المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌شواهد كان وأخواتها ‌ ‌الشاهد الثامن والثمانون بعد المائة (1) ، (2) فَمَا مثْلُهُ فِيهم - المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية - جـ ٢

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

‌شواهد كان وأخواتها

‌الشاهد الثامن والثمانون بعد المائة

(1)

،

(2)

فَمَا مثْلُهُ فِيهم وَلَا كَانَ قَبلَهُ

وَلَيسَ يَكُونُ الدَّهْرَ مَا دَام يَذْبُلُ

أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، وهو من قصيدة يمدح بها حسان الزبير بن العوام -رضي الله تعالى عنه- وأولها قوله:

1 -

أقَامَ عَلَى عَهْدِ النبِي وهديه

حَوَاريهُ وَالْقَوْلُ بالفعل يعدَلُ

2 -

أقَامَ عَلَى مِنهاجه وَطَرِيقه

يُوَالي ولي الحَقِّ والحق أَعدَلُ

3 -

هُوَ الفَارسُ المشهُورُ والبَطَلُ الذي

يَصُولُ إذا مَا كَانَ يَوْم محجّل

4 -

وإنّ امرأً كَانتْ صَفيةُ أُمُّهُ

ومِنْ أَسدٍ فيِ بَيتها لَمرُفّلُ

5 -

لهُ منْ رَسُولي الله قُربَى قَريبةٍ

ومنْ نُصرَة الإسْلامِ مَجد مُؤَثَّلُ

6 -

فَكم كُرْبَة ذَبَّ الزّبَيرُ بِسَيفه

عَنِ المُصطَفَى واللهُ يعطي وَيَجْزلُ

7 -

إذَا كَشَفَتْ عَنْ سَاقِها الحَربُ حشَّها

بأبْيَضَ سبَّاق إلَى المَوْتِ يُرقلُ

8 -

فما مثله ...............

............................... إلى آخره

وهي من الطويل.

1 -

قوله: "حواريه" أي: حواري النبي صلى الله عليه وسلم وأراد به: الزبير بن العوام [رضي الله عنه؛ فإن

(1)

ابن الناظم (51).

(2)

البيت من بحر الطويل من قصيدة لحسان بن ثابت يمدح بها الزبير بن العوام، وكان الزبير قد بحسان وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشد والحاضرون غير مقبلين عليه، فقال لهم الزبير: ما لكم لا تستمعون، والله لطالما أصغى إليه صاحب هذا القبر، وانظر القصيدة في ديوان حسان بن ثابت (دار المعارف د. سيد حنفي)، (942)، وفي ديوان حسان بشرح البرقوقي (393)، وانظر البيت في الجنى الداني (499)، والدرر (1/ 76).

ص: 577

النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل نبي حواري وحواريَّ الزبير بن العوام"]

(1)

، رويناه عن طريق الترمذي عن زرعة

(2)

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وفي رواية: "الزبير ابن عمتي وحواريي من أمتي"؛ أي: خاصتي من أصحابي وناصري، ومنه الحواريون أصحاب المسيح عليه السلام أي: خلصاؤه وأنصاره، وأصله من التحوير وهو التبييض، قيل: إنهم كانوا قصَّارِينَ يحوّرون الثياب؛ أي: يبيضونها، ومنه: الخبَزُ الحواريّ: الذي نُخِل مرة بعد مرة، قال الأزهري: الحواريون خلصان الأنبياء عليه السلام، وتأويله: الذين أَخْلَصُوا وَنُقُّوا من كل عيب.

قوله: "والبطل": الشجاع "الذي يصول" أي: يحمل، قوله:"يوم محجل" أراد به: يوم الحرب المشهور بين الناس، وارتفاع "يوم" على أنه فاعل كان، وهي تامة.

4 -

قوله: "صفية أمه" هي صفية بنت عبد المطلب

(3)

عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله:"لمرفل" بالفاء أي: لمعظم، من الترفيل وهو التعظيم.

5 -

قوله: "مجد مؤثل" المجد: الكرم، ومؤثل: من التأثيل وهو التأصيل.

6 -

قوله: "يُجْزِل": من أجزل إذا أعطى عطاء كثيرًا، قوله:"حَشَّها": من حش الحرب إذا أسعرها وهيجها تشبيهًا بإِسْعَارِ النار، ومنه يقال للرجل الشجاع نِعْمَ مُحُشي الكتيبة، قوله:"بأبيض" أي: بسيف أبيض.

7 -

قوله: "يرقِلُ" من الإرقَال، وهو نوع من الخبب، أراد أنه يسبق الناس إلى الحرب وهو يجري.

قوله: "فما مثله فيهم" أي: فمَا مثل الزبير فيهم أي بينهم، ولا كان مثله، قبله؛ أي وليس يكون مثله -أيضًا- في المستقبل طول الدهر، و " [ما دام]

(4)

يذبل" بفتح الياء آخر الحروف وسكون الذال المعجمة وضم الباء الموحدة وفي آخره لام؛ وهو اسم لجبل معروف، قال يعقوب: يقال له: يذبل الجوع؛ لأنه مُجدَبٌ دائمًا

(5)

.

الإعراب:

قوله: "فما" ما للنفي بمعنى ليس، و"مثله" بالرفع اسمه، وخبره قوله:"فيهم" أي: ليس

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

هو عبد الله بن عبد الكريم بن يزيد أبو زرعة- الرازي، من حفاظ الحديث، جالس ابن حنبل (ت 264 هـ)، الأعلام (4/ 194)، وقد يكون هو عبد الرحمن بن عمرو أبو زرعة الدمشقي، من أئمة زمانه في الحديث، ألف مسائل في الحديث والفقه (ت 280 هـ)، الأعلام (3/ 320).

(3)

هي صفية بنت عبد المطلب بن هاشم، أسلمت قبل الهجرة وهاجرت إلى المدينة، وهي شاعرة، توفيت بالمدينة (20 هـ)، الأعلام (3/ 206).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

اللسان مادة: "ذبل".

ص: 578

مثله كائنًا فيهم، قوله:"ولا كان قبله": جملة منفية عطف على الجملة المنفية التي قبلها، وكان هنا تامة بمعنى وجد

(1)

، أي: ولا وجد مثله قبله، وقبله نصب على الظرف.

قوله: "وليس يكون": جملة منفية أيضًا عطف على ما قبلها، واسم ليس ضمير الشأن، قوله:"يكون": خبره وهي تامة بمعنى يوجد، و "الدهر"؛ منصوب على الظرفية، والتقدير: ليس الشأن يوجد مثله في الدهر، قوله: إما دام يذبل " يعني مدة دوام يذبل، ويذبل مرفوع لأنه فاعل دام.

الاستشهاد فيه:

على أن ليس نفت المستقبل، وإنما وضعها لنفي الحال، ولكن تنفي المستقبل أيضًا عند قيام القرينة كما في البيت المذكور، ومن هذا القبيل قوله تعالى:{أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود: 8]، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إلا مِنْ ضَرِيعٍ (6)} [الغاشية: 6]، وهذا الباب فيه اختلاف: فقال الجزولي

(2)

: هي للنفي مطلقًا

(3)

، وقال الجمهور: هي لنفي الحال

(4)

، وقال الزمخشري في المفصل: فلا تقول: ليس زيد قائمًا غدًا

(5)

.

وقال الشلويين

(6)

، وتبعه الناظم وابنه

(7)

-وهو الصواب: إذا لم يكن للخبر زمن مخصوص تُقيدُ نفيها بالحال كما يحمل عليه الإيجاب المطلق وإن كان له زمن مخصوص تفيد نفيها به، فمما نفت به الماضي قولهم: ليس خلق اللَّه مثله

(8)

، وعلى ذلك أجاز سيبويه: ما زيد ضربته بالرفع؛ على أن تكون ما حجازية، ولو لم يصح لليس نفي الماضي لم يجز ذلك في ما المحمولة

(1)

قال الزمخشري: "وكان على أربعة أوجه ناقصة كما ذكر وتمامه بمعنى وقع ووجد .. " شرح ابن يعيش (7/ 97)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 342)، والارتشاف (2/ 76).

(2)

هو عيسى بن عبد العزيز الجزولي أبو موسى، ألف: الأمالي وشرح أصول ابن السراج والجزولية (ت 607 هـ)، الأعلام (5/ 104).

(3)

قال ابن مالك: "وقد تنبه أبو موسى الجزولي إلى ذلك فقال في كتابه المسمى بالقانون: وليس لانتفاء الصفة عن الموصوف مطلقًا"، شرح التسهيل لابن مالك (1/ 380).

(4)

قال ابن مالك: "زعم قوم من النحويين أن (ليس وما) لنفي ما في الحال"، شرح التسهيل (1/ 380).

(5)

المفصل (268)، وشرح ابن يعيش (7/ 111)، وينظر ارتشاف الضرب (2/ 79).

(6)

هو عمر بن محمد بن عمر أبو علي، ألف شرح المقدمة الجزولية والتحليق على كتاب سيبويه وغيرهما، ينظر الأعلام (5/ 62).

(7)

ينظر نفي ليس للحال ما لم تقيد بزمان المقدمة الجزولية لأبي موسى (104)، وشرح المقدمة الجزولية لأبي علي الشلوبين (772)(تركي العتيبي)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 380)، وشرح ألفية ابن مالك لابن الناظم (51).

(8)

قال أبو حيان: "وذهب الأستاذ أبو علي إلى أنها لنفي الحال في الجملة غير المقيدة بزمان، والمقيدة بزمان تنفيه على حسب القيد، وهو الصحيح" الارتشاف (2/ 779)، شرح التسهيل لابن مالك (1/ 380).

ص: 579

عليها، ومما نفت به المستقبل الآيتان المذكورتان والبيت المذكور

(1)

.

‌الشاهد التاسع والثماثون بعد المائة

(2)

،

(3)

...........................

وَلَا زَال مُنْهلًّا بِجَزعَائِك القَطْرُ

أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان بن عقبة، وصدره:

1 -

أَلا يَا اسْلَمي يَا دَارَ ميَّ عَلَى البِلَى

..................................

وهو من قصيدة رائية، وهي من الطويل، والبيت المذكور هو أولها وبعده:

2 -

أَقامَت بها حتى ذوى العودُ والتوى

وساقَ الثريا في مُلاءتِه الفجرُ

3 -

وحتَّى اغتَرَى البهْمَى مِنَ الصَّيف نافِضٌ

كما نَفَضتْ خيلٌ نَواصيها شُقْرُ

4 -

وخاضَ القطا في مكرم الحيِّ باللِّوى

نطافًا بَقَايَاهُنَ مطروقةٌ صُفْرُ

5 -

فلما مضى نَوْءُ الثُّريا وأخلفتْ

هواد من الجوازء وانْغَمَس الغَفْرُ

6 -

رمى أمَّهات القُردِ لَذْعٌ مِنَ السَّفَا

فأحصَدَ من قُرَيانه الزهو النضرُ

7 -

لَها بَشرٌ مثل الحريرِ ومَنطق

رخيمُ الحواشِي لا هُراءٌ ولا نَزْرُ

8 -

وعينان قال الله كُونَا فَكَانَتَا

فعولين بالألْبَابِ ما تفعلُ الخمرُ

1 -

قوله: "البلى" بكسر الباء [الموحدة من بلي الثوب يبلى، من باب علم يعلم، بِلًى مصدره بكسر الباء]

(4)

من غير مد، فإن فتحت الباء مددته

(5)

، قوله:"منهلًّا" بضم الميم وسكون النون وتشديد اللام، من الانهلال، وهو انسكاب الماء وانصبابه، ويقال: الانهلال: شدة الصب، وأما المنهل -بفتح الميم وتخفيف اللام فهو المورد، وهو عين الماء، ترده الإبل في المراعي.

(1)

قال ابن مالك "قال أبو علي الشلويين: قال أبو موسى: ذلك وإن كان الأشهر عند النحويين أن ليس إنما هي لانتفاء الصفة عن الموصوف في الحال؛ لأن سيبويه حكى: ليس خلق الله مثله، وأجاز: ما زيد ضربته، على أن يكون ما حجازية

فقلت: قد ورد استقبال المنفي بليس في القرآن العزيز وأشعار العرب كثيرًا، وكذا ورد استقبال المنفي بما؛ فمن استقبال المنفي بليس قوله تعالى:{أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} وقوله: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} ، وقول تعالى:{لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إلا مِنْ ضَرِيعٍ} ومثله قول حسان: ..... "، شرح التسهيل لابن مالك (1/ 380، 381).

(2)

ابن الناظم (51)، توضيح المقاصد (1/ 296)، أوضح المسالك (1/ 235)، شرح ابن عقيل (1/ 266).

(3)

البيت من بحر الطويل، مطلع قصيدة طويلة لذي الرمة يهجو فيها بني امرئ القيس بن زيد مناة، وقد بدأها بالغزل والبكاء على الأطلال، وانظر بيت الشاهد في الإنصاف (1/ 100)، وتخليص الشواهد (231)، والخصائص (2/ 278)، والدرر (2/ 44)، والتصريح (1/ 185)، وشرح شواهد المغني (617)، واللامات (37)، والمغني (1/ 243)، والقصيدة في الديوان بتحقيق د. عبد القدوس (1/ 559).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

في (ب): شددته.

ص: 580

قوله: "بجرعائك" الجرعاء: رملة مستوية لا تنبت شيئًا، و"القطر": المطر، والقطر أيضًا جمع قطرة، وقد قطر الماء وغيره يقطر قطرًا وقطرته أنا يتعدى ولا يتعدى، وقد عيب عليه في عجز هذا البيت؛ لأنه أراد أن يدعو لها فدعا عليها بالخراب وَقُدِّمَ عليه بيتُ طَرَفَةَ

(1)

:

فَسَقَى دِيَارَك غَيرَ مُفْسدها

صَوْبُ الربيعِ وَديمَة تَهْمي

وأجيب بأنه قدّم الاحتراس بقوله: اسلمي، وأجاب ابن عصفور عن هذا وقال

(2)

: إن ما زال يقتضي ملازمة الصفة للموصوف مذ كان قابلًا لها على حسب ما قبلها، وذلك أنَّهُ عَهدَ دَارَ مَيَّةَ في خصب لسُقيا المطر لها في أوقات الحاجة إلى ذلك، فدعا لها بأن لا تزال على ما عهدها عليه من انهلال القطر بجرعائها وقت الحاجة إليه.

2 -

قوله: "ذوى" بالذال المعجمة، معناه: جف وفيه بعض الرطوبة، يقال: ذوى يذوي ذويًّا، قوله:"والتوى" أي: صار لَويًّا يَابسًا، واللوى: ما جفّ من البقل، قوله:"في ملاءته" أي: في، بياضه، وذكر في شرح ديوان ذي الرمة وقال: ملاءته: بياض الصبح

(3)

.

3 -

و"البهمى" بضم الباء الموجدة؛ نبت يشبه السنبل، وقال أبو عمرو: وأراد بـ"نافض" ريح الصيف، وشبه شوك البُهْمَى إذا وقعت عليه فابيض بنواصي خيل شقر.

4 -

قوله: "في مكرع الحي" المكرع: الموضع الذي تكرع فيه الإبل من ماء المطر تدخل فيه، يقال: كرع فيه إذا دخل فيه، وشرب منه ثم قلّ وذهب حتى كاد القطا تخوضه بأرجلها، و "اللوى" بكسر اللام؛ موضع.

قوله: "نِطَافًا" بكسر النون وفي آخره فاء؛ وهو إلماء، واحده نطفة وهي البفية من الماء، ويقال للماء المستنقع في مكان: نطاف ونطفة، قوله:"مطروقة" أي: قد طرقتها الإبل واصفرت؛ لأن الأمطار قد ذهبت.

5 -

قوله: "نوء الثريا" النوء: سقوط النجم، يقال: ناء النجم إذا سقط، والثريا: كوكب من العقرب، قوله:"هوادٍ من الجوزاء" وهي نجوم تطلع قبل الجوزاء، واحدها هاب، قوله:"أخْلَفَتْ" أي: جاءت بعدها، يقال: أخلفت [فلانًا]

(4)

أي: جئت بعده، قوله:"انغمس" أي: غاب،

(1)

البيت من الكامل في ديوانه (79)(بشرح مهدي محمد ناصر) وروايته في الديوان:

فسقى بلادك غير مفسدها .... صوب الغمام وديمة تهمي

(2)

ينظر المقرب ومعه مثل المقرب (144) ط. دار الكتب العلمية بيروت.

(3)

ينظر ديوان ذي الرمة بشرح أبي نصر أحمد بن حاتم الباهلي صاحب رواية أبي العباس ثعلب (1/ 562)، تحقيق: د. عبد القدوس أبو صالح.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 581

و"الغَفْرُ" بفتح الغين المعجمة وسكون الفاء؛ وهو من منازل القمر.

6 -

قوله: "أمهات القرد" أراد به جمع أم القُردان، وهي النقرة التي في أصل فرسن البعير من يده ورجله وهي يليها الوظيف، و"الفرسن": ما أصاب الأرض منه وهو ما دون الرسغ إلى الأرض، "واللدغ" النزغ وهو كالطعن، واللدغُ أيضًا لدغُ العقرب، و"السفا" بالفاء مقصور؛ شوك البهمى، والسفا: التراب أيضًا، والسفاة أخص منه. قوله:"أحصَدٍ" أي: دنا حصاده: "والقُريَان" بضم القاف وسكون الراء؛ جمع قَريّ على وزن فعيل، وهو مجرى الماء في الروض، ويجمع على أَقْرِيَةٍ أيضًا، و "النضر" بفتح النون وسكون الضاد المعجمة؛ بمعنى الناضر.

7 -

قوله: "بشرٌ" أي: جلدٌ وهو جمع بشرة، قوله:"رخيم الحواشي" أي: لَيِّنُ نَوَاحي الكلام، والرخيم -بالخاء المعجمة هو اللين الناعم، "والهراء" بضم الهاء؛ الكلام الكثير الذي ليس له معنى، "والنَّزْرُ" بفتح النون؛ القليل [ويروى]

(1)

، "ولا هذْر" بالذال العجمة؛ وهو الكثير.

8 -

قوله: " ["وعينان" إلى آخره معناه]

(2)

: كونا فعولين فكانتَا كذلك، فحذف الخبر الثاني، ويروى: فعولين.

الإعراب:

قوله: "ألا": كلمة تنبيه تدل على تحقق ما بعدها، قوله:"يا اسلمى" بدرج الهمزة للوزن ويا: حرف نداء، والمنادى محذوف تقديره: يا دار مَيَّةُ اسلمي، يعني: حَتّى تحيين، [قوله]

(3)

: "يا دار مي" يا: حرف نداء، ودارمي: كلام إضافي منادى منصوب، ومي: مرخم: أصله: مية، وتقدير الكلام: ألا يا دار مي احيي واسلمي، وقولي يا دار مَيّ استمريت على البِلَى؛ يعني قد بَليت وَتَغَيرتِ.

وقال بعضهم: التقدير: ألا يا هذه سلمك اللَّه على أنك قد بَلِيتِ، فحذف المنادى، ولا يحسن تقدير يا هنا للتنبيه لدخول ألا عليها

(4)

، قوله:"ولا زال" كلمة زال: فعلٍ من الأفعال الناقصة تقتضي اسمًا مرفوعًا وخبرًا منصوبًا، وقوله:"القطر": اسمه وقوله: "منهلًّا": خبره، و "بجرعائك": يتعلق به، أي: ولا زال القطر، أي: المطر منهلًّا بجرعائك، والكاف خطاب لميّ.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

و

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (619).

ص: 582

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولا زال" حيث عمل زال الرفع والنصب لوجود شرطه وهو تقدم النفي عليه، وقد علم أن نوعًا من الأفعال الناقصة لا يعمل إلا بشرط تقدم نفي أو شبهه، وهو أربعة أفعال وهي: زال وبرح وفتئ وانفك

(1)

، وقال البعلي

(2)

في شرح الجرجانية: القسم الثاني من الأفعال الناقصة يعمل إذا صحب نفيًا موجودًا أو مقدرًا أو نهيًا أو دعاءً، وذلك أربعة أفعال: زال وبرح وفتئ وانفك، ثم قال: وأما الدعاء فكقول الشاعر:

ألا يا اسلمي ............

................. إلى آخره

(3)

‌الشاهد التسعون بعد المائة

(4)

،

(5)

فَقُلْتُ يَمِينُ الله أَبْرَحُ قَاعِدًا

وَلَوْ قَطعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي

أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي.

وهو من قصيدة طويلة من الطويل أولها هو قوله:

ألَا عِم صَبَاحًا أيها الطلَل البَالِي

وهلْ يَعمَنْ مَنْ كانَ فيِ العُصُرِ الحَالِي

وقد سقناها بكاملها في شواهد الموصول

(6)

.

قوله: "فقلت يمين الله" ويروى: فقلت لها تالله [أبرح قاعدًا]

(7)

، وهكذا أنشده الزمخشري في كتابه

(8)

، والمعنى: فقلت للمحبوبة: لا أفارقك، والله ولو قطعوا رأسي،

(1)

قال ابن مالك: "باب الأفعال الرافعة الاسم والناصبة الخبر، فبلا شرط: كان وأضحى وأصبح وأمسى وظل وبات وليس وصار، وصلة لما الظرفية: دام، ومنفية بثابت النفي مذكور غالبًا، متصل لفظًا أو تقديرا، أو مطوبة النفي: زال ماضي يزال وانفك وبرح وفتئ

" التسهيل (52)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 333)، وشرح المفصل لابن يعيش (7/ 106) وما بعدها، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 296).

(2)

هو شمس الدين محمد بن أبي الفتح المتوفى سنة (709 هـ) بالقاهرة وقد ألف شرحًا للألفية وشرحًا للجرجانية، وهي كتاب الجمل للجرجاني سماه الفاخر، ينظر بغية الوعاة (1/ 207) والضوء الكاشف (201 - 270).

(3)

الفاخر في شرح جمل عبد القاهر (1/ 240) تحقيق. ممدوح محمد خسارة، ط أولى (2002 م) الكويت.

(4)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 232).

(5)

البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة مشهورة لامرئ القيس، ديوانه (141) دار صادر، وقد سبق شرحها الشاهد رقم (105) وانظر بيت الشاهد في الكتاب (4/ 503) وابن يعيش (7/ 110)، والمقتضب (2/ 362)، والمغني (637)، والخصائص (2/ 284)، والدرر (4/ 212)، الخزانة (9/ 238)، والهمع (2/ 38).

(6)

الشاهد رقم (105).

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

قال الزمخشري في باب الأفعال الناقصة: "وتجيء محذوفًا منها حرف النفي؛ قالت امرأة سالم بن قحفان: =

ص: 583

"وأوصالي" أي: مفاصلي، وهو جمع وصل الأعضاء.

الإعراب:

قوله: "فقلت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"يمين الله": مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير: عليَّ يمين الله، والجملة مقول القول، وقوله:"أبرح" أصله: لا أبرح، وفيه أنا مستتر اسمه، وخبره قوله:"قاعدًا"، قوله:"ولو قطعوا": فعل وفاعل، "ورأسي": كلام إضافي مفعوله، قوله:"لديك": نصب على الظرف.

قوله: "وأوصالي": عطف على رأسي، [فإن قلت: أين جواب "لو"؟ قلت: محذوف دل عليه الكلام الأول، والتقدير: ولو قطعوا رأسي]

(1)

لا أبرح تاعدًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أبرح" حيث حذف منه حرف النفي؛ إذ أصله: لا أبرح كما ذكرناه

(2)

.

‌الشاهد الحادي والتسعون بعد المائة

(3)

،

(4)

صاحِ شمِّر وَلَا تزل ذَاكِرَ المو

تِ فَنِسيَانُهُ ضَلال مُبِينٌ

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الخفيف وفيه الخبن.

والمعنى: يا صاحب اجتهد واستعد للموت، ولا تنس ذكره؛ فإن نسيانه ضلال ظاهر.

الإعراب:

قوله: "صاح": منادى مرخم، وحرف النداء محذوف تقديره: يا صاحب، قوله:"شمر":

= تزال حبال مبرمات أعدها

..................................

وقال امرؤ القيس:

فقلت لها والله أبرح قاعدًا

.................................... "

المفصل (268) ط. دار الجيل، وشرح ابن يعيش (7/ 109).

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر الشاهد رقم (189).

(3)

ابن الناظم (51)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 234)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 111).

(4)

البيت من بحر الخفيف لقائل مجهول وهو بلا نسبة في الدرر (2/ 24)، والتصريح (1/ 185)، وشرح عمدة الحافظ (199)، وشرح الأشموني (1/ 228)، والهمع (1/ 111).

ص: 584

جملة من الفعل والفاعل، وهو أنت المستكن فيه، وهو أمر من التشمير، قوله:"ولا تزل": نهي من زال يزال، واسمه مستكن فيه، وخبره قوله:"ذاكر الموت"، قوله:"فنسيانه": مبتدأ، و "ضلال": خبره، و "مبين": صفته، والفاء للتعليل.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولا تزل" فإنه أجرى فيه "زال" مجرى كان لتقدم شبه النفي وهو النهي، وقد عُلِمَ أن زال وأخواتها لا تفارق أداة النفي في حال نقصانها إما ملفوظًا بها وإما مقدرة

(1)

.

‌الشاهد الثاني والتسعون بعد المائة

(2)

،

(3)

ببَذْلٍ وَحِلمٍ سَادَ فِي قَومِهِ الْفَتَى

وَكَوْنكَ إِياه عَلَيكَ يَسِيرُ

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الطويل.

قوله: "ببذل" البذل- بالباء الموحدة والذال المعجمة وهو العطاء، قوله:"ساد": من السيادة، قوله:"إياه" الضمير فيه يرجع إلى الفتى، وكذا في قوله:"في قومه" لأنه وإن كان متأخرًا لفظًا فهو متقدم رتبة، ونطره قوله تعالى:{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه: 67]، وقد تكلف بعضهم فقال: الضمير في قوله: "إياه" يرجع إلى ما ذكر من البذل والحلم.

والمعنى: إن الرجل يسود قومه ببذل المال والحلم، وهو يسير عليك إذا أردت أن تكون مثله.

الإعراب:

قوله: "ببذل" جار ومجرور يتعلق بقوله: "ساد"، وقوله:"وحلم": عطف عليه، قوله:"ساد" فعل ماضٍ، و "الفتى" فاعله، و "في قومه": يتعلق [بقوله]

(4)

ساد، قوله:"وكونك": مصدر مضاف إلى فاعله مرفوع بالابتداء، وخبره قوله:"يسير" وقوله: "إياه" خبر الكون، والكاف مرفوعة المحل لأنها اسم الكون، وجاء الخبر هنا منفصلًا؛ لأنه في الأصل خبر المبتدأ مع أن

(1)

قال الزمخشري: "والتي في أوائلها الحرف النافي في معنى واحد وهو استمرار الفعل بفاعله في زمانه

وتجيء محذوفًا منها حرف النفي .. " المفصل (267) ط. دار الجيل بيروت، وشرح ابن يعيش (7/ 107) وما بعدها.

(2)

ابن الناظم (52)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 303)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 239)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 270).

(3)

البيت من بحر الطويل لقائل مجهول وهو في تخليص الشواهد (233)، والدرر (5611)، والتصريح (1/ 187)، والمعجم المفصل في شرح شواهد النحو الشعرية (394).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 585

العامل ضعيف عن أن يتصل به مضمران، وضعفه بكونه اسمًا، فاجتمع هنا ما افترق في قوله

(1)

:

لئن كان إياه لقد حال بعدنا .... ...................................

وفي قولك: عجبت من ضربك إياه، ولو وصل لكان ذلك أضعف منه في قوله

(2)

:

...................................

ومنعكها بشيء يستطاع

(3)

وفي البيت رد على من زعم أن الكون مصدر لكان التامة، وأن المنصوب في نحو: عجبت من كونه فاضلًا، حال لا خبر

(4)

؛ إذ لا يمكن دعوى الحالية في الضمير، نعم قد يجوز على أن يكون الأصل؛ وكونك مثله، ثم أقيم الضمير مقام مثل فتكون حاليته على سبيل النيابة؛ كما أجاز الخليل: مررت بزيد زهيرًا، على الحالية، وبرجل زهير على نمت النكرة، وكما قال جماعة في: قَضِيَّةُ وَلَا أَبَا حَسَنٍ لَها، وقوله

(5)

:

لا هيثم الليلة للمطي

.............................

إن العَلَمَ وقع اسمًا لِلَا باقيًا على عَلَميَّته، لكونه على إضمار مثل

(6)

، وعلى ذلك خرَّج ابن الحاجب قوله: فإذا هو إياها، وقال: الأصل: فإذا هو موجود مثلها

(7)

، وقد قال بعضهم:

(1)

البيت من الطويل من قصيدة لعمر بن أبي ربيعة (أمن آل نعم) ديوان عمر (120) ط. دار صادر.

(2)

هذا عجز بيت من الوافر وهو لرجل من تميم، وقيل للقحيف العجلي وصدره:

فلا تطمع أبيت اللعن فيها

................................

وشاهده هنا على جواز الوصل فيما اجتمع ضميران أولهما أعرف.

والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 153)، والمغني (161)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (338).

(3)

قال السيوطي: "واستشهد به النحاة على جواز الوصل فيما اجتمع ضميران أولهما أعرف ومجرور، إن كان الفصل فيه أرجح. و"بشيء" يتعلق بما قبله أو بما بعده، وعليهما فالمعنى: شيء ما يستطاع خبرًا وبشيء خبر ويستطاع صفة والباء زائدة" شرح شواهد المغني للسيوطي (339).

(4)

قال الدماميني بعد أن ذكر البيت: "وفيه رد على من قال: المنصوب بعد الكون حال". تعليق الفرائد (3/ 173).

(5)

الرجز أنشده سيبويه ولم ينسبه إلى قائله، ويوجد في الكتاب (2/ 296)، وأمالي ابن الشجري (1/ 365) وابن يعيش (2/ 102، 103) قال سيبويه: "واعلم أن المعارف لا تجري مجرى النكرة في هذا الباب؛ لأن "لا" لا تعمل في معرفة أبدًا، فأما قول الشاعر:

لا هيثم الليلة للمطي

..............................

فإنه جعله نكرة كأنه قال: لا هيثم من الهيثمين، ومثل ذلك: لا بصرة لكم

وتقول: قضية ولا أبا حسن، تجعله نكرة قلت: كيف يكون هنا وإنما أراد عليًّا رضي الله عنه فقال: لا يجوز أن تعمل (لا) في معرفة وإنما لها نكرة

"، ينظر الكتاب لسيبويه (2/ 296، 297)، وأمالي ابن الشجري (1/ 365، 366).

(6)

ينظر الكتاب لسيبويه (2/ 296)، وابن الشجري (1/ 365).

(7)

ينظر كتاب الأمالي لابن الحاجب (2/ 875)، (المسألة الزنبورية)، تحقيق د. فخر قدارة.

ص: 586

ويحتمل أن يكون "إياه" مفعول فعل مقدر حذف فانفصل، والتقدير: وكونُكَ تَفْعَلُه

(1)

، وقوله:"عليك" يتَعَلَّقُ بيسير.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وكونك إياه"؛ حيث أعمل فيه مصدر كان كعمل كان، وفيه دلالة أيضًا على أن الأفعال الناقصة لها مصدر كغيرها من الأفعال

(2)

.

‌الشاهد الثالث والتسعون بعد المائة

(3)

،

(4)

وَمَا كُل مَنْ يُبْدِي الْبَشَاشَةَ كَائِنًا

أَخَاكَ إِذَا لَم تُلْفِهِ لَكَ مُنْجِدَا

أقول: هو -أيضًا- من الطويل.

قوله: "بيدي": من الإبداء وهو الإظهار، "والبشاشة" بفتح الباء الموحدة؛ مصدر بششت -بكسر العين أبش بفتحها؛ وهي طلاقة الوجه. قوله:"إذا لم تلفه" بضم التاء المثناة من فوق، وسكون اللام، وكسر الفاء، أي: إذا لم تجده، من قولك: ألفيت الشيء إذا وجدته، قال الله تعالى:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] أي: وجداه، قوله:"منجدًا": من أنجده إذا أعانه.

والمعنى: لا يكون من يبدي البشاشة إليك أخاك إذا لم تجده معينًا لك في مهماتك.

الإعراب:

قوله: "وما كل" أي: وليس كل من يبدي، فقوله:"كل من": اسم ما، وخبره قوله:"كائنًا"، و "من" موصولة و "يبدي البشاشة": صلته، قوله:"أخاك": خبر "كائنًا" واسمه مستتر فيه، قوله:"إذا لم تلفه" الضمير المنصوب فيه يرجع إلى "من"، قوله:"منجدًا": حال من الضمير المذكور، وقوله:"لك" يتعلق بقوله: "منجدًا".

(1)

ينظر تعليق الفرائد للدماميني (3/ 173).

(2)

قال أبو حيان: "والصحيح أن لها مصدر، وقد أعملتها العرب إعمال أفعالها قالوا: كونك مطيعًا مع الفقير خير من كونك عاصيًا مع الغني، وقال الشاعر:

........................

وكونك إياه عليك يسير.

ينظر الارتشاف (2/ 75)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 339)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 297).

(3)

ابن الناظم (52)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 239)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 270).

(4)

البيت من بحر الطويل لقائل مجهول ولم ينسبه العيني وهو بلا نسبة في تخليص الشواهد (234)، والدرر (2/ 58)، والتصريح (1/ 187)، والهمع (1/ 114).

ص: 587

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كائنًا أخاك" فإن كائنًا اسم الفاعل من كان. وعمل عمل فعله، ومن هذا القبيل قوله عليه الصلاة والسلام

(1)

: "إن هذَا القُرآنَ كَائنٌ لَكُم أَجْرًا وَكَائن عَلَيكم وزرًا"

(2)

، وفيه أيضًا إعمال ما النافية عمل ليس

(3)

.

‌الشاهد الرابع والتسعون بعد المائة

(4)

،

(5)

قَضَى الله يَا أَسمَاءُ أن لَستُ زائِلًا

أُحِبُّكِ حَتَّى يُغمِضَ العَينَ مُغْمِضُ

أقول: قائله هو الحسين بن مطير الأسدي، وأنشده ثعلب في أماليه

(6)

، وهو من قصيدة ضادية، وأولها البيت المذكور، وبعده

(7)

:

فَحُبكِ بَلوَى غَيرَ أنْ لا يَسُوءُنِي

وإنْ كان بلوَى أننِي لك مُبغضُ

فَوَاكَبدًا منْ لَوْعَةِ البَين كُلمَا

ذَكَرْتُ ومن رفْضِ الهوَى حين يرفَضُ

ومن عبرَةٍ تذوي الدموعَ وزفرة

تفضفضُ أطرَافَ الحشَا ثم تَنهضُ

فيا لَيتني أقرَضتُ جَلدًا صَبَابَتي

وأَقْرَضني صَبرًا على الشوق مُقرضُ

إذَا مَا صَرَفتُ القَلبَ في حُبِّ غَيرها

إذَا حُبُّها مِنْ دونِه يتَعرَّضُ

وهي من الطويل.

قوله: "لوعة البين" أي: الفراق، ولوعة الحب: حرقته، وكذا لوعة البين، قوله:"تَفضفَصُ" بفاءين وصادين مهملتين؛ من فصفصت كذا من كذا إذا فصلته، وانتزعته، هكذا ضبطه بعضهم،

(1)

انظر الحديث في مسند أحمد بن حنبل (1/ 30)، وسنن ابن ماجه (2/ 1294)، وسنن الترمذي (4/ 573).

(2)

أي أن اسم الفاعل من "كان" يعمل عمل الفعل. قال سيبويه: "وقال الخليل: هو كائن أخيك على الاستخفاف والمعنى: كائن أخاك". الكتاب لسيبويه (1/ 166)، شرح التسهيل لابن مالك (1/ 340).

(3)

أي أن (ما) النافية تعمل عمل (ليس) في رفع الاسم ونصب الخبر عند الحجازيين بشروط، وهنا عملت (ما) فرفعت الاسم وهو (كل) ونصبت الخبر وهو (كائنا).

(4)

ابن الناظم (52)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 240).

(5)

البيت من بحر الطويل من قصيدة للحسين بن مطر الأسدي (من مخضرمي الدولتين) وهي في الديوان (170)، والأبيات المذكورة في مجالس ثعلب (1/ 221)، وبيت الشاهد في الدرر (2/ 60)، وتخليص الشواهد (234)، والتصريح (1/ 187)، واللسان:(غمض)، وشرح عمدة الحافظ (197)، والهمع (1/ 114)، والمعجم المفصل (482).

(6)

مجالس ثعلب (1/ 221)، تحقيق عبد السلام هارون (دار المعارف).

(7)

ينظر الديوان (170).

ص: 588

وهو تصحيف، وإنما هو من القضقضة بقافين وضادين معجمتين، وهو صوت كسر العظام، ومنه أسد قضقاض يقضقض فريسته

(1)

.

قوله: "جلدًا" بفتح الجيم، بمعنى متجلدًا، ونصب على الحال، قوله:"قضى الله" أي: حكم الله أو قدر الله، و "أسماء": اسم محبوبته، قوله:"حتى يغمض": من الإغماض، والمغمض فاعل منه، وإغماض العين: إطباق الجفن على الجفن.

والمعنى: حكم الله يا أسماء أن لا أزول

(2)

عن حبك إلى أن أموت؛ فإن إغماض العين لا يكون إلا عند الموت.

الإعراب:

قوله: "قضى الله": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"يا أسماء": منادى مفرد مبني على الضم، قوله:"أن لست زائلًا": مفعول قضى، أي: قضى بأن لست، ويروى: بأن لست بارحًا، و "زائلًا": خبر لست، وقد تداخلت في هذا البيت ثلاثة نواسخ؛ فإن قوله:"أحبك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت خبرًا لقوله: "زائلًا"، [وقوله: زائلًا]

(3)

بما اتصل به خبر ليس كما ذكرنا، وليس بما اتصل به خبر أنْ المخففة من الثقيلة لا الناصبة؛ لأنها لا توصل بالجامد.

قوله: "حتى": للغاية، و "يغمض": منصوب بتقدير أن، و "العين": منصوب لأنها مفعول يغمض، وقوله:"مغمض": فاعل له.

الاستشهاد فيه:

في قوله" "لست زائلًا" فإنه أجرى [زائلًا]

(4)

، وهو اسم فاعل مجرى فعله، والتقدير: لست أزال أحبك

(5)

.

‌الشاهد الخامس والتسعون بعد المائة

(6)

،

(7)

لَا طِيبَ لِلْعَيشِ مَا دَامَتْ مُنَغَّصَةً

لَذَّاتُهُ بِادِّكَارِ الْموتِ والهرَم

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط.

(1)

ينظر الصحاح للجوهري مادة: (قضقض).

(2)

في (ب): أزال.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ينظر الشاهد رقم (193).

(6)

ابن الناظم (52)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 298)، وأوضح المسالك لابن هشام (2/ 242)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 274).

(7)

البيت من بحر البسيط لقائل مجهول وهو في تخليص الشواهد (241)، والدرر (2/ 69)، والتصريح =

ص: 589

قوله: "لا طيب" الطيب -بكسر الطاء وسكون الياء آخر الحروف: اسم لما تَطيِب به النفس وهو خلاف ما تكرهه، قوله:"منغصة": من التنغيص، يقال: نغص الله عليه عيشه [ينغصه]

(1)

تنغيصًا إذا كدره.

قوله: "لذاته": جمع لذة، وهو ما يتلذذ به الإنسان، قوله:"بادكار الموت" أصله: باذتكار الموت؛ لأنه من ذكر من الذكر، فنقل إلى باب الافتعال، فصار: اذتكارًا.

فقلبت التاء ذالًا [فصار اذدكار]

(2)

، ثم قلبت الذال المعجمة دالا، فأدغمت الدال في الدال فصار ادكارًا

(3)

فافهم.

والمعنى: لا طيب لعيش بني آدم ما دامت لذاته منغصة بذكر الموت والهرم.

الإعراب:

قوله: "لا": لنفي الجنس، و "طيب": اسمه، وخبره محذوف، والتقدير؛ لا طيب حاصل، وقوله:"للعيش": يتعلق بالمحذوف، قوله:"ما دامت": من الأفعال الناقصة ولا تُستَعمَلُ إلا مع ما المصدرية التوقيتية، فإن قلت: افعل الخير ما دمت واجدًا، كان التقدير: مدة دوامك، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فصارت:"ما" مقدرة بمصدر مضاف إلى الوقت، فلذلك قلتُ المصدرية التوقيتية، والتقدير: هاهنا أيضًا لَا طِيبَ للعَيش مدة دوام تنغيص اللذات بذكر الموت والهرم.

قوله: "لذاته": مرفوع؛ لأنه اسم ما دامت، وخبره قوله:"منغصة" مقدمًا عليه قوله: "بادكار الموت" يتعلق بقوله: "منغصة"، قوله:"والهرم" عطف على الموت أي: وبادكار الهرم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ما دامت منغصة لذاته" حيث قدم خبر ما دامت على اسمه، وهو جائز واقع،

= (1/ 187)، وشرح عمدة الحافظ (204)، وشرح قطر الندى (131)، والهمع (1/ 177)، والمعجم المفصل (928).

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

قال ابن عصفور: "وأما الدال فأبدلت من التاء والذال، فأبدلت من تاء افتعل باطراد إذا كانت الفاء زايًا ....... وكذلك أيضًا تبدل منها إذا كانت الفاء دالًا إلا أن ذلك من قبيل البدل الذي للإدغام"، الممتع (1/ 357).

ص: 590

وقد رَدَّ ذلك

(1)

ابنُ معطٍ

(2)

، والبيت حجة عليه

(3)

.

‌الشاهد السادس والتسعون بعد المائة

(4)

،

(5)

وَرجِّ الفتَى لِلْخَيرِ مَا إنْ رَأيْتَهُ

عَلَى السِّنِّ خَيرًا لا يَزَالُ يزيدُ

أقول: قائله هو المعلوط القريعي

(6)

، وهو من الطويل.

قوله: "ورج": أمر من رجّى يرجي ترجية، من الرجاء وهو الأمل، قوله:"على السن" أي: على طول العمر.

الإعراب:

قوله: "رج": جملة من الفعل والفاعل، وهو أنت المستكن فيه، و "الفتى": مفعوله، و "للخير": يتعلق برَجِّ، في محل النصب على أنه مفعول ثان لرَجِّ، قوله:"ما": مصدرية و "إن" زائدة زيدت بعد "ما" لشبهها في اللفظ بما النافية، والتقدير: ورَجِّ الفتى للخير مدة رؤيتك إياه لا يزال يزيد خيرًا على طول السن، وقوله:"على السن" يتعلق بقوله "خيرًا" والتقدير: خيرًا حاصلًا على السن، ويجوز أن تكون على بمعنى مع، أي: لا يزال يزيد خيرًا مع زيادة سنِّه، والألف

(1)

أجاز البصريون توسط خبر كان وأخواتها لكنها وبين الاسم، ومن ذلك (ما دام) ما لم يجب تقديمه على الاسم ولا تأخيره مستدلين بالسماع الوارد كثيرًا في القرآن الكريم والشعر، ومنع ذلك الكوفيون وأولوا ما ورد منه.

(2)

قال ابن معطٍ: "وأما (ما دام) فلا يجوز تقدم خبرها عليها أو على اسمها ولا تنفصل عنها ما" الفصول الخمسون (181)، وقال في ألفيته:

ولا يجوز أن يقدم الخبر

على اسم ما دام وجاز في الآخر

(3)

قال ابن مالك بعد أن ذكر رأي ابن معطٍ "وليس له في ذلك متبوع بل هو مخالف للمقيس والمسموع؛ أما مخالفته للمقيس فبينه؛ لأن توسيط خبر ليس جائز بإجماع مع أن فيها ما في (دام) من عدم التصرف وتفوقها ضعفًا بأن منع تصرفها لازم ومنع تصرف (دام) عارض، ولأن (ليس) تشبه (ما) النافية معنًى وتشبه (ليت) لفظا

فثبت بهذا زيادة ضعف ليس على ضعف دام، وتوسيط خبر ليس لم يمتنع فأن لا يمتنع توسيط خبر (دام) لنقصان ضعفها أحق وأولى"، شرح التسهيل لابن مالك (1/ 349).

(4)

أوضح المسالك لابن هشام (2/ 246).

(5)

البيت من بحر الطويل نسب في مراجعه للمعلوط القريعي، وفي سمط اللآلئ (1/ 434) مقطوعة على هذا الوزن والروي لهذا الشاعر لعل بيت الشاهد منها، وانظره في الكتاب (4/ 222)، وابن يعيش (8/ 130)، والمغني (1/ 25)، وشرح أبيات المغني للبغدادي (1/ 113)، والخصائص (1/ 110)، والتصريح (1/ 189)، وشرح شواهد المغني (85)، واللسان (أنن)، والخزانة (8/ 443).

(6)

المعلوط بزنة اسم المفعول: من علط بسهم إذا أصابه، وهو المعلوط بن بدل القريعي (بالتصغير) السعدي، شاعر إسلامي له مقطوعة في سمط الآلئ (1/ 434) منها هذا البيت:

وكائن رأينا من غنى مذمم

وصعلوك قوم مات وهو حميد

ص: 591

واللام فيه بدل من المضاف إليه.

قوله: "خيرًا" نصب على أنه مفعول يزيدُ، ويجوز أن يكون تمييزا مقدمًا على رأي المازني

(1)

، وقوله:"لا يزال" من الأفعال الناقصة، واسمه الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الفتى، وخبره الجملة؛ أعني قوله: يزيد خيرًا.

الاستشهاد فيه:

على تقديم خبر لا يزال

(2)

، فإن الفراء منع ذلك في حروف النفي، والبيت حجة عليه

(3)

.

‌الشاهد السابع والتسعون بعد المائة

(4)

،

(5)

قَنَافِذُ هدَّاجُونَ حَوْلَ بُيُوتهم

بمَا كَانَ إياهُم عَطِيَّةُ عَوَّدَا

أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب، ولم أقف على ما قبله وما بعده، ولكن معناه يحتمل وجهين

(6)

:

الأول: أنه هجا قومًا ووصفهم بالفجور والخيانة وشبههم بالقنافذ لمشيهم بالليل في طلب ذلك كما تمشي القنافذ، والقنفذ يضرب به المثل في السرى، يقال:[هو]

(7)

أسرى من قنفذ

(8)

.

(1)

وهو أيضًا قول ابن يعيش حيث يقول: " (وخيرًا) نصب على التمييز". شرح المفصل (8/ 130)، وينظر شرح أبيات المغني للبغدادي (1/ 113).

(2)

صحته تقديم معمول الخبر وتقديم المعمول يؤذن بجواز تقدم الحامل، فإن خيرًا معمول ليزيد الواقع خبرًا، وإذا تقدم خيرًا المعمول جاز تقدم يزيد العامل وهو الخبر.

(3)

ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز تقديم الخبر على (زال) وأخواتها إذا كان النفي بما، وإن دخل غير (ما) من حروف النفي جاز التقديم، وذهب الفراء إلى المنع مطلقًا بأي حرف كان النفي. الارتشاف (2/ 87).

(4)

ابن الناظم (54)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 304)، وأوضح المسالك لابن هشام (2/ 248)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 281).

(5)

البيت من بحر الطويل من قصيدة للفرزدق في هجاء جرير، وانظر الشاهد في المقتضب (4/ 101)، والمغني (610)، وتخليص الشواهد (245)، والخزانة (9/ 268)، والدرر (2/ 71)، والتصريح (1/ 190)، والهمع (1/ 118)، وروايته في الديون بشرح (علي فاعور)، (162)، وفي شرح مجيد طراد (1/ 199):

قنافذ درامون خلف جحاشهم

لما كان إياهم عطية عودا

(6)

قوله: لم أقف على ما قبله وما بعده ليس بصحيح؛ فالبيت من قصيدة كبيرة للفرزدق في طبعات ديوانه المختلفة، وقوله: ولكن معناه يحتمل وجهين: القدح والمدح ليس بصحيح -أيضًا- فالقصيدة في الهجاء، وهي رد على قصيدة جرير في هجاء الفرزدق التي ختمها بقوله (ديوان جرير (225) ط. دار الكتاب اللبناني ضبط إيليا الحاوي):

وللقين والخنزير مني بديهة

وإن عاوداني كنت للعود أحمدا

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

مجمع الأمثال (2/ 144).

ص: 592

والثاني: يحتمل أن يكون مدحًا وثناء لقوم بأنهم يتفقدون بالليل قاصديهم ولا ينامون عما ينزل بهم، وأن الناس في إسراعهم إلى أبوابهم قصدًا لالتماس معروفهم بمنزلة القنافذ.

والوجه الأول أقرب؛ لأن بعضهم ذكر أن الفرزدق يهجو بهذا البيت جريرًا وأن المراد بقوله: عطية هو أبو جرير، ومعناه أن أبا جرير هو الذي عودهم ذلك، ونظيره قول الأخطل

(1)

:

أمَّا كُلَيبُ بنُ يربوع فليس لَهُمْ

عند التَّفَارُط إيرادٌ ولا صدَرُ

مُخلَّفونَ وَيقضِي الناسُ أمْرَهُم

وهم بغيبٍ وفي عَميَاءَ ما شَعروا

مثل القنافذ هدَّاجُونَ قد بَلَغَتْ

نجران أَوْ بُلّغتْ سوءاتِهم هجَرُ

(2)

والبيت المذكور من الطويل.

و"القنافذ": جمع قنفذ -بضم القاف وسكون النون وضم الفاء وفتحها وفي آخره ذال معجمة، والأنثى قنفذة، قوله:"هداجون": جمع هداج -بفتح الهاء وتشديد الدال المهملة وفي آخره جيم؛ وهو الذي يمشي بنوع [مخصوص]

(3)

من المشي، قال الجوهري: هدج الظليم إذا مشي في ارتعاش

(4)

فهو هداج وهدَجدَج، والهدجان: مشية الشيخ، وقد هدج يَهْدِجُ من باب: ضرب يضرب

(5)

، قوله:"عطية": اسم رجل وهو أبو جرير على ما ذكرناه

(6)

.

الإعراب:

قوله: "قنافذ": مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هم قنافذ، وهو استعارة بالكناية؛ حيث شبههم بالقنافذ وطوى ذكر المشبه به

(7)

.

قوله: "هداجون": صفة قنافذ، قوله:"حول بيوتهم": كلام إضافي نصب

(8)

على الظرف، قوله:"بما كان": الباء فيه للسببية؛ أي: بسبب ما كان عطية عودهم، والضمير المنصوب في

(1)

الأبيات من البسيط في ديوانه (109) شرح مهدي محمد ناصر.

(2)

وروايته في الديوان:

على العيارات هداجون قد بلغت

نجران أو حدثت سوءاتهم هجر

قوله: "على العيارات" جمع عير وهو الحمار.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

في (ب): بارتعاش.

(5)

الصحاح للجوهري مادة: (هدج).

(6)

في (ب): على ما ذكر.

(7)

قال صاحب كتاب مع المقاصد النحوية (49): قد صرح بأن المبتدأ محذوف وعلى هذا يكون تشبيهًا بليغًا لا استعارة، ولو سلمنا أنها استعارة لم تكن استعارة بالكناية؛ لأن الاستعارة التي يطوى فيها ذكر المشبه تكون استعارة تصريحية.

(8)

في (ب): منصوب.

ص: 593

عودهم يرجع إلى رهط جرير على تقدير أن يكون المراد من عطية هو أبو جرير.

قوله: "عطية": اسم كان، وخبره قوله:"عوّد" وقوله: "إياهم" مفعول عوّد، وقد ولي كان يعني فصل بين كان واسمه، والحال أنه ليس بظرف ولا مجرور، هذا على مذهب الكوفيين فإنهم يجيزون ذلك، كما في قولهم: كان طَعَامَكَ زيدٌ آكلًا، والحاصل أن الفصل بين كان واسمها إذا كان بظرف أو بحرف جر يجوز اتفاقًا كما في قولك: كان عندنا زيد قائمًا، وإن في الدار بشرٌ متكلمًا، لأن الظرف والجار والمجرور يتوسع فيهما توسعًا ليس لغيرهما.

أما الفصل بين كان واسمها بغير الظرف وحرف الجر نحو: كان الماء زيد يشرب فلا يجوز ذلك عند البصريين، سواء كان متصلًا بالخبر أو منفصلًا، وأجازه الكوفيون مطلقًا مستدلين بالبيت المذكور؛ فإنه فصل لكن كان واسمه بقولهم إياهم وليس هو بظرف ولا مجرور

(1)

.

وأجاز ابن باشاذ

(2)

تقديم معمول الخبر إذا تأخر الاسم عن الخبر نحو: كان الماء شاربًا زيد، لأن تقديم الخبر على الاسم جائز فيتقدم معمول الخبر معه تبعًا له

(3)

، والصحيح الأول، لأن هذا التقديم ممنوع في غير باب كان؛ كقولك: ما عمرًا يضرب زيد، ففي كان أولى. وأجاب البصريون عن البيت المذكور من أربعة أوجه:

الأول: أن في كان ضمير الشأن، والجملة خبر كان، فلم يفصل بين كان واسمها؛ لأن اسمها مستتر فيه.

الثاني: أن كان زائدة بين الموصول وصلته فحينئذ لا اسم ولا خبر.

الثالث: أن ما موصولة واسم كان ضمير مستتر يرجع إلى (ما) و "عطية" مبتدأ،

(1)

قال ابن مالك: "فلو كان معمول الخبر ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا جاز بإجماع تقديمه على الاسم متصلًا بالخبر نحو: كان عندك مقيمًا زيدٌ، ومنفصلًا نحو: كان عندك زيد مقيمًا؛ لأن الظرف والمجرور يتوسع فيها توسعًا لا يكون لغيرهما". شرح التسهيل لابن مالك (1/ 368)، توضيح المقاصد للمرادي (1/ 304).

أما إذا كان الفصل بين كان واسمها بمعمول الخبر وهو غير الظرف أو جار ومجرور فمنعه البصريون وأجازه الكوفيون مستدلين بالبيت المذكور. قال سيبويه: ولو قلت: كانت زيدًا الحمى تأخذ أو تأخذ الحمى لم يجز، وكان قبيحًا". الكتاب لسيبويه (1/ 70)، شرح التسهيل لابن مالك (1/ 367)، وشرح الأشموني (1/ 237)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 304)، والأصول لابن السراج (1/ 86، 87)، وقضايا الخلاف النحوية والصرفية في كتاب شفاء العليل للسلسيلي (214) وما بعدها، (دكتوراه) بالأزهر، إعداد: عبد العزيز فاخر (2000 م).

(2)

طاهر بن أحمد المصري، له المقدمة في النحو وشرح جمل الزجاجي وغيرهما. الأعلام (3/ 220)، ونشأة النحو (166).

(3)

قال ابن مالك: "وأجاز ابن باشاذ تقديم معمول الخبر إذا تأخر الاسم وتوسط الخبر نحو: كان الماء يشرب زيد". شرح الكافية الشافية لابن مالك (1/ 403).

ص: 594

و"عود": خبره، و"إياهم": مفعول مقدم، والعائد محذوف والتقدير؛ بالذي كان عطية عودهموه فحذف العائد، لأنه ضمير متصل منصوب بفعل على ما هو مقرر في باب الموصول

(1)

.

الرابع: إن هذا ضرورة فلا اعتبار به.

الاستشهاد فيه:

ما ذكرناه من الفصل بين اسم كان وخبره بما ليس هو بظرف ولا مجرور

(2)

.

‌الشاهد الثامن والتسعون بعد المائة

(3)

،

(4)

بَاتَتْ فُؤَادِي ذَاتُ الْخَالِ سَالِبَةً

فَالْعَيشُ إِنْ حُمَّ لِي عَيشٌ مِنَ الْعَجَبِ

أقول: هو من البسيط.

قوله: "ذات الخال" أي: ذات الشامة، قال الجوهري: الخال الذي يكون في الجسد ويجمع على خيلان، ذكره في فصل الخاء والياء واللام

(5)

.

قوله: "سالبة": من سلبت الشيء سلبًا إذا ذهبت به، قوله:"إن حم لي" أي: إن قدّر لي، وقال الجوهري [رحمه الله: حمة]

(6)

الفراق: ما قدر وقضى، وقال الأصمعي رحمه الله

(7)

: عجلت بنا وبكم حمة الفراق؛ أي: قدر الفراق

(8)

، وقال الزمخشري: أحم الشيء إذا قرب ودنا، ومنه المحمة أي: الحاضرة، ويقال: أحمت الحاجة إذا همت

(9)

.

الإعراب:

قوله: "باتت": فعل من الأفعال الناقصة، وقوله:"ذات الحال": كلام إضافي مرفوع، لأنه اسمه، وقوله:"سالبة" بالنصب؛ خبره، وقوله:"فؤادي": مفعول سالبة، والتقدير: باتت ذات الخال سالبة فؤادي.

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 368).

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 367) وما بعدها، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 304) وما بعدها، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (1/ 404)، والشواهد النحوية في شعر الفرزدق (104).

(3)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 251).

(4)

البيت من بحر البسيط لقائل مجهول، وأيضًا لم ينسبه العيني إلى قائله، وهو في الخزانة (9/ 269)، والتصريح (1/ 190)، وتخليص الشواهد (248)، والمعجم المفصل (106).

(5)

الصحاح للجوهري مادة: (خيل).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(7)

في (أ): يرحمه الله.

(8)

الصحاح للجوهري مادة: (حمم).

(9)

لم نجد نص هذا الكلام في الأساس، ولا ما يقرب منه. ينظر الأساس مادة (حمم، حمى).

ص: 595

قوله: "فالعيش": مبتدأ، وخبره قوله:"من العجب" وقوله: "إن حم لي عيش" فإنْ: حرف شرط، وحم لي عيش: جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل وقعت فعل الشرط، والجزاء هو قوله:"فالعيش" ولكن فيه تقديم وتأخير؛ لأن جملة الشرط وقعت معترضة بين المبتدأ والخبر، والتقدير: إن حم لي عيش فالعيش من العجب

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "باتت فؤادي" حيث ولي باتت معمول خبرها، وهو قوله:"فؤادي" فإنه معمول خبر باتت، وهو قوله:"سالبة" وليس هو بظرف ولا مجرور، وهذا غير جائز عند البصريين؛ فلذلك حمل هذا على الضرورة، وأما الكوفيون فإنهم يجيزون ذلك مطلقًا على ما عرف في موضعه

(2)

.

‌الشاهد التاسع والتسعون بعد المائة

(3)

،

(4)

وَبَاتَ وبَاتَتْ لَهُ لَيلة ..........

..........................

أقول: قائله هو امرؤ القيس بن عانس -بالنون قبل السين المهملة- ابن المنذر بن امرئ القيس بن السمط بن عمرو بن معاوية بن الحرث بن الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة الكندي، وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أسلم وثبت على إسلامه، ولم يكن فيمن ارتد من كندة، وكان شاعرًا نزل الكوفة، وفي الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- أيضًا: امرؤ القيس بن الأصبع، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاملًا على كلب حين أرسله عماله على قضاعة فارتد بعضهم، وثبت امرؤ القيس على دينه.

(1)

تكلف العيني في هذا الإعراب وأبعد الطريق وهو قريب، وأحسن منه أن يعرب العيش مبتدأ، وخبره عيش من العجب، وقوله:"إن حم لي" جملة شرطية والجزاء فيها محذوف دل عليه الجملة الاسمية المذكورة، والتقدير: إن حم لي فهو عيش عجيب، والمعنى في ذلك أسهل.

(2)

ينظر الشاهد رقم (197).

(3)

ابن الناظم (53)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 254).

(4)

صدر بيت من بحر المتقارب، وبقيته في الشرح، وهو من قصيدة قاربت العشرين بيتًا، وهو في ديوانه امريء القيس بن حجر الكندي الشاعر المشهور صاحب المعلقة الأولى في الشعر العربي، وهو في ديوانه مع كثرة طبعاته دار صادر (84) كما أنها في كتاب أشعار الستة الجاهليين، وهو مختارات للأعلم الشنتمري في شرح تلك الأشعار، انظر (129) المختارة رقم (31) وعلى ذلك فنسبة القصيدة لغير امريء القيس يكون تخبطًا ودعوى بلا دليل، وأما ما كتبه العيني أو غيره في ذلك فيقرأ؛ لأنه من التراث، وأما بيت الشاهد فهو في كثير من كتب الأدب والنحو، ينظر التصريح (1/ 191)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (732)، وتخليص الشواهد (243)، والقطر (136)، وشرح أبيات المغني للبغدادي (5/ 308)، وشرح الأشموني (1/ 236).

ص: 596

وفي الصحابة [رضي الله عنهم]

(1)

: امرؤ القيس بن فاخر بن الطماح بن شرحبيل الخولاني، شهد فتح مصر، ذكره ابن يونس

(2)

، وذكر له صحبة ولا تعرف له رواية، ويقال: قائل الشعر المذكور هو امرؤ القيس بن حجر الكندي الشاعر الجاهلي، وهذا هو الثابت في كتاب أشعار الشعراء الستة

(3)

، وليس بصحيح، والصحيح أن قائله هو امرؤ القيس بن عانس، نص عليه ابن دريد وغيره، وكثير من المحصلين يهِمُون

(4)

في هذا الموضع لقلة معرفتهم بأخبار الناس وأحوال الرجال، وتمام البيت المذكور:

..........................

كَلَيلَةِ ذِي العَائِرِ الْأَرمَدِ

وهو من قصيدة دالية وأولها هو قوله:

1 -

تطاولَ ليلُك بالإثْمُدِ

وَنَامَ الخليُّ ولَم تَرقُدِ

2 -

وَبَاتَ وباتَتْ لَهُ لَيلةٌ

كَلَيلَةِ ذي الْعَائر الأَرمَدِ

3 -

وَذَلِكَ مِنْ نبأ جَاءَنِي

وَأُنْبئْتُه عَنْ أَبِي الأَسْود

4 -

وَلَوْ عَنْ نَثَا غَيره جَاءَنِي

وَجُرحُ اللسَان كجُرحِ الْيَدِ

5 -

لَقُلْتُ من القولِ مَا لا يزَا

لُ يُؤْثَرُ عَنِّي يَدَ المسنَدِ

6 -

بِأَيِّ عِلَاقَتِنا تَرغَبُونَ

أعنْ دَم عمرو على مَرثَدِ

7 -

فإنْ تَدْفِنُوا الدَّاءَ لا نخفِه

وإنْ تبعَثُوا الداء لا يَقْعُد

8 -

وإنْ تَقْتَلوُنَا نُقَتِّلْكُمُ

وإن تَقْصِدُوا لدَم نَقْصِدِ

9 -

متى عَهْدُنا بطعانِ الكمَا

ةِ والمجدِ والحمدِ والسؤْدَدِ

10 -

وبَنِيِ القبابِ وَمِلْءِ الجِفَا

نِ والنَّارِ والحطبِ الموُقَدِ

11 -

وأعددتُ للحربِ وَثَّابةً

جَوَادَ المَحَثةِ والمُروَدِ

12 -

سَبُوحًا جَمُوحًا وإحضَارُها

كَمَعمَعةِ السَّعْفِ المُوقَدِ

13 -

ومُطرِّدًا كَرِشاءِ الجَزُو

رِ من خُلُبِ النخلةِ الأجْرَدِ

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

هو عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي، ألف أخبار مصر ورجالها وذكر الغرباء الواردين مصر (ت 347 هـ) بالقاهرة: ينظر الأعلام (3/ 294).

(3)

البيت -والأبيات التالية- موجود في أشعار الشعراء الستة الجاهليين للأعلم (129)، القصيدة (31).

(4)

أي: يتخبطون ويخطئون، من وهم يهم، أي أخطأ.

ص: 597

14 -

وَذَا شَطَب غامِضًا كلمُهُ

إذَا صَاب بالعظمِ لم يَنْأدِ

15 -

ومَشْدُودةَ السك مَوضُونة

تضاءَلُ فيِ الطيِّ كالمبرَدِ

16 -

تَفيضُ عَلَى المرءِ أرْدانُها

كَفَيض الأتيِّ على الجَدجَدِ

وهي من المتقارب

(1)

.

1 -

قوله: "تطاول ليلك بالأَثْمُد" يخاطب به امرأ القيس نفسه على طريقة الالتفات على ما نذكره - إن شاء الله تعالى -

(2)

، و"الأثمد" بفتح الهمزة وسكون الثاء المثلثة وضم الميم وفي آخره دال مهملة، وهو اسم موضع، وقد روي بكسر الهمزة والميم كالإثمد وهو الحجر الذي يُكْتَحَلُ به.

و"الخَلي" بفتح الخاء وكسر اللام وتشديد الياء، وهو الخالي عن الهموم والأحزان. قال الجوهري: الخليُّ: الخالي من الهمِّ وهو خِلاف الشجيّ

(3)

، ومنه المثل: ويْلُ للخَلِيِ من الشجِيّ

(4)

.

2 -

و"العائر" بعين مهملة وهمزة بعد الألف، وهو القذى، تدمع له العين، ويقال: هو نفس الرمد، وعلى هذا يكون الأرمد، صفة مؤكدة، و"الأرمد": من رمد يرمَدُ، من باب علم يعلم، إذا هاجت عينه فهو رمد، وأرمد الله عينه فهي رمدة.

3 -

قوله: "وذلك من نبأ" أي: خبر، أراد: أن هذا الذي شكوت من الهم وطول الليل [هو]

(5)

من أجل ذا الخبر الذي نبئته عن أبي الأسود؛ وهو ظالم بن عمرو من بني الجون آكل المرار وهو ابن عم امرئ القيس.

فإن قلت: هل يُفَرَّقُ

(6)

بين الخبر والنبأ؟

قلت: ذكروا أن النبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن ما ذكر من المعنى، قوله:"وأُنْبِئْتُه" على صيغة المجهول، ويروى: وأخبرتُه.

وهذه الأبيات في مرثية أبي الأسود، رثاه بها امرؤ القيس حين جاءه خبر موته.

ثم إن أهل المعاني والبيان ذكروا أن في هذه الأبيات ثلاث التفاتات:

(1)

في (1): نسبه إلى بحر الوافر وهو خطأ.

(2)

الالتفات هو نقل الكلام من حالة المتكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى حالة أخرى من ذلك لمقتضيات تظهر بالتأمل في موقع الالتفات وتلوينًا للخطاب حتى لا يمل السامع من التزام حالة واحدة. ينظر جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع (193) تأليف السيد أحمد الهاشمي (دار الكتب العلمية).

(3)

الصحاح للجوهري مادة: (خلى).

(4)

في مجمع الأمثال: ويل للشجي من الخلي (3/ 433).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

في (أ): فرق.

ص: 598

الأول: في قوله: "تطاول ليلك" التفت من الحكاية إلى الخطاب، ولولا الالتفات لقال: تطاول ليلي، وكذا التفت من الحكاية إلى الخطاب في قوله:"ولم ترقد" إذ لولا الالتفات لقال: ولم أرقد.

الثاني: في قوله: "وبات وباتت له ليلة" فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة؛ إذ القياس على ليلك أن يقول: وبت وباتت لك.

الثالث: في قوله: "من نبأ جاءني" فيه التفات من الغيبة إلى الحكاية، ولولا الالتفات لقال: جاءه.

4 -

قوله: "ولو عن نَثَا" بفتح النون والثاء المثلثة مقصور، وهو يكون في الخير والشر، وأما الثناء -بالمد وبتقديم الثاء على النون فلا يكون إلا في الخير، قوله:"وجرح اللسان كجرح اليد" يعني: يبلغ الإنسان بهجائه ما يبلغ السيف إذا ضرب به في شدة ذلك عليه، ويروى: وَذَروُ اللسانِ كذَرو اليد.

5 -

قوله: "يُؤثَرُ عَنِّي" أي: يحفظ عني ويتحدث به، قوله:"يد المسند" أي: الدهر كله، وأراد به: الأبد، والمسند الدهر، يقال: يد المسند كما يقال: يد الدهر.

6 -

قوله: "بأي علاقتنا" يريد: [ما]

(1)

تعلقوا به من طلب الوتر الذي يطلبونه، فيقول: أي شيء تكرهون وترغبون عنه؟ وعمرو هذا الذي يذكر من آل امرئ القيس، ومرثد من هؤلاء الذي يذكرهم، فيقول: أترغبون عن دم عمرو بدم مرثد؟ فهو كفء له وليس بدونه، وكلمة على في "على مرثد" بمعنى الباء

(2)

.

7 -

قوله: "فإن تدفنوا الداء" يعني: فإن تتركوا الحرب فيما بيننا وبينكم، قوله:"لا نَخْفِه" بفتح النون أي: لا نظهره، يقال: خفيت الشيء أظهرته وأخفيته سترته، قوله:"وإن تبعثوا الداء" يعني: وإن تهيجوا الحرب.

9 -

قوله: "متى عهدنا" أي: لم يزل، أي: هو قريب منا.

10 -

قوله: "وبني القباب" البني: مصدر بنيتها، وأراد بالقباب الشرف والمجد.

11 -

و "الوَثَّابة" -بفتح الواو وتشديد الثاء المثلثة؛ وهي الفرس، قوله:"جواد المحثَّةِ" وهي

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

قال ابن هشام مبينًا معاني عن: "السابع: موافقة الباء نحو: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إلا الْحَقَّ} [الأعراف: 105] وقد قرأ أبيّ بالباء"، المغني (144).

ص: 599

[مفعلة]

(1)

من الحث والسرعة، "والمرود" -بالكسر: أروادها في السير، ويروى بفتح الميم أيضًا.

12 -

و"السبوح": أي: الذي يسبح في سيره، "والجموح": الذي يذهب على وجهه من السرعة، "والمعمعة": صوت النار في السعف، شبه حفيف جري الفرس بها.

13 -

قوله: "ومُطَّردًا" بضم الميم وتشديد الطاء، وهو الرمح الذي إذا هززته تبع بعضه بعضًا، و "الرشاء": الحبل، و"الجَزور" -بفتح الجيم: البئر البعيدة القعر ولا يَنْزَع حبلها إلا جمل، و"الخلب" -بضم الخاء المعجمة: الليف وهو جمع خلبة، و "الأجرد": المنجرد.

14 -

قوله: "وذا شطب" أي: وأعددت أيضًا للحرب سيفًا ذا شطب؛ وهي طرائقه، و"الغمض": الذي يرسب؛ أي: الذي يذهب في الضربية والضريبة: ما ضرب، والكلم: الجرح، قوله:"إذا صاب" أي: إذا وقع، قوله:"لم يَنْأد" أي: لم يلن فيعوج فينثني.

15 -

قوله: "ومشدودة السك" أراد دروعًا، وسكها: سمرها، والشك: البئر الضيق، وقال أبو عمرو: السك: مسامير الدرع، ويروى بالشين المعجمة، وهو مداخلة بعضها في بعض

(2)

، قوله "موضونة" قوله: أي: منسوجة، قوله:"تضاءل" أي: تلطف إذا طويت كالمبرد في لطافته.

16 -

و "الأردان": الأكمام جمع رِدْن، و"الآتي": النهر، وقال أبو الحجاج

(3)

: الآتي: السيل الذي يأتي من كل وجه، و"الجدجد": مكان صلب.

الإعراب:

قوله: "تطاول": فعل ماض، و"ليلك": كلام إضافي فاعله، والباء في بالأثمد للظرف

(4)

أي: في الأثمد، قوله:"ونام الخلى": جملة من الفعل والفاعل معطوفة على التي قبلها، قوله:"ولم ترقد": جملة أخرى عطف على ما قبلها.

قوله: "وبات" هاهنا تامة

(5)

فلا تقتضي الخبر، ومعناه: أقام ليلًا، يقال: بات يفعل كذا إذا فعله ليلًا كما يقال: ظل يفعل كذا إذا فعله نهارًا، والضمير المستتر فيه فاعله، وهو يرجع إلى نفس

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر الصحاح للجوهري مادة: (سكك).

(3)

هو يوسف بن إسماعيل السلطان أبو الحجاج ابن السلطان عاش نيفاء وثمانين سنة (ت 796 هـ)، ينظر الأعلام (8/ 251).

(4)

تأتي الباء بمعنى الظرفية كقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123]، ينظر المغني (104).

(5)

تأتي (بات) تامة أي: تكتفي بمرفوعها وتكون بمعنى أقام ليلًا. قال أبو حيان. "وبات لازمة: نزل ليلًا وبمعنى أقام ليلًا" ارتشاف الضرب (2/ 77)، وينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 342).

ص: 600

الشاعر، وقد قلنا: إنه التفت فيه من الخطاب إلى الغيبة. قوله: "وباتت له ليلة" يعني: أقامت له ليلة، وليلة مرفوع؛ لأنه فاعل باتت، ويقال: الواو في "وباتت له ليلة" واو الحال، قلتُ: هذا أولى من العطف، والتقدير: وبت والحال أن بيتوتتي كانت شديدة، ودل على شدتها بالتشبيه [المذكور]

(1)

.

قوله: "كليلة ذي العائر": محلها الرفع على أنها

(2)

صفة لقوله ليلة، أي: ليلة مثل ليلة العائر. قوله "ذي العائر": صفة لموصوف محذوف تقديره: كليلة رجل ذي العائر الأرمد، و"الأرمد": صفة بعد أخرى، أو تأكيد لذي العائر إذا كان المراد منه نفس الرمد [كما ذكرنا. قوله:"وذلك": مبتدأ، وهو إشارة إلى ما ذكر في البيتين، وقوله:"من نبأ": خبره،

(3)

قوله: "جاءني": جملة في محل الجر على أنها صفة لنبأ قوله: "وخبرته": جملة فعلية وقعت حالًا بتقدير قد، أي: والحال أني قد أخبرت هذا الخبر عن جهة أبي الأسود.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وبات" حيث استعملها الشاعر تامة، ولم يحتج فيه إلى خبر

(4)

.

‌الشاهد المكمل للمائتين

(5)

،

(6)

أَنْتَ تَكونُ مَاجِدٌ نَبيلٌ

إذَا تَهُبُّ شَمْأَلٌ بَلِيلُ

أقول: قائلته هي أم عقيل بن أبي طالب تقوله وهي ترقصه.

وهو من الرجز المسدس.

قوله: "ماجد" أي: كريم، وكذلك المجيد من مَجُد بالضم، و "النبيل" -بفتح النون وكسر الباء الموحدة؛ من النبل -بضم النون وسكون الباء؛ وهي النبالة، وهي الفضل، ويجمع على نَبَل بفتحتين مثل كريم وَكَرَم

(7)

، وعلى نُبَلَاء مثل شَريفِ

(8)

وشُرَفَاء.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): أنه.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

قال ابن مالك: "وتتم (بات) في قولهم: بات بالقوم أو بات القوم إذا نزل بهم ليلًا، فتستعمل متعدية بالباء وبنفسها". شرح التسهيل لابن مالك (1/ 342).

(5)

ابن الناظم (55)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 306)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 255)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 292).

(6)

بيتان من الرجز المشطور، منسوبان لأم عقيل بنت أبي طالب، وهما في تخليص الشواهد (252)، والخزانة (9/ 225)، والدرر (2/ 78)، وشرح الأشموني (1/ 241)، والتصريح (1/ 191)، والمعجم المفصل (1236).

(7)

جاء في اللسان "نبل" هو نبيل ونبل، والأنثى نبلة، ونبل بالتحريك ونبلة.

(8)

في (أ): كشريف.

ص: 601

قوله: "إذا تهب" بضم الهاء وجوبًا، وهو شاذ قياسًا؛ لأن قياس مضارع فعل المضعف القاصر يفعِل بالكسر نحو: حنّ يحنُّ وأنّ يئن، وهبت الريح هبوبًا وهبيبًا إذا هاجت

(1)

.

قوله: "شمأل" بفتح الشين المعجمة وسكون الميم وفتح الهمزة وفي آخره لام؛ وهي الريح المعروفة، وهي التي تهب من ناحية القطب، وفيه خمس لغات:

إحداها: هذه.

الثانية: شأمل مثل الذي قبله إلا أنه بتقديم الهمزة على الميم وهي مقلوبة من الأولى.

الثالثه: شَمْل بفتح الشين وسكون الميم وباللام.

الرابعة: شَمَل نحوها غير أن الميم فيه متحركة.

والخامسة: شمال بفتح الشين والميم وبالألف واللام، وربما شدد اللام في شمال فحينئذ تكون ست لغات

(2)

، وتجمع على شمالات وشمائل أيضًا على غير قياس كأنه جمع شمالة مثل: حمالة وحمائل

(3)

.

قوله: "بَليل" -بفتح الباء الموحدة وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف؛ فعيل بمعنى مفعولة أي: البلولة بالماء.

الإعراب:

قوله: "أنت": مبتدأ، و "ماجدٌ": خبره، و "نبيل": خبر بعد خبر، قوله:"إذا": ظرف للمستقبل متضمنة معنى الشرط، و "تهب": فعل مضارع، و "شمأل": فاعله، و"بليل": صفة لشمأل.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "تكون" فإنها زائدة، والثابت زيادة "كان" لأنها مبنية لشبه الحرف بخلاف المضارع فإنه معرب لِشَبَه الأسماء، وهذا شاذ على خلاف الأصل

(4)

.

(1)

ينظر أبنية الصرف في كتاب سيبويه (407، 408)، د / خديجة الحديثي.

(2)

ينظر لسان العرب مادة (شمل)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (464).

(3)

قال أبو حيان: "فعائل لفعيلة اسمًا نحو صحيفة وصحائف، وصفة نحو: ظريف وظرائف، والاسم على فعال نحو: شمال وشمائل"، الارتشاف (1/ 210)، واللسان مادة (شمل).

(4)

تختص "كان" بجواز زيادتها بلفظ الماضي، وتنقاس زيادتها بين ما وفعل التعجب، وتزاد متوسطة بين مسند ومسند إليه، وزيادتها بلفظ المضارع شاذ للعلة التي ذكرها العيني ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 360)، وما بعدها، وارتشاف الضرب (2/ 95، 96)، توضيح المقاصد للمرادي (1/ 306).

ص: 602

‌الشاهد الأول بعد المائتين

(1)

،

(2)

جِيَادُ بَنِي أبي بَكْرٍ تَسَامَى

عَلَى كَانَ المُسَوَّمَةِ العِرَابِ

أقول: هذا أنشده الفراء ولم يعزه إلى أحد، ولا يعرف إلا من قبله.

وهو من الوافر.

قوله: "جياد بني أبي بكر"، وفي نسخة ابن الناظم "سراة بني أبي بكر" وهو بفتح السين جمع سرى، وهو عزيز أن يجمع فعيل على فعلة، ولا يعرف غيره، ومعنى سراة بني أبي بكر: خيولهم الجياد، وذلك أن الشاعر يصف خيول هذه القبيلة بأنها سمت وفاقت على الخيول العربية، وجياد جمع جواد وهو الفرس النفيس.

قوله: "تسامى" أصله: تتسامى بتاءين فحذفت إحداهما للتخفيف، وهو من السمو وهو العلو، قوله:"المسومة".

وفي نسخة ابن الناظم: المطهمة الصلابُ، أي: على الخيول المطهمة يقال: فرس مطهم ورجل مُطهم [قال الأصمعي:]

(3)

المطهم: التام كل شيء منه على حده فهو بارع الجمال ووجهه مطهم؛ أي: مجتمع ومدّور. قوله: "الصلاب": جمع صلب وهو القوي الشديد.

و"المسومة": الخيل التي [جعلت]

(4)

عليها علامة وتركت في المرعى، و "العراب": الخيل العربية، قال الجوهري: الإبلُ العِرَابُ والخيل العِرَاب: خلاف البَخَاتيِّ والبَرَاذين

(5)

.

الإعراب:

قوله: "جياد ": مبتدأ أضيف إلى بني أبي بكر، قوله:"تسامى": خبره، قوله:"على كان المسومة": جار ومجرور ["وكان": زائدة، و "العراب" بالجر؛ صفة المسومة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "على كان" فإنها زائدة بين الجار والمجرور]

(6)

، ومعنى الزيادة لا يخل حذفها بالمعنى

(7)

.

(1)

ابن الناظم (55)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 257)، شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 291).

(2)

البيت من بحر الوافر مجهول القائل وهو في: أسرار العربية (136)، والأشباه والنظائر (4/ 303)، وتخليص الشواهد (252)، والخزانة (9/ 207)، والدرر (2/ 79)، ورصف المباني (140)، والتصريح (1/ 192)، وابن يعيش (7/ 98)، واللمع في العربية (122)، والمعجم المفصل (102).

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

الصحاح للجوهري مادة: "عرب".

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(7)

وزيادة كان بين الجار والمجرور شاذ؛ قال أبو حيان: "وسمعت زيادة كان بين على ومجرورها في قوله: =

ص: 603

‌الشاهد الثاني بعد المائتين

(1)

،

(2)

فَكَيْفَ إِذَا مَرَرْتَ بِدَارِ قَوْمٍ

وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامٍ

أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب، وهو من قصيدة يمدح بها هشام بن عبد اللك

(3)

،

وقيل: يمدح بها سليمان بن عبد اللك

(4)

ويهجو جريرًا، والأول أصح، وهي

(5)

:

1 -

هَلْ أَنْتُمُ عالِجُونَ بِنَا لَعَنَّا

نَرىَ العَرَصَاتِ أَوْ أَثَرَ الْخِيَامِ

2 -

فَقَالُوا: إن فعلتَ فَأغْنِ عَنَّا

دُمُوعا غَيْرَ راقئِة السَّجَامِ

3 -

فكيف إذا ..............

.................... إلى آخره

4 -

اُكَفْكِفُ دَمْعةَ الْعَينيِن مِنِّي

وما بَعْدَ المدَامعِ مِنْ مَلَامِ

[وهو من الوافر]

(6)

.

ويروى أنه أنشد سليمان هذه القصيدة فلما بلغ إلى قوله:

1 -

ثَلاثٌ واثْنَتَانِ فَهُنَّ خَمْسٌ

وسَادِسَةٌ تَمِيلُ إلى شَمَامِ

= ....................

على كان المسومة العراب

شذوذًا" ارتشاف الضرب (2/ 96)، وشرح الجمل الكبير لابن عصفور (1/ 409)، والهمع (1/ 120).

(1)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 258)، شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 289).

(2)

البيت من بحر الوافر، وهو ثالث أبيات قصيدة طويلة عدتها خمسة وستون بيتًا للفرزدق يمدح بها هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي، وهي في طبعات الديوان كلها، انظر ط. دار صادر (2/ 290)، ودار الكتاب العربي (2/ 359)، وبشرح علي فاعور (597) والأبيات الثلاثة التي ذكرها العيني في قصة الزنا غير موجودة في الديوان؛ لأن طبعات ديوان الفرزدق الحديثة حذف منها أبيات الهجاء الفاحشة وغيرها، ورواية بيت الشاهد في الديوان كالآتي:

فَكَيفَ إِذَا رأيتَ دِيارَ قَوْمي

وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامٍ

كما أن مطلع القصيدة في الديوان مخالف لما ذكره العيني فهو في الديوان هكذا:

ألستم عائجين بنا لعنا

نرى العرصات .... إلخ

والشاهد المذكور منتشر في كثير من كتب النحو وفيه كلام مطول، انظره في الكتاب (2/ 153)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (693)، والمقتضب (4/ 116)، وأسرار العربية (136)، والأشباه والنظائر (1/ 165)، ومغني اللبيب (1/ 287)، وشرح المقرب لابن عصفور (2/ 885)، تخليص الشواهد (252)، والخزانة 9/ 217)، والتصريح (1/ 192).

(3)

هو هشام بن عبد الملك بن مروان: من ملوك الدولة الأموية بويع بالخلافة (105 هـ)، (ت 125 هـ). ينظر الأعلام (8/ 86).

(4)

هو سليمان بن عبد الملك بن مروان: ولد بدمشق وولي الخلافة (96 هـ)، تولى سنتين وثمانية أشهر (ت 99 هـ). الأعلام (3/ 130).

(5)

الديوان (597)، (بشرح علي فاغور).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 604

2 -

فَبتْنَ بِجَانِبَيَّ مُصَرَّعَاتٍ

وبِتُّ أَفُضُّ أغلاق الخَيَامِ

3 -

كَأَنَّ مَغَالِقَ الرُّمَّانِ فيهِ

وجَمْرَ غَضَي قَعَدْنَ عليه حَامِ

فقال سليمان: قد أقررت عندي بالزِّنَا، وأنا إمام فلا بد من إقامة الحد عليك، فقال له الفرزدق: ومن أين أوجبته علي يا أمير المؤمنين؟ فقال: بقول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]، فقال له الفرزدق: كتاب الله يدرؤه عني بقول الله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 224 - 226]، فأنا قلت ما لم أفعل، فتبسم سليمان وقال: أولى لك.

1 -

قوله: "هل أنتم عالجون بنا" أي: داخلون في عالج، وهو اسم موضع

(1)

، قولمه:"لعنا": لغة في لعلنا

(2)

، و "العرصات": جمع عرصة الدار وهي وسطها.

2 -

قوله: "غير راقئة السجام": من رقأ الدمع يرقأ رَقْأً ورُقوأً إذا سكن وكذلك وأرقأ الله دمعه: سكنه، والسجام: من سجم الدمع سجومًا وسجامًا وانسجم.

4 -

قوله: "أُكَفْكِفُ": من كفكفت عن الأمر وكفكفته بمعنى واحد، و "الملام": اللوم.

الإعراب:

قوله: "فكيف" ويروى: وكيف، وأنشده سيبويه: وكيف إذا رأيت ديار قوم

(3)

، وكلمة "كيف" للاستفهام الغير حقيقي، وقد أخرج مخرج التعجب كما في قوله تعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ} [البقرة: 28]

(4)

، وكلمة "إذا" للظرف، و "مررت": جملة من الفعل والفاعل، والباء: صلتها، "وقوم": مجرور بالإضافة، (وجيران) بالجر عطف على قوم، وقوله:"لنا": جار ومجرور في محل النصب؛ لأنه خبر لكان على تقدير أن لا تكون زائدة، ويقال:"كانوا"

(1)

قال صاحب الخزانة (9/ 222) روى العيني فقط عالجون باللام، وقال: أي: داخلون في عالج وهو اسم موضع، ولم أره لغيره، وليس في الصحاح عالج بمعنى دخل في عالج، ثم رواه: عائجون وقال: إنه جمع عائج اسم فاعل من عجت البعير أعوجه عوجًا إذا عطفت رأسه بالزمام.

(2)

ينظر المفصل بشرح ابن يعيش (8/ 87)، شرح التسهيل لابن مالك (2/ 39).

(3)

قال سيبويه: "وقال الخليل: إن أفضلهم كان زيدًا على إلغاء كان وشبهه بقول الشاعر وهو الفرزدق:

فكيف إذا رأيت ديار قوم

وجيران لنا كانوا كرام"

ينظر الكتاب لسيبويه (2/ 153).

(4)

ينظر روح المعاني في تفسير القرآن العظم والسبع المثاني للعلامة الألوسي (1/ 212، 213)، وقال الزجاجي في حديثه عن كيف:"وتقع بمعنى التعجب؛ كقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: 28] ". حروف المعاني للزجاجي (59).

ص: 605

تامة بمعنى وجدوا، و "لنا": في محل جر نعت للجيران، وقوله:"كرام": بالجر صفة للجيران.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كانوا" فإنهم قالوا: إنها زائدة بين الصفة والموصوف، فإن قيل: ليست كان هاهنا زائدة لوجهين:

أحدهما: أنها مسندة إلى الضمير الذي هو الواو، وذلك يدل على الاهتمام بها، وإلى هذا أشار الشيخ جمال الدين بن هشام بقوله: وليس من زيادتها قوله:

فَكَيْفَ إِذَا مَرَرْتَ بِدَارِ قَوْمٍ

وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامٍ

لرفعها الضمير خلافًا لسيبويه

(1)

.

الثاني: أن "الواو" اسمها، و "لنا": خبرها، والتقدير إذن: وجيران كرام كانوا لنا

(2)

.

قلت: أما الأول: فلا يمنع إسنادها زيادتها بدليل إلغاء ظننت مسندة ومتأخرة ومتوسطة، وقد قيل في قوله ـــــــــ صلى الله عليه وسلم ـــــــــ لعائشة - رضي الله تعالى عنها -

(3)

"كنت لك كأبي زرع لأم زرع": إنّ كنت زائدة، والتقدير: أنا لك كأبي زرع.

والثاني: أن الأصل عدم جواز تقديم الخبر ومنع كون لنا خبرًا مقدمًا.

ثم اعلم أنهم اختلفوا في فاعل الزائدة:

فقال السيرافي: فاعلها مصدر، أي: كان الكون

(4)

.

وقال أبو علي: الزائدة لا فاعل لها؛ فعلى هذا لا يكون "كانوا" ها هنا زائدة

(5)

، ومن قال

(1)

ينظر أوضح المسالك لابن هشام (1/ 258).

(2)

قال ابن هشام في حديثه عن الضمير في "كانوا كرام": وقيل: بل هو معمول لكان بالحقيقة، فقيل: على أنها ناقصة، ولنا: الخبر، المغني (287).

(3)

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه (فتح الباري) كتاب النكاح، باب حسن المعاشرة مع الأهل (9/ 317) برقم (5189) عن عائشة بلفظه، وأخرجه مسلم في صحيحه (شرح النووي) كتاب فضائل الصحابة، باب حديث أم زرع (15/ 547) عن عائشة بلفظه.

(4)

قال أبو حيان: وقال السيرافي: فاعلها ضمير المصدر الدال عليه الفعل كأنه قيل: كان هو أي الكون" ينظر ارتشاف الضرب (3/ 96)، شرح الجمل الكبير لابن عصفور (1/ 409)، والهمع (1/ 120).

(5)

قال السيوطي: "وذهب الفارسي إلى أنها لا فاعل لها؛ لأن الفعل إذا استعمل استعمال ما لا يحتاج إلى فاعل استغني عنه بدليل: أن قلما فعل، ولما استعملته العرب للنفي لم يحتج إلى الفاعل إجراء له مجرى حرف النفي" الهمع (1/ 120، 121) وشرح الجمل الكبير لابن عصفور (1/ 274)، وشرح المغرب (2/ 885)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 294).

ص: 606

بزيادتها قال: التقدير: وجيران لنا هم كرام، فهم: مضمر منفصل مؤكِّد للضمير المستكن في "لنا"، فلما زيدت "كان" وهي فعل وليها المنفصل فاتصل بها.

وقيل: إنما زيدت كان هاهنا مع إمكان جعل "لنا" خبرها، والواو اسمها،؛ لأن الجار والمجرور المتقدم، كما تطلبه كان أن يكون خبرها كذلك [يطلبه]

(1)

جيران أن يكون صفته، والتغليب لجانب المتقدم؛ ألا ترى أن

(2)

قولك: كان زيد قائمًا أبوه، بالنصب فيه على أنه خبر كان لتقدمها عليه أحسن من الرفع على أنه خبر الأب لتأخره عنه فكذا هذا.

‌الشاهد الثالث بعد المائتين

(3)

،

(4)

لَا تَقْرَبَنَّ الدَّهْرَ وَآلَ مُطَرَّفٍ

إِنْ ظَالِمًا أَبَدًا وَإنْ مَظْلُومَا

أقول: قائلته هي ليلى الأخيلية صاحبة توبة بن الحمير، وأبوها الأخيل بن ذي الرحالة بن شداد بن عبادة بن عقيل، وهو من قصيدة ميمية من الكامل وأولها هو قولها:

1 -

يا أيها السَّدِمُ الملَوِّي رَأْسَهُ

لِيقُودَ مِنْ أهْلِ الحِجَازِ بَرِيمًا

2 -

أترومُ عمرَو بن الخليع ودونه

كعب إذًا لوجدته مرؤومَا؟

3 -

إِن الخليعَ ورَهطَهُ في عامِرٍ

كالقلب ألبس جؤجؤًا وحزيمَا

4 -

لا تقربن الدهر ........

...................... إلى آخره

5 -

قومٌ رِباطُ الخيلِ وسْطَ بُيُوتِهم

وأسنهَ زرق يخلن نجومَا

6 -

ومُخَرَّقٍ عَنهُ القَميصُ تَخَالُهُ

بين البيوت من الحياء سقيمَا

7 -

حتَّى إذَا بَرَزَ اللِّواءُ رَأيتَهُ

تَحتَ اللِّواءِ عَلَى الخَميسِ زَعيمَا

1 -

قوله: "السَّدم " بفتح السين وكسر الدال المهملتين وفي آخره ميم؛ وهو الفحل القطم الهائج [والسدم بمعنى]

(5)

النادم أيضًا، ويقال: السادم أيضًا، والسدم: اللهج بالشيء أيضًا والبيت يحتمل هذه الوجوه الثلاثة، قوله:"الملوي رأسه" يعني: من الكِبْرِ والتَّجَبُّر، و "البَرِيمُ" بفتح الباء الموحدة وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف؛ وهو الجيش، وهو في الأصل الحبل

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

في (ب): ألا ترى إلى.

(3)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 260).

(4)

البيت من بحر الكامل، وهو من قصيدة اختلف في قائلها؛ فقيل هي: لليلى الأخيلية وهي في ديوانها (100) ط. دار صادر، وقيل: لحميد بن ثور، وهي -أيضًا- في ديوانه (107)، ووجدت في كتب الأدب منسوبة للشاعرين، وانظر لبيت الشاهد في الكتاب (1/ 261)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 345)، والدرر (2/ 84).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 607

المفتول يكون فيه لونان، وسمي الجيش بذلك لألوان شعار القبائل فيه.

2 -

قوله: "أتروم" أي: أتطلب عمرو بن الخليعِ ودونه كعب؛ يعني: كعب بن ربيعة بن عامر ونهته عن غزوهم على كل حال، و "المرؤوم": من رئمت الناقة ولدها رئمانًا إذا أحبته وحنت عليه

(1)

، ومادته: راء وهمزة وميم.

3 -

و "الجؤجؤ": الصدر، ومنه جؤجؤ الطائر والسفينة وهو صدرهما، ويجمع على جآجئ، و "الحزيم" بفتح الحاء المهملة وكسر الذاي المعجمة وسكون الياء آخر الحروف؛ وهو وسط الصدر [وما]

(2)

يضم عليه الحزام، وكذلك الحيزوم.

4 -

قوله: "لا تقربن" ويروى: لا تغزون الدهر آل مطرف.

5 -

و "أسنَّة": جمع سنان، و "الزرق" -بضم الزاي: جمع أزرق، قوله:"يخلن" أي: يشبهن.

6 -

قوله: "ومخرق عنه القميص" أرادت أنه لا يبالي بحال ثيابه ويصون كرمه، ويقال: إنه غليظ المناكب يسرع الخرق إلى قميصه، وقيل: أرادت أنه متصل الأسفار فقميصه يتخرق عنه لذلك. قوله: "سقيمًا" أي: متغيرًا لونه من شدة الحياء.

7 -

قوله: "حتى إذا برز اللواء" ويروى: حتى إذا رفع اللواء، قوله:"على الخميس" أي: الجيش، سمي الجيش خميسًا؛ لأنه خمس كتائب أو خمسة صفوف: المقدمة والميمنة واليسرة والقلب والجناح، قوله:"زعيمًا" أي: رئيسًا.

الإعراب:

قوله: "لا تقربن": نهي مؤكد بالنون و "الدهر": نصب على الظرف، و "آل مطرف": كلام إضافي مفعول لا تقربن، قوله:"إن ظالمًا" أي: إن كنت ظالمًا وإن كنت مظلومًا، "فإن" حرف الشرط، وفعل الشرط محذوف كما ذكرناه، "ظالمًا": منصوب لأنه خبر كان المقدر، وكذا الكلام في قوله:"وإن مظلومًا"، و "أبدًا": نصب على الظرف.

الاستشهاد فيه:

على حذف كان واسمها بعد إن الشرطية

(3)

.

(1)

في (أ): إليه.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

كثر كلام العرب في حذف كان مع اسمها وبقاء الخبر منصوبًا بعد (إنْ ولو) الشرطيتين كقولهم: المرء مجزي بعمله إن خيرًا فخير وان شرًّا فشر، والتقدير: إن كان عمله خيرًا فجزاؤه خير .. وكقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "التمس ولو =

ص: 608

‌الشاهد الرابع بعد المائتين

(1)

،

(2)

لَا يَأْمَنِ الدَّهْرَ ذُو بَغَيٍ وَلَوْ مَلِكًا

جُنُودُهُ ضَاقَ عَنْهَا السَّهلُ وَالْجبَلُ

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من البسيط.

المعنى: لا يأمن غدرات الزمان صاحب بغي وظلم، ولو كان ملكًا له جنود كثيرة بحيث ضاق عنها السهل والجبل.

الإعراب:

قوله: "لا يأمن": " لا" ناهية، "يأمن" فعل مضارع من أمن أمنًا، وفيه حذف؛ أي: لا يأمن غدرات الدهر، أو مكر الدهر، أو تَقَلُّبَات الدهر ونحو ذلك، و"الدهر": مفعول، أو ظرف، أي: لا يأمن في الدهر الحوادث.

وقوله: "ذو بغي": كلام إضافي فاعل لقوله: "يأمن"، وقوله:"ولو" بمعنى إن، وما قبلها دليل الجواب، و "ملكًا": منصوب على أنه خبر كان المقدر، أي: وإن كان ملكًا.

قوله: "جنوده": مبتدأ، و "ضاق عنها السهل": جملة فعلية خبره و"الجبل": عطف على

السهل، والجملة في محل النصب على أنها صفة لقوله:"ملكًا" وقد تحقق أن الجملة بعد النكرة صفة وبعد المعرفة حال

(3)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولو ملكًا"؛ حيث حذف فيه كان مع اسمها بعد الشرط فافهم

(4)

.

= خاتمًا من حديد، والتقدير: ولو كان الملتمس خاتمًا .... " ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 362) وما بعدها، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 307)، وشرح أبيات المغني للبغدادي (5/ 81).

(1)

ابن الناظم (55)، توضيح المقاصد للمرادي (1/ 309)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 262).

(2)

البيت من بحر البسيط للعين المنقري في الخزانة (1/ 257)، والدرر (2/ 85)، وانظره في تخليص الشواهد (260)، والتصريح (1/ 193)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (658)، وشرح قطر الندى (142)، والمغني (1/ 268)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 365).

(3)

ينظر مغني اللبيب (410، 424).

(4)

ينظر الشاهد رقم (203).

ص: 609

‌الشاهد الخامس بعد المائتين

(1)

،

(2)

مِنْ لَدُ شَوْلًا فَإِلَى إِتْلَائِهَا

.........................

أقول: هذا تقوله العرب فيما بينهم مثل المثل، أنشده سيبويه في كتابه

(3)

.

وهو من الرجز المشطور.

قوله: "من لد" أصله: من لَدُنْ، وقد عرف أن في لدن إحدى عشر لغة: لَدُنْ [بفتح اللام]

(4)

وتثليث الدال وبالنون الساكنة، ولدن بضم اللام وفتحها وسكون الدال وكسر النون، ولَدَى بفتحتين مقصور، ولدْ بتثليث اللام وسكون الدال، [ولَدْنا بفتح اللام وسكون الدال بعدها وبالنون بعدها الألف]

(5)

، ولَدْ بفتح اللام وضم الدال كما في البيت المذكور.

قوله: "شولًا " الشول بفتح الشين المعجمة، وسكون الواو، وفي آخره لام ومادته تدل على الارتفاع، واختلف في المراد به [هنا]

(6)

، فقيل: مصدر شالت الناقة بِذَنبِهَا أي: رفعته للضراب، فهي شائل بغيرها، والجمع: شُوّل مثل: رَاكِعٌ رُكَّع، والتقدير: من لدن شالت شولًا؛ فالبيت من حذف عامل المصدر. وقيل: اسم جمع شائلة على غير القياس

(7)

، وهي الناقة التي جف لبنُهَا، وارتفع ضرعُهَا وأتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية، والتقدير: من لدن كانت شولًا.

فالبيت من حذف كان واسمها وبقاء خبرها، وقد يرجح الأول، فإنه

(8)

يروى: من لدُ شولٍ بالخفض، ويجاب بأن التقدير: من لد شولان شول، أو زمان شول، أو كون شول؛ فحذف المضاف، والتقدير الأخير أولى، ليتحد المعنى في الروايتين، ولكن يحتاج على هذا التقدير إلى الخبر، أي: موجودًا.

فإن قدر الكون مصدر كان التامة لم يحتج إلى ذلك؛ ولكن لا يقع التوفيق بين الروايتين في التقدير

(9)

، وقد يرجح الثاني برواية الجرمي: من لدُ شولا بغير التنوين؛ على أن أصله: شولاء بالمد فقصره للضرورة

(10)

، ولكن هذه الرواية تقتضي أن المحدث عنه ناقة واحدة لا نوق.

(1)

ابن الناظم (55)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 309)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 263)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 295).

(2)

البيت من بحر الرجز المشطور، غير معلوم قائله، وهو في الأشباه والنظائر (2/ 361)، وتخليص الشواهد (260)، والخزانة (4/ 24)، والدرر (872)، وسر صناعة الإعراب (546)، وابن يعيش (4/ 101)، والمغني (422).

(3)

الكتاب لسيبويه (1/ 264).

(4)

و

(5)

و

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(7)

ينظر اللسان مادة: (شول).

(8)

في (أ): بأنه.

(9)

اللسان مادة: (شول)، وشرح أبيات المغني للبغدادي (288)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (837).

(10)

أجمع الصرفيون على جواز قصر الممدود للضرورة. ينظر: المنقوص والممدود للفراء (28)، وأوضح المسالك =

ص: 610

قوله: "إتلائها" بكسر الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق: من أتلت الناقة إذا تلاها ولدها، أي: تبعها فهي متلية والولد تلوٌ، والأنثى تلوة، والجمع: أتلاء بفتح الهمزة.

الإعراب:

قوله: "من لد شولًا" أي: من لد أن كانت شولًا؛ قال سيبويه

(1)

: نصب "شولًا"؛ لأنه أراد زمانًا، والشوْلُ لا يكون زمانًا ولا مكانًا، فيجوز فيه الجرُّ، كقولك: من لَدُ صلاةِ العصرِ إلى وقتِ كذا، وكقولك: مِنْ لَدُ الحائطِ إلى مكانِ كذا؛ فَلمَّا أرادَ الزمانَ حمَلَ الشوْلَ على شيءٍ يَحسنُ أن يكونَ زمانًا إذا عَمِلَ في الشَّوْل، ولم يحسُنْ إلا ذا، كما لم يحسن ابتداءُ الأسماءِ بعد "إنْ" حتى أضمرتَ ما يَحْسُنُ أنْ يكون بعدها عاملًا في الأسم فكذلك هذا؛ كأنك قلت: من لَدُ أَنْ كانَتْ شولًا فإلى إتلائها، وقد جره قومٌ على سعة الكلام وجعلوه بمنزلة المصدر حين جعلوه على الحين، وإنما يريدُ حين كَذَا وكذا، وإن لم يكن في قوة المصادر؛ لأنه لا يتصرف تصرفها

(2)

.

قلت: قد اعترض في ذلك على سيبويه بأنه يلزم من ذلك إضمار بعض الاسم؛ يعني حذف الموصول وصلته، وبقاء معمولها من غير ضرورة. وأجيب بأنه تقدير معنى لا إعراب فافهم.

ويقال: من روى: من لد شولِ -بالجر فتقديره: من لد كون شول مثل: {وَسْئلِ القَرْيَةَ} [يوسف: 82]

(3)

، ومن روى: من لد شولًا- بالنصب فمعناه: من لد كانت شولًا، وتقديره: من لد زمن كونها شولًا؛ لأن لد يكون بعدها أسماء الزمان

(4)

.

وزعم بعضهم أن انتصاب "شولًا" بعد لدن على التمييز، أو التشبيه بالمفعول به كانتصاب غدوة بعدها في قولهم: لدن غدوة، وأنه لا تقدير في البيت

(5)

.

وهذا مردود باتفاقهم على اختصاص هذا الحكم بغدوة؛ لأنه لم يسمع غدوة مع حذف النون بل مع ثبوتها

(6)

.

= (4/ 296)، والتصريح (2/ 293)، وشرح الأشموني (4/ 109)، وشرح أبيات المغني للبغدادي (6/ 288)، وبين ابن عصفور وابن هشام في النحو والصرف ماجستير بجامعة الأزهر، إعداد / عبد العزيز فاخر (1995 م).

(1)

انظر الكتاب (1/ 265).

(2)

الكتاب لسيبويه (1/ 165)، وهو نهاية النقل بالنص.

(3)

أي: ففيه حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وقد يأخذ جميع أحكامه رفعًا ونصبًا وجرًّا. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 265).

(4)

قال ابن هشام "فأما لدن: فهي اسم لمبدأ لغاية زمانية كانت أو مكانية"، المغني (421)، شرح التسهيل لابن مالك (3/ 259).

(5)

ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (837).

(6)

هذا النص وضحه السيوطي فقال: "ورد باختصاص هذا الحكم بغدوة اتفاقًا وبلدن الثابتة النون إذا لم يسمع نصب غدوة بعد لد" ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (837).

ص: 611

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من لد شولًا" لأن كان فيه مقدرة، وحذف كان بعد لدن قليل؛ لأن كان تحذف كثيرًا بعد إن ولو، وحذفهما بعد غيرهما قليل فافهم

(1)

.

‌الشاهد السادس بعد المائتين

(2)

،

(3)

أَبَا خُرَاشَةَ أَمَّا أَنْتَ ذَا نَفَرٍ

فَإنَّ قَوْمِي لَمْ تَأكُلُهُمُ الضَّبُعُ

أقول: قائله هو العباس بن مرادس بن عامر بن حارثة بن عبد عبس بن رفاعة بن الحرث بن حيي بن الحرث بن بهينة بن سليم بن منصور السلمي، أسلم قبل فتح مكة بيسير، وكان من المؤلفة قلوبهم، وممن حسن إسلامه منهم، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة راكب من قومه، فأسلموا، وأسلم قومه، وكان ينزل بالبداية بالبصرة.

وقيل: إنه قدم من دمشق وابْتَنَى بها دارًا، يخاطب العباس بهذا خفاف بن ندبة وهو أبو خراشة، وبعده

(4)

:

السلمُ تَأخذُ مِنهَا مَا رَضِيتْ

بِهِ والحَرْبُ يَكفِيكَ منْ أنفاسِهَا جُرَعُ

وهما من البسيط.

قوله: "أبا خراشة" بضم الخاء المعجمة وتخفيف الراء وبعد الألف شين معجمة، واسمه خفاف بن ندبة -بالنون في أوله، وهي أمه، وهي ندبة بنت إبان بن السيطان [من بني الحرث بن كعب، وأبوه عمير، وهو ابن عم صخر والخنساء ومعاوية أولاد عمرو]

(5)

بن الحرث بن السريد، وخفاف هذا شاعر مشهور بالشعر، وكان أسود حالكًا، وهو أحد أغربة العرب،

(1)

قال ابن مالك في حديثه عن كان: "وربما أضمرت الناقصة بعد (لدن) وشبهها، ثم ذكر بيت الشاهد. شرح التسهيل لابن مالك (1/ 363) وما بعدها، وقال المرادي: " وقل حذفها مع غير (إن)، و (لو) ثم ذكر البيت.

توضيح المقاصد (1/ 309).

(2)

ابن الناظم (56)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 265)، شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 297).

(3)

البيت من بحر البسيط، وهو بيت مفرد منسوب للعباس بن مرداس (ديوانه (128) بتحقيق الجبوري) والبيت المذكور بعد ذلك بأسطر ليس بعده في الديوان كما ذكر العيني، وإنما هو في مكان آخر في الديوان (ص 860)، وانظر ما كتبناه من هذا الشاهد في كتابنا: تغيير النحويين للشواهد (110)، والبيت في الكتاب لسيبويه (1/ 293)، والمغني (1/ 35)، والمنصف (3/ 116)، والأشباه والنظائر (2/ 113)، والخزانة (4/ 13)، والدرر (2/ 91)، وشرح شذور الذهب (242)، شرح شواهد المغني للسيوطي (116)، والخصائص (2/ 38)، ابن يعيش (2/ 99)، وديوان جرير (1/ 297).

(4)

ديوان العباس بن مرداس (86).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 612

وهو ممن ثبت على إسلامه في الردة، وهو أحد فرسان قيس وشعرائها.

قال الأصمعي: شهد خفاف حنينًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال غيره: شهد الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه لواء بني سليم وشهد حنينًا والطائف - رضي الله تعالى عنه -

(1)

.

قوله: "ذا نفرٍ" أي: ذا قوم وجماعات، والنفر في الأصل: اسم لما دون العشرة، قاله في الكشاف عند تفسير قوله تعالى:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} [الأحقاف: 29] ويجمع على أنفار، والتنكير فيه للتكثير

(2)

.

قوله: "الضبع" بفتح الضاد المعجمة وضم الباء الموحدة، وأراد به السنة المجدبة، واستشهد به أبو علي في الإيضاح على أن الضبع هنا اسم للسنة المجدبة

(3)

.

قال أبو حنيفة [رضي الله عنه]

(4)

: كذا قال الأصمعي فيه، وقيل: هو على التشبيه، وكذا قال الجاحظ: إنه على التشبيه وجعل نقص الجدب والأزمة أكلًا

(5)

.

والمعنى: يا أبا خراشة إن كنت كثير القوم عزيزًا فإن قومي موفورون لم تأكلهم السنة المجدبة من القلة والضعف، قوله:"السلم" -بكسر السين: الصلح، والجرع -بضم الجيم: جمع جرْعة

(6)

.

الإعراب:

قوله: "أبا خراشة": منادى مضاف، وحرف النداء محذوف تقديره: يا أبا خراشة، قوله:"أما أنت": بفتح همزة أما، وليست هي أما التي في قولك: أما بعد، بل هي كلمتان باتفاق، الثانية منهما عوض عن كان محذوفة، وأصله:"لأن كنت" فحذفت اللام من "لأن" تَنَاسُبا فبقي: "أن كنت"، ثم حذفت كان لكثرة الاستعمال، ثم جيء بالضمير المنفصل خلفًا عن المتصل، ثم عوضت عن كان ما الزائدة قبل الضمير، والتزم حذفها لئلا يجتمع العوض والمعوض منه، ثم أدغم نونها في الميم، فصار: أما أنت

(7)

، ويقال: هي كلمتان، الثانية عوض عن كان

(1)

ينظر الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني (4/ 31).

(2)

الكشاف للزمخشري (3/ 526)، ط. دار الفكر.

(3)

البيت ليس في الإيضاح كما ذكر العيني، وإنما هو في كتب أخرى لأبي علي الفارسي، فهو في البغداديات للشاهد الذي هنا، وهو تعويض ما عن كان (304) وفي شرح الأبيات المشكلة الإعراب لحذف الفعل والتعويض عنه (71).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ينظر كتاب الحيوان للجاحظ (2/ 514).

(6)

في (أ): والجزع بالضم جمع جزعة.

(7)

قال ابن مالك بعد أن ذكر البيت: "أراد: لأن كنت، فحذف اللام فبقي (أن كنت) ثم حذف (كان) وجاء بالمنفصل خلفًا عن المتصل وبـ (ما) قبله عوضًا عن كان فالتزم حذفها لئلا يجتمع بين العوض والمعوض عنه" شرح التسهيل لابن مالك (1/ 365).

ص: 613

محذوفة، والأولى أن المصدرية عند البصريين والشرطية عند الكوفيين، زعموا أن "أن" المفتوحة قد يجازى بها

(1)

.

ويؤيده أمور منها: أن ابن دريد روى في جمهرته: إما كِنت بالكسر

(2)

، وبذكر كان؛ فعلى هذا إما لتاكيد الشرط مثلها في:{فَإِمَّا تَرَيِنَّ} [مريم: 26].

ومنها: مجيء الفاء بعدها واستغناء الكلام عن تقدير، وعلى قول البصريين

(3)

، فالأصل: لأن كنت ذا نفر فَخَرْتَ، فَحُذِفَتْ همزةُ الإنكار ولام التعليل، ومتعلق اللام، وهو فخرت إذ لا يتعلق بما بعد الفاء؛ لأن المعنى يأبى ذلك، والفاء على هذا قيل: زائدة

(4)

، والصواب أنها رابطة لما بعدها بالأمر المستفاد من السابق؛ أي: تنبه فإن قومي

(5)

.

وقال ابن يعسون

(6)

: أما هاهنا مركبة من أن وما التي تدخل للتأكيد، وقال أبو علي وأبو الفتح:"ما" في "أما" هي [الرافعة]

(7)

الناصبة؛ لأنها عاقبت [لفعل الرافع الناصب؛ يعني: أن كان، فعملت عمله في الرفع والنصب

(8)

.

قوله: "ذا نفر" منصوب لأنه]

(9)

خبر كان، قوله:"فإن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل وقوله: "قومي": اسمه، وقوله:"لم تأكلهم الضبع": خبره، والضبع: فاعل لم تأكلهم، ويروى: فإن قومك، وهذا وهمٌ لا يساعد المعنى الذي أراده العباس فافهم.

(1)

قال الرماني في حديثه عن (أنْ): "وزعم الكوفيون أنها تكون بمعنى (إذا) قالوا ذلك في قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس: 1، 2] زعموا أن معناه: إذا جاءه الأعمى". معاني الحروف (73).

(2)

جمهرة اللغة لابن دريد (1/ 302).

(3)

ينظر مغني اللبيب (35).

(4)

أشار الرماني إلى أن الفاء تأتي زائدة كقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ

فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} [الجمعة: 8]. ينظر معاني الحروف (46).

(5)

ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (116، 117).

(6)

هو أبو الحجاج يوسف بن يبقى، مات في حدود (540 هـ)، ألف المصباح في شرح ما أعتم من شواهد الإيضاح. البغية (2/ 363).

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

قال ابن جني "فإن قلت: بم ارتفع وانتصب (أنت منطلقًا) قيل: بـ (ما) لأنها عاقبت الفعل الرافع الناصب فعملت عمله من الرفع والنصب، وهذه طريقة أبي علي وجلة أصحابنا من قبله في أن الشيء إذا عاقب الشيء ولي من الأمر ما كان المحذوف يليه"، الخصائص (2/ 381).

(9)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 614

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أما أنت" فإنه حذف فيه كان بعد أن الناصبة للفعل كما قررناه

(1)

.

‌الشاهد السابع بعد المائتين

(2)

،

(3)

أَزْمَانَ قَوْمِي وَالْجَمَاعَةُ كَالَّذِي

لَزِمَ الرِّحَالةَ أَنْ تَمِيلَ مَمِيلَا

أقول: قائله هو الراعي، واسمه: عبيد بنُ حصين بنُ معاويةَ بنُ جندل بنُ قطن بن رَبيعةَ بنُ عبد الله بن الحرث بنُ نُمَيرٍ بنُ عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن مكرمة بن خصفة بن قيس بن غيلان بن مضر بن نزار.

ويكنى: أبا جندل، والراعي لقب غلب عليه لكثرة وصفه للإبل، وجودة نعته إياها.

وهو شاعر فحل من شعراء الإسلام

(4)

، وكان مقدمًا مفضلًا حتى اعْتَنَّ

(5)

بين جرير والفرزدق، فاسْتَكَفَّهُ جريرُ، فأبى أن يكف فهجاه ففضحه.

والبيت المذكور من الكامل.

قوله: "الرحالة" بكسر الراء وتخفيف الحاء المهملة، وهو سراج من جلود ليس فيه خشب كانوا يتخذونه للركض الشديد، قال أبو عبيدة: عَنَى الرَّاعِي بالرحالةَ هاهنا رحالة النساء لما عليها من الأدم الخمر، فشبه ما عليه من الدماء في حمرته بما على تلك الرحالة

(6)

، قوله:"مميلًا" بفتح الميم الأولى وكسر الثانية؛ وهو مصدر مال الشيء يميل ممالًا ومميلًا؛ مثل معاب ومعيب في الاسم والمصدر

(7)

.

(1)

تحذف كان وتظل عاملة ويبقى اسمها وخبرها ويعوض عنها (ما) بعد (أنْ) قال ابن مالك: "والتزم حذفها معوضًا عنها (ما) بعد (أنْ) كثيرًا وبعد (إن) قليلًا". ينظر التسهيل (56)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 363)، توضيح المقاصد للمرادي (1/ 310، 311).

(2)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 266).

(3)

البيت من بحر الكامل من قصيدة طويلة للراعي النميري يمدح بها عبد الملك بن مروان (جمهرة أشعار العرب (331) دار صادر)، وديوان الراعي (59) تحقيق: فوزي حمودي، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (3/ 145)، والدرر (2/ 89)، والتصريح (1/ 195)، والكتاب (1/ 305) وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ (405)، والمقرب (1/ 140)، والهمع (1/ 122) والمعجم المفصل (669).

(4)

طبقات فحول الشعراء لابن سلام (298).

(5)

في اللسان: "عن واعتن": اعترض، والاعتنان: الاعتراض" مادة: عنن.

(6)

ينظر اللسان مادة: (رحل).

(7)

اللسان مادة: (ميل).

ص: 615

الإعراب:

قوله: "أزمان قومي" قال سيبويه تقديره: أزمان كان قومي

(1)

، وقال ابن عصفور: وإنما حمل على إضمار كان ولم يحمل على تقدير حذف مصدر مضاف إلى قومي، فيكون التقدير: أزمان كون قومي والجماعة؛ لأن المصدر المقدر بأن والفعل من قبيل الموصولات، وحذف الموصول وإبقاء شيء من صلته لا يجوز

(2)

.

فإن قلتَ: ما الدليل على أن قومي من قوله: "أزمان قومي" محمول على فعل مضمر؟ قلتُ: لأنه ليس من قبيل المصادر، وأسماء الزمان لا يضاف شيء منها إلا إلى مصدر أو جملة تكون في معناه، تقول: هذا يوم قدوم زيد ورحيل عمرو، ولا يجوز أن يقال: هذا يوم زيد ولا هذا يوم الفرس.

فإن قلتَ: قد قيل يوم الجمل، ويوم حليمة.

قلتُ: التقدير: يوم حرب الجمل ويوم حرب حليمة

(3)

.

قوله: "والجماعة" بالنصب لأن الواو فيه بمعنى مع؛ أي: مع الجماعة، انتصب بكان الرافعة قومي، وذكر في كتاب التنبيه على ما يشكل على كتاب سيبويه

(4)

: ويجوز رفع "أزمان" على أنه خبر مبتدأ محذوف دون إظهار كان، والواو: واو مع أيضًا؛ فتكون إضافة "أزمان" إلى الجملة الاسمية على هذا، ثم قال: والأول أحسن وأكثر، وأشار إلى الوجه الأول وهو نصب "أزمان"، وتقدير الجملة الفعلية بعده على ما ذكره سيبويه

(5)

.

قوله: "كالذي": صفة موصوفها محذوف تقديره: كالرَّكْبِ الذي لزم الرحالة فقوله: "لَزِمَ الرِّحَالةَ": جملة وقعت صلة الموصول، قوله:"أن تميل"[أي: بأن تميل]

(6)

، والباء للسببية، وأن مصدرية، تقديره

(7)

: بسبب ميلها، أي: ميل الرَّحَالة، قوله:"مَمِيلًا": نصب على المصدرية بمعنى "ميلًا".

(1)

قال سيبويه بعد أن ذكر البيت: كأنه قال: أزمان كان قومي والجماعة. الكتاب (1/ 305).

(2)

أنشد ابن عصفور البيت في المقرب في باب المفعول معه ثم قال بعده: "فإنما نصب الجماعة؛ لأن قومي محمول على إضمار فعل؛ فكأنه قال: أزمان كان قومي والجماعة؛ ألا ترى أن المعنى على ذلك". شرح المقرب، د. علي فاخر (2/ 700).

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 252) وما بعدها، توضيح المقاصد للمرادي (2/ 264) وما بعدها، والخزانة (3/ 146).

(4)

قد يكون لابن جني (ت 392) أو لأبي إسحاق الجرمي (ت 225). ينظر كشف الظنون (1/ 493).

(5)

ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 305).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(7)

في (أ): وتقديره.

ص: 616

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أزمان قومي" حيث حذف فيه كان، وليست هي بعد أن المصدرية، وحذفها [إنما كثر]

(1)

بعد أن المصدرية وبدونها قليل

(2)

.

‌الشاهد الثامن بعد المائتين

(3)

،

(4)

فَإِنْ لَمْ تَكُ المِرْآةُ أَبْدَتْ وَسَامَةً

فَقَدْ أَبْدَت المِرْآةُ جَبْهَةَ ضَيْغَمِ

أقول: قائله هو الخنجر بن صخر الأسدي

(5)

.

وهو من الطويل.

قوله: "المرآة" بكسر الميم؛ وهي آلة مشهورة، قوله:"وسامة" بفتح الواو وتخفيف السين المهملة؛ وهو الحسن والجمال، من وسُم -بضم السين وسامة ووسامًا.

قوله: "أبدت" أي: أظهرت، من الإبداء، قوله:"ضيغم" بفتح الضاد المعجمة، وسكون الياء آخر الحروف، وفتح الغين المعجمة، وفي آخره ميم، وهو الأسد وأصله من الضَّغْمِ وهو العَضُّ، والياء فيه زائدة، وكان هذا الشاعر نظر [إلى]

(6)

وجهه في المرآة فلم يره حسن الشكل فَتَسَلَّى بأنَّه يشبه الأسد.

الإعراب:

وقوله: "فإن": حرف شرط، وقوله:"لم تك المرآة": فعل الشرط، وقوله:"فَقَدْ أَبْدَتْ": جواب الشرط، وأصل"تك": تكن فحذفت النون تخفيفًا

(7)

.

وقوله: "المرآة": اسم تكن، وقوله:"أبدت": خبره، قوله:"وسامة": مفعول لقوله أبدت، وقوله:"جبهة ضيغم": كلام إضافي مفعول لأبدت الثاني.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر الشاهد رقم (206).

(3)

ابن الناظم (56)، توضيح المقاصد للمرادي (1/ 311)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 269).

(4)

البيت من بحر الطويل، وقائله كما ذكر في الشرح، وانظره في الخزانة (9/ 304)، والدرر (2/ 96)، وسر صناعة الإعراب (542)، والتصريح (1/ 96)، واللسان:(كون)، وفي تخليص الشواهد (268)، وشرح الأشموني (1/ 245)، والمعجم المفصل (937).

(5)

لم نجد له ترجمة في تراجم الشعراء وموسوعاتهم، والبيت وقائله في اللسان:"كون"؛ بزنة الفعلل بفتح الأول والثالث.

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(7)

ينظر شفاء العليل في إيضاح التسهيل للسلسيلي (1/ 326)، والكافية الشافية لابن مالك (1/ 423).

ص: 617

الاستشهاد فيه:

على حذف نون تكن في قوله: "لم تك" مع وقوع الفعل قبل الساكن، روي ذلك عن يونس والكوفيين

(1)

.

‌الشاهد التاسع بعد المائتين

(2)

،

(3)

وَأَبْرَحُ مَا أَدَامَ اللهُ قَوْمِي

بحَمْد الله مُنْتَطِقًا مُجِيدَا

أقول: قائله هو خداش بن زهير بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن الشاعر المشهور

(4)

.

وهي من الوافر.

قوله: "وأبرح" أي: لا أبرح، قوله:"منتطقًا" أي: صاحب نطاق، يقال: جاء فلان منتطقًا فرسه إذا جانبه ولم يركبه، وقال ابن فارس: فأما قوله:

وَأَبْرَحُ مَا أَدَامَ اللَّهُ قَوْمِي

عَلَى الأَعْدَاءِ مُنْتَطِقًا مُجِيدَا

فقال قومه: أراد به هذا، وأنه لا يزال يَجْنُبُ فرسًا جوادًا، ويقال: منتطق: قائل قولًا لا يستجاد في الثناء على قومي

(5)

، وقوله:"مُجيدًا " بضم الميم، يُنزَّل على المعنييِن المذكورين.

الإعراب:

قوله: "أبرح": من الأفعال الناقصة، واسمه مستتر فيه، وخبره قوله:"منتطقًا"، وقوله:"مجيدًا": خبر بعد خبر، قوله:"ما أدام الله قومي": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وكلمة

(1)

ذهب الجمهور إلى أن النون من مضارع (كان) لا تحذف إذا وليها ساكن، وإن حذفت يكن الحذف ضرورة، أما يونس فأجاز الحذف وإن وليها ساكن". ينظر شفاء العليل في إيضاح التسهيل للسلسيلي (1/ 326)، شرح التسهيل لابن مالك (1/ 366)، والكافية الشافية (1/ 423)، وشرح الكافية للرضي (2/ 300) وما بعدها، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 269، 270)، والتصريح (1/ 196).

(2)

شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 264).

(3)

البيت من بحر الوافر، وهو في الفخر في مراجعه لخداش بن زهير، وهو في اللسان مادة:"نطق" وفي تذكرة النجاة (619)، الخزانة (9/ 243)، والدرر (2/ 46)، والمقرب (1/ 94)، والهمع (1/ 111).

(4)

خداش: بكسر الخاء وتشديد الدال؛ شاعر جاهلي من الشعراء المجيدين، فضله النقاد على لبيد، تميز شعره بالهجاء والوصف والفخر. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (430).

(5)

قال ابن فارس بعد أن ذكر البيت: "فقد قال قوم: أراد به هذا وأنه لا يزال يجنب فرسًا جوادًا، ويقال: هو من باب الأول، أي: منتطق قائل منطقًا في الثناء على قومي". مقاييس اللغة (نطق).

ص: 618

"ما" للمدة، والمْعنَى: مدة إدامة الله لقومي.

قوله: "بحمد الله": يتعلق بمحذوف، أي: أحمد على ذلك بحمد الله، ويجوز أن يتعلق بأبرح.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وأبرح" حيث حذف منه كلمة "لا"، فإن "لا" لا تحذف في برح إلا بعد القسم، وهاهنا ليس كذلك، وإنما حذف شذوذًا

(1)

.

وقال ابن عصفور: هذا البيت فيه خلاف بين النحويين، فمنهم من قال: إن أداة النفي مرادة، فكأنه قال: ولا أبرح ما أدام الله قومي منتطقًا مجيدًا، [ومنهم من قال: إن أبرح غير منفي لا في اللفظ ولا في التقدير، والمعنى عنده: أزول بحمد الله عن أن أكون منتطقًا مجيدًا]

(2)

، أي: صاحب نطاق وجواد ما أدام الله قومي؛ لأنهم يكفونني

(3)

، فعلى هذا لا استشهاد فيه.

‌الشاهد العاشر بعد المائتين

(4)

،

(5)

قَدْ قِيلَ مَا قِيلَ إِنْ صِدْقًا وَإنْ كَذِبًا

فَمَا اعْتِذَارُكَ مِنْ قَوْلٍ إِذَا قِيلا

أقول: قائله هو النعمان بن المنذر بن ماء السماء

(6)

، وكنيته: أبو قابوس، وهو الذي تنصر وملك أرض الحيرة اثنتين وعشرين سنة، وقتله كسرى أبروين، وكانت أم المنذر يقال لها: ماء السماء لحسنها، واشتهر المنذر بأمه فقيل: ابن ماء السماء، واسمها: مارية بنت غوث بن جشم.

(1)

اشترط النحاة لعمل ما زال وأخواتها عمل كان: سبقها بنفي أو شبهه موجودًا كان أو مقدرًا، ولا يحذف حرف النفي إلا بعد القسم، فإن ورد الحذف بدون القسم كان شاذًا.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

قال ابن عصفور في المقرب: "وقد استعملت: برح ناقصة بغير أداة لا في اللفظ ولا في التقدير، وذلك قليل جدًّا، ثم أنشد بيت الشاهد، شرح المقرب (1/ 916)، وذكر في شرح الجمل أن برح الغالب عليها أن تستعمل بمعنى لا يزال، وقد تستعمل بغير أداة نفي لا ملفوظة ولا مقدرة، وذلك قليل جدًّا. شرح الجمل (1/ 372) وهما الوجهان اللذان ذكرهما العيني (ناقصة وتامة).

(4)

شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 294).

(5)

البيت من مقطوعة من بحر البسيط، قائلها أبو قابوس لنعمان بن المنذر صاحب النابغة الذبياني وصاحب اعتذارياته، وانظر المقطوعة وبيت الشاهد في الكتاب (1/ 260)، وابن يعيش (2/ 97)، والمغني (1/ 61)، والأغاني (15/ 295)، الخزانة (4/ 10)، والدرر (2/ 82)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 352)، شرح شواهد المغني للسيوطي (188).

(6)

في المعجم المفصل (665).

ص: 619

وهو من قصيدة لامية من البسيط وأولها هو قوله

(1)

:

ا - شَرِّدْ بِرَحْلِكَ عَنِّي حَيْثُ شِئْتَ وَلَا

تُكْثِرْ عَلَيَّ وَدَعْ عَنْكَ الأَقَاويلا

2 -

فَقَدْ رُمِيتَ بِدَاءٍ لَسْتَ غَاسِلَهُ

مَا جَاوَرَ السّيْلُ أَهْلَ الشَّامِ والنِّيلا

3 -

فَمَا انْتِفاؤُكَ مِنْهُ بَعْدَ مَا قَطَعَتْ

هُوجُ المطِيِّ بِهِ أَكَنَافَ شِمْلِيلا

4 -

قد قيل ..............

...................... إلى آخره

5 -

فالْحَقْ بِحَيثُ رَأيْتَ الأَرْضَ وَاسِعَةً

وَانْشُرْ بِهَا الطَّرْفَ إِنْ عَرْضا وَإنْ طُولا

وقصة ذلك أن بني جعفر بنِ كِلاب قد وفدوا على النعمان، ورئيسهُم يومئذ أبو [براء]

(2)

عامر بن مالك ملاعب الأسنة عم لبيد بن ربيعة بن مالك، فلم يلتفت إليهم النعمان، وأراهم جفوة، وقد كان يقربهم ويكرمهم، وكان الربيع بن زياد العبسي جليسَه وسميرَه، فاتهموه بالسعي [عليهم عند]

(3)

النعمان وتفاوضوا، وكان بنو جعفر له أعداء، وكان لبيد غلامًا من جملتهم يتخلف في رحالهم ويحفظ متاعهم فأتاهم وهم يتذاكرون أمر الربيع، فسألهم فكتموه.

فقال: واللَّه لا أحفظ لكم متاعًا أو تخبروني

(4)

، وكانت أم لبيد تامر بنت زنباع القيسية، وكانت في حجر الربيع بن زياد، فقالوا له: دخلنا على الملك وصَدَّ عَنَّا بوجْهِهِ، فقال لهم: هل تقدرون أن تجمعوا بيني وبينه فأزجره بكلام لا يلتفت إليه النعمان بعد ذلك أبدًا؟ فقالوا: هل عندك من شيء؟ قال: نعم، فكسوه حلة وعدوا على النعمان فوجدوه يتغدى مع الربيع بن زياد ليس معهما ثالث، والدار والمجالس مملوءة من الوجوه، فلما فرغ من غدائه أذن للجعفريين فذكروا الذي قدموا له من حاجتهم فاعترض الربيع في كلامهم فقال لبيد

(5)

:

1 -

يَا وَاهِبَ الْخَيْرِ الجَزيلِ مِنْ سَعَهْ

نَحْنُ بَنُو أمِّ البَنِيَن الأَرْبَعَهْ

2 -

سُيُوفُ جِنٍّ وجِفَانٌ مُتْرَعَهْ

وَنَحْنُ خَيرُ عَامِرِ بنِ صَعْصَعَهْ

3 -

المُطْعِمُونَ الجفنَةَ المدُعْدَعَهْ

الضَّارِبُونَ الهامَ وَسْطَ الخَيضَعَهْ

4 -

إِلَيْكَ جَاوَزْنَا بِلَادًا مَسْبَعَهْ

نُخْبِر عَنْ هَذَا خَبِيرًا فَاسْمَعَهْ

5 -

مَهْلًا أَبَيْتَ اللَّعْنَ لَا تَأكُلْ مَعَهْ

إِن اسْتَهُ مِنْ بَرَصٍ مُلَمَّعَهْ

(1)

ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (189)، وخزانة الأدب (4/ 10)، وشرح أبيات سيبويه (329) د. محمد هاشم.

(2)

و

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

في (أ): تخبرونني.

(5)

الأبيات من بحر الرجز المشطور، من قصيدة طويلة في ديوان لبيد (92)، دار صادر، وهي في شرح شواهد المغني للسيوطي (188)، وخزانة الأدب (4/ 12).

ص: 620

6 -

وَإِنَّهُ يُولِجُ فِيهَا إصْبَعَهْ

يُولِجُهَا حَتَّى يُوَارِى أَشْجَعَهْ

7 -

كَأنما يَطْلُبُ شَيئا أَوْدَعَهْ

...........................

فالتفت النعمان إلى الربيع وقال: أذاك أنت يا ربيع؟ قال: لا، والله لقد كذب ابن الأحمق اللئيم، فقال النعمان: أف لهذا الطعام، لقد خَبُثت عَلَيَّ نفسي، وقام الربيع وانصرف إلى منزله، وأمر له النعمان بضعف ما كان يُجِيزُهُ به، وأمره بالانصراف فلحق بأهله، وأرسل إلى النعمان بأبيات منها

(1)

:

1 -

لئن رحِلْتُ جِمَالِي لَا إِلَى سعَةٍ

ما مِثْلُهَا سعَةٌ عَرْضا وَلَا طُولا

2 -

بِحَيْثُ لَوْ وُزِنَتْ لَخْمٌ بأَجْمَعِهَا

لم يَعدِلوا ريشةً من رِيشِ شَمْويلا

3 -

تَرْعَى الرَّوَائِمَ أَحْرَارَ البُقُولِ بِهَا

لا مثلَ رَعْيِكُمُو مِلْحًا وَغِسْويلَا

4 -

فابرق بأرضِكَ بَعْدِي واخْلِ متكئًا

مع النطاسي طَوْرًا وابن تَنْويلا

فأجابه النعمان بقوله:

شرد برحلك عني حيث شئت ولا

................................

إلى آخر الأبيات التي ذكرناها آنفًا.

1 -

قوله: "شرد": من التشريد، وهو الطرد؛ قال تعالى:{فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: 57]، أي: فرق بهم وبدد جمعهم، و "الأقاويل": جمع أقوال، وهو جمع قول.

3 -

قوله

(2)

: "هوج المطي به" الهوج بضم الهاء وسكون الواو وفي آخره جيم، وهو جمع هَوْجَاء وهي الناقة التي بها عُوج لسرعتها، و"شمليلا" بكسر الشين المعجمة وسكون الميم وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف، وهي الناقة الخفيفة، وكذا الشملال، والشِّمِّلة بكسر الشين وتشديد الميم.

2 -

قوله

(3)

: "جفان مترعة" أي: ممتلئة، من أتْرَعْتُ الإناء إذا ملأتها.

3 -

قوله: "مدعدعة" أي: مملوءة، و "الهام": جمع هامة وهي الرأس، و "الخيضعة" بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف، وفتح الضاد المعجمة، والعين المهملة، وهي صوت القتال والسلاح، ويروى: تحت الخيضعة موضع وسط الخيضعة، وحكى أبو عبيد عن

(1)

الأبيات من البسيط وتوجد في شرح شواهد المغني للسيوطي (188، 189)، وانظرها مسندة إلى الربيع في اللسان:"سمل" وفي الخزانة (4/ 12)، قال صاحب اللسان: قال الربيع بن زياد الكامل أحد أخوال لبيد بن ربيعة ..

(2)

أول شرح أبيات النعمان: شرد برحلك

(3)

أول شرح أبيات لبيد: يا واهب الخير الجزيل .........

ص: 621

الفراء أن الخيضعة هي البيضة

(1)

.

4 -

قوله: "مسبعة": مفعلة من السبُع؛ يعني: بلادًا كثيرة السباع، قوله:"أبيت اللعن": دعاء له أي بَعُدْتَ عن لعن تُلْعَنُ عليه.

5 -

قوله: "ملمعة" أي: ملونة بالألوان.

6 -

قوله: "يولج" أي: يدخل، قوله:"يواري أشجعه" أي: حتى يُغَطّي أصول أصابعه التي تتصل بعصب ظهر الكف ويجمع على أشاجع، قوله:"أودعه "ويروى: ضيعه.

3 -

قوله

(2)

: "ترعى الروائم" وهو جمع روم، وهي الناقة، من رئمت الناقة ولدها إذا أحبته، و "أحرار البقول": ما يؤكل غير مطبوخ، وأراد "بالملح" المالح من النبت وهو الحامض، و "غسويل" بكسر الغين المعجمة وسكون السين المهملة، وهو أيضًا نوع من النبت الرديء.

4 -

قوله: "مع النطاسي" بكسر النون وتخفيف الطاء المهملة، وبعد الألف سين مهملة مكسورة ثم ياء مشددة؛ وهو المتطيب، كذلك النطيس بكسر النون والطاء المشددة

(3)

.

الإعراب:

[قوله]

(4)

: "قد قيل""قد": للتحقيق، و "قيل": فعل ماض مجهول، وأصله: قول [بقلب حركة الواو إلى القاف بعد سلب حركتها، فصار: قِوْل بكسر القاف وسكون الواو]

(5)

فقلبت الواو ياء لتحركها في الأصل وانكسار ما قبلها فصار: قيل

(6)

وهو مسند إلى قوله: "ما قيل"، قوله:"إن صدقًا" أي: إن كان القول صدقًا، فيكون "صدقًا" منصوبًا على أنه خبر كان المقدر، وكذا التقدير في قوله:"وإن كذبًا" أي: وإن كان القول كذبًا.

قوله: "فما": مبتدأ و "اعتذارك": كلام إضافي خبره، قوله:"من قول": يتعلق باعتذارك، و "إذا": ظرف فيه معنى الشرط، قوله:"قيلا": فعل الشرط، قوله:"فما اعتذارك": جزاء الشرط مقدمًا

(7)

، ولذلك دخلت الفاء فيه، والتقدير: إذا قيل قول فما اعتذارك عنه، والألف في

(1)

ينظر اللسان مادة: (خضع).

(2)

أول شرح أبيات الربيع: لئن رحلت جمالي ...........

(3)

ورد في اللسان: "نطس" فلا عجب قال: مثل نسيق لدقة نظره في الطب؛ كما ورد الفتح في النطاسي؛ كما ورد نطس بكسر الطاء وفتحها وضمها.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

ينظر توضيح المقاصد للمرادي (2/ 24، 25).

(7)

قوله: جزاء الشرط مقدمًا، هذا على مذهب الكوفيين والمبرد، لكن يرده أن حرف الشرط دال على معنى في الشرط والجزاء، وهو الملازمة بينهما فوجب تقديمه عليهما؛ كما وجب تقديم سائر حروف المعاني، فيكون جواب الشرط على هذا محذوفًا، وهو مذهب البصريين، شرح التسهيل (4/ 86).

ص: 622

"قيلا": للإطلاق والإشباع.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "صدقًا وكذبًا" حيث حذف فيهما كان كما ذكرنا، وهو حذف شائع ذائع سائِغ

(1)

.

‌الشاهد الحادي عشر بعد المائتين

(2)

،

(3)

لَيسَ يَنْفَكُّ ذَا غِنًى وَاعْتِزَازٍ

كُلُّ ذِي عِفَّةٍ مُقِلٍّ قَنُوعٍ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف.

والمعنى، لم يزل كل ذي عفاف وإقلال وقناعة غنيًّا وعزيزًا.

[الإعراب:]

(4)

قوله: "ليس": أهمل هاهنا ولم يعمل حملًا على ما، ويجوز أن يعمل بأن يضمر فيها ضمير الشأن، ويكون اسمه، وما بعده خبره، و [يقال]

(5)

: قد تنازع ليس وينفك في قوله: "كل ذي عفة"، والأرجح إعمال الثاني لقربه وليتخلص به من الفصل بين العامل ومعموله بجملة ومن ترجيح الجامد على المتصرف، ويترجح عند الكوفيين إعمال الأول لسبقه وليتخلص به من الإضمار قبل الذكر

(6)

.

[ورأيت الشيخ أثير الدين أبا حيان رضي الله عنه ضبطه بيده: " بِقُلٍّ قنوعٌ" برفع قنوع وبإدخال باء الجر على "قُلّ" بضم القاف وتشديد اللام؛ بمعنى القليل

(7)

، فيكون قنوع مبتدأ، وقوله:"بقل" مقدمًا خبره

(8)

، والتقدير: هو قنوع بقليل من الدنيا، وهذا أصح من الأول وإن كان الأول أشهر.

(1)

ينظر الشاهد رقم (203)، والشاهد رقم (204).

(2)

ابن الناظم (51).

(3)

البيت من بحر الخفيف، مجهول القائل، وهو في تخليص الشواهد (230)، والدرر (2/ 43)، والتصريح (1/ 185)، والهمع (1/ 111)، وشرح الأشموني (1/ 227)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 334).

(4)

و

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

رجح البصريون إعمال الثاني في باب التنازع لقربه ورجح الكوفيون الأول لسبقه وبأنه لو أضمر في الثاني لعاد الضمير على متأخر. ينظر الكتاب (1/ 76)، وشرح الكافية للرضي (1/ 79) وشفاء العليل للسلسيلي (1/ 447)، وارتشاف الضرب (3/ 89)، والرد على النحاة لابن مضاء (101، 102).

(7)

انظر الضبط المذكور والبيت المذكور في التذييل والتكميل (4/ 119) تحقيق د. حسن هنداوي.

(8)

ليس هكذا يكون الإعراب، وإنما قنوع بالرفع صفة لكل أو خبر لمبتدأ محذوف، ومقل متعلق بهذه الصفة، وأما بالجر فهو صفة لذي عفة، وانظر في الشرح.

ص: 623

والمعنى على هذا: لم يزل كل ذي عفاف قنوع بقليل غنيًّا وعزيزًا

(1)

].

قوله: "ينفك": من الأفعال الناقصة، يستدعي مرفوعًا ومنصوبًا؛ فقوله:"كل ذي عفة": اسمه، وقوله:"ذا غنى": كلام إضافي خبره مقدمًا، قوله:"واعتزاز" بالجر عطفًا على قوله: "ذا غنى".

قوله: "مقل قنوع": مجروران لأنهما صفتان لقوله: "ذي عفة" وعلى ضبط الشيخ تكون الجملة صفة لذي عفة في محل الجر؛ لأن الموصوف مجرور، والباء في بقل تَتَعلق بقنوع وهو صفة مشبهة على وزن فعول -بالفتح كصبور، وشكور "وهذا أبلغ من قانع"

(2)

؛ [كما أن صبور أبلغ من صابر]

(3)

.

[وضَبْطُ الشيخ "قنوعُ" بالرفع على الابتداء لا حاجة إليه؛ بل هو مجرور صفة لذي عفة]

(4)

، والتقدير: كل ذي عفة قنوع بقل، اللَّهم إلا إذا كان آخر القصيدة على الرفع فافهم

(5)

.

الاستشهاد فيه:

على إعمال: "ينفك" عمل كان لتقدم النفي عليها، وإن كان بالفعل، قال البعلي: النفي يكون بما وبغيرها من حروف النفي

(6)

، وقد يغني عن حرف النفي ليس كما في قول الشاعر:

ليس ينفك إلى آخره

(7)

.

‌الشاهد الثاني عشر بعد المائتين

(8)

،

(9)

تَنْفَكُّ تَسْمَعُ ما حييتَ

بِهَالِكِ حَتَّي تَكُونَهْ

أقول: قائله هو خليفة بن براز

(10)

، كذا قاله أبو عبيدة في كتاب شرح الأمثال، وبعده:

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

في (أ) وهو أبلغ من شاكر.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

تعمل زال وبرح وفتئ وانفك عمل كان بشرط تقدم نفي أو شبهه، والنفي قد يكون حرفًا أو فعلًا كما في البيت.

(6)

الفاخر في شرح جمل عبد القاهر (1/ 239).

(7)

اشترط النحويون لعمل زال وبرح وانفك وفتئ عمل (كان) تقدم نفي أو شبهه، ويشمل النفي الحروف وغيرها، ويشمل ذلك (ليس)، ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 334)، وابن يعيش (7/ 107) وما بعدها، والتوضيح والتكميل لشرح ابن عقيل (1/ 196).

(8)

ابن الناظم (51).

(9)

البيت من بحر الكامل المجزوء المرفل منسوب لخليفة بن براز، وهو في الخزانة (9/ 242)، والدرر (2/ 45)، والإنصاف (824)، وتخليص الشواهد (233)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 335)، وشرح عمدة الحافظ (198)، وابن يعيش (7/ 109).

(10)

شاعر جاهلي، وبراز كسحاب بتخفيف الراء، الخزانة (9/ 245).

ص: 624

والمرء قد يرجو الرجاء

مؤملًا والموت دونه

(1)

وهو من الكامل [وفيه]

(2)

الإضمار والترفيل، وهو قوله: حتى تكونه مستفعلات.

المعنى: لا تزال تسمع مات فلان وفلان حتى تكون أنت الميت.

الإعراب:

قوله: "تنفك": فعل من الأفعال الناقصة، وقد قلنا إنه لا يعمل إلا إذا تقدمه النفي، وقد حذف النفي هاهنا، والمعنى: لا تنفك، واسمه مستتر فيه، وخبره قوله:"تسمع"، قوله:"ما حييت": كلمة "ما" للتوقيت ومعناه: تسمع مدة حياتك، قوله:"بهالك" يتعلق بقوله: "تسمع" وأراد بالهالك الميت، قوله:"حتى تكونه": أي: حتى تكون إياه، أي: الهالك، واختار الاتصال على الانفصال، وتكون منصوب؛ لأنه وقع بعد حتى، والتقدير: حتى أن تكونه.

قوله: "والمرء": مبتدأ، وخبره قوله:"قد يرجو" وقوله: "الرجا": مفعول مطلق، قوله:"مؤملًا" يجوز أن يكون على صيغة اسم الفاعل، وأن يكون على صيغة اسم المفعول، فعلى الأول يكون حالًا من المرء، وعلى الثاني يكون مفعولًا لقوله:"يرجو". قوله: "والموت": مبتدأ وقوله: "دونه": خبره، والجملة وقعت حالًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "تنفك" حيث حذف النافي

(3)

فيه؛ إذ أصله: لا تنفك

(4)

.

‌الشاهد الثالث عشر بعد المائتين

(5)

،

(6)

سَلِي إِنْ جَهِلْتِ النَّاسَ عَنَّا وَعَنْهُمُ

فَلَيْسَ سَوَاءَ عَالِمٌ وَجَهُولُ

أقول: قائله هو السموأل بن عادياء الغساني اليهودي، ويقال: قائله هو اللجلاج الحارثي،

(1)

ينظر البيتين في شرح الألفية، لابن الناظم (130)، دار الجيل.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

في (ب): لا النافية.

(4)

من أخوات كان: زال وبرح وفتئ وانفك، وتعمل هذه الأفعال بشرط أن يتقدمها نفي لفظًا كما في الشاهد السابق أو تقديرًا كما في قوله تعالى:{قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] والأصل: لا تفتأ وكما في البيت المذكور، ولا يحذف النافي معها إلا بعد القسم كالآية الكريمة، وقد يشذ الحذف بدون القسم في الشعر كقول الشاعر:

وأبرح ما أدام الله قومي

بحمد الله منتطقًا مجيدَا

(5)

ابن الناظم (52)، لا يوجد في توضيح المقاصد للمرادي، وإنما هو في شرح ابن عقيل (1/ 273).

(6)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيدة طويلة للسموأل بن عاديًّا اليهودي في الفخر بالشجاعة والموت، وهي في =

ص: 625

والأول أشهر، وهو من قصيدة لامية، وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

إذا المرءُ لم يُدَنَّسْ من اللؤمِ عِرضُهُ

فكُلُّ رِدَاءٍ يَرْتَديهِ جَميلُ

2 -

وإنْ هُوَ لَمْ يَحْمِلْ على النَّفْس ضَيمَها

فليس إلى حُسْن الثناء سَبيلُ

3 -

[وقائلة ما بال عثرة عاديا

تنادى وفيها قلة وحمول]

(2)

4 -

تَعيرنا أنا قليل عديدُنا

فقلت لها إن الكرامَ قَلِيلُ

5 -

وما قَلَّ مَنْ كَانتْ بقَايَاه مِثْلَنا

شبابٌ تَسَامَى للعُلَا وكهُولُ

6 -

وما ضرّنا أنَّا قَليلٌ وجَارُنَا

عَزِيزٌ وجارُ الأكثرينَ ذَليلُ

7 -

لنا جبلٌ يحتلُّهُ مَنْ نُجِيره

مَنيفٌ يَرُدّ الطرفَ وهو كَلِيلُ

8 -

رَسَا أصْلُهُ تَحْتَ الثَّرىَ [وسماؤه]

(3)

إلى النجمِ فَرغٌ لا يُنَالُ طَويلُ

9 -

هُوَ الأبْلقُ الفَرْدُ الذي سار ذكرهُ

يَعِزُّ على مَنْ رَامَهُ ويطُولُ

10 -

وإنّا أناسٌ لا نَرى القَتْل سُبَّةً

إذا ما رأتْهُ عامرٌ وسَلُولُ

11 -

يَقَرّبُ حبُّ الموتِ آَجالنا لنا

وتكرههُ آجالُهم فتطُولُ

12 -

وما مَاتَ مِنَّا سَيِّدٌ في فراشِهِ

ولا طُلَّ منَّا حيث كان قَتيلُ

13 -

تسيلُ على حد الظِّباتِ نُفُوسُنا

وليستْ على غير السيوفِ تَسيلُ

14 -

صَفَوْنَا فلم نَكْدَرْ وأَخْلَص سِرَّنا

إِنّاثٌ أَطَابَتْ حِمْلَنا وفُحُولُ

15 -

عَلَونْا إلى خيرِ الظهُورِ وحطّنا

لوقتٍ إلى خيرِ البطُونِ نِزُولُ

16 -

فنحنُ كَماء المزنِ ما في نِصَابِنا

كهامٌ ولا فِينَا يُعَدُّ بَخيلُ

17 -

وننكرُ إنْ شِئْنَا على الناسِ قَوْلَهُمْ

ولا ينكرونَ القولَ حين نقوُلُ

18 -

إذا سيدٌ مِنَّا خَلا قَامَ سَيّدٌ

قَؤوُلٌ لِما قَال الكرامُ فَعُول

19 -

وما أُخمدتْ نَارٌ لَنا دُون طَارِقٍ

وما ذَمَّنَا في النازلين نزيلُ

20 -

وأيَّامُنا مَشْهُورةٌ في عَدوِّنَا

لَهَا غُرَرٌ مَعْرُوفةٌ وحُجُولُ

= ديوانه (90)، (دار صادر بيروت)، وفي شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (110)، وانظر تخليص الشواهد (237)، وشرح عمدة الحافظ (304)، وشرح قطر الندى (130)، والسموأل أخباره، والشعر المنسوب إليه (152)، (مختار الغوث).

(1)

شرح ديوان الحماسة للتبريزي (1/ 56، 57).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

في (ب): وسمائه.

ص: 626

21 -

وأسيافُنَا في كل شَرْقٍ ومَغْربٍ

بها من قِراعِ الدَّارِعين فُلُولُ

22 -

معودة أن لا تُسلَّ نِصالُها

فتغْمَدَ حَتَّى يُستباحَ قَبِيلُ

23 -

سلِي إنْ جَهلتِ النَّاسَ عَنِّي وعَنْهُمْ

فليس سواءً عَالمٌ وجَهَولُ

24 -

فإنّ بَنِي الديّانِ قُطْبٌ لَقَوْمِهم

تَدورُ رَحَاهُم حَوْلَها وتجُولُ

وهي من الطويل والقافية من المتواتر

(1)

.

1 -

قوله: "من اللؤم": وهو اسم لخصال مذمومة من اختيار ما تنفيه المروءة، وأصله من الالتئام، وهو الاجتماع، وذكر الرداء هاهنا مستعار.

2 -

قوله: "وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها" أي: لم يُصَبرِّهَا على مكارهِهَا، وأصل الضيم: العدول عن الحق يقال: ضامه ضيمًا، وهو مضيم إذا عدل به عن طريق النصفة.

4 -

قوله: "تُعَيِّرُنَا" أي: أنكرت مِنَّا قلة عددنا فَعَدَدْتَّهُ عارًا، فأجابه [بقوله]

(2)

: "إن الكرام قليل" فاعترف بقلة العدد لا بقلة القدر، والقليل والكثير يوصف بهما الواحد والجمع.

7 -

قوله: "لنا جبل" أراد به العز والسُّمُوّ؛ أي: من دخل في جوارنا امتنع على طلابه، قوله:"يَحْتَلُّه" أي: ينزله من احتل إذا نزل، ومادته حاء مهملة ولام، قوله:"منيف" أي: عال ويروى: منيع؛ أي: ممنوع منه، و "الطرف": النظر والعين جميعًا.

10 -

قوله: "سبة": ما سُبَّ به؛ كما أن الخِدعة ما انخدع به، وأصل السب: القطع، ثم استعمل في الشتم، و "عامر" هو ابن صعصعة، و"سلول": هم بنو مرة بن قيس بن غيلان.

12 -

قوله: "ولا طل" أي: ولا هدر

(3)

منا دمُ القتيل.

13 -

قوله: "حد الظبات نفوسنا" أي: أرواحنا، ويقال: دماؤنا، وأراد بالظبات السيوف.

14 -

قوله: "سرنا" السر هاهنا: الأصل الجيد.

16 -

قوله: "كماء المزن" أي: السحاب؛ أي: نحن كالغيث ننفع الناس، و "الكهام": الكليل الحد.

19 -

و "الطارق": الذي يطرق ليلًا، و "النزيل": الضيف.

20 -

قوله: "الغرر": جمع غرة وهي البياض الذي على جبهة الفرس، و "الحجول" بتقديم

(1)

في (أ): والقافية متواترة.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

في (أ): أهدر.

ص: 627

الحاء على الجيم؛ جمع حجل، وهو البياض الذي في قوائم الفرس أو في ثلاث منها أو في رجليه قلَّ أو كثر بعد أن يجاوز الأرساغ وكذلك التحجيل.

21 -

قوله: "من قراع الدارعين" وهم أصحاب الدروع، والقراع: الضراب، و "الفلول" بضم الفاء؛ وهو جمع فل السيف؛ وهو كسر في حده، وسيف أفلّ: بيِّن الفلل.

22 -

قوله: "مُعَوّدة" يجوز فيه الوجهان: النصب على الحال، والعامل فيها ما يدل عليه قوله:"بها من قراع الدارعين فلول"، والرفع على أن يكون خبر مبتدأ مضمر، يقول: عودت سيوفنا أن لا تجرد من أغمادها فترد فيها إلا بعد أن يستباح قبيل و "القبيل": الجماعة من آباء شتى، وجمعه: قبل، والقبيلة: الجماعة من أب واحد، وجمعها قبائل.

23 -

قوله: "سلي إن جهلت الناس

إلى آخره" كان السموأل هذا قد خطب امرأة وخطبها غيره أيضًا، وكانت قد أنكرت عليه فخاطبها بهذه الأبيات إلى أن قال: أيتها المرأة: إن جهلت حالنا فسلي الناس عنا وعن هؤلاء الذين خطوك حتى تعلمي

(1)

حالنا وحالهم، فليس العالم بالشيء والجاهل به سواء.

24 -

قوله: "قطب" بضم القاف؛ وهو الحديد في الطبق الأسفل من الرحى يدور عليه الطبق الأعلى؛ ومنه سمي قطب الرحى لما يدور عليه الفلك، وعلى التشبيه قالوا: فلان قطب بني فلان، أي: سيدهم الذي يلوذون به، وهو قطب الحرب.

الإعراب:

[قوله]

(2)

: "سلي": أمر للمؤنث، وفاعله "أنت" مستتر فيه، و "الناس": مفعوله، وقوله:"عنا": يتعلق بسلي، وقوله "عنهم": عطف عليه، قوله:"إن جهلت": جملة ماضية دخل [عليها]

(3)

حرف الشرط، وجوابه قوله:"سلي" مقدمًا عليه

(4)

وترك الفاء [فيه]

(5)

للضرورة، وجواب الشرط قد يقع فعلًا طلبيًّا؛ كما في قوله تعالى:{وَإِن تَوَلَّوْا فَأعْلَمُوَا أَنَّ اللهَ مَوْلَاكُمْ} [الأنفال: 40]، ومفعول جهلت محذوف، وتقدير الكلام: إن جهلت أيتها المرأة حالنا وحالهم فسلي [الناس]

(6)

عنا وعنهم. قوله: "فليس" من الأفعال الناقصة وقوله: "عالم": اسم مرفوع و"جهول": عطف عليه، وخبره قوله:"سواءً" مقدمًا على اسمه.

(1)

في (أ، ب): تعلمين.

(2)

و

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

قوله: "مقدمًا عليه" ما ذكرنا قبل ذلك من أن جواب الشرط لا يتقدم، وإنما المقدم دليل الجواب.

(5)

و

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 628

الاستشهاد فيه:

حيث تقدم خبر ليس على اسمها، وهو جائز خلافًا لابن درستويه

(1)

، فإنه منع ذلك، والبيت حجة عليه

(2)

.

‌الشاهد الرابع عشر بعد المائتين

(3)

،

(4)

فَأَصْبَحُوا وَالنّوَى عَالِي مُعَرَّسِهِمْ

وَلَيْسَ كُلَّ النَّوىَ تُلْقِي الْمسَاكِينُ

أقول: قائله هو حميد بن ثور الأرقط أحد البخلاء المشهورين، وسمي الأرقط لآثار كانت بوجهه، وكان هجاء للضيفان

(5)

، وههنا يصف أضيافًا نزلوا به فقدم لهم تمرًا، وهو من قصيدة نونية، وأولها هو قوله:

1 -

لا مَرْحَبًا بِوُجُوهِ القَوْمِ إذْ حَضَرُوا

كَأَنَّها إذْ أنَاخُوهَا الشَّياطِينُ

2 -

ينتظِرُونَ إِلَى الأخْبَارِ إذَا نَزلُوا

وكُلَّمَا نظَرُوا للغَمِّ تَمْكِينُ

3 -

والله لا تنْتَهِي عنَّا ضِيَافَتُهمْ

حتَّى تَكُونَ مَيَادِينَ البَسَاتينُ

4 -

أرضٌ تَحُمُّ بها العُقْفَانُ نَائيَةٌ

من حيثُ تنبتُ بالصيفِ العرَاجِينُ

5 -

باتوا وجُلَّتُنَا الصَّهْبَاءُ بينَهُمُ

كأنَّ أظْفَارَهُمُ فيها السكاكينُ

6 -

فَأَصْبَحُوا وَالنّوَى عَالِي مُعَرَّسِهِمْ

وَلَيْسَ كُلَّ النَّوىَ تُلْقِي الْمَسَاكِينُ

(1)

هو أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه، أخذ عن المبرد وغيره، ألَّف كتاب الإرشاد وشرح كتاب الجرمي والرد على ثعلب، توفي ببغداد (347 هـ) ينظر نزهة الألباء في طبقات الأدباء (283) وما بعدها.

(2)

أجاز البصريون توسيط خبر ليس بينها وبين اسمها مستدلين بالسماع ومنع ذلك ابن درستويه؛ قال الشيخ خالد: "توسط أخبارهن بينهن وبين أسمائهن جائز خلافًا لابن درستويه في ليس ولابن معطٍ في دام". ينظر التصريح (1/ 187)، والكتاب (1/ 45)، والمقتضب (4/ 87)، واللمع لابن جني (120)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 349)، وقضايا الخلاف النحوية والصرفية في كتاب شفاء العليل للسلسيلي (198) وما بعدها (دكتوراه بالأزهر، إعداد. عبد العزيز فاخر 2000 م).

(3)

ابن الناظم (54)، وروايته في (أ، ب): يلقى المساكين.

(4)

البيت من بحر البسيط، وهو من مقطوعة لحميد (بالتصغير) الأرقط يصف قومًا نزلوا عليهم فأطعمهم وهو بخيل فتفنن في الوصف، وانظر بعض الأبيات في أمالي ابن الشجري (2/ 498)، وتحصيل عين الذهب (95)، (د. زهير سلطان)، والكتاب (1/ 70)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 242)، وابن يعيش (7/ 104)، والمقتضب (4/ 100)، والأشباه والنظائر (6/ 78)، وأمالي ابن الحاجب (656).

(5)

هو حميد (بالتصغير) بن ثور: شاعر إسلامي مجيد، عاصر الحجاج وتنازعا معًا في الأراجيز ووصف الطبيعة في شعره، وهو من بخلاء العرب الأربعة الذك منهم الحطيئة وأبو الأسود الدؤلي وخالد بن صفوان، ينظر موسوعة شعراء صدر الإسلام (123)، وموسوعة شعراء العرب (1/ 238).

ص: 629

وهي من البسيط.

4 -

قوله: "تحم" أي: تقصد، يقال: حممت حمك؛ أي: قصدت قصدك و "العقفان": بضم العين المهملة وسكون القاف وتخفيف الفاء؛ جمع عقف وهو الثعلب، و "العراجين": جمع عرجون وهو أصل العذق الذي يعوج ويقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابسًا.

5 -

قوله: "وجُلّتنا الصهباء" الجلة بضم الجيم وتشديد اللام، وهي وعاء التمر، و"الصهباء": الشقراء، وهي صفة الجلة، قوله:"كأن أظفارهم" ويروى: كأن أنيابهم.

6 -

قوله: "فأصبحوا" أي:

(1)

دخلوا في الصباح، قوله:"معرسهم" بضم الميم وفتح العين والراء المشددة وفي آخره سين مهملة، وهو موضع النزول آخر الليل، وأراد به هاهنا الموضع الذي أنزلهم فيه، فلما أصبحوا ورأى من النوى شيئًا كثيرًا في معرسهم أنشد هذه القصيدة وأشار بها إلى كثرة أكلهم من الجلة الصهباء.

الإعراب:

قوله: "فأصبحوا": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"والنوى": مبتدأ، و"عالي معرسهم": كلام إضافي خبره، والجملة وقعت حالًا، قوله:"وليس": من الأفعال الناقصة، وفيه ضمير الشأن، وهو اسمه، و"كل": منصوب بقوله: "يلقي"، و "المساكين" مرفوع؛ لأنه فاعل يلقي، والفعل والفاعل خبر ليس، ولا يجوز أن يكون المساكين اسم ليس؛ لأن ذلك يوجب أن يكون يلقي خبرها، ولو كان خبرًا لوجب أن يقال: يلقون، أو تلقي بالتاء المثناة من فوق، فلما لم يرو إلا بالياء -آخر الحروف وجب أن يكون خاليًا من الضمير، و "المساكين": مرتفعًا به.

فإن قلت: ما الواو في قوله: "وليس كل النوى"؟

قلت: للحال؛ لأن المعنى: أصبحوا وعندهم نوى كثير، والحال أنهم يلقون بعض النوى، ولا يلقون كلها؛ لأنهم كانوا يبتلعون بعض النوى لكلب الجوع، فإذا كان النوى عالي معرسهم مع ابتلاعهم بعضه؛ دل ذلك على كثرة التمر التي قدمها بين أيديهم.

الاستشهاد فيه:

هو أن ابن الناظم استشهد به للكوفيين في تجويزهم: كان طعامك زيد آكلًا، وكان طعامك آكلًا زيد، وهذا وهم منه؛ إذ لو كان المساكين اسم ليس لكان يلقي مسندًا إلى ضميره، وكان يجب أن يقال: يلقون، أو تلقي بالتاء المثناة من فوق على ما ذكرنا

(2)

آنفًا، وإنما اسم ليس في

(1)

في (أ): يعني.

(2)

في (أ): ذكرناه.

ص: 630

هذا البيت ضمير الشأن عند البصريين والكوفيين جميعًا

(1)

.

‌الشاهد الخامس عشر بعد المائتين

(2)

،

(3)

إِذَا مِتُّ كانَ النَّاسُ صِنْفَانِ شَامِتٌ

وَآخرُ مُثْنٍ بِالَّذِي كُنْتُ أَصْنعُ

أقول: قائله هو العجير السلولي، وهو عجير بن عبد اللَّه بن عبيدة بن كعب من بني سلول بن مرة، يكنى أبا الفرزدق وأبا الفيل، وهو شاعر مقل إسلامي، وعجير: اسم منقول يحتمل أن يكون من العجر وهو نتوء السرة، يقال: عجر الرجل يعجر عجرًا، أو يحتمل أن يكون مصغرًا مرخمًا من أعجر وهو الناتئ السرة، والبيت الذكور من قصيدة عينية وأولها هو

(4)

:

1 -

ألمّا على دارِ لِزَيْنبَ قد أتى

لَها باللِّوى ذي المَرْجِ صَيْفٌ ومَرْبَعُ

2 -

وقُولا لهَا قد طَال ما لم تكلَّمِي

وراعِكَ بالغيثِ الفؤادُ المروَّعُ

3 -

وقولا لها قال العُجَيْرُ وخَصَّني

إليك وإرسالُ الخليلين يَنْفَعُ

4 -

أأنت الذي أودعتُكِ السِّرّ وانتحى

بك الخَوْنَ مَزّاحٌ من القوم أمْرَعُ

5 -

إذا مت ...............

...................... إلى آخره

6 -

ولكن ستبكِيني خطوبٌ ومجلس

وشُعثٌ أُهِينُوا في المجالس جُوّعُ

7 -

ومستلحم قد صَكَّه القومُ صكَّة

بَعيدُ الموالي نيل ما كان يمنع

(1)

مع أكثر البصريين إيلاء (كان) معمول الخبر مطلقًا سواء تقدم المعمول وحده أو تقدم ومنع الخبر، فلا يجوز أن يقال: كان طعامك زيدًا آكلًا، ولا يجوز: كان طعامك آكل زيد، وسبب المنع أنه يؤدي إلى الفصل بين كان واسمها بأجنبي عنها وهو معمول الخبر، وأجاز بعض البصريين ومنهم ابن عصفور إيلاء كان معمول الخبر؛ لأن المعمول من كمال الخبر أو كجزء منه فأجازوا: كان طعامك آكلًا زيد، ويمتنع أن تقدم المعمول وحده نحو: كان طعامك زيد آكلًا، أما الكوفيون فأجازوا تقديم المعمول مطلقًا، سواء آكان المعمول ظرفًا أو جارًّا ومجرور أو غير ذلك واحتجوا ببيت الشاهد.

ينظر الكتاب (1/ 70)، وشرح الكافية الشافية (1/ 404)، وشرح الجمل الكبير (1/ 392)، وشرح المقرب (2/ 969) وما بعدها، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 367)، والتصريح (1/ 189)، وينظر الشاهد رقم (197).

(2)

ابن الناظم (54).

(3)

البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة للعجير السلولي الشاعر الإسلامي ذكر بعضها في خزانة الأدب (9/ 72)، وهي الأبيات التي ذكرها العيني، وانظر بيت الشاهد في الكتاب (1/ 71)، ونوادر أبي زيد (156)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 144)، والأزهية (190)، وتخليص الشواهد (246)، والخزانة (9/ 72)، والدرر (1/ 223).

(4)

ينظر الخزانة (9/ 72)، وقد ذكر البغدادي فيه هذه الأبيات فقال: كانت للعجير بنت عم كان يهواها وتهواه فخطبها إلى أبيها فوعده وقاربه، ثم خطها رجل من بني عامر موسر فخيرها أبوها بينه وبين العجير فاختارت العامري للسيادة فقال العجير في ذلك.

ص: 631

8 -

رددتُ له ما فرَّط القَيلُ بالضُّحى

وبالأمس حَتّى آبَنَا وهو أضْلعُ

9 -

وما ذاك أَنْ كَانَ ابنَ عمِّي ولا أخي

ولكن متى ما أملكِ الضَّرَّ أنفعُ

(1)

وهي من الطويل.

1 -

قوله: "باللوى" بكسر اللام، مقصور؛ وهو منقطع الرمل، وقوله:"ذي المرخ": صفته، والمرخ شجر سريع الورْي، [قوله]

(2)

: "ومربع" بفتح الميم؛ وهو منزل القوم في الربيع خاصة.

5 -

قوله: "إذا مت" معناه: إذا متُّ كان الناس ورائي نوعين: نوع منهم: يشمت بي، ونوع آخر: يثني علي بالذي كنت أصنعه في حياتي، قوله:"مت" يروى بكسر الميم وضمها ويروى: صنفان ونصفان

(3)

.

الإعراب:

قوله: "إذا": ظرف للمستقبل متضمنة معنى الشرط ويختص بالدخول على الجملة الفعلية عكس إذا الفجائية، وقوله:"مُت": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"كان": ناقصة، واسمها ضمير الشأن، وقوله:"الناس": مبتدأ، وقوله:"صنفان": خبره، والجملة في محل النصب على أنها خبر كان، قوله:"شامت": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: صنف منهم شامت بي، ويقال [يجوز]

(4)

: أن يكون شامت بدلًا من صنفان. قوله: "وآخر" صفة لمحذوف تقديره: وصنف آخر، وهو مبتدأ، وخبره قوله:"مثن" أي: مثن علي، "بالذي": يتعلق بقوله "مثن" قوله: "كنت أصنع": جملة وقعت صلة للموصول، والعائد محذوف؛ أي: بالشيء الذي كنت أصنعه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كان الناس صنفان" حيث وقع اسم كان ضمير الشأن

(5)

، ويروى: كان الناس صنفين [بنصب صنفين]

(6)

، فعلى هذا يكون الناس اسم كان وصنفين خبره، ولا يبقى فيه حينئذ استشهاد فافهم.

(1)

استشهد بهذا البيت صاحب الخزانة على أن أنفع مرفوع وهو مؤخر عن تقديم للضرورة الشعرية.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

قال صاحب الخزانة (9/ 75) معنى الأبيات التي بعد الشاهد فذكر أنها في نصرة المظلوم وإجارة الضعيف والقريب وأنه ذو مروءة نافع أبدًا لغيره.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ينظر الشاهد رقم (214).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 632

‌الشاهد السادس عشر بعد المائتين

(1)

،

(2)

حَدِبَتْ عَلَيَّ بُطُونُ ضَبَّةِ كُلُّهَا

إِنْ ظَالِمًا فِيهِمْ وَإنْ مَظْلُومَا

أقول: قائله هو النابغة الذبياني، واسمه زياد بن معاوية، وقد ترجمناه فيما مضى، وهو من قصيدة يخاطب بها يزيد بن سنان المري؛ إذْ لَاحَاهُ فَنَماه إلى قضاعة، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

اجمعْ جُمُوعَك يا يزيدُ فإنني

أعددْتُ يَرَبُوعًا لَكُمْ وتَمِيمَا

2 -

ولَحِقتُ بالنَّسَبِ الذي عَيَّرْتَنِي

وتركتَ أَصْلَك يا يزيدُ ذَمِيمَا

3 -

عيرتَنِي نَسبَ الكِرَامِ وإنَّما

فَخْرُ المفَاخرِ أَنْ يُعَدّ كَرِيمَا

4 -

حدبت علي ............

................... إلى آخره

5 -

لَوْلَا بَنُو عَوْفٍ بنِ بَهْثَةَ أَصْبَحَتْ

بالنَّعْفِ أُمّ بَنِي أَبِيكَ عَقِيمَا

وهي من الكامل.

1 -

قوله: "اجمع جموعك" وفي رواية الأعلم: جَمِّعْ مَحَاشَك يا يزيد

(4)

، قال الأصمعي: المحاش: أربعة أحياء من فزارة ومرة، وكانوا يجتمعون فيقال لهم: المحاش، وقال ابن الأعرابي: المحاش: الذين لا خير فيهم ولا غناء عندهم، يقال: محشته النار إذا أحرقته وأفسدته، قلت: المحاش هاهنا بكسر الميم، وأراد "بيربوع" يربوع بن غيط بن مرة، و"بتميم": تميم بن ضبة بن عذرة بن سعد بن ذبيان.

2 -

قوله: "ولحقت بالنسب الذي" يريد النسب الذي نفاه إليه وعيره به، وذلك أن ابنة النابغة كانت تحت يزيد فطلقها، فقيل له: لم طلقتها؟ فقال: لأنه رجل من عذرة، فحقق النابغة انتسابه إليهم، وزعم أنه نسب يزيد إلا أنه تركه وانتفى منه، وهو معنى قوله:

.........................

وتركت أصلك يا يزيد ذميمَا

أي: مذمومًا.

(1)

ابن الناظم (55)، توضيح المقاصد للمرادي (1/ 260).

(2)

البيت من مقطوعة للنابغة الذبياني يرد افتراء عليه من يزيد بن سنان المري، وهي في ديوان النابغة (108)، (دار صادر)، وبيت الشاهد في الكتاب (1/ 262)، والهمع (1/ 121)، تخليص الشواهد (259)، والدرر (83)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 36)، وينظر المعجم المفصل (839).

(3)

الديوان (108)، وأشعار الشعراء الستة الجاهليين للأعلم (236).

(4)

ينظر أشعار الشعراء الستة الجاهليين للأعلم (1/ 236).

ص: 633

4 -

قوله: "حَدِبت" بفتح الحاء وكسر الدال المهملتين وفتح الباء الموحدة؛ من حدب عليه إذا عطف وحنّ عليه، قوله:"بطون ضَبَّةٍ" أراد بالبطون القبائل، "وضبة" بفتح الضاد المعجمة وتشديد الباء الموحدة وهو ضبَّة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار، ويقال: حدبت عليّ بطون ضنة بكسر الضاد المعجمة وتشديد النون، وهو ضنة بن عبد بن كثير بن عُذْرة بن سعد بن هزيم بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحارث بن قضاعة، قبيلة كبيرة، وكذا وقع في رواية الأعلم: ضِنة بالنون وقال: ضنة من قضاعة ثم من عذرة

(1)

.

5 -

قوله: "لولا بنو عوف" يقول: لولا هؤلاء لقتلت أنت وإخوتك، فتبقى أمك كأنها عقيم لم تلد قط، قوله:"بالنعْف" بفتح النون وسكون العين المهملة وفي آخره فاء، وهو أسفل الجبل.

الإعراب:

[قوله]

(2)

: "حدبت": فعل ماض عُدّي بعليَّ، وقوله:"بطون ضبة": كلام إضافي فاعله و "كلها": مرفوع تأكيد للبطون، قوله:"إن": حرف شرط، وفعل الشرط محذوف والتقدير: إن كنت ظالمًا، و "ظالمًا": منصوب لأنه خبر كان المقدر، وكذا الكلام في قوله:"وإن مظلومًا".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إن ظالمًا وإن مظلومًا" على حذف كان واسمها بعد إن الشرطية، والتقدير -كما قلنا: إن كنت ظالمًا وإن كنت مظلومًا

(3)

.

(1)

ينظر أشعار الشعراء الستة الجاهليين (236).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر الشاهد رقم (203، 204، 210).

ص: 634

‌شواهد "ما ولا ولات وإنْ" المشبهات بليس

‌الشاهد السابع عشر بعد المائتين

(1)

،

(2)

بَنِي غُدَانَةَ مَا إِنْ أَنْتُمْ ذَهَبٌ

وَلَا صَرِيفٌ وَلَكِنْ أَنْتُمْ الْخَزَف

أقول: هذا أنشده ثعلب في أماليه ولم يعزه إلى أحد

(3)

.

وهو من البسيط.

قوله: "بني غدانة" بضم الغين المعجمة وتخفيف الدال المهملة وبعد الألف نون؛ وهم حي من بني يربوع، قوله:"ولا صريف" بفتح الصاد المهملة وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف ثم فاء؛ وهو الفضة.

الإعراب:

قوله: "بني غدانة": منادى مضاف، وحرف النداء محذوف تقديره: يا بني غدانة، قوله:"ما": نافية وقوله: "إنْ"- أيضًا: نافية زيدت للتأكيد وكَفَّتْ "ما" عن العمل، وزعم الكوفيون أنها نافية غير كافة ويلزمهم أن لا يبطل عملها كما لا يبطل عمل"ما" إذا تكررت على الصحيح بدليل قوله

(4)

:

(1)

ابن الناظم (56)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 274).

(2)

البيت من بحر البسيط، لم ينسب في مراجعه لشاعر معين، وهو في تخليص الشواهد (277)، والجنى الداني (328)، والخزانة (9/ 114)، والدرر (2/ 102)، وشرح التصريح (1/ 97)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (84)، والمغني (1/ 25).

(3)

انظر مجالس ثعلب (2/ 741)، (دار المعارف - هارون).

(4)

البيت من الرجز غير منسوب ويوجد في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 371)، (3/ 304)، وشرح الأشموني (1/ 62)، والشاهد: تكرار (ما) النافية توكيدًا ثم بقاء عملها.

ص: 635

لا يُنْسِك الأَسى تأسِّيًّا فما

ما مِنْ حِمَامٍ أَحَدٌ معتصمَا

(1)

نعم رواه يعقوب: ذهبًا وصريفًا بالنصب، فعلى هذا هي نافية مؤكدة لما

(2)

. قوله: "أنتم": مبتدأ وقوله: "ذهب": خبره، قوله:"ولا صريف": عطف عليه، قوله:"ولكن": استدراك، قوله:"أنتم": مبتدأ، و"خزف": خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ما إن أنتم ذهب" على إبطال [عمل]

(3)

ما النافية؛ لاقترانها بإن الزائدة الكافة، وجوز جماعة إعمالها حينئذ أيضًا؛ فعلى هذا أنشد ابن السكيت هذا البيت بنصب "ذهبًا" و"صريفًا" كما ذكرنا

(4)

.

‌الشاهد الثامن عشر بعد المائتين

(5)

،

(6)

وَمَا الدَّهْرُ إلَّا مَنْجَنُونًا بِأَهْلِهِ

وَمَا صَاحِبُ الْحَاجَات إلا مُعَذَّبًا

أقول: قائله لم يعرف من هو ولهذا منع بعضهم الاحتجاج به.

وهو من الطويل.

قوله: "منجنونًا" بفتح الميم؛ وهي الدولاب التي عليها، [يستقى]

(7)

، وهي مؤنثة على وزن فنعلون، والميم من نفس الكلمة، ألا ترى كيف تجمع على مناجين؟

(1)

قال ابن مالك: "زعم الكوفيون أن (إن) المقترنة بما هي النافية، جيء بها بعد (ما) توكيدًا"، شرح التسهيل لابن مالك (1/ 371)، توضيح المقاصد للمرادي (1/ 313).

(2)

قال ابن هشام: "في رواية من نصب (ذهبًا وصريفًا) فخرج على أنها [إن] نافيه مؤكدة لما". المغني (25).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ذهب أهل الحجاز أن (ما) النافية تحمل عمل ليس كقوله تعالى: {مَاهَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31]، واشترطوا لعملها شروطًا وهي: ألا يقع بعدها إن الزائدة، وألا ينتقض نفي خبرها بإلا، وألا يتقدم خبرها على اسمها، وألا يتقدم معمول خبرها على اسمها، فلما فقد الشرط الأول في البيت بطل عمل (ما)، وقال السيوطي في حديثه عن البيت: ذهب وصريف بالرفع في رواية الحمهور (فإن) زائدة كافة، وبالنصب في رواية ابن السكيت "فإن: نافية مؤكدة" شرح شواهد المغني للسيوطي (85)، وينظر المغني (25)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 370) وما بعدها، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 313) وما بعدها.

(5)

ابن الناظم (56)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 276).

(6)

البيت من بحر الطويل، نسب لأحد بني سعد في شرح شواهد المغني للسيوطي (219)، وانظره في تخليص الشواهد (271)، والجنى الداني (325)، والخزانة (4/ 130)، والدرر (2/ 98)، والتصريح (1/ 197)، وابن يعيش (8/ 75)، والمغني (73)، والهمع (1/ 123).

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 636

والمعنى: وما الزمان بأهله إلا كالدولاب تارة يرفع وتارة وتارة يضع، وما صاحب الحاجات في الدنيا إلا معذبًا في تحصيلها.

الإعراب:

قوله: "وما الدهر" أبطل عمل "ما" لدخول إلا، و "الدهر": مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف تقديره: وما الدهر إلا يدور دوران المنجنون، وليس نصب منجنون بكلمة "ما" التي ترفع الاسم وتنصب الخبر، وإنما نصبه كنصب المصادر؛ كما قلنا، أو يكون منصوبًا بفعل محذوف تقديره: وما الدهر إلا يشبه منجنونًا، وكذلك يأتي الوجهان في قوله:"وما صاحب الحاجات إلا معذبًا" أي: إلا يعذب تعذيبًا، والمعذب يكون مصدرًا ميميًّا؛ كما في قوله تعالى:{وَمَزَّقْنَاهُمْ كل مُمَزَّقٍ} [سبا: 19]، أي: كل تمزيق، أو يكون التقدير: وما صاحب الحاجات إلا يشبه معذبًا، وزعم ابن بابشاذ أن أصله: إلا كمنجنون، ثم حذف الجار فانتصب المجرور

(1)

، ومن زعم أن كاف التشبيه لا تتعلق بشيء

(2)

، فهذا التخريج عنده باطل؛ إذ كان حقه أن يرفع المجرور بعد حذفها؛ لأنه كان في محل الرفع على الخبرية لا في موضع نصب باستقرار مقدر، فإذا ذهب الجار ظهر ما كان للمحل

(3)

.

وروى المازني البيت:

أرى الدهر إلا منجنونًا بأهله

ثم حكم بزيادة لا، وتبعه ابن مالك [رحمه اللَّه تعالى]

(4)

في ذلك

(5)

، والمحفوظ: وما الدهر، ولئن سلمنا أنه: أرى الدهر إلا منجنونًا مثل ما رواه، فيؤول على أن "أرى" جواب لقسم مقدر، وحذفت لا كحذفها في:{تَاللَّهِ تَفْتَؤُأ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85]، ودل على ذلك الاستثناء المفرغ

(6)

.

(1)

ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (220).

(2)

وهو رأي الأخفش وابن عصفور؛ حيث ذهبا إلى أن الكاف في نحو: زيد كعمر، لا تتعلق؛ لأن المتعلق إن كان (استقر) فالكاف لا تدل عليه، وإن كان فعلًا مناسبًا للكاف وهو أشبه فهو متعد بنفسه لا بالحرف. ينظر: المغني (442).

(3)

اعتراض للعيني على من زعم أن كاف التشبيه لا تتعلق بشيء.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ينظر رأي المازني في شرح شواهد المغني (220)، وقال ابن مالك:"فالأولى أن يجعل منجنونًا ومعذبًا خبرين لما منصوبين بها؛ إلحاقًا بليس في نقض النفي كما ألحقت بها في عدم النقض". شرح التسهيل لابن مالك (1/ 374).

(6)

ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (220).

ص: 637

الاستشهاد فيه:

في قوله: "منجنونًا"، و"معذبًا"؛ حيث نصبا على بطلان عمل ما بدخول إلا، وقال ابن الناظم: هذا نادر وسكت عن تأويله وقد ذكرناه

(1)

.

‌الشاهد التاسع عشر بعد المائتين

(2)

،

(3)

وَمَا خُذَّلٌ قَوْمِي فَأَخْضَعَ لِلْعِدَا

وَلَكِنْ إِذَا أَدْعُوهُمُ فَهُمُ هُمُ

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الطويل.

قوله: "خُذّلٌ" بضم الخاء [المعجمة]

(4)

، وتشديد الذال المعجمة؛ جمع خاذل؛ من خذله خذلانًا إذا ترك عونه ونصرته، "والعِدا" بكسر العين؛ جمع عدو.

الإعراب:

قوله: "وما خذل" كلمة ما نافية بطل عملها لتقدم خبرها على اسمها، وهو قوله:"خذل"، فإنه خبر، وقوله:"قومي": كلام إضافي اسمها، قوله:"فأخضع" بالنصب لأنه جواب النفي تقديره: فأن أخضع، وقوله:"للعدا": يتعلق به، قوله:"ولكن": للاستدراك، وكلمة "إذا" للشرط و "أدعوهم": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت فعل الشرط، قوله:"فهم هم": جملة اسمية من المبتدأ والخبر وقعت جوابًا للشرط" فلذلك دخلت فيها الفاء، ومعناه: فهم الكاملون في الشجاعة والشهامة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وما خذل قومي"؛ حيث أبطل فيه عمل "ما" لتقدم خبرها على اسمها كما ذكرناه

(5)

.

(1)

اشترط النحويون لعمل (ما) عمل (ليس) ألا ينقض نفي خبرها بإلا، فإن انتقض بها بطل عملها، وأجاز ابن مالك عملها في هذا البيت تشبيهًا بليس في نقض المنفي، أما ابنه فجعل العمل نادرًا. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 371) وما بعدها، وابن الناظم (56) وتوضيح المقاصد (1/ 313).

(2)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 279).

(3)

البيت من بحر الطويل لزياد بن منقذ في الخزانة (5/ 250)، وسر الصناعة (1/ 271)، والتصريح (1/ 104)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1392)، وشرح شواهد المغني (1/ 135)، وابن يعيش (7/ 26)، ونسب لبدر بن سعيد أخي زياد أو المرار في الأغاني (10/ 330)، وغير منسوب في تخليص الشواهد (83)، ومغني اللبيب (1/ 146).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ينظر التعليق على الشاهد رقم (217) وهنا؛ فقد شرط من شروط عمل (ما) وهو ألا يتقدم الخبر على الاسم =

ص: 638

‌الشاهد العشرون بعد المائتين

(1)

،

(2)

فَأَصْبَحُوا قَدْ أَعَادَ اللهُ نِعْمَتَهُم

إذْ هُمْ قُرَيْشٌ وَإذْ مَا مِثْلَهُمْ بَشَرُ

أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب، وهو من قصيدة رائية يمدح بها عمر بن عبد العزيز -[رضي اللَّه تعالى عنه]

(3)

-، وأولها هو قوله:

1 -

تقُولُ لما رأتْني وهي طيِّبةٌ

على الفراشِ ومنها الدَّلُّ والخفَرُ

2 -

أَصْدرْ هُمَومَك لا يقتُلْك وَارِدُها

فكل واردةٍ يومًا لها صَدَرُ

3 -

فعجتها قبل الأخيارِ منزلةً

والطّيِّبي كُلّ ما التاثت به الأُزُرُ

4 -

إذَا رَجا الركبُ تعريسًا ذَكَرْتُ لهم

غيشًا يكونُ على الأيدي لَهُ دِرَرُ

5 -

وكيف تَرجُونَ تغميضًا وأهْلُكُمُ

بحيثُ تَلْحَسُ عن أولادها البقَرُ

6 -

سيروا فإنّ ابنَ ليلى مِنْ أمامكُمُ

وبادِرُوه فإن العُرْفَ يُبتَدرُ

7 -

فاصبحوا ................

................. إلى آخره

8 -

ولن يزال إمامٌ منهُمُ مَلِكٌ

إليه يَشْخَصُ فوق المنْبَرِ البَصَرُ

9 -

إنْ عاقبوا فالمنَايَا من عقوبتهِم

وإنْ عَفَوا فذوو الأحلامِ إنْ قَدرُوا

10 -

كمْ فرّق الله من كيدٍ وجمّعهُ

بِهِمْ وأطفأ من نارٍ لها شَرَرُ

وهي من البسيط.

المعنى كله ظاهر، وأراد بابن ليلى عمر بن عبد العزيز -رضي الله [تعالى]

(4)

عنه- فإن ليلى اسم أمه، وهي ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأبوه عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.

= وهنا تقدم الخبر وهو (خذل) على الاسم وهو (قومي) فبطل عملها.

(1)

ابن الناظم (56)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 280).

(2)

البيت من بحر البسيط، منسوب للفرزدق، من قصيدة طويلة يمدح بها عمر بن عبد العزيز (ديوانه (1/ 182) دار صادر)، الأبيات التي اختارها العيني ليست كما في الديوان؛ بل فيها تقديم وتأخير، وانظر بيت الشاهد في الكتاب (1/ 60)، والمغني (363)، والمقتضب (4/ 191)، ورصف المباني (312)، والمقرب (1/ 102)، وتخليص الشواهد (281)، والخزانة (4/ 133)، والدرر (2/ 103)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 162)، والتصريح (1/ 198)، وشرح شواهد المغني (1/ 237).

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 639

الإعراب:

قوله: "فأصبحوا": من الأفعال الناقصة، ولكنها هاهنا بمعنى صاروا، وهي جملة من الفعل والفاعل، قوله:"قد أعاد الله نعمتهم": جملة وقعت حالًا، ويروى: دولتهم عوض نعمتهم، قوله:"إذ": للتعليل، و"هم": مبتدأ، و "قريش"خبره.

قوله: "وإذ ما مثلهم بشر": عطف على "إذ هم قريش"، و "إذ" هنا أيضًا للتعليل، وكلمة "ما" بمعنى ليس، واسمه قوله:"بشر"، وخبره قوله:"مثلهم" مقدمًا.

الاستشهاد فيه:

حيث عمل"ما" مع تقدم خبره وهو نادر؛ لأن "ما" عامل ضعيف؛ فإذا تقدم خبرها على اسمها لم يعمل، وهاهنا قد عمل على الندرة.

ويقال: إن هذا من غلط الفرزدق؛ لأنه كان تميميًّا

(1)

، وليس من لغته نصب [الخبر]

(2)

، فكأنه قصد أن يتكلم باللغة الحجازية، ولم يعلم أن من شرط نصب الخبر تأخر الخبر؛ فأقدم على الحكم بدون شرطه فغلط

(3)

.

ويقال: إن "مثلهم" نصب على الحال؛ لأنه صفة البشر، وصفة النكرة إذا تقدمت عليها نصبت على الحال، والتقدير هاهنا: واذ ما في الدنيا بشر مثلهم

(4)

، ويقال: إنه ظرف تقديره: وإذ ما مكانهم بشر، في مثل حالهم

(5)

.

‌الشاهد الحادي والعشرون بعد المائتين

(6)

،

(7)

وَقَالُوا تَعَرَّفْهَا الْمَنَازِلَ مِنْ مِنًى

وَمَا كُلَّ مَن وَافَىْ مِنًى أَنَا عَارِفُ

أقول: قائله هو مزاحم بن الحارث بن الأعلم العقيلي شاعر إسلامي

(8)

، وهو من قصيدة

(1)

في (أ): لأنه تميمي.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 373)، شرح شواهد المغني (238).

(4)

ينظر المغني (600)، وشرح شواهد المغني (238)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 373).

(5)

ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (238)، والمغني (600).

(6)

ابن الناظم (57)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 282).

(7)

البيت من قصيدة طويلة لمزاحم العقيلي، وانظر بعضها في الخزانة (6/ 268)، وشرح شواهد المغني (970)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 43)، وانظر لبيت الشاهد في التصريح (1/ 198)، والكتاب (1/ 72)، والأشباه والنظائر (2/ 233)، والخصائص (2/ 354)، والمغني (694)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 139، 242).

(8)

بدوي فصيح، عاش في زمن جرير والفرزدق.

ص: 640

فائية، وأولها هو قوله:

1 -

وقالوا تعرفها ..........

..................... إلى آخره

وبعده:

2 -

فَوَجْدِي بِهَا وَجْدَ المُضِلُّ بَعيره

بِمَكَّةَ لمْ تَعطِفْ عليهِ العَوَاطِفُ

3 -

فمَا عنَبٌ جَوْنٌ بأعْلَى تَبَالةٍ

حصِيدٌ أَمَالتْهُ الأكفُّ القَواطِفُ

4 -

بأطيبَ مِنْ فِيهَا ومَا ذُقتُ طَعْمَهُ

ولكِنَّنِي بالطَّيرِ والنَّاسِ عَارفُ

5 -

ومَا بَرحَ الوَاشُونَ حتَّى ارْتَمَوْا بنا

وحَتَّى قلُوبٌ عَنْ قُلُوبٌ صَوَارِفُ

وهي من الطويل.

3 -

قوله: "جون" الجون -بفتح الجيم: الأبيض، والجون: الأسود، وهو من الأضداد، قوله:"تبالة" بفتح التاء المثناة من فوق والباء الموحدة؛ وهي بلدة باليمن خصبة

(1)

، وفي المثل: أهون من تبالة على الحجاج

(2)

، "والقواطف": جمع قاطفة، من القطف وهو القطع.

1 -

قوله: "تعرفها": أمر من تعرف يتعرف؛ من قولهم: تعرفت ما عند فلان؛ أي: تطلبت حتى عرفت، والضمير المنصوب يرجع إلى محبوبته التي يهواها و "منًى": قرية ينحر بها الهدايا ويُرمى بها الجمرات بين عرفة ومكة

(3)

.

[قوله]

(4)

: "وما كل من وافى" أي: وما كل من بلغ منى ومن وصل إليها، أراد أنه اجتمع بمحبوبته في الحج ثم فقدها فسأل عنها، فقالوا [له]

(5)

تعرفها؛ يعني: تطلبها وسل عنها في منازل الحج من منى، فقال: أنا لا أعرف كل من وافى منى حتى أسأل

(6)

.

الإعراب:

قوله: "وقالوا": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"تعرفها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهي مقول القول، قوله:"المنازل": نصب على الظرف أي: في المنازل، والأصح أنه منصوب بنزع الخافض لا على الظرف لأنه مختص.

قوله: "وما": نفي، قوله:"كلَّ": منصوب على أنه مفعول لقوله عارف على لغة بني تميم،

(1)

معجم البلدان (2/ 10).

(2)

ينظر مجمع الأمثال (3/ 507).

(3)

معجم البلدان (5/ 229).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (971).

ص: 641

وليس بظرف، ويجوز أن يرفع كل على لأنه اسم ما، وتكون الجملة من المبتدأ والخبر؛ أعني: قوله: "أنا عارف" خبره، والعائد محذوف؛ أي: عارفه، وقوله:"من" موصولة، وقوله:"وافى مِنًى": صلتِها في محل الجر على الإضافة.

الاستشهاد فيه:

على إبطال عمل "ما" لأنها معمول الخبر وليس ظرفًا ولا مجرورًا؛ لأن "كل" معمول لعارف؛ كما ذكرناه؛ كما في قراءة عامر: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10]

(1)

.

‌الشاهد الثاني والعشرون بعد المائتين

(2)

،

(3)

بِأُهْبَةِ حَزْمٍ لُذْ وَإِنْ كُنْتَ آمِنًا

فَما كُلَّ حينِ مَنْ تُوَالِي مُوَالِيًا

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الطويل.

قوله: "بأهبة" بضم الهمزة وسكون الهاء، وهو التأهب والتهيؤ، تقول: أخذت أهبة ذاك الأمر وتأهبت له، و "الحزم" بفتح الحاء المهملة، وهو ضبط الأمر، والحزامة: جودة الرأي، قوله:"لُذْ": أمر لاذ يلوذ لوذًا، ولاذ لياذًا أو لاوذ لواذًا، قوله:"توالي": مضارع من الموالاة، و "مواليًا": بضم الميم اسم الفاعل منها.

الإعراب:

قوله: "بأهبة": جار ومجرور يتعلق بقوله: "لْذ"، وفيه "أنت" مستتر فاعل له، قوله:"وإن كنت آمنًا": جملة معطوفة على محذوف تقديره: إن لم تكن آمنًا، وإن كنت آمنًا، والتاء في كنت اسمه "وآمنًا": خبره، قوله:"فما كل حين" الفاء للتعليل، وما نافية بمعنى ليس، وقوله:"من" في محل الرفع اسم ما، وهي موصولة. وقوله:"توالي": جملة من الفعل والفاعل صلتها، والضمير محذوف تقديره: تواليه، وقوله:"مواليًا": نصب؛ لأنه خبر ما،

(1)

ينظر التبصرة في القراءات السبع لمكي بن أبي طالب (693، 694)، والسبعة في القراءات (625)، والمبسوط في القراءات العشر (362)، والبحر المحيط لأبي حيان (10/ 219)، وينظر التعليق على الشاهد رقم (217)، وهنا لم تعمل (ما) لأنها معمول الخبر، وشرط عملها: ألا يتقدم معمول الخبر على اسمها.

(2)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 283).

(3)

البيت من بحر الطويل لم ينسب لقائله، وهو في التصريح (1/ 199)، وشرح الأشموني (1/ 249)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 370)، والمعجم المفصل (1085).

ص: 642

وقوله: "كل حين": كلام إضافي، "وكل": نصب على الظرف وهو معمول الخبر، فلما تقدم معمول الخبر الذي هو كل حين لم يبطل عمل ما؛ لأن معمول الخبر إذا كان ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا لا يبطل به العمل

(1)

.

والاستشهاد فيه:

حيث عملت "ما" عمل "ليس"، وإن كان تقدم معموله على اسمها لكونه ظرفًا

(2)

.

‌الشاهد الثالث والعشرون بعد المائتين

(3)

،

(4)

تَعَزَّ فَلَا شَيءٌ عَلَى الأَرْضِ بَاقِيًا

وَلَا وَزَرٌ مما قَضَى اللهُ وَاقِيًا

أقول: هذا البيت -أيضًا- من الطويل.

وقوله: "تعز": أمر من تعزى يتعزى؛ من العزاء وهو الصبر، والتسلي، قوله:"ولا وزر" بفتح الواو والزاي المعجمة وفي آخره راء؛ وهو الملجأ، وأصل الوزر الجبل، قوله:"واقيًا"[من]

(5)

وقى يقي وقاية إذا حفظ.

والمعنى: اصبر وتسلّ على ما أصابك من المصيبة، فإنه لا يبقى شيء على وجه الأرض، ولا ملجأ يقي الشخص ويحفظه مما قضى الله رب العالمين.

الإعراب:

قوله: "تعز": أمر وأنت مستكن فيه فاعله، قوله:"فلا شيء على الأرض باقيًا": جواب الأمر، وكلمة "لا" بمعنى ليس، "وشيء": اسمه، "وباقيًا": خبره، "وعلى الأرض": يتعلق به، قوله:"ولا وزر": عطف على قوله: "فلا شيء" أي: ليس وزر، "ووزر ": اسم لا، وخبره قوله:"واقيًا"، وقوله:"مما قضى الله" يتعلق به، و "ما": موصولة، و "قضى الله": جملة صلتها، والعائد

(1)

اشترط النحاة لعمل (ما) عمل ليس ألا يليها معمول الخبر ما لم يكن ظرفًا أو جارًا ومجرورًا، فإن كان كذلك جاز إعمالها كقولك: ما عندك زيد مقيمًا، ومثله بيت الشاهد. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 370)، وتوضيح المقاصد (1/ 314)، والتصريح (1/ 198).

(2)

أجاز النحويون عمل (ما) في مثل هذا الموضع؛ لأن الظرف والجار والمجرور يجوز فيهما ما لا يجوز في غيرهما.

(3)

ابن الناظم (58)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 318)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 286)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 313).

(4)

البيت من بحر الطويل لقائل مجهول، ولم ينسبه العيني، وهو في تخليص الشواهد (294)، والدرر (2/ 111)، والمغني (1/ 239)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 376).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 643

محذوف؛ أي: من الذي قضى الله به.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فلا شيء، ولا وزر" فإن "لا " في الموضعين بمعنى ليس وعملت عملها

(1)

.

‌الشاهد الرابع والعشرون بعد المائتين

(2)

،

(3)

لَهْفِي عَلَيْكَ لِلَهْفَةٍ مِنْ خَائِفٍ

يَبْغِي جِوَارِكَ حِينَ لَاتَ مُجِيرُ

أقول: قائله هو شمردل الليثي

(4)

، وهو من قصيدة يرثي بها منصور بن زياد

(5)

، وهذا هو أولها، وبعده هو قوله:

2 -

أمَّا القُبُورُ فإنَّهُنَّ أَوانِسٌ

بِجوارِ قبرِكَ والدِّيَارُ قُبُورُ

3 -

عَمَّتْ فَوَاضِلُه فَعَمَّ مُصَابُهُ

فالناسُ فيه كلُّهمُ مَأْجُورُ

4 -

والنَّاسُ مَأْتمُهمْ عليه وَاحدٌ

في كُلِّ دَارٍ رَنَّةٌ وَزفِيرُ

5 -

ردَّتْ صَنَائِعُهُ عليه حَياتُهُ

فكأنَّهُ مِنْ نَشْرِها مَنْشُورُ

6 -

يُثْنِي عليك لسانُ مَنْ لَمْ تُولِهِ

خَيرًا لِأَنَّكَ بالثنَاء جَدِيرُ

7 -

عَجَبًا لِأَرْبعِ أَذْرُعٍ في خَمْسَةٍ

في جَوْفِهَا جَبَلٌ أَشمُّ كَبِيرُ

[وهي من الكامل]

(6)

.

1 -

قوله: "لهفي عليك"، أي: حسرتي

(7)

عليك، وهو من تلهف على الشيء، ولهف إذا حزن وتحسر [أي: حسرت عليك]

(8)

، قوله:"يبغي" أي: يطلب، قوله:"جوارك" بكسر

(1)

تعمل (لا) النافية للوحدة عمل ليس عند الحجازيين بشرط أن يكون اسمها وخبرها نكرتين، وألا يتقدم خبرها على اسمها، وألا ينتقض النفي بإلا، فإن اختل شرط أهملت. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 376) وما بعدها، وتوضيح المقاصد (1/ 318). وما بعدها، والمغني (239) وما بعدها.

(2)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 287).

(3)

البيت من بحر الكامل، مطلع قصيدة من سبعة أبيات لشمردل الليثي يرثي بها منصور بن زياد، والأبيات في شرح شواهد المغني (2/ 927)، وفي الدرر (2/ 63)، وللتميمي في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (950)، وانظر الأشباه والنظائر (6/ 82)، والمغني (631)، وشرح الأشموني (1/ 256)، والتصريح (1/ 200).

(4)

قيل: هو شمردل بن شريك بن عبد الله بن رؤبة، المتوفى (80 هـ)، الشعر والشعراء (470)، وموسوعة شعراء صدر الإسلام والعصر الأموي (164)، وقيل: القائل هو التميمي عبد الله بن أيوب، الخزانة (4/ 171).

(5)

أحد وجوه الدولة العباسية وكان ابن محمد بن منصور كاتبًا للبرامكة.

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(7)

في (أ): حسرتي.

(8)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 644

الجيم؛ بمعنى الأمان، و "مجير": اسم فاعل من أجار.

ومعنى بقية الأبيات ظاهر.

7 -

والمراد من قوله: "عجبًا لأربع أذرع في خمسة" هو القبر، "وجبل أشم" أي: مرتفع عالٍ.

الإعراب:

قوله: "لهفي": مبتدأ، وقوله:"عليك": خبره، أي: تلهفي عليك، قوله:"للهفة ": يتعلق بما دل عليه لهفي، واللام فيه للتعليل، أي: لأجل لهفة كائنة، "من خائف" أي: من شخص خائف.

حاصل المعنى: تحسري عليك لأجل تحسر خائف كان يطلب جوارك، أي: أمانك حين ليس له مجير.

وقد ادعى بعض المتشغبين أن البيت هكذا: لهفي عليك كلهفة. بكاف التشبيه، وهذا ليس بصحيح؛ لأن

(1)

مراده ليس تشبيه تلهفه بتلهف الخائف الذي كان يطلب جوار ذلك الهالك، وإنما مراده: بيان أنه يتلهف ويتحسر لأجل تلهف ذلك الخائف لفوات ما كان يأمله، والذي حملهم على ذلك اعتمادهم على النسخ السقيمة التي حرفها الجهال وأَخْذِهُمُ العلوم من المساطير دون أفواه الرجال المتقنين.

قوله: "يبغي": فعل وفاعل، وهو الضمير الذي يرجع إلى الخائف، وقوله:"جوراك": كلام إضافي مفعوله، والجملة صفة لخائف، قوله:"حين": نصب على الظرف وهو ظرف ليبغي، قوله:"ولات": مهملة هاهنا لعدم دخولها على الزمان، رقي له:"مجير": مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف، والتقدير: حين لات له مجير.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حين لات" حيث أهملت عن العمل لعدم دخولها على الزمان؛ لأن شرط عملها كون معمولها اسم زمان، وعند الجمهور هي تعمل عمل ليس، ولا يذكر بعدها إلا أحد المعمولين، والغالب أن يكون المحذوف هو المرفوع

(2)

.

(1)

في (أ): فإن.

(2)

اشترط الجمهور لعمل (لات) شرطين؛ الأول: أن تعمل في أسماء الزمان مثل: حين، وساعة، والثاني: أن يذكر أحد معموليها، والغالب حذف الاسم وبقاء الخبر كقوله تعالى:{وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3]، وفي هذا الشاهد أهملت (لات) لعدم دخولها على الزمان. ينظر: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 377)، وتوضيح المقاصد (1/ 323)، والمغني (254).

ص: 645

‌الشاهد الخامس والعشرون بعد المائتين

(1)

،

(2)

لَاتَ هَنَّا ذِكْرَى جُبَيْرَةَ أَوْ مَنْ

جَاءَ مِنْهَا بِطَائِفِ الأَهْوَالِ

أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس بن جندل بن شرحبيل بن عوف بن سعد بن ضُبيعة بن قيس بن ثعلبة الشاعر المشهور، والبيت المذكور من قصيدة لامية وأولها هو قوله:

1 -

ما بكاءُ الكبيرِ بالأطْلالِ

وسُؤالي فما يَرُدّ سؤالي

2 -

دِمنةٌ قفرةٌ تعاوَرَها الصيف

بريحَيْن مِن صَبا وشمالِ

3 -

لَاتَ هَنَّا ذِكْرَى جُبَيرَةَ أَوْ مَنْ

جَاءَ مِنْهَا بِطَائِفِ الأَهْوَالِ

4 -

حَلَّ أهلي بَطْنَ الغميسِ فَبَادَو

لي وحَلَّتْ عُلويّة بالسِّخالِ

5 -

تَرْتَعِي السَّفح فالكثيب فذو قا

ر فرَوْضَ القطا فَذاتَ الرَّئالِ

6 -

رُبّ خَرْقٍ مِنْ دُونِها يخرسُ السَّفـ

ـر وَمِيلٍ يُفْضِي إلى أميالِ

7 -

وسِقاءٍ تُوكَا على تأقِ الْما

ءِ بِسَيرٍ ومُستقى أَوْشَالِ

8 -

وادّلاجٍ بعد المنامِ وتهجيـ

ـرٍ وقُفٍ وسَبْسَبٍ ورمال

9 -

وقليبٍ أجْنٍّ كأن من الريـ

ـشِ بأرْجائِهِ لُقوطَ نِصَالِ

10 -

فَلَئِنْ شطَّ بي المزارُ لقد أَغْـ

ـدُو قَليلَ الهُمومِ نَاعِمَ بَالِ

11 -

إذْ هَي الهمَّ والحديثُ وإذ يَقْـ

ـضي إليك الأمير ذو الأقوالِ

12 -

ظَبْية مِنْ ظِباءِ وجْرَة أَدْما

ء تَسفُّ الكباثَ تَحْتَ الهدالِ

13 -

حُرَةٌّ طَفلةُ الأنَاملِ تَرْتَـ

ـبُّ سُخامًا تكُفُّه كلال

وهي طويلة من الخفيف.

1 -

قوله: "ما بكاء الكبير" أراد الأعشى بالكبير نفسه كأنه يعذل نفسه في وقوفه على الأطلال وسؤاله إياه، ثم رجع إلى نفسه فقال: وما الذي يرد سؤالي.

2 -

قوله: "دمنة": نصب على تقدير أعني، ويروى: دمنة بالرفع على أن تكون اسم "ما" في

(1)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 289).

(2)

البيت من بحر الخفيف، من قصيدة طويلة للأعشى يمدح بها الأسود بن المنذر اللخمي (ديوان الأعشى (163) دار صادر)، وبيت الشاهد في الخزانة (4/ 196)، والخصائص (2/ 474)، والدرر (2/ 118)، والتصريح (1/ 200)، وابن يعيش (3/ 17)، والمحتسب (2/ 39)، والإنصاف (1/ 289)، ورصف المباني (170)، واللسان مادة:(هنأ)، والمقرب (1/ 126).

ص: 646

قوله: "فما يرد" أي: فما دمنة ترد عليّ سؤالي، والدمنة: بكسر الدال؛ آثار الناس وما سودوا، و "قفرة": صفة لدمنة على الوجهين، وهي الأرض الخالية، [قوله:]

(1)

"تعاورها": من المعاورة وهي أن تهب الشمال مرة ثم تعقبها الجنوب ثانية أو الصبا، وكل ريح عاقبتها ريح فقد عاورتها.

3 -

قوله: "لات هنا" أي: ليس هذا الحين حين ذكرى جبيرة، فهنا -بفتح الهاء وتشديد النون، إشارة إلى الزمان، و "جبيرة" بضم الجيم وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الراء وفي آخرها هاء، وضبطها بعضهم: جَبَيرة -بفتح الجيم؛ وهي جبيرة بنت عمرو من بني حزم بن بكر بن وائل، ويقال: هي امرأة الأعشى، قوله:"بطائف الأهوال" الطائف: العاس، وهو الذي يطوف بالليل، ومنه الطيف الذي يراه النائم، والأهوال: جمع هول وهو الخوف، يقال: هالني يهولني، وأراد به هاهنا الخيال كأنه رآها في النوم وهي غضبى فارتاع لذلك.

4 -

قوله: "حل أهلي" أي: قومي، و "بطن الغميس" بفتح الغين المعجمة وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة، وهو قريب من الكوفة، و"بَادَوْلي" بالباء الموحدة وفتح الدال المهملة وسكون الواو وفتح اللام؛ موضع بسواد العراق، و "السخال" بكسر السين المهملة والخاء المعجمة؛ من أرض العالية، وهي هضاب صغار متقارب بعضها من بعض في أرض مستوية، إذا نظر إليها الناظر ظنها سخالًا تُرعَى حتى يقرب منها فحينئذ يعلم أنها هضاب، قوله:"علوية": نصب على الظرفية؛ أي: حلت جبيرة في علوية بالسخال؛ أي: في عالية بها.

5 -

قوله: "ترتعي" ليس يريد جبيرة بهذا اللفظ، وإنما يعني القبيلة، و "السفح": سفح الجبل، وأراد به هاهنا موضعًا مشهورًا و "الكثيب": كثيب الرمل، وهاهنا اسم موضع، و "ذو قار" بالقاف؛ موضع كانت فيه حرب بين الفرس وبكر بن وائل

(2)

، و "روض القطا": رياض متصل بعضها ببعض؛ فالقطا تبيض فيها وتأويها، فلذلك نسبت إليه، و "ذات الرئال" بكسر الراء وفتح الهمزة؛ مفاوز متصل بعضها بعض تكون فيها النعام لقلة مائها والنعام لا يريد الماء، و "الرئال": فراخ النعام، الواحد: رأل بفتح الراء وسكون الهمزة.

6 -

قوله: "ورب خَرقْ" بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وفي آخره قاف؛ وهو من الفلاة الموضع الذي تنخرق فيه الريح، قوله:"يخرس السفر": من الإخراس -بالخاء المعجمة، وإنما يخرس السَّفْر؛ لأن خوفهم شديد فيه لا يتكلمون ولا ينطقون؛ أو لأجل خوف العطش يكرهون الكلام؛ لأن المتكلم يعطش، والسَّفر -بفتح السين المهملة وسكون الفاء: جمع سافر؛ وهم المسافرون، قوله:"ميل" بكسر الميم وهو العلامة، وقيل: المسافة بين كل علمين.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

معجم البلدان (4/ 333).

ص: 647

7 -

قوله: "وسقاء" أي: ورب سقاء، وهو الدلو، والمراد بها القربة هاهنا، "توكأ" أي: تربط، قوله:"على تَأقٍ" بفتح التاء المثناة من فوق وفتح الهمزة وفي آخره قاف، وهو فيض الإناء بعد ملئه، والتأق أيضًا: الملء نفسه، يقال: أَتْقَأْته وأترعته بمعنى واحد، قوله:"بسير" يتعلق بقوله: توكا، وربما يريد به بعضهم المسير، و "المستَقَى" بفتح التاء والقاف؛ الموضع الذي يستقى منه، و "الأوشال": جمع وَشَل -بفتحتين والشين معجمة وهو الماء القليل.

8 -

قوله: "وادّلاج" بتشديد الدال، وهو السير في آخر الليل، والإدْلاج -بسكون الدال سير الليل كله، و "التهجير": السير في الهاجرة، و "القف" بضم القاف وتشديد الفاء؛ الغليظ من الأرض، و"السبسب": البعيد الأطراف المستوي.

9 -

قوله: "وقليب" بفتح القاف؛ وهو البئر، و "الأجْن" بفتح الهمزة وسكون الجيم وفي آخره نون، وهو الماء المتغير، يقال: أجن الماء يأجن أجونًا وأسن يأسن أسنَا، و"أرجاء البئر": نواحيها ما بين أعلاها إلى أسفلها، واحدها رجا مقصور، و "النصال": نصال السهم.

11 -

قوله: "الأمير" أي: القيم، و"الأقوال": المواعظ من القول، قوله:"وجْرَة" بفتح الواو وسكون الجيم وفتح الراء؛ وهي ثلاث مراحل من مكة إلى البصرة.

12 -

قوله: "أدماء" بفتح الهمزة أي: حمراء وهي أطول الظباء أعناقًا وأضخمها أبدانًا ولها جدنان سوداوان في مراق بطنها، قوله:"تسف الكباث" أي: ترعى الكباث، وهو الغض من ثمر الأراك، و"الهدال" بفتح الهاء؛ ما تهدّل عليها من غصون الشجر.

13 -

قوله: "طفلة الأنامل" بفتح الطاء أي: رخصة الأنامل، وهي الناعمة، قوله:"ترتبّ" أي: تغدُو سخامًا، أي: الشعر بالدهن والطيب.

الإعراب:

قوله: "لات" بمعنى: ليس، و:"هنا" بفتح الهاء وتشديد النون، قيل: ظرف مكان بمعنى: هُنَا، و"ذكرى": مبتدأ، وخبره ظرف المكان قبله، والجملة من المبتدأ والخبر منفية بلات، وهذا ضعيف؛ لأنه مخالف لما ذكره سيبويه من أن "لات" لا يجاوز بها الحين رَفَعْتَ أَوْ نَصَبتَ

(1)

.

وقيل: إن "هَنّا" هاهنا اسم زمان مرفوع بلات، "وذكرى جبيرة" في موضع نصب على أنه خبر لات، والتقدير: لات هذا الحين حين ذكرى جبيرة فحذف المضاف الذي هو حين، وأقيم

(1)

منع سيبويه والفراء إعمال (لات) عمل ليس إلا في لفظ الحين أو ما يرادفه. ينظر الكتاب (1/ 157)، وارتشاف الضرب (2/ 111)، والمغني (254) والجنى الداني (488).

ص: 648

المضاف

(1)

إليه مقامه، وهو المصدر، وحَذْفُ أسماء الزمان وإقامة المصادر التي أضيفت إليها مقامها نحو: مقدم الحاج وخفوق النجم كثير في كلامهم، ويكون "هَنّا" على هذا التقدير مما استعمل في الزمان.

قوله: "أو من جاء" ويروى: "أم من جاء منها" وهو استفهام فيه مضمر تقديره: الجبيرة تذكر أم من جاء منها؟ يعني: طيفها الطارق له في منامه، قوله:"بطاثف الأهوال": كلام إضافي يتعلق بجاء.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لات هَنّا"؛ حيث جاءت "لات" هاهنا مهملة لعدم دخولها على الزمان؛ لأن قوله: "ذكرى": مبتدأ وليس بزمان ونطره "لات" التي في البيت السابق

(2)

.

‌الشاهد السادس والعشرون بعد المائتين

(3)

،

(4)

إِنْ هُوَ مُسْتَوْلِيًا عَلَى أَحَدٍ

إِلَّا عَلَى أَضْعَفِ الْمَجَانِيِن

أقول: هذا أنشده الكسائي ولم يعزه إلى أحد.

وهو من المنسرح

(5)

، وفيه العصب بالصاد المهملة، والمعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "إنْ": بمعنى ليس، قوله:"هو": اسمها، و "مستوليًا": خبرها، وقوله:"على أحد":

(1)

في (أ): ما أضيف.

(2)

اختلف النحويون في إعمال لات في لفظ (هنا) فذهب ابن عصفور والشلوبين إلى جواز الاعمال، وجعل (هنا) اسم لات والخبر بعده منصوب؛ وبهذا تكون (هنا) خرجت عن الظرفية، وذهب الفارسي وابن مالك إلى إهمال لات إذا وقع بعد لفظ (هنا) وهي حينئذ منصوبة على الظرفية وهذا أولى بالاتباع. ينظر المقرب (115)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 377)، والمغني (592)، والتصريح (1/ 200)، وشفاء العليل للسلسيلي (1/ 333)، والجني الداني (489)، وقضايا الخلاف النحوية والصرفية في شفاء العليل، دكتوراه بالأزهر (237) وما بعدها، وإعراب الجمل وأشباه الجمل (204)، (فخر الدين قباوة).

(3)

ابن الناظم (58)، توضيح المقاصد للمرادي (1/ 321)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 291)، شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 317).

(4)

البيت من بحر المنسرح، مجهول القائل، وهو في الأزهية (46)، وتخليص الشواهد (306)، والجنى الداني (209)، والخزانة (4/ 166)، والدرر (2/ 108)، ورصف المباني (108)، والتصريح (1/ 201) وشرح عمدة الحافظ (216)، والمقرب (1/ 205).

(5)

نسبة العيني إلى الوافر، والصحيح أنه من المنسرح.

ص: 649

يتعلق به، وقوله:"إلا" للاستثناء وهو استثناء مفرغ، ويروى: إلا على حزبه الملاعين.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إنْ هو" فإنّ "إنْ" هاهنا نافية بمعنى ليس، وعملت عملها وهو نادر، وذكر أنه لغة أهل العالية، وفيه شاهد على مسألة أخرى، وهي أن انتقاض النفي بعد الخبر لا يقدح في العمل

(1)

.

‌الشاهد السابع والعشرون بعد المائتين

(2)

،

(3)

وَكُنْ لِي شَفِيعًا يوْمَ لَا ذُو شَفَاعَةٍ

بِمُغْنٍ فَتِيلًا عن سَوَادِ بْنِ قَارِبِ

أقول: قائله هو سواد بن قارب الأسدي الدوسي، وقيل: السدوسي الصحابي -رضي الله تعالى عنه- وكان كاهنًا في الجاهلية وشاعرًا، وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم، وكان رئيُّه قد أتاه ثلاث ليال في حال سِيِّئة ويضربه برجله ويقول له: قم يا سواد بن قارب واعقل إن كنت تعقل؛ إنه قد بعث نبي من لؤي بن غالب يدعو إلى اللَّه -تعالى-، وإلى عبادته فقصد النبيَّ صلى الله عليه وسلم ووقع في قلبه حُبّ الإسلام، فلما شاهده أنشده:

1 -

أتاني رئِيِّي بعْدَ هَدْءٍ ورَقْدَةٍ

ولَمْ أَكُ فِيمَا قَدْ بلوت بكَاذِبِ

2 -

ثلاثُ ليَالٍ قوله كُلّ ليْلَةٍ

أتَاكَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ

3 -

فَشَمَّرْتُ عَنْ ذَيْلِي الإزَارَ ووَسَّطَتْ

بِيَ الذِّعْلِبُ الوَجْنَاءَ بينَ السَّبَاسِبِ

4 -

فأشهَدُ أنَّ الله لَا رَبَّ غيره

وأنَّكَ مَأْمُونٌ عَلَى كُلِّ غَائِبِ

5 -

وأنكَ أَدْنَى المُرْسَلِينَ وَسِيلةً

إلى الله يَا ابنَ الأكْرَمِينَ الأطَايِبِ

6 -

فَمُرْنَا بمَا يأتيِكَ يا خَيرَ مُرسَلٍ

وإن كان فيما جئت شيب الزوائب

7 -

وَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لَا ذُو شَفَاعَةٍ

بِمُغْنٍ فَتِيلًا عن سَوَادِ بْنِ قَارِبِ

(1)

ذهب أكثر البصريين والفراء إلى أن (إنْ) النافية لا تعمل عمل ليس، ومذهب الكوفيين أنها تعمل بنفس شروط (لا) النافية، فإن اختل شرط أهملت، وإن انتقض النفي بعد الخبر تظل (إنْ) عاملة لوجود "إلا" بعد الخبر. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 375، 376)، ومعاني الحروف للرماني (75).

(2)

ابن الناظم (57)، توضيح المقاصد للمرادي (1/ 316)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 294)، شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 310).

(3)

البيت من بحر الطويل من قصيدة عدتها سبعة أبيات لسواد بن قارب الصحابي الجليل، أنشدها أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء يعلن إسلامه، انظر شرح أبيات المغني (6/ 273)، وانظر بيت الشاهد في الجنى الداني (54)، والدرر (2/ 126)، والتصريح (1/ 201)، وشرح عمدة الحافظ (215)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (835)، والمغني (419).

ص: 650

وهي من الطويل.

1 -

قوله: "رَئِييّ" الرئي -بفتح الراء وكسر الهمزة على وزن فعيل، يقال: له رئي من الجن، أي: مس، "والهدء": السكون، يقال: هدأ هدءًا وهدوءًا.

2 -

و"الذعلب" بكسر الذال المعجمة وسكون العين المهملة وكسر اللام وفي آخره باء موحدة؛ وهي الناقة السريعة، "والوجناء": الشديدة، وقيل: العظيم الوجنتين، "والسباسب": جمع سبسب، وهي المفازة.

5 -

قوله: "وأنك أدنى" أي: أقرب المرسلين.

7 -

قوله: "وكن لي شفيعًا" يخاطب [به]

(1)

رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له: كن لي يا رسول اللَّه شفيعًا يوم لا يغني صاحب الشفاعة فتيلًا عن سواد بن قارب، و"الفتيل" -بفتح الفاء وكسر التاء المثناة من فوق، وهو الخيط الأبيض الرقيق الَّذي يكون في النواة، قوله:"عن سواد بن قارب" أصله: عني، ولكنه أقام المظهر مقام المضمر

(2)

.

الإعراب:

قوله: "وكن": أمر من كان يكون، وأنت مستكن فيه اسمه، وخبره قوله:"شفيعًا"، وقوله "لي" يتعلق بقوله شفيعًا واللام فيه للتعليل، أي: لأجلي، قوله:"يوم": نصب على الظرف

(3)

، قوله:"لا": بمعني ليس، وقوله:"ذو شفاعة"؛ كلام إضافي اسم "لا"، وخبره قوله:"بمغن"، والباء فيه زائدة، وقوله:"فتيلًا" نصب على أنَّه مفعول مغن، والأصل قدر فتيل، أي: قدر فتيل، قوله:"عن سواد بن قارب" جار ومجرور يتعلق بقوله: "بمغن".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بمغن" حيث دخلت فيه الباء الزائدة في خبر "لا" العاملة عمل ليس كما تدخل في خبر ليس

(4)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ينظر جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع (102) تأليف أحمد الهاشمي.

(3)

في (أ): الظرفية.

(4)

تزاد الباء في الخبر المنفي بليس وما أختها كثيرًا كقول الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36] وقوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]، وتزاد بقلة في خبر "لا" النافية العاملة عمل ليس كبيت الشاهد. ينظر المغني (110)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 382) وما بعدها، وتوضيح المقاصد (1/ 316).

ص: 651

‌الشاهد الثامن والعشرون بعد المائتين

(1)

،

(2)

وَإنْ مُدَّتِ الْأَيدِي إِلَى الزَّادِ لَمْ أَكُن

بِأَعْجَلِهِمْ إِذْ أَجْشَعُ الْقَوْمِ أَعْجَلُ

أقول: قائله هو الشنفرى الأزدي، واسمه عمرو بن براق، وهو رجل من الأزد، قتله أسيد بن جابر، ويقال: ذرع خطو الشنفرى ليلة قتل فوجد أول نزوة نزاها إحدى وعشرين خطوة، والثانية: سبع عشرة خطوة

(3)

، وله حكاية طويلة في غاراته وشجاعته.

وهو من قصيدة لامية، وهي قصيدة مشهورة طويلة من الطويل، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُورَ مَطِيَكُم

فإنِّي إلى قومٍ سِوَاكُمْ لَأَمْيَلُ

2 -

فَقَدْ حُمّتِ الحاجاتُ والليلُ مُقمرُ

وشُدَّت لِطيَّاتٍ مَطَايا وأَرْحُلُ

3 -

وفي الأرضِ مَنْأيً للكريم عَنِ الأْذى

وفيها لِمَنْ خاف القِلَى مُتَعَزِّلُ

4 -

لعمرُكَ ما فيِ الأرضِ ضِيقٌ على امْرئٍ

سرَى رَاغِبًا أَوْ رَاهِبًا وهو يَعْقِل

5 -

ولِي دُونَكُمْ أهْلُون سِيدٌ عَملَّسٌ

وأرْقَطُ ذُهْلُولٌ وعَرْفَاءُ جَيْأَلُ

6 -

هُمُ الأهلُ لَا مُستودَعُ السِّرِّ ذائعٌ

لَديْهمْ ولا الجاني بما جَرّ يُخْذَلُ

7 -

وكُلٌّ أَبِيٌّ باسِلٌ غَيْرَ أَنَنِّي

إذَا عَرَضَتْ أُولَى الطَّرائِد أَبْسَلُ

8 -

وإن مدت الأيدي .......

............................. إلى آخره

2 -

قوله: "فقد حمت الحاجات"، أي: قدرت، ومادته: حاء مهملة وميم، و"الطيات": جمع طية هي الجاجة، و"الأرحل": جمع رحل البعير؛ وهو أصغر من القتب.

3 -

قوله: "منأي": مفعل من النأى وهو البعد، و"القلى" بكسر القاف؛ البغض والعداوة.

5 -

قوله: "سيد" بكسر السين المهملة؛ وهو الذئب، وفي لغة هذيل؛ الأسد، و"العملس": السريع بسهولة، وهو من أوصاف الذئب، و "أرقط": الَّذي فيه سواد وبياض، والرقطة في

(1)

ابن الناظم (57)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 317)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 295)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 310).

(2)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة بلغت سبعين بيتًا للشنفرى الأزدي الشاعر الجاهلي المتوفى سنة (70) قبل الميلاد، انظر ديوانه (85) بتحقيق إميل بديع يعقوب، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (3/ 340)، والدرر (2/ 124)، وشرح شواهد المغني (899)، والجنى الداني (54)، والمغني (560)، والهمع (1/ 127)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 382).

(3)

في (أ، ب): سبع عشرة خطوة.

(4)

ديوان الشنفرى (58) وما بعدها، (شرح: إميل بديع يعقوب).

ص: 652

الأصل؛ كل لونين مختلفين، "والذهلول" بضم الذال المعجمة؛ الخفيف، "وعرفاء وجيأل": اسمان للضبع، والعرفاء في الأصل: صفة، وهي الطويلة العرف [ثم غلبت]

(1)

حتَّى جرت مجرى الأسماء، و "جيأل": علم لا ينصرف للتعريف والتأنيث.

7 -

قوله: "أبيّ" أي: ممتنع وهو كالآبي من الإباء بالكسر وهو الامتناع، و"الباسل" من البسألة وهي الشجاعة، وأصله من البسل وهو الحرام؛ فكأنه محرم على أقرانه.

8 -

قوله: "وان مدت الأيدي" على صيغة المجهول، "والأيدي": جمع يد، و"الزاد": طعام يتخذ للسفر، تقول: زودت الرجل فتزود، قوله:"بأعجلهم" يعني: بعَجِلهم، وليس المراد منه الأعجل الَّذي هو للتفضيل، وإنما المراد منه: العَجل بفتح العين وكسر الجيم، وأما أعجل الثاني فهو للتفضيل، ولا يخفى هذا على من له ذوق من المعاني.

قوله: "إذ أجشع القوم" الأجشع -بفتح الهمزة وسكون الجيم وفتح الشين المعجمة وفي آخره عين مهملة؛ أفعل من الجشع وهو الحرص على الأكل، وقال الجوهري: الجشع: أشد الحرص تَقُول منه: جَشِع بالكسر، قال: وكلاب الصيد فيهن جشع وتجشع مثله

(2)

.

والمعنى: إذا مدت القوم أيديهم إلى الزاد لم أكن أنا عجلًا في ذلك حين كون أجشعهم أعجل.

الإعراب:

قوله: "وإن": كلمة الشرط، وقوله:"مدت الأيدي": فعل الشرط، وقوله:"لم أكن": جواب الشرط واسم أكن مستتر فيه، وخبره قوله:"بأعجلهم" والباء فيه زائدة، وإنما حسنت زيادتها من أجل النفي بلم، وهو بمعنى: ما كنت ومن حكم لم أن تَرُدَّ الفعل المستقبل إلى المضي

(3)

، والماضي هاهنا لا معنى له [في جواب الشرط]

(4)

؛ لأن الشرط لا معنى له إلا في المستقبل؛ فعلى هذا فيه ثلاثة أوجه:

الأول: أن "لم" إذا وليت حرف الشرط تقرر الفعل المستقبل على بابه، ومع الشرط يرد المضارع إلى الماضي كذلك جواب الشرط لتعلقه بالشرط.

الثاني: إن "لم" ها هنا بمعنى "لا"، "ولا" تقع في جواب الشرط، ولا تغير معنى الاستقبال.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

الصحاح للجوهري مادة: (جشع).

(3)

قال ابن هشام: "لم حرف جزم لنفي المضارع وقلبه ماضيًا نحو: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} "، المغني (1/ 77)، حروف المعاني للزجاجي (8).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 653

الثالث: أن الشرط والجزاء هنا حكاية الحال، ولا يواد به الاستقبال في المعنى؛ فلذلك وقعت "لم" في جواب الشرط

(1)

.

قوله: "إذ": للظرف بمعنى حين مضاف إلى الجملة التي بعده، والعامل فيه:"أعجلهم" أي؛ [لا]

(2)

أسبقهم في ذلك الوقت، وهذا يؤيد ما ذكرنا من حكاية الحال؛ إذ لو أريد به المستقبل لكانت "إذا" لا "إذ"، قوله:"أجشع القوم": كلام إضافي مبتدأ، وقوله:"أعجل": خبره، وموضع الجملة جر بالإضافة، والتقدير: أعجلهم، أو أعجل من غيره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لم أكن بأعجلهم"؛ حيث دخلت الباء في خبر كان المنفية

(3)

.

‌الشاهد التاسع والعشرون بعد المائتين

(4)

،

(5)

دَعَانِي أَخِي وَالخَيْلُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ

فَلَمَّا دَعَانِي لَمْ يَجِدْنِي بِقُعْدُدِ

أقول: قائله هو دريد بن الصمة بن معاوية بن الحرث بن جداعة بن غزية بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن الفارس المشهور، والشاعر المذكور أحضره مالك بن عوف النصري يوم حنين معه فقتل كافرًا، والبيت المذكور من قصيدة دالية أولها هو قوله:

1 -

أَرَثَّ جَدِيدُ الحَبْلِ منْ آل مَعْبَدٍ

بعَافِيةِ وأَخْلَفَتْ كُلَّ مَوْعِدٍ

2 -

وبَاتَتْ ولمْ أَحْمِلْ إليك نوالها

ولمْ تَرْجُ فِينَا درة اليومِ أو غد

3 -

وكل تباريح المحب لقيته

سوى أنني لم ألق حتفي بمرصد

4 -

فقُلْتُ لَهُمْ ظُنُّوا بِألْفَيْ مُدَجَّجِ

سَرَاتُهُمُ في الفارِسِي المُسَرَّدِ

(1)

ينظر رصف المباني للمالقي (280)، والجنى الداني في حروف المعاني للمرادي (268) وما بعدها.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

تزاد الباء أيضًا بقلة في خبر كان المنفية مثل خبر (لا) النافية للوحدة كالشاهد السابق. قال ابن مالك في حديثه عن زيادة الباء: "وقد تزاد بعد نفي فعل ناسخ للابتداء" التسهيل (57)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 382).

(4)

ابن الناظم (57)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 296).

(5)

البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة لدريد بن الصمة الشاعر المعمر الجاهلي ويرثي فيها أخاه عبد الله، وانظر القصيدة في جمهرة أشعار العرب للقرشي (221)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (271)، والخزانة (11/ 279)، وانظر بيت الشاهد في تخليص الشواهد (286)، والدرر (2/ 125)، والتصريح (1/ 202)، واللسان:(قعد)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 383).

ص: 654

5 -

ولما رأيت الخيل قبلًا كأنها

جراد بياري وجْهَةِ الريح تغتدي

6 -

أمرْتُهُمُ أمريٍ بمُنْعَرجِ اللِّوَى

فَلَمْ يستبينُوا الرشْدَ إلا ضُحَى الغَدِ

7 -

فلَّما عَصْونِي كُنْتُ منهم وقَدْ أَرَىَ

غَوَايَتَهُمْ وإنَّني غَيرُ مُهْتدي

8 -

ومَا أَنا إلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إنْ غَوَتْ

غَوَيْتُ وإنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ

9 -

دعاني أخي ............... .... ..................... إلى آخره

10 -

نظرتُ إليه والرِّمَاحُ تَنُوشُهُ

كَوَقْعِ الصَّيَاصِي في النَّسيجِ المُمَدِّد

11 -

فطاعنتُ عَنْهُ الخيلَ حَتَّى تَبدَّدتْ

وحَتَّى عَلانِي حالِكُ اللونِ أسْودِ

12 -

طعانَ امرئِ آَسى أخَاهُ بِنَفْسهِ

ويعلمُ أَنَّ المرْءَ غَيرُ مُخَلَّدِ

13 -

تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسًا

فقلت أعبد اللَّه ذلكم الردي؟

14 -

فإنْ يَكُ عَبدُ اللَّه خَلَّى مكانَهُ

فَما كَانَ وقَّافًا ولا طائِشَ اليدِ

وهي من الطويل.

1 -

قوله: "أرث" بالثاء المثلثة المشددة، يقال: أرث الثوب إذا أخلق، وأراد:"بآل معبد" آل أخيه، وهو معبد بن الصمة، وكان له ثلاث أسماء: معبد وعبد اللَّه وخالد، ويقال بدل معبد: عارض؛ ولهذا قال في الحماسة في أول هذه القصيدة:

فصحْتُ لعارضٍ وأصحابِ عَارِضٍ

وَرَهْطِ بني السَّوْدَاءِ والقومُ شُهَّدِي

(1)

3 -

قوله: "وكل تباريح المحب" أي: توهجه، قال الجوهري: تَباريحُ الشوقِ: توهُّجُه

(2)

، ويقال: تباريح البلاء: شدائده.

4 -

قوله: "ظنوا" بضم الظاء وتشديد النون، ومعناه: أيقنوا، و"المدجج": التام السلاح من الدجة -بضم الدال وتشديد الجيم؛ وهي شدة الظلمة؛ لأن الظلمة تستر كل شيء، فلما ستر نفسه بالسلاح قيل: مدجج، وقيل: إنه من الدج، وهو المشي الرويد، والتام السلاح لا يسرع في مشيته، وأراد "بالفارسي المسرد" الدرع.

5 -

قوله: "قُبلًا" بضم القاف وسكون الباء الموحدة؛ جمع قبلاء من قولهم: رجل أقبل، وهو الَّذي كأنه ينظر إلى طرف أنفه، قوله:"يبارى" أي: يعارض، من قولهم: فلان يباري الريح سخاء.

(1)

ينظر شرح ديوان الحماسة "أبو تمام" للتبريزي (2/ 156).

(2)

الصحاح للجوهري مادة: (برح).

ص: 655

6 -

قوله: "بمنعرج اللوى" وهو منعطف الرمل، وأراد به الموضع المعنى

(1)

منه، قوله:"فلم يستبينوا الرشد" ويروى: النصح.

7 -

قوله: "كنت منهم" من هذه تفيد تبيين الوفاق وترك الخلاف، وأن الشأنين واحد.

8 -

قوله: "وما أنا إلا من غزية" ويروى: وهل أنا إلا من غزية -بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي، وأراد بغزية رهطه؛ فجعل نفسه منهم في حالتي الغي والرشاد.

9 -

قوله: "دعاني أخي" وهو عبد الله، وهو المسمى بمعبد وخالد أيضًا كما ذكرناه

(2)

، وأراد "بالخيل" الفرسان؛ قال اللَّه تعالى:{وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64]؛ أي: بفرسانك، قوله:"بقعدد" القعدد بضم القاف وسكون العين وضم الدال الأولى وفتحها، يقال: رجل قعدد إذا كان قريب الآباء إلى الجد الأكبر، وكان يقال لعبد الصمد بن علي بن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله تعالى عنهم - قُعْدد بني هاشم، ويُمدح به من وجه؛ لأن الولاء للكبر ويُذم به من وجه؛ لأنه من أولاد الهَرْمي، وينسب إلى الضعف، ومنه قول الشاعر.

والمعنى: طلبت أخي في الحرب، والحال أن الفرسان بيني وبينه، ولما طلبني لم يجدني قعددًا يعني: ضعيفًا متأخرًا.

10 -

قوله: "تنوشه" أي: تأخذه، قال ابن السكيت: يقال للرجل إذا تناول رجلًا ليأخذ برأسه ولحيته: ناشه ينوشه

(3)

، وكان أخوه عبد الله قتل، وجعل دريد يذب عنه وهو جريح، وهو قوله:"نظرت إليه والرماح تنوشه" وروي: فجئت إليه والرماح تنوشه، قوله:"كوقع الصياصي": جمع صيصية، وهي شوكة الحائك التي يسوى بها السدى واللحمة، وتكون من قرن ومن خشب.

11 -

قوله: "حتَّى تبددت" أي: حتَّى تفرقت، ويروى: حتَّى تنفست، قوله:"حالك اللون أسود" يروى برفع الدال على الإقواء

(4)

، ويروى: أسودي بياء النسب؛ كما قيل في الأحمر: أحمري، ثم خففت ياء النسب فحذفت الأولى منهما وجعلت الثانية صلة.

12 -

قوله: "أردت الخيل" أي: أهلكت الخيل فارسًا؛ من الإرداء وهو الإهلاك، قوله:"فقلت أعبد الله ذلكم الردي" أي: الهالك، والهمزة في أعبد الله للاستفهام، وإنما قال ذلك لما عرف من إقدامه أو لسوء

(5)

ظن الشقيق.

(1)

في (أ): المعين.

(2)

في (أ): ذكرنا.

(3)

ينظر الصحاح للجوهري مادة: (نوش).

(4)

الإقواء: اختلاف حركة الروى في قصيدة واحدة، وهو أن يجيء بيت مرفوعًا وآخر مجرورًا. ينظر: الوافي للتبريزي (215).

(5)

في (أ): أو لسوء.

ص: 656

الإعراب:

قوله: "دعاني": فعل ومفعول، وقوله:"أخي": كلام إضافي فاعله، قوله:"والخيل": مبتدأ، وخبره قوله:"بيني" و "بينه": عطف عليه، والجملة وقعت حالًا، قوله:"فلما دعاني": عطف على دعاني الأول، و "لما": ظرف، وجوابه "لم يجدني"، قوله:"بقعدد": مفعول ثان لقوله: "لم يجدني" والباء فيه زائدة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بقعدد" حيث دخلت الباء في المفعول الثاني لوجد لتقدم النفي عليه

(1)

.

‌الشاهد الثلاثون بعد المائتين

(2)

،

(3)

فَإِنْ تَنْأَ عَنْهَا حِقْبَةً لَا تُلافِهَا

فَإِنَّكَ مِمَّا أَحْدَثَتْ بِالْمُجَرِّبِ

أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي وهو من قصيدة بائية، وأولها هو قوله:

1 -

خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي عَلَى أُمِّ جُنْدَبٍ

لِنَقْضيَ حَاجَاتِ الفُؤَادِ المُعَذَّبِ

2 -

فإنكُمَا إنْ تَنْظُرَانِي سَاعَةً

مِنَ الدَّهرِ تَنْفَعْنِي لدَى أمّ جُنْدَبِ

3 -

ألمْ تَرَيَانِي كُلَّمَا جِئتُ طَارِقًا

وجَدْتُّ بِهَا طَيِّبًا وَإنْ لَمْ تَطَيَّبِ

4 -

عَقِيلَةُ أخْدَانٍ لهَا لا دَمِيمَةٌ

ولا ذاتِ خُلْق إنْ تَأَمَّلْتَ جَانبِ

5 -

تَبْصَّرْ خَلِيلي هَلْ تَرَى مِنْ ظَعَائنٍ

سلَكْنَ ضُحِيًّا بين حَزْمَيْ شَعَبْعَبِ

6 -

عَلَوْنَ بأنْطَاكية فوق عِقْمَةٍ

كجُرْمَةِ نَخْلٍ أو كَجَنَّةِ يثربِ

7 -

فعيناكَ غَربَا جَدْوَلٍ بمفَاضَة

كمَرِّ خَلِيجٍ في صَفيحٍ منصب

8 -

ألا ليتَ شِعرِي كيفَ حَادثُ وصْلِهَا

وكيفَ تظن بالإخَاءِ المغيبِ

9 -

أدَامَتْ عَلَى ما بَينَنَا من نَصِيحةٍ

أميمة أمْ صارتْ لِقَولِ المُحُببِ

10 -

فَإنْ تَنْأَ عَنْهَا حِقْبَةً لا تُلافِهَا

فَإنَّكَ مِمَّا أَحْدَثَتْ بِالمُجَرِّبِ

11 -

وقالتْ مَتَى يَبْخَلْ عليكَ ويَعْتلِلْ

يسُؤْكَ وإنْ يُكشَفْ غَرَامُكَ تُدْرَبِ

(1)

ينظر الشاهد رقم (228).

(2)

ابن الناظم (57)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 297).

(3)

البيت من بحر الطويل من قصيدة بائية طويلة لامرئ القيس في الغزل ووصف الفرس والصحراء (ديوانه (64) دار صادر)، وبيت الشاهد في تخليص الشواهد (286)، والدرر (1/ 293)، والتصريح (1/ 202)، ورصف المباني (257)، وشرح الأشموني (1/ 252)، والهمع (1/ 88)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 385).

ص: 657

12 -

وللَّه عَينَا مَنْ رَأَى مِنْ تَفَرُّقٍ

أشَتُّ وأنْأَى منْ فِرَاقِ المُحَصَّبِ

13 -

غَدَاةَ غَدَوا فَسَالِكٌ بَطنَ نَخْلَةٍ

وآخَرُ منهُمْ جَازِعُ نَجْدَ كَبْكَبِ

14 -

فإنَّكَ لم يَفْخَرْ عليك كَفاخِرٍ

ضَعيفٍ ولم يَغلِبْكَ مِثلُ مغْلَبِ

15 -

وإنَّكَ لمْ تَقْطَعْ لُبانَةَ عاشِقٍ

بمِثلِ غُدُوٍّ أو رَوَاحٍ مُؤَوَّبِ

وهي طويلة من الطويل.

وكان امرؤ القيس قد تزوج امرأة من طيئ لما نزل فيهم يقال لها: أم جندب، فلما كان ليلة ابتنى بها أبغضته، وكان علقمة بن عبدة التميمي

(1)

نزل به، وكان من فحول أهل الجاهلية، وكان صديقًا له، فقال أحدهما لصاحبه: أينا أشعر؛ فقال: هذا أنا، وقال؛ هذا أنا فَتَلَاحَيَا، حتَّى قال امرؤ القيس: انعت فرسك وناقتك وأنعت فرسي وناقتي، قال: فافعل، والحَكَمُ بيني وبينك هذه المرأة، من ورائك؛ يعني: الطائية امرأة امرئ القيس، فقال امرؤ القيس هذه القصيدة حتَّى فرغ منها.

1 -

قوله: "خليلي" يعني: صاحبيه، والخليل: الصديق الصاحب، "وأم جندب" هي امرأة امرئ القيس الطائية، وقيل

(2)

: هي من كندة، قوله:"لنقضي حاجات" ويروى: لنقضي لبانات، ويروى: تقضي، و"اللبانات": جمع لبانة وهي الحاجة.

2 -

قوله: "تنفعني" أي: الساعة، ويروى: ينفعني -بالياء آخر الحروف، أي: الانتظار.

3 -

قوله: "طارقًا": من طرقته، [أي:]

(3)

أتيته ليلًا، قوله:"وجدت بها طيبًا" أي: يعني: طيبة الجسم والجسد، يعني: وإن لم تمس طيبًا فهي طيبة الريح.

4 -

قوله: "عقيلة أخدان" عقيلة كل شيء: خيرته وكريمته، "والدميمة" - بالدال المهملة: قبيحة الخلق.

قوله: "جانب" - بالجيم والهمزة والنون والباء: وهو القصير، يقال: فرس جانب، أي: قصير وامرأة جانبة.

5 -

قوله: "من ظعائن" وهي النساء بالإبل، الواحدة: ظعينة.

قوله: "ضحيًّا": تصغير ضحى، وكرهوا أن يدخلوا فيها الهاء فتلتبس بتصغير ضحوة، و"الحزْم والحزْن" ما ارتفع من الأرض فيه غلظ، وكل غلظ حزم وحزن، والحزم: أغلظهما،

(1)

هو علقمة بن عبدة بن ناشرة بن قيس شاعر جاهلي، له ديوان شعر، توفي نحو (20 ق. هـ) ينظر: الأعلام (4/ 247).

(2)

في (أ): ويقال.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 658

وقوله "شعبعب": اسم ماء لبني قشير.

6 -

قوله: "علون" أي: علون الخدور بثياب أنطاكية فوق عِقْمَةٍ وهي قرية من قرى الشام

(1)

، والعقمة -بكسر العين وفتحها وسكون القاف؛ جمع عقم وهو ضرب من الوشي، ويقال لكل ما جاء من قبل الشام: أنطاكي، "والجرمة": جني النخل وحملها، أراد: ألوان البسر الحمرة والصفرة، يقول: ذاك الوشى كجرمة نخل أو كجنة يثرب والجنّة: البستان، ويروى: كجربة نخل، والجربة - بالجيم المفتوحة والراء المكسورة والباء الموحدة المفتوحة، وهي موضع فيه نخل أو زرع.

7 -

قوله: "غربا جدول" الغرب: الدلو العطمة، والجدول: النهر، قوله:"بمفاضة" يعني: ببئر مفاضة، ويقال: المفاضة: الدلاء الواسعة، و"الصفيح": الحجارة العراض الرقاق تجعل

(2)

على جنبي الجدول لئلا يتهدم، قوله:"منصب" أي: منصوب ويروى: مصوب.

8 -

قوله: "كيف حادث وصلها" أي: حدوث وصلها، قوله:"تظن بالإخاء" أي: كيف تظن بالود الَّذي غاب عنها مني.

9 -

قوله: "لقول المخبب" أي: إلى قول المخبب، والمخبب - بالخاء العجمة؛ وهو الَّذي يعلم الخب.

10 -

قوله: "فإن تنأ" أي: تبعد من نأى ينأى إذا بعد، قوله:"عنها" أي؛ عن أم جندب المذكورة في أول القصيدة، قوله:"حقبة" بكسر الحاء المهملة وسكون القاف وفتح الباء الموحدة، واحدة حقب

(3)

بكسر الحاء وفتح القاف؛ وهي السنون، والحقبة: السنة ولكن أراد بها هاهنا الحين، قوله:"بالمجرب" بضم الميم وفتح الراء المشددة مثل المجزس، والمضرَس: الَّذي قد جربته الأمور وأحكمته، فإن كسرت الراء جعلته فاعلًا، إلا أن العرب تكلمت به بالفتح.

11 -

قوله: "يسؤك" أي: يخونك

(4)

، و"الغرام": شدة العشق، قوله:"تدرب"[بالدال]

(5)

المهملة، أي: تتعود وتَصِير ذا دربة.

12 -

قوله: "من تفرق" أي: تفرقا، ومن زائدة، قوله:"أشت" أي: أشد فراقًا، والشتات: الفرقة، قوله:"وأنأى" أي: أبعد، وعني "بالمخصب" الجمرات.

13 -

قوله "بطن نخلة": بستان عبيد اللَّه بن معمر، وهو الَّذي يغلط الناس فيه فيقولون: بستان بني عامر، و"النجد": الطريق، و "كبكب": هو الجبل الأحمر الَّذي تجعله في ظهرك

(1)

معجم البلدان (1/ 316) وما بعدها.

(2)

في (ب): وتجمل.

(3)

في (ب): الحقب.

(4)

في (أ): يحزنك.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 659

إذا وقفت بعرفة، ومعنى "جازع": قاطع، يقال: جزعت الوادي إذا قطعته.

14 -

قوله: "المغلب" الَّذي يغلب مرارًا.

15 -

"واللبانة" بضم اللام؛ الحاجة، و"مؤوب" من الأوب وهو الرجوع، وأراد هاهنا أن استراحته تكون بالليل.

الإعراب:

قوله: "فإن" الفاء للعطف، "وإن" حرف الشرط، و"تنأ": مجزوم فعل الشرط، وهو جملة من الفعل والفاعل وهو "أنت" المستتر فيه قوله:"لا تلافها" بدل من تنأ؛ فإن

(1)

عدم الملاقاة هو النأي، ويجوز أن يكون مرفوعًا حالًا كقوله

(2)

:

متى تأته تعشو ...... .... ............................

فهذا لا يجوز رفعه؛ لأنه ليس بمعنى الأول فلا يبدل منه. قوله: "حقبة": نصب على الظرف. قوله: "فإنك": جواب الشرط، والكاف: اسم إن، وخبره قوله:"بالمجرب" والباء فيه زائدة. قوله: "مما أحدثت" يتعلق بالمجرب، والضمير في أحدثت ورجع إلى الحقبة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بالمجرب" حيث دخلت فيه الباء وهو خبر إن

(3)

.

‌الشاهد الحادي والثلاثون بعد المائتين

(4)

،

(5)

.

ولَكِنَّ أَجْرًا لَوْ فَعَلْتِ بِهَيِّنٍ

وهل يُنْكَرُ الْمَعْرُوفُ فِي النَّاسِ والأَجْرُ

أقول: هذا أنشده أبو علي، وأبو الفتح

(6)

، ولم يعزواه إلى أحد.

(1)

في (أ): لأن.

(2)

هذا جزء من بيت للحطيئة في دروانه بشرح ابن السكيت (77) وتكملته:

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد

وشاهده هنا: متى تأته تعشو

تجد؛ فجملة (تعشو) في محل النصب حال من الضمير المستتر في فعل الشرط.

(3)

تزاد الباء في خبر إن، ولكن قليل بخلاف خبر ليس، وما قال ابن مالك في التسهيل: وربما زيدت في الحال المنفية وخبر إن ولكن". التسهيل بشرح التسهيل لابن مالك (1/ 382).

(4)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 298).

(5)

البيت من بحر الطويل، لم يعين قائله في مراجعه، وهو في الخزانة (9/ 523)، والتصريح (1/ 202)، وحاشية الصبان (1/ 252)، والدرر (1/ 101)، والهمع (1/ 127).

(6)

لم أجده في كتب أبي علي الميسرة، وهو في سر الصناعة (1/ 142)، وينظر ابن يعيش (8/ 23)، وشرح =

ص: 660

وهو من الطويل، والمعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "ولكن" مشددة، و "أجرًا": اسمه، وقوله:"بهين": خبره، والباء فيه زائدة، وقوله:"لو فعلت": جملة معترضة بين اسم لكن وخبره، ومفعول "فعلت" محذوف تقديره: لو فعلته وأغنى خبر لكن عن جواب لو والتقدير: لكن أجرًا هين، قوله:"وهل" للنفي، و"المعروف": مرفوع بإسناده إلى ينكر، وقوله:"الأجْرُ": بالرفع عطف على المعروف.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بهين" حيث دخلت عليه الباء وهو خبر لكن لشبهه بالفاعل وهو نادر

(1)

.

‌الشاهد الثاني والثلاثون بعد المائتين

(2)

،

(3)

.........................

أَلَا لَيْتَ ذَا الْعَيشَ اللَّذِيذَ بدَائِمٍ

أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب، وصدره:

يقول إذا اقلولي عليها وأقردت .... ...............................

وأنشده الجوهري وابن مالك هكذا

(4)

:

................................

ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم

وهو من قصيدة يهجو بها الفرزدق جريرًا وكليبًا رهطه يرميهم بإتيان الأتن؛ كما أن بني فزارة يُرمَوْنَ بإتيان الإبل وقبله

(5)

:

فإِنَّك كلبٌ من كُليبٍ لِكلْبةِ

غَذَتْكَ كُليبٌ من خَبيثِ المطاعمِ

ولَيسَ كُليبيٍّ إذَا جُنَّ ليلةً إذَا

لَمْ يَجدْ رِيحَ الأَتَانِ بِنَاعِمَ

= التسهيل لابن مالك (1/ 385).

(1)

ينظر الشاهد رقم (230).

(2)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 299).

(3)

البيت من بحر الطويل من قصيدة في هجاء جرير في طبعات ديوانه القديم (2/ 863) تحقيق: عبد الله الصاوي لكنها محذوفة في الطبعات الحديثة للديوان، وانظر الأبيات الثلاثة المذكورة في شرح شواهد المغني للسيوطي (772)، وانظر بيت الشاهد في تخليص الشواهد (686)، والخزانة (4/ 142)، والدرر (2/ 126)، والأساس (قرد)، والمنصف (3/ 67)، وتغيير النحويين للشواهد (130).

(4)

الصحاح للجوهري مادة: (قرد).

(5)

شرح التسهيل لابن مالك (1/ 382)، وشواهد المغني للسيوطي (772).

ص: 661

يَقُولُ إِذَا اقْلَوْلَي عليها وأقْرَدَتْ

ألا ليتَ ذا العيش اللذيذَ بدائم

وهي من الطويل.

قوله: "إذا اقلولي" أي: إذا ارتفع الكلبي عليها؛ أي: على الأتان، "وأقردت الأتان" بالقاف يعني: لصقت بالأرض وسكنت.

حاصل المعنى: إذا علا الكلبي على الأتان وسكنت الأتان لذلك يقول: ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم؟ وقد صرف بعضهم معنى هذا البيت إلى معنى حسن ولكنه ليس مراد الشاعر، وهو أن الجنازة تقول بلسان الحال إذا ارتفع عليها الميت، والحال أنها أقردت أي؛ سكنت: ألَا هل صاحب عيش لذيذ يدوم في عيشه؟ فكأن هذا لم يطلع على القصيدة المذكورة وإنما اطلع على هذا البيت وحده فصرفه إلى هذا المعنى.

الإعراب:

قوله: "يقول": فعل وفاعله الضمير المستتر فيه الَّذي يرجع إلى الكلبي، قوله:"إذا": للظرف، وقوله:"اقلولي": فعل ماض وفاعله مستكن فيه، و"عليها": يتعلق به، قوله:"وأقردت": جملة فعلية ماضوية وقعت حالًا، والماضي إذا وقع حالًا يكون على ستة أضرب: أحدها: أن يكون مقرونًا بالواو وحدها؛ كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا} [آل عمران: 168].

قوله: "ألا": كلمة تنبيه تدل على تحقيق ما بعده، و "ليت": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وهو حرف يتعلق بالمستحيل غالبًا، وقوله:"ذا": اسم ليت، وقوله:"العيش": بدل من ذا، وقوله:"اللذيذ": صفته، وقوله:"بدائم": خبر ليت، والباء فيه زائدة [وأما رواية الجوهري فقوله:"هل" بمعنى ما النافية، و"أخو عيش": كلام إضافي مبتدأ "ولذيذ": بالجر صفة عيش، وقوله:"بدائم": خبر المبتدأ، والباء فيه زائدة]

(1)

.

الاستشهاد فيه:

على الوجه الأول في زيادة الباء في خبر ليت

(2)

، وعلى الوجه الثاني في زيادتها في خبر المبتدأ الَّذي دخلت عليه [هل]

(3)

لشبهها بالنفي

(4)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

زيادة الباء في خبر (ليت) قليل أيضًا قياسًا على (إن ولكن).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

تزاد الباء في خبر المبتدأ أو بعد هل لشبهها بالنفي، قال ابن مالك: وقد تزاد بعد نفي فعل ناسخ للابتداء

وبعد لا التبرئة وهل، ثم مثل ببيت الشاهد، شرح التسهيل لابن مالك (1/ 382).

ص: 662

‌الشاهد الثالث والثلاثون بعد المائتين

(1)

،

(2)

أَبْنَاؤُهَا مُتَكَنّفُونَ أَبَاهُمُ

حَنِقُوا الصُّدُورَ وَمَا هُمُ أَوْلَادَهَا

أقول: هذا أنشده أبو علي ولم يعزه إلى قائله

(3)

، وقبله:

وأنا النذير بِحَرَّةٍ مسودة

تصل الجيوش إليكم أقوادها

(4)

وهما من الكامل وفيه الإضمار.

1 -

قوله: "النذير": من الإنذار وهو الإعلام، والنذير هو المعلم الَّذي يخوف القوم بما يكون دهمهم من عدو أو غيره، وهو المخوف أيضًا، وكذلك النذر، قوله:"بحرة" بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء، وهي أرض ذات حجارة سود، ولكن المراد به هاهنا: الكتيبة المسودة بكثرة حديدها، قوله:"تصل الجيوش إليكم" وفي رواية أبي علي: تصل الأعم إليكم، والأعم: الكلأ الكثير وكذلك العميم، و"الأقواد": جمع قود -بفتح القاف والواو؛ وهي الجماعة من الخيل.

2 -

قوله: "أبناؤها" أي: أبناء الكتيبة وأراد رجالها، وأراد بآبائهم رؤساءَهم قوله:"متكنفون" يريد قد صاروا حوله على أكنافه، يعني: قد أَحْدَقُوا برأس الكتيبة فجعله لهم بمنزلة الأب؛ إذ كان يقوم بأمورهم ويأمر فيهم وينهى.

قوله: "حنقوا الصدور" أصله: حنقون؛ جمع حَنِق -بفتح الحاء وكسر النون وهو صفة مشبهة من الحَنَق -بفتحتين وهو الغيظُ.

قوله: "وما هم أولادها" أي: ليسوا بأولاد الكتيبة على الحقيقة؛ يعني؛ لم تلدهم الكتيبة وإنما هم أبناؤهم على مجاز قول العرب: "بنو فلان بنو الحرب" ومن ذلك قول أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - لبعض مَنْ خَاطَبَهُ: "أَوَ تُعَيِّرُنِي قُرَيشٌ بقِلَّةِ العلم بالحرب وأنا ابنُها؛ لقد نَهَضْتُ فيها وما بلغتُ العشرينَ، وَهَا أنا ابنُ ستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع"، والعرب تقول: أنا ابنُ بجدة الأرضِ، إذا كان عالمًا بها.

الإعراب:

قوله: "أبناؤها": مرفوع بالابتداء، وقوله:"متكنفون أباهم": خبره، و"متكنفون": جملة من

(1)

شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 302).

(2)

البيت من بحر الكامل لم ينسب إلى قائل، وهو في الأشباه والنظائر (3/ 123)، والمعجم المفصل (191).

(3)

بحثت عنه في كتب أبي علي الميسرة فلم أجده.

(4)

روايته في (أ): أقوادها.

ص: 663

الفعل والفاعل، "وأباهم": كلام إضافي مفعوله وأصله: أبًا لهم، قوله:"حنقو الصدور": كلام إضافي، وأصله: حنقون للصدور، فسقطت النون للإضافة، وارتفاعه على أنَّه خبر ثان للمبتدأ.

قوله: "وما هم أولادها" ما نافية بمعنى ليس، "وهم": اسمها و"أولادها": خبرها.

الاستشهاد فيه:

حيث نُصِبَ خبر "ما" التي بمعنى [ليس]

(1)

على لغة أهل الحجاز لشبهها بها في أنها لنفي الحال عند الإطلاق، وعليه قراءة من قرأ:{مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31]

(2)

، بنصب الراء، وأما على لغة تميم فإن "ما" لا تعمل شيئًا فإنهم [يقولون:]

(3)

ما زيد قائم ولا عمرو منطلق

(4)

.

‌الشاهد الرابع والثلاثون بعد المائتين

(5)

،

(6)

نَصَرْتُكَ إِذْ لَا صَاحِبٌ غَيرَ خَاذِلٍ

فَبُوِّئْتَ حِصْنًا بالْكمَاةِ حَصِينًا

أقول: أنشده أبو الفتح ولم يعزه إلى أحد.

وهو من الطويل.

قوله: "خاذل": من الخذلان وهو ترك النصر، قوله:"فبوئت حصنًا" أي: أسكنت؛ من بوأه اللَّه منزلًا؛ أي: أسكنه إياه، وتبوأت منزلًا؛ أي: اتخذته، والمباءة؛ المنزل، قوله:"بالكماة" بضم الكاف؛ جمع كمي، وهو الشجاع المتكمي في سلاحه المتغطي به.

الإعراب:

قوله: "نصرتك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله:"إذ": ظرف بمعنى حين، قوله:

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ينظر البحر المحيط (5/ 304).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

أعمل الحجازيون والتهاميون والنجديون ما النافية عمل ليس لشبهها في النفي، واشترطوا شروطًا مر ذكرها عند الشاهد رقم (217) واستدلوا بقوله تعالى:{مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31]، وقوله تعالى:{مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2]، أما التميميون فيهملونها ويرفعون الخبر بحدها. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 368) وما بعدها، والمغني (303)، وتوضيح المقاصد (1/ 313) وما بعدها، ومعاني الحروف للرماني (88).

(5)

شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 314).

(6)

البيت من بحر الطويل لقائل مجهول، وبحثت عنه في كتب ابن جني الميسرة فلم أجده كما ذكر العيني، وانظر بيت الشاهد في الجنى الداني (293)، وشرح شواهد المغني (612)، والمغني (1/ 240)، والمعجم المفصل في شرح شواهد النحو الشعرية (985).

ص: 664

"لا صاحب": كلمة لا بمعنى ليس، وقوله:"صاحب": اسمه، وقوله:"غير خاذل": خبره. قوله: "فبوئت" على صيغة المجهول، الفاء فيه تصلح أن تكون للتعليل، قوله:"حصنًا": مفعول ثان لبوئت، والمفعول الأول هو التاء التي نابت عن الفاعل، وقوله:"حصينًا": صفة لقوله: "حصنًا"، قوله:"بالكماة": جار ومجرور يتعلق بقوله: "نصرتك"، والباء فيه للسببية، ويجوز أن تكون للاستعانة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لا صاحب غير خاذل" فإن كلمة "لا" فيه عملت عمل ليس عند

(1)

أهل الحجاز

(2)

.

‌الشاهد الخامس والثلاثون بعد المائتين

(3)

،

(4)

بَدَتْ فِعْلَ ذِي وُدٍّ فلمَّا تَبعْتُها

تَوَلَّتْ وبَقَّتْ حَاجَتي في فُؤاديا

وحلَّتْ سَوَادَ القلب لا أَنَا بَاغِيًا

سِواهَا وَلَا في حبِّها مُتَراخِيا

أقول: قائلهما هو النابغة الجعدي الصحابي - رضي الله تعالى عنه - وقدر ترجمناه فيما مضى في شواهد المعرف باللام

(5)

، وهما من قصيدة يائية من الطويل، وبعدهما قوله:

3 -

أُتِيحَتْ لَهُ والغمُّ يَحْتضِرُ الفَتَى

ومنْ حَاجَة الإنسانِ ما لَيْسَ لَاقِيَا

4 -

فَلَا هِيَ تَرْضَى دُونَ أَمْرَدَ نَاشِيءٍ

ولا أستطيعُ أَنْ أُعِيدَ شَبَابِيَا

5 -

وَقَدْ طَال عَهْدِي بِالشَّبَاب وظِلِّهِ

ولاقيتُ أيَّامًا تُشِيبُ النَّواصِيَا

6 -

وَلَوْ دَامَ منْها وَصْلُها ما قَلَيْتُها

ولكِنْ كَفَى بالهجْرِ للحبِّ شافِيَا

7 -

وما رَابَها من رِيبة غَيرَ أَنَّها

رَأَتْ لمتي شَابَتْ وشَابَ لَدّاتيا

8 -

فَلا زَال يَسْقِيها ويَسْقِي بَلَادَها

من الْغَيثِ زَخَار يسيحُ الغزاليا

(1)

في (أ): على مذهب أهل الحجاز.

(2)

ينظر الشاهد رقم (223).

(3)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 319)، شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 315).

(4)

البيتان من بحر الطويل من قصيدة طويلة للنابغة الجعدي صاحب ليلى الأخيلية، وهي في ديوانه (166 - 180)، وقد اختار العيني بعض أبياتها في مراجع الشاهد، وهي في شرح شواهد المغني للسيوطي (614)، وينظر تخليص الشواهد (294)، والجنى الداني (293)، والخزانة (3/ 337)، والدرر (2/ 114)، والتصريح (1/ 199)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 377)، والمغني (240).

(5)

ينظر الشاهد رقم (143).

ص: 665

9 -

ولَكِنْ أَخُو العلياءِ والجودُ مَالِكٌ

أقَامَ على عَهْدِ النَّوى والنَّصَافِيا

10 -

فَتًى كَمُلَتْ خيراتهُ غَيرَ أَنَّهُ

جوادٌ فَما يُبقي من المالِ بَاقِيا

11 -

فَتًى تَمّ فيه ما يَسُرُّ صَدِيقَهُ

عَلَى أَنَّ فيهِ مَا يَسُوءُ الْأَعَادِيَا

وهذان البيتان مختاران ولم يورد أبو تمام في حماسته من هذه القصيدة غيرهما

(1)

.

3 -

قوله: "أتيحت" أي: قد رقم، قوله:"والغَمُّ" ويروى: والهم.

5 -

قوله: "وظله" وتروى: وطِيئهُ.

6 -

قوله: "ما قَلَيْتُها" بالقاف؛ أي: ما أبَغَضْتُهَا.

7 -

قوله: "وما رابها" من قولك: رابني فلان إذا رأيت منه ما يُرِيبُك وتكرهُه، وهذيل تَقُول: رابَنِي فلان، وأصله من الريب وهو الشك، قوله:"لمتي" بكسر اللام وتشديد الميم، وهو الشعر الَّذي يجاور شحمة الأذن، فإذا بلغت النكبين فهي جمة، وتجمع على لمم ولمام.

8 -

قوله: "زخار": من زخر الوادي إذا متد جدًّا وارتفع، يقال: بحر زاخر وزخار، قوله:"يَسِيحُ": من أساح، ؤلاثيه: ساح الماء يسيح سيحًا إذا جرى على وجه الأرض، و"العزالي": جمع عزلاء وهي فم المزادة من الأسفل.

9 -

قوله: "والنوى" بفتح النون مقصور وهو البُعد.

الإعراب:

قوله: "بدت": فعل [وفاعل]

(2)

؛ أي: ظهرت المحبوبة، ويروي: دنت؛ أي: قربت، قوله:"فعل ذي ود": نصب بنزع الخافض أي كفعل ذي ود.

والمعنى: فَعَلَتْ معي فعل ذي محبة ومودة، قوله:"فلما": ظرف بمعنى حين، وجوابه قوله:"تولت"، قوله:"وبَقت" بتشديد القاف؛ وهو عطف على قوله: "تولت" وهو فعل وفاعله مستكن فيه، "وحاجتي": كلام إضافي مفعوله، ويروى: وَخَلتْ حاجتي.

قوله: "في فؤاديا": يتعلق بقوله: "بقت"، وأصله: في فؤاديْ -بسكون ياء المتكلم، فلما حركت للضرورة أشبعت فصار: فؤاديا، قوله:"وَحَلَّتْ": عطف على قوله: "وبقت" وهو فعل وفاعل وهو الضمير المستتر فيه، وقوله:"سواد القلب" مفعوله، أي: في سواد القلب، وسواد القلب:

(1)

يقصد البيتين الأخيرين، وهما:"فتى كملت خيراته .. "، وانظر شرح الحماسة للمرزوقي (2/ 969) كما اختار بيتين آخرين في (3/ 1061) تحقيق عبد السلام هارون.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 666

حبته، وكذلك أسوده وسوداؤه وسويداؤه.

قوله: "لا أنا "كلمة لا بمعنى ليس "وأنا": اسمه، و"باغيًا": خبره، وهو من البغي وهو الطلب، قوله:"سواها": كلام إضافي مفعول لـ "باغيًا"، قوله:"ولا في حبها": عطف على قوله: "لا أنا باغيًا" قوله: "متراخيًا": خبر لا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لا أنا باغيًا" حيث عمل لا بمعنى ليس في المعرفة وهو شاذ، وقد ذهب إليه أبو الفتح في كتاب التمام وابن الشجري أيضًا

(1)

.

وقد أجيب عن هذا من وجهين:

أحدهما: أن تجعل "أنا" مرفوعًا بفعل مضمر "وباغيًا" نصب على الحال تقديره: لا أرى باغيًا؛ فلما أضمر الفعل برز الضمير وانفصل.

والثاني: أن يُجعل "أنا" مبتدأ والفعل المقدر بعده خبرًا ناصبًا "باغيًا" على الحال، ويكون هذا من باب الاستغناء بالمعمول عن العامل لدلالته عليه، ونظائره كثيرة كالحال السادة مسد الخبر.

ويروى: لا أنا مبتغي سواها ولا عن حبها متراخيًا، فعلى هذه الرواية (لا) أيضًا معملة، ولكنه سكن ياء مبتغي للضرورة؛ كما في قوله

(2)

: "كفى بالنأي من أسماء كافي "وأصله: كافيًا

(3)

.

‌الشاهد السادس والثلاثون بعد المائتين

(4)

،

(5)

إِنِ الْمَرْءُ مَيْتًا بِانْقِضَاءِ حَيَاتِهِ

وَلَكِن بِأَنْ يُبْغَى عَلَيهِ فَيُخْذَلَا

أقول: هو من الطويل.

(1)

انظر الكتاب المذكور وهو الأمالي لابن الشجري (1/ 430) تحقيق محمود الطناحي، وقد اشترط النحويون لعمل (لا) عمل (ليس) شروطًا سبق ذكرها عند الحديث عن الشاهد رقم (223)، قال ابن هشام في حديثه عن (لا): إنها لا تعمل إلا في النكرات خلافًا لابن جني وابن الشجري، وعلى ظاهر قولهما جاء قول النابغة ثم ذكر البيت. المغني (240)، وقال ابن هالك: وشذ إعمالها في معرفة وذكر البيت (شرح التسهيل (1/ 377) ".

(2)

هذا صدر بيت من الوافر لبشر أبي حازم وتمامه:

.........................................

وليس لحبها إذا طال شاف

والبيت في أمالي ابن الشجري (1/ 38، 282، 432).

(3)

وأصله: كافيًا؛ لأنه حال بمنزلة المنصوب في قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء: 45] ولكنه سكن الياء للضرورة لاتباعًا للشطر الثاني.

(4)

توضيح المقاصد (1/ 322)، شرح ابن عقيل (1/ 318).

(5)

البيت من بحر الطويل لم ينسبه العيني ولا غيره، وهو في تخليص، الشواهد (307)، والجنى الداني (210)، =

ص: 667

المعنى: ليس المرء ميتًا بانقضاء حياته ولكن إنما يموت إذا بُغي عليه فيخذل عن النصر والعون.

الإعراب:

قوله: "إن": بمعنى ليس عند الكوفيين خلافًا للفراء

(1)

، وقوله:"المرء": اسمه، و"ميتًا": خبره، والباء في "بانقضاء" يتعلق بـ"ميتًا"، وقوله:"حياته": كلام إضافي مجرور بإضافة انقضاء إليها، قوله:"لكن": للاستدراك، قوله: "بأن يُبْغى عليه [فيخذلا]

(2)

" بصيغة المجهول، والباء تتعلق بمحذوف تقديره: ولكن يموت بأن يبغى عليه و"أن" مصدرية أي: بالبغي عليه.

قوله: "فيخذلا" بالنصب عطف على قوله: "بأن يبغى عليه" والتقدير: فأن يخذلا، والألف فيه للإطلاق.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إن المرء ميتًا" حيث عمل فيه "إن" عمل ليس

(3)

.

‌الشاهد السابع والثلاثون بعد المائتين

(4)

،

(5)

نَدِمَ البُغَاة وَلَاتَ سَاعَةَ مَنْدَمِ

والْبَغْيُ مَرْتَعُ مُبتَغِيهِ وَخِيمُ

أقول: قائله هو محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله التميمي، ويقال: مهلهل بن مالك الكناني

(6)

.

وهو من الكامل وفيه الإضمار والقطع.

قوله: "البغاة": جمع باغ؛ كالقضاة جمع قاض، قوله:"ولات ساعة مندم" أي: وليست الساعة ساعة ندامة، والمندم مصدر ميمي، قوله:"مرتع" بالتاء المثناة من فوق؛ من رتع إذا رعى قوله: "مبتغيه": من ابتغى إذا طلب، قوله:"وخيم" أي: ثقيل؛ من الوخامة.

= والدرر (2/ 109)، وشرح عمدة الحافظ (217)، والهمع (1/ 125).

(1)

قال ابن هشام: "وإذا دخلت على الاسمية لم تعمل عند سيبويه والفراء"، المغني (23).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر الشاهد رقم (226).

(4)

ابن الناظم (58)، شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 320).

(5)

البيت لمحمد بن عيسى بن طلحة، أو للمهلهل، أو لحرجل من طيء، في الخزانة (4/ 175) وانظره في تخليص الشواهد (294)، والدرر (2/ 117)، وينظر المعجم المفصل (883).

(6)

ذكر في موسوعة شعراء صدر الإسلام (295)، وذكر أن له أبياتًا أولها:

ولا تعجل على أحد بظلم

فإن الظلم مرتعه وخيم

ص: 668

الإعراب:

قوله: "ندم البغاة": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"ولات ساعة مندم": جملة حالية.

والمعنى: ندموا وقت لا ينفعهم الندم، "ولات" أصلها:"لا" بمعنى ليس، زيدت فيها التاء للتأكيد في معنى النفي ولتأنيث اللفظ؛ كما في ثمت، واختلفوا فيها؛ فقال بعضهم: إنها كلمة واحدة مثل قاض، ومعناه في الأصل نقص؛ كما في قوله تعالى:{لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات: 14] فإنه يقال: لات يليت؛ كما يقال: ألت يألت، وقد قرئ بهما ثم استعملت للنفي

(1)

.

ويقال: أصلها: ليس -بكسر الياء فقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها وأبدلت السين تاء فصار: لات

(2)

.

وقال أبو عبيدة وابن الطراوة: إنها كلمة وبعض كلمة؛ وذلك أنها لا النافية والتاء فيه زائدة في أول الحين، واستدل أبو عبيدة بأنه وجدها في مصحف عثمان - رضي الله تعالى عنه - مختلطة بحين في الخط. ولا حجة في ذلك؛ لأن في خط المصحف أشياء كثيرة خارجة عن القياس

(3)

.

وقال الزمخشري -رحمه الله تعالى-: زيدت التاء على لا وخصت بنفي الأحيان

(4)

.

قوله: "والبغي"؛ مبتدأ، و"مرتع مبتغيه": كلام إضافي مبتدأ ثان و"وخيم": خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولات ساعة مندم" حيث زيدت التاء بعد "لا" التي بمعنى ليس وأنه يعمل عملها في أسماء الأحيان نحو: حين وساعة وأوان، والحاصل أن المراد بكون اسمها حينًا أن يكون اسم زمان لا لفظ حين بدليل البيت المذكور

(5)

.

(1)

و

(2)

ينظر المغني (253).

(3)

ينظر مغني اللبيب (254)، وحروف المعاني للزجاجي (70).

(4)

قال الزمخشري عنها: "هي (لا) المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث كما زيد على رب وثم للتوكيد، وتغير بذلك حكمها حيث لم تدخل إلا على الأحيان". الكشاف (3/ 359)، (ط. دار الفكر)، والمغني (254).

(5)

ذهب الفراء إلى أن (لات) لا تعمل إلا في لفظ الحين وهو ظاهر كلام سيبويه وذهب الفارسي وابن مالك وجماعة إلى أنها تعمل في الحين أو مرادفه كأسماء الزمان. ينظر حروف المعاني للزجاجي (69) وما بعدها، والمغني (254)، وشرح التسهيل لابن مالك (377، 378).

ص: 669

‌الشاهد الثامن والثلاثون بعد المائتين

(1)

،

(2)

وَمَا حَقُّ الَّذِي يْعتُو نَهَارًا

وَيَسْرِقُ لَيْلَهُ إلا نَكَالًا

أقول: قائله هو مغلس بن لقيط بن حبيب بن خالد بن نضلة الأسدي شاعر جاهلي

(3)

.

وهو من الوافر.

قوله: "يعتو": من عتا إذا استكبر يعتو عتوًّا وعُتِيًّا وعِتيًّا -بضم العين وكسرها فهو عاتٍ، وقوم عُتي، ويقال: معناه: يتجاوز الحد، ويشهد له قوله تعالى:{وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} [الأعراف: 77]، وقال الزمخشري: يتجاوز الحد في الظلم

(4)

، ويشهد له قوله تعالى:{لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان: 21]، والعطف يؤذن بالمغايرة، قوله:"إلا نكالًا" بفتح النون؛ وهو العذاب، وأصله من النكل -بكسر النون وهو القيد.

الإعراب:

قوله: "وما": كلمة ما نافية، ولكن انتقض نفيها بإلا، قوله:"حق الذي": كلام إضافي اسم لما، وقوله:"يعتو": صلة الموصول، و"نهارًا": نصب على الظرف، قوله:"يسرق" عطف على قوله يعتو، قوله:"ليله" نصب على الظرف، وقوله:"إلا نكالًا"؛ خبر ما، وقد عمل "ما" ها هنا مع انتقاض نفيه بإلا، وفيه الاستشهاد: اذ لو لم يعمل لقيل: نكال بالرفع؛ حُكي ذلك عن يونس وغيره

(5)

، وتأوله الجمهور على أن أصل نكالًا: نكالان ولكن حذفت نونه للضرورة.

والمعنى: إلا نكالان؛ نكال لعتوه ونكال لسرقته؛ فعلى هذا لم تعمل "ما" فيه شيئًا لبطلان معناها بإلا.

ويقال: أصله: إلا أن ينكل نكالًا؛ فالنصب على المصدرية لا على الخبرية، ونظيره: ما زيد إلا سيرًا؛ أي: إلا يسير سيرًا، وفيه نظر؛ لأن فيه اضمار أن المصدرية وصلتها وإبقاء معمول

(1)

ابن الناظم (56).

(2)

البيت من بحر الوافر وهو لمغلس بن لقيط الأسدي، وينظر البيت في تخليص الشواهد (282)، والجني الداني (325)، وبلا نسبة في الدرر (2/ 100)، والهمع (1/ 123)، والمعجم المفصل (641).

(3)

ينظر ترجمته في معجم الشعراء (308).

(4)

ينظر الكشاف (3/ 88).

(5)

إذا انتقض خبر (ما) بإلا فالغالب إهمالها ويندر إعمالها، ينظر الشاهد رقم (218) وإعمال (ما) مع انتقاض الخبر بإلا هو قول يونس. يقول ابن مالك:"وروي عن يونس من غير طريق سيبويه إعمال (ما) في الخبر الموجب بإلا". شرح التسهيل لابن مالك (1/ 373).

ص: 670

الصلة، وذلك نظير حذف بعض الاسم وإبقاء بعضه

(1)

.

‌الشاهد التاسع والثلاثون بعد المائتين

(2)

يقول إذا اقلولي عليها وأقردت

ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم

أقول: قائله هو الفرزدق وقد مر الكلام فيه مستوفى قبل ستة أبيات من هذا الباب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بدائم" على دخول الباء في خبر المبتدأ الَّذي دخلت عليه هل لشبهها بالنفي

(3)

.

‌الشاهد الأربعون بعد المائتين

(4)

،

(5)

مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرَانِهَا

فَأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لَا بَرَاحُ

أقول: قائله هو سعد بن مالك بن ضبيعة جد طرفة، وهو من قصيدة حائية، وأولها هو قوله:

1 -

يا بُؤسَ للحربِ التَّي

وضَعَتْ أراهِطَ فاسْتَراحَوُا

2 -

والحربُ لا يَبْقَى لِجَا

حِمِهَا التخيُّلُ والمِرَاحُ

3 -

إلا الفَتَى الصَّبارُ في النـ

ـجدَاتِ والفَرسُ الوقَاحُ

4 -

والنثرةُ الحَصْداءُ والـ

بَيضُ المكلَّلُ والرِّمَاحُ

5 -

وتساقطُ التَّنْوَاط والـ

ــذَنَبَاتُ إذْ جَهَدَ الفِصَاحُ

6 -

كَشَفَتْ لَهُم عَن سَاقِها

وبَدا من الشرِّ الصُّراحُ

(1)

هذا التخريج يشبه التخريج للشاهد رقم (218) وهو:

وما الدهر إلا منجنونًا بأهله

....................... إلى آخره

وينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 374).

(2)

ابن الناظم (57).

(3)

ينظر الشاهد رقم (232).

(4)

ابن الناظم (58).

(5)

البيت من قصيدة طويلة من بحر الكامل لسعد بن مالك خال طرفة بن العبد، وقد ذكرها العيني هنا لندرتها؛ كما ذكرها السيوطي أيضًا في شرح شواهد المغني، وصاحب الخزانة، وأصلها في الحماسة لأبي تمام (1/ 500) بشرح المرزوقي، وقد انتشر هذا الشاهد في كثير من المراجع وهي كالآتي: الأشباه والنظائر (8/ 109)، والخزانة (1/ 467)، والدرر (2/ 112)، وشرح أبيات سيبويه (2/ 8)، والتصريح (1/ 199)، وشرح شواهد المغني (582)، وابن يعيش (1/ 109)، والكتاب (1/ 58)، وأمالي ابن الحاجب (326)، والإنصاف (367)، والمقتضب (4/ 360)، واللامات (105)، والمغني (239، 631)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 376).

ص: 671

7 -

فالهمُّ بَيْضاتُ الخدُو

رِ هُنَاكَ لا النَّعَمُ المُراحُ

8 -

بِئْسَ الخَلَائِفُ بَعْدَنا

أولَادُ يَشْكُرَ واللِّقاحُ

9 -

مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرَانِهَا

......................... إلى آخره

10 -

صَبْرًا بَنِي قَيْسٍ لها

حتَّى تُريحُوا أو تُرَاحُوا

11 -

إنَّ المَوائلَ خَوْفَها

يَعْتَاقُهُ الأجلُ المُتَاحُ

12 -

هَيهاتَ جال الموت دُونَ

الفَوْت وانتُضِي السِّلاحُ

13 -

كيف الحياةُ إذا خَلَت

مِنَّا الظواهرُ والبِطَاحُ

14 -

أَيْنَ الأعزة والأَسِنَّةُ

عند ذلك والرِّماح؟

وهي من الكامل وفيه الإضمار والترفيل، تقول: من صد عن: مستفعلن مضمر، نيرانها: مستفعلن مضمر، [فأنا ابن قي: متفاعلن سالم، سٍ لا براح: مستفعلاتن]

(1)

مضمر مرفل، وعلى هذا باقيه، الإضمار: أن يسكن الثاني فيصير متفاعلن فيرد إلى مستفعلن، والترفيل: زيادة السبب الخفيف على تفعيلته حتَّى تصير: متفاعلاتن، وفي المضمر: مستفعلاتن.

1 -

قوله: [أراهط]

(2)

جمع الجمع، كأنهم قالوا: رهط وأرهط، ثم قالوا: أراهط.

2 -

قوله: "لجاحمها" من جحمت النار إذا اضطربت ومنه الجحيم، قوله:"التخيل" المضاف فيه محذوف؛ أي: صاحب التَّخَيُّل، قوله:"والمراح" بكسر الميم؛ اسم من مرح يمرَح من باب علم يعلم مرحًا، والمرح: شدة الفرح.

3 -

و"الصبار" مبالغة الصابر، قوله:"في النجدات" أي: في الشدائد، قوله:"والفرس الوقاح" بفتح الواو وتخفيف القاف؛ أي: الصلب الشديد يقال: حافر وقاح؛ أي؛ صلب شديد، ويجمع على وقح مثل: قَذَال وقُذُل.

4 -

قوله: "والنثرة الحصداء" النثرة -بفتح النون وسكون الثاء المثلثة وفتح الراء: الدرع الواسعة، والحصداء: صفتها، ومعناها: المحكمة الشديدة؛ من قولهم: رجل مُحْصد الرأي؛ أي: شديده، "والبيض" بفتح الباء الموحدة وسكون الياءآخر الحروف؛ جمع بيضة، وهي الخودة، ويجوز أن يكون بكسر الباء جمع أبيض وهو السيف.

5 -

"وتساقط التنواط": عطف على قوله: "وضعت أراهط" والتنواط بفتح التاء المثناة من فوق وسكون النون.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 672

والمعنى: وتساقط الدخلاء الذين نيطوا بصميم العرب فلم يكونوا منهم، والتنواط في الأصل مصدر كالترداد، وُصِفُوا به كما يوصف بالمصادر، وقيل:[إن]

(1)

التنواط ما يعلق على الفرس من إداوة وغيرها، ثم أطلق على الدخلاء تشبيهًا بذلك، قوله:"والذنبات": عطف على التنواط وهي بفتح الذال المعجمة وفتح النون والباء الموحدة، وأراد بها التباع والعسفاء، ويقال: إن الذنبات لا يقال في الناس، وإنما يقال: أذناب، ولكن استعيرت هاهنا في الناس للأَتْبَاعِ والأُجَرَاء.

قوله: "إذ جهد الفضاح" أي: جد واشتد، وهو بفتح الهاء، قوله:"عن ساقها" المراد بالساق الشدة؛ كما في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} [القدم: 42]، أي: عن شدة، قوله:"الصّراح" بضم الصاد وكسرها؛ أي: الخالص.

7 -

قوله: "فالهم بيضات الخدور" أراد بها النساء؛ لأن المرأة تشبه ببيضة النعامة، قوله:"لا النعم المراح" بضم الميم وهو الموضع الَّذي تأوي إليه الإبل والغنم بالليل، والمراح - بالفتح: الموضع الَّذي يروح منه القوم أو يروحون إليه.

8 -

قوله: "الخلائف": جمع خليفة، قوله:"أولاد يُشْكُر" بفتح

(2)

الياء آخر الحروف وسكون الشين المعجمة وضم الكاف وفي آخره راء، وهو اسم قبيلة، وهو يشكر بن بكر بن وائل، قوله:"واللِّقاح" بفتح اللام وأراد به: بني حنيفة، وكانوا يلقبون بذلك؛ لأنهم كانوا لا يدينون للملوك.

9 -

قوله: "من صد" أي: من أعرض "عن نيرانها" أي: نيران الحرب، قوله:"فأنا ابن قيس لا براح" أي: لا براح لي، أي: ليس لي براح.

والمعنى: إن أَعْرَض أولاد يشكر وأولاد بني حنيفة: عن نيران الحرب فأنا ابن قيس لا براح لي عن موقفي في الحرب.

10 -

قوله: "صبرًا بني قيس" يعني: اصبروا يا بني قيس.

11 -

[قوله]

(3)

: "إن الموائل": جمع موئل وهو الملجأ، قوله:"يعتاقه" أي: يحسبه ويصرفه عنه، وثلاثيه عاقه من كذا يعوقه، قوله:"المتّاح" بفتح الميم وشديد التاء المثناة من فوق أي: الأجل الطويل، يقال: ليل متاح إذا كان طويلًا.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

في (أ): بضم.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 673

12 -

قوله: "جال الموت" من الجولان بالجيم

(1)

.

13 -

قوله: "الظواهر" أراد بها أشراف الأرض، و"البطاح" بكسر الباء الموحدة؛ جمع أبطح، وهو مسيل [الماء]

(2)

واسع فيه دقاق الحصى.

الإعراب:

قوله: "من": شرطية، و"صد": فعل الشرط وفيه ضمير فاعله يعود إلى "مَن" قوله: "عن نيرانها": يتعلق بقوله "صد" والضمير يرجع إلى الحرب كما ذكرنا، والحرب مؤنثة، قال الله تعالى:{حَتَّى تَضَعَ الْحَربُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] قوله: "فأنا": مبتدأ، و"ابن قيس": كلام إضافي خبره، والجملة جزاء الشرط.

قوله: "لا": بمعنى ليس، و"براح": مرفوع لأنه اسم لا، وخبرها محذوف تقديره:"لا براح لي" أي: ليس لي براح.

فإن قلت: لا براح ما موقعها؟ فهل لها محل من الإعراب أم لا؟

قلت: هي استئناف، كأنه قال: أنا ابن قيس الَّذي عُرِفت بالشجاعة فلا يحتاج إلى البيان، ثم قال على سبيل الاستئناف؛ لا براحُ لي، ويجوز أن تكون هذه الجملة منصوبة المحل على الحال المؤكدة من قوله "أنا ابن قيس" كأنه قال: أنا ابن قيس ثابتًا في الحرب، وذلك نحو قولك: زيد أبوك عطوفًا، وقد قيل: إن هذه الجملة تقرير للجملة السابقة، والبراح: مشترك بين المكان والزمان، تقول: ما برحت من مكاني براحًا وبروحًا، وما برحت أفعل كذا براحًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لا براح" حيث استعمل الشاعر لا بمعنى ليس، فقال: لا براح في تقدير: ليس براح، وإن كان ذلك قليلًا

(3)

، وقيل: لا شاهد فيه لجواز أن يكون براح مبتدأ، وردَّ بأن لا الداخلة على الجمل الاسمية يجب إما إعمالها أو تكرارها، فلما لم تتكرر علم أنها عاملة، وأجيب بأن هذا شعر، والشعر يجوز فيه أن ترد غير عاملة ولا مكررة، ورد بأن الأصل كون الكلام على غير الضرورة

(4)

.

(1)

صحته: حال الموت بالحاء، وهكذا رواه كثيرون منهم التبريزي، ومرحه فقال: أراد أن الموت قد حال دون أن يفوت الرجل فيذهب عن هذه الحروب فليس له إلا القتل.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر الشاهد رقم (223).

(4)

قال ابن هشام بعد أن ذكر البيت: "وإنما لم يقدروها مهملة والرفع بالابتداء؛ لأنها حينئذ واجبة التكرار، وفيه نظر لجواز تركه في الشعر"، المغني (239).

ص: 674

‌الشاهد الحادي والأربعون بعد المائتين

(1)

،

(2)

طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلَاتَ أَوَانٍ

فَأَجَبْنَا أَنْ لَيْسَ حِينَ بَقَاءِ

أقول: قائله هو أبو زبيد الطائي، واسمه المنذر بن حرملة بن معد يكرب بن حنظلة بن النعمان بن شعبة بن الحرث بن؛ ربيعة بن مالك بن عمرو بن الغوث بن طيئ، وكان نصرانيًّا وعلى دينه مات وقد أدرك الإسلام، وكان من زوار الملوك وخاصة ملوك العجم، وكان عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - يقربه ويدني مجلسه:

والبيت المذكور من قصيدة من بحر الخفيف الخبون، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

خَبَّرتْنَا الركْبانُ أَنْ قَدْ فَرحتُمْ

وفخرتُمْ بضَرْبَةِ المُكَّاءِ

2 -

وَلَعْمرِي لَعارُها كَانَ أَدْنَى .. لَكُمُ من تُقىً وحُسْنِ وَفَاءِ

3 -

ظَلُّ ضَيْفًا أَخُوكم لِأخِينَا

في صَبُوحٍ ونَعْمَةٍ وشِوَاءِ

4 -

لَمْ يَهَبْ حُرْمَةَ النَّديمِ ولكِنْ

يَا لَقَومْي للسوْأةِ السَّوْآءِ

5 -

فاصْدُقُونِي وقد خَبَرتُمْ وقَدْ ثَابَتْ

إليكُمْ جَوائِبُ الأنْبَاءِ

6 -

هل علمتُمْ مِنْ مَعْشَرِ سَافَهُونَا

ثُمَّ عَاشُوا صَفْحًا ذَوي غُلَوَاء

7 -

كم أزالت رماحُنا من قتيل

قاتلونا بنكبة وشقاءِ

8 -

بَعَثُوا حَرْبَنَا عَليهِمْ وكَانُوا

في مَقَامِ لَوْ أبَصَرُوا ورَخَاءِ

9 -

ثُمَّ لَمَّا تَشَذَّرَتْ وأنَافَتْ

وتصَلَّوْا منها كَرِيهَ الصَّلاءِ

10 -

طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلَاتَ أَوَانٍ

فَأَجَبْنَا أَنْ لَيْسَ حِينَ بَقَاءِ

11 -

وَلَعْمرِي لَقَدْ لَقُوا أَهْلَ بَأْسٍ

يَصْدُقُونَ الطِّعَان عِنْدَ اللِّقَاءِ

12 -

ولَقَدْ قَاتُلوا فما جَبُنَ القومُ

عن الأمّهَاتِ والأبْنَاءِ

(1)

ابن الناظم (58).

(2)

البيت من بحر الخفيف من قصيدة طويلة لأبي زبيد الطائي في العتاب؛ حيث نزل رجل شيباني على طائي فأكرمه الطائي لكن الشيباني قتله وهو سكران، وكثير من أبيات القصيدة في شرح شواهد المغني (640)، وانظر بيت الشاهد في ديوانه (30)، والإنصاف (109)، وتخليص الشواهد (295)، وتذكرة النحاة (734)، والخزانة (4/ 183)، والدرر (2/ 119)، وفي الخصائص (2/ 370)، ورصف المباني (169)، وسر الصناعة (509)، وابن يعيش (9/ 32)، والمغني (255).

(3)

الخزانة (4/ 183)، وشرح شواهد المغني (640، 641).

ص: 675

13 -

وَحَمْلنَاهُمْ عَلَى صَعْبة زو

رَاء يَعْلُونها بغَير وطاءِ

14 -

أبديء أَن تقتلُوا إذ قَتَلْتُمْ

أَمْ لَكُمْ بَسطةً على الأكْفَاءِ

15 -

أَمْ طمعتُمْ بَأَنْ تُريقُوا دِمَانا

ثُم أَنَتمْ بنجوةٍ في السَّماءِ

16 -

فَلحَا اللهُ طالبَ الصُّلح منا

ما أطاف المبسّ بالدَّهْناءِ

17 -

إنَّنا مَعْشَرٌ شَمائِلُنا الصَّبْرُ

ودَفْعُ الأَذَى بحسْنِ العَزَاءِ

18 -

وَلنَا فَوْقَ كُل مَجْدٍ لِوَاءٌ

فَاضِلٌ في التَّمامِ كُلَّ لِوَاءِ

19 -

فإذا ما استطعْتُمُ فاقْتُلُونا

من يُصَبْ يُرتَهَنْ بغيرِ فِدَاءِ

قال أبو عمرو الشيباني وابن الأعرابي: نزل رجل شيباني برجل طائي فأضافه وسقاه فلما سكر وثب إليه بالسيف فقتله وخرج هاربًا وافتخر بنو شيبان بذلك، فقال أبو زبيد في ذلك هذه القصيدة

(1)

.

1 -

قوله: "الركبان" بضم الراء؛ جمع ركب، والركب أصحاب الإبل في السفر دون الدواب، وهم العشرة فما فوقها ويجمع على أركب أيضًا، قوله:"بضربة المُكاء" بضم الميم وتشديد الكاف؛ وهو اسم الرجل الشيباني الَّذي قتل الطائي.

2 -

قوله: "لعارُهَا" أي: لعار ضربة المكاء.

5 -

قوله: "جوائب الأنباء" الجوائب جمع جائبة، يقال: هل عندكم من جائبة خبر؟ وهو ما يجوب البلاد، أي: يقطعها، و"الأنباء": جمع نبأ وهو الخبر.

6 -

قوله: "ذوي غلواء" بضم الغين المعجمة، وهو بمعنى: الغلو، وبمعنى سرعة الشباب وأوله وهو المراد هاهنا.

9 -

قوله: "ثم لما تشذرت" أي: لما رفعت الحرب ذَنَبها، و"التشذر": الاستثفَار بالثوب أو بالذنب، قوله:"وأنافت" أي: رفعت رأسها، قوله:"وتصلوا": من تصليت بالنار إذا اصطليت بها، وأراد: نار الحرب، والصِّلاء -بكسر الصاد بالمد: صلاء النار.

10 -

قوله: "طلبوا صلحنا" أي: طلب هؤلاء القوم صلحنا، والحال أن الأَوَانَ ليس أوانَ صلح، فقلنا لهم: ليس الحين حين بقاء الصلح.

13 -

قوله: "على صعبة زوراء" أي: على خيول صعبة شديدة، الزوراء: البعيدة الجري.

(1)

ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (641).

ص: 676

14 -

قوله: "أبديء" الهمزة للاستفهام، والبديء على وزن فعيل وهو الأمر البديع.

15 -

قوله: "بنجوة" النجوة والنجاة: المكان المرتفع الَّذي تظن أنَّه نجاؤك، لا يعلوه السير.

16 -

قوله: "فلحا الله" أي: قبح الله طالب الصلح منا. قوله: "المبسّ": من أَبْسَسْتُ الإبل إذا زجرتها وقلت بس بس وكذلك: بسست، قال أبو عبيد: بسست الإبل وأبسستها لغتان

(1)

، و"الدهناء": موضع ببلاد بني تميم يمد ويقصر وهاهنا بالمد

(2)

.

الإعراب:

قوله: "طلبوا"؛ فعل وفاعله واو الجماعة وهو ضمير بارز

(3)

، و"صلحنا": كلام إضافي مفعول، قوله:"ولات أوان": جملة حالية؛ أي: وليس الأوان أوان صلح، فحذف المضاف إليه ثم بَنَى أَوَانَ؛ كَمَا بُنَي قبلُ وبَعْدَ عند حذف المضاف إليه، ولكنه بُنِيَ على الكسر لشبهه بنَزَالِ في الوزن ثم [نُوِّنَ]

(4)

لأجل الضرورة.

وقال الفراء: لات تستعمل حرف جر أحيانًا وأنشد هذا البيت وحمله على ظاهره

(5)

، وقال الزمخشري في الكشاف: فإن قلتَ فما وجه الكسر في أوان؟ قلتُ: شبه بإذ في قوله

(6)

:

نهيتُك عَن طِلابكَ أَمِّ عَمْروٍ

بَعافَيةٍ وأنْتَ إذٍ صَحِيحُ

في أنَّه زمان قطع منه المضاف إليه وعوض التنوين؛ لأن الأصل: ولات أوان صلح

(7)

.

[قوله]

(8)

: "فأجبنا" الفاء للعطف، وفيه معنى التعقيب، وأجبنا: فعل وفاعل، قوله:"أن" تفسيرية، وليس للنفي، واسمه محذوف، قوله:"حين بقاء": خبره؛ أي: ليس الحين حين بقاء الصلح.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولات أوان" حيث وقع خبره لفظة "أوان" كالحين؛ فافهم

(9)

.

(1)

ينظر الصحاح للجوهري مادة: (بسس) واللسان (بسس).

(2)

معجم البلدان (2/ 560).

(3)

في (أ، ب): وفاعله مستتر فيه والصحيح ما أثبته.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ينظر معاني القرآن للفراء (2/ 297، 298)، والمغني (255).

(6)

البيت من الوافر لأبي ذؤيب الهذلي من مقطوعة في ديوان الهذليين في الغزل، ومطلعها:

جمالك أيها القلب القريح

ستلقى من تحت فتستريح

ثم بيت الشاهد (ديوان الهذليين (1/ 68) ط. دار الكتب).

(7)

الكشاف (3/ 359).

(8)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(9)

ينظر الشاهد رقم (237).

ص: 677

‌شواهد أفعال المقاربة

‌الشاهد الثاني والأربعون بعد المائتين

(1)

،

(2)

أَكْثَرْتَ في الْعَذْلِ مُلِحًّا دَائِمًا

لا تُكْثِرَنْ إِنِّي عَسَيتُ صَائِمًا

أقول: قد قيل إن قائله هو رؤبة بن العجاج، وقال أبو حيان: هذا البيت مجهول لم ينسبه الشراح إلى أحد فسقط الاحتجاج به، وكذا قال أبو عبد الواحد الطواح في كتابه بغية الآمل ومنية السائل

(3)

، قلت: لو كان الأمر كما قالا لسقط الاحتجاج بخمسين بيتًا من كتاب سيبويه؛ فإن فيه ألف بيت قد عرف قائلها وخمسين بيتًا مجهولة القائلين، وقد حرف ابن الشجري هذا الرجز فأنشده

(4)

:

قم قائمًا قم قائمًا

إني عسيت صائمًا

وإنما قم قائمًا، صدر رجز آخر يأتي بيانه -إن شاء اللَّه تعالى-، والبيت المذكور من الرجز المسدس.

قوله: "أكثرت" من الإكثار، و"العذل" بالذال المعجمة؛ الملامة، وقد عذلته فاعتذل، والاسم العذل بالتحريك، قوله:"مُلِحّا": من ألحَّ يلحّ إلحاحًا فهو مُلِحٍّ، قوله:"عسيت" بفتح العين وكسر السين، يقال: عسيت أفعل ذاك، وعسيت أفعل أيضًا بفتح السين وقرئ

(5)

: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} [محمد: 22]، وعَسِيتم بالفتح والكسر.

(1)

ابن الناظم (59)، توضيح المقاصد للمرادي (1/ 324)، شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 324).

(2)

بيتان من الرجز المشطور، وهما في ملحق ديوان رؤبة (185)، وانظرهما في الخصائص (1/ 83)، والخزانة (9/ 317).

(3)

ينظر هدية العارفين (1/ 247).

(4)

ينظر الأمالي الشجرية (2/ 105)، وينظر الخزانة (9/ 317) والرواية فيه (صائمًا)، والدرر (6/ 49) والرواية فيه (سالمًا)، والهمع (2/ 125)، والمعجم المفصل (1252).

(5)

قراءة الكسر هي قراءة نافع، وانظر ذلك في الكشاف (3/ 536).

ص: 678

الإعراب:

قوله: "أكثرت": فعل وفاعل، و "في العذل": يتعلق به، قوله:"ملحًّا": نصب على الحال، و"دائمًا": صفته، قوله:"لا تكثرن": نهي مؤكد بالنون الخفيفة، ويروى: لا تلحني بمعنى لا تلمني، من لحيته بالفتح ألحاه لحيًا إذا لمته.

قوله: "إني" الياء اسم إن، وقوله:"عسيت صائمًا": خبره، وقد علم أن عسى تلحق بكان في رفع الاسم ونصب الخبر، فاسمه ضمير المتكلم، وخبره قوله:"صائمًا".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "عسيت صائمًا" وذلك لأن الأصل أن يكون خبر عسى فعلًا مضارعًا، وقد جاء ها هنا مفردًا وهو نادر

(1)

، وقد قيل في هذا المقام خلاف ذلك

(2)

؛ وذلك لأن عسى هاهنا فعل تام خبري لا فعل ناقص إنشائي بدليل وقوعه خبرًا لإن، ولا يجوز بالاتفاق: إن زيدًا هل قام؟ بدليل قبول هذا الكلام التصديق والتكذيب، فعلى هذا؛ فالمعنى: إني رجوت أن أكون صائمًا فصائمًا خبر لكان والفعل مفعول لعسى

(3)

، وسيبويه يجيز حذف أن والفعل إذا قويت الدلالة على الحذف؛ ألا ترى أنَّه قدر في قوله:

..................

................ من لد شولًا؟

من لد أن كانت شولًا

(4)

، ومن وقوع عسى فعلًا خبريًّا، قوله تعالى:{هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا} [البقرة: 246]؛ ألا ترى أن الاستفهام طلب فلا يدخل على الجملة الإنشائية، وأن المعنى: قد طمعتم أن لا تقاتلوا إن كتب عليكم القتال.

ومما يحتاج إلى النظر قول القائل: عسى زيد أن يقوم؛ فإنك إن قدرت عسى فيه فعلًا إنشائيًّا كما قاله النحويون أشكل؛ إذ لا يسند فعل [الإنشاء]

(5)

إلا إلى منشئه، وهو المتكلم كَبِعْتُ

(1)

الغالب في خبر كاد وأخواتها أن يكون جملة فعلية فعلها مضارع، فإن جاء خلاف ذلك كان نادرًا كبيت الشاهد. ينظر المغني (152)، وتوضيح المقاصد (1/ 324)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 392، 393).

(2)

في (أ): وقد قيل في هذا المقام: إن الحق خلاف هذا وذلك.

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 393)، والمغني (152).

(4)

ينظر الكتاب (1/ 265)، والجزء المذكور قطعة من بيت من الرجز، تمامه:

.........................

من لد شولًا فإلى إتلائها

وقد مضى تحقيقه في الشاهد رقم (205).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 679

واشتريتُ وحررتك، وأيضًا فمن المعلوم أن زيدًا لم يَتَرَجَّ، وإنما المترجي المتكلم، وإن قدرته خبرًا؛ كما في البيت والآية، فليس المعنى على الإخبار، ولهذا لا يصح تصديق قائله ولا تكذيبه.

فإن قلت: يخلص من هذا الإشكال أنهم نصوا على أن كَان وما أشبهها أفعال جارية مجرى الأدوات فلا يلزم فيها حكم سائر الأفعال.

قلت: قد اعترفوا مع ذلك بأنها مسندة؛ إذ لا ينفك الفعل المركب عن الإسناد، والذي يُخَلِّصُ من هنا الإشكال أن يدعى أنها هاهنا حرف بمنزلة لعل؛ كما قال سيبويه والسيرافي بحرفيتها في نحو: عساي وعساك وعساه

(1)

، وقد ذهب جماعة منهم أبو بكر إلى أنها حرف دائمًا

(2)

، وإذا حملناها على الحرفية زال الإشكال؛ إذ الجملة الإنشائية حينئذ اسمية لا فعلية؛ كما نقول: لعل زيدًا يقوم، فافهم هذا الموضوع فإنه دقيق.

‌الشاهد الثالث والأربعون بعد المائتين

(3)

،

(4)

فَأُبْتُ إِلَى فَهْمٍ وَمَا كِدْتُ آيبًا

.........................

أقول: قائله هو تأبط شرًّا، واسمه ثابت بن جابر بن سفيان، سمي بذلك؛ لأنه أخذ سيفًا وخرج فقيل لأمه:[أين ذهب؟]

(5)

، فقالت: لا أدري تأبط شرًّا وخرج.

وقيل: أخذ سكينًا تحت إبطه وخرج إلى نادي قومه فوجأ بعضهم فقيل: تأبط شرًّا، وقيل غير ذلك، وتمام البيت المذكور:

................................

وَكَمْ مِثْلِهَا فَارَقْتُهَا وَهِي تَصْفِرُ

(1)

قال ابن مالك: وقال السيرافي: وأما عساك وعساني ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: قول سيبويه وهو أن (عسى) حرف بمنزلة لعل. وفي هذا القول أيضًا ضعف لتضمنه اشتراك فعل وحرف في لفظ واحد بلا دليل إلا أن فيه تخلصًا من الاكتفاء بمنصوب فعل عن مرفوعه في نحو: علك أو عساك" شرح التسهيل لابن مالك (1/ 398)، والمغني (151)، والكتاب (1/ 265).

(2)

ذهب ابن السراج وثعلب إلى أن (عسى) حرف. قال ابن هشام: "عسى فعل مطلقًا لا حرف مطلقًا خلافًا لابن السراج وثعلب". المغني (151).

(3)

ابن الناظم (59)، توضيح المقاصد للمرادي (1/ 325)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 302)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 325).

(4)

البيت من بحر الطويل، قاله تأبط شرًّا الشاعر الجاهلي، من قصيدة في الفخر والشجاعة - ديوانه (91)، (دار الغرب الإسلامي) وانظر بيت الشاهد في الأغاني (21/ 159)، والخصائص (1/ 391)، والدرر (2/ 150)، والتصريح (1/ 203)، والإنصاف (544)، ورصف المباني (190).

(5)

ما بين المعقوفين زيادة لإصلاح المعنى.

ص: 680

وهي من قصيدة رائية، وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

إذا المرءُ لَمْ يحتلْ وَقَدْ جَدَّ جِدُّه

أضَاعَ وقَاسَى أَمرَهُ وهو مُدْبرُ

2 -

ولكنْ أخو الحزمِ الَّذي ليس نازلًا

به الخطْبُ إلا وهو للقصْدِ مُبْصِرُ

3 -

فَذَاك قَريعُ الدُّهر ما عاش حوّلا

إذَا سُدَّ منه مَنْخِرُ جَاش مَنْخِرُ

4 -

أقولُ لِلحْيَانِ وقد صَفِرتْ لهم

وطَابِي وَيوْمِي ضَيِّقُ الحِجْرِ مُعْورُ

5 -

هُما خُطَّتَا إِمَّا إسَارٌ وَمِنَّةٌ

وإما دمٌ والقَتْلُ بالحرِّ أَجْدَرُ

6 -

وأخْرى أصادي النَّفْسَ عنْهَا وإِنَّهَا

لمورد حَزْمٍ إن فعلت ومصدر

7 -

فرشْتُ لها صَدْرِي فزَلَّ عنْ الصَّفَا

بهِ جُؤْجؤ عَبْلٌ ومَتنٌ مُخَصَّرُ

8 -

فخَالطَ سهْلَ الأزضِ لم تَكْدَح الصَّفَا

به كَدْحَةٌ والمَوتُ خَزْيانُ ينظرُ

9 -

فأبت إلى فهم ......................

.............. إلى آخره

وهي من الطويل.

كان تأبط شرًّا يشتار عسلًا في جبل ليس له غير طريق فأخذ عليه لحيان ذلك الموضع وخيروه النزول على حكمهم أو إلقاء نفسه من الموضع الَّذي ظنوا أنَّه لا يسلم فصبّ العسل الَّذي معه على الصفا وألقى نفسه فسلم وجعل يكلمهم فكان بينهم وبين الموضع الَّذي استقر به على الطريق [مسيرة]

(2)

ثلاثة أيام

(3)

.

1 -

قوله: "وقد جدّ جده" أي: ازداد جده جدًّا، قوله:"أضاع" أي: ضيّع أو وجده ضائعًا، قوله:"وقاسى أمره" أي: شقي به وهو مؤول.

2 -

قوله: "أخو الحزم" وهو الشدة والضبط، ومنه الحزام والحزمة والحيزوم، والمعنى: صاحب الحزم وهو الذي يستعد للأمر قبل نزوله.

3 -

قوله: "فذاك" إشارة إلى أخي الحزم، قوله:"قريع الدهر" يحتمل وجهين:

أن يكون في معنى مختار الدهر، ويكون من قرعته؛ أي: اختبرته

(4)

قرعتي. ويجوز أن يكون من قرعه الدهر بنوائبه حتَّى جرب وبصر، ويكون قريع في الوجهين فعيلًا بمعنى مفعول، قوله:

(1)

ديوان تأبط شرًّا وأخباره (86) تحقيق علي ذو الفقار (دار الغرب الإسلامي).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر الأغاني (21/ 151)، وشرح شواهد المغني (975).

(4)

في (أ): اخترته.

ص: 681

"حوّلا" هو المتحول من حال إلى حال، [قوله]

(1)

: "إذا سد منه منخر" مثل للمكروب المضيَّق عليه، قوله:"جاش": من الجيش، وهو الحركة والاضطراب أي: لافتنانه في الحيل لا يؤخذ عليه طريق إلا نفذ في آخر.

4 -

قوله: " [أقول]

(2)

للحيان" [يعني:]

(3)

عند مخاطبته إياهم وهو على الجبل، قوله:"وقد صفرت لهم وطابى" يعني: قد خلا قلبي من ودهم، ويجوز أن يكون أشار بالوطاب إلى الجسم؛ أي: كاد تفارقه، ويجوز أن تكون الإشارة إلى ظروف العسل التي صب العسل منها على الصفا وركبه مُتَزَلِّقًا عليه حتَّى لحق بالسهل، قوله:"معور": من أعور لك الشيء إذا بدت عورته، والواو في قوله:"ويومي ضيق الحجر" وكذلك في قوله: "وقد صفرت" للحال.

5 -

قوله: "هما خطتا" أصله: هما خطتان، حذفت منها النون وهي تثنية خطة وهي القصة والحالة.

7 -

قوله: "فرشت لها صدري" أي: للخطة، قوله:"جؤجؤ عبل" أي: صدر ضخم "ومتن مُخَصّر" أي: دقيق.

8 -

والواو في قوله: "والموت خزيان" واو الحال، وخزيان من الْخزْيِ وهو الهوان، ويجوز أن يكون من الخزاية وهو الاستحياء.

9 -

قوله: "فأبت": من آب يؤوب إذا رجع أوبًا وأوبة وإيابًا، قوله: " [إلى فهم]

(4)

" وهي قبيلة فهم بن عمرو بن قيس عيلان، قوله: "وما كدت آبيًا" أي: راجعًا، وهو فاعل من أن يكوب، قوله: "وكم مثلها" أي: وكم مثل هذه الخطة فارقتها وهي تتلهف كيف أفلت، قوله: "وهي تصفر" من صفير الطائر.

الإعراب:

قوله: "فأبت": عطف على ما قبله من الجمل، وهو فعل وفاعل، وقوله:"إلى فهم": يتعلق به، قوله:"وما كدت آبيًا": جملة منفية، والتاء؛ اسم كاد، وخبره قوله:"آبيًا" قوله: "وكم": خبرية بمعنى كثير، وخبره قوله:"فارقتها" قوله: "مثلها" بالجر تمييز، وقد علم أن تمييز كم الخبرية يأتي مفردًا ومجموعًا، تقول: كم عبد ملكت، وكم عبيد ملكت، قوله:"وهي تصفر": جملة اسمية وقعت حالًا.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 682

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وما [كدت]

(1)

آبيًا" وهو أنَّه استعمل خبر كاد اسمًا مفردًا وإنما قياسه الفعل ويروى: وما كنت آبيًا، فإن صح فلا استشهاد فيه

(2)

.

‌الشاهد الرابع والأربعون بعد المائتين

(3)

،

(4)

وَقَدْ جُعَلْتْ قَلُوصُ ابني زيادٍ

من الأكوارِ مَرْتَعُها قَرِيبُ

أقول: هذا البيت من أبيات الحماسة ولم يعزه إلى أحد، وقبله:

فَلَسْتُ بِنَازلٍ إلَّا ألمّتْ

بِرَحْلِي أَوْ خَيَالتُها الكَذُوبِ

وبعده:

كأنَّ لها بِرَحْل القِوْمِ بَوًّا

وَمَا إِنْ طِبُّها إلَّا اللُّغُوبِ

وهي من الوافر.

قوله: "أو خيالتها" يعني: أو خيالها يقال: خيال وخيالة؛ كما يقال: مكان ومكانة وجعلها كذوبًا؛ لأنه لا حقيقة لها، قوله:"قلوص" بفتح القاف وضم اللام المخففة؛ وهي الشابة من النوق بمنزلة الجارية من النساء، وقال العدوي

(5)

: أول ما يركب من إناث الإبل إلى أن تثنى فإذا أثنت فهي ناقة وتجمع على قُلص وقلائص

(6)

.

قوله: "ابني زياد" ويروى: ابني سهيل، قوله:"من الأكوار": جمع كور، قوله:"مرتعها" أي: مرعاها قريب.

والمعنى: طفقت لقرب مرتعها من الأكوار؛ يعني: إنها لَمَّا أَعْيَتْ حَطَّ عنها رحلها فرعت قريبًا ولم تبعد، قوله:"بوًّا" بفتح الباء الموحدة وتشديد الواو؛ وهو جلد الحمار يحشى فتعطف عليه

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

الأصل في خبر كاد وأخواتها أن يكون جملة فعلية مضارع كقول الله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} [النور: 35]، فإن جاء اسمًا مفردًا فهذا قليل، وإذا كانت الرواية: وما كنت آبيًا فلا استشهاد فيه، لأن خبر كان يأتي مفردًا وجملة وشبه جملة.

(3)

ابن الناظم (59)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 304).

(4)

البيت من بحر الوافر، وهو من مقطوعة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (310)، لقائل مجهول، وانظر بيت الشاهد في تخليص الشواهد (320)، والخزانة (5/ 120)، (9/ 352)، والدرر (2/ 152)، والتصريح (1/ 204)، وشرح شواهد المغني (606)، والمغني (235).

(5)

هو إسحاق بن أيوب بن أحمد بن عمر التغلبي العدوي أمير من القادة (ت 287 هـ)، الأعلام (1/ 294).

(6)

ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (607)، والصحاح مادة (قلص).

ص: 683

الناقة إذا مات ولدها، قوله:"اللغوب" بفتح اللام وضم الغين المعجمة؛ وهو التعب والإعياء وهو لغة في اللغوب -بضم اللام، يقال: لغب يلغب لغوبًا من باب فتح يفتح، ولغب بالكسر يلغب لغوبًا لغة فيه ضعيفة وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ويحيى بن يعمر وسعيد بن جبير ويزيد النحوي {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} بفتح اللام.

الإعراب:

قوله: "وقد جعلت"[قد: للتحقيق]

(1)

وجعل: من أفعال المقاربة يستعمل استعمال كاد ولا يكون خبره إلا مضارعًا مجردًا من أن، وهاهنا جعلت على صيغة المجهول أسندت إلى قلوص، و"القلوص": مرفوع بها، وأضيفت القلوص إلى ابني زياد، قوله:"مرتعها": مبتدأ وخبره قوله: "قريب"، والجملة خبر جعلت، وهذا مما جاء على الندرة، قوله:"من الأكوار" يتعلق بقوله: "قريب"، وذكر بعضهم أن جُعِلَتْ هاهنا بِمَعْنَى طَفِقْتُ ولذلك لا يتعدى

(2)

، و"مرتعها قريب" في موضع الحال؛ أي: أقبلت قلوص هذين الرجلين قريبة: المرتع من رحالهم لِمَا بها من الإعياء، وقال أبو العلاء رفعُ قَلوصٍ وجه رديء؛ لأن القائل إذا قال جعلت وهو يريد المقاربة لم يكن بد من لأليانه بالفعل كما قال

(3)

:

جعلت وما بي من جفاء ولا قلى

أزوركم يومًا وأهجركم شهرًا

وعلى ذلك جميع ما يرد، فإذا قال القائل: جعل زيد فعله جميل، ولم يأت بلفظة الفعل فإنما يحمله على المعنى؛ كأنه قال: جعل زيد يجمل، وأحسن من هذا الوجه أن ينصب قلوص، ويكون في جعلت ضمير يعود على المذكور، وليست جعلت في هذا الوجه في معنى المقاربة، وإنما هي [بمنزلة]

(4)

صيرت فلا يفتقر إلى فعل، ويكون قوله:"مرتعها قريب" جملة في موضع المفعول الثاني؛ كما يقال: جعلت أخاك ماله كثير

(5)

.

وقال الشلويين: ومنهم من جعل "جعلت" هاهنا بمعنى صيرت، وحذف منها ضمير الشأن، والتقدير: وقد جعلته؛ أي: جعلت الأمر والشأن مرتعها قريب من الأكوار، ومنهم من أجاز أن كون إلغاء جعلت مع تقدمها على حد إجازة أبي الحسن: ظننت عبد الله منطلق، وفيه نظر؛ لأن الإلغاء إنما يجوز في أفعال القلوب لا في أفعال التصيير فافهم

(6)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

الخزانة (5/ 121).

(3)

البيت من الطويل ورد غير منسوب لقائل وهو في الخزانة (9/ 353).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (606).

(6)

قال ابن مالك: "وتسمى المتقدمة على صير قلبية، وتختص متصرفاتها بقبح الإلغاء في نحو: ظننت زيد قائم". التسهيل (71)، تحقيق: محمد كامل بركات، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 85)، تحقيق عبد الرحمن السيد وصاحبه.

ص: 684

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مرتعها قريب" حيث وقعت هذه الجملة الاسمية خبرًا لجعلت، على أن الأصل أن يكون خبرها فعلًا مضارعًا، ولكن أصلها: يقرب مرتعها، فأقيمت الجملة الأسمية مقام الفعلية

(1)

فافهم.

‌الشاهد الخامس والأربعون بعد المائتين

(2)

،

(3)

وَقَدْ جَعَلْتُ إذَا ما قُمْتُ يُثْقِلُنِي

ثَوبي فَأَنْهَضُ نَهْضَ الشَّاربِ الثمل

أقول: قائله هو أبو حية النمري، واسمه المشمر بن الربيع بن زرارة بن كثير بن حباب بن مالك بن عامر بن نمير الشاعر المشهور، وأبو حية -بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، وقد نسب هذا البيت للحكم بن عبدل الأعرج الأسدي، وليس بصحيح لأنه لا يوجد في ديوانه ويروى الشطر الثاني:

.......................

ثوبي فقمت قيام الشارب السكر

وممن رواه هكذا الجاحظ في باب العرجان من كتاب الحيوان، ونسبه لأبي حية النمري، وأنشده له هكذا:

وَقَدْ جَعَلْتُ إذَا ما قُمْتُ يُوْجُعنِي

ظهري فقمتُ قِيامَ الشَّاربِ السَّكِير

وَكُنْتُ أَمْشي على رِجْلي مُعتدلًا

فصرتُ أَمْشِي على أُخْرى من الشَّجَر

(4)

وهما من البسيط.

قوله: "الثمل" بفتح الثاء المثلثة وكسر الميم وفي آخره لام؛ وهو النشوان؛ أي؛ السكران، وقال ابن الأثير: الثمل الَّذي أخذ منه الشرب والسكر، قوله:"السكر" بفتح السين وكسر الكاف، وهو صفة مشبهة بمعنى السكران.

(1)

مجيء خبر أفعال الشروع جملة فعلية فعلها مضارع هو الغالب والشائع وربما جاء جملة اسمية. قال ابن مالك: وربما جاء خبراهما [كاد وعسى] مفردين منصوبين وخبر جعل جملة أسمية، وقال في الشرح:(وقد جاء خبر جعل جملة اسمية ثم ذكر البيت"، ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 392، 393).

(2)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 305).

(3)

البيت من بحر البسيط منسوب في مراجعه إلى أبي حية النمري؛ كما نسب لعمرو بن أحمر وغيره، وانظره في الخزانة (9/ 359)، والحيوان (6/ 483) بتحقيق هارون، والتصريح (1/ 204)، والدرر (2/ 33)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (911).

(4)

انظر الحيوان (6/ 483) بتحقيق: هارون.

ص: 685

الإعراب:

قوله: "وقد جعلت" قد للتحقيق، وجعلت: من أفعال المقاربة يقتضي الاسم والخبر، وخبره يكون مضارعًا مجردًا من أن والتاء المتصل به اسمه، وقوله:"يثقلني": خبره، قوله:"ثوبي": بَدَل من اسم جعلت بدل اشتمال وليس هو فاعل يثقلني فافهم.

والتحقيق فيه أنَّه أقام السبب وهو الإثقال مقام المسبب وهو النهوض نهض الشارب الثمل.

والمعنى: وقد جعلت أنهض نهض الشارب الثمل لإثقال ثوبي إياي، فقد ذكر السبب كما في قوله تعالى:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]، فاستشهاد الرجل والمرأتين ليس سببه ضلال إحداهما، بل التذكير لأجل أن ضلت فعومل الضلال معاملة التذكير لما كان سببه، قوله:"إذا": ظرف، وكلمة:"ما" مصدرية والتقدير: حين قيَامِي.

قوله: "فأنهض" عطف على قوله: جعلت، وفيه أنا مستكن فاعله، وقوله:"نهض الشارب" كلام إضافي منصوب على الإطلاق، وقوله:"الثمل" بالجر صفة للشارب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ثوبي" فإنه بدل من اسم جعلتُ كما ذكرنا، وذلك لأن من الشرط أن يكون "جعل" رافعًا لضمير الاسم، ويكون التقدير: وقد جعلت ثوبي يثقلني عند قيامي فافهم

(1)

.

‌الشاهد السادس والأربعون بعد المائتين

(2)

،

(3)

وأَسْقَيهِ حَتَّى كَادَ مما أبثُّهُ

تُكَلِّمُنِي أحْجَارُهُ ومَلَاعِبُهُ

أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان بن عقبة، وهو من قصيدة طويلة من الطويل، وأولها هو قوله:

(1)

من أخوات كاد أفعال الشروع وهي طفق وجعل وأنشأ وشرع وهب وعلق وغيرها، وخبر هذه الأفعال يكون مضارعًا مجردًا من أن المصدرية، ولا بد من عود ضمير من الخبر في هذا الباب إلى الاسم كما لا بد منه في غير هذا الباب، ولكن الضمير في غير باب (كاد) لا يشترط كونه فاعلًا، أما الضمير في هذا الباب فإن الفاعل لا يكون غيره إلا على قلة وما ورد لا يكون إلا مؤولًا بأنه هو. قال ابن مالك بعد أن ذكر البيت: فجاء فاعل الفعل المخبر به غير ضمير الاسم؛ لأن المعنى: وقد جعلت إذا ما قمت أثقل وأضعف فصح ذلك". ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 398، 399)، والمغني (579).

(2)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 307).

(3)

البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة لذي الرمة في الغزل ووصف الصحراء والناقة وغير ذلك (انظر ديوانه (2/ 821) بتحقيق عبد القدوس أبو صالح، وانظر بيت الشاهد في الكتاب (4/ 59)، واللسان (سقى)، (شكا)، والممتع لابن عصفور (87)، والهمع (1/ 131)، والدرر (2/ 155)، وشرح أبيات سيبويه (2/ 364)، والتصريح (1/ 204)، وشرح شافية ابن الحاجب (1/ 91، 92).

ص: 686

1 -

وَقَفت علَى رَبْعِ لميَّةَ نَاقَتِي

فما زِلْتُ أَبْكي عِنْدَهُ وأخاطبُهْ

2 -

وأُسْقِيهِ ..............

........................ إلى آخره

3 -

بأجْرَعَ مِقْفارِ بَعيدٍ من القُرَى

فَلاةٍ وحَفَّتْ بالفَلَاةِ جَوانِبُهْ

4 -

بِهِ عَرَصَاتُ الحي قَوّبنَ مَتْنَهُ

وجرَّدَ أثْبَاجَ الجراثم حَاطِبُه

5 -

تَمشي به الثِّيرانُ كُلَّ عَشِيَّةٍ

كما اعْتَادْ بَيتَ المَرْزُبانِ مَرازِبُه

6 -

كأنَّ سَحِيقَ المِسْكِ رَيًّا تُرابِه

إذا هضبت بالطَّلالِ هَواضِبُه

1 -

قوله: "وقفت" يقال: وقفت الدابة تقف وقوفًا وقفتها أنا وقفًا يتعدى ولا يتعدى، وقوله:"ناقتي": مفعول وقفت، والربع: الدار حيث كانت، وجمعها: رباع وربوع وأرباع وأربع، و"مية": اسم امرأة.

2 -

قوله: "وأسقيه" بضم الهمزة أي: قلت له سقاك الله؛ يعني: أدعو له بالسقيا، قال الجوهري: وسقيته الماء: شدد للكثرة وسقيته أيضًا إذا قلت له سقاك [الله]

(1)

، وكذلك أسقيته قال ذو الرمة ثم أنشد البيت المذكور، ولكن في روايته:

وقفت على ربع لمية ناقتي

فما زلت أسقي ربعها وأخاطبه

(2)

والمشهور ما ذكرناه من ديوانه، والضمير المنصوب يرجع إلى الربّع في البيت السابق، قوله:"أبثه" من البث وهو الإظهار.

والمعنى: من أجل ما أظهر له بثي وحزني تُكلمني أحجار الربع، و"ملاعبه" وهو جمع ملعب وهو موضع اللعب.

3 -

قوله: "بأجرع" أي؛ في أجرع [أي: ربع كائنة في أجرع]

(3)

، وهي رملة مستوية لا تنبت شيئًا وكذلك الجرعاء، قوله:"مقفار" صفة الأجرع، وهو بكسر اليم وسكون القاف بعدها فاء، يقال: مفازة قفر وقفرة ومقفار لا نبات فيها ولا ماء، وكذلك أرض قفر، والفلاة: المفازة.

4 -

قوله: "به عرصات الحي" أي: فيه عَرَصَات الحي، وهو جمع عَرَصَةٍ -بمهملات مفتوحة، وهي كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها شيء من بناء، قوله:"قوبن متنه" يعني: قلعن ما به من الشجر وأذهبنه عن متنه كهيئة القوباء، والقوباء: تقويب الجلد.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

الصحاح للجوهري مادة: (سقى).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 687

قوله: "وجرد": فعل ماض من التجريد، وقوله:"حاطبه": فاعله، من حطب الحطب إذا جمعه وكذلك احتطبه، "والأثباج": جمع ثبج -بفتح الثاء المثلثة ثم الباء الموحدة ثم الجيم، وهو وسط كل شيء، ومعظم كل شيء ثبج أيضًا، والمعنى على هذا هنا، "والجراثيم": جمع جرثومة وهي الأصل وأراد بها أصول الأشجار.

5 -

قوله: "بيت المرزبان مرازبه" والمرزبان: الأسد، والمرازب: جمع مرزبان،

6 -

قوله: "ريا ترابه" أي: ريح ترابه، قوله:"إذا هضبت" أي: أمطرت، و"الهواضب": الأمطار، والطلال -بكسر الطاء: الأنداء، واحدها طلٍّ.

الإعراب:

قوله: "وأسقيه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول؛ أي: وأسقي ربع مية، قوله:"حتَّى كاد" حتَّى للغاية بمعنى إلى، وكاد من أفعال المقاربة، واسمه الضمير الَّذي فيه يرجع إلى الربع، وقوله:"يكلمني": خبره، قوله:"مما أبثه" يتعلق بكاد، ومن للتعليل، و"ما" يجوز أن تكون موصولة، أي: من الَّذي أبثه، ويجوز أن تكون مصدرية؛ أي: من أجل بثي، أي: حزني؛ لأن البث هو الحزن، قوله:"أحجاره": بالرفع بدل من اسم كاد وهو الضمير الَّذي فيه، وليس هو بفاعل لقوله يكلمني.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حتَّى كاد مما أبثه" لأن من الشرط أن كون خبر كاد رافعًا لضمير الاسم، ويكون التقدير هاهنا: حتَّى كاد أحجاره تكلمني مما أبثه، وكذلك التقدسر: في: "ملاعبه"؛ لأنه عطف على قوله: "أحجاره"، والتقدير: حتَّى كاد ملاعبه تكلمني فافهم

(1)

.

‌الشاهد السابع والأربعون بعد المائتين

(2)

،

(3)

وَمَاذا عَسَى الحجّاجُ يبلُغُ جُهْدُهُ

إذا نحن جَاوَزْنا حَفيرَ زَيادِ

أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب.

(1)

ينظر الشاهد رقم (245).

(2)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 308).

(3)

البيت من بحر الطويل منسوب في مراجعه إلى الفرزدق وهو في ديوانه (1/ 160)، ط. دار صادر، و (1/ 190) طبعة وتحقيق عبد الله الصاوي، وهو من مقطوعة يعاتب فيها بني أمية وجاء منها قوله:

وفي الأرض عن ذي الجور منأى ومذهب

وكل بلاد أوطنت كبلادي

وانظر بيت الشاهد في الدرر (2/ 154)، والتصريح (1/ 205)، والخزانة (2/ 211)، والهمع (1/ 131).

ص: 688

وهو من الطويل.

والحجاج هو ابن يوسف الثقفي الظالم المشهور، وكان تَوَعَّدَ الفرزدقَ بِوعيدٍ شديدٍ فهرب من العراق إلى الشام وأنشد:

وماذا عسى الحجاج ....

.............. إلى آخره

وحفير زياد بين الشام والعراق، وزياد هذا هو ابن [أبي]

(1)

سفيان أخو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية، وكان أميرَ العراق خمس سنين نيابةً عن أخيه معاوية، مات في سنة ثلاثٍ وخمسين من الهجرة، ودفن بالنوبة خارج الكوفة.

الإعراب:

قوله: "وماذا" كلمة ما: استفهام، و"ذا": إشارة، و"عسى": من أفعال المقاربة وفيه طمع وإشفاق، وقوله:"الحجاج": اسمه، وقوله:"يبلغ": خبره، وقد عُلِمَ أن اسمَ عسى على ضربين: أحدهما: يلزمه الخبر نحو: عسى زيد أن يفعل، وقل ورود الخبر بدون أن كما في البيت.

والآخر: وهو الَّذي لا يلزمه الخبر على قسمين:

أحدهما: يجب فيه الاقتصار على الاسم نحو: عسى أن تفعل، وقوله تعالى:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيِئًا} [البقرة: 216] فأن تكرهوا في موضع رفع، وقد سد مسد الاسم والخبر.

والآخر: يجوز فيه الاقتصار على أن والفعل اسمًا، ويجوز ترك الاختصار والتصريح بالاسم وجعل أن والفعل خبرًا، وكذلك إذا بنيت هذه الأفعال على اسم قبلها نحو: أخوك عسى أن يفعل وأخواك عسى أن يفعلا وعسيا أن يفعلا، وإخوتك عسى أن يفعلوا وعسوا أن يفعلوا، ونحو ذلك.

قوله: "جهده" يجوز فيه الوجهان: الرفع على أنَّه فاعل يبلغ، والنصب على أنَّه مفعوله، ويبلغ يستعمل متعديًا؛ كبلغت المكان، ويستعمل لازمًا؛ كبلغ الغلام، قوله:"إذا" للظرف، فيه معنى الشرط، وهي تختص بالدخول على الجملة الفعلية فلذلك تَقُول: إن "نحن" مرفوع بفعل محذوف يفسره الظاهر، تقديره: إذا جاوزنا نحن حفير زياد؛ كما يقال في قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]، إن التقدير: إذا انشقت السماء، ولا يجوز أن يقال: إن "نحن": مبتدأ، و"جاوزنا حفير زياد": خبره، و"حفير زياد": كلام إضافي مفعول جاوزنا.

الاستشهاد فيه:

أن خبر عسى جاء بدون "أن" وهو قليل، والأكثر في استعماله "بأن" نحو: {عَسَى اللهُ

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 689

أَنْ يَأتِيَنِي بِهِمْ جَمِيْعًا} [يوسف: 83]، ونحو ذلك

(1)

.

‌الشاهد الثامن والأربعون بعد المائتين

(2)

(3)

(4)

وَلَوْ سُئْلَ الناسُ الترابَ لأوشَكُوا

إذا قِيلَ هَاتُوا أَنْ يَمَلُّوا وَيَمْنَعُوا

أقول: هذا البيت أنشده ثعلب في أماليه، وقال: أنشدنا ابن الأعرابي وذكره، ولم يعزه إلى أحد، وقبله:

أَبَا مَالكٍ لا تَسْأَلْ النَّاسَ والْتَمِس

بكَفَّيكَ فَضْلَ اللَّه فَاللهُ أَوْسَعُ

(5)

وهما من الطويل.

المعنى: إن من طبع الناس أنهم لو سئلوا أن يعطوا ترابًا، وقيل لهم: هاتوا التراب، لمنعوا ذلك وملوا.

الإعراب:

قوله: "ولو" للشرط، وقوله:"سئل الناس": جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل وقعت فعل الشرط، وقوله:"التراب": مفعول ثان لقوله: "سئل"، وقوله:"لأوشكوا": جواب الشرط وهو جمع أوشك

(6)

، والضمير فيه اسم أوشك، وخبره قوله:"أن يملوا"، قوله:"ويمنعوا": عطف على يملوا؛ أي: وأن يمنعوا.

قوله: "إذا قيل هاتوا": جملة معترضة "وإذا" للظرف المستقبل، وفيه معنى الشرط، فقوله:"هاتوا": مقول القول وهو أمر لجماعة، تقول: هات هاتيا هاتوا، ومفعوله محذوف تقديره: هالوا التراب.

(1)

الأكثر في المضارع الواقع خبرًا لـ (عسى) أن يكون مقترنًا بـ (أن) فإن جاء بدونها فهو قليل وجعله جمهور البصريين ضرورة. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 389) وما بعدها، وابن يعيش (7/ 116)، وتوضيح المقاصد (1/ 326).

(2)

ابن الناظم (60)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 311)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 332).

(3)

البيت من بحر الطويل ولم ينسب في مراجعه، ولم نجده في توضيح المقاصد، وانظره في تخليص الشواهد (322)، والدرر (2/ 144)، والتصريح (1/ 206)، وشرح عمدة الحافظ (817)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 392)، والهمع (1/ 130).

(4)

هذا الشاهد سقط في (ب).

(5)

البيتان في أمالي ثعلب (2/ 365)، ط. دار المعارف، تحقيق: عبد السلام هارون، ورواية الشاهد فيه:"ولو يسأل" بدلًا من: ولو سئل.

(6)

قال في الخزانة (2/ 183) طبعة بولاق، فوله: وهو جمع أوشك فيه تساهل ظاهر، ووجه التساهل أن إسناد الفعل لواو الجماعة لا يسمى جمعًا للفعل.

ص: 690

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أن يملوا" حيث جاء خبر أوشك فعلًا مضارعًا مقرونًا بأن؛ كعسى غالبًا، وحكمه عكس كاد

(1)

، وفيه رد على الأصمعي وأبي علي؛ حيث أنكرا أوشك بصيغة الماضي، قال أبو علي: لا يقال: يوشك -بفتح الشسين، ولا أوشك، حكى ذلك عنهما ابن قرقول في المطالع

(2)

، وحكاه أيضًا ابن مالك رحمه الله في مثلثه

(3)

.

‌الشاهد التاسع والأربعون بعد المائتين

(4)

،

(5)

عَسَى الكرْبُ الَّذي أَمْسَيتَ فيه

يكونُ ورَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ

أقول: قائله هو هدبة بن خشرم العذري

(6)

، وهو من قصيدة بائية قالها هدبة وهو مسجون بالمدينة على ما يجيء بيانه عن قريب -إن شاء الله تعالى-، وأولها هو قوله

(7)

:

1 -

طَرِبْتَ وأنتَ أَحْيانًا طَروُبُ

وكَيْفَ وَقَدْ تَعلَّاكَ المشِيبُ

2 -

يُجِدُّ النأْيُ ذِكْرَك في فُؤَأدِي

إذَا ذهلتْ عَنِ النَّأي القُلُوبُ

3 -

يُؤرِّقُنِي اكْتِئَابُ أَبِي نُمَيرٍ

فَقَلْبِي من كَآبتِه كَئِيبُ

4 -

فقلتُ لَهُ هَداكَ اللهُ مَهْلًا

وخيرُ القْولِ ذُو اللبِّ المُصِيبُ

5 -

فإنَّا قدْ حَلَلْنَا دَارَ بَلْوَى

فتُخطِئُنَا المنَايَا أو تُصِيبُ

6 -

عَسَى الكرْبُ الَّذي أَمْسَيتُ

فيه يكونُ ورَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ

(1)

أوشك مثل كاد وكرب في المعنى وهو قرب حدوث الخبر إلا أن كاد وكرب الكثير في خبرهما التجرد من (أن) والكثير في خبر (أوشك) أن يقترن بأن، والقليل التجرد من (أن)، أي أن (كاد وكرب) عكس (عسى وأوشك) في اقتران خبرهما بأن.

(2)

هو إبراهيم بن يوسف بن أدهم أبو إسحاق، عالم بالحديث من أدباء الأندلس، ألف مطالع الأنوار على صحاح الآثار ولد (505 هـ) و (ت 569 هـ)، ينظر الأعلام (1/ 81، 82).

(3)

كتاب من كتب ابن مالك في اللغة عنوانه: كمال الأعلام بتثليث الكلام، طبع بتحقيق: سعد الغامدي، بجامعة أم القرى (مجلدان).

(4)

ابن الناظم (59)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 326)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 312)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 327).

(5)

البيت من قصيدة من بحر الوافر لهدبة بن خشرم، ذكر العتبي الشاهد في أكثرها، ومنها أبيات تجري مجرى الأمثال والحكم، الديوان (57)، وانظر بيت الشاهد في الكتاب (3/ 159)، والمقتضب (3/ 70)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 142)، والدرر (2/ 145)، والتصريح (1/ 206).

(6)

شاعر إسلامي فصيح أكثر شعره في السجن والموت، لأنه سجن ومات شابًا سنة (57) هجرية.

(7)

ينظر شعر هدبة بن خشرم العذري (57)، تحقيق: يحيى الجبوري، دار القلم، الكويت (1986 م).

ص: 691

7 -

فَيأْمَنُ خَائفٌ وَيُفَكُّ عَانٍ

ويأتي أهلَهُ الرَّجُلُ الغريبُ

8 -

ألا لَيتَ الرياحَ مَسخَّراتٌ

بحَاجَتِنَا تُباكِرُ أو تَؤُوبُ

9 -

فتخبُرنَا الشِّمالُ إذْا أَتيْنَا

وتُخْبِرُ أهْلَنَا عَنَّا الجنُوبُ

10 -

فإنْ يكُ صَدْرُ هَذا اليوم وَلَّى

فإن غَدًا لنَاظِرُهُ قَريبُ

11 -

وقد علمتْ سُلَيمَى أَنَّ عُوْدِي

على الحدثَانِ ذُو أَيْدٍ صَلِيبُ

12 -

وإنَّ خليقَتِي كَرمٌ وأَنِّي

إذَا أَبْدَتْ نَواجِذَها الحروبُ

13 -

أُعينُ عَلى مكارِمها وأَغْشَى

مكارِهَهَا إذَا كَعَّ الهَيوبُ

14 -

وقد أبقَى الحوادثُ منك ركنًا

صَليبًا مَا تُؤَيِّسُهُ الخطوبُ

15 -

على أنَّ المنيةَ قد توافي

لوقت والنوائب قد تَنُوبُ

وهي من الوافر.

وقصة ذلك أنَّه وقع بين هدبة وبين شخص من بني عمه يقال له: زيادة بن زيد ملاحاة فقتله هدبة فرفعه أخوه إلى معاوية، فقرره فأقر فعرض معاوية على عبد الرحمن أخيه قبول الدية وعرض عليه أكابر قريش سبع ديات فأبى أن يقبلها، وكان لزياد المقتول ابن يقال له: المسور ولم يبلغ الحلم، [فقال معاوية ابنه أولى بطلب دمه فليحبس هدبة إلى أن يبلغ ابنه فربما يرضى بالدية، فحبس هدبة سبع سنين حتَّى بلغ المسور الحلم]

(1)

، فعرض عليه قبول الدية فأبى إلا قتله فقتل هدبة، وزار هدبة أيام اعتقاله رجل من قرابته يقال له: أبو نمير، فأظهر الحزن والكآبة

(2)

، فقال هدبة في جملة قصيدة:

يؤرقني اكتئاب أبي نمير

...................................

على ما ذكرناه

(3)

.

2 -

قوله: "يجدّ النأي" أي: البعد.

3 -

قوله: "يؤرقني" أي: يسهرني، والاكتئاب: الحزن.

4 -

قوله: "ذو اللب" أي: العقل.

5 -

قوله: "فإنا قد حللنا" أي: قد نزلنا دار بلوى" يعني: السجن.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): الشكاية.

(3)

القصة في شرح شواهد المغني للسيوطي (276).

ص: 692

7 -

قوله: "عسى الكرب الَّذي

إلى آخره" معناه: عسى أن يكون وراء ذلك الحزن فرج قريب.

8 -

قوله: "عان" أي: أسير، قوله:"أو تؤب" أي: ترجع.

12 -

قوله: "ذو أيد" أي: ذو قوة.

14 -

قوله: "إذا كعّ لا أي: جبن وخاف، يقال: رجل ركع وكاع؛ أي: جبان، "والهيوب": الخائف.

15 -

قوله: "ما تؤيسه" أي: ما تؤثر فيه.

16 -

"والمنية": الموت، و"النوائب": جمع نائبة الدهور وهي حوادثه من الشدائد.

الإعراب:

قوله: "عسى الكرب" عسى: للترجي، والكرب: الهم وهو اسم عسى، و"الَّذي لا موصول، و "أمسيت فيه": صلته، والجملة صفة الكرب

(1)

، قوله:"يكون": مضارع وقع خبرًا لعسى بغير أن، قوله:"وراءه": خبر يكون التقدم، وهو طرف مؤنث بدليل تصغيره على وريئه، وقوله:"فرج": اسمه، و"قريب": صفة فرج وهو انكشاف الهم، والصواب أن فرج: مبتدأ، وخبره الظرف، والجملة خبر يكون واسمها مستتر، ولا ينبغي أن يكون فرج اسم يكون؛ لأن خبر هذا الباب لا يرفع الظاهر إلا شاذًّا تَقُول: كاد زيد يموت، ولا تقول كاد زيد يموت أخوه.

وقيل: يجوز أَنّ تَكُونُ: "يَكُونُ" تامة، ويكون فاعلها ضمير الكرب والجملة الاسمية حالًا، ويجوز أن يكون فرج فاعلًا بالظرف على أنَّه خبر الناقصة وحال من فاعل التامة، وهذا أرجح من تقديره مبتدأ.

الاستشهاد فيه:

على أنَّه استعمل "عسى" استعمال "كاد" في أن خبره مضارع بغير أن

(2)

.

(1)

قوله: "والجملة صفة الكرب" فيه تساهل؛ فالموصول لا يكون جملة، وإنما الَّذي الواقع صفة للكرب مفرد، وصلته هي الجملة.

(2)

ينظر الشاهد رقم (247).

ص: 693

‌الشاهد الخمسون بعد المائتين

(1)

،

(2)

يُوشِكُ مَنْ فَرّ مِنْ مَنِيَّته

في بَعْضِ غِرَّاتهِ يُوَافِقُهَا

أقول: قائله هو أمية بن أبي الصلت الثقفي، شاعر جاهلي، وقال صاعدٌ

(3)

: هو لرجل خارجي قتله الحجاج، والأول أصح، وهو من قصيدة هائية وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

اقتربَ الوعْدُ والقلوبُ إلى اللهو

وحبُّ الحياةِ سَائِقُها

2 -

باتَتْ هُمُومِي تَسْري طَوارقُها

أكفُّ عيني والدمْعُ سَابِقُها

3 -

ما رغبةُ النَّفْسِ في الحياةِ وإنْ

عاشتْ طويلًا فالموتُ لاحقُها

4 -

قَدْ أُنْبئْتُ أَنَّها تَعُودُ كما كان

بَرِيًّا بالأمسِ خَالِقُها

5 -

وَأَن مَا جَمَعتْ وأَعجبَها

من عَيشِها مَرةً مُفَارِقُها

6 -

يوشك من فر ..........

..................... إلى آخره

7 -

مَنْ لَمْ يَمُتْ عَبطَةً يَمُت هرمًا

الموتُ كأسٌ والمرءُ ذَائِقُها

وهي من المنسرح، وأصله في الدائرة: مستفعلن مفعولات مرتين

(5)

.

6 -

قوله: "يوشك من فر" المعنى: من يفر من منيته -أي: موته في الحرب يوشك أن يقع فيها بسبيل الغفلة، و"الغرات" بكسر الغين المعجمة؛ جمع غرة وهي الغفلة.

7 -

قوله: "عبطة" بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح الطاء المهملة؛ وهو أن يموت شابًّا قويًّا طريًّا، و"العبيط": الدم الطري، وانتصاب عبطة وهرمًا حالًا من فاعلي الشرط والجزاء، وهما من الأحوال اللازمة، قوله:"ذائقها" أي: ذائق الكأس، وهذا دليل على أن الكأس مؤنث وأنها تطلق على نفس الشيء المشروب، وإنما هي في الأصل اسم للظرف

(1)

ابن الناظم (60)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 328)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 313)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 333).

(2)

البيت من بحر المنسرح، وهو من قصيدة لأمية بن أبي الصلت (ديوانه: 419) بتحقيق: عبد الحفيظ السطلي، وجعل المحقق مصدر توثيق القصيدة وجودها في المقاصد النحوية للعيني، وانظر بيت الشاهد في الكتاب (3/ 161)، واللسان:(بيس)، (كأس)، والدرر (2/ 136)، والمقرب (1/ 98)، والهمع (1/ 129، 130)، وشرح أبيات سيبويه (2/ 167)، وشرح التصريح (1/ 207)، وابن يعيش (7/ 126).

(3)

هو صاعد بن الحسن بن عيسى المربعي البغدادي عالم بالأدب واللغة قصاص من الكتاب الشعراء، ألف كتاب النصوص على نسق أمالي القالي (ت 417 هـ). ينظر الأعلام (3/ 186، 187).

(4)

ديوان أمية بن أبي الصلت (419) بتحقيق عبد الحفيظ السطلي.

(5)

الصواب: (مستفعلن - مفعولات - مستفعلن) مرتين.

ص: 694

المعروف ما دام فيه الشراب وإلا فهو قدح.

الإعراب:

قوله: "يوشك" بكسر الشين العجمة، مضارع أوشك، قوله:"من": موصولة، و "فر": جملة صلتها، والمجموع اسم يوشك، وخبره قوله:"يوافقها"[قوله: "من منيته": يتعلق بفر، وقوله: "في بعض غراته"؛ يتعلق بقوله: "يوافقها"]

(1)

.

الاستشهاد فيه:

على استعمال يوشك كاستعمال كاد في قوله: "يوشك من فر" فجاء خبره مضارعًا بلا أن كخبر كاد

(2)

.

‌الشاهد الحادي والخمسون بعد المائتين

(3)

،

(4)

كَرِبَ القَلْبُ مِنْ جَوَاهُ يَذُوبُ

حِينَ قَال الْوِشَاةُ هِنْدٌ غَضُوبُ

أقول: قائله هو رجل من طيئ، ويقال: قائله كلحبة اليربوعي، واسمه هبيرة بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم اليربوعي أحد فرسان بني تميم شاعر محسن كذا قال الأخفش، وقال الرشاطي

(5)

: له فيه وهمان:

أحدهما: أنَّه جعل الكلحبة لَقَبًا لهُ وهو اسم أمه.

والثاني: أنَّه قال اسمه هبيرة، وإنما هو جرير بن هبيرة، وقال بعضهم: اسمه عبد الله بن هبيرة، قلت: الصحيح أن اسمه هبيرة، والكلحبة بفتح الكاف وسكون اللام وفتح الحاء المهملة والباء الموحدة.

والبيت المذكور من الخفيف.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

تشترك كاد وأوشك في معنى المقاربة، ويأتي خبر كاد بدون (أن) كثيرًا، أم أوشك فالكثير الاقتران بأن، ولكن لاشتراكهما في معنى المقاربة استعمل الشاعر خبر أوشك بدون أن وهذا قليل.

(3)

ابن الناظم (60)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 312)، وشرح ابن عقيل (2/ 235).

(4)

البيت من بحر الخفيف، وهو مطلع قصيدة للتصريع فيه، واختلف في قائله على ما ذكر الشارح في الشرح، وانظر الشاهد في الدرر (2/ 141)، والتصريح (7/ 201)، وتخليص الشواهد (330)، وشرح عمدة الحافظ (814)، والهمع (1/ 130).

(5)

هو عبد الله بن علي بن عبد الله اللخمي الأندلسي عالم بالأنساب والحديث ألَّف: الإعلام بما في كتاب المؤتلف والمختلف للدارقطني من الأوهام في الحديث وغيره (ت 542 هـ). ينظر الأعلام (4/ 105).

ص: 695

قوله: "كرب" -بفتح الراء من أفعال المقاربة ومعناه كاد، قوله:"من جواه" الجوى- بالجيم المفتوحة: شدة الوجد، و"الوشاة": جمع واش؛ من وشى به يشي وشاية إذا نمّ عليه وسعى به فهو واش، وأصله: استخراج الحديث باللطف والسؤال، وعند ابن الناظم:

................................

حِينَ قَال العَذُولُ هِندٌ غَضُوبُ

من العذل وهو الملامة

(1)

، وهند: اسم امرأة، وغضوب: بفتح الغين وضم الضاد المعجمتين يعني: عبوس، وفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث كصبور.

والمعنى: كاد القلب يذوب من شدة شوقه وحزنه حين [قال]

(2)

اللائم: محبوبتك هند غضوب عليك.

الإعراب:

قوله: "كرب القلب" كرب: فعل بمعنى كاد، والقلب: اسمه، وقوله:"يذوب": خبره، وقد علم أن حكم خبر كرب كحكم خبر كاد في أن الأكثر تجريده من "أن" ولم يذكر سيبويه فيه غير التجريد.

قوله: "من جواه" من للتعليل، ويتعلق بقوله كرب أو يذوب، قوله:"حين": نصب على الظرف مضاف إلى الجملة، و"الوشاة": فاعل قال، ومقول القول هو قوله:"هند غضوب"، وهند: مبتدأ، وغضوب: خبره، وهند يجوز صرفه ومنعه كما علم [مما تقرر]

(3)

في موضعه

(4)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "يذوب" حيث استعمل من غير أن وهو خبر كرب؛ كما استعمل كذلك في كرب

(5)

.

(1)

في شرح ابن الناظم (60): حين قال الوشاة هند غضوب، وعلى ذلك فالرواية فيه كما نعتاد عليه، فلا معنى لقوله:"وعند ابن الناظم حين قال العذول".

(2)

و

(3)

ما بين المعقوفين سقط في: (أ).

(4)

قال المرادي: "الثلاثي الساكن الوسط إذا لم يكن أعجميًّا ولا منقولًا من مذكر يجوز فيه المنع والصرف، فمن صرفه نظر إلى خفة السكون ومن لم يصرفه نظر إلى وجود السببين ولم يعتبر الخفة" ينظر: توضيح المقاصد للمرادي (4/ 142) وابن يعيش (1/ 60).

(5)

ينظر التعليق على الشاهد رقم (248).

ص: 696

‌الشاهد الثاني والخمسون بعد المائتين

(1)

،

(2)

كادتِ النفسُ أَن تفيظَ عليه

إذْ غَدا حَشْو رَيَطْةٍ وَبُرُودٍ

أقول: هذا البيت أيضًا من الخفيف.

قوله: "أن تفيظ" بالظاء المعجمة، يقال: فاظ الميت بالظاء، وفاضت نفسه بالضاد قاله الزجاجي، وفاظت نفسه بالظاء جائز عند الجميع إلا الأصمعي فإنه لا يجمع بين الظاء والنفس؛ بل يقول: فاظ الرجل بالظاء، وفاضت نفسه بالضاد.

وقال ابن بري: الَّذي يجوِّز فاظت نفسه بالظاء يحتج بقول الشاعر:

كادت النفس أن تفيظ عليه

................................

وقد مر التحقيق في هذه المادة فيما مضى عند قوله

(3)

:

يداك يد خيرها يرتجى

................................

قوله: "عليه" أي: على فلان الميت؛ لأن الشاعر يرثي بها رجلًا قد مات؛ ألا ترى كيف يقول: "إذ غدا حشو ريطة وبرود" بمعنى: صار حشو الكفن، والكفن يكون من الريطة والبرود.

و"الريطة" بفتح الراء وسكون الياءآخر الحروف وفتح الطاء المهملة؛ وهي الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، ولم تكن قطعتين

(4)

والجمع: ريط ورياط، "والبرود" بضم الباء الموحدة؛ جمع بُرْد من الثياب ويجمع على أبراد أيضًا.

الإعراب:

قوله: "النفس" مرفوعة؛ لأنه اسم كادت، وقوله:"أن تفيظ": خبره، و "عليه": يتعلق بتفيظ، قوله:"إذ": ظرف بمعنى حين، والعامل فيه تفيظ، و"غدا": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الَّذي يرجع إلى ما يرجع إليه الضمير الَّذي في عليه، وقوله:"حشو ريطة": كلام إضافي مفعول لقوله "غدا". قوله: "وبرود" عطف على ريطة؛ أي: وحشو برود.

(1)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 315)، شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 330).

(2)

البيت من بحر الخفيف، وهو في الرثاء، لقائل مجهول ولم يشر العيني لذلك، وانظره في الخزانة (9/ 348)، وشرح شواهد المغني (948)، والمغني (662)، واللسان:(نفس)، (فيظ).

(3)

ينظر الشاهد رقم (183).

(4)

في (ب): لفقتين.

ص: 697

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كادت النفس أن تفيظ"؛ حيث جاء "أن تفيظ" مقرونًا بأن وهو خبر كاد وهو قليل، والأكثر أن يكون مجردًا عن أن فافهم

(1)

.

‌الشاهد الثالث والخمسون بعد المائتين

(2)

،

(3)

سقَاها ذَوُو الأحلام سَجْلًا على الظَّمأ

وقد كَرَبَت أعْنَاقُهَا أَن تَقَطّعا

أقول: قائله هو أبو زيد الأسلمي، وهو من قصيدة عينية، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

مَدَحْتُ عروقًا لِلنَّدى مَصَّتِ الثرى

حَدِيثًا فَلَمْ تَهْمُمْ بِأَنْ تَتَزَعْزَعَا

2 -

نَقَائِذَ بُؤْسٍ ذَاقتِ الفَقْرَ والغِنَى .. وحَلَّبتِ الأيَّامَ والدَّهْرَ أَضْرُعَا

3 -

سقاها .......................

........................ إلى آخره

4 -

بِفَضْلِ سِجالٍ لَوْ سَقَوْا مَنْ مَشَى بِهَا

على الأرضِ أرْوَاهُمْ جَمِيْعًا وأَشْبَعَا

5 -

فضمَّتْ بأيديها على فَضْلِ ما بها

مِنَ الريِّ لما أَوْشَكَتْ أن تَضَلَّعا

6 -

وزهَّدَها أَنْ تَفْعل الخَيْر في الغِنَى .... مُقَاسَاتُها مَنْ قَبْلَنا الفَقْرَ جُرَّعَا

وهي من الطويل.

وقصة هذا ما ذكره المبرد في الكامل

(5)

، وهو أن أبا زيد قصد المدينة يريد إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وهو والي المدينة، فصحبه في الطريق أبو وجزة السلمي المعروف بالسعدي، وكان يريد آل الزبير في المدينة، فقال أبو وجزة: هلمَّ فلنشترك فيما نصيبه، فقال أبو زيد: كلّا، أنا أمدح الملوك وأنت تمدح السوقة، فلما دخلا

(1)

يأتي خبر كاد مجردًا من أن المصدرية وهذا كثير، كقول اللَّه تعالى:{فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71]، وقوله تعالى:{يَكَادُ زيْتَهُا يُضِيْءُ} [النور: 35] فإذا جاء بأن فهذا قليل أو ضرورة، وهذا الشاهد عكس الشاهد السابق قال ابن مالك: والتجريد مع كاد وكرب أعرف". شرح التسهيل لابن مالك (1/ 389).

(2)

ابن الناظم (60)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 329)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 316)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 335).

(3)

البيت من بحر الطويل من قصيدة عينية طويلة قالها أبو زيد الأسلمي في الهجاء، وانظر بيت الشاهد في تخليص الشواهد (330)، والدرر (2/ 143)، والتصريح (1/ 207)، والمقرب (1/ 99)، والهمع (1/ 130)، وشرح الأشموني (2/ 262).

(4)

ينظر الكامل للمبرد (243، 244).

(5)

السابق.

ص: 698

المدينة صار أبو زيد إلى إبراهيم بن هشام فأنشده

(1)

:

يا ابن هشام يا أخا الكرام

.....................................

فقال له إبراهيم: وإنما أنا أخوهم وكأني لست منهم، ثم أمر به فضرب بالسياط، وامتدح أبو وجزة آل الزبير، فكتبوا له بستين وسقًا من تمر، وقالوا: هي لك في كل سنة فانصرفا، فقال أبو زيد القصيدة المذكورة يهجوه بها ويصفه بأنه لم يزل في ضر وبؤس حتَّى أنقذه ذو رحمه هشاء فجعله ملكًا بعد أن كان سوقة، وأنه كلما تذكر ما كان فيه تشدد وبخل، وقال أبو وجزة

(2)

:

1 -

رَاحَتْ رَوَاحًا قَلُوصي وهْيَ حَامدَةْ

آلَ الزُّبَيرِ فلم تَعْدِلْ بِهِمْ أَحَدا

2 -

رَاحَتْ بستِّينَ وَسْقًا في حَقِيبَتَها

ما حَملَتْ حَمْلَها الأدْنَى ولا البددا

3 -

مَا إِنْ رَأَيْتُ قَلُوصًا قَبلَها حَمَلَتْ

ستِّين وَسْقًا ولا جَابَتْ بهِ بَلَدا

4 -

ذَاكَ القِرى لَا قِرَى قَوْمٍ رَأَيْتُهُمُ

يَقْرُون ضيفَهُمْ المَلْويَةَ الجُدُدا

1 -

قوله: "مدحت عروقًا للندى مصت الثرى حديثًا" قال المبرد: فإنما عني أن إبراهيم وأخاهُ مُحمدًا إنما تطعما بالعيش ودخلا في النعمة وخرجا من حد السوق إلى حد الملوك حديثًا وذلك بهشام بن عبد الملك؛ لأنهما كانا خَاليْهِ فإنما وَلَّاهُمَا عن خمول.

قوله: "فلم تهمم بأن تتزعزعا" فإنما هذا مثل يقال: فلان يهتز للندى ويرتاح لفعل الخير والتزعزع: التحرك، والمراد به هنا التحرك لفعل الخير.

2 -

قوله: "نقائذ بؤس": جمع نقيذة؛ أي: أُنْقِذَتْ مما كانت فيه من البؤس، ويقال: نقيذة للذكر والأنثى بالتاء؛ فالتاء للمبالغة لا للتأنيث، قوله:"أضرعًا" بضم الراء؛ جمع ضرع، يقال: حلب الدهر أشطره، أي: قاسى شدته ورخاءه وجَرَّبَهُمَا.

3 -

قوله: "سقاها " الضمير المنصوب فيه يرجع إلى العروق المذكورة في أول القصيدة، و"ذوو الأحلام": أصحاب العقول، ويروى:"ذوو الأرحام"، قوله:"سَجْلًا " بفتح السين المهملة وسكون الجيم؛ وهو الدلو إذا كان فيه ماء قل أو كثر، ولا يقال لها وهي فارغة سجل، ويجمع على سجال، ويقال: السجل كالدلو والغرب

(3)

، وزنًا ومعنى وبمعناهن الذنوب، والدلو خاصة يؤنث والغرب مُخْتَصٌّ

(4)

بالكبير من الدلاء.

(1)

البيت من بحر السريع.

(2)

الأبيات من البسيط وهي في الكامل (244).

(3)

في (أ): ويقال: السجل والغرب كالدلو.

(4)

في (أ): والغرب يختص.

ص: 699

قوله: "على الظمأ" من ظمئ ظمأ إذا عطش، قال الله تعالى:{لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} [التوبة: 120] والاسم الظمء بالكسر، قوله:"أن تقطعا" أيله: أن تتقطعا فحذفت إحدى التائين فيه للتخفيف كما في قوله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] أصله: تتلظى، وتقطع أعناقها إما لشدة العطش أو للذل الَّذي هي فيه.

قوله: "قلوصي" القلوص: الشابة من النوق، والحقيبة: الوعاء التي يَجعَل فيها الراكب متاعَهُ وأثَاثَهُ، قوله:"ولا جابَتْ" من الجوب -بالجيم وهو القطع، والقِرى -بكسر القاف: الضيافة من قريت الضيف إذا أحسنت إليه، قوله:"الملوية الجددا" أراد بها السياط.

الإعراب:

قوله: "سقاها": جملة من الفعل والمفعول، وقوله:"ذوو الأحلام": فاعل، قوله:"سجلًا" مفعول ثان لقوله سقاها، قوله:"على الظمأ" يتعلق بقوله: سقاها، قوله:"وقد كربت" الواو فيه للحال، وكربت: من أفعال المقاربة، و "أعناقها": اسمه، و"أن تقطعا": خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أن تقطعا"؛ حيث جاء بأن وهو خبر كرب كما ذكرنا ولا يجيء ذلك إلا في الضرورة

(1)

، وقد زعم سيبويه أن خبر كرب لا يقترن بأن وفيه رد عليه. فافهم

(2)

.

‌الشاهد الرابع والخمسون بعد المائتين

(3)

،

(4)

أموتُ أسًى يَوْمَ الرِّجَام وإنَّني

يَقينًا لَرهْنٌ بالَّذِي أَنَا كَائِدُ

أقول: قائله هو كثير بن عبد الرحمن، وقد ترجمناه، وهو من قصيدة داليه من الطويل وقبله هو قوله:

1 -

وَكِدْتُ وقد سَالتْ من العين عَبْرةٌ

سَها عانِدٌ منها وأَسْبَلَ عَانِدُ

(1)

ينظر الشاهد رقم (252).

(2)

ذهب سيبويه إلى أن خبر كرب لا يقترن بأن مثل "كاد"؛ حيث يقول: "وأما كاد فإنهم لا يذكرون فيها (أن) وكذلك: كرب يفعل ومعناهما واحد، يقولون: كرب يفعل وكاد يفعل

"، الكتاب (3/ 159).

وهذا البيت رد عليه في جواز اقتران خبر كرب بأن ولكن بقلة أو ضرورة.

(3)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 318)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 329).

(4)

البيت من بحر الطويل من قصيدة لكثير عزة غير طويلة في رثاء عبد العزيز بن مروان، وقد ذكر العيني بعضها، وبيت الشاهد سادسها، ديوان كثير عزة (320)، إحسان عباس، والديوان (77) بتحقيق مجيد طراد، وانظر بيت الشاهد في تخليص الشواهد (336)، والدور (2/ 138)، والتصريح (1/ 208)، وشرح الأشموني (1/ 265).

ص: 700

2 -

قَذَيتُ بها والعينُ سَهْوٌ دُمُوعُها

وَعُوَّارُهَا في باطن الجفْنِ زائِدُ

3 -

فإِنَ تُرِكَتْ للكُحْلِ لم يَتْرُكْ البُكَا

وتَشريَ إذَا ما حَثْحَثَتْهَا المرَاودُ

4 -

أموت أسى ...................

................. إلى آخره

قوله: "سها عاند" يعني: مخالف، يقال: عند بالفتح يعند بالكسر عنودًا إذا خالف ومادته: عين مهملة ونون ودال مهملة، وأما عاند الثاني فمعناه: سائل من عند العرق إذا سال ولم يرقا وهو عرق عاند، قوله:"قذيت": من القذى وهو الذي سقط من العين، يقال: قذيت عينه تقذي قذًى فهو رجل قذي العين على فَعِل بكسر العين إذا سقطت في عينه قذاة، قوله:"سهو"، قال الجوهري: السهو: السكون واللين، والجمع؛ سهاء؛ مثل: دلو ودلاء، قال الشاعر

(1)

:

تَنَاوَحَتِ الرِّياحُ لفقد عَمْروٍ

وكانَتْ قَبلَ مَهْلكَهِ سِهَاءَ

(2)

قوله: "وعوارها" بضم العين وتشديد الواو؛ وهو قذى العين، قوله:"وتشري" بالشين المعجمة من شرى الرجل استشرى إذا لح في الأمر، وكذلك يقال: شرى الفرس في سيره واستشرى إذا لج فهو فرس شريّ على فعيل، و "الحثحثة" بالحاء المهملة؛ التحريك، "والمراود": جمع مرود بكسر الميم، قوله:"أسى": من أسيت على الشيء أسىً؛ أي: حزنت.

وقال ابن الأثير: الأسى مفتوحًا مقصورًا؛ الحزن، أسى يأسى أسى فهو آس، قوله:"يوم الرجام" بكسر الراء وبالجيم؛ اسم موضع، وقد ثبت في النسخ المعتمدة من شرح الكافية: يوم الزحام بالزاي والحاء المهملة، وهو تحريف وتصحيف

(3)

.

الإعراب:

قوله: "أموت": جملة من الفعل والفاعل.

فإن قلت: ما موقع هذه الجملة؟

قلت: هذه الجملة وقعت خبرًا لقوله: "وكدت" في قوله: "وكدت وقد سالت" إلى [آخره، وقوله وقد سالت إلى]

(4)

، قوله:"أموت": جمل معترضة بين اسم كاد وخبره فافهم.

قوله: "أسى": نصب على التعليل، ويجوز أن يكون حالًا على معنى: أموت حال كوني

(1)

البيت من الوافر وبلا نسبة في الصحاح للجوهري مادة: (سهو).

(2)

الصحاح للجوهري مادة: (سهو).

(3)

انظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (459)، قال محقق الكتاب د. عبد المنعم هريدي: "الرجام موضع، قال ياقوت: في لغتهم حجارة ضخام ربما جمعت على القبر فسنم بها، ويروى الزحام، وهي رموز (ك وع) رموز نسخ.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 701

آسيًا، قوله: " [يوم]

(1)

الرجام": كلام إضافي نصب على الظرف، قوله: "وإنني" إن: حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله: "والياء": اسمه، وقوله: "لرهن": خبره والسلام فيه للتأكيد، و"يقينًا": نصب على أنَّه مفعول مطلق، والتقدير: أتيقن يقينًا؛ أي: تيقنًا، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف، والتقدير؛ إنني لرهن رهنًا يقينًا؛ أي: حقًّا، قوله: "بالذي": يتعلق بقوله لرهن.

وقوله: "أنا كائد": جملة اسمية وقعت صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: بالذي أنا كائده.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كائد" حيث استعمل الشَّاعر اسم الفاعل من كاد الذي هو من أفعال المقاربة، وهو فعل جامد لا يكون منه غير المضارع؛ نحو قوله تعالى:{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} [البقرة: 20] إلَّا أنَّه سمع من قول كُثّير: هذا كائد

(2)

.

ويقال: الصواب هو كابد بالباء الموحدة؛ من المكابدة وهو الاجتهاد في العمل، وبهذا جزم ابن السكيت في شرح ديوان كثير، فحينئذ لا يبقى فيه محل للاستشهاد.

فإن قلتَ: كيف يجيء كائد من المكايدة ولا يجيء من المكابدة إلَّا مكابد؟

قلتُ: هذا ليس بجار على فعله، وقال ابن سيده: كابده مكابدة وكبادًا: قاساه، والاسم كابد كالكاهل والغارب؟

فإن قلتَ: ما الدليل على كون كابد بالباء الموحدة صوابًا على ما جزم به ابن السكيت.

قلتُ: قد قيل: إن الدليل على ذلك هو أنَّه لم يأت بعد كايد بالياء آخر الحروف ما يكون خبرًا له، وفيه نظر؛ لأن الشَّاعر قال؛ وكدت وقد سالت من العين عبرة إلى قوله: أموت أسى، وقد قلنا: إن قوله: "أموت": خبر لقوله: "وكدت" فكأنه قال: أموت ولا بد لي يقينًا من هذا الأمر الذي أنا كائد به الآن.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

جميع أفعال المقاربة لا تتصرف، أي أنها تلزم المضي إلَّا كاد وأوشك فإن لهما مضارعًا وهو (يكاد ويوشك)، واسم فاعل وهو كائد وموشك، واستعمال أصم الفاعل شاذ، قال ابن مالك: ولازمت أفعال هذا الباب لفظ المضي إلَّا كاد وأوشك فإنهما اختصا باستعمال مضارعيهما وشذ استعمال اسم الفاعل من كاد وأوشك". شرح التسهيل لابن مالك (1/ 400، 401) وتوضيح المقاصد (1/ 330).

ص: 702

‌الشاهد الخامس والخمسون بعد المائتين

(1)

،

(2)

أبُنَيّ إن أبَاكَ كارِبُ يَوْمِه

فإذا دُعيتَ إلى المكَارِمِ فاعْجَلِ

أقول: قائله هو عبد قيس بن خفاف من بني عمرو بن حنظلة من البراجم، وهو من قصيدة لامية، وأولها هذا البيت وبعده:

2 -

أُوصِيكَ إيصَاءَ امرئٍ لَكَ ناصحٍ

طبن بريبِ الدَّهْرِ غَيرِ مُغَفَّل

3 -

الله فاتّقِهِ وأوْفِ بنذْرِهِ

وإذا حلفْتَ مُمَارِيًا فتحلَّلِ

4 -

والضيفَ اكْرِمْهُ فإنَّ مَبِيتَهُ

حَق ولا تَكُ لُعْنَةً للنُّزَّلِ

5 -

واعلم بأنَّ الضيفَ مُخبِرُ أَهْلِه

بمَبيتِ لَيلَتهِ وإنْ لَم يُسْألِ

6 -

وَدَع القوارصَ للصديقِ وغَيرهُ

كَيلَا يَرَوْكَ من اللَّئامِ العُزّلِ

7 -

وَصِلِ الموُاصِل ما صَفَا لَكَ وُدُّهُ

واحْذَرْ حِبال الخائنِ المتبذِّلِ

8 -

واتْرُكْ مَحل السوء لا تحلُلْ بِهِ

وإذَا نَبَا بِكَ مَنْزِلٌ فَتحوَّلِ

9 -

دَارُ الهَوانِ لِمَنْ رَآهَا دَارَهُ

أَفَراحِلٌ عَنْهَا كمن لَم يَرْحَلِ؟

10 -

وإذَا هَمَمْتَ بأمْرِ شَرّ فَاتَّئِدْ

وإذَا هَمَمْتَ بأمْرِ خَيرٍ فافْعَلِ

11 -

وإذَا أَتَتْكَ من العدِّو قَوارصٌ

فاقْرصْ كَذَاك ولا تَقُلْ لَم أَفْعَلِ

12 -

وإذا افتقرْتَ فلا تكُنْ مُتَخشِّعًا

تَرجُو الفواضِل عند غيرِ المفضِلِ

13 -

وإذا لَقَيتَ القومَ فَاضْرِبْ فيهمُ

حَتَّى يَرَوْك طِلاءَ أجْرَبَ مُهْمَلِ

14 -

واستغْنِ ما أغْنَاكَ رَبُّك بالغِنَى

وإذْا تُصْبكَ خَصَاصةٌ فتجمَّلِ

15 -

واسْتَأْنِ حِلْمَك في أُمُورِكَ كلِّها

وإذا عَزَمْتَ علَى الْهَوى فَتَوكّلِ

16 -

وإذَا لَقيتَ الباهِشِينَ إلى النَّدى

غُبْرًا أكُفُّهُمُ بِقَاع مُمْحِلِ

17 -

فَأَعنْهُمْ وايسِرْ بما يَسَّرُوا بِهِ

وإذا هُمُو نَزَلُوا بِضنْكٍ فانْزِلِ

[وهي من الكامل]

(3)

.

(1)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 319).

(2)

البيت من بحر الكامل مطلع قصيدة طويلة، لعبد قيس بن خفاف، وهو شاعر جاهلي، وقد ذكرها العيني، وانظرها في المفضليات للضبي (3/ 1555) بشرح التبريزي، تحقيق فخر الدين قباوة، وانظر بيت الشاهد في شرح التصريح (1/ 208) وشرح شواهد المغني (271)، واللسان (كرب)، وشرح الأشموني (1/ 265).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 703

1 -

قوله: "أبني إن أباك" ويروى: أُحْبَيْلُ، قوله:"إلى المكارم": ويروى إلى العظائم، قوله:"طبن" بفتح الطاء المهملة وكسر الباء الموحدة وفي آخره نون؛ وهو الحاذق، يقال: رجل طبن تبن إذا كان عاقلًا بصيرًا؛ من الطبانة وإقإدة، ووروى: طب بريب الدهر وهو أَيضًا بمعناه.

4 -

قوله: "ولا تك لُعَنة" بضم اللام [وفتح العين]

(1)

، يقال: رجل لعْنَة: إذا كان يُلْعَن، ولُعَنة -بضم اللام وفتح العين-: إذا كان يَلْعَن ومثله: ضُحْكَة وضُحَكة، و"النُزّل" بضم النُّون وتشديد الزاي؛ جمع نازل وهو الضيف.

6 -

قوله: "ودع القوارض" أي: اتركها، والقوارض -بالقاف المثالب، قوله:"وإذا نبا بِك" أي: ترفع؛ من النبوة وهو الارتفاع.

9 -

قوله: "فاتئد" أي: تأن ولا تستعجل.

13 -

قوله: "مُهْمل" أي: متروك.

14 -

قوله: "خصاصة" أي: حاجة وشدة، قوله:"فتجمل" بالجيم.

15 -

قوله: "واستأن": من الأناة، قوله:"وإذا عزمت على الهوى" أي: إذا هممت.

16 -

قوله: "الباهشين" قال الضَّبِّيّ: "الباهش": "الفزع، و"القاع": الموضع الصلب الحُر الطِّين

(2)

، الواسع يمسك الماء، و"ممحل": من المحل وهو الجدب.

17 -

قوله: "وايسر بما يسروا به" أي: أسرع إلى حَاجَتهم

(3)

، و"الضنك": الضيق، أي: واسهم في ضيقهم.

الإعراب:

قوله: "أبني" الهمزة فيه حرف النداء؛ يعني: يا بني، قوله:"إن أَبَاك" إن: حرف من الحروف المشبهة بالفعل، و"أَبَاك": كلام إضافي اسمه، و"كارب يومه": خبره، قوله:"فإذا": للشرط، قوله:"دُعِيت": على صيغة المجهول، جملة وقعت فعل الشرط، وقوله:"فاعجل": جواب الشرط، وقوله:"إلى المكارم": يتعلق بقوله: "دعيت".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كارب يومه" حيث استعمل فيه من كرب صيغة اسم الفاعل، وقد أوله بعضهم منهم الجوهري أنَّه اسم فاعل من كرب التامة في نحو قولهم: كرب الشتاء؛ أي: قرُب، وليس هي من

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

المفضليات (3/ 1555).

(3)

في (أ). إجابتهم.

ص: 704

كرب من أفعال المقاربة التي تستدعي الاسم والخبر

(1)

.

‌الشاهد السادس والخمسون بعد المائتين

(2)

،

(3)

فَإنَّك مُوشِكٌ أَنْ لا تراها

وتَعْدو دُونَ غَاضِرةَ العَوادِي

أقول: قائله هو كثير بن عبد الرَّحْمَن يتشبب بغاضرة وهو اسم جارية أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان أخت عمر بن عبد العزيز - رضي الله تعالى عنه -.

وهو من قصيدة دالية من الوافر.

وكان السبب في ذلك أن أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان استأذنت الوليد بن عبد الملك في الحج، وهو يومئذ خليفة وهي زوجته فأذن لها فقدمت مكة ومعها من الجواري ما لم ير مثله حسنًا، وكتب الوليد يتوعد الشعراء جميعًا أن يذكرها أو من معها أحد منهم، فبعثت أم البنين إلى كثير، وإلى وضاح اليمن أن انسبالي، فأما وضاح اليمن فإنَّه صرح بها فقتله الوليد، وأما كثير فإنَّه أعرض عنها، وشبب بجاريتها غاضرة -بالغين والضاد المعجمتين، فقال

(4)

:

1 -

شَجَا أَظْعانُ غَاضِرَةَ العَوَادِي

بغَيرِ مَشُورة عَرَضًا فُؤَادي

2 -

أَغَاضِرَ لَوْ شهِدَتِ غَداةَ بنْتُمْ

جُنُوءَ العَادياتِ عَلَى وسَادي

3 -

أَوَيْتِ لِعَاشِقِ لَم تَشْكمِيهِ

نَوافِذُهُ تَلذَّعُ كالزِّنَادِ

4 -

وقال النَاصِحُونَ تَحَل منها

ببَذْلٍ قَبْلَ شِيمَتَها الجمادي

5 -

فإنَّك مُوشِكٌ ........

............. إلى آخره

6 -

فَأَسْرَرْتُ النَّدامَةَ يوم نَادَىَ

برَدّ جِمَالِ غَاضِرَةَ المنُادي

7 -

تَمَادَى البُعْدُ دونَهُمُ فأمْسَتْ

دُمُوعُ العيِن لَجَّ بِهَا التَّمادِي

(1)

لم يرد استعمال اسم الفاعل من أخوات كاد إلا كاد وأوشك، وفي هذا البيت استعمل اسم الفاعل من كرب وهذا قليل جدًّا وأوله الجوهري.

(2)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 321).

(3)

البيت من بحر الوافر، وهو لكثير عزة، من قصيدة يرثي بها صديقه خندقًا الأسدي، وانظرها في الديوان (290) بشرح إحسان عباس، ومنها هذا البيت المشهور وهو آخرها وهو قوله:

لقد أسمعت لو ناديت حيًّا

ولكن لا حياة لمن تنادي

وينظر بيت الشاهد في الديوان بشرح مجيد طراد (90)، والدرر (2/ 138)، والتصريح (1/ 208)، وشرح عمدة الحافظ (823)، وتخليص الشواهد (336)، والهمع (1/ 129).

(4)

الديوان (89) وما بعدها.

ص: 705

1 -

قوله: "شجا": من الشجو وهو الهم والحزن، و"العوادي" بالعين المهملة: عوائق الدهر.

2 -

قوله: "أغاضر" منادى مرخم يعني: يَا غاضرة، قوله:"بنتم": من البين؛ وهو الفارقة، قوله:"جنوء" من جنأ على كذا -بالجيم والنون والهمز يجنأ بالفتح فيهما جنوأً إذا أكب، ومنه الحديث

(1)

: "فرأيت الرَّجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة".

3 -

قوله: "أويت": جواب لو شهدت؛ أي: رثيت ورفقت، قوله:"لم تشكميه" أي: لم تجازيه؛ من الشكم -بضم الشين المعجمة وهو الجزاء، فإذا كان العطاء ابتداء فهو الشكد بالدال تَقُول منه: شكمته؛ أي: جزيته، والشكم -بفتح الشين مصدر وكذلك الشكد بالفتح، قوله:"نوافذه": ما نفذ إلى قلبه، قوله:"تحل منها" بالحاء المهملة؛ أي: أصب منها، يقال: ما حليت منه بشيء، ومنه حلوان الزاقي، وفي شرح الكافية تخل- بالخاء المعجمة، وعنها بدل منها ولا معنى لها ها هنا

(2)

.

5 -

قوله: "موشك": اسم فاعل من أوشك، وأصله من الوشك وهو السرعة، يقال: عجبت من وشك ذلك الأمر؛ أي: سُرْعَتَه، ويقال: وشكان ذَا خُرُوجًا؛ أي: عجلان، ووشك المين؛ أي: سُرْعَة الفراق، قوله:"وتعدو دون غاضرة العوادي" أي: تصرف عنها الصوارف، وقد ذكرنا أن العوادي عوائق الدهر وموانعه.

الإعراب:

قوله: "فإنك" الكاف اسم إن و"موشك": خبره، و"أن لا تراها": خبر موشك، قوله:"وتعدو": فعل مضارع، و"العوادي": فاعله، و"دون": نصب على الظرف أضيف إلى غاضرة، والجملة في محل النصب على الحال.

الاستشهاد فيه:

قوله: "فإنك موشك" حيث استعمل اسم الفاعل من أوشك وهو نادر قليل

(3)

.

(1)

أخرجه البُخَارِيّ في صحيحه (فتح الباري) كتاب الحدود، باب الرجم في البلاط (12/ 153)، عن ابن عمر بلفظه:"فرأيت اليهودي يجنأ مليها"، وأخرجه أَيضًا في كتاب الخدور، باب أحكام أهل الذمة وإحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام (12/ 203)، عن ابن عمر بلفظ:"فرأيت الرَّجل يحني على المرأة يقيها الحجارة".

(2)

انظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (460)، (الأصل والهامش) تحقيق: عبد المنعم هريدي، والأمر كما هنا.

(3)

ينظر الشاهد رقم (254).

ص: 706

‌الشاهد السابع والخمسون بعد المائتين

(1)

،

(2)

أَبَيتُمْ قُبُولَ السِّلْمِ مِنَّا فَكِدْتُمو

لَدَى الحربِ أَنْ تُغْنوا السُّيوفَ عن السَّلِّ

أقول: لم أر أحدًا عزاه إلى قائله.

وهو من الطَّويل.

قوله: "أبيتم": من الإباء وهو شدة الامتناع، "والسلم" بكسر السين وفتحها وسكون اللام وهو الصلح، قال الله تعالى:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61] وهو يذكر ويؤنث، قوله:"لدى الحرب" أي: عندها. قوله: "أن تغنوا" من قولهم: ما يغني عنك هذا؛ أي: ما يجزي عنك وما ينفعك.

وحاصل المعنى: إنَّا عرضنا عليكم الصلح فلم تقبلوه فلما التقينا جبنتم وعجزتم عن مقاومتنا حتَّى كدتم تغنوننا عن سل السيوف لعدم احتفالنا بكم.

الإعراب:

قوله: "أبيتم": جملة من الفعل والفاعل، و"قبول السلم": كلام إضافي مفعولها، قوله:"فكدتمو" بكسر الكاف، من كاد يكاد، قال الجوهري: كاد يفعل كذا يكاد كودًا ومكادةً؛ أي: قارب

(3)

، وحكى سيبويه: كدت أفعل -بضم الكاف، وحكى أبو الخَطَّاب: كيد زيد يفعل

(4)

؛ كذا، يريد كاد، فنقلوا الكسرة إلى الكاف في الفعل كانقلوا في فعلت، وتاء الخاطبة اسم كاد، وخبره قوله:"أن تغنوا"، وقوله:"السيوف": مفعول تغنوا و"عن السل": يتعلق به، وقوله:"لدى الحرب": كلام إضافي معترض منصوب على الظرفية.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أن تغنوا"؛ حيث جاء مقرونًا بأن وهو خبر كاد، والغالب أن يكون خبره فعلًا مضارعًا مجردًا من أن كما في قوله تعالى:{وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] و {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} [الكهف: 93] و {كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 117] و {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ

(1)

ابن الناظم (60).

(2)

البيت من بحر الطَّويل غير منسوب لأحد، وهو في تخليص الشواهد (330)، وشرح الأشموني (1/ 261).

(3)

الصحاح للجوهري مادة: (كود).

(4)

انظر الكتاب (3/ 11)، يقول: كدت أفعل ذاك، وكدتَ تفرغ فكدت فعلت وفعلت، وينظر الصحاح للجوهري مادة:(كيد)، وابن يعيش (7/ 124).

ص: 707

إِلَيْهِمْ} [الإسراء: 74] و {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15] و {يَكَادُونَ يَسْطُونَ} [الحج: 72]، و {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} [النور: 43].

وقد تقترن بأن في النظم والنثر: أما في النظم فكما في هذا البيت، وذلك حملًا على عسى، وأما في النثر فكقول عمر - رضي الله تعالى عنه -

(1)

: "ما كدت أن أصلي العصر حتَّى كادت الشمس أن تغرب"، وقول جبير بن مطعم

(2)

- رضي الله تعالى عنه -: كاد قلبي أن يطير

(3)

.

‌الشاهد الثامن والخمسون بعد المائتين

(4)

،

(5)

قد بُرْتَ أو كربت أن تبورا

لما رأيت بَيهَسًا مثبورًا

أقول: قائله هو العجاج بن رؤبة التَّمِيمِيّ السعدي.

وهو من الرجز المسدس.

قوله: "برت" بضم الباء الموحدة؛ من بار يبور إذا هلك، والبوار: الهلاك، قوله:"أو كربت أن تبورا" أي: قاربت البوار أي الهلاك، قوله:"بيهسًا" بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الهاء وفي آخره سين مهملة؛ وهو اسم رجل، وديهس في الأصل: اسم من أسماء الأسد سمي به الرَّجل، وفي نسخ ابن الناظم كلها ضبط بهنس- بالنُّون بعد الهاء عوض الياء وهو تحريف.

قوله: "مثبورًا" أي: مهلكًا؛ من الثبور -بالثاء الثلثة ثم الباء الموحدة وهو الهلاك والخسران.

الإعراب:

قوله: "قد": للتحقيق، و"جرت": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"أو كربت": عطف عليه والتاء اسم كرب، وخبره قوله:"أن تبورا"، والألف [فيه]

(6)

للإطلاق، قوله:"لما": بمعنى حين،

(1)

أخرجه البُخَارِيّ في صحيحه (فتح الباري)، كتاب المغازي، باب غُزْوة الخندق وهي الأحزاب (7/ 515) عن عمر بن الخَطَّاب بلفظه.

(2)

هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القُرشيّ صحالي كان من علماء قريش وسادتهم تُوفِّي بالمدينة (59 هـ). ينظر الأعلام (2/ 112).

(3)

ينظر الشاهد رقم (252، 253).

(4)

ابن الناظم (60).

(5)

البيت من بحر الرجز وهو للحجاج بن رؤبة التَّمِيمِيّ، وهو بيت مفرد في ملحق الديوان (2/ 286)، تحقيق عبد الحفيظ السطي (دمشق)، قال محقق الديوان موثقًا البيت: إنه في المقاصد النحوية للعيني (2/ 210)، وانظر بيت الشاهد في تخليص الشواهد (330)، وشرح الأشموني (1/ 262).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 708

و"رأيت": جملة من الفعل والفاعل، و"بيهسًا": مفعوله الأول، و"مثبورًا": مفعوله الثاني.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أو كربت أن تبورا" حيث جاء خبر كرب مضارعًا مقرونًا بأن

(1)

.

‌الشاهد التاسع والخمسون بعد المائتين

(2)

،

(3)

فمُوشِكَةٌ أرْضُنَا أَنْ تَعُودَ

خِلَافَ الأنِيسِ وُحُوشًا يَبَابًا

أقول: قائله هو أبو سهم الهذلي، وبعده:

2 -

وتُوحِشُ في الأرْضِ بَعدَ الكَلامِ

ولا تُبصِرُ العَينُ فيهَا كِلابَا

3 -

ولم يك من بين عرض الوَتِير

وبينَ المنَاقب إلَّا الذِّئَابَا

وهي من المتقارب.

قوله: "فموشكة": اسم فاعل من أوشك، والمعنى: توشك أرضنا، قوله:"خلاف الأنيس" أي: بعد الأنيس، ومنه:{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: 81] أي: بعده، {وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إلا قَلِيلًا} [الإسراء: 76] أي: بعدك، و"الأنيس" بمعنى المؤانس، وكل ما يؤنس به فهو أنيس، ويقال: ما بالدار أنيس؛ أي: أحد ويروى: الخليط: مكان الأنيس.

قوله: "وحوشًا": جمع وحش -بتسكين الحاء وهو القفر، يقال: بلد وحش كما يقال: بلد قفر فهما متوازيان مترادفان، ويوجد في بعض النسخ وحوشًا بفتح الواو وهي صفة على فعول كصبور، ولم يؤنث؛ لأن هذا النوع من الصفات يستوي فيه المذكر والمؤنث

(4)

.

قوله: "يبابًا" بفتح الياءآخر الحروف وتخفيف الباء الموحدة بعدها أَلْف ساكنة وبعدها باء موحدة أخرى، يقال: أرض يباب؛ أي: خراب.

قال الجوهري: يقال: خراب يَباب وليس بإتباع، يعني: يقال على سبيل التوكيد مثل

(5)

: {فِجَاجًا سُبُلًا} [الأنبياء: 31]، قوله:"عرض الوتير" بفتح الواو وكسر التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر

(1)

ينظر الشاهد رقم (252، 253).

(2)

ابن الناظم (60)، شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 338).

(3)

البيت من بحر المتقارب، وقد نسبه العيني لأبي سهم الهذلي، وهو في تخليص الشواهد (336)، والدرر (2/ 137)، وقد نسب لأسامة بن الحارث في شرح أشعار الهذليين (3/ 1350)، ط. دار العروبة وبعناية محمود شاكر، وانظره بلا نسبة في الهمع (1/ 129)، وشرح الأشموني (1/ 264).

(4)

ينظر ابن يعيش (5/ 100)، وتوضيح المقاصد (5/ 5).

(5)

هي الآية القرآنية: (31) من سورة الأنبياء وبقيتها: {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} .

ص: 709

الحروف وفي آخره راء، وهو اسم موضع، وكذلك المناقب موضع.

الإعراب:

قوله: "فموشكة" الفاء للعطف على ما قبله، وموشكة بمعنى توشك، و" أرضنا": اسمه، و"أن تعود": خبره، قوله:"خلاف الأنيس": كلام إضافي منصوب على الظرف؛ لأنا [قد]

(1)

ذكرنا أن خلاف بمعنى بعد، قوله:"وحوشًا" نصب على الحال بمعنى: متوحشة، و" يبابًا" تأكيد، أو يكون أصله: ويبابًا فحذف حرف العطف للضرورة، وقد قيل: إن وحوشًا بدل من خلاف الأنيس وله وجه إذا كان الخلاف على حقيقته فافهم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فموشكة" حيث استعمل الشَّاعر من يوشك اسم الفاعل وهو نادر وأكثر استعماله أن يكون مضارعًا

(2)

.

‌الشاهد الستون بعد المائتين

(3)

،

(4)

عسى فرج يأتي به الله إنه

له كل يوم في خليقته أمر

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الطَّويل.

والمعنى ظاهر. و"الفرج": انكشاف الهم، و"الخليقة": الخلائق، يقال: هم خليقة الله وهم خلق الله أَيضًا، وهو في الأصل مصدر.

الإعراب:

قوله: "عسى": فعل من أفعال المقاربة، وقوله:"فرج": اسمه، وقوله:"يأتي به الله": جملة من الفعل والفاعل والمفعول خبره، قوله:"إنه" الضمير فيه ضمير الشأن وهو اسم إن، وخبره الجملة التي بعده وهي قوله:[له]

(5)

"أمر" فإنَّه مبتدأ، وقوله:"له" مقدمًا خبره، قوله: "كل

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر الشاهد رقم (254، 255).

(3)

شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 329).

(4)

البيت من بحر الطَّويل، وهو من الحكم؛ حيث يدعو إلى الإيمان المطلق بالله، وأن الأمور كلها بيد الله، ومع جودة معناه فهو مجهول القائل، وقد نسب الشاهد إلى محمَّد بن إسماعيل في حاشية شرح شذور الذهب (351)، وانظره غير منسوب في الدرر (2/ 157)، والهمع (1/ 131).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 710

يوم": كلام إضافي نصب على الظرف، قوله: "خليقته": يتعلق بمحذوف؛ أي: له أمر حاصل [كل يوم] في خليقته، وكلمة "في"تصلح أن تكون بمعنى بين؛ أي: بين خلائقه؛ كما في قوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أي: بين عبادي.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "يأتي به الله" حيث جاء مجردًا عن أن والحال أنَّه خبر عسى

(1)

.

‌الشاهد الحادي والستون بعد المائتين

(2)

،

(3)

....................

قَدْ كَادَ مِنْ طُولِ البِلَى أَنْ يَمْصَحَا

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز ابن الراجز، وقبله:

رسم عفا من بعد ما قد انمحى

.................................

ورواه ابن يعيش في شرح المفصل

(4)

:

ربع عفاه الدهر طولًا فانمحى

قد كاد من طول البلى أن يمصحا

قوله: "البلى" بكسر الباء الموحدة من بلى يبلى إذا أخلق، قوله:"أن يمصحا" أي: أن ينمحي، يقال: مصحت الدار: درست وذهبت، ومصح الظل إذا قصر؛ فالراجز يصف ديار المحبوبة بأنها مصحت من طول البلى.

الإعراب:

قوله: "رسم": مبتدأ تخصص بالصفة وهي قوله: "عفا"، قوله:"قد كاد": خبره، وكلمة "من" في قوله:"من بعد" زائدة على مذهب الأخفش

(5)

، و"بعد": ظرف و"ما" مصدرية، مجرور بإضافة بعد إليه.

(1)

ينظر الشاهد رقم (247، 249).

(2)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 327).

(3)

البيت من بحر الرجز المشطور، وهو في ملحقات ديوان رؤبة (173)، وليس معه إلَّا البيت الذي ذكره العيني في الشرح، والشاهد في الكتاب (3/ 160)، واللسان مادة:(مصح)، وأسرار العربية (5)، والمقتضب (3/ 75)، والهمع (1/ 130)، والدرر (2/ 142)، وابن يعيش (7/ 121).

(4)

ابن يعيش (7/ 121).

(5)

أجاز الأخفش زيادة (من) في الإيجاب، وأيده ابن مالك بقوله:"وأجاز أبو الحسن الأخفش وقوعها في الإيجاب وجرها المعرفة، وبقوله أقول لثبوت السماع بذلك نظما ونثرًا، فمن النثر قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} وقوله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاورَ} ....... ".

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 138)، والمغني (324)، وابن يعيش (8/ 14).

ص: 711

قوله: "قد كاد" قد للتحقيق، واسم كاد مستتر فيه يرجع إلى الرسم، وفي الحقيقة يرجع إلى الربع، و"أن يمصحا": خبره، وألفه للإطلاق، و"من طول البلى" يتعلق بكاد تعلق العلة بالمعلول.

الاستشهاد فيه:

في استعمال كاد مثل استعمال عسى في كون خبره فعلًا مضارعًا مقرونًا بأن فافهم

(1)

.

* * *

(1)

ينظر الشاهد رقم (252)، وقال ابن يعيش:"وقد تشبه كاد عسى فيشفع خبرها بأن مقال: كاد زيد أن يقوم، وقد جاء في الحديث: "كاد الفقر أن يكون كفرًّا" ثم أنشد البيت"، ابن يعيش (7/ 121).

ص: 712

‌شواهد إن وأخواتها

‌الشاهد الثاني والستون بعد المائتين

(1)

،

(2)

منا الأناة وبعض القوم يحسبنا

إنَّا بطاء وفي إبطائنا سرع

أقول: قائله هو وضاح بن إسماعيل بن عبد كلال

(3)

بن حمل شاعر فصيح جميل ظريف، كان من أبناء الفرس الذين بصنعاء، وأمه من حمير، وكان في زمن عبد الملك بن مروان، وقتله الوليد بن عبد الملك بسبب تشببه بأم البنين ابنة عبد العزيز بن مروان، وهي امرأة الوليد بن عبد الملك، والبيت المذكور من قصيدة عينية، وأولها [هو]

(4)

قوله

(5)

:

1 -

بَانَ الخلِيطُ بمَنْ عُلِقْتُ فانْصَدَعُوا

فدَمْعُ عَينَيكَ واهٍ واكِفٌ هَمِعُ

2 -

كيف اللِّقَاءُ وقَدْ أضْحَتْ ومَسْكَنُهَا

بطْنَ المحِلَّةِ منْ صَنْعَاءَ أو ضَلَعُ

3 -

كَمْ دُونَهَا مِنْ فَيافٍ لا أنيسَ بهَا

إلَّا الظَّلِيمَ وإلا الظبي والسبع

4 -

ومَنْهَلٍ صَخِبُ الأصْدَاء وارِدُهُ

طيرُ السَّماء تَحُومُ الحِيَن أوْ تقَعُ

5 -

لا مَاؤُهُ مَاءُ أحْسَاءٍ تُقَرِّظُهُ

أيدِي السُّقَاةِ ولا صَادٍ ولا كَرِعُ

6 -

إلا تُرَشِّحُ عِلْبًا دُونَهُ رَهَبٌ

مِنْ عَرْمَضٍ فَأبَاءُ فهي منتقعُ

(1)

ابن الناظم (62).

(2)

البيت من بحر البسيط، وهو من قصيدة طويلة منسوبة في مراجحها لوضاح اليمن الشَّاعر الأُموي، وهي في الغزل والوصف، وقد ذكرها العيني، وانظر بيت الشاهد في تخليص الشواهد (344)، والبيت بلا نسبة في الجنى الداني (407)، وشرح عمدة الحافظ (226)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (647).

(3)

البيت لوضاح، وقد سمي وضاحًا لجماله وبهائه، أما اسمه فهو: عبد الرَّحْمَن بن إسماعيل من شعراء الدولة الأموية، وقد ذكر العيني شيئًا من أخباره وقصة قتله.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ينظر الأبيات الأربعة الأخيرة في شرح الحماسة للتبريزي (2/ 97).

ص: 713

7 -

تقول عاذلتي مهْلًا فقلْتُ لهَا

عَنِّي إليك فَهَلْ تَدْرِينَ مَنْ أدَعُ

8 -

وكَيفَ أَتْرُكُ شَخْصًا في رَوَاجبِهِ

وفيِ الأنَاملِ مِنْ حَنَّائِهِ لُمعُ

9 -

وأنْتِ لَوْ كُنتِ بِي جَدَّ الخبَيرَةِ لَمْ

يُطمِعْكِ في طمع من شيمتي طمعُ

10 -

إنِي لَيَعُوزُنِي جَدِّي فَأَتْرُكَهُ

عَمْدًا وأُخْدَعُ أحْيَانًا فأَنْخَدِعُ

11 -

وأكتُمُ السِّرَّ في صَدرِي وأخْزِنُهُ

حَتى يَكُونَ لهُ مُلْحٍ ومُستَمِعُ

12 -

وأتركُ القولَ إلَّا في مُرَاجَعَةٍ

حَتّى تَكُونَ لذاكَ القولِ مُطّلعُ

13 -

لا قُوّتي قُوّةَ الرَّاعيِ رَكَائِبَه

يَأْوي فَيَأوي إِليه الكلبُ والرُّبَعُ

14 -

ولا العسيفِ الَّذي يَشْتَدُّ عُقْبَتَهُ

حَتَّى يَبِيتَ وَبَاقِي نَعلهِ قِطَعُ

15 -

لَا يَحْملُ العبْدُ منَّا فَوْقَ طَاقَتِهُ

ونَحْنُ نَحْملُ ما لا تَحْملُ الْقَلَعُ

16 -

منا الأناة ..................

..................... إلى آخره

وهي من البسيط والقافية متراكب.

ولم يذكر أبو تمام في حماسته إلَّا أربعة أبيات من هذه القصيدة من عند قوله: "لا قوتي قوة الراعي إلى آخرها، وقد نقلت أنا تمام القصيدة من ديوان وضاح لحسنها ولطافة معانيها.

1 -

قوله: "بان": من البين وهو الفراق "والخليط": عشير الرَّجل ومؤانسه، قوله:"واهٍ" أي: ساقط، و"واكف": من وكف البيت إذا قطر، و"وهمع" بفتح الهاء وكسر الميم، من الهموع -بالضم وهو السيلان، والهموع بالفتح: السائل.

2 -

و"بطن المحلة": موضع، و"صنعاء": مدينة باليمن، و"ضلع" بفتح الضاد المعجمة والسلام، اسم موضع.

3 -

و"الفيافي": جمع فيفاءَ؛ وهي الصحراء الملساء، و"الظليم" بفتح الظاء المعجمة وكسر اللام، ذكر النعامة.

4 -

قوله: "صخب الأصداء" من قولهم: ماء صَخِب -بفتح الصاد المهملة وكسر الخاء المعجمة: إذا كان له صوت، و"الأصداء": جمع صدى؛ وهو الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها، قوله:"تحوم" أي: تطوف، و"الحَين" بالفتح: الهلاك.

5 -

و"الأحساء" جمع حسى -بكسر الحاء؛ وهو الماء المتواري في الرمل، قوله:"تقرظه" [

(1)

] قوله: "ولا صاد" وهو العطشان؛ من صدى يصدى صدًى إذا عطش فهو

(1)

بياض في الأصل ومعنى التقرظة: دبغه بالقرظ أو صبغه به، والقرظ: شجر يدبغ به. ينظر اللسان مادة: (قرظ).

ص: 714

صدٍ وصادٍ وصديان، و"والكرع" بفتحتين؛ ماء السماء يكرع فيه، والكَرِع -بفتح الكاف وكسر الراء: هو الذي يكرع في الماء، وهو الذي يتناوله بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفه ولا بإناء.

6 -

و"العرمض": الطحلب وهو الأخضر الذي يخرج من أسفل الماء حتَّى يعلوه، و"الآباء" القصب، وقيل: الأجمة. قوله: "من أدع" أي: من أترك.

8 -

و"الرواجب" بالجيم؛ جمع راجبة، وهي مفاصل الأصابع التي تلي الأنامل ثم البراجم ثم الأشاجع اللاتي تَلِي

(1)

الكف.

13 -

قوله: "ركائبه": جمع ركوبة، ويروى: قلائصه جمع قلوصة وهي الشابة من الإبل، و"الربع" بضم الراء وفتح الباء الموحدة؛ وهو الفصل الذي ينتج في الرَّبيع، وهو أول النتاج والجمع: رباع مثل رطب رطاب.

14 -

و"العسيف" بفتح العين المهملة وكسر السين؛ وهو الأجير، و"العقبة" بضم العين المهملة وسكون القاف وفتح الباء الموحدة؛ وهي النوبة، وانتصابها على الظرفية، قوله:"وباقي نعله قطع": جملة اسمية وقعت حالًا من الضمير الذي في يبيت، وقيل: هذه الجملة في موضع خبر يبيت تقديره: حتَّى يبيت منقطع باقي نَعْلَه

(2)

.

15 -

قوله: "لا يحمل العبد منا" أي: لا يكلف العبد إلا ما دون ما يطيقه إبقاء عليه، ونحن نحمل من مشاق الأمور ما لا تطيقه، "القلع" أي: الهضاب العظام، وهو بفتح القاف والسلام.

16 -

قوله: "منا الأناة" بفتح الهمزة والنون؛ أي: التأني والتمهل في الأمور، قوله:"بطاء" بكسر الباء الموحدة وتخفيف الطاء؛ جمع بطيء، قوله:"سرع" بفتحتين؛ بمعنى: السرعة، وضبطه الشيخ جمال الدين سِرَع -بكسر السين وفتح الراء ثم قال هو مصدر سَرُعَ بالضم كَصغُر صِغَرًا أي: فيما زعموا من إبطائنا إسراع

(3)

.

الإعراب:

قوله: "منا الأناة" كلمة "من" بمعنى في، أي: فينا الأناة؛ كما في قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] و"الأناة": مبتدأ، و"منا": مقدمًا خبره، ويجوز أن تكون من بمعنى عند، أي: عندنا الأَنَاة؛ كما في قوله تعالى: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ

(1)

في (أ): التي يلين.

(2)

في (أ): النعل.

(3)

نصه في إكمال الأعلام بتثليث الكلام لابن مالك، تحقيق سعد الغامدي (2/ 303)، يقول:"السرع بالفتح مصدر سرع الكرم، والسرع بالكسر مصدر سرُع إلى الشيء، والسُّرع بالضم جمع السرعى مؤنث الأسرع".

ص: 715

أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [آل عمران: 10] أي: عند الله شيئًا.

قوله: "وبعض القوم": كلام إضافي مبتدأ، وقوله:"يحسبنا": جملة خبره، والجملة حال، قوله:"إنَّا بطاء" بكسر إن للإخبار بها، ومعمول إن اسم العين، وهو مفعول أول ليحسب، والمفعول الثاني هو الخبر في الأصل، وهذا كما تَقُول: زيد إنه فاضل -بكسر إن، ولو قلت

(1)

: اعتقادي أنك فاضل، فتحت أن؛ لأن الخبر عنه اسم معنى، والحاصل أن قوله:"إنَّا بطاء" خبر في المعنى عن ضمير المتكلم، فلو

(2)

فتحت أن كانت في تأويل المصدر، ولا يخبر بالمصدر عن اسم الذات، فلا يقال: زيد قيام أو قعود، وكذا لا يقال: زيد بطاء ولا نحن بطاء، قوله:"وفي إبطائنا سرع": جملة اسمية من المبتدأ والخبر وقعت حالًا

(3)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إنَّا بطاء" حيث كسر إن فيه؛ لأنه مبني على ما قبله كما في قوله: زيد إنه منطلق.

‌الشاهد الثالث والستون بعد المائتين

(4)

،

(5)

أَلَمْ تَرَ إنِّي وابْنَ أسْوَدَ لَيْلَةً

لَنَسْرِي إلى نارَيْنِ يَعْلُو سَنَاهُمَا

أقول: قائله هو شخص من العرب لا يعلم اسمه، وقال سيبويه: سمعناه ممن ينشد من العرب

(6)

.

وهو من الطَّويل.

المعنى ظاهر، والسنى مقصورًا: الضوء.

(1)

في (أ): قلنا.

(2)

في (أ): فإن.

(3)

تكسر همزة (إن) إن لم تؤول هي ومعمولها بمصدر ويشمل ذلك مواضع عديدة منها: إذا وقعت موقع خبر اسم عين؛ كقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الحج: 17] ومثل البيت المذكور. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 20).

(4)

ابن الناظم (63).

(5)

البيت من بحر الطَّويل، ذكر العيني أنَّه مجهول القائل، ولكنه نسب للشمردل بن شريك اليربوعي في شرح أبيات سيبويه (2/ 141)، وغير في الكتاب (3/ 149)، وانظره في شرح الأشموني (1/ 275)، وتخليص الشواهد (343)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 20)، واللسان (سنا).

(6)

الكتاب (3/ 149).

ص: 716

الإعراب:

قوله: "ألم تر" الهمزة للاستفهام دخلت على النفي، كما في قوله تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1]، قوله:"إنِّي" بكسر الهمزة لمجيء اللام في الخبر وهو قوله لنسري؛ لأنه خبر إن، واسمه الضمير المتصل به.

قوله: "وابن أسود" بالنصب عطف على اسم إن، قوله:"إلى نارين" يتعلق بقوله لنسري، قوله:"يعلو": فعل مضارع من علا يعلو علوًّا، و"سناهما": كلام إضافي فاعل يعلو، والجملة صفة لنارين.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إنِّي" حيث جاءت إن فيه مكسورة يخطيء اللام في الخبر، ولولا اللام لفتحت؛ لأنها مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي ألم تر

(1)

، وأسقط الحجاج

(2)

اللام في والعاديات حين سبقه لسانه إلى فتح الهمزة

(3)

، وعن المازنِيّ أنَّه أجاز الفتح مطلقًا، وعن الفراء أنَّه أجاز بشرط طول الكلام، وأنه احتج بقراءة بعضهم

(4)

في "والعاديات" بالفتح مع ثبوت اللام، وبقوله

(5)

:

1 -

وأَعْلَمُ عِلْمًا لَيسَ بالظَّنِّ إنَّهُ

إذَا ذَلّ مَوْلَى الْمَرْءِ فهُوَ ذَلِيلُ

2 -

وإن لِسَانَ المرَء مَا لَمْ يَكُنْ

حَصَاة عَلَى عَوْرَاتِهِ لَدَلِيلُ

والحق تخريج ذلك على تقدير اللام زائدة.

(1)

من مواضع كسر همزة إن وقوع لام التعليق قبل خبر إن؛ كقول الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1].

(2)

هو الحجاج بن يوسف بن الحكم الثَّقَفيّ قائد داهية سفاك ولد ونشأ في الطائف (40 هـ)، (ت 95 هـ). ينظر الأعلام (2/ 168).

(3)

قال ابن يعيش: "ويحكى أن الحجاج بن يوسف قرأ: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات: 11] بفتح (أن) نظرًا إلى العامل، فلما وصل إلى الخبر وجد اللام فأسقطها تعمدًا ليقال أنَّه غالط ولم يلحن؛ لأن أمر اللحن عندهم أشد من الغلط وإن كان ذلك إقدام على كلام الله تعالى"، ابن يعيش (8/ 66)، وتفسير القرطبي (20/ 111)، (بيروت).

(4)

وهي قراءة أبي السمال والحجاج، البحر المحيط (8/ 505)، وتفسير القرطبي (20/ 111).

(5)

البيتان من بحر الطَّويل، لقائل مجهول، ولم أقف على مراجع لهما أو قائل.

ص: 717

‌الشاهد الرابع والستون بعد المائتين

(1)

،

(2)

وكُنْتُ أُرَى زَيْدًا كما قيل سَيِّدًا

إِذَا أَنَّهُ عَبدُ القَفَا واللهازمِ

أقول: ذكر سيبويه هذا البيت في كتابه ولم يعزه إلى أحد، وقال: سمعت رجلًا من العرب ينشد هذا البيت

(3)

.

وهو من الطَّويل.

قوله: "عبد القفا واللهازم": كناية عن الخسة والذلة، واللهازم: جمع لهزمة -بكسر اللام وهي طرف الحلقوم، ويقال: هي عظم ثَابت تحت الأذن، وقيل: هي مضغة تحت الأذن. والمعنى: كنت أظن زيدًا سيدًا كما قيل، فإذا هو ذليل خسيس عبد البطن، ويقال: ظن سيادته فلما نظر إلى قفاه ولهازمه تبين عبوديته ولؤمه، وخص هذين؛ لأن القفا موضع الصفع واللهازم موضع اللكز.

الإعراب:

قوله: "أرى" على صيغة المجهول بمعنى أظن يقتضي مفعولين: الأول قوله: "زيدًا" والثاني قوله: "سيدًا"، قوله:"كما قيل" معترض بين المفعولين، والكاف للتشبيه، وما مصدرية؛ أي: كقول النَّاس فيه ذلك، قوله:"إذا" للمفاجأة، قوله:"أنَّه" يجوز بالوجهين على ما يأتي الآن بيانه -إن شاء الله تعالى- والضمير المتصل اسم أن، وخبره قوله:"عبد القفا" وقوله: "اللهازم" عطف على القفا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إذا أنَّه" حيث جاز فيه الوجهان: أما الفتح فعلى تقديرها بالمفرد، والتقدير: فإذا عبوديته حاصلة؛ كما تقول: خرجت فإذا الأسد، وأما الكسر؛ فلأنها في ابتداء الجملة

(4)

.

(1)

ابن الناظم (63)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 339)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 338)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 356).

(2)

البيت من بحر الطَّويل لقائل مجهول، وقد ورد دون نسبة، وهو في الكتاب (3/ 144)، والمقتضب (2/ 351)، وابن يعيش (4/ 97)، (8/ 61)، والهمع (1/ 138)، وتخليص الشواهد (348)، والجنى الداني (378، 411)، والخزانة (10/ 265)، والخصائص (2/ 399)، والدرر (2/ 180).

(3)

الكتاب لسيبويه (3/ 144).

(4)

من المواضع التي يجوز فيها فتح وكسر همزة (إن) وقوعها بعد (إذا) الفجائية؛ كقولك استيقظت فإذا الشمس طالعة، وكالبيت المذكور، فالفتح على اعتبار أن ما بعد إذا الفجائية مصدر مؤول من أن ومعموليها، والكسر على اعتبار ما بعد إذا الفجائية جملة من مبتدأ وخبر. ينظر ابن يعيش (8/ 61)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 22)، وتوضيح المقاصد (1/ 329)، والكتاب لسيبويه (3/ 144).

ص: 718

‌الشاهد الخامس والستون بعد المائتين

(1)

،

(2)

فيا ليتَ الشبابَ يعودُ يَوْمًا

فَأُخْبِرُهُ بِمَا فَعَلَ الْمشَيبُ

أقول: قائله هو أبو العتاهية

(3)

، واسمه إسماعيل بن القاسم بن سويد، وكنيته أبو إسحاق، وأبو العتاهية لقب غلب عليه لاضطراب كان فيه، وهو شاعر مكثر لا يحاط بشعره لكثرته، وكان يقول في الزهد ويتهم في دينه، وأول مدائحه في الهدي، وأول الشعر هو قوله:

1 -

قريتُ من الشَّبابِ وكَانَ غَضًّا

كَمَا يَعرَى من الوَرَقِ القضيبُ

2 -

ونحتُ على الشبابِ بدَمْعِ عَيْنِي

فما أغَنَى البُكاءُ ولا النَّحيبُ

(4)

3 -

فيا ليت الشبابَ يَعُودُ يَوْمًا

فأُخبرَه بِمَا فَعلَ المشِيبُ

وهي من الوافر، المعنى ظاهر وهو معنى مليح.

الإعراب:

قوله: "فيا": حرف النداء في الأصل، ولكن في مثل هذا الموضع يكون لمجرد التنبيه؛ لأنها دخلت على ما لا يصلح للنداء، ومنهم من يقدر المنادى في مثل هذا الموضع محذوفًا تقديره: فيا قوم ونحوه، و"ليت" للتمني؛ وهو طلب ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر.

وقوله: "الشباب": اسمه، و" يعود": جملة خبره، و"يومًا": نصب على الظرف، قوله:"فأخبرَه" بنصب الراء؛ لأنه جواب التمني [والتقدير]

(5)

فأنْ أخبره؛ أي: أخبر الشباب بالذي فعله المشيب، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله:"بما" يتعلق بأخبره.

قوله: "فعل المشيب"؛ جملة من الفعل والفاعل صلة الموصول، وهو ما، والعائد محذوف تقديره: بما فعله المشيب.

(1)

البيت ذكر العيني أنَّه في أوضح المسالك ولكنه غير موجود ويوجد جزء منه في ابن الناظم (59).

(2)

البيت من بحر الوافر من مقطوعة لأبي العتاهية في البكاء على الشباب، ذكرها العيني، وهي في ديوان أبي العتاهية (46) دار صادر، و (50) بشرح: مجيد طراد، وبيت الشاهد في المغني (285).

(3)

كنيته غلبت عليه؛ لأنه كان يحب المجون والشهرة، صحب الخلفاء العباسيين ومدحهم ثم زهد وقال في الزهد الكثير، تُوفِّي في خلافة المأمون (210 هـ).

(4)

رواية هذا البيت في الديوان هكذا:

بكيت على الشباب بدمع عيني

فلم يغن البكاء ولا النحيب

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 719

الاستشهاد فيه:

على أن "ليت" بمعنى التمني لما فيه عسر وإحالة، وقد وقع في كثير من نسخ التوضيح الصحيحة في التمثيل بهذا نحو: ليت الشباب عائد، وهذا كلام نثر، وأما قوله:

فيا ليت الشباب يعود يومًا

....................

فهذا بيت كما ذكرناه ووجدته هكذا في بعض النسخ فلذلك أثبته

(1)

.

ومع هذا فالاستشهاد فيه من جهة المعنى من باب التمثيل لا من باب الاحتجاج؛ لأن أَبا العتاهية وأمثاله ممن هو في طبقته لا يحتج بهم فافهم

(2)

.

‌الشاهد السادس والستون بعد المائتين

(3)

،

(4)

فَقُلْتُ عَسَاها نَارُ كَأسٍ وعلَّها

تَشَكَّى فَآتِي نَحْوَها فأَعُودُها

أقول: قائله هو صخر بن العود الحضْرَميّ

(5)

، وهو من قصيدة هائية

(6)

، وأولها قوله:

1 -

تذكرتُ كَأْسًا إذْ سَمِعْتُ حمامةً

بَكَت في ذُرا نخْلٍ طِوَالٍ جَريدُها

2 -

دَعَتْ سَاقَ حُرٍّ فاستحببت لصوتِها

مُولَّهةٌ لم يَبْقَ إلَّا شَرِيدُها

3 -

فَيَا نَفْسُ صَبْرًا كُل أسْبَاب وَاصِلٍ

سَتُملى لها أسْبَابُ صَرْمٍ تُبيدُها

4 -

وَلَيلٍ بَدَت للعينِ نَارٌ كأنَّها

سَنَا كُوْكَبٍ لا يستبِينُ خُمودُها

5 -

فقلت عساها .............

................. إلى آخره

6 -

فتسمعُ قَوْلي قَبْلَ حَتْفٍ يُصِيبُنِي

تُسَرُّ بهِ أَوْ قَبْلَ حَتْفٍ يَصِيدُها

7 -

كَأَنْ لَم يكُنْ يَا كأسُ أَلْقَى مَوَدَّةً

إذا النَّاسُ والأيامُ ترعى عُهُودُها

(1)

ينظر المغني (285).

(2)

من أخوات إن (ليت) وهي حرف يفيد التمني ويتعلق بالمستحيل غالبًا وبالممكن قليلًا كالممكن الذي ذكره العيني نثرًا أو شعرًا. ينظر حروف المعاني للزجاجي (5)، ومعاني الحروف للرماني (113)، والمغني (285)، وبيت الشاهد أتى له على سبيل التمثيل لا على سبيل الاحتجاج كما ذكر.

(3)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 329).

(4)

البيت من بحر الطَّويل من قصيدة لصخر الحضرميّ في الشكوى وبعد الأحباب، وانظرها في شرح شواهد المغني (446)، وانظر بيت الشاهد في الدرر (2/ 159)، وشرح التصريح (1/ 213)، والجنى الداني (469)، والخزانة (5/ 350)، والمغني (153)، والهمع (1/ 132).

(5)

جاء في ترجمته: هو شاعر فصيح من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية.

(6)

ليست القصيدة هائية، وإنما هي دالية فحرف الروى فيها الدال والهاء وصل والألف خروج.

ص: 720

وهي من الطَّويل.

1 -

قوله: "تذكرت كأسًا" الكأس: اسم امرأة، و"الذُّرَى" بضم الذال المعجمة؛ جمع ذِرْوَةٍ، وذِرْوَةُ كل شيء: أعلاه.

3 -

"صِرْم" بكسر الصاد؛ وهو القطع.

4 -

و"السنى" مقصور وهو الضوء.

5 -

قوله: "تشكى" أصله: تتشكى؛ فحذفت إحدى التاءين؛ كما في قوله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] أصله: تتلظى.

الإعراب:

قوله: "فقلت" الفاء للعطف وقلت: فعل وفاعل، وقوله:"عساها نار كأس": مقول القول، وعسى ها هنا بمعنى لعل؛ فلذلك نصب الاسم ورفع الخبر؛ فالضمير المتصل به اسمها، والمعنى: عسى النار نار كأس، و"نار كأس": كلام إضافي خبرها، قوله:"وعلها" أصله: لعلها، وعل لغة في لعل، والضمير المتصل بها اسمها، وقوله:"تشكى": خبرها، قوله:"فآتي" فعل مضارع متكلم، وفيه أنا مستتر فاعله عطف على قوله:"تشكى" والفاء تصلح أن تكون للسببية، قوله:"نحوها" نصب على الظرف، قوله:"فأعودُها" جملة من الفعل والفاعل والمفعول عطف على الجملة التي قبلها، والضمير فيها وفي قوله:"نحوها"، و"عَلَّهَا" يرجع إلى الكأس، وهي اسم محبوبته كما ذكرنا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "عساها" حيث جاء عسى فيه بمعنى لعل واسمها ضمير كما

(1)

ذكرنا

(2)

.

(1)

في (أ): كما قلنا.

(2)

إذا اتصل الضمير بعسى فقيل: عساي وعساك وعساه فهذا قليل، وفيه مذاهب؛ فمذهب سيبويه أن عسى أجريت مجرى لعل في نصب الاسم ورفع الخبر كما أجريت لعل مجرى عسى في اقتران خبرها بأن، وذهب الأخفش إلى أن عسى باقية على عملها عمل كان ولكن استعير ضمير النصب مكان ضمير الرفع، ورُدَّ هذا بأن الخبر في هذا البيت ورد مرفوعًا، وذهب الفارسي والمبرد إلى أن عسى باقية على إعمالها عمل كان، ولكن قلب الكلام فجعل المخبر عنه خبرًا وبالعكس ورد هذا المذهب، ينظر المغني (153)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 398)، وابن يعيش (8/ 123).

ص: 721

‌الشاهد السابع والستون بعد المائتين

(1)

،

(2)

وَلِي نَفْسٌ تُنَازِعُنِي إذَا مَا

أقُولَ لَهَا لَعَلِّي أَوْ عَسَانِي

أقول: قائله هو عمران بن حطان بن ظبيان بن لوذان بن عمرو بن الحرث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن مصعب بن عليّ بن بكر بن وائل

(3)

.

ويكنى أَبا شهاب، شاعر فصيح من شعراء الشراة ودعاتهم والمعرقين في مذهبهم فكان من القعدة؛ لأن عمره قد طال فضعف عن الحرب وحضورها، فاقتصر على الدعوة والتحريض بلسانه، وكان قبل أن يفتى بالشراية مشمرًا لطلب العلم والحديث، ثم بُلي بذلك المذهب فَضَلَّ وهَلَكَ.

وقد أدرك صدرًا من الصَّحَابَة -رضي الله تعالى عنهم- وروى عنهم، وروى عنه أصحاب الحديث، وكان أصله من البصرة فلما اشتهر بهذا المذهب طلبه الحجاج فهرب إلى الشَّام، فطلبه عبد الملك فهرب إلى عمان، وكان ينتقل إلى أن مات في تواريه، وكان من قعدة الخوارج، وكان تزوج امرأة من الخوارج فقيل له فيها فقال: أردها عن مذهبها فذهبت به وأضلته.

والبيت المذكور من الوافر، المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "نفس": مبتدأ، وخبره قوله:"لي" مقدمًا، قوله:"تنازعني": جملة من الفعل والفاعل والفعول وقعت صفة للنفس، قوله:"إذا": للظرف، و"ما": مصدرية، والمعنى: حين قولي لها لعلي أو عساني.

وقوله: "لعلي": مقول القول، أي: لعلي أنازعها، والمحذوف خبر لعل، وقوله:"أو عساني" عطف على لعلي، واسم عساني محذوف تقديره: عساني الحديث، وخبره مقدم على اسمه.

قال ابن عصفور: حذف اسم "عسى" لعلم الخاطب كما حذف اسم ليس كذلك في

(1)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 330).

(2)

البيت من بحر الوافر وهو في التحريض على القتال والحرب والجهاد؛ لأن قائله من الخوارج الذين أخذوا على أنفسهم ذلك؛ فقائله هو عمران بن حطان، وانظر مراجع البيت في الكتاب (2/ 275)، والخصائص (3/ 5)، ورصف المباني (249)، وابن يعيش (3/ 10، 118)، والمقتضب (3/ 72)، والمقرب (1/ 101)، وتذكرة النحاة (440)، والخزانة (5/ 337، 349)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 524)، والتصريح (1/ 213)، وابن يعيش (3/ 120)، (7/ 123).

(3)

رواية البيت هكذا:

ولي نفس أقول لها إذا ما

تنازعني لعلي أو عساني

ص: 722

قولهم: "ليس إلَّا" وجعل خبرها اسمًا على حد قولهم: عسى الغُوَير أبؤسًا. انتهى

(1)

.

واختلفوا في جواز تقديم أخبار عسى وأخواتها

(2)

على أسمائها:

فذهب السيرافي وأبو علي والمبرد إلى جواز ذلك واستدلوا بهذا البيت

(3)

.

وقال النحاس: قال سيبويه في قولهم: عساك: الكاف منصوبة، واستدل على ذلك بقولهم: عساني، ولو كانت الكاف مجرورة لقيل: عساي

(4)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "عساني" فإن عسى فيه بمعنى لعل، وعسى إذا كان بمعنى لعل فالشرط فيه أن يكون اسمه ضميرًا؛ كما في البيت السابق أَيضًا كذلك

(5)

.

‌الشاهد الثامن والستون بعد المائتين

(6)

،

(7)

لَتَقْعُدِنَّ مَقْعَد القَصِيّ

مِنِّيَ ذي القَاذُورةِ المَقْلِيّ

أَوْ تَحْلِفي بَربك العليِّ

أنِّي أَبُو ذَيّالِكِ الصَّبيِّ

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج وبعدهما:

قد رَابَنِي بالنَّظَرِ الرَّكِيِّ

ومُقْلَةٍ كَمُقْلَةِ الكُرْكِيّ

وقال ابن بري: هذا الرجز لبعض العرب وقدم من سفره فوجد امرأته قد ولدت غلامًا فأنكره فقال لها:

لتقعدن مقعد القصي

.................. إلى آخره

(1)

ليس في شرح الجمل، وانظر هذا الموضوع بالتفصيل في كتابنا شرح المقرب (1/ 1040)، (المرفوعات).

(2)

في (أ): وأخواته.

(3)

أجاز الفارسيّ والمبرد تقديم خبر عسى على اسمها؛ قال ابن يعيش: "والقول الثالث أن الكاف والنون والياء في عساك وعساني في موضع نصب بأنه خبر عسى واسمها مضر فيها مرفوع، وجعله من الشاذ الذي جاء الخبر فيه اسمًا غير فعل؛ كقولهم عسى الغوير أبؤسًا. ينظر ابن يعيش (8/ 123)، والمغني (153).

(4)

ينظر شرح أبيات سيبويه (1/ 524)، وابن يعيش (123)، والمغني (153).

(5)

ينظر الشاهد رقم (266).

(6)

ابن الناظم (64)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 340)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 340)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 358).

(7)

الأبيات من بحر الرجز المشطور، وهي في ملحق ديوان رؤبة (188)، وانظرها في شرح التصريح (1/ 219)، والجنى الداني (413)، وشرح عمدة الحافظ (231)، واللسان (ذا)، واللمع (304).

ص: 723

وقالت امرأته:

لَا وَالَّذي رَدَّكَ يَا صَفِيِّ

مَا مَسَّنِي بَعْدَكَ منْ إِنْسِيّ

غَيرَ غُلامٍ واحدٍ صَبِي

بَعدَ امرأين مِنْ بَنِي عَدِي

وآخَرِينَ مِنْ بَنِي بَليّ

وخَمْسَةٍ كَانُوا عَلَى الطَّويّ

وَسِتَّةٍ جَاءُوا مَعَ العَشِيّ

وغَير تُركِيّ وبَصْرويّ

ثم قام إليها زوجها ليضربها، فقيل له في ذلك، فقال متى تركتها عدت ربيعة ومضر.

وهي من الرجز المسدس.

قوله: "لتقعدن": مخاطب للمؤنث مؤكد بنون التأكيد، أصله: لتقعدين أيتها المرأة، فلما دخلت نون التأكيد سقطت نون الكلمة وحذفت الياء لالتقاء الساكنين وكسرت الدال لِتَدُلّ على الياء المحذوفة، قوله:"القصي" بفتح القاف وكسر الصاد وتشديد الياء؛ من قصى المكان يقصو قصوًا: بَعُد فهو قصيٌّ؛ أي: بعيد، قوله:"ذي القاذورة" بالقاف وضم الذال المعجمة وسكون الواو وفتح الراء، يقال: رجل قاذورة وذو قاذورة لا يخالل النَّاس لسوء خِلْقَتِه

(1)

، قوله:"المقلي" من قلاه يقليها قلى إذا أبغضه فهو مَقلِيّ؛ أي: مبغوض، والقِليّ بكسر القاف، فإن فتحت القاف مددته، قوله:"ذيالك": مصغر [ذلك كما أن مصغر]

(2)

ذاك ذياك.

الإعراب:

قوله: "لتَقْعُدِنّ" اللام فيه للتأكيد، وفاعل تَقْعُدِنَّ أَنْتَ فيه مستتر

(3)

، قوله:"مقعد القصي": كلام إضافي، وانتصابه إما على أنَّه مفعول مطلق على أن يكون المقعد بمعنى القعود أو على أنَّه، مفعول فيه بمعنى: في مقعد القصي، قوله:"مني" يتعلق بقوله: لتقعدن؛ كذا قيل وليس بشيء؛ بل هو يتعلق بالقصي تعلق المفعول بالفاعل.

قوله: "ذي القاذورة": صفة للقصي، و"المقلي" صفة أخرى، قوله:"أو تحلفي" كلمة أو: [ها هنا]

(4)

بمعنى إلى، فإذا كانت أو بمعنى إلى ينتصب المضارع بعدها بإضمار أن؛ كما في قولك: لألزمنك أو تقضيني

(5)

حقي وها هنا كذلك

(6)

.

(1)

في (أ): خلقه.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

فيه تساهل فالفاعل في الحقيقة هو ياء المخاطبة المحذوفة لالتقاء الساكنين (الياء والنون) والكسرة قبلها دليل عليها.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

في (أ): تعطيني.

(6)

قال الزجاجي في بيان معاني (أو): وتكون غاية بمعنى حتَّى نحو قولك: لا تبرح أو أخرج إليك". حروف المعاني، (52)، ومعاني الحروف للرماني (79)، وقال ابن هشام: "والتاسع: أن تكون بمعنى إلى وهي كالتي قبلها، انتصاب المضارع بعدها كان مضمرة نحو: لألزمنك أو تقضيني حقي"، المغني (67).

ص: 724

والمعنى: لتقعدن مقعد القصي إلى أن تحلفي بالله العلي أني أبو ذلك الصبي.

قوله: "بربك": يتعلق بقوله تحلفي، و"العلي": صفة الرب، قوله:"أبِي": اسم أن الضمير المتصل به، وخبره قوله:"أبو ذيالك الصبي"، قوله:"ذيا": تصغير ذا؛ لأنه أطلقها على الصبي والسلام للبعد أو للتوكيد

(1)

، والكاف مكسورة لخطابه المرأة و"الصبي": صفة أو عطف بيان.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إنِّي" فإنَّه يجوز فيه الوجهان: الكسر لأنه جواب القسم، وهو الأجود والأكثر، والفتح على معنى: أو تحلفي بربك على أني أبو ذيالك الصبي، فلما أضمر الجار فتحت إن؛ كما لو تلفظ بالجار؛ كما في قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [لقمان: 30]

(2)

.

‌الشاهد التاسع والستون بعد المائتين

(3)

،

(4)

أَحَقًّا أنَّ جيرَتَنا اسْتَقَلُّوا

فَنِيّتُنا ونِيّتهُمْ فَرِيقُ

أقول: قائله هو رجل من عبد القيس، وقال محمَّد بن سلام الجمحي: هذا الشعر للمفضل ابن معشر البكري، وسمي مفضلًا لهذه القصيدة؛ فإنَّه فضل بها على غيره، وتسمى القصيدة المنصّفة، وأولها هو البيت المذكور، وبعده

(5)

.

2 -

فَدمْعِي لؤلؤٌ سَلِسٌ عُراهُ

يَخِرُّ على المهاوي ما يَلِيقُ

3 -

فودِّعْها وإنْ كانت أناةً

مُبَتَّلَةً لها خَلْقٌ أَنِيقُ

وقال صاحب الحماسة البصرية: قال عامر بن أسحم بن عدي الكندي شاعر جاهلي:

1 -

ألَمْ تر أَنَّ جيرتنَا استقلُّوا

فنيَّتنا ونيَّتهُمْ فَرِيقُ

(1)

في (أ): للبعيد أو للتوكيد.

(2)

من مواضع كسر همزة إن: أن تقع في أول جملة جواب القسم وفي خبرها اللام كقول الله تعالى: {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [يس: 1 - 3] ، فإن وقعت إن جوابًا لقسم وليس في خبرها اللام جاز الكسر والفتح؛ فالكسر على أنَّه جواب القسم، والفتح على تقدير الجار أي على إرادة (على) والتقدير: على أني أبو ذيالك الصبي. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 25).

(3)

ابن الناظم (64).

(4)

البيت من بحر الوافر، وهو مطلع قصيدة قافية طويلة نسبت لأكثر من شاعر، فقيل هي للمفضل السكري هكذا في شرح أبيات سيبويه (2/ 208)، وله أو لعامر بن أسحم بن عدي في الدرر (5/ 120)، وشرح شواهد المغني (1/ 170)، ولرجل من عبد القيس أو للمفضل بن معشر البكري في تخليص الشواهد (351)، وللعبدي في الخزانة (1/ 2770)، والكتاب (3/ 136)، وانظر الجنى الداني (391)، والمغني (54، 68).

(5)

ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (171).

ص: 725

2 -

تَلاقَينَا بِسَبسَبٍ ذي طَرِيفٍ

وبعضُهمْ على بَعضٍ حَنِيقُ

3 -

فجاءوا عارضًا بُرْدًا وجئنا

كمثلِ السَّيلِ أنَّ به الطَّرِيقُ

4 -

كَأنَّ النَّبْلَ بَينَهُمْ جَرَادٌ

تُصفقه شآمية خريقُ

5 -

كَأن هَزِيزَنَا لمَّا الْتَقَينَا

هَزيزُ أبَاءَةٍ فيهَا حَرِيقُ

6 -

بكُل قَرَارَةٍ مِنَّا ومِنهُمُ

بَنَانُ فَتًى وجُمْجُمَةٌ فَلِيقُ

7 -

فكَمْ مِنْ سَيِّدٍ فِينَا وفِيهِمْ

بذي الطرفَاء منْطِقُهُ شَهِيقُ

8 -

فأشبعْنَا السِّبَاعَ وأشْبَعُونَا

فرَاحَتْ كُلُّهَا تَيقٌ يَعُوقُ

9 -

وأبكينا نسَاءَهُمْ وأبْكَوْا

نِسَاءً مَا يَجِفُّ لَهُنَّ مُوقُ

10 -

يجاوبن النباح بكل فَخْرٍ

وقد بُحَّتْ من النَّوْحِ الحلوقُ

11 -

تركنا الأبيض الوضَّاح فيهم

كأن سَوَادَ لِمتَّهِ العُذُوقُ

12 -

تعاوره رماح بني لَكيز

فَخَرَّ كأنَّه سَيْفٌ ذَلِيقُ

13 -

وقد قَتَلُوا بِهِ مِنَّا غُلامًا

كَرِيمًا لَم تَأَشبهُ العُرُوقُ

14 -

فلما استَيقَنُوا بالصَّبرِ منا

تَذَكَّرَتِ الأيَاصِرُ والحقوقُ

15 -

فأبقينا ولو شئنا تركنا

لجيمًا لا نَقُود ولا نَسُوقُ

وهي من الوافر وفيه العصب والقطف.

1 -

قوله: "جيرتنا" بكسر الجيم، جمع جار، قوله:"استقلوا" أي: نهضوا مرتحلين مرتفعين من قولهم: استقل القوم إذا مضوا وارتحلوا، قوله:"فَنِيَّتُنَا" أراد بالنية الوجه الذي يقصده السافر من قرب أو بعد، قوله:"فريق" معناه: مُفْتَرِقَةٌ

(1)

، وقال الأعلم في شرح هذا البيت: الفريق يقع للواحد المذكر وغيره؛ كصديق وعدو، ومعناه ها هنا ما ذكرناه يصف الشَّاعر افتراقهم عند انقضاء المرتبع ورجوعهم إلى محاضرهم

(2)

.

2 -

قوله: "عراه" أي: خروقه، قوله:"يخر" أي: يسقط، و"المهاوي": ما بين العين إلى الصدر، مفرده مهواة، قوله:[ما يليق]

(3)

أي: ما يَثْبُتُ ولا يستمسك.

3 -

و"الأنَاة" بفتح الهمزة والنون؛ وهي من النساء التي فيها فتور عند القيام وتأن، قوله:"مُبتَّلة" بضم الميم وفتح الباء الموحدة وتشديد التاء المثناة من فوق وفتح اللام، يقال: امرأة مبتَّلة

(1)

في (أ): متفرقة.

(2)

انظر كتاب سيبويه، طبعة بولاق (1/ 468) وهو نصه.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 726

أي: تامة الخلق لم يركب لحمها بعضه بعضًا ولا يوصف به الرَّجل، قوله:"أنيق" أي: حسن معجب.

2 -

قوله: "بسبسب" أي: مفازة

(1)

، و"الطريف" بالفاء؛ النصي إذا ابيض، و"النَّصيّ" بفتح النُّون وكسر الصاد المهملة؛ نوع من النبت، قوله:"حَنِيقَ" فعيل من الحنق وهو الغيظ.

3 -

و"العارض": الجبل، قال أبو عبيدة: وبه سمي عارض اليمامة، والعارض: السحاب المعترض في الأفق، قوله:"أن به الطريق" من الأنين، فكأنه أنَّ من كثرة السيل كأنين المريض من كثرة الوجع.

4 -

[قوله]

(2)

"كأنَّ النَّبلَ بَينَهُمْ جَرَادٌ" شبه السهام بالجراد في كثرتها وغَشيَانها الهواء، قوله:"تصفِّقُه" بتشديد الفاء؛ أي: تحوله، وأصله من تصفيق الشراب وهو تحويله من إناء إلى إناء، قوله:"شآمية" أراد بها الريح التيِ تأتي من ناحية الشَّام، و"الخريق" بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء؛ وهي الريح الباردة الشديدة الكثيرة الهبوب.

5 -

قوله: "كَأَنَّ هَزِيزَنَا" أي: تحركنا، من هز الحادي الإبلِ

(3)

هزيزًا فاهتزت هي إذا تحركت في سيرها بحدائه، و"الأباءة" بفتح الهمزة والباء الموَحدة؛ القصب.

6 -

قوله: "بكل قرارة" أي: في كل قرارة، وهي القاع المستدير، وهي بفتح القاف والراء المخففة وبعد الألف راء أخرى، و"الجُمْجُمَةُ" بالضم؛ عظم الرأس المشتمل على الدماغ، و"الفليق" فعيل؛ من الفلق وهو الشق، ويستوي فيه المذكر والمؤنث.

7 -

و"ذو الطرفاء" موضع.

8 -

قوله: "تِيق" بكسر التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف، قال الأُموي

(4)

: التيق: السريع إلى الشر، وقال الأصمعيّ: هو الحديد

(5)

.

9 -

و"الموق" بضم الميم وسكون الهمزة في الأصل وها هنا أبدلت واوًا، وموق العين: طرفها مما يلي الأنف، و"اللحاظ": طرفها مما يلي الأذن، والجمع آماق.

10 -

قوله: "بُحَّت": من البُحَّة، يقال: في صوته بُحّة إذا انقطع من كثرة العياط والبكاء.

(1)

في (أ): وهي المفازة.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

في (ب): للإبل.

(4)

لعله محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الحكم الأُموي من أمراء بني أمية في الأندلس، كان من أهل العناية بالآثار والرواية والأدب تُوفِّي مقتولًا (277 هـ)، ينظر الأعلام (6/ 123).

(5)

ينظر الصحاح للجوهري مادة: (تأق)، واللسان مادة (تأق).

ص: 727

11 -

و"الأبيض": السيف، المراد به ها هنا اسم رجل، و"الوضاح": صِفَتُه، قال الجوهري: الوضَّاح أبيضُ اللونِ الحسن

(1)

، قوله:"كَأَنَّ سَوادَ لمِتهِ العُذُوق" اللمة -بتشديد اللام وكسر الميم: الشعر يجاوز شحمة الأذن، و"العُذوق" بضم العين المهملة والذال المعجمة؛ جمع عَذْقٍ بالفتح، وهي النخلة بحملها، والعذق بالكسر: الكياسة.

12 -

قوله: "تعاوره" أي: تداوله، قوله:"ذَلِيق" بفتح الذال المعجمة وكسر اللام؛ أي: محدد الطرف.

13 -

قوله: "لم تُؤشِّبهُ" أي: لم تخلطه العروق يقال: تأشب القوم إذا اختلطوا، وأراد بالعروق: الأنساب، وهو جمع عرق، وعرق كل شيء: أصله، ومنه عرق الشجرة.

14 -

و"الأياصر": القرابات.

الإعراب:

قوله: "أحقًّا" الهمزة للاستفهام، و"حقًّا" نصب على الظرف المجازي عند سيبويه والجمهور

(2)

.

والأصل: أفِي حق هذا الأمر؛ معدود في الحق وثابت، ويؤيده: أنَّهم ربما نطقوا بِفِي داخلة عليه، قال الشَّاعر

(3)

:

أفِي الحق أنِّي مغرم بك هائم

........................

وأن ما بعدها يحتمل الوجهين

(4)

:

أحدهما: أن يكون مبتدأ خبره الظرف، والتقدير: أفِي حق استقلال جيرتنا، ولا يجوز كسرها لأن الظرف لا يتقدم على إن المكسورة لانقطاعها عما قبلها.

والثاني: وهو الوجه أن يكون فاعلًا بالظرف لاعتماده؛ كما في قوله تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} [إبراهيم: 10] وقال المبرد: انتصاب حقًّا على المصدرية، والتقدير: أحق حقًّا ثم أنيب المصدر عن

(1)

الصحاح للجوهري مادة: (وضح).

(2)

ينظر الكتاب لسيبويه (3/ 136)، وشرح شواهد المغني (171)، والمغني (55).

(3)

البيت من الطَّويل لعابد بن المنذر العسيري وتمامه:

.........................

وأنَّكِ لا خلّ هواك ولا خمر

ويوجد في المغني (55)، وشرح شواهد المغني (171، 172)، والتصريح (1/ 339)، وشرح الحماسة للمرزوقي (1267).

(4)

يقصد بما بعده المصدر المؤول من أن ومعموليها.

ص: 728

الفعل، وارتفاع أن وما بعدها عنده على الفاعلية

(1)

، ولم يطلع ابن الناظم على هذا النقل من المبرد فقال: جوَّز شيخنا -يعني: الناظم أن يكون حقًّا مصدرًا بدلًا من اللفظ بالفعل

(2)

.

قوله: "جيرتنا": اسم إن، و"استقلوا": خبره، قوله:"فَنِيَّتُنَا": مبتدأ، "ونيتهم": عطف عليه، وقوله:"فريق": خبره، والفريق وإن كان مفرد اللفظ ولكن معناه يؤدي معنى الجمع يقال: هؤلاء فريق؛ كما يقال للجماعة: صديق.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أن جيرتنا" حيث فتحت "إن" فيه بعد قوله: "حقًّا" كما تقول في قولك: حقًّا أنك ذاهب؛ أي: في حق ذهابك

(3)

.

‌الشاهد السبعون بعد المائتين

(4)

،

(5)

تَظَلُّ الشمسُ كَاسفةً عليه

كَآبَةَ أنَّها فَقَدَتْ عَقِيلَا

أقول: هذا من أبيات الكتاب، أنشده أبو الحسن ولم يعزه إلى قائله.

قوله: "تظل": من الأفعال الناقصة وهو بفتح الظاء ومعناه تصير، قوله:"كآبة" بوزن الفصاحة وهي الاكتئاب وهو الانكسار من الحزن، قوله:"عقيلًا" بفتح العين المهملة وكسر القاف؛ وهو اسم رجل، وهو صاحب الهاء في عليه.

الإعراب:

قوله: "الشَّمس": اسم تظل، و"كاسفة": خبره، و"عليه": يتعلق بكاسفة، ومعناها السبية؛ كما في قوله تعالى:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185]، قوله:"كآبة" مضاف إلى قوله: "أنها" وانتصابها على التعليل؛ أي: لأجل كآبة، ويقال: الكآبة إما على حقيقتها من المصدرية فهي بدل من محل الهاء في "عليه" بدل اشتمال، ويجوز الجر على اللفظ، وإما مؤولة بالوصف أي: كئيبة، فهي إما بدل من كاسفة بدل كل من كل، وإما حال

(1)

قال المبرد: "هذا باب ما وقع من المصادر توكيدًا، وذلك قولك: هذا زيد حقًّا؛ لأنك لما قلت: هذا زيد فخبرت إنما خبرت بما هو عندك حق فاستغنيت عن قولك: أحق ذاك"، المقتضب (3/ 266).

(2)

ينظر شرح الألفية لابن الناظم (64).

(3)

إذا وقعت "أن" بعد (حقًّا) فتحت؛ لأنها مؤولة مع معموليها بمصدر، هذا المصدر مبتدأ وحقًّا وقع موقع الخبر قال ابن مالك: وإذا وليت أن (حقًّا) فتحت لأنها مؤولة هي وصلتها بمصدر مبتدأ، وحقا مصدر واقع ظرفًا مخبرًا به، ثم ذكر البيت وقال: تقديره عند سيبويه: "أفي حق أن جيرتنا استقلوا"، شرح التسهيل لابن مالك (2/ 23).

(4)

ابن الناظم (65).

(5)

البيت من بحر الوافر في تخليص الشواهد (353)، والكتاب (3/ 157)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 21).

ص: 729

من ضمير كاسفة

(1)

، والإضافة حينئذ مثلها في قولك: قَتِيلُ السَّيفِ.

قوله: "فقدت عقيلًا": خبر إن، و"عقيلًا": مفعول فقدت وهو ظاهر وضع موضع الضمير.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أنها" حيث فتْحَتْ فيه أن لأنها في موضع الجر بالإضافة

(2)

.

‌الشاهد الحادي والسبعون بعد المائتين

(3)

،

(4)

إنَّ الكريمَ لَمَنْ تَرْجوهُ ذو جِدَةٍ

ولو تَعَذَّرَ إيسارٌ وتَنْويلُ

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من البسيط.

قوله: "ذو جدة" بكسر الجيم وفتح الدال المخففة؛ من وجد المال وجدًا بتثليث الواو وجدة إذا استغنى، قوله:"إيسار": من اليسر، و"تنويل": من نولته إذا أعطته النوال؛ أي: العطاء.

الإعراب:

قوله: "إن الكريم" إن: حرف من الحروف المشبهة بالفعل، قوله "الكريم": اسمه، وقوله:"لمن ترجوه": خبره، والسلام فيه للتأكيد ولهذا جاءت مفتوحة، و"من" موصولة مبتدأ

(5)

، وخبرها هو قوله:"ذو جدة"، وقوله:"ترجوه": جملة من الفعل المخاطب، والفاعل والمفعول صلة للموصول، قوله:"ولو" بمعنى إن وهي واصلة بما قبلها، والمعطوف عليه محذوف في الحقيقة تقديره: إن لم يتعَذَّر إيسار ولو تعذر إيسار، و"إيسار": مرفوع لأنه فاعل تعذر، "وتنويل": عطف عليه، وفي هذا البيت مبالغة شديدة؛ لأنه جعل مجرد رجاء الكريم محصلًا للغنى، ولو كان الكريم المرجو غير موسر ولا منيل، ولقد بالغ حتَّى أحال.

(1)

طول العيني في إعراب كآبة، والأمر أسهل مما تتصور، والوجه الأول وهو إعرابها مفعولًا لأجله.

(2)

تفتح همزة "إن" إذا أمكن تأويلها مع ما بعدها بمصدر، ويشمل ذلك إذا وقعت في موضع جر بالحرف، كقوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} في موضع جر بالإضافة كبيت الشاهد.

(3)

ابن الناظم (65).

(4)

البيت من بحر البسيط غير منسوب في مراجعه، وهو في تخليص الشواهد (35)، وشواهد التوضيح (152)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 27).

(5)

في (أ): مبتدؤه.

ص: 730

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لمن ترجوه ذو جدة" لأنها جملة اسميه وقعت خبرًا لإن ودخلت عليها اللام للمبالغة في التأكيد

(1)

.

‌الشاهد الثاني والسبعون بعد المائتين

(2)

،

(3)

وأَعْلَمُ إنَّ تَسْليمًا وَتْركًا

للَا مُتَشابِهَانِ وَلَا سَواءُ

أقول: قائله هو أبو حزام غالب بن الحرث العكلي.

وهو من الوافر.

والمعنى: أعلم وأجزم أن التسليم على النَّاس وتركه ليسا متساويين ولا قريبين من السواء، وكان حقه لولا الضرورة أن يقول: للاسواء ولا متشابهان، [وقد قيل: إن المعنى: وأعلم أن تسليم الأمر لكم وتركه ليسا متساويين ولا متشابهين]

(4)

.

الإعراب:

قوله: "وأعلم": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر وهو أنا، قوله:"إن" بكسر الهمزة لدخول اللام في خبرها، وقوله:"تسليمًا": اسم إن، "وتركًا": عطف عليه، وخبره قوله:"للا متشابهان"، قوله:"ولا سواء"[بالرفع]

(5)

عطف على [قوله]

(6)

: "متشابهان".

فإن قلتَ: سواء مفرد فكيف يكون خبرًا عن المتعدد؟

قلتُ: إفراده واجب وإن كان خبرًا عن متعدد؛ لأنه في الأصل مصدر بمعنى الاستواء فحذفت زوائده ونقل إلى معنى الوصف؛ كما في قوله

(7)

:

(1)

يجوز دخول لام الابتداء على خبر (إن) المكسورة دون سائر أخواتها؛ كقولك: إن زيدًا لقائم، وقوله تعالى:{إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} ودخول اللام للتأكيد أَيضًا، وكان حق هذه اللام أن تقدم فيقال: لأن زيدًا قائم ولكنهم كرهوا الجمع بينهما؛ لأنهما بمعنى واحد فأخرت اللام، وفي هذا البيت دخلت على الخبر الواقع جملة اسمية. ينظر ابن يعيش (8/ 62، 63) وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 72).

(2)

ابن الناظم (65)، وتوضيح المقاصد (1/ 344)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 354)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 368).

(3)

البيت من بحر الوافر لأبي حزان العكلي، وانظره في الخزانة (10/ 330، 331)، والدرر (2/ 184)، والتصريح (1/ 222)، وتخليص الشواهد (356)، والهمع (1/ 140)، وحروف المعاني للزجاجي (41).

(4)

و

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(7)

عجز بيت من بحر الطَّويل، وهو للسموأل (ديوانه (92) ط. دار صادر)، وصدره: =

ص: 731

....

فَلَيسَ سواء عالم وجهول

الاستشهاد فيه:

في قوله: "للا متشابهان" فإنَّه زيدت اللام التي للتأكيد في الخبر المنفي بلا وهو شاذ

(1)

.

‌الشاهد الثالث والسبعون بعد المائتين

(2)

،

(3)

فإنْكَ مَنْ حَارَبْتَه لَمُحَارَبٌ

شَقِيٌّ وَمَنْ سَالمْتَه لَسَعِيدُ

أقول: قائله هو أبو عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان، وكان شاعرًا مفلقًا ذا عيال، وأسر يوم بدر كافرًا، فأُتِيَ به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يَا رسول الله: لقد علمت مالي من مال، وإني لذو حاجة وعيال فامْنُن عليّ يَا رسول الله ولك علي أن لا أظاهر عليك أحدًا فامتن عليه، فقال يمتدحه صلى الله عليه وسلم

(4)

:

1 -

مَنْ مُبلِغٌ عَنِّي الرَّسُولَ مُحَمّدًا

بِأَنَّكَ حَقٌّ والملِيكُ حَمِيدُ

2 -

وأنتَ امْرُؤٌ تَدْعُو إلَى الحَقِّ والهُدَى

عليكَ مِنَ الله العَظِيم شَهيدُ

3 -

وأنت امْرُؤٌ بُوِّئتَ فِينَا مَبَاءَةً

لهَا دَرَجَاتٌ سَهْلَةٌ وصُعُودُ

4 -

فإنك مَن حاربته ...........

.................. إلى آخره

5 -

ولكنْ إذَا ذُكرتَ بَدْرًا وأهْلَهَا

تأَوَّبَ مَا بِي حَسْرَةً فَيَعُودُ

فلما كان يوم أحد دعاه صفوان بن أمية بن خلف الجمحي وهو سيدهم ليرسله إلى الخروج فقال: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم قَدْ مَنَّ عَلَيَّ فَعَاهدْتُهُ

(5)

أن لا أُعِينَ عليه، فلم يَزَل به وكان محتاجًا

= سلي إن جهلت النَّاس عنا وعنهم

......................

وشاهده هناك توسط خبر ليس بينها وبين اسمها، وأما شاهده هنا فمجيء سواء المفرد خبرًا عن المثنى، وعلته أنَّه مصدر، والمصادر لا تثنى ولا تجمع.

(1)

تدخل لام الابتداء على خبر (إن)؛ كما سبق بيانه، ولكنه والخبر إذا كان منفيًّا فدخول اللام عليه نادر: ينظر توضيح المقاصد للمرادي (1/ 344).

(2)

ابن الناظم (66).

(3)

البيت من بحر الطَّويل، وقد نسبه العيني إلى رجل مشرك، ولكنه ورد غير منسوب في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 28)، وتخليص الشواهد (358، 361)، والدرر (2/ 181)، والهمع (1/ 139)، وشواهد التوضيح (152).

(4)

الأبيات من بحر الكامل في البداية والنهاية لابن كثير (3/ 346، 347)، تحقيق أَحْمد عبد الوهَّاب فتيح، ط. دار الحديث، خامسة (1998 م).

(5)

في (أ): وعاهدته.

ص: 732

فأطعمه -والمحتاج يطمع- حتَّى خرج، وسار في بني كنانة وقال يُحَرِّضُهُمْ

(1)

:

1 -

أيَا بَنِي عَبدَ مُنَاةَ الرِّزَامِ

أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ حَامْ

2 -

لا يَعْدَوُنَّ نَصْرَكُمْ بَعْدَ العَامْ

لا تُسْلِمُوني لا يَحِل إِسْلَامْ

فقال ابن سلام: إنه أسر يوم أحد، فقال يَا رسول الله: مُنّ عليّ، فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

(2)

: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، لا تمسح عارضك، وتقول: خدعت محمدًا مرتين" فقتله، ويقال: إنما أسره وقتله حين خرج إلى حمراء الأسد

(3)

.

والقصيدة المذكورة من الطَّويل، المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "فإنك" كذا أنشده ابن مالك بالفاء

(4)

، والصواب: وإنك بالواو، والخطاب فيه وفي قوله:"حاربته وسالمته" للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فالكاف: اسم إن، وخبره قوله:"من حاربته [لمحارب] " فمن: موصول مبتدأ، و"حاربته": جملة من الفعل والفاعل والمفعول صلته، وقوله:"لمحارب" خبر المبتدأ، وقوله:"شقي": صفة لمحارب، قوله:"ومن سالمته": عطف على قوله: "حاربته": و"من" أَيضًا: موصول مبتدأ، و"سالمته": جملة صلته، وقوله:"لسعيد": خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لمحارب" وفي قوله: "لسعيد"؛ حيث دخلت لام التأكيد عليهما وهما خبران، والأصل دخولهما على المبتدأ لتوكيده؛ كقولك: لزيد منطلق

(5)

.

(1)

الأبيات من الرجز، وتوجد في السيرة النبوية لابن هشام (3/ 3، 4)، تحقيق د. محمَّد فهمي السرجاني، المكتبة التوفيقية، بدون.

(2)

الحديث في البُخَارِيّ كتاب الأدب، باب "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" برقم (6133)، وفي مسلم كتاب الزهد، باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وفي سنن الدَّارميّ باب "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" برقم (2781) في الجزء (2/ 411) تحقيق: فواز أَحْمد زمزلي، وخالد السبع العلم، ط. دار الريان للتراث بالقاهرة، أولى (1987 م)، وفي ابن ماجه، كتاب الفتن، باب العزلة، (2/ 1318)، عن أبي هريرة، وأيضًا عن ابن عمر.

(3)

موضع بالقرب من المدينة ينظر معجم البلدان (2/ 346).

(4)

شرح التسهيل لابن مالك (2/ 28).

(5)

دخول لام الابتداء على ثاني جزأي الجملة الاسمية شاذ كهذا البيت، قال ابن مالك:"وقد شذ دخولها على ثاني جزأي الجملة الاسمية ثم ذكر البيت"، شرح التسهيل لابن مالك (2/ 27).

ص: 733

‌الشاهد الرابع والسبعون بعد المائتين

(1)

،

(2)

.....................

ولكنَّنِي مِن حُبِّها لَعَمِيدُ

أقول: ذكر المتأخرون من النحاة أن قائل هذا لا يعرف ولا يُحْفَظُ له تَتِمَّةٌ.

وهو شطر من الطَّويل.

قوله: "لعميد": من عَمِدَه العشق -بكسر عين الفعل إذا هذه، قال الجوهري: عمده الرض [إذا أفدحه]

(3)

، ورجل معمود وعميد؛ أي: هدَّه العِشْقُ، ويقال: العميد: من انكسر قلبه بالمودة، ويروى: لكميد من الكمد وهو الحزن.

الإعراب:

قوله: "ولكنني" أصله: ولكن إنني؛ فلذلك دخلت اللام في خبرها ثم نقلت حركة الهمزة إلى نون لكن ثم حذفت الهمزة فاجتمعت ثلاث نونات، فحذفت الأولى فصار: لكنني

(4)

، فالضمير اسم إن، قوله:"لعميد": خبرها، والسلام: للتأكيد.

وقال البَعْليُّ: هذا مذهب الكوفيين، أعني: دخول اللام بعد لكن

(5)

، وتأول ذلك البصريون فقالوا: أصله: ولكن أنا من حبها لعميد، فحذفت الهمزة واتصلت لكن بـ "نا" فأدغمت النُّون في النُّون فصار كما ترى

(6)

.

واعلم أنَّه ليس دخول اللام مقيسًا بعد أن المفتوحة خلافًا للمبرد

(7)

، ولا بعد لكن خلافًا

(1)

ابن الناظم (66)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 363).

(2)

عجز بيت من بحر الطَّويل، وصدره قوله:

يلومونني في حب ليلى عواذلي

.....................

فقول العيني: لا يحفظ له تتمة غير صحيح، وهو مجهول القائل ولم ينسب في مراجعه، ينظر الإنصاف (209)، والجنى الداني (132، 618)، والخزانة (1/ 16)، (10/ 361، 363)، والدرر (2/ 185)، وشرح شواهد المغني (605)، وابن يعيش (8/ 62، 64)، والمغني (1/ 233)، والهمع (1/ 140).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

قال ابن هشام بعد أن ذكر البيت: "ثم هو محمول على زيادة اللام أو على أن الأصل (لكن إنني) ثم حذفت الهمزة تخفيفًا ونون (لكن) للساكنين". المغني (292).

(5)

الفاخر في شرح جمل عبد القاهر (432).

(6)

الإنصاف: المسألة الخامسة والعشرون.

(7)

لم أعثر على نص للمبرد يجيز فيه دخول اللام في خبر أن المفتوحة. ينظر المقتضب (2/ 345، 346)، وإنما نسبه إليه بعض النحاة. ينظر المغني (292)، وشرح الأشموني (1/ 141).

ص: 734

للكوفيين

(1)

، ولا اللام بعدها لام الابتداء خلافًا له ولهم

(2)

؛ ولذلك أولناه؛ فأن أصله: لكن إنني.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لعميد" حيث دخلت اللام في خبر لكن على رأي الكوفيين

(3)

، واستشهد به الزمخشري على أن أصل لكنني: لكن إنني، بدليل دخول اللام في خبرها، وقال في كتابه: ولكون المكسورة للابتداء فلم تجامع لأمه إلَّا إياها وقوله: "ولكِننِي مِنْ حُبهَا لَعَمِيدُ" على أن الأصل: ولكن إنني؛ كما أن الأصل في قوله تعالى: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} [الكهف: 38]: لكن أنا، فافهم

(4)

.

‌الشاهد الخامس والسبعون بعد المائتين

(5)

،

(6)

وما زلْتُ من ليلى لَدُنْ أَنْ عَرفْتُها

لكالهائم المُقْصي بكلِّ مَراد

أقول: قائله كثير عزة وقد ترجمناه، وهو من قصيدة قالها كثير ولكنها لامية وفي موضع "مراد":"سبيل" وأولها هو قوله:

1 -

ألا حَيِّيَا لَيلَى أجَدّ رَحِيلِي

وآذَنَ أَصْحَابِي غَدًا بقُفُولِ

2 -

أُرِيدُ لأُنْسَى ذِكرَهَا فكَأنَّمَا

تُمَثِّلُ لِي لَيلَى بِكُلِّ سَبِيلِ

3 -

وكَمْ مِنْ خَلِيلٍ قَال لِي لَوْ سَأَلْتَهَا

فَقُلْتُ له لَيلَى أَضَنُّ بَخِيلِ

4 -

لقد كَذَبَ الوَاشُونَ مَا بُحْتُ عندَهُمُ

بلَيلَى ولا أرْسَلْتُهُمْ برسولِ

(1)

قال ابن مالك: وأجاز الكوفيون دخول هذه اللام بعد لكن اعتبارًا ببقاء معنى الابتداء معها كما بقي مع إن". شرح التسهيل لابن مالك (2/ 29) وينظر معاني الحروف للرماني (133، 134)، وابن يعيش (8/ 79) وتوضيح المقاصد (1/ 243)، والإنصاف: المسألة الخامسة والعشرون.

(2)

ينظر مغني اللبيب (233).

(3)

وما ذهب إليه الكوفيون خُرج إما على زيادة اللام في خبر لكن وإما على شذوذه، ينظر: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 29)، شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 208).

(4)

ينظر الكشاف (2/ 722).

(5)

ابن الناظم (66).

(6)

البيت من بحر الطَّويل من قصيدة طويلة قاربت الخمسين بيتًا لكثير عزة في الغول، وقد ذكر العيني منها سبعة أبيات منتقاة، وبيت الشاهد الذي شكك فيه العيني في القصيدة، الديوان (108) تحقيق د. إحسان عباس، وانظر أَيضًا الديوان (176) وما بعدها بتحقيق: مجيد طراد، والخزانة (10/ 329)، وسر صناعة الإعراب (1/ 379)، ورصف المباني (238)، والمغني (233)، وروايته في الديوان:

وَمَا زِلْتُ مِنْ لَيلَى لَدُنْ طُرَّ شَاربي

إلى الْيَومِ كالمُقصى بِكُلِّ سَبِيلِ

ص: 735

5 -

فإن جَاءكِ الوَاشُونَ عَنِّي بكِذْبَةٍ

فَرَوْهَا ولم يأْتُوا لهَا بحويلِ

6 -

وما زِلْتُ منْ لَيلَى لَدُنْ طُرَّ شَارِبِي

إلَى اليومِ كالمُقْصَى بكُل سَبيلِ

ويحتمل أن البيت الشاهد ليس من القصيدة المنسوبة إلى كثير، وإنما هُوَ لِغَيرِهِ وأُخِذَ منه على وجه السرقة، أو يَكون من توارد الخواطر وهو محل نَظَر لا يخْفَى.

وهي من الطَّويل.

6 -

قوله: "لدن" بمعنى: عند، وحقها لزوم الإضافة ولا يكون ما بعدها إلَّا مجرورًا، قوله:"كالهائم": من هام على وجهه يهيم هيمًا وهيمانًا: ذهب من العشق أو غيره، وقلب مستهام؛ أي: هائم، والهُيام [بالضم: أشد العطش]

(1)

والهُيام كالجنون من العشق، قوله:"المقصَى" بضم الميم وسكون القاف وفتح الصاد المهملة؛ أي: المبعد

(2)

، وهو اسم مفعول من أقصى يقصى إقصاء، وهو الإبعاد، والقصا - بالمد والقصر: البعد والناحية، يقال: قَصِيَ فلان عن جوارنا بالكسر يَقْصَى قَصًا، وأقصيته أنا فهو مقْصيٌّ [ولا يقال: مُقْصَى]

(3)

، وقصا المكان يقصو من باب دعا يدعو قُصُوًّا إذا بعد فهو قَصِيّ، وأرض قاصية وقصيّة.

قوله: "بكل مَرَاد" أي: بكل مذهب وهو بفتح الميم، والمراد في الأصل هو مراد الريح وهو المكان الذي يذهب فيه ويُجَاء، وَرِيَادُ الإبل: اختلافها في المرعى مقبلة ومدبرة، والموضع مراد.

والمعنى: ما زلت كالهائم الموله المبعد بكل مذهب من أَجل ليلى عند معرفتي إياها.

1 -

قوله: "وآذن" بالمد؛ أي: أعلم، قوله:"بالقُفُول" بضم القاف ثم الفاء؛ وهو الرحيل.

5 -

قوله: "بحويل" بفتح الحاء المهملة وكسر الواو؛ اسم من حاولت الشيء إذا أردته، وقيل: من الاحتيال.

الإعراب:

قوله: "وما زلت" التاء فيه اسم ما زال، وخبره قوله:"لكالهائم"، والسلام فيه للتأكيد، والكاف للتشبيه، قوله:"من ليلى" كلمة من للتعليل؛ أي: من أَجل ليلى، ويتعلق بالهائم، قوله:"لدن": مضاف إلى الجملة التي بعدها، وقد استعمل بغير من، ولم تأت في التنزيل إلَّا مقرونة بها

(4)

وكلمة أن مصدرية.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): المبعَدُون.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

منه قول الله تعالى: {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] وقوله تعالى: {وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75]، وقوله تعالى:{وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65].

ص: 736

والمعنى: عند معرفتي إياها، والضمير المنصوب في عرفتها يرجع إلى ليلى. قوله:"المُقْصَى": صفة للهائم، قوله:"بكل مَراد": كلام إضافي يتعلق بقوله: "كالُمقْصَى".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لكالهائم"؛ حيث دخلت فيه لام التأكيد، وهو خبر زال، وهو نادر

(1)

.

‌الشاهد السادس والسبعون بعد المائتين

(2)

،

(3)

أُمُّ الحليسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ

تَرْضَى من اللَّحْمِ بِعَظْمِ الرَّقَبَه

أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الابتداء فليعاود هناك.

الاستشهاد فيه ها هنا:

في دخول اللام على خبر المبتدأ المؤخر من غير تقديم إنّ، وهو نادر.

‌الشاهد السابع والسبعون بعد المائتين

(4)

،

(5)

إن الخلافةَ بعدهم لَدَمِيمَةٌ

وخَلَائِفٌ ظُرُفٌ لمِمَّا أحْقرُ

أقول: لم أقف على اسم قائله، ولا رأيت أحدًا عزاه إليه.

وهو من الكامل.

قوله: "لدميمة" بالدال المهملة؛ من الدمامة وهي الحقارة، ويدلك على هذا ذكره الحقارة في آخر البيت، ومن أعجمها فقد صحف، و"خلائف": جمع خليفة، وقالوا أَيضًا: خلفاء، من أَجل أنَّه لا يقع إلَّا على مذكر وفيه الهاء، جمعوه على إسقاط الهاء فصار مثل: ظريف وظرفاء؛ لأن فعيلة بالهاء لا تجمع على فعلاء.

(1)

دخول لام الابتداء على خبر المبتدأ وخبر (زال) قليل أَيضًا وهذه اللام زائدة للتأكيد. قال ابن هشام: "اللام الزائدة وهي الداخلة في خبر المبتدأ ...... وفي خبر لكن .... ومما زيدت فيه أَيضًا خبر زال ثم ذكر البيت". المغني (232، 233)، وينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 30).

(2)

ابن الناظم (66)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 364)، شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 366).

(3)

البيت من بحر الرجز، وقد سبق، ينظر الشاهد رقم (160)، والبيت في ملحق ديوان رؤبة (170)، وشرح التصريح (1/ 174)، وابن يعيش (3/ 130)، (8/ 23)، وله أو لعنترة بن عمروس في الخزانة (10/ 323)، وشرح شواهد المغني (604)، وانظر الجنى الداني (128)، ووصف المباني (336)، والمغني (230)، والهمع (1/ 140).

(4)

ابن الناظم (66).

(5)

البيت من بحر الكامل غير منسوب لأحد، وانظره في تخليص الشواهد (358).

ص: 737

قوله: "ظُرُف" بضم الظاء المعجمة والراء؛ جمع ظريف، من ظرف الرَّجل ظرافة، ونظيره: نذير ونذر، قال الله تعالى:{هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} [النجم: 56] وجمع فعيل على فُعُل يكثر في الأسماء ويقل في الصفات.

ومعنى البيت: إن الخلافة بعد أولئك الخلفاء الذين سلفوا محتقرة مع أن بعض الخلفاء الذين بعدهم خلائف ظرفاء، ولكنهم بالنسبة إلى أولئك محقرون.

الإعراب:

قوله: "إن الخلافة" إن: حرف من الحروف المشبهة بالفعل و"الخلافة": اسمه وقوله: "لدميمة": خبره، قوله:"بعدهم": كلام إضافي نصب على الظرف، أي: بعد الخلفاء السالفة.

وقوله: "خلائف": عطف على محل اسم إن، كما تقول: إن زيدًا لقائم وعمر لذاهب، وهو أَيضًا مبتدأ تخصص بالصفة وهي قوله:"ظرف"، وقوله:"لمِمَّا أحقر": خبره، واللام فيه للتأكيد، و"ما" موصولة بمعنى مَنْ كما في قوله تعالى:{وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)} [الشمس: 5] أي: ومن بناها، و"أحقر": جملة صلتها، والعائد محذوف تقديره: لممن أحقرهم؛ يعني: خلائف ظرفاء بعد أولئك الخلفاء السالفة لمن الذين أحقرهم بالنسبة إلى من سلف منهم.

الاستشهاد فيه:

في في خول اللام في قوله: "لدميمة" وفي قوله: "لمما أحقر" وهما خبران، ولكن دخولهما ها هنا حسن لتقدم إن؛ لأنها في أحد الجزأين بخلاف البيت السابق

(1)

فافهم.

‌الشاهد الثامن والسبعون بعد المائتين

(2)

،

(3)

قَالتْ ألا ليتما هذا الحمامُ لنا

إلى حمامتنا أو نصفه فَقَدٍ

أقول: قائله هو النابغة الذبياني، واسمه زياد بن معاوية وقد ترجمناه فيما مضى وهو من قصيدة دالية مشهورة وهي من البسيط وأولها هو قوله

(4)

:

(1)

أجاز النحاة دخول لام الابتداء على خبر إن، كقولك: إن زيدًا لقائم سواء أكان الخبر مفردًا أم ظرفًا أم جارًّا ومجرورًا أم جملة، أما دخولها على غير ذلك كما سبق فهذا قليل.

(2)

ابن الناظم (66)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 349).

(3)

البيت من بحر البسيط من دالية مشهورة للنابغة، انظر الديوان (14)(شرح عباس عبد الساتر)، والأغاني (11/ 31)، والإنصاف (479)، وتذكرة النحاة (353)، والخصائص (2/ 460)، والتصريح (1/ 225)، وابن يعيش (8/ 58)، والكتاب (2/ 137)، والمغني (1/ 63، 286، 308).

(4)

الديوان (13) وما بعدها.

ص: 738

1 -

يَا دارَ مَيَّةَ بالعلياءِ فالسَّندِ

أَقْوَتْ وطال عليها سالفُ الأبدِ

2 -

وقفتُ فيها أُصَيلانًا أُسائلُها

عيّت جوابًا وما بالربع من أحدِ

3 -

إلَّا الأواريَّ لَأْيًا ما أُبَيّنها

والنؤى كالحوضِ بالمظلومةِ الجلدِ

إلى أن قال:

4 -

واحكُم كحكم فتاة الحيّ إذَا نَظَرَتْ

إلى حمامِ سراعِ وارد الثَّمَدِ

5 -

قالت ألا ليتما ........

................. إلى آخره

6 -

تَحْفُهُ جَانِبًا ما نِيقٌ وتتبُعُه

مِثْلُ الزُّجَاجةِ لم تكْحَلْ مِن الرَّمَدِ

7 -

فحَسِبُوه فألفَوْه كَمَا حَسِبتُ

تسْعًا وتِسْعِينَ لم ينقُصْ ولَمْ يَزِدِ

8 -

فأكملتْ مائةً فيها حمامتنا

فأسرعتْ حسبةً في ذَلِكَ العَدَدِ

1 -

قوله: "بالعلياء فالسند": كلاهما موضعان، والعلياء: ما ارتفع من الأرض، والسند: سند الجبل، قوله:"أقوت" أي: خلت من النَّاس وأقفرت، وفيه التفات من الخطابة للغيبة، و"السالف": الماضي، و"الأبد": الدهر.

2 -

قوله: "أصيلانًا" أي: عشيًّا، وهو تصغير أصلان -بضم الهمزة وهو جمع أصيل وهو بعد العشي، ويجمع على أصل وأصائل أَيضًا، وقد تبدل اللام من النُّون في أصيلان فيقال: أصيلال

(1)

، قوله:"أسائلها" أي؛ الدار، وسؤاله إياها توجع منه وتأسف، قوله:"عيت" أي: تحيرت عن الجواب، وجوابًا نصب على نزع الباء.

3 -

قوله: "إلَّا الأواري": جمع الارية ومعناها: موضع الدواب، قوله:"لَأْيًا" تقديره: لأيت لأيًا؛ أي: أبطأت في الجواب، قوله:"والنؤي" هي حفيرة تحفر حول الخيمة ليجري فيها ماء المطر، قوله:"بالمظلومة" هي الأرض التي لم تحفر قط، و"الجلَد" بفتح اللام؛ الصلب.

4 -

قوله: "واحكم كحكم فتاة الحيِ"[أي: احكم مثل]

(2)

حكم فتاة الحي، وهو خطاب إلى النُّعمان بن المنذر؛ لأنه يعتذر بهذه القصيدة إليه، أراد: كن حليمًا بنصب الرأي في أمري ولا تَقْبَلْ ممن سعى بي إليك، وكن كفتاة الحي إِذا أصابت ووضعت الأمر موضعه، ولم يرد الحكم في القضاء، وأراد بفتاة الحي: زرقاء اليمامة، وهي امرأة من بقية طسم وجديس، يضرب بها المثل في حدة النظر، قيل: كانت ترى من مسافة ثلاثة أميال

(3)

، وكان يومًا نظرت إلى قطا

(1)

وهذا الإبدال شاذ. ينظر ابن يعيش (10/ 46)، وتوضيح المقاصد (6/ 6).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

في طبعة بولاق "ثلاثة أيام" خزانة الأدب (2/ 256) دار صادر.

ص: 739

يَطير بين الجبلين وقالت:

1 -

ليتَ الحمَامَ لِيَه

إلَى حَمَامَتِيَهْ

2 -

ونِصْفَهُ قَدِيَهْ

تَمَّ القَطَاةَ مِيَهْ

ثم تبع واحد منهم تلك القطا إلى أن وردت الماء فعدها فإذا هي تسع وتسعون قطاة مثل ما قالت.

قوله: "إلى حمام" الحمام عند العرب: ذوات الأطواق من نحو الفواخت والقماري والقطا والوراشين ونحو ذلك، يقع على الذكر والأنثى؛ لأن الهاء إنما دخلته على أنَّه واحد من الجنس لا للتأنيث، وعند العامة: أنها الدواجن فقط، الواحدة حمامة.

قوله: "سراع" بكسر السين المهملة؛ جمع سريع ككرام جمع كريم، ومعناه: قاصدة إلى الماء وهو قوله: "الثمد" وهو الماء القليل الذي لا مادة له، وهو بفتح الثاء المثلثة والميم، ويقال: بسكون الميم أَيضًا.

5 -

قوله: "أو نصفه فقدِ" أي: فحسب، وحرِّكت الدال لأجل الوزن، وقد علم أن لفظة "قد" تجيء بمعنى حسب؛ كقوله عليه الصلاة والسلام

(1)

: "لا يزال يلقى في جهنم وتقول هل من مزيد حتَّى يضع الله قدمه فتقول: قد قد" أي: حسب حسب، وجاء في الشعر أَيضًا؛ كما في قوله

(2)

:

قدني من نصر الحبيبين قدي

......................

وقد ذكرناه فيما مضى

(3)

.

6 -

قوله: "تحفه" أي: تحيطه، من حف حوله يحف حفًّا إذا طاف واستدار؛ قال الله تعالى:{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] قوله: "نيق" بكسر النُّون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره قاف؛ وهو أرفع موضع في الجبل، والجمع: نياق.

7 -

قوله: "فألفوه" بالفاء، أي: وَجَدُوه، من ألفى يلفى إلفاء؛ قال الله تعالى:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] أي: وجداه.

(1)

الحديث أخرجه البُخَارِيّ في صحيحه (فتح الباري)، كتاب التفسير، باب: وتقول هل من مزيد (8/ 765)، عن أنس، وأخرى عن أبي هريرة بلفظ فتقول:"قط قط"، وبلفظ:"قد قد" في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم: 4]، (13/ 456) عن أنس.

(2)

هذا صدر رجز لحميد بن مالك بن الأرقط، وبيته: ليس الإمام بالشحيح الملحد.

(3)

الشاهد رقم (71) في باب النكرة والمعرفة (آخر باب الضمير) وشاهده هناك مجيء قدي مرة بنون الوقاية مثل: قطني، ومرة بغيرها مثل: حسبي.

ص: 740

وفي هذا البيت مسألة حسابية، وهو أن يقال: أي عدوإذا أضيف إليه نصفه وواحد بلغ مائة؟ فتقول: العدد شيء ويضاف عليه نصف شيء وواحد لكلغ مائة؛ فيكون الشيء ستة وستين ونصف الشيء ثلاثة وثلاثين، فصار تسعة وتسعين فإذا أضيف إليها واحد صارت مائة؛ فقد أضيف إليه نصف شيء وواحد فصار الشيء مائة.

ويدل على ذلك قوله: ليتما هذا الحمام لنا ونصفه إلى حمامتنا، أي: ألا ليتما هذا الحمام لنا ومثل نصفه إلى حمامتنا، أي: يضاف هذا الحمام ومثل نصفه إلى حمامتنا فيصير مائة، ولذلك قال النابغة بعد هذا البيت:

فحسبوه فَأَلْفَوْهُ كما ذكرت

........ إلى آخره

الإعراب:

قوله: "قالت": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الزرقاء، قوله: "ألا ليتما هذا الحمام

إلى آخره": مقول القول، وكلمة: "ألا" ها هنا للتمني، وإن كان موضعها الأصلي للتنبيه.

قوله: "ليتما" كلمة ليت حرف تمني يتعلق بالمستحيل غالبًا وبالممكن قليلًا، وحكمه أن ينصب الاسم ويرفع الخبر، وقد ينصبهما عند الفراء

(1)

، وقد اقترن بها ها هنا ما الحرفية، فجاز فيها إعمالها لبقاء الاختصاص وجاز إهمالها حملَا على أخواتها؛ فعلى الأول يُنْصَبُ الحمامُ، وعلى الثاني يُرْفَعُ.

وقد قيل: يحتمل أن يكون رفع "الحمام" على أن "ما" موصولة وأن الإشارة خبر لهو محذوفًا، والتقدير: ليت الذي هو هذا الحمام لنا؛ فلا بد حينئذ على الإهمال، ولكن فيه نظر؛ لأن حذف العائد المرفوع بالابتداء في صلة غير أي مع عدم طول الصلة قليل

(2)

.

قوله: "لنا": خبر ليت، قوله:"إلى حمامتنا" كلمة إلى ها هنا بمعنى المعية، أي:[مع حمامتنا]

(3)

؛ كما في قوله تعالى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: 14] أي: مع الله، قوله:"أو نصفه": كلمة

(1)

مغني اللبيب (285)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 9).

(2)

يقول ابن مالك: وإن عاد [أي العائد المرفوع] على غير "أي" ولم يكن خبره جملة ولا ظرفًا جاز حذفه عند الكوفيين مطلقًا كجوازه في صلة (أي)، ولا يجوز حذفه عند البصريين دون استكراه إلَّا إذا طالت الصلة كقول بعض الرب: ما أنا بالذي قائل لك سوءًا، أراد: ما أنا بالذي هو قائل لك سوءًا". ينظر: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 207)، والمغني (308).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 741

أو ها هنا بمعنى الواو التي لمطلق الجمع، والدليل عليه أنَّه روي: ونصفُه بالواو، وهو بالرفع والنصب جميعًا عطفًا على الحمام، قوله:"فقد" يعني: فحسب، وأصله البناء على السكون، وإنما كسر ها هنا للضرورة، وهو مبتدأ خبره محذوف؛ أي: فحسبي ذلك.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ليتما هذا الحمام" وهو جواز الوجهين فيه؛ أعني: إعمال ليت بعد دخول ما الكافة وإهمالها، وقال ابن الناظم: نظرًا إلى الكف بما، وقال غيره؛ حملًا على أخواتها وهو الصواب؛ لأن الكف ناشئ عن زوال الاختصاص ولم يزل فيها فافهم

(1)

.

‌الشاهد التاسع والسبعون بعد المائتين

(2)

،

(3)

إنَّ الرَّبيعَ الجَوْدَ والخَريفَا

يَدَا أبي العَبَّاسِ والصُّيُوفا

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز.

وهو من الرجز المسدس.

قوله: "الجَوْد" بفتح الجيم وسكون الواو وفي آخره قال مهملة؛ وهو المطر الغزير، ويروى: الجون -بالنُّون موضع الدال، والمراد به [السحابة]

(4)

السوداء؛ لأن سواد السحاب دليل كرة حمله الماء، والمراد بالربيع والخريف والصيوف أمطارهن، وفي البيت قلب أو عكس؛ إذ الأصل أن يقال: إن يدي أبي العباس الرَّبيع والخريف والصيوف، فقلب اللفظ والإعراب حين اضطر أو عكس التشبيه مبالغة؛ كقول ذي الرمة

(5)

:

(1)

إذا اتصلت (ما) الزائده بليت جاز إعمالها وإهمالها بالإجماع، فمن رفع الاسم جعل ما كافة لـ (ليت) كما كفت باقي أخواتها أو كفت كما كفت (إنْ) ما الحجازية، ومن نصب جعلها زائدة غير معتد بها كما لم يعتد بها بين الجار والمجرور في قوله تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} وذهب ابن الناظم إلى جعل (ما) كافة (ليت) عن العمل، وقال غيره: إن (ليت) أهملت حملًا على سائر أخواتها. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 38)، والمغني (307، 308)، وابن الناظم (66).

(2)

ابن الناظم (67)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 351).

(3)

البيت من بحر الرجز المشطور، وهو في (179) من ديوان رؤبة، وانظره في الكتاب (2/ 145)، ونسب للعجاج في الدرر (6/ 181)، وانظره في المقتضب (4/ 111)، والهمع (2/ 144)، وشرح التصريح (1/ 226).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

هذا صدر بيت من الطَّويل وعجزه:

....................

وإذا ألبسته المظلمات الحنادس

وهنا قلب ذو الرمة؛ إذ الأصل تشبيه أعجاز النساء بكثبان الرمال ولكنه جعل الأصل فرعًا والفرع أصلًا، والبيت في ديوانه، وعلم البيان لعبد العزيز عتيق:(95).

ص: 742

ورمل كأوراك العذارى قطعته

...................

وكقول الآخر

(1)

:

في طلعة البدر شيء من محاسنها

وللقضيب نصيب من تثنيها

ومثل هذا يسمى التشبيه البليغ

(2)

، والمراد بأبي العباس السفاح أول الخلفاء العباسيين -رحمهم الله تعالى- قاله يمدحه بغاية الكرم والجود وأن يديه كأمطار الرَّبيع والخريف والصيف، فهذه الفصول الثلاثة يكثر فيها الأمطار، ولا سيما في الرَّبيع والخريف.

الإعراب:

قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله:"الرَّبيع": اسمه، وقوله:"الجود": صفة الرَّبيع، وأما الجون بالنُّون فإنَّه أَيضًا صفة بتقدير مضاف محذوف؛ أي: إن الرَّبيع ذا الجون فلما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مُقَامَهُ.

قوله: "والخريفا": عطف على الرَّبيع، قوله:"يدا أبي العباس": خبر إن.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "والصيوفا"؛ حيث عطف بالنصب على الرَّبيع وهو اسم إن بعد مجيء الخبر، وكذلك عطف "الخريفا" على اسم إن قبل مجيء الخبر، فهذان كلاهما جائزان، وقد اجتمعا في هذا البيت كما تراه

(3)

.

‌الشاهد الثمانون بعد المائتين

(4)

،

(5)

إنّ النبَّوةَ والخَلَافَةَ فيهم

والمكْرمَاتُ وَسَادةٌ أَطْهَارٌ

أقول: قائله هو جرير بن عطية.

(1)

البيت من البسيط للبحتري، ينظر علم البيان (96)، وهو شبيه بالبيت السابق في التشبيه.

(2)

التشبيه البليغ هو ما ذكر فيه المشبه والمشبه به وحذفت منه الأداة للمبالغة في أن المشبه عين المشبه به مبالغة.

(3)

إذا عطف على اسم (إن) بعد أن تستكمل خبرها جاز في المعطوف الرفع والنصب، وإن عطف على الاسم قبل أن تستكمل (إن) خبرها في المعطوف النصب، وفي هذا البيت عطف (الخريف) على اسم إن قبل مجيء الخبر فوجب النصب، وعطف (الصيوفا) على أصم إن بعد الخبر فجاز النصب ويجوز الرفع أَيضًا.

(4)

ابن الناظم (67).

(5)

البيت من بحر الكامل منسوب لجرير بن عطية، ولكنه ليس في ديوانه، وانظره في الكتاب (2/ 145)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 48)، وتخليص الشواهد (369)، وابن يعيش (8/ 66).

ص: 743

وهو من قصيدة [من الكامل]

(1)

يمدح بها بني أمية ويصفهم بالفضائل والخصائل المحمودة.

ويروى: إن الخلافة والمروءة فيهم، وهي الرواية الصحيحة، والمراد "بالمروءة" الخصال المحمودة التي يكمل المرء بها، وهي في الأصل مصدر مَرُؤ الرَّجل مروءة، ويجوز تخفيفها بالإبدال والإدغام، و"النُّبُوّة": فعولة من النبأ وهو الخبر، والأكثر ترك همزة، و"السادة": جمع سائد؛ كالقادة جمع قائد، و"الذادة": جمع ذائد، و"الأطهار": جمع طُهر، يقال: رجل طُهر مثل رجل عدل للمبالغة، أو جمع طاهر كالأصحاب جمع صاحب، والأول أصح.

الإعراب:

قوله: "النبوة": اسم إن، و"الخلافة": عطف عَلَيهِ، قوله:"فيهم": خبر إن؛ أي: كائنتان فيهم، قوله:"والمكرمات" بالرفع طف على محل النبوة؛ لأنه في الأصل مرفوع على الابتداء وهذا عند من جوز ذلك.

الاستشهاد فيه:

حيث رفع المكرمات عطفًا على محل اسم إن نحو: إن؛ زيدًا في الدار وعمرو، تقديره:[وعمرو]

(2)

كذلك، ويقال: المكرمات مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف، والتقدير: وفيهم المكرمات؛ كما حذف المبتدأ في قوله: "وسادة أطهار" أي: وهم سادة أطهار، فقوله:"سادة": خبر، "وأطهار": صفته.

وقد قيل: إن المكرمات معطوف على المستتر في الظرف، وفيه ضعفى لا يخفى

(3)

.

‌الشاهد الحادي والثمانون بعد المائتين

(4)

،

(5)

فمن يكُ لم يُنْجبْ أَبُوهُ وَأُمُّهُ

فإن لنا الأمَّ النَّجِيبَةَ والأبُ

أقول: هذا أنشده أبو علي وغيره ولم يعزه إلى أحد.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

قال ابن مالك في مثل هذا الموضع: والذي لا يستغني عن التنبيه رفع المعطوف وهو على ضربين: أحدهما مشترك فيه وهو العطف على الضمير المرفوع بالخبر، والثاني: العطف على معنى الابتداء وهو عند البصريين مخصوص بإن ولكن ومشروط بتمام الجملة قبله، ثم ذكر بيت الشاهد والذي بعده. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 48).

(4)

ابن الناظم (67)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 353).

(5)

البيت من بحر الطَّويل غير منسوب في مراجعه، وهو في تخليص الشواهد (370)، والدرر (6/ 179)، والتصريح (1/ 227)، والهمع (2/ 144).

ص: 744

وهو من الطَّويل.

قوله: "لم ينجب" بضم الياء، من أنجب الرَّجل إذا ولد ولذا نجيبًا، والنجيب؛ الكريم بيَّن

(1)

النجابة، ويقال: انتجبه، أي: اختاره واصطفاه، قوله:"النجيبة" بفتح النُّون على وزن فعيلة، وهذا فيه إشكال؛ لأنه إنما يقال للمرأة التي تلد النجباء: منجبة ومنجابة، فإما أن يكون هذا على حذف الزائد للضرورة، أو يكن الأصل: النجيبة أبناؤها ثم حذف المضاف وأناب المضاف إليه عنه فارتفع واستتر.

الإعراب:

قوله: "فمن": موصولة، قوله:"يك لم ينجب أبوه": صلتها، والموصول في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله:"فإن لنا الأم النجيبة"، وإنما دخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، وقوله:"يك" أصله: يكن، حذفت النُّون منها تخفيفًا، والضمير المستتر فيه اسم كان، وقوله:"لم ينجب أبوه": خبره و "أبوه": مرفوع لأنه فاعل لم ينجب، و"أمه": عطف عليه، قوله:"الأم" بالنصب لأنه اسم إن، وقوله:"لنا" مقدمًا خبره، وقوله:"النجيبة": صفة للأم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "والأب" حيث رفع عطفًا على محل الأم؛ لأنه في الأصل مبتدأ، ومثل هذا في الحقيقة جملة ابتدائية محذوفة الخبر تقديره: والأب المنجب كذلك

(2)

.

‌الشاهد الثاني والثمانون بعد المائتين

(3)

،

(4)

بَدَا لِي أَنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ ما مضى

وَلَا سَابِقٍ شَيْئًا إذَا كَانَ جَائِيًا

أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، واسم أبي سلمى: ربيعة بن رياح بن قرط بن الحرث بن مازن بن حلاوة بن ثعلبة بن هذمة، ويقال: ابن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان بن عمرو، وهو مزينة بن أدين طانجة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهو والد كعب بن زهير صاحب القصيدة المشهورة التي أولها

(5)

:

(1)

في (ب): من النجابة.

(2)

ينظر الشاهد رقم (280).

(3)

ابن الناظم (67).

(4)

البيت من بحر الطَّويل من قصيدة طويلة لزهير بن أبي سلمى في العظة والاعتبار بالموت والأموات، ديوانه (284) ط. دار الكتب المصرية (1944 م)، وبيت الشاهد في الكتاب (1/ 165)، (3/ 29، 51، 100)، (4/ 160)، والمغني (96، 476)، وانظره في شرح أبيات سيبويه (1/ 72)، والإنصاف (1/ 191)، والخصائص (2/ 353، 424).

(5)

ديوان كعب بن زهير (109)، (نشر دار الشواف).

ص: 745

بَانَتْ سُعَادُ فقَلْبِي اليومَ متْبُول

.....................

وكلاهما شاعران مطبقان، مات زهير قبل البعثة بسنة، وأسلم كعب وأخوه بجير أَيضًا وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف.

والبيت المذكور من قصيدة طويلة من الطَّويل، يذكر زهير فيها النُّعمان بن المنذر؛ حيث طلبه كسرى ليقتله ففر وأتى طيئًا، وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

أَلَا لَيتَ شِعْري هل يَرى النَّاسُ ما أَرَى

من الأمْرِ أو يَبْدُو لَهُمْ مَا بَدَا لِيَا

2 -

بَدا لها أنَّ النَّاسَ تَفْنَى نُفُوسُهم

وأموالُهم ولا أَرَى الدَّهْرَ فَانِيَا

3 -

وأَنِّي مَتى أَهبِطْ من الأرْضِ تَلْعةً

أَجِدْ أثَرًا قَبْلِي جَدِيدًا وعَافِيَا

4 -

أَراني إذا ما بتُّ بِتُّ على هَوًى

فَثَمَّ إذَا أصْبَحتُ أصبحتُ غَادِيَا

5 -

إلى حفرةٍ أهْوي إليها مُقيْمةٍ

يَحثُّ إليها سَائِقٌ من وَرَائِيَا

6 -

كَأَنِّي وقد خَلِّفْتُ تِسعينَ حِجّهً

خَلَعْتُ بِهَا عَنْ مَنْكَبِيّ رِدَائيا

7 -

بدا لي أني .............

.......... إلى آخره

8 -

وَمَا إِنْ أَرَى نَفْسِي تَقِيهَا كريمتي

وما إنْ بقي نَفْسي كريمة مَالِيَا

9 -

أَلَا لَا أَرَى على الحوادثِ بَاقِيًا

وَلَا خَالِدًا إلَّا الجِبال الرَّواسِيَا

10 -

وإلا السَّماءَ والبِلَادَ ورَبَّنَا

وأيَّامَنَا مَعْدُودةً واللَّيالِيَا

11 -

ألم تَر أَنَّ الله أَهْلكَ تُبّعًا

وأهْلَكَ لُقمَانَ بْنَ عَادٍ وعَادِيَا

12 -

وأهْلَكَ ذَا القرنيِن مِنْ قَبْلِ ما نرى

وفِرْعَونَ أَرْدَى جُنْدَهُ والنَّجاشِيَا

13 -

أَلَا لَا أَرَى ذَا أمَّةً أصْبَحَتْ به

فَتَتْرُكُه الأيَّام وهي كما هيَا

14 -

ألم تر لِلنُّعمانِ كَانَ بنَجْوَةٍ

من الشَّرِّ لَوْ أَنَّ امْرَأً كان نَاجِيَا

15 -

فَعَبّر عنه رُشْد عِشْرينَ حِجّةً

من الدهرِ يَوْمٌ وَاحِدٌ كان عَاويَا

16 -

فَلَمْ أَرْ مَسْلُوبًا له مثْلَ قَرْضِه

أقَلَّ صَدِيقًا مُعْطِيًا أوْ مُواسيا

17 -

فأيْنَ الذي قد كَانَ يُعطي جِيَادَهُ

بِأرْسَانِهنَّ والحسَان الحَوالِيا

18 -

وأيْنَ الَّذيِن قد كَانَ يُعطيهمُ القرَى

بِغَلَّاتِهنّ والمئينَ الْغَوَالِيا

19 -

وأيْنَ الذَّيِن يَحْضُرُونَ جِفَانَهُ

إذَا قُدِّمَتْ ألْقَوْا عَلَيها المرَاسِيَا

(1)

شرح ديوان زهير بن أبي سلمى، صنعة أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب (284)، دار الكتب المصرية (1944 م).

ص: 746

20 -

رأيْتُهُمْ لم يُشْرِكُوا بِنُفُوسِهم

مَنيَّتَهُ لمَّا رَأَوْا أنَّها هِيَا

21 -

سِوىَ أَنَّ حيًّا مِنْ قضَاعةَ أَقْبَلُوا

وكَانُوا قديمًا يَتَّقُونْ المخَازِيَا

22 -

يَسيروُنَ حَتَّى حَبَّسُوا عِنْدَ بَابِهِ

ثِقَال الرَّوَايَا والهِجَانَ المتَالِيَا

23 -

فقَال لَهم خَيرًا وأثنى عليهمُ

وودَّعَهُمْ وَدَاعَ ألا تَلاقِيَا

24 -

وأجْمَعَ أمْرًا كَانَ مَا بَعْدَهُ لَهُ

وَكَانَ إذَا ما أخلق الأمر ماضيَا

3 -

قوله: "تلعة" بفتح التاء المثناة من فوق وسكون اللام وفتح العين المهملة؛ وهو اسم ما علا من سيل الوادي وما سفل.

8 -

قوله: "كريمة ماليا" يعني: لا أرى مالي يحسن أن يدفع عنها ولا تقدر نفسي أن ترد مالي إذا أَذِنَ الله بِذِهَابِه

(1)

.

11 -

قوله: "عاديَا" هو أبو السموأل. وكان له حصن بتيماء يقال له: الأبلق، وهو الذي استودعه امرؤ القيس أدراعه.

12 -

قوله: "والنجاشيا" أراد به ملك الحبشة.

14 -

قوله: "بنجوة" أي: ارتفاع.

15 -

قوله: "رُشد عشرين حجة" الرشد: الصلاح، و"المناوي"؛ الضال الخطئ.

16 -

قوله: "مثل قَرْضِهِ" أراد مثل هبته، يقول: لم أر إنسانًا سُلب النعيم وله عند النَّاس من الأيادي والنعم الكثيرة فلم يف له ولم يواسه أقل من هذا.

18 -

قوله: "والمئين الغواليا" أراد بالمئين الإبل غوالي الأثمان.

19 -

قوله: "أَلْقَوْا عَلَيهَا المراسِيَا" أي: ثبتوا عليها وألقوا مثل المراسي للسفينة.

7 -

قوله: "بدا لي" يقال: بدا له في هذا الأمر بداءٌ أي: نشأ له فيه رأي.

والمعنى: قد نشأ لي وظهر أنني لا أدرك ما فات، ولا أقدر أني أسبق على ما سيجيء من الحوادث.

الإعراب:

قوله: "بدا": فعل ماض، وقوله:"أني" بالفتح في محل الرفع فاعل بدا، وقوله:"مدرك"

(1)

في (أ): في ذهابه.

ص: 747

بالنصب؛ لأنه خبر ليس، والتاء اسمها، وقوله:"ما مضى": جملة في محل الجر بالإضافة

(1)

، و"لست" مع جملتها خبر أن، قوله:"ولا سابق" بالجر؛ عطف على خبر ليس، على توهم إثبات الباء الزائدة في خبر ليس.

وقوله: "شيئًا": معمول سابق، قوله:"جائيًا": خبر كان، واسمها مضمر فيها يرجع إلى الشيء، وجواب إذا محذوف تقديره: إذا كان جائيا فلا أسبقه، ولا يصح أن يقال: لا أسبق شيئًا وقت مجيئه؛ لأن الشيء إنما يسبق قبل مجيئه فافهم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولا سابق"؛ حيث عطف على خبر ليس بغرض دخول الباء الزائدة فيه؛ فكأنه قدَّر المعدوم ثابتًا، ويروى:"ولا سابقًا" بالنصب عطفًا على اللفظ

(2)

.

‌الشاهد الثالث والثمانون بعد المائتين

(3)

،

(4)

وإلا فاعلَمُوا أَنَّا وأنتُمْ

بُغاةٌ مَا بَقينَا في شِقَاق

أقول: قائله هو بشر بن أبي خازم

(5)

بالخاء والزاي المعجمتين، وقبله:

إذا جُزّت نواصي آل بدر

فأدوها وأسرى في الوثاق

وهما من الوافر

(6)

.

وقصة ذلك: أن قومًا من آل بدر جاءوا الفزاريين من بني لأم من طيء فَجَزُّوا نواصيهم وقالوا: مننَّا عليكم ولم نقتلكم، فغضب بنو فزارة لذلك، فقال بشر ذلك، ومعناه: إذا جززتم

(1)

قوله: "ما مضى" جملة في محل جر بالإضافة خطأ في الموصولية مفرد وهي المضاف إليه، وأما مضى فهي جملة الصلة ليس غير.

(2)

من أنواع العطف: العطف على التوهم كقولك: ليس زيد قائمًا ولا قاعدٍ بالخفض على توهم دخول الباء في الخبر وشروط جوازه صحة دخول ذلك الحامل المتوهم، وشرط حسنه كثرة دخوله هناك، ينظر: المغني (476)، وابن يعيش (2/ 52).

(3)

ابن الناظم (67)، توضيح المقاصد للمرادي (1/ 348)، أوضح المسالك لابن هشام (1/ 361).

(4)

البيت من بحر الوافر، وهو في العداوة والحرب بين العرب والجاهلية، قاله بشر بن أبي خازم، وانظر مراجعه في الكتاب (2/ 156)، وأسرار العربية (154)، وابن يعيش (8/ 69)، والإنصاف (1/ 190)، والخزانة (10/ 293، 297)، وشرح أبيات سيبويه (2/ 14)، والتصريح (1/ 228).

(5)

جاهلي قدم من بني أسد، شهد حرب أسد وطيء، قال أبو عمرو بن العلاء: النابغة الذبياني وبشر بن أبي خازم فحلان من فحول الجاهلية.

(6)

في (أ، ب): من الهزج والصحيح أن البيت من الوافر.

ص: 748

نواصيهم فاجمعوها لنا واحملوا الأسرى معهم وإلا فإنا متعادون أبدًا.

و"البغاة": جمع باغ وهو الظالم؛ لأنه بغى الظلم أي طلبه، و"الشقاق" بكسر الشين وهو العداوة؛ لأن كلًّا من المتعاديين يجيء على ما يشق على الآخر، أو يكون من الشق بالكسر، وهو الجانب؛ لأن كلًّا منهما في شق غير شق الآخر، ومن هنا اشتق التعادي؛ لأن كلًّا منهما في عدوة.

الإعراب:

قوله: "وإلا" أصله: وإن لا؛ أي: وإن لم تجزوا نواصيهم وتطلقوا أسراهم؛ فأبدلت النُّون لامًا وأدغمت اللام في اللام فصار: إلَّا، قوله:"فاعلموا": جواب إن؛ فلهذا دخلت فيه الفاء، قوله:"أنَّا" مع اسمه وخبرِه سد مسد مفعولي اعلموا، واسم أن هو الضمير المتصل به، وخبره قوله:"بغاة".

قوله: "وأنتم": عطف على قوله: "أنّا"، وأن هذه وإن كنت مفتوحة الهمزة ولكنها مكسورة في الحقيقة، وإنما فتحت لفظًا إشعارًا بأنها في موضع المفعول لفظًا.

وقال بعض المتأخرين: تقديره: أنا بغاة وأنتم كذلك فحذف خبر أنتم

(1)

واعْتَرَضَ قوله: "وأنتم" بين اسم إن وخبرها. قيل: فيه نظر؛ لأنه ليس المراد أنا بغاة بل المراد أنتم بغاة فحينئذ يتعين أن لا يكون بغاة خبر أن؛ بل خبره قوله: "في شقاق"؛ إذ لا ينسبون البغي إلى أنفسهم بل إلى الخاطبين خاصة، فحينئذ يكون التقدير: اعلموا أنا في الشقاق معكم

(2)

ما بقينا وأنتم بغاة.

قلتُ: وهذا النظر إنما يتوجه إذا كان البغاة من البغي بمعنى الظلم والعدوان، وأما إذا كان من البغي الذي بمعنى الطلب فلا يلزم المحذور المذكور؛ فحينئذ يكون بغاة خبر أنا، وأنتم عطف على أنا كما ذكرنا.

فإن قلتَ: إذا كان الأمر كذلك فما يقع قوله: "في شقاق"؟

قلتُ: يقع خبرًا بعد خبر فيكون التقدير: أنا وأنتم بغاة؛ يعني: طالبون الشقاق والعداوة ما بقينا، وكلمة ما مصدرية ظرفية، والتقدير: ما دام بقاؤنا.

وقال بعض شارحي الكافية [لابن الحاجب]

(3)

: إن بغاة خبر أنتم، وخبر أنا محذوف

(1)

ينظر قضايا الخلاف النحوية والصرفية في كتاب شفاء العليل للسلسيلي، رسالة دكتوراه بالأزهر (260) وما بعدها.

(2)

في (أ): شقاق معًا.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 749

لدلالة خبر المعطوف عليه؛ لأنه بلفظه ولو كان بغير لفظه لم يكن بد من ذكره، ولما كانت "أنّ" بعد أفعال القلوب مُعَرَّضَةً للكسر بدخول اللام في خبرها، كانت لهذا الوجه في حكم المكسورة، ولذلك لا يجوز أن يقال: سرني أنك لقائم بالاتفاق

(1)

.

الاستشهاد فيه:

على العطف على محل اسم "أنّ" بعد مضي الخبر تقديرًا، ونقل عن سيبويه -رحمه الله تعالى- جواز العطف على محل اسم إن في باب علمت، واستدل على ذلك بالبيت المذكور فإنَّه عطف أنتم على محل اسم أن المفتوحة، وأجيب عن ذلك بأنه ليس بحجة؛ لأنه يلزم أن يكون عطفًا قبل مضي الخبر وهو ممتنع عند سيبويه.

بل يحتمل أن لا يكون معطوفًا عليه عطف المفرد على المفرد باعتبار شركتهما في عامل واحد؛ بل باعتبار عطف الجملة بأن يكون خبر أن هو قوله: "في شقاق" كما قررناه؛ فالعطف باعتبار الجملة لا باعتبار التشريك، والعطف باعتبار الجمل جائز في الجميع. فافهم

(2)

.

‌الشاهد الرابع والثمانون بعد المائتين

(3)

،

(4)

خَلِيليَّ هَلْ طِبٌّ فإنِّي وأَنْتُمَا

وإنْ لَم تَبُوحَا بالْهَوَى دَنِفَانِ

أقول: هذا أنشده ثعلب ولم يعزه إلى قائله.

وهو من الطَّويل.

قوله: "طب" مثلث الطاء، قوله:"لم تبوحا" من باح بسره إذا أظهره، قوله:"بالهوى"

(1)

قال الرضي بعد أن ذكر البيت: "بتقدير حذف الخبر من الأول والتقدير: أنا بغاة وأنتم بغاة، فلولا أن المفتوحة بعد فعل القلب في حكم المكسورة لما صح الاستدلال المذكور". ينظر شرح الرضي على الكافية (4/ 351، 352) بتعليق يوسف حسن عمر. جامعة قاريونس.

(2)

تشترك إن وأن ولكن في حكم المعطوف قبل الخبر أو بعد الخبر؛ فإذا جاء معطوف قبل خبر (أن) وجب نصبه هذا عند الجمهور، وأجاز بعضهم رفع المعطوف على معنى الابتداء إذا تقدم (أنّ) علم أو فيما معناه؛ كقوله تعالى:{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 31] أي: ورسوله بريء، وصريح العلم كبيت الشاهد، وتقديره عند سيبويه: فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك بحذف خبر أنتم أو عطف أنتم على محل اسم أن فمحله الرفع، أو خبر أن هو المحذوف وبغاة الظاهر خبر أنتم، الكتاب لسيبويه (2/ 156)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 50، 51)، وابن يعيش (8/ 69، 70)، وتوضيح المقاصد (1/ 348، 349).

(3)

ابن الناظم (68)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 362).

(4)

البيت من بحر الطَّويل، وهو لقائل مجهول، وله عدة مراجع، وانظره في تخليص الشواهد (374)، والتصريح (1/ 229)، وشرح شواهد المغني (866)، والمغني (475)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 50).

ص: 750

مقصور، من هوي يهوى هوىً إذا أحب وهو من باب علم يعلم، وأما هوى يهوي هويّا إذا سقط فهو من باب ضرب يضرب.

قوله: "دنفان" تثنية دنف بفتح الدال وكسر النون، يقال: رجل دنِف وامرأة دنِفة، من الدنف بفتح النون، وهو المرض اللازم إذا قيل: رجل دنف النون بفتح النون يستوي فيه الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث، يقول: رجل دنف ورجلان دنف، والقوم دنف، وامرأة دنف، وامرأتان دنف، ونساء دنف.

الإعراب:

قوله: "خليلي": منادى محذوف منه حرف النداء، والتقدير: يا خليلي، و"هل" للاستفهام في أكثر وقوعه، ولا يختص بإحدى الجملتين تقول: هل زيد قائم؟ وهل قام زيد؟ ولذلك لم يعمل.

قوله: "طبّ" مرفوع على أنه مبتدأ، وخبره محذوف

(1)

تقديره: فإني دنف، دل عليه قوله:"دنفان"، [قوله:"وأنتما": مبتدأ، وخَبَرهُ قوله:"دنفان"]

(2)

قوله: "وإن لي تبوحا": عطف على محذوف تقديره: يحتما بالهوى وإن لم تبوحا، وقوله:"بالهوى" يتعلق بقوله: تبوحا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فإني"؛ حيث حذف خبره لدلالة خبر المعطوف عليه وهو قوله: "دنفان"، فإنه يدل على [أن]

(3)

خبر قوله: "فإني" محذوف تقديره: فإني دنف؛ كما قد ذكرناه

(4)

، وذلك كما حذف خبر المبتدأ لدلالة خبر المبتدأ المعطوف عليه في قوله

(5)

:

نَحْنُ بِمَا عِندَنَا وَأَنْتَ بِمَا

عِندَكَ رَاضٍ والرَّأْيُ مُخْتَلِفُ

(1)

قول العيني: "وخبره محذوف تقديره .. " إلى هكذا في النسخ التي بأيدينا، ولعل استقامة العبارة هي: وخبره محذوف تقديره موجود، وقوله: فإني، إن حذف خبرها، تقديره: دنف

إلخ. (الخزانة (2/ 275) دار صادر).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط في (أ).

(4)

ينظر التعليق على الشاهد رقم (283).

(5)

البيت من المنسرح لقيس بن الخطيم في ديوانه (115)، والحاشية تحقيق: ناصر الدين الأسد، (115) ط. دار صادر أيضًا، ينظر الشاهد رقم (174).

ص: 751

‌الشاهد الخامس والثمانون بعد المائتين

(1)

،

(2)

أَنَا ابنُ أباةِ الضيم منْ آلِ مالكٍ

وإنْ مَالِكْ كانتْ كِرامَ المعادنِ

أقول: قائله هو الطرماح، واسمه الحكم بن حكيم بن نفر بن قيس بن جحدر بن ثعلبة بن عبد رضي بن مالك بن أبيان بن عمرو بن ربيعة بن جرول بن ثُعَل بن عمرو بن الغوث بن طيئ.

ويكنى أبا نفر، والطرماح في اللغة: الطويل، قال الشاعر:

معتدل الهادي طرماح العصب

................................

وقيل: سمي الطرماح لزهوه، والطرماح الذي يرفع رأسه زهوًا.

والبيت المذكور من الطويل.

قوله: "أباة الضيم" بضم الهمزة وتخفيف الباء الموحدة؛ جمع آبٍ من أبي يأبى إذا منع كقضاة جمع قاض، و "الضيم" بالضاد المعجمة؛ الظلم - بالظاء، يقال: ضامه واستضامه فهو مضيم ومستضام.

قوله: "من آل مالك" مالك هذا اسم أبي قبيلة، ومالك الثاني منقول منه اسم القبيلة، ولهذا قال: كانت كرام المعادن بتأنيث الفعل، وصرف الثاني للضرورة إلا أن قدرته اسمًا للأب كالأول لا للقبيلة وأضمرت القبيلة قبله، ومالك في قبائل كثيرة منهم: مالك بن ثعلبه بن دُودَان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بطن من بني أسد، ومنهم: مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب، ومنهم: مالك بن حطيط بن جشَيم بن ثقيف، ومنهم: مالك بن عمرو بن تميم، قوله:"كرام المعادن" أي: الأصول.

الإعراب:

قوله: "أنا": مبتدأ، وقوله:"ابن أباة الضيم": كلام إضافي خبره، قوله:"من آل مالك": بدل من قوله: "ابن أبياة الضيم"، قوله:"وإن" بسكون النون مخففة من الثقيلة، و"مالك" مرفوع بالابتداء، وخبره قوله:"كانت كرام المعادن"، واسم كان مستتر فيه، وخبره قوله:"كرام المعادن".

(1)

ابن الناظم (68)، وتوضيح المقاصد (1/ 352)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 367)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 379).

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو للطرماح بن حكيم في الفخر والمدح لقومه، وهو في الديوان (512)، والدرر (2/ 193)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 34)، وبلا نسبة في تذكرة النحاة (43)، والجنى الداني (134)، وشرح عمدة الحافظ (237)، والهمع (1/ 141).

ص: 752

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وإن مالك كانت"؛ حيث ترك فيه لام الابتداء التي تفرق بين إن المخففة من الثقيلة وبين إن النافية؛ إذ التقدير: وإن مالك لكانت فحذفت اللام، وذلك لوجود القرينة الرافعة لاحتمال النفي؛ وذلك لأن الكلامَ تَمَدُّحٌ، والنفي يَقْتَضِي الذم؛ فالحمل عليه يقتضي تناقض الكلام فافهم

(1)

.

‌الشاهد السادس والثمانون بعد المائتين

(2)

،

(3)

شلّتْ يمينُك إنْ قَتَلْتَ لَمُسلِمًا

حَلّتْ عَليكَ عُقُوبةُ الْمُتَعمِّدِ

أقول: قائلته هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية، وهي ابنة عم عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - يجتمعان في نفيل، كانت من المهاجرات إلى المدينة، وكانت امرأة عبد الله بن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنهم- وكانت حسناءَ جميلة، فأحبها حبًّا شديدًا حتى غلبت عليه وشغلته عن مغازيه فأمَرَهُ أبوه بطلاقها فعزم عليه حتى طلقها ثم تواجد عليها، وأنشد أشعارًا فيها حتى رق له أبوه وأمره فارتجعها ثم شهد عبد الله الطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُمي بسهم فمات منه بالمدينة، فتزوجها زيد بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وقتل عنها شهيدًا يوم اليمامة، فتزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة اثنتي عشرة، فأولم عليها فدعا جمعًا ثم قتل عنها عمر رضي الله عنه، ثم تزوجها الزبير بن العوام ثم قتل عنها، فقالت قصيدة ترثيه بها، وأولها هو قولها:

1 -

غَدرَ ابْنُ جُرمُوز بفارس بُهْمَةٍ

يَوْمَ اللقاءِ وكَان غَيرَ معرِّدِ

(1)

إذا خففت (إن) جاز إعمالها بقلة وإهمالها بكثرة، وعند إعمالها لا تلزم اللام لأنها لا تلتبس بإنْ النافية، وأما عند إهمالها فيجب دخول اللام على الخبر بعدها ليفرق كأنها وبين إن النافية، وقد يستغنى عن اللام إن ظهر المقصود من (إن) بأن دل المعنى على الإثبات لا على النفي مثل هذا البيت؛ فالشاعر أراد أن يمدح قبيلته (مالك) بإثبات الكرم ولو كانت (إن) النافية لكان الكلام ذمًا والشاعر لم يرد ذلك.

(2)

ابن الناظم (68)، وتوضيح المقاصد (1/ 353)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 368)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 382).

(3)

البيت من بحر الكامل من قصيدة قالتها عاتكة في رثاء زوجها الزبير بن العوام، وقد مات مقتولًا يوم الجمل بيد عمرو بن جرموز، وانظر أبياتًا من القصيدة في الأغاني (8/ 11)، والخزانة (10/ 373، 374)، والدرر (2/ 194)، وانظر بيت الشاهد في التصريح (1/ 231)، وشرح شواهد المغني (1/ 71)، ونسب لأسماء بنت أبي بكر في العقد الفريد (3/ 277)، وانظره في الإنصاف (641)، والجنى الداني (208)، وابن يعيش (8/ 71)، (9/ 27)، والمحتسب (1/ 24)، والمقرب (1/ 112).

ص: 753

2 -

يا عمرُو لو نَبَّهْتُه لَوَجَدْتَهُ

لا طائِشًا رَعِشَ الجنان ولا اليَدِ

3 -

كم غَمرةً قَدْ خَاضَها لم يُثنِه

عنها طرادُك يا ابنَ فَقْع الفَردَدِ

4 -

ثكلتك أمك إن ظَفِرتْ بِمثْلِهِ

ممن مَضَى أو مَنْ يَرُوحُ وَيغْتدِي

5 -

شَلّتْ يَمِينُكَ ..............

....................... إلى آخره

وهي من الكامل.

1 -

قولها: "غدر ابن جرموز" هو عمرو بن جرموز، عليه ما يستحق من العذاب، وهو الذي قتل الزبيرَ بنَ العوامِ -رضي الله تعالى عنه-، قولها:"بُهْمة" بضم الباء الموحدة وسكون الهاء وهو الجيشُ، ويكون في غير ذلك: الفارس الذي لا يدري من أين يؤتى من شدة بأسه، قولها:"غير مُعَرِّدِ" من التعريد -بالعين المهملة وهو الفرار، يقال: عرد الرجل- بالتشديد إذا انهزم وترك القصد.

قولها: "يا عمرو" أرادت به عمرو بن جرموز، قولها:"لا طائشا" من الطش وهو الخفة، قولها:"رعش الجنان" بفتح الجيم؛ أي: القلب، والرعش: الرِعْدة، و"الغمرة" بفتح الغين المعجمة؛ الشدة، "قد خاضها" أي: قد دخل فيها.

3 -

قولها: "لم يثنه" أي: لم يصرفه عنها؛ أي: عن الغمرة، قولها:"فقع القَردَد" بفتح القاف؛ المكان الغليظ المستوي.

4 -

قولها: "ثكلتك أمك" أي: فقدتك أمك، وهو من الثكل، وهو فقدان المرأة ولدها وكذلك الثّكل بالتحريك، وامرأة ثاكل وثكلى.

5 -

قولها: "شَلت يمينك"[بفتح الشين]

(1)

، وأصله: شَلِلَتْ بكسر العين، والمضارع يشل بالفتح، وهذا إخبار، ومعناه: الدعاء؛ يعني: سئل الله يدلّ، ويروى:

تَالله رَبِّكَ إن قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا

................................

قولها: "حلَّتْ عليك" أي: نزلت عليك، ويروى: وجبت عليك.

الإعراب:

قولها: "شلت": فعل ماض، قولها:"يمينك" كلام إضافي فاعله، قولها:"إن": مخففة من الثقيلة، [قولها:"قلت": جملة من الفعل والفاعل، وقولها:"لمسلما": مفعوله، واللام فيه للابتداء التي تفرق بين إن النافية وإن المخففة من المثقلة]

(2)

، قولها:"حلت": فعل، و"عليك":

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط في (أ).

ص: 754

في موضع النصب على المفعولية، وقولها:"عقوبة المتعمد": كلام إضافي فاعله، وهذه الجملة جواب شرط محذوف، والتقدير: إنك إن قتلت مسلمًا وجبت عليك عقوبة المتعمد.

الاستشهاد فيه:

في قولها: "إن قتلت لمسلمًا"؛ حيث ولي "إن" فعل، وليس هو من نواسخ الابتداء [وذلك أن "إنْ" المخففة إذا وليها فعل لم يكن في الغالب إلا من نواسخ الابتداء]

(1)

، وإذا كان من غيرها يكون شاذّا، كما في البيت المذكور، ولا يقاس على ذلك فيقال: إن قام لزيد، وإن أكرمت لعمرًا، خلافًا للأخفش

(2)

.

‌الشاهد السابع والثمانون بعد المائتين

(3)

،

(4)

لقد عَلِمَ الضيفُ والمرمِلوُنَ

إذا اغبَرَّ أُفْق وَهَبت شمَالا

بأنْك رَبيعٌ وغَيثٌ مَرِيعٌ

وأنْكَ هُنَاكَ تَكونُ الثِّمَالا

أقول: قائلتهما هي جنوب أخت عمرو ذي الكلب، وهو من قصيدة لامية من المتقارب، وأولها قولها

(5)

:

1 -

سَأَلْتُ بعمرو أخي صَحْبَه

فأصبحني حين ردوا السؤَالا

2 -

فقَالُوا أتيح لهُ نَائِمًا

أَغَرّ السلاح عَلَيهِ أحَالا

3 -

أتيح له نمرا جَيأل

فنالا لعمرك منة وَثَالا

4 -

فأقسم يا عَمْرُو لوْ نَبهَاكَ

إذَنْ نَبهَا منكَ دَاءً عَضالا

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(2)

إذا خففت (أنْ) ودخلت على الجملة الفعلية فالغالب أن يكون من الأفعال الناسخة كان وأخواتها أو كاد وأخواتها أو ظن وأخواتها، إن دخلت على غير ناسخ فهذا قليل أو شاذ كبيت الشاهد، قال ابن مالك: "وأجاز الأخفش أن يقال: إن قعد لأنا وإن كان صالحًا لزيد وإن ضرب زيدًا لعمرًا

صرح بذلك كله في كتاب المسائل، وبقوله أقول لصحة الشواهد على ذلك نظمًا ونثرًا". شرح التسهيل لابن مالك (2/ 38) وقال المالقي: "ولا يجوز دخولها أعني (إنْ) الخفيفة على غير منسوخ الابتداء من الأفعال خلافًا للكوفيين فإنهم يجيزون ذلك قياسًا على قول الشاعر ثم ذكر البيت. ينظر رصف المباني (191)، وابن يعيش (8/ 72).

(3)

ابن الناظم (69)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 370).

(4)

البيت من بحر المتقارب، وهو لجنوب بنت عجلان في الخزانة (10/ 384)، وشرح أشعار الهذليين (585)، وشرح التصريح (1/ 232)، ونسب لحمرة بنت عجلان في شرح شواهد المغني للسيوطي (106)، وانظره في الإنصاف (207)، وابن يعيش (8/ 75)، والمغني (31)، واللسان "أنن".

(5)

ينظر خزانة الأدب (9/ 427)، وشرح شواهد المغني (107).

ص: 755

5 -

إذَا نَبّهَا ليثَ عِريسَه

مُقيتًا مفيدًا نفوسًا ومالا

6 -

إذَنْ نَبّهَا غيرَ رِعدِيدَة

ولا طائشًا دهشًا حينَ صَالا

7 -

هُمَا مَعْ تصرف ريب المنون

من الدهرِ كانا شَدِيدا أمَالا

8 -

وقَالا قَتَلنَاهُ في غارة

بآية أنا قد ورِثنَا النبَالا

9 -

فَهَلا إذًا قِيلَ رَيبُ المنُونِ

فقد كان فَذًّا وكُنتُم رِجَالا

10 -

وقد علمت فهم عند اللقاء

بأنهم لك كانوا نِفَالا

11 -

كأنهُمُ لَمْ يُحِسُّوا بِهِ

فيجلوا نساؤهم لَهُ والحجَالا

12 -

لقد علم الضيف ........

................................

13 -

......................

....................... إلى آخره

14 -

وخرقٍ تَجَاوَزْتَ مَجْهُوَلُة

بوَجْنَاءَ حَرفٍ تشكَّى الكلالا

15 -

فكنتَ النهارَ بهِ شَمْسَهُ

وكنتَ دُجَى الليلِ فيهِ الهِلالا

16 -

وحي أبَحْتَ وحي صبحت

غَدَاةَ اللقاء منايا عجالا

17 -

وكم من قتيل وان لم تَكُنْ

أردتهم منكَ بَاتُوا وجَالا

وقال عمرو بن شبة: وكان عمرو بن عاصم هذا يغزو فهمًا فيصيب منهم فوضعوا له رصدًا على الماء فأخذوه فقتلوه ثم مروا بأخته جنوب، فقالوا: طلبنا أخاك، فقالت: لئن طلبتموه لتجدنه منيعًا، ولئن ضفتموه لَتَجِدُنَّهُ مريعًا، لئن دعوُتمُوه لَتَجِدُنَّهُ سريعًا، فقالوا: أخذناه وقتلناه، وهذا نبله، فقالت: والله لئن سلبتموه لا تجدوا ثنته دامية ولا حَجَزَتْهُ حامية، ولرب ثدي منكم قد افترشه، ونهب قد احتوشه [وضرب قد احترشه]

(1)

، ثم قالت الأبيات المذكورة.

2 -

قولها: "أتيح له" أي: قدر له، قولها:"أحال" أي: وثب، ومنه أحال في متن فرسه.

3 -

قوله: "نمرا جيأل" أي: نمران من جيئل؛ أي: سبعَان من جيئل، والنمر السبع، والجيئل بفتح الجيم وسكون الياء وفتح الهمزة وفي آخره لام وهو الضبع، وربما قالوا: جَيَل بالتخفيف ويتركون الياء مصححة؛ لأن الهمزة وإن كانت ملقاة من اللفظ فهي مبقاة في المعنى وهي معرفة بلا ألف ولام، قولها:"وثالا" بالثاء المثلثة يقال: قال عليه القوم إذا علوه بالضرب، وكذلك تثول عليه.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

ص: 756

4 -

قولها: "داء عضالا" أي: شديدًا، يقال: داءٌ عضال وأمر عضال؛ أي: شديد أَعْيَا الأطباء وهو بفتح العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة.

5 -

قولها: "عِرّيسه" بكسر العين المهملة وتشديد الراء وسكون الياءآخر الحروف وفتح السين المهملة وفي آخره هاء، قال الجوهري: العِريسُ والعِريسَه: مأوى الأسد

(1)

، قولها:"مقيتًا" أي: مقتدرًا كالذي يعطي كل رجل قوته، ويقال: المقيت: الحافظ للشيء والشاهد له، قولها:"نفوسًا ومالًا" لف ونشر مرتب، فالنفوس ترجع إلى المقيت، والمال يرجع إلى المفيد.

6 -

قولها: "غير رِعْديدة" بكسر الراء وسكون العين وكسر الدال وسكون الياء آخر الحروف وفتح الدال وفي آخره هاء، ومعناه: غير جبان، و"الطائش": من الطيش وهو الخفة، و"دهشًا" بفتح الدال وكسر الهاء وبالشين المعجمة، و"صالا" من [صال]

(2)

عليه إذا حمل.

7 -

و"ريب المنون": حوادث الدهر.

9 -

و"الفذ" بفتح الفاء وتشديد الذال المعجمة؛ وهو الفرد.

10 -

قولها: "وقد علمت فهم" وهي قبيلة، ومنعت من الصرف للعلمية والتأنيث.

11 -

و"الحجال" بكسر الحاء المهملة بعدها الجيم؛ وهي جمع حجلة، وهي بيت يزين بالثياب والأسرة والستور.

12 -

قولها: "والمرملون": من أرمل القوم إذا نفد زادهم، وعام أرمل؛ أي: قليل المطر، قولها:"أفْق" بسكون الفاء وضمها لغتان، ولكنه بالسكون ها هنا؛ وهو واحد الآفاق وهي النواحي، قولها:"شمالا" بفتح الشين؛ وهي التي تَهبُّ من ناحية القطب.

13 -

قولها: "وغيث" أي. مطر، قولها:"مريع" بفتح الميم وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف ثم عين مهملة، يقال: أرض مريعة، أي: مخصبة كثيرة النبات، قولها:"الثمالا" بكسر الثاء المثلثة، ومعناه الغياث، يقال: فلان ثمال قومه أي غياث لهم يقوم بأمرهم، وقال الخليل: الثمل: الملجأ.

14 -

قولها: "وخرق" أي: ورب خرق، وهو بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وفي آخره قاف، وهي الأرض الواسعة التي تنخرق فيها الرياح، وتجمع على خروق، قولها:"بوجناء حَرْف" الوجناء: الناقة الشديدة، و"الحرف" بفتح الحاء المهملة وسكون الراء وفي آخره فاء؛ وهي الناقة

(1)

الصحاح للجوهري مادة: (عرس).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

ص: 757

الضامرة الصلب [شبهت]

(1)

بحرف الجبل، والحرف صفة لوجناء، ويقال: الوجناء: عظيمة الوجنتين، قولها:"تشكى" أي: تتشكى؛ فحذفت إحدى التائين، و"الكلال": الإعياء.

الإعراب:

قولها: "لقد" اللام للتأكيد، و "قد" للتحقيق، وفيه معنى القسم -أيضًا- أي: والله لقد علم الضيف، و "الضيف" فاعل علم، و"المرملون": عطف عليه، قولها:"إذا": للظرف بمعنى حين، و "أفق": مرفوع لأنه فاعل اغْبَرَّ، وقولها:"هبت": فعل ماض وفاعله مستتر فيه وهو الريح.

فإن قلتَ: أليس هذا إضمارًا قبل الذكر؟

قلتُ: قد يغني عن ذكر الفاعل استحضاره في الذهن بذكر فعل متعين لما لا يصلح إلا له فأغنى عن إظهار الريح استحضارها في الذهن بهبت فافهم.

قولها: "شمالا" بالنصب: حال وهو الصحيح، وقيل: تمييز؛ أي: من حيث الشمال؛ يعني: من جهته، قولها:"بأنك" بتخفيف النون قد خففت من المثقلة، والكاف اسم أن، وخبره قولها:"ربيع" والباء في بأنك تتعلق بقوله: "علم"، قولها:"غيث": عطف على قولها ربيع، وقولها:"مريع": صفة للغيث، قولها:"وأنك": عطف على قولها بأنك وهو أيضًا مثله مخففة من المثقلة والكاف اسم أن، وخبره قولها:"تكون الثمالا"، واسم كان مستتر فيه، وخبره قولها:"الثمالا".

الاستشهاد فيه:

في قولها: "بأنك"، وفي قولها:"وأنك" حيث صرح باسم أن المخففة في الموضعين؛ لأجل الضرورة، فأخبر عن الأول بالمفرد وعن الثاني بالجملة

(2)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

إذا خففت (أن) بقي عملها ووجب أن يكون اسمها ضمير شأن محذوف وأن يكون خبرها جملة اسمية أو فعلية، فإن ورد بروز اسمها وهو غير ضمير شأن فهذا قليل أو ضرورة، قال ابن مالك: وتخفف (أن) فلا تلغى كما تلغى (إنْ) المخففة إلا أن اسمها لا يلفظ به إلا في الضرورة ثم ذكر البيت. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 40)، وابن يعيش (8/ 73، 74)، ورصف المباني (195)، والمغني (31).

ص: 758

‌الشاهد الثامن والثمانون بعد المائتين

(1)

،

(2)

في فتيَة كَسُيوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا

أنْ هَالِكٌ كُلُّ مَن يَخفَى وَينتَعِلُ

أقول: قائله هو الأعشى، واسمه ميمون بن قيس، وقيل: عبد الله بن الأعور، وقيل: غير ذلك.

والعشى من الشعراء ستة عشر نفرًا: أعشى بني قيس المذكور، وأعشى باهلة واسمه عامر، وأعشى بني نهشل الأسود بن يعفر، وفي الإِسلام: أعشى بني

(3)

ربيعة من بني شيبان، وأعشى همدان واسمه عبد الرحمن، وأعشى طرود من سليم، وأعشى بني مازن من تميم، وأعشى بني أسد، وأعشى بن معروف واسمه خيثمة، وأعشى عكل واسمه كَهْمَس، وأعشى بني عقيل واسمه معاذ، وأعشى بني مالك بن سعد، والأعشى التغلبي واسمه النعمان، وأعشى بني عرف بن همام واسمه ضابئ وأعشى بني ضوزة واسمه عبد الله، وأعشى بني جلان واسمه سلمة، ومن العشى الإِسلامية: أعشى بني مازن، وهو ممن وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وأنشده:

1 -

يا مالكَ الناسِ ودَيَّانَ العَرَبْ

إنّي لقيتُ ذِرْبَةً من الذرَبْ

2 -

غدوت أبغيها الطعام في رَجَبْ

فخلفتني في نزاع وهَرَبْ

3 -

أخلَفَتِ العَهْدَ ولطَّتْ بالذنَبْ

وهُن شَرّ غَالِب لن غَلَبْ

قال: وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: وهن شر غالب لمن غلب. وسكن البصرة.

1 -

قوله: "وديَّان [العرب]

(4)

" أي: مالك أمر العرب، قوله: "ذرية" بكسر الذال المعجمة وسكون الراء وفتح الباء، على وزن قِربَةَ، يقال: امرأة ذربة؛ أي: صخابة، وكذلك ذَرِبة بفتح الذال وكسر الراء، ويجمع على ذِرَب، كقرب جمع قربة.

2 -

قوله: "أبغيها" أي: أبغي لها؛ أي أطلب لأجلها الطعام، و"الهرب" بفتحتين، الفرار.

3 -

قوله: "لطت" بتشديد الطاء المهملة، أي: منعته بضعتها، من لطت الناقة بذنبها إذا سدت فرجها به إذا أرادها الفحل.

(1)

ابن الناظم (69)، وتوضيح المقاصد (1/ 335).

(2)

البيت من بحر البسيط، من قصيدة طويلة بلغت السبعين بيتا، وهي محدودة من المعلقات العشر، وهي في ديوانه (91) تحقيق محمَّد حسين، ومن العجيب أن الشطر المستشهد به ليس في ديوان الأعشى، وقد أشار إلى ذلك العيني، وانظر بيت الشاهد في الكتاب (2/ 137)، والمحتسب (1/ 307)، والمغني (314)، والمنصف (3/ 129)، ورصف المباني (196)، وابن يعيش (8/ 71)، والمقتضب (3/ 9).

(3)

في (أ): أعشى بن أبي ربيعة.

(4)

ما بين المعقوفتين سقط في (أ).

ص: 759

والبيت المذكور من قصيدة لامية، وهي طويلة من البسيط، وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

وَدّعْ هُرَيْرةَ إن الركبَ مرتحلٌ

وهل تطيقُ ودَاعًا أيها الرجُلُ؟

2 -

غراءُ فرعَاءُ مصقولٌ عَوارضُها

تَمْشي الهُوَيْنى كما يَمْشي الوجى الوحِلُ

3 -

كأن مِشْيتَها من بَيتِ جَارتِها

مَرُّ السحابة لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ

4 -

تَسمعُ للحلي وسْواسا إذًا انْصَرَفَتْ

كما استعَانَ بريحٍ عِشْرِقٌ زجِلُ

إلى أن قال:

5 -

وَقَد غدوْتُ إلى الحانُوتِ يَتْبعني

شَاوٍ مشَل شلُول شُلشل شولُ

6 -

في فتية كَسُيوف الهند قدْ عَلِمُوا

أن لَيس يدفعُ عن ذي الحيلة الحيلُ

7 -

نازعْتُهُم قُضُبَ الريحانِ مُتَكئًا

وقهوةً مُرةً راووقها خَضِلُ

والبيت المستشهد به هكذا أورده النحاة سيبويه وغيره من المتقدمين والمتأخرين

(2)

، والذي ثبت في ديوانه مثل ما ذكرناه من أن عجز البيت:

........................

أنْ ليسَ يَدْفَعُ عَنْ ذي الحيلَةِ الحيلُ

(3)

وهو شاهد على مسألة الفعل الجامد

(4)

.

وأما العجز الذي أورده فليس هو من كلام الأعشى، وقد قيل: إنه من بيت آخر لآخر وهو

(5)

:

أما تَرَانَا حُفَاةً لَا نِعَال لَنَا

إنّا كَذلكَ لَا نَحْفَى ونَنْتَعلُ

قلتُ: العجز الذي أورده يخالف عجز هذا البيت أيضًا، فالحق أن هذا العجز إما من عجز بيت غير هذا البيت، أو هو رواية في بيت الأعشى والله أعلم.

1 -

قوله: "ودع هريرة": خطاب لنفسه، وهريرة: قينة كانت لرجل من آل عمرو بن مرثد،

(1)

ينظر الديوان (130)، (شرح مهدي محمَّد ناصر)، و (91) بشرح وتحقيق محمَّد حسين.

(2)

ينظر الكتاب (2/ 137)، (3/ 74، 164، 454)، والإنصاف (199)، ورصف المباني (196)، والمغني (314)، والمقتضب (3/ 9)، وابن يعيش (8/ 71).

(3)

الديوان (133).

(4)

أي أن (أنْ) المخففة تدخل على الجملة الفعلية، وهذه الجملة قد تبهون مقرونة بالسين أو سوف أو جملة فعلية فعلها جامد كعسى، وليس كقوله تعالى:{وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} [الأعراف: 185] وقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى} [النجم: 39].

(5)

رواية البيت في الخزانة هكذا:

إما ترَينَا حُفاةً لا نعال لنا

إنا كذلك ما نحفي ونَنتَعِلُ

ينظر الخزانة (11/ 351).

ص: 760

قوله: "وهل تطيق وداعًا" يعني: هل تطيق ذلك من خوف الرقباء؟

2 -

قوله: "غراء" بالغين المعجمة؛ وأي: بيضاء، و"فرعاء" بالفاء، أي: كثيرة الشعر، ويقال: طويلة الشعر، قوله:"عوارضها" أي: جوانب أسنانها، وإنما أراد بهذا نقاء الثغر كله، قوله:"الهُوَينى" بضم الهاء وفتح الواو؛ تصغير هون، وهو السكينة والوقار، قوله:"الوجى" بفتح الواو وكسر الجيم، وهو الفرس الذي يوجد في حافره وجع، والأنثى: وجية ووجياء، والوجع الوجي، و"الوحل" بفتح الواو وكسر الحاء المهملة؛ وهو الذي وقع في الوحل وهو الطين.

3 -

قوله: "لا ريث" وهو الإبطاء، يريد أنها تهادي في مشيتها كمر السحاب، أو مشي القطا، وبذلك يوصف مشي القطا، قوله:"وسواسًا"[أي: صوتًا]

(1)

.

4 -

و"انصرافها" انقلابها في فراشها، و"العشرِق" بكسر العين المهملة وسكون الشين المعجمة وكسر الراء وفي آخره قاف، قال الأصمعي: هو شجرة بقدر زراع لها حب صغار، إذا حركتها الريح يسمع لها صوت، قوله:"زجل" بفتح الزاي وكسر الجيم، أي: مُصَوّت؛ من الزجل بفتحتين وهو الصوت.

5 -

قوله: "إلى الحانوت" وهو بيت الخمار، ويروى: إلى الخمار، و"الشاو": الذي يشوى، قوله:"مِشل" بكسر الميم وفتح الشين المعجمة، هكذا رأيته في ديوان الأعشى بخط أبي القاسم الآمدي، وقال في شرحه: المشل: الذي سئل بيده شيئًا فهو يذهب به، وكذلك الشلول، يقال: إنك لشلول بكذا وكذا، أي: ذاهب به، وكذا الشلشل والشول، فإن هذه من شلت، وتلك من شَلِلت وشَول شالٌّ بيده شيئًا، ويقال: هذا كله قريب بعضه من بعض.

قال الأصمعي: يقال: فلان يشول لنا ويحف لنا ويرف لنا إذا كان يحف؛ فالشول الذي يحف لأصحابه، قلت: هذه الألفاظ الثلاثة متقاربة في المعنى، وجمع بينها للمبالغة في التأكيد كما قال الشاعر:

.........................

حَطَّامَةَ الصُّبحِ حَطُومًا مَحْطَمًا

ذكر بعضهم في المشل: الخفيف الذي يأتي بحوائجهم، وكذلك الشلول والشلشل: الخفيف الوقاد الذكي، وكذلك الشوَل، وشَلْشَلٌ على وزن كوكب، ويقال على وزن فلفل.

6 -

قوله: "في فتية" بكسر الفاء وسكون التاء المثناة من فوق؛ جمع فتى وهو السخي الكريم، وكذلك الفتيان والفتوّ بتشديد الواو، والفتي بتشديد الياء.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

ص: 761

قوله: "من يحفى": من حفى يحفى من باب علم يعلم وهو الذي يمشي بلا خف ونعل ولكن أراد به ها هنا الفقر، و"منتعل": من انتعل إذا لبس النعل، وأراد به الغني.

والمعنى: هم بين فتية كالسيوف الهندية في مضائهم وحدتهم وأنهم موطنون أنفسهم على الموت [موقنون به]

(1)

؛ لأنهم قد علموا أن الإنسان هالك سواء كان غنيًّا أو فقيرًا.

قوله: "وقهوة" أي: خَمرًا، سميت بذلك لأنها تقهي؛ أي: تذهب بشهوة الطعام، و"الراووق": الإناء، و "الخَضِل" بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين؛ أي: الدائم الندى لكثرة استعمالهم إياها.

الإعراب:

قوله: "في فتية": في محل النصب على الحال من قوله: "شَاوٍ" في البيت السابق. والمعنى: حال كونه في فتيةٍ، ويجوز أن يكون حالًا من الضمير المنصوب في يَتْبَعُني.

قوله: "كَسُيوفِ الْهِنْد": جار ومجرور كلام إضافي صفة للفتية، وكذلك قوله:"قد علموا" جملة وقعت صفة للفتية، قوله:"أَنْ" مخففة من المثقلة، قوله:"كل مَنْ يحْفَى": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله:"هَالكٌ" مقدمًا، قوله:"وينتعل": عطف على صلة الموصول، والجملة في موضع مفعولي علموا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أَن هالِكٌ"؛ حَيثُ خُفِّفَتْ أن من المثقلة، وأُلْغِيَتْ عن العمل، وجاء خبرها أيضًا جُملَةٌ اسمية

(2)

.

‌الشاهد التاسع والثمانون بعد المائتين

(3)

،

(4)

عِلمُوا أَنْ يُؤمَّلُونَ فجَادُوا

قَبْل أن يُسأَلُوا بأَعْظم سُؤْل

أقول: لم أقف على اسم قائله.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في (أ).

(2)

إذا خففت (أنْ) عملت وكان اسمها ضمير الشأن وخبرها جملة اسمية أو فعلية وهنا جاء الخبر جملة اسمية، فإذا ألغي عملها في الظاهر كانت عاملة في الحكم والتقديرُ للفرق لابن المكسورة والمفتوحة. ينظر ابن يعيش (8/ 73).

(3)

ابن الناظم (69)، وتوضيح المقاصد (1/ 356)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 373)، وشرح ابن عقيل على الألفية (1/ 388).

(4)

البيت من بحر الخفيف، وهو في المدح بالكرم لشاعر مجهول، وانظر الشاهد في التصريح (1/ 233)، والدرر (1/ 120)، والهمع (1/ 143)، وحاشية الصبان (1/ 292).

ص: 762

وهو من الخفيف.

قوله: "يؤمَّلون" على صيغة المجهول من أَمَّل يؤمل تأميلًا، وثلاثيه: أمل يأمل أملًا وهو الرَّجاء، قوله:"فجادوا" من جاد يجود إذا تكرم.

قوله: "أن يسألوا" على صيغة المجهول، والسُّؤْلُ -بضم السين المهملة بمعنى المسؤول؛ كما في قوله تعالى:{قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى} [طه: 36] أي: مسؤولك، ويجوز فيه الهمز وتركه، والمعنى: علموا أن الناس يؤملون معروفهم فلم يخيبوا رجاءهم ولا أَحَوجُوهُم إلى المسألة؛ بل ابتدؤوهم بالعطاء وجادوا عليهم قبل أن يسألوا وبذلوا لهم أعظم ما يَسأله السائلون، وكان الأصل: علموا أن سيؤملون - بالفصل بالتنفيس فَتَرَكَ ذلك للضرورة.

الإعراب:

قوله: "علموا": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"أن": مخففة من الثقيلة، و"يؤملون": جملة وقعت خبرًا لأن، واسمها محذوف، والتقدير: علموا أنهم يؤملون، والجملة سدت مسد مفعولي علموا قوله:"فجادوا" الفاء تصلح لأن تكون للسببية، وجادوا: جملة من الفعل والفاعل، والمفعول، قيل: إنه محذوف تقديره: فجادوا بالمال أو بالفضل، ونحو ذلك، وليس هذا بصحيح بل مفعوله هو قوله:"بأعظم سؤل"، فالباء فيه تتعلق "بجادوا" لا بقوله:"يسألوا" فافهم، وقيل: نصب على الظرف، مضاف إلى الجملة التي بعده، والضمير في يسألوا مفعول نائب عن الفاعل والمفعول الثاني محذوف تقديره: قبل أن يسألهم السائلون [شيئًا]

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أن يؤملون"؛ حيث جاءت (أن) مخففة من الثقيلة ومصدرة بفعل مضارع من غير فصل

(2)

.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(2)

إذا كان خبر (أن) المخففة جملة اسمية أو فعلية فعلها متصرف ولم يقصد به الدعاء فصل بينها وبين أن، والفاصل يكون واحدًا من أربعة أشياء:

1 -

قد؛ نحو قول الله تعالى: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} [المائدة: 113].

2 -

حرف التنفيس (السين أو سوف)؟ كقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل: 20].

3 -

حرف النفي (لا - لن - لم)؛ كقوله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [المائدة: 71] وقوله: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} [القيامة: 3].

4 -

لو؛ كقوله تعالى: {وَأَلَّو اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} [الجن: 16] ، وقد جاء الخبر جملة فعلية فعلها مضارع ولم يفصل كبيت الشاهد، وذلك بعد فعل قلبي أو ما معناه فهذا أسهل من أن يكون بغير ذلك.

ص: 763

‌الشاهد التسعون بعد المائتين

(1)

،

(2)

إني زَعيم يا نُويـ

ـقةُ إنْ أمنتِ منَ الرّزاح

ونجوتُ من عَرَضِ الْمَنُون

من الغدوِّ إلى الروَاحِ

أَنْ تَهْبِطينَ بلادَ قَوْمٍ

يَرتَعُونَ مِنَ الطلاحِ

أقول: قائلها هو القاسم بن معن قاضي الكوفة، وأنشدها الفراء عنه.

وهي من الكامل، وفيه الترفيل والإضمار.

1 -

قوله: "زعيم" أي: كفيل، "ونويقة": تصغير ناقة، و"الرزاح" بضم الراء وفتح الزاي المعجمة المخففة؛ وهو الهزال؛ وهو مصدر رَزَحت الناقة ترزح بالفتح فيهما رزوحًا ورزاحًا: سقطت من الإعياء، والإبل رزحى ورزاحى بالفتح، ورزحتها أنا ترزيحًا.

2 -

قوله: "من عرض المنون" أي: الموت، قوله:"من الغدو"[أي: من وقت الغدو]

(3)

إلى وقت الرواح، وفيه دليل لمن يقول: إن (من) تأتي لابتداء الغاية في الزمان.

3 -

قوله: "من الطلاح" بكسر الطاء؛ جمع طلحة بفتحها، وهو شجر عظيم من شجر العضاة، وقال:[إبل طلاحية]

(4)

إذا كانت ترعى الطلاح، وفيه شذوذ النسب إلى الجمع

(5)

ويقال: [إبل]

(6)

طِلَاحِية بالضم فيكون فيه شذوذان

(7)

.

الإعراب:

قوله: "إني" الضمير اسم إن، و"زعيم": خبره، قوله:"يا نويقة": منادى مفرد مبني على

(1)

ابن الناظم (69).

(2)

الأبيات من بحر الكامل المجزوء ذي الضرب المذيل، وهو حديث للشاعر مع ناقته والشاعر مجهول، وهي في الخزانة (8/ 42)، ورصف المباني (113)، وابن يعيش (7/ 9)، واللسان (طلح - صلف - أنن)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 44).

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

عند النسب إلى جمع التكسير ورد إلى واحده إن كان له مفرد قياس، وإن كان جمعًا واحده جمع له واحد نسبت إلى واحد واحده، وإن كان جمعًا واحده اسم جمع نسبت إلى ذلك الواحد ولو سمي نسب إلى الجمع. ينظر شرح الشافية للرضي (2/ 78)، وما بعدها.

(6)

زيادة لإصلاح المعنى.

(7)

شذوذ لأنه لم يرده في النسب إلى مفرده طلحة، وشذوذ لأنه لم يحذف تاء التأنيث. ينظر الصحاح للجوهري مادة:(طلح).

ص: 764

الضم، قوله:"إن" كلمة الشرط، وجواب الشرط مقدم، وهو قوله:"إني زعيم".

وقوله: "من الرزاح": يتعلق بقوله: "أمنت"، قوله:"ونجوت": عطف على قوله: [أمنت]

(1)

، قوله:"من عرض المنون" يتعلق بنجوت، وكذا قوله:"من الغدو".

وقد قلنا: إن (من) ها هنا لابتداء الغاية في الزمان وهو من أقوى الحجج للأخفش والكوفيين

(2)

.

قوله: "أن تهبطين": مفعول لقوله: "زعيم"، و"أن" هذه مخففة من الثقيلة، وأصله: أنك تهبطين، قوله:"بلاد قوم": كلام إضافي نصب على الظرف؛ أي: في بلاد قوم.

قوله: "يرتعون": جملة فعلية وقعت صفة لقوم، "من الطلاح" يتعلق بقوله:"يرتعون".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أن تهبطين"، حيث جاءت أن مخففة من الثقيلة ومصدرة بفعل مضارع من غير فصل، وأصله: أنك تهبطين؛ فخففها وحذف اسمها، وأولاها الفعل المتصرف الخبري.

قيل: هذا ليس بنص في الشاهد؛ إذ يحتمل أن تكون أن هذه الناصبة ولكنه أهملها حملًا على أختها "ما" المصدرية

(3)

.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في (أ).

(2)

قال الأخفش: "في قوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: 108] يريد منذ أول يوم؛ لأن من العرب من يقول: لم أره من يوم كذا يريد به من أول الأيام"، معاني القرآن (2/ 337) وقال الأنباري: ذهب الكوفيون إلى أن (منْ) يجوز استعمالها في الزمان والمكان". الإنصاف (370، 371) وقال ابن هشام: (قال الكوفيون والأخفش والمبرد وابن درستويه: وفي الزمان أيضًا" المغني (318)، والارتشاف (2/ 441)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 31 - 33)، والهمع (1/ 34)، والتذييل والتكميل لأبي حيان (4/ 1000)، د / الشربيني دكتوراه بكلية اللغة العربي؛ بالقاهرة. جامعة الأزهر.

(3)

ينظر الشاهد السابق رقم (289)، وذهب البصريون إلى أن (أنْ) هي الناصبة للمضارع وترك إعمالها حملًا على (ما) المصدرية، وهي عند الكوفيين المخففة من الثقيلة.

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 44).

ص: 765

‌الشاهد الحادي والتسعون بعد المائتين

(1)

،

(2)

....................

كَأَنْ وَريدَيْهِ رشاءُ خُلْب

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز، وهكذا أنشده سيبويه في كتابه

(3)

، وقال النحاس: وإن رفعته فحسن؛ يعني: كأن وريداه

(4)

، وذكر الجوهري الروايتين، فقال: كأن وريداه رشاء خلب، ويروى: وريديه؛ على إعمال كأن وترك الإضمار

(5)

، وقال النحاس في شرح أبيات سيبويه: والوريدان: عرقان في الرقبة، والرشاء: الحبل.

قال أبو إسحاق: الخُلْب: الليف

(6)

، وقال غيره: الخلب: البئر البعيدة القعر.

قلت: الوريدان: عرقان يكتنفان صفحتي العنق في مقدمها متصلان بالوتين، يردان من الرأس إليه، وقيل: سمي وريدًا؛ لأن الروح ترده، "والرشاء" بكسر الراء وبالد، وهو الحبل، وجمعه: أرشية، وهو في البيت مثنى فهو بألفين، ولكن يوجد في النسخ بالإفراد، والخلب بضم الخاء المعجمة وضم اللام، ويجوز تسكين اللام للتخفيف، وقد روي بذلك، ويقال لليفة: خُلبة بضمتين، وخُلْبة بالإسكان، وذلك قياس في نظائره.

الإعراب:

قوله: "كأن" بتسكين النون، مخففة من كَأَنَّ الثقيلة، قوله:"وريديه" بالنصب اسم كأن، وخبره قوله:"رشاء خلب"، و"رشاء": مضاف إلى خلب، وفي رواية الرفع يكون أهمل عمل كأن

(7)

(1)

ابن الناظم (70)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 375).

(2)

البيت من بحر الرجز المشطور في ملحق ديوان رؤبة (169)، يصف إبلا يسوقها وحمل شديد، وهو المقصود بقوله:"كأن وريديه" وقبله وهما بيتان ثالثهما الشاهد يقول:

يسوقها أعيس هذ ربب

إذا دعاها أقبلت لا تتئب

والقافية فيها جاء ساكنة، وانظر بيت الشاهد في الكتاب (3/ 364، 365)، والمقرب (1/ 110)، واللسان مادة (خلب)(أنن)، والتصريح:(1/ 234)، والخزانة (10/ 391، 393)، وابن يعيش. (8/ 83).

(3)

الكتاب لسيبويه (3/ 364، 465).

(4)

النص غير موجود بالنسخة التي حققها د. وهبة متولي، وقد ذكر في المقدمة أنه لم يعثر على الكتاب الأصلي للنحاس الذي شرح فيه أبيات سيبويه.

(5)

الصحاح للجوهري مادة: (خلب).

(6)

ينظر الصحاح للجوهري مادة: (خلب).

(7)

إذا خففت (كأن) فهي مثل (أنْ) المخففة في شروطها وإعمالها إلا إن (كأن) يجوز أن يكون اسمها وخبره مفردين. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 45)، ورصف المباني (286)، وابن يعيش (8/ 82).

ص: 766

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كَأَنْ" حيث جاءت مخففة وقد عملت وجاء اسمها مفردًا

(1)

، وقد قلنا: أصله التثنية وعلى رواية الرفع يكون الاستشهاد فيه من حيث إهمال عمل كأن كما ذكرنا، وفي الحقيقة ليس فيه شيء يستشهد به فافهم.

‌الشاهد الثاني والتسعون بعد المائتين

(2)

،

(3)

ويومًا توافينا بوجه مُقَسّم

كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم

أقول: قائله هو أرقم بن علباء اليشكري يذكر امرأة ويمدحها، كذا ذكره في كتاب المنقذ، تأليف أبي عبد الله الكاتب المعروف بالمفجَّع

(4)

، وقال النحاس: هو لابن صُرَيم اليشكري

(5)

، وقال الشيخ جمال الدين بن هشام: هو لباغت اليشكري، ثم قال: وباغت منقول كان بغته بالأمر إذا فاجأه به، ويشكر: منقول من مضارع شكر.

وهو من الطويل.

قوله: "توافينا" بضم حرف المضارعة، من الموافاة وهي المقابلة بالإحسان والخير والمجازاة الحسنة، قوله:"بوجه مُقَسّم" بضم الميم وفتح القاف وتشديد السين المهملة؛ أي: بوجه محسن، ويقال: رجل قسيم الوجه، أي: جميله، ورجال قُسم بضمتين، وذكر في كتاب المنقذ أن المقسّم من القسام وهو الحسن، ثم أنشد البيت المذكور، ثم قال: وإن شئت جعلته من القسمة وهو الوجه، قال

(6)

محرز بن مكعبر الضبي

(7)

:

(1)

قوله: "وقد جاء اسمها مفردًا" عبارة غير ظاهرة، وصحتها: وجاء اسمها وخبرها مفردين، والأمر هو أن كأن إذا خففت كان اسمها ضمير الشأن وخبرها الجملة بعدها؛ كما يجوز أن تنصب الاسم الظاهر، كما يجوز أن تلغي عملها.

(2)

ابن الناظم (70)، وأوضح المسالك لابن هشام (1/ 377).

(3)

البيت من بحر الطويل في الغزل ووصف المرأة بالجمال، وقد اختلف في قائله كما قال الشارح، وهو في الكتاب (2/ 134)، والخزانة (4/ 365)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 46)، واللسان مادة:(قسم)، والمغني الشاهد رقم (42).

(4)

هو أبو عبد الله بن محمَّد بن أحمد بن عبيد الله شاعر عالم بالأدب صنف كتبا في التصوف (ت 320 هـ). الأعلام (5/ 308).

(5)

نسبه سيبويه (2/ 134)، (هارون) إلى الشاعر المذكور: ابن صريح اليشكري.

(6)

هو محرز بن المكعبر الضبي شاعر جاهلي من بني ربيعة بن كعب من شبة، وله أخبار في معجم الشعر للمرزباني وغيره، وليست له سنة وفاة. ينظر الأعلام (5/ 284).

(7)

البيت من الطويل، ويوجد في شرح ديوان الحماسة للتبرنري (274)، واللسان مادة:(قسم)، والبيت ساقه العيني لبيان معنى لغوي.

ص: 767

كَأَن دَنَانِيرًا عَلَى قَسَمَاتِهِم

وإنْ كَانَ قدْ شَفَّ الوُجُوهَ لِقَاءُ

وان شئت جعلته من القسامي، وهو الذي يطوي الثياب، قال رؤبة

(1)

:

طي القسامي برود العصاب

وإن شئت جعلته من القسم وهو ما وقع في قلبك وظننته ولا أصل له، قال عدي

(2)

بن زيد

(3)

:

ظُنَّةٌ شُبهَتْ فأَمْكَنَهَا القسم

فَعَداهُ والخبِيرُ خَبِيرُ

وان شئت جعلته من قاسمته: حالفته؛ من القسم في اليمين؛ قال الله عز وجل: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ} [النمل: 49].

قلتُ: حاصل الكلام: إن مقسم الوجه هو حسن الوجه كأن كل موضع منه أعطى قسمه من الحسن.

قوله: "تعطو" أي: تتناول وتأخذ لترعى؛ من عطا يعطو عطوًّا؛ وكأنه ضمنه معنى تميل؛ أي: تميل في مرعاها إلى كذا؛ فلذلك عداه بإلى، وقال ابن يعيش

(4)

: العاطية: التي تتناول أطراف الشجر مرتعية

(5)

.

قوله: "إلى وارق السلم" الوارق -بكسر الراء بمعنى المورق، وهو نادر؛ إذ فعله أورق ومثله: أينع فهو يانع، يقال: ورقت الشجرة وأورقت إذا خرج ورقها، وأورق أكثر، ["والسلَم"]

(6)

بفتحتين؛ شجر من شجر العضاة، الواحدة سلمة، وبه سمي بعض الناس، ويروى: تعطو إلى ناضر السلم -بالنون والضاد المعجمة، والناضر: الحسن، يقال: نضر وجهه -بفتح الضاد وضمها وكسرها ثلاث لغات إذا حَسُن، وأراد بالناضر ها هنا الخضرة، شبه هذا المرأة بظبية مخصبة المرعى تتناول أطراف الشجر وترتعيها.

(1)

البيت من الرجز وهو من قصيدة طويلة لرؤبة يمدح فيها سلمة بن عبد الملك بن مروان، مجموع أشعار العرب (5) وساقه العيني لبيان معنى لغوي كالذي قبله. ينظر الصحاح للجوهري مادة:(قسم).

(2)

هو عدي بن زيد العبادي بن تميم من شعراء العصر الجاهلي توفي سنة (35 ق. هـ)، شاع في شعره الزهد؛ لأن النعمان قد حبسه.

(3)

البيت من بحر الخفيف من قصيدة لعدي بن زيد العبادي في رثاء الملوك والاعتبار، ديوانه (92) بتحقيق محمَّد جبار (العراق) والظنة: معناها: القليل من الشيء، والقسم: الشك.

(4)

هو أبو البقاء يعيش موفق الدين بن علي بن يعيش، نشأ بحلب، ألف شرح المفصل وغيره (ت 643 هـ) ينظر نشأة النحو للطنطاوي (167، 168)، والبغية (2/ 351).

(5)

ابن يعيش (8/ 83).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

ص: 768

الإعراب:

قوله: "ويومًا" نصب على الظرف؛ أي: وفي يوم، وهو في الحقيقة عطف على شيء قبله في البيت، وأنشده بعض شراح كتاب الزمخشري: ويومٍ بالجر، ثم قال: الواو فيه واو رب، والتقدير: ورب يوم

(1)

.

* قوله: "توافينا": فعل مضارع، وفاعله مستتر فيه وهو الضمير الراجع إلى المرأة التي يمدحها؛ ونا: مفعوله، قوله:"بوجه": يتعلق بتوافينا، والباء فيه بمعنى مع؛ أي: مع وجه مقسم، و"مقسم" مجرور لأنه صفة للوجه، قوله: ، كأن، بتسكين النون مخففة من المثقلة، و"ظبية" يجوز فيها الرفع والنصب والجر.

أما الرفع فعلى أنها خبر كأن، والتقدير: كأنها ظبية، وفيه شذوذ لكون الخبر مفردًا مع حذف الاسم.

وأما النصب فعلى أنها اسم كأن، والخبر محذوف تقديره: كأن ظبية هذه المرأة، وهذا إنما يصلح على جعل المشبه مشبهًا به وبالعكس لقصد المبالغة

(2)

.

ويجوز أن يكون الخبر قوله: "تعطو"، وحينئذ لا يكون من عكس التشبيه، وقدر الشارح: كأن مكانها ظبية، وهذا واضح.

وأما الجر فعلى كون أن زائدة والكاف للتشبيه، والتقدير: كظبية تعطو، وتعطو جملة وقعت صفة للظبية بمعنى عاطية، وفيه شذوذ، وهو زيادة أن بين الجار والمجرور.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كأن ظبية" حيث خففت كأن وحذف اسمها وجاء خبرها مفردًا فافهم

(3)

.

(1)

ذكر ابن يعيش الروايات الثلاث في شرحه على المفصل (8/ 83).

(2)

ينظر الشاهد رقم (279).

(3)

ينظر الشاهد رقم (291).

ص: 769

‌الشاهد الثالث والتسعون بعد المائتين

(1)

،

(2)

وَوَجْهٍ مُشْرِقِ اللونِ

كَأَنْ ثَدْياهُ حُقّان

أقول: احتج به سيبويه في كتابه، ولم يعزه إلى أحد

(3)

.

وهو من الهزج وفيه الكف وهو إسقاط السابع الساكن، وأصله في الدائرة مفاعيلن ست مرات، ولكنه لا يستعمل إلا مجزوءًا

(4)

.

قوله: "ووجه" رواه سيبويه هكذا "ووجه"، وكذا أورده الشراح

(5)

؛ فعلى هذا فالهاء في

قوله: "ثدياه" للوجه، ولا بد من تقدير مضاف، أي: ثديا صاحبه، وروي عن سيبويه أيضًا أوله:"وصدر" فالهاء راجعة إليه، ولا تقدير حينئذ، وأنشده الزمخشري:

ونَحْرٍ مُشْرِقِ اللونِ

.................

(6)

.

قيل: هو الصواب؛ لأن الضمير في ثدياه يرجع إلى النحر لا إلى الوجه.

قلتُ: قد قدرنا المضاف في رواية: "وجه"؛ فلا محذور حينئذ، ولكن الأولى رواية: نحو أو صدر.

قوله: "مشرق [اللون]

(7)

" أي: مضيء اللون، قوله: "حقان": تثنية حقة بحذف التاء كما قالوا: خُصيان.

الإعراب:

[قوله]

(8)

: "ووجه" الواو فيه واو رب، فلهذا جرت الوجه، والمعنى: ورب وجه يلوح لونه وثديا صاحبه كحقتين في الاستدارة والصغر، أو رب نحو يلوح لونه وثدياه كحقتين.

وقال الشيخ جمال الدين بن هشام: "ووجه" مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف تقديره: ولها وجه أو صدر، وهذا الكلام له وجه، ولكن غالب النحاة منهم الزمخشري نصوا على أن

(1)

ابن الناظم (70)، وتوضيح المقاصد للمرادي (1/ 357)، شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 391).

(2)

البيت من بحر الهزج بلا نسبة في الكتاب (2/ 135)، والمنصف (3/ 128)، والهمع (1/ 143)، الإنصاف (197)، والجنى الداني (575)، والخزانة (10/ 392، 394، 398)، والدرر (2/ 199)، والتصريح (1/ 134)، وابن يعيش (8/ 82).

(3)

الكتاب (2/ 135).

(4)

ينظر أوزان الشر وقوافيه من مسرحية كليوباترا (55) د / علي فاخر.

(5)

ينظر الكتاب (2/ 135).

(6)

ينظر المفصل في علم العربية (8/ 82).

(7)

و

(8)

ما بين المعقوفتين سقط في (أ).

ص: 770

الواو ها هنا واو رب

(1)

.

قوله: "مشرق اللون": كلام إضافي إضافته لفظيه مجرور؛ لأنه صفة الوجه، قوله:"كأن": مخففة من الثقيلة، قوله:"ثدياه": مبتدأ، و"حقان": خبره، ولما خففت كأن جاز إبطال عملها، فلهذا جاء بعدها المبتدأ والخبر، والجملة صفة وجه أو نحو، ويروى: ثدييه بالنصب على إعمال كأن.

الاستشهاد فيه:

على تخفيف كأن وإلغاء عملها، وحذف الاسم ووقوع خبرها جملة، وأصله: كأنه، والضمير للوجه أو النحر أو الشأن، والجملة الاسمية خبر فافهم

(2)

.

‌الشاهد الرابع والتسعون بعد المائتين

(3)

،

(4)

لَا يَهُولَنَّكَ اصْطلاُء لظَى الحَربِ

فَمَحذُورُهَا كَأَنْ قَدْ أَلمَّا

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الخفيف.

قوله: "لا يهولنك": من هاله الأمر يهوله إذا أفزعه وخوفه، ومنه مكان مهيل؛ أي: مخوف، و"الاصطلاء": من اصطليت النار وتصليت بها، و"لظى الحرب": نارها.

والمعنى: لا يفزعنك دخول نار الحرب والاصطلاء بها.

قوله: "فمحذورها" أي: فمحذور الحرب، وهو الذي يحذر منه، أي: يتحرز [منه]

(5)

، وقد يكون المحذور الفزع بعينه، قوله:"ألما": من الإلمام وهو النزول؛ يقال: ألم به أمر، إذا نزل [به]

(6)

.

المعنى: أنه يشجعه ويصبره على الثبات في الحرب والاقتحام فيها، ويقول: لا تفزع من دخول

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 45).

(2)

إذا خففت (كأن) جاز إعمالها وجاز أيضًا إهمالها، وإذا عملت كان اسمها ضمير شأن محذوفًا ويكون خبرها جملة اسمية أو فعلية، فإن كان الخبر جملة اسمية لم تحتج إلى فاصل بينها وبين كأن، وهنا جاء الخبر جملة اسمية في محل رفع، واسم (كأن) ضمير الشأن أو ضمير يعود على الوجه أو النجر، وأما رواية (ثدييه) بالنصب على أنه اسم كأن منصوب بالياء و (حقان) خبره.

(3)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 379).

(4)

البيت من بحر الخفيف لقائل مجهول يدعو إلى الحرب وعدم الخوف منها، فكل شيء واقع، وانظر البيت في التصريح (1/ 23)، وشرح شذور الذهب (286)، وحاشية الصبان (1/ 294).

(5)

و

(6)

ما بين المعقوفتين سقط في (أ).

ص: 771

نار الحرب؛ فإن الذي كنت تخافه وتحذره قد وقع، فلا فائدة بعد ذلك في التحرز والامتناع.

الإعراب:

قوله: "لا يهولنك" كلمة لا للنفي، و"يهولنك": جملة من الفعل والمفعول أكدت بالنون الثقيلة، وقوله:"اصطلاء لظى الحرب": كلام إضافي فاعلها، قوله:"فمحذورها": كلام إضافي مبتدأ، والفاء فيه للتعليل، وقوله:"كأن قد ألما": خبره، والألف فيه للإطلاق.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كأن قد ألما" وذلك أنه لما حذف اسم كأن، وكان خبرها جملة فعلية فصلت بكلمة "قد" وتارة تفصل بكلمة لم؛ نحو قوله تعالى:{كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [يونس: 24].

‌الشاهد الخامس والتسعون بعد المائتين

(1)

،

(2)

ما أَعْطَيانِي وَلَا سَألْتهما

إِلا وإني لحاجِزِي كرمي

أقول: قائله هو كثير عزة، وهو من قصيدة ميمية وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

دَع عنك سَلمَى إذْ فَات مطْلَبُها

واذكر خَلِيلَيكَ مِنَ بَنِي الحكَمِ

2 -

ما أعطياني .................

........................ إلى آخره

3 -

[إنّي مَتى لا يكُنْ نَوَالُهُما

عِنْدي بما قَدْ فَعَلْتُ أَحتْشم

4 -

مُبدِي الرضا عنهما ومُنْصَرِفٌ

عنْ بَعْضِ ما لوْ فعلتُ لم أُلمِ

5 -

لا أنْزُرُ النائِلَ الخليلَ إذا

ما اعَتَل نَزْرُ الظّؤُورِ لم تَرِمِ]

(4)

وهي من المنسرح وفيه الطي وهو فاعلات.

قوله: "لحاجزي": من حجزه كحجزه حجزًا إذا منعه.

(1)

شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 353).

(2)

البيت من بحر المنسرح من قصيدة لكثير عزة في المدح بدأها بالغزل، وقد سرد الشارح أكثرها، وانظر ديوان كثير (273) تحقيق د. إحسان عباس (دار الثقافة بيروت)، وانظر بيت الشاهد في الديوان (219) تحقيق: مجيد طراد، وتخليص الشواهد (344)، والكتاب (3/ 145)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 19)، والدرر (4/ 13)، وشرح عمدة الحافظ (227)، والمقتضب (2/ 346)، والهمع (1/ 246).

(3)

الديوان (219) وما بعدها (مجيد طراد)، و (273) تحقيق إحسان عباس.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 772

الإعراب:

قوله: "ما أعطياني" كلمة ما بطل عملها بإلا، و "أعطياني": فعل وفاعل ومفعول أول، والمفعول الثاني محذوف، قوله:"ولا سألتهما": جملة منفية أيضًا معطوفة على الجملة الأولى، قوله:"وإني لحاجزي" الواو فيه للحال، والضمير اسم إن، و "لحاجزي": خبره، واللام فيه للتأكيد، وقوله:"كرمي": فاعل اسم الفاعل، أعني: حاجزي.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وإني لا حيث جاءت مكسورة؛ لأنها وقعت موقع الحال

(1)

.

‌الشاهد السادس والتسعون بعد المائتين

(2)

،

(3)

فَلَا تَلْحني فيها فإنَّ بحبها

أَخَاكَ مُصَابُ القلب جَمٌّ بَلَابلُه

أقول: هذا من أبيات الكتاب، واحتج به سيبويه ولم يعزه إلى قائله

(4)

.

وهو من الطويل.

قوله: "فلا تلحني" أي: فلا تلمني؛ من لحيت الرجل ألحاه لحيًا إذا لمته وعذَلته، وهو من باب فعل يفعل بفتح العين فيها، قوله:"فيها" أي: في المحبوبة، قوله:"جَم" بفتح الجيم وتشديد الميم؛ أي: عظيم وكثير، و"بلابله" أي: وساوسه، وهو جمع بلبلة وهي الوسوسة.

الإعراب:

قوله: "فلا تلحني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول دخلت عليها لا الناهية، وقوله:"فيها": يتعلق بها، قوله:"فإن" الفاء فيه للتعليل، وإن حرف من الحروف المشبهة بالفعل، قوله:"أخاك": كلام إضافي اسم إن، وخبرها قوله:"مصاب القلب".

(1)

تكسر همزة (إن) في مواضع سبق ذكر بعضها، ينظر الشاهد رقم (262، 263) ومن بين المواضع وقوعها موقع الحال؛ يقول الله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5] ومن ذلك البيت المذكور.

(2)

شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 349).

(3)

البيت من بحر الطويل وهو في الغزل غير منسوب في الكتاب (2/ 133)، والمغني (693)، والمقرب (1/ 108)، والهمع (1/ 135)، والدرر (2/ 172)، وشرح شواهد المغني (969).

(4)

الكتاب (2/ 133).

ص: 773

قوله: "جم بلابله" جملة من المبتدأ، وهو قوله:"بلابله"، والخبر هو جم، والجملة وقعت خبرًا آخر لإن، أو هي بدل من قوله:"مصاب القلب".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بحبها" فإنه يتعلق بقوله: "مصاب القلب" فهو معمول الخبر، قدم على الاسم ولا يجوز تقديم معمول الخبر على الاسم إلا عند البعض، وقد ذهبوا إلى جواز ذلك مستدلين بالبيت المذكور

(1)

.

‌الشاهد السابع والتسعون بعد المائتين

(2)

،

(3)

مَرُّوا عَجَالى وَقَالُوا كَيفَ سيدُكُم

فَقَال مَنْ سئلوا أَمْسَى لمجهُودَا

أقول: هذا هن أبيات الكتاب ولم ينسب فيه إلى أحد

(4)

، وأنشده أبو حيان [رحمه الله تعالى]

(5)

في التذكرة هكذا

(6)

:

1 -

مروا عجالى وقالوا كيف صاحبكم

قال الذي سألوا أمسى لمجهودَا

وبعده:

2 -

يا ويح نفسي من غبراء مظلمة

قيست على أطول الأقوام محدودَا

وهما من البسيط.

قوله: "عجالى": جمع عجلان؛ كسكارى جمع سكران، قوله:"أمسى" أي: صار،

(1)

اتفق النحاة بالإجماع على عدم جواز تقديم معمول الخبر إن كان غير ظرف أو جار ومجرور، فلا يجوز في مثل إن أخاك آكل طعامك: إن طعامك أخاك آكل، وإن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورًا، فاختلف في حكم تقديمه على الاسم، فقيل: لا يجوز تقديمه، فلا تقول: إن عندك محمدًا مقيم، وأجاز بعضهم تقديمه وهو الصحيح مستدلا بهذا البيت، قال ابن مالك:"والأصل في الظرف الذي يلي إن أو إحدى أخواتها أن يكون ملغي أي غير قائم مقام الخبر نحو: إن عندك زيدًا مقيم، وكقول الشاعر ثم ذكر البيت، وقال: فأما القائم مقام الخبر فجدير بألا يليها لقيامه مقام ما لا يليها ولكن اغتفر إيلاؤه إيَّاها التفاتًا إلى الأصل"، شرح التسهيل لابن مالك (2/ 12)، وقال ابن هشام:"يتسعون في الظرف والجار والمجرور ما لا يتسعون في غيرهما فلذلك فصلوا بهما الفعل الناقص من معموله .. وبين الحرف الناسخ ومنسوخه ثم ذكر البيت"، المغني (693).

(2)

شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 365).

(3)

البيت من بحر البسيط، وهو غير منسوب في مراجعه، ينظر تذكرة النحاة (429)، والخزانة (10/ 327)، والخصائص (1/ 316)، والدرر (2/ 188)، وابن يعيش (8/ 64، 87)، والهمع (1/ 141).

(4)

أخطأ العيني فالبيت لا يوجد في الكتاب كما ذكر.

(5)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(6)

التذكرة لأبي حيان (429).

ص: 774

و"مجهودا": من جهد الرجل فهو مجهود من الشقة، وأراد من غبراء مظلمة: القبر.

الإعراب:

قوله: "مروا": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"عجالى": حال بمعنى مستعجلين، قوله:"وقالوا": عطف على قوله: "مروا"، وقوله:"كيف سيدكم": جملة من المبتدأ؛ أعني: قوله: "سيدكم"، والخبر أعني: قوله: "كيف" وقعت مقول القول.

قوله: "فقال" الفاء فيه للتعقيب، وقوله:"من" فاعله، وهي موصولة، وقوله:"سئلوا": صلتها، قوله:"أمسى لمجهودا": مقول القول، والضمير في أمسى اسمه، و"مجهودا": خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لمجهودا" حيث زيدت فيه اللام، وزيادة اللام في خبر أمسى شاذة

(1)

.

‌الشاهد الثامن والتسعون بعد المائتين

(2)

،

(3)

فَلَوْ أَنْكِ في يوم الرَّخَاءِ سَأَلْتنِي

فِراقَكِ لَم أَبْخلْ وأنتِ صَدِيقُ

أقول: هذا البيت أنشده الفراء ولم يعزه إلى قائله

(4)

.

وهو من الطويل.

المعنى: أنه يصف نفسه بالجود حتى لو سأله الحبيب الفراق مع حبه لأجابه إلى ذلك، وإن كان في الدعة والراحة كراهة رد السائل، وإنما خص يوم الرخاء؛ لأن الإنسان ربما يفارق الأحباب في يوم الشدة.

قوله: "أنكِ وسألتني وفراقكِ وأنتِ" كلها بالكسر؛ كذا نقله ابن الأنباري عن الفراء

(5)

.

فإن قلتَ: فعلى هذا ينبغي أن يقال: وأنت صديقة؛ لأنه فعيل بمعنى فاعل.

(1)

أجاز النحويون دخول لام الابتداء على خبر إن المكسورة، وأجاز الكوفيون دخولها في خبر لكن وسبق بيان ذلك أن اللام زائدة شذوذًا وقد جاءت زيادة اللام في خبر "أمسى" شذوذا، قال ابن مالك:"وكما زادها الشاعر بعد أمسى"، شرح التسهيل لابن مالك (2/ 30)، وابن يعيش (8/ 64)، ورصف المباني (310).

(2)

شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 384).

(3)

البيت من بحر الطويل غير منسوب لأحد، وهو في الإنصاف (205)، والجنى الداني (218)، والخزانة (5/ 426، 427)، والدرر (2/ 198)، وشرح شواهد المغني (1/ 105)، وابن يعيش (8/ 71)، والمغني (1/ 31)، والمنصف (3/ 128)، والهمع (1/ 143).

(4)

معاني القرآن للفراء (2/ 90).

(5)

ينظر الإنصاف (205).

ص: 775

قلتُ: نعم، ولكن يؤول بأنه أراد: أنت إنسان صديق، أو شبه فعيلًا بمعنى فاعل بفعيل بمعنى مفعول.

الإعراب:

قوله: "فلو أنك" لو للشرط، وجوابه قوله:"لم أبخل"، و "أن" مخففة من الثقيلة والكاف اسمه، وقوله:"سألتني": خبره، وقوله:"في يوم الرخاء": كلام إضافي يتعلق بقوله: "سألتني"، قوله:"فراقك": كلام إضافي مفعول ثان لقوله: "سألتني"، ومفعوله الأول ضمير المتكلم المتصل به، قوله:"وأنت صديق": جملة اسمية وقعت حالًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أنْكِ" حيث خففت أن من المثقلة وبرز اسمها وهو غير ضمير الشأن، والحق في أن المخففة أن لا يكون اسمها إلا ضمير الشأن محذوفا، ولا يكون خبرها إلا جملة، وها هنا برز اسمها وهو غير ضمير الشأن وهو قليل

(1)

.

‌الشاهد التاسع والتسعون بعد المائتين

(2)

،

(3)

واعلَم فعلمُ المرء ينفعُهُ

أن سَوْفَ يأتِي كل مَا قُدِرَا

أقول: هذا أنشده أبو علي وغيره ولم يعزوه إلى قائله.

وهو من الكامل

(4)

.

المعنى: ظاهر.

الإعراب:

قوله: "واعلم": أمر وفيه أنت مستكن فاعله، وقوله:"فعلم المرء": كلام إضافي مبتدأ، وقوله:"ينفعه": خبره، والجملة معترضة بين اعلم ومفعوله، والفاء فيه هي [الفاء]

(5)

التي يتميز

(1)

ينظر الشاهد رقم (287).

(2)

شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 387).

(3)

البيت من بحر الكامل التام ذي العروض والضرب الأحذ، ولم ينسب فيما ورد من مراجع، وفيه دعوة إلى الإيمان بالقضاء، وانظره في الدرر (4/ 30)، وشرح شواهد المغني (828)، والمغني (398)، والهمع (1/ 348).

(4)

في (أ، ب): من الرجز المسدس، والصواب أنه من الكامل.

(5)

ما بين المعقوفتين سقط في (أ).

ص: 776

الجملة المعترضة من الجملة الحالية فافهم.

قوله: "أن": مخففة من المثقلة في محل النصب؛ لأنها مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي اعلم، وقوله:"كل ما قدرا": فاعل لقوله: "يأتي"، والجملة وقعت خبرًا لأن، والألف في "قدرا" للإطلاق.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أن سوف" فإنها مخففة من المثقلة ووقع خبرها جملة فعلية وفعلها متصرف وليس بدعاء، وفصل بينها وبين خبرها حرف التنفيس وهو سوف

(1)

.

‌الشاهد المتمم للثلاثمائة

(2)

أَفِدَ الترحُّلُ غيرَ أَنَّ ركَابَنا

لما تَزُلْ برحَالنَا وَكَأَنْ قَدِ

أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وقد مر الكلام فيه مستوفًى في شواهد الكلام في أول الكتاب فليعاود هناك

(3)

.

الاستشهاد فيه ها هنا:

في قوله: "وكأن قد" فإن كأن مخففة من المثقلة وحذف اسمها مَنْويًّا وأخبر عنها بجملة فعلية مصدرة بقد؛ فإن أصله: وكأنه قد زالت، فالهاء اسمه، وقد زالت خبره، واسم كأن في مثل هذا المثال يكون ضمير الشأن كما بينا فيما مضى

(4)

.

‌الشاهد الأول بعد الثلاثمائة

(5)

،

(6)

أتقُولُ إنكَ بالحياة مُمَتَّعُ

.............................

أقول: قد قيل: إن قائله هو الفرزدق همام، وعجزه:

.......................... .... وقد اسْتَبحْتَ ذمَ امرئ مُستَسلم

(1)

ينظر التعليق على الشاهد رقم (289).

(2)

شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 390).

(3)

مضى الحديث عنه بالتفصيل في الشاهد رقم (5) من هذا الكتاب.

(4)

ينظر الشاهد رقم (294) وهنا جاء خبر (كأن) المخففة جملة فعلية فعلها متصرف وليس بدعاء وفصل بينهما بقد ثم حذف الفعل بعد قد لدليل، والتقديرُ: كأن قد زالت، ينظر المغني (171).

(5)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 337).

(6)

البيت من بحر الكامل، وقد نسبه العيني إلى الفرزدق بلفظه قبل، ورجعنا إلى طبعات الديوان فلم نجد فيها البيت، وهو غير منسوب في شرح الأشموني (1/ 275)، وشرح عمدة الحافظ (229).

ص: 777

وهو من الكامل.

المعنى: ظاهر.

الإعراب:

قوله: "أتقول" الهمزة فيه للاستفهام على وجه الإنكار، و"تقول": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"أنك" يجوز فيه الوجهان: الفتح على إعمال تقول إعمال تظن، والكسر على الحكاية، و"الكاف" اسم إن، وخبره قوله:"ممتع" والباء في: "بالحياة" تتَعلق به، قوله:"وقد استبحت إلى آخره" جملة وقعت حالًا، وقوله:"دم امرئ": كلام إضافي مفعول استبحت، [وقوله]

(1)

: "مستسلم" بالجر صفة امرئ.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أنك" حيث يجوز فيه الوجهان كما ذكرناهما

(2)

.

‌الشاهد الثاني بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

فوالله ما فارقتكم قاليًا لكم

ولكن ما يُقضى فسوف يكون

أقول: هذا من الطويل

(5)

.

قوله: "قاليًا" أي: باغضًا؛ من قلى يقلى قِلًى إذا بغض وهو من باب ضرب يضرب.

الإعراب:

[قوله]

(6)

: "فوالله" الفاء للعطف والواو للقسم، ولفظة الله

(7)

مجرور بها، وقوله:"ما فارقتكم": جواب القسم وهي جملة من الفعل والفاعل والفعول، وقوله:"قاليًا": نصب على الحال من الضمير المرفوع في: "فارقتكم"، وقوله:"لكم" يتعلق بـ "قاليًا"، قوله:"ولكن": حرف

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(2)

يجوز فتح همزة إن وكسرها في مواضع سبق ذكرها، ومنها إذا وقعت بعد قول فيه معنى الظن فتفتح على المفعولية، وتكسر على الحكاية كما هنا.

(3)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 348).

(4)

البيت من بحر الطويل غير منسوب في مراجعه ولم يشر العيني إلى نسبه، إلا أن الشنقيطي صاحب الدرر (1/ 40) نسبه للأفوه الأودي، وهو في التصريح (1/ 225)، والهمع (1/ 110)، وحاشية الصبان (1/ 225).

(5)

البيت للأفوه الأودي في الدرر (2/ 40)، وبلا نسبة في التصريح (1/ 225)، والهمع (1/ 101).

(6)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(7)

في (أ): ولفظة الجلالة مجرورة بها.

ص: 778

من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله:"ما يقضى": اسمه، وقوله:"فسوف يكون": خبره، ودخلت الفاء في الخبر لتضمن "ما" معنى الشرط.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولكن ما يقضى" حيث دخلت "ما" على لكن ولم تكفها عن العمل.

‌الشاهد الثالث بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

وما قَصَّرتْ بي في التَّسامي خُؤُولةُ

ولكنّ عَمِّي الطّيبُ الأَصْلِ والخَالُ

أقول: هذا أنشده أبو الفتح ولم يعزه إلى قائله، وقبله:

وما زلتُ سَبَّاقًا إلى كلِّ غايةٍ

بها يُبتِغى في الناسِ مَجدٌ وإجلالُ

وهما من الطويل.

قوله: "سباقًا" مبالغة سابق، وأراد "بغاية" غاية المراتب والمفاخير، قوله:"يبتغى" أي: يطلب، و"المجد": الكرم، و"الإجلال": التعظيم، قوله:"التسامي" أي: العلو في النسب، ويروى: في المعالي، و"الخُؤولة" بضم الخاء، يحتمل أن تكون جمع خال كالعمومة جمع عم، ويحتمل أن تكون في معنى المصدر، يقال: بيني وبين فلان خؤولة؛ كما يقال بيني وبينه عمومة.

والمعنى: أنه حصل له السؤدد من الوجهين:

أحدهما: من قِبل نفسه [وهو أنه ما زال كثير السبق إلى جميع الغايات التي يُطْلَبُ بها الشرف في الناس.

والثاني: من قِبل نسبه]

(3)

من جهتي أبيه وأمه، وإلى الثاني أشار بقوله: خؤولة، وأما الأول فلأن في البيت حذفًا تقديره: ولا عمومة، يدل على ذلك عجزه. فافهم.

الإعراب:

قوله: "وما قصرت" ما للنفي، و"قصرت": فعل ماض، و"بي": صلته في محل النصب على المفعولية، و"خؤولة" بالرفع فاعله، وقوله:"في التسامي" متعلق بقصرت، قوله:

(1)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 355).

(2)

البيت من بحر الطويل غير منسوب في مراجعه، وانظر تخليص الشواهد (370)، والدرر (6/ 186)، والتصريح (1/ 227)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 48)، والهمع (2/ 144).

(3)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

ص: 779

"ولكن" أصلها للاستدراك وها هنا تفيد معنى التوكيد.

وقوله: "عمي": كلام إضافي اسم لكن، وقوله:"الطيب الأصل": كلام إضافي أيضًا خبره، قوله:"والخال" مرفوع عطفًا على عمي في التقدير؛ لأنه في الأصل مبتدأ، والتقدير: والخال طيب الأصل كذلك، والدليل على الرفع القافية فإنها مرفوعة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "عمي الطيب الأصل والحال" حيث عطف "والخال" على محل "عمي" كما ذكرناه، ومذهب المحققين في نحو ذلك أن يكون مرفوعًا بالابتداء محذوف الخبر كما قلنا

(1)

.

‌الشاهد الرابع بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

فَمَنْ يَكُ أَمْسَى بالمدينةِ رَحْلُهُ

فإني وقيَّارٌ بهَا لَغَرِيبُ

أقول: قائله هو ضابئ -بالضاد المعجمة وبعد الألف جاء موحدة ثم همزة- ابن الحارث البرجُمي بالجيم، وهو من قصيدة بائية وأولها هذا البيت وبعده

(4)

:

2 -

ورُبّ أمُورٍ لا تضيرُك ضَيرَةً

وللقلبِ من مَخَشاتِهن وَجِيبُ

3 -

وما عَاجِلاتُ الطيرِ تُدني من الفتى

نَجاحًا ولا عن رِيثِهِنّ يَخِيبُ

4 -

ولا خيرَ فيمن لا يُوطنُ نَفْسَه

على نائِبَاتِ الدهرِ حينَ تنُوبُ

5 -

وفي الشَّكِّ تفريطٌ وفي الجزمِ قُوة

ويُخْطِئُ فيِ الحدْسِ الفَتَى ويُصِيبُ

6 -

ولَسْتَ بِمُستبقٍ صَدِيقًا ولا أَخًا

إذا لم تَعَد الشيءَ وَهْوَ يُرِيبُ

وهي من الطويل.

1 -

قوله: "فمن يك أمسى بالمدينة رحله" كناية عن السكنى بالمدينة واستيطانها، قوله:"وقيار" بفتح القاف وتشديد الياء آخر الحروف؛ اسم رجل، وزعم الخليلُ أن "قيار" اسم

(1)

ينظر الشاهد رقم (280، 281).

(2)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 358).

(3)

البيت من بحر الطويل مطلع مقطوعة لضابئ البرجمي، قالها وهو في الحبس بأمر من عثمان بن عفان لما هجا بني نهشل، وانظره في الكمال (1/ 75)، واللسان مادة:(في)، ورصف المباني (267)، والهمع (2/ 144)، والإنصاف (94)، وتخليص الشواهد (385)، والخزانة (9/ 326)، (10/ 312)، وشرح شواهد المغني (867)، وابن يعيش (8/ 86).

(4)

ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (867)، واللسان مادة:(قير).

ص: 780

فرس له غبراء، وقيل: اسم جمله، وكذا قاله أبو زيد

(1)

.

وكان عثمان - رضي الله تعالى عنه - حَبَسَهُ بالمدينةِ لِفرية افْتَرَاهَا، وذلك أنه استعار كَلْبًا من بعض بني نَهْشَلَ، فلما طلبوه منه امتنع فأخذوه منه قهرًا فغضب ورمى أمَّهُم به، وله في ذلك شعر معروف فاعتقله عثمان - رضي الله تعالى عنه - إلى أن توفي؛ فلذلك قال هذا الشعر.

ومعنى الشطر الثاني: أنه ومركوبه غريبان في المدينة مقيمان بها.

الإعراب:

قوله: "فمن يك" أصله: فمن يكن حذفت النون تخفيفا، و "من": مبتدأ تتضمن معنى الشرط فلذلك دخلت الفاء في خبره وهو قوله: "فإني"، و"يك" فيه ضمير هو اسمه، وخبره قوله:"أمسى بالمدينة"، وأمسى: بمعنى صار، و" رحله ": مرفوع لأنه فاعل أمسى.

قوله: "فإني" الضمير المتصل به اسمه، وخبره محذوف مقدر؛ أي: فإني لغريب، وقيار بها لغريب، ويقال:"لغريب": هو خبر "فإني"، "وقيار": مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: وقيار كذلك، فقيار مع خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله:"فإني بها لغريب".

وقال الجوهري: رفع قيار على الموضع

(2)

أي على أنه عطف على محل اسم إن، بنا، على تقدير حذف الخبر من الأول، فيكون قيار معطوفا على محل اسم إن، "ولغريب" المذكور قرينة على لغريب المحذوف من الأول، ويقال:"لغريب" خبر عن الاسمين جميعًا؛ لأن فعيلًا يُخْبَرُ بِهِ عن الواحد فما فوقه؟ نحو: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]

(3)

.

ورده شيخ شيخي الخلخالي

(4)

بأنه لا يكون للاثنين وإن كان يجوز كونه للجميع، وكذلك قال في فعول؛ فقال: لا يقال: رجلان صبور وإن صح في الجمع

(5)

.

(1)

ينظر الصحاح للجوهري مادة: (قير)، واللسان مادة:(قير)، والنوادر لأبي زيد (183).

(2)

الصحاح للجوهري مادة: (قير).

(3)

قال صاحب الخزانة وهو يشرح هذا البيت: "واعلم أن العيني قد خبط هنا وخلط، فإن ابن هشام أنشد الببت في شرح الألفية بالرفع وهو يشرحه بتوجيه من رواه بالنصب، ثم نقل كلام العيني عن آخره، وقال: قوله: وخبر إن محذوف هذا أحد وجهين حذرهما السيرافي في رواية النصب، وأما على رواه؛ الرفع فيتعين جعل قوله: لغريب خبر إن، ولا يجوز أن يكون خبرًا لقيار؛ لأن خبر المبتدأ لا يجوز أن يقترن باللام" الخزانة (10/ 318).

(4)

هو محمَّد بن مظفر الخطيبي الخلخالي عالم بالأدب، من كتبه: شرح المصابيح، وشرح المختصر، وشرح المفتاح، وغيرها (ت 745 هـ)، ينظر الأعلام (7/ 105).

(5)

ينظر ابن يعيش (5/ 100).

ص: 781

وقد قيل في قوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17]: إن المراد قعيدانْ ثم كلامه يوهم أن ذلك يقال بالقياس، وليس كذلك، وإنما المانع في البيت من أن يكون غريب خبرًا عن الاسمين هو لزوم توارد عاملين على الخبر وإنما يصح هذا على رأي الكوفيين

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وإني وقيار" استشهد به الكسائي والفراء؛ حيث عطف قيار على محل اسم إن في قوله: "وإني" والمحققون على أنه مرفوع بالابتداء وخبره محذوف

(2)

.

‌الشاهد الخامس بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

يا ليتَني وأَنْتِ يا لَميسُ

في بلدٍ لَيسَ بِهِ أَنِيسُ

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وهو من الرجز المسدس.

قوله: "لميس" بفتح اللام وكسر الميم بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وفي آخره سين مهملة وهو اسم امرأة، قوله:"أنيس" أي: مؤنس، ويقال: ليس في بلد أنيس؛ أي: أحد.

الإعراب:

قوله: "يا ليتني" يا: حرف نداء، ولكنه ها هنا لمجرد التنبيه لدخوله على ما لا يصلح للنداء، ويقال: النداء على حقيقته، والمنادى محذوف وتقديره: يا نفسي ليتني، وفي: اسم ليت، وخبره قوله:"في بلد" وقوله: "وأنت" الواو فيه للحال، وأنت: مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: وأنت معي يا لميس، "ولميس": منادى مفرد مبني على الضم، وقوله:"ليس به أنيس": جملة

(1)

ينظر ابن يعيش (8/ 69).

(2)

العطف على الموضع قبل تمام الخبر لا يجوز لأنه حمل على التأويل، ولا يصح تأويل الكلام إلا بعد تمامه، فيجوز: إن زيدًا وعمرًا منطلقان، ولا يجوز الرفع في عمرو بالعطف على الموضع لأن الكلام لم يتم؛ إذ الخبر متأخر عن الاسم المعطوف، ولكن لو قلت: إن زيدًا وعمرو منطلقان جاز على التقديم والتأخير كأنك قلت: إن زيدًا منطلق وعمرو ومثله البيت والتقديرُ: فإني لغريب بها وقيار أيضًا، وهذا رأي سيبويه والمحققين وأجاز الكسائي رفع المعطوف بعد (إن) قبل الخبر مطلقًا فيجيز: إن زيدًا وعمرو قائمان، وانك وزيد ذاهبان، ووافقه الفراء إن خفي إعراب الاسم نحو: إنك وزيد ذاهبان، واستدلا بقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [المائدة: 69] فالصابئون رفع بالعطف على موضع (إن) ولم يأت بالخبر وضعف هذان المذهبان.

ينظر ابن يعيش (8/ 68، 69)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 51)، والكتاب (2/ 156)، والمغني (474، 475).

(3)

أوضح المسالك لابن هشام (1/ 364).

(4)

البيت من بحر الرجز للحجاج كما هو في الدرر (6/ 187)، والتصريح (1/ 230) وليس في ديوانه، وقد نسب لرؤبة وهو في ملحق ديوانه (176)، وانظره في مجالس ثعلب (1/ 316)، والهمع (2/ 144).

ص: 782

وقعت صفة لقوله: "بلد".

الاستشهاد فيه:

هو أن الفراء استشهد به على أن قوله: "وأنت" عطف على اسم ليت، والجمهور شرطوا في ذلك تقدم ذكر الخبر، وكون العامل "إن وأن ولكن"؛ نحو:{أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3]

(1)

.

* * *

(1)

ينظر الشاهد رقم (304) وقال ابن مالك: "ومثل إن ولكن في رفع المعطوف على معنى الابتداء (أن) إذا تقدمها علم أو معناه فمعناه كقوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] .... " شرح التسهيل لابن مالك (2/ 50).

ص: 783

‌شواهد "لا" التي لنفي الجنس

‌الشاهد السادس بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

لَو لَم تَكُنْ غطَفَانٌ لا ذُنوبَ لها

إذًا لَلَامَ ذوو أحْسَابِها عُمَرَا

أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب، وهو من قصيدة يهجو بها عمر بن هبيرة الفزاري، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

يا أيُّها النابِحُ العَاوي لِشقوته

إليك أخبِركَ عَما تَجهْلُ الخبرَا

2 -

لو لم تكن ...............

........................ إلى آخره

3 -

إن الفَزَاري لَا يَشفيه من قَرَمٍ

أَطَايبُ العَير حَتَّى ينَهْشَ الذكَرَا

4 -

إن الفَزَاري لو يعْمَى فَتُطعمُهُ

أَيَرَ الحمارِ طَبِيبٌ أَبْرأَ البصَرَا

وهي من البسيط.

1 -

قوله: "النابح": من نبح الكلب، و"العاوي": من عوى - بالعين المهملة.

2 -

قوله: "غطفان": اسم قبيلة، قال ابن دريد: فعلان من الغطف وهو قلة هدْب العين،

(1)

أوضح المسالك لابن هشام (2/ 3).

(2)

البيت من بحر البسيط من قصيدة للفرزدق في ديوانه (1/ 283) تعليق عبد الله الصاوي، يهجو فيها عمرو بن هبيرة وغطفان ويحذرهم من لسانه، والبيت في الديوان (203) بشرح علي فاعور، والخزانة (4/ 30 - 32)، والتصريح (1/ 237)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 59)، والخصائص (2/ 36)، والهمع (1/ 147)، والدرر (1/ 125).

(3)

ليس البيت المذكور أول القصيدة وإنما هو بعد خمسة أبيات منها؛ كما أن الأبيات الثلاثة التي اختارها العيني ليست مرتبة، والشطر الثاني في الديوان هكذا:

............................

إلى لام ذوو أحسَابِها عُمَرَا

الديوان (283) تعليق عبد الله الصاوي.

ص: 784

وقال قطرب: هو من قولهم: عيش أغطف؛ أي: ناعم، وغطفان: لا ينصرف للعلمية والتأنيث وقد صُرِفَ هنا للضرورة، قوله:"للام": من اللوم وهو العدْل، "والأحساب": جمع حسب وهو ما يعد من المآثر، وقال ابن الأثير: الحسب في الأصل: الشرف بالآباء وما يعده الإنسان من مفاخرهم، وقيل: الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف، والشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء.

وورد في الحديث

(1)

: "الحسب المال، والكرم التقوى"، وفي حديث آخر

(2)

: "حسب الرجل خلقه، وكرمه دينه".

وفي حديث آخر

(3)

: "حسب الرجل نقاء ثوبه" أي أنه يوقر لذلك؛ حيث هو دليل الثروة والجدة.

وفي حديث آخر

(4)

: "تنكح المرأة لميسمها وحسبها"، قيل: الحسب ها هنا الفعال الحسنة.

قوله: "عمَرا" أراد به عمر بن هبيرة الفزاري.

3 -

قوله: "من قرم" بفتح القاف والراء؛ وهو شدة شهوة اللحم، وقد قرمتُ اللحم إذا اشتهيته، وهو من باب علم يعلم، قوله:"أطايبُ العَيرِ" بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء؛ وهو الحمار الوحشي، والأطايب: جمع أطيب، قوله:"حتى ينهش" من نهشت اللحم وهو أخذه بمقدم الأسنان.

الإعراب:

قوله: "لو لم تكن" كلمة لو للشرط، و"غطفان": اسم تكن، وقوله:"إذا للام": جواب الشرط، وقد علم أن إذًا تقع جوابًا لـ "لو" أو "إن" ظاهرتين أو مقدرتين، واللام في "للام" للتأكيد، و"لام": فعل ماض، وقوله:"ذوو أحسابها": كلام إضافي فاعله، وقوله:"عمرَا": مفعوله.

(1)

أخرجه الترمذي في جامعه (تحفة الأحوذي) كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة الحجرات (9/ 128)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح من حديث سمرة.

(2)

الحديث في مصنف ابن أبي شيبة (6/ 90) برقم (21) عن عمر، بلفظه:(حسب الرجل دينه ومروءته خلفه وأصله عقله". وفيه أيضًا (6/ 164) عن عمر: "حسب الرجل دينه ومروءته خلقه وأصله عقله". وفي شعب الإيمان للبيهقي برقم (4480) عن عمر رضي الله عنه: "حسب الرجل دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله".

(3)

الحديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم (13277)"عَنِ ابنِ عُمَرَ بلفظ قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: إِن مِنْ كَرَامَةِ الْمُؤْمِنِ عَلَى الله نَقَاءَ ثَوبهِ، وَرِضَاهُ بِالْيَسِيرِ".

(4)

في سنن النسائي الحديث مروي عن أبي هريرة بلفظ: "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح النساء لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك"(6/ 68) بشرح الحافظ السيوطي وحاشية السندي، ط. دار الحديث (1987 م).

ص: 785

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لا ذنوب لها" فإن كلمة "لا" ها هنا زائدة مع أنها عملت عمل غير الزائدة؛ لأن ذنوب: اسمها، ولها: خبرها، وأصل الكلام: لو لم تكن غطفان لها ذنوب، فقوله:"ذنوب": مبتدأ، و"لها": مقدمًا خبره، والجملة حال

(1)

، وقال ابن عصفور في المقرب: أنشد أبو الحسن الأخفش:

لَو لَم تَكُنْ غَطَفَانُ لا ذُنوبَ لها

إلى لَامَت ذوو أحْسَابِها عُمَرَا

[قال أبو الحسن: لا زائدة]

(2)

، والمعنى: لها ذنوب إلى، وعمل لا الزائدة شاذ

(3)

، وأما دخول لا الزائدة في الكلام فلمجرد تقويته وتوكيده؛ كما في قوله تعالى:{مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ} [طه: 92، 93] وقوله: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد: 29] أي: ليعلموا

(4)

، والله أعلم.

‌الشاهد السابع بعد الثلاثمائة

(5)

،

(6)

أَشَاءُ ما شِئْتِ حَتَّى لا أَزَالُ لما

لا أَنتِ شَائِيةٌ مِنْ شأْنِنَا شاني

أقول: هذا البيت أنشده الفراء وابن كيسان، ولم يعزواه إلى قائله.

(1)

تأتي (لا) النافية زائدة ويدل المعنى على زيادتها ومع هذا تعمل عمل غير الزائدة. قال ابن مالك: وندر تركيب النكرة مع (لا) الزائدة ثم ذكر البيت، شرح التسهيل لابن مالك (2/ 59)، وقال ابن هشام:"وشذ إعمال (لا) الزائدة في قوله ثم حكى البيت" أوضح المسالك لابن هشام (2/ 3).

وقد أوضح الشيخ خالد علة زيادة لا في البيت بقوله: (وإنما عملت مع الزيادة لأنها أشبهت النافية لفظًا وصورة فلوحظ فيها جانب اللفظ دون جانب المعنى. ثم قال: الدليل على زيادتها أن المعنى المستفاد منها مستفاد من لو؛ لأن لو شرطها ممتنع، وامتناع النفي إثبات، فدل على إثبات الذنوب لغطفان لا نفيها عنها"ـ. التصريح (1/ 73) وينظر لا النافية لين الحذف والزيادة (40) د. على فاخر.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(3)

البيت لم يأت في المقرب كما ذكر العيني وكما ذكر بعده صاحب الخزانة (4/ 30)، وكما نقله عنهما أيضًا صاحب الدرر اللوامع، وإنما البيت في كتاب الضرائر لابن عصفور (77)، انظر شرح المقرب، د. علي فاخر (2/ 1312) ففيه هذا الكلام وغيره عن هذا البيت.

(4)

المحرر الوجيز لابن عطية (5/ 271).

(5)

أوضح المسالك لابن هشام: (2/ 7).

(6)

البيت من بحر البسيط لقائل مجهول، وهو في الغزل؛ حيث يذكر صاحبه أنه تابع صاحبته فيما تحب وتكره، وفيه تنافر حروف، وانظره في الدرر (2/ 234)، والتصريح (1/ 227)، والهمع (1/ 148)، والمعجم المفصل في شرح شواهد النحو الشعرية (1013)، وشرح الأشموني (2/ 5).

ص: 786

وهو من البسيط.

قوله: "أشاء" نفس المتكلم من المضارع، و"شائية": اسم فاعله من شاء، قوله:"شأني": اسم فاعل من شنأ يشنأ شَنْئًا بتثليث الشين وشناءةً وشنْآنا بالتسكين وشنَآنا بالتحريك، أي: بغضه، وقُرئ بهما في قوله تعالى:{شَنَآنُ قَوْمٍ} [المائدة: 2] والشناءة على مثال الشفاعة: اسم من الشنأ.

والمعنى: لا أزال للذي لا أنت شائية؛ أي: مريدة من شأننا؛ أي: حالنا شأني، أي: باغض.

الإعراب:

قوله: "أشاء": جملة من الفعل والفاعل وهو أنا المستتر فيه، قوله:"ما شئت": في محل النصب على الفعولية، و"ما" موصولة، و"شئت" بكسر التاء، جملة من الفعل والفاعل صلته، والعائد محذوف؛ أي: ما شئته.

قوله: "حتى": للغاية بمعنى إلى، و"لا أزال": منصوب بأن مقدرة، واسم زال هو الضمير المستتر فيه، وخبره هو قوله:"شاني" في آخر البيت، وأصله: شانئًا بالنصب فترك النصب للضرورة، قوله:"لما لا" الجار والمجرور يتعلق بقوله: "شاني" في آخر البيت وما موصولة، وكلمة "لا" مهملة عند الجمهور؛ لأن اسمَها معرفة وهو أنت وهو مبتدأ، وقوله:"شائية": خبره، وقوله:"من شأننا" يتعلق به.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لا أنت" وذلك أن لا إذا كان اسمها معرفة أو منفصلًا منها يجب تكرارها وها هنا ترك التكرار لأجل الضرورة، ومذهب المبرد وابن كيسان أنه لا يشترط التكرار مطلقًا واحتجا على ذلك بهذا البيت

(1)

.

(1)

ذهب سيبويه والجمهور إلى أن (لا) النافية للجنس تعمل عمل إن ولكنها تهمل إذا فصل بينها وبين اسمها بفاصل أو إذا دخلت على معرفة ويلزم حينئذ تكرارها ليكون عوضا عما فاتها من مصاحبة ذي العموم وهو نفي الجنس لأن العرب جعلتها في جواب من تسأل بالهمزة وأم، كأن تقول: أرجل أم امرأة في البيت؟ فتقول: لا رجل ولا امرأة، وإن ورد في كلام العرب عدم تكرارها فضرورة وأجاز المبرد وابن كيسان عدم تكرار (لا) إذا فصل بينها وبين اسمها أو إذا جاء بعدها معرفة واستدلا بهذا البيت وبغيره. ينظر الكتاب (2/ 295) وما بعدها، والمقتضب (4/ 359) وما بعدها، والتذييل والتكميل لأبي حيان (2/ 897) وما بعدها (رسالة دكتوراه بالأزهر، د. السيد تقي)، والهمع (1/ 48)، وشفاء العليل في إيضاح التسهيل (1/ 384)، وقضايا الخلاف النحوية والصرفية في كتاب شفاء العليل (284) وما بعدها (رسالة دكتوراه بالأزهر د. عبد العزيز فاخر 2000).

ص: 787

‌الشاهد الثامن بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

إن الشبابَ الذي مَجْدٌ عَوَاقِبُهُ

فِيهِ تَلَذُّ ولَا لذَّاتِ لِلشِّيب

أقول: قائله هو سلامة بن جندل

(3)

بن عبد عمرو بن عبيد بن الحرث بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم بن مُرّ بن أدّ بن طانجة بن إلياس بن مضر السعدي وهو من قصيدة بائية من البسيط وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

أَوْدَى الشبابُ حَميدًا ذو التعاجِيبِ

أَوْدَى وذلك شَأْوٌ غَيرُ مَطلُوبِ

2 -

ولَّى حَثِيثًا وهذا الشيبُ يطلبهُ

لَو كَانَ يُدرِكُهُ رَكَضَ اليعاقِيبِ

3 -

أَوْدَى الشبابُ الذي مَجْدٌ عَوَاقِبهُ

فِيه تَلَذ ولا لَذّاتٍ لِلشيبِ

4 -

يومان يَوْمُ مَقَامات وأنْدِيةٍ

وَيَوْمُ سَير إلى الأعداء تأويب

5 -

وكَرُّنَا خَيلَنا أَدْرَاجَها رُجُعًا

كُسَّ السَّنَابِك من بَدءٍ وتَعْقيب

6 -

والعادياتُ أسابِي الدماء بها

كأن أعْنَاقَهَا أنصابُ تَرجيب

7 -

مِنْ كُلِّ حتٍّ إذا ما ابتل مُلبَدُهُ

صافي الأَدِيمِ أسيل الخدّ يَعْبُوب

8 -

ليس بِأسفَى ولا أقنى ولا سَغِلٍ

يُعطى دَواءَ قفي السّكْنِ مربوب

9 -

في كل قائمةٍ منْهُ إذا اندَفَعَتْ

منه أساوٍ كَفَرْغ الدلْو أُثْعوب

وجملتها تنوف

(5)

على ثلاثين بيتًا.

1 -

قوله: "أودى" أي: ذهب وفات، وشباب كل شيء: أوله ["وحميدًا": حال من الشباب، قوله: "ذو التعاجيب" ويروى: ذو الأعاجيب؛ جمع أعجوبة]

(6)

.

والمعنى: كان الشباب كثير العجب يعجب الناظرين إليه ويروقهم، والتعاجيب: العجب

(1)

توضيح المقاصد للمرادي (1/ 364)، وأوضح المسالك لابن هشام (2/ 9)، وشرح ابن عقيل على الألفية (2/ 9).

(2)

البيت من بحر ىالبسيط من قصيدة لسلامة بن جندل في التحسر على الشباب، وهي في الديوان (12)، وبيت الشاهد في تخليص الشواهد (400)، والخزانة (4/ 27)، والدرر (2/ 224)، وشرح شذور الذهب (111)، والهمع (1/ 146).

(3)

من شعراء الجاهلية وأحد الفرسان المشهورين، وهو شاعر فحل مقل مات قبل الإسلام، وله ديوان قيم، الشعر والشعراء (229).

(4)

ينظر الديوان (11) صنعة محمَّد بن الحسن، وقدمه له: راجي الأسمر، نشر دار الكتاب العربي (بيروت)، وشرح المفضليات للتبريزي (2/ 565) تحقيق قباوة.

(5)

في (أ): تنيف.

(6)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

ص: 788

يقال: إنه جمع لا واحد له، كما قالوا: تعاشيب للعشب وتباشير للصبح، وإنما كرر أودى الثاني على التفجع، ويروى: ولى، قوله:"وذلك": إشارة إلى الإيداء الذي يدل عليه أودى، و"الشأو": الطلق

(1)

؛ أي: ذلك الطلق بعيد قد مضى فهو لا يدرك.

2 -

قوله: "ولى حثيثًا" أي: مسرعًا، قوله:"لو كان يدركه ركض اليَعاقيب" أي: لو أدركه ركض اليعاقيب لطلبناه ولكن لا يدرك، وهو جمع يعقوب وهو ذكر الحجل، وخص اليعقوب لسرعته.

3 -

قوله: "أودى الشباب الذي مجد عواقبه"، ويروى: ذاك الشباب الذي، ويروى: إن الشباب الذي.

وقال الشيخ جمال الدين بن هشام: أنشده ابن مالك: أودى الشباب الذي، وهذا تحريف منه والصواب: إن الشباب الذي.

وقوله: "فيه تلذ" خبر لإن، وعلى ما أورده لا يكون له ما يرتبط به، والذي أوله:"أودى" بيت آخر، وهو أول القصيدة وهو:

أودى الشباب حميدًا

................................

قلتُ: ما أورده المفضل بن محمَّد الضبي في المفضليات هو كما أورده ابن مالك:

أودى الشباب الذي مجد عواقبه

.................................

ثم قال في شرحه: ويروى: ذاك الشباب، ولم يتعرض أصلًا إلى "إن"؛ فلا فائدة حينئذ في التشنيع عليه.

قوله: "مجد عواقبه" يعني: إذا تُعقبِتْ أمور الشباب وجد في عواقبه العز وإدراك الثأر والرحلة في المكارم وليس في الشيب ما ينتفع به وإنما فيه الهرم والعلل.

ويقال: معناه: آخر الشباب محمود ممجد، إذا حل الشيب ذكر الشباب فحمد وذم الشيب.

قوله: "فيه تلذ" أي: في الشباب لذَاذَةٌ وطيب، يقال: رجل لذ من قوم لذ، وقد لذ الشيء لذاذة، و"الشيب" بكسر الشين؛ جمع أشيب، وهو المبيض الرأس، وقد شاب رأسه شيبًا وشيبة فهو أشيب على غير قياس؛ لأن هذا النعت إنما يكون من باب فعل يفعل مثل: عَلِم يَعْلَم، والشيب بفتح الشين وهو المشيب.

(1)

وصححه صاحب الخزانة فقال: "الشأو -مهموز الوسط-: الطلق، يقال: جرى الفرس شأوًا أو شأوية؛ أي: طلقًا أو طلقتين، ويأتي بمعنى السبق أيضًا؛ يقال: شأوته أي سبقته"، الخزانة (4/ 27).

ص: 789

قال الأصمعي: الشيب: بياض الشعر، والمشيب: دخول الرجل في حد الشيب

(1)

.

4 -

قوله: "مقامات" بفتح الميم؛ جمع مقامة وهي المجلس، ويروى بضم الميم بمعنى الإقامة، و"الأندية": جمع ندى وهو ما حول الدار وإن لم يكن مجلسًا، ولكن أراد بالأندية المجالس، قوله:"تأويب" هو سير يوم إلى الليل.

5 -

قوله: "وكرنا" الكر: الوجوع، "وأدراجها": آثارها.

والمعنى: نَرُدُّها إذا رجعنا من غزونا في الطريق الذي ذهبت فيه [يقال: رجع أدراجه إذا رجع في الطريق]

(2)

الذي جاء منه.

قوله: "رُجُعًا" بضمتين؛ جمع رجيع؛ أي: مهازيل ضامرة، يقال: فرس رجيع سفر ونضو سفر وبلو سفر وبلى سفر، قوله:"كُسّ السنابك" بضم الكاف وتشديد السين المهملة؛ وهو جمع أكس؛ وهو المتثلم الذي قد كَسَرَهُ طول السير، وهو مأخوذ من قولهم: رجل أكس وامرأة كساء وهما اللذان تحاتت أسنانهما وقصرت، والسنابك: مقاديم الحوافر، واحدها سنبك، "والبدْء": الغارة الأولى، "والتعقيب" الغارة الثانية.

6 -

قوله: "والعاديات" هي الخيل، واحدها

(3)

عاد، والأنثى عادية، والعادية أيضًا الجماعة يعدون على أرجلهم، قوله:"أسأبِيّ" بفتح الهمزة والسين المهملة وبعد الألف جاء موحدة مكسورة وياء مشددة، وهي الطرائق من كل شيء، الواحدة إسباءة، قوله:"أنصاب ترجيب" بالجيم؛ أي: كأن أعناقها حجارة تنصب ليذبح عليها، والترجيب: التعظيم.

7 -

قوله: "من كل حت" أي: سريع، قوله:"مُلْبَده" بضم الميم وسكون اللام وفتح الباء الموحدة والدال؛ أي: موضع لبده، أراد إذا ابتل من العرق صافى الأديم لحسن القيام عليه، وقوله:"يعبوب" أي: طويل، ويقال: كريم، ويقال: كثير الجري، مشتق من عباب البحر.

8 -

قوله: "بأسفى" بالفاء، وهو الخفيف الناصية، "والأقنى" بالقاف والنون؛ الذي في أنفه احديداب، و"السغِل" بفتح السين المهملة وكسر الغين المعجمة؛ وهو المضطرب الأعضاء، ويروى: الأصقل بالقاف، ويروى: والأصغل بالصاد والغين المعجمة، قوله:"يعطى دواء": صفة لقوله: "ولا سَغِل"، وقوله:"قفى السكن": أضيف إلى الدواء، والقفية: الأثرة، يقال: أقفيت الرجل بكذا وكذا إذا آثرته، "والسكن" -بفتح السين: جمع ساكن، "والمربوب": من التربية، أراد: أنه لا يرسل مهملًا ولكنه يحبس عند البيوت ويصان ويعطى قوت السكن كله.

(1)

الصحاح للجوهري مادة: (شيب).

(2)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(3)

في (أ): الواحد.

ص: 790

9 -

قوله: "أساو" أي: دفعات من الجري، ويروى: أسأت وأساب -أيضًا-، شبهها في كثرتها بانصباب الدلو بالماء في السهولة، والأثعوب: السائل، ومنه سمي المثعب وهو الميزاب.

الإعراب:

قوله: "الشباب": اسم إن، وخبره الجملة الفعلية التي هي "تلذ فيه"، قوله:"الذي مجد عواقبه": صفة للشباب، و"الذي": موصول، وصدر صلته محذوف، والتقدير: الذي هو مجد عواقبه وهو مبتدأ، و"مجد عواقبه": خبره، و"عواقبه": مرفوع بالمجد، والمصدر يعمل عمل فعله كما عرف في موضعه.

قوله: "ولا لذات" كلمة لا [التي]

(1)

لنفي الجنس، وقوله:"لذات": اسمه، والخبر محذوف تقديره: ولا لذات حاصلة للشيب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولا لذات" حيث يجوز في لذات البناء على الفتح والكسر جميعًا؛ لأن اسم لا إذا كان جمعًا بألف وتاء يجوز فيه الوجهان: البناء على الفتح، والبناء على الكسر، والفتح أشهر؛ كذا قاله ابن مالك

(2)

.

‌الشاهد التاسع بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

فقام يذودُ الناس عنها بسيفه

وقال ألا لا منْ سبيل إلى هَنْد

أقول: هذا من الطويل.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في: (ب).

(2)

إذا كان اسم لا النافية للجنس مفردًا بني على ما ينصب به فيبنى على الفتح إذا كان مفردًا أو جمع تكسير، ويبنى على الياء إذا كان مثنى أو جمع مذكر سالمًا، ويبنى على الفتح والكسر إذا كان جمع مؤنث سالمًا لأنه لو لم يكن كذلك لكان مخالفًا للنظائر، ونظيره المنادى المفرد العلم فإنه كان على ما يرفع به، وفي البيت جاء اسم لا جمع مؤنث سالما، فجاز فيه البناء على الفتح والبناء على الكسر، والفتح أشهر، قال ابن مالك: (ويبنى على ما ينصب به والفتح في نحو:

.............................

فيه نلذ ولا لذات للشيب

أولى من الكسر". التسهيل لابن مالك (67)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 53)، وينظر الكتاب (2/ 274، 283)، والمفصل للزمخشري (75)، والمساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل (1/ 340).

(3)

ابن الناظم (71)، وأوضح المسالك لابن هشام (2/ 13).

(4)

البيت من بحر الطويل، مجهول القائل وهو في تخليص الشواهد (396)، والجني الداني (292)، والدرر (2/ 221)، والتصريح (1/ 239)، واللسان مادة:(ألا)، والهمع (1/ 146)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 54).

ص: 791

قوله: "يذود" أي: يدفع؛ من ذاد يذود ذودا، قال تعالى:{وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} [القصص: 23] وأكثر ما يستعمل الذياد في الإبل والغنم، قوله:"من سبيل" أي من طريق إلى هند وهو اسم امرأة.

الإعراب:

قوله: "فقام" عُطف على شيء قبله وفيه ضمير مستتر فاعله، قوله:"يذود الناس": جملة من الفعل والفاعل والمفعول،: وقعت حالًا، وقد علم أن المضارع المثبت إذا وقع

(1)

حالًا لا يحتاج إلى الواو، وقوله:"عنها": يتعلق بقوله: "يذود" وكذلك قوله: "بسيفه".

قوله: "وقال": عطف على "قام"، قوله:"ألا لا من سبيل": مقول القول، و"ألا" للتنبيه، و"لا" لنفي الجنس، و "من" زائدة، زيدت لإفادة استغراق الجنس، قوله:"سبيل": اسم لا، وخبره محذوف، أي: لا سبيل حاصل أو موجود إلى هند.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من سبيل" حيث أبرزت فيه "من" الزائِدة لإفادة استغراق الجنس، وهذا يدل على أن المفرد الذي يدخل عليه "لا" يبنى لتركيبه مع "لا" كخمسة عشر لأجل تضمنه معنى الحرف وهو من الجنسية، ولهذا أبرزها الشاعر لأجل الضرورة، والضرورات ترد الأشياء إلى أصولها

(2)

.

‌الشاهد العاشر بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

تعَزُّ فَلا إِلْفَين بالعيشِ مُتَّعَا

ولكنْ لِورادِ المنونِ تَتَابُعُ

أقول: هذا من الطويل.

(1)

في (أ): وقعت.

(2)

إذا كان اسم (لا) النافية للجنس مفردًا بني، وسبب بنائه أنه ركب مع لا تركيب خمسة عشر أو لتضمنه معنى (من) التي للجنس، والفرق بين لا التي لنفي الجنس، والتي لنفي الواحد أن التي لنفي الواحد يحتمل ما بعدها أن ينفي مفرده اللفظي أو جنسه المعنوي، فيحتمل أن تريد جنس الرجال ويحتمل أن تريد الرجل الواحد، وأما التي لنفي الجنى لا تنفي إلا الجنس بكليته ولا يبقى منه شيء، ولهذا قال ابن مالك: إذا قصد نفي الجنس على سبيل الاستغراق ورفع احتمال الخصوص اختصت بالأسماء؛ لأن قصد ذلك يستلزم وجود من الجنسية لفظا أو معنى، ولا يليق ذلك إلا بالأسماء والنكرات فوجب للا عند ذلك القصد عمل فيما يليها من نكرة، وذلك العمل إما جر وإما نصب وإما رفع فلم يكن جرًّا لئلا يتوهم أنه بمن المنوبة فإنها في حكم الموجودة لظهورها في بعض الأحيان ثم ذكر البيت، وقال:"ولم يكن رفعًا لئلا يعتقد أنه الابتداء فتعين النصب".

شرح التسهيل لالن مالك (2/ 53، 54)، ورصف المباني (390)، والكتاب (2/ 274).

(3)

ابن الناظم (71)، وأوضح المسالك لابن هشام (2/ 10).

(4)

البيت من بحر الطويل، وهو من الحكم؛ حيث يدعو صاحبه إلى الصبر فكل حي ميت، ولم ينسب لقائل ولم يشر =

ص: 792

قوله: "تعز" أي: تسل وتصبر؛ من العزاء وهو الصبر قوله: "إلفين" بكسر الهمزة؛ تثنية إلف وهو الأليف من الألفة، يقال: إلف وأليف؛ كخل وخليل وشبه وشبيه.

قوله: "لوراد المنون" أي: الموت، والوُرَّاد: بضم الواو وتشديد الراء؛ جمع وارد؛ كقوام جمع قائم، وصوام جمع صائم.

والمعنى: أنه لا يبقى أحد بعد من مضى ولكن يتبَع بعضهم بعضًا.

الإعراب:

قوله: "تعز": فعل وفاعل وهو أنت المستتر فيه، قوله:"فلا إلفين" الفاء للتعليل وكلمة لا نافية، و"إلفين": اسمه، وخبره قوله:"متعا"، والباء في "بالعيش" يتعلق بقوله:"متعا"، قوله:"ولكن" استدراك، وبطل عملها لأجل سكون نونها، قوله:"تتابع": مبتدأ، وخبره قوله:"لوراد المنون" مقدمًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إلفين" حيث جاء بالياء والنون في حالة النصب؛ كما تقول: لا غلامين قائمان، ولا كاتبين في الدار

(1)

.

‌الشاهد الحادي عشر بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

يُحْشر الناس لا بنين ولا آ

باء إلا وقد عنتهم شئون

أقول: هذا من الخفيف.

قوله: "ولا آباء": جمع أب، وقد وقع في أمر النسخ:"ولا أبناء" جمع ابن وهو تحريف وتكرار لقوله: "لا بنين"، قوله:"وقد عنتهم" أي: أهمتهم، ومنه الحديث

(4)

: "من حسن إسلام المرء تركه

= العيني إلى نسبه، وهو في تخليص الشواهد (395)، والدرر (2/ 222)، والتصريح (1/ 239)، وشرح شذور الذهب (109)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 55)، والهمع (1/ 146).

(1)

إذا كان اسم (لا) النافية للجنس مفردًا بني على ما ينصب به كما لأنَّه في الشاهد رقم (308)، وهنا جاء اسم لا (مفردًا) مثنى فبني على الياء المفتوح ما قبلها، وإن كان جمع مذكر سالمًا بني على الياء المكسور ما قبلها كما سيبينه في البيت الآتي رقم (311).

(2)

ابن الناظم (71)، وأوضح المسالك لابن هشام (2/ 11).

(3)

البيت من بحر الخفيف غير منسوب لأحد، ولم يشر العيني إلى نسبته، وهو في تخليص الشواهد (396)، والدرر (2/ 223)، والتصريح (1/ 239)، والهمع (1/ 146).

(4)

موطأ مالك (5/ 381)، برقم (1402) بلفظ وروايته: "وحَدثَني عَنْ مَالِك عَن ابْنِ شِهَاب عَنْ عَليّ بْنِ حُسَيِن =

ص: 793

ما لا يعنيه"، وقرأ ابن محيصن

(1)

والزهري

(2)

: (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يُغْنيَه)[عبس: 37] بفتح الياء وبالعين المهملة

(3)

، ووقع في بعض النسخ: قد علتهم، من العلو، وهو -أيضًا- تحريف، و" الشئون ": جمع شأن وهو الخطب والأمر والحال، والبيت مأخوذ من معنى القراءة المذكورة، وأما قراءة الجماعة فمعناها: يغنيه عن النظر في شأن غيره.

الإعراب:

قوله: "يُحْشَرُ" على صيغة المجهول، و"الناس": مفعوله، وقد ناب عن الفاعل.

والمعنى: يحشر الله الناس؛ أي: يجمعهم يوم القيامة للعدل والفضل، وحذف الفاعل للضرورة مع شهرته وتعينه لذلك.

قوله: "لا بنين": حال ولم يحتج إلى الواو؛ كما في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد: 41]"ولا": لنفي الجنس، قوله:"بنين": اسمه، وخبره محذوف؛ أي: لا بنين حاصلون [أو موجودون]

(4)

قوله: "ولا آباء": عطف عليه؛ أي: ولا آباء حاصلون، قوله:"إلا": استثناء مفرغ، والمستثنى حال، والحالان متداخلان لا مترادفان، ويقال: إلا زائدة، "وقد عنتهم شئون": جملة حالية، ويقال: الواو زائدة لتأكيد الصفة، بالموصوف؛ لأن قوله:"عنتهم شئون": صفة للناس، وقد قال الزمخشري في قوله تعالى:{وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إلا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4] فقال: ولها كتاب: جملة واقعة صفة لقرية، وتوسط الواو لتوكيد الصفة بالموصوف؛ كما في الحال

(5)

، وبهذا يُرَدُّ على ابن مالك؛ حيث قال:"إلا" لا تَقَع بين موصوف وصفته، لأنهما كشيء واحد

(6)

.

= ابْنِ عَلِيٍّ بْنِ أَبي طَالِب أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال: "مِنْ حسنِ إِسْلَامِ الْمرء تَركُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ".

(1)

محمَّد بن صالح أبو إسحاق المري البصري الخياط، روى الحروف سماعًا عن شبل بن عباد، روى القراءة عنه عرضا محمَّد بن عبد الله بن القاسم بن أبي بزة، وروى الحروف عنه روح بن عبد المؤمن وإسحاق بن أبي إسرائيل، وروي عنه الداني أنه قال: سألت شبل بن عباد عن قراءة أهل مكة فيما اختلفوا فيه وفيما اتفقوا عليه، فقال: إذا لم أذكر ابن محيصن فهو المجتمع عليه، وإذا ذكرت ابن محيصن فقد اختلفوا فيه وعبد الله بن كثير وذكر القراءة.

(2)

عبيد الله بن عمر بن يزيد أبو عمرو الزهريّ، روى القراءة عرضًا عن أبي زيد سعيد بن أوس، قرأ عليه إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم الأشعري.

(3)

ينظر البحر المحيط (8/ 430).

(4)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(5)

قال الزمخشري: " (ولها كتاب) جملة واقعة صفة لقرية، والقياس ألا تتوسط الواو بينهما، كما في قوله: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إلا لَهَا مُنْذِرُونَ} [الشعراء: 208] وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، كما يقال في الحال: جاءني زيد عليه ثوب وجاءني وعليه ثوب". الكشاف (2/ 570).

(6)

نصه في شرح التسهيل (2/ 301): "صرح أبو الحسن وأبو علي بأن "إلا" لا تفصل بين موصوف وصفة، وما ذهبا إليه هو الصحيح؛ لأن الموصوف والصفة كشيء واحد".

ص: 794

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لا بنين" حيث بني على الياء لكونه مجموعًا على حد مثناه، وذلك كما بينى في جمع التكسير على الفتح

(1)

.

‌الشاهد الثاني عشر بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

وما هَجّرتُكِ حتى قُلتِ مُعْلنَةً

لا ناقةٌ لي منْ هَذَا ولَا جَملُ

أقول: قائله هو الراعي عبيد بن حُصَين، وهو من قصيدة لامية، وأولها هو قوله:

1 -

قَالتْ سُلَيمَى أتَثْوي أنتَ أَمَّ تَغلُ

وقد ينسِّيك بعضَ الحاجةِ الكسلُ

2 -

فقلتُ ما أَنَا ممن لا يُوافقُني

ولا ثوائيَ إلَّا ريثَ ارتحلُ

3 -

أَمّلْتُ خَيَرك هَلْ تَأْتي مَواعدُهُ

واليومَ قصّرَ عن تلقائك الأملُ

4 -

وما هجرتك حَتّى ...........

....................... إلى آخره

وهي من البسيط.

1 -

قوله: "أتثوي" أي: أتقيم؛ من الثواء وهو الإقامة، قوله:"أم تغل": من وغل في السير وأوغل إذا جد فيه، وأصل تغل: توغل؛ كتعد أصله: توعد، فحذفت الواو تبعًا لحذفها في يعد بالياء آخر الحروف لوقوعها بين الياء والكسرة

(4)

.

2 -

ومعنى البيت الثاني: من لا يوافقني فليس مني ولا أنا منه، وليس ثوائي عنده إلا قدر ما أرتحل عنه.

3 -

قوله: "عن تلقائك" التلقاء -بكسر التاء المثناة من فوق: مصدر بمعنى اللقاء، وكل مصدر هكذا فهو مفتوح التاء؛ كالتحوال والتطواف، إلا التِلقاء والتبيان، وأما التلقاء في قوله تعالى:{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ} [الأعراف: 47] فظرف لا مصدر.

4 -

قوله: "وما هجرتك": من الهجران، ويروى: وما صرمتك؛ أي: وما قطعت حبل وُدِّكَ

(1)

ينظر الشاهد رقم (310).

(2)

أوضح المسالك لابن هشام (2/ 15).

(3)

البيت من بحر البسيط، وهو من قصيدة في الغزل ذكر الشارح بعض أبياتها "انظر ديوان الراعي (233) تحقيق نوري حمودي، وهلال ناجي) وانظر بيت الشاهد في تخليص الشواهد (405)، والتصريح (1/ 241)، وابن يعيش (2/ 111)، والكتاب (2/ 295).

(4)

قال المرادي: "اعلم أن الحذف وجه من وجوه الأعلام

فالمقيس

حذف الواو من مضارع ثلاثي فاؤه واو استثقالا لوقوعها ساكنة بين ياء مفتوحة وكسر لازمة؛ كقولك في مضارع وعد: يعد"، توضيح المقاصد للمرادي (6/ 94).

ص: 795

حتى تبرأتِ مني معلنة بذلك، قوله:"لا ناقة لي .... إلى آخره": قول المرأة، ولكنه مثل ضربه لبراءتها منه، وهو مثل مشهور في هذا المعنى

(1)

.

الإعراب:

قوله: "وما هجرتك" الواو للعطف و"ما" للنفي، و"هجرتك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله:"حتى قلت معلنة" حتى للغاية، و"قلت" جملة في محل الرفع لأنه مسبب عما قبله

(2)

؛ وذلك لأن قولها: "لا ناقة لي في هذا ولا جمل" سبب للهجران، وقوله:"معلنة": نصب على الحال من الضمير الذي في قلت، قوله:"لا ناقة لي إلى آخره": مقول القول، قوله:"ناقة": مرفوع لأنه اسم لا التي بمعنى ليس، وقوله:"في هذا": خبره وقوله: "لي": جار ومجرور في محل الرفع لأنه صفة لناقة.

قوله: "ولا جمل" فيه حذف، والتقدير: ولا جمل لي في هذا، وموضع الخبر نصب أو رفع على تقديره لا عاملة عمل ليس أو ملغاة لتكرارها، وكون الرفع في النكرة بالابتداء أقيس من كونه بلا؛ لأن الكلام جواب لمن قال: ألك ناقة فيه أو جمل؟ والرفع في ذلك على الابتداء والخبر واجب، والأصل: تناسب الجواب والمجاب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لا ناقة لي ولا جمل" وذلك أن لا لما كررت أعملت عمل ليس؛ كما في قوله تعالى: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ} [البقرة: 254] في قراءة غير

(3)

ابن كثير

(4)

، وأبي عمرو

(5)

(1)

ينظر مجمع الأمثال (3/ 166).

(2)

في نسخة بولاق جاء هذا التعليق: "قول العيني: في محل الرفع، وفي نسخة: في محل نصب، وعلى كل فليس بظاهر، وقوله: لأنه مسبب إلى آخره ليس بظاهر أيضًا، ولعل هذه العبارة سبق قلم. انتهت"، الخزانة (2/ 338).

(3)

قال أبو حيان: "وقرأ ابن كثير ويعقوب وأبو عمرو بفتح الثلاثة من غير تنوين

وقرأ الباقون جميع ذلك بالرفع والتنوين عَمِل عَمل ليس" ينظر البحر المحيط (2/ 276).

(4)

هو عبد الله بن كثير أحد القراء السبعة، وهو فارسي الأصل (ت 120 هـ)، الأعلام (4/ 115).

(5)

إذا تكررت (لا) وعلى على اسم لا الأولى وهما مفردان جاز إعمالها عمل ان أو إعمالها عمل ليس، فإن فتح الأول على إعمالها عمل إن جاز في الثاني الفتح والنصب والرفع، وإن رفع الأول على إعمالها عمل ليس جاز في الثاني الرفع مثل بيت الشاهد والبناء على الفتح، ينظر ابن يعيش (2/ 111، 113)، والمغني (239)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 68، 69).

ص: 796

‌الشاهد الثالث عشر بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

هَذَا وَجدّكم الصَّغَارُ بِعَينهِ

لَا أُمَّ لِي إنْ كَانَ ذَاكَ وَلَا أَبُ

أقول: قائله هو رجل من مذحج؛ كذا قاله سيبويه في كتابه

(3)

، وذكر أبو رياش أن قائله: هو همام بنُ مرة أخو جساس بن مرة قاتل كليب، وزعم ابن الأعرابي أنه لرجل من بني عبد مناف [مات]

(4)

قبل الإِسلام بخمسمائة عام.

وقال الحاتمي

(5)

: هو لابن أحمر

(6)

، وقال الأصفهاني: هو لضمرة بن ضمرة

(7)

، ويشكل عليه نداؤه ضمرة في أول بيت من القصيدة كما يأتي الآن، وقال بعضهم: إنه من الشعر القديم جدًّا، وكان لقائل هذا الشعر أخ يسمى جُنْدُبا، وكان أبواه وأهله يؤثرونه عليه ويفضلونه فأنف من ذلك، وقال هذا، وهو من قصيدة بائية، وأولها هو قوله

(8)

:

1 -

يا ضَمْرَ أخبرنِي ولسْتَ بكاذِبٍ

وأخُوك نَافِعُك الذي لا يَكْذِبُ

2 -

أمِنَ السوية أَنْ إِذَا استغنيتُمُ

وأمِنْتُمُ فأنا البعيدُ الأخيب

3 -

وإذا الشدائدُ بالشدائِد مَرة

أشْجَتكُمُ فأنا الحبيبُ الأقربُ

4 -

ولجندُبٍ سَهلُ البِلَادِ وعذْبُهَا

وَلِي الملاحُ وحَزْنُهُنّ المجدِبُ

5 -

وإذا تكونُ كريهةٌ أدْعَى لها

وإذَا يُحاسُ الحيسُ يُدْعَى جُنْدُبُ

6 -

هذا وجدكم ..............

..................... إلى آخره

7 -

عَجَبًا لتلْكَ قضيةٌ وإقَامتِي

فِيكُم عَلى تلك القضيّةِ أَعْجَبُ

وهي من الكامل.

(1)

ابن الناظم (72)، وأوضح المسالك لابن هشام (2/ 16)، شرح ابن عقيل على الألفية (3/ 12).

(2)

البيت من بحر الكامل وقد نسب في مراجعه لما قرب من عشرة شعراء جاهليين ذكر بعضهم العيني، فهو لضمرة بن جابر في الخزانة (2/ 38، 40)، وفي اللسان لهني بن أحمر مادة:(حيس)، وفي التصريح لضمرة بن ضمرة (1/ 241)، وانظره في رصف المباني (267)، وابن يعيش (2/ 292)، والمغني (593)، والمقتضب (4/ 371)، وشرح شواهد المغني (921).

(3)

ينظر الكتاب (2/ 292)، تحقيق: هارون.

(4)

زيادة لإصلاح اللفظ.

(5)

هو محمَّد بن الحسن بن المظفر الحاتمي، أديب من أهل بغداد، ألف الرسالة الحاتمية وحلية المحاضرة وسر الصناعة في الشعر وغيرها (ت 338 هـ)، الأعلام (6/ 82).

(6)

هو هني بن أحمر من بني الحارث شاعر جاهلي، وليست له سنة وفاة، الأعلام (8/ 100).

(7)

هو ضمرة بن ضمرة بن جابر شاعر جاهلي من الشجعان الرؤساء ليس له سنة وفاة، الأعلام (3/ 216).

(8)

ينظر شرح شواهد المغني للسيوطي (921، 922).

ص: 797

1 -

قوله: "يا ضمر" أراد: يا ضمرة فرخم، قوله:"ولست بكاذب" ويروى: فلست بصادق، وكلتا الروايتين في الذيل.

2 -

قوله: "أمن السوية أن إذا استغنيتم"، ويروى: أمن السوية أن إذا أخصبتم، وكذا روى الرياشي.

3 -

قوله: "أشجتكم": من أشجاه يشجيه إشجاءً إذا غصه.

4 -

قوله: "ولجندب سهل البلاد وعذبها" وعمروى: ولما لكم أنف البلاد ورعيها، وأراد بالمال ها هنا: الإبل، والأنف: ما لم يرع من النبت، ولا الرعي": المرعى.

قوله: "ولي المُلَّاح" بضم الميم وتشديد اللام، وهو نبات الحمض، ولكنه بالتخفيف هاهنا للضرورة، وقيل: لا ضرورة فيه؛ لأن التخفيف أيضًا لغة، "و "الحزن": ما حزن من الأرض وفيها غلاظة، و"المجدب": ما أجدب؛ من الجدب وهو نقيض الخصب، ويروى الشطر الثاني:

..........................

ولنا الثماد ورعيهن المجدب.

و"الثماد": جمع ثمد وهو القليل.

5 -

قوله: "وإذا يحاس" الحيس بفتح الحاء المهملة وسكون الياء [آخر]

(1)

الحروف، وفي آخره سين مهملة، وهو تمر يخلط بسمن وأقط ثم يدلك حتى يختلط.

6 -

قوله: "هذا" إشارة إلى ما ذكر من قوله: "وإذا تكون كريهة إلى آخره" يعني: إذا كانت شدة دعوني لعلمهم أني أغنى عنهم، وإذا كان رخاء دعوا جندبًا فهذا عين الهوان؛ فإن رضيت به فليس لي أم ولا أب معروفان؛ بل أنا حينئذ لقيط.

قوله: "وجدّكم" ويروى: لعمركم، وهكذا هو في نسخة ابن الناظم

(2)

، وهو بفتح العين، يستعمل في القسم من عمِر الرجل -بكسر الميم يعمر عَمرًا أو عُمرًا -بفتح العين وضمها على غير قياس؛ لأن قياس مصدره التحريك؛ أي: عاش زمانًا طويلًا، ولا يستعمل في القسم إلا مفتوح العين، والسلام فيه للتأكيد، قوله:"وجدكم" الواو للقسم والمعنى: وحق حظكم وبختِكم

(3)

وسعدكم، والصغار بفتح الصاد بمعنى الذل والهوان.

الإعراب:

قوله: "هذا": مبتدأ، وقوله:"الصغار": خبره، قوله:"وجدكم": كلام إضافي معترض بين

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في (أ).

(2)

ابن الناظم (72).

(3)

في (أ): وبختكم.

ص: 798

المبتدأ والخبر، وكذا قوله:"لعمركم"، وهو مبتدأ، وخبره محذوف وجوبًا؛ أي: لعمركم قسمي أو يميني، واللام فيه لام الابتداء للتأكيد، فهذا إنما يرفع عند وجود اللام، وإذا لم تكن اللام ينصب نصب المصادر، تقول: عَمرَ الله ما فعلت كذا، وعمرَك الله ما فعلت كذا، قوله:"بعينه": تأكيد للصغار، والباء فيه زائدة، ويقال: إن قوله "بعينه": في موضع الحال؛ أي: هذا الصغار حقًّا.

قوله: "لا أم لي" كلمة لا نافية، و"أم": اسمها، و"لي": خبرها، و"في الحقيقة الخبر محذوف تقديره: لا أم موجودة لي، قوله:"إن كان ذاك " إن للشرط، وكان تامة فعل الشرط، وذاك: فاعله، وهو إشارة إلى الأمر الذي استجلب له الصغار، وقال ابن يسعون: تقديره: إن كان رضا ذاك أو احتمال ذاك، لا بد من تقدير نحو هذا المضاف ليصح المعنى؛ لأنه إنما اشترط أنه لا يرضى بذلك الخسف الذي يرام منه، واعترض بهذا الشرط بين المعطوف والمعطوف عليه، وهو كثير، وحذف جواب الشرط لدلالة الجمل عليه وإغنائها عنه كثير -أيضًا-.

قوله: "ولا أب": عطف على محل اسم لا المتقدمة، وفيه الاستشهاد.

[الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولا أب"]

(1)

؛ حيث جاء مرفوعًا على جعل لا بمعنى ليس، ويكون معطوفًا على محل اسم لا في قوله:"لا أم لي" لأن المحل مرفوع، فافهم

(2)

.

‌الشاهد الرابع عشر بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

بِأَيِّ بَلَاء يَا نُمَيْرَ بنَ عَامِرٍ

وَأَنْتُم ذُنَابَى لَا يَدَيْنِ وَلَا صَدْرُ

أقول: قائله هو جرير بن عطية الخطفي، وهو من الطويل، من قصيدة يهجو بها جرير نميرَ بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ونمير أبو قبيلة من قيس وهو قيس غيلان،

(1)

ما بين المعقوفتين زيادة للإيضاح.

(2)

إذا كررت لا النافية للجنس وجاء اسم لا الأولى مبنيًّا جاز في الاسم الثاني الرفع، وهو على ثلاثة أوجه: إما أن يكون معطوفًا على محل لا مع اسمها؛ لأن محلها الرفع عند سيبويه، وإما على أن لا الثانية عاملة عمل ليس، وإما على أنه مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف، ولا ملغاة لا عمل لها.

(3)

أوضح المسالك (2/ 17).

(4)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيدة معبرة لجرير في هجاء ربيعة الجوع بن مالك بن زيد مناة، وليس قبيلة نمير كما قال الشارح، وبيت الشاهد في: شرح التصريح (1/ 241)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (356) ، والديوان (197) شرح مهدي ناصر، وروايته في الديوان هكذا:

بأي قديم يا ربيع بن مالك

وأنتم ذنابى لا يدان ولا صدر

ص: 799

وهذا يقول الآخر في بني نمير

(1)

:

فغُضّ الطرفَ إِنكَ مِنْ نُمَيرٍ

فلَا كَعْبًا بَلَغتَ ولَا كِلَابَا

ولو وُزِنَتْ حُلُومُ بني نميرٍ

على المِيزَان مَا وَزنتْ ذُبَابَا

قوله: "ذنابى" بضم الذال المعجمة وتخفيف النون وبعد الألف جاء موحدة، وهو ذنب الطائر، وهو أكثر من الذنب، وفي جناح الطائر أربع ذنابى بعد الخوافي، والذنابي الأتباع -أيضًا- وقال الفراء: الذنابى: شبه المخاط يقع من أنوف الإبل

(2)

.

الإعراب:

قوله: "بأي بلاء" الباء يتعلق بمحذوف، و"أي" للاستفهام، والتقدير: بأي مصيبة تفخرون على الناس يا نمير بن عامر؟ أو بأي مصيبة تتقدمون على الناس، والحال أنتم كذا وكذا؟ ولفظة البلاء تستعمل في الخير والشر، قال الجوهري: النبلاء: الاختبارُ يكون بالخير والشر، يقال: أبلاهُ الله بلاءً حسنًا وأبلَيتهُ معروفًا

(3)

، وقال الأحمر:

(4)

يقال: نَزَلَتْ بَلاء عَلَى الكفارِ مثل: قطامِ. يحكيه عن العرب

(5)

.، أي: نزلت عليهم مصيبة.

قوله: "يا": حرف نداء، و"نمير بن عامر": منادى مبني على الفتح، والابن بُني -أيضًا- على الفتح؛ وذلك لأن الابن الموصوف به المنادى المفرد المعرفة إذا وقع بين علمين كان حقه أن يبنى على الفتح؛ لأنهما بمنزلة شيء واحد كحضرموت؛ وذلك لأن الابن لا ينفك عن الأب كما أنه لا ينفك عن الابن فكانت صفة لازمة له، والصفة والموصوف من حيث المعنى بمنزلة شيء واحد، وإذا تنزلا بمنزلة شيء واحد أتبعت حركة المنادى حركة الابن ولم يعكس؛ لأن الحركة التي استحقها الابن حالة الانفراد كانت إعرابية وهي النصب لكونه مضافًا، وحركة المنادى الضم وهي بنائية، واتباع البنائية أولى لكون الإعرابية أقوى، قوله:"وأنتم": مبتدأ، و"ذنابى": خبره، والجملة حالية، قوله:"لا يدين" كلمة لا للنفي، ويدين اسمها مبني، وخبرها محذوف.

(1)

البيتان من الوافر، وهما لجرير من قصيدة طويلة جاوزت المائة بيت يهجو فيها الراعي النميري، وقد اشتملت على عدة أبيات شواهد للنحاة، ومطعها:

أقلي اللوم عاذل والعتابا

..............................

ديوان جرير (2/ 813) د. النعمان طه.

(2)

ينظر الصحاح مادة: "ذنب".

(3)

الصحاح مادة: "بلا".

(4)

لعله أبان بن عثمان بن يحيى بن زكريا أبو عبد الله، عالم بالأخبار والأنساب وله كتاب المغازي وغيره، توفي نحو (200 هـ)، ينظر الأعلام (1/ 27).

(5)

الصحاح مادة: "بلا".

ص: 800

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولا صدر" برفع الراء عطفًا على محل لا مع المنفي، وقد علم أن في موضع تكرير لا مع المفرد يجوز خمسة أوجه:

الأول: فتحهما وهو الأصل.

- والثاني: رفعهما.

والثالث: فتح الأول [ورفع الثاني كما في البيت المذكور.

والرابع: عكس الثالث.

والخامس: فتح الأول]

(1)

، ونصب الثاني

(2)

.

‌الشاهد الخامس عشر بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

فلَا لَغْوٌ وَلَا تَأْثِيمٌ فِيهَا

وَمَا فَاهُوا بِه أَبَدًا مُقِيمُ

أقول: قائله هو أمية بن أبي الصلت، وهو من قصيدة يذكر فيها أوصاف الجنة وأهلها وأحوال يوم القيامة وأهلها، وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

سَلامَكَ رَبنَا في كُل فَجْرٍ

بَرِيئًا ما تَليقُ بكَ الذمُومُ

2 -

عِبَادُكَ يُخطِئُونَ وأنْتَ رَبٌّ

بكفيكَ المنَايَا والحُتُومُ

3 -

غَدَاةَ يقُولُ بعضُهُم لبَعْضٍ

ألا يَا لَيتَ أمَّكُمْ عَقيمُ

4 -

فَلا تَدنُو جَهَنمُ مِنْ بَريءٍ

ولَا عَدَن يَحُل بِهَا الأثِيمُ

5 -

ونَخْلٌ سَاقطِ القنْوانِ فيهِ

خِلال أُصُولهِ رَطْبٌ قَمِيمُ

6 -

وتُفاحٌ ورُمَّان وتِينٌ

ومَاءٌ بَاردٌ عَذبٌ سَلِيمُ

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر الشاهد (313، 314).

(3)

ابن الناظم (72)، وأوضح المسالك (9/ 12)، وشرح ابن عقيل (5/ 12).

(4)

البيت من بحر الوافر لأمية بن أبي الصلت (شاعر جاهلي) قاله في وصف الجنة، وهو في ديوانه (471) تحقيق د. عبد الحفيظ السطلي، وانظره في تخليص الشواهد (406)، والدر (6/ 178)، وشرح التصريح (1/ 241)، واللسان مادة:"أثم، فوه"، والخزانة (4/ 494)، وسر الصناعة (415)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 144).

(5)

ينظر الديوان (477) تحقيق د. عبد الحفيظ السطلي، وهو ملفق من بيتين هما:

ولا لغو ولا تأثيم فيها

ولا غول ولا فيها مليم

وفيها لحم ساهرة وبحر

وما فاهوا به لهم مقيم

ص: 801

7 -

وحُورٌ لا يَرَيْنَ الشمْسَ فِيهَا

عَلَى صُورِ الدُّمَى فِيهَا سُهُومُ

8 -

نَواعِمُ فيِ الأرَائكِ قاصِرَاتٌ

فَهُنَّ عَقَائِل وهُمُ قُرُومُ

9 -

عَلَى سُرُرٍ تُرَى مُتَقَابِلاتٍ

ألَا ثمّ النَّضَارَةُ والنَّعيمُ

10 -

عليهم سُنْدُسٌ وحِبَاطُ رَيْطٍ

ودِيبَابجٌ يُرَى فِيهِمْ قُتُومُ

11 -

وتحتهمُ نَمَارِقُ مِنْ دِمَقْدسٍ

ولا أَحَدَ يُرَى فِيهَا سَئِيمُ

12 -

ولا لَغْو ولا تأثِيم فيها

ولا حِينٌ ولا فيها مُلِيمُ

13 -

وفيها لحمُ سَاهِرَة وبَحْرٍ

وما فَاهُوا بِهِ لهُمُ مُقيمُ

وهي من الوافر وفيه العصب والقطف.

1 -

قوله: "سلامك" بالنصب؛ أي: سلمت يا ربنا، قوله:"بريئًا": حال مؤكدة لعاملها، مثل قوله تعالى:{وَلَّى مُدْبِرًا} [القصص: 31]، قوله:"ما تليق بك الذموم" وهو جمع ذم، وأنشده النحويون:"ما تَغَنَّثُكَ [الذموم] "

(1)

على ما يأتي في الكتاب بفتح التاء المثناة من فوق والغين المعجمة والنون المشددة والثاء المثلثة، أي: ما يلتصق بك، وأصله: ما تتغنثك فحذفت التاء الثانية.

2 -

قوله: "المنايا": جمع منية وهو الموت، و "الحتوم": جمع حتم وهو القضاء.

4 -

قوله: "ولا عدن" أراد به جنة عدن.

5 -

قوله: "القنوان" بكسر القاف؛ جمع قنو وهو العذق، ويجمع على أقناء -أيضًا-، قوله:"قميم" بفتح القاف وكسر اليم، ومعناه المجموع المكبوس.

7 -

قوله: "سهوم" بضم السين المهملة، وهو الضمور وقلة لحم الوجه.

8 -

و "الأرائك" السرر عليها الحجال، و "العقائل": الخيار، جمع عقيلة، و "القروم" بضم القاف؛ جمع قرم وهو الفحل.

10 -

و "الريط" بفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف؛ جمع ريطة، وهي الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقتين، قوله:"قتوم" بضم القاف والتاء المثناة من فوق؛ من القتمة بالضم، وهو لون فيه غبرة وحمرة.

11 -

و"النمارق": جمع نمرقة -بضم النون وهي الوسادة الصغيرة، وحكى يعقوب كسر

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 802

النون، و "الدمقس" بكسر الدال وفتح الميم وسكون القاف وفي آخره سين مهملة، وهو الإبريسم، قوله:"سئيم" بفتح السين المهملة وكسر الهمزة، وهو من السآمة وهي الملالة.

12 -

قوله: "ولا لغو" وهو القول الباطل، و"التأثيم": من أثمته إذا قلت له: أثمت.

[والمعنى: ليس في الجنة قول باطل ولا شيء فيه إثم حتى يقال لفاعله قد أثمت]

(1)

، وقال ابن سيده: يجوز أن يكون التأثيم مصدر أثم، ولم أسمع به، ويجوز أن يكون اسمًا كما ذهب إليه سيبويه في التثبيت والتتمين، ثم قال: وقال أمية بن أبي الصلت:

فلا لغو ..............

..................... إلى آخره

قوله: " ولا فيها مليم "أي آتٍ ما يلام عليه.

13 -

قوله: "وفيها لحم ساهرة" أي: وفي الجنة لحم ساهرة، و "بحر" أي: لحم بر وبحر، و "الساهرة": أرض يحددها الله تعالى يوم القيامة، وقال المفسرون في قوله تعالى:{فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: 14]؛ أي: وجه الأرض، ثم أنشدوا هذا البيت، ومن الغريب قول قتادة

(2)

: الساهرة جهنم؛ لأنها لا نوم فيها

(3)

، ويروى: وفيها لحم ساهرة وطير.

والبيتان الأخيران كما تراهما مثبتان في ديوان أمية، وهكذا رواهما أهل اللغة والشعراء وأهل التفسير -أيضًا-، وأما النحويون فإنهم حرفوهما وركبوا صدر بيت على عجز آخر

(4)

.

الإعراب:

قوله: "فلا لغو" الفاء للعطف، والأصح: ولا لغو بالواو، وكلمة:"لا" لنفي الجنس، ولكنها ألغيت وأعملت عمل ليس، وقوله:"لغو" بالرفع اسمه، وخبره قوله:"فيها"، ومذهب سيبويه أن "فيها" خبر للغو، ولقوله:"ولا تأثيم"؛ لأن العامل عنده في خبر "لا" هو الابتداء

(5)

، ومن جعل "لا" عاملة في الخبر أضمر خبر أحدهما لئلا يلزم من جعله خبرًا لهما، أعني: فيها إعمال عاملين أحدهما معنوي، والآخر لفظي في شيء واحد

(6)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز أبو الخطاب السدوسي البصري (ت 118 هـ)، ينظر الأعلام (5/ 189).

(3)

ينظر البحر المحيط (8/ 421)، والجامع لأحكام القرآن الكريم (19/ 200)، طبعة بيروت.

(4)

انظر حديث هذا بالتفصيل وما فعله النحويون في شواهد النحو العربي في كتابنا: تغيير النحويين للشواهد (32).

(5)

الكتاب لسيبويه (2/ 284، 285، 317).

(6)

هو مذهب الأخفش، ينظر شرح الأشموني (2/ 4).

ص: 803

وقال الزركشي

(1)

في شرح مقدمة ابن الحاجب

(2)

، وفيها في قوله:"لا لغو ولا تأثيم" خبر لهما عند سيبويه ولأحدهما عند غيره، والآخر محذوف، قوله:"ولا تأثيم" مبني على الفتح، وإنما لم يجز نصبه بعد رفع الأول؛ لأن لا النافية إن أعملتها إعمال إن وجب في الاسم بعدها البناء على الفتح؛ لأنه مفرد، وإن لم تعملها وجب رفعه لعدم نصب المعطوف عليه لفظا ومحلًّا، قوله:"وما": مبتدأ موصول، و "فاهوا به": جملة صلته، وقوله:"أبدًا": نصب على الظرف، وقوله:"مقيم": خبر المبتدأ.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فلا لغو ولا تأثيم فيها" حيث ألغيت لا الأولى ورفع الاسم بعدها وجاء في الثاني وهو قوله: "ولا تأثيم" الفتح على إعمال لا الثانية؛ كما بيناه.

‌الشاهد السادس عشر بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

لَا نَسَبَ اليَومَ ولَا خُلَّةً

اتّسَعَ الخِرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ

أقول: قائله هو أنس بن عباس بن مرداس السلمي، ويقال: قائله أبو عامر جد العباس بن مرداس، وبعده:

كالثوْبِ إِذَا أَنْهَجَ فِيهِ البلَى

أَعْيَا عَلَى ذِي الحِيلَةِ الصّانِعِ

وروى أبو علي القالي

(5)

:

........................

اتسعَ الفَتْقُ عَلَى الرَّاتِقِ

(1)

هو بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، أحد العلماء الأثبات، من جهابذة أهل النظر وأرباب الاجتهاد من أعلام الفقه والحديث والتفسير وأصول الدين، ومؤلفاته تربو على الثلاثين، توفي سنة (794 هـ)، ينظر البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/ 3 - 12)، وشذرات الذهب (6/ 335).

(2)

هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس العلامة جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب الكردي المقرئ النحوي، له في النحو: الكافية وشرحها ونظمها، والوافية وشرحها، وفي التصريف: الشافية وشرحها، وشرح المفصل شرحًا أسماه: الإيضاح، وله الأمالي في النحو وغيرها (ت 646 هـ)، بغية الوعاة للسيوطي (2/ 134، 135).

(3)

ابن الناظم (71)، وأوضح المسالك (2/ 20) وشرح ابن عقيل (2/ 12).

(4)

البيت من بحر السريع، وقد نسب إلى شاعرين كما بينه الشارح وهو في العتاب، وانظره في تخليص الشواهد (405)، والدرر (6/ 175)، وشرح شواهد المغني (601)، والكتاب لسيبويه (2/ 285، 309)، وأمالي ابن الحاجب (1/ 412)، وابن يعيش (2/ 101، 135)، والمغني (226).

(5)

ينظر ذيل الأمالي (73)، وشرح شواهد المغني (601).

ص: 804

وقيل: هو الصواب؛ لأن قبله هو قوله

(1)

:

لَا صُلْحَ بَيني فَاعْلَمُوهُ ولَا

بَينَكُمُ ما حَمَلَتْ عَاتقِي

سَيفي وَمَا كُنَّا بِنَجْدٍ وَمَا

قَرْقَرَ قُمْرُ الوَادِ بالشَّاهقِ

قلت: كلتا القافيتين مرويتان، ثم يحتمل أن يكون قائلهما واحدًا أو اثنين، ويكون الشطر الأول وهو قوله:"لا نسب اليوم ولا خلة" صادرًا منهما على توارد الخاطر أو على السرقة الشعرية وهي من السريع

(2)

، قوله:"ولا خلة" بضم الخاء، أي: ولا صداقة، قوله؛ "على الراقع" من رقع الثوب إذا أصلح الموضع المتخرق منه، قوله:"أنهج فيه البلى" يقال: أنهج الثوب إذا أخذ في البلى بكسر الباء من بلى الثوب يبلى إذا أخلق، قوله:"أعيا" من أعيا على الرجل أمره إذا صعب واشتد، قوله:"عاتقي" العاتق: موضع الرداء من المنكب، وإنما قال: حملت عاتقي بالتأنيث، لأن العاتق يؤنث ويذكر، وإن كان الأفصح تذكيره، وفيه التضمين وهو من عيوب الشعر

(3)

، وذلك لأن قوله:"سيفي" معمول لقوله: "حملت"، قوله:"قرقر" أي: صوت، يقال: قرقرت الحمامة قرقرة وقرقيرًا، قوله:"قمر الوادي" بضم القاف وسكون الميم وفي آخره راء، وهو إما جمع أقمر مثل: أحمر وحمر، وإما أن يكون جمع قُمْيري مثل: رومي وروم، وزنجي وزنج، وهكذا قال الجوهري، ثم أنشد البيتين المذكورين أعني: "لا صلح بيني فاعلموه

إلى آخره" ونسبهما إلى أبي عامر جد العباس بن مرداس كما ذكرنا

(4)

، قوله:"بالشاهق" وهو الجبل المرتفع، والباء تصلح أن تكون ظرفًا بمعنى في، وتصلح أن تكون بمعنى على؛ كما في قوله تعالى:{مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] أي: على قنطار.

وأصل هذا الشعر أن النعمان بن المنذر بعث جيشًا إلى بني سليم فهزمته بنو سليم فمر الجيش على غطفان فاستجاشوا؛ أي: طلبوا الجيش علي بني سليم بالرحم التي كانت بينهم، فقال الشاعر وهو من بني سليم الشعر المذكور، يقول: لا نسب ولا قرابة [اليوم]

(5)

بيننا، وقد تفاقم الأمر بحيث لا يرجى خلاصه، فهو كالخرق الواسع في الثوب لا يقبل رقع الراقع أو كفتق واسع لا يقدر أحد أن يرتقه.

(1)

ينظر شرح شواهد المغني (601).

(2)

الأبيات من السريع، ونسبها العيني إلى الرجز المسدس، وهو خطأ.

(3)

ينظر أوزان الشعر وقوافيه من مسرحية كليوباترا (142) د: علي فاخر.

(4)

الصحاح مادة: "قمر".

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 805

الإعراب:

قوله: "لا نسب اليوم" كلمة لا لنفي الجنس، "ونسب": اسمها مبني على الفتح، و "اليوم": ظرف في محل خبرها أو الخبر محذوف، والتقدير: لا نسب اليوم بيننا، قوله:"اتسع الحرق": جملة من الفعل والفاعل وقوله: "على الرائق" يتعلق به في محل النصب على المفعولية.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولا خلة" حيث نصب على تقدير أن تكون لا زائدة للتأكيد، ويكون خلة عطفًا على محل اسم لا التي قبلها تنزيلًا لحركة البناء العارضة بسبب داخل دخل منزلة حركة الإعراب، ومثله: يا زيد الفاضلُ برفع الصفة

(1)

.

وقال ابن مالك: هو عطف على محل اسم لا بعد دخولها؛ فإن له محلين: محلًّا قبل دخولها وهو الرفع بالابتداء، ومحلًّا بعد دخولها وهو النصب بلا؛ فإنها عاملة عمل إن

(2)

.

وقال يونس في خلة: انه مبني، ولكنه نونه للضرورة

(3)

، واستشهد به الزمخشري في أن:"لا خلة" منصوب بفعل مقدر لا أنه اسم لا فافهم

(4)

.

‌الشاهد السابع عشر بعد الثلاثمائة

(5)

،

(6)

فَلَا أَبَ وَابْنًا مِثْلَ مَرْوَانَ وَابْنِهِ

إِذَا هُوَ بِالمجدِ ارْتَدَى وَتَأَزَّرَا

أقول: قائله هو رجل من بني عبد مناة بن كنانة فيما زعمه أبو عبيد البكري، وأنشده سيبويه في كتابه ولم يعزه إلى أحد

(7)

.

(1)

قال ابن يعيش: "في نصب الخلة يحتمل أمرين: أحدهما: أن تكون لا مزيدة لتأكيد النفي دخولها كخروجها فنصبت الثاني بالعطف على الأول بالواو وحدها واعتمد بلا الأولى على النفي وجعل الثانية مؤكدة للحجة .... الثاني: أن تكون نافية عاملة كالأولى كأنه استأنف بها النفي". ابن يعيش (1/ 101) وما بعدها، وينظر توضيح المقاصد (1/ 366).

(2)

ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (524)، وينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 68).

(3)

قال سيبويه: "وأما يونس فزعم أنه نون مضطرًا، وزعم أن قوله (البيت) على الاضطرار". ينظر الكتاب لسيبويه (2/ 308، 309)، والمفصل بشرح ابن يعيش (2/ 101).

(4)

ينظر المفصل للزمخشري (75)، شرح المفصل لابن يعيش (2/ 101).

(5)

ابن الناظم (72)، وتوضيح المقاصد (1/ 367)، وأوضح المسالك (2/ 22).

(6)

البيت من بحر الطويل نسب للربيع بن ضبيع الفزاري في الخزانة (4/ 67)، وشرح التصريح (1/ 243)، ونسب للفرزدق أو لرجل من عبد مناة في الدرر (6/ 172)، وانظره في أمالي ابن الحاجب (9/ 411)، وابن يعيش (2/ 101)، والكتاب لسيبويه (2/ 285)، واللامات (105)، والمقتضب (4/ 372).

(7)

الكتاب لسيبويه (2/ 285).

ص: 806

وهو من الطويل.

وأراد بمروان هو ابن الحكم بن العاص بن أمية، وبابنه هو عبد اللك بن مروان لأنه يمدحهما.

و"المجد" هو الكرم، يقال: رجل مجيد؛ أي: كريم، و "ارتدى": إذا لبس الرداء، و "تأزر": إذا لبس الإزار، والارتداء والاتزار [بالمجد]

(1)

كناية عن غاية الكرم ونهاية الجود فكأنهما متلبسان به لا يفارقانه.

وقال ابن يسعون: وضرب الشاعر التأزر والارتداء مثلًا لما أحرزاه من كمال علا؛ لأن الارتداء لا يحسن إلا ممن بلغ من شرف الملبس الانتهاء؛ كما أن شد الإزار من الأوصاف المقتضية للحزم أو للعفاف أو لهما معًا أو جامعهما على موضع من الشرف.

الإعراب:

قوله: "فلا أب" الفاء عاطفة إن كان قبله "أب"، وإلا فزيدت لأجل الضرورة وتحسينًا للكلام، وكلمة:"لا" لنفي الجنس، وقوله؛ "أب": اسمها، وقوله:"مثل مروان": كلام إضافي خبرها. وقال أبو علي

(2)

: قوله: "مثل مروان" يحتمل أن يكون صفة وأن يكون خبرًا، فإن كان خبرًا فهو مرفوع لا غير ولا حذف، وإن كان صفة يجب تقدير الخبر، ويحتمل:"مثل" النصب على اللفظ والرفع على المحل، ثم قال: هذا قبيح لأنك عطفت بالنصب فلا تحكم برفعه بعدما حكمت بنصبه، فهذا أقبح من أن تحمل الأسماء المبهمة على المعنى ثم ترجع إلى اللفظ لأن الاسم كما يعلم منه الإفراد فقد يعلم منه الجمع، ولا يعلم من الرفع النصب ولا من النصب الرفع؛ فلذلك

(3)

استجيز حمل الصفة هنا على اللفظ؛ يعني: مع كون أحد الموصوفين مبنيًّا، وكون الآخر معربًا؛ لأن هذا المبني أصله الإعراب، ولا يكون "مثل" صفة للمعطوف فقط لإضافته إلى مروان وابنه المتعاطفين بالواو التي هي للجمع، وإنما صح أن يكون:"مثل" خبرًا عن الاثنين أو صفة لهما مع إفراد لفظه؛ كما صح مجيئه للجماعة؛ كما في قوله تعالى: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 1140] وإذا منتصبة بما في: "مثل" من معنى المماثلة سواء أقدرت مثلًا صفة أو خبرًا، أو منتصبًا بالخبر الذي تضمره إذا قدرت مثلًا صفة، وإفراد الضمير في "ارتدى وتأزرا" بمنزلة الإفراد في قوله تعالى:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11]

(4)

، وروى ابن الأنباري:

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر المسائل البصريات (490، 491).

(3)

في (أ) ولهذا.

(4)

ينظر المسائل البصريات (490، 491).

ص: 807

إذا ما ارتدى بالمجد ثم تأزرا

(1)

، ورواية سيبويه أولى

(2)

؛ لأن الاتزار قبل الارتداء، والواو تأتي لغير ترتيب بخلاف ثم

(3)

، وقال أبو الحجاج: ولو أمكنه الوزن لقال: إذا هما بالمجد ارتديا وتأزرا؛ لكنه اكتفى بالخبر عن الواحد منهما اختصارًا لفهم المعنى.

قوله: "وابنه": عطف على مروان، قوله:"إذا": ظرف لما قبلها، وقوله:"هو": مبتدأ، و "ارتدى": خبره، و"بالمجد" يتعلق به في محل النصب على المفعولية، قوله:"وتأزرا": عطف على قوله: "ارتدي"، والألف فيه للإطلاق لا للتثنية. فافهم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: " [وابنًا]

(4)

حيث عطف بالنصب على لفظة اسم لا التي لنفي الجنس، ويجوز فيه الرفع، وذلك أن:"لا" إذا لم تتكرر وعطف على اسمها وجب فتح الأول، وجاز في الثاني النصب والرفع

(5)

.

‌الشاهد الثامن عشر بعد الثلاثمائة

(6)

،

(7)

ألَا اصْطِبَارَ لِسَلْمَى أَمْ لَهَا جَلَدٌ

إذا أُلَاقِي الَّذي لَاقَاهُ أَمْثَالِي

أقول: قيل: إن قائله هو قيس بن الملوح، وإن موضع سلمى: ليلى.

وهو من البسيط.

والمعنى: ليت شعري إذا لاقيت ما لاقاه أمثالي من الموت أينتفي الصبر عن هذه المرأة أم يثبت لها جلد؛ وكنى عن الموت بما ذكر تسلية لها.

الإعراب:

قوله: "ألا" الهمزة للاستفهام، و "لا" لنفي الجنس، وقوله:"اصطبار": اسمه، وخبره

(1)

ليس في الإنصاف ولا في البلغة.

(2)

ينظر الكتاب لسيبويه (2/ 285).

(3)

من أشهر معاني الواو أنها لمطلق الجمع، ومن أشهر معاني ثم الترتيب والتشريك في الحكم والمهلة. ينظر المغني (117، 354)، ورصف المباني (249) وما بعدها، (473).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ينظر الشاهد رقم (316).

(6)

ابن الناظم (73)، وتوضيح المقاصد (1/ 370)، وأوضح المسالك (2/ 24)، وشرح ابن عقيل (2/ 22).

(7)

البيت من بحر البسيط وهو لمجنون ليلى قيس بن الملوح، وهو في الديوان (228)، تحقيق: عبد الستار أحمد فرج، وهو بيت مفرد، قال محقق الديوان: إن مصدره هو كتاب العيني (المقاصد الكبرى)، وانظر الشاهد في المغني (15)، وشرح شواهد المغني (42)، وتخليص الشواهد (415)، والجنى الداني (384)، والخزانة (4/ 70)، وشرح عمدة الحافظ (320).

ص: 808

محذوف وهو حاصل أو موجود، ويقال:"ألا" استفهام عن النفي، وفيه رد على الشلوبين

(1)

؛ حيث أنكر كون "ألا" للاستفهام عن النفي

(2)

، قوله:"لسلمى" يتعلق بالخبر المحذوف، قوله:"أم" متصلة معادلة للهمزة عاطفة اسمية مثبتة على مثلها منفية، وإنما سميت أم هذه متصلة لاتصال ما قبلها بما بعدها؛ لأنه لا يستغني أحدهما عن الآخر، وعلامة ذلك صلاحية الاستغناء بأي عن الهمزة وأم، ومن لوازمها كون الناطق بها مدعيًا نسبة الحكم إلى أحد المذكورين لا بعينه

(3)

، قوله:"جلد" بالرفع مبتدأ، و "لها" مقدمًا خبره، قوله:"إذا" للظرف، و "ألاقي": جملة من الفعل والفاعل وهو أنا المستتر فيه، وقوله:"الذي لاقاه أمثالي": مفعولها، و "لاقاه أمثالي": جملة من الفعل والمفعول والفاعل صلة الموصول.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ألا اصطبار" حيث أريد مجرد الاستفهام عن النفي، والحرفان باقيان على معنييهما وهو قليل؛ فلذلك توهم الشلوبين أنه غير واقع، ولكن بهذا ورد عليه كما ذكرناه

(4)

.

‌الشاهد التاسع عشر بعد الثلاثمائة

(5)

،

(6)

ألَا ارْعِوَاءَ لمن وَلَّتْ شَبيبتُهُ

وآذَنَت بمَشِيب بَعْدَهُ هَرَمُ؟

أقول: لم أقف على من عزاه إلى قائله.

وهو من البسيط.

(1)

عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله الأستاذ أبو علي الأشبيلي الأزدي المعروف بالشلوبين، صنف تعليقًا على كتاب سيبويه، وشرحين على الجزولية والتوطئة، (ت 645 هـ)، بغية الوعاة (2/ 224، 225).

(2)

قال ابن مالك في حديثه عن ألا: "وزعم أبو علي الشلويين أنه لا يقع لمجرد الاستفهام عن النفي دون إنكار وتوبيخ". ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 70)، والمغني (69).

(3)

ينظر رصف المباني للمالقي (178) وما بعدها، والمغني (41).

(4)

تأتي ألا على أوجه عديدة منها: أن تكون للتنبيه فتدل على تحقق ما بعدها، وأن تكون للتوبيخ والإنكار، وأن تكون للتمني، وأن تكون للاستفهام عن النفي، مثل بيت الشاهد مع إعمال:"لا" عمل إن، قال ابن هشام بعد أن ذكر البيت:"وفي هذا البيت رد على من أنكر وجود هذا القسم وهو الشلوبين"، المغني (69)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 70).

(5)

ابن الناظم (73)، وأوضح المسالك (5/ 22)، وشرح ابن عقيل (1/ 22).

(6)

البيت من بحر البسيط، وهو من الحكم، لقائل مجهول، يذكر من قضى عمره في اللهو والمعاصي وضيع شبابه فيما لا يفيد أن يكتفي بهذا ويعود إلى الطريق الصحيح والأمر الصواب، ونجاحه بعد أن طعن في السن، وانظر بيت الشاهد في تخليص الشواهد (414)، والدرر (2/ 232)، وشرح التصريح (1/ 245)، وشرح شواهد المغني (212)، وشرح عمدة الحافظ (319)، والمغني (68).

ص: 809

و"الارعواء": الانكفاف عن القبيح، وهو مصدر ارعوى يرعوي، قال الجوهري: رعى يرعو؛ أي: كف عن الأمور، يقال: فلان حسن الرعوة، والرعوة والرعوى والارعواء، وقد ارعوى عن القبيح.

والمعنى: ألا انكفاف عن القبيح لمن ولت، أي: أدبرت شبيبته؛ أي: شبابه، وآذنت -بالمد؛ أي: أعلمت بمشيب؛ أي: بشيخوخة بعدها هرم؛ أي: فناء.

الإعراب:

قوله: "ألا ارعواء" الهمزة للاستفهام، وكلمة:"لا" لنفي الجنس قصد بهما التوبيخ والإنكار، وقوله:"ارعواء" اسم لا، وخبره محذوف؛ أي: ألا ارعواء حاصل، قوله:"لمن ولت" يتعلق بالخبر المحذوف، "من": موصولة، و "ولت شبيبته": صلتها، "ولى" فعل ماض، "وشبيبته": فاعله، و "آذنت": عطف على قوله: "ولت"، والباء في:"بمشيب" يتعلق به، قوله:"هرم" مبتدأ، و "بعده" مقدمًا خبره، والجملة صفة للمشيب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ألا ارعواء" حيث قصد بلا التي لنفي الجنس مع الهمزة التوييخ والإنكار مع بقاء عملها

(1)

.

‌الشاهد العشرون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

ألَا عُمْرَ وَلَّى مُسْتَطَاعٌ رُجُوعُهُ

فَيَرْأَبَ مَا أَثْأَتْ يَدُ الغَفَلَاتِ

أقول: هذا احتج

(4)

به جماعة من النحاة، ولم أر أحدًا منهم عزاه إلى قائله.

وهو من الطويل.

قوله: "ولى" أي: أدبر، قوله:"فيرأب": من رأبت الإناء إذا أشعبته وأصلحته، ومنه قولهم:

(1)

ينظر الشاهد رقم (318).

(2)

ابن الناظم (73)، وتوضيح المقاصد (1/ 371)، وأوضح المسالك (2/ 26)، وشرح ابن عقيل (2/ 23).

(3)

البيت من بحر الطويل، وقائله مجهول يندم على ما قصر في عمره وضيع في حياته، ويتمنى أن يعود عمره مرة أخرى ليصلح ما فاته ولكن هيهات، وانظر بيت الشاهد في تخليص الشواهد (415)، والجنى الداني (384)، وخزانة الأدب (4/ 70)، وشرح التصريح (1/ 245)، والمغني (69)، وشرح شواهد المغني (800)، وشرح عمدة الحافظ (318)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (142).

(4)

في (أ) احتجت.

ص: 810

اللهم ارأب بينهم؛ أي: أصلح، قوله:"ما أثأت" أي: ما خرمت، وثلاثيه: ثَئِيَ يثأَى، من باب: علم يعلم علمًا، والثأي: الخرم والفتق، ومادته: ثاء مثلثة وهمزة وياءآخر الحروف، و "الغفلات": جمع غفلة.

الإعراب:

قوله: "ألا ": كلمة واحدة للتمني، كذا قال بعض المحققين، ويقال؛ الهمزة للاستفهام دخلت على لا التي لنفي الجنس، ولكن أريد بالاستفهام التمني [فيبقى]

(1)

للا بعده ما كان لها من العمل، ولا يجوز إلغاؤها ولا الإتباع لاسمها على محله من الابتداء، ولكن ليس لها خبر لا لفظًا ولا تقديرًا فقوله:"عمر": اسمها مبني على الفتح، قوله:"ولى": جملة من الفعل والفاعل وقعت صفة للعمر.

قوله: "مستطاع رجوعه": جملة اسمية، لأن "رجوعه" مبتدأ، "ومستطاع" مقدمًا خبره، والجملة في محل نصب على أنها صفة [لاسم لا]

(2)

لا في محل رفع على أنها خبر لا، لأن ألا التي للتمني لا خبر لها عند سيبويه لا لفظًا ولا تقديرًا.

فإذا قيل: ألا ماء، كان ذلك كلاما مؤلفًا من حرف واسم، وإنما تم الكلام بذلك حملًا على معناها وهو أتمنى ماءً، وكذلك يمتنع تقدير "مستطاع رجوعه" خبرًا، ويمتنع -أيضًا- تقدير "مستطاع رجوعه" جملة في موضع رفع على أنها صفة على المحل إجراء للا مجرى ليت في امتناع مراعاة محل اسمها، وهذا -أيضًا قول سيبويه

(3)

.

وخالفه في المسألتين المازني والمبرد لأنهما يجريان: "ألا" هذه مجرى ألا التي للإنكار والتوبيخ سواء

(4)

قوله: "فيرأب": منصوب، لأنه جواب تمن مقرون بالفاء؛ كما في قوله تعالى:[يا ليْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ} [النساء: 73].

قوله: "ما أثأت" كلمة ما موصولة وصلتها الجملة، يعني: أثأت يد الغفلات، وقوله:"أثأت": فعل ماض، و "يد الغفلات": كلام إضافي فاعله، والعائد محذوف تقديره: ما أثأته

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

الكتاب (1/ 308)، (2/ 289، 307)، والمغني (381، 382)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 71).

(4)

قال ابن مالك: "وإذا قصد بألا معنى التمني فهي عند المازني والمبرد كألا المقصود بها الإنكار والتوبيخ أعني لها مع مصحوبها في التمني من تركيب وعمل وإلغاء ما كان للا مجردة من الهمزة". ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 70)، والمغني (328).

ص: 811

يد الغفلات، والجملة -أعني الموصول مع صلته مفعول لقوله:"فيرأب"، واستعار للغفلات يدًا؛ كما استعارها زهير للشمال في قوله

(1)

:

إذَا أَصْبَحَتْ بِيَد الشِّمَالِ زِمَامُهَا

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ألا عمرو" حيث أريد بالاستفهام مع لا مجرد التمني، وهذا كثير

(2)

فافهم.

‌الشاهد الحادي والعشرون بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

ألَا طِعَانَ ألَا فِرْسَانَ عَادِيَةً

الا تَجَشؤَكُم حَوْلَ التنانِيرِ

أقول: قائله هو حسان بن ثابت [الأنصاري]

(5)

-رضي الله تعالى عنه- وهو من قصيدة يهجو بها الحارث بن كعب المجاشعي، وأولها هو قوله

(6)

:

1 -

حارِ بنَ كعبِ ألَا أَحلَامُ تَزجرُكُم

عَنا وَأَنْتُمْ من الجوفِ الجماخيرِ

2 -

لَا بأسَ بالقومِ منْ طولٍ ومنْ عِظَمٍ

جسمُ البغالِ وأحلامُ العصافيرِ

3 -

ذرُوا التخاجؤَ وامشوا مِشيةَ سُجُحًا

إن الرجال ذوو عَصْبٍ وتذكيرِ

4 -

ألا طعان ..................

.......................... إلى آخره

5 -

كأنكمْ خُشُبٌ جوفٌ أسافلهُ

مثقّبٌ لفحتْ فيه الأعاصيرُ

6 -

لا ينفعُ الطولُ منْ نُوكِ الرجالِ ولا

يَهدِي الإلهُ سبيلَ العشرِ البُورِ

7 -

إنِّي سَأَقْصُرُ عِرْضِي عنْ شِراركم

إنّ النجاشيَ لشيءٌ غيرُ مذكورِ

8 -

ألفَى أباهُ وألفى جدَّه حسبًا

بمعزلِ عن مساعِي المجدِ والخيرِ

وهي من البسيط.

(1)

ليس البيت في ديوان زهير كما زعم الشارح ولا في ديوان لبيد؛ إذ معلقته على هذا الوزن والروي.

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 71)، والمغني (69، 381).

(3)

ابن الناظم (73)، وتوضيح المقاصد (1/ 369).

(4)

البيت من بحر البسيط من قصيدة لحسان بن ثابت في هجاء الحارث بن كعب المجاشعي وقومه، وهي في ديوان حسان (266) بشرح البرقوقي، (179)، ط. دار المعارف، والبيت أيضًا في قصيدة لخداش بن زهير يخاطب بها بني تميم أوردها صاحبه، وانظر الخزانة (4/ 74)، وانظر بيت الشاهد في: تخليص الشواهد (414)، والجني الداني (384)، والخزانة (4/ 69)، والكتاب لسيبويه (2/ 306)، وشرح شواهد المغني (210)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 588)، والدرر (2/ 230).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

الديوان بشرح البرقوقي (266) وما بعدها.

ص: 812

1 -

قوله: "حار بن كعب": منادى مرخم؛ يعني: يا حارث بن كعب، قوله:"ألا أحلام": جمع حلم - بالضم وهو العقل، قوله:"تزجركم عنا" أي: عن هجائنا.

وذلك أن الشاعر النجاشي هجا بني النجار من الأنصار، فشكوا ذلك لحسان -رضي الله تعالى عنه- فقال هذه الأبيات، ثم قال: ألقوا بها على صبيان المكانب ففعلوا، فبلغ ذلك بني عبد المدان، فأوثقوا النجاشي وأتوا به إلى حسان وحكموه فيه فأمر بالناس فحضروا وجلس على سرير وأحضره موثقًا فنظر إليه مليًّا، ثم قال لابنه عبد الرحمن: هات الدراهم التي تصيب من جهة معاوية وائتني ببغلة، ففك وثاقه وأعطاه الدراهم وأركبه البغلة فشكره الناس، قوله:"الجوف" بضم الجيم؛ جمع أجوف كالسود جمع أسود وهو الواسع الجوف، قوله:"الجماخير": جمع جمخور بضم الجيم وسكون الميم وضم الخاء المعجمة، وهو العظيم الجسم القليل العقل والقوة، وأفرد في البيت الثاني الجسم وجمع الحلم، وكان القياس العكس؛ لأن وضع الجسم للواحد والحلم للجنس، ويجمع كل منهما على أفعال وفعول، قال الله تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون: 4]، [وقوله تعالى

(1)

] {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا} [الطور: 32]، وقال الشاعر

(2)

:

هلْ مِنْ حلُومٍ لأَقْوَامٍ فتُنْذِرَهُم

مَا جَرَّبَ الدهرُ مِنْ عَصْبٍ وتَضْرِيسِ

وقال الآخر:

وَلَكِني بُلِيتُ بِوَصلِ قَوْمٍ

لَهُم لحمٌ وَمَنْكَرَةٌ جُسُومُ

وروي أن بني عبد المدان كانوا يفخرون بعظم أجسامهم حتى قال فيهم حسان هذا الشعر فتركوا ذلك، ثم إنهم قالوا له رضي الله عنه أفسدت علينا أجسادنا، فقال

(3)

:

وقدْ كنَّا نَقُولُ إِذَا أَتينَا

لِذِي حسَبٍ يُعَدُّ وذِي بيانِ

كأنكَ أيُّهَا المعطى بيانًا

وجِسْمًا مِنْ بَنِي عبدِ المدانِ

فعادوا إلى الافتخار بذلك.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة لبيان الآية.

(2)

البيت من البسيط لجرير في ديوانه (393) تحقيق: إيليا الحناوي، وروايته في الديوان:

هل من حلوم لأقوام فتذرهم

ما جرب الناس من عضي وتضريس

والبيت في ديوانه (240) طبعة دار الكتب العلمية بيروت.

(3)

البيتان من الوافر ويوجدان في ديوان حسان بشرح البرقوقي (474) ونصه مختلف فيه، وهما أيضًا في ط.

دار المعارف (180) تحقيق: سيد حنفي حسنين.

ص: 813

3 -

قوله: "ذروا" أي: اتركوا التخاجؤ، وهو مشي فيه تبختر، وهو بالخاء المعجمة ثم الجيم، قوله:"سُجُحًا" بالسين المهملة والجيم والحاء المهملة؛ وهو السهل الحسن، قوله:"ذوو عصب" بالعين والصاد المهملتين؛ وهو شدة الخلق.

5 -

قوله: "لفحت" بالفاء والحاء المهملة؛ أي: أحرقت، يقال: لفحته النار والشمس أحرقته، و"الأعاصير" بالرفع، وفيه الإقواء؛ لأن بقية القافية مجرورة، وهو جمع إعصار، وهو ريح تثير سحابًا ذات رعد وبرق.

6 -

قوله: "نوك الرجال" النوك -بضم النون جمع أنوك وهو الأحمق، و "البور" بضم الباء الموحدة؛ جمع بائر وهو الهالك.

8 -

قوله: "ألفى" أي؛ وجد، قوله:"بمعزل" وهو المكان المنعزل عن الأماكن، و "المساعي": ما يسعى له الإنسان من خير وشر، و "المجد": الكرم والشرف، و "الخير" بالخاء المعجمة المكسورة؛ الكرم.

4 -

قوله: "ألا طعان" من طاعن يطاعن مطاعنة وطعانًا، و "الفرسان": الفوارس، وهو جمع فارس، وهو جمع شاذ لا يقاس عليه؛ لأن فواعل إنما هو جمع فاعلة مثل: ضاربة وضوارب ويجمع فاعل إذا كان صفة للمؤنث مثل: حائض وحوائض، وما كان لغير الآدميين مثل: جمل بازل وجمال بوازل وحائط وحوائط، فأما مذكر ما يعقل فلم يجمع عليه إلا فوارس، وذلك لأنه لا يكون في المؤنث فلا يخاف فيه اللبس

(1)

.

قوله: "عادية" بالعين المهملة؛ من العدو، ويقال: بالغين المعجمة من الغدو الذي يقابل الرواح، وقال أبو الحسن: بالمهملة أحب إلي؛ لأن العادية تكون بالغداة وغيرها

(2)

، قوله:"ألا تجشؤكم": بالجيم والشين المعجمة؛ من تجشأت تجشؤًا [وهو من الجشاء]

(3)

، وهو دليل الامتلاء من الطعام، ويقال: بالحاء والسين المهملتين من الاحتساء، قوله:"التنانير" وهو جمع التنور وهو ما يخبز فيه.

(1)

قال المرادي: "نص سيبويه على اطراد فواعل على فاعل صفة لمذكر غير عاقل كما تقدم نحو: نجوم طوالع وجبال شوامخ، قال في شرح الكافية: وغلط كثير من المتأخرين فحكم على مثل هذا بالشذوذ، وإنما الشاذ جمع فاعل صفة لمذكر عاقل على فواعل نحو: فارس وفوارس .... والذي ماثله نحو: نواكس وهوالك وغوائب وشواهد، وكلها في صفات المذكر العاقل، قيل: ويحسنه في فوارس أمن اللبس لاختصاص معناه بالمذكر، فإنه لا يقال: امرأة فارسة". توضيح المقاصد (5/ 65)، وابن يعيش (5/ 55) وما بعدها.

(2)

الصحاح مادة: "غدا"، والجشاء -بضم الجيم على فعال كأنه من باب العطاس والسعال، وهو اسم من تجشأ تجشؤًا، والتجشؤ: خروج التنفس من الفم، ويكون من امتلاء المعدة.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 814

الإعراب:

قوله: "ألا طعان" الهمزة للاستفهام دخلت على لا النافية للجنس قصد بها التوبيخ والإنكار، و "طعان": اسم لا، وليس لها خبر عند سيبويه والخليل لأنها بمنزلة ليت

(1)

، وعند غيرهما الخبر محذوف؛ أي: ألا طعان موجود

(2)

، وكذا قوله:"ألا فرسان" [وفي كتاب سيبويه: ولا فرسان بواو العطف

(3)

، قوله:"عادية" بالنصب على الحال من فرسان]

(4)

، ويروى: عادية بالوفع، فإن صح فوجهه أن يكون خبرًا.

قوله: "إلا تجشؤكم": استثناء منقطع، ويقال بالرفع على أن "إلا" صفة بمعنى غير، وقال النحاس في شرح أبيات سيبويه: ورواية أبي الحسن: إلا تجشؤكم بالنصب، وقال: استثناء ليس من الأول وهو عندي الصواب، والأول غلط؛ يعني الوفع

(5)

.

والمعنى: ألا طعان عندكم ولا فرسان منكم يعدون على أعدائهم؛ أي: لستم بأهل حرب وإنما أنتم أهل أكل وشرب، قوله:"حول التنانير": كلام إضافي منصوب على الظرف.

الاستشهاد فيه.

في قوله: "ألا طعان" حيث جاء فيه: "ألا" للتوبيخ والإنكار مع بقاء عملها

(6)

.

‌الشاهد الثاني والعشرون بعد الثلاثمائة

(7)

،

(8)

لَا سَابِغَاتٍ وَلَا جَأْوَاءَ بَاسِلَةً

تَقِي المنُونَ لَدَى اسْتِيفَاءِ آجَالِ

أقول: هو من البسيط.

قوله: "لا سابغات": جمع سابغة، وهي الدرع الواسعة، قوله:"ولا جأواء" بفتح الجيم وسكون الهمزة وفتح الواو ممدود، ويقال: كتيبة جأواء بينة الجأي؛ وهي التي يعلوها السواد لكثرة

(1)

ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 289، 307، 308)، والمقتضب (4/ 382)، والمغني (381).

(2)

هو رأي المبرد والمازني كما في المقتضب (4/ 369، 382، 383)، والمغني (382).

(3)

ينظر الكتاب لسيبويه (2/ 306).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

لم نجده في الكتاب المذكور وهو شرح أبيات شرح التصريح، الكتاب للنحاس، انظره تحقيق د. وهبة متولي (ص 210).

(6)

ينظر الشاهد رقم (318).

(7)

ابن الناظم (71).

(8)

البيت من بحر البسيط، وقائله مجهول، يدعو إلى الحرب وقتال الأعداء التي تقصر الآجال، وبيت الشاهد في تخليص الشواهد (396)، والدرر (2/ 226)، وشرح قطر الندى (167)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 146)، ولم يشر العيني إلى نسبته.

ص: 815

الدروع، والجؤوة مثل الجفوة: لون من ألوان الخيل والإبل؛ وهي حمرة تضرب إلى السواد، يقال: فرس أجأى والأنثى جأواء.

قوله: "باسلة": من البسالة وهي الشجاعة، يقال: بسُل -بالضم فهو باسل، أي: بطل، والأنثى باسلة، قوله:"تقي المنون"، أي: ترد الموت، قوله:"لدى استيفاء آجال" أي: عند استكمال الأعمار.

الإعراب:

قوله: "لا سابغات" كلمة لا لنفي الجنس، "وسابغات": اسمه مبني على الفتح، ويجوز كسرها -أيضًا-، قوله:"ولا جأواء": عطف عليه، وقوله:"باسلة": صفة للجأواء، قوله:"تقي المنون": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير الذي يرجع إلى السابغات، والمفعول وهو المنون، والجملة خبر لا، قوله:"لدى": بمعنى عند مضاف إلى الاستيفاء، والاستيفاء مضاف إلى الآجال.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لا سابغات" حيث يجوز فيه الوجهان: الكسر بلا تنوين، والفتح وهو المختار فافهم

(1)

.

‌الشاهد الثالث والعشرون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

أَلَا رَجُلًا جَزَاهُ اللهُ خَيرًا

يَدُلُّ عَلَى مُحَصِّلَةٍ تَبِيتُ

أقول: هذا أنشده سيبويه في كتابه

(4)

، ولم يعزه إلى قائله، وبعده

(5)

:

تُرَجِّلُ لِمَّتِي وَتَقُمُّ بَيتي

وَأُعْطِيهَا الإِتَاوَةَ إنْ رَضِيَتْ

وأنشد الأزهري

(6)

هذين البيتين، وقال: هما لأعرابي أراد أن يتزوج امرأة بمتعة

(7)

.

(1)

والفتح أشهر وهو المختار عند ابن مالك وغيره، ينظر الشاهد (308).

(2)

ابن الناظم (73).

(3)

البيت من بحر الوافر، لم ينسب في كثير من مراجعه، وتد نسب لشاعر جاهلي يدعى عمرو بن قنعاس المرادي في الخزانة (3/ 51)، وشرح شواهد المغني (214)، وأمالي ابن الحاجب (267)، وتخليص الشواهد (415)، والجنى الداني (382)، وتذكرة النحاة (43)، والكتاب لسيبويه (2/ 308)، والمغني (69)، والنوادر (56).

(4)

الكتاب لسيبويه (2/ 308).

(5)

بنظر الصحاح مادة: "حصل" وروايته في هامشه:

ترجل جمتي وتقم بيتي

وأعطيها الإتاوة إن رضيت

(6)

محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي أحد أئمة اللغة والأدب (ت 370 هـ)، الأعلام (5/ 311).

(7)

البيت الأول فقط يوجد في تهذيب اللغة مادة: "حصل".

ص: 816

وهما من الوافر فيهما العصب والقطف.

1 -

قوله: "محصلة" بكسر الصاد المشددة، قال الجوهري: المحصلة: المرأة التي تحصل بن الذهب تراب المعدن

(1)

، وقال ابن فارس: وأصل التحصيل: استخراج الذهب من حجر المعدن وفاعله المحصل، ثم أنشد البيت المذكور

(2)

.

قوله: "تبيت" بفتح التاء المثناة من فوق وفي آخره تاء مثناة من فوق، وأصله من تبيت تفعل، كما يقال: بات يفعل كذا إذا فعل بالليل، كما يقال ظل يفعل كذا إذا فعل بالنهار، ويقال: تبيت بضم التاء، من أبات يبيت من باب الإفعال، يقال: غابت فلانة عن منزلها فتبيتنا عندها، ويقال: معناه: تكون لي بيتًا، أي: امرأة بنكاح، والبيت النكاح.

وقال ابن هشام اللخمي في كتاب شرح أبيات الجمل: هي تبيث بثاء مثلثة، والعرب تقول بثت الشيء بوثًا وبثته بيثًا إذا استخرجته، فأراد امرأة تعينه على استخراج الذهب وتخليصه من تراب المعدن، وفسره الأعلم على ما وقع في كتاب سيبويه فقال: طلبها للمبيت إما للتحصيل وإما للفاحشة

(3)

.

وكلاهما قد وَهِما لعدم اطلاعهما على ما بعد البيت، فإن الثاني على التاء المثناة من فوق فبالضرورة يكون الأول كذلك، وأيضًا، قوله:"ترجل" إلى آخره: خبر لقوله [تبيت، والبيت الثاني متعلق بالأول، وفيه التضمين وهو من عيوب الشعر

(4)

.

2 -

قوله:]

(5)

"ترجل" بالجيم؛ من رجلت شعره ترجيلًا إذا سرحته وأصلحته، و "اللمة" بكسر اللام وتشديد الميم، الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغ المنكبين فهو جمة، و "الإتاوة" بكسر الهمزة؛ الخراج.

الإعراب:

قوله: "ألا" الهمزة للاستفهام دخلت على لا النافية ولكن المراد بها العرض ولا يليها إلا الفعل إما ظاهرًا أو مقدرًا، وهاهنا مقدر، وهو الذي نصب الرجل؛ وذلك لأن تقدير الكلام: ألا ترونني رجلًا جزاه الله خيرًا، فحذف الفعل مدلولًا عليه بالمعنى، ويقال: إنه محذوف على شريطة التفسير، أي: ألا جزى الله رجلًا جزاه الله خيرًا، على هذا الوجه تكون ألا للتنبيه.

(1)

الصحاح مادة: "حصل".

(2)

مقاييس اللغة مادة: "حصل".

(3)

ينظر كتاب سيبويه (ط. بولاق)، (1/ 359).

(4)

ينظر أوزان الشعر وقوافيه من مسرحية كليوباترا (42).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 817

وقال يونس: ألا هاهنا للتمني، وإنما نون الشاعر الاسم للضرورة

(1)

، وفيه نظر؛ لأنه لا ضرورة في إضمار الفعل بخلاف التنوين، ويروى:"ألا رجل" بالجر؛ على تقدير: ألا من رجل، وأنشده ابن فارس في كتابه:"ألا رجلٌ" بالرفع، ثم قال: رواه الأخفش "ألا رجلًا"، وقال هو إما ضرورة وإما على: هات لي رجلًا

(2)

.

فإن صحت رواية الرفع يكون وجهه أن يكون مرفوعًا بالابتداء، وتخصص بتقديم الاستفهام عليه، وخبره قوله:"يدل على محصلة"، وأما في حال انتصابه فيكون "بدل"

(3)

صفة للرجل، وجزم الجوهري بوجه الرفع بأن يكون فاعلًا بفعل محذوف يفسره يدل

(4)

، ووجه الجر أضعف الوجوه لإعمال الجار محذوفًا ويزيده ضعفًا كونه زائدًا، ونظيره في الضعف قوله

(5)

:

.......................

وَنَهْنَهْتُ نفسِي بعدَما كدت أَفْعَلَهْ

على قول سيبويه: إن التقدير: أن أفعله؛ لأن "أن" وإن كانت غير زائدة لكن دخولها في خبر كاد قليل

(6)

.

قوله: "جزاه الله خيرًا": جملة دعائية ولا محل لها من الإعراب، قوله:"على محصلة" يتعلق بقوله: يدل؛ أي على امرأة محصلة، قوله:"تبيت": جملة من الفعل والفاعل وهو اسمه، وخبره هو قوله:"ترجل" إلى آخره في البيت الثاني كما ذكرناه، وقيل: إن محلها نصب على الحال، فإن صح فوجهه أن يكون حالًا منتظرة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ألا رجلًا" حيث وقعت ألا هاهنا للعرض والتحضيض، ومعناهما: طلب الشيء، ولكن العرض طلب بلين، والتحضيض طلب بحث فافهم

(7)

.

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 71)، والمغني (70).

(2)

ينظر مقاييس اللغة لابن فارس، مادة:"حصل".

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

الصحاح مادة: "حصل".

(5)

هذا عجز بيت من الطويل لعامر بن جؤين الطائي وصدره:

فلم أر مثلها خباسة واجد

...............................

وشاهده حذف أن المصدرية وبقاء عملها، والبيت في الكتاب لسيبويه (1/ 307)، وشرح التسهيل لابن مالك (4/ 50)، والمغني (64).

(6)

قال سيبويه بعد أن ذكر البيت: "فحملوه على أن؛ لأن الشعراء قد يستعملون أن هاهنا مضطرين كثيرًا". الكتاب لسيبويه (1/ 307).

(7)

من أوجه ألا أن تكون للعرض والتحضيض، ومعناهما: طلب الشيء، لكن العرض طلب بلين والتحضيض طلب بحث، ونصب رجلًا بفعل محذوف دل عليه المعنى، والتقدير: ألا ترونني رجلًا، ينظر المغني (69).

ص: 818

‌الشاهد الرابع والعشرون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

وَرَدَّ جَازِرُهُمْ حرفًا مُصّرّمَةْ

ولَا كَريمَ مِنَ الولْدَانِ مَصْبوحُ

أقول: قائله هو حاتم الطائي

(3)

؛ كذا قاله الزمخشري في المفصل

(4)

، ولكنه ما أنشد إلا عجزه، وهذا البيت مما ركب فيه صدر بيت على عجز آخر، وقد أورده هكذا سيبويه

(5)

، والجرمي في كتاب الفرج، وأبو بكر في أصوله

(6)

، وأبو علي في إيضاحه

(7)

، وتبعهم على ذلك خلق كثير كابن الناظم وغيره

(8)

.

ويقال: إن الزمخشري سلم من ذلك الغلط، ولكنه غلط من وجه آخر وهو أنه نسبه إلى حاتم الطائي؛ كما غلط الجرمي؛ إذ نسب البيت كله لأبي ذؤيب

(9)

، والصواب أنه لرجل جاهلي من بني النبيت

(10)

، اجتمع هو وحاتم والنابغة الذبياني عند ماوية بنت غفزر خاطبين لها، فقدمت حاتم عليهم وتزوجته، فقال هذا الرجل شعرًا، وأوله هو قوله

(11)

:

1 -

هلّا سألتِ النبيتيّين مَا حَسَبي

عندَ الشتاء إذا ما هبت الريحُ

2 -

وَرَدَّ جَازِرُهُمْ حرفًا مُصّرّمَة

في الرأس منهَا وفي الأَصْلَاءِ تمليحُ

3 -

وقال رائدُهُم سيَّانَ ما لَهُمُ

مثلان مثل لمنْ يرعى وتسريحُ

4 -

إذا اللقاحُ غدتْ مُلْقًى أصِرَّتُهَا

ولَا كريمَ منَ الولدَانِ مَصْبُوحُ

(1)

ابن الناظم (73)، وشرح ابن عقيل (2/ 25).

(2)

البيت من بحر البسيط، وقد اختلف في قائله على ما تراه وتقرأه في الشرح، وسبب ذلك كله خلط الرواة، وورد البيت في أكثر من مكان وأكثر من ديوان (ديوان حاتم الطائي (311) تحقيق عادل جمال، مطبعة المدني، وانظر بيت الشاهد في: الكتاب (2/ 299)، وابن يعيش (1/ 107)، والمقتضب (4/ 370).

(3)

هامش ديوان حاتم (63) بتقديم: حنا الحتي.

(4)

ينظر المفصل للزمخشري (29)، وشرح ابن يعيش (1/ 107).

(5)

الكتاب لسيبويه (2/ 299) بلا نسبة.

(6)

الأصول لابن السراج (1/ 311) تحقيق عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة.

(7)

ينظر الإيضاح بشرح المقتصد (803)، وشرح شواهد الإيضاح (205).

(8)

ابن الناظم (73)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 57)، ورصف المباني (337).

(9)

نسب إليه في شرح شواهد الإيضاح (205)، والمفصل (29)، وشرحه لابن يعيش (1/ 107)، وهو في ملحق شرح أشعار الهذليين (3/ 1307)، تحقيق: عبد الستار فراج ومحمود شاكر.

(10)

لم أر أحدًا نسبه إليه إلا العيني، ونص عليه في المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (175).

(11)

هامش الديوان (63)، تحقيق: حنا الحتي، والأغاني (17/ 382).

ص: 819

وهي

(1)

من البسيط.

قوله: "هلا سألت النبيتيين" وهو جمع نبيتي نسبة إلى نبيت، وهو عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، ويروى:

هلا سألت هداك الله ما حسبي

................................

قوله: "جازرهم" الجازر: الذي ينحر الإبل، والجازر هاهنا للجنس؛ إذ لا يكون في العادة للحي جازر واحد، قوله:"حرفًا" بفتح الحاء المهملة وسكون الراء وفي آخره فاء؛ وهي الناقة الضامرة الصلبة شبهت بحرف الجبل، وكان الأصمعي يقول: الحرف: الناقة المهزولة، وقد أحرفت ناقتي إذا أهزلتها

(2)

ويقال: الحرف: الناقة المسنة، قوله:"مصرمة" بضم الميم الأولى وفتح الصاد المهملة والراء المشددة والميم المفتوحة، ويقال: ناقة مصرمة إذا قطع طبياها لييبس الإحليل ولا يخرج اللبن ليكون أقوى لها، ويروى: مضمرة بضم الميم الأولى وفتح الضاد المعجمة والميم المشددة وبالراء؛ أي: مهزولة؛ من الضمر بالضم وهو الهزال.

قوله: "وفي الأصلاء": جمع صلاء، وهو ما حول الذنب، هكذا رواه أبو حنيفة في الثبات، وأبو الفرج في الأغاني

(3)

وروى قاسم بن ثابت

(4)

في الدلائل: "وفي الأنقاء"، واحدها: نقي وهو كل عظم فيه مخ أو شيء من سمن

(5)

وروى ابن الأعرابي: وفي الرجلين، قال: أراد بالرأس العين وبالرجلين السلامى كما قال:

مَا دَامَ مُخٌّ في سُلامَى أو عَيْن.

قال: وأول ما يبدو السمن في اللسان والكرش، وآخر ما يبقى في السلامى والعين، والسلامى: عظام صغار، وفي كل رجل أو يد منها أربع سلاميات أو ثلاث، قوله:"تمليح" أي: شيء من ملح؛ أي: شحم، وقال بعضهم: إنما سمي الشحم بالملح تشبيهًا له به، قوله:"إذا اللقاح غدت" وهي جمع لقوح وهي الناقة الحلوب، قوله:"أصرتها": جمع صرار -بكسر الصاد المهملة وهو خيط يشد به رأس ضرع الناقة لئلا يرضعها ولدها، وإنما ألقيت حيث لم يكن ثمت درّ، قوله:"من الولدان": جمع وليد، قال الجوهري: الوليد: الصبي والعبد، والجمع: ولدان وولدة، والوليدة: الصبية والأمة، والجمع: الولائد

(6)

.

(1)

في (أ) وهو.

(2)

الصحاح مادة: "حرف".

(3)

ينظر كتاب الأغاني (17/ 382).

(4)

هو قاسم بن ثابت بن حزم العوفي (ت 302 هـ)، ينظر الأعلام (5/ 174).

(5)

ينظر الصحاح مادة: "نقى"، واللسان مادة:"نقى".

(6)

الصحاح مادة: "ولد".

ص: 820

قوله: "مصبوح": مفعول من صبحته بالتخفيف إذا أسقيته الصبوح، وهو الشراب بالغداة، وهو خلاف الغبوق.

وقال ابن يسعون: المصبوح الذي يسقى اللبن صباحًا، يصف الشاعر بهذا سنة شديدة الجدب قد ذهبت بالمرتفق؛ فاللبن عندهم متعذر لا يسقاه الولد الكريم فضلًا عن غيره لعدمه، فجازرهم يرد عليهم من المرعى ما ينحرون للضيف؛ إذ لا لبن عندهم.

الإعراب:

قوله: "ورد": فعل ماض، و "جازرهم": كلام إضافي فاعله، و "حرفًا": مفعوله، و "مصرمة": صفة للحرف، قوله:"ولا كريم": كلمة لا لنفي الجنس، وكريم اسمه و "مصبوح" بالرفع خبره؛ كما قال أهل الحجاز، واختاره الجومي، وبه جزم سيبويه

(1)

، وأجاز الفارسي أن يكون صفة لكريم على الموضع، والخبر محذوف، وتبعه الزمخشري

(2)

، قوله:"من الولدان" يتعلق بقوله: "مصبوح".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولا كريم من الولدان مصبوح" حيث ذكر خبر لا لأنه لم يكن مما يعلم، فإذا لم يعلم يجب ذكره

(3)

.

* * *

(1)

ينظر الكتاب لسيبويه (2/ 299، 300).

(2)

قال الفارسي بعد أن ذكر البيت: "إن شئت جعلت مصبوحًا صفة على الموضع" ينظر الإيضاح بشرح المقتصد (803)، وقال الزمخشري -أيضًا- بعد أن ذكر البيت:"يحتمل أمرين .... الثاني: ألا يجعل مصبوحًا خبرًا ولكل صفة محمولة على محل لا مع المنفي وارتفاعه بالحرف -أيضًا- لأن لا محذو بها حذو إن من حيث أنها نقيضتها ولازمة للأسماء لزومها". المفصل في علم العربية (30)، دار الجيل، وشرح ابن يعيش (1/ 105).

(3)

إذا كان خبر لا النافية للجنس ظرفا أو جارًّا ومجرورًا فلا يحذف عند جميع العرب، وإن كان مفردًا فبنو تميم يجيزون حذفه وأهل الحجاز لا يحذفونه فيظهرونه مرفوعًا، وهنا جاء الخبر منطوقًا به في لغة الحجازيين؛ فمصبوح خبر لا وليس صفة لعدم الحاجة إلى تقدير. ينظر ابن يعيش (1/ 107)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 57)، ورصف المباني (337).

ص: 821

‌شواهد ظن وأخواتها

(1)

‌الشاهد الخامس والعشرون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

رَأَيْتُ اللهَ أكبَرَ كُل شَيءٍ

مُحَاوَلَةً وَأكثَرَهُمْ جُنُودًا

أقول: قائله هو خداش

(4)

بن زهير بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة بن بكر بن هوازن، وهو من قصيدة دالية، وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

فإن المرْءَ لم يخلقْ سِلامًا

ولَا حجرًا وَلَم يخْلقْ حَدِيدَا

2 -

ولكِن عَائِشًا مَا عَاشَ حَتّى

إذَا مَا كَايَدَ الأيَّام كَيدَا

3 -

رَأَيْتُ اللهَ أكبَرَ كُل شَيءٍ

مُحَاوَلَةً وَأكثَرَهُمْ جُنُودَا

4 -

تَقُوهُ أيُّهَا الفِتْيَانُ إِنِّي

رَأَيْتُ اللهَ قَدْ غَلَبَ الجُدُودَا

5 -

فجاءوا عَارِضًا بَرْدًا وَجِئْنَا

وَقَالُوا لا فِرَارَ وَلَا صُدُودَا

6 -

فَعَانَقْنَا الكُمَاةَ وَعَانَقُونَا

عِنَاقَ النُّمْرِ وَاجَهَتِ الأُسُودَا

(6)

(1)

في (أ) وأخواته.

(2)

ابن الناظم (74)، وشرح ابن عقيل (2/ 29).

(3)

البيت من بحر الوافر من قصيدة لخداش بن زهير ذكر الشارح بعض أبياتها، وبيت الشاهد بلا نسبة في تخليص الشواهد (425)، وشرح قطر الندى (17)، والمقتضب (4/ 97)، وشرح الأشموني (2/ 19)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (208).

(4)

خداش بن زهير العامري، من بني عامر بن صعصعة: شاعر جاهلي، يغلب على شعره الفخر والحماسة، يقال: إن قريشًا قتلت أباه في حرب الفجار، فكان خداش يكثر من هجوها، وقيل: أدرك حنينًا، وشهدها مع المشركين، وزاد بعض مترجميه أنه أسلم بعد ذلك، والصحيح أنه جاهلي، وقال أبو عمرو بن العلاء: خداش أشعر من لبيد، وأبي الناس إلا تقدمة لبيد، الأعلام للزركلي (2/ 302).

(5)

ينظر المستدرك في شعر بني عامر (2/ 158) وما بعدها.

(6)

روايته في المستدرك في شعر بني عامر:

فعاركنا الكماة وعاركونا

عراك النمر عاركت الأسودَا

ص: 822

7 -

لقيناهم بكل أفل عضبٍ

ترَى لِطَرِيقٍ وقْعتَهُ خدودَا

8 -

فلم أرَ مثلَهُم هُلِكُوا وذُلُّوا

ولم أَرَ مثلنا عُنُقًا مذودَا

وهي من الوافر وفيه العصب والقطف.

قوله: "سِلامًا" بكسر السين المهملة؛ وهو الحجر، قوله:"ولم يخلق حديدًا" بالحاء المهملة وهو معروف، قوله:"كايد الأيام" من الكايدة وهي الكيد وهو المكر، ويروى:

...................... حتى

إذا ما كاده الأيام ..........

قوله: "رأيت الله" ويروى: وجدت الله، وكلاهما بمعنى علمت، قوله:"محاولة" أي: قوة، ويقال: المحاولة: طلب الشيء بحيلة، وورد في الحديث

(1)

: "بكَ أصاولُ وبك أُحاولُ" وهذا المعنى لا يقال في حق الله تعالى، قوله:"وأكثرهم جنودًا" هكذا هو في رواية أبي حاتم، وفي رواية أبي زيد:"وأكثرهم عديدَا"، وابن الناظم نسب ما رواه أبو حاتم إلى أبي زيد وليس كذلك، قوله:"تقوه" من القاهة بالقاف، وهي الطاعة، قوله:"عارضًا بردًا" أراد بالعارض السحاب، و "البرد" بالباء الموحدة وكسر الراء، وهو صفة للعارض، يقال: سحاب برد وأبرد، أي: ذو برد بفتحتين، و "الفرار": الهروب، و "الصدود": الإعراض، و"الكماة" بضم الكاف، جمع كمي وهو المتغطي [في السلاح]

(2)

، قوله:"بكل أفل" بفتح الهمزة والفاء وتشديد اللام، يقال: سيف أفل، أي: بيِّن الفلل، وهو الكسر في حده من كثرة الضرب، و "العضب": بمعنى العاضب أي: القاطع، و "الخدود": جمع خد وهو الشق في الأرض، قوله:"عنقًا مدودًا" العنق بضم العين والنون، يقال: هم عنق إليك؛ أي: ماثلون إليك ومنتظروك، والمدود: فعول من مد الشيء.

الإعراب:

قوله: "رأيت" من روية القلب بمعنى العلم يقتضي مفعولين، ولفظة:"الله": مفعوله الأول، وقوله:"أكبر": مفعوله الثاني، وهو مضاف إلى كل، "وكل" مضاف إلى "شيء"، وقوله:"محاولة" نصب على التمييز أي: من حيث المحاولة أي: القدرة والطاقة، قوله:"وأكثرهم جنودًا" بالنصب عطف على قوله: "اكبر كل شيء"، و "جنودًا" نصب على التمييز.

الاستشهاد فيه:

في كون: "رأيت" بمعنى علمت التي تقتضي المفعولين وتضاف الرؤية حينئذ إلى القلب، وأما

(1)

أخرجه النسائي في سننه الكبرى، كتاب السير، باب الدعاء إذا خاف قومًا (5/ 189)، عن صهيب بلفظه.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 823

إذا كانت رؤية البصر فلا تقتضي حينئذ إلا مفعولًا واحدًا كما قد عرف في موضعه فافهم

(1)

.

‌الشاهد السادس والعشرون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

دُرِيتَ الوَفِيّ العهدَ يا عُرْوَ فاغتَبطْ

فَإنَّ اغْتِبَاطًا بالوَفَاءِ حَمِيدُ

أقول: هو من الطويل.

قوله: "دريت الوفي" على صيغة المجهول، من درى يدري إذا علم، قوله:"فاغتبط" بالغين المعجمة؛ من الغبطة وهي أن يتمنى مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها عنه وليس بحسد

(4)

، تقول منه: غبطه بما نال أغبطه، من باب: حسب يحسب، غبطًا وغبطةً فاغتبط هو؛ كقولك: منعته فامتنع وحبسته فاحتبس، ويقال: الغبطة: حسن الحال، قوله:"حميد" يعني: محمود.

الإعراب:

قوله: "دريت": يقتضي مفعولين، الأول: هو التاء التي نابت مناب الفاعل، والمفعول الثاني هو قوله:"الوفي".

فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون الوفي حالًا؟

قلت: لا يجوز لتعريفه، ويجوز في "العهد" الخفض بالإضافة والنصب على التشبيه بالمفعول به والرفع على الفاعلية، وتقدير الضمير أي: العهد منه أو إنابة اللام عنه أي: عهده، وأرجحها الخفض وأضعفها الرفع، قوله:"يا عرو" منادى مرخم؛ أي؛ عروة، قوله:"فاغتبط": جملة من الفعل والفاعل وهو أنت المستتر فيه، وهو في الحقيقة جواب شرط محذوف؛ أي: إذا أُعلمت وفي العهد فاغتبط.

قوله: "فإن اغتباطًا" الفاء للتعليل، و "اغتباطًا" اسم إن، وخبره قوله:"حميد"، وقوله:"بالوفاء" يتعلق به أي: بوفاء العهد، يعني: الوفاء مطلوب محمود؛ لأنه يحث على الازدياد منه،

(1)

من الأفعال التي تنصب مفعولين: رأى إذا كانت بمعنى الظن أو اليقين، أما إذا كانت الرؤية من رؤية البصر فلا تقتضي إلا مفعولًا واحدًا، قال ابن مالك: "ومن المستعمل للظن واليقين رأى كقوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: 6، 7]

ثم ذكر البيت وقال: ويقال: رأيت الشيء بمعنى أبصرته، ورأيت رأي فلان بمعنى اعتقدته، ورأيت الصيد بمعنى أحببته في رؤيته فهذه متعدية إلى واحد"، ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 81)، وابن يعيش (7/ 81، 82).

(2)

ينظر ابن الناظم (74)، وأوضح المسالك (2/ 33)، وشرح ابن عقيل (2/ 31).

(3)

البيت من بحر الطويل، لم ينسبه العيني إلى قائله، وهو غير منسوب في: الدرر (2/ 245) وشرح التصريح (1/ 247)، وأوضح المسالك (2/ 31)، وشرح شذور الذهب (266)، وشرح قطر الندى (171)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 149)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 79).

(4)

راجع الفروق في اللغة.

ص: 824

ولأن رؤية النعمة أدعى إلى الشكر عليها؛ قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58]، ولا شك أن الوفاء بالعهد من فضل الله -سبحانه- ورحمته بعبده، فالاغتباط به واجب أو مندوب لورود الأمر به.

الاستشهاد فيه:

على أن: "درى" بمعنى علم يقتضي مفعولين، وله استعمالان في الكلام:

أغلبهما: أن يتعدى بالباء؛ نحو: دريت بكذا، ومنه قوله تعالى:{وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} [يونس: 16]، وإنما تعدى إلى الضمير بسبب دخول همزة النقل عليه.

وأندرهما: أن يتعدى إلى اثنين بنفسه؛ كما في البيت المذكور

(1)

.

‌الشاهد السابع والعشرون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

تَعَلَّم شِفَاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّهَا

فَبَالِغْ بِلُطْفٍ التَّحَيُّل والمَكْرِ

أقول: قائله هو زياد بن سيار بن عمرو بن جابر

(4)

، وكان زياد هذا قد خرج هو والنابغة يريدان الغزو فرأى زياد جرادة، فقال: حرب ذات ألوان، فرجع ومضى النابغة، ولما رجع غانمًا قال

(5)

:

1 -

يُلاحِظ طَيرَةً أبَدًا زِيَادٌ

لتُخْبِرَهُ ومَا فيهَا خَبيرُ

2 -

أقَامَ كأنَّ لُقْمَانَ بنَ عَادٍ

أشارَ لَهُ بِحِكْمَتِه مُشِيرُ

(1)

قال ابن مالك: "ومن ذوات المفعولين درى بمعنى علم ثم ذكر البيت وقال: وأكثر ما تستعمل معداة بالباء؛ كقوله تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} [يونس: 16] ويقال: درى الذئب الصيد إذا استخفى له ليفترسه فتتعدى إلى مفعول واحدٍ" شرح التسهيل لابن مالك (2/ 79).

(2)

ابن الناظم (74)، وأوضح المسالك (2/ 31)، وشرح ابن عقيل (2/ 32).

(3)

البيت من بحر الطويل نسب في مراجعه لزياد بن سيار، وانظره في الخزانة (9/ 129)، والدرر (2/ 246)، وشرح التصريح (1/ 247)، وشرح شواهد المغني (923)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 80)، وشرح الكافية الشافية (546)، والمغني (594).

(4)

ما وجدته في الأعلام (3/ 41): زبان بن سيار بن عمرو بن جابر الفزاري: شاعر جاهلي، من أهل المنافرات، عاش قبيل الإسلام وتزوج مليكة بنت خارجة المزنية، ومات وهي شابة، فتزوجها ابنه منظور، وأسلم هذا ففرق الإسلام بينهما، وزبان، من شعراء المفضليات والحماسة الصغرى، (ت 613 م)، ولم أجد زيادًا.

(5)

من الوافر للنابغة الذبياني، وليست في كثير من طبعات ديوانه، ط. دار صادر بيروت غير طبعة بتحقيق سيف الدين الكاتب (49)، منشورات مكتبة الحياة بيروت، وينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 79)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (2/ 546)، واللسان:"علم".

ص: 825

3 -

تَعَلَّمْ أنه لا طَيرَ إلا

عَلَى مُتَطَيِّرٍ وهو الثُّبُورُ

4 -

بلَى شَيءٌ يُوافِقُ بَعْضَ شَيءٍ

أحَايِينَا وبَاطِلُهُ كَثِيرُ

والبيت المذكور من الطويل، وهي من الوافر

(1)

.

الإعراب:

قوله: "تعلم" بمعنى اعلم، وأكثر استعمال تعلم الذي بمعنى اعلم إعماله في أن؛ كما في قول النابغة المذكور آنفا، وأقله أن يتعدى إلى المفعولين؛ كما في قوله:

تعلم شفاء النفس .......

..........................

فإن: "شفاء النفس": كلام إضافي مفعوله الأول، وقوله؛ "قهر عدوها": كلام إضافي -أيضًا- مفعوله الثاني، قوله:"فبالغ": عطف على قوله: "تعلم"، وأنت مستتر فيه فاعله، وقوله:"بلطف" يتعلق به، وقوله:"في التحيل" يتعلق بقوله "بلطف"، و "المكر": عطف عليه.

الاستشهاد فيه:

على أن تعلم بمعنى اعلم، وأنه استدعى مفعولين ونصبهما وأن هذا قليل؛ لأن أكثر استعماله إعماله في أن كما ذكرناه

(2)

.

‌الشاهد الثامن والعشرون بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

وقلتُ تَعَلَّم أنَّ للصَّيدِ غرَّةً

وإلَّا تُضَيعُه فَإنكَ قَاتِلُهْ

أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، وهو من قصيدة طويلة من الطويل يمدح بها حصين

(1)

في (ب) وهي من الوافر والبيت المذكور من الطويل.

(2)

من أفعال القلوب ما يتعدى لاثنين وهو أربعة أقسام: أحدها: ما يفيد في الخبر يقينًا وهو أربعة: وجد وألفى وتعلم بمعنى: (علم) ودرى. قال الله تعالى: {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا} [المزمل: 20] و {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} [الصافات: 69]، وقوله:

دُرِيتَ الوَفي العهدَ يا عُرْوَ فاغتَبط

فَإن اغتبَاطًا بالوَفَاء حَمِيدُ

ويقول ابن مالك: "ومن أخوات علم ذات المفعولين تعلم بمعنى: اعلم ولا يستعمل لها ماض ولا مضارع، والمشهور إعمالها في (أن)؛ كقول الشاعر:

تعلَّم أنه لا طيرَ إلا

عَلَى مُتَطَيِّرٍ وهي الثُّبُورُ

وقد نصبت مفعولين في قول الآخر (البيت) "، شرح التسهيل لابن مالك (2/ 79، 80)، وشرح الرضي على الكافية (4/ 150)، وارتشاف الضرب لأبي حيان (3/ 57)، وشرح التصريح (1/ 247) وحاشية يس، وأوضح المسالك (2/ 29) وما بعدها.

(3)

أوضح المسالك (2/ 32).

(4)

البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة لزهير بن أبي سلمى في المدح، انظر ديوانه (124) صنعة أبي العباس =

ص: 826

ابن بدر، وأولها هو قوله:

1 -

صَحَا القلبُ عنْ سلمَى وأقصر باطلُهُ

وعرّى أفراسُ الصبَا ورواحلُهُ

2 -

وأقْصَرْتُ عمَّا تعلمينَ وسُدِّدَتْ

عَلَيَّ سوَى قصدِ السبيلِ معادلُهُ

إلى أن قال:

3 -

فقلنَا لهُ سددْ وأبصرْ طريقَهُ

ومَا هوَ فيه عن وصالِي شاغلُهُ

4 -

وقلت تعلم ..............

.................... إلى آخره

5 -

فاتبع آثارَ الشِّيَاهِ وليدُنَا

كَشُؤْبُوبِ غَيثٍ يَحْفِشُ الأكمَ وابلُهُ

6 -

نظرتُ إليهِ نظرةً فرأيتُهُ

على كلّ حالٍ مرةً هو حاملُهُ

[قوله: "]

(1)

وعُرَّى أفراس" مثل أن تقول: ترك الصبا وترك الركوب فيه، قال الأصمعي: عرّى أفراس كنت أركبها في الصبا، قوله: "وأقصرت عما تعلمين" أي: من الباطل، قوله: "معادله": جمع معدل، أراد كل معدل كنت أعدل فيه من الباطل فقد سُدّ سوى قصد السبيل، قوله: "فقلنا له سدد" أي: استقم ولا تَمِل يُمنَةً ولا يُشرَة، قوله: "وقلت تعلم" أي: اعلم إن لم تضيع وصيتي فإنك قاتل هذا الصيد؛ لأنه ربما كان مغترًّا، قوله: "فاتبع آثار الشياه" أي: البقر، قوله: "وليدنا" أي: غلامنا، و "الشؤبوب"؛ الدفعة من المطر، قوله: "يحفش" بالحاء المهملة والفاء؛ أي: يسيل ويخرج، و "الأكم" بفتح الهمزة؛ جمع أكمة، و "الوابل": المطر العظيم الشديد القطر، قوله: "على كل حال مرة هو حامله" أراد الغلام يحمل الفرس من السير على ما أحب وكره على كل حال وهو للفرس أجود.

الإعراب:

قوله: "وقلت" الواو للعطف عطف به قلت على قوله: "فقلنا" في البيت السابق، و"قلت": فعل وفاعل، وقوله:"تعلم": مقوله، وهو بمعنى اعلم، قوله:"أن للصيد غرة" أن بالفتح مع اسمها وخبرها سد مسد مفعولي تعلم، قوله:"وإلا تضيعه" من الإضاعة بمعنى: إن لم تضيع ما قلت لك -يعني وصيتي فإنك قاتل هذا الصيد؛ لأنه ربما كان مغترًّا، وإلا هنا ليست للاستثناء وإنما هي مركبة من إن ولا، وتضيعه فعل الشرط، وقوله:"فإنك قاتله": جواب الشرط فلذلك دخلت فيه الفاء، والكاف: اسم إن، و "قاتله": كلام إضافي خبره.

= ثعلب ط. دار الكتب، وقد بدأها بالغزل ووصف الصيد والطرد، وانظر الشاهد في شرح التصريح (1/ 247)، واللسان:"أذن"، وشرح الأشموني (2/ 24)، والهمع (1/ 49)، والدرر (1/ 132).

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 827

الاستشهاد فيه:

في قوله: "تعلم أن للصيد" وهو أن وقوع تعلم بمعنى اعلم في الأكثر يكون على أن وصلتها، ومنه ما جاء في حديث الدجال:"تَعَلَّمُوا أَن رَبَّكُم لَيسَ بِأَعْوَر" أي: اعلموا، وفي حديث

(1)

: "تَعَلَّمُوا أنه لَيسَ يرى أَحَدٌ منكم ربَّهُ حَتَّى يَمُوتَ" أي: اعلموا

(2)

.

‌الشاهد التاسع والعشرون بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

قدْ كُنْتُ أَحْجُو أَبَا عَمْرو أَخا ثِقَةٍ

حتى أَلمتْ بِنَا يَوْمًا مُلِمَّاتُ

أقول: قائله هو تميم بن أبي بن مقبل؛ كذا قاله ابن هشام، ونسبه في المحكم لأبي شنبل الأعرابي، وبعده:

2 -

فقلت والمرءُ قدْ تخطيهِ مُنيتُهُ

أدنى عَطيّتهُ إيّايَ مِيَّآتُ

3 -

فكانَ مَا جَادَ لي لا جَادَ مِنْ سَعَةٍ

دواهمَ زائفاتٍ ضَربَجِيَّاتٍ

وهي من البسيط.

قوله: "أحجو" أي: أظن، قال الجوهري: إني أحجو به خيرًا أي: أظن

(5)

قوله: "حتى ألمت بنا" أي: نزلت؛ من الإلمام وهو النزول، والملمات: جمع ملمة وهي النازلة من نوازل الدنيا، قوله:"فقلت" أي: في نفسي، واعترض بينه وبين المقول بجملة.

2 -

و "المنية" بضم الميم؛ واحدة المني، قوله:"ميآت" بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف بعدها همزة، وهي جمع مائة برد لامها، ولكنه قدمها على العين، والمستعمل في الكلام حذفها كما في المفرد.

3 -

قوله: "فكان ما جاد إلى آخره" فيه الأخبار عن النكرة بالمعرفة، فإن قدرت ما نكرة بمعنى شيء لا موصولة فواضح، واعترض بجملة الدعاء بين الخبر والخبر عنه.

(1)

الحديثان في مسلم "شرح النووي" كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال (18/ 379) عن عبد الله بن عمر بلفظه.

(2)

ينظر الشاهد السابق رقم (327).

(3)

ابن الناظم (75)، أوضح المسالك (2/ 35)، شرح ابن عقيل (2/ 38).

(4)

البيت من بحر البسيط لتميم في تخليص الشواهد (440)، وشرح التصريح (1/ 248)، وله ولأبي شبل الأعرابي في الدرر (2/ 237) وانظره في شرح شذور الذهب (463)، واللسان:"ضربج، حجا" وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 148)، ولم نعثر عليه في المحكم والمحيط الأعظم.

(5)

الصحاح مادة: "حجا".

ص: 828

قوله: "ضربجيات" بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وبالجيم؛ وهو جمع ضربجي، قال في المحكم: درهم ضربجي؛ أي: زائف

(1)

، فيكون قوله:"ضربجيات": صفة مؤكدة، وصفة ما لا يعقل تجمع بالألف والتاء؛ نحو قوله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197].

الإعراب:

فوله: "كنت أحجو" التاء اسم كان، والجملة؛ أي قوله:"أحجو": خبره، وأحجو يقتضي مفعولين لأنه بمعنى الظن، فقوله:"أبا عمرو": كلام إضافي مفعوله الأول.

وقوله: "أخا ثقة": كلام إضافي -أيضًا- مفعوله الثاني، قوله:"حتى" للغاية بمعنى إلى أي: كنت أظن كذا إلى أن ألمت بنا النوازل، قوله. "بنا" في محل النصب على المفعولية، قوله:"يومًا" نصب على الظرفية، قوله:"ملمات" مرفوع بقوله: "ألمت".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "قد كنت أحجو" فإنه جاء بمعنى الظن ونصب المفعولين، ولم يذكر أحد من النحاة أن حجا يحجو يتعدى إلى مفعولين غير ابن مالك -رحمه الله تعالى-

(2)

.

‌الشاهد الثلاثون بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

فلَا تَعدُد الموَلَى شَرِيكَكَ في الغنَى

ولكنَّمَا الموْلَى شَرِيكُكَ في العُدْمِ

أقول: قائله هو النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي، ولد قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بثماني سنوات

(5)

وسبعة أشهر، فحنكه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بتمرة فتلمظ

(6)

بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

(7)

:

(1)

لم نعثر عليه في المحكم لابن سيده.

(2)

من أخوات ظن التي تفيد الرجحان: "ظن وخال وحسب وزعم وعدّ وحجا وجعل وهب، وهي -أيضًا- تنصب مفعولين؛ قال ابن مالك بعد أن ذكر البيت: "أراد قد كنت أظن فعداه إلى مفعولين هما في الأصل مبتدأ وخبر كما يفعل بأظن"، شرح التسهيل لابن مالك (2/ 77).

(3)

ابن الناظم (75)، وتوضيح المقاصد (1/ 375)، وأوضح المسالك (2/ 36)، وشرح ابن عقيل (2/ 38).

(4)

البيت من بحر الطويل من مقطوعة صغيرة للنعمان بن بشير يدعو فيها إلى الفضائل والأخلاق الحالية، الديوان (159)، تحقيق د. يحيى الجبوري، وانظر بيت الشاهد في تخليص الشواهد (431)، والدرر (2/ 238)، وشرح التصريح (1/ 248)، والخزانة (3/ 57)، والهمع (1/ 148)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 77).

(5)

أثبت الياء هنا والحذف أجود.

(6)

أي: تتبع بلسانه بقية الطعام في فمه أو أخرج لسانه فمسح به شفتيه. ينظر الصحاح مادة: "لمظ".

(7)

أخرجه مسلم في صحيحه "شرح النووي" كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أم سليم أم أنس بن مالك =

ص: 829

"انظر إلى الأنصار وحبها التمر" وروى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في القول الأصح، وهو أول مولود [للأنصار]

(1)

بعد الهجرة، في قولٍ له، ولأبويه صحبة، وأمه عمرة بنت رواحة أخت عبد الله بن رواحة -رضي اللَّه تعالى عنهم- استعمله معاوية على حمص فخرج منها فاتبعوه وقتلوه، واحتزوا رأسه بقرية من قرى حمص، وذلك بعد وقعة مرج راهط سنة أربع وستين في ذي الحجة، وكان كريمًا جوادًا شاعرًا، وهو من قصيدة ميمية من الطويل وقبله

(2)

:

1 -

وإني لأُعْطِي المال مَنْ ليسَ سائلًا

وَأَغْفِرُ للمولَى المُجَاهِرِ بالظّلمِ

2 -

وإني متى ما تَلْقَني حازمًا لَهُ

فمَا بَينَنَا عِنْدَ الشَّدَائِدِ مِن صَرم

3 -

فلا تَعْدُد المولى ..........

...................... إلى آخره

1 -

قوله: "وأغفر للمولى" أراد به الحليف أو الصاحب، والمولى يأتي لمعان كثيرة، وقد بيناها فيما مضى غير مرة.

2 -

قوله: "من صرم" أي: من قطع.

3 -

قوله: "فلا تعدد المولى" أي: فلا تعد، وقد جاء بالفك؛ كما يقال: في نحو: لا تمد: لا تمدد، والمراد من المولى هاهنا ما ذكرناه في البيت السابق، قوله:"في العدم" بضم العين؛ من عدمت الشيء بالكسر أعْدَمَه عُدْمًا وعَدَمًا بالتحريك على غير قياس؛ أي: فقدته، والعدم -أيضًا- الفقر، وكذا العدم إذا ضممت أوله خففت الدال بالسكون، وإن فتحت حركت، وأعدم الرجل؛ أي: افتقر فهو معدم وعديم.

الإعراب:

قوله: "فلا تعدد" الفاء للعطف، و "لا" للنهي، "وتعدد": مجزوم به، ولكنه حرك بالكسر لأجل الوصل، وهو يقتضي مفعولين؛ لأنه بمعنى الظن لا بمعنى الحسبان، فقوله:"المولى": مفعوله الأول، وقوله:"شريكك"؛ مفعوله الثاني، قوله:"في الغنى": يتعلق بقوله: "لا تعدد"، قوله:"ولكنما" دخلت ما الكافة على لكن فكفتها عن العمل، وقوله:"المولى": مبتدأ، وخبره قوله:"شريكك"، وقوله:"في العدم": يتعلق بالخبر.

= (16/ 12)، عن أنس بلفظ:"انظروا إلى حب الأنصار التمر".

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

شعر النعمان بن بشير الأنصاري (159)، تحقيق د. يحيى الجبوري، العراق.

ص: 830

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فلا تعدد" حيث جاء بمعنى الظن ونصب مفعولين

(1)

.

‌الشاهد الحادي والثلاثون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

فقُلْتُ أَجِرْنِي أَبَا خَالِدٍ

وإِلَّا فَهَبنِي امْرَأً هَالكا

أقول: قائله هو ابن همام السلولي

(4)

.

وهو من المتقارب.

المعنى: فقلت يا أبا خالد أجرني وأغثني وإن لم تجرني فظنني من الهالكين.

الإعراب:

قوله: "فقلت": فعل وفاعل، والجملة -أعني قوله:"أجرني": مقول القول، قوله:"أبا خالد": منادى منصوب حذف منه حرف النداء، والأصل: يا أبا خالد، قوله:"وإلا" أصله: وإن لم تفعل، الشرط محذوف وجزاؤه هو قوله:"فهبني"، أي: وإن لم تجرني فهبني، و "هب" هاهنا بمعنى الظن، فلذلك نصب مفعولين: الأول الضمير المنصوب المتصل، والثاني قوله:"امرأ"، قوله:"هالكا": صفة امرأ.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "هبني" فإنه بمعنى ظنني، ونصب مفعولين كما ذكرناه، وهو من الجوامد لا يتصرف منه الماضي والمستقبل، ولا يجيء منه إلا الأمر، والغالب عليه أن يتعدى إلى مفعولين صريحًا، وقد يدخل على أن وصلتها قليلًا

(5)

، وزعم الجرمي أنه لحن وهو فاسد؛ لأنه ورد في

(1)

ينظر التعليق على الشاهد السابق رقم (329).

(2)

ابن الناظم (75)، وتوضيح المقاصد (1/ 377)، وأوضح المسالك (2/ 37)، وشرح ابن عقيل (2/ 39).

(3)

البيت من بحر المتقارب وهو لابن همام السلولي يستغيث ويستجير، وانظره في تخليص الشواهد (442)، والخزانة (9/ 36)، والدرر (2/ 243)، وشرح التصريح (1/ 248)، وشرح شواهد المغني (923)، واللسان:"وهب"، ومعاهد التنصيص (1/ 285)، وهمع الهوامع (1/ 149)، وشرح شذور الذهب (467)، والمغني (594)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 78).

(4)

عبد الله بن همام السلولي شاعر إسلامي من التابعين، وهو من بني مرة المعروفين ببني سلول، وهي أمهم بنت ذهل ابن شيبان، الخزانة (3/ 639)، ط. بولاق، والأعلام (4/ 143).

(5)

من أخوات ظن التي تفيد الرجحان: "هب" بمعنى ظن وهو فعل أمر ولا يستعمل منه إلا الأمر، والغالب فيه أن يتعدى إلى مفعولين صريحين، ووقوعه على أن وصلتها نادر وقليل، انظر المغني (594)، وتوضيح المقاصد (1/ 377).

ص: 831

حديث عمر - رضي الله تعالى عنه-: "هب أن أبانا كان حمارًا"

(1)

.

‌الشاهد الثاني والثلاثون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

زَعَمَتني شيخًا وَلَسْتُ بشَيخٍ

إنَّمَا الشيخُ منْ يَدُبُّ دَبِيبَا

أقول: قائله هو أمية الحنفي، واسمه أوس، وهو من قصيدة بائية أولها هذا البيت، وبعده

(4)

:

2 -

إنما الشيخُ منْ يُسَترُهُ الحيـ

ي ويمشي في بيتهِ محجُوبَا

3 -

إن أرادَ الخُروج خُوّفَ بالذئـ

بِ بانْ كَانَ لا يَرَى الحَيُّ ذيبَا

4 -

كَيفَ يدْعَى شيخًا أخُو مُضلعَاتٍ

ليسَ يثني تقلبًا وركُوبَا

5 -

فإذَا ما الجَليلُ عيّ به القو

م وهابَ الحطيبُ كانَ خطيبَا

6 -

كم لأَوْسٍ مَن كَاشحٍ لَوْ تِرَاهُ

قد بَنَت دونَه المساحي قليبَا

وهي من الخفيف، وفيه الخبن.

1 -

قوله: "من يدب" أراد: من يدرج في المشي رويدًا.

4 -

قوله: "أخو مضلعات": من الإضلاع وهو الإمالة، يقال: رجل

(5)

مضلع؛ أي: مثقل.

5 -

قوله: "فإذا ما الجليل" بالجيم أي: العظيم، قوله:"عي به القوم" من عي به الأمر إذا لم يهتد لوجهه.

6 -

و "الكاشح": الذي يضمر لك العداوة، و "المساحي": جمع مسحاة وهي المجرفة من حديد، وهي فاعل بنت، و "القليب": البئر.

الإعراب:

قوله: "زعمتني" بمعنى: ظننتني؛ فلذلك نصب مفعولين: الأول: الضمير المتصل به،

(1)

قال ابن هشام بعد أن ذكر البيت الشاهد: "وقوعه على أن وصلتها نادر حتى زعم الحريري أن قول الخواص: هب أن زيدًا قائم، لحن وذهل عن قول العرب: هب أن أبانا كان حمارًا، المغني (594).

(2)

أوضح المسالك (2/ 38).

(3)

البيت من بحر الخفيف لأبي أمية أوس الحنفي، انظره في الدرر (1/ 214)، وشرح التصريح (1/ 248)، وشرح شواهد المغني (922)، وتخليص الشواهد (428)، والمغني (594)، وشرح قطر الندى (182)، وشرح شذور الذهب (464).

(4)

شرح شواهد المغني للسيوطي (923).

(5)

في (أ) جمل.

ص: 832

والثاني: قوله: "شيخًا"، قوله:"ولست بشيخ": جملة وقعت حالًا، والباء في بشيخ زائدة، وهو خبر ليس، واسمه الضمير المتصل به، قوله:"إنما" بطل عمل إن بدخول ما الكافة عليه، وقوله:"الشيخ": مبتدأ، و"من يدب": خبره، و"من": موصولة، و"يدب": صلته، و"دبيبًا": مفعول مطلق.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "زعمتني شيخًا" حيث جاء زعم بمعنى الظن، فلذلك اقتضى مفعولين ونصبهما، والأكثر

(1)

في هذا وقوعه على أنْ أو أنَّ وصلتهما نحو: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن: 7]

(2)

.

‌الشاهد الثالث والثلاثون بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

وَقَدْ زعَمَتْ أني تَغَيَّرْتُ بَعْدَهَا

وَمَنْ ذَا الذِي يَا عَزُّ لَا يَتغَيَّرُ

أقول: قائله هو كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة، وهو كثير عزة، وقد ترجمناه فيما مضى، وحدث ابن دريد عن العتبي قال: دخلت عزة على عبد الملك بن مروان فقال لها: أنت عزة كثير، فقالت: أنا أم بكر الضمرية، فقال لها: أتروين قول كثير:

وَقَدْ زعَمَتْ أني تَغَيَّرْتُ بَعْدَهَا

وَمَنْ ذَا الذِي يَا عَزُّ لَا يَتغَيَرُ

تَغَيّرَ جِسْمي والخلِيقَةُ كالذي

عَهِدْتِ ولَم يُخْبِر بسِرِّكِ مُخْبِرُ

فقالت: لا أروي هذا، ولكن أروي قوله

(5)

:

كَآَني أُنَادي صَخْرَةً حِينَ أَعْرَضَتْ

مِنَ الصُّمِّ لوْ تَمْشِي بهَا العُصْمُ زَلَّتِ

وهذا من قصيدة من منتخبات كثير، فعن قريب نذكرها -إن شاء الله تعالى-.

(1)

في (أ) فالأكثر.

(2)

قال ابن هشام: "قولهم في: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} إن التقدير: تزعمونهم شركاء، والأولى أن يقدر: تزعمون أنهم شركاء بدليل: {وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ} ولأن الغالب في "زعم" أن لا يقع على المفعولين صريحًا بل على أن وصلتها ولم يقع في التنزيل إلا كذلك"، المغني (594).

(3)

أوضح المسالك (2/ 40).

(4)

البيت من بحر الطويل، وهو أول بيتين في الغزل ذكرهما العيني، وهما في الديوان (328)، تحقيق د. (حسان عباس، و (100)، تحقيق: مجيد طراد، وبعدهما بيت غريب في الديوان في رثاء عبد العزيز بن مروان، وهو قوله:

أبعد ابن ليلى يأمل الخلد واحد

من الناس أو يرجو الثراء مثمر

وانظر بيت الشاهد في الأغاني (9/ 26)، وتخليص الشواهد (428)، وشرح التصريح (1/ 248)، وشرح الأشموني (2/ 22)، وشرح شذور الذهب (465)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (498).

(5)

الديوان (54).

ص: 833

والقصيدتان كلتاهما من الطويل

(1)

.

الإعراب:

قوله: "وقد زعمت" الواو للعطف، وقد للتحقيق، وزعمت بمعنى ظنت، قوله:"أني تغيرت": جملة من اسم أن وخبره سدت مسد مفعولي زعمت، وقوله:"بعدها": نصب على الظرف؛ أي: بعد عزة، وقد سبق ذكرها في الأبيات السابقة.

قوله: "ومن": استفهامية مبتدأ و "ذا": خبره، و "الذي": موصول، و "لا يتغير": صلته، وقوله:"يا عز": منادى مرخم، وأصله: يا عزة، اعترض بين الموصول وصلته، ويجوز أن تكون ذا زائدة على رأي الكوفيين ويكون الوصول خبر من

(2)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وقد زعمت أني" حيث وقع زعم على أن، وذلك لأن وقوعه على أن، وأن وصلتهما كثير؛ كما ذكرناه في البيت السابق

(3)

.

‌الشاهد الرابع والثلاثون بعد الثلاثمائة

(4)

،

(5)

ظَنَنْتُكَ إِنْ شَبَّتْ لَظَى الحَرْبِ صاليَا

فَعَرَّدَتْ فِيمَنْ كَانَ عَنْهَا مُعَرِّدَا

أقول: هو من الطويل وفيه القبض.

قوله: "إن شبت": من شببت النار والحرب أشبهما شبًّا وشبوبًا إذا أوقدتهما، والشبوب بالفتح؛ ما توقد به النار، قوله:"لظى الحرب" أي؛ نار الحرب، قوله:"صاليًا": من صلى يصلى إذا دخل، قوله:"فعردت" بتشديد الراء؛ من عرد الرجل إذا انهزم وترك القصد، و "المعرد": فاعل منه وهو المنهزم.

الإعراب:

قوله: "ظننتك": جملة من الفعل والفاعل وهو أنا المستتر فيه والمفعول وهو الكاف، وهو يستدعي مفعولين: الأول هو الكاف، والثاني: هو قوله: "صاليًا"، وقوله:"إن شبت لظى الحرب"

(1)

انظر التائية المشار إليها في الشاهد رقم (350) من الكتاب الذي بين يديك.

(2)

ينظر المغني لابن هشام (327)، والممنوع في النحو (8) د. عبد العزيز محمد فاخر.

(3)

ينظر الشاهد رقم (332).

(4)

أوضح المسالك (2/ 42).

(5)

البيت من بحر الطويل لم ينسب إلى قائل فيما ورد من مراجع، وهو في شرح الأشموني (2/ 21)، وشرح التصريح (1/ 248)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (196)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 80).

ص: 834

معترض بينهما، وإن للشرط، و "شبت لظى الحرب": جملة وقعت فعل الشرط، وجوابه هو قوله:"ظننتك"، "وشبت" على صيغة المجهول

(1)

، وقوله:"لظى الحرب": كلام إضافي مفعول ناب عن الفاعل، قوله:"فعردت": جملة من الفعل والفاعل، الفاء فيه تصلح للتعليل، وقوله:"فيمن": يتعلق به، و "من": موصولة، والجملة- أعني:"كان عنها معردًا": صلتها، واسم كان مستتر فيه وهو الضمير العائد إلى من، وقوله:"معردًا": خبره، "وعنها" يتعلق به.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ظننتك" فإن الظن فيه يحتمل أن يكون بمعنى اليقين، ويحتمل أن يكون بمعنى الرجحان، ولكن الغالب فيه معنى الثاني كباب حسب وخال

(2)

.

‌الشاهد الخامس والثلاثون بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

وكنا حَسبنَا كُلَّ بَيضَاءَ شَحْمَةً

عَشِيَّةَ لاقينا جذامَ وَحِمْيَرَا

أقول: قائله هو زفر بن الحرث

(5)

بن معاوية بن يزيد بن عمرو بن الصعق بن خليد بن نفيل بن عمرو بن كلاب الكلابي.

وهو من قصيدة قالها يوم مرج راهط؛ موضع كانت لهم فيه وقعة بالشام، وهو اليوم الذي قتل فيه الضحاك بن قيس الفهري، وبعد البيت المذكور هو قوله:

2 -

فلمَّا لقينَا عصبة تغْلَبِيّةً

يقُودُونَ جُرْدًا في الأعِنَّةِ ضَمَّرَا

(1)

قوله: "على صيغة المجهول" فيه تجاوز، وإنما الفعل مبني للمعلوم، ولظى الحرب فاعله.

(2)

تستعمل ظن في اليقين أحيانًا كقوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: 46] وتستعمل لغير اليقين كبيت الشاهد، وتستعمل بمعنى اتهم فتتعدى إلى مفعول واحد كقولك: ظننت عليًّا وكقوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24]، أي: بمتهم"، ينظر ابن يعيش (7/ 81)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 78).

(3)

ابن الناظم (74)، وأوضح المسالك (2/ 43).

(4)

البيت من بحر الطويل نسب في مراجعه إلى زفر بن الحارث، ينظر التصريح (1/ 249)، والتذييل والتكميل لأبي حيان (2/ 323)، وتخليص الشواهد (435)، وشرح التصريح (1/ 249)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (155)، وشرح شواهد المغني (930)، والمغني (636)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (334)، والشطر الثاني فيه وووى هكذا:

........................

ليالي لاقينا ...................

(5)

هو زفر بن الحرث الكلابي كبير قيس في زمانه، وهو من التابعين من أهل الجزيرة، وكان من الأمراء، شهد وقعة صفين مع معاوية أميرًا على أهل قنسرين، مات متحصنًا عند مصب نهر الخابور في الفرات حتى مات، وكانت وفاته في خلافة عبد الملك بن مروان، الأعلام (3/ 45).

ص: 835

3 -

سقيناهُمُ كَأَسًا سقونَا بمثلِها

ولكنَّهُم كانوا على الموتِ أصْبَرَا

4 -

فلمَّا قَرَعْنَا النَّبْعَ بالنبْعِ بعضهُ

ببعضٍ أبتْ عِيدانُهُ أَنْ تُكْسَرَا

وهي من الطويل.

1 -

قوله: " [كل بيضاء شحمة" أراد: كنا نطمع في أمر فوجدناه على خلاف ما كنا نظن، وهذا هو من قولهم: ما]

(1)

كل بيضاء شحمة، وما كل سوداء تمرة، وهو من أمثال العرب

(2)

، و "جذام" و "حمير": قبيلتان، قال الجوهري: جذام: قبيلة من اليمن تنزل بجبال جسمَى، ويزعم نسّاب مضر أنهم من معدّ

(3)

.

2 -

قوله: "تغلبية" أراد: تغلب بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة؛ لأن الظفر في مرج راهط كان لكلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان، قوله:"جرذا" بضم الجيم وسكون الراء؛ جمع أجرد، يقال: فرس أجرد إذا رقت شعرته، و "الأعنة": جمع عنان، و "الضمر" بضم الضاد؛ جمع ضامر؛ من ضمر الفرس وغيره ضمورًا إذا خف لحمه.

3 -

قوله: "سقيناهم إلى آخره" أراد: أنه يُشهد لهم بالغلبة.

4 -

قوله: "فلما قرعنا النبع" النبع بفتح النون وسكون الباء الموحدة وفي آخره عين مهملة؛ وهو شجر صلب ينبت في الجبال يعمل منه القسي، ومن أمثالهم

(4)

: "النبعُ يقرعُ بعضُهُ بعضًا"، فضربه مثلًا لهم ولأعدائهم.

الإعراب:

قوله: "وكنا" الضمير المتصل به اسم كان، وخبره الجملة - أعني قوله:"حسبنا كل بيضاء شحمة"، وحسب إذا كان بمعنى ظن يقتضي مفعولين، فقوله:"كل بيضاء": كلام إضافي مفعوله الأول.

وقوله: "شحمة": مفعوله الثاني، قوله:"عشية": نصب على الظرف مضاف إلى الجملة، قوله:"جذام": مفعول "لا قينا"، وهو لا ينصرف للعلمية والتأنيث، و "حميرَا": عطف عليه وألفه للإطلاق.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حسبنا" فإن حسب هاهنا بمعنى ظن؛ فلذلك نصب مفعولين.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

المثل في مجمع الأمثال (2/ 281)، رقم (3868).

(3)

الصحاح مادة: "جذم".

(4)

المثل في مجمع الأمثال (2/ 337)، برقم (4213).

ص: 836

واعلم أن حسب

(1)

قد جاء بالضم والفتح والكسر على معانٍ: فحسِب بكسر السين يحسَب ويحسِبُ بفتح السين وكسرها في المضارع حِسبانًا بكسر الحاء ومحسَبة ومحسِبة بفتح السين، وكسرها بمعنى ظن فهو حاسب، والشيء محسوب أي: مظنون، والأمر: احسَب واحسب بفتح السين وكسرها، وحسِب الرجل بكسر السين حسبًا فهو أحسب إذا صار ذا شقرة وبياض كالبرص، وحسَب بفتح السين بمعنى عدّ يحسُب بضم السين [حسبًا وحسابًا وحسبانًا وحسابةً وحسبةً فهو حاسب، والشيء محسوب، والأمر احسُب بضم السين لا غير]

(2)

.

وأما حسُب بضم السين فمعناه: صار حسيبًا يحسُب بضم السين حسابة فهو حسيب، والذي هو من هذا الباب وينصب المفعولين هو الذي يكون بمعنى ظن، وأما الذي بمعنى: عدّ فينصب مفعولًا واحدًا، والآخران لازمان فافهم

(3)

.

‌الشاهد السادس والثلاثون بعد الثلاثمائة

(4)

،

(5)

حَسِبْتُ التُّقَي والجُودَ خَيرَ تجارَةٍ

رَبَاحًا إِذَا مَا المَرْءُ أَصْبَحَ ثَاقلًا

أقول: قائله هو لَبيد -بفتح اللام بن ربيعة العامري، وهو من قصيدة طويلة من الطويل وأولها هو قوله:

1 -

كُبَيشَةُ حَلَّتْ بَعْدَ عَهْدكَ عَاقِلًا

وكَانَتْ لَهُ شُغلًا عَلَى النَّأْي شاغِلَا

2 -

تَرَبَّعَتِ الأشْرَافَ ثُمَّ تَصَيَّفَت

حِسِيَّ البطاحِ وانْتَجَعْنَ السَّلائلَا

3 -

تَخَيرُ مَا بَينَ الرِّجَامِ وَوَاسِطٍ

إلَى سِدْرَةِ الرسين تَرْعَى السَّوَائِلَا

إلى أن قال:

4 -

تلُومُ عَلَى الإهلاكِ في غَيرِ ضَلَّةٍ

وهَلْ لِي مَا أَمْسَكتُ إنْ كُنتُ بَاخِلَا

5 -

حَسِبتُ التُّقَى .................

....................... إلى آخره

(1)

راجع هذه المعاني في اللسان مادة: "حسب".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

أقول: تستعمل حسب في غير المتيقن؛ كقول الله تعالى: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ} [المجادلة: 18]، وهذا هو الكثير في استعمالها أنها للرجحان وقد تأتي لليقين كما في الشاهد رقم (336) الآتي بعد هذا الشاهد.

(4)

ابن الناظم (75)، وأوضح المسالك (2/ 44)، وشرح ابن عقيل (2/ 34).

(5)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة قاربت المائة بيت، للبيد بن ربيعة، قالها يصف الرحلة والناقة والصحراء ويفتخر بقومه بني عامر لقوله:

أولئك قومي إن تلاقت سراتهم

تجدهم يؤمون العلا والفواضلا

وانظر بيت الشاهد في أساس البلاغة: "ثقل"، والدر (2/ 247)، وشرح التصريح (1/ 249)، وتخليص الشواهد (435)، وشرح قطر الندى (74)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 149).

ص: 837

6 -

وهلْ هُوَ إلا مَا ابتَنَى في حَيَاتِهِ

إذَا قَذَفُوا فَوْقَ الضَّرِيحِ الجَنَادِلَا

1 -

قوله: "كبيشة": اسم امرأة، قوله:"عاقلًا" بالعين المهملة والقاف، اسم جبل، قوله:" وكانت له" أراد: كانت لي لأنه خاطب نفسه.

2 -

قوله: "تربعت"؛ من الربيع، و "الأشراف" بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة، اسم موضع، قوله:"تصيفت": من الصيف، قوله:"حسي البطاح" الحسي -بكسر الحاء المهملة وتخفيف السين المهملة يحفر في الرمل قدر شبر فيخرج منه الماء، و "البطاح" بكسر الباء الموحدة، اسم ماء لبني أسد، ويقال: البطاح من الرمال، ويقال للرملة: بطحاء، قوله:"وانتجعن" أي: طلبن أثر المطر فأتبعنه، و "السلائل": منابت الطلح.

3 -

و "الرجام" بكسر الراء وبالجيم؛ اسم موضع، و "واسط": ماء لبني كلاب، قوله:"إلى سدرة الرسين" الرسان: موضع لبني كلاب، و "السوائل": مسيل الماء.

5 -

قوله: "حسبت" بمعنى: تيقنت وعلمت هاهنا، قوله:"رباحًا" بفتح الراء؛ أي: رِبحًا بكسر الراء، قوله:"ثاقلًا" بالثاء المثلثة، أراد ميتًا؛ لأن الأبدان تخف بالأرواح، فإذا مات الإنسان يصير ثاقلًا كالجماد.

6 -

قوله: "وهل هو إلا ما ابتنى" يعني: إلا ما قدم في أيام حياته، قوله:"فوق الضريح" أي: القبر، والجنادل": الحجارة، جمع جندل.

الإعراب:

قوله: "حسبت": فعل وفاعل، و "التقى": مفعوله الأول، قوله:"والجود": عطف عليه قوله: "خير تجارة": كلام إضافي وقع مفعولًا ثانيًا لحسبت.

فإن قلت: المذكور شيئان هما التقى والجود وهما في الحقيقة مبتدآن، وقوله:"خير تجارة" خبر، فكيف لم يطابق الخبر المبتدأ في التثنية؟

قلت: لفظة الخير هاهنا للتفضيل فيستوي فيه المفرد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، ولهذا تقول: فلانة خير الناس، ولا تقل: خيرة الناس؛ لأنه في معنى: أفعل.

فإن قلتَ: ما تقول في قول الشاعر

(1)

:

ألا بَكَرَ النَّاعِي بِخَيرَيْ بَنِي أَسَد

بِعَمْرِو بنِ مَسعُودٍ وبالسَّيدِ الصَّمدْ

(1)

البيت من بحر الطويل غير منسوب، ولم نجد له نسبة، وقد استشهد به الشارح على تثنية:"خيري" واسم التفضيل منه: "خير" لا "خيرة".

ص: 838

فهذا قد ثناه؟

قلتُ: لأنه أراد: خيريّ بني أسد بالتشديد ولكنه خففه للضرورة، وهو هاهنا صفة وليس للتفضيل فافهم.

قوله: "رباحًا": نصب على التمييز؛ أي: من حيث الربح والفائدة؛ كما تقول: فلان خير الناس عبادة، قوله:"إذا" للظرف، وكلمة ما زائدة، و "المرء": مبتدأ، و "أصبح ثاقلًا": خبره، "وثاقلًا" نصب لأنه خبر أصبح؛ لأنه بمعنى صار فيستدعي اسمًّا مرفوعًا وخبرًا منصوبًا، فاسمه هو الضمير المستتر فيه، وثاقلًا: خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حسبت" حيث جاء بمعنى علمت ونصب مفعولين كما ذكرناه

(1)

.

‌الشاهد السابع والثلاثون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

إِخَالُكَ إِنْ لَمْ تَغْضُضِ الطَّرْفَ ذَا هَوًى

يَسُومُكَ مَا لَا يُسْتَطَاعُ مِنَ الوُجْدِ

أقول: هو من الطويل.

قوله: "إخالك" أي: أظنك، وهو بكسر الهمزة في استعمال الأكثرين، وتفتح الهمزة على القياس، وهو لغة بني أسد، وهو من: خال يخال خيلًا وخيلة ومخيلة وخيلولة وخيلانًا فهو خائل، والشيء مخيل كمبيع، والأمر منه: خَلْ -بفتح الخاء وتخفيف اللام؛ كذر ودع وهو بمعنى ظن، فإن رددت الفعل إلى نفسك قلت: خِلْتُ بكسر الخاء.

قوله: "إن لم تغضض الطرف": من غض البصر وهو أن لا يفتحه، والطرف -بفتح الطاء وسكون الراء: تحريك الجفون بالنظر، وأراد به هاهنا: إن لم تنم؛ يعني: إخالك

(4)

"ذا هوى"، يعني: صاحب

(5)

عشق ومحبة إن لم تنم ولم يأخذك النوم؛ لأن صاحب الهوى لا ينام والنوم عليه حرام

(6)

.

(1)

ينظر الشاهد رقم (335).

(2)

أوضح المسالك (2/ 45).

(3)

البيت من بحر الطويل، لقائل مجهول، يدعو فيه صاحبه أن يغض الإنسان طرفه ولا ينظر إلى محارم الناس، فإن لم يفعل كلفه ذكر كثيرًا، حيث يشقى بالحب والوجد في الدنيا، ثم العذاب في الآخرة، وبيت الشاهد في الدرر (2/ 248)، وشرح التصريح (1/ 249)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 150)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (251)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 80).

(4)

في (أ) أظنك.

(5)

في (أ) أي صاحب.

(6)

أبعد العيني في تفسير غض الطرف بالنوم وعدم الغض بعد النوم، والأمر أسهل من ذلك؛ فغض الطرف معناه: السلامة من الحب والوجد، وعدم غضه معناه: العذاب والوقوع في السهر والعشق.

ص: 839

قوله: "يسومك" أي: يكلفك؛ من السوم وهو التكليف، ومنه الحديث:"من ترك الجهاد ألبسه الله الذلة وسيم الحسف" أي: كلف وألزم، وأصله الواو؛ يعني: سُوم فقلبت ضمة السين كسرة ثم قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، قوله:"من الوجد" وهو شدة العشق، يقال: وجدت بفلانة وجدًا إذا أحببتها حبًّا شديدًا، وقال ابن فارس: يقال: وجدت من الحزن وجدًا

(1)

.

الإعراب:

قوله: "إخالك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وهو الكاف وهو مفعوله الأول، وقوله:"ذا هوى": كلام إضافي مفعول ثان، قوله:"إن": حرف شرط، و "لم تغضض الطرف": جملة وقعت فعل الشرط، و"الطرف": مفعول لم تغضض، وجواب الشرط هو قوله:"إخالك ذا هوى".

قوله: "يسومك" فعل وفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الهوى، ومفعول وهو الكاف، وقوله:"ما لا يستطاع": مفعول ثان؛ أي: يكلفك الهوى ما لا تقدر عليه، و"ما": موصولة، و "لا يستطاع": جملة صلته، قوله:"من الوجد": بيان عن قوله: "ما لا يستطاع"

(2)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إخالك" حيث استدعى مفعولين، ونصبهما لكونه بمعنى الظن

(3)

.

‌الشاهد الثامن والثلاثون بعد الثلاثمائة

(4)

،

(5)

مَا خِلْتُنِي زِلْتُ بَعْدَكُم ضَمِنَا

أَشكُو إِلَيكُم حُمُوَّةَ الأَلَمِ

أقول: هذا البيت أنشده الجوهري، وقال: أنشده الأحمر، ولم يعزه إلى قائله، وأحمر هو بن محرز خلف بن حيان الأحمر

(6)

مولى أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وكان من أعلم

(1)

ينظر مجمل اللغة مادة: "وجد".

(2)

وبقية الأعراب: "وجملة يسومك" في محل جر نعت لهوى.

(3)

من الأفعال التي تنصب مفعولين وتفيد الرجحان: ظن وخال وزعم وحجا وغيرها ولها أمثلة كثيرة، وفي هذا البيت جاءت خال بمعنى ظن ونصبت مفعولين: المفعول الأول وهو الكاف، والثاني قوله:"ذا هوى" وهذا كثير في خال، وقد تأتي بمعنى اليقين كما في الشاهد (342).

(4)

أوضح المسالك (2/ 47).

(5)

البيت من بحر المنسرح، وهو لقائل مجهول، وهر في الشكوى والعذاب، وانظره في التصريح (1/ 249)، وشرح التسهيل (2/ 81)، والصحاح مادة:"ضمن"، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (94).

(6)

في الأعلام للزركلي (2/ 310) خلف الأحمر خلف بن حيان، أبو محرز، المعروف بالأحمر: راوية، عالم =

ص: 840

الناس بالشعر وأقدرهم على القافية، وكان شاعرًا -أيضًا-.

وهو من المنسرح

(1)

.

قوله: "ضَمِنًا" بفتح الضاد المعجمة وكسر الميم وبالنون، يقال: رجل ضمن وهو الذي به الزمانة في جسده من بلاء أو كسر أو غير ذلك، والاسم: الضمَن بفتح الميم، والضمان والضمانة: الزمانة، وقد ضمِن الرجل بالكسر ضمنًا بفتح الميم فهو ضمِن بكسر الميم؛ أي: زمن مبتلى، قوله:"حموّة الألم" بضم الحاء المهملة وبالميم وتشديد الواو وفي آخره تاء، وحموة الألم: سورته وشدته، ومنه حميا الكأس وهو أول سورتها.

الإعراب:

قوله: "ما خلتني زلت" أرد: خلتني ما زلت، فقوله:"خلتني": جملة معترضة بين ما وزلت، "وخلت" هاهنا بمعنى: أيقنت؛ كذا قال بعضهم وهو غريب

(2)

والتقدير: خلت نفسي، فقوله:"في": المفعول الأول، وقوله:"ضمنًا" هو المفعول الثاني، والتاء في:"زلت": اسم زال، وقوله:"بعدكم": كلام إضافي نصب على الظرف، والعامل فيه زلت.

وقوله: "أشكو إليكم حموة الألم": جملة في محل النصب على أنها خبر لقوله: "زلت"، ويقال:"ضمنًا" هو الخبر، "وأشكو إلى آخره" هو المفعول الثاني لخلت، والأول أظهر وأولى على ما لا يخفى.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ما خلتني" حيث جاء فيه خلت بمعنى ظننت؛ فلذلك نصب مفعولين وهو المعنى الغالب فيه، وإن كان قد يجيء لليقين، وقد قيل: ان خلت فيه بمعنى أيقنت؛ كما ذكرناه.

= بالأدب، شاعر، من أهل البصرة، معلم الأصمعي ومعلم أهل البصرة، وقال الأخفش: لم أدرك أحدًا أعلم بالشعر من خلف والأصمعي، وكان يضع الشعر وينسبه إلى العرب، قال صاحب مراتب النحوينن: وضع خلف على شعراء عبد القيس شعرًا كثيرًا، وعلى غيرهم، عبثًا به، فأخذ ذلك عنه أهل البصرة وأهل الكوفة، وله: ديوان شعر وكتاب جبال العرب، ومقدمة في النحو، توفي نحو (180 هـ).

(1)

البيت من المنسرح ونسبه العيني إلى الوافر.

(2)

الأصل في خال التي تنصب مفعولين أن تستعمل في غير المتيقن، أما استعمالها في المتيقن فهذا قليل، قال ابن مالك: "وتستعمل ظن في المتيقن كثيرًا

ويقل ذلك في حسب وخال .... ثم ذكر البيت الشاهد"، شرح التسهيل لابن مالك (2/ 80، 81).

ص: 841

‌الشاهد التاسع والثلاثون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

قدْ جَرَّبُوهُ فَأَلْفَوْهُ المُغيثَ إِذَا

مَا الرَّوْعُ عَمَّ فَلَا يُلْوَى عَلَى أَحَدٍ

أقول: هو من البسيط.

قوله: "فألفوه" بالفاء؛ أي: وجدوه، قال الله تعالى:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] أي: وجداه، قوله:"المغيث": من الإغاثة، و "الروع": الخوف والفزع، قوله:"فلا يلوي" أي: فلا يعطف على أحد بل يعم الجميع.

الإعراب:

قوله: "قد جربوه" قد للتحقيق، و "جربوه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، أي: قد جرب الناس ذاك الممدوح، قوله:"فألفوه": عطف عليه، والهاء مفعول أول لألفى، وقوله:"المغيث": مفعول ثان، وقيل: هو حال ولا يصح، لأنه معرفة، وشرط الحال أن تكون نكرة.

قوله: "إذا" فيه معنى الشرط وجوابه محذوف مدلول عليه بالمغيث، وكلمة "ما" زائدة، و "الروع": مرفوع بفعل محذوف يفسره الظاهر وتقديره: إذا ما عم الروع، وعند الأخفش هو مبتدأ، وعم خبره

(3)

، وقوله:"فلا يُلوى" الفاء للعطف -أيضًا-، ولا يُلْوى على صيغة المجهول، وقوله:"على أحد": [يتعلق به، يقال: لوي عليه، أي: عطف.

والمعنى: أن الروع، أي: الخوف إذا عم الناس ولم يلو على أحد وجدوا هذا الممدوح مغيثًا]

(4)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: " [فألفوه" حيث نصب ألفى فيه مفعولين لكونه بمعنى وجد، ومنهم من منع تعدِّي ألفى إلى اثنين، وزعموا في]

(5)

قوله تعالى: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} [الصافات: 69]، أن ضالين حال، والبيت حجة عليهم؛ لأنه تعدى فيه إلى اثنين

(6)

فافهم.

(1)

ابن الناظم (74).

(2)

البيت من بحر البسيط وهو في المدح بالكرم، لقائل مجهول، وانظره في تخليص الشواهد (431)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 78)، والخزانة (11/ 335)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 149)، والدرر (2/ 245)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (451).

(3)

ينظر المغني (93).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(6)

من الأفعال التي تنصب مفعولين: "ألفى" وهي بمعنى: وجد، وكلاهما بمعنى اليقين كقوله تعالى:{أَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} ، وكقوله تعالى:{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} ، ففي الآيتين نصبت ألفى المفعولين.

ص: 842

‌الشاهد الأربعون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

فَإِنْ تَزْعُمِيني كُنْتُ أَجْهَلُ فِيكُم

فَإِني شَرَيْتُ الحِلْمَ بَعْدَكِ بالجهْلِ

أقول: قائله هو أبو ذؤيب خويلد بن خالد بن محرث الهذلي، وهو من قصيدة لامية، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

ألَا زَعَمَتْ أَسْمَاءُ أَنْ لَا أُحِبُّهَا

فقلتُ بَلَى لولَا يُنَازِعُنِي شُغْلِي

2 -

جَزَيْتُكِ ضِعْفَ الحُبِّ لمَّا اشْتَكَيتِهِ

وما إِنْ جزَاكَ الضعْفَ مِنْ أَحَدٍ قَبْلِي

3 -

فَإنْ تَكُ أُنْثَى مِنْ معدٍّ كَرِيمَةً

عَلَينَا فقدْ أعطيتُ نافِلَةَ الفَضْلِ

4 -

لعمركَ مَا عَيسَاءُ تَتْبَعُ شادِنًا

تَعِنُّ لهُ بالجزْعِ مِنْ نَخِب نَجْلِ

5 -

إذَا هيَ قامَتْ تَقْشَعِرُّ شِوَاتُهَا

ويشْرقُ بينَ اللِّيتِ مِنْهَا إِلَى الصُّقْلِ

6 -

تَرَى حَمَشًا في صَدْرِهَا ثُمَّ إِنَّهَا

إذَا أَدْبَرَتْ وَلَّتْ بمكْتَنَزِ عَبْلِ

7 -

ومَا أُمُّ خِشْفٍ بالعَلَايَةِ تَرْتَعِي

وترْمُقُ أحيَانًا مُخَاتلَةَ الحبْلِ

8 -

بأحسنَ منهَا يومَ قالتْ كُلَيمَة

أَتَصْرِمُ حَبْلِي أمْ تَدُومُ على الوَصْلِ

9 -

فإن تزعميني ..............

..................... إلى آخره

وهي من الطويل.

2 -

قوله: "ضعف الحب" ويروى: ضعف الود.

4 -

قوله: "عيساء": واحدة العيس، وهي إبل بيضاء في بياضها ظلمة خفيفة، قوله:"تنسأ شادنا " يعني: تسوقه، ويروى: تتبع شادنا، والشادن: الولد، وهو في الأصل ولد الظبية، قوله:"تعن" أي: تعرض، و "الجزع" بكسر الجيم وسكون الزاي؛ وهو منعطف الوادي، قوله:"نخب" بفتح النون وكسر الخاء. المعجمة وفي آخره باء موحدة، قال الباهلي: هو وادي الطائف

(4)

، و "النجل" بالنون والجيم هو النز.

(1)

ابن الناظم (74)، شرح ابن عقيل (2/ 35).

(2)

البيت من بحر الطويل من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي في الغزل، وهي في ديوان الهذليين (34) نسخة دار الكتب المصرية (1965 م)، وبيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 121)، واللسان:"زعم"، والمغني (416)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 148)، وتخليص الشواهد (429)، والخزانة (11/ 249)، والدرر (2/ 242)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 86)، وشرح أشعار الهذليين (1/ 90)، وشرح شواهد المغني (671).

(3)

ديوان الهذليين (34)، نسخة دار الكتب المصرية (1965 م).

(4)

ينظر معجم البلدان (5/ 318).

ص: 843

5 -

قوله: "شواتها" بكسر

(1)

الشين المعجمة والواو؛ وهي جلدة الرأس، أراد: يقشعر الشعر الذي في الرأس، قوله:"ويشرق" أي: يضيء، و "الليت" بكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره تاء مثناة من فوق؛ وهي صفحة العنق، و "الصقل": الخاصرة.

6 -

قوله: "حمشًا" أي: دقة، قوله:"عبل" أي: ضخم.

7 -

قوله: "وما أم خشف" أم خشف هي الظبية.

و"العلاية" بفتح العين المهملة وبعد اللام ياء آخر الحروف مفتوحة؛ وهو اسم أرض، قوله:"ترمق" أي: تنظر مخاتلة حبل الصائد، يعني: مخادعته.

10 -

قوله: "شريت الحلم" أي: اشتريته، وتأتي بمعنى: بعت، قال الله تعالى:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20]، و {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَه} [البقرة: 207] قوله: "بعدك" أي: بعد فراقك.

الإعراب:

قوله: "فإن تزعميني" الفاء للعطف وإن للشرط، "وتزعميني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت فعل الشرط، قوله:"فإني شريت": "جواب الشرط، وزعم هاهنا بمعنى ظن؛ فلهذا نصب مفعولين؛ فقوله: "ني": مفعوله الأول، وقوله: "كنت أجهل فيكم": جملة من اسم كان، وخبره مفعوله الثاني.

قوله: "فإني" الضمير المتصل اسم إن، وخبره الجملة، أعني قوله:"شريت الحلم"، والباء في "بالجهل" باء المقابلة؛ كما في قولك: اشتريته بألف؛ أي: بمقابلة ألف، والمعنى: استبدلت الحلم بالجهل، أراد أنه ترك الجهل ولازم الحلم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "تزعميني" فإن زعم هاهنا بمعنى ظن، وله مفعولان؛ كما ذكرنا، واعلم أن زعم تأتي لمعانٍ:

الأول: بمعنى ظن وهو المقصود هاهنا، تقول: زَعَمَ يَزْعُمُ زَعْمًا وزُعْمًا بفتح الزاي وضمها فهو زاعم، وذاك مزعوم، والأمر: ازعم بضم الهمزة والعين.

الثاني: بمعنى الكفالة؛ تقول:

(2)

زعم به؛ أي: كفل يزعم زعمًا وزعامة فهو زعيم، أي: كفيل، وفي الحديث

(3)

: "الزعيم غارم".

(1)

في (أ) بفتح.

(2)

في (أ) يقال.

(3)

استشهد به ابن حجر العسقلاني على أن زعم وردت بمعنى ضمن فقال: "وَيُحْتَمَل أنْ يَكُون زَعَمَ فيِ هَذَا الشِّعْر =

ص: 844

الثالث: بمعنى: القول؛ تقول: زعم يعني: قال قولًا لا يدري أحق هو أم باطل، يزعم زَعمًا وزُعمًا وزِعمًا.

الرابع: زعم على القوم: صار زعيمًا أي: رئيسًا، وقال الجوهري: الزعامة: السيادة، وزعيم القوم: سيدهم

(1)

.

الخامس: بمعنى: رام الزعامة وهي السيادة.

السادس: زعم غيرَه: أي: فاقه في الزعامة.

السابع: زعِم بكسر العين يزعَم بفتحها زعمًا فهو زعم إذا طمع.

الثامن: زعم اللحم كثر دسمه، فافهم

(2)

.

‌الشاهد الحادي والأربعون بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

لَا أَعُدُّ الإِقْتَارَ عُدْمًا ولَكِنْ

فَقْدُ مَنْ قَدْ فَقَدْتُهُ الإعْدَامُ

أقول: قائله هو أبو داود، واسمه: جارية بن الحجاج، وكان الحجاج يلقب حمران بن بحر بن عصام بن منبه بن حذافة بن زهير [بن إياد]

(5)

بن نزار بن معد، شاعر قديم من شعراء الجاهلية، وكان وصافًا للخيل وأكثر أشعاره في وصفها.

وهو من قصيدة ميمية، وهي طويلة من الخفيف وفيه التشعيث وهو إسقاط أحد متحركي الوتد فيصير فاعاتن أو فالاتن فيرد إلى مفعولن، وأولها هو قوله:

1 -

منعَ النومَ ماريَ التهمامُ

وجديرٌ بالهمِّ مَنْ لَا يَنَامُ

2 -

منْ ينمْ ليلُهُ فقدْ أعملَ الليـ

لَ وذُو البتِّ ساهرٌ مُسْتَهامُ

3 -

هَلْ يَرَى مِنْ ظَعَائِنَ بَاكِرَاتٍ

كالعَدَوْلِيّ سَيرُهُنَّ انْقِحام

= بِمَعنَى ضَمِنَ وَمِنْهُ: الزعِيم غَارِم، أي: الضامِن"، فتح الباري لابن حجر (4/ 31)، باب من قرأ السجدة ولم يسجد، وأخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الصدقات، باب الكفالة (2/ 804) عن أبي أمامة الباهلي.

(1)

الصحاح مادة: "زعم".

(2)

ينظر هذه المعاني في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 77، 78).

(3)

ابن الناظم (75).

(4)

البيت من بحر الخفيف، من قصيدة طويلة لأبي دواد الشاعر الجاهلي الكبير الذي ابتكر معاني كثيرة في الرثاء والبكاء على الأقدمين، والقصيدة المذكورة من ذلك، وقد أورد العيني بعض أبياتها، وانظر بعضًا منها في الأغاني (2/ 139)، وتخليص الشواهد (431)، والخزانة (8/ 125)، والدرر (238).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 845

4 -

فاكِنَاتٍ يقضِمْنَ مِنْ قُضُبِ الضِّرْ

وِ ويَشْفِي بدَلهُنّ السِّقَامُ

5 -

وسبَّتْنِي بَنَاتُ نَخْلَةَ لوْ كنـ

ـتُ قريبًا أَلمَّ بِي إِلْمَامُ

6 -

يكتبينَ الينْجُوجَ في كَبَّةِ المشـ

تى وبُلْهٌ أَحْلامُهُنَّ وسَامُ

7 -

ويصنَّ الوجوهَ في الميسْنَانِي

كما صانَ قرنَ شمسِ غمامُ

8 -

وتراهنَّ في الهَوَادِجِ كالغِزْ

لَانِ مَا إِنْ يَنَالهُنَّ السِّهَامُ

9 -

نَخِلَاتٌ من نَخْل بيسانَ أينَعْنَ

جميعًا ونَبْتُهُنّ تُوَامُ

10 -

وتدلَّتْ علَى منَاهِلِ بُرْد

وفُلَيح مِنْ دُونِهِنَّ سَنَامُ

11 -

وأتانِي تقْحِيمُ كعبِ لي المنـ

ـطقُ إنّ النكيثةَ الإقحامُ

12 -

في نظامٍ ما كُنْتُ فيهِ فلَا يحـ

ـزنْكَ قولٌ لكلّ حسناءَ ذامُ

13 -

ولقدْ رَابَني ابنُ عمِّي كعبِ

أنهُ قدْ يَرُومُ مَا لَا يُرَامُ

14 -

غيرُ ذنب بَنِي كنانةَ متى

إنْ أُفَارِقْ فَإنَّنِي مُجْذَامُ

15 -

لَا أَعُدُّ الإِقْتَارَ عُدْمًا .......

....................... إلى آخره

16 -

منْ رجالٍ مِنَ الأَقَاربِ بَادُوا

مِنْ حُذَاقٍ هم الرؤوسُ الكرامُ

17 -

فيهم للمُلايِنِينَ أناةٌ

وعُرَامٌ إذا يُرَادُ الْعُرَامُ

(1)

1 -

قوله: "ماري": منادى مرخم أصله: يا مارية، و "التهمام" بفتح التاء، بمعنى الهم، وهو مصدر، نحو التسكاب والترداد.

2 -

قوله: "من ينم ليله" برفع الليل، يقال: ليل نائم، أي: ينام فيه، وليل ساهر، أي: يسهر فيه، قوله:"وذو البت" أي: ذو القطع، و "المستهام": ذاهب الفؤاد.

3 -

قوله: "من ظعائن" وهي النساء في الهودج؛ جمع ظعينة، قوله:"كالعدوليّ" أي: كالمركب العدولي، نسبة إلى عدولي قرية بالبحرين، قوله:"انقحام" أي: شديد.

4 -

قوله: "واكنات" أي: جالسات في الهوادج، قوله:"يقضمن" أي: يمضغن، و "القضب" بضم القاف؛ جمع قضيب، و "الضِّرو" بكسر الضاد المعجمة وسكون الراء

(1)

ومن هذه القصيدة قوله:

سلط الموت والمنون عليهم

فلهم في صدى المقابر هام

فعلى إثرهم تساقط نفسي

حسرات وذكرهم إلى سقام

وكذا كم سبيل كل أناس

سوف حقًّا تبليهم الأيام

ص: 846

وفي آخره واو؛ وهو شجر حبة الخضراء.

5 -

قوله: "بنات نخلة" قال الأصمعي: أراد بها النساء، ولا أدري أراد بذلك طولهن أو نسبهن إلى قبيلة، قوله:"ألم بي إلمام" يعني: أتاني منهن زائر.

6 -

قوله: "يكتبين" أي: يتبخرن، والكباء: العود، يقال: كبى ثيابه إذا بخرها، و "الينجوج" بفتح الياء آخر الحروف وسكون النون وبالجيمين أولهما مضمومة وبينهما واو ساكنة؛ وهو العود، قوله:"في كبة المشتى" أي: في أشد البرد، والكبة بفتح الكاف وتشديد الباء الموحدة، قوله:"بله أحلامهن" يعني: لسن بفطنات إلى الشر، والأحلام جمع حلم وهو العقل، وقوله:"وسام" بكسر الواو وتخفيف السين المهملة؛ أي: حسان، يقال: رجل وسيم؛ أي: جميل الوجه.

7 -

قوله: "ويصن الوجوه " أي: يسترن وجوههن في اليسناني، وهو ضرب من الثياب، وهو بفتح الميم وسكون الياءآخر الحروف وفتح السين المهملة والنون وبعد الألف نون مكسورة، و "قرن الشمس": جانبها.

8 -

قوله: "السهام" بفتح السين المهملة، وهو الريح الحارة تكون في أشد الحر، ويروى: ما إن تنالهن السهام، أي: لا يرمين بالأبصار.

9 -

قوله: "من نخل بيسان" وهي بلدة في الشام معروفة، وأينع التمر يونع إيناعًا وينع يينع ينوعًا، وهو منوع ويانع إذا أدرك، قوله:"توام" يعني: اثنان في أصل واحد.

10 -

قوله: "برد" بضم الباء الموحدة وسكون الراء؛ وهي قبيلة، و "فُلَيجٍ" بضم الفاء وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره جيم؛ وهو مكان، و "سنام" بفتح السين المهملة والنون؛ اسم جبل.

11 -

قوله: "وأتاني تقحيم كعب" وهو كعب بن مارية الإيادي، قوله:"تقحيم كعب" من تقحيم النفس في الشيء، وهو إدخالها فيه من غير روية، قوله:"إن النكيثة الإقحام ": من قولهم: فلان بلغ نكيثة بعيره؛ أي: أقصى مجهوده في السير.

12 -

قوله: "في نظام ما كنت فيه" يعني: رماني بأمر ما كنت في جنسه، ويقال: فلان في ذلك النظام؛ أي: في تلك الطريقة، ثم رجع إلى نفسه فقال:"لا يحزنك قول: لكل حسناء ذام" أي: عيب، وهو بالذال المعجمة.

14 -

قوله: "غير ذنب" وروى الأصمعي: غير ريب، أي: غير شك، قوله:"إن أفارق" أي: إن أفارقكم فأنا مجذام، أي: ماض، يقال: قد انجذم في سيره إذا مضى فيه.

ص: 847

15 -

قوله: "لا أعد الإقتار عدمًا" الإقتار -بكسر الهمزة إما من أقتر في النفقة على عياله إذا ضيق عليهم فيها، أو من أقتر الرجل إذا افتقر، وكذلك القتر والتقتر، والعدم -بضم العين وسكون الدال مثل العدم بفتحتين مثل البخل والبَخل، تقول: عدمت الشيء بالكسر أعدمه عُدمًا بضم العين وعَدمًا بفتحتين إذا فقدته، والإعدام -بكسر الهمزة من قولك: أعدمه الله إذا جعله معدومًا، ويقال: أعدم الرجل إذا افتقر.

والمعنى: لا أظن التضييق والفقر عدمًا، ولكن العدم فقدان من فقدته من الأحباب والأصحاب، ويروى:

.........................

ولكن فقد من رزئته الإعدام.

أي: أصبته؛ من الرزء، وهو المصيبة، ومادته: راء ثم زاي معجمة ثم همزة.

16 -

قوله: "بادوا" بالباء أي: ماتوا، وهوى: ماتوا، قوله:"من حذاق" بضم الحاء المهملة وتخفيف الذال المعجمة وفي آخره قاف؛ وهي قبيلة.

17 -

قوله: "للملاينين": جمع ملاين؛ من اللين وهو المسكنة، قوله:"أناة" بفتح الهمزة والنون؛ أي: تأن، ويقال: رفق ووقار، قوله:"وعرام" بضم العين المهملة وتخفيف الراء؛ أي: شدة وقوة وشراسة، ويقال: أي: جهل لمن أراد ذلك.

الإعراب:

قوله: "لا أعد" لا للنفي، وأعد بمعنى أظن، وليس هي بمعنى العدد والحساب، ولهذا اقتضى مفعولين، فقوله:"الإقتار": مفعوله الأول، وقوله:"عدمًا": مفعوله الثاني، قوله:"ولكن" مخفف؛ فلذلك بطل عمله، قوله؛ "فقد": مبتدأ ومضاف إلى من الموصولة، وقوله:"قد فقدته": صلته، و "الإعدام": خبر المبتدأ؛ أي: فقد الذي قد فقدته - أي: عدمته أنا هو الإعدام.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لا أعد" فإنه نصب مفعولين؛ لأنه بمعنى الظن لا بمعنى العد والحساب؛ كما ذكرناه.

ص: 848

‌الشاهد الثاني والأربعون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

دَعَانِي الغَوَاني عَمَّهُنَّ وَخِلْتُنِي

لِيَ اسْمٌ فَلَا أُدْعَى بِهِ وَهُوَ أَوَّلُ

أقول: قائله هو النمر بن تولب الصحابي -رضي الله تعالى عنه- وقد ترجمناه فيما مضى، وهو من قصيدة لامية من الطويل، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

تَأَبَّدَ منْ أطْلالِ جَمْرَةَ مَأْسَلُ

فَقَدْ أقْفَرَتْ منهَا سرَاءٌ فَيذْبُلُ

2 -

فَبُرْقَةُ أَرمَامٍ فَجَنْبَا مُتَالِع

فَوَادِي المياه فالنَّديِّ فأنْجَلُ

3 -

ومِنهَا بأعْرَاضِ المحاضِرِ دِمنَةٌ

ومنها بَوادِي المُسْلَهِمَّة منزِلُ

4 -

أنَاةٌ عليها لُؤلُؤ وزَبَزجَدٌ

ونَظْمٌ كأجْوازِ الجَراد مُفَصَّلُ

5 -

تَرَيَّبَهَا التَّرْعِيبُ والمحضُ خِلْفَةً

ومِسكٌ وكَافُورٌ ولُبنَى تَأَكُّلُ

6 -

يَشُن عليها الزعفرانُ كأنَّهُ

دَمٌ فَارِتٌ يُغْلَى بِهِ ثُمَّ يُغسَلُ

إلى أن قال:

7 -

كأنَّ مِحَطًّا في يَدَيْ حارِثِيَّةٍ

صَنَاعٍ عَلَت مِنِّي به الجِلْدُ مِنْ عَلُ

8 -

دعاني ....................

....................... إلى آخره

9 -

وقَولِي إذَا مَا أطْلَقُوا منْ بَعِيرِهِمْ

تُلاقُونَهُ حتَّى يَؤُوبُ المُنَخَّلُ

1 -

قوله: "تأبد" أي: توحش، و "الأطلال": جمع طلل، وهو ما شخص من آثار الدار، و:"جمرة" بالجيم اسم امرأة، و "مأسل" بفتح اليم وسكون الهمزة وفتح السين المهملة وفي آخره لام، وهي رملة، و"سراء" بفتح السين والراء المهملتين ممدود، بلد، و "يذبل" بفتح الياء آخر الحروف وسكون الذال المعجمة وضم الباء الموحدة، وهو اسم جبل.

2 -

قوله: "فبرقة أرمام" البرقة بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح القاف، وهي قطعة من الجبل يختلط بها رمل وحصى وطين، و "الأرمام" بفتح الهمزة وسكون الراء، اسم موضع، قاله الجوهري وغيره

(4)

، و "المتالع" بضم الميم وبالتاء المثناة من فوق وكسر اللام وفي

(1)

ابن الناظم (75)، وشرح ابن عقيل (2/ 33).

(2)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة للنمر بن تولب، وهي في الغزل والوصف والحديث عن النفس، وانظر بيت الشاهد في تخليص الشواهد (437)، والدرر (2/ 248)، وشرح شواهد المغني (629)، وشرح الأشموني (2/ 20)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 150).

(3)

انظر جمهرة أشعار العرب للقرشي (191) ط. دار صادر، وانظر أيضًا شرح شواهد المغني للسيوطي (628).

(4)

الصحاح مادة: (رمم).

ص: 849

آخره عين مهملة؛ وهو اسم جبل، و "الأنجل" بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم؛ وهو الموضع الذي يكثر فيه النجل، وهو الماء يظهر من الأرض.

3 -

قوله: "بأعراض المحاضر" الأعراض: جمع عرض -بضم العين، وعرض كل شيء: جانبه، والمحاضر: مياه قريبة من قرى عطمة، ودا الدمنة " بكسر الدال وسكون الميم وفتح النون؛ وهي آثار الناس وما سوّدوا، و "المسلهمة" بضم الميم وسكون السين المهملة وفتح اللام وكسر الهاء وتشديد الميم؛ وهي موضع.

4 -

قوله: "أناة" أي: هي أناة وهي الحليمة البطيئة القيام، و "الأجواز": جمع جوز، وجوز كل شيء: وسطه.

5 -

قوله: "تريبها الترعيب" يعني: كان لها غذاء الترعيب، وهو شقق السنام، رعبته: شققته، وقال ابن حبيب: الترعيب: الممتلئ سمنًا، ومنه: رعبت الحوض: ملأته، وامرأة رعبوبة ومادته: راء وعين مهملتان وباء موحدة، و "المحض" بالحاء المهملة: اللبن الحليب الخالص، قوله:"خلفة" بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام وفتح الفاء، والمعنى: هذا بعد هذا، قوله:"ولبنى" بضم اللام وسكون الباء الموحدة وفتح النون، وهي الميعة في الطيب، قوله:"تأكّل" أي: توهج إذا دخن بها، وأصله: تتاكل فحذف إحدى التائين.

6 -

قوله: "يشن" أي: يصب، ويروى بالسين المهملة، قوله:"فارت" بالفاء وبالتاء المثناة من فوق في آخره؛ أي: جامد يابس.

7 -

قوله: "كأن محطًّا" بكسر الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الطاء؛ وهي المصقلة، وهي حديدة يصقل بها الجلد ليلين ويحسن، قوله:"صناع" بفتح الصاد والنون، يقال: امرأة صناع اليدين؛ أي: حاذقة ماهرة بعمل اليدين، قوله:"من عل" أي: من فوق.

8 -

قوله: "دعاني الغواني" وهو جمع غانية بالغين المعجمة، وهي المرأة التي غنيت بحسنها وجمالها، ويروى: العذارى وهو جمع عذراء وهي الجارية التي لم يمسها رجل وهي البكر.

9 -

قوله: "تلاقونه" أي: لا تلاقونه فطرح لا، وهذا في الشعر كثير، و "المنخل" هو اليشكري الذي ضربته العرب مثلًا، وهو بضم الميم وفتح النون وتشديد الخاء المعجمة المفتوحة.

الإعراب:

قوله: "دعاني": فعل ومفعول، و "الغواني": فاعله.

فإن قيل: كيف قال: دعاني ولم يقل: دعتني والفاعل مؤنث حقيقي؟

ص: 850

قلت: قد جاء في كلامهم تذكير الفعل عند إسناده إلى المؤنث الحقيقي فحكى سيبويه عن بعض العرب: قال فلانة

(1)

، وما قيل: إنه ضرورة لا يصح؛ لأن الشاعر كان يمكنه أن يقول: دعتني فلا ضرورة فيه؛ لأن الوزن لا يتغير، ويروى: دعاء العذارى، وهكذا رواه أبو علي على إضافة المصدر إلى فاعله وحذف المفعول الأول، والتقدير: دعاء العذارى إياي عمهن، والمعنى: وتسميتهن إياي عمهن.

وقد قيل: إن الأكثر أن ينشد: دعائي العذارى، فتضيف المصدر إلى المفعول الأول، و"عمهن": هو المفعول الثاني، و"العذارى": فاعل.

فإن قيل: على هذا كيف يقرأ دعاء العذارى؟

قلتُ: بالنصب؛ لأن معناه: أنكرت دعاء العذارى إياي عمهن وتركهن اسمي الذي كنت أُدعي به وأنا شاب.

فإن قلتَ: ما الدليل على تقدير: أنكرت؟

قلتُ: لأنه قال فيما قبله:

لعَمْرِي لَقَدْ أنْكَرْتُ نَفْسِي وَرَابَنِي

مَعَ الشَّيبِ أبْدَا لِيَ التِي تتبَدَّلُ.

قوله: "وخلتني" بضم التاء، أي: وخلت نفسي، وفيه اتحاد الفاعل والمفعول ضميرين متصلين لمسمى واحد، وهو من خصائص أفعال القلوب

(2)

، قوله:"لي اسم" أي: غير ذلك، و"اسم": مبتدأ، "ولي": مقدمًا خبره، قوله:"وهو": مبتدأ، و"أول": خبره والجملة حال.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وخلتني" فإن خال فيه بمعنى اليقين، والمعنى: تيقنت في نفسي أن لي اسمًا وليس هو بمعنى الظن؛ لأنه لا يظن أن له اسمًا بل يتيقن ذلك

(3)

.

(1)

الكتاب لسيبويه (2/ 38).

(2)

قال الزمخشري في حديثه عن خصائص أفعال القلوب: "ومنها أنك تجمع فيها بين ضميري الفاعل والمفعول فتقول: علمتني منطقًا ووجدتك فعلت كذا ورآه عظيمًا"، ينظر المفصل في علم العربية (262)، ط. دار الجيل، وشرح ابن يعيش (7/ 88)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 92).

(3)

ينظر الشاهد رقم (337).

ص: 851

‌الشاهد الثالث والأربعون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

وَرَبيتُهُ حَتَّى إِذَا مَا تَرَكْتُهُ

أَخَا القَوْم وَاستغْنَى عَنِ المسْحِ شَارِبُه

أقول: قائله هو فرعان [بن الأعرف، ويقال: ابن الأصبح بن الأعرف أحد بني مرة، ثم أحد بني نزار بن مرة، وهو من قصيدة قالها فرعان في ابنه منازل، قال ابن الأعرابي: كان لفرعان ابن يقال له: منازل، وكان لمنازل ابن يقال له: خليج، فعق خليج أباه منازلًا فقدمه إلى إبراهيم بن عربي والي اليمامة، فقال

(3)

:

1 -

تَظَلَّمَنِي حقِّي خليجٌ وعقَّنِي

عَلَى حينَ كَانتْ كالحَنِيّ عِظَامِي

2 -

وَجَاءَ بِقَوْلٍ منْ حرامٍ كأنما

يُسَعِّرُ فيِ بَيتِي حريقَ ضرامي

3 -

لعَمري لقدْ ربيتُهُ فرِحًا بهِ

فلَا يفرحن بعدي امرؤٌ بغُلَامِ

فأراد إبراهيم بن عربي ضربه، فقال خليج: أصلح الله الأمير لا تعجل علي، أتعرف هذا؟ هذا منازل بن فرعان الذي يقول فيه أبوه، وأنشد القصيدة التي قالها فرعان في ابنه منازل على ما نذكرها الآن، فلما أنشدها قال إبراهيم: يا هذا عققتَ فعُقِقْتَ

(4)

، وهذا كما قيل: الجزاء من جنس العمل، وأول قصيدة فرعان هو هذا

(5)

:

1 -

جَزَتْ رحمٌ بيني وبَينَ منازلٍ

جزاءً كما يستَنْزِلُ الدينَ طالِبُهْ

2 -

فَربَّيتُهُ حتى إذَا آضَ شَيْظَمًا

يَكَادُ يُسَاوي غَارِبَ الفَحْلِ غاربُة

3 -

تغمَّدَ حقِّي ظالِمًا ولوَى يدِي

لوَى يدَه الله الذي هوَ غَالِبُهْ

(6)

4 -

وكَانَ له عِنْدِي إِذَا جَاعَ أَوْ بَكَى

على الزَّادِ أَحلَى زادِنَا وأطايبُه

5 -

وربيته حتى ...............

...................... إلى آخره

(1)

ابن الناظم (75)، وشرح ابن عقيل (2/ 41).

(2)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة غير طويلة لفرعان (بضم الفاء) بن منازل يعاتب ابنه الذي عقه، وهي في ديوان الحماسة بشرح التبريزي (4/ 10)، والمرزوقي (1445)، وبيت الشاهد في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 82)، والدرر (2/ 251)، واللسان مادة:"جعد"، وشرح الأشموني (2/ 25)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 150)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (61).

(3)

الأبيات من بحر الطويل وتوجد في شرح ديوان الحماسة للتبريزي (4/ 10).

(4)

بقية الكلام: فما أعلم لك مثلًا إلا قول خالد لأبي ذؤيب:

فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها

فأول راض سيرة من يسيرها

(5)

ينظر شرح ديوان الحماسة للتبريزي (4/ 9، 10).

(6)

هذا البيت سقط في (ب).

ص: 852

6 -

أإنْ أُرْعِشَتْ كَفّا أَبِيكَ وأصبحت

يداكَ يدي الليث فإنكَ ضاربُهْ

7 -

وجَمَّعْتَهَا دُهْمًا جِلادًا كأنها

أشَاءُ نخيلٍ لمْ تُقطَّع جوانبُهْ

8 -

فَأَخْرجَنِي منهَا سليبًا كأنني

حُسَامُ يمانٍ فارَقَتهُ مَضَاربُهْ

وهي من الطويل والقافية متدارك.

وذكر في كتاب العققة أنه كان قد تزوج فرعان على أم منازل امرأة شابة فغضب لأمه فاستاق ما له واعتزل مع أمه، فقال في ذلك فرعان هذه القصيدة وزاد فيها أبياتًا أخرى تركتها.

1 -

قوله: "جزت": من الجزاء، ويروى:

..............................

جزاء مسيء لا يقتر طالبه

جعل فعل الجزاء للرحم، والجازي هو الله تعالى، لأنه السبب في الجزاء.

2 -

قوله: "شيظمًا" بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الظاء المعجمة؛ وهو الطويل الغليظ، ولا يستعمل إلا مع الزيادة، لا يقال: شظم، ومعنى:"آض": صار، وجواب إذا: قوله: "تغمد حقي" أي: لما بلغ هذا المبلغ ستر حقي وتعدى طوره وهو بالغين المعجمة.

5 -

قوله: "وربيته": من التربية، قوله:"واستغنى عن المسح شاربه": كناية عن كونه كبيرًا غير محتاج إلى خدمة أحد، وذلك؛ لأن الصغير إذا أكل يحتاج إلى من يمسح فمه، فإذا كبر استغنى عن ذلك، وأراد: موضع شواربه، وهي حول الفم من الجانب الأعلى.

6 -

قوله: "أرعشت": من الإرعاش، من الرعش بفتحتين وهو الرعدة.

7 -

و "الدهم" بضم الدال، جمع دهماء، وأراد بها: النوق الدهم التي ساقها منازل معه حين عق على أبيه فرعان واعتزل عنه، و "الجلاد" بكسر الجيم؛ صفة للدهم، قوله:"أشاء نخيل" بفتح الهمزة وبالمد؛ وهي صغار النخل، الواحدة: أشاءة.

8 -

قوله: "سليبًا" أي: مسلوبًا، و"الحسام": السيف، ووصفه بأنه يمان.

الإعراب:

قوله: "وربيته" الواو للعطف، "وربيته": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو الضمير المنصوب الذي يرجع إلى منازل بن فرعان، قوله:"حتى" للابتداء وهي أن [تكون]

(1)

حرفًا مبتدأ بعدها الجمل تستأنف؛ وحينئذ تدخل على الجمل الاسمية والفعلية -أيضًا- سواء كان فعلها ماضيًا

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 853

أو مضارعًا، و"إذا" في موضع نصب والعامل فيه جوابه، والتقدير: إذا ما تركته تركته أخا قوم

(1)

، ويجوز أن [تكون]

(2)

حتى حرفًا جارة وتكون إذا في موضع جر بها، على ما ذهب إلى نحو هذا الأخفش وغيره

(3)

، وكلمة "ما" زائدة، و "تركته": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله:"أخا القوم": كلام إضافي مفعول ثانٍ لتركته، وذلك لأن ترك إذا كان فيه معنى التحويل يستدعي مفعولين، قوله:"واستغنى": فعل ماض، و"شاربه": فاعله، و"عن المسح" متعلق

(4)

باستغنى، ويجوز أن تكون الواو فيه للحال. فافهم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "تركته" حيث نصب مفعولين؛ لأن فيه معنى التحويل؛ كما ذكرنا، وذكر الخطب في شرح الحماسة: أنه نصب "أخا القوم" على الحال من الهاء في: تركته، وجاز كونه حالًا وإن كان معرفة في اللفظ؛ لأنه لا يعني قومًا بأعيانهم، وإنما يريد تركته قويًّا لاحقًا بالرجال

(5)

.

قلتُ: فعلى هذا لا استشهاد فيه على ما لا يخفى

(6)

.

‌الشاهد الرابع والأربعون بعد الثلاثمائة

(7)

،

(8)

تَخِذْتُ غُرَازَ إِثْرَهُم دَلِيلًا

وَفَرُّوا فِي الحِجَازِ لِيُعْجِزُونِي

أقول: قائله هو أبو جندب بن مرة القردي الهذلي، وهو من قصيدة نونية، وأولها هو قوله

(9)

:

1 -

لَقَدْ أَمْسَى بَنُو لحْيَانَ مني

بحمدِ الله في خِزْيٍ مُبِينِ

(1)

قال ابن هشام: "في ناصب إذا مذهبان: أحدهما: أنه شرطها وهو قول المحققين

والثاني: أنه ما في جوابها من فعل أو شبهه وهو قول الأكثرين"، المغني (96).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في: (أ).

(3)

ذكر النحاة أن إذا غير الفجائية ملازمة للنصب عند الجمهور، وأجاز ابن مالك أن تقع مفعولًا به، كما في الحديث الشريف:"إني لأعلم إن كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى" وأن تقع مجرورة بحتى كقوله: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} لكن الجمهور على أن حتى ابتدائية.

(4)

في (أ) يتعلق.

(5)

شرح ديوان الحماسة للتبريزي (9/ 10).

(6)

من الأفعال التي تنصب مفعولين وتفيد التحويل والتصيير: "ترك" كقول الله تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} ومثله بيت الشاهد، أما إذا كان المنصوب الثاني على الحال كما قال بعضهم في بعض الشواهد فيخرج من هذا الباب.

(7)

أوضح المسالك (2/ 51).

(8)

البيت من بحر الوافر، وهو لأبي جندب الهذلي في الفخر، وانظره في: شرح أشعار الهذليين (1/ 354)، وشرح التصريح (1/ 252)، واللسان:"عجز"، وشرح الأشموني (2/ 25)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 82).

(9)

ينظر ديوان الهذليين القسم الثالث (90)، ط. دار الكتب المصرية.

ص: 854

2 -

جَزَيْتُهُم بِمَا أَخَذُوا تِلَادِي

بَنِي لحيَانَ كُلًّا فَاخَرُونِي

(1)

3 -

تخذتُ غُرَازَ .............

....................... إلى آخره

4 -

وقدْ عَصَّبتُ أَهْلَ العُرجِ منهُم

بأَهْلِ صوائقٍ إذ عَصَّبُونِي

5 -

تركتُهُمْ علَى الرُّكْبَانِ صُغْرَى

يُشَيِّبُونَ الذَّوَائِبَ بالأنِيِن

وهىِ من الوافر وفيه العصب والقطف.

2 -

قوله: "بما أخذوا تلادي" التلاد -بكسر التاء المثناة من فوق: جمع تليد وهو المال القديم الأصلي الذي ولد عندك وهو نقيض الطارف، وأصل التاء فيه واو، وكان بنو لحيان أغاروا على إبل لأبي جندب، فلما جازاهم بما فعلوا قال هذا القول، ثم قال: كلا رغمتم فتعالوا الآن فاخروني كلا لا تفعلون ولا تقدرون عليّ.

3 -

قوله: "تخذت" بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الخاء المعجمة وفتحها لغتان، قال ابن فارس: تخذت الشيء واتخذته

(2)

، قوله:"غراز" بضم الغين العجمة وتخفيف الراء وفي آخره زاي معجمة، وهو اسم واد.

والمعنى: جعلت ذلك الوادي دليلًا عليهم، وقد فسره بعضهم بأنه اسم رجل وهو خطأ وضبطه بعضهم بالنون في آخره ثم قال: هو موضع بناحية عمان وهو -أيضًا- ليس بصحيح فافهم

(3)

قوله: "إثرهم" بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة، بمعنى عقيبهم، يقال: خرجت إثره وأثره، قوله:"ليعجزوني" أي: لأن يعجزوني؛ من أعجزه فلان إذا غلبه.

4 -

قوله: "عصَّبتُ" أي: لفقت هؤلاء بهؤلاء بمعنى: جمعت بينهم، و"العرج": اسم مكان.

الإعراب:

قوله: "تخذت": فعل وفاعل، قوله:"غراز": مفعوله الأول، وهو لا ينصرف للعلمية والتأنيث، وقوله:"دليلًا": مفعول ثان لتخذت، وقوله:"إثرهم": كلام إضافي نصب على الظرف؛ أي: في إثرهم.

قوله: "وفروا": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى بني لحيان

(1)

في ديوان الهذليين (90).

..................................

بني لحيان كيلا يحربوني

(2)

مقاييس اللغة مادة: "تخذ".

(3)

ينظر معجم البلدان (4/ 216).

ص: 855

في البيت السابق، وكذلك الضمير في إثرهم، قوله:"في الحجاز" أي: إلى الحجاز؛ نحو قوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} [إبراهيم: 9]؛ أي: إلى أفواههم

(1)

، قوله:"ليعجزوني" اللام فيه للتعليل، ويعجزوني: منصوب بأن المقدرة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "تخذت" حيث نصب مفعولين وهو بمعنى اتخذت كما ذكرنا

(2)

.

‌الشاهد الخامس والأربعون بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

...............................

وصُيِّرُوا مثلَ كَعَصْفٍ مَأكولْ

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وصدره

(5)

:

ولَعبت طَيرٌ بِهم أَبَابيل

................................

وقبله:

ومَسَّهُم مَا مَسَّ أَصحَابَ الفِيل

تَرمِيهِمُ حجَارَةٌ مِنْ سِجيلْ

وهي من بحر السريع، وأصله في الدائرة: مستفعلن مستفعلن مفعولات مرتين.

قوله: "كعصف" بفتح العين وسكون الصاد المهملة وفي آخره فاء؛ وهو بقل الزرع، قال الفراء: قد أعصف الزرع ومكان معصف؛ أي: كثير الزرع

(6)

وقال الحسن في قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 5] أي: كزرع قد أكل حبه وبقي تبنه.

الإعراب:

قوله: "وصيروا" على صيغة المجهول جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل، قوله:"مثل": نصب على أنه مفعول ثانٍ لصيروا، ويجوز أن يكون نصبًا على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: صيروا تصييرًا مثل كعصف مأكول، وقوله:"كعصف": مجرور بالكاف،

(1)

المغني (169).

(2)

من الأفعال التي تفيد التحويل وتنصب المفعولين: رد ووهب واتخذ وصير وتخذ؛ كقول الله تعالى: {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} ، ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 82)، والتصريح (1/ 252).

(3)

أوضح المسالك (2/ 52).

(4)

البيت من بحر السريع في ملحقات ديوان رؤبة (181)، وانظره في الكتاب لسيبويه، (1/ 408)، والمقتضب (4/ 141، 350)، وسر الصناعة (296)، والمغني (180)، والخزانة (4/ 270)، والدرر (2/ 250)، وشرح شواهد المغني (503).

(5)

ملحقات ديوانه (181).

(6)

ينظر الصحاح مادة: "عصف".

ص: 856

"ومأكول" بالجر صفته.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وصيروا" حيث نصب مفعولين؛ لأنه من أفعال التصيير التي تنصب مفعولين كجعل واتخذ ونحوهما

(1)

، وفيه استشهاد آخر وهو زيادة الكاف في قوله:"كعصف" على ما يجيء بيانه في بابه -إن شاء الله تعالى-.

‌الشاهد السادس والأربعون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

آتٍ المَوْتُ تعلَمُونَ فلا يُر

هِبكُم مِنْ لَظى الحُروبِ اضطرامُ

أقول: هو

(4)

من الخفيف.

والمعنى: تعلمون أن الموت آتٍ ألبتة، فلا يخوفكم اضطرام نار الحروب، قوله:"فلا يرهبكم": من الإرهاب وهو التخويف، قوله:"من لظى الحروب" أي: من نارها، وهو كناية عن قيام الحرب وهيجانها واشتباك الناس بالقتال فيها.

الإعراب:

قوله: "آتٍ": اسم فاعل من أتى وهو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ متأخر عنه وهو قوله: "الموت"، والجملة مفعول "تعلمون"، قوله:"فلا يرهبكم": نفي وليس بنهي، والفاء جواب شرط محذوف تقديره: إن كان الأمر كذلك فلا يرهبكم، قوله:"اضطرام": فاعل يرهبكم، و"من لظى الحروب": متعلق به.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "آت الموت تعلمون" حيث ألغي عمل تعلمون لتأخره عن الجملة التي هي مفعوله

(5)

.

(1)

ينظر الشاهد رقم (344).

(2)

ابن الناظم (77).

(3)

البيت من بحر الخفيف، وهو في الشجاعة والحماس، لقائل مجهول، وانظر مراجع البيت في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 86)، وتخليص الشواهد (445)، وشرح الأشموني (2/ 28).

(4)

لم يشر العيني إلى قائله وهو مجهول القائل.

(5)

تختص أفعال القلوب المتصرفة بالإلغاء وهو ترك عمل هذه الأفعال لفظًا ومعنًى أو لفظًا ومحلًا لغير مانع، ويكون بسبب توسطها بين المعمولين أو تأخرها، فإذا توسطت جاز الإلغاء والأعمال وإذا تقدمت لم يكن بد من إعمالها، وإذا تأخرت فالإلغاء أكثر، ويقل الإعمال، وهنا ألغي الفعل لتأخره عن المعمولين ورفعا على أنهما مبتدأ وخبر. ينظر ابن يعيش (7/ 85) وما بعدها، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 85) وما بعدها، وتوضيح المقاصد (2/ 378، 379)، والكتاب لسيبويه (1/ 118) وما بعدها.

ص: 857

‌الشاهد السابع والأربعون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

هُمَا سَيِّدَانَا يَزْعُمَانِ وَإنَّمَا

يَسُودَانِنَا إن يَسَّرَتْ غَنَمَاهُمَا

أقول: قائله هو أبو سيدة الدبيري، وقبله:

وإن لنَا شَيخَيِنْ لَا يَنْفَعَانِنَا

غَنِيَّيِنْ لَا يَجْرِي عَلَينَا غِنَاهُمَا

وهما من الطويل.

قوله: "يسوداننا": من ساد قومه يسودهم سيادةً وسؤددًا وسيدودةً فهو سيدهم وهم سادة، قوله:"إن يسرت"[بالياء آخر الحروف وتشديد السين المهملة وفتح الراء، يقال: يسرت الغنم إذا كثرت ألبانها ونسلها، وكذلك يقال: يسرت الإبل]

(3)

.

حاصل المعنى: هذان الرجلان يزعمان أنهما سيدانا وإنما يكونان سيدينا إذا كثرت أولاد غنمهما، وكثرت ألبانها، ويجري علينا من ذلك.

الإعراب:

قوله: "هما": مبتدأ، والضمير يرجع إلى الشيخين المذكورين في البيت الذي قبله، قوله:"سيدانا": خبره، وقوله:"يزعمان" تثنية يزعم، وقد بطل عملها لتأخرها، قوله:"وإنما" كلمة إن بطل عملها بما الكافة، و"يسوداننا": جملة من الفعل وهو يسودان والفاعل وهو ضمير التثنية المستتر فيه الذي يرجع إلى الشيخين والمفعول وهو الضمير المنصوب.

قوله: "إن": شرط، و "يسرت": فعل الشرط، و "غنماهما": فاعل ليسرت، وجواب الشرط محذوف يدل عليه قوله:"وإنما يسوداننا" والتقدير: إن يسرت غنماهما يسوداننا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "هما سيدانا يزعمان" حيث بطل عمل يزعمان لتأخره عن الجملة التي هي مفعوله

(4)

.

(1)

ابن الناظم (77)، وأوضح المسالك (2/ 59).

(2)

البيتان من بحر البسيط، وقد نسبهما الشارح، وانظر الشاهد في تخليص الشواهد (446)، والدرر (2/ 255)، وشرح التصريح (1/ 254)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 153)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 86).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ينظر الشاهد رقم (346).

ص: 858

‌الشاهد الثامن والأربعون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

أبِالأَرَاجِيزِ يَابنَ اللؤْمِ تُوعدُنِي

وَفِي الأَرَاجِيزِ خلتُ اللؤمُ والخورُ

أقول: قائله هو اللعين المنقري

(3)

، واسمه منازل بن زمعة من بني منقر بن عبيد بن الحرث بن تميم، يهجو به رؤبة بن العجاج؛ كذا قال بعضهم، وقال النحاس: يهجو العجاج، وقال أبو الحجاج: وبيت اللعين من كلمة رويها لام، وقبله:

1 -

إِني أَنَا ابنُ جَلَا إِنْ كُنتَ تَعرِفُني

يَا رُؤْبَ والحيَّةُ الصَّمَّاءُ في الجَبَلِ

2 -

مَا في الدواوينِ مَا في رجلِي من عقل

عندَ الرِّهَانِ ولَا أكوى من العَفْلِ

3 -

أبِالْأَرَاجِيزِ يَابنَ اللؤْمِ تُوعدُنِي

وَفيِ الأَرَاجِيزِ خلتُ اللؤمُ والفشلُ

هكذا رواه الجاحظ في كتابه الحيوان

(4)

على أن الإقواء في البيت الثالث، وثبت الأبيات الثلاثة في كتاب الوحشي وليس فيها إقواء؛ لأنه روي فيها:

................................

وفي الأرَاجِيزِ رَأْسُ القَولِ والفَشَلِ

وهي من البسيط.

قوله: "يا رؤب" أصله: يا رؤبة فرخمه، وهذا يدل على أن اللعين يهجو رؤبة [بن العجاج]

(5)

لا العجاج والد رؤبة؛ كما قال النحاس، قوله:"لا أكوي من العفل" تعريض برؤبة؛ لأنه من بني مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وهم يُدْعَون بني العفلاء لخبر مشهور.

قوله: "أبِالْأَرَاجِيزِ": جمع أرجوزة بمعنى الرجز، وهو اسم بحر من بحور الشعر ولكن أراد بها القصائد المرجزة الجارية على هذا البحر، و"توعدني": من الإيعاد لا من الوعد.

و"اللؤم" بضم اللام وسكون الهمزة؛ وهو أن يجتمع في الإنسان الشح ومهانة النفس

(1)

ابن الناظم (77)، وأوضح المسالك (2/ 58).

(2)

البيت من بحر البسيط، وهو للعين المنقري يهجو رؤبة بن العجاج، وهو ثالث ثلاثة أبيات ذكرها الشارح، وقد تكفل الشارح ببيان روايات البيت من قافية الراء إلى اللام، ومن اللام المضمومة إلى اللام المكسورة، وانظر بيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 120)، والخزانة (1/ 257)، واللمع (137)، وابن يعيش (7/ 84)، وتخليص الشواهد (445)، وشرح التصريح (1/ 253)، والدرر (2/ 256)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 86)، وشرح قطر الندى (174).

(3)

اللعين المنقري منازل بن زمعة التميمي المنقرى، أبو أكيدر: شاعر هجاء، قيل: سمعه عمر بن الخطاب ينشد شعرًا والناس يصلون، فقال: من هذا (اللعين)؟ فعلق به لقبًا، وعاش إلى أن علت شهرة الفرزدق وجرير، وتناقل الناس أخبارهما، فتعرض لهما يهجوهما معًا، فلم يلتفتا إليه، فأهمل، توفي نحو (75 هـ)، الأعلام (7/ 289).

(4)

ينظر الحيوان للجاحظ (1/ 358).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 859

ودناءة الآباء، فهو من أذم ما يهجى به، وقد بالغ بجعل المهجو ابنًا له إشارة إلى أن ذلك غريزة فيه، وأما اللوم -بفتح اللام وسكون الواو فقد قال الجوهري: اللوم: العذل، تقول: لامه على كذا لومًا ولومة فهو ملوم

(1)

.

قوله: "والخور" بفتح الخاء المعجمة وفتح الواو -أيضًا- وفي آخره راء؛ وهو الضعف، يقال: رجل خوار، ورمح خوار، وأرض خوارة، والفشل: قريب من الخور في المعنى، يقول: إنك راجز لا تحسن القصائد والتصرف في أنواع الشعر؛ فجعل ذلك دلالة على لؤم طبعه وضعفه.

الإعراب:

قوله: "أبالْأَرَاجيز" الهمزة للتوبيخ والإنكار، والباء تتعلق بقوله "توعدني"، وقوله:"يَابنَ اللؤمِ": منادى [مضاف]

(2)

منصوب معترض بينهما، وقوله:"اللؤم": مرفوع بالابتداء، و"الخور": عطف عليه، وخبره قوله:"في الأراجيز" وقوله: "خلت" بينهما: اعتراض، ولو نصبتهما على المفعولية لجاز، وكان الظرف حينئذ في محل النصب مفعولًا ثانيًا، و"خلت" بمعنى علمت.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "خلت" حيث أُلغي عملها لتوسطها بين مفعوليها

(3)

.

‌الشاهد التاسع والأربعون بعد الثلاثمائة

(4)

،

(5)

ولقدْ عَلِمْتُ لَتَأْتين مَنيَّتِي

إِن الْمنَايَا لا تَطيشُ سهَامهَا

أقول: قائله هو لبيد بن عامر الجعفري؛ هكذا قالت جماعة [ولكني لم أجد في ديوانه إلا]

(6)

(1)

الصحاح مادة: "لوم".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

يقول ابن مالك: "ولا يلغى ما يلغى غالبًا إلا متوسطًا أو متأخرًا، ومن الإلغاء مع التوسط قول الشاعر:(البيت) كذا رواه سيبويه قافية رائية، والمشهور من رواية غيره: وفي الأراجيز خلت اللؤم والفشل. ومن الإلغاء مع التأخير قول الشاعر:

آتٍ المَوتُ تَعْلَمُونَ فلا يُرْ

هِبْكُم مِن لَظى الحُروبِ اضطرامُ"

شرح التسهيل لابن مالك (2/ 85، 86).

(4)

ابن الناظم (78)، وأوضح المسالك (2/ 61).

(5)

البيت من معلقة لبيد المشهورة من بحر الكامل، وصدره في الديوان (308) بشرح الطوسي، وفي شرح المعلقات السبع للزوزني:

صادفن منها غِرّةً فأصبنها

.........................................

ينظر (104)، وانظر الكتاب (3/ 110)، وسر الصناعة (400)، وشرح شذور الذهب (471)، والمغني (407)، وتخليص الشواهد (453)، والخزانة (9/ 159)، والتصريح (1/ 254)، وهمع الهوامع (1/ 154)، والدرر (2/ 263)، وشرح شواهد المغني (828).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 860

الشطر الثاني، حيث يقول:

صادفْنَ منْهَا غرةً فأصَبنَهُ

إن المنَايَا لا تَطِيشُ سِهَامُهَا

وهذا في وصف بقرة صادفتها الذئاب فأصبن ولدها، وهو من قصيدة طويلة من الكامل وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

عفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فمُقَامُهَا

بِمِنًى تَأَبَّدَ غَولُهَا فَرِجَامُهَا

2 -

فمُدافِعُ الرَّيَّانِ عَرَّى رسمُها

خَلْقًا كَمَا ضَمِنَ الوحيّ سلامُها

3 -

دِمَنٌ تُجَرِّم بَعدَ عَهدِ أَنِيسهَا

حِجَجٌ خَلَوْنَ حلَالُهَا وَحَرَامُهَا

إلى أن قال:

4 -

خَنْسَاءُ ضَيَّعتِ الفَرِيرَ فَلَم يرِمْ

عَرْضَ الشقَائِقِ طَوْفُهَا وبُغَامُهَا

5 -

لِمُعَفرٌ قَهْدٌ تَنَازع شِلْوَهُ

غُبْرٌ كواسبُ ما يمنُّ طَعَامُهَا

6 -

صادفْنَ منْهَا غرةً فأصَبنَهُ

إن المنايَا لا تَطِيشُ سِهَامُهَا

1 -

قوله: "عفت" أي: درست وانمحت "ومحلها": حيث حلوا ونزلوا، "ومقامها": حيث أقاموا، وقال الأصمعي:"منى": موضع ببلاد قيس قريب من طخفة في الشق الأيسر وأنت مصعد إلى مكة، وصرفه لأنه مذكر

(2)

، وكذا منى الحرم مصروف.

قوله: "تأبد" أي: توحش، و"الغول" بفتح الغين المعجمة وسكون الواو؛ اسم موضع، وكذلك الرجام وهو بكسر الراء وبالجيم.

2 -

قوله: "فمدافع الريان" بفتح الراء وتشديد الياء آخر الحروف؛ وهو اسم واد، و "مدافعه": أعاليه التي تدفع الماء إلى أسفله، قوله:"عرى رسمها" أي: لم يبق فيه أحد، قوله:"خلقًا": نصب على القطع من الرسم؛ لأنه مضاف إلى معرفة، و "الرسم": أثر الدار ما لم يكن شاخصًا من رماد أو سرجين، و "الطلل": كل ما شخص من وقد أو مسجد أو آري، قوله:"كما ضمن الوحي" بفتح الواو وكسر الحاء، على وزن فعيل بمعنى مفعول؛ أي: مكتوب، يقال: وحيت الشيء أحيه وحيًا إذا كتبته، و"السلام": الصخور، والواحدة: سلمة، والهاء في سلامها يرجع إلى المدافع، والمعنى: كما ضمنت الحجارة الكتاب؛ أي: صار فيها.

حاصله: أن هذا الرسم قد أخلق فلا يكاد يبين إلا كما يبين الكتاب القديم في الحجارة.

3 -

قوله: "دمن": جمع دمنة وهي آثار الناس وما سودوا من البعر وغير ذلك، قوله:"تجرّم"

(1)

الديوان (308).

(2)

ينظر معجم البلدان (5/ 229، 230).

ص: 861

أي: تكمل، ويقال: مضى، وقوله:"حجج" أي: سنون، قوله:"حلالها وحرامها" أي: شهور الحل منها والحرم، وارتفاعها يجوز أن يكون بطريق البدل من الحجج، ويجوز أن يكون بفعل محذوف تقديره: خلا حلالها وحرامها.

4 -

قوله: "خنساء" أراد بها البقرة الوحشية، وخنسها تأخر أنفها في الوجه، يقال: كل بقرة وحشية خنساء، وكل ثور أخنس، قوله:"الفرير" بفتح الفاء وكسر الراء؛ وهو ولد البقرة، ويجمع على: فُرار بضم الفاء، قوله:"لم يرم" أي: لم يبرح، قوله:"عرض الشقائق" وهي قطع غلاظ ما بين كل جبلي رمل شقيقة، و"بغامها" بضم الباء الموحدة؛ وهو صوتها.

5 -

قوله: "لمعفر"، المعفر: ولدها الذي كاد أن يعظم فتعفره، وتعفيره أن يترك الرضعة بين الرضعتين حتى يمرن على ترك الرضاع، قوله:"قهد" بفتح القاف وسكون الهاء؛ وهو الذي في لونه بعض الحمرة بصفرة، قوله:"شلوه" أي: عضوه، قوله:"غبر": فاعل تنازع، أراد به ذباب غبر، وهو جمع أغبر؛ من الغبرة في اللون، قوله:"ما يمن طعامها" يعني: أنها تكسب ولا تطعم.

6 -

قوله: "صادفن منها" أي: صادفت الذئاب من البقرة فأصبن ولدها، قوله:"إن المنايا": جمع منية وهو الموت، قوله:"لا تطيش" من طاش السهم عن الهدف أي: عدل، والمعنى: أن الموت لا تعدل سهامه عن أحد.

الإعراب:

قوله: "ولقد علمت": كلام مؤكد بثلاثة أشياء: الأول: واو القسم؛ ولهذا قال سيبويه: كأنه قال: والله لتأتين

(1)

، والثاني: لام الابتداء، والثالث: كلمة قد التي للتحقيق، ثم قوله:"علمت" محتمل الوجهين:

أحدهما: أن يكون معلقًا كما ذكره الشراح فيكون "لتأتين" جوابًا لقسم محذوف، وجملتا القسم والجواب في موضع نصب بالفعل المعلق

(2)

.

والثاني: أن يكون أجري لإفادته تحقيق الشيء وتوكيده مجرى القسم؛ فيخرج حينئذ عن طلب المفعولين ويتلقى بما يتلقى به القسم، وعلى هذا فلا قسم مقدر، والجملة لا محل لها كسائر الجمل التي يجاب بها القسم، ويخرج البيت عن الدليل.

قوله: "لتأتين": فعل مضارع مؤكد بالنون الثقيلة، وقوله:"منيتي": كلام إضافي فاعله،

(1)

الكتاب لسيبويه (3/ 110).

(2)

قال سيبويه بعد أن ذكر البيت: "كأنه قال: والله لتأتين كما قال: قد علمت لعبد الله خير منك .... "، الكتاب (3/ 110)، وينظر المغني (407).

ص: 862

قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله:"المنايا": اسمه، وخبره الجملة أعني قوله:"لا تطيش سهامها" وسهامها: مرفوع بتطيش.

الاستشهاد فيه:

على أن لام القسم أو الابتداء في قوله: "لتأتين منيتي" علقت "علمت" عن العمل؛ أي منعته من الاتصال بما بعده والعمل في لفظه؛ لأن ما له صدر الكلام لا يصح أن يعمل ما قبله فيما بعده.

فإن قلت: ما الفرق بين الإلغاء والتعليق؟ فإن المفعولين في كل واحد من الموضعين يرجع إلى أصله وهو الرفع؟

قلت: كل واحد منهما متصل معناه بالجملة، لكن الملغيّ لا عمل له فيها لا لفظًا ولا تقديرًا، وهو منزل معها منزلة حرف مهمل، والمعلق عامل فيها معنًى فهو معها بمنزلة المبني، حقه أن يظهر فيه عمله لولا المانع في المعمول

(1)

.

‌الشاهد الخمسون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

وَمَا كُنْتُ أَدْرِي قَبلَ عَزَّةَ مَا الهَوَى

وَلَا مُوجِعَاتِ القَلْبِ حَتى تَوَلَّتِ

أقول: قائله هو كثير بن عبد الرحمن، وقد ترجمناه فيما مضى، وهو من قصيدة تائية من

(1)

من موانع إعمال ظن وأخواتها في معموليها: التعليق وهو إبطال العمل لفظًا لا محلًّا لمجيء ما له صدر الكلام، والمعلقات عن العمل إما: لام الابتداء، أو لام القسم، أو الاستفهام بالاسم أو بالفعل أو بالحرف، وكذا النفي بأنواعه، مثال لام الابتداء نحو:{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} ، ومثال لام القسم كقول لبيد (البيت) فاللام في لتأتين لام القسم، وتسمى: لام جواب القسم، والقسم وجوابه في محل نصب، ويقول المرادي:"وفي هذه الجمل المصدرة بلام الابتداء والقسم أو بما النافية أو بلا أو بإن وفي خبرها اللام خلاف، مذهب سيبويه والبصريين وابن كيسان أنها في موضع نصب وهو الصحيح، وقال الكوفيون: أضمر بين الظن وبين هذه الحروف القسم، فعلى قولهم: لا يكون لهذه الجمل موضع من الإعراب". شرح التسهيل للمرادي (1/ 488). وقال ابن مالك: "والجملة بعد الفعل المعلق في موضع نصب بإسقاط حرف الجر إن تعدى به، وفي موضع مفعوله إن تعدى لواحد، وسادة مسد مفعوليه إن تعدى إلى اثنين، وبدل من المتوسط بينه وبينها إن تعدى إلى واحد، وفي موضع الثاني إن تعدى إلى اثنين ووجد الأول، مثال الكائنة في موضع نصب بإسقاط حرف الجر: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا}، ومثال الكائنة في موضع مفعول به ما يتعدى إلى مفعول واحد: أما تُرى أيّ برقٍ هاهنا، ومثال السادة مسد مفعولي ما يتعدى إلى اثنين: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى}، ومثال الواقعة بدلًا من المتوسط بينها وبين المتعدي إلى واحد: عرفت زيدًا أبو من هو ومثال الكائنة في موضع ثاني مفعولي ما يتعدى إلى اثنين: علمت زيدًا أبو من هو". شرح التسهيل لابن مالك (2/ 92)، وينظر شرح الرضي على الكافية (4/ 166، 167)، وشرح التصريح بمضمون التوضيح (1/ 255)، وينظر معه حاشية يس، وشرح الأشموني وحاشية الصبان (2/ 30)، وإعراب الجمل وأشباه الجمل لقباوة (178، 179).

(2)

أوضح المسالك (2/ 64).

(3)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة مختارة في الغزل لكثير عزة، ديوانه (54) وما بعدها بشرح مجيد طراد، و (95) =

ص: 863

منتخبات قصائده، وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

خَليلَي هَذَا رَبْعُ عَزَّةَ فاعْقِلَا

قَلُوصَيكُما ثُمّ ابكيَا حيثُ حلّتِ

2 -

وَمَا كُنْتُ أَدْرِي قَبلَ عَزَّةَ مَا الهَوَى

وَلَا مُوجِعَاتِ القَلْبِ حتى تَوَلَّتِ

3 -

وكانتْ لِقَطْعِ الحَبلِ بيني وبينَها

كنَاذرَةٍ نَذْرًا فأوفت وحَلّتِ

4 -

فقلتُ لها يا عزَّ كل مصيبة

إذا وُطنَتْ يومًا لها النفسُ ذَلَّتِ

5 -

أباحت حمًى لم يرعهُ الناسُ قبلَهَا

وحلَّتْ تِلَاعًا لم تكُنْ قبلُ حُلَّتِ

6 -

هنيئًا مَرِيئًا غيرَ داءٍ مُخَامِرٍ

لعزةَ منْ أَعْرَاضِنَا ما استَحلَّتِ

7 -

ووالله ما قاربتُ إلا تباعَدَتْ

بِصَرمٍ ولا أكثرتُ إلا أَقَلَّتِ

8 -

فَإنْ تَكُنِ العُتْبَى فَأَهْلًا ومرحَبًا

وحَقتْ لها العُتْبَى لدينا وقَلّتِ

9 -

وإنْ تَكُنِ الأخْرَى فإن وراءَنَا

مَنَادِحَ لَو كلَّفْتُهَا العيسَ كلَّتِ

10 -

خليليّ إن الحَاجِبِيّةَ طلَّحَتْ

قلُوصَيكُمَا ونَاقَتِي قدْ أكَلَّتِ

11 -

فلَا يَحسَبُ الواشونَ أن صبابتي

بعزةَ كانت غَمْرَةً وتَجَلَّتِ

12 -

فو الله ثُم الله لا حَلّ قبلها

ولا بَعْدَهَا مِنْ خُلَّةِ حيثُ حَلَّتِ

13 -

ومَا مَرَّ مِنْ يَوم عليَّ كَيَوْمِهَا

وإنْ عَظُمَتْ أَيامُ أُخْرَى وجَلَّتِ

14 -

وإنِّي وتَهْيَامِي بعزَّةَ بعدَمَا

تخليتُ مما بيننا وتَخَلَّتِ

15 -

لكالمُرتَجِي ظلَّ الغَمَامَةِ كُلَّمَا

تبوّأَ منهَا للمُقِيلِ اضْمَحَلَّتِ

16 -

كأني وَإيّاهَا سَحَابَةُ مُمْطِرٍ

رَجَاهَا فَلَمَّا جاوَزَتْهُ استهَلَّتِ

17 -

كَأَني أُنَادِي صَخْرَةً حيَن أعرضَتْ

من الصُّمِّ لوْ تَمْشِي بها العصمِ زلَّتِ

18 -

صفوحًا فَمَا تَلْقَاكَ إلا تَحِلَّةً

فَمَنْ مَلّ منهَا ذلكَ الوصْلَ ملَّتِ

وهي من الطويل.

= تحقيق د. إحسان عباس، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (9/ 144)، وشرح التصريح (1/ 257)، وشرح شذور الذهب (475)، وشرح شواهد المغني (813)، وشرح قطر الندى (178)، والمغني (419)، والبيت يروى في كتب النحاة هكذا:

وما كنت أدري قبل عزة ما البكا

.........................................

(1)

انظر القصيدة كلها في الديوان (54) وما بعدها بشرح مجيد طراد، و (95) تحقيق د. إحسان عباس، والذي ذكره العيني لا يبلغ ثلثها؛ فالقصيدة قد قاربت الخمسين بيتًا، وكلها جيدة كما ذكر الشارح، وانظرها -أيضًا- في الخزانة (5/ 217).

ص: 864

قوله: "فاعْقِلَا قَلُوصَيكُمَا" أي: شداهما، والقلوص: الشابة من النوق؛ كالفتى من الرجال، قوله:"حتى تولت" أي: أعرضت وأدبرت، قوله:"حمى" الحمى: خلاف المباح، وفي الحديث:"لا حمى إلا لله ورسوله"، قوله:"تلاعًا": جمع تلعة وهي مسيل ماء ارتفع من الأرض إلى بطن الوادي، قوله:"بصرم" أي: بقطع، قوله:"العتبي" بضم العين؛ مصدر بمعنى الإعتاب، قوله:"منادح": جمع مندوحة وهي الأرض الواسعة، وكذلك الأنداح جمع ندح، قوله:"العيس" بكسر العين؛ جمع عيساء وهي إبل [بيض]

(1)

في بياضها ظلمة خفيفة، قوله:"كلت": من الكلال وهو العجز في المشي، قوله:"الحاجبية طلحت" الحاجبية بالحاء المهملة ثم بعد الألف جيم مكسورة وباء موحدة وياء آخر الحروف مشددة، وهي رمل طويل

(2)

، ومعنى طلحت: أهزلت، يقال: ناقة طليح أسفار إذا جهدها السير وقد طَلِحَتْ بكسر اللام، والطليح: المهزول من القردان، قوله:"غمرة" أي: شدة، قوله:"تهيامي" من التهيام -بفتح التاء المثناة من فوق مصدر للمبالغة في الهيام، والهُيام كالجنون من العشق، قوله:"صفوحًا" أي: معرضة؛ كذا قاله ابن دريد

(3)

.

الإعراب:

قوله: "وما كنت": عطف على ما قبله، وما نافية، واسم كان الضمير المتصل به، والجملة أعني قوله:"أدري": خبره، وقوله:"قبل عزة": نصب على الظرف، وقوله:"ما الهوى": مفعول أدري، قوله:"ولا موجعات القلب" بالنصب: عطف على قوله: "ما الهوى"، قوله:"حتى" للغاية بمعنى: إلى؛ أي: إلى [أن تولت]

(4)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولا موجعات القلب" حيث عطف بنصب التاء على محل مفعول أدري، وأدري بمعنى أعلم يقتضي مفعولين، وما الاستفهامية في قوله:"ما الهوى" علق أدري عن العمل لفظًا لا محلًّا؛ لأن التعليق هو: إبطال العمل لفظًا لا محلًّا لمجيء ما له صدر الكلام بعده، وهو كثير، منه: حرف الاستفهام، والعامل المعلق له عمل في المحل، ويعطف عليه بالنصب عطفًا على المحل؛ كما في قوله:"ولا موجعات القلب" فافهم

(5)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

قال صاحب الخزانة (5/ 221): "كثيرًا ما يطلق على عزة صاحبة كثير الحاجبية نسبة إلى جدها الأعلى، ومن الغرائب تفسير العيني للحاجبية بالرمل الطويل، وهو غفلة عن نسبها".

(3)

جمهرة اللغة لابن دريد مادة: "ح ص ل".

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ينظر التعليق على الشاهد رقم (349)، وهنا جاءت الجملة المعطوفة على الجملة المعلقة منصوبة؛ لأن التعليق =

ص: 865

‌الشاهد الحادي والخمسون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

كَذَاكَ أُدِّبْتُ حتى صَارَ مِنْ خُلُقِي

أَني رَأَيْتُ ملَاكُ الشيمَةِ الأَدَبُ

أقول: قائله هو بعض الفزاريين، وقبله:

أُكنِيه حينَ أُنَادِيهِ لأُكْرِمَهُ

ولَا أُلقِّبهُ والسوْأَةَ اللقَبُ

وقد روي هذا الشعر مرفوع القافية كما أورده الشراح

(3)

، ووقع في الحماسة منصوب القافية: ملاك الشيمة الأدبا، والسوأة اللقبا

(4)

.

وهما من البسيط.

قوله: "ملاك الشيمة" بكسر الميم وفتحها، قال الجوهري: ملاك الأمر وملاكه: ما يقوم به

(5)

، والشيمة -بكسر الشين المعجمة: الخلق.

الإعراب:

قوله: "كذاك": إشارة إلى ما ذكر من قوله: "أُكْنِيهِ حينَ أُنَادِيهِ" في البيت الذي قبله، والكاف للتشبيه، أي: كمثل الأدب المذكور أدبت، وهو على صيغة المجهول، والضمير فيه مفعول ناب عن الفاعل.

قوله: "حتى": للغاية بمعنى إلى، والمعنى: إلى أن صار من خلقي، وكلمة من تتعلق بصار، قوله:"أني" بفتح الهمزة فاعل صار، والضمير المتصل اسم أن، وقوله:"رأيت": خبره، قوله:"ملاك الشيمة": كلام إضافي مرفوع بالابتداء، وخبره قوله:"الأدب"، والجملة مفعول لقوله "رأيت"، ويروى:"أني وجدت" موضع "رأيت".

= أبطل العمل في اللفظ، ولكنه في المحل عامل ولهذا جاء قوله:"ولا موجعات القلب" بالنصب على العطف على المحل.

(1)

ابن الناظم (77)، وتوضيح المقاصد (1/ 382)، وأوضح المسالك (2/ 65)، وشرح ابن عقيل (2/ 49).

(2)

البيت من بحر البسيط مجهول القائل، ينظر الخزانة (9/ 139)، والدرر (2/ 257)، والأشباه والنظائر (3/ 133)، وتخليص الشواهد (449)، وشرح التصريح (1/ 258)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1146)، وشرح عمدة الحافظ (249)، والمقرب (1/ 117).

(3)

ينظر المراجع النحوية التي سبق ثبتها وورد فيها الشاهد.

(4)

ينظر شرح الحماسة للتبريزي (3/ 87) وروايته في الكتاب هكذا:

كذاك أدبت حتى صار من خلقي

أني وجدت ملاك الشيمة الأدبا

(5)

الصحاح مادة: "ملك".

ص: 866

الاستشهاد فيه:

حيث ألغي عمل رأيت لكون لام الابتداء مقدرة فيه، والتقدير: لملاك الشيمة الأدب؛ هكذا أوله النحاة، واستشهدوا به مع أنه لا ضرورة في ذلك إلى تقدير لام الابتداء؛ لأجل إلغاء عمل رأيت على أن القافية منصوبة في الحماسة؛ كما ذكرناه، وسيجيء تحقيق الكلام فيه في شواهد المفعول معه.

ثم إن الأخفش والكوفيين استدلوا بالبيت المذكور أن العامل المقدم يجوز إلغاؤه، وأجيب عن ذلك بأن الإلغاء هاهنا باللام المقدرة؛ كما ذكرنا، فلما حذفت بقي التعليق، وهاهنا جوابان آخران ذكرا في التوضيح

(1)

.

‌الشاهد الثاني والخمسون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

أَرْجُو وَآمُلُ أَنْ تَدْنُوَ مَوَدَّتُهَا

وَمَا إِخَالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْويلُ

أقول: قائله هو كعب بن زهير بن أبي سلمى الصحابي -رضي الله تعالى عنه-، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله

(4)

:

بَانَتْ سُعَادُ فَقُلْبِي اليَوْمَ مَتْبُولُ

مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَم يُفْدَ مَكْبُولُ

وهي من البسيط.

(1)

من خصائص أفعال القلوب الإلغاء وهو إبطال عمل هذه الأفعال لفظًا ومعنًى، والإلغاء يكون بتوسط الفعل بين المفعولين أو تأخره عنهما أو تقدمه عليهما، فإن تقدم الفعل على المفعولين ولم يتقدمه شيء فمذهب البصريين أنه يمتنع الإلغاء، وذلك لتقدم الفعل فتقول: ظننت المسافر قادمًا بالنصب فقط ولا يجوز الرفع، وإذا ورد في كلام العرب ما يوهم الإلغاء مع تقدم الفعل أوله البصريون على تقدير ضمير الشأن بعد الفعل ليكون هو المفعول الأول والجملة بعده سدت مسد المفعول الثاني أو على نية لام الابتداء المعلقة والفعل على هذا معلق، وذهب الأخفش والكوفيون إلى جواز إلغاء الفعل مع تقدمه

لكن الإعمال أرجح، واستدلوا على جواز الإلغاء بهذا البيت والذي بعده. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 86) وما بعدها، وتوضيح المقاصد (1/ 382)، وأوضح المسالك (2/ 65).

(2)

ابن الناظم (77)، وتوضيح المقاصد (2/ 67)، وشرح ابن عقيل (2/ 47).

(3)

البيت من بحر البسيط، من قصيدة كعب بن زهير المشهورة التي يمدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي خلع عليه بردته إعجابًا بها وبصاحبها، وبيت الشاهد في الغزل الذي بدأ به كعب قصيدته، وانظر الشاهد في الخزانة (11/ 308)، والتصريح (1/ 258)، والهمع (1/ 53)، والدرر (1/ 31، 136)، وشرح لتسهيل لابن مالك (2/ 86)، وحاشية الصبان (2/ 29).

(4)

الديوان (60) وما بعدها، شرح علي فاعور، ورواية البيت الشاهد هكذا في الديوان:

أرجو وآمل أن يعجلنا في أبد

وما لهن طوال الدهر تعجيل

وعلى هذا فلا شاهد في البيت.

ص: 867

قوله: "وآمل": مضارع المتكلم وحده؛ من أمل يأمل من باب نصر ينصر، قوله:"أن تدنو": من الدنو وهو القرب، قوله:"إخال" بكسر الهمزة وهو الأصح

(1)

، ومعناه: أظن، قوله:"تنويل": من قوله: نولته بالتشديد إذا أعطته نوالًا وهو العطية.

الإعراب:

قوله: "أرجو": جملة من الفعل والفاعل وهو أنا المستتر فيه، قوله:"وآمل": جملة -أيضًا- عطف على الجملة التي قبلها.

وقد قيل: إن فيه عطف الشيء على نفسه؛ لأن الرجاء والأمل بمعنى واحد.

وأجيب: بأن اختلاف اللفظ قد جوز ذلك؛ كما في قوله تعالى: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا} [آل عمران: 146]، وهذا العطف من خصائص الواو.

قوله: "أن تدنو": في محل النصب على المفعولية، وأن مصدرية، والتقدير: أرجو وآمل دنو مودتها، وإنما سكنت الواو لأجل الضرورة، قوله:"وما" للنفي، و"إخال" مضارع للمتكلم بمعنى أظن.

قوله: "تنويل": مبتدأ، وخبره قوله:"لدينا" مقدمًا عليه، قوله:"منك": حال من التنويل، والتقدير: ما أظن تنويلًا عندنا حال كونه حاصلًا منك، وذكر في شرح اللمع أن "ما" في قوله:"وما إخال" بمعنى الذي في موضع رفع بالابتداء، والمفعول الأول العائد على الذي محذوف، وجاز حذفه للعلم به، "ولدينا" المفعول الثاني، "وتنويل": خبر ما الذي هو مبتدأ

(2)

.

الاستشهاد فيه:

هو جواز إلغاء الفعل القلبي المقدم على مفعوليه، وبهذا استدل الأخفش والكوفيون على أن العامل المقدم يجوز الغاؤه

(3)

.

ويقال: إنما ألغي عمل إخال هاهنا لتوسطها بين النافي وهو ما وبين المنفي، ويقال: علقها عن العمل لام مقدرة، أي: وما إخال للدنيا.

ويقال: ليست هي ملغاة ولا معلقة؛ بل هي معمولة، ولكنه حذف المفعول الأول أي: وما إخاله، أي: وما إخال الأمر والشأن، فضمير الشأن هو المفعول الأول، والجملة - أعني: لدينا منك تنويل في

(1)

في (أ) الأفصح.

(2)

راجع شرح اللمع.

(3)

ينظر الشاهد السابق (351).

ص: 868

محل النصب على أنها المفعول الثاني

(1)

.

وقال الشيخ أبو الفتح البعلي في شرح الجرجانية: إذا تقدم الفعل على الجزأين ولم يتقدم عليه بعض الكلام ترجح الإعمال؛ كقولك: ظننت زيدًا مقيمًا، وإن تقدم عليه بعض الكلام ترجح الإهمال؛ كقول كعب بن زهير:

أرجو وآمل ...................

.............. إلى آخره

فألغي إخال لتقدمه على الجزأين وتقدم بعض الكلام عليه

(2)

، وفيه شواهد أخرى:

الأول: فيه عطف الشيء على نفسه، وقد أجبنا عنه

(3)

.

الثاني: فيه تسكين المنصوب المعتل بالواو للضرورة

(4)

.

الثالث: فيه الالتفات من الغيبة إلى الخطاب

(5)

.

الرابع: فيه أن يقال آمل بالتخفيف يأمل؛ كقتل يقتل، وقد وهم بعض المتأخرين فزعم أنه إنما يقال: أمّل بالتشديد فافهم.

‌الشاهد الثالث والخمسون بعد الثلاثمائة

(6)

،

(7)

بِأَي كتَاب أم بِأَية سُنَّةٍ

تَرَى حبَّهُم عارًا عليَّ وتحسبُ

أقول: قائله هو الكميت بن زيد الأسدي، وقد ترجمناه فيما مضى.

(1)

هذه كلها تخريجات أجازها البصريون فيما إذا تقدم الفعل وألغي عمله.

(2)

وهذا رأي الأخفش والكوفيين، وانظر الفاخر في شرح جمل عبد القاهر للبعلي (343).

(3)

ينظر إعراب البيت، ومن شواهده -أيضًا- قوله تعالى:{قَال إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} .

(4)

ينظر ضرائر الشعر لابن عصفور (96)، (خليل عمران المنصور).

(5)

الالتفات: محسن بديعي وهو انتقال الكلام من صيغة إلى أخرى كالانتقال من الخطاب إلى الحاضر أو إلى الغائب، أو من فعل ماض إلى مستقبل، والبيت فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله:"مودتها، ومنك" ومنه قول: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} ، عدم البديع لعبد العزيز عتيق (146) وما بعدها.

(6)

توضيح المقاصد (1/ 388)، وأوضح المسالك (2/ 69)، وشرح ابن عقيل (2/ 55).

(7)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة طويلة مشهورة للكميت بن زيد الأسدي في مدح آل البيت، وقد استشهد النحاة بأبيات كثيرة منها، ومطلعها قوله:

طربت وما شوقًا إلى البيض أطرب

ولا لعبًا مني وذو الشيب يلعب

وانظرها في الخزانة (2/ 256)(بولاق)، وانظر بيت الشاهد في المحتسب (1/ 183)، والتصريح (1/ 259)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (692)، وهمع الهوامع (1/ 152)، والأشموني بحاشية الصبان (2/ 35)، والدرر (1/ 227).

ص: 869

وهو من الطويل، والمعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "بأي": متعلق

(1)

بقوله: "ترى"، وقوله:"أم بأية سنة": عطف على [قوله: "]

(2)

بأي كتاب" قوله: "ترى": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "حبهم": كلام إضافي مفعوله الأول، وقوله: "عارًا": مفعوله الثاني، وقوله: "عليَّ": يتعلق به، وقوله: "تحسب": عطف على "ترى"، ومفعولاه محذوفان تقديره: وتحسبه عارًا عليَّ.

الاستشهاد فيه:

حيث حذف منه المفعولان، وهو جائز بالإجماع وذلك؛ لأجل الاختصار، ولكن عند قيام القرينة، وليس ذلك بمطلق فافهم.

‌الشاهد الرابع والخمسون بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

ولقد نَزَلْتِ فَلَا تَظُنِّي غيرَهُ

مِنِّي بِمَنْزِلَةِ المحبِّ الأَكْرَمِ

أقول: قائله هو عنترة بن شداد العبسي، من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله

(5)

:

1 -

هَلْ غَادَرَ الشعراءُ منْ مُتردِّمٍ

أمْ هَلْ عَرَفْتِ الدارَ بعدَ توهُّمِ

2 -

أعياك رسمُ الدارِ لم يَتَكَلَّمِ

حتى تكلّم كالأَصَمِّ الأَعْجَمِ

3 -

ولقدْ حَبَسْتُ بهَا طويلًا ناقَتِي

أَشْكُو إِلَى سُفْعٍ رواكِدَ جُثَّمِ

4 -

يا دارَ عبلَةَ بالجواءِ تكلَّمي

وعِمِي صباحًا دَارَ عَبلَةَ واسْلَمِي

إلى أن قال:

5 -

عُلِّقْتُهَا عَرَضًا وأقتُلُ قومَها

زعمًا وربُّ البيتِ ليسَ بمزعمِ

6 -

ولقدْ نزلت .............

....................... إلى آخره

(1)

في (أ) يتعلق.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

توضيح المقاصد (1/ 398)، وأوضح المسالك (2/ 70)، وشرح ابن عقيل (2/ 56).

(4)

البيت من بحر الكامل، من معلقة عنترة الشاعر الشجاع، صاحب عبلة التي بدأها بالغزل، ثم تحدث بعد عن ضروبه وشجاعته فيها، ديوانه (118) دار الكتب العلمية (1985 م)، وانظر بيت الشاهد في الخصائص (2/ 116)، وهمع الهوامع (1/ 152)، والأشباه والنظائر (2/ 405)، والأغاني (9/ 212)، والخزانة (3/ 27)، والدرر (2/ 254)، وشرح شذور الذهب (486)، وشرح شواهد المغني (480)، والمقرب (1/ 117).

(5)

ينظر معلقة عنترة ضمن المعلقات السبع بشرح الزوزني (43)، وشرح ديوانه (118).

ص: 870

7 -

كيفَ المَزارُ وقدْ تربَّعَ أَهْلُهَا

بعنيزتَيِن وأهلنَا بالعَيلَمِ

8 -

إن كنتِ أزمعتِ الفراقَ فإنما

زُمَّتْ رِكَابُكم بلَيل مظْلِمِ

وهي من الكامل.

1 -

قوله: "هل غادر" أي: هل ترك الشعراء؟ وهو جمع شاعر، و"المتردم": من ردمت الشيء إذا أصلحته وقويت ما وهي منه، يقول: ما أبقى الشعراء لأحد معنى إلا وقد سبقوا إليه، قوله:"بعد توهم": من توهمت الشيء إذا أنكرته فتثبت فيه وطلبت حقيقته.

2 -

قوله: "أعياك" أي: أعجزك، يعني: أخفى رسم الدار عليك لدروسه فلم تستبن به الدار إلا بعد إنكار وتثبت؟ وضرب لذلك مثلًا بقوله: لم يتكلم حتى تكلم كالأصم الأعجم، أي: لم يبين لك أولًا أهي الدار التي عهدت أم لا؟ حتى بينها آخرًا بعد جهد ومشقة؟

3 -

قوله: "سفع" بضم السين المهملة وسكون الفاء وفي آخره عين مهملة؛ وهو السواد يضرب إلى الحمرة، وأراد بها الأثافي السود، و"الرواكد": المقيمة الثابتة، و"الجثم" بضم الجيم وتشديد الثاء المثلثة، ومعناه: اللاصقة بالأرض الثابتة فيها، وأصله من جثم الطائر إذا لصق بالأرض.

4 -

قوله: "بالجواء" بكسر الجيم؛ وهو المطمئن من الأرض المتسع، ويقال: هو موضع بعينه

(1)

، قوله:"عمي صباحًا" أي: انعمي صباحًا وهي تحية أهل الجاهلية، قوله:"واسلمي": دعاء لها بالسلامة من الدروس والتغير.

5 -

قوله: "علقتها عرضًا" أي: اعترضني حبها من غير أن أرومه وأتعرض له وأنا مع ذلك أقتل قومها، فكيف أحبها وأنا أقتلهم؟ وإنما يريد أن قومها أعداء له فلا سبيل له إليها، فأنكر لذلك حبه لها، فقال مخاطبًا نفسه: هذا فعل ليس يفعل، وضرب الزعم مثلًا، والزعم إنما هو في الكلام دون الفعل، وإنما يريد أن حبه لها ليس له ظاهر يوجبه لقتله قومها، فكأنه ليس بحب.

6 -

قوله: "ولقد نزلت إلى آخره" يعني: أنت عندي بمنزلة المحب المكرم فلا تظني غير ذلك، و"المحب" بفتح الحاء؛ بمعنى المحبوب، والمستعمل في الكلام: المحبوب، ولكنه أجراه على أصله من أحببت، قوله:"الأكرم"

(2)

لتفضيل المفعول، والدليل عليه ما جاء في بعض الروايات المكرم على صيغة الفعول من الإكرام.

7 -

قوله: "كيف المزار" يعني: كيف لي أن أزورها وأهلها متربعون بموضع لا مرتبع فيه؟

(1)

ينظر الصحاح مادة: "جوى" ومعجم البلدان (2/ 202).

(2)

في (أ) الإكرام.

ص: 871

وتربع: من الربيع بمنزلة تصيف من الصيف، أي: نزلوا عنيزتين في الربيع وهي موضع، و"أهلنا نزلوا بالعيلم"، وهي -أيضًا- موضع، وهو -أيضًا- البئر الغزيرة الماء، و"العنيزتان" بضم العين المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفتح الزاي المعجمة، والعيلم بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح اللام.

8 -

قوله: "أزمعت" أي: أجمعت، أراد أنهم فاجأوه بالرحيل ولم يعلم به قبل ذلك، فذلك أشد عليه وأبعث لجزعه.

الإعراب:

قوله: "ولقد" الواو للقسم واللام للتأكيد وقد للتحقيق، وجواب القسم قوله:"فلا تظني غيره"، و"نزلت": جملة من الفعل والفاعل وهو بكسر التاء خطاب للمؤنث، قوله:"مني" يتعلق به، والباء في:"بمنزلة" بمعنى في؛ أي: نزلت مني في منزلة الشيء المحبوب المكرم

(1)

.

قوله: "فلا تظني": نهي معترض بين الجار والمجرور وبين متعلقه، وقوله:"غيره": مفعول أول لتظني، ومفعوله الثاني محذوف تقديره: فلا تظني غيره واقعًا؛ أي: غير ما ذكر من نزولك مني في منزلة المحب المكرم، وفيه الاستشهاد؛ حيث حذف المفعول [الثاني]

(2)

لقوله: "فلا تظني"، وهذا الحذف للاختصار دون الاقتصار، وهو جائز عند الجمهور خلافًا

(3)

لابن ملكون

(4)

.

(1)

قال الإمام عبد القادر البغدادى معلقًا على هذا الكلام: "الواو في ولقد عاطفة، وجملة: لقد نزلت

إلخ جواب قسم محذوف، أي: ووالله لقد نزلت؛ كقوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ}

قال: لقد خبط هنا خبطًا فاحشًا شارح شواهد الألفية في قوله: الواو للقسم، وجواب القسم قوله: فلا تظني غيره، ثم قال: قوله فلا تظني: نهي معترض بين الجار والمجرور ومتعلقه، والباء في بمنزلة بمعنى في، أي: نزلت مني في منزلة الشيء المحبوب المكرم، هذا كلامه، ولا يقع فيع أصاغر الطلبة"، خزانة الأدب (3/ 228).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

إبراهيم بن محمد بن مويه أبو ربيعة الأصبهاني النحوي، ولم يذكر السيوطي عام وفاته، بغية الوعاة (2/ 300).

(4)

ينظر الشاهد السابق (353)، واعلم أن هناك خلافًا حول حذف أحد مفعولي "ظن وأخواتها" اختصارًا؛ فالمنع مذهب ابن ملكون والجواز مذهب الجمهور، وقد رد الجمهور منصب ابن ملكون قياسًا على جواز حذف خبر "كان" وورود الحذف شعرًا ونثرًا وفي الفصيح من كتاب الله تعالى، قال الأشموني: "وأما حذفهما لدليل ويسمى اختصارًا فجائز إجماعًا نحو: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} وقوله:

بِأي كِتَابٍ أم بِأيةِ سُنَّةٍ

ترَى حبَّهُم عارًا عليَّ وتحسبُ؟

وفي حذف أحدهما اختصارًا خلاف. فمنعه ابن ملكون وأجازه الجمهور، من ذلك والمحذوف الأول: قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} [آل عمران: 180].- في قراءة: (يحسبن) بالياء آخر الحروف، أي: ولا يحسبن الذين يبخلون ما يبخلون به هو خيرًا، ومنه والمحذوف الثاني قوله:

ولقد نَزَلْتِ فَلَا تَظُنِّي غيرَهُ

مني بِمَنزِلَةِ المُحَب المُكْرَمِ =

ص: 872

‌الشاهد الخامس والخمسون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

عَلِمْتُكَ البَاذِلَ المَعْرُوفَ فانْبعَثَتْ

إِلَيكَ بي وَاجفَاتُ الشَّوْق والأَمَل

أقول: هو من البسيط.

قوله: "الباذل": من البذل -بالذال المعجمة وهو الصرف، و"المعروف": اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله تعالى والتقرب إليه والإحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات، وهو من الصفات الغالبة، أي: أمر معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه.

قوله: "فانبعث": [من انبعث]

(3)

فلان لشأنه إذا ثار ومضى ذاهبًا لقضاء حاجته، وهو مطاوع بعث، والبعث في اللغة: الإثارة، يقال: بعثت الناقة؛ أي: أثرتها، قوله:"واجفات الشوق" أراد بها دواعي الشوق والأمل وأسبابها التي شوقته إلى الانبعاث إليه لأجل معروفه، وأصله: من الوجيف، وهو ضرب من سير الإبل والخيل، و"الشوق": نزاع النفس إلى الشيء، و"الأمل": الرجاء.

الإعراب:

قوله: "علمتك": جملة من الفعل والفاعل وهو التاء والمفعول وهو الكاف وهو المفعول الأول، وقوله:"الباذل المعروف" هو المفعول الثاني، ويجوز في المعروف الجر بالإضافة والنصب على المفعولية [قوله:"فانبعثت" الفاء للتعليل، وقوله:"بي": صلته في محل النصب على المفعولية]

(4)

، وقوله:"إليك": معترض بينهما، ومحله النصب على الحال من قوله:"واجفات الشوق" وهو فاعل انبعثت، والتقدير: فانبعثت بي واجفات الشوق قاصدة إليك أو متوجهة إليك، قوله:"والأمل": عطف على الشوق.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "علمتك" حيث نصب فيه علمت مفعولين كما ذكرناه

(5)

.

= أي: فلا تظني غيره واقعًا مني". شرح الأشموني ومعه حاشية الصبان (2/ 35)، والتصريح (1/ 260)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 72، 73)، وشرح شذور الذهب (377، 378).

(1)

شرح ابن عقيل (2/ 30).

(2)

البيت من بحر البسيط في المدح، وهو لقائل مجهول، ولم يشر العيني إلى نسبه، وانظره في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 78)، وشرح التصريح (1/ 332)، وشرح الأشموني (2/ 20).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

من أفعال القلوب التي تفيد اليقين: "علم" وهي بمعنى: تيقن، واعتقد، وتنصب المفعولين مثل: رأى ووجد ودرى وغيرها.

ص: 873

‌الشاهد السادس والخمسون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بيضًا

وردّ وُجُوهَهُنُّ البِيضَ سُودَا

أقول: قائله هو عبد الله بن الزَّبير -بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة الأسدي

(3)

، وهو من قصيدة دالية أولها قوله

(4)

:

1 -

رَمَى الحَدَثَان نِسْوَةَ آل حَربٍ

بِمِقْدَارٍ سُمِدْنَ لَهُ سُمُودَا

2 -

فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ .............

..................... إلى آخره

3 -

وإنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ بُكَاءَ هِنْدٍ

وَرَمْلَةَ إِذْ تَصُكَّانِ الخُدُودَا

4 -

بَكَيتَ بُكَاءَ مُعْوَلَةٍ حزِين

أصَابَ الدهرُ واحدَهَا الفَقِيدَا

وهي من الوافر.

وأخذها عبد الله بن الزبير من قول أعرابي نالته مصيبة، فقال: إنها والله مصيبة جعلت سوداء الرؤوس بيضاء وبيض الوجوه سوداء، وهونت المصائب وشيبت الذوائب.

1 -

قوله: "رمى الحدثان" أي: الليل والنهار

(5)

، قوله:"سمدن" على صيغة المجهول؛ أي: أحزن وأسكتن

(6)

، والسامد: الساكت، والسامد: الحزين والخاشع، ومنه: التسميد من سمّد رأسه إذا استأصل شعره.

3 -

قوله: "إذ تصكان": من الصك وهو اللطم.

(1)

شرح ابن عقيل (2/ 42).

(2)

البيت من بحر الوافر، وهو لعبد الله بن الزبير الأسدي يصف ما أصاب بني أمية وبنات معاوية، وهي هند ورملة، وانظر المقطوعة كلها وقد ذكرها العيني في ملحق ديوانه (143، 144) تحقيق د. يحيى الجبوري (العراق)، وانظر بيت الشاهد في تخليص الشواهد (443)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (941)، وعيون الأخبار (3/ 76)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 82).

(3)

عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أبو بكر، فارس قريش في زمنه، وأول مولود في المدينة بعد الهجرة، شهد فتح إفريقية زمن عثمان، وبويع له بالخلافة سنة (64 هـ)، عقيب موت يزيد بن معاوية، فحكم مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق وأكثر الشام، وجعل قاعدة ملكه المدينة. وكان من خطباء قريش المعدودين، يشبه في ذلك بأبي بكر، ويعد من شعراء الدولة الأموية، ومن شيعتهم كوفي المنشأ والمنزل، صحب مصعب بن الزبير ومدحه، وهو أحد الهجائين، ومدة خلافته تسع سنين، عاش ما بين (1 - 73 هـ)، الأعلام للزركلي (4/ 87)، وانظر معجم الشعراء (439).

(4)

ينظر شرح ديوان الحماسة للتبريزي (3/ 4، 5).

(5)

فيكون مثنى حدث، ويروى: حدثان، بكسر الحاء وسكون الدال، وضم النون، ومعناه: نوازل الدهر وحوادثه.

(6)

أسهل منه بناؤه للمعلوم، من سمد: قام متحيرًا، ومنه قوله تعالى:{وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم: 61].

ص: 874

4 -

قوله: "معولة": من أعولت المرأة إعوالًا؛ أي: صاحت، والعويل: الصياح.

الإعراب:

قوله: "فرد" الفاء للعطف، و"رد": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر الذي يرجع إلى قوله: "بمقدار" وهو يقتضي مفعولين؛ لأنه بمعنى صير؛ فلذلك عدوه من أفعال التحويل فمفعوله الأول هو قوله: "شعورهن"، [ومفعوله]

(1)

الثاني هو قوله: "بيضًا" وهو جمع أبيض.

وقوله: "السود" بالنصب: صفة للشعور، وهو جمع أسود، وكذلك الكلام في الشطر الثاني، وفي هذا البيت من فن البديع العكس والتبديل، وهو أن يقدم في الكلام جزءًا ثم يؤخر، ويقع على وجوه:

منها: أن يقع بعد أحد طرفي جملة وما أضيف إليه؛ كقول بعضهم: عادات السادات، سادات العادات.

ومنها: أن يقع بين متعلقي فعلين في جملتين؛ كقوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [الروم: 19]، ومنه البيت المذكور، فإنه قدم السود على البيض في الجملة الأولى وأخره عنه في الجملة الثانية

(2)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "رد" في الموضعين فإنه بمعنى صير؛ حيث نصب مفعولين كما ذكرناه

(3)

.

‌الشاهد السابع والخمسون بعد الثلاثمائة

(4)

،

(5)

إِنَّ المحبّ عَلِمْتِ مُصْطَبِرٌ

وَلَدَيْهِ ذَنْبُ الحبِّ مُغْتَفَرُ

أقول: هو من الكامل.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

هذا الكلام البلاغي بنصه في كتاب الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني (362، 363).

(3)

من الأفعال التي تنصب مفعولين أفعال التحويل والتصيير وهي التي تدل على الانتقال من حالة إلى أخرى وهي: صبر وجعل وتخذ واتخذ وترك ورد؛ كقوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا} ومنه البيت الشاهد. وينظر الشاهد (343).

(4)

ابن الناظم (77).

(5)

البيت من بحر الكامل التام ذي العروض الحذاء والضرب الأحذ، وهو في الغزل لقائل مجهول، ولم يشر العيني إلى قائله، ومراجعه قليلة، وهي: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 87)، وحاشية يس (1/ 253)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (370).

ص: 875

قوله: "ذنب الحب" بكسر الحاء بمعنى المحبوب؛ كالذبح بمعنى المذبوح، والطحن بمعنى المطحون، وقد يجيء الحب بالكسر بمعنى المحبة -أيضًا- والحب بالضم.

الإعراب:

قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، فقوله:"المحب": اسمه منصوب، وقوله:"مصطبر": خبره، وهما مفعولان لقوله:"علمت"، ولكن ألغي عمله لتوسطه بينهما، قوله:"ولديه" أي: عنده، نصب على الظرف، والعامل فيه قوله:"مغتفر"، وقوله:"ذنب الحب": كلام إضافي مبتدأ، وقوله:"مغتفر": خبره.

الاستشهاد فيه:

على إلغاء عمل "علمت" لتوسطه بين مفعوليه؛ إذ أصل الكلام: علمت المحب مصطبرًا، ثم توسط العامل فصار: المحب علمت مصطبرًا، ثم ألغي العامل، وحينئذ اتجه دخول إن على الجملة

(1)

.

‌الشاهد الثامن والخمسون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

شَجَاكَ -أَظُنُّ- رَبْعُ الظَّاعنينَا

وَلَم تَعْبَأ بعَذْلِ العَادلِينَا

أقول: هو من الوافر.

قوله: "شجاك": من شجاه يشجوه إذا أحزنه، والشجو: الهم والحزن، قوله:"ربع الظاعنين" بالظاء المعجمة، من ظعن إذا سار ظعنًا، وظعنًا بسكون العين وتحريكها، وقرئ بهما في قوله تعالى

(4)

: {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} [النحل: 80]، و "الربع" بفتح الراء وسكون الباء الموحدة وبالعين المهملة، هو الدار بعينها حيث كانت، وتجمع على: رباع وربوع وأرباع وأربع، والربع: المحلة أيضًا-، قوله: "ولم تعبأ، أي: لم تلتفت؛ من قولهم: ما عبأت بفلان عبأ؛ أي: ما بليت به، وكان يونس لا يهمز

(5)

،

(1)

إذا توسط الفعل بين المبتدأ والخبر جاز الإعمال والإلغاء على السواء، وقد يقع الفعل الملغي بين سوف ومصحوبها نحو: سوف أحسب يقوم زيد أو يقع بين معمولي: إن، نحو: إن زيدًا أحسب قائم، وكبيت الشاهد، وحينئذ يتسلط دخول إن على الجملة.

(2)

ابن الناظم (77).

(3)

البيت من بحر الوافر، وهو مطلع قصيدة للتصريع، وهو في بكاء الديار، لقائل مجهول، وانظر المغني (2/ 387)، وشرح شواهده للسيوطي (806)، والأشموني وشرح شواهده للعيني (2/ 28)، وتخليص الشواهد (446)، والدرر (2/ 261).

(4)

وقرأ الحرميان وأبو عمرو: ظعنكم بفتح العين، وباقي السبعة بسكونها، وهما لغتان.

(5)

الصحاح مادة: "عبى" واللسان مادة: "عبأ".

ص: 876

و"العذل" بالذال المعجمة؛ اللوم.

الإعراب:

قوله: "شجاك": جملة من الفعل والمفعول، وقوله:"ربع الظاعنين": كلام إضافي فاعله، وقوله:"أظن": معترض بين الفاعل والمفعول، ألغي عن العمل لتوسطه، ومنهم من نصب الربع فوجهه أن يكون مفعولًا أولًا لقوله "أظن"، وتكون جملة "شجاك" في موضع النصب على أنها مفعول ثان مقدمًا، وفاعله ضمير مستتر راجع إلى الربع؛ لأنه مؤخر لفظًا مقدم تقديرًا؛ إذ أصله التقديم على شجاك، قوله:"ولم تعبأ": جملة حالية، والباء في قوله:"بعذل": يتعلق به، والألف في "الظاعنينا""والعاذلينا" ألف إشباع.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أظن" حيث ألغي عمله لتوسطه بين مفعوليه كما ذكرناه

(1)

.

‌الشاهد التاسع والخمسون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

وَمَنْ أَنْتُمُ إِنَّا نِسِينَا مَنَ أَنْتُمُ

وَريحُكُم منْ أَيِّ رِيح الأَعَاصر

أقول: قائله هو زياد الأعجم

(4)

، سمي به؛ لأن مولده ومنشأه كان بفارس، وهو من قصيدة

(1)

مما اختلف فيه البصريون مع الكوفيين في باب: "ظن وأخواتها" أنه -أي فعل الظن- إذا وقع بين الفعل ومرفوعه فهل يجوز فيه الأعمال؟ أو يجوز فيه الإلغاء؟ فقال الكوفيون بالإلغاء وقال البصريون بجواز الوجهين. يقول المرادي: "وإلغاء ما بين الفعل ومرفوعه جائز لا واجب خلافًا للكوفيين، مثال ذلك: قام أظن زيد، ويقوم أظن زيد، فيجوز رفع زيد في المثالين ونصبه، فرفعه ظاهر ونصبه على أنه المفعول الأول، والفعل المتقدم وضميره المستتر في موضع المفعول الثاني، ومنع الكوفيون النصب في المفعولين وأوجبوا الرفع، والصحيح مذهب البصريين، وبه ورد السماع. قال الشاعر: (البيت) ينشد برفع (ربع) ونصبه".- شرح التسهيل للمرادي (1/ 485)، وشفاء العليل للسلسيلي (1/ 398)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 87).

(2)

ابن الناظم (78).

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو لزياد الأعجم في مراجعه، وانظر بيت الشاهد في تذكرة النحاة (620)، والدرر (2/ 265)، والأشباه والنظائر (2/ 121)، وتخليص الشواهد (454)، وحاشية يس (1/ 253)، والمحتسب (1/ 168)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 155)، والمساعد لابن عقيل (3/ 152)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 90)، وديوان زياد الأعجم (72).

(4)

زياد بن سليمان -أو سليم- الأعجم، أبو أمامة العبدي، مولى بني عبد القيس: من شعراء الدولة الأموية، جزل الشعر، فصيح الألفاظ، كانت في لسانه عجمة فلقب بالأعجم، ولد ونشأ ومات في أصفهان نحو سنة (100 هـ)، وقيل مات مع نهاية الدولة الأموية (132 هـ)، وكان هجاء، يداريه المهلب ويخشى نقمته، وأكثر شعره في مدح أمراء عمره وهجاء بخلائهم، وكان الفرزدق يتحاشى أن يهجو بني عبد القيس خوفًا منه، ويقول: ليس إلى هجاء هؤلاء من سبيل ما عاش هذا العبد، الأعلام للزركلي (3/ 54)، والخزانة (4/ 193).

ص: 877

رائية، وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

قَضَى اللهُ خَلْقَ النَّاسِ ثُم خُلِقْتُم

بَقِيَّةَ خَلْق الله آخِرَ آخِرِ

2 -

فلمْ تَسمَعُوا إلا بِمَنْ كانَ قبلكُم

ولم تُدْرِكُوا إلا مِدَقَّ الحَوَافِرِ

3 -

ومن أنتم .................

........................ إلى آخره

4 -

وأنتُمْ أُولَى جِئتُمْ مَعَ البقْلِ والدُّبَى

فَطَارَ وهذَا شَخْصُكُمْ غَيرُ طَائرِ

وهي من الطويل.

2 -

قوله: "إلا مدق الحوافر" المدق: موضع وقع الحوافر، يقول: سمعتم بمن كان قبلكم ولم تدركوهم لحداثة ولادتكم؛ أي: ليس لكم قدم ولم تكونوا إلا أذلة يطؤكم كل حافر.

3 -

قوله: "الأعاصر": جمع إعصار، وأصله: الأعاصير ولكنه خفف، والإعصار: ريح تثير الغبار وترفع إلى السماء كأنه عمود، قال الله تعالى:{فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} [البقرة: 266] ويقال: هي ريح تثير سحابًا ذات رعد وبرق، وفي المثل

(2)

: "إن كنت ريحًا فقد لا قيت إعصارًا" وإنما خصها بالذكر؛ لأنها لا تسوق غيثًا ولا تلقح شجرًا، فضرب لهم المثل لقلة الانتفاع بهم، وهم يجعلون الريح كناية عن الدولة فيقال: فلان قد ذهبت له ريح.

فإن قلتَ: ما هذه الإضافة في قوله: "ريح الأعاصر" فهل هي إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن الإعصار ريح؛ فيكون التقدير: من أي ريح الريح؟

قلتُ: الإعصار ريح مخصوصة وهي الريح التي فسرناها، فتكون الإضافة فيه من قبيل إضافة العام إلى الخاص.

4 -

قوله: "فأنتم أولى جئتم" يعني: أنتم الذين جئتم مع البقل، وأولى: بمعنى الذين، ويروى:"أأنتم أولى جئتم"، و:"الدَبى" بفتح الدال المهملة والباء الموحدة؛ صغار الجراد، يقول: ما عهدناكم قبل الخصب ولا رأينا لكم أثرًا، فلما أخصب الناس نبغتم، فكأنكم إنما جئتم مع البقل والدبى فطار وبقي شخصكم، يرميهم بأنهم لا أصل لهم.

الإعراب:

قوله: "ومن": استفهامية في محل الرفع بالابتداء، وخبره قوله:"أنتم"، قوله:"إنا نسينا": جملة مؤكدة بإن، قوله:"من أنتم": جملة من المبتدأ والخبر في محل النصب على المفعولية،

(1)

ينظر شرح ديوان الحماسة للتبريزي (4/ 53)، وديوان زياد الأعجم (72)، تحقيق د. يوسف بكار، دار المسيرة.

(2)

ينظر، جمع الأمثال (1/ 49).

ص: 878

قوله: "وريحكم": كلام إضافي مبتدأ، وخبره:"من أي ريح الأعاصر"، وقد قيل: يجوز أن يجعل من بمعنى الذي، وقد حذف بعض صلته؛ كأنه قال: إنا نسينا الذين هم أنتم، والأول أوجه.

الاستشهاد فيه:

على أنه علق: "نسي" بالاستفهام حملًا على نقيض النسيان وهو العلم؛ كذا قاله ابن الناظم

(1)

، وليس الأمر كذلك بل النسيان من أفعال القلوب، وأفعال القلوب يجوز تعليقها بالاستفهام؛ كما في قوله تعالى:{فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف: 19]، وقوله تعالى:{فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33]، و {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} [الأعراف: 184]، و {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101].

ثم البيت لا دليل فيه لاحتمال تقدير تمام الكلام عند قوله: "نسينا"، ثم يبتدئ "من أنتم" توكيدًا لمثله في أول البيت

(2)

، ولا قاطع فيه -أيضًا- لاحتمال كون "ما" موصولة حذف العائد الذي هو صدر صلتها مع عدم طول الصلة كما ذكرناه فافهم

(3)

.

‌الشاهد الستون بعد الثلاثمائة

(4)

،

(5)

أَبُو حَنَشٍ يُؤَرِّقُنِي وطَلْقٌ

وَعَمَّارٌ وآونَةً أُثَالا

(6)

أَرَاهُم رِفْقَتِي حتى إِذَا مَا

تَجَافَى الليلُ وانْخَزل انخزالا

إذَا أنَا كالذي يَجْرِيَ لِوَرْدٍ

إلى آلٍ فلم يُدْرِكْ بِلَالا

أقول: قائله هو عمرو بن أحمر الباهلي

(7)

، وهي من قصيدة يذكر جماعة من قومه لحقوا

(1)

ينظر شرح الألفية لابن الناظم (78)، وقد ذكر شارح الديوان تعليقًا على هذا فقال: "البيت شاهد على استعمال أولى دون ألف ولام بمعنى الذين، الديوان (73)، تحقيق د. يوسف بكار.

(2)

أجاز ابن الناظم تعليق نسى حملًا على ضده علم موافقة لابن مالك، قال ابن مالك:"وعلق نسى لأنه ضد علم والضد قد يحمل على الضد ثم ذكر البيت". شرح التسهيل لابن مالك (2/ 90).

(3)

ينظر الشاهد رقم (114) من شواهد الموصول.

(4)

ابن الناظم (79)، وتوضيح المقاصد (1/ 387)، وشرح ابن عقيل (2/ 53).

(5)

الأبيات من بحر الوافر، من قصيدة لعمرو بن أحمر الباهلي يذكر فيها أن جماعة من أصحابه قد هجروه، ولكنه يراهم بالليل ويأنس بهم في الحلم حتى إذا استيقظ لم يجد شيئًا، ديوانه (129)، وانظر بيت الشاهد في: الكتاب لسيبويه (2/ 270)، والحماسة البصرية (1/ 362)، والإنصاف (196)، وتخليص الشواهد (4/ 55)، والخصائص (2/ 378)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 83)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 487).

(6)

في (أ) يؤرقنا.

(7)

شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وأسلم وغزا مغازي في الروم، ونزل في الشام، وتوفي في عهد عثمان بن عفان نحو سنة (65 هـ)، وقد عاش نحو (90) عامًا. الأعلام للزركلي (5/ 72)، والخزانة (3/ 38) بولاق.

ص: 879

بالشام فصار يراهم إذا أتى أول الليل.

وهي من الوافر وفيه العصب والقطف، وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

أبَتْ عَينَاكَ إلا أَن تُلِحَّا

وتَحْتَالا بِمَائِهمَا احْتِيَالا

2 -

كَأنهُمَا سُعَيْفَا مُستَغِيث

يرجى طالعًا بهما ثقالًا

3 -

وَهَي خرزَاهُمَا فَالماء يَجْرِي

خِلالهمَا ويَنْسَلُّ انْسِلالا

4 -

عَلَى حَيَّيِن فيِ عَامَيِن شتَّى

فَقَدْ عَنَّى طلابهُمَا وطَالا

5 -

فأية لَيلَةٍ تَأْتِيكَ سهوًا

فتُصْبِحَ لا تَرَى منْهم خَيَالا

6 -

أبو حنش يؤرقني .......

................... إلى آخره

وأنشد سيبويه في كتابه بيتًا آخر قبل قوله: "أبو حنش" وهو

(2)

:

أرَى ذَا شَيبَةٍ حَمَّال ثِقْلٍ

وأبْيضَ مثلَ صَدْر الرُّمحِ نَالا

1 -

قوله: "إلا أن تلحا": من ألح السحاب: دام مطره، وقال الأصمعي: ألح السحاب بالمكان: أقام به مثل: ألث، وهو بالحاء المهملة

(3)

.

2 -

قوله: "سعيفا مستغيث" بضم السين المهملة وفتح العين؛ تصغير سُعف بضم السين -أيضًا- وهي قربة تقطع من نصفها وينبذ فيها، وربما استقى بها كالدلو، والمستغيث: الذي يطلب الغيث وهو المطر [قوله: "]

(4)

يرجى" بتشديد الجيم.

4 -

قوله: "على حيين": يتعلق بقوله: "أن تلحا"، قوله:"سهوًا" أي: سكونًا ولينًا.

6 -

قوله: "أبو حنش" بفتح الحاء المهملة والنون وفي آخره شين معجمة، وهو كنية رجل، و"الحنش" في الأصل: كل ما يصاد من الطير والهوام، ويجمع على أحناش، والحنش -أيضًا- الحية، ويقال: الأفعى، قوله:"يؤرقني" من أرقه تأريقًا إذا أسهره، وثلاثيه: أرق بكسر الراء إذا سهر.

قوله: "وطلق" بفتح الطاء المهملة وسكون اللام وفي آخره قاف؛ وهو اسم رجل هاهنا، وفي الأصل: هو ضرب من الأدوية، ويقال: طلق الوجه وطلق اليدين؛ أي: سمح، وطلق اللسان، ويوم طلق، وليلة طلق -أيضًا- إذا لم يكن [فيهما]

(5)

برد ولا شيء يؤذي، و"الطلق": وجع

(1)

انظر شرح عمرو بن أحمر الباهلي (128)، تحقيق د. حسين عطوان، دمشق، والبيت المذكور ليس أول القصيدة.

(2)

لم أجد هذا البيت في الكتاب. طبعة هارون.

(3)

ينظر الصحاح مادة: "لحح".

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 880

الولادة، وأما الطلق بالتحريك فهو قيد من جلود، ويقال -أيضًا- عدا عداء الفرس طلقًا أو طلقين أي: شوطًا أو شوطين.

قوله: "وعمار" بتشديد الميم؛ اسم رجل، وكذلك:"أثال": اسم رجل، وأصله: أثالة، فرخم وهو بضم الهمزة وتخفيف الثاء المثلثة، قوله:"وآونة": جمع أوان، وهو الزمان، ويجمع الزمان على أزمنة، وأصلها: أأونة بهمزتين ثانيتهما ساكنة فقلبت الثانية ألفًا فصار: آونة.

7 -

قوله: "رِفقتي" بكسر الراء؛ جمع رفيق، قوله:"تجافى الليل" أي: انطوى وارتفع، قوله:"وانخزل" أي: انقطع؛ من الخزل وهو القطع، ومادته: خاء وزاي معجمتان ولام.

8 -

قوله: "لورد" بكسر الواو وهو خلاف الصدر؛ من ورد الماء، قوله:"إلى آل"[أي: إلى سراب]

(1)

، قال الجوهري: الآل: الذي تراه أول النهار وآخره كأنه يرفع الشخوص وليس هو السراب

(2)

، قوله:"بلالًا" بكسر الباء الموحدة، وهو ما يبل به الحلق من الماء واللبن، وأراد به هاهنا الماء، يقال: ما في سقائك

(3)

من بلال؛ أي: ماء.

الإعراب:

قوله: "أبو حنش": مبتدأ، وقوله:"يؤرقني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الرفع على الخبرية، قوله:"وطلق": عطف على أبي حنش، "وعمار": عطف عليه، قوله:"وآونة أثالا" أصل أثالا: أثالة، وفي هذا التركيب محذوران:

الأول: هو الفصل بين حرف العطف والمعطوف؛ وذلك لأن تقدير الكلام: وعمار وأثالة آونة؛ ففصل بين واو العطف وبين أثال الذي هو المعطوف على عمار بقوله: "آونة"، و"آونة": نصب على الظرف

(4)

.

المحذور الثاني: الترخيم في: "أثال"؛ لأن أصله أثالة كما ذكرنا فرخمه لأجل الضرورة ولتعتدل القوافي

(5)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

الصحاح مادة: "أول".

(3)

في (أ) سقايتك.

(4)

جعل الفارسي الفصل بين العاطف والمعطوف بالظرف والجار والمجرور خاصًّا بالشعر، والصحيح أنه جائز في الكلام المنثور ما لم يكن المعطوف فعلًا ولا اسمًا مجرورًا، كقوله تعالى:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} .

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 384).

(5)

قال سيبويه: "هذا باب ما رخمت الشعراء في غير النداء اضطرارًا، ثم ذكر أبياتًا والبيت المذكور:

أبو حنش يؤرقنا .................

..................................

ثم قال: يريد أثالة، الكتاب (2/ 269، 270).

ص: 881

وعندي هاهنا وجه آخر: وهو أن تكون الواو في "آونة" بمعنى الباء التي هي حرف الجر التي تأتي بمعنى الظرف، والتقدير: بآونة، أي: في آونة، أي: في أزمان، ويكون أصل: أثالا وأثالا بحرف العطف فحذف حرف العطف لأجل الضرورة، وحَذْفُ حرف العطف في الشعر كثير، وعلى كل تقدير: لا يخلو هذا التركيب من المحذور والتعسف.

فإن قلتَّ: هل تأتي الواو بمعنى باء الجر؟

قلتُ: نعم؛ كما يقال أنت أعلم ومالك، أي: بمالك، وبعت الشياه شاة ودرهما، أي: بدرهم

(1)

، قوله:"أراهم رفقتي" أرى هاهنا بمعنى أعلم؛ لأنه من أرى الرؤيا؛ لأنه إدراك بالحس الباطن كالعلم، فأجري مجراه في اقتضائه المفعولين، فقوله:"هم" مفعوله الأول.

وقوله: "رفقتي": كلام إضافي مفعوله الثاني، وقوله:"حتى" هاهنا حرف ابتداء؛ أي: حرف يبتدأ بعده الجملة يعني: تستأنف، وكلمة:"إذا" للظرف، وكلمة:"ما" زائدة، ويجوز أن يكون حتى حرف جر، وإذا في موضع جر بحتى؛ كما ذكر الأخفش نحوَه في قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ} [آل عمران: 152]

(2)

.

قوله: "تجافى": فعل ماض و "الليل": فاعله، قوله:"وانخزل": عطف على تجافى، و"انخزالًا": نصب على المصدرية.

قوله: "إذا" للمفاجأة، و"أنا": مبتدأ، وخبره قوله:"كالذي" أي: كالرجل الذي، قوله:"أجري" على صيغة المجهول؛ صلة الذي، ويروى:"كالذي يجري" وهو الأشهر.

قوله: "لورد" اللام فيه للتعليل، أي: لأجل الورد إلى الماء، قوله:"إلى آل": يتعلق بقوله: "أجري"، قوله:"فلم يدرك": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"بلالًا": مفعوله.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أراهم رفقتي" حيث نصب أرى التي من الرؤيا مفعولين، وهما: الضمير، وقوله:"رفقتي" كما ذكرنا

(3)

.

(1)

قال ابن هشام في حديثه عن خروج الواو عن إفادة مطلق الجمع: "والثاني: أن تكون بمعنى باء الجر كقولهم: أنت أعلم ومالك، وبعت الشاء شاة ودرهمًا، قال جماعة: وهو ظاهر"، المغني (358).

(2)

ذهب الأخفش وابن مالك إلى أن حتى الداخلة على إذا حرف جر، ينظر المغني (29).

(3)

من أفعال القلوب التي تفيد اليقين: رأى فتدخل على المبتدأ والخبر وتنصبهما كقوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا} ، وألحقت بها رأى الحلمية فتنصب المفعولين -أيضًا- كقوله تعالى:{إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} ومنه البيت المذكور.

ص: 882

‌الشاهد الحادي والستون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

قَالتْ وَكُنْتُ رَجُلًا فَطِينًا

هَذَا لَعَمْرُ الله إِسْرَائينَا

أقول: قائله [هو]

(3)

أعرابي صاد ضبًّا وأتى به إلى أهله، فرأته امرأته، فقالت: هذا لعمر الله إسرائين [أي]،

(4)

ما مسخ من بني إسرائيل، وقال أبو منصور موهوب بن الجواليقي

(5)

في معربه: يجوز في إسرائيل: إسرال، وإسرائين بالنون، وقال أعرابي: صاد ضبًّا فجاء به إلى أهله، وأنشد يقول:

قال أَهْلُ السُّوقِ لَمَّا جِينَا

هَذَا وَرَبِّ البَيتِ إسْرَائِينَا

(6)

وهو من الرجز المسدس.

قوله: "فطينًا": من الفطنة وهو الذكاء، وقد فطن بالكسر فطنة وفطانة وفطانية، قال الجوهري: الفطنة كالفهم، تقول: فطنت للشيء بالفتح ورجل فطِن وفطَن

(7)

، قوله:"لعمر الله" بفتح اللام وفتح العين، قال سيبويه: العَمر والعُمر -بفتح العين وضمها واحد إلا أنهم لا يستعملون في القسم إلا الفتح لكثرة القسم في كلامهم

(8)

.

قوله: "إسرائينا" بكسر الهمزة وسكون السين المهملة وفتح الراء بعدها همزة مكسورة وبعدها نون، وهو لغة في إسرائيل باللام في آخره، وكذلك: يقال في إسرافيل باللام: إسرافين بالنون، وفي: جبرائيل: جبرائين، وفي ميكائيل: ميكائين، قال الجوهري: إسرائيل: اسم يقال: هو مضاف إلى إيل

(9)

؛ قال الأخفش هو يهمز ولا يهمز، قال: ويقال في لغة: إسرائين بالنون؛ كما قالوا: جبرين وإسماعين

(10)

، قلت: ذكره في باب سرى، يقال: سريت سرى ومسرى وأسريت

(1)

ابن الناظم (80)، وشرح ابن عقيل (2/ 62).

(2)

البيتان من الرجز المشطور، قالهما أعرابي مجهول في مناسبة ذكرها الشارح بإفاضة، وانظرهما في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 95)، وتخليص الشواهد (456)، والدرر (2/ 272)، وشرح التصريح (1/ 264)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1276).

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

هو موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر، ولد ومات ببغداد، ألف كتاب: المعرب والعروض وغيرهما (ت 540 هـ)، ينظر الأعلام (7/ 335).

(6)

انظر المعرب من الكلام الأعجمي لأبي منصور الجواليقي (106)، تحقيق د. عبد الرحيم، دار القلم، دمشق، وانظر الصحاح للجوهري:"فطن".

(7)

الصحاح مادة: "فطن".

(8)

ينظر الكتاب لسيبويه (3/ 502).

(9)

الصحاح مادة: "سرا".

(10)

ينظر الصحاح مادة: "سرا"، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 95).

ص: 883

بمعنى إذا سرت ليلًا، وبالألف لغة أهل الحجاز، وجاء القرآن بهما جميعًا، وعن هذا قالوا: إنما سمي يعقوب عليه السلام إسرائيل؛ لأنه كان يسري بالليل ويكمن بالنهار لما هرب من أخيه عيص، وحكايتهما مشهورة، ويقال: إشر بمعنى عبد، وإيل بمعنى الله، ومعناه: عبد الله.

الإعراب:

قوله: "قالت": جملة من الفعل والفاعل بمعنى ظنت، وقوله:"هذا": مبتدأ، و"إسرائينا": خبره، وكلاهما مفعولان لقالت على لغة سليم؛ لأنهم يُجْرُون القول مجرى الظن، والخبر في الحقيقة محذوف تقديره: هذا لعمر الله ممسوخ إسرائين، أي: بني إسرائيل، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وأشبعت حركة النون بالألف.

ويقال: أصله: هذا إسرائيننا بالإضافة والرفع، ثم حذفت النون الأولى تخفيفًا لاجتماع النونين وبقيت نون:"نا" وهي مفتوحة

(1)

.

قوله: "لعمر الله": مبتدأ محذوف الخبر تقديره: لعمرو الله يميني، أو قسمي، والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر، قوله:"وكنت" التاء اسم كان، و"رجلًا": خبره، و"فطينًا": صفته، والجملة معترضة بين القول ومعموليه.

الاستشهاد فيه:

في نصب: "قالت هذا إسرائينا" لكونه بمعنى ظن

(2)

على لغة سليم؛ كما ذكرنا

(3)

.

قال الشيخ أبو حيان رحمه الله: وليس المعنى على ظنت؛ لأن هذه المرأة الخبر عنها رأت عند هذا الشاعر ضبًّا، فقالت: هذا إسرائين؛ لأنها تعتقد في الضباب أنها من ممسوخ بني إسرائيل، وقولها ذلك ليس عن ظن منها، وإنما هو عن اعتقاد اعتقدته وقطعت به، وإلى هذا المذهب ذهب أبو الحسن بن خروف والأعلم

(4)

.

(1)

ينظر الصحاح مادة: "سرى": وكذا اللسان وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 95).

(2)

في (أ) ظنت.

(3)

للنحويين في إجراء القول مجرى الظن مذهبان: الأول مذهب الجمهور، وهو إجراء القول في نصب المفعولين مجرى الظن بشروط: أن يكون فعل القول مضارعًا، وأن يكون للمخاطب، وأن يسبق باستفهام، وأن لا يفصل بين الاستفهام والمضارع بفاصل ما لم يكن ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا أو أحد المفعولين، ويجوز الرفع على الحكاية.

الثاني: مذهب قبيلة سليم، وهو إجراء القول مجرى الظن دون شروط، وعلى مذهبهم ورد هذا البيت. ينظر توضيح المقاصد (1/ 391، 392)، شرح التسهيل لابن مالك (2/ 95)، وارتشاف الضرب (3/ 80)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 289).

(4)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 95)، وشرح الأشموني (2/ 38)(الصبان)، والتصريح (1/ 264).

ص: 884

وقال ابن عصفور: ولا حجة في ذلك لاحتمال أن يكون القول في البيت غير مجرى مجرى الظن في العمل؛ بل يكون هذا مبتدأ وإسرائين خبره على تقدير مضاف محذوف، أي: مسخ إسرائين، فحذف المضاف ولم يقم المضاف إليه مقامه في الإعراب على قراءة من قرأ:{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال: 67] بخفض الآخرة

(1)

.

وقال الشيخ: وقد يمكن أن يكون أراد بقالت ظنت، وكأنها لما قالت هذا إسرائين معتقدة أن الضباب من ممسوخ بني إسرائيل ولم يكن اعتقادها ذلك عن دليل قاطع، فجعل ما اعتقدته من ذلك ظنًّا منها

(2)

.

‌الشاهد الثاني والستون بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

مَتَى تُقُولُ القُلُصَ الرَّوَاسِمَا

يَحْمِلْنَ أُمّ قَاسِمٍ وقَاسمَا

أقول: قائله هو هدبة بن خشرم -بفتح الخاء المعجمة بعدها شين معجمة وراء مهملة- العذري شاعر متقدم من بادية الحجاز، وكان راوية الحطيئة، وكان جميل راوية هدبة هذا، وكان كثير راوية جميل، ويقال: الصواب: أم حازم وحازمَا، و"أم حازم": هي أخت زياد

(5)

بن زيد العذري، وحازم ابنها، وكان هدبة بن خشرم وزياد بن زيد، وهما ابنا عم قد جمعهما سفر مع الحجاج، ومع هدبة أخته فاطمة، فاعتقبوا سوق الإبل، فنزل زياد بن زيد وجعل يحدو الإبل وهو يقول

(6)

:

عُوجِي عَلَينَا وَارْبَعِي يَا فَاطِمَا

أمَّا تَرَينَ الدّمعَ مِنِّي سَاجِمًا

نَخبُركِ مَا دَامَ البَعِيرُ قَائِمًا

...............................

وهي من أبيات كثيرة، فلما سمعه هدبة يتغزل في أخته غضب فنزل عن بعيره وجعل يرتجز ويقول

(7)

:

(1)

انظر في نص ابن عصفور: الصبان (1/ 37)، والتصريح (1/ 264).

(2)

ليس في ارتشاف الضرب لأبي حيان.

(3)

ابن الناظم (80)، وشرح ابن عقيل (2/ 59).

(4)

البيتان من بحر الرجز المشطور لهدبة بن خشرم، إسلامي معاصر لعاوية (ت 57 هـ)، من قصيدة ذكرها الشارح وغيره، قالها متغزلًا في أخت زياد بن زيد، وكان هذا الأخير قد تغزل في أخت هدية، وانظر بيت الشاهد في تخليص الشواهد (456)، والخزانة (9/ 336)، والدرر (2/ 273)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 95)، والأشموني (2/ 36).

(5)

في (أ) زيادة.

(6)

الأبيات من الرجز وتوجد في الخزانة (9/ 335)، والأغاني (21/ 260).

(7)

أوضحه صاحب الخزانة فقال: "فنزل هدبة عن بعيره وجعل يرتجز ويتغزل بأخت زياد، وكانت تدعى أم حازم، =

ص: 885

1 -

لقدْ أَرَانِي والغُلامَ الحَازِمَا

نُزْجِي المَطِيّ الضُّمّرَ السَّوَاهِمَا

2 -

مَتَى تُقُولُ القُلُصُ الرَّوَاسِمَا

والجِلَّةَ النَّاحِيَةَ العَيَاهِمَا

3 -

يَبلُغْنَ أُمَّ حَازِمٍ وحَازِمًا

إذَا هَبَطْنَ مُستَخْيرًا قَاتِمًا

4 -

ورَجعَ الحَادي لَهَا الهَمَاهِمَا

أرْجَفْنَ بالسَّوَالِفِ الجَمَاجِمَا

5 -

تَستَمِعُ المروبه القَمَاقِمَا

كمَا يَطِنُّ الصّيرَفُ الدَّرَاهِمَا

6 -

ألا تَرَينَ الدَّمْعَ مِنِّي سَاجِم

خذي حذار منك لي تُلائِمَا

7 -

والله لا يَشْفِي الفُؤَادَ الهَائمَا

مساحنا اللباتِ والمآكمَا

8 -

ولا اللِّمَامُ دونَ أنْ تُلازِمَا

ولا اللزَامُ دونَ أنْ تُفَاقِمَا

9 -

ولا الفقامُ دون أن تفَاغِمَا

وتركَبُ القَوَائمُ القَوائِمَا

فغضب زياد ووقع بينهما شر، فكان ذلك سببًا أدى هدبة إلى أن قتل زيادًا، ثم قُتل هدبة.

وهي من الرجز المسدس.

1 -

قوله: "عوجي علينا": من عجت البعير أعوجه عوجًا ومعاجًا إذا عطفت رأسه بالزمام، قوله:"واربعي": من ربع الرجل يربع إذا وقف وتحبس.

2 -

قوله: "نحبرك": من حبره يحبره بالضم حبرًا وحبرة إذا أسره؛ قال تعالى: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم: 15].

1 -

قوله: "نزجي المطي" أي: نسوقها، والمطي: الإبل، و"الضمر" بضم الضاد وتشديد الميم؛ جمع ضامر وهو المهزول من كثرة الأسفار، و"السواهم": المتغير من السفر.

2 -

قوله: "القلص" بضم القاف وضم اللام المخففة وفي آخره صاد مهملة، وهو جمع قلوص بفتح القاف، وهي الشابة من النوق، وهي بمنزلة الجارية من النساء، قوله:"الرواسم": جمع راسمة، من الرسم بالسين المهملة، وهو نوع من سير الإبل، قوله:"والجلة" بكسر الجيم؛ الكبار من الإبل، واحدها: جليل، و""الناجية": السريعة، قال الجوهري: الناجية والنجاة: الناقة السريعة تنجو بمن يركبها والبعير ناج

(1)

، قوله:"العياهما": جمع عيهم وهو الشديد، وقال الجوهري: العيهم من النوق: السريعة

(2)

، وقال غيره: العياهم: الحسنة الخلق.

= ومثل أم قاسم، وانظر الأبيات والقصة بالتفصيل في الخزانة (9/ 236)، والأغاني (21/ 261)، وانظر الأبيات المذكورة وغيرها في ديوان هدبة (141)، تحقيق د. يحيى الجبوري.

(1)

الصحاح مادة "نجا".

(2)

الصحاح مادة: "عهم".

ص: 886

3 -

قوله: "مستحيرًا": هو القفر الذي يحار فيه القوم و"القاتم" بالقاف؛ الكثير القتام وهو الغبار.

4 -

قوله: "الهماهما": جمع همهمة وهي الصوت، قوله:"أرجفن" أي: حركن، قوله:"بالسوالف" وهي صفحات الأعناق، و"الجماجم": الرؤوس.

5 -

قوله: "المرو" أي: الحجارة، و"القماقم": الأصوات، قوله:"كما يطُن الصيرف": من أطننت الطست وطننت إذا صوتت، و"الصيرف": الصيرفي.

7 -

قوله: "مساحنا اللبات": هو جمع لبة بتشديد الباء الموحدة، وهي موضع الحلي من الصدر، و"المآكم": رؤوس الأوراك وهو جمع مأكمة.

8 -

وقوله: "ولا اللمام" أي: الزيارة، و"اللزام": المعانقة، و"الفقام" بالفاء ثم القاف التقبيل، ووضع الفم على الفم.

9 -

و"المفاغمة" بالغين المعجمة بعد الألف؛ شم الرائحة ولا يكون إلا في الرائحة الطيبة.

الإعراب:

قوله: "متى": للاستفهام، و"تقول": فعل وفاعل بمعنى تظن، هذه رواية النحاة، وفي رواية غيرهم:

متى تظن القلص الرواسما

................................

فعلى هذه الرواية: لا شاهد فيه، وقوله:"القلص" بالنصب مفعوله الأول، وقوله:"الرواسما": صفة للقلم، وقوله:"يحملن": جملة وقعت مفعولًا ثانيًا، قوله:"أم قاسم": كلام إضافي مفعول لقوله: "يحملن"، و "قاسمًا": عطف على المضاف في قوله: "أم قاسم".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "تقول" حيث أجرى مجرى الظن لتضمنه معناه عند كونه بلفظ المضارع المخاطب التالي للاستفهام وهو قوله: "متى"

(1)

.

(1)

ينظر الشاهد (361).

ص: 887

‌الشاهد الثالث والستون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

أَجُهَّالًا تَقُولُ بَنِي لُؤَيٍّ

لَعَمْرُ أَبيكَ أَمْ مُتَجَاهِلِينَا

أقول: قائله هو كميت بن زيد الأسدي، شاعر مقدم عالم بلغات العرب، خبير بأيامها فصيح من شعراء مضر، أدرك الدولة الأموية دون العباسية، وكنيته: أبو المستهل، وكان أصلخ بالخاء المعجمة أي: أصم، والأصمعي لا يحتج به وقد احتج به الأمة، وهو من قصيدة يمدح فيها مضر ويفضلهم على أهل اليمن.

والمعنى: أتظن قريشًا جاهلين أم متجاهلين حين استعملوا أهل اليمن على أعمالهم وآثروهم على المضريين مع فضلهم عليهم، وهي من الوافر وفيه العصب والقطف.

قوله: "أجهالًا" بضم الجيم وتشديد الهاء، وهو جمع جاهل، قوله:"تقول": بمعنى تظن، قوله:"بني لؤي" أراد به قريشًا، ولؤي من [أجداد]

(3)

النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يهمز ولا يهمز، والهمزة قول الأكثرين، وهو تصغير لأي، وهو الثور الوحشي، وقال ابن دريد: من لواء الجيش وهو ممدود، وإن كان من لوى الرمل فهو مقصور

(4)

.

قوله: "لعمر أبيك": قسم ويمين، وقد مر غير مرة، والمعنى: أتظن بني لؤي جهالًا أو متجاهلين، وهو من تجاهل إذا أرى من نفسه الجهل وليس به.

الإعراب:

قوله: "أجهالًا" الهمزة للاستفهام، و"جهالًا": نصب على أنه مفعول ثان لقوله: "تقول" لأنه بمعنى تظن، وقوله:"بني لؤي": مفعوله الأول، قوله:"لعمر أبيك": مبتدأ، وخبره محذوف؛ أي: لعمر أبين يميني أو قسمي، وهو معترض بين المعطوف والمعطوف عليه، قوله:"أم متجاهلينا": عطف على قوله: "أجهالًا"، و"أم": معادلة للهمزة، والألف فيه للإشباع.

(1)

ابن الناظم (80)، وتوضيح المقاصد (1/ 392)، وأوضح المسالك (2/ 78)، وشرح ابن عقيل (2/ 60).

(2)

البيت من بحر الوافر، وهو منسوب في مراجعه إلى الكميت، ونصه في شعره:

أنواما لقول بني لؤي

لعمرو أبيك أم متناومينا

الكتاب لسيبويه (1/ 123)، والمقتضب (2/ 349)، وتخليص الشواهد (457)، والخزانة (9/ 183)، والدرر (2/ 276)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 132)، وشرح التصريح (1/ 263)، وابن يعيش (7/ 78).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

قال ابن دريد في الجمهرة مادة: (م أوي): "واختلفوا في اسم لُؤَي، فقال قوم: هو تصغير لأي، وقال قوم: هو تصغير اللَّوَى؛ إما لِوَى الرمل، مقصور، وإما لِواء الجيش، ممدود".

ص: 888

الاستشهاد فيه:

على أن قوله: "تقول" بمعنى تظن، فلذلك نصب المفعولين مع الفصل بين الفعل وبين الاستفهام، وذلك لأن الفصل إذا كان بظرف أو جار ومجرور أو أحد المفعولين لا يضر، وهنا الفصل بأحد المفعولين فافهم

(1)

.

‌الشاهد الرابع والستون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

إذَا مَا جَرَى شَأْوين وَابْتَل عِطْفُهُ

تَقُولُ هَزِيزَ الرِّيحِ مَرَّتْ بأَثْأَبِ

أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدة بائية وأولها هو قوله:

خليلَيّ مُرَّا بِي عَلَى أُمِّ جُنْدُبٍ

ينَقضي حاجات الفُؤَاد المعُذّبِ

وقد ذكرنا منها أبياتًا عند قوله:

فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها

................................

في شواهد ما ولا وإن المشبهات بليس

(4)

، وبعد البيت المذكور هو قوله:

ضليعٌ إذا استدبرتَهُ سدّ فرجهُ

بضافٍ فويقَ الأَرض ليسَ بأصهبِ

إذا مَا رَكبنَا قال ولدانُ أهلِنَا

تعالوا إلى أن يأتي الصيدُ نحطبُ

وهي من الطويل.

يصف فيه فرسًا ويبالغ فيه، وذكر أهل البديع أن هذا [البيت]

(5)

فيه الإيغال، ومعنى الإيغال: أن المتكلم أو الشاعر إذا انتهى إلى آخر الفقرة أو البيت استخرج سجعة أو قافية تفيد معنى زائدًا على معنى الكلام، وأصله من أوغل في السير إذا بلغ غاية قصده بسرعة، ويقال: هو أن يستكمل الشاعر معنى بيته بتمامه قبل أن يأتي بقافية، فإذا أراد الإتيان بها ليكون شعرًا أفاد

(1)

من شروط إجراء القول مجرى الظن: ألا يفصل بين الاستفهام والمضارع فاصل إلا إذا كان الفاصل ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا أو أحد المفعولين، فيجوز الفصل مع نصب المفعولين أو رفعهما على الحكاية. ينظر الشاهد (361).

(2)

أوضح المسالك (2/ 71).

(3)

البيت من بائية امرئ القيس المشهورة بعد المعلقة، والتي ذكر مطلعها العيني، وهي في الديوان (41) تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (دار المعارف)، وبيت الشاهد في وصف فرسه، ومثله البيتان اللذان ذكرهما العيني بعد إلا أن البيت الثاني منهما ليس في القصيدة، وإنما جعله المحقق من ملحق الديوان (389)، ومما ذكر في بعض الروايات، وانظر بيت الشاهد في شرح التصريح (1/ 262)، واللسان مادة:"هزز"، والأشباه والنظائر (5/ 220)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (100).

(4)

ينظر الشاهد (230).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 889

بها معنى زائدًا على معنى البيت

(1)

.

قوله: "شأوين": تثنية شأو بفتح الشين المعجمة وسكون الهمزة وفي آخره واو، ومعناه: السبق، يقال: عدا شأوًا؛ أي: طلقًا، قوله:"وابتل عطفه" أي: جانبه، و"عطفاه": جانباه من لدن رأسه إلى وركيه، وكذلك عطفا كل شيء: جانباه.

قوله: "هزيز الريح" بفتح الهاء وكسر الزاي المعجمة بعد ياءآخر الحروف وفي آخره زاي -أيضًا-، وهزيز الريح: دويها عند هزها الشجر، يقال: الريح تهزز الشجر فيتهزز، قوله:"بأثأب" الأثأب بفتح الهمزة وسكون الثاء المثلثة وفتح الهمزة وفي آخره باء موحدة، وهي شجر، الواحدة: أثأبة.

الإعراب:

قوله: "إذا ما جرى" كلمة ما زائدة، و"جرى": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الفرس المعهود، قوله:"شأوين": نصب على المصدرية بطريق النيابة، قوله:"وابتل عطفه": جملة من الفعل والفاعل، معطوفة على قوله:"جرى"، قوله:"تقول": جواب إذا وهي جملة من الفعل والفاعل بمعنى تظن؛ فلذلك عملت عملها في نصب الجزأين، قوله:"هزيز الريح": كلام إضافي مفعول أول لتقول، وقوله:"مرت بأثأب" في محل النصب مفعول ثان.

الاستشهاد فيه:

أن سليمًا يعملون القول عمل الظن، وعلى لغتهم جاء النصب في قوله:"هزيز الريح".

فافهم

(2)

.

‌الشاهد الخامس والستون بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

إِذَا قُلْتُ أنِّي آيِبٌ أَهْلَ بَلْدَةٍ

وَضَعْتُ بِهَا عَنْهُ الوَليَّةَ بِالْهَجْر

أقول: قائله هو الحطيئة، واسمه جرول بن أوس بن جؤية بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة

(1)

ينظر علم البديع لعبد العزيز عتيق (112) وما بعدها.

(2)

ينظر الشاهد رقم (361).

(3)

أوضح المسالك (2/ 72).

(4)

البيت من بحر الطويل مطلع مقطوعة عدتها سبعة أبيات، قالها الحطيئة، في وصف بعيره وصفًا يرغب في اقتناء الإبل (انظر ديوانه 366) بشرح ابن السكيت والسكري، تحقيق: نعمان طه، وانظره في تخليص الشواهد (459)، والخزانة (2/ 440)، وشرح التصريح (1/ 262)، وشرح الأشموني (2/ 38)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 95)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (422).

ص: 890

ابن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان، وكان قدم المدينة أول خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- وكان ينزل الكوفة، والحطيئة في اللغة: القصير، وعن ثعلب سمي الحطيئة لدمامته، وبعد البيت المذكور

(1)

:

2 -

ترى بين مَجْرَى مِرفَقَيهِ وثيله

هواءً لِفَيفَاةٍ بَدَا أهلُها نفر

3 -

إِذَا صَرَّ يَومًا ماضِغَاهُ بِجِرَّة

نَزَتْ هَامَةٌ فوقَ اللَّهَازِمِ كالقَبرِ

4 -

فإنْ عَبَّ في ماءٍ سَمِعَتْ لِجَرعِهِ

خَوَاةً كتثلِيمِ الجَدَاولِ فيِ الدَّبْرِ

5 -

وَإنْ خَافَ مِنْ وَقْعِ المُحَرّمِ يَنْتَحِي

عَلَى عَضدٍ رَيَّا كسَارِيةِ القَصْرِ

6 -

تَلَتْهُ فَلَمْ تُبطِئْ [بِهِ] من وَرَائِه

مُعَقْرَبَةٌ رَوْحَاءُ رَيِّثَةُ الفَتْرِ

(2)

7 -

على عَجُزِ كالبَابِ شُدّ رِتَاجُهُ

ومُستتلِعٍ بالكُورِ فيِ حُبُكٍ سُمْرِ

وهي من الطويل يمدح فيها بعيره، ويذكر أوصافه التي ترغب في الإبل.

1 -

قوله: "آيب" أي: راجع، وهو فاعل من آب إذا رجع، قوله:"الولية" بفتح الواو وكسر اللام وتشديد الياء آخر الحروف؛ وهي البرذعة، قال أبو عبيد: ويقال [هي التي]

(3)

توضع تحت البرذعة، و"الهجر" بفتح الهاء؛ نصف النهار عند اشتداد الحر، وكذلك الهاجرة، وأصله تحريك الجيم وسكنت للضرورة.

ومعنى البيت: إذا قدرت إتيان بلدة عند الليل أتيتها نصف النهار لسرعة بعيري ونجابته.

2 -

قوله: "ترى بين

إلى آخره" يريد أنه مفرج الإبطين ضخم الجنبين لاحق البطن، قوله: "وثيله" بكسر الثاء المثلثة وسكون الياء آخر الحروف؛ أي: وعاء ذكره، و"الفيفاة": الفلاة.

3 -

قوله: "إذا صر يومًا ماضغاه" من صر الناب صريرًا إذا صوت، و"الماضغان" بالضاد والغين المعجمتين؛ أصول اللحيين عند منبت الأضراس، ويقال: عرقان في اللحيين، قوله:"بجرة" الجرة -بكسر الجيم وتشديد الراء: ما يخرجه البعير للاجترار، قوله:"نزت هامة": من نزا ينزو نزوًا ونزوانًا، و"الهامة": الرأس، وجمعها الهام، و"اللهازم": جمع لهزمة بكسر اللام، واللهزمتان: عظمان ناتئان في اللحيين تحت الأذنين، ويقال: هما مضغتان علييان تحتهما

(4)

.

4 -

[قوله: "]

(5)

فإن عب في ماء" العب: شرب الماء من غير مص، قوله: "لجرعه": من

(1)

الديوان (126، 127) برواية ابن السكيت وشرح حنا الحتي، و (ص 366)، تحقيق نعمان طه (ط. الحلبي).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ينظر الصحاح مادة: "لهزم".

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 891

جرعت الماء أجرعه جرعًا بكسر عين الفعل في الماضي وفتحها في الغابر، و"جرعت" بالفتح لغة أنكرها الأصمعي

(1)

، قوله:"خواة" بفتح الخاء المعجمة أي: صوتًا، و"الجداول": الأنهار الصغار، واحدها جدول، و"الدبر" بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة، وهو جمع دبرة وهي المشارة في المزرعة، وكذلك الدبارة.

5 -

قوله: "من وقع المحرم" أي: من سقوطه، والمحرم بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الراء المفتوحة، وهو السوط الذي لم يلن من طول الضرب، و"انتحاؤه": اعتماده على عضديه في سيره.

6 -

قوله: "تلته" أي: تبعته، أراد رجله، و"المعقربة": الموثقة، و"الروحاء": الواسعة الخطو، و"ريثة الفتر": البطيئة، وهو بفتح الراء وتشديد الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة، قوله:"رتاجه" بكسر الراء وهو الباب الصغير الذي يكون في الباب الكبير.

7 -

قوله: "ومستتلع بالكور" أراد: سنامه مشرق مرتفع، و"الحبك": طرائق فيه من لون وبره.

الإعراب:

قوله: "إذا" للشرط هاهنا، و "قلت": فعل وفاعل، و"أني آيب": في محل النصب؛ لأن قلت بمعنى: ظننت، والضمير المتصل اسم إن، وآيب خبرها، وقوله:"أهل بلدة": كلام إضافي منصوب بآيب، وأصله: آيب إلى أهل بلدة، يقال: أبت إلى بني ملان إذا أتيتهم ليلًا، قوله:"وضعت": جملة هي جواب إذا، والباء في "بها" للظرف، وكذا في قوله:"بالهجر"، والتقدير: فيها وفي الهجر، وكلاهما يتعلق بوضعت، والضمير في بها يرجع إلى البلدة، وفي قوله:"عنه" يرجع إلى بعيره الذي يمدحه، وليس بإضمار قبل الذكر؛ لأنه معهود وهو -أيضًا- يتعلق بوضعت، وقوله:"الولية" بالنصب مفعول وضعت.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أني آيب" حيث جاءت أني بالفتح؛ لأن قلت بمعنى ظننت وهو لغة سليم، فإنهم يجرون القول مجرى الظن مطلقًا، وعلى لغتهم تفتح أن بعد قلت، وشبهه كما ذكرنا

(2)

.

(1)

الصحاح مادة: "جرع".

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 95)، وشرح الأشموني (2/ 37، 38).

ص: 892

‌الشاهد السادس والستون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

أما الرَّحِيلُ فَدُونَ بَعْد غَدٍ

فمَتَى كَقُول الدَّارَ تَجْمَعُنَا

أقول: قائله هو عمر بن أبي ربيعة، وهو من قصيدة ملتزمًا في رويها العين والنون، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

قَال الخَلِيطُ غدًا يَصَدِّعُنَا

وأشيعه أَفَلَا يُشَيِّعُنَا

2 -

أما الرحيل ...........

.................. إلى آخره

3 -

لتشوقنا يُفِيدُ وَقَد قَتَلَتْ

علمًا بِأَن البَينَ فَاجِعُنَا

4 -

ومَقَالِهَا سِرْ لَيلَةً معَنَا

نَعْهَدْ فَإنَّ البينَ شَابعُنَا

5 -

قلتُ العُيُونُ كثيرةٌ معكم

وأظن أَن السَّيرَ مانِعُنَا

6 -

لا بل نُزُوركُمُ بأَرِضِكُمُ

فَيطَاعُ قائِلُكُم وشَافِعُنَا

7 -

قالتْ أَشيءٌ أنتَ فَاعِلُهُ

هذَا لعمركَ أم أنت خَادِعُنَا

8 -

بالله حدَّثنَا نؤمّلُهُ

وأصدَقْ فإنَّ الصدقَ واسعُنَا

9 -

اضرِبْ لنَا أجلًا نعد له

إِخْلَافَ موعدهُ يُقَاطِعُنَا

وهي من الكامل، وفيها الإضمار والحذذ

(4)

.

المعنى: قد كان رحيلنا ومفارقتنا لمن نحب من غد، فمتى تجمعنا الدار بعد ذلك؟ وعبر عن الغد بعبارة بعيدةٍ وهي قوله:"دون بعد غد"، أي: ففي اليوم الذي هو قيل بعد غد، وذلك اليوم هو الغد.

الإعراب:

قوله: "أما": حرف شرط وتفصيل؛ فلذلك لزم الفاء بعدها، و"دون" هاهنا بمعنى قبل كما يقال: دون النهر أسد، أي: قبل وصولك إليه؛ فالمعنى: أما الرحيل فقبل بعد غد، ويروى:

(1)

أوضح المسالك (2/ 74).

(2)

البيت من بحر الطويل في ديوان عمر بن أبي ربيعة (401) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة (1960 م)، وبيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 141)، والمقتضب (2/ 349)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 179)، وابن يعيش (7، 78)، وتخليص الشواهد (457)، ورصف المباني (89)، وشرح التصريح (1/ 262)، والخزانة (2/ 439).

(3)

انظر الديوان (402) تحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد.

(4)

قوله: وفيه الإضمار والحذذ ليس بصحيح؛ فإن فيها الحذذ فقط، وهو حذف الوتد المجموع، أما الإضمار وهو تسكين الثاني المتحرك فلا يوجد.

ص: 893

بعد بالنصب والخفض؛ فالنصب على تقدير: فدون ما بعد غد، فما موصولة، وبعد صلتها، والخفض على إضافة دون إليه، قوله:"فمتى": استفهام، و"تقول": جملة من الفعل والفاعل بمعنى تظن، فلذلك نصب مفعولين وهما قوله:"الدار" وقوله: "تجمعنا"، وقال النحاس في شرح كتاب سيبويه:"تجمعنا" في موضع المفعول الثاني، أي: جامعة لنا

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "تقول" فإنه بمعنى تظن؛ لأنه نصب المفعولين، ولكن هذا بشروط خمسة:

الأول: أن يكون فعلًا؛ فلا ينصب بالمصدر ولا باسم الفاعل.

الثاني: أن يكون مضارعًا؛ فلا ينصب بالماضي ولا بالأمر.

الثالث: أن يكون مسندًا إلى ضمير الخاطب؛ فلا ينصب به مع الهمزة والنون والياء وتاء المؤنثة الغائبة.

الرابع: أن يكون معتمدًا على استفهام؛ فلا ينصب ما لم يتقدمه استفهام.

الخامس: أن يكون غير مفصول بأجنبي غير ظرف أو عديله. فهذه الشروط موجودة في البيت المذكور بخلاف غيره.

وأما سليم فإنهم يجرون القول مجرى الظن مطلقًا، فيقولون: قلت زيدًا منطلقًا، وأقول زيدًا منطلقًا، وأنا قائل زيدًا منطلقًا، وأعجبني قولك بشرًا كريمًا، وقل عمرًا متكلمًا، وعلى لغتهم تفتح أن بعد قلت وشبهه والله أعلم.

واعلم أن ابن مالك -رحمه الله تعالى- شرط أيضًا كونه حالًا

(2)

، والبيت المذكور يرد عليه ذلك؛ لكن يقول هذا إذا كان متى في البيت ظرفًا لتقول، وذلك أن متى ظرف لما يستقبل من الزمان، وتقول: فعل مضارع وقع مظروفًا لمتى، ويلزم من كون متى مستقبلًا أن يكون مظروفها -أيضًا- مستقبلًا، فحينئذ لا يصلح تقول للحال، فعلى هذا الوجه اشتراط الحال ليس بصحيح.

وأما إذا قلنا: إن "متى" ظرف لقوله: "تجمعنا" على أن الصواب هذا؛ فحينئذ [يصلح]

(3)

أن

(1)

نصه في شرح أبيات سيبويه (123) د. وهبة متولي: "كأنه قال: متى تظن الدار هذه حجة بأن العرب تجري القول مع حرف الاستفهام مجرى ترى وتظن".

(2)

قال ابن مالك: "وهذا الاستعمال وهو إجراء القول مجرى الظن عند غير بني سليم لا يكون إلا في المضارع المسند إلى المخاطب مقصودًا به الحال بعد استفهام متصل": شرح التسهيل لابن مالك (2/ 95)، وتوضيح المقاصد (1/ 393، 394).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 894

تكون "تقول" للحال، وحينئذ يجري اشتراط ابن مالك رحمه الله تعالى

(1)

.

‌الشاهد السابع والستون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

عَلَامَ تَقُولُ الرمْحَ يُثْقِلُ عَاتِقِي

إِذَا أَنَا لَم أطْعنْ إِذَا الخيْلُ كَرَّتِ

أقول: قائله هو عمرو بن معد يكرب المذحجي الصحابي -رضي الله تعالى عنه- وقد ترجمناه فيما مضى، والبيت المذكور من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

ولما رأيتُ الخيلَ زُورًا كَأَنَّهَا

جداولُ ماءٍ خيلت فاسبطرَّتِ

2 -

وجَاشَتْ إلَيَّ النَّفْسُ أوَّلَ مرةٍ

فَرُدَّتْ علَى مكرُوهِهَا فاستقرُّتِ

3 -

علام .....................

......................... إلى آخره

4 -

لحَا اللَّهُ جَرْمًا كلمَا ذرّ شارِقٌ

وجُوهَ كلَابٍ هَارَشَتْ فاربأرَّتِ

5 -

فلم تغنِ جرمٍ نَهْدَهَا إِذْ تلاقَيَا

ولكن جرمًا في اللقاءِ ابذعرَّتِ

6 -

ظللتُ كأني للرماحِ دريئة

أُقاتِلُ عَنْ أَبْنَاءِ جَرْم وفَرَّتِ

7 -

فلوْ أَنَّ قَوْمِي أنطقتني رماحهم

نطقتُ ولكن الرمَاحَ أجرَّتِ

1 -

قوله: "زورًا" بضم الزاي؛ جمع أزور وهو المعوج الزور، قوله:"جداول ماء": جمع جدول وهو النهر الصغير، قوله:"فاسبطرت" أي: امتدت، والتشبيه وقع على جري الماء في الأنهار لا على الأنهار.

2 -

قوله: "وجاشت" أي: ارتفعت.

3 -

قوله: "كرت": من الكر وهو الرجوع.

4 -

قوله: "لحا الله" من لحيت العصا إذا قشرت لحاها ولحوتها، و"جرم ونهد": قبيلتان من قضاعة، قوله:"كلما ذر" بالذال المعجمة؛ من الذرور في الشمس، وأصله الانتشار

(1)

وهو أن المضارع مقصود به الحال.

(2)

أوضح المسالك (2/ 76).

(3)

البيت من بحر الطويل، من تائية لعمرو بن معدي كرب (شاعر إسلامي) في الحرب والشجاعة، الديوان (55)، تحقيق مطاع الطرابيشي، وانظر بيت الشاهد في المغني (143)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 157)، وشرح التصريح (1/ 263)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (159)، وشرح شواهد المغني (418)، والخزانة (2/ 436)، والدرر (2/ 274).

(4)

انظر ديوان عمرو بن معدي كرب الزبيدي (53) تحقيق: مطاع الطرابيشي، دمشق (1974 م)، وتختم القصيدة بهذا البيت المشهور:

فلو أن قومي أنطقتني رماحهم

نطقت ولكن الرماح أجرت

ص: 895

والتفرق، قوله:"فازبأرت": من ازبأر إذا انتفش حتى ظهر أصول شعره، وأضاف نهدًا إلى ضمير جرم لاعتقادهم الاكتفاء بها.

5 -

قوله: "ابذعرت" أي: تفرقت.

6 -

قوله: "ظللت كأني للرماح دريئة" أي: بقيت في نهاري منتصبًا في وجوه الأعداء والطعن يأتيني من جوانبي أذب عن جرم، ويجوز أن يكون المعنى: كأني للرماح صيد، حكى أبو زيد أنه يقال للصيد خاصة: درية غير مهموز، ودرايا؛ فكأنه من دريت، أي: ختلت

(1)

.

7 -

قوله: "أجرت": من إجرار الفصيل وهو أن يشق لسان الفصيل فيجعل فيه عويد لئلا يرضع أمه.

الإعراب:

قوله: "علام" أصله: على ما، وكلمة ما للاستفهام، وإذا اتصل به حرف الجر تحذف الألف في آخره نحو: فيم ولم وبم، إلا إذا اتصل ما بذا فإنه حينئذ يترك على تمامه، "وتقول": فعل وفاعل، "والرمح" يجوز فيه الوجهان: النصب إذا كانت تقول بمعنى تظن؛ لوجود الشرائط التي ذكرناها في البيت السابق، والرفع على الابتداء، ويكون "تقول" متروكًا على بابه، والمعنى: بأي حجة أحمل السلاح إذا لم أقابل كر الخيل.

قوله: "يثقل": من أثقل إثقالًا، و"عاتقي": كلام إضافي مفعول يثقل، والجملة إما في محل النصب على أنها مفعول ثان "لتقول"، إذا كان بمعنى تظن، وإما في محل الرفع على أنها خبر لقوله "الرمح".

قوله: "إذا أنا لم أطعن": ظرف لقوله: "يثقل"، وقوله:"إذا الخيل": ظرف لقوله: "لم أطعن"، والجملتان بعد إذا في الموضعين اسميتان في الصورة، ولكنهما فعليتان في التقدير؛ لأن إذا التي للظرف تختص بالدخول على الجملة الفعلية عكس الفجائية، والتقدير في الجملة الأولى: إذا لم أطعن أنا، وفي الثانية: إذا كرت الخيل؛ فحذف الفعل فيهما لدلالة الفعل المتأخر عليه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "تقول الرمح" حيث جاء الرمح منصوبًا بكون "تقول" بمعنى تظن؛ كما ذكرناه

(2)

فافهم.

(1)

الصحاح مادة: "درأ".

(2)

ينظر الشاهد رقم (366).

ص: 896

‌الشاهد الثامن والستون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

أَبَعْدَ بُعْدٍ تَقُولُ الدَّارَ جَامِعَةً

شَملِي بِهم أمْ تقولُ البعْدَ مَحْتُومًا

أقول: هو من البسيط.

قوله: "شملي" الشمل: الاجتماع، وجمع الله شمله إذا دعا لهم بتآلف، قوله:"محتومًا" بالحاء المهملة؛ أي: واجبًا؛ من الحتم وهو الوجوب.

الإعراب:

قوله: "أبعد بعد" الهمزة فيه للاستفهام، "وبعد": نصب على الظرف، والعامل فيه تقول، "وبعد": مجرور بالإضافة، وهو بضم الباء ضد القرب، وبينهما جناس محرف على ما لا يخفى

(3)

، قوله:"تقول": بمعنى تظن فعل وفاعل، وقوله:"الدار جامعة": منصوبتان على أنهما مفعولا تقول، [قوله:"شملي": كلام إضافي معمول "لجامعة"]

(4)

، وقوله:"بهم" يتعلق بجامعة، قوله:"أم تقول" أم: متصلة عطف على قوله: "تقول الدار جامعة"، وقوله:"البعد محتومًا" منصوبان؛ لأنهما مفعولان لتقول.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أبعد بعد تقول الدار جامعة" حيث نصب تقول المفعولين مع أنه فصل معموله بينه وبين الاستفهام فافهم

(5)

.

* * *

(1)

أوضح المسالك (2/ 77).

(2)

البيت من بحر البسيط، وهو غير منسوب في مراجعه، وهو في الشكوى من البعد والهجر، وانظر بيت الشاهد في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 96)، والأشباه والنظائر (2/ 232)، وتخليص الشواهد (457)، والدرر (2/ 75)، وشرح التصريح (1/ 263)، وشرح شذور الذهب (489)، والمغني (692)، وشرح شواهده (969).

(3)

الجناس المحرف: هو نوع من أنواع الجناس غير التام، وتعريفه: ما اتفق لفظاه في عدد الحروف وترتيبها واختلف في الحركات فقط، سواء أكانا من اسمين أو فعلين أو من اسم وفعل أو من غير ذلك. ينظر علم البديع لعبد العزيز عتيق (208).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

من شروط إجراء القول مجرى الظن: أن لا يفصل بين الفعل وبين الاستفهام بفاصل ما لم يكن الفاصل ظرفًا كما في البيت أو جارًّا ومجرورًا، أو معمول فعل.

ص: 897

‌شواهد أعلم وأخواتها

‌الشاهد التاسع والستون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

نُبِّئْتُ زُرْعَةُ والسَّفَاهَةُ كاسْمِهَا

يُهْدِي إليَّ غَرَائِبَ الأَشْعَارِ

أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وهو من قصيدة يهجو بها زرعة بن عمرو بن خويلد لقيه بعكاظ، فأشار عليه أن يشير على قومه بقتال بني أسد وترك حلفهم، فأبى النابغة الغدر، وبلغه أن زرعة يتوعده، فقال:

نبئت زرعة ..............

.................. إلى آخره

وقد ذكرنا بقيته مستوفاة في شواهد العلم

(3)

.

قوله: "نبئت": على صيغة المجهول بمعنى أخبرت، و"زرعة" هو ابن عمرو بن خويلد الذي ذكرناه آنفًا، وقوله:"يهدي" بضم الياء؛ من الإهداء.

الإعراب:

قوله: "نبئت" يقتضي ثلاثة مفاعيل: الأول: التاء، والثاني: قوله: "زرعة"، والثالث: قوله: "يهدي إليّ" وإنما جاز كونه جملة؛ لأنه خبر مبتدأ في الأصل، قوله:"والسفاهة": مبتدأ، و "كاسمها": خبره، والجملة معترضة بين المفعولين، وأصل السفه الخفة، يقول: السفاهة قبيح كما أن اسمها قبيح.

(1)

ابن الناظم (81).

(2)

البيت من بحر الكامل، من قصيدة للنابغة الذبياني، مشهورة في هجاء زرعة بن عمرو المذكور، وفيها عدة شواهد للنحويين، انظر الديوان (33) بتحقيق: سيف الدين الكاتب، و (86) بشرح عباس عبد الساتر، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (6/ 315)، والتصريح (1/ 265)، وشرح عمدة الحافظ (252)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 101)، وتخليص الشواهد (467).

(3)

ينظر الشاهد رقم (91).

ص: 898

فإن قلتَ: [ما السفاهة]

(1)

حتى قال: والسفاهة كاسمها؟

قلتُ: قوله: "والسفاهة" أراد ما سمي سفاهة؛ أي: المسمى بهذا الاسم قبيح؛ كما أن الاسم الذي هو السفه قبيح وإنما قال هذا؛ لأن السفه كما ينكر فعله كذلك يكره اسمه، قوله:"غرائب الأشعار": كلام إضافي مفعول لقوله: "يهدي".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "نبئت" حيث نصب ثلاثة مفاعيل؛ لأنه تضمن معنى: أرى المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل وعمل عمله

(2)

.

‌الشاهد السبعون بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

وَأُنْبِئْتُ قَيسًا ولَم أَبْلُهُ

كَمَا زَعَمُوا خَيرَ أهْلِ اليَمَنِ

أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، وهو من قصيدة طويلة يمدح بها قيس بن معد يكرب الكندي، قال أبو عبيدة: وهي أول كلمة مدحه بها، وأولها هو قوله:

1 -

لَعَمْرُكَ مَا طُولُ هذَا الزَّمَنْ

علَى المرءِ إلا عَنَاءٌ معَنْ

2 -

يَظَل رَجِيمًا لِرَيبِ المنُونِ

ولِلْهَمِّ فيِ أهْلِهِ وَالحزَنْ

3 -

وهَالكِ أهْلٍ يُجِنونَهُ

كآخَرَ فيِ قَفْرَة لم يُجَنْ

4 -

وما إنْ أرَى الدَّهْرَ فيِ صَرفِهِ

يُغادِرُ مِنْ شارخٍ أو يَفَنْ

إلى أن قال:

5 -

فهَذَا الثَّنَاءُ وإني امْرُؤٌ

إِليكَ بِعَمْدٍ قَطَعْتُ القَرَنْ

6 -

وكُنتُ امرأً زَمَنًا بالعِرَاقِ

عفِيفَ المناخِ طَويلَ اليقن

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

هناك أفعال تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل بواسطة همزة التعدية أو التضعيف، والمفعول الثاني والثالث منها أصلهما: المبتدأ والخبر، وهذه الأفعال هي: أعلم وأرى ونبأ وأنبأ وخبر وأخبر وحدث؛ فالهمزة تجعل الفعل المتعدي إلى واحد متعديًّا إلى اثنين، والمتعدي إلى اثنين متعديًّا إلى ثلاثة. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 100)، وتوضيح المقاصد (1/ 395) وما بعدها، والكتاب لسيبويه (1/ 41)، وابن يعيش (7/ 65).

(3)

ابن الناظم (82).

(4)

البيت من بحر المتقارب، من قصيدة طويلة قاربت المائة بيت للأعشى يمدح قيس بن معدي كرب الكندي، يبدؤها بالغزل والحديث عن المرأة، وهي في ديوانه (51)، تحقيق د. محمد محمد حسين (المكتب الشرقي- بيروت، لبنان)، وانظر بيت الشاهد في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 102)، والدرر (1/ 140).

ص: 899

7 -

وحَوليَ بَكْرٌ وأشْيَاعُهَا

فلَسْتَ خَلاةً لمن أوْعَدَنْ

8 -

وأُنْبِئتُ قَيسًا ........

.................... إلى آخره

9 -

رَفيعَ الوسَادِ طَويلَ النِّجَا

دِ ضَخْمَ الدَّسيعَةِ رَحْبَ العَطَنْ

10 -

يَشُقُّ الأمُورَ ويَجْتَابُهَا

كشقِّ القَرَاري ثَوْبَ الرَّدَنْ

11 -

فجِئتُكَ مُرتَادَ مَا خَبَّرُوا

ولَوْلَا الذي خَبّرُوا لَمْ تَرَنْ

12 -

فَلا تَحْرمَنِّي نَدَاكَ الجَزِيلَ

فَإني امْرُؤٌ قَبلَكُم لَمْ أُهَنْ

وهي من المتقارب.

1 -

قوله: "عناء" أي: تعب قوله: "معن" أي: متعب.

2 -

قوله: "يظل رجيمًا" بالجيم، أراد أن ريب الدهر يرجمه بأحداثه، والرجيم بمعنى

(1)

المرجوم.

3 -

قوله: "وهالك أهل" أي: الذي يموت عند أهله، "يجنونه" أي: يدفنونه، ومنه سمي القبر: الجنين، و"القفرة": الأرض الخالية من الناس.

4 -

قوله: "يغادر" أي: يترك، و"الشارخ": الصغير، و"اليقن": الكبير، وهو بفتح الياء آخر الحروف والفاء، قال الجوهري: اليقين: الشيخ الكبير ثم أنشد البيت ثم قال: وهو الصغير -أيضًا- من الأضداد

(2)

.

5 -

قوله: "قطعت القرن" أي: الحبل، أراد: قطعت حبل كل جوار، قوله:"عفيف المناخ" أراد أنه لم يكن يسأل أحدًا، يقال: فلان عفيف المناخ إذا لم يسأل الناس.

6 -

و"اليقن" من اليقين.

7 -

قوله: "خلاة" الخلاة: البقلة يختلى بها، أراد: لست ذليلًا لكل من أوعدني كالبقلة يختليها كل من أرادها.

8 -

قوله: "ونبئت" أي: أخبرت، قوله:"قيسًا" أراد به قيس بن معدي كرب، قوله:"ولم أبله" يعني: لم أختبره؛ من بلوته بلوًا إذا جربته واختبرته، ورأيت في ديوان الأعشى البيت المذكور على هذا الوجه

(3)

:

ونُبِّئْتُ قَيسًا عَلَى نَأْيِهِ

ولَم آتِهِ سَادَ أَهْلَ اليَمَنْ

(1)

في (أ) بمنزلة.

(2)

الصحاح مادة: "يفن".

(3)

البيت من المتقارب في ديوان الأعشى (25)، تعليق: محمد حسين، المطبعة النموذجية.

ص: 900

9 -

قوله: "رفيع الوساد": كناية عن عظمته وجلالة قدره، و"الوساد" بكسر الواو؛ المخدة، قوله:"طويل النجاد": كناية عن شجاعته، والنجاد -بكسر النون: حمائل السيف، قوله:"ضخم الدسيعة": كناية عن جوده، يقال: فلان- ضخم الدسيعة إذا كان عطاؤه جزيلًا، و "الدسيعة": العطية، قوله:"رحب العطن": كناية عن جوده -أيضًا-، أي: واسع العطاء، قال الجوهري: يقال: فلان واسع العطن والبلد إذا كان رحب الذراع

(1)

.

10 -

قوله: "يشق الأمور" أي: يبرمها إبرامًا ويسددها بالحزم، قوله:"ويجتابها" بالجيم أي: يقطعها على أحسن الوجوه، قوله:"القراريّ": نسبة إلى القرار، وأراد به الخياط، و "الردن" بفتح الراء والدال، هو الخزّ.

11 -

قوله: "مرتاد" أي: طالب ما خيروا.

12 -

قوله: "فلا تحرمني نداك الجزيل" أي: لا تمنعني من عطائك الواسع.

الإعراب:

قوله: "وأنبئت": عطف على ما قبله، وهو يقتضي ثلاثة مفاعيل: الأول: التاء، والثاني:"قيسًا"، والثالث:"خير أهل اليمن"، قوله:"ولم أبله": جملة وقعت حالًا، قوله:"كما زعموا": صفة لمصدر محذوف أي: لم أبله بلوًا مثل الذي زعموا فيه، و "ما" موصولة، و"زعموا": صلتها، والعائد محذوف، ويجوز أن تكون ما مصدرية، والمعنى: لم أبله بلوًا مثل زعمهم فيه]

(2)

من أنه خير أهل اليمن.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وأنبئت" فإنه نصب ثلاثة مفاعيل مثل: نبّأ كما ذكرناه

(3)

.

‌الشاهد الحادي والسبعون بعد الثلاثمائة

(4)

،

(5)

وَخُبِّرتُ سَوْدَاءَ الغَميم مَرِيضَةً

فَأَقْبَلْتُ مِنْ أَهْلِي بِمصرَ أَعُودُها

أقول: قائله هو العوام بن عقبة بن كعب بن زهير

(6)

، والقصة في ذلك أن سوداء الغميم

(1)

الصحاح مادة: "عطن".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر الشاهد رقم (369).

(4)

ابن الناظم (82).

(5)

البيت من بحر الطويل، وهو مطلع مقطوعة جميلة في الغزل للعوام في عقبة بن كعب بن زهير، ذكر الشارح مناسبتها، وانظر بيت الشاهد في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 101)، وشرح عمدة الحافظ (252)، وشرح التصريح (1/ 265)، والدرر (2/ 278)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 159).

(6)

ينظر ديوان الحماسة للمرزوقي، القسم الثالث (1414)، تحقيق: أحمد أمين، وهارون، الأصل والحاشية.

ص: 901

وهي امرأة من بني عبد اللَّه بن غطفان، اسمها ليلى ولقبها سوداء كانت [تنزل]

(1)

الغميم من بلاد غطفان، وكان عقبة بن [كعب]

(2)

ينسب بها ثم علقها بعده ابنه العوام بن عقبة وكلف بها فخرج إلى مصر في ميرة فبلغه أنها مريضة فترك ميرته وكر نحوها وأنشأ يقول

(3)

:

1 -

وَخُبّرتُ سوْدَاءَ الغميم مَرِيضَةً

فَأَقْبَلْتُ مِنْ أَهْلِي بِمِصرَ أَعُودُها

2 -

فيَا لَيتَ شِعرِي هلْ تَغَيَّرَ بَعدَنَا

مَلاحَةُ عَينَي أُمِّ يَحيَى وَجِيدُها

3 -

وهلْ أَخْلَقَتْ أثْوَابُها بَعدَ جِدَّة

ألا حَبَّذَا أخْلاقُها وجَدِيدُها

4 -

ولم يبقَ يا سوداء شَيءٌ أحبّهُ

وإنْ بَقِيَتْ أَغلامُ أرض وبيدُها

5 -

فوَالله مَا أدرِي إذَا أنَا جِئْتها

أَؤُبرئها مِنْ سُقْمها أم أزِيدُها

6 -

مِنَ الخفَرَاتِ البِيضِ وَدَّ جَلِيسُها

إذَا مَا انْقَضتْ أُحْدُوثَةٌ لو تُعِيدُها

7 -

نَظَرتُ إليها نَظرَةً مَا يَسُرُّنِي

بِها حُمرُ أنْعَامِ البِلادِ وسُودها

فلم يزل يتلطف حتى رأته ورآها وأومأت إليه أن ما جاء بك؟ فقال: جئت عائدًا حين علمت علتك، فأشارت إليه أن ارجع فإني في عافية فرجع لميرته

(4)

واستقربها المرض، فجعلت تتأوه إليه حتى ماتت، فبلغه الخبر، فقال:

8 -

سَقَى جَدَثًا بَينَ الغَمِيمِ وزُلْفَةً

أحمَّ الذُّرَى وَاهِي الغَزَالِي مَطِيرُها

9 -

وإنْ تَكُ سَوْداءُ العَشِيةِ فَارَقَتْ

فَقد مَاتَ مِلْحُ الغَانِيَاتِ ونُورُها

وهي أبيات كثيرة مستحسنة [وهي من الطويل]

(5)

.

1 -

قوله: "سوداء الغميم" بفتح الغين المعجمة وكسر الميم، وهو اسم موضع في بلاد الحجاز، وأراد بالسوداء هي ليلى التي كانت بالغميم، إما تسمى سوداء وإما تلقب، وفي رواية الحماسة: سوداء القلوب

(6)

، [وقال بعض شراحها: يجوز أن يريد بقوله: سوداء القلوب]

(7)

أنها تحل من القلوب محل السويداء منها، وكأن القلوب على اختلافها تميل إليها، ويجوز أن يكون المراد أنها قاسية القلب عليه فلذلك أطلق عليها سوداء القلوب

(8)

.

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

شرح الحماسة للمرزوقي، القسم الثالث (1414)، تحقيق أحمد أمين، وهارون.

(4)

في (أ) إلى ميرته.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

شرح الحماسة للمرزوقي، القسم الثالث (1414)، تحقيق أحمد أمين، وهارون.

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

شرح الحماسة للمرزوقي، القسم الثالث (1414)، تحقيق أحمد أمين، وهارون.

ص: 902

فقال ابن الباذش

(1)

: اختلفوا هل يقال: سوداء القلب مكبرًا أو لا يقال ذلك إلا بالتصغير؟ فذكر أبو علي القالي أن صاحب العين أنكر ذلك، وقال: إنما يقال: سواد قلبه مكبرًا مذكرًا، وسويداء قلبه مصغرًا مؤنثًا، وأما سوداء قلبه بالتأنيث والتكبير فلا، وأجازه بعضهم واستدل بالبيت المذكور.

ولا حجة فيه لاحتمال أن تكون سوداء فيه علمًا للمرأة كما ذكرنا، وأضيفت إلى القلوب أو أنها صفة لها على أنها قاسية القلب.

فإن قلتَ: على هذا كيف جمع القلب؟

قلتُ: أراد القلب بما حوله.

الإعراب:

قوله: "وخبرت": على صيغة المجهول تستدعي ثلاثة مفاعيل؛ لأنه بمعنى نبئت: الأول: التاء، والثاني: سوداء الغميم، والثالث: مريضة، قوله:"فأقبلت": عطف على قوله: "وخبرت"، وقوله:"من أهلي": يتعلق به، قوله:"بمصر"؛ صفة لقوله: "أهلي"، والتقدير: من أهلي الكائنين بمصر أو المقيمين بمصر، قوله:"أعودها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت حالًا من الضمير الذي في "أقبلت" وهو من الأحوال المقدرة، أي

(2)

: أقبلت مقدرًا عيادتها.

الاستشهاد فيه:

على أن: "خبرت" بمعنى نبئت، وأنه يقتضي ثلاثة مفاعيل كما ذكرنا

(3)

.

‌الشاهد الثاني والسبعون بعد الثلاثمائة

(4)

،

(5)

وَمَا عَلَيكِ إِذَا أُخْبِرتِنِي دَنِفًا

وَغَابَ بَعلُكِ يَوْمًا أَنْ تَعُودِيني

أقول: قائله هو رجل من بني كتاب، وذكر في الحماسة بعده بيتًا آخر، وهو قوله

(6)

:

(1)

علي بن أحمد بن خلف بن محمد الأنصاري الإمام أبو الحسن بن الباذش، صنف: شرح كتاب سيبويه والمقتضب وشرح أصول ابن السراج وشرح الإيضاح، وشرح الجمل، وشرح الكافي للنحاس (ت 528 هـ)، ينظر بغية الوعاة للسيوطي (2/ 142، 143).

(2)

في (أ): يعني.

(3)

ينظر الشاهد رقم (369) ورقم (370).

(4)

ابن الناظم (82).

(5)

البيت من بحر البسيط، وهو لرجل من بني كتاب، وهو في الغزل العذري الجميل، ولذلك اختاره أبو تمام في حماسته، ديوان الحماسة للمرزوقي (1423) وانظر بيت الشاهد في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 101)، والدرر (279)، وشرح التصريح (1/ 265).

(6)

ينظر شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1423)، وفيه (تعود بنار تسقينا) بصيغة الجمع.

ص: 903

وتَجْعَلِي نُطْفَةً في القَعْب بَارِدَةً

وتَغْمسي فَاكِ فيها ثُم تَسقيني

والبيت الأول في رواية أبي تمام هكذا:

مَاذَا عَليكِ إذا أُخْبِرتني دَنِفًا

رَهنَ المنَيَّةِ يَومًا أَنْ تَعُودِينِي

وهما من البسيط.

قوله: "أخبرتني" بضم الهمزة؛ لأنه مجهول، ويكسر لأنه خطاب للمؤنث، قوله:"دنفًا" بفتح الدال وكسر النون وفي آخره فاء؛ صفة مشبهة من الدنف -بفتح الدال وفتح النون وهو المرض اللازم، فإذا قلت: دَنَف بفتحتين، يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع، تقول: رجل دنف وامرأة دنف وقوم دنف، ومعنى "دنفًا" هاهنا: مشرفًا على الهلاك، قوله:"بعلك" أي: زوجك.

الإعراب:

قوله: "وما عليك" كلمة ما بمعنى ليس، يعني: ليس بأس، وبأس اسم ما، وخبره عليك، وفي الحقيقة الخبر محذوف، والتقدير: ليس بأس حاصلًا عليك.

وقال الشيخ جمال الدين بن هشام: ما: استفهام مبتدأ، وعليك: خبره، و "إذا": متعلق

(1)

به، وكذا:"أن تعوديني"؛ لأن أصله: في أن تعوديني؛ أي: ما عليك في هذا الوقت في

(2)

عيادتي، وتعلقت "إذا""وأن تعوديني" بعامل واحد مع أنها على معنى في؛ لأن إذا للزمان، "وأن تعوديني" للمكان المجازي، قوله:"أخبرتني": بمعنى نبئتني، يقتضي ثلاثة مفاعيل، الأول: التاء، يعني:

(3)

تاء المخاطبة، والثاني: الضمير المنصوب، والثالث: قوله: "دنفًا".

قوله: "وغاب": فعل، و"بعلك": كلام إضافي فاعله، والجملة وقعت حالًا، قوله:"يومًا": ظرف لقوله: "أخبرتني" وانتصابه على الظرفية؛ أي: في يوم، قوله:"أن تعوديني" أي: بأن تعوديني، فالباء تتعلق بخبر ما، وأن مصدرية.

والمعنى: ليس بأس حاصلًا عليكِ بسبب عيادتكِ إياي وقت غياب زوجكِ.

[الاستشهاد فيه:

على أن أخبرتني بمعنى نبئتني حيث نصب ثلاثة مفاعيل]

(4)

،

(5)

.

(1)

في (أ): متعلقة.

(2)

في (أ): على.

(3)

في (أ): أعني.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ينظر الشاهد (368 - 371).

ص: 904

‌الشاهد الثالث والسبعون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

أَوَمَنعتُم مَا تسأَلُونَ بِهِ فَمَنْ حُد

دِثْتُمُوهُ لَه عَلَينَا العَلَاءُ

أقول: قائله هو الحارث بن حلزة اليشكري، وهو من قصيدته المشهورة المنظومة في المعلقات السبع، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

آذَنَتْنَا بِبَينها أَسْمَاءُ

رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثوَاءُ

2 -

آذَنَتنَا بِبَينها ثُمَّ وَلّتْ

ليت شعري مَتَى يَكُونُ اللِّقَاءُ

(4)

إلى أن قال:

3 -

أَوَسَلَيتُم عَنا فكنَّا كَمَنْ أَغـ

ـــــــــمَضَ عَينًا فيِ جَفْنِها أَقْذَاءُ

وهي من الخفيف وفيه الخبن والحذف.

قوله: "حدثتوه" على صيغة المجهول؛ من التحديث، قوله:"العلاء" أي: الرفعة والشرف، من على في الشرف يعلى علاء من باب علم يعلم، وأما على يعلو علوا [فهو]

(5)

في المكان.

الإعراب:

قوله: "أو منعتم": عطف على قوله: "أوسليتم".

والمعنى: أو منعتم ما تسألون من النصفة فيما بيننا وبينكم فلأي شيء كان ذلك منكم مع ما تعرفون من عزنا وامتناعنا؟ وقوله: "ما تسألون": في محل النصب على أنه مفعول "منعتم"، و "ما": موصولة، و "تسألون": على صيغة المجهول صلتها، والعائد محذوف تقديره تسألونه.

[قوله: "]

(6)

فمن حدثتموه" معناه: فمن بلغكم أنه اعتلانا أو قهرنا في قديم الدهر فتطمعون في ذلك منا؟ وقوله: "من": استفهام في معنى النفي؛ مثله في قوله تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللَّهُ} [آل عمران: 135].

(1)

ابن الناظم (82)، وشرح ابن عقيل (2/ 70).

(2)

البيت من بحر الخفيف، من قصيدة الحارث بن حلزة المعدودة في المعلقات السبع، والتي بدأها بالغزل، ثم انتقل إلى الفخر بنفسه وقبيلته، وقد قاربت المائة ليت، انظر شرح المعلقات السبع للتبريزي (435)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، وانظر الشاهد في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 101)، وشرح القصائد العشر (387)، وابن يعيش (7/ 66)، وشرح عمدة الحافظ (253)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 159).

(3)

ينظر شرح المعلقات السبع للزوزني (161)، وشرح المعلقات العشر للتبريزي (435).

(4)

هذا البيت غير موجود بالقصيدة المذكورة التي أطلعنا عليها.

(5)

ما بين المعقوفين زيادة للإيضاح.

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 905

قوله: "حدثتموه" على صيغة المجهول بمعنى نبئتموه؛ من التحديث، وهو يقتضي ثلاثة مفاعيل، الأول: الضمير المرفوع القائم مقام الفاعل، والثاني: الضمير المنصوب، والثالث: الجملة وهي قوله: " [له]

(1)

علينا العلاء"، و "العلاء": مبتدأ، "وله": خبره، والضمير يرجع إلى "من"، و "علينا": في محل الرفع على أنه صفة للعلاء، أي: له العلاء الكائن علينا.

فإن قلت: لم لا يجوز أن تكون الجملة حالية؟

قلت: لا يجوز ذلك لأنها هي المحدث بها، ولو كانت حالية لم يكن المحدث بها، فليس المعنى على ذلك.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حُدثتموه" بمعنى نُبئتموه؛ حيث نصب ثلاثة مفاعيل، وقال ابن الخباز

(2)

: لم أظفر بفعل متعد لثلاثة إلا وهو مبني للمفعول، وهذه الشواهد الخمس على ذلك

(3)

.

قلتُ: قال الزمخشري في قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 167]: إن حسرات مفعول ثالث، وليس فيه بناء للمفعول

(4)

، والأمر كما قاله؛ لأن الرؤية قلبية، وذلك لأن الأعمال معانٍ فلا تدرك بحاسة البصر فافهم.

‌الشاهد الرابع والسبعون بعد الثلاثمائة

(5)

،

(6)

وَأَنْتَ أَرَانِي اللَّهُ أمنَعُ عَاصِمٍ

وَأرأَفُ مستَكْفى وَأَسْمَحُ وَاهِبِ

أقول: هو من الطويل، وقبله:

وَكَيفَ أُبَالِي بِالعِدَى ووعِيدِهُم

وَأَخْشَى ملِمَّاتِ الزَّمَانِ الصَّوَائِبِ

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

أحمد بن الحسين بن أحمد بن معالي بن منور بن علي الشيخ شمس الدين بن الخباز الأربلي النحوي، صنف: النهاية في النحو، وشرح ألفية ابن معطي (ت 637 هـ) ينظر بغية الوعاة (1/ 304).

(3)

في وفيات الأعيان (7/ 100)، في سنة (382 هـ) توفي نجم الدين بن الخباز المذكور في السابع من ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وستمائة بحلب، ودفن ظاهرها خارج باب أربعين، وحضرت الصلاة عليه ودفنه، وكان مولده في التاسع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسين وخمسمائة بالموصل.

(4)

قال الزمخشري بعد الآية: "أي: نادمات وحسرات ثالث مفاعيل أرى" الكشاف (1/ 327)، المكتبة التجارية.

(5)

ليس في شروح الألفية التي بين يدي.

(6)

البيت من بحر الطويل، مجهول القائل، وهو في الدرر (2/ 277)، وشرح التصريح (1/ 266)، وشرح شواهد المغني (679)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 158)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 103)، والعيني لم ينسبه.

ص: 906

قوله: "أمنع": أفعل من المنع، و "أرأف": كذلك من الرأفة؛ وهي الشفقة والحنو، و "أسمح": كذلك من السماحة؛ وهو الجود والكرم، قوله:"مستكفى": على صيغة اسم المفعول، من استكفيته الشيء فكفانيه.

الإعراب:

قوله: "وأنت": مبتدأ، وقوله:"أمنع عاصم": كلام إضافي خبره، وقوله:"أراني اللَّه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وألغي عمل أرى الذي يستدعي ثلاثة مفاعيل بتوسطه بين مفعوليه، قوله:"وأرأف": كلام إضافي عطف على قوله: "أمنع عاصم"، وكذلك "وأسمح واهب": كلام إضافي عطف على "أرأف مستكفى".

الاستشهاد فيه:

على إلغاء عمل "أرى" لتوسطه بين مفعوليه كما ذكرناه

(1)

.

‌الشاهد الخامس والسبعون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

حَذَارِ فَقَد نُبِّئْتُ إِنَّكَ للَّذِي

سَتُجْزَى بِمَا تَسعَى فَتَسعَدُ أَو تَشْقَى

أقول: هو -أيضًا- من الطويل.

قوله: "حذار": اسم للأمر بمعنى احذر، ويقصد به التكرير للمبالغة، قوله:"نبئت" على صيغة المجهول بمعنى أخبرت، قوله:"ستجزى" على صيغة المجهول، من الجزاء.

الإعراب:

قوله: "حذار": مبني على الكسر بلا خلاف؛ لأنه يراد به الأمر؛ نحو: نزال وتراك، قوله:"فقد نبئت" الفاء تصلح للعلة، وقد للتحقيق، ونبئت: تقتضي ثلاثة مفاعيل، ولكن علقت هاهنا عن العمل لأجل اللام في قوله:"للذي ستجزى"، وقوله:"إنك" الكاف فيه اسم إن،

(1)

يجوز في الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل ما جاز في الأفعال المتعدية إلى مفعولين من الأحكام التي تجري على الأفعال المتعدية إلى اثنين من الإلغاء والتعليق وحذف المفاعيل أو أحدها إذا دل على المحذوف دليل خلافا لمن منع ذلك، وهنا ألغي الفعل أرى لتوسطه بين المفعولين الثاني والثالث. ينظر ابن يعيش (7/ 67) وما بعدها، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 102) وما بعدها، وتوضيح المقاصد (1/ 395).

(2)

أوضح المسالك (2/ 81).

(3)

البيت من بحر الطويل، لم ينسب في مراجعه، وانظره في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 103)، والدرر (2/ 277)، وشرح التصريح (1/ 266)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 158)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (585).

ص: 907

و "للذي ستجزى": خبره، والذي موصول، وستجزى صلته، واللام فيه للتأكيد، قوله:"بما تسعى" الباء تتعلق بقوله: "ستجزى" وهي للمقابلة، و "ما" موصولة، "وتسعى": صلته، والعائد محذوف والتقدير: بالذي تسعى فيه، ويصلح أن تكون ما مصدرية؛ أي: ستجزى بسعيك، قوله:"فتسعد" بالرفع عطف على قوله: "ستجزى"، قوله:"أو تشقى" عطف على قوله: "فتسعد".

والمعنى: فتسعد إن كان ما سعيت فيه خيرًا؛ لأنك تجازى خيرًا، أو تشقى إن كان ما سعيت فيه شرًّا؛ لأنك تجازى شرًّا.

الاستشهاد فيه:

على أن "نبئت" قد علقت عن العمل؛ كما في قوله تعالى: {يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [سبأ: 7]

(1)

.

(1)

ينظر الشاهد (374).

ص: 908

‌شواهد الفاعل

‌الشاهد السادس والسبعون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

مَا لِلْجَمَالِ مَشْيُها وَئِيدًا

أَجَنْدلًا يَحمِلْنَ أَمْ حَدِيدًا

أقول: قائلته هي الخنساء بنت عمرو بن الشريد بن رباح بن ثعلبة بن عضبة بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم السلمية الشاعرة، واسمها تماضر، وخنساء لقبها، قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومها فأسلمت معهم فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم[كان]

(3)

يستنشدها ويعجبه شعرها، فكانت تنشده ويقول: هيه يا خناس، وأجمع أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها، وبعد البيت المذكور هو قولها:

أَم صَرفَانًا بَارِدًا شديدًا

أَمِ الرِّجَالُ قُمَّصًا قُعُودًا

وهي من الرجز المسدس، وجمهور أهل اللغة أن هذه الأبيات إنما قالتها: الزبَّاء بفتح الزاي العجمة وتشديد الباء الموحدة، وكانت امرأة من أهل باجرما بالجزيرة، وكانت قد ملكت، وكانت تتكلم بالعربية، ولم تطلب الرجال زهادة، ثم إن جذيمة بن مالك الأزدي الذي كان يقال له: الأبرش، وكان أبرص قال: إني باعث إليها لأتزوجها فأجمع ملكها إلى ملكي، فقال له ناصحوه: إن هذا لهو الرأي،

(1)

أوضح المسالك (2/ 86).

(2)

البيتان من بحر الرجز المشطور، نسبا في مراجعهما إلى الزباء تارة، وإلى الخنساء أخرى؛ لكن نستبهما إلى الخنساء غير صحيحة، فليسا في ديوانها شرح عمر فاروق الطباع: طبعة دار القلم، والذي سبب هذا الخلط هو العيني الذي نسبهما إلى الخنساء، وانظرهما في أدب الكاتب للزباء (200)، والأغاني (15/ 310)، والخزانة (7/ 295)، والدرر (2/ 281)، وشرح التصريح (1/ 271)، وشرح شواهد المغني (912)، واللسان:"وأد"، وشرح الأشموني (2/ 32).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 909

فقال له غلامه- ويقال له: قصير وكان ماردًا فمنعه من ذلك، وقال له: احذرها، ولم يسمع منه، فآخر الأمر مشى إليها حتى دخل عليها فقامت فكشفت عن فرجها، وقالت: أداة عروس ترى، فقال: أرى أداة فاجرة غدور بظراء.

قالت: ما ذاك من عدم مواس، ولا من قلة أواس، ولكن شيمة أناس، وأدنت له نطعًا، فقطعت رواهشه فسالت دمًا حتى مات.

وقالوا: إنما فعلت به ذلك؛ لأنه قتل أباها، وخرج قصير حتى أتى عمرًا ابن أخت جذيمة فقال له: إن خالك قتل فاطلب بثأره، قال: وكيف؟ قال: اقطع أنفي وأذني وخلِّ عني فسوف ترى، فقال له عمرو: ما جزاؤك هذا عنا؟ فخرج من عنده وقطع أنفه وأذنه ثم ربطهما وخرج حتى أتاها فدخل عليها فأنكرت شأنه فقالت: ما الذي أرى بك؟ فقال: صنع بي في سبيلك؛ زعم عمرو أني سقت خاله إليك، قالت: بئس الجزاء جزاؤك وقد بلغني نصحك لهم، فهل عندك مناصحة لنا وأمانة؟ فقال: نعم وكان مجانبًا للكذب، فأقام عندها حتى برئ وصلح، فأرسلته إِلى العراق وأعطته دنانير فقالت: اشتر في ما يصلح من بزوز العراق وأد فيه الأمانة فأتى عمرًا، فقال: هذا مال فأضعفه لي ففعل ثم ابتاع متاعًا رخيصًا فأتاها به فأعجبها ذلك فأعطته ضعف ذلك المال وأعطته مفاتيح الخزائن وقالت: خذ ما أحببت، فاحتمل ما أحب من مالها، فأتى عمرًا وفرق الرسل في مملكته سرّا وأمر الناس بصنعة السلاح والتأهب، ثم جعل آخر أحمالها أشراجًا

(1)

من داخل ثم حمل على كل بعير رجلين معهما سلاحهما فجعل يسير النهار حتى إذا أتى الليل اعتزل الطريق فلم يزل كذلك حتى إذا شارف المدينة أمرهم فلبسوا الحديد [ودخلوا]

(2)

أشراجهم ليلًا، وعرف أنه مصبحها، فلما أصبح عندها دخل عليها وسلم وقال: هذه العير تأتيك الساعة بم لم يأتك قط، فصعدت فوق قصرها وجعلت تنظر إلى العير تدخل المدينة فأنكرت ذلك وجعلت تقول:

ما لِلْجَمَالِ ............

........................ إلى آخره

ولما توافت العير في المدينة حلوا أشراجهم وخرجوا في الحديد، وأتى قصير لعمرو، فأقامه على سرب كان لها كانت إذا خشيت خرجت منه، فأقبلت لتخرج من السرب فأتاها عمرو فجعلت تمص خاتمها وفيه سم، وتقول: بيدي لا بيد عمرو وفارقت الدنيا

(3)

، ويقال: إنها قالت حين رأت جمالًا مالت إلى ناحية السرب وكان عليها رجال: عَسَى الغُوَيرُ أَبْؤُسا

(4)

، فأرسلتها

(1)

الأشراج: جمع شريجة، وفي اللسان مادة:"شرج" الشريجة: شيء يُنْسَج من سَعَف النخل يُحمل فيه البِطيخ ونحوه.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر الأغاني (15/ 310).

(4)

أي: فررت من بأس واحد فعسى أن أقع في أبؤس، مجمع الأمثال (2/ 17).

ص: 910

مثلًا، ومعناه: عسى البأس المحذور أن يأتيني من جهة الغار، وغوير: تصغير غار

(1)

.

قولها: "للجمال" بكسر الجيم، جمع جمل، قولها:"وئيدًا" بفتح الواو وكسر الهمزة بعدها دال، وهو صوت شدة الوطء على الأرض يسمع كالدوي من بعد، يقال: سمعت وأد قوائم الإبل ووئيدها، وفي حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -:"خَرجتُ أقفو آثار الناس يوم الخندق فسمعت وئيد الأرض من خلفي ".

قولها: "أجندلًا" بفتح الجيم وسكون النون وفتح الدال وفي آخره لام، وهو الحجر، ويجمع على جنادل، قولها:"أم صرفانًا" بفتح الصاد والراء المهملتين وبالفاء بعدها ألف وبعدها نون وهو جنس من التمر، قال أبو عبيدة: لم يكن يهدى لها شيء كان أحب إليها من التمر الصرفان، وأنشد

(2)

:

ولما أَتَتْها العِيرُ قَالتْ أَبَارِدٌ

مِنَ التَّمرِ أم هذَا حَدِيدٌ وجَنْدَلُ

(3)

قولها: "قمّصًا" بضم القاف وتشديد الميم وفي ’خره صاد مهملة؛ من قمص الفرس وغيره يقمس، ويقمص قمصًا وقماصًا، أي: اسق، وهو أن يضع يديه ويرفعهما جميعًا

(4)

ويعجن برجليه، يقال: هذه دابة فيها قصاص بكسر القاف، ويروى: أم الرجال جُثّمًا بضم الجيم وتشديد الثاء المثلثة، وهو جمع جاثم من جثم الطائر إذا تلبد بالأرض يجثم ويجثم جثومًا وكذلك الرجال، قال الراجز

(5)

:

إذَا الرِّجَالُ جَثَمُوا عَلَى الرُّكَبِ

................................

الإعراب:

قولها: "ما للجمال" ما: حرف استفهام، و "للجمال": جار ومجرور يتعلق بمحذوف نحو استقر، وقولها:"مشيها وئيدًا" استدل به الكوفيون على جواز تقديم الفاعل؛ فإنهم يقولون: مشيها: مرفوع بالفاعلية قد ارتفع بقولها: "وئيدًا" وهو اسم الفاعل؛ كالقوي والسمين والمريض

(6)

، وأما

(1)

هذه القصة كلها سقطت من النسخة (ب).

(2)

البيت من الطويل ويوجد في الصحاح مادة: "صرف"، وقد أتى بالبيت لبيان معنى لغوي لا لشاهد نحوي.

(3)

ينظر الصحاح مادة: "صرف".

(4)

في (أ) يطرح يديه ويرفعهما جميعًا.

(5)

البيت مجهول القائل، ويوجد في الصحاح مادة:"جثم".

(6)

أجاز الكوفيون تقديم الفاعل على عامله في سعة الكلام نحو: زيد قام، واستدلوا بهذا البيت وبشواهد من الشعر ورد فيها تقديم الفاعل على عامله سواء أكان فعلًا أم ما يعمل عمل الفعل. ينظر شفاء العليل للسلسيلي (1/ 412)، والمساعد (1/ 387)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 108، 109).

ص: 911

عند البصريين فقولها: "مشيها": مرفوع بالابتداء، وحذف خبره وبقي معمول الخبر، والتقدير: مشيها يكون وئيدًا أو يوجد وئيدًا، ولا يكون بدل بعض من الضمير المستتر في الظرف كما كان فيمن جره

(1)

بدل اشتمال من الجمال؛ لأنه عائد على ما الاستفهامية، ومتى أبدل اسم من اسم استفهام وجب اقتران البدل بهمزة الاستفهام، وكذلك حكم ضمير الاستفهام، ولأنه لا ضمير فيه راجع إلى المبدل منه.

ويقال: روي مشيها بالثلاث؛ ففي الرفع فاعل مقدم ضرورة

(2)

، وقال أبو علي: بدل من الضمير في: للجمال، أو مبتدأ، ووئيدًا: حال سد مسد الخبر، والنصب على المصدر، أي: تمشي مشيها، والخفض بدل اشتمال من "للجمال"

(3)

.

قولها: "أجندلًا" الهمزة للاستفهام، وجندلًا: منصوب بيحملن، قولها:"أم": متصلة عطف على قولها: "أجندلًا" أي: أم يحملن حديدا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مشيها وئيدًا" حيث استدل به الكوفيون على جواز تقديم الفاعل كما ذكرناه مستقصًى.

‌الشاهد السابع والسبعون بعد الثلاثمائة

(4)

،

(5)

فإن كَانَ لا يُرضِيكَ حَتَّى تَرُدَّنِي

إِلَى قَطَرِي لا إخالُكَ رَاضِيَا

أقول: قائله هو سواد بن المُضَرّب، وكان هرب من الحجاج خوفًا على نفسه، وقال:

1 -

أَقَاتلُنِي الحَجَّاجُ إِنْ لَم أَزُر لَهُ

دَرَابَ وَأَتْرُكُ عِنْدَ هِندٍ فُؤَادِيَا

(1)

في (ب) خبره.

(2)

أوجب البصريون تأخر الفاعل عن عامله ومنعوا تقديمه؛ فلا يقال في قام زيد: زيد قام؛ بل زيد في المثال الأخير مبتدأ وفاعل قام ضمير مستتر يعود إلى زيد، وإن ورد ما ظاهره تقديم الفاعل على عامله فضرورة. ينظر رأي البصريين في الكتاب (1/ 31) والمغني (307، 582) والارتشاف (2/ 179)، وهمع الهرامع للسيوطي (9/ 159) وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 108، 109)، وشرح المقرب لابن عصفور (1/ 131)"المرفوعات".

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 108، 109)، والمغني (582).

(4)

أوضح المسالك (2/ 90).

(5)

البيت من بحر الطويل لسوار بن المصرب، وهو في شرح التصريح (1/ 272)، وارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان (2/ 182)، والمحتسب لابن جني (2/ 192)، والخصائص لابن جني (2/ 433)، وابن يعيش (1/ 80)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (177)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 123).

ص: 912

2 -

فَإِن كَانَ لا يُرضيِكَ حَتَّى تَرُدَّني

إلَى قَطَرِي لا إخالُكَ رَاضِيَا

3 -

إِذَا جَاوَزَتْ قَصرَ المُجيرِين نَاقتِي

تَنَاسَت بَنِي الحجَّاجِ لما ثنائيا

4 -

أَيَرجُو بنو مَروَانَ سَمعِي وَطَاعَتِي

وَقَوْمِي تَمِيم والفلَاةَ وَرَائِيَا

وهي من الطويل.

1 -

قوله: "أقاتلني" بنون الوقاية، ويروى: أقاتلي الحجاج بترك النون وتحريك الياء بالفتحة، قوله:"دراب" بفتح الدال والراء [وبعد الألف]

(1)

باء موحدة، وأراد بها: دراب جَرد، وهي مدينة مشهورة في بلاد فارس.

2 -

قوله: "إلى قطري" بفتح القاف والطاء المهملة وكسر الراء بعدها ياء آخر الحروف مشددة، وهو قطري بن الفجاءة، واسمه: جعونة بن يزيد بن زيد مناة بن خنثر بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن المازني بن مازن الخارجي، يكنى أبا نعامة، خرج زمن مصعب ابن الزبير - رضي الله تعالى عنهما - لما ولي العراق نيابة عن أخيه عبد الله بن الزبير - رضي الله تعالى عنهما - وكانت ولاية مصعب في سنة ست وستين من الهجرة فبقي قطري عشرين سنة يقاتل ويسلم عليه بالخلافة.

وكان الحجاج بن يوسف الثقفي يسير إليه جيشًا بعد جيش وهو يستظهر عليهم، ولم يزل الحال بينهم كذلك حتى توجه إليه سفيان بن الأبرد الكلبي فظهر عليه وقتله سنة ثمان وسبعين للهجرة، وكان المباشر لقتله: سودة بن أبجر الدارمي، وقيل: إن قتله كان بطرستان في سنة تسع وسبعين، وقيل: عثر به فرسه فاندقت فخذه فمات، فأخذ رأسه فحمل إلى الحجاج، وقد قيل: إن القطري نسبة إلى موضع يدعى قطر بين البحوين وعمان، كان أبو نعامة المذكور منه، وقيل: إن القطر هي قصبة عمان.

قوله: "لا إخالك" بكسر الهمزة وهو الفصيح؛ أي: لا أظنك.

30 -

قوله: "قصر المجيرين" ويروى: درب المجيرين.

4 -

قوله: "ورائيا" أراد: قدامي.

الإعراب:

قوله: "فإن" الفاء للعطف، وإن للشرط، وقوله:"كان لا يرضيك": [فعل الشرط]

(2)

،

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 913

وقوله: "لا إخالك": جوابه، وكان فعل فيه فاعله الذي هو اسمه محذوف تقديره: فإن كان هو لا يرضيك، أي: ما نحن عليه الآن من سلامة، أو فإن كان هو؛ أي: ما تشاهده مني، قوله:"لا يرضيك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل النصب على أنها خبر كان.

قوله: "حتى" للغاية بمعنى إلى، و "تردني": منصوب بأن المقدرة، قوله:"إلى قطري" متعلق بتردني، قوله:"لا إخالك" قد قلنا: إنه جواب إن، وإخال يقتضي مفعولين: الأول: الكاف والثاني: قوله: "راضيًا".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فإن كان" حيث حذف منه الفاعل لما دل عليه الكلام والحال المشاهدة، واستدل به الكسائي

(1)

على جواز حذف الفاعل

(2)

.

‌الشاهد الثامن والسبعون بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

تَجَلّدتُ حَتَّى قِيلَ لَم يَعرُ قَلْبَهُ

مَنَ الوجْد شَيءٌ قَلْتُ بلْ أَعظَمُ الوجْدِ

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الطويل.

(1)

علي بن حمزة ولد بالكوفة ويعد زعيم المدرسة الكوفية (ت 189 هـ) المدارس النحوية (172 - 175).

(2)

ذهب الكسائي في مساكة جواز حذف الفاعل إلى القول به مطلقًا، سواء كان مع رافعه أو دونه، ومنع الجمهور حذف الفاعل مطلقًا وأولوا ما ورد من شواهد فيه، وأجازوا حذفه مع رافعه إذا دل عليه دليل، وفي ذلك يقول المرادي: "مثال حذفه مع رافعه المدلول: زيدًا في جواب: من أكرم؟ وذلك كثير، ومذهب الكسائي جواز حذف الفاعل وحده في باب التنازع وفي غيره، واستدل بظواهر أبيات وآيات، ولا حجة له في ذلك؛ لأن كل موضع ادعى فيه الحذف ممكن فيه الإضمار كقوله تعالى:{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ} [يوسف: 35] أي: بدا لهم البداء؛ كما قال:

..........................

بَدَا لَكَ في تلك القَلُوصِ بَدَاءُ".

- شرح التسهيل للمرادي (1/ 523)، وهذا المذهب نسبه إليه أبو حيان ورده الجمهور من البصريين فلا يجوز حذف الفاعل عندهم إلا في مواضع مصطلح عليها. يقول أبو حيان:"ولا يجوز حذف الفاعل إلا مع المصدر؛ نحو قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا} [البلد: 14، 15] أو في باب النائب عن الفاعل نحو: ضُرب زيد، أو مع عامله المدلول عليه يقول القائل: من أكرم؟ فتقول: زيدًا".- ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان (2/ 82)، وينظر شرح الأشموني وحاشية الصبان (2/ 44، 45).

(3)

أوضح المسالك (2/ 92).

(4)

البيت من بحر الطويل لقائل مجهول، وهو في تخليص الشواهد (478)، وشرح الأشموني (2/ 50)، وشرح التصريح (1/ 273)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (251)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 120).

ص: 914

قوله: "تجلدت": من التجلد وهو تكلف الجلادة، قوله:"لم يعر" من قولهم: عراني هذا الأمر إذا غشيه، واعتراه همه؛ ومنه العرواء وهي الرعدة.

قوله: "من الوجد" وهو شدة الاشتياق، المعنى: أظهرت الجلادة في الصبر عنها وأضمرت محبتها في باطني حتى اعتقدوا أني سلوت عنها، وقالوا: لم يبق في قلبه شيء من وجدها، فأنكر عليهم ذلك بقوله:"قلت بل أعظم الوجد"، أي: بل عرا قلبي أعظم الوجد.

الإعراب:

قوله: "تجلدت": جملة من الفعل والفاعل، و "حتى": للغاية بمعنى إلى، والمعنى: إلى أن قيل، قوله:"لم يعر" فعل مجزوم بلم، وأصله: يعرو، من عرا يعرو، و "قلبه" بالنصب مفعوله، وقوله:"شيء" بالرفع فاعله، وقوله:"من الوجد": يتعلق بقوله: "لم يعر"، والجملة: مقول القول، قوله:"قلت": فعل وفاعل، وقوله:"بل أعظم الوجد": مقول القول، و "بل". للإضراب، و "أعظم الوجد": كلام إضافي مرفوع بفعل محذوف تقديره: بل عراه أعظم الوجد.

الاستشهاد فيه:

حيث حذف منه الفعل الرافع

(1)

.

‌الشاهد التاسع والسبعون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

لِيُبْكِ يَزِيدُ ضَارِعٌ لخصُومَةٍ

ومُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطِيحُ الطَّوائِحُ

أقول: قائله هو نهشل بن حري بن ضمرة بن جابر النهشلي

(4)

، قال أبو عبيدة: حري كأنه

(1)

قد يحذف عامل الفاعل، وهذا الحذف يجوز إذا دل عليه دليل؛ كأن تقول: من قرأ؟، فتقول: زيد، والتقدير: قرأ زيد، فحذف الفعل لدلالة ما قبله في السؤال عليه، وقد يكون التقدير: زيد القاريء وهو الأظهر، لأن الأول مطابقة الجواب للسؤال. ينظر ابن يعيش (1/ 81)، وتوضيح المقاصد (2/ 8)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 118).

(2)

ابن الناظم (85)، وأوضح المسالك (2/ 93).

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو في الرثاء، وقد اختلف في قائله على ما قيل في الشرح إلى أكثر من أربعة شعراء، قال صاحب الخزانة (1/ 313): والصواب أنه لنهشل بن حري كما في شرح أبيات الكتاب لابن خلف، وكذا في شرح أبيات الإيضاح. انتهى، وهو من قصيدة يرثي بها الشاعر أخاه يزيد، وانظر بيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 288)، والخزانة (1/ 303)، وشرح شواهد الإيضاح (94)، وابن يعيش (1/ 80)، والإنصاف (187)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 119).

(4)

نهشل بن حري شاعر شريف من المخضرمين بقي إلى أيام معاوية، وكان مع علي في حروبه، وقُتل أخوه يوم صفين، وانظر الخزانة (1/ 313).

ص: 915

منسوب إلى الحرِّ ضد البرد

(1)

، وقال البعلي: هو للحرث بن نهيك النهشلي

(2)

، وقال النيلي

(3)

: في شرح الكافية: هو لضرار النهشلي، ونسبه بعضهم لزرود، ونسبه أبو إسحاق الحربي

(4)

عن أبي عبيدة لمهلهل، ولم يقع في كتاب المجاز لأبي عبيدة منسوبًا إلا لنهشل يرثي أخاه

(5)

، وهو من قصيدة حائية، وأولها هو قوله

(6)

:

1 -

لعَمرِي لَإِنْ أمسَى نَرِيدُ بنُ نَهشلُ

حشَى جدثٍ تسفِي عليهِ الروَائِحُ

2 -

لقد كانَ مِمنْ يبسطُ الكفّ بالندَى

إِذَا ضنّ بالخيرِ الأكفّ الشحَائِحُ

3 -

فبعدكَ أبدى ذو الضغينة ضَغْنَه

وشدّ ليَ الطرفَ العيونَ الكوَاشِحُ

4 -

ذكرتُ الذي ماتَ الندي عند موته

بعاقبَةٍ إذْ صالح العيش صالحُ

5 -

إذَا أرقى أفنى من الليلِ ما مضَى

تمطَّى بهِ ثِنْيٌ من الليلِ راجحُ

6 -

ليبكِ يزيدُ ضارعٌ لخصومة

ومستَنْمِحٌ مما أَطَاحَ الطوَائحُ

7 -

عرا بعدَ مَا جفَّ الثَّرَى عنْ نقَابِه

بعصمَاءَ تدرِي كيفَ تَمشِي النائح

وهي من الطويل.

قوله: "يزيد": اسم رجل وهو أخو الشاعر الذي يرثيه بهذه القصيدة، قوله:"ضارع": من الضراعة وهو الخضوع والتذلل، يقال: ضرع الرجل ضراعة؛ أي: خضع وذل، وأضرعه غيره، ويقال: فلان ضارع الجسم؛ أي: ضعيف نحيف.

قوله: "ومختبط" من قولهم: اختبطي فلان إذا جاءك يطلب معروفك من غير أجرة، قال الجوهري: وخبطت الرجل إذا أنعمت عليه من غير معرفة بينكما

(7)

، وأراد بالختبط هاهنا: المحتاج، وأصله: من الخبط وهو ضرب الشجر ليسقط ورقها للإبل، وقال النحاس: المختبط: طالب

(1)

ينظر الخزانة (1/ 303).

(2)

ينظر الفاخر في شرح جمل عبد القاهر للبعلي (209).

(3)

لعله هو سعد بن أحمد بن مكي النيلي مؤدب من الشعراء (ت 592 هـ)، الأعلام (3/ 83)، وينظر شذرات الذهب (4/ 309)، وهناك آخر (ت 420 هـ)، وثالث (ت 613 هـ).

(4)

هو أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن بشير من أعلام المحدثين، صنف غريب الحديث (ت 285 هـ)، الأعلام (1/ 32).

(5)

مجاز القرآن لأبي عبيدة (1/ 349)، وروايته فيه:

ليبك يزيد بائس لضراعة

وأشعث ممن طوحته الطوائح

(6)

الخزانة (1/ 310) هارون.

(7)

الصحاح مادة: "خبط".

ص: 916

المعروف

(1)

، وقال ابن فارس: اختبط فلان بني فلان إذا جاءهم يطلب معروفهم

(2)

، قال ابن الأثير في تفسير حديث ابن عمر: قيل له في مرضه الذي مات فيه: "قد كنت تقري الضيف، وتعطي المختبط": هو طالب الرفد من غير سابق معرفة ولا وسيلة، شبه بخابط الورق أو خابط الليل، ويروى: ومستمنح؛ كما ذكرناه؛ من استمنحه: أي: طلب منحته؛ أي: استرفده.

قوله: "مما تطيح" بضم التاء؛ أي: مما تهلك، يقال: طاح إذا سقط وهلك، وأطاحته السنون إذا ذهبت به في طلب الرزق وأهلكته، وقال الجوهري: طاح يطوح ويَطيح: إذا هلك وسقط، وكذلك إذا تاه في الأرض، وطوحه أي توهه، وذهب به هاهنا وها هنا، فتطوح في البلاد إذا رمى بنفسه هاهنا وها هنا، وطوحته الطوائح: قذفته القواذف، ولا يقال: المطوحات، وهو من النوادر؛ كقوله تعالى:{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22] على أحد التأويلين.

قلت: الطوائح: جمع مطحة، وهي القواذف، يقال: طوحته الطوائح أي: نزلت به المهالك، والقياس: المطاوح؛ لأنه جمع مطيحة، وإنما جاءت على حذف الزوائد؛ كما في قوله تعالى:{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} ، والقياس: ملاقح

(3)

.

وقال النحاس: وكان القياس أن يقال: المطاويح ولكنه اضطر وحذف وقال: الطوائح

(4)

.

حاصل المعنى: ليبك يزيد رجلان: خاضع ومتذلل لمن يعاديه، وطالب معروف ومتوقع إحسان لأنه هو المغيث لمن استغاثه، وهو الفائض للمعروف على من استعفاه، وقال النيلي: معنى البيت أن المفقود كان ينصر المظلوم، ويعطي المحتاج

(5)

.

الإعراب:

قوله: "ليبك" اللام فيه لام الأمر، والفعل لما لم يسم بهاعله، وقد ارتفع يزيد به لقيامه مقام الفاعل، و "يزيد": غير منصوف للعلمية ووزن الفعل، وقوله:"ضارع": مرفوع بفعل محذوف، ولا يجوز أن يرتفع بالفعل المذكور؛ لأن يزيد قد ارتفع به فتعين أن يرتفع بفعل محذوف مقدر دل عليه قوله:"ليبك"كأنه لما قال: "ليبك يزيد" علم بهذا الأمر أن هناك من يبكيه مأمورًا بالبكاء، فقال: من يبكيه؟ قال: يبكيه ضارع.

(1)

ينظر اللسان مادة: "خبط".

(2)

ينظر مقاييس اللغة مادة: "خبط".

(3)

الصحاح مادة: "طوح".

(4)

شرح أبيات سيبويه للنحاس (157)، قوله:"والطوائح كان حقه أن يقول: المطيحات، لأنه من أطاح، ولكنه قلب مفعلًا إلى فاعل".

(5)

ينظر الدرر اللوامع (2/ 286).

ص: 917

قوله: "لخصومة": يتعلق بضارع، ويجوز أن تكون اللام بمعنى: عند، أي: ضارع عند خصومة، قوله:"ومختبط": عطف على ضارع، وقوله:"مما تطيح الطوائح" كلمة ما مصدرية أي: من إطاحة الأشياء المطيحة، هذا من حيث التقدير، وأما من حيث الظاهر فهو فعل وفاعل دخل عليه حرف مصدري.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ضارع" حيث ارتفع بفعل مقدر تقديره: يبكيه ضارع؛ كما قلنا، ورواه الأصمعي:"ليبك يزيدًا" بفتح الياء في ليبك على صيغة العلوم، ونصب يزيد، فعلى هذا لا شاهد حينئذ فافهم

(1)

.

‌الشاهد الثماثون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

غَدَاةَ أَحَلَّتْ لابْنِ أَصرَمَ طَعْنَةٌ

حُصَينٍ عَبيطَاتِ السَّدَائِفِ والخمرُ

أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من قصيدة رائية من الطويل، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

ومَغْبُوقَة قَبلَ العِيَالِ كَأنها

جَرَادٌ تجلاه عن الفَزَعِ الفَجْرُ

2 -

عَوَانِسَ مَا تَنْفَكُّ تَحتَ بُطُونِها

سَرَابِيلُ أبْطَال بَنَائِقُها حُمرُ

3 -

تَرَكْنَ ابنَ ذِي الخَدَّينِ يَنْشِجُ مسندًا

وَلَيسَ لهُ إلا أَلَاءَتُهُ قبرُ

4 -

وَهُنَّ بِسَرحَافٍ تَدَارَكْنَ وَالِقًا

عُمَارة عبسٍ بعد مَا جَنَحَ العصرُ

(5)

5 -

غداة أحلت .............

....................... إلى آخره

وقصة هذا: أن حصين بن أصرم المذكور في البيت قد قُتل له قريب فحرم على نفسه شرب

(1)

يجوز حذف فعل الفاعل إذا دل ما قبله على حذفه؛ كقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ} [النور: 36، 37] في قراءة من قرأ يسبح بفتح الباء على تقدير سؤال سائل: من يسبحه؟ فقال: رجال، أي: يسبح له رجال، وهنا -أيضًا- في البيت حذف فاعل ضارع وهو حذف جائز لعدم اللبس كأنه قيل: من يبكيه؟ فقال: ضارع لخصومة، أي: يبكيه ضارع لخصومة، وعلى رواية الأصمعي في البيت فلا شاهد. ينظر ابن يعيش (2/ 80)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 118)، والارتشاف (2/ 181).

(2)

أوضح المسالك (2/ 96).

(3)

البيت من بحر الطويل من قصيدة يمدح بها بني ضبة، وهي في الديوان (1/ 252)، ط. دار صادر، وبيت الشاهد في شرح التصريح (1/ 274)، والإنصاف (187)، وابن يعيش (1/ 8، 32، 70)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 119).

(4)

الديوان (252) وما بعدها، وليس هذا أول القصيدة، وإنما أولها:

رعت ناقتي من أم أعين رعية

يشل بها وضعًا إلى الحقب الضفرِ

(5)

بعده أبيات ثلاثة حتى يصل إلى الشاهد.

ص: 918

الخمر وأكل اللحم العبيط حتى يقتل قاتله فقتله، فلما طعنه وقتله أحلت له تلك الطعنة شرب الخمر وأكل اللحم العبيط.

1 -

قوله: "ومغبوقة": مجرور بواو رب، والمغبوقة. هي الخيل التي يؤثرها أصحابها على عيالهم فيسقونها الغبوق وهو ما يشرب بالعشي من لبن وغيره.

2 -

قوله: "عوانس": جمع عانس؛ من عنست الجارية إذا طال مكثها في منزل أهلها بعد إدراكها، و"الأبطال": جمع بطل وهو الشجاع، "والبنائق" بفتح الباء الموحدة بعدها نون، وهو جمع بنيقة، وهي من القميص لبنته.

3 -

قوله: "ذي الخدين" أراد به بسطام بن قيس الشيباني، وكان قتله عاصم بن خليفة الضبي، قوله:"ينشج": من نشجت الطعنة تنشج إذا خرج منها الدم ويسمع له صوت، ومادته: نون وشين معجمة وجيم، و "المسند" هو الذي به رمق ترجى له الحياة، قوله:"ألاءته" بفتح الهمزة واللام بعدها همزة -أيضًا- وهي الشجرة، وتجمع على آلاء.

4 -

قوله: "بسرحاف" بفتح السين المهملة وسكون الراء وبالحاء المهملة وفي آخره فاء، وهو اسم رجل، قوله:"والِقًا" بكسر اللام وفي آخره قاف، وهو لقب لعمارة المذكور في البيت، فلذلك وقع عمارة بدلًا منه، سمي به لكثرة إغارته.

5 -

قوله: "عبيطات" بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة؛ جمع عبيط وهو اللحم الطبري، و "السدائف": جمع سديف- بالسين المهملة وفي آخره فاء، وهو شحم السنام وغيره مما غلب عليه السمن.

الإعراب:

قوله: "غداة"؛ نصب على الظرف، قوله:"أحلت": فعل ماض، وفاعله قوله:"طعنة"، قوله:"لابن أصرم": متعلق بقوله: "أحلت"، قوله:"حصين" بالجر عطف بيان لابن أصرم، قوله:"عبيطات السدائف": كلام إضافي منصوب لأنه مفعول لقوله: "أحلت"، قوله:"والخمر" بالرفع ورافعه محذوف تقديره: وحلت له الخمر.

الاستشهاد فيه:

حيث حذف منه الفعل الرافع؛ لأن التقدير: وحلت له الخمر كما ذكرنا لاستلزام قوله: "أحلت" فيما سبق هذا الحذف؛ لأن أحلت يستلزم حلت فافهم

(1)

.

(1)

ينظر الشاهد رقم (379).

ص: 919

‌الشاهد الحادي والثمانون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

أُلْفِيَتَا عَينَاكَ عِنْدَ القَفَا

أَوْلَى فَأَوْلَى لَكَ ذَا وَاقِيَهْ

أقول: قائله هو عمرو بن ملقط شاعر جاهلي، وهي من قصيدة هائية أولها هو قوله

(3)

:

1 -

مَهْمَا لِيَ الليلَةَ مَهْمَا لِيَهْ

أَوْدَى بِنَعْلَيَّ وَسِرْبَالِيَهْ

2 -

إِنكَ قد يَكفيكَ بَغْيُ الفتَى

ودَرأَهُ أَنْ تَركُض العَالِيَهْ

3 -

بِطَعْنَة يَجري لها عَانِدٌ

كالمَاءِ منْ غَائلَةِ الجَابِيَهْ

4 -

يا أَوْسُ لوْ نَالتْكَ أرْمَاحُنَا

كنتَ كمنْ تهوي بهِ الهاويَهْ

5 -

ذاكَ سنان محلبُ نصرُهُ

كالجملِ الأوْطَفِ بالرّاويهْ

6 -

أُلفِيَتَا ...............

........................... إلى آخره

7 -

يا أيها الناصِرُ أخْوالهُ

أأنتَ خيرٌ أمْ بنُو جاريَهْ

8 -

أمْ أُخْتُكُم أَفْضَلُ مِنْ أُخْتِنَا

أم أُخْتُنَا عَن نَصرِنَا وانيهْ

9 -

والخيلُ قد تُجْشِمَ أربابُها الشَـ

ق وقد تَعتسِفُ الداويَهْ

10 -

يأبَى لِي الثعلبتَانِ الذي

قال ضُرَاطُ الأُمَّةِ الرَّاعِيَهْ

11 -

ظلَّتْ بِوَادٍ تَجتَنِي صمغَة

واحتَلَبَتْ لِقْحَتَها الآنيهْ

12 -

ثمّ غدتْ تجرُدُ أجرادَها

إنْ متغناة وإن حاديَهْ

وهي من الرجز المسدس

(4)

.

1 -

قوله: "مهما في الليلة" مهما هنا للاستفهام في محل الرفع على الابتداء، وقوله:"لي": خبره، و "الليلة": نصب على الظرف، وأعيدت الجملة توكيدًا، قوله:"أودى" معناه: هلك، والباء في:"بنعلي" زائدة، وهو فاعل نحو

(5)

: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الرعد: 43] وقد قيل:

(1)

أوضح المسالك (2/ 98).

(2)

البيت من بحر السريع، وهو من قصيدة لعمرو بن ملقط الشاعر الجاهلي، ذكرها العيني، وهي في الفخر، وانظر بيت الشاهد في تخليص الشواهد (474)، والخزانة (9/ 21)، وشرح التصريح (1/ 275)، وشرح شواهد المغني (331)، ورصف المباني (19)، وسر الصناعة (718)، وابن يعيش (3/ 88)، والمغني (371).

(3)

ينظر شرح شواهد المغني (330، 331)، وهي أيضًا بنصها في نوادر أبي زيد الأنصاري (267، 268)، دار الشروق.

(4)

هي من السريع وليست من الرجز المسدس.

(5)

وتمامها: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43].

ص: 920

إن مهْ هاهنا اسم فعل بمعنى: اكفف، وما: استفهام مستأنف وحدها

(1)

.

2 -

قوله: "أن تركض العاليه" أراد فرسًا له.

3 -

قوله: "عاند" بالعين المهملة وكسر النون، وهو العرق الذي لا يخرج دمه على جهة واحدة، و"الغائله" بالغين المعجمة؛ ما غال من الماء وشرق، و "الجابيه" بالجيم؛ الحوض.

4 -

قوله: "تهوى به الهاويه" أي: المهواة، وتهوي بكسر الواو؛ أي: تسقط.

6 -

قوله: "ألفيتا" أي: وجدنا عيناك، يصفه بالهروب، فهو يتلفت إلى ورائه في حال انهزامه فتلفى عيناه عند قفاه، قوله:"أولى فأولى لك" هذه كلمة تهديد ووعيد، قال الأصمعي: معناه: قاربه ما يهلكه؛ أي: نزل به، وأصله: من وليك الشيء إذا دنا منك، يقال: ولي يلي وليًّا؛ أي: قرب، وأولى: أفعل منه، كأن معناه: وليه الشر وليًّا كاملًا، قوله:"ذا واقيه" معناه: ذا وقاية، ويجيء المصدر على وزن فاعلة كالكاذبة بمعنى الكذب.

5 -

قوله: "سنان" أراد به رجلًا، و "محلب" أي: معين، وهو بالحاء المهملة، قوله:"الأوطف" وهو الكثير شعر الأذنين وأهداب العينين.

8 -

قوله: "وانيه": من الوني وهو الضعف والفتور والكلال.

9 -

قوله: "قد تجشم أربابها" أي: تحملهم على المشقة، و "الشق" بفتح الشين؛ المشقة.

10 -

قوله: "يأبى لي الثعلبتان" أراد بهما ثعلبة بن جدعاء بن ذهل بن رومان بن جندب بن حارثة بن سعد بن فطرة بن طيئ، وثعلبة بن رومان بن جندب، قال: ضراط الأمة ليكون أخس له، ويروى: خباج الأمة.

11 -

قوله: "لقحتها الآنيه" أي: البطيئة بلبنها؛ هكذا فسره أبو زيد

(2)

، وقال غيره: أي: المدركة.

12 -

قوله: "أجرادها":

(3)

جمع جرد بفتحتين وهو الغيظ والغضب، قوله؛ "إن متغناة" قال الجرمي وأبو حاتم: إما مغناة وإما حادية.

الإعراب:

قوله: "ألفيتا": تثنية ألفى على صيغة المجهول، قوله:"عيناك": كلام إضافي فاعله، وقوله:

(1)

ينظر المغني (332).

(2)

انظر نوادر أبي زيد الأنصاري (368)، تحقيق د. محمد عبد القادر أحمد، ط. دار الشروق.

(3)

في اللسان مادة: "جرد" والجَرْدُ: أَخذ الشيء عن الشيء عَسْفًا وجَرْفًا، ومنه سمي الجارودُ وهي السنة الشديدة المحل كأنها تهلك الناس".

ص: 921

"عند القفا": كلام إضافي نصب على الظرف، والعامل فيه ألفيتا، قوله؛ "أولى" قد ذكرنا أنه دعاء عليه.

فإن قلتَ: ما موقعه من الإعراب؟

قلتُ: يجوز أن يكون في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف [تقديره]

(1)

: دعائي أولى فأولى لك، يعني: هذه الكلمة، وقوله:"فأولى لك" بالفاء [عطف]

(2)

على أولى الأول، كرر للتأكيد، قوله:"ذا واقيه": حال من الكات في: "عيناك"، والمعنى: حال كونك ذا واقيه، وقوله:"أولى فأولى لك": معترض بينهما.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ألفيتا عيناك" حيث ثنى الفعل مع إسناده إلى الظاهر والقياس توحيده، وقد يقال: إن الألف فيه للدلالة على التثنية لا للضمير، أو يكون للضمير، ويكون عيناك بدلًا منها؛ كما أولوا في قولهم: أكلوني البراغيث

(3)

.

‌الشاهد الثاني والثماثون بعد الثلاثمائة

(4)

،

(5)

يَلُومُونَنِي فِي اشتِرَاءِ النَّخيـ

ــــــلِ أَهْلِي فَكلهُمُ أَلومُ

أقول: لم أقف على اسم قائله.

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

إذا أسند الفعل إلى ظاهر وجب تجريده من علامات التثنية والجمع، تقول: قام الرجل والرجلان والرجال، وإن وجدت هذه العلامات في شواهد نثرية أو شعرية مع إسنادها للظاهر كهذا الحديث المشهور في هذا الباب "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" خرج على أوجه ثلاثة:

الأول: أن هذه العلامات هي ضمائر، وهي فاعل بالفعل وتكون خبرًا مقدمًا، والاسم الظاهر مبتدأ مؤخرا.

الثاني: أن هذه العلامات ضمائر، وأيضًا هي فاعل بالفعل ويكون الاسم الظاهر بدلًا من الضمير.

الثالث: أن هذه العلامات تدل على التثنية والجمع، والاسم الظاهر فاعل، واختار ذلك الزمخشري عند تفسير قوله تعالى:{لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)} [مريم: 87] فالواو في: {لَا يَمْلِكُونَ} علامة، والفاعل من، وانظر في ذلك: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 17)، وابن يعيش (7/ 7)، وحاشية الصبان (2/ 48)، والكشاف للزمخشري (3/ 33)، والأمالي النحوية لابن الشجري (1/ 131، 132) وشواهد التوضيح والتصحيح لابن مالك (193)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 315 - 317).

(4)

أوضح المسالك (2/ 100)، وشرح ابن عقيل (2/ 82).

(5)

البيت من بحر الطويل لأحيحة بن الجلاح، ينظر: شرح جمل الزجاجي "الكبير" لابن عصفور (1/ 167)، والتصريح (1/ 236)، والهمع (1/ 160)، والدرر (2/ 283)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 316)، والأمالي الشجرية (1/ 133)، وابن يعيش (7/ 7)، ويروى: =

ص: 922

وهو من المتقارب.

قوله: "ألوم" من اللوم، ويروى: فكلهم يعذل؛ من العذل وهو اللوم -أيضًا-.

الإعراب:

قوله: "يلومونني": جملة من الفعل والمفعول، وقوله:"أهلي": كلام إضافي فاعله، وقوله:"في اشتراء النخيل": يتعلق بقوله: "يلومونني"، قوله:"فكلهم": كلام إضافي مبتدأ، وقوله:"ألوم": خبره، وأفرد الفعل في رواية:"فكلهم يعذل" نظرًا إلى لفظه ولأجل الضرورة أيضًا؛ لأنه يجوز أن يقال: كلهم يعذلون.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "يلومونني" حيث جمع الفعل المسند إلى الفاعل الظاهر على لغة من قال: مررت برجل كريمين أباؤه، وأكلوني البراغيث

(1)

، وقال السهيلي: ألفيت في كتب الحديث المروية الصحاح ما يدل على كرة هذه اللغة وجودتها؛ نحو ما جاء من قول وائل بن حجر

(2)

في سجود النبي صلى الله عليه وسلم: "ووقعتا ركبتاه قبل أن تقعا كفاه"

(3)

، ونحو قوله:"يخرجن العواتق وذوات الخدور"

(4)

، ونحو:"يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" أخرجه في الموطأ

(5)

، والألف والواو والنون حروف؛ لكني قلت: هذه حروف دالة على حال الفاعل الآتي ذكره، وهي لغة بعض العرب فافهم

(6)

.

= يلومونني في اشتراء النخيـ

ـــــــــل أهلي فكلهم يعذل

(1)

ينظر الشاهد السابق (381).

(2)

هو وائل بن حجر الحضرمي القحطاني (ت 50 هـ)، الأعلام (8/ 106).

(3)

انظر النص المذكور للسهيلي في كتاب نتائج الفكر (127، 128)، وتوضيح المقاصد (2/ 7).

(4)

أخرجه أبو داوود في سننه "عون المعبود" كتاب الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه (3/ 52) من وائل بن حجر بلفظه، وأخرجه البخاري في صحيحه كتاب الحيض، باب شهود الحائض ودعوة السلمين (1/ 557) عن أم عطية بلفظ "يخرج العواتق".

(5)

موطأ مالك برقم (373) - عَنْ أَبِي هُريرةَ، بلفظ: أَن رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "يتعَاقَبُونَ فِيكِم مَلَائِكَة بِالليلِ وَمَلائكَة بِالنهارِ وَيَجْتَمِعُونَ فيِ صَلَاةِ الْعَصرِ وَصَلَاةِ الْفجرِ ثمّ يَعرجُ الذينَ بَاتُوا فِيكم فَيَسألهم وَهُوَ أعلَمُ بِهم كَيفَ تَرَكتم عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهم وَهُم يُصَلونَ وَأتينَاهُم وَهُم يُصَلونَ"، وأخرجه البخاري في صحيحه (فتح الباري) كتاب مواقيت الصلاة، باب صلاة العصر (2/ 42) عن أبي هريرة أيضًا.

(6)

ينظر نتائج الفكر للسهيلي (127، 128)، وتوضيح المقاصد (2/ 7).

ص: 923

‌الشاهد الثالث والثمانون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

نُتِجَ الرَّبيعُ مَحَاسِنًا

أَلْقَحنَها غُرُّ السحَائِبِ

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الكامل المربع وفيه الإضمار والترفيل، فإن قوله:"غير السحائب"، "مستفعلانن".

قوله: "نتج الربيع" على صيغة المجهول، يقال: نتجت الناقة وتنتج على صيغة المجهول [تنتج]

(3)

نتاجًا وأنتجها أهلها، وأراد بالربيع الكلأ، ويجمع على أربعة، وربيع الجداول على أربعاء، والربيع- أيضًا: المطر في الربيع، و "المحاسن": جمع حسن على غير قياس، قوله:"ألقحنها": من ألقح الفعل الناقة، والريحُ السحابَ، ومنه

(4)

: {الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22]، قوله:"غير السحائب" بضم الغين المعجمة؛ جمع غراء مؤنث أغر وهو الأبيض، والسحائب: جمع سحابة، قال الجوهري: السحابة: الغيم، والجمع: سحاب وسُحُب وسحائب

(5)

.

الإعراب:

قوله: "نتج الربيع": جملة من الفعل وهو نتج على صيغة المجهول؛ كما ذكرنا، والفاعل هو الربيع النائب عن المفعول، قوله:"محاسنًا": مفعوله، قوله:"ألقحنها": جملة من الفعل والمفعول، وهو الضمير، وقوله:"غر السحائب": كلام إضافي فاعلها، والجملة في محل النصب لأنها صفة لقوله:"محاسنًا".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ألقحنها" حيث جمع الفعل، وهو مسند إلى الفاعل الظاهر، وهو قوله:"غر السحائب" والقياس: ألقحها غير السحائب

(6)

.

(1)

أوضح المسالك (2/ 102).

(2)

البيت من بحر الكامل المجزوء، وضربه مرفل، لقائل مجهول، وانظره في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 117)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 160)، وشرح التصريح (1/ 276).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في: (ب).

(4)

وتمامها {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} .

(5)

الصحاح مادة: "سحب".

(6)

ينظر الشاهد رقم (381).

ص: 924

‌الشاهد الرابع والثمانون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

تَولّى قِتَال المارِقينَ بِنَفْسِهِ

وَقَد أَسلَمَاهُ مُبعَدٌ وحَمِيمُ

أقول: قائله هو عبيد اللَّه بن قيس الرقيات

(3)

، وهو عبيد اللَّه بن قيس بن شريح بن مالك بن ربيعة بن أهيب بن ضباب بن حجر بن عبيد بن بغيض بن عامر بن لؤي بن غالب، وأمه: قتيلة بنت وهب بن عبد الله بن ربيعة.

وإنما لقب عبيد اللَّه بن قيس بالرقيات؛ لأنه تشبب

(4)

بثلاث نسوة يسمين جميعًا رقية وهن: رقية بنت عبد الله بن أبي قيس بن وهب بن أهبان بن ضباب بن حجر بن عبيد بن بغيض بن عامر بن لؤي، وابنة عم لها يقال لها رقية، وامرأة أخرى من بني أمية يقال لها رقية أيضًا.

والبيت المذكور من قصيدة طويلة من الطويل يرثي بها مصعب بن الزبير بن العوام - رضي الله تعالى عنهما

(5)

-، وأولها هو قوله

(6)

:

1 -

لَقَد أَوْرَثَ المِصرَينِ خِزْيًا وَذِلَّةً

قَتِيلُ بِدَيْرِ الجاثلِيقِ مُقِيمُ

2 -

فمَا قَاتَلَتْ في الله بَكْرُ بنُ وَائِلٍ

ولَا صَبَرَتْ عِنْدَ اللِّقَاءِ تَمِيمُ

(7)

3 -

ولكنَّهُ رَامَ القِيَامَ وَلَم يَكُن

لها مُضَري يومَ ذاكَ كَرِيمُ

(8)

1 -

قوله: "المصرين" أراد بهما الكوفة والبصرة، قوله:"الجاثليق" بالجيم وفتح الثاء المثلثة

(1)

ابن الناظم (84)، وأوضح المسالك (2/ 106)، وشرح ابن عقيل (2/ 81).

(2)

البيت من بحر الطويل من قصيدة لعبيد الله بن قيس الرقيات، وهي قصيدة ليست طويلة؛ كما قال العيني، انظر الديوان (196) تحقيق د. محمد يوسف نجم، وانظر بيت الشاهد في تخليص الشواهد (473)، والدرر (2/ 282)، وشرح التصريح (1/ 277)، وشرح شواهد المغني (784، 790)، والجنى الداني (175)، والمغني (367)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 160).

(3)

شاعر قريش في الإسلام، وخرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان فقاتل معه إلى أن قتل مصعب فخرج هاربًا إلى الكوفة ثم إلى المدينة محتميًا بعبد الله بن جعفر بن أبي طالب. الخزانة (3/ 268) بولاق.

(4)

في (أ) شبب.

(5)

هو أبو عبد الله بن الزبير بن العوام أحد الأبطال في صدر الإسلام (ت 71 هـ). ينظر الأعلام (7/ 247، 248).

(6)

ديوانه (196) ط. دار صادر بيروت، تحقيق د. محمد يوسف نجم.

(7)

روايته في الديوان:

فما نصحت لله بكر .............

........................................

(8)

روايته في الديوان:

ولكنه ضاع الذمام ولم يكن

بها مضري يوم ذاك كريم

ص: 925

وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره قاف؛ وهو اسم موضع على شاطئ نهر يقال له: دجيل

(1)

من أرض مسكن من بلاد العراق، وكان مصعب بن الزبير - رضي اللَّه تعالى عنهما - قُتل هناك في سنة إحدى وسبعين للهجرة يوم الثلاثاء الثالث عشر من جمادى الآخرة، وكان الذي قتله عسكر عبد الملك بن مروان، وكان عبد الملك قد سار بجنوده من الشام، وسار مصعب بن الزبير بجنوده من الكوفة فالتقيا بدير الجاثليق فكانت الدائرة على مصعب -رضي الله تعالى عنه-.

4 -

قوله: "تولى" أي: مصعب، و "قتال المارقين" أي: الخوارج؛ من مرق السهم من الرمية مرقًا إذا خرج من الجانب الآخر، ومنه سميت الخوارج مارقة لقوله صلى الله عليه وسلم

(2)

: "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"، قوله:"وقد أسلماه" أي: خذلاه، يقال: أسلمت فلانًا إذا لم تعنه ولم تنصره على عدوه، قوله:"مبعد" بضم الميم وسكون الباء الموحدة وفتح العين، وأراد به الرجل الأجنبي، و "الحميم": الصاحب الذي يهتم لصاحبه.

الإعراب:

قوله: "تولى": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير الذي يرجع إلى قوله: "قتيل" في البيت السابق، وهو مصعب بن الزبير - رضي الله تعالى عنهما -، قوله:"قتال المارقين": كلام إضافي مفعول لقوله: "تولى"، قوله:"بنفسه": جميد، والباء زائدة؛ أي: تولى نفسه، قوله:"وقد أسلماه": جملة من الفعل والمفعول وهو الضمير الذي يرجع إلى مصعب، وقوله:"مبعد": فاعله، و "حميم": عطف عليه، والجملة في محل النصب على الحال.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وقد أسلماه" حيث ثنى الفعل المسند إلى الفاعلين الظاهرين، وكان القياس أن

(1)

هو نص دجلة الذي بالعراق.

(2)

الحديث في البخاري برقم (3095) كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب كمل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم (12/ 350)، بلفظه: عَنْ أَبي سَعِيد قَال: بَعَثَ عَلي رضي الله عنه إِلَى النبِي صلى الله عليه وسلم بِذُهبية فَقَسَمَها بين الْأربَعَةِ: الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِس الحنظَلي ثُمَّ المجاشِعي وَعُيَينَةَ بْنِ بدر الْفَزَارِي وَزَيد الطائي ثُمَّ أَحَدِ بَني نبهانَ وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثةَ الْعَامِرِي ثُمَّ أحَدِ بَني كِلَاب فَغَضِبَتْ قُرَيش وَالْأَنْصَارُ قَالُوا: يُعطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، قَال: إنمَا أتالفُهُم، فَأَقْبَلَ رَجُل غَائِر العينينِ مُشرِف الوجنَتَينِ نَاتئ الجبِينِ كَث اللحيَة مَخلُوق فَقَال: اتقِ الله يَا مُحَمدُ، فَقَال: مَنْ يُطِع الله إِذَا عَصَيتُ أَيَأْمَنُني الله عَلَى أَهْلِ الْأَرضِ فَلَا تَأْمَنُوني، فَسَأَلَهُ رَجُل قَتْلَهُ أحسبُهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا ولَّى قَال: إِن مِنْ ضِئْضِئ هذَا أَوْ فيِ عَقِبِ هذَا قَومًا يَقْرَءُونَ الْقرآنَ لَا يُجَاوزُ حَنَاجِرَهُم يَمرقُونَ مِن الدينِ مُروقَ السهْمِ مِنْ الرمِيةِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ لَئِنْ أَنَا أَدرَكتهم لَأَقتلَنهُم قَتْلَ عَادٍ".

ص: 926

يقال: وقد أسلمه مبعد وحميم، ولكنه جاء على لغة بعض العرب، فقيل

(1)

: هم طيء، وقيل:[هم]

(2)

أزد شنوءة

(3)

وهم يأتون بالألف مع المثنى، وبالواو مع جمع المذكر، وبالنون مع جمع المؤنث فيقولون: قاما أخواك وقاموا إخوتك وقمن أخواتك، ومنه البيت المذكور

(4)

.

‌الشاهد الخامس والثمانون بعد الثلاثمائة

(5)

،

(6)

وَأَحقَرُهُم وَأَهْوَنُهُم عليه

وَإنْ كَانَا لهُ نسَب وخِيَرُ

أقول: قائله هو عروة بن الورد، وهو من قصيدة يمدح بها الغنيَّ ويذم الفقير، وأولها هو قوله

(7)

:

1 -

ذَرُونِي للغِنَى أَسعَى فَإنِّي

رَأَيْتُ النَّاسَ سَرُّهُمُ الفَقِيرُ

2 -

وأحقرهم .............

........................ إلى آخره

3 -

يباعده القَرِيبُ وتَزدريهِ

حَلِيلَتهُ وينهرُهُ الصَّغِيرُ

4 -

وتَلْقَى ذَا الغِنَى ولَهُ جلالٌ

يَكَادُ فُؤَادُ صَاحِبِهِ يَطِير

وهي من الوافر.

قوله: "خير" بكسر الخاء المعجمة، بمعنى: الكرم.

الإعراب:

2 -

قوله: "وأحقرهم": عطف على قوله: "شرهم الفقير" قوله. "وأهونهم عليه": عطف على [قوله:]،

(8)

أحقرهم" أي: أذلهم، والضمير في "عليه" يرجع إلى الفقر الدال عليه قوله؛

(1)

في (أ) قيل.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

راجع توضيح المقاصد (2/ 7)، وشرح الأشموني (2/ 47).

(4)

ينظر الشاهد (381) من هذا الكتاب.

(5)

أوضح المسالك (2/ 107).

(6)

البيت من بحر الوافر، وهو لعروة بن الورد في السعي والكفاح ليكون الإنسان غنيًّا، وانظر بيت الشاهد في التصريح (1/ 277)، والمعجم المفصل: في شواهد النحو الشعرية (391).

(7)

ديوان عروة (63)"شعراؤنا" والأبيات مختلفة الرواية وهي:

دعيني للغنى أسعى فإني

رأيت الناس شرهم الفقير

وأبعدهم وأهونهم عليهم

وإن أمسى له حسب وخير

ويقصيه الندى وتزديه

حليلته وينهره الصغير

ويلقى ذو الغنى وله جلال

يكاد فؤاد صاحبه يطير

قليل ذنبه والذنب جم

ولكن للغنى رب غفور

(8)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 927

"الفقير" في البيت السابق، وكلمة على للتعليل.

والمعنى: لأجل الفقر؛ كما في قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] أي: لهدايته إياكم.

والمعنى هاهنا: رأيت الناس شرهم وأحقرهم وأهونهم الفقير لأجل فقره.

قوله: "وإن": حرف شرط، وقوله:"كانا": فعل الشرط، والجواب إما متقدم وإما محذوف تقديره: وإن كان له نسب وخير فهو أحقرهم وأهونهم، وارتفاع نسب بكانا، وخير عطف عليه، والضمير في "له" يرجع إلى الفقير، والجار والمجرور في محل النصب على الخبرية.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وإن كانا" حيث ثنى الفعل مع إسناده إلى الفاعل الظاهر؛ كما في الأبيات السابقة

(1)

.

‌الشاهد السادس والثمانون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

فَلَا مزْنَةً ودَقَتْ وَدقَها

ولَا أرضَ أَبْقَلَ إبْقَالها

أقول: قائله هو عامر بن جوين الطائي؛ كذا قاله النحاس في شرح أبيات الكتاب، والجوهري وغيرهما.

وهو من المتقارب وفيه الحذف.

والشاعر يصف سحابة وأرضًا نافعتين، و "المزنة" بضم الميم وسكون الزاي المعجمة وفتح النون؛ وهي السحابة البيضاء، وتجمع على مُزن، ويقال: المزنة: المطرة، والمعنى هاهنا على الأول.

قوله: "ودقت" بالقاف؛ من ودق المطر يدق إذا قطر، وسمي المطر ودقًا [أيضًا]

(4)

، قوله:"أبقل": من الإبقال؛ يقال: أبقلت الأرض إذا خرج بقلها، ويقال للمكان أول ما ينبت فيه البقل

(1)

ينظر الشاهد (381) وما بعدها.

(2)

ابن الناظم (86)، وتوضيح المقاصد (2/ 11)، وأوضح المسالك (2/ 108)، وشرح ابن عقيل (2/ 92).

(3)

البيت من بحر المتقارب، وهو لعامر بن جؤين الطائي الجاهلي يصف سحابة ممتلئة وأرضا مبقلة، وانظر بيت الشاهد في: الكتاب (2/ 46)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 112)، وابن يعيش (5/ 90)، والمحتسب (2/ 112)، وحاشية الصبان (2/ 53)، والبحر المحيط (6/ 444)، وشرح شواهد المغني (319)، والصحاح مادة:"بقل"، واللسان:"بقل"، والتاء مدخولاتها واستعمالاتها في الدراسات النحوية (122)، د. أحمد السوداني، أولى (2004 م).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 928

أبقل، وقد يقال: بقل بقلًا وبقولًا ولوجه الغلام أول ما ينبت فيه الشعر: بقل لا غير، وأنكر جماعة منهم الأصمعي بقل في المكان، ولهذا ادّعوا أن باقلًا من الشواذ، كأعشب فهو عاشب والقياس: مبقل ومعشب

(1)

.

الإعراب:

قوله: "فلا مزنة" كلمة الفاء للعطف، و "مزنة": مبتدأ أو اسم لا، على إلغائها أو إعمالها عمل ليس، وقوله:"ودقت": خبر المبتدأ أو خبر لا أو نعت لمزنة، والخبر محذوف؛ أي: موجودة، قوله:"ودقها": كلام إضافي نصب على المصدر.

قوله: "ولا أرض": عطف على ما قبله، و"أرض": اسم لا التبرئة، و "أبقل": خبرها ومحله الرفع، أو نعت لاسمها فمحله النصب، ونصب إبقالها كنصب ودقها.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أبقل" حيث ذكر الفعل مع إسناده إلى الأرض وهي مؤنثة، وقال ابن الناظم فيه: وذلك لأجل ضرورة الشعر

(2)

، وفيه نظر؛ لأنه كان يمكنه أن يقول: ولا أرض أبقلت إبقالها بدرج همزة إبقالها فيستقيم الوزن، فإذا كان كذلك دل ذلك أنه ليس للضرورة، وإنما كان لأجل أن تأنيث الأرض ليس بحقيقي، وأنشد الجوهري هذا البيت ثم قال: ولم يقل: أبقلت؛ لًان تأنيث الأرض ليس بحقيقي

(3)

.

ويؤيد ما ذكرنا أن النحاس قال: وقد أُنشد هذا البيت: ولا أرض أبقلت إبقالها، على تخفيف الهمزة وأنث الأرض على ما يجب، ومن ذكّرها قال: ليست فيها علامة للتأنيث، أو قال: الأرض والمهاد واحد، وعن ابن كيسان أن ذلك جائز في النثر، وإن البيت ليس بضرورة؛ لتمكن قائله من أن يقول: أبقلت، بشرط أن ينقل كسرة الهمزة إلى التاء، ثم تحذف الهمزة؛ كما ذكرنا

(4)

.

وأجاب السيرافي بأنه يجوز أن يكون هذا الشاعر ليس من لغته تخفيف الهمزة، وحينئذ لا يمكنه ما ذكره.

قلتُ: إن صح ما نقله النحاس صح لابن كيسان مدعاه، وذكر القواس

(5)

في شرح الدرة أنه

(1)

ينظر اللسان مادة: "بقل".

(2)

ينظر ابن الناظم (86).

(3)

الصحاح مادة: "بقل".

(4)

توضيح المقاصد (2/ 13).

(5)

جوبان بن مسعود بن سعد الله القواس الدينوي توفي نحو (680 هـ) هجرية، انظر الأعلام (2/ 143).

ص: 929

روى إبقالها بالرفع فلا شاهد فيه حينئذ

(1)

.

وزعم بعضهم أنه لا شاهد فيه على رواية النصب -أيضًا- وذلك على أن يكون الأصل: ولا مكان أرض، ثم حذف المضاف، وقال: أبقل على اعتبار المحذوف، وقال: إبقالها على اعتبار المذكور

(2)

.

‌الشاهد السابع والثمانون بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

فَإمّا تَرَينِي وَلِي لمَّةٌ

فَإِنَّ الحَوَادِثَ أَوْدَى بِها

أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، وهو من قصيدة طويلة يمدح بها رهط قيس بن معد يكرب الكندي، ويزيد بن عبد المدان بن الريان الحارثي، وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

أَلم تَنْهَ نَفْسَكَ عَمَّا بِها

بَلى عَادَها بعضُ أَطْرَابها

2 -

لِجَارَتِنَا إِذْ رَأَتْ لِمَّتِي

تقولُ لكَ الويلُ أَنَّى بها

3 -

وإذْ لِمَّتِي كجنَاحِ الغدَا

فِ تَزنُو الكعَابُ لإعجَابِها

4 -

فإما ترينِي ............

...................... إلى آخره

5 -

فَإنْ تَعهدِي لامرئ لمّةً

فإنَّ الحَوَادِثَ تُعنَى بِها

(6)

6 -

وَقَبلَكِ سَاعَيتُ فِي رَبْرَبٍ

إذَا أعتَمت بَعض أَتْرَابِها

(7)

7 -

تُنَازِعُنِي إِذْ خَلَتْ بُردَها

مُفَضلَةً غَيرَ جِلْبَابِها

وهي من المتقارب وفيه الحذف.

(1)

لم نعثر عليه في شرح الدرة الألفية للقواس.

(2)

قال ابن مالك بعد أن ذكر البيت: "وبعض النحويين يحملون ما ورد من هذا على التأويل بمذكر فيتأول أرض بمكان

". شرح التسهيل لابن مالك (2/ 112).

(3)

توضيح المقاصد (2/ 12)، وأوضح المسالك (2/ 110).

(4)

البيت من بحر المتقارب، من قصيدة للأعشى يمدح بها سادة نجران، وبيت الشاهد ثالث أبياتها، ديوان الأعشى (171)، وانظره في ابن يعيش (4/ 95)، والخزانة الشاهد رقم (952)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 112)، وشرح التصريح (1/ 278).

(5)

الديوان: (171)، طبعة المطبعة النموذجية، بشرح محمد حسين، وبيت الشاهد غير موجود بالقصيدة.

(6)

روايته في الديوان:

فإن تعهديني ولي لمة

فإن الحوادث ألوى بها

(7)

روايته في الديوان:

.......................

إذا نام سامر رقابها

ص: 930

1 -

قوله: "عما بها" أي: عما بنفسك من الصبابة، و "الأطراب": جمع طرب، والضمير يرجع إلى النفس، وأراد بالجارة امرأته.

2 -

قوله: "لك الويل" ويروى:

........................

لك الخير ما قلت أودى بها

أي: أصابك الخير، يريد: أي شيء قلت أودى باللمة؟ أي: صيرها إلى الصلع، و "الغداف" بضم الغين المعجمة؛ الغراب العظيم.

3 -

قوله: "ترنو" أي: تديم النظر، و "الكعاب" بفتح الكاف وتخفيف العين المهملة؛ هو الكاعب وهي الجارية حين يبدو ثديها للنهود، وقد كعبت تكعب بالضم كعوبا، وكعّبت بالتشديد مثله.

4 -

قوله: "لمة" بكسر اللام وتشديد الميم، وهي من شعر الرأس دون الجمة، سميت بذلك لأنها ألمت بالمنكبين، فإذا زادت فهي الجمة.

قوله: "فإن الحوادث": جمع حادثة الدهر، ويقال: أراد بها الحدثان وهما الليل والنهار، قوله:"أودى بها" أي؛ أهلكها، يقال: أودى إذا هلك، ويتعدى بالباء.

6 -

قوله: "ساعيت" أي: دانيت، و"الربرب": القطيع من بقر الوحش، قوله:"إذا أعتمت" أي: إذا أبطأت وذهبت بعض أترابها، وهو جمع ترب بكسر التاء وسكون الراء، يقال: هذه ترب هذه، أي: لدتها.

7 -

و "الجلباب" مثل المقنعة يكون على الخمار.

الإعراب:

قوله: "فإما" أصله: فإن ما، وإن شرطية، وما زائدة، والمعنى: فإن تريني، وذلك كما في قوله تعالى:{فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} [مريم: 26]، وقد يشتبه هذا على كثير من المحصلين؛ حشا يظنونها إما التفصيلية ونحوها، ويؤيد ما ذكرنا رواية ابن كيسان:

فإن تعهدي لامرئ لمة

...................................

فقوله: "إن": للشرط، و "تريني": فعل الشرط، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقوله:"فإن الحوادث": جواب الشرط، و "الحوادث": اسم إن، و "أودى بها": خبرها، قوله:"ولي لمة": جملة اسمية وقعت حالًا.

فإن قلتَ: أين المفعول الثاني لتريني؟

ص: 931

قلتُ: هي من رؤية البصر فلا تحتاج إلى مفعول ثان.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أودى بها" حيث لم يقل: أودت بها؛ لأن تأنيث [الحوادث]

(1)

مجازي؛ لأنه جمع، والجمع واسم الجمع واسم الجنس كلها تأنيث مجازي؛ لأنهن في معنى الجماعة، والجماعة مؤنث مجازي، ولأجل هذا جاز التأنيث في قوله تعالى:{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} [القمر: 9]، والتذكير -أيضًا- نحو:{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} [الأنعام: 66]، وقام الرجال، وأورقت الشجر، وأورق الشجر، وقال نسوة

(2)

.

فإن قلتَ: ما له لم يقل: أودت بها؛ لأن الوزن لا يتغير؟

قلتُ: لأن القافية مؤسسة، والتأسيس هو الألف الواقع قبل حرف الروي بحرف متحرك كألف عالم، والروي حرف القافية، يقال: قصيدتان على روي، والقافية: هي اللفظ الأخير من البيت الذي يكمل البيت عند الأخفش، وعن قطرب هي الروي، وهو الحرف الذي تبنى عليه القصيدة

(3)

.

‌الشاهد الثامن والثمانون بعد الثلاثمائة

(4)

،

(5)

لَقَدْ ولدَ الأُخَيطِلَ أُمُّ سوء

..................................

أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وتمامه:

................................

علَا بَابِ اسْتِها صُلبٌ وشَامُ

وهو من قصيدة طويلة يذم فيها تغلب، ويهجو الأخطل، وأولها هو قوله

(6)

:

1 -

مَتَى كانَ الخيامُ بِذِي طُلُوحٍ

سُقيتِ الغَيثَ أيتُها الخيامُ

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

من مواضع تأنيث الفعل جوازًا إذا كان الفاعل جمع تكسير لمذكر أو مؤنث أو اسم جمع أو اسم جنس فيجوز إثبات التاء وتركها، وقد ساق العيني أمثلة متعددة لذلك.

(3)

ينظر الوافي في العروض والقوافي للخطيب التبريزي (199).

(4)

أوضح المسالك (2/ 112).

(5)

البيت من بحر الوافر، وهو لجرير، من قصيدة طويلة يهجو فيها الأخطل، ديوان جرير (1/ 385)، وانظر بيت الشاهد في شرح شواهد الإيضاح (38، 405)، وشرح التصريح (1/ 279)، وابن يعيش (5/ 92)، واللسان مادة "صلب" والإنصاف (175)، والمقتضب (2/ 148)، (3/ 349)، والممتع (1/ 218)، والخصائص (2/ 414).

(6)

ديوانه (385) وما بعدها.

ص: 932

2 -

تَنَكَّرَ منْ معَارفها ومَالتْ

دعائمُها وقد بَلَي الثُّمَامُ

3 -

تعالى فوقَ أَجْرُعك الخُزَامَى

بنورٍ واستَهلَّ به الغَمَامُ

إلى أن قال:

4 -

وتَغلبُ لَا يُصَاهرُهُم كريمٌ

ولَا أَخْوالُ مَنْ وَلَدُوا كرامُ

5 -

إذا اجتمعُوا على سُكَرٍ بِقَلْسٍ

فنصوا عِنْدَ ذلكَ والنظام

6 -

علَى أستِ التغْلَبِية حينَ تجبي

صليبُهم وفي حَرها الجذَامُ

(1)

7 -

يُسَمونَ القَليسَ ولَا يُسمَّى

لَهُم عبدُ المليَك ولَا هشَامُ

8 -

فمَا عوفيتَ يومَ تَحُضّ قيسًا

قَنِيصَ الحَي واقْتنصَ السوَامُ

9 -

لَقَد ولدَ الأُخَيطِلَ أُم سوء

علَا بَابِ أسْتِها صُلب وشامُ

10 -

أهانَ اللَّهُ جَلْدَةَ حَاجِبيها

ومَا وارى منَ القَذَرِ اللثام

11 -

ونِسوَتُهُ الخبائثُ مُولِعَات

بفيشٍ لَا يُنيمُ ولَا يَنَامُ

12 -

إذَا مَا القسُّ نَادَمَهُنَّ يَوْمًا

عَلَى الخنزيرِ وانكشفَ الفِدامُ

(2)

13 -

بَدَأْنَ شوَاءَهُن بِخصيَتَيه

وهنَّ إِلَى جحَافِلِه قرامُ

(3)

وهي من الوافر وفيه القطف والعصب.

قوله: "بذي طلوح": اسم أرض، و "الثمام" بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم، جمع ثمامة، وهي نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص وربما حشي به.

قوله: "أجرعك" الأجرع: رملة مستوية لا تنبت شيئًا وكذلك الجرعاء.

قوله: "فنصوا": من نصصت الشيء إذا رفعته.

قوله: "حين تجبى": من أجبت المرأة إذا بركت ووضعت يديها على ركبتيها بمنزلة الراكع، قوله:"وفي حرها" أي: فرجها، وأصله: حرح بدليل أحراح، و "الجذام": داء، "والقليس" بضم القاف وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة، وهي بيعة كانت بصنعاء للحبشة بناها أبرهة.

و"السوام" بفتح السين وتخفيف الواو، هو [المال]

(4)

الراعي، وكذلك السائم.

قوله: "الأخيطل": تصغير الأخطل وهو الشاعر المشهور، قوله:"صُلُب" بضمتين

(1)

و

(2)

و

(3)

هذا البيت غير موجود بالديوان.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 933

جمع صليب النصارى، قوله:"وشام" بالشين المعجمة؛ جمع شامة وهي الخال، وأراد به أنه عارف بذلك الموضع.

قوله: "بفيش" بفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره شين معجمة، وهو رأس الذكر وكذلك الفيشة.

و"الفِدام" بكسر الفاء؛ وهي الخرقة التي يشد بها المجوسي فمه، والفدام -أيضًا- ما يوضع في فم الإبريق ليصفى به ما فيه.

قوله: "شواءهن" بكسر الشين، و"الجحافل": جمع جحفلة وهي للحافر كالشفة للإنسان، و "القرام" بكسر القاف؛ شدة الشهوة للأكل، و "القرام" أيضًا: ستر- فيه نقوش.

الإعراب:

قوله: "لقد" اللام وقد كلتاهما للتأكيد، وقوله:"ولد": فعل ماض، وقوله:"أم سوء": كلام إضافي مرفوع فاعل ولد، وقوله:"الأخيطل" بالنصب مفعوله، قوله:"صلب": مبتدأ وخبره مقدم عليه، وهو قوله:"على باب استها""وشام" بالرفع عطف على صلب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولد" حيث ترك فيه التاء، والحال أنه مسند إلى أم سوء، وذلك لوجود الفصل بينهما؛ كما في قولك: حضر القاضي اليوم امرأة

(1)

.

‌الشاهد التاسع والثمانون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

مَا بَرِئَتْ مِن ريبةٍ وذمٍّ

فِي حَربنَا إِلا بناتُ العَمِّ

أقول: قائله هو راجز لم أقف على اسمه.

وهو من الرجز المسدس. المعنى ظاهر.

(1)

من مواضع جواز التأنيث للفعل إذا كان الفاعل اسمًا ظاهرًا حقيقي التأنيث وفصل بين الفعل والفاعل بفاصل غير إلا، سواء كان الفاصل ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا أو مفعولًا به كما في البيت، فإن فصل بإلا فالأرجح ترك التاء كقولك: ما قدم إلا فاطمة.

(2)

أوضح المسالك (2/ 113).

(3)

بيتان من الرجز المشطور، مجهولا القائل، في التصريح (1/ 279)، والأشموني (2/ 52)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 114)، والمساعد لابن عقيل (1/ 390)، والدرر (6/ 272)، والهمع (2/ 171).

ص: 934

الإعراب:

قوله: "ما برئت" بطل عمل ما بدخول إلا

(1)

، "وبرئًت": فعل ماض، وقوله:"بنات العم": كلام إضافي فاعله، وقوله:"من ربية": يتعلق بقوله: "برئت"، و "ذم" بالجر عطف عليه، وقوله:"في حربنا": ظرف لقوله "برئت".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ما برئت"

(2)

حيث جاء بالتأنيث، فإن الأصل أن تحذف التاء، فلا يجوز: ما قامت إلا هند، إلا في ضرورة الشعر، والبيت من هذا القبيل، وإذا كان الفاصل بين الفعل وفاعله غير "إلا" يجوز فيه الوجهان والتأنيث أكثر [وإذا كان "إلا" فالتذكير أكثر إلا في الشعر، فإن التأنيث خاص به، نص عليه الأخفش، وقد جاء]

(3)

في النثر -أيضًا- على قراءة من قرأ: {إِنْ كَانَتْ إلا صَيْحَةً} [يس: 29]

(4)

بالرفع

(5)

.

‌الشاهد التسعون بعد الثلاثمائة

(6)

،

(7)

فَبَكَى بَنَاتِي شَجْوهنَّ وَزَوْجَتِي

وَالطَّامِعُونَ إِليَّ ثُمَّ تَصَدَّعُوا

أقول: قيل: إن قائله هو أبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي، من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله:

(1)

تساهل في التعبير، لا يبطل عمل ما إلا بدخولها على الجملة الاسمية إذا انتقض النفي بإلا، وصحة التعبير: بطل معنى ما وهي النفي بدخول إلا.

(2)

في (أ) برئت.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

هي قراءة أبي جعفر ومعاذ بن الحارث بالرفع، ينظر المحتسب لابن جني (2/ 206).

(5)

إذا فصل بين الفعل وفاعله المؤنث بإلا اختار الأخفش عدم إثبات التاء إلا عند الضرورة، ونسبه الأشموني للجمهور، قال الصرح:"والتاء أكثر من التذكير لقوة جانبه إلا إذا كان الفاصل بين الفعل وفاعله المؤنث (إلا) الاستثنائية الإيجابية فالتأنيث خاص بالشعر نص عليه الأخفش، وواجب التذكير في الكلام نحو: ما قام إلا هند؛ لأن ما بعد إلا ليس هو الفاعل في الحقيقة وإنما هو بدل من فاعل مقدر قبل (إلا) وذلك المقدر هو المستثنى منه وهو مذكر ولذلك ذكر الفعل، والتقدير: ما قام أحد إلا هند، وأنشد الأخفش على التأنيث في الشر: (البيت) فبنات العم فاعل برئت وأنثه مع وجود الفصل بـ (إلا)، وقد اختار ابن مالك جوازه في النثر على ضعف ووافقه المرادي، وذلك لوروده في قراءات القرآن الكريم. قال ابن مالك: "والصحيح جوازها في غير الشعر ولكن على ضعف، ومنه قراءة مالك بن دينار وأبي رجاء والجحدري بخلاف عنه:(فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم) ذكرها أبو الفتح بن جني وقال: "إنها ضعيفة في العربية". -شرح التسهيل لابن مالك (2/ 114)،، والتصريح (1/ 279)، وشرح الأشموني (2/ 52)، والمحتسب (2/ 265 - 267)، والنشر في القراءات العشر لابن الجزري (2/ 373).

(6)

أوضح المسالك (2/ 116).

(7)

البيت من بحر الكامل، وقد اختلف في قائله على ما ترى في الشرح والهامش، فقيل: لأبي ذؤيب، وقيل: لغيره، فقد =

ص: 935

أمنَ المَنُونِ وريبها تتوَجَّعُ

والدَّهْرُ ليسَ بمعتبٍ مَنْ يجْزعُ

ولم أجده في القصيدة المذكورة ولا في ديوانه، والحق أنه ليس منها، ولكنه لما كان من بحرها وهو بحر الكامل وقريبا منها ربما ظن أنه [منها]

(1)

.

قوله: "شجوهن": من الشجو [وهو]

(2)

الهم؛ يقال: شجاه يشجوه إذا حزنه، وأشجاه يشجيه إذا أغضبه، تقول منهما جميعًا: شجى بالكسر يشجي شجًا، والشجا: ما ينشب في الحلق من عظم وغيره، ورجل شج أي: حزين وامرأة شجية، على فعيلة

(3)

، ويقال: ويل للشجي من الخلي، قوله:"ثم تصدعوا" أي: ثم تفرقوا، ويقال: تصدع القوم إذا تفرقوا.

الإعراب:

قوله: "فبكى": فعل ماض، و"بناتي": كلام إضافي فاعله، قوله:"شجوهن": كلام إضافي منصوب على التعليل، أي: لأجل شجوهن، ويجوز أن يكون منصوبًا على المصدرية من قبيل: قعدت جلوسًا، فإن البكاء يتضمن الشجو، قوله:"وزوجتي": كلام إضافي عطف على بناتي، و"الطامعون": عطف عليه، قوله:"ثم تصدعوا": جملة من الفعل والفاعل معطوفة على قوله: "فبكى بناتي".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فبكى بناتي" حيث جاء الفعل بلا تأنيث، واحتج به الكوفيون والفارسي على أن سلامة نظم الواحد في جمع المؤنث لا يوجب التأنيث، وقال البصريون: سلامة نظم الواحد في جمع التصحيح يوجب التذكير إن كان الجمع للمذكر، والتأنيث إن كان للمؤنث، وأجابوا بأن البنات في البيت وغيره لم يسلم لفظ الواحد وكذلك البنون فافهم

(4)

.

= نسب لعبدة بن الطيب في شرح اختيارات المفضل (701)، ونوادر أبي زيد (23)، وانظره دون نسبة في أوضح المسالك (2/ 116)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 113)، والخصائص (3/ 295)، وشرح التصريح (1/ 280).

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ، ب).

(3)

في (أ): على فعلة.

(4)

يقول المرادي في هذه المسألة: "وأجاز الكوفيون إلحاق التاء مع جمع المذكر السالم فتقول: قامت الزيدون كما يجوز ذلك في التكسير، والصحيح أنه لا يجوز؛ إذ لم يسمع من كلامهم والقياس يأباه، لأنه بمنزلة: تام زيد وزيد وزيد لسلامة واحده".- شرح التسهيل للمرادي (1/ 518). والتوطئة (163)، وقد رد ابن مالك مذهب الكوفيين بالقياس والاستدلال بالشعر، يقول: أما القياس: فإنه بمنزلة تكرار كلمة (زيد) وكلمة زيد لا يلحق فعله تاء ولسلامة واحده. وأما الاستدلال: فلأنه لم يرد في الشعر ما أنث فعله وفاعله مذكرًا أفرد أو ثني، وعلى هذا لا يجوز: قامت الزيدون؛ لأنه بمنزلة: قام زيد وزيد وزيد، ولا يستباح: قامت الزيدون يقول الشاعر: =

ص: 936

‌الشاهد الحادي والتسعون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

رَأينَ الغَوَانِي الشِّيبَ لَاحَ بِعَارِضِي

فَأَعرَضنَ عَنِّي بالحُدُودِ النوَاضِر

أقول: قائله هو أبو عبد

(3)

الرحمن بن محمد بن عبد اللَّه العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان، وبعده

(4)

:

2 -

وَكُنَّ مَتَى أَبْصَرنَني وَسَمِعنَ بي

سَعَيَنْ فرقَّعنَ الكِوَى بالمحاجِر

3 -

فَإنْ حُجِمَتْ عَنِّي نَوَاظِرُ أَعينٍ

رَمَين بِأَحداقِ المها والجَآذر

4 -

وإني منْ قَوْمِ كريمٍ نجَادُهُم

لأَقْدَامهِم صِيغَتْ رُؤُوسُ المنابِرِ

وهي من الطويل.

1 -

قوله: "الغواني" بالغين المعجمة؛ جمع غانية، وهي المرأة التي غنيت بحسنها وجمالها عن العلي، قوله:"لاح" أي: ظهر، و"العارض": صفحة الخد، ويروى: بمفرقي، وهو مفرق شعر الرأس، قوله:"النواضر" بالضاد المعجمة؛ جمع ناضرة؛ من النضرة وهي الحسن والرونق.

2 -

قوله: "الكِوي" بكسر الكاف مقصور؛ جمع كوة، وهي الثقب في الحائط، ويجوز ضم كافها وفتحها، والفتح أفصح، وجمع المفتوح: كواء بالكسر والمد، وكوى بالكسر والقصر، وجمع المضموم: كُوى بالضم والقصر لا غير، قوله:"المحاجر": جمع محجر العين -بفتح الميم وسكون الحاء وكسر الجيم؛ وهو ما يبدو من النقاب.

3 -

قوله: "حجمت": من حجمته عن الشيء أحجمه؛ أي: كففته عنه، ويروى:

= قالت بَنُو عامِر خَالُوا بَنِي أسد

..............................

ولا يستباح: قال الهندات يقول الآخر: (البيت) لأن بنين وبنات لم يسلم فيهما نظم الواحد فجريا مجرى جمع التكسير .... قلت: لا عدول عما ذهب إليه الشيخ أبو علي الشلوبين في هذه المسألة من أنه لا يجوز: قامت الزيدون ولا: قام الهندات إلا على لغة من قال: قال فلانة". ينظر- شرح التسهيل لابن مالك (2/ 112، 113) وينظر شرح الأشموني وحاشية الصبان (2/ 54) والكتاب (2/ 40، 41) ونتائج الفكر للسهيلي (127) وما بعدها.

(1)

ابن الناظم (84)، وشرح ابن عقيل (2/ 83).

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو في الغزل وإعراض النساء عن ذوي الشيب، وقد اختلف في قائله فقيل: للعتبي، وقيل: لعمر بن أبي ربيعة، وقيل لغيرهما، وانظر بيت الشاهد في الأغاني (14/ 199)، وتخليص الشواهد (474)، ونسب لمحمد بن أمية في العقد الفريد (2/ 46)، وانظره بلا نسبة في شرح شذور الذهب (229)، وشواهد التوضيح (193)، وابن عقيل (1/ 399).

(3)

في (ب): هو عبد الرحمن.

(4)

راجع الأغاني (14/ 199)، والعقد الفريد (2/ 358)، طبعة دار الكتب العلمية.

ص: 937

فإنْ عُطِفَتْ عَنِّي أَعنَّةُ أعيُنٍ

...............................

قوله: "المها" بفتح الميم؛ جمع مهاة وهي البقرة الوحشية [و "الجآذر": جمع جؤذر وهو ولد البقرة الوحشية]

(1)

.

4 -

قوله: "نجادهم" بكسر النون وبالجيم، وهو الأصل والحسب، وكذلك: النجار بضم النون، والنجر بفتح النون وسكون الجيم.

الإعراب:

قوله: "رأين": فعل ماض للجمع المؤنث، و "الغواني": فاعله، و "الشيب": مفعوله، واكتفى بمفعول واحد، لأنه من رؤية [العين]

(2)

، قوله:"لاح يعارضي" جملة وقعت حالًا وتقديره: قد لاح بعارضي، لأن الماضي المثبت إذا وقع حالًا لا بد [فيه]

(3)

من قد ظاهرة أو مقدرة، قوله:"فأعرضن" عطف على قوله: "رأين"، والفاء تصلح أن تكون للسببية، قوله:"عني": يتعلق به، والباء في:"بالخدود" للسببية، أي: بسبب خدودهن النواضر أعرضن عني، لأن الخدود النواضر لا تكون إلا للشبان، والشيب في العارض يكون للشيوخ، والشابة دائمًا تعرض عن الشيخ.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "رأين" حيث جمع مع أنه مسند إلى الفاعل الظاهر، والقياس: رأت الغواني

(4)

.

‌الشاهد الثاني والتسعون بعد الثلاثمائة

(5)

،

(6)

أَسْقَى الإِلَهُ عُدُوَاتِ الوَادِي

وَجَوْفهُ كُل مُلِثٍّ غَادِي

كُلُّ أَجَشٍّ حالكِ السوَادِ

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج،

وهو من الرجز المسدس.

قوله: "عدوات" بضم العين والدال المهملتين؛ جمع عدوة بضم العين وكسرها، قال

(1)

و

(2)

و

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ينظر الشواهد (381 - 385) من هذا الكتاب.

(5)

ابن الناظم (84).

(6)

الأبيات من بحر الرجز، وهي لرؤبة في ديوانه (172)، مجموع أشعار العرب- وليم بن الورد، وهي مرتبة كما هنا، وانظرها في الكتاب لسيبويه (1/ 289)، والمحتسب (1/ 117)، وتخليص الشواهد (477)، والخصائص (2/ 425)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 384).

ص: 938

الجوهري: العُدوة والعِدوة: جانب الوادي وحافته، قال تعالى:{إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى} [الأنفال: 42]، والجمع: العداء مثل البُرمة والبُرام، وعُدَيات، وقال النحاس في شرح أبيات الكتاب: يقال: عُدوة وعَدوة وعِدوة بالضم والفتح والكسر، فجمع عدوة بالفتح والضم بالتسكين، وجمع عدوة بالفتح بالكسر والفتح والتسكين، وروى سيبويه

(1)

:

أَسْقَى الإِلَهُ جَنَبَاتِ الوَادِي

قوله: "ملث" بضم الميم وكسر اللام وتشديد الثاء المثلثة، من ألث المطر إذا دام أيامًا لا يقلع، ومثله ألبّ بالباء الموحدة، و "الغادي" بالغين [المعجمة]

(2)

، وهو الآتي في الغداة؛ لأنه يكون باردًا، من غدا يغدو غدوًّا.

و"الأجش" بالجيم والشين المعجمة المشددة، وهو السحاب الذي فيه شديد صوت الرعد وجهيره، قوله:"حالك السواد" أي: شديد السواد؛ من حلك الشيء يحلك حلوكة إذا اشتد سواده، واحلولك مثله، ومنه يقال: أسود حالك، وكذا يقال: حانك بالنون وهو بمعناه، ويوصف السحاب بذلك لكثرة ما يحمله من المطر.

الإعراب:

قوله: "أسقى": فعل، و"الإله": فاعله، قوله:"عدوات الوادي": كلام إضافي مفعوله، والجملة وإن كانت خبرًا لفظًا فهي إنشاء معنى، لأنها دعاء؛ لأن المعنى جعل لها شيئًا ما يسقيها، قوله:"وجوفه" بالنصب عطف على عدوات الوادي، أي: وأسقى جوف الوادي.

قوله: "كل ملث": [كلام إضافي مفعول أسقى -أيضًا-، كما تقول: سقيت زيدًا ماءً، قوله: "ملث": صفة لموصوف محذوف تقديره: كل مطر ملث]

(3)

، أي: دائم كما ذكرنا.

قوله: "غادي"؛ صفة لملث، قوله:"كل أجش": كلام إضافي مرفوع بفعل محذوف تقديره: سقى كل سحاب أجش دل عليه: "أسقى"، "وأجش": صفة موصوفها محذوف تقديره: كل سحاب أجش، قوله:"حالك السواد" بإضافة حالك إلى السواد، ويجوز في حالك الوجهان: الرفع على أن يكون صفة

(4)

لكل، والجر على أن يكون صفة للأجش.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كل أجش" حيث حذف فعل الفاعل فيه، لأن التقدير: سقاها [كل أجش]

(5)

؛

(1)

ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 289).

(2)

و

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

في (ب): على أنه صفة.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 939

لدلالة أسقى عليه كما ذكرنا

(1)

.

‌الشاهد الثالث والتسعون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

إنَّ امْرَأً غَرَّهُ مِنْكُنَّ واحدةٌ .. بعدي وبَعدَك في الدنْيَا لمغرُورُ

أقول: هذا البيت احتج به سيبويه، ولم يعزه إلى أحد.

وهو من البسيط، المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله:"امرأ": اسمه، وقوله:"لمغرور": خبره، قوله:"غره": جملة من الفعل والمفعول وهو الضمير الذي يرجع إلى المرء، وقوله:"واحدة" بالرفع فاعله، قوله:"منكن" في محل الرفع صفة لواحدة، أي: واحدة كائنة منكن، [ويجوز أن يكون حالًا، أي: حال كونها كائنة منكن]

(4)

، والجملة في محل النصب على أنها صفة لقوله:"امرأ" قوله: "بعدي": كلام إضافي ظرف لقوله: "غره"، و"بعدك": عطف عليه، وقوله:"في الدنيا": متعلق بقوله: "لمغرور".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "غيره" حيث ذكر الفعل المسند إلى المؤنث وهو قوله: "واحدة" والتقدير: امرأة واحدة؛ كذا قدره سيبويه والجمهور، والمرأة مؤنث حقيقي، وتركت التاء من الفعل للفصل بالمفعول وهو الهاء، وبالجار والمجرور وهو منكن

(5)

.

وقال المبرد: التقدير: خصلة واحدة، فلا دليل حينئذ في البيت؛ لأن التأنيث مجازي

(6)

،

(1)

ينظر الشاهد رقم (379).

(2)

ابن الناظم (86).

(3)

البيت من بحر البسيط، لقائل مجهول، وهو في الغزل والعتاب والتذكير بأنه ليس للمرأة عهد، وانظره في الإنصاف (174)، وتخليص الشواهد (481)، والخصائص (2/ 414)، والدرر (6/ 271)، وابن يعيش (5/ 93)، واللسان:"غرر"، واللمع (116)، وهمع الهوامع للسيوطي:(2/ 171)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 112)، والبيت غير موجود في الكتاب لسيبويه: طبعة هارون.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب)، وقوله:"منكن" ليس صفة كما ذكره، ولكنه حال؛ لأن الصفة إذا تقدمت صارت حالًا.

(5)

الأصل في الفاعل الحقيقي المؤنث أن تلزم في فعله التاء، والذي جرأ الشاعر على حذف التاء هو الفصل بين الفعل وفاعله بالمفعول وهو الضمير وبالجار والمجرور وهو منكن، والأصل: غيره منكن امرأة واحدة فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه، وكان عليه أن يؤنث الفعل ولكنه حذف التاء للفصل.

(6)

ينظر المقتضب (2/ 146)، (3/ 349)، (4/ 59)، وابن يعيش (5/ 93).

ص: 940

والتقدير الأول أظهر؛ لأنه إلى الذهن أسبق، ويؤيد صحته حكاية سيبويه: حضر القاضي اليوم امرأة

(1)

.

‌الشاهد الرابع والتسعون بعد الثلاثمائة

(2)

،

(3)

......................

فَمَا بَقيَتْ إلا الضلُوع الجرَاشِعُ

أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان بن عقبة، وصدره:

طَوَى النَّحْزُ والأجْرَازُ مَا فيِ غُرُوضها .... ..................................

وهو من قصيدة طويلة من الطويل، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

أَمُنْزِلَتِي مَيّ السلَامُ عَلَيكُمَا

هل الأَزْمُنُ اللائِي مَضَينَ رَوَاجِع؟

2 -

وهل يَرجِعُ التسلِيمَ أَوْ يَكْشف العَمَى

ثَلَاثُ الأثافِيُّ والرسومُ البَلَاقعُ؟

3 -

توَهَّمتها يَوْمًا فَقُلْتُ لصَاحِبي

وليسَ بها إلا الظبَاءُ الخوَاضعُ

إلى أن قال:

4 -

غُرَيْرِيَّةُ الأَنْسَابِ أَوْ شَدقَمِيَّة

عِتَاقُ الذَّفَاري وسج وَمَوَالِعُ

5 -

طوى النحز ............

...................... إلى آخره

6 -

لأحناءِ أُنَحِّيها بكُل مفَازَةٍ

إِذَا قَلِقَت أَعرَاضُهُنَّ قَعَاقعُ

(5)

1 -

قوله: "مي": مرخم مية اسم امرأة.

(1)

قال سيبويه: "وكلما طال الكلام فهو أحسن؛ نحو قولك: حضر القاضي امرأة؛ لأنه إذا طال الكلام كان الحذف أجمل وكأنه شيء يصير بدلًا من شيء" الكتاب لسيبويه (2/ 38) وانظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 112).

(2)

ابن الناظم (86)، وشرح ابن عقيل (2/ 90).

(3)

عجز بيت من بحر الطويل لذي الرمة يصف ناقته، وقد أثبت الشارح صدره، ويروى عجزه:

(فما بقيت إلا الصدور) ينظر الأشموني (2/ 52)، والمحتسب لابن جني (2/ 266)، وتخليص الشواهد (482)، وتذكرة النحاة (113)، وابن يعيش (2/ 87)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (527)، وديوان ذي الرمة (2/ 296)، تحقيق د. عبد القدوس أبو صالح.

(4)

ينظر القصيدة في ديوان ذي الرمة (2/ 273)، بتحقيق عبد القدوس أبو صالح، وشرح أبي نصر الباهلي وديوانه أيضًا (447) بشرح الخطيب التبريزي.

(5)

لم يفسر العيني ألحيها، وفي اللسان مادة:"لحا" يقول: "وقال أَبو منصور: المعروف فيه المدّ، ولحاء كل شجرة: قشرها ممدود، والجمع: أَلحية ولحي، ولحي ولحَاها يَلْحاها لحَيا والتَحاها: أخذ لحاءها، وأَلحَى العُودُ إذا أنى له أَن يُلْحَى قِشرُه عنه، واللِّحاء: قِشر كل شيء، ولحوت العُود أَلحوه وأَلحاه إذا قَشرته والتَحَيت العصا وَلحيتها التِحاء ولحَيًا إذا قشرتها".

والألحى مفرده: لحية، وجمع التكسير للكثرة: لحى، وللقلة: ألح، وهي منبت شعر اللحية من الإنسان.

ص: 941

2 -

وأراد: "بالعمى" الجهل، و "الأثافي": جمع أثفية القِدر، وهي الحديدة التي ينصب عليها القدر.

3 -

قوله: "توهمتها" أي: أنكرتها، و"الخواضع": جمع خاضعة وهي التي قد طأطأت رأسها.

4 -

قوله: "غريرية الأنساب"[بضم الغين المعجمة، أراد أنها نوق منسوبات إلى فحل، وقال الكميت]

(1)

،

(2)

.

غُرَيْرِيَّةُ الأنساب أو شدقَمِيَّة

يَصلْنَ إلى البِيدِ الفَدَافِدِ فَدفَدَا

وهذا كما ترى ضمن بيته شطر بيت ذي الرمة، قوله:"أو شدقمية": نسبة إلى شدقم، وهو اسم فحل كان للنعمان بن المنذر تنسب إليه الشدقميات من الإبل، والشدقم: الواسع الشدق والميم زائدة.

قوله: "عتاق الذفارى" بفتح الذال المعجمة والفاء، وهو جمع ذفرى بكسر الذال، وهو من القفا الموضع الذي يعرق من البعير خلف الأذن، قوله:"وُسّج" بضم الواو وتشديد السين المهملة وفي آخره جيم؛ جمع واسجة من الوسيج، وهو ضرب من سير الإبل، قوله:"وموالع": جمع مالعة من الملَع، وهو السير السريع الخفيف، وقد ملعت الناقة في سيرها وانملعت.

5 -

قوله: "طوى النحز إلى آخره" يصف ناقته، يقول: طوى وهزل ما أصابها من شدة الاستحثاث، والركض، ومن السير في الأرض التي لا نبات فيها، و "النحز" بفتح النون وسكون الحاء المهملة وفي آخره زاي معجمة، [وهو]

(3)

الدفع والنخس، والنحز- أيضًا الدق بالمنحاز وهو الهاون.

قوله: "والأجراز" بفتح الهمزة وسكون الجيم بعدها راء مهملة وفي آخره زاي معجمة، وهو جمع جُرُز بضمتين، قال أبو زيد: أرض جرز لا نبات بها؛ كأنه انقطع عنها المطر

(4)

.

وقال الجوهري: وفيها أربع لغات: جُرز، وجُرز مثل: عسْر وعُسُر، وجَرزٌ وجرَز مثل: نهْر ونهر، وجمع الجُرْز: جِرْزَة، مثل: حُجْر وحِجْرة، وجمع الجَرَز: أَجْرَاز مثل: سَبَبٍ وأَسْبَاب

(5)

.

قوله: "غروضها" بضم الغين المعجمة والراء؛ جمع غرض وهو حزام الرحل، و "الجراشع": جمع جرشع بضم الجيم والشين المعجمة، وهي المنتفخة البطون والجنوب.

6 -

قوله: "لأحناء": جمع حنو، وحنو كل شيء ناحيته، قوله:"إذا قلقت" أي: صوتت،

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

البيت من الطويل، وهو في ديوان الكميت بن زيد الأسدي (1/ 164)، ط. العراق.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

و

(5)

الصحاح مادة: "جرز".

ص: 942

"أعراضه" وهو جمع عَرض بفتح العين المهملة وسكون الراء وفي آخره ضاد معجمة، وهو سفح الجبل وناحيته، قوله:"قعاقع" بقافين وعينين مهملتين، وهو تتابع أصوات الرعد وارتفاعه بالابتداء وخبره مقدما هو قوله:"لأحناء".

الإعراب:

قوله: "طوى": فعل ماض، و "النحز": فاعله، و "الأجراز": عطف عليه، وقوله:"ما في غروضها": في محل النصب على المفعولية، قوله:"فما بقيت" الفاء تصلح للتفسير

(1)

، وقوله:"الضلوع": فاعل بقيت، وبطل عمل ما بدخول إلا، وقوله:"الجراشع": صفة للضلوع.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فما بقيت" حيث أنث الفعل على أن المختار كان حذف التاء لوجود الفصل بإلا؛ كذا قاله ابن الناظم

(2)

، ولكن التأنيث خاص بالشعر، نص عليه الأخفش، وأنشد على التأنيث:

مَا بَرِئَتْ مِن ريبةٍ وذم

في حَرْبنَا إِلا بناتُ العَمِّ

(3)

وقد حققنا الكلام فيه عن قريب.

‌الشاهد الخامس والتسعون بعد الثلاثمائة

(4)

،

(5)

وَلَمَّا أَبَى إلا جِمَاحًا فُؤَادُهُ

ولم يَسلُ عَنْ لَيلَى بِمَالٍ ولَا أَهْلِ

أقول: ذكر البياسي

(6)

في شرح الحماسة أن قائل هذا البيت هو دعبل بن علي الخزاعي

(7)

، وهو من المحدثين، وليس ممن يحتج بهم، وبعده بيت آخر وهو

(8)

:

تَسَلَّى بِأُخْرَى غيرها فإذَا التِي .... تَسلَّى بِها تُغْرِي بِلَيلَى ولَا تُسلِي

(1)

في (أ): تفسيرية.

(2)

ينظر ابن الناظم (86).

(3)

ينظر الشاهد (389).

(4)

أوضح المسالك (2/ 121).

(5)

البيت من بحر الطويل وهو في النسيب بالغزل العذري، قيل: لدعبل الخزاعي، وقيل: للحسين بن مطر، وقيل: لابن الدمينة، وقيل: لمجنون ليلى، وانظر مراجعه في الدرر (2/ 281)، وشرح التصريح (1/ 282)، وسمط اللآلئ (502)، وأمالي القالي (1/ 2131)، وتذكرة النحاة (334)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1292)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 161).

(6)

هو جمال الدين يوسف بن محمد بن إبراهيم البياسي (ت 653 هـ)، ينظر الأعلام (8/ 249).

(7)

البياسي: عاش ما بين (573 - 653 هـ = 1177 - 1255 م) وهو يوسف بن محمد بن إبراهيم الأنصاري البياسي.

انظر الأعلام للزركلي (8/ 249).

(8)

ينظر أمالي القالي (1/ 213)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1292).

ص: 943

وهما من الطويل.

قوله: "جماحا": من جمح [الفرس]

(1)

إذا جرى جريًا عاليًا، وقال ابن فارس: جمح الفرس جماحًا إذا أعثر فارسه حتى يغلبه

(2)

، وقال ابن الأثير: جمح أي: أسرع إسراعًا لا يرده شيء، وكل شيء مضى لوجهه على أمر فقد جمح، والجموح من الرجال الذي يركب هواه فلا يمكن رده، والمعنى هاهنا على هذا، قوله:"ولم يسل" من سلا يسلو سلوًا، قوله:"تغرى": من الإغراء وهو الإشلاء والتحريض.

الإعراب:

قوله: "ولما": ظرف، وجوابه قوله:"تسلى" في البيت الثاني، وقوله:"أبى": فعل بمعنى امتنع، وقوله:"فؤاده": كلام إضافي فاعله، قوله:"إلا جماحًا" استثناء من موجب، والاستثناء من موجب يجوز نصبه بالناصب، وهو إلا عند المحققين كما عرف في موضعه، ولكن جماحًا في الحقيقة مفعول حصر بإلا وتقدم على فاعله، ومثل هذا يجوز عند البصريين والكسائي والفراء، وذهبت طائفة إلى أن المحصور بإلا يجب تقديم فاعله كما في المحصور بإنما نحو: إنما ضرب زيد عمرًا

(3)

، قوله:"ولم يسل": عطف على قوله: "ولما أبى"، و"عن ليلى": يتعلق به وكذا الباء في قوله: "بمال"، قوله:"ولا أهل" بالجر عطف على بمال، قوله:"فإذا التي تسلى" إذا هذه للمفاجأة، وما بعده مبتدأ وخبر.

الاستشهاد فيه:

أن البصريين احتجوا به على جواز تقديم المفعول المحصور بإلا على الفاعل كما شرحناه الآن

(4)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

مقاييس اللغة مادة: "جمح".

(3)

أجاز الكسائي تقديم المحصور بإلا فاعلًا كان أو مفعولًا وتبعه الفراء وهو قول أكثر البصريين في جواز تقديم المفعول المحصور بإلا في البيت، أما إذا كان المحصور فاعلًا فلا تقديمه عن البصريين، وما ورد من ذلك يؤول عندهم وستأتي شواهد دالة على ذلك، وإن كان المحصور بإلا أو إنما وجب تأخير الفاعل أو المفعول المحصور، وإن كان بما وإلا جاز تقديم المحصور إذا تقدم معه إلا على الراجح؛ لأن المحصور يعرف بوقوعه بعدها تقدمت أو تأخرت. ينظر توضيح المقاصد (2/ 19) وارتشاف الضرب (2/ 200)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 134)، والتذكرة (334، 335).

(4)

أجاز بعض البصريين تقديم المفعول المحصور بإلا على الفاعل بشرط أمن اللبس كقولك: ما أفاد إلا المريض الدواء، ومثله بيت الشاهد والبيت الآتي رقم (396).

ص: 944

‌الشاهد السادس والتسعون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

تَزوَّدْتُ مِنْ لَيلَى بتَكلِيمِ سَاعَةٍ

فَمَا زَادَ إلا ضِعْفَ مَا بي كَلَامُها

أقول: قائله هو مجنون بني عامر.

وهو من الطويل.

المعنى: ظاهر.

الإعراب:

قوله: "تزودت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"بتكليم ساعة": في محل النصب على المفعولية، وإضافة تكليم إلى ساعة من قبيل إضافة: يا سارق الليلة، ولما كان وجود التكليم في ساعة أضيف إليها لأدنى ملابسة، قوله:"من ليلى": يتعلق بقوله: "بتكليم ساعة"، قوله:"فما زاد" الفاء تصلح للتعليل، و "زاد": فعل متعد، وقوله:"كلامها" بالرفع فاعله، والمستثنى المنصوب مفعوله مقدمًا.

الاستشهاد فيه:

حيث احتج [به]

(3)

البصريون على جواز تقديم المفعول المحصور بإلا على فاعله [وهو]

(4)

كما في البيت السابق

(5)

، وقد قيل: لا دليل فيه لجواز أن يكون فاعل زاد ليس قوله: "كلامها"، [بل ضميرًا مستترًا في زاد راجعًا إلى تكليم ساعة، وحينئذ يبقى قوله:"كلامها"،

(6)

لا رافع له من اللفظ فيحتاج إلى تقدير عامل فيقدر: زاده كلامها، وهذا التأويل مستبعد؛ لأن مثل هذا إنما يحسن إذا كان في الكلام السابق إيهام؛ فيستأنف حينئذ له جملة توضحه، وتقدر تلك الجملة جوابًا لسؤال كما في قوله

(7)

:

ليُبْكِ يَزيدُ ضَارِعٌ لخُصُومةٍ

..........................

وقد أجيب عن ذلك بأن الفاعل لما لم يكن ظاهرًا؛ بل ضميرًا مستترًا حصل إيهام ما فسوغ السؤال والجواب.

(1)

ابن الناظم (87)، وأوضح المسالك (2/ 122)، وشرح ابن عقيل (2/ 103).

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو لمجنون ليلى، ينظر ديوانه (172) سلسلة:"شعراؤنا"، والدرر (2/ 287)، وشرح التصريح (1/ 282)، وتخليص الشواهد (486)، والدرر (3/ 172)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 161، 230).

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ينظر الشاهد رقم (395).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(7)

ينظر الشاهد رقم (395).

ص: 945

‌الشاهد السابع والتسعون بعد الثلاثمائة

(1)

،

(2)

وهلْ يُنْبِتُ الخطِيّ إِلا وَشِيجُهُ

وَيُغْرَسُ إِلَّا فِي مَنْبِتِها النَّخْلُ

أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، وهو من قصيدة طويلة من الطويل يمدح بها شيبان بن خارجة، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

صَحَا الْقَلْبُ عَنْ سَلْمَى وقد كادَ لَا يَسلو

وأقْفَرَ منْ سلمى التَّعَانِيقُ فالثُّجْلُ

2 -

وقد كنتُ من سلْمَى سنينَ ثمانيا

عَلَى صِيرِ أَمرٍ مَا يَمرُّ ومَا يَحلُو

إلى أن قال:

3 -

سَعَى بعدَهم قومٌ لِكَي يُدركُوهُمُ

فَلَم يَفْعَلُوا ولم يُلامُوا ولم يَأْلُوا

4 -

فمَا كَانَ منْ خيرٍ أَتَوْهُ فَإِنَّمَا

توَارثَهُ آباءُ آبائهم قبلُ

5 -

وهل ينبت .............

............................ إلى آخره

1 -

قوله: "أقفر": من أقفرت الدار إذا خلت من القفر؛ وهي مفازة لا نبات فيها ولا ماء، ويقال: أرض قفر ومفازة قفر وقفرة -أيضًا- ومقفار، و "التعانيق" بفتح التاء المثناة من فوق والعين المهملة وبعد الألف نون مكسورة ثم ياء آخر الحروف ساكنة ثم قاف، وهو اسم موضع، و"الثجل" بضم الثاء المثلثة وسكون الجيم، وهي الأودية.

2 -

قوله: "على صير" بكسر الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء المعنى: على منتهى أمر وصيرورته، وهو مصدر صار صيرًا وصيرورة، يقال: أنا من حاجتي على سير وعلى صيرورة إذا كان على شرف منها، قوله:"ما يمر" أي: لا يصر فايأس منه ولا يحلو فأرجوه.

3 -

قوله: "سعى بعدهم قوم إلى آخره" معناه: سبقت آباؤهم فلم يدركوهم ولم يلاموا على تقصير ولم يألوا أن يبلغوا آباءهم، قال الأصمعي: ولم يليموا؛ أي: لم يأتوا ما يلامون عليه، ويقال: ألام الرجل أتى ما يلام عليه.

(1)

أوضح المسالك (2/ 133).

(2)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة لزهير بن أبي سلمى في ديوانه (58)، دار بيروت، (96) نسخة دار الكتب، يمدح بها شيبان بن خارجة، وانظر بيت الشاهد في شرح التصريح (1/ 282)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 135)، وتذكرة النحاة (334)، واللسان مادة:"خطط".

(3)

انظر ديوان زهير بن أبي سلمى (96) صنعة أبي العباس ثعلب، ط. دار الكتب المصرية.

ص: 946

4 -

قوله: "توارثه" يعني: ورثه كابرًا عن كابر.

5 -

قوله: "الخطي" بفتح الخاء وتشديد الطاء والياء آخر الحروف، وهو الرمح المنسوب إلى الخط، وهو سيف البحر عند عمان والبحرين، قوله:"وشيجه" بفتح الواو وكسر الشين المعجمة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وفي آخره جيم، وهو من القنا ما ينبت في الأرض معترضًا، قال ابن الأثير: الوشيج: جمع وشيجة وهي عروق الشجرة، ووشجت العروق والأغصان: اشتبكت.

المعنى: لا تنبت القناة إلا القناة؛ كما [يقال:]

(1)

لا تنبت الحقلة إلا البقلة، يعني: أنهم كرام لا يولد الكريم إلا في موضع الكريم.

الإعراب:

قوله: "وهل": للنفي بمعنى ما النافية، "وينبت" من الإنبات، وفاعله قوله:"وشيجه"، و (الخطي): بالنصب مفعوله مقدمًا، "وإلا" بمعنى غير، والمعنى: غير وشيجه، قوله:"ويغرس" على صيغة المجهول عطف على قوله: "ينبت"، و "النخل": مرفوع لكونه مفعولًا قام مقام الفاعل، والمعنى: وهل تغرس النخل إلا في منابتها؟ والضمير يرجع إلى النخل، وليس [هو]

(2)

بإضمار قبل الذكر؛ لأن التقدير: وهل تغرس النخل إلا في منابتها؟، فالنخل وإن كان في اللفظ مؤخرًا ولكنه في المعنى والرتبة مقدم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وهل ينبت الخطي إلا وشيجه" حيث قدم المفعول على فاعله لأجل الحصر بإلا كما في الأبيات السابقة

(3)

.

‌الشاهد الثامن والتسعون بعد الثلاثمائة

(4)

،

(5)

جَاءَ الخِلافَةَ إِذْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا

كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ

أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وهو من قصيدة رائية يمدح بها عمر بن عبد العزيز -

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر الشاهد رقم (395).

(4)

أوضح المسالك (2/ 124).

(5)

البيت من بحر البسيط، من قصيدة لجرير يمدح بها عمر بن عبد العزيز، ديوان جرير (1/ 412)، تحقيق د. نعمان طه، دار المعارف، وقد اختار العيني بعض أبياتها إلا أنه غير مرتبة كما وردت في الديوان، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (11/ 69)، والدرر (6/ 118)، وشرح التصريح (1/ 383)، والمغني (62، 80)، والجنى الداني (230)، وشرح عمدة الحافظ (627)، وشرح قطر الندى (184)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 134).

ص: 947

رضي الله تعالى عنه- لما وفد عليه مع وفود الشعراء، وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

كَم باليمامة من شَعثَاءَ أرمَلَةٍ

ومن يتيم ضعيفِ الصوت والنظرِ

2 -

ممنْ يَعدُّكَ تَكْفي فَقدَ وَالده

كالفَرخ في العُشِّ لم يَنْهضْ ولم يَطر

3 -

يدعُوكَ دعوةَ مَلْهُوفٍ كأَن به

خَبْلًا منَ الجِن أَو مسًّا منَ البَشَرِ

4 -

خليفةَ الله ماذا تأْمُرَنَّ بنَا

لَسنَا إليكم ولَا فيِ دارِ مُنْتَظر

5 -

ما زلْتُ بعدَك في همٍّ يُؤَرِّقُني

قد طال في الحَي إضعادِي ومُنْحَدِرِي

6 -

لَا يَنْفَعُ الحَاضرُ المجهُودَ بادينَا

ولا يَعُودُ لَنَا بَادٍ على حَضر

7 -

إِنا لنَرجُو إِذَا ما الغَيْثُ أَخْلَفَنَا

من الخلِيفَةِ مَا نرجُو منَ المَطَر

8 -

جاء الخلافة ...........

.......................... إلى آخره

9 -

كُلُّ الأَرَامِل قد قضيت حَاجَتها

فَمَنْ لحاجَة هذِا الأرملِ الذكر

فلما سمع عمر بن عبد العزيز -رضي اللَّه تعالى عنه- هذا قال: يا جرير واللَّه ولِّيتُ هذا الأمر وما أملك إلا ثلاث مائة؛ فمائة أخذها عبد اللَّه، ومائة أخذتهما أم عبد اللَّه، يا غلام أعطه المائة الباقية، فقال: والله يا أمير المؤمنين: إنها لأحب مال كسبته ثم خرج، وهي من البسيط، المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "جاء": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى عمر بن عبد العزيز -رضي الله تعالى عنه- و"الخلافة " بالنصب مفعوله، ويروى:

أتى الخلافة ................

...................................

كما ذكرنا، قوله:"إذ": ظرف بمعنى حين، قوله:"كانت" أي: الخلافة، واسم كان الضمير الذي فيه، وخبره قوله:"قدرًا" أي: حين كانت له مقدرة، قوله:"كما أتى" الكاف للتشبيه، وما مصدرية، والجملة في محل النصب على أنها صفة لمصدر محذوف والتقدير: أتى الخلافة إتيانًا كإتيان موسى بن عمران -صلوات اللَّه عليه وسلامه- ربه عز وجل.

وقوله: "أتى": مسند إلى موسى، و "ربه" بالنصب مفعول، وليس هو بإضمار قبل

(1)

انظر ديوان جرير (412)، تحقيق د. نعمان طه، دار المعارف، إلا أن البيت المذكور في الشرح وما بعده ليس أول القصيدة، بل هو الثالث عشر منها، وبيت الشاهد قبل آخرها برواية:"نال الخلافة"، والأبيات في شرح شواهد المغني (197).

ص: 948

الذكر؛ لأن الفاعل وان كان مؤخرًا في اللفظ فهو مقدم في الرتبة، قوله:"على قدر": يتعلق بقوله أتى، وعلى بمعنى الباء؛ أي: أتى بقدر، وذلك كما في قوله تعالى:{حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إلا الْحَقَّ} [الأعراف: 105].

الاستشهاد فيه:

على توسط المفعول بين الفعل والفاعل جوازًا؛ كما في قوله: "كما أتى ربه موسى" فإن ربه مفعوله، و "موسى"[عليه السلام]

(1)

فاعل، وأتى فعله؛ كما ذكرنا

(2)

.

‌الشاهد التاسع والتسعون بعد الثلاثمائة

(3)

،

(4)

جَزَى رَبه عني عَدِيّ بنَ حَاتِمِ

جزَاءَ الكِلَابِ العَاويَاتِ وقَد فَعَلْ

أقول: قد قيل: إن قائله هو النابغة الذبياني، وقال أبو عبيدة: قائله هو عبد الله بن همارق أحد بني عبد الله بن غطفان، وحكى الأعلم أنه لأبي الأسود الدؤلي يهجو عدي بن حاتم الطائي، وقد قيل: إن قائله لم يعلم حتى قال ابن كيسان: أحسبه مولدًا مصنوعًا

(5)

، وفي صدره خلاف فوقع في رواية القياسي

(6)

:

جزى اللَّه عبسًا والجزاء بكفه

............................

ووقع في رواية أبي عبيدة

(7)

:

جَزَى الله عبسًا عَبسَ آل بغيضٍ

...............................

وكان بنو عبس قد حالفوا ربيعة بن شكل بن كعب بن الجريس بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة إلى أن قال النابغة أو عبد الله بن همارق هذا البيت وبيتين آخرين بعده، وهما:

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

أجاز النحاة بالإجماع عود الضمير من المفعول على الفاعل المتأخر؛ كقول العرب: خاف ربه عمر، ومنه بيت الشاهد، وإنما جاز ذلك لأن الفاعل رتبته التقديم، وكأن الضمير قد عاد على متقدم في الرتبة وإن كان متأخرا في اللفظ.

(3)

أوضح المسالك (2/ 125)، وشرح ابن عقيل (2/ 108).

(4)

البيت من بحر الطويل وهو في الهجاء، وقد اختلف في قائله على ما ترى في الشرح، فقد نسب للنابغة الذبياني، ولأبي الأسود الدؤلي يهجو عدي بن حاتم، ولغيرهما، وانظره في الخصائص لابن جني (1/ 295)، والتصريح (1/ 283)، والخزانة (1/ 277)، والهمع (1/ 66)، والدور (1/ 44) وشذور الذهب (178).

(5)

ينظر الخزانة (1/ 281).

(6)

محمد بن الحسن بن علي الطوسي: مفسر، أحرقت كتبه عدة مرات (ت 460 هـ)، ينظر الأعلام (3/ 233).

(7)

ينظر الخزانة (1/ 281).

ص: 949

2 -

فأصبَحْتُمُ والله يَفْعَلُ ذَاكُم

يَنُولُ النسَاءَ المُرْضِعَاتِ بنُو شكَلْ

3 -

إذا شاءَ منهم ناشئ دربختْ له

لطيفَةٌ طي الكَشْحِ رابِيَة الكَفَلْ

وهي

(1)

من الطويل.

1 -

قوله: "العاويات": جمع عاوية؛ من عوى الكلب والذئب، وابن آوى يعوي عواء صاح، ويقال لصوت الكلب: النباح -أيضًا- والضغاء والتضور والزئير والوهوهة، وإذا كان من صدره فهو الهرير، واختلف في المراد بجزاء الكلاب العاويات، فقيل: هو الضرب والرمي بالحجارة، وقال الأعلم: وهذا ليس بشيء وإنما دعا عليه بالأنبه؛ إذ الكلاب تتعاوى عند طلب السفاد، قال: وهذا من ألطف الهجو.

3 -

قوله: "ناشئ" بالهمز في آخره، وهو الحدث الذي قد جاوز حد الصغر، والجارية ناشئ -أيضًا-، قوله:"دربخت له" أي: خضعت له وطاوعته، و "الكشح": ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف، قوله:"رابية الكفل" أي: عالية الكفل، وأراد به غلظ كفلها وسمنه.

الإعراب:

قوله: "جزى": فعل ماض، و "ربه":[كلام إضافي]

(2)

فاعله [و "عدي بن حاتم": مفعوله]

(3)

، و "جزاء الكلاب": كلام إضافي نصب على المصدرية أو بنزع الخافض؛ أي: كجزاء الكلاب، والتقدير: جزاء كجزاء الكلاب، و "العاويات" بالجر صفة للكلاب، قوله:"وقد فعل" الواو للحال، أي: وقد فعل اللَّه ذلك أي الجزاء، ونظير هذا قول المتنبي

(4)

:

وهذَا دُعاءٌ لوْ سكت كفيتُهُ

لأَنِّي سألتُ الله فيكَ وقد فَعَلْ

الاستشهاد فيه:

في قوله: "جزى ربُّه" حيث احتج به الأخفش وجماعة من المتأخرين على صحة القول بنحو

(5)

:

..........................

........ زان نوره الشجر

(1)

في (أ) وهو.

(2)

و

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

البيت للمتنبي، من بحر الطويل في ديوانه (92)، شرح مصطفى سبيتي، طبعة دار الكتب العلمية، والاستشهاد فيه في قوله:"وقد فعل" حيث استشهد على أن الواو في قوله: "وقد" واو الحال.

(5)

البيت للمتنبي، من بحر الطويل وقافيته متدارك، من مقطوعة تتكون من بيتين عندما رأى قومه يستكثرون الحروف، في ديوانه (3/ 90)، تحقيق مصطفى السقا، ط. الحلبي (1971 م).

ص: 950

والجمهور على المنع، سواء كان في نثر أو نظم

(1)

، وأجابوا عن البيت بأن الضمير في ربه يرجع إلى الجزاء المدلول عليه بلفظ الفعل؛ كما في قوله تعالى:{اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] أي: جزى رب الجزاء عني عدي بن حاتم، وليس هو راجعًا إلى عدي بن حاتم، أو يقال: إنه ضرورة

(2)

، وقال ابن كيسان: إنه شاذ، أو تكون الكناية لغير عدي بن حاتم، فكأنه وصف رجلًا أحسن إليه ثم قال: جزاه ربه عني خيرًا، وجزى عني عدي بن حاتم شرًّا، فحينئذ لا شذوذ في البيت

(3)

.

قلتُ: لا يخفى ما في هذا التأويل من الوهي لكثرة الحذف وادعاء حذف ما لا دليل عليه فافهم.

(1)

يمنع الجمهور عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبةً، فإن ورد من ذلك شيء كان شاذًّا ويجب تأويله، وذلك نحو تقديم الفاعل الملتبس بضمير المفعول عليه مثل: زان نوره الشجر، قال ابن الناظم:"فلو كان ملتبسًا بضمير المفعول وجب عند أكثر البصريين تأخيره عن المفعول؛ نحو: زان الشجر نوره، وقوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} [البقرة: 124] لأنه لو تأخر المفعول عاد الضمير على متأخر لفظًا ورتبة. ومنهم من أجازه؛ لأن استلزام الفعل للمفعول يقوم مقام تقديمه فتقول: زان نوره الشجر".- ابن الناظم (229). وأجازه جمع من النحويين كالأخفش والطوال وابن جني وابن مالك شعرًا ونثرًا، واستدل ابن مالك بستة أبيات من الشعر. قال ابن جني:"وأما أنا فأجيز أن تكون الهاء في قوله: (البيت) عائدة على عدي خلافًا على الجماعة .... ". الخصائص لابن جني (1/ 294، 295)، قال ابن مالك: "ومثال الضمير الذي يتقدم قليلًا قول حسان يرثي مطعم بن عدي جد نافع ابن جبير:

وَلَوْ أنَّ مَجْدًا أخلدَ الدهرَ واحدًا

من النَّاسِ أبقَى مجْدُهُ الدَّهرَ مُطْعِمَا

والنحويون إلا أبا الفتح يحكمون بمنع مثل هذا، والصحيح جوازه لوروده عن العرب في الأبيات المذكورة وغيرها". شرح التسهيل لابن مالك (1/ 160 - 162)، وقد أجاز بعض النحاة ذلك في الشعر دون النثر وهو الحق والإنصاف؛ لأن ذلك إنما ورد في الشعر، وقد اختار ابن الناظم وابن الشجري وابن عصفور والمرادي وغيرهم جوازه في ضرورة الشعر دون النثر؛ قال ابن الناظم: "والحق أن ذلك جائز في الضرورة لا غير؛ كقول الشاعر:

جَزَى بَنُوهُ أَبَا الغَيلانِ عن كِبَرٍ

وَحُسْن فِعْلٍ كَمَا يُجْزَى سِنِمَّارُ

وقول حسان رضي الله عنه في مطعم بن عدي:

وَلَوْ أنَّ مَجْدًا أخلدَ الدهرَ واحدًا

من النَّاسِ أبقَى مجْدُهُ الدَّهرَ مُطْعِمَا

ومثله قول الآخر:

كسَا حِلْمُهُ ذَا الحِلْيم أَثْوَابَ سُؤدُدٍ

وَرَقَّى نَدَاهُ ذَا النَّدَى فيِ ذُرَا المَجْدِ"

ابن الناظم (229، 230)، ضرائر الشعر لابن عصفور (208 - 210)، وحاشية الخضري (1/ 166، 167)، وابن الشجري (1/ 101) وما بعدها.

(2)

ينظر ضرائر الشعر (208، 209)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 166)، وشرح التصريح (1/ 283).

(3)

ينظر رأي ابن كيسان في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 161)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 161)، وشرح الأشموني (2/ 59).

ص: 951

‌الشاهد المتمم الأربعمائة

(1)

،

(2)

مَا عَابَ إلَّا لَئيمٌ فِعْلَ ذِي كَرَم

ولَا جفا قَطّ إلَّاجُبَّأُ بطلًا

أقول: لم يعرف قائله. وهو من البسيط.

قوله: "لئيم" أي: بخيل، قال ابن فارس: اللئيم: الشحيح المهين النفس الدنيء يقال منه: لؤُم

(3)

قلت: ومما طرق سمعي من بعض الأفاضل أن البخيل من يبخل بمال نفسه على غيره، واللئيم من يبخل بمال نفسه على نفسه ويقال: البخيل من يبخل بمال نفسه واللئيم من يبخل بمال غيره، قوله:"ولا جفا": من جفوت أجفو جفاءً، والجفاء هو البعد، قوله:"جبأ" بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة بعدها همزة من غير مد، وهو الجبان، و "البطل" بفتح الباء الموحدة والطاء، هو الشجاع.

الإعراب:

قوله: "ما عاب" بطل عمل ما بإلا، و"عاب": فعل ماض، و "لئيم" مرفوع فاعله، و "إلا" بمعنى غير، وقوله:"فعل ذي كرم": منصوب على المفعولية؛ لأن عاب يتعدى، قوله:"ولا جفا": عطف على قوله: "ما عاب"، وقوله:"قط": ظرف زمان لاستغراق ما مضى ويختص بالنفي، واشتقاقه من قططته، [أي: قطعته]

(4)

ومعنى ما فعلته قط: ما فعلته فيما انقطع من عمري؛ لأن الماضي منقطع عن الحال والاستقبال، وبنيت لتضمنها معنى: مذ؛ لأن معنى ما فعلته قط: مذ أن خلقت إلى الآن، وإنما بنيت على الحركة لئلا يلتقي ساكنان، وبنيت على الضمة تشبيهًا بالغايات، وقد تكسر على أصل التقاء الساكنين، وقد تتبع قافه طاءه في الضم، وقد تخفف طاؤه مع الضم أو الإسكان

(5)

، قوله:"إلا جبأ" أي: غير جبأ، وجبأ مرفوع على الفاعلية، و "بطلًا": مفعوله.

الاستشهاد فيه:

أن الكسائي احتج على أن الفاعل المحصور بإلا لا يجب تأخيره، والجمهور على وجوب

(1)

أوضح المسالك (2/ 129).

(2)

البيت من بحر البسيط، غير منسوب في مراجعه لأحد، وهو في تخليص الشواهد (487)، وتذكرة النحاة (335)، والدرر (2/ 290)، وشرح التصريح (1/ 284)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 161).

(3)

مقاييس اللغة مادة: "لأم".

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ينظر المغني (175، 176).

ص: 952

تأخيره عن المفعول؛ كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]

(1)

، قلت: قرأ بعضهم: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ} برفع لفظة الله ونصب العلماء

(2)

، وهو مما يؤيد كلام الكسائي فافهم

(3)

.

فإن قلتَ: كيف يكون المعنى على هذه القراءة؟

قلتُ: هي من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم والمعنى: إنما يعظم الله من عباده العلماء؛ لأن الخشية من لوازمها التعظيم. فافهم.

‌الشاهد الأول بعد الأربعمائة

(4)

،

(5)

نُبِّئتُهُم عَذَّبُوا بالنَّارِ جَارَهُمْ

وهل يُعَذِّبُ إلا اللهُ بِالنَّارِ

أقول: احتج به الكسائي ولم يعزه إلى أحد.

وهو من البسيط.

قوله: "نبئتهم" على صيغة المجهول بمعنى أخبرتهم، والجار هو الذي أجرته من أن يظلمه ظالم، والجار هو الذي يجاورك -أيضًا- وأصله واوي.

الإعراب:

قوله: "نبئتهم": يقتضي ثلاثة مفاعيل: الأول: التاء التي نابت عن الفاعل، والثاني: الضمير المنصوب وهو هم، والثالث: جارهم، والباء في:"بالنار" تتعلق بقوله: "عذبوا"، قوله:"هل": للنفي، و"إلا": بمعنى غير، أي: ما يعذب أحد بالنار غير الله.

(1)

قال ابن مالك: "وإن كان مرفوع الفعل محصورًا وجب تأخيره وتقديم المنصوب عند البصريين والكوفيين إلا الكسائي، ويستوي في ذلك المضمر والظاهر؛ فالمضمر كقوله تعالى: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلا هُوَ} [الأعراف: 187] والظاهر نحو: لا يصرف السوء إلا الله، فلو قلت: لا يصرف إلا الله السوءَ امتنع عند غير الكسائي، فلو كان الحصر في غير المرفوع لزم أيضًا تأخير المحصور إلا عند الكسائي وأبي بكر بن الأنباري نحو: لا يرحم الله إلا الرحماء، فلو قلت: لا يرحم إلا الله الرحماء لم يجز إلا عندهما". شرح التسهيل لابن مالك (2/ 134) وينظر الارتشاف (2/ 200).

(2)

ينظر القراءة في القرطبي (5426)، طبعة دار الشعب.

(3)

القراءة ليس لا علاقة لها برأي الكسائي؛ فالقراءة فيها حصر الفاعل في المفعول، وقد تأخر المفعول، فهو في مكانه، وأما الكسائي فيجوز تقديم المقترن بإلا فاعلًا أو مفعولًا على غيره خلافًا للجمهور الذي يوجب تأخيره.

(4)

أوضح المسالك (2/ 130).

(5)

البيت من بحر البسيط، غير منسوب في مراجعه، وهو في شرح التصريح (1/ 284)، وتذكرة النحاة (335)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (413).

ص: 953

الاستشهاد فيه:

أن الكسائي احتج به على أن توسط المفعول وتأخير الفاعل لا يجب إذا كان الفاعل محصورًا بإلا، فإن المفعول في قوله:"وهل يعذب إلا الله" يجوز أن يقدر قبل الفاعل وبعده. فافهم

(1)

.

‌الشاهد الثاني بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

فَلَم يَدْرِ إِلا اللهُ مَا هَيَّجَتْ لَنَا

عَشِيةَ آنَاءُ الدِّيَارِ وشَامُهَا

أقول: لم أجد أحدًا ممن احتج به من أئمة النحو عزاه إلى قائله.

وهو من الطويل.

قوله: "ما هيجت" أي: ما أثارت، يقال: هيجت وهايجت كلاهما يتعديان، قوله:"آناء الديار" الآناء -بفتح الهمزة والنون: جمع نأي وهو البعد [وهو]

(4)

مما جمع فيه فعْل الصحيح العين على أفعال؛ كزند وأزناد، وفرخ وأفراخ، قوله:"وشامها" بكسر الواو وبالشين المعجمة، وهو جمع وشم؛ من وشم اليد وشمًا إذا غرزها بإبرة ثم ذر عليها النؤر وهو النيلج، وفي الحديث

(5)

"لعن الله الواشمة" والضمير يرجع إلى محبوبته التي يتشبب بها.

الإعراب:

قوله: "فلم يدر إلا الله" أي: غير الله، ولفظة الله مرفوعة

(6)

بلم يدر، وقوله:"ما هيجت": جملة في محل النصب على المفعولية، وكلمة ما موصولة، وهيجت صلتها، والعائد محذوف

(1)

ينظر الشاهد (400).

(2)

أوضح المسالك (2/ 131)، وشرح ابن عقيل (2/ 101).

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو ثاني أبيات من قصيدة لذي الرمة في الغزل، ومطلعها قوله:

مررنا على دار لمية مرة

وجاراتها قد كان يعفو مقامها

انظر ديوان ذي الرمة بتحقيق د. عبد القدوس أبو صالح (999)، وانظر بيت الشاهد في الدرر (2/ 289)، وتخليص الشواهد (487)، والمقرب (1/ 55)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 161).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

الحديث في سنن النسائي برقم (3363) برواية عَبدِ اللهِ قَال: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْوَاشِمَةَ وَالْمُوتَشِمَةَ وَالْوَاصِلَةَ وَالموْصُولَةَ وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَالمُحَلِّلَ وَالمحُلَّلَ لَهُ"، وهو مروي عن عائشة أيضًا برقم (5012) - وهي تقول: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوَاشِمَةِ وَالْمستَوشِمَةِ وَالْوَاصِلَةِ وَالمستوْصِلَةِ وَالنَّامِصَةِ وَالْمتُنَمصَةِ". وأخرجه البخاري في صحيحه (فتح الباري) كتاب اللباس، باب الموصولة (10/ 462) عن ابن عمر بلفظه.

(6)

في (أ) ولفظة الجلالة: مرفوع.

ص: 954

وتقدير الكلام: درى ما هيجته لنا.

قال ابن عصفور

(1)

: إنما احتيج إلى تأويل هذا؛ لأنه يناقض في الظاهر ما ذكر من أن الفاعل إذا كان مقرونًا بإلا يلزم تقديم المفعول عليه، ألا ترى أن الظاهر في البيت أن يكون ما هيجت مفعول: فلم يدر مع أنه مؤخر عن الفاعل، وعلى ذلك حمله الكسائي، فلما كان الظاهر فيه ذلك احتيج إلى أن يؤول بأن يكون قوله:"ما هيجت لنا" مفعولًا بفعل مضمر يدل عليه الفعل الظاهر.

قوله: "عشية": نصب على الظرفية أضيف إلى الآناء، والآناء أضيف إلى الديار، والمضاف فيه محذوف تقديره: آناء أهل الديار، وسمي أهل الديار ديارًا تسمية للحال باسم المحل.

قوله: "وشامها": كلام إضافي مرفوع على أنه فاعل هيجت، وروي: عشية بالرفع، فإن صحت فوجهه أن يكون رفعها على أن يكون فاعلًا لهيجت، وحينئذ يكون "وشامها" منصوبًا على المفعولية.

الاستشهاد فيه:

أن الكسائي احتج به على أن الفاعل المحصور بإلا لا يجب تأخيره عن مفعوله؛ بل يجوز تقديمه فإن قوله: "إلا الله" فاعل، و "ما هيجت" مفعول، وأوله الجمهور على أن ما هيجت ليس مفعولًا لقوله:"فلم يدر إلا الله" وإنما هو مفعول لفعل محذوف تقديره

(2)

: درى ما هيجت لنا، فلم يتقدم الفاعل المحصور بإلا على المفعول؛ لأن هذا ليس مفعولًا للمذكور، وإنما هو مفعول للفعل المقدر فافهم

(3)

.

‌الشاهد الثالث بعد الأربعمائة

(4)

،

(5)

جَزَى بَنُوهُ أَبَا الغَيلَانِ عن كِبَرٍ

وَحُسْن فِعْلٍ كَمَا يُجزَى سِنمارُ

أقول: قائله هو سليط بن سعد.

وهو من البسيط.

(1)

قال ابن عصفور في المقرب: قوله: "البيت" فعلى إضمار فعل- أي درى ما هيجت لنا"، المقرب (1/ 55).

(2)

في (أ): والتقدير.

(3)

ينظر الشاهد (400، 401).

(4)

ابن الناظم (88)، وشرح ابن عقيل (2/ 109).

(5)

البيت من بحر البسيط، قائله سليط بن سعد، كما في مراجعه، وانظره في الخزانة (1/ 293، 294)، والدرر (1/ 219)، وتخليص الشواهد (489)، وتذكرة النحاة (364)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 66)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 161)، (2/ 135).

ص: 955

قوله: "أبا الغيلان" بكسر الغين المعجمة؛ كنية رجل وهو الذي جزاه بنوه كجزاء سنمار، قوله:"وحسن فعل"، أي: إليه، قوله: "كما يجزى [سنمار]

(1)

" أتى به على صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية لغرابته، و "سنمار" بكسر السين المهملة والنون وتشديد الميم على وزن طرمّاح، وهو اسم رجل رومي من بني الخورنق الذي [بنى قصرً]

(2)

بظهر الكوفة للنعمان بن امرئ القيس الأكبر ملك الحيرة ليكون فيه ولده ونساؤه، وهو قصر عظيم لم ير العرب مثله، فلما فرغ منه ألقاه من أعلاه فخر ميتًا لئلا يبني لغيره مثله، فضربت به العرب المثل في سوء المكافأة، فقيل: جزاني جزاء سنمار

(3)

، وكان بناؤه في عشرين سنة، وذكر الجاحظ في كتاب الحيوان لبعض العرب

(4)

:

1 -

جَزَانِي جَزَاهُ اللهُ شرّ جزائِهِ

جَزاءَ سِنِمَّارٍ لقدْ كانَ ذا دَأْبٍ

2 -

بنَى ذلكَ البُنيَانَ عشرينَ حِجّةً

تعدُّ عليهِ بالقراميد والسّكبِ

3 -

فلمّا انتَهَى البُنْيَان يومَ تمَامِه

وصارَ كمثل الطود والباذخِ الصعبِ

4 -

رمَى بسنمَّارٍ على أُمِّ رَأْسِهِ

وذاكَ لعمر الله منْ أَعْظم الخَطْبِ

الإعراب:

قوله: "جزى": فعل ماض، و "بنوه": كلام إضافي فاعله، والضمير يرجع إلى أبي الغيلان وهو إضمار قبل الذكر ولكن جوزه للضرورة، قوله:"عن كبر": يتعلق بجزى، وقيل:"عن" هاهنا ظرف بمعنى في؛ أي: في كبر، قوله:"وحسن فعلًا": عطف على عن كبر، قوله:"كما يجزى" الكاف للتشبيه، وما مصدرية، ومحل الجملة النصب على الحال أو صفة لمصدر محذوف، والتقدير: جزى جزاء كجزاء سنمار.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "جزى بنوه" حيث أعاد الضمير إلى أبي الغيلان، وهو متأخر عنه وذلك لأجل الضرورة، وفيه شاهد على: ضربَ غلامُه زيدًا، وفيه شاهد آخر على جواز إنابة المضارع عن الماضي في قوله:"كما يجزى" معناه: كما جزى.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ما بين المعقوفين زيادة للإيضاح.

(3)

المثل في مجمع الأمثال (1/ 283).

(4)

الحيوان باب: "أخذ البريء بذنب المذنب".

ص: 956

‌الشاهد الرابع بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

وَلَوْ أن مَجْدًا أخلدَ الدهرَ واحدًا

من النِّاسِ أبقَى مجدُهُ الدَّهرَ مُطْعِمَا

أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- شاعر النبي صلى الله عليه وسلم يمدح به مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي، وكان من السادات، ولم يسلم، وكانت وفاته قبل بدر بسبعة أشهر.

وهو والد جبير بن مطعم صحابي جليل أسلم بعد الحديبية وقبل الفتح، وقيل: أسلم في الفتح، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه في أسرى بدر، فقال: لو كان الشيخ أبوك حيًّا فأتانا فيهم شفيعًا لشفعناه، وكان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يد، وهو أنه كان أجار رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم من الطائف حين دعا ثقيفًا إلى الإسلام، وكان أحد الذين قاموا في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم وبني عبد المطلب.

وهو من الطويل.

قوله: "مجدًا، وهو الشرف والكرم، يقال: رجل مجيد؛ أي: شريف، قوله: "أخلد": من الإخلاد وهو الإبقاء، قوله: "مطعمًا" بضم الميم، وهو مطعم بن عدي والد جبير الصحابي كما ذكرناه.

الإعراب:

قوله: "ولو" لامتناع الثاني لامتناع الأول؛ كما تقول: لو جئتني لأكرمتك؛ فإن الإكرام منتفٍ لامتناع المجيء، و "أن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل تنصب وترفع الجزأين.

(1)

ابن الناظم (88).

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو لحسان بن ثابت من مقطوعة عدتها ثماني أبيات يرثي فيها المطعم بن عدي الذي أجار رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة قبل الهجرة وأمنه من قريش وطاف حول الكعبة في حمايته، وقد ذكر ذلك حسان في مقطوعته ولا أدري لم لم يذكر العيني بعض هذه الأبيات مع أنه كثير النقول من قصائد الشواهد، يقول حسان: ديوانه (243)، تحقيق د. سيد حنفي، دار المعارف).

أعين ألا أبكي سيدَ النَّاسِ واسْفَحِي

بِدَمعٍ فَإنْ أَنْزَفتِهِ فَاسكُبِي الدَّمَا

وبكي عَظيمَ المشَعَرَينِ وَرَبَّهَا

عَلَى النَّاسِ مَعرُوفٌ لَهُ مَا تكَلَّمَا

فَلَوْ كَانَ مُجْدٌ يُخَلَّدُ اليوْمَ وَاحدًا

مِنَ النَّاسِ أَبْقَى مَجُدُه اليومَ مُطعِمَا

أَجَرْتَ رَسْولَ الله منهم فأصبحوا

عِبَادَكِ مَا لَبَّى مُلَبٍّ وَأَخرَمَا

فَلَوْ سُئِلَت عَنْهُ مَعْدٌ بِأَسرِهَا

وَقَحطَانٌ أَوْ بَاقِي بَقِيَّةَ جُرْهُمَا

لَقَالُوا هَو الموُلَى بِخَفُرةِ جاره

وَذَمَتّه يَوْمًا إذا ما تذَمَّما

وينظر شرح شواهد مغني اللبيب (875)، والمغني (2/ 492)، وشرح الأشموني (2/ 60)، وتخليص الشواهد (489).

ص: 957

قوله: "مجدًا": اسمه، و "أخلد الدهر واحدًا": خبره؛ فقوله: "أخلد": فعل وفيه ضمير يرجع إلى المجد وهو فاعله، وقوله:"الدهر": نصب على الظرف، وقوله:"واحدًا": مفعول لأخلد، قوله:"من الناس": متعلق بمحذوف وهو صفة لواحد، والتقدير: واحدًا كائنًا من الناس، قوله:"أبقى مجده": جواب لو، وأبقى من الإبقاء، ومجده فاعله، والضمير يرجع إلى مطعم، وإن لم يتقدم لأجل الضرورة، قوله:"مطعمًا" منصوب لأنه مفعول أبقى.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أبقى مجده" حيث أعاد الضمير إلى مطعم وهو متأخر، وذلك لأجل الضرورة كما قلنا، وقد أجاز نحو ذلك من غير ضرورة الأخفش وابن جني وأبو عبد الله الطوال

(1)

؛ لأن استلزام الفعل المفعول يقوم مقام تقدمه فأجازوا نحو: ضرب غلامه زيد، ومنعه الجمهور لعود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة

(2)

.

‌الشاهد الخامس بعد الأربعمائة

(3)

،

(4)

كسَا حِلْمُهُ ذَا الحِلْمِ أَثْوَابَ سُؤْدُدٍ

وَرَقَّى نَدَاهُ ذَا النَّدَى في ذُرَا المَجْدِ

أقول: هو من الطويل.

والمعنى: كسا حلم الممدوح صاحب الحلم ثياب السيادة وأعلى عطاؤه صاحب العطاء في أعلى مراتب المجد والكرم.

قوله: "سؤدد" بضم السين المهملة بمعنى السيادة، قوله:"رقى" بتشديد القاف؛ من الرقي وهو الصعود والارتفاع، قوله:"نداه" بفتح النون؛ أي: عطاؤه، يقال: رجل ند؛ أي: سخي، وفلان يتندى على أصحابه؛ أي: يتسخى، قوله:"في ذرا المجد" بضم الذال المعجمة؛ جمع ذروة

(5)

بكسر الذال، وذروة كل شيء: أعلاه، ومنه ذروة السنام.

(1)

محمد بن أحمد بن عبد الله الطوال النحوي من أهل الكوفة أحد أصحاب الكسائي، حدث عن الأصمعي وقدم بغداد وسمع منه أبو عمرو الدوري المقرئ. قال ثعلب: وكان حاذقًا بإلقاء العربية (ت 243 هـ) ينظر بغية الوعاة (1/ 50)، ونشأة النحو (94).

(2)

ينظر الشاهد (399)، والشاهد رقم (303).

(3)

ابن الناظم (88)، وشرح ابن عقيل (2/ 107).

(4)

البيت من بحر الطويل، مجهول القائل، وهو في شرح الأشموني (2/ 59)، وشرح شواهد المغني (2/ 875)، وتخليص الشواهد (490)، والدرر (1/ 218)، والمغني (492)، والهمع (1/ 66)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 161)، (2/ 135).

(5)

قوله: "ذروة" بكسر الذال غير كاف؛ ففيه الكسر والضم، القاموس مادة:"ذرو".

ص: 958

الإعراب:

قوله: "كسا": فعل ماض، و "حلمه": كلام إضافي فاعله، قوله:"ذا الحلم": كلام إضافي -أيضًا- مفعول أول، وقوله:"أثواب سؤدد": مفعول ثان لكسا، يقال: كسوته خزًّا، قوله:"ورقى": عطف على قوله: "كسا"، وقوله:"نداه": كلام إضافي فاعله، قوله:"ذا الندى": كلام إضافي -أيضًا- مفعوله، قوله:"في ذرا المجد" يتعلق بقوله: "رقى".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حلمه ونداه" فإن الضمير فيهما ضمير الفاعل، ولم يسبق ذكره، فأجاز ذلك ابن جني مطلقًا، وتبعه على ذلك ابن مالك، وذلك لأن الفعل المتعدي يدل على فاعل ومفعول لشعور الذهن بهما، فإذا افتتح الكلام بفعل ووليه مضاف إلى ضمير، عُلِم أن صاحب الضمير فاعل إن كان المضاف مرفوعًا، ومفعول إن كان المضاف منصوبًا؛ فلا ضرورة في تقديم الفاعل إلى المضاف إلى ضمير المفعول كما لا ضرورة في تقديم المفعول إلى ضمير الفاعل، والجمهور على أن ذلك لا يجوز إلا في ضرورة الشعر

(1)

.

‌الشاهد السادس بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

لَما رَأَى طَالِبُوهُ مُصْعَبًا ذُعِرُوا

وَكَادَ لَوْ ساعد المَقْدُورُ يَنْتَصِرُ

أقول: قائله هو أحد أصحاب مصعب بن الزبير بن العوام - رضي الله تعالى عنهما - يرثي به مصعبًا لما قتل بدير الجاثليق في سنة إحدى وسبعين من الهجرة.

وهو من البسيط.

قوله: "ذعروا" على صيغة المجهول؛ من ذعرته أذعره ذعرًا أفزعته، والاسم: الذعر بالضم، وقد ذعر فهو مذعور.

الإعراب:

قوله: "لما": ظرف بمعنى حين وجوابه هو قوله: "ذعروا"، وقوله:"رأى": من رؤية العين، و"طالبوه": كلام إضافي فاعله، و "مصعبًا": مفعوله، قوله:"وكاد": من أفعال المقاربة واسمه

(1)

ينظر تحقيق الشاهد (399، 403، 404).

(2)

شرح ابن عقيل (2/ 106).

(3)

البيت من بحر البسيط لقائل مجهول في رثاء مصعب بن الزبير، وانظره في تذكرة النحاة (364)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (364)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 161)، (2/ 136).

ص: 959

مستتر فيه وهو الضمير الذي يرجع إلى مصعب، قوله:"ينتصر": جملة خبره، وقد علم أن خبر كاد فعل مضارع مجرد من أن؛ كما في قوله تعالى:{[مِنْ بَعْدِ مَا] كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 117]

(1)

.

قوله: "لو ساعد المقدور": جملة معترضة بين كاد وخبره، وجواب لو محذوف يدل عليه خبر كاد.

والمعنى: لو ساعده المقدور لكان انتصر، ومفعول ساعد محذوف كما قدرنا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "طالبوه" فإن الضمير [فيه]

(2)

يرجع إلى مصعب، وهو متأخر عنه، وهو ضرورة، وقد استوفينا الكلام فيما مضى

(3)

.

‌الشاهد السابع بعد الأربعمائة

(4)

،

(5)

إِنَّ السَّمَاحَةَ وَالْمُرُوءَةَ ضُمّنَا

قَبرًا بِمَروٍ عَلَى الطرِيقِ الوَاضِح

أقول: قائله هو زياد بن سليمان مولى عبد القيس أحد بني عامر بن الحرث ثم أحد بني مالك بن عامر، وهو الذي يقال له: زياد الأعجم، وهو من قصيدة حائية يرثي بها زياد

(6)

بن المغيرة بن المهلب، وأولها هو قوله

(7)

:

1 -

قُل للقَوَافل والغزيّ إذا غزَوا

والبَاكرِينَ وللمُجدِّ الرَّائِحِ

2 -

إن السماحة ................

................... إلى آخره

3 -

فإذَا مَرَرْتَ بقَبرهِ فاعْقرْ بهِ

كُومَ الهجانِ وكُل طِرْفٍ سابحِ

4 -

وانْضحْ جوَانِبَ قَبرِه بِدِمَائِهَا

فَلَقَدْ يَكُونُ أخَا دَمٍ وذَبَائح

5 -

يَا مَنْ بِمَغْدَى الشَّمْسِ أوْ بِمَرَاحِهَا

أوْ مَنْ تَكُونُ بقرنهَا المتنازِحِ

6 -

مَاتَ المُغْيرَةُ بَعْدَ طُولِ تعَرُّضٍ

للقَتْلِ بين أَسنَّة وصَفَائح

(1)

ما بين المعقوفين زيادة لتكملة الآية.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر الشواهد (399 - 405).

(4)

توضيح المقاصد (2/ 12).

(5)

البيت من بحر الكامل، من قصيدة طويلة قاربت الستين بيتًا لزياد الأعجم في رثاء زياد بن المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة (شعر زياد الأعجم (54) تحقيق د. يوسف بكار)، وانظر بيت الشاهد في الأغاني (15/ 308)، والشعر والشعراء (1/ 438)، والإنصاف (763)، وشرح شذور الذهب (220).

(6)

في (أ): زيادة.

(7)

الديوان (52)، تحقيق د. يوسف بكار، ط. دار المسيرة، وليس البيت المذكور أولها.

ص: 960

7 -

والقَتْل لَيسَ إِلَى القِتَالِ ولَا أَرَى

حيًّا يؤخرُ للشَّفِيقِ النّاصِحِ

وهي طويلة من الكامل.

وقد قيل: إن هذه القصيدة للصلتان العبدي وليس بصحيح، والصحيح أنها لزياد الأعجم.

1 -

قوله: "الغُزِيّ" بضم الغين وكسر الزاي وتشديد الياء؛ جمع غاز، و"الباكرين": من بكرت أبكر بكورًا، و"المجد" بضم الميم وكسر الجيم وتشديد الدال؛ من أجد في الأمر وجد فيه.

3 -

قوله: "كوم الهجان" بضم الكاف، وهي جمع كوماء وهي الناقة العظيمة السنام، والكوم -أيضًا- القطعة من الإبل، قوله:"وكل طرف" بكسر الطاء وسكون الراء وفي آخره فاء، وهو الكريم من الخيل، و"السابح": من سبح الفرس إذا جرى، يقال: فرس سابح إذا كان ذا جري قوي.

5 -

و "المتنازح": البعيد.

6 -

و "الأسنة": جمع سنان الرمح، و "الصفائح": جمع صفيحة، وأراد بها السيوف.

الإعراب:

قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله:"السماحة": اسمه، و "المروءة": عطف عليه، وقوله:"ضمنا" بتشديد الميم؛ خبره، وقوله:. "قبرًا": مفعول ضمنا، قوله:"بمرو" في محل النصب على أنها صفة لقبر، أي: قبرًا كائنًا بمدينة مرو، وهي قصبة خراسان، وبها كان سرير الملك، وهي مدينة عظيمة بينها وبين نيسابور اثنا عشر يومًا وكذلك إلى بلخ، وكذلك إلى بخارى، وكذلك إلى هراة، [قوله: "]

(1)

على الطريق" -أيضًا- صفة لقبر، أي: كائنًا على الطريق، و"الواضح" بالجر صفة الطريق.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ضمِّنا" والقياس فيه أن يقال: ضمنتا بتاء التأنيث؛ لأنها خبر عن السماحة والمروءة وهما مؤنثتان وهو محمول على الضرورة خلافًا لابن كيسان في القياس عليه

(2)

.

* * *

(1)

ما بين المعقوفين بياض في (ب).

(2)

مواضع تأنيث الفعل وجوبًا إذا كان الفاعل ضميرًا متصلًا عائدًا على مؤنث حقيقي التأنيث أو مجازي التأنيث مثل: فاطمة قامت، والشمس طلعت، ومثل بيت الشاهد؛ فالسماحة والمروءة مؤنثان مجازيان، فكان الأولى أن يقال: ضمنا، وعدم إلحاق التاء بالفعل ضرورة عند الجمهور وجعله ابن كيسان قياسًا، ينظر الشاهد رقم (386، 387).

ص: 961

‌شواهد النائب عن الفاعل

‌الشاهد الثامن بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

عُلِّقْتُهَا عَرَضًا وعُلِّقَتْ رَجُلًا

غَيرِي وعُلِّقَ أُخْرَى ذَلِكَ الرَّجُلُ

أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس.

وهو من قصيدة طويلة من البسيط، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

وَدِّعْ هُرَيَرَةَ إِنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلٌ

وَهَلْ تُطيقُ ودَاعًا أَيُّهَا الرَّجُلُ

إلى أن قال:

2 -

ما رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الحَزْنِ مُعْشِبَةً

خَضرَاءُ جَادَ عَلَيهَا مُسْبِلٌ هَطِلٌ

3 -

يُضَاحِكُ الشمْسَ مِنْهَا كَوْكَبٌ شرِقٌ

مُوَزَّرٌ بِعَمِيمِ النَّبتِ مُكْتَهِلُ

4 -

يَوْمًا بِأَطْيَبَ مِنْهَا نَشْرَ رَائِحَةٍ

ولَا بِأَحْسَنَ مِنْهَا إِذْ دَنَا الأُصُلُ

5 -

عُلِّقْتُهَا عَرَضًا ..............

...................... إلى آخره

6 -

وعُلِقَتْهُ فَتَاةٌ مَا يُحَاولُهَا

وَمِنْ بَنِي عَمِّهَا ميتٌ بِهَا وَهِلُ

قوله: "عُلِّقْتُهَا" على صيغة المجهول؛ من علق شيئًا إذا أحبه وشغف به، ومصدره: عَلَاقَة

(1)

أوضح المسالك (2/ 136).

(2)

البيت من بحر البسيط، من قصيدة الأعشى المشهورة (ودع هريرة) التي يمدح بها يزيد بن مسهر الشيباني، وهو في ديوانه (55)، تحقيق محمد حسين، وانظر بيت الشاهد في شرح التصريح (1/ 286)، واللسان:"عرض، وعلق"، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 125).

(3)

ديوان الأعشى (55) وما بعدها، والبيت الأخير الذي ذكره العيني روايته في الديوان هكذا:

.........................

من أهلها ميت يهذي بها وهل

ص: 962

بالفتح، قال ابن فارس: العلاقة -بالفتح-: الحب، والعلاقة بالكسر في السوط ونحوه

(1)

، وذكره صاحب الدستور

(2)

في باب فَعِل يفعَل بالكسر في الماضي وفتحها في المضارع.

قوله: "عرضًا" بالعين المهملة؛ من عرض له أمر إذا أتاه على غير قصد، يقال: عرض لي شيء وأعرض وتعرض واعترض بمعنى.

الإعراب:

قوله: "علقتها" أي: علقت هريرة، وهي قينة كانت لرجل من آل عمرو بن مرثد، وهي المذكورة في أول القصيدة، فالتاء مفعول قام مقام الفاعل، وها مفعول ثان، وقوله:"عرضا": نصب على التمييز؛ أي: من حيث العرضية، قوله:"وعلقت" على صيغة المجهول -أيضًا- أي: علقت هريرة، فالضمير فيه مفعول قام مقام الفاعل.

وقوله: "رجلًا": مفعول ثان، وقوله:"غيري": كلام إضافي صفة لقوله: "رجلًا"، قوله:"وعلق": على صيغة المجهول -أيضًا- مسند إلى قوله: "ذلك الرجل" وهو مفعول ناب عن الفاعل، و "ذلك" إشارة إلى الرجل المذكور في قوله:"وعلقت رجلًا غيري"، وقوله:"أخرى": مفعوله الثاني وهو صفة لموصوف محذوف، أي: امرأة أخرى أو قينة أخرى.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "علقتها وعلقت وعلق" حيث جاءت على صيغ المجهول لأجل النظم؛ إذ لو جاءت هذه الألفاظ على صيغ المعلوم لاختل النظم -ولا سيما- لفظة: "علق"، فإنها لو جاءت على صيغة المعلوم كانت أفسدت قافية النظم؛ لأن القافية على اللام المرفوعة، فعلى تقدير صيغة المعلوم تكون قافية هذا البيت على اللام المنصوبة وهو عين الإقواء

(3)

.

(1)

مقاييس اللغة مادة: "علق".

(2)

كتاب الدستور في اللغة لبديع الزمان حسين بن إبراهيم النطزي (ت 449 هـ)، ينظر كشف الظنون (1/ 754).

(3)

يحذف الفاعل وينوب عنه غيره لغرض لفظي إما لقصد الإيجاز؛ كقوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} [الحج: 60] وإما لتصحيح النظم كما في بيت الشاهد، ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 124، 125)، وتوضيح المقاصد (1/ 21)، والارتشاف (2/ 184)، والإقواء هو عيب من عيوب القافية وهو اختلاف حركة الروي بضم مع كسر أو غير ذلك. ينظر أوزان الشعر وقوافيه من مسرحية كليوباترا (140).

ص: 963

‌الشاهد التاسع بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

وَقَالتْ مَتَى يُبْخَلْ عَلَيكَ وَيُعْتَلَلْ

يَسُؤْكَ وإنْ يُكْشَفْ غَرَامُكَ تَدَربِ

أقول: قيل: إن قائله هو علقمة بن عبدة التميمي.

وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

ذَهَبَتْ منَ الهجْرَانِ فيِ غَيرِ مَذْهَبِ

ولم يَكُ حَقًّا كُل هَذَا التَّجَنُّبِ

إلى أن قال:

2 -

وَقَدْ وَعَدْتُكَ مَوْعِدًا لَوْ وَفَت بِهِ

كَمَوْعِدِ عُرْقُوبٍ أَخَاهُ بِيَثْرِب

3 -

وقالت متى يبخل ...........

................. إلى آخره

4 -

فَقُلْتُ لَهَا فِيئي فَمَا يَسْتَفِزُّنِي

ذَوَاتُ العُيُونِ والبَنَانِ المُخَضَّبِ

5 -

فَفَاءَت كَمَا فَاءَتْ مِنَ الأُدْمِ مُغزِلٌ

بِبِيشَةَ تَرعَى فيِ أَراكٍ وَحَلَّبِ

وقد روى بعضهم البيت المذكور في جملة قصيدة لامرئ القيس، وأولها هو قوله:

1 -

خَليلَيّ مُرَّا [بِي] عَلَى أُمِّ جُنْدُبٍ

لنَقضِي حَاجَاتِ الفُؤَادِ المعُذَّبِ

2 -

فإنكُمَا إِنْ تنظُرَانِي ساعَةٌ

مِنَ الدَّهْر تَنْفَعْنِي لَدَى أُمِّ جُنْدُبِ

إلى أن قال:

3 -

فَإن تنأ عَنْهَا حِقبَةً لا تُلَاقِهَا

فَإنَّكَ مَّما أَحْدَثَتْ بالمُجرِّبِ

4 -

وَقَالتْ مَتَى يُبْخَلْ عَلَيكَ وَيُعْتَلَلْ

يَسُؤكَ وإن يُكْشَفْ غَرَامُكَ تَدْوَبِ

ورأيته هكذا في ديوان امرئ القيس، وقال بعض شراحه: هذا البيت ليس في نسخة

(1)

أوضح المسالك (2/ 142).

(2)

البيت من بحر الطويل نسب لشاعرين كبيرين في العصر الجاهلي، وكل منهما له قصيدة على وزن وروي متحد، الأول لامرئ القيس، وقصيدته والشاهد في الديوان (41) ط. دار المعارف، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، والثاني هو علقمة بن عبدة التميمي وقصيدته والشاهد في ديوانه (29) بتحقيق السيد أحمد صغر، وديوانه (52) بشرح الأعلم الشنتمري رواية: الأصمعي، ومطع القصيدتين والأبيات التي ذكرها العيني من كل قصيدة هي كذلك في الديوان، وسبب الخلط أن الشاعرين أنشد كل واحد منهما قصيدته أمام زوجة امرئ القيس لتحكم بينهما، وقد حكمت لغريم زوجها علقمة، وانظر بيت الشاهد في شرح التصريح (1/ 289)، وشرح شواهد المغني (92، 883)، والمغني (516)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية:(113، 114).

(3)

ينظر ديوان علقمة (52) بشرح الأعلم الشنتمري، رواية: الأصمعي ورواية الشاهد:

وقال وإن يبخل عليك ويعتلل

تشك وإن يكشف غرامك تدرب

ص: 964

اليزيدي، وقد قرأه أبو عمران على ابن دريد، والصحيح أنه من قصيدة امرئ القيس وقد شرحه الأعلم في أشعار الشعراء الستة في جملة قصيدة امرئ القيس

(1)

، وقد ذكرنا فيما مضى غالب القصيدة المذكورة مع تفسيرها.

4 -

قوله: "فيئي" أي: ارجعي؛ من فاء يفيء فيئًا إذا رجع.

5 -

قوله: "ببيشة" البيشة بكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الشين المعجمة، وهو اسم موضع، و "الأراك": شجر السواك، و "حلب" بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام؛ نبت ترعاه الظباء.

4 -

قوله: "يبخل ويعتلل" كلاهما مجهولان، ويعتلل من الاعتلال، قوله:"يسؤك": من ساء يسوء، ويروى: تشك بمعنى تشكو ذلك، قوله:"وإن يكشف" على صيغة المجهول -أيضًا-، و"الغرام": شدة العشق، يقال: أغرم بالشيء إذا أولع، قال الأعلم: الغرام: العناء والمشقة بحب النساء وهو العذاب -أيضًا-

(2)

.

قوله: "تدرب": من الدربة وهي التجربة، ومنه يقال: فلان درب إذا كان مجربًا مؤدبًا، والتدريب في الحرب هو الصبر.

وحاصل المعنى: إن بخل عليك لها بالوصال واعتُلّ ساءك ذلك، وإن وُصلت وكشف غرامك كان ذلك عادة لك ودربة، وإنما بريد أنها كانت لا تقطع وصاله كل القطع فيحمله ذلك على اليأس والسلو، ولا تصله كل الوصل فيتعود ذلك ويستكثر منه حتى يدعوه إلى الملل.

الإعراب:

قوله: "متى يبخل": مقول [القول]

(3)

، "ومتى": اسم شرط هاهنا، وجوابه قوله:"يسؤك": بالجزم؛ من ساءه يسوءه إذا أحزنه، قوله:"ويعتلل": عطف على قوله: "يبخل"، قوله:"وإن": حرف شرط، و"يكشف": فعل الشرط، و"تدرب": جزاء الشرط، وإنما حركت [بكسر]

(4)

الباء للضرورة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ويعتلل" فإن النائب عن الفاعل فيه هو ضمير المصدر؛ أي: يعتلل هو؛ أي: الاعتلال

(1)

ينظر شرح أشعار الستة الجاهليين للأعلم (1/ 54)، دار الآفاق، بيروت (1983 م).

(2)

ينظر شرح أشعار الستة الجاهليين للأعلم (1/ 54).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 965

المعهود، والتقدير: يعتلل اعتلال عليك، فيقدر عليك هاهنا -أيضًا- لدلالة عليك في قوله:"متى يبخل عليك" عليها

(1)

، وقال ابن هشام في المغني: ولابد عندي من تقدير: "عليك" مدلولًا عليها بالمذكورة، وتكون حالًا من الضمير ليتقيد بها فيفيد ما لم يفده الفعل

(2)

.

‌الشاهد العاشر بعد الأربعمائة

(3)

،

(4)

فَيَا لَكَ مِنْ ذِي حَاجَةٍ حِيلَ دُونَهَا

وَمَا كُلُّ مَا يَهْوَى امْرُؤٌ هُوَ نَائِلُهْ

أقول: قائله هو طرفة بن العبد البكري، وهو من قصيدة لامية أولها هو قوله

(5)

:

1 -

أَتَعْرِفُ رَسْمَ الدَّارِ قَفْرًا مَنَازِلُهْ

كَجَفْنِ اليَمَانِي زَخْرَفَ الوشْيَ مَاثِلُهْ

2 -

بِتثلِيثِ أَوْ نَجْرَانَ أَوْ حَيثُ نَلْتقِي

مِنَ النَّجْدِ فيِ قِيعَانِ جَأْشٍ مسَائِلُهْ

إلى أن قال:

3 -

فَغُودِرَ بالفَرْدَيْنِ أَرضٍ نَطِيَّةٍ

مَسِيرَةِ شهْرٍ دَائِب لَا يُوَاكِلُهْ

4 -

فَيَا لَكَ مِنْ ذِي ..........

................. إلى آخره

وقد أخذ بعضهم البيت المستشهد به وضمنه في قصيدة مدح بها يزيد بن حاتم، فخرج إليه وهو بمصر ليأخذ جائزته فوجده قد مات فقال:

1 -

لَئِنْ مصْرَ فَاتنتي بمَا كنتُ أَرْتَجِي

وأخلَفَنِي مِنْهَا الذِي كُنْتُ آمُلُ

2 -

فَيَا لَكَ مِن ذِي حَاجَةٍ حِيلَ دُونَهَا

وَمَا كُلُّ مَا يَهْوَى امْرُؤٌ هُوَ نَائِلُ

3 -

ومَا كُانَ بَيني لَوْ لَقِيتُكَ سالِمًا

وبينَ الغِنَى إلا ليَالٍ قَلَائِلُ

والقصيدتان من الطويل.

قوله: "حيل": صيغة مجهول من الحيلولة، قوله:"ما يهوى": من هوى يهوى من باب علم يعلم إذا أحب وعشق، قوله:"نائله": من نال ينال إذا أصاب.

(1)

من الأشياء التي تقوم مقام الفاعل المفعول به أو المصدر بشرط أن يكون متصرفًا وأن يكون مختصًّا وقد يقوم مقام الفاعل ضمير المصدر؛ كقول الله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} [سبأ: 54] أي: وحيل هو؛ أي: الحول، ومثل الآية بيت الشاهد.

ينظر الارتشاف (2/ 189) والمغني (516).

(2)

ينظر المغني (516).

(3)

أوضح المسالك (2/ 144).

(4)

البيت من بحر الطويل من قصيدة لطرفة بن العبد يتغزل بامرأة تدعى سلمى (ديوانه 76) ط. دار صادر، وانظر بيت الشاهد في شرح التصريح (1/ 290)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (673)، وشرح الأشموني (2/ 65).

(5)

ديوان طرفة (76)، دار صادر، و (63)، شرح: مهدي ناصر، طبعة دار الكتب العلمية.

ص: 966

الإعراب:

قوله: "فيا لك" الفاء للعطف، وكلمة يا هاهنا ليست للنداء وإنما هي لمجرد التنبيه، واللام في "لك" للاستغاثة، وقوله:"من ذي حاجة": يتعلق بمحذوف، وقوله:"حيل دونها" أي: دون الحاجة، والنائب عن الفاعل في "حيل" محذوف وهو ضمير المصدر، والتقدير: حيل هو؛ أي: الحول؛ كما في قوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} [سبأ: 54]؛ أي: هو؛ أي: الحول، و "دون": نصب على الظرف، قوله:"وما" بمعنى ليس.

وقوله: "كل ما يهوى": كلام إضافي وقع اسمًا لما، والجملة -أعني قوله:"هو نائله": خبرها، و "ما": موصولة، و "يهوى امرؤ": فعل وفاعل صلتها، والعائد محذوف تقديره: ما يهواه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حيل" فإن النائب "عن"

(1)

الفاعل فيه هو ضمير المصدر كما قررناه الآن

(2)

.

‌الشاهد الحادي عشر بعد الأربعمائة

(3)

،

(4)

يُغْضي حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ

فَلَا يُكلَّمُ إِلَّا حِينَ يَبتَسِمُ

أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب، وهو من قصيدة طويلة من البسيط يمدح بها الفرزدق زينَ العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنهم-، وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

هَذَا الذِي تَعْرِفُ البطْحَاءُ وَطْأتهُ

والبَيتُ يَعْرِفُهُ والحِلُّ وَالحَرَمُ

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

الشاهد هو: "حيل دونها" حيث قيل: إن دون هنا نائب فاعل وقد خرجت عن الظرفية، وقيل: إن نائب فاعل حيل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو. يعود إلى مصدر مبهم هو مصدر هذا الفعل، وكأنه قد قيل: حيل حول، مع أن هذا المصدر غير مختص، وقال الجمهور: إن نائب فاعل حيل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو يعود التي مصدر مقترن بأل العهدية، وكأنه قد قيل: حيل الحول المعهود، أو يعود التي مصدر موصوف بدون؛ وكأنه قد قيل: حيل حول واقع دونها، وينظر الشاهد (409).

(3)

توضيح المقاصد (2/ 30)، وأوضح المسالك (2/ 146).

(4)

البيت من بحر البسيط، من قصيدة طويلة للفرزدق، يمدح بها عليًّا زين العابدين بن الحسين، وقد ذكر الشارح مناسبتها، وانظر الشاهد في الديوان (2/ 178)، دار صادر، والمغني (320)، وشرح شواهد المغني (732)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1622)، والبيت نسب للحزين الكناني (عمرو بن وهيب) في الأغاني (15/ 263)، واللسان:"حزن"، وانظره في ابن يعيش (2/ 53)، والارتشاف (2/ 193)، وشرح التصريح (1/ 290).

(5)

ديوان الفرزدق (511)، و (2/ 178)، ط. دار صادر، والأبيات فيه غير مرتبة.

ص: 967

2 -

هَذَا ابنُ خَيرِ عِبَاد الله كُلِّهُم

هَذَا التَّقيُّ النقي الطاهرُ العَلَمُ

3 -

إِذَا رَأَتْهُ قُرَيشٌ قَال قَائِلُهَا

إلى مَكَارِم هَذَا ينْتهِي الكرَمُ

4 -

يُنْمَى إِلَى ذُرْوَةِ الْعَزِّ التي قَصُرَت

عَنْ نَيلهَا عَرَبُ الإسَّلَامِ والعَجَمُ

(1)

5 -

يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانَ رَاحِتهِ

رُكنُ الحَطيمِ إِذَا مَا جَاءَ يَستَلمُ

6 -

في كَفِّه خَيزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ

مِنْ أَرْوَعَ في عِرنيِنِهِ شَمَمُ

7 -

يغضي حياء ..........

............ إلى آخره

8 -

يَنْشَقُّ نُورُ الهُدَى عَن نُورِ غُرَّتِهِ

كالشَّمس يَنْجَابُ عَنْ إشْرَاقهَا العَتَمُ

(2)

9 -

مُشْتَقَّة منْ رسول الله نَبعَتُهُ

طابتْ عناصِرُهُ والخيمُ والشِّيَمُ

10 -

هذا ابن فاطِمَة إنْ كنتَ جَاهلَهُ

بِجَدِّه أَنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتمُوا

11 -

اللهُ شرَّفُهُ قِدْمًا وعظَّمَهُ

جَرَى بذاكَ له في لوْحَة القَلَمُ

12 -

فَلَيْسَ قَوْلُكَ مَنْ هَذَا بِضائِره

العُرْبُ تَعْرفُ مَن أَنْكَرْتَ والعَجَمُ

13 -

كِلْتَا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفْعُهُمَا

يُسْتَوْكِفَانِ ولَا يُعْرُوهُمَا عَدَمُ

14 -

سهْلُ الخلِيقَةِ لَا تخْشَى بَوَادرُهُ

يَزينُهُ اثنان حُسنُ الخلْقِ والشِّيَمُ

15 -

حَمَّالُ أثقَالِ أَقْوَامٍ إذَا قَدِحُوا

حُلْوُ الشَّمَائِل يَجْلُو عنْدَهُ نَعَمُ

16 -

لَا يَخْلُفُ الوَعْدَ مَيمُونُ نَقِيبتهُ

رَحْبُ الفنَاء أَريبٌ حينَ يَعتَزمُ

(3)

17 -

عَم البَرِيةَ بالإحْسَانِ فَانْقَشَعَتْ

عَنْهُ الغيَاهِبُ والإمْلَاقُ والعَدَمُ

18 -

مِن معشَر حبهم دِينٌ وبغضُهُمُ

كُفْرٌ وقُربُهُمُ مَنْجًى ومُعْتَصَمُ

19 -

إن عُدَّ أَهْلُ التُّقَى كَانُوا أَئمتَهُم

أَوْ قَيلَ مَنْ خَيرُ أَهْل الأرض؟ قيلَ: هُمُ

20 -

لا يَستَطيعُ جَوَادٌ بُعْدَ غَايتهم

ولا يُدَانيهمُ قَومٌ وإن كَرُمُوا

(4)

21 -

هُمُ الغُيُوثُ إذا مَا أَزمَةٌ أَزَمَتْ

والأُسدُ أُسْدُ الشِّرَى والبَأْسُ مُحْتَدِمُ

(1)

روايته في الديوان هكذا:

ينمي إلى ذروة الدين التي قصرت

عنها الأكف وعن إدراكها القدم

(2)

روايته في الديوان هكذا:

ينشق ثوب الدجى عن نور غرته

كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم

(3)

هذا البيت غير موجود بالديوان.

(4)

روايته في الديوان هكذا:

لا يستطيع جواد بعد دينهم

..................................

ص: 968

22 -

لا يَنْقَضِي العُشرُ بَسْطًا مِنْ أكُفِّهمُ

سيَّانِ ذلكَ إنْ أَثَرَوْا وإنْ عَدِمُوا

23 -

مقَدَّمُ بَعْدَ ذِكرِ الله ذِكرِهُمُ

فيِ كُلِّ بَدْءٍ ومَخْتُومٌ به الكَلمُ

24 -

يأبى لَهُمْ أَنْ يَحِلّ الذَّمُّ سَاحتَهُمُ

خَيْمٌ كَرِيمٌ وَأَيْدٍ بالنَّدَى هُضُمُ

(1)

25 -

أَيُّ الخَلَائِقِ لَيسَت في رِقَابهمُ

لأَوَّليَّةِ هَذَا أَوْ لَهُ نِعَمُ

26 -

مَنْ يَعْرِفْ اللهَ يَعْرِف أَوَّليَّةَ ذَا

والدينُ منْ بَيتِ هَذَا نَالهُ الأُمَمُ

(2)

ويحكى أن هشام بن عبد الملك لما حج في أيام أبيه فطاف وجهد أن يصل إلى الحجر ليستلمه، فلم يقدر عليه لكثرة الزحام فنصب له منبر وجلس عليه ينظر إلى الناس ومعه جماعة من أعيان الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين -رضي الله تعالى عنه- وقد كان من أحسن الناس وجهًا وأطيبهم أرجًا فطاف بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه مخافة أن يرغب فيه أهل الشام، وكان الفرزدق حاضرًا، فقال: أنا أعرفه، فقال الشامي: من هذا الذي يا أبا فراس؟ فقال:

هَذَا الذِي تَعْرِفُ البطْحَاءُ وَطأتَهُ

................................

إلى آخر القصيدة، فلما سمع هشام هذه القصيدة غضب على الفرزدق وحبسه وأنفذ له زين العابدين اثني عشر ألف درهم فردها، وقال مدحته لله تعالى لا للعطاء، فقال: إنا أهل البيت إذا وهبنا شيئًا لا نستعيده فقبلها، هذا الذي ذكره أهل التاريخ، ورأيت في كتاب أولاد السراري تأليف المبرد ونسب بعض هذه الأبيات إلى أبي دهبل

(3)

حيث قال: ومما نمي إلينا عنه، أي عن زين العابدين أنه مرَّ بمساكين جلوس في الشمس يأكلون على مسح فسلم عليهم فردوا عليه وقالوا: هلم يا ابن بنت رسول الله [صلى الله عليه وسلم]

(4)

، ونزل وقال: إن الله لا يحب المتكبرين فأصاب معهم ثم قال: قد دعوتم فأجبنا، ونحن ندعوكم فمضوا معه إلى منزله، فأطعمهم طعامه، وقسّم بينهم كل ما كان عنده، وفيه يقول أبو دهبل فيما روي هذه الأبيات:

(1)

غير موجود بالديوان.

(2)

روايته في الديوان هكذا:

من يشكر الله يشكر أولية ذا

فالدين من بيت هذا ناله الأمم

(3)

رجعت إلى ديوان أبي دهبل الجمحي، فوجدت فيه خمسة أبيات فقط من القصيدة المذكورة، ديوانه (83) العراق؛ لكن قال محقق الديوان: المشهور أن هذه الأبيات للفرزدق.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 969

1 -

هَذَا الذِي تَعْرِفُ البطْحَاءُ وَطْأَتَهُ

والبَيتُ يَعْرِفُهُ والحِلُّ وَالحَرَمُ

2 -

هَذَا ابْنُ خَيرِ عِبَادِ الله كُلِّهُمُ

هَذَا التَّقِيُّ النقِيُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ

3 -

إِذَا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَال قَائِلُهَا

إِلَى مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي الكَرَمُ

فأما ما يزاد في هذا الشعر بعد هذه الأبيات فليس منها، إنما هو لداود بن سلم، يقول في قثم بن العباس بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب -رضي اللَّه تعالى عنهم- وهو قوله

(1)

:

1 -

يُغْضِي حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابتهِ

فَلَا يُكَلَّمُ إِلَّا حِيَن يَبتَسِمُ

2 -

في كفِّهِ خَيزرانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ

مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ في عِرنِينِهِ شَمَمُ

3 -

كمْ هَاتِفٌ بكَ مِنْ أَوْجٍ ورابيةٍ

يَدْعُوكَ يَا قُثَمُ الخَيرَاتِ يَا قُثَمُ

4 -

قوله: " [إلى]

(2)

ذروة العز" ذروة كل شيء أعلاه، ومنه ذروة السنام، قوله: "عبق" بفتح العين وكسر الباء الموحدة وهو صفة مشبهة من العبق بفتحتين مصدر عبق به الطيب بالكسر إذا لزق عبقا وعباقة.

6 -

قوله: "من كف أروع" الأروع من الرجال الذي يعجبك حسنه، و:"العرنين" بكسر العين هو أول الأنف يكون فيه الشمم.

8 -

قوله: "ينجاب" أي: ينكشف، و:"العتم" بفتح العين المهملة والتاء المثناة من فوق وهو الظلام.

9 -

قوله: "والخيم" بكسر الخاء المعجمة السجية والطبع لا واحد له من لفظه، و:"الشيم "بكسر الشين المعجمة وفتح الياء آخر الحروف جمع شيمة وهي الخلق.

15 -

قوله: "إذا فدحوا" بالفاء من فدحه الدين أثقله.

16 -

قوله: "ميمون" أي مبارك، و:"النقيبة" أي النفس، وقال ابن السكيت: فلان ميمون النقيبة إذ كان مبارك المشورة

(3)

قوله: "رحب الفناء" بفتح الراء أي واسع الفناء، و "الأريب" البصير بالأشياء والدرب بها.

21 -

و "الأزمة" الشدة والقحط، و "الشرى" بالشين المعجمة مقصور مأوى الأسد، و "البأس" بالباء الموحدة الشدة في الحرب، و "محتدم" بالحاء المهملة من احتدمت النار التهبت ويوم محتدم: شديد الحر.

(1)

ينظر شرح شواهد المغني (733) وما بعدها.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر الصحاح مادة: "نقب".

ص: 970

قوله: "يغضي حياء" على صيغة المعلوم من أغضى إغضاء وهو إدناء الجفون، قوله:"من مهابته" أي من هيبته، قوله:"فما يكلم" على صيغة المجهول.

الإعراب:

قوله: "يغضي" جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى زين العابدين -رضي الله تعالى عنه- وهو في محل رفع على أنه خبر عن مبتدأ محذوف تقديره: هو يغضي، و "حياء" نصب على التعليل، أي: لأجل حيائه، قوله:"ويغضى من مهابته" على صيغة المجهول والنائب عن الفاعل فيه ضمير المصدر، أي هو أي الإغضاء، وكلمة:"من" للتعليل، أي لأجل مهابته وهو مفعول له، ولذلك لم ينب عن الفاعل، قوله:"فلا يكلم" الضمير فيه هو النائب عن الفاعل، قوله:"إلا حين يبتسم" استثناء من غير موجب فيجوز فيه الوجهان: النصب على الاستثناء والرفع على البدلية كما في قوله تعالى: {مَا فَعَلُوهُ إلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: 66].

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ويغضى من مهابته" فإن النائب عن الفاعل فيه هو ضمير المصدر كما قررناه

(1)

.

‌الشاهد الثاني عشر بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

وَإِنَّمَا يُرضِي المنُيبُ رَبَّهُ

مَا دَامَ مَعْنِيًّا بِذِكْرِ قَلْبَهُ

أقول: قائله هو راجز لم أقف على اسمه، وأوله:

لَيسَ مُنِيبًا امرُؤٌ مُنَبَّهٌ

للصَّالِحَاتِ مُتَنَاسٍ ذَنْبَهُ

وهي من الرجز المسدس.

2 -

قوله: "ليس منيبًا" من الإنابة وهي الرجوع إلى الله تعالى بالتقوى وترك الذنوب، قوله:

(1)

حيث جاءت: "من" للتعليل وجاء نائب فاعل: "يغضي" ضميرًا مستترًا فيه جوازًا تقديره هو يعود إلى مصدر موصوف بوصف محذوف يتعلق الجار والمجرور به؛ فكأنه قال: ويغضى إغضاء حاصل من مهابته، وذهب الأخفش إلى أن الجار والمجرور:"من مهابته" نائب فاعل مع اعترافه أن: "من" هنا للتعليل، وعنده أنه لا يمتنع نيابة المفعول لأجله عن الفاعل بخلاف جمهور النحاة.

(2)

ابن الناظم (90)، وأوضح المسالك (2/ 149).

(3)

بيتان من الرجز المشطور، مجهولا القائل، فيهما دعوة للاشتغال بذكر الله والقرب منه، وانظر بيت الشاهد في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 128)، وشرح التصريح (1/ 291)، وشرح الأشموني (2/ 47).

ص: 971

"متناس ذنبه" أي تارك اياه، وأصل النسيان: الترك، قال الله تعالى:{نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67].

قوله: "معنيًّا" بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر النون وتشديد الياءآخر الحروف من قولهم: عُنِيتُ بحاجتك أُعْنَي بها فأنا بِها مَغني وعَنِيتُ بها فأنا عان، والأول أكثر، أي اهتممت بها واشتغلت، وأصل معني: معنوي على وزن مفعول اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء ثم أدغمت الياء في الياء، فصار: معنيّ بضم النون، ثم أبدلت الضمة كسرة لأجل الياء فصار معنيّ.

الإعراب:

قوله: "وإنما يرضي" من الإرضاء، و:"المنيب" فاعله، وقوله:"ربه" كلام إضافي مفعوله، قوله:"ما دام" قد عرف أن دام من الأفعال الناقصة، ومعناه بقي ولا يستعمل إلا مع ما المصدرية التوقيتية.

فإذا قلت: أفعل الخير ما دمت، كان التقدير: مدة دوامك حيًّا، والضمير المستتر فيه اسمه، وقوله:"معنيًّا" خبره، ومعنيًّا "اسم مفعول حكمه حكم ما لم يسم فاعله في رفعه نائبًا عن الفاعل ومعناه هاهنا: يُعْنَى بذكر قلبه، وقوله:"بذكر" جار ومجرور ناب عن الفاعل وترك المفعول به وهو قلبه.

الاستشهاد فيه:

احتج به الأخفش والكوفيون على جواز نيابة غير المفعول به مع وجوده، فإن قوله قلبه مفعول به مع أنه لم ينب عن الفاعل وإنما ناب عنه الجار والمجرور كما ذكرناه

(1)

، فافهم.

‌الشاهد الثالث عشر بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

لَم يُعْنَ بِالْعَلْيَاءِ إلا سَيِّدًا

................................

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وبعده:

(1)

أجاز الكوفيون نيابة غير المفعول به مع وجوده واستدلوا بقوله تعالى في قراءة أبي جعفر: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ، وقوله:{وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} ببناء الفعلين للمجهول، واستدلوا بالبيت المذكور وأبيات أخرى، وذهب الأخفش إلى أنه إذا تقدم المفعول به على الجار والمجرور والظرف وجبت نيابته، وإذا تأخر عنهما جاز نيابته ونيابة غيره لتأخره.

ينظر الهمع (1/ 62)، والارتشاف (2/ 194)، والمساعد (1/ 398)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 128، 129)، وشفاء العليل (1/ 419)، وشرح الجمل "الكبير" لابن عصفور (1/ 537، 538).

(2)

ابن الناظم (90)، وأوضح المسالك (2/ 150)، وشرح ابن عقيل (2/ 122).

(3)

البيت من الرجز المشطور، وهو في ملحقات ديوان رؤبة (مجموع أشعار العرب 173، وليم بن الورد) وبعد ما =:

ص: 972

...................

وَلَا شَفَى ذَا الغَيِّ إلا ذُو هُدَى

وهو من الرجز المسدس.

قوله: "لم يعن" على صيغة المجهول من عنيت أعني، وقد ذكرنا تحقيقه في البيت السابق

(1)

، قوله:"بالعلياء" أي بالمرتبة العلياء أو المنزلة العلياء، وقال ابن فارس: العلياء لكل مكان مشرف

(2)

، قوله:"ذا الغي" أي صاحب الضلال.

الإعراب:

قوله: "لم يعن" مجهول ونائب الفاعل فيه هو حرف الجر في قوله: "بالعلياء" وأصل الكلام: لم يعن الله بالعلياء إلا سيدًا، أي لم يجعل الله أحدًا يعتني بالعلياء إلا من له سيادة فحذف الفاعل وأنيب قوله:"بالعلياء"[عنه]

(3)

، واستثنى السيد على جهة التفريع، فترك الاسم العام الذي هو أحد وقدر السيد مفعولًا، وقد كان في الأصل بدلًا من أحد منصوبًا على الاستثناء، قال الشيخ أثير الدين: و "إلا سيدًا" يحتمل أن يكون استثناء منقطعًا، أي لكن السيد عني بالعلياء.

الاستشهاد فيه:

في نيابة حرف الجر فيه عن الفاعل كما ذكرناه، وهذا لا يجوز عند البصريين، فإن عندهم لا يجوز أن ينوب الظرف ولا المصدر ولا حرف الجر عن الفاعل مع وجود المفعول به، وهذا البيت وأمثاله ضرورة عندهم.

وأجازه الأخفش والكوفيون واحتجوا بقول الله تعالى: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثية: 14] في قراءة يزيد بن القعقاع

(4)

على بناء يجزي لما لم يسم فاعله

(5)

، ونيابة الجار والمجرور ونصب قومًا.

= ذكره الشارح قوله:

وعزنا عز إن توحدا

تثاقلت أركانه واعلودا

وانظر بيت الشاهد في الدرر (2/ 92)، وشرح التصريح (1/ 291)، وتخليص الشواهد (497)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 162)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 128).

(1)

ينظر الشاهد رقم (412).

(2)

ينظر مجمل اللغة مادة: "علو".

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

هو أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي المدني أحد القراء العشرة، تابعي مشهور توفي سنة (130 هـ)، ينظر طبقات القراء (2/ 382 - 394).

(5)

هي قراءة أبي جعفر في الإتحاف (390)، والنشر لابن الجزري (2/ 372)، والمبسوط في القراءات العشر (339).

ص: 973

واحتجوا -أيضًا- بهذا البيت وأمثاله، فإن الشاعر فيه أناب حرف الجر عن الفاعل ونصب سيدًا على ما ذكرناه

(1)

.

‌الشاهد الرابع عشر بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

وَنُبِّئْتُ عَبدَ الله بِالجَوِّ أَصْبَحَتْ

كِرَامًا مَوَالِيهَا لَئِيمًا صَمِيمُهَا

أقول: قائله هو الفرزدق.

وهو من الطويل.

قوله: "نبئت لا أي أخبرت، وأراد بعبد الله اسم قبيلة لا اسم علم لمفرد، قوله: "بالجو" بفتح الجيم وتشديد الواو وهو اسم لثمان مواضع:

الأول: جو اسم لليمامة كانت تسمى جوا ثم سميت باليمامة.

الثاني: جو الحضارم من نواحي اليمامة -أيضًا-.

الثالث: جو الجوادة في أرض طيء.

والرابع: هو سويقة من نواحي المدينة كانت لآل علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه-.

والخامس: جو [موضع]

(4)

بعمان.

السادس: جو قرية بأجداء لبني ثعلب بن جدعاء وبني زهير.

والسابع: جو أثال على جادة النباح في ديار بني عبس.

والثامن: الجو اسم لما اتسع من الأودية، هكذا ذكره في المشترك

(5)

.

قلت: الجو ما بين السماء والأرض -أيضًا- والظاهر أن الفرزدق أراد به جو اليمامة، قوله:

(1)

منع البصريون نيابة غير المفعول به مع وجوده تقدم أو تأخر، وما ورد ظاهره نيابة غير المفعول به حملوه على الضرورة، وأما القراءات القرآنية في قوله تعالى:{لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وقوله نجي المؤمنين "فجعلوا: "قومًا" معمول لفعل مضمر يدل عليه: "يجزي" وقراءة نجي" شاذة. ينظر الارتشاف (2/ 31)، وشفاء العليل (1/ 419)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 537)، وشرح المقرب لابن عصفور (1/ 601)، د. علي فاخر، وابن يعيش (7/ 75)، وقضايا الخلاف النحوية والصرفية في كتاب شفاء العليل للسلسيلي (328) وما بعدها (دكتوراه بالأزهر، د. عبد العزيز فاخر).

(2)

أوضح المسالك (2/ 153).

(3)

البيت من بحر الطويل نسب للفرزدق، وليس في ديوانه، وينظر شرح التصريح (1/ 293)، والكتاب لسيبويه (1/ 39)، وفي شرح أبيات سيبويه للسيرافي (1/ 426).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ينظر معجم قبائل العرب القديمة والحديثة (1/ 219) لعمر كحالة.

ص: 974

"كرامًا" جمع كريم، [قوله:"لئيمًا"]

(1)

ويروى: لئامًا صميمها، وصميم الشيء خالصه، وأراد به: رؤوس عبد الله القبيلة وأعيانها.

الإعراب:

قوله: "ونبئت" على صيغة المجهول، وهو يقتضي ثلاثة مفاعيل، الأول: التاء، والثاني: عبد الله، والثالث: قوله: أصبحت وذكر في شرح كتاب سيبويه أن أصبحت تفسير

(2)

، قلت: أراد به أن يفسر أن عبد الله اسم قبيلة وليس باسم علم لمفرد، ولهذا ذكره بالتأنيث ولم يقل: أصبح.

قوله: "بالجو" يتعلق بأصبحت، قوله:"كرامًا" نصب على أنه خبر أصبحت، وقوله:"مواليها" على تقدير الرفع باسم الفاعل، قوله:"لئيمًا" خبر بعد خبر، و "صميمها" مرفوع به.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ونبئت" حيث ناب عن الفاعل فيه المفعول الأول، وفي هذا الفصل بحث كبير يعرف في موضعه

(3)

-[إن شاء الله تعالى-]

(4)

.

‌الشاهد الخامس عشر بعد الأربعمائة

(5)

،

(6)

لَيْتَ وَهَلْ يَنْفَعُ شَيئًا لَيْتُ

لَيْتَ شَبَابًا بُوعَ فَاشْتَرَيْت

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر شرح أبيات سيبويه للسيرافي (1/ 426).

(3)

منع أكثر النحويين نيابة المفعولين الثاني والثالث في باب أعلم ونبأ، وأجاز ابن مالك ذلك بشرط أمن اللبس، وألا يكون ثاني المفعولين جملة ولا ظرفًا ولا جارًّا ومجرورًا، فلو خيف اللبس لم ينب إلا الأول، قال السلسيلي:"ولا تمنع نيابة غير الأول من المفعولات مطلقًا إن أمن اللبس ولا يكن جملة ولا شبهها خلافًا لمن أطلق المنع في باب ظن وأعلم، وقوله: "خلافًا لمن أطلق المنع في باب ظن وأعلم، قال ابن هشام وابن عصفور والأبذي لا يجوز في باب اعلم إلا إقامة الأول وكذا الجزولي وغيره في ظن واختار المصنف الجواز فيهما، وزعم ابن هشام وابن أبي الربيع أنه لا يجوز إلا إقامة الثالث في باب أعلم اتفاقًا". ينظر شفاء العليل (1/ 419)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 129)، والارتشاف (2/ 187)، وشرح التصريح (1/ 292)، وشرح الجمل الكبير (1/ 539)، وشرح المقرب (1/ 606)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 162).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ابن الناظم (89)، توضيح المقاصد (2/ 26)، وأوضح المسالك (2/ 155)، وشرح ابن عقيل (2/ 115).

(6)

البيت من بحر الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه (171)، مجموع أشعار العرب، وينظر الدرر (4/ 26)، وشرح التصريح (1/ 295)، وشرح شواهد المغني (819)، وأسرار العربية (92)، وتخليص الشواهد (495)، والمغني (393)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 248)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1121).

ص: 975

وهو من الرجز المسدس، ويقال هذا أنشده الكسائي ولم يعزه إلى أحد، وأنشد قبله

(1)

:

1 -

مَا لي إذَا أَجد بها صَأيْتُ

أكبر قَدْ غَالنِي أَمْ بَيتُ

1 -

قوله: "أجذ بها" أي الدلو لأنها في صفة الدلو، ويروى: أنزعها، قوله:"صأيت" بالصاد المهملة والهمزة، أي صحت، يقال: صأى يصأى صئيًا مثل: صفى يصفي صفيًا، قوله:"أكبر قد غالني" وهوى: أكبر غيرني، وهكذا رواه الجوهري

(2)

، قوله:"أم بيت" أراد بها المرأة.

الإعراب:

قوله: "ليت" كلمة للتمني، ولو كان في المستحيل، و"ليت" الثالثة تأكيد له، وقوله:"شبابًا" اسمه، قوله:"بوع" جملة خبره، قوله:"وهل ينفع شيئًا ليت" جملة معترضة بين ليت الأول الذي هو المؤكد بفتح الكاف وبين ليت الثالث الذي هو المؤكد بكسر الكاف، وقوله:"وهل" للنفي كما في قوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إلا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]، والدليل عليه -أيضًا- أن الكسائي أنشده هكذا

(3)

:

ليت وما ينفع شيئًا ليت

................................

وكلمة: "ما" لنفي، فكذلك هل، وقوله:"ينفع" فعل وفاعله هو ليت الثاني، والمراد اللفظ لا المعنى، و "شيئًا" منصوب على المفعولية، قوله:"فاشتريت" عطف على قوله: "بوع"، ومفعوله محذوف أي اشتريته.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بوع" فإن القياس فيه بيع؛ لأنه مجهول باع؛ لكن من العرب من يخفف هذا النوع بحذف حركة عينه، فإن كانت واوًا سلمت؛ كما في قوله: "حوكت

(4)

، والقياس: حيكت، وإن كانت ياء قلبت واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها؛ كما في قوله:"بوع"، فإن أصله: بُيع" بضم الباء وكسر الياء فحذفت حركة الياء فصار: بُيع بضم الباء وسكون الياء فقلبت الياء واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها

(5)

.

(1)

ينظر شرح شواهد المغني (819).

(2)

الصحاح مادة: "بيت".

(3)

ينظر شرح شواهد المغني (820)، ودوران رؤبة (مجموع أشعار العرب 171).

(4)

كلمة من بيت، وهو الشاهد الآتي، ونصه:

حوكت على نيرين إذ تحاك

تختبط الشوك ولا تشاك

(5)

قال ابن مالك: "فإن كانت العين ياء سلمت لسكونها بعد ما يجانسها بيع وإن كانت واوًا انقلبت ياء لسكونها بعد قيل كسر، ومن أشم الكسرة ضمة لم يغير الياء، وهي ولغة أخلاص الكسر لغتان فصيحتان مقروء بهما، وبعض =

ص: 976

‌الشاهد السادس عشر بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

حُوكَت عَلَى نَوْلَيِنْ إذ تُحَاكُ

تَخْتَبِطُ الشَّوْكُ وَلَا تُشَاكُ

أقول: قائله هو راجز لم أقف على اسمه.

وهو من الرجز المسدس ومنهم من نسبه إلى رؤبة فلم أجده في ديوانه.

قوله: "حوكت" بناء مجهول من حاكت، والقياس: حيكت، وذلك لأنه من حاك الثوب يحوكه حوكًا وحياكة نسجه فهو حائك، وهم حاكة وحوكة، وبناء المجهول من حاكت يأتي حِيكَتْ؛ لأنه أصله: حُوكَتْ نقلت حركة الواو إلى ما قبلها بعد سلب حركتها، فصار حوكت بكسر الحاء وسكون الواو، ثم قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فصار: حيكت كما فعل هكذا في: قيلت مجهول وقالت، ولكن منهم من يحذف حركة الواو للتخفيف ويُبقِي الواو ساكنة، فيقول: حوكت وقولت، وعليه قول الراجز

(3)

.

قوله: "على نولين" تثنية نول بفتح النون وسكون الواو وهو الخشب الذي يلف الحائك عليه الثوب، ويقال: المنوال -أيضًا- ويجمع الأول على أنوال، والثاني على مناويل، ويروى: على نيرين بكسر النون وسكون الياءآخر الحروف وفي آخره راء وهو تثنية نير، والنير علم الثوب ولحمته -أيضًا- فإذا نسج على نيرين كان أصفق وأبقى، تقول: نِرْتُ الثوب أُنِيرُه نيرًا، وكذلك: أنرت الثوب، وهنرته مثل: أرقت وهرقت

(4)

.

قوله: "تحاك" مجهول من المضارع أصله تُحْوَك، نقلت حركة الواو إلى ما قبلها ثم قلبت ألفًا كما [فعل]

(5)

هكذا في يقال ويصان ونحوهما من الأجوف الواوي الذي من باب فعل يفعُل بالفتح في الماضي والضم في الغابر.

قوله: "تختبط الشوك" من اختبطت الشجرة إذا ضربتها بالعصا لتأخذ ورقها، قوله:

= العرب يخلص الضمة، فإن كانت العين واوًا سلمت لسكونها بعد ما يجانسها (قول)، وإن كانت ياء انقلبت واوًا لسكونها بعد ضمة (بوع). ثم أنشد البيت". ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 131)، وينظر توضيح المقاصد (2/ 25)، (6/ 59، 60).

(1)

ابن الناظم (89)، وأوضح المسالك (2/ 156)، وشرح ابن عقيل (2/ 114).

(2)

بيتان من الرجز المشطور، وهما غير منسوبين في تخليص الشواهد (495)، والدرر (6/ 261)، وشرح التصريح (1/ 259)، والمنصف (1/ 250)، وهمع الهوامع للسيرطي (2/ 165)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1222).

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 131)، وتوضيح المقاصد (2/ 25)، (6/ 59، 60).

(4)

ينظر الأنصاف (215).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 977

"ولا تشاك" على صيغة المجهول من شاكتني الشوكة تشوكني إذا دخلت الشوكة في جسده، يصف الشاعر بهذا إزاره ورداءه بغاية الصفاقة حتى إنها تختبط الشوك ولا يؤثر بها.

الإعراب:

قوله: "حوكت" الضمير فيه مفعول ناب عن الفاعل، وأصله: حاكها الحائك، والضمير يرجع إلى كل واحد من إزاره وردائه، لأنه يصفهما بالصفاقة كما ذكرنا، قوله:"على نولين" في محل النصب على الحال من الضمير الذي في حوكت تقديره: حوكت كائنة على نولين.

قوله: "إذ" ظرف بمعنى حين، و "تحاك" بمعنى: حيكت، ومثله قوله تعالى:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37]، و {إذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ}

(1)

[آل عمران: 153]، قوله:"تختبط" جملة من الفعل والفاعل [وهو الضمير الذي يرجع إلى كل واحد من الرداء والإزار]

(2)

، و "الشوك" مفعوله، قوله:"ولا تشاك" جملة أخرى معطوفة على ما قبلها.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حوكت" حيث حققت فيه الواو وأبقيت ساكنة ولم تقلب ياء كما قررناه آنفًا

(3)

.

* * *

(1)

وهو يشير بالآيتين وبالبيت إلى أن إذ للزمان الماضي، فيلزمها الدخول على الفعلية الماضوية، {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا} [الأعراف: 86]، وإن دخلت على المضارع كالبيت والآيتين وجب تأويله بالماضي.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر التعليق على الشاهد رقم (415).

ص: 978

‌شواهد اشتغال العامل عن المعمول

‌الشاهد السابع عشر بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

وَقَائِلَةٍ خَوْلَانُ فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ

................................

أقول: قائله مجهول لا يعرف، وتمامه:

................................

وَأُكْرُومَةُ الحَيَّينِ خِلْوٌ كَمَا هِيَا

وهو من الطويل.

قوله: "خولان" بفتح الخاء المعجمة اسم قبيلة، وهي خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، وقال ابن دريد:"خولان" فعلان من خال يخول، يقال: منه فلان خائل مالي إذا كان حسن القيام على المال. قوله: "فتاتهم" الفتاة الشابة من النساء كالفتى من الرجال.

قوله: "وأكرومة الحيين" الأكرومة بضم الهمزة من الكرم كالأعجوبة من العجب، وأراد بالحين حي أبيها وحي أمها يعني: كريمة الطرفين.

قوله: "خلو" بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام بمعنى الخلية عن الأزواج، ويقال: هو كناية عن كونها مطلقة.

(1)

أوضح المسالك (2/ 163).

(2)

البيت من بحر الطويل، وقائله مجهول، وهو في الكتاب لسيبويه (1/ 139)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 110)، وابن يعيش (1/ 100)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 413)، والخزانة (1/ 315)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1089)، وشرح شواهد المغني (468)، الجنى الداني (71).

ص: 979

الإعراب:

قوله: "وقائلة" الواو فيه واو رب، أي رب امرأة قائلة، وقائلة مجرورة بها، قوله:"خولان" بالرفع مبتدأ، وقوله:"فانكح فتاتهم" خبره هكذا يقال ثم يرد عليه أن الفاء لا يصلح دخولها على خبر المبتدأ، ويجاب بأن خولان خبر مبتدأ محذوف تقديره: هؤلاء خولان.

وقوله: "فانكح فتاتهم" جواب لشرط محذوف تقديره: إذا كان كذلك فانكح فتاتهم.

وقال أبو سعيد: الجمل كلها يجوز أن تكون أجوبتها بالفاء نحو: زيد أبوك فقم إليه، فإن كونه أباه سبب وعلة للقيام إليه، وكذلك الفاء في: فانكح

(1)

تدل على أن وجود هذه القبيلة علة لأن يتزوج منهم ويتقرب إليهم لحسن نسائها وشرفها، وفيه إشارة التي ترتيب الحكم على الوصف، ونظيره قوله تعالى:{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ} [مريم: 65] على أحد الوجهين ذكرهما صاحب الكشاف

(2)

.

وقال محمد بن يزيد: هذه خولان، وأجاز النصب على إضمار فعل، قال: ولو قلت: هذا زيد فاضربه جاز بجعل زيد عطف بيان أو بدلًا، ولو رفعت خولان بالابتداء لم يجز من أجل الفاء وإنما جاز مع هذا؛ لأن فيها معنى التنبيه والإشارة، فكأنك قلت: من هذه التنبية والإشارة فافعل كذا

(3)

، وكال: جاز النصب على المدح.

قوله: "وأكرومة الحيين" كلام إضافي مبتدأ وخبره قوله: "خلو" والجملة في محل النصب على الحال.

قوله: "كما هيا" كلمة ما موصولة وهي مبتدأ وخبره محذوف أي كالحال الذي هي عليه، وإما كافة لحرف الجر، والضمير مبتدأ محذوف الخبر -أيضًا-، وإما زائدة، والضمير المرفوع

(1)

في (أ): انكح.

(2)

الكشاف للزمخشري (2/ 517).

(3)

المقتضب (2/ 76، 77) وقال سيبويه: "وقد حسن ويستقيم أن تقول: عبد الله فاضربه، إذا كان مبنيًّا على مبتدأ مظهر أو مضمر فأما في المظهر فقولك: هنا زيد فاضربه، وإن شئت لم تظهر هذا ويعمل كعمله إذا أظهرته، وذلك قولك: الهلال والله فانظر إليه؛ كأنك قلت: هذا الهلال، ثم جئت بالأمر، ومما يدلك على حسن الفاء هاهنا أنك لو قلت: هذا زيد فحسن جميل، كان كلامًا جيدًا، ومن ذلك قول الشاعر (البيت) هكذا سمع من العرب تنشده، وتقول: هذا الرجل فاضربه، إذا جعلته وصفًا ولم تجعله خبرًا، وكذلك: هذا زيدًا فاضربه، إذا كان معطوفًا على هذا أو بدلًا، وتقول: اللذين يأتيانك فاضربهما، تنصبه كما تنصب زيدًا، وإن شئت رفعته على أن يكون مبنيًّا على مظهر أو مضمر، وإن شئت كان مبتدأ لأنه يستقيم أن تجعل خبره من غير الأفعال بالفاء، ألا ترى أنك لو قلت: الذي يأتيني فله درهم، والذي يأتيني فمكرم محمود كان حسنًا، ولو قلت: زيد فله درهم لم يجز وإنما جاز ذلك؛ لأن قوله: الذي يأتيني فله درهم في معنى الجزاء فدخلت الفاء في خبره؛ كما تدخل في خبر الجزاء".- الكتاب (1/ 138 - 140)، (1/ 138 - 141) وينظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم "الحروف"(2/ 244، 245).

ص: 980

وقع موقع الضمير المجرور مثل قولهم: ما أنا كأنت، فيكون المعنى تقول: رب قائلة قالت هؤلاء خولان فانكح فتاتهم فأجبتها كيف أتزوج والحال أن أكرومة الحيين خلو لا زوج لها وهي أولى بأن أتزوجها؟

ويقال في هذا البيت أمور:

أحدها: حذف رب وإبقاء عملها وذلك بعد الواو في غاية الكثرة

(1)

.

الثاني: استعمال مجرور رب غير موصوف وحقه الوصف للإيضاح والتعويض من حذف متعلقها وتمكين التقليل؛ لأن رجلًا من بني تميم أقل من رجل على الإطلاق

(2)

.

وقال علي بن عبد الرحمن الأنصاري

(3)

في حاشية إيضاح الفارسي: والذي حسن هنا أن لا يجيء الوصف أن ما بعد قائل وقائلة من صلته؛ فالاختصاص حاصل بتلك الصلة، وأن قائلًا وقائلة في الحقيقة صفتان لمجرور رب المحذوف، فلم يخل مجرورها من وصف.

والثالث: حذف المبتدأ؛ لأن التقدير: هذه خولان.

والرابع: حذف الفعل وذلك على رواية من روى: خولان بالنصب وقدره علي بن عبد الرحمن المذكور: أقصد خولان أو أعمد خولان

(4)

.

والخامس: زيادة الفاء، وذلك على قول الأخفش بأنه لا يقدر محذوفًا

(5)

.

والسادس: عطف الطلب على الخبر، وذلك على تقدير المبتدأ في حالة الرفع.

والسابع: قوله: "كما هيا" وفيه عمل ليس هذا محله.

والثامن: إعمال اسم الفاعل المعتمد على موصوف محذوف.

(1)

قال ابن هشام في حديثه عن رب: "وإعمالها محذوفة بعد الفاء كثيرًا وبعد الواو أكثر وبعد بل قليلًا وبدونهن أقل، ينظر المغني (136).

(2)

ينظر المغني (136).

(3)

هو أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن أبي البشر الأنصاري الكاتب الصقلي المتوفى قبيل (500 هـ). ينظر الأعلام (4/ 298).

(4)

نقل هذه الأمور بنصها السيوطي في شرح شواهد المغني (468، 469).

(5)

قال ابن يعيش: "اعلم أن الأسماء على ضربين: منها ما هو عارٍ من معنى الشرط والجزاء، وضرب يتضمن معنى الشرط والجزاء، فالأول نحو: زيد وعمرو وشبههما، فما كان من هذا القبيل لم تدخل الفاء في خبره، تقول: زيد منطلق، ولو قلت: زيد فمنطق لم يجز، وكان أبو الحسن الأخفش يجيز ذلك على زيادة الفاء وذكر أن ذلك ورد عنهم كثيرًا. حكى: أخوك فوجد، على معنى: أخوك وجد، والفاء زائدة، وأنشد: (البيت)، والمراد: وقائلة خولان انكح فتاتهم، وسيبويه لا روى زيادتها ويتأول ما ورد من ذلك على أنها عاطفة وأنه من قبيل عطف جملة فعلية على جملة اسمية". ابن عيش (1/ 99 / 100)، وينظر معاني القرآن للأخفش (1/ 76).

ص: 981

والتاسع: أن رب لا يلزم مضى ما بعدها وإلا لم يجز إعماله.

والعاشر: إقامة الظاهر مقام المضمر لكونه أزيد فائدة، فإن أكرومة الحيين هي الفتاة المشار إليها

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فانكح فتاتهم" وذلك أن الفاء لا تدخل في خبر المبتدأ، كما نص عليه سيبويه، فلذلك أول بما ذكرنا من التأويلات فافهم

(2)

.

‌الشاهد الثامن عشر بعد الأربعمائة

(3)

،

(4)

أَثَعْلَبَةَ الفَوَارِسَ أَمْ رِيَاحًا

عَدَلَتْ بِهِم طُهَيَّةَ وَالخِشَابَا

أقول: قائله هو جرير بن الخطفي.

وهو من قصيدة بائية من الوافر وفيه القطف.

قوله: "أثعلبة" أراد بها القبيلة وهي ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، وفي أسد بن خزيمة ثعلبة -أيضًا- وهي ثعلبة بن دُوْدَان بن أسد بن خزيمة، قوله:"أم رياحًا" بكسر الراء وبالياء آخر الحروف، وهي -أيضًا- قبيلة، وهي رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وفي قضاعة -أيضًا- رياح بطن وهو ابن عوف بن عميرة بن الهون بن أعجب

(1)

ينظر جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع (102) للسيد الهاشمي، وشرح شواهد المغني (495).

(2)

ينظر في هذه المسألة الكتاب لسيبويه (1/ 142، 143)، ومعاني القرآن للزجاج (4/ 288)، وإعراب القرآن للنحاس (2/ 19)، والارتشاف (2/ 67)، وشفاء العليل (1/ 300)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 109)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 329)، (2/ 136)، وشرح الكافية الشافية (374).

(3)

أوضح المسالك (2/ 166).

(4)

البيت من بحر الوافر لجرير بن الخطفي، وهو من قصيدة طويلة زادت على المائة بيت في هجاء الراعي النميري ديوانه (2/ 813) تحقيق د. نعمان طه- دار المعارف؛ ومطلعها شاهد مشهور في كتب النحو وهو قوله:

أقللي اللوم عاذل والعتابا

وقولي إن أصبت لقد أصابا

ومنها البيت الشديد الهجاء، وهو شاهد أيضًا وهو قوله:

فغض الطرف إنك من نمير

فلا كعبًا بلغت ولا كلابا

والشاهد المذكور في أول القصيدة، الديوان (2/ 814)، وهو أيضًا في الكتاب لسيبويه (1/ 102)، وشرح التصريح (1/ 300)، والأزهية (114)، وشرح الأشموني (2/ 78)، والخزانة (11/ 69)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 288)، وروايته في الديوان:

أثعلبة الفوارس أو رياحا

عدلت بهم طهية والخشابا

ص: 982

ابن قدامة بن حَزْم بن أيان بن حُلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة، وفي سليم -أيضًا- وهي رياح بن يقظة بن عصبة بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم.

قوله: "طهية" بضم الطاء وفتح الهاء وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخرها هاء، وهي حي من بني تميم يقال لهم: بنو طهية بنت عبد شمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم.

قوله: "والخشابا" بكسر الخاء المعجمة وبالشين المعجعة وبعد الألف باء موحدة وهي -أيضًا- قبيلة، قال الجوهري: وبنو رزام بن مالك بن حنظلة يقال لهم الخشاب، ثم أنشد البيت المذكور

(1)

.

الإعراب:

قوله: "أثعلبة" الهمزة للاستفهام، و:"ثعلبة" منصوب بفعل مضمر يفسره ما بعده، وتقديره: أساويت ثعلبة بطهية، ويختار هاهنا إضمار الفعل، لأن الاستفهام عنه.

فإن قلتَ: لم قدرت ساويت ولم تقدر من لفظ الفعل المفسر؟

قلتُ: لأن لفظة عدلت لا يتعدى إلا بحرف الجر فلا وجه إلا أن يضمر فعل من معنى عدلت.

قوله: "الفوارس" بالنصب [صفة]

(2)

ثعلبة، وهو جمع فارس على غير قياس؛ لأن القياس أن يكون فواعل جمع فاعلة، وقد مر تحقيق الكلام فيه فيما مضى، قوله:"أم رياحًا" أم متصلة لأنه تقدم عليها همزة يطلب بها وبأم التعيين وهو عطف على قوله: "أثعلبة" ويروى: "أو رياحًا".

قوله: "عدلت بهم" أي بثعلبة، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وطهية بالنصب مفعول -أيضًا-، و:"الخشابا" عطف عليه والألف فيه للإشباع.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أثعلبة الفوارس" حيث نصب ثعلبة بعد همزة الاستفهام، وحكم ابن الطراوة

(3)

بشذوذ هذا، وذلك لأن الاستفهام إذا كان عن اسم فالرفع واجب نحو: أزيد ضربته أم عمرو؟

(4)

.

(1)

الصحاح مادة: "خشب".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

هو أبو الحسين سليمان بن محمد بن عبد الله السبئي المالقي ألف الترشيح في النحو وهو مختصر والمقدمات على كتاب سيبويه (ت 528 هـ)، ينظر بغية الوعاة (1/ 602). وأبو الحسين بن الطراوة وأثره في النحو (19).

(4)

يجب نصب الاسم المشغول عنه إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل كأدوات الشرط والتحضيض وأدوات الاستفهام غير الهمزة، ويترجح النصب في الاسم المشغول عنه في مسائل منها: أن يكون الفعل المذكور فعل طلب وهو: الأمر والنهي والدعاء كقولك: زيدًا اضربه، وزيدًا لا تهنه، واللهم عبدك ارحمه. ويترجح النصب في ذلك؛ لأن الرفع يستلزم الأخبار بالجملة الطلبية عن المبتدأ. وهو خلاف القياس مع جوازه، ومنها: أن يكون الاسم مقترنًا بعاطف =

ص: 983

‌الشاهد التاسع عشر بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

لا تَجْزَعِي إن مُنْفِسًا أَهْلَكْتُهُ

فَإذَا هَلَكتُ فَعِنْدَ ذَلكَ فَاجْزَعِي

أقول: قائله هو النمر بن تولب العكلي

(3)

.

وهو من قصيدة من الكامل وأولها هو قوله:

1 -

قَالتْ لِتعذِلني منَ الليلِ اسمَعِ

سفها تَبَيتُك المَلامَةُ فاهْجعي

2 -

لَا تعجَلِي لِغَدٍ فَأَمْرُ غَدٍ لَهُ

أتَعْجَلِينَ الشَّرَّ مَا لَم تُمْنَعِي

3 -

قَامَتْ تُبْكي أَنْ سَبَأت لفتْيَةٍ

زِقًّا وَخَابيَةً بعَوْدٍ مُقْطّعِ

4 -

لا تجزعي .................

.................... إلى آخره

5 -

وإذا أتاني إخْوَتِي فَذَريهمُ

يَتعلَّلُوا في العَيشِ أَوْ يَلْهُوا مَعِي

6 -

لَا تَطْرُديهِم عَنْ فِرَاشِي إنَّهُم

لَا بُدَّ يَوْمًا أَنْ سَيخْلُو مَضْجَعِي

قوله: "أن سبأت" بفتح السين المهملة والباء الموحدة وسكون الهمزة، يقال: سبأت الخمر سبأ إذا اشتريتها لتشربها، واستبأتها مثله، ولا يقال ذلك إلا في الخمر خاصة، و:"الفتية" بكسر الفاء جمع فتى، و"فذريهم" أي اتركيهم ولا تتعرضي لهم.

قوله: "يتعلَّلوا" أي يتهلَّلوا يقال فلان يعلل نفسه بفعله، وتعلل به أي تلهى، قوله "منفسًا" بضم الميم وسكون النون وكسر الفاء وهو المال النفيس، قال ابن فارس: يقال مال منفس ونفيس

= مسبوق بجملة فعلية كقولك: قام زيد وعمرًا أكرمته، وذلك لأنك إذا رفعت كانت الجملة اسمية فيلزم عطف الاسمية على الفعلية وهما متخالفان، وإذا نصبت كانت الجملة فعلية والتقدير: وأكرمت عمرًا أكرمته، فتكون قد عطف فعلية على فعلية وهما متناسبان والتناسب في العطف أولى من التخالف ولذلك رجح النصب. قال تعالى:{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالْأَنْعَامَ} [النحل: 4، 5] أجمعوا على نصب (الأنعام) لأنها مسبوقة بالجملة الفعلية وهي: (خلق الإنسان). ومنها: أن يتقدم على الاسم أداة الغالب فيها أن تدخل على الأفعال كقولك: أزيدًا ضربته؟ وما زيدًا رأيته. قال تعالى: {فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} [القمر: 24]، ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 140) وما بعدها، وشرح قطر الندى لابن هشام (193، 194)، وشرح الأشموني (2/ 76، 77).

(1)

ابن الناظم (92)، وشرح ابن عقيل (2/ 133).

(2)

البيت من بحر الكامل، من قصيدة للنمر بت تولب العكلي الذي أسلم في آخر حياته، ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم، كان جوادًا واسع العطاء، وكريمًا بماله على أصحابه وضيوفه، والبيت والقصيدة في هذا المعنى، وانظر بيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 134)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 160)، ومعاني الحروف للرماني (46)، والمقتضب (2/ 76)، والجنى الداني (73)، والمغني (166 - 403).

(3)

ينظر الأبيات في خزانة الأدب للبغدادي (1/ 317).

ص: 984

كثير

(1)

كأنه يصف نفسه بالكرم، وأنه لا يصغى إلى من يلوم في ذلك، ويقال: إن امرأته لامته على إتلاف ماله جزعا من الفقر، وذلك أنه نزل به ضيف وهو في الجاهلية فعقر لهم أربع قلائص وسبأ لهم خمرًا كثيرًا، فلامته [امرأته]

(2)

على ذلك فقال لها: لا تجزعي لإتلافي منفس المال فإني قادر على إخلافه وإنما إذا هلكت فاجزعي في ذلك الوقت فإنه لا خلف لك عني.

الإعراب:

قوله: "لا تجزعي" نهي وفاعله الياء، و "إن" حرف شرط، وقوله:"منفس" بالرفع والنصب؛ فالنصب بفعل مقدر تقديره: أهلكت منفسًا أهلكته، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت فعل الشرط، وجوابه مقدم وهو قوله:"لا تجزعي" والرفع على تقدير: إن هلك منفس لجاز؛ لأنه إذا أهلكه فقد هلك.

قوله: "فإذا هلكت" الفاء للعطف وإذا للشرط، و:"هلكت" جملة من الفعل والفاعل فعل الشرط، وجوابه قوله:"فعند ذلك فاجزعي" أي فاجزعي عند ذلك.

فإن قلتَ: ما هاتان الفاءان؟

قلتُ: الفاء الداخلة على عند زائدة، والفاء الداخلة على فاجزعي جواب الشرط، أما سيبويه فيتأول ذلك، ويجعل الفاء الداخلة على "عند" جواب إذا، والفاء الداخلة على:"فاجزعي" عاطفة جملة أمرية على جملة خبرية، أي: فأنت عند ذلك فاجزعي، وذلك جائز لاشتراكهما في مسمى الجملة، وكذلك يتأول: زيد فوجد على تقدير: هذا زيد، فهو وجد فحذف المبتدآن

(3)

، وحكى الأخفش هذا زيد فمنطلق

(4)

، قالوا ويجوز أن تكون الفاء جوابًا في هذا المقدر من التنبيه؛ لأنك لا قلت: هذا زيد كأنك قلت: تنبه فهو منطلق.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إن منفسًا"[حيث جاء منصوبًا على شريطة التفسير؛ لأن تقديره: أهلكت منفسًا أهلكته كما ذكرنا]

(5)

، واستشهد به ابن الناظم في رفعه بفعل مضمر مطاوع للظاهر تقديره: إن هلك منفس أهلكته، وأنشده في كتابه بالرفع، ثم قال: ويروى بالنصب، ورواية

(1)

مجمل اللغة مادة: "نفس".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 134، 139) وما بعدهما، والمغني (483).

(4)

معاني القرآن للأخفش (1/ 76).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 985

[الأكثرين]

(1)

بالنصب والرفع رواية الأخفش

(2)

.

‌الشاهد العشرون بعد الأربعمائة

(3)

،

(4)

فَارِسًا مَا غَادَرُوهُ مُلْحَمًا

غيرَ زُمَّيْل ولَا نِكْسٍ وَكَلْ

أقول: قائله هو علقمة، وذكر في الحماسة البصرية أن قائله امرأة من بلحارث بن كعب، وبعده

(5)

:

2 -

لَوْ يَشَأْ طَارَ بِهَا ذُو مَيْعَةٍ

لاحِقُ الآَطَالِ نهدٌ ذُو خُصَلْ

3 -

غيرَ أَن البأْسَ مِنْهُ شِيمَةٌ

وصُرُوفُ الدَّهْرِ تَجْري بالأجَلْ

وهي من الرمل وأصله في الدائرة: فاعلاتن ست مرات وفيه الحذف.

1 -

قوله: "ما غادروه" أي ما تركوه من الغدر وهو الترك، ومنه الغدير؛ لأنه يترك فيه الماء بعد ذهاب السيل، والغدر: هو نقض العهد لأن فيه ترك العهد، قوله:"ملحمًا" بضم الميم وسكون اللام وفتح الحاء المهملة من ألحم الرجل

(6)

، واستلحم إذا نشب في الحرب فلم يجد له مخلصًا، وألحمه غيره فيها، ولحُم إذا قتل فهو ملحوم ولحيم، وقد ضبطه بعضهم بالجيم فما أظنه صحيحًا، قوله:"زميل" بضم الزاي المعجمة وتشديد الميم المفتوحة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام وهو الرجل الجبا الضعيف.

[قوله: "ولا نكس" بكسر النون وسكون الكاف وفي آخره سين مهملة وهو الرجل الضعيف]

(7)

، ويجمع على أنكاس، قوله:"وكل" بفتح الواو والكاف وهو الذي يكل أمره

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر معاني القرآن للأخفش (327)، ورواية البيت فيه بالنصب، ثم قال وبعده بيت آخر لا ينشد إلا رفعًا وقد سقط الفعل على شيء من سببه، وهذا قد ابتدئ بعد إنْ وإن شئت جعلته رفعًا بفعل مضمر، وروي برفع منفس والعامل فيه فعل مضمر مطاوع للظاهر والتقدير: إن هلك منفس، ويروى بالنصب وهو الأكثر والتقدير: إن أهلكت منفسًا.

قال ابن الناظم (91، 92): "ولكن قد يرفع بفعل مضمر مطاوع للظاهر كقول الشاعر (البيت) ثم قال: التقدير: لا تجزعي إن هلك منفس أهلكته، ويروى: لا تجزعي إن منفسًا بالنصب على ما قد عرفت".

(3)

ابن الناظم (93)، وشرح ابن عقيل (2/ 140).

(4)

البيت من بحر الرمل ينسب لعلقمة في ديوانه (96) سلسلة: "شعراؤنا"، وينسب له ولامرأة من بني الحارث في شرح شواهد المغني (664)، ولامرأة من بني الحارث في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (3/ 1107)، وانظره في تخليص الشواهد (501)، والمغني (577)، وينظر المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (630).

(5)

ينظر الأمالي الشجرية (1/ 96، 299)، وشرح شواهد المغني (664).

(6)

في (ب): من لحم الشيء.

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 986

إلى غيره لعجزه وضعف رأيه وقلة معرفته بالأمور.

2 -

قوله: "ذو ميعة" قال الجوهري: الميعة النشاط وأول جري الفرس وأول الشباب وأول النهار

(1)

، قوله:"الآطال" بفتح الهمزة جمع إطل بكسر [الهمزة]

(2)

، والطاء على وزن إبل وهي الخاصرة، قوله:"نهد" بفتح النون وسكون الهاء أي جسيم مشرف تقول منه نهد الفرس بالضم نهودًا، قوله:"ذو خصل" بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة جمع خصلة وهي لفيفة من شعر.

الإعراب:

قوله: "فارسًا" نصب بفعل يفسره الظاهر، أي: غادروا فارسًا، وكلمة:"ما" زائدة

(3)

؛ لأنها لو كانت نافية امتنع الاشتغال؛ لأن ما النافية لها صدر الكلام فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها وما لا يعمل لا يفسر عاملًا.

قوله: "غادروه" جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو الضمير المنصوب الذي يرجع إلى فارسًا، [قوله: "]

(4)

ملحمًا" مفعول ثان لغادروه، قوله: "غير زميل" كلام إضافي نصب على الحال، قوله: "ولا نكس" بالجر عطف على المضاف إليه أي ولا غير نكس، قوله: "وكل" صفة النكس وهو مجرور اللام في الأصل ولكنها سكنت لأجل الضرورة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فارسًا" حيث اختير فيه النصب على الرفع؛ وذلك لأن كل اسم لم يوجد معه ما يوجب نصبه ولا ما يوجب رفعه ولا ما يرجح واحدًا منها يستوي فيه الرفع والنصب؛ كما في قولك: زيد ضربته، فيجوز رفع زيد ونصبه، والأرجح رفعه؛ لأن عدم الإضمار أرجح من الإضمار، ومنهم من ذهب إلى أنه لا يجوز النصب، والبيت المذكور حجة عليه؛ حيث جاء منصوبًا، وان كان الأرجح الرفع في مثل هذا

(5)

.

* * *

(1)

الصحاح مادة: "ميع".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر المغني (578)، وشرح شواهد المغني (464).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

يجوز في الاسم المشغول عنه الرفع والنصب على السواء إذا لم يجب نصبه أو يجب رفعه أو ما يرجح أحدهما، والرفع على أنه مبتدأ والجملة بعده في محل رفع خبر، والنصب على أنه مفعول به لفعل محذوف وجوبًا يفسره الفعل المذكور، وهنا في هذا البيت يجوز الوجهان الرفع والنصب، الرفع أرجح لعدم الإضمار في الكلام وجوز النصب كما وردت الرواية، وجعله ابن هشام منصوبًا على المدح. ينظر المغني (578)، وشرح شواهد المغني (464).

ص: 987

‌شواهد تعدي الفعل ولزومه

‌الشاهد الحادي والعشرون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

إِذَا قِيلَ أَيُّ النَّاسِ شَرُّ قَبِيلَةٍ

أَشارَتْ كُلَيبٍ بالأكُفِّ الأَصابعُ

أقول: قائله هو الفرزدق.

وهو من قصيدة من الطويل يخاطب بها الفرزدق جرير، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

وَمِنَّا الذِي اختِيرَ الرِّجَال سَمَاحَةً

وَجُودًا إِذَا هَبَّ الرِّيَاحُ الزَّعَازِعُ

2 -

وَمِنَّا الذِي قَادَ الجِيَادَ عَلَى الوَجَى

لَنَجرَانَ حَتَّى صَبَّحَتْهَا النَّزَائِعُ

3 -

فَوَا عَجَبًا حَتَّى كُلَيبٌ تَسُبُّني

كَأَن أَبَاهَا نَهْشَلٌ أَوْ مُجَاشِعَ

4 -

أَخَذْنَا بِأَطْرَافِ السَّمَاءِ عَلَيكُم

لَنَا قَمَرَاهَا والنُّجُومُ الطَّوَالِعُ

5 -

إِذَا قِيلَ أَيُّ النَّاسِ شَرُّ ......

..................... إلى آخره

1 -

قوله: "ومنا الذي اختير

" فيه إسقاط الخافض -أيضًا- ولكن نصب الاسم بعد ذلك؛ إذ الأصل: اختير من الرجال، يصف قومه بالجود والكرم عند اشتداد الزمان، وذلك في الشتاء وهبوب الرياح الشديدة، و: "الزعازع" [جمع زعزع]

(4)

، وهي الرياح الشديدة، ويقال -أيضًا- زعزاع وزعزوع والجمع زعازيع.

(1)

ابن الناظم (96)، وتوضيح المقاصد (2/ 51)، وأوضح المسالك (2/ 178).

(2)

البيت من بحر الطويل من قصيدة للفرزدق في الفخر بعد أن سرد مآثر آبائه:

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع

وانظر ديوان الفرزدق (1/ 418)، ط. دار صادر، وتخليص الشواهد (504)، والخزانة (9/ 113)، والدرر (4/ 191)، وشرح التصريح (1/ 312)، وشرح شواهد المغني (2/ 178)، والمغني (61)، والهمع (2/ 36).

(3)

ديوان الفرزدق (1/ 418)، ط. دار صادر.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 988

2 -

قوله: "على الوجى" بالجيم المهملة أي الخفاء، و "النزائع" الخيل الكرام فقيل هي التي تنزع إلى وطنها.

5 -

وقوله: "أشارت" ويروى أشرت، يريد أشارت إليها بأنها شر الناس، يقال: لا تشر فلانًا ولا تشنعه يعني لا تشر إليه بشر ولا تذكره بأمر قبيح، قوله:"كليب" بضم الكاف وفتح اللام وأراد به: رهط جرير، وهو كليب بن يربوع بن حنظلة.

الإعراب:

قوله: "إذا" للظرف فيه معنى الشرط، وقوله:"أشارت" جوابه، قوله:"أي الناس" كلام إضافي مبتدأ وخبره قوله: "شر قبيلة"، وأي للاستفهام، والجملة مقول القول، وقوله:"أشارت" فعله

(1)

، وفاعله قوله:"الأصابع"، قوله:"بالأكف" جمع كف يتعلق بأشارت.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كليب" حيث جاء بالجر وأصله إلى كليب فأسقط الجار وأبقى عمله والأصل نصب المجرور بعد حذف الجار توسعًا؛ كقولك في: شكرت لزيد ونصحت لعمرو: شكرت زيدًا ونصحت عمرًا، ولكن الشاعر هاهنا أسقط الجار وأبقى عمله

(2)

.

‌الشاهد الثاني والعشرون بعد الأربعمائة

(3)

،

(4)

لَدُنْ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ

فِيهِ كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثعْلَبُ

أقول: قائله هو ساعدة بن جؤية الهذلي أخو بني كعب.

وهو من قصيدة طويلة من الكامل، وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

هَجَرَتْ غَضُوبُ وحُبّ مَنْ يَتَخَبَّبُ

وَعَدَتْ عَوَادٍ دُونَ وَليك تَشْعبُ

(1)

في (ب): فعل.

(2)

يحذف حرف الجر سماعًا ويبقى عمله كقول رؤبه وقد سئل: كيف أصبحت؟ فقال: خيرٍ والحمد لله، أي على خير والحمد لله، ومثله بيت الشاهد ولا خلاف في شذوذ حذف حرف الجر وبقاء عمله. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 150)، وشرح الأشموني (2/ 90).

(3)

ابن الناظم (96)، وأوضح المسالك (2/ 179).

(4)

البيت من بحر الكامل، من قصيدة طويلة لساعدة بن جؤية، وأكثرها في الغزل، وهي في والكتاب لسيبويه (1/ 36)، والخصائص (3/ 319)، والمغني (11)، وشرح شواهد المغني (17)، وأسرار العربية:(180)، وتخليص الشواهد (305)، والخزانة (3/ 83)، وانظرها كلها في شرح أشعار الهذليين (112)، والهمع (1/ 200).

(5)

ينظر شرح شواهد المغني (17).

ص: 989

2 -

وَمِنَ العَوَادِي أَنْ تَقَتْكَ ببغْضَةٍ

وَتَقَاذَفُ منهَا وَإنَّكَ تَرْقُبُ

3 -

شَابَ القَذَالُ ولَا فؤَادكَ تَارِكٌ

ذِكرَ الغَضُوبِ ولَا عِتَابُكَ يُعْتَبُ

4 -

لَدْنُ بِهَزِّ الكَفِّ ..............

................... إلى آخره

5 -

خِرْقٍ مِنَ الخطيِّ أُغْمِضَ حَدُّهُ

مِثلِ الشِّهَابِ رَفَعْتَهُ يَتَلَهَّبُ

6 -

مَّما يُتَرَّصُ في الثِّقَافِ يَزِينُهُ

أَخْذَى كخَافِيَةِ العُقَابُ مُحَرَّبِ

1 -

قوله: "غضوب" اسم امرأة، قوله:"وعدت عوادي" أي صرفت صوارف، و "الولي" بفتح الواو وسكون اللام القرب، قوله:"تشغب" بالشين والغين المعجمتين، يقال: فلان يشغب أي يأتي في غير وجه مستقيم.

2 -

قوله: "ومن العوادي" أي الصوارف، قوله:"تقتك" يقال: [تقاه]

(1)

، وأتقاه بحقه إذا استقبله به، وقوله:"وتقاذف" أي تباعد، قوله:"ترقب" أي ترصد.

3 -

قوله: "القذال" بالقاف وهو آخر ما يشيب

(2)

في الرأس.

5 -

قوله: "خرق" بكسر الخاء وسكون الراء وفي آخره قاف يصف به الرمح يريد هو في الرماح مثل الخرق في الفتيان، والخرق هو الذي يتصرف في الأمور وينخرق فيها، قوله:"أغمض حده" أراد السنان، أي ألطف سنانه، و "الشهاب": السراج.

6 -

قوله: "مما يترص" يعني: يحكم، و "الثقاف" بكسر الثاء المثلثة وبالقاف وفي آخره فاء وهي الخشبة التي يقوم بها الرمح، قوله:"أخذي" أراد أن السنان ليس بمنتشر.

4 -

قوله: "كخافية العقاب" وهي ريشة بيضاء في جناحه شبه الرمح بها، قوله:"محرب" بالحاء المهملة أي مجدد.

وقوله: "لدن"[بفتح اللام وسكون الدال وفي آخره نون، أي ناعم لين فكل لين من القضبان يسمى لدنا]

(3)

، ويروى: لذ بمعنى لذيذ من اللذة يعني: لذيذ عند هزه من لينه ونعومته وقوامه.

قوله: "يعسل" بالعين والسين المهملتين من العسلان وهو اهتزاز الرمح، ويقال لمشي الذئب ولكل عاد عسلان -أيضًا- من عسل يعسل كضرب يضرب عسلًا وعسلانًا.

والمعنى: يضطرب في اندماج وسرعة كما يعسل الذئب إذا مضى مسرعًا وهز رأسه، وقال

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ) يشب.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 990

أبو عبيدة: الذئب عاسل والرمح عسّال

(1)

.

الإعراب:

قوله: "لدن" مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو لدن، قوله:"بهز الكف" مصدر مضاف إلى فاعله ومفعوله محذوف تقديره: هز الكف إياه، يعني الرمح، والباء تتعلق بقوله يعسل، وأراد بالمتن جمهور الرمح، ويقال: التقدير في قوله: "بهز الكف" عند هز الكف".

وقال ابن يسعون: الأحسن عندي أن يكون ظرفًا ليعسل متنه فيه، أي يعسل متنه فيه عند هزه.

فإن قيل: إن فيه ظرف قد عمل فيه يعسل فكيف يعمل في ظرف آخر؟

فالجواب: أنهما ظرفان مختلفان؛ لأن فيه في تقدير ظرف مكان، وبهز في تقدير ظرف زمان؛ ألا ترى أن المعنى وقت هزه، قوله:"فيه" أي في هزه، قوله:"كما عسل" الكاف للتشبيه، و "ما" مصدرية أي كعسلان الثعلب في الطريق، والثعلب فاعل عسل، والطريق منصوب بتقدير في؛ أي: في الطريق.

والاستشهاد فيه:

حيث حذف حرف الجر منه ونصب مجروره توسعًا في الفعل وإجراؤه مجرى المتعدي، ولكن هذا نوعان مقصور على السماع ومطرد في القياس؛ والأول أيضًا نوعان: نوع وارد في السعة نحو: شكرت له وشكرته، ونوع مخصوص بالضرورة؛ كما في البيت المذكور؛ لأنه لما لم يستقم الوزن بحرف الجر حذف ونصب ما بعده بالفعل، ولا يقال: الطريق ظرف مكان لا منصوب على التوسع؛ لأنه اسم خاص للموضع المستطرق، وإنما ينتصب على ظرفية المكان ما كان مبهمًا ونحوه في التوسع، قولهم: ذهبت الشام؛ إلا أن الطريق أقرب إلى الإبهام من الشام؛ لأن الطريق تكون في كل موضع يسار فيه، وليس الشام كذلك

(2)

.

(1)

الصحاح مادة: "عسل"، واللسان مادة:"عسل".

(2)

ينصب المفعول به بعد حذف حرف الجر المعدى به الفعل وهذا النصب مع الحذف لا يكون قياسيًا إلا مع (أنْ) و (أنّ) كما ذهب إليه كل من سيبويه والمبرد وغيرهما من النحاة. يقول سيبويه: "هذا باب آخر من أبواب (أن) تقول: جئتك أنك تريد المعروف. إنما أراد لأنك تريد المعروف، ولكنك حذفت اللام هاهنا كما تحذف من المصدر إذا قلت:

وَأُغْفِرُ عوراء الكريمِ ادخارَهُ

وَأُعْرِضُ عن ذنبِ اللئيمِ تكَرُّمًا

أي: لادخاره، وسألت الخليل عن قوله:{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52] فقال إنما هو على حذف اللام؛ كأنه قال: ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون

وتقول: لبيك إن الحمد والنعمة لك، وإن شئت قلت (أن). ولو قال إنسان إن (أن) في موضع جر في هذه الأشياء ولكنه حرف كثر استعماله في كلامهم فجاز فيه حذف الجار، كما حذفوا (رب) في قولهم: =

ص: 991

‌الشاهد الثالث والعشرون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

آليتَ حَبَّ العراقِ الدَّهرَ أَطعمُهُ

والحبُّ يَأكُلُهُ في القَريَةِ السُّوسُ

أقول: قائله هو المتلمس، واسمه جرير بن عبد المسيح الضُّبَعِي بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة، وقبله

(3)

:

1 -

أُمِّي شَامِيَّة إذ لَا عِرَاقَ لَنَا

قَوْمًا نودّهم إذ قَوْمُنَا شُوسُ

وبعده:

3 -

لَم تَدْرِ بُصْرَى بِمَا آليتُ من قَسمٍ

ولَا دمَشْقُ إذا دِيسَ الكَدَادِيسُ

وهي من البسيط.

2 -

قوله: "آليت" أي حلفت على حب العراق أني لا أطعمه الدهر مع أن الحب متيسر يأكله السوس وهو قمل القمح ونحوه، قال الكسائي: ساس الطعام يساس وأساس يُسيس وساست الشاة تَساس إذا كثر قملها سَوْسًا بالفتح وبالضم [هو]

(4)

اسم.

واعلم أنه اختلف في قوله: "آليت" فكلام العسكري

(5)

في جمهرة الأمثال يقتضي أنه بضم التاء؛ لأن المتلمس لما ألقى الصحيفة مضى إلى الشام، وقال يخاطب ناقته:

= وَبَلَدٍ تَحْسَبُهُ مَكْسُوحًا

...........................

لكان قولًا قويًّا. الكتاب (3/ 126 - 128)، وقال المبرد:"هذا باب من أبواب أن المفتوحة تقول: قصة زيد: أنه منطلق، وخبر زيد أنه يحب عبد الله، وهذا موضع ابتداء وخبره؛ فالتقدير: خبر زيد محبته عبد الله، وتقول: أشهد أن محمدًا رسول الله، فكأن التقدير: أشهد على أن محمدًا رسول الله. أي: أشهد على ذلك، أو أشهد بأن محمدًا رسول الله. أي: أشهد بذلك، فإذا حذفت حرف الجر وصل الفعل فعمل وكان حذفها حسنًا لطول الصلة، كما قال عز وجل: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] أي: من قومه، فهو من الصلة والموصول حسن جدَّا .... ". المقتضب (2/ 341). بتصرف، والأمالي لابن الحاجب (4/ 105، 106)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 150).

(1)

ابن الناظم (96)، وأوضح المسالك (2/ 180).

(2)

البيت من بحر البسيط، وهو من قصيدة مختارة عدتها عشرون بيتًا للمتلمس يحزن فيها على مفارقة أهل العراق، انظرها في ديوانه (95) رواية الأثرم وأبي عبيدة عن الأصمعي، طبعة: جامعة الدول العربية، وينظر الشاهد في الكتاب (1/ 38)، والأصول في النحو (1/ 179)، أوضح المسالك (94)، والجمل في النحو (96)، والتصريح (1/ 312) والتوسع في النحو (170)، وتخليص الشواهد (507)، والجنى الداني (473).

(3)

ينظر ديوان المتلمس (95)، وشرح شواهد المغني (296).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

هو أبو هلال العسكري الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد (ت 395)، ينظر الأعلام (1/ 196).

ص: 992

أمي شآمية ..............

............ إلى آخره

(1)

أي اقصدي ناحية شآمية.

وقوله: "أمي" أمر من أمّ يؤمّ إذا قصد والخطاب لناقته، وصرح غيره من العلماء بالشعر واللغة أنه بالفتح، وهكذا ضبطوه في كتاب سيبويه

(2)

، وقالوا: إنه يخاطب بذلك عمرو بن هند ملك الحيرة، وكان المتلمس قد هجاه وبلغه ذلك فخاف على نفسه ففر إلى الشام ومدح ملوكها، فحلف عمرو أنه لا يطعم المتلمس بعدها حب العراق، أي أنه لا يقدر بعدها على المقام بالعراق فلا سبيل له إلى أكل حبها، فقال المتلمس ذلك، أي حلفت يا عمرو لا تتركني أقيم بالعراق والطعام لا يبقى وإن استبقيته بل يسرع إليه الفساد جمله السوس فالبخل به قبيح

(3)

.

1 -

قوله: "شوس" بضم الشين المعجمة وسكون الواو وفي آخره سين مهملة وهو جمع أشوس يقال: رجل أشوس، وقوم شوس من الشوس بالتحريك، وهو النظر بمؤخر العين تكبرًا أو تغيظًا.

3 -

قوله: "بصرى" بضم الباء الموحدة وآخرها ألف: مدينة بالشام، أضاءت لأهل مكة قصورها ليلة مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمعنى: لم تعلم بصرى أنك حلفت فأنا آكل من طعامها، وكذلك دمشق فأنا أكون في موضع لا أمر لك فيه، فلا أخافك على نفسي وأنا في خصب وخير، قوله:"الكداديس"[جمع]

(4)

أكداس الطعام ولا واحد لها من لفظها قاله النحاس، وقال الجوهري: الكدس بالضم واحد أكداس الطعام

(5)

.

الإعراب:

قوله: "آليت" جملة من الفعل والفاعل، قوله:"حب العراق" كلام إضافي منصوب بنزع الخافض، وأصله عل حب العراق.

فإن قلتَ: لم لا يجوز أن ينصب حب العراق بقوله أطعمه كما في قولك: زيدًا ضربته؟ قلتُ: هذا لا يتمشى هاهنا؛ لأن التقدير لا أطعمه ولا هذه لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وما لا يعمل لا يفسر في هذا الباب عاملًا، قوله "الدهر" نصب على الظرف، قوله:"أطعمه" أي لا أطعمه فحذف منه حرف لا النافية وهو من طعمت الشيء طعمًا من باب علم يعلم أي: أكلته والطعام هو المأكول، والإطعام يقع في كل ما يطعم حتى الماء، قال

(1)

جمهرة الأمثال (1/ 581).

(2)

الكتاب لسيبويه (1/ 38).

(3)

راجع شرح شواهد المغني (297).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

الصحاح مادة: "كدس"، وينظر شرح شواهد المغني (298).

ص: 993

الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} [البقرة: 249] أي من لم يشربه، وقال عليه الصلاة والسلام في زمزم

(1)

: "إنها طعامُ طُعم وشفاء سقم"، و "الحب": مبتدأ وخبره الجملة أعني قوله: "يأكله في القرية السوس"، والسوس فاعل جمله، والجملة في محل النصب على الحال.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حب العراق"[حيث حذف منه حرف الجر أعني: "على" إذ أصله على حب العراق]

(2)

؛ كما قلنا ولما حذفها للضرورة نصب ما بعدها بالفعل فافهم

(3)

.

‌الشاهد الرابع والعشرون بعد الأربعمائة

(4)

،

(5)

تَحِنُّ فتُبدِي مَا بها منْ صَبَابَةٍ

وأخْفِي الَّذِي لَوْلَا الأسَى لَقَضانِي

أقول: قائله هو عروة بن حزام

(6)

، وهو من قصيدة أولها هو قوله

(7)

:

(1)

الحديث في فتح الباري لابن حجر (بَاب مَا جَاءَ فيِ زَمَزَم) وَقَدْ وَقعَ فيِ مُسْلِم مِن حَدِيث أبي ذرٍّ "أنهَا طَعَام طُعْم" زَادَ الطَّيالِسِي مِن الْوَجْه الذِي أَخْرَجَهُ مِنهُ مُسلِم "وَشِفَاء سُقْم". وانظره في صحيح مسلم بشرح النووي، باب فضائل أبي ذر.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

قال سيبويه: "هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين، فإن شئت اقتصرت على المفعول الأول وإن شئت تعدى إلى الثاني كما تعدى إلى الأول. وذلك قولك: أعطى عبد الله زيدًا درهمًا، وكسوت بشرًا الثياب الجياد، ومن ذلك: اخترت الرجال عبد الله، ومثل ذلك قوله عز وجل:{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} وسميته زيدًا، وكنيت زيدًا أبا عبد الله، ودعوته زيدًا إذا أردت دعوته التي تجري مجرى سميته وإن عنيت الدعاء إلى أمر لم يجاوز مفعولًا واحدًا، ومنه قول الشاعر:

أستَغفرُ اللهَ ذنبًا لَستُ مُحْصِيَهُ

رَبُّ العبادِ إليه الوَجْهُ والعَمَلُ

وقال عمرو بن معد يكرب الزبيدي:

أمرتكَ الخَيَرَ فَافعَل مَا أُمِرْتَ بهِ

فقد ترَكتُكَ ذَا مَالٍ وذَا نَسَب

وإنما فصل هذا أنها أفعال توصل بحروف الإضافة فتقول: اخترت فلانًا من الرجال وسميته بفلان؛ كما تقول: عرفته بهذه العلامة وأوضحته بها، وأستغفر الله من ذلك، فلما حذفوا حرف الجر عمل الفعل، ومثل ذلك قول المتلمس:(البيت) يريد: على حب العراق، وكما تقول: نبئت زيدًا يقول ذاك. أي: عن زيد". الكتاب (1/ 37، 38).

(4)

ابن الناظم (96)، وتوضيح المقاصد (2/ 53).

(5)

عجز بيت من بحر الطويل لعروة بن حزام العذري صاحب عفراء، وهو من قصيدة طويلة في الغزل العفيف، وانظره في المغني (142)، وشرح شواهد المغني (1/ 414)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (2/ 635)، والتصريح (1/ 314)، والخزانة (4/ 136)، وتخليص الشواهد (504)، واللسان:"غرض"، والجنى الداني (474)، والخزانة (9/ 120)، والدرر (5/ 185)، وشرح التسهيل لابن مالك (148 - 150).

(6)

شاعر إسلامي عاش في زمن معاوية، وأحد عشاق العرب المشهورين، عشق ابنة عمه عفراء، وتزوجت غيره فمات غمًّا، ثم لحقت به ابنة عمه، الخزانة (3/ 215).

(7)

ينظر الأغاني (23/ 307)، وشرح شواهد المغني (414)، والخزانة (3/ 216).

ص: 994

1 -

يقُولُ لِيَ الأَصْحَابُ إِذْ يَعْذِلُونَني

أَشَوْقٌ عراقيٌّ وأَنْتَ يَمَانِيُّ

2 -

أَمَامِي هَوًى لَا نَوْمَ دُونَ لِقَائِهِ

وَخَلفِي هَوًى قَدْ شَفَنِي وبَرَانِي

3 -

فَمَنْ يَكُ لَمْ يَغْرِض فإنِّي وَنَاقَتِي

بِحِجْرٍ إِلَى أَهْلِ الحِمَى غَرِضَانِ

4 -

تحن ....................

.................... إلى آخره

5 -

هَوَى نَاقتيِ خَلْفِي وقُدَّامِي الهَوَى

وإنِّي وإيَّاهَا لمُخْتَلِفَانِ

6 -

وقَدْ تَرَكَتْ عَفْرَاءُ قَلْبِي كَأَنَّهُ

جَنَاحُ غُرَابٍ دَائِمُ الخَفَقَانِ

7 -

ألَا لَعَنَ اللهُ الوُشَاةَ وقوْلَهُمُ

فلانةُ أَضْحَتْ خُلَّةً لِفُلَانِ

8 -

فيَا لَيتَ كُلَّ اثْنَيِنْ بَينَهُمَا هَوًى

مِنَ النَّاسِ بَعْدَ اليَأْسِ مُجْتَمِعَانِ

9 -

جعلتُ لِعَرَّافِ اليَمَامَةِ حُكْمَهُ

وعَرَّافِ نَجْدٍ إِنْ هُمَا شَفَيَانِي

10 -

فَمَا تَرَكَا مِنْ رُقْيَةٍ يَعْرِفُونَهَا

ولا شَكْوَةٍ إلا وَقَدْ سَقَيَانِي

(1)

11 -

فقالا شَفَاكَ اللهُ والله مَا لَنَا

بِمَا ضَمِنَتْ مِنْكَ الضُّلُوعُ يدَانِ

12 -

وَإني لأَهْوَى الحَشْرَ إِذْ قِيلَ إِنَّنِي

وَعَفْرَاءَ يَوْمِ الحَشْرِ يَلْتَقِيَانِ

وهي من الطويل.

4 -

قوله: "تحن" من الحنان وهو الرحمة والحنو، قوله:"من صبابة" أي من شوق، قوله:"لولا الأسى" بضم الهمزة جمع أسوة فعلة من التأسي وهو الاقتداء، وقال ابن هشام: الأسى يظنون أنه بفتح الهمزة، وعندي أنه خطأ وصوابه بضم الهمزة؛ لأن الأسى بفتح الهمزة الحزن، ولا مدخل له هاهنا من حيث المعنى بل هو مفسد

(2)

.

3 -

قوله: "لم يغرض" بغين وضاد معجمتين بينهما راء مهملة يقال: غرض إلى كذا إذا اشتاق وهو من باب علم يعلم، وقوله:"غرضان" بفتح العين وكسر الراء تثنية غرض صفة مشبهة من الفعل المذكور، و:"الحجر" بفتح الحاء اسم موضع.

6 -

و: "عفراء" بفتح العين المهملة وسكون الفاء اسم محبوبته.

الإعراب:

قوله: "تحن": جملة من الفعل والفاعل، وهو هي المستترة فيه يرجع إلى الناقة المذكورة في

(1)

هذا البيت سقط في (ب).

(2)

البيت في المغني (142)، وشرح شواهد المغني (415).

ص: 995

البيت الذي قبله، قوله:"فتبدي" جملة أخرى مثلها عطف عليها، ورواه أبو علي في العسكريات بالواو.

قوله: "مما بها" في محل النصب على أنه مفعول فتبدي، و "ما" موصولة، وصدر صلتها محذوف تقديره: الذي هو بها، وكلمة من في صبابة للبيان، قوله:"وأخفي "جملة من الفعل والفاعل وهو أنا المستتر فيه عطف على ما قبله.

قوله: "الذي" مع صلته في محل النصب على أنه مفعول أخفي، قوله:"لولا" لربط امتناع الثانية بوجود الأولى، وقوله:"لقضاني" جواب لولا أي لولا الأسى موجودة لقضى عليّ الموت، وفاعل قضى محذوف.

الاستشهاد فيه:

حيث حذف منه حرف الجر وجعل مجروره مفعولًا، وقد حمل الأخفش على ذلك قوله تعالى:{لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] أي على سر أي نكاح، وكذلك:{لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16]

(1)

، وبهذا استدل الجمهور على أن على تكون حرفًا خلافًا لقوم ذهبوا إلى أنها لا تكون إلا اسمًا

(2)

.

وقد يقال: إن قوله: "لقضاني" قد يكون مضمنًا معنى قتل أو أهلك فيتعدى حينئذ بنفسه، ولا يكون على إسقاط على فلا يكون فيه استشهاد. فافهم.

‌الشاهد الخامس والعشرون بعد الأربعمائة

(3)

،

(4)

وَمَا زُرْتُ لَيْلَى أَنْ تَكُونَ حَبِيبَةً

إلَيَّ وَلَا دَيْنٍ بِهَا أَنا طَالِبُهْ

أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من قصيدة من الطويل يمدح بها المطلب بن عبد الله المخزومي،

(1)

قال ابن هشام بعد أن ذكر البيت: "أي لقضي علي فحذف علي وجعل مجرورها مفعولًا، وقد حمل الأخفش على ذلك: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] أي على سر، أي نكاح، وكذلك: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16] أي على صراطك، ينظر المغني (142، 577) وقال ابن مالك في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 148)، "وأجاز على بن سليمان الأخفش أن يحكم باطراد حذف حرف الجر والنصب فيما لبس فيه كقول الشاعر: "وأخفي الذي لولا الأسى لقضاني".

(2)

قال الزجاجي: "على لها ثلاثة مواضع تكون اسمًا وفعلًا وحرفًا ..... والحرف قولك: على زيد مالٍ". معاني الحرف للزجاجي (23) وقال الرماني في حديثه عن: "على" وإذا كانت حرفًا كانت من الحروف العوامل وعملها الجر". معاني الحروف للرماني (108)، وقال ابن هشام: "على على وجهين: أحدهما أن تكون حرفًا وخالف في ذلك جماعة فزعموا أنها لا تكون إلا اسمًا ونسبوه لسيبويه"، المغني (152).

(3)

ابن الناظم (97).

(4)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة للفرزدق في مدح عبد الملك بن عبد الله المخزومي، انظر الديوان (1/ 84) =

ص: 996

وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

تَقُولُ ابْنَةُ الغَوْثيِّ مَالكَ هَاهُنَا

وَأَنْتَ تَمِيمِيٌّ مَعَ الشَّرْقِ جَانِبُهْ

2 -

فقلتُ لهَا الحاجاتُ يَطْرَحْنَ بالفَتَى

وَهَمٌّ تَعَنَّانِي مُعَنًّى رَكَائِبُهْ

3 -

وما زرت ليلى ............

................. إلى آخره

4 -

ولكنْ أتينَا خنْدَفِيًّا كَأَنَّهُ

هِلَالُ غُيُومٍ زَال عَنْهُ سحَائبُهْ

(2)

وقال ابن بري فسر بيت الفرزدق، وهو قوله:

وما زرت ليلى .........

......... إلى آخره

أن الفرزدق نزل بامرأة من العرب من طيء فقالت: ألا أدلك على رجل يعطي؟ فقال: بلى، فدلته على المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي، وكان مروان بن الحكم خاله فبعث به مروان إلى

(3)

صدقات طيء، ومروان عامل معاوية -رضي الله تعالى عنه- يومئذ على المدينة، فلما أتى الفرزدق المطلب وانتسب له رحب به وأكرمه وأعطاه عشرين أو ثلاثين بكرة، قلت: فحاصل المعنى: أنه يقول أنا ما زرت ليلى لتكون لي حبيبة ولا لأجل طلب دين لي عليها ولكن لأجل ضرورة تنزل بالشخص.

الإعراب:

قوله: "وما زرت" جملة منفية، و "ليلى" مفعول زرت، ويروى: سلمى موضع ليلى، قوله:"أن تكون" أي لأن تكون، فحذف حرف الجر منها وإنما حذف لطول أن بصلتها، وما حذف للطول فهو مراد، فإذا كانت اللام هاهنا مقدرة كانت أن مع صلتها في موضع الجر، وقوله:"تكون" بمعنى كانت، قوله:"حبيبة" نصب على أنها خبر تكون، و:"إلي" تتعلق بها.

قوله: "ولا دين" بالجر عطف على قوله: "أن تكون حبيبة إلي"؛ لأنها مخفوضة باللام المقدرة كما ذكرنا أي ولا لأجل دين بها أي بليلى، والجار والمجرور يتعلق بقوله طالبه، والباء بمعنى من؛ أي: ولا دين أنا طالبه منها، ويقال بها بمعنى عليها والباء بمعنى على كما في قوله تعالى:{مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] أي على قنطار، قوله:"أنا" مبتدأ، و:"طالبه"

= ط. دار صادر، وانظر بيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (3/ 29)، وشرح أبيات سيبويه (2/ 103)، والمغني (526)، وشرح شواهد المغني (885)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 81)، والإنصاف (395)، وتخليص الشواهد (511)، والدرر (5/ 183).

(1)

ينظر القصيدة المذكورة في ديوان الفرزدق (1/ 84)، ط. دار صادر.

(2)

هذا البيت غير موجود بالديوان.

(3)

في (أ): على.

ص: 997

كلام إضافي خبره، والجملة صفة لدين.

[الاستشهاد فيه:

في قوله: "أن تكون حبيبة" حيث حذف منه حرف الجر؛ إذ أصله لأن تكون وفيه خلاف، فادعى الخليل أن محله الجر بدليل عطف]

(1)

، ولا دين بالجر عليه، وهو مذهب الكسائي -أيضًا- ومذهب سيبويه والفراء أنه النصب.

ويقال: مذهب سيبويه هاهنا احتمال الأمرين

(2)

، ويقال: لا دليل في ذلك لجواز أن يكون عطفًا على توهم دخول اللام كما قال زهير بن أبي سلمى

(3)

:

بَدَا لي أَنّي لَسْتُ مُدركَ مَا مَضَى

ولَا سَابِقٍ شيئًا إِذَا كَانَ جَائِيَا

بجر سابق عطفا على مدرك على توهم دخول الباء عليه فافهم

(4)

.

‌الشاهد السادس والعشرون بعد الأربعمائة

(5)

،

(6)

تَمُرُّونَ الدِّيَارَ ولم تَعُوجُوا

كلامُكُمُ علي إذًا حَرَامُ

أقول: قائله هو جرير بن الخطفي.

وهو من قصيدة طويلة من الوافر، وأولها هو قوله

(7)

:

1 -

مَتَى كَانَ الخِيامُ بذي طُلُوحٍ

سُقيتِ الغَيثَ أَيَّتُهَا الخيامُ

2 -

تَنَكَّرَ مِنْ مَعَارِفهَا وَمَالتْ

دَعَائمُهَا وَقَدْ بلَى الثُّمَامُ

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ظاهر كلام سيبويه أنه يجيز النصب والجر ينظر وشرح التصريح (1/ 313) وقضايا الخلاف النحوية والصرفية في كتاب شفاء العليل للسلسيلي (339) "دكتوراه، بالأزهر.

(3)

البيت من الطويل في ديوانه (208) تحقيق د. فخر الدين قباوة (دار الفكر بيروت، سوريا)، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 381)، (2/ 52)، (4/ 47)، والمغني (288) والشاهد فيه هنا قوله:"ولا سابق"؛ حيث عطف بالخفض على توهم دخول الباء في الخبر.

(4)

ينظر المغني (476 - 527).

(5)

شرح ابن عقيل (2/ 150).

(6)

البيت من بحر الوافر لجرير بن عطية الخطفي ديوانه (416) ط. دار صادر، (3/ 6) بشرح إيليا الحناوي، ويروى:

أتمضون الرسوم ولم تحيا

...............................

وشرح الكافية للرضي (2/ 273، 274)، وشواهد المغني (1/ 311)، وشرح شواهد ابن عقيل للجرجاني (113، 114)، ط. الحلبي، والأغاني (2/ 179)، وتخليص الشواهد (503)، والخزانة (9/ 118)، والدرر (5/ 189)، والمغني (102)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 83).

(7)

ديوانه (416) ط. دار صادر، و (1/ 278)، ط. دار المعارف (تحقيق د. نعمان طه).

ص: 998

3 -

تَعَالى فَوْقَ أَجْرَعِكِ الخُزَامَى

بِنَوْرٍ واسْتَهَلَّ بِكِ الغَمَامُ

4 -

مَقَامُ الحَيِّ مَرَّ لَهُ ثمَانٍ

إِلَى عِشْرِينَ قَدْ بَلِي المقُامُ

5 -

أَقُولُ لِصُحْبَتِي لَمَّا ارتَحَلْنَا

وَدَمْعُ العَيِنْ مُنْهَمِرٌ سِجَامُ

6 -

تَمُرُّونَ .............

............ إلى آخره

1 -

قوله: "بذي طلوح" بضم الطاء اسم موضع.

2 -

و: "الثمام" بضم الثاء المثلثة جمع ثمامة، وهو نبت ضعيف له خوص وربما حشى به وسد به خصاص البيوت.

3 -

و: "الأجرع" رملة مستوية لا تنبت شيئًا وكذلك الجرعاء.

5 -

قوله: "منهمر" أي مسكوب، قوله:"سجام" بكسر السين المهملة من سجم الدمع سجاما إذا سال.

6 -

قوله: "ولم تعوجوا" من العوج، وهو عطفك رأس البعير بالزمام تقول: عجته أعوجه، والمعنى: لم تميلوا علينا.

الإعراب:

قوله: "تمرون" جملة من الفعل والفاعل، و:"الديار" أصله بالديار لأن المرور لا يستعمل إلا بالباء فلما حذفها الشاعر للضرورة نصب ما بعدها بالفعل، قوله:"ولم تعوجوا" جملة حالية، قوله:"كلامكم" مبتدأ وخبره: "حرام"، و:"علي" يتعلق به، قوله:"إذا" بطل عملها لوقوعها حشوًا وهو جواب لإن مقدرة؛ لأنه يكون جوابًا لإن أو لو ظاهرتين أو مقدرتين، والتقدير هاهنا: إن لم تعوجوا إذن كلامكم علي حرام.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "تمرون الديار" حيث حذف الشاعر حرف الصلة أعني الباء من الديار؛ إذ أصلها بالديار، ومذهب الجمهور أن حذف حرف الجر لا ينقاس مع غير: "أنْ وأنَّ بل يقتصر فيه على السماع

(1)

، وذهب الأخفش الصغير

(2)

إلى أنه يجوز الحذف مع غيرهما قياسًا بشرط تعيين

(1)

ينظر التعليق على الشاهد (422) من هذا البحث.

(2)

هو أبو الحسن علي بن سليمان بن الفضل قدم مصر سنة (287 هـ) له مصنفات منها: كتاب التثنية والجمع (ت 315 هـ) ينظر طبقات النحويين للزبيدي (115، 116)، ونشأة النحو (139، 140).

ص: 999

الحرف ومكان الحذف نحو: بريت القلم بالسِّكين، فيجوز عنده حذف الباء، فيقول: بريت القلم السكين

(1)

.

وقال النحاس: سمعت علي بن سليمان يعني الأخفش الأصغر يقول: حدثني محمد بن يزيد يعني المبرد قال: حدثني عمارة بن بلال بن جرير

(2)

، قال: إنما قال جدي: "مررتم بالديار" فعلى هذا فلا شاهد فافهم.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى- ما نصه: "فرغت يمين مؤلفه ومسطره من وعي هذا الجزء عودًا على بدء العبد الفقير إلى رحمة ربه الغني أبو محمد محمود بن أحمد العيني عامله ربه ووالديه بلطفه الخفي والجلي ضحوة نهار الخميس السادس والعشرين من ذي القعدة الحرام عام سبعة عشر وثمانمائة من الهجرة الأحمدية بحارة كتامة بالقاهرة المحروسة بمدرسة البدرنية المستجدة بالقرب من الجامع الأزهر عمرها الله تعالى بذكره الجزيل وأفاض على بانيها من بره الفياض الجميل.

والحمد لله أولًا وآخرًا، والصلاة والسلام على نبيه البعوث مبشرًا وناذرًا وعلى آله وصحبه الكرام وعلى علماء الأمة مؤيدي الإسلام ما دام أهل الإسلام بالسلام.

قال: ويتلوه في الجزء الثاني -إن شاء الله تعالى- ذكر شواهد التنازع في العمل قال وعدد شواهد هذا المجلد أربعمائة بيت وستة وعشرون بيتًا.

والحمد لله وحده.

* * *

إلى هنا انتهى المجلد الثاني ويليه المجلد الثالث مبتدءًا بـ: "شواهد التنازع في العمل"

(1)

قال ابن مالك: "وأجاز علي بن سليمان الأخفش أن يحكم باطراد حذف حرف الجر والنصب فيما لا لبس فيه كقول الشاعر:

..........................

وأُخْفِي الذي لولا الأسى لَقَضَاني".

شرح التسهيل لابن مالك (2/ 150)، وأبو الحسين بن الطراوة وأثره في النحو (90)، دراسة: د / محمد إبراهيم البنا.

(2)

انظر كتابنا تغيير النحويين للشواهد (153)، وما صنعه النحويون بهذا البيت للاستشهاد به، والرواية الصحيحة التي حكاها حفيد جرير والرواية التي في الديوان.

ص: 1000