعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة، والنسبة إليهم: عَبْقَسي، وإن شئت قلت عبديّ

(6)

.

الإعراب:

قوله: "أيها السائل"، يعني يا أيها فحذف حرف النداء، وأي: أتى بها للتوصل إلى نداء المعرف، والهاء مقحمة للتنبيه، قوله:"عنهم وعني" كلاهما يتعلقان بالسائل، قوله:"لست من قيس" أي من قبيلة قيس، فالتاء اسم ليس، وخبره قوله:"من قيس"، قوله:"ولا قيس مني" أي ولا قيس مني أيضًا، وارتفاع قيس بالابتداء؛ لأن "لا" إنما تعمل في النكرات

(7)

فافهم.

الاستشهاد فيه:

على ترك نون الوقاية من: "عني ومني" وقيل: هو ضرورة

(8)

، وقيل: هو شاذ، وقال

(1)

ابن الناظم (26)، وتوضيح المقاصد (1/ 159)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 84)، وشرح ابن عقيل علي الألفية (1/ 114).

(2)

البيت من بحر المديد، وهو مجهول القائل، وانظره في خزانة الأدب (5/ 380)، وشرح الأشموني (1/ 56)، والدرر (1/ 109)، وابن يعيش (3/ 125)، وهمع الهوامع (1/ 64).

(3)

لعله كتاب للأشموني: أحمد بن محمد بن منصور الأشموني المصري النحوي الحنفي (ت 809 هـ)، فله التحفة الأدبية في علم العربية، لامية في النحو، وشرح اللامية. هدية العارفين: باب الألف، وفي الخزانة:"وفي التحفة: لم يجئ والحذف: لا في بيت لا يعرف قائله". ينظر الخزانة (5/ 381).

(4)

الوافي في العروض والقوافي للتبريزي (45).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

ينظر شذا العرف في فن الصرف للشيخ أحمد الحملاوي (125)، المكتبة الثقافية - بيروت.

(7)

يقصد بها "لا التي لنفي الجنس" فلا بد أن يكون معمولاها نكرتين خلافًا للعاملة عمل ليس، ففيها خلاف، ينظر توضيح المقاصد للمرادي (1/ 319 - 361)، وقد صرف قيسًا مرة، ومنعه أخرى؛ لأنه إذا قصد به علم الشخص فهو مصروف، وإذا قصد به علم القبيلة فهو ممنوع من الصرف.

(8)

الكتاب لسيبويه (2/ 370 - 373)، والقياس منيّ وعنيّ بالتشديد.

ص: 324

الزمخشري: وعن بعض العرب: عني ومني، وهو شاذ

(1)

.

‌الشاهد الحادي والسبعون

(2)

،

(3)

إذَا قَال قَدْنِي قَال بِاللَّه حَلْفَةً

لِتُغْنِيّ عَنَّي ذَا إِنَائِكَ أَجْمَعَا

أقول: قائله هو حريث بن عنّاب

(4)

بتشديد النون الطائي، وقبله:

دَفَعْتُ إليه رسْل كَوْمَاءَ جَلْدَةٍ

وَأَغْضَيْتُ عَنْهُ الطَّرْفَ حَتَّى تَضَلَّعا

وهما من الطويل.

قوله: "دفعت إليه" أي: إلى الضيف؛ لأنه يصف ضيفًا قدم له إناءً فيه لبن فشرب منه، ثم قال يكفيني فحلف عليه ليَشْرَبَنَّ جميعَه، وهو معنى الشطر الأول من البيت المستشهد به، قوله:"رسل كوماء" بكسر الراء وسكون السين المهملة؛ وهو اللبن، و "الكوماء": الناقة عظيمة السنام. قوله: "جَلْدة" بفتح الجيم وسكون اللام؛ واحدة الجلاد وهي أدسم الإِبل لبنًا، قوله:"وأغضيت عنه الطرف" أي: غمضت عنه عيني حتى تضلع، أي: امتلأ شِبغًا، وريًّا، والألف فيه للإطلاق.

قوله: "إذا قال قدني" أي إذا قال الضيف قدني، أي يكفيني، قوله:"قال" أي المضيف ويروى قلت وهو الاُصح، قوله:"لتغني" أي لتبعد وأصله: لتغنين بالنون المشددة، ثم حذف النون فبقي لتغني، وقال بعض من تكلم في هذا البيت: لتغني عني؛ من قولهم: أغن عني وجهك، أي اجعله بحيث يكون غنيًّا عني، أي: لا يحتاج إلى رؤيتي.

قوله: "ذا إنائك" أضاف الإناء إلى الضيف، وإن كانت هي للمضيف لأدنى الملابسة؛ لأن الضيف ملابس له.

الإعراب:

قوله: "إذا": ظرف، و "قال": فعل وفاعله مستتر فيه، وهو الضمير الذي يعود إلى الضيف،

(1)

المفصل للزمخشري (140)، وشرح ابن يعيش (3/ 124، 125)، وينظر فرائد القلائد (37).

(2)

ابن الناظم (26).

(3)

البيت من بحر الطويل، لحريث بن عناب، وهو في: المقرب (2/ 77)، وهمع الهوامع (2/ 41) وابن يعيش (3/ 8)، والدرر (2/ 110).

(4)

حريث بالتصغير، وعناب بفتح العين شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية. ينظر شرح أبيات المغني (4/ 280)، وفي الأعلام للزركلي (2/ 174) حريث بن عناب النبهاني الطائي: من شعراء العصر الأموي، كان بدويًّا، لا يتصدى للناس بمدح أو هجاء، أورد صاحب الأغاني بعض أشعاره وأخباره، (ت 80 هـ).

ص: 325

قوله: "قدني": مقول (قال)، قوله:"قال" أي المضيف كما ذكرنا قبل هذه الرواية على ما رواها ابن الناظم

(1)

، وجماعة آخرون

(2)

تدل على أن الشاعر لا ضيف ولا مضيف بل هو حاكٍ عنهما، وليس كذلك، وروى بعضهم:"إذا قلت قدني"فهذا يدل على أن الشاعر هو الضيف

(3)

وليس كذلك، فالصحيح: إذا قال قدني قلت باللَّه حلفة، على ما رواه الزمخشري وغيره

(4)

.

قوله: "حلفة" مفعول مطلق؛ لأن التقدير في قوله: "باللَّه حلفة"، أي: أحلف باللَّه حلفة، قوله:"لتغني" بكسر اللام لأجل التعليل وبياء مفتوحة للناصب المضمر، وهو رواية أبي الحسن

(5)

الأخفش، واستدل بها على جواز إجابة القسم بلام كي

(6)

، والجماعة يمنعون ذلك؛ لأن الجواب لا يكون إلا جملة، ولام كي وما بعدها جار ومجرور

(7)

.

والبيت محمول على حذف الجواب وبقاء معموله، أي: لتَشْرَبن لتغني عني، ويروى: لَتغنِينَّ بلام مفتوحة للتوكيد، ونون مكسورة وهي عين الفعل، بعدها نون مشددة مفتوحة للتأ كيد، وهي رواية ثعلب

(8)

وهي دليل على أن الياء التي هي لام الفعل المؤكد بالنون قد تحذف وتبقى الكسرة دليلًا عليها، وهي لغة فزارة يقولون: ارمن يا زيد، وابكن يا عمرو

(9)

، قال الشاعر

(10)

:

وابْكِنّ عَيْشًا تَقضَّى بَعْد جِدَّتِهِ

طَابَتْ أَوَائِلُهُ في ذلِك البَلَدِ

ولغة الأكثرين: ارمين وابكين، ولتغنين بإثبات الياء مفتوحة

(11)

، قوله:"ذا إنائك": مفعول لقوله: لتغني، قوله:"أجمعًا" تأكيد للمفعول، فأكد به وإن لم يسبقه كل

(12)

.

(1)

شرح ابن الناظم (26).

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 239).

(3)

قال ابن هشام في المغني (210) وأنشد أبو الحسن:

إذا قلت قدني قال باللَّه حلفة

لتغني عني ذا إنائك أجمعَا

(4)

روى الزمخشري في المفصل (90) باب الإضافة، البيت هكذا:

إذا قال قدني قال باللَّه حلفةً

لَتُغْني عني ذا إنائِك أجمعا

(5)

في (ب): رواية الحسن الأخفش.

(6)

قال ابن هشام: أجاز أبو الحسن أن يتلقى القسم بلام كي وجعل منه {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} فقال: المعنى "ليُرضُنّكَم". المغني (210).

(7)

قال ابن هشام: "والجماعة يأبون هذا؛ لأن القسم إنما يجاب بالجملة". المغني (211).

(8)

ينظر ابن يعيش (3/ 8)، المغني (311).

(9)

ينظر المغني (211).

(10)

البيت من بحر البسيط، غير منسوب لأحد، ينظر المغني (211)، وشرح شواهده للسيوطي (561)، وقد استشهد بالبيت على أن الياء هي لام الفعل المؤكد بالنون قد تحذف وتبقى الكسرة دليلًا عليها، وهي لغة فزارة؛ حيث يقولون: ارمن يا زيد وابكن، ولغة الأكثرين: ارمْينَّ وابكينَّ بإثبات الياء المفتوحة.

(11)

ينظر ابن الناظم (242، 243).

(12)

قال ابن هشام: "ويجوز إذا أريد تقوية التوكيد أن يتبع كله بأجمع وكلها بجمعاء .. وقد يوكد بهن وإن =

ص: 326

الاستشهاد فيه:

في قوله: "قدني" بإلحاق النون

(1)

، وأنشده الزمخشري استشتهادًا على أنه أضاف الإناء إلى الخاطب في قوله:"ذا إنائك" لأدنى ملابسة بسبب شربه منه، وإن كان الإناء في الحقيقة لساقي اللبن وهو المضيف، وذلك كما يقول كلُّ من حامِلِي الخشبةَ للآخر: خذ طرفك

(2)

.

‌الشاهد الثاني والسبعون

(3)

،

(4)

قَدْنِي مِنْ نَصْرِ الخُبَيْبَين قَدِي

...................................

أقول: قائله هو حميد بن مالك الأرقط

(5)

، قاله الجوهري

(6)

، وقال ابن يعيش

(7)

: قائله أبو بجدلة، وتمامه

(8)

:

.......................

لَيْسَ الإِمَامُ بِالشَّحِيحِ الملحِدِ

ولا بِوتْنٍ بالْحِجَازِ مُفْرَدِ

إنْ يُرَ يَوْمًا بِالفَضَاءِ يُصْطَدِ

= لم يتقدم كل".أوضح المسالك لابن هشام (3/ 331، 332).

قال ابن الناظم: "يجوز أن يتبع كله بأجمع، وكلها بجمعاء، وكلهم بأ جمعين، وكلهن بجمع، لزيادة التوكيد وتقديره تقول: جاء الجيش كله أجمع، والقبيلة كلها جمعاء

وقد يغني أجمع وجمعاء وأجمعون وجمع عن كله وكلها .. وهو قليل". ابن الناظم على الألفية (197).

(1)

إلحاق النون بعد كثير، ويقل الحذف.

(2)

ينظر المفصل (90)، وشرح المفصل لابن يعيش (3/ 8)، والمقرب (2/ 77).

(3)

ابن الناظم (27)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 161)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 86)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 115).

(4)

البيت من بحر الرجز، وقد اختلف في قائله بين حميد بن مالك الأرقط، وأيي بجدلة، وحميد بن ثور، ففي شرح التصريح (1/ 122)، والخزانة (5/ 382)، والدرر (1/ 107)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (487) نسب لحميد بن مالك، وفي ابن يعيش (3/ 124) نسب لأبي بجدلة، وفي اللسان، مادة:"لحد" نسب لحميد بن ثور، وانظره في: الكتاب (2/ 371)، والإنصاف (131)، والمغني (1/ 170).

(5)

شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، معاصر للحجاج. الخزانة (5/ 395).

(6)

الصحاح للجوهري، مادة:"قدد"، وفي الخزانة: "والبيتان من أرجوزة لحميد الأرقط، قال ابن المستوفي: ويروى:

..............................

ليس أميري بالظلوم الملحد

ولم أر البيت في ديوانه". ينظر الخزانة (5/ 393).

(7)

قال ابن يعيش (3/ 124) بعد أن ذكر البيت: "البيت لأبي بجدلة وبعده: ليس الإمام بالشحيح الملحد".

(8)

ينظر شرح أبيات المغني (4/ 83)، والكامل (188)، والنوادر (205).

ص: 327

أو يَنْجَحِرْ فَالجُحْرُ شَرُّ مَحْكِدِ

................................

وهو من الرجز.

قوله: "قدني" يعني: حَسْبِي، قوله:"من نصر الخبيبين" تثنية خُبَيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة أيضًا، وهو خبيب بن عبد اللَّه بن الزبير بن العوام - رضي اللَّه تعالى عنهم - وكان عبد اللَّه يكنى بأبي خبيب، وأراد بهما عبد اللَّه بن الزبير وأبنه خبيبًا المذكور، ويقال: أراد بهما عبد اللَّه وأخاه مصعب بن الزبير بن العوام، ويروى الخبيبيين على صيغة الجمع

(1)

، قال ابن السكيت: على إرادة عبد اللَّه ومن كان على رأيه، وكلاهما تغليب

(2)

، ويحتمل على الجمع أن يريد مجرد أصحاب عبد اللَّه على أن الأصل: الخبيبين ثم حذف الياء كقولهم: الأشعرين، وقوله تعالى:{وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ} [الشعراء: 198]، فإنه ليس جمعًا لأعجم؛ لأنه تلحقه الياء؛ لأنه أفعل فعلاء كأحمر وأسود

(3)

، ورد ابن السيد في شرح الكامل رواية التثنية بأن حميدًا قال هذا الشعر عند حصار طارق، ومصعب مات قبل ذلك بسنين.

قوله: "قدي" بمعنى: حسبي أيضًا، قوله:"بالشحيح" أي: ليس الإمام بالبخيل " الملحد" أي: الجائر المائل عن الحق، ويقال: الملحد: الظالم في الحرم، قال تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ}

(4)

[الحج: 25].

قوله: "وَلا بِوَتْن" بفتح الواو وسكون التاء المثناة من فوق وفي آخره نون؛ بمعنى واتن، يعني: ولا بدائم ثابت بأرض الحجاز مفرد، ويقال للماء المعين الدائم الذي لا يذهب: واتن، وكذلك واثن بالثاء المثلثة. قوله:"مَحْكِد" بفتح الميم وكسر الكاف؛ وهو المحتد وهو الأصل.

الإعراب:

قوله: "قدني" في محل الرفع على الابتداء، قوله:"من نصر الخبيبين" في محل رفع على

(1)

الخزانة (5/ 391).

(2)

اللسان، مادة:"خبب"، والخزانة (5/ 391).

(3)

قال القرطبي: "ومن (الأعجمين) قوله: فقيل: أنه جمع أعجم، وفيه بُعْد؛ لأن ما كان من الصفات الذي مؤنثه فعلاء لا يجمع بالواو والنون ولا بالألف والتاء ولا يقال: أحمرون ولا حمراوات وقيل: إن أصله الأعجميين .. ثم حذف ياء النسب، وجعل جمعه بالياء والنون دليلًا عليها، قال أبو الفتح عثمان بن جني وهو مذهب سيبويه". ينظر الجامع لأحكام القرآن (13/ 139).

(4)

وتمامها: {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} .

ص: 328

الخبرية، و (النصر) مصدر مضاف إلى مفعوله؛ لأن حميدًا يصف فيه لعبد الملك بن مروان تقاعده عن نصرة عبد اللَّه بن الزبير - رضي اللَّه تعالى عنهما - ويجوز أن يكون النصر ها هنا بمعنى العطية؛ كقول بعض السؤال: من ينصرني نصره اللَّه، وخُرِّجَ عليه قوله تعالى:{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ}

(1)

[الحج: 15]، وعلى هذا فالإضافة للفاعل، ويرجح الأول أنه لم يفرده بالذكر، وإنما يكون العطاء غالبًا من ولي الأمر.

قوله: "قدي" تأكيد للأول، قوله:"ليس الإمام" الإمام: اسم ليس، وخبره قوله:"بالشحيم" والباء فيه زائدة، قوله:"والملحد": صفة للشحيح.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "قَدْنِي" حيث ألحق فيه النون تشبيهًا له بِقَطْنِي. وفي قوله: "قدي" أيضًا؛ حيث أضيف قدي إلى ياء المتكلم بلا نون الوقاية تشبيهًا له بحسبي، وقال الجوهري: أما قولهم قَدْكَ بمعنى حَسْبُكَ فهو اسم، تقول: قدِي وقدْنِي أيضًا بالنون على غير قياس؛ لأن هذه إنما تزاد في الأفعال وقاية لها مثل: ضربني وشتمني.

ثم أنشد هذا البيت

(2)

، وقد يقال: إن أصل "قدي" بغير النون: قَدْ بِسُكُون الدال، ثم ألحق ياء القافية لا ياء الإضافة وكسر الدال لالتقاء الساكنين لا لمناسبة الياء

(3)

.

(1)

وتمامها: {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ...... } .

(2)

الصحاح للجوهري، مادة:"قدد".

(3)

قال سيبويه: "وسألته يرحمه اللَّه عن قولهم: عَنِّي وقدْنِي وقَطْنِي ومِنِّي ولَدُنِّي، فقلتُ: ما بالهم جعلوا علامة إضمار المجرور ها هنا كعلامة إضمار المنصوب؟ فقال: إنه ليس من حرف تلحقه ياء الإضافة إلا كان متحركًا مقصورًا، ولم يريدوا وأن حركوا الطاء التي في (قط) ولا النون التي في (من)، فلم يكن لهم بدُّ من أن يجيئوا بحرف لياء الإضافة متحرك، إذا لم يريدوا أن يحركوا الطاء ولا النونات؛ لأنها لا تذكر أبدًا إلا وقبلها حرف متحرك مقصور، وكانت النون أولى؛ لأن من كلامهم أن تكون النون والياء علامة المتكلم، فجاؤوا بالنون؛ لأنها إذا كانت مع الياء لم تخرج هذه العلامة من علامات الإضمار. وكرهوا أن يجيئوا بحرف غير النون فيخرجوا من علامات الإضمار .. وقد جاء في الشعر قطِي وقدِي، فأما الكلام فلا بد فيه من النون، وقد اضطر الشاعر فقال: قدي شبهه بحسبي؛ لأن المعنى واحد. قال الشاعر: وأنشد البيت الذي أوله (قدني من نصر) " لما اضطر شبهه بحَسْبِي وهَنِي. الكتاب (2/ 369 - 372)، وينظر ابن الشجري (1/ 14)، وابن يعيش (3/ 124)، والتصريح (1/ 112)، واللسان:"خبب"، والمعجم المفصل في شرح شواهد النحو الشعرية (3/ 1148).

ص: 329

‌الشاهد الثالث والسبعون

(1)

،

(2)

امْتَلأَ الْحَوْضُ وَقَال قَطْنِي

مَهْلًا رَوَيدًا قَدْ مَلْأَتَ بَطْني

أقول: قائله راجز من الرجاز لم أقف على اسمه [وهو من الرجز]

(3)

.

"وقال قطني" أي: قال الحوض حسبي، فالحوض لا يتكلم، وإنما يريد أنه قد امتلأ وبلغ نهاية الملء التي لا يزاد عليها، فكأنه قد تكلم بذلك، واعلم أن للقول خمسة معان:

أحدها: اللفظ الدال على معنى مفيد كان أو غير مفيد.

والثاني: ما في النفس. بدليل قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} [المجادلة: 8].

والثالث: الحركة والإمالة. يقولون: قال برأسه أي: حركها، وقالت النخلة كذا؛ أي مالت.

والرابع: ما يشهد به لسان الحال؛ كهذا البيت، وهو أحد القولين في قوله تعالى:{قَالتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11].

الخامس: الاعتقاد كقولك: هذا قول الخوارج

(4)

.

قوله: "مهلًا" يعني: أمهل مهلًا، تقول: مهلًا يا رجل، مهلًا يا رجلان، مهلًا يا رجال، مهلًا يا امرأة، مهلًا يا امرأتان، مهلًا يا نساء، ويروى:(سلا رويدًا) بفتح السين المهملة، ومعناه: ارفق بصب الماء لئلَّا يفيض، ويقال: أنه بالشين المعجمة، وهو مصدر شللت الإبل إذا طردتها.

قوله: "رويدًا" صفة لقوله مهلًا، وقد علم أن رويدًا على أربعة أوجه: اسم للفعل وصفة وحال ومصدر

(5)

.

الإعراب:

قوله: "امتلأ الحوض": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"قطني" مقول قال، قوله:"مهلًا" نُصِبَ على المصدرية، و"رويدًا" صفته، وقوله:"قد ملأت" جملة من الفعل والفاعل، و"بطني" مفعوله.

(1)

ابن الناظم (27).

(2)

البيت من بحر الرجز، غير معلوم قائله، وانظره في أمالي ابن الشجري (1/ 313)، (2/ 140)، وابن يعيش (1/ 82)، وشرح الأشموني (1/ 57)، وتخليص الشواهد (111).

(3)

ما بين المعقوفين زيادة في (أ).

(4)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (5/ 1، 6).

(5)

ينظر الكتاب (1/ 241، 243، 251)، وتوضيح المقاصد للمرادي (4/ 84، 85).

ص: 330

الاستشهاد فيه

(1)

:

في قوله: "قطني" حيث استعمله بنون الوقاية، وإنما جعلت النون ليسلم السكون الذي بني الاسم عليه، وهذه النون لا تدخل الأسماء، وإنما تدخل الفعل الماضي إذا دخلته ياء المتكلم كقولك: ضرَبَنِي وكَلَّمَني لتسلم الفتحة التي بني عليها الفعل

(2)

، ولتكن وقاية للفعل من الجر، وإنما أدخلوها في الأسماء مخصوصة نحو: قدني وقطني وعني ومني ولدُني، ولا يقاس عليها ولو كانت النون من أصل الكلمة لقالوا: قطنك. وهذا غير معلوم، وفيه استشهاد آخر وهو نِشْبة القول إلى ما لا نطق له؛ لأن الحوض لا ينْطق، فافهم

(3)

.

‌الشاهد الرابع والسبعون

(4)

،

(5)

يُمَلُّ النَّدَامَى مَا عَدَاني فَإنَّنِي

بِكُلِّ الَّذِي يَهْوَى نَدِيِمي مُوْلَعُ

أقول: احتج به جماعة من النحاة في كتبهم، ولم يعزوه إلى أحد، وهو من الطويل.

قوله: "الندامى": جمع ندمان، وهو شريب الرجل

(6)

الذي ينادمُه، ويقال له النديم أيضًا.

قوله: "يهوى" أي: يُريد مِن: هَويَ يَهْوَى، من باب علم يَعْلَم، قوله: "مولَع بفتح اللام، من أولع به، وثلاثيه: ولع، يقال: ولعت بالشيء أولع ولعًا ووَلوعًا بفتح الواو في المصدر والاسم جميعًا، وأولعته بالشيء وأولع به فهو مولَع به بفتح اللام، أي: مغرى به.

الإعراب:

قوله: "الندامى" فاعل يمل، قوله:"ما عداني" عدا ها هنا فعل للاستثناء، وكلمة "ما" مصدرية. وفاعل "عدا" ضمير مستتر واجب الاستتار عائد على مصدر الفعل المتقدم عليها،

(1)

قال سيبويه: "سألته رحمه الله عن الضاربي فقال: هذا اسم ويدخله الجر، وإنما قالوا في الفعل ضربني ويضربني، كراهية أن يدخلوا الكسرة في هذه الباء كما تدخل الأساء فمنعوا هذا أن يدخله كما منع الجر". الكتاب (2/ 369)، وينظر الخزانة (5/ 381).

(2)

في (أ): التي بني الفعل عليها.

(3)

قال ابن مالك: "وقد شاع إطلاق القول على ما لا يطق عليه كلام .. كما قال أن الحال المعبر عنه بالقول ليس كلامًا". شرح التسهيل (1/ 5، 6).

(4)

أوضح المسالك (1/ 77)، وروايته في شرح التسهيل (2/ 307).

تمل الندامى ما عداني لأنني

.................................

(5)

البيت من بحر الطويل، وهو لقائل مجهول، وانظره في: التصريح (1/ 364)، والهمع (1/ 233)، والأشموني (2/ 126)، وشرح شذور الذهب (339)، والدرر (3/ 179).

(6)

في جميع النسخ: شريب الرجل، والصحيح أنه: شريك الرجل.

ص: 331

والتقدير: يمل الندامى مللًا ما عداني، يعني: مجاوزًا إلى غيري.

والمعنى في الحقيقة: جانبت أنا مللهم، قوله:"فإنني" الفاء تفسيريةٌ، واسمُ إن الضمير المتصل به، وخبره قوله:"مولع"، والتقدير: فإنني مولعٌ بكل الذي يهوى نديمي، والباء تتعلق بمولع.

قوله: "نديمي": كلام إضافي فاعل يهوى، ومفعوله محذوف تقديره: الذي يهواه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ما عداني" حيث أدخل نون الوقاية فيه على تقدير كونه فعلًا نحو: دعاني، ويكرمني، وأعطي.

‌الشاهد الخامس والسبعون

(1)

،

(2)

فَيَا لَيْتِي إذَا مَا كَانَ ذَاكُمْ

ولجْتُ وكنتُ أوّلَهُمْ ولُوُجَا

أقول: قائله هو ورقة بن نوفل بن عبد العزى بن قصي القرشي بن عم خديجة - رضي اللَّه تعالى عنها - وهو الذي أخبر خديجة -[رضي الله تعالى عنها]

(3)

- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيُّ هذه الأمة لما أخبرته بما رأى النبي صلى الله عليه وسلم لما أوحي إليه، وخبره معه مشهور

(4)

.

وهو من قصيدة جيمية، قالها ورقة بن نوفل لما ذكرت له خديجة عن غلامها ميسرة

(5)

ما رأى من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في سفره، وما قاله بحيرى الراهبُ

(6)

في شأنه

(7)

، وأوّلُها هو قوله

(8)

:

1 -

لجَجْتُ وكنتُ في الذكرى لجُوجَا

لِهَمٍّ طَالمَا بَعَثَ النَّشِيجَا

(1)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 80).

(2)

البيت من بحر الطويل لورقة بن نوفل، وهو في التصريح (1/ 111)، وتخليص الشواهد (100).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ينظر الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري المعروف بعز الدين (1/ 569) تحقيق أبي الفداء عبد اللَّه القاضي ط. دار الكتب العلمية، أولى (1987 م)، وسيرة ابن هشام (1/ 169) وما بعدها تعليق طه عبد الرءوف سعد، ط. دار الجيل (1/ 175) ط مكتبة الكليات الأزهرية.

(5)

هو ميسرة غلام خديجة كان رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في تجارة خديجة، وحكى بعض أدلة نبوته، ولم تذكر وفاته. الإصابة في تمييز الصحابة (6/ 149).

(6)

هو بحيرى الراهب، قيل: من يهود تيماء، وقيل: كان نصرانيًّا من عبد القيس، كان يعلم بعلامات النبي صلى الله عليه وسلم، ومات مؤمنًا. الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 183، 184).

(7)

ينظر الكامل في التاريخ لابن الأثير (1/ 569)، والخصائص الكبرى للسيوطي (1/ 141) وما بعدها، دار الكتب العلمية، أولى (1985 م).

(8)

الأبيات في سيرة ابن هشام (1/ 175، 176) ط مكتبة الكليات الأزهرية.

ص: 332

2 -

ووصفٍ من خديجةَ بَعْدَ وصْفٍ

فَقَدْ طَال انْتِظَاري يا خديجَا

3 -

ببَطْنِ المكَّتَيِن على رَجَائِي

حديثَك أَنْ أَرَى منه خرُوجَا

4 -

بمَا خَبّرْتِنَا من قول قُسّ

مِنَ الرُّهْبانِ أَكْرهُ أَنْ يَعُوجَا

5 -

بأن محمدًا سَيَسُودُ قومًا

ويخصِمُ مَنْ يكونُ له حَجِيجَا

6 -

ويظهرُ في البلاد ضياءَ نورٍ

يُقيمُ به البَرِيَّةَ أنْ تَمُوجَا

7 -

فيلقى مَنْ يحاربُه خروجًا

ويَلْقَى مَنْ يسالمُه فُلُوجَا

8 -

فَيَا لَيْتي إذَا مَا كَانَ ذَاكُمْ

ولَجْتُ وكنتُ أوّلَهُمْ وُلُوُجَا

(1)

9 -

ولوجًا في الذي كَرِهَتْ قريشٌ

ولَوْ عَجّتْ بمكتِها عَجِيجَا

10 -

أَرَجّى بالذي كَرِهُوا جميعًا

إلى ذي العرش إنْ سَفلُوا عُرُوجَا

11 -

فإنْ يبقُوا وَأَبْقَ تكنْ أمورًا

يَضُجُّ الكافرونَ لهَا ضَجِيجَا

12 -

وإن أَهْلَك فكلُّ فتَى سيلقى

مِن الأَقدَارِ متلفه خُرُوجَا

وهي من الوافر.

1 -

قوله: "لججت" من باب علم يعلم تقول: لجّ يلجُّ لجاجًا ولجاجةً فهو لجوج: إذا كان متماديًا في الخصومة، و "الذكرى" مصدر، قوله:"النشيجا" بفتح النون؛ مصدر نشج الباكي ينشج نشيجًا ونشجًا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتِحَابِ.

2 -

قوله: "يا خديجا" أصله: يا خديجة.

3 -

والباء في "ببطن" يتعلق بانتظاري، وسمي كلًّا من جانبي مكة أو كلًّا من أعلامها وأسفلها مكة؛ فلذلك ثناها ونطيره قولهم: صدنا بقنوين، وإنما هو قنا: اسم جبل، وهو أحد القولين في قوله تعالى:{جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ}

(2)

[الكهف: 32]، بدليل:{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ}

(3)

[الكهف: 35] قوله: "على رجائي" حال من انتظاري، و "حديثك" مفعوله، و "منه" يتعلق بـ"خروجًا".

6 -

قوله: "ضياء نور"، قال السهيلي: الضياء والنور غيران، فإن النور هو الأصل والضياء

(1)

روايته في السيرة:

.......................

شهدت وكنت أولهم ولجًا

(2)

وتمامها: {مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} .

(3)

وتمامها: {وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَال مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} .

ص: 333

منتشر عنه، بدليل قوله تعالى:{فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17]، فعلق الإذهاب بالنور لينتفي الضياء بانتفائه بخلاف العكس، وفي أسمائه تعالى: النور لا الضياء

(1)

.

7 -

قوله: "فلوجًا" بالضم. والفلوج على الخصم: الظفر به.

8 -

قوله: "ولجت" ويروى: شهدت، ويروى: دعيت، قوله:"ولوجًا" أي دخولًا في الذي كرهت قريش، وأراد به: الدخول في الإسلام، فإن قريشًا كانوا كرهوا ذلك، قوله:"أولهم ولوجًا" أي: أول قريش، أو أول الناس دخولًا، أي: في الإسلام، وبهذا حكم الجمهور بإسلام ورقة - رضي اللَّه تعالى عنه -

(2)

.

9 -

قوله: "عجت" من العجِّ. وهو رفع الصوتِ، قوله:"بمكتها" الضمير يرجع إلى قريش، وإنما نكر مكة باعتقاد الشياع

(3)

فيها.

10 -

قوله: "عروجًا" مفعول لقوله: أُرَجّي.

الإعراب:

قوله: "فيا ليتي" كلمة "يا" إما حرف نداء، والمنادى محذوف تقديره: فيا قومي ليتي، وإما لمجرد التنبيه؛ لأنها دخلت على ما لا يصح للنداء

(4)

. قوله: "إذا" للظرف وفيه معنى الشرط، و "ما" زائدة، و "كان" تامة بمعنى: وُجِدَ، قوله:"ذاكم" فاعله، وهو إشارة إلى ما ذكر من سيادة محمد صلى الله عليه وسلم ومخاصمته مع المحاجين وظهور نوره في البلاد، ولقاء من يحاربه الخروج ومن يسالمه الولوج.

قوله: "ولجت" جملة من الفعل والفاعل وقعت جواب الشرط، قوله:"وكنت" عطف على قوله: "ولجت" والضمير المتصل به اسمه، و "أوّلهم" كلام إضافي خبره، وقوله:"ولوجًا" نصب على التمييز.

(1)

وقال في هذا الشعر: ويظهر في البلاد ضياء نور، هذا البيت يوضح لك ومعنى النور ومعنى الضياء وأن الضياء هو المنتشر عن النور وأن النور هو الأصل للضوء ومنه مبدؤه وعنه يصدر، وفي التنزيل:{فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البفرة: 17].الروض الأنف للسهيلي.

(2)

ينظر الإصابة في تمييز الصحابة (6/ 317 - 319).

(3)

الشياع شرط في النكرة سواء أكان موجودًا أم مقدرًا. قال ابن هشام في تعريف النكرة: "هي ما شاع في جنس موجود أو مقدر". ينظر قطر الندى لابن هشام (128) ط. دار الفكر.

(4)

قال ابن هشام: "وإذا ولي (يا) ما ليس بمنادى كالفعل في قراءة: {أَلَّا يَسْجُدُوا} النمل: 25]

، والحرف في نحو {يَاليْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} [النساء: 73]، والجملة الاسمية

فقيل: هي للنداء والمنادى محذوف، وقيل هي لمجرد التنبيه لئلا يلزم الإجحاف بالجملة كلها". المغني (373، 374).

ص: 334

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فيا ليتي" حيث جاء بدون نون الوقاية، وهذا لأجل الضرورة عند سيبويه، فإن نون الوقاية ها هنا واجبة كالفعل واسم الفعل نحو: دعاني وداركني ونحوهما

(1)

.

‌الشاهد السادس والسبعون

(2)

،

(3)

أَرِيني جَوَادًا ماتَ هَزْلًا لعَلّنِي

أرَى مَا تَرَيْنَ أَوْ بَخِيلًا مُخَلّدَا

أقول: قائله هو حاتم بن عدي الطائي، كذا قال

(4)

جماعة من النحاة، منهم الشيخ أثير الدين

(5)

، وذُكِرَ في الحماستين البصرية وأبي تمام أن قائله هو حطائِط بن يعفر أخو الأسود النهشلي، قال أبو تمام: قال حطائِط بن يعفر

(6)

:

1 -

تقول ابنةُ العَبَّاب رُهْمُ حَربْتَنَا

حَطَائطُ لُمْ تتْرُكْ لنفسِك مَقْعَدًا

2 -

إذا ما أفَدْنَا صِرْمةً بعد هجمة

تكونُ عليها كابْنِ أمِّك أسْوَدَا

3 -

فقلتُ ولم أَعْيَ الجوابَ تثبتي

أكان الهُزَال حتف زيدٍ وأرْبَدَا

4 -

ذَرِيني أكنْ للمالِ ربًّا ولم يكنْ

لي المالُ ربًّا تحمدي غيّه غدا

5 -

أريِني جَوَادًا مات هزلًا لعلني

أرى ما ترين أو بخيلًا مخلدًا

والذي قاله الجماعة هو الأصح، فلعل حطائط بن يعفر أدخل هذا البيتَ في شعره عمدًا أو يكون هذا من تَوَارُد الخواطر، وهو من قصيدة قالها حاتم الطائي، وأولها هو قوله

(7)

:

(1)

قال سيبويه: قد قال الشعراء "ليتي" إذا اضطروا كأنهم شبهوه بالاسم حيث قالوا: الضاربي. والمضمر منصوب الكتاب (2/ 369، 370).

(2)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 81).

(3)

البيت من بحر الطويل من قصيدة لحاتم الطائي، ديوانه (40) ط. دار صادر، وانظر البيت في: ابن يعيش (8/ 78)، وشرح التصريح (1/ 111)، والخزانة (1/ 406)، والشعر والشعراء (1/ 254)، ولسان العرب:"علل"، و"أنن"، وسر صناعة الإعراب (1/ 236).

(4)

في (أ): قالت.

(5)

هو لقب أبي حيان محمد بن يوسف النحوي الشهير، صاحب الارتشاف، والتذييل والتكميل، والبحر المحيط، (ت 745 هـ)، وقد بحثت عن البيت في كتبه فلم أجده.

(6)

انظر مطلع المقطوعة في الحماسة البصرية مسندة لحطائط (2/ 62)، تحقيق مختار الدين أحمد، وانظر مطلع القصيدة الثانية مسندة لحاتم في الحماسة البصرية أيضًا (1/ 8)، وانظر المقطوعة الأولى في حماسة أبي تمام بشرح التبريزي:(4/ 1772) مسندة لحطائط.

(7)

انظر ديوان حاتم الطائي (77 - 79) شرح يحيى بن مدرك الطائي، تحقيق: د. حنا نصر الحتي، ط. دار الكتاب العربي أولى (1994 م)، و (40)، ط. دار صادر.

ص: 335

1 -

وَعَاذِلَةٍ هَبَّتْ بِلَيْلٍ تَلُومُنِي

وقد غاب عَيُّوقُ الثُّرَيَّا فعَرَّدا

2 -

تلومُ على إعطائِي المال ضِلَّةً

إذا ضنَّ بالمال البخيلُ وَصرَّدا

3 -

تقول ألا أَمْسِكْ عليك فإنني

أرى المال عند المُمْسِكينَ مُعَبَّدَا

4 -

ذريني وحَالِي إنَّ مالك وَافِرٌ

وكلُّ امريُ جارٍ على ما تعوّدا

(1)

5 -

ذريني يكنْ مالي لِعِرْضِي جُنّةً

يقي المالُ عِرْضِي قبل أنْ يَتَبدّدا

6 -

أَرِينِي جَوَادًا ماتَ هَزْلًا لعَلّنِي

أرَى مَا تَرَيْنَ أَوْ بَخِيلًا مُخَلّدَا

7 -

وإلا فَكُفِّي بعضَ لومِكِ واجعلي

إلى رَأْيِ مَنْ تَلْحَيْنَ رَأيكِ مُسْنَدَا

8 -

أَلَمْ تعلمي أني إذا الضيفُ نَابَنِي

وعزَّ القِرَى أَقْرِي السَّدِيفَ المُسَرْهَدَا

9 -

وإني لأعراضِ العشيرةِ حافظٌ

وحقَّهم حتى أكونَ مُسَوًدا

10 -

يقولونُ لي أهلكتَ مالك فاقْتَصِدْ

وما كنتُ لولا ما يقولُونَ مُفْسِدَا

11 -

سأَدْخَرُ من مالي دِلاصًا وَسَابِحًا

وأَسْمَرَ خَطَيًّا وعَضْبًا مُهَنَّدا

12 -

وَذَلِكَ يكْفِيني مِن المالِ كله

مَصُونًا إذا ما كان عندي مُتْلَدا

وكلتا القصيدتين من الطويل.

[شرح قصيدة حطائط]:

1 -

قوله: "ابنة العباب" وهي امرأة من بني عجل، من بطن منهم يقال لهم: العبّاب، قال أبو رياش

(2)

: ليس في العرب عباب غيره، وكانت ابنةُ العباب هذه امرأة حطائط، قوله:"رهم" بدل من ابنة العباب، و "حطائط" منادى مفرد، قوله:"لم تترك لنفسك مقعدًا" أي لم تبق لك ما يمكنك الإقامة والقعود فيه.

2 -

قوله: "صرمة بعد هجمة" الصرمة بكسر الصاد وسكون الراء المهملتين؛ القطعة من الإبل نحو الثلاثين، والهجمة بفتح الهاء وسكون الجيم، قال أبو عبيد: هي من الإبل، أولها الأربعون إلى ما زاد

(3)

، قوله:"تكون عليها كابن أمك أسودا" أي: تعود عليها سالكًا طريق أخيك الأسود بن يعفر

(4)

.

(1)

جاء في الديوان بعد هذا البيت قوله:

أَعَاذِلَ لا أَلوُكِ إلا خليقتي

فَلا تَجعَلِي فَوْقِي لِسَانَك مبْدَدَا

(2)

إبراهيم بن أبي هاشم أحمد أبو رياش الشيباني (ت 349 هـ). البغية (1/ 409).

(3)

اللسان، مادة:"هجم".

(4)

الأسود بن يعفر النهشلي الدارمي التميمي، شاعر جاهلي من سادات تميم (ت 22 ق. هـ). الأعلام (1/ 330).

ص: 336

3 -

قوله: "حتف زيد"، ويروى: حتف نهد، وقيل: إن نهدًا وأربد كانا أخوين لحطائط

(1)

.

[شرح قصيدة حاتم الطائي]:

1 -

قوله: "وعاذلة" أي: ورب عاذلة

(2)

قامت من الليل تلومني، قوله:"وقد غاب" الواو للحال، قوله:"فعردا"

(3)

من عرّد القوم تعريدًا إذا فروا، وعرد النبت إذا طلع وارتفع.

2 -

قوله: "وصرَّد" من التصريد، قال الجوهري: التَّصْريدُ في السَّقْي دون الرِيِّ، والتَّصْريدُ في العَطاءِ: تقلِيلُه، وشرابٌ مُصَرَّدٌ؛ أي مُقَلَّلٌ، وكذلك الذي يُسْقَى قَلِيلًا، أو يُعْطَى قَلِيلًا

(4)

.

3 -

قوله: "معبد" بفتح الباء الموحدة المشددة، وأصله من العبودية، أراد أن الممسك يجعل نفسه كالعبد للمال.

8 -

قوله: "السديف"، بفتح السين المهملة وكسر الدال وفي آخره فاء؛ وهو السنام والمسرهد: السمين. يقال: سنام مسرهد؛ أي سمين، وربما قيل للسنام

(5)

: سرهد بدون الميم.

11 -

قوله: "دلاصًا" بكسر الدال [المهملة]

(6)

يقال: درع دلاص وأدرع دلاص، الواحد والجمع على لفظ واحد. قال الجوهري: الدلاص: الليِّنُ البَرّاق

(7)

، و "السائح": بالحاء المهملة؛ وهو الفرس الذي يجري كالماء، من ساح الماء إذا جرى، "والأسمر": الرمح، و "الخَطَّيّ" بفتح الخاء المعجمة؛ نسبة إلى خط، موضع باليمامة، وهو خط هجر تنسب إليه الرماح الخطية؛ لأنها تحمل من بلاد الهند فتقوم به

(8)

، و "العضب" السيف القاطع، وأصله من عضبه إذا قطعه، و"الهند": السيف المطبوع من حديد الهند.

12 -

و"المُتْلد" بضم الميم وسكون التاء المثناة من فوق وفتح اللام، من: أتلد الرجل إذا أخذ

(9)

مالًا، ومال متلد، قوله:"جوادًا" أي كريمًا، من جاد بما له يجود جودًا فهو جوّاد.

الإعراب:

قوله: "أريني": خطابٌ من حاتم لتلك المرأة التي عذلته على إنفاقه ماله على ما قال في أول القصيدة، و "عاذلة هبت بليل تلومني" ويحتمل أن تكون امرأته أو ابنته أو غيرهما، و "أرى" يقتضي مفعولين، الأول: الضمير المتصل به، والثاني: قوله: "جوادًا".

(1)

شرح ديوان الحماسة للتبريزي (4/ 125).

(2)

في (أ): ورب امرأة عاذلة.

(3)

في (أ): وعردا.

(4)

الصحاح للجوهري، مادة "صرد".

(5)

في (أ): السنام.

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(7)

الصحاح للجوهري، مادة:"دلص".

(8)

ينظر معجم البلدان (2/ 338)(خط).

(9)

في (أ): اتخد.

ص: 337

قوله: "مات هزلًا" جملة وقعت صفة لـ "جوادا"، و "هزلًا" نصب على التمييز بفتح الهاء من هزل الرجل هزلًا إذا افتقر. قوله:"لعلني" اسم لعل هو الضمير المتصل به، وخبره قوله:"أرى ما ترين"، و "ما" موصولة، و "ترين" صلتها، والموصول مع صلته في محل النصب على أنها مفعول أرى، وهو في الموضعين من رؤية البصر؛ فلذلك اقتصر على مفعول واحد، ومفعول ترى

(1)

محذوف، وهو العائد إلى الموصول تقديره: ما ترينه.

قوله: "أو بخيلًا" عطف على قوله: "جوادًا" أي: أريني بخيلًا مخلدًا في الدنيا بسبب إمساكه ماله، والحاصل أن إنفاق المال لا يميت الكريم هزلًا ولا إمساكه يخلد البخيل في الدنيا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لعلني" حيث جاءت فيه عند الإضافة إلى ياء المتكلم نون الوقاية، والأكثر فيه ترك النون كما في قوله تعالى:{لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} [غافر: 36]

(2)

.

‌الشاهد السابع والسبعون

(3)

،

(4)

وَإِنِّي عَلَى لَيْلَى لزارٍ وإنَّنِي

عَلَى ذَاكَ فِيمَا بَيْنَنَا مُسْتَدِيمُهَا

أقول: قائله هو المجنون، واسمه قيس بن معاذ، وقيل: مهدي، والصحيح: قيس بن الملوح بن مزاحم بن عدي بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ومن الدليل على أن اسمه قيس، قول ليلى صاحبته

(5)

:

أَلا ليتَ شِعْرِي والخُطُوبُ كَثيِرَةٌ

مَتَى رَحْلُ قَيْسٍ مُسْتَقِلّ فَرَاجِعُ

وعن أبي سعيد السكري قال: حدثنا إسماعيل بن مجمع عن المدائني

(6)

قال: قال: المجنون

(1)

في (أ): ترين.

(2)

قال المرادي: "الحذف مع لعل هو الكثير، ولم يأت في القرآن إلا كذلك، وإثبات النون معها نادر". توضيح المقاصد (1/ 153).

(3)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 82).

(4)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة لمجنون ليلى، وهو بيت مفرد في الديوان (175) ط. دار الكتاب العربي، والبيت في التصريح (1/ 112)، واللسان مادة:"دوم".

(5)

من الطويل لليلى صاحبة قيس بن الملوح في قصة ذكرها صاحب الأغاني في ديوان قيس (286). اللغة: الخطوب جمع خطب وهي الشدائد، مستقل: ذاهب، والبيت غير مستشهد به نحويًّا، وإنما أورده لبيان أن المجنون اسمه قيس.

(6)

علي بن عبد الله أبو الحسن المدائني، راوية مؤرخ كثير التصانيف (ت 225 هـ). ينظر الأعلام (4/ 323).

ص: 338

المشهور بالشعر عند الناس صاحب ليلى قيس بن معاذ من بني عامر ثم من بني عقيل [أحد بني نمير بن عامر بن عقيل]

(1)

، قال: ومنهم رجل آخر يقال له المهدي بن الملوح من بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.

وعن الكلبي

(2)

؛ أنه قيس بن الملوح، وعن الأصمعي: قال سألت أعرابيًّا من بني عامر بن صعصعة عن المجنون العامري، فقال: عن أبيهم تسألني؟ فقد كان فينا جماعة رموا بالجنون فعن أيّهم تسأل؟ فقلت: عن الذي كان يشبب بليلى، فقال: كلهم كان يشيب بليلى، قلت: فأنَشَدني لبعضهم، فأنَشَدَني لمزاحم بن الحرث المجنون

(3)

:

1 -

أَلا أَيُّها الْقَلْبُ الَّذِي لجّ هائمًا

بِلَيْلَى ولِيدًا لَمْ تُقَطَّعْ تَمَائِمُهْ

2 -

أفق قد أفاق العاشقون وقد أنى

لك اليوم أن تَلقَى طَبِيبًا تُلائِمُهْ

قلت: فأنشدني لغيره منهم، فأنشدني لمعاذ بن كليب المجنون

(4)

:

1 -

ألا طالمَا لاعَبْتُ لَيلَى وقَادَنِي

إلَى اللَّهْو قَلْبٌ للحِسَانِ تَبُوعُ

2 -

وطال امْتِرَاءُ الشَّوْقِ عَنِّي كُلَّمَا

نَزَفْتُ دُمُوعًا تَستَجِدُّ دُمُوعُ

قلت: فأنْشِدْني لغير هذين ممن ذكرت فأنشدني لمهدي بن الملوح

(5)

:

1 -

لَوَ أَنَّ لَكَ الدُّنْيَا وَمَا عُدِلَتْ بِهِ

سِوَاهَا وَلَيْلَى بَائِنٌ عَنْكَ بَيْنهَا

2 -

لَكُنْتَ إِلَى لَيْلَى فَقِيرًا وإنمَا

يَقُودُ إليها وُدَّ نفسكَ حَيْنُهَا

فقلت: فأنشدني لمن بقي من هؤلاء، فقال: حسبك فواللَّه إن في واحد من هؤلاء لمن يوزن بِعُقَلائِكُم اليوم، وعن العتبي عن عوانة أنه قال: المجنون اسم مستعار لا حقيقة له في بني عامر أصل ولا نسب، قيل

(6)

: فمن قال هذه الأشعار؟ فقال: فتى من بني أمية.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في الأعلام للزركلي (1/ 110) لكلبي: أحمد بن الحسن بن علي بن أبي الحسين الكلبي: أمير صقلية. كان أبوه يستخلفه عليها ويشركه معه في التدبير والحكم والحروب (ت 360 هـ).

(3)

البيتان من الطويل من مقطوعة في ديوان قيس مجنون ليلى (170) ط. دار الكتاب العربي.

اللغة: لَجّ: تدخل، الهائم: غير المتماسك، التمائم: جمع تميمة، وهي ما يملقونها للأولاد بغية نفي النفس والعين، وأبطله الإسلام، والبيتان غير مستشهد بهما نحويًّا، وإنما أوردهما لبيان قائل الشاهد النحوي.

(4)

البيتان من بحر الطويل، وهما في ديوان قيس أيضًا (132)، من مقطوعة قصيرة، وقد أوردهما الشارح لبيان أن قائل الشاهد هو قيس، واللغة ومعنى الأبيات ظاهران.

(5)

البيتان من بحر الطويل، اللغة: بائن: بعيد، الود: العشق والمحبة، والبيتان أوردهما العيني لبيان القائل.

(6)

في (أ): فَسُئِلَ.

ص: 339

قال الجاحظ

(1)

: ما ترك الناس شعرًا مجهول القائل قيل في ليلى إلا نسبوه للمجنون، ولا شعرًا هذه سبيله قيل في لبنى إلا نسبوه إلى قيس

(2)

بن ذريح

(3)

، وعن الأصمعي: أُلقي على المجنون من الشعر، وأضيف إليه أكثر مما قاله هو.

والبيت المستشهد به من قصيدة من الطويل وأولها

(4)

:

1 -

أَيَا جَبَلَيْ نَعْمَانَ باللَّه خَلِّيَا

طريق الصَّبَا يَخْلُصُ إليَّ نَسِيمُهَا

2 -

أَجِدْ بَرْدَهَا أَوْ تَشْفِ مِنِّي صَبَابَةٌ

عَلَى كَبِدٍ لم يَبْقَ إِلا صَمِيمُها

3 -

فإنَّ الصَّبَا رِيحٌ إِذَا مَا تَنَسَّمَتْ

عَلَى نَفْسِ مَهْمُومٍ تَجَلَّتْ هُمُومُهَا

4 -

ألا إِنَّ أَدْوَائِي بلَيْلَى قَدِيمَةٌ

وأَقْتَلُ أدواءَ الرِّجَالِ قَدِيمُهَا

5 -

وإني على ليلى لزارٍ وإنني

على ذاك فيما بَيْنَنَا مُسْتَدِيمُهَا

1 -

قوله: "نعمان" بفتح النون؛ واد في طريق الطائف يخرج إلى عرفات ويقال له: نعمان الأراك.

5 -

قوله: "لزار" أي: عاتب ساخط غير راضٍ، من زريت عليه بالفتح زرايةً وتزريت عليه إذا عتبت عليه، وقال أبو عمرو: الزاري على الإنسان: الذي لا يعده شيئًا وينكر عليه فعله، ومادته زاي معجمة وراء وياء آخر الحروف، قوله:"مستديمها" من استدمت الأمر إذا تأنيت به

(5)

، والمعنى ها هنا: إني منتظر أن تعتبي بخير.

الإعراب:

قوله: "وإني" إن: حرف من الحروف المشبهة بالفعل يقتضي الاسم المنصوب والخبر المرفوع فالضمير المتصل به اسمه، وخبره قوله:"لزار"، واللام فيه للتأكيد، [وقوله:"على ليلى": متعلق بالخبر]

(6)

، وقوله:"وإنني": عطف على إني، وهو أيضًا اسمه الضمير المتصل به، وخبره قوله:"مستديمها" والضمير فيه يرجع إلى ليلى، والمجرور في الموضعين يتعلق بمستديمها،

(1)

عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، كبير أئمة الأدب، صاحب المؤلفات المتعددة (ت 255 هـ). الأعلام (5/ 74).

(2)

قيس بن زريح بن حذافة الكناني، من الشعراء المتيمين في العصر الأموي (ت 68 هـ). الأعلام (5/ 205).

(3)

هذا النص موجود في الأغاني (2/ 10).

(4)

الأبيات من بحر الطويل، وقد ذكرت مرتين في ديوان قيس (172، 173) الأولى تحت عنوان: "يضم ولي"، والثانية تحت عنوان:"أيام نعمان" وآخر الأبيات الخمسة المذكورة هو بيت الشاهد، وقد ذكر مفردًا في الديوان (175).

(5)

في (أ): فيه، وهو الصحيح.

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 340

وكلمة "على" للتعليل؛ كما في قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185]

(1)

، وذلك إشارة إلى الزرى، وهو العتاب الذي يدل عليه قوله:"لزار".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وإني"، وفي قوله:"وإنني" حيث جاء الأول بدون نون الوقاية والثاني بنون الوقاية، وكلاهما يجوز في باب إن وأن ولكن وكأن

(2)

.

‌الشاهد الثامن والسبعون

(3)

في فتيةٍ جَعَلُوا الصَّلِيبَ إلَهَهَم

حَاشَايَ إِنِّي مُسْلِمٌ مَعْذُور

أقول: قائله هو الأقيشر، واسمه: المغبرة بن أسود [بن عبد اللَّه]

(4)

بن معرض بن عمرو بن معرض بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار، ويكنى أبا مُعرض، والأقيشر لقَبٌ لُقِّبَ به؛ لأنه أحمر الوجه أقشر، وعُمّرَ عمرًا طويلًا، وكان أقعد بني أسد نسبًا، ونشأ في أول الإسلام، وكان عثمانيًّا، والبيت من الكامل.

قوله: "في فتية" جمع فتى، ويروى:"من معشر عبدوا الصليب سفاهة"، قوله:"معذور" بالعين المهملة والذال المعجمة، معناه: مختون، وهو مقطوع العذرة، وهي قُلْفة الذكر التي تقطع عند الاختتان، وقال أبو عبيد: يقال عذرت الجاريةَ والغُلامَ أَعْذُرُهما عذرًا: ختنتهما، وكذلك أعذرتهما، والأكثر: خفضت الجارية

(5)

.

الإعراب:

قوله: "في فتية" خبر مبتدأ محذوف، أي: هو في فتية، أي بينهم، قوله:"جعلوا الصليب" جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت صفة لـ"فتية"، قوله:"إلههم "مفعول ثانٍ لجعلوا.

(1)

قال ابن مالك: "ومنها على

وللتعليل" ينظر بشرح التسهيل لابن مالك (3/ 162).

(2)

ينظر فرائد القلائد (40)، والمغني (344)، وشرح التصريح (1/ 112)، واللسان (دوم، زرى) والمعجم المفصل في شرح شواهد النحو الشعرية (884).

(3)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 85).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

قال ابن منظور: "والعُذْرَةُ: الختان، والعُذرَةُ: الجلدة يقطعها الخاتن، وعذَرا الغُلام والجارية يعْذِرُهما عُذْرًا، وأعْذَرَهما: خَتَنَهُمَا قال الشاعر:

في فتية جعلوا الصليب إلههم

حاشاي إني مسلم معذور

والأكثر: حفضت الجارية". ينظر اللسان: "عذر".

ص: 341

قوله: "حاشاي، استثناء بمعنى غيري، وضمير المتكلم فيه مجرور، وأما في قولهم: حاشاني فمنصوب، والحاصل أنك إذا قلت: قام القوم حاشاك أو حاشاه، يجوز كون الضمير فيه منصوبًا ويجوز كونه مجرورًا، وإذا

(1)

قلت: حاشاي بلا نون كما في البيت المذكور تعين الجر، وإذا قلت حاشاني بالنون تعين النصب

(2)

.

وكذلك القول في "خلا وعدا وحاشا" حرف جر عند سيبويه؛ إذ لو كانت فعلًا لدخل عليها نون الوقاية مع ياء المتكلم كما في سائر الأفعال

(3)

.

وقال الفراء: هي فعل حذف فاعله، وهو مشتق من الحشا، وهو الناحية، قال الشاعر

(4)

:

.................................

ولا أُحَاشِي مِنَ الأَقْوَامِ من أحدٍ

فـ"أحاشي" مضارع حاشا، والتصرف من خصائص الفعل

(5)

.

قوله: "إني مسلم" جملة اسمية مؤكدة بإن، وقعت كاشفة لمعنى الاستثناء. وقوله "مسلم": خبر إن، و"معذور" صفة أو خبر بعد خبر.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حاشاي" حيث لم تدخل فيه نون الوقاية

(6)

.

(1)

في (أ): فإذا.

(2)

قال أبو حيان: "ويستثنى بحاشا، ومذهب سيبويه وأكثر البصريين أنها حرف خافض دال على الاستثناء كإلا" وأنشد البيت. الارتشاف (2/ 317)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 306).

(3)

الكتاب (2/ 349) قال سيبويه: "وأما حاشا فليس باسم ولكن حرف يجر ما بعدها، وفيه الاستثناء"، وينظر أيضًا (2/ 309).

(4)

عجز بيت من البسيط للنابغة الذبياني، وصدره:

ولا أرَى فاعِلًا في الناسِ يُشْبِهُهُ

................................

ينظر ديوان النابغة (73) ط. دار صادر، وشواهد المغني (1/ 368)، وابن يعيش (2/ 85)، (8/ 48)، وقد أورده شاهدًا على أن "حاشا" فعل على حد قول الفراء.

(5)

دراسة في النحو الكوفي من خلال معاني القرآن للفراء (421) للمختار أحمد ديرة، ط دار قتيبة، أولى (1991 م).

(6)

قال ابن مالك: "وتعصب بعض المتأخرين مانعًا فعليةً حاشا بقول بعض العرب: حاشاي ولم يقل: حاشاني وأنشد: (في فتية

)، والجواب أن هذا ورد على استعمالها حرف أنه أكثر من استعمالها فعلًا، ولو أن من قال: حاشا الشيطان، فنصب بها دعته حاجة إلى استثنائه نفسه قاصدًا للنصب لقال: حاشاني كما يقال: عساني، وإنما نظرت حاشا بعسى لتساويهما في عدم التصرف وتأدية كل واحد منهما معنى حرف". شرح التسهيل (2/ 307).

ص: 342

‌الشاهد التاسع والسبعون

(1)

،

(2)

تَرَاهُ كَالثغَامِ يُعَلُّ مِسكًا

يَسُوءُ الفَالِيَاتِ إذَا فَلَيْني

أقول: قائله هو عمرو بن معدي كرب بن عبد الله بن خصم [بن عمرو]

(3)

بن زبيد الأصغر، وهو [أي زبيد الأصغر اسمه]

(4)

ابن ربيعة بن سلمة بن مازن بن ربيعة بن منبه بن زبيد الأكبر بن الحرث بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج الزبيدي المذحجي، أبو ثور، وذكر نسبه أبو عمرو، وقال الكلبي: عصم موضع خصم قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في وفد مراد؛ لأنه قد كان فارق قومه سعد العشيرة، ونزل في مراد ووفد معهم إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأسلم معهم، وقيل: إنه قدم في وفد زبيد، واللَّه أعلم.

وأنه أسلم

(5)

سنة تسع، وشهد اليرموك في أيام أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - ثم سيره عمر - رضي الله تعالى عنه - إلى سعد بن أبي وقاص

(6)

بالعراق وشهد القادسية

(7)

وله فيها بلاء حسن، وقتل يوم القادسية، وقيل: بل مات عطشًا يومئذ، وقيل: بل مات سنة إحدى وعشرين بعد أن شهد وقعة نهاوند مع النُّعْمَانِ بنِ مُقَرن

(8)

فمات بقرية من قرى نهاوند، يقال لها: رُودة.

والبيت المذكور من الوافر.

قوله: "كالثغام" بالثاء المثلثة والغين المعجمة؛ جمع ثغامة وهي شجرة بيضاء الثمر والزهر، يشبه الشيب بثمرها، قوله:"يعل" من العلل، وهو الشراب الثاني فكأنه يترك فيه المسك مرة بعد مرة، يقال: عللته بالشراب علًّا وعللًا: سقيته بعد نهل.

قوله: "يسوء الفاليات" أي يحزنهن، و "الفاليات" بالفاء جمع فالية من فلي الشَّعْر: أَخْذ القمل وهو من باب فلي يفلي كعلم يعلم، قوله:"فليني": جمع الؤنث الغائب من الماضي من اللفظ المذكور.

(1)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 154).

(2)

البيت من بحر الوافر، وهو لعمرو بن معدي كرب، وانظره في خزانة الأدب (5/ 371، 372، 373)، والدرر (1/ 111)، والكتاب (3/ 520)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 90) وابن يعيش (3/ 91)، والمنصف (2/ 337).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

في (أ): وكان إسلامه.

(6)

سعد بن أبي وقاص، بن مالك بن أهيب بن عبد مناف القرشي الزهري، روى (271 حديثًا) لم تذكر وفاته في الأعلام (3/ 86).

(7)

هي موقعة بين العرب والفرس.

(8)

هو النعمان بن مقرن بن عائذ المزني أبو عمرو (ت 21 هـ). ينظر الأعلام (8/ 42).

ص: 343

الإعراب:

قوله: "تراه" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، والضمير يرجع إلى شعر رأسه، قوله:"كالثغام" مفعول ثان لـ"تراه"؛ لأنه بمعنى تظنه أو تعلمه، والأصوب أن يكون كالثغام حالًا؛ لأن "تراه" من رؤية البصر، والمعنى: تبصره حال كونه مشبهًا بالثغام.

قوله: "يعل" على صيغة المجهول، والضمير الذي فيه يرجع إلى الشعر وهو نائب عن الفاعل، قوله:"مسكًا" نَصْبٌ على أنه مفعول ثانٍ لـ "يعل"؛ لأنه من الإعلال لا من العل، والجملة محلها النصب [على الحال]

(1)

، قوله:"يسوء" يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو يسوء، والفاليات مفعوله والظاهر أن الجملة قد سدت مسد جواب "إذا فليني"، و "إذا" ظرف فيه الشرط.

و"فليني" جمع مؤنث من الماضي كما قلنا وأصله: فلينني بنونين، إحداهما: نون الجمع المؤنث، والأخرى: نون الوقاية للمتكلم، فحذف إحدى النونين وهي نون الوقاية والباقية هي نون الجمع، وإنما أسقط التي مع الياء؛ لأنها زائدة، ونظير هذا قراءة أهل المدينة لقوله تعالى:{فَبِمَ تُبَشِّرُونَ}

(2)

[الحجر: 54]، وكذا قوله تعالى:{أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ}

(3)

[الأنعام: 80]؛ وذلك لأنهم استثقلوا التضعيف

(4)

، وعند سيبويه المحذوفة هي نون الإناث، والباقية نون الوقاية

(5)

، واختاره ابن مالك

(6)

، وذكر صاحب البسيط أنه لا خلاف أن المحذوفة نون الوقاية، قال وفليني جاء في الشعر فلا يقاس عليه.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

بتخفيف النون وهي قراءة نافع من السبعة وأبو جعفر وابن ذكوان وهشام والدجواني. الإتحاف (212).

(3)

قوله تعالى: {أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ} الحجة لمن خفف: أنه لما اجتمعت نونان تنوب إحداهما عن لفظ الأخرى خفف الكلمة بإسقاط إحداهما كراهية لاجتماعهما كما قال الشاعر:

رأته كالثغام يعل مسكًا

يسوء الفاليات إذا فليني

أراد: فلينني فحذف إحدى النونين ومثله: (فبم تبشرون) بنون واحدة. الحجة في القراءات السبع لابن خالويه (1/ 143) تحقيق: عبد العال سالم مكرم، ط رابعة (1401 هـ)، نشر دار الشروق بيروت.

(4)

قال سيبويه: "وإذا كان فعل الجميع مرفوعًا ثم أدخلت فيه النون .... وهم يستثقلون التضعيف، فحذفوها إذا كانت تحذف وهم في ذا الموضع أشد استثقالًا للنونات، وقد حذفوها فيما هو أشد من ذا، بلغنا أن بعض القراء قرأ (أتحاجوني)، وكان يقرأ:(فَبِمَ تُبشِّرونِ) وهي قراءة أهل المدينة، وذلك لأنهم استثقلوا التضعيف، وقال عمرو بن معد يكرب: (

البيت) يريد: فلينني". الكتاب (3/ 520).

(5)

السابق نفسه.

(6)

شرح التسهيل (1/ 140).

ص: 344

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إذا فليني" حيث حذفت منه نون الوقاية كما ذكرناه.

‌الشاهد الثمانون

(1)

،

(2)

.........................

أَلا بَجَلِي مِنَ الشَّرَابِ ألا بَجَل

أقول: قائله هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، يكنى أبا عمرو، ويقال: اسمه عمرو، ولقبه طرفة بيت قاله، وقتل وهو ابن عشرين سنة، ولذلك قيل له: ابن العشرين، وهو شاعر مشهور جاهلي وصدر البيت:

أَلا إِننِي سُقِيتُ أَسْوَدَ حَالِكًا

................................

وهو من قصيدة لامية من الطويل، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

لِخَوْلَةَ بِالْأَجْزَاعِ مِنْ إضَمٍ طَلَلْ

وبالسَّفْحِ مِنْ قَوَ مُقَامٌ ومُحْتَمَلْ

2 -

تَرَبَّعُهُ مِرْبَاعُهَا وَمَصِيفُهَا

مِيَاهٌ مِنَ الأَشْرَافِ يُرْمَى بِهَا الحَجَلْ

3 -

فَلَا زَال غَيثٌ مِنْ ربيع وَصَيِّفٍ

عَلَى دَارِهَا حَيْثُ اسْتقَلَّتْ لَهْ زَجَلْ

4 -

مَرَته الجَنُوبُ ثُمَّ هَبَّتْ لَهُ الصَّبَا

إذا مسَّ مِنْهَا مَسْكَنًا عُدْمُلٌ نَزَلْ

5 -

كَأَنَّ الخَلَايَا فِيه ضَلَّتْ رِبَاعُهَا

وَعُوذًا إِذَا مَا هَدَّهُ رَعْدُهُ احْتَفَلْ

6 -

لَهَا كَبِدٌ مَلْسَاءُ ذَاتُ أَسِرَّةٍ

وكَشْحَانِ لَمْ يَنْقُض طِوَاءهما الحَبَلْ

7 -

إذا قُلْتُ: هَلْ يَسْلُو اللُّبَانَةَ عَاشِقٌ

تَمُرُّ شؤون الْحُب مِنْ خَوْلَةَ الأُوَلْ

8 -

وَمَا زَادَك الشكْوَى إِلَى مُتَنَكرٍ

تَظَل بِهِ تَبْكِي وَلَيْسَ بِهِ مَظَلْ

9 -

مَتَى تَرَ يَوْمًا عَرْصَةً مِنْ دِيَارِها

وَلَوْ فَرْطَ حَوْلٍ تَسْجُمُ الْعَينُ أَوْ تُهَلْ

10 -

فَقُلْ لخَيَالِ الحنْظَلِيَّةِ يَنْقَلِبْ

إِلَيهَا فإِنِّي وَاصِلٌ حَبْلَ مَنْ وَصَلْ

11 -

أَلَا إِنَّمَا أَبْكِي لِيَوْمِ لَقِيتُهُ

بِجُرْثُمَ قَاسٍ كُلُّ مَا بَعْدَهُ جَلَلْ

(1)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 165).

(2)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة طويلة لطرفة بن العبد، وهو في خزانة الأدب (6/ 247)، والمغني (112)، وشرح شواهده (345)، واللسان، مادة:"سود".

(3)

ينظر الديوان (75) ط. دار صادر.

ص: 345

12 -

إِذَا جَاءَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَمَرْحَبًا

بِهِ حِينَ يَأْتِي لَا كِذَابٌ وَلَا عِلَلْ

13 -

أَلَا إِنَّنِي شَرِبْتُ أَسْوَدَ حَالِكًا

أَلَا بَجَلِي مِنَ الشَّرَابِ أَلَا بَجَلْ

14 -

فَلَا أَعْرِفَنِّي إِنْ نَشَدْتُكَ ذِمَّتِي

كَدَاعِي هَدِيلٍ لا يُجَابُ وَلَا يَمَلْ

1 -

قوله: "بالأجزاع" جمع جزع بكسر الجيم وسكون الزاي المعجمة، وهو منعطف الوادي، و "إضم" بكسر الهمزة وفتح الضاد المعجمة؛ وهو واد لأشجع، و "جهينة والسفح" موضع و"قوّ" بفتح الواو؛ واد أو مكان. و "المقام" بضم الميم؛ بمعنى الإقامة، و "المحتمل": الارتحال.

2 -

قوله: "تربعه" أي تربعه خولة: تقيم فيه زمن الربيع، قوله:"مرباعها" مبتدأ، وخبره قوله:"مياه"، و"الأشراف" جمع شرف، وهو ما ارتفع من الأرض، وأراد به ها هنا: شرفًا وشريفًا وهما جبلان أحدهما لبني شريف. قوله: "يرمي بها الحجل" أي يتصيد بها الحجل، وهو

(1)

جمع حجلة، وهي القبج.

3 -

قوله: "وصيّف" بتشديد الياء، قوله:"زجل" بفتح الزاي المعجمة والجيم، أي له رعد وصوت. وأغزر ما يكون المطر مع الرعد.

4 -

قوله: "مرته الجنوب" أي مسحته واستدرته، وهو مستعار من مسح الضرع ليدر، و "العدمل" بضم العين المهملة؛ القديم، قوله:"نزل" أي حَلّ به، ويروى: بزل بالباء الموحدة، أي يشق للمطر يعني السحاب.

5 -

قوله: "كأن الخلايا" جمع خلية، وهي النوق يجمعن علي حوار، وقال الجوهري: الخَلِيّةُ: النَّاقَةُ تُعْطَفُ مع أخرى على ولدٍ واحدٍ فَتُدِرَّانِ

(2)

عليه، وَيَتَحَلَّى أَهْلُ البَيْتِ بِوَاحِدَةٍ يحلِبُونَهَا

(3)

. قوله: "فيه" أي في السحاب، و"الرِّبَاعُ" بكسر الراء؛ جمع ربع وهو ما نتج من الربيع، قوله:"والعُوْذَ" بضم العين المهملة وسكون الواو وفي آخره ذال معجمة؛ وهي الحديثات النتاج، واحدها عائذ. يقول: كأن في هذه السحابة لكثرة رعده إبلًا عوذًا قد ضلت رباعها عنها فهي تحنُّ إليها. قوله: "هدّه" أي حرَّكَهُ وَزَلْزَلَهُ، وقوله:"احتفل" أي: كثر مطره، ويروى:"ضلت رباعَها" بالنصب، أي: فقدت رباعها بموت أو غيره.

6 -

قوله: "لها كبد" أي: لخولة، وأراد بالكبد بطنَها ووسطها، و "الأسرة" العكن،

(1)

في (أ): وهي.

(2)

في (أ): فيدران.

(3)

الصحاح للجوهري، مادة:"خلا".

ص: 346

و "الطرائق، والكشحان": ما انضمت عليه الأضلاع من الجنبين، ويقال: هما الخصران. قوله: "لم ينفض طواءهما" يعني: هي خمصاء البطن ليست بمفاضة، ومد "الطواء" للضرورة.

7 -

قوله: "يسلو اللبانة" أي: عن اللبانة، فلما أسقط الخافض تعدى الفعل، و "السلوان": تطيب النفس بترك الشيء، ومعنى "تمر" تشتد وتقوى، و "الشؤون" الأمور، واحدها شأن.

8 -

قوله: "وليس به مظل" بالظاء المعجمة، وهو على وزن مفعل، أي ليس ينبغي أن يظل به ويقام فيه.

9 -

و "العرصة" الساحة ليس فيها بناء. قوله: "تسجم العين" أي يسيل دمعها، ومعنى "تهل" يقطر دمعها.

10 -

و "الحنظلية": من بني حنظلة بن مالك.

11 -

و "جرثم": موضع، و "القاسي": الشديد وهو صفة اليوم، و "الجلل" بفتح الجيم واللام؛ الصغير ها هنا، ويأتي بمعنى الكبير وهو من الأضداد.

12 -

و"الكذاب" بالكسر بمعنى: الكذب، و "العلل": جمع علة.

13 -

قوله: "أسود حالكًا" أراد به كأس المنية، وقيل: أراد شرابًا فاسدًا، وقال بعضهم: أراد السم، يقول: كأنني سقيت سمَّا فقتلني، وهذا مثل ضربه لفساد ما بينه وبينها. و "الحالك": الشديد السواد، قوله:"بجلي" أي: حسبي، وكلمة بجل على وجهين: حرف بمعنى نعم، واسم وهو على وجهين: اسم فعل بمعنى يكفي، واسم مرادف لحسب، ويقال على الأول: بجلني، وهو نادر، وعلى الثاني: بجلي، ومن هذا القبيل: ألا بجلي من الشراب

(1)

.

14 -

قوله: "إن نَشدتك ذمتي" أي: سألتك إياها وطلبتها منك، و "الهديل" بفتح الهاء؛ فرخ ضلُّ على عهد نوح عليه السلام فالحمام تبكي عليه؛ كما زعمه بعض العرب، والهديل أيضًا: ذكر الحمام، قوله:"ولا يمل" أي: لا يمل الدعاء أبدًا.

الإعراب:

قوله: "ألا" ها هنا للتوبيخ والإنكار؛ كما في قوله

(2)

:

(1)

قال ابن هشام: "بجل على وجهين: حرف بمعنى نعم، واسم وهو على وجهين: اسم فعل بمعنى يكفي، واسم مرادف لحسب، ويقال على الأول: بَجَلَني وهو نادر، وعلى الثاني: بَجَلِي قال: (

البيت). ينظر المغني (111، 112)، وانظر شرح شواهده (345).

(2)

البيت مجهول القائل، وهو من البسيط، انظره في شرح ابن عقيل علي الألفية (2/ 21)، وعجزه: =

ص: 347

ألا ارْعِوَاءَ لِمنْ وَلَّت شَبِيبَتُهُ

................................

و"بجلي" في تقدير الرفع بالابتداء، وخبره قوله:"من الشراب"؛ لأن معناه: حسبي من الشراب، وقوله:"ألا بجل" تأكيد في المعنى الأول، ومعنى بجل ها هنا نعم؛ لأنه حرف.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ألا بجل" حيث قال ذلك بترك النون؛ لأن النون فيه أكثر، وبالنون بجلني قليل.

‌الشاهد الحادي والثمانون

(1)

،

(2)

وَمَا أَدْرِي وَظَني كُلُّ ظَنٍّ

أمُسْلِمُنِي إِلَى قَوْمِي شَرَاحي

أقول: قائله هو يزيد بن مُخَرْم الحارثي، قال أبو محمد: ذكر الفراء هذا البيت على هذا النمط ليجعله بابًا من النحو، والصواب:

1 -

وغَابَ خَلائلي وبَقِيتُ فَرْدًا

أُمَاصِعُهُم وَنَهْضُك بالجنَاحِ

2 -

فما أدري وظني كل ظن

أَيُسْلِمُنِي بَنُو البَدْءِ اللَّقَاحِ

3 -

فيقتلني بنو خمر بذُهْلٍ

وَكِدْتُ أكونُ من قَتْلَى الرياح

وهي من الوافر.

1 -

قوله: "أماصعهم" أي: أقاتلهم، والصاد والعين فيه مهملتان.

2 -

قوله: "اللقاح" بفتح اللام وتخفيف القاف، يقال: حي لقاح: الذين لا يدينون للملوك ولم

(3)

يصبهم في الجاهلية سِبَاء.

3 -

قوله: "بنو خمر" بفتح الخاء العجمة وسكون الميم وفي آخره راء؛ وهو

(4)

وهو بطم من كندة.

= ........................

وآذَنَتْ بِمَشِيِبٍ بَعْدَهُ هَرَمُ

اللغة: ارعواء: أي انتهاء وانكفاف وانزجار، وهو مصدر ارعوى يرعوي؛ أي: كف عن الأمر.

مواطن الشاهد: "ألا" فالهمزة للاستفهام، و"لا" نافية للجنس، وقصد بالحرفين جميعًا التوبيخ والإنكار.

(1)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 165).

(2)

البيت من بحر الوافر ليزيد بن مخرم الحارثي، وهو في الدرر (1/ 110)، والمحتسب (2/ 220)، والمغني (2/ 345) والمقرب (1/ 125).

(3)

في (أ): أو لم.

(4)

في (أ): وهم.

ص: 348

الإعراب:

قوله. "وما أدري": جملة من الفعل والفاعل دخلها حرف للنفي، وقوله:"أمسلمني إلى قومي شراحي "في محل النصب على المفعولية لقوله: وما أدري، والهمزة في "أمسلمني" للاستفهام، و "شراحي": فاعل لقوله: "مسلمني"، و "إلى قومي" يتعلق به، وشَرَاحِي أصله: شَرَاحِيلُ: اسم رجل لحقه الترخيم

(1)

. قوله: "وظني" الواو تصلح أن تكون بمعنى مع، والتقدير: وما أدري مع ظني [كل ظن]

(2)

، و "كل ظن" تأكيد: للأول ويقال: وظني كل ظن جملة معترضة، فيكون "وظني" مبتدأ، "وكل ظن" خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أمسلمني" فإن النون فيه نون الوقاية، وقد تلحق نون الوقاية اسم الفاعل وأفعل التفضيل، وقد قيل: إن النون فيه هو التنوين لحقه شذوذًا، ونطير إثبات هذا إثبات نون التثنية والجمع مع الضمير في الضرورة، ولا يجوز إثبات النون ولا التنوين في اسم الفاعل مع الضمير إلا في الضرورة، وذهب هشام

(3)

فأجاز: هذا ضاربُنْكَ، وهذا ضاربنْي، بإثبات التنوين مع الضمير مستدلُّا بالبيت المذكور

(4)

.

‌الشاهد الثاني والثمانون

(5)

،

(6)

ولَيْس الموُافِيني ليُرْفَدَ خَائِبًا

فَإن له أَضْعَافَ مَا كَانَ أَمَّلا

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الطويل.

(1)

والترخيم هو حذف بعض الكلمة على وجه مخصوص وبشروط. ينظر ابن يعيش (1/ 19، 20)، توضيح المقاصد للمرادي (4/ 32).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

هو هشام بن معاوية الضرير، صاحب الكسائي صنف مختصرًا في النحو والحدود والقياس (ت 209 هـ). البغية (2/ 328).

(4)

قال ابن هشام: "وزعم هشام أن الذي في (أمسلمني) ونحوه تنوين لا نون، وبنى ذلك على قوله في (ضاربني) أن الياء منصوبة. ويرده قول الشاعر: "وليس المرافيني ليرفد خائبًا"

، وفي الحديث:"غير الدجال" أخوفُني عليكم" والتنوين لا يجامع الألف واللام، ولا اسم التفضيل لكونه غير منصوف وما لا ينصرف لا تنوين فيه". المغني (345).

(5)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 166).

(6)

البيت من بحر الطويل، غير منسوب في مراجعه، وهو في شرح الأشموني (1/ 57) والدرر (1/ 111)، ومغني اللبيب (2/ 345)، والهمع (1/ 65).

ص: 349

قوله: "وليس الموافيني" من الموافاة، يقال: وافيت فلانًا إذا أتيته، والمعنى: وليس الذي يوافيني؛ أي يأتيني، "ليرفد" أي ليعطي، من الرفد وهو العطاء [والصلة]

(1)

، والرفد بالفتح؛ المصدر، يقال: رفدته أرفده رفدًا إذا أعطيته، وكذلك إذا أتيته، والإرفاد: الإعطاء والمعاونة، والمرافدة: المعاونة، والترافد: التعاون، قوله:"خائبًا" من الخيبة.

قوله: "أملا" بتشديد الميم؛ من التأميل وهو الرجاء، وضبطه

(2)

بعضهم "آملًا" على صيغة اسم الفاعل، وله وجه على تقدير مساعدة القافية له.

الإعراب:

قوله: "وليس الموافيني" الموافي: اسم فاعل من وافى، والألف [واللام]

(3)

فيه بمعنى الذي، والتقدير: وليس الذي يوافيني، والموصول مع صلته اسم ليس، وخبره

(4)

قوله: "خائبًا".

قوله: "ليرفد" بنصب الدال، وهو على صيغة المجهول يعني لأن يرفد، واللام للتعليل يعني لأجل الرفد، والمعنى: وليس الذي يوافيني؛ يعني يأتيني ويقصدني لأجل العطاء خائبًا، أراد: من يقصدني في خير لا يخيب، قوله:"فإن له" الفاء تصلح للتعليل و "أن" حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله:"أضعاف ما كان" اسمه، وقوله:"له" مقدمًا خبره، وقوله:"أضعاف" مضاف إلى قوله: "ما كان أملا"، وما موصولة، و "كان أملا" صلته، والعائد محذوف تقديره: ما كان آمله، والألف في "أملا" للإطلاق.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وليس الموافيني" فإن النون فيه نون الوقاية وليست نون التنوين؛ كما ذهب إليه بعضهم؛ إذ التنوين لا يجتمع مع الألف واللام.

* * *

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): وضبط.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

في (ب): وخبرها.

ص: 350

‌شواهد العلم

‌الشاهد الثالث والثمانون

(1)

،

(2)

نُبِّئْتُ أَخْوَالِي بَنِي يَزِيدُ

ظُلْمًا عَلَينَا لَهُمْ فَدِيدُ

أقول: قائله هو رؤبة بنُ العجاج.

وهو من الرجز المسدس.

قوله: "نبئت" على صيغة المجهول، بمعنى أخبرت، وأصله من النبأ وهو الخبر، ويقال: نَبأ تنبئة بمعنى: أعلم إعلامًا، وهو من الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل، والأصل في نَبَّأ أنه بمعنى أخبر، لكنه لما استلزم معنى الإعلام أُجري مجراه في تعديته إلى ثلاثة مفاعيل

(3)

.

فإن قلتَ: لم قلت إنه يستلزم الإعلام؟

قلتُ: لأن الإخبار المستقيم لا يكون إلا عن علم أو ظن.

قوله: "أخوالي": جمع خال، وهو أخو الأم، قوله:"بني يزيد" مركب إضافي، وأصله: بنين ليزيد؛ فلما أضيف حذفت النون واللام، ويزيد: علم شخص، وهو بفتح الياءآخر الحروف وكسر الزاي المعجمة، وكذا وقع في كتاب الزمخشري

(4)

. وقال ابن يعيش: صوابه بالتاء المثناة من

(1)

ابن الناظم (82)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 175)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 89).

(2)

بيتان من الرجز، قالهما رؤبة في ملحقات ديوانه، انظر مجموع أشعار العرب (172) تحقيق: وليم بن الورد، وانظرهما في: ابن يعيش (1/ 28)، والخزانة (1/ 270)، والتصريح (1/ 117)، والمغني (626).

(3)

قال ابن يعيش: "فما كان من معنى العلم، وهي خمسة أفعال، أخبر وأنبأ وخبّر ونبّأ وحدّث فهذه الأفعال الخمسة معناها الإخبار والحديث، والأخبار إعلام. فلما كانت في معنى الإعلام تعدت إلى ثلاثة مفاعيل كما يتعد اعلم؛ فتقول: أخبرت زيدًا عمر إذا مال

ونبأت أباك أخاك منطلقًا" ابن يعيش (7/ 66).

(4)

المفصل للزمخشري (6)، وشرح ابن يعيش (1/ 28، 29).

ص: 351

فوق، وهو اسم رجل وإليه تنسب الثياب التَّزيدية

(1)

.

وقال الرُّشَاطِي

(2)

: تزيد في الأنصار، وفي قضاعة، فالذي في الأنصار: تزيد بن جشم بن الخزرج منهم بنو سلمة، ولم أر هذه النسبة، أعني: التزيدية في الأنصار

(3)

، والذي في قضاعة: تزيد بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة؛ إليهم تنسب الثياب التزيدية، وقال ابن الكلبي: كانت الترك أغارت على تزيد فأفنوهم بآمد، فقال في ذلك عمرو

(4)

بن مالك التزيدي

(5)

:

وليلتنا بآمْدٍ لم تَنَمْهَا

كَلَيلَتِنَا بِمَيَّا فَارِقِينَا

ثم قال: اليزيدي بالياء آخر الحروف في قريش، وفي غيرها؛ فالذي في قريش: يزيد بن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب ابن أمية، وفي همدان: يزيد بن قَشم بن ربيعة بن مُرْهِبة، وفي حِمْيَرٍ: يزيد بن منصور الحميري.

قوله: "ظلمًا" من ظلم يظلِم من باب ضرب يضرب، والظلم: وضع الشيء في غير محله، أو منعه عن محله، قوله:"فديد" بالفاء وهو الصياح، وقال ابن فارس: الفَدِيدُ: الصَّوْتُ والجلبَة

(6)

، وفي الحديث:"إِن الجفاء وَالْقَسْوَةَ فيِ الْفَدَّادِينَ وَهِيَ أَصْواتُهُمْ فيِ حُرُوثِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ"

(7)

ومعنى البيت: أُعلمت أن هذه الجماعة الذين هم أقوياء لهم جلبة وصياح من أجل ظلمهم علينا.

الإعراب:

قوله: "نُبِّئْتُ" التاء فيه: مفعول أول أقيم مقام فاعله، و "أخوالي": في محل النصب مفعول ثان، وقوله:"لهم فديد": جملة من المبتدأ والخبر في موضع مفرد منصوب على أنه مفعول ثالث، والتقدير: فَادِّين.

(1)

ابن يعيش (1/ 28).

(2)

عبد الله بن علي بن عبد الله اللخمي الأندلسي، عالم بالأنساب والحديث، له مصنفات عديدة (ت 542 هـ). الأعلام (4/ 105).

(3)

في (أ): في أحد من الأنصار.

(4)

لعله عمرو بن مالك بن زيد بن عائش بن عكابة بن بكر بن وائل، شاعر جاهلي قديم لم تذكر وفاته. ينظر الأعلام (5/ 85).

(5)

البيت من بحر الوافر وأورده الشارح للاستدلال على فناء تزيد عندما غارت عليهم الترك.

(6)

مجمل اللغة لابن فارس، مادة:"فد".

(7)

الحديث عن ابن مسعود في البخاري بفتح الباري (6/ 350) ط. دار المعرفة، تحقيق: عبد العزنر بن باز وآخرين ونصه: "أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو اليمن فقال: الإيمان يمان ها هنا، ألا إن القسوة وغلظة القلوب في الفدَّادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر"، وينظر النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، تحقيق: طاهر الزاوي، ومحمود الطناحي، ط. دار الفكر (3/ 419).

ص: 352

قوله: "بني يزيد" نصب على أنه بدل من أخوالي، ويحتمل أن يكون عطف بيان

(1)

، قوله:"ظلمًا" نصب على التعليل؛ أي لأجل الظلم، ويجوز أن يكون حالًا تقديره: ظالمين، ويجوز أن يكون حالا بتقدير جملة محذوفة، والتقدير: في حال كونهم يظلمون علينا ظلمًا؛ كما قيل في: مررت به وحده، والتقدير هنا: ينفرد وحده، فحذفت الجملة التي وقعت حالًا، وأقيم المصدر مقامها. ويجوز أن يكون مفعولًا ثالثًا لنبئت، ويكون ما بعده كالتفسير، ويجوز أن يكون نصبًا على التمييز؛ أي يصيحون ظلمًا لا عدلًا، وهذا أضعف الوجوه.

قوله: "علينا" يتعلق بالأول، أي ظلمًا علينا، ويجوز أن يتعلق بالثاني، أي: لهم صياح علينا على تضمن الصياح معنى: الجور.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "يزيد" فإنه بضم الدال؛ اسم علم منقول عن المُرَكّب الإسنادي، والدليل على ذلك ضمة الدال؛ إذ ضمتها تدل على كونها محكية، وكونها محكية يدل على أنها كانت جملة إسنادية في الأصل؛ إذ بغير الجملة الإسنادية لا تحكى.

فإن قلتَ: كيف قلتَ إنه علم منقول عن المركب الإسنادي؟ وما حقيقة هذا الكلام؟

قلتُ: "يزيد" في الأصل فعل مضارع من يزيد [يعني]

(2)

المال، وفيه ضمير مستتر هو فاعل له، فجملته جزآن فعل وفاعل وهما مركب إسنادي، فإذا سمي به رجل باعتبار كِلا الجزأين وجب أن يحكى به، فتقول: جاءني يزيدُ، ورأيت يزيدُ، ومررت بيزيدُ، بضم الدال في الأحول الثلاثة؛ لأنه جملة محكية بها، وأما إذا سمي به باعتبار الجزء الأول الذي هو الفعل فقط، وجب أن تقول: جاءني يزيدُ، ورأيت يزيدَ، ومررت بيزيدَ فتعربه كإعراب مفرد غير منصوب؛ لأنه ليس بجملة، بل هو مفرد لا ينصرف للعلمية ووزن الفعل

(3)

.

(1)

في (أ): بيان له.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ)، ولا يصح أن يكون علة؛ لأنه لم ينبأ لأجل ظلمهم، ولا علة للاستقرار لهم؛ لأن المفعول لأجله لا يتقدم على عامله المعنوي، ولا علة للفديد؛ لأن معمول المصدر لا يتقدم عليه. انظر مع القاصد النحوية (34).

(3)

معنى هذا أن العلم المنقول من صفة أو مصدر أو اسم جنس يكون معربًا، أما إذا كان جملة فحكمها أن تحكى؛ كشاب قرناها، وبرق نحره، ومثله نريد فهو فعل سُمي به، وفيه ضمير فاعل؛ ولذلك حكاه في البيت مرفوعًا، ولو كانت التسمية بالفعل وحده لكان معربًا إعراب ما لا ينصرف للعلمية ووزن الفعل نحو: تغلب ويشكر. ينظر ابن يعيش (1/ 28)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 180) وما بعدها، والخزانة (1/ 270) والتصريح (1/ 117)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 124)، والمغني (626).

ص: 353

‌الشاهد الرابع والثمانون

(1)

،

(2)

أَنا ابْنُ مُزَيقِيا عَمْرٍو وَجَدِّي

أَبُوهُ مُنْذِر مَاء السَّمَاء

أقول: قائله هو أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم، وهو قوقل بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن بن الأزد الخزرجي الأنصاري أخو عُبَادة بن الصامت، شهد بدرًا، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي ظاهر من امرأته ووطئها قبل أن يُكَفِّرَ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُكَفِّرَ بخمسة عشر صاعًا من شعير على ستين مسكينًا

(3)

.

وهو من بحر الوافر وفيه القطف والعصب.

قوله: "مزيقيا" بضم الميم وفتح الزاي المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وكسر القاف وتخفيف الياء الأخرى، وهو لقب عمرو، وكان من ملوك اليمن، وكان يلبس كل يوم حلتين، فإذا أمسى مَزَّقَهُما؛ كراهة أن يَلْبِسَهُمَا ثَانِيًا وأن يَلْبِسَهُمَا غَيْرُهُ فلقب بذلك، ويقال: إنما قيل له مزيقيا؛ لأن أجل حائك كان باليمن يحوك له حلة لا يكملها إلا في عام، فإذا لبسها يوم زينته، أول لبسة مزقها كبرًا كي لا يلبسها غيره، وأبوه عامر هو الذي خرج من اليمن لما أحس بسيل العرم

(4)

، وكان قومه إذا أجدبوا مانهم

(5)

حتى يخصبوا، فلقب ماء السماء؛ لأنه يتوب عنه، وإنما قيل ثعلبة العنقاء لطول عنقه، حكاه ابن دريد

(6)

.

الإعراب:

قوله: "أنا": مبتدأ، وقوله:"ابن مزيقيا": خبره، وقوله:"عمرو" بالجر: بدل من مزيقيا، والأصل فيه: أنا ابن عمرو مزيقيا. قوله: "وجدي": مبتدأ، وأراد به أجداده

(7)

من الأم،

(1)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 90).

(2)

البيت من بحر الوافر، لأوس بن الصامت في مراجعه كما ذكر العيني، وانظره في: شرح التصريح (1/ 121)، وحاشية الصبان (1/ 128)، والخزانة (4/ 365)(عرضًا).

(3)

ينظر جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري (12/ 3 - 7) ط. دار الكتب العلمية بيروت، أولى (1992 م).

(4)

سيل العرم هذا هو الذي ذكره الله في كتابه الكريم {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ: 16] وذلك عندما أعرض أهل سبأ شكر الله تعالى على نعمه فانتقم منهم. والعرم هذا قيل: مطر شديد، وقيل: ثقب في سد لهم. ينظر روح المعاني (22/ 126).

(5)

مانهم: أي كفاهم مؤنتهم وأنفق عليهم. ينظر اللسان، مادة:"مون".

(6)

الاشتفاق لابن دريد (435).

(7)

في (أ): أحد أجداده.

ص: 354

"أبوه" كلام إضافي مبتدأ ثان، و"منذر": خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، وقوله:"ماء السماء": كلام إضافي مرفوع؛ لأنه صفة منذر، وكان المنذر يلقب بذلك لحسن وجهه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مزيقيا عمرو" حيث قدم اللقب على الاسم، والأصل أن يؤخر اللقب عن الاسم

(1)

.

‌الشاهد الخامس والثمانون

(2)

،

(3)

أقسم بالله أبو حفص عمر

.................................

أقول: قال ابن يعيش: إن قائله هو رؤبة بن العجاج

(4)

، وهذا خطأ؛ لأن وفاة رؤبة في سنة خمس وأربعين ومائة، ولم يدرك عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- ولا عده أحد من التابعين، وإنما قائله رجل أعرابي كان استحمل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب [رضي الله تعالى عنه]

(5)

، وقال: إن ناقتي قد نَقِبَتْ

(6)

، فقال له: كذبت، ولم يحمله، فقال:

أَقْسَمَ بالله أبُو حَفْصٍ عُمَر

مَا مَسَّهَا مِنْ نَقَبٍ ولَا دَبَر

فَاغْفِرْ له اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فَجَرْ

وهي من الرجز المسدس.

قوله: "من نقب" بفتح النون والقاف، وهو رقة خف البعير، وقد نقب البعير ينقب، من باب علم يعلم فهو نَقب، بفتح النون وكسر القاف، قوله:"ولا دبر" بفتح الدال والباء الموحدة، من دبر البعير إذا حفي، يقال: أدبر الرجل إذا دبر بعيره، وأنقب إذا حفي خف بعيره، قوله:"إن كان فجر" أي: إن كان كذب ومال عن الصدق، وأصله الميل.

(1)

عند اجتماع الاسم مع اللقب يجب تقديم الاسم وتأخير اللقب إلا قليلًا. ينظر شرح الأشموني (1/ 129)، والخزانة (4/ 365)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 127).

(2)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 91).

(3)

البيت من بحر الرجز المشطور لأعرابي مجهول، وهو في: ابن يعيش (3/ 71)، والتصريح (1/ 121)، وحاشية الصبان (1/ 129)، واللسان، مادة:"نقب"، والخزانة (5/ 154 - 156)، وشرح شذور الذهب (561)، ومعاهد التنصيص (1/ 279)، والمعجم المفصل في شرح شواهد النحو الشعرية (1156).

(4)

ابن يعيش (3/ 71).

(5)

ما بين المعقوفين زيادة في (أ).

(6)

في اللسان، مادة:"نقب" وأراد بالنقب ها هنا: رقة الأخفاف.

ص: 355

الإعراب: ظاهر.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أبو حفص عمر" حيث قدم الكنية على الاسم؛ لأنه لا ترتيب بين الكنى والأسماء

(1)

كما أنه قدم الاسم على الكنية في البيت الآتي:

‌الشاهد السادس والثمانون

(2)

،

(3)

وما اهتَزَّ عَرْشُ الله مِنْ أَجْلِ هَالِكٍ

سَمِعْنَا بِهِ إلا لسَعْدِ بنِ أَبِي عَمْرِو

أقول: قائله هو حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد بن مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، واسمه تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الأنصاري الخزرجي [ثم من بني مالك بن النجار]

(4)

يكنى أبا الوليد، وقيل: أبا عبد الرحمن، وقيل: أبا الحسام؛ لمناضلته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولتقطيعه أكباد

(5)

المشركين، ويقال له: شاعر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

(6)

.

توفي قبل الأربعين في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقيل: بل مات سنة خمسين، وقيل: سنة أربع وخمسين، وهو ابن مائة وعشرين سنة لم يختلفوا في عمره، وأنه عاش ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام، وكذلك عاش أبوه ثابت، وجده المنذر، وأبو جده حرام، عاش كل منهم مائة وعشرين سنة، ولا يعرف في العرب أربعة تناسلوا من صلب واحد، عاش كل منهم مائة وعشرين سنة غيرهم.

والبيت المذكور من الطويل.

قوله: "هالك" أي: ميت، وأصل الهلاك السقوط، يقال هَلَكَ الشيءُ يَهْلِكُ هَلاكًا وهُلُوكًا ومَهْلَكًا ومَهْلِكَا ومَهْلُكا وتَهْلُكَةً. والاسم الهلك بالضم، وقال اليزيدي

(7)

: الهلكة من نوادر

(1)

وذلك لأن الكنية لم تكن علمًا في الأصل، وإنما عادة العرب أن يدعوا الإنسان باسمه، وإذا ولد له ولد دعي باسم ولده توقيرًا له. ينظر ابن يعيش (1/ 27).

(2)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 92).

(3)

البيت من بحر الطويل، نسب لحسان بن ثابت، وهو غير موجود في ديوان حسان بن ثابت، ط. دار الكتب العلمية، أولى (1986 م)، ودار المعارف، والبيت في رثاء سعد بن معاذ الصحابي الجليل، وانظر البيت في التصريح (1/ 121)، وحاشية الصبان (1/ 119).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

في (أ): أعراض.

(6)

الشعر والشعراء (60) وما بعدها.

(7)

هو يحيى بن المبارك بن المغيرة أبو محمد اليزيدي النحوي، سكن بغداد، وألف مختصرًا في النحو وغيره (ت 202 هـ). بغية الوعاة (2/ 340).

ص: 356

المصادر وليست مما يجري على القياس

(1)

.

قوله: "إلا لسعد" أراد به: سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحرث

(2)

بن الخزرج بن النبيت، واسمه: عمرو بن مالك بن أوس الأنصاري الأوسي ثم الأشهرلي، يكنى بأبي عمرو، وشهد بدرًا، لم يختلف فيه وشهد أحُدًا والخندق. قال عبد الغني: استشهد سعد بن معاذ رضي الله عنه زمن الخندق، وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اهتز العرش لسعد بن معاذ"

(3)

وكذلك

(4)

قال حسان بن ثابت

(5)

:

وما اهتز عرش الله

............................ إلخ

الإعراب:

قوله: "وما اهتز" فعل ماض دخله حرف النفي، و "عرش الله" كلام إضافي، فاعله وكلمة "من" للتعليل، و "هالك" مجرور بالإضافة. قوله:"سمعنا به" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وهو الجار والمجرور، وقعت صفة لهالك، ومحلها الجر، قوله:"لسعد" جار ومجرور يتعلق بقوله: "اهتز"، وقوله:"أبي عمرو" مجرور لكونه صفة لسعد.

الاستشهاد فيه:

حيث أخره

(6)

وهو كنية عن الاسم، وهذا عكس ما في البيت السابق.

‌الشاهد السابع والثمانون

(7)

،

(8)

أَبْلِغْ هُذَيْلًا وَأَبْلِغْ مَنْ يُبَلِّغهَا

عَنِّي حَدِيثًا وَبَعْضُ القَوْلِ تَكذْيبُ

بأنَّ ذَا الكَلْبِ عمرًا خَيرُهُمْ نَسَبًا

بِبَطْنِ شِرْيَان يَعْوي حَوْلَة الذِّيب

أقول: قائلتهما هي ريطة بنت عاصم؛ كذا قاله بعضهم، والصحيح أن قائلتهما هي جنوب

(1)

اللسان، مادة:"هللك".

(2)

في (أ): الحارث.

(3)

فتح الباري (7/ 123) حديث (3803).

(4)

في (أ): ولذلك.

(5)

في (أ): حسان -رضي الله تعالى عنه-.

(6)

الضمير في "آخره" يعود إلى أبي عمرو المذكور في الشرح والبيت معًا.

(7)

توضيح المقاصد (1/ 170)، وشرح ابن عقيل (1/ 120) وروايتهما ( .... خيرهم حَسَبًا).

(8)

البيتان من بحر البسيط، وهما من قصيدة لجنوب أخت عمرو ذي الكلب، وانظرهما في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 147)، وتخليص الشواهد (118)، والدرر (1/ 225)، واللسان مادة:"شرى"، وشرح الأشموني (1/ 59)، ومعجم النساء الشاعرات (43، 44) ط. دار الكتب العلمية (1990)، إعداد: عبدا علي مهنا.

ص: 357

أخت عمرو ذي الكلب

(1)

، وهما من قصيدة تُرثي بها أخاها عمرًا،. وأولها هو قولها

(2)

:

1 -

كُل امرئ بمحالِ الدَّهْرِ مَكْذُوبُ

وُكُلُّ مَنْ غَالبَ الأيَّامَ مَغْلُوبُ

2 -

وكل حيٍّ وإن عزوا وإن سلموا

يومًا طَرِيقُهُمْ في الشَّرِّ زُعْبُوبُ

3 -

بَيْنَا الفتيُّ نَاعِمٌ راضٍ بِعِيشَتِهِ

سيق من نوازي الشر شُؤْبُوبُ

4 -

يَلْوي به كل يوم كيّة قَذَفًا

فالمنسَمَانِ مَعًا دَامٍ ومنكوبُ

(3)

5 -

أَبْلِغْ هُذَيْلًا وَأَبْلِغْ مَنْ يُبَلِّغُهَا

عَني حَدِيثًا وَبَعْضُ القَوْلِ تَكذْيبُ

6 -

بأنَّ ذَا الكَلْبِ عمرًا خَيرُهُمْ نَسَبًا

بِبَطْنِ شِرْيَانَ يَعْوي حَوْلَهُ الذِّيبُ

7 -

الطاعِنُ الطعْنَةَ النَجْلاء يَعْقُبُهَا

(4)

مُثْعَنْجِرٌ من نجيع الجوفِ أسكوبُ

8 -

والتارك القِرْنَ مصفرًّا أنَامِلُه

كأنه من نَجيع الجوفِ مَخْضُوبُ

(5)

9 -

تمشي النُّسُورُ إليه وهي لاهِيةٌ

مَشْيَ العذارَى عَلَيهِن الجَلابِيبُ

10 -

والمخرجَ العاتقَ العذراءَ مُذْعِنَةً

في السَّبْيِ ينفحُ من أرْدَانهَا الطِّيبُ

وهي من البسيط.

1 -

قوله: "بِمِحَال الدهر" بكسر الميم، وهو الكيد، أراد بكيد الدهر، وقيل: هو المكر، وقيل: هو القوة والشدة، قوله:"مكذوب" أي مغلوب.

2 -

قوله: "زُعبوب" بضم الزاي المعجمة وسكون العين المهملة، وهو القصير. هكذا ضبطه بعضهم، والذي يظهر لي أنه بالراء المهملة. وقال الجوهري: الزعبوب: الضعيف الجبان، وهذا أنسب من جهة المعْنى

(6)

.

3 -

قوله: "من نوازي الشر" النوازي بالزاي المعجمة، جمع نازية؛ من نزا ينزو إذا علا ووثبَ، و "الشؤبوب" بضم الشين المعجمة؛ الدفعة من المطر وغيره.

4 -

قوله: "قذفًا" أي: بعيدًا، و "المنسمان": تثنية مَنسِم بفتح الميم وكسر السين المهملة،

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 174).

(2)

الأبيات في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (22/ 355) ط. دار الكتب العلمية، ثانية (1992 م) تحقيق: سمير جابر.

(3)

هذا البيت والذي قبله ليسا في الأغاني (22/ 356).

(4)

في (أ): يتبعها.

(5)

روايته في الأغاني:

...............................

كأنه من نجيع الوَرْسٍ مخصوب

(6)

الصحاح للجوهري، مادة:(دَعب).

ص: 358

وهو خف البعير. واستعير ها هنا

(1)

لقدم الإنسان

(2)

، و "المنكوب" من نكبته الحجارة بالتخفيف إذا لثمته، أي: إذا دقته وكسرته.

6 -

قوله: "ببَطْنِ شرْيَانَ": اسم موضع، و"الشريان" بكسر الشين المعجمة وفتحها؛ شجر يعمل منه القسِيّ، وقال الزمخشري: الشريَان بالفتح: الحنظل، ورأيت في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني

(3)

ذكره بالسين المهملة والراء المشددة

(4)

.

7 -

قوله: "الطعنة النجلاء" بالنون والجيم، يقال طعنة نجلاء، أي: واسعة، قوله:"مثعنجر" بضم الميم وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة وسكون النون وكسر الجيم وفي آخره راء، وهو أكثر موضع في البحر [به]

(5)

ماء، وسمي به الرجل الشجاع الفائق، وفي حديث علي - رضي الله [تعالى]

(6)

عنه: "يَحْمِلُهَا الأَخْضَر المثعَنْجِرُ". قوله: "من نَجِيعِ الجوف" بفتح النون وكسر الجيم، وهو دم الجوف يضرب إلى السواد، قوله:"أسكوب" أفعول من السَّكْب.

8 -

قوله: "القِرْن" بكسر القاف وسكون الراء، وهو مثل الرجل في السن، وأراد به ها هنا مثله في الشجاعة أيضًا.

10 -

قوله: "العاتق" يقال: جارية عاتق، أي: شابة أول ما أدركت فَخدِرَتْ في بيت أهلها ولم تبن إلى زوج، و"العذراء": البكر، والجمع العذارى، و "مذعنة" من أذعن له إذا خضع وذل، قوله:"ينفح" بالحاء المهملة، من نَفَح الطيبُ إذا فاح، قوله:"من أردانها": جمع رُدْن، وهو الكُم.

الإعراب:

قوله: "أَبْلِغْ" أمر، و "أنت" مستكن فيه فاعله، و "هذيلًا" مفعوله، و "أبلغ" الثاني عطف عليه، وقوله:"من يبلغها" مفعوله، و "من" موصولة، ويبلغها صلتها، والضمير يرجع إلى هذيل وهو اسم قبيلة، قوله:"حديثًا": [مفعول]

(7)

ثان و "أبلغ" الأول، ويقدر مثله

(1)

في (1): واستعير هنا.

(2)

استعاره تصريحية؛ حيث شبه قدم الإنسان بالمنسم، ثم حذف المشبه وأبقى المشبه به. ينظر إيضاح الاستعارة في: علم البيان لعبد العزيز عتيق (176) وما بعدها، ينظر اللسان، مادة:"نسم".

(3)

علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم المرواني القرشي أبو الفرج الأصفهاني، من أئمة الأدب، له الأغاني وغيره (ت 356 هـ). ينظر الأعلام (4/ 78)، ووفيات الأعيان (1/ 334).

(4)

الأغاني (22/ 356) وفيه: "ببطن شريان" بالشين المعجمة لا بالسين المهملة.

(5)

ما بين المعقوفين زيادة لإصلاح العبارة.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة في (أ).

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 359

لـ "أبلغ" الثاني، والتقدير: أبلغ هذيلًا عني حديثًا وأبلغ من يبلغها عني [حديثًا]

(1)

.

قوله: "وبعض القول" كلام إضافي مبتدأ، و"تكذيب": خبره، بمعنى كذب، والجملة في محل النصب على الحال، قوله:"بأن ذا الكلب" يتعلق بقوله: "حديثًا"، والأظهر أنه بدل منه و (ذا الكلب) اسم إن، وخبره قوله:"خيرهم نسبًا"، وذو الكلب لقب عمرو أخي جنوب صاحبة الشعر، قوله:"عمرًا" عطف بيان، والضمير في "خيرهم" يرجع إلى هذيل، قوله:"نَسَبًا" تمييز.

قوله: "ببطن شريان" في محل النصب على أنه حال من عمرًا، والتقدير: عمرًا كائنًا ببطن شريان، وكان قد دفن عمرو هناك، قوله:"يعوي" فعل مضارع و "الذيب" فاعله، و "حوله" نصب على الظرف، والجملة وقعت صفة لبطن شريان.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بأن ذا الكلب عمرًا" حيث قدم اللقب على الاسم؛ لأنه لا ترتيب بين الألقاب والأسماء، كما أنه لا ترتيب بين الأسماء والكنى

(2)

.

‌الشاهد الثامن والثمانون

(3)

،

(4)

عَلَى أَطْرِقَا بَالِيَاتُ الخيا

م إلا الثُّمَامُ وإلا العِصِيّ

أقول: قائله هو أبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي، وخالد هو ابن المُحَرّث بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحرث

(5)

بن تميم بن سعد بن هذيل، كان مسلمًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره.

ولا خلافَ أنه جاهلي إسلامي تُوُفِّيَ في خلافة عثمان -رضي اللَّه تعالى عنه- بطريق

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

كلام العيني هنا فيه خطأ، فالأصل في اللقب إذا صحب الاسم وجب تأخير اللقب وتقديم الاسم، ولا يجوز تقديم اللقب على الاسم إلا في ضرورة الشعر؛ كبيت الشاعر هنا، وهو قوله:

بأن ذا الكلب عمرًا خيرهم حَسَبًا

ببطن شريان يعوي حوله الذيب

أما إذا اجتمع اللقب مع الكنية جاز تقديم أيهما شئت وتأخير الآخر، وإن اجتمع الاسم مع الكنية جاز تقديم الاسم وتأخير الكنية ويجوز العكس. ينظر توضيح المقاصد للمرادي (1/ 170)، وابن الناظم (28)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 173) وما بعدها، وشرح الأشموني (1/ 129)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 71).

(3)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 174).

(4)

البيت من بحر المتقارب، وهو لأبي ذؤيب الهذلي، وانظر المقطوعة كلها في ديوان الهذليين (1/ 64).

(5)

في (أ): الحارث.

ص: 360

مكة فدفنه ابن الزبير رضي الله عنهما، وقيل: إنه مات بمصر منصرفًا من إفريقية، وكان غزاها مع عبد الله بن الزبير، وقيل: إنه مات بأرض الروم في الغزاة ودُفن هناك، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- ندبه إلى الجهاد، فلم يزل يجاهد حتى مات بأرض الروم، فدفنه ابنه عبيد اللَّه، وهو من قصيدة يائية، وأولها قوله:

1 -

عَرَفْتُ الدِّيَارَ كَرَقْمِ الدُّوى

يَزْبُرُهُ الكَاتبُ الحِمْيَرِيُ

2 -

بِرَقْمٍ وَوَشْيم كَمَا زَخْرَفَتْ

بِمَيشَمِهَا المُزْدَهَاةُ الهَدِيُ

3 -

أَدانَ وَأَنْبَأَهُ الأوَّلونَ

بأن المُدَانَ مَلِيٌّ وَفِيُ

4 -

فَنَمْنَمَ فِي صُحُفٍ كالرِّيَا

ط فيهِنّ إرْثُ كِتَاب مَحِيُ

5 -

عَلَى أَطْرِقَا بَالِيَاتُ الخيا

م إلا الثمَامُ وإلا العِصِي

6 -

فلم يبقَ منها سِوى هَامدٍ

وسَفْع الحُدُودِ مَعًا والنؤيُ

7 -

وأشعَثَ في الدَّارِ ذِي لِمَّة

لَدَى إرْثِ حَوْضٍ نَفَاهُ الأَثِيُ

8 -

كَعُوذِ المُعَطَّفِ أحْزَى لها

بمصْدَرِةِ الماءِ رأمٌ رَذِيُ

9 -

فَهُنّ عُكُوفُ كنَوْحِ الكريـ

ـم قد لاح أكبادَهُن الهَويُ

10 -

وأنسى نُشَيبَةَ والجاهلُ

المغمَّرُ يَحْسَبُ أني نَسِيُ

11 -

على حين أَنْ تَمَّ فيه الثلا

ثُ حَدٌّ وَجُوُد ولُبٌ رَخِيُ

12 -

ومن خير ما عَمِلَ النِاشِئُ الـ

ـمُعَمَّمُ خِيرٌ وزنْدٌ وَرِيُ

13 -

وصبرٌ على حَدَثِ النَّائِبَا

تِ وحلمٌ رَزِينٌ وقَلْبٌ ذَكِيُ

14 -

يَسُرُّ الصديقَ وَيُبِكي العدوّ

ومردى حروب رضي نديُ

وهي من المتقارب وأصله في الدائرة "فعولن" ثمان مرات؛ وفيه الثلم بالثاء المثلثة؛ وهو أن تخرم سالمًا، والخرْم: أن تسقط أول الوتد المجموع في أول البيت، والسالم: الجزء الذي لا زحاف فيه فيصير: عولن فيرد إلى فعلن.

وهذه القصيدة تروى مطلقة مرفوعة، وتروى مقيدة ساكنة، فمن أطلقها كانت من الضرب الأول ووزنه فعولن، ومن قيدها كانت من الضرب الثاني وهو المحذوف.

1 -

قوله: "كرقم الدوى" الرقم: الكتابة، قال تعالى:{كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين: 20] والدُّوى بضم الدال؛ جمع دوى، وهو جمع دواة، وهو ما يكتب منها. وذكر صاحب الاقتضاب

(1)

أن

(1)

ابن السيد البطليوسي: هو عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي، عالم قرطبة، وصاحب المصنفات الكثيرة، =

ص: 361

جمع دَوَاةٍ دَوَيَات؛ كما يُقَالُ: قَنَاةُ وقَنَوَات، ويقال: دَوَاةٌ وَدُوي؛ كما يقال: قناة وقُنيّ ثم قال: وزن دواة من الفعل فعلة، وأصله: دَوَيَة، تحركت الياء وقبلها فتحة فانقلبت ألفًا، ويدل على أن لامها ياء قولهم في جمعها: دويات، وقال أيضًا: اشتقاق الدواة من الدواء؛ لأن بها صلاح أصر الكاتب؛ كما أن بالدواء صلاح أمر الجسد، ويقال للذي يبيع الدواة دَوّاء؛ كما يقال لبائع الحِنْطة حَنَّاط، والذي يعملها مُدَوٍّ؛ كما يقال: للذي يعمل القناة مُقَنٍّ، وللذي يحملها داوٍ؛ كما يقال للذي يحمل السيف سائف

(1)

. قوله: "بزِبْرِه" أي: يكتبه من زَبَر يَزْبُر زَبْرًا إذا كتب، ومنه الزبور: جمع زِبر بكسر الزاي، وهي الكتابة، و "الحميَرِيّ" نسبة إلى حِميَر، وهو قبيلة.

2 -

قوله: "ووشم" أي نقش، و"زخرفت" أي: زينت، و "الميشم" بكسر الميم: إبرة تضرب بها المرأة في يدها وكفها ثم تجعل عليها النؤور، قوله:"المزدهاة" بضم الميم وسكون الزاي المعجمة؛ وهي التي استخفها عجب بنفسها، و"الهدي": العروس التي هُديت إلى زوجها.

3 -

قوله: "أدان" أي باع بيعًا إلى أجل فصار له دَين على الناس، قوله:"وأنبأه الأولون" أي الناس الأولون، و "المدان": بضم الميم الذي عليه دين.

4 -

قوله: "فنمنم"، أي: نقش، والنمنمة: النقش، ويروى: فينظر في صحف، أي: هذا الحميري ينظر في صحف من عليه دَين، "كالرياط" بكسر الراء وتخفيف الياء آخر الحروف وهي الملاية

(2)

التي لم تلفق نسجت وحدها، وكل ملاءة لم تلفق فهي ريطة.

5 -

قوله: "على أطرِقا" بفتح الهمزة وسكون الطاء وكسر الراء وهو اسم علم على مفازة

(3)

من أطرق إذا سكت ونظر إلى الأرض سميت بذلك؛ لأن السالك فيها يقول لصاحبيه أَطْرقا مخافة ومهابة. وقال ابن يعيش: أطرقا اسم بلد، قال الأصمعي سمي به أطرق، أي اسكتا كأن ثلاثة، قال أحدهم لصاحبيه أطرقا أي اسكتا لنسمع، فسمي المكان أطرقا

(4)

.

قوله: "باليات" جمع بالية، من البلى بكسر الباء الموحدة، يقال: بلى يبلي إذا خلق، و "الخيام" جمع خيمة، و"الثمام" بضم [الثاء]

(5)

المثلثة وخفيف الميم؛ نبت يحشى به فُرَج البيوت،

= منها: الاقتضاب في أدب الكتاب، واصلاح الخلل، والحلل في شرح أبيات الجمل، وغير ذلك (ت 521 هـ). بغية الوعاة (2/ 55).

(1)

في (أ): لصاحب السيف، وانظر هذا النقل الطويل من كتاب الاخضاب، القسم الأول من الكتاب المذكور (161، 162)، تحقيق مصطفى السقا، وزميله، ط الهيئة العامة للكتاب (1981 م).

(2)

في (أ): ملاءة.

(3)

في (أ): لمفازة.

(4)

آخر كلام ابن يعيش، انظر شرح المفصل (1/ 31).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 362

وأراد به: ما يستر به جوانب الخيمة، و "العصى" بكسر العين؛ جمع عصا، وأراد بها: قوائم الخيمة.

المعنى: عرفت ديار المحبوبة كأنها مرقومة رقمها الكاتب الحميرى، يعني: صَفُرَتْ وانْدَرَسَتْ آثَارُهُا وعَرَفْتُ دِيَارَهَا على هذهِ المفازة قد بلِيَتْ خِيامُها إلا ثُمَامها وعصيّها، فإنها بقيت وما بَلِيَتْ.

6 -

قوله: "هامد" بكسر الميم، وهو الرماد، و "السُّفْع" بضم السين المهملة وسكون الفاء وفي آخره عين مهملة؛ وهي الأثافي [قد]

(1)

سفعتها النار؛ أي غيرتها، قوله:"والنَؤِيّ" بضم النون وكسر الهمزة؛ جمع نؤى بضم النون وسكون الهمزة؛ وهي حفرة

(2)

تحفر حول الخيام لتدفع المطر.

7 -

و "الأشعث": المغبر الرأس، [وأراد به ها هنا: الوتد]

(3)

، و "اللمة" بكسر اللام؛ الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغت المنكبين فهي: الجمة، قوله:"لدى إرث حوض" أي: عند أصْل حوض.

8 -

قوله: "كعوذ المعطف"

(4)

العوذ من الإبل: الحديثات النتاج، وهو بضم العين المهملة وسكون الواو وفي آخره ذال معجمة؛ جمع عائذ مثل: حائل وحول، ويجمع أيضًا على عُوذان مثل راع ورعيان، و"المعطف": الذي يعطف.

قوله: "أحزى" أي: أشرف لها، قوله:"بمصدره" الماء؛ حيث تصدر عن الماء، و "أحزى" بالزاي المعجمة، و "الرأم": ولد الرذيُ، وهو الملقي الضعيف. كذا فسره الباهلي

(5)

، ويقال: رأم بسكون الهمزة، وقال الجوهري: الرَّذِيّةُ: الناقَةُ المَهْزُولَةُ في السير، والجمع: الرَّذِايَا، والذكَرُ الرَّذِي بفتح الراء وكسر الذال المعجمة وتشديد الياء

(6)

.

9 -

قوله: "عكوف" أي: قد عكفن على الرأم؛ أي كما يعكف النواح على الميت، و"الهَويّ"

(7)

هو الرجل إذا وقع في هلكة، والمعنى: أن أكبادهن قد هوت للحزن.

10 -

قوله: "وأنسى" يريد: لا أنسى نَشِيبَةً، و"المغمر": الذي لم تحكمه الأمور ولم يجربها،

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): حفيرة.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

في (ب): كعوذ المعطف.

(5)

هو أبو نصر أحمد بن حاتم الباهلي، صاحب الأصمعي، أقام ببغداد، وألف النبات والشجر واشتقاق الأسماء وما يلحن فيه العامة (ت 231 هـ). البغية (1/ 301).

(6)

الصحاح للجوهري، مادة:"رذي".

(7)

في (أ): هوي الرجل.

ص: 363

و"نشيبة" بنت عمه.

11 -

قوله: "حد" أي: بأس، "وجود" أي: عطاء

(1)

، و "لب رخي" أي: صدره واسع.

12 -

و "الناشئ" الشاب، و"المعمم المسود" الذي عمه القوم أمرهم، و "الخير": الكرم، و"الزند": الذي تخرج منه النار، و "الوري": السريع الإخراج للنار.

الإعراب:

قوله: "على أطرقا": جار ومجرور يتعلق بقوله: "عرفت"، وموضعها النصب على الحال من الديار، والتقدير: عرفت الديار على أطرقا، أي: في هذه الحال، قوله:"باليات الحيام": نَصْبٌ على الحال من الديار، وليس ذلك من قبيل إضافة الموصوف إلى صفته، بل هو من قبيل إضافة البيان نحو قولهم: أخلاق ثياب، ويجوز رفع باليات على الابتداء، وخبره قوله:"على أطرقا"، قوله:"إلا الثُّمَامُ وإلا العصي" استثناء منقطع، لأنه من موجب

(2)

.

ويروى: إلا الثمام

(3)

بالرفع والنصب، فمن نصبه فلا إشكال فيه؛ لأنه استثناء من موجب كما ذكرناه، ومن رفع فعلى الابتداء، والخبر محذوف والتقدير: إلا الثمام وإلا العصي لم تُبلَ، ومن نصب الثمام ورفع العصي، فإنه يحمله على المعنى، وذلك لأنه لما قال: بليت إلا الثمام، كان معناه: بقي الثمام فعطف على هذا المعنى، ويروى برفعهما من باب الإتباع على المعنى دون اللفظ نحو: أعجبني ضرب زيد العاقل، برفع العاقل، أو يكونان بدلين على اللغة القليلة

(4)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "على أطرقا" فإنه اسم علم منقول من فعل الأمر؛ كما ذكرناه

(5)

.

(1)

في (أ): إعطاء.

(2)

صوابه: لأنه من غير جنس المستثنى منه.

(3)

في (أ): ويروى: الثمام.

(4)

ينظر هذا الأعراب في شرح المفصل لابن يعيش (1/ 31).

(5)

والعلم المنقول: إما منقول عن اسم أو فعل أو صوت. والمنقول عن فعل: إما فعل ماض نحو شمر اسم رجل، وإما فعل مضارع نحو يشكر، وإما فعل أمر نحو: إصْمِتَ وإصْمِتَةَ وأطرقا والألف فيه ألف التثنية. ينظر شرح المفصل لابن يعيش (1/ 29، 30)، خزانة الأدب (2/ 317)(بولاق).

ص: 364

‌الشاهد التاسع والثمانون

(1)

،

(2)

لأُنِكحَنّ

(3)

بَبَّهْ

جَاريَةً خِدَبَّه

مُكْرَمَةً مُحَبّهْ

تَجِبُّ أَهْلَ الكَعْبَهْ

أقول: قائله هي هند بنت [أبي]

(4)

سفيان بن حرب بن أمية، كانت لَقَّبَتْ به ابنَها في صغره تُرَقِّصُه، فَتعُول:

لأنكحَن ببه .... ......................... إلخ

وابنها هو عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب والي البصرة، وهو الذي اتفق عليه أهل البصرة عند موت يزيد بن معاوية حتى يتفق الناس على إمام، وإنما فعلوا ذلك؛ لأن أباه من بني هاشم وأمه من بني أمية، سكن البصرة ومات بِعُمان سنة أربع وثمانين.

وقال ابن الأثير: له ولأبيه صحبة

(5)

، وقيل: إن له إدراكًا ولأبيه صحبة، ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، وأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فحنكه ودعا له، يكنى أبا محمد، وقيل: أبا إسحاق، وتلقب

(6)

ببهْ وببهْ في الأصل: الأحمق، كذا قاله الخليل

(7)

، ويقال للشاب الممتلئ البدن نعمة: ببهْ.

وقال الجوهري: يقال للأحمق الثقيل: بَبَّةٌ، وهو لقب عبد اللَّه بن الحارث ثم قال: وهو -أيضًا- اسمُ جَارِيَةٍ، ثم قال: قال الراجز:

لأُنكِحَن ببهْ

................... إلخ

(8)

.

فهذا مخالف لما ذكره أهل العربية من أن المراد بـ "ببه" في قوله: "لأنكحن ببه" هو عبد الله بن الحرث، كما ذكرناه، فعلى قوله يكون قوله:"جارية خدبة" عطف لقوله: جارية ببة، أو بدلًا، وعلى قولهم هو مفعول: لأنكحن على ما نذكره الآن.

(1)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 177).

(2)

الأبيات من بحر الرجز المنهوك، وإن كان مقطوع الضرب، قالتها: هند بنت أبي سفيان، وانظرها في شرح الأشموني (1/ 132)، والخصائص (2/ 217)، والمنصف (2/ 182)، وسر صناعة الإعراب (599)، والدرر (1/ 121)، والحمامة البصرية (2/ 402).

(3)

في (أ): لأَنكحن، وشرح الأشموني (1/ 132).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ينظر الكامل في التاريخ لابن الأثير (4/ 126)، والإصابة في تمييز الصحابة (1/ 306).

(6)

في (أ): ويلقب.

(7)

اللسان، مادة:"ببب"، وفي (أ):"قال" مكان: "قاله".

(8)

الصحاح للجوهري، مادة:"ببب".

ص: 365

قوله: "خدبة" بكسر الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة؛ أرادت بها الجارية المشتدة الممتلئة اللحم، ويقال للبعير الشديد الصلب: خِدب

(1)

، قوله:"تجِبّ" بكسر الجيم

(2)

؛ أي: تغلب أهل الكعبة في الحسن والجمال، يفال: جبّه إذا غلبه، وجبَّت فلانة النساءَ إذا غلبتهن بالحسن، قال ثعلب:

جبت نساء العالمين بالسبب

الإعراب:

اللام في: "لأنكحن" لام التأكيد، و"أنكحن": جملة من الفعل والفاعل، وهو من الإنكاح، و"ببّه" مفعوله، و"جارية" مفعول ثانٍ، وليس مجيء مفعولين لفعل واحد مقتصرًا على أفعال القلوب، وهذا باب ليس فيه عدد محصور، وإنما الفرق في أن أفعال

(3)

القلوب يكون المفعول الثاني عين الأول، وفي غيرها غير الأول نحو: أعطيت زيدًا درهمًا، فافهم

(4)

.

قوله: "مكرمة محبهْ": صفة بعد صفةٍ لجارية، وكذلك قوله:"تجب أهل الكعبة": صفة أخرى، ولكنها جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وهو "أهل الكعبة"، وما قبله من الصفات مفردة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لأنكحن ببهْ"، لأنه علم منقول من الصوت وهو (ببهْ)، فإنه منقول من الصوت الذي كانت هند ترقصه به

(5)

.

(1)

الصحاح للجوهري، مادة:"خدب"، وينظر اللسان، مادة:"خدب"، ومادة:"جَبَبَ".

(2)

قال في اللسان: "تجب" بضم الجيم، وضبطها بالضم، والعيني ضبطها بالكسر، ففي اللسان مادة "ببب" يقول: "بيَّةُ حكاية صوت صبي قالت هندُ بنت أبي سُفيان تُرَقِّصُ ابنها عبدَ الله بنَ الحَرِث:

لأُنكحن بَبَّهْ جارِيةً خدَبَّه

مُكرَمةً مُحَبَّه. تَجُبُّ أَهل الكَعْبه

أي تغْلِبُ نساءَ قُرَيش في حسنها، ومنه قول الراجِز: جَبت نِساءَ العالمينَ بالسَّبَبْ).

(3)

في (أ): الفرق أن في أفعال.

(4)

الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين على ضربين: أحدهما: ما يتعدى إلى مفعولين ويكون الأول منهما غير الثاني وهي أعطى وأخواتها، ومن هذا النوع أفعال تتعدى إلى مفعولين إلا أنه يتعدى إلى الأول بنفسه من غير واسطة، وإلى الثاني بواسطة حرف الجر ثم اتسع فيه فحذف حرف الجر وهي: اختار واستغفر وسمى وكنَّى وغيرها، والضرب الثاني: ما يتعدى إلى مفعولين، وكون الثاني هو الأول في المعنى، وهي ظن وأخواتها الداخلة على المبتدأ والخبر. شرح المفصل لابن يعيش (7/ 63، 64)، وشرح ابن الناظم (97).

(5)

قال ابن مالك: "النوع الثالث من أنواع العلم المنقول: العلم المنقول عن صوت نحو: ببة فهو منقول من قولهم: للصبي السمين: ببة". شرح التسهيل لابن مالك (1/ 172)، وابن يعيش (1/ 32).

ص: 366

‌الشاهد التسعون

(1)

،

(2)

وبايَعتُ أقوامًا وَفَيتُ بعَهْدِهم

وَببَّةٌ قد بايعته غيرَ نَادِمٍ

أقول: قائله هو الفرزدق، وقد ترجمناه

(3)

.

وهو من الطويل.

قوله: "بايعت" من المبايعة، وهي المعاقدة والمعاهدة، كأن كل واحد من المبايعين باع ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصة نفسه، وطاعته، ودخيلة أمره.

الإعراب:

قوله: "وبايعت": جملة من الفعل والفاعل، و"أقوامًا" مفعوله، قوله:"وفيت بعهدهم": جملة حالية بتقدير قد، أي: حال كوني قد وفيت بعهدهم.

فإن قلت: كيف يكون وافيًا بعهدهم في حال المبايعة، والوفاء لا يكون إلا بعدها.

قلت: هذه من الأحوال المنتظرة المقدرة، والتقدير: مقدر الوفاء على مبايعتي.

قوله: "وببة" مبتدأ، والجملة أعني قوله:"قد بايعته" خبر، قوله:"غير نادم" كلام إضافي نصب على الحال من الضمير المرفوع من بايعته، وأراد الفرزدق بببة هذا عبد الله بن الحرث، قال الجوهري: ببة: لقب عبد الله بن الحرث والي البصرة، قال الفرزدق، وأنشد البيت المذكور

(4)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ببه" والكلام فيه كالكلام في الذي قبله، وهو ظاهر.

‌الشاهد الحادي والتسعون

(5)

،

(6)

أنا اقْتَسَمْنَا خُطَّتَينَا بَيْنَنَا

فَحَمَلْتُ بَرَّةَ واحتَمَلْتَ فَجَارِ

أقول: قائله هو النابغة الذبياني، واسمه: زياد بن معاوية، وقد ترجمناه فيما مضى

(7)

وهو

(1)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 179).

(2)

البيت من بحر الطويل، وقد نسب للفرزدق، وبحثنا عنه طويلًا فلم نجده في ديوانه، وانظره في لسان العرب، مادة:"ببب".

(3)

سبقت ترجمته في الشاهد (10) من هذا الكتاب.

(4)

لم نعثر عليه في الصحاح للجوهري، مادة:"ببب".

(5)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 185).

(6)

البيت من بحر الكامل، وهو للنابغة الذبياني، في ديوانه (59) ط. دار صادر، وانظر ابن يعيش (4/ 53)، والتصريح (1/ 125).

(7)

راجع ترجمته في الشاهد رقم (5) من هذا الكتاب.

ص: 367

من قصيدة يهجو بها زُرْعة بن عمرو بن خويلد الفزاري حيث لقيه بعكاظ، فأشار عليه أن يشير على قومه بقتل بني أسد وتَرْكِ حِلْفَهم، فأبى النابغة [الغدر]

(1)

[وبلغه]

(2)

أن زُرْعة يتوعده، فقال يهجوه:

1 -

نُبِّئْتُ زُرْعَةَ والسَّفَاهَةُ كاسْمِهَا

يُهْدِي إِلَيَّ غَرَائِبَ الأَشْعَارِ

2 -

فَحَلَفْتُ يَا زُرْعَ بن عمرو إِنَّنِي

مِمَّا يَشُقُّ عَلَى العَدُوِّ ضِرَارِي

3 -

أرأيتَ يَوْمَ عُكَاظٍ حين لقِيتَنِي

تحت العَجَاجِ فَمَا شَقَقْتَ غُبَارِي

4 -

أنَا اقْتَسَمْنَا خُطَّتَينَا بَينَنَا

فَحَمَلْتُ بَرَّةَ واحتَمَلْتَ فَجَارِ

5 -

فَلَتَأْتِيَنَّكَ قَصَائِدُ وَلَيَدْفَعَنْ

جيشًا إِلَيكَ قَوَادِم الأكوارِ

6 -

رَهْطُ ابنُ كُوزٍ مُحْقِبِي أَذرَاعِهِم

فيهم ورهطُ رَبيعَةَ بنِ حُذَارِ

7 -

ولرهطِ حَرَّابٍ وَقَدٍّ سُورةٌ

في المجدِ ليس غرابُها بمُطار

8 -

وبنو قعين لا مَحَالةَ أنهم

آتوْكَ غَيرَ مُقَلَّمِي الأَظْفَارِ

وهي من الكامل، وفيه الإضمار وهو مستفعلن، والقطع وهو: فعلاتن، فإن قوله:"فجار"[فعلاتن]

(3)

مقطوع.

1 -

قوله: "نُبّئِت"، أي: أُخْبِرْتُ ومعنى "والسفاهة كاسمها" أن معناها قبيح كاسمها، قوله:"يهدي إلي غرائب الأشعار" يعني: أنه غير مشهور بالشعر ولا منسوب إليه، فالشعر من قِبَلِه غريب؛ إذ ليس من أهله.

2 -

قوله: "يا زرع" منادى مرخم أصله: يا زرعة بن عمرو، و "الضرار": الدنو من الشيء واللصوق به، يقول: أنا قوي عزيز فالعدو يكره مجاورتي له، وإنما يفخر بهذا على زرعة بن عمرو.

3 -

قوله: "فما شققت غباري"[معناه: سبقتك بالمفاخرة وبَعُدَ بيني وبينك؛ فلم تلحقني ولا شققت غباري]

(4)

، يقال: فلان ما شق غبار فلان؛ أي: ما لحقه ولا سعى سعيه، وأصل هذا المثل في الفرس الجواد الذي يسبق الخيل وينسلخ منها فلا يُلْحَق ولا يُشَق غباره، ويروى: فما حططت غباري، أي فما استطعت أن تُلقي عنك غباري، يعني: غبار الحرب، وقيل المعنى: لم يرتفع غبارك فوق غباري. ويروى فما خططت غباري بالخاء المعجمة؛ أي ما دخلت فيه، والغبار: العجاج، و"عكاظ" أحد مواسم العرب.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 368

4 -

قوله: "أنا اقتسمنا خطتينا"

(1)

هذا مثل، أي: كانت لي ولك خطتان فأخذتُ أنا البرة وأخذتَ أنت الفجرة، و"الخطة": القصة والخصلة، وإنما قال [ذلك]

(2)

؛ لأن زرعة دعاه إلى الغدر ببني أسد ونقض حلفهم، فأبَى ذلك ولزم الوفاء والبر، ونسب زرعة إلى الغدر والفجور، و "بَرّة": اسم علم وضع من البر فلم يصرفه؛ لأنه معرفة مؤنث

(3)

؛ لأنه اسم للخطة، و"فَجَارِ": اسم معدول عن الفجور معرفة، فبناه كما بنيت حَذَامِ وقَطَامِ

(4)

.

فإن قلتَ: لمَ قال في الإخبار عن نفسه فحملت، وفي الإخبار عن نفس زرعة احتملت، فما الفرق بينهما؟

قلتُ: العرب إذا استعملت فعل وافتعل بزيادة التاء وبغير الزيادة، كان الذي لا زيادة فيه يصلح للقليل والكثير، والذي فيه [الزيادة]

(5)

للكثير خاصة نحو: كسب واكتسب، ونهب وانتهب، وأراد [النابغةُ]

(6)

أن يهجو زرعة بكثرة غدره وإيثاره الفجور، فذكر اللفظة التي يراد بها التكثير خاصة ليكون أبلغ في الهجو

(7)

. ولو قال: وحملت فجار؛ لاحتمل ألا يكون غدر إلا مرة واحدة. وأما قوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] ، فالوجه فيه أنه لما كان الإنسان يجازى على قليل الخير وكثيره استعمل فيه اللفظ الذي يصلح للقليل والكثير، ولما كان الإنسان لا يجازى إلا على الكبائر دون الصغائر؛ لأن الصغائر معفو عنها غير مجازى بها، استعمل معها اللفظ الذي لا يكون إلا للتكثير

(8)

.

5 -

قوله: "فَلَتَأْتِيَنَّكَ قَصَائِدُ" يتوعده بالهجو والغزو إليه، قوله:"وَلَيَدْفَعَنْ جَيشًا إِلَيكَ قَوَادِم الْأَكْوَارِ" يريد أنهم يركبون الإبل ويقودون الخيل، والأكوار: الرواحل، وواحد القَوَادِمِ: قَادِمٌ، وهو من الرحل بمنزلة القربوس من السّرج.

(1)

في مجمع الأمثال للميداني: "ما يشق غباره: يراد أنه لا غبار له فيشق، وذلك لسرعة عدوه وخفة وطئه

وقال النابغة:

أعلمت يوم عكاظ حين لقيتني

تحت العجاج فما شققت غباري

يضرب لمن لا يجارى؛ لأن مجاريك يكون معك في الغبار، فكأنه قال: لا قرن له يجاريه. وهذا المثل من كلام قصير لجذيمة، وقد مر ذكره في باب الخاء عند قصة الزباء".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

يمنع الاسم من الصرف للعلمية والتأنيث سواء أكان مؤنثًا لفظًا كحمزة، أم معنويًّا كزينب، أم هما معًا كفاطمة وبرة. ينظر ابن يعيش (1/ 60).

(4)

ينظر توضيح المقاصد للمرادي (4/ 159، 160)، ابن يعيش (4/ 64).

(5)

و

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(7)

في (أ): الفجور.

(8)

في (أ): للكثير.

ص: 369

6 -

قوله: "ابن كُوزٍ" بالزاي المعجمة؛ رجل من بني أسد، وكذلك ربيعة بن حُذَار، وحذار بضم الحاء المهملة وتخفيف الذال المعجمة، وكان ربيعة حكمًا في الجاهلية.

7 -

و"الحرّاب" بتشديد الراء؛ رجل من بني أسد، وكذلك "قدٍّ" بالقاف وتشديد الدال، وقال الكلبي

(1)

: هما من بني والبة، و:"السُّوَرة": المنزلة الرفيعة، قوله: " [ليس]

(2)

غرابها بمطار، يعني: شرفهم ثابت باقٍ ليس بزائل، وكانوا إذا وصفوا المكان بالخصب وكثرة الشيء يقولون: لا يطير غرابه، يريدون أنه يقع في مكان فيجد ما يشبع به، فلا يحتاج إلى أن يتحول ويطير إلى غيره.

8 -

قوله: "آتوْكَ غَيرَ مُقَلَّمِي الأَظْفَارِ" أي: يأتونك متهيئين لمحاربتك وسلاحهم كامل ولا يأتونك

(3)

مسالمين بلا سلاح، وضرب الأظفار مثلًا للسلاح؛ لأن أكثر السباع وجوراح الطير تصيد بمخالبها وتمتنع بها، و"بنو قعين": حي من بني أسد.

الإعراب:

قوله: "أنَّا" بفتح الهمزة ها هنا؛ لأنها وقعت مفعولًا لقوله: "أعَلِمْتَ يوم عكاظ" في البيت السابق، ويروى: أرأيت، وأن: حرف من الحروف المشبهة بالفعل، و (نا) اسمه، و"اقتسمنا" خبره وأن مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي "أرأيت" أو أعلمت في البيت السابق، قوله:"خطتينا": كلام إضافي مفعول "اقتسمنا"، و"بيننا" ظرف لقوله اقتسمنا، قوله:"فحملت" الفاء للتفصيل

(4)

و"حملت" جملة من الفعل، والفاعل وهو "أنا"

(5)

المستتر فيه، وقوله:"برة" مفعوله، قوله:"واحتملت" جملة من الفعل والفاعل وهو "أنا" المستتر فيه، و"فجار" مفعوله.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "برة" وقوله: "فجار" فإنهما من أعلام الجنس المعنوي؛ فإن برة علم للبر، وفجار علم للفجور

(6)

فافهم.

* * *

(1)

في (أ): ابن الكلبي.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

في الأصل: "يأتوك". بحذف النون، ولا وجه لذلك.

(4)

قال أبو حيان: "وتعطف الفاء مفصلًا على مجمل نحو: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: 36]، {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153] ". ارتشاف الضرب (2/ 637).

(5)

يقصد بها تاء المتكلم؛ كما يقصد فيما بعده تاء المخاطب.

(6)

ينظر الكتاب (3/ 274)، وابن يعيش (1/ 38)، (4/ 53)، والخصائص (2/ 298)، والأشموني (1/ 137)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 29).

ص: 370

‌شواهد اسم الإشارة

‌الشاهد الثاني والتسعون

(1)

،

(2)

ذُمَّ المنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوى

والعيشَ بَعْدَ أُولَئكَ الأيَّامِ

أقول: قائله هو جرير بن عطة، وقد ترجمناه

(3)

، وهو من قصيدة ميمية، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

سَرتِ الهُمُومُ فَبتْنَ غَيرَ نِيَامِ

وأخُو الهُمُومِ يَرُومُ كُل مَرَامِ

2 -

وإذا وقفتُ على المنَازل بِاللّوى

فَاضَتْ دُمُوعِي غَيرَ ذَاتِ نظَامِ

3 -

طَرَقَتْكَ صَائِدَةُ القُلُوبِ وَلَيسَ ذَا

وَقْتَ الزِّيَارَة فَارْجعِي بِسَلامِ

4 -

لولا مراقبةُ العُيونِ أَرَيْنَنَا

مُقْلَ المَهَا وسَوَالِفَ الأرَامِ

5 -

هَلْ يهنينك أَنّ قَتَلْن مُرَقَّشًا

أو مَا فَعَلْنَ بعُرْوَة بن حزام

6 -

ذُمَّ المنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوى

والعيشَ بَعْدَ أُولَئكَ الأيَّامِ

7 -

تُجْري السوَاكَ عَلَى أَغَرّ كأنه

بَرَدٌ تحدَّر من مُتُونِ غَمَامِ

8 -

لو كَنتِ صادقةً بما حَدّثْتِنَا

لوَصَلْت ذاك فكان غير لمّامِ

وهي من الكامل وفيه الإضمار والقطع، والإضمار هو تسكين الثاني فيصير: متفاعلن، فيرد إلى مستفعلن، والقطع: حذف ساكن السبب ثم إسكان متحركه في الوتد.

(1)

ابن الناظم (30)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 96)، وشرح ابن عقيل (1/ 132).

(2)

البيت من بحر الكامل، وهو من قصيدة يهجو بها الفرزدق، بدأها بالغزل، والشاهد في الخزانة (5/ 430)، والتصريح (1/ 128)، وحاشية الصبان (1/ 139)، والمقتضب (185).

(3)

انظر الشاهد رقم (6) من هذا الكتاب.

(4)

الديوان (416) ورواية بيت الشاهد هي:

................................ .... والعيش بعد أولئك الأقوام

ص: 371

1 -

قوله: "يَروم" أي: يطلب

(1)

، "كل مرام" أي: كل مطلب.

قوله: "باللوى" بكسر اللام؛ اسم موضع، و"المنازل": جمع منزل أو منزلة؛ كمساجد أو كمحامد، وهو أولى لقوله فيما بعد: منزلة اللوى.

3 -

قوله: "طرقتك" من طرقه إذا أتاه ليلًا، وقد عيب عليه في هذا البيت؛ إذ طرد خيال محبوبته، وأجيب بأنه طرقه في حال السفر فأشفق عليه من الخطر

(2)

.

4 -

و: "المُقَل" بضم الميم؛ جمع مقلة العين، و"المها" بفتح الميم جمع مهاة، وهي البقرة الوحشية، و "السوالف" جمع سالفة، وهي ناحية مقدم العنق من لدن معلِّق القِرْط إلى الترقوة، و"الآرام": جمع رئم بكسر الراء وسكون الهمزة، وهو الظبي الأبيض الخالص ويسكن في الرمل.

قوله: "ذم المنازل" أمر، من ذم يذم، ويجوز في الميم الحركات الثلاث، أما الفتح فللتخفيف، وأما الضم فللإتباع، وأما الكسر فلأن الأصل في تحريك الساكن التحريك بالكسر، وهو الأرجح ودونه الفتح وهو لغة بني أسد، والضم دونه

(3)

.

ومعنى البيت: لا منزلة أطيب من منزلة اللوى، ولا عيش بعد عيشنا في تلك الأيام التي مضين.

الإعراب:

قوله: "ذم"

(4)

جملة من الفعل والفاعل وهو "أنت" مستتر فيه، و:"المنازل" مفعوله، و"بعد" نصب على الظرف أو حال من المنازل، وفيه حذف تقديره: بعد مفارقة منزلة اللوى.

قوله: "والعيش" عطف على المنازل، وقوله:"الأيام" إما صفة للإشارة، أو عطف بيان، ويروى: الأقوام بدلًا من الأيام، فحينئذ لا [شاهد]

(5)

فيه. وزعم ابن عطية

(6)

أن هذه الرواية

(1)

في (ب): تروم؛ أي: تطلب.

(2)

في (أ): أمر الخطر.

(3)

قال الزمخشري "وقد حركوا نحو: "رد" "ولم يرد" بالحركات الثلاث ولزموا الضم عند ضمير الغائب، والفتح عند ضمير الغائبة؛ فقالوا: رده وردها، وسمع الأخفش ناسًا من بني عقيل يقولون: مده وعضده بالكسر، ولزموا فيه الكسر عند ساكن يعقبه، فقالوا: رد القوم، ومنهم من فتح، وهم بنو أسد، قال: (فغضّ الطرف إنك من نمير)، وقال: (ذم المنازل بعد منزلة اللوى) ". المفصل للزمخشري (354) ط. دار الجيل.

(4)

قوله: "الإعراب" سقط في (ب).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عبد الرءوف بن عطية أبو محمد الغرناطي، له تفسير القرآن وغيره (ت 540 هـ).

طبقات المفسرين للذهبي (265)، الصلة لابن بشكوال (1/ 367).

ص: 372

في الصواب، وأن الطبري

(1)

غلط؛ إذ أنشده الأيام، وأن الزجاج

(2)

اتبعه في هذا الغلط

(3)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بعد أولئك الأيام" حيث استعمل أولئك في غير العقلاء؛ كما في قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 37]

(4)

.

‌الشاهد الثالث والتسعون

(5)

،

(6)

رَأَيْتُ بَنِي غَبْرَاءَ لا يُنْكِرُونَنِي

وَلا أَهلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ المُمَدَّدِ

أقول: قائله هو طرفة بن العبد بن سعد بن مالك بن ضيعة، وهو من قصيدته المشهورة إحدى المعلقات السبع، وأولها هو قوله:

1 -

لخَوْلَةَ أَطْلالٌ بِبَرْقَةِ ثَهْمَدِ

ظَلِلتُ بِهَا أَبْكِي وَأَبْكِي إِلَى الغَدِ

(7)

2 -

وُقُوفًا بِها صحبي عَلَى مطيَّهُمْ

يَقُولُونَ لا تَهْلَكْ أَسًى وَتَجَلَّدِ

إلى أن قال:

3 -

وَمَا زَال تَشْرَابِي الخُمُورَ وَلَذَّتِي

وبَيعِي وَإنْفَاقِي طَرِيفِي وَمُتْلَدِي

4 -

إِلَى أَنْ تَحَامَتْنِي العَشِرَةُ كُلّهَا

وَأُفْرِدَتْ إِفْرَادَ البَعِيرِ المُعَبدِ

(1)

محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الآمُلِيّ الطبري أبو جعفر، له تفسير القرآن وغيره (ت 310 هـ). طبقات المفسرين للذهبي (2/ 110)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 78)، وانظر في المسألة جامع البيان في تأويل القرآن الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، نشر مؤسسة الرسالة، أولى (1420 هـ)(سورة الإسراء).

(2)

إبراهيم بن السري بن سهل أبو إسحاق الزجاج، ألَّف معاني القرآن وغيره (ت 311 هـ). البغية (1/ 411).

(3)

ينظر الخزانة (5/ 430)، وأثبت فيه صحة ما قاله ابن عطية، ونص ابن عطية في ذلك هو:"وحكى الزجاج أن العرب تعبر عما يعقل وعما لا يعقل بـ"أولئك"، وأنشد هو والطبري:[الكامل].

ذم المنازل بعد منزلة اللوى

والعيش بعد أولئك الأيام

فأما حكاية أبي إسحاق عن اللغة فأمر يوقف عنده، وأما البيت فالرواية فيه الأقوام". المحرر الوجيز.

(4)

"أولاء" يشار بها إلى جمع عاقل أو غير عاقل، وهنا أشير إلى الأيام وهو جمع ما لا يعقل واستدل بالآية. ينظر الخزانة (5/ 430).

(5)

ابن الناظم (35)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 195)، وشرح ابن عقيل (1/ 134).

(6)

البيت من بحر الطويل، مطلع معلقة طرفة بن العبد، وانظره في شرح المعلقات السبع للزوزني (38)، والمعلقات العشر للشنقيطي (42)، والمعلقات العشر لمفيد قميحة (105)، والديوان (19) شرح مهدي ناصر الدين، ط. دار الكتب العلمية، أولى (1987 م).

(7)

هذا البيت عجزه يغاير ما في المعلقة؛ إذ تمامه في المعلقة: (تلوم كباقي الوشم في ظاهر اليد) والبيت الذي أورده العيني يلي هذا البيت، هو البيت الثالث في المعلقة في شرح المعلقات العشر لمفيد قميحة، وهو الثاني في شرح الزوزني والشنقيطي.

ص: 373

5 -

رَأَيتُ بَنِي غَبْرَاءَ لا يُنْكِرُونَني

وَلا أَهلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ المُمَدَّدِ

وهي من الطويل.

1 -

قوله: "لخولة" هي امرأة من كلب، و"الأطلال" جمع طلل وهو ما شَخُص منْ آثار الديار، و"بُرْقة" بضم الباء الموحدة وسكون الراء واحدة البرق وهي أرض ذات حجارة مختلفة الألوان، ومنه الإبراق وهو جبل فيه بياض وسواد.

قوله: "ثهمد" بالثاء المثلثة؛ اسم موضع، قوله:"ظللت بها أبكي"، ويروى:.

..........................

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

أي: تبدو رسومها وتتبين آثارها تَبَيُّن الوشم في الذراع، و"الوشم": نقش يحشى إثما ونؤورًا ويردد ذلك عليه حتى يثبت.

2 -

قوله: "وقوفًا" جمع واقف من قولك: وقفت الدابة إذا حبستها، وانتصابه على الحال أو على المصدر، قوله:"تجلدِ" أي تصبر وتشدد.

3 -

قوله: "تشرابي" تفعالي، من الشرب وهو صيغة مبالغة، و"الطريف" خلاف التليد وهو المستحدث والمكتسب، والتليد ما كان قديما ورثته عن آبائك وكذلك المتلد.

4 -

قوله: "إلى أن تَحَامَتْني العَشِيرَةُ" يقول: أَعْيَيْتُ عُذَّالي على إنفاق المال وشرب الخمر حتى تحاموني وتباعدوني؛ كما يتحامى البعير الأجرب لِئلا يُعْدِي صحاحَ الإبل، و"المعبد" المدلك بالقطران؛ كالطريق المعبد الموطوء، وهو بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة، يقال بعير معبد، أي: مهنوء بالقطران لأجل الجرب، ويقال: المعبد: الجرب الذي لا ينفعه دواء.

5 -

قوله: "رأيت بني غبراء" قال المبرد: أراد ببني الغبراء اللصوص ولم يسمع من أحد غيره

(1)

، وقيل

(2)

: أراد بهم الفقراء والصعاليك

(3)

، وبـ"أهل هذاك الطراف": السعداء الأغنياء، ويقال: أراد ببني غبراء الأضياف

(4)

وقيل

(5)

: أراد بهم أهل الأرض؛ لأن الغبراء اس

(1)

انظر الكامل للمبرد (1442) وروايته فيه:

وتعصير يومِ الدَّجنِ والدَّجْنُ مُعْجِبٌ

بِبَهْكنةٍ تحت الطراف الممدَّدِ

ولا يوجد فيه هذا التفسير؛ كما أن المقتضب لا يوجد فيه هذا البيت.

(2)

في (أ): ويقال.

(3)

اللسان، مادة:"غبر".

(4)

ينظر شرح المعلقات للخطيب التبريزي (131) تحقيق د. فخر الدين قباوة، منشورات دار الآفاق الجديدة، ثالث، (1979 م).

(5)

في (أ): ويقال.

ص: 374

الأرض أو صفة لها، وبنوها أهلها و"الطراف" بكسر الطاء وتخفيف الراء وفي آخره فاء؛ هو يت من أدم.

الإعراب:

قوله: [رأيت]

(1)

بمعنى أبصرت، و"بني غبراء" كلام إضافي مفعوله، وقوله:"لا ينكرونني" حال ويجوز أن يكون رأيت بمعنى علمت، فيكون بني غبراء مفعوله الأول، ولا ينكرونني ومفعوله الثاني. و"ولا أهل" بالرفع عطف على الضمير المرفوع في "لا ينكرونني" للفصل بينهما بالمفعول، و"المدد" صفة للطراف.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولا أهل هذاك" حيث ألحق الهاء على المقرون بالكاف وهو قليل

(2)

، وقال السيرافي في شرح كتاب سيبويه: إن الهاء تدخل على: هُنَّا وهِنَّا، فتقول: ها هنا [وها هنا]، ولم أعلم جواز دخولها على ثَم، ودخولها على المقرون بالكاف وحدها قليل كقول

(3)

طرفة إلى آخره

(4)

.

‌الشاهد الرابع والتسعون

(5)

،

(6)

هُنّا وهِنّا ومِنْ هنّا لهُنَّ بهَا

ذَاتَ الشَّمَائِل والأيمانِ هَينُومُ

أقول: قائله هو ذو الرمة

(7)

، واسمه غيلان بن عقبة بن بُهيس بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ساعدة بن كعب بن عوف بن ربيعة بن ملكان بن عمرو بن عدي بن عبد مناة بن أدّ بن طايحة

(8)

بن إلياس بن مضر.

وقال الأصمعي: أم ذي الرمة امرأة من بني أسد يقال لها ظبية، وكان له إخوة لأبيه وأمه شعراء، منهم: مسعود وهو الذي يرثي ذا الرمة أخاه، ويذكر ليلى ابنته

(9)

:

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

لم يجعله ابن يعيش قليلًا، ولكنه أجاز الجمع بينهما، ابن يعيش (3/ 13) وما بعدها.

(3)

في (أ): يقول.

(4)

ينظر همع الهوامع للسيوطي (1/ 76)، والأشموني (1/ 65).

(5)

ابن الناظم (31).

(6)

البيت من بحر البسيط، وهو لذي الرمة من قصيدة طويلة عدتها (84 بيت) بدأها بالغزل، ثم أعقب ذلك وصف الصحراء والناقة والليل وغير ذلك، وهي في الديوان (1/ 369)، تحقيق: د. عبد القدوس أبو صالح، وبيت شاهد في المفصل (318)، وابن يعيش (8/ 89 - 149)، والخزانة (11/ 235).

(7)

الديوان (257) بشرح أحمد حسن بسبح، ط. دار الكتب العلمية، أولى (1995 م).

(8)

في (أ): طلحة.

(9)

من الطويل في ديوانه.

ص: 375

إلى الله أشْكُو لا إلَى النَّاسِ أَنَّنِي

وَلَيْلَى كِلانَا مُوجَعٌ مات وَاحِدُه

توفي ذو الرمة سنة سبع عشرة ومائة، ولما حضرته الوفاة قال: أنا ابن نصف الهرم، أي ابن أربعين سنة، وأنشد

(1)

:

يا قَابِضَ الروح عن نَفْسِي إذا احْتُضِرَتْ

وَغَافِرَ الذَّنْب زَحْزِحْنِي عَنِ النَّارِ

وإنما سمي بذي الرمة لقوله يصف الوتد

(2)

:

1 -

لَمْ يُبقِ غيرَ مُثَّلٍ رُكُودٍ

غَيرَ ثَلاثٍ بَاقِيَات سُودِ

2 -

وبَعْدَ مَرْضُوخِ القَفَا مَوْتُودِ

أشْعَثَ بَاقِي رُمَّةِ التَّقْلِيدِ

والرُّمَّةُ بضم الراء وتشديد الميم؛ بَقِيّةُ حَبلٍ خَلِق، ورمت العظام بليت، وقال الجوهري: الرُّمَّم، قطْعَةْ من الحبلِ بَالِيَةٌ، والجمعُ: رُمَمٌ ورِمَامٌ

(3)

، والبيت المذكور من قصيدة ميمية أولها هو قوله:

1 -

أأَنْ تَرَسَّمْتَ مِنْ خَرْقَاءَ مَنْزِلَةً

ماءُ الصَّبَابَةِ مِنْ عَينَيكَ مَسْجُومُ

(4)

2 -

كَأَنَهَا بَعْدَ أَحْوَالٍ مَضَينَ لَهَا

بالأَشْيَمَينِ يَمَانٍ فِيهم تَسْهِيمُ

3 -

أَوْدَى بهَا كُلُّ عَرَّاصٍ أَلثَّ بِهَا

وَجَافِلٌ مِنْ عجاجِ الصَّيفِ مَهْجُومُ

4 -

وَدِمْنةً هَيَّجَتْ شوقي معالِمهُا

كَأَنَّهَا بِالْهِدَمْلاتِ الرَّوَاشِيمُ

5 -

مَنَازِلَ الحق إِذْ لا الدَّارُ نازِحِةٌ

بالأَصْفِيَاءِ وَإذْ لا الْعَيشُ مُذْمُومُ

6 -

قَدْ يَتْرُكُ الأَرْحَبِيُّ الوَهْمُ أرْكُبُهَا

كَأَنَّ غَارِبَهُ يَافوخُ مَأْمُومُ

(5)

7 -

بَينَ الرَّجَا والرَّجَا مِنْ جَنْبِ وَاصِيَةٍ

يَهْمَاءَ خَابِطُهَا بالخَوْفِ مَعْكُومُ

(6)

8 -

لِلْجِنِّ بِاللَّيْلِ في أَرْجَائِهَا زجَلٌ

كَمَا تَنَاوَحَ يوم الريحِ عَيشُومُ

(1)

من البسيط، ديوانه (3/ 1875)، وروايته في الديوان:

يا مخرج الروح من جسمي إذا احتضرتْ

وفارج الكرب زحزحني عن النار

(2)

من الرجز، ديوانه (1/ 328)، وروايته البيت الثاني:

وغير مرضوخ القفا موتود

....................................

اللغة: الرضوخ: كلمة أعجمية، ومعناها: الانكسار، موتود: مذلول ثابت، أشعث: متغير، الرُّمَّة: رأس الوتد، وقطعا حبيل بالٍ، والبيت ورد شاهدًا على تسمية ذي الرمة بهذا الاسم.

(3)

الصحاح للجوهري، مادة:"رمم".

(4)

روايته في الديوان: "عَن ترسمت".

(5)

هذا البيت غير موجود في الديوان.

(6)

هذا البيت ترتيبه في القصيدة رقم (32)، الديوان (1/ 406):

بين الرجا والرجا من جنب واصية

.............................

ص: 376

9 -

هَنَّا وهِنَّا ومن هُنَّا لَهُن بِهَا

ذَاتَ الشمَائِلِ والأَيمَانِ هَينُومُ

10 -

دَويَّة وَدُجَى لَيلٍ كَأَنَّهُمَا

يَمٌّ تَرَاطَنَ في حَافَاتِهِ الرُّومُ

11 -

يجلي بها اللَّيلُ عَنَّا فيِ مَلَمَّعَةٍ

مثل الأديم لها من هَبْنوَةٍ نِيمُ

(1)

12 -

كَأَنَّنَا والقِنَانَ القُودَ تَحْمِلُنَا

مَوْجُ الفُرَاتِ إذا الْتَجَّ الدَّيَامِيمُ

(2)

وهي طويلة من البسيط.

1 -

قوله: "ترسمت" أي: تَبَيَّنْتَ ونَظَرْتَ هل ترى منزل خرقاء؟ وهي امرأة شبب بها ذو رمة

(3)

، و"الصبابة": رقة الشوق، و:"مسجوم": سائل، والمعنى: أماء الصبابة من عينيك سائل؟ لأن ترسمت من خرقاء، فقدم ألف الاستفهام التي كانت في ماء، فصيرها في موضع كان، وموضع أن مخفوض.

2 -

قوله: "بالأشيمين" الأشيمان: جَبَلان من جِبَالِ الدَّهْنَاء، قوله:"يمان" أي: برد يمانية، و"تسهيم": خطوط.

3 -

قوله: "أودى بها" أي: أذهبها، و"العُرّاص" بضم العين

(4)

المهملة وتشديد الراء وفي آخره صاد مهملة؛ وهو الغيم الذي لا يفتر بَرْقُهُ، قوله:"ألث" أي: أقام، وهو بالثاء المثلثة.

قوله: "وجافل" بالجيم، من جفل يجفل، من باب ضرب يضرب يقال: أجفلت الريح التراب إذا طيرته، و"العجاج": الغبار، و"مهجوم": ملقى عليه، يقال هجم عليه بيته، أي: لقاه وهدمه.

4 -

قوله: "ودِمْنَة" بكسر الدال وسكون الميم وفتح النون؛ وهي آثار الناس وما سوّدوا، و"المعالم" ما علم منها، واحدها معلم، و "الهِدَمْلات" بكسر الهاء وفتح الدال المهملة وسكون الميم؛ وهي رمال مستوية والواحد هدملة، و"الرواشيم" جمع روشم، وهو الأثر، وهو الذي يطبع به، والضمير في "كأنها" يرجع إلى دمنة

(5)

، وانتصابها على أنها معطوفة على قوله:"منزلة".

(1)

روايته في الديوان:

حتى انجلى الليل عنا في ملمعة

.............................

(2)

روايته في الديوان:

كأننا والقنان القودَ تحملنا

..............................

(3)

خرقاء: اسم امرأة من بني البكاء تغزل بها ذو الرمة.

(4)

في (أ): بفتح العين.

(5)

في (أ): الدمنة.

ص: 377

5 -

قوله: "منازل الحي" بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي:[هي]

(1)

منازل الحي، ويجوز نصبها على أن يكون بدلًا من دمنة، و"نازحة" أي بعيدة، و"الأصفياء" جمع صَفِيّ وهو الحبيب الوادُّ.

6 -

قوله: "الأرحبي" نسبة إلى أرحب، وهي بطن من همدان، و"الوهم": الجمل الضخم الذلول، و"الأركُب" بضم الكاف؛ جمع ركب وهم ركاب الإبل.

7 -

و"الرجا" بالجيم؛ الطرق

(2)

، و"الواصية" المتصلة بالأخرى، من وصى يصي إذا اتصل. وقال الجوهري: أَرْضٌ وَاصِيَةٌ: مُتصِلَةُ النَّبَاتِ، وَقَدْ وصَتِ الأرضُ إذا اتَّصَل نَبْتُها

(3)

.

قوله: "يَهْماء" بفتح الياءآخر الحروف وسكون الهاء، يقال: طريق يهماء: لا علم بها يهتدى، به لكنها قطع، قوله:"خابطها" بالخاء المعجمة، قال ابن يسعون: الخابط: الماشي في الظلام

(4)

.

قوله: "معكوم" أي: مشدود الفم بالعكام، والعكام بكسر العين؛ الخيط الذي يعكم به، وهذا بتقديم العين على الكاف، وقيل: مكعوم من كعمت البعير إذا شددت بالكعام فمه في هياجه فهو مكعوم، و"الكِعام" بالكسر؛ الذي يجعل في فم البعير، وكعمت الوعاء إذا شددت رأسه.

8 -

قوله: "زجل" بفتح الزاي والجيم، وهو الصوت الرفيع، و"الأرجاء" الأطراف و"العيشوم" بفتح العين المهملة وسكون الياءآخر الحروف وضم الشين المعجمة، وهو ما هاج من الحماض ويبس، الواحدة عيشومة، وقال بعضهم: العيشوم: شجر ينبسط على الأرض فإذا، يبس فللريح فيه زفير

(5)

.

9 -

قوله: "هنا" بفتح الهاء وتشديد النون في الثلاثة كلها، ومنهم من قال:"هنا" الأولى

(6)

بفتح الهاء وتشديد النون، وهنا الثانية

(7)

بكسر الهاء وتشديد النون، وهنا الثالثة

(8)

بضم الهاء وتشديد النون، والكل بمعنى واحد، وهو الإشارة إلى المكان، ولكنها تختلف في القرب والبعد وهنا بالضم يشار بها إلى القريب من الأمكنة، وإلى البعيد بالآخرين

(9)

.

قوله: "لهن" أي للجن، وقال بعضهم: رجوعه إلى العَيشوم أظهر في اللفظ، وإلى الجن

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): الجانب.

(3)

الصحاح للجوهري، مادة:"وصى".

(4)

قال ابن منظور: "وضبط الليل يخبطه خبطًا إذا سار على غير هدى": ينظر اللسان، مادة:"خبط".

(5)

اللسان، مادة:"عشم".

(6)

في (أ): الأول.

(7)

في (أ): الثاني.

(8)

في (أ): الثالث.

(9)

ينظر شرح المفصل لابن يعيش (3/ 137)، شرح التسهيل لابن مالك (1/ 250).

ص: 378

أظهر في المعنى. وهو على حد قوله

(1)

:

وَقَدْ نَظَرَتْ طَوَالِعُكُمْ إِلَينَا

بأَعْينهمْ وَحَقَّقنَ الظُّنُونَا

يريد: طوالع العسكر. فأعاد عليهم ضمير جماعة المؤنث. قوله: "هينوم" من الهينمة، وهي الصوت الخفي، ويقال: هي صوت لا يفهم.

10 -

قوله: "دوية" ويروى: داوية، وهي مفازة منسوبة إلى الدوي؛ كأنك تسمع بها دويًّا، و"اليم" البحر، و"تراطنهم" كلامهم.

11 -

قوله: "يجلي" أي: يكشف

(2)

، و"ملمعة": السراب كالأديم في استوائها، و"النيم" بكسر النون:[الفرو]

(3)

الصغير القصير إلى الصدر، والنيم بالفارسية: النصف.

12 -

و: "القِنان" بالقاف؛ صغار الجبال، الواحدة قُنّة، و"القُوَد" بضم القاف؛ جمع قوداء، وهي الطويلة وجعلها قودًا؛ لأن لها

(4)

أعناقًا ممتدة، قوله:"التج" من اللجة، وهي الماء الكثير، وأراد أن الشراب التج وصار له لجة، و"الدياميم": جمع ديمومة، وهي الأرض القفراء المستوية، ويروى: إذا ائتج، أي: احترق في الهواجر من أجيج النار، يقال: ائيج يأتج ائتجاجًا.

الإعراب:

قوله: "هنا وهنا ومن هنا" كلها ظروف، وهنا الأول: ظرف لقوله: زجل في البيت السابق، وقوله:"هينوم" مبتدأ وخبره قوله: "لهن"، قوله:"بها" أي: فيها، والضمير يرجع إلى الأرجاء في البيت السابق، ويتعلق بالمجرور وبـ"استقر" المقدر.

قوله

(5)

: "ذاتَ الشمائل" نصب على الظرفية، والعامل فيه "استقر" المقدر الذي قدرناه، و"الأيمان" بالجر: عَطْفٌ عليه، والتقدير: وذوات الأيمان، أراد أن عزيف الجن في تلك المفازة شمالها ويمينها.

الاستشهاد فيه.

في فتح هاء "هنَّا" وتشديد النون

(6)

.

(1)

من الوافر، مجهول القائل، ولم أعثر عليه فيما بين يدي من كتب النحو، والمعنى واضح، وقد أورده شاهدًا على في طوالع العسكر، فإنه أعاد عليهم ضمير جماعة الإناث.

(2)

في (أ): ينكشف.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

في (أ، ب): (لها) والضمير في الأصل يعود على الشراب فهو مذكر.

(5)

في (أ): وقوله.

(6)

قال ابن يعيش: "وفيها ثلاث لغات (هُنّا وهَنّا وهِنّا، فأفصحها هُنّا بضم الهاء، وأردؤها هِنّا بالكسر". شرح المفصل (3/ 137).

ص: 379

‌الشاهد الخامس والتسعون

(1)

،

(2)

....................... .... مِنْ هَؤُلَيَّائِكُنَّ الضَّالِ وَالسَّمُرِ

أقول: قائله هو العرجي، واسمه عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس، وأمه آمنة بنت عمر بن عثمان، ولقب بالعرجي؛ لأنه كان يسكن عرج الطائف، وقيل: بل سمي بذلك لماء كان له ومال عليه بالعرج، وكان من شعراء قريش، وممن شهر بالغزل منها، ونحى نحو عمر بن أبي ربيعة في ذلك وتشبه به فأجاد، وكان مشغوفا باللهو، والصيد، حريصًا عليهما قليل المحاشاة لأحد فيهما، ولم يكن له نباهة في أهله، وكان أشقر أزرق جميل الوجه وكان يشبب بحيداء، وهي أم محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي وكان يتشبب بها ليفضح ابنها لا لمحبة [كانت]

(3)

بينهما، فكان ذلك سبب حبس محمد إياه وضربه له حتى مات في السجن، وكان يقول في حبسه قصيدته التي فيها

(4)

:

أَضَاعُونِي وَأَيَّ فَتًى أَضَاعُوا

لِيَوْمِ كَرِيَهة وَسَدَادِ ثَغْرٍ

قلت: محمد بن هشام المذكور هو خال هشام بن عبد الملك، وكان واليًا على مكة حين فعل بالعرجي ما فعل، وكان في الحبس تسع سنين ثم مات فيه بعد أن ضربه بالسياط وأشهر بالأسواق. وصدر البيت المذكور:

يَا مَا أُمَيلحَ غِزْلانًا شَدَنَّ لَنَا

...........................

وهو من قصيدة رائية من البسيط، ومن محاسن أبياتها:

بِالله يِا ظَبَيَاتَ القَاعِ قُلْنَ لَنَا

لَيْلايَ مِنْكُن أَمْ لَيلَى مِنَ البَشَرِ

قوله: "أميلح": تصغير من ملح الشيء ملاحةً، و"الغزلان": جمع غزال، قوله:"شدن" جمع مؤنث من فعل ماض، يقال: شدن الظباء

(5)

شدونًا إذا صلح جسمه، ويقال: شدن الظبي إذا قوي وطلع قرناه، واستغنى عن أمه، وربما قالوا: شدن المهر، فإذا أفردوا الشادن فهو ولد الظبية وأشدنت الظبية فهي مشدن، إذا شدن ولدها، والجمع: مشادن ومشادين، مثل: مطافل ومطافيل

(1)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 197).

(2)

البيت من بحر البسيط، وهو للعرجي كما ذكر في مراجعه، وانظره في: ابن يعيش (1/ 61)، والمغني (2/ 192) وحاشية الصبان (1/ 118).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

البيت من بحر الوافر، ويوم كريهة: يوم الحرب، وأيّ فتى بالتضعيف؛ مفعول به مقدم، واختلف في قائل البيت؛ فقيل للعرجي، وقيل: للمجنون، وقيل لغيرهما: والأكثرون على الأول، ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (961، 962).

(5)

في (أ): الظبي.

ص: 380

قوله: "الضال" بالضاد المعجمة وتخفيف اللام؛ وهو السدر البري، والواحدة: الضالة بالتخفيف أيضًا، قال الفراء: أضيلت الأرض وأضالت إذا صار فيها الضال

(1)

، وقال ابن الأثير: الضالة بتخفيف اللام، واحدة الضال، وهو شجر السدر من شجر الشوك، فإذا نبت على شط النهر

(2)

قيل له: العبرِيّ، وألفه منقلبة عن الياء

(3)

.

قوله: "السمر"

(4)

بضم الميم؛ هو ضرب من شجر الطلح، الواحدة: سمرة، و "الظبيات" جمع ظبية و"القاع": المستوي من الأرض، ويجمع على: أقواع وأقوع وقيعان، والقيعة مثل القاع، ويقال هو جمع أيضًا.

الإعراب:

قوله: "يا ما أميلح غزلانًا" فعل التعجب، وأصله: ما أملح غزلانا، وقد علم أن صيغة التعجب نوعان: الأول: ما أفعله، والثاني: أفعل به، أما: ما أفعله فهو فعل عند البصريين، وقال الكوفيون: اسم، واحتجوا بالبيت المذكور؛ لأنه جاء فيه مصغرًا، والتصغير لا يكون إلا في الأسماء.

وأجاب البصريون عن ذلك بأنه شاذ، وأن التصغير للمصدر كأنه قال: ملاحة قليلة؛ كما يضاف إلى الفعل والمراد المصدر؛ كقوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119]، أي: يوم نفع الصادقين

(5)

، ثم كلمة "ما" مبتدأ ونكرة، وقوله:"أميلح غزلانًا" خبره، تقديره: شيء زاد ملاحة غزلان، وهذا على أصل سيبويه في قولهم: ما أحسن زيدًا؟!

(6)

فإن قلتَ: لا تقع النكرة مبتدأ إلا بمخصص.

قلتُ: هذا من قبيل: شر أهر ذا ناب، وأما أصل الأخفش: فكلمة "ما" موصولة، والجملة بعدها صلتها، وخبر المبتدأ محذوف تقديره: الذي زاد ملاحة غزلان شيء

(7)

، ويقال:"ما"

(1)

ينظر اللسان، مادة:"ضيل".

(2)

في (أ): الأنهار.

(3)

قال ابن منظور: "الضَّالُ" السِّدرُ البَرِّيُّ غير مهموز .. والضالة بتخفيف اللام؛ واحدة الضال، وهو شجر السدر من شجر الشوك، فإذا نبت على شط الأنهار قيل له: العُبْرِيّ، وألفه منقلبة عن الياء.". اللسان، مادة: "ضيل".

(4)

في (أ): والسمر.

(5)

ينظر توضيح المقاصد للمرادي (3/ 54) وما بعدها، وابن الناظم (177)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 31).

(6)

الكتاب (1/ 72) قال سيبويه: "وذلك قولك: ما أحسنَ عبدَ الله!، زعم الخليل أنه بمنزلة قولك: شيء أحسن عبد الله، ودخله معنى التعجب، وهذا تمثيل ولم يتكلم به".

(7)

شرح التسهيل لابن مالك (3/ 33)، وابن الناظم (177)، وتوضيح المقاصد للمرادي (3/ 55)، ونسبه المرادي إلى الأخفش وطائفة من الكوفيين.

ص: 381

استفهامية، وما بعدها خبرها، والتقدير: أي شيء زاد ملاحة غزلان

(1)

، وهذه التقديرات كلها باعتبار الأصل لا على أنها الآن بهذا المعنى؛ لأن معناها الآن إنشاء.

قوله: "شدن" الضمير فيه يرجع إلى الغزلان، وهي

(2)

في محل النصب على أنها صفة الغزلان، وقوله:"لنا" يتعلق بشدن، وكذلك قوله:"من هؤليائكن"، قوله:"الضال" مجرور بمن، و"السمر" عطف عليه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من هؤليائكن" حيث جاءت "أوليائكن" مقرونة بالهاء، و"أوليائكن" تصغير: أولئكن

(3)

، وإنما أتى بكن؛ لأنه خاطب مؤنثات بقوله:

بالله يا ظبيات القاع

................. إلخ

‌الشاهد السادس والتسعون

(4)

،

(5)

حنَّتْ نَوَارِ وَلاتَ هَنَّا حَنَّتِ

وَبَدَا الَّذِي كَانَتْ نَوارُ أَجَنتِ

أقول: قائله هو شبيب بن جُعَيل التَّغْلَبِي، وكان بنو قتيبة بن معن، الباهليون أسروه في حرب كانت بينهم وبين بني تغلب، فقال شبيب يخاطب أمه نوار بنت عمرو بن كلثوم بقوله: حنت نوار إلى آخره وبعده

(6)

:

لَمَّا رَأَتْ مَاءَ السَّلا شُرْبًا لها

والفَرْتُ يعْصَرُ في الإنَاءِ أرَنَّتِ

وقد نسب بعضهم هذين البيتين إلى حجل بن نضلة، وقد قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه:"فصل المقال" كما قال حجل بن نضلة الباهلي في نوار بنت كلثوم وأصابها يوم طلح فركب بها الفلاة خوفا من أنْ يُلحق:

(1)

هو مذهب الفراء وابن درستويه ونقله في شرح التسهيل عن الكوفيين. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 32)، توضيح المقاصد للمرادي (3/ 56). وهناك مذهب ثانٍ للأخفش وهو أن "ما" نكرة موصوفة، وأفعل صفتها، والخبر محذوف. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 31)، وتوضيح المقاصد للمرادي (3/ 56).

(2)

أي: الجملة.

(3)

ينظر ابن يعيش (1/ 61)، والمغني (2/ 192)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 76)، وشرح شواهد المغني (962)، وشرح شافية ابن الحاجب (1/ 190).

(4)

ابن الناظم (31)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 200).

(5)

البيت من بحر الكامل، قائله شبيب التغلبي؛ كما نسبه العيني، وهو في المغني (592)، وابن يعيش (4/ 64)، والخزانة (4/ 195).

(6)

الخزانة (4/ 199)، وشرح شواهد المغني (920).

ص: 382

حنت نوار ............ إلى آخر البيتين

وهما من الكامل وفيه الإضمار.

قوله: "حنت" من الحنين، وهو الشوق وتوقان النفس، تقول من حن إليه يحنُّ حنينًا فهو حانٍ، قوله:"نوار" بفتح النون والواو المخففة اسم أم الشاعر كما ذكرنا، قوله:"ولات" يعني

(1)

: وليست، قوله:"هنا" بضم الهاء وتشديد النون؛ بمعنى حين

(2)

، قوله:"وبدا الذي" أي: وظهر من بدا يبدُو بدوًّا، قوله:"أجنَّت" من أجن بالجيم إذا استتر، ومنه الجنين لاستتاره في البطن، والجنة بالفتح؛ وهي البستان من النخيل لاستتارها بالأشجار، والجنُة بالضم؛ ما استتر به من سلاح. والمجن: البستان، والترس أيضًا، والجنان؛ وهو القلب؛ لاستتاره بالصدر، والجن؛ لاستتارهم عن أعين الإنس، ويستعمل من ذلك مواد كثيرة.

والمعنى: حنت هذه المرأة في وقت ليس وقت الحنين وظهر الذي كانت أجنته من المحبة والعشق.

قوله: "ماء السلا" السلا مقصور: الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد من المواشي إن نزعت عن الفصيل ساعة يولد، وإلا قتلته، وكذلك إذا انقطع السلا في البطن، فإذا خرج السلا سلمت الناقة وسلم الولد، وإن انقطع في بطنها هلكت وهلك الولد، يقال: ناقة سلياء إذا انقطع سلاها وسليت الناقة أسليها تسلية؛ إذا نزعت سلاها فهي سلياء.

قوله: "أرنت" أي: صاحت، يقال: رنت المرأة ترن رنينًا وأرنت أيضًا: صاحت.

الإعراب:

قوله: "حنت" فعل ماض، و"نوار" فاعله وهو مبني على الكسر في لغة الجمهور أو معرب غير منصرف على لغة تميم

(3)

، قوله:"ولات" قال الفارسي: لات مهملة، و"هنا" خبر مقدم، و"حنت": مبتدأ مؤخر، بتقدير أنه مثل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه

(4)

، أي أن تسمع، أي: سماعك، والتقدير: أن حنت، أي. حنينها هنا

(5)

.

(1)

في (أ): بمعنى.

(2)

الصواب أنه بفتح الهاء وتشديد النون. الخزانة (4/ 196).

(3)

لغة الحجازيين بناء فعال علمًا لمؤنث نحو: حذام ونوار على الكسر مطلقًا، وأما بنو تميم ففصل أكثرهم بين ما آخره راء نحو: حضارِ فبنوه على الكسر، وبين ما ليس آخره راء فمنعوه الصرف، وبعضهم أعرب النوعين إعراب ما لا ينصرف.

ينظر توضيح المقاصد للمرادي (4/ 159، 160)، وابن يعيش (4/ 64).

(4)

مجمع الأمثال للميداني (1/ 129) أول من قاله هو المنذر بن ماء السماء، وهو أيضًا في المستقصى في أمثال العرب (1/ 370).

(5)

لم أجده في مكانه من كتب أبي علي الفارسي.

ص: 383

وقال ابن عصفور: إن "هنَّا": اسم لات و"حنت": خبرها بتقدير مضاف، أي: وقت حنت

(1)

، وهذا وهم؛ لأنه يقتضي هذا الإعراب الجمع بين معموليها، وإخراج "هنا" عن الظرفية، وإعمال "لات" في معرفة ظاهرة، وفي غير الزمان، وهو الجملة النائبة عن المضاف، وحذف المضاف إلى جملة

(2)

.

وقال بعض شراح كتاب الزمخشري: إن "هنا" خبر لات واسمها محذوف، تقديره: ليس الحين حين حنينها.

قوله: "وبدا" فعل ماض، أسند إلى قوله:"الذي"، وموصوفهُ محذوف، أي: وبدا الشيء الذي أو الأمر الذي، قوله:"كانت نوار أجنت": صلة الموصول، والصلة مع موصولها في محل الرفع على أنه فاعل بدا، والعائد محذوف تقديره: وبدا الأمر الذي كانت أجنته نوار.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "هنا" حيث أشير بها إلى الزمان، وأصلها أن تكون للمكان، كما في البيت الذي قبله

(3)

.

‌الشاهد السابع والتسعون

(4)

،

(5)

وَإذَا الأُمُورُ تَعَاظَمَتْ وَتَشابَهَتْ

فَهُنَاك يَعْتَرِفُونَ أَيْنَ المُفْزَعُ

أقول: قائله هو الأفوه الأَوْدِيّ، والأفوه لقب واسمه: صلاة بن عمرو بن مالك بن عَوْف

(1)

انظر إشارة إليه في المقرب ومعه مثل المقرب (192) حيث قال في قوله: "لات هنا ذكرى جبيرة" فأعملها في هنا وهي معرفة.

(2)

قال ابن هشام: "ومن الوهم في الثاني: قول ابن عصفور في قوله: "

البيت": إن "هَنّا": اسم لات، وحنت: خبرها بتقدير مضاف، أي: وقت حنت، فاقتضى إعرابه الجمع بين معموليها، وإخراج هنا عن الظرفية، وإعمال لات في معرفة ظاهرة، وفي غير الزمان وهو الجملة النائبة عن المضاف، وحذف المضاف إلى الجملة". المغني (592).

(3)

الأصل في (هنا) أن تكون للمكان استعير ها هنا للزمان، وهو مضاف إلى الجملة الفعلية وهو (حنت) يريد أن (لات) مع (هنا) عاملة عمل ليس لا مهملة، وإلا لما احتاج إلى هذا التأويل في هنا، واعلم أن هنا بفتح الهاء وكسرها مع تشديد النون؛ حكاهما السيرافي، وقال: الكسر رديء ووهم العيني هنا فضبط الهاء بالضم، وتبعه السيوطي في شرح شواهد المغني. وهي عند أهل اللغة قاطبة: اسم إشارة للقريب، وعند ابن مالك للبعيد. قال صاحب الصحاح: هنا بالفتح والتشديد معناه: ها هنا وها هناك، أي: هناك. ينظر الخزانة (2/ 156 - 480) والشاهد رقم (96) من هذا البحث.

(4)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 199)، وروايته في نسخة (أ):

وإذا الأمور تشابهت وتعاظمت

.............................

(5)

البيت من بحر الكامل، للأفوه الأودي، وانظره في تخليص الشواهد (128)، والدرر (1/ 134)، والهمع (1/ 198).

ص: 384

ابن الحارث بن منبه بن أوْدِ بن الصعب بن سعد العشيرة، شاعرٌ مفلق، كان غليظ الشفتين، ظاهر الأسنان، فلذلك قيل: الأفوه

(1)

.

وهو من الكامل وفيه الإضمار، وهو في آخر البيت، وأولها هو قوله:

1 -

وَلَقَدْ يَكُونُ إِذَا تَحَلَّلَتِ الحَبَا

مِنَّا الرَّئِيسُ ابن الرَّئِيسِ المُقْنِعُ

2 -

وَإذَا الأُمُورُ تَعَاظَمَتْ وَتَشَابَهَتْ

فَهُنَاك يَعْتَرِفُونَ أَيْنَ المفزَعُ

3 -

وَإذَا عَجَاجُ المَوْتِ ثَارَ وَهَلَّلَتْ

فِيهَا الجيَادُ إِلَى الجِيَادِ تَسَرَّعُ

4 -

بالدارعينَ كَأَنَّهَا عُصَبُ القَطَا

والسِّرْبُ تَمْعَجُ فيِ العَجَاجِ وتَمْرَعُ

5 -

كُنَّا فوارطها الذِينَ إِذَا دَعَا

دَاعِي الصَّبَاحِ بِمَا إِلَيهِمْ نَفْزَعُ

6 -

كُنَّا فوارس نَجْدَة لكِنَّهَا

رُتَبٌ فَبَعْضٌ فَوْقَ بَعْضٍ يَشْفَعُ

7 -

وَلِكُل سَاع سَيِّدٌ ممن مَضَى

يَنْمِي بِهِ فيِ سَعْيِهِ أَوْ يَنْزَعُ

[1 - قوله: "الحبا" بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة، جمع حبوة، وهو ما يحتبي به الرجل من ثوب، أو حمالة سيف في منزله، قوله: "المقنع": مصدر ميمي وصف به مبالغة]

(2)

.

2 -

قوله: "تشابهت" أي: اشتبه بعضها ببعض، قوله:"وتعاظمت" بمعنى: عظمت، قوله:"المفزع" بالزاي المعجمة والعين المهملة، أي: أين الملجأ؟ يقال: فزعت إليه فأفزعني، أي استغثت إليه فأغاثني، وأفزعته إذا أغثته وإذا خوفته، وأصل الفزعِ: الخوف. وقال ابن فارس: الفزع: الذعر، وهذا مفزع القوم إذا فزعوا إليه فيما يدهمهم، والفزع: الإغاثة

(3)

.

[3 - قوله: "وهللت" أي: حملت، قوله:"تسرع" أصله: تتسرع بالتاءين، فحذفت إحداهما.

4 -

قوله: "بالدارعين": جمع دارع، وأراد به: أصحاب الدروع، قوله:"عصب القطا" أي: جماعتها وهو بالضمتين، قوله:"تمعج" أي: تسرع.

5 -

قوله: "فوارطها": جمع فارطة، وأراد به المتقدمين في الحرب، وأراد بـ:"داعي الصباح" الذي ينادي عند شن الغارة: يا صباحاه]

(4)

.

(1)

راجع ترجمته في الأغاني (12/ 169).

(2)

هذه الجزئية سقط من النسخ (أ، ب) وهي زيادة في نسخة بولاق المطبوعة.

(3)

مجمل اللغة لابن فارس، مادة:"فزع".

(4)

هذه الجزئية سقط من النسخ (أ، ب) وهي زيادة في نسخة بولاق المطبوعة.

ص: 385

الإعراب:

قوله: "وإذا الأمور" إذا: للشرط ها هنا، ولا تدخل إلا على الجملة الفعلية فلذلك تُقَدَّر

(1)

هَا هُنَا، وإذا تشابهت الأمور حذفت استغناءً عنها بـ"تشابهت" الثاني، و"الأمور": مرفوع بالفعل المحذوف قوله: "وتشابهت" عطف على تعاظمت، قوله:"فهناك" جواب إذا، و"هناك" و"ها هنا": إشارة إلى الزمان؛ كما في قوله تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} [الأحزاب: 11].

قوله: "يعترفون" جملة من الفعل والفاعل في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: أنتم تعترفون، أو هم يعترفون بحسب الفاعل في: يعترفون، قوله:"أين المفزع؟ " أين: يستفهم به عن مكان، فالمفزع

(2)

، مبتدأ، وأين: خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فهناك" فإنه ها هنا إشارة إلى الزمان، وأصل وضعه في الإشارة إلى المكان

(3)

.

* * *

(1)

في (أ): يقدر.

(2)

في (ب): والمرفوع.

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 251)، والدرر (1/ 421).

ص: 386

‌شواهد الموصول

‌الشاهد الثامن والتسعون

(1)

،

(2)

.......................

فما لسْتُمَا أَهْلَ الخيَانَة وَالْغَدْرِ

أقول: صدره:

أَلَيس أمِيرِي في الأُمُورِ بأَنْتُمَا

..........................

وهو من الطويل. والمعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "أليس أميري" الهمزة فيه للاستفهام على سبيل التقرير، والباء في "بأنتما" زائدة [والتقدير: أليس أنتما أميرين في الأمور، وحذفت النون من أميري تشبيهًا بالإضافة]

(3)

.

قوله: "فما لستما" ويروى: بما لستما، وكذا رأيته بخط الشيخ أبي حيان [رحمه الله تعالى]

(4)

، فما هذه: موصُول حرفي، وتوصل بفعل متصرف غير أمر، وقد وصلت ها هنا بفعل جامد، وهو قوله:"لستما" وهو نادر والتاء في "لستما" هي اسم ليس، قوله:"أهل الخيانة": كلام إضافي منصوب؛ لأنه خبر ليس، قوله:"والغدر" عطف على قوله: "الخيانة".

فإن قيل: أين العائد إلى الموصول الحرفي؟

(1)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 204).

(2)

البيت من بحر الطويل، لقائل مجهول، وانظره في الجنى الداني (322)، وشرح شواهد المغني (717)، وشرح جمل الزجاجي (2/ 264)، والتذييل والتكميل (3/ 154).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

انظر التذييل والتكميل (3/ 154)، تحقيق: د. حسن هنداوي.

ص: 387

قلتُ: الموصول الحرفي لا يحتاج إلى عائد، وقال صاحب المغني: وبهذا البيت رجح القول بحرفيتها أي بحرفية "ما" كلام إضافي التي فيها؛ إذ لا يتأتى ها هنا

(1)

تقدير الضمير

(2)

.

وقال ابن عصفور

(3)

: فمن زعم أن "ليس" فعل جعل "ما" مصدرية، وليس واسمها وخبرها صلة لها، ومن زعم أنها حرف جعل "ما" اسمًا موصولًا بمنزلة الذي، ويلزمه إذ ذاك أن يقدر ضميرًا محذوفًا يربط الصلة بالموصول فالتقدير: بما لستما به، أي بسببه

(4)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بما لستما" حيث جاء وصل "ما" بليس، وهو نادر كما ذكرناه

(5)

.

‌الشاهد التاسع والتسعون

(6)

،

(7)

أَبَنِي كُلَيْبٍ إِن عَمَّيَّ اللَّذَا

قَتَلا الملوكَ وفَكَّكَا الأَغْلالا

أقول: قائله هو الفرزدق، قاله الزمخشري وغيره، يفخر على جرير، وهو من بني كليب

(1)

في (أ): هنا.

(2)

ينظر المغني لابن هشام (305، 306) فقد ذهب ابن خروف إلى أن (ما) المصدرية حرف باتفاق، والصواب خلافه؛ فقد صرح الأخفش باسميتها، ورجح ابن هشام حرفية (ما) بهذا البيت، وعلل بأنه لا يتأتى هنا الضمير.

(3)

شرح جمل الزجاجي (2/ 265) تحقيق: إميل يعقوب.

(4)

ذهب الجمهور إلى أن (ليس) فعل لا يتصرف، وزنه: فَعِل، ثم خفف لزومًا ليدل على نفي الحال بنفسه، وغير الحال بقرينة، وزعم ابن السراج أن (ليس) حرف بمنزلة (ما) ووافقه الفارسي في الحلبيات، وابن شقير وجماعة والصواب فعليته. ينظر المغني (293).

(5)

(ما) الموصولة توصل بفعل متصرف مطلقًا، ويمتنع وصلها بالأمر، وقد توصل بجملة اسمية خلافا لقوم، وندر وصلها بليس؛ كما في البيت الشاهد، وقد ذهب الأخفش وابن السراج إلى أن (ما) المصدرية اسم فتحتاج إلى عائد، والصحيح أنها حرف فتحتاج إلى عائد، وهو مذهب سيبويه. ينظر توضيح المقاصد للمرادي (1/ 203 - 205)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (717).

(6)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 208)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 99).

(7)

البيت من بحر الكامل، وهو للأخطل من قصيدة طويلة قاربت الخمسين بيتًا، بدأها بالغزل:

كذبتك عينك أم رأيت بواسط

غلس الظلام من الرباب خيالا

ووصف النساء، وخاطب بني كليب قوم جرير يهجوهم، وفي آخرها هجا جريرًا هجاءً لاذعًا، انظر الديوان بشرح راجي الأسمر (248)، وشرح مهدي ناصر (246)، والبيت المذكور في الشرح بعد ذلك من القصيدة أيضًا، ونسبه هذا الشارح إلى الفرزدق نسبة خطأ، وإسناد ذلك إلى الزمخشري خطأ آخر فقد أسنده الزمخشري إلى الأخطل، ينظر المفصل (143) ط. دار الجيل. وتصفحنا ديوان الفرزدق فلم نجده، ولم نجد له قصيدة على هذا الوزن ولا ذاك الروي، وستأتي ترجمة الأخطل في الشاهد الآتي (100)، ومفردات البيت وشاهده كله استوفاه العيني، وانظر البيت مسندًا للأخطل في الكتاب (1/ 186)، والمقتضب (4/ 146)، والخزانة (3/ 185)، والدرر (1/ 23)، والتصريح (1/ 133).

ص: 388

ابن يربوع بمن اشتهر

(1)

من بني تغلب؛ كعمرو بن كلثوم قاتل عمرو بن هند الملك، وعصم بن النعمان بن مالك بن غياث أبي حنش قاتل شرحبيل بن عمرو بن حجر يوم الكلاب الأول وغيرهما من سادات تغلب، ونسبه الصاغاني في العباب إلى الأخطل، وقال في باب "سفح": السفاح أيضًا: لقب رجل من رؤساء العرب، واسمه: سلمة بن خالد بن كعب بن زهير من بني تميم بن أسامة بن بكر بن حبيب بن غنم بن تعلب سفح دمه يوم الكلاب الأول، قال الأخطل:

1 -

أَبَنِي كُلَيبٍ إِنَّ عَمَّيَّ اللَّذَا

قَتَلا الملوكَ وفَكَّكَا الأَغْلالا

2 -

وأخوهُمَا السَّفاحُ ظمأ خَيلَهُ

حتَّى وَرَدْنَ جِبَى الكُلابِ نِهَالا

عَمَّاهُ: أبو حنش قاتل شرحبيل بن الحرث بن عمرو آكل المرار يوم الكلاب، وعمرو بن كلثوم التغلبي قاتل عمرو بن هند. انتهى كلامه، والأول أشهر وأصح، قيل: وأراد بعمه هذيل بن هبيرة التغلبي الشاعر، والهذيل بن عمران الأصغر كان أخاه لأمه، يقال

(2)

: الهذيل لم يكن عمه وإنما كان عم أبيه، لكنه سماه عمًّا تجوزًا واستعارة، والبيتان المذكوران من الكامل، وقوله:"الأغلال" جمع غُل وهو الحديد الذي يجعل في الرقبة.

والمعنى: يا بني كليب إن عمي هما اللذان كانا قتلا الملوك وفككا الأغلال عن الأسارى.

الإعراب:

قوله: "أبني كليب" الهمزة فيه حرف النداء، و"بني كليب" منادى منصوب؛ لأنه مضاف، وقوله:"عميّ" اسم إن، وأصله: إن عمين لي، فلما أضيف إلى ياء المتكلم سقطت نون التثنية، وقوله:"اللذا" موصول وصلته قوله: "قتلا الملوك"، والجملة خبر إن، قوله:"وفَكَّكَا الأغْلالا" جملة من الفعل والفاعل والمفعول عطف على الصلة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إن عميَّ اللذا" حيث حذف نون اللذان تخفيفًا؛ إذ أصله: اللذان قتلا الملوك، وهو لغة بني الحرث وبعض بني ربيعة، فإنهم يقولون: هما اللذا، قالا ذاك بحذف النون، وهما اللتا قالتا ذاك. وعليه جاء بيت الفرزدق.

(1)

قوله: "بمن اشتهر" يتعلق بيفتخر.

(2)

في (أ): وقيل.

ص: 389

‌الشاهد المكمل للمائة

(1)

،

(2)

هُمَا اللَّتَا لَوْ وَلَدَتْ تمِيمُ

لَقِيلَ فَخْرٌ لَهُمُ صَمِيمُ

أقول: قائله هو الأخطل، واسمه: غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة بن عمرو بن سيحان بن فدوكس بن عمرو بن مالك بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، الشاعر المشهور من الأراقم، ويلقب بالأخطل النصراني لكبر أذنه، يقال: رجل أخطل، أي: عظيم الأذن، وكذا شاة خطلاء، إذا كانت مسترخية الأذنين وعظيمتهما، ويكنى الأخطل أبا مالك، وكان اسم أمه ليلى، وهي امرأة من إياد، وهو من الطبقة الأولى من الشعراء الإسلاميين

(3)

.

الإعراب:

قوله: "هما" مبتدأ، و"اللتا": خبره، وأصله: اللتان، وهي صفة موصوفها محذوف تقديره: هما المرأتان اللتان، وقوله:"لو ولدت تميم": جملة وقعت صلة، والعائد محذوف تقديره: لو ولدتهما، فقوله:"لو" للشرط، وقوله:"ولدت تميم"

(4)

: فعل وفاعل فعل الشرط، وقوله:"لقيل فخر لهم": جواب الشرط، وإنما أنث الفعل في ولدت؛ لأن تميمًا قبيلة كما ذكرنا.

وأصل قيل: قول، نقلت حركة الواو إلى القاف بعد سلب حركتها؛ فصار: قول بكسر القاف وسكون الواو: فقلبت الواو ياء لسكونها [وانكسار ما قبلها]

(5)

فصار: قيل

(6)

.

قوله: "فخر": مبتدأ، وقد تخصص بالصفة وهي قوله:"صميم"، وقوله:"لهم" خبره، وهو معترض بين الصفة والموصوف، والجملة وقعت مقولًا للقول، ويروى: فخر لهم عميم، أي: فخر شامل لهم، والضمير في لهم يرجع إلى تميم.

الاستشهاد فيه.

في قوله: "اللتا"؛ لأن أصله اللتان

(7)

، فحذفت منها النون؛ كما في قوله:"إن عمي اللذا"؛ إذ أصله: اللذان؛ كما ذكرنا

(8)

، وهذه لغة بلحارث كما ذكرنا، وذكر ابن مالك في شرح

(1)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 208)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 100).

(2)

البيتان من بحر الرجز المشطور، وقد نُسبا للأخطل؛ لكنهما ليسا في ديوانه، وانظرهما في: خزانة الأدب (6/ 14)، والهمع (1/ 49)، والدرر (1/ 145)، والتصريح (1/ 132).

(3)

طبقات فحول الشعراء (451).

(4)

في (ب): وقوله: لو ولدت.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(6)

ينظر شرح شافية ابن الحاجب (3/ 83، 84)، وشرح الكافية (2/ 251).

(7)

في (أ): هما اللتان.

(8)

ينظر الشاهد رقم (99).

ص: 390

التسهيل أن حذف النون منهما للضرورة

(1)

، وهو مخالف لما ذكره في التسهيل في جواز حذف نون اللذان واللتان للاختيار

(2)

فافهم.

‌الشاهد الأول بعد المائة

(3)

،

(4)

نَحْنُ اللَّذُونَ صَبَّحُوا الصَّبَاحَا

يَوْمَ النُّخَيلِ غَارَةً مِلْحَاحًا

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، ويقال: قائله رجل من بني عقيل جاهلي؛ كذا قال أبو زيد في نوادره

(5)

، وابن الأعرابي، واختلفا في اسمه، فقال أبو زيد: اسمه أبو حرب الأعلم، وقال ابن الأعرابي غير ذلك

(6)

وقال الطاغاني في العباب: قالت ليلى الأخيلية

(7)

في دَهر الجعفي:

1 -

نحن قَتَلْنَا الملكَ الجَحْجَاحا

دَهْرًا فَهَيَّجْنَا به أنْوَاحًا

2 -

لا كذبَ اليومَ ولا مِزَاحًا

قَوْمي اللذين صَبَّحُوا الصَّبَاحا

3 -

يومَ النُّخَيْلِ غَارَةً مِلْحَاحًا

مَذْحِج فاجْتَحْنَاهُمُ اجْتيَاحًا

4 -

فلم ندعْ لسَارِحٍ مُرَاحًا

إلا ديارًا أو دَمًا مُفَاحًا

5 -

نحن بني خُويْلِدٍ صُرَاحًا

وهي من الرجز.

1 -

قوله: "الجحجاحا" بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة بهدها جيم أيضًا وبعد الألف حاء مهملة أيضًا، ومعناه: السيد، ويجمع: جحاجحة، قوله:"دهرًا" عطف بيان من الجحجاح أو بدل منه، و"الأنواح": جمع نوح بمعنى النياحة.

2 -

قوله: "لا كذب اليوم" بفتح الكاف وكسر الذال. قوله: "ولا مزاحًا": من المزح، وروى أبو حاتم

(8)

: مراحًا بالراء المهملة؛ من مرح يمرح إذا بطر، قوله:"قومي اللذين": هكذا

(1)

شرح التسهيل لابن مالك (1/ 192).

(2)

قال ابن مالك: "ويخلفهما في التثنية علامتهما مجوزًا شدّ نونها وحذفها". شرح التسهيل لابن مالك (1/ 189).

(3)

ابن الناظم (32)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 102).

(4)

البيتان من بحر الرجز المشطور، قيل: لرؤبة، وهما في ديوانه المسمى مجموع أشعار العرب (172) وقيل: لغيره، وهما في المغني (2/ 410)، وفي التصريح (1/ 133)، والهمع (1/ 60 - 83)، والدرر (1/ 187، 259).

(5)

النوادر في اللغة لأبي زيد (239) ط. دار الشروق.

(6)

ينظر شرح شواهد المغني (832).

(7)

ليلى بنت عبد الله بن الرحال بن شداد بن كعب الأخيلية، شاعرة لها ديوان مخطوط (ت 80 هـ). الأعلام (5/ 249).

(8)

قال ابن منظور: "المرح: شدة الفرح والنشاط حتى يجاوز قدره .. وقيل: المَرَحُ: الأشرُ والبَطَرُ". اللسان، مادة:"مرح".

ص: 391

هو في رواية الصاغاني، ولا شاهد فيه

(1)

، وفي رواية أبي زيد: نحن اللذين، ولا شاهد في هذا أيضًا، يعني: نحن القوم اللذين صبحوا، من صبحته إذا أتيته صباحًا، ولا يراد بالتشديد هنا التكثير.

3 -

قوله: "يَوْمَ النُّخَيلِ" بضم النون وفتح الخاء المعجمة؛ تصغير نخل، ونخيل: اسم لأربعة

(2)

مواضع:

الأول: النخيل: اسم عين قرب المدينة على خمسة أميال.

الثاني: ذو النخيل: موضع قرب مكة.

الثالث: ذو النخيل: موضع دوين حضر موت.

الرابع: موضع بالشام. وهو الذي أراده الشاعر من قوله: "يوم النخيل"

(3)

، قوله: غارة" الغارة: اسم من الإغارة على العدو، قوله: "ملحاحًا" بكسر الميم وبالحائين المهملتين، وهو مفعال من ألحَّ السحاب: دام مطره، وألحَّ السائل إذا ألحف، وأراد: غارة شديدة لازمة، قوله: "مذحج" بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة، وفي آخره جيم، ومذحج: شعب عظيم فيه قبائل وأفخاذ وبطون، واسمه: مالك بن أدد، وقال ابن دريد: مذحج أكمة ولدت عليها أمهم فسُمّوا مذحجًا، ومذحج: مفعل من قولهم: ذحجت الأديم وغيره إذا دلكته

(4)

، قوله:"فاجتحناهم" من الاجتياح بالجيم في أوله والحاء المهملة في آخره، وهو الإهلاك والاستئصال.

4 -

و"السارح": المال السائم، وكذلك السرح. و"المراح" بضم الميم؛ حيث يأوي

(5)

إليه الإبل والغنم بالليل، قوله:"مفاحا" بالفاء؛ أي: مهراقًا، يقال: فاح دمه وأفاح جميعًا يفيح فيحًا ويفيح إفاحة، لم يعرف الرياشي

(6)

ولا أبو حاتم أفاح، قوله:"أو دمًا مفاحًا" هكذا هو في رواية

(1)

لأنه ورد بالياء والنون فلا خلاف، وانظر حديثًا مفصلًا عن هذا الشاهد، وكيف حرفه النحويون للاستشهاد به في كتابنا: تغيير النحويين للشواهد (94، 95).

(2)

في (أ، ب): (لأربع) فأثبت الصحيح؛ حيث يذكر مع المؤنث ويؤنث مع المذكر، والموضع جمع موضع وهو مذكر.

(3)

معجم البلدان (5/ 321، 322)، تحقيق: فريد عبد العزيز الجُنْدِي، ط. دار الكتب العلمية، أولى (1990 م).

(4)

في اللسان، مادة:"مذحج" يقول ابن منظور: "مَذْحِجٌ مثل مسجد؛ أَبو قبيلة من اليمن، وهو مَذحِجُ بن يُحابِرَ بن مالكِ بن زَيْدِ بنِ كهْلانَ بن سبأٍ، قال سيبويه: الميم من نفس الكلمة"، وفي المصباح المنير، مادة:"ذحج" يقول الفيومي: "مذحج وزان مسجد، اسم أكمه باليمن ولدت عندها امرأة من حمير، وميمه زائدة، وجعلها سيبويه أصلية، وهو ضعيف، وهو من زحجت المرأة بولدها تذحج إذا رمته، والمذحج موضع الفعل".

(5)

في (أ): تأوى.

(6)

هو العباس بن الفرح أبو الفضل الرياشي، لغوي نحوي، صنف كتاب الخيل، وكتاب الإبل وغيرهما (ت 257 هـ).

ينظر البغية (2/ 27).

ص: 392

أبي زيد، ثم قال:"أو": في معنى واو العطف، وفي رواية الصاغاني:"ودمًا" بواو العطف.

5 -

و"الصّراح" بكسر الصاد؛ جمع صريح، والصريح: الرجل الخالص النسب، وكل خالص صريح.

الإعراب:

قوله: "نحن" مبتدأ، وخبره:"اللذون صبحوا" وموصوف اللذون محذوف تقديره: نحن القوم اللذون، أو نحن الفرسان اللذون، ومفعول صبحوا محذوف، والتقدير: نحن اللذون صبحوهم في وقت الصباح، فيكون الصباح نصبًا على الظرفية، وكذا قوله:"يوم النخيل"، قوله:"غارة" يحتمل وجهين:

الأول: أن يكون حالًا من الضمير الذي في صبحوا، والتقدير: مغيرين ملحين.

والثاني: أن يكون مفعولًا لأجله، يعني: لأجل الغارة.

قوله: "ملحاحًا": صفة الغارة فيؤول على حسب الوجهين.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "اللذون" فإنه أُجري مجرى المذكر السالم؛ حيث رفعه بالواو في حالة الرفع، وهي لغة هذيل، وقيل: لغة بني عقيل

(1)

.

‌الشاهد الثاني بعد المائة

(2)

،

(3)

فَمَا آبَاؤُنَا بِأَمَنَّ مِنْهُ

عَلَينَا اللَّاءِ قَدْ مَهَدُوا الحُجُورا

أقول: قائله هو رجل من بني سليم أنشده الفراء.

وهو من الوافر وفيه العصب والقطف.

قوله: "بأمن منه" وهو أفعل، مَن منَّ عليه منًّا إذا أنعم، والضمير في:"منه" يرجع إلى الممدوح المذكور فيما قبله، قوله:"مَهَدُوا" بتخفيف الهاء للوزن وأصله من تمهيد الأمور، وهو تسويتها

(1)

ينظر النوادر (537)، وأوضح المسالك لابن هشام (101)، وابن الناظم (32)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (832).

(2)

ابن الناظم (32)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 217)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 104)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 145).

(3)

البيت من بحر الوافر لرجل من بني سليم، وهو في الدرر (1/ 213)، والتصريح (1/ 123)، والهمع (1/ 83)، والأشموني (1/ 151).

ص: 393

وإصلاحها، و"الحجور" جمع حجر الإنسان، وهو بفتح الحاء وكسرها، والمعنى: ليس آباؤنا الذين أصلحوا شأننا ومهدوا أمرنا وجعلوا حجورهم لنا كالمهد بأكثر امتنانا علينا من هذا الممدوح.

الإعراب:

قوله: "فما" عطف على ما قبله من الأبيات، وكلمة "ما" بمعنى: ليس، قوله:"آباؤنا" كلام إضافي، اسمه، وقوله:"بأمن منه" خبره، والباء فيه زائدة لأجل التوكيد؛ كما في قوله تعالى:{وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 132]، قوله:"منه علينا" كلاهما يتعلق بـ"أمنَّ"، قوله:"اللاء" صفة لقوله: "آباؤنا"، قوله:"قد مهدوا الحجورا": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقعت صلة للموصول، أعني قوله:"اللاء" التي بمعنى: الذي، وقد قيل: يجوز التخفيف في "مهدوا"[وهو الأصل؛ كما في قوله تعالى: {فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم: 44] والتثقيل للمبالغة، وروى الفراء:"هم مهدوا"]

(1)

والألف للإطلاق

(2)

.

الاستشهاد فيه:

في ثلاثة

(3)

مواضع:

الأول: هو الذي أورده الشراحُ ها هنا لأجله، وهو إطلاق اللاء على جماعة الذكور جمع الذي بمعنى: الذين، والأكثر كونها لجمع المؤنث نحو قوله تعالى:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ}

(4)

[الطلاق: 4]، قال الجوهري: اللاء جمع الذي من غير لفظه بمعنى الذين وفيه ثلاث لغات: اللاؤون في الرفع، واللائين في الخفض والنصب، واللاؤ بلا نون، واللائي بإثبات الياء في كل حال يستوي فيه الرجال والنساء، ولا يصغر؛ لأنهم استغنوا باللتيات للنساء، وباللذيون للرجال، وإن شئت قلت للنساء: اللَّا بلا ياء ولا مد [ولا همزة]

(5)

، ومنهم من يهمزه

(6)

.

الثاني: فيه جواز حذف الياء في اللاء، وقد قرئ في التنزيل

(7)

في قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} بالياء وبحذفها

(8)

.

الثالث: فيه شاهد على الفصل بين الصفة والموصوف؛ وذلك لأن قوله: "آباؤنا" موصوف،

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

معاني القرآن للفراء.

(3)

في (أ، ب): في ثلاث.

(4)

وتمام الآية: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ

}.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

الصحاح للجوهري، مادة:"لوى".

(7)

من قرأ بالياء هم: ابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم وخلف من العشرة، ومن قرأ بغير الياء هم نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب من العشرة، ينظر النشر (1/ 404)، وتعليق الفرائد (2/ 195).

(8)

ينظر الآمالي الشجرية (3/ 58)، والهمع (1/ 83).

ص: 394

وقوله: "اللاء" صفته، وقد فصل بينهما بقوله:"بأمن منه علينا".

‌الشاهد الثالث بعد المائة

(1)

،

(2)

مَحَا حُبُّهَا حُبَّ الأولى كُنَّ قَبلَهَا

وَحَلَّتْ مَكَانًا لَمْ يَكُنْ حُلَّ مِنْ قَبلُ

أقول: قائله هو مجنون ليلى، واسمه: قيس بن الملوح، وقد استوفينا الكلام فيه مع بيان الخلاف فيه

(3)

.

وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله:

1 -

أظُنُّ هَوَاهَا تَارِيكي بَمَضَلَّةٍ

من الأرضِ لا مَالُ لديَّ ولا أهلُ

2 -

ولا أحدٌ أُفْضي إِليهِ وَصِيَّتي

ولا صاحبٌ إلا المطيَّةُ والرَّحْلُ

3 -

[محا حبها ...............

...................... إلخ]

(4)

3 -

قوله: "حبها" أي: حب المحبوبة، قوله:"حب الأولى" أي: حب اللاتي كن قبلها، والباقي ظاهر.

الإعراب:

قوله: "محا" فعل ماض، و"حبُّها": كلام إضافي فاعله، وقوله:"حُبَّ الأولى" بالنصب مفعوله، و"الأولى" موصول، وقوله:"كن قبلها" صلته، قوله:"حلت" عطف على قوله: "مَحَا حُبُّها" أي: حلت تلك المحبوبة مكانًا؛ أي في مكان، وانتصابه على الظرفية، قوله:"لم يكن حل" صفة للمكان و"حلَّ" على صيغة المجهول، يعني: حلَّت هي مكانًا لم يكن حلَّ فيه أحد من قبلها، و"قبل" مبني على الضم؛ لأنه لما قطع عن الإضافة بني على الضم

(5)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حب الأولى" حيث استعمل الشاعر الأولى موضع اللاء

(6)

.

(1)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 103).

(2)

البيت من بحر الطويل، من مقطوعة عدتها أربعة أبيات، ذكر منها ثلاثة هنا، وهي في ديوان مجنون ليلى (149)، والشاهد في التصريح (133)، وحاشية الصبان (1/ 149).

(3)

ينظر الشاهد رقم (77) من هذا الكتاب.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

يبنى (قبل) على الضم إذا قُطع عن الإضافة ونُوي معنى المضاف إليه دون لفظه. ينظر الارتشاف (2/ 514)، وابن الناظم (155)، وشرح ابن عقيل على الألفية (3/ 74).

(6)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 193).

ص: 395

‌الشاهد الرابع بعد المائة

(1)

،

(2)

أسِرْبَ القطَا هَلْ مَن يُعيرُ جناحه

.............................

أقول: قائله هو العباس بنُ الأحنف، ويقال: مجنون بني عامر، والأول أشهر، وأنشده أبو العباس أحمد بن يحيى الملقب بثعلب [رحمه اللَّه تعالى]

(3)

وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله:

1 -

بَكِيتُ إلى سِرْبِ القَطَا إذْ مَرَرْنَ بِي

فَقُلْتُ وَمِثْلِي بِالبُكَاءِ جَدِيرُ

2 -

أَسِرْبَ القَطَا هَل مَنْ يُعيرُ جَنَاحَهُ

لَعَلِّي إِلَى مَنْ قَدْ هَويتُ أَطِيرُ

3 -

فَجَاوَبْنَنِي مِنْ فَوْقِ غُصْنِ أَرَاكَةٍ

أَلا كُلُّنَا يَا مُسْتَعِيرُ مُعِيرُ

4 -

فَأَيُّ قَطَاةٍ لَمْ تُعِرْكَ جَنَاحَهَا

فَعَاشَتْ بِذُلٍّ والجَنَاحُ كَسِيرُ

2 -

قوله: "أسرب القطا" بكسر السين المهملة وسكون الراء، وفي آخره باء موحدة، وهي الجماعة من القطا، يعني: القطيع منها، ويقال لقطيع الظباء أيضًا: سرب، وكذا الشاء والبقر والحُمُر، والجماعة من النساء، وقال ابن الأعرابي: يقع على الماشية كلِّها

(4)

، ومثله: السربة، والعوام يقولونها بالصاد، و"القطا": جمع قطاة، وهي طائر معروف.

1 -

قوله: "جدير" أي: لائق وحقيق.

2 -

قوله: "هويت" أي أحببت من هوي يهوَى، من باب علم يعلم، ومصدره هوى.

4 -

قوله: "فعاشت بذل"، ويروى: فعادت ببؤس.

الإعراب:

قوله: "بكيت": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"إلى سرب القطا" يجوز أن تكون "إلى" ها هنا بمعنى: عند، يعني: بكيت عند جماعة سرب القطا حين مررن بي؛ كما في قول الشاعر

(5)

:

....................... وذِكْرُهُ

أَشْهَى إِلَيَّ مِنَ الرَّحِيقِ السَّلْسَلِ

(1)

ابن الناظم (33)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 105)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 148).

(2)

البيت من بحر الطويل لمجنون ليلى، ديوانه (87)، د. يوسف فرحات. كما نسب للعباس بن الأحنف وهو في ديوانه (168)، وهو في التصريح (1/ 133)، وحاشية الصبان (1/ 151)، والدرر (1/ 300).

(3)

لم نجده في مجالس ثعلب.

(4)

اللسان، مادة:"سرب".

(5)

البيت من الكامل، وهو من قصيدة طويلة لأبي كبير الهذلي، تشتمل على عدة شواهد نحوية، ديوان الهذليين (2/ 88) والبيت المذكور ثاني أبياتها، وتمامه:

أم لا سبيل إلى الشباب وَذكره

أشهى إلي من الرحيق السلسل

وهو شاهد على مجيء "إلى" بمعنى "عند". ينظر المغني (1/ 75)، وشرح شواهده (226).

ص: 396

ويجوز أن يكون بمعنى اللام؛ كما في قوله: {وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ} [النمل: 33] أي: لكِ

(1)

، والمعنى: بكيت لأجل سرب القطا إذ مررن بي.

والأولى عندي أن تكون "إلى" على حقيقتها، والمعنى: أنهيت بكائي إلى سرب القطا حين مررن بي

(2)

.

الإعراب:

1 -

قوله: "إذ": ظرف بمعنى حين

(3)

، والعامل فيه بكيت، قوله:"فقلت": جملة من الفعل والفاعل، ومفعوله محذوف، تقديره: فقلت: أنا باكٍ، وأنا أبكي.

وقوله: "ومثلي بالبكاء جَدِيرُ" جملة اسمية عطف على المحذوف

(4)

.

قوله: "أسرب القطا" الهمزة فيه حرف نداء، يعني: يا سرب القطا، وسرب القطا: كلام إضافي نصب على النداء، قوله:"هل" للاستفهام، و"من" مبتدأ، و"يعير جناحه" جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الرفع، خبره.

قوله: "لعلِّي" الياء اسم لعل، وخبره قوله:"أطير"، وقوله:"إلى من" يتعلق بقوله: أطير، و"من" موصولة، و"هويت" جملة صلة، والعائد محذوف، تقديره: إلى من قد هويته.

الاستشهاد فيه:

على إطلاق "من" على غير العاقل في قوله: "هَلْ مَنْ يُعير جَنَاحَهَ"؛ وذلك لأنه لما نادى سرب القطا؛ كما ينادى العاقل وطلب منها إعارة الجناح لأجل الطيران نحو محبوبه، الذي هو متشوق إليه وباكٍ لأجله، نَزَّلَهَا منزلة العقلاء

(5)

، ويروى: هل ما يعير جناحه، فحينئذ لا شاهد فيه، فافهم.

(1)

ينظر المغني (1/ 80).

(2)

اختيار للعيني وهو أن "إلى" للغاية.

(3)

ينظر المغني: (1/ 369) وما بعدها.

(4)

قال د. سيد تقي: "ليست الواو عاطفة، وليس مقول القول محذوفًا، وإنما الواو واو الحال، والجملة التي بعدها في محل نصب على الحال، أما مقول القول فهو جملة النداء". مع كتاب المقاصد النحوية (38).

(5)

وهذا رأي قطرب واستدل بقوله تعالى: {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} [الحجر: 20] وآيات أخرى، والبيت المذكور. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 216، 217).

ص: 397

‌الشاهد الخامس بعد المائة

(1)

،

(2)

أَلا عِمْ صَبَاحًا أَيُهَا الطَّلَلُ البَالِي

وَهَلْ يَعِمَنْ مَن كَانَ فِي العُصُرِ الخَالِي

أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهذا أول قصيدته اللامية المثبتة في ديوانه.

وهي طويلة من الطويل، وقد سقناها بتمامها فيما مضى

(3)

، فإن قلتَ: عروض الطويل تكون مقبوضة دائمًا، فما بال امرئ القيس أتى بها على الأصل، وهو عيب عندهم

(4)

؟

قلتُ: البيت إذا كان مصرعًا لا يقبح فيه ذلك، وإنما يقبح إذا كان غير مصرع وها هنا البيت مصرع، فافهم.

قوله: "ألا عم صباحا" أصله: أنعم صباحًا [حذفوا منه الألف والنون استخفافًا؛ كما يقولون: كل ومر في الأمر من: أكل وأمر، ويقال: عم صباحًا بكسر العين وفتحها، فإذا قيل: عم بالفتح فهو محذوف، من أنعم بفتح العين، وإذا قيل: عم بالكسر، فهو محذوف من أنعِم بكسر العين ويقال: إنه من وَعِمَ يعم؛ على مثال وعد يعد، أو من وَعِمَ يعم؛ على مثال: ومِق يمق، وهو بمعنى: نعم ينعم، وحكى يونس أن أبا عمرو بن العلاء سُئِل عن قول عنترة

(5)

:

.......................

وَعِمِي صَبَاحًا دَارَ عَبْلَةَ وَاسلَمي

فقال: هو من نعم المطر إذا كثر، ونعم البحر إذا كثر زبده؛ كأنه يدعو لها بالسقيا، وكثرة الخير. وقال الأصمعي: عم صباحًا، دعاء بالنعيم والأهل، وهذا هو المعروف

(6)

، وما ذكره يونس غريب، وهذه اللفظة من تحايا الجاهلية، كانوا يحيون بها ملوكهم، وكذلك كانوا يقولون: حياك الله وبياك، وأبيت اللعن ونحو ذلك

(7)

وقال الأصمعي: كانت العرب في الجاهلية، تقول: أنعم صباحًا دار عبلة، ثم أنشد:

يَا دَارَ عَبْلَةَ بِالجَواءِ تَكلَّمِي

وَعَمِي صباحًا دَارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمي

(1)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 106).

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو مطع قصيدة مشهورة لامرئ القيس، وانظر ديوانه (39) ط. دار صادر، وانظر البيت الشاهد في: الكتاب (4/ 39)، والخزانة (1/ 60)، وحاشية الصبان (1/ 151).

(3)

راجع الشاهد رقم (34) من هذا الكتاب.

(4)

ينظر العروض والقوافي للتبريزي (37)، والتصريع هو: إجراء العروض على حكم الضرب بمخالفتها لما تستحقه من زيادة أو نقصان، وبيت الشاهد من أمثلة الزيادة، وقد فعلوا ذلك في مفتتح القصائد ليحسن التناسق.

(5)

البيت من بحر الكامل، ومن شواهد الكتاب (2/ 269)، (4/ 213) والتصريح (2/ 185)، وديوان عنترة (148) بشرح الخطيب التبريزي، تحقيق: مجيد طراد، نشر دار الكتاب العربي (1994 م)، والبيت سيذكر كاملًا بعد قليل.

(6)

اللسان، مادة:"نعم" غير منسوب للأصمعي.

(7)

ينظر اللسان، مادة:"بيي -حيا- أبي".

ص: 398

أي: سلَّمكِ الله من الآفات والدروس

(1)

، وروى الأصمعي أيضًا: ألا عم صباحًا؛ كما في قول امرئ القيس، ويقال: عم صباحًا: كلمة كانوا يحيون بها الناس في الغدوات، ويقولون بالعشاءات: عم مساءً، وبالليل: عم ظلامًا

(2)

.

قوله: "أيها الطلل البالي" الطلل: ما شخص من الدار، والبالي مِنْ بلي يبلى إذا اخلولق، قوله:"وهل يعمن" أصله: وهل ينعمن، فعل بها كما فعل بقوله: أنعم صباحًا.

قوله: "في العصُر" بضم العين والصاد بمعنى: العصر، وهو الدهر، قال ابن فارس: العصر: الدهر، وقد يثقل بضمتين، فيقال: عصر، ويجمع على عصور

(3)

، و"الخالي" من خلا الشيء يخلو خلاء، والخلاء: المكان الذي لا شيء به.

الإعراب:

قوله: "ألا": للعرض والتحضيض، و"عم": فعل وفاعله، وأصله: أنعم -كما ذكرنا "صباحًا": نصب على الظرف؛ كأنه قال: أنعم في صباحك، ويجوز أن يكون تمييزًا منقولًا، والتمييز المنقول: ما كان في أصله فاعلًا، ثم نقل الفعل عنه إلى غيره فنصب

(4)

، كأن أصله: لينعم صباحك، ثم نقل الفعل من غير الصباح إليه؛ فهو من باب قوله تعالى:{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4].

قوله: "أيها الطلل البالي" أي: يا أيها، فيا: حرف النداء وقد حذف، وأي: منادى، والهاء: مقحمة للتنبيه، والطل: مرفوع؛ لأنه صفة للمنادى تابع له، ولما كان الطلل معرفًا باللام، وقصد نداؤه، ولم يتمكن من ذلك لعدم دخول حرف النداء على المعرفة، توصل إلى ندائه بالاسم المبهم فقيل: يا أيها الطلل؛ كما في قولك: يا أيها الرجل

(5)

والبالي: صفة الطلل، فدُعي للطلل بالنعيم وأن يكون سالمًا [عن الآفات]

(6)

وهذا من عاداتهم، وكانوا يعنون بذلك أهل الطلل.

قوله: "وهل يعمن" هل: استفهام على سبيل الإنكار

(7)

، معناه: قد تفرق أهلك وذهبوا

(1)

ينظر شرح ديوان عنترة (149) ولم يصرح فيه برأي الأصمعي.

(2)

ينظر شعر امرئ القيس ضمن أشعار الستة الجاهلين للأعلم الشنتمري (45)، نشر دار الآفاق الجديدة، أولى (1979 م).

(3)

مجمل اللغة لابن فارس، مادة:"عصر".

(4)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 383)، ابن الناظم (138).

(5)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 398) وما بعدها، وابن الناظم (224)، وتوضيح المقاصد للمرادي (3/ 296) وما بعدها، والإنصاف مسألة رقم (46) والخزانة (1/ 358)، والدرر (1/ 151)، ومذهب الكوفيين: جواز نداء ما فيه أل مطلقًا دون صلة، وذلك يكون شاذًّا عند ابن مالك في الشعر والنثر، وعند غيره مخصوص بالضرورة.

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(7)

الإنكار الذي يراد من أداة الاستفهام (هل) هو إنكار لوقوع الشيء. ينظر المغني (2/ 351).

ص: 399

فتغيرت بعدهم عما كنت عليه فكيف تنعم بعدهم؟ وكأنه يعني نفسه بذلك، وضرب المثل بوصف الطلل.

وقوله: "يعمن" أصله: ينعمن، وهو فعل مؤكد بالنون، قوله

(1)

: "من كان" فاعله، [من]

(2)

موصولة، و" كان في العصر الخالي" صلته، واسم كان هو الضمير الذي فيه، وقوله:"في العصر" خبره، و"الخالي": صفة للعصر.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من كان" حيث استعمل "من" التي هي للعقلاء فيمن نُزِّلَ منزلتهم كما في البيت المذكور قبل هذا، فافهم

(3)

.

‌الشاهد السادس بعد المائة

(4)

،

(5)

إذَا مَا لَقيتَ بَنِي مَالِكٍ

فَسِلِّمْ عَلَى أَيُّهُمْ أَفْضَلُ

أقول: قائله هو غسان بن وعلة بن مرة بن عباد، وأنشده أبو عمرو الشيباني في كتاب الحروف.

وهو من المتقارب، وأصله: فعولن ثمان مرات

(6)

، وفيه القبض والحذف، فقوله:"لقيت" مقبوض، وقوله:"لك" محذوف؛ لأن

(7)

وزنه فعل.

المعنى: ظاهر.

الإعراب:

قوله: "إذا ما لقيت" كلمة "ما": زائدة

(8)

، و"إذا" فيها معنى الشرط؛ فلذلك دخلت الفاء في جوابها، وهو قوله:"فسلم"، و"بني مالك" كلام إضافي مفعول لقوله:"لقيت"،

(1)

في (أ): وقوله.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر الشاهد رقم (104).

(4)

ينظر ابن الناظم (36)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 244)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 109)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 162).

(5)

البيت من بحر المتقارب، وهو لغسان بن وعلة، وهو في التصريح (1/ 135)، والهمع (1/ 84)، والدرر (1/ 60)، وحاشية الصبان (1/ 166)، وشرح المفصل لابن يعيش (3/ 147)، (7/ 87).

(6)

في (أ، ب): فعولن فعولن ثمان مرات، والصواب: فعولن ثمان مرات.

(7)

في (أ): فإن.

(8)

تزاد (ما) بعد أي أداة الشرط جازمة كانت نحو: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78] أو غير جازمة نحو: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ} [فصلت: 20]. ينظر المغني (1/ 314).

ص: 400

وقوله: "على أيُّهم" يتعلق بقوله "فسلم"، و "أي": موصول مضاف إلى الضمير، وصدر صلته محذوف والتقدير: على أيهم هو أفضل.

والاستشهاد فيه:

إن (أيُّ) فيه أضيف وحذف صدر [صلته]

(1)

، فلذلك بُني على الضم

(2)

ومن هذا القبيل قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [مريم: 69]، وروي: أيِّهم بالجر على لغة من أعرب (أيا) مطلقًا

(3)

، وهذا البيت حجة على أحمد بن يحيى في زعمه أن (أيا) لا تكون إلا استفهافا أو جزاءً

(4)

.

‌الشاهد السابع بعد المائة

(5)

،

(6)

فإمَّا كِرَامٌ مُوسِرُونَ لَقِيتَهُم

فَحَسْبِي مِنْ ذِي عِنْدَهُم مَا كَفَانِيَا

أقول: قد مر الكلام فيه مستوفًى في شواهد المعرب والمبني

(7)

.

[الاستشهاد فيه:

في "ذي"؛ فإنه بمعنى الذي، وقد قررناه]

(8)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب): كما سقط من نسخة بولاق.

(2)

القول ببنائها إذا أضيف وحذف صدر صلتها هو مذهب سيبويه. ينظر الكتاب (2/ 400، 401).

(3)

هم الكوفيون. قال سيبويه: (وحدثنا هارون أن ناسًا وهم الكوفيون يقرؤونها: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [مريم: 69] وهي لغة جيدة، نصبوها كما جروها حين قالوا: امرر على أيِّهم أفضل، فأجراها هؤلاء مجرى (الذي) إذا قلت: اضرب الذي أفضل؛ لأنك تنزل: (أيا) و (من) منزلة (الذي) في غير الجزاء والاستفهام" الكتاب (2/ 399)، وينظر المغني (1/ 77).

قال ابن هشام في المغني: (وزعم ثعلب أن (أيا) لا تكون موصولة أصلًا، وقال: لم يسمع: أيهم هو فاضل جاءني، بتقدير: الذي هو فاضل جاءني". المغني (78).

(4)

وقال الشيخ خالد: "وأما (أي) فخالف في موصوليتها ثعلب محتجًّا بأنه لم يسمع: أيهم هو فاضل جاءني، بتقديرـ: الذي هو فاضل جاءني" قال: ويرده:

...........................

فسلم على أيهم أفضل

ووجه الرد أن أي مبنية على الضم، وغير الموصولة لا تبنى". التصريح (1/ 135).

(5)

ابن الناظم (34)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 229)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 109)، وشرح ابن عقيل علي الألفية (1/ 150).

(6)

البيت من بحر الطويل لمنظور بن سحيم الفقعسي في الدرر (1/ 59)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 199).

(7)

الشاهد رقم: (15) من هذا الكتاب.

(8)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 401

‌الشاهد الثامن بعد المائة

(1)

،

(2)

فإن الماءَ ماءُ أَبي وَجَدِّي

وبئْرِي ذُو حَفَرْتُ وَذُو طَوَيْتُ

أقول: قائله هو سنان بن الفحل أخو بني أم الكهف من طيئ

(3)

، وهو من قصيدة، وأولها هو قوله:

1 -

وَقَالُوا قَدْ جُنِتتَ فَقُلْتُ كَلَّا

وَرَبِي مَا جُينْتُ وَلا انْتَشَيتُ

2 -

ولكني ظُلِمْتُ فَكِدْتُ أَبْكِي

مِنَ الظُلْمِ المبُيِن أَوْ بَكيتُ

3 -

فإن الماء ...............

...................... إلخ

4 -

وقبلك رُبّ خَصْم قد تَمَالوْا

عَلَيَّ فَمَا هَلِعْتُ وَلا ذُعِرْتُ

5 -

وَلَكني نَصَبْتُ لهم جَبِيني

وألّةَ فارسٍ حتى قَرَيتُ

وهي من الوافر، وفيه العصب بالمهملتين، والقطف.

1 -

قوله: "قد جننت" على صيغة المجهول، من الجنون، وكان الواجب أن يقول

(4)

: وقالوا: قد جننت أو سكرت، ولكنه اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر؛ لأن النفي الذي يتعقب الجواب ينظمهما

(5)

، وذلك كما في قول الشاعر

(6)

:

فَمَا أَدْرِي إذا يَممتَ أَرْضًا

أُرِيدَ الخيرَ أَيُّهُمَا يَليني

قوله: "كلا": للردع والزجر

(7)

، والمعنى: ليس الأمر كذلك فارتدع، قوله:"ولا انتشيت" أي: ولا سكرت؛ من النَّشْوَةِ وهو السكر، ومنه يقال للسكران: نشوان.

2 -

قوله: "ظلمت" على صيغة المجهول، وَذَكرَ البُكاء ليرى أنفته وإنكارهُ لما أريد ظلمه فيه.

(1)

ابن الناظم (34)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 229)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 110).

(2)

البيت من بحر الوافر، وهو من مقطوعة لسنان الفحل في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (2/ 590)، وهي أيضًا في الخزانة (6/ 35)، والشاهد في: ابن يعش (3/ 147)، والتصريح (1/ 137).

(3)

قال صاحب الخزانة (6/ 40)"سنان بكسر السين: شاعر إسلامي في الدولة المروانية".

(4)

في (ب): أن يقال.

(5)

هو قول المرزوقي. ينظر الخزانة (2/ 512).

(6)

البيت من بحر الوافر، وهو للمثقب العبدي، من قصيدة طويلة في المفضليات، مفضلية رقم (76)، والبيت المذكور آخرها، وليس بعده إلا قوله:

أألخير الذي أنا أبتغيه

أم الشر الذي هو يبتغيني

والمعنى: أريد الخير وأتجنب الشر؛ بدليل ذكر ما بعده، وانظر تفصيل ذلك في: الخزانة (6/ 36، 37)، وشرح الحماسة (2/ 519).

(7)

ينظر المغني (1/ 188).

ص: 402

3 -

قوله: "وَبئْرِي ذُو حَفَرْتُ" أي: بئري التي حفرت والتي طويت، يقال: طويت البئر إذا بنيتها بالحجارة، وتسمى هذه "ذو" الطائية، فإن "طيئ" يقولون: هَذَا ذُو قَال ذَاكَ، ورأيت ذو قال ذاك، ومررت بذو قال ذاك، فتحتاج من الصلة ما يحتاج إليه الذي لكنها تقع في لغتهم للمذكر والمؤنث، ولهذا صلح أن يقول: بئري ذو حفرت، والبئر مؤنثة.

4 -

قوله: "فما هلِعت" بكسر اللام؛ من الهلع بفتح اللام، وهو أفحش الجزع، فإن قلت: كيف قال: [فما هلعت]

(1)

. وقد قال فيما قبلهُ: وكدت أبكي، وهل الهلع إلا البكاء الذي يظهر فيه الخضوع والانقياد؟

قلتُ: البكاء الذي ذكر أنه شارفه أو كاد أن يشارفه، فإنه إنما كان ذلك منه على طريق الاستنكاف. فإذا كان كذلك فإنه لم يكن عن تخشع

(2)

.

قوله: "ولا ذعرت" من الذعر، وهو الخوف. والرواية الصحيحة: ولا دعوت أحدًا لنصرتي.

فإن قلتَ: فيه تناقض؛ لأنه قال أولًا: ولكني ظلمت

إلى آخره، وها هنا يقول: فما هلعت ولا ذعرت وبينهما تناقض.

قلتُ: لا تناقض؛ لأنه على اختلاف وقتين، وقصده من الكلام الأول بيان أنه ذل جانبه بعد أن كان عزيزًا، ونظيره أبيات فاطمة بنت الأحجم

(3)

حين ضعف جانبها لموت مَن كان ينصرها، وهي أبيات حسنة تمثلت بها سيدتنا فاطمة

(4)

- رضي اللَّه تعالى عنها - حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي

(5)

:

1 -

قَدْ كُنتَ لي جَبَلًا ألُوَذُ بظِلِّهِ

فَتَرَكتَتي أَمشِي بأَجْرَدَ ضَاحِي

2 -

قَدْ كُنْتَ ذَات حَمِيَّة مَا عِشْتَ لي

أمْشِي البَرَارَ وكنتَ أَنْتَ جَنَاحِي

3 -

فاليومَ أخضَعُ للذلِيلِ وأتقِي

مِنْه وَأَدْفَعُ ظَالِمي بالرَّاحِ

4 -

وإذَا دَعَتْ قُمْيرية شَجَنًا لَهَا

لَيلًا عَلَى فَنَنٍ دَعَوْتُ صَبَاحِي

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 399).

(3)

من شعراء العرب في الجاهلية، وأبوه الأحجم الخزاعي من سادات العرب، انظر ترجمتها وأشعارها في معجم النساء الشاعرات (202).

(4)

فاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بن عبد الله بن عبد المطلب، الهاشمية القرشية (ت 11 هـ). الأعلام (5/ 132).

(5)

المقطوعة من بحر الكامل لفاطمة بنت الأحجم، والأبيات في شرح ديوان الحماسه لأبي تمام التبريزي (2/ 190)، الخزانة (6/ 39)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (909)، ومعجم النساء الشاعرات (202).

ص: 403

5 -

قوله: "نصبت لهم جبيني" أراد خاصمتهم باللسان، ثم بلغنا إلى الرماح، وهو معنى قوله:"وألّة فارس" الألّة بفتح الهمزة وتشديد اللام؛ من ألّه يؤله ألًّا وألّةً إذا طعنه بالحربة، قال: فطاعنتهم فغلبتهم

(1)

"حتى قريت" الماء في الحوض؛ أي جمعته فيه، واسم ذلك الماء قِرَى بكسر القاف مقصور.

الإعراب:

قوله: "فإن الماء" الفاء فيه للتعليل، والماء: اسم إن، و "ماء أبي": كلام إضافي خبره، قوله:"وجدي" عطف على قوله: أبي، أي: وماء جدي، قوله:"وبئري" مبتدأ، وخبره قوله:"ذو حفرت" أي: التي حفرت، قوله:"حفرت" صلة الموصول، والعائد محذوف أي:[ذو]

(2)

حفرتها وطويتها.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ذو حفرت" فإنه أطلق "ذو" على المؤنث وهي البئر

(3)

، وزعم ابن عصفور أن "ذو" خاصة بالمذكر، وأن "ذات" خاصة بالمؤنث، وأن البئر في البيت ذكرت على معنى القليب

(4)

كما قال الفارسي

(5)

[في قوله]

(6)

:

1 -

يَا بئرنا بِئْرَ بَنِي عَدِي

لأَنْزِحَنْ قَعْرَكِ بالدَلِيَ

2 -

حَتَّى تَعُودِي أَقْطَع الوَلِيّ

.........................

التقدير: حتى تعودي قليبًا أقطع، فحذف الموصوف، وفرَّق ابن الضائغ

(7)

بينهما بأن أقطع صفة فيحمل على الفعل بخلاف "ذو" وقال: ألا ترى من قال: نفع الموعظة [لا يقول مشيرًا إليها: هذا الموعظة]

(8)

، ولهذا قال الخليل في:{هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} [الكهف: 98]: إنه إشارة

(1)

في (أ): وغلبتهم.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر توضيح المقاصد للمرادي (1/ 227، 228)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 110).

(4)

انظر نصه في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 120)(إميل بديع)، وشرح المقرب (1/ 202)، وانظر رد ابن مالك على ابن عصفور في شرح التسهيل (1/ 199).

(5)

انظر التكملة لأبي علي الفارسي (169)، رسالة ماجستير، بجامعة القاهرة.

(6)

الأبيات من بحر الرجز المشطور، غير مسندة في مراجعها، وهي في الإنصاف (509)، واللسان:"طوى"، وابن الشجري (1/ 158).

(7)

هو محمد بن عبد الرحمن بن علي شمس الدين، ولد (710 هـ)، صنَّف الألفية والتذكرة وغيرهما (ت 776 هـ). ينظر البغية (1/ 155، 156).

(8)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 404

إلى القطر لا إلى الرحمة

(1)

.

‌الشاهد التاسع بعد المائة

(2)

،

(3)

جَمَعْتُهَا مِنْ أَيْنُقٍ مَوَارِقٍ

ذَوَاتُ يَنْهَضْنَ بِغَيرِ سَائِق

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز التميمي.

قوله: "جمعتها" الضمير المنصوب فيه يرجع إلى النوق المذكورة في البيت السابق، قوله:"من ينق" جمع ناقة، وأصل الناقة: نوقة، فيجمع على أنوق في جمع القلة، استثقلت الضمة على الواو فقدمت الواو فصار: أونق، ثم قلبت الواو ياءً فصار: أينق، ويجمع على أيانق جمع الجمع.

قوله: "موارق": جمع مارقة، من مرق السهم من الرمايا، شبهت هذه الأينق بالسهام التي نمرق من الرمايا في سرعة مَشْيِها وجريها وسبقها، هكذا وقع في نسخة ابن هشام

(4)

، ووقع في نسخة ابن الناظم: سوابق عوض موارق، وكلاهما رواية، وهو جمع سابقة

(5)

، قوله:"بغير سائق" من السوق.

الإعراب:

قوله: "جمعتها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، و "من أينق": يتعلق به، وقوله:"موارق": صفة لأينق، قوله:"ذوات" موصولة بمعنى: اللاتي، وصلتها قوله:"ينهضن" والباء في "بغير" يتعلق به.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ذوات" فإنه جمع "ذو" التي هي بمعنى التي، على ذوات بمعنى اللاتي، وهي لغة جماعة من طيئ، وأكثرهم يستعملون "ذو" بمعنى الذي بلفظ واحد، للمفرد والتثنية والجمع والمذكر والمؤنث

(6)

.

(1)

ينظر الكتاب (3/ 562).

(2)

ابن الناظم (34)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 111).

(3)

الأبيات من بحر الرجز المشطور، قالها رؤبة بن العجاج في ديوانه مجموع أشعار العرب (180) وهو في التصريح (1/ 138)، والهمع (1/ 83)، والدرر (1/ 58)، واللسان مادة:"روى".

(4)

ينظر أوضح المسالك لابن هشام (1/ 111)، ولم يذكر إلا الشطر الثاني فقط.

(5)

ينظر ابن الناظم (34).

(6)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 199)، وقال ابن الناظم: "وقد ذكر أبو الحسن في كتابه المقرب أن في (ذو) الموصولة لغتين: إحداهما: إجراؤها مجرى (من)، والأخرى إجراؤها مجرى الذي في اختلاف اللفظ لا اختلاف حاله =

ص: 405

‌الشاهد العاشر بعد المائة

(1)

،

(2)

ألا تَسْأَلانِ المَرءَ مَاذَا يُحَاولُ

أَنَحْبٌ فَيقضَى أم ضَلالٌ وبَاطِلُ

أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة العامري، وهو من قصيدة لامية من الطويل ذكرناها في أول الكتاب مع ترجمة لبيد

(3)

.

قوله: "ألا" كلمة للتنبيه، نبه بها السامع على شيء يأتي، وقيل: تدل على تحقق ما بعدها قوله: "تسألان" خطاب للاثنين، وأراد به الواحد؛ لأن من عادة العرب أن يخاطبوا الواحد بصيغة الاثنين؛ كما في قوله تعالى:{أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ}

(4)

[ق: 24] وكأنهم يريدون بها التكرار وللتأكيد فكأن المعنى: ألا تسأل تسأل.

قوله: "ماذا يحاول" أي: أي شيء يطلب، قال الجوهري: حاولت الشيء إذا أردته

(5)

قوله: "أنحب" النحب بفتح النون وسكون الحاء المهملة وفي آخره باء موحدة؛ وهو النذر.

تقول: منه نحبت أنحب بالضم.

المعنى: هلا تسأل المرء ماذا يطلب باجتهاده في الدنيا وتتبعه إياها. أنذر أوجب على نفسه أن لا ينفك عن طلبه فهو يسعى في قضائه أم هو في ضلال وباطل؟

الإعراب:

قوله: "تسألان": جملة من الفعل والفاعل، و "المرء" مفعوله، وكلمة "ما" استفهام معلقة لفعل السؤال، إجراءً له مجرى مسببه وهو العلم

(6)

، مثله قوله تعالى:{يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} [الذاريات: 12] وهو مبتدأ، و "ذا": خبرها، ويجوز العكس على الخلاف، و "ذا" موصول، و "يحاول": صلته، والعائد محذوف، والتقدير: ما الشيء الذي يحاوله؟

قوله: "أنحب" بدل من قوله: "ماذا يحاول"؛ بدل تفصيل

(7)

، ويجوز انتصاب: أنحب

= في الإفراد والتذكير وفروعهما". ينظر (34).

(1)

ابن الناظم (35)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 113).

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو للبيد في ديوانه (131) ط. دار صادر، وهو في الخزانة (6/ 45)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 139)، والكتاب (1/ 405)، وابن يعيش (3/ 149)، واللسان مادة:"ذو"، وابن الشجري (2/ 117، 305).

(3)

ينظر الشاهد رقم (1) من هذا الكتاب.

(4)

وتمامها: {كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق: 24].

(5)

الصحاح للجوهري، مادة:"حول".

(6)

ينظر الشاهد رقم (13).

(7)

في شرح التسهيل لابن مالك: "لو قصد بـ"ذا" الإشارة لكان: "ماذا" "ومن ذا" مبتدأ وخبرًا، واستغني عن جواب =

ص: 406

على تقدير أن تكون (ما) مفعولًا لقوله: يحاول، وتكون

(1)

"ذا" زائدة، ويكون:"أنحب" بدلًا من قوله: "ماذا" فحينئذ ينتصب؛ لأنه بدل من المنصوب، قوله:"فيقضى" جملة في محل الرفع على أنها صفة لقوله: "أنحب". ويجوز أن تكون في محل النصب على تقدير انتصاب النحب، ويقال في ألف يقضي: فتحة مقدرة لأنه جواب الاستفهام، قوله:"أم ضلال" عطف على قوله: "أنحب"، قوله:"وباطل" عطف عليه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ماذا يحاول"؛ فإن "ذا" فيه بمعنى الذي، والجملة بعدها صلتها؛ وذلك لأنها تقدمها استفهام بما، وهذا بالاتفاق

(2)

.

‌الشاهد الحادي عشر بعد المائة

(3)

،

(4)

أَلا إن قَلْبِي لَدَى الظَّاعِنِينَا

حَزِينٌ فَمَنْ ذَا يُعَزِّي الحَزِينَا

أقول: قائله هو أمية بن أبي الصلت.

وهو من المتقارب.

قوله: "الظاعنينا" بالظاء المعجمة، أي: الراحلين، من ظعن يظعَن ظعنًا بالسكون وظعَنًا بالتحريك إذا سار، ومنه: الظعينة، وهي الراحلة التي ترحل ويُسَارُ عليها، ومن ذلك قيل للمرأة: ظعينة؛ لأنها تظعن مع الزوج حيثما ظعن، أو لأنها تحمل على الراحلة إذا ظعنت.

الإعراب:

قوله: "ألا": كلمة تنبيه، و "إنّ": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، و"قلبي": كلام إضافي اسمه، و"حزين" خبره، و "لدى الظاعنينا": كلام إضافي يتعلق بحزين، والألف فيه

= وتفصيل، (1/ 197)، والتفصيل هو همزة يطلب بها وبأم التعيين كقولك: أخيرًا أم شرًّا. ينظر السابق (1/ 198)، والمغني (1/ 41).

(1)

في (ب): ويكون.

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 197)، والمغني: شاهد رقم (497)، والكتاب (2/ 417) قال:"أما إجراؤهم "ذا" بمنزلة الذي فهو كقولك: ما رأيت؟ فيقول: متاع حسن، وقال الشاعر لبيد بن ربيعة: (: البيت) "واستشهد به الرضي على أن (ما) مبتدأ، و (ذا) زائدة، وجملة "يحاول" خبر المبتدأ، والرابط محذوف تقديره: يحاوله.

(3)

غير موجود في ابن الناظم، ط. دار السرور، وانظره في أوضح المسالك لابن هشام (1/ 115).

(4)

البيت من بحر الوافر، وقد نسب في النسخة (أ) لأمية بن أبي الصلت، ونسبه ابن مالك إلى أمية بن أبي عائذ الهذلي. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 199)، والتصريح (1/ 139).

ص: 407

للإشباع، قوله:"فمن" استفهامية، و "ذا": موصولة، و "يعزي الحزينا": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، صلة الموصول.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فمن ذا" فإنها موصولة؛ لأنه تقدمها "من" الاستفهامية، وهذا فيه خلاف فإن بعضهم قال

(1)

: لا يجوز وقوع "ذا" الموصولة بعد "من"، والأصح عند الجمهور وقوع ذلك وجوازه

(2)

.

‌الشاهد الثاني عشر بعد المائة

(3)

،

(4)

عَدَسْ مَا لِعَبادٍ عَلَيكِ إِمَارَةٌ

أَمِنْتِ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ

أقول: قائله هو يزيد بن مُفَرَّغ الحِمْيَرِيّ

(5)

بضم الميم وفتح الفاء وتشديد الراء المكسورة وفي آخره غين معجمة، وإنما سمي بذلك؛ لأنه راهن على شرب سقاء كبير ففرغه، وهو من قصيدة قافية وأولها هو هذا البيت وبعده:

2 -

وإن الذي نَجَى مِنَ الكَرْبِ بَعْدَمَا

تَلاحَمَ فيِ دَرْب عَلَيكِ مَضِيقُ

3 -

أتاكِ بحمحامٍ فأنْجَاكِ فالحقي

بأرضك لا تَحبس عليك طَريقُ

4 -

لعمري لقد أنجاك من هُوَّةِ الرَّدى

إمام وحبل للأنَامِ وثِيقُ

5 -

سأشكر ما أَوْلَيتَ من حسن نِعْمة

ومثلي بِشُكْرِ المنعِمِينَ حَقيقُ

(1)

في (أ): قالوا.

(2)

قال به سيبويه (2/ 416): "هذا باب إجرائهم (ذا) بمنزلة الذي ويكون (ما) حرف الاستفهام، وإجرائهم إياه مع (ما) بمنزلة اسم واحد"، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 232، 233)، وأما الكوفيون فلا يشترطون تقدم (ما و (من) الاستفهاميتين. ينظر أوضح المسالك لابن هشام (1/ 161، 162).

(3)

ابن الناظم (34).

(4)

البيت مطلع قصيدة من ثمانية أبيات ليزيد بن مفرغ الحميري، قالها يذكر خلاصه من السجن الذي بلاه به عبد بن زياد بن أبيه، وقد ذكر الشارح خمسة منها غير بيت الشاهد، وبيت الشاهد والقصيدة في كثير من كتب الأدب والنحو، ينظر الخزانة (6/ 43)، والحماسة البصرية (1/ 87).

(5)

يزيد بن زياد بن ضبة بن يزيد بن مقسم الثقفي، وضبة أمه، من أهل الطائف، تولى العراق ثم خرسان لما أفضت الخلافة إلى سليمان بن عبد الملك، ثم نقل إلى إمارة البصرة، فأقام فيها إلى أن استخلف عمر بن عبد العزيز، فعزله وحبسه بحلب، وأخباره كثيرة، وهو شاعر كبير، وقد عني الفرزدق بقوله:

وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم

خضع الرقاب نواكس الأبصار

وقتل سنة (130 هـ). ينظر الأعلام (8/ 189) ووفيات الأعيان (2/ 264)، والخزانة (4/ 325).

ص: 408

6 -

فإنْ تَطْرُقِي بَابَ الإمَامِ فإنني

لكل كريم ماجِدٍ لَطَرُوقُ

وهي من الطويل.

ومن قصته: كان قد هجا عباد بن زياد بن أبي سفيان، وهو زياد بن أبيه، وملأ البلاد من هجوه، وكتبه على الحيطان، فلما ظفر به ألزمه محوه بأظفاره، ففسدت أنامله، ثم أطال سجنه فكلموا فيه معاوية، فوجه بريدًا يقال له حمحام، فأخرجه وقدمت له فرس من خيل البريد فنفرت، فقال:

عدس ما لعباد عليك إمارة

...........................

ويقال: كان يزيد بن مفرغ المذكور قد صحب عبادًا المذكور والي سجستان، حين ولاه معاوية -رضي اللَّه تعالى عنه- إياها، وكره عبيد اللَّه أخو عباد استصحابه ليزيد بن مفرغ خوفًا من هجائه، فقال لابن مفرغ: أنا أخاف أن يشتغل عنك عباد فتهجونا، فأحب أن لا تعجل إلى عباد حتى يكتب إليَّ، وكان عباد طويل اللحية عريضها فركب ذات يوم، وابن مفرغ في موكبه، فهبت الريح فنفشت لحيته، فقال ابن مفرغ

(1)

:

ألا ليت اللِّحا كَانَتْ حَشِيشًا

فَنَعْلِفَها دَوابَّ المسلمينا

وهجاه بأنواع الهجاء، فأخذه عبيد الله بن زياد فقيده، وكان يجلده كل يوم ويعذبه بأنواع العذاب، وكان يسقيه الدواء المسهل، ويحمله على بعير ويقرن به خنزيرة، فإذا أمشاه المسهل وسال على الخنزيرة صَاءَتْ

(2)

وآذته، فلما زاد عليه البلاء كتب إلى معاوية رضي الله عنه بأبيات يذكره ما حل به ويستعطفه فيها، وكان عبيد الله أرسل به إلى عباد بسجستان والقصيدة التي [كان]

(3)

هجاه بها، ثم إن معاوية بعث إلى مولى له يقال له خشنام على البريد، فقال له: انطلق حتى تقدم على ابن مفرغ بسجستان فَأطْلِقْهُ، ولا تستأمرن عبادًا، فامتثل أمرَه، وأتى إلى سجستان، فسأل عن ابن مفرغ فأخبروه بمكانه، فوجده مقيدًا فأحضر قَينًا ففك قيده وأدخله الحمام وألبسه ثيابًا فاخرة وأركبه بغلة فلما ركبه قال:

عدس ما لعباد عليك إمارة

............................

إلى آخر القصيدة، فلما قدم على معاوية [رضي الله تعالى عنه]

(4)

قال يا أمير المؤمنين:

(1)

انظر البيت في ديوان مفرغ (225)، وقد جاء في الخزانة (6/ 45)، برواية أخرى وهي:

ألا ليت اللحى كانت حشيشا

فترعاها خيول المسلمينا

(2)

اللسان، مادة:"صأصأ"، والمعنى: فزعت فزغًا شديدًا.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 409

صُنِعَ لي ما لم يصنع بأحد، من غير حدث أحدثْتُه، فقال له: معاوية [رضي الله عنه]

(1)

، وأي حدث أعظم من حدث أحدثته في قولك

(2)

:

1 -

أَلا أَبْلغ مُعَاويَةَ بنَ حَرْب

مُغَلْغَلَةً عَن الرَّجُلِ اليَمَانِي

2 -

أتغضب أن يقال أبوك عف

وتَرْضَى أنْ يُقَال أبُوكَ زَاني

3 -

فاشهَد أن رحِمَكَ من زِيَادِ

كرَحم الفيل من ولدِ الأتانِ

4 -

وأشهدُ أنَّهَا حَمَلَت زيادًا

وصخر من سَمَيَّةَ غير دانٍ؟

فحلف ابن مفرغ أنه لم يقله، وإنما قاله عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان، فأخذني

(3)

ذريعة إلى هجاء زياد، فغضب معاوية على عبد الرحمن بن الحكم وقطع عطاءَه.

قوله: "عدس" بفتح العين والدال والسين المهملات؛ وهي في الأصل صوت يزجر به البغل، وقد يسمَّى البغل به، قال

(4)

:

إذا حَمَلتُ بزَّتِي على عَدَس

عَلَى التي بَين الحِمَار والفَرَسْ

فَلا أُبَالِي من غدَا وَمَنْ جَلَس

............................

قوله: "لعباد" بفتح العين المهملة، على وزن فعال بالتشديد، وهو عباد بن زياد بن أبي سفيان، ويروى: لعباس. فما أدري ما وجهه

(5)

، قوله:"إمارة" بكسر الهمزة؛ أي: أمر وحكم، قوله:"أمنت" من الأمان، ويروى: نجوت من النجاة، وهكذا أنشده الجوهري

(6)

، قوله:"وهذا تحملين" أي: والذي تحملينه، "طليق" أي: مطلق من الحبس.

2 -

قوله: "تلاحم" أي: التصق.

3 -

قوله: "بحمحام" بحائين مهملتين، وهو اسم للبريد الذي أرسلهُ معاوية بسببه.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

الأبيات من بحر الوافر، وهي في ديوان يزيد بن مفرغ الحميري (230)، وينظر الأبيات في الخزانة (4/ 324)، واللسان، مادة:"عدس"، وغير ذلك من الكتب، ورواية البيت الأول في الخزانة هي:

ألا أبلغ معاوية بن صخر

لقد ضاقت بما تأتي اليدان

(3)

في (أ): فاتخذني.

(4)

الأبيات من بحر الرجز، وهي في الخزانة (6/ 48)(هارون)، وانظرها في تخليص الشواهد (125)، وابن يعيش (4/ 24، 79)، وقد أوردها العيني استدلالًا على أن اسم البغل هو:"عدس".

(5)

اعتراض من العيني على الرواية.

(6)

الصحاح للجوهري، مادة:"عدس" وروايته: (على الذي بين .. ).

ص: 410

4 -

قوله: "هوة الردى" أي: الهلاك، والهوة بضم الهاء وتشديد الواو؛ وهو الوهدة العميقة.

الإعراب:

قوله: "عدس": منادى، وحذف حرف النداء منه، تقديره: يا عدس، وهي مبنية على سكون؛ لأنها في الأصل حكاية صوت

(1)

، وعن الخليل: أن عدس رجل كان يقوم على البغال أيام سليمان عيه السلام، وأنها كانت إذا سمعت باسمه طارت فرقًا منه، ولهج الناس به حتى سموا البغل عدس

(2)

، وقال ابن سيده: هذا لا يعرف في اللغة

(3)

، قوله:"إمارة" مبتدأ، وخبره قوله:"ما لعباد"، وقوله:"عليك" يتعلق بقوله: "إمارة"، قوله:"وهذا" موصول بمعنى الذي و "تحملين" صلته، والعائد محذوف، أي: الذي تحملينه، وهذا المجموع مبتدأ وخبره قوله:"طليق".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وهذا تحملين" وهو أن هذا قد جاءت بمعنى الذي على رأي الكوفيين، وأما البصريون فإنهم يمنعون ذلك، ويقولون: هذا اسم إشارة، وتحملين حال من ضمير الخبر، والتقدير: وهذا طليق محمولًا

(4)

.

‌الشاهد الثالث عشر بعد المائة

(5)

،

(6)

مَا أَنْتَ بِالحْكَمِ التُّرْضَى حُكُومَتُه

............................

أقول: قد مر الكلام فيه مستوفًى في شواهد الكلام

(7)

.

(1)

ينظر الأشموني وحاشية يس (3/ 208).

(2)

الخزانة (6/ 148).

(3)

المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده، مادة:"عدس"(1/ 290، 291)، تحقيق: مصطفى السقا، وحسين نصار، ط. أولى (1958 م)، لمعهد المخطوطات بجامعة الدول، وابن يعيش (4/ 79)، وشرح الألفية لابن الناظم (338).

(4)

انظر في ذلك: الإنصاف (717)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 138، 139) وكتاب إيضاح الشعر للفارسي (423)، والخزانة (6/ 42).

(5)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 239)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 118)، شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 157).

(6)

البيت من بحر البسيط منسوب للفرزدق، وهو غير موجود في الديوان على طبعاته المختلفة والكثيرة، وهو في ابن الناظم (36)، ولم يشر إليه العيني.

(7)

الشاهد رقم (10) من الكتاب الذي بين يديك، وهو للفرزدق في هجاء رجل، وقد استشهد به هناك في علامات الاسم، وأن "أل" الموصولة تختص بالاسم، وهنا استشهد به على أن صلة "أل" تكون صفة صريحة كثيرًا، ومن القليل أن توصل " أل" بالمضارع أو هو ضرورة.

ص: 411

‌الشاهد الرابع عشر بعد المائة

(1)

،

(2)

مَنْ يُعْنَ بِالْحَمْدِ لا يَنْطق بِمَا سفَه

وَلا يَحِدْ عَنْ سَبِيلِ الحلم والكرم

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من البسيط.

قوله: "من يعن بالحمد" بضم الياء آخر الحروف وسكون العين وفتح النون، من قولهم عُنِيتُ بحاجتك، بضم أوله، أعنى بها، وأَنَا بِهَا مَعْنيٌّ، على زنة مفعول، وإذا أمرتَ منه قلتَ لِيُعْن بحاجتي، علي صيغة المجهول، والمعنى: من يعتن بالحمد، أي بحصول الحمد، أي: من رغب في حمد الناس له فلا يتكلم بالذي هو سفه، و "السفه" في اللغة؛ ضد الحلم، وأصلها الخفة، ومنه ثوب سفيه إذا كان خفيفا رقيقًا، وأراد به ها هنا؛ الكلام الفاحش، قوله: "ولا يحد بكسر الحاء المهملة؛ من حاد عن الطريق يحيد حيودًا وحيدةً وحيدودةً، مال عنه وعدل.

الإعراب:

قوله: "مَنْ": موصولة في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله:"لا ينطق" وهو مجزوم، لأن المبتدأ يتضمن معنى الشرط، وقوله "يعن" صلة الموصول

(3)

، و"بالحمد" يتعلق به، وقوله "بما" يتعلق بقوله:"لا ينطق"، و "ما": موصولة، وصدر صلتها محذوف، والتقدير: بما هو سفه، أي: بالذي هو سفه، و "هو" مبتدأ، و "سفه" خبره، ويجوز أن يكون التقدير: بشيء. هو سفه فتكون "ما" نكرة موصوفة، وكون الحذف من الصفة لا من الصلة، قوله:"ولا يحد" بالجزم عطف على قوله: "لا ينطق"، قوله:"عن سبيل الحلم" يتعلق بقوله: "ولا يحد".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بما سفه" حيث حذف العائد المرفوع بالابتداء، مع عدم طول الصلة وهو ضعيف

(4)

.

(1)

ابن الناظم (37)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 119)، وروايته: "لم ينطق

والمجد والكرم".

(2)

البيت من بحر البسيط لقائل مجهول، وهو في التصريح (1/ 144)، والهمع (1/ 90)، والدرر (1/ 69)، وحاشية الصبان (1/ 169).

(3)

في (أ): للموصول.

(4)

يشترط لحذف العائد المرفوع استطالة الصلة؛ فإن عدمت ضعف الحذف. شرح التسهيل لابن مالك (1/ 207).

ص: 412

‌الشاهد الخامس عشر بعد المائة

(1)

،

(2)

مَا الله مُولِيكَ فَضْلٌ فَاحْمِدَنْهُ به

فَمَا لدَى غَيرهِ نَفْعٌ وَلا ضَرَرٌ

أقول: هذا أيضًا من البسيط.

ومعناه: الذي الله موليك

(3)

فضل فاحمدن الله بذلك الفضل، واشكرنه؛ فإنه ليس عند غير الله نفع ولا ضرر، وهو النافع وهو الضار.

الإعراب:

قوله: "ما الله" كلمة "ما": مبتدأ، وخبره قوله:"فضل"، [وصدر الصلة محذوف، تقديره هو فضل]

(4)

، ولفظة "الله" أيضًا مبتدأ، وخبره قوله:"موليك"، والجملة صلة الوصول أعني "ما"؛ لأنه بمعنى الذي، والعائد محذوف تقديره: موليكه، أي: موليك إياه، من أولاه النعمة إذا أعطاه إياها.

قوله: "فاحمدنه" جملة من الفعل والفاعل والفعول، والنون فيه مخففة للتوكيد، والفاء فيه للتعليل، [والتحقيق أنه جواب شرط محذوف تقديره: إذا كان الفضل هو الله موليك إياه فاحمدن الله به؛ أي؛ بسببه]

(5)

، [قوله:"به" يتعلق بقوله؛ فاحمدنه]

(6)

، قوله:"فما لدى غيره"[الفاء أيضًا للتعليل، وما نافية بمعنى ليس، وقوله: "نفع" اسمه، وخبره قوله: "لدى غيره"]

(7)

أي ليس نفع حاصلًا عند غير الله، قوله:"ولاضرر": عطف على المنفي قبله.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "موليك" حيث حذف فيه الضمير المنصوب بالوصف العائد إلى الوصول

(8)

.

(1)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 248)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 120)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 169).

(2)

البيت من بحر البسيط، لقائل مجهول، والعيني لم يشر إلى نسبه، وهو في التصريح (1/ 145)، وحاشية الصبان (1/ 170)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 25).

(3)

في (أ): موليكه.

(4)

و

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب)، والأحسن أن تعرب (من) شرطية، والفعلان بعد (ما) الشرط والجواب، وهما مجزومان، وهما خبر من الشرطية.

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 204)، والأشموني (1/ 170).

ص: 413

‌الشاهد السادس عشر بعد المائة

(1)

،

(2)

مَا المُسْتَفِزُّ الهَوَى مَحْمُودُ عَاقِبَةٍ

وَلَوْ أتِيحَ له صَفْوٌ بلا كَدرٍ

أقول: هذا أيضًا من البسيط.

قوله: "ما المستفز" من الاستفزاز، وهو الاستخفاف، يقال: رجل فَزَّ أي: خفيف، وأفززته إذا أزعجته وأفزعته، قوله:"ولو أتيح له" أي: لو قدر له، مِن أتاح الله الشيء إذا قدره ومادته؛ تاء مثناة من فوق وياء آخر الحروف وحاء مهملة، والمعنى: ليس الذي استفزه الهوى؛ أي استخفه محمود عاقبته، وإن قُدِّر له صفاء بلا كدر.

الإعراب:

قوله: "ما المستفز الهوى" كلمة "ما": نافية بمعنى ليس، "والمستفز": اسم فاعل عمل في فاعله وهو "الهوى"، والمفعول محذوف تقديره: ما المستفزهُ الهوى، قوله:"محمود عاقبة" كلام إضافي منصوب؛ لأنه خبر "ما" النافية. قوله: "أتيح" على صيغة المجهول، وقوله:"صفو" مفعوله ناب عن الفاعل، واللام والباء كلاهما يتعلقان بقوله: أتيح

(3)

.

فإن قلتَ: قوله: "ولو أتيح" عطف على ماذا؟

قلتُ: هو عطف على محذوف، تقديره: إن لم يتح له صفو، وإن أتيح له.

فإن قلتَ: جواب "لو" ما هو؟

قلتُ: محذوف تقديره: لو أتيح له الصفو لا تحمد عاقبته، والجملة الأولى تدل على هذا، و "لو" ها هنا: شرط، ولو دخلت على المستقبل لا يظهر فيه الجزم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ما المستفز الهوى": حيث حذف فيه الضمير المنصوب الذي لصلة

(4)

الألف

(1)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 25)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 122).

(2)

البيت من بحر البسيط، لقائل مجهول، وهو في التصريح (1/ 146)، والهمع (1/ 189)، والدرر (1/ 68)، والأشموني (1/ 170).

(3)

اللام في: "له" هي التي تتعلق بأتيح، أما الباء في:"بلا كدر" فتتحلق بمحذوف صفة لصفو، والتقدير: صفو كائن بلا كدر.

(4)

في (أ): الذي وقع لصلة.

ص: 414

واللام؛ إذ أصله: ما الذي مستفزه الهوى

(1)

، وهذا نادر

(2)

، وقال ابن مالك: وقد يحذف منصوب صلة الألف واللام، ثم مثل بهذا البيت

(3)

.

‌الشاهد السابع عشر بعد المائة

(4)

،

(5)

لا تَرْكَنَنَّ إِلى الأمْرِ الذي رَكَنتْ

أبناءُ يَعْصُرَ حين اضْطَرَّهَا القَدَرُ

أقول: قد قيل: إن قائله هو كعب بن زهير بن أبي سلمى، [واسم أبي سلمى]

(6)

ربيعة بن رباح بن قرط بن الحرث

(7)

بن مازن بن حلاوة بن ثعلبة بن هذمة، ويقال: ابن ثور بن هذمة بن الأطم بن عثمان بن عمرو، وهو مزينة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، صاحب القصيدة المشهورة التي أولها

(8)

:

بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي اليَوْمَ مَتْبُولُ

..........................

وكان قَدِمَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشده القصيدة المشهورة، فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مَن معه أن اسمعوا، حتى أنشده القصيدة كلها

(9)

، وكان قدومه بعد انصراف النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه بُردْة له، وهي التي عند الخلفاء إلى الآن، وكان أبوه زهير قد توفي قبل البعثة بسنة

(10)

-والله أعلم-، وقبله بيت آخر وهو:

1 -

إن تُعْنَ نَفْسُكَ بالأمر الذي عنيتْ

نفوسُ قوم سَمَوْا تَظْفَر بما ظَفِرُوا

وهما من البسيط.

(1)

في (أ): ما الذي هو مستفز الهوى.

(2)

في قول المرادي: نادر، وعند ابن هشام: قليل. توضيح المقاصد للمرادي (1/ 252)، وأوضح المسالك (1/ 123).

(3)

شرح التسهيل لابن مالك (1/ 27)، وقال الدماميني: "وقد يحذف منصوب صلة الألف واللام؛ كقوله: (

البيت) أي: ما الذي يستفزه الهوى، والجمهور على منع الحذف في مثل ذلك". تعليق الفرائد (2/ 227)، وينظر التصريح (1/ 146)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 89)، والدرر (1/ 68).

(4)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 123).

(5)

البيت من بحر البسيط نُسب إلى كعب بن زهير، لكنه ليس في الديوان، ط. دار الكتب العلمية، شرح: علي فاعور (1997 م)، ولا في ديوانه بشرح أبي سعيد الحسن العسكري، شرح: حنا نصر الحتي، نشر دار الكتاب العربي، أولى (1994 م)، كما أنه ليس في طبعة دار الكتب المصرية، ولا في طبعة دار الأرقم اللبنانية.

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(7)

في (أ): الحارث.

(8)

البيت من بحر البسيط في الديوان (60)، شرح: علي فاعور، وتمامه:

....................

متيم إثرها لَم يُجْزَ مَكبولُ

(9)

ينظر سيرة ابن هشام (109) وما بعدها.

(10)

في الأعلام: توفي قبل الهجرة بثلاثة عشر عامًا (3/ 52)، وكلاهما صواب.

ص: 415

1 -

قوله: "إنْ تُعْنَ" على صيغة المجهول، وقد حققنا هذا عن قريب

(1)

، [قوله]

(2)

: "سموا" من سمَا سموًّا إذا علا.

2 -

قوله: "لا تَرْكَننَّ": من ركَن يركَن بفتح عين الفعل فيهما ركنًا إذا مال، ولغة سفلى مضر: ركن يركُن مثل: نصر ينصُر، وقال قوم: ركن يركن؛ بالكسر في الماضي والضم في المضارع وهو شاذ

(3)

.

قوله: "أبناء يعصر" بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين وضم الصاد المهملتين وفي آخره راء؛ وهو اسم رجل لا ينصرف للعلمية ووزن الفعل. قال الجوهري: يعصر وأعصر: اسم رجل لا ينصرف؛ لأنه مثل يقتل وأقتل، وهو أبو قبيلة منها باهلة

(4)

.

قلتُ: باهلة هي بنت صعب بن سعد العشيرة بن مالك، ومالك هو جماع بن مذحج، وقال ابن الكلبي: ولد مالك بن أعصر، واسم أعصر: مُنَبّه بن سعد بن قيس غيلان بن سعد مناة بن مالك، وأمه: باهلة بنت صعب.

قوله: "حين اضطرها" من الاضطرار، وأصله من الضر: فنقلت إلى باب الافتعال، ثم قلبت التاء طاء لأجل الضاد

(5)

، و " القَدَر" بفتحتين: ما يقدرهُ اللَّه من القضاء.

الإعراب:

قوله: "لا تركنن"

(6)

: نهي مؤكد بالنون الثقيلة، وأنت فيه مستتر فاعله، و "إلى الأمر" يتعلق به، قوله:"الذي" صفة للأمر، و "ركنت أبناء يعصر" [جملة من الفعل والفاعل صلة الموصول والعائد محذوف تقديره: ركنت إليه أبناء يعصر، ويعصر]

(7)

في محل الجر بالإضافة، قوله:"حين": نصب على الظرف، والعامل فيه "ركنت"

(8)

، قوله:"اضطرها" فعل ومفعول، و "القدر": فاعله، والضمير المنصوب يرجع إلى الأبناء والتأنيث باعتبار القبيلة.

(1)

يقصد معنى: تعن، وقد مر في الشاهد رقم (114).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

اللسان مادة: (ركن)، قال ابن الناظم:"ركِن إلى الشيء ورَكَنَ يركَنُ رَكْنًا ورُكونا فيهما .. وقال بعضهم: ركن يركَن بفتح الكاف في الماضي والآتي وهو نادر، قال الجوهري: وهو على الجمع بين اللغتين، قال كُرَاع: رَكِنَ يركُن وهو نادر أيضًا، ونظيره: فَضِل يِفْضُل وحَضِرَ يَحضُر ونَعِمَ يَنْعُم وفي التنزيل العزيز: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [هود: 113] قرئ بفتح الكاف من: رَكِن يركَنُ رُكونًا إذا مال إلى الشيء واطمأن إليه، ولغة أخرى: رَكَنَ يركُن وليست بفصيحة".

(4)

الصحاح، مادة:"عصر".

(5)

ينظر الممتع لابن عصفور (1/ 360) وهو إبدال مطرد.

(6)

في (ب): لا تركن.

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

في (ب): ركبت.

ص: 416

الاستشهاد فيه.

في قوله: "إلى الأمر الذي ركنت": إذ أصله: ركنت إليه، فحذف الضمير الذي هو مجرور بالحرف، وهو "إلى"؛ لأن الموصوف بالموصول مجرور بمثله وهو قوله:"إلى الأمر الذي"، فإن قوله:"الأمر" موصوف بالموصول وهو مجرور بإلى، وقد علم أن موصوف الموصول إذا جر بحرف جر العائد بمثله، جاز حذفه لكون الموصوف هو الموصول في المعنى. فافهم

(1)

.

‌الشاهد الثامن عشر بعد المائة

(2)

،

(3)

وَمِن حَسَدٍ يَجُورُ عليَّ قومي

وأي الدهرِ ذو لم يَحْسُدُونِي

أقول: قائله هو حاتم بن عدي الطائي.

وهو من الوافر.

والمعنى: لأجل الحسد يجور عليَّ قومي، وأي الدهر الذي لم يحسدوني قومي فيه، والحسد: تمني زوال نعمة المحسود، والجور: الظلم.

الإعراب:

قوله: "ومن حسد": كلمة "من" ها هنا للتعليل؛ كما في قوله تعالى. {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: 25]، وهو يتعلق بقوله:"يجور"، وكذلك قوله:"علي" يتعلق به، و "قومي": كلام إضافي فاعل لـ"يجور"، قوله:"وأي الدهر" أي ها هنا: استفهامية؛ نحو قوله تعالى: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة: 124] أضيفت إلى الدهر، قوله:"ذو" بمعنى: الذي، وهو

(4)

ذو الطائية، قوله:"لم يحسدوني" جملة وقعت صلتها، والعائد محذوف تقديره: لم يحسدوني فيه.

الاستشهاد فيه:

فإنه حذف العائد المجرور، والحال أن شروطه لم تكمل، وهذا شاذ، وقيل: نادر

(5)

.

(1)

شرط حذف العائد هو أن يكون مجرورًا بنفس الجار الذي دخل على الموصول نفسه لفظًا ومعنى. أوضح المسالك (1/ 123)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 205، 206).

(2)

توضيح المقاصد (1/ 256)، وأوضح المسالك (1/ 124).

(3)

البيت من بحر الوافر، وقد نسب في مراجعه إلى حاتم الطائي، ولكنه ليس في طبعات ديوانه المختلفة، وانظره في التصريح (1/ 147)، وحاشية الصبان (1/ 174).

(4)

في (أ): وهي.

(5)

شروط الحذف هي: جر الموصول بمثل الحرف الجار للعائد لفظًا، ومعنى، واتحاد متعلقهما معنى. وهنا شذ؛ لأن الموصول به لم يقع مجرورًا بحرف مثل الحرف الذي جر العائد المحذوف، وسهَّل الحذف هنا كون الموصوف بالزمان =

ص: 417

‌الشاهد التاسع عشر بعد المائة

(1)

،

(2)

وإنَّ لِسَانِي شُهْدَةٌ يُشْتَفَى بها

وَهُو عَلَى مَن صَبَّهُ اللهُ عَلْقَمُ

أقول: هذا البيت أنشده قطرب، ولم يعزه إلى قائله، ويقال: إنه لرجل من همدان.

وهو من الطويل.

قوله: "شهدة" بضم الشين، وهو العسل المشمع، قال الجوهري: الشَّهْدُ والشُهْدُ. العسل في شمعه، والشهد؛ يعني بالفتح: أخص منها؛ والجمع شهاد

(3)

.

قوله: "وهوّ" بتشديد الواو، قوله:"صبه الله" من صببت الماء فانصب، أي سكبته فانسكب، قوله:"علقم" بفتح العين، وهو الحنظل.

المعنى: إن لساني مثل العسل إذا تكلمتُ في حق من أحبه، ولكن مثل الحنظل على من أبغضه؛ لأني أقدح فيه بالكلام.

الإعراب:

قوله: "لساني": كلام إضافي، اسم إن، وقوله:"شهدة": خبره، قوله:"يشتفى بها" جملة وقعت صفة لشهدة، قوله:"هو" مبتدأ، وخبره قوله:"علقم"، قوله:"على مَن" يتعلق بقوله: "علقم" على ما نذكره الآن.

الاستشهاد فيه:

على أربعة مواضع:

أحدها: تشديد واو "هوّ"، وذلك لغة هَمدان بإسكان الميم وبالدال المهملة، وكذلك

(4)

يفعلون في ياء "هيّ" كقوله

(5)

:

والنفس مَا أُمِرَتْ بالعنف آبيَةٌ

وَهِيَّ إِن أُمِرَتْ باللُّطْفِ تَأْتَمِر

= اسمًا مرادًا به زمان، وكون الضمير العائد عليه مجرورًا بفي التي تخطر بالبال كلما خطر به اسم الزمان. ينظر توضيح المقاصد للمرادي (1/ 257)، والأشموني (1/ 174)، وتعليق الفرائد (2/ 224).

(1)

ابن الناظم (38)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 125).

(2)

البيت من بحر الطويل، لرجل من همدان، وهو في التصريح (1/ 148)، وابن يعيش (3/ 96)، والهمع (1/ 61)، والدرر (1/ 37)، وحاشية الصبان (1/ 174).

(3)

لم نعثر على هذا القول في الصحاح، مادة:"شهد".

(4)

في النسخة (أ): وهكذا.

(5)

البيت من بحر البسيط، وهو مجهول القائل. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 144)، والدرر (1/ 38). =

ص: 418

الثاني: تعليق الجار بالجامد لتأوله بالمشتق؛ وذلك لأن قوله: "هو علقم" مبتدأ وخبره -كما ذكرنا، والعلقم هو الحنظل، وهو نبت كريه الطعم، وليس المراد ها هنا، بل المراد: شديد أو صعب؛ فلذلك علق به "على" المذكورة، ونظيره قوله

(1)

:

مَا أُمُّكَ اجْتَاحَتِ المنايَا

كُل فُؤَاد عَلَيك أُمٌّ

فَعَلَّقَ "عَلَى" بأُمّ لتأوله إياها بمشتقٍّ، وعلى هذا ففي قوله:"علقم" ضميرٌ؛ كما في قولك: زيد أسد؛ إذا أولته بقولك: شجاع، إذا أردت التشبيه.

الثالث: جواز تَقدُّم معمول الجامد المتأول بالمشتق؛ إذا كان ظرفًا، ونطر ذلك أيضًا في تحمل الضمير في قوله:

.........................

كل فؤاد عليك أم

الرابع: وهو المراد به ها هنا: جواز حذف العائد المجرور بالحرف مع اختلاف المتعلق؛ إذ التقدير: وهو علقم على من صبَّه الله عليه، وهو نادر، وفيه شذوذ من وجه آخر، وهو اختلاف متعلق الحرفين؛ فإن "على" الظاهر متعلق بقوله:"علقم"؛ كما ذكرنا، و "على" المقدر يتعلق بقوله:"صبَّه"

(2)

.

‌الشاهد العشرون بعد المائة

(3)

،

(4)

فَأَمُّا الأُلَى يَسْكُن غَوْرَ تِهَامةٍ

فَكُل فَتَاةٍ تَتْرُكُ الحَجْلَ أَقْصَمَا

أقول: أنشده ولد الناظم ولم يعزه إلى أحد، وكذا أنشده والده ولم يبين قائله، ولم أقف على اسم قائله.

وهو من الطويل.

قوله: "فَأَمَّا الأُلَى" أي: فأما النساء اللاتي "يَسْكُن غَوْرَ تِهَامِة" الغور في اللغة: المطمئن من

= اللغة: العنف: الجهل، آبية: ممتنعة، اللطف: المودة والخلق، والبيت أورده العيني شاهدًا على تشديد همدان ياء "هي"، وهي لغتهم.

(1)

البيت من مخلع البسيط، وهو مجهول القائل، ينظر الخزانة (5/ 267)، والخصائص (3/ 272)، والمعجم المفصل في شرح شواهد النحو الشعرية (850).

(2)

ينظر الشواهد الأربعة في شرح شواهد المغني للسيوطي (843)، والخزانة (5/ 266، 267)، ويقول ابن هشام في الشاهد الرابع المراد هنا:"أصله (علقم عليه) فعلى المحذوفة متعلقة بصبه، والمذكورة متعلقة بعلقم؛ لتأوله بصعب أو شاق أو شديد، ومن هنا كان الحذف شاذًّا لاختلاف متعلق جار الموصول وجار العائد" المغني (434).

(3)

ابن الناظم (23) وروايته: فأما الألى.

(4)

البيت من بحر الطويل، وهو مجهول القائل، وانظره في: تخليص الشواهد (138)، ونسبه الزبيدي في تاج العروس إلى عمارة بن راشد، مادة:"قصم"، وكذا في اللسان مادة:"فصم"، وانظره في شرح ابن عقيل على الألفية =

ص: 419

الأرض، وهو بخلاف النجد، قال الباهلي: كل ما انحدر سيله مغربًا عن تهامة فهو غور

(1)

وفي أرض الشام غور أيضًا؛ وهو غور الأردن بين بيت المقدس وحَوَرَان من أعمال دمشق، وهو منخفض عن أرض دمشق وأرض بيت المقدس، فلذلك سُمي الغور، طوله [نحو]

(2)

ثلاثة أميال وعرضة أقل من مسيرة يوم، وفيه قرى كثيرة، وبحيرة طبرية في طرفه، والبحيرة المنتنة في طرفه الآخر

(3)

، وأراد الشاعر غور تهامة، وهو الذي ذكره الباهلي.

ونجد ما بين العُذَيْبِ إلى ذات عرق، وإلى اليمامة، وإلى جبل طيئ، وإلى وَجْدَة، وإلى اليمن، وذات عرق أول تهامة إلى البحر وجدة، وقيل: تهامة ما بين ذات عرق إلى مرحلتين من وراء مكة [-شرفها الله تعالى-]

(4)

وما وراء ذلك من الغرب فهو غور، والمدينة لا تهامية ولا نجدية؛ فإنها فوق الغور ودون نجد، واشتقاق تهامة من التهم، وهو شدة الحر وركود الريح؛ وبذلك سميت تهامة، يقال: أَتْهَمَ الرجل إذا أتى تهامة، وأنجد إذا أتى نجدًا، وأعرق إذا أتى العراق، وأشأم إذا أتى الشام.

فإن قلتَ: ما هذه الإضافة؟

قلتُ: أما إضافة البعض إلى الكل؛ كقولك: أسفل الدار؛ فالمراد: المطمئن من أرض تهامة، وأما إضافة أحد المترادفين إلى الآخر؛ لأن تهامة تسمى الغور. والأول أولى؛ لأن في الثاني دعوى سلب المعرفة تعريفها، وإضافة الشيء إلى نفسه

(5)

.

قوله: "فَكل فتاة" الفتاة: الشابة من النساء، وقد فتي بالكسر يفتى فتى فهو فتي السن بين الفتاء، قوله:"الحَجْلَ" بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم وفي آخره لام؛ وهو القيد، ثم نقل إلى الخلخال [وهو المراد ها هنا. قال الجوهري: والحجل بالكسر؛ لغة؛ يعني: في الحجل بالفتح، ومنه المحجل الأرض، وهو موضع الخلخال]

(6)

، والتحجيل

(7)

: بياض في قوائم الفرس، أي: في ثلاث منها وفي رجليه قلَّ أو كثر بعد أن يجاوز الأرساغ، ولا يجاوز الركبتين والعرقوبين؛

= (1/ 143 - 145)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 198) ولم يعزه إلى قائل. ويروى:

........ فكل كعاب .....

(1)

اللسان، مادة:"غور"، وتاج العروس للزبيدي مادة:"غمر".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر معجم البلدان (4/ 245) وما بعدها.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 230)، توضيح المقاصد للمرادي (2/ 255) وما بعدها، وقال ابن مالك في الألفية:

ولا يُضافُ اسْم لِمَا به اتَّحَد

معنى وأوّل مُوهِمًا إذا وَرَدْ

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(7)

الصحاح للجوهري، مادة:"حجل".

ص: 420

لأنها مواضع الأحجال، وهي الخلاخيل والقيود.

وأما الحَجَل بفتحتين؛ فهو جمع حجلة، وهي القبجة، وهي

(1)

الطائر الشهور، قوله:"أقصما" بالقاف، وهو المشهور ويجوز أن يكون بالفاء، والفرق بينهما: أن فصم الشيء: كسره بلا إبانة، تقول: فصمته فانفصم

(2)

. قال تعالى: {لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256] وانفصم مثله، وأما القصم بالقاف، فهو الكسر بالإبانة، وبالقاف أظهر ها هنا؛ لأن معناه: أن سيقانها لضخامتها تكسر الخلاخيل.

الإعراب:

قوله: "فأما الألى" الفاء للعطف على ما قبله، وأما: للتفصيل، و "الألى": موصولة، و "يسكن": جملة صلتها، وهي في محل الرفع على الابتداء، وخبره: الجملة؛ أعني: قوله: "فكل فتاة تترك الحجل [أقصما]

(3)

" ودخول الفاء لأجل أما؛ لأنها تتضمن معنى الشرط، قوله: "غور تهامة" كلام إضافي مفعول لقوله: "تسكن"، قوله: "الحجل" منصوب؛ لأنه مفعول لقوله "تترك"، قوله: "أقصما" بمعنى مقصومة، نصب على الحال.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فأما الألى"؛ فإنها بمعنى اللائي؛ كما أن اللائي بمعنى الذين، فافهم

(4)

.

‌الشاهد الحادي والعشرون بعد المائة

(5)

،

(6)

فَتِلْكَ خُطُوبٌ قد تَمَلّتْ شَبَابَنَا

قَدِيمًا فتُبلِينَا المنُونُ وما تُبْلَى

وتبلَى الألى يَسْتَلْئِمُونَ على الأُلَى

تَرَاهُنَ يَوْمَ الرّوْعِ كالحِدَأ القُبْل

أقول: قائله هو أبو ذؤيب الهذلي، واسمه خويلد بن خالد، وقد ترجمناه فيما مضى

(7)

،

(1)

في (أ): وهو.

(2)

في (أ): فأفصم.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

قال ابن مالك في شرح التسهيل (1/ 193): "وقال آخرون في ورود الألى بمعنى اللائي: (

البيت) ".

(5)

ابن الناظم (32)، توضيح المقاصد للمرادي (1/ 211، 212)، وشرح ابن عقيل (1/ 142) والثاني فقط في شرح ابن عقيل على الألفية، ورواية المرادي للأول هي:"فتبلينا الخطوب وما تبلى".

(6)

البيتان من بحر الطويل، وهما ضمن قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي، وانظرهما في ديوان الهذليين (1/ 34)، والخزانة (11/ 246)، وحاشية الصبان (1/ 148)، والهمع (1/ 83)، والدرر (1/ 7)، ررواية الثاني في شرح التسهيل لابن مالك: (وتفنى الألى

) (1/ 193).

(7)

الشاهد رقم (88) من الكتاب الذي بين يديك.

ص: 421

وهذان البيتان من قصيدة لامية، أولها هو قوله:

1 -

ألا زعَمَتْ أسْمَاءُ أن لا أُحِبُّها

فقلتُ بلى لولا يُنَازِعُنِي شُغلي

2 -

جزيتك ضِعْفَ الوُدّ لما اشتكيته

وما إن جَزَاك الضِّعْفَ من أحدٍ قبلي

3 -

لعمرك ما عَيسَاءُ تَتبَعُ شادِنًا

يَعَنُّ لَهَا بالجَزْع من نَخِب النَّجْلِ

4 -

إذا هي قامت تَقْشَعِر شَوَاتها

ويشرق بين الليتِ منها إلى الصقْلِ

5 -

ترى حَمْشًا في صدوها ثم إنها

إذا أدبَرَتْ وَلّتْ بِمُكْتَنَزٍ عَبْلِ

6 -

وما أم خشف بالعَلايَة تَرْبحِي

وترْمُقُ أحيَانَا مُخْاتِلَةَ الحَبلِ

7 -

فإن تَزْعُمِيني كنت أجْهَلُ فِيكُمُ

فإني شَرَيْتُ الحِلْمَ بَعْدَكِ بِالجَهْلِ

8 -

وقال صَحَابِي قد غُبِنتَ وخِلتَنِي

غَبِتتَ فلا أَدْري أَشَكْلُهُمُ شكلي

9 -

فإن تك أنثى في معدٍ كريمةُ

علينا فقد أُعطيت نَافِلَةَ الفَضْلِ

10 -

على أنَّهَا قَالت رأيتُ خُوَيلِدًا

تَنَكَّرَ حتى عَادَ أَسْوَدَ كالجِذْل

11 -

فتلكَ خُطُوبٌ ............. .... ........................ إلخ

وجملتها ثلاثون بيتًا، وهي من الطويل.

1 -

قوله: "ينازعني": مبتدأ بتقدير أن، و "لولا": كلمتان؛ يعني: لو لم، وجواب لولا أو جواب لو محذوف.

3 -

قوله: "عيساء": واحدة العيس، وهي إبل بيض في بياضها ظلمة خفية

(1)

، و "الشادن": ولد الظبية، قوله:"يعن"؛ أي: يعرض لها بالجِزْع؛ بكسر الجيم وسكون الزاي المعجمة، وهو منعطف الوادي، قوله:"من نخب" بفتح النون وكسر الخاء المعجمة وفي آخره باء موحدة؛ وهو وادٍ بالطائف، و "النَّجْل" بفتح النون وسكون الجيم؛ وهو الماء يظهر من الأرض.

4 -

وقوله: "شواتها" الشواة بضم

(2)

المعجمة: جلدة الرأس، أراد يقشعر الشعر الذي في الرأس، قوله:"ويشرق" أي: يضيء، و"اللِّيت" بكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره تاء مثناة من فوق؛ وهي صفحة العنق، و "الصقل": الخاصرة.

5 -

قوله: "حمشًا " بفتح الحاء المهملة؛ أي: دقة، و "عبل" أي: ضخم.

6 -

وأراد بـ"أم خشف" الظبية، و "العلاية" أرض، و "مخاتلة" أي: مخادعة، وأراد "الحبل" حبل الصائد.

(1)

في (أ): خفيفة.

(2)

في (أ): بفتح الشين.

ص: 422

7 -

قوله: "شريت" بمعنى: اشتريت، ويأتي بمعنى بعت، والمعنى ها هنا: بعا الجهل بالحلم. 8 - قوله: "وقال صحابي قد غبنت"، لأنه باع الجهل بالحلم، فقال: بل أنا الغابن، ولا أدري أهم [على]

(1)

ما أنا عليه أم لا؛ والمعنى: طريقهم طريقي أم غيرها فحذف أم ومعطوفها، كقوله

(2)

:

........................

فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلابُهَا

أي: أم غي.

10 -

قوله: "رأيت خويلدًا" المراد

(3)

به نفسه، وهو أبو ذؤيب خويلد بن خالد، قوله:"تنكر" أي تغير، و "الجذل" بكسر الجيم وسكون الذال العجمة، أصل الشجر، وقال الأخفش: العود اليابس

(4)

.

11 -

قوله: "خطوب" جمع خطب، وهو الأمر العظيم، قوله:"تملت شبابنا" أي: استمتعت بشبابنا، يقال: تمليتُ عمري، أي: استمتعت به، ويقال: تمليت حبيبًا، أي: عضت معه ملاوة من الدهر بتثليث الميم، أي: حينًا وبرهة، وكذلك: الملوة بتثليث الميم، قوله:"فتبلينا" أي: تفنينا، من الإبلاء، وثلاثيه: بلى يبلى بلاءً

(5)

، قوله:"المنون" أي: المنية، قال الفراء: المنون مؤنثة وتكون واحدة وجمغا

(6)

، ويقال: المنون: الدهر، لأنه يمن قوى الإنسان، أي: ينقصها، وكون بمعنى الموت لأنه يقطع الحياة من قوله تعالى:{فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}

(7)

[التين: 6].

12 -

قوله: "يستلئمون" من استلأم الرجل، إذا لبس اللأمة وهي الدرع، قوله:"يوم الروع" بفتح الراء، أي: يوم الحرب، لأنه يوم فيه الروع والفزع، قوله:"كالحدأ" بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين وفي آخره همزة، وهو جمع حدأة، وهي الطائر المعروف، كعنب جمع عنبة.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

هذا جزء بيت من الطويل لأبي ذؤيب الهذلي أيضًا، وصدره:

دعاني إليها القلب إني لأمره

سميع .............................

والبيت شاهد على حذف أم المتصلة ومعطوفها، والتقدير: أرشد طلابها أم غي، والبيت من قصيدة طويلة في ديوان الهذليين (1/ 70)، وينظر المغني (43)، والخزانة (11/ 251)، والدرر (6/ 102)، وشرح عمدة الحافظ (655)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (27)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 132).

(3)

في النسخة (أ): أراد به نفسه.

(4)

قال ابن منظور: "الجذْل: أصل الشيء الباقي من شجرة وغيرها بعد ذهاب الفرع" اللسان، مادة:"جَذل".

(5)

في (أ): بلى.

(6)

المذكر والمؤنث للفراء (89)، تحقيق: د. رمضان عبد التواب، مكتبة دار التراث، بدون.

(7)

وهي في (أ، ب): "لهم أجر غير ممنون".

ص: 423

قوله: "القبل" بضم القاف وسكون الباء الموحدة، وهي التي في عينها قَبَل بفتحتين وهو الحول

(1)

، وفي كتاب خلق الإنسان: قال الأصمعي

(2)

: وفي العين الحَوَل والقَبَل، يقال: حَولَتْ عينُه تَحْوِلُ حَوَلًا، وَاحْوَلَّتِ احْولالًا، وقَبِلَتْ تَقبَلُ قبَلًا واقْبَلَّت اقْبِلالًا، فالحَوَل كأنها تنظر إلى الحجاج، بكسر الحاء وفتحها، العظم الذي ينبت عليه الحاجب، والقبل: أن تكون كأنها إلى عرض الأنف

(3)

، وقال ابن الأعرابي: الحول أن تُميل الحدقة إلى اللحاظ، والقبل: أن تميل إلى المؤق. والمعنى: أن حوادث الدهر والزمان قد تمتعت بشبابنا قديمًا فتبلينا النون أي الموت ونحن ما نبليه، "وتبلى الألى" أي: الذين يستلئمون لَأْمة الحرب، "على الألى"، أي: على اللالي، أي: على الخيول اللالي تراهن في يوم الحرب والفزع، كأنها حدأ لخفتها في الجري والسير وشدة العدو التي في أعينها حول، يعني: انقلاب من شدة طيرانها، وقد شبه الخيول التي تجري يوم الحرب وأعينهن منقلبة من شدة العدو بالحدأ، التي تشتد في الطران وأعينهن منقلبة من شدة الطيران.

الإعراب:

قوله: "فتلك خطوب" جملة اسمية من المبتدأ والخبر، عطف على ما قبلها من الجمل السابقة. قوله:"تملت شبابنا" جملة فعلية من الفعل والفاعل والمفعول وهو شبابنا، في محل الرفع على أنها صفة للخطوب، قوله:"قديمًا" نصب على الظرف؛ أي: في قديم الزمان، قوله:"فتبلينا" فعل ومفعول، و"المنون" فاعله وهذه الجملة كالتفسير لقوله:"قد تملت شبابنا"، فلذلك ذكرها بالفاء.

قوله: "وما نبلى": جملة منفية مركبة من الفعل والفاعل، والمفعول محذوف تقديره: وما نبليها أي: ونحن لا نقدر على إبلاء النون كإبلائها إيانا، ويجوز أن تكون هذه الجملة حالًا.

قوله: "وتبلى" بضم التاء؛ من الإبلاء، وفاعله مستتر فيه وهو المنون، قوله:"الألى يستلئمون" مفعوله، والألى

(4)

: موصول، ويستلئمون: صلته، أي: تبلي الذين يستلئمون اللَّأمة، قوله:"على الألى" جملة حالية أي: حال كونهم على الخيول اللالي تراهن يوم الروع كالحدأ، قوله:"تراهن" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، صلة للموصول

(5)

وهو قوله: "على الألى".

قوله: "يوم الروع": نصب على الظرف، قوله:"كالحدأ": في محل نصب على أنه مفعول ثانٍ لتراهن، قوله:"القبل" بالجر؛ صفة للحدأ.

(1)

في (أ): الحور.

(2)

خلق الإنسان للأصمعي (184).

(3)

ينظر الصحاح للجوهري واللسان، مادة:"قبل".

(4)

في (ب): واللام.

(5)

في (أ): الموصول.

ص: 424

الاستشهاد في البيت الثاني، ولا استشهاد في البيت الأول؛ فذكرهم إياه للتعلق بينهما في المعنى، وهو أنه جمع بين اللغتين، وهما إطلاق الألى على الذين في قوله:"وتبلى الألى يستلئمون"، وإطلاق الألى أيضًا على اللاتي في قوله:"على الألى تراهن" فافهم

(1)

.

‌الشاهد الثاني والعشرون بعد المائة

(2)

،

(3)

أبي الله للشُّم الأُلاءِ كأنهُم

سُيُوف أجاد القينُ يومًا صِقَالها

أقول: قائله هو كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة الأسود بن عامر بن عويمر الخزاعي، يكنى بأبي صخر، أحد عشاق العرب المشهورين به.

وهو صاحب عزة بنت جميل بن حفص بن إياس بن عبد العزى بن حاجب بن غفار بن مليك

(4)

بن ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وله معها حكايات ونوادر وأمور مشهورة، وأكثر شعره فيها.

وكان يدخل على عبد الملك بن مروان وينشده، وكان رافضيًّا شديد التعصب لآل أبي طالب توفي سنة خمس ومائة بالمدينة، وكُثَيّر: تصغير كثير، وإنما صغر لأنه كان حقيرًا شديد القصر، وكان يلقب ذب الذباب، والبيت المذكور من قصيدة هائية، وبعده قوله

(5)

:

2 -

وَأَشْعَرتُهَا نَفْثًا رقِيقًا فلَوْ تَرَى

وقد جُعِلَتْ أن تُرْعِيَ النَّفْثَ بالها

3 -

تحذُّرَها من حيثُ أمكنها الرقي

إلى الكفِّ لما سَالمَتْ وانْسَلا لهَا

4 -

كأنهُم قصرًا مصابيحُ راهبٍ

بِمَوْزَنِ رَوّى بالسَّلِيطِ ذُبَالهَا

(6)

وهو من الطويل.

1 -

قوله: "أبى الله": من الإباء، وهو شدة الامتناع، قوله:"للشُّم" بضم الشين المعجمة وتشديد الميم؛ وهو جمع أشم من الشمم

(7)

، وهو ارتفاع في قصبة الأنف مع استواء أعلاه،

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 193).

(2)

توضيح المقاصد للمرادي (212).

(3)

البيت من بحر الطويل لكثير، وهو من قصيدة طويلة يمدح بها عبد الملك بن مروان، وقد بدأها بالغزل، وهي في الديوان (145) بشرح: مجيد طراد، وبيت الشاهد في: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 195)، وحاشية الصبان (1/ 149)، والتصريح (1/ 132)، والهمع (1/ 83).

(4)

في (أ): مليل.

(5)

الأبيات الثلاثة في القصيدة: الديوان (152) بشرح مجيد طراد، دار الكتاب العربي؛ لكنها غير مرتبة، وليست بعد الشاهد كما ذكر الشارح ولكنها فبله.

(6)

هذه الأبيات قبل بيت الشاهد؛ حيث يوجد البيت الأول والثاني في الديوان (51)، والبيت الثالث (47).

(7)

في (أ): من الشمم.

ص: 425

ومنه يقال: رجل أشم الأنف، وجبل أشم: طويل الرأس بَيِن الشمم، وقال أبو عمرو: أشم الرجل [يشم]

(1)

إشمامًا، وهو أن يمر رَافعًا رأسه، قوله:"أجادة" أحكم و "القين" بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون؛ وهو الحداد، ويجمع على قيون.

2 -

قوله: "وأشعرتها" أي: علّمتها من الأشعار، يقال: أشعرته فشعر؛ أي: أدريته فدرى، و"النفث "بفتح النون وسكون الفاء وفي آخره ثاء مثلثة؛ وهو شبيه بالنفخ؛ وهو أقل من التفل، وقد نفث الراقي ينفُث وينفِث، ومنه:{النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] وهن

(2)

السواحر، قوله:"وقد جعلت"

إلى آخره: جملة وقت حالًا، وقوله:"يا لها": كلمة "يا": حرف نداء واللام فيه للاستغاثة والتعجب، والضمير يرجع إلى عزة

(3)

.

3 -

قوله: "تحذُّرَها" منصوب بقوله "فلو ترى".

4 -

قوله: "بالسليط": وهو الزيت عند عامة العرب، وعند أهل اليمن: دهن السمسم، قوله:"ذبالها" بضم الذال المعجمة وتخفيف الباء الموحدة؛ وهو جمع ذبالة؛ وهي الفتيلة.

الإعراب:

قوله: "أبى اللَّه": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"للشم": جار ومجرور في محل النصب على المفعولية، وقوله:"الألاء": موصولة بمعنى الذين، وهو صفة للشم، قوله:"كأنهم سيوف": جملة وقعت صلة للموصول، قوله "أجاد": فعل ماض، و "القين": فاعله، وقوله:"صقالها" كلام إضافي مفعوله، والجملة في محل الرفع؛ لأنها صفة لسيوف، قوله:"يومًا" نصب على الظرف.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "الألاء"

(4)

فإنها موصول بمعنى "الذي" للجمع المذكر، ولهذا وصف بها المذكر.

‌الشاهد الثالث والعشرون بعد المائة

(5)

،

(6)

تَعَشَّ فإن عَاهَدْتَنِي لا تَخُونُنِي

نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ

أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من قصيدة يخاطب فيها الفرزدق الذئبَ الذي أتاه وهو نازل

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): وهي.

(3)

في (أ): لعزة.

(4)

في (ب): الأولى.

(5)

ابن الناظم (33).

(6)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيدة بدأها الفرزدق بحوار بينه وبين ذئب كان قد لقيه في سفر فقاسمه زاده، ثم افتخر في آخر القصيدة، الديوان (400)، وبيت الشاهد في كثير من مراجع النحو، منها: الكتاب (2/ 84)، =

ص: 426

في بعض أسفاره في بادية، وكان قد أوقد نارًا، ثم رمى إليه من زاده وقال [له]

(1)

: تعال تعش، ثم بعد ذلك ينبغي أن لا يخون أحد منا صاحبه؛ حتى نكون مثل الرجلين اللذين يصطحبان.

وقال أبو عبيدة في كتاب الضيفان: ضاف الفرزدق ذئبًا ومعه لحم شاة مسلوخ، فألقى إليه ربع الشاة، وأراد أصحابه طرده فَنَهَاهُم، ثم ألقى الربع الآخر فشبع وتبختر، فقال الفرزدق

(2)

:

1 -

وأَطْلَسَ عَسَّالٍ وَمَا كَانَ صَاحِبًا

دَعَوْتُ لِنَارِي

(3)

مَوهِنًا فَأَتَانِي

2 -

فَلَمَّا أتاني قلت دونك إِنَّنِي

(4)

وَإيَاكَ فيِ زَادِي لَمشتَرِكَانِ

3 -

فَبِث أقد

(5)

الزَّادَ بَيني وَبَينَهُ

عَلَى ضَوْءِ نَارٍ مَرَّةً وَدُخَانِ

4 -

فَقُلْتُ له لما تَكَشَّرَ ضَاحِكًا

وَقَائِمُ سَيفِي فيِ يَدِي

(6)

بِمَكَانِ

5 -

تَعَشَّ فإن عَاهَدْتَنِي

(7)

لا تَخُونُنِي

نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ

6 -

وَأَنْتَ امْرؤٌ يا ذِئبُ وَالْغَدْرُ كُنْتُمَا

أُخَيَّيِن كَانَا أُرْضِعَا بِلِبَانِ

7 -

وَلَوْ غَيرَنَا نَبَّهْتَ تَلْتَمِسُ القِرَى

رماك بسَهْم

(8)

أو شَبَاةِ سِنَانِ

8 -

وَكُلُّ رَفِيقِي كُل رَحْلٍ وَإنْ هُمَا

تَعَاطَى القَنَا قَوْمَاهُمَا إِخْوَانِ

وهي من الطويل وفيه الحذف، ولا يخفى

(9)

على الفَطِن.

1 -

قوله: "وأطلس" أي: ورب أطلس؛ وهو الأغبر من الذئاب، قوله:"عسَّال": صيغة مبالغة من العسلان؛ وهو مشي الذئب باضطراب وسرعة، قوله:"مَؤهِنًا" بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء؛ وهو ساعة تمضي من الليل، وكذلك الوهن، قوله:"فأتاني" أي: فرأى النار فأتاني، ويروى:"دفعت" موضع "دعوت"، ويروى:"رفعت" فهو من المقلوب، أي رفعت له ناري فرآها فأتاني.

2 -

قوله: "فلما أتاني قلت دونك إنني" ويروى: "فلمَّا أتى قلت: ادن إنني" أي: اقرب وخذ أي: كل.

= والمقتضب (2/ 295)، وابن يعيش (2/ 132)، وحاشية الصبان (1/ 153)، ومغني اللبيب (404)، وفي الديوان (628) بشرح علي فاعور، روايته:

تعش فإن واثقتني لا تخونني

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

(1)

ما بين المعقوفين سقط في النسخة (أ).

(2)

ديوان الفرزدق (399) بشرح مجيد طراد، ط. دار الكتاب العربي.

(3)

في الديوان: بناري.

(4)

في الديوان: فلما دنا قلت ادن دونك إنني ....

(5)

في الديوان: فبت أسوي

(6)

في الديوان: من يدي.

(7)

في الديوان فإن واثقتني.

(8)

في الديوان: أتاك بسهم.

(9)

في (أ): لا يخفى.

ص: 427

3 -

قوله: "أقد الزاد" أي: أقطعه، ويروى: فبت أسوي الزاد.

4 -

قوله: "تَكَشَّرَ": من الكشر وهو بدو الأسنان عند الضحك.

5 -

قوله: "تعش": أمر من تعشى يتعشى، يخاطب به الذئب المذكور، وفي كتاب سيبويه: تعال فإن عاهدتني

إلخ

(1)

.

6 -

قوله: "أُخَيين": تصغير أخوين، قوله:"بلبان" بكسر اللام، يقال: هذا أخوه بلبان أمه. قال ابن السكيت: ولا يقال: بلبن أمه، إنما اللبن الذي يشرب

(2)

.

7 -

قوله: "القِرى" بكسر القاف؛ الضيافة، قوله:"أو شباة سنان" أي: حدته، وشباة كل شيء: حده، وهو بفتح الشين العجمة والباء الموحدة، والسنان بكسر السين المهملة؛ حديدة الرمح.

8 -

[قوله]

(3)

: "وكل رفيقي كل رحل" اعلم أن إعراب هذا البيت مشكل وكذا معناه، قوله

(4)

: "كل" في "كل رحل": زائدة و "رحل" بالحاء المهملة، وقوله:"تعاطى" أصله: تعاطيا، فَحَذْفُهُ

(5)

لامه للضرورة، أو وحد الضمير؛ لأن الرفيقين ليسا باثنين معينين، بل هما كثير، كقوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] ثم حمل على اللفظ؛ إذ قال: هما إخوان، وجملة "هما إخوان": خبر كل، وقوله:"قوما" إما بدل من الفتى؛ لأن قومهما من سببها؛ إذ معناه: تقاومهما، فحذف الزوائد، فهو بدل اشتمال، وإما مفعول لأجله أي: تعاطيا القنا لمقاومة كل منهما الآخر، أو مفعول مطلق من باب:{صُنْعَ اللَّهِ} [النمل: 88]؛ لأن تعاطي القنا يدل على تقاومهما.

ومعنى البيت: أن كل الرفقاء في السفر إذا استقروا رفيقين، فهما كالأخوين لاجتماعهما في السفر والصحبة، وإن تعاطى كل منهم مغالبة الآخر.

الإعراب:

قوله: "تعشَّ": جملة من الفعل والفاعل، وهو أنت مستتر فيه، قوله:"فإن عاهدتني" إن: حرف شرط، و "عاهدتني": جملة من فعل الشرط، وقوله:"لا تخونني" قيل: إنه جواب الشرط ولا محل لها من الإعراب

(6)

، والحق أن يكون الجواب هو قوله:"نكن مثل من يا ذئب"، ويكون

(1)

الكتاب لسيبويه (2/ 416)(هارون).

(2)

اللسان، مادة:"لبن" "وهو أخوه بلبان أمه بكسر اللام ولا يقال بلبن أمه، وإنما اللبن الذي يشرب من ناقة أو شاة أو غيرهما من البهائم.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

في (أ): فقوله.

(5)

في (أ): فحذف.

(6)

حكم عليها بأنها لا محل لها من الأعراب لدخول النفي غير المقترن بالفاء ولا إذا الفجائية. ينظر المغني (409).

ص: 428

قوله: "لا تخونني": جواب القسم الذي تضمنه عاهدتني، أو تكون جملة حالية، قوله:"مثل من": كلام إضافي منصوب؛ لأنه خبر نكن، قوله:"من" موصولة، و "يصطحبان" صلتها، قوله:"يا ذئب" معترض بين الموصول وصلته.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مثل من يا ذئب يصطحبان" فإنه راعى معنى "من" في قوله: "يصطحبان" بالتثنية، و "من" التي بمعنى "الذي" يجوز في ضميرها اعتبار المعنى، واعتبار اللفظ وهو أكثر كقوله تعالى. {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ} [الأحزاب: 31]، وقوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} [يونس: 40]، واعتبار المعنى نحو قوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس: 42]

(1)

.

‌الشاهد الرابع والعشرون بعد المائة

(2)

،

(3)

ذَاكَ خَليلي وذُو يُوَاصِلُنِي

يَرْمي وَرَائِي بامْسَهْمٍ وأمْسَلَمَهْ

أقول: قائله هو بجير بن غنمة أحد بني بولان بن عمرو بن الغوث بن طيئ، وبولان: حي من طيئ، وهو أخو خالد بن غنمة الطائي، وهو شاعر جاهلي مقل، وركب ابن الناظم، وأبوه

(4)

أيضًا صدر البيت على عجز بيت آخر؛ فإن الرواية فيه:

وإنَّ مَوْلايَ ذُو يُعَيِّرُنِي

لا إِحنَةِ بينَنَا ولا حَرَمَهْ

يَنْصُرُنِي مِنْكَ غَيرَ مُعْتَذِرٍ

يرمي ورائي بامسهم وامسلمه

وفي رواية الجوهري: وذو يعاتبني

(5)

، وكذا أنشده السهيلي

(6)

.

(1)

(مَن) تستعمل اسمًا موصولًا للعاقل مطلقًا مذكرًا، أو مؤنثًا، أو مفردًا، أو مثنى، أو جمعًا، ولذا تسمى مشتركًا ويعين بعود الضمير عليه، ولك مراعاة المعنى عند مخالفة المعنى للفظ. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 212، 213)، والدرر (1/ 64، 65).

(2)

ابن الناظم (34).

(3)

البيت من بحر المنسرح، وقد ذكر العيني قائله، وهو بجير بن غنمة الشاعر الجاهلي، وبيت الشاهد مركب من بيتين كما ذكر العيني، وانظر ترجمة الشاعر والبيتين في: المؤلف والمختلف (71) ط. دار الجيل، وانظر الشاهد أيضًا في: مغني اللبيب (48)، وابن يعيش (9/ 17)، واللسان مادة:"أم"، والهمع (1/ 79).

(4)

الرواية في شرح الكافية الشافية (165) د. أحمد هريدي: كما هو في الشاهد وليس مركبًا كما ذكر العيني، والمحقق ذكر ما قاله العيني من التركيب في البيت، وفيه ذكر أن اسم الشاعر هو بحير لا بجير.

(5)

الصحاح للجوهري مادة: "سلم".

(6)

لم نعثر عليه في نتائج الفكر، وهو في الروض الأنف (2/ 247)، وفيه يقول: "وَأمّا سَلِمَةُ بِكَسْرِ اللّامِ فَهُم مِنْ الأنْصَارِ سُمّيَ بِالسّلِمَةِ وَاحِدَةِ السّلَامِ وَهِيَ الحجَارَةُ، قَال الشاعِرُ:

ذَاكَ خَليلِي وَذُو يُعَاتِبني

يَرمِي وَرَائِي بالسّهْمِ وَالسّلِمَة".

ص: 429

وهو من المنسرح، وهو الثاني من الدائرة الرابعة، وهي الدائرة المسماة بدائرة المشتبه، وهي مشتملة على ستة أبحر، وهي

(1)

: السريع والمنسرح والخفيف والمضارع والمقتضب والمجتث، وهو في أصل الدائرة: مستفعلن مفعولات مستفعلن

(2)

مرتين، وله ثلاثة أعاريض وثلاثة أضرب

(3)

وهو مطوي العروض والضرب.

قوله: "خليلي" أي: صاحبي، قوله:"وذو يواصلني" أي: الذي يواصلني، قوله:"بامسهم" أي: بالسهم، قوله:"بامسلمة" أي: والسلمة، وهذا

(4)

على لغة أهل اليمن؛ فإنهم يجعلون عوض اللام ميمًا، فيقولون في الرجل: امرجل

(5)

، وفي الصحاح: هذه لغة حِمْير

(6)

، وقال في المغرب: لغة طيئ، ومنه الحديث الذي رويناهُ من طريق الإمام أحمد رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم:"ليس من امبر امصيام في امسفر"

(7)

، يريد: ليس من البر الصيام في السفر، و "السلمة" -بفتح السين واللام؛ واحدة السلم، وهي شجرة من شجر العضاة؛ كذا فسره البعلي في شرح الجرجانية

(8)

، وتبعه على هذا أيضًا بعض المتأخرين، وليس كذلك، والصحيح أن السلمة ها هنا -بكسر اللام، هي واحدة السلم وهي الحجارة، ولما ذكر الجوهري السلمة بكسر اللام استشهد عليه بهذا البيت

(9)

، والمعنى أيضًا يناسب هذا التفسير فافهم.

و"بنو سلمة" بطن من الأنصار، وليس في العرب سلمة -بكسر اللام سواهم، والسلمة- بفتح اللام: واحدة السلم بالفتح، وهو شجر العضاة، وسلمة أيضًا اسم رجل.

الإعراب:

قوله: "ذاك": مبتدأ، و "خليلي": خبره، قوله:"وذو": موصول، وصلته قوله:"يواصلني" وهو عطف على الخبر، قوله:"يرمي": خبر ثان، ويجوز أن يكون حالًا، ويقال: الواو في "وذو يعاتبني" زائدة. والجملة صفة لقوله: "ذاك" الذي هو مبتدأ، وقوله:"خليلي": بدل من ذاك، وقوله:"يرمي": خبر المبتدأ، وقال الشيخ جمال الدين: زعم الجوهري أن الواو زائدة، وكان ذلك؛ لأنه رأى أن قوله:"يرمي" محط الفائدة، فقدره خبرًا

(10)

، وقدر "خليلي" تابعًا للإشارة

(1)

في (ب): وهو.

(2)

في (ب): مستفعل مفعولات مستفعل.

(3)

ينظر العروض الواضح لممدوح حقي (103) وما بعدها.

(4)

في (أ): وهذان.

(5)

ينظر الممتع لابن عصفور (1/ 394) وشرح الشافية (3/ 216) وابن يعيش (1/ 340)، والأمير على المغني (1/ 47)، والدسوقي (1/ 51) والمغني (49).

(6)

الصحاح مادة: "سلم"، وهي لغة لحمير.

(7)

مسند الإمام أحمد (5/ 434).

(8)

الفاخر في شرح جمل عبد القاهر للبعلي (26) تحقيق: ممدوح محمد خسارة، الكويت (2002 م).

(9)

الصحاح للجوهري مادة: "سلم".

(10)

في (أ): خبره.

ص: 430

لأنه بدل منها، لا نعت، بل ولا بيان؛ لأن البيان بالجامد كالنعت بالمشتق، ونعت الإشارة بما ليست فيه "أل" ممتنع، وبهذا أبطل أبو الفتح كون (بَعْلِي) فيمن رفع (شيخًا) بيانًا انتهى

(1)

.

قلت: فيه نظر من وجهين:

الأول: أن زيادة الواو قليلة.

والثاني: أن اسم الإشارة لا يوصف إلا بما فيه "أل"؛ كما تقول: يا هذا الرجل، وهو وصلة لندائه، ويكون حينئذ كأي في لزوم نعته ووجوب رفعه، أو بموصول مصدر بأل نحو: يا هذا الذي فعل كذا

(2)

، قوله:"ورائي" نصب على الظرف، قوله:"بامسهم": جار ومجرور يتعلق بقوله: يرمي، وقوله:"وامسلمة": عطف عليه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "على أن "ذو" بمعنى الذي للمذكر؛ كما أن ذو بمعنى التي في قوله

(3)

:

.......................

وبئري ذو حفرت وذو طويت

والزمخشري استشهد به على مجيء الميم مكان لام التعريف في الموضعين

(4)

.

‌الشاهد الخامس والعشرون بعد المائة

(5)

(6)

يَقُولُ الخَنَا وأَبْغَضُ العُجْمَ نَاطِقًا

إلى ربِّنا صوتُ الحمار اليُجَدَّعُ

أقول: قائله هو ذو الخِرَقِ الطُّهَويّ، واسمه: دينار بن هلال، شاعر جاهلي، وهو من قصيدة

(1)

قال أبو الفتح: "الرفع في {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} [هود: 72] من أربعة أوجه: أحدها: أن يكون شيخ خبر مبتدأ محذوف، كأنه قال: هذا شيخ .. والثاني: أن يكون بعلي بدلًا من (هذا) و (شيخ) هو الخبر. والثالث: أن يكون (شيخ) بدلًا من (بعلي)، وكأنه قال: هذا شيخ؛ كما كان التقدير فيما قبله: بعلي شيخ، والرابع: أن يكون: (بعلي وشيخ) جميعًا خبزًا عن هذا، كقولك: هذا حلو حامض .. فإن قلتَ: فهل تجيز أن يكون (بعلى) وصفًا لهذا؟ قيل: لا، وذلك أن هذا ونحوه من أسماء الإشارة لا يوصف بالمضاف؛ ألا تراهم لم يجيزوا: مررت بهذا ذي المال؛ كما أجازوا: مررت بهذا الغلام؟ وإذا لم يجز أن يكون (بعلي) وصفًا لهذا، من حيث ذكرنا، لم يجز أيضًا أن يكون عطف بيان له، لأن صورة عطف البيان صورة الصفة فافهم ذلك .... " ينظر المحتسب (1/ 324، 325).

(2)

من أحوال النداء باسم الإشارة أن يجعل وصلة لنداء ما فيه أل فيلزم نعته ووجوب رفعه فيكون كأي، ولا ينعت إلا بمصحوب أل الجنسية، أو بموصول بمصدر بأل نحو: يا هذا الرجل، ويا هذا الذي فعل، ولا يجوز الاقتصار عليه دون وصفه، لكنه وصلة لنداء غيره. ينظر توضيح المقاصد للمرادي (3/ 301)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 398، 399).

(3)

ينظر الشاهد رقم (108).

(4)

ينظر المفصل للزمخشري (326) دار الجيل، وابن يعيش (8/ 17).

(5)

ابن الناظم (36).

(6)

البيت من بحر الطويل، وهو لذي الخرق الطهوي، من قصيدة عدتها سبعة أبيات في الخزانة (1/ 304)، وبيت =

ص: 431

عينية، وأولها:

1 -

أتَاني كَلامُ التَغلبي بنُ دَيْسَقِ

فَفِي أيِّ هذا ويله يَتَتَرّعُ

2 -

يَقُولُ الخنَا وأَبْغَضُ العُجْمَ نَاطِقًا

إلى ربِّنا صوتُ الحمار اليُجَدَّعُ

3 -

فهلَّا تمنَّاهَا إذا الحرب لاقحٌ

وذو النَّبَوَانِ قَبرُهُ يَتَصَدَّعُ

4 -

ويأتك حَيًّا دارمِ وهُمَا معًا

ويأتك ألفٌ من طُهَيَّةَ أَقْرعُ

5 -

ويستخرجُ اليربوعَ من نَافِقَائِهِ

ومن جُحْرِه ذي الشِّيحَةِ اليتقَصَّعُ

6 -

ونحن أخذَنَا الفارسَ الخير منكم

فطُلَّ وأعيا ذو الفُقار يُكرعُ

7 -

ونحن أخذنا قد علمتم أَسيرَكُم

يسارًا فنُحْذِي

(1)

من يسارٍ وننقعُ

وقد ذكر أبو زيد هذه الأبيات في نوادره على هذا النمط

(2)

، ووهم الجوهري؛ حيث نسب البيت المستشهد به على الكتاب، وقال: إنه من أبيات الكتاب

(3)

.

وهي من الطويل.

1 -

قوله: "التغلبي" بالتاء الثناة من فوق والغين المعجمة، و "ديسق" بفتح الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح السين المهملة وفي آخره قاف؛ وهو علم منقول من الديسق؛ وهو بياض الشراب

(4)

وترقرقه، قوله:"يتترع" بتاءين من فوق بعد ياء المضارعة؛ ومعناه: يتسرع، وهكذا روى أيضًا.

2 -

قوله: "يقول" أي: يفوه ويتكلم، و "الخنا" بفتح الخاء المعجمة والنون؛ وهو الفحش من الكلام، يقال: كلام خن وكلمة خنية، وقد خَنِي عليه بالكسر وأخنى عليه في منطقه؛ إذا فحش.

قوله: "وأبغض العُجم" بضم العين وسكون الجيم؛ جمع أعجم، وهو الحيوان، ومؤنثه: عجماء والأعجم أيضًا: من يكون في لسانه عجمة، وإن أفصح بالعربية، قوله:"اليجدع": من الجدع، وهو قطع الأذن، ويقال

(5)

: حمار مجدع أي: مقطوع الأذن، ويقال: إن الحمار إذا كان مقطوع الأذن يكون صوته أرفع.

4 -

قوله: "طهية" بضم الطاء وفتح الهاء وتشديد الياءآخر الحروف؛ وهي حي من تميم،

= الشاهد أول بيت يشرحه البغدادي في الخزانة، وهو أيضًا في الإنصاف (151)، والهمع (1/ 85)، والدرر (1/ 61).

(1)

في (ب): فيجدي.

(2)

النوادر في اللغة (67)، شرح التسهيل لابن مالك (1/ 201)، والخزانة (1/ 14).

(3)

الصحاح للجوهري، مادة:(جدع) وهو غير موجود بالكتاب.

(4)

في (أ): السراب.

(5)

في (أ): يقال.

ص: 432

قوله: "أقرع" أي: تام.

5 -

قوله: "ويستخرج اليربوع من نافقائه" بفتح الياء، وهي دويبة تحفر الأرض، والياء فيه زائدة؛ لأنه لا يوجد في كلام العرب فعلول بالفتح

(1)

.

قوله: "من نافقائه" النافقاء: إحدى جحر اليربوع، و "القاصعاء" وهي الأخرى، فاليربوع يحفر له موضعًا تحت الأرض، ويجعل له بابين، أحدهما: يسمى القاصعاء، وهي التي يتقصع فيها؛ أي يدخل، ويجمع على قواصع، والأخرى تسمى: النافقاء، يكتمها ولا يفتحها، بل يرققها فإذا أتى الصياد من قبل القاصعاء هرب وأتى النافقاء فدفعها برأسه وخرج منها، وتجمع على: نوافق، ومنه اشتقاق اسم المنافق؛ لأنه أظهر الإيمان وكتم الكفر

(2)

.

وقوله: "ذي الشيحة" بكسر الشين العجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالحاء المهملة؛ وهو نبت معروف، هكذا رواه أبو عمرو الزاهد:

(3)

ذي الشيحة بالحاء المهملة، وقال: لكل يربوع شيحة عند جحره، ورواه أبو محمد الأسود

(4)

: "ذي الشيخة بالخاء المعجمة، أي [وفتح الشين]

(5)

، والشيخة: رملة بيضاء في بلاد بني أسد، وحنظلة. ذكره الصاغاني

(6)

، ثم قال: قال ذو الخِرَق الطهوي: ويستخرج اليربوع من نافقائه

إلخ، وذكره بالخاء المعجمة، ويروى بالشيحة بباء الجر، وكذا وقع في نوادر أبي زيد

(7)

.

قوله: "اليتقصع" أي: يدخل، هكذا رواه أبو محمد الخوارزمي

(8)

عن الرياشي

(9)

، ووقع في نوادر أبي زيد: المتقصع، ثم فسره وقال: المتقصع: متفعّل، من القاصعاء

(10)

.

6 -

قوله: "يكرع" أي: يقطع أكارعه.

(1)

لم يرد في كلام العرب فعلول بفتح الفاء إلا مخففًا من الضم؛ كقولهم: ذَرْنُوق، وبَرْعوم، وبرشوم، وصندوق، وصحفوق، وصعفوق. هذه لم يسمع فيها الضم، وفد قيل: إنه لفظ أعجمي. ينظر الممتع (149، 150).

(2)

في (أ): وأخفى الكفر.

(3)

وهو محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم، أبو عمرو الزاهد، له: اليواقيت، وشرح الفصيح، وغيرهما (ت 345 هـ). البغية (1/ 164).

(4)

هو الحسن بن أحمد أبو محمد الأعرابي، المعروف بالأسود الغندجاني، نسبة إلى غندجان، بالفتح وهي بلد بفارس، له: فرحة الأديب في الرد على أبي سعيد السيرافي في شرح أبيات سيبويه، وله: ضالة الأديب في الرد على ابن الأعرابي في النوادر، وله: نزهة الأديب في الرد على أبي علي الفارسي وغيرها (ت 428 هـ).

(5)

ما بين المعقوفين سقط من النسخة (أ).

(6)

ينظر الخزانة (1/ 19)، وفيه: أنه قول الجرمي.

(7)

النوادر في اللغة (276).

(8)

محمد بن العباس الخوارزمي، أحد الشعراء العلماء (ت 383 هـ). معجم الأدباء (1/ 101).

(9)

أي: بالبناء للمفعول. ينظر الخزانة (1/ 19).

(10)

النوادر في اللغة (277) وما بعدها، والخزانة (1/ 19).

ص: 433

7 -

قوله: "فَنُحذِي": من الإحذاء، وهو الإعطاء، يقال: أحذيته من الغنيمة أي: أعطته منها، والاسم: الحُذْيَا على فُعْلى بالضم، وهو القسمة من الغنيمة، ومادته: حاء مهملة وذال معجمة، قوله:"وننقع" بالقاف، أي: نروى، وقال الرياشي: حفظى وتمنع، قلت: هو أنسب لقوله: فنحذي

(1)

فافهم.

الإعراب:

قوله: "يقول": جملة من الفعل والفاعل، و "الخنا": مفعوله، وقد قلنا: إن معنى يقول: يفوه؛ فلا يستدعي الجملة لتكون مقولًا له، و "وأبغض العجم": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله:"صوت الحمار".

فإن قلتَ: صوت الحمار حدث، فكيف يقع خبرًا عن الجثة؟ فإن أبغض مضاف للجثة

(2)

، وهي العجم فيكون جثة؛ لأن أفعل التفضيل بعض ما أضيف إليه.

قلتُ: تقدير الكلام: أبغض أصوات العجم، فافهم.

قوله: "ناطقًا" أي: مصوتًا أو رافعًا صوته، وانتصابه على أنه حال من المبتدأ وهو " أبغض" على رأي من يجوز وقوع الحال منه

(3)

، ويحتمل أن يكون من فاعل يقول، إلا أنه من حيث اللفظ ضعيف للفاصل بين المبتدأ وخبره بأجنبي، ولا يجوز أن يكون حالًا من الحمار؛ لأن تابع المضاف إليه لا يتقدم على المضاف

(4)

.

قيل: ولا يجوز أن يكون أيضًا من العجم؛ لتذكير الحال، اللَّهم إلا أن يقال: ناطقًا بمعنى: ذات نطق، أو بمعنى المذكور، أي: ناطقًا ذلك، أي المذكور. قلت: يجوز أن يكون حالًا من العجم، وتصح الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف عاملًا في الحال أو كان بعض المضاف إليه وكلاهما موجود هنا

(5)

وكان حقه أن يقال: ناطقة أو ناطقان، إلا أنه أناب المفرد عن الجمع للضرورة كقوله

(6)

:

....................

كلوا في بعض بطنكم تعفقوا

(1)

ينظر الخزانة (1/ 20).

(2)

في (أ): إلى الجثة.

(3)

(نظر الكتاب (2/ 52، 88 - 90).

(4)

قال ابن مالك: "المضاف إليه كصلة للمضاف؛ فلا يقدم على المضاف معمول المضاف إليه، كما لا يتقدم على الموصول معمول الصلة". شرح التسهيل لابن مالك (3/ 236).

(5)

ينظر توضيح المقاصد للمرادي (2/ 150، 151).

(6)

البيت من بحر الوافر غير منسوب في مراجعه، وهو في المقتضب (2/ 172)، وابن يعيش (6/ 22)، والمحتسب (2/ 87)، والهمع (1/ 50)، والدرر (1/ 25).

وشاهده: هو إنابة المفرد عن الجمع في قوله: "في بعض بطنكم".

ص: 434

الاستشهاد فيه:

في قوله: "اليجدع": حيث أدخل الألف واللام [فيه]

(1)

على الفعل المضارع، لأنه أجراه مجرى الصفة، لأنه مثلها في المعنى، وأجيب على هذا أنه ضرورة

(2)

، وقيل: إنه لا ضرورة فيه، لأنه كان يمكن أن يقول: يجدع، بدون الألف واللام لاستقامة الوزن

(3)

وكذا يقول: المتقصع في البيت الآخر، (قلت): ذلك مسلم، وأما في هذا فيلزم

(4)

الإقواء

(5)

في البيت، وهو عيب

(6)

.

‌الشاهد السادس والعشرون بعد المائة

(7)

،

(8)

فِي المُعَقِّبِ البغيُ أهْلَ البغيِ مَا

يَنْهَى امْرأً حَازِمًا أَنْ يَسْأَما

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط المجزوء السالم.

ومعنى البيت: في الشيء الذي يعقب البغيُ أهلَ البغي من النكال ما يمنع الرجل الحازم أن يسأم من سلوك طريق السداد، و "البغي": هو الظلم والعدوان، و "الحازم": من الحزم، وهو ضبط الأمر وتوثيقه، قوله:"أن يسأما": من سئم

(9)

الرجل يسأم، من باب علم يعلم سأمًا وسآمة وسأْمًا إذا مَلَّ.

الإعراب:

قوله: "في المعقب البغي" المعقب: اسم فاعل، من أعقب، فهو مما يتعدى إلى مفعولين، قال تعالى:{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا} [التوبة: 77] والبغي: مرفوع لأنه فاعله، و "أهل البغي": كلام إضافي مفعول أول، والمفعول الثاني هو العائد المحذوف، والأصل: في المعقبه، والألف واللام فيه بمعنى الذي

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

قال ابن السراج في كتاب الأصول: "لما احتاج إلى رفع القافية قلب الاسم فعلًا وهو من أقبح ضرورات الشعر" ينظر الخزانة (1/ 14).

(3)

هو قول ابن مالك في شرح التسهيل (1/ 202).

(4)

في (أ): يلزم.

(5)

الإقواء هو: اختلاف حركة الروي المطلق بضم وكسر، وهو اختلاف قريب مثل: هاتِفُ وخائِفِ. ينظر العروض الواضح (142).

(6)

رد عليه البغدادي في الخزانة (1/ 14)"بأنه لا يلزمه الإقواء؛ لأن "اليربوع" مرفوع و "المقتصع" وصفه. وينظر تعليق الفرائد للدماميني (2/ 214 - 218).

(7)

ابن الناظم (37)، وتوضيح المقاصد (1/ 251).

(8)

البيت من مخلع البسيط، وهو لقائل مجهول، وانظره بعد مرجعيه السابقين في حاشية الصبان على شرح الأشموني (1/ 171).

(9)

في (ب): سأم.

ص: 435

والعائد محذوف كما قدرنا، والجملة خبر عن قوله:"ما ينهى" وكلمة: "ما": مبتدأ مؤخر وهي موصولة، و "ينهى" صلتها ويجوز أن تكون "ما" موصوفة، قوله:"امرأ" مفعول لقوله: "ينهى"، و "حازمًا": صفة له، قوله:"أن يسأما" أن: مصدرية، والتقدير: ينهى امرأ عن السامة في سلوك طريق السداد.

الاستشهاد فيه:

على حذف العائد المنصوب بالوصف، وهو قوله:"في المعقب البغي" أي: في الذي يعقبه البغي كما ذكرنا

(1)

وهو قليل، والكثير حذف العائد المنصوب بالفعل، وقد قيل: إن هذا لا يحسن مثالًا لما في النظم؛ لأن كلام الناظم في الحذف القيس في النثر، ومتى كان الموصول

(2)

الألف واللام كان الحذف ضرورة

(3)

.

‌الشاهد السابع والعشرون بعد المائة

(4)

،

(5)

وَيَصْغُرُ فيِ عَينِي تِلادِي إِذَا انْثنَتْ

يَمِينِي بإِدْرَاكِ الذِي كُنْتُ طَالِبًا

أقول: قائله هو سعد بن ناشب من بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، وكان أصاب دمًا فهدم بلالُ دارَه، ويقال: إن الحجاج هو الذي هدم دارَه بالبصرة وحرَّقَها، وهو من قصيدة بائية من الطويل وأولها هو قوله:

1 -

سأَغْسِلُ عَنِّي العَارَ بالسَّيفِ جَالِبًا

علَيّ قضاءُ اللَّه ما كانَ جَالِبًا

(1)

ينظر الشاهد رقم (115، 116).

(2)

في (ب): الموصوف.

(3)

العائد المنصوب إذا كان منفصلًا لم يجز حذفه وإن كان متصلًا يكون بفعل أو وصف أو حرف، فإن اتصل بفعل أو وصف جاز حذفه، إلا أن حذف المنصوب بالفعل أكثر من حذف المنصوب بالوصف، وإن كان منتصبًا بحرف لم يجز حذفه، وفي حذف العائد المنصوب بوصف هو صلة أل خمسة أقوال: الأول: المنع مطقًا وعليه الجمهور نحو: الضاربها زيدًا هند، والثاني: الجواز مطلقا نحو قول الشاعر من البسيط:

ما المستفز الهوى محمود عاقبة

ولو أتيح له صفو بلا كدر

وكذا بيت الشاهد، والثالث: إن لم يدل عليه دليل لم يجز فلا تقول: جاءني الضارب زيد؛ لأنه لا يدري: هل الضمير المحذوف مفرد أو غير مفرد؟ والرابع: إن كان الوصف الواقع في صلتها مأخوذًا من متعدٍّ إلى واحد فالإثبات فصيح والحذف قليل نحو: الضاربه زيد، والضارب زيد، والخامس: أنه خاص بالضرورة. ينظر همع الهوامع للسيوطي (1/ 89)، وتوضيح المقاصد (1/ 249، 250).

(4)

ابن الناظم (37).

(5)

البيت من بحر الطويل، وهو لسعد بن ناشب الشاعر الإسلامي في الدولة المروانية، وهو من قصيدة في ديوان الحماسة لأبي تمام بشرح المرزوقي (1/ 67) عدتها تسعة أبيات، وكذا في الخزانة (8/ 141)، وأما البيتان الأخيران فهما في العيني من شرح الشواهد لابن هشام، وبيت الشاهد في شرح الأشموني (1/ 172).

ص: 436

2 -

وَأُذْهَلُ عنْ دَارِي وأجعَلُ هَدْمَهَا

لِعِرْضِي مِنْ بَاقِي المذَمَّةِ حَاجِبا

3 -

ويصغر ......................

............................ إلخ

4 -

فَإِنْ تَهْدِمُوا بالغَدْرِ دَارِي فإِنَّهَا

تُرَاثٌ كريمٌ لا يخافُ العَوَاقِبا

5 -

أَخي عَزَماتٍ لا يُرِيدُ على الذي

يهمُّ بهِ منْ مُفْظِع الأمرِ صَاحِبا

6 -

إذَا هَمَّ لم تردعْ عزِيمَةُ هَمِّهِ

وَلَم يَأْتِ مَا يَأْتِي مِنَ الأَمْرِ هَائِبا

7 -

فيَا لَرِزَامِ رشحُوا بِي مُقَدِّمًا

إلى المَوْتِ خَوَّاضًا إِلَيهِ الكَرَائِبا

8 -

إِذَا هَمَّ ألقى بَيَن عَينَيهِ عَزْمَهُ

ونَكَّبَ عَنْ ذِكْرِ العَوَاقِبِ جَانِبا

9 -

وَلَم يَسْتَشِرْ فيِ أَمْرِهِ غير نَفْسِهِ

ولَم يَرضَ إلا قَائِمَ السَّيفِ صَاحِبا

10 -

فَلا تُوعِدُونِي بالأميرِ فَإنَّ لي

جَنَانًا لأكْنَافِ المخاوفِ رَاكبا

11 -

وَقَلْبًا أَبِيًّا لا يُرَوَّعُ جأْشُهُ

إذَا الشرُّ أَبْدَى بالنَّهَارِ كَوَاكِبا

3 -

قوله: "تلادي" بكسر التاء المثناة من فوق؛ وهو ما تنتجه أنت من مال ومال تليد، قال ابن فارس: التليد: ما اشتريته صغيرًا فنبت

(1)

عندك

(2)

، وأراد بقوله:"ويصغر في عيني تلادي" صغرَ القدرِ، وخص التلاد؛ لأن النفس به أضن، ونبه بهذا الكلام على أنه كما يخف على قلبه ترك الدار خشيةَ التزام العار، كذلك يقل في عينيه إنفاق المال عند إدراك المطلوب، قوله:"إذا انثنت" أي: إذا انصرفت.

المعنى: يحقر في عيني أعز أموالي ولا أراه [شيئًا]

(3)

إذا ظفرت بإدراك ما أنا طالبُه.

5 -

قوله: "أخي عزمات" ويروى: أخي غمران؛ وهي معظم الماء ومجتمعه، قوله:"من مفظع الأمر" بالظاء المعجمة أي: من معضل الأمر- بالضاد.

6 -

قوله: "لم تردع": من الردع، وهو الكف.

7 -

قوله: "فيا لرزام": قبيلة.

8 -

قوله: "همّ" أي: قصد، قوله:"عزمه" يروى بإضافة العزم إلى ضميره، وعزمة بالتأنيث.

9 -

قوله: "ولم يستشر في أمره" ويروى: في رأيه، قوله:"غير نفسه" ويروى: غير عزمه

(1)

في (ب): فثبت.

(2)

معجم مقاييس اللغة لابن فارس، مادة:"تلد"، تحقيق: عبد السلام هارون.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 437

بإضافة العزم إلى الضمير، قوله:"صاحبًا" إما مفعول "يرضى"، فالمستثنى مقدم، وإما حال من المستثنى

(1)

والاستثناء مفرغ.

الإعراب:

قوله: "تلادي": فاعل لقوله: "ويصغر"، قوله:"عيني": فاعل لقوله: "إذا انثنت" وجواب "إذا" تقدم عليه وهو قوله: "يصغر" والباء في: "بإدراك" يتعلق بها، وقوله:"كنت طالبًا": جملة وقعت صلة الموصول.

الاستشهاد فيه:

على حذف العائد المجرور بإضافة الوصف إليه وهو

(2)

قوله: "كنت طالبا" أي كنت طالبه، كما في قوله تعالى:{فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72] أي: ما أنت قاضيه

(3)

.

‌الشاهد الثامن والعشرون بعد المائة

(4)

،

(5)

أطَوِّفُ مَا أُطَوِّفُ ثُمَّ آوي

إِلَى بَيتٍ قَعِيدَتُهُ لَكَاعِ

أقول: قائله هو الحطيئة، واسمه جرول بن أوس بن جؤية بن مخزوم بن غالب بن قطعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان، ويكنى: أبا مُلَيكَة، وجرول

(6)

في اللغة: الحجر، والحطيئة: تصغير حطأة؛ وهي الضرطة، قال الجوهري: الحطيئة: الرجل القصير

(7)

، قال ثعلب

(8)

: سمي الحطئة لدمامته

(9)

، قدم الحطيئة المدينة أول خلافة عمر بن الخطاب -رضي اللَّه تعالى عنه- والحطيئة

(1)

في (ب): الاستثناء.

(2)

في (ب): وهي.

(3)

قال المصرح: "ويجوز حذف العائد المجرور بالإضافة إن كان المضاف الجار للعائد وصفًا ناصبًا للعائد تقديرًا بأن كان اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال غير ماض خلافًا للكسائي نحو: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72] والأصل: فاقض الذي أنت قاضيه، فحذف العائد على ما، وهو موصول اسمي". التصريح بمضمون التوضيح (1/ 146)، وينظر شرح الأشموني (1/ 172)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 205، 206)، قال ابن مالك:

كذاك حذف ما بوصف خفضًا

كأنت قاض بعد أمر من قضى

(4)

شرح ابن عقيل (1/ 139).

(5)

البيت من بحر الوافر للحطيئة، وهو في ديوانه (250) بشرح ورواية ابن السكيت، تحقيق دكتور حنا الحتي، وينظر الخزانة (2/ 404)، والكامل (338)، وشرح المفصل لابن يعيش (4/ 57)، والهمع (1/ 82).

(6)

في (أ): والجرول.

(7)

الصحاح، مادة:(حطأ).

(8)

ثعلب: هو أحمد بن يحيى بن يسار الشيباني أبو العباس ثعلب، صنف: المصون في النحو، واختلاف النحويين، والتصغير، والوقف والابتداء، والمجالس وهو مطبوع ومشهور، والفصيح، وغيرها توفي سنة (291 هـ) بغية الوعاة للسيوطي (1/ 396، 397).

(9)

الخزانة (2/ 406).

ص: 438

يهجو بهذا البيت امرأته.

وهو من الوافر وفيه العصب- بمهملتين والقطف.

قوله: "أطوف ما أطوف" تطويفًا وتطوافًا، والتشديد فيه للتكثير، وأراد: أُكثر من الدوران والطواف، ويروى: أُطَرَّد بالدال المهملة، وهو مثل: أطوف، وهكذا رواه يعقوب

(1)

.

قوله: "ثم آوي إلى بيت": من أوى الإنسان إلى منزله يأوي أويًا، قوله:"قعيدته" قعيدة الرجل: امرأته، وقعيدهُ: الذي يصاحبه في قعوده، فعيل بمعنى فاعل، وتجمع القعيدة على قعائد، وأما قوله تعالى:{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور: 60] فهي جمع قاعد، وهي المرأة المسنة الكبيرة هكذا يقال بغير هاء، أي أنها ذات قعود، وأما قاعدة فهي فاعلة من قعدت قعودًا، ويجمع على قواعد -أيضًا-.

قوله: "لكاع" بفتح اللام والكاف، على وزن قطَامِ، وتوصف به المرأة، ويقال للرجل: لكع وللمرأة: لكاع وهو اللئيم، ويقال: الوسخ، ويقال: الخبيث، واشتقاقه من: لكع يلكع لكعًا، وقال ابن فارس: لَكُعَ الرجل إذا لؤُم لكاعةً فهو ألكع، يقال: يا لُكع وللاثنين: يا ذَوَيْ

(2)

لُكَع، ويقولون: بنو لكيعَةَ، وقال: واشتقاق ذلك من اللكع وهو الوسخ

(3)

.

قلت: هذه الصفة تستعمل في سبِّ الإناث نحو: يا لكاع، ويا خباث، وهو عند سيبويه مقيس في كل وصف ثلاثي، ولا يستعمل إلا مبنيًّا على الكسر لشبهه بنزال، فلكاع معدول عن لكعة، وخباث معدول عن خبثة

(4)

.

(1)

يقصد به ابن السكيت، وروايته للبيت في الديوان بشرحه هي:

أطوف ما أطوف ثم آوي

إلى بيت قعيدته لكاعِ

(2)

في النسخة (أ): يا ذوي.

(3)

ينظر معجم مقاييس اللغة: "لكع" وفيه يقول: "لكُع الرجل إذا لؤُم لكاعة وهو ألكع، يقال: يا لُكع، وللاثنين: يا ذَوَيْ لكع، ويقولون: بنو اللكيعة، قالوا: وقياس ذلك: اللكَع وهو الوسخ".

(4)

قال سيبويه: "واعلم أن، فَعَال جائزة من كل ما كان علي بناء: فَعَل أَو فعُل أو فعِل ولا يجوز من أفعلت؛ لأنا لم نسمعه من بنات الأربعة، إلا أن تسمع شيئًا فتجيزه فيما سمعت ولا تجاوزه، فمن ذلك: قرقار وعرعار، واعلم أن فَعال ليس بمطرد في الصفات نحو: حلاق، ولا في مصدر نحو فجار، وإنما يطرد هذا الباب في النداء وفي الأمر". ينظر (1/ 280).

وقال: "فالحد في جميع هذا فعل ولكنه معدول عن حده وحرك آخره؛ لأنه لا يكون بعد الألف ساكن وحرك بالكسر؛ لأن الكسر مما يؤنث به .... ومما جاء من الوصف منادى وغير منادى: يا خباث ويا لكاع فهذا اسم للخبيثة وللكعاء". ينظر (3/ 272، 273).

ص: 439

الإعراب:

قوله: "أطوف": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"ما أطوف" كلمة (ما) مصدرية.

والمعنى: أطوف الطواف الكثير وهو من المصادر السادة مسد الظروف؛ كأنه قال: مدة طوافي.

قوله: "ثم آوي": جملة من الفعل والفاعل، عطف على قوله:"أطوف" و "إلى بيت" يتعلق به، قوله:"قعيدته" مبتدأ، و "الكاع": خبره، والجملة صفة للبيت.

فإن قلتَ: هذه الصيغة لا تستعمل إلا في النداء فكيف حكمها؟

قلتُ: تقع في غير النداء في ضرورة الشعر ومنه البيت، و "لكاع" ها هنا مبني على الكسر ولكنه في محل الرفع على الخبرية.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ما أطوف" وذلك لأنه أوصل ما المصدرية [الظرفية]

(1)

بالفعل المضارع المثبت وهو قليل، [والأكثر]

(2)

أن توصل المصدرية بالماضي، أو بالمضارع المنفي بلم نحو: لا أصحبك ما لم تضرب زيدًا

(3)

.

وفيه استشهاد آخر: وهو أن فِعال لا يستعمل في غير النداء إلا نادرًا، فلا يجوز في السعة: جاءتني لكاعِ، إلا أن يجعل لكاع علمًا للمرأة ثم يعدل عنه، هكذا قال عبد القاهر الجرجاني -رحمه اللَّه تعالى -

(4)

وإنما اختص بالنداء أشباه هذا؛ لأن التعريف لا يكون إلا به؛ ألا ترى أن نحو خبيثة وفاسقة ليس بعلم، وإنما يتعرف بالنداء؛ فلهذا خص بالنداء في حال السعة

(5)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر الخزانة (2/ 405)، وشرح ابن عقيل (1/ 160).

(4)

المقتصد في شرح الإيضاح (1023)، ونصه يقول:"ولا يجوز أن تقول في الكلام: جاءني لكاع، إلا أن يجعل لكاع علمًا لامرأة ثم تعدل عنه".

(5)

قل المبرد في الكامل: "يقال في النداء للئيم: يا لكع، وللأنثى: يا لكاع؛ لأنه موضع معرفة، فإن لم ترد أن تعدله عن جهة قلت للرجل: يا ألكع، وللأنثى: يا لكعاء، وهذا موضع كلام إضافي تقع فيه النكرة، وقد جاء في الحديث: "لا تقوم الساعة حتى يلي أمور الناس لكع ابن لكع" فهذا كناية عن اللئيم ابن اللئيم. وهذا بمنزلة عمر ينصرف في النكرة ولا ينصرف في المعرفة، ولكاع مبني على الكسر، وقد اضطر الحطيئة فذكر لكاع في غير النداء، فقال يهجو امرأته: (

البيت) ". ينظر الكامل (338، 339) مختصر، وينظر الخزانة (2/ 405)، وتوضيح المقاصد (4/ 10).

ص: 440

‌الشاهد التاسع والعشرون بعد المائة

(1)

،

(2)

مَنْ لا يَزَالُ شَاكِرًا عَلَى الْمَعَهْ

فَهُوَ حَرٍ بِعَيش ذَاتِ سَعَهْ

أقول: قائله راجز لم أقف على اسمه، وهو من الرجز المسدس.

قوله: "على المعه" أي على الذي معه، قوله:"فهو حر" بفتح الحاء وكسر الراء، أي: فهو جدير لائق بعيشة واسعة، يقال: فلان حَرٍ بكذا، وهم أحراء بكذا، وكذا يقال: فلان حريّ بكذا، على وزن فعيل، وحريٌّ بكذا، وبالحري أن يكون كذا -بفتح الحاء والراء، أي: جدير وخليق، والمثقل يثنى ويجمع ويؤنث، تقول: حريان وحريون وحرية، والمخفف يقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث على حالة [واحدة]

(3)

؛ لأنه مصدر، وذكره

(4)

ابن فارس في باب: حرو بالواو في آخره، ثم قال: وأنت حري أن تفعل كذا: لا يثنى ولا يجمع.

فإن قلت: حري، قلت: حريان وأحرياء وهو

(5)

محراة بكذا

(6)

، وقال الجوهري: إذا قلت: هو حر بكسر الراء وحريٌّ على وزن فعيل، ثنيت وجمعت، فقلت: هما حريان، وهم حريون وأحرياء، وهي حرية، وهن حريات وحرايا، وأنتم أحرٍ

(7)

؛ جمع حرٍ

(8)

.

الإعراب:

قوله: "من": مبتدأ، وخبره قوله:"فهو حر" ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط

(9)

، وقوله:"لا يزال": صلة للموصول، و "شاكرًا " نصب؛ لأنه خبر لا يزال.

قوله: "على المعه": جار ومجرور يتعلق بـ "شاكرًا"، والألف واللام فيه بمعنى الذي [أي على الذي معه]

(10)

أي: على الخير الذي معه، أو على المال أو نحو ذلك، وكلمة:"مع" للمصاحبة

(1)

توضيح المقاصد (1/ 241)، وشرح ابن عقيل (1/ 160).

(2)

بيتان من الرجز المشطور مجهولا القائل، وهما في المغني (1/ 49)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 85)، والأشموني (1/ 165)، والخزانة (9/ 551)، والأغاني (15/ 295)، وشرح شراهد المغني (161).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

في (أ): وذكره.

(5)

في (أ): وهي.

(6)

معجم مقاييس اللغة: "حري"، تحقيق: عبد السلام هارون، ط. دار الجيل، أولى (1991 م)، وينظر اللسان:"حري".

(7)

في (أ) أحراء.

(8)

ليس في الصحاح، وينظر اللسان مادة:"حري".

(9)

ينظر المغني (165)، ونصه: يقول ابن هشام: "تنبيه: كما الفاء تربط الجواب بشرطه، كذلك تربط شبه الجواب بشبه الشرط، وذلك في نحو: الذي يأتيني فله درهم".

(10)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 441

وهي اسم بدليل دخول التنوين عليه في قولك: معًا، ودخول الجار في حكاية سيبويه: ذهبت

(1)

من مَعِهِ

(2)

، وقرأ بعضهم:{هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ}

(3)

[الأنبياء: 24]، وقد تسكن عينه ضرورة؛ لأنه لغة قوم

(4)

وذهب النحاس

(5)

أنها حينئذ مبنية

(6)

وليس كذلك

(7)

.

قوله: "فهو" مبتدأ، و:"حر" خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول كما ذكرناه، والباء في:"بعيشة" تتعلق بقوله: "حر"، وقوله:"ذات سعة" بالجر: صفة للعيشة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "على المعه" حيث وصل الموصول بالظرف، وهو شاذ على خلاف القياس

(8)

.

‌الشاهد الثلاثون بعد المائة

(9)

،

(10)

مِنَ القَوْم الرسُولُ الله منهُم

لَهُم دَانَتْ رقَاب بَنِي مَعَدّ

أقول: أنشده ابن مالك للاحتجاج ولم يعزه إلى قائله.

وهو من الوافر.

قوله: "دَانَتّ" أي: ذلت وخضعت، و "بنو معد": هم بنو قريش وهاشم، -ومعد بفتح

(1)

في (أ): دخلت.

(2)

الكتاب لسيبويه (1/ 420).

(3)

وفي القراءة المذكورة قال مكي: "قرأ يحيى بن يعمر الآية بالتنوين على تقدير حذف تقديره: هذا ذكر من معي وذكر من قبلي". ينظر مشكل إعراب القرآن (478)، وشواذ القرآن (91)، والمحتسب (2/ 61).

(4)

قال ابن هشام: "وتسكين عينه لغة غنم وربيعة لا ضرورة" المغني (333)، ومن شواهده قوله:

فريشي منكم وهواي معكم

وإن كانت زيارتكم لماما

(5)

النحاس: هو أبو جعفر أحمد بن محمد المصري تلقى عن الأخفش الصغير والزجاج ونفطويه وابن الأنباري وغيرهم، وله من التصانيف: المقنع في اختلاف البصريين والكوفيين، والتفاحة، والكافي وغيرها، توفي سنة (338 هـ)، نشأة النحو (143، 144) وطبقات النحويين (220، 221)، ووفيات الأعيان (1/ 31 - 33).

(6)

ينظر إعراب القرآن للنحاس (3/ 68).

(7)

اعتراض من العيني على النحاس، وهو بهذا موافق لابن هشام حيث يقول:"وقول النحاس إنها حرف بالإجماع مردود" المغني (333).

(8)

قال ابن هشام: "وربما وصلت بظرف أو جملة اسمية أو فعلية فعلها مضارع

وذلك دليل على أنها ليست حرف تعريف، فالأول كقوله (

البيت) .... ثم قال: والجميع خاص بالشعر خلافا للأخفش". ينظر المغني (49).

(9)

توضيح المقاصد (1/ 240)، وشرح ابن عقيل (1/ 158).

(10)

البيت من بحر الوافر، لقائل مجهول، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 202)، والدرر (1/ 61)، والخزانة (هارون):(1/ 33)، وعجزه مختلف وروايته:

بل القوم الرسول الله فيهم

هم أهل الحكومة من قصي

ص: 442

لميم هو ابن عدنان بن أدّ بن أدد بن هميسع بن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل - صلوات الله عليه وسلامه

(1)

.

الإعراب:

قوله: "من القوم الرسول الله" أصله: من القوم الذين رسول الله منهم، فالألف واللام في الرسول موصولة، وقوله:"الرسول الله منهم": جملة اسمية من المبتدأ والخبر، وقعت صلة للموصول، ومنهم من لم يثبت ذلك وحمل البيت على أن تكون الألف واللام مبقاة من الذين، والأصل: من القوم الذين كما ذكرنا، وحذف الكلمة، وإبقاء حرف منها جاء في الضرورة، ومن ذلك قوله

(2)

:

نادوهم إلّا ألجموا ألاتا

قالوا جميعا كلهمْ إلافَا

يريدون ألا تركبون وإلا فاركبوا

(3)

، قوله:"رقاب بني معد": كلام إضافي مبتدأ، وخبره الجملة المتقدمة يعني: قوله: "لهم دانت"، والتقدير: رقاب بني معد دانت لهم، ويجوز أن رقاب مرفوع على أنه فاعل لدانت

(4)

، و "لهم" في الحالتين يتعلق بدانت.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "الرسول الله منهم" حيث أتى الشاعر بوصل الألف واللام الموصولة على صورة الجملة الاسمية على وجه الشذوذ بخلاف القياس

(5)

.

(1)

في (ب): صلى الله عليه وسلم.

(2)

من الرجز لم أعثر على قائله، وألجموا: أمر من ألجم الفرس: وضع اللجام في فيه.

(3)

قال سيبويه: "وسمعت من العرب من يقول: ألاتا بلى فا، فإنهم أرادوا ألا تفعل وبل فافعل، ولكن قطع

". الكتاب لسيبويه (3/ 321)، وينظر الكامل (236)، والهمع (2/ 210 - 236)، واللسان: "تا".

(4)

الإعراب الثاني هو الصحيح، وهو أن تعرب (رقاب) فاعلًا بدانت، وأما إعرابها مبتدأ، وخبرها دانت، فلا يجوز؛ لأن الخبر لا يتقدم على المبتدأ إذا رفع ضميره المستتر.

(5)

اشترط النحويون في: "أل" الموصولة أن تكون داخلة على وصف صريح لغير التفضيل؛ كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، وهذا هو القياس، أما إذا وصلت بظرف أو جملة اسمية أو فعلية فعلها مضارع، فهذا خارج عن القياس". ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 201) وما بعدها، توضيح المقاصد (1/ 239)، والمغني (49).

ص: 443

‌الشاهد الحادي والثلاثون بعد المائة

(1)

،

(2)

وَقد كنْتُ تُخْفِي حُبَّ سَمْرَاءَ حِقبَةً

فَبُح لان مِنْهَا بِالَّذِي أَنْتَ بَائِحُ

أقول: قائله هو عنترة بن شداد بن معونة

(3)

بن مالك بن قطعة بن عبس، وشداد هو فارس جروة، وجروة فرسه، وكانت أم عنترة حبشية، وكان له من أمه أخوة عبيد، وكان من أشد الناس بأسًا، وهم شاعر مشهور وفارس مذكور، والبيت من قصيدة حائية من الطويل وأولها [هو]

(4)

قوله

(5)

:

1 -

طَرِبْتَ وهاجتْك الظِّبَاءُ السَّوَانِحُ

غَدَاةَ غدَا مِنْهَا سَنِيحٌ وبَارحُ

2 -

فمالتْ بِيَ الأَهْوَاءُ حَتى كَأنَّمَا

بِزَنْدَيْنِ فيِ جَوْفيِ مِنَ الوَجْدِ قادحُ

(6)

3 -

وقد كنت تخفي .............

.......................... إلخ

(7)

4 -

لعمري لقد أَعْذَرْتُ لَوْ تَعْذِرِينَنِي

وخَشّنْتِ صَدْرًا غَيبُهُ لَكِ ناصحُ

5 -

أعاذلُ كم مِن يَوْمِ حَربٍ شَهِدْتُهُ

له مَنظَرٌ بَادي النّوَاجِذِ كالحُ

6 -

فلمْ أَرَ حَيًّا صابَرُوا مِثْلَ صَبرِنَا

ولَا كَافَحُوا مثلَ الذينَ نُكَافِحُ

7 -

إذَا شِئْتُ لاقَانِي كَمِيٌّ مُدَجّجٌ

علَى أَعْوَجِيّ بِالطِّعَانِ مُسَامِحُ

8 -

نُزَاحِفُ زَحْفًا أو نُلَاقِي كَتِيبَةً

تُطَاعِنُنَا أوْ يَذْعَرُ السّرْحَ صَائِحُ

9 -

فلمَّا التَقَينَا بِالجِفَارِ تَضَعْضَعُوا

وَرُدّتْ علَى أَعقَابِهِنّ المَسَالِحُ

10 -

وسارتْ رجالٌ نحوَ أخرى عليهمُ ال

حديدُ كَمَا تَمْشِي الجِمَالُ الدُّوَالِحُ

11 -

إذا ما مشَوْا في السابغَاتِ حسبتَهم

سُيُولًا وقدْ جَاشَتْ بهنَّ الأباطِحُ

12 -

فأُشْرِعَ رَايَاتٌ وتحتَ ظلالِهَا

من القومِ أبناءُ الحروبِ المَرَاجِحُ

(1)

شرح ابن عقيل (1/ 174).

(2)

البيت من قصيدة طويلة من بحر الطويل، وهي لعنترة بن شداد العبسي، يفتخر فيها بشجاعته وبأسه، وهي في ديوانه بشرح الخطيب التبريزي (44)، وفي أشعار الشعراء الستة الجاهليين (2/ 158)، وانظر بيت الشاهد في التصريح (1/ 147)، وحاشية الصبان (1/ 173)، والخصائص (3/ 90).

(3)

في (أ): معاوية.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ديوانه بشرح الخطيب التبريزي (44).

(6)

روايته في الديوان هكذا:

......................

في قلبي من الوجد قادح

(7)

روايته في الديوان هكذا:

تعزيت عن ذكري سمية حقبة

فبح عنك منها بالذي أنت بائح

ص: 444

13 -

ودُرْنَا كَمَا دارتْ على قُطْبِهَا الرَّحَى

ودارتْ على هامِ الرِّجَالِ الصفائحُ

14 -

بهَاجِرَة حتى تغيَّبَ نُورُهَا

وأقبلَ ليلٌ يقبضُ الطرفَ سايحُ

15 -

تداعَى بنُو عبسٍ بكل مُهَنَّدٍ

حسَامٍ يُزيلُ الهَامَ والصَّفُّ جانحُ

16 -

وكل رُدينيٍّ كَأَنَّ سنانَهُ

شِهابٌ بَدَا في ظلمةِ الليلِ واضحُ

17 -

فخلوا لنا عوذ النساء وجببوا

عباديد منها مستقيم وجامح

18 -

وكل كَعَابٍ خَذْلَةِ السَّاقِ فَخمة

لها مَنصبٌ في آل ضَبةٍ طامحُ

19 -

تركنَا ضِرَارًا بيَن عَانٍ مُكَبّلٍ

وبينَ قتيلٍ غابَ عنهُ النوائحُ

20 -

وعَمرًا وحيَّانًا تركْنَا بقَفْرَةٍ

تعودُهُمَا فيها الضِّبَاعُ الكوَالِحُ

21 -

يُجَرِّرْنَ هَامًا فَلَّقَتْهُ سيوفُنَا

تَزَيّلَ مِنْهُن اللِّحَى والمَسَايحُ

1 -

قوله: "طربت": من الطرب، وهو خفة الشوق، ويستعمل في السرور والجزع، و"هاجتك": بعثت شوقك وهيجته، و" السانح والسنيح" ما أتاك [عن يمينك]

(1)

فولاك مياسره من ظبي أو غيره، و"البارح" ضده.

2 -

و "القادح": الذي يقدح النار.

3 -

قوله: "سمراء"؛ اسم محبوبته، قوله:"حقبة" -بكسر الحاء المهملة وسكون القاف وفتح الباء الموحدة ومعناها: مدة طويلة، وإلا فالحقبة في اللغة تطلق على ثمانين عامًا، ويجمع على حقب بكسر الحاء وفتح القاف، وقد ضبطه بعضهم: خفية، من خفي الشيء يخفى وأخفيته إذا سترته، [وهو في خفية بضم الخاء، وقال ابن الأثير: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته وأخفيته إذا مشرته]

(2)

، والصحيح: حقبة بالحاء المهملة والقاف، وقوله:"فبح لان" بح- بضم الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة. أمر من باح بالشيء يبوح به إذا أعلن، والبائح فاعل منها، وقوله:"لان" أصله: الآن، فحذف الشاعر منه الهمزتين، ويقال: لان لغة في الآن كما يقال فيه: تلان -أيضًا- بالتاء المثناة من فوق قال الشاعر

(3)

:

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

البيت لجميل بثينة من الخفيف، ديوانه (196)(إميل بديع يعقوب)، وبعد البيت المذكور قال:

إن خير المواصلين صفاء

من يوافي خليله حيث كانا

والبيت في الممتع (1/ 273)، وسر الصناعة (185)، والإنصاف (110)، والخزانة (2/ 149)، واللسان، مادة:"حين، وتلن"، وتاج العروس للزبيدي، مادة:"تلن"، وجزم ابن عصفور بزيادة التاء في: تلان فقال: فالقسم الذي يحكم عليه بالزيادة

مع (الآن) في قوله: "

البيت" ثم قال: "أراد الآن، وحكى أبو زيد أنه سمع من يقول: =

ص: 445

تولي قبل نأي دار جمانا

وصلينا كما زعمت تلانا

أي: الآن، وقد روى الأعلم هذا البيت هكذا

(1)

.

تعزيت عن ذكرى سمية حقبة

فبح عنك منها بالذي أنت بائح

(2)

ثم قال: الحقبة يعني: السنة

(3)

، قوله:"فبح عنك منها" أي: أخبر عن نفسك ما كنت تكتمه من حبها والاشتياق إليها.

4 -

قوله: "أعذرت" أي: بالغت، يقال؛ أعذر في الأمر إذا بالغ فيه، وعذر إذا قصر، و "غيب الصدر": ما ينطوي عليه ويستره.

5 -

و "النواجذ": آخر الأضراس، و "الكالح": العابس الذي تقلصت شفتاه حتى بدت أضراسه.

6 -

و "المكافحة": المواجهة والمقابلة في الحرب.

7 -

و"الكمي": الشجاع، "والمدجج": الداخل في السلاح، و "الأعوجي": الفرس المنسوب إلى أعوج؛ فحل قديم، و "مسامح" أي: سخي بالطعان سمح به، وهو صفة للمدجج.

8 -

قوله: "أو يذعر السرح" أي: يفزعها عند الغارة عليها، والصياح لها، و "السرح": الإبل الراعية.

9 -

قوله: "بالجفار" بكسر الجيم وتخفيف الفاء

(4)

، وهو ماء لبني ضبة، قوله:"تضعضعوا" أي: تفرقوا، و "المسالح": المراصد من الخيل، مثل مسالح الطرق، وهي المواضع [التي]

(5)

يكون فيها أهل السلاح يحمون الطريق.

= حسبك تلان، فزاد التاء

جميع هذا يحكم على التاء فيه بالزيادة، ولا يحتاج في ذلك إلى دليل لوضوح كونها زائدة". ينظر الممتع (1/ 272 - 274).

(1)

روايته عند الأعلم الشنتمري:

تعزيت عن ذكرى سهية حقبة

فبح عنك منها بالذي أنت بائح

ينظر شعر عنترة ضمن أشعار الستة الجاهليين للأعلم (2/ 159).

(2)

روايته في (أ) هكذا:

تعزيت عن ذكر سمية ........

............................

(3)

لم أعثر عليه في أشعار الستة الجاهليين: "أشعار عنترة"(2/ 159).

(4)

في (ب): الراء.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في: (أ).

ص: 446

10 -

و"الجمال الدوالح" أي المثقلة.

11 -

و "السابغات": الدروع الكاملة، قوله:"جاشت" أي: غلبت واضطربت.

12 -

قوله: "فأشرع رايات" أي: قوبل بعضها ببعض، "وأبناء الحروب": أهلها المقاتلون فيها، سموا بذلك؛ لأن الحرب تجمعهم فكأنها أمٌّ لهم، ولذلك قيل للحرب الشديدة الهلكة: عقيم، يراد. أن أبناءها قتلوا ولم تلد

(1)

.

13 -

و "قطب الرحى": ما تدور عليه، و "الهام": جمع هامة، وهي الرأس، و "الصفائح": ما عرض من السيوف.

14 -

قوله: "يقبض الطرف" أي: يذهب نوره بظلمته، و "السايح" -بالياء آخر الحروف بعد الألف، ومعناه: المنبسط الظلمة.

16 -

و "الرديني": الرمح، نسب إلى ردينة، وهي امرأة كانت تبيع القنا، أو قبيلة.

17 -

قوله " عوذ النساء" بالذال المعجمة جمع عائذ، وهي التي ولدت حديثًا فولدها عائذ بها لصغره، قوله:"جببوا" أي: هربوا، و "العباديد": المتفرقون، و "الجامح": الذي في غير استقامة.

18 -

و "الكعاب": التي نهِد ثدياها فصار كالكعب، و "خذلة الساق" أي: غليظتها، و "فخمة" أي عظيمة، و "الطامح": المرتفع، يقول

(2)

موضعها رفيع شريف.

19 -

قوله: "ضرارًا" يعني: ضرار بن عمرو الضبي

(3)

، و "العاني": الأسير، و "المكبل": المشد وِثَاقًا.

20 -

و "عمرو وحيّان": من بني ضبة، و "القفرة": الفلاة، و "الكوالح": التي كشرت عن أنيابهن.

21 -

و "المسايح" بالياء آخر الحروف بعد الألف، وهي ذوائب مقدم الرأس، واحدتها مسيحة.

الإعراب:

قوله: "وقد كنت تخفي" بالواو للعطف على ما قبله، وتخفي: جملة في محل النصب على أنها خبر كان، وقوله:"حب سمراء": كلام إضافي مفعول لـ "تخفي"، قوله:"حقبة" نصب

(1)

في (أ): فكأنها لن تلد.

(2)

في (أ): تقول.

(3)

ضرار بن عمرو بن مالك بن زيد الضبي لم تذكر وفاته. ينظر الأعلام (3/ 215).

ص: 447

على الظرف، قوله:"فبح": جملة من الفعل والفاعل، والفاء فيه جواب شرط محذوف تقديره: إذا كان كذلك فبح، قوله

(1)

: "لان" أي الآن، نصب على الظرف، وكلمة:"من والباء": كلاهما يتعلق بقوله فبح.

وقوله: "بالذي" في محل النصب؛ لأنه مفعول "فبح" لأنه يتعدى بالباء، قوله:"أنت بائح": جملة اسمية وقعت صلة للموصول، والعائد محذوف تقديره: أنت بائح به.

الاستشهاد فيه:

[في قوله: "بالذي أنت بائح"]

(2)

، وذلك لأن العائد إذا كان مجرورًا بحرف لا يحذف إلا إذا دخل على الموصول حرف مثله نحو: مررت بالذي مررت به، فلك أن تقول: مررت بالذي مررت [به، ولك أن تقول: مررت بالذي مررت]

(3)

بدون به، وكذلك قوله:"بالذي أنت بائح" وأصله بائح به، كما قلنا.

‌الشاهد الثاني والثلاثون بعد المائة

(4)

،

(5)

وَإن الَّذِي حَانَتْ بِفَلْج دِمَاؤُهُم

هُمُ القَوْمُ كُلُّ القَوْمِ يا أُمَّ خَالِد

أقول: قائله هو الأشهب بن زميلة النهشلي، وزميلة بالزاي المعجمة أمه

(6)

، وهي أمه لخالد بن مالك بن رِبْعَي بن سلمة بن جندل بن نهشل بن دارم بن عمرو بن تميم، وهو الأشهب بن ثور بن أبي حارثة بن عبد المدان بن جندل بن نهشل بن دارم.

وكان يكنى أبا ثور، شاعر إسلامي محسن متمكن، وكان بينه وبين الفرزدق هجاء وذلك في أول أمر الفرزدق فغلبه الفرزدق.

(1)

في (أ) وقوله.

(2)

ما بين المعقوفين زيادة لبيان موطن الشاهد.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

توضيح المقاصد (1/ 214).

(5)

البيت من بحر الطويل، وهو سادس أبيات ستة نسبت للأشهب بن رميلة الشاعر الإسلامي، وهي في الخزانة (6/ 29)، وبيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 187)، واللسان مادة:"فلج"، والمحتسب (1/ 185)، والمقتضب (4/ 146)، والمنصف (1/ 67)، وقد نسب للأشهب أو لحريث بن مخفض في الدرر (1/ 148)، وانظره في الأزهية (299)، ورصف المباني (342)، وابن يعيش (3/ 155).

(6)

في خزانة الأدب (6/ 30): أما الأشهب بن رميلة فهو شاعرٌ إسلامي مخضرم، أدرك الجاهلية والأسلام، أسلم ولم تعرف له صحبة واجتماعٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا أورده ابن حجر في قسم المخضرمين من الإصابة. ورميلة: اسم أمه، وهي بضم الراء المهملة وفتح الميم. وذكره المرزباني في معجم الشعراء في حرف الزاي المعجمة. قال صاحب الأغاني: هو الأشهب بن ثور بن أبي حارثة بن عبد المدان بن جندل بن نهشل بن دارم بن عمرو بن تميم".

ص: 448

والبيت الذكور من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله:

1 -

ألَم تَرَ أنِّي بَعْدَ عَمْرو وَمَالِكٍ

وَعُرْوَةَ وابْنَ الهول لَسْتُ بِخَالِد

2 -

وَكَانُوا بَنِي سَادَاتِنَا فَكَأنمَا

تُسَاقَوْا علَى لوح دِمَاء الأَسَاودِ

3 -

وَمَا نَحْنُ إِلَّا مِثْلُهُم غَيرَ أننَا

كَمُنْتَظِرٍ ظَمَأً وآخَرَ وَاود

4 -

هُمْ سَاعِدُ الدَّهْرِ الذِي يُتَّقَى بِهِ

وَمَا خَيرُ كَفٍّ لا تَنُوءُ بِسَاعِدِ

(1)

5 -

أُسُودُ شَرًى لاقَتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ

تَسَاقَتْ عَلَى لوحِ سمَام الأَسَاودِ

(2)

6 -

وَإنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُم

هُمُ القَوْمُ كُلُّ القَوْمِ يا أُمَّ خَالِد

وقد نسب أبو تمام -في كتابه المختار من أشعار القبائل هذه الأبيات إلى حريث بن مُخَفِّض

(3)

.

2 -

قوله: "دماء الأساود": جمع أسودة، والأسودة: جمع سواد، والسواد: الشخص، وأراد بالأساود شخوص الموتى.

5 -

قوله: "أسود شرى" بفتح الشين العجمة والراء، وهو طريق في سلمى كثير الأسود، قوله:"أسود خفية" مثل قولهم: أسود جلية، وهما مأسدتان، و "السمام": جمع سم.

6 -

قوله: "وإن الذي حانت" ويروى: وإن الألى حانت، أي: هلكت، من الحَين -بفتح الحاء وهو الهلاك، قوله:"بفلج" بفتح الفاء وسكون اللام وفي آخره جيم وهو الموضع بين البصرة وضربة، وهو مصروف، وأما فَلَجة- بتحريك اللام فهو اسم مدينة بأرض اليمن فيها منبر وتسمى فلج الأفلاج، وكذلك فلج: أرض من مساكن عاد، قوله:"دماؤهم" أي: أنفسهم

(4)

.

الإعراب:

قوله: "وإن الذي" الواو للعطف، و "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله؛ "الذي" موصول، و "حانت بفلج دماؤهم" جملة من الفعل والفاعل صلة للموصول، والمجموع اسم إن، وقوله:"هم": مبتدأ، و "القوم" خبره، و "كل القوم": كلام إضافي

(1)

في (ب) روايته:

هم ساعدو الدهر ...........

..................

(2)

في (أ) روايته:

أسود شرى لاقت أسود خفية

تساقوا على حرد دماء الأساود

(3)

هو حريث بن سلمة بن مرارة بن مخفض الخزاعي المازني التميمي شاعر جاهلي وعاش في الإسلام (ت 65 هـ).

ينظر الأعلام (2/ 174).

(4)

في (أ): نفوسهم.

ص: 449

تأكيد لأجل المدح والثناء، والجملة خبر إن، قوله:"يا أم خالد": منادى مضاف منصوب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وإن الذي" حيث حذف الشاعر النون من "الذين"؛ إذ أصله: وإن الذين حانت [بفلج]

(1)

دماؤهم وذلك للتخفيف

(2)

.

وقد قيل: إن حذف النون ها هنا للضرورة

(3)

.

قلت: هذه لغة هذيل؛ فلا يحتاج إلى دعوى الضرورة، على أنه ورد في القرآن الكريم، نحو قوله تعالى:{وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69]

(4)

، واللَّه أعلم.

‌الشاهد الثالث والثلاثون بعد المائة

(5)

،

(6)

رُبمَا تَكْرَهُ النفوسُ مِنَ الأَمـ

ـر لَهُ فَرْجَة كَحَلِّ العِقَالِ

أقول: قائله هو أمية بن أبي الصلت، وذكر في الحماسة البصرية أن قائله: هو حنيف بن عمير اليشكري

(7)

، ويروى: أنه لنهار ابن أخت مسيلمة الكذاب- لعنه اللَّه تعالى، والأول أشهر، وقبله:

1 -

صَبر النَّفْسَ عِنْدَ كُلِّ مُلِمٍّ

إِنَّ فيِ الصَّبْرِ حِيلَةَ المحتَالِ

2 -

لا تَضِيقَن بالأمُورِ ذَرْعًا فَقَدْ

يَكْشِفُ عَمَّاؤُهَا بِغَيْرِ احْتِيَالِ

(8)

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

هو قول البصريين، والتخفيف لاستطالة الكلام. الكتاب لسيبويه (1/ 186، 187).

(3)

شرح التسهيل لابن مالك (1/ 192).

(4)

ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 186، 187)، وابن يعيش (3/ 155)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 49)، وقد ورد البيت شاهدًا في المغني على ورود "كل" نعتًا لمعرفة أو نكرة ووجوب إضافتها إلى اسم ظاهر يماثل المنعوت (194)، واختيار العيني هنا هو اختيار الكوفيين؛ فحذف النون عندهم لغة في إثباتها، طالت الصلة أم لم تطل. ينظر الأمالي الشجرية (2/ 307)، والخزانة (6/ 6 - 25).

(5)

توضيح المقاصد (1/ 221).

(6)

البيت من بحر الخفيف، نسب لأمية بن أبي الصلت، من قصيدة طويلة في الديوان (444)، تحقيق: عبد الحفيظ السطلي؛ كما ورد بيت الشاهد والبيتان المذكوران بعد ذلك في ديوان عبيد بن الأبرص (128) ط. دار صادر، كما وجدت الأبيات الثلاثة في الحماسة البصرية (2/ 77) منسوبة لحنيف بن عبيد اليشكري، وقيل: هي لنهار بن أخت مسيلمة الكذاب، وينظر بيت الشاهد في: الكتاب لسيبويه (2/ 108)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 28)، وشرح الأشموني (1/ 154).

(7)

انظر (2/ 77) من الكتاب المذكور، تحقيق مختار الدين أحمد (عالم الكتب).

(8)

روايته في (أ) هكذا:

لا تضيقن في الأمور ........

...........................

ص: 450

وهي من الخفيف، وفيه الخبن والتشعيث.

1 -

قوله: "صبر النفس" أي: احبسها عن الجزع، "عند كل ملم" أي: عند كل مصيبة من مصائب الدنيا.

2 -

قوله: "عماؤها" بالعين المهملة وتشديد الميم

(1)

للضرورة، والعماء في اللغة: السحاب الرقيق، سمي بذلك؛ لأنه

(2)

يُعمي الأبصار عن رؤية ما وراءه، وأراد بها ها هنا ما يحول بين النفس ومرادها.

3 -

قوله: "ربما تكره النفوس" وفي رواية سيبويه: "ربما تجزع النفوس"

(3)

، قوله:"فرجة" بفتح الفاء، وهي التفصي والانفراج، وقال النحاس: الفرجة -بالفتح في الأمر، والفرجة- بالضم فيما يرى من الحائط ونحوه

(4)

، قوله:"العقال" بكسر العين، وهو القيد، وقال ابن الأثير: العقال: الحُبَيل الذي ينعقل

(5)

به البعير.

المعنى: رب شيء تكرهه النفس

(6)

من الأمر سهل كحل عقال الدابة.

الإعراب:

قوله: "ربما" رب حرف جر، وكلمة ما: بمعنى شيء، نكرة مجردة عن معنى الحرف، ناقصة [موصوفة، والتقدير: رب شيء تكرهه النفوس؛ فحذف العائد الذي هو مفعول "تكره"]

(7)

والجملة صفة ما، ويجوز أن تكون ما كافة والفعول المحذوف اسمًا ظاهرًا، أي: قد تكره النفس

(8)

من الأمر شيئًا، أي: وصفًا فيه، أو الأصل من الأمور أمرا، وفي هذا إنابة المفرد عن الجمع، وفيه وفي الأول إنابة الصفة غير المفردة عن الموصوف؛ إذ الجملة بعده صفة، له هذا الذي ذكره ابن هشام

(9)

.

قلتُ: إذا كانت ما كافة تبقى: "مِن" التبيينية بعدها خالية عن الفائدة

(10)

.

(1)

في (أ): والميم المشددة.

(2)

في (أ): لكونه.

(3)

روايته في الكتاب لسيبويه (2/ 109 - 315).

ربما تكره النفوس .......

................................

(4)

في المصباح المنير: (فرج)"الفرجة -بالضم في الحائط ونحوه الخلل، وكل موضع مخافة فرجة، - والفرجة بالفتح مصدر يكون في المعاني، وهي الخلوص من شدة، والضم فيها لغة".

(5)

في (أ): يعقل.

(6)

في (أ): النفوس.

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

في (أ): النفوس.

(9)

ينظر المغني (297).

(10)

"من" التبيينية كثيرًا ما تقع بعد: ما ومهما، وهما بها أولى لإفراط إبهامهما كقوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106]، وينظر المغني (319).

ص: 451

وقيل: يجوز أن تكون "ما" هي المهيئة لدخول "رب" على الجملة

(1)

.

قلتُ: يلزمه في ذلك حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه؛ إذ التقدير حينئذ: رب تكره النفوس شيئًا من الأمر.

وقال النحاس في شرح أبيات سيبويه

(2)

: ويجوز أن تكون "ما" في [هذا]

(3)

البيت فاصلة، قوله:"من الأمر" صفة أخرى بعد صفة، قوله:"له فرجة": جملة ابتدائية، صفة أخرى -أيضًا-، والضمير في:"له" يرجع إلى "ما"، أي: لهذا الشيء المكروه انفراج.

الاستشهاد فيه:

على وقوع "ما" موصوفة بمعنى شيء في قوله: "ربما تكره النفوس"

(4)

، وقال صاحب الإقليد:"ما" حقها أن تكتب مفصولة؛ لأن "ما" اسم نكرة موصوفة لا زائدة؛ كما في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: 159]

(5)

، "وما" ها هنا ليست بموصولة؛ لأن الموصول معرفة، و "رب" لا تدخل إلا على النكرات

(6)

.

‌الشاهد الرابع والثلاثون بعد المائة

(7)

،

(8)

وَكَفَى بِنَا شَرَفًا عَلَى مَنْ غَيرنَا

حُبُّ النَّبِي مُحَمَّدٍ إِيَّانَا

أقول: قائله هو حسان بن ثابت شاعر النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: قائله هو بشير بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، ويقال: الأصح أنه لكعب بن مالك الأنصاري الخزرجي

(9)

، اختلفوا في

(1)

وحينئذ تكون "ما" الكافة عن عمل رب فيما بعد.

(2)

انظر الكتاب المذكور (220)، تحقيق: د. وهبة متولي، ونصه:"هذا البيت حجة بأن ما نكرة، ولولا ذلك لم تقع رب عليها، وكأنه أراد: رب شيء تكرهه النفرس، والشيء نكرة".

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

وهي نكرة موصوفة مجردة عن معنى الحرف. المغني (296، 297).

(5)

وتمامها: {لِنْتَ لَهُمْ ........... } [آل عمران: 159].

(6)

قال سيبويه: "ورب لا يكون ما بعدها إلا نكرة" ثم ذكر بيت الشاهد. الكتاب لسيبويه (2/ 108، 109)، وينظر المغني (136)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 28)، وشرح الأشموني (1/ 154).

(7)

توضيح المقاصد (1/ 222) وروايته فيه:

فكفى بنا فضلًا ..........

..................................

(8)

البيت من بحر الطويل، وليس في ديوان حسان في كثير من طبعات ديوانه (دار المعارف، ودار الكتب العلمية) وبيت الشاهد في: الكتاب لسيبويه (2/ 105)، والخزانة (2/ 545)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 92)، والمقرب (1/ 203)، وشرح شواهد المغني (337)، وسر الصناعة (135)، والمغني (328، 329، 109) وابن يعيش: هامش (4/ 12).

(9)

ديوانه (189).

ص: 452

شهوده بدرًا، والصحيح أنه لم يشهدها، وهو أحد الثلاثة الذين:{خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} [التوبة: 118]، وهم كعب بن مالك، ومرارة بن ربيعة وهلال بن أمية

(1)

وكان كعب من شعراء النبي صلى الله عليه وسلم

(2)

.

والبيت من الكامل، والمعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "وكفى بنا" الواو للعطف على ما قبله، و "كفى" فعل ماضٍ، و "بنا" مفعوله، والباء فيه زائدة كما في قوله عليه الصلاة والسلام:"كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع"

(3)

ويقال: إن الباء في البيت زائدة في الفاعل، و "حب النبي": بدل اشتمال على المحل

(4)

.

وقوله: "شرفًا" نصب على التمييز، أي من حيث الشرف، قوله:"على من غيرنا" يتعلق بقوله: "شرفًا"، وكلمة "من" نكرة موصوفة، وصفتها هي قوله:"غيرنا"، وقال الكسائي: كلمة "من" ها هنا زائدة و "غيرنا" مجرور بـ "على"

(5)

، والأصح أن "من" ها هنا نكرة موصوفة والتقدير: على قوم غيرنا

(6)

، ويروى: على من غيرنا برفع غيرنا، والتقدير: على من هو غيرنا

(7)

.

قوله: "حب النبي" كلام إضافي مرفوع؛ لأنه فاعل "كفى بنا"، على الوجه الأول بدل اشتمال كما ذكرنا، وقوله:"محمد" بيان من النبي، قوله:"إيانا": مفعول المصدر المضاف إلى فاعله، أعني: حب النبي.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "على من غيرنا" فإن "من" ها هنا إما نكرة موصوفة، أو زائدة كما ذكرنا

(8)

.

(1)

ينظر السيرة النبوية لابن هشام (4/ 162)، طبعة دار إحياء التراث، تحقيق: مصطفى السقا وغيره، وروح المعاني للآلوسي (11/ 41) وما بعدها.

(2)

ينظر الأغاني (16/ 240) وما بعدها.

(3)

هو الحديث السادس في صحيح مسلم بشرح النووي وروايته: "عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا انْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ".

(4)

ينظر المغني (109).

(5)

ينظر المغني (329).

(6)

ينظر المرجع السابق.

(7)

السابق نفسه (328).

(8)

هذا البيت روي برفع "غير" فيحتمل الكلام أن تكون "من" نكرة موصوفة، وأن تكون موصولة، وعلى كل حال ففي الكلام ضمير محذوف وتقديره: فكفى بنا شرفًا على من هو غيرنا، والجملة بعد من صفةٌ لها إن جعلتها نكرة، وصلةٌ إن قدرتها موصولة، ويروى: بجر "غير" فتكون صفة لمن، ويري الكسائي أن "من" في هذا الكلام ونحوه زائدة، وأن تقديره: فكفى بنا شرفًا على غيرنا، وهو جارٍ على أصل الكوفيين من جواز زيادة ما. ينظر المغني (109، 328، 329).

ص: 453

‌الشاهد الخامس والثلاثون بعد المائة

(1)

،

(2)

...............................

وَنِعْمَ مَنْ هُوَ فِي سِرٍّ وَإعْلانِ

أقول: أنشده أبو علي ولم يعزه إلى قائله، وصدره:

ونعمَ مَزكَاءُ مَنْ ضَاقَتْ مَذَاهِبُهُ

..............................

وقبله:

1 -

وَكَيْفَ أَرْهَبُ أَمْرًا أَوْ أُرَاعُ لَهُ

وَقَدْ تَكَّأْتُ إِلَى بشرِ بنِ مروانِ

وهما من البسيط.

"مزكاء" -بفتح الميم وسكون الزاي المعجمة: مفعل، من زكأت إلى فلان؛ أي لجأت إليه، هذا من المهموز اللام، ذكره في العباب في بابه "زكأ" بالزاي المعجمة في أوله والهمزة في آخره

(3)

قال أبو زيد: زكأت إليه؛ أي: لجأت إليه

(4)

وأما بالراء المهملة فمن المعتل اللام اليائي، وقال ابن الأعرابي: أركيت إلى فلان؛ أي: لجأت إليه، ويقال: أنا مُرْتَكٍ على كذا؛ أي: معول عليه وما لي مرتكى إلا عليك.

الإعراب:

قوله: "ونعم" من أفعال المدح، وفاعله:"مزكاء" مضاف إلى "من"، ولا يضاف فاعل "نعم" غالبًا إلا لما يصلح إسناد "نعم" إليه

(5)

، وأما "نعم" الثانية فقد قال ابن القطاع: إنها مكررة.

ويقال: إن فاعل "نعم" ها هنا مستتر، تقديره: نعم هو من هو؟ وكلمة "من" تمييز، وقوله:"هو" مخصوص بالمدح فهو مبتدأ، وخبره ما قبله، هكذا أعربه أبو علي، وحكم بأن:"من" ها هنا نكرة تامة

(6)

.

(1)

توضيح المقاصد (1/ 223).

(2)

البيت من بحر البسيط لقائل مجهول، وصدره كما ذكره في الشرح، وله بيت آخر قبله مذكور في الشرح، والبيتان أنشدهما أبو علي في شرح الأبيات المشكلة الإعراب المسمى: إيضاح الشعر 416، وهما في الخزانة (9/ 410)، والمغني (329 - 435)، وحاشية الصبان (1/ 155)، واللسان مادة:"زكأ".

(3)

ينظر شرح شواهد المغني (742).

(4)

ينظر السابق نفسه.

(5)

قال ابن مالك: "الغالب في فاعل نعم وبئس أن يكون معرفًا بالألف واللام، أو مضافًا إلى المعرف بهما، أو مضافًا إلى المضاف للمعرف بهما". شرح التسهيل لابن مالك (3/ 8).

(6)

ينظر كتاب الشعر (380) وما بعدها، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 11)، والمغني (329 - 437).

ص: 454

وقال غيره: "من" موصولة فاعل نعم

(1)

، وقوله:"هو": مبتدأ، وخبره هو آخر محذوف تقديره: نعم من هو في سر وإعلان على حد قول الشاعر

(2)

:

........ وشعري شعري

............................

والظرف متعلق بالمحذوف؛ لأن فيه معنى الفعل، أي: ونعم من هو الثابت في حالتي السر والإعلان.

قلتُ: ويحتاج في ذلك إلى تقدير: "هو" ثالث يكون مخصوصًا بالمدح

(3)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ونعم من" استشهد به أبو علي على أن "من" ها هنا نكوة غير موصوفة

(4)

.

‌الشاهد السادس والثلاثون بعد المائة

(5)

،

(6)

دَعِي مَاذَا عَلِمتُ سَأتَّقِيهِ

ولكن بِالمُغَيَّبِ نَبِّئِينِي

أقول: قائله هو سحيم بن وثيل الرياحي، وهو من قصيدة طويلة، وقد ذكرنا أكثرها في أول الكتاب

(7)

:

أَكُل الدَّهرِ حِلٌّ وارْتِحَالٌ

أما يُبْقي علَيَّ ولا يَقِيني

وهو من الوافر.

قوله: "دعي" أي: اتركي، و "ماذا عَلِمتِ" بكسر التاء، قال النحاس: رواية أبي الحسن

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 11)، والمغني (329، 435).

(2)

من الرجز في المغني غير منسوب (329)، وتمامه:

أنا أبو النجم وشعري شعري

لله دري ما أجن صدري

(3)

ينظر المغني (437).

(4)

ينظر كتاب الشعر لأبي علي (380 - 382)، وقال الأشموني:"ويكونان أيضًا نكرتين تامتين، أما "من" فعلى رأي أبي علي زعم أنها في قوله: "

البيت" تمييز، والفاعل مستتر وهو المحصوص بالمدح، وقال غيره: "من" موصول فاعل". ينظر شرح الأشموني (1/ 155)، والخزانة (1/ 115).

(5)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 231).

(6)

البيت من بحر الوافر، وقد اختلف في قائله، وقيل: إنه من الخمسين المجهولة، ونسبه العيني إلى سحيم الرياحي، وقيل: هو للمثقب العبدي، وقيل لغيرهما، وانظر بيت الشاهد في: الكتاب (2/ 418)، والخزانة (6/ 142)، والهمع (1/ 148)، واللسان مادة:"ذا".

(7)

ينظر الشاهد رقم (33) من الكتاب الذي بين يديك، وهو قوله: أكل الدهر حل وارتحال

ص: 455

بكسر التاء

(1)

، ورواية أبي إسحاق:"علمتُ" بضم التاء

(2)

، قوله:"نَبِّئيني" أي: أخبريني، من النبأ وهو الخبر.

الإعراب:

قوله: "دعي" فعل وفاعل، وقوله "ماذا علمت": مفْعوله، و "ماذا": كلمة اسم جنس بمعنى شيء، أو موصول بمعنى الذي على خلاف فيه ها هنا، فالجمهور على أن "ماذا" كلمة مفعول دعي كما ذكرنا

(3)

.

وقال ابن عصفور: لا يكون "ماذا" مفعول لـ "دعي"؛ لأن الاستفهام له الصدر، ولا لعلمت؛ لأنه لم يرد أن يستفهم عن معلومها ما هو ولا لمحذوف تفسيره: سأتقيه؛ لأن علمت حينئذ لا محل لها، بل "ما": استفهام، و "ذا": موصول خبر، "وعلمتُ": صِلة وعُلِّقَ "دعي" عن الاستفهام

(4)

..

وقال ابن هشام: إذا قدّرتَ "ماذا" بمعنى الذي، أو بمعنى شيء، لم يمتنع كونها مفعول "دعي"، وقوله:"لم يرد أن يستفهم عن معلومها"

(5)

لازم له إذا جعلَ "ماذا" مبتدأ وخبرًا ودعْوَاهُ تعليق "دعي" مردودة بأنها ليست من أفعال القلوب، فإن قال: إنما أردتُ أنه قُدِّرَ الوقف على دعي، فاستأنف ما بعده، رده قول الشاعر:"ولكن"؛ فإنها لا بد أن يخالف ما بعدها ما قبلها والخالف ها هنا "دعي".

فالمعنى: دعي كذا ولكن أفعل كذا، وعلى هذا فلا يصح استئناف ما بعدَ "دعي"؛ لأنه لا يقال: من في الدار فإنَّني أُكرِمُهُ، ولكن أخبرني عن كذا. انتهى

(6)

.

وقال النحَّاس: لا يكون "ذا" هنا بمعني الذي؛ لأنه لا يجوز: دعي ما الذي علمتَ، وقال أبو إسحاق: لا يكون ذا ها هنا إلا بمنزلة الاسم مع ما، وذاك أنها لا تخلو من إحدى ثلاث جهات:

- إما أن تكون "ما" صلة "وذا" بمعنى الذي، وذا لا يجوز ها هنا؛ لأن "ذا" لا يكون بمعني الذي إلا مع "ما" و "من" الاستفهاميتين.

(1)

الذي في معاني القرآن هو: "علمت" بضم التاء، وهو شاهد على تركيب "ما" مع "ذا" اسمًا واحدًا، ينظر (1/ 216، 368)، وانظر كتابنا: ظاهرة التركيب في النحو العربي (40) وما بعدها، د. أحمد السوداني.

(2)

وعند الزجاج جعل "ما" مركبة مع "ذا" اسمًا واحدًا، فأورد البيت وقال:"كأنه بمنزلة: دعي الذي لمت". معاني القرآن للزجاج (1/ 288)، وينظر (104) من الجزء نفسه.

(3)

المغني (301).

(4)

شرح جمل الزجاجي لابن عصفور (2/ 479)، والمغني (301).

(5)

يقصد به ابن عصفور.

(6)

المغني (301، 302).

ص: 456

- وإما أن تكون "ما" بمعنى الذي فتكون "ما" مفعوله، "وذا" مبتدأ، "وعلمت" صِلة، ويبقى المبتدأ بلا خبر.

فإن قلت: أُضْمِرُ "هوَ" فكأني قلت: دعي الذي هو علمت، فهذا قبيح، والذي قال سيويه والذي لا يجوز في هذا الموضع أن تحذف هو منفصلة

(1)

.

الثالث: الذي يجوز وهو أن تكون "ما" مع "ذا" بمنزلة اسم واحد

(2)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ماذا علمت" فإن "ذا" ها هنا إما موصولة، أو نكرة موصوفة؛ أي: دعي الذي علمتيه

(3)

أو شيئًا علمتَ فافهم؛ فإنَّهُ موضع يحتاج إلي التَّرَوِّي.

(1)

قال سيبويه: "ولو كان ذا بمنزلة الذي في ذا الموضع البتة، لكان الوجه في: ماذا رأيت، إذا أجاب أن يقول: خيرٌ.

وقال الشاعر، وسمعنا بعض العرب يقول:

دعي ماذا عملتِ سأَتّقيهِ

ولكنْ بالغيّب نبّئيني

فالذي لا يجوز في هذا الموضع، وما لا يحسن أن تُلغيها". الكتاب (2/ 418).

(2)

قال سيبويه: "باب إجرائهم ذا وحده بمنزلة الذي وليس يكون كالذي إلا مع (ما) و (مَن) في الاستفهام، فيكون (ذا) بمنزلة (الذي)، ويكون (ما) حرف الاستفهام، وإجرائهم إياه مع (ما) بمنزلة اسم واحد، أما إجراؤهم ذا بمنزلة الذي فهو قولك: ماذا رأيت؟ فيقول: متاعٌ حسنٌ. وقال الشاعر لبيد بن ربيعة:

ألا تسألان المرء ماذا يحاول

أنَحْبّ فيُقضى أم ضَلال وباطلُ

وأما إجراؤهم إياه مع (ما) بمنزلة اسم واحد فهو قولك: ماذا رأيت؟ فتقول: خيرًا؛ كأنك قلت: ما رأيت؟ ومثل ذلك قولهم: ماذا ترى؟ فنقول: خيرًا. وقال جلّ ثناؤه: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} [النحل: 30]. فلو كان "ذا" لغوًا قالت العرب: عمّاذا تسأل؟ ولقالوا: عمّ ذا تسأل، كأنهم قالوا: عمّ تسأل، ولكنهم جعلوا (ما) و (ذا) اسمًا واحدًا، كما جعلوا "ما" "وإن" حرفًا واحدًا حين قالوا: إنما

ولو كان (ذا) بمنزلة الذي في ذا الموضع البتة، لكان الوجه في: ماذا رأيت، إذا أجاب أن يقول: خيرًا". الكتاب (2/ 416 - 418).

(3)

يراجع: الكتاب (2/ 416 - 418)، والهمع (1/ 84)، والخزانة (6/ 42)، والمغني (301) وفيه يقول ابن هشام: الرابع: أن يكون "ماذا" كله اسم جنس بمعنى شيء، أو موصولًا بمعنى الَّذِي، على خلاف في تخريج قول الشاعر: "

البيت" فالجمهُور على أن "ماذا" كله مفعول دعي، ثم اختلف، فقال السيرافي وابن خروف: (ما) موصول بمعنى الَّذِي، وقال الفارسي: نكرة بمعنى شيء، قال: لأن التركيب ثبت في الأجناس دون الْمَوْصُولات. وقال ابن عصفور: لا تكون (ماذا) مفعول لدعي؛ لأن الاستفهام له الصدر، ولا لعلمت؛ لأنه لم يرد أن يستفهم عن معلومها ما هُوَ؟، ولا لمحذوف يفسره: سأتقيه؛ لأن علمت حينئذ لا محل لها بل "ما" اسم استفهام مُبْتَدَأ "وذا" موصول خَبَر "وعلمت" صلة، وعلق "دعي" عن العمل بالاستفهام. انتهي.

ونقول: إذا قدرت "ماذا" بمعنى الَّذِي أو بمعنى شيء لم يمتنع كونها مفعول دعي، وقوله:"لم يرد أن يستفهم عن معلومها" لازم له إذا جعل ماذا مُبْتَدَأ وخبرًا، ودعواه تحليق دعي مردودة بأنها ليست من أفعال القلوب .. ".

ص: 457

‌الشاهد السابع والثلاثون بعد المائة

(1)

،

(2)

نَحْنُ الأُلَى فاجْمَع جُمُو

عَكَ ثُمَّ وجِّههُمْ إلَينَا

أقول: قائله هو عَبِيدُ -بفتح العين وكسر الباء الموحدة ابنُ الأبرص بن جشم بن عامر بن مالك بن زهير بن مالك بن الحرث بن سعد بن ثعلبة بن زودان بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، شاعر فحل فصيح من شعراء الجاهلية، وجعله ابن سلام في الطبقة الرابعة من شعراء الجاهلية، وقرن به طرفة، وعلقمة بن عبدة، وعدي بن زيد

(3)

، والبيت المذكور من قصيدة نونية، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

يا ذا المُخَوِّفَنا بِقَتـ

ـلِ أبيهِ إذْلالًا وَحيْنَا

2 -

زعَمْتَ أنَّكَ قَد قَتَلْـ

ـتَ سَراتَنَا كذبًا ومَيْنا

3 -

لولا على حُجُر بن أم

م قطام تبكي لا علينا

4 -

إنَّا إذا عَضَّ الثِّقا

فُ بِرأسِ صَعْدِتِنَا لَوَيْنَا

5 -

نَحْمي حَقيقتنا وبعدـ

ـضُ القوم يسقط بين بينا

6 -

هَلَّا سَأَلتَ جموعَ كِنْـ

دَةَ يَوْمَ ولّوا أَيْنَ أَيْنَا؟

7 -

أيَّامَ نَضْرِبُ هَامَهُم

بِبَواتِر حَتَّى انحَنينا

8 -

نحنُ الأُلى فاجمَع جِمُو

عَكَ ثُمّ وجِّههم إلينا

وهي من [الكامل وفيه]

(5)

الإضمار والترفيل

(6)

تقول: (نحن الألى) مستفعلن مضمر، (فاجمع جمو) مستفعلن مضمر، (عك ثم وج) متفاعلن سالم، (جههم إلينا) مستفعلاتن مرفل مضمر.

(1)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 233).

(2)

البيت من مجزوء الكامل، من قصيدة طويلة لعبيد بن الأبرص يخاطب بها امرأ القيس الذي كان قد هدد قوم عبيد بالانتقام لأبيه حجر، وفيها يفتخر ويهدد، وانظر بيت الشاهد في ديوان عبيد بن الأبرص (141)، ط. دار صادر، وهو في التصريح (1/ 142)، والأشموني (1/ 161، 175)، والخزانة (2/ 213).

(3)

طبقات فحول الشعراء (1/ 137).

(4)

ينظر رجال المعلقات العشر للغلاييني - عبيد بن الأبرص (ت: 555) قبل الهجرة (297 - 299)، ط (1414)، أولى، والخزانة (2/ 213)، والديوان (141)، وعبيد بن الأبرص حياته وشعره (69)(عبد الله علي الصويفي، جامعة الفاتح (1992 م).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

الإضمار: هو تسكين الثاني المتحرك، وأما الترفيل: فهو زيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع. انظر ميزان الذهب (217)، وأهدى سبيل (25).

ص: 458

قوله: "حَيْنًا" أي: هلاكًا، قوله:"سراتنا" -بفتح السين والراء: جمع سريّ: وهو جمع عزيز أن يجمع فعيل على فعلة ولا يعرف غيره

(1)

، و "سراة القوم": أكابرهم وساداتهم، قوله:"مينا" -بفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف؛ وهو الكذب، و"الثقاف" بكسر الثاء المثلثة وتخفيف القاف وفي آخره فاء؛ وهو ما تسوى به الرماح، و "الصعدة" بفتح الصاد وسكون العين وفتح الدال: المهملات، وهي القناة المستوية، تنبت كذلك لا تحتاج إلى تثقيف، قوله "لوينا": من لوى الرجل رأسه وألوى برأسه؛ أمال وأعرض، قوله "نحمي حقيقتنا" الحقيقة: ما يحق على الرجل أن يحميه، يقال: فلان حامي الحقيقة، قوله:"هامهم"؛ جمع هامة، وهي الرأس، و "البواتر": السيوف القاطعة، قوله:"نحن الألى" أي: نحن الذين عرفوا بالشجاعة فاجمع جموعك ثم وجههم إلينا؛ فإنا لا نبالي بهم، ولا هم عندنا في حساب.

الإعراب:

قوله "نحن": مبتدأ، وخبره قوله "الألى" وهو بمعنى الذين، وصلتها محذوفة

(2)

لدلالة قوله: "فاجمع جموعك

إلخ" عليه.

وهو موضع الاستشهاد:

وهو أن الصلة لا بد منها للموصول، إما لفظًا وإما تقديرًا، والمقدر كالملفوظ عند القرينة، وهذا نحو قول الكميت

(3)

:

فإن أَدَعِ اللَّوَاتِي مِن أُناسٍ

أَضَاعُوهنَّ لا أَدَعِ الّذِينَا

قال أبو عبيد: الذين ها هنا لا صلة لها.

والمعنى: إن أدَعْ ذكرَ النساء فلا أدع الرجال، وقال ابن هشام في فوائده: قد يذكر الموصول بغير صلة؛ كقول الكميت: فإن ادع

إلخ

(4)

، وفيه استشهاد آخر وهو أن الألى بمعنى الذينَ.

(1)

الصحاح، مادة:"سرا".

(2)

في النسخة (أ): محذوف.

(3)

البيت من بحر الوافر للكميت في ديوانه (2/ 130) وانظره في الخزانة (6/ 157).

(4)

قال ابن هشام: "أو حذف الصلة يجوز قليلًا لدلالة صلة أخرى .. أو لدلالة غيرها كقوله (

البيت) " ينظر المغني (625)، والهمع (1/ 89)، والأشموني (1/ 160).

ص: 459

‌الشاهد الثامن والثلاثون بعد المائة

(1)

،

(2)

وإنَّ من النِّسْوَانِ مَنْ هيَ رَوْضَةٌ

تَهِيجُ الرِّيَاضُ قبلها وتصَوّحُ

أقول: قائله هو جران العود، واسمه عامر بن الحرث بن كلفة -بفتح الكاف، ويقال بضمها، ويقال: ابن كلدة وهو ابن نمير، وأحد بني ضبة بن نمير بن عامر بن صعصعة، وإنما لقب جران العود بقوله لامرأتين كانتا له:

خُذَا حَذَرًا يا جَارَتَيَّ فإنَّنِي

رأيت جِرَان العَودِ قد كان يصلُح

بفتح اللام، وروي بضمها، وكلتا الروايتين صواب.

والبيت المذكور من قصيدة طويلة من الطويل، يصف فيها النساء، [قال ابن حبيب]

(3)

:

قال أبو عمرو الشيباني

(4)

: كان جِرَانُ العَوْدِ والرَّحَّال خِدْنَيِن

(5)

تِبيعَيِن، ثم إنه تزوج كل منهما فلما أن اجتمعا نَعَتَا ما لقيا، فقال جران العود في ذلك:

1 -

ألا لا تَغُرَّن امْرَأً نَوْفَلِيَّةٌ

علَي الرَّأْسِ بَعْدِي أوْ تَرَائِبُ وُضّحُ

2 -

ولا فاحِم يُسْقِي الدِّهَانَ كَأنَّهُ

أَسَاودُ يِزْهَاهَا لعَينيك أبطحُ

3 -

وأذنابُ خَيلٍ عُلِّقَتْ في عَقِيصَةٍ

ترى قُرْطَها من تحتها يَتَطَوَّحُ

4 -

فإنَّ الفَتَى المغرورَ يُعْطِي تِلادَهُ

ويُعْطي الثّنا من مالهِ ثم يُفْضَحُ

5 -

ويغدُو بِمسْحَاجٍ كَأنَّ عِظَامَهَا

مَحَاجِنُ أعرَاهَا اللِّحَاءُ المشبحُ

6 -

إذا ابْتُزَّ عنها الدرع قِيلَ مُطَّرِدٌ

أحَصُّ الذنابي والذراعين أرسح

إلى أن قال:

7 -

أجَلِّيِ إليهَا من بعيد وأتَّقي

حجارتها حقًّا ولا أَتَمَزَّحُ

(1)

توضيح المقاصد (1/ 236).

(2)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة طويلة لجران العود، بفتح العين، وهي في ديوان جران (1) ط. دار الكتب، والجران: مقدم العنق من البعير، والعود: المسن منها، والمعنى: استعن في حربك بالمشايخ لا بالغلمان، وبيت الشاهد في التصريح (1/ 140).

(3)

ما بين المعقوفين سقط من النسخة (ب)، وابن حبيب هو محمد بن حبيب من موالي بني العباس، ألف كتاب: من نسب إلى أمه من الشعراء، ومختلف القبائل وخلق الإنسان وغيرها، (ت 245 هـ). الأعلام (6/ 78).

(4)

انظر النص المذكور في الديوان (1) مرويًّا عن أبي سعيد السكري.

(5)

قال صاحب اللسان: " (خدن) الخِذنُ والخَدِينِ: الصديقُ، وفي المحكم: الصاحبُ المُحدِّثُ، والجمع: أَخْدانْ وخُدَناء، والخِدْنُ والخَدِينُ: الذي يُخَادِنُك فيكون معك في كل أمر ظاهر ولاطن، وخِدْنُ الجارية: مُحَدِّثُها". اللسان، مادة:"خدن".

ص: 460

8 -

تَشجُّ طَنَابِيبِي إذا ما اتَّقَيتُهَا

بهنَّ وأُخْرَى في الذَّؤابَةِ تنفحُ

9 -

أتانا ابن روق يَبتغي اللهو عندنا

فكان ابن رَوْقٍ بين بُرْدَيْهِ يَسْلَحُ

10 -

وأنْقَذنِي منها ابن روقٍ وصوتُها

كصَوْتِ عَلاةِ القَيِن صُلْبٌ صُمَيدَحُ

11 -

وولَّى به رَادُ اليدين عِظامُهُ

علَى دَفَقٍ مِنهَا موائر جُنَّحُ

12 -

وإن من النسوان من هي روضة

تهِيجُ الرياضُ قبلها وتصوحُ

ويروى:

ولسْنَ بأسْوَاءٍ فمنهن روضةٌ

تَهِيجُ الرِّيَاضُ غيرَها لا تَصَوَّحُ

13 -

جُمَاديةٌ أحْمَى حدائقَها الندى

ومُزْنٌ تُدَلِّيهِ الجنائِبُ دُلَّحُ

14 -

ومنهن غُلٌّ مقفل لا يفكه

من القوم إلا الشَّحْشَحَانِ الصويفح

15 -

عمدت لَعَوْدٍ فالتَحَيْتُ جَرَانَهُ

وَلَلْكَيْسُ أمضي في الأمُورِ وأنْجَحُ

16 -

خُذَا حَذَرًا يا جارتاي فإنَّني

رأيت جران العود قد كان يَصْلُحُ

وقال الرحال

(1)

:

1 -

أقول لأصْحَابِي الرَّحِيل فقربوا

جُمَالية وَجْنَاءَ تُوزِعُ بالشفر

2 -

وقربن ذيَّالًا كأن سراته

سَراةُ نَقَى العَزَّافِ لَبَّدَهُ القَطْرُ

3 -

فقلن أَرِحْ لا تحبسِ القومَ إنهم

ثووا أشهرًا قد طال ما قد ثوى السفر

وهي قصيدة طويلة من الطويل -أيضًا-.

[أولًا: شرح أبيات جران العود]

وهي من قصيدة طويلة من الطويل أيضًا:

1 -

قوله: "نوفلية": ضرب من المشط، و "الترائب": عظام الصدر، الواحدة تريبة؛ وهي موضع القلادة، و "الوُضُح" بضم الواو، جمع واضحة.

2 -

و "الفاحم"- بالفاء: الشعر الأسود كأنه حيات سود، قوله:"يزهاها" أي: يرفعها، و "الأبطح": بطن واد فيه رمل وحجارة، والجمع: أباطح.

3 -

قوله: "وأذناب خَيل" أراد الذوائب، شبهها بأذناب الخيل من طولها، و "العقيصة": ما جمع من الشعر كهيئة الكُبَّةِ، والجمع عقاص، و "القرط" -بضم القاف، وهو الذي يعلق في

(1)

عروة الرحال: هو عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب. ينظر الأعلام للزركلي (4/ 226).

ص: 461

الأذن، قوله:"يتطوح" أي: يضطرب، أراد أنها طويلة العنق، ولو كانت وقصاء لم تضطرب.

4 -

قوله: "تلاده" -بكسر التاء المثناة من فوق؛ هو البالي القديم الذي يورث عن الآباء، و"التليد" مثله.

5 -

قوله: "بمسحاج" -بكسر الميم وسكون السين المهملة وبالحاء المهملة ثم الجيم بعد الألف؛ هي امرأة سريعة المشي وهو عيب في النساء، و "المحاجن": الصوالجة، جمع محجن، شبه عظامها لاعوجاجها وهزالها بالمحاجن، قوله:"وأعراها" أي: نزع عنها اللجا وهو قشرها، و"المشبح": المقشور، ويقال: شبحت العود إذا قشرته.

6 -

قوله: "إذا ابْتُزَّ عنها الدرع" وهو على صيغة المجهول، ومعناه: إذا انْتُزِعَ عنها الدرع وهو القميص، قوله:"قيل مطرد" أي: ذئب، ويروى: إذا ابتَزَّ عنها الدرع، على صيغة المعلوم ونصب الدرع، ويقال: المطرد: الظليم طرده الناس فنفر وهو أسمج ما يكون إذا نفر، وهو أحمر لا ريش عليه، و"الذنابي": الذنَب، وأراد "بالذراعَينِ" الساقين، قوله:"أرسح" أي: أمسح المؤخر خفيفه.

7 -

قوله: "ولا أتمزح" أي: ولا أقول إلا حقًّا.

8 -

قوله: "طنابيبي": جمع طنبوب، وهو عظم الساق، قوله:"تنفح" أي: تصيب بعد الإصابة.

9 -

قوله: "يسلح" أي: يخرأ، ويروى: في السراويل يسلح.

10 -

و "العلاة" السندان، و "القين": الحداد، و "الصميدح": الشديد.

11 -

قوله: "وولى به" أي: بان ومضى به هاربًا، قوله:"راد اليدين" أي: سريع اليدين، أراد بعيرًا، و"الدفق": السرعة، و"الموائر": من مار يمور؛ إذا اضطرب، قوله "جنح" يعني: موائل.

12 -

قوله: "تهيج": من هاج الشيء يهيج هيجًا وهيجانًا وهياجًا، واهتاج وتهيج أي: ثار، وهيجه غيره يتعدى ولا يتعدى، قوله:"وتصوح" أصله تتصوح فحذفت إحدى التاءين؛ كما في قوله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14]

(1)

، وهو من التصوح بالصاد والحاء المهملتين وهو التشقق، قال أبو عمرو: تصوح البقل إذا يبس أعلاه، وفيه ندوة

(2)

، شبه بعض النساء بالروضة التي تتأخر في هيجان نباتها وتشقق أزهارها عن غيرها من الرياض، وأراد بها: النساء التي تتأخر عن الولادة عن وقتها، وهذا تشبيه بليغ؛ حيث حذف فيه أداة التشبيه؛ لأن الأصل في قوله:

(1)

ينظر الممتع في التصريف: (223).

(2)

الصحاح، مادة:"صوح".

ص: 462

"من هي روضة": من هي كروضة، وهذا تشبيه وليس باستعارة؛ لأن الطرفين مذكوران، وشرط الاستعارة أن يذكو أحد طرفي التشبيه ويترك الآخر

(1)

.

13 -

قوله: "جمادية" أي: مطرت في جمادى، قوله:"أحمى" أي: منع، يريد أن الأمطار كثرت فأجلست الناس عن الأسفار والمر بها فلم يُرْعَ كَلأُها فَهُوَ نامٍ، و "الندى": الأمطار، و "المزن": السحاب، قوله:"تُدْلِّيه" أي: تترك ما فيه من المطر، قوله:"دُلّح"- بضم الدال وتشديد اللام؛ أي: ثقال لكثرة الماء.

14 -

قوله: "ومنهن" أي: ومن النساء، و "الشحشحان": الماضي في الأمور، و "الصويفح": الشديد الصوت الصلب، ويروى: الصلنفح وهو مثله.

15 -

قوله: "عمدت" أي: قصدت، و "العَود" -بفتح العين: البعير المسن، قوله:"فَالْتَحَيْتُ"، أي: أخذت.

16 -

قوله: "خُذَا حذَرًا" خطاب لامرأتيه كما ذكونا، وبهذا لقب جران العود، قوله:"يا جارتاي" ويروى. خِلَّتَيَّ، و "الجران": باطن العنق الذي يَضَعُه البعير علي الأرض إذا مَدَّ عُنُقَهُ لينام، والجمع أجرِنَة.

[ثانيًا: شرح أبيات الرحال]

1 -

قوله: "جمالية" أي: ناقة غليظة في خلقة الجمل، قوله:"وجْنَاء" أي. كثيرة لحم الوجنتين، قوله:"تُوْزَع" أي: يُكف من حدتها ونشاطها، و "الشفر": السكين.

2 -

قوله: "قربن" يعني النساء، و "ذيالًا" يعني: بعير طويل الذنب، و "سراته": ظهره، و "النقا" من الرمل: ما طال ودق، و "العزاف" -بالعين المهملة المفتوحة وتشديد الزاي المعجمة وفي آخره فاء؛ اسم موضع، قوله:"لبده" أي: صلبه، و "القطر" أي: المطر.

3 -

قوله: "ثَوَوْا" أي أقاموا.

الإعراب:

قوله "وإن" الواو للعطف، و "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله:"من هي روضة" اسمه، وخبره قوله:"من النسوان" وكلمة ["من" في:]

(2)

"مَن هي روضة": موصول، والجملة أعني: هي روضة: صلتها، قوله "تَهيجُ": فعل مضارع، و "الرياض":

(1)

ينظر بغية الإيضاح لعبد المتعال الصعيدي (3/ 96) وما بعدها، ط. مكتبة العلوم والحكم.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 463

فاعله، ولجمله. صفة للروضة، و"قبلها" نصب على الظرف إلى الضمير الذي يرجع إلى الروضة، قوله:"وتصوح" عطف على قوله: "تهيج".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من هي روضة" حيث روعي فيه معنى "مَن" فلذلك أنث الضمير، ولو روعي فيه اللفظ لقيل: من هو، وفي مثل هذا الموضع يجب فيه مراعاة المعنى، ولا سيما إذا كان ما يعضد المعنى؛ كما في البيت.

‌الشاهد التاسع والثلاثون بعد المائة

(1)

،

(2)

...............................

وَأَنْتَ الذي في رَحْمَةِ اللهِ أَطْمَعُ

أقول: قد قيل: إن قائله مجنون بني عامر، وصدره

(3)

:

فيا ربَّ لَيْلَى أَنْتَ في كُلِّ مَوْطِن

..............................

وهو من الطويل، المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "وأنت" مبتدأ وخبره: "الذي في رحمة الله أطمع"، والتقدير: وأنت الذي أطمع في رحمتك، وهذا من المواضع التي خلف الضمير العائد اسم ظاهر؛ كما في قولهم: أبو سعيد الذي رويت عن الخدري، وهذا موضع الاستشهاد أيضًا، وكان القياس أن يقال: وأنت الذي في رحمته أو رحمتك، ولكنه أتى بالظاهر على خلاف القياس

(4)

.

(1)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 236).

(2)

عجز بيت من بحر الطويل، ذكر صدره في الشرح، والبيت نسب لمجنون ليلى، ولكنه ليس في ديوانه، وهو في: الهمع (1/ 87)، والدرر (1/ 64)، والتصريح (1/ 40)، وشرح الأشموني (1/ 146)، والمغني بحاشية الأمير (1/ 186)، وشرح شواهد المغني (559)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 186، 211، 212)، والقضايا النحودة والصرفية في الجزء السادس عشر من كتاب روح المعاني للآلوسي (318) (ماجستير بالأزهر) إعداد: أحمد السوداني.

(3)

يروى:

فيا ربِّ أنت الله في كل موطن

.................................

(4)

قد يغني عن العائد قرينة تدل عليه، أو اسم ظاهر يقوم مقامه؛ كما في بيت الشاهد، فالأصل فيه: رحمته، فأقام الاسم الظاهر "الله" مقام العائد، وورود هذا في الصلة نادر، ويكثر الاستغناء بالظاهر عن المضمر في الأخبار. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 186، 187، 211، 212)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 125، 126)، والفصول الخمسون لابن معطي (238)، تحقيق: محمود الطناحي، والبحر المحيط (6/ 226)، وروح المعاني للآلوسي (16/ 153)، والمغني بحاشية الأمير (1/ 176)، وإعراب القرآن للنحاس (3/ 33).

ص: 464

‌شواهد المعرف باللام

‌الشاهد الأربعون بعد المائة

(1)

،

(2)

ولقد جَنَيْتُكَ أكمؤًا وعَساقِلًا

ولقد نَهَيْتُكَ عَنْ بَنَاتِ الأَوْبَرِ

أقول: أنشده أبو زيد، ولم يعزه إلى قائله، وهو من الكامل.

قوله: "ولقد جنيتك" أي: جنيت لك؛ كما في قوله تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} [المطففين: 3] أي: وإذا كالوا لهم أو وزنوا لهم، وقوله تعالى:{وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا} [الأعراف: 86] أي: تبغون لها، وقوله تعالى:{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس: 39] أي قدرنا منازل، وهو من جنيت الثمرة أجنيها جنًى واجتنيها أيضًا.

قوله: "أكمؤًا" -بفتح الهمزة وسكون الكاف وضم الميم وفي آخره همزة؛ وهو جمع كَمْؤ علي وزن فَعْل- بسكون العين؛ كأفلس جمع فلس، وهو واحد كمأة على وزن فعلة، على العكس في باب: تمر وتمرة، قال الجوهري: الكمأة واحدها على غير القياس وهو من النوادر، تقول: هذا كمؤ، وهذان كمآن، وهؤلاء أكمؤ ثلاثة

(3)

.

قوله: "وعساقلًا": جمع عسقول -بضم العين وسكون السين المهملتين، وهو نوع من الكمأة وأصل:"عساقلا"

(4)

: عساقيلا، فحذفت المدة للضرورة، قوله:"بنات الأوبر" وهي

(1)

ابن الناظم (39)، وتوضيح المقاصد (1/ 263)، وأوضح المسالك (1/ 137)، وشرح ابن عقيل (1/ 181)، وروايته: أكمؤًا.

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو لقائل مجهول، وهو في المقتضب (4/ 84)، والتصريح (1/ 151)، والأشموني (1/ 182)، والإنصاف (189)، ولم نعثر عليه في نوادر أبي زيد، وهو في الخصائص (3/ 52)، وشرح شواهد المغني (166)، واللسان، مادة:"وبر".

(3)

الصحاح، مادة:"كمؤ".

(4)

في (أ): عساقل.

ص: 465

كمأة صغار مزغبة على لون التراب، قاله أبو زيد، ويقال: هي الكمأة البيض، ويقال لها: شحمة الأرض، ويقال لها: العساقيل.

و"بنات الأوبر": ضربان من الكمأة رديئان، وفيه نظر؛ لأن الرديء هو بنات أوبر فقط، فلذلك قال:"ولقد نهيتك عن بنات الأوبر"

(1)

إنما كان عن بنات الأوبر فقط، ولم يكن عن العساقيل أيضًا.

الإعراب:

قوله: "ولقد" الواو للقسم، واللام وقد للتأكيد والتحقيق، قوله:"جنيتك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وأصله: جنيت لك كما ذكرنا، فحذف الجار توسعًا

(2)

قوله: "اكمؤًا": مفعول جنيت، و:"عساقلًا": عطف عليه، من قبيل عطف الخاص على العام

(3)

، قوله:"ولقد نهيتك": عطف على قوله: "ولقد جنيتك"، قوله:"عن": يتعلق بـ "نهيتك".

الاستشهاد فيه:

على زيادة اللام في قوله "الأوبر" والأصل: بنات أوبر بدون اللام، وإنما زيدت لأجل الضرورة، لأن ابن أوبر علم على نوع من الكمأة، ثم جمع علي بنات أوبر؛ كما يقال في: ابن عرس، بنات عرس، ولا يقال بنو عرس؛ لأنه لما لا يعقل

(4)

، ورده السخاوى

(5)

بأنه لو كانت اللام فيه زائدة، لكان وجودها كالعدم فكان خفضه بالفتحة؛ لأن فيه العلمية والوزن

(6)

.

قيل: هذا سهو منه؛ لأن أل تقتضي أن ينجرّ الاسم بالكسرة، ولو كانت زائدة؛ لأنه قد أمن فيه من التنوين

(7)

.

وقيل: أل فيه للمح الصفة الأصل؛ لأن "أوبر" صفة، كحسن وحسين وأحمر

(8)

.

(1)

اللسان، مادة:"وبر".

(2)

ينظر مغني اللبيب (640)، وشرح شواهده (166).

(3)

ينظر عطف الخاص على العام في الإيضاح في علوم البلاغة (197) للخطيب القزويني، ط. دار الكتب العلمية بيروت، أولى (1985 م).

(4)

ينظر المغني لابن هشام (52).

(5)

السخاوي: علي بن محمد بن عبد الصمد الهمداني المصري السخاوي الشافعي، أبو الحسن، علم الدين: عالم بالقراءت والأصول واللغة والتفسير، وله نظم، من كتبه:"جمال القراء"، و "المفضل، شرح المفصل للزمخشري" أربعة أجزاء، (ت 643 هـ). ينظر الأعلام للزركلي (4/ 332).

(6)

ينظر المغني لابن هشام (52).

(7)

هو قول ابن هشام في المغني (52).

(8)

ينظر المغني لابن هشام (52).

ص: 466

وقيل: للتعريف، وأن ابن أوبر نكرة كابن لبون؛ كما في قول الشاعر

(1)

:

وابْنُ اللَّبونِ إذا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ

..................................

قاله المبرد

(2)

، ويرده أنه لم يسمع ابن أوبر إلا ممنوع الصرف

(3)

، وقال سيبويه: هو علم جنس ممنوع الصرف للعلمية والوزن كابن آوى

(4)

فالألف واللام فيه زائدة، فافهم.

‌الشاهد الحادي والأربعون بعد المائة

(5)

،

(6)

أمَّا ودِمَاءٍ مَائِرَاتٍ تَخَالُهَا

عَلَى قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ عَنْدَمَا

أقول: قائله هو عمرو بن عبد الجن شاعر جاهلي، وقيل: قائله رجل جاهلي مجهول الاسم، والأول أصح وبعده:

2 -

وما سَبَّحَ الرُّهْبانُ في كلِّ بِيْعَةٍ

أبيلَ الأَبِيلَيِن المَسيحَ بنَ مَرْيَمَا

3 -

لقد ذاقَ مِنَّا عامرٌ يومَ لعَلع

حُسَامًا إذا مَا هُزّ بالكفِّ صَمَّمَا

وهو من الطويل.

1 -

قوله. "ودماء": جمع دم، قوله:"مائرات": من مار الدم على وجه الأرض؛ إذا ماج كموج الهواء، وقد يراد بالمائرات الدماء، قال الشاعر

(7)

:

حلفتُ بِمَائِراتٍ حَوْلَ عَوْضٍ

وأنصاب تُرِكْنَ لَدَى السَّعِيرِ

وعوض والسعير صنمان، قوله:"تخالها" أي: تظنها، قوله:"على قنة العزى" -بضم القاف

(1)

البيت من بحر البسيط لجرير بن عطية، وهو في ديوانه (240) ط. دار الكتب العلمية، بشرح مهدي ناصر، والبيت في المغني (52)، وشرح شواهده (167)، والكتاب لسيبويه (2/ 97)، وتمامه:

وابن اللبون إذا ما لُزّ في قَرَن

لم يستطع صولةَ البُزْلِ القناعيسِ

وهو شاهد على دخول: "أل" على ابن اللبون ليصير معرفة بعد تنكيره، وليس كابن آوى الذي لا تدخله أل فبذلك صار علمًا معرفة.

(2)

ينظر المقتضب (4/ 48، 49).

(3)

ينظر المغني (52).

(4)

ينظر الكتاب (2/ 95) وما بعدها.

(5)

ابن الناظم (39)، ونسبه في (ب) إلى ابن هشام ولم نعثر عليه في أوضح المسالك.

(6)

البيت من بحر الطويل، وهو أول ثلاثة أبيات نسبت إلى شاعر جاهلي يقال له عمرو بن عبد الجن، خلف على ملك جدعة بن الأبرش بعد قتله (ترجمه في معجم الشعراء: 18) وبيت الشاهد في عدة مراجع منها الخزانة (6/ 214)، وانظر المسائل الحلبيات (369)، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (1/ 16) ط. دار الفكر، واللسان مادة:"نسر، عندم"، والمنصف لابن جني (3/ 134).

(7)

البيت من بحر الوافر، وهو في المغني (151)، وينظر معه: شرح شواهده للسيوطي (442).

ص: 467

وتشديد النون؛ أعلى الجبل، وتجمع على قنان، مثل القلة وتجمع على قلال، ومثل: برمة وبرام وقنن وقنات، و"العزى" فُعْلَى: اسم لصنم كان لقريش وبني كنانة، ويقال:"العزى" سمرة كانت لغطفان يعبدونها، وكانوا بنَوْا عليها بيتًا وأقاموا لها سَدَنة، فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه فهدم البيت وأحرق السمرة وهو يقول

(1)

:

يَا عُزّ كُفْرَانَكِ لا سُبْحَانَكِ

إنّي رَأَيْتُ اللهَ قَدْ أَهَانَكِ

قوله: "وبالنسر": اسم لصنم كان لذى الكلاع بأرض حِمْيَر، وكان "يغوث" لمذحج، و "يعوق" لهمدان؛ من أصنام قوم نوح عليه السلام، قال الله تعالى:{وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23].

قوله: "عَندما" -بفتح العين المهملة وسكون النون؛ هو البقم، وهو شجر يصبغ به، ويقال: العندم: دم الأخوين.

2 -

قوله: "في كل بيعة" -بكسر الباء الموحدة؛ وهو متعبَّد النصارى، وقيل: البيعة لليهود والكنيسة للنصارى، قوله "أبيل الأبيلين" الأبيل -بفتح الهمزة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام على وزن الأمير؛ هو

(2)

: الراهب سمي به لتأبله عن النساء وترك غشيانهن، والفعل منه: أبل يأبل أبالة؛ إذا تنسك وترهب، وقال ابن فارس: الأبيل: راهب النصارى، وكانوا يسمون عيسى عليه السلام أبيل الأبيلين معناه: راهب الراهبين

(3)

، وقال ابن الأثير: ويروى:

...........................

أبيل الأبيِلِيِّينَ عيسى بْنَ مريمَا

على النسب

(4)

.

3 -

قوله: "يوم لعلع" -بلامين مفتوحتين وعينين مهملتين، قال ابن فارس: هو مكان

(5)

، وقال ابن الأثير: لعلع اسم جبل

(6)

.

(1)

البيت من بحر الرجز، وهو في البحر المحيط (8/ 161).

(2)

في (أ): وهو.

(3)

في معجم مقاييس اللغة: "قال الخليل: الأبيل من رؤوس النصارى"، مادة:"أبل".

(4)

النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (1/ 16)"دار الفكر".

(5)

مجمل اللغة، مادة:"لع".

(6)

النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (4/ 254)، وفي معجم البلدان، مادة:"لعلع": "لَعلَعٌ: بالفتح ثم السكون واللعلع في لغتهم: السراب، ولعلع: جبل كانت به وقعة لهم. قال أبو نصر: لعلع: ماءٌ في البادية، وقد وَردته، وقيل: لعلع: منزل بين البصرة والكوفة".

ص: 468

الإعراب:

قوله "أما": تنبيه واستفتاح مثل ألا

(1)

، "ودماء": مجرور بواو القسم، أي وحق دماء، وجواب القسم في البيت الثالث، وهو قوله:"لقد ذاق منا عامر"، قوله:"مائِرات": صفة للدماء، قوله:"تخالها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، صفة أخرى للدماء.

قوله: "على قنة العزى": يتعلق بمحذوف، وهو في موضع النصب على الحال من الضمير المنصوب في "تخالها"؛ أي: تحسبها في حالة كونها على رأس العزى عَنْدَمًا؛ لأنهم كانوا يصيبون الصنم بذلك الدم، و "بالنسر" الباء فيه بمعنى على، أي: وعلى النسر، أي: وعلى قنة النسر، والباء تجيء بمعنى على كما في قوله تعالى

(2)

: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] " أي: على قنطار

(3)

.

قوله: "عندمًا" منصوب؛ لأنه مفعول ثانٍ لقوله: "تخالها"، قوله:"وما سبح الرهبان": كلمة "ما" مصدرية أي؛ وحق تسبيح الرهبان وتنزيههم، "أبيل الأبيليين": كلام إضافي منصوب بقوله: "سبح"، ومعناه: لمائرة الرهبان أبيل الأبيلين.

قوله: "المسيح بن مريما": عطف بيان من أبيل الأبيلين، قوله:"لقد ذاق": جواب القسم، و "عامر": فاعله، و "حسامًا": مفعوله، قوله:"إذا ما هزّ بالكف صمما": جملة وقعت صفة للحسام، ومعنى "صمم": عض وأثبت أسنانه.

الاستشهاد فيه:

على دخول الألف واللام في "النسر" لأجل الضرورة؛ وذلك لأن نسرًا علم لصنم معين كما ذكرنا، فلا يحتاج إلى التعريف

(4)

.

(1)

أما حرف استفتاح مثل (ألا)، ويكثر ذلك قبل القسم نحو: أما والله لقد كان كذا وكذا، وقد تحذف ألفها. ينظر الجنى الداني (390).

(2)

وتمام الآية: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ .. } .

(3)

قال المرادي: "العاشر: الاستعلاء، وعبر بعضهم عنه بموافقة على، وذكروا لذلك أمثلة؛ منها قوله تعالى (

الآية) ". الجنى الداني (42، 43).

(4)

قال ابن مالك: "عروض زيادتها في علم كقول الشاعر .. وقال آخر: "

البيت" أراد نسرًا وهو صنم". ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 259، 260)، والبيت في اللسان:"عندم" غير منسوب لأحد، والمنصف (3/ 134).

ص: 469

‌الشاهد الثاني والأربعون بعد المائة

(1)

،

(2)

رَأَيْتُكَ لَمَّا أَنْ عَرَفْتَ وُجُوهَنَا

صَدَدْتَ وَطِبْتَ النَّفْسَ يَا قِيْسُ عَن عَمْرو

أقول: ذكر التوزري

(3)

في شرح الشقراطيسية

(4)

عن بعضهم أن هذا البيت مصنوع فحينئذ لا يحتج به.

قلتُ: هذا ليس بصحيح، فإن قائله هو: رشيد بن شهاب اليشكري، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله:

1 -

من مبلغ فِتْيَانَ يَشْكُرَ أنَّنِي

أَرَى حِقْبَةً تُبْدِي أَمَاكِن للصَّبرِ

2 -

فأوصِيكمْ بالحَيّ شَيْبَانَ إنهم

هم أهلُ أبناءِ العَظَائِمِ والفَخرِ

3 -

على أن قيْسًا قال يا قَيس بنَ خالدٍ

لَيَشْكُرُ أحْلَى ما لَقِينَا مِنَ التّمْرِ

4 -

رأيتك ....................

.......................... إلخ

5 -

رأيتَ دِمَاء أَسْهَلَتْهَا رِمَاحُنَا

شآبيبَ مثلَ الأرجوانِ على النَّحْرِ

6 -

ونحن حَمَلْنَاكَ المَصِيفَةَ كلَّها

على حَرَجٍ تُوشَى كُلُومُكِ في الخِدْرِ

7 -

فلا تَحْسَبنَّ كالعمور وجَمْعِنَا

فنحن وبيتُ الله أدْنَى إلى عَمْرِو

8 -

جميعًا وَلَسْنَا قد عَلِمْتَ أُشَابَةً

بَعِيدِين مِن نَقْصِ الخلائق والغدرِ

4 -

قوله: "رأيتك": خطاب لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد اليشكري، وهو المراد من قوله: يا قيس عن عمرو، قوله:"وجوهنا" أراد بالوجوه الأنفس والذوات من قبيل

(1)

ابن الناظم (39)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 264)، وأوضح المسالك (129)، وشرح ابن عقيل (1/ 182).

(2)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة لراشد بن شهاب الشيباني، شاعر جاهلي، يفتخر فيها بالشجاعة وقتل الأعداء، وهي في المفضليات رقم (89) (175) تحقيق: قصي الحسين، وبيت الشاهد في: التصريح (1/ 151)، والدرر (1/ 53)، والهمع (1/ 80)، والأشموني (1/ 182).

(3)

في الأعلام للزركلي (6/ 283): (ابن الشباط التوزري): محمد بن علي بن محمد بن علي بن عمر، أبو عبد الله، المصري التوزري ويقال له: ابن الشباط: أديب متفنن، يعد من علماء هندسة الري توزيع المياه، من أهل توزر (من بلاد قسطيلة بأقصى إفريقية) مولده ووفاته فيها، ولي بها القضاء ودرس مدة بتونس، ويقال له المصري؛ لأن أحد جدوده استوطن القاهرة زمنًا، من كتبه:(صلة السمط وسمة المرط) أربعة أجزاء كبيرة في الأدب والتاريخ، جعله شرحًا لتخميس (القصيدة الشقراطيسية) في السيرة وغيرها، عاش ما بين:(618 - 681 هـ = 1221 - 1282 م).

(4)

هي قصيدة شقراطيسية في السيرة وشرحها في أربعة أجزاء كبيرة وسماها: صلة السمط وسمة المرط، مخطوط. ينظر الأعلام (6/ 283).

ص: 470

إطلاق [اسم]

(1)

جزء الشيء على كله؛ من قبيل قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} [القصص: 88] أي ذاته، فإنه أطلق الوجه وأراد به الذات، ويجوز أن يكون المراد من الوجوه الأعيان منهم، يقال: هؤلاء وجوه القوم؛ أي: أعيانهم وسادتهم، قوله:"صددت" أي: أعرضت، ويقال: أي: فررت، ورواه المفضل الضبي:

رأيتك لما أن عرفت جلادنا

رضيت وطبت النفس يا بكر عن عمرو

(2)

وكذا أنشده ابن السيد في شرح شعر العري، قوله:"وطبت النفس يا قيس عن عمرو"، أي: طابت نفسك عن عمرو الذي قتلناه، وكان عمرو حميم قيس.

5 -

قوله: "أسهلتها" أي: أسالتها، و "الشآبيب": الدفع، و "الأرجوان": صبغ أحمر شبه به الدم.

6 -

قوله: "المصيفة" أي: الصيفة، يقول: أوقعنا بك فجَرَحْنَاك جراحات بقيت منها في خدر صفيتك تداويها، و "الحرج" -بفتحتين: السرير الذي يحمل عليه الموتى، و "الخدر"- بكسر الخاء المعجمة: حاجز يقطع في البيت يستر فيه الجواري، يقال: أحللناك ذلك المحل.

8 -

و "الأُشابة" -بضم الهمزة وبالشين العجمة وبعد الألف باء موحدة، قال الضبي: الأشابة: المختلطون، وأصله من الشوب؛ فألفه زائدة، وقال غيره؛ ألفه أصل، وهي من قولهم: مكان أشبّ إذا كان كثير النباتِ ملتفه.

الإعراب:

قوله: "رأيتك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وهي بمعنى: أبصرتك؛ فلذلك اقتصر على مفعول واحد، قوله:"لمَّا" بمعنى حين، والعامل فيه ما تقدمه من الفعل وكلمة "أن" زائدة كما في قوله تعالى:{وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ} [العنكبوت: 33]، و"عرفت": فعل وفاعل، و "وجوهنا"؛ كلام إضافي مفعوله، وقوله:"صددت": جواب (لما)، قوله:"وطبت النفس" أي: نفسًا وهو تمييز، و "يا قيس": منادى مبني على الضم، وقوله:"عن عمرو": يتعلق بقوله "طبت" والجملتان معترضتان بينهما، والتقدير: رأيتك يا قيس لما أن عرفتنا طبت نفسًا عن قتل عمرو وصددت عن الحرب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وطبت النفس" حيث ذكر التمييز معرفًا بالألف واللام، وكان حكمه أن يكون

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر المفضليات (310)، وشرح اختيارات المفضل (1325).

ص: 471

نكرة وإنما زاد الألف واللام فيه للضرورة

(1)

.

‌الشاهد الثالث والأربعون بعد المائة

(2)

،

(3)

أَلَا أَبْلِغْ بَنِي خَلَفٍ رَسُولًا

أَحَقًّا أَنَّ أَخْطَلَكُمْ هَجَانِي

أقول: قائله هو النابغة الجعدي، وقد اختلف في اسمه، فقيل: قيس بن عبد الله، وقيل: عبد الله بن قيس وقيل: حبان بن قيس بن عمرو بن عرس بن ربيعة، وإنما قيل له النابغة؛ لأنه قال الشعر في الجاهلية، ثم أقام مدة نحو ثلاثين سنة لا يقول الشعر ثم نبغ فيه فسمي النابغة

(4)

، وطال عمرهُ في الجاهلية والإسلام، وهو أسن من النابغة الذبياني، وإنما مات النابغة الذّبياني قبله وعمَّر الجعدي بعده طويلًا، قيل: عاش مائة وثمانين سنة، ويقال عاش مائتين وأربعين سنة، وهذا لا يبعد؛ لأنه أنشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه

(5)

:

ثلاثة أهلين أفنيتهم

وكانا الإله هو المستآسا

فقال له عمر رضي الله عنه: كم لبثت مع كل أهل؟ قال: ستين سنة، فذلك مائة وثمانون سنة، ثم عاش بعد ذلك إلى أيام ابن الزبير رضي الله عنه، وإلى أن هجا أوس بن مغراء، وليلى الأخيلية، وكان يذكر في الجاهلية دينَ إبراهيم عليه السلام والحنيفية ويصوم ويستغفر، وله قصيدة أولها قوله

(6)

:

الحَمْدُ لِلَّهِ لا شَريكَ لَهْ

مَنْ لَمْ يَقُلْهَا فنَفْسَهُ ظَلَمَا

وفيها ضروب من دلائل التوحيد، والإقرار بالبعث والجزاء والنار، ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم. فأسلم.

(1)

قال ابن مالك: (وزائدًا يأتي

إلى مثل قول الشاعر: (

البيت) أراد: وطبت نفسًا و "نفسًا" منصوب على التمييز، وتنكيره لازم فأدخل عليه الألف واللام غير معرفة". شرح الكافية الشافية (324)، وينظر شرح عمدة الحافظ (14)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 260).

(2)

ابن الناظم (40).

(3)

البيت من بحر الوافر، وهو من قصيدة للنابغة الجعدي هجا بها الأخطل وبني سعد، ومدح بها كعب بن جعيل، وهي في الديوان (160)، وبيت الشاهد في الكتاب (3/ 137)، والخزانة (10/ 273)، والنابغة الجعدي حياته وشعره (225)، د. خليل إبراهيم، ط. دار العلم، دمشق.

(4)

في النسخة (أ): ثم نبغ فيه فقاله فسمي النابغة.

(5)

البيت من بحر المتقارب، وهو في ديوانه (78)، والنابغة الجعدي حياته وشعره (142)، وقبله قوله وهو مطلع القصيدة:

لبست أناسًا فنيتهم

وأفنيت بعد أناس أناسا

(6)

البيت من بحر المنسرح، من قصيدة طويلة نظمها في القرآن الكريم، وبها إشارات دينية، ينظر النابغة الجعدي حياته وشعره (397)، والديوان (132)(المكتب الإسلامي بدمشق 1964 م).

ص: 472

والبيت المذكور من قَصيدة يهجو بها الأخطل النصرانيَّ حين هجاه الأخطلُ، وهي من الوافر وفيه العصب والقطف، ومنها قوله

(1)

:

1 -

يَظَلُّ لِنِسْوَةِ النُّعْمَانِ مِنَّا

على سَفَوانَ يوم أرْوَنَانِ

2 -

فَأرْدَفَنَا حَلِيلَتهُ وجئْنَا

بما قد كان جَمّعَ مَنْ هِجَانِ

و"سفوان" -بفتح السين المهملة والفاء موضع قرب البصرة، ويقال: يوم أرونان وليلة أرونانة: شديدة صعبة، فإن قلتَ:"أرونان" ها هنا صفة ليوم وهو مرفوع، فكيف خفض أرونان؟ قلتُ: أصله: أروناني بياء النسبة للمبالغة؛ كالياء في أحمريّ ودواريّ ثم خفف، ويقال: إنه بالرفع على الإقواء، وفيه غلطة لابن الأعرابي؛ حيث قال: إنه مشتق من الرنة وهي الصوت

(2)

، ويرده أنه ليس في العربية: أفعوال

(3)

، وإنما هو من الرونة وهي الشدة، وهذا ذكره الجوهري في باب الراء والواو والنون، وقال: روّن ثم فسره

(4)

.

قوله: "بني خلف" بنو خلف هم رهط الأخطل، وهم من بني تغلب، ويروى من بني جشم، وهي -أيضًا- قبيلة، قوله:"إن أخطلكم" قد قلنا: إنه أراد به الأخطل النصراني الشاعر المشهور وهو غياث بن غوث، أو غيث

(5)

بن غوث، قوله:"هجاني": من هجا يهجو هجوًا وهو خلاف المدح.

الإعراب:

قوله: "ألا": كلمة تنبيه تحقق ما بعدها، "وأبلغْ": أمر من الإبلاغ، وفاعله أنت مستتر فيه، وقوله:"بني خلف": كلام إضافي مفعوله، وقوله:"رسولًا": حال من الفاعل، واسم للمصدر بمعنى الرسالة فيكون مفعولًا ثانيًا.

فإن قلت: هل يجيء الرسول بمعنى الرسالة؟

(1)

البيتان في الصحاح، مادة:"رون"، وهما أيضًا في الديوان (163)، والنابغة الجعدي حياته وشعره، د. خليل إبراهيم (196)، ورواية البيت الأول فيه هي:

وظل لنسوة ...................

....................................

(2)

اللسان، مادة:"رون".

(3)

وهو عند سيبويه: "أفعلان" من كشف الله عنك رونة هذا الأمر أي شدته، ينظر اللسان، مادة:"رون".

(4)

الصحاح، مادة:"رون" وفي النسخ أخطاء في هذا الموضع صححناها.

(5)

في النسخة (أ): غويث.

ص: 473

قلت: نعم؛ كما قال الشاعر

(1)

:

لقد كذِبَ الوَاشُونَ مَا بُحْتُ عندهم

بلَيْلَى ولا أرسلتُهُمْ بِرَسُولِ

أي: برسالة.

قوله: "أحقًّا" الهمزة للإنكار التوبيخى، ومثل هذا يكون خارجًا عن الاستفهام الحقيقي فيقتضي تحقق ما بعدها، وأنّ فَاعِلَه مَلُومٌ على ذلك، وانتصاب (حقًّا) على وجهين:

الأول: أن يكون ظرفًا مجازيًّا، والتقدير: أفي حق هجاني أخطلكمُ وإليه ذهب سيبويه في مثل هذا

(2)

.

والثاني: أن يكون صفة لمصدر محذوف، أي: أهجاني أخطلُكُم هجوًا حقًّا؟ وإليه ذهب المبرد

(3)

.

قوله: "أخطلكم": كلام إضافي، اسم لأن، وخبره قوله:"هجاني" والجملة في محل الرفع على الابتداء، وقوله "أحقًّا": في موضع الخبر؛ لأنه منصوب بتقدير "في"كما ذكرنا، والتقدير: أفي حق هجو أخطلكم إياي؟

فإن قلت: ما الدليل على أن "حقًّا" منصوب بتقدير في؟

قلت: تصريحهم بها في بعض الأماكن، ومن ذلك قوله

(4)

:

أفي حق مُوَاساتِي أخاكمْ

بِمَالِي ثم يَظْلِمُني السَّريسَ

فإن قلتَ: ما الدليل على أنه جارٍ مجرى الظرف؟

قلتُ: لأن العرب استعملته خبرًا عن المصدر ولم تستعمله خبرًا عن الجثة؛ كما أن ظرف الزمان كذلك، وإنما حكم له بحكم ظرف الزمان وإن لم يكن اسم زمان، ولا عدوه قائمًا مقامه

(1)

البيت من بحر الطويل لكثير عزة، وهو في ديوانه (178) ط. دار الكتاب العربي، والرواية في الديوان:"برسيل" وهو أيضًا في اللسان، مادة:"أرسل"، وينظر الخزانة (10/ 278)، وأورده العيني شاهدًا على أن رسولًا في بيت الشاهد عند ابن هشام بمعنى الرسالة.

(2)

ينظر الكتاب (3/ 134 - 137).

(3)

قال ابن هشام: "وقال المبرد: "حقًّا" مصدر لـ (حقَّ) محذوفًا، وأن وصلتها: فاعل". المغني (55)، وينظر الخزانة (1/ 275).

(4)

البيت من بحر الوافر لأبي زبيد الطائي، ينظر الخزانة (10/ 280)، وهو شاهد على مجيء (في) مع (حق) يدل على أن (حقًّا) منصوب على الظرفية بتقدير (في)؛ ففي الخزانة يقول في الشاهد التاسع والأربعين بعد الثمانمائة بعد أن ذكر البيت:"على أن مجيء "في" مع "حق" يدل على أن "حقًّا". إنما ينصب على الظرفية بتقدير في، وهذا ظاهر".

ص: 474

لشبهه به من جهة أنه اسم معنى؛ كما أن الزمان كذلك، وأنه مشتمل على المحقق كاشتمال ظرف الزمان على ما وقع فيه

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أخطلكم"؛ وذلك لأن الأخطل علم بالغلبة على غياث بن غوث النصراني الشاعر المشهور، فلما نكره نزع منه الألف واللام وأضافه إلى قبيلته ليعرف بهم

(2)

.

‌الشاهد الرابع والأربعون بعد المائة

(3)

،

(4)

إذَا دَبُرَان منكَ يَوْمًا لقيتُهُ

أُؤَمِّلُ أن أَلْقَاكَ غَدْوًا بِأسْعُدِ

أقول: لم أقف على اسم قائله ولا رأيت أحدًا من النحاة أعزاه إلى أحد وهو من الطويل، قوله:

(1)

قال البغدادي في الخزانة (10/ 273)، بعد أن ذكر البيت:"على أن "حقًّا" في معنى الظرف، فأن مع معموليها مؤولة بمصدر فاعل لثبت محذوفًا، أو فاعل للظرف على الخلاف في نحو: أعندك زيد؟ أو مبتدأ مؤخر والظرف قبله خبر، وإنما قال في معنى الظرف؛ لأنه ظرف مجازي مشتمل على المحقق، كاشتمال الظرف على المظروف، والدليل على أنه جارٍ مجرى الظرف وقوعه خبرًا عن المصدر دون الجثة؛ كما أن ظرف الزمان كذلك، قال الأعلم: جاز وقوعه ظرفًا، وهو مصدر في الأصل، لما بين الفعل والزمان من المضارعة، وكأنه على حذف الوقت، وإقامة المصدر مقامه، كما قالوا: أتيتك خفوق النجم، فكأن تقديره: أفي وقت حق

انتهى. وهذان الوجهان معروفان في الظرف المعتمد. هذا إن كان "حقًّا" منصوبًا على المصدر فأن فاعل لا غير، تقول: أحقًّا أنك ذاهب، أي: أحق ذلك بـ (حقًّا). فقولك: حق فعل ماضٍ هو الناصب لـ (حقًّا)، وأن فاعل المصدر، أو فاعل الفعل على الخلاف فيه، والهمزة للاستفهام، فإن قلت: إذا كان حقًّا تفسيرًا لـ (أما)، فمن أين جاء الاستفهام حتى قال الشارح المحقق: أي: أأحق ذلك حقًّا؟ قلت: تفسيرها بـ (حقًّا) أحد قولين، والثاني: أنها بمعنى (أحقًّا) مع همزة الاستفهام، وهو الصحيح، فإن قلت: ظاهر أما أنها حرف، فكيف تكون بمعنى حقًّا، أو أحقًّا، وكيف تكون أن في قولهم: أما أنك قائم فاعلًا، أو مبتدأ؟ قلت: قال ابن هشام في المغني: قال بعضهم: هي اسم بمعنى حقًّا، وقال آخرون: هي كلمتان الهمزة للاستفهام، و "ما" اسم بمعنى شيء حق، فالمعنى أحقًّا، وهذا هو الصواب".

(2)

ذو الغلبة من الأعلام هو كل اسم اشتهر به بعض ما له اشتهارًا تامًّا، وهو على ضربين: مضاف كابن عمر، وابن رألان، و (ذو) أداة كالأعشى والنابغة، فحق الأعشى والنابغة إذا أطلقا أن يصلحا لكل أعشى ذي أعشى ونبوغ، إلا أن الاستعمال صرفها عن الشياع وجعلهما مختصين، ويقدر زوال اختصاصه فيجرد عن أل ويضاف ليصير مختصًّا كقولهم: أعشى تغلب، وأعشى قيس، ونابغة بني ذبيان، ونابغة بني جعدة، ومثله بيت الشاهد. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 174، 175).

(3)

ابن الناظم (40).

(4)

البيت من بحر الطويل من قصيدة لكثير عزة، وينظر ديوانه (88)، وروايته:

............................

........... ألقاك بعد بأسعد

وهو في الدرر (1/ 47)، والهمع (1/ 72).

ص: 475

دبران": علم على الكوكب الذي يدبر الثريا، وهو خمسة كواكب في الثور

(1)

، يقال: إنها سنامة، وحقه أن يصدق على كل مدبر، ولكنه غلب على هذه الكواكب من بين ما أدبر، قال سيبويه: ولا يقال لكل شيء

(2)

صار خلف شيء دبران، قوله:"غدوًا" -بفتح الغين المعجمة وسكون الدال وفي آخره واو، أَراد به غدًا، ولكنه أبرزه على أصله؛ لأن الغد، أصله:"غدو" حذفوا الواو منه بلا عوض

(3)

، وممن أخرجه على أصله نحو هذا البيت وهو للبيد حيث يقول

(4)

:

وما الناسُ إلا كالدِّيَارِ وَأَهْلِهَا

بها يومُ حلوها وغَدْوًا بَلاقِعُ

فقال: غدوًا على أصله ولم يقل غدًا، والغد؛ اسم لتالي يومك، ويستعمل أيضًا للزمن المتأخر مطلقًا، ومنه قوله تعالى:{سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26)} [القمر: 26]، أي: يوم القيامة أو يوم الفتح، وهذا ظاهر في البيت.

قوله: "بِأسعُدِ" -بضم العين: جمع سعد، وسعود النجم وأسعدها عشرة، أربعة منها في برج الجدي والدلو ينزلها القمر، وهي سعد الذابح وسعد بُلْعَ [وسعد الأخبية]

(5)

وسعد السعود، وهو كوكب منفرد نيّر، وأما الستة التي ليست من المنازل فسعد ناشرة، وسعد الك، وسعد البهائم، وسعد الهمام، وسعد البارع، وسعد مطر، وكل سعد من هذه الستة كوكبان، بين كل كوكبين من رأي العين قدر ذراع وهي متناسقة، وأما سعد الأخبية فثلاثة أنجم كأنها أثافي، ورابع تحت واحد منهن.

والحاصل: أنه ذكر الدبران التي هي علم للكواكب الخمسة، وكنى بها عن الإدبار الذي هو ضد الإقبال والسعد، وذكر الأسعُد التي هي سعود النجم، وكنى بها عن السعد الذي هو ضد النحس.

والمعنى: إذا رأيت منك إدبارًا يومًا؛ يعني شيئًا أكرهه فلا أقطع رجائي منك، ولكنني أؤمل حصول خيرك بعد ذلك بأن ألقاك في الغد في سعد وإقبال.

الإعراب:

قوله: "إذا دبران" يجوز فيه الوجهان الرفع على الابتداء، وخبره قوله:"لقيته" أو يكون

(1)

الصحاح للجوهري، واللسان أيضًا، مادة:"دبر".

(2)

اللسان، مادة:"دبر": أيقال لكل شيء؟.

(3)

الصحاح للجوهري، مادة:"غدو".

(4)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيدة للبيد يرثي بها أخاه، الديوان (88) ط. دار صادر وفيها البيت المشهور، (وما المال والأهلون).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في: (ب).

ص: 476

مرفوعًا بفعل مقدر تقديره: إذا لقي دبران، والنصب بفعل محذوف على شريطة التفسير تقديره: إذا لقيت دبرانًا منك، قوله "منك" في محل الرفع على أنه صفة لدبران، أي: في بران حاصل أو كائن منك، و "يومًا" نصب على الظرف.

قوله: "أؤمل" -بهمزة بعدها واو مبدلة من همزة، ويجوز قراءته بهمزتين، وهو جواب إذا، قوله:"أن ألقاك" هو مفعول أؤمل، وأن: مصدرية، قوله؛ "غدوًا" نصب على الظرف، أي: في غدٍ، قوله:"بأَسْعُدِ": يتعلق بقوله: "ألقاك".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "دبران"؛ وذلك لأن الدبران علم بالغلبة على الكواكب الخمسة، كما ذكرنا، ولزمها الألف واللام، ولا يجوز أن يقال: دبران بدون الألف واللام؛ لأن جزء العلم لا يجوز إهداره، ولكن الشاعر لما اضطر إلى حذفها حذفَها؛ كما اقتضت زيادتها في الأبيات السابقة

(1)

، وزعم ابن الأعرابي أن ذلك جائز قياسًا في أسماء النجوم خاصة، وحكى: هذا عيّوقٌ طالعًا

(2)

.

‌الشاهد الخامس والأربعون بعد المائة

(3)

،

(4)

رأيْتُ الوليدَ بنَ اليزيدَ مُبارَكًا

شَديدًا بِأعْبَاءِ الخِلافَةِ كَاهِلُه

أقول: قائله هو ابن ميادة، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد المعرب والمبني.

‌الشاهد السادس والأربعون بعد المائة

(5)

،

(6)

عَجِّلْ لنَا هَذَا وأَلحقْنَا بذا ال

بِالشّحْمِ إنّا قد مللناه بَجَلْ

أقول: قائله هو غيلان بن حريث الربعي الراجز، وهو من الرجز المسدس.

(1)

مما جرى بالغلبة مجرى الأعلام ولزمته اللام قولهم: الدبران والعيوق، فإنها أوصاف في الحقيقة مشتقة بمعنى الفاعل ولزمته اللام؛ لأنهم أرادوا فيها معنى الصفة. ينظر ابن يعيش (1/ 42)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 174، 175).

(2)

اللسان، مادة:"عوق".

(3)

أوضح المسالك (1/ 130).

(4)

البيت من بحر الطويل، قائله ابن ميادة الرماح بن أبرد، وقد مضى الاستشهاد به في قوله: رأيت الوليد بن اليزيد؛ حيث أدخل الشاعر الألف واللام فيهما بتقدير التنكير، وهي في الحقيقة زائدة، وبدخول الألف واللام على الممنوع من الصرف جر بالكسرة.

(5)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 258).

(6)

البيتان من بحر الرجز المشطور، وهما لغيلان ذي الرمة، ولكنهما ليسا في ديوانه، وبيت الشاهد في الكتاب (3/ 325)، والمقتضب (1/ 84)، والخصائص (1/ 291)، والهمع (1/ 79).

ص: 477

قوله: "وألحقنا" وفي رواية سيبويه: "وألزقنا"

(1)

، قوله:"مللناه" -بكسر اللام الأولى؛ من الملالة، قوله:"بجل" بمعنى: حسب، وضبطه بعض شراح أبيات الكتاب "بِخَلْ" بالخاء المعجمة، أراد به الخل المعهود، والباء فيه مكسورة؛ لأنها حرف الجر حينئذ، وهذا أقرب إلى المعنى على ما لا يخفى.

الإعراب:

قوله: "عجل" أمر، وأنت مستتر فيه فاعله، و "لنا" في محل النصب على المفعولية، وكذا قوله:"هذا"، قوله:"وألحقنا": عطف على عجل لنا، قوله:"بذا ال" أراد بذا الشحم، فأفرد أل ثم أعادها في الشطر الثاني في قوله: بالشحم بطريق البدلية.

الاستشهاد فيه:

لأن بعضهم استدل به للخليل في قوله: إن حرف التعريف هو أل؛ وذلك أن الشاعر: وقف عليها ثم أعادها، وهذا يدل على قوة اعتقادهم لقطعها الذي يدل على أن حرف التعريف هو "أل" وأنها بمنزلة "قد" في الأفعال، وأنه لا يقال الألف واللام، كما لا يقال في "قد": القاف والدال، وأن واحدة منها ليست بمنفصلة عن الأخرى كانفصال ألف الاستفهام في قولك: أزيد؟ ولكن الألف كألف ايم الله، وهي موصولة

(2)

.

‌الشاهد السابع والأربعون بعد المائة

(3)

،

(4)

يَا خَلِيلَيّ أرْبِعا واسْتَخْبِرا أل

مَنْزِلَ الدَّارِس عن حَيّ حِلال

مِثْلَ سحْقِ البُردِ عفّى بعدك أل

قَطْرُ مغناه وتأويبُ الشَّمَالِ

أقول: قائله هو عبيد بن الأبرص بن جشم، وهما من قطعة مشهورة، وجملتها بضعة عشر

(1)

روايته في الكتاب (3/ 325)، (4/ 147):

دع ذا وعجِّل ذا وألحقنا بذل

بالشَّحم إنّا قد مللناه بجل

(2)

قال سيبويه: "وزعم الخليل أن الألف واللام اللتين يعرّفون بهما حرف واحد كقد، وأن ليست واحدة منهما منفصلة من الأخرى؛ كانفصال ألف الاستفهام في قوله: أزيد؟ ولكن الألف كألف ايم في ايم الله، وهي موصولة كما أن ألف ايم موصولة، حدَّثنا بذلك يونس عن أبي عمرو، وهو رأيه". ثم قال: "وقال الخليل: وممَّا يدل على أنَّ أل مفصولة من الرَّجل ولم يبن عليها، وأنَّ الألف واللام فيها بمنزلة قد، قول الشاعر: (

البيت) ". ينظر الكتاب (3/ 324، 325)، (4/ 147، 148)، والمقتضب (1/ 48)، (2/ 98)، والخصائص (1/ 291)، والخزانة (7/ 205 - 213).

(3)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 256).

(4)

البيتان من بحر الرمل التام محذوف العروض دائمًا صحيح الضرب هنا (فاعلانن)، ولكن العيني ذكر أن فيه القصر=:

ص: 478

بيتًا، وهي من الرمل وفيه الخبن والقصر

(1)

.

قوله: "أربعا" أمر للاثنين، من ربع يربع إذا وقف وانتظر، وهو بفتح عين الفعل فيهما، قوله:"الدارس": من درس المنزل إذا عفى، قوله:"حِلال" -بكسر الحاء المهملة وتخفيف اللام؛ أي: عن حي حالين، أي: نازلين.

قوله: "مثل سحق البرد" السحق -بفتح السين وسكون الحاء المهملتين، وهو الثوب البالي، يقال: سحقه البالي فانسحق، و "البرد" -بضم الباء الموحدة؛ نوع من الثياب معروف، ويجمع على أبراد وبرود.

قوله: "عفَّى" بتشديد الفاء لأجل التعدي، وثلاثيه: عفا بالتخفيف، يقال: عفت الدار تعفو

عفوًا إذا غطاها التراب، قوله:"القطر" أي: المطر، قوله:"مغناه" بالغين المعجمة، أي: منزله، قوله:

"وتأويب الشمال" -بفتح الشين المعجمة وتخفيف الميم، وهي الريح التي تهب من ناحية القطب، وفيها خمس لغات: شمْل بالتسكين وشمَل بالتحريك، وشمال، وشمأل مهموز، وشأمل مقلوب منه، وربما جاء بتشديد اللام، ويجمع على شمالات، وتأويبها: تردد هبوبها مع السرعة.

الإعراب:

قوله: "يا خليلي": منادى منصوب، و"أربعا": جملة من الفعل والفاعل، و "استخبرا": عطف عليه، و "المنزل" بالنصب مفعوله، و "الدارس": صفته، قوله:"عن حي": جار ومجرور متعلق بقوله: "استخبرا" قوله: "حِلال": صفة الحي، قوله:"مثل سحق البرد": كلام إضافي منصوب؛ لأنه صفة المنزل، قوله:"عفى": فعل ماض، و "القطر"- بالرفع: فاعله، و "مغناه" مفعوله، و "بعدك": نصب على الظرف، قوله:"وتأويب الشمال": كلام إضافي عطف على القطر.

الاستشهاد فيه:

أن الخليل استدل به على أن حرف التعريف هو أل، وإنما سمي أل، ولا يقال الألف واللام كما لا يقال في "قد": القاف والدال كما ذكرناه في البيت السابق

(2)

؛ وذلك أنه لو لم يكن

= وليس بصحيح، فحرف الروي وهو اللام مكسور وليس بساكن في القصيدة (العوالي، والليالي)، وانظر ديوان عبيد بن الأبرص (120)، والخزانة (7/ 207)، والخصائص (1/ 291)، والمنصف (1/ 66)، والهمع (1/ 79).

(1)

أما الخبن فهو حذف ساكن السبب الخفيف فتصبح فاعلاتن: فعلاتن، وقد ذكر أنه ليس في القصيدة، وأما القصر فهو حذف ساكن السبب الخفيف وإسكان متحركه (فاعلاتْ). ينظر أهدى سبيل إلى علمي الخليل (24).

(2)

ينظر الشاهد رقم (147).

ص: 479

هكذا لما قطع الشاعر "أل" في أنصاف الأبيات، ولو كانت اللام وحدها حرف التعريف لما جاز فصلها من الكلمة التي عَرَّفَهَا -لا سيما- واللام ساكنة، والساكن لا ينوى به الانفصال فافهم.

* * *

ص: 480

‌شواهد الابتداء

‌الشاهد الثامن والأربعون بعد المائة

(1)

،

(2)

أَقاطِنٌ قَوْمُ سَلْمَى أَمْ نَوَوْا ظَعْنا

إن يَظْعَنُوا فَعَجِيبٌ عَيْشُ مَنْ قَطَنا

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من البسيط من الضرب الأول المماثل للعروض، وفيه الخبن.

قوله: "أقاطن": من قطن بالكان يقطن؛ أقام به وتوطنه فهو قاطن، والجمع: قِطان وقاطنة وقطين أيضًا، قوله:"سلمى" -بفتح السين وسكون اللام؛ اسم امرأة، قوله:"ظعنًا" -بفتح الظاء المعجمة وفتح العين المهملة، من ظعن يظعن، من باب فتح يفتح إذا سار، ومصدره: ظعْن بالتسكين وظَعَن بالتحريك أيضًا، وقرئ بهما في قوله تعالى:{يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} [النحل: 80].

والمعنى: قوم سلمى التي هي المحبوبة، وهي بينهم، هل هم مقيمون أم نووا الرحيل والانتقال: فإن كانوا نووا الرحيل، فعيش من يقيم ويتخلف عنهم يكون عجيبًا.

الإعراب:

قوله: "أقاطن" الهمزة فيه للاستفهام، و "قاطن": مبتدأ، وقوله:"قوم سلمى": كلام إضافي فاعل لاسم الفاعل؛ يعني: قاطنًا، قد سد مسد الخبر؛ لأنه مع الوصف في قرب الفعل، فلذلك حسن عطف الفعل وفاعله عليهما بأم المعادلة، قوله:"ظعنًا" مفعول لقوله: "نووا".

قوله: "إن يظعنوا" إن: حرف شرط، ويظعنوا: فعل الشرط، والجملة وهي قوله: "فعجيب

(1)

ابن الناظم (41)، وأوضح المسالك (1/ 134).

(2)

البيت من بحر البسيط، ولم ينسب في مراجعه، وهو في شرح التصريح (1/ 157)، وشرح شذور الذهب (233)، وشرح قطر الندى (122)، وحاشية الصبان (1/ 190).

ص: 481

عيش من قطنا": جواب الشرط؛ فلذلك دخَلَتْ عليها الفاء، قوله: "فعجيب": خبر مقدم. وقوله: "عيش من قطنا": كلام إضافي مبتدأ مؤخر، وقوله: "عيش": مضاف إلى قوله: "من قطنا"، ومن: موصولة بمعنى الذي، "وقطا": صلته، والألف فيه للإطلاق، وليست للتثنية.

فإنَّ قلتَ: لمَ لا تجعل "فعجيب" مبتدأ؛ لأن وقوع النكرة بعد فاء الجزاء مسوغ للابتداء نحو: "إن مضى عير فعير في الرباط"؟.

قلتُ: لفساد المعنى على هذا التقدير؛ لأن المعنى على الإخبار عن عيش من أقام بعد أولئك بأنه عيش عجيب لا العكس، فافهم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أقاطن قوم سلمى؟ " حيث سد الفاعل وهو قوله: "قوم سلمى" مسد الخبر، وهذا لا يحسن استعماله إلا إذا اعتمد على ما يقربه من الفعل وهو الاستفهام أو النفي، والبيت المذكور فيه الاستفهام، وأما مثال النفي فعن قريب يأتي

(1)

[إن شاء الله تعالى]

(2)

.

‌الشاهد التاسع والأربعون بعد المائة

(3)

،

(4)

غَيرُ مَأْسُوفٍ عَلَى زَمَنٍ

يَنْقَضِي بالْهَمِّ وَالحَزَنِ

أقول: قائله هو أبو نُوَاس الحكمي، واسمه الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح الشاعر المشهور، وكان جده مولى الجراح بن عبد الله الحكمي، وَالي خُرَسَان، ونسبته إليه، وهو نسبه إلى الحكم بن سعد العشيرة؛ قبيلة كبيرة باليمن منها الجراح المذكور، ولد أبو نُوَاس بالبصرة ونشأ بها ثم خرج إلى الكوفة مع والبة بن الحباب، ثم صار إلى بغداد، وهو في الطبقة الأولى من المولدين، وهو مجيد في شعره على أنواعه، ولد سنة خمس وأربعين ومائة، وقيل: في سنة ست وثلاثين ومائة، وتوفي سنة خمس أو ست أو ثمان وتسعين ومائة ببغداد، وقيل له: أبو نواس لذؤابتين كانتا له تنوسان على عاتقيه، وبعد البيت المذكور بيت آخر وهو:

إنما يَرْجُو الحياة فَتى

عَاشَ في أَمْنٍ من المحن

(1)

ينظر الشاهد الآتي وهو رقم (150).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

توضيح المقاصد (1/ 270)، وشرح ابن عقيل (1/ 190).

(4)

بيت من بحر المديد، وقد نسب في مراجعه لأبي نواس، ولكنه ليس في ديوانه، وانظره في الخزانة (1/ 345)، والأمالي الشجرية (1/ 47) تحقيق: الطناحي، وحاشية الصبان (1/ 191)، وتذكرة النحاة: لأبي حيان (171، 366، 405).

ص: 482

وهما من الرجز

(1)

.

وإنما ذكر الشراحُ البيتَ المذكور تمثيلًا لا استشهادًا به؛ لأن أبَا نواس وأمثاله لا يحتج بهم، وقصد بالبيت المذكور ذم الزمان الذي هذه حاله، فكأنه قال: زمان ينقضي بالهم والحزن غير مأسوف عليه، فزمان: مبتدأ، وما بعده صفة له، و "غير": خبر للزمان، ثم حذف المبتدأ مع صفته وجعل إظهار الهاء مؤذنًا بالمحذوف؛ لأنك إذا جئت بالهاء لما تقدمها ذكر ما ترجع إليه فصار اللفظ بعد الحذف:

غَيرُ مَأْسُوفٍ عَلَى زَمَنٍ

يَنْقَضِي بالْهَمِّ وَالحَزَنِ

وقال أبو نزار

(2)

: سُئلت في بغداد عن قول الشاعر: غير مأسوف

إلخ، فلم نعرف وجهة رفع "غير" وأول من أخطأ فيه شيخنا الفصيحي

(3)

فعرفته بذلك.

والذي ثبت الرأي عليه أن المعنى: لا يؤسف على زمان، فغيرُ مرفوع بالابتداء وقد تم الكلام بمعنى الفعل، فَسَدَّ تمام الكلام وحصول الفائدة مسد الخبر، ولا خبر في اللفظ؛ كما قالوا: أقائم أخوك؟ والمعنى: أيقوم أخوك؟ ولا خبر في اللفظ.

وقال الشيخ أثير الدين في كتابه: "التذكرة": ولم أر لهذا البيت نظيرًا في الإعراب إلا بيتًا في قصيدة للمتنبي

(4)

يمدح بها بدر بن عمار الطبرستاني يقول فيها

(5)

:

ليس بِالمُنكَرِ أنْ بَرَّزْتَ سَبْقًا

غَيرُ مَدْفُوع عَن السَّبْقِ العِرَابُ

فالعراب مرفوع بمدفوع، ومن جعل العرابَ مبتدأ فقد أخطأ؛ لأنه يصير التقدير؛ العراب غير مدفوع عن السبق، والعراب جمع فلا أقل من أن يقول غير مدفوعة؛ لأن خبر المبتدأ لا يتغير تذكيره وتأنيثه بتقديمه وتأخيره، تقول: الشمس طالعة، وطالعة الشمس، لا يجوز: طالع الشمس؛

(1)

البيتان ليسا من بحر الرجز بل هما من بحر المديد.

(2)

ملك النحاة الحسن بن صافي بن عبد الله بن نزار: فاضل، شاعر، من كبار النحويين، لقب نفسه بملك النحاة، كنيته أبو نزار، وكان من فقهاء الشافعية، له مصنفات في الفقه والأصلين والنحو والأدب، و (ديوان شعر) و (مقامات) مولده ببغداد، ووفاته في دمشق (568 هـ). الأعلام للزركلي (2/ 193)، وبغية الوعاة (1/ 504).

(3)

هو علي بن محمد بن علي أبو الحسن بن أبي زيد الأستراباذي المشهور بالفصيحي (ت 516 هـ). بغية الوعاة (2/ 197).

(4)

أبو الطيب المتنبي: أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي، الشاعر الحكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي، له الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة، وفي علماء الأدب من يعده أشعر الإسلاميين (ت 354 هـ). الأعلام للزركلي (1/ 115).

(5)

البيت من بحر الرمل من قصيدة يمدح بها المتنبي بدر بن عمار وهو على الشراب، وانظر ديوان المتنبي بشرح العكبري (1/ 135).

ص: 483

لأن التقدير: الشمس طالع، وذلك لا يجوز

(1)

.

وذُكر في تحفة المعرب وطرفة المغرب، تأليف الشيخ جمال الدين عبد المنعم بن صالح التيمي

(2)

: يقال: بمَ يرتفع "غير" في قوله: غير مأسوف على زمن؟ والجواب أن قوله: "غير مأسوف": مفعول من الأسف وهو الحزن، "وعلى" يتعلق به، كقولك: أسفت على كذا، وموضع قوله:"بالهَمّ" في موضع نصب على الحال، والتقدر: ينقضي مشوبًا بالهمِّ، "وغير": رفع بالابتداء، ولما أضيف إلى اسم المفعول، وهو مسند إلى الجار والمجرور استغنى المبتدأ عن الخبر، كما استغنى قائم ومضروب في قوله: أقائم أخواك؟ وما مضروب غلامك، عن خبر من حيث سد الاسم المرفوع بهما مسد الخبر؛ لأن (قائم ومضروب) قاما مقام الخبر، فينزل كل واحد منها مع المرفوع به منزلة الجملة.

وكذلك إذا أسند اسم المفعول إلى الجار والمجرور، سد مسد الاسم الذي يرتفع به، كقولك: أمحزون على زيد، ومأسوف على بكر؛ كما تقول في الفعل: أتحزن على زيد؟ وما يؤسف على بكر، فلما كانت "غير" للمخالفة جرت لذلك مجرى النفي، وأضيفت إلى اسم المفعول وهو مسند إلى الجار والمجرور اللذين بمنزلة الاسم الواحد؛ سد ذلك مسد الجملة؛ حيث أفاد قولك: غير مأسوف ما يفيده قولك: ما يؤسف على بكر فافهم

(3)

.

(1)

انظر في أثر أبي نزار وكتاب تذكرة النحاة لأبي حيان (170)، وانظر نص أبي حيان في خزانة الأدب (1/ 346).

(2)

عبد المنعم بن صالح بن أحمد بن محمد التيمي القرشي: عالم بالأدب واللغة، وقرأ على ابن بري وغيره، له "تحفة المعرب وطرفة المغرب" رتبه على أبواب، في كل باب آية وبيت من الشعر ومسألة نحوية (ت 633 هـ). الأعلام للزركلي (4/ 167).

(3)

خلاصة القول أن في هذا البيت ثلاثة أقوال، وقد نص عليها البغدادي في الخزانة قائلًا: (أورده مثالًا لإجراء "غير" قائم الزيدان، مجرى: ما قائم الزيدان، لكونه بمعناه، وتخريج البيت على هذا أحد أقوال ثلاثة هو أحسنها؛ وإليه ذهب ملك النحاة الحسن بن أبي نزار، وابن الشجري أيضًا في أماليه، و"مأسوف" اسم مفعول من الأصف وهو أشد الحزن، وباب فعله فرح. و"على زمن": متعلق به على أنه نائب الفاعل. وجملة "ينقضي": صفة لزمن. و "بالهم": حال من ضميره، أي: مشوبًا بالهم، فلما كانت "غير" للمخالفة في الرصف وجرت لذلك مجرى حرف النفي، وأضيفت إلى اسم المفعول المسند إلى الجار والمجرور -والمتضايفان بمنزلة الاسم الواحد- سد ذلك مسد الجملة؛ كأنه قيل: ما يؤسف على زمن هذه صفته.

قال أبو حيان في تذكرته: ولم أر لهذا البيت نظيرًا في الإعراب إلا بيتًا في قصيدة المتنبي يمدح بها بدر بن عمار الطبرستاني (البيت الذي ورد بالشرح) فـ "العراب" مرفوع بمدفوع، ومن جمله مبتدأ فقد أخطأ؛ لأنه يصير التقدير: العراب غير مدفوع عن السبق؛ والعراب جمع فلا أقل من أن يقول غير مدفوعة؛ لأن خبر المبتدأ لا يتغير تذكيره وتأنيثه بتقديمه وتأخيره.

والقول الثاني لابن جني، وتبعه ابن الحاجب، وهو: أن "غير" خبر مقدم، والأصل: زمن ينقضي بالهم والحزن غير مأسوف عليه، ثم قدمت عليه وما بعدها، ثم حذف زمن دون صفته فعاد الضمير المجرور بـ "على" على غير مذكور، فأتى بالاسم الظاهر مكانه وحذف الموصوف، بدون شرطه المعروف، ضرورة. =

ص: 484

‌الشاهد الخمسون بعد المائة

(1)

،

(2)

خَليليَّ ما وافٍ بعَهدِي أنتُمَا

إذا لم تَكُونَا لِي عَلَى مَن أُقَاطِعُ

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الطويل من الضرب الثاني المماثل للعروض في القبض وقافيته من التدارك.

قوله: "خليلي" يعني: يا صاحبي ما أنتما وافيان بعهدي وصحبتي إذا تكونا لأجلي على من أقاطع، فقوله:"وافٍ": اسم فاعل من وفي، يقال: له شعر وافٍ، أي: تام، وجناح واف أي: كامل، ويقال: وفي بالعهد وأوفى به، وهو وفيٌّ بين قوم، ووفاه حقه وأوفاه، و {أَوْفُوا الْكَيْلَ} [الشعراء: 181] وتوفاه واستوفاه: استكمله، وأوفيته لمكان كذا: أتيته، وأوفى على شرف من الأرض: أشرف.

قوله: "بعهدي" العهد بين الرجلين: التوثق، وفي الأساس يقال: عهد إليه واستعهد منه إذا أوصاه وشرط عليه، ورجل عهد: محب للولايات

(3)

، قوله:"أقاطع": من قاطع أخاه وقطعه.

الإعراب:

قوله: "خليلي" أصله: يا خليلان لي؛ فلما أضيف إلى ياء التكلم سقطت النون فصار يا خليلاي، ثم قلبت ألف التثنية ياء وأدغمت في الياء فصار يا خليلي، ثم حذف حرف النداء فصار خليلي، قوله:"ما واف" كلمة ما للنفي، و "واف"؛ مبتدأ وحذفت الضمة منه استثقالًا في النصب، وأصله: وافي [منقوص]

(4)

فأُعِلَّ إعلال قاضٍ

(5)

. وقوله: "بعهدي" يتعلق به،

= و"الثالث" وهو لابن الخشاب: أن غير: خبر لأنا محذوفًا، و"مأسوف": مصد ر كالمعسور والميسور أريد به اسم الفاعل؛ والتقدير: أنا غير آسف على زمن هذه صفته". الخزانة (1/ 345) وما بعدها (هارون)، وينظر الأمالي الشجرية (1/ 47).

(1)

ابن الناظم (41)، وأوضح المسالك (1/ 133).

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو مجهول النسبة في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 269)، وشواهد التوضيح والتصحيح (14)، والمغني لابن هشام (2/ 557)، وشرح شواهده للسيوطي (898)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 94)، وشرح شذور الذهب (232)، وشرح قطر الندى (121).

(3)

قال الزمخشري في الأساس: "عهد إليه، واستعهد منه إذا وصّاه وشرط عليه. والرجل العهد: المحب للولايات والعهود". أساس البلاغة، مادة:"عهد".

(4)

ما بين المعقوفين سقط من النسخة (أ).

(5)

ومعناه: إذا وقعت الياء لامًا لاسم فاعل إثر كسرة حذفت وعوض عنها التنوين؛ وذلك لأن الطرف ضعيف يتطرق إليه التغيير. ينظر ابن يعيش (10/ 99).

ص: 485

قوله: "أنتما": فاعل لقوله: واف، سد مسد الخبر، قوله:"لي" اللام فيه للتعليل، أي: لأجلي وهو يتعلق بقوله: "تكونا" مستتر فيه، وخبره قوله:"على من أقاطع" و "من": موصول و"أقاطع": صلته، والعائد محذوف أي: أقاطعه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ما وافٍ بعهدي أنتما" حيث سد الفاعل وهو قوله: "أنتما" مسد الخبر لمبتدأ وهو قوله: "وافٍ" وذلك بعد اعتماده على النفي، وذكر سيبويه أن الفاعل إنما يسد مسد الخبر إذا اعتمد على الاستفهام أو النفي، ولم يجوّز في غير هذين الموضعين إلا على القبح

(1)

.

وأجاز الكوفيون والأخفش ذلك في غير استفهام ولا نفي، واستدلوا على ذلك بالبيت الذي يأتي الآن -إن شاء الله تعالى -

(2)

.

وأجاب سيبويه عن هذا أنه قبيح وإن استعمله الشاعر

(3)

، ويقال: إن في هذا البيت شاهدًا على إبطال قول الكوفيين، ومن تبعهم كابن الحاجب

(4)

والسهيلي أنه يجب في نحو: أقائم أنت؟ في كون "أنت" مبتدأ مؤخرًا

(5)

، وكان الزمخشري يوافقهم -أيضًا- لأنه جزم في قوله تعالى:{أَرَاغِبٌ أَنْتَ} [مريم: 46] بذلك

(6)

، وشبهتهم أن الفعل لا يليه فاعله منفصلًا،

(1)

الكتاب لسيبويه (2/ 36، 37 - 45)، وقال ابن مالك: "وأشرت بقولي (بتقييد المرفوع بالانفصال) إلى أن المرفوع بالوصف المذكور لا يسد مسد الخبر إذا كان متصلًا، بل إذا كان منفصلًا، وذكر الانفصال أولى من ذكر الظهور، فإن المنفصل يعم الظاهر والضمير غير المتصل، وكلاهما يسد مسد الخبر إذا ارتفع بالوصف المذكور؛ إذ لا فارق بين قولك: أضارب الزيدان؟ وما ضارب هما، ومنه في أحد الوجهين:{أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ} . شرح التسهيل لابن مالك (1/ 268)، وينظر شرح شذور الذهب لابن هشام (181، 182).

(2)

ينظر الشاهد رقم (151) والارتشاف (2/ 27) وقال ناظر الجيش: "وثمرة هذا الخلاف تظهر في التثنية والجمع. فالكوفيون لا يجيزون إلا: أقائمان أنتما؟ وأقائمون أنتم؟ واحتجوا بأن الوصف إذا رفع الفاعل الساد مسد الخبر كان جاريًا مجرى الفعل، والفعل لا ينفصل منه الضمير في قولك: أتقومان؟ وأتقومون؟ فلا ينبغي أن ينفصل ما يجري مجراه، وإذا لم يجز انفصاله وجب أن يقال: أقائمان أنتما؟ وأقائمون أنتم؟ حتى يكون الضمير الذي في: "قائم" متصلًا به كاتصاله بالفعل في: أتقومان؟ وأتقومون؟ إلا أن الفعل مستقل بنفسه والاسم الذي فيه ضمير متصل غير مستقل بنفسه؛ ولذا احتاج إلى رافع وهو: أنتما وأنتم". شرح التسهيل لناظر الجيش (1/ 882، 883)، تحقيق: د. علي فاخر، وينظر التذييل والتكميل (3/ 270)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 94).

(3)

ينظر الارتشاف (2/ 27).

(4)

ينظر الآمالي النحوية لابن الحاجب (3/ 25)، تحقيق: حسن هادي حمودي.

(5)

راجع المغني (557).

(6)

الكشاف (3/ 20)، ونصه يقول:"وقدم الخبر على المبتدأ في قوله: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ} أنه كان أهم عنده وهو عنده أعني، وفيه ضرب من التعجب والإنكار لرغبته عن آلهته".

ص: 486

لا يقال: قام أنت فكذا الوصف

(1)

.

والجواب: أن الفعل أقوى في العمل، فلما قوي عمله امتنع فصله، وإنما أجمعنا على أن فاعل الوصف ينفصل إذا جرى على غير صاحبه وألبس، فكما يفصل

(2)

لهذا الغرض يفصل لغرض آخر صحيح وهو كونه في اللفظ سادًّا مسد الخبر، وهو واجب الفصل ثم كيف يصنعون بهذا البيت، فإنهم إذا قدروا الضمير فيه مبتدأ لزم الإخبار عن الاثنين بالمفرد، وأما استدلال بعضهم بقول الآخر

(3)

:

فما باسطٌ خيرًا ولا دافعٌ أذًى

من الناس إلا أنتم آل دارم

فباطل لأن الحصر يصحح الفصل في مرفوع الفعل؛ كقوله

(4)

:

قَدْ عَلِمَتْ سَلْمَى وَجَارَاتُهَا

مَا قَطَّرَ الفَارِسَ إلا أَنَا

فهذا لا يمنعه أحد في وصف ولا غيره، وإطلاقهم مقيد بما عدا ذلك ونحوه، وأولى ما يرد به عليهم قوله قعالى:{أَرَاغِبٌ أَنْتَ} [مريم: 46] لأن الوصف قد تعلق به عن ومجرورها، فلو كان خبرًا كما يقتضيه مذهبهم وكما ذكر الزمخشري، لزم الفصل بين العامل ومعموله بالأجنبي

(5)

.

‌الشاهد الحادي والخمسون بعد المائة

(6)

،

(7)

خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ فَلا تَكُ مُلْغِيًا

مقالةَ لِهْبِيٍّ إِذَا الطَّيرُ مَرَّتِ

أقول: قائله رجل من الطائيين لم نقف على اسمه.

(1)

ينظر المغني (557)، والتذييل والتكميل لأبي حيان (3/ 270)، وينظر شرح التسهيل لناظر الجيش (2/ 883، 884)، والمساعد في شرح تسهيل ابن مالك (1/ 204، 205).

(2)

في (أ): فصل.

(3)

البيت من بحر الطويل، مجهول النسبة، وهو في المعجم المفصل في شواهد العربية (7/ 349)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 272)، والمساعد لابن عقيل (1/ 205).

(4)

البيت من بحر السريع، لعمرو بن معدي كرب، قال سيبويه: "وتقول: ما جاء إلا أنا قال عمرو بن معدي كرب (

البيت) ". الكتاب لسيبويه (2/ 353)، وينظر ابن يعيش (3/ 101 - 103)، وشرح شواهد المغني (45)، واللسان: "قطر"، والمغني (309)، وشاهده: فصل أنا بعد إلا وإظهاره حيث لم يقدر على الضمير المتصل.

(5)

راجع الكشاف (3/ 20)، والمغني (557)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 268)، وشرح شذور الذهب لابن هشام (181، 182)، والتذييل والتكميل (3/ 270)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 94)، وشرح التسهيل لناظر الجيش (1/ 882، 883).

(6)

ابن الناظم (41)، وأوضح المسالك (1/ 136)، وشرح ابن عقيل (1/ 195).

(7)

البيت من بحر الطويل نسب لرجل من الطائيين في شرح التصريح (1/ 157)، وانظره غير منسوب في الدرر (2/ 7)، وشرح عمدة الحافظ (157)، وشرح قطر الندى (272)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 94).

ص: 487

وهو من الطويل من الضرب الثاني وقافيته من المتدارك.

قوله: "خبير": من الخبرة وهو العلم بالشيء، يقال: فلان خبير بهذا أي: عالم به، قوله:"بنو لهب" -بكسر اللام وسكون الهاء، وهو

(1)

من بني نصر بن الأزد، وهم أزجر قوم، وقال ابن هشام في السيرة: لهب حي من الأزد.

وقال غيره: هو لهب بن أحجن بن كعب بن الحرث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، وهي القبيلة التي تعرف بالعيافة والزجر، ومنهم اللهبي المذكور في البيت، وهو الذي زجر حين وقعت الحصاة بصلعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأدمته، وذلك في الحج فقال: أشَعْرُ أمير المؤمنين؟ ووالله لا يحج بعد هذا العام فكان ذلك

(2)

.

قوله: "ملغيًا": من الإلغاء، يقال: لغيت كلامه إذا عديته ساقطًا، وقوله:"لهبي": نسبة إلى لهب، وهو بتسكين الهاء كما ذكرنا.

المعنى: أن بني لهب عالمون بالزجر والعيافة؛ فلا تلغ كلام رجل لهبي إذا زجر أو عاف حين تمر عليه الطير.

الإعراب:

قوله: "خبير": مبتدأ، و "بنو لهب": فاعله، سد مسد الخبر.

فإنَّ قلتَ: ما مسوغ وقوع "خبير" مبتدأ وهو نكرة؟ قلتُ: كونه

(3)

عاملًا فيما بعده، وقد عدت النحاة من جملة المخصصات كون المبتدأ نكرة عاملة، وقد قيل: إن خبيرًا لو كان خبرًا مقدمًا لزم الإخبار عن الجمع بواحد، فلما بطل هذا تعين كونه مبتدأ، و"بنو لهب": فاعل سد مسد الخبر وفيه نظر؛ لأن فعيلًا قد يأتي للجماعة؛ كما في قوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]، وقول الشاعر

(4)

:

.............................

بِأَوْجهِ أَعْدَاء وَهُنَّ صَدِيقُ

وقد وقع ذلك في نفس لفظ: "خبير" قال الشاعر

(5)

:

(1)

في (أ): وهم.

(2)

ينظر الأعلام (2/ 245).

(3)

في (أ): هو كونه.

(4)

هذا بيت من الطويل لجرير في ديوانه (299) شرح مهدي ناصر وتمامه:

نَصَبْنَ الهَوَى ثم ارتَمَينَ قُلُوبَنَا

بأعين أعداء وهن صديق

وقد استشهد به على أن المبتدأ جمع وخبره مفرد، وجاز ذلك على تقدر: وكل واحدة منهن صديق. ينظر الارتشاف (2/ 48).

(5)

هو بيت من بحر الوافر لجثامة الليثي كما نسبه في اللسان مادة: "كفى وخبر"، وينظر المعجم المفصل في شواهد النحو =

ص: 488

إِذَا لاقِيتِ قَوْمِي فاسْأَلِيهِمْ

كَفَى قَوْمًا بِصَاحِبِهِمْ خَبِيرًا

وفاعل كفى ضمير السؤال المفهوم من قوله: "فاسأليهم"، و "قومًا": مفعول، و "خبيرًا": صفة له، و "بصاحبهم": متعلق به، قوله:"فلا تك ملغيًا" اسم كان مستتر فيه، وخبره قوله:"ملغيًا"، قوله:"مقالة لهبي": كلام إضافي [مفعول]

(1)

لقوله: "ملغيًا"، قوله:"إذا الطير" ارتفاع الطير بفعل محذوف يفسره الظاهر، تقديره: إذا مرت الطير مرت، ومرت الثانية مفسرة للمحذوف، والمعنى: حين مرت.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "خبير بنو لهب" حيث سد الفاعل مسد الخبر من غير اعتماده على استفهام أو نفي، وهذا قبيح عند سيبويه، وسائغ عند الكوفيين والأخفش، وزعم بعضهم أن سيبويه وافقهم في هذا، والصحيح عند سيبويه خلاف ذلك كما قررناه

(2)

.

‌الشاهد الثاني والخمسون بعد المائة

(3)

،

(4)

فَخَيرٌ نَحْنُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْكُم

إِذَا الدَّاعِي المُثوِّبُ قَال يَالا

أقول: قائله هو

(5)

زهير بن مسعود الضبي، من بني ضبة بن أد بن عبد مناف بن أد بن طابخة وقبله

(6)

:

= الشعرية (330) والشاهد فيه قوله: "كفى قومًا بصاحبهم خبيرًا؛ حيث وصف قوم بخبير، ففيه وصف الجمع بالمفرد.

والمعنى: كفى بقوم خبير أصاحبهم، فجعل الباء في الصاحب وموضعها أن تكون في قوم؛ إذ هم الفاعلون في المعنى.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

قال ابن مالك: "وأشرت بقولي (ولا يجري ذلك المجرى باستحسان) إلى أن الوصف المشار إليه لا يحسن عند سيبويه الابتداء به على الوجه الذي تقرر إلا بعد استفهام أو نفي، وإن فعل به ذلك دون استفهام أو نفي قبح عنده دون منع، هذا مفهوم كلامه في باب الابتداء ولا معارض له في غيره، ومن زعم أن سيبويه لم يجز جعله مبتدأ إذا لم يل استفهامًا أو نفيًا، فقد قوّله ما لم يقل، وأما أبو الحسن الأخفش فيرى ذلك حسنًا، ويدل على صحة استعماله قول الشاعر: (

البيت) ومنه قول الشاعر:

فخير نحن عند الناس منكم

إذا الداعي المثوب قال يالا".

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 273) والشاهد رقم (150) من هذا البحث.

(3)

شرح ابن عقيل (1/ 194).

(4)

البيت من بحر الوافر، قائله زهير بن مسعود الضبي كما في مراجعه، وانظر نوادر أبي زيد (85) منسوبًا لزهير، وهو في شرح شواهد المغني (595)، والخزانة (2/ 6)(هارون)، والدرر (3/ 46)، والخصائص (1/ 276)، واللسان:"يا"، والمغني (219)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 181).

(5)

هكذا نسبه السيوطي في همع الهوامع.

(6)

ينظر شرح شواهد المغني (595).

ص: 489

وَمَنْ يَكُ بَادِيًا ويكنْ أَخَاهُ

أَبَا الضَّحَّاكِ يَنْتسِجُ الشَّمَالا

وبعده:

ولم تَثِقِ العَوَاتِقُ مِنْ غَيُورٍ

بِغَيرَتهِ وَخَلَّينَ الحِجَالا

وهي من الوافر وفيه العصب بمهملتين

(1)

والقطف.

قوله: "ينتسج"[]

(2)

، قوله:"والعواتق": جمع عاتق، وهي الجارية الشابة أول ما أدركت فخدرت في بيت أهلها ولم تبن إلى زوج.

قوله: "من غيور": من غار الرجل على [أهله]

(3)

يغار غيرًا وغيرة وغارًا، ورجل غيور وغيران، وامرأة غيور -أيضًا- وغيرَى، قوله:"وحلين" على صيغة المجهول، من التحلية بالحاء المهملة، هكذا رأيت أبا حيان ضبطه بيده، وقال ابن هشام: وخلين بفتح الخاء المعجمة. من التخلية، ثم قال: وتخليتهن الحجال من الفزع وعدم وثوقهن بأن آباءهن وحماتهن يمنعونهن، و "الحجال" بكسر الحاء المهملة [بعدها الجيم؛ جمع حجل -بفتح الحاء

(4)

وسكون الجيم؛ وهو الخلخال

(5)

وسمي القيد -أيضًا- حجلًا، وقد جاء كسر الحاء المهملة]

(6)

فيهما.

قوله: "المثوب": من التثويب وهو أن يجيء الرجل مستصرخًا فيلوح بثوبه ليرى ويشمّر فسمي الدعاء تثويبًا لذلك، ويقال: أصله من ثاب يثوب إذا رجع، قوله:"يالا" أي قال: يا لفلان، وهو حكاية صوت الداعي يا لفلان، فلما حذف فلانًا وقف على اللام فقال: يالا فصار حكاية كما تحكى الأصوات لما صار مصاحبًا للصوت الذي شبه به، وصار علامة للاستغاثة وشعارًا، فصار لذلك كسائر الأصواتا التي تحكى نحو: غاق

(7)

.

ويقال: أصله: يا قوم لا تفروا ولا فرار

(8)

فحذف ما بعد لا النافية كما يقال: ألاتا، فيقال؛ ألافا يريدون ألا تفعلوا وألا فافعلوا

(9)

، وبهذا التقدير يجاب عما زعم الكوفيون أن اللام في

(1)

في (أ): بالمهملتين.

(2)

ما بين المعقوفين فراغ في الأصل: (أ، ب) وفي اللسان: " (نسج) النَّسْجُ: ضَمُّ الشيء إِلى الشيء، هذا هو الأَصلُ نَسَجه يَنْسِجُه نَسْجًا فانْتَسَجَ، ونَسَجت الريحُ الترابَ تَنْسِجُه نَسْجًا: سَحَبَتْ بعضَه إلى بعض، والريحُ تَنْسِج التراب إِذا نَسَجت المَؤرَ والجَوْلَ على رُسومها".

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ، ب).

(4)

في (أ): بكسر الحاء.

(5)

قال البغدادي في شرح أبيات المغني (4/ 328): "الحجال: جمع حجلة -بفتح الحاء المهملة، والجيم، وهو بيت كالقبة يستر بالثياب، ويكون له أزرار كبار، ويكون للعروس، وأخطأ العيني في زعمه جمع حجل -بكسر فسكون بمعنى الخلخال".

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(7)

ينظر توضيح المقاصد (4/ 88).

(8)

في (أ): لا فرار ولا تفروا.

(9)

ينظر المغني (219) وقال سيبويه: "هذا باب إرادة اللفظ بالحرف الواحد

وسمعت من العرب من يقول: ألاتا بلى =

ص: 490

المستغاث بقية اسم وهو آل، والأصل: يا آل زيد، ثم حذفت همزة (آل) للتخفيف، وإحدى الألفين لالتقاء الساكنين، واستدلوا بقوله: فخير نحن عند الناس

إلخ؛ فإن الجار لا يقتصر عليه

(1)

.

الإعراب:

قوله: "فخير": مبتدأ، وقوله:"نحن": فاعل سد مسد الخبر، ولم يسبقه لا نفي ولا استفهام وقال [أبو]

(2)

علي وابن خروف

(3)

: قوله: "فخير": خبر لنحن محذوفة؛ أي: نحن خير الناس منكم، فنحن تأكيد لما في خير من ضمير المبتدأ المحذوف، وحَسُنَ هذا التأكيد بحذف المبتدأ، فلو لم يحذف لكان حسنًا -أيضًا- فلا فصل بأجنبي، وقد وقع الفصل بالفاعل بين الصلة والموصول نحو [قوله صلى الله عليه وسلم]

(4)

: "ما مِنْ أَيَّامٍ أحبُّ إلى الله فيها الصومُ منه في عشر ذي الحجة"

(5)

وكان ذلك حسنًا سائغًا، فإذا ساغ كان [ذلك]

(6)

التأكيد -أيضًا- أسوغ؛ لأنه قد يحسن

(7)

حيث لا يحسن غيره من الأسماء

(8)

، ويقال: إن "خير" صفة مقدمة يقدر ارتفاع نحن به، كما يجيز أبو الحسن: قائم الزيدان وعمل أفعل في الظاهر قليل

(9)

.

فإن قلتَ: لمَ لا يجوز أن يكون نحن مبتدأ، وخبره قوله:"فخير" مقدمًا عليه فحينئذ لا يكون في البيت شاهد؟

قلتُ: هذا لا يجوز لما لزم

(10)

في ذلك من الفصل بين أفعل التفضيل "ومن" بمبتدأ، وأفعل

= فا، فإنما أرادوا ألا تفعل وبلى فافعل، ولكنه قطع كما كان قاطعًا بالألف في أنا". الكتاب لسيبويه (3/ 320، 321).

(1)

قال ابن هشام: "وزعم الكوفيون أن اللام في المستغاث بقية اسم وهو آل، والأصل: يا آل زيد ثم حذفت همزة آل للتخفيف وإحدى الألفين لالتقاء الساكنين، واستدلوا بقوله: فخير نحن ...... فإن الجار لا يقتصر عليه". المغني (219).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

هو علي بن محمد بن علي بن محمد، أقرأ النحو بعدة بلاد، صنف شرح سيبويه وشرح الجمل وكتابًا في الفرائض وغير ذلك (ت 609 هـ). ينظر بغية الوعاة (2/ 203، 204).

(4)

ما بين المعقوفين زيادة للإيضاح.

(5)

ينظر سننن الترمذي (3/ 122) حديث (758)، رمسلم (1348)، والنسائي (5/ 251)، وصحيح ابن حبان (9/ 164) رقم (3853).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(7)

في (أ): حسن.

(8)

قال ابن هشام: "وخرجه أبو علي وتبعه ابن خروف على أن الوصف خبر لنحن محذوفة، وقدر نحن المذكورة توكيدًا للضمير في أفعل". المغني (445).

(9)

قال ابن هشام: "قوله: (نحن) إن قدر فاعلًا لزم إعمال الوصف غير معتمد، ولم يثبت وعمل أفعل في الظاهر في غير مسألة الكحل وهو ضعيف". المغني (445) حيث أن مذهب الأخفش جواز إعمال الوصف دون اعتماد على نفي أو استفهام. ينظر الارتشاف (2/ 27)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 274).

(10)

في (أ): يلزم.

ص: 491

التفضيل، ومن كمضاف ومضاف إليه، فإذا جعل (نحن) مرفوعًا بخير على الفاعلية لم يلزم ذلك؛ لأن فاعل الشيء كالجزء منه

(1)

.

وقال ابن هشام في التذكرة: فإن قيل: أيجوز أن يكون (خير) خبر مبتدأ مقدمًا، ومنكم: غير صلة بل ظرف؛ كأنه قال: فخير نحن عند الناس فيكم؛ كما أنشد أبو زيد -أيضًا-

(2)

:

ولستُ بالأَكْثَرِ منهم حَصًى

...............................

تقديره: ولست أكثر فيهم حصى؛ لأن أل ومن لا يجتمعان.

فالجواب: أن هذا ليس قصد الشاعر ولا المعنى عليه، إنما يريد: نحن خير منكم، لأنا نفعل ما لا تفعلون؛ ألا تراه يقول بعده:

فلم تثق العواتق من غيور

بغيرته وخلين الحجالا

قوله: "عند الناس" كلام إضافي، والعامل خير، لا المبتدأ المحذوف؛ أعني:"نحن" الذي يقدر قبله، على رأي أبي علي وابن خروف، على أن يكون التقدير: فنحن عند الناس خير منكم؛ لأنك إن نزلته هذا التنزيل فصلت بين الصلة والموصول بالأجنبي.

قوله: "إذا الداعي": مرفوع بفعل محذوف يفسره الظاهر تقديره: إذا قال الداعي، و "المثوب": صفة الداعي، قوله:"يالا": مقول القول.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فخير نحن" حيث سد "نحن" الذي هو فاعل مسد الخبر من غير أن يتقدمه نفي ولا استفهام، وهذا شاذ عند سيبويه

(3)

وقد قررناه

(4)

.

(1)

شرح التسهيل لابن مالك (1/ 274).

(2)

من السريع للأعشى ديوانه (181) سلسلة شعراؤنا، طبعة دار الكتاب العربي ثانية (1994 م) وعجزه:

..........................

إنما العزة للكاثر

ينظر ابن يعيش (6/ 103)، وشرح التصريح (2/ 104)، والأشموني (3/ 35)، والخزانة رقم (617)، والمساعد (2/ 174)، وشواهد ابن عقيل (195)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 58).

(3)

قال سيبويه: "ومع هذا أنك ترى الصفة تجري في معنى يفعل، يعني: هذا رجل ضارب زيدًا، وتنصب كما ينصب الفعل". ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 21)، وينظر (1/ 108) وما بعدها، والشاهد موافق لاختيار ابن مالك والأخفش والكوفيين، وهو قول سيبويه كما نص عليه ابن مالك، لكنه على قبح دون منع. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 273، 274).

(4)

ينظر الشاهد (150، 151).

ص: 492

‌الشاهد الثالث والخمسون بعد المائة

(1)

،

(2)

أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ إِلَى أُمِّ مَعْمَرٍ

سَبِيلٌ فَأَمَّا الصَّبْرُ عَنْهَا فَلا صَبْرَا

أقول: قائله هو ابن ميادة، واسمه الرماح، وقد ترجمناه فيما مضى

(3)

، وهو من قصيدة رائية يتشبب فيها بأم جحدر بنت حسان المرية إحدى نساء بني جذيمة، وكان أبوها حلف أن لا يخرجها إلى رجل من عشيرتها ولا يزوجها بنجد، فقدم عليه رجل من الشام فزوجه إياها، فلقى عليها ابن ميادة شدة فأتاها ينظر إليها عند خروج الشامي بها، قال: والله ما ذكرت منها جمالًا بارعًا ولا حسبًا مشهورًا لكنها كانت أكسب الناس لعجب، فلما خرج بها زوجها إلى بلاده اندفع ابن ميادة يقول:

1 -

أَلا لَيتَ شِعْرِي هَلْ إِلَى أُمِّ مَعَمَرٍ

سَبِيلٌ فَأَمَّا الصَّبْرُ عَنْهَا فَلا صَبْرَا

2 -

أَلا لَيتَ شِعْرِي هَلْ يَحُلَّنَّ أَهْلُنَا

وأَهْلُكَ روضاتٍ ببطن اللِّوَى خضرَا

3 -

وهل تأتينَّ الريحُ تَدْرُجُ مَوْهِنًا

بِرَيَّاكِ تَعْرَوْرَى بهَا بلدًا قَفْرَا

4 -

بريح خزاميّ الرمل بات مُعَانِقًا

فروع الأقاحي تَنْصُبُ الطَّلَّ والقَطْرَا

5 -

فلوْ كانَ نذْرٌ مدنِيًّا أم جَحْدَرٍ

إِلَيَّ لقدْ أَوْجَبْتُ في عُنْقِنَا نَذْرَا

6 -

ألا لا تلطّى الستر أم جحدرٍ

كفى بذُرَى الأعلامِ مِنْ دونِهَا سِتْرَا

7 -

لعمرِى لئنْ أَمْسَيْتِ يا أمَّ جحدرٍ

نأيْتِ فَقَدْ أبديتِ في طَلَبِي عُذْرَا

8 -

فَبَهْرًا لِقَوْمِي إِذْ يَبِيعُونَ مُهْجَتِي

بِغَانِيَة بهرًا لهمْ بعدَهَا بَهْرَا

وهي من الطويل.

2 -

قوله: "ببطن اللوى" بكسر اللام؛ وهو موضع.

3 -

قوله: "تدرج" أي: تمضي، "موهنًا" وهو بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء، وهو نحو من نصف الليل، وكذلك الوهن، قوله:"بريَّاك تعرورى"[أي: تأتي وتصيب]

(4)

.

(1)

أوضح المسالك (1/ 141).

(2)

البيت من بحر الطويل، للرماح، وهو في: الكتاب (2/ 386)، والأغاني (2/ 237، 251)، والخزانة (1/ 452)، والدرر (2/ 16)، وشرح التصريح (1/ 165)، وشرح شواهد المغني (876)، والمغني (2/ 501).

(3)

ينظر الشاهد رقم (36) من هذا الكتاب.

(4)

ما بين المعقوفين بياض في الأصل (أ، ب)، واعرورى الفرس: سار في الأرض وحده، ومنه: فلان يعرورى ظهور المهالك.

ص: 493

4 -

قوله: "الأقاحي": جمع أقحوان -بضم الهمزة؛ وهو البابونج، وهو نبت طيب الريح حواليه ورق أبيض ووسطه أصفر.

6 -

قوله: "ألا لا تلطى": من لط بالأمر يلط لطًّا إذا لزمه، ولططت الشيء ألزقته، ويجوز أن يكون من ألظ بالظاء المعجمة، يقال: ألظ فلان بفلان إذا لزمه، وعن أبي عمرو يقال: هو ملظٍّ بفلان لا يفارقه

(1)

.

8 -

قوله: "فبهرًا لقومي" أي: تعسًا لهم، وقال الجوهري: قال أبو عمرو: يقال: بهرًا له؛ أي: تعسًا له، قال ابن ميادة:

تَفَاقَدَ قَوْمِي إذْ يَبيعُونَ مُهْجَتِي

بِجَارِيَة بَهْرًا لَهُمْ بَعْدَهَا بَهْرًا

(2)

الإعراب:

قوله: "ألا ليت شعْري" ألا: للتنبيه تدل على تحقق ما بعدها، وليت: للتمني يتعلق بالمستحيل غالبًا

(3)

، وقوله:"شعري": اسمه، وخبره محذوف؛ وذلك لأن شعري مصدر شعرت أشعر شعرًا وشِعرًا إذا فطن وعلم، ولذلك سمي الشاعر شاعرًا كأنه فطن لما خفي على غيره، وهو مضاف إلى الفاعل.

والمعنى: ليت علمي يعني: ليتني أشعر، فأشعر هو الخبر، وناب شعري الذي هو المصدر عن أشعر، ونابت الياء التي في شعري عن اسم ليت الذي هو في قولك: ليتني.

قوله: "هل": للاستفهام، قوله:"سبيل": مبتدأ، وخبره قوله:"إلى أم معمر" مقدمًا ويروى: أم مالك، قوله:"فأما الصبر عنها" كلمة (أما) شوطية وتفصيلية

(4)

فلذلك دخلت الفاء في جوابها.

قوله: "الصبر": مبتدأ، وخبره الجملة التي بعده، أعني قوله:"فلا صبرا"، فإن قلت: أين الرابط الراجع إلى المبتدأ؟

قلت

(5)

: الرابط الراجع إلى المبتدأ: إما ضمير يعود نحو: زيد قام أبوه، أو تكرير المبتدأ بلفظه نحو: زيد قام زيد، أو إشارة إليه نحو قوله تعالى:{وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26]، أو عموم يدخل تحته المبتدأ، وها هنا لا رابط فيها إلا عموم قوله:"فلا صبرا" فيكون مراده:

(1)

الصحاح، مادة:"لظظ"، وينظر معه مادة:"لطط".

(2)

البيت من بحر الطويل، لابن ميادة، وهو في الصحاح مادة:"بهر"، واللسان مادة:"فقد، بهر".

(3)

ينظر الكتاب لسيبويه (2/ 148) والمغني (285).

(4)

في (أ): كلمة أما حرف شرط وتفصيل.

(5)

ينضر توضيح المقاصد (1/ 274، 275).

ص: 494

فأما الصبر عنها فلا صبر لأحد عنها، وإذا نفي أن يكون لأحد صبر عنها فصبره داخل فيه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فأما الصبر عنها فلا صبرا" حيث سد العموم ها هنا مسد الضمير الراجع إلى المبتدأ كما قررناه آنفًا

(1)

.

‌الشاهد الرابع والخمسون بعد المائة

(2)

،

(3)

فَإِنْ يَكُ جُثمَانِي بِأَرْضٍ سِوَاكُمُ

فَإِن فُؤَادِي عندَكِ الدَّهْرَ أَجْمَعُ

أقول: قائله هو جميل بن عبد الله بن معمر بن الحرث بن ظبيان، وقيل: جميل بن معمر بن جبير بن ظبيان بن قيس بن حن بن ربيعة بن حزام بن ضبة بن عبد بن كثير بن عذرة بن سعد، وهو هذيم بن زيد بن سود بن أسلم بن إلحاف بن قضاعة العذري.

وهو شاعر فصيح مقدم جامع للشعر والرواية، وكان راوية هدبة بن خشرم، وكان هدبة راوية الحطيئة، وكان الحطيئة راوية زهير وابنه، وكان كثيّر راوية جميل هذا، وكان جميل يهوى بثينة بنت حبا بن ثعلبة بن الهون بن عمرو بن الأحب بن حن بن ربيعة.

والبيت المذكور من قصيدة عينية من الطويل وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

أَهَاجَكِ أَمْ لَا بِالْمَداخِلِ مَرْبَعُ

ودارٌ بِأَجْرَاعِ الغَدِيرَيْنِ بَلْقَعُ

2 -

دِيَارٌ لِسَلْمَى إِذْ يُحَلُّ بِهَا مَعًا

وَإِذْ نَحْنُ منهَا بِالْمَوَدَّةِ نَطْمَعُ

(5)

(1)

أي: في إعراب البيت، والبيت مذكور في شرح التسهيل لابن مالك: في باب الحال (2/ 330)، وأيضًا في الكتاب لسيبويه: في باب الحال (1/ 386)، والمغني تحت عنوان روابط الجملة بما هي خبر عنه (498 - 502)، وعد الروابط عشرة منها: عموم يشمل المبتدأ ومثل: زيد نعم الرجل، وبالبيت ثم قال:"كذا قالوا ويلزمهم أن يجيزوا زيد مات الناس وعمرو كل الناس يموتون، وخالد لا رجل في الدار، أما المثال فقيل: الرابط إعادة المبتدأ بمعناه بناء على قول أبي الحسن في صحة تلك المسألة، وعلى القول بأن أل في فاعلي نعم وبئس للعهد لا للجنس، وأما البيت فالرابط فيه: إعادة المبتدأ بلفظه وليس العموم فيه مرادًا؛ إذ المراد أنه لا صبر له عنها؛ لأنه لا صبر له عن شيء".

(2)

أوضح المسالك (1/ 142).

(3)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة لجميل بثينة، وهي في ديوانه: أنشدها لأصحابه بعنوان: فيا ربِّ حببني إليها، انظر الديوان (111) ط. دار الكتاب العربي، أولى (1992 م)، و (73) ط. دار صادر، وانظر خزانة الأدب (1/ 395)، والدرر (1/ 190) والتصريح (1/ 207) وشرح شواهد المغني (846)، والبيت وجد في ديوان كثير عزة (404).

(4)

ينظر الديوان (111).

(5)

روايته في الديوان هكذا:

ديار لليلى إذ نحل .......

...........................

ص: 495

3 -

وَإنْ تَكُ قَدْ شَطَّتْ نَوَاهَا وَدَارُهَا

فإنَّ النَّوَى مِمَّا تُشِتُّ وَتَجْمَعُ

4 -

إِلَى الله أَشْكُو لَا إِلَى النَّاسِ حُبَّهَا

وَلا بُدَّ مِن شَكْوَى حَبِيبٍ يُرَوَّعُ

5 -

أَلا تَتَّقِينَ اللهَ فِيمَنْ قَتَلْتِهِ

فَأَمْسَى إِلَيكُمْ خَاشِعًا يَتَضَرَّعُ

6 -

فَإِنْ يكُ ..............

............................ إلخ

7 -

فَإِنْ قُلْتُ هَذَا حِينَ أَسْلُو وَأَجْتَرِي

على هَجْرِهَا ظَلَّتْ لَهَا النَّفْسُ تَشْفَعُ

(1)

8 -

ألا تَتَّقِينَ اللهَ فيِ قَتْلِ عَاشِقٍ

لَهُ كَبِدُ حَرَّى عَلَيكِ تَقَطَّعُ

9 -

غَرِيبٌ مَشُوقٌ مُولَعٌ بِادِّكَارِكُمُ

وَكُلُّ غَرِيبِ الدَّارِ بالشَّوْقِ مُولَعُ

10 -

فَأَصْبَحْتُ مما أَحْدَثَ الدهْرُ مُوجَعًا

وَكُنْتُ لِرَيْبِ الدَّهْرِ لا أَتَخَشَّعُ

11 -

فَيَا رَبِّ حَبِّبنِي إِلَيْهَا وَأَعْطِنِي الـ

ـمَوَدَّةَ منها أَنْتَ تُعْطِي وَتَمْنَعُ

1 -

قوله: "بالمداخل" -بفتح الميم، وهو موضع، و "المربع" -بفتح الميم؛ منزل القوم في الربيع خاصة، قوله:"بأجراع الغديرين" الأجراع: جمع جرع -بفتح الجيم والراء، وهي رملة مستوية لا تنبت شيئًا وكذلك والأجرع، قوله:"بلقع" -بفتح الباء الموحدة، قال الجوهري: البلقع والبلقعة: الأرض القفراء التي لا شيء فيها.

3 -

قوله: "شطت" أي: بعدت نواها وهو الوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد، وهي مؤنثة فلذلك أنث الفعل المسند إليها.

6 -

قوله: "جثماني" -بضم الجيم، قال الأصمعي: الجثمان: الشخص، وهو إنما يستعمل في بدن الإنسان

(2)

، قوله:"سواكم" أي: سوى أرضكم بحذف المضاف.

والمعنى: أنه يخبر أنه على المحبة القديمة، وأنه لا يتغير ببعد الدار ولا بطول العهد.

الإعراب:

قوله: "فإن يك" الفاء للعطف، وإن للشرط، ويك فعل الشرط، وأصله: يكن، فحذفت النون تخفيفًا

(3)

، وقوله:"جثماني": اسم يكن، وخبره قوله:"بأرض"، قوله:"سواكم" أي: سوى

(1)

بعده في الديوان:

وإن زمت نفسي كيف آتي لصرمها

ورمت صدودًا ظلت العين تدمع

(2)

الصحاح، مادة:"جثم".

(3)

الأصل: يكون الجازم الضمة التي على النون، فالتقى ساكنان الواو والنون، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فصار اللفظ: لم يكن، والقياس ألا يحذف منه شيء بعد ذلك، لكنهم حذفوا النون بعد ذلك تخفيفًا لكثرة الاستعمال فقالوا: لم يك، وهو حذف جائز لا لازم، وحذف النون مع ملاقاة ساكن هو مذهب يونس، ومع متحرك غير ضمير متصل =

ص: 496

أرضكم، والجملة صفة للأرض المذكورة، قوله: "فإنَّ فؤادي

إلخ": جواب الشرط؛ فلذلك دخلت الفاء فيها، وقوله: "فؤادي": اسم إن، وخبره قوله: "عندك"، وقوله: "الدهر" نصب على الظرفية، قوله: "أجمع"- بالرفع: تأكيد للضمير الستكن في: عندك، ولا يجوز أن يكون توكيدًا لفؤادي محمولًا على محله؛ لفصل الأجنبي وهو قوله: "عندك" بخلاف الدهر فإنه ليس بأجنبي، فافهم، وقد يقال: إنه إذا كان تأكيدًا لفؤادي يلزم الفصل بالشيئين، وفي كونه تأكيدًا للضمير المستكن في: "عندك" يلزم الفصل بشيء واحد، وهو أولى [من الأول.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أجمع" حيث أكد به الضمير المنتقل إلى الظرف وهو قوله: "عندك"]

(1)

؛ إذ لو لم يكن الضمير منتقلًا من الفعل إليه، لما جاز تأكيده ولا عطف الاسم عليه في قول الشاعر

(2)

:

أَلا يَا نَخْلَةً مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ

عَلَيكِ وَرَحْمَةُ اللهِ السَّلامُ

فإن قوله: "ورحمة الله" عطف على الضمير المستكن في "عليك"، الراجع إلى السلام المتأخر؛ لأنه خبر عنه، فافهم

(3)

.

= هو جائز الحذف والإثبات. ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 25، 266، 294)، (2/ 196)، (4/ 184)، وشرح ابن عقيل (1/ 299، 300)، والارتشاف (2/ 101).

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

البيت من بحر الوافر، وأكثر النحويين على أنه مجهول القائل، وقيل: للأحوص، وقد استشهد بالبيت في قوله:"عليك ورحمة الله السلام" بأنه عطف على الضمير المستكن في (عليك) الراجع إلى السلام؛ لأنه في التقدير: السلام حصل عليك، فحذف:"حصل" ونقل ضميره إلى عليك واستتر فيه، ولو كان الفعل محذوفًا مع الضمير لزم العطف بدون المعطوف عليه". ينظر المغني (357)، والخزانة (1/ 399).

(3)

الشاهد في البيت هو أن الضمير انتقل من متعلق الظرف إلى الظرف وهو عندك، ووجه الدلالة أنه ليس قبل أجمع ما يصح أن يحمل عليه إلا اسم إن، والضمير الذي في الظرف والدهر، فاسم إن والدهر: منصوبان بإن، فبقي حمله على المضمر في: عندك. قال ابن هشام: هذا هو المختار بدليلين أحدهما: امتناع تقديم الحال في نحو: زيد في الدار جالسًا ولو كان العامل الفعل لم يمتنع، ولقوله:

........................

فإنَّ فؤادي عندك الدهر أجمع

فأكد الضمير المستتر في الظرف، والضمير لا يستتر إلا في عامله، ويصح أن يكون توكيدًا لضمير محذوف مع الاستقرار؛ لأن التوكيد والحذف متنافيان، ولا لاسم (إن) على محله من الرفع بالابتداء؛ لأن الطالب للمحل قد زال".

ينظر المغني (443، 444) والخزانة (1/ 395) وما بعدها.

ص: 497

‌الشاهد الخامس والخمسون بعد المائة

(1)

،

(2)

قَوْمِي ذُرَا المَجْدِ بَانُوهَا وَقَدْ عَلِمَتْ

بِكُنْهِ ذَلِكَ عَدْنَانٌ وَقَحْطَانُ

أقول: أقف على اسم قائله، وهو من البسيط.

قوله: "ذرا المجد" الذرى -بضم الذال المعجمة وتخفيف الراء؛ جمع ذروة بالضم -أيضًا- كمدية ومُدى، ومن كسر الذال في المفرد فقياسه ذرى بالكسر -أيضًا- كمرية ومرى، ومن فتح فقياسه: ذَرَى بالفتح -أيضًا- كركوة وركى، وشذ قرية وقُرى، وذِروة كل شيء: أعلاه ومنه: ذِروة السّنام والمجد والكرم، ومنه يقال: رجل مجيد؛ أي: كريم.

قوله: "بانوها"

(3)

أي: بانوا ذرى المجد، أي: زادوا عليها وتميزوا، يقال: بأنه يبونه ويبينه، قال الجوهري: البون: الفضل والمزية، وهو بضم الباء الموحدة، والبون -بفتح الباء: البعد

(4)

، قوله:"بكنه" كنه كل شيء: غايته ونهايته، يقال: أعرفه كنه المعرفة؛ أي: كما ينبغي، وليس لهذه المادة فعل، وقولهم:"لا يكتنه كنهه مولد"

(5)

، واستعمله صاحب الكشاف

(6)

، ويروى: بصدق ذلك، وهو أظهر

(7)

.

قوله: "عدنان وقحطان" أما عدنان فهو ابن أد بن أدد بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وهو والد معد أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم وهو بطن عظيم، ومنه تناسلت عقب عدنان كلهم، وأما قحطان فهو ابن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام، واسمه مهزم، قاله ابن ماكولا

(8)

ويقال: قحطان هو ابن هود عليه السلام

(9)

(1)

ابن الناظم (43) وروايته:

............................

بصدق ذلك ....................

وشرح ابن عقيل (1/ 208).

(2)

البيت من بحر البسيط، وهو مجهول القائل، وانظره في الدرر (2/ 9)، وشرح التصريح (1/ 162)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 96).

(3)

جعله أجوفًا، ولو جعله ناقصًا لكان أفضل؛ لأن فيه استعارة البناء لزيادة المجد وعلوه.

(4)

الصحاح، مادة:"بون".

(5)

الصحاح مادة: "كنه"، واللسان مادة:"كنه".

(6)

ينظر أساس البلاغة مادة: "كنه". يقول: "سله عن كنه الأمر: عن حقيقته وكيفيته. وأتيته في غير كنهه: في غير وقته. واكتنه الأمر: بلغ كنهه. وعندي من السرور بمكانك ما لا يكتنهه الهضف. وأكنه الأمر: بلغه غايته. وسحاب كنهور: صخام بيض".

(7)

هي رواية ابن الناظم وقد سبق الإشارة إليها.

(8)

هو علي بن هبة الله بن علي بن هبة الله بن جعفر العجلي (ت 475 هـ). ينظر معجم المؤلفين (7/ 257) والأعلام (5/ 30).

(9)

(في (أ): عليه الصلاة والسلام.

ص: 498

ويقال: هو هود عليه السلام، وقيل: أخوه، وقيل: من ذريته، وقيل: قحطان [من سلالة إسماعيل عليه الصلاة والسلام]

(1)

بن الهميسع بن تيمن بن قيدار بن نبت بن إسماعيل عليه السلام

(2)

.

وفي كتاب التيجان لابن هشام: كان قحطان خليفة أبيه هود عليه السلام ووصيه، وتوفي بمأرب، وأوصى ابنه يعرب، وعرب اليمن وهم حِمْيَرٌ كلهم من قحطان

(3)

.

والحاصل: أن جميع العرب ينقسمون إلى قسمين: قحطانية وعدنانية، فالقحطانية شعبان: سبأ وحضرموت، والعدنانية شعبان -أيضًا-: ربيعة ومضر ابنا نزار بن معد بن عدنان.

واختلفوا في قضاعة فقيل: إنهم من عدنان، قال أبو عمرو: وعليه الأكثرون، ويروى هذا عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، وقيل: إنهم من قحطان، وهو قول ابن إسحاق

(4)

والكلبي

(5)

، والشاعر يمدح قومه بأنهم حازوا سائر الفضائل حتى إنهم بانوا ذرى المجد والكرم، واشتاع ذلك فيهم حتى علم بذلك سائر العرب العدنانية والقحطانية.

الإعراب:

قوله: "قومي": كلام إضافي مبتدأ، وقوله:"ذرى المجد": كلام إضافي -أيضًا- مبتدأ ثان، وقوله:"بانوها": خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، فأخبر بـ "بانوها" عن الذرى، وإنما هو في المعنى للقوم لأنهم البانون، ويقال: لا نسلم كون (ذرى) مبتدأً، بل هو مفعول لوصف، حذف على شريطة التفسير، وذلك الوصف هو الخبر، وهو جار على من هو له، والوصف المذكور بدل منه، ونظيره قولك: زيد الخبز أكله، إن نصبت الخبز استتر الضمير، وإن رفعته أبرزت

(6)

.

قوله: "وقد علمت" الواو للقسم، وكلمة قد للتحقيق، وعلمت: فعل ماض، و "عدنان" فاعله، و"قحطان" عطف عليه، والباء في:"بكنه" تتعلق بقوله: "علمت" وذلك إشارة إلى قوله: "قومي ذرى المجد بانوها" والتذكير باعتبار المذكور.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بانوها" حيث ذكرها بدون إبراز الضمير، حيث لم يقل بانوها هم؛ لأن إبراز

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): عليه الصلاة والسلام.

(3)

ينظر اللسان: "قحط" والأنساب للسمعاني (4/ 455) تعليق: عبد الله عمر البارودي، دار الكتب العلمية بيروت، أولى لسنة (1988 م).

(4)

هو يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي (ت 288 هـ). ينظر البغية (2/ 348).

(5)

ينظر الأنساب للسمعاني (4/ 455).

(6)

ينظر همع الهوامع للسيوطي (1/ 96) والدرر (2/ 9).

ص: 499

الضمير إنما يكون عند خوف اللبس، ولا لبس ها هنا، فافهم

(1)

.

‌الشاهد السادس والخمسون بعد المائة

(2)

،

(3)

أَكُلُّ عَامٍ نَعَم تَحْوونَهُ

يُلْقِحُهُ قَوْمٌ وَتَذْبَحُونَهُ

أقول: قائله هو صبي من بني سعد، وبعده:

2 -

أَرْبَابُهُ نُوكَى فَلَا يَحْمُونَهُ

وَلا يُلاقُونَ طِعَانًا دُونَهُ

3 -

وَأنعم الأبْنَاءِ تَحْسَبُونَهُ

هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لما تَرْجُونَهُ

وقد قيل: إن اسم الصبي قيس بن الحصين الحارثي، وأصل هذا أن مذحجًا ورئيسهم عبد يغوث بن صلاة اجتمعوا وأقبلوا إلى تميم، فبلغ ذلك بني سعد والرباب ورئيس بني سعد قيس بن عاصم المنقري، ورئيس الرباب النعمان بن جساس -بكسر الجيم وتخفيف السين المهملة، وليس في العرب جساس -بكسر الجيم غير هذا، واستعدوا للحرب وهم على الكلاب -بضم الكاف وتخفيف اللام؛ اسم ماء، فصبحهم مذحج وأغاروا على النعم فطردوها، وجعل رجل يرتجز ويقول

(4)

:

في كل عام نَعَمٌ تَنْتَابُهُ

على الكُلَابِ غُيِّيًا أربَابُهُ

فأجابه غلام من بني سعد في النعم على فرس له:

عَمَّا قَلِيلٍ سَتُرَى أَرْبَابَهُ

صَلْبَ القناةِ حازمًا شَبَابَهُ

(5)

على جياد ضمر غيابه

...........................

فأقبلت

(6)

سعد والربابُ إلى القوم فقال صبي منهم حين دنا من القوم:

(1)

أقول: الخبر المشتق إن جرى رافعه على غير صاحب معناه، لزم إبرازه عند البصريين والكوفيين عند خوف اللبس كقولك: زيد عمرو ضاربه هو، والتزام البصريين الإبراز مع أمن اللبس، عند جريان رافع الضمير على غير صاحب معناه ليجري الباب على سنن واحد، وخالفهم الكوفيون فلم يلتزموا الإبراز عند أمن اللبس، وإلى مذهب الكوفيين ذهب ابن مالك مستدلًّا بقول الشاعر: (

البيت) فقومي: مبتدأ، وذرا المجد: مبتدأ ثان، وبانوها: خبر جار على ذرا المجد في اللفظ، وهي في المعنى لقومي، وقد استغنى باستكان الضمير عن إبرازه لعدم اللبس. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 307، 308)، والدرر (1/ 72).

(2)

ابن الناظم (44) وروايته فيه، وفي النسخة (أ):"وتنتجونه".

(3)

البيتان من بحر الرجز المشطور، وقد نسبهما إلى قيس بن حصين بن يزيد الحارثي نقلًا عن شراح أبيات الكتاب.

ينظر الخزانة (1/ 407)، والكتاب لسيبويه (1/ 129)، والإنصاف (47)، والمذكر والمؤنث للفراء (79)، والمذكر والمؤنث لابن الأنباري (346)، وشواهد التوضيح (95).

(4)

الخزانة (1/ 412).

(5)

روايته في (أ): ستروا.

(6)

في (أ): وأقبلت.

ص: 500

أَكُلُّ عَامٍ نَعَم تَحْوونَهُ

يُلْقِحُهُ قَوْمٌ وَتَنتجونَهُ

إلى آخره، فلم يلتفتوا إليهم واستقبلوا النعم من قبل وجوهها فجعلوا يصرفونها بأرماحهم، واختلط القوم، واقتتلوا قتالًا شديدًا يومهم، حتَّى إذا كان آخر النهار قُتِل النُّعمان بن جساس، قتله رجل من أهل اليمن، كانت أمه من بني حنظلة، يقال له: عبد الله بن كعب، وهو الذي رماه فقال للنعمان حين رماه: خذها وأنا ابن الحنظلية، فقال: ثكلتك أمك، رُبّ حنظلية قد تخاطبني

(1)

، فذهبت مثلًا فباتوا على القتال، فلما أصبحوا غدوا على القتال، فآخر الأمر قويت بنو سعد والرباب على مذحج فهزموهم أفظع هزيمة، وأخذوا أموالهم وقتلوا منهم رجالًا وسبوا نساءً

(2)

.

قوله: "نعم" بفتحتين؛ واحد الأنعام، وهو المال الراعية، وأكثر ما تقع على الإبل والبقر، قوله:"تحوونه": من حوى يحوي إذا جمع، قوله:"يلقحه": من الإلقاح، يقال: ألقى الفحل الناقة، والريحُ السحابَ.

قوله: "وتنتجونه": من النتيج، لا من الإنتاج ولا من النتاج، يقال: نُتِجت الفرس أو الناقة - على بناء ما لم يسم فاعله، تنتج نتاجًا وأنتجها

(3)

أهلها نتجًا، وأنتجت الفرس إذا حان نتاجهما، وقال يعقوب: إذا استبان حملها، وكذلك الناقة فهي نتوج، ولا يقال: منتج

(4)

.

والمعنى: أتحوون كل عام نعمًا لقوم ألقحوه وأنتم تنتجونه في حيكم، قوله:"أربابه" أي: أصحابه، و"نوكى" أي: حمقى، وهو جمع أنوك؟ كأحمق يجمع على حمقى، وهما متماثلان وزنًا ومعنى.

الإعراب:

قوله: "أكل عام" الهمزة للاستفهام الإنكاري، وقوله "نعم": مبتدأ، وخبره مقدمًا قوله:"كل عام"، وهو ظرف زمان، قوله:"تحوونه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، في محل الرفع على أنَّه صفة للنعم، والضمير المنصوب في "تحوونه" يرجع إلى النعم، لا يقال:[النعم]

(5)

مؤنث فكيف ذكر الضمير؟ لأن النعم ليس بمؤنث، بل هو اسم مفرد مذكر، قال الفراء: النعم مذكر لا مؤنث

(6)

، قوله:"يلقحه قوم" أي: يلقح النعَم قومُ، وقوم: فاعل يلقح، والجملة في محل الرفع على أنها صفة للنعم، وكذلك قوله:"وتنتجونه".

(1)

ليس في مجمع الأمثال تحقيق: محمَّد محيي الدين، طبعة مطعة السعادة.

(2)

في (أ): وسبوا رجالًا.

(3)

في (أ): ونتجها.

(4)

الصحاح، مادة:"نتج".

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

المذكر والمؤنث للفراء (79).

ص: 501

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أكُلُّ عَام نَعَم" وهو وقوع ظرف الزمان وهو قوله: "كل عام" خبرًا عن الجثة وهو "نعم" وهذا لا يجوز إلا بالتأويل، وتأويل هذا أنَّه محمول على الحذف، تقديره: أكل عام حدوث نعم، والحدوث لكونه مصدرًا، جاز وقوع الزمان خبرًا عنه

(1)

، وقدره ابن الناظم: أكل عام إحراز نعم

(2)

، وقدره بعضهم: أكل عام نهب نعم

(3)

، والأحسن: أن يكون نعم فاعل الظرف

(4)

لاعتماده، فلا مبتدأ ولا خبر، ومع هذا فلا بد من التقدير -أَيضًا - لأجل المعنى، لا لأجل المبتدأ؛ إذ الذي يحكم له بالاستقرار هو الأفعال لا الذوات، فافهم

(5)

.

‌الشاهد السابع والخمسون بعد المائة

(6)

،

(7)

لَوْلا اصْطبَارٌ لأَوْدَى كُلُّ ذِي مِقَةٍ

لَما اسْتَقَلَّتْ مَطَاياهنَّ لِلظَّعْنِ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط.

قوله: "لأودى" أي: لهلك يقال: أودى إذا هلك، وهو فعل لازم، قوله:"ذي مقة" أي: ذي محبة، من ومق يمق مقة، أصله: ومق، فلما حذفت الواو اتباعًا لفعله، عوض عنها الهاء؛ كما في: عدة

(8)

.

(1)

هو تقدير المبرد. ينظر المقتضب (3/ 274)، وعلل البغدادي لهذا التقدير قائلًا:"أقول: المبرد قدر هذا المضاف لصحة الإخبار عنه، لا لأنه عامل في الظرف، وكيف يكون العامل في "كل" الاستقرار مع كون الخبر محذوفًا مقدرًا بلكم؟! ". الخزانة (1/ 407).

(2)

ابن الناظم (44).

(3)

المصدر السابق.

(4)

في (أ): فاعلًا بالظرف.

(5)

هذا الاختيار يوافق ما اختاره ابن هشام في شرح الشواهد .... وينظر الخزانة (1/ 196)، وما أورده سيبويه فهو رفع "نعم" على الابتداء، وخبرها هو الظرف مقدمًا:"كل نعم" وتقدور المبتدأ: "إحراز نعم" ليصح الإخبار عن العين بالزمان. ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 129)، والإنصاف (47)، والخزانة (1/ 408).

(6)

أوضح المسالك (1/ 142)، وشرح ابن عقيل (1/ 224).

(7)

البيت من بحر البسيط، وهو لقائل مجهول، وانظره في حاشية الصبان (1/ 207)، والدرر (2/ 23)، وشرح التصريح (1/ 170)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 101).

(8)

إذا وقعت الواو فاء في فعل على وزن: "فَعَل" فإنَّها تحذف في المضارع فتقول: في مضارع وعد: يعد، وإنما حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، وهما ثقيلتان، فلما انضاف ذلك إلى ثقل الواو، وجب الحذف، ويأتي مصدر فعل الذي فاؤه واو أبدًا على وزن فِعْلة أو فَعْل في الغالب نحو: وَعْد ووعْدة، فأما فِغلة فحذفت الواو لثقل الكسرة في الواو مع أنَّه مصدر لفعل قد حذفت منه الواو؛ فقالوا في وِعْدة: عدة، فألقوا كسرة الواو على ما بعدها ثم حذفوها ولزمت التاء؛ لأنها جعلت كالعوض من الواو. ينظر الممتع (2/ 226، 230، 231).

ص: 502

قوله: "لما استقلت" ويروى: حين استقلت؛ أي: ارتفعت وانتهضت، و"المطايا": جمع مطية، وهي الناقة التي يركب مطاها؛ أي: ظهرها، و"الظعن" -بفتح تين، الرحيل والسفر، وهو مصدر من ظعن يظعن إذا سار.

الإعراب:

قوله: "لولا": لربط امتناع التالي لوجود الأول نحو: لولا زيد لهلك عمرو، أي: لولا زيد موجود لهلك عمرو، قوله:"اصطبار": مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير: لولا اصطبار موجود أو حاصل، قوله:"لأودى كل ذي مقة": جواب لولا، والسلام مفتوحة، وأودى: فعل ماض، و"كل ذي مقة": كلام إضافي فاعله، وقوله:"لما": ظرف، و"مطايهن": فاعل استقلت، و"للظعن": جار ومجرور، يتعلق بقوله "اسعقلت"، والسلام فيه للتعليل.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "اصطبار" فإنَّه

(1)

مبتدأ مع أنَّه نكرة، والمسوغ لوقوعه مبتدأ كونه تلو:"لولا" وهو من جملة المخصصات المعدودة

(2)

.

‌الشاهد الثامن والخمسون بعد المائة

(3)

،

(4)

بَنُونَا بَنُو أبنائِنا وَبَنَاتُنَا

بَنُوهُنَّ أبناءُ الرِّجالِ الأبَاعِدِ

أقول: هذا البيت استشهد به النحاة على جواز تقديم الخبر على ما يأتي الآن، والفرضيون على دخول أبناء الأبناء في الميراث، وأن الانتساب إلى الآباء، والفقهاء كذلك في الوصية، وأهل المعاني والبيان في التشبيه، ولم أر أحدًا منهم عزاه إلى قائله.

وهو من الطَّويل.

(1)

في (أ): وإنه.

(2)

علة وقوع النكرة بعد لولا وعدها من المسوغات للابتداء بالنكرة هو أن "لولا" تستدعي جوابًا يكون معلقًا على جملة الشرط التي يقع المبتدأ فيها نكرة، فيكون ذلك سببًا في تقليل شيوع هذه النكرة. ينظر شرح الأشموني على ألفية ابن مالك (1/ 101).

(3)

ابن الناظم (45)، وأوضح المسالك (1/ 145)، وشرح ابن عقيل (1/ 233).

(4)

البيت من بحر الطَّويل، وهو مجهول القائل، ينظر الإنصاف في مسائل الخلاف للأنباري (1/ 66)، والمساعد لابن عقيل (1/ 221)، وشرح التصريح (1/ 173)، وشرح شواهد المغني (2/ 848)، ومغني اللبيب لابن هشام (2/ 452)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 102)، وابن يعيش (1/ 99)، (9/ 132)، والمعجم المفصل في شواهد العربية (2/ 405) ونسبه للفرزدق ولم أعثر عليه في ديوانه تحقيق: علي فاعور ..

ص: 503

المعنى: بنو أبنائنا مثل بنينا؛ فقدم الخبر وحذف المضاف، وبنو بناتنا أبناء الرجال الأباعد، أي الأجانب.

الإعراب:

قوله: "بنونا" أصله: بنون لنا؛ فلما أضيف إلى: "نا" المتكلم، سقطت النُّون وصار "بنونا"، وكذلك الكلام في: بنو أبنائنا [فقوله: "بنو أبنائنا": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "بنونا" مقدمًا خبره، والمعنى: بنو أبنائنا]

(1)

مثل بنينا؛ لأن المراد بالحكم علي بني أبنائهم بأنهم كبنيهم، وليس المراد بالحكم علي بنيهم كبني أبنائهم، قوله:"وبناتنا": كلام إضافي مبتدأ، قوله:"بنوهن": كلام إضافي -أَيضًا - مبتدأ ثان، وقوله:"أبناء الرجال": كلام إضافي -أَيضًا - خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، وقوله:"الأباعد": صفة الرجال.

الاستشهاد فيه:

على جواز تقديم الخبر مع كونه مساويًا للمبتدأ؛ لقيام قرينة دالة على تعيين المبتدأ وتعيين الخبر

(2)

وذلك من المعلوم أن المراد ها هنا تشبيه بني الأبناء بالأبناء، لا تشبيه الأبناء بأبناء الأبناء، وقد علم أن الأصل: تقديم المبتدأ على الخبر؛ لأن المبتدأ عامل في الخبر، وحق العامل أن يتقدم كسائر العوامل، ولكن قد يتقدم الخبر على المبتدأ لقيام القرينة التي يتميز بينهما؛ كما في قولك: أبو يوسف أبو حنيفة فقهًا، فإن من المعلوم أن المراد تشبيه أبي يوسف بأبي حنيفة، لا تشبيه أبي حنيفة بأبي يوسف [رضي الله تعالى عنهما]

(3)

حتَّى لو قيل: أبو حنيفة أبو يوسف فقهًا. لم يخف

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

يجوز تقديم الخبر إن لم يوهم ابتدائيته نحو: قائم زيد. فإن أوهم بأن كانا معرفتين أو نكرتين لكل منهما مسوغ ولا مبين للمبتدأ من الخبر، فأيهما قدمت فهو المبتدأ نحو: زيد أخوك، وأفضل من زيد أفضل من عمرو، فإن وجد مبين جاز تقديم الخبر كقوله: (

البيت) فبنونا: خبر مقدم، وبنو أبنائنا: مبتدأ مؤخر. كما يجوز تقديمه إن لم يوهم فاعلية المبتدأ نحو: زيد قام، فلو قدم (قام) لأوهم أن زيدًا فاعل، ولهذا إذا برز الضمير نحو: الزيدان قاما، والزيدون قاموا، يجوز التقديم في الأصح. كذلك لا يجوز تقديمه إن اقترن بالفاء نحو: الذي يأتيني فله درهم؛ لأن الفاء دخلت لشبهه بالجزاء، والجزاء لا يتقدم على الشرط. وكذا إذا اقترن بإلا لفظًا نحو:{وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ} ، أو معنى كقوله تعالى:{إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} .... ينظر المساعد لابن عقيل (1/ 220 - 223).

وقد جمع ابن مالك مواضع جواز تقديم الخبر على المبتدأ فقال: "والأصل تأخير الخبر، ويجوز تقديمه إن لم يوهم ابتدائية الخبر، أو فاعلية المبتدأ، أو يقرن بالفاء، أو بإلا لفظًا أو معنى في الاختيار، أو يكن لمقرون بلام الابتداء، أو لضمير الشأن أو شبهه، أو لأداة الاستفهام أو شرط، أو مضاف إلى إحداهما" -تسهيل الفوائد بشرحه لابن مالك (1/ 296).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 504

المراد -أَيضًا - وكذلك: بنونا بنو أبنائنا

(1)

، وقد يقال: إنه لا تقديم فيه ولا تأخير وإنه جاء على عكس التشبيه للمبالغة؛ فحينئذ لا استشهاد فيه كقول ذي الرمة غيلان

(2)

:

ورمل كأوراك العذارى قطعته

.........................

وقال الشيخ جمال الدين: كان ينبغي لابن الناظم أن يستدل بما أنشده والده في شرح التسهيل

(3)

:

قَبِيلَةٌ أَلْأَمُ الأَحْيَاءِ أكرَمُهَا

وَأَغْدَرُ النَّاسِ بِالجْيرَانِ وَافِيهَا

إذ المراد الإخبار عن أكرمها بأنه ألأم النَّاس وعن وافيها بأنه أغدر النَّاس لا العكس

(4)

وفيه شاهدان وهذا البيت لحسان - رضي الله تعالى عنه، وقبله

(5)

:

1 -

أَبْلِغْ هَوَازِنَ أَعْلاهَا وَأَسْفَلَهَا

أَنْ لَسْتُ هَاجِيهَا إِلا بِمَا فِيهَا

2 -

وَشَرُّ مَنْ يَحْضُرُ الأَمْصَارَ حَاضِرَهُمْ

وَشَرُّ بَادِيَةِ الأَعْرَابِ بَادِيهَا

3 -

تَبلَى عِظَامُهُمْ إما هُمُو دُفِنُوا

تَحْتَ التُّرابِ ولا تَبْلَى مَخَازِيهَا

(1)

المبتدأ عامل في الخبر، وحق العامل أن يتقدم على المعمول؛ ولذلك كان حق المبتدأ أن يتقدم على الخبر، ويجوز تقديم الخبر على المبتدأ لشبهه بالفعل في كونه مسندًا، ولشبه المبتدأ بالفاعل في كونه مسندًا إليه، ولكن تقديم الخبر يشترط فيه أمن اللبس، فلو كان المبتدأ والخبر معرفتين أو نكرتين وجب تقديم المبتدأ وتأخير الخبر، ولا يجوز تقديم الخبر على المبتدأ إلَّا بقرينة معنوية، والقرينة هنا هي مراد القائل الأعلام بأن بني أبنائهم كبنيهم، فالمؤخر مشتبه والمقدم مشتبه به، ولا يستقيم المعنى إلَّا بالتأويل، والأصل تقديم المشبه وتأخير المشبه به كقولك: زيد زهير شعرًا، وعمرو عنترة شجاعة، وأبو يوسف أبو حنيفة فقهًا، وسهل في البيت العكس وضوح المعنى، والعلم بأن الأعلى لا يشبه بالأدنى عند قصد الحقيقة، فلو تقدم زهير على زيد، وعنترة على عمرو، وأبو حنيفة على أبي يوسف لم يمتنع؛ لأن المعنى لا يجهل.

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 296، 297).

(2)

من الطَّويل وعجزه:

...................

إذا جللته المظلمات الحنادس

والشاهد فيه تشبيه الرمل بأوراك العذارى، وهو تشبيه مقلوب، والأصل عكسه، والبيت في ديوانه، بشرح أبي نصر حاتم الباهليّ (1131)، تحقيق: عبد القدوس أبو صالح، مؤسسة الإيمان، بيروت، طبعة ثانية (1982 م).

(3)

البيت لحسان من البسيط في ديوانه (254) شرح عبدأ مهنا، وفي (256) ط. دار المعارف، تحقيق: د. سيد حنفي، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 296) والدرر (1/ 76) غير منسوب والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1055) وهو شاهد على أن:"ألأم الأحياء أكرمها" وقوله: "أغدر النَّاس" حيث قدم الخبر على المبتدأ في الموضعين مع مساواتهما في التعريف والقياس تقديم المبتدأ على الخبر.

(4)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 296، 297).

(5)

انظر ديوان حسان (256)، ط. دار المعارف، تحقيق: د. سيد حنفي.

ص: 505

وفي الأول من هذين البيتين شاهدان -أَيضًا - على ذلك، وأنشد ابن الناظم -أَيضًا - في هذا الباب

(1)

:

جَانِيكَ مَنْ يَجْنِي عَلَيكَ وقد

يُعْدِي الصحاحَ مباركُ الجُرْبِ

"جانيك": خبر، و"من": مبتدأ، ومعناه: الذي تعود جنايته عليك من العاقلة هو الذي يكسبك، و"الصحاح": مفعول، و"مبارك": تمييز عن الفاعل، و"الجرب": فاعل يعدي.

والمعنى: قد تعدي الإبل الجرب الإبل الصحاح التي صحت مباركها

(2)

، وزعموا أن من خفض الجرب مخطئ، وزعم بعضهم أن ذلك رواية، وهذا عندي جيد، ويكون الشَّاعر أقوى كما أقوى في بيت آخر في القصيدة، والمعنى على ذلك حسن، والبيت لذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم، وهو أول من أطال الشعر بعد مهلهل وقبله:

يَا كعبُ إنَّ أَخَاكَ مُنْحَمقٌ

فاشْدُدْ إِزَارَ أخيكَ يَا كعبُ

وبعده:

وَالحرْبُ قَدْ يَضْطَرُّ جَالِبُهَا

نحو المضِيقِ ودونَهُ الرَّحْبُ

وَلَرُبَّ مَأْخُوذٍ بذَنْبِ عَشِيرَةٍ

ونَجَي المقَارفُ صَاحِبُ الذَّنْبِ

(3)

‌الشاهد التاسع والخمسون بعد المائة

(4)

،

(5)

فَيَا رَبِّ هَلْ إلا بِكَ النَّصْرُ يُرْتَجَى

عَلَيهِم وَهَلْ إلا عَلَيكَ المعُوَّلُ

أقول: قائله هو الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد بن وهيب بن عمرو بن سبيع بن مالك بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار، شاعر مقدم، وعالم بلغات العرب، وخبير بأيامها، من شعراء مضر والمتعصبين على القحطانية، وكان

(1)

البيت من بحر الكامل، لذؤيب بن كعب بن عامر، والبيت ليس في شرح الألفية لابن الناظم طبعة دار السرور ولعله يقصد الناظم نفسه؛ فالبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 297)، وفي جمهرة الأمثال (1/ 306، 307)، طبعة دار الفكر، وفي اللسان:"جنى" وهو شاهد على تقديم الخبر عل المبتدأ وهو معرفة للعلم بكونه خبرًا.

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 297، 298).

(3)

ينظر جمهرة الأمثال (1/ 306، 307)، والعقد الفريد (1/ 35)، (5/ 15، 237) شرح أَحْمد أمين، وأَحمد الترك، وإبراهيم الإبياري، وذكر ابن عبد ربه أن قائل الأبيات اسمه ذؤيب بن كعب بن عمرو، وذكر أبو هلال العسكري أن اسمه: ذؤيب بن كعب بن عامر.

(4)

ابن الناظم (46)، وتوضيح المقاصد (1/ 184)، وأوضح المسالك (1/ 147)، وشرح ابن عقيل (1/ 235).

(5)

البيت من بحر الطَّويل، وهو للكميت، وانظره في حاشية الصبان (1/ 211)، والدرر (2/ 26)، وسر الصناعة (1/ 139)، وشرح التصريح (1/ 173)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 102).

ص: 506

في أيام بني أمية، ولم يدرك الدولة العباسية ومات قبلها، وكان معروفًا بالتشيع لبني هاشم مشهورًا بذلك، وقصائده الهاشميات من جيد شعره ومختاره.

والبيت المذكور من قصيدة طويلة من الطَّويل يرثي فيها زيد بن عليّ، وابنه الحسين بن زيد، ويمدح بني هاشم.

ومعنى البيت المذكور: وما النصر على الأعداء يرتجى إلَّا بك ولا المعول -أي الاعتماد إلَّا عليك.

الإعراب:

قوله: "فيا رب" أصله: يَا ربي، حذفت الياء للضرورة، أو اكتفاء بكسر ما قبلها، وقوله:"هل": نافية، وقوله:"النصر": مبتدأ، وخبره قوله:"بك" وهو يتعلق بـ"يرتجى"، وقوله:"عليهم": يتعلق في المعنى بالنصر، ولكن الصناعة تأباه؛ إذ لا يخبر عن الصدر قبل تمامه بمعموله؛ لئلا يلزم الفصل بالأجنبي، قوله:"المعول": مبتدأ مؤخر، و"عليك": خبر مقدم، وليس لك هنا أن تجيز في:"المعول" الفاعلية، وإن كان الظرف معتمدًا؛ لأن الظرف على هذا التقدير في محله؛ لأنه خلف عن الفعل، وكما لا يجوز:(ما إلَّا قام زيد) كذلك لا يجوز: ما إلَّا في الدار زيد.

الاستشهاد فيه:

على جواز تقديم الخبر المحصور بإلا للضرورة، وإنما كان حقه أن يقول: وهل النصر يرتجى إلَّا بك وهل المعول إلَّا عليك

(1)

؟

‌الشاهد الستون بعد المائة

(2)

،

(3)

أمُّ الحُليْسِ لَعَجُوزٌ شهربهْ

تَرْضَى من اللَّحم بعظْم الرقبَهْ

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، ونسبه الصاغاني في العباب إلى عنترة بن عروس

(1)

يمتنع تقديم الخبر على المبتدأ إن اقترن الخبر بإلا في اللفظ أو المعنى؛ في النثر كقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ} [آل عمران: 144] ، وقد يرد تقديمه مقترنًا بإلا في الشعر كما في بيت الشاهد الذي معنا. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 298)، والدرر (1/ 76).

(2)

أوضح المسالك (1/ 148).

(3)

البيت من بحر الرجز كما قال العيني والبغدادي، لعنترة بن عمروس من موالي ثقيف؛ كما نسب -أَيضًا- للحجاج، والصحيح أنَّه لرؤبة وهو في ديوانه (170)(مجموع أشعار العرب) ضمن أبيات منسوبة إليه، الأصول لابن السَّرَّاج (1/ 274) وابن يعيش (3/ 130) واللسان، والصحاح مادة:"شهرب"، وشرح جمل الزجاجي "الكبير" لابن عصفور (1/ 430، 445).

ص: 507

وهو الصحيح

(1)

.

قوله: "أم الحليس" -بضم الحاء المهملة وفتح اللام وسكون الياءآخر الحروف وفي آخره سين مهملة، قوله:"شهربه" -بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء وفتح الراء والباء الموحدة وفي آخره هاء، وهي العجوز الفانية، وكذلك الشهبرة، وقال ابن الأثير: الشهربة والشهبرة: الكبيرة الفانية

(2)

.

الإعراب:

قوله: "أم الحليس": مبتدأ، وقوله:"لعجوز": خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هي عجوز والجملة خبر المبتدأ الأول، هذا إذا قلنا: اللام فيه للتأكيد، وإذا قلنا: اللام زائدة، تكون أم الحليس مبتدأ، ولعجوز خبره، ولا يُحتاجُ إلى التقدير، وشهربة: صفة العجوز في الحالتين.

وقوله: "ترضى"

إلخ صفة أخرى، ومن والباء كلاهما يتعلق بـ"لا ترضى"، ومن بمعنى البدل كما في قوله تعالى:{أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} [التوبة: 38] وكما في قوله تعالى: {لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف: 60]؛ لأن الملائكة لا تكون من الإنس.

والمعنى: ترضى بدل اللحم بعظم الرقبة؛ يعني بلحم عظم الرقبة، والمضاف فيه محذوف.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لعجوز" وذلك لأن المبتدأ إذا كان مقترنًا بلام الابتداء، يؤكد للاهتمام بأوليته، وتأخيره مُنَافٍ لذلك، وأما اللام ها هنا فقد قلنا: إما زائدة، وإما أن المبتدأ الذي دخلت هي عليه محذوف، والتقدير: لهي عجوز شهربه

(3)

.

‌الشاهد الحادي والستون بعد المائة

(4)

،

(5)

عِنْدِي اصْطِبَارٌ وأَمَّا أَنَّنِي جَزِعٌ

يَوْمَ النَّوَى فَلوَجْدٍ كَادَ يَبْرِينِي

أقول: لم أقف على قائله، وهو من البسيط.

(1)

ينظر شرح شواهد المغني (604)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1108).

(2)

النهاية في غريب الحديث (2/ 512).

(3)

أقول: يمنع تقديم الخبر اقتران المبتدأ بلام الابتداء؛ لأن اقترانها به يؤكد الاهتمام بأولويته، وتقدم خبرها عليها مناف لذلك فمنع، ولأجل استحقاقها للتصدير امتنع تأثر مصحوبها بأفعال القلوب في نحو: علمت لزيد كريم، فإن وقع ما يوهم تقديم خبر مصحوبها حكم بزيادتها، أو بتقدير مبتدأ بينها وبين مصحوبها الظاهر؛ كبيت الشاهد، وزيادتها أولى؛ لأن مصحوب لام الابتداء مؤكد بها، وحذف المؤكد مناف لتوكيده. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 298، 299)، وشرح أبيات المغني (4/ 354).

(4)

أوضح المسالك (1/ 150).

(5)

البيت من بحر البسيط، وهو لقائل مجهول، وانظره في: حاشية الصبان (1/ 213)، والدرر (2/ 26)، وشرح: =

ص: 508

قوله: "جزع" -بفتح الجيم وكسر الزاي المعجمة: صفة من الجزع -بفتحتين، وهو نقيض الصبر، وقد جزع بالشيء- بالكسر، وأجزعه غيره، قوله:"يوم النوى" أي: يوم البعد والفراق، و"الوجد": هو شدة الشوق، قوله:"يبريني": من بريت القلم إذا نحته، وأصله من البري وهو القطع، يقال: برت الإبل إذا هزلت وأخذت من لحمها.

الإعراب:

قوله: "عندي اصطبار": جملة من المبتدأ المؤخر وهو اصطبار والخبر القدم وهو الظرف، أعني: عندي، قوله:"وأما أنني جزع" أما: حرف شرط وتفصيل وتوكيد، [أما أنها شرط فبدليل لزوم الفاء بعدها وهي قوله:"فلوجد"، وأما أنها تفصيل]

(1)

فظاهر، وأن -بفتح الهمزة من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله:"في": اسمه، و"جزع": خبره، قوله:"فلوجد" الفاء للجواب والسلام للتعليل، وقوله:"كاد يبريني": جملة وقعت صفة لوجد.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وأما أنني جزع" وذلك أن المبتدأ إذا كان (أن المفتوحة وصلتها) يجب تقديم المبتدأ

خوفًا من التباس المكسورة بالفتوحة، وخوف

(2)

التباس أن المصدرية بالتي بمعنى لعل، فإن ابتدئ

بأن وصلتها بعد أما، لم يلزم تقديم الخبر، بل يجوز التقديم والتأخير كما في البيت المذكور

(3)

.

‌الشاهد الثاني والستون بعد المائة

(4)

،

(5)

أَهَابُكِ إِجْلالًا وَمَا بِكِ قُدْرَةٌ

عَلَيَّ وَلَكِن مِلْءُ عَينٍ حَبِيبُها

أقول: قائله هو نصيب بن رباح الأكبر، وكان عبدًا أسود لرجل من أهل القرى فكاتب

= التصريح (1/ 175)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 103).

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): أو خوف.

(3)

من مواضع تقديم الخبر على المبتدأ: إذا كان مسندًا إلى أن المفتوحة وصلتها نحو: معلوم أنك فاضل، والسبب هو خوف التباس (إن) المكسورة بأن المفتوحة، أو خوف التباس (أن) المصدرية بالكائنة بمعنى لعل، أو خوف التعرض لدخول (إن) على (أن) مباشرة. وفي ذلك من الاستثقال ما لا يخفى، فلو ابتدئ بأن وصلتها بعد أما لم يلزم تقديم الخبر؛ لأن المحذورات الثلاثة مأمونة بعد أما؛ إذ لا يليها (إن) المكسورة، ولا (أن) التي بمعنى لعل، فجائز أن يقال: أما معلوم فأنك فاضل، وأما أنك فاضل فمعلوم، ومنه بيت الشاهد. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 301، 302) وشرح أبيات المغني (5/ 93)، والدرر (1/ 77).

(4)

ابن الناظم (47)، وأوضح المسالك (1/ 152)، وشرح ابن عقيل (1/ 241).

(5)

البيت من بحر الطَّويل، قاله نصيب بن رباح، وانظر شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1363)، وشرح التصريح (1/ 176)، وشرح الأشموني (1/ 213)، وسمط اللآلئ (401)، تحقيق: عبد العزيز الميمني، والمعجم المفصل في =

ص: 509

على نفسه ثم أتى عبد العزيز بن مروان

(1)

فمدحه فوصله عبد العزيز بن مروان وأدى عنه ما كاتب عليه فصار له ولاؤه، فقال قوم: إنه من بني قضاعة، وكانت أمه أَمةً سوداء فوقع عليها سيدها فاستولدها

(2)

نصيبًا، فاستعبده عمه بعد موت أَبيه وباعه من عبد العزيز بن مروان، وقيل: كان من أهل ودان عبد لرجل من كنانة، هو وأهل بيته وكان عفيفًا، لم يتشبب قط إلَّا بامرأته، وكان أهل البادية يدعونه بالنصيب تفخيمًا له، وسمي نصيبًا؛ لأنه لما ولد قال سيده: ائتونا بمولودنا هذا ننظر إليه، فلما أتي به قال: إنه لنصيب الخلق فسمي نصيبًا، ويكنى أَبا محجن، وقيل: أَبا الحجناء.

وكان شاعرًا إسلاميًّا حجازيًّا من شعراء بني مروان

(3)

، وفيهم نصيب آخر يسمى نصيبًا الأصغر وهو مولى المهدي، وهو عبد نشأ باليمامة واشتري للمهدي في حياة المنصور، فلما سمع شعره قال: والله ما هو بدون نصيب مولى بني مروان؛ فأعتقه وزوجه أمة له يقال لها: جعفرة، وكناه أَبا الحجناء، وأقطعه ضيعة بالسواد، وعفر بعده، وإنما ذكرناه فرقًا بينهما؛ لأنه يشتبه على كثير من النَّاس، وبعد البيت المذكور:

وما هَجَرَتْكِ النفْسُ يَا ليلَ أَنَّهَا

قَلَتْك وَلا أَنْ قَلَّ مِنْكِ نَصِيبُهَا

ولكنهُم يَا أَمْلَحَ النَّاس أولِعُوا

بقولٍ إذَا مَا جِئْتُ هَذَا حَبِيبُهَا

وهي من الطَّويل والقافية متدارك.

قوله: "أهابك": من هابه يهابه هيبةً ومهابةً، وهي الإجلال والخافة، والإجلال: التعظيم؛ من أجله إذا عظمه، والمعنى: أهابك لا لاقتدارك عليّ، ولكن إعظامًا لقدرك؛ لأن العين تمتلئ ممن تحبه فتحصل المهابة، والضمير في:"حبيبها" للعين، وإن جعلتها للمرأة جاز كما قاله الخطيب التبريزي

(4)

،

(5)

.

قوله: "وما هجرتك النفس

إلخ" ويروى:

وما هجرتك النفسُ أنك عندها

قليل ولكنْ قَل منك نصيبُها

= شواهد النحو الشعرية (84).

(1)

هو عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أمية (ت 85 هـ). ينظر الأعلام (4/ 28).

(2)

في (أ): فأولد ها.

(3)

ينظر طبقات الشعراء لابن سلام (186)، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت.

(4)

هو يحيى بن عليّ بن محمَّد الشَّيبانِيّ التبريزي (ت 502 هـ). ينظر الأعلام (8/ 157، 158).

(5)

انظر نصه في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (3/ 1363)(دار الجيل - بيروت).

ص: 510

وهكذا رواه [أبو زكريا]

(1)

الخَطيب التبريزي وغيره

(2)

، قوله:"قلتك" من قلاه إذا بغضه.

الإعراب:

قوله: "أهابك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله:"إجلالًا" من قبيل قولك: "قعدت جلوسًا"

(3)

؛ لأن معنى: أهابك إجلالًا: أجلك؛ فيكون نصبًا على أنَّه مفعول مطلق، وإنما نصب على التعليل، أي أهابك لأجل إجلالك وتعظيمك، وقد قيل: ويجوز أن يكون في موضع الحال

(4)

، قوله:"وما بك قدرة": جملة حالية، قوله:"ولكن"- بسكون النُّون فلذلك لم يعمل، قوله:"ملء عين": كلام إضافي خبر مقدم، وقوله:"حبيبها": مبتدأ مؤخر.

الاستشهاد فيه:

حيث يجب تأخير المبتدأ؛ إذ لو تقدم

(5)

يلزم عود الضمير إلى متأخر لفظًا ورتبةً، وذلك لا يجوز

(6)

، وإنما يتم هذا الاستشهاد على ما هو المشهور، من أنَّه إذا اجتمعت نكرة ومعرفة كانت المعرفة هي المبتدأ مطلقًا

(7)

، وأما على ما يراه سيبويه من أن النكرة إذا كانت مقدمة وكان لها مسوغ كانت هي المبتدأ فلا، ولهذا قال في: كم جريبًا أرضك؟ بأن كم مبتدأ

(8)

، وبقوله قال أبو الفتح في البيت فأعرب:"ملء عين": مبتدأ و"حبيبها": خبرًا

(9)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

انظر البيت كما ذكر في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (3/ 1363).

(3)

أي من باب المصدر الذي لا يلاقي فعله في الاشتقاق وذلك لكونه من غير لفظه ومعناهما متقاربان. ينظر ابن يعيش (1/ 112).

(4)

ينظر الارتشاف (2/ 44)، وشرح التصريح (1/ 76).

(5)

في (أ): قدم.

(6)

وذلك لأن (حبيبها) مبتدأ ملتبس بضمير العين، و (ملء عين) خبر واجب التقديم؛ لأنه لو أخر وقدم لعاد الضمير على متأخر لفظًا ورتبة، فالتزام تقديم الخبر يكون لأمن المحذور. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 302).

(7)

الغرض من الكلام هو حصول الفائدة، ولما كان الأخبار عن غير معين لا يفيد، كان أصل المبتدأ التعريف، ولذا إذا أخبر عن معرفة لم تتوقف الإفادة على زيادة، بخلاف النكرة فإن حصول الفائدة بالأخبار عنها يتوقف على قرينة لفظية أو معنوية، ويلزم من كون المبتدأ معرفة في الأصل كون الخبر نكرة في الأصل، لأنه إذا كان معرفة مسبوقًا بمعرفة توهم كونها موصوفًا وصفة؛ فمجيء الخبر نكرة يدفع ذلك التوهم. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 289).

(8)

قال سيبويه: "فإذا قلت: كم جريبًا أرضك، فأرضك مرتفعة بكم؛ لأنها مبتدأة، والأرض مبنية عليها، وانتصب الجريب؛ لأنه ليس بمبني على مبتدأ ولا مبتدأ، ولا وصف؛ فكأنك قلت: عشرون درهمًا خيرٌ من عشرة، وإن شئت قلت: كم "غلمانٌ" لك؟ فتجعل غلمان في موضع خبر كم، وتجعل لك صفة لهم". الكتاب لسيبويه (2/ 160).

(9)

لم نجده في كتب ابن جني الميسرة كالخصائص والمحتسب واللمع ومر الصناعة، وهو في شرح ديوان الحماسة المخطوط والمحقق رسائل.

ص: 511

‌الشاهد الثالث والستون بعد المائة

(1)

،

(2)

فَقَالتْ حَنَانٌ مَا أَتَى بِكَ هَا هُنَا

أَذُو نَسَبٍ أَمْ أَنْتَ بِالحيِّ عَارِفُ

أقول: أنشده سيبويه في كتابه، ولم يعزه إلى أحد، وقال: سمعت عن بعض العرب الموثوق بهم ينشده.

وهو من الطَّويل.

قوله: "فقالت" أي: المرأة المعهودة، قوله:"حنان" -بفتح الحاء وتخفيف النُّون، أي: رحمة، يقال منه: حنَّ عليه يحنُّ حنينًا، ومنه قوله تعالى:{وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} [مريم: 13] والحي: واحد أحياء العرب، قوله:"عارف": من عرف بالفاء.

الإعراب:

قوله: "فقالت": جملة من الفعل وفاعله وهو المستتر فيه، قوله:"حنان": خبر مبتدأ محذوف أي: أمري حنان، والأصل: أَتحنن عليك حنانًا، أي: أرحمك وأشفق عليك، ثم حذف الفعل فبقي المصدر المنصوب وهو (حنانًا) ثم رفع؛ لأن في الرفع تصيير الجملة اسمية، وفي النصب هي فعلية، والاسمية أدل على الثبوت والدوام من الفعلية، فلذلك عدل عنها إلى الاسمية، فلما رفع قدر له مبتدأ وهو قولنا: أمري حنان.

قوله: "مما": استفهام، أي: أي شيء أتى بك ها هنا؟ يعني: عندنا، قوله:"أذو نسب؟ " الهمزة فيه للاستفهام -أَيضًا- و"ذو نسب": كلام إضافي خبر مبتدأ محذوف، أي: أَنْتَ ذو نسب أم أَنْتَ بالحي عارف؟

وحاصل المعنى: لأي شيء جئت ها هنا؟ ألك نسب ها هنا؟ تعني: قرابة جئت لهم أم لك معرفة بالحي؟ وإنما قالت ذلك خوفًا عليه ورحمة من جهة الحي، فافهم، قوله:"أَنْتَ": مبتدأ، قوله:"عارف": خبره، "بالحي": يتعلق بعارف.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حنان" فإنَّه حذف منه المبتدأ -كما قلنا- حذفا واجبًا كما ذكرنا من المعنى،

(1)

ابن الناظم (48)، وأوضح المسالك (1/ 153).

(2)

البيت من بحر الطَّويل، لم ينسب في بعض مراجعه. ينظر الكتاب (1/ 320، 349)، والخزانة (1/ 277)، ونسبه إلى المنذر بن درهم الكلبي، وينظر ابن يعيش (1/ 118)، شرح التصريح (1/ 177)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 189).

ص: 512

وأما الحذف في قوله: "أذو نسب" ليس بواجب لشيء، فافهم

(1)

.

‌الشاهد الرابع والستون بعد المائة

(2)

،

(3)

يُذِيبُ الرُّعْبُ مِنْهُ كُل عَضُبٍ

فَلَوْلَا الغِمْدُ يُمْسِكُهُ لَسَالا

أقول: قائله هو أبو العلاء أَحْمد بن عبد الله بن سليمان بن محمَّد بن سليمان بن أَحْمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحرث بن ربيعة بن أنور بن أسحم بن أرقم بن النُّعمان بن عدي بن غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة التنوخي العري اللغوي الشَّاعر التضلع بالفنون من الأدب، صاحب التصانيف الكثيرة، ولكن تكلم فيه العلماء من جهة اعتقاده.

وكان قد عمي من الجدري، ولد يوم الجمعة لثلاث بقين من ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاث مائة بالعرة، وعمل الشعر وهو ابن إحدى عشرة

(4)

سنة، تُوفِّي يوم الجمعة لثلاث بقين من ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربعمائة بالعرة، ومكث مدة خمس وأربعين سنة لا يأكل اللحم تدينًا؛ لأنه كان يرى رأي الحكماء المتقدمين، وهم لا يأكلون؟ كيلا يذبحوا الحيوان؛ ففيه تعذيب له، وهم لا يدون بالإِيلام مطلقًا في جميع الحيوانات.

والبيت المذكور من أول قصيدة لامية وهي طويلة من الوافر، وهي أول قصائد كتابه المسمى سقط الزند، وأولها هو قوله:

1 -

أَعَنْ وَخْدِ القِلَاصِ كَشَفْتِ حَالًا

وَمِنْ عِنْدَ الظَّلامِ طَلَبْتِ مَالا

2 -

وَدُرًّا خِلْتِ أَنْجُمَهُ عَلَيهِ

فَهَلَّ خِلْتِهُنَّ بِهِ ذُبَالا

3 -

وَقُلْتِ الشمْسُ بِالبَيدَاءِ تِبْرٌ

وَمِثْلُكِ مَنْ تَخَيَّلَ ثُمَّ خَالا

(1)

قال سيبويه: "وقد جاء بعض هذا رفعًا يبتدأ ثم يثنى عليه

وسمعنا بعض العرب الموثوق به، يقال له: كيف أصبحت؟ فيقول: حمد الله وثناء عليه .... وهذا مثل بيت سمعناه من بعض العرب الموثوق به يرويه: (

البيت) لم ترد حن، ولكنها قالت: أمرنا حنان، أو ما يصيبنا حنان. وفي هذا المعنى كله معنى النصب

والذي يرفع عليه حنان وصبر وما أشبه ذلك لا يستعمل إظهاره، وترك إظهاره كترك إظهار ما ينصب فيه". الكتاب (1/ 319 - 321).

(2)

ابن الناظم (49)، وأوضح المسالك (1/ 156)، وشرح ابن عقيل (1/ 251)، وهو في توضيح المقاصد (1/ 288).

(3)

البيت من بحر الوافر، وهو من قصيدة طويلة لأبي العلاء المعري في ديوانه المسمى سقط الزند (47) ط. دار صادر، وبيت الشاهد في آخرها، وانظر ديوانه (331) شرح: أَحْمد شمس الدين (دار الكتب العلمية)، والبيت في شذور الذهب (6/ 66)، والمغني (273، 542)، وشرح التصريح (1/ 179)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 104)، والدرر (1/ 77).

(4)

في (أ): إحدى عشر.

ص: 513

4 -

وَفي ذَوْب اللُّجَينِ طَمعْتَ لَمَّا .. رَأَيْتِ سَرَابَهَا يَغْشَى الرِّمَالا

5 -

رَمَاكِ الله مِنْ فُوقِ بَرُوقٍ

من السَّنَوَاتِ تُشْكِلُكَ الإِفَالا

6 -

فَقَدْ أَكَثَرْتِ نُقلَتَنَا وَكَانَتْ

صِغَارُ الشهْبِ أَسْرَعَهَا انْتِقَالا

7 -

تذَكرُكِ الثَّويةَ من ثُدَيٍّ

ضَلَالٌ مَا أَرَدْتِ بِهِ ضَلَالا

إلى أن قال:

8 -

إِذَا بُصِرَ الأَمِيرُ وَقَدْ نَضَاهُ

بِأَعْلَى الجَوِّ ظُن عَلَيهِ آلا

9 -

وَدَبَّتْ فَوْقَهُ حُمْرُ المنَايَا

وَلَكِنْ بَعْدَمَا مُسِخَتْ نمَالا

10 -

يُذِيبُ الرُّغبُ مِنْهُ كُلّ عَضُبٍ .. فَلَوْلَا الغِمْدُ يُمْسِكُهُ لَسَالا

11 -

وَمَن يَكُ ذَا خَلِيلٍ غَيْرِ سَيفٍ

يُصَادِفُ في مَوَدَّتَهُ اخْتِلالا

12 -

وَذي ظَمَإ ولَيسَ بِهِ حَيَاةٌ

تيَقَّنَ طَولَ حَامِلِهِ فَطَالا

13 -

تَوَهَّمَ كلَّ سَابِغَةٍ غَدِيرًا

فَرَنَّقَ يَشْرَبُ الحلَقَ الدِّخَالا

1 -

قوله: "أعن وخد" الوخد -بفتح الواو وسكون الخاء المعجمة وفي آخره قال مهملة؛ ضرب من السير، و"القلاص": جمع قلوص، وهي الشابة من النوق، وهي من الإبل مثل الجارية من بني آدم.

2 -

و"الذبال" -بضم الذال المعجمة، وهي الفتيلة.

3 -

قوله: "بالبيداء" -بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، وهي المفازة، و"التبر"- بكسر التاء المثناة من فوق وسكون الباء الموحدة، وهو ما كان من الذهب غير مضروب، قوله:"تخيل" أي: توهم، قوله:"خالا" من خال الشيء يخيل خيلًا ومخيلةً وخيلولةً إذا ظن، وفي المثل:"من يسمع يخل"

(1)

وهو من باب ظننت وأخواتها.

4 -

قوله: "اللجين" -بضم اللام وفتح الجيم؛ وهو الفضة، جاء هكذا مصغرًا كالثريا والكميت.

5 -

قوله: "من فوق بروق" الفوق -بضم الفاء: موضع الوتر من السهم، ويجمع على أفواق، و"البروق" -بضم الراء: الشدائد، و"السنوات": جمع سنة، وهي الجدب، و"الإفال"- بكسر الهمزة، جمع إفيل، وهو ولد الإبل، قال الجوهري: الأفال والأفائل: صغار الإبل بنات الخاصِّ ونحوها، واحدها إفيل، والأنثى إفيلة

(2)

.

(1)

مجمع الأمثال (2/ 300)، رقم (4012)، المعنى: من يسمع أخبار النَّاس ومعايبهم يقع في نفسه عليهم المكروه.

(2)

الصحاح، مادة:"أفل".

ص: 514

6 -

قوله: "صغار الشهب" -بضم الشين المعجمة؛ وهي كالقمر وعطارد وسيرهما في الفلك أسرع من سير غيرهما.

7 -

قوله: "الثوية" -بفتح الثاء المثلثة وكسر الواو وفتح الياء آخر الحروف المشددة، وهي موضع بقرب الكوفة، و"ثدي" -بضم الثاء المثلثة وفتح الدال وتشديد الياء آخر الحروف، وهو موضع بالشَّام.

8 -

قوله: "وقد نضاه" الضمير يرجع إلى السيف فيما قبله، يقال: نضى سيفه؛ أي: سفه، وكذلك انتضاه، و"الآل": الشخص.

9 -

وأراد بـ "حمر المنايا" السيوف القاطعة، قوله:"نمالا" بكسر النُّون.

10 -

قوله: "يذيب" من أذاب [الشيء]

(1)

إذابة، والإذابة إسالة الحديد ونحوه من الجوامد، و"الرعب": الفزع والخوف، و"العضب" -بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة وفي آخره باء موحدة، وهو السيف القاطع، و"الغمد" -بكسر الغين المعجمة وسكون الميم، وهو غلاف السيف، قوله:"لسالا": فعل ماضٍ من السيلان، والسلام فيه للتأكيد، والألف للإطلاق، ومعناه: إن سيف هذا المدوح تهابه السيوف؛ كما أن الممدوح تهابه الرجال، حتَّى إن السيوف يذوب حديدها، فلولا أن أغمادها تمسكها لسالتُ لذوبانها من فزعها منه.

12 -

قوله: "وذي ظمأ" أي: عطش، وأراد به الرمح، و"الطول" بفتح الطاء: مصدر طالت يده بالعطاء طولًا.

13 -

قوله: "فرنق": من رنّقت الماء ترنيقًا؛ أي: كدرته، قوله:"الحلق الدخالا" بكسر الدال وتخفيف الخاء المعجمة، والدخال في الورد أن يشرب البعير ثم يرد من العطش إلى الحوض، ويدخل بين بعيرين عطشانين ليشرب منه ما عساه لم يكن يشرب.

الإعراب:

قوله: "يذيب": فعل مضارع، و"الرعب": فاعله، قوله:"منه": حال من الرعب،

و"كل

عضب": كلام إضافي مفعول لقوله: "يذيب"، قوله: "الغمد": مبتدأ، وقوله: "يمسكه": خبره، وقد يقال: إن الخبر محذوف، "ويمسكه": بدل اشتمال على أن الأصل: أن يمسكه، ثم حذف

(2)

أن وارتفع الفعل، ويقال: يمسكه: جملة معترضة، ويقال: جملة وقعت حالًا من الخبر المحذوف، وفيه نظر؛ لأنهم لا يذكرون الحال بعد لولا فافهم

(3)

، قوله:"لسالا": جواب لولا.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

في (أ): حذفت.

(3)

قال ابن هشام: "وقيل: يحتمل أنَّه حال عن الخبر المحذوف، وهذا مردود بنقل الأخفش أنَّهم لا يذكرون الحال =

ص: 515

ثم اعلم أن البيت إنما ذكروه للتمثيل لا للاستشهاد؛ لأن المعري لا يحتجُّ بشعره كما ذكره أبو علي الفارسيّ في الإيضاح من أشعار حبيب

(1)

على وجه التمثيل، ومع هذا لا يحتج بشعره

(2)

فإذا كان حبيب لا يحتج بشعره وهو أعلى طبقة من المعري، فأحرى أن لا يحتج بشعر المعري.

وجه التمثيل: أنَّه ذكر الخبر بعد لولا؛ فإنَّه في مثل هذا الموضع يجوز ذكر الخبر وتركه؛ فإنَّه لو قال: لولا الغمد لسال، على تقدير: لولا الغمد يمسكه، صح الكلام والمعنى، ولكنه اختار ذكر الخبر دفعًا لإبهام تعليق الامتناع على نفس الغمد بطريق المجاز، وقد خطأ بعضهم أَبا العلاء المعري في هذا؛ حيث أثبت الخبر بعد لولا

(3)

والمُخَطِّيُّ مُخْطِيٌّ لما ذكرنا.

‌الشاهد الخامس والستون بعد المائة

(4)

تَمنَّوْا لِيَ المَوْتَ الَّذِي يَشْعَبُ الفَتَى

وَكُل امْرِئٍ والمَؤتُ يَلْتَقِيَانِ

أقول: قائله هو الفرزدق، وقد ترجمناه، وقبله:

لَشَتَّانَ مَا أَنْوي وَيَنْوي بَنُو أَبِي

جَمِيعًا فَمَا هَذَانِ مُسْتَوَيانِ

وهما من الطَّويل.

قوله: "تمنوا": من التمني، قوله:"يشعب" -بفتح العين؛ أي: يفرق، يقال: شعبة- بالتخفيف إذا فرقه، وفي الحديث:"ما هذه الفتيا التي شعبت بها النَّاس".

والمعنى: أن هؤلاء تمنوا لأجلي الموت الذي يفرق الفتى عن إخوانه أو عن أهله، أو عن أولاده، ولا بد لكل امرئ أن يلقى الموت، وفي معناه: ما روي عن الإِمام الشَّافعيّ

(5)

-

= بعدها؛ لأنه خبر في المعنى". ينظر المغني (273).

(1)

هو حبيب بن أوس الطَّائيّ أبو تمام الشَّاعر (ت 231 هـ). ينظر الأعلام (2/ 165).

(2)

ليس في الإيضاح بشرح المقتصد كما ذكر العيني، وقد بحثنا عن هذا القول من أبي علي في كتبه الكثيرة فلم نعثر عليه أو عن حديث عن أبي تمام.

(3)

يجب حذف الخبر في مواضع: الأول: بعد: "لولا" وذلك إذا كان كونا مطلقًا وهو الغالب نحو: لولا زيد لأكرمتك، أي: لولا زيد موجود أو كائن، فإن كان الكون خاصًّا ولا دليل عليه وجب إثباته كقوله عليه السلام:"لولا قومك حديثو عهد بجاهلية لأقمت البيت" وإن كان الكون خاصًّا وله دليل جاز إثباته وحذفه نحو: لولا أنصار زيد حموه لم ينج، ومنه بيت الشاهد، وهذا هو مذهب الرماني وابن الشجري والشلوبين، أما مذهب الجمهور فإن الخبر الواقع بعد لولا واجب الحذف مطلقًا بناء على أنَّه لا يكون إلَّا كونًا مطلقًا، فإن كان كونه خاصًّا امتنع الأخبار به بعد لولا".

ينظر توضيح المقاصد (1/ 288 - 290)، والمغني لابن هشام (273).

(4)

ابن الناظم (49)، وأوضح المسالك (1/ 158).

(5)

هو محمَّد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي أحد الأئمة الأربعة (ت 203 هـ). ينظر الأعلام (6/ 26).

ص: 516

رضي الله تعالى عنه -

(1)

:

تمنى رجالٌ أن أموتَ وإن أَمُتْ

فتلكَ سبيل لستُ فيها بأوحدٍ

(2)

الإعراب:

قوله: "تمنوا": فعل وفاعل، و"الموت": مفعوله، و"لي": جار ومجرور يتعلق بـ "تمنوا"، و"الذي": موصول، و"يشعب الفتى": جملة صلته، والوصول مع صلته صلة للموت، قوله:"وكل امرئ": كلام إضافي مبتدأ، و"الموت": عطف عليه، و"يلتقيان": خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وكل امرئ والموت يلتقيان" حيث أثبت فيه ذكر خبر المبتدأ المعطوف عليه بالواو، ولأن

(3)

الواو ليست صريحة في المصاحبة فلم يجب الحذف، وأما إذا كانت الواو صريحة للمصاحبة فلا يجوز في مثل هذا إظهار الخبر نحو: كل ثوب وقيمته، وكل عامل وعمله، وذلك لأن الواو وما بعدها قاما مقام مع وسدا مسد الخبر

(4)

.

‌الشاهد السادس والستون بعد المائة

(5)

،

(6)

لكَ العِزُّ إِنْ مَوْلَاكَ عَزَّ وَإنْ يُهَنْ

فأنتَ لدى بُحْبُوحَةِ الهُونِ كَائِنُ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل.

قوله: "مولاك" الولى يجيء لمعان كثيرة: الحليف والرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والمحب والتابع والجار وابن العم والصهر والعبد والمنعم عليه، ويضاف كل واحد إلى ما يقتضيه، والظاهر أن المراد ها هنا الحليف، أو التابع، قوله:"وإن يهن": على صيغة المجهول، قوله:

(1)

البيت لا يوجد في ديوانه، شرح: د. إميل بديع يعقوب، طبعة دار الكتاب العربي بيروت.

(2)

البيت من بحر الطَّويل من مقطوعة صغيرة في ديوان الإمام الشَّافعيّ في (64)(المكتبة التوفيقية) وبعده:

وما موت من قلن مات قبلي بضائري

ولا يمس من عاش بعدي بمخلد

(3)

في (أ): لأن.

(4)

من مواضع حذف الخبر وجوبًا إذا عطف على المبتدأ بواو هي نص في المعية نحو: كل صانع وما صنع، ولو لم تكن الواو نصًّا في المعية نحو: زيد وعمرو خارجان لم يجز حذف الخبر؛ لأنه ليس في اللفظ ما يدل عليه. ينظر ابن يعيش (1/ 98)، وتوضيح المقاصد (1/ 290).

(5)

شرح ابن عقيل (1/ 211).

(6)

البيت من بحر الطَّويل لقائل مجهول، وانظره في شرح شواهد المغني للسيوطي (847)، ومغني اللبيب لابن هشام (2/ 446)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 98)، والمعجم المفصل في شواهد العربية (8/ 103).

ص: 517

"بحبوحة" -بضم الباء الموحدة، وبحبوحة كل شيء: وسطه، وكذا بحبوحة الدار: وسطها، يقال: بحبح إذا تمكن وتوسط المنزل والمكان، و"الهون" -بضم الهاء: الذل والهوان.

الإعراب:

قوله: "العز": مبتدأ، و"لك" مقدم عليه: خبره، و"إن": حرف شرط، و"مولاك": كلام إضافي مرفوع بفعل محذوف يفسره الظاهر تقديره: إن [عز]

(1)

مولاك عز، قوله:"وإن يهن" -أَيضًا - حرف شرط والضمير فيه يرجع إلى المولى، قوله:"فأنت": مبتدأ وقوله: "كائن": خبره، والجملة جواب الشرط.

فإن قلتَ: أين جواب إن الأولى؟

قلت: محذوف دل عليه قوله: "لك العز"، التقدير: إن عز مولاك ذلك العز، وإن يهن فأنت مهان، وقوله:"لدى بحبوحه الهون": معترض بين المبتدأ والخبر، و"لدى": نصب على الظرف

(2)

مضاف إلى بحبوحة الهون، والتقدير: أَنْتَ كائن عند بحبوحة الذل والهون.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كائن" حيث صرح بذكره وهو خبر شذوذًا، وذلك لأن الأصل إذا كان الخبر ظرفا أو مجرورًا يكون كل منهما متعلقًا بمحذوف واجب الحذف نحو: زيد عندك، وزيد في الدار، والأصل: زيد استقر عندك واستقر في الدار، أو مستقر على الوجهين

(3)

، وإبرازه كما في

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

في (أ): الظرفية.

(3)

اختلف النحويون في تقدير متعلق الظرف والجار والمجرور إذا وقعا خبرًا، فاختار بعضهم أنَّه فعل، والآخرون بأنه اسم، والأول جزم به ابن الدهان، والثاني جزم به ابن مالك. والقول بتقديره اسمًا هو قول ابن مالك، فعنده أن الظرف والجار والمجرور الخبر بهما متعلق بمحذوف هو عبارة عن كون مطلق يقدر اسمًا؛ لأن الأصل في الأخبار الإفراد ونسب لسيبويه، وقيل: بأن الأخفش صرح به. قال ابن مالك: "ويدل على أن تقدير اسم الفاعل أولى: أربعة أوجه: الأول: أن اجتماع اسم الفاعل والظرف قد ورد (كبيت الشاهد) الثاني: أن الفعل لا يغني تقديره عن اسم الفاعل واسم الفاعل يغني مغن، الثالث: كل موضع وقع فيه الظرف صالح لاسم الفاعل ولا عكس، الرابع: الفعل المقدر جملة بإجماع، واسم الفاعل ليس بجملة، والمفرد هو الأصل في الأخبار. شرح التسهيل لابن مالك (1/ 317، 318)، وشرح المقرب، د. علي فاخر (المرفوعات) (644، 645)، والقول بتقدير المتعلق فعلًا: قال به أكثر النحويين وقالوا وأنه من حيز الجمل لا حيز المفردات، واستدلوا بجواز وقوعه صلة، والصلة لا تكون إلَّا جملة وبأن أصل التعليق أن يكون بالفعل، ولا تعلق بالاسم إلَّا إذا كان في معنى الفعل. قال ابن يعيش: "واعلم أن أصحابنا قد اختلفوا في ذلك المحذوف. هل هو اسم أو فعل؟ فذهب الأكثر إلى أنَّه فعل وأنه من حيز الجمل وتقديره: زيد استقر في الدار، ويدل على ذلك أمران: أحدهما: جواز وقوعه صلة نحو قولك: الذي في الدار زيد، والصلة لا تكون إلَّا جملة. فإن قيل التقدير: الذي هو مستقر في الدار كما قال: ما أنا بالذي قائل لك شيئًا. والمراد: بالذي هو قائل، فكذلك هنا كون الظرف متعلقًا باسم مفرد على تقدير مبتدأ =

ص: 518

البيت المذكور شاذ، وصرح ابن جني

(1)

بجواز إظهاره لكونه أصلًا، فافهم

(2)

.

‌الشاهد السابع والستون بعد المائة

(3)

،

(4)

فَأَقْبَلْتُ زَحْفًا عَلَى الرُّكبَتَيِن

فَثَوْبٌ لَبِسْتُ وَثَوْبٌ أَجُرُّ

أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدة رائية، وهي طويلة من التقارب، وقد سقناها جميعها فيما مضى في أوائل الكتاب

(5)

، قوله:"فأقبلت زحفا على الركبتين" ويروى:

فلَمَّا دَنَوْتُ تَسَدَّيْتُهَا

فَثَوْبٌ لَبِسْتُ وَثَوْب أَجُرُّ

وإنما جر الثوب لئلا يرى أثر قدميه فيعرف؛ لأن القايف يتبين ذلك، ويقال: فعل ذلك من الخوف، وقال أبو حاتم: لبست ثوبًا وجررت آخر، قوله:"تسديتها" أي: علوتها وركبتها، يقال: تسدى فلان فلانًا إذا أخذه من فوقه.

الإعراب:

قوله: "فأقبلت" الفاء للعطف على ما قبله "وأقبلت": فعل وفاعل، قوله:"زحفًا" إما حال بمعنى: مزاحفًا وإما مصدر لفعل محذوف تقديره: فأقبلت أزحف زحفا، و"على الركبتين" متعلق بقوله: زحفا، قوله:"فثوب": مبتدأ، وخبره قوله:"لبست" والأصل لبسته، وكذلك "ثوب أجر"، أي: أجره، وهو أَيضًا - مبتدأ وخبره.

= محذوف .. والأمر الثاني: أن الظرف والجار والمجرور لا بد لهما من متعلق به، والأصل أن يتعلق بالفعل، وإنما يتعلق بالاسم إذا كان في معنى الفعل ومن لفظه، ولا شك أن تقدير الأصل الذي هو الفعل أولى". ابن يعيش (1/ 90)، وينظر إعراب الجمل وأشباه الجمل، د. فخر الدين قباوة (295)، المساعد لابن عقيل (1/ 235، 236).

(1)

ابن جني: أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي ولد سنة (320 هـ). وله مصنفات شتى منها في النحو: الخصائص والمنصف وسر صناعة الإعراب. ومنها في القراءات: كالمحتسب وغيره، و (392 هـ). ينظر المدارس النحوية (365) وما بعدها.

(2)

ينظر اللمع لابن جني (76)، تحقيق: حامد المؤمن، طبعة عالم الكتب، ومكتبة النهضة العربية، ثانية، (1985 م)، وينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 317)، وابن يعيش (1/ 90).

(3)

شرح ابن عقيل (1/ 219).

(4)

البيت من بحر المتقارب، وهو لامرئ القيس الكندي يصف فرسه، ينظر ديوانه (109) ط. دار صادر، و (70) طبعة دار الكتب العلمية، وروايته فيه:

فلما دنوت تسديتها

فثوبًا لبست وثوبًا أجر

(5)

ينظر الشاهد رقم (7) من الكتاب الذي بين يديك.

ص: 519

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فثوب" حيث وقع مبتدأ وهو نكرة لكون القصد بها إلى التنويع، وهو من جملة المخصصات المعدودة

(1)

.

‌الشاهد الثامن والستون بعد المائة

(2)

،

(3)

سَرَيْنَا وَنَجْمٌ قَدْ أَضَاءَ فَمُذ بَدَا

مُحَياكَ أَخْفَى ضَوْؤهُ كُل شَارِقٍ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل.

قوله: "سرينا": من السرى، وهو

(4)

يتصحف بشربنا من الشراب، قوله:"أضاء" أي: أنار، قوله:"فمذ بدا"، أي: ظهر ولاح، "محياك" أي: وجهك، قوله:"كل شارق" الشارق: يطلق على كل شيء [يشرق]

(5)

أي يضيء؛ من الشَّمس والقمر والنجوم وغير ذلك.

الإعراب:

قوله: "سرينا": جملة من الفعل والفاعل، والواو في:"ونجم" للحال، "ونجم": مبتدأ، و"أضاء": خبره، قوله:"فمذ": ظرف مضاف إلى الجملة التي بعده، وقيل: مضاف إلى زمن مضاف إلى الجملة، و" بدا": فعل ماض، و"محياك": فاعله، والجملة وقعت مضافة إلى مذ، و"مذ": في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله:"أخفى ضوؤه" والتقدير: فمذ بُدُوّ محياك أخفى ضوؤه، أو فمذ وقت بدو محياك أخفى ضوؤه، وارتفاع (ضوؤه) بقوله: أخفى، وقوله:"كل شارق": كلام إضافي مفعول أخفى.

(1)

ذكر البغدادي في الخزانة أن الرضي استشهد به على أن حذف الضير المنصوب بالفعل من الخبر سماعي وتقديره: فثوب نسيته وثوب أجره، وقال ابن عقيل في شرح الألفية:"وجاز الابتداء بالنكرة؛ لأنه قصد التنويع"(1/ 219) وقال ابن هشام في المغني: "ومما ذكروا من المسوغات أن تكون النكرة للتفصيل نحو: فثوب نسيت وثوب أجر" ينظر (472) وفي البيت توجيهان آخران ذكرهما ابن هشام وأصلهما للأعلم أحدهما: أن جملتي: نسيت وأجر ليستا خبرين، بل هما نعتان للمبتدأين، وخبراهما محذوفان والتقدير: فمن أثوابي ثوب منسي وثوب مجرور. والتوجيه الثاني: أن الجملتين خبران ولكن هناك نعتان محذوفان والتقدير: فثوب لي نسيته وثوب لي أجره، وعلى هذين التوجيهين فالمسوغ للابتداء بالنكرة كونها موصوفة. ينظر الخزانة (1/ 180)، ومنحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل (1/ 220)، ونتائج الفكر (338).

(2)

ابن الناظم (45)، وشرح ابن عقيل (1/ 221).

(3)

البيت من بحر الطَّويل، وهو لقائل مجهول، وانظره في الدرر (2/ 23)، وشرح شواهد المغني (1863)، والمغني (471)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 151).

(4)

في (أ): وقد.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 520

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ونجم" حيث وقع مبتدأ وهو نكرة، والمسوغ لذلك هو وقوعه بعد واو الحال، فافهم

(1)

.

‌الشاهد التاسع والستون بعد المائة

(2)

،

(3)

مُرَسَّعَةٌ بَينَ أَرْبَاعِهِ

بِهِ عَسَمٌ يَبتَغِي أَرْنَبا

أقول: قائله هو امرؤ القيس بن مالك النميري، وقد قال بعضهم: إن هذا لامرئ القيس بن حجر الكندي

(4)

.

وقال أبو القاسم الآمدي

(5)

(صاحب المختلف والمؤتلف في أسماء الشعراء)

(6)

: هذا ليس بصحيح، والصحيح هو الأول.

قلت: هذا مثبت في ديوان امرئ القيس بن حجر الكندي، وقال في شرحه: وهو رواية أبي عبيدة والأصمعي.

وقال أبو سعيد: قرأتها على أبي حاتم والزيادي جميعًا

(7)

، وذكره الأعلم

(8)

فيما جمعه من القصائد المختارة للستة؛ أحدهم امرؤ القيس بن حجر الكندي

(9)

.

وهو من قصيدة بائية من الوافر، وأولها هو قوله:

1 -

أيَا هِنْدُ لا تَنْكِحِي بُوهَة

عَلَيهِ عَقِيقَتُهُ أَحْسَبا

2 -

مُرَسَّعَةٌ بَين أَرْسَاغِهِ

بِهِ عَسَمٌ يَبتَغِي أَرْنَبا

3 -

لِيَجْعَلَ فيِ سَاقِهِ كَعْبَهَا

حِذَارَ المنَيةِ أَنْ يَعْطَبا

(1)

شرح التسهيل لابن مالك (1/ 294)، والدرر (1/ 76).

(2)

شرح ابن عقيل (1/ 222)، وروايته:

مرسعة بين أرساغه

..........................

(3)

البيت من بحر المتقارب، وهو مطلع قصيدة صغير لامرئ القيس بن حجر الكندي، وهو في ديوانه (74) ط. دار صادر، وأشعار الستة الجاهليين (1/ 101).

(4)

ينظر ديوانه (128).

(5)

هو الحسن بن بشر بن يحيى الآمدي، صاحب الموازنة بين أبي تمام والبحتري، (ت 370 هـ). ينظر الأعلام (2/ 185).

(6)

ينظر الأعلام (2/ 185).

(7)

هو إبراهيم بن سفيان بن سليمان بن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن زياد بن أَبيه أبو إسحاق الزِّيادي، صنف: النقط والشكل والأمثال وشرح نكت الأعراب وغيرها (ت 249 هـ). ينظر بغية الوعاة (1/ 414).

(8)

يوسف بن سليمان بن عيسى النَّحويّ الشنتمري المعروف بالأعلم (ت 476 هـ). بغية الوعاة (2/ 356).

(9)

ينظر أشعار الستة الجاهليين (1/ 101)، والديوان بشرحه (128).

ص: 521

4 -

فَلَسْتُ بخِزرَافَةٍ في القُعُودِ

وَلَسْتُ بطَيَّاخَةٍ أَخْدَبا

5 -

وَلَسْتُ بِذِي رَيْثَةِ إمَّرٍ

إِذَا قيدَ مُسْتَكْرَهًا أَصْحَبا

6 -

وَقَالتْ بِنَفْسِي شَبَابٌ لَهُ

ولِمَّتُهُ قَبلَ أَنْ يَشجُبا

7 -

إِذْ هيَ سَوْدَاءُ مثل الجَنَا

حِ تَغْشَى المطَانِبَ والمنَكِبا

8 -

فَلَمَّا انْتَحَيتُ بِعَيرَانَة

أشَبِّهُهَا قطمًا مصعَبا

9 -

تُجَاوبُ أَصْوَاتَ أَنيَابِهَا

كَمَا رعتْ فِي الضَّالة الأَخْطَبا

10 -

كأكْدر مُلْتَئِمٍ خلقهُ

تَرَاهُ إِذَا مَا عدا تَالِبَا

1 -

قوله: "أيا هند" هي أخت امرئ القيس، يقول لها: لا تتزوجي رجلًا هو في الرجال مثل البوهة؛ وهي البومة العظيمة، قال الأعلم: البوهة: البومة العطمة تضرب مثلًا للرجل الذي لا خير فيه ولا عقل له، وهو [بضم]

(1)

الباء الموحدة وسكون الواو وفتح الهاء وفي آخره تاء

(2)

، وقال أبو حاتم: رجل بوهة: لا خير فيه، وقال أبو عمرو: البومة الصغيرة يشبه بها الرَّجل الأحمق

(3)

.

قوله: "عقيقته" أي: شعره الذي خرج به من بطن أمه، أراد أنَّه لا يطلي ولا يحلق شعره ولا يتنظف، قوله:"أحسبا" بالحاء والسين المهملتين، وهي من الحسبة، وهي صهبة تضرب إلى العمرة، وهي مذمومة عند العرب، وقال في شرح الديوان: الأحسب: الأحمر في سواد، والحسبة: الحمرة في سواد

(4)

.

2 -

قوله: "مرسعة" قال الأعلم: المرسعة مثل المعاذة، كان الرَّجل من جهلة العرب يعقد بين أرساغه معاذة مخافة أن يموت أو يصيبه النبلاء

(5)

، ويقال: مرسعة ومرصعة، والتقدير: بين أرساغه مرصعة

(6)

.

وقال غيره: المرسعة: التميمة يجعلها في رسغه، والمرصع أن يخرق سيرًا ثم يدخل فيه طرف سير كنحو سيور المصاحف

(7)

.

قلت: هو بضم الميم وفتح الراء وفتح السين المشددة ويقال: بكسر السين، وهو مثل المرسع

(1)

ما بيت المعقوفين سقط في النسخة (أ).

(2)

ينظر أشعار الستة الجاهليين (1/ 101).

(3)

ينظر الصحاح، مادة:"بوه" واللسان، مادة:"رسع".

(4)

ينظر اللسان مادة: "حسب" وأنشد بيت الشاهد، والديوان شرحه (128).

(5)

ينظر أشعار الستة الجاهليين (1/ 101).

(6)

اللسان، مادة:"رسع".

(7)

السابق نفسه.

ص: 522

اسم فاعل ولكنه أدخل الهاء للمبالغة كعلامة؛ وهو الذي يجعل التميمة في رسغه

(1)

.

قوله: "بين أرباعه" ويروى: وسط أرباعه، ويروى: بين أرساغه، ويروى: بين أرباقه.

والمعنى: على رواية أرباعه: أنَّه ملازم أرباعه، أي: منازله، لا يسافر ولا يغزو ولا يهتدي لخيره فهو يرسغ تميمة يجعلها في رسغه يتعوذ بها.

والمعنى: على رواية أرساغه ظاهر، والأرساغ: جمع رسغ.

والمعنى: على رواية أرباقه أنَّه يرسغ على الأرباق، وهي حبال فيها عدة عرى، والواحد رِبق - بكسر الراء وسكون الباء الموحدة.

ق وله: "عسم" -بفتح العين والسين المهملتين؛ وهو يبس في الرسغ، وزيغ يقال: يد عسماء، وقال الأعلم: العسم: اعوجاج في الرسغ ويبس

(2)

، قوله:"يبتغي" أي: يطلب، و"الأرنب": حيوان مشهور من خصائصه أنَّه يحيض بين سائر الحيوانات، وألفه زائدة.

3 -

قوله: "حذار المنية" أي: خوف الموت، وقال الأصمعيّ: كانت الجاهلية إذا وقعت الأوباء علقوا عليهم عظامًا من عظام الضبع والذئب وكعاب الأرانب يقولون حتَّى يعدونا الموت.

4 -

قوله: "بخزرافة" -بكسر الخاء المعجمة وسكون الزاي وتخفيف الراء وبعد الألف فاء؛ وهو الكثير الكلام الخفيف، وقال أبو حاتم: الخزرافة: الخوّار الضعيف، قوله:"في القعود" أي: إذا قعدت، و"الطياخة" -بفتح الطاء المهملة وتشديد الياءآخر الحروف وبالخاء المعجمة؛ وهو الذي لا يزال يقع في سوءة لحمقه، و"الأخدب"- بالخاء المعجمة؛ وهو الذي لا يتمالك عن الحمق والجهل والاستطالة.

5 -

قوله: "ريثة" -بفتح الراء وسكون الياءآخر الحروف وفتح الثاء المثلثة، وهو وجع يأخذ في الركبتين، وقال الأعلم: هو وجع المفاصل من الضعف والكبر

(3)

، و"الإمر" بكسر الهمزة وتشديد الميم المفتوحة، وهو الضعيف والأنثى: إمّرَة، قوله:"إذا قيد" يعني: صاحب الريثة، أراد أنَّه إذا قاده عدوه إلى أمر تابعه وذهب معه، قوله:"أصحبا" أي: اتبع، وألفه للإطلاق.

6 -

قوله: "ولمته" -بكسر اللام وتشديد الميم، وهي الشعر يلم بالمنكبين، ويقال: اللمة: الجمة ويجمع على لمم وجمم

(4)

، وقوله:"أن يشجبا" أي: أن يهلك، والشجب: الهلاك، يقال:

(1)

ينظر أشعار الستة الجاهليين (1/ 101)، واللسان مادة:"رسع".

(2)

ينظر أشعار الستة الجاهليين (1/ 102)، واللسان مادة:"عسم".

(3)

أشعار الستة الجاهليين (1/ 102).

(4)

اللمة بكسر اللام، وجمعها لمم بالكسر أيضًا، والجمة بضم الجيم وجمعها جمم بالضم أَيضًا، واللمة: الشعر يلم =

ص: 523

شعيب يشجُب من باب نصر ينصر، وشجب يشجَبُ من باب علم يعلم.

7 -

قوله: "إذ هي" أي: اللمة سوداء مثل الجناح، ويروى: مثل الفحيم، يريد: الفحم شبه سواد اللمة به، وأراد بالجناح جناح الغراب، قوله:"يغطي المطانب" ويروى: يغشي المطانب، والمطانب- بالنُّون بعد الألف؛ حيث يطنب حبل العاتق إلى المنكب؛ أي: يكون مثل الطنب.

8 -

قوله: "فلما انتحيت

إلخ" رواه الزِّيادي والأصمعي، ولم يروه أبو عبيدة ولا أبو حاتم، و"العيرانة": الناقة تشبه بالعير في سرعتها ونشاطها، و"القطم" -بفتح القاف وكسر الطاء وهو الهائج، و"المصعب" الصعب الذي اتخذ للفحلة ولم يذلل بعمل ولا ركوب.

9 -

قوله: "في الضالة" -بتخفيف اللام؛ وهي السدر البري، و"الأخطب": الصرد، والخطبة لون [يضرب]

(1)

إلى الخضرة.

10 -

قوله: "ملتئم خلقه" أي: يشبه بعض خلقه بعضًا ليس بمختلف الأعضاء، و"التألب": الغليظ المجتمع.

الإعراب:

قوله: "بوهة": مفعول لا تنكحي، قوله:"عليه عقيقته": جملة اسمية وقعت صفة لبوهة لأنها نكرة، قوله:"أحسبا": حال من العقيقة، قوله:"مرسعة" بالرفع: مبتدأ، وقوله:"بين أرباعه": خبره، وبين: نصب على الظرف

(2)

.

فإن قلت: أراد بالبوهة الرَّجل الأحمق -كما ذكرنا وكيف يقول: مرسعة بالتأنيث على رواية من رواه بكسر السين؟

قلت: قد قلنا: إن التاء فيه علامة المبالغة، أو يكون من قبيل قولهم: رجل هلباجة وقفقافة

(3)

، قوله:"به عسم": جملة من المبتدأ؛ أعني: عسمًا، والخبر أعني:"به" مقدمًا، والجملة وقعت صفة لمرسعة إذا كان بكسر السين، وأما إذا كان بفتح السين يكون صفة لبوهة، فافهم.

= المنكبين، والجمة: مجتمع شعر ناصية الإنسان. المصباح المنير: "جمم".

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): الظرفية.

(3)

في لسان العرب، مادة "هلبج": الهِلْباجُ والهِلْباجةُ والهُلَبجُ والهُلابِجُ: الأَحمق الذي لا أَحمق منه، وقيلِ: هو الوَخِمُ الأحمق المائِقُ القليل النفع الأكُولُ الشَّرُوب، زاد الأزهري: الثقيل من النَّاس، ويقال للَّبن الخاثر: هِلْباجَة أَيضًا، ولَبن هِلْباج وهُلَبجٌ خاثر، قال خلفٌ الأحْمَرُ: سأَلت أَعرابيًّا عن الهِلْباجة، فقال: هو الأَحمقُ الضخمُ الفَدْمُ الأَكُولُ، الذي .. الذي .. الذي .. ثم جعل يلقاني بعد ذلك فيزيد في التفسير كل مرة شيئًا ثم قال لي بعد حين وأراد الخروج: هو الذي جمع كل شَرٍّ". أما القفقافة، فهو اليبس الذي لا خير فيه.

ص: 524

قوله: "يبتغي": فعل مضارع، وفاعله مستتر فيه، و"أرنبًا": مفعوله، وهذه الجملة -أَيضًا- صفة أخرى، وإنما خص الأرنب؛ لأنهم كانوا يعلقون كعبًا كالمعاذة، يزعمون أن من علقه لم تضره عين ولا سحر؛ لأن الجن تمتطي الثعالب والظباء والقنافذ، وتجتنب الأرانب لمكان الحيض.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مرسعة" فإنَّها نكرة وقعت مبتدأ؛ لأن النكرة إذا لم [يرد]

(1)

بها معين ساغ الابتداء بها؛ لأنه لا يريد مرسعة دون مرسعة، بخلاف: رجل قائم، فافهم

(2)

.

‌الشاهد السبعون بعد المائة

(3)

،

(4)

كَمْ عَمَّةٌ لَكَ يَا جَرِيرُ وَخَالةٌ

فَدْعَاءُ قَدْ حَلَبَتْ عَلَيَّ عِشَارِي

أقول: قائله هو الفرزدق يهجو به جريرًا من قصيدة، أولها هو قوله:

1 -

قَبَّحَ الإِلَهُ بَنِي كُلَيب إنَّهُمْ

لا يَغْدِرُونَ ولا يَفُونَ لجارِ

2 -

يَسْتَيقِظُونَ إِلَى نُهَاقِ حَمِيرِهِمْ

وَتَنَامُ أَعْيُنُهُمْ عَنِ الأَوْتَارِ

3 -

مُتَبَرْقِعِي لؤمٍ كَأَن وُجُوهَهُمْ

طُلِيَتْ حَوَاجِبُهَا عَنِيّةَ قَارِ

4 -

وَلَقَدْ ضَلَلْتُ أَباكَ يَطْلُبُ دَارِمًا

كَضَلالي مُلْتَمِسٍ طريق وَبَارِ

5 -

كَالسَّامِرِيِّ يَقُولُ إِن حَرَّكْته

دَعْنِي فَلَيسَ عَلَيَّ غَيرِ إِزَارِي

6 -

كم عمة ...............

................ إلخ

7 -

شَغَّارَة تقذ الفَصِيلَ بِرِجْلِهَا

فَطَّارَةٌ لِقَوَادِمِ الأَبْكَارِ

8 -

وَرِجَالكُمْ ميل إِذَا حمُسَ الوَغَى

وَنِسَاؤُكُمْ يَحْلِبْنَ للأَصْهَارِ

9 -

كَمْ مِنْ أَبٍ لَكَ يَا جَرِيرُ كَأَنَّهُ

قَمَرُ المجرَّةِ أَوْ سِرَاجُ نَهَارِ

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

يقصد بذلك: أن من مواضع الابتداء بالنكرة: قصد الإبهام إذا لم يقصد المتكلم البيان أو التعليل أو نقل الشيوع، والإبهام هو مقصد من مقاصد البلغاء، والبيت لا يريد به مرسعة دون مرسعة؛ ولذا كان إبهامًا. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 293).

(3)

شرح ابن عقيل (1/ 226).

(4)

البيت من بحر الكامل، وهو من قصيدة طويلة للفرزدق يهجو بها جريرًا، ولما كان الهجاء فاحشًا فقد حذفها محققو الديوان في الطبعات الحديثة، وتوجد أبيات منها في الخزانة (6/ 485)، وانظره في الدرر (4/ 45)، وشرح التصريح (2/ 280)، وشرح شواهد المغني (1/ 511)، وشرح عمدة الحافظ (536)، وابن يعيش (4/ 133)، واللسان مادة:"عشر"، والكتاب لسيبويه (2/ 72)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 254).

ص: 525

وهي من الكامل.

3 -

قوله: "عَنِيَّة قَار" بفتح العين المهملة وكسر النُّون وتشديد الياء آخر الحروف، على وزن فعيلة، وهو بول البعير يعقد في الشمس يطلى به الأجرب، قوله:"قار" -بفتح القاف، وهي الإبل، قال الأغلب الراجز

(1)

:

مَا إنْ رَأَينَا ملكًا أَغَارَا

أكثَرَ مِنْهُ قِرَّةً وقَارَا

والقار القير -أَيضًا ولكن- أراد ها هنا من قوله: "عنية قار": بول الإبل.

4 -

قوله: "وَبَار" -بفتح الواو والباء الموحدة كقطام، وهي أرض كانت لعاد، قال الأَعشى

(2)

:

وَمَرَّ دهْرٌ عَلَى وَبَارِ

فَهَلَكت جَهْرَة وَبَارِ

وقد أعربه ها هنا.

6 -

قوله: "فدعاء" -بالفاء، هي المرأة التي اعوجت أصبعها

(3)

من كثرة حلبها، ويقال: الفدعاء التي أصاب رجلها فدع من كثرة مشيها وراء الإبل، و"الفدع": زيغ في القدم بينها وبين الساق، وقال ابن فارس: الفدع: اعوجاج في المفاصل؛ كأنها قد زالت عن أماكنها

(4)

و"العِشار" بكسر العين؛ جمع عشراء وهي الناقة التي أتى عليها من زمان حملها عشرة أشهر.

7 -

قوله: "شغَّارة"- بالشين والغين المعجمتين؛ وهي التي تشغر برجلها كما يشغر الكلب إذا بال، يقال: شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول، قوله:"تقذ الفصيل" أي: تضربه إذا دنا منها عند الحلب.

قوله: "فطارة" -بالفاء من الفطر، وهو الحلب بأطراف الأصابع، فإن كان بالكف كلها فهو الصف [والصف]،

(5)

يكون في الكبار من النوق، وأما الصغار من النوق فإنَّها تحلب

(1)

البيتان من بحر الرجز المشطور، وهما للأغلب العجلي، وبعدهما قوله (اللسان مادة: قر):

وفارسًا يستلب الهجارا

والقرة والقار: القتم، والقار الإبل أَيضًا، والهجار: طوق الملك بلغة حمير.

(2)

البيت من مجزوء البسيط في ديوانه (73) طبعة دار الكاتب العربي، أولى (1968 م) بشرح إبراهيم جزيني، وروايته:

ومَرّ حَدّ على وبار

............................

(3)

الأصبع: مؤنثة، وكذلك سائر أسمائها، مثل: الخنصر والبنصر، وفي كلام ابن فارس ما يدل على تذكير الأصبع، فإنَّه قال في كل أصبع الإنسان التأنيث". ينظر المصباح المنير، مادة: "صبع".

(4)

معجم مقاييس اللغة، مادة:"فدع".

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 526

بأطراف الأصابع لصغر ضروعها يصف بذلك حذقها ومعرفتها بالحلب؛ لأنها نشأت عليه.

8 -

قوله: "ميل" -بكسر الميم؛ جمع أميل وهو الذي لا يثبت على السرج، والذي لا سيف معه، قوله:"إذا حمس الوغى" أي: اشتد الحرب.

الإعراب:

قوله: "كم": إما خبرية واما استفهامية، ويجوز في "عمة" مع"الخالة" المعطوفة عليها الحركات الثلاث، أما الجر فعلى أن:"كم" تكون خبرية، وقوله:"عمة" مميزها

(1)

.

وأما النصب؛ فلأنها مميز كم الاستفهامية، والاستفهام على سبيل الاستهزاء والتهكم

(2)

.

وأما الرفع فعلى أن تكون عمة مبتدأ وصفت بقوله: "لك" وخبره قوله: "قد حلبت" ومميز كم على هذا الوجه محذوف، وذلك المحذوف لا يخلو إما أن يكون

(3)

مجرورًا فتكون كم هي الخبرية، تقديره: كم مرة

(4)

وإما أن يكون منصوبًا فتكون كم الاستفهامية، وكم على التقديرين في محل النصب بالظرف، والعامل فيه قوله:"قد حلبت".

وقوله: "فدعاء": صفة لعمة وخالة، ولم يقل: فدعاوين لأجل عمة وخالة؛ لأنه حذف صفة أحدهما، والتقدير: كم عمة لك فدعاء وخالة فدعاء، فحذف فدعاء التي هي صفة عمة؛ كما حذف لك التي هي صفة خالة، والتقدير: وخالة لك فدعاء، فحذف لك وهي صفة خالة لدلالة عمة عليه.

وقال السيد الفاضل: أما نصب العمة فعلى الاستفهام، ويجوز أن يكون خبرًا، وهو أولى من الاستفهام، ويجوز أن يكون الاستفهام على سبيل الاستهزاء كأنه قال: أخبرني عن عدد عماتك وخالاتك اللاتي كن لإبلي راعيات؛ فقد أُنْسِيتُ عددهن لكثرتهن أو لقلة عنايتي بهن.

وكم في الاستفهام -أَيضًا- مبتدأ، و"قد حلبت": خبره، و"خالة": منصوبة عطفًا على عمة، و"فدعاء": منصوبة صفة خالة، وإذا رفعت عمة فبالابتداء، وهي عمة واحدة، وخالة

(1)

أي فعلى أن (كم) خبرية بمعنى: "رُبّ" وهو أجود الوجوه؛ لأنه خبر، والأظهر في الخبر الجر، والمراد: الإخبار بكثرة العمات الممتهنات بالخدمة. ينظر ابن يعيش (4/ 134).

(2)

به يكون الاستفهام قد خرج عن المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي. ينظر علم المعاني لعبد العزيز عتيق (104) والنصب في الخبر يكون معناه عمات وهو درجة دون الجر، ينظر: ابن يعيش (4/ 134).

(3)

في (أ): إما أن يقدر.

(4)

إذا رفعت مع (كم) الخبرية لم تكن إلَّا واحدة؛ لأن التمييز يكون بواحد في معنى الجمع، وإذا رفعت فلست تريد التمييز، فإذا قيل: كم درهم لك، كان المعنى: كم دانقًا هذا الدرهم الذي سئلت منه، فالدرهم واحد؛ لأنه خبر وليس بتمييز. ينظر ابن يعيش (4/ 134).

ص: 527

معطوفة عليها، "وقد حلبت": الخبر، ولم يقل: قد حلبتا؛ لأن التقدير: كم عمة لك قد حلبت وخالة قد حلبت، فاكتفى بأحد الخبرين عن الآخر، وجاز الابتداء بالنكرة لوصفها بالجار والمجرور وهو: لك، وكم في هذا الوجه إما ظرف وإما مصدر، أي: كم حلبت عمة لك، وخالة قد حلبت، أو كم وقت عمة لك وخالة قد حلبت، فالمميز محذوف، والمراد: الإخبار بكثرة الحلبات أو بكثرة الأوقات، إن جعلت كم خبرًا قدرت المميز المحذوف مجرورًا، وإن جعلتها استفهامًا قدرت المميز المحذوف منصوبًا، قوله:"عشاري" منصوب على أنَّه مفعول حلبت.

فإن قلت: ما معنى قد حلبت علي؟

قلت: معناه: حلبت على كرهٍ مني، وهذا كما يقال: باع القاضي عليه داره، والمعنى: كنت أكره وأستنكف أن يحلب أمثالها عشاري، ويشهد لهذا المعنى [قوله]

(1)

: "فدعاء".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "عمة" حيث جاز رفعها على الابتداء، وهو نكرة لوقوعها بعد كم الخبرية

(2)

.

‌الشاهد الحادي والسبعون بعد المائة

(3)

،

(4)

قَد ثَكلَتْ أُمُّهُ مَنْ كنتُ وَاجِدَهُ

وباتَ مُنْتَشِبًا في بُرْثُنِ الأسَدِ

أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأَنْصَارِيّ رضي الله عنه، وهو من قصيدة دالية، وأولها هو قوله:

1 -

أَمْسَى الخَلَابيبُ قَدْ عَزُّوا وَقَدْ كثُرُوا

وابن الفُرَيعَةِ أَمْسَى بَيضَةَ البَلَدِ

2 -

يَرْمُونَ بِالْقَوْلِ سِرًّا فيِ مُهَادَنَة

يُهَدَى إليَّ كَأَني لَسْتُ مِنْ أَحَدِ

3 -

قَدْ ثَكلَتْ ...............

........................ إلخ

(5)

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

جعل المسوغ للابتداء بالنكرة هو وقوعها بعد كم الخبرية، وقال بعض المحدثين بأن إعراب لك في البيت متعلق بمحذوف هو صفة لـ"عمة"، وتعددت الصفة بقوله:"فدعاء" الذي يرشد إليه وصف "خالة"، وعلى هذا لا يكون المسوغ في البيت هو وقوع النكرة بعد (كم) الخبرية، وإنما هو وصف النكرة، ولا مسوغ فيه سوى ذلك. ينظر منحة الجليل (1/ 277)، والكتاب لسيبويه (2/ 72)، وابن يعيش (4/ 133)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 254)، وشرح شواهد المغني (174).

(3)

شرح ابن عقيل (1/ 229).

(4)

البيت من بحر البسيط، من قصيدة لحسان بن ثابت في ديوانه (160)، ط. دار المعارف، تحقيق د. سيد حنفي، وهي في الديوان ليست بالترتيب الذي ذكره العيني هنا، وقد ورد بيت الشاهد في الديوان هكذا:

قد ثكلت أمه من كنت واجده

أو كان منتشبًا في برثن الأسد

وينظر ابن يعيش (1/ 92)، وتوضيح المقاصد (1/ 282)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 103)، والمغني (116).

(5)

هذا البيت سقط في (ب).

ص: 528

4 -

مَا لِلْقَتِيلِ الذِي أَسْمُوَ فأقْتُلَهُ

مِنْ دِيَّة فِيه يعْطَاهَا ولا قُودِ

5 -

مَا البَحْرُ حينَ تَهُبُّ الرِّيحُ شَامِيَةً

فَيغْطَئِلُّ وَيَرْمِي العِبرَ بِالزَّبَدِ

6 -

يَوْمًا بِأَبْلَغَ مِنِّي حِينَ تُبصِرُنِي

أَفْرِي مِنَ الغَيظ فَرْيَ العَارِضِ البَردِ

7 -

أمَّا قُرَيْشٌ فَإنِّي لَسْت تَارِكَهُمْ

حَتَّى يُنِيبُوا من الغياتِ للرَّشَدِ

8 -

وَيَتْرُكُوا اللَّاتَ وَالْعُزى بِمَعزِلة

وَيَسْجُدُوا كلُّهُمْ لِلْواحِدِ الصَّمَدِ

9 -

وَيَشْهَدُوا أَنَّ مَا قَال الرَّسُولُ لَهُم

حَقٌّ ويُوفُوا بِعَهْدِ الوَاحِدِ الأَحَدِ

10 -

بلغ عُبيد بأني قد تركت له

مِنْ خَيرِ مَا يَترُكُ الآبَاءُ للْوَلَدِ

11 -

الدَّارُ واسعَةٌ والنَّخْلُ شَارِعَةٌ

والبيضُ يرقلْنَ فيِ القِسِي كَالبَرْدِ

وهي من البسيط.

1 -

قوله: "الخلابيب"- بالخاء المعجمة؛ جمع خلبوب، وهو الخداع الكذاب، قوله:"بيضة البلد" يقال: فلان أذل من بيضة البلد، أي: من بيضة النعام التي يتركها، وبيضة القوم: ساحتهم.

3 -

قوله: "قد ثكلت" من الثكل؛ وهو فقد المرأة ولدها، وامرأة ثاكل وثكلى، ورجل ثاكل وثكلان، قوله:"منتشبًا" أي: متعلقًا داخلًا في برثن الأسد، يقال: نشب في الشيء إذا وقع فيما لا مخلص له منه، و"برثن الأسد" -بضم الباء الموحدة؛ مخالبه، ويجمع على براثن، والبراثن من السباع بمنزلة الأصابع من الإنسان، وقال ابن الأعرابي: البراثن: الكف بكمالها مع الأصابع.

5 -

قوله: "فيغطئل" أي: يضطرب وتتلاطم أمواجه ويلتج سواده، قوله:"العبر"- بكسر العين المهملة وضمها وسكون الباء الموحدة وفي آخره راء، وهو الجانب، وقال الجوهري: عِبرُ النهر وعِبرُهُ: شَطُّه وجانبه

(1)

.

6 -

قوله: "أفري" من الفري بالفاء وهو السيلان، و"العارض": السحاب ذو البرق والرعد، والبرد -بفتح الباء الموحدة وكسر الراء، يقال: سحاب برد وأبرد، أي: ذو برد.

11 -

قوله: "والبيض يرقلن" أي: يُعْدين، من الإرفال، وهو ضرب من الخبب.

الإعراب:

قوله: "من كنت واجده": مبتدأ، وخبره مقدمًا قوله:"قد ثكلت أمه" ولذلك جاز عود

(1)

الصحاح، مادة:"عبر"، هذا تفسيره وهو خطأ، وصحته:"والبيض يرفلن" من رفل رفلًا ورفولًا، أي: جر ذيله، وتبختر في سيره.

ص: 529

الضمير منه على (مَنْ)، وإن كان متأخرًا في اللفظ لكن

(1)

النية به التقديم، والضمير المتصل بكان اسمه، وقوله:"واجده"خبره، والجملة صلة الموصول أعني:"من"، قوله:"وبات": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى (من)، وقوله:"منتشبًا" نصب على الحال من الضمير الذي في بات، قوله:"في برثن الأسد" يتعلق بقوله: "منتشبًا".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "قد ثكلت أمه" فإنَّه خبر مقدم، وفي قوله:"من كنت واجده" فإنَّه مبتدأ مؤخر

(2)

.

‌الشاهد الثاني والسبعون بعد المائة

(3)

،

(4)

إِلَى مَلِكٍ ما أمُهُ من محَاربٍ

أبُوهُ وَلَا كَانَتْ كُلَيبٍ تصَاهِرُهْ

أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب، وهو من قصيدة هائية يمدح بها الوليد بن عبد الملك

(1)

في (أ): لأن.

(2)

أجاز البصريون في قلة تقديم الخبر الجملة على المبتدأ فأجازوا: أبوه قائم زيد، وأخوه ذاهب عمرو، ومنحه الكوفيون لأنه يؤدي إلى تقديم ضمير الاسم على ظاهره، وأجازوا نحو: في داره زيد، والصحيح الأول لكثرة استعماله في كلام العرب، قالوا: مشنوء من يشنؤك وتميمي أنا. ينظر ابن يعيش (1/ 92)، وتوضيح المقاصد (1/ 282)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 103)، والمغني (116)، وقال أبو حيان: "والصحيح ما ذهب إليه البصريون. حكى سيبويه عن العرب: مشنوء من يشنؤَك. وتميمي أنا، وخز صفتك، وأرجلٌ عبد الله؟ وقال الشَّاعر:

إِلَى مَلِكٍ ما أمُّهُ من محَاربٍ

أبُوهُ وَلَا كَانَتْ كُلَيبٌ تصَاهِرُهْ

وقال الآخر: (

البيت)، وقال:

فتًى مَا ابنُ الأَغَرِّ إذا شَتونَا

وَحُبّ الزاد فيِ شَهْرَيْ قُمَاحِ

التقدير: من يشنؤك مشنوء، أنا تميمي، وصفتك خز، وأعبد الله رجل؟ وأبوه ما أمه من محارب، ومن كنت واجده قد ثكلته أمه، وابن الأغر فتى إذا شتونا". التذييل والتكميل لأبي حيان (3/ 352) تحقيق: حسن هنداوي، وينظر الإنصاف في مسائل الخلاف للأنباري: المسألة التاسعة.

(3)

شرح ابن عقيل (1/ 230).

(4)

البيت من بحر الطَّويل للفرزدق من قصيدة طويلة في مدح الوليد بن عبد الملك، والتعريض بقبيلتي محارب وكليب، وهو في الديوان (1/ 277)، دار الكتاب العربي، شرح مجيد طراد، وروايته في الديوان:

وما مثله في النَّاس إلَّا مملكًا

أبوها ولا كانت كليب تصاهره

وصدره في الخصائص:

وما مثله في النَّاس إلَّا مملكًا

.....................

وهو في همع الهوامع للسيوطي (1/ 118)، والخصائص (1/ 147)، والمغني لابن هشام (1/ 116)، وينظر الديوان (222) شرح: علي فاعور، طبعة: دار الكتب العلمية، والبيت الشاهد قبله ثلاثون بيتًا في القصيدة.

ص: 530

ابن مروان

(1)

، وأولها

(2)

:

رَأَوْني فَنَادَوْنِي أَسُوقُ مَطِيَّتِي

بِأَصْوَاتِ هُلاكِ سِغَاب حَرَائِرُهْ

إلى ملك ما أمه ..........

......................... إلخ

وَلَكِنْ أَبُوهَا مِنْ رَوَاحَةَ تَرْتَقِي

بِأَيَّامِهِ قَيسٌ عَلَى مَنْ تُفَاخِرُهْ

فَقَالُوا أَغِثْنَا أَنْ بَلَغْتَ بِدَعْوَةٍ

إِلَى عندَ خَيرِ النَّاسِ إنكَ زَائِرُهْ

فَقُلْتُ لَهُمْ إِنْ يُبلِغِ الله نَاقَتِي

وَإيايَ أنبي بالذي أَنَا خَابِرُة

أَغِثْ مُضَرًا إِنَّ السِّنِينَ تَتَابَعَتْ

عَلَينَا بِحِزٍّ يَكْسِرُ العَظْمَ جَازِرُهْ

[وهي من الطَّويل]

(3)

قوله: "من محارب" في قبائل قريش: محارب بن فهر بن مالك بن النضر، وفي قيس غيلان: محارب بن حفصة بن قيس غيلان، وفي عبد القيس: محارب بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أقصى بن عبد القيس، و"كليب" بضم الكاف -أَيضًا- في قبائل: في خزاعة: كليب بن حبشة بن سلول بن كعب بن عمرو، وفي تغلب بن وائل: كليب بن ربيعة بن الحرث

(4)

بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل، وفي تميم: كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وفي النخع: كليب بطن من ربيعة بن خزيمة بن سعد بن مالك بن النخع، وفي هوازن: كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن.

الإعراب:

قوله: "إلى ملك" يتعلق بقوله: "أسوق مطيتي" في البيت السابق، وأراد بالملك الوليد بن عبد الملك

(5)

بن مروان، قوله:"ما أمه من محارب أبوه" في محل الجر على أنها صفة لقوله: "ملك".

وقوله: "أبوه". مبتدأ، والجملة التي قبله أعني قوله. "ما أمه من محارب" خبره، وقال

(1)

هو الوليد بن عبد الملك بن مروان من ملوك الدولة الأموية (ت 96 هـ). ينظر الأعلام (8/ 121).

(2)

ليس البيت المذكور أول القصيدة كما ذكر العيني، وإنما هو خامسها، كما أن الأبيات المذكورة ليست كما في الديوان، وإنما هي منتقاة من القصيدة، وتسمية العيني للقصيدة هائية خطأ، وإنما هي رائية موصولة بهاء، فحرف الروي فيها الراء.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

في (أ): الحارث.

(5)

في (أ): عبد الله.

ص: 531

البعلي: "أبوه": مبتدأ، و"أمه": مبتدأ ثان، و"من محارب": خبره، والمبتدأ الثاني مع خبره خبر المبتدأ الأول

(1)

.

قلت: تقديره: إلى ملك ما أبو أمه من محارب، فأبوه: مبتدأ، "وأمه من محارب": جملة في موضع [رفع]

(2)

خبره، "ولا كانت" عطف على قوله:"ما أمه" وكانت ناقصة، و"كليب" اسمها، و"تصاهره" خبرها.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ما أمه من محارب أبوه" حيث قدم الخبر [وهو قوله: "ما أمه من محارب" وأخر المبتدأ وهو قوله: "أبوه" كما قررناه، ونقل ابن الشجري

(3)

الإجماع على جواز تقديم الخبر]

(4)

إذا كان جملة

(5)

، وليس كذلك، فإن فيه خلافًا عن الكوفيين

(6)

.

(1)

الفاخر في شرح جمل عبد القاهر للبعلي (241، 242).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ابن الشجري: هبة الله بن عليّ بن محمَّد بن عليّ بن عبد الله بن حمزة أبو السعادات المعروف بابن الشجري. صنف الأمالي، والانتصار على ابن الخشاب، وشرح اللمع لابن جني، وشرح التصريف اللوكي، وغير ذلك، تُوفِّي سنة (542 هـ). بغية الوعاة (1/ 324).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

قال ابن عقيل: "ونقل الشريف أبو السعادات هبة الله بن الشجري الإجماع من البصريين والكوفيين على جواز تقديم الخبر إذا كان جملة". شرح ابن عقيل (1/ 271) وهذا الكلام مردود من ابن عقيل والعيني؛ فإن ابن الشجري نص على أنَّه يجوز تقديم الخبر الجملة اتساعًا وقال: "لأن البصريين مجمعون على جواز تقديم الجملة على المخبر بها عنه كقولك: مررت به المسكين، وأكرمت أخاه زيدل. وبهذا يكون تقديم الجملة هو قول البصريين إجماعًا لا جميع النحويين بصرييهم وكوفييهم. ينظر أمالي ابن الشجري (1/ 26، 37).

(6)

يجوز تقديم الخبر وتأخيره في غير مواضع الوجوب، سواء كان الخبر رافعًا ضير المبتدأ أو سببيه، أو ناصبًا ضميره أو سببيه، وخالف في ذلك الكوفيون فذهبوا إلى المنع واشترط الفراء والكسائي ألا يكون الضمير مرفوعًا. وتناول المرادي هذا الخلاف فقال:"وإذا علم ما يجب فيه تقديم الخبر وما يجب فيه تأخيره علم أن ما عدا هذا يجوز فيه التقديم والتأخير، سواء كان الخبر رافعًا ضمير المبتدأ أو سببيه، أو ناصبًا ضميره أو سببيه. هذا مذهب البصريين نحو: قائم زيد، وقائم أبوه زيد، وقام أبوه زيد، وضرب أخاها زيد هند. وذهب الكوفيون إلى منع تقديم الخبر في هذه المسائل كلها. ونقل بعضهم عن الكسائي والفراء أنهما يجيزان التقديم إذا لم يكن الضمير مرفوعًا نحو: ضربته زيد. والصحيح عن الكوفيين المنع مفردًا كان الخبر أو جملة، وفرقوا بين: قائم زيد فمنعوا، وبين: في داره زيد فأجازوا؛ لأن هذا الضمير غير معتمد عليه؛ ألا ترى أن المقصود: في الدار زيد، وحصل هذا الضمير بالغرض، والصحيح مذهب البصريين لورود السماع به، حكى سيبويه عن العرب: مشنوء من يشنؤك. وتميمي أنا". شرح التسهيل للمرادي (1/ 350)، وينظر المساعد لابن عقيل (1 /. . . - 223)، وتسهيل الفوائد بشرحه لابن مالك (1/ 296)، والكتاب (2/ 127)، والتذييل والتكميل لأبي حيان (3/ 352)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 103)، والإنصاف في مسائل الخلاف للأنباري (1/ 65).

ص: 532

‌الشاهد الثالث والسبعون بعد المائة

(1)

،

(2)

خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ

يَنَلِ العلاءَ وَيَكْرُمِ الأَخْوَالا

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل.

ويروى: خالي لأنت ومن تميم خاله، ويروى: ومن عويف خاله، قوله:"العلاء" -بفتح العين من علا في المكان يعلى علاءً، وأما في المرتبة فيقال: علا يعلو علوّا.

الإعراب:

قوله: "خالي": مبتدأ، و"لأنت": خبره، هذا بحسب الظاهر جاء هكذا وهو شاذ؛ لأن لام الابتداء لها الصدر في الكلام، فلا يجوز أن يقال: زيد لقائم؛ وعلى هذا قالوا: إن قوله: "خالي لأنت" يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يكون أراد: لخالي أَنْتَ، فأخر اللام إلى الخبر ضرورة.

والثاني: أن يكون أراد: لأنت خالي، فقدم الخبر على المبتدأ وإن كان فيه اللام ضرورةً

(3)

، وقال ابن جني: أخبرني أبو علي أن أَبا الحسن حكى أن زيدًا وجهه لحسن

(4)

فهذا -أيضًا- ضرورة

(5)

.

قوله: "ومن جرير خاله" من: موصولة في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله:"ينل العلاء" ولما كان المبتدأ متضمنا لمعنى الشرط جاء الجزاء مجزوئا، قوله:"جرير": مبتدأ، و"خاله": خبره، والجملة صلة الموصول، قوله:"ينل" أصله: ينال؛ فلما سكنت اللام للجزم حذفت الألف لالتقاء الساكنين ثم لما اتصلت بالعلا حركت على الكسر؛ لأن الأصل في الساكن إذا حرك أن يحرك بالكسر، و"العلاء": مفعول ينل، قوله:"ويكرم": عطف على ينل، و"الأخوال": جمع خال، منصوب على المفعولية.

(1)

شرح ابن عقيل (1/ 237).

(2)

البيت من بحر الكامل، وهو لقائل مجهول، وانظره في الخزانة (10/ 323)، وسر الصناعة (378)، وشرح التصريح (1/ 174)، واللسان، مادة:"شهرب"، وشرح الأشموني (1/ 211).

(3)

قال المرادي: (وأما قوله:

خالي لأنت ومن جرير خاله

.......................

فخرج على زيادة اللام أو حذف مبتدأ؛ أي: لهو أَنْتَ". توضيح المقاصد (1/ 285)، وشرح الأشموني (1/ 211).

(4)

في (ب): حسن.

(5)

ينظر سر الصناعة (278).

ص: 533

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لأنت" حيث دخلت فيه لام الابتداء وهو خبر كما قررناه آنفًا

(1)

.

‌الشاهد الرابع والسبعون بعد المائة

(2)

،

(3)

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا

عِندَكَ راضٍ وَالرَّأيُ مُخْتلَفٌ

أقول: قائله هو قيس بن الخطيم- بالخاء المعجمة بن عدي بن سود الظفري الأوسي، شاعر جاهلي من فحول الشعراء، وقال ابن هشام اللخمي: قائله هو عمرو بن امرئ القيس الأَنْصَارِيّ، وكذا قاله ابن بري، وهو من قصيدة فائية هي قوله

(4)

:

1 -

أبْلِغْ بَنِي جَحْجَبَى وَقَوْمَهُم

خَطْمَة أَنَّا وَرَاءَهُمْ أُنُفُ

2 -

وَأَنَّنَا دُونَ مَا يَسُومُهُمْ الأ

عْدَاءَ منْ ضَيمِ خُطَّة نُكُفُ

(5)

3 -

الحَافِظُو عَوْرَةِ العَشِيَرَةِ لا

يَأْتِيهِمُ مِنْ وَرَائنا وكفُ

4 -

يَا مَالُ وَالسَّيدُ المعُمَّمُ قَدْ

يَطْرَأُ في بَعْضِ رَأيِهِ السَّرفُ

5 -

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا .....

.................... إلخ

6 -

نَحْنُ المكِيثُونَ حَيثُ يَحْمِدُنَا

الْمكثُ وَنَحْنُ المَصَالِتُ الأُنُفُ

7 -

يَا مَالُ وَالحق إنْ قَنَعْتَ بهِ

فَالحقُّ فِيهِ لأَمْرِنَا نَصِفُ

8 -

خَالفْت فيِ الرَّأْيِ كُل ذِي فَخَر

والْبَغْي يَا مَالِ غَيرُ مَا تَصِفُ

9 -

إِن بُجَيرًا مَوْلَى لِقَوْمِكُم

وَالحَقّ نُوفيِ بِهِ وَنَعْتَرفُ

وهي من المنسرح والقافية متراكب.

(1)

يشير إلى مواضع وجوب تأخير الخبر وأن منها: أن يكون خبرًا لمبتدأ قد دخلت عليه لام الابتداء نحو: لزيد قاسم.

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 299).

(2)

ليس في ابن الناظم، وينظر شرح ابن عقيل (1/ 244).

(3)

البيت من بحر المنسرح من قصيدة لقيس بن الخطم، والأبيات التي ذكرها العيني هنا في مكانين في الديوان (41 - 81) تحقيق: أَحْمد مطوب، والدكتور: إبراهيم السامرائي، وينظر طبقات فحول الشعراء (228)، والديوان (236)، تحقيق: ناصر الأسد، والكتاب لسيبويه (1/ 75)، والبيت مذكور في ديوان حسان بن ثابت (337)، وفي معاني القرآن للفراء (2/ 363)، نسبه للمرار الأسدي، وفي تأويل مشكل القرآن (222)، نسبه لعمرو بن امرئ القيس الأَنْصَارِيّ، وفي اللسان، مادة:"قعد" وشرح أبيات الإيضاح لابن بري (128).

(4)

انظر شرح أبيات الإيضاح لابن بري (128).

(5)

هذا البيت سقط في (ب).

ص: 534

وقال ابن بري: وسبب هذا الشعر أنَّه كان لمالك بن العجلان مولى يقال له بجير، جلس مع نفر من الأوس من بني عمرو بن عوف فتفاخروا فذكر بجيرٌ مالكَ بن العجلان ففضله على قومه، وكان سيد الحيين في زمانه، فغضب جماعة من كلام بجير وعدا عليه رجل من الأوس يقال له: سمير بن زيد بن مالك أحد بني عمرو بن عوف فقتله، فبعث بذلك إلى

(1)

بني عمرو بن عوف أن ابعثوا إليّ بسمير حتَّى أقتله بمولاي، وإلا جر ذلك الحرب بيننا فبعثوا إليه: إنَّا نعطيك الرضا فخذ منا عقله، فقال: لا آخذ إلَّا دية الصريح، وكانت دية الصريح ضعف دية المولى وهي عشرة من الإبل، ودية الولى خمس، فقالوا: إن هذا منك استذلال لنا وبغي علينا، فأبى مالك إلَّا أخذ دية الصريح، فوقعت بينهم الحرب إلى أن اتفقوا على الرضا بما يحكم به عمرو بن امرئ القيس، فحكم بأن يعطى دية الولى، فأبى مالك ونشبت الحرب بينهم مدة على ذلك فأنشد عمرو بن امرئ القيس هذه الأبيات.

1 -

فقوله: "بني جَحْجَبى" -بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم والباء الموحدة، وبنو جحجبى من الْأَنصار، وهو جحجبى بن كلفة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، قوله:"خَطْمة" -بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء، وهو من الْأَنصار -أَيضًا-، وخطمة هو عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس، قيل له خطمة؛ لأنه ضرب رجلًا بسيفه على خطمه فسمي خطمة، قوله:"أُنُف" بضم الهمزة والنون يقال: روضة أنف: لم يرعها أحد، وكأس أنف: لم يشرب بها أحد قبل ذلك.

2 -

قوله: "دون ما يسومهم الأعداء" أي: ما يطلبهم الأعداء، "من ضيم" أي: من ظلم خطة، أي: أمر وشأن، قوله:"نُكُف" -بضم النُّون والكاف؛ وهو جمع ناكف كتاجر وتجر، ويقال: نكفت من كذا، أو نكفت -أَيضًا- أي: استنكفت وأنفت منه، وارتفاعه على أنَّه خبر إن.

3 -

قوله: "الحافظو عورة العشيرة" أصله: الحافظون، سقطت النُّون للإضافة، والعورة: مجرورة بالإضافة، وقد روي العورة بالنصب؛ فيكون حذف النُّون للتخفيف لا للإضافة، وهكذا استشهد به سيبويه

(2)

، وقال أبو علي: والأكثر الجر، والعورة: ما لم يحم

(3)

، وقال ثعلب: كل

(1)

في (أ): فبعث مالك إلى.

(2)

قال سيبويه بعد أن ذكر البيت: "

الحافظو عورة العشيرة لا

......................

لم يحذف النُّون للإضافة ولا ليعاقب الاسم النُّون، ولكن حذفوها كما حذفوها من اللذين والذين حيث طال الكلام وكان الاسم الأول منتهاه الاسم الآخر". الكتاب لسيبويه (1/ 186).

(3)

ينظر المسائل البصريات (862).

ص: 535

مخوف عورة

(1)

، وقال كراع: عورة الرَّجل في الحرب: ظهره وبذلك فسر هذا البيت، وعشيرة الرَّجل: الذين يعاشرهم من قومه ويعاشرونه، قوله:"من ورائنا" أي: من عيبتنا، فكنى بوراء عن ذلك، فامتدح بحفظهم عورة قومهم بظهر الغيب وأمنهم من ناحيتهم كل نقص وعيب، ويجوز أن يعني: من وراء حفظنا إياهم وذَبِّنا عن حماهم، فحذف المضاف الذي هو حفظ وأقام المضاف إليه مقامه، ومن روى: من ورائهم؛ فالمعنى فيه أوضح وحَمْل الضمير على العشيرة أرجح، قوله:"وكف" أي: عيب، وقيل: الوكف: الإثم، وقيل: الخوف، وقال الأصمعيّ: ليس عليك في ذلك من وكف أي: مكروه، ويقال: أي: نقص، ويروى: نطف وهو التهمة، قوله:"يَا مال" بكسر اللام، يريد به يَا مالك وهو مالك بن العجلان.

6 -

قوله: "المكث" -بضم الميم وكسرها، وهو اسم المكث- بفتح الميم، وهو مصدر مكث إذا كان لبث وانتظر، قوله:"المصالت" بفتح الميم؛ جمع مِصلت بكسر الميم، يقال: رجل مِصلت إذا كان ماضيًا في الأمور، قوله:"الأنف" بضمتين أي: المتقدمون في الأمور.

7 -

قوله: "نصف" أي: إنصاف.

9 -

قوله: "إن بجيرًا" بضم الباء الموحدة وفتح الجيم ويكون الياءآخر الحروف وفي آخره راء.

الإعراب:

قوله: "نحن" مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: نحن راضون، حذف الخبر احترازًا عن العبث وقصدًا للاختصار مع ضيق المقام

(2)

، وقد تكلف فيه بعضهم منهم ابن كيسان

(3)

، وقال: نحن هنا للمعظم نفسه، وأن قوله:"راض": خبر عنه

(4)

، وفيه نظر؛ إذ لا يحفظ مثل: نحن قائم بل يجب في الخبر المطابقة؛ نحو قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} [الصافات: 165، 166]

(5)

، قوله:"بما عندنا": يتعلق بالخبر المحذوف، قوله:"وأنت": مبتدأ

(1)

في اللسان، مادة:"عور". العورة في الثغور وفي الحروب: خلل يتخوف منه القتل.

(2)

ينظر علم المعاني لعبد العزيز عتيق (129)، وحذف ما قبل العطف لدلالة ما بعده مقطوع بثبوته في كلام العرب كما في البيت لكنه ضعيف. ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 74، 75)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 261)، (2/ 50).

(3)

ابن كيسان: هو أبو الحسن محمَّد بن أَحْمد بن كيسان رأس المدرسة البغدادية، له: المهذب والمختار في علل النحو وغيرهما تُوفِّي سنة (299 هـ) المدارس النحوية (248) وينظر شذرات الذهب (2/ 232) ونشأة النحو (139).

(4)

قال السيوطي بعد ذكر البيت: "لقد تحيل له ابن كيسان فجعل "نحن" للمتكلم المعظم نفسه ليكون "راضٍ" خبرًا عنه". الأشباه والنظائر (7/ 116) مؤسسة الرسالة.

(5)

ينظر المغني (623)، ولم يصرح ابن هشام بأن هذا رأي ابن كيسان. قال ابن هشام:"وقد تكلف بعضهم في البيت الأول فزعم أن "نحن" للمعظم نفسه، وأن "راض" خبر عنه ولا يحفظ مثل: نحن قائم بل يجب في الخبر المطابقة نحو: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} .

ص: 536

وخبره قوله: "راض" وقوله: "بما عندك" يتعلق به، قوله:"والرأي مختلف": جملة من المبتدأ والخبر وقعت حالًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "نحن بما عندنا" حيث حذف فيه الخبر وهو قوله: "راضون" وإنما حذف الخبر ها هنا لدلالة خبر المبتدأ الثاني عليه، وهو قليل وفيه شذوذ

(1)

.

‌الشاهد الخامس والسبعون بعد المائة

(2)

،

(3)

لَوْلَا أَبُوكَ وَلَوْلا قَبلَهُ عُمَرٌ

أَلْقَتْ إِلَيكَ مَعَدٌّ بِالْمقَالِيدِ

أقول: قائله هو أبو عطاء السندي، وهو مرزوق، وقيل: أفلح بن يسار -وهو الأصح مولى بني أسد ثم مولى عنبر بن سماك بن حصين الأسدي، منشؤه بالكوفة، وهو من مخضرمي الدولتين، مدح بني أمية وبني هاشم وكان أبوه يسار سنديًّا أعجميًّا لا يفصح، مات أبو عطاء في آخر أيام المنصور، وعن المدائني: كان أبو عطاء مع ابن هبيرة

(4)

، وهو يبني مدينته التي على شاطئ الفرات فأعطى ناسًا كثيرًا ولم يعطه شيئًا، فقال

(5)

:

1 -

قَصَائِدُ حِكْتُهُنَّ لِقَوْمِ قَيسٍ

رَجَعْنَ إِلَيَّ صفْرًا خَائِبَاتِ

2 -

رَجَعْنَ وَمَا أَفَأْنَ عَلَيَّ شَيئًا

سِوَى أني وَعَدْتُ التُّرَّهَاتِ

3 -

أَقَامَ عَلَى الفُرَاتِ يَزِيدُ حَوْلًا

فَقَال النَّاسُ أيُّهُمَا الفُرَاتُ

4 -

فَيَا عَجَبًا لِبَحْرٍ ظَل يَسْقِي

جَميعَ الخَلقِ لَمْ يبللْ لهَاتِي

(1)

يشير بهذا إلى جواز حذف الخبر إذا دل عليه دليل، وأكثر ذلك في الجوابات كأن تقول: مَنْ عندك؟ فتقول: زيد أي: زيد عندي، ألا ترى أنَّه ترك للعلم به. ينظر ابن يعيش (1/ 94)، والمغني (622)، والكتاب لسيبويه (1/ 75)، وقال ابن هشام:"إذا دار الأمر بين كون المحذوف أولًا أو ثانيًا، فكونه ثانيًا أولى وفيه مسائل ..... السابعة: نحو زيد وعمرو قائم، ومذهب سيبويه أن الحذف فيه من الأول لسلامته من الفصل، ولأن فيه إعطاء الخبر للمجاورة .... وأما هنا فلو كان (قائم) خبرًا عن الأول لوقع في موضعه؛ إذ لا ضرورة تدعو إلى تأخيره إذ كان الخبر يحذف بلا عوض نحو: زيد قائم وعمرو من غير قبح في ذلك ثم قال .... الخلاف إنما هو عند التردد وإلا فلا تردد في أن الحذف من الأول ثم ذكر البيت". المغني (621، 622).

(2)

شرح ابن عقيل (1/ 248).

(3)

البيت من بحر البسيط، نسب في مراجعه إلى أبي عطاء السندي (أموي) يمدح المثنَّى بن يزيد، وانظر هذا وبيتين معه في ذيل الأمالي والنوادر لأبي علي القالي (95).

(4)

ابن هبيرة: هو عمر بن هبيرة بن سعد الفزاري (ت 110 هـ). الأعلام (5/ 69).

(5)

الأبيات من بحر الوافر وهي في الأغاني (17/ 333، 334).

ص: 537

فقال له يزيد بن عمر بن هبيرة

(1)

: وكم يبلل لهاتك يَا أَبا عطاء؟ فقال: عشرة آلاف درهم، فأمر ابنه يدفعها إليه ففعل، فقال يمدح ابن يزيد، ولكن فيه نغيزة

(2)

في أبيه وهو يزيد وجده وهو عمر:

1 -

أما أَبُوكَ فَعَينُ الجُودِ نَعْرِفُهُ

وَأَنْتَ أَشْبَهُ خَلْقِ الله بِالجودِ

2 -

لَوْلا أَبُوكَ وَلَوْلا قَبْلَهُ عُمَرٌ

أَلْقَتْ إِلَيكَ مَعَدٌّ بِالْمقَالِيدِ

3 -

مَا يَنْبُتُ العُودُ إلا في أَرُومَتِهِ

ولا يَكُونُ الجنْي إلا مِنَ العُودِ

وهو من البسيط.

2 -

قوله: "لولا أبوك" خطاب لابن يزيد بن عمر بن هبيرة، والدليل عليه ما روي:

لولا يزيد ولولا قبله عمر

...........................

قوله: "معدّ" بفتح الميم، وهو أبو العرب وهو معد بن عدنان، وكان سيبويه يقول: الميم من نفس الكلمة لقولهم تمعدد لقلة تمفعل في الكلام

(3)

، وقد خولف في قوله:"بالمقاليد" أي: بالمفاتيح، واحدها: إقليد على غير قياس، وقيل: المقاليد جمع ليس له مفرد من لفظه

(4)

.

الإعراب:

قوله: "لولا" لامتناع الثاني لوجود الأول نحو: لولا زيد لهلك عمرو، فإن هلاك عمرو منتفٍ لوجود زيد، قوله:"أبوك" كلام إضافي مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: لولا أبوك قد ظلم النَّاس في ولايته وقبله عمر جدك كذلك، لكانت قبيلة معد أطاعوك وأمّروك، ولكنهما لما ظلما النَّاس خافوا أن تسير مثل سيرهما في الولاية فتركوك، قوله:"ولولا قبله عمر": عطف عليه؛ فقوله: "عمر": مبتدأ ونونه للضرورة، وقوله:"قبله": خبره مقدمًا، قوله:"ألقت": فعل ماض و"معد": فاعله، والجملة جواب لولا، وحرف الجر في الموضعين يتعلق بألقت.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "عمر" حيث أظهر فيه خبر المبتدأ بعد لولا وهو قوله: "قبله" ومذهب الجمهور

(1)

هو يزيد بن عمر بن هبيرة تُوفِّي في عهد العباسيين. الأعلام (8/ 185).

(2)

في لسان العرب، مادة "نغز" يقول:"نَغَزَ بينهم: أغْرى وحَمَل بعضَهم على بعض كَنَزَعَ"، والمعنى: فيه لوم وعتاب.

(3)

قال سيبويه: "فأما المعزَى فالميم من نفس الكلمة؛ لأنك تقول: مَعْز ولو كانت زائدة لقلت: عزاء؛ فهذا ثبت كثبت أولق، ومعد مثله للتمعدد لقلة تمفعل". الكتاب لسيبويه (4/ 308)، وقوله:"وقد خولف" في قوله: أي أن وزن معد مفعل بزيادة الميم لأنها مصدرة.

(4)

هذا قول الأصمعي حيث قال في اللسان: "والمقاليد لا واحد له". ينظر اللسان، مادة:"قلد".

ص: 538

أن الخبر بعد لولا واجب الحذف مطلقًا؛ ولهذا لحنوا المعري في قوله

(1)

:

.......................

فَلَوْلا الغِمْدُ يُمْسِكُهُ لَسَالا

(2)

قلتُ: قد خرجه بعضهم على أن يمسكه حال لا خبر وكذا قوله: "قبله" ها هنا حالًا لا خبر والخبر محذوف فحينئذ لا استشهاد فيه ولا تشنيع فيه

(3)

، فافهم.

‌الشاهد السادس والسبعون بعد المائة

(4)

،

(5)

مَنْ يَكُ ذَا بَتٍّ فَهَذَا بَتِّي

مُقَيِّظٌ مُصَيِّفٌ مُشَتِّي

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وهو من رجز مسدس ومنه قوله

(6)

:

أَخَذْتهُ مِنْ نَعَجَاتٍ سِتٍّ

سَوْدٍ جِعَادٍ كَنِعَاجِ الدِّشْتِ

قوله: "ذا بت" أي: ذا كساء، قال ابن الأثير: البت: الكساء الغليظ المربع، وقيل: طيلسان من خز، ويجمع على بتوت

(7)

، قوله:"مقيظ" بكسر الياء المشددة، وكذلك:"المصيف" وكذلك: "المشتي" بكسر التاء المثناة من فوق.

والمعنى: فهذا بتي كسائي يكفيني لقيظي وهو زمان شدة الحُر، ويكفيني للصيف والشتاء، يقال: قيظني هذا الشيء وشتاني وصيفني.

(1)

هذا عجز بيت من الوافر وصدره:

يذيب الرعب منه كل عضب

...................

والبيت في ديوانه المسمى سقط الزند (45)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 236)، والمغني (273، 542).

(2)

قال سيبويه هذا باب من الابتداء يضمر فيه ما يبنى على الابتداء وذلك قولك: لولا عبد الله لكان كذا وكذا، أما لك ان كذا وكذا فحديث معلق بحديث لولا، وأما عبد الله فإنَّه من حديث لولا .... ". الكتاب لسيبويه (2/ 129).

وقال ابن مالك: "ويحذف الخبر جوازا لقرينة ووجوبًا بعد لولا الامتناعية غالبًا". ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 275).

(3)

قال ابن هشام بعد أن ذكر قول من لحنوا بيت المعري: "وليس بجيد لاحتمال تقدير (يمسكه) بدل اشتمال على أن الأصل: أن يمسكه، ثم حذفت أن وارتفع الفعل، أو تقدير (يمسكه) جملة معترضة، وقيل: يحتمل أنَّه حال من الخبر المحذوف،

". المغني (273).

(4)

شرح ابن عقيل (1/ 257).

(5)

البيت من بحر الرجز المسدس لرؤبة بن العجاج وهو في ملحقات ديوان رؤبة (189) المسمى مجموع أشعار العرب، وينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 326) وشرح ابن عقيل (1/ 257) واللسان، مادة:"بتت"، وشرح الأشموني (1/ 224).

(6)

ملحقات ديوانه (189)، إلَّا أن قوله:"سود جعاد كنعاج الدشت" ليس في الديوان.

(7)

الصحاح، مادة:"بتت".

ص: 539

الإعراب:

قوله: "من": موصولة في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله:"فهذا بتي" وهو جملة من المبتدأ والخبر ودخلت الفاء فيه لتضمن المبتدأ معنى الشرط

(1)

.

فإن قلت: كيف صح الشرط والجزاء ها هنا؛ فإن كون ذلك البت بته لا يتسبب عن كون غيره ذا بت؟

قلتُ: المعنى من كان ذا بت فأنا مثله؛ لأن هذا البت بتي، فحذف المسبب وأناب عنه السبب، أو المعنى: فلا يفخر عليّ فإنِّي ذو بت مثله، وقوله:"يك" أصله: يكن حذفت النُّون للتخفيف، وهي صلة الموصول، وقوله:"ذا بت": كلام إضافي منصوب؛ لأنه خبر كان، قوله:"مقيظ": خبر بعد خبر، وكذلك قوله:"مصيف مشتي": خبران بعد خبر.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مقيظ مصيف مشتي" فإنَّها أخبار تعددت بلا عاطف؛ كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: 14 - 16]

(2)

.

‌الشاهد السابع والسبعون بعد المائة

(3)

،

(4)

يَنَامُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيهِ ويَتَّقِي

بأُخْرَى المنَايَا فَهو يَقْظَان هَاجِعٌ

أقول: قائله هو حميد بن ثور الهلالي، وهو من قصيدة عينية، وأولها هو قوله:

(1)

قال ابن مالك: "تدخل الفاء على خبر المبتدأ وجوبًا بعد أما .. وجوازا بعد مبتدأ واقع موقع (من) الشرطية أو ما أختها". التسهيل لابن مالك (51) وزارة الثقافة (1967 م)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 328).

(2)

تناول المرادي الخلاف في تعدد الخبر في شرحه للتسهبل: فقال: "مثال ذلك بعطف: زيد فقيه وكاتب وشاعر، ولا خلاف في هذا. ومثاله بغير عطف قوله تعالى:{وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} وقول الراجز: (

البيت) ومن منعه قدر لكل خبر غير الأول مبتدأ، أو جعل الثاني صفة للأول، والمنع اختيار ابن عصفور وكثير من المغاربة. والصحيح الجواز كما في النعوت. وقد أجاز سيبويه: هذا رجل منطق. على أنهما خبران". شرح التسهيل للمرادي (1/ 328). وينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 326، 327)، وحاشية الخضري (1/ 109) وشرح المقرب "المرفوعات" (1/ 730) وما بعدها، وارتشاف الضرب لأبي حيان (2/ 65)، وشرح التسهيل لناظر الجيش (2/ 1120)، وبين ابن عصفور وابن هشام "ماجستير" بالأزهر (145)، وشرح جمل الزجاجي "الكبير" لابن عصفور (1/ 359، 360) والمقرب لابن عصفور (1/ 86).

(3)

ابن الناظم (50)، وشرح ابن عقيل (1/ 259) وروايته في شرح ابن عقيل:

ينام بإحدى مقلتمه ويتقي

بأخرى المنايا فهو يقظان نائم

(4)

البيت من بحر الطَّويل لحميد (بالتصغير) بن ثور الهلالي، وهي في ديوانه (56) تحقيق: محمَّد يوسف نجم=

ص: 540

1 -

إِذَا نَال مِنْ بَهْم النُّخَيلَةِ غِرَّة

عَلَى غَفْلَةٍ مِمَّا يَرى وَهوَ طَالِعُ

2 -

تلوم ولو كان ابنها فرحت به

إذا هب أَرْواحُ الشتاءِ الزَّعَازِعُ

3 -

فَقَامَتْ تعشى سَاعَةً مَا تُطِيقُهَا

مِنَ الدَّهْرِ نَأْمَتْهَا الكِلابُ الظَّوَالِعُ

4 -

رَأَتْهُ فَشَكَّتْ وَهُوَ أَطْحَلُ مَائِل

إِلَى الأَرْضِ مَثْنِيّ إِلَيهِ الأكارعُ

5 -

طَوي البَطْنِ إلا من مَصِيرٍ يبُلُّهُ

دَم الجَوْفِ أَوْ سُؤْرٌ مِنَ الحَوْضِ نَاقِعُ

6 -

تَرَى طَرَفَيهِ يَعْسِلانِ كِلاهُمَا

كَمَا اهْتَز عُودُ الشَّيحَةِ المتُتَابعُ

7 -

إِذَا خَافَ جَوْرًا مِنْ عَدُوٍّ رَمَتْ بِهِ

قُصَائبُهُ وَالجانِبُ المتُوَاسِعُ

8 -

وَإِنْ بَاتَ وَحْشًا لَيلَةً لَم يَضِقْ بِهَا

ذِرَاعًا وَلَمْ يَصْبِحْ لَهَا وَهُوَ خَاشِعُ

9 -

وَيَسْرِي سَاعَةً مِنَ اللَّيلِ قَرَّةٍ

يهابُ السرى فِيهَا المخاضُ النوَازِعُ

10 -

وَإِنْ حَذِرَتْ أَرْضٌ عَلَيهِ فَإنهُ

بِغِرَّةِ أُخْرَى طَيبُ النَّفْسِ قَانِعُ

11 -

يَنَامُ بِإحْدَى مُقْلَتَيهِ ويَتَّقِي

بأُخْرَى المنَايَا فَهو يَقْظَان هَاجِعٌ

12 -

إِذَا قَامَ أَلْقَى بَوْعَهُ قَدْرَ طُولِهِ

وَمَدَّدَ مِنْهُ صُلْبَهُ وَهُوَ تَابِعُ

13 -

وَفَكَّكَ لحيَيهِ فَلَمَّا تَعَادَيَا

صَأَى ثُمَّ أَقْعَى والبِلادُ بَلاقِعُ

14 -

إِذَا مَا غَدَا يَوْمًا رَأَيْتُ غَيَابَةً

مِنَ الطيرِ يَنْظُرْنَ الذِي هُوَ صَانِعُ

15 -

فَظَلَّ يُرَاعِي الجيشَ حَتَّى تَغَيَّبتْ

خُبَاشٌ وَحَالتْ دُونَهُنَّ الأَجَارِعُ

وهو

(1)

من الطَّويل يصف الشَّاعر الذئب؛ تزعم العرب أن الذئب ينام بإحدى عينيه والأخرى مفتوحة يحرس بها.

1 -

قوله: "من بَهْم النخيلة" البهم -بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء؛ وهو جمع بهمة، وهي أولاد الضأن، والبهمة: اسم للمذكر والمؤنث، و"السخال": أولاد المعزى، فإذا اجتمعت البهام والسخال قلت لهما جميعًا بهام وبهم -أَيضًا-، و"النخيلة" بضم النُّون وفتح الخاء المعجمة؛ اسم موضع.

= ط. دار صادر بيروت، وأولها ليس البيت المذكور كما قال العيني، وإنما أولها قوله:

ترى ربة البهم الفرار عشية

إذا ما عدا في بهمها وهو ضائع

والأبيات المذكورة ليست كما في الديوان، بل بعضها مؤخر وبعضها مقدم، وانظر الشاهد في شرح الأشموني (1/ 222)، وشرح جمل الزجاجي "الكبير" لابن عصفور (1/ 360)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 326)، والشعر والشعراء (248)، تحقيق: نعيم قميحة، (دار الكتب العلمية).

(1)

في (أ): وهي.

ص: 541

2 -

قوله: "أرواح الشتاء الزعازع": الأرواح: جمع ريح، وإنما جمعها بالواو؛ لأن أصلها الواو وإنما جاءت بالياء لانكسار ما قبلها، فإذا رجعوا إلى الفتح عادت الواو كقولك: أروح الماء، و"الزعازع": جمع زعزع، من الزعزعة وهي تحريك الشيء، يقال: زعزعته فتزعزع، وريح زعزعان وزعزع، أي: تزعزع الأشياء.

4 -

قوله: "وهو أطحل" الأطحل: الذي يعلو خضرته قليل صفرة، و"الأكارع": جمع أكرع وهو جمع كراع، والكراع في الغنم والبقر بمنزلة الوطيف من الفرس والبعير، وهو مستدق الساق، يذكر ويؤنث.

5 -

قوله: "إلَّا من مصير" المصير -بفتح الميم وكسر الصاد [المهملة]

(1)

: المدعي، وهو فعيل والجمع: مُصران مثل: رغيف ورغفان، و"المصارين": جمع الجمع، وميمه أصلية، وقال بعضهم: مصير إنما هو مفعل، من صار إليه الطعام، وإنما قالوا: مُصران كما قالوا في جمع مسيل الماء: مسلان شبهوا مفعلًا بفعيل، قوله:"ناقع" بالنُّون؛ من نقع الماء العطش نقعًا ونقوعًا أي: سكنه.

6 -

قوله: "يعسلان" من عسل الرمح عسلانًا إذا اهتز واضطرب، والرمح عسال، قوله:"عود الشيحة" بكسر الشين المعجمة؛ وهو نوع من النبات، ويروى: عود النبعة وهو شجر يتخذ منه القسيّ.

7 -

قوله: "قصائبه" بالقاف وهي الذوائب المقصبة ملوية لئيًّا حتَّى يترجل ولا تضفر ضفرًا، واحدتها قصيبة وقُصّابة- بالضم والتشديد، وهي الأنبوبة.

9 -

قوله: "قرة" بكسر القاف، وهي البرد، وكذلك البقرة بالفتح، يقال: ليلة قرة باردة، قوله:"المخاض": وهي الحوامل من النوق، واحدتها خلفة من غير لفظها، قوله:"النوازع" يقال: ناقة نازع إذا حنت إلى أوطانها ومرعاها، وكذلك يقال: بعير نازع.

13 -

قوله: "صأى" أي: صاح، يقال: صأى الخنزير والفيل والفار، قوله:"بلاقع": جمع بلقعة، والبلقعة والبلقع: الأرض القفر التي لا شيء فيها، يقال منزل بلقع ودار بلقع بغيرها إذا كان نعتًا، وإن كان اسمًا قلت: انتهينا إلى بلقعة ملساء.

14 -

قوله: "غيابة" بفتح الغين المعجمة وبياءين آخر الحروف مخففين

(2)

وهي كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه مثل السحابة والغبرة والظلمة ونحو ذلك.

15 -

و"الأجارع": جمع أجرع، وهي رملة مستوية لا تنبت شيئًا.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

في (أ): مخففتين.

ص: 542

الإعراب:

قوله: "ينام": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو ينام، والباء في:"بإحدى" تتعلق به، قوله:"ويتقي": عطف على قوله: "ينام" و"بأخرى": يتعلق به، و"المنايا": مفعول يتقي، ويروى: ويتقي بأخرى الأعادي، قوله:"فهو": مبتدأ، وقوله:"يقظان": خبره، وقوله:"هاجع": خبر بعد خبر، ويروى: يقظان نائم، لكنه يخالف أبيات القصيدة، فالعنى: هو حذر وهو جامع بين اليقظة والهجوع.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "يقظان هاجع" فإنهما [خبران]

(1)

عن مبتدأ واحد، ويجوز فيه العطف وتركه للمغايرة بين الخبرين لفظًا ومعنى

(2)

.

‌الشاهد الثامن والسبعون بعد المائة

(3)

،

(4)

فَيَوْمٌ عَلَينَا وَيَوْمٌ لَنَا

وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرّ

أقول: قائله هو النمر بن تولب بن قيس بن عبد الله بن كعب بن عوف بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار، شاعر مقل أدرك الجاهلية وأسلم فحسن إسلامه، ووفد

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر الشاهد رقم (176) وقال ابن مالك: "تعدد الخبر على ثلاثة أضرب: أحدها: أن يتعدد لفظًا ومعنى لا لتعدد الخبر عنه؛ كقوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} وكقول الراجز:

مَن يَكُ ذَا بَتٍّ فَهَذَا بَتِّي

مُقَيِّظٌ مُصَيِّفٌ مُشَتّي

ومثله قول الشَّاعر: (

البيت) وعلامة هذا النوع: صحة الاقتصار على واحد من الخبرين أو الأخبار، والثاني: أن يتعدد لفظًا ومعنى لتعدد المخبر عنه كقولك: بنو زيد فقيه ونحوي وكاتب، والثالث: أن يتعدد لفظًا دون معنى لقيامه مقام خبر واحد في اللفظ؛ كقولك: هذا حامض حلو. بمعنى: مر، وكقولك: هو أعسر يسر. بمعنى: أضبط. أي: عامل بكلتا يديه فما كان من النوع الأول صح أن يقال فيه خبران وثلاثة بحسب عدده. وما كان من النوع الثاني والثالث فلا يعبر عنه بغير الواحدة إلَّا مجازًا؛ لأن الإفادة لا تحصل فيه عند الاقتصار على بعض المجموع .... ويجوز استعمال الأول بعطف ودون عطف، وأما الثاني فلان فيه من العطف، وأما الثالث: فلا يستعمل فيه العطف؛ لأن مجموعة بمنزلة مفرد، فلو استعمل فيه العطف لكان كعطف بعض كلمة على بعض". شرح التسهيل لابن مالك (1/ 326، 327)، وحاشية الخضري (1/ 109)، وشرح المقرب: "المرفوعات" (1/ 730) وما بعدها.

(3)

ابن الناظم (45).

(4)

البيت من بحر المتقارب، للنمر بن تولب، وهو في تخليص الشواهد (193)، والدرر (2/ 22)، والكتاب لسيبويه (1/ 86)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 101)، (2/ 28)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1/ 293، 294).

ص: 543

على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وكتب له كتابًا فكان في أيدي أهله.

والبيت المذكور

(1)

من قصيدة رائية، وأولها هو قوله:

1 -

تصابى وَأَمْسَى عَلاهُ الكِبْرَ

وَأَمْسَى لجَمْرَة حَبل غرَرْ

2 -

وَشَابَ وَلا مَرْحَبًا بالبَيَا

ضِ وَالشَّيبُ مِنْ غَائِبٍ يُنْتَظَرْ

3 -

فَلَوْ أَن جَمْرَةً تَدْنُو لَهُ

وَلكن جَمْرَةً مِنْهُ سَفَرْ

4 -

سَلامُ الإِلَهِ ورَيحَانُهُ

ورَحْمَتُهُ وسماءُ دِرَرْ

5 -

غَمَامُ يُنَزِّلُ رِزْقَ العِبَادِ

فَأَحْيَا البِلادَ وَطَابَ الشجَرْ

6 -

أَرَى النَّاسَ قَدْ أَحْدَثُوا شِيَمةً

وَفِي كُلِّ حَادِثَةٍ مؤْتَمَرْ

7 -

يَهِينُونَ مَنْ حَقَّرُوا شَيْبَهُ

وَإنْ كَانَ فِيهمْ يَفِي أَوْ يَبِرْ

8 -

وَيُعْجِبُهُمْ مَنْ رَأَوْا عِنْدَهُ

سَوَامًا وَإنْ كَانَ فِيهمْ غَمْرْ

9 -

أَلا يَا لِذَا النَّاسِ لَوْ يَعْلَمُو

نَ لِلْخَيرِ خَيرٌ وللشَّرِّ شَر

10 -

فَيَوْمٌ عَلَينَا وَيَوْمٌ لَنَا

وَيَؤمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرّ

وهي من المتقارب.

1 -

قوله: "تصابى" أي: صار إلى الصبي والجهل، و"جمرة" -بالجيم: اسم امرأته، قوله:"حبل غرر" أراد أن ميثاقها غرور أي: غير ثِقَة.

2 -

قوله: "لا مرحبًا بالبياض" لأنه يؤدي إلى الهرم والكبر.

4 -

قوله: "ريحانه" أي: رزقه، قوله:"درر" -بكسر الدال: تدر بالمطر دَرَّةً بعد درة، و"الشيمة": الخلق.

7 -

قوله: "يهينون من حقروا شيبة" أراد

(2)

أن مما أحدثوا أنَّهم يهينون من قل شيبة وإن كان برًّا وفيًّا، وقد كان فيما مضى أنَّه إذا كان الرَّجل وفيّا أُكْرِمَ وَسُوِّدَ وإن كان معدمًا.

8 -

قوله: "سوامًا" السوام والسائم بمعنى، وهو المال الراعي، قوله:"الغمر" بالغين المعجمة؛ وهو الدنس والخلق المكروه.

9 -

قوله: "ألا يَا لذا النَّاس" كلمة ألا للتنبيه، ويا حرف النداء، والمنادى محذوف، والسلام في: لذا مكسورة، والتقدير: ألا يَا لقومي لهذا النَّاس، لو كان للنَّاس علم لوضعوا بإزاء كل

(1)

ينظر كتاب الصناعتين (1/ 21).

(2)

في (أ): يريد.

ص: 544

شيء ما يناسبه، ولفضلوا أهل الخير والعقل وإن كان لا مال لهم، ولم يفضلوا أهل الدنس والخلق السيئ وإن كان لهم مال ثم استأنف الكلام فقال: للخير خير؛ يعني: لكل صنف من الخير خير مثله، وللشر مثل ذلك، ويروى:

......................

لا الخير خير ولا الشر شر.

أي: إن الأوضاع تغيرت والخير قد ذهب والشر قد زاد.

10 -

قوله: "فيوم علينا ويوم لنا" يعني أن الدهر يومان: يوم يكون علينا وفيه نساء ويوم [يكون]

(1)

لنا وفيه نسر ونفرح.

الإعراب:

قوله: "فيوم

ويوم

ويوم

ويوم" كلها مبتدآت، وقوله: "علينا

ولنا

ونساء

ونسر" أخبار عنها، والأصل: فيوم

(2)

نساء فيه، ويوم نسر فيه، فحذف الرابط لأنه منصوب بفعل محلًّا، وهذا كقولهم: السمن منوان بدرهم، والبرّ الكر بستين، أي السمن منوان منه بدرهم، والبر الكر منه بستين.

الاستشهاد فيه:

على وقوع النكرة مبتدأ في المواضع الأربعة؛ لأنها

(3)

في مقام التقسيم وهو -أَيضًا- من المسوغات لوقوع النكرة مبتدأ، وذلك من قبيل قولك: النَّاس رجلان: رجل أكرمه ورجل أهينه، والمال قسمان: درهم أعطيه ودرهم آخذه، ومثل هذا كثير، ولم يذكر الشارح، ولا الناظم قبله ضابطًا لذلك، وضابطه: أن يستعمل النكرة في التقسيم

(4)

؛ كما ذكروا فيه استشهادًا آخر وهو: حذف رابط الجملة المخبر بها؛ إذ الأصل نساء فيه ونسر فيه كما تررناه آنفًا ولكنه لم يورده لهذا، فافهم

(5)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

في (أ): ويوم.

(3)

في (أ): لكونها.

(4)

عبر عنه ابن هشام يكون النكرة للتفصيل حيث يقول: ومما ذكروا من المسوغات .... أو للتفصيل نحو: النَّاس رجلان: رجل أكرمته ورجل أهنته .... وقولهم: شهر ثرى وشهر ترى وشهر مرعى". المغني (472).

(5)

قال سيبويه: "وقال النمر بن تولب (

البيت) سمعناه من الرب ينشدونه يريدون: نساء فيه ونسر فيه، وزعموا أن بعض العرب يقول: شهر ثرى وشهر ترى وشهر مرعى يرد: ترى فيه". الكتاب لسيبويه (1/ 86) وينظر قول العرب في ابن الشجري (1/ 326).

ص: 545

‌الشاهد التاسع والسبعون بعد المائة

(1)

،

(2)

أَضَاءَتْ لَهُمْ أَحْسَابُهُمْ وَوُجُوهُهُمْ

دُجَى اللَّيلِ حَتَّى نَظَّمَ الجزعَ ثَاقِبُهْ

نُجُومُ سَمَاء كُلَّمَا انْقَض كَوْكَبٌ

بَدَا كَوْكَبٌ تَأوي إِلَيهِ كَوَاكِبُهْ

أقول: قائلهما

(3)

هو أبو الطمحان القيسي، واسمه: شَرْقِيّ بن حنظلة شاعر جاهلي من بلقين

(4)

وهما من قصيدة هائية، وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

إِذَا قِيلَ أَيُّ النَّاسِ خيرُ قَبِيلَةً

وَأَصْبَرُ يَوْمًا لا تَوَارَى كَوَاكِبُهْ

2 -

فَإن بَنِي لَأَمِ بْنِ عَمْرٍو أَرُومَةٌ

سَمَتْ فَوْقَ صَعْب لا تنُالُ مَرَاقِبُهْ

3 -

أضاءت .................

..............................

4 -

.........................

............................ إلخ

5 -

وَمَا زَال مِنْهُمْ حَيثُ كَانُوا مُسَوَّدٌ

تَسِيرُ المنَايَا حَيثُ سارَتْ رَكَائِبُهْ

وهي من الطَّويل.

1 -

قوله: "وأصبر يومًا" أراد باليوم الوقعات، قوله:"لا تواري": أصله لا تتوارى أي: لا تستر.

2 -

قوله: "أرومة" بفتح الهمزة، وهي الأصل الثابت، قوله:"سمت" أي: علت من السمو، قوله:"لا تنال مراقبه" أي: لا تدرك مراقبه، وهو جمع مرقب، وهو الوضع المشرف يرتفع عليه الرقيب، وأراد أن أحدًا لا ينال أصلهم لعراقتهم في الأصالة.

4 -

قوله: "أضاءت

البيت"؛ قيل: أمدح بيت في الجاهلية، وقيل: أكذب بيت، ويقال: ضاءت النَّار غير متعد، وأضاءت وأضاءها الله، ويحتمل في البيت التعدي والقصور، و"الأحساب": جمع حسب -بفتحتين؛ وهو ما يعده الرَّجل من مفاخر آبائه، ويقال: حسب الرَّجل دينه ولا يقال

(6)

: ماله، والرجل حسيب، قوله:"دجى الليل" وهو جمع دجية؛ وهي الظلمة.

(1)

ابن الناظم (47).

(2)

البيتان من بحر الطَّويل، قائلهما أبو الطمحان القيسي (جاهلي)، وقيل: لقيط بن زرارة، وهي في عدة كتب أدبية؛ منها شرح الحماصة للمرزوقي (1598)، والخزانة (8/ 95).

(3)

في (أ): قائله.

(4)

ينظر ترجمته في الشعر والشعراء (246)، تحقيق: مفيد قميحة، والأغاني (9/ 13).

(5)

ينظر الأغاني (3/ 12)، والحيوان (3/ 93).

(6)

في (أ): ويقال.

ص: 546

قوله: "حتَّى نظم الجزع"[نظم]

(1)

بالتشديد ويقال: نظمت اللؤلؤ، أي: جمعته في السلك والتنظيم مثله، والجزع -بفتح الجيم وسكون الزاي المعجمة وفي آخره عين مهملة؛ وهو الحرز اليماني الذي فيه بياض وسواد، و"الثاقب" بالثاء المثلثة، من ثقبت اللؤلؤ ثقبًا [إذا]

(2)

نجشته، والثاقب المضيء من قولهم: نجم ثاقب، أي: يثقب الظلام بنوره، والظاهر أن الهاء للجزع، وأن الثاقب من ثقب الدر كما ذكرنا، وهذا تمثيل من شبههم بالنجوم في الرفعة والاشتهار، وتزين الدنيا بهم، واهتداء أهلها بهم.

4 -

قوله: "كلما انقض" أي: سقط أو غاب، و"بدا كوكب" أي: ظهر كوكب آخر، قوله:"كواكبه" الضمير يرجع إلى السماء؛ على حد قوله تعالى: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [المزمل: 18].

الإعراب:

قوله: "أضاءت": فعل متعد يعني: نورت، وقوله:"أحسابهم": فاعله، و"وجوههم": عطف عليه، وقوله:"دجى الليل": كلام إضافي مفعوله، أو ظرف، قوله:"حتَّى" للغاية، و"نظم" فعل، و"ثاقبه": فاعله، و"الجزع": مفعوله، والضمير في ثاقبه يرجع إلى الجزع.

قوله: "نجوم سماء": خبر مبتدأ محذوف، أي: هم نجوم سماء، وهذه استعارة بالكناية؛ حيث شبه بني لأم بن عمرو بالنجوم في السماء، وطوى ذكر المشبه [به]

(3)

؛ إذ شرط الاستعارة أن يترك أحد طرفي التشبيه، فإذا ذُكر الطرفان يسمى تشبيهًا لا استعارة، وهي استعارة محسوس بمحسوس، ويقال: الصحيح أنَّه تشبيه بليغ؛ لأن المشبه المطوي ذكره صالح لأن يذكر بخلاف قولك: رأيت أسدًا، وقوله: "كلما انقض كوكب

إلخ" يبين وجه التشبيه الذي بني عليه الاستعارة، وهو أن مثلهم في ذهاب واحد منهم وقيام الآخر مقامه في السيادة، بحيث يأوي إليه الباقون كمثل كوكب من الكواكب ينقض ويذهب ثم يبدو آخر عوضه.

قوله: "كما انقض كوكب": جملة من الفعل والفاعل، وكذا قوله:"بدا كوكب": جملة أخرى من الفعل والفاعل وهو جواب لقوله: "كلما""وما" في "كلما": مصدرية نائبة هي وصلتها عن الزمان، وقوله:"تأوي إليه كواكبه": جملة أخرى من الفعل والفاعل في محل الرفع على أنها صفة لقوله: "كوكب" الذي في قوله: "بدا كوكب".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "نجوم سماء" حيث حذف فيه المبتدأ؛ إذ أصله: هم نجوم سماء، وهذا الحذف

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ، ب).

ص: 547

جائز لا واجب

(1)

.

‌الشاهد الثمائون بعد المائة

(2)

،

(3)

تُسَاورُ سَوَّارًا إلى المَجْدِ والعُلا

وفِي ذِمَّتِي لَئِنْ فَعَلْتَ ليَفْعَلَا

أقول: قائلته هي ليلى الأخيلية، وهو شعر تهجو به النابغة الجعدي، وتفضل عليه سوار بن أوفى القشيري، وذلك لأن النابغة كان قد هجاها بقصيدة أولها

(4)

:

1 -

أَلا أَبْلِغَا لَيلَى وَقُولا لَهَا هَلا

فَقَدْ ركبتْ أَمرًا أَغَرّ مُحَجَّلا

2 -

ذَرِي عَنك تَهْجَاءَ الرِّجَالِ وَأَقبِلِيَ

عَلَى أَزْلَقيٍّ يَمْلأ اسْتَكِ فَيشَلا

وأول شعرها

(5)

:

1 -

أَنَابَغُ لَم تَنْبُغْ وَلَمْ تَكُ أَوَّلا

وَكُنْتُ صُنَيًّا بَينَ صُدَّيْنِ مَجْهَلا

2 -

أَعَيرْتَنِي دَاءً بِأُمِّكَ مِثْلُهُ

وَأَيُّ جَوَاب لا يُقَالُ لَهُ هَلا

3 -

تُسَاورُ سَوَّارًا إلى المجدِ والعُلا

وفيِ ذِمّتِي لَئِنْ فعَلْتَ ليَفْعَلَا

وكلتا القصيدتين من الطَّويل.

[أولًا: شرح أبيات النابغة]

1 -

قوله: "ألا أبلغا ليلى" ويروى: ألا حييا ليلى، قولها:"هلا": كلمة زجر، وأصله يستعمل في زجر الخيل

(6)

.

2 -

قوله: "ذري" أي: اتركي، و"التهجاء": مصدر مثل التهدار بمعنى الهجاء، قولها:"أزلقي" أي: رجل فصيح متقن، قولها:" [فيشلا"]

(7)

بفتح الفاء وسكون الياءآخر

(1)

ينظر المغني (630).

(2)

ابن الناظم (48).

(3)

البيت من بحر الطَّويل، من قصيدة لليلى الأخيلية تهجر فيها النابغة الجعدي، وكان قد هجاها وتفضل عليه سوار بن أوفي القشيري، وانظر بيت الشاهد والقصيدة في ديوان ليلى الأخيلية (68) تحقيق: واضح الغمد (دار صادر)، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (6/ 243)، والكتاب لسيبويه (3/ 512)، والمقتضب (3/ 11).

(4)

القصيدة من بحر الطَّويل، وانظرها في ديوان النابغة الجعدي (123) منشورات المكتب الإسلامي بدمشق (1964 م)، وانظرها أَيضًا في ديوان ليلى الأخيلية (68)، والخزانة (6/ 238).

(5)

ينظر ديوان ليلى الأخيلية (69) تحقيق: واضح الغمد، دار صادر بيروت.

(6)

قال ابن الناظم: "أسماء الأصوات ألفاظ أشبهت أسماء الأفعال في الاكتفاء بها، دالة على خطاب ما لا يعقل، أو على حكاية بعض الأصوات، فالأول: إما لزجر؛ كهلا للخيل وعدس للبغل .. ". شرح ابن الناظم للألفية (238).

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 548

الحروف وفتح الشين المعجمة، وهو الذكر العظيم الكمرة.

[ثانيًا: شرح أبيات ليلى الأخيلية]

1 -

قولها: "أنابغ": منادى مرخم، يعني: يَا نابغة، قولها:"لم تنبغ" أي: لم تظهر؛ من نبغ ينبغ من باب فتح يفتح، ونبغ ينبغ من باب ضرب يضرب، ونبغ ينبغ من باب نصر ينصر، قولها:"وكنت صنيًّا" بضم الصاد المهملة وفتح النُّون وتشديد الياءآخر الحروف، وهو تصغير صنو، وهو حسي صغير لا يرده أحد ولا يؤبه له، ويقال: هو شق في الجبل، و"الحسي" بكسر الحاء، وهو الماء المتوارى في الرمل، ويروى: وكنت شعيبًا بين صدين، و"الصد" بضم الصاد المهملة وتشديد الدال، وهو الجبل، وقال أبو عمرو: يقال لكل جبل صَدّ وصُدّ وسَدّ وسُدّ ثم أنشد البيت

(1)

.

3 -

قولها: "تساور سوارًا" أي: ترافع

(2)

سوارًا، وهو على وزن فَعَّال بالتشديد، وهو سوار بن أوفى القشيري؛ هكذا وقع في غالب نسخ ابن الناظم

(3)

وغيرها، وكذا رأيت أَبا حيان قد ضبطه بيده، وفي شرح التسهيل

(4)

وهو تصحيف.

والصحيح: تُساور سوارًا -بضم التاء المثناة من فوق وإهمال السين؛ من المساورة وهي المواثبة والمغالبة؛ وذلك أن ليلى الأخيلية كان بينها وبين سوار مودة، وكان بين سوار والنابغة الجعدي مفاخرة ومحاربة، وكان كل واحد يفضل نفسه على الآخر، فليلى تخاطب النابغة بقولها: كساور سوارًا، أي: ترفع نفسد على سوار

(5)

وتغالبه في المفاخرة، "وفي ذمتي لئن فعلت" أي: رفعت نفسك عليه ليفعلا، أي: ليفعل الآخر، أي: ليرفع هو نفسه عليك -أَيضًا- وما يسلم لك.

قولها: "إلى المجد" أي: إلى الكرم يقال: رجل مجيد، أي: كريم، و "العلا" بضم العين بمعنى العلو، قولها:"لئن فعلت": خطاب للنابغة -أَيضًا-، قولها:"ليفعلا" أي: ليفعل سوار -أَيضًا-، والألف فيه مبدلة من النُّون الخفيفة

(6)

.

(1)

الصحاح، مادة:"صدد".

(2)

في (أ): ترفع.

(3)

ابن الناظم (48) غير مضبوط.

(4)

شرح التسهيل لابن مالك (1/ 288)، وروايته بفتح السين وتشديد الواو على وزن فعال، وكذا رواية؛ الكتاب (3/ 512)، وينظر المقتضب (3/ 11)، والخزانة (3/ 33)، والاقتضاب (397) وفي الخزانة: وصحفه بعضهم ورواه: تسوّر سوار، والصواب ما رويناه.

(5)

في (أ): ترفع نفسك عليه.

(6)

ينظر الكتاب لسيبويه (3/ 512)، والخزانة (3/ 34).

ص: 549

الإعراب:

قولها: "تساور": جملة من الفعل والفاعل و"سوارًا": مفعوله، قولها:"إلى المجد": يتعلق بـ"تساور"، و"العلا" عطف على المجد، قولها:"وفي ذمتي": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: وفي ذمتي قسم أو يمين، قولها:"لئن فعلت": فعل وفاعل، ومفعوله محذوف، وكذا قولها:"ليفعلَا" والجملة جواب القسم.

الاستشهاد فيه:

في قولها: "وفي ذمتي" حيث حذف فيه المبتدأ حذفًا وجوبًا، ولا يذكر المبتدأ في مثل هذه الصورة؛ كما في قولهم: في ذمتي لأفعلن

(1)

، وقد قيل: في جعل"ذمتي" قسمًا صريحًا نظر؛ لأنه ذكر في حذف الخبر أن القسم مما يشعر بمجرد ذكره، وقولها:"في ذمتي" لا يشعر بمجرد ذكره؛ لأنه يحتمل أن يكون: في ذمتي دين أو عهد، فلا يفهم القسم إلَّا بذكر المقسم به

(2)

.

‌الشاهد الحادي والثمانون بعد المائة

(3)

،

(4)

وَلَوْلا بَنُوهَا حَوْلَهَا لخبَطْتُهَا

......................

أقول: قائله هو الزُّبير بن العوام أحد العشرة المبشرين بالجنة [رضي الله تعالى عنهم]

(5)

في زوجته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، وكان الزُّبير - رضي الله تعالى عنه - ضرابًا للنساء، وتمامه:

...................... .. كَخَبطَةِ عُصْفُورٍ وَلَمْ أَتَلَعْثَمِ

وهو من الطَّويل.

(1)

هذا البيت شاهد على وجوب حذف المبتدأ، ومنه قول العرب: في ذمتي لأفعلن، يريدون: في ذمتي ميثاق أو عهد أو يمين. فاقتصروا في هذا القسم على خبر المبتدأ والتزموا حذف المبتدأ. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 288).

(2)

قال البغدادي: "وقال أبو علي في إيضاح الشعر: قوله: "وفي ذمتي" قسم وجوابه: "ليفعلن" فإن قلت: إن قوله: "وفي ذمتي" ليس بكلام مستقل، والقسم إنما هو جملة، قلت: إنه أضمر في الظرف اليمين أو القسم لدلالة الحال عليه، ومن لم يرفع بالظرف فينبغي أن يكون المبتدأ عنده محذوفًا وجوبًا إذا كان خبره صريحًا في القسم؛ كقولهم: في ذمتي لأفعلن، أي: في ذمتي يمين. وأنشد هذا البيت، وإنما عده صريحًا؛ لأنه اشتهر استعماله في القسم، وبه يسقط قول من قال: لا يفهم القسم إلَّا بذكر المقسم به". ينظر الخزانة (3/ 34).

(3)

ابن الناظم (48).

(4)

البيت من بحر الطَّويل، وقائله الزبير بن العوام يخاطب به زوجته أسماء بنت أبي بكر، وهو في المغني (43) ، وشرح شواهد المغني (841) وشرح الكافية الشافية لابن مالك (355)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (914).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 550

قوله: "ولولا بنوها" أي: ولولا بنو أسماء، وهي بنت أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنهما - وزوجة الزبير -رضي اللَّه تعالى عنه- وكانت رابعة أربعة نسوة.

قوله: "لحطبتها" هكذا وقع في كتاب ابن الناظم

(1)

، وهكذا في شرح الكافية

(2)

والخلاصة لأبيه، وهو تصحيف وإنما صوابه:"لحبطتها" بتقديم الباء الموحدة على الطاء، والدليل على ذلك قوله:"كخبطة عصفور"، وهو من خبطت الشجرة إذا ضربتها بالعصا ليسقط ورقها، وخبط البعير الأرض بيده؛ ضربها، ومنه قيل: خبط عشواء، وهي الناقة التي في بصرها ضعف تخبط إذا مشت لا تتوقى شيئًا، قوله:"ولم أتلعثم" من تلعثم يتلعثم- بلام وعين مهملة وثاء مثلثة، يقال: تلعثم في الأمر إذا تأنى فيه وتمهل.

الإعراب:

قوله: "لولا" تأتي لربط امتناع الثانية لوجود الأولى، وقد دخلت هنا على الجملة الاسمية وهي قوله:"بنوها حولها" فإن "بنو": مبتدأ، "وحولها": خبره، قوله:"لحبطتها": جواب لولا، قوله:"كخبطة عصفور": صفة لمصدر محذوف؛ أي: خبطتها خبطًا كخبطة عصفور، قوله:"ولم أتلعثم": جملة وقعت حالًا.

فإن قلتَ: قد تقرر عندهم وجوب حذف "لولا" الامتناعية فكيف أثبت ها هنا؟

قلت: ذاك إذا دل دليل على تعليق امتناع الجواب على نسبة الخبر إلى المبتدأ، أما إذا لم يدل على ذلك دليل فحينئذ يجب ذكره كقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - "لولا قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وجعلت لها بابين"

(3)

رويناه من طريق البخاري وقول الزبير بن العوام صلى الله عليه وسلم من هذا القبيل

(4)

، فافهم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بنوها حولها" فإنه ذكر فيه خبر المبتدأ الواقع بعد لولا لكونه خاصّا لا دليل عليه لو حذف كما قررناه الآن

(5)

.

(1)

ينظر في شرح الألفية لابن الناظم (48).

(2)

شرح الكافية الشافية لابن مالك (355).

(3)

الحديث في صحيح البخاري بشرح فتح الباري لابن حجر (1/ 298، 299)، بروايات مختلفة، وينظر صحيح ابن حبان بشرح الإحسان (9/ 126) رقم (3817)، تأليف: علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، طبعة أولى (1991 م).

(4)

ينظر توضيح المقاصد (1/ 288 - 290).

(5)

ينظر تحقيق الشاهد رقم (164).

ص: 551

‌الشاهد الثاني والثمانون بعد المائة

(1)

،

(2)

ورَأْيُ عَينَ الفتى أباكا

يُعطي الجزيلَ فعليك ذاكا

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز، أنشده سيبويه في كتابه

(3)

.

وهو من الرجز المسدس، وفيه الخبن والقطع والخبل باللام

(4)

.

والمعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "رأي عيني" الرأي: مصدر رأيت، وهو مشترك بين الاعتقاد؛ كقولك: هذا رأي أبي حنيفة رضي الله عنه

(5)

، والرؤية كقوله سبحانه:{رَأْيَ الْعَيْنِ}

(6)

[آل عمران: 13] ومنه هذا البيت، وهو مضاف إلى عيني إضافة المصدر إلى فاعله، وارتفاعه بالابتداء، وعن أبي الحسن نصب رأي، والصواب رفعه و "الفتى": مفعول المصدر.

قوله: "أباكا": بدل من الفتى أو عطف بيان، قوله:"يعطي الجزيل": جملة فعلية وقعت حالًا وسدت مسد الخبر للمبتدأ؛ أعني قوله: "ورأي عيني"، قوله:"فعليك": اسم فعل بمعنى الزم، قوله:"ذاكا": مفعوله، وهو اسم إشارة إلى العطاء الجزيل، والمعنى: رؤية عيني أباك حصلت إذ كان يعطي العطاء الجزيل فالزم طريقته وتشبه به في ذلك؛ لأن الولد سر أبيه، ومن يشابه أبه فما ظلم.

الاستشهاد فيه:

على أن الحال قد سدت مسد الخبر كما ذكرنا، ومنع الفراء وقوع الجملة الحالية السادة مسد

(1)

ابن الناظم (50).

(2)

البيت من بكر الرجز لرؤبة بن العجاج في ديوانه (181) مجموع أشعار العرب، ضمن أبيات منسوبة إليه، وينظر الكتاب (1/ 191)، والمقتضب (3/ 71)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 285)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 107).

(3)

ينظر الكتاب (1/ 191).

(4)

أما الخبن فهو حذف الثاني الساكن، وهو في التفعيلة الأولى، وأما القطع فهو حذف ساكن الوتد المجموع وتسكين ما قبله، وهي في العروض والضرب (الثالثة والسادسة) وأما الخبل وهو مجموع الخبن والطي ففي الخامسة.

(5)

في (أ) رحمه الله تعالى.

(6)

وتمام الآية: {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: 13].

ص: 552

الخبر

(1)

والبيت المذكور حجة عليه، وقولهم سمع أذني زيدًا يقول كذا

(2)

.

‌الشاهد الثالث والثمانون بعد المائة

(3)

،

(4)

يَدَاكَ يَدٌ خَيرُها يُرتَجَى

وَأُخْرَى لِأَعدَائِها غَائِظَهْ

أقول: قائله هو طرفة بن العبد البكري

(5)

، وأنشده الخليل بن أحمد

(6)

، وبعده:

1 -

فأمَّا التِي خَيرُها يُرْتَجَى

فَأَجْوَد جُودًا مِنَ اللافِظَهْ

2 -

وَأمَّا التِي شرُّها يتقَى

فَسُمٌّ مُقَاتِلُة لافِظَهْ

3 -

إذَا رَجَعَتْ وَجَرَى سمها

فَنَفْسُ اللَّدِيغ بِها فَائِظَهْ

(7)

وأنشده الصاغاني في العباب هكذا:

1 -

يداك يد سبيلها مرسل

وأخرى لأعدائها غائظهْ

2 -

فأما التي سيبها يرتجى

قديمًا فأجود من لافظهْ

وهي من المتقارب.

1 -

قوله: "يداك

إلخ" يمدح رجلًا بأن إحدى يديه يرتجى منها الخير ويده الأخرى غيظ للأعداء، والغيظ: غضب كامن.

(1)

من مواضع حذف الخبر وجوبًا؛ إذا سدت الحال مسده، وذلك إذا كان المبتدأ أو محموله عاملًا في مفسر صاحبها أو مؤولًا بذلك نحو: ضربي زيدًا قائمًا، فأصله عند أكثر البصريين: ضربي زينا إذا كان قائما، فالخبر (إذا)، و (كان) تامة بدليل تنكير (قائمًا) بعدها، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" مسلم بشرح النووي، ومثال كون المصدر العامل في مفسر صاحب الحال معمول المبتدأ قولك: كل شربي السويق ملتوتًا". شرح التسهيل لابن مالك (1/ 278) والارتشاف (2/ 33، 34).

(2)

ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 191).

(3)

ابن الناظم (50)، ويوجد في أوضح المسالك (1/ 228).

(4)

البيت ليس في ديوانه، طبعة دار صادر بيروت، شرح: مهدي محمد ناصر، ووجد في ملحقات ديوانه (1900 م) بعناية: مكس سلفون، والبيت في شرح التصريح (1/ 182)، وخزانة الأدب (1/ 133)، والأشباه والنظائر (7/ 17)، طبعة مؤسسة الرسالة، وشرح الأشموني (1/ 223).

(5)

البيت لا يوجد في ديوانه.

(6)

الخليل: هو الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري، واضع معجم العين في أصول اللغة، وواضع علم العروض توفي سنة (175 هـ). المدارس النحوية (30) وما بعدها، وأخبار النحويين البصريين للسيرافي (54 - 56).

(7)

روايته في (أ):

إذا لدغت وجرى سمها

................................

وانظر الأبيات المذكورة في اللسان مادة: "فيظ".

ص: 553

1 -

قوله: "من اللافظه" أي: من البحر، والهاء فيه للمبالغة كما في: راوية وعلامة، وفي المثل: فلان أسمح من لافظة

(1)

أي: بحر، قال الجوهري: وقولهم؛ أسمح من لافظة، يقال؛ هي العنز؛ لأنها تُدعى للحلب وهي تجتر فتلفظ بجرتها وتقبل فرحًا منها بالحلب

(2)

.

ويقال هي التي تزق فرخها من الطير؛ لأنها تخرج ما في جوفها وتطعمه، قال الشاعر

(3)

:

تَجُود فَتُجْزِلُ قَبلَ السؤَالِ

وَكَفُّكَ أَسْمَحُ مِنْ لافِظَهْ

ويقال: هي الرحى، ويقال: الديك، ويقال: البحر؛ لأنه يلفظ بالعنبر والجوهر، والهاء للمبالغة.

2 -

قوله: "فسم مقاتلة لافظه" أي: رامية، وأراد بالمقاتلة الحيوانات ذوات السم التي ترمين بالسم فيقتلن.

3 -

قوله: "فائظه" بالظاء المعجمة القائمة؛ قال أبو القاسم الزجاجي

(4)

، يقال: فاظ الميت بالظاء، وفاضت نفسه بالضاد، وفاظت -بالظاء جائز عند الجميع إلا الأصمعي؛ فإنه لا يجمع بين الظاء والنفس، تقول: فاظ الرجل بالظاء، وفاضت نفسه بالضاد

(5)

.

وقال أبو زيد وأبو عبيدة؛ فاظت نفسه -بالظاء لغة قيس، وبالضاد لغة تميم

(6)

، وروى المازني عن أبي زيد أن العرب تقول: فاظت نفسه- بالظاء إلا بني ضبة فإنهم يقولون بالضاد

(7)

، ومما يقوي فاظت نفسه بالظاء، قول الشاعر:

يداك يد ..................

............................. إلخ

ويروى:

يداك يد جودُها يُرتَجَى

..................................

وقال بعضهم

(8)

: يقال فاظت نفسه تفيظ فيظًا وفاظت تفوظ فوظًا، والثانية نادرة، وفي قوله:

..............................

فنَفْسُ اللديغِ بِها فَائِظَهْ

(1)

مجمع الأمثال للميداني (2/ 141) طبعة عيسى الحلبي.

(2)

الصحاح، مادة:"لفظ".

(3)

البيت من بحر المتقارب، ويوجد في الصحاح:"لفظ"، وكذا في اللسان غير منسوب لقائله فيهما.

(4)

الزجاجي: هو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق، من نهاوند، وله: الجمل والكافي والأمالي الصغرى والوسطى والكبرى. توفي سنة (337 هـ). نشأة النحو (138)، والمدارس النحوية (252)، ووفيات الأعيان (2/ 317)، وشذرات الذهب (2/ 357).

(5)

الصحاح، مادة:"فاظ، فاض".

(6)

الصحاح، مادة:"فيض وفيظ".

(7)

ينظر اللسان، مادة:"فيض وفيظ".

(8)

هو قول الأصمعي في المحيط في اللغة للصاحب ابن عباد (307).

ص: 554

رد على أبي عمرو بن العلاء؛ إذ زعم أنه يقال: فاظ الرجل كما قال رؤبة

(1)

:

لا يَدفنُونَ مِنْهُمُ مَنْ فَاظَا

...................................

ولا يقال: فاظت نفسه، وعلى من قال: إنما يقال في فعل النفس بالضاد، وبعضهم يخص الضاد بلغة تميم

(2)

، واتفقوا في: فاظ الرجل أنه بالظاء، وذكر ابن دحية

(3)

في كتاب مرج البحرين وفوائد المشرقين والمغربين أن أبا محمد بن حزم

(4)

حكى أن الوزير أبا الحسن جعفر بن عثمان الصحفي

(5)

كتب إلى صاحب الشرط أبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي اللغوي كتابًا فيه: فاضت نفسه بالضاد فكتب إليه معترضًا

(6)

:

1 -

قُلْ لِلْوَزِير السنّي محمَّده

لِي ذمة منك أنتَ حافِظُها

2 -

إنْ لَم تُحافِظْ عِصَابَة نسبت

إليكَ قدمًا فمَنْ يُحَافِظُها

3 -

لا تدَّعَنْ حَاجَتِي مطرحة

فَكان نَفْسِي قَد فَاظَ فَائِظُها

فَأجابه:

1 -

خَفضْ قَلِيلا فَأَنْتَ أَوْحَدها

عِلْمًا وَنَقَّابُها وَحَافِظُها

2 -

كَيفَ تضِيعُ العُلُوم في بَلدٍ

أَبْنَاوُها كلُّهُم يُحَافِظُها

3 -

أَلْفَاظُهم كلها مُعَطَّلَة

مَا لَم يُعَوَّلْ عَلَيكَ لافظها

4 -

وَقَد أَتَتْنِي قَدَيْت شَاغِلة

لِلنفْسِ أَنْ قُلت فَاظَ فَائِظُها

(1)

ليس في ديوان رؤبة ولا في ملحقات ديوانه، وهو في الصحاح واللسان مادة:"فيظ"، وفي اللسان جاء قبله:

(والأَزد أَمسَى شِلوهم لُفاظا)

كما جاء بعده:

(لا يَدفِنُون منهم مَن فاظا

إِن مات في مَصيفِه أَو قاظا)

(2)

في لسان العرب مادة: "فوظ" يقول: "قال الفراء: يقال: فاضت نفسه تَفِيضُ فَيضًا وفُيوضًا وهي في تميم وكلب وأفصحُ منها وآثَرُ: فاظت نفسُه فُيوظا". وفي لسان العرب مادة: (فيض) يقول: "وأَما أَبو عبيدة فقال: فاظت نفسه بالظاء لغة فيس، وفاضت بالضاد لغة تميم، وقال أبو حاتم: سمعت أَبا زيد يقول: بنو ضبة وحدهم يقولون: فاضت نفسه وكذلك حكى المازني عن أَبي زيد قال: كل العرب تقول: فاظت نفسُه إِلا بني ضبة فإِنهم يقولون: فاضت نفسه بالضاد، وأَهل الحجاز وطيئ يقولون: فاظت نفسه، وقضاعة وتميم وقيس يقولون: فاضت نفسُه مثل فاضت دَفعَتُه وزعم أَبو عبيد أَنها لغة لبعض بني تميم يعني: فاظت نفسه وفاضت".

(3)

هو عمر بن الحسن بن علي بن محمد (ت 633 هـ). ينظر الأعلام (5/ 44).

(4)

هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم أبو محمد (ت 456 هـ). ينظر الأعلام (4/ 254).

(5)

هو جعفر بن عثمان بن نصر (ت 372 هـ). ينظر الأعلام (2/ 125).

(6)

الأبيات من بحر المنسرح.

ص: 555

5 -

فَأوضَحْتَها تَفزْ بِنَادِرَة

قَدْ بَهِظ الأوَّلِيَن بَاهِظُها

فأجابه في ضمن شعره الشاهد على ذلك

(1)

:

1 -

أتانِي كتَابٌ مِنْ كَريمٍ مُكرَّم

فَنَفس عَنْ نَفْس تَكَادُ تَفِيظُ

2 -

فَسَرّ جميعَ الأَوْليَاءِ ورودهُ

وَسِيءَ رِجال آخرُونَ وَغِيظُوا

3 -

لَقَد حفظ العهْدَ الذِي قَدْ أَضاعَهُ

لَدَى سواهُ والكريمُ حَفِيط

4 -

وبَاحِثُ عنْ فاظَتْ وَقَبلِي أَفَادها

رِجال لَدَيْهِم في العلُومِ حظوظُ

5 -

رَوَاهُ ابْنُ كَيسَانَ وسهل وأنْشَدُوا

يُقالُ أَتَى الغِيَاظُ وهوَ يَغِيظُ

6 -

وسميتُ غياظًا ولستُ بِغَائظٍ

عدوًّا ولكن الصديقَ تَغِيظُ

7 -

فلا حفظ الرحمَنُ روحكَ حَئةً

ولا هِيَ في الأَزوَاحِ حين تفيظُ

وذكر في كتاب الضاد والظاء لأبي الفرج بن سهل الدهقاني النحوي: يقال: فاظ الميت يفيظ فيظًا إذا قضى، قال الأصمعي: ولا يقال: فاظت نفسه ولا فاضت نفسه

(2)

وزعم غيره أن العرب تقول: فاضت نفسه بالضاد، فأما: فاظت نفسه [بالظاء]

(3)

فلا يقال

(4)

.

الإعراب:

قوله: "يداك": كلام إضافي مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: يداك لك، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: هاتان يداك، قوله؛ "يد": خبر مبتدأ محذوف تقديره: إحداهما يد، ويقال:"يداك": مبتدأ، "ويد": خبرها، "وخيرها يرتجي": جملة وقعت صفة ليد، وعلى هذا الوجه يأتي الاستشهاد على ما يأتي الآن.

وقيل: تقديره: إحدى يديك يد خيرها يرتجى، فلما حذفوا المضاف قام المضاف إليه مقامه، قوله:"وأخرى" أي: ويد لك أخرى، وهو عطف على قوله:"يد"، وقوله:"غائظه": صفة لها "ولأعدائها": يتعلق بها.

الاستشهاد فيه:

على أن الخبر متعدد لتعدد الخبر عنه فيجب العطف بالواو

(5)

.

(1)

الأبيات من بحر المنسرح أيضًا.

(2)

ينظر اللسان، مادة:"فيض، وفيظ".

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ينظر اللسان، مادة:"فيض".

(5)

إذا تعدد الخبر لفظًا ومعنى لتعدد الخبر عنه حقيقة وجب العطف بالواو نحو: بنو زيد: فقيه ونحوي وكاتب، ومثله بيت الشاهد، ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 326).

ص: 556

‌الشاهد الرابع والثمائون بعد المائة

(1)

،

(2)

لُقَيْمُ بْنُ لُقْمَان منْ أُخْتِهِ

فَكَانَ ابنَ أُخْتٍ لَهُ وَابْنَمَا

أقول: قائله هو النمر بن تولب، وهو من قصيدة ميمية، وأولها هو قوله:

1 -

سلا عَنْ تَذَكّرهِا تُكْتَما

وَكَانَ رَهِينًا بِها مغْرَما

2 -

وَأقْصرَ عَنْها وَآيَاتُها

تُذَكّرهُ دَاءَهُ الأَقْدَما

3 -

فَأَوْصَى الفَتَى بِابْتِنَاءِ العُلا

وَأَنْ لا يَخُون ولا يَأْثَما

4 -

ويَلْبِسَ للدَّهْرِ أَجْلالُهُ

فَلَنْ يَبنِيَ النَّاسُ مَا هدَّمَا

5 -

وإنْ أَنْتَ لاقَيتَ في نجْدَةٍ

فَلا يَنهينّكَ أَنْ تُقْدِمَا

6 -

فَإنَّ المنَيَّةَ مَنْ يَخْشَها

فَسَوْفَ تُصَادِفُهُ أَيْنَما

7 -

وإنْ تَتَخَطَّاكَ أَسْبَابها

فإنَّ قُصَارَاكَ أَنْ تَهْرمَا

8 -

فَأحبِبْ حَبِيبَكَ حبًّا رُوَيدًا

فليس يَعُولكَ أَنْ تصرِمَا

9 -

فَتَظْلمَ بالوُدّ مَنْ وصلهُ

رقيقٌ فَتَشفَه أَو تَنْدَمَا

10 -

وأبْغضْ بغِيضكَ بُغْضًا رُويْدًا

إِذَا أَنْتَ حاولتَ أَنْ تَحكُمَا

11 -

ولوْ أَنَّ منْ حَتْفِهِ نَاجيًا

لأَلْفَيتَهُ الصدَع الأعْصَمَا

12 -

بأسبيلَ ألقت بِهِ أمه

عَلَى رَأْسِ ذِي حبك أيْهمَا

13 -

إذَا شاءَ طالعَ مسْجُورَةً

تَرَى حولَها النبعَ والساسمَا

14 -

تكونُ لأَعدَائِهِ مجهلًا

مضلّا وَكَانَتْ لهُ معلمَا

15 -

سقتها الروَاعِدُ منْ صَيِّفٍ

وَإنْ منْ خريف فَلَنْ يعدَمَا

16 -

أتاحَ لهُ الدهْرُ ذَا وَفْضَةٍ

يقلب في كفّهِ أسهمَا

17 -

فَأَرسَلَ سَهْمًا على غِرِّةٍ

وَمَا كَانَ يرهبُ أنْ يكلّمَا

18 -

وأخرجَ سهمًا لهُ أهْزعًا

فشكَّ نَوَاهِقَهُ والفَمَا

(1)

ابن الناظم (50).

(2)

البيت من جر المتقارب، من قصيدة للنمر بن تولب، وانظرها كاملة في كتاب منتهى الطلب من أشعار العرب لابن ميمون (1/ 145)، ط. دار الكتب المصرية (1990 م)، وانظر بعض أبياتها في البيان والتبيين (1/ 184)، والحيوان (1/ 22)، طبعة المجمع العلمي العربي الإسلامي، تحقيق: هارون، ثالثة (1969 م).

ص: 557

19 -

فَظَلّ يشبُّ كَأَنَّ الوُلُو

عَ كَانَ بِصحَّتِهِ مُغْرَما

20 -

أَتَى حِصنَهُ مَا أتى تُبَّعًا

وَأَبْرهةَ الملِكَ الأَعظَمَا

21 -

لُقَيمُ بْنُ لُقْمَان مِنْ أُخْتِهِ

فَكَانَ ابنَ أُخْت لَهُ وَابْنَمَا

22 -

لَيَالِيَ حُمِّقَ فَاسْتَحْصَنَتْ

إِلَيهِ فَغُرّ بِها مُظْلِمَا

23 -

فَأَحْبَلَها رجلٌ نَابِهٌ

فَجَاءَتْ بِهِ رَجُلًا مُحْكِمَا

وهي من المتقارب.

1 -

قوله: "تكتما" بضم التاء المثناة من فوق [وسكون الكاف وفتح الثاء المثلثة من فوق]

(1)

وهو اسم امرأة.

2 -

و "الآيات": العلامات والآثار.

4 -

و"الأجلال": جمع جل [قوله: "فَلَنْ يبني النَّاسَ مَا هدَّمَا" معناه: إذا ضيع الفتى مجده لم يبنه له الناس.

5 -

و "النجدة" -بفتح النون: القتال]

(2)

قوله: "ولا ينهينك"

(3)

معناه: لا تنهينها فقلب الكلام.

7 -

قوله: "قصاراك" أي: غايتك.

8 -

قوله: "يعولك" أي: يشق عليك.

11 -

و "الحتف": الهلاك، و "الصدع" -بالمهملات المفتوحة: الوعل بين الجسيم والضئيل وهو -أيضًا- الوسط من كل شيء، يقال: رجل صدع وفرس صدع، و "العصمة": بياض في اليد.

12 -

قوله: "بأسبيل" كقنديل، وهو اسم بلد، و "الأيهم"- بالياء آخر الحروف؛ الذي لا يهتدي لطريقه.

13 -

قوله: "مسجورة" -بالجيم أي: مملوءة، و "النبع": شجر يتخذ منه القسي، و "الساسم" قيل: الأبنوس.

14 -

قوله: "تكون لأعدائه" يعني؛ الوعل أعداؤه من الناس، و "مجهل" بفتح ثالثه، و "مضِل" بكسره، وميمهما مفتوحتان، و "معلم" -بفتح الميم واللام أي: هي مجهل لأعدائه ومعلم له.

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

في (أ): لا تتهيبك.

ص: 558

15 -

قوله: "سقتها الرواعد" يأتي هذا البيت -إن شاء الله تعالى- في جملة الشواهد في باب العطف

(1)

.

16 -

قوله: "أتاح" أي: قدر، و "الوفضة"- بالفاء: طرف السهام، وكذلك: الجفير والكنانة.

18 -

و "الأهزع"- بالزاي المعجمة: آخر سهم في الكنانة.

19 -

قوله: "يشب" أي: يرفع يده حين أصابه السهم، و "الولوع" -بفتح الواو: القدر والحين.

20 -

قوله: "تبعًا" وهو ملك اليمن، و"أبرهة": ملك الحبشة.

21 -

قوله: "لقيم" بضم اللام وفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف، وهو لقيم بن لقمان بن عاد، وكان لقمان هذا يلد النجباء، وكانت له أخت بالعكس منه فغشيها لقمان فجاءت بلقيم فصار ابنًا للقمان وابن أخت له.

وروي أن لقمان كان لا يولد له؛ فقالت امرأته لأخته: أما ترين لقمان في قوته وعظم خلقه لا يولد له، فقالت: فما الحيلة؟ قالت امرأته لأخته: تلبسين ثيابي حتى يقع عليك

(2)

في الظلمة ففعلت فواقعها فولدت منه فسمي

(3)

لقيمًا، وذُكر في ديوان النمر بن تولب أن أخت لقمان بن عاد كانت تحت رجل ضعيف أحمق فولدت له أولادًا ضعافًا، فأحبت أن يكون لها ولد مثل أخيها

(4)

، فقالت لامرأة لقمان: هل لك أن أجعل لك جعلًا وتأذني [لي]

(5)

أن آتى لقمان الليلة، فأسكرته واندست له أخته، فوقع عليها لقمان، فلما كانت الليلة القابلة أتته امرأته فوقع عليها فقال: هذا حر معروف؛ وكأنه استنكره، وكان لقيم من أحزم الناس، لذلك يقول النمر بن تولب:"فكان لابن أخت له وابنما".

22 -

قوله: "ليالي حمق" أي: أسكر حتى ذهب عقله، قوله:"فاستحصنت" أي: أتته كأنها حصان كما تأتي المرأة زوجها حمقته امرأته وأخته

(6)

.

23 -

قوله: "فأحبلها رجل نابه" وهو لقمان؛ حيث أحبل أخته فجاءت أخته به، أي بلقيم حال كونه رجلًا محكمًا، ويروى: فجاءت به جعظرا مُطْهما، و "الجعظر": الكثير العضل واللحم، والمطهم: الحسن الخلق.

(1)

الشاهد رقم (877) من الكتاب الذي بين يديك.

(2)

في (أ): بك.

(3)

في (أ): وسمي.

(4)

في (أ): ولد أخيها.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

ولقمان هذا غير لقمان الحكيم المذكور في القرآن الكريم على ما يقوله المفسرون. ينظر البحر المحيط (8/ 186) والبيان والتبيين (1/ 184) تحقيق: هارون، طبعة دار الجيل.

ص: 559

الإعراب:

قوله: "لقيم": مبتدأ، و "ابن لقمان": صفته، وقوله:"من أخته": خبر المبتدأ، والضمير في أخته يرجع إلى لقمان، قوله:"فكان" أي: لقيم، والضمير فيه اسم كان، وخبره قوله:"ابن أخت" أي: للقمان قوله: "وابنما": عطف على قوله: "ابن أخت" أي: وابنًا له -أيضًا- والميم فيه زائدة وذلك كما في قول الشاعر يصف رجلًا

(1)

:

ولم يَحِمْ أنفًا عندَ عرس ولا ابنم

...................................

فإنه يريد الابن، والميم زائدة، وهو معرب من مكانين تقول: هذا ابنم، ومرت بابنم ورأيت ابنما تتبع النون الميم في الإعراب، والألف مكسورة على كل حال.

الاستشهاد فيه:

أن أبا علي الفارسي استشهد به على جواز عطف الخبر على خبر آخر فيما إذا تعدد في اللفظ دون المعنى؛ وذلك حيث عطف الشاعر [قوله: "وابنما" على]

(2)

قوله: "ابن أخت" فإنهما خبران تعددا لفظًا واتفقا معنى

(3)

.

ونبه ابن الناظم على أن هذا سهو؛ لأن ما يتعدد لفظًا دون معنى يجب فيه ترك العاطف؛ كما في قولك: الرمان حلو حامض؛ بمعنى من، وهو أعسر أيسر بمعنى: أضبط، وهو العامل بكلتا يديه

(4)

، فالذي ذهب إليه أبو علي ليس من هذا القبيل؛ لأن الحلو والحامض لا يجتمعان معًا تامين بخلاف ما استشهد به فإنه يمكن أن يكون الواحد ابنًا لرجل وابن أخت له أيضًا وإن كان هذا لا يجوز شرعًا. فافهم

(5)

.

(1)

شطر بيت من الطويل، لم أعثر على قائله، وهو شاهد على زيادة الميم مع الابن، وانظر الشطر المذكور في اللسان مادة:"بنو".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

لم أعثر عليه في كتب أبي علي الفارسي التي بين يدي: البغداديات والعسكريات والبصريات والمقتصد وكتاب الشعر، والإيضاح وغيرها.

(4)

ينظر ابن الناظم (50).

(5)

ينظر في ذلك شرح التسهيل لابن مالك (1/ 327)، وابن الناظم (50)، وقد قال ابن مالك:"إذا تعدد الخبر لفظًا دون معنى، فإنه يقوم الخبران مقام خبر واحد في اللفظ؛ كقولك: هذا حلو حامض بمعنى: من، وكقولك: هو أعسر أيسر بمعنى أضبط، أي: عامل بكلتا يديه، فهذا النوع من الإخبار لا يعبر عنه بالتعدد إلا مجازا؛ لأن الإفادة لا تحصل فيه عند الاقتصار على بعض المجموع، وهو أيضًا لا يجوز فيه استعمال العطف؛ لأن مجموعه بمنزلة مفرد، فلو استعمل فيه العطف لكان بمنزلة عطف بعض كلمة على بعض خلافًا لأبي علي الفارسي حيث أجاز العطف؛ فعنده أن قول القائل هذا حلو وحامض جائز".

ص: 560

‌الشاهد الخامس والثمانون بعد المائة

(1)

،

(2)

فَأَمُّا القِتَالُ لا قِتَال لَدَيْكُمُ

.................................

أقول: هذا البيت مما هُجي به قديمًا بنو أسد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس؛ كذا قاله أبو الفرج، وتمامه:

............................... .... وَلَكِنَّ سَيرًا فِي عِرَاضِ المَوَاكِبِ

وقبله:

فَضَحتُم قُرَيْشًا بالفِرَارِ وَأَنْتُمُ .. قُمُدُّونَ سودَان عِظَامُ المناكِبِ

وهما من الطويل.

قوله: "في عراض المواكب" بالعين المهملة والضاد المعجمة؛ أي: في شقها وناحيتها، قال أبو ذؤيب في صفة برق

(3)

:

أَمِنْكَ برقٌ أَبِيتُ الليلَ أَرقُبُه

كَأَنَّهُ في عِرَاضِ الشَّام مِصبَاحُ

أي: في شقه وناحيته، وصحفه

(4)

بعضهم فقال: بالعراص -بالصاد المهملة، وهو جمع عرصة، وهي كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء، ويجمع على عرصات -أيضًا- و "المواكب": جمع موكب، والموكب: القوم الركوب على الإبل للزينة، وكذلك جماعة الفرسان، قوله:"قمدون"؛ جمع قمد -بضم القاف والميم، وهو القوي الشديد، والأنثى قمدة.

الإعراب:

قوله: "فأما" أما: حرف شرط وتفصيل وتوكيد، و "القتال": مبتدأ، وخبره قوله:"لا قتال لديكم" قوله: "ولكنَّ": للاستدراك، و "سيرًا": نصب على المصدر، تقديره: ولكن تسيرون

(1)

توضيح المقاصد (1/ 27) للحارث بن خالد المخزومي.

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو للحارث بن خالد المخزومي (شاعر أموي) ومن شعره:

أَظَلُومُ؟ إنَّ مُصابُكُم رَجُلًا

أَهْدَى السلامَ تَحِيةَ ظُلْمُ

وهو الشاهد رقم (707) من هذا الكتاب الذي بين يديك، وبيت الشاهد في الخزانة (1/ 453)، وأسرار العرب (106)، وابن يعيش (7/ 134)، والأشموني (1/ 196)، والهمع (2/ 67)، والأغاني (1/ 45)، والخزانة (10/ 217).

(3)

البيت من البسيط، وهو لأبي ذؤيب من قصيدة طويلة في ديوان الهذليين (1/ 44)، واللسان مادة:"عرض".

والبيت جاء لبيان معنى كلمة: "عراض" وهو شقه وناحيتها.

(4)

في (أ): وقد صحفه.

ص: 561

سيرًا في نواحي المواكب، وقوله:"في عراض": يتعلق بالمحذوف.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لا قتال" فإنه حذف منه الفاء التي تسمى فاء الجزاء، التي تدخل بعد أما، وهذا الحذف للضرورة

(1)

؛ كما في قوله

(2)

:

مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَات الله يَشْكُرُها

..................................

‌الشاهد السادس والثمانون بعد المائة

(3)

،

(4)

وَإنْسَانُ عَيني يَحْسِرُ الماءُ تَارَةً

فَيَبدُو وتَارَاتٍ يَجمّ فَيغْرَقُ

أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان بن عقبة، وهو من قصيدة قافية أولها [هو]

(5)

قوله

(6)

:

1 -

أَدَارًا بِحُزْوَى هجْتِ لِلْعَيِن عَبرةً

فَمَاءُ الهوَى يَرفَض أَوْ يَتَرَقْرَقُ

2 -

كَمُستعبِرِي مِنْ رَسْمِ دَار كَأَنها

بِوَعْسَاءَ تَنْضُوها الجَمَاهِيرُ مُهرَقُ

3 -

وَقَقنَا فَسلَّمَنَا فَكَادَتْ بمُشْرِفٍ

لعرفَانِ صَوْتِي دِمنَةُ الدَّارِ تَنْطِقُ

(1)

إذا تضمن المبتدأ معنى الشرط بأن كان موصولًا أو نكرة موصوفة وتمت صلته، جاز دخول الفاء في الخبر لتضمنه معنى الشرط نحو: الذي يأتيني فله درهم، ويشترط لدخول الفاء أن يكون المبتدأ مبهمًا وأن تكون صلته فعلًا أو جارا ومجروزا، لأنه لو اختل الشرط امتنعت الفاء قياسا على الشرط الأصلي في إبهامه، ولأن الشرط لا يكون إلا فعلًا، وكذلك الصلة بالظرف والجار والمجرور اعتبارًا بالأصل في أنها لا بد من أن تكون فعلا، وإن وقع في الصلة شرط وجزاء لم تدخل الفاء نحو: الذي إن يزرني أزره له درهم، والسبب في عدم دخول الفاء أن الشرط لا يجاب دفعتين، ويأخذ النكرة الموصوفة كل أحكام الشرط في هذا، فإن توافرت الشروط كان دخول الفاء جائزا، فإن تقدم المبتدأ الموصول:"أما" الشرطية التفصيلية، وجبت الفاء ولا تحذف إلا في ضرورة كما في بيت الشاهد. ينظر ابن يعيش (1/ 100، 101)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 328)، والمغني (56)، وقد استشهد به المرادي على أن الرابط العموم بين جملة المبتدأ والخبر.

(2)

البيت من بحر البسيط، وتمامه:

....................................... .... والشر بالشر عند الله مثلان

وهو نسب لعبد الرحمن بن حسان ولحسان وليس بديوانه ولكعب بن مالك الأنصاري، ينظر الكتاب لسيبويه (3/ 65)، والخزانة (3/ 644)، وشرح أبيات المغني (1/ 371)، وديوان كعب (108) بتحقيق مجيد طراد، وشرح التسهيل لابن مالك (4/ 76)، وقد استشهد له النحاة على أن حذف الفاء ضرورة، وإن كان ابن يعيش جعلها جوازا كما سبق عرضه في التعليق على الشاهد.

(3)

توضيح المقاصد (1/ 275).

(4)

البيت من بحر الطويل، وهو لذي الرمة، من قصيدة زادت على خمسين بيتا في وصف الصحراء والناقة والظباء، وقد بدأها بالغزل، وانظر بيت الشاهد في (164) ط. دار الكتاب العربي، شرح التبريزي، تحقيق: مجيد طراد.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

انظر ديوان ذي الرمة بشرح الخطيب التبريزي (163) ط. دار الكتاب العربي.

ص: 562

إلى أن قال:

4 -

وإنسان عيني .............

.............................. إلخ

5 -

لَعَمرُكَ إِني يومَ جَرعَاءِ مَالك

لَذُو عَبرَةٍ كُلا تَفِيضُ وَتَخنُقُ

6 -

يَلُومُ عَلَى ميّ خَلِيلِي ورُبمَا

يَجُورُ إِذَا لامَ الشفِيقُ ويخْرِقُ

7 -

ولوْ أَن لُقْمَانَ الحَكِيمَ تَعرَّضَتْ

لعينَيهِ مي سافرًا كادَ يبرقُ

وهي طويلة من الطويل.

1 -

قوله: "بحزوى" بضم الحاء المهملة وسكون الزاي العجمة وفتح الواو، وهي رملة عظيمة لها جمهور عظيم يعلو تلك الجماهير، و "العبرة" بفتح العين المهملة؛ الدمع وأراد:"بماء الهوى" الدمع الذي بعينه

(1)

من الهوى؛ فلذلك أضافه إلى الهوى، قوله:"يرفض" أي: يسيل متفرقًا، و "يترقرق": يحول في العين ولا ينحدر.

2 -

قوله: "كمستعبري" بفتح الباء الموحدة، وهو المكان الذي يستعبر فيه، والمعنى: كما بكيت في دار أخرى بالوعساء وهي رابية من الرمل.

قوله: "تنضوها" أي: تتصل بها، "الجماهير" وهو

(2)

جمع جمهور وهي القطعة العظيمة من الرمل، و "المهرق": شيء كان يكتب فيه، وهو بالفارسية مهرة كرد.

3 -

قوله: "بمشرف" بضم اليم وسكون الشين، وهو اسم موضع، و "الدمنة" بكسر الدال؛ آثار الناس وما سودوا، ومنه يقال: دمن الناس الدار.

4 -

قوله: "وإنسان عيني" إنسان العين: المثال الذي يرى في السواد، قوله:"يحسر الماء" بالحاء والسين المهملتين، أي: يكشف، وهو من باب ضرب يضرب، قوله:"فيبدو" أي: يظهر، قوله:"يجم" من الجموم وهو الكثرة والجمع العظيم، قال تعالى:{حُبًّا جَمًّا}

(3)

[الفجر: 20] أي: كثيرًا

(4)

.

الإعراب:

قوله: "وإنسان عيني": كلام إضافي مبتدأ، وخبره الجملة؛ أعني قوله:"يحسر الماء"، قوله:"تارة": نصب على المصدر، ونحوه: طورًا أو مرة، قوله:"فيبدو": جملة من الفعل والفاعل،

(1)

في (أ): يدمعه.

(2)

في (أ): وهي.

(3)

وتمامها: {وَتُحِبُّونَ الْمَال حُبًّا جَمًّا} .

(4)

في (أ): عظيمًا كثيرا.

ص: 563

وهي [أيضًا]

(1)

خبر بعد خبر، قوله:"وتارات": عطف على قوله: "تارة" وهو جمع تارة، ويجمع على: تير -أيضًا- قال الشاعر

(2)

:

يقومُ تارات ويمشي تِيَرًا

...................................

قوله: "يجم": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو يجم، وقوله:"فيغرق": عطف عليه.

الاستشهاد فيه:

على كون المبتدأ له خبران جملتان وليس للمبتدأ رابط إلا الضمير الذي في الجملة الأخيرة فيهما، وهو الضمير المستتر في قوله:"فيبدو" والتحقيق في هذا المقام أن الجملتين إذا عطفت إحداهما على الأخرى بالفاء التي هي السببية، تنزلتا منزلة الشرط والجزاء واكتفى بضمير واحد في إحداهما، كما اكتفى بضمير واحد في جملتي الشرط والجزاء؛ فإذا قلت: جاء زيد جاء عمرو فأكرمه، فالارتباط وقع بالضمير الذي في الثانية

(3)

. نص على ذلك ابن أبي الربيع

(4)

،

(5)

، فإذا كان كذلك فقوله:"وإنسان عيني" مبتدأ كما ذكرنا، ولا رابط له من الجملتين الواقعتين له خبرًا إلا الضمير الذي في الجملة الأخيرة منهما، وهو الضمير المستتر في قوله:"فيبدو"، وإذا كانت إحدى الجملتين معطوفة على الأخرى بالواو نحو: زيد يقوم بكر ويغضب، أجاز ذلك ابن هشام ومنعه البصريون على ما عرف في موضعه

(6)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

البيت من الرجز غير منسوب، وهو في لسان العرب مادة:"تور"، والبيت ليس بشاهد نحوي وإنما جيء به لبيان جمع تارة على تير وتارات.

(3)

ينظر توضيح المقاصد (1/ 275، 276).

(4)

ابن أبي الربيع: عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن محمد أبو الحسين بن أبي الربيع الإشبيلي (ت 688 هـ). بغية الوعاة للسيوطي (2/ 125، 126)، وينظر الأعلام للزركلي (4/ 344).

(5)

قال ابن أبي الربيع في كتابه البسيط في شرح جمل الزجاجي (1/ 558)، وهو يشرح هذا البيت:(إن الخليط أجد البيت فانفرقا) إن (أجد) فيه بمعنى (جد)، ويكون الضمير العائد على الخليط مستترا في انفرقا، ويكون بمنزلة المثال: زيد يطير الذباب فيغضب.

(6)

من روابط جملة الخبر المتعددة العطف بالفاء التي للسببية لجملة ذات ضمير على أخرى خالية منه وبالعكس كبيت الشاهد، وان كان محتملًا فيه أن يكون أصله: يحسر الماء عنه، وأما العطف بالواو فهو مذهب لهشام وحده نحو: زيد قامت هند وأكرمها ونحو: زيد قام وقعدت هند، بناء على أن الواو للجمع فالجملتان عنده كالجملة، ورد بأن الواو للجمع في المفردات لا في الجمل كما تقول: هذان قائم وقاعد. ينظر المغني (501).

ص: 564

‌الشاهد السابع والثماثون بعد المائة

(1)

،

(2)

خيرُ اقتِرَابِي من المولَى حليفَ رِضًا

وشرُّ بُعدِي عنه وهو غَضْبَانُ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط.

قوله: "حليف رضا" حليف: فعيل من الحلف -بكسر الحاء وسكون اللام، وهي

(3)

المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، وأرد بالمولى الحليف؛ لأن المولى يقع على معان كثيرة: معنى الرب والمالك والسيد والمنعم والمنعَم عليه والمعتِق والمعتَق والمحب والتابع والجار [وابن العم]

(4)

والناصر والصهر والحليف، يضاف إلى كل واحد بحسب ما يقتضيه المعنى والحال.

الإعراب:

قوله: "خير اقترابي": كلام إضافي مبتدأ، وقوله:"من المولى": يتعلق بقوله "اقترابي" وهو مصدر مضاف إلى فاعله، قوله:"حليف رضا": كلام إضافي نصب على الحال من فاعل المصدر، وفيه حذف، وهو الخبر عن المبتدأ، تقديره: خير اقترابي من المولى إذا وجدتُ حليف رضا، فقولنا: إذا وجدت، هو الخبر؛ كما في قولك: أكثر شربي السويق ملتوتًا، تقديره: إذا كان ملتوتًا، وأخطب ما يكون الأمير قائمًا، أي: إذا كان قائمًا فكان في الموضعين تامة، وملتوتًا وقائمًا حالان، والخبر فيهما محذوف، وهذا من المواضع التي يجب فيها حذف الخبر، وهو بعد كل مبتدأ هو مصدر منسوب إلى الفاعل أو المفعول أو إليهما، مذكور بعده الحال أو أفعل التفضيل مضافًا إلى المصدر المذكور وبعده الحال فقوله:"خير اقترابي" أفعل التفضيل مضاف إلى المصدر، وذكر بعده الحال وهو قوله:"حليف رضا" كما ذكرنا، قوله:"وشر بعدي": كلام إضافي مبتدأ، وقوله:"غير" يتعلق بقوله: "بعدي"، قوله:"وهو غضبان": جملة اسمية وقعت حالًا وقد سدت مسد الخبر.

الاستشهاد فيه:

وهو وقوع الجملة الاسمية المقرونة بالواو موقع خبر المبتدأ، وهذا الشطر حجة على سيبويه حيث منع ذلك، وقال: الحال التي هي جملة اسمية مقرونة بالواو لا تسد مسد الخبر إلا إذا

(1)

توضيح المقاصد (1/ 292).

(2)

البيت من بحر البسيط مجهول النسبة، وانظره في: همع الهوامع للسيوطي (1/ 107)، والأشموني (1/ 219)، والدرر (2/ 30)، والمعجم المفصل في شواهد العربية (8/ 104).

(3)

في (أ): وهو.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 565

كانت اسمًا منصوبًا كما في الشطر الأول من البيت وهو قوله: "حليف رضا"

(1)

.

وخالفه في ذلك الكسائي والفراء واحتجَّا عليه يقول الشاعر:

...................................

وشر بعدي عنه وهو غضبان

وقوله صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"

(2)

فإن الجملة الاسمية المقرونة بالواو في كل منهما قد سدت مسد الخبر

(3)

، وأما إذا كانت الجملة الاسمية بلا واو، فكذلك أجاز الكسائي كالتي بالواو، ومنعه الفراء

(4)

.

(1)

قال سيبويه: "وأما (عبد الله أحسن ما يكون قائمًا) فلا يكون فيه إلا النصب؛ لأنه لا يجوز لك أن تجمل أحسن أحواله قائما على وجه من الوجوه". (ب 1/ 402) وقال السيرافي: "كان الأخفش يجيز رفع "قائم" وأجازه المبرد؛ كأن التقدير: إذا قلت: أحسن ما يكون، فقد قلت: أحسن أحواله، وأحسن أحواله هو عبد الله ويكون "قائمًا" خبرًا له، وعلى مذهب سيبويه إذا قلت: "أحسن ما يكون" فمعناه: أحسن أحواله وأحواله ليست إياه، وقائم هو عبد الله ولا يجوز أن يكون خبرًا لأحسن، وهذا اختيار الزجاج وهو الصحيح؛ لأنا لو قلنا: زيد أحسن أحواله قائم لم يجز؛ لأن قائمًا ليس من أفعاله". هامش الكتاب لسيبويه (1/ 402).

(2)

صحيح مسلم (3501) حديث: "482"، والحديث رواية أبي هريرة في كتاب الافتتاح في سنن النسائي (2/ 226).

(3)

قال أبو حيان وهو يشرح قول ابن مالك: "ولا جملة اسمية بلا واو وفاقًا للكسائي"، يقول: "اختلف في وقوع الجملة الاسمية حالًا مصحوبة بالواو؛ فنقل عن سيبويه والأخفش أنه لا يجوز ذلك وأن الحال لا تسد مسد الخبر إلا إذا كانت اسمًا منصوبًا. وأجاز ذلك الكسائي والفراء، وقد ورد السماع بما منعه سيبويه. قال الشاعر:

عَهدِي بها الحي الجَمِيعَ وفيهمُ

عند التَّفَرُّق ميسر وندامُ

وقال آخر: (

البيت الشاهد) ". التذييل والتكميل لأبي حيان (3/ 306)، وقال ناظر الجيش: "وقد ورد السماع بذلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" ومنه قول الشاعر: (

البيت الشاهد) وقول الآخر:

عَهْدِي بها الحي الجَمِيعَ وفيهمُ

عند التَّفَرق ميسِرٌ وندامُ"

شرح التسهيل لناظر الجش (1/ 954)، وينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 285، 286)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 290).

(4)

شرح التسهيل لابن مالك (1/ 285، 286).

ص: 566

إلى هنا انتهى المجلد الأول ويليه المجلد الثاني مبتدءًا بـ: "شواهد كان وأخواتها"

ص: 567