المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌شواهد التنازع في العمل ‌ ‌الشاهد السابع والعشرون بعد الأربعمائة (1) ، (2) عُهِدْتَ مُغِيثًا - المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية - جـ ٣

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

‌شواهد التنازع في العمل

‌الشاهد السابع والعشرون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

عُهِدْتَ مُغِيثًا مُغْنِيًا مَنْ أَجَرْتَهُ

فَلَمْ أَتَّخِذْ إلَّا فِنَاءَكَ مَوْئلًا

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.

قوله: "عُهِدْت": من العهد، وهو يجيء لمعان كثيرة نحو: اليمين والأمان والذمة والحفظ ورعاية الحرمة والوصية ومعرفة الشيء على ما كان عليه، وعهدت هاهنا من هذا القبيل، قوله:"مُغِيثًا": اسم فاعل من الإغاثة، و "مُغْنِيًا": من أغناه عن الشيء إذا كفاه همه عنه.

قوله: "مَنْ أجَرْتَهُ" من أجاره يجيره من فلان إذا استجاره وأنقذه منه، ومنه: أجاره الله من العذاب، قوله:"إِلّا فِنَاءَك" بكسر الفاء، أي: إلا كنفك وجوارك والقرب منك، وأصل الفناء: ما امتد من الدار من جوانبها، قوله:"موئلًا" بفتح الميم وكسر الهمزة، أي: ملجأ، من: وأل إليه إذا لجأ إليه.

الإعراب:

قوله: "عُهِدْتَ" على صيغة المجهول، جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل وهو التاء، وأصله: عهدك العاهد، فلما حذف الفاعل أسند الفعل إلى المفعول وناب عن الفاعل.

قوله: "مُغِيثًا مُغْنِيًا": حالان مترادفان أو متداخلان من الضمير المستكن في عهدت، وكلاهما تنازعا في قوله:"مَنْ أَجَرْتَهُ" و "من" موصولة، و "أَجَرْتَهُ": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت صلة، والموصول مع صلته في محل النصب على المفعولية، قوله:"فَلَمْ أَتَّخِذْ" الفاء

(1)

ابن الناظم (98)، وتوضيح المقاصد (2/ 58)، وأوضح المسالك (2/ 21).

(2)

البيت من بحر الطويل، غير منسوب في تخليص الشواهد (513)، وشرح الأشموني (2/ 99)، والتصريح (1/ 316) والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (644).

ص: 1009

للتعليل؛ أي: فلأجل ذلك لم أتخذ، قوله:"مَؤئِلَا": مفعول لم أتخذ، وقوله:"إلا فِنَاءَكَ": استثناء مقدم منصوب لأنه عن غير موجب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مُغِيْثًا مُغْنِيًا مَنْ أَجَرْتَهُ" فإن قوله: "مُغِيثًا مُغْنيًا": اسمان وقد تنازعا في قوله: "مَنْ أَجَرْتَهُ" لأن كلًّا منهما يستدعي أن يعمل فيه

(1)

.

‌الشاهد الثامن والعشرون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

قضَى كُلُّ ذِي دَينٍ فَوَفَّى غَرِيمَهُ

وَعَزَّةُ مَمْطُول مُعَنًّى غَرِيمُهَا

أقول: قائله هو كثير بن عبد الرحمن، وهو من قصيدة من الطويل، وبعد البيت المذكور

(4)

:

2 -

إذا سُمْتُ نَفْسِي هَجْرَهَا واجْتِنَابَهَا

رَأَتْ غَمَرَاتِ المَوْتِ فِيمَا أَسُومُهَا

3 -

فَهَلْ تَجْزِيَنِّي عَزَّةُ القَرْضَ بِالهَوَى

ثَوَابًا لِنَفْسٍ قدْ أُصِيبَ صَمِيمُهَا

4 -

وَقدْ عَلِمَتْ بِالغَيْبِ أَنْ لَنْ أَوَدَّهَا

إذَا هيَ لَمْ يَكْرُمْ عَلَيَّ كَرِيمُهَا

وكان السبب في هذا أن كثيرًا كان له غلام عطَّار بالمدينة، وربما باع نساء العرب بالنسيئة فأعْطَى عزةَ -وهو لا يعرفها- شيئًا من العطر فمَطَلتْه أيامًا، وحضرت إلى حانوته في نسوة وطالبها، فقالت له حبًّا وكرامة: ما أقرب الوفاء وأسرعه، فأنشد متمثلًا:

قضَى كُلُّ ذِي دَينٍ فَوَفَّى غَرِيمَهُ

..................... إلخ

فقالت النسوة: أتدري من غريمتك؟، فقال: لا والله، فقلن: هي واللَّه عزة، فقال: أشهدكن الله أنها في حِلٍّ مما لي في قِبَلَها، ثم مضى إلى سيده فأخبره بذلك، فقال كُثَيّرُ: وأنا أُشهد اللَّه

(1)

ينظر الأشموني بحاشية الصبان (2/ 99، 100)، وقد ذكر أن العاملين في التنازع إما: فعلان متصرفان، أو اسمان يشبهان الفعلين "بيت الشاهد" أو اسم وفعل، فمثال الأول:{آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96]، ومثال الثالث:{هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19].

(2)

توضيح المقاصد (2/ 63)، أوضح المسالك (2/ 25).

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو لكثير عزة في ديوانه (207) ضمن سلسلة شعراؤنا، تقديم وشرح: مجيد طراد، وينظر بيت الشاهد في البصريات (1/ 524)، والإنصاف (290)، والتصريح (1/ 318)، والأشموني وشواهده للعيني (2/ 101)، والخزانة (5/ 223)، والدرر (5/ 326)، وابن يعيش (1/ 8)، والمغني (417).

(4)

ينظر الديوان (207) والأبيات فيه متفرقة في ثنايا القصيدة، ط. دار الكتاب العربي، شرح: مجيد طراد، أولى (1993 م)، والقصيدة أيضًا في الديوان (143)، تحقيق د. إحسان عباس "دار الثفافة، بيروت" وقبل بيت الشاهد قوله:

وَلِي مِنْك أَيَّامٌ إِذَا شَحطَ النَّوَى

طِوَالٌ وَلَيْلَاتٌ نُزُولٌ نُجُومُهَا

ص: 1010

أنك حُرٌّ لوجه الله، ووهب له جميع ما في حانوت العطر، وكان ذلك من عجائب الاتفاق.

ويقال: إن عزة دخلت على أم البنين ابنة عبد العزيز، وهي أخت عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، زوجة الوليد بن عبد الملك الأموي، فقالت لها: أرأيت قول كُثَيّرٍ:

قضَى كُلُّ ذِي دَينٍ فَوَفَّى غَرِيمَهُ

...................... إلخ

ما كان ذلك الدَّين؟، قالت: وعدته قبلة فخرجت منها، فقالت أم البنين: أنجزيها وعليَّ إثمها.

قوله: "غِريمهُ" الغريم: من عليه الدين؛ من غَرِمَ بكسر الراء يغرَم بفتحها إذا لزمه دين، والغريم: مستحق الدين -أيضًا-، قوله:"مَمْطولٌ": من المطل وهو التسويف، قوله:"مُعَنًّى" بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد النون المفتوحة؛ من التعنية [وهو]

(1)

الأسر.

الإعراب:

قوله: "قَضَى": فعل ماض، و "كُلُّ ذَي دَينٍ": كلام إضافي فاعله، قوله:"فَوَفَّى": عطف على قوله: "قَضَى"، والضمير يرجع إلى:"كل ذي دين"، وقوله:"غريمه": مفعول وَفَّى.

واستدل به البصريون على أولوية إعمال الثاني في باب التنازع، بيانه أن:"قضى ووفَّى" متوجهان إلى الغريم، وأعمل الثاني؛ إذ لو أعمل [الأول]

(2)

لقال: وفَّاه، وكذا في المصراع الثاني، أعني: الغريم فيه للعامل الثاني وهو مُعَنًّى؛ إذ لو كان للأول لقال: مُعَنًّى هو؛ لأنه حينئذ صفة جارية على غير من هي له، وهو الغريم.

وأجيب عن هذا بأن ممطول ومُعَنًّى موجهان إلى غريمها، فلو أعمل الثاني وهو مُعَنًّى؛ كما قلتم؛ لكان ممطول جاريًا على عزة لفظًا وهو للغريم؛ إذ الممطول هو الغريم، وكان حقه أن يبرز الضمير، فيقول: ممطول هو، وإنما لم يبرز لأنه إضمار على شريط التفسير؛ إذ كان الأصل: ممطول غريمها فحذف اعتمادًا على التفسير بعده، والتقدير: وعزة ممطول غريمها، مثل: هند ضارب غلامها، وليس مما جرى على غير من هو له لذكر الفاعل بعده؛ فالغريم المحذوف كأنه مذكور بشهادة التفسير، وكأنه لم يجر على غير من هو له؛ فلذلك لم يبرز الضمير.

قوله: "وَعَزَّةُ": مبتدأ، و "غَرِيمُهَا": مبتدأ ثان، و "مَمْطُولٌ مُعَنًّى": خبره، والمبتدأ الثاني مع خبره خبر المبتدأ الأول، ويقال:"ممطول" خبره، و "مُعَنَّى" حال من الضمير في: ممطول؛ فالصفتان جاريتان على الغريم لا على عزة، والتقدير: وعزة غريمها ممطول حال كونه مُعَنًّى؛ فعلى هذا الإعراب لا تنازع فيه؛ فهذا هو الاستشهاد: أنه ليس فيه تنازع لما ذكر من التوجيه

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1011

الآن، فتأمل فإنه موضع الدقة، واللَّه أعلم

(1)

.

‌الشاهد التاسع والعشرون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ العقِيقُ وأَهْلُهُ

وهَيْهَاتَ خِلٌّ بالعَقِيقِ تُحَاولُهْ

أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وذكر ابن التياني في الموعب أنه لقيس مجنون بني عامر والأول هو الصحيح، وهو من قصيدة من الطويل، وقبله

(4)

:

1 -

ولَمْ أَنْسَ يَوْمًا بالعقيقِ تَخَايَلَتْ

ضُحَاهُ وَطَابَتْ بالعَشِيِّ أَصَائِلُهْ

2 -

رُزِقْنَا بِهِ الصَّيْدَ العَزِيزَ ولَمْ نَكُنْ

كَمَنْ نَبْلُهُ مَحْرُومَةٌ وَحبَائِلُهْ

3 -

ثَوَانِي أَجْيَاد يُوَدِّعْنَ مَنْ صَحَى

وَمَنْ بَثُّهُ عَنْ حَاجَةِ اللَّهْو شَاغِلُهْ

قوله: "فهيهات" قال أبو علي: هيهات اسم للبعد

(5)

معرفة؛ فلذلك لم تتصرف، ومن نوَّنها نكرها كما تنكر الأعلام الواقعة على الأشخاص، وفيه عشر لغات: بتثليث التاء، والثلاثة الأخرى: إيهات بالتثليث -أيضًا- والسابعة: إيها، والثامنة: إيهان، والتاسعة: إيهاةٍ، والعاشرة: إيهاة، ومن أبدل الهاء من الهمزة في الأربع الأخر فهي على أربع عشرة

(6)

.

و"العَقيقُ": موضع معروف بالحجاز، وإن كان البيت لقيس فهو العقيق الذي في المدينة وإليه متنزه أهل المدينة إذا سال بالماء، قوله:"خِلٌّ" بكسر الخاء المعجمة؛ أي: ودود صديق،

(1)

إذا تنازع العاملان في معمول جاز إعمال أيهما شئت بالاتفاق بين البصريين والكوفيين؛ لأن إعمال كل منهما مسموع من العرب، ويعمل الآخر في ضميره ويمتنع حذفه إذا كان عمدة، ثم اختلفوا في أولوية العمل فقيل: هو الأول، وقيل: هو الثاني. وقيل: يتساويان، أما مذهب البصريين فقد اختاروا إعمال الثاني، وعللوا بقرب الحامل من المعمول وهو قول سيبويه؛ إذ يقول:"وإنما كان الذي يليه أولى لقرب جواره وأنه لا ينتقض معنى، وأن المخاطب قد عرف أن الأول قد وقع بزيد". الكتاب (1/ 74)، وينظر (1/ 76، 77)، والبصريات (287)، والتصريح (1/ 316)، وحاشية الصبان (2/ 100)، والإنصاف (1/ 85، 86)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 160).

(2)

أوضح المسالك (2/ 23).

(3)

البيت من بحر الطويل، وقد اختلف في قائله على ما هو موجود في الشرح، وهو من قصيدة طويلة قاربت المائة بيت لجرير يجيب على الفرزدق في هجائه له، ويفتخر عليه، انظر ديوان جرير (2/ 963)، تحقيق د. نعمان طه، ط. دار المعارف، وديوانه (479) ط. دار صعب، وانظر بيت الشاهد في الإيضاح (165)، والخصائص (3/ 42)، وابن يعيش: العيني (35)، والهمع (2/ 111)، والدرر (2/ 145)، والتصريح (1/ 318)، (2/ 199)، واللسان:"هيه".

(4)

ينظر الديوان لجرير (479) تأليف محمد إسماعيل الصاوي ط. دار صعب، ورواية بيت الشاهد هكذا فيه:

فأيهات أيهات العقيق ومن به

وأيهات وصل بالعقيق تواصله

(5)

ينظر الإيضاح بشرح المقتصد (574)، والمسائل العسكرية (113) وما بعدها.

(6)

ينظر سبع عشرة لغة في "هيهات" وشواهدها في كتابنا: شرح المقرب، المنصوبات (297).

ص: 1012

قوله: "تُحَاولُه": من حاولت الشيء إذا أردته، ويروى

(1)

:

فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ العَقِيقُ وَمَنْ بِهِ

وَهَيْهَاتَ وَصْلٌ بِالعَقِيقِ نُواصِلُهُ

وهكذا ثبت بخط الآمدي -رحمه الله تعالى- في كتابه جعل الخل وصلًا، أو يكون على حذف المضاف؛ كأنه قال: وبعد ذي وصل؛ كما أن المعنى في رواية خل: بعد ذي خل، أو عهد ذي خل، ونحو هذا من التقدير، ولو روي: تواصله على المصدر لم يبعد، وهو بدل اشتمال، والتقدير فيه: وهيهات تواصل خل بالعقيق.

الإعراب:

قوله: "فهيهات" الفاء للعطف، وهيهات بمعنى بعد وقد تنازع هو وهيهات الثاني في قوله:"العقيق".

قال ابن يسعون: "العقيق" مرفوع بهيهات الثانية على إعمال الثاني، وفي الأول ضمير مرفوع بما أضمر قبل الذكر، ومن أعمل الأول فالعقيق مرفوع [بهيهات الأولى، والثاني مضمر فيه فاعله، وكان جعلهما معًا كالمركب فالعقيق مرفوع]

(2)

بما يفيد مجموعهما.

قوله: "وأهله": كلام إضافي عطف على العقيق، قوله:"وهيهات خِلٌّ": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"بالعقيق" في موضع رفع على النعت لقوله: "خِلٌّ" أي: خل كائن بالعقيق، والباء بمعنى في، ويجوز أن يكون موضعها نصبًا على الحال من الهاء في تحاوله؛ لأن تحاوله في موضع رفع على أنها صفة لخل، ويجوز أن يكون موضعها نصبًا على الظرف، والعامل فيه ما في:"هيهات" من معنى الفعل أو تحاوله.

الاستشهاد فيه:

أن قوله: "فهيهات هيهات العقيق" ليس من باب التنازع خلافًا لأبي علي الفارسي-[رحمه الله]

(3)

، وعبد القاهر الجرجاني-[رحمه اللَّه تعالى]

(4)

، فإنهما أثبتا فيه التنازع بالوجه الذي ذكرناه

(5)

، ووجه المانعين عن ذلك أن الطالب للمعمول هو الأول، والثاني يكون تأكيدًا للأول.

(1)

ينظر ابن يعيش (4/ 35).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

يرى الفارسي والجرجاني أن العقيق في البيت معمول لهيهات الثاني، أما معمول هيهات الأول فهو مضمر، قال الجرجاني بعد أن ذكر البيت:"وهيهات اسم لبعُد، تقول: هيهات زيد فترفعه به، والعقيق في البيت مرفوع بهيهات الثاني، والأول قد أضمر له على شريطة التفسير فكأنه قال: فهيهات العقيق هيهات العقيق". ينظر المقتصد في شرح الإيضاح (1/ 575)، وورى غيرهما من النحاة أن العقيق معمول لهيهات الأول، وإنما أتى بهيهات الثاني لمجرد التأكيد =

ص: 1013

‌الشاهد الثلاثون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

فَأَيْنَ إِلَى أَيْنَ النَّجَاءُ ببغلَتِي؟

أَتَاكِ أَتَاكِ اللاحقوك احبسِ احبسِ

أقول: هذا من الطويل.

قوله: "النَّجَاء" بفتح النون وتخفيف الجيم وبالمد، معناه: الإسراع، يقال: نجوت نجاء، أي: أسرعت وسبقت.

الإعراب:

قوله: "فأين" الفاء للعطف وأين للاستفهام عن المكان، إذا قلت: أين زيد؟، فإنما تستفهم عن مكان وهو متعلق بمحذوف تقديره: فأين تذهب؟ معناه: لا مذهب لك، ومثله قوله تعالى:{فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} [التكوير: 26]، قوله:"إلى أين؟ ": في محل الرفع على أنه خبر مقدم على المبتدأ المؤخر وهو قوله: "النجاء" فإنه مرفوع بالابتداء، وقوله:"ببغلتي": كلام إضافي يتعلق به.

قوله: "أتاك أتاك": جملتان من الفعل والمفعول تنازعتا في قوله: "اللاحقوك" على ما نقرره الآن، ولما أضيف اللاحقون الذي هو جمع اسم فاعل إلى كاف الخطاب، سقطت نونه على ما هو الأصل، قوله:"احبس احبس": جملة من الفعل والفاعل والمفعول تقديره: احبس نفسك ونحوه، واحبس الثاني تأكيد للأول

(3)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أتاك أتاك اللاحقوك" فإنهما عاملان في اللفظ ولكن الثاني منهما لا يقتضي إلا التأكيد؛ إذ لو كان عاملًا لقيل: أتوك أتاك، أو: أتاك أتوك

(4)

.

= لهيهات الأول، وعليه يكون هيهات الثاني لا فاعل له أصلًا".

(1)

ابن الناظم (98)، وأوضح المسالك (2/ 24).

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو لقائل مجهول، يطلب النجاة له ولبغلته ممن يطاردونه، وهو في الخصائص (3/ 103)، وحاشية الصبان (2/ 98)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 165)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 587)، والخزانة (2/ 353)، وهمع الهوامع (2/ 111)، والدرر (2/ 45، 158).

(3)

قال الصبان (2/ 89): "قوله: أتاك أتاك اللاحقون" بفتح الكاف بقرينة تمام الشطر، وهو احبس احبس؛ لأن كتابتهما بلا ياء نصٌّ في أنهما خطاب لمذكر، فيكون ما قبلهما كذلك".

(4)

قال ابن مالك: "فلو كان ثاني العاملين مؤكدًا لكان في حكم الساقط كقول الشاعر (البيت) فأتاك الثاني توكيد للأول؛ فلذلك لك أن تنسب العمل اليهما لكونها شيئًا واحدًا في اللفظ والمعنى؛ ولك أن تنسبه للأول وتلغي الثاني لفظًا ومعنًى لتنزله منزلة حرف زائد للتوكيد فلا اعتداد به على التقديرين، ولولا عدم الاعتداد به لقيل: أتاك أتوك =

ص: 1014

واعلم أنهم اختلفوا في نحو: قام قام زيد، فقال بعضهم: زيد فاعل بهما؛ لأنهما بلفظ واحد ومعنى واحد فكأنهما عامل واحد، وقال بعضهم: بالأول فقط، وأما الثاني فإنه لا يحتاج

(1)

إلى فاعل؛ لأنه لم يؤت به للإسناد وإنما أتي به لمجرد التأكيد.

وقال بعضهم: فاعل بأحدهما، وفاعل الآخر ضمير على أنهما تنازعاه فأعمل أحدهما وأضمر الآخر

(2)

، والأصح القول الثاني، ودعوى التنازع بالبيت المذكور باطلة لما قلنا.

فإن قلت: إذا كان الثاني تأكيدًا كما ذكرت فما العامل في اللاحقوك؟ هل الأول المؤكَّد أم الثاني المؤكِّد؟

قلت: جوز بعضهم أن يكون العاملان معًا عملًا فيه عملًا واحدًا، ولا يلزم فيه اجتماع عاملين على معمول واحد، من حيث أن الثاني لما كان تأكيدًا للأول جريا مجرى الشيء الواحد فكان الثاني هو الأول وليس غيره.

وقال بعضهم: إن العامل هو الأول، والثاني ينزل منزلة حرف التأكيد؛ كاللام في قولنا: لزيد منطلق وغيره. فافهم والله تعالى أعلم.

‌الشاهد الحادي والثلاثون بعد الأربعمائة

(3)

،

(4)

بِعُكَاظَ يُعْشِي النَّاظِرِيـ

ـنَ إذَا هُمُ لَمَحُوا شُعَاعُهْ

أقول: قائلته هي عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، اختلف في إسلامها؛ فقال ابن إسحاق وجماعة من العلماء -رحمهم الله تعالى: لم يُسْلِمْ من عمات النبي صلى الله عليه وسلم غير صفية، وقيل: إنها أسلمت وكانت تحت أبي أمية بن المغيرة المخزومي أبي أم سلمة، فولدت عبد الله، أسلم وله صحبة، وزهيرًا، وقرينة الكبرى.

= اللاحقون، أو أتوك أتاك اللاحقون". شرح التسهيل لابن مالك (2/ 165)، وينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 587)، تحقيق د: أحمد محمد عبد الله يوسف.

(1)

في (ب): لا يحتاجان.

(2)

قال الصبان: "وأجاز ابن أبي الربيع في نحو: قام قام زيد أن يكون زيد فاعلًا بالثانى وأضمر في الأول، وأن يكون فاعلًا بالأول، والثاني توكيد لا فاعل له"(2/ 98).

(3)

توضيح المقاصد (2/ 66)، وأوضح المسالك (2/ 27)، وشرح ابن عقيل (2/ 165).

(4)

البيت من بحر الكامل المجزوء، وهو من مقطوعة لعاتكة بنت عبد المطلب في الفخر على عادة قصائد الجاهلية، وانظر مراجع الشاهد في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (743)، والمغني (611)، والمقرب (1/ 251)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 109)، وحاشية الصبان (2/ 106)، والدرر (5/ 315)، والتصريح (1/ 320).

ص: 1015

والبيت المذكور من قصيدة هائية

(1)

، وأولها هو قوله

(2)

:

1 -

سَائِلْ بِنَا في قَوْمِنَا

ولْيَكْفِ مِنْ شَرّ سَمَاعُهْ

2 -

قيسًا ومَا جَمَعُوا لَنَا

في مَجْمَعٍ بَاقٍ شَنَاعُهْ

3 -

فيهِ السَّنَوَّرُ وَالقَنَا

والكَبشُ مُلْتَمِعٌ قِنَاعُهْ

4 -

بِعُكَاظَ يُعْشِي النَّاظِرِيـ

ـنَ إذَا هُمُ لَمَحُوا شُعَاعُهْ

5 -

فِيهِ قَتَلْنَا مَالِكًا

قَسْرًا وَأَسْلَمَهُ رَعَاعُهْ

6 -

وَمُجَدَّلٍ غَادَرْتُهُ

بِالقَاعِ تَنْهَشُهُ ضِبَاعُهْ

وهي من مربع الكامل، وفيه الإضمار والترفيل.

1 -

قولها: "سائل بنا" أي: عنا، قولها:"قيسًا" نصب على إضمار فعل، أي: سائل قيسًا.

2 -

قولها: "شناعه" بالشين المعجمة وبالنون [أي: قبحه، قولها: "فيه السنوّر" بفتح السين المهملة والنون]

(3)

، وبتشديد الواو المفتوحة وفي آخره راء، قيل: هي الدروع اسم للجمع، وقيل: الدرع، وقيل: جملة السلاح.

3 -

[قولها: "]

(4)

ملتمع": من لمع إذا برق، وقد سميت البيضة لمعًا، قولها: "بعكاظ" بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وفي آخره ظاء معجمة، وهو موضع بقرب مكة كانت تقام به في الجاهلية سوق فيقيمون فيه أيامًا.

4 -

قولها: "لمحوا": من اللمح وهو سرعة إبصار الشيء، و "الشعاع": ما يظهر من النور، قولها:"رعاعه" بفتح الراء، وهو سفلة الناس.

الإعراب:

قولها: "بعكاظ" الباء بمعنى في، أي: في عكاظ، ويتعلق بقولها:"في مجمع" في البيت السابق، ويجوز أن يتعلق بقولها:"ملتمع"، قولها:"يعشي": من الإعشاء بالعين المهملة، ومنه الأعشى وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار، ويقال: من الإغشاء بالغين المعجمة بمعنى التغطية؛ كما في قوله تعالى: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: 9] وهو فعل مضارع.

وقولها: "شعاعه" بالرفع فاعله، و "الناظرين": مفعوله، وقد تنازع هو، وقولها:"لمحوا" في

(1)

ليست القصيدة هائية كما ذكر العيني، بل عينية، فالهاء وصل، والعين هي الروي.

(2)

انظر الأبيات المذكورة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (471)، القسم الثاني.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1016

شعاعه فأعمل الأول- أعني: يغشي، وأضمر في الثاني- أعني: لمحوا؛ إذ أصله: لمحوه على أن فيه تهيئة للعمل في شعاعه، ولكنه قطع عن ذلك بإعمال يعشي فيه وليس فيه إعمال ضعيف دون قوي.

قولها: "إذا" للمفاجأة، و "هم": مبتدأ، و "لمحوا": خبره، وإذا التي للمفاجأة لا تحتاج إلى جواب ولا تقع في الابتداء ومعناها الحال لا الاستقبال

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قولها: "لمحوا" أصله: لمحوه فحذف الضمير ضرورة، بيان ذلك أن المتنازعين إذا أعمل أولهما، يضمر في الثاني؛ نحو: ضربني وضربته زيد، ومرَّ بي ومررت به زيد، فلا يجوز الحذف، فلا تقول: ضربني وضربت زيد، ومرَّ بي ومررت زيد، خلافًا لقوم ما يجيزون حذف غير المرفوع، واحتجوا بالبيت المذكور، والجواب عنه أنه ضرورة؛ كما ذكرناه

(2)

.

‌الشاهد الثاني والثلاثون بعد الأربعمائة

(3)

،

(4)

جَفَونِي ولم أَجفُ الأخِلَّاءَ إِنَّنِي

لِغَيرِ جَمِيلٍ مِن خَلِيلَي مُهْمِلُ

أقول: أنشده الفراء وغيره ولم يعزوه إلى أحد

(5)

، وهو من الطويل.

قوله: "جفوني": من الجفاء، وهو خلاف البر، وقد جفوت الرجل أجفوه جفاءً فهو مجفوٌّ، ولا يقال: جفيت. و: "الأخلاء": جمع خليل، و "الجميل" الشيء الحسن؛ من الجمال وهو الحسن، و "مهمل" اسم فاعل من الإهمال وهو الترك، يقال: أهملت الشيء إذا خليت بينه

(1)

ينظر الجنى الداني (373).

(2)

إذا كان الطالب للاسم المتنازع عليه المنصوب هو العامل الثاني وجب الإضمار، وذلك نحو: ضربني وضربته زيد، ومرَّ بي ومررت به زيد، وحذف الضمير قال به بعضهم جوازًا في السعة والاختيار ومنهم المرادي والسيوطي. وذلك لأن هذا الضمير فضلة، والفضلة يجوز حذفها. وقال بعضهم بعدم جواز الحذف إلا في الضرورة الشعرية. وهو مذهب الجمهور، وذلك من قِبل أن ذِكره لا يترتب عليه محظور الإضمار قبل الذكر. وفي حذفه فساد تهيئة العامل للعمل، ثم قطعه عنه من غير علة ولا سبب موجب له. قال أبو حيان:"وإذا أعملت الأول، فإما أن يكون الثاني طالب مرفوع أو منصوب أو مجرور، إن كان طالب منصوب أو مجرور فالمنقول عن البصريين والكوفيين جواز الحذف على اختلاف بينهم، قال في المقنع: تقول: ضربني وضربتهم قومك، هذا لا خلاف فيه". الارتشاف (3/ 91)، وينظر ابن الناظم (257)، وقال السيوطي:"إذا كان الثاني غير رافع يضمر فيه إذا أعمل الأول اختيارًا في الأصح نحو: قام أو ضربني وضربته زيد، وقام أو ضربني وضربتهما الزيدان، وقيل: يجوز حذفه كقوله: (البيت) أي: لمحوه، وأجيب بأنه ضرورة". الهمع (2/ 109).

(3)

ابن الناظم (100)، وتوضيح المقاصد (2/ 69)، وأوضح المسالك (2/ 28).

(4)

البيت من بحر الطويل، وهو لقائل مجهول، يدعو فيه إلى الأخلاق المالية والتعامل الحسن، وانظره في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 170)، والأشموني (2/ 76)، والتصريح (1/ 321)، والمساعد (1/ 114).

(5)

في (أ): إلى قائله.

ص: 1017

وبين نفسه، والهمل: السُّدَى.

الإعراب:

قوله: "جفوني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، أي: الأخلاء جفوني وأنا لم أجفهم، وقد تنازع جفوني ولم أجف في قوله:"الأخلاء"[بحسب الظاهر، ولكن أعمل الثاني وأضمر الفاعل في الأول على شريطة التفسير]

(1)

، وقد أعمل كلاهما؛ أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأنه نصب الأخلاء، وقد احتج به البصريون والفراء على جواز إعمال المتنازعين جميعًا في الاسم الظاهر إذا كانا رافعين

(2)

.

ومنعه الكوفيون لأجل الإضمار قبل الذكر

(3)

، والبيت المذكور حجة عليهم؛ لأن الإضمار قبل الذكر في هذا الباب ثابت عن العرب، حكى سيبويه -رحمه اللَّه تعالى: ضربوني وضربت

(4)

قومك

(5)

، ومنه:

جَفَونِي ولم أَجفُ الأخِلَّاءَ

..............................

لأن هذا الإضمار وإن كان متأخرًا فرتبته التقديم؛ فليس إضمارًا قبل الذكر في الحقيقة

(6)

، قوله:"إنني"[إن]

(7)

من الحروف المشبهة بالفعل، و "في" [يقصد الضمير الذي هو

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

قال سيبويه: "وجاء من الشعر من الاستغناء أشد من هذا وذلك قول قيس بن الخطيم:

نَحْنُ بما عندنا وأنت بما

عِندَكَ راضٍ وَالرَّأيُ مُختلَفٌ

وقال ضابئ البرجمي:

فمَن يَكُ أَمْسَى بِالمدَينةِ رَحْلُهُ

فَإنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ

فوضع في موضع الخبر لفظ الواحد؛ لأنه قد علم أن المخاطب سيستدل به على أن الآخرين في هذه الصفة، والأول أجود؛ لأنه لم يضع واحدًا في موضع جمع ولا جمعًا في موضع واحد". الكتاب (1/ 74)، وينظر ارتشاف الضرب (3/ 91)، ونتائج الفكر (133).

(3)

ويذهب الكسائي إلى أنه إذا أعمل الثاني وأضمر في الأول جاز على شريطة حذف الفاعل من الأول فيقول: يحسن ويسيء ابناك، ولم يقل أحد من النحاة بجواز حذف الفاعل إلا الكسائي وهشام والسهيلي. ينظر ارتشاف الضرب (3/ 90).

قال أبو حيان: "المذهب الثاني: مذهب الكسائي في مشهور ما نقل عنه وهشام، وتابعهما من أصحابنا أبو زيد السهيلي وأبو جعفر بن مضاء صاحب كتاب المشرق في النحو: أن الفاعل محذوف لا يضمر، وقد نقل عن الكسائي أنه مضمر مستتر في الفعل مفرد في الأحوال كلها، وأن ما نقله البصريون عن الكسائي أنه يحذف الفاعل لا يصح". ارتشاف الضرب لأبي حيان (3/ 90).

(4)

ينظر ارتشاف الضرب لأبي حيان (3/ 90).

(5)

في (ب): قومه.

(6)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 170).

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1018

الياء،

(1)

اسمها، وخبرها قوله:"مهمل"، وقوله:"لغير جميل": يتعلق به، قوله:"من خليلي": في محل الجر صفة لغير جميل، أي: لغير جميل كائن من خليلي.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "جفوني ولم أجف" وقد حققناه الآن، واللَّه أعلم.

‌الشاهد الثالث والثلاثون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

تَعَفَّقَ بِالأرْطَى لَهَا وَأَرَادَهَا

رِجَالٌ فبذَّتْ نَبْلَهُم وكَلِيبُ

أقول: قائله هو علقمة بن عبدة بن النعمان بن قيس أحد بني عبيد بن ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وهو من قصيدة طويلة من الطويل، يمدح بها الحارث بن جبلة بن أبي شمرة الغساني، وكأن أسر أخاه شاسًا، فدخل

(4)

إليه يطلبه منه، وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

طَحَا بِكَ قَلْبٌ في الحِسَانِ طَرُوبُ

بُعَيْدَ الشبابِ عَصْرَ حَانَ مَشِيبُ

2 -

تُكَلِّفُنِي لَيْلَى وَقَدْ شَطَّ وَلْيُهَا

وَعادَتْ عَوَادٍ بَيْنَنَا وخُطُوبُ

3 -

مُنَعَّمَةٌ لا يُسْتَطَاعُ كلامُهَا

على بَابِهَا مِنْ أَنْ تُزَارَ رَقِيبُ

4 -

إِذا غابَ عنهَا البعْلُ لمْ تُفْشِ سِرَّهُ

وتَرْضَى إِيَابَ البَعْلِ حِيَن يَؤُوبُ

5 -

فلا تَعْدِلِي بينِي وبَيْنَ مُغَمَّرٍ

سَقَتْكِ رَوَايَا المُزْنِ حيثُ تَصُوبُ

6 -

سقاكِ يَمَانٍ ذُو حَبِيٍّ وعارضٍ

تَرُوحُ بهِ جُنْحَ العَشِيِّ جَنُوبُ

7 -

وَمَا انْتَ أَمْ مَا ذِكْرُهَا رَبْعِيَّةً

يُخَطُّ لَهَا مِنْ ثَرْمَدَاءَ قَلِيبُ

8 -

فإنْ تسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي

بَصِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ

9 -

إِذَا شَابَ رَأْسُ المَرْءِ أوْ قَلَّ مالُهُ

فليسَ لهُ مِنْ وُدِّهِنَّ نَصِيبُ

(1)

ما بين المعقوفين زيادة للإيضاح.

(2)

أوضح المسالك (2/ 29).

(3)

البيت من بحر الطويل من قصيدة لعلقمة بن عبدة التميمي، يمدح فيها الحارث بن جبلة، وقيل: إنه يمدح صاحبه، مدح فتاته وناقته، وقد ذكر الشارح منها عدة أبيات، وشرحها شرحًا مفصلًا، وليس في ديوانه بشرح الطوسي، وانظر بيت الشاهد في وشرح جمل الزجاجي "الكبير" لابن عصفور (2/ 514)، والمقرب (1/ 251)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 174)، والتصريح (1/ 321)، والرد على النحاة (95)، والأشموني (2/ 76).

(4)

في (أ): فرحل.

(5)

انظر القصيدة كلها في ديوان علقمة الفحل (33)، وما بعدها، ط. دار الكتاب العربي بحلب (1969 م)، تحقيق: لطفي العسال، ورواية الخطيب، وهي أيضًا في المفضليات (391) بتحقيق: عبد السلام هارون، ط. دار المعارف، وديوانه (23 - 32) شرح الأعلم وتقديم حنا نصر الحِتِّي، نشر دار الكتاب العربي، ط. أولى (1993 م).

ص: 1019

10 -

يُرِدْنَ ثَرَاءَ المالِ حيثُ علِمْنَهُ

وشرخُ الشبابِ عندهنَّ عَجِيبُ

11 -

فدعْهَا وسَلِّ الهمَّ عَنْكَ بِجَسْرَةٍ

كهَمِّكَ فيها بالرِّدَافِ خَبِيبُ

12 -

إلى الحارثِ الوَهَّابِ أَعْمَلْتُ ناقَتِي

لِكَلْكَلِهَا والقُصْرَيَيِنْ وجيبُ

13 -

ونَاجِيَةٍ أَفْنَى رَكيبَ ضُلُوعِهَا

وحَارِكهَا تَهَجُّرٌ فَدُؤوبُ

14 -

وتُصْبِحُ عَنْ غِبِّ السُّرَى وكَأنَّهَا

مُوَلَّعَةٌ تَخْشَى القَنِيصَ شَبُوبُ

15 -

تَعَفَّقَ بِالأرْطَى لَهَا وَأَرَادَهَا

رِجَالٌ فبذَّتْ نَبلُهُم وكَلِيبُ

16 -

تُقَدِّمُهُ حَتَّى تَغِيبَ حُجُولُهُ

وأنت لبيضِ الدَّارِعِينَ ضَرُوبُ

1 -

قوله: "طحا بك" أي: لسع بك وذهب بك كل مذهب، و "طروب": مأخوذ من الطرب وهو استخفاف القلب في الفرح، قوله:"عصر حان مشيب" أي: في العصر الذي حان فيه الشيب.

2 -

قوله: "شط" أي: بعد، "وليها" أي: عهدها، ويقال: ما وليها منها من قرب وجوار، قوله:"عادت عوادٍ" أي صرفت صوارف، و "الخطوب": الأمور والأحداث، جمع خطب.

3 -

قوله: "منعمة" أي: هي منعمة، و "الرقيب": الحافظ، وحاصله: على بابها رقيب يمنع من زيارتها وكلامها.

4 -

قوله: "إذا غاب عنها البعل" أي: الزوج، أراد أنها لا تحدث بعده مكروهًا ولا يتحدث عنها بفاحشة، قوله:"يؤوب": من آب إذا رجع.

5 -

[قوله: "مُغَمَّر" بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الميم المفتوحة؛ وهو الذي لم يجرب الأمور، وكذلك الغَمر، يقال: رجل غَمْرٌ بَيِّن الغمارة وقوم أغمار]

(1)

، قوله:"المزن" بضم الميم؛ سحاب أبيض يأتي قبل الصيف وهو أحسن السحاب، الواحدة: مزنة، و "روايا المزن": ما حمل منه الماء، والراوية: الحامل للشيء، قوله:"تصوب" قال أبو عبيدة: صاب المزن يصوب صوبًا إذا تدلى، ويقال: صاب إذا قصد، ويقال: تصوب من الصوب وهو المطر، أراد: سقاك الله المطر.

6 -

قوله: "يمان" أراد: سحابًا ارتفع من نحو اليمن، واليماني لا يخلف فنسبه إلى اليمن، قوله:"ذو حَبِيّ" بفتح الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وتشديد الياء، وهو القريب من الأرض من السحاب، يقال: حبى الشيء إذا قرب ودنا، و "العارض": السحاب، أي: سقاك عارض، قال الأصمعي: إنما خص العشي؛ لأن مطر العشي أحمد من مطر الغداة عند العرب، ومطر

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1020

الليل أحمد من مطر النهار، وإنما خص الجنوب؛ لأنها تؤلف السحاب وتمر به ويكون بها المطر والحيَاةَ والخصْب

(1)

، قوله:"جنح العشي" أي: حين تجنح الشمس؛ أي: تدنو من المغيب.

7 -

قوله: "وما أنت" يعني: وما القلب وذكره من هو هكذا؟ كقولك: ما أنت وهذا؟، قوله:"ربعية" يعني: امرأة ربعية من بني ربيعة بن مالك [قال أبو عبيدة: الربائع من بني تميم أربعة أحياء: ربيعة بن مالك]

(2)

بن زيد مناة بن تميم وهو ربيعة الجوع وهم رهط علقمة، وربيعة بن مالك بن حنظلة، وربيعة بن كعب بن معد بن زيد مناة بن تميم، ويدعون الحبُاق وهو نبذ يغضبون منه

(3)

.

قوله: "ثرمداء" بفتح الثاء وسكون الراء وفتح الميم وبالمد، وهي قرية بالوشم، قوله:"يخط لها" أي: يحفر لها، و "القليب": البئر، وأراد بها ها هنا: القبر، يعني: لا يبرح من ثرمداء حتى يموت فيدفن فيها.

8 -

قوله: "بالنساء" أي: عن النساء، و "الطيب": العالم الحاذق.

10 -

قوله: "ثراء المال" أي: كثرته، و "شرخ الشباب" أي: أوله.

11 -

قوله: "وسَلَّ الهمَّ" أي: انسه وابعد عنه

(4)

، و "الجسرة" بفتح الجيم وسكون [السين]

(5)

المهملة، قال الضبي: هي الناقة النشطة

(6)

، قوله:"فيها بالرداف" أي: فيها قوة على الخبب بالردف.

12 -

قوله: "إلى الحارث الوهاب" ويروى: الحراب الذي يكثر حراب أعدائه، وأراد به: الحارث الأعرج، و "الكلكل": الصدر، و "القصرين" بضم القاف؛ هما الضلعان الصغيران المستوران في آخر الأضلاع، و "الوجيب" بفتح الواو؛ اضطراب وخفقان من شدة السير.

13 -

قوله: "وناجية" بالنون والجيم

(7)

أي: سريعة، يقول: ركوبنا إياها في الهاجرة وإعمالنا إياها أفنى ركيب ضلوعها؛ وهو ما ركب ضلوعها بالشحم [واللحم]

(8)

، وهو فعيل بمعنى: فاعل، و "الحارك": ملتقى الكتفين في مقدم السنام.

14 -

قوله: "وتصبح" أي الناقة، وغب كل شيءآخره، و "السُّرى" بالضم؛ سير الليل،

(1)

ينظر الديوان بشرح الأعلم رواية الأصمعي (24) سلسلة شعراؤنا.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ما ذكره العيني في (أ، ب): ثلاثة ربائع فقط، ومعنى: ببذ: أي لقب، وفي القاموس: الحنفة كصردة: القليل العقل، وهو القصير أيضًا.

(4)

في (أ): واله عنه.

(5)

ما بين المعقوفين زيادة للإيضاح.

(6)

ينظر ديوان علقمة بشرح الأعلم رواية الأصمعي (25) سلسلة شعراؤنا.

(7)

في (ب): بالجيم والنون.

(8)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1021

و"المولعة" بضم الميم وفتح الواو وتشديد اللام المفتوحة وبالعين المهملة، وهي البقرة في قوائمها توليع، أي: نقط سود، و "القنيص": الصيد، والقانص الصائد، و "الشبوب" بفتح الشين المعجمة وضم الباء الموحدة؛ المسن من البقر، وكذلك: المشب والشبب.

15 -

قوله: "تعفق" أي: استتر بالأرطى، ومادته: عين مهملة وفاء وقاف وهو بفتح القاف يعني: استتر بها القناص بالأرطى، ويروى: تعفق بضم القاف؛ يعني: البقرة تلوذ بالأرطى وهو شجر من الأشجار التي يدبغ بها، ويقال: أديم مأروط إذا دبغ بذلك، وواحدتها: أرطاة، قوله:"فبذت": من بذه -بالباء الموحدة والذال المعجمة إذا غلبه في كل شيء، و "النبل": السهام، و "كليب" بفتح الكاف وكسر اللام؛ جمع كلب كعبيد جمع عبد.

الإعراب:

قوله: "تعفق": فعل ماض

(1)

تنازع هو وقوله "وأرادها" في قوله: "رجال" على ما نقره عن قريب -إن شاء الله تعالى- قوله: "بالأرطى" يتعلق به، وعلى قول من روى: تعفق بضم القاف يكون الفاعل مضمرًا وهو الضمير الذي يرجع إلى البقرة كما ذكرنا، قوله:"لها" أي: لأجل البقرة وهو -أيضًا- يتعلق بقوله: تعفق، قوله:"وأرادها" أي البقرة، قوله:"فبذت": فعل ماض، و "نبلهم": كلام إضافي فاعله، وقوله:"وكليب" بالرفع عطف على نبلهم.

الاستشهاد فيه:

أن الكسائي احتج به على حذف الفاعل وذلك أنه أعمل الثاني وهو أرادها، ولو أعمل الأول لقال: تعفق بالأرطى رجال ثم أرادوها؛ لأنه عائد على جمع فيكون

(2)

على وفق الظاهر، ولو أعمل الثاني لأبرز الضمير في: تعفق على وفق الظاهر؛ لأنه ضمير جمع، فعدم الإبراز دليل على حذف الفاعل.

والجواب عن ذلك: أنه قد يجوز أن لا يبرز الضمير المرفوع، وإن لم يكن مفردًا على مذهب البصريين؛ بل ينوى مفردًا في الأحوال كلها، فتقول: ضربني وضربت الزيدين؛ كأنك قلت: ضربني من ثم، فعلى هذا كأنه قال: تعفق من ثم، ولهذا قال سيبويه: أفرد وهو يريد الجمع

(3)

.

(1)

في (ب): فعل مضارع.

(2)

في (أ): فيجب أن يكون على رفق الظاهر.

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 121 - 124)، ومعاني القرآن للزجاج (3/ 379)، والمقتضب للمبرد (4/ 77).

ص: 1022

‌الشاهد الرابع والثلاثون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

إذَا كُنْتَ تُرْضِيهُ ويُرْضِيكَ صاحِبٌ

جِهَارًا فكُنْ في الْغَيْبِ أَحْفَظَ للوُدِّ

وأَلْغِ أَحَادِيثَ الوُشَاةِ فقَلَّمَا

يُحَاولُ وَاشٍ غير فسادِ ذِي عَهْدِ

أقول: البيتان من الطويل.

1 -

قوله: "جهارًا" بكسر الجيم؛ أي: عيانًا، قوله:"للود" بضم الواو وهو المحبة.

2 -

و "الوشاة" بضم الواو؛ جمع واشٍ؛ كالقضاة جمع قاض، من وشى يشي وشاية إذا نمَّ عليه وسعى به، وأصله: استخراج الحديث باللطف والسؤال، قوله:"يحاول" أي: يريد [أن يحاول]

(3)

من حاولت الشيء إذا أردته.

الإعراب:

قوله: "إذا" للشرط، وقوله:"فكن في الغيب": جوابه، والتاء في:"كنت": اسم كان، و "ترضيه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول خبرها، قوله:"ويرضيك صاحب": عطف على ترضيه، وهي -أيضًا- جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقد تنازع الفعلان -أعني: ترضيه ويرضيك في قوله: "صاحب"، فأعمل الثاني في: صاحب، وأضمر في الأول ضمير المفعول.

قوله: "جهارًا" نصب على الظرفية، أي: في حالة الجهر، قوله:"فكن": أمر وأنت مستتر فيه اسم كان، وقوله:"أحفظ للود": خبرها، وقوله:"في الغيب": صفة للود، أي: للود الكائن في الغائب، قوله:"وألغ": أمر من الإلغاء، وأنت مستتر فيه فاعله، وقوله:"أحاديث الوشاة": كلام إضافي مفعوله.

قوله: "فقلما": جواب الأمر؛ فلذلك أتي بالفاء، وقل: فعل [ماض]

(4)

دخلت عليه ما المصدرية، والتقدير: قَلَّ محاولة الواشي غير إفساد ذي العهد، والذي عليه الجمهور أن ما هاهنا كافة فلا تتصل إلا بثلاثة أفعال وهي: قل وكثر وطال

(5)

، وعلة ذلك شَبَهُهُنَّ برُبَّ،

(1)

ابن الناظم (99)، وتوضيح المقاصد (2/ 71)، وأوضح المسالك (2/ 31)، وشرح ابن عقيل (2/ 163).

(2)

البيتان من بحر الطويل، وهما لقائل مجهول، وفيهما دعوة للأخلاق العالية في حفظ الغيب للصديق، وعدم سماع كلام الوشاة، وهما في تخليص الشواهد (514)، والدرر (5/ 319)، والتصريح (1/ 322)، وشرح شواهد المغني (745)، والمغني (333)، والهمع (2/ 110).

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ينظر التعويض وأثره في الدراسات النحوية واللغوية (30، 31، 108) لعبد الرحمن محمد إسماعيل، ط. أولى (1982 م).

ص: 1023

ولا تدخل حينئذ إلا على جملة فعلية صرح بفعلها؛ كما في البيت المذكور، وأما قول المرار

(1)

:

صددتِ فأطْولتِ الصُّدُودَ وقلما

وصَالٌ على طول الصُّدود يدوم

فقال سيبويه: ضرورة

(2)

، وقال الفارسي: طالما وقلما وكثر ما لا فاعل لهن؛ لأن الكلام لمّا حمل على النفي استغنى عن الفاعل، وما هنا عوض عن الفاعل ونظيره

(3)

:

........... أما أنت ذا نفر

...........................

فما عوض عن كان، وإنما جعلت ما عوضًا عن الفاعل؛ إذ كان الفعل لا يخلو عن فاعل

(4)

.

وقال ابن جني [رحمه اللَّه تعالى]:

(5)

ينبغي أن يكتب: طالما وقلما موصولًا بما؛ لأنها خلطت بهما وجعلا شيئًا واحدًا وهيأتهما لوقوع الفعل بعدهما، فلما اتصلا معنًى وجب أن يتصلا خطًّا، وكذا كان يجب في: كثر ما إلا أن الراء لا تتصل بما بعدها.

وحكى أبو محمد عبد الله بن درستويه الصفوي

(6)

-[رحمه الله تعالى]

(7)

: أنها تكتب منفصلة وأنه لا يكتب من الأفعال شيئًا متصلًا إلا نعمَّا وبئسما

(8)

.

قوله: "يحاول": فعل مضارع، وقوله:"واش": فاعله، وقوله:"غير إفساد": كلام إضافي مفعوله.

(1)

البيت من الطويل، ينظر الأغاني (10/ 365) وروايته:

صددت فأطولتَ الصدود ولا أرى

وصال على طول الصدود يدوم

قال ابن الأعرابي: لم تصرمْ صُرْمَ بَتَّاتٍ، ولكن صرمتَ صرمَ دلال، وأطولت الصدود: أي: أطلته. والبيت من أبيات الكتاب (1/ 31)، وفيه نسب لعمر بن أبي ربيعة.

(2)

ينظر الكتاب (3/ 115).

(3)

هو جزء بيت من الشعر للعباس بن مرداس في الكتاب (1/ 293)، وابن يعيش (2/ 99)، وشواهد المغني (43)، وشرح ابن عقيل (1/ 296)، وهو الشاهد رقم (206) من شواهد الكتاب الذي بين يديك.

والشاهد فيه هنا هو حذف كان والتعويض عنها بما تعويضًا لازمًا.

(4)

ينظر البغداديات (296 - 301).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(6)

هو عبد الله بن جعفر بن درستويه، صنف الإرشاد في النحو وشرح الفصيح وغيرهما:(ت 347 هـ)، ينظر بغية الوعاة (2/ 36).

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(8)

انظر نصه في كتاب الكُتّاب (61)، يقول:"ولا يجوز أن يوصل ما أشبه نعم وبئس من الأفعال بما؛ كقولك: حسن ما علت به، وعظم ما أتيت، ولا مثل: طال ما، وقل ما، وإن سكنت بساطتهما وكثرا في الكلام، لأنهما لم يغيرا عن أبنيتهما، وليس فيهما ما في نعم وبئس".

ص: 1024

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ترضيه" حيث أضمر فيه ضمير المفعول، وكان القياس حذفه؛ كما في: ضربت وضربني زيد، ولكنه عند الجمهور ضرورة

(1)

، والله أعلم.

‌الشاهد الخامس والثلاثون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

وكُمْتًا مُدَمَّاةً كَأَنَّ مُتُونَهَا

جَرَى فَوْقَهَا وَاستَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَبِ

أقول: قائله هو طفيل بن فرعون

(4)

بن ضبيس الغنوي

(5)

، ويكنى أبا قزان، وطفيل من الأسماء المنقولة يحتمل أن يكون تصغير طَفل بفتح الطاء

(6)

، وهو الرخص الناعم، يقال: بنان طفل، ويحتمل أن يكون تصغير طفل بكسر الطاء، وهو الصغير من الأناسي وغيرهم، و "الضبيس" من الرجال: سيِّئ الخلق.

والبيت المذكور من قصيدة بائية في [صفة]

(7)

خباء وخيل، وأولها هو قوله

(8)

:

1 -

وبَيتٍ تَهُبُّ الرِّيحُ في حُجُرَاتِهِ

بِأَرضٍ فَضَاءٍ بَابُهُ لم يُحَجَّبِ

2 -

سَمَاوتُهُ أسْمَالُ بَرْدٍ مُفَوَّفٍ

وصَهْوَتُهُ مِنْ أتْحَمِيِّ مُعَصَّبِ

3 -

وأطْنَابُهُ أرْسَانُ جُرْدٍ كَأَنَّهَا

صُدورُ القَنَا منْ بَادئٍ ومُعقّبِ

4 -

بِكَفٍّ على قَومٍ كأنَّ رِماحَهُمْ

عُرُوقُ الأعَادي مِنْ غَرِير وأشْيَبِ

(9)

5 -

وَفِينَا تَرَى الطُّولَى وكُلَّ سَمَيدَعٍ

مُدَرِّبِ حَرْب وَابنِ كُلِّ مُدَرِّبِ

(1)

قال ابن مالك: "تناول قولي (ويعمل الملغَى في ضمير المتنازع) أن يكون أولًا وأن يكون ثانيًا وأن يكون مرفوعًا ومنصوبًا ومجرورًا .... ومثال ذلك والمضمر منصوب: قول الشاعر (البيتين) .. وأكثر النحويين لا يجيزون: ضربته وضربني زيد، ومررت به، ولقيني عمرو؛ لاشتماله على تقديم ضمير هو فضلة على مفسر متأخر لفظًا ورتبةً، وإنما يغتفر ذلك في ضمير مرفوع لكونه عمدة غير صالح للاستغناء عنه، هذا تعليل المبرد ومن وافقه من البصريين، وأما الكوفيون فلا فرق عندهم بين الفضلة والعمدة في المنع .. والصحيح جوازهما لثبوت السماع بذلك في الأبيات المتقدمة الذكر .... ". ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 171، 172)، والتصريح (1/ 322).

(2)

ابن الناظم (100).

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيدة لطفيل الغنوي في وصف خباء وخيل ورجال شجعان، وانظره في ديوانه (23)، والكتاب (1/ 77)، والمقتضب (4/ 75)، والإنصاف (1/ 88)، وابن يعيش (1/ 77، 78)، والأشموني (2/ 104)، وأساس البلاغة مادة:(شعر)، واللسان مادة (دمى).

(4)

في (أ): ابن عوف.

(5)

شاعر جاهلي لم يدرك الإسلام.

(6)

في (أ): بفتح الفاء.

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

ديوانه (23).

(9)

في (أ): تدور بدلًا من كأن.

ص: 1025

6 -

طَويل نجِادِ السيفِ لم يَرضَ خِطَّةً

مِن الخَسفِ خَوَّاضِ إلى الموت مُجربٍ

7 -

وفِينَا رِباطُ الخَيَل كُلُّ مُطَهَّمٍ

وخَيْلٍ كَسِرْحَانِ الغَضَى المتُأَوَّبِ

8 -

تُبَارِي مَرَاخِيهَا الزُّجَاجَ كأنَّهَا

ضِرَاءٌ أَحَسَّتْ نَبْأَةً مِنْ مُكَلِّبِ

9 -

مَغَاويرُ مِنْ آلِ الوَجيهِ ولاحِقٌ

عَنَاجيجُ فِيهَا لذَّةٌ لمِعَقِّبِ

10 -

وكُمْتًا مُدَمَّاةً كَأَنَّ مُتُونَهَا

جَرَى فَوْقَهَا وَاستَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَبِ

11 -

وأذنابها وَحْفٌ كأَنَّ ذُيُولَهَا

تَجُرّ أَشَاءَ مِنْ سَمِيحَةَ مُضرِب

(1)

12 -

رَهَصْنَ الحَصَى حَتَّى كَأَنَّ رُضَاضَهُ

ذَرَى بَرْدٍ مِنْ وَابِلٍ مُتَحَلّبِ

وهي من الطويل.

1 -

قوله: "في حجراته": جمع حجرة بضم الحاء المهملة وسكون الجيم، و:"البان": شجر معروف.

2 -

قوله: "سماوته" أي: سقفه، و "الأسمال": جمع سملة بالسين المهملة، وهو الثوب الخلق، و "المفوف": البرد الذي فيه المخطوط البيض، قوله:"وصهوته" أي: أعلاه، وصهوة كل شيء: أعلاه، و "الأتحمي" بفتح الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق وفتح الحاء المهملة وكسر الميم وتشديد الياء، وهو ضرب من البرود، و "معصب" من العصب بالمهملتين وهو نوع من برود اليمن.

3 -

قوله: "أرسان جرد" الأرسان: جمع رسن وهو الحبل، و "الجرد" بضم الجيم وسكون الراء؛ [جمع]

(2)

جرداء مؤنث أجرد، قال الجوهري: الأجرد الفرس إذا رفت شعرتُهُ وقَصُرَتْ وهو مدح

(3)

، قوله:"ومعقب": من عقب السهم والقوس تعقيبًا إذا ألويت عليه شيئًا كان العقب بالتحريك، وهو العصب الذي يعمل منه الأوتار، الواحدة: عقبة

(4)

.

4 -

قوله: "من غرير" بالغين المعجمة والراءين المهملتين؛ أي: من شاب، و "الأشيب": الشيخ.

5 -

و "السميدع" بالفتح: السيد، و "المدرب": فاعل من الدربة، وهي عادة وجرأة على الحرب وكل أمر وقد درب بالشيء بالكسر إذا اعتاده وضرى به

(5)

.

(1)

في (أ): تجر أشأء.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

الصحاح مادة: "جرد".

(4)

في (ب): عصبة.

(5)

في القاموس: "ضرى به كرضي، ضرى ضراوة: لهج، وعرق ضرى: لا يكاد ينقطع دمه".

ص: 1026

6 -

قوله: "نجاد السيف" بكسر النون، قال الجوهري: نِجَادُ السيف: حَمَائِلُه

(1)

و "المحرب" بكسر الميم؛ كثير الحرب.

7 -

و "المُطهّم" بضم الميم وتشديد الهاء المفتوحة، قال الأصمعي: هو التام كل شيء منه على حدته فهو بارع الجمال

(2)

و "السرحان" بالكسر؛ الذئب، و "الغضى" بالمعجمتين الشجر، يقال: ذئب غضي، و "المتأوب": الذي يجيء أول الليل.

8 -

قوله: "تباري" أي: تعارض، و "المراخي" جمع مرخاء وهو الفرس الذي يخلى وشهوته في العدو، وقوله:"ضراء" بكسر الضاد المعجمة، جمع ضرو، وهو الضاري من أولاد الكلب، قوله:"نبأة" بفتح النون وسكون الباء الموحدة وفتح الهمزة، وهو الصوت الخفي، و "المكلِّب" بكسر اللام؛ الذي يعلم الكلاب الصيد، وبفتحها: الأسير المقيد.

9 -

قوله: "مغاوير": جمع مغوار بالغين المعجمة، من أغار الفرس إذا شد العدو وأسرع، ورجل مغوار وهو المقاتل، قوله:"من آل الوجيه" بفتح الواو وكسر الجيم، وهو اسم فرس مشهور، وكذلك اللاحق بالقاف، قوله:"عناجيج" هي جياد الخيل، واحدها عنجوج.

10 -

قوله: "وكُمْتًا" بضم الكاف وسكون الميم؛ جمع أكمت، وليس جمع

(3)

كميت؛ لأن المصغر لا يجوز جمعه لزوال علامة التصغير بالجمع، وذكر بعض شراح الجمل للزجاجي

(4)

أن كميتًا من الأسماء المصغرة التي لا تكبير لها، وهو مصغر مرخم من أكمت بمنزلة حميد من أحمد غير أن أكمت لم يستعمل ويدل على ذلك جمعهم إياه على كمت

(5)

.

قال سيبويه: سألت الخليل عن كميت فقال: هو بمنزلة حميد، وإنما هي حمرة يخالطها سواد ولم يخلص، وإنما حقروها لأنها بين السواد والحمرة ولم يخلص، لأن قال: أسود أو أحمر، وهو منهما قريب، ويقال: هو من الكمتة وهي حمرة قانية، أي: تضرب إلى السواد

(6)

.

وذكر أبو عبيدة أن الكمت من الخيل بين الأصدى والأحوى، قال: وهو أقرب الشقر والورد إلى السواد، وأشد من الشقر والورد حمرة، والأنثى-[أيضًا]

(7)

كميت والجمع: كمت، وهو على أقسام:

كميت أحم، وكميت أصحم، وكميت مدمى، وكميت أحمر، وكميت مذهب،

(1)

الصحاح مادة: "نجد".

(2)

ينظر الصحاح مادة: "طهم".

(3)

في (أ): بجمع.

(4)

في (أ، ب): الزجاج.

(5)

شرح الجمل لابن خروف (2/ 613، 1012) ط. أم القرى، معهد البحوث العلمية، تحقيق: د. سلوى محمد عمر، ط. أولى (1419 هـ).

(6)

ينظر الكتاب (3/ 477).

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1027

[وكميت أطف]

(1)

، وكميت محلف، وكميت أصدى؛ فالكميت الأحم: الذي يشاكل الأحوى، أهون سوادًا من الجون، وينفصل الكميت الأحم من الأحوى بحمرة أقرانه ومرافقه.

والكميت الأصحم أظهر حمرة من الكميت الأحم غير أن حمرته ليست بصافية.

والكميت المدمي الذي شعر سراته أحمر شديد الحمرة، وكلما انحدرت الحمرة إلى مرافقه ازدادت حمرة.

والكميت الأحمر أشد حمرة من المدمى.

والكميت المذهب: الذي يخالط حمرته صفرة.

والكميت المحلف: الذي لم يخلص لونه فيختلف الناظرون إليه فيقول بعضهم: هو أحمر

(2)

،

وبعضهم هو ورد، وبعضهم هو كميت.

قلت: الأحوى -بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وهو الكميت الذي يعلوه سواد، ويجمع على حُوّ بضم الحاء وتشديد الواو، وفي الحديث

(3)

: "خير الحيل الحو"، وأصله: من حوي يحوى من باب علم يعلم فهو أحوى، والمصدر: حوة وهي الكمتة

(4)

.

و"الأصدى" بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة، وهو الذي فيه صدأة، أي: كدرة، ويعلو كل لون من ألوان الخيل ما عدا الدهمة وفيها صفرة قليلة، وإنما شبهوها بلون صدأ الحديد.

و"الأحم" بفتح الهمزة والحاء المهملة وتشديد الميم، وهو الذي فيه سواد؛ من حممت الرجل إذا سخمت وجهه بالفحم.

و"الأصْحَم" بفتح الهمزة وبالصاد والحاء المهملتين، وهو الأغبر إلى السواد.

و"المحلِف" بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر اللام وفي آخره فاء؛ من قولهم: هذا شيء محلف إذا كان يشك فيه فيتحالف عليه.

و"الأكلف" من الكلف وهو شيء يعلو الوجه فيغير بشرته، قوله:"مدماة": من دمَّى يُدَمِّي مُدَمًّى

(5)

، وأراد بها: شديدة الحمرة مثل الدم.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

في (أ): هو أشقر، وينظر اللسان مادة:"كمت"، وإصلاح المنطق (194) ط. دار المعارف، تحقيق عبد السلام هارون، خامسة.

(3)

الحديث في مصنف ابن أبي شيبة (7/ 573) رقم (3) ونصه: "حدثنا وكيع قال: ثنا طلحة عن عطاء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الخيل الحر".

(4)

ينظر الصحاح مادة: "حوى".

(5)

في القاموس: أدميته ودميته، والمدمى: السهم عليه حمرة الدم، والشديد الحمرة من الخيل وغيره.

ص: 1028

قوله: "كأن متونها": جمع من وهو الظهر، قوله:"جرى" بمعنى: سال، قوله:"استشعرت": يعني جعلت شعارها، وهو علامتهم في الحرب؛ كذا فسره بعضهم، والصحيح أن معناه: جعلت شعارًا ولباسًا، والشعار من الثباب: ما يلي الجسد، والدثار ما فوقه، قوله:"مذهب" بضم الميم وسكون الذال المعجمة، وفتح الهاء؛ من الإذهاب وهو التمويه بالذهب، وكذلك التذهيب بمعناه.

11 -

قوله: "وأذنابها وحْف" بفتح الواو وسكون الحاء المهملة وفي آخره فاء؛ أي: كثير حسن، يقال: عشب وحف كذلك، وقد وحُف شعره بالضم

(1)

، قوله:"أشاء" بفتح الهمزة والشين المعجمة، وبالمد؛ وهي صغار النحل، الواحدة: أشاءة.

12 -

قوله: "رهصن": من الرهص وهو كسر الشيء الرخو، والرهص أيضًا شدة الوطء، و "رضاض كل شيء" بضم الراء: فتاته، وكل شيء كسرته فقد رضضته، وهو على وزن فعال بضم الفاء [كفتات]

(2)

وحتات، وكذلك الرضاضة بالضم، وهو من باب نصر ينصر، قوله:"ذرى برد" بفتح الذال المعجمة، قال الجوهري [رحمه الله تعالى]

(3)

الذرى: اسم للدمع الصبوب

(4)

، و "البرد" بفتح الباء الموحدة والراء؛ وهو حب الغمام، و "الوابل": المطر العظيم [القطر]

(5)

، قوله:"متحلب" بالحاء المهملة.

الإعراب:

قوله: "وكُمْتًا" بالنصب عطف على قوله: "وفينا رباط الخيل" أي: ترى فينا كمتًا، و "مدماة": صفة كمتًا، قوله:"كأن" للتشبيه، و "متونها": اسمه، والضمير فيه يرجع إلى الكمت، وقوله:"جرى": فعل ماض، وفاعله مستتر فيه تقديره: جرى هو، قوله:"فوقها": نصب على الظرف، أي: فوق متونها.

[قوله: "واستشعرت] عطف على "جرى"، وفاعله مستتر فيه تقديره]

(6)

: استشعرت هي، وقوله:"لون مذهب": كلام إضافي منصوب على المفعولية، وفيه حذف تقديره: لون شيء مذهب، وقال ابن يعيش: والمذهب هاهنا اسم الذهب

(7)

.

قلت: فحينئذ لا يحتاج إلى التقدير المذكور، والجملة الصغرى -أعني قوله:"جرى" مع معطوفها في محل الرفع على أنها خبر كأن، والجملة الكبرى- أعني قوله: كأن مع اسمها وخبرها في موضع نصب على أنها صفة لقوله: "كمتًا".

(1)

في (أ): وجف بالجيم في هذا الموضع والذي قبله.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

في (أ): المصبوب.

(5)

و

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(7)

ابن يعيش (1/ 78).

ص: 1029

الاستشهاد فيه:

في قوله: "جرى واستشعرت" حيث توجها إلى معمول واحد ظاهر بعدهما وهو قوله: "لون مذهب" بناء على أن مذهب البصريين في إعمال الأقرب وإضمار الفاعل في الأسبق والله أعلم

(1)

.

‌الشاهد السادس والثلاثون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

هَوينني وَهِويتُ الغانياتِ إِلَى

أن شِبْتُ فانْصَرَفَتْ عَنْهُنَّ آمالي

أقول: هو من البسيط.

قوله: "هوينني" من هوي يهوَى من باب علم يعلم إذا أحب، و "الغانيات": جمع غانية بالغين المعجمة والنون بعد الألف، يقال: امرأة غانية إذا غنيت بحسنها وجمالها عن الحليّ، قوله:"إلى أن شبتُ": من الشيب

(4)

، قوله:"آمالي" جمع أمل وهو الرجاء.

الإعراب:

قوله: "هوينني وهويت" تنازعا في الغانيات، فأعمل الثاني وهو هويت، وأضمر في الأول وهو: هوينني، قوله:"إلى أن شبت": يتعلق بقوله: "هويت"، "وأن" مصدرية، والتقدير: إلى شيبوبتي، قوله:"فانصرفت": عطف على قوله: "أن شبت" و "آمالي": كلام إضافي فاعله.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "هوينني وهويت" حيث أعمل الثاني وأضمر في الأول؛ كما ذكرنا

(5)

.

(1)

قال سيبويه: "وإنما كان الذي يليه أولى لقرب جواره وأنه لا ينتقض معنى، وأن المخاطب قد عرف أن الأول قد وقع بزيد"، وقال: "ولو أعملت وقلت: مررت ومر بي بزيد، وإنما قبح هذا أنهم قد جعلوا الأقرب أولى؛ إذ لم ينقض معنى، قال الشاعر وهو الفرزدق:

ولَكِنَّ نِصفًا لو سَبَبتُ وسَبَّنِي

بَنُو عبدِ شَمْسِ من مَنَافٍ وَهَاشِم

وقال طفيل الغنوي: (البيت)، وقال رجل من باهلة:

ولقَدْ أَرَى تَغْنَى بِهِ سَيْفَانَة

تُصْبِي الحِلَيمَ ومثلُها أصْبَاهُ

فالفعل في كل هذا معمل في المعنى وغير معمل في اللفظ، والآخر معمل في اللفظ والمعنى". ينظر الكتاب (1/ 76، 77)، والبصريات (287)، وشرح التصريح (1/ 316)، وحاشية الصبان (2/ 100)، والبحر المحيط (8/ 325).

(2)

ابن الناظم (100).

(3)

البيت من بحر البسيط، وهو لقائل مجهول، كان يهوى الغانيات وهو في الشباب، وقد انصرفن عنه وهو في المشيب، وانظر الشاهد في تخليص الشواهد (5/ 515)، وشرح الأشموني (2/ 104).

(4)

في (أ): المشيب.

(5)

ينظر الشاهد رقم (435).

ص: 1030

‌الشاهد السابع والثلاثون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

إذا هي لمْ تَسْتَكْ بِعُودِ أَرَاكَةٍ

تُنُخِّلَ فاسْتَاكَتْ به عودُ أَسْحَلِ

أقول: ذكر الزمخشري في المفصل

(3)

، وشارح كتاب سيبويه أن قائله: هو عمر

(4)

بن أبي ربيعة، وقال النحاس: قال الأصمعي: قائله هو طفيل الغنوي، ونسبه الجرمي في كتاب الفرخ للمقنع الكندي، والصحيح أنه لطفيل الغنوي.

وهو من قصيدة طويلة من الطويل يصف بها امرأة تسمى سُعْدَى، منها قوله

(5)

:

ديَارٌ لِسُعْدَى إذْ سُعَادُ جَدَايَةٌ

من الأدمِ خُمْصَانُ الحَشَى غَيرُ خُنثَلِ

هَجَانَ البيَاضِ أُشْرِبَتْ لَونَ صُفرَةٍ

عَقِيلَةُ جَوّ عَازبٍ لَمْ يُجَلّلِ

1 -

قوله: "لم تستك": من الاستياك، يقال: سوك فاه تسويكًا، واستاك يستاك ولا يذكر معه الفم، "أراكة" بفتح الهمزة؛ واحدة الأراك وهي شجر مرّ تتخذ منه المساويك، قوله:"تنخل" بضم التاء المثناة من فوق وضم النون وتشديد الخاء المعجمة، ومعناه: اختير، قوله:"أسحل" بفتح الهمزة

(6)

، وسكون السين وفتح الحاء المهملتين، وهو شجر دقيق الأغصان يشبه الأثل ينبت بالحجاز يتخذ منه السواك.

2 -

قوله: "جداية" بكسر الجيم، وهي بنت شهرين أو ثلاثة من الظباء، والذكر -أيضًا- جداية، قوله:"خنثل" بضم الخاء المعجمة وسكون النون وضم الثاء المثلثة وفتحها، وهي العظيمة البطن المسترخية، ولم يسمع إلا في المؤنث، ويروى: غير خنبل - بالخاء المعجمة والنون والباء الموحدة، أي غير قصيرة.

3 -

و "هجان البياض": كريمته، و:"الجو" بالجيم؛ البطن من الأرض، و "العقيلة": الكريمة.

ومعنى البيت المستشهد به: إذا لم تُرِدْ تلك المرأة الاستياك بعود أراكة اختير عندها ما هو خير

(1)

ابن الناظم (100).

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيدة في الغزل، قيل: لعمر بن أبي ربيعة في المفصل (20)، وقيل: لطفيل الغنوي، شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (1/ 130)، والصحيح الثاني، فهو في ديوان الطفيل داخل قصيدة في الفخر (319)، وبتحقيق: محمد عبد القادر أحمد (65)، وأما في ديوان عمر فهو بيت مفرد (498)، تحقيق: محمد محيي الدين، وانظره في الرد على النحاة (97)، وابن يعيش (1/ 79)، والكتاب (1/ 78)، والأمالي الحاجبية (1/ 444)، والدرر (1/ 222)، والهمع (1/ 66).

(3)

ينظر المفصل في علم العربية (20)، وشرح ابن يعيش (1/ 78، 79).

(4)

في (ب): عمرو.

(5)

انظر ديوان طفيل (65) تحقيق: محمد عبد القادر أحمد.

(6)

في (أ): بكسر الهمزة.

ص: 1031

منها وهو عود الأسحل فاستاكت به، وأراد أنها متنعمة محتشمة.

الإعراب:

قوله: "إذا" للشرط، وقوله:"هي": مضمر منفصل لتعذر اتصاله فحذف عامله فهو مثل قوله تعالى

(1)

: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} [الإسراء: 100] تقديره: لو تملكون؛ فحذف الفعل الذي هو المضمر المتصل، وصار المتصل منفصلًا ثم جيء بالفعل بعده تفسيرًا للفعل المحذوف، وكذلك تقدير قوله:"إذا هي لم تستك" ففعل به ما فعل بذلك.

قوله: "لم تستك": جازم ومجزوم وفاعله مستتر فيه تقديره: لم تستك هي، قوله:"بعود أراكة" يتعلق به، قوله:"تنخل": ماض مجهول مسند إلى قوله: "عود أسحل" ووقع جزاء للشرط، قوله:"فاستاكت"[فعل وفاعله مستتر فيه، أي]

(2)

فاستاكت هي، قوله:"به" جار ومجرور في محل النصب على أنه مفعول: فاستاكت.

فإن قلت: ما الفاء فيه؟

قلت: للعطف، وهو عطف فاستاكت على تنخل عطف الجملة على الجملة.

الاستشهاد فيه:

هو رفع: "عود أسحل" بالفعل الأول، والتقدير: تنخل عود أسحل فاستاكت به، ولو أعمل الأول لقال: تنخل فاستاكت بعود أسحَل، وهذا هو حجة الكوفيين في أولوية أعمال الأول، والجواب عن ذلك: أنه يدل على الجواز ولا خلاف فيه، وأما أنه يدل على الأولوية فلا.

‌الشاهد الثامن والثلاثون بعد الأربعمائة

(3)

،

(4)

.............................

كَفَانِي وَلَمْ أطْلُبْ قَلِيلٌ مِنَ المالِ

أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وصدره

(5)

:

(1)

وتمامها: {خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي ......... } .

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

توضيح المقاصد (2/ 60).

(4)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة لامرئ القيس مشهورة شهرة المعلقة، تمتلئ بالشواهد النحوية والبلاغية، وقد سبق أن سردها العيني وشرحها أول الكتاب في الشاهد رقم (34)، ومطلعها هو قوله:

أَلَا عِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الطَّلَلُ الْبَالِي

وَهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كَانَ فيِ العُصُرِ الخَالِي

(5)

ديوانه (145) ط. دار صادر، و (27) ط. دار المعارف، بتحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، وهو من شواهد الكتاب (1/ 79)، والإنصاف (1/ 84)، وشرح الأشموني (98/ 2)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 110)، وشرح =

ص: 1032

فلَوْ أنَّ مَا أسعَى لأدنى مَعِيشَةٍ

..........................

وهو من قصيدة طويلة من الطويل سقناها في شواهد المعرب والمبني

(1)

.

الإعراب:

قوله: "فلو أن ما أسعى" والرواية الصحيحة: ولو بالواو، وكلمة لو للشرط تدل على امتناع الشرط لامتناع غيره؛ كما تقول: لو كان لي مال لأنفقته

(2)

، فامتنع الإنفاق لامتناع المال، وأن حرف من الحروف المشبهة بالفعل وما مصدرية، أي: لو أن سعيي

(3)

، والمصدر اسم أن.

قوله: "لأدنى معيشة": كلام إضافي خبره، والتقدير: ولو أن سعيي حاصل لأدنى معيشة، قوله:"كفاني": جواب لو وهو فعل ومفعول، وقوله:"قليل" بالرفع فاعله.

قوله: "ولم أطلب"[الواو فيه إما للعطف على كفاني، وإما للحال، والآن يجيء الكلام فيه مستقصًى، و "لم أطلب"]:

(4)

جازم ومجزوم والفاعل فيه مستتر وهو أنا، والمفعول محذوف تقديره: لم أطلب المجد المؤثل، وقوله:"من المال": جار ومجرور متعلق بقليل.

الاستشهاد فيه:

أن: "كفاني ولم أطلب" وُجِّهَا على: قليل، وأعمل الأول مع إمكان الثاني، فلما أعمل في الفصيح الأول من غير ضرورة مع ارتكاب أمر محذور وهو حذف المفعول من الثاني دل على أن إعمال الأول أولى؛ كما هو مذهب الكوفيين

(5)

.

قلنا: يحتمل أن يكون هذا من باب التنازع ويحتمل أن لا يكون، وما هو محتمل لا يصلح للتمسك.

فإذا قلنا: إنه من باب التنازع، ولا يكون من ذلك إلا إذا جعلنا الواو في:"ولم أطلب"

= قطر الندى لابن هشام (18).

(1)

ينظر الشاهد رقم (34) من هذا البحث.

(2)

في (ب): لأنفقته به.

(3)

انظر بحثنا: لو أنواعها وأحكامها دراسة نحوية تطبيقية في كتاب الله والشعر العربي، د. أحمد السوداني (17) وما بعدها، بحث منشور بمجلة جامعة الأزهر (2007 م).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

اختار الكوفيون إعمال الأول من العاملين مستدلين بالابتداء به وبقول امرئ القيس: (البيت) وقول المرار الأسدي:

فَرَدَّ عَلَى الفُؤَادِ هَوًى عَمِيدًا

وَسُوئِلَ لَوْ يُبِينُ لنا السُّؤَالا

وقد نَغْنَي بِهَا وَنَرَى عُصُورًا

بِهَا يَقْتَدْنَنَا الخُرُدَ الخِدَالا

واستدلوا قياسًا إلى أن الفعل الأول سابق للثاني وصالح للعمل؛ فإعماله أولى، ولأنه إذا أعمل الثاني أدى إلى الإضمار قبل الذكر وهو لا يجوز في كلامهم. ينظر الإنصاف في مسائل الخلاف للأنباري (1/ 85، 86) بتصرف، وابن الناظم (256)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 160).

ص: 1033

للحال، فيكون المعنى: لو كان سعيي لأدنى معيشة كفاني قليل من المال حال كوني غير طالب له، وإليه ذهب أبو علي، وإن جعلناها للعطف فليس من التنازع لفساد المعنى، وبيان ذلك موقوف على معرفة مقدمتين:

إحداهما: أن لو كما قلنا لامتناع الثاني لامتناع الأول، فإذن لو دخل على المنفي صار ذلك المنفي مثبتًا، وإذا دخلت على المثبت صار منفيًّا.

والثانية: أن ما هو معطوف على جواب "لو" فحكمه حكم ذلك الجواب، فإذا تقررت هاتان المقدمتان فنقول: لو وجه الفعل الأول إلى ما وجه إليه [الفعل]

(1)

الثاني فسد المعنى؛ لأن كفاية المال القليل منفية لانتفاء سعيه لأدنى معيشة بناء على المقدمة الأولى، وهذا يقتضي أن لا يكون طالبًا لقليل من المال.

وقوله: "لم أطلب" على تقدير كونه موجهًا إلى ما وجه إليه الأول يقتضي أن يكون طالبًا [له]

(2)

بناء على المقدمة الثانية فيكون طالبًا [له]

(3)

، وغير طالب وإنه ممتنع، فإذا تعذر توجهه إلى قليل يكون مفعوله محذوفًا وهو الملك أو المجد بقرينة قوله:

ولكنَّمَا أسْعَى لمجدٍ مؤثل

وقد يدرِكُ المجدَ المؤثلَ أمثالي

[يقول: لو أن سعيي للأكل والشرب]

(4)

، واللبس يكفيني ما عندي من المال القليل ولم أطلب الملك، ولكن سعيي لأجل مجد ذي أصل، والحالة أن هذا المجد المؤثل قد أدركه أمثالي من أبناء الملوك وأشراف القوم، والحاصل: أن البيت ليس من التنازع؛ لما ذكرناه.

‌الشاهد التاسع والثلاثون بعد الأربعمائة

(5)

،

(6)

أَتَانِي فَلَمْ أُسْرَرْ به حيَن جَاءَنِي

كِتَابٌ بأعلَى القُنَّتَيِن عَجِيبُ

أقول: قائله هو جرير بن ضرار

(7)

أخو الشماخ، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو البيت المذكور، وبعده:

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

و

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

توضيح المقاصد (2/ 60).

(6)

البيت من بحر الطويل، وهو من مقطوعة لجرير بن ضرار، اختارها أبو تمام، وضمَّنه ديوان الحماسة، وانظر شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (343)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (86).

(7)

هو أخو الشماخ بن ضرار، شاعر مخضرم، رثى عمر بن الخطاب بقوله:

جَزى الله خَيْرًا مِنْ أَمَيْرٍ وَبَارَكَتْ

يَدُ الله فِي ذَاكَ الأذين المُمَزّقِ

ص: 1034

2 -

تَصَامَمْتُهُ حَتَّى أتَانِي يَقينُهُ

وَأفْرَعَ مِنهُ مُخطِئٌ ومُصيبُ

3 -

وحُدِّثتُ قَومِي أحْدَثَ الدَّهْرَ فِيهُمُ

وعَهدُهُمُ بِالحَادثَاتِ قَريبُ

4 -

فإنْ يكُ حقًّا ما أتَانِي فإنَّهمُ

كِرامٌ إذا ما النَّائِبَاتُ تَنُوبُ

5 -

فقيرُهم يُبدِي الغِنَى وغَنيُّهُم

له وَرَقٌ للسَّائِلينَ رَطِيبُ

6 -

ذَلُولُهُمُ صَعْبُ القِيادِ وصَعبُهُمُ

ذَلُولٌ لِحَقِّ الراغِبيَن رَغُوبُ

7 -

إذا رَنَّقَتْ أخْلاقَ قَومٍ مُصِيبَةٌ

تُصَفَّى بِهَا أخْلاقُهُمْ وتَطِيبُ

8 -

ومَنْ يَغمُرُوا مِنهُمْ بِفَضْلٍ فإنَّهُ

إذا مَا انْتَمَى فيِ آخرِينَ نَجِيبُ

(1)

1 -

قوله: "بأعلى القنتين" بالقاف والنون، والقنتان: جبل مشرف بعض الأشراف وليس فيه شواهق ولا صخور.

2 -

قوله: "تصاممته" أي: تصاممت عنه حتى أتاني يقينه، أي: تكلفت أن لا أسمعه حتى أتتني صحته، قوله:"وأفرع" بالراء والعين المهملتين، أي: صادف القرع -بفتحتين، وهو اسم موضع، ويروى: أفزع -بالزاي- من الفزع وهو الخوف، وأراد بـ"الخطئ": الذي كذبه، و "المصيب" الذي صدقه.

5 -

قوله: "له وَرَق" بفتح الواو والراء، قال الجوهري: الورق: المال من دراهم وإبل وغير ذلك

(2)

.

6 -

قوله: "ذلوهم صعب" أي أنهم ممتنعون على من رامهم، مُنْقَادُون لمن سالمهم ورغب إليهم.

7 -

قوله: "إذا رنقت" أي: إذا كدرت، من قولهم: ماء رنق بالتسكين، أي: كدر، ومادته: راء ونون وقاف.

الإعراب:

قوله: "أتاني": جملة من الفعل والمفعول، وقد تنازع هو وقوله:"فلم أسرر به" وقوله: "جاءني" في قوله: "كتاب"، وقوله:"فلم أسرر به" على صيغة المجهول وترك الإدغام [فيه للضرورة]

(3)

مع جواز ذلك في غير الضرورة.

والضمير في: "به" ورجع إلى الكتاب الذي هو فاعل أتاني؛ لأن الفاعل فيه مضمر على تقدير إعمال جاءني، وإن أعملت أتاني يكون الفاعل ظاهرًا ويكون فاعل جاءني مضمرًا، قوله:

(1)

روايته في (ب):

ومن يعمرا .....

...........................

(2)

الصحاح مادة: "ورق".

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1035

"حين": نصب على الظرف، والعامل فيه أتاني، قوله:"بأعلى" الباء فيه بمعنى في، أي: في أعلى القنتين، قوله:"عجيب" بالرفع صفة كتاب.

الاستشهاد فيه:

على جواز التنازع في ثلاثة، وأنه لا يوجد في أكثر من ذلك، وظاهر كلام ابن عصفور وابن مالك جواز تنازع أكثر من ثلاثة، ولكن المسموع إنما هو ثلاثة؛ كما هو في البيت المذكور

(1)

، والله تعالى أعلم.

‌الشاهد الأربعون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

................................

لقيتُ ولمْ أَنْكُلْ عنِ الضَّرْبِ مِسمَعًا

أقول: قائله هو المرار الأسدي، كذا نسب في الكتاب، ونسبه الجرمي في المدخل المسمى بالفرج لمالك بن زُغْبَة الباهلي، وصدره:

لقد عَلِمَتْ أُولِي المُغِيرةِ أَنَّنِي

...........................

وبعد البيت المذكور هو قوله:

2 -

ومَا كُنتُ إلا السَّيفُ لاقَى ضَرِيبَةً

فقطعها ثم انثنى فتقطَّعَا

3 -

وإني لأُعْدِي الخيلَ تعثرُ بالقنَا

حفاظًا على المولَى الحريد ليمنعَا

4 -

ونَحنُ جَلَبنَا الخيَلَ من سوقِ حِمْيَرٍ

إلى أن وطئنَا أهلَ حِمْيَرَ نُزَّعَا

وهي من الطويل.

قوله: "أولي المغيرة" يعني: أولها، والمغيرة -بضم الميم وكسر الغين المعجمة بعدها ياء ساكنة وهي الخيل التي تغير، قوله:"أنني لقيت" وفي رواية: لحقت؛ وهكذا هي في رواية

(1)

قال ابن مالك في شرحه للتسهيل (2/ 176، 177)، وقد سرد عدة أبيات في ذلك منها بيت الشاهد فقال: "

فهذه الأبيات الثلاثة قد تنازع في كل واحد منهما ثلاثة عوامل، أعمل آخرها وألغي أولها وثانيها، وعلى هذا استقر الاستعمال، ومن أجاز إعمال غير الثالث فمستنده الرأي؛ إذ لا سماع في ذلك، وقد أشار إلى ذلك أبو الحسن بن خروف في شرح كتاب سيبويه واستقرأت الكلام فوجدت الأمر كما أشار إليه".

(2)

توضيح المقاصد (2/ 59).

(3)

البيت من بحر الطويل، قيل: للمرار الأسدي، وقيل: لمالك بن زغبة الباهلي، من قصيدة كلها في الفخر والشجاعة والقتال، وانظر بيت الشاهد في الكتاب (1/ 193)، والمقتضب (1/ 14)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 60)، وابن يعيش (6/ 64)، والدرر (5/ 255)، والهمع (2/ 93).

ص: 1036

أبي القاسم الزجاجي

(1)

، وفي رواية: أنني كررت، معناه: حملت، وهكذا هي عند الزمخشري

(2)

، وفي رواية: أنني ضربت، وهكذا عند البعلي في شرح الجرجانية.

قوله: "ولم أنكل" أي: ولم أعجز، قوله:"مِسْمعًا" بكسر الميم الأولى وسكون السين المهملة، وهو اسم رجل، قوله:"ثم انثنى" من ثَنَيْتَه؛ أي: ضربته، قوله:"لأعدي" من أعدى فلان فلانًا في الحرب، وهي مجاوزته إلى غيره، قوْله:"الحَرِيد" بفتح الحاء المهملة، أي: الوحيد الفريد، قوله:"نُزّعًا" بضم النون وتشديد الزاي المعجمة، جمع نازع؛ من نزع الشيء من مكانه إذا قلعه، ويقال: نزع إلى أهله إذا اشتاق.

الإعراب:

قوله: "لقد علمت" اللام للتأكيد، وقد للتحقيق، وعلمت: فعل ماض، وقوله:"أولي المغيرة": فاعله، وقوله:"أنني" بفتح الهمزة، وهي مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي علمت، وقوله:"ولم أنكل" ويروى: بالفاء، عطف على لقيت، وقوله:"عن الضرب" يتعلق بقوله: "لم أنكل"، وقوله:"مسمعًا"، مفعول المصدر، وقال النحاس: يجوز أن يكون منصوبًا بقوله: لقيت.

الاستشهاد فيه:

على قوله: "لقيت" وقوله: "عن الضرب" تنازعا في قوله: "مسمعًا"؛ فالأول فعل والثاني اسم، وعكسه نحو قوله تعالى:{هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19]

(3)

. وفيه استشهاد آخر؛ لكنه لم يورده لذلك، وهو أن المصدر المعرف باللام قد عمل وهو قوله:"عن الضرب" فينتصب مسمعًا، قال سيبويه: والتقدير: عن ضرب مسمعًا، والألف واللام فيه بمنزلة التنوين

(4)

.

* * *

(1)

ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 178).

(2)

ينظر المفصل في علم العربية (224)، (دار الجيل، بيروت)، وشرحه لابن يعيش (6/ 59).

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 165).

(4)

ينظر الكتاب (1/ 193).

ص: 1037

‌شواهد المفعول المطلق

‌الشاهد الحادي والأربعون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

...............................

يَظُنَّانِ كُلَّ الظَّنِّ أَنْ لا تَلاقِيَا

أقول: قائله هو قيس بن الملوح المجنون، وصدره:

وقدْ يَجْمَعُ اللهُ الشَّتِيتَيِنْ بعْدَمَا

..........................

وهي من قصيدة يائية من الطويل، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

ألَا يَا غُرَابَ البَيِن مَالكَ كُلّمَا

تَذَكَّرتَ لُبنَى طِرْتَ لِي عنْ شِمَالِيَا

2 -

أعِندَكَ عِلمُ الغَيبِ أمْ أنْتَ مُخبِرِي

عَنْ الحَيِّ إلا بالذي قَدْ بدَا لِيَا

3 -

فَلا حَمَلَتْ رِجْلاكَ عُشًّا لِبَيضَةٍ

ولا زال عَظْمٌ مِنْ جَنَاحِكَ واهِيَا

4 -

أُحِبّ مِنَ الأسْماءِ ما وَافَقَ اسْمَهَا

أوْ أشْبَهَهُ أو كَانَ منهُ مُدَانِيَا

5 -

ومَا ذُكِرَتْ عِندِي لهَا مِنْ سُمَيَّةٍ

مِنَ النَّاسِ إلا بَلَّ دَمْعِي رِدَائيَا

(1)

أوضح المسالك (2/ 34).

(2)

البيت من بحر الطويل، وصدره ما ذكره الشارح، وهو بيت من قصيدة في الغزل لمجنون ليلى قيس بن الملوح، ولهذا الشاعر عدة قصائد على هذا الوزن، وهي من الطويل، وهذا الروي وهو الياء، وأطول هذه القصائد واحدة زادت على السبعين بيتًا تبدأ بقوله:

تَذَكّرْتُ لَيْلَى وَالسّنِيْنَ الخَوَاليَا

وَأَيَّامَ لا نَخْشَى عَلَى اللَّهْو نَاهِيَا

وقد ذكر فيها الشاهد المذكور، وأما القصيدة التي أثبتها العيني فهي في الديوان قصيدة مستقلة، وفيها أيضًا الشاهد المذكور، وانظر القصيدة الطويلة في ديوان مجنون ليلى (292)، تحقيق: عبد الستار فراج، والقصيدة التي أثبتها العيني (314)، وانظر بيت الشاهد في الخصائص (1/ 448)، واللسان:"شتت"، وشرح الأشموني (2/ 113)، وشرح التصريح (1/ 328).

(3)

ديوان مجنون ليلى (314)، تحقيق: عبد الستار فراج، مكتبة مصر، الفجالة.

ص: 1038

6 -

سَلِي الناسَ هَلْ خَبَّرْتُ سِرَّكِ مِنْهُمُ

أخَا ثِقَةٍ أوْ ظَاهرَ الغِشِّ بَادِيَا

7 -

وأخرُجُ مِنْ بيْنِ البُيُوتِ لَعَلَّنِي

أُحَدِّثُ عَنْكَ النَّفسَ في السَّرِّ خَالِيا

8 -

وَإِنِّي لأَسْتَغشِي ومَا بي نَعْسَةٌ

لَعَلَّ خَيَالًا مِنْكِ يَلْقَى خَيَالِيَا

9 -

أقولُ إذا نفسي من الوجدِ صَعَّدَتْ

بِهَا زفْرَةٌ تَعتَادُهَا هِيَ مَا هِيَا

10 -

أشَوقًا ولَمَّا يَمْضِ لي غَير لَيلَةٍ

رُوَيدَ الهَوَى حتَّى تَغيبَ ليَالِيَا

11 -

تَمُرُّ الليالي والشُّهورُ ولا أرَى

غَرَامِي بكم يَزدَادُ إلا تَماديَا

12 -

وقدْ يَجْمَعُ اللهُ الشَّتِيتَيِن بعْدَمَا

يَظُنَّانِ كُلَّ الظَّنِّ أَنْ لا تَلاقِيَا

13 -

تَسَاقَطُ نفْسِي حِيَن ألْقَاكِ أنْفُسًا

يَرِدنَ فَمَا يَصْدُرْنَ إلا صَوَادِيَا

14 -

فإنْ أحْيَ أوْ أَهْلَكْ فَلسْتُ بزَائِلٍ

لَكُمْ حَافِظًا مَا بَلَّ رِيقٌ لِسَانِيَا

1 -

قوله: "لبنى" بضم اللام وسكون الباء الموحدة وفتح النون، وهو اسم محبوبته، ويروى: ليلى، ويروى: سلمى.

3 -

قوله: "واهيًا": من وهي إذا سقط.

12 -

قوله: "الشتيتين": تثنية شتيت [وهو الشيء المتفرق؛ من شتَّ يشت شتاتًا وشتًّا]

(1)

، أي: تفرق، وأراد بالشتيتين المحبين المتباعدين اللذين لا يقدران على الاجتماع لعلة من العلل.

الإعراب:

قوله: "وقد يجمع الله" الواو للعطف، وقد للتقليل، ويجمع: فعل، واللَّه: فاعل

(2)

، و "الشتيتين": مفعوله، قوله:"بعد": نصب على الظرف، وكلمة:"ما " مصدرية، أي: بعد ظنهما كل الظن

(3)

، والضمير في:"يظنان" يرجع إلى الشتيتين، قوله:"كل الظن": كلام إضافي منصوب على النيابة عن المصدر.

قوله: "أن لا تلاقيا" أن مخففة من الثقيلة، وهي مع اسمها وخبرها سدَّت مسد مفعولي يظنان، والتقدير: يظنان أنه لا تلاقيا، وضمير الشأن هو اسم إن، وخبره قوله:"تلاقيا"، وكلمة:"لا" للنفي، و "تلاقيا": اسمها، وخبرها محذوف تقديره: لا تلاقي حاصل، والألف فيه للإطلاق.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

في (أ): فاعله.

(3)

في (أ): ذلك الظن.

ص: 1039

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كل الظن" حيث نُصِبَ نيابةً عن المصدر؛ كما في قوله تعالى: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129]

(1)

.

‌الشاهد الثاني والأربعون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

يُعْجِبُهُ السَّخُونُ والبَرُودُ

والتَّمْرُ حُبًّا ما لهُ مَزِيدُ

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز ابن الراجز، وهو من الرجز المسدس.

قوله: "السخون" بفتح السين المهملة، وهو ما يسخن من المرق، و "البرود" بفتح الباء الموحدة، بمعنى البارد، و "المزيد" بفتح الميم؛ مصدر ميمي بمعنى الزيادة.

الإعراب:

قوله: "يعجبه": [جملة]

(4)

من الفعل والمفعول وهو الضمير الذي يرجع إلى معهود، وقوله:"السخون" بالرفع فاعله، وقوله:"والبرود، والتمر" مرفوعان عطفا على السخون، قوله:"ما له مزيد" كلمة ما اسم نكرة صفة لقوله: "حبًّا"

(5)

، وقوله:"مزيد" بالرفع مبتدأ، وقوله:"له" مقدمًا خبره، والجملة في محل النصب صفة "لحبًّا".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حبًّا" وهو أنه منصوب بقوله: "يعجبه" من قبيل قولهم: أفرح الجذل، وفرحت جزلًا، وأحببته مقة؛ لأن في معنى الإعجاب معنى المحبة، ويجوز أن يكون حبًّا منصوبًا بفعل محذوف تقديره: يحب ذلك حبًّا، ودلَّ على يُحِبّ المحذوف قوله:"يعجبه"؛ لأن كل معجب محبوب فافهم

(6)

.

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 113).

(2)

ابن الناظم (102).

(3)

البيتان من بحر الرجز المشطور، وهما في ملحق ديوان رؤبة بن العجاج (173)، وقبلها، وهو شاهد أيضًا، وهو ضمن شواهد هذا الكتاب برقم (83):

نُبِّئتُ أَخْوَالِي بَنِي يَزِيدُ

ظُلْمًا عَلَيْنَا لَهُمْ فَدِيدُ

وانظر بيت الشاهد في ابن يعيش (1/ 112)، واللمع في العربية (133)، وحاشية الصبان (2/ 113)، وأمالي ابن الشجري (2/ 141).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

هذا كلام غير صحيح، فكلمة ما نافية، والجملة في محل نصب صفة لحبًّا كما قال.

(6)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 113).

ص: 1040

‌الشاهد الثالث والأربعون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

يَمُرُّونَ بالدهْنَا خِفافًا عِيَابُهُمْ

وَيَخْرجْنَ من دَارِيْنِ بُجْرَ الحَقَائِبِ

على حينَ أَلْهَى النَّاسَ جُلُّ أمورهِمْ

فندْلًا زُرَيْقُ المال نَدْلَ الثَّعَالِبِ

أقول: قائل هذين البيتين هو الأحوص، وهو محمد بن عبد الله بن عاصم الأنصاري، وذكر في الحماسة البصرية أن قائلهما هو أعشى همدان يهجو بهما لصوصًا

(3)

.

وقال الجوهري: قال جرير يصف ركبًا: يمرون بالدهنا [إلى آخره

(4)

، والأظهر ما قاله في الحماسة.

وهما من الطويل.

قوله: "بالدهنا"]

(5)

بفتح الدال المهملة وسكون الهاء بعدها نون، يمد ويقصر وهاهنا بالقصر للضرورة، وهو موضع ببلاد تميم، قوله:"عيابهم" بكسر العين المهملة وبالياء آخر الحروف وبعد الألف باء موحدة، وهو جمع عيبة، وهو ما يجعل فيه الثياب، ومن هذا يقال: فلان عيبة فلان إذا كان موضع سِرِّهِ.

قوله: "من دارين" بفتح الدال المهملة وبعد الألف راء مكسورة، وهو موضع في البحر يؤتى منه الطيب

(6)

، قوله:"بجر الحقائب" بضم الباء الموحدة وسكون الجيم وفي آخره راء، وهو جمع بجراء وهي الممتلئة، والحقائب بالحاء المهملة والقاف وبعد الألف ياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة، وهو جمع حقيبة، وهي وعاء يجعل الرجل فيها زاده ويحتقبه الراكب خلفه في سفره.

قوله: "ألهى": من الإلهاء وهو الإشغال، وكل ما شغلك عن شيء فقد ألهاك، قوله:"فندلًا" من ندلت ندلًا -بالنون والدال المهملة، وهو الأخذ باليدين، ومنه اشتقاق المنديل، والندل -أيضًا- السرعة في السير.

قال البعلي: الندل: النقل والاختطاف وهو المراد هاهنا، ويقال: ندلت الدلو إذا أخرجتها من البئر

(7)

.

(1)

ابن الناظم (105)، وتوضيح المقاصد (2/ 82)، وأوضح المسالك (2/ 38)، وشرح ابن عقيل (2/ 178).

(2)

البيتان من بحر الطويل، وهما في وصف لصوص يخدعون الناس حتى يسرقوهم سريعًا، وقد اختلف في قائلهما على ما ذكر في الشرح، وانظرهما في ديوان الأحوص بشرح مجيد طراد (37)، والإنصاف (293)، والكتاب (1/ 115)، والأصول (1/ 116)، والخصائص (1/ 120)، وشرح الأشموني (2/ 116، 285)، والتصريح (1/ 331)، واللسان:"ندل"، والحماسة البصرية (2/ 262) وقد روي: ويخرجن مكان ويرجعن.

(3)

الحماسة البصرية (2/ 262).

(4)

الصحاح مادة: "ندل".

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

في (أ): بالطيب.

(7)

في القاموس: "ندل" ندل التمر من الجلة: غرت بكفه كتلًا وتناوله واختلسه.

ص: 1041

قوله: "زريق" بضم الزاي المعجمة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره قاف، وهو اسم قبيلة، وقال الرشاطي: هو زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن عضب بن جشم بن الخزرج، وهي قبيلة في الأنصار

(1)

، والنسبة إليه: زُرَقِيّ [وفي طيء -أيضًا- زريق]

(2)

بطن بن عبد الله بن جدعة

(3)

بن زهير بن ثعلبة بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء، وزريق: تصغير زَرق، وتصغير زُرق - أيضًا، وزرق العينين

(4)

: هو خضرة الحدقة، ورجل أزرق وامرأة زرقاء.

الإعراب:

قوله: "يمرون": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير الذي يرجع إلى التجار واللصوص

(5)

على ما ذكرنا من الاختلاف فيه، قوله:"بالدهنا" في محل النصب [على أنه]

(6)

مفعوله، قوله:"خفافًا" نصب على الحال، و "عيابهم" مرفوع به.

قوله: "ويخرجن": عطف على قوله: "يمرون" وإنما قال: يخرجن بنون جمع الإناث مع أن الضمير فيه يرجع إلى ما يرجع إليه الضمير الذي في "يمرون" على التأويل بالجماعة وهو غريب، قوله:"من دارين" يتعلق بقوله: يخرجن [قوله: "بجر الحقائب": كلام إضافي منصوب على الحال من الضمير الذي في: "يخرجن"]

(7)

.

قوله: "على حين" يروى بالإعراب والبناء، قوله:"ألهى الناس": جملة من الفعل والمفعول، وقوله:"جل أمورهم": كلام إضافي فاعل ألهى، قوله:"فندلًا": منصوب بفعل محذوف تقديره: اندل يا زريق ندلًا، "وزريقُ" منادى حذف حرف ندائه مبني على الضم.

قوله: "المال": منصوب بالفعل المحذوف -أعني: اندلي

(8)

، قوله:"ندل الثعالب": كلام إضافي منصوب بنزع الخافض، أي: كندل الثعالب، أي: كخطف الثعالب، وفي أمثال العرب: أخطف من ثعلب

(9)

، وفي الحقيقة هي صفة لقوله:"فندلًا"، أي: فاندل يا زريق ندلًا كندل الثعالب.

(1)

في (أ): وهي قبيلة في الأنصار.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

في (أ): جذيمة.

(4)

في (أ): العين.

(5)

في (أ): أو اللصوص.

(6)

و

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

انظر هذا مع قول الأشموني: المال منصوب بالمصدر لا بالفعل المحذوف على الأصل، شرح الأشموني (2/ 285).

(9)

في أمثال الميداني لم يوجد سوى: "أخطف من قْرلِي" برقم (1378) - (1/ 261)، مكتبة السنة المحمدية، تحقيق: محمد محيي الدين. ونقول: "إذا كان الفعل المقدر: اندل، فهر خطاب لزريق، وهو الرجل، وإذا كان اندلي فهو خطاب لزريق القبيلة.

ص: 1042

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فندلًا"؛ إذ التقدير فيه: اندلي ندلًا؛ كما ذكرنا، وهو من قبيل المصدر الذي يأتي بدلًا من اللفظ بفعله؛ كما في قوله تعالى:{فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] أي: فاضربوا

(1)

.

‌الشاهد الرابع والأربعون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

أَعَبْدًا حَلَّ فِي شُعَبَى غَرِيبًا

أَلُؤْمًا -لا أَبَا لَكَ- واغْتِرَابًا

أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وهو من قصيدة يهجو بها خالد بن يزيد الكندي، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

أخالدَ عادَ وعدُكُمُ خِلابًا

ومَنَّيْت المواعدَ والكذابَا

2 -

أخالدَ كان أهلُكَ لي صديقًا

فقدْ أمسَوْا بِحُبِّكُمْ حِرَابًا

3 -

بِنَفْسِي مَنْ أزورُ فَلا أَراهُ

ويَضْربُ دونه الخَدْمُ الحِجَابًا

4 -

أخالدَ لوْ سَألْتِ عَلِمْتِ أَنِّي

لَقِيتُ بحبكِ العجبَ العُجابَا

5 -

ستطْلُعُ مِنْ ذُرَى شُعَبَى قوافٍ

على الكِنْدِيِّ تلتهبُ التِهَابَا

6 -

أَعَبْدًا حَلَّ فيِ شُعَبَى غَرِيبًا

أَلُؤْمًا -لا أَبَا لَكَ- واغْتِرَابًا

7 -

ويومًا من فزارةَ مستجيرًا

ويومًا ناشِدًا حَلِفًا كِلابَا

(5)

8 -

إذا جهلَ اللئيمُ ولم يُقَدِّرْ

لبعضِ الأمرِ أوشك أن يُصَابَا

وهي طويلة من الوافر.

ويقال: كان السبب في قول هذا الشعر أنه لما هجا الراعي، فقال في هجائه

(6)

:

(1)

ينظر شرح الأشموني (2/ 116، 117).

(2)

ابن الناظم (105)، وأوضح المسالك (2/ 140).

(3)

البيت من بحر الوافر من قصيدة لجرير يهجو فيها العباس بن يزيد الكندي كما في الديوان (649)، ط. دار المعارف، على غير ما قاله العيني من أن اسمه خالد الكندي، والذي ألبس على العيني ذكره اسم خالد أول القصيدة؛ لكن المذكور أول القصيدة هو خالد مرخم خالدة على مؤنث، وقد خاطبها في البيت الثاني الذي تركه الشارح، وهو قوله:

ألم تتبيني كلفي ووحدي

غداة يرد أهلكم الركابا

وانظر بيت الشاهد في الكتاب (1/ 339)، والأغاني (8/ 21)، والخزانة (2/ 183) وشرح أبيات سيبويه (1/ 98)، وشرح التصريح (1/ 331).

(4)

ديوانه جرير (60) والأبيات غير متواليات، والبيت السادس وروى:"كلابًا" بدلًا من: "كذابا"، وديوان جرير بشرح محمد بن حبيب (649)، تحقيق د. نعمان محمد طه، ط. دار المعارف.

(5)

في (أ): ويومًا في .. . . . .

(6)

من الوافر ينظر ديوان جرير (60).

ص: 1043

1 -

إذا غضبت عليكَ بنو تميم

حَسِبْتَ الناسَ كلهمُ غِضَابَا

عارضه خالد بن يزيد الكندي، وكان مقيمًا بشعبى فقال يجاوبه

(1)

:

1 -

ألا رَغِمَتْ أُنُوفُ بَنِي تَمِيمٍ

فُسَاةِ التَّمْرِ إذْ كَانُوا غِضَابَا

2 -

لقَدْ غَضِبَتْ عَلَيَّ بَنُو تَمِيمٍ

فَمَا نَكَأَت بغَضْبَتِهَا ذبابَا

3 -

لَو اطّلَعَ الغُرَابُ عَلَى تَمِيمٍ

ومَا فيهَا مِنَ السّوْآتِ شَابَا

فقال جرير يهجوه بقوله:

أخَالِدٌ عَادَ وَعْدُكُمُ خِلابَا

......................... إلخ

1 -

قوله: "خلابًا" بكسر الخاء المعجمة، وهو الخديعة باللسان، يقال: خلبه يخلبه بالباء، وكذا اختلبه.

6 -

قوله: "شُعبى" بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة والباء الموحدة مقصور، اسم موضع، وألفه للتأنيث فلا ينصرف.

الإعراب:

قوله: "أعبدًا": منصوب على النداء، والتقدير: يا عبدًا، وقال النحاس: هو على وجهين: على النداء أو على أنه رآه في حال افتخار واجتراء، فقال: أتفخر عبدًا حَلَّ في شعبى غريبًا؟

فيكون عبدًا نصبًا على الحال

(2)

.

قوله: "حَلَّ": جملة وقعت صفة لعبد، و "في شعبى": يتعلق بحل، قوله:"غريبًا": حال من الضمير الذي في حَلَّ، "ألوُمًا" الهمزة للاستفهام على قصد التوبيخ، ولؤمًا: منصوب بفعل محذوف، أي: أتلؤم لؤمًا.

قوله: "لا أبا لك": معترض بين المعطوف والمعطوف عليه، ويذكر هذا تارة في المدح وتارة في الذم؛ كما يقال: لا أم لك، وقد يذكر في معرض التعجب دفعًا للعين كقولهم: لله درك!!

(3)

، وقد يذكر بمعنى: جِدَّ في أمرك وشمر؛ لأن من له أبي يتكل عليه في بعض شأنه، وقد تحذف اللام،

(1)

انظر الأبيات في خزانة الأدب (2/ 186)، وقد ذكر هناك أن القائل هو مهجو جرير العباس بن يزيد الكندي، وليس خالدًا كما ذكر العيني، وأما خالد في قصيدة جرير فهو مرخم خالدة.

(2)

قال سيبويه: "وقال جرير (البيت) يقول: أتلؤم لؤمًا وأتغترب اغترابًا، وحذفوا الفعلين في هذا الباب؛ لأنهم جعلوه بدلًا من اللفظ بالفعل، وهو كثير في كلام العرب وأما: أعبدًا فيكون على ضربين: إن شئت على النداء، وإن شئت على قوله: أتفتخر عبدًا ثم حذف الفعل". ينظر الكتاب (1/ 339).

(3)

في (ب): درك الله.

ص: 1044

ويقال: لا أباك بمعناه، قوله:"واغترابًا": عطف على قوله: "ألؤمًا"، والتقدير: تغترب اغترابًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ألؤمًا واغترابًا" حيث جاء المصدران فيهما بدلًا من اللفظ بالفعل، وهو من قبيل الطلب الذي هو استفهام.

‌الشاهد الخامس والأربعون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

فصبرًا في مَجَالِ المَوْت صَبْرًا

...........................

أقول: قائله هو قطري بن الفجاءة الخارجي، وتمامه:

................................

فمَا نَيْلُ الخُلُودِ بِمُسْتَطَاعِ

وهو من قصيدة عينية من الوافر، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

أقُولُ لَهَا وَقدْ طَارَتْ شَعَاعًا

منَ الأبْطَالِ وَيحَكِ لَنْ تُرَاعِي

2 -

فإنَّكِ لوْ سَألْتِ بَقاءَ يَومٍ

عَلَى الأجَلِ الذي لكِ لَمْ تُطَاعِي

3 -

فَصْبرًا في مَجَالِ الموَتِ صَبرًا

....................... إلخ

(4)

4 -

ولا ثَوبُ البَقَاءِ بِثوب عِزٍّ

فَيُطْوَى عن أخِي الخَنَعِ اليَرَاعِ

5 -

سَبِيلُ المَوتِ غَايَةُ كُلّ حَيّ

فَدَاعِيهِ لأهْلِ الأرْضِ دَاعِ

6 -

ومَنْ لا يُعتَبَطْ يَسأَمْ وَيَهرَمْ

وتُسْلِمْهُ المنُونُ إلَى انْقِطَاعِ

7 -

ومَا للمَرءِ خَيرٌ في حَياةٍ

إذا مَا عُدَّ مِنْ سَقَطِ المتَاعِ

1 -

قوله: "أقول لها" يعني للنفس، "شعاعًا" بفتح الشين؛ أي: متفرقًا وهذا مثل ومعناه المبالغة في الفزع، قوله:"من الأبطال": جمع بطل وهو الشجاع، قوله:"لن تراعي" من الروع وهو الفزع.

4 -

قوله: "عن أخي الخنع" بفتح الخاء المعجمة والنون وفي آخره عين مهملة، وأخو الخنع:

(1)

أوضح المسالك (2/ 39).

(2)

البيت من بحر الوافر من مقطوعة لقطري بن الفجاءة الخارجي، وهي في القتال والتحميس له، وهكذا شعر الخوارج عامة، وانظر بيت الشاهد في شرح الأشموني (2/ 117)، تخليص الشواهد (298)، والتصريح (1/ 331) والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (548).

(3)

انظر شعر الخوارج (108، 109)، جمع وتقديم د. إحسان عباس، الطبعة الثالثة، دار الثقافة، بيروت.

(4)

لم يشر إليه في النسختين: (أ، ب).

ص: 1045

الذليل، والخنوع: الذلة، و "اليراع" بفتح الياء آخر الحروف [والراء]

(1)

، وهي القصبة التي لا جوف لها، والرجل الذي لا جوف له جبان، فوضع اليراع مكان الجبان لأنه بمعناه.

6 -

قوله: "ومن لا يعتبط" بالعين المهملة؛ أي: [من]

(2)

لا يموت شابًّا [مات]

(3)

هرمًا ويسأم ما يعتريه من تكاليف الهرم.

الإعراب:

قوله: "فصبرًا" نصب بفعل محذوف تقديره: اصبري يا نفس صبرًا، فإن قلت: ما الفاء فيه؟

قلتُ: الفاء فيه تدخل في جواب الشرط، والتقدير: إذا لم تطاعي يا نفس في سؤالك بقاء يوم على الأجل الذي قدر لك، فاصبري في مجال الموت صبرًا، و "المجال" بفتح الميم؛ موضع من جال يجول جولًا وجولانًا، والجار. والمجرور يتعلق بالمحذوف، قوله:"صبرًا": تأكيد للصبر الأول.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فصبرًا"

(4)

؛ حيث حذف منه فعله وهو الطلب، وقد علم أن المصدر يقوم مقام فعله ويمتنع ذكره معه، ولكن ابن عصفور خصَّ ذلك فيما إذا كان مكررًا، واحتج على ذلك بالبيت المذكور، فكأن التكرير يغني عن ذكر فعله فيمنع

(5)

ذكره، بخلاف ما إذا لم يكن مكررًا حيث لا يمنع ذكر فعله معه

(6)

. فافهم، والله أعلم.

‌الشاهد السادس والأربعون بعد الأربعمائة

(7)

،

(8)

ما إِنْ يَمُسُّ الأرضَ إلا مَنْكبٌ

منه وحرفُ الساقِ طيّ المِحْمَلِ

أقول: قائله هو أبو كبير الهذلي، واسمه عامر بن الحليس الحوفي أحد بني سعد من هذيل ثم

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

و

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

في (ب): صبرًا.

(5)

في (أ): فيمتنع.

(6)

انظر رأي ابن عصفور في التصريح (1/ 331)، وشرح الأشموني (2/ 117).

(7)

أوضح المسالك (2/ 42).

(8)

البيت من قصيدة طويلة لأبي كبير الهذلي، ديوان الهذليين (2/ 88)، يتحدث فيها عن شجاعته وشجاعة فرسه، وبيت الشاهد في وصف فرسه، وفي القصيدة أيضًا يتحدث عن تأبط شرًّا ابن زوجته، ومنها البيت المشهور:

فَأَتَتْ بِهِ حُوشَ الفُؤَادِ مُبطِّنًا

سُهْدًا إِذَا مَا نَامَ لَيْلُ الهَوْجَلِ

وهو الشاهد رقم (618) من شواهد هذا الكتاب، وانظر بيت الشاهد في الكتاب (1/ 359)، والإنصاف (230)، والمقتضب (3/ 203، 232)، والخزانة (8/ 194)، وشرح أبيات سيبويه للسيرافي (1/ 214)، (1/ 324)، وشرح التصريح (1/ 334).

ص: 1046

أحد بني حرب، شاعر جاهلي.

وهو من قصيدة طويلة من الكامل، وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

أزُهَيْرُ هلْ عَنْ شَيْبَةٍ مِنْ مَعْدَلٍ

أمْ لا سبيلَ إلى الشَّبابِ الأوَّلِ؟

2 -

أمْ لَا سبيلَ إلى الشبابِ وذكرُهُ

أشْهَى إِلَيَّ من الرحيقِ السَّلْسَلِ

3 -

ذَهَبَ الشَّبَابُ وفَاتَ مِنِّي مَا مَضَى

ونَضَا زُهَيرُ كَرِيهَتِي وتَبَطُّلِي

4 -

وصحَوْتُ عن ذِكرِ الغَوَانِي وانْتَهَى

عُمْرِي وأَنْكَرْتُ الغَدَاةَ تُقَتلي

5 -

أزُهَيْرُ إنْ يَشِبْ القَذَالُ فإنَّهُ

رُبَّ هَيْضَلٍ مَرِسٍ لَفَفْتُ بِهَيضَلِ

6 -

وإذَا قَذَفْتَ له الحَصَاةَ رَأيْتَهُ

ينْزُو لوَقْعَتِهَا طَمُورَ الأخْيَلِ

7 -

ما إِنْ يَمَسُّ الأرضَ إلا مَنْكِبٌ

منه وحَرْفُ السَّاقِ طَيَّ المِحْمَلِ

1 -

قوله: "أزُهَيْرُ" يريد: زهيرة بنته، وهو منادى مرخم، قوله:"مَعْدل" أي: انعدال.

2 -

قوله: "من الرحيق" أي: الخمر، و "السلسل": العذب، وكذلك السلسال.

3 -

قوله: "ونَضا" أي: انسلخ ومضى، قوله:"زهير" يعني: يا زهيرة، قوله:"كريهتي" أي قوتي وشدتي على الكريهة، قوله:"وتبطلي"[أي: شجاعتي]

(2)

من البطل وهو الشجاع.

4 -

قوله: "الغواني": جمع غانية وهي التي غنيت بجمالها، قوله:"تقتلي" بالقاف والتاء؛ أي: تغنجي وتكسري.

5 -

قوله: "القذال" بفتح القاف، وهو ما بين نقرة القفا وأعلى الأذن، قوله:"رب هيضل" بتخفيف الباء للضرورة، وهو لغة أيضًا في التشديد

(3)

، والهيضل: الجماعة، و"المرس" بفتح الميم وكسر الراء وفي آخره سين مهملة، وهو الشديد، قوله:"لففت بهيضل" أي: جمحت بينهم في القتل، قوله:"وإذا قذفت" ويروى: وإذا طرحت، والضمير في له

(4)

يرجع إلى فرسه الذي يمدحه.

6 -

قوله: "يَثِبُ"

(5)

أراد أنه ينزو من النشاط ولا يقوم متبطئًا كسلان، قوله:"لوقعتها" أي: لوقوعها، قوله:"طمور الأخيل" أي: وثوب الأخيل

(6)

وهو الشقراق، وهو طائر سريع الوثوب.

7 -

قوله: "ما إن يمس الأرض إلا منكب" يصفه بخماصة البطن، يعني: إذا اضطجع لم

(1)

انظر القصيدة كلها في ديوان الهذليين، ط. دار الكتب، القسم الثاني (88، 1955)، وشرح شواهد المغني (227).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر اللسان مادة: "ربب".

(4)

في (ب): قوله.

(5)

أثبتناها في القصيدة: ينزو، وهو المشهور.

(6)

ما في النسخة (أ) هو الأخيل بالياء المثناة.

ص: 1047

يندلق، بطه إنما يمس منكبه

(1)

الأرض وهو خميص البطن، قوله:"طي المحمل" أراد أنه مدمج الخلق كطي المحمل يعني: حمائل السيف، وهو بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الميم الثانية، قال الجوهري: المحمل مثال المرجل: عِلاقَةُ السَّيْفِ

(2)

.

الإعراب:

قوله: "ما" للنفي وبطل عملها لدخول إلا، وكلمة "إن" زائدة للتوكيد؛ كما في قوله:"وما إن طبن جُبْنَ" وقوله: "يمس": فعل مضارع، و "الأرض" مفعوله، و "منكب" فاعله، قوله:"منه" في محل الرفع على أنه صفة [لمنكب]

(3)

، قوله:"وحرف الساق" كلام إضافي مرفوع؛ لأنه عطف على منكب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "طي المحمل" حيث نصب بتقدير: يطوي طي المحمل

(4)

، والله أعلم.

‌الشاهد السابع والأربعون بعد الأربعمائة

(5)

،

(6)

ألمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ لَيْلَةَ أَرْمَدَا

............................

أقول: قائله هو [الأعشى]

(7)

أعشى بني قيس، واسمه: ميمون بن قيس، وتمامه

(8)

:

.............................

وبِتَّ كما باتَ السَّليمُ مُسَهَّدًا

وهو من قصيدة قالها الأعشى في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان خرج إليه في الهدنة التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش في صلح الحديبية يريد الإسلام؛ فبدأ بمكة، فلقيه أبو سفيان، فسأله عن وجهه الذي يريد، فقال: أريد محمدًا، قال: إنه يحرم عليك خصالًا كلها لك موافق.

قال: ما هي؟

قال: الخمر والزنا والقمار.

(1)

في (أ): منكبيه.

(2)

الصحاح مادة: "حمل".

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ينظر الكتاب (1/ 359، 360).

(5)

توضيح المقاصد (2/ 79).

(6)

البيت من بحر الطويل، وهو مطلع قصيدة طويلة كتبها الأعشى في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم لينشدها أمامه، يعلن إسلامه، لكن الأحداث سارت على غير ما يرغب؛ كما ذكر الشارح، وانظر بيت الشاهد في: الخصائص (3/ 322)، والدرر (3/ 61)، وابن يعيش (10/ 102)، والمحتسب (2/ 121)، والمغني (576)، والمنصف (3/ 8)، والهمع (1/ 188)، والخزانة (163)، وشرح الأشموني (2/ 114)، وديوان الأعشى (100).

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

ديوان الأعشى (100).

ص: 1048

قال: أما الزنا فقد تركني ولم أتركه، وأما الخمر فقد قضيت منها وطرًا، وأما القمار فلعلي أصيب منه خلفًا.

فقال له أبو سفيان: هل لك إلى خير من هذا؟، قال: بيننا وبينه هدنة، فترجع عامك وتأخذ مائة ناقة حمراء، فإن ظفرنا به كنت قد أصبت عوضًا عن رحلتك، وإن ظفر هو

(1)

أتيته حينئذ.

وانطلق به أبو سفيان إلى منزله وجمع أصحابه، وقال: هذا إلأعشى قد عرفتم شعره، ولئن وصل إلى محمد لتصيّرنّ عليكم العرب بشعره، فجمعوا له مائة ناقة وانصرف إلى أهله، فلما كان بقاع منفوحة قرية من قرى اليمن رمى به بعيره فقتله.

وذكر محمد بن حبيب في شرح شعر الأعشى

(2)

، وقال: سمع الأعشى قراءة الكتب وأقبل حتى أتى مكة، وقال هذا الشعر -أعني: القصيدة التي يأتي ذكرها الآن، يمتدح ظهور النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل على عتبة بن ربيعة، فسمع به أبو جهل فأتاه في فتية من قريش، وأهدى إليه هدية، ثم سأله: ما جاء بك؟

قال: [جئت]

(3)

إلى محمد صلى الله عليه وسلم لأني كنت سمعت الكتب لأنظر ماذا يقول؟ وما يدعو إليه؟، فقال له أبو جهل: إنه يحرم عليك الأطيبين: الخمر والزنا.

فقال: لقد كبرت وما لي في الزنا [حاجة]

(4)

، وأما الخمر، فقد أصبت منها غرضي، فجعلوا يحدثونه أسوأ ما يكون من الكلام والفعل، ثم قالوا: أنشدنا ما قلت فيه، فأنشدهم هذه القصيدة، فلما فرغ منها قالوا له: لو أنشدتَه هذا لم يقبله منك، فلم يزالوا به حتى صدوه، فخرج من فوره ذلك فأتى اليمامة، فقال: أتركه عامي هذا، فمكث زمنًا يسيرًا، فمات باليمامة، وهذه هي القصيدة

(5)

:

1 -

ألمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ لَيْلَةَ أَرْمَدَا

وبِتَّ كما باتَ السَّليمُ مُسَهَّدًا

2 -

ومَا ذاكَ مِن عشقِ النساءِ وإنمَا

تناسَيْتَ بعدَ اليومِ خُلَّةَ مَهْددَا

(6)

(1)

في (أ): وإن ظفر هو.

(2)

هو خبر عن حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري فيما روياه عن عمر بن شبّة عن هشام بن القاسم الغنوي العلامة بأمر الأعشى. ينظر الأغاني (9/ 147، 148)، شرح: عبدأ علي مهنا، ط. ثانية (1992 م).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

انظر القصيدة في ديوان الأعشى (100)، تقديم وشرح د. حنا الحتي، و (171) تعليق وشرح د. محمد محمد حسين، المكتب الشرقي، بيروت.

(6)

روايته في الديوان:

وَمَا ذَاكَ مِنْ عِشْقِ النّسَاءِ وإنمَا

تِنَاسَيْت قَبْلَ اليوم خلة مهددا

ص: 1049

3 -

ولكن أرَى الدهرَ الذي هو خاترٌ

إذا أصلحتْ كَفَّايَ عادَ فأفْسَدَا

4 -

شبابٌ وشَيْبٌ وافتقَارٌ وثروةٌ

فَللَّه هذا الدهرُ كيفَ تَرَدَّدَا

5 -

وما زلتُ أبْغِي المال مذْ كنتُ يافعًا

وَلِيدًا وكَهْلًا حينَ شِبْتُ وأمردَا

(1)

6 -

بِإِتْعَابِي العِيسَ المَراسيلَ تَعْتَدِي

مسافةَ ما بينَ النَّجِيرِ فصَرْخَدَا

(2)

7 -

فإنْ تَسْألِي عني فيا رُبَّ سائلٍ

حَفِيٌّ عن الأعشَى به حيثُ أصْعَدَا

8 -

ألا أيُّهذا السَّائلِي أينَ يَمَّمَتْ

فإنَّ لهَا في أهْلِ يثربَ موعدَا

9 -

فأمَّا إذا ما أَدْلَجَتْ فَتَرَى لها

رَقِيبَيِنْ جَدْيًا لا يَغِيبُ وَفَرْقَدَا

10 -

وفيها إِذا ما هَجَّرَتْ عَجْرَفِيَّةٌ

إذا خِلْتَ حِرْبَاءَ الظَّهِيرَةِ أَصْيَدَا

11 -

وأذْرَتْ برِجْلَيْهَا النفيَ وراجَعَتْ

يداها خِنَافًا لَيِّنًا غيرَ أحْرَدَا

12 -

فما لك عندِي مُشتَكَى مِنْ كَلالةٍ

ولا مِنْ حَفًى حتَّى تُلاقِي محمدَا

13 -

نَبِيًّا يرَى ما لا تروْنَ وقولُهُ

أَغَارَ لَعَمْرِي في البلادِ وأنْجَدَا

14 -

متَى ما تُنَاخِي عندَ بابِ ابنِ هاشِمٍ

تُرِيحِي وَتَلْقَى مِنْ فوَاضِلِهِ ندى

15 -

لهُ صدقاتٌ ما تُغِبُّ ونائلٌ

وليسَ عطاءُ اليومِ مانعَهُ غدَا

16 -

أجِدَّكَ لمْ تَسْمَعْ وَصَاةَ محمدٍ

نبيِّ الإِلهِ حينَ أَوْصَى وأشهدَا

17 -

إذا أنتَ لمْ تَرْحَلْ بزادٍ منَ التُّقَى

ولاقيتَ بعدَ اليومِ مَنْ قدْ تَزَوَّدَا

18 -

ندمتَ على أنْ لا تكونَ كمثلِهِ

وأنكَ لَمْ تَرْصُدْ لِما كانَ أرْصَدَا

19 -

فإيَّاكَ والميْتاتِ لا تُطعِمَنَّهَا

ولا تأخُذَنْ سهمًا حَدِيدًا لِتَفْصِدَا

20 -

ولَا النُّصُبَ الْمَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّهُ

لِعَاقِبَةٍ واللَّه ربُّك فاعبدَا

21 -

وصَلِّ على حِيِن العشِيَّاتِ والضُّحَى

ولا تَحْمَدِ الشيطَانَ واللهَ فاحْمِدَا

22 -

ولَا السَّائِلَ المَحْرومَ لا تتْرُكَنَّهُ

لِعَاقِبَةٍ ولا الأسيرَ المقُيَّدَا

23 -

ولا تسْخَرَنَّ مِنْ بائِسٍ ذي ضرارةِ

ولا تَحْسَبَنَّ المرءَ يومًا مخلَّدَا

24 -

ولا تَقْرَبَنَّ جارةً إنَّ سِرَّهَا

عليكَ حرامٌ فانكِحَنْ أوْ تأبَّدَا

(1)

روايته في الديوان:

وَمَا زِلْتُ أَبْغِي المال مَذت أَنَا يَافعٌ

.....................

(2)

روايته في الديوان:

وَأَبْتَذِلُ العِيْسَ المرَاقِيْلَ ........

.............................

ص: 1050

وهي من الطويل وفيها القبض.

1 -

قوله: "ألم تغتمض" أي: ألم تنم، يقال: ما ذقت غمضًا من النوم ولا إغماضًا، قال محمد بن حبيب رحمه الله ويروى:

ألم تغتمض عيناك ليلك أرمدا

............................

والأرمد هو نفسه، قوله:"السليم" بفتح السين المهملة، وهو اللديغ، و "المسهد" بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد الهاء المفتوحة، هو السهر الذي لا ينام لئلا يدب السم فيه.

2 -

قوله: "خلة مهددا" الخلة بضم الخاء المعجمة [وتشديد اللام]

(1)

، وهي الصداقة، يقال: فلان خلتي، وفلانة خلتي، يعني: خليلي، و "مَهددَا" بفتح الميم: اسم امرأة، وقيل: إن الميم من نفس الكلمة.

3 -

قوله: "خاتر" أي: غادر؛ من الختر وهو الغدر، ومنه قوله تعالى:{كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان: 32]، ويروى: خاين من الخيانة.

4 -

قوله: "شباب إلخ" يريد: هذه أحوال الدهر وتصرفه، فللَّه كيف يتصرف!؟ وهذا التعجب منه.

5 -

قوله: "يافعًا" بالياء آخر الحروف [والفاء، واليافع: فوق المحتلم، والوليد الصبي.

6 -

قوله: "العيس" بكسر العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف]

(2)

، وفي آخره سين مهملة، وهي البيض من الإبل الصفر الأطراف، وهي ضرب من النجائب، وواحدتها عيساء، و "المراسيل" جمع مرسال، وهي الناقة السهلة السير، قوله:"تعتدي": من الاعتداء وهي المسارعة، قوله:"والنجير" بضم النون وفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء وهو حصن باليمن لقيس بن معدي كرب، ومنه أخذ الأشعث بن قيسر مرثدًا، و "صرخد": قلعة بالشام مشهورة.

7 -

قوله: "حفي" بالحاء المهملة والفاء، هو المبالغ في السؤال، قوله:"حيث أصعدا" من الإصعاد وهو إتيانه مكة؛ لأن مكة تهامية وهي أعلى نجد.

8 -

و "يثرب" هي المدينة.

9 -

قوله: "أدلجت": من الادّلاج وهو سير الليل أجمع، والإدلاج: سير آخر الليل، فأخبر أنها تسير بالفرقدين والجدي وهي مطالع القمر ومنازله.

10 -

قوله: "هجّرت" بالتشديد، أي: سارت في الهاجرة حين تضعف الإبل ويقل فيها

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1051

النشاط، "والعجرفية": النشاط، و"الحرباء" بكسر الحاء المهملة؛ دويبة؛ كالعظاءة

(1)

ونحوها إذا اشتد الحر صعدت على جدل فواجهت الشمس حين تغرب، و"الأصيد": البعير الذي به صيد وهو قروح بالمنخرين

(2)

لا يكاد يضع رأسه.

11 -

قوله: "وأذرت برجليها النفيّ" يقال: أذريت الشيء إذا لقيته كإلقائك الحب للزرع، وطعنه فأذراه عن ظهر دابته، أي: ألقاه، والنفيّ بفتح النون وكسر الفاء وتشديد الياء [آخر الحروف]

(3)

، وهو ما تطاير من الحصى من قوائمها، قوله:"خنافًا" بكسر الخاء المعجمة وبالنون وبعد الألف فاء، وهو سرعة قلبها يديها إلى وحشيها، وقال الجوهري: الخناف: لين في أرساغ البعير، تقول منه: خنف البعير يخنف خنافًا إذا سار فقلب خف يديه إلى وحشيه، وناقة خنوف، قال الأعشى: وأنشد البيت المذكور

(4)

.

قوله: "أحردا" بالحاء المهملة؛ من الحرد، وهو جسوء يكون في اليدين إذا مشى، فإذا كان الحرد بيد واحدة لم يستو حمله، وإذا كان بيديه جميعًا استوى حمله، و"الجسوء" بضم الجيم والسين المهملة وفي آخره همزة، يقال: جسأت يده من العمل تجسأ جسًأ وجسوءًا إذا صلبت.

12 -

قوله: "من كلالة" أي: من في في السير.

13 -

قوله: "أغار" أي: صار إلى الغور، و"أنجد" أي: صار إلى النجد.

14 -

قوله: "تريحي" أي: تستريحي، يقال: أراح واستراح بمعنى واحد، قوله:"من فواضله": جمع فاضلة وهي الإحسان والإنعام، قوله:"ندا"

(5)

بفتح النون وهو العطاء.

15 -

قوله: "ما تُغِبّ" بضم التاء وكسر الغين المعجمة وفي آخره باء موحدة، يقال: فلان لا يغبنا عطاؤه؛ أي: لا يأتينا يومًا دون يوم، بل يأتينا كل يوم.

16 -

قوله: "أجدك" معناه: أبجد منك هذا، ونصبها بطرح الباء، قال أبو عمرو: ومعناه ما لك أجدُّا منك؟ ونصبها على المصدر

(6)

.

23 -

قوله: "ابن بائس" أي: فقير ذي ضرارة، أي: حاجة.

24 -

قوله: "إِنَّ سرها" أي: جماعها، قوله:"أو تأبدا": من التأبيد وهو التغرب، ومنه قيل للوحش: أوابد لتأبدها.

(1)

في (أ): كالغضاة.

(2)

في (أ): في المنخرين.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

الصحاح مادة: "خنف".

(5)

في (أ): نداء.

(6)

الصحاح مادة: "جدد".

ص: 1052

الإعراب:

قوله: "ألم تغتمض" الهمزة للاستفهام على وجه التقرير و "عيناك": كلام إضافي فاعل تغتمض، والخطاب فيه لنفسه يدل عليه البيت الثاني، قوله:"ليلة": نصب بالنيابة عن المصدر على ما يجيء [الآن]

(1)

- إن شاء الله تعالى -.

قوله: "أرمدَا": صفة لموصوف محذوف، أي: مثل اغتماض رجل أرمد، وأصله: ليلة أرمدِ بجر الأرمد للإضافة، ولكن نصب للضرورة ليوافق مسهدًا في الشطر الثاني، والبيت مصرع، وقد يتغير الإعراب عن وجهه في الشعر كثيرًا.

قوله: "وبت" جملة من الفعل والفاعل، [قوله: "]

(2)

كما بات": الكاف للتشبيه وما مصدرية أي: كبيتوتة السليم مسهدًا، أي: نائمًا؛ فإنه لا ينام إلا اغتماضًا، وانتصاب "مسهدًا" على الحال.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ليلة أرمد" حيث نصب ليلة النيابة عن المصدر، والتقدير: اغتماضًا مثل اغتماض ليلة الأرمد، وليس انتصابها على الظرت، ونحوه قول الشاعر

(3)

:

وطَعْنَة مُسْتَنْبِلٍ ثَائِرٍ

تَرُدُّ الكَتيبَةَ نِصْفَ النَّهَارِ

فإنه لا يجوز نصب نصف النهار على الظرف بل على المصدر، تقديره: ردًّا مقدار رد نصف النهار، فافهم، والله أعلم

(4)

.

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

البيت من بحر المتقارب، وقد نسب لسبرة بن عمرو الفقعسي في نوادر أبي زيد (155)، وانظره في المحتسب (2/ 122)، والخصائص (3/ 322)، وقد روي في مراجعه:"مستبسل" بدلًا من مستنبل، والمسنتثل: الذي يستخرج النبل من الكنانة فينثرها.

(4)

قال ابن مالك: "وقد يقام مقام المصدر المبين زمان مضاف إليه المصدر تقديرًا كقول الشاعر: (البيت) أراد: ألم تغتمض عيناك اغتماض ليلة أرمد فحذف المصدر وأقام الزمان مقامه". شرح التسهيل لابن مالك (2/ 182).

ص: 1053

‌شواهد المفعول له

‌الشاهد الثامن والأربعون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

فجئتُ وقدْ نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا

لدَى السِّتْرِ إلا لِبْسَةَ المُتَفَضِّلِ

أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها

(3)

:

قِفَا نبكِ منْ ذِكرَى حبيبٍ ومنزلٍ

...................................

وهي تناهز ثمانين بيتًا وقد سقناها بتمامها فيما مضى، وهي من الطويل.

قوله: "نضت": من نضيت ثوبي إذا ألقيته عنك، قوله:"لدى الستر" أي: عند الستارة، و"المتفضل" الذي يبقى في ثوب واحد، وقال ابن فارس: المتفضل: المتوشح بثوبه، والفُضُل بضمتين؛ الذي عليه قميص ورداء وليس عليه إزار ولا سراويل

(4)

.

والمعنى: جئت إليها في حالة قد ألقت ثيابها من جسدها؛ لأجل النوم ولم يبق عليها إلا لبس المتفضل، وهو الثوب الواحد الذي يتوشح به.

(1)

أوضح المسالك (2/ 44) والعيني لم ينسبه إلى قائله من شراح الألفية.

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو من معلقة امرئ القيس المشهررة التي كثر شواهدها في النحو والبلاغة، ولا عجب فهي من أقدم الشعر وأبلغه، وانظر بيت الشاهد في المقرب (1/ 161)، ورصف المباني (223)، وشرح عمدة الحافظ (453)، واللسان:"نضا"، وشرح شذور الذهب (297)، وشرح قطر الندى (227)، والتصريح (1/ 326)، والهمع (1/ 194)، والأشموني (2/ 124).

(3)

انظر ديوان امرئ القيس (8)، ط. دار المعارف، بتحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، و (110) وما بعدها، ط. دار الكتب العلمية.

(4)

المجمل مادة: "فضل".

ص: 1054

الإعراب:

[قوله: "]

(1)

فجئت": الفاء عطف على ما قبله، و "جئت": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "وقد نضت": جملة وقعت حالًا، أي: والحال أنها قد ألقت لأجل النوم ثيابها، قوله: "لنوم"

(2)

اللام للتعليل، "وثيابها" كلام إضافي نصب على أنه مفعول لقوله:"نضت"، قوله:"لدى الستر" كلام إضافي نصب على الظرف، قوله:"إلا": استثناء من قوله: "وقد نفحت لنوم ثيابها" [وقوله: "لبسة المتفضل": كلام إضافي منصوب على الاستثناء.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لنوم" حيث أبرزت فيه لام التعليل؛ وذلك لأن النوم لم يقارن نضوها ثيابها]

(3)

، وقد علم أن من جملة شروط انتصاب المفعول له باللام المقدرة: أن يكون المفعول له والعامل فيه في زمان واحد؛ لأن العلة حقها المقارنة، فإن كانا في زمانين لم يجز النصب وتعين الجر بإظهار اللام، والله تعالى أعلم

(4)

.

‌الشاهد التاسع والأربعون بعد الأربعمائة

(5)

،

(6)

وإنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ

كَمَا انْتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ

أقول: قائله هو أبو صخر

(7)

الهذلى، [وهو]

(8)

من قصيدة رائية من الطويل، وأولها هو قوله

(9)

:

1 -

عَجبتُ لسَعْيِ الدَّهْرِ بَينِي وبينَها

فلمَّا انقضَى ما بَينَنَا سكَنَ الدَّهْرُ

2 -

فيا حبَّها زِدْني جَوَى كُلَّ لَيلَةٍ

ويا سَلْوةَ الأيَّامِ موعِدُكِ الحشرُ

3 -

ويا هَجْرَ لَيلَى قد بَلَغتَ بِيَ المدا

وزِدتَ عَلَى ما لَيسَ يَبلُغُهُ الهَجْرُ

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): لدى.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 196).

(5)

أوضح المسالك ومعه مصباح السالك (2/ 200).

(6)

البيت من قصيدة طويلة لأبي صخر الهذلي في الغزل الرقيق الجميل، وهو في شرح أشعار الهذليين (2/ 957)، وانظر بيت الشاهد في المقرب (1/ 162)، وشرح المقرب (2/ 560، 725)، والإنصاف (253)، والخزانة (3/ 254)، والدرر (3/ 79)، وشرح التصريح (1/ 336)، وابن يعيش (2/ 76)، والأشموني (2/ 124).

(7)

هو عبد الله بن سلمة من شعراء الدولة الأموية، كان متعصبًا لبني مروان مادحًا إياهم، الخزانة (3/ 261).

(8)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(9)

ينظر القصيدة كلها في الأغاني (5/ 169)، والخزانة (3/ 254)، وديوان الهذليين (2/ 957).

ص: 1055

4 -

هَجَرتُكِ حَتَّى قِيلَ لا يَعرِفَ الهَوَى

وزُرتُكِ حَتَّى قيلَ ليسَ لهُ صَبرُ

5 -

أمَّا والذِي أبْكَى وأضْحَكَ والذي

أمَاتَ وأحْيَا والذِي أمْرُه الأمْرُ

6 -

لقد تَرَكَتْنِي أحْسُدُ الوَحْشَ إذ أرَى

أَلِيفَيْنِ مِنهَا لا يَرُوعُهُمَا الذُّعْرُ

قوله: "لتعروني": من عراه الشيء يعروه إذا غشيه، قوله:"لذكراك" بكسر الذال العجمة أي: لذكرك، قوله:"هزة" بفتح الهاء وتشديد الزاي المعجمة، أي: رعدة، ويروى: فترة، قوله:"القطر" أي: المطر.

الإعراب:

قوله: "وإني" الواو للعطف، وإن: حرف من الحروف المشبهة بالفعل، والضمير المتصل به اسمه، و"لتعروني" خبره، واللام فيه للتأكيد، وهي جملة من الفعل والمفعول، وقوله:"هزة" بالرفع فاعله، قوله:"لذكراك" متعلق بقوله: "لتعروني" و "الذكرى": مصدر مضاف إلى مفعوله، والفاعل محذوف تقديره: لذكراي إياك.

قوله: "كما" الكاف للتشبيه، وما مصدرية، والتقدير: كانتفاض العصفور، قوله:"بللَّه القطر": جملة من الفعل والمفعول والفاعل وقعت حالًا من العصفور بتقدير: قد؛ كما في قوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] أي: قد حصرت، والتقدير: قد بلله القطر.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لذكراك" فإن اللام فيه للتعليل، وهي في مقام المفعول له، وإنما ظهرت اللام فيه لعدم بعض شروط النصب باللام المقدرة وهي: اتحاده بالفاعل، وذلك لأن قوله:"لذكراك" فاعله المتكلم، وفاعل:"تعروني" هو قوله: "هزة"، ونحو ذلك قولك:"جئتك لأمرك إياي". والله تعالى أعلم

(1)

.

‌الشاهد الخمسون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

لا أقْعُدُ الجُبْنَ عن الهَيجَاء

وإنْ تَوالتْ زُمَرُ الأَعْدَاءِ

أقول: هذا رجز راجز لم أقف على اسمه.

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 196)، وشرح التصريح (1/ 336).

(2)

ابن الناظم (107)، وتوضيح المقاصد (2/ 88)، وأوضح المسالك (2/ 46)، وشرح ابن عقيل (2/ 187).

(3)

البيت من بحر الرجز المشطور، وهو غير معلوم القائل في الأشموني (2/ 125)، والدرر (3/ 79)، وشرح التصريح (1/ 336)، وشرح عمدة الحافظ (398) والهمع (1/ 195)، والبيت يروى:"ولو توالت" بدلًا من: "وإن توالت".

ص: 1056

قوله: "الجُبن" بضم الجيم وسكون الباء الموحدة وفي آخره نون، وهو الخوف والفزع، وأما:"الجبنّ" بتشديد النون فهو الذي يعمل من اللبن

(1)

، [قوله:"عن الهيجاء" بفتح الهاء وهي الحرب يمد ويقصر وهنا ممدودة]

(2)

قوله: "ولو توالت" أي: ولو تتابعت وتكاثرت، و"زمر الأعداء" أي: جماعتهم، والزمر -بضم الزاي وفتح الميم: جمع زمرة.

الإعراب:

قوله: "لا أقعد": جملة منفية مركبة من الفعل والفاعل وهو أنا المستتر فيه: قوله: "الجبن": نصب على التعليل، قوله:"عن الهيجاء" متعلق بقوله: "لا أقعد"، قوله:"ولو توالت" واصل بما قبله، وتوالت فعل ماض، وقوله:"زمر الأعداء" كلام إضافي فاعله.

فإن قلت: أين جواب لو؟

قلت: لو هذه استغنت عن الجواب لدلالة سياق الكلام عليه؛ إذ التقدير: لو توالت زمر الأعداء لا أقعد؛ فاستغنى عن إظهاره لدلالة سياق الكلام عليه

(3)

، فافهم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "الجبن" حيث جاء بالألف واللام وهو نصب على أنه مفعول له وهو قليل، والأكثر أن يكون خاليًا عن الألف واللام

(4)

.

‌الشاهد الحادي والخمسون بعد الأربعمائة

(5)

،

(6)

مَنْ أَمَّكُم لِرَغْبَةٍ فيكُمْ ظَفِرْ

.............................

أقول: هذا -أيضًا- رجز لم أقف على اسم قائله وتمامه:

..............................

ومَنْ تكُونُوا ناصِرِيهِ ينْتَصرْ

المعنى: من قصدكم لأجل رغبة في إحسانكم فقد ظفر بمقصوده، ومن تكونوا أنتم تنصرونه فقد انتصر على عدوه.

(1)

تشديد النون التي حكاها الشارح لغة من ثلاث، فأما الأولى فهي بضم الجيم وتسكين الباء، وهي مشهورة، وأما الثانية فبضم الجيم والباء وتخفيف النون.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

في (أ): ما تقدم عليه.

(4)

ينظر شرح التصريح بمضمون التوضيح (1/ 336).

(5)

أوضح المسالك (2/ 47).

(6)

البيت من بحر الرجز، وهو مجهول القائل في شرح التصريح (1/ 336)، وشرح عمدة الحافظ (399)، والارتشاف (2/ 223)، وشرح الأشموني (2/ 124).

ص: 1057

الإعراب:

قوله: "من" موصولة متضمنة معنى الشرط، وقوله:"أمكم": جملة من الفعل والفاعل والمفعول صلة الموصول، وقوله:"لرغبة": أي: لأجل رغبة، وهو مفعول له [باللام الظاهرة، قوله:"فيكم": يتعلق بقوله: "لرغبة".

قوله: "ظفر" بكسر الفاء؛ خبر المبتدأ أعني قوله: "من"؛ فإنه]

(1)

في محل الرفع على الابتداء، وفي الحقيقة قوله:"ظفر": خبر لمبتدأ محذوف، والجملة خبر المبتدأ الأول تقديره: فهو ظفر، حذف المبتدأ مع الفاء التي تدخل الجواب.

قوله: "ومَن تكونوا" الكلام في مَن وخبره كالكلام في مَن الأولى، اسم كان مستتر فيه وهو أنتم

(2)

، و"ناصريه" كلام إضافي منصوب لأنه خبر كان، وقوله:"ينتصر": مجزوم لأنه جواب الشرط، وأصله [فهو]

(3)

ينتصر كما ذكرنا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لرغبة" فإنه مفعول له، [وقد برزت فيه اللام، وهذا حجة على من منع إبراز اللام عند استكمال الشروط في المفعول له]

(4)

، فهذا وإن كان جائزًا ولكن نصبه أرجح

(5)

.

‌الشاهد الثاني والخمسون بعد الأربعمائة

(6)

،

(7)

فليتَ لِي بِهمُ قوْمًا إِذَا رَكِبُوا

شَنُّوا الإِغَارَةَ فُرْسَانًا ورُكْبَانًا

أقول: قائله هو قريط بن أنيف من بلعنبر شاعر إسلامي، وهو من قصيدة

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

قوله: "اسم كان مستتر فيه، وهو أنتم، فيه تجاوز، فاسم كان هو ضمير واو الجماعة المتصل بالفعل، وأما تقديره: فهو ظفر، وهو ينتصر، من حذف المبتدأ مع الفاء، فهو أيضًا لا داعي له، فإن الباقي دون الحذف صالح للخبر وللجواب".

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ، ب): واستكملناه من النسخة التي ظهرت حديثًا بتحقيق: محمد باسل عيون السود (2/ 316)، وفيها نقل قول المصرح:"رغبة: مفعول له، وهو مجرد من أل، وجاء مجرورًا، وفيه رد على الجزولي في منعه الجر، والأكثر فيه أن يكون منصوبًا".

(5)

ينظر شرح التصريح بمضمون التوضيح (1/ 336)، وشرح عمدة الحافظ (397 - 399).

(6)

شرح ابن عقيل (2/ 189).

(7)

البيت من بحر البسيط، ذكر الشارح قائله، ومناسبته، وانظر بيت الشاهد في مغني اللبيب (1/ 104)، وشرح شواهد المغني (69)، واللسان مادة:"ركب"، والهمع (2/ 21)، والجنى الداني (40)، والهمع (1/ 195)، والخزانة (6/ 253)، والدرر (3/ 80).

ص: 1058

[إسلامية]

(1)

أولها هو قوله

(2)

:

1 -

لوْ كُنْتُ من مازنٍ لم تَسْتَبِحْ إبلي

بنو اللقيطَةِ من ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَا

2 -

إذنْ لقامَ بِنَصْرِي معشرٌ خُشُنٌ

عند الحفيظةِ إن ذو لُوثَةٍ لانَا

3 -

قومٌ إذا الشَّرُّ أبْدَى ناجذَيْهِ لهم

طاروا إليه زَرَافاتٍ ووُحْدَانَا

4 -

لا يسألونَ أخاهُمْ حينَ يندبُهُمْ

في النائباتِ على ما قال بُرْهَانَا

5 -

لكنَّ قومِي وإنْ كانُوا ذوي عددٍ

ليسُوا منَ الشَّرِّ في شيءٍ وإنْ هَانَا

(3)

6 -

يَجْزُونَ منْ ظُلْمٍ أهل الظلمِ مغفرةً

ومن إساءةِ أهلِ السوء إحسانَا

7 -

كأنَّ ربَّكَ لم يَخْلُق لخشيتِهِ

سِوَاهُمُ من جميعِ الناسِ إنسانَا

8 -

فليت ...................

..................... إلى آخره

وهي من البسيط.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: أغار ناس من بني شيبان على رجل من بلعنبر يقال له: قريط بن أنيف، فأخذوا له ثلاثين بعيرًا، فاستنجد أصحابه فلم ينجدوه، فأتى بني مازن بن تميم فركب معه نفر فطردوا لبني شيبان مائة بعير ودفعوا إلى قريط، وخرجوا معه [حتى]

(4)

صاروا إلى قومه، فقال قريظ:

لوْ كُنْتُ من مازنٍ لم تَسْتَبِحْ إبلي

............................

إلى آخر القصيدة.

1 -

قوله: "من مازن" الموازن أربعة: مازن قريش، ومازن اليمن، ومازن ربيعة، ومازن تميم، وهو المراد هاهنا، قوله:"لم تستبح إبلي": من الاستباحة، قيل: هي الإباحة، وقيل: الإباحة التخلية بين الشيء وطالبه، والاستباحة: اتخاذ الشيء مباحًا، وذهل بن شيبان: قبيلة، وإنما قال: بنو اللقيطة؛ لأن أمهم التُقطت.

2 -

قوله: "خُشُن" بضم الخاء والشين المعجمتين

(5)

؛ جمع خشن، قوله:"لوثة" بضم اللام وسكون الواو وفتح الثاء المثلثة: وهو الضعف، وبفتح اللام: الشدة، وقيل العكس، والمعنى:

(1)

ما بين المعقوفين سقط في "أ".

(2)

ينظر القصيدة كلها في الحماسة للمرزوقي (1/ 69)، وخزانة الأدب (7/ 441)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (69) وما بعدها.

(3)

هذا البيت سقط في (ب).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

في (ب): المعجمة.

ص: 1059

أنهم يشدون إذا لان الضعيف.

3 -

قوله: "ناجذيه" الناجذ -بالنون والجيم والذال المعجمة: آخر الأضراس، قوله:"زرافات" بفتح الزاي المعجمة بعدها الراء وبعد الألف فاء، وهي الجماعات واحدها: زرافة، ويقال: زرّافة بتشديد الراء، قوله:"ووحدانا": جمع واحد؛ كصاحب وصحبان.

4 -

قوله: "برهانًا" هو فعلان من البره، وهو القطع، وقال أبو الفتح: برهان فعلان كقرطاس ونونه أصلية بدليل قوله: "برهنت"

(1)

.

8 -

قوله: "شنوا": من شنَّ إذا فرق، وذلك لأنهم يفرقون الإغارة عليهم من جميع جهاتهم، وقال ابن فارس: الإشنان: إشنان الغارة، ويروى: شدوا الإغارة، وهي الأصح

(2)

، و "الإغارة" مصدر من أغار على العدو، يقال: أغار فلان على العدو غارة وإغارة، والاسم: الغارة، قوله:"فرسانًا": جمع فارس، و:"الركبان": جمع راكب، وأراد به راكب الإبل خاصة.

الإعراب:

قوله: "فليت لي بهم" الفاء للعطف وليت للتمني، وقوله:"قومًا" اسمه، وخبره هو:"لي" مقدمًا، والباء في بهم للبدل، قوله:"إذا ركبوا شنوا" جملة في محل الرفع لأنها صفة لقوم

(3)

، وقوله:"شنوا": جواب إذا، قوله:"الإغارة": نصب على التعليل، وقد يتوهم كثير من المحصلين [في رواية: شنوا]

(4)

أنه مفعول به، قوله:"فرسانًا وركبانًا": حالان مترادفان أو متداخلان من القوم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "الإغارة"[حيث]

(5)

نصب على أنه مفعول له، والحال أنه معرف بالألف واللام وهو قليل، والأكثر أن يكون مجردًا عن الألف واللام كما ذكرنا

(6)

.

‌الشاهد الثالث والخمسون بعد الأربعمائة

(7)

،

(8)

وَأُغْفِرُ عَوْرَاءَ الكَريمِ ادخارَهُ

وَأُعْرِضُ عن شَتْمِ اللئيمِ تكَرُّمًا

أقول: قائله هو حاتم بن عدي الطائي، وهو من قصيدة ميمية من الطويل، وأولها هو

(1)

أشار محقق شرح شواهد المغني أنه في كتاب المبهج لابن جني (14)، وقد بحثنا عنه في المبهج فلم نجده.

(2)

ينظر تحقيق شرح شواهد المغني (69).

(3)

الصحيح أنها في محل نصب لأن قومًا منصوبة.

(4)

و

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

ينظر شرح عمدة الحافظ (397، 398).

(7)

شرح ابن عقيل (2/ 190).

(8)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيدة لحاتم الطائي في الكرم ومكارم الأخلاق، وقد انتشرت في كثير من كتب الأدب =

ص: 1060

قوله

(1)

:

1 -

وَعَاذِلَتَيِن هَبَّتَا بَعْدَ هَجْعَةٍ

تلُومَانِ مِتْلافًا مُفِيدًا مُلَوَّمَا

2 -

تَلُومَانِ لَمَّا غَوَّرَ النَّجْمُ ضَلّةً

فتى لا يَرى الإنفاقَ في الحمدِ مَغْرَمَا

3 -

فقلْتُ وقد طال العِتَابُ عليهِما

وَأَوْعَدَتَانِ أنْ تَبِينَا وتَصْرِمَا

4 -

ألا لَا تَلُومانِي على ما تَقَدَّمَا

كَفَى بِصُرُوفِ الدَّهْرِ للمرْءِ مُحْكِمَا

5 -

فإنَّكُمَا لَا ما مضَى تُدْرِكَانِهِ

ولستُ على مَا فَاتَنِي مُتَنَدِّمَا

6 -

فنفسَكَ أكرِمْهَا فَإِنكَ إنْ تَهُن

عليكَ فَلَنْ تَلْقَى لها الدهرَ مُكْرِمَا

7 -

أَهِنْ للذِي تَهْوَى التِّلادَ فإنه

إذا مُتَّ كانَ المالُ نَهْبًا مُقَسَّمَا

8 -

ولا تشْقَيَنْ فيه فيسعدَ وارثٌ

به حينَ تَغْشَى أَغْبَرَ الجَوْفَ مُظْلِمَا

9 -

يُقَسِّمْهُ غُنْمًا ويَشْرِي كَرَامَهُ

وقدْ صِرتَ في خَطٍّ منَ الأرضِ أعظُمَا

10 -

قليلًا بهِ مَا يَحْمِدَنْكَ وارثٌ

إذا نال مما كنتَ تجمعُ مغنمَا

11 -

تحلّمْ عنِ الأدْنَيْنَ واستَبْقِ وُدَّهُمْ

ولَنْ تَسْتَطِيعَ الحِلْمَ حتَّى تَحَلَّمَا

12 -

متَى تَرْقَ أضْغَانَ العَشِيرَةِ بالأَنَا

وتركِ الأذى يُحْسَمُ لكَ الداءُ مَحْسَمَا

13 -

وعوراءَ قدْ أعرضتُ عَنْهَا فلمْ تَضِرْ

وذِي أوَدٍ قَوَّمْتُهُ فتَقوَّمَا

14 -

وَأُغْفِرُ عوراء الكريمِ ادخارَهُ

وَأُعْرِضُ عَنْ شَتْمِ اللئيمِ تكَرُّمَا

15 -

ولا أَخْذُلِ المولَى وإنْ كانَ خاذلًا

ولا أشتُمُ ابن العمِّ إنْ كانَ مُفْحِمَا

16 -

ولَا زادَنِي عنهُ غِنايَ تَبَاعُدًا

وإنْ كانَ ذَا نقصٍ مِنَ المالِ مُصْرِمَا

17 -

وليلٍ بَهِيمٍ قد تَسَرْبَلْتُ هَوْلَهُ

إذَا الليلُ بالنِّكْسِ الدّنِيِّ تَجَهَّمَا

18 -

ولنْ يَكْسِبَ الصعلوكُ حمدًا ولا غِنًى

إذا هو لمْ يَرْكَبْ منَ الأمرِ مُعْظَمَا

19 -

لحَى اللهُ صعلوكًا مُناهُ وهَمّهُ

منَ العيشِ أنْ يلقى لَبُوسًا ومَطعَمَا

20 -

ينامُ الضّحَى حتَّى إذا نَوْمُهُ استَوَى

تَنَبَّهَ مثلوجَ الفُؤَادِ مُوَرَّمَا

= والمختارات والحماسة، وبيت الشاهد في الكتاب (3/ 126)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 45)، والمقتضب (2/ 348)، وأسرار العربية (187)، وابن يعيش (2/ 54)، والتصريح (1/ 392)، واللسان: عور".

(1)

ينظر الديوان (81) شرح أبي صالح يحيى بن مدرك الطائي، تقديم الحتي، نشر: دار الكتاب، ط. أولى (1994 م)، وينظر القصيدة بكاملها مضبوطة مشروحة في خزانة الأدب (3/ 123)، وما بعدها، وهي أيضًا في نوادر أبي زيد (354) دار الشروق، ومختارات ابن الشجري (46).

ص: 1061

21 -

مُقيمًا مع المُثْرَيْنِ ليس ببارحٍ

إذا كانَ جدْوَى منْ طَعَامٍ ومَجْثِمَا

22 -

ولِلهِ صُعْلُوكٌ يُساورُ هَمَّهُ

ويَمْضِي على الأحْداثِ والدهرِ مُقْدِمَا

23 -

فَتى طَلِبَاتٍ لَا يَرَى الخَمْصَ تَرْحَةً

ولا شَبْعَةً إِنْ نالهَا عَدَّ مَغْنَمَا

24 -

يَرَى الخَمْصَ تَعْذِيبًا وإنْ يَلْقَ شَبْعَةً

يبتْ قَلْبُهُ مِنْ قِلَّةِ الهَمِّ مُبْهَمَا

25 -

إذا ما رأى يومًا مَكارِمَ أعرَضَت

تَيَمَّمَ كُبْرَاهُنَّ ثُمَّتَ صَمَّمَا

26 -

ويخْشَى إذا ما كانَ يومَ كريهةٍ

صدورَ العوالي فهوَ مُخْتضِبٌ دمَا

(1)

27 -

ترَى رُمْحَهُ وَنَبلَهُ ومِجَنَّهُ

وذا شُطَبٍ عَضْبَ الضَّرِيبَةِ مِخْذَمَا

28 -

وأحناءَ سَرْجٍ قَاترٍ ولجِامَهُ

عَتَادَ فَتًى هيجَا وطرْفًا مسَوَّمَا

29 -

فذلك إنْ يَهْلِك فَحُسْنَى ثَنَاؤُه

وإنْ عاشَ لَمْ يقْعُدْ ضَعِيفًا مذممَا

(2)

1 -

قوله: "وعاذلتين" أي: ورب عاذلتين، وهو من العذل وهو اللوم، قوله:"هبتا" أي تنبهتا، "بعد هجعة" أي: بعد نوم، و"المتلاف" بكسر الميم؛ صيغة مبالغة للمتلف.

2 -

قوله: "لما غور النجم" بمعنى: غاب

(3)

يعني: غرب، يقال: غارت الشمس إذا غربت، كذلك: غورت، قوله:"ضلة" يعني: تلومان ضلة، يقال: فلان يلومني ضلة إذا لم يوفق للصواب

(4)

في لومه، و"المغرم" بفتح الميم بمعنى الغرامة.

3 -

و"تصرما": من الصرم وهو القطع.

8، 9 - وأراد بـ"أغبر الجوف" القبر، وكذا أراد بقوله:"في خط من الأرض"، وقوله:"أعظمًا": جمع عظم.

11 -

قوله: "حتى تحلما" أي: تتحلما، والتحلم من باب التفعل، وأراد به استعمال التكلف في الحلم.

12 -

قوله: "متى ترق

(5)

أضغان العشيرة بالأنا" أي: متى تسَكِّنُ أحقاد العشيرة بالتأني والصبر، يقال: رقوت الرجل إذا سكنته من الرعب، و "الأضغان": جمع ضغن وهو الحقد، قوله: "يحسم" أي: ينقطع من أصله.

13 -

قوله: "وذي أود" أي: اعوجاج.

14 -

قوله: "وأغفر" أي: أستر؛ لأن الغفر هو الستر، ومنه المغفر وهو الخوذة؛ لأنها تستر

(1)

و

(2)

هذا البيت غير موجود في الديوان.

(3)

في (أ): غار.

(4)

في (أ): يوفق للرشاد.

(5)

وتروى: متى ترف، بالفاء.

ص: 1062

الرأس، قوله:"عوراء الكريم" بفتح العين المهملة وسكون الواو وفي آخره راء ممدودة، وهي الكلمة القبيحة، ومنه العورة وهي سوءة الإنسان، وكل شيء يستحى منه فهو عورة، قوله:"وأعرض": من الإعراض.

17 -

قوله: "بهيم" بفتح الباء الموحدة أي: مظلم شديد الظلمة، قوله:"بالنكس": من نكَّست الشيء أنكسه نكسًا إذا قلبته على رأسه، قوله:"تجهَّما" من قولهم: رجل جهم الوجه أي: كالح الوجه، والجهمة - بالضم: أول مآخر

(1)

الليل.

19 -

قوله: "لحى الله" بالحاء المهملة، يقال: لحاه الله؛ أي: قبحه ولعنه، و"الصعلوك" بضم الصاد؛ الفقير.

20 -

قوله: "مثلوج الفؤاد" أي: بليد الفؤاد؛ هكذا فسَّره الأصمعي، وهو بالثاء المثلثة وبالجيم

(2)

.

21 -

قوله: "جدوى" بفتح الجيم، وهو العطاء، قوله:"ومجثما" أي: مكان يستقر فيه؛ من جثم الطائر إذا تلبد بالأرض.

23 -

و "الخمص": الجوع، و "الترحة": الحزن.

27 -

قوله: "وذا شطب" بضم الشين المعجمة وفتح الطاء، وأراد: ذا سيف ذي شطب، وشطب السيف: طرائقه التي في متنه، الواحدة: شطة، مثل: صبرة وصبر، و"العضب": القطع، وكذلك "الحذم" بالحاء المهملة والذال المعجمة.

28 -

قوله: "قاتر" بالقاف وبعد الألف تاء مثناة من فوق، أي: واق حافظ، يقال: رجل قاتر أي: واقٍ لا يعقر ظهر البعير، قوله:"عتاد فتى" أي: عدته، وهو على وزن فعال [بالفتح]

(3)

، و"الهيجاء": الحرب، تمد وتقصر وهاهنا بالقصر للضرورة

(4)

، قوله:"وطِرفًا" بكسر الطاء وسكون الراء وفي آخره فاء، وهو الكريم من الخيل.

الإعراب:

قوله: "وأغفر": جملة من الفعل والفاعل عطف على قوله: "وذي أود قومته فتقوما" قوله: "عوراء الكريم": كلام إضافي مفعوله، قوله:"ادخاره": نصب على التعليل، أي: لأجل

(1)

في (أ): مآخير.

(2)

قال أبو صالح: سمعت الأصمعي يقول: المثلوج الفؤاد إذا كان ضعيف القلب ساقط النفس والرأي. ينظر الديوان بشرح: يحيى بن مدرك الطائي (84)، تقديم: نصر الحتي.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

في (أ): للوزن.

ص: 1063

ادخاره، قوله:"وأعرض": عطف على قوله: "وأغفر"، وقوله:"عن شتم اللئيم": يتعلق به، قوله:"تكرما": نصب على التعليل -أيضًا- أي: لأجل التكرم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ادخاره" فإنه مفعول له، وقد جاء بالإضافة، فالنصب فيه والجر باللام متساويان، وذلك لأن المفعول له إذا وجدت الشروط [فيه]

(1)

على ثلاثة أضرب: راجح ومرجوح ومساوٍ.

فالراجح: أن يكون المفعول له معرفًا باللام، والأكثر فيه أن يكون مجرورًا باللام كقولك: جئتك للطمع في بِرِّك، والنصب جائز على قلة؛ كما في قول الراجز

(2)

:

لا أقْعُدُ الجُبْنَ عن الهَيجَاءِ

...................................

وقد مر

(3)

.

والمرجوح: جره: أن يكون المفعول له مجردًا من الألف واللام والإضافة؛ كقولك: جئتك تبركًا بك، فهذا أجود من قولك: جئتك للتبرك بك، ومنهم من لا يجيزه

(4)

، والصحيح جوازه مع رجحان نصبه؛ كما في قول الراجز:

مَنْ أَمَّكُمْ لِرَغْبَةٍ فيكُمْ ظَفِرْ

..............................

وقد مَرَّ بيانه

(5)

.

والمساوي بين الجر والنصب: أن يكون المفعول مضافًا؛ نحو: جئتك رجاءك، وجئتك لرجائك، ومن النصب قول حاتم:

وَأُغْفِرُ عوراء الكريمِ ادخارَهُ

..................... إلخ

(6)

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر الشاهد (450).

(3)

ينظر الشاهد رقم (450) من هذا البحث.

(4)

ينظر شرح عمدة الحافظ (397) وما بعدها.

(5)

ينظر الشاهد رقم (451) من هذا البحث.

(6)

ينظر الشواهد الأربعة السابقة.

ص: 1064

‌شواهد المفعول فيه

(1)

‌الشاهد الرابع والخمسون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

أَفِي الحَقِّ أَنِّي مُغْرَمُ بكِ هائِمٌ

وأنكِ لا خَلٌّ هواكِ ولا خَمْرُ

أقول: قائله هو عائد بن المنذر القشيري، وقبله هو قوله

(4)

:

1 -

هل الوَجْدُ إلَّا أَن قَلْبِي لَوْ دَنَا

مِنَ الجَمْرِ قِيدَ الرُّمْحِ لَاحْتَرَقَ الجَمْرُ

[وبعده]

(5)

:

3 -

فإنْ كُنْتُ مَطْبُوبًا فَلَا زِلْتُ هكَذَا

وإنْ كنتُ مَسْحُورًا فَلَا بَرَأَ السِّحْرُ

وهي من الطويل.

1 -

قوله: "قيد الرمح" أي: قدره.

2 -

قوله: "مُغرم": من أغرم بالشيء: أولع به، و"الغرام": شدة العشق، و"الهائم": المتحير من هام هيامًا، والهيام كالجنون من العشق، قوله:"هواك" أي: عشقك، والهوى مقصور هاهنا.

3 -

و"المطبوب": المسحور، يقال: طبه إذا سحره.

الإعراب:

قوله: "أفي الحق" الهمزة للاستفهام على وجه الإنكار والتوبيخ، "وفي الحق": ظرف

(1)

في (ب): المفعول له.

(2)

أوضح المسالك (2/ 49).

(3)

البيت من بحر الطويل، وقد نسبه الشارح، وذكر بيتًا قبله وآخر بعده، وهكذا هما في شرح الحماسة للمرزوقي (3/ 1267)، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (1/ 401)، والمغني (1/ 55)، وشرح التصريح (1/ 339)، وشرح شواهد المغني (172)، وتخليص الشواهد (177).

(4)

شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (3/ 1267)، وشرح شواهد المغني (172) وما بعدها.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1065

أجري مجرى ظرف الزمان، ومحله الرفع على أنه خبر عن قوله:"أني مغرم"؛ لأن "أن" هاهنا مع اسمها وخبرها في موضع رفع بالابتداء، والتقدير: أغرامي بك في الحق؟ يعني: كيف يكون في الحق وحبك لا هجع إلى معلوم؟ وهو معنى قوله: "وأنك لا خلّ هواك ولا خمر"، أراد: ليس بشيء يخلص ويتبين، [وقد شبه هوى من هو مغرم بها، في كونه غير ثابت ولا مستقر على حاله بماء العنب المتردد بين كونه خلًّا وبين كونه خمرًا، فلا هو خَلٌّ صرف حتى يستعمل خلًّا ولا هو خمر صرف حتى يستعمل خمرًا، فمن كان حال هواه بهذه المثابة كيف يكون غرام من أغرم به حقًّا؟]

(1)

.

وقوله: "مغرم" بالرفع لأنه خبر أن، وقوله:"هائم" بالرفع -أيضًا- لأنه خبر بعد خبر.

[قوله: "]

(2)

وأنك" الواو للحال، وإن حرف من الحروف المشبهة بالفعل، والكاف اسمه، والجملة -أعني قوله: "لا خل هواك": خبره، و"لا" بمعنى ليس، و"خل" مرفوع اسمه، و"هواك": كلام إضافي خبره

(3)

، قوله:"ولا خمر": عطف على قوله: "ولا خل".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أفي الحق؟ " حيث صرح فيه بحرف الجر، فدل ذلك على أن أصل قولهم: أحقًّا أنك ذاهب؟: أفي الحق أنك ذاهب؟؛ إذ لو لم يكن أصله هكذا لما أبرز الشاعر كلمة: "في" في قوله: "أفي حق؟ "، ودلَّ ذلك على أنهم أجروه مجرى ظرف الزمان، وذلك لأن العرب استعملته خبرًا عن المصدر ولم تستعمله خبرًا عن الجثة؛ كما أن ظرف الزمان كذلك، فافهم

(4)

.

* * *

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

هذا الإعراب وهو خل اسم لا، وهواك خبره ليس بصحيح، وإنما خل خبر مقدم، وهواك مبتدأ مؤخر، أو خل خبر أن، وهواك مرفوع به على تأويله بالمشتق.

(4)

قال صاحب التصريح (1/ 338): "والجاري مجرى أحدهما أي الزمان والمكان ألفاظ مسموعة توسعوا فيها فنصبوها على تضمين معنى في، كقولهم: أحقًّا أنك ذاهب، فأحقًّا منصوبة على الظرفية متعلقة بالاستقرار على أنها خبر مقدم، وأنك ذاهب في تأويل مصدر مرفوع بالابتداء عند سيبويه والجمهور على حد: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} [فصلت: 39] والأصل: أفي حق ذهابك؛ فحذفت في وانتصب حقًّا على الظرفية وقد نطقوا بذلك الحرف في ........... (البيت) فصرح بفي".

ص: 1066

‌شواهد المفعول معه

(1)

‌الشاهد الخامس والخمسون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

فَقَدْنِي وإيَّاهُمْ فإِنْ أَلْقَ بَعْضَهُمْ

يَكُونُوا كَتَعْجِيلِ السَّنَامِ المُسَرْهَدِ

أقول: قائله هو أسيد بن إياس الهذلي.

وهو من الطويل.

قوله: "كتعجيل السنام": من عجلت الطعام: طبخته على عجلة، قال الجوهري: سنام مسرهد أي: سمين، وربما قيل لشحم السنام: مسرهد

(4)

.

الإعراب:

قوله: "فقدني" أي: يكفيني، والفاء فيه إما للعطف وإما لتوشيح الكلام لأجل الوزن، قوله:"وإياهم" الواو فيه بمعنى: مع، ذكر بعض الفضلاء أن إياهم عطف على المعنى، وذلك لأن الياء في:"قدني" وإن كانت مجرورة بإضافة

(5)

قد إليها، فهي في المعنى منصوبة بدليل أن معنى قدك: ليكفك، وقدني: ليكفني، وقدك: مبتدأ، كقولك: قدك درهم، كحسبك درهم، وإذا جاز أن يتصور في حسبك، وهي معرفة معنى ليكفك، كان ذلك مع قد أحرى؛ ألا ترى إلى قوله

(6)

:

إذَا كَانَتِ الهَيجَاءُ وانْشَقّت الْعَصَا

فَحَسْبُكَ وَالضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ

(1)

في (ب): المفعول فيه.

(2)

ابن الناظم (110).

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو لقائل مجهول يفتخر بالشجاعة، وهزيمة الأعداء، وانظره في شرح أشعار الهذليين (2/ 628)، وشرح الأشموني (2/ 136)، والتمام لابن جني (31).

(4)

ليس في الصحاح مادة: "سنم، سرهد".

(5)

في (ب): بالإضافة.

(6)

البيت من بحر الطويل، نسب تارة لجرير، وأخرى للبيد، وشاهده واضح، وهو رواية الضحاك بالأوجه الثلاثة، وانظره في الأصول (2/ 72)، والمفصل (31)، وابن يعيش (2/ 51)، والأشموني (2/ 136)، والخزانة (7/ 584).

ص: 1067

فهو محمول على معنى: فيكفيك، والضحاك: عطف على الكاف، ويجوز فيه وجه آخر، وهو أن يكون "وإياهم" في موضع جر، وإن كان بلفظ المنصوب كالضحاك، على أن "وإياهم" أسهل من الضحاك؛ لأن إياهم لا يظهر فيه إعراب بخلاف الضحاك

(1)

.

قوله: "فإن ألق" الفاء فيه للتعليل، وإن للشرط، و"ألق": جملة من الفعل والفاعل وقعت فعل الشرط، و"بعضهم" كلام إضافي مفعول ألق، قوله:"يكونوا": جملة وقعت جواب الشرط، والضمير في: يكونوا اسم كان، وخبره قوله:"كتعجيل السنام"[ويحتمل "كتعجيل السنام"]

(2)

أمرين:

أحدهما: أن يكون مصدرًا لعجلت فيكون المضاف محذوفًا، أي: كذي تعجيل السنام.

والثاني: أن يكون اسمًا لا مصدرًا؛ فقد جاء التفعيل اسمًا لا مصدرًا، و "المسرهد" بالجر صفة السنام.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وإياهم": فإنه مفعول معه ولم يتقدم عليه فعل؛ بل تقدم عليه ما تضمن معنى الفعل دون حروفه؛ كما في نحو: حسبك وزيدًا درهم، أي: كافيك مع زيد

(3)

، وفيه رد على الجرجاني؛ حيث حصر العمل في تقديم الفعل فقط على الواو

(4)

، وليس كذلك، فإن غير واحد من النحاة قد ذكروا أن تقدم الصفات وما تضمن معنى الفعل دون حروفه كتقدم الفعل في تسويغ نصب المفعول معه فيفهم من ذلك أن تقدم شيء من ذلك شرط

(5)

.

(1)

قال الصبان معلقًا على هذا البيت، وهو: فحسبك والضحاك: "وهو شاهد على أن حسب اسم فعل بمعنى يكفي، والكاف مفعوله، وسيف فاعله، والجمهور على أنه صفة مشبهة بمعنى كافٍ وهو مبتدأ وسيف خبره والضحاك مفعول به لمحذوف، أي: ويحسب الضحاك؛ أي: يكفيه من أحسب إذا كفى، وفاعل حسب ضمير يعود على سيف لتقدمه رتبة، والواو عاطفة جملة على جملة مفعول معه؛ لأن الصفة المشبهة لا تنصب المفعول معه، وروي في المغني جر الضحاك ورفعه أيضًا؛ فالجر قيل بإضمار حسب أخرى وقيل بالعطف، والرفع على أن الأصل: وحسب الضحاك فحذف حسب وخلفه المضاف إليه. ينظر حاشية الصبان (2/ 136).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 136)، وهو شاهد على إعمال شبه الفعل عمل الفعل.

(4)

ينظر المقتصد في شرح الإيضاح (659، 660).

(5)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 136)، شرح التصريح بمضمون التوضيح (1/ 343).

ص: 1068

‌الشاهد السادس والخمسون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

لا تَحبِسَنَّك أثْوَابِي فَقَدْ جُمِعَتْ

هذَا رِدَائِي مَطْوِيًّا وَسِرْبَالا

أقول: لم أقف على اسم قائله وهو من البسيط.

قوله: "سربالًا" بكسر السين هو القميص، قاله الجوهري

(3)

.

الإعراب:

قوله: "لا تحْبِسَنَّك": جملة منفية مؤكدة بالنون الثقيلة مركبة من الفعل والمفعول وهو الكاف، وقوله:"أثوابي": كلام إضافي فاعله، قوله:"فقد جمعت" الفاء للاستئناف تقديره: فهي قد جمعت، فيكون "قد جمعت" خبر مبتدأ محذوف.

قوله: "هذا": مبتدأ، و "ردائي": خبره، قوله:"مطويًّا"؛ حال من ردائي، قوله:"وسربالًا" الواو فيه بمعنى مع، والعامل فيه مطويًّا، وأجاز أبو علي أن يكون العامل فيه قوله:"هذا"

(4)

.

الاستشهاد فيه:

[في قوله: "وسربالًا]

(5)

؛ لأنه مفعول معه ولم يتقدمه الفعل بل قد تقدمه ما يتضمن معنى الفعل وحروفه. والله أعلم

(6)

.

(1)

ابن الناظم (110)، وتوضيح المقاصد (2/ 97).

(2)

البيت من بحر البسيط، وهو لقائل مجهول، وشاهده واضح من الشرح غير أن العيني لم ينسبه إلى بحره، وانظره في التصريح (1/ 343)، وشرح الأشموني (2/ 136)، وشرح التسهيل للمرادي (2/ 104) تحقيق د. أحمد محمد عبد الله يوسف.

(3)

الصحاح مادة: (سربل).

(4)

قال الأشموني: "سربالًا نصب على المفعول معه، والعامل "فيه مطويًّا" لا "هذا" خلافًا لأبي علي في تجويزه الأمرين". شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 137).

(5)

ما بين المعقوفين زيادة للإيضاح.

(6)

ينظر الشاهد (455) من هذا البحث.

ص: 1069

‌الشاهد السابع والخمسون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

جَمَعَت وفُحْشًا غِيبةً وَنمِيمةً

ثَلاثُ خِصَالٍ لستَ عَنَها بِمَرْعَوي

أقول: قائله هو يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي

(3)

.

وهو من قصيدة واوية من الطويل، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

تُكَاشِرُنِي كُرْهًا كَأَنَّكَ نَاصِحٌ

وعَيْنُكَ تُبْدِي أَنّ صَدْرَكَ لِي دَوي

2 -

لِسَانُكَ مَاذَيُّ وغَيبُكَ عَلْقَمٌ

وَشَرُّكَ مَبسُوطٌ وخَيْرُكَ مُنْطَوي

3 -

فَلَيْتَ كَفَافًا كَانَ خَيْرُكَ كُلُّهُ

وَشَرُّك عَنِّي مَا ارْتَوَى الماءَ مُرْتَوي

4 -

وَكَمْ مَوْطِنٍ لولايَ طِحْتَ كمَا هَوَى

بأَجْرَامِهِ مِنْ قُنَّةِ النِّيقِ مُنْهَوي

5 -

جَمَعْتَ وَفُحْشًا غِيبَةً وَنَمِيمَةً

................ إلى آخره

(5)

6 -

تَبَدَّلَ خَلِيلًا بِي كَشَكْلِكَ شَكْلُهُ

فإِنِّي خَلِيلًا صَالِحًا بكَ مُقْتَوي

1 -

قوله: "تكاشرني": من الكشر وهو التبسم ببدو الأسنان، قوله:"دوي" بفتح الدال، المهملة وكسر الواو، ويقال: رجل دوي؛ أي: فاسد الجوف من داء.

2 -

قوله: "ماذي" بكسر الذال والمعجمة وتشديد الياء، قال الجوهري: الماذيّ: العسل، الأبيض

(6)

، و"العلقم": الحنظل.

4 -

وقوله: " [طحت]

(7)

[من طاح يطوح ويطح]

(8)

إذ هلك، قوله:"هوى" أي: سقط، والمنهوي من بابه، و"النيق" بكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره قاف، وهو أرفع موضع في الجبل، ويجمع على نياق.

5 -

قوله: "بمرعوي": من الارعواء وهو الكف عن القبيح، وهو من رعى يرعو؛ أي: كفَّ،

(1)

ابن الناظم (111).

(2)

البيت من قصيدة طويلة جيدة في العتاب ليزيد بن الحكم، يعاتب فيها ابن عمه عبد الرحمن بن عثمان بن أبي العاص، ولم يذكر الشارح منها إلا بعض الأبيات، ولكنها كلها في المختارات، والأمالي، وخزانة الأدب، وانظر بيت الشاهد في الخصائص (2/ 383)، وشرح التصريح (1/ 344)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 220)، وخزانة الأدب (3/ 130)، والدرر (3/ 156)، وشرح شواهد المغني (697)، وشرح عمدة الحافظ (637).

(3)

هو يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي البصري الشاعر المشهور الذي أقر الفرزدق بشاعريته، افتخر على الحجاج بن يوسف الثقفي حتى غضب عليه فلحق بسليمان بن عبد الملك ومدحه فأجرى عليه راتبًا. خزانة الأدب (1/ 113).

(4)

خزانة الأدب (3/ 130)، والأمالي لأبي علي القالي (1/ 68)، وشرح شواهد المغني (696، 697).

(5)

هذا البيت سقط في (ب).

(6)

الصحاح مادة: "موذ".

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

ما بين المعقوفين في (ب): من حاط يحوط ويحيط.

ص: 1070

عن الأمر، فإن قلت: لِمَ لم يدغم ارعوى ونحوه؟ قلت: لسكون الياء.

6 -

وقوله: "مقتوي": من القوة.

الإعراب:

قوله: "جمعت": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"وفحشًا" الواو فيه بمعنى مع عند ابن جني، والتقدير: جمعت مع فحش غيبة

(1)

، وعند الجمهور: الواو

(2)

فيه للعطف؛ لأنه معطوف على قوله: "ونميمة" ولكن قدم عليها للضرورة، التقدير: جمعت غيبة ونميمة وفحشًا، وهذه ضرورة قبيحة؛ لأنه لا يجوز تقديم المفعول معه على مصاحبه عندهم خلافًا له

(3)

، وأما تقديمه على عامله فلا يجوز اتفاقًا؛ إذ لا يقال: والخشبة استوى الماء

(4)

.

(1)

خالف ابن جني في ذلك؛ حيث ذهب في الخصائص إلى أنه يجوز أن يتقدم المفعول معه على مصاحبه مستدلًّا ببعض الشواهد التي وردت عن العرب. يقول ابن جني: "لكنه جوز: جاء والطيالسة البرد؛ كما تقول: ضربت وزيدًا عمرًا. قال: (البيت) ".- الخصائص لابن جني (2/ 385)، وعلى ذلك فإن أصل البيت عند ابن جني:

جمعت غيبة ونميمة مع فحش

.............................

وقد خرَّج النحاة ما ذهب إليه ابن جني وأجابوا عن استدلاله بأن قالوا: إن تالي الواو في البيت ليس مفعولًا معه، وإنما هو معطوف وتقدمه على المعطوف عليه ضرورة لا يقاس عليها. ينظر بلوغ الأرب في الواو في لغة العرب (352)، وشرح التصريح بمضمون التوضيح (1/ 354، 355)، وشرح الأشموني (2/ 139).

(2)

في (أ): أن الواو.

(3)

أشار ابن مالك إلى قول ابن جني ورده قائلًا: "والثاني ممنوع إلا عند ابن جني فإنه أشار في الخصائص إلى جوازه وله شبهتان، إحداهما: أنه قد أجاز ذلك في العاطفة فليجز فيها لأنها محمولة عليها. والثانية: أنه قد ورد في كلامهم فينبغي أن حكم بذلك، ومن الوارد في ذلك قول الشاعر:

أكْنِيهِ حينَ أُنَادِيهِ لِأُكْرِمَهُ

وَلَا أُلَقِّبُهُ وَالسّوْأَةَ اللَّقَبَا

ومثله قول الآخر: (البيت).

ولا حجة له في الشبهتين، أما الأولى فالجواب عنها من وجهين: إحداهما: أن العاطفة أقوى وأوسع مجالًا فحصل لها مزية بتجويز التقديم، وأما الشبهة الثانية عن احتجاجه بالبيتين فضعيفة أيضًا؛ إذ لا يتعين جعل ما فيهما من المنصوبين من باب المفعول معه؛ بل جعله من باب العطف ممكن وأولى؛ لأن القول بتقديم المعطوف في الضرورة مجمع عليه، وليس كذلك بتقديم المفعول معه، أما البيت الأول فالعطف فيه ظاهر؛ لأن تقديره: جمعت غيبة ونميمة وفحشًا، وبهذا وجه أكثر النحويين. وأما البيت الثاني فهو من باب:

...............................

وَزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ وَالْعُيُونَا

فنصب العين بفعل دل عليه (زججن) تقديره: و (كحلن العيون) فلو دعت ضرورة إلى التقديم لم يختلف التقدير، فكذلك أصل: ولا ألقبه والسوأة اللقبا: ولا ألقبه اللقب ولا أسوؤه السوأة، فحذف: أسوؤه لدلالة اللقبا عليه، ثم قدم مضطرًّا وبقي التقدير على ما كان عليه".- شرح التسهيل لابن مالك (2/ 253، 254).

(4)

"وأما تقديمه على مصاحبه نحو: استوى والخشبة الماء، فمذهب الجمهور والصحيح منعه، وأجازه ابن جني".

توضيح المقاصد للمرادي (2/ 98).

ص: 1071

قوله: "ثلاث خصال": كلام إضافي يجوز فيه النصب والرفع:

أما النصب: فعلى أنه صفة لقوله: "فحشًا غيبة ونميمة".

وأما الرفع: فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: وهي ثلاث خصال، قوله:"لست عنها بمرعوي": جملة وقعت صفة لقوله: "ثلاث خصال"، والباء في "بمرعوي" زائدة، وهو خبر لست.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "في قوله: "وفحشًا" حيث ذهب ابن جني إلى أنه مفعول معه وخالفه الجمهور في ذلك، وقد ذكرناه والله أعلم.

‌الشاهد الثامن والخمسون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

أكْنِيهِ حينَ أُنَادِيهِ لأُكْرِمَهُ

وَلَا أُلَقِّبُهُ وَالسَّوْأَةَ اللَّقَبَا

أقول: قائله هو بعض الفزاريين، وهو من أبيات الحماسة، وبعده بيت آخر وهو:

كَذَاكَ أُدِّبْتُ حَتَّى صَارَ مِنْ خُلُقِي

أَنِّي رَأَيْتُ مِلَاكَ الشِّيمَةِ الأدَبَا

وهما من البسيط.

وقد ذكرنا البيت الثاني في شواهد ظن وأخواتها، واستشهد به ظقهع

(3)

.

1 -

قوله: "أكنيه" من كنى يكنُو، ويقال: كنيت وكنوت، قوله:"ولا ألقبه": من التلقيب، واللقب: كل ما يشعر برفعة المسمى أو ضعته كالصدِّيق وأنف الناقة، قوله:"والسوأة" وهي الشيء القبيح.

الإعراب:

[قوله: "]

(4)

أكنيه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، أي: أكني ذلك الشخص حين أطلبه، و "حين" نصب على الظرف، قوله: "أناديه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت مضافًا إليها.

قوله: "لأكرمه" اللام للتعليل، وأن المصدرية مقدرة فيه، أي: لأجل إكرامه، قوله:"ولا ألقبه":

(1)

ابن الناظم (111).

(2)

البيت من بحر البسيط، وهو أول بيتين في الأدب والأخلاق، وقد ذكر ثانيهما الشارح، وانظرهما في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1146)، وخزانة الأدب (9/ 141)، وشرح الأشموني (2/ 29)، البيت الثاني، والأول في (2/ 137).

(3)

ينظر الشاهد رقم (351) من هذا البحث.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1072

جملة معطوفة على قوله: "أكنيه"، قوله:"والسوأة" بالنصب مفعول معه عند ابن جني؛ فإنه يجيز تقديم الفعول معه على مَصحُوبِه، والتقدير: ولا ألقبه اللقب والسوأة، أي: مع السوأة؛ لأن من اللقب ما يكون لغير سوأة؛ كتلقيب الصديق رضي الله عنه عتيقًا لعتاقة وجهه؛ من العتق وهو الجمال أو لكونه عتيقًا من النار، والمعنى: إن لقبته لقبته بغير سوأة

(1)

.

وعند الجمهور: الواو للعطف قدمت هي ومعطوفها، والتقدير: لا ألقبه اللقب ولا أسوء السوأة؛ فاللقب مفعول به، والسوأة: مفعول مطق، ثم حذف ناصب السوأة وقدم العاطف ومعمول الفعل المحذوف.

ويقال: التقدير: لا ألقبه اللقب مع السوأة، فاللقب مفعول به؛ كما في الوجه الأول، والسوأة مفعول معه مقدم على صاحبه للضرورة

(2)

.

ويقال: يجوز أن كون انتصاب السوأة على المعنى؛ كأنه قال: يعمل فيه معنى لا ألقبه، فيكون هذا من باب

(3)

:

يَا لَيْتَ بَعْلَكِ قَدْ غَدَا

مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا

(4)

و

(5)

:

عَلَفْتُهَا تِبْنًا وماءً باردًا

............................................

وإن ارتفع فارتفاعه يجوز أن يكون بالابتداء، ويكون الخبر مضمرًا؛ كأنه قال: والسوأة ذاك، يعني: إن لقبته والفحش فيه.

ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره اللقب وتكون مصدرَا كالجَمَزَى والوَكَزَى.

ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف؛ كأنه قال: ولا ألقبه اللقب وهو السوأة.

قال أبو العلاء: هذا على التقديم والتأخير؛ كأنه قال: ولا ألقبه اللقب والسوأة، ونحو منه قول الآخر

(6)

:

(1)

الخصائص لابن جني (2/ 385) وينظر: شرح التصريح بمضمون التوضيح (4/ 351، 355)، وشرح الأشموني (2/ 139).

(2)

ينظر الشاهد السابق مباشرة.

(3)

ينظر الشاهد رقم (463) من هذا البحث.

(4)

البيت من بحر الكامل، وهو لعبد الله بن الزبعري، ويستشهد به على أنه لا يجوز عطف رمحًا على سيفًا، وإنما يقدر لرمحًا فعل ناصب فناسب أي وحاملًا رمحًا، والشاهد في الخصائص (2/ 431)، والمقتضب (2/ 51)، والإنصاف (322).

(5)

البيت من بحر الرجز وهو سيأتي في هذا الكتاب تحت الشاهد رقم (463).

(6)

البيت من بحر الوافر، وهو مجهول القائل في شرح ديوان الحماسة للتبريزي (3/ 87).

ص: 1073

وَقُلْتُ لَهَا أَنَخْلَة بَطْن عِرْقٍ

وَأَنْبَتَ استَهَلَّ بِكَ الغَمَام

أراد: استهل بك الغمام وأنبت.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "والسوأة"، فإنه مفعول معه عند ابن جني مع تقديمه على مفعوله، كما ذكرناه مستقصًى

(1)

.

‌الشاهد التاسع والخمسون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

...........................

وَزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ وَالعُيُونَا

أقول: قائله هو الراعي، واسمه عبيد، وصدره:

إذَا مَا الغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يومًا

...................................

وبعده:

2 -

أنَخْنَ جِمَالهُنَّ بِذَاتِ غِسْل

سَرَاةَ اليَومِ يَمْهَدْنَ الكُدُونَا

وهما من الوافر.

1 -

قوله: "الغانيات"؛ جمع غانية وهي المرأة التي استغنت بجمالها عن الحلي، قوله:"برزن" أي: ظهرن، من البروز وهو الظهور، قوله:"وزججن الحواجب" بالزاي المعجمة والجيمين، يقال: زججت المرأة حاجبها: دققته وطولته، والزجج: دقة في الحاجبين وطول، والرجل أزج.

1 -

قوله: "بذات غسل" بكسر الغين المعجمة وسكون السين المهملة وفي آخره لام، وهو اسم موضع، وذكر في كتاب الأذواء أن ذات غسل قرية.

وقيل: هي بين اليمامة والنباج كانت لبني كلب بن يربوع، ثم صارت لبني عنبر، ولها ذكر

(1)

ينظر الشاهد السابق (457).

(2)

ابن الناظم (113)، أوضح المسالك (1/ 58).

(3)

عجز بيت من الوافر للراعي النميري، وصدره كما ذكره الشارح، ولكنه جاء في الديوان هكذا:

وهزة نسوة من حي صدق

يزججن ...............................

ينظر القصيدة في ديوان الراعي النميري (150)، بتحقيق د. نوري القيسي، المجمع العلمي العراقي (1980 م)، وانظر الشاهد في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 254)، وشرح التصريح (1/ 136)، والأشموني (2/ 140)، واللسان "زجج"، وشرح سواهد ابن عقيل للجرجاني (120)، وهمع الهوامع (1/ 222)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (775).

ص: 1074

في شعر ذي الرمة

(1)

، قوله:"سراة اليوم" أي: وسطه، وسراة كل شيء: وسطه، قوله:"كدونا" بالضم؛ جمع كدن وهو ما توطئ به المرأة مركبها من كساء ونحوه.

الإعراب:

[قوله: "]

(2)

إذا ما" كلمة ما زائدة، و"الغانيات": مرفوع بفعل محذوف يفسره الظاهر تقديره: إذا برزت الغانيات، وذلك لأن إذا لا تدخل إلا على الجملة الفعلية، قوله: "يومًا" نصب على الظرف، قوله: "وزججن" عطف على قوله: "برزن"، و "الحواجب" مفعوله، [قوله: "]

(3)

والعيون" فيه حذف تقديره: وكحلن العيون؛ كما قال الشاعر:

عَلَفْتُهَا تِبْنًا وماءً باردًا

...................................

أي: وسقيتها ماء باردًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "والعيونا" حيث نصب بفعل مضمر كما قدرناه، ولا يجوز أن يكون بالعطف لعدم المشاركة، ولا باعتبار المعية والمصاحبة لعدم الفائدة بالإعلام بمصاحبة العيون الحواجب، قال ابن عصفور: يضمن زججن معنى: زيَّن؛ لأنهن إذا زججن الحواجب زينّها؛ فكأنه قال: وزيَّنَّ الحواجب والعيون

(4)

فافهم.

‌الشاهد الستون بعد الأربعمائة

(5)

،

(6)

فما أنتَ والسيرَ في مَتْلَفٍ

يُبْرِّحُ بالذَّكَرِ الضَّابِطِ

أقول: قائله هو أسامة بن الحرث بن الحبيب الهذلي، وكان يكنى أبا سهم.

(1)

يقول ذو الرمة في ذات غسل: الديوان (3/ 1390) بتحقيق: عبد القدوس:

ألا لعن الإله بذات غسل

ومرآة ما حد الليل النهارا

نساء بني امرئ القيس اللواتي

نسوة وجوههم حممًا وقارا

(2)

و

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ينظر ما قاله في شرح الجمل "الكبير"(2/ 453) حول قول الشاعر: "وماء باردًا"، وينظر معه المقرب بشرحه للدكتور علي فاخر: المنصوبات (648) وما بعدها، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 249)، والارتشاف (2/ 289).

(5)

ابن الناظم (111).

(6)

البيت من بحر المتقارب، وهو مطلع قصيدة لأبي سهم الهذلي في الوصف وحديث عن النفس، انظر ديوان الهذليين (2/ 195)، وانظر بيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 203)، والدرر (3/ 157)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 128)، وابن يعيش (2/ 52)، وشرح عمدة الحافظ (404)، وهمع الهوامع للسيوطي (3/ 93).

ص: 1075

وهو من قصيدة طائية من الوافر

(1)

، وأولها هو هذا البيت، وبعده [هو]

(2)

قوله

(3)

:

2 -

وبِالبُزْلِ قدْ دَمَّهَا نَيَّهَا

وذَاتِ المُدَارَأَة العَايطِ

3 -

ومَا يَتَوَقَّيْن مِنْ حَرَّةٍ

وَمَا يَتَجَاوَزْنَ مِنْ غَائِطٍ

4 -

وَمنْ أيْنِهَا بَعْدَ إبْدَانِهَا

وَمِنْ شَحْمِ أَثْبَاجهَا الهَابِطِ

5 -

تَصِيحُ جَنَادِبُهُ رُكّدًا

صيَاحَ المَسَامِيرِ في الوَاسِطِ

6 -

فَهُنَّ عَلَى كُلِّ مُسْتَوْقِزٍ

وُقُوعَ الدَّجاح عَلَى الحَائِطِ

7 -

وإلَّا النَّعَامَ وَحُفَّانَهُ

وَطُغْيَا مِنَ اللَّهَقِ النَّاشِطِ

8 -

إذَا بَلَغُوا مِصْرَهُمْ عُوجِلُوا

منَ الموت بالهِمْيَغِ الذَّاعِطِ

9 -

مِنَ المُرْبعِيَن وَمِنْ آزِلٍ

إذَا جَنَّهُ الليلُ كَالنَّاحِطِ

10 -

عَصَاكَ الأقَارِبُ منْ أمْرِهِمْ

فَزَايِلْ بِأمْرِكَ أوْ خَالِطِ

(4)

11 -

ولا تَسْقُطَنَّ سُقُوطَ النَّوَا

ة مِنْ كَفِّ مُرْتَضِخٍ لاقِطِ

1 -

قوله: "في متلف" بفتح الميم وسكون التاء المثناة من فوق وكسر اللام وفتحها، وهو القفر الذي يتلف فيه من سلكه.

قوله: "يبرح" بالتشديد؛ من برَّحَ به الأمر تبريحًا إذا جهده، والبرح: البارح الشدة والأذى، ويروى: يُعَبِّر بالذكر الضابط، وهكذا هو في ديوان الهذليين

(5)

؛ أي: يحمله على ما يكره، يقال: عبّر بعينه إذا أراه ما يكره، وأراه عبر عينه إذا أراه العبر وما يكره.

قوله: "بالذكر" بفتح الذال المعجمة والكاف، وأراد به الذكر من الإبل؛ لأنه أقوى في السير

(6)

من الناقة، وإذا برح بالذكر كان أحرى أن يبرح بالناقة، و"الضابط": القوي منه، ومنه الأضبط وهو الذي يعمل بيديه جميعًا.

2 -

قوله: "وبالبُزْلِ" بضم الباء الموحدة وسكون الزاي المعجمة في آخره لام؛ جمع بازل وهي المسنة من الإبل، قوله:"قدْ دمّها" بفتح الدال المهملة وتشديد الميم؛ أي: قد علاها نيها، أي: شحمها، وهو بفتح النون وتشديد الياء، وأصلها: نوى، ويقال: معناه: طلاها شحمها، ومنه يقال: دم قدرك؛ أي: أطلها بالطحال.

(1)

كذا في جميع النسخ، والصحيح أنه من المتقارب.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

انظر القصيدة في ديوان الهذليين (2/ 195)، ط. دار الكتب المصرية.

(4)

في (أ): في أمرهم.

(5)

انظر ديوان الهذليين (2/ 195) ط. دار الكتب المصرية.

(6)

في (أ): على السير.

ص: 1076

قوله: "وذات المدارأة" أراد بها الناقة التي بها اعتراض [وشدة نفس]

(1)

، ويقال: المدارأة: المدافعة، وأراد بها: الناقة التي تناطح الإبل في السير لنشاطها وقوتها، و"العايط" بالعين المهملة وبعد الألف ياء آخر الحروف، وهي الناقة التي لم تحبل أعوامًا فهي أقوى للسفر، قال سيبويه: عايط: حالت عامين أو ثلاثة لم تلقح

(2)

.

3 -

قوله: "وما يتوقين" أي: وما يتقين، "من حرة" بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء، وهي كل أرض ذات حجارة سود، و"الغائط" بالغين المعجمة؛ المكان المنخفض من الأرض، ويجمع على غيطان.

4 -

قوله: "ومن أينها" أي: إعيائها، وهو بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها نون، قوله:"بعد إبدانها" بكسر الهمزة وسكون الباء الموحدة، من أبدنها ربيع وعشب.

قوله: "أثباجها" بفتح الهمزة وسكون الثاء المثلثة بعدها الباء الموحدة وبعد الألف جيم، وهو جمع ثبج، وثبج كل شيء: وسطه، و "الهابط" هو الذي يذوب فيسيل من التعب.

5 -

قوله: "جنادبه": جمع جُنْدَب بضم الجيم وهو الجراد، والضمير فيه يعود إلى المتلف، قوله:"ركّدًا" بضم الراء؛ جمع راكد وهو الثابت، وأراد "بالواسط" واسط الرحل وهو موضع القَربُوس في السَّرْج، قال الجوهري: واسط الكور: مقدمه

(3)

.

6 -

قوله: "مستوفز" بفتح الفاء والزاي المعجمة، وهو المكان المرتفع، وأراد:"بالدجاج" هاهنا: الديوك.

7 -

و"النعام": جمع نعامة، و"الحفّان" بضم الحاء المهملة وكسرها

(4)

، وتشديد الفاء، وهي صغار النعام.

قوله: "وطُعْيَا" بضم الطاء المهملة وسكون الغين المعجمة على وزن حبلى، قال الفارسي: وكان الأصمعي يرويه على وزن حبلى، روى أحمد بن يحيى: طَغْيا -بفتح الطاء على وزن سكرى، وهي البقرة، وروى أبو عبيدة: طَغْيًا بفتح الطاء مع التنوين، وكذلك رواه أبو عمرو الشيباني وقالا: هو الصواب، يقال: طغى يطغى طغيا، ويكون للناس والبهائم

(5)

، ومن روى

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

هذا قول غير موجود في كتاب سيبويه، وهو في اللسان غير منسوب لسيبويه مادة:"عوط، عيط".

(3)

الصحاح مادة: "وسط".

(4)

هكذا روي النص بفتح الحاء وكسرها، ووجدناه في النسخة المحققة حديثًا: بفتح الحاء وكسرها.

(5)

في القاموس: "طغيت البقرة: صاحت، والطغى: الصوت، وطغيا: علم لبقرة الوحش".

ص: 1077

هكذا روى من اللهق، أي: صوتًا من اللهق، و "اللهق" بفتح اللام والهاء وبالقاف، وهو الثور الأبيض، و"الناشط" بالنون وبعد الألف شين معجمة، وهو الذي يخرج من موضع إلى موضع ولا يستقر.

8 -

قوله: "بالهميغ" بكسر الهاء وسكون الميم وفتح الياء آخر الحروف وفي آخره غين معجمة، وهو الموت المعجل، قال الجوهري: وكان الخليل يقول: بعين غير معجمة وخالفه الناس

(1)

، قوله:

"الذاعط" بالذال المعجمة والعين المهملة، ومعناه: الذابح؛ من الذعط وهو الذبح الوحي.

9 -

قوله: "من المربعين": جمع مربع بفتح الباء الموحدة

(2)

وهو الذي تأخذه الحمى الربع، والمعنى: جعلوا من أولئك الذين حُمِّلُوا الربع، قوله:"ومن آزل" بفتح الهمزة الممدودة وكسر الزاي وفي آخره لام، وهو الداخل في الأزل، وهو ضيق الحال من الحمى، قوله:"كالناحط" بالنون والحاء المهملة، وهو الذي يعتريه الزفير، أراد: كالناحط يذفر من الحمى؛ من نحَط ينحِطُ من باب ضرب يضرب.

10 -

قوله: "عصاك الأقارب" يقول لنفسه: إن لم يسمعوا قولك فزايلهم وخالطهم.

11 -

قوله: "مرتضخ" بالضاد والخاء المعجمتين، وهو الذي يدق [النوى]

(3)

للإبل، ويروى: مرتحض بالحاء والضاد المعجمة، وهو الذي يغسل النوى، يقول لنفسه: عصيت عشيرتك في البقاء، وترك السفر معهم، فلا تركن في رأيك بالنهوض معهم، فتكون بمنزلة النواة الساقطة من كف المرتضخ.

الإعراب:

قوله: "فما أنت" ويروى: فما أنا، وكلمة [ما]

(4)

للاستفهام على وجه الإنكار، وينكر على نفسه السفر في مثل هذا المتلف الذي يهلك الإبل فيه؛ وذلك لأن أصحابه كانوا سألوه أن يسافر معهم حين سافروا إلى الشام فأبى وقال هذا الشعر.

قوله: "والسير" والمعنى: ما تصنع والسير، فلما حذف الفعل انفصل الضمير المستكن وانتصب السير بذلك المحذوف، ومنهم من يرفعه ويجعل الواو عاطفة، وهذا هو الوجه؛ كما في قولك: ما أنت وزيد، يجوز فيه الوجهان.

قوله: "في متلف": متعلق بالسير، قوله:"يبرح": فعل وفاعل، قوله:"بالذكر": مفعوله،

(1)

الصحاح مادة: "همغ".

(2)

في (أ): بفتح الباء الموحدة.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1078

و"الضابط" بالجر صفة، والجملة وقعت صفة لمتلف.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فما أنت والسير" حيث انتصب السير بالفعل المحذوف، فيكون الواو فيه بمعنى مع، ويجوز الرفع على أن تكون الواو عاطفة؛ كما ذكرنا

(1)

.

‌الشاهد الحادي والستون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

أزمانُ قَوْمي والجمَاعةَ كالذي

لَزِمَ الرِّحَالةَ أنْ تميل مُمِيلَا

أقول: قائله هو الراعي، وقد مر الكلام فيه مستوفًى في شواهد كان

(4)

.

والاستشهاد فيه هاهنا:

في قوله: "والجماعة" فإنه منصوب على أنه مفعول معه، والواو فيه بمعنى مع، انتصب بكان المقدرة الرافعة لقومي؛ لأن تقديره: أزمان [كان]

(5)

قومي

(6)

.

‌الشاهد الثاني والستون بعد الأربعمائة

(7)

،

(8)

إذَا أَعْجَبَتْكَ الدّهْرَ حالٌ مِنَ امرِئ

فَدَعْهُ وواكِلْ أَمْرَهُ واللياليَا

أقول: احتجتْ به طائفة من النحاة، ولم أر أحدًا عزاه إلى قائله، وبعده بيت آخر وهو:

يَجِئْنَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ صَالِحٍ بِهِ

وإنْ كَانَ فِيمَا لا يَرَى النَّاسُ آلِيَا

وهما من الطويل.

قوله: "فدعه": أي اتركه، قوله:"وواكل أمره": من واكلت فلانًا مواكلة إذا اتكلت عليه واتكل هو عليك، قوله:"آليا": من ألا يألو إذا قصر، والمعنى؛ وإن كان فيما يرى الناس لا يألوا،

(1)

ينظر شرح الأشموني (2/ 137).

(2)

ابن الناظم (111).

(3)

البيت من بحر الكامل، من قصيدة للراعي النميري، سبق الحديث عنها في الشاهد رقم (207) من شواهد هذا الكتاب يصف استقامة الأمور قبل كل عثمان رضي الله عنه، وقومي اسم كان، وكالذي خبرها، والرحالة كتجارة: سرج من جلد، ومميلًا مفعول مطلق، والبيت في التصريح (1/ 195)، وشرح الأشموني (2/ 138)، والهمع (1/ 122).

(4)

ينظر الشاهد رقم (207) من هذا البحث.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

ينظر شرح الأشموني وحاشية الصبان (2/ 138).

(7)

ابن الناظم (111).

(8)

البيت من بحر الطويل، وقد ذكر الشارح ثانيًا له، وذكر أنهما مجهولا القائل، وقد استشهد الأشموني بالبيت الأول منهما مرتين (2/ 139، 169)، في باب المفعول معه، والحال، ولم ينسبه، لكنه نسب لأفنون التغلبي في حماسة البحتري (164) ولمويلك العبدي في حماسة البحتري (215)، وهو في معاني القرآن للفراء (2/ 57).

ص: 1079

ويتعلق بهذا البيت مسألة وهي أنهم قالوا: دخول حرف النفي على فعل

(1)

الشرط ينفيه فيعلق الحكم عليه منفيًّا نحو: من لا يكرمني أكرمه، تعلق وجود الإكرام على انتفاء الإكرام، قالوا: إلا في المشيئة والإرادة والرؤية والظن، فإن النفي يتسلط على متعلق ذلك، مثاله: من لا رد أن أكرمه أهنه، قالوا: معناه: من يرد أن لا أكرمه أهنه.

وتقول: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكثير من أهل الكلام لا يجيزون ذلك، والصحيح جوازه؛ لأن المعنى: وما يشاء أن لا يكون لا يكن، فدخلت ما على يشاء، وهي في المعنى داخلة على معمولها المحذوف، ولو رددنا ذلك لرددنا: إن شاء الله شيئًا كان وإلا فلا، وهو كلام جميع العرب؛ ألا ترى أن التقدير: وإن لا يشاء أن لا يكون فلا يكون، والدليل على ذلك قول الشاعر:

إذا أعجبتك ...............

................... البيتين

ومعنى قوله: "وإن كان فيما لا ورى الناس آليَا" وان كان فيما يرى الناس لا يألوا كما ذكرنا فافهم.

الإعراب:

قوله: "إذا" للشرط، و "أعجبتك": فعل ومفعول، وقوله:"حال" بالرفع فاعله، و"الدهر": نصب على الظرفية، قوله:"من امرئ" جار ومجرور في محل الرفع؛ لأنه صفة لحال، أي: حال كائنة أو حاصلة من امرئ.

قوله: "فدعه": جواب الشرط، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله:"وواكل": عطف على قوله: "فدعه"، و"أمره": مفعوله، قوله:"واللياليا": مفعول معه، أي: مع الليالي.

الاستشهاد فيه:

[في قوله: "واللياليا]

(2)

حيث نصب باعتبار المعية، وهذا أرجح على قول من يقول: إنه منصوب باعتبار العطف؛ لأن فيه تعسفًا

(3)

.

(1)

في (ب): على حرف الشرط.

(2)

ما بين المعقوفين زيادة للإيضاح.

(3)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 139)، ووجه التعسف أن الأمر بالمواكلة لليالي ضعيف؛ لأن الليالي لا تؤخر بذلك، فلم يبق إلا أن يكون المعنى: اترك أمره مع الليالي.

ص: 1080

‌الشاهد الثالث والستون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

عَلَفْتُهَا تِبْنًا وماءً باردًا

حتى شتتْ همّالةً عيْنَاهَا

أقول: هذا رجز مشهور بين القوم، ولم أر أحدًا عزاه إلى راجزه.

والضمير المنصوب في "علفتها" يرجع إلى الدابة التي يريدها الراجز، قوله:"حتى شتت" ويروى: حتى بدت، ومعناهما واحد، قوله:"همالة": من هملت العين إذا همرت، يعني: صبت دمعها.

الإعراب:

قوله: "علفتها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقوله:"تبنًا": مفعول ثان "وماء": عطف عليه، و "باردًا" صفته، قوله:"حتى": للغاية، والمعنى إلى أن شتت، و"شتت": فعل ماض، و"عيناها": كلام إضافي فاعله، و "همالة" نصب على التمييز

(3)

.

الاستشهاد فيه:

في عطف الماء على التبن فلا يصح أن يقال: الواو

(4)

في قوله: "وماء" للمعية والمصاحبة؛ لانعدام معنى المصاحبة، ولا يشارك قوله:"وماء" فيما قبله، فتعين أن ينتصب بفعل مضمر يدل عليه سياق الكلام، وهو أن يقال: التقدير: علفتها تبنًا وسقيتها ماء.

وقال ابن عصفور: إنهم ذهبوا إلى أن الاسم الذي بعد الواو معطوف على الاسم الذي قبلها ويكون العامل [في الاسم]

(5)

الذي قبل الواو قد ضمن في ذلك معنى يتسلط على الاسمين، فيتضمن علفتها معنى أطعمتها؛ لأنه إذا علفها تبنًا فقد أطعمها، وكأنه قال: أطعمتها تبنًا وماء، ويقال: أطعمته ماء، قال اللَّه سبحانه وتعالى:{وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249]

(6)

.

(1)

ابن الناظم (113)، وأوضح المسالك (2/ 56)، وشرح ابن عقيل (2/ 207).

(2)

البيتان من بحر الرجز المشطور بلا نسبة في الخصائص (2/ 431)، والدرر (6/ 79)، وشرح التصريح (1/ 346)، والإنصاف (357)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1147)، وشرح شواهد المغني (1/ 58)، والمغني (632)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 130)، والخزانة (3/ 139)، ولهما رواية غير ذلك وهي:

لما حططت الرحل عنها واردًا

علفتها تبنًا وماء باردًا

(3)

نقد صاحب الخزانة العيني في هذا البيت في موضعين وهما: أن شتت بمعنى بدت، وإعرابه همالة تمييزًا، ثم قال: إن شتت بمعنى: أقامت شتاء، وهمالة حال. الخزانة (3/ 141).

(4)

في (أ): إن الواو.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

ينظر ما قاله في شرح الجمل "الكبير"(2/ 453) حول قول الشاعر: "وماء باردًا"، وينظر معه شرح المقرب =

ص: 1081

‌الشاهد الرابع والستون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

فَكُونُوا أنتُمُ وبني أبيكم

مكان الكُلْيَتيْنِ من الطِّحَالِ

أقول: احتج به الزمخشري وغيره ولم ينسبه أحد منهم إلى قائله

(3)

، وهو من الوافر.

[قوله: "]

(4)

وبني أبيكم" أراد بهم الأخوة، والمعنى: كونوا أنتم مع إخوتكم متوافقين متصلين اتصال بعضكم ببعض كاتصال الكليتين وقربهما من الطحال، وأراد الشاعر بهذا الحث على الائتلاف والتقارب في المذهب، وضرب لهم مثلًا بقرب [الكليتين]

(5)

من الطحال.

الإعراب:

قوله: "فكونوا" الفاء للعطف على ما قبله إن تقدمه شيء أو لتزيين الكلام مع إقامة الوزن، "وكونوا" من كان الناقصة، واسمه هو الضمير المستتر فيه وهو أنتم، و"أنتم"

(6)

الظاهر تأكيد أكد به الضمير المتصل المستتر، قوله:"وبني أبيكم": كلام إضافي بمعنى مع، وقوله:"مكان الكليتين": كلام إضافي منصوب، لأنه خبر كان.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وبني أبيكم" فإن فيه وجهين:

الأول: النصب على أن يكون مفعولًا معه، والواو بمعنى مع، والعامل فيه [الفعل] الظاهر

(7)

وهو الراجح.

والثاني: الرفع على أن يكون عطفًا على أنتم، وهو ضعيف لضعف العطف من جهة المعنى.

والله أعلم

(8)

.

= للدكتور علي فاخر: المنصوبات (648) وما بعدها، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 249)، والارتشاف (2/ 289).

(1)

أوضح المسالك (2/ 54).

(2)

البيت من بحر الوافر، وقائله مجهول القائل في كثير من المراجع، لكنه نسب في نوادر أبي زيد (141) لرجل يدعى شعبة بن مخبر، وفي سمط اللآلئ (914) للأقرع بن معاذ، وهو أيضًا في الدرر (3/ 154)، وسر الصناعة (126)، وابن يعيش (2/ 48).

(3)

انظر المفصل للزمخشري (59)، وشرحه لابن يعيش (2/ 48).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

فيه تجاوز، فاسم كان هو الضمير المتصل بها، وهو واو الجماعة.

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

ينظر المفصل وشرحه لابن يعيش (2/ 48 - 52)، وسر الصناعة (126).

ص: 1082

‌شواهد الاستثناء

‌الشاهد الخامس والستون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

وبالصّرِيمَةِ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ خَلقٌ

عافٍ تَغَيَّرَ إلا النُّؤْيُ والوَتَدُ

أقول: قائله هو الأخطل غوث بن غياث.

وهو من البسيط.

قوله: "وبالصريمة" بفتح الصاد المهملة وكسر الراء وبعدها ياء آخر الحروف ساكنة وميم وهاء، وهي ما اسم موضع، والصريمة في الأصل: كل رملة انصرمت من معظم الرمل، ويقال: أفعى صريمة، والصريمة: الأرض المحصود ذرعها، وقال أبو حنيفة في كتاب النبات: الصريمة: جماعة من العصي، وكذا من الأرطى.

قوله: "خلق" أي: بالٍ، يقال: ملحفة خلق وثوب خلق، فيستوي فيه المذكر والمؤنث، قوله:"عافٍ" أي: دارس؛ من عفى المنزل يعفو إذا درس، يتعدى ولا يتعدى، وقال أبو عبيد: العفاء الدروس والهلاك.

قوله: "إلا النؤي" بضم النون وسكون الهمزة [وفي آخره ياء]

(3)

وهي حفرة تكون حول

(1)

ابن الناظم (117)، أوضح المسالك (2/ 61).

(2)

البيت من بحر البسيط من قصيدة للأخطل يمدح بها ولدي معاوية بن أبي سفيان، وهما عبد الله ويزيد، وقد استهل القصيدة بذكر الأحباب والديار، ثم وصف الناقة، ثم عرج إلى مدح الأمويين عامة، فمدح صاحبيه، وفي آخرها يقول:

والمسلمون بخير ما بقيت لهم

وليس بعدك خير حين تفتقد

أما قوله في الشاهد: وبالصريمة منهم، فالصحيح "منها" كما في الديوان؛ لأنه حديث عن دار صاحبته ضبيرة، وانظر القصيدة (114) من ديوان الأخطل، شرح وتصنيف: إيليا الحناوي، دار الثقافة بيروت، وانظر الشاهد في المغني (1/ 117)، وشرح شواهد المغني (276)، وشرح التصريح (1/ 349)، وشرح الأشموني (2/ 144).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1083

الخباء لئلا يدخله ماء المطر، ويجمع على: نُؤِيّ -بضم النون وكسر الهمزة وتشديد الياء، ونِئِيّ مثله إلا أنه بكسر النون، وأناء [بعد قرب]

(1)

، [ويقدمون الهمزة]

(2)

، ويقولون: آناء على القلب، فيكون وزنه أعْفال.

الإعراب:

قوله: "وبالصريمة" الواو للعطف والباء للظرف؛ أي: في الصريمة، وهو في محل الرفع على أنه خبر المبتدأ المؤخر، وهو قوله:"منزل"، قوله:"منهم": جار ومجرور في محل النصب على الحال من منزل، والتقدير: حال كونه متخلقًا منهم فيكون المتعلق محذوفًا، وقد قيل: إنه متعلق بقوله: "تغير" وفيه بعد، قوله:"خلق" بالرفع صفة للمنزل، وكذا قوله:"عافٍ": صفة أخرى، قوله:"تغير": جملة في محل الرفع صفة أخرى للمنزل.

قوله: "إلا النؤي": استثناء من الضمير المستتر الذي في "تغير" على طريق الإبدال، مع أن تغير موجب فلا يجوز الإبدال في الموجب، فلا يقال: قام القوم إلا زيد بالرفع على الإبدال.

وإنما جاز هاهنا نظرًا إلى معنى "تغير"؛ لأن معناه: لم يبق على حاله، فهو وإن كان موجبًا لفظا ولكنه منفي معنًى، وإذا تقدم النفي لفظًا أو معنًى يختار الإبدال؛ كما في قولك: ما قام أحد إلا زيد، وما مررت بأحد إلا زيد، هذا مثال اللفظي، والمعنوي ما ذكرناه في البيت.

والاستشهاد فيه: وهو ظاهر

(3)

.

‌الشاهد السادس والستون بعد الأربعمائة

(4)

،

(5)

لِدَمٍ ضَائِعٍ تَغَيَّبَ عَنْهُ

أَقْرَبُوهُ إلا الصَّبَا والدَّبُورُ

أقول: [هذا من المديد]

(6)

، واحتج به ابن كيسان في المهذب ولم يعزه إلى قائله، وفي روايته:

مِنْ دَمٍ ضَائِعٍ تَغَيَّبَ عَنْهُ

أقْرَبُوهُ إلا الصَّبَا وَالجبُوبُ

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر شرح الأشموني (2/ 144).

(4)

ابن الناظم (117).

(5)

البيت من بحر الخفيف، وهو لقائل مجهول في وصف قتيل لا أهل له ولا أقرباء إلا ما يمر عليه من ريح الصبا والدبور، والبيت في شرح الكافية الشافية (710)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 281)، الدرر (3/ 169)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 229)، ويروى:

......................

................... إلا الصبا والجنوب

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1084

ثم قال: الجبوب: وجه الأرض، وقال الجوهري: الجبُوبُ: الأرض الغليظة، ويقال: وجه الأرض ولا يجمع

(1)

، قلت: هو بفتح الجيم وضم الباء الموحدة وما بعدها واو ساكنة وياء أخرى، [قوله:"لدم ضائع" أي: هالك]

(2)

قوله: "أقربوه" أصله: أقربون له سقطت النون للإضافة وكذا لام الجر، قوله:"إلا الصبا" وهي الريح الشرقية، ويقال لها: القبول، وهي تهبُّ من شرق الاستواء، وهو مطلع الشمس في زمن الاعتدال، والدبور -بفتح الدال مقابلها، وهي الريح الغربية؛ فإنها تهب من مغرب الشمس.

الإعراب:

قوله: "لدم" اللام للتعليل، و"ضائع": صفة الدم، قوله:"تغيب" فعل ماض، و"أقربوه": فاعله، وقوله:"عنه": جار ومجرور متعلق بتغيب، قوله:"إلا الصبا": استثناء من "تغيب عنه أقربوه" على طريق الإبدال مع أن تغيب موجب، فلا يجوز الإبدال في الموجب، ولكن لما كان معنى تغيب لم يحضر فحينئذ كان منفيًّا، وإذا تقدم [النفي]

(3)

لفظًا أو معنًى جاز الإبدال، وهذا موضع الاستشهاد وهو ظاهر

(4)

.

ويقال: يلزم من هذا اجتماع أمرين: حمل المثبت على المنفي بضرب من التأويل والإبدال في المنقطع؛ لأنه ليس من جنس الأقربين؛ ألا ترى أن أقربوه جمع لمن يعقل، ويقال:"إلَّا" هاهنا صفة للضمير، وفيه نظر، قال ابن هشام: والحق أن الاسمين مبتدأ ومعطوف، والخبر محذوف.

وقال ابن مالك: إلا هاهنا بمعنى لكن، والتقدير: لكن الصبا والدبور لم يتغيبا عنه، وذلك كما في قوله صلى الله عليه وسلم

(5)

: "كل أمتي معافى إلا المجاهرون بالمعاصي" أي: لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون، وبمثل هذا تأوَّل الفراء قراءة بعضهم:(فشربوا منه إلا قليل منهم)، [أي: إلا قليل منهم]

(6)

، لم يشربوا

(7)

.

(1)

الصحاح مادة: "جبب".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 144)، وابن الناظم (295)، ط. دار الجيل.

(5)

صحيح البخاري (8/ 30)، ط. النسخة الأميرية (1314 هـ) تسعة أجزاء. كتاب الأدب، باب ستر المؤمن على نفسه، والرواية فيه بالنصب:"إلا المجاهرين" وبقيته: "وإن من المجانة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله".

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(7)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 283، 284).

ص: 1085

‌الشاهد السابع والستون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

وبَلْدَةٍ ليسَ بها أَنِيسُ

إلَّا اليَعَافِيرُ وإلَّا العيسُ

أقول: قائله هو جران العود، واسمه العامر بن الحرث

(3)

، وهو من قصيدة مرجزة، وأولها هو قوله:

1 -

قَدْ نَدَعُ المنزِلَ يَا لمِيسُ

يعشى فِيهِ السَّبْعُ الجَرُوسُ

2 -

الذِّيبُ أوْ ذُو لِبَدٍ هَمُوسُ

وبَلْدَةً لَيسَ بِهَا أنِيسُ

[ويروى]

(4)

.

1 -

بَسَابسًا لَيسَ بِهَا أنِيسُ

إلَّا اليَعَافِيرُ وإلَّا الْعِيسُ

2 -

وبَقَرٌ مُلَمَّعٌ كَنُوسُ

مكَأَنَّمَا هُن الجَوَارِي المِيسُ

1 -

قوله: "يا لميس" نداء للمرأة، [قوله: "]

(5)

يعيس" يعني: يطلب ما يأكل، و "الجروس" بفتح الجيم؛ من الجرس وهو الصوت الخفي.

2 -

قوله: "أو ذو لبد" بكسر اللام وفتح الباء الموحدة، جمع لبدة، وأراد به: الأسد، و"اللبدة": ما بين كتفيه من الوبر، قوله:"هموس" أي: خفيف الوطء.

1 -

قوله: "بسابسًا": جمع بسبس وهو القفر، قوله:"أنيس" أي: مؤانس، قال الجوهري: الأنيس: المؤانس وكل ما يؤنس به، وما بالدار أنيس، أي: أحد

(6)

.

و"اليعافير" بفتح الياء آخر الحروف والعين المهملة وبعد الألف فاء؛ جمع يعفور وهو الخِشْفُ وولد البقرة الوحشية -أيضًا-، وقال بعضهم: اليعافير: تيوس الطاء، و"العيس": بكسر العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة، وهي الإبل البيض يخالط بياضها شيء من الشقرة، واحدها: أعيس، والأنثى: عيساء.

(1)

ابن الناظم (118)، أوضح المسالك (2/ 63).

(2)

البيتان من بحر الرجز المشطور، وهما من مقطوعة ذكرهما الشارح في وصف قفر وصحراء، والشاهد في الأشموني (2/ 147)، والتصريح (1/ 353)، والخزانة (10/ 15 - 18)، والدرر (3/ 162)، وشرح أبيات سيبويه (2/ 140)، وابن يعيش (2/ 117)، والجنى الداني (164)، والإنصاف (1/ 271).

(3)

شاعر جاهلي، وجِران العود بكسر الجيم وفتح العين لقبه، وهو المسن من الإبل، من أخباره أنه تزوج امرأتين فاتفقتا عليه وضربتاه واشتكى منهما في شعره، الخزانة (10/ 17).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(6)

الصحاح مادة: "أنس".

ص: 1086

2 -

قوله: "ملمع" يعني: فيها لمع بياض وسواد، قوله:"كنوس" يعني: داخلة في كنسها، وهو موضعها من الشجر

(1)

تكتن فيه وتستتر، قوله:"الميس" بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف، وهو جمع ميساء، من الميس بفتح الميم، وهو التبختر في المشي.

الإعراب:

قوله: "وبلدة" الواو فيه واو رب، "وبلدة": مجرور بها، قوله:"ليس": من الأفعال الناقصة، و "أنيس": اسمه، و"بها": مقدمًا خبره، أي: ليس أنيس كائن فيها، قوله:"إلا اليعافير": استثناء من قوله: "أنيس" على وجه الإبدال مع أنه استثناء منقطع، وذلك في لغة بني تميم؛ فإنهم يجيزون: ما فيها أحد إلا حمار، وأما أهل الحجاز فإنهم يوجبون النصب، قوله:"وإلا العيس" عطف على "إلا اليعافير".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إلا اليعافير وإلا العيس" وقد قررناه، والله أعلم.

‌الشاهد الثامن والستون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

عَشِيَّةَ لا تُغْنِي الرِّمَاحُ مَكَانَهَا

ولَا النَّبلُ إلا المَشْرَفِيُّ المُصَمِّمُ

أقول: قائله هو ضرار بن الآزور المالكي

(4)

من بني رواد بن عمرو بن مالك، وقبله:

1 -

أُجَاهِدُ إذْ كَانَ الجِهَادُ غَنِيمَةً

وَللهُ بِالْعَبدِ المُجَاهِدِ أعْلَمُ

(1)

في (أ): وهو موضعها الشجر.

(2)

ابن الناظم (118)، ولم نعثر عليه في أوضح المسالك.

(3)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة لضرار بن الأزور الشاعر الإسلامي المجاهد، قالها في قومه بني أسد، وقد ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي في الخزانة (3/ 319)، في مقطوعة عدتها تسعة أبيات، وهذا هو مطلعها يعاتب قومه:

بني أسد قد ساء في ما صنعتم

وليس لقوم حاربوا الله محرم

وأعلم حقًّا أنكم قد غويتم

بني أسد فاستأجروا أو تقدموا

وقد ذكر صاحب الخزانة أن هناك قصيدة أخرى على هذا الوزن والروي؛ لكنها منصوبة، وانظر بيت الشاهد في الكتاب (2/ 325)، وشرح أبيات سيبويه (2/ 128)، وتذكرة النحاة (330)، وخزانة الأدب (3/ 318)، وشرح الأشموني (2/ 147).

(4)

فارس شاعر من الصحابة التقى بالنبي صلى الله عليه وسلم وبايعه على الجهاد، وبذل ماله في سبيل الله ثم التحق بجيش خالد بن الوليد في محاربة المرتدين، وهو الذي قتل مالك بن نويرة الذي رثاه أخوه متمم بأعظم رثاء؛ كما شهد مع خالد واقعة اليرموك وفتح الشام، الخزانة (1/ 326).

ص: 1087

وهما من الطويل.

قوله: "ولا النبل" أي: السهام، قوله:"إلا المشرفي "بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الراء وكسر الفاء وتشديد الياء، أي: السيف المشرفي، قال أبو عبيد: المشرفية: سيوف تنسب إلى مشارف، وهي قرى من أرض العرب تدنو من الريف، يقال: سيف مشرفي، ولا يقال: مشارفي؛ لأن الجمع لا ينسب إليه إذا كان على هذا الوزن؛ لا يقال: مهالبي ولا جعافري ولا عباقري

(1)

، قوله:"المصمم": من صمم السيف إذا مضى في العظم يقطعه، وأما إذا أصاب المفصل فقطعه، يقال: طبق، قال الشاعر يصف سيفًا

(2)

:

يُصَمِّمُ أَحْيَانًا وحِينًا يُطَبِّقُ

............................

الإعراب:

قوله: "عشية": نصب على الظرف، والعامل فيه "أجاهد" في البيت السابق، "لا تغني الرماح": جملة من الفعل والفاعل [في محل الجر بالإضافة]

(3)

، قوله:"مكانها": نصب على الظرف، أي: مكان الحرب، يدل عليه لفظ الجهاد؛ لأنه لا يكون إلا بمكان الحرب.

قوله: "ولا النبل" بالرفع عطف على الرماح؛ أي: ولا تغني النبل -أيضًا-؛ لأن الحرب إذا كانت بالليل لا تغني الرماح ولا النبال، ولا تغني [إلا]

(4)

السيوف لاختلاط القوم ومواجهة بعضهم بعضًا، قوله:"إلا المشرفي": استثناء منقطع على طريق البدل على لغة بني تميم، وهو موضع الاستشهاد، وقوله:"المصمم" بالرفع صفة المشرفي، فافهم

(5)

.

‌الشاهد التاسع والستون بعد الأربعمائة

(6)

،

(7)

وبنْتَ كَريمٍ قد نَكحْنَا ولم يكن

لنَا خاطِبٌ إلا السِّنَانُ وَعامِلُهُ

أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب

(8)

.

(1)

ينظر شرح الشافية للرضي (2/ 78).

(2)

عجز بيت من بحر الطويل، لم نقف على صدره، ولا قائله، وهو في الصحاح واللسان وتاج العروس:"صمم".

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

قال سيبويه: "وزعم الخليل أن الرفع في هذا على قوله

وقال (البيت) وهذا يقوي: ما أتاني زيد إلا عمرو، وما أعانه إخوانكم إلا إخوانُهُ لأنها معارف ليست الأسماء الآخرة بها ولا منها" (2/ 325).

(6)

ابن الناظم (118).

(7)

البيت من بحر الطويل، نسبه العيني وحده للفرزدق، وليس في ديوانه طبعة دار صادر، ولا في ديوانه طبعة دار الكتب العلمية بيروت، بشرح علي فاعور، والبيت في شرح الأشموني (2/ 147)، وروايته:"وبنت كرام .... ".

(8)

ليس في الديوان شرح علي فاعور، وينظر المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (706).

ص: 1088

وهو من الطويل.

قوله: "إلا السنان" بكسر السين المهملة بعدها نون وبعد الألف نون أخرى، وهو سنان الرمح، قوله:"وعامله" أي: وعامل الرمح وهو ما يلي السنان وهو دون الثعلب، والثعلب: طرف الرمح الداخل في جبة السنان.

الإعراب:

قوله: "وبنت كريم": كلام إضافي منصوب بفعل مقدر يفسره الظاهر، تقديره: قد نكحنا بنت كريم، قوله:"ولم يكن" الواو للحال، واسم يكن هو قوله:"خاطب"، وخبره قوله:"لنا"، قوله:"إلا السنان" بالرفع استثناء منقطع على طريق البدل من قوله: "خاطب" وهو على لغة تميم، وفيه الاستشهاد، وقوله:"وعامله": كلام إضافي مرفوع عطف على السنان فافهم

(1)

.

‌الشاهد السبعون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

وما لِيَ إلا آلَ أحْمَدَ شِيعةٌ

وما لِيَ إلا مَذْهَبَ الحقِّ مَذْهَبُ

أقول: قائله هو الكميت بن زيد الأسدي شاعر إسلامي، وهو الكميت الأصغر، والكميت الأوسط هو الكميت بن معروف، والكميت الأكبر هو الكميت بن ثعلبة، وهو جد الكميت ابن معروف، والكميت الأصغر هو أكثرهم شعرًا وآخرهم.

والبيت المذكور من قصيدة بائية يمدح بها بني هاشم وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

طَرِبْتُ ومَا شَوْقًا إلَى البِيضِ أَطْرَبُ

وَلَا لَعِبًا مِنِّي وَذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ

2 -

ولَمْ تُلْهِنِي دَارٌ وَلَا رَبْعُ مَنْزِلٍ

وَلَمْ يَتَطَرَّبْنِي بَنَانٌ مُخَضَّبُ

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 147).

(2)

ابن الناظم (118)، وأوضح المسالك (2/ 64)، وشرح ابن عقيل (2/ 216).

(3)

البيت من بحر الطويل من قصيدة للكميت بن زيد الأسدي، شاعر آل البيت، يمدح بها بني هاشم، وهي طويلة بلغت ثمانية وثلاثين ومائة بيت، بدأها الكميت بالنسيب، ولكن إلى آل البيت، ثم ذكر حاله وحبه لهم، ثم احتج لهم بالخلافة، وأنهم أحق بها من غيرهم، وقد ذكر العيني وغيره في كتبهم كثيرًا من أبيات هذه القصيدة تيمنًا بها، وهي في الهاشميات (118)، وانظر بيت الشاهد في الإنصاف (275)، وتخليص الشواهد (82)، والخزانة (4/ 314)، والمقتضب (4/ 398)، وينظر المعجم الفصل في شواهد النحو الشعرية (98)، وعجز البيت وروايته في الديوان هكذا:

................................

وما لي إلا مشعب الحق مشعب

(4)

ينظر الكميت بن زيد شاعر العصر الروائي وقصائده الهاشميات (118)، تأليف: عبد المتعال الصعيدي، نشر دار الفكر العربي.

ص: 1089

3 -

ولَا السَّانِحَاتُ البَارِحَاتُ عَشِيَّةً

أَمَرَّ سَلِيمُ القَرْن أَمْ مَرَّ أَغْضَبُ

4 -

ولكِنْ إِلَى أَهْل الفَضَائِلِ وَالنُّهَى

وخَيرِ بَنِي حَوَّاءَ والخَيَرُ يُطْلَبُ

5 -

إلَى النَّفَرِ البيضِ الذِينَ بحُبِّهِمْ

إلَى الله فِيمَا نَابَنِي أتَقَرَّبُ

6 -

بنِي هَاشِمٍ رَهْطِ النَّبي فَإنَّنِي

بِهِمْ وَلَهُمْ أَرْضَى مِرَارًا وأَغْضَبُ

7 -

خَفَضْتُ لَهُمْ مِنِّي جَنَاحَ مَوَدَّتي

إلَي كَنَفٍ عِطْفَاهُ أَهْل وَمَرْحَبُ

8 -

وما لِيَ إلا آلَ أحْمَدَ شِيعةٌ

وما لِيَ إلَّا مَذْهَبَ الحقِّ مَذْهَبُ

(1)

9 -

إلَيكُمْ ذَوي آلِ النَّبِيّ تَطَلَّعَتْ

نَوَازِعُ مِنْ قَلْبي ظِمَاءٌ وأَلْبُبُ

10 -

بأيِّ كِتَاب أمْ بأيةِ سُنّةٍ

تَرَى حُبَّهُمْ عَارًا عَلَيَّ وَتَحْسِبُ

11 -

يُشيرُونَ بالأَيْدِي إلَيَّ وقَوْلُهُمُ

ألَا خَابَ هَذَا والمُشِيرُونَ أَخْيَبُ

12 -

وجَدْنَا لَكُمْ في آلِ حاميم آيَةً

تَأَوَّلَهَا مِنَّا تَقِيٌّ وَمُعْرِبُ

13 -

عَلَى أَيِّ جُرْمٍ أمْ بِأَيَّةِ سِيرَةٍ

أُعَنَّفُ في تَقْرِيظِهِمْ وَأُكُذَّبُ

14 -

أُنَاسٌ بِهِمْ عَزَّتْ قُرَيْشٌ فأصْبَحَتْ

وفِيهِمْ خِبَاءُ المُكْرَمَاتُ المُطَنَّبُ

15 -

أُولَئكَ إنْ شَطَّتْ بِهِمْ غُرْبةٌ النَّوى

أمَانِي نَفْسِي والهَوَى حَيثُ يَقْرُبُ

16 -

مَضَوْا سَلَفًا لا بُدَّ أنَّ طَرِيقَنَا

إلَيهِمْ فَعَادٍ نحْوَهُمْ مُتَأَوِّبُ

17 -

فيَا مُوقِدًا نَارًا لِغَيركَ ضَوْؤُهَا

ويَا حَاطِبًا في حَبلِ غَيرِكَ تَحْطِبُ

وهي من الطويل.

1 -

قوله: "إلى البيض" بكسر الباء؛ جمع أبيض وهو السيف، [قوله: "]

(2)

، وذو الشيب يلعب": جملة اسمية وقعت حالًا.

2 -

قوله: "ولم تلهني" أي: ولم تشغلني.

3 -

قوله: "ولا السانحات": جمع سانح بالنون، وهو ما ولَّاك ميامنه من ظبي أو طائر أو غيرهما، تقول: سنح لي الطي يسنح سنوحًا إذا مرَّ من مياسرك إلى ميامنك، و"البارحات": جمع بارح؛ من برح الظبي بالفتح بروحًا إذا ولاك مياسره، ومرَّ من ميامنك إلى مياسرك، والعرب تتطير بالبارح وتتفاءل بالسانح؛ لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف، قوله:"أم مرَّ أعضب" بالعين المهملة والضاد المعجمة، وهو المكسور القرن الداخل.

(1)

هذا البيت سقط في (ب).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1090

8 -

قوله: "وما لي إلا آل أحمد شيعة" أي: ما لي أعوان وأنصار غير آل محمد صلى الله عليه وسلم، قوله:"وما لي إلا مذهب الحق مذهب" أي: ما لي طريق إلا طريق الحق، ويروى: وما لي إلا مشعب الحق مشعب، ومشعب الحق -بفتح الميم: طريقه.

الإعراب:

قوله: "وما لي" الواو للعطف وكلمة ما بمعنى ليس، واسمه هو قوله:"شيعة"، وخبره هو قوله:"لي" وكلمة إلا للاستثناء، و "آل أحمد": كلام إضافي منصوب بإلا لتقدمه على المستثنى منه.

وكان قبل تقدمه يجوز فيه الوجهان: النصب والبدل؛ فالبدل هو المختار، والنصب على أصل الباب، فلما قدم امتنع البدل الذي هو الوجه الراجح؛ لأن البدل لا يتقدم المبدل منه من حيث كان من التوابع كالنعت والتوكيد، فتعين النصب الذي هو مرجوح لأجل الضرورة، قوله:

"وما لي إلا مذهب الحق مذهب" الكلام فيه كالكلام في الشطر الأول سواء.

الاستشهاد فيه:

ظاهر، وهو وجوب النصب عند تقدم المستثنى

(1)

.

‌الشاهد الحادي والسبعون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

لِأنَّهُمْ يَرْجُونَ منهُ شَفَاعَةً

إِذَا لَمْ يَكُنْ إلا النَّبِيُّونَ شافِعُ

أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه.

وهو من الطويل. المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "لأنهم" اللام للتعليل، وأن: حرف من الحروت المشبهة بالفعل وهو اسمه، و"يرجون":

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 280) وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 149).

(2)

ابن الناظم (118)، أوضح المسالك (2/ 65).

(3)

البيت من قصيدة من بحر الطويل، قالها حسان بن ثابت يوم بدر، يمدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وجاء فيها:

وفوا يوم بدر للرسول وقومهم

ظلال المنايا والسيوف اللوامع

وانظر بيت الشاهد في ديوان حسان (114)، ط. الهيئة العامة للكتاب، د. سيد حسنين، والديوان (317) بشرح عبد الرحمن البرقوقي، ط. دار الكتاب العربي (1990 م)، والدرر (3/ 162)، والتصريح (1/ 355)، والهمع (1/ 225).

ص: 1091

جملة من الفعل والفاعل خبره، والضمير في "منه" يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتعلق

(1)

بيرجون.

قوله: "شفاعة" بالنصب مفعول يرجون، وكلمة "إذا" للظرف، و "لم يكن": من كان التامة، أي: إذا لم يوجد إلا النبيون شافع، وكلمة إلا للاستثناء، و"النبيون" بالرفع على تفريغ العامل له.

وقوله: "شافع": بدل كل، فلذلك ارتفع على أن المستثنى مقدم على المستثنى منه، وكان النصب فيه واجبًا لما قلنا في البيت السابق، ولكنه ورد عن العرب، وحكى يونس أنهم يقولون: ما لي إلا أبوك ناصر، وأجابوا عن هذا بأن الاستثناء في البيت مفرغ لما ذكرنا.

والاستشهاد فيه:

على رفع المستثنى المقدم على المستثنى منه كما ذكرنا

(2)

.

‌الشاهد الثاني والسبعون بعد الأربعمائة

(3)

،

(4)

هل الدَّهْرُ إلّا لَيْلَةٌ وَنَهارُهَا

وإلَّا طُلُوعُ الشَّمْسِ ثُمَّ غَيَارُهَا

أقول: قائله هو أبو ذؤيب واسمه خويلد بن خالد الهذلي، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وتوفي في خلافة عثمان [رضي الله عنه]

(5)

.

وهو من قصيدة طويلة من الطويل يرثي بها أبو ذؤيب نشبة بن محرث أحد بني مؤمل بن خطط بن زيد بن قرد بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل، والبيت المذكور أولها، وبعده هو قوله

(6)

:

2 -

أبَى القَلْبُ إلَّا أُمَّ عَمْرٍو وَأصْبَحَتْ

تُحَرَّقُ نَارِي بالشَّكَاةِ ونَارُهَا

3 -

وعَيَّرَهَا الوَاشُونَ أَنِّي مُحِبُّهَا

وتِلكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنكَ عَارُهَا

(1)

في (أ): متعلق.

(2)

قال سيبويه: "وحدثنا يونس أن بعض العرب الموثوق بهم يقولون: ما لي إلا أبوك أحد؛ فيجعلون أحدًا بدلًا ........ ". الكتاب (2/ 337)، وينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 290).

(3)

ابن الناظم (119)، وشرح ابن عقيل (2/ 220).

(4)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة طويلة يرثي فيها أبو ذؤيب الهذلي نشيبة بن محرث من هذيل، وهي بتمامها في ديوان الهذليين (1/ 21)، وشرح أشعار الهذليين (1/ 70)، واللسان:"غور"، وابن يعيش (2/ 41)، وحاشية الصبان (2/ 51).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

ديوان الهذليين (1/ 21)، وشرح أشعار الهذليين (1/ 70).

ص: 1092

4 -

فلَا يهنئ الوَاشُينَ أنْ قَدْ هَجَرْتُهَا

وأَظلَمَ دُونِي لَيْلُهَا ونَهَارُهَا

5 -

فإنْ أعْتَذِرْ مِنهَا فَإنِي مُكَذِّبٌ

وإنْ تَعتَذِرْ يُردَدْ عَلَيهَا اعْتِذَارُهَا

6 -

فَمَا أُمُّ خَشْفٍ بالعَلايَةِ فَارِدٌ

تَنُوشُ البَرِيرَ حَيثُ نَال اهْتِصَارُهَا

2 -

قوله: "تحرق" أي: توقد، قوله:"بالشكاة" بفتح الشين، وهي النميمة والكلام القبيح.

6 -

قوله: "بالعلابة" بفتح العين المهملة وبعد اللام [ألف ثم]

(1)

باء أخرى

(2)

، وهو اسم موضع، قوله:"فارد" بالفاء، يقال: ظبية فارد: انقطعت عن القطيع، وهو من قبيل حائض وطامث، وارتفاعه على أنه خبر لأم خشف وهي الظبية، و"الخشف" بكسر الخاء المعجمة، ولدها، ويروى:

فَمَا أُمُّ خَشْفٍ بالعَلايَةِ شَادِنٌ

................................

من شدن الطي إذا توي، قوله:"تنوش" أي: تتناول؛ من النوش وهو التناول، قوله:"البرير" بفتح الباء الموحدة وكسر الراء الأولى، وهو ثمر الأراك كله ما أدرك منه وما لم يدرك، فما أدرك منه فهو مرد، وما لم يدرك فهو كباث

(3)

.

قوله: "اهتصارها" أي: جذبها، يقال: اهتصر فلان فلانًا إذا أخذه بشعره فجره ومده، وهصر العود إذا مده وكسره، ومنه سمي الرجل مهاصرًا.

الإعراب:

قوله: "هل": بمعنى ما النافية، و "الدهر": مرفوع بالابتداء، و"ليلة" خبره، والاستثناء مفرغ، قوله:"ونهارها" كلام إضافي مرفوع لأنه عطف على ليلة، قوله:"وإلا طلوع الشمس" بالرفع عطفًا على ما قبله، ولا عمل للاستثناء بل "إلا" هاهنا لمجرد التوكيد، وهو محل الاستشهاد

(4)

، قوله:"ثم غيارها" بالرفع عطف على قوله: "طلوع الشمس" وهو بكسر الغين المعجمة وبالياء آخر الحروف، ويقال: غارت الشمس تغور غيارًا أي: غربت.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): ياء أخرى.

(3)

جاء في هامش الخزانة طبعة بولاق دار صادر (3/ 117) تعليقًا على كلام العيني ما نصه: "قول العيني وهو ثمر الأراك .. إلخ، الذي في القاموس أن البريد هو الأول من ثمر الأراك، والمرد الغض من ثمر الأراك، والكباث: النضيج من ثمر الأراك، وذلك عكس ما ذكره".

(4)

قال ابن مالك: "تكرر إلا بعد المستثنى بها لتوكيد ولغير توكيد، وتكريرها للتوكيد إما مع بدل وإما مع معطوف بالواو .... ومن الثاني قول الشاعر (البيت) ". ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 295، 296).

ص: 1093

‌الشاهد الثالث والسبعون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

مَا لكَ مِنْ شَيْخِكَ إلا عملهُ

إلا رَسِيمُهُ وإلَّا رَمَلُهُ

أقول: قائله هو راجز من الرجاز، لم أقف على اسمه.

قوله: "رسيمه" بفتح الراء وكسر السين المهملة بعدها ياء آخر الحروف وفي آخره ميم، وهو في الأصل ضرب من سير الإبل، وهو فوق الذميل، وقد رسم يرسم من باب ضرب يضرب رسيمًا، ولا يقال أرسَم، قوله:"رمله" بفتحتين وهو الهرولة ورملت بين المحظ والمروة رملًا ورملانًا.

الإعراب:

قوله: "ما لك": كلمة ما للنفي وانتقض عملها بإلا، وقد تكررت إلا في هذا البيت للتوكيد، ولا عمل لها بل الذي بعدها تابع للذي قبلها إلا أن هاهنا تابعين.

أحدهما: بدل وهو رسميه، فإن الرسيم هو نوع من السير كما ذكرنا وهو نفس العمل.

والثاني: معطوف بالواو وهو رمله وهو نوع آخر من السير، وقال النحاس: رسيمه ورمله تفسير لعمله

(3)

.

الاستشهاد فيه:

على أن: "إلا" المكررة فيه زائدة مؤكدة للتي قبلها، ودخولها كخروجها، ولا تعمل شيئًا فيما تدخل عليه، واعلم أن في هذا البيت دليلًا على أن الواو لا تفيد الترتيب؛ لأن الطواف مقدم على السعي فافهم

(4)

.

(1)

ابن الناظم (119)، توضيح المقاصد (2/ 107)، أوضح المسالك (2/ 67)، وشرح ابن عقيل (2/ 221).

(2)

بيتان من بحر الرجز لقائل مجهول، وهما في الكتاب لسيبويه (2/ 341)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 227)، والدرر (3/ 167)، ورصف المباني (89)، وشرح التصريح (1/ 356).

(3)

شرح أبيات سيبويه للنحاس (274)، د. وهبة متولي.

(4)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 296)، وقال الأشموني:"وقد اجتمع البدل والعطف في قوله (البيت) أي: إلا عمله رسيمه ررمله، فرسيمه بدل ررمله معطوف وإلا مقرونة بكل منهما". شرح الأشموني (2/ 151).

ص: 1094

‌الشاهد الرابع والسبعون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

لم أُلْفِ في الدَّارِ ذَا نُطْقٍ سِوَى طَلَلٍ

قَدْ كادَ يَعْفُو ومَا بالعَهْدِ مِن قِدَمِ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط.

قوله: "لم أُلف" بضم الهمزة وسكون اللام وبالفاء، أي: لم أجد، قال الله تعالى:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] أي: وجداه، و"الطلل" بفتحتين؛ ما شخص من آثار الدار، وأراد بالدار منزل القوم، قوله:"يعفو" أي: يدرس؛ من عَفَى يعفُو عُفُوًّا بتشديد الواو، وقال ابن فارس: عفت الدار إذا غطاها الترابُ

(3)

.

الإعراب:

قوله: "لم ألف": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"ذا نطق": كلام إضافي مفعوله، وأراد: لم أجد في الدار أحدًا سوى الآثار، وقوله:"سوى طلل": استثناء منقطع.

قوله: "قد كاد يعفو" أي: [قد]

(4)

قرب اندراسه، والجملة موضعها النصب على الحال، واسم كاد فيه مستتر، وخبره قوله:"يعفو"، "وما بالعهد من قدم" كلمة ما نافية بمعنى ليس، وقوله:"من قدم": اسمه، "ومن" زائدة، "وبالعهد": خبره، والمعنى: ليس زمان قديم بعهد الدار، والجملة -أيضًا- في محل النصب على الحال

(5)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "سوى طلل" فإنه دل على أن سوى يستثنى بها في المنقطع

(6)

.

‌الشاهد الخامس والسبعون بعد الأربعمائة

(7)

،

(8)

أصابهُمُ بلاءٌ كانَ فيهمْ

سِوى مَا قَدْ أصاب بَنِي النَّضِيرِ

أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه.

(1)

ابن الناظم (121).

(2)

البيت من بحر البسيط، وهو لقائل مجهول، ولا مراجع له إلا الدرر (3/ 95)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 202)، ولا يوجد فيهما إلا صدره فقط، وهو في المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (919).

(3)

المجمل لابن فارس: "عفو".

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ليس بصحيح؛ فالجملة صفة لأنها بعد نكرة "سوى طلل".

(6)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 314).

(7)

ابن الناظم (121).

(8)

البيت من قصيدة لحسان بن ثابت قالها في بني قريظة حين حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم، وحين نزلوا على حكم =

ص: 1095

وهو من قصيدة من الوافر، وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

لقد لَقيَتْ قُرَيْظَةُ ما سآها

ومَا وَجَدَتْ لذلك مِنْ نَصِيرِ

2 -

أصابهُمُ ..............

......................... إلخ

3 -

غَدَاةَ أَتَاهُمُ يَهْوي إليهِمْ

رَسُولُ الله كالقمَرِ المُنِيرِ

4 -

لهُ خَيْلٌ مُجَنَّبَةٌ تَعَادَى

بفُرْسَانٍ عَلَيهَا كالصُّقُورِ

5 -

تركناهم وما ظَفِرُوا بشيءٍ

دمَاؤُهُمُ عليهِمْ كالعَبِيرِ

6 -

فهُمْ صَرْعَى تَحُومُ الطَّيرُ فيهمْ

كذاكَ يُدانَ ذُو الفَنْدِ الفَجُورِ

7 -

فأُنْذِرُ مِثْلَهَا نُصْحًا قُرَيْشًا

مِنَ الرحْمَنِ إنْ قَبِلَتْ نذِيرِي

2 -

قوله: "بني النضير" بفتح النون وكسر الضاد المعجمة، وهي حيٌّ من يهود خيبر وقد دخلوا في العرب وهم على نسبهم إلى هارون أخي موسى عليه السلام؛ هكذا قاله الجوهري

(2)

، وقال الرشاطي: قال ابن إسحاق: قريظة والنضير والنحام وهو الهذل بنو الخزرج بن الصريح بن الشَّومان بن السبط بن اليسع بن سعد بن لاد بن خيبر بن النحام بن ينحوم بن عازر بن عزراء بن هارون بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، وهو إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن - صلوات اللَّه عليهم وسلامه -.

الإعراب:

قوله: "أصابهم بلاء": جملة من الفعل والمفعول والفاعل وهو قوله: "بلاء"، والضمير يرجع إلى قريظة في البيت السابق، قوله:"كان فيهم" جملة في محل الرفع على أنها صفة لقوله "بلاء"، قوله:"سوى ما قد أصاب" استثناء مما قبله، وسوى أضيف إلى ما، وما موصولة "وقد أصاب": جملة وقعت صلة للموصول، و"بني النضير": كلام إضافي مفعول أصاب.

الاستشهاد فيه:

على أن "سوى" يوصف بها، وأنه لا يلزم الظرفية، خلافًا للأكثرين

(3)

.

= سعد بن معاذ، الديوان (245) ط. الهيئة العامة، وانظر بيت الشاهد في الدرر (3/ 95)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 202)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (453).

(1)

الديوان بشرح البرقوقي (276)، نشر دار الكتاب العربي (1990 م)، و (245) ط. الهيئة العامة للكتاب (1974)، تحقيق د. سيد حنفي حسنين، وحسن كامل.

(2)

الصحاح مادة: "نضر".

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 314).

ص: 1096

‌الشاهد السادس والسبعون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

ولمْ يَبْقَ سِوَى العُدْوَا

نِ دِنَّاهم كما دانُوا

أقول: قائله هو الفند الزماني

(3)

، واسمه شهل بن شيبان، وليس في العرب شهل بالشين المعجمة غيره، وهو من قصيدة نونية قالها في حرب البسوس، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

صَفَحْنَا عَنْ بَنِي ذُهْلٍ

وَقُلنَا القَوْمُ إخْوَانُ

2 -

عَسَى الأيَّامُ أنْ يَرْجِعْـ

نَ قَوْمًا كالذِي كَانُوا

3 -

فَلَمَّا صَرَّحَ الشَّرَّ

فَأَمْسَى وَهُوَ غَرْثَانُ

4 -

ولَمْ يَبْقَ سِوَى العْدْوَا

نِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا

5 -

شَدَدْنَا شَدَّةَ اللَّيْثِ

غَدَا واللَّيثُ غَضْبَانُ

6 -

بِضرْبٍ فِيهِ تَأثِيمٌ

وتَفجِيعْ وَإِرْنَانُ

7 -

وطَعْنِ كَفَمِ الزِّقِّ

غَذَا والزِّقُّ مِلآنُ

8 -

وبَعضُ الحِلْمِ عِندَ الحَرْ

بِ للذلَّةِ إدْهَانُ

9 -

وفِي الشَّرِّ نَجَاةٌ حِيـ

ـنَ لا يُنجِيكَ إِحْسَانُ

وهو من الهزج، وأصله: مفاعيلن ست مرات ولم يستعمل إلا مجزوءًا.

1 -

قوله: "عن بني ذهل" ويروى عن بني هند، وهي هند بنت مر بن أد أخت تميم.

2 -

قوله: "كالذي كانوا": خبر كان محذوف، أي: كالذي كانوه، أي: كما كانوا عليه.

3 -

قوله: "فلما صرح الشر" صرح: يتعدى ولا يتعدى، يقال: صرّح الشيء إذا كشفه، وصرح هو إذا انكشف؛ كقولك: بيَّن الشيء، وبيَّن هو إذا تبين، وفعَّل بالتشديد بمعنى تفعل كثير نحو: وجه وتوجه، وقدم وتقدم، ونبه وتنبه، ونكب وتنكب، وقيل: معنى صرح خلص، شبهه باللبن الصريح، وهو الذي قد ذهبت رغوته، قوله:"وهو غرثان": من الغرث وهو الجوع، وقد غرث بالكسر يغرث فهو غرثان.

(1)

ابن الناظم (121)، وأوضح المسالك (2/ 71)، وشرح ابن عقيل (2/ 228).

(2)

البيت من بحر الهزج من قصيدة نقلها العيني في كتابه، وهي للفند الزماني يتحدث فيها عن شجاعته، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (3/ 431)، والدرر (3/ 92)، وشرح التصريح (1/ 362)، وشرح شواهد المغني (945)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 202).

(3)

أحد فرسان ربيعة المشهورين، شهد حرب بكر وتغلب، وقد قارب المائة سنة، الخزانة (3/ 435).

(4)

انظر خزانة الأدب (3/ 43)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (944)، وشرح الحماسة للمرزوقي (1/ 32).

ص: 1097

4 -

قوله: "سوى العدوان" بضم العين، وهو الظلم الصريح؛ من عدى عليه وتعدى عليه واعتدى كله بمعنى، قوله:"دناهم" أي: جازيناهم من الدِّين بكسر الدال وهو المجازاة والمكافأة، يقال: دانه دينًا، أي: جازاه، يقال: كما تدين تدان، أي: كما تجازي تجازى، أي: تجازى بفعلك وبحسب عملك، و {أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات: 53] أي: لمجزيون محاسبون، ومنه: الديان في صفة الله تعالى.

5 -

قوله: "شددنا شدة الليث، ويروى:

مشينا مشية الليث

..............................

والمعنى: مشينا إليهم مشية الأسد تبكر وهو جائع، وكنى عن الجوع بالغضب؛ لأنه يصحبه، قوله:"غدا" بالغين المعجمة، ويروى بالمهملة من العدوان.

6 -

وقوله: "وتفجيع" ويروى: وتخضيع؛ أي: تقطع، قوله:"وإرنان" بكسر الهمزة، وروى: وإقران، أي: إطاقة، وقيل: مواصلة لا فتور فيها، وقيل: إقران؛ أي: غلبة.

7 -

قوله: "غذا" بالغين والذال المعجمتين؛ أي: سال.

8 -

قوله: "وإدهان" ويروى: وإذعان؛ من أذعن بكذا أقرّ به.

الإعراب:

قوله: "فلما": بمعنى حين، و"صرَّح الشرَّ": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو الشر، قوله:"فأمسى" تامة، قوله:"وهو غرثان": جملة وقعت حالًا، قوله:"ولم يبق": عطف على قوله "صرح الشر فأمسى"، قوله:"سوى العدوان": كلام إضافي في محل الرفع؛ لأنه فاعل "لم يبق"، قوله:"دناهم": جواب لما، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول.

قوله: "كما دانوا" الكاف للتشبيه وما مصدرية، والجملة في محل النصب على أنه صفة لمصدر محذوف، والتقدير: دناهم دينًا كدينهم، أي: جازيناهم جزاء كجزائهم، ومفعول دانوا محذوف، أي: كما دانونا

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "سوى العدوان" فإن سوى هاهنا وقع فاعلًا؛ كما في قولهم: أتاني سواك، وهذا يدل على أنه لا يلازم الظرفية، ولكنهم قالوا: إنه لا يخرج عن النصب على الظرفية إلا في

(1)

في (أ، ب): دانوا.

ص: 1098

الشعر؛ كما في البيت المذكور؛ فإنه خرج عن الظرفية هاهنا، ووقع فاعلًا فافهم

(1)

.

‌الشاهد السابع والسبعون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

وإِذَا تُبَاعُ كَرِيمَةٌ أَوْ تُشْتَرَى

فَسِوَاكَ بَائِعُهَا وَأَنْتَ المُشْتَرِي

أقول: قائله هو ابن المولى وهو محمد بن عبد الله بن مسلم المدني

(4)

يخاطب به يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب ويمدحه به، وهو وما بعده خمسة [أبيات]

(5)

من الكامل، وهو قوله

(6)

:

2 -

وإذَا تَوَعَّرَتِ المَسَالِكُ لَمْ يَكُنْ

منْهَا السَّبِيلُ إِلَى نَدَاكَ بِأَوْعَرِ

3 -

وإذَا صَنَعتَ صَنِيعَةً أتْمَمْتَهَا

بِيَدَينِ ليس نَدَاهُمَا بِمُكَدَّرِ

4 -

وإذَا هَمَمتَ لِمُعْتَفِيكَ بِنَائِلٍ

قَال الندي فَأطَعْتَهُ لَكَ أَكثَرُ

5 -

يا وَاحِدَ العَرَبِ الذِي مَا إِنْ لَهُمْ

مِنْ مَذْهَب عَنْهُ ولا مِنْ مَقْصِرِ

قوله: "كريمة" أراد بها فعلة كريمة، أي: حسنة، قوله:"إلى نداك" بالنون؛ أي: عطتك، قوله:"لمعتفيك" أي: لسائليك، من الاعتفاء بالعين المهملة والفاء.

الإعراب:

قوله: "وإذا" للشرط، وجوابه قوله:"فسواك بائعها"، و"كريمة": مرفوعة بقوله: "تباع"؛ لأنه مفعول ناب عن الفاعل، قوله:"أو تشترى" عطف عليه، و "أو" هاهنا بمعنى الواو، قوله:"فسواك": مبتدأ، و "بائعها": خبره، وكذا قوله:"وأنت المشتري" مبتدأ وخبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فسواك" حيث وقع سوى هاهنا في محل الرفع على الابتداء وخرج عن النصب

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 314، 315).

(2)

ابن الناظم (121)، وشرح ابن عقيل (2/ 228).

(3)

البيت من بحر الكامل، من مقطوعة ذكرها الشارح لابن المولى في مدح يزيد بن حاتم المهلبي، يمدحه بالكرم الكبير، والمجد العظيم، وانظر بيت الشاهد في الأشموني (2/ 159)، والدرر (3/ 92)، وشرح ديوان الحماسة (1761)، والأغاني (1/ 145)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 202)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (420).

(4)

شاعر مجيد من الأنصار، ومن مخضرمي الدولتين، قدم على المهدي ومدحه، الأغاني (3/ 85).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(6)

شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1761)، القسم الرابع، تحقيق أحمد أمين، وعبد السلام هارون.

ص: 1099

على الظرفية

(1)

.

‌الشاهد الثامن والسبعون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

ذِكْرُكَ اللهَ عِنْدَ ذِكرِ سِوَاهُ

صارَفٌ عَنْ فُؤَادِكَ الغَفَلاتِ

أقول: احتج به ابن مالك وغيره، ولم أر أحدًا منهم عزاه إلى قائله

(4)

.

وهو من الخفيف وفيه الخبن.

قوله: "الغفلات": جمع غفلة؛ من غفل عن الشيء يغفل من باب نصر ينصر إذا

(5)

ذهل عنه وتركه.

الإعراب:

قوله: "ذكرك الله": مصدر مضاف إلى فاعله، ولفظة:"الله": منصوب على المفعولية وهو مبتدأ وخبره قوله: "صارف"، قوله:"عند ذكر" كلام إضافي، وعند نصب على الظرفية، وقوله:"سواه" في محل الجر؛ لأنه وقع صفة لذكر، وقوله:"عن فؤادك" يتعلق بصارف، وقوله:"الغفلات": مفعول صارف.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "سواه" حيث خرج عن النصب على الظرفية ووقع مجرورًا؛ كما ذكرنا، فدل على أنه لا يلزم

(6)

الظرفية خلافًا للأكثرين

(7)

.

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 314، 315).

(2)

ابن الناظم (121).

(3)

البيت من بحر الخفيف، مجهول القائل، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 314)، والدرر (3/ 93)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 202).

(4)

انظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 314).

(5)

في (أ): أي.

(6)

في (أ): لا يلازم.

(7)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 314، 315).

ص: 1100

‌الشاهد التاسع والسبعون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

ولا ينْطِقُ الفَحْشَاءَ مَنْ كَانَ مِنْهُمُ

إذا جلَسُوا مِنَّا ولا مِنْ سوائينا

أقول: قائله هو المرار بن سلامة العجلي

(3)

، وهو من الطويل.

قوله: "الفحشاء" هي الفاحشة، وكل شيء جاوز حده فهو فاحش، من فحش يفحش بالضم فيهما فحشًا بضم الفاء.

الإعراب:

قوله: "ولا ينطق" الواو للعطف إن كان قبله شيء، وإلا فهي للاستفتاح، ولا ينطق مضارع منفي بلا.

وقوله: "الفحشاء": منصوب على إسقاط حرف الجر، أو على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أي: لا ينطق نطق الفحشاء، قال تعالى:{وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ} [الفتح: 12].

وإن شئت جعلت الفحشاء مفعول: "ينطق" لا على حذف مضاف، ولا على حذف حرف الجر؛ لأن النطق بالفحشاء فحشاء

(4)

، ويجوز أن يضمن ينطق معنى يذكر، ويكون المعنى: ولا يذكر الفحشاء.

قوله: "من كان منهم""من" في محل الرفع لأنه فاعل: "لا ينطق"، وهي موصولة، وقوله:"كان منهم" صلته، واسم كان مستتر فيه، وخبره قوله:"منهم"، قوله:"إذا جلسوا" العامل في إذا ينطق.

قوله: "منا" يتعلق بمحذوف، في موضع الحال من هم في قوله:"منهم"، والعامل فيها هو العامل في صاحبها، والتقدير: ولا ينطق الفحشاء من كان منهم منا ولا من سوائنا إذا جلسوا، فقدم وأخَّر.

وقال النحاس: قال محمد بن الوليد

(5)

في معنى هذا البيت: كأنه ذكر قومه فقال: لا ينطق

(1)

ابن الناظم (122)، شرح ابن عقيل (2/ 227).

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو للمرار بن سلامة العجلي، وهو في الفخر بالعفة وحفظ اللسان، وانظر بيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 31)، ونسب لرجل من الأنصار في الكتاب لسيبويه أيضًا (1/ 408)، وانظره في الإنصاف (1/ 294)، والمقتضب (4/ 350)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 424)، والخزانة (3/ 438).

(3)

ينظر المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (960).

(4)

في (أ): فحش.

(5)

هو محمد بن الوليد بن ولاد التميمي، نحوي من أهل مصر، صنف: المقصور والممدود، والانتصار وغيرهما: =

ص: 1101

الفحشاء من كان منهم منا ولا من كان منهم من سوائنا، أي: ليس فيهم أحد ينطق الفحشاء.

ومعنى: "منا" أي: من أجلنا، ومنا: يتعلق بإذا جلسوا، "وإذا جلسوا": يتعلق بينطق، فكأنه قال: ولا ينطق الفحشاء إذا جلسنا من أجلنا، ولا يحتمل أن يكون إذا جلسوا متعلقًا بمنا؛ لأنه يصير المعنى: إنهم لا يكونون منهم حتى يجلسوا، قوله:"ولا من سوائينا" أشبع كسرة الهمزة فيه فتولدت منه الياء.

الاستشهاد فيه:

أنه استشهد به سيبويه أن سوى غير ظرف متصرف حيث قال [في كتابه]

(1)

في باب ما يحتمل الشعر: وجعلوا ما لا يجري في الكلام إلا ظرفًا بمنزلة غيره من الأسماء، وذلك كقول المرار العجلي:

ولا ينطق الفحشاء ................ ............................. إلخ

(2)

فهذا نص منه على أن: "سوى" ظرف ولا تفارق الظرفية إلا في الضرورة.

وقال الزيادي: لا حجة لسيبويه في هذا البيت؛ لأن من تدخل على عند، وعند لا تكون إلا ظرفًا.

وقال النحاس: الحجة لسيبويه [إنه]

(3)

إنما جاء بهذا البيت ليدلك على أن الشاعر لما اضطر جعل سوى بمعنى غير، فيجوز على هذا أن يقال: رجل سواؤك، والجيد: هذا رجل سواءك بالنصب، وقد قال سيبويه في غير هذا الباب وهذا لا يكون اسمًا إلا في الشعر؛ يعني سواء

(4)

.

‌الشاهد الثمانون بعد الأربعمائة

(5)

،

(6)

حَاشَا أَبِي ثَوْبَانَ إِنَّ أَبَا

ثوبانَ ليس ببكمةِ فَدْمٍ

أقول: قائله هو الجُمَيحُ، واسمه مُنقِذُ بن الطّمّاح الأسدي

(7)

، وكان من فرسان بني أسد

= (ت 298 هـ)، ينظر الأعلام (7/ 133).

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

الكتاب لسيبويه (1/ 408).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ينظر الكتاب (1/ 408).

(5)

ابن الناظم (123).

(6)

البيت من بحر الكامل، وهو للجميح الأسدي (شاعر جاهلي) من قصيدة يتحدث فيها عن شجاعته، ويرثي نضلة بن الأشد، وكان بنو فقعس قد قتلوه، يقول له: يا نضل للضيف الغريب، وللجار المضيم، وحامل الغرم، وانظر بيت الشاهد في شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 165)، وابن يعيش (2/ 84)، والهمع (1/ 232)، وشرح شواهد المغني (127)، والدرر (196، 197)، وشرح أبيات المغني للبغدادي (3/ 88، 89)، وتذكرة أبي حيان (445).

(7)

هو فارس وشاعر جاهلي قُتل يوم جبلة عام مولد النبي صلى الله عليه وسلم (53 قبل الهجرة)، ينظر الأعلام (7/ 308).

ص: 1102

المعدودين، وكان غزاء، وهو صاحب الغارة على إبل المنذر بن ماء السماء.

والبيت المذكور من قصيدة ميمية من الكامل، وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

يا جَارَ نَضْلَةَ قَدْ أَتَى لَكَ أَنْ

تَسْعَى لِجَارِكَ في بَنِي هَدْمِ

2 -

مُتَنَظِّميَن جوَارَ نَضْلَةَ يَا

شَاهَ الوُجُوهُ لِذَلِكَ النَّظْمِ

3 -

وبَنُو رَوَاحَةَ يَنظُرُونَ إذَا

نَظَرَ النَّدِيُّ بِآنُفٍ خُثْمِ

4 -

حَاشَا أَبَا ثَوْبانَ ...........

....................... إلى آخره

(2)

5 -

عَمْرُوَ بنَ عبدِ الله إِنَّ بِهِ

ضَنًّا عَنِ الْمَلْحَاةِ والشَّتْمِ

6 -

لا تَسْقِنِي إِنْ لَمْ أَزُرْ سَمَرًا

غَطَفَانَ مَوْكِب جَحفَلٍ دُهْمِ

وأكثر النحاة يركبون صدر البيت الأول على عجز الثاني، فينشدونه هكذا

(3)

:

حَاشَا أَبِي ثَوْبَانَ إِنَّ بِهِ

ضَنًّا عَنِ الْمَلْحَاةِ والشَّتْمِ

والصواب ما ذكرناه، وهكذا أنشده ابن عصفور، وابن مالك في شرحه

(4)

.

1 -

قوله: "يا جار نضلة" أراد به نضلة بن الأشتر بن حجوان بن فقعس، وكان جارًا لبني فقعس فقتلوه، فقال في ذلك قوله:"قد أنى لك" أي: قد حان لك.

2 -

قوله: "متنظمين" ويروى: يتنظمون من النظم وهو نظمهم أيديهم بالرمح، والمعنى هاهنا: في سلك واحد هم معه.

قوله: "يا شاه الوجوه" يعني: قال الجميح: يا شاه الوجوه لنظمهم، والمعنى: يا هؤلاء شاهت الوجوه يعني: قَبُحَتْ.

3 -

قوله: "الندي" بفتح النون وكسر الدال وتشديد الياء، وهو مجلس القوم ومتحدثهم، قوله:"بآنف" بفتح الهمزة وضم النون، وهو جمع أنف، وأصله: أأنف، قلبت الهمزة الثانية ألفًا للتخفيف.

قوله: "خثم" بضم الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة، وهو جمع أخثم؛ من الخثم بفتحتين وهو عرض في الأنف.

(1)

الأبيات في شرح شواهد المغني للسيوطي (117)، وشرح أبيات المغني للبغدادي (3/ 88)، والمفضليات للضبي (366) ط. دار المعارف، بتحقيق: هارون.

(2)

هذا البيت سقط في (ب).

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 308).

(4)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 308)، وشرح المقرب د. علي فاخر (962)(المنصوبات).

ص: 1103

4 -

قوله: "ليس ببكمة" بضم الباء وسكون الكاف؛ من البكمة وهو الخرس، قوله:"فدم" بفتح الفاء وسكون الدال، يقال: رجل فدم، أي: عييّ ثقيل بَيِّن الفدامة والفدومة.

5 -

قوله: "ضنًّا" بكسر الضاد المعجمة وتشديد النون؛ من ضننت بالشيء أضن به ضنًّا، وضنانة إذا بخلت به، وهو من باب علم يعلم، قوله:"عن الملحاة" بفتح الميم؛ مصدر ميمي كالملاحاة وهي المنازعة.

الإعراب:

قوله: "حاشا أبي ثوبان": استثناء من قوله: "ينظرون إذا نظر الندي"، و "أبي ثوبان": مجرور بحاشا، قوله:"إن" من الحروف المشبهة بالفعل، و "أبا ثوبان": اسمه، وخبره هو قوله:"ليس ببكمة"، وقوله:"فدم" بالجر صفة لبكمة، وقوله:"عمرو بن عبد الله"؛ عطف بيان على أبي ثوبان.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حاشا أبي ثوبان" حيث جر حاشيا أبي ثوبان، وروي: حاشا أبا ثوبان، فدل على أنه يأتي حرف جر، ويأتي فعلًا كعدا وخلا، وهذه حجة على سيبويه؛ حيث التزم حرفية حاشا

(1)

؛ إذا لو لم يكن فعلًا لما نصب أبا ثوبان في رواية من روى حاشا أبا ثوبان.

واعلم أنهم اختلفوا في حاشا على أربعة أقوال:

الأول: قول سيبويه: وهو أنها لا تكون إلا حرف جر فقط

(2)

.

والثاني: قول المبرد والمازني: أنها تكون حرفًا وفعلًا فتنصب وتجر

(3)

.

الثالث: قول الكوفيين إلا الفراء وهو أنها فعل لا غير

(4)

.

الرابع: قول الفراء وحده، وهو أنها فعل بغير فاعل، واحتج بأن الإنسان يذكر بالسوء فيقال: حاشاه

(5)

، وهذا ظاهر الفساد؛ لأن فعلًا من غير فاعل مستحيل بالبداهة فافهم.

(1)

قال سيبويه: "وأما حاشا فليس باسم ولكنه حرف يجر ما بعده كما تجر حتى ما بعدها وفيه معنى الاستثناء". الكتاب لسيبويه (2/ 349).

(2)

ينظر الكتاب لسيبويه (2/ 349). قال: "وأما حاشا فليس باسم، ولكنه حرف يجر ما بعده؛ كما تجر حتى ما بعدها وفيه معنى الاستثناء".

(3)

قال المبرد: "وما كان فعلًا فحاشا وخلا وإن وافقا لفظ الحروف". المقتضب للمبرد (4/ 391)، وينظر الإنصاف (278)، وابن يعيش (2/ 85)، وشرح المقرب (965)(المنصوبات) د. علي فاخر.

(4)

ينظر الإنصاف (279، 280)، ومشكل إعراب القرآن (1/ 428، 429).

(5)

ينظر الإنصاف (278) وما بعدها.

ص: 1104

‌الشاهد الحادي والثمانون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

تَرَكْنَا فِي الحَضِيضِ بَنَاتَ عُوجٍ

عَوَاكِفَ قَدْ خَضَعْنَ إلَى النُّسُورِ

أبَحْنَا حَيَّهُمْ أَسْرًا وقَتلًا

عَدَا الشَّمْطَاءِ والطِّفل الصَّغِيرِ

أقول: لم أقف على اسم قائلهما، وهما من الوافر، وفيه العصب والقطف

(3)

، وإنما أنشدوا البيتين كليهما مع أن البيت الأول لا شاهد فيه ليعلم أن القوافي مخفوضة.

1 -

قوله: "في الحضيض" بفتح الحاء المهملة وبضادين معجمتين بينهما ياء آخر الحروف ساكنة، وهو القرار من الأرض عند منقطع الجبل، وأراد به الموضع المعين الذي وقعت فيه الحروب، قوله:"بنات عوج" بضم العين وسكون الواو، أي: بنات خيل

(4)

عوج، وهو جمع أعوج، والعوج من الخيل: التي في أرجلها تجنيب؛ وهو انحناء وتوتير في رجل الفرس وهو مستحب، قال أبو دواد

(5)

يمدح الفرس

(6)

:

وفي اليَدَيْنِ إذَا مَا الماءُ أَسْهَلَهَا

ثَنيٌ قَليلٌ وفيِ الرِّجْلَيْنِ تَجنِيبُ

ويجوز أن يكون عوج جمع أعوجي؛ قال أبو علي في التذكرة في قوله

(7)

:

أَحْوَى مِنَ العُوجِ وقَاحُ الحَافِرِ

......................................

ويجوز أن يكون جمع أعوجي كفرس جمع فارسي، ويكون أعوجي منسوبًا إلى أعوج، وبنات أعوج هي الخيول المشهورة بين العرب، المتناسلة من أعوج وهو فرس كان لبني هلال تُنْسَبُ إليه الأعوجيات، وبنات أعوج.

قال أبو عبيدة: كان أعوج لكِنْدةَ فأخذته بنو سليم في بعض أيامهم فصار لبني هلال، وليس في العرب فحل أشهر ولا أكثر نسلًا منه

(8)

.

(1)

ابن الناظم (123)، أوضح المسالك (2/ 72)، شرح ابن عقيل (2/ 236).

(2)

البيتان من بحر الوافر، لقائل مجهول، في الفخر والانتصار في الحرب، وهما في التصريح (1/ 363)، والأشموني (2/ 163)، والدرر (1/ 197)، والهمع (1/ 232).

(3)

في اصطلاح العروضيين، وفيه العصب والحذف، ويجمعهما القطف.

(4)

في (أ): خيول.

(5)

في هامش الصحاح مادة: "جنب" أبو دؤاد هو الحسن بن مزرد.

(6)

البيت من بحر البسيط، لأبي دؤاد في الاقتضاب (501)، وديوانه (295)، وتاج العروس، ولسان العرب، والصحاح مادة:"جنب"، وهو شاهد على معنى العوج في رجلي الفرس، وهو أمر مستحب لدى العرب.

(7)

شطر بيت من بحر الرجز، لم نجد فائله، وهو في تاج العروس، ولسان العرب مادة:"عوج".

(8)

ينظر الصحاح مادة: "عوج".

ص: 1105

وقال الأصمعي في كتاب الفرس: أعوج كان لبني آكل المرار ثم صار لبني هلال بن هلال بن عامر

(1)

.

قوله: "عواكف": جمع عاكف من عكف على الشيء يعكف ويعكُف عكوفًا إذا أقبل عليه مواظبًا، قوله:"قد خضعن": من الخضوع وهو التطامن، و "النسور": جمع نسر وهو الطائر المعروف، وهو جمع الكثرة، وجمع القلة: أنسر، قوله:"الشمطاء" هي المرأة العجوزة؛ من الشمط وهو بياض شعر الرأس يخالط سواده، والرجل أشمط والمرأة شمطاء.

الإعراب:

قوله: "تركنا": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"بنات عوج": كلام إضافي مفعوله، و "في الحضيض": يتعلق بتركنا، قوله:"عواكف": نصب على أنه مفعول ثانٍ لتركنا، وترك من أفعال التصيير، قال تعالى:{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: 99]، قوله:"قد خضعن": جملة وقعت حالًا عن بنات عوج، و "إلى النسور" يتعلق به.

قوله: "أبحنا" جملة من الفعل والفاعل؛ من الإباحة، وقوله:"حيهم" كلام إضافي مفعوله، قوله:"قتلًا" نصب على التمييز، أي: من حيث القتل، ومن حيث الأسر، قوله:"عدا": حرف جر هاهنا، ولهذا جر الشمطاء.

الاستشهاد فيه:

حيث جاء: "عدا" حرف جر وهو قليل، ولم يحفظ سيبويه فيه إلا أن يكون فعلًا ماضيًا

(2)

.

‌الشاهد الثاني والثمانون بعد الأربعمائة

(3)

،

(4)

أَلَا كل شيء ما خلا الله باطلٌ

.....................................

أقول: قائله هو لبيد بن عامر، وقد مَرَّ الكلام فيه مستوفًى في أول الكتاب.

(1)

الصحاح مادة: "عوج".

(2)

ينظر الكتاب لسيبويه (2/ 348 - 350) وشرح المقرب د. علي فاخر (966) وما بعدها (المنصوبات).

(3)

أوضح المسالك (2/ 74).

(4)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة للبيد، سرد أبياتًا منها في الشاهد الأول من هذا الكتاب، وقد استشهد بهذا البيت هناك على أن يكون المقصود بالكلمة عدة جمل وكلمات، وشاهده هنا هو نصب الاسم بعد ما خلا مفعولًا به.

ص: 1106

والاستشهاد فيه:

في قوله: "خلا"

(1)

.

‌الشاهد الثالث والثمانون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

يُمَلُّ النَّدَامَى ما عدَانِي فَإِنَّنِي

بكُلِّ الذي يَهْوَى نَدِيمِي مُولَعُ

أقول: قد مر الكلام فيه مستوفًى في شواهد النكرة والمعرفة

(4)

، فإن ابن هشام استشهد به هناك في دخول نون الوقاية في عدا، واستشهد به هاهنا في دخول ما المصدرية عليه فتعين النصب حينئذ لتعين الفعلية

(5)

.

‌الشاهد الرابع والثمانون بعد الأربعمائة

(6)

،

(7)

لَدَيْكَ كَفِيلٌ بالمُنَى لِمُؤَمِّلٍ

وإنَّ سِواكَ مَنْ يُؤَمِّلُهُ يَشْقَى

أقول: لم أظفر بشيء يدل على اسم قائله، وهو من الطويل.

قوله: "كفيل" أي: ضامن؛ من كفل به يكفل كفالة، وكفل عنه بالمال لغريمه، وأراد بذلك: ما يكفل بتحصيل المنى، وهو بضم الميم جمع منية من التمني، قوله:"لمؤمل": من التأميل وهو الرجاء، قوله:"يشقى": من الشقاوة، وأراد من يؤمل سوى فضلك يخيب ويشقى.

الإعراب:

قوله: "كفيل": مرفوع بالابتداء، و "لديك"؛ مقدمًا خبره، و "بالمنى": يتعلق بكفيل، وقوله:"لمؤمل" جار ومجرور وقع حالًا عن المني؛ كذا قال بعضهم، والصواب أن محله رفع على أنه صفة لقوله: كفيل، والتقدير؛ عندك كفيل بالمنى كائن لمؤمل.

(1)

ينظر الشاهد رقم (1).

(2)

أوضح المسالك (2/ 75).

(3)

البيت من بحر الطويل، لم ينسب لأحد في مراجعه، وقد سبق شاهدًا في باب الضمير من المعرفة والنكرة في الشاهد رقم (74) من شواهد هذا الكتاب، وقد أُدخل نون الوقاية على أنه فعلًا، وياء المتكلم مفعوله، وأما شاهده هنا فمجيء عدا فعلًا للاستثناء، وما مصدرية، وفاعل عدا ضمير مستتر عائد على المصدر المفهوم من الفعل السابق، والمعنى: عداني الملل إلى غيري.

(4)

ينظر الشاهد رقم (74).

(5)

أوضح المسالك ومعه مصباح السالك (2/ 246، 247).

(6)

شرح ابن عقيل (2/ 229).

(7)

البيت من بحر الطويل، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني (2/ 159)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (585).

ص: 1107

قوله: "وإن" حرف من الحروف المشبه بالفعل، وقوله:"سواك": اسمه، كذا قال الشيخ ابن عقيل، ثم قال: هذا تقرير كلام المصنف

(1)

، يعني: انتصاب سوى هاهنا ليس على الظرفية؛ بل لكونها اسم إن، والجملة أعني قوله:"من يؤمله يشقى" خبره، و:"من" موصولة، و "يؤمله يشقي": صلتها، ومحل:"من" رفع على الابتداء، وكذلك محل "يشقى" مرفوع على الخبرية.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "سواك" حيث جاء منصوبًا [على الظرفية]

(2)

على أنه اسم أن؛ كما ذكرنا [ولكنه يحتمل التأويل

(3)

]

(4)

.

‌الشاهد الخامس والثمانون بعد الأربعمائة

(5)

،

(6)

رأيتُ الناسَ ما حاشا قُرَيْشًا

فإنَّا نَحْنُ أَفْضَلُهُمْ فَعَالا

أقول: قائله هو الأخطل غوث بن غياث، وهو من الوافر وفيه العصب والقطف.

قوله: "فعالًا" بفتح الفاء والعين المهملة، ومعناه: الكرم، وفعال -أيضًا- مصدر من فعل كذهب ذهابًا.

الإعراب:

قوله: "رأيت": جملة من الفعل والفاعل، و "الناس" بالنصب مفعوله، ورأيت هذا من الرأي، ولهذا اكتفى بمفعول واحد، ويروى: فأما الناس وهو الأصح.

قوله: "ما حاشا" كلمة ما نافية وحاشا هاهنا فعل متعد؛ ولهذا نصب قريشًا، ونحوه ما جاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال

(7)

: "أسامة أحب الناس إليَّ ما حاشا فاطمة".

(1)

انظر ما قاله ابن عقيل في شرحه على الألفية (1/ 230) مكتبة دار الفكر، بيروت (1985 م).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 159، 160)، قال الصبان: "بقوله للتأويل يكون شاذًّا أو ضرورة.

(5)

توضيح المقاصد (2/ 128)، وشرح ابن عقيل (2/ 240).

(6)

البيت من بحر الطويل، وقد نسب للأخطل، وليس في ديوانه: شرح مهدي محمد ناصر، ط. دار الكتب العلمية، أولى (1986 م)، ولا في ديوانه بشرح إيليا سليم الحاوي، دار الثقافة بيروت، وينظر الحزانة (3/ 387)، والدرر (3/ 180)، وشرح التصريح (1/ 365)، والمغني (1/ 121)، وشرح شواهد المغني (368)، والجنى الداني (565)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 233).

(7)

الحديث في الجامع الصحيح (1/ 33).

ص: 1108

قوله: "فإنا" إن: حرف من الحروف الشبهة بالفعل، والضمير المتصل به اسمه، و "نحن" تأكيد، وقوله:"أفضلهم": خبره، وقوله:"فَعَالًا": نصب على التمييز، أي: من حيث الفعال؛ أي: الكرم.

فإن قلت: ما الفاء في: فإنا؟

قلت: "الفاء الداخلة في جواب [أما]

(1)

، وأما مقدرة في رواية من روى: رأيت الناس، تقديره: وأما إني رأيت الناس ما حاشا قريشًا فإنا نحن فافهم".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ما حاشا قريشًا" حيث دخلت ما على حاشا وهو قليل، والأكثر أنها مثل خلا في أنها تنصب ما بعدها وتجر، لكن لا يتقدم عليها ما كما يتقدم على خلا

(2)

.

‌الشاهد السادس والثمانون بعد الأربعمائة

(3)

،

(4)

حَاشَا قُرَيْشًا فَإِنَّ اللهَ فَضَّلَهُمْ

على البريَّةِ بالإسْلامِ والدِّينِ

أقول: قائله لم أقف على اسمه، وهو من البسيط، المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "حاشا": فعل ماض هاهنا، و "قريشًا" منصوب به، ولفظة:"الله" اسم إن، وقوله:"فضلهم": جملة خبرها، و "على البرية": يتعلق بها، وكذلك "بالإسلام":

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حاشا" فإنه وقع هاهنا فعلًا، فلذلك نصب قريشا، والأكثر أنه لا يكون إلا حرف جر

(5)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 307، 308) وفيه خلاف فلينظر هناك.

(3)

شرح ابن عقيل (2/ 239)، والبيت كله سقط في (أ).

(4)

البيت من بحر البسيط، لم ينسبه العيني لقائله، وهو منسوب للفرزدق وليس في ديوانه، ويروى:

إلا قريشًا فإنَّ الله فضلها

مع النبوة بالإسلام والخير

وينظر الدرر (3/ 175)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 232)، وحاشية الصبان (2/ 165)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1040).

(5)

قال ابن مالك: "وكون حاشا حرفًا جارًّا هو المشهور؛ ولذلك لم يتعرض سيبويه لفعليتها والنصب بها إلا أن ذلك ثابت بالنقل الصحيح عمن يوثق بعربيته .. ". ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 306، 307).

ص: 1109

‌الشاهد السابع والثمانون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

خلَا اللهِ لَا أَرْجُو سِواكَ وإِنَّمَا

أَعُدُّ عِيَالِي شُعْبَةً مِنْ عِيَالِكَا

أقول: هذا من الطويل.

قوله: "شعبة" أي: طائفة.

الإعراب:

قوله: "خلا" هاهنا حرف جر؛ فلذلك جر لفظة الله، وقوله:"لا أرجو": فعل وفاعل، و "سواك" كلام إضافي مفعوله، قوله:"وإنما" بطل عمل إن بدخول ما الكافة عليه، قوله:"أعد": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"عيالي" كلام إضافي مفعوله، وقوله:"شعبة": مفعول ثان، وقوله:"من عيالكا" في محل النصب على أنها صفة لشعبة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "خلا الله لا أرجو سواك" حيث جر لفظة اللهِ بخلا

(3)

.

‌الشاهد الثامن والثمانون بعد الأربعمائة

(4)

،

(5)

لُذْ بقيسٍ حينَ يأْبَى غيرَهُ

................................

أقول: هذا رجز لم أقف على اسم راجزه

(6)

، وتمامه:

..............................

تلفه بحرًا مُفِيضًا خَيرَهُ

قوله: "لذ" بضم اللام وسكون الذال المعجمة، أمر من لاذ يلوذ، قوله:"تلفه" بضم التاء

(1)

شرح ابن عقيل (2/ 234).

(2)

البيت من بحر الطويل، لم ينسبه العيني لقائله، وقد نسبه البغدادي في خزانة الأدب وهو للأعشى (3/ 314) وليس بديوانه، وهو في حاشية يس (1/ 355)، وشرح التصريح (1/ 363)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 226)، ولسان العرب مادة:"خلا".

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 310)، وشرح المقرب د. علي فاخر (المنصوبات)(886)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 226).

(4)

توضيح المقاصد (2/ 117).

(5)

البيت من بحر الرمل، لقائل مجهول وهو في المغني (138)، ورد شاهدًا علي بناء غير لإضافته إلى مبني، وكذا في شرح شواهد المغني للسبوطي (458)، ووضحه صاحب معجم شواهد النحو الشعرية في الراء المضمومة (1060)، ومكانه الراء المفتوحة.

(6)

قول العيني: رجز سهو، والصواب رمل، هامش الخزانة (3/ 138)، ط. بولاق، دار صادر.

ص: 1110

المثناة من فوق وسكون اللام وكسر الفاء؛ من ألفى يلفي إذا وجد، قال الله تعالى:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] أي: وجداه، ومعنى تلفه: تجده، "بحرًا مفيضًا": من أفاض وثلاثيه فاض، يقال: فاض الماء يفيض فيضًا وفيضوضة إذا كثر حتى سال على صفحة

(1)

الوادي.

الإعراب:

قوله: "لذ": جملة من الفعل والفاعل، وهو أنت المستتر فيه، و "بقيس" في محل النصب مفعوله، و "حين": نصب على الظرف، قوله:"غيره": مبني على الفتح على ما يأتي الآن بيانه.

قوله: "تلفه بحرًا" مجزوم لأنه جواب الأمر وهو لذ، وقوله:"بحرًا": مفعول ثان لتلف،

قوله: "مفيضًا": صفة لبحر، وقوله:"خيره": مفعول لقوله مفيضًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "غيره"؛ حيث بني على الفتح لإضافته إلى مبني، ومع هذا هو فاعل لقوله:"يأبى"، فيكون محله مرفوعًا بالفاعلية

(2)

فافهم.

‌الشاهد التاسع والثمانون بعد الأربعمائة

(3)

،

(4)

داينتُ أَرْوَى والدُّيُونُ تُقْضَى

فَمَطَلَتْ بَعْضًا وأدَّتْ بَعْضًا

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج؛ كذا قال ابن بري، وقبله

(5)

:

وَهْيَ تَرَى ذَا حَاجَةٍ مُؤْتَضًّا

...................................

وهي من الرجز المسدس.

قوله: "مؤتضًّا" أي: مضطرًا؛ من ائتض إليه ائتضاضًا، أي: اضطر إليه، قوله:"داينت":

(1)

في (أ): ضفة.

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 312).

(3)

توضيح المقاصد (2/ 125).

(4)

بيتان من بحر الرجز المشطور، وهما مطع قصيدة طويلة لرؤبة بن العجاج يمدح بها تميمًا ونفسه، كذا في الديوان، ينظر ديوانه (79)، والكتاب (4/ 210)، والخصائص (2/ 98، 99)، واللسان مادة:"أضض، دين"، وشرح شواهد الشافية (233)، وابن يعيش (1/ 25)، وشرح شافية ابن الحاجب (2/ 305)، وسر صناعة الإعراب (493، 502).

(5)

ليس قبله كما ذكر الشارح؛ بل بعده، فبيت الشاهد أول القصيدة، مجموع أشعار العرب (79) تحقيق وليم بن الورد.

ص: 1111

من المداينة، يقال: داينت فلانًا إذا عاملته فأعطته دينًا وأخذت بدين، و "أروى" بفتح الهمزة وسكون الراء؛ اسم امرأة، قوله:"فمطلت": من المطل وهو التسويف، قوله:"وأدت" ويروى: وفت.

الإعراب:

قوله: "داينت": جملة من الفعل والفاعل، و "أروى": مفعوله، قوله:"والديون تقضى": جملة اسمية وقعت حالًا، قوله:"فمطلت": جملة من الفعل والفاعل، و "بعضًا": مفعوله، وكذلك:"أدت بعضًا".

الاستشهاد فيه:

على أن لفظة: "بعض" يصح وقوعه على النصف وعلى أزيد منه، وهذا حجة على الكسائي وهشام حيث قالا: إن البعض لا يقع إلا على ما دون النصف، وهذا البحث هاهنا استطرادي

(1)

.

* * *

(1)

إذا نصب "خلا وعدا" المستثنى على المفعولية كان فاعلهما عند البصريين ضميرًا مستكنًا عائدًا على البعض المفهوم من الكلام، ويلزم الإفراد، وبه جزم ابن مالك في شرح الكافية الشافية (722). وفي التسهيل وشرحه (2/ 311)، قال بحذفه على ضعف، واستحسن تقديره، وبأنه يدل على النصف أو أكثر وهو قول أبي الحسن المرادي؛ يقول في شرحه على التسهيل (2/ 165) تحقيق د. أحمد محمد عبد الله يوسف:"ومذهب سيبويه وأكثر البصريين أن فاعلهما ضمير مستكن في الفعل لا يظهر، وهو عائد على البعض المفهوم من الكلام لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث؛ لأنه عائد على مفرد مذكر وهو البعض، والبعض وواد به من سوى زيد، وينبغي ألا يجوز ذلك على مذهب الكسائي وهشام لأنهما زعما أن بعضًا لا يقع إلا على ما دون النصف، والصحيح وقوعه على النصف وعلى أزيد منه؛ قال الشاعر: (البيت)، فبعض في البيت واقع على النصف وعلى أكثر منه، وحكى ابن الأعرابي عن العرب أنها توقع بعضًا على النصف، وذهب المبرد إلى أن الضمير فيها عائد على المفهوم من معنى الكلام، فإذا قلت: قام القوم عدا زيدًا، فالتقدير: عدا هو أي؛ عدا من قام زيدًا". شرح التسهيل للمرادي (2/ 165). وانظر الارتشاف (2/ 317، 318).

ص: 1112

‌شواهد الحال

‌الشاهد التسعون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

فلولا اللهُ والمُهْرُ المفدَّا

لرحتَ وأنتَ غِرْبَالُ الإهابِ

أقول: قائله هو منذر بن حسان، وهو من قصيدة بائية من الوافر، ومنها قوله:

1 -

وبَادِيَةِ الجَوَاعِر مِن نُمَيرٍ

تُنَادَى وَهْيَ سَافِرَةُ النِّقَاب

(3)

2 -

تُنَادي بالجَزِيرَة يَا لَقَيسٍ

وَقَيْسٌ بِئسَ فِتيَانُ الضِّرَابِ

3 -

قَتَلنَا مِنهُمْ مَائَتَيِن صَبرًا

وأَلْفًا بالتِّلاع وبالرَّوَابِي

4 -

وأَفْلَتْنَا هُجَينَ بَنِي سُلَيمٍ

يُفَدِّي المهُرَ مِنْ حُبِّ الإيَابِ

5 -

فلَوْلا اللهُ ..................

................................ إلخ

1 -

قوله: "وبادية الجواعر من نمير" أي: مكشوفة الإست، والجواعر: جمع جاعرة وهي حلقة الدبر.

2 -

قوله: "بالجزيرة" بالجيم والزاي ثم الراء، اسم موضع بعينه ما بين الفرات ودجلة.

3 -

و "التلاع" بكسر التاء المثناة من فوق؛ جمع تَلْعَةٍ، وهي ما ارتفع من الأرض، وما انهبط -أيضًا- من الأضداد، قاله أبو عبيدة، وقال أبو عمرو: التلاع: مجاري الماء على الأرض إلى بطون الأودية

(4)

، و "الروابي": جمع رابية، وهي ما ارتفع من الأرض مثل التل.

(1)

ابن الناظم (124).

(2)

البيت من بحر الوافر، من قصيدة للمنذر بن حسان بن ثابت، وهو غير منسوب في مراجعه، وانظره في الخصائص (2/ 221)، (3/ 195)، والدرر (5/ 291)، والممتع في التصريف (47)، واللسان مادة:"عنكب، قيد".

(3)

في (أ): من قريش.

(4)

الصحاح مادة: "تلع".

ص: 1113

5 -

قوله: "والمهر المفدا" بفتح الدال؛ من قولهم: فديت فلانًا إذا قيل له: جعلت فداك، وأراد به شكر المهر الذي يقال له عند جريه وسبقه: جعلت فداك، و "الغربال" بكسر الغين المعجمة؛ آلة مشهورة، و "الإهاب": الجلد، والمعنى: لولا عناية الله والفرس الذي تحتك لرحت وأنت مقطع الجلد مثقوب البشرة مثل الغربال.

الإعراب:

قوله: "فلولا الله" الفاء للعطف على ما قبله، وكلمة لولا لامتناع الثاني لوجود الأول؛ نحو: لولا زيد لهلك عمرو، فهلاك عمرو منتف لوجود زيد، ولفظة الله مبتدأ، و "المهر": عطف عليه، و "المفدا": صفته والخبر محذوف، والتقدير: لولا الله معين والمهر موجود لرحت، أي: لقتلت وأدركتك الأسنة فمزقت جلدك وجعلتك كالغربال، ودخلت اللام فيه؛ لأنه جواب لولا، ويروى: لأبت، أي: لرجعت، وقوله:"وأنت غربال الإهاب" أي: وأنت مثقب الجلد، قوله:"وأنت" مبتدأ، و:"غربال الإهاب": كلام إضافي خبره، والجملة في محل النصب على الحال.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "غربال الإهاب" فإنه جامد ولكنه في تأويل المشتق تقديره: وأنت مثقب الجلد كما ذكرنا، ولهذا نقول: فيه ضمير يعود إلى المبتدأ. ذكر هذا استئناسًا لوقوع الجامد حالًا على تأويله بالمشتق

(1)

.

‌الشاهد الحادي والتسعون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

أَفِي السِّلْمِ أعْيَارًا جَفَاءً وغِلْظَةً

وفي الحرْبِ أمثال النساءِ العوَاركِ

أقول: قالته هند بنت عتبة بن أبي لهب، قالت ذلك حين انصرف الذين خرجوا إلى زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك حين تجهزت وخرجت من مكة إلى المدينة النبوية، وهم رجال من قريش منهم: هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وذلك بعد وقعة بدر حين وقع أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس خَتَنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته زينب رضي الله عنهما

(1)

ينظر مجيء الحال جامدة في شرح الأشموني (2/ 170) وشرح التسهيل لابن مالك شرح ابن عقيل (2/ 324).

(2)

ابن الناظم (125).

(3)

البيت من بحر الطويل، لهند بنت عتبة بن أبي لهب، ذكر الشارح قصته، وهو في الكتاب لسيبويه (1/ 344)، والمقتضب (3/ 265)، والمقرب (1/ 258)، واللسان:"عور، عير"، والخزانة (3/ 263)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 382).

ص: 1114

في جملة من أسر من أهل مكة، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها واستحثها في المهاجرة.

وهي من الطويل.

قولها: "في السلم" بفتح السين وكسرها وهو الصلح، قولها:"أعيارًا" بفتح الهمزة وسكون العين المهملة؛ جمع عَيْر بفتح العين وسكون الياء آخر الحروف، وهو الحمار الوحشي والأهلي، والأنثى عيرة، قولها:"العوارك": جمع عارك وهي الحائض، يقال: عركت المرأة تعرك عروكًا؛ أي: حاضت، ومنه قول الشاعر

(1)

:

......................................

وهي شمطاء عارك

الإعراب:

قولها: "أفي السلم" الهمزة للاستفهام، "وفي السلم" يتعلق بمحذوف، و "أعيارًا": حال من المحذوف تقديره: أتتحولون في السلم أعيارًا؟ أي: شبه أعيار، والأعيار وإن كان جامدًا، ولكنه وقع حالًا بهذا التأويل؛ كما في قولك: كَرَّ زيد أسدًا، أي: مثل أسد.

قولها: "جفاء" نصب على التعليل، أي لأجل الجفاء، و "غلظة": عطف عليه، قولها:"وفي الحرب": يتعلق بالمحذوف الذي قدرناه، أي: تتحولون في الحرب أمثال النساء العوارك، [أي: كأمثال النساء]

(2)

فنصبه بنزع الخافض.

وحاصل المعنى: أتتحولون هذا التحول وهو كونكم أعيارًا في السلم، وأشباه النساء الحيض في الحرب؟

الاستشهاد فيه:

في قولها: "أعيارًا" فإنه جامد وقع حالًا بالتأويل الذي ذكرناه

(3)

.

(1)

جزء بيت من بحر الطويل، وقد ذكر صاحب لسان العرب تتمته وقائله، يقول في مادة:"عرك" العراك: الحيض، وفي حديث عائشة: "حتى إذا كنا بسرف عركت، أي: حضت، وأنشد ابن بري لجحر بن جليلة:

فغرت لدى النعمان لما رأيته

كَما فغرت للحيض شمطاء عارك

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

هو من وقوع الحال اسمًا جامدًا لدلالتها على التشبيه، فأعيارًا حال وأمثال النساء العوارك حال أخرى وعاملها محذوف تقديره: أتتحولون في السلم أعيارًا وفي الحرب ....... إلخ". ينظر شرح المقرب د. علي فاخر (المنصوبات)(514).

ص: 1115

‌الشاهد الثاني والتسعون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

مَشَقَ الهَوَاجِرُ لَحْمَهُنَّ مع السُّرَى

حتى ذَهَبْنَ كَلاكِلًا وصُدُورًا

أقول: قائله هو جرير بن عطية الخطفي، وهو من قصيدة يهجو بها الأخطل، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

صَرَمَ الخليطُ تبايُنًا ونكورًا

وَحَسِبتُ بَينَهُمُ عليكَ يسيرًا

2 -

عَرَضَ الهَوَى فَتَبَلَّغَتْ حَاجَاتُهُ

منْكَ الضَّمِيرَ فَلَمْ يَدَعْنَ ضَمِيرًا

3 -

إنَّ الغَوَانِيَ قدْ رَمَيْنَ فُؤَادَهُ

حَتَّى تَرَكْنَ بِسَمْعِهِ توقيرًا

إلى أن قال:

4 -

حَيَّيْتُ زَوْرَكِ إِذ أَلَمَّ ولمْ تَكُنْ

هِنْدْ لِقَاصِيةِ البُيُوتِ زؤورًا

5 -

مَشَقَ الهَوَاجِرُ ..............

......................... إلى آخره

6 -

مِنْ كل جُرْشعةِ الهَوَاجِرِ زَادَهَا

بُعْدُ المَسَافَةِ جُرْأةً وضَرِيرًا

7 -

قَرَعَتْ أخِشّتُهَا العِظَامَ وَغَادَرَتْ

مِنهَا عَجَارِفَ جَمَّةً وَنَكِيرًا

وهي طويلة من الكامل.

1 -

قوله: "صرم الخليط": من صرمت الشيء صرمًا إذا قطعته، و "الخليط" بفتح الخاء المعجمة؛ الخالط كالنديم بمعنى المنادم، والجليس بمعنى المجالس، قوله:"ونكرًا" بضم النون؛ من نكرت الرجل بالكسر أنكره نكرًا بالتحريك [ونكرًا]

(4)

بالضم، ونكورا ونكيرًا من الإنكار.

3 -

و "الغواني": جمع غانية وهي المرأة التي غنيت بحسنها وجمالها.

4 -

قوله "ألمّ": من الإلمام وهو النزول، قوله:"زؤورا" بفتح الزاي المعجمة وضم الهمزة على وزن فعول من الزيارة.

6 -

قوله: "جُرْشُعة" الجرشع بضم الجيم وسكون الراء وضم الشين المعجمة وفي آخره عين

(1)

ابن الناظم (125).

(2)

البيت من بحر الكامل، من قصيدة طويلة لجرير يهجو بها الأخطل بدأها بالنزل، ومما قاله في صاحبه:

الله فضلنا وأخرى تغلب

لن نستطيع لما قضى تغييرًا

وانظر بيت الشاهد في ديوان جرير (227)، والكتاب لسيبويه (1/ 162)، واللسان:"كلل"، والخزانة (4/ 98، 99)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 220).

(3)

ديوان جرير (1/ 226)، ط. دار المعارف، و (290) ط. دار الكتب العلمية.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1116

مهملة، وهو من الإبل العظيم الصدر المنتفخ الجنبين، قوله:"بعد المسافة"، ويروى: بعد المفازة

(1)

، قوله:"ضريرًا" بفتح الضاد المعجمة، يقال: إنه لذو ضرير على الشيء إذا كان ذا صبر عليه ومقاساة له.

قوله: "أخشتها": جمع خشاش بالكسر، وهو الذي يدخل في عظم أنف الجمل، وهو من خشب، والبرة من حديد، والخزامة من شعر، و "العجارف": جمع عجرف، وهو جمل فيه تعجرف، وعجرفة وعجرفية، كأن فيه خرقًا وقلة مبالاة لسرعته.

5 -

قوله: "مشق" من المشق، وهو السرعة في الطعن والضرب والأكل والكتابة، و"الهواجر": جمع هاجرة، وهي وقت اشتداد الحر وقت الظهيرة، وكذلك الهجر، و "السرى" بضم السين المهملة وتخفيف الراء، وهو السير بالليل، و "الكلاكل": جمع كلكل وهو الصدر، وكذلك الكلكال، وربما تشدد اللام للضرورة.

الإعراب:

قوله: "مشق": فعل ماض، و "الهواجر": فاعله، و "لحمهن": كلام إضافي مفعوله، قوله:"مع السرى" يرتبط بالهواجر، والتقدير: مشق حَرُّ الهواجر مع السير في الليل لحمهن، والضمير فيه يرجع إلى الإبل وهي مؤنثة؛ لأنها جمع لما لا يعقل ولا واحد لها من لفظها.

قوله: "حتى" للغاية، و "ذهبن": جملة من الفعل والفاعل، قوله؛ "كلاكلًا وصدورًا": منصوبان على الحالية، والتقدير: ذهبن علي هذه الحالة شيئًا بعد شيء حتى لم يبق منهن شيء إلا رسم الكلاكل والصدور.

وذهب المبرد إلى أن النصب هاهنا على التمييز، والمعنى على قوله: إنها ذهبت دفعة واحدة كلاكلًا وصدورًا.

ومنهم من قال: إن النصب على البدل من الهاء والنون في لحمهن، وأقوى الأوجه

(2)

أن يكون حالًا

(3)

، والمعنى: حتى ذهبن علي هذه الحال شيئًا بعد شيء كما ذكرنا؛ كما يقال:

(1)

في (أ): المفاوز.

(2)

في (أ): الوجوه.

(3)

قال أبو محمد يوسف بن السيرافي في شرح أبيات سيبويه (1/ 151)، وقد عرض الآراء الثلاثة في إعراب كلاكلًا وصدورًا، وهو الحال كما هو مذهب سيبويه: ذهبن حالًا، والتمييز كما ذهب المبرد، والبدل كما ذهب إليه غيرهما، يقول: "فإن قال قائل: لمَ لمْ يجعل سيبويه كلاكلًا وصدورًا بدلًا من لحمهن؟، ويكون التقدير: مشق الهواجر مع السرى كلاكلًا وصدورًا، وجعلهما منصوبين على الحال؟

قيل له: نحن إذا جعلناهما بدلًا، وجعلنا العامل فيها مشق، وإذا نصبناهما على الحال جعلنا العامل ذهبن، وإعمال الفعل الأقرب أولى، إذا كان لإعماله وجه جيد، ثم أجاز في آخر كلامه وجه البدل، وإن لم يضف إلى الضمير.

ص: 1117

ذهب فلان ظهرًا وبطنًا، أي: ذهب جسده كله ظهرًا وبطنًا، قال سيبويه: إنما هو على قوله: ذهب قُدْمًا وذهب أُخْرًا، وقال أبو الحسن: يريد أن معناه متقدمًا ومتأخرًا

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كلاكلًا وصدورًا" حيث نصبا على الحال، وهو من الجوامد على التأويل الذي ذكرناه.

‌الشاهد الثالث والتسعون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

وفي الجِسْمِ مِنِّي بَيِّنًا لَوْ عَلِمْتِهِ

شُحُوبٌ وَإنْ تَسْتَشْهِدِ العَينَ تَشْهَدِ

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الطويل.

قوله: "شحوب" بضم الشين المعجمة والحاء المهملة وفي آخره باء موحدة، من شحَب جسمه يشحُب بالضم شحُوبًا إذا تغير، وشحُب جسمه بالضم شحوبة لغة فيه حكاها الفراء

(4)

قوله: "وإن تستشهد العين" أي: وإن تطلبي الشهادة من العين تشهد لك العين بأن في جسمي شحوبًا بينًا؛ أي: ظاهرًا.

الإعراب:

قوله: "وفي الجسم" ويروى: وبالجسم وهو في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ متأخر، وهو قوله:"شحوب"، قوله:"مني" في محل الجر؛ لأنه صفة للجسم على تقدير زيادة الألف واللام فيه، أو حال منه على تقدير عدم الزيادة.

قوله: "بيِّنًا" حال من شحوب، قوله:"لو علمته": جملة معترضة، ويروى: إن نظرته والخطاب للمؤنث، قوله:"وإن": حرف جزم، و "تستشهد" مجزوم، ولكنه لما اتصل بالعين الذي هو مفعوله حركت داله بالكسرة؛ لأن الساكن إذا حرك حرك بالكسر

(5)

، وقوله:

(1)

ينظر قول سيبويه في الكتاب (1/ 162)، وكلام أبي الحسن الأخفش تفسير لكلام سيبويه، وتأويل الجامد بالمشتق. شرح أبيات سيبويه (1/ 151) تحقيق:(هاشم).

(2)

ابن الناظم (127)، وهو غير موجود في أوضح المسالك، وينظر شرح ابن عقيل (2/ 257).

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو لقائل مجهول، وانظره في الكتاب لسيبويه (2/ 123)، وشرح عمدة الحافظ (422)، وشرح الأشموني (2/ 175).

(4)

الصحاح مادة: "شحب".

(5)

انظر إلى خطأ الشارح مع أنه قال: إن الخطاب للمؤنث، يقول: إن تستشهد مجزوم بالسكون، وحرك بالكسر =:

ص: 1118

"تشهد" مجزوم؛ لأنه جواب الشرط، ولكنه حرك للقافية، وأصله: تشهد لك.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بينًا" حيث وقع حالًا مقدمًا على ذي الحال؛ لكون ذي الحال نكرة، وقد علم أن الحال في الأصل خبر، وذا الحال مخبر عنه؛ فالأصل فيه أن يكون معرفة؛ كما في المبتدأ، وكما جاز الابتداء بالنكرة بالخصص، فكذلك جاز وقوع الحال عن النكرة بالخصص، [ومن جملة المخصصات]

(1)

لجواز وقوع الحال عن النكرة: تقدم الحال على ذي الحال؛ كما في قوله: "بَيِّنًا" فإنه في الأصل خبر عن شحوب تقديره: وفي جسمي شحوب بيِّنٌ

(2)

فافهم.

‌الشاهد الرابع والتسعون بعد الأربعمائة

(3)

،

(4)

نَجَّيْتَ يا ربِّ نُوحًا واستجَبتَ لهُ

في فُلُكٍ مَاخرٍ فِي اليَمِّ مشْحْونَا

أقول: احتج به جماعة من النحاة، ولم أر أحدًا منهم عزاه إلى قائله، وبعده بيت آخر، وهو قوله:

2 -

وَظَلَّ يَدْعُو بآياتٍ مُبَيِّنَةٍ

في قومِهِ ألفَ عامٍ غيرَ خَمْسِينَا

وهما من البسيط.

قوله: "في فلك" أي: سفينة، والفلك -بضم الفاء وسكون اللام واحد وجمع يذكر ويؤنث، ولكن ضمت لامه للضرورة، قوله:"ماخر" بالخاء المعجمة، وهو الذي يشق الماء، قال الله تعالى:{وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} [فاطر: 12].

قوله: "في اليم" أي: في البحر، قوله:"مشحونًا" بالشين المعجمة والحاء المهملة؛ من شحنت السفينة ملأتها، وشحنت البلد بالخيل ملأته، قال الله تعالى:{فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الشعراء: 119] أي: المملوء.

= لالتقاء الساكنين، والصواب أنه مجزوم بحذف النون، والدال مكسورة؛ لأن بعدها ياء الخاطبة، اللَّهم إلا إذا بنى الفعل للمجهول، وجعل العين مرفوعة.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 175)، وشواهد شرح ابن عقيل (130)، والمساعد (2/ 18).

(3)

ابن الناظم (127)، وأوضح المسالك (2/ 84)، وشرح ابن عقيل (2/ 259).

(4)

البيت من بحر البسيط، لم ينسب إلى قائله فيما ورد من مراجع، وانظره في شرح الأشموني (2/ 175)، والتصريح (1/ 376)، ومعجم شواهد النحو الشعرية (174، 665).

ص: 1119

الإعراب:

قوله: "نجيت": جملة من الفعل والفاعل، و "نوحًا" مفعوله، وقوله:"يا رب": دعائية معترضة بين الفاعل والمفعول، قوله:"واستجبت": عطف على نجيت، وفيه دلالة على بطلان قول من يقول إن الواو تدل على الترتيب؛ لأن النجاة لا تكون إلا بعد الاستجابة.

قوله: "في فلك" يتعلق بقوله: "نجيت"، وقوله:"ماخر" بالجر صفة الفلك، قوله:"في اليم": يتعلق بماخر، قوله:"مشحونًا": حال من فلك وإن كان نكرة؛ لأنه وصفه بماخر، وهذا محل الاستشهاد، وهو ظاهر

(1)

.

‌الشاهد الخامس والتسعون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

لا يَرْكَنَنْ أَحَدٌ إلى الإِحْجامِ

يَوْمَ الوَغَى مُتَخَوِّفًا لحِمَامِ

أقول: قائله هو قطري بن الفجاءة التميمي أبو نعامة الخارجي، وكان من الشجعان المشاهير، ويقال: إنه مكث عشرين سنة يسلم عليه أصحابه من الخوارج بالخلافة.

قتل في سنة تسعة وسبعين للهجرة، قتله عسكر الحجاج من جهة عبد الملك بن مروان الأموي.

ووقع في نسخة ابن الناظم أن قائل هذا البيت [هو]

(4)

الطرماح

(5)

، وهو غلط فاحش، فالسهو إما منه، وإما إلحاق من الناسخ، وبعده ستة أبيات أخر، وهي

(6)

:

2 -

فلَقَدْ أَرَانِي للرِّمَاحِ دَرِيئَةً

مِنْ عَنْ يَمِينِي مَرَّةً وأمَامِي

3 -

حَتَّى خَضَبتُ بِمَا تَحَدَّرَ مِنْ دَمِي

أَكْنَافَ سَرْجِي أوْ عِنَانَ لِجَامِي

(1)

قال ابن مالك: "فمن المسوغات تخصص" صاحب الحال بوصف كقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} [الدخان: 4، 5]. وكقول الشاعر: (البيتين) ". شرح التسهيل لابن مالك (2/ 331)، وقد اشترط بعض المغاربة في الحال من النكرة أن يكون المسوغ تعدد الوصف حكاه ابن عقيل وأبو حيان. ينظر: المساعد (2/ 17)، والارتشاف (2/ 346).

(2)

ابن الناظم (127)، وأوضح المسالك (2/ 85)، وشرح ابن عقيل (2/ 262).

(3)

البيت من بحر الكامل، وهو لقطري بن الفجاءة من مشاهير الخوارج الذين يدعون إلى الجهاد والحرب ضد الطغاة والظالمين، والشاهد وما بعده في هذا المعنى، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (10/ 163)، والدرر (4/ 5)، وشرح عمدة الحافظ (423)، وشرح التصريح (1/ 377)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 240).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

هكذا في ابن الناظم (320)، ط. دار الجيل.

(6)

هكذا نص العيني على أن بعده ستة أبيات، ثم أورد خمسًا فقط، وهذه الأبيات المذكورة منها أربع في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (136) القسم الأول، وانظرها كلها في الخزانة (10/ 163)، وشعر الخوارج (112).

ص: 1120

4 -

ثُمّ انْصَرَفْتُ وقَدْ أَصَبتُ ولَمْ أُصَبْ

جَذَعَ البَصِيرَةِ قَارِحَ الإقدَامِ

5 -

مُتَعَرِّضًا للموت أَضْرِبُ مُعْلَمًا

بُهْمَ الحُرُوب مُشَهَّرَ الأعْلامِ

6 -

أدْعُو الكُمَاةَ إلى النّزَالِ ولا أَرَى

نَحْرَ الكريمِ عَلَى القَنَا بِحَرَامِ

وهو من الكامل وفيه الإضمار والقطع.

1 -

قوله: "لا يركنن": من ركن إلى الشيء يركن من باب نصر ينصر، وركن يركن من باب علم يعلم إذا مال إليه، وقد جاء ركن يركن بالفتح فيهما وهو لغة متداخلة

(1)

.

قوله: "الإحجام" بكسر الهمزة وسكون الحاء المهملة بعدها الجيم، ومعناه: النكوص والتأخر، و "الإجحام" بتقديم الجيم مثله وهو مقلوب، قوله:"يوم الوغى" بالغين المعجمة، أي: يوم الحرب، قوله:"متخوفًا" المتخوف: الخائف شيئًا بعد شيء، قوله:"لحمام" بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم، أي: للموت، وقال الجوهري: الحمام بالكسر: قدر الموت

(2)

.

2 -

قوله: "دريئة" يهمز ولا يهمز، فيجعل من الدرء وهو الدفع، ومن الدرى وهو الختل، وبهذا سمي البعير الذي يسيب فتألفه الوحش لا تنفر منه، ثم يجيء صاحبه يستتر به فيرمي الوحش، والحلقة التي يتعلم عليها الطعن دريئة، ويمكن حمل معنى البيت عليهما جميعًا، فإذا أراد بالدريئة الحلقة، فالمراد أن الطعن يقع فيه كما يقع في تلك الحلقة، وإن أراد به الدابة التي يستتر بها؛ فالمراد أنه يتقى به فيصير سترة لغيره من الطعن؛ كما تكون الدابة سترة للصائد، وعلى هذا معنى للرماح: من أجل الرماح.

قوله: "من عن يميني" كلمة عن هاهنا اسم، والمعنى: من جانب يميني.

3 -

قوله: "أو عنان لجامي""أو" هاهنا ليست للشك، وإنما هي التي يراد بها أحد الأمرين على طريق التعاقب [أي]

(3)

إما ذا وإما ذا، ولك أن تريد الجمع لأنه أصله الإباحة.

4 -

قوله: "جذع البصيرة" الجذع: قبل الثني بسنة، وانتصابه على الحال، وجذع البصيرة قارح الأقدام: أصلهما في الخيل وذوات الحوافر كلها، وذلك أن المهر يركب بعد حول سياسة ورياضة، فإذا بلغ حولين، فهو جذع فحينئذ يستغني عن الرياضة، يقول: استبصاري ويقيني لا يحتاجان إلى تهذيب وتأديب؛ كما لا يحتاج الجذع إلى الرياضة، وإقدامي قارح، أي: قد بلغ النهاية؛ كما أن القروح نهاية سن الفرس ولا سن بعده.

(1)

ينظر اللسان والصحاح: "ركن".

(2)

الصحاح مادة: "حمم".

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1121

6 -

قوله: "أدعو الكماة" بضم الكاف؛ جمع كمي، وهو الشجاع المتغطي بسلاحه، قوله:"إلى النزال" بكسر النون، وهو أن يتنازل الفريقان في الحرب.

الإعراب:

قوله: "لا يركنن": فعل نهي مؤكد بالنون الخفيفة، وقوله:"أحد": فاعله، و "إلى الإحجام": يتعلق به، قوله:"يوم الوغى": كلام إضافي نصب على الظرف، قوله:"متخوفًا" حال من أحد، وإن كان نكرة لوقوعه في سياق النهي، وهو محل الاستشهاد

(1)

، قوله:"لحمام" أي: لأجل حمام، يتعلق بقوله:"متخوفًا".

‌الشاهد السادس والتسعون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

يَا صَاحِ هَلْ حُمَّ عَيْشٌ باقِيًا فَتَرَى

لِنَفْسِكَ العُذْرَ في إِبْعَادِهَا الأَمَلَا

أقول: قائله رجل من طيء لم يعلم اسمه، وهو من البسيط.

قوله: "حُمَّ" بضم الحاء المهملة وتشديد اليم، ومعناه: هل قدر، ومنه: حمة الفراق ما قدر وقضى.

الإعراب:

قوله: "يا صاح": جملة ندائية، "وصاح" أصله: صاحب فرخم، قوله:"هل" للاستفهام على وجه الإنكار، قوله:"حم" فعل ماض مجهول، و"عيش": مرفوع لأنه ناب عن الفاعل، وقوله:"باقيًا": حال من عيش، وإن كان نكرة؛ لأنه في سياق الاستفهام [على وجه الإنكار]

(4)

.

قوله: "فترى": جملة من الفعل والفاعل، وكلمة:"أن" مقدرة بعد الفاء، تقديره: فأن ترى

(5)

، وقوله:"العذر" بالنصب مفعوله، قوله:"في إبعادها" الإبعاد، مصدر من أبعد، مضاف إلى فاعله وهو الضمير الذي يرجع إلى النفس، قوله:"الأملا": مفعوله، وألفه للإشباع.

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 332).

(2)

ابن الناظم (127)، وأوضح المسالك (1/ 87)، وشرح ابن عقيل (2/ 261).

(3)

البيت من بحر البسيط، وهو لقائل مجهول، وانظره في الدرر (4/ 6)، وشرح التصريح (1/ 377)، وشرح عمدة الحافظ (423)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 240).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

إنما قدر أن لينتصب الفعل بها بعد فاء السببية المسبوقة بالاستفهام.

ص: 1122

الاستشهاد فيه:

في قوله: "باقيًا" حيث وقع حالًا عن النكرة وهو قوله: "عيش" لأنه في سياق الاستفهام كما ذكرنا

(1)

.

‌الشاهد السابع والتسعون بعد الأربعمائة

(2)

،

(3)

فَإِنْ تَكُ أَذْوَادٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ

فَلَنْ تَذْهَبُوا فِرْغًا بِقَتْلِ حِبَالِ

أقول: قائله هو طُلَيْحَة بن خويلد بن نوفل الأسدي من بني ثعلبة، فارس مشهور، وبطل مذكور يعدل بألف، خرج خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى قتاله في خلافة الصديق صلى الله عليه وسلم وبعث بين يديه عكاشة بن محصن وثابت بن الأَقْرَم الأنصاري طليعة، وخرج طُلَيحَة وأخوه أبو حبال سلمة طليعة لأصحابهما فقتلا عكاشة وثابتًا رضي الله عنهما.

وقال ابن سعد

(4)

: لما دنا خالد من طُلَيحَة وأصحابه بعث عكاشة وثابتًا طليعة بين يديه يأتيانه بالخبر فلقيا طُلَيحَة [وأخاه طليعة]

(5)

لقومهما، فانفرد طُلَيْحَة بعكاشة، وأخوه بثابت، فلم يلبث سلمة أن قتل ثابتًا، وصرخ طُلَيحَة بسلمة: أعني على الرجل فإنه قاتلي، فكرّ سلمة على عكاشة فُقتلا جميعًا، وأنشد طُلَيْحَة هذه القصيدة.

وهي من الطويل وأولها قوله:

فإنْ تَكُ أَذْوَادٌ أُصِبنَ ............

.......................... إلى آخره

وبعده:

2 -

عَشِيَّةَ غَادَرتُ ابْنَ أَقْرَمَ ثَاويًا

وَعُكَاشَةَ الغُنْمي عِنْدَ مَجَالِ

3 -

نَصَبْتُ لهم صَدْرَ الحِمَالةِ إِنَّهَا

مُعَوِّدَةٌ قِيلَ الكُمَاةُ نَزَالِ

4 -

فَيَوْمًا تَرَاهَ فيِ الجَلَالِ مَصُونَةً

ويَومًا تَرَاهَا غَيرَ ذَاتِ جَلالِ

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 332).

(2)

ابن الناظم (128)، وشرح ابن عقيل (2/ 265).

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو مطلع مقطوعة ذكرها الشارح، وذكر قائلها وقصتها، وانظر بيت الشاهد في: شرح عمدة الحافظ (427)، وشرح الأشموني (2/ 177).

(4)

السيرة النبوية لابن هشام (3/ 50).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1123

ثم أسلم طُلَيْحَة وحسن إسلامه، ثم شهد القادسية فأبلى فيها بلاء حسنا، وكان مع النعمان بن مقرن رضي الله عنه في وقعة نهاوند، واستشهد بها سنة إحدى وعشرين للهجرة.

1 -

قوله: "أذواد": جمع ذود بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وفي آخره دال مهملة، وهو من الإبل ما بين الثلاث إلى العشرة، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها، و "أذواد": جمع قلة، قوله:"فرغًا" بكسر الفاء وفتحها وسكون الراء وبالعين المعجمة، يقال: ذهب دمه فرغًا، أي: هدرًا يطلب به.

قوله: "حبال" بكسر الحاء المهملة وبالباء الموحدة، هو اسم ابن أخي طُلَيْحَة المذكور.

وكان المسلمون أصابوه في الردة وأخذوا مال بني أسد وسبوا نساءهم، فقَتَل طُلَيْحَة بابن أخيه حبال هذا عكاشةَ وثابتَ بن الأَقْرَم كما ذكرنا، يقول طُلَيْحَة في ذلك: إن أصبتم سبيًا وإبلًا فذهبتم بها ولم يؤخذ منكم مثلها، فما ذهبتم بدم حبال باطلًا فإني قتلت به عكاشة وثابتًا، وهو معنى قوله:"عشية غادرت ابن أَقْرَم" أي: عشية تركت ثابت بن أَقْرَم.

2 -

و "ثاويًا": نصب على الحال، وقوله:"وعكاشة" عطف على قوله: "ابن أَقْرَم" فقوله: "عند مجال" أي عند الحرب، قوله:"صدر الحمالة" بكسر الحاء المهملة، وهو اسم فرس لطُلَيْحَة مشهورة، و"الكماة" بالضم جمع كمي، وهو المتغطي في السلاح.

الإعراب:

قوله: "فإن" حرف شرط، وقوله:"تك" أصله: تكن وهو فعل الشرط، وقوله:"أذواد" بالرفع لأنه اسم تكن، قوله:"أصبن": خبره، "ونسوة" بالرفع عطف على أذواد، قوله:"فلن تذهبوا": جواب الشرط، قوله:"فرعًا" حال من قوله: "بقتل" مقدم عليه مع كونه مجرورًا، فدل هذا على جواز القول: بمررت جالسة بهند، ويكون التقدير في البيت: فلن تذهبوا بدم حبال فرغًا، أي: حال كونه فرغًا؛ أي: هدرًا، وقوله:"حبال" مجرور بالإضافة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فرغًا" حيث وقع حالًا مقدمًا كما ذكرنا

(1)

.

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 176، 177).

ص: 1124

‌الشاهد الثامن والتسعون بعد الأربعمائة

(1)

،

(2)

لَئِنْ كانَ بَرْدُ المَاءِ هَيمَانَ صَادِيًا

إِلَيَّ حَبِيبًا إِنَّهَا لَحَبِيبُ

أقول: قائله هو كثير عزة، وهو من قصيدة بائية، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

أبَى القَلْبُ إلا أُمَّ عَمْرٍو وَبَغَّضَتْ

إلَيَّ نِسَاءً مَا لَهُنَّ ذُنُوبُ

2 -

حَلَفْتُ لَهَا بالمَأْزِمينِ وَزَمْزَمٍ

ولله فَوقَ الحَالِفِينَ رَقِيبُ

3 -

لئن كان ..................

.......................... إلخ

4 -

لعَمْرُ أبِيهَا إِنَّ دَهْرًا يَرُدُّهَا

إلَيَّ عَلَى شَحَطِ النَّوَى لَطَلُوبُ

وهي من الطويل.

2 -

قوله: "بالمأزمين" بالهمزة الساكنة بعد الميم وكسر الزاي المعجمة؛ تثنية مأزم، وهو كل طريق ضيق بين الجبلين، والمراد به: هو الموضع الذي بين عرفة والمشعر.

3 -

قوله: "هيمان" بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف، وقال الأصمعي: الهيمان: العطشان، والهُيام بالضم: أشد العطش، ويروى: حران بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وهو العطشان- أيضًا، والأنثى حَرًّا مثل عطشى، والحرة -بكسر الحاء العطش، والحرار العطاش.

قوله: "صاديًا": اسم فاعل من الصدا، وهو العطش، وقد صدى يصدى صَدًا فهو صيدٍ وصاد وصديان وامرأة صديا.

4 -

قوله: "على شحط النوى" الشحط -بفتح الشين المعجمة والحاء المهملة هو البعد، و "النوى" بفتح النون؛ هو الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد.

الإعراب:

قوله: "لئن" اللام فيه تسمى اللام المؤذنة وتسمى الموطئة -أيضًا-، أما المؤذنة فللإيذان

(4)

بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها لا على الشرط، وأما الموطئة فلأنها وطأت الجواب

(1)

ابن الناظم (128)، شرح ابن عقيل (2/ 264).

(2)

البيت من بحر الطويل، وقد نسب للمجنون، وهو في ديوانه (59) تحقيق عبد الستار فراج، مكتبة مصر، ونسب أيضًا لعروة بن حزام في الخزانة (3/ 212، 218) ولكثير عزة، وليس في ديوانه سلسة شعراؤنا بشرح مجيد طراد، ولا في طبعة بيروت، دار الثقافة، تحقيق د. إحسان عباس، وانظره في شرح عمدة الحافظ (428).

(3)

انظر بعض هذه الأبيات في ديوان مجنون ليلى (59)، تحقيق: عبد الستار فراج.

(4)

في (أ): فلأنها تؤذن.

ص: 1125

للقسم، أي: مهدته له نحو [قوله تعالى]

(1)

: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ} [الحشر: 12].

وكلمة: "إن" للشرط، قوله:"كان برد"[فعل]

(2)

الشرط، وقوله:"إنها لحبيب": جواب الشرط، وقوله:"برد الماء" كلام إضافي مرفوع؛ لأنه اسم كان وخبره قوله: "حبيبًا".

قوله: "هيمان": حال من الياء في قوله: "إليّ" وتقدمت عليه مع كونه مجرورًا، تقديره: لئن كان برد الماء حبيبًا إليَّ حال كوني هيمان صاديًا إنها لحبيب، و "صاديًا" أيضًا حال؛ إما من الأحوال المترادفة أو من الأحوال المتداخلة، وقد أول الجمهور هذا بأن برد في "برد الماء" مصدر، وأن "هيمان" منصوب به على أنه مفعول به، وكأنه قال: لئن كان برد الماء جوفًا هيمان صاديًا إليَّ حبيبًا إنها لحبيب، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه

(3)

، وأراد بالجوف جوف نفسه.

وقال أبو الفتح: يجوز أن يكون حران حالًا من الماء، أي: في حال حرارة الماء وصداه على حد المبالغة؛ لأنه [إذا]

(4)

عطش الماء فهو الغاية، وفيه بعد.

وهذه التأويلات كلها لأجل الهروب عن القول بجواز وقوع الحال من المجرور المتقدمة عليه؛ فلذلك أولوا هذه التأويلات، وقالوا أيضًا: فلو لم يؤول فلا حجة فيه؛ لأن الشعر يجيء فيه ما لا يسوغ في الكلام.

فإن اعتُرضَ عليهم بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28]، فإن كافة حال من المجرور باللام وهو الناس، وقد تقدم عليه.

أجابوا بأن كافة حال من ضمير النبي صلى الله عليه وسلم فيكون المعنى؛ وما أرسلناك إلا كافًّا للناس، ودخلت التاء التي للمبالغة؛ كما في قولهم: رَاويَةُ الشِّعْرِ.

فإن قيل: باب به التاء للمبالغة مقصور على السماع، ولا يأتي غالبًا إلا على أحد أمثلة المبالغة؛ كنسابة وفروقة ومهذارة، وكافة بخلاف ذلك، فبطل أن تكون منها لكونها على فاعلة، فإن حملت على راوية حملت على شاذ الشاذ؛ لأن إلحاق تاء المبالغة أحد أمثلة المبالغة شاذ وإلحاقه لما لا مبالغة فيه أشذ.

قيل: هذا مجرد دعوى ولا برهان فيه، ولئن سلمنا ذلك فنقول: إن كافة مصدر؛ لأن الفاعل قد يجيء بمعنى المصدر؛ كالكاذبة والعاقبة فتكون كافة بمعنى كف وهو مصدر لفعل محذوفٍ

(1)

زيادة لإيضاح الآية.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

في (ب): فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1126

وهو يكف، أي: ما أرسلناك إلا لتكفى كفًّا، وقال الزمخشري: كافة صفة لمصدر محذوف، أي: إلا إرساله كافة شاملة لجميع الناس

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "هيمان" فإنه حال من الياء في: "إليّ" كما ذكرناه مفصلًا

(2)

.

‌الشاهد التاسع والتسعون بعد الأربعمائة

(3)

،

(4)

تسلَّيْتُ طُرًّا عَنْكُمُ بعدَ بيْنِكمْ

بذكراكم حتَّى كَأَنَّكُمْ عِنْدِي

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل، المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "تسليت": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"طرًّا": حال من الكاف والميم في: "عنكم".

فإن قلت: شرط الحال أن يكون من المشتقات.

قلت: طرًّا بمعنى جميعًا وهو المشتقات، قوله:"عنكم" يتعلق "بتسليت"، وقوله:"بعد بينكم": كلام إضافي، وبعد نصب على الظرف، والباء في بذكراكم تتعلق بتسليت، والذكرى على وزن فِعْلَى: مصدر مضات إلى مفعوله، والفاعل محذوف تقديره: بذكري إياكم.

قوله: "حتى" هاهنا حرف ابتداء يعني: حرف يبتدأ بعده الجملة، فيدخل على الجملة الاسمية، وهاهنا كذلك؛ فإن قوله:"كأنكم عندي" جملة اسمية، وتدخل على الفعلية -أيضًا- نحو قوله تعالى:{حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف: 95]

(5)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "طرًّا" فإنه حال عن المجرور وقد تقدم عليه

(6)

.

(1)

قال الزمخشري: "إلا كافة: إلا رسالة عامة لهم محيطة بهم؛ لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم، وقال الزجاج: المعنى: أرسلناك جامعًا للناس في الإنذار والإبلاغ، فجعلها حالًا من الكاف، وحق التاء على هذا أن تكون للمبالغة

". الكشاف (3/ 260).

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 338).

(3)

ابن الناظم (129)، أوضح المسالك (2/ 89).

(4)

البيت من بحر الطويل، وهو في الغزل، وامتثال العاشق للصبر حين ييأس من حبيبه، وانظر بيت الشاهد في التصريح (1/ 379)، وشرح الأشموني (2/ 177).

(5)

ينظر الجنى الداني (543).

(6)

ينظر الشاهد (498).

ص: 1127

‌الشاهد المتمم للخمسمائة

(1)

،

(2)

غافلًا تَعْرِضُ المَنِيَّةُ لِلْمَرْ

ءِ فَيُدْعَى وَلَاتَ حِينَ إِبَاءِ

أقول: لم يعرف قائله مَنْ هُوَ، وهو من الخفيف وفيه الخبن.

قوله: "المنية" أي: الموت، قوله:"إباء" أي: امتناع، من أبي يأبى، والمعنى: ليس الحين حين إباء وامتناع.

الإعراب:

قوله: "غافلًا": حال من قوله: "للمرء" تقدمت عليه مع أنه مجرور، قوله:"تعرض المنية": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"للمرء" في محل النصب على المفعولية.

قوله: "فيدعى" على صيغة المجهول عطف على قوله: "تعرض"، والفاء للتعقيب في غير تراخ؛ يعني: عقيب عروض المنية يدعى.

وقد قيل: إن الفاء للحال؛ كما في قوله عليه الصلاة والسلام

(3)

"إذا كَبَّرَ الإمام فكبروا" حتى إن أبا حنيفة رضي الله عنه استدل على أن القوم يكبرون مع تكبير الإمام مقارنًا كمقارنة حلقة الخاتم للأصبع، وذكروا فيه أن الفاء في قوله:"فكبروا" للحال هكذا ذكروا، ولم أدر أثبت في اللغة مجيء الفاء للحال أم لا؟

(4)

.

قوله: "ولات" بمعنى ليس وتعمل عملها، فقوله:"حين إباء": كلام إضافي في محل الخبر للات، واسمها محذوف، والتقدير: ليس الحين حين إباء، وقد علم أنه لا يذكر بعد لات إلا أحد المعمولين، والغالب أن يكون المحذوف هو المرفوع

(5)

، واختلف في معمولها، فنص الفراء على أنها لا تعمل إلا في لفظة الحين، وهو ظاهر قول سيبويه

(6)

، وذهب الفارسي

(1)

ابن الناظم (129).

(2)

البيت من بحر الخفيف، لقائل مجهول، وهو في الموعظة وانقياد الإنسان للموت دون اعتراض، وبيت الشاهد في شرح عمدة الحافظ (428)، وبلا نسبة، وشرح قطر الندى (25)، وشرح الأشموني (2/ 177).

(3)

أخرجه البخاري في الصلاة في الثياب، باب الصلاة في السطوح والمنبر رقم (371)، ومسلم في باب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، تحت رقم (411).

(4)

الفاء في بيت الشاهد للعطف، ومعناها السببية، وذلك غالب في العاطفة جملة أو صفة، كقوله تعالى:{فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15]، انظر المغني (163)، ولم يذكر ابن هشام في المغني الذي أشار إليه الشارح.

(5)

ينظر الجنى الداني (488).

(6)

ينظر الكتاب (1/ 58)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 377)، والمغني (254)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 397).

ص: 1128

وجماعة إلى أنها تعمل في الحين وفيما رادفه؛ كالزمان والأوان ونحوهما

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "غافلًا" حيث وقع حالًا عن المجرور، وقد تقدم عليه

(2)

.

‌الشاهد الأول بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

مَشْغُوفَةً بِكِ قد شُغِفْتُ وإِنما

حُمَّ الفراقُ فما إلَيْكِ سَبيلُ

أقول: احتج به جماعة من النحاة، ولم أر أحدًا عزاه إلى قائله.

وهو من الكامل وفيه الإضمار والقطع.

قوله: "مشغوفة": من شغفه الحب، أي: بلغ شغافه وهو غلاف القلب وهي جلدة دونه كالحجاب، ويجوز بالعين المهملة -أيضًا- فيقال: شعفه الحب؛ أي: أحرق قلبه، وقال أبو زيد: أمرضه

(5)

، وقرأ الحسن:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} [يوسف: 30] بالعين المهملة

(6)

، قوله:"حم الفراق" أي: قدر.

الإعراب:

قوله: "مشغوفة" بالنصب؛ لأنه حال من الكاف الذي في بك وهي كاف المؤنث، والمعنى: قد شغفت بك مشغوفة، وقوله:"قد شُغِفت" على صيغة المجهول، قوله:"وإنما" إن كفت عن العمل بدخول ما الكافة عليها، وقوله:"حم" على صيغة المجهول أسند إلى الفراق، وهو مفعول ناب عن الفاعل، قوله:"فما إليك سبيل" الفاء تصلح أن تكون للتعليل، وما بمعنى ليس، "وسبيل": اسمه، "وإليك" مقدمًا خبره

(7)

.

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 377)، والجنى الداني (491)، والمغني (254).

(2)

ينظر شرح عمدة الحافظ (428).

(3)

ابن الناظم (129).

(4)

البيت من بحر الكامل، لقائل مجهول في الغزل، وانظره في الأشموني (2/ 177)، وشرح عمدة الحافظ (428)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (723).

(5)

لم نستطع الحصول عليه في النوادر لأبي زيد.

(6)

قال ابن جني: "ومن ذلك قراءة علي عليه السلام والحسن بخلاف وأبي رجاء ويحيى بن يعمر وقتادة: (قد شعفها) بالعين"، المحتسب (1/ 339).

(7)

انظر قول ابن مالك في ذلك، في شرح الكافية الشافية (432): "من النحويين من يرى عمل ما إذا تقدم خبرها وكان ظرفًا أو مجرورًا، وهو اختيار أبي الحسن بن عصفور، وكان قد منع العمل عند تقدم الخبر.

ص: 1129

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مشغوفة" فإنه حال من المجرور، وقد تقدم عليه

(1)

.

‌الشاهد الثاني بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

لِمَيَّةَ مُوحِشًا طَلَلُ

................................

أقول: قائله هو كثير [بن عبد الرحمن، المشهور بكثير]

(4)

عزة، وتمامه:

...........................

يَلُوحُ كَأَنَّهُ يخلَلُ

وهو من الوافر من العروض الثانية المجزوءة وضربها مثلها

(5)

.

قوله: "لمية" بفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف وهو اسم امرأة، و "الطلل" بفتحتين؛ ما شخص من آثار الديار، قوله:"يلوح" أي يلمع من لاح يلوح لوحًا.

قوله: "خلل" بكسر الخاء المعجمة؛ جمع خلة-[أيضًا-]

(6)

، قال الجوهري: الخلة بالكسر واحدة خِلَل السيوف، وهي بطائن كانت تُغَشَّى بها أجفان السيوف منقوشة بالذهب وغيره، وهي -أيضًا- سيور تَلْبِسُ ظهور القوس

(7)

.

الإعراب:

قوله: "لِمَيَّةَ": خبر مبتدأ متأخر، أعني: قوله: "طلل"، وقوله:"موحشًا": حال من طلل تقدمت عليه لكون ذي الحال نكرة، قوله:"يلوح": جملة وقعت صفة لطلل، قوله:"كأنه خلل" كأن للتشبيه؛ والهاء اسمه، وخلل خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "موحشًا" حيث تقدم على ذي الحال لكونه نكرة وتقديم الحال على ذي الحال واجب إذا كان ذو الحال نكرة غير مختصة بوجه من وجوه التخصيص ليتميز بالتقديم عن

(1)

ينظر الشاهد (498) من هذا البحث.

(2)

أوضح المسالك (2/ 82).

(3)

شطر بيت من بحر الوافر نسب لكثير، وليس في ديوانه سلسلة شعراؤنا، ولا في طبعة بيروت، تحقيق: د. إحسان عباس، وينظر الخزانة (3/ 211)، وشرح التصريح (1/ 375)، والكتاب لسيبويه (2/ 123)، والمغني (85)، وشرح شواهد المغني (249)، واللسان مادة:"وحش"، والخصائص (2/ 492).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

في (ب): من الكامل من العروض الثالثة المجزوءة، وهو خطأ.

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(7)

الصحاح مادة: "خلل".

ص: 1130

الصفة، فإن الحال يتقدم على ذي الحال والصفة لا تتقدم على الموصوف وهذا من جملة الفروق بينها وبين الصفة.

قيل: والحق أن هذه الحال ليست حالًا عن النكرة؛ بل هي حال من الضمير في الخبر والضمير معرفة؛ لأن العامل في الحال هو العامل في صاحبها، والعامل في صاحبها هو الابتداء والحال فضلة، والابتداء لا يعمل في الفضلات، اللَّهم إلا أن يقال: العامل في الحال لا يجب أن يكون هو العامل في صاحبها بدليل

(1)

[قوله تعالى]: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} [البقرة: 91]، فإن العامل في الحال غير العامل في صاحبها.

قلت: هذا مشكل؛ لأن المضمر لا يعمل، والابتداء -أيضًا- لا يعمل في الفضلات

(2)

.

‌الشاهد الثالث بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

تَقُولُ ابنَتِي إنَّ انْطِلَاقَكَ وَاحِدًا

إلى الرَّوْعِ يَوْمًا تَارِكِي لا أَبَا لِيَا

أقول: قائله هو مالك بن الريب بن حوط بن قوظ بن حِسْل بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، قتل بخراسان مع سعيد بن عثمان نائب معاوية على خراسان

(5)

.

وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله

(6)

:

1 -

ألَا لَيتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيلَةً

بِجَنْبِ الغَضَى أُزْجِي القِلاصَ النَّوَاجِيَا

(1)

ما بين المعقوفين زيادة لإيضاح الآية.

(2)

ينظر الكتاب لسيبويه (2/ 123، 124)، وشرح التصريح (1/ 375).

(3)

ابن الناظم (129)، وشرح ابن عقيل (2/ 267).

(4)

البيت من بحر الطويل من قصيدة لمالك بن الريب التميمي يرثي نفسه (إسلامي، وقد غزا في سبيل الله وقُتل بخرسان) وقد ذكر العيني عشرة أبيات منها أولها، وقد سجلها كلها صاحب الخزانة (58 بيتًا) ولا بأس بذلك ففيها أبيات تجري مجرى الأمثال، وصاحبها في رثائه لنفسه، يشير إلى قصائد الصعاليك الذين كانوا يفعلون ذلك لشجاعتهم وخوضهم المجهول، ومما قاله هذا البيت وهو مشهور:

تذكرت من يبكي علي فلم أجد

سوى السيف والرمح الرديني باكيًا

وانظر بيت الشاهد في الأشموني بحاشية الصبان (2/ 179)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 342)، وشرح شواهد شرح ابن عقيل للجرجاني (135)، والعجيب أن بيت الشاهد مغير عما في القصيدة، فهو في القصيدة هكذا:

تَقُولُ ابنَتِي لما رأت طول رحلتي

سفارك هذا تَارِكِي لا أَبَا لِيَا

ولا شاهد فيه على تلك الرواية التي هي الأصل.

(5)

انظر ذلك كالتفصيل في الخزانة (2/ 210).

(6)

انظر القصيدة في الخزانة (3/ 202)، وشرح شواهد المغني (631)، والأمالي (3/ 135).

ص: 1131

2 -

فلَيتَ الغَضَى لَمْ يَقْطَعِ الرَّكْبُ عَرضَهُ

وليتَ الغَضَى مَاشَى الرِّكَابَ لَيَالِيَا

3 -

لقدْ كَانَ فيِ أَهْلِ الغَضَى لَوْ دَنَا الغَضَى

مَزَارٌ وَلَكنَّ الغَضَى ليسَ دَانِيَا

4 -

ألمْ تَرَنِي بِعْتُ الضلالةَ بالهُدَى

وأصْبَحْتُ فيِ جِيشِ ابن عفَّانَ غَازِيَا

5 -

وأصْبَحْتُ فيِ أَرْضِ الأعَادِي بُعَيْدَمَا

أُرَانِي عَنْ أَرْضِ الأعَادي قَاصيَا

6 -

دَعَانِي الهَوَى مِنْ أهْلِ أُودٍ وَصُحْبَتِي

بِذِي الشطَّين فَالتَفَتُّ ورَائِيَا

7 -

أَجَبْتُ الهَوَى لَمَّا دَعَانِي بِزَفْرَةٍ

تَقَنَّعْتُ مِنْهَا أنْ أُلامَ رِدَائِيَا

8 -

أقُولُ وقَدْ حَالتْ قَرَي الكُردِ بيننا

جَزَى الله عَمَرًا خَيرَ مَا كَانَ جَازِيَا

9 -

إنِ الله يُرْجِعُنِي منَ الغَزْو لَا أُرَى

وَإنْ قَلّ مَالِي طَالِبًا مَا وَرَائِيَا

10 -

تقول ابنتي ................

...................................... إلخ

1 -

قوله: "بجنب الغضى" بفتح الغين والضاد المعجمتين، قال أبو علي: الغضا: شجر ينبت في الرمل ولا يكون غضًّا إلا في الرمل، قوله:"أزجي" أي: أسوق، يقال: أزجاه يزجيه إزجاء وزجاه [يزجيه]

(1)

تزجية، قوله:"القلاص" بكسر القاف؛ جمع قلوص وهو الشاب من الإبل، و "النواجي": السراع.

2 -

و: "الركاب": الإبل، ويجمع على ركائب، والمعنى: ليت الغضا طال بهم.

4 -

قوله: "ألم ترني بعت" يعني: بعت ما كنت فيه من الفتك والضلالة بأن صرت في جيش سعيد بن عثمان بن عفان رضي الله عنه.

5 -

قوله: "قاصيا" من قصى إذا بَعُد.

6 -

قوله: "بذي الشطين"، قال أبو علي القالي: شطين بخراسان أو قريبًا منها، يقول: دعاني هواي وتشوقي من ذلك الموضع وأصحابي بالموضع الآخر.

7 -

قوله: "تقنعت منها" يقول: لما ذكرت ذلك الموضع استعبرت واستحييت فتقنعت بردائي لكي لا يري ذلك مني.

8 -

[قوله: "قوي الكرد" بفتح الكاف وسكون الراء وفي آخره دال مهملة، وهو الطرد]

(2)

.

10 -

قوله: "إلى الروع" بفتح الراء، وهو الفزع والخوف، ولكن أريد به الحرب الذي من لوازمه الفزع والخوف.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1132

الإعراب:

قوله: "قول": فعل مضارع، و "ابنتي": كلام إضافي فاعله، والجملة التي بعده مقول القول، قوله:"إن انطلاقك" الانطلاق: مصدر مضاف إلى فاعله وقع اسمًا لإن، وخبره قوله:"تاركي".

قوله: "واحدًا" حال من الكاف التي أضيف إليها الانطلاق، قوله:"إلى الروع": يتعلق بالانطلاق، قوله:"يومًا": نصب على الظرف، قوله:"لا أبا ليا" في محل النصب على المفعولية وأصله: لا أب لي، وأب: اسم لا، وخبره محذوف، أي: لا أب لي موجود حينئذ، وإنما زِيدَتْ الألف فيه كما يقال في: يا غلامي: يا غلامًا، قال أبو النجم

(1)

،

(2)

:

يا ابنة عما لا تلومي واهجعي

...........................

وقال أبو علي: تقول العرب: قم لا أب لك، ولا أبا لك على توهم الإضافة؛ كما قال الشاعر

(3)

:

............................

يا بؤس للجهل ضرارًا لأقوام

يريد: يا بؤس الجهل، قال: ويروى: لا أبًا ليا بالتنوين، ولا أبا ليا بغير تنوين

(4)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "واحدًا" فإنه وقع حالًا عن المضاف إليه وهو الكاف في: "انطلاقك"، وإنما جاز ذلك؛ لأنها فاعل بالمصدر، والتحقيق هاهنا أن صاحب الحال لا يجوز أن يكون مجرورًا

(1)

الفضل بن قدامة من الرجاز، واسمه الفضل بن قدامة عاصر العجاج وابنه رؤبة؛ كما أنشد الخليفة هشام بن عبد الملك، مات (120 هـ).

(2)

بيت من شطور الرجز لأبي النجم العجلي، من قصيدة خاطب بها زوجته أم الخيار، يقول فيها وهو أولها:

قد أصبحت أم الخيار تدعي

علي ذنبًا كله لم أصنع

وبعد بيت الشاهد قوله:

لا تسمعيني منك لومًا واسمعي

....................................

ديوان أبي النجم (134)، شرح علاء الدين أغا، الرياض (1981 م).

(3)

عجز بيت من بحر البسيط، للنابغة، وصدر البيت الذكور هو قوله:

قالت بنو عامر خالوا بني أسد

........................

وهو في ديوانه (105) ط. دار صادر، و (82) ط. دار المعارف، يصف ما بين قومه وآخرين، وينظر الشاهد في المسائل البصريات (559)، واللسان:"بأس"، "خلا"، وشرح المفصل (3/ 68)، والمرزوقي (1483).

(4)

ينظر المسائل البصريات (559).

ص: 1133

بالإضافة نحو: جاءني غلام هند كريمة إلا في ثلاثة مواضع:

أحدها: أن يكون المضاف عاملًا في الحال [مجرورًا]

(1)

مثل أن يكون فيه معنى الفعل كقولك: اعتكافي صائمًا، وصومي ذاكرًا، وصلاتي خاشعًا، قال الله تعالى:{إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [المائدة: 48]، ومنه البيت المذكور.

والثاني: أن يكون المضاف جزء ما أضيف إليه؛ كقوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} [الحجر: 47].

الثالث: أن يكون كجزئه نحو: {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [آل عمران: 95]

(2)

.

‌الشاهد الرابع بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

لَهِنَّكَ سَمْحٌ ذَا يَسَارٍ ومُعْدمًا

كَمَا قَدْ أَلِفْتَ الحِلْمَ مَرْضي ومُغْضَبَا

أقول: استشهد به أبو علي، وأبو الفتح وغيرهما، ولم أر أحدًا منهم عزاه إلى قائله

(5)

، وهو من الطويل.

قوله: "لهنك" أصله: لإنك فأبدلوا الهاء من همزة أن، قال الشاعر، وهو

(6)

محمد

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

قال في شرح التسهيل: "وحق المجرور بالإضافة ألا يكون صاحب حال كما لا يكون صاحب خبر؛ لأنه مكمل للمضاف، وواقع منه موقع التنوين، فإن كان المضاف بمعنى الفعل، حسن جعل المضاف صاحب حال نحو: عرفت قيام زيد مسرعًا، وهو راكب الفرس عاريًا، وإلى هذين المثالين ونحوهما أشرت بقولي: ولا يضاف غير عامل الحال إلى صاحبه، فعلم أن إضافة عامل الحال إلى صاحب الحال جائزة، وأن إضافة ما ليس عاملًا في الحال إلى صاحبها غير جائزة إلا ما استثني" ثم سرد المسائل الثلاث التي سردها الشارح، وقال:"وإنما حسن جعل الذي أضيف إليه جزؤه أو كجزئه صاحب حال؛ لأنه قد يستغنى به عن المضاف؛ ألا ترى أنه لو قيل في الكلام: نزعنا ما فيهم من غل إخوانًا، واتبع إبراهيم حنيفًا لحسن، بخلاف الذي يضاف إليه ما ليس بمعنى الفعل وما ليس جزءًا ولا كجزء، فإنه لا سبيل إلى جعله صاحب حال لو وقلت: فربت غلام هند جالسة، أو نحو ذلك لم يجز بلا خلاف". شرح التسهيل لابن مالك (2/ 342)، وينظر شرح ابن عقيل على الألفية (2/ 266 - 269)، وابن الناظم (325 - 327)، وشرح الأشموني (2/ 178، 179).

(3)

ابن الناظم (130).

(4)

البيت من بحر الطويل، غير منسوب فيما ورد من مراجع، وانظره في المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (42، 43)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 343)، والجنى الداني (129)، والخصائص (1/ 315)، وسر صناعة الإعراب (371، 552)، وابن يعيش (8/ 63)، (9/ 25)، وفي لسان العرب وجدناه منسوبًا لمحمد بن سلمة مادة:"لهن"، وفي الخزانة نسب لرجل من نمير (10/ 338).

(5)

البيت في سر الصناعة منسوبًا لمحمد بن سلمة في (371، 352)، وقيل: هو الراوي، وليس القائل.

(6)

هو أبو جعفر محمد بن سلمة اليشكري، عالم بالأنساب من بيت كريم في الكوفة، رحل إلى البادية، وأخذ عن أهلها، وأخذ عنه ابن السكيت (ت 230 هـ)، الأعلام (8/ 147).

ص: 1134

ابن سلمة

(1)

:

ألَا يَا سَنَا بَرْقٍ عَلَى قُلَلِ الحمَى

لَهِنَّكَ مِنْ بَرْقٍ عَلَيّ كَرِيمُ

ويقولون: هِن فعلتَ فعلتُ، يريدون: إن فعلت

(2)

.

قوله: "سمح" بفتح السين المهملة وسكون الميم، وفي آخره حاء مهملة ومعناه: كريم؛ من السماح والسماحة وهو الجود، وسمح به، أي: جاد به، وسمح لي، أي: أعطاني، ولقد سمُح بالضم فهو سمح، وقوم سمحاء؛ كأنه جمع سمح، ومساميح كأنه جمع مسماح، وامرأة سمحة ونسوة سماح لا غير، وعن ثعلب: المسامحة: المساهلة، وتسامحوا تساهلوا.

قوله: "ذا يسار" أي ذا غنى، و "معدمًا" أي: فقيرًا، و "العدم" بفتحتين: الفقر، وكذا العُدْم بضم العين وسكون الدال، وأعدم افتقر فهو معدم وعديم، قوله:"مرضي": اسم مفعول من الإرضاء، وكذا قوله:"مغضب": اسم مفعول من الإغضاب.

الإعراب:

قوله: "لهنك" اللام فيه لام التوكيد وهي مفتوحة، وهنك بكسر الهاء، وأصلها: إنك، والكاف اسمه، و "سمح" خبره، قوله:"ذا يسار": كلام إضافي وقع حالًا من ضمير سمح، و "معدمًا" معطوف عليه.

قوله: "كما قد ألفت" الكاف للتشبيه، وما مصدرية، وقد للتحقيق، وألفت جملة من الفعل والفاعل، و "الحلم" مفعوله، وقوله:"مرضي": حال من الضمير الذي في ألفت، وكذلك قوله:"مغضبَا" حال إما من المتداخلة، أو المترادفة، وتقدير الكلام: كألفتك الحلم والرأفة في حال الرضى وحالة الغضب، والمعنى: إن الحلم لا يفارقك، سواء كنت راضيًا أو غضبان.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ذا يسار" فإنه حال قدم على عاملها، ويجوز في الكلام تقديم الحال على سمح بأن يقال: إنك ذا يسار ومعدمًا سمح؛ لقوة عمل الصفة المشبهة

(3)

فافهم.

(1)

البيت من بحر الطويل، لمحمد بن سلمة، وهو في سر الصناعة (371، 552)، وشرح شواهد المغني (602)، ومجالس ثعلب (1/ 113)، والممتع (398)، وهو شاهد على إبدال الهاء من الهمزة على اللزوم في إن مع اللام، وفيه يقول سيبويه:"وهذه كلمة تتكلم بها العرب في حال اليمين وليس كل العرب تتكلم بها، تقول: لهنك لرجل صِدْق، فهي إن ولكنهم أبدلوا الهاء مكان الألف كقولهم: هرقت ........ ". الكتاب لسيبويه (3/ 150)، وينظر الممتع (398).

(2)

ينظر سر الصناعة (552).

(3)

قال ابن مالك: "تقدم الحال على عاملها إذا كان فعلًا متصرفًا نحو: مسرعًا أتيت، وإذا كان صفة تشبهه تتضمن=

ص: 1135

‌الشاهد الخامس بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

رَهْطُ ابنِ كُوزٍ مُحْقِبي أَدْرَاعِهِم

فيهمْ وَرَهْط ربيعةَ بن حُذار

أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وهو من قصيدة من الكامل يخاطب بها زرعة بن عمرو، وقد ذكرناها وما يتعلق بها مستوفاة في شواهد العلم

(3)

.

قوله: "رهط ابن كوز" رهط الرجل: قومه وقبيلته، والرهط: ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة، قال الله تعالى:{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48]، وهو جمع معنى، وليس له واحد من لفظه، مثل: ذود، والجمع أرهط وأرهاط وأراهط؛ كأنه جمع أرهط وأراهيط.

قوله: "ابن كوز" بضم الكاف وسكون الواو وفي آخره زاي معجمة، وهو يزيد بنُ حُذَيْفَةَ بن كوز، قال الجوهري: اسم رجل من بني ضبَّةَ

(4)

، قوله:"محقبي أدراعهم" من أحقب زاده خلفه على راحلته إذا جعله وراءه حقيبة، والأدراع: جمع دِرْع الحديد وهي مؤنثة، وحكى أبو عبيدة أنه يذكر ويؤنث

(5)

، و"الأدراع": جمع قلة، وكذلك الأَدْرُع، والجمع الكثير دُرُوع، قوله:"ابن حُذَار" بضم الحاء المهملة وبالذال المعجمة، وهو من بني أسد.

الإعراب:

[قوله: "]

(6)

رهط" مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو رهط ابن كوز، والضمير يرجع إلى قوله: "ألقى إليك" في البيت الذي قبله، ويجوز أن ينتصب على أن يكون تفسيرًا لقوله: ألقي إليك قوادم الأكوار"، قوله:"محقي أدراعهم" كلام إضافي حال من

= معنى الفعل وحروفه وقبول علامات الفرعية فهو في توة الفعل، ويستوي في ذلك اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة كقول الشاعر (البيت)، فلو قيل في الكلام: إنك ذا يسار ومعدمًا سمح لجاز، لأن سمحًا عامل توي بالنسبة إلى أفعل التفضيل ....... ". شرح التسهيل لابن مالك (2/ 343).

(1)

ابن الناظم (131)، وتوضيح المقاصد (2/ 158).

(2)

البيت من بحر الكامل، وهو من قصيدة للنابغة الذبياني يهجو بها زرعة بن عمر بن خويلد، وكان قد دعاه إلى الغدر بقومه، فأتى النابغة فتوعده زرعة، فقال النابغة يهجوه، ومطحها شاهد نحوي، وهو قوله:

نُبِّئْتُ زُرْعَةُ والسَّفَاهَةُ كاسْمِهَا

يُهْدِي إِلَيَّ غَرَائبَ الأَشْعَارِ

وقد مر هذا البيت في الشاهد رقم (369 / ظ)، وهو من شواهد هذا الكتاب، وانظر بيت الشاهد في ديوان النابغة (55) ط. دار المعارف، و (86) شرح عباس عبد الساتر، وشرح الكافية الشافية (2/ 733)، والأشموني (2/ 181).

(3)

ينظر الشاهد رقم (91) من هذا البحث.

(4)

الصحاح مادة: "كوز".

(5)

الصحاح مادة: "درع".

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1136

الضمير المجرور، قوله "ورهط ربيعة": كلام إضافي -أيضًا- عطف على رهط

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "محقبي أدراعهم" حيث وقع حالًا من الضمير المجرور، وهو قوله:"فيهم"، وهذا شاذ لا يقاس عليه، وقد قال بعضهم: إن "محقبي أدراعهم" نصب على المدح، فحينئذ لا شاهد فيه ولا حكم بالشذوذ فافهم

(2)

.

‌الشاهد السادس بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

بِنَا عَاذَ عَوْفٌ وَهُوَ بَادِيَ ذِلَّةٍ

لَدَيْكُمْ فَلَمْ يعْدَمْ وَلاءً ولا نَصْرًا

أقول: لم أقف على اسم قائله، قيل: إن قائله مجهول، وهو من الطويل.

قوله: "وهو بادي ذلة" أي ظاهر ذلة؛ من البدو وهو الظهور، قوله:"فلم يعدم": من عدمت الشيء بالكسر أعدمه عَدَمًا بالتحريك على غير قياس؛ أي: فقدته، قوله:"ولاء" بفتح الواو؛ من الموالاة وهو ضد المعاداة.

الإعراب:

قوله: "بنا": جار ومجرور يتعلق بعاذ، و:"عاذ عوف": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"وهو بادي ذلة": جملة وقعت حالًا من الضمير المستتر في: "لديكم"، وفيه دليل على جواز: زيد جالسًا في الدار وهو قول الأخفش

(5)

.

(1)

نرى أن الإعراب الذي أعربه الشارح للبيت خطأ، وقد أعربه الصبان فقال:"رهط بن كوز" مبتدأ، خبزه "فيهم"، و "محقبي أدراعهم": حال من الضير المستكن فيه؛ أي: جاعلين أدراعهم في حقائبهم، "ورهط" الثاني معطوف على رهط الأول".

(2)

هذا تخريج لتقديم الحال على عاملها، وهو متعلق الجار والمجرور "فيهم" عند من يمنع ذلك وهو غير الأخفش؛ كما سيوضحه في الشاهد الآتي بعد ذلك رقم (506).

(3)

ابن الناظم (131)، أوضح المسالك (2/ 94).

(4)

البيت من بحر الطويل، غير منسوب في مراجعه، وانظره في شرح التصريح (1/ 385)، والأشموني (2/ 182)، وشرح التسهيل (2/ 346)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (319).

(5)

أجاز الأخفش إذا كان العامل في الحال ظرفًا أو حرف جر مسبوقًا باسم ما الحال له توسط الحال صريحة كانت نحو: سعيد مستقرًّا في هجر. ومثل هذا محكوم عليه من النحويين لجوازه مع الوقوف على حد المسموع فيه. قال ابن مالك: "فإنَّ كان العامل المتضمن معنى الفعل دون حروفه ظرفًا أو حرف جر مسبوقًا باسم ما الحال له جاز توسيط الحال عند الأخفش صريحة كانت الحال نحو: زيد متكئًا في الدار وبلفظ ظرف أو حرف جر كقول الشاعر:

ونَحْنُ مَنَعْنَا البَحْرَ أَنْ تَشْرَبُوا به

وقد كَان منكُمْ مَاؤُه بمكَانِ

ويضعف القياس على الصريحة لضعف العامل وظهور الحمل، ومن شواهد إجازته قراءة بعض السلف:{وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] والقراءة بنصب "مطويات" على الحال لعيسى بن عمر، مختصر شواذ القرآن (131). =

ص: 1137

قوله: "فلم يعدم" عطف على قوله: "عاذ"، وهو جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه، قوله:"ولاء" بالنصب مفعوله، "ولا نصرًا" عطف عليه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بادي ذلة" فإنه وقع حالًا من الضمير المجرور بالظرف وتقدم عليه، وهو شاذ

(1)

.

‌الشاهد السابع بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

ونَحْنُ مَنَعْنَا البَحْرَ أَنْ تَشْرَبُوا به

وقد كَانَ منكُمْ مَاؤُه بمكَانِ

أقول: قد ذكر بعضهم أن هذا البيت من أبيات قالها بعض الخوارج

(4)

حين حالوا بين الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وبين الماء بأرض كربلاء حتى مات أكثر شيعته عطشًا.

وهو من الطويل، المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "ونحن منعنا" الواو للعطف على شيء قبله، ونحن مبتدأ، ومنعنا جملة من الفعل والفاعل في محل الرفع على أنه خبر، قوله:"البحر": منصوب بنزع الخافض تقديره: عن البحر، وقوله:"أن تشربوا": مفعول منعنا، وأن مصدرية، تقديره: منعنا شربكم عن البحر، يقال: منعت زيدًا عن الكلام ونحوه، قوله:"به" الباء هاهنا يصح أن تكون للتبعيض؛ كما في قوله: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6]، وكما في قول الشاعر

(5)

:

شَرِبْنَ بِمَاء البَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ .... .............................

= - وقول ابن عباس رضي الله عنه: نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متواريًا بمكة، وقول الشاعر:(البيت).

وغير الأخفش يمنع تقديم الحال الصريحة على العامل الظرفي مطلقًا، والصحيح جوازه محكومًا بضعفه". ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 346) وينظر ابن الناظم (329، 330) وشرح جمل الزجاجي "الكبير" لابن عصفور (1/ 335).

(1)

ينظر قول الأخفش السابق مباشرة، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 346).

(2)

ابن الناظم (131).

(3)

البيت من بحر الطويل، وقد نسب لابن مقبل في لسان العرب مادة:"بحر"، والمساعد (2/ 31).

(4)

بحثنا عنه في شعر الخوارج فلم نجده.

(5)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي، وسيأتي الحديث عنه مفصلًا في شواهد حروف الجر، (552)، وانظره في ديوان الهذليين (51)، والجنى الداني (43)، والمغني (105)، وشرح شواهد المغني (318)، وسر الصناعة (152)، وتمامه:

....................

متى لجج خضر لهن نئيج

ص: 1138

ويجوز أن يضمن تشربوا معنى: ترووا، يعني: منعنا أن ترووا بماء البحر، وهذه اللفظة -أعني قوله:"أن تشربوا به" هكذا وقعت في نسخ ابن المصنف بإعمال أن وبحرف الجر، وربما أشار ابن هشام إلى التأويل الذي ذكرناه، وأنشده الشيخ عبد العزيز بن جمعة الموصلي المعروف بالقواس

(1)

في شرحه لألفية ابن معطٍ هكذا

(2)

:

ونَحْنُ مَنَعْنَا البَحْرَ أنْ تَشْرَبُونَهُ

..........................

بإثبات نون الجمع في النصب؛ لأنه أتى به شاهدًا لإثبات النون حالة النصب، فعلى هذا لا يحتاج إلى التأويل المذكور، ولكن يحتاج إلى تأويل آخر، وهو أن التقدير: أن تشربوا منه، فافهم ذلك فإنه موضع النظر.

قوله: "وقد كان" جملة وقعت حالًا من الضمير الذي في منكم، وهو الضمير المجرور بالحرف

(3)

، قوله:"ماؤه" كلام إضافي مرفوع لأنه اسم كان، قوله:"بمكان": في محل النصب على الخبرية.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وقد كان" حيث وقع حالًا عن المجرور بالحرف وهو شاذ؛ لأن تقديم الحال على العامل الحرفي لا يجوز، وما جاء من ذلك شاذ، وكذلك لا يجوز تقديها على العامل الظرفي

(4)

؛ كما في البيت السابق

(5)

.

‌الشاهد الثامن بعد الخمسمائة

(6)

،

(7)

متَى مَا نَلْتَقِي فَرْدَيْنِ ترجُفْ

روانِفُ إِليتَيكَ وتستطارَا

أقول: قائله هو عنترة بن شداد العبسي، وهو من قصيدة رائية من الوافر، وأولها هو

(1)

هو عبد العزيز بن جمعة الموصلي المعروف بالقواس (ت 726)، له: شرح ألفية ابن معطٍ، وقد طبع قريبًا في جزأين نشر مكتبة الخانجي، بالرياض، وانظر ترجمته في بغية الرعاة (1/ 307)، (2/ 99).

(2)

شرح ألفية ابن معطٍ لابن القواس (1/ 364)، تحقيق: علي موسى الشوملي.

(3)

خطأ وقع فيه الشارح، فحمله:"وقد كان" حال من ضمير تشربوا أو البحر، ولا علاقة له بالشاهد.

(4)

خطأ آخر وقع فيه الشارح، فليس الشاهد ما ذكره، وإنما الشاهد وقوع:"منكم" حالًا من الضمير المستقر في الظرف، في قوله:"بمكان" الواقع خبرًا لكان.

(5)

ينظر الشاهد رقم (505) من هذا البحث وما قيل في تحقيقه.

(6)

ابن الناظم (132).

(7)

البيت من بحر الرافر، من قصيدة قائلها -على ما ذكره الشارح- هو عنترة بن شداد العبسي، وقد نقلها العيني كلها في كتابه، وهي في هجاء عمارة بن زيد الذي حسد عنترة وحقد عليه واغتابه بأنه عبد أسود فرد عليه عنترة قوله، وانظر=

ص: 1139

قوله

(1)

:

1 -

أحَوْلِي تَنْفُضُ استك مِذرَويهَا

لِتَقْتُلَنِي فَهَا أَنَا ذَا عُمارَا

2 -

متَى مَا ..................

.................................... إلى آخره

3 -

وَسيْفِي صَارِمٌ قَبَضَتْ عليهِ

أشَاجعٌ لا تَرَى فيها انتشارَا

4 -

حُسَامٌ كالعقيقةِ فهوَ كِمْعِي

سِلاحِي لا أَفَلَّ ولَا فُطَارَا

(2)

5 -

ومُطَّرِدُ الكُعُوبِ أَحَصُّ صَدْقٍ

تَخَالُ سِنَانَهُ في اللَّيل نَارَا

6 -

سَتَعْلَمُ أَيُّنَا للموْتِ أدْنَى

إذَا دانيت لي الأَسَلَ الحِرَارَا

7 -

ولِلرُّعيَانِ فِي لُقُحٍ ثَمَانٍ

تُهَادِنُهُنَّ صَرًّا أو غِرَارَا

8 -

أقَامَ علَى خَسِيسَتِهنَّ حَتَّى

لَقَحْنَ وَنَتَّجَ الأُخَرَ العِشَارَا

9 -

وقِظْنَ على لَصَافٍ وَهنَّ غُلْبٌ

تَرَنُّ مُتُونُهَا لَيلًا ظُئَارَا

10 -

ومَنجُوبٌ لهُ مِنْهُن صَرْعٌ

يَميلُ إذا عَدَلْتَ به الشوارَا

11 -

أقلُّ عَلَيكَ ضُرًّا مِنْ قَرِيحٍ

إذَا أَصْحَابُهُ ذَمَرُوهُ سارا

12 -

وخَيْلٍ قدْ زَحَفْتُ لها بخيلٍ

عليهَا الأسْدُ تهْتَصرُ اهتِصَارَا

(3)

قال الأعلم

(4)

: يهجو عنترة بهذه القصيدة عمارة بن زياد، وكان يحسد عنترة ويقول لقومه: إنكم أكثرتم ذكره، والله لوددت أن لقيته خاليًا حتى أعلمتكم أنه عبد، وكان عمارة جوادًا كثير الخير مضيعًا لماله مع جوده، وكان عنترة لا يكاد يمسك إبلًا يعطيها أخوته فيقسمها، فبلغه ما يقول عمارة، فقال [في ذلك]

(5)

:

1 -

أحَوْلِي تَنفُضُ استك مِذرَوَيْهَا

.............................

= ديوانه (234) تحقيق: محمد سعيد (المكتب الإسلامي)، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (4/ 279)، والدرر (5/ 94)، وشرح التصريح (2/ 294)، وابن يعيش (2/ 55)، واللسان:"طير"، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 63).

(1)

ينظر ديوان عنترة بن شداد (75) وما بعدها، تحقيق: عبد المنعم شلبي، و (234) تحقيق: محمد سعيد مولوي.

(2)

روايته في الديوان:

وسيفي كالعقيقة وهو كمعي

............................

(3)

روايته في الديوان:

وخيل قد دلفت لها بخيل

............................

(4)

ينظر شرح أشعار الستة الجاهليين (2/ 133، 134).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1140

يقال: جاء ينفض مذرويه إذا جاء باغيًا يتهدد، و "المذروان": طرفًا الإليتين ولا واحد لهما؛ لأنه لو كان واحدهما مِذْرَي على ما قاله

(1)

أبو عبيدة لقالوا: مذريان في التثنية؛ لأن المقصور إذا كان على أربعة أحرف يثنى بالياء على كل حال؛ نحو: مقلى ومقليان

(2)

.

قوله: "عمارَا" بضم العين؛ منادى مرخم، أصله: يا عمارة، فلما حذف حرف النداء رخمه.

2 -

قوله: "نلتقي": من اللقى، قوله:"فردين" أي: منفردين، قوله:"ترجف" أي: تضطرب وتتحرك، و "الروانف": جمع رانفة، وهي طرف الإلية، قال الجوهري: الرانفة [أسفل]

(3)

الإلية وطرفها الذي يلي الأرض من الإنسان إذا كان قائمًا، قوله:"وتستطارا" من قولهم: استطار

(4)

الشيء إذا طير، والألف فيه ضمير الروانف؛ لأنه

(5)

في معنى رانفتين، ويجوز أن يكون ضمير الإليتين.

3 -

قوله: "صارم" أي: قاطع، والأشاجع": عصب ظاهر الكف، واحدها أشجع

(6)

، وصفها بقوله: لا ترى فيها انتشارًا أنه سليم العصب شديد الخلق.

4 -

قوله: "كالعقيقة" أي: كالسحابة تنشق عن البرق، قال الجوهري: وعقيقة البرق ما انعق منه أي: تضرَّبَ في السحاب، وبه شبه السيف، قال عنترة:

وسيفي كالعقيقة ...........

......................... إلى آخره

(7)

قوله: "كمعي" بكسر الكاف؛ أي: ضجيعي، وأراد: هو ملازم لي وإن كنت مضطجعًا كان مضاجعي، قوله:"لا أفل": من الفلول، و "الفطار" بضم الفاء؛ المشقق.

5 -

قوله: "ومطرد الكعوب" أراد به رمحًا طويلًا؛ وكعوبه: رؤوس أنابيبه، واطرادها: تتابعها واستقامتها، قوله:"أحص" أي: أملس لا لحاء عليه ولا عقدة، قوله:"صدق" بفتح الصاد المهملة وسكون الدال وفي آخره قاف، وهو الرمح المستوي المستقيم الصلب.

6 -

و"الأسل" بفتحتين؛ أطراف الرماح، و "الحرار" بكسر الحاء المهملة، أي: العطاش إلى الدم.

7 -

و "الرعيان": جمع راعٍ، و "اللقح": جمع لقحة، وهي ذوات الألبان، "تهادنهن" أي تخادعهن الرعيان وتداريهن لتسكن عند الحلب، و "الصرّ" بفتح الصاد المهملة وتشديد

(1)

في (أ): ما زعم.

(2)

الصحاح مادة: "ذرى".

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

في (أ): استطير.

(5)

في (أ): لأنها.

(6)

في (ب): الشجع.

(7)

الصحاح مادة: "عقق".

ص: 1141

الراء؛ أن تصر ضروعها لتحتفل درتها، و "الغرار" بكسر الغين المعجمة؛ نقصان اللبن.

8 -

قوله: "أقام على خسيستهن" أي: قام الراعي "وخسيستهن": مهازيلُهنّ ورذالُهُنَّ، قوله:"لقحن" أي: حملن، و "العشار": التي عليها عشرة أشهر منذ حملت.

9 -

قوله: "وقِظْن" بكسر القاف وسكون الظاء المعجمة؛ من القيظ، أراد: أنهن أقمن أيام القيظ على لصاف، وهو منزل من منازل بني تميم، وهو بفتح اللام والصاد وفي آخره فاء، ويجوز كسر الفاء على البناء كقطام وفتحها للإعراب لأنه لا ينصرف، و"الغلب" بضم الغين المعجمة وسكون اللام، أراد أنها غلاظ الرقاب، و "متونها": شدادها وصلابها على البرد، ومعنى "ترن": تصوت وتئن، و "الظؤار" بضم الظاء المعجمة؛ جمع ظئر وهي التي تعطف على ولد غيرها.

10 -

قوله: "ومنجوب" أي: زق مدبوغ بالنجب، وهو قشر شجرة يدبغ به، وهو بفتح النون والجيم وفي آخره باء موحدة.

قوله: "صرع" بفتح الصاد وسكون الراء وفي آخره عين كلها مهملات، وهي الناقة التي تتخذ لأداة الراعي، و "الشَّوار" بفتح الشين المعجمة؛ متاع الراعي ومتاع الرجل.

11 -

و "القريح" بفتح القاف، وهو الرجل الذي به القرحات، قوله:"دفروه" أي: زجروه وحثوه على القتال، [قوله: "]

(1)

سار": من السورة، وهي الوثبة على القرن والإقدام عليه.

12 -

قوله: "قد زحفت": من الزحف وهو النهوض إلى القتال، و "الاهتصار": جذب الشيء ليكسر.

الإعراب:

قوله: "متى ما نلتقي" يخاطب به عنترةُ عمارةَ بن زياد، ويصف نفسه بالشهامة، ومتى مِنْ كَلِم المجازاة، و:"نلتقي" جزم به، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله:"فردين": حال من الفاعل والمفعول معًا، أي: أنا فرد وأنت فرد

(2)

، قوله:"ترجف": مجزوم لأنه جواب الشرط، قوله:"روانف": مرفوع لأنه فاعل ترجف، وهو مضاف إلى إليتيك.

و"تستطارا" يحتمل وجوهًا:

أحدها: أن يكون مجزومًا بحذف النون، والأصل: تستطاران؛ فالضمير للروانف، وعاد إليها الضمير بلفظ التثنية وإن كان جمعًا؛ لأنها تثنية في المعنى

(3)

؛ لأن كل إلية لها رانفة

(4)

فهو من

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

أي: أنا فرد وأنت فرد.

(3)

في (ب): وإن كان جمعها لا تثنية في المعنى.

(4)

في (ب): روانف.

ص: 1142

قبيل [قوله تعالى

(1)

]: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4].

والثاني: أن يكون عائدًا إلى الإليتين.

والثالث: أن يكون الضمير مفردًا عائذا إلى المخاطب، والألف بدل من نون التوكيد، والأصل: تستطارن فأبدل من النون ألفًا؛ كما في قوله

(2)

:

...........................

فَلَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ واللهَ فاعْبُدَا

أصله: فاعبدن، ويقال: الضمير المفرد عائد إلى الروانف تقديره: تستطارن هي، ويقال: يجوز أن يكون منصوبًا بإضمار أن في تقدير مصدر مرفوع بالعطف على مصدر ترجف، تقديره؛ ليكن منك رجف الروانف والاستطارة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فردين" فإنه وقع حالًا من الفاعل والمفعول جميعًا

(3)

.

‌الشاهد التاسع بعد الخمسمائة

(4)

،

(5)

عَهِدْتُ سُعَادَ ذَاتَ هَوًى مُعَنًّى

فَزِدْتُ وَزَادَ شلْوَانًا هَوَاهَا

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الوافر وفيه العصب والقطف.

قوله: "مُعَنًّى" أي: أسيرًا في الحب، من عناه يعنيه، والعاني: الأسير، قوله:"سلوانًا" بضم السين؛ بمعنى السلوة، قال الأصمعي؛ يقول الرجل لصاحبه: سقيتني منك سلوة وسلوانًا، أي: طيبت نفسي عنك، ويقال: السلوان: دواء يسقاه الحزين فيسلو، والسلوانة: خرزة كانوا يقولون إنها إذا صببت عليها ماء المطر ثم شربه العاشق سلا.

(1)

زيادة للإيضاح.

(2)

البيت للأعشى ميمون في قصيدته التي يمدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سردها الشارح في الشاهد رقم (447)، ومطلعها:

أَلَمْ تَغتَمِضْ عَيْنَاكَ لَيلَةَ أَرْمَدَا

وَبِتَّ كَمَا بَات السَّلِيمُ مُسَهَّدَا

وهي في ديوانه (171)، تحقيق: محمد محمد حسين، وشرح شواهد المغني (576) وما بعدها.

(3)

ينظر ابن يعيش (2/ 55، 56).

(4)

ابن الناظم (132)، أوضح المسالك (2/ 97).

(5)

البيت من بحر الوافر، وهو مجهول القائل، وانظره في المغني (565)، وشرح شواهد المغني (901)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 350)، والمساعد (2/ 36).

ص: 1143

الإعراب:

قوله: "عهدت": جملة من الفعل والفاعل، و "سعاد": مفعوله وهو لا ينصرف للعلمية والتأنيث، قوله:"ذات هوي": كلام إضافي حال من سعاد، قوله:"معنًّى": حال من التاء في عهدت.

قوله: "فزدت": جملة من الفعل والفاعل وهو فعل لازم هاهنا، وقوله:"سلوانًا": نصب على التمييز، وقوله:"زاد" -أيضًا- فعل لازم، وقوله:"هواها": كلام إضافي فاعله، والضمير ورجع إلى سعاد، أراد: أنه لما كان مغرمًا بها كانت هي خالية، فلما زاد سلوانًا زادت هي غرامًا، وهذا هو من عكس الزمان؛ حيث يأتي دائمًا بضد المقصود، ومن هذا القبيل قول الشاعر

(1)

:

سَأَطلُبُ بُعْدَ الدَّارِ عنكُم لِتَقْرَبُوا

وَتَسْكُبُ عَينَايَ الدُّمُوعَ لِتَجْمُدَا

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ذات هوى معنًّى" فإن "ذات هوى" حال من المفعول وهو سعاد، "ومعنًّى" حال من الفاعل وهو التاء في:"عهدت" كما ذكرناه

(2)

.

‌الشاهد العاشر بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

وتُضِيءُ فِي وَجْهِ الظَّلَامِ مُنِيرَةً

كَجُمَانَة البَحْريُّ سُلَّ نِظَامُهَا

أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة بن عامر العامري، وقد ترجمناه في أول الكتاب

(5)

.

وهو من قصيدة طويلة من الكامل، يصف بالبيت بقرة، وأول القصيدة هو قوله

(6)

:

1 -

عَفَتِ الدِّيارُ مَحَلُّها فمُقامُها

بِمنًى تأبدَ غَوْلُهَا فرِجَامُهَا

(1)

البيت من بحر الطويل.

(2)

ينظر شرح شواهد المغني (901) وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 350) وهو شاهد على تعدد الحال بتفريق لتعدد صاحبها.

(3)

ابن الناظم (133).

(4)

البيت من قصيدة من بحر الكامل، من معلقة لبيد بن ربيعة العامري المشهورة التي ذكر الشارح بيتين من أولها، وأما الثالث فقد جاء بعد عدة أبيات أخرى، ويقال: إنه أنشد هذه المعلقة أمام النابغة فقال له: أنت أشعر العرب، وانظر بيت الشاهد في الديوان (172)، دار صادر، وشرح قطر الندى (241)، واللسان مادة:"جمن".

(5)

ينظر الشاهد رقم (1) من هذا البحث.

(6)

ديوان لبيد بشرح الطوسي (220) والقصيدة فيه في (199) وما بعدها، سلسلة شعراؤنا، والديوان أيضًا (163) ط. دار صادر.

ص: 1144

2 -

فمُدافِعُ الريَّانِ عُرِّي رَسْمُهَا

خَلَقًا كما ضَمِنَ الوَحِيّ سِلامُهَا

3 -

حتَّى إذَا حَسَرَ الظَّلامُ وأَسْفَرَتْ

بَكرتْ تَزِلَّ عن الثّرى أزْلامُها

إلى أن قال:

وتضيء .........................

............................ إلخ

1 -

قوله: "عفت الديار" أي: درست؛ من العفى وهو الدروس، "ومحلها": حيث حلوا ونزلوا، و "المقام": حيث أقاموا، قال الأصمعي:"منى": موضع ببلاد قيس قريب من طخفة في الشق الأيسر وأنت مصعد إلى مكة، وصرفه لأنه ذكر، وكذلك منى الحرم مصروف، قوله:"تأبد" أي: توحش، قوله:"غولها" الغول -بفتح الغين المعجمة مكان بعينه، وكذلك "الرجام": مكان، وهو بكسر الراء وبالجيم.

2 -

و"الريان": اسم واد، و"مدافعه": أعاليه التي تدفع الماء إلى أسفله، قوله:"عُرِّى رسمها" أي: لم يبق فيه أحد، قوله:"خلقًا": نصب على القطع من الرسم؛ لأنه مضاف إلى معرفة، والمعنى: إن هذا الرسم خلق فلا تكاد تبينه إلا كما ترى من الكتاب القديم في الحجارة، وهي السلام بكسر السين، و"الوحيّ" بفتح الواو وكسر الحاء [المهملة]

(1)

وتشديد الياء آخر الحروف، بمعنى المكتوب.

4 -

قوله: "وتضيء" أي: تضيء هذه البقرة، يعني: لونها يضيء إذا تحركت في وجه الظلام، ويروى:

وتضيء في غلس الظلام منيرة

............................................

و"الجمانة" بضم الجيم وتخفيف الميم؛ حبّة تعمل من فضة كالدُّرة، والجمع جمان، و "البحري" بتشديد الياء آخر الحروف، من أهل الريف والأمصار، قال الراجز

(2)

:

حَسِبْتُ فيهَا تَاجِرًا بَحْرِيًّا

نشر من ملائه البَصْرِيّا

قوله: "سل": من سللت الشيء أسله سلًّا، و "النظام" بكسر النون؛ هو الخيط الذي ينتظم به اللؤلؤ، قوله:"إذا حسر" أي: انكشف، و "أسفرت" يعني: البقرة، قوله:"أزلامها" يعني: أظلافها، ويقال: قوائمها، أرد أن قوائمها كالقداح، وإنما تزل للسرعة والخفة.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

البيت من بحر الرجز غير منسوب في مراجعه، وانظره في تهذيب اللغة (5/ 41).

ص: 1145

الإعراب:

[قوله: "]

(1)

وتضيء": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى البقرة التي يصفها، قوله: "في وجه الظلام" يتعلق به، قوله: "منيرة": حال من الضمير الذي في تضيء، قوله: "كجمانة البحري" الكاف للتشبيه وجمانة مجرور به، والبحري مجرور بالإضافة، قوله: "سل" على صيغة المجهول، و "نظامها": مفعول ناب عن الفاعل، والجملة صفة لجمانة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "منيرة" فإنه حال مؤكدة لعاملها

(2)

.

‌الشاهد الحادي عشر بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

سَلَامَكَ رَبَّنَا في كُلِّ فَجْرٍ

بَرِيئًا ما تَغَنَّثُكَ الذُّمُومُ

أقول: قائله هو أمية بن أبي الصلت عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف بن عقدة بن غبرة بن ثقيف أبو عثمان.

ويقال: أبو الحكم الثقفي، شاعر جاهلي، قدم دمشق قبل الإسلام، وقيل: إنه كان صالحًا، وأنه كان في أول أمره على الإيمان، ثم زاغ عنه، وأنه هو الذي أراد الله بقوله:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف: 175] الآية.

والبيت المذكور من الوافر.

قوله: "ما تغنثك الذموم" قال الخليل: تغنثني كذا؛ أي: لاق بي، وأنشد البيت المذكور، أي: لا يليق بك، وقال أبو حيان في التكميل: معنى ما تغنثك: ما تلزق بك، قلت: ومادته غين معجمة ونون وثاء مثلثة، و "الذموم": جمع ذم وهو خلاف المدح.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة للإيضاح.

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 356).

(3)

ابن الناظم (133).

(4)

البيت من بحر الوافر من قصيدة لأمية بن أبي الصلت قالها في الجاهلية؛ لكنها تشتمل على كثير من معتقدات الإسلام، وقد سبق الحديث عنها، وسرد أبيات منها في باب لا النافية للجنس تحت الشاهد رقم (315) من شواهد هذا الكتاب، ويختمها بقوله:

فَلَا تَدْنُو جَهَنَّمُ مِن بَرِئٍ

وَلَا عَدْنٌ يَحِل بِهَا الأثِيمُ

وانظر بيت الشاهد في الديوان (480) تحقيق الدكتور: عبد الحفيظ السطلي (دمشق)، والكتاب لسيبويه (1/ 325)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 305)، ولسان العرب:"غنث، وذم، وسلم"، والخزانة (7/ 235).

ص: 1146

الإعراب:

قوله: "سلامك": مصدر ناب عن فعله، أي: سلمت عن النقائص في كل وقت، قوله:"ربنا": منادى حذف منع حرف النداء، أي: يا ربنا، قوله؛ "في كل فجر" ويروى: في كل وقت، أراد: سلمت من النقائص في كل وقت، قوله:"بريئًا": حال من الكاف في سلامك، قوله:"ما تغنثك الذموم": جملة منفية مركبة من الفعل والمفعول وهو الكاف، والفاعل هو قوله:"الذموم" وهذه الجملة مؤكدة لقوله: "بريئًا" في المعنى؛ لأن معناها البراءة مما لا يليق بجلاله.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بريئًا" فإنه حال من الكاف في "سلامك" من الأحوال المؤكدة؛ لأن سلامك معناه: سلمت كما ذكرنا

(1)

.

‌الشاهد الثاني عشر بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

قمْ قَائِمًا قمْ قَائِمًا

صَادَفْتَ عبْدًا نَائِمًا

وعُشْرَاءَ رائِمًا

..............................

أقول: هذا رجز قالته امرأة من العرب.

2 -

قوله: "صادفت": دعاء بلفظ الخبر دعت لولدها أن يصادف عبدًا نائمًا، و "عشراء" أي: ناقة عشراء، و "رائمًا": من رئمت الناقة ولدها رئمًا إذا أحبته وحنت عليه، والناقة رؤوم ورائمة، وإنما قالت: رائما ولم تقل: رائمة إما للضرورة، وإما على تأويل: ذات رئمان.

3 -

والناقة العشراء هي التي يأتى عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر وزال عنها اسم الخاض ثم لا يزال اسمها عشراء حتى تضع وبعد ما تضع أيضًا، يقال: ناقتان عشراوان، ونوق عشار وعشراوات، ويبدلون من همزة التأنيث واوًا.

الإعراب:

قوله: "قم": جملة من الفعل والفاعل، وهو أنت المستتر فيه، و "قائمًا": حال مؤكدة

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 356، 357) وفي ذلك يقول سيبويه: "وزعم أن قول الشاعر وهو أمية بن أبي الصلت (البيت) على قوله: براءتك ربنا من كل سوء، فكل هذا ينتصب انتصاب حمدًا وشكرًا إلا أن هذا يتصرف وذاك لا يتصرف". الكتاب (1/ 325).

(2)

ابن الناظم (133).

(3)

الأبيات من بحر الرجز المشطور، وهي بلا نسبة في الخزانة (9/ 317) والرواية فيه:"صائمًا"، والدور (6/ 49)، =

ص: 1147

لصاحبها لفظًا ومعنى، والتكرير فيه لأجل التاكيد، قوله:"صادفت": جملة من الفعل والفاعل، و "عبدًا": مفعوله، و "نائمًا" صفته، وقد قلنا: إنها جملة دعائية بلفظ الخبر، قوله:"وعشراء": عطف على عبد، و "رائمًا": صفته على التأويل الذي ذكرناه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "قائمًا" فإنه حال مؤكدة كما ذكرنا

(1)

.

‌الشاهد الثالث عشر بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

أَصِخْ مُصِيخًا لِمَنْ أَبْدَى نَصِيحَتَهُ

والزَمْ تَوَقِّي خَلْط الجدِّ باللَّعِبِ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط.

قوله: "أصخ": أمر من أصاخ؛ أي: استمع، ومادته: صاد مهملة وياء آخر الحروف وخاء معجمة، قوله:"لمن أبدى" أي: أظهر، و"التوقي": التحفظ والتحرز، و "الجد" بالكسر

(4)

؛ ضد الهزل.

الإعراب:

قوله: "أصخ": جملة من الفعل والفاعل وهو أنت المستتر فيه، قوله:"مصيخًا": نصب على الحال من الضمير في أصخ، قوله:"لمن أبدى": يتعلق بقوله أصخ.

قوله: "من" موصولة، و "أبدى نصيحته": جملة من الفعل والفاعل والمفعول صلة الموصول، قوله:"والزم": أمر عطف على قوله: " [أصخ"، وقوله:"توقي" بالنصب مفعول الزم، وهو مضاف إلى الخلط المضاف إلى الجد، قوله: "]

(5)

باللعب": يتعلق بالخلط.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مصيخًا" حيث وقع حالًا من ضمير أصخ مؤكدة لعاملها لفظًا ومعنًى فافهم

(6)

.

= والرواية فيه: "سالمًا"، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 125).

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 357).

(2)

ابن الناظم (133)، أوضح المسالك (2/ 100).

(3)

البيت من بحر البسيط، وهو غير منسوب في مراجعه، وانظره في شرح عمدة الحافظ (440)، وشرح التصريح (1/ 387)، وشرح التسهيل (2/ 357)، والمساعد (2/ 41).

(4)

في (أ): بالفتح، وليس بالصواب.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 357).

ص: 1148

‌الشاهد الرابع عشر بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

أنَا ابنُ دَارَةَ مَعرُوفًا بِهَا نَسَبِي

وَهَلْ بدَارَةَ يَا لَلنّاسِ مِن عَارِ؟

أقول: قائله هو سالم بن دارة اليربوعي

(3)

، وهو من قصيدة يهجو بها فزارة، وقبله

(4)

:

1 -

لا تَأْمَنَنَّ فَزَارِيًّا خَلَوْتَ بِهِ

عَلَى قُلُوصكَ وَاكْتُبْهَا بِأَسْيَارِ

2 -

لا تَأَمَنَنَّ عَليهَا أن يُبَيِّتَهَا

عَارِي الجوَاعِرِ يعْلُوهَا بقُسْبَارِ

3 -

أنا ابن دارة ...........

........................... إلخ

وهي من البسيط.

1 -

قوله: "قلوصك" القلوص -بفتح القاف: الفتى من الإبل كالشاب من الرجال، قوله:"بأسيار": جمع سير

(5)

.

2 -

و "الأجاعر": الإست، و "القسبار" بضم القاف وسكون السين المهملة وبالباء الموحدة، وهو الذكر الطويل الضخم

(6)

.

3 -

قوله: "أنا ابن دارة" بالدالة والراء المهملتين، وهو اسم أم الشاعر.

الإعراب:

قوله: "أنا" مبتدأ، و "ابن دارة": كلام إضافي خبره، وقوله:"معروفًا": حال مؤكدة، و "بها" ناب

(7)

عن الفاعل، ويروى:"معروفًا لها نسبي"، وقوله:"نسبي": مرفوع بقوله: "معروفًا".

(1)

ابن الناظم (133)، وتوضيح المقاصد (2/ 162)، وشرح ابن عقيل (2/ 277).

(2)

البيت من بحر البسيط لسالم بن دارة وهو من قصيدة يهجو فيها فزارة هجاء فاحشًا، والبيت من شواهد الكتاب (2/ 79)، وشرح الأشموني (2/ 185)، والخزانة (3/ 265)(هارون).

(3)

شاعر مخضرم، قد أدرك الجاهلية والإسلام، وكان رجلًا هجاء، وسبب الهجاء وقعة قتل، وهو من الشعراء الذين نسبوا إلى أمهاتهم، واسمه سالم بن مسافع من غطفان، الخرانة (1/ 144).

(4)

انظر هذه الأبيات وغيرها من القصيدة في خزانة الأدب (3/ 265)(هارون).

(5)

قوله: "واكتبها بأسيار" من كتب الناقة يكبها -بضم التاء وكسر- ما ختم حباءها، أو خرامها بسير أو خلقة حديد لئلا ينزي عليها، والأسيار: جمع سير من الجلد.

(6)

في (أ): الغليظ.

(7)

في (أ): نائب، وهذا الإعراب خطأ وسيصلحه الشارح بعد.

ص: 1149

قوله: "وهل": استفهام على وجه الإنكار وتقديره

(1)

: هل عار بدارة؟، وكلمة "من" في قوله:"من عار" زائدة وهو في الأصل مبتدأ، وبدارة خبره.

قوله: "يا للناس": معترض بين المبتدأ والخبر، وكلمة:"يا" يجوز أن تكون لمجرد التنبيه، فحينئذ لا يحتاج إلى المنادى، ويجوز أن تكون للنداء، والمنادى محذوف تقديره: يا قومي للناس، واللام فيه للتعجب المجرد، ولا يستعمل إلا في النداء؛ كما في قولك: يا للماء إذا تعجبت من كثرته فافهم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "معروفًا" فإنه حال مؤكدة لمضمون الجملة الاسمية؛ كما في قولك: زيد أبوك عطوفًا

(2)

.

‌الشاهد الخامس عشر بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

عُلِّقْتُهَا عَرَضًا وَأَقْتُلُ قَوْمَهَا

زَعْمًا -لَعَمْرُ أَبِيكَ؟ لَيسَ بِمَزْعَمِ

أقول: قائله هو عنترة بن شداد العبسي، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله

(5)

:

1 -

هَلْ غَادَرَ الشعراءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ

أمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ؟

(6)

2 -

أعْيَاكَ رَسْمُ الدارِ لَم يتكلَّمِ

حَتَّى تَكَلَّمَ كَالأَصمِّ الأعْجَمِ

إلى أن قال:

3 -

حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ

أقْوَى وَأَقْفَرَ بَعْدَ أُمِّ الهَيثَمِ

4 -

حَلَّتْ بأرْضِ الزَّائِرِينَ فأصْبَحَتْ

عسِرًا عليَّ طِلَابُهَا ابنةُ مُخْرَمِ

(1)

في (أ): والتقدير.

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 357)، وقال سيبويه:"وأما هو فعلامة مضمر وهو مبتدأ، وحال ما بعده كحاله بعد هذا، وذلك قولك: هو زيد معروفًا، فصار المعروف حالًا. وذلك أنك ذكرت للمخاطب إنسانًا كان يجهله، أو ظننت أنه يجهله فكأنك قلت: أثبته، أو ألزمه معروفًا، فصار المعروف حالًا؛ كما كان المنطق حالًا حين قلت: هذا زيد منطلقًا، والمعنى: أنك أردت أن توضح أن المذكور زيد حين قلت: معروفًا، ولا يجوز أن تذكر في هذا الموضع إلا ما أشبه المعروف؛ لأنه يعرف ويؤكد .... وكذلك: هي وهما وهم وهن وأنا وأنت وإنه. قال ابن دارة: (البيت) ". الكتاب (2/ 78) وما بعدها.

(3)

ابن الناظم (134)، أوضح المسالك (2/ 105).

(4)

البيت من بحر الكامل من معلقة عنترة بن شداد العبسي، وهو في الديوان (143)، والخزانة (6/ 131) شرح التصريح (1/ 392) ولسان الرب:"زعم" وبلا نسبة في مجالس ثعلب (1/ 241).

(5)

الديوان (142) وما بعدها، تحقيق: عبد المنعم شلبي، و (182) تحقيق: محمد سعيد مولودي، المكتب الإسلامي.

(6)

هذا البيت سقط في (أ).

ص: 1150

5 -

علقتها .....................

............................ الخ

وهي من الكامل.

قوله: "علقتها" على صيغة المجهول؛ من علق الرجل امرأة من علاقة الحب، وثلاثيه علِق بالكسر، ويقال: قد علقتها وعلق حبها بقلبه، أي: هوايها، وعلق بها علوقًا.

5 -

قوله: "عرضًا" بفتح العين والراء المهملتين وبالضاد العجمة وهو ما يعرض للإنسان من الأمور، والمعنى

(1)

هنا: هويتها وعلقتها من غير قصد، كما جاء نحوه في قول الأعشى

(2)

:

عُلِّقْتُهَا عرضًا وعُلِّقَتْ رَجُلًا ...... غيري وعُلِّقَ أُخْرَى غَيرَهَا الرَّجُلُ

قوله: "زعمًا" بفتح الزاي [المعجمة]

(3)

والعين المهملة أي: طمعًا، وقد زعم بالكسر؛ أي: طمع، يزعم زعما وأزعمته أنا، وقوله:"ليس بمزعم" بفتح الميم؛ أي: ليس بمطمع.

الإعراب:

قوله: "علقتها" التاء نائب عن الفاعل، والهاء مفعول ثان، قوله:"عرضًا" لا نصب على التمييز، أي من جهة العرض لا من جهة القصد، قوله:"وأكمل قومها": جملة وقعت حالًا ولكن التقدير: وأنا أقتل قومها، لأن المضارع المثبت إذا وقع حالًا لا يقترن بالواو؛ فلا يقال: جاء زيد ويضحك، فإذن لا بد من التقدير بما ذكرنا.

قوله: "زعمًا": منصوب على المصدرية، ويجوز أن يكون حالًا بمعنى زاعما، قوله:"لعمر أبيك": قسم واللام للتأكيد، و "عمر أبيك" كلام إضافي مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير: لعمر أبيك قسمي أو يميني، قوله:"ليس بمزعم": جملة وقعت صفة لقوله: "زعمًا" ولعمر أبيك معترض بينهما.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وأقتل قومها" حيث وقع حالًا، وهو مضارع مثبت؛ فلا يجيء بالواو، ويقدر بالجملة الاسمية، وتقديره: وأنا أقتل، كما قيل: قمت وأصك عينه، حكاه الأصمعي، وتأول على: قمت وأنا أصك عينه

(4)

.

(1)

في (أ): هاهنا.

(2)

البيت من البسيط في ديوانه (281) تحقيق د. حنا الحتي، و (92) تحقيق: د. محمد محمد حسين.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ينظر مواقع مجيء الحال جملة في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 359) وما بعدها.

ص: 1151

ويقال: هذا ضرورة، ويقال: الواو فيه للعطف، والمضارع مؤول بالماضي تقديره: علقتها عرضًا وقتلت قومها

(1)

.

‌الشاهد السادس عشر بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

فَلَمَّا خَشِيتُ أَظَافِيرَهُمْ

نَجَوْتُ وَأَرْهَنُهُمْ مَالِكًا

أقول: قائله هو عبد الله بن همام السلولي، وهو من المتقارب وفيه الحذف والقبض.

المعنى: لما خشيت حملته وأنشاب أظفاره نجوت وخليت بينه وبين مالك، والذي خشيه هو عبيد اللَّه

(4)

بن زياد، وكان قد توعده فهرب إلى الشام واستجار بيزيد فأمنه وكتب إلى عبيد اللَّه [يأمره أن يصفح عنه، قوله: "وأرهنهم مالكًا" يريد: تركت عريفي في يد عبيد اللَّه بن زياد وكان اسم]

(5)

عريفه مالكًا.

الإعراب:

قوله: "فلما" بمعنى: حين، الفاء للعطف على ما قبله من الأبيات، قوله:"خشيت": جملة من الفعل والفاعل، و"أظافيرهم": كلام إضافي مفعوله، قوله:"نجوت": جواب لما.

قوله: "وأرهنهم" خبر مبتدأ محذوف؛ أي: وأنا أرهنهم؛ كما تقول: قمت وأصك قفاه، أي: وأنا أصك، و"مالكًا": مفعول ثان [قال ثعلب: الرواة كلهم على: أرهنتهم مالكًا على أنه يجوز: رهنته وأرهنته إلا الأصمعي، فإنه روى: وأنا أرهنهم مالكا؛ على أنه عطف بفعل مستقبل على فعل ماض، وشبهه بقولهم: قمت وأصك وجهه، وهو مذهب حسن؛ لأن الواو واو حال، فيجعل أصك حالا للفعل الأول على معنى: قمت صاكًّا وجهه؛ أي: تركته مقيمًا عندهم ليس من طريق الرهن؛ لأنه لا يقال: أرهنت الشيء، وإنما يقال: رهنته]

(6)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وأوهنهم مالكًا" حيث وقع حالًا، وهو مضارع مثبت، ولا يجيء بالواو، تقديره: وأنا أرهنهم كما ذكرنا

(7)

.

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 187، 188).

(2)

ابن الناظم (134)، وشرح ابن عقيل (2/ 279).

(3)

البيت من بحر المتقارب، لعبد الله بن همام السلولي، وهو في الخزانة (9/ 36)، والدرر (4/ 15)، والجنى الداني (164)، ورصف المباني (42)، والمقرب (1/ 155)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 246).

(4)

في (ب): عبد الله.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(7)

ينظر شرح الأشموني (2/ 187).

ص: 1152

‌الشاهد السابع عشر بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

ولو أن قَوْمًا لارْتِفَاعِ قَبِيلَةٍ

دَخَلُوا السَّمَاءَ دَخلتُها لا أحجَبُ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل، المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "ولو أن قومًا" الواو للعطف، ولو للشرط في المستقبل إلا أنها لا تجزم، وتقع أن بعدها كثيرًا، "وقومًا" اسم أن، وخبره قوله:"دخلتها".

فإن قلت: ما موضع أن هاهنا؟

قلت: الرفع، ولكنهم اختلفوا

(3)

:

فقال سيبويه: بالابتداء، ولا تحتاج إلى خبر لاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه

(4)

.

وقال ابن عصفور: يقدر له الخبر مؤخرًا؛ كما في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا} [البقرة: 103]، أي: ولو أن إيمانهم ثابت

(5)

.

وقال المبرد والزجاج والكوفيون: الرفع على الفاعلية، والفعل مقدر بعدها تقديره: ولو ثبت أن قومًا، والتقدير في الآية: ولو ثبت أنهم آمنوا، فافهم

(6)

، قوله:"لارتفاع قبيلة" يتعلق بقوله: "دخلوا السماء" وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو السماء، وقعت صفة للقوم، وقوله:"لا أحجب" جملة وقعت حالًا من ضمير دخلت مجردة عن الواو؛ كما في قوله تعالى: {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل: 20]، و {وَمَا لَنَا لَا نُؤمِنُ بِاللهِ} [المائدة؛ 84].

(1)

ابن الناظم (134).

(2)

البيت بلا نسبة في المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (58)، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 188).

(3)

انظر ما قيل في هذا الخلاف في بحثنا: "لو" أنواعها وأحكامها، دراسة نحوية تطبيقية في كتاب الله والشعر العربي، د. أحمد السوداني، بحث منشور في مجلة كلية اللغة العربية، جامعة الأزهر (2006 م-1428 هـ)، (30) وما بعدها.

(4)

ينظر الخلاف في ذلك في الجنى الداني للمرادي (279، 280) والكتاب (3/ 120، 121)، وشرح التسهيل لابن مالك (4/ 98).

(5)

ينظر شرح الجمل "الكبير" لابن عصفور (2/ 440، 441).

(6)

ينظر معاني القرآن للزجاج (1/ 187)، والمفصل للزمخشري (323)، والارتشاف (2/ 573)، والبرهان للزركشي (4/ 369)، "وبين ابن عصفور الإشبيلي وابن هشام الأنصاري في النحو والصرف د. عبد العزيز فاخر (474) وما بعدها" ماجستير بالأزهر.

ص: 1153

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لا أحجب" لأن الحال إذا كان مضارعًا مثبتًا أو منفيًّا بلا استغنت عن الواو

(1)

.

‌الشاهد الثامن عشر بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

.........................

وَكُنْتُ ولَا يُنَهْنِهُنِي الوَعِيدُ

أقول: قائله هو مالك بن رقية، وصدره:

أمَاتُوا مِنْ دَمِي وتَوَاعَدُونِي

...................................

وقبله:

1 -

كفَانِي مصْعَبٌ وَبَنُو أَبِيهِ

فأينَ أحيدُ عنهُمْ لا أحيدُ؟

وهما من الوافر.

1 -

قوله: "فأين أحيد": من حاد يحيد عن الشيء حيدًا وحيودًا وحيدودة إذا مال وعدل عنه، قوله:"ولا ينهنهني" أي: ولا يزجرني الوعيد؛ من نهنهت الرجل عن الشيء فتنهنه أي: كففته وزجرته فكف، ونهنهت السبع إذا صحت به ليكف، والأصل في نهنهه:[نهّهه]

(4)

بثلاث هاءات، وإنما أبدلوا من الهاء الوسطى نونًا للفرق بين فعّل وفعلل، وإنما زادوا النون من بين سائر الحروف؛ لأن في الكلمة نونًا.

2 -

و"الوعيد، والإيعاد": يستعملان في الشر، والوعد يستعمل في الخير والشر جميعًا، قال الفراء: يقال وعدته خيرًا، ووعدته شرًّا

(5)

.

الإعراب:

قوله: "وكنت": من كان التامة فلا تحتاج إلى خبر، والمعنى: وجدت غير منهنه بالوعيد، أي: غير منزجر به، ولا يجوز أن تجعل ناقصة والواو زائدة؛ لأن زيادة الواو لا تنقاس فافهم.

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 188، 189).

(2)

ابن الناظم (134).

(3)

البيت من بحر الوافر، لمالك بن رقية، وهو في شرح التصريح (1/ 392)، وصدره:

تفاني مصعب وبنو أبيه

.........................................

والبيت في المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (230).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ينظر الصحاح مادة: "وعد".

ص: 1154

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولا ينهنهني الوعيد" فإنه مضارع منفي وقع حالًا، وقد جاء بالضمير والواو، وهذا قليل، والأكثر مجيئه بالضمير بلا واو

(1)

.

‌الشاهد التاسع عشر بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

أَكسَبَتْهُ الوَرِقُ البيضُ أَبًا

ولقد كانَ ولا يُدْعَى لأَبِ

أقول: قائله هو مسكين الدارمي، واسمه: ربيعة بن عامر، وهو من الرمل، وفيه الخبن والحذف.

قوله: "الورق" بفتح الواو وكسر الراء، وهي الدراهم المضروبة، وكذلك الرقة [بالتخفيف]

(4)

، والهاء عوض عن الواو، قال الفراء: في الورق ثلاث لغات: ورِق مثل كبِد، ووَرْق مثل كَبْد، وورْق مثل كِبْد

(5)

، قوله:"ولا يدعى" أي: لا ينتسب؛ من الدعوة بكسر الدال.

المعنى: أنَّه كان مجهول النسب، ولم يكن يعرف له أب يدعى إِليه، فلما أعطي [له]

(6)

مالًا ظهر له نسب واشتهر له أب يدعى إليه.

الإعراب:

قوله: "اكسبته الورق": جملة من الفعل وهو أكسبته، والمفعول وهو الهاء الَّذي يرجع إلى المعهود، والفاعل وهو الورق، وقوله:"البيض" بكسر الباء جمع أبيض صفة للورق، قوله:"أبا": مفعول ثان لأكسبت.

قوله: "ولقد كان" الواو للحال، واللام للتأكيد، وقد للتحقيق، وكان تامة فلا تحتاج إلى خبر، قوله:"ولا يدعى لأب": جملة وقعت حالًا -أيضًا- وهي مضارع منفي، جاء بالواو،

(1)

ينظر ما قيل في شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 189).

(2)

ابن الناظم (134).

(3)

البيت من بحر الرمل؛ لمسكين الدارمي، قالها في امرأته التي كانت تلومه على إنفاقه، ديوانه (22) تحقيق: عبد الله الجبوري (1970 م)، ومما قاله في كرمه:

أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله

ويخصب عندي والمحل خصيب

وما الخصيب للأضياف أن يكثر القرى

ولكنما وجه الكريم خصيب

وانظر بيت الشاهد في شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 189).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

معاني القرآن للفراء (2/ 137).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1155

وهو قليل، والأكثر مجيئه بلا واو؛ كما ذكرنا في البيت السابق.

والاستشهاد فيه وهو ظاهر

(1)

.

‌الشاهد العشرون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

كَأَنَّ فُتَاتَ العِهْنِ في كُلِّ مَنْزِلٍ

نَزَلْنَ به حَبُّ الفَنَا لم يُحَطَّمِ

أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله

(4)

:

1 -

أمنْ أُمِّ أوْفَى دِمْنَةً لَمْ تكلّم

بِحَوْمَانَةِ الدُّرَّاجِ فالمتُثَلَّمِ

2 -

ديَارٌ لهَا بالرقْمَتَيْن كأنَّها

مراجِعُ وَشْمٍ في نَوَاشِرَ مِعْصَمِ

3 -

بها العينُ والآرامُ يمْشِيَن خِلْفَةً

وأَطلَاؤُهَا ينهَضْنَ من كلِّ مَجْثِمٍ

4 -

وقفْتُ بِهَا من بعدِ عشْرِينَ حِجَّةً

فلأيًا عَرَفْتُ الدارَ بعدَ تَوَهُّمِ

5 -

أَثَافِيَّ سُعْفًا من مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ

ونُؤْيًا كَحَوْضِ الجُدِّ لمْ يَتَثَلَّمِ

6 -

فلما عرفتُ الدارَ قلتُ لربْعِهَا

ألَا أَنْعِمْ صباحًا أَيُّها الربْعُ واسلَمِ

7 -

تبصَّرْ خليليَّ هلْ تَرَى مِنْ ظعائنَ

تحَمَّلْنَ بالعليَاءِ منْ فوقِ جُرْثُمِ

إلى أن قال:

8 -

كأن فتات ..................

....................... إلخ

وهي من الطويل، يمدح بها زهير بن الحرث بن عوف وهرم بن سنان.

قوله: "دمنة" بكسر الدال وهي الكناسة.

1 -

قوله: "لم تكلم" أصله: لم تتكلم فحذفت إحدى التاءين؛ كما في [قوله تعالى]

(5)

:

(1)

ينظر الشاهد السابق مباشرة.

(2)

ابن الناظم (135).

(3)

البيت من بحر الطويل، من معلقة زهير بن أبي سلمى المشهورة التي تكثر الحكم في آخرها، وقد شهد له عمر بن الخطاب، وقال حين سئل عن أجود الشعراء، فقال الَّذي يقول: ومن ومن، ومما قاله في "من" قوله:

وَمَن يَكُ ذا فَضْلٍ وَيَبَخلْ بِفَضلِه

عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْن عَنْهُ وَيُذْمَمِ

وينظر بيت الشاهد في ديوان زهير (12) شرح الإمام أحمد بن يحيى ثعلب، وانظره أيضًا في شرح أشعار الستة الجاهليين للأعلم (1/ 278)، واللسان:"فتت، فنى"، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 361)، والمساعد (2/ 44)، والأشموني بحاشية الصبان (2/ 191).

(4)

ينظر ديوان زهير بن أبي سلمى (4) بشرح الإمام أبي العباس ثعلب، نسخة دار الكتب المصرية:(1964 م)، وشرح أشعار الستة الجاهليين للأعلم (1/ 278).

(5)

ما بين المعقوفين زيادة للإيضاح.

ص: 1156

{نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] أي: تتلظى، قوله:"بحومانة" بفتح الحاء المهملة، وهو ما كان من فوق الرمل، أو دونه حين تصعده أو تهبطه، ويجمع على حوامين.

قوله: "الدراج" بفتح الدال، ورواه أبو عمرو بضمها، وزعم أنَّه سمعها من بعض ولد زهير ممن يوثق بعلمه، وقال: هو بلد، وقال أبو نصر: الدراج: مكان غليظ

(1)

، وزعم أبو عبيدة أن الدراج، والمتثلم أماكن بالعالية، ويقال: المتثلم: ماء لبني فزارة.

2 -

قوله: "ديار لها" أي: لأم أوفى، وروى الأصمعي: ودار لها، وقال: الرقمتان: روضتان إحداهما قرب المدينة، والأخرى: عندنا هاهنا، وقال أبو زياد الكلابي: هما من جانب الرغام من [بلاد]

(2)

بني تميم من أطراف عارض اليمامة التي تلي مهب الجنوب.

قوله: "مراجع وشم" الوشم: أن تغرز المرأة في يديها بالإبرة ثم تذرُّ عليها الإثمد فيبقى أثره فيها، وأراد بالمراجع أنَّه يرجع إلى الوشم ليثبت، قوله:"في نواشر معصم" وهي عروق ظاهر الكف وباطنها، والمعصم -بكسر الميم: موضع السوار.

3 -

قوله: "بها العين" أي: فيها العين؛ أي: في الديار، والعين -بكسر العين: جمع عيناء، وهي البقرة الواسعة العين من بقر الوحش، و"الآرام": جمع ريم، وهو الظبي الأبيض، قوله:"يمشين خلفة" أي: مختلفة في المشي، ويقال: مختلفة في الألوان، قوله:"وأطلاؤها" أي: أولادها، وهو جمع طلا بفتح الطاء، قوله:"ينهضن من كل مجثم" أي: من كل مبرك يبركن فيه.

4 -

قوله: "فلأيًا عرفت الدار" أي: بعد إبطاء عرفت الدار، أي: لم أكن أعرفها، قال الجوهري: اللأي: الشدة والبطء

(3)

.

5 -

قوله: "أثافي": جمع أثفية، وهي الأحجار الثلاثة يوضع عليها القدر، قوله:"سعفًا" أي: محمودًا، والسعفة سواد فيه شيء من حمرة، ويقال: سعفته النار إذا لوحته، قوله: [معرس مرجل" وهو الموضع الَّذي توضع فيه القدر، وكل قدر عند العرب مرجل من برام أو صفر

(4)

أو خزف، و"المعرس" بضم الميم وفتح العين وتشديد الراء المفتوحة وفي آخره سين مهملة وهو المنزل، و"المرجل" بكسر الميم والجيم، قوله:"ونؤيًا" بضم النون وسكون الهمزة، وهي الحفرة التي تحفر حول الخباء لترد ماء المطر، قوله:"كحوض الجد" بضم الجيم وتشديد الدال، وهي البئر، وتجمع على أجداد، قوله:"لم تتثلم" أي: تنكسر.

(1)

الصحاح مادة: "درج".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

الصحاح مادة: "لأي".

(4)

في (أ): من إبرام وصف وخزف.

ص: 1157

6 -

قوله: "ألا أنعم صباحًا" أي: نعمت بأهلك حتَّى أراهم فيك، ويقال: أي: سلمك اللَّه من الآفات والدروس.

7 -

قوله: "ظعائن": جمع ظعينة، وهي المرأة التي تحمل في الهودج، و"العلياء": موضع، قوله:"من فوق جرثم" بضم الجيم وسكون الراء وضم الثاء المثلثة وهو ماء من مياه بني أسد.

8 -

قوله: "كأن فتات العهن" ويروى: كأن حتات العهن، وكلاهما بمعنى واحد، والعهن بكسر العين: الصوف، قوله:"في كل منزل" ويروى: في كل موقف وقفن به، قوله:"حب الفنا" بفتح الفاء والنون مقصور، وهو شجر ثمره حب أحمر وفيه نقطة سوداء، ويسمى؛ عنب الذيب، "لم يحطم" أي لم يكسر، والمعنى: إن ما تفتت من العهن الَّذي علق بالهودج إذا نزلن في منزل كحب الفنا الصحيح الَّذي لم ينكسر؛ لأنه إذا تكسر ظهر لون غير الحمرة، والحاصل: أنَّه شبه ما تفتت منه بحب الفنا الصحيح.

الإعراب:

قوله: "كأن" للتشبيه، وقوله:"فتات العهن": كلام إضافي اسمه، وخبره قوله:"حب الفنا"، قوله:"في كل منزل": يتعلق بقوله: "نزلن"، قوله:"به" أي فيه، قوله:"لم يحطم": جملة وقعت حالًا مجردة عن الواو، وذلك أن المضارع النفي بلم إذا وقع حالًا، فالأكثر إفراد الضمير والاستغناء عنه بالواو والجمع بينهما، وهاهنا وقع مجردًا من الواو؛ كما ذكرنا وهو موضع الاستشهاد

(1)

.

‌الشاهد الحادي والعشرون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

ولَقَدْ خَشِيتُ بأنْ أَمُوتَ ولَمْ تَكُنْ

لِلْحَرْبِ دَائِرَةٌ على ابْنَيْ ضَمْضَمِ

أقول: قائله هو عنترة بن شداد العبسي، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله

(4)

:

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 361، 368)، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 191).

(2)

ابن الناظم (135).

(3)

البيت من بحر الكامل، من معلقة عنترة بن شداد العبسي المشهورة التي يتحدث فيها عن الحرب وشجاعته فيها، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (1/ 129)، والأغاني (10/ 303)، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 191)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 369).

(4)

ليس ذلك مطلع القصيدة (المعلقة)، وإنما مطلعها قوله في الديوان (182):

هل غادر الشعراء من متردم

....................................

وأما البيت المذكور فهو ثاني أبياتها، والأبيات التي ذكرها الشارح، والشاهد في آخر المعلقة المذكورة (219) تحقيق: =

ص: 1158

1 -

أعْيَاكَ رَسْمُ الدَّارِ لَمْ يَتَكَلَّمِ

حَتَّى تَكَلَّمَ كَالأَصَمِّ الأَعْجَمِ

إلى أن قال:

2 -

ولقَدْ شَفَا نَفْسِي وَأَبرَأَ سُقْمَهَا

قِيلُ الفَوَارِسِ وَيْكَ عَنترَ قدّم

3 -

ذُلُلٌ رِكَابِي حَيثُ شِئتُ مُشَايعِي

قَلْبِي وَأَحْفُزُهُ بِرَأْيٍ مبرمِ

4 -

ولقد خشيت ................ .... ................... إلخ

5 -

الشَّاتِمِي عِرْضِي وَلَمْ أشتُمْهُمَا

والنَّاذِرينَ إذَا لَمْ أَلْقَهُمَا دَمِي

(1)

6 -

إنَّ العَدُوّ عَنِ العَدُوِّ لَقَائِلٌ

مَا كَانَ يعْلَمَهُ ومَا لَمْ يَعْلَمِ

(2)

7 -

إن يَفْعَلا فلقَدْ تركتُ أباهما

جَزَرَ السِّبَاعِ وكُلِّ نَشرٍ قَشْعَمِ

وهذا آخر القصيدة، وهي من الكامل.

2 -

قوله: "قيل الفوارس" بكسر القاف وسكون الياء آخر الحروف، أي: قول الفوارس، قوله:"ويك عنتر أقدم" مقول القول، أراد: ويلك يا عنترة قدم الفرس، وقيل: معنى "وي" تنبيه، والكاف للخطاب، وعنتر: منادى مرخم، وأصله: يا عنترة كما قلنا، ويروى: أقدم؛ أي: تقدم.

3 -

قوله: "ذلل ركابي" ويروى: ذلل جمالي حيث تبتلت، أي: حيث قبلت الغزو فركابي ذلل؛ لما عودتها من كثرة الترحال، قوله:"مشايعي قلبي" أي: قلبي غير مفارق لي، ويروى: مشايعي لُبِّي، أي: عقلي، ومعنى:"أحفزه" أي: أنهضه وأدفعه، ومادته: حاء مهملة وفاء وزاي معجمة، قوله:"برأي مبرم" أي: محكم، من الإبرام وهو الإحكام والإتقان، ويروى: بأمر مبرم.

4 -

قوله: "دائرة" أي هزيمة، قال الله تعالى:{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} [الفتح: 6]، المعنى: كنت أخشى أن أموت قبل أن ألقى ابني ضمضم في الحرب وأدير عليهما دائرة، وابنا ضمضم هما: حصين ومرة بن ذييان من بني مرة؛ كذا قاله الأعلم

(3)

.

5 -

قوله: "والناذرين" تثنية ناذر من النذر، يعني: ينذران على أنفسهما ويقولان: لئن لقيناه لنقتلنه، قوله:"ودمي" هو مفعول الناذرين، قوله:"إذا لم ألقهما" يعني: يقولان ذلك في

= محمد سعيد مولودي، وينظر الديوان (142) وما بعدها ورواية البيت الشاهد في الديوان هي (154)، تحقيق: عبد المنعم شلبي:

ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر

...............................

(1)

رواية هذا البيت في الديوان هكذا:

.............................

والناذرين إذا لقيتهما دمي

(2)

هذا البيت سقط في الديوان.

(3)

انظر أشعار الشعراء الستة الجاهليين للأعلم (123).

ص: 1159

الخلاء، فإذا لقيتهما أمسكا عن ذلك هيبة وخوفًا مني.

7 -

قوله: "جزر السباع" بفتح الجيم والزاي المعجمتين ثم الراء، وهو اللحم الَّذي تأكله السباع، يقال: تركوهم جزرًا إذا قتلوهم، قوله:"وكل نسر قشعم" النسر: طائر مشهور، وقشعم صفته، قال الجوهري: القشعم من النسور والرجال: المسن، وأم قشعم: المنية والداهية

(1)

، ويروى الشطر الثاني:

................................

جُزُرًا لِخَامِعَةٍ وَنَسْرٍ قَشْعَمِ

كذا وقع في رواية الأعلم

(2)

، وقال: الخامعة: الضبع؛ لأنها تخمع لذلك، ولهذا يقال: الضبع العرجاء.

الإعراب:

قوله: "ولقد خشيت" الواو للعطف، واللام للتأكيد، وقد للتحقيق، وخشيت فعل وفاعل، قوله:"بأن أموت" الباء للسببية، وأن مصدرية، والتقدير: خشيت بسبب موتي، والحال لم تكن للحرب دائرة، و"دائرة" مرفوع لأنها اسم تكن، و"للحرب" خبره، و"على" يتعلق بدائرة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولم تكن للحرب دائرة" حيث وقع المضارع المنفي بلم حالًا مقرونة بالواو؛ كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6]

(3)

.

‌الشاهد الثاني والعشرون بعد الخمسمائة

(4)

،

(5)

سقطَ النَّصيفُ ولَمْ تُرِدْ إِسْقَاطُه

فتناولَتْهُ واتقتنا باليدِ

أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وهو من قصيدة طويلة من الكامل ذكرناها في شواهد الكلام

(1)

الصحاح مادة: "قشعم".

(2)

انظر أشعار الشعراء الستة الجاهليين للأعلم (2/ 123).

(3)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 191)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 369).

(4)

ابن الناظم (135).

(5)

البيت من بحر الكامل، من قصيدة المتجردة للنابغة الذبياني، وهي المرأة التي فاجأها بالدخول عليها في قصر النعمان، فسقط خمارها، فغطت وجهها بمعصمها، وقد سردها العيني في أول الكتاب، الشاهد رقم (5)، وانظرها في الديوان (89) بتحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف و (107) دار الكتاب العربي، وانظر بيت الشاهد في شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 191)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 370).

ص: 1160

في أول الكتاب

(1)

.

قوله: "سقط النصيف" بفتح النون وكسر الصاد المهملة وهو الخمار الَّذي تتخمر به المرأة، قوله:"واتقتنا" من اتقى إذا حفظ وكذلك توقى.

الإعراب:

قوله: "سقط النصيف": جملة من الفعل والفاعل، والألف واللام في النصيف بدل من المضاف إليه؛ أي: نصيفها، أراد نصيف تلك المرأة المعهودة.

قوله: "ولم ترد إسقاطه" جملة وقعت حالًا، والضمير فيه يرجع إلى النصيف، والضمير الَّذي في "لم ترد" يرجع إلى المرأة، قوله:"فتناولته": عطف على قوله: "ولم ترد" أي: فتناولت تلك المرأة النصيف، قوله:"واتقتنا" عطف على ما قبله، وهي جملة من الفعل والفاعل، وهو التاء

(2)

والمفعول وهو النون، قوله:"باليد" يتعلق باتقتنا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولم ترد" حيث وقع حالًا وهو مضارع منفي بلم مقرون بالواو، كما في قوله تعالى:{أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [الأنعام: 93].

‌الشاهد الثالث والعشرون بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

كنْ للْخَلِيلِ نَصِيرًا جَارَ أَوْ عَدلًا

ولا تَشُحّ عَلَيهِ جَادَ أَوْ بَخِلًا

أقول: لم أقف على اسم قائله، والظاهر أنَّه من كلام المحدثين، وهو من البسيط.

قوله: "للخليل" أي: للصاحب والصديق، و"النصير": فعيل بمعنى فاعل، و"جار": من الجور، وهو خلاف العدل، و"الشح": البخل، و"جاد": من الجود بالضم، وهو الكرم، أراد: انصر صاحبك في كل الأحوال سواء جار في حقك أو عدل، ولا تبخل عليه بشيء سواء بخل في حقك أو جاد.

الإعراب:

قوله: "كن": جملة من الفعل والفاعل، وهو أنت المستتر فيه، وهو اسم كان، و"نصيرًا":

(1)

ينظر الشاهد رقم (5).

(2)

التاء للتأنيث، وأما الفاعل فهو ضمير المرأة المستتر.

(3)

ابن الناظم (135)، توضيح المقاصد (2/ 169).

(4)

البيت من بحر البسيط، وهو مجهول القائل في الدرر (4/ 14)، وشرح الأشموني (2/ 188)، وشرح عمدة الحافظ (449)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 246)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (649).

ص: 1161

خبره، قوله:"جار": جملة ماضية وقعت حالًا، وقوله:"أو عدلا": عطف عليه، وألفه للإطلاق.

قوله: "ولا تشح": عطف على قوله: "كن"، وفي عطف النهي على الأمر خلاف مشهور، والصحيح جوازه

(1)

، قوله:"عليه": يتعلق بقوله: "ولا تشح" في محل النصب على المفعولية، قوله:"جاد": جملة وقعت حالًا، و"أو بخلا": عطف عليها، وألفه للإطلاق.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "جاد" حيث وقع حالًا، وهو ماض ولم يجيء معها قد؛ لكون الماضي قد عطف عليه بأو، وكذا وقع بعد إلا؛ كما في قوله تعالى:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس: 30]، وكذا الكلام في قوله:"جاد" فافهم

(2)

.

‌الشاهد الرابع والعشرون بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

وَقَفْتُ برَبْعِ الدَّارِ قدْ غيَّرَ البِلَى

معَارِفَهَا والسَّاريَاتُ الهَوَاطِلُ

أقول: قائله هو النابغة الذبياني، واسمه: زياد بن معاوية؛ كما قد ذكرنا غير مرة.

وهو من قصيدة من الطويل يرثي بها النعمان بن الحرث بن أبي شمر الغساني، وأولها هو قوله:

1 -

دَعَاكَ الهَوَى واستَجْهَلْتْكِ المَنَازِلُ

وكَيفَ تَصَابي المَرْء والشَّيْبُ شَاملُ

2 -

وقفتُ بِرَبْعِ الدَّارِ ..............

............... إلى آخره

(5)

3 -

أُسَائِلُ عن سُعدى وَقَدْ مَرَّ بَعْدَنا

عَلَى عَرَصَات الدَّارِ سَبعٌ كَوَاملُ

4 -

فسَلَّيتُ ما عِندِي بِرَوْحَةِ عِرْمِسٍ

تَخُبُّ برحْلِي تَارةً وتُناقلُ

وهي ثلاثون بيتًا.

1 -

قوله: "دعاك الهوى" يقول: لما رأيت منازل سعدى فعرفتها حركت منك ما كان

(1)

ينظر المغني بحاشية الأمير (2/ 99).

(2)

ينظر شرح عمدة الحافظ (449)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 246).

(3)

ابن الناظم (135).

(4)

البيت من حر الطويل، من قصيد: عدتها ثلاثون بيتًا؛ للنابغة الذبياني يرثي فيها النعمان بن الحارث، بدأها بوصف الديار التي غيرها البلى، وهو مناسب للرثاء، ونقل أبياتًا في ذلك، وكان الأفضل لو نقل أبيات الرثاء الصريح:

فلا يتعدن إن المنية موعد

وكل امرئ يوما به الحال زائل

وانظر بيت الشاهد في ديوانه (115) ط. دار المعارف، و (152) دار الكتاب العربي، وشرح الأشموني (2/ 190)، وشرح عمدة الحافظ (452)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (697).

(5)

هذا البيت سقط في (ب).

ص: 1162

ساكنًا، وذكرتك بعض ما قد نسيت، وحملتك على الجهل والصبي، قوله:"وكيف تصابي المرء": كلام إضافي، أي: كيف ميل المرء إلى الجهل والمروءة؟

(1)

وأصله من صبا يصبو صبوة وصبوًا.

2 -

قوله: "بربع الدار" الربع: المنزل، قال الجوهري: الربع: الدار بعينها حيث كانت، وجمعها: رباع وربوع [وأرباع]

(2)

، وأربُع

(3)

، قوله:"البلى" بكسر الباء الموحدة؛ من بلى الثوب يبلى بِلًى بكسر الباء، فإن فتحتها مدت، قوله:"معارفها" ويروى: معالمها، قوله:"والساريات": جمع سارية، وهي السحابة التي تأتي ليلًا، و"الهواطل": جمع هاطلة؛ من الهطل، وهو تتابع المطر وسيلانه.

3 -

قوله: "عرصات الدار": جمع عرصة، وهي كل فجوة ليس فيها بناء، وقوله:"سبع كوامل" أي: سبع سنين [كوامل]

(4)

لم ينقص منها شيء.

4 -

قوله: "فسليت ما عندي" يعني: سلوت ما عندي من البكاء على الديار ومساءلتها عن أهلها بروحة ناقة عرمس، وهي الشديدة، وأصل العرمس: الصحرة؛ فشبهت الناقة بها لصلابتها، قوله:"تخبّ": من الخبب وهو ضرب من السير سريع، و:"تناقل" من المناقلة، وهي أن تناقل يديها رجليها، وهو أن تضع رجليها في مواضع يديها لسعة باعها وقوة سيرها.

الإعراب:

قوله: "وقفت": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"بربع الدار": مفعوله، قوله:"قد غير البلى": جملة وقعت حالًا، و"معارفها": مفعول عُمر، قوله:"والساريات" بالرفع عطف على البلى، و"الهواطل": صفته.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "غيَّر البلى" حيث وقع حالًا، وهو ماض مقرون بكلمة قد دون الواو، وهو قليل بالنسبة إلى التي تجيء بقد والواو، وأقل منه ما إذا جاء مجردًا عنهما؛ كما في قوله تعالى:{أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90]

(5)

.

(1)

في (أ): والفتوة.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

الصحاح مادة: "ربع".

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 372).

ص: 1163

‌الشاهد الخامس والعشرون بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

...............................

سَرَتْ قَرَبًا أَحْنَاؤُهَا تتَصَلْصَلُ

أقول: قائله هو الشنفرى الأزدي، وصدره:

وتشربُ أسْآرَ القطَا الكُدْرَ بعدَمَا

.....................................

وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله

(3)

:

1 -

أَقيمُوا بَني أُمِّي صُدُورَ مَطيِّكُمْ

فإني إلى قَوْمٍ سوَاكُمْ لَأمْيَلُ

2 -

فقد حُمَّتِ الحاجاتُ والليلُ مُقْمِرٌ

وشُدّتْ لطياتٍ مَطَايَا وأَرْحُلُ

إلى أن قال:

3 -

وَفَاءَ وَفاءَت بَادِيات وكُلُّها

على نَكَظٍ مما نكاتم محمِلُ

4 -

وتَشْرَبُ ................

.............................. إلخ

5 -

هممتُ وهمَّتْ وابتَدَرْنا وأسدلتْ

وشمَّرَ منِّي فارطٌ ومُهَمِّلُ

وهي من الطويل.

2 -

قوله: " [فقد]

(4)

حُمَّت" أي: قدرت، و"الطيات": جمع طية، وهي الحاجة، و"المطايا": جمع مطية، و"الأرحل": جمع رحل البعير.

3 -

قوله: "باديات" أي: مستعجلات، وهو نصب على الحال، و"كلها" مبتدأ، و"محمل" خبره، قوله:"على نكظ" أي: على شدة كائنة مما يكاتم، و"ما" بمعنى الَّذي أو نكرة موصوفة أو مصدرية.

4 -

قوله: "الكدر" بضم الكاف وسكون الدال، جمع أكدر، قوله:"قربًا" بفتح القاف والراء وبالباء الموحدة، قال الأصمعي: قلت لأعرابي: ما القرب؟ قال: سير الليل لورد الغد،

(1)

ابن الناظم (135).

(2)

البيت من بحر الطويل من لامية الشنفرى المشهورة، والتي شرحها كثير من العلماء، وفيها يتحدث صاحبها عن مغامراته بالليل، وعن سرقة الأموال ليعطي للفقراء، ثم عفته وزهده وجرعه من أجل أن يشبع الآخرين، وانظر بيت الشاهد في لامية العرب للشنفرى (61) منشورات مكتبة الحياة، وديوان الشنفرى (158) وما بعدها، وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ (455)، الخزانة (7/ 447).

(3)

انظر لامية الشنفرى (50) ط. مكتبة الحياة، وديوان الشنفرى (158) وما بعدها، بشرح: إميل بديع يعقوب.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1164

قلت: ما الطلق؟ قال: سير الليل لورد الغب، يقال: قربت أقرب قرابًا، مثل: كتبت أكتب كتابًا إذا سرت إلى الماء وبينك وبينه ليلة، والاسم: القرب، قوله:"أحناؤها" أي: جوانبها، واحدها حِنْوٌ بكسر الحاء، قوله:"تتصلصل" أي: تصوت، وهو بالصادين المهملتين.

الإعراب:

قوله: "وتشرب": جملة من الفعل والفاعل، و"أسآر القطا" كلام إضافي مفعوله، وهو جمع سؤر، وهو بقية الماء في الإناء، قوله:"الكدر": صفة الأسار، قوله:"بعدما سرت" بعد: ظرف للشرب

(1)

، وما مصدرية، و"قربًا" حال من الضمير الَّذي في سرت، وهو العامل فيها، قوله:"أحناؤها" مبتدأ، وخبره قوله:"تتصلصل"، والجملة الاسمية وقعت حالًا من الضمير الَّذي في: سرت، ويجوز أن يكون من القطا فيكون العامل تشرب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أحناؤها تتصلصل" حيث وقعت حالًا، وهي جملة اسمية مجردة عن الواو، وهو قليل، وقال الزمخشري: ضعيف، وكان حقها أن تكون بالواو

(2)

.

‌الشاهد السادس والعشرون بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

ثُمَّ رَاحُوا عَبَقُ المسكِ بهمْ

يَلْحِفُونَ الأرْضَ هُدَّابَ الأُزُرْ

أقول: قائله هو طرفة بن العبد البكري، وهو من قصيدة رائية وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

أَصَحَوْتَ اليوم أَمْ شاقتكَ هِرّ

ومِنَ الحُبِّ جُنُونٌ مُسْتَعِرْ

2 -

لا يكنْ حُبُّكِ داءً قاتلًا

ليس هذا منكِ ماويَّ بِحُرْ

3 -

كيف أرجُو حُبَّهَا من بعدما

عَلِقَ القلبُ بنُصْبٍ مُسْتَسِرْ

(1)

في (أ): لتشرب.

(2)

ينظر المفصل بشرح ابن يعيش (2/ 65).

(3)

ابن الناظم (135).

(4)

البيت من بحر الرمل، وهو من قصيدة لطرفة بن العبد بلغت السبعين بيتًا، وكلها في الفخر على عادة أهل الجاهلية بالكرم والشجاعة وحماية الجار والمجد السؤدد، وشرب الخمر، ومنها البيت المشهور:

نحن في المشتاة ندعو الجفلى

لا ترى الأدب فينا ينتقر

وهو القائل فيها أيضًا:

ولقد تعلم بكر أننا

آفة الجزر مساميح يسر

وانظر بيت الشاهد في الديوان (65)، وشرح عمدة الحافظ (456)، واللسان:"لحف، عبق".

(5)

ينظر الديوان (50) وما بعدها، شرح الأعلم الشنتمري.

ص: 1165

إلى أن قال:

4 -

فإذا ما شَرِبُوهَا وانْتَشَوْا

وَهَبُوا كُلَّ أمُونٍ وطِمِرْ

5 -

ثم راحوا .............

........................ إلخ

وهي طويلة من الرمل.

1 -

قوله: "مستعر" أي: شديد بالغ، وأصله: ملتهب؛ من سعرت النار إذا أوقدتها.

2 -

[قوله: "ماوي" يعني: ماوية، وهو اسم امرأة، حذف حرف النداء ورخمه، قوله: "بحر" أي: ليس هجرك لي وبخلكِ عليَّ بفعل كريم حسن، و"الحر" بضم الحاء؛ خلاف العبد، أراد أن هذا الأمر منك هجين كالعبد]

(1)

.

3 -

قوله: "كيف أرجو حبها" أي: كيف أرجو إقلاع حبها عني وقد علق القلب منه "بنصب" أي عذاب وشدة، و"المستسر": المكتتم الداخل في القلب.

4 -

قوله: "وانتشوا" أي: وسكروا، و"الأمون" بفتح الهمزة؛ الوثقة الخلق التي يؤمن عثارها من الإبل والخيل، و"الطِّمر" بكسر الطاء؛ الفرس الطويل المشرف.

5 -

قوله: "عبق المسك" بفتح العين المهملة والباء الموحدة، وهو مصدر عبق به الطيب بكسر الباء؛ أي: لزق به، أراد أن رائحة المسك ملازمة لهم لاصقة بهم.

قوله: "يلحفون الأرض" بالحاء المهملة والفاء؛ من لحفت الرجل ألحفه لحفًا إذا طرحت عليه اللحاف أو غطيته بثوب، وقال الأعلم: معناه: يجرون أزرهم على الأرض من الخيلاء ويغطونها بها

(2)

، و"الهدّاب" الهدب -بضم الهاء وتشديد الدال، من هداب النخل وهو سعفه، وأراد به هاهنا طرة الأزر، و"الأزر" بضم الهمزة وضم الزاي وفي آخره راء؛ جمع إزار، وهو جمع كثرة وجمع القلة: آزرة، مثل: حمار وحمر وأحمرة.

الإعراب:

قوله: "ثم راحوا" عطف على قوله: "وهبوا" في البيت السابق، قوله:"عبق المسك": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله:"بهم"، والجملة وقعت حالًا، [قوله: "]

(3)

يلحفون الأرض"؛ جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير الَّذي في يلحفون، والمفعول وهو الأرض،

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

أشعار الشعراء الستة الجاهليين (1/ 69).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1166

وهي -أيضًا- حال، قوله:"هداب الأزر" كلام إضافي منصوب على المفعولية

(1)

-أيضًا-.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "عبق المسك بهم" فإنها جملة اسمية وقعت [حالًا]

(2)

بلا واو، وهو قليل

(3)

.

‌الشاهد السابع والعشرون بعد الخمسمائة

(4)

،

(5)

ولولا جَنَانُ الليلِ ما آب عامرٌ

إلى جعْفَرٍ سِرْبَالُه لمْ يُمَزَّقِ

أقول: قائله هو سلامة بن جندل؛ كذا قاله ابن بري

(6)

، وأنشده الفارسي في الإغفال هكذا

(7)

:

ولولا جَنَانُ الليلِ مَا آلَ جَعْفَرَ

إلى عامر سرْبَالُهُ لَمْ يُحَرَّقِ

وهو من الطويل.

قوله: "جنان الليل" أي ظلمته، قال الجوهري: جنان الليل: إدلهامه، ويروى: ولولا جنون الليل؛ أي: ما ستر من ظلمته

(8)

، "ما آب" أي: ما رجع؛ من آب يؤوب أوبة وإيابًا وأوبًا إذا رجع، قوله:"سِرْبَالُه" بكسر السين، وهو القميص.

الإعراب:

قوله: "ولولا" قد تقدم غير مرة أن لولا لربط امتناع الثانية بوجود الأولى؛ نحو: لولا زيد لهلك عمرو، فإن هلاك عمرو منتفٍ لوجود زيد، وكذلك هاهنا عدم. رجوع عامر إلى جعفر منتفٍ لوجود ظلام الليل، قوله:"جنان الليل": كلام إضافي مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: لولا جنان الليل موجود، وقوله:"ما آب عامر": جملة من الفعل والفاعل وقعت جوابًا للولا، وقوله:"إلى جعفر" يتعلق بقوله: "ما آب".

(1)

قوله: "منصوب على المفعولية" فيه تساهل، وصحته منصوب على الحالية.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر في ذلك شرح ابن يعيش (2/ 65).

(4)

ابن الناظم (135).

(5)

البيت من بحر الطويل، وهو لسلامة بن جندل، في ديوانه:(42)، وينظر اللسان مادة: "حقًّا، وهو شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 190).

(6)

لم نعثر عليه في شرح أبيات الإيضاح لابن بري.

(7)

ورواية البيت في الديوان هكذا:

ولولا سواد الليل ما آب عامر

إلى جعفر سرْباله لم يخرق

(8)

الصحاح مادة: "جنن".

ص: 1167

الاستشهاد فيه:

في قوله: "سرباله لم يمزق" حيث وقع حالًا، وهو جملة اسمية بدون الواو، كما في قوله: كلمته فوه إلى فيّ، وهو قليل كما ذكرناه

(1)

.

‌الشاهد الثامن والعشرون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

وَجَاءَتْ بِهِ سِبطَ العِظَامِ كَأنَّمَا .. عِمَامَتُهُ بينَ الرِّجَالِ لِوَاءُ

أقول: قائله هو رجل من بني جِناب من بلقين، وكانت تحته ابنة عم له جاء له منها ولد يسمى سيارًا، وكان له ابن آخر من أمَةٍ يقال له: حندج، وكانت الحرة إذا رأته يلطف حندجًا ببعض اللطف غضبت عليه، فأنشأ يقول

(4)

:

1 -

لا تَعْذُلِي فيِ حُنْدُج إن حُنْدُجًا

وَلَيثُ عِفِرِّينِ لَدَيّ سَوَاءُ

2 -

حَمَيتُ علَى العُهَّارِ أطهار أمِّه

وبَعْضُ الرِّجَالِ المُدعِين غُثاءُ

3 -

وَجَاءَتْ بِهِ سِبْطَ العِظَامِ كَأَنَّمَا

عِمَامَتُهُ بينَ الرِّجَالِ لِوَاءُ

وهي من الطويل، وفيه الكف والثلم؛ فإن قوله:"لا تع" فعلن مكفوف أثلم، "ذلي في حن" مفاعيلن،:"دج إن" فعولن، "ن حندجًا"

(5)

مفاعيلن، والباقي ظاهر.

1 -

قوله: "ليث عفرين" أراد به الأسد، وعفرين -بكسر العين المهملة والفاء وتشديد الراء، وهو اسم موضع مشهور بالأسود العظام.

2 -

قوله: "العهار" بضم العين المهملة وتشديد الهاء؛ جمع عاهر، وهو الزاني، وإنما خص الأطهار لما في المحيض من الاعتزال، قوله:"غثاء" بضم الغين المعجمة وبالثاء المثلثة، وهو الَّذي يعلو على وجه السيل من القش ونحوه، ويروى: جفاء بالجيم.

3 -

قوله: "جاءت به" أي ولدته، قوله:"سبط العظام" يقال: فلان سَبِط الجسم، وسَبْط الجسم؛ مثل: فخِذ وفخْذ إذا كان حسن القد والاستواء، قوله:"لواء" بكسر اللام، وهي دون

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 190).

(2)

شرح ابن عقيل (2/ 244).

(3)

البيت من بحر الطويل، من مقطوعة لرجل من بني العنبر يلوم زوجته، حيث أنكرت عليه حبه لولد له من امرأة أخرى، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (9/ 488)، واللسان مادة:"سبط"، وحاشية الصبان (2/ 170).

(4)

انظر المقطوعة وهي ثلاثة أبيات فقط في شرح الحماسة للمرزوقي شرحًا وضبطا في (269)(القسم الأول) تحقيق: أحمد أمين، وعبد السلام هارون.

(5)

في (أ): حندج.

ص: 1168

العلم، وإنما قال هذا لطول ابنه وعظم جسمه.

الإعراب:

قوله: "وجاءت": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الَّذي يرجع إلى أم حندج، قوله:"به": في محل نصب على المفعولية والضمير يرجع إلى حندج، قوله:"سبط العظام": كلام إضافي وقع حالًا، قوله:"كأنما" كأن للتشبيه وبطل عملها بدخول ما عليها، و"عمامته" كلام إضافي مبتدأ، قوله:"لواء" خبره، قوله:"بين الرجال" نصب على الظرف.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "سبط العظام" فإنه حال غير منتقلة، يعني: وصف لازم، وهو قليل؛ لأن الأكثر في الحال أن تكون منتقلة مشتقة، ومعنى الانتقال: أن لا تكون لازمة كجاء زيد راكبًا

(1)

.

‌الشاهد التاسع والعشرون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

ومَا لَامَ نَفْسِي مثلَهَا لِي لَائِمٌ

وَلَا سَدَّ فَقْرِي مِثْلُ مَا مَلَكَتْ يَدِي

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.

قوله: "وما لام" وهو من اللوم وهو العذل، واللائم فاعل منه.

الإعراب:

قوله: "وما لام" الواو للعطف إن كان قبله شيء من الأبيات، وإلا فهي لاستفتاح الكلام مع إقامة الوزن، وكلمة "ما" للنفي، و"لام": فعل ماض، وقوله:"لائم" بالرفع فاعله.

وقوله: "نفسي": كلام إضافي مفعوله، وقوله:"مثلها" بالنصب حال من لائم، قوله:"لي": جار ومجرور بدل من نفسي، قوله:"ولا سد": عطف على "لام"، "وسد": فعل ماض، قوله:"مثل ما ملكت يدي": بالرفع فاعله، وقوله:"فقري" كلام إضافي مفعوله.

وقوله: "ملكت يدي": جملة من الفعل والفاعل صلة لما، والعائد محذوف تقديره: مثل ما ملكته يدي.

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 322) وما فيه عن انتقال الحال.

(2)

شرح ابن عقيل (2/ 257).

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو مجهول القائل، وانظره في المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (284)، ولم نعثر له على مراجع غير ابن عقيل والعيني.

ص: 1169

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مثلها" فإنه حال من لائم كما ذكرنا، وهو نكرة، ولا يسوغ أن يكون ذو الحال نكرة إلا بتخصيص، والمخصص هاهنا تقديم الحال على صاحبها

(1)

فافهم.

‌الشاهد الثلاثون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

مَا حُمَّ من موتٍ حِمًى واقيًا

ولَا تَرَى مِنْ أَحَدٍ بَاقِيًا

أقول: هذا [من السريع]

(4)

لم أقف على اسم قائله

(5)

.

قوله: "ما حُمَّ" على صيغة المجهول، يقال: حم الشيء وأحم؛ أي: قُدِّر، و"الواقي": فاعل من وقى يقي وقاية إذا حفظ.

الإعراب:

قوله: "ما حُمَّ" كلمة "ما " نافية، و"حم": فعل مجهول، وقوله:"حِمًى": مرفوع؛ لأنه مفعول ناب عن الفاعل، والمعنى: ما قدر حِمًى، أي: موضع حماية عن الموت، وقد وقع في بعض المواضع: حَمًّا بفتح الحاء وتشديد الميم على أنَّه مصدر حم، فيكون انتصابه على المصدرية، والصحيح أنَّه حِمًى على وزن مِعًى؛ من أحميت المكان جعلته حمى، يقال: هذا شيء حِمًى أي: محظور ولا يقرب، وفي الحديث

(6)

: "لا حمى إلا لله ورسوله" وحمى، الملك الَّذي يحميه عن الناس.

وقوله: "من موت": بيان لما، لأنها مبهمة.

قوله: "ولا ترى": جملة من الفعل والفاعل عطف على الجملة التي قبلها، وقوله:"من أحد": مفعوله، وكلمة:"من" زائدة "وباقيًا" مفعول ثان.

(1)

ينظر مواضع تقديم الحال على عاملها في شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 174) وما بعدها.

(2)

شرح ابن عقيل (2/ 260).

(3)

البيت من بحر السريع، وقد نسبه العيني للرجز، وهو خطأ منه، وهو لقائل مجهول، وانظره في شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 175)، ومعجم شواهد النحو الشعرية:(252، 776)، وشرح عمدة الحافظ (442).

(4)

ذكر العيني أنها من الرجز والصحيح أنَّه من السريع.

(5)

في (ب): على اسم راجزه.

(6)

الحديث في صحيح البخاري، باب لا حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، برقم (2241)، ونصه:"حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الصعب بن جثامة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قال: "لا حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وقال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع وأن عمر حمى الشرف والربذة".

ص: 1170

الاستشهاد فيه:

في قوله: "واقيًا" فإنه حال من قوله: "من موت" وهو نكرة، وقد علم أن من الواجب تعريف ذي الحال، ولكن المسوغ هاهنا هو كون ذي الحال بعد النفي، ونظيره قوله تعالى:{وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إلا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4]، فإن قوله:{كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4] جملة في موضع الحال من قرية، والمسوغ لذلك وقوعها بعد النفي. فافهم

(1)

.

‌الشاهد الحادي والثلاثون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

لَقِيَ ابْنِي أَخَوَيْهِ خَائفًا

مُنْجِدَيْه فَأَصَابُوا مَغْنَمًا

أقول: قائله مجهول، وهو من الرمل

(4)

.

قوله: "منجديه": تثنية منجد؛ من أنجده إذا أعانه وأنقذه، واستنجد فلان إذا طلب النجدة، واستنجد -أيضًا- إذا قوي بعد ضعف، واستنجد عليه إذا اجترأ عليه بعد هيبة، قوله:"فأصابوا مغنمًا" أي: نالوا غنيمة، والمغنم -بفتح الميم بمعنى الغنيمة، ويقال: غنم القوم غنمًا بالضم.

الإعراب:

قوله: "لقي": فعل ماض، و"ابني": كلام إضافي فاعله، وقوله:"أخويه": مفعول، والضمير فيه يرجع إلى الابن، قوله:"خائفًا": حال من ابني، و"منجديه": حال من أخويه، والعامل في الحالين هو قوله:"لقي"، قوله:"فأصابوا" جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر الَّذي يرجع إلى الابن والأخوين، و"مغنمًا" بالنصب مفعوله.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "خائفًا منجديه" حيث وقع خائفًا حالًا من ابني، ومنجديه من أخويه كما ذكرنا، وهذا مثال لتعدد الحال مع تعدد ذي الحال؛ كما في قولك: لقيت هندًا مصعدًا منحدرة

(5)

.

(1)

ينظر مسوغات مجيء صاحب الحال نكرة في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 332).

(2)

شرح ابن عقيل (2/ 274).

(3)

البيت من بحر الرمل وهو بلا نسبة في شرح عمدة الحافظ (462)، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 184).

(4)

في (أ، ب): من المديد، والصحيح أنه من الرمل.

(5)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (184)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 350).

ص: 1171

‌الشاهد الثاني والثلاثون بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

............................ .... نَجَوْتِ وهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ

أقول: قائله هو يزيد بن طليق بن مفرغ الحميري، وصدره:

عَدَسْ ما لِعَبَّادٍ عَلْيْكِ إمَارَةٌ

..................................

وقد مرَّ الكلام فيه مستوفًى في شواهد الموصول

(3)

.

الاستشهاد فيه هاهنا:

في قوله: "تحملين" فإنه حال، وعاملها:"طليق" وهو صفة مشبهة، والتقدير: وهذا طليق محمولًا. فافهم

(4)

.

‌الشاهد الثالث والثلاثون بعد الخمسمائة

(5)

،

(6)

كأنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْبًا وَيَابِسًا

لدى وَكْرِهَا العُنَّابُ والحَشَفُ التالِي

أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدة لامية طويلة من الطويل، وقد ذكرناها في شواهد المعرب والمبني، وفي شواهد الموصول وغيرهما

(7)

.

قوله: "وكرها" بفتح الواو وسكون الكاف وفي آخره راء، وهو العش، و"الحَشَف" بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة وفي آخره فاء، وهو أرْدَأُ التمر، و"البالي" بالباء الموحدة، من بلي الثوب إذا خلق.

الإعراب:

قوله: "كأن" للتشبيه، و"قلوب الطير": كلام إضافي اسمه، وخبره قوله:"العناب"،

(1)

أوضح المسالك (2/ 91).

(2)

عجز بيت من بحر الطويل ذكر الشارح صدره، وهو ليزيد بن طليق الحميري، وقد سبق الحديث عنه بالتفصيل في الجزء الأول الشاهد رقم (112) من هذا البحث.

(3)

ينظر الشاهد رقم (112) من هذا البحث.

(4)

ينظر شرح التصريح بمضمون التوضيح (1/ 381).

(5)

أوضح المسالك (2/ 92).

(6)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيدة مشهورة لامرئ القيس سردها الشارح عند الشاهد رقم (34)، وهي كالمعلقة في مضمونها من حديث عن النساء وتبكيره للقنص، وهي في الديوان (27) ط. دار المعارف، وانظر بيت الشاهد في التصريح (1/ 382)، وشرح شواهد المغني (595 - 819).

(7)

ينظر مثلًا الشاهد رقم (34)، ورقم (105)، ورقم (438).

ص: 1172

وهذا يسمى [تشبيهًا]

(1)

ملفوفًا، وهو ما أتي فيه بالمشبهين ثم أتي بالمشبه بهما.

قوله: "رطبًا" حال منه، و"يابسًا" عطف عليه، قوله:"لدى": نصب على الظرف ومضاف إلى: و"كرها"، قوله:"العناب" خبر كان، و"الحشف" بالرفع عطف عليه، و"البالي": صفته.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "رطبًا ويابسًا" فإنهما حالان، وهما مضمنان معنى الفعل، فلذلك وجب تأخيرهما

(2)

.

‌الشاهد الرابع والثلاثون بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

اُطلُبْ وَلَا تَضْجَرَ مِنْ مَطلَبٍ

....................................

أقول: هذا كلام المحدثين، ولا يُحتَجّ به إلا بطريق التمثيل، وتمامه:

................................

وآفَةُ الطَّالِبِ أنْ يَضْجَرَا

وبعده:

أَمَا تَرَى الحبلَ بتكرَارِه

في الصَّخْرَة الصَّمَّاءِ قَدْ أثرا

وهو من السريع

(5)

، وفي بعض نسخ ابن هشام وقع هكذا

(6)

:

اُطْلُب مناكَ ولا تَضْجَرَ من مطلب

...................................

وهذا لا يناسب الشطر الثاني؛ لأنه من البسيط، وذاك من الرجز، والظاهر أن هذا إلحاق من النساخ، والدليل عليه أنَّه أنشده مثل ما أثبتناه هاهنا في كتابه المغني، وفي فوائده التي سماها التذكرة. المعنى ظاهر.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر شرح التصريح بمضمون التوضيح (1/ 382)، وكلام العيني فيه نظر؛ إذا أن رطبًا ويابسًا حالان من قلوب، والحامل فيهما كأن لما فيه من معنى أشبه وليس فيه حروفه.

(3)

أوضح المسالك (2/ 101).

(4)

هذا البيت لبعض المولدين، وهو من بحر الرجز المسدس، وهو أيضًا مجهول القائل، في الدرر (4/ 12)، وشرح التصريح (1/ 389)، والمغني (398)، وشرح الأشموني (2/ 186)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 246).

(5)

في (أ، ب): البيت من الرجز المسدس، وهذا خطأ والصحيح أنَّه من السريع.

(6)

لم أعثر على هذه الرواية في النسخ التي بين يدي، ينظر أوضح المسالك بمصباح المسالك (2/ 285) تحقيق: يوسف الشيخ، ومحمد البقاعي، دار المعرفة (1994 م).

ص: 1173

الإعراب:

قوله: "اطلب": أمر وفاعله أنت مستتر فيه، والمفعول محذوف، والتقدير: اطلب قصدك أو اطلب العلم أو اطلب مناك، مثل ما وقع في بعض النسخ.

قوله: "ولا تضجر" بفتح الراء، وهي فتحة إعراب؛ كما في قولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن؛ بفتح الباء وليست هي فتحة بناء؛ لأن نون التوكيد الخفيفة محذوفة؛ بأن يكون الأصل: ولا تضجرن، حذفت منه النون؛ كما في قراءة من قرأ:{أَلَمْ نَشَرَحْ} [الشرح: 1] بفتح الحاء

(1)

، وأصله: ألم نشرحن بنون التوكيد الخفيفة، وحذفت النون فبقي: ألم نشرح بالفتح

(2)

، وهذا ليس بصحيح لما قلنا.

وقد قيل: إن بعض العرب ينصب الفعل بعد لم، وقراءة من قرأ: ألم نشرح بالفتح على هذه اللغة، وهي -أيضًا- شاذة

(3)

.

فإن قلت: ما الواو في قوله: ولا تضجر؟

قلت: للعطف عطف بها على قوله: "اطلب"؛ كما في قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36]

(4)

، وقد قال الأمين المحلي: إن الجملة حالية والواو للحال، وأن:"لا" ناهية وقد غلطوا في هذا، والقول ما ذكرناه، والاستشهاد فيه، وقد ذكرناه.

‌الشاهد الخامس والثلاثون بعد الخمسمائة

(5)

،

(6)

فأرْسَلَهَا العِرَاكَ ولمْ يَذُدْهَا

ولمْ يُشْفِقْ على نَغَصِ الدَّخَالِ

أقول: قائله هو لبيد بن عامر، وقد ترجمناه في أول ..................................

(1)

هي قراءة أبي جعفر المنصور في المحتسب (2/ 366).

(2)

ينظر شرح التصريح بمضمون التوضيح (1/ 389، 390)، المغني بحاشية الأمير (2/ 147).

(3)

ينظر المحتسب (2/ 366).

(4)

ينظر المغني (398)، وشرح الأشموني (2/ 187).

(5)

توضيح المقاصد (2/ 141).

(6)

البيت من بحر الوافر، من لامية طويلة للبيد بن ربيعة العامري، قالها يصف حيوان الصحراء يعاتب قومه؛ لأنهم أسلموا قيادتهم إلى رجل سيئ الخليقة، ومالوا عن شيمتهم المعهودة، وفي آخرها يقول:

أطعتم أمره فتبعتموه

ويأتي الغي منقطع العقال

وبيت الشاهد في ديوان لبيد (162) سلسلة شعراؤنا، وأيضًا في ديوانه (108) ط. دار صادر، وأساس البلاغة:"نغص"، والخزانة (3/ 192)، وشرح التصريح (1/ 372)، والكتاب لسيبويه (1/ 372)، وابن يعيش (2/ 62)، والإنصاف (822)، والمقتضب (3/ 237)، واللسان مادة:"ملك"، وروايته في الديوان بشرح الطوسي، سلسلة شعراؤنا:

فأوردها العراك ولم يذدها

ولم يشفق على نغص الدجال

ص: 1174

الكتاب

(1)

، وهو من قصيدة من الوافر.

قوله: "العراك" بكسر العين المهملة وهو مصدر من عارك يعارك معاركة وعراكًا، يقال: أورد إبله العراك إذا أوردها جميعًا الماء؛ من قولهم: اعترك القوم إذا ازدحموا في المعرك.

قوله: "ولم يذدها": من الذياد بالذال المعجمة وفي آخره دال مهملة، وهو الطرد، تقول: ذدته عن كذا، وذدت الإبل: سقتها وطردتها، والتذويد مثله، [قوله: "]

(2)

ولم يشفق": من أشفقت عليه وأنا شفيق.

قوله: "على نغص الدخال" النغص بالنون المفتوحة والغين المعجمة المفتوحة وفي آخره صاد مهملة، وهو مصدر من نغص الرجل -بالكسر ينغص إذا لم يتم شربه

(3)

وكذلك البعير إذا لم يتم شربه، و"الدخال" بكسر الدال المهملة وبالخاء المعجمة؛ من المداخلة.

أراد: لم يشفق على كدرة الماء لمداخلة بعضها بعضًا، والدخال يأتي لمعنى آخر، فقد قال الجوهري: الدخال في الورد: أن يشرب البعير ثم يُرَدُّ من العَطَن إلى الحوض ويُدخل بين بعيرين عطشانين ليشرب منه ما عساه لم يكن شِرَب منه

(4)

.

ويصف لبيد بهذا البيت حمار الوحش أنَّه أرسل الأتن إلى الماء مزدحمة، ولم يشفق عليها من نغص الدخال، وهو تكدير الماء بورودها فيه مزدحمة لمداخلة بعضها بعضًا ووقف هو، أعني: حمار الوحش، على موضع عال ينظر لها خوفًا من صائد يهجم عليها في الماء.

الإعراب:

قوله: "فأرسلها": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الَّذي يرجع إلى حمار الوحش، والمفعول وهو: ها، الَّذي يرجع إلى الأتن، والفاء فيها للعطف على ما قبله من البيت.

قوله: "العراك": حال بمعنى معتركة، قوله:"ولم يذدها": عطف على أرسلها، وهي -أيضًا- جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله:"ولم يشفق": عطف على [قوله: "]

(5)

لم يذدها" [قوله: "]

(6)

على نغص الدخال" يتعلق بلم يشفق، و"الدخال" مجرور بالإضافة.

الاستشهاد فيه:

في قوله" "العراك" فإنه حال، وهو معرف بالألف واللام، وشرط الحال أن يكون نكرة،

(1)

ينظر الشاهد رقم (1).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

في (أ): مراده.

(4)

الصحاح مادة: "دخل".

(5)

و

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1175

وفيه ثلاثة مذاهب:

الأول: أنَّه مصدر في موضع الحال، وهو مذهب سيبويه

(1)

.

والثاني: أنَّه معمول لفعل مقدر، أي: تعترك العراك، وهو مذهب الفارسي

(2)

.

والثالث: أنَّه معمول لحال محذوف، أي: معتركة العراك.

وذهب ابن الطراوة إلى أن "العراك" نعت مصدر محذوف وليس بحال، أي: فأرسلها الإرسال العراك، وأنشده ثعلب: فأوردها العراك، وزعم أن العراك مفعول ثانٍ لأوردها

(3)

.

وقال الشريف النيلي

(4)

: ولولا أن العراك مصدر لم يجز أن يقع حالًا، وهو معرفة، فلو قال: أرسلها العارك لم يجز، إما لأن المصدر لا فرق بين تعريفه وتنكيره؛ لأنه اسم جنس فهو مثل قولك: أتانا مشيًا وركضًا، أي: ماشيًا وراكضًا؛ لأن المصدر

(5)

يقع موقع الحال كثيرًا إذا كان ضربًا من الفعل؛ فإن الإتيان ضرب من المشي.

وكذلك: العراك ضرب من الإرسال؛ لأن أرسلها بمعنى: أطلقها، والمصدر يؤكد الفعل، والفعل نكرة؛ فتأكيده بمنزلته معرفة كان المصدر أو نكرة، وإما لدلالة المصدر على اسم الفاعل؛ كما يدل عليه الفعل، فكأنه قال: أرسلها معتركة، وإما لدلالة المصدر على الفعل الدال على اسم الفاعل، فكأنه قال: أرسلها تعترك العراك؛ فالعراك على هذا مصدر، والفعل الدال عليه هو الحال.

قلت: حاصل كلامه أنَّه جعل العراك في موضع الحال وهو معرفة، وإنما جاز الاتساع في المصادر؛ لأن لفظها ليس بلفظ الحال؛ إذ حقيقة الحال أن تكون بالصفات، ولو صرحت بالصفة لم يجز دخول الألف واللام، لم تقل العرب: أرسلها العارك، والمعترك، ولا: جاء زيد القائم، فعلم أنَّه نائب عن الفاعل، والتقدير: أرسلها معتركة، ثم جعل الفعل موضع اسم الفاعل لمشابهته له فصار: تعترك، ثم جُعِل موضع الفعل لدلالته عليه، فافهم.

(1)

الكتاب لسيبويه (1/ 372).

(2)

ينظر الإيضاح بشرح المقتصد (677).

(3)

ليس في مجالس ثعلب (دار المعارف).

(4)

هو علي بن عبد الكريم الحسيني النيلي الأصل النجفي الموطن، ويلقب بالنسابة، محدث عالم إمامي له: الإنصاف في الرد على صاحب الكشاف، وله الأنوار المضيئة عدة مجلدات (ت 800 هـ). الأعلام (4/ 302).

(5)

في (أ): المصادر.

ص: 1176

‌الشاهد السادس والثلاثون بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

متَى يَأتِ هذا الموتُ لا تُلْفَ حاجةٌ

لنفسي إلَّا قَدْ قَضَيْتُ قضاءَهَا

أقول: قائله هو قيس بن الخطيم، وهو من قصيدة هائية من الطويل، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

طَعَنْتُ ابنَ عَبْدِ القَيْسِ طَعْنَةَ ثَائِرٍ

لَهَا نَفَذٌ لَوْلَا الشّعَاعُ أَضَاءَهَا

2 -

مَلَكتُ بها كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا

يُرَى قَائمًا مِنْ دونهَا مَا وَرَاءَهَا

3 -

يَهُونُ عَلَي أَنْ تُرَدَّ جِرَاحُهَا

عُيونَ الأَوَاسِي إذْ حَمِدْتُ بَلاءَهَا

4 -

وساعَدَنِي فيها ابْنُ عَمْرٍو بْنُ عَامِرٍ

خِدَّاشٌ فَأَدَّى نِعْمَةً وَأَفَاءَهَا

5 -

وكُنتُ امَرَأً لا أَسْمْعُ الدَّهْرَ سُبّةً

أُسَبُّ بها إلا كشَفْتُ غِطَاءَهَا

6 -

وَأَنِّي في الحَرْبِ الْعَوَانِ مُوَكَّلٌ

بِإقْدَامِ نَفْسٍ مَا أُرِيدُ بَقَاءَهَا

7 -

متى يأت ..................

.................... إلى آخره

(4)

1 -

قوله: "لولا الشعاع" أي: المتفرق، ومنه شعاع الغارة، وتطاير القوم شعاعًا، هذا إذا كان بفتح الشين، وإذا كان بضمها فالمراد به نور الشمس، والأول أحسن.

2 -

قوله: "ملكت بها كفي": من ملكت العجين وأملكته إذا شددت عجنه، أي: شددت بهذه الطعنة كفي ووسعت خرقها، [قوله:"فأنهرت" بالنون قبل الهاء؛ أي: وسعت حتَّى جعلته]

(5)

كالنهر سعة، قوله:"يرى قائمًا" يعني: يرى ما وراءها إذا كان قائمًا من دونها، و"وراءها" هنا بمعنى: خلف، و"من دونها" أي: ومن قدامها، ويروى: من ورائها.

3 -

قوله: "عيون الأواسي" أي: عيون النساء المداويات للجرح، ويقال للرجال: الآسون والأساة.

4 -

و"خداش" بكسر الخاء المعجمة، هو: خداش بن زهير بن عمر بن ربيعة بن عامر، وفي الأصل: هو جمع خدش، وهو جرح لا يسيل دمه، ويجوز أن يكون مصدر خادشته،

(1)

توضيح المقاصد (2/ 170).

(2)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة لقيس بن الخطيم في الغزل والفخر، وهو في ديوانه (21)، تحقيق: إبراهيم السامرائي، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (7/ 35)، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 192).

(3)

انظر القصيدة في ديوان قيس بن الخطيم (21) تحقيق: إبراهيم السامرائي، وانظر الأبيات المذكورة في ديوان الحماسة للمرزوقي (1/ 183)، والخزانة (7/ 35)، وليس البيت المذكور أول القصيدة، وإنما أولها هو قوله:

تذكرت ليلى حسنها وصفاءها

وباتت فأمسى ما ينال لقاءها

(4)

هذا البيت سقط في (ب).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1177

[قوله: "]

(1)

وأفاءها": من فيء الغنيمة أو من الرجوع.

6 -

قوله: "في الحرب العوان" العوان من الحروب: التي قوتل فيها [مرة]

(2)

كأنهم جعلوا الأولى بكرًا.

7 -

قوله: "متى يأت": إشارة إلى ما تصوره حاضرًا لمعرفته بإدراكه لا محالة، ويجوز أن يكون لدوام استقباله، إشارة إليه على وجه التقريب، قوله:"ولا تلف": من ألفى إذا وجد، قال الله تعالى:{وَأَلْفَيَا سَيدَهَا لَدَا البَابِ} [يوسف: 25] أي: وجدا، قوله:"إلا قد قضيت قضاءها" أي: فرغت منها لقضائي لأمثالها.

الإعراب:

قوله: "متى يأت" متى هنا للشرط، ويأت مجزوم به، و"هذا الموت": فاعل يأت، وأشار بهذا إلى ما تصوره من حضور الموت بين يديه، قوله:"تلف حاجة": جواب الشرط، وارتفاع حاجة بكونه مفعولًا ناب عن الفاعل، قوله:"لنفسي": جار ومجرور في محل الرفع لكونه صفة لحاجة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "قد قضيت قضاءها" فإنه جملة وقعت حالًا مصدرة بكلمة قد، وفيها الضمير يرجع إلى ذي الحال، وقد علم أن الجملة الفعلية الماضية المثبتة التالية لإِلَّا إذا وقعت حالًا لا بد أن يكون فيها ضمير، وأن تكون خالية عن الواو، وعن كلمة قد.

‌الشاهد السابع والثلاثون بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا

.....................................

أقول: قائله هو امرؤ القيس الكندي وتمامه:

..............................

لَدَى السِّتْر إلَّا لِبسَة المُتَفَضِّلِ

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

توضيح المقاصد (2/ 171).

(4)

البيت من بحر الطويل، وقد سبق الاستشهاد به برقم (448)، وهو من معلقة امرئ القيس المشهورة، والتي انتشرت أبياتها في الشواهد النحوية والبلاغية، ولا عجب في ذلك فهي أقدم الشعر وأبلغه، وانظر بيت الشاهد في ديوانه (114)، وفي (14) ط. دار المعارف، والدرر (3/ 78)، وشرح شذور الذهب (297)، واللسان مادة:"نض"، والمقرب (1/ 161)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 194)، ورصف المباني (223)، والأشموني (2/ 124)، والتصريح (1/ 336).

ص: 1178

وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله

(1)

:

قِفَا نَبكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ

....................................

وهي من الطويل.

قوله: "نضت": أي سلخت عنها ثيابها، قال الجوهري: نضى ثوبه، أي: خلعه، ثم أنشد البيت المذكور

(2)

، قوله:"إلا لِبسة" بكسر اللام، وهي هيئة اللباس، و"المتفضل": اللابس ثوبًا واحدًا.

الإعراب:

قوله: "فجئت": جملة من الفعل والفاعل معطوفة على ما قبله من البيت، وقوله:"وقد نضت" جملة وقعت حالًا، واللام في:"لنوم" للتعليل، وقوله:"ثيابها": منصوب بقوله "نضت".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وقد نضت" فإنه جملة ماضية مثبتة وقعت حالًا بالواو، فلذلك لزمها دخول قد

(3)

واللَّه أعلم.

* * *

(1)

ديوان امرئ القيس (110)، ط. دار الكتب العلمية، و (8) ط. دار المعارف، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم.

(2)

الصحاح مادة: "نضا".

(3)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 191) وفيه خلاف بين البصريين والكوفيين ووافقهم الأخفش.

ص: 1179

‌شواهد التمييز

‌الشاهد الثامن والثلاثون بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

.......................

صَدَدْتَ وَطِبْتَ النفسَ يا قَيْسُ عَنْ عَمْرٍو

أقول: قائله هو راشد بن شهاب اليشكري، وصدره:

رَأَيتُكَ لمَّا أنْ عَرَفْتَ وُجُوهَنَا

...................................

وقد مر الكلام فيه مستوفًى في شواهد المعرف باللام

(3)

.

الاستشهاد فيه هاهنا:

في قوله: "وطبت النفس" فإن النفس تمييز، وشرطه: أن يكون نكرة، وأجيب عن هذا بأن أل فيه زائدة تقديره: وطبت نفسًا

(4)

.

‌الشاهد التاسع والثلاثون بعد الخمسمائة

(5)

،

(6)

أسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْبًا لستُ مُحْصِيَهُ

ربِّ العِبَادِ إليهِ الوجهُ والعملُ

أقول: هذا من أبيات الكتاب ولم ينسب فيه إلى أحد

(7)

، وهو من البسيط.

(1)

أوضح المسالك (2/ 108).

(2)

البيت من بحر الطويل، وقائله راشد بن الشهاب، وقد مر الكلام فيه قبل ذلك، وانظر بيت الشاهد رقم (142) من شواهد هذا الكتاب.

(3)

ينظر الشاهد رقم (142).

(4)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 385، 386).

(5)

ابن الناظم (126)، وأوضح المسالك (1/ 108).

(6)

البيت من بحر الطويل، وهو غير منسوب في مراجعه، وانظره في الأشباه والنظائر (4/ 16) وتخليص الشواهد (405)، والخزانة (3/ 111)، والكتاب (1/ 37)، وابن يعيش (7/ 63)، والمقتضب (2/ 321).

(7)

انظر الكتاب (1/ 37)، (2/ 194).

ص: 1180

قوله: "إليه الوجه" أي: التوجه.

الإعراب:

قوله: "أستغفر الله": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله:"ذنبًا" منصوب بنزع الخافض، أي: من ذنب؛ كما في قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] أي: من قومه، "لست محصيه" التاء اسم ليس، و"محصيه": كلام إضافي خبره، والجملة وقعت صفة للذنب.

قوله: "رب العباد": كلام إضافي، والرب منصوب؛ لأنه صفة لله، ويجوز رفعه على أنَّه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو رب العباد، أو أنت رب العباد.

قوله: "إليه الوجه": جملة من المبتدأ وهو الوجه، والخبر وهو إليه، و"العمل" بالرفع عطف عليه.

فإن قلت: ما موقع هذه الجملة مما قبلها؟

قلت: هي جملة منقطعة لفظًا ولكنها صفة معنًى، ومثلها قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ} [الصف: 10] ثم قال: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [الصف: 11]، فقوله: تؤمنون منقطع مما قبله لفظًا بدل في المعنى من التجارة؛ فهو منقطع لفظًا متصل معنى؛ لأنك لو قلت: هل أدلكم على تجارة تؤمنون لم يستقم ذلك لفظًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ذنبًا" فإنه اسم نكرة يتضمن معنى من، وهو حد التمييز، ولكن فيه زيادة، وهي لبيان ما قبله من إبهام، فلما قيل لبيان ما قبله من إبهام خرج عن حد التمييز مثل:"ذنبًا" في قوله: "أستغفر الله ذنبًا" فإنه ليس ببيان لما قبله لعدم الإبهام فافهم

(1)

.

‌الشاهد الأربعون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

تخَيّرَهُ فَلَمْ يَعْدِلْ سِوَاهُ

فنعْمَ المرْءُ مِنْ رَجُلٍ تَهامِي

أقول: قائله هو أبو بكر بن الأسود، المعروف بابن شعوب الليثي، وشعوب أم الأسود هذا، وقال

(1)

قال ابن مالك: "وقيدت بالجنسية ليخرج ما فيه معنى من وليست جنسية كذنبًا من قول الشاعر (البيت) فإن فيه ما في التمييز من التنكير والنصب والفضلية وعدم التابعية ووجود معنى من إلا أنها غير الجنسية فلذلك لم يجعلوا ذنبًا تمييزًا بل مفعولًا به". شرح التسهيل لابن مالك (2/ 379)، وينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 194).

(2)

ابن الناظم (138)، وتوضيح المقاصد (2/ 181)، وأوضح المسالك (2/ 113).

(3)

البيت من بحر الوافر؛ لأبي الأود المعروف بابن شعوب الليثي، وهو في الدرر (5/ 211)، والتصريح (1/ 399)، =

ص: 1181

ابن دريد: قائله بجير بن عبد الله، وسيأتي الكلام فيه مستقصى في باب نعم وبئس، وقبله:

1 -

فَذَرْنِي أَصْطَبِحْ يَا بَكْرُ إِنِّي

رَأَيْتُ المَوتَ نَقَّبَ عَنْ هِشَامِ

وهما من الوافر، وفيه العصب والقطف.

1 -

قوله: "نقب عن هشام" أي: هجم عليه.

2 -

قوله: "فلم يعدل": [من العدول، والمعنى: لم يعدل الموت من هشام إلى غيره، ولهذا قال: تخيره؛ أي: تخير الموت هشامًا، وما قيل،

(1)

هو من العدل بالكسر بمعنى الميل، والمعنى: فلم يجعل غيره مثله، فهو معنى بعيد على ما لا يخفى.

قوله: "تهامِي": نسبة إلى تهامة، وهي بفتح التاء هاهنا؛ فلذلك لم تشدد الياء؛ كما تقول: رجل يمان وشآم؛ إلا أن الألف في تهام من لفظها، والألف في: يمان وشآم عوض من ياء النسبة، وعلى هذا يقال: قوم تهامون؛ كما يقال: يمانون، وقال سيبويه: ومنهم من يقول: تهاميّ وشاميّ ويمانيّ بالفتح مع التشديد

(2)

.

الإعراب:

قوله: "تخيره": جملة من الفعل والفاعل والمفعول [فضمير الفاعل هو الموت المذكور في البيت الَّذي قبله، وضمير المفعول هو هشام]

(3)

، قوله:"فلم يعدل" الفاء فيه تصلح أن تكون للتعليل، و"لم يعدل": جملة من الفعل والفاعل [الَّذي هو الموت، والتقدير: ولم يعدل إلى سواه، أي: إلى غيره كما ذكرناه]

(4)

[وسواه "مفعوله]

(5)

، قوله:"فنعم": من أفعال المدح، وهو نقيض بئس، وهو فعل ماض غير منصرف، قوله:"المرء": فاعله، وقوله:"من رجل": تمييز مجرور بمن.

الاستشهاد فيه:

حيث جر بمن ما كان حقه أن ينصب على التمييز، وقد علم أن كل ما ينصب على التمييز يجوز جره بمن ظاهرة، إلا تمييز العدد، والفاعل في المعنى إلا في تعجب أو نحوه؛ كقولهم: لله دره من فارس!، ونحو البيت المذكور فافهم

(6)

.

= (2/ 96)، وابن يعيش (7/ 123)، والخزانة (9/ 395)، والمقرب (1/ 69)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 82).

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

الكتاب (3/ 833).

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

ينظر شرح التصريح بمضمون التوضيح (1/ 399).

ص: 1182

‌الشاهد الحادي والأربعون بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

وواردة كأنها عصبُ القَطَا

تُثِيرُ عجاجًا بالسنابكِ أصْهَبَا

رددتُ بمثلِ السِّيدِ نهْدٍ مُقَلِّصٍ

كَمِيشٍ إذا عِطْفَاهُ ماءً تَحَلَّبَا

أقول: قائله هو ربيعة بن مقروم بن قيس بن جابر بن خالد بن عوف بن عرط بن السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن أد، وكان ممن أصفق عليه كسرى

(3)

، ثم عاش في الإسلام دهرًا طويلًا، وهو مسلم وشهد القادسية.

والبيتان المذكوران من قصيدة بائية من الطويل، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

تَذَكَّرْتُ والذِّكْرَى تَهِيجُكَ زَيْنَبَا

وأصبَحَ بَاقِي وَصْلِهَا قَدْ تَقَضَّبَا

2 -

وَحَلَّ بِفَلْجٍ فَالأَبَاتِرِ أَهْلُنَا

وَشَطَّتْ فَحَلَّتْ غَمْرَةً فَمُثَقَّبَا

3 -

وطَاوَعْتُ أمْرَ العَاذِلَاتِ وَقَدْ أَرَى

عَلَيهِن أَبَّاءُ القَرِينَةِ مِشْغبَا

4 -

فيَا رُبَّ خَصْمٍ قَدْ كَفِيتُ دِفَاعَهُ

وقَوَّمْتُ مِنهُ دَرْأَهُ فَتَنَكَّبَا

5 -

وَمَولَى عَلَى ضَنكِ المقَامِ نَصَرتُهُ

إذَا النَّكْسُ أكْبَى زَندَهُ وتَذَبذَبَا

6 -

وأضْيَافَ لَيلٍ مِنْ نَهَارِ شَمَلَّةٍ

قَربتُ مِنَ الكُومِ السَّدِيفِ المُرَعَّبَا

7، 8 - وَوَارِدَةٍ ...................

...................... إلى آخره

(5)

9 -

وأَسْمَرَ خَطِّيِّ كَأَنَّ سِنَانَهُ

شِهَابُ غَضَى شَيَّعْتُهُ فَتَلَهَّبَا

10 -

وفِتيانِ صِدقٍ قَدْ صَبَحْتُ سُلافَهُ

إذَا الدِّيكُ فيِ حوشٍ مِنَ الليلِ أَطرَبَا

1 -

قوله: "تذكرت" بفتح التاء، يخاطب نفسه، و"زينب": اسم امرأة، [قوله: "]

(6)

قد تقضبا لا أي: تقطع.

2 -

قوله: "بفلج" بفتح الفاء وسكون اللام وفي آخره جيم؛ اسم موضع، وكذلك قوله:

(1)

ابن الناظم (139).

(2)

البيتان من بحر الطويل، وهما لربيعة بن مقروم الضبي، الشاعر الإسلامي، الَّذي شهد القادسية، وهما من قصيدة في الفخر بالشجاعة والقتال والكرم أيضًا، وانظر بيت الشاهد في المغني (2/ 462)، وشرح شواهده للسيوطي (860) وحاشية الصبان (2/ 202)، وشرح عمدة الحافظ (477).

(3)

أي: أعطاه العطاء الجزيل، جاء في القاموس:"أصفق على القوم: جاءهم من العطاء ما يشبعهم".

(4)

انظر القصيدة في المفضليات: رقم (113)(375)، تحقيق: هارون، وشاكر، وهي أيضًا في شرح شواهد المغني (860).

(5)

هذا البيت سقط في (ب).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1183

"والأباثر": اسم موضع، وهو بفتح الباء الموحدة وبعد الألف [ثاء]

(1)

مثلثة مكسورة وفي آخره راء.

قوله: "وشطت" أي: بعدت، قوله:"فحلت" أي: نزلت، "غمرة" بفتح الغين المعجمة وسكون الميم وفتح الراء، وهي

(2)

اسم موضع، وكذلك:"المثقب": اسم موضع، وهو بضم الميم وفتح الثاء المثلثة وتشديد القاف المفتوحة.

3 -

قوله: "أبّاء القرينة" بفتح الهمزة وتشديد الباء الموحدة، فعال من الإباء، وأراد بالقرينة نفسه، وهي -أيضًا- القرين والقرونة، قوله:"مشغبًا" بكسر الميم وسكون الشين وفتح الغين المعجمتين، يعني: شديد التشغب عليهن لا أطيعهن فيما يردن.

4 -

قوله: "دفاعه" أي: مدافعته، قوله:"درأه" أي: خلافه؛ من تدارأ القوم في الأمر: تدافعوا واختلفوا.

5 -

قوله: "ومولى" أراد به الولي، و"الضنك": الضيق، أي: نصرته على ضيق من الأمر وشدة حتَّى دفعت عنه الظلم، و"النكس" بكسر النون؛ الرديء من الرجال، و"أكبى زنده": إذا لم يكن فيه نار، و"تذبذب الرجل": إذا لم يثبت على شيء، ومنه قولهم: رجل مذبذب وتذبذب بين ذلك.

6 -

قوله: "شملة" أي: باردة، و"الكوم" بضم الكاف؛ العظام الأسنمة والذكر أكوم، والأنثى كوماء، و"السديف" شطب السنام، و"المرعب" بضم الميم وفتح الراء وتشديد العين المهملة المفتوحة؛ بمعنى المقطع، ويقال: أخذ من الترعيب وهو قطع السنام.

7 -

قوله: "وواردة" أراد بها القطيع من الخيل، قوله:"كأنها عصب القطا" أي: كأنها جماعات القطا، و"العصب": جمع عصبة، شبه الخيل في سرعتها بالقطا في سرعته.

قوله: "تثير": من الإثارة، قوله:"عجاجًا" بفتح العين المهملة وفتح الجيم، وهو الغبار، ويقال للدخان: عجاج -أيضًا-، قوله:"بالسنابك": جمع سنبك -بضم السين، وهو طرف مقدم الحافر، قوله:"أصهبا": من الصهبة، أراد [أنَّه]

(3)

يشبه الغبار في لونه.

8 -

قوله: "رددت" ويروى: وزعت بمعنى: كففت، قوله:"بمثل السيد" بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة، وهو الذئب.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): وهو.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1184

قوله: "نهد" بفتح النون وسكون الهاء وفي آخره دال مهملة، أي: ضخم، قوله:"مقلص" بكسر اللام، وهو طويل القوائم ليست برهلة [من رهل اللحم بالكسر إذا استتر واضطرب]

(1)

.

قوله: "كميش" بفتح الكاف وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره شين معجمة، أي: جادٌّ في عدوه منكمش مسرع، ويروى: جهيز بالجيم والزاي المعجمة، أي: الشديد الجري، شبه فرسه بالذئب في سرعته، قوله:"عطفاه" أي: جانباه، قوله:"تحلبا" أي: سال، والألف فيه للتثنية.

9 -

قوله: "وأسمر خطى" أراد به الرمح المنسوب إلى الخط [بالفتح]

(2)

وهو موضع، و"الغضى": شجر كثير النار حسن التوقد، و"شيعته": ألهبته.

10 -

قوله: "قد صبحت" من صبحت الرجل أصبحه إذا سقيته صبوحًا، و"السلافة": ما سال من الخمر قبل العصر، وكذلك السلاف، قوله:"في جوش" بفتح الجيم وسكون الواو وفي آخره شين معجمة، يقال: مضى من الليل جوش، أي: قطع.

الإعراب:

قوله: "وواردة" بالجر لكون الواو واو ربّ، أي: ورب واردة، قوله:"كأنها" كأن للتشبيه والضمير المتصل به اسمه، وخبره قوله:"عصب القطا"، قوله:"تثير" جملة من الفعل والفاعل، و"عجاجًا": مفعوله، [وقوله: "]

(3)

بالسنابك": يتعلق بتثير، قوله: "أصهبَا" صفة لعجاجًا، والجملة في محل النصب على الحال.

قوله: "رددت": جواب رب المضمرة في قوله: "وواردة"، قوله:"بمثل": يتعلق برددت، وهاهنا محذوف تقديره: رددت بفرس مثل السيد.

قوله: "نهد" بالجر صفة للموصوف المحذوف، و "مقلص" بالجر صفة أخرى، وكذلك قوله:"كميش"، قوله:"إذا عطفاه" أراد [إذا]

(4)

تحلب عطفاه، و"عطفاه": مرفوع بفعل مضمر يفسره الظاهر، قوله؛"ماء" بالنصب تمييز.

الاستشهاد فيه:

هو أن ابن مالك استدل به على جواز تقديم التمييز على عامله لكونه فعلًا متصرفًا

(5)

، ولا دليل فيه، لأن عطفاه مرفوع بفعل محذوف، كما ذكرناه، كما في قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

شرح التسهيل لابن مالك (2/ 389) وما بعدها.

ص: 1185

انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]، وقوله: {ماء لا مفعول لذلك المحذوف لا للفعل المذكور المتأخر

(1)

فافهم.

‌الشاهد الثاني والأربعون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

وَلَسْتُ إذَا ذرْعًا أَضِيقُ بضارعٍ

ولا يائسٍ عندَ التعَسُّر من يُسْرٍ

أقول: ما وقفت على اسم قائله، وهو من الطويل.

قوله: "ذرعًا" يقال: ضقت بالأمر ذرعًا إذا لم تطقه ولم تقو عليه، وأصل الذرع إنما هو بسط اليد، فكأنك تريد: مددت يدي إليه فلم تنله، وربما قالوا: ضقت به ذراعًا.

قوله: "بضارع" الضارع هاهنا بمعنى الذليل المتضرع لأحد [قوله: "]

(4)

ولا يائس" ضبطه بعضهم بالباء الموحدة، وهو من بئس يباس بؤسًا إذا اشتدت حاجته، وليس بصواب؛ بل الصواب: ولا يائس بالياء من يئس إذا قنط ييأس.

الإعراب:

قوله: "ولست" التاء اسم ليس، وقوله:"بضارع" خبره، والباء فيه زائدة، قوله:"ذرعًا": تمييز، فقال الناظم وابنه: من أضيق، وقد تقدم على عامله، وجوّزا تقديم التمييز على عامله.

و[قال]

(5)

غيرهما: تمييز من الفعل المحذوف تقديم: إذا أضيق ذرعًا أضيق، والمذكور هو الَّذي يفسره؛ فيكون الناصب للتمييز هو المحذوف؛ لأن تقديم التمييز على عامله لا يجوز على الصحيح.

فإن قلت: ما تقول في قوله

(6)

:

(1)

قال ابن مالك: "أجمع النحويون على منع تقديم التمييز على عامله إن لم يكن فعلًا متصرفًا، فإن كان إياه نحو: طاب زيد نفسًا ففيه خلاف، والمنع مذهب سيبويه، والجواز مذهب الكسائي والمازني والمبرد، وبقولهم أقول قياسًا على سائر الفضلات المنصوبة بفعل مذهب، ولصحة ورود ذلك في الكلام الفصيح كالنقل الصحيح؛ كقول ربيعة بن مقرون الضبي (البيتان) وانتصر لسيبويه بأن مميز هذا النوع فاعل في الأصل، وقد أوهن بجعله كبعض الفضلات فلو قدم لازداد إلى وهنه وهنًا؛ فمنع ذلك إجحاف ........ ". شرح التسهيل لابن مالك (2/ 389، 390).

(2)

ابن الناظم (139).

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو مجهول القائل، وانظره في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 389)، وشرح الكافية الشافية: لابن مالك (777).

(4)

و

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

عجز بيت من بحر البسيط، مجهول القائل، وصدره:

ضيعت حزمي في إبعادى الأملا

......................................... =

ص: 1186

.......

وما ارْعَوَيْتُ وشَيْبًا رَأسِي اشْتَعَلَا

قلت: هو الضرورة، والضرورات تبيح المحذورات.

فإن قلت: أين جواب إذا؟

قلت: جوابه لست؛ لأن "إذا ذرعًا أضيق" معترض بين اسم ليس وخبره، والتقدير: إذا أضيق ذرعا لست بضارع فافهم.

قوله: "ولا يائس" بالجر عطف على ضارع، قوله:"عند التعسر": كلام إضافي نصب على الظرف، وهو ظرف يائس، قوله:"من يسر": يتعلق بقوله: "ولا يائس".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ذرعًا" فإنه نصب على التمييز، وقد تقدم على عامله، وقد أبيح ذلك للضرورة كما ذكرناه

(1)

.

‌الشاهد الثالث والأربعون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

أَتَهْجُرُ لَيلَى لِلْفُرَاقِ حَبِيبَهَا

وَمَا كَانَ نَفْسًا بِالْفُرَاقِ تَطِيبُ

أقول: قائله هو المخبل السعدي، واسمه؛ ربيع بن ربيعة بن مالك، ويقال: إنه لأعشى همدان، واسمه عبد الرحمن [بن عبد الله]

(4)

، وكذا قال في شرح اللب للشيخ العلامة شمس الدين النكسري شيخ شيخي العلامة شرف الدين السرمادي رحمه الله فإنه نقل في ديوانه، ونسبه أبو الحسين بن سيده لقيس بن معاذ الملوح العامري، وهو من أول قصيدة من الطويل وبعده

(5)

:

2 -

إذَا قِيلَ مِن مَاءِ الفُراتِ وطِيبِهِ

تَعَرَّضَ لِي مِنْهَا أَغَنُّ غَضُوبُ

3 -

وأهلكني شيبانُ في كل شتوة

لقلبي من خوف الفراق وجيب

4 -

أشيبان ما أدراك أن رُبَّ ليلة

غبقتك فيها والغبوق حبيب

= وانظره في الأشموني بحاشية الصبان (2/ 201)، والمساعد (2/ 66)، وشواهد ابن عقيل (138)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 389).

(1)

ينظر ما قيل في الشاهد السابق وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 389).

(2)

ابن الناظم (139)، وشرح ابن عقيل (2/ 293).

(3)

البيت من بحر الطويل، وقد نسب لأكثر من شاعر؛ كما ذكر في الشرح، وانظر في الإنصاف (828)، والدرر (4/ 36)، وأسرار العربية:(197)، والمقتضب (3/ 36)، والأشموني (2/ 201)، والهمع (1/ 252).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ليس في ديوان قيس مجنون ليلى.

ص: 1187

2 -

قوله: "أغن": هو الَّذي يتكلم من قبل خياشيمه، ومنه: طير أغن، يقال: امرأة غضوب أي: عبوس.

3 -

قوله: "شيبان" بفتح الشين المعجمة وكسرها وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة، قال الجوهري: شِيبان ومِلْحانُ: شهرا قُماح، وهما أشد الشتاء بردًا، سُمِّيَا بذلك لبياض الأرض مما عليها من الثلج والصقيع

(1)

، وفي العباب: شهرا قماح بالكسر وبالضم، والضم عن ابن الأعرابي، وهما الكانون، وأصله: من قامحت إبلك إذا وردت الماء ولم تشرب ورفعت رؤوسها من داء يكون بها، أو برد، وهي إبل مقامحة، وبعير مقامح- أيضًا، وناقة مقامح -أيضًا-، والجمع: قِماح [بالكسر]

(2)

.

قوله: "شتوة" بفتح الشين المعجمة وسكون التاء المثناة من فوق، ويجمع على شتاء، و"وَجِيب" بفتح الواو وكسر الجيم؛ من الوجب وهو الخوف، والجبان أيضًا وجب ووجيب.

4 -

قوله: "غبقتك": من غبقت الرجل الغبوق، وهو الشرب بالليل فاغتبق.

1 -

ومعنى البيت المستشهد به: أتهجر ليلى عاشقها في الفراق وما كان الشأن تطيب ليلى نفسًا بالفراق، والمراد بالحبيب

(3)

هاهنا المحب وهو العاشق، والمعنى على هذا فافهم.

الإعراب:

قوله: "أتهجر" الهمزة للاستفهام وتهجر فعل، و"ليلى" فاعله، وقوله:"حبيبها": مفعوله، قوله:"للفراق": في محل النصب على التعليل، قوله:"وما كان" ما نافية، واسم كان هو ضمير الشأن المستتر فيه، وخبرها "تطيب"، و:"نفسًا": نصب على التمييز، و"بالفراق": يتعلق بتطيب،

الاستشهاد فيه:

في قوله: "نفسًا" فإنه تمييز عن قوله: "تطيب" وتقدم عليه، والقياس: تطيب نفسًا، وهذا قد جوزه الكوفيون والمازني والمبرد وتبعهم ابن مالك

(4)

، والجمهور قال: إنه ضرورة فلا يقاس عليه

(5)

.

ويقال: إن أبا إسحاق الزجاج قال: إنما الرواية: وما كان نفسي بالفراق تطيب، فحينئذ

(1)

الصحاح مادة: "شيب".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

في (ب): الجيب.

(4)

و

(5)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 389، 390).

ص: 1188

لا يكون فيه شاهد لمن يجوّز تقديم التمييز على العامل فيه

(1)

.

وقد قال بعض شراح أبيات المفصل: المشهور أن المروي كاد وسلمى وليلى وتطيب بالتذكير والتأنيث معًا، ونفسًا ونفسي

(2)

، ونقل أبو الحسن أن الرواية في ديوان الأعشى

(3)

:

أَتُؤْذِنُ سَلْمَى بِالفُرَاقِ حَبِيبَهَا

ولَمْ تَكُ نَفْسِي بِالفُرَاقِ تَطِيبُ

وقال العلامة شمس الدين النكسري: وجه التمسك بهذا البيت إنما يتمشى على رواية: التأنيث في تطيب؛ لأنه حينئذ في كان ضمير الشأن لتذكيره، ففي تطيب ضمير سلمى، أي: وما كان الشأن تطيب سلمى نفسًا بالفراق؛ أي: بإرادة الفراق: فقدم نفسًا.

وأما على رواية التذكير في تطيب فلا يتعين الاستدلال؛ إذ جاز أن يكون الضمير في كان للحبيب، و"نفسي كطيب" على التمييز من كان، وهو العامل فيه، وتطيب خبر كان، أي: ما كان نفسًا تطيب بالفراق، بمعنى: ما كان نفسه تطيب بالفراق.

وأما على رواية نفسي تطيب خبر كاد أو كان واسمها نفسي، فيحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن والقصة، ونفسي مبتدأ، وتطيب خبره، والجملة مفسرة لذلك الضمير.

وعلى رواية: "نفسًا" يجوز أن يرجع ضمير كان إلى الحبيب، أو إلى ليلى بتأويل المعشوق والمحبوب، و"نفسًا" خبر كان، وتطيب على التذكير أو على التأنيث صفة نفسًا بتأويله بالشخص في التذكير، أي: ما كان نفسًا طيبة بالفراق، هذا على رواية كان، أما على رواية كاد فنفسًا خبر كاد على الأصل المرفوض بحذف المضاف، أي: ما كاد الحبيب ذا نفس طيبة، ويروى: تطيب بضم التاء؛ من أطاب إطابة؛ فعلى هذا نفسًا مفعول لتطيب، وفاعله ضمير ليلى وفي كاد ضمير الشأن فافهم

(4)

.

‌الشاهد الرابع والأربعون بعد الخمسمائة

(5)

،

(6)

ونارُنا لم يُرَ نارًا مِثْلُهَا

قَدْ عَلِمَتْ ذَاكَ مَعَدٌّ كُلهَا

أقول: هذا رجز لم يعلم قائله.

(1)

لم أجده في معاني القرآن وإعرابه، ولا في الإعراب المنسوب إليه.

(2)

انظر شرح المفصل في صنعة الإعراب الموسوم بالتخمير (1/ 451)، ط. دار الغرب الإسلامي.

(3)

يقصد أعشى همدان، وهو عبد الرحمن بن عبد اللَّه، وأما الأعشى الكبير فهو ميمون بن قيس، ويسمى أعشى بني قيس.

(4)

ينظر ما قيل في الشاهد (542).

(5)

ابن الناظم (139).

(6)

البيت من بحر الرجز، وهو في شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 201)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 391)، وشرح الكافية الشافية (779)، والمساعد (2/ 67).

ص: 1189

قوله: "معد" بفتح الميم وهو أبو العرب وهو معد بن عدنان، وكان سيبويه يقول: الميم من نفس الكلمة لقولهم: تمعدد لقلة تمفعل في الكلام

(1)

، وقد خولف فيه.

الإعراب:

قوله: "ونارنا": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله:"لم ير نارًا مثلها"، ولم ير على صيغة المجهول، و"مثلها": بالرفع مفعول ناب عن الفاعل، واكتفى على مفعول واحد؛ لأن الرؤية من رؤية البصر، قوله:"نارًا" تمييز، وقد تقدم على عامله، وهو "مثلها"، وهو اسم جامد، وهو خاص بالضرورة، وقد يقال: إن هذا لا دليل فيه على جواز تقديم التمييز على عامله إن كان اسمًا جامدًا، وذلك لجواز أن تكون الرؤية من رؤية القلب، فحينئذ يكون "مثلها" مفعولًا أولًا ناب عن الفاعل، ونارًا مفعولًا ثانيًا.

قوله: "قد علمت" قد للتحقيق، وعلمت فعل، و"معد": فاعله، و:"ذاك": مفعوله، و"كلها" بالرفع تأكيد تابع لمعد، والتأنيث باعتبار القبيلة أو الجماعة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "نارًا" فإنه تمييز تقدم على عامله الاسم الجامد، وقد قرَّرناه

(2)

.

‌الشاهد الخامس والأربعون بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

ضَيَّعْتُ حَزْمِيَ في إِبعَادِيَ الأَمَلَا

وما ارْعَوَيْتُ وشَيبًا رَأْسِي اشْتَعَلَا

أقول: هذا من البسيط.

قوله: "حزمي" الحزم: أخذ الأمور بالإتقان، قال الجوهري: الحزم: ضبط الرجل أمره وأخذه بالثقة

(5)

، قوله:"وما ارعويت" أي: وما رجعت، يقال: ارعوى الرجل عن فعل القبيح إذا رجع عنه رجوعًا حسنًا، وثلاثيه: رعى يرعو؛ أي: كف عن الأمور، يقال: فلان حسن الرِّعْوة والرَّعوة [والرعوى]

(6)

، والارعواء.

(1)

الكتاب (4/ 66)، ومعنى تمعدد؛ أي: غلظ وسمن.

(2)

ينظر شرح الأشموني وحاشية الصبان (2/ 201)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 390، 391).

(3)

شرح ابن عقيل (2/ 294).

(4)

البيت من بحر البسيط، والعيني لم ينسبه إلى قائله، ولم يشر إلى أنَّه مجهول القائل، والبيت من الحِكَم، وهو في شرح شواهد المغني (861)، ومغني اللبيب (462)، وشرح عمدة الحافظ (478)، وشرح الأشموني (2/ 201).

(5)

الصحاح مادة: "حرم".

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1190

قوله: "اشتعلَا" بالعين المهملة؛ من اشتعال النار وهو اضطرامها، يقال: اشتعل الرأس شيبًا، وهذا تشبيه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته وانتشاره في الشعر وفشوه فيه وأخذه منه كل مأخذ باشتعال النار، ثم هو أخرج مخرج الاستعارة؛ ألا ترى أنَّه أسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته، وهو الرأس ثم أخرج الشيب مميزًا.

الإعراب:

قوله: "ضيعت": جملة من الفعل والفاعل، و"حزمي": كلام إضافي مفعوله، قوله:"في إبعادي": يتعلق بضيعت، و"الإبعاد": مصدر مضاف إلى فاعله، و"الأملا " مفعوله، قوله:"وما ارعويت": جملة من الفعل والفاعل عطف على ضيعت، قوله:"وشيبًا" تمييز على ما نذكره الآن، قوله:"رأسي" كلام إضافي مبتدأ، و"اشتعل": خبره، والألف فيه للإطلاق.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وشيبًا" حيث قدم وهو تمييز على عامله، واحتج به الكسائي والمازني والمبرد على جواز تقديم التمييز على عامله، ووافقهم ابن مالك على ذلك في غير الألفية، ونص في الألفية على قلة هذا

(1)

.

‌الشاهد السادس والأربعون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

أَنَفْسًا تَطِيبُ بِنَيْلِ المُنَى

وَدَاعِي المَنُونِ يُنَادي جهَارًا

أقول: هو المتقارب.

و"المنى" بضم الميم؛ جمع منية، و"المنون" بفتح الميم؛ المنية؛ لأنها تقطع المدد وتنقص العدد، قال الفراء: المنون مؤنثة وتكون واحدة وجمعًا

(4)

.

(1)

انظر نص ابن مالك بالموافقة في التعليق المذكور في آخر الهامش من الشاهد رقم (541)، وأما نصه في الألفية على قلة فهو قوله:

وعامل التمييز قدم مطلقًا

والفعل ذو التصريف نزرًا سبقا

وينظر شرح الأشموني وحاشية الصبان (1/ 202)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 389) وما بعدها.

(2)

توضيح المقاصد (2/ 186)، وأوضح المسالك (5/ 112).

(3)

البيت من بحر المتقارب، وليست له قصيدة ولا قائل معين، ولم يشر العيني إلى أنَّه مجهول القائل، وهو في شرح التصريح (1/ 400)، وشرح عمدة الحافظ (477)، والمغني (463)، وشرح شواهد المغني (862).

(4)

قال الجوهري: قال الفراء: والمنون مؤنثة وتكون واحلة وجمعًا، الصحاح مادة:"منن".

ص: 1191

الإعراب:

قوله: "أنفسًا" الهمزة ستفهام، و"نفسًا": تمييز، وقوله:"تطيب": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه، أعني: أنت، قوله:"بنيل المنى" يتعلق بتطيب.

قوله: "وداعي المنون" الواو للحال، و"داعي المنون": كلام إضافي مبتدأ، وقوله:"ينادي": جملة خبره، قوله:"جهارًا": صفة لمصدر محذوف، أي: ينادي نداء جهازا، ويجوز أن يكون حالًا بمعنى مجاهرًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "نفسًا" فإنه نصب على التمييز، وقد قدم على عامله، وفيه الخلاف الَّذي ذكرناه

(1)

.

‌الشاهد السابع والأربعون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

طَافَتْ أُمَامَةُ بالرُّكْبَانِ آونَةً

يا حُسْنَهُ منْ قَوَامٍ ما ومُنْتَقَبَا

أقول: قائله هو الحطيئة، واسمه جرول، قال الجوهري: جرول: لقب الحطيئة العبسي الشاعر

(4)

.

وهو أول قصيدة بائية من البسيط، وبعده قوله

(5)

:

2 -

إذْ تَسْتَبِيكَ بمصقولٍ عَوَارِضُهُ

حَمْش اللِّثَاتِ ترى في غَرْبِهِ شنبَا

3 -

قد أخلقتْ عهْدَهَا من بعد جِدَّتِهِ

وكذَّبَتْ حبَّ مَلْهُوفٍ وما كذبَا

4 -

بحيثُ يَنْسَى زِمامَ العَنسِ راكبُها

ويُصبحُ المرءُ فيها ناعسًا وصِبَا

5 -

مُسْتَهْلِكَ الورْدِ الأُسْدِيّ قد جعلتْ

أَيْدِي المَطيِّ به عاديّةً رُغُبَا

وجملتها ستة وعشرون بيتًا.

1 -

قوله: "أمامة" بضم الهمزة وتخفيف الميم، اسم امرأة، و"الركبان": جمع ركب،

(1)

ينظر شرح الأشموني وحاشية الصبان (2/ 201)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 389)، وينظر الشاهد السابق وما قبله.

(2)

توضيح المقاصد (2/ 184).

(3)

البيت من بحر البسيط، وهو مطلع قصيدة يمدح فيها قومه، ومنها البيت المشهور وهو قوله:

قوم هم الأنف والأذناب غيرهم

ومن لسوى بأنف الناقة الدنيا

وانظر ديوانه برواية وشرح ابن السكيت (21)، والخزانة (3/ 270، 289)، والدرر (4/ 34)، والخصائص (2/ 432)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 251).

(4)

الصحاح مادة: "جرل".

(5)

الديوان (22) وما بعدها.

ص: 1192

والركب: أصحاب الإبل في السفر دون الدواب، وهم العشرة فما فوقها، قال الجوهري: والجمع: أركب، والركَبَة [بالتحريك]

(1)

أقل من الركْب، والأُرْكُوب -بالضم أكثر من الركب، والركبان: الجماعة منهم

(2)

.

قوله: "آونة" بالمد؛ أي: مرة وتارة، قال يعقوب: يقال فلان يصنع ذلك الأمر آونة إذا كان يصنعه مرارًا ويدع مرارًا

(3)

، قال الجوهري: الأوان: الحين، والآونة جمعه؛ مثل زمان وأزمنة

(4)

، قوله:"قوام" بكسر القاف؛ من قوام الرجل، وهو قامته وحسن طوله، وقوام الأمر: نظامه، و"المنتقب" بفتح القاف؛ موضع النقاب منها، والمعنى: يا حسن قوامها ويا حسن منتقبها، يريد: ما أحسن ذلك منها.

2 -

قوله: "إذ تستبيك" أي: حين تستبيك؛ من الاستباء، وهو السبي، وكلاهما بمعنى الأسر، قوله:"حمش اللثات" أي: قليلة اللحم، أي ضمرها، و"الغرْب"؛ حدة الأسنان، و"الشنب" بفتح الشين المعجمة والنون: رقة الأسنان وكثرة مائها وصفاؤها.

4 -

قوله: "بحيث ينسى" يريد: طاف خيالها بنا في هذا الموضع المخوف الَّذي ينسى الرجل فيه زمام ناقته خوفًا، و"العنس" بفتح العين المهملة وسكون النون وفي آخره سين مهملة، وهي الناقة الصلبة.

و"الناعس": من النعاس، وهو الوسن، و"الصِّبا" بكسر الصاد؛ الشوق، و"الورد" بكسر الواو؛ طريق الماء، و"الأسدي" بضم الهمزة وسكون السين المهملة؛ جمع سدى وهو ندى الليل، قوله:"عادية" أراد بها الطريق العادية وهي القديمة، و"الرغب" بضم الراء والغين المعجمة؛ الواسعة.

الإعراب:

قوله: "طافت": فعل و"أمامة": فاعله، و"بالركبان": في محل النصب على المفعولية، وهو من طيف الخيال وهو مجيئه في النوم، قوله:"آونة": نصب على الظرف.

قوله: "يا حسنه" في موضع التعجب، وحرف النداء في مثل هذا الوضع للتنبيه لعدم صلاحية المنادى هاهنا للنداء، قوله:"من قوام": تمييز، وكلمة:"من" فيه زائدة، والتقدير: قوامًا، ولهذا صح عطف:"ومنتقبًا" بالنصب عليه، قوله:"ما" صلة للتأكيد.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

الصحاح مادة: "ركب".

(3)

و

(4)

الصحاح مادة: "أون".

ص: 1193

الاستشهاد

في قوله: "من قوام" حيث جر بمن الزائدة في الكلام الواجب، ولهذا عطف على موضعها بالنصب؛ كما ذكرنا، نص على صحة ذلك في الارتشاف

(1)

. والله أعلم.

* * *

(1)

الارتشاف (2/ 384)، وينظر شرح التصريح بمضمون التوضيح (1/ 398)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 251).

ص: 1194

‌شواهد حروف الجر

‌الشاهد الثامن والأربعون بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

فقالتْ أَكُلَّ النَّاسِ أَصْبَحْتَ مَانِحًا

لِسَانَكَ كيما أَنْ تَغُرَّ وَتَخْدَعَا

أقول: قائله هو جميل بن عبد اللَّه صاحب بثينة؛ كذا قاله الزمخشري، وتبعه على ذلك أبو حيان، ويقال: هو لحسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه

(3)

، والأول أصح.

وهو من الطويل.

قوله: "مانحًا": من المنح وهو العطاء، يقال: منحه ويمنحه، والاسم: المنِحة بالكسر، وهي العطية، أراد أنَّه يعطي الناس بلسانه، يعني: بالقول دون الفعل ليخدعهم بذلك.

الإعراب:

قوله: "فقالت": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه، قوله:"أكل الناس" الهمزة للاستفهام، و"كل الناس" كلام إضافي منصوب بقوله:"مانحًا"؛ فإنه مفعول أول له، وقوله:"لسانك": مفعول ثان، قوله:"أصبحت" من الأفعال الناقصة؛ فالتاء اسمه، ومانحًا

(1)

ابن الناظم (140)، وأوضح المسالك (2/ 121).

(2)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة قصيرة في الغزل لجميل بثينة، ومطلعها:

عرفت مصيف الحي والمتربعا

كما خطب الكف الكتاب المتربعا

ديوانه (124)، تحقيق: د. حسين نصار، وانظر ديوانه (108) بشرح إميل بديع يعقوب، والخزانة (8/ 481)، والدرر (4/ 67)، وشرح التصريح (2/ 3، 231)، وابن يعيش (9/ 14)، وابن الناظم (16)، والجنى الداني (262)، ورصف المباني (217)، والمغني (1/ 183) والهمع (2/ 5)، وقد نسب له ولحسان بن ثابت في شرح شواهد المغني (508)، غير أننا لم نجده في ديوانه.

(3)

انظر المفصل للزمخشري (325)، وشرحه لابن يعيش (9/ 14)، وارتشاف الضرب لأبي حيان (3/ 282)، ولم ينسبه الأخير ونسبه لجميل في التذييل: باب النواصب (5).

ص: 1195

خبره، قوله:"كيما" كي للتعليل، وما مصدرية، ويجوز أن تكون كافة، قوله:"أن" ظهرت هاهنا للضرورة؛ لأن "أن" بعد كي لا تظهر، وقوله:"تغر" منصوب بأن، "وتخدعا": عطف عليه، والألف فيه للإطلاق.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كيما أن" حيث ظهرت فيه أن لأجل الضرورة

(1)

.

‌الشاهد التاسع والأربعون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

إذَا أَنْتَ لمْ تَنْفَعْ فَضُرّ فَإنَّمَا

يُرَادُ الفَتَى كَيمَا يَضُرّ وَينفعُ

أقول: قيل إن قائله هو النابغة الذبياني، وقيل: الجعدي، [والأصح أن قائله قيس ابن الخطيم؛ كذا ذكره البحتري في حماسته.

وهو من الطويل]

(4)

المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "إذا" للشط، وفعل الشرط محذوف يفسره الظاهر تقديره: إذا لم تنفع أنت لم تنفع، وذلك أن إذا التي للشرط لا تدخل إلا على الجملة الفعلية.

وقوله: "فضر": جواب الشرط، وهو أمر من ضر يضر، يجوز فيه الحركات الثلاث، أما الفتح فلأنه أخف الحركات، وأما الضم فلأجل ضمة الضاد، وأما الكسر فلأن الأصل في الساكن إذا حرك أن يحرك بالكسر، ويجوز فيه فك الإدغام في غير هذا الموضع، كما تقول: امدد في مدّ

(5)

.

(1)

قال ابن يعيش: "وإذا كانت حرف جر فالفعل بعدها ينتصب بإضمار أن كما يكون كذلك مع اللام في نحو قولك: قصدتك لتكرمني، والمراد: لأن تكرمني، والذي يدل على ذلك أن الشاعر قد اضطر إلى ذلك قال جميل (البيت) ..... ". ينظر (9/ 14، 15).

(2)

ابن الناظم (140)، توضيح المقاصد (2/ 190)، أوضح المسالك (2/ 120).

(3)

البيت من بحر الطويل نسب لأكثر من شاعر؛ فهو للنابغة الذبياني في شرح شواهد المغني (507) والبيت غير موجود في ديوان النابغة الذبياني، وقد نسب للنابغة الجعدي، وهو في ديوانه (246)(ملحق)، وللنابغة الذبياني أو لقيس بن الخطيم في الخزانة (8/ 498)، وهو في ديوان قيس بن الخطيم (170) تحقيق: ناصر الدين الأسد، وهو لعبد الله بن معاوية في الحماسة للبحتري (213)، طبعة الأب لويس، وقد جاء بالنصب في الحماسة والديوان، وقد ورد غير منسوب في تذكرة النحاة (609) والجنى الداني (262)، والمغني (182)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 5، 31)، وهو مروي بالرفع في كتب النحويين.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ينظر ابن يعيش (10/ 121).

ص: 1196

[قوله: "فإنما" الفاء فيه تصلح للتعليل، وإن بطل عملها بدخول ما عليها، قوله: "يراد": على صيغة المجهول]

(1)

أسند إلى الفتى، و"الفتى": مفعول ناب عن الفاعل، ويروى: فإنما يرجى الفتى، قوله:"كيما" جارة وما مصدرية، أي: للضر والنفع، والمعنى: ليضر من يستحق الضر وينفع من يستحق النفع.

الاستشهاد فيه:

على دخول: "كي" على "ما" المصدرية وهو نادر، ويقال: إن "ما" فيه كافة. فافهم

(2)

.

‌الشاهد الخمسون بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

لَعَلَّ اللهِ فَضَّلَكُمْ عَلَينَا

بِشَيْءٍ أَنَّ أُمَّكُمْ شَرِيمُ

أقول: هو من الوافر.

قوله: "شريم" بفتح الشين المعجمة وكسر الراء، وهي المرأة المفضاة، قال الجوهري: وكذلك الشروم، وهي المرأة التي اتحد مسلكاها

(5)

.

الإعراب:

قوله: "لعل" هاهنا حرف جر، فلذلك جر لفظة الله، وهي لغة عقيل، ويجوز في لامه الأولى الإثبات والحذف، وفي لامه الثانية الفتح والكسر على لغتهم

(6)

.

وقوله: "فضلكم": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقوله:"علينا" في محل النصب بفضل، و"بشيء": صلته، وقوله:"أن" حرف من الحروف المشبهة بالفعل، و "أمكم": كلام إضافي اسمه، و "شريم": خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لعل" على كونه حرف جر هاهنا كما ذكرنا

(7)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ينظر المغني بحاشية الأمير (1/ 156).

(3)

ابن الناظم (140)، وأوضح المسالك (2/ 118)، وشرح ابن عقيل (3/ 5) ط. صبيح.

(4)

البيت من بحر الوافر، لم ينسبه العيني لقائله، وهو مجهول القائل في مراجعه، وانظر الجنى الداني (584)، والخزانة (10/ 422)، ورصف المباني (375)، وشرح التصريح (2/ 2)، والمقرب (1/ 193).

(5)

الصحاح مادة: "شرم".

(6)

ينظر رصف المباني للمالقي (374).

(7)

ينظر رصف المباني للمالقي (374، 375).

ص: 1197

‌الشاهد الحادي والخمسون بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

.............................

لَعَلَّ أَبِي المغْوَارِ مِنْكَ قَرِيبُ

أقول: قائله هو كعب بن سعد الغنوي، وصدره:

فَقُلْتُ ادْعُ أخرى وارْفَعِ الصوتَ دَعْوَةً

................................

وهو من قصيدة طويلة من الطويل، وأولها هو قوله

(3)

:

تَقُول سُلَيْمَى مَا لجِسْمِكَ شَاحِبًا

كَأَنَّكَ يَحْمِيكَ الطَّعَامَ طَبِيبُ

فَقُلْتُ وَلَمْ أُدْعَ الجَوَابَ لِقَوْلَهَا

ولَلدَّهْرُ في صُمِّ الصِّلابِ نَصِيبُ

إلى أن قال:

وداعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النَّدَا

فلمْ يسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ

فَقلْتُ ادع أخرى .............

........................ إلخ

المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "فقلت" الفاء للعطف، وقلت: جملة من الفعل والفاعل، وادع: مقول القول، وهي -أيضًا- جملة من الفعل والفاعل، قوله:"أخرى": صفة موصوفها محذوف، أي: دعوة أخرى وانتصابها على المصدر

(4)

.

قوله: "وارفع الصوت": عطف على قوله: "ادع" وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو الصوت، قوله:"دعوة": نصب على التعليل، أي: لأجل الدعوة، قوله:"لعل" حرف جر هاهنا، فلذلك جر أبي المغوار، وروي: أبا المغوار على أصله، فعلى هذا أبا المغوار اسم لعل،

(1)

شرح ابن عقيل (3/ 4)"صبيح".

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو لكعب الغنوي (شاعر إسلامي من التابعين) من قصيدة في رثاء أخيه عدها النقاد أجود الرثاء، وهي بتمامها في كتب الأدب، ولم يذكر العيني إلا أبياتًا قليلة منها، حتَّى إنه حذف مقول القول في البيت الَّذي أوله فقلت، ومقول القول:

.... تتابع أحداث تخر من إخواني

شيبن رأسي والخطوب تشيب

وانظر بيت الشاهد في مغني اللبيب (286، 441)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 33)، واللسان:"لمم و: جوب، علل"، والخزانة (10/ 426)، والدرر (4/ 174)، وشرح شواهد المغني (691) ورصف المباني (375)، وشرح التصريح (1/ 213)، وحاشية الصبان (2/ 205).

(3)

ينظر شرح شواهد المغني (691).

(4)

في (أ): على المصدرية.

ص: 1198

وقريب خبره، و"منك": يتعلق بقريب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لعل أبي المغوار" حيث جاءت فيه لعل حرف جر كما ذكرنا، وأبو المغوار بكسر الميم وسكون الغين المعجمة، يقال: رجل مغوار ومُغاور؛ أي: مقاتل

(1)

.

‌الشاهد الثاني والخمسون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

شَرِبْنَ بِمَاءِ البَحْرِ ثُمْ تَرَفَّعَتْ

متى لُجَجٍ خُضْرٍ لهنَّ نَئِيجُ

أقول: قائله هو أبو ذؤيب

(4)

يصف السحاب، وهو من قصيدة جيمية من الطويل، وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

صَبَا صَبْوَةً بلْ لَجَّ وَهْوَ لجُوجُ

وزالتْ به بالأنْعَمَينِ حُدُوجُ

2 -

كَمَا زَال نَخْلٌ بِالعِرَاقِ مُكَمِّمٌ

أُمِرَّ لَهُ مِنْ ذِي الفُراتِ خَلِيجُ

3 -

فإنَّكَ عَمْرِي أيَّ نَظْرَةِ عَاشِقٍ

نَظَرتَ وقُدْسٌ دُونَنَا وَدَجوجُ

4 -

إلَى ظُعُنٍ كَالدَّومِ فِيهَا تَزَايُلٌ

وهِزَّةُ أَجْمَالٍ لَهُنَّ وَسيجُ

5 -

غَدَونَ عَجَالى وَانْتَحَتْهُنَّ خَزرَجٌ

مُعَفِّيَةٌ آثَارَهُنَّ هَدُوجُ

6 -

سَقَى أمَّ عَمرٍو كُلَّ آخرٍ ليلةٍ

حَنَاتِمُ سُودٌ مَاؤُهُنَّ ثَجِيجُ

7 -

إذا هَمَّ بالإقْلَاعِ هَبَّتْ لَهُ الصَّبَا

فأَعْقَبَ نشء بَعدَهَا وَخُرُوجُ

8 -

شربن ....................

............................. إلخ

ويروى:

تَرَوَّتْ بمَاءِ البَحْرِ ثُمَّ تَنَضَّبَتْ

على حَبَشِيَّاتٍ لَهُنَّ نَئِيجُ

(1)

ينظر رصف المباني للمالقي (374، 375).

(2)

ابن الناظم (140)، وأوضح المسالك (2/ 117)، وشرح ابن عقيل (3/ 6)"صبيح".

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي، من قصيدة يصف فيها سحابا شرب من ماء البحر حتَّى امتلأ ثم هو يسقط هذا الماء في الصحراء ليرتوي الناس، وهذا كله بسبب الرياح، وهو معنى ديني جميل، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (3/ 97 - 99)، والخصائص (2/ 85)، والدرر (4/ 179)، واللسان:"شرب"، والجنى الداني للمرادي (43، 505)، والمغني (105)، وشرح شواهد المغني (218)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 34).

(4)

انظر ديوان الهذليين (50) القسم الأول، وانظر الخزانة (7/ 99) وما حمله الإمام عبد القادر على العيني في هذه الأبيات.

(5)

ينظر شرح شواهد المغني (318) وما بعدها.

ص: 1199

1 -

قوله: "صبا" أي: مال، قوله:"بالأَنعمين" اسم موضع، و:"حدوج" بضم الحاء المهملة جمع حدج وهي مراكب النساء.

2 -

قوله: "مكمم": [من التكميم]

(1)

من الكم بالكسر، وهو وعاء الطلع وغطاء النور، قوله:"أُمِرّ": من الإمرار، و"الفرات": الماء العذب.

3 -

قوله: "قدس" بضم القاف وسكون الدال وفي آخره سين مهملة، جبل عظيم بأرض نجد، قوله:"ودوج" من قولهم: فلان ودجي إلى فلان، أي: وسيلتي.

4 -

قوله: "إلى ظعن" بضمتين؛ جمع ظعينة، وهي الهودج كانت فيه المرأة أو لم تكن، و"الدوم": شجر المقل، قوله:"وهزة أجمال" بالجيم؛ جمع جمل، وقيل بالحاء، والأول أصح، قوله:"وسيج" بفتح الواو وكسر السين المهملة، وهو ضرب من سير الإبل، يقال: وسج البعير وسيجًا.

5 -

قوله: "خزرج" أي: ريح، قال الفراء: خزرج: هي الجنوب

(2)

، وهدوج: هي الريح التي لها حنين.

6 -

قوله: "حناتم" بالتاء وبالحاء المهملة؛ الجرار الخضر، وهي جمع حنتمة، شبه السحب بها، قوله:"ثجيج": من الثج وهو السيلان.

7 -

قوله: "نشء" بفتح النون وسكون الشين المعجمة وفي آخره همزة، وهو أول ما ينشأ من السحاب، و"الخروج": جمع خرج، وهو السحاب أول ما ينشأ.

8 -

قوله: "ثم ترفعت" أي: توسعت، قوله:"لجج" بضم اللام؛ جمع لجة، وهو معظم الماء، قوله:"نئيج" بفتح النون وكسر الهمزة وفي آخره جيم، يقال: نأجت الريح تنأج نئيجًا: تحركت، فهي نؤج ولها نئيج، أي: مرٌّ سريع مع صوت، قوله:"حبشيات" أي: متجمعات؛ من التحبش وهو التجمع.

الإعراب:

قوله: "شربن": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الَّذي يرجع للسحب، قوله:"بماء البحر": يتعلق بشربن، وهي صلته.

فإن قلت: شرب لا يحتاج إلى صلة، يقال: شرب الماء، ولا يقال: شرب بالماء.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر اللسان مادة: "خزرج".

ص: 1200

قلت: ضمن شربن هاهنا معنى روين، فلذلك وصلت بالباء، ويقال: هذا شاذ

(1)

.

قوله: "ثم ترفعت": عطف على شربن، قوله:"متى لجج" أي: من لجج، ومتى هاهنا بمعنى من الجارة في لغة هذيل، ويقال: بمعنى وسط

(2)

، قوله:"خضر": صفة للجج، قوله:"لهن نئيج": جملة اسمية من المبتدأ وهو نئيج، والخبر وهو لهن، ويصلح أن تكون الجملة حالًا بدون الواو، وهو كثير، وإن كان ضعيفًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "متى" فإنها حرف جر بمعنى من كما ذكرنا

(3)

.

‌الشاهد الثالث والخمسون بعد الخمسمائة

(4)

،

(5)

رُب رِفْد هَرَقَتْهُ ذلكَ اليو

م وأسرى من مَعشَرٍ أَقْيالِ

أقول: قائله هو الأعشى، أعشى همدان، واسمه: عبد الرحمن بن عبد الله، وهو من قصيدة لامية من الخفيف، وبعده

(6)

:

2 -

وَشُيوخ حَربَي بِشَطّي أريك

ونسَاء كَأنهُن السعَالي

3 -

وشريكين في كَثير مِن الْما

ل وكَانَا مُحَالِفَي إقْلال

4 -

قَسَّمَا الطارفَ التليد منَ الغنـ

ـم فَآَبَا كلاهُمَا ذُو مَال

1 -

قوله: "رفد" بكسر الراء وفتحها، وهو الشيء المبذول، والقدح الكبير -أيضًا-، قوله:"هرقته" أي: أرقته؛ من الإراقة، و"أسرى": جمع أسير، وقوله:"أقيال": جمع قيل -بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف، وهو الملك، وأكثر ما يطلق على ملوك حمير، ويروى: أقتال بالتاء المثناة من فوق؛ جمع قتل -بكسر القاف وسكون التاء المثناة، وهو العدو.

(1)

ينظر اللسان مادة: "شرب".

(2)

ينظر الجنى الداني (505)، وحروف المعاني لعبد الحي علي كمال (183)، المطبعة السلفية (1392 هـ)، أولى.

(3)

ينظر الجنى الداني (505).

(4)

ابن الناظم (140).

(5)

البيت من بحر الخفيف، من قصيدة طويلة بلغت (75 بيتًا) للأعشى ميمون بن قيس يمدح بها الأسود بن المنذر أخا النعمان بن المنذر اللخمي، وهي في ديوانه (39)، وقد اختلط على العيني فظن أن المقصود بالأعشى هو أعشى همدان، قال صاحب الخزانة (9/ 575):"ولا يخفى أن هذا الشاعر إسلامي في الدولة المروانية زمن الحجاج، ولم يكن في زمن الأسود بن المنذر"، وانظر الشاهد في الخزانة (9/ 570)، والدرر (1/ 79)، وابن يعيش (8/ 28)، ومغني اللبيب (587).

(6)

ينظر الديوان (39) تحقيق: الدكتور: محمد محمد حسين (المكتب الشرقي- بيروت).

ص: 1201

2 -

و "الأريك" بفتح الهمزة وكسر الراء؛ اسم وادٍ، و "السعالي": جمع سعلاة، وهو أخبث الغيلان.

3 -

و "الطارف" من المال: المستحدث، وكذلك الطريف، والتليد والتالد خلافه.

الإعراب:

قوله: "رب": حرف جر، و"رفد": مجرور برب، و "هرقته": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت صفة لرفد، قوله:"وأسرى" عطف على رفد، و "من معشر": يتعلق بمحذوف؛ أي: وأسرى كائنين من معشر، وهي صفة لأسرى، و "أقيال" صفة لمعشر، والتقدير: رب رفد مهراق ضممته إلى أسرى، ورب أسرى كائنين من معشر أقيال ملكتهم.

الاستشهاد فيه:

على أن: "رب" استعمل فيه للتنكير تهكمًا، والحال أنه حرف تقليل، وفيه استشهاد آخر: وهو حذف جواب رب، وذلك في قوله:"رب رفد هرقته" أي: رب رفد مهراق ضممته إلى أسرى؛ كما ذكرنا ولكنه لم يورده هاهنا لهذا

(1)

.

‌الشاهد الرابع والخمسون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

خلَّى الذنابات شمَالًا كَثْبًا

وَأم أَوْعَالٍ كَهَا أو أَقْربَا

أقول: قائله هو العجاج الراجز، وهو من قصيدة مرجزة مسدسة، وأولها هو قوله

(4)

:

4 -

مَا هَاجَ دَمْعًا سَاكِبًا مُستَسكَبًا .... مِنْ أَنْ رَأَيْتَ صَاحِبَكَ أكأَبَا

إلى أن قال في وصف الحمير:

2 -

حتى إِذَا مَا يَوْمُنَا تَصَبصَبَا

وَعَمَّ طُوفَانُ الظَّلامِ الأَثْأَبَا

3 -

وَاطَأَ مِنْ دَعْسِ الحَمِيرِ نَيسَبَا

مِنْ صَادِر أَوْ وَارِد أَيْدِ سَبَا

(1)

ينظر ابن يعيش (8/ 28، 29)، وينظر في المغني بحاشية الأمير (1/ 119) ما قيل في معناها، ورصف المباني للمالقي (189).

(2)

ابن الناظم (358) ط. دار الجيل، وتوضيح المقاصد (2/ 196)، وأوضح المسالك (3/ 14)"دار المعرفة"، وشرح ابن عقيل (3/ 13)"صبيح".

(3)

بيتان من بحر الرجز المشطور، نسبا للعجاج، وهما في ملحق ديوانه (1/ 269)، وانظرهما في ابن يعيش (8/ 16)، والخزانة (4/ 277)، وشرح الشافية (345)، وشرح التصريح (2/ 3)، وشرح الأشموني (2/ 208).

(4)

ملحقات ديوان العجاج (261، 268، 269) تحقيق د. عبد الحفيظ السطلي، مكتبة أطلس، دمشق.

ص: 1202

4 -

خَلَّى الذّنَابَاتِ ............

..................... إلى آخره

5 -

ذَاتَ اليَميِن غيرَ مَا أَنْ يَنْكَبَا

تَخَالُ لحيَيهِ وَفَاهُ قَتَبَا

6 -

إذَا استَهَلَّ زنَّةً وَأَزيَبَا

...................................

1 -

قوله: "هاج": من الهيجان.

2 -

وتصبصب الشيء: انمحق وذهب، و "الأثأب" بفتح الهمزة وسكون الثاء المثلثة وفتح الهمزة وفي آخره باء موحدة، وهو شجر، الواحدة أثأبة.

3 -

قوله: "واطأ": من الواطاة وهي الموافقة، و "الدعس" بفتح الدال وسكون العين وفي آخره سين كلها مهملات، قال الجوهري: الدعس بالفتح: الأثر، يقال رأيت طريقًا دعسًا؛ أي: كثير الآثار

(1)

، و "النيسب" بفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفتح السين المهملة وفي آخره باء الموحدة، وهو الذي تراه كالطريق من النمل نفسها، وهو على وزن فيعل.

4 -

قوله: "خلى الذنابات" ويروى: "نحى الذنابات"، وهي بفتح الذال المعجمة والنون وبعد الألف باء موحدة وبعد الألف الأخرى تاء مثناة من فوق، وهو اسم موضع بعينه.

قوله: "كثبًا" بفتح الكاف والثاء الثلثة والباء الموحدة، ومعناه القرب، ويقال: رماه من كثب؛ أي: قرب، و "أم أوعال" بفتح الهمزة، وهي اسم هضبة بعينها، ويقال لكل هضبة تكون فيها الأوعال: أم أوعال، وهو جمع وعل، وهو ذكر الأروى.

6 -

قوله: "رنة" بفتح الراء وتشديد النون، النغمة، قوله:"وأزيبا" بفتح الهمزة وسكون الزاي المعجمة وفتح الياء آخر الحروف، وهو السرعة والنشاط.

الإعراب:

قوله: "خلى": فعل وفاعله مستتر فيه، وهو الضمير الذي يرجع إلى حمار الوحش، أراد أنه مضى في عدوه ناحية الذنابات فكأنه نحاها عن طريقه، وهي عن شماله بالقرب من الموضع الذي عدا فيه.

وقوله: "الذنابات": مفعوله، قوله:"شمالًا": مفعوله الثاني، قوله:"كثبًا": صفته على تقدير: جعل الذنابات ناحية شماله قريبة منه، قوله:"أم أوعال": مبتدأ، وخبره قوله:"كها" أي كالذنابات.

(1)

الصحاح مادة: "دعس".

ص: 1203

قوله: "أو أقربا": عطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، ويجوز أن تكون:"أم أوعال" منصوبًا عطفًا على الذنابات على معنى: جعل أم أوعال كالذنابات أو أقرب، فيكون أو أقرب حينئذ عطفًا على محل الجار والمجرور فافهم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كها" حيث دخلت كاف التشبيه على المضمر وهو قليل

(1)

.

‌الشاهد الخامس والخمسون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

فَلا ترَى بَعْلًا ولَا حَلَائلًا

كَهُو ولَا كَهُنَّ إلا حاظِلا

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وهو من قصيدة مرجزة مسدسة، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

عَرَفْتَ بِالنصْرِية المنازلا

قَفْرًا وكَانَتْ منهُمُ مَآهِلَا

2 -

حتى إذَا مَا اجْتَابَ لَيلا لَائلا

هَيَّجَهَا ولم تَخَلْهُ فَاعلَا

3 -

يَعْلُو بهَا القُّرْيَانَ والمسايِلا .. وكُل صَمْدٍ يُنبتُ القَلاقلا

4 -

تَحسِبُهُ إذَا استَتَبّ دَائلًا .... كَأَنمَا يُنْحِي هجارًا مَائِلَا

5 -

فلا ترى ...............

........................ إلخ

2 -

قوله: "اجتاب" بالجيم؛ أي: قطع، قوله:"لائلا" يقال: ليل لائل إذا كان شديد

(1)

يقول ابن مالك في التسهيل (147) في حديثه عن حروف الجر: "ومنها الكاف للتشبيه، ودخولها على ضمير الغائب المجرور قليل" وشرحه المرادي فقال: "فإنهم خصوها بالظاهر واستغنوا عنها بمثل (مع) المضمر إلا أن الكاف خالفت أصلها في بعض المواضع فجرت ضمير الغائب المتصل كقول الراجز يصف حمارًا وحشيًّا وأتنا: (البيت)، وقول الشاعر:

لَئن كَانَ مِن جنّ لَأَبرح طَارِقًا .... وان يكُ إنسًا ما كَهَا الإنسُ يفعلُ

ولا حجة في قوله: كها؛ لاحتمال أن يكون أصله كهو، ومن جرها الغائب قول الآخر:

وَأُم أَوعَال كَهَا أَو أَقرَبَا

...........................

ونص المغاربة على أن جرها الضمير ضرورة ولم يخصوه بالغائب". شرح التسهيل للمرادي (3/ 350 - 352)، وشرح التصريح (2/ 3)، والكتاب (2/ 384).

(2)

ابن الناظم (358)، ط. دار الجيل، وأوضح المسالك (3/ 15)، دار المعرفة، وشرح ابن عقيل (3/ 14)"صبيح".

(3)

البيتان من الرجز المشطور، آخر أرجوزة طويلة يمدح بها سليمان بن علي أولها:

لا بد من قولي وكنت قائلًا

يمم سليمان تجده واصلًا

وانظر بيت الشاهد في الكتاب (2/ 384)، والدرر (2/ 27)، وشرح التصريح (2/ 4)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 30)، وشرح الأشموني (2/ 209).

(4)

انظر مجموع أشعار العرب المشتمل على ديوان رؤبة (121) تحقيق: وليم بن الورد، دار الآفاق الجديدة.

ص: 1204

الظلمة؛ كما يقال: شعر شاعر للمبالغة.

3 -

وقوله: "القريان" بضم القاف وسكون الراء وبالياء آخر الحروف جمع قري وهو مجرى الماء، وهو مستجمع ماء كثير في شبه واد صغير، و "الصمد" بفتح الصاد المهملة وسكون الميم وفي آخره دال مهملة، وهو مكان صلب، و "القلاقلَا": جمع قلقل بالقافين المكسورتين، وهو نبت.

4 -

قوله: "استتب" أي: استقام، "دائلَا": من الدألان، وهو مشي يقارب فيه الخطو كأنه مثقل من الحمل، قوله:"ينحي هجارًا" الهجار بكسر الهاء: حبل يشد في رسغ رجل البعير ثم يشد إلى حقوه إن كان عريًّا، وإن كان مرحولًا يشد في الحقب، تقول منه: هجرت البعير أهجره هجرًا، وهجار القوس وترها.

5 -

قوله: "بعلًا": أي: زوجًا، قوله:"ولا حلائلًا" بالحاء المهملة؛ جمع حليلة الرجل وهي امرأته، قوله:"حاظلا" بالحاء والظاء المعجمة، وهو المانع من التزويج، وهو مثل العاضل إلا أنه بالضاد.

الإعراب:

قوله: "ولا ترى": جملة منفية من الفعل والفاعل، وقوله:"بعلًا": مفعوله، "ولا حلائلًا": عطف عليه، قوله:"كهو" أي: كالحمار الوحشي، والكاف للتشبيه، ومحله النصب، لأنه مفعول ثان لترى، قوله:"ولأكهن" أي: كالأتن، وهو عطف على:"كه"، قوله:"إلا حاظلَا": استثناء من قوله: "بعلًا ولا حلائلًا".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كه ولا كهن" مثل البيت الذي قبله

(1)

.

‌الشاهد السادس والخمسون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

وَاهٍ رَأَبْتُ وَشِيكًا صَدْعَ أَعْظُمِهِ

وَرُبَّهُ عَطِبًا أَنْقَذْتُ مِن عطبه

أقول: أنشده ثعلب ولم يعزه إلى قائله، وهو من البسيط.

(1)

ينظر الكتاب لسيبويه (2/ 384)، والبيت السابق أيضًا.

(2)

ابن الناظم (141)، وتوضيح المقاصد (2/ 195)، وأوضح المسالك غير موجود فيه، شرح ابن عقيل (3/ 12)"صبيح".

(3)

البيت من بحر البسيط، وهو لقائل مجهول، وانظره في الدرر (4/ 17)، وشرح عمدة الحافظ (271)، وهمع=

ص: 1205

قوله: "وَاهٍ": من وهي الحائط إذا ضعف وهم بالسقوط، قوله:"رأبت": من رأبت الإناء: شعبته وأصلحته، ومنه قولهم: اللَّهم ارأب بينهم، أي: أصلح، ومادته: راء وهمزة وباء موحدة، وكثير من الناس يصحفونه ويقولون: رأيت من رؤية البصر وهو غلط.

قوله: "وشيكًا" بفتح الواو وكسر الشين المعجمة، أي: قريبًا، قال الجوهري: وشيكًا أي: سريعًا

(1)

، قوله:"صدع أعظمه" الصدع: الشق، قوله:"وربه عطبا أنقذت من عطبه" العطب الأول: صفة مشبهة على وزن فَعِل بفتح الفاء وكسر العين، والعطب الثاني: مصدر على وزن فَعَل بفتحتين.

والمعنى: وربه من عطب، أي: هالك، يعني: مشرف على الهلاك، أنقذته؛ "أي: خلصته من عطبه؛ أي: من هلاكه، وأنقذت من الإنقاذ وهو التخليص والإنجاء.

الإعراب:

قوله: "واه" أي: رب واه، وهو مجرور برب المحذوفة، قوله:"رأبت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"صدع أعظمه": كلام إضافي [مفعوله]

(2)

، "وشيكًا": نصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: رأبًا وشيكًا.

قوله: "عطبًا" تمييز لقوله: "ربه"، ويروى:"وربه عطب" بالجر على نية من، وهو شاذ، قوله:"أنقذت": جملة من الفعل والفاعل، والمفعول محذوف تقديره: أنقذته.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وربه عطبًا" حيث دخلت رب على الضمير، وأتى تمييزه بحمسب الضمير، وهذا الضمير عند البصريين مجهول لا يعود على ظاهر

(3)

.

‌الشاهد السابع والخمسون بعد الخمسمائة

(4)

،

(5)

رُبَّهُ فتيةً دَعَوْتُ إلى ما

يُورِثُ الحَمْدَ دَائِبًا فَأَجَابُوا

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف.

= الهوامع للسيوطي (1/ 66)، (2/ 27).

(1)

الصحاح مادة: "وشك".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر شرح عمدة الحافظ (271)، همع الهوامع للسيوطي (1/ 66)، (2/ 27).

(4)

أوضح المسالك (2/ 126)، وغير موجود في شرح ابن عقيل.

(5)

البيت من بحر الخفيف، وهو مجهول القائل، وانظره في الدرر (4/ 128)، والمغني (491)، وشرح شواهد=

ص: 1206

قوله: "دائبًا" أي: دائمًا.

الإعراب:

قوله: "ربه" الهاء مجرور برب، "وفتية": تمييز، والمشهور أن الضمير لا يجيء إلا مفردًا مذكرًا والمميز بحسب قصد المتكلم، يقال: ربه رجلًا، وربه امرأة، وربه رجلين ورجالًا، وربه امرأتين، وربه نساء، فيختلف المميز ولا يختلف الضمير، وهاهنا كذلك، فإن فتية جمع فتى، وقد جاء الضمير مفردًا، وعند الكوفيين أنه راجع إلى مذكور تقديرًا؛ كأن قائلًا قال: هل من رجل كريم؟ فقيل: ربه رجلًا، ولذلك ثني وجمع وأنث على حسب مميزه، فيقال: ربهما رجلين وربها امرأة، وربهم رجالًا وربهن نساء

(1)

.

قوله: "دعوت": جملة من الفعل والفاعل، ومفعوله محذوف تقديره: دعوتهم، و "إلي": يتعلق بدعوت، و "ما" موصولة، و "يورث الحمد": جملة صلته، قوله:"دائبًا": نصب على أنه صفة لمصدر محذوف؛ أي: إيراثًا دائبًا، أو حمدًا دائمًا، قوله:"فأجابوا": عطف على قوله: "دعوت" وهي جملة من الفعل والفاعل، والمفعول محذوف، أي: فأجابوا دعائي.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ربه فتية" حيث جاء الضمير مفردًا مع كون المميز جمعًا على المشهور كما ذكرنا

(2)

.

‌الشاهد الثامن والخمسون بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

أتُطْمِعُ فِينَا مَنْ أَرَاقَ دِماءَنَا

وَلَوْلَاكَ لَم يَعْرِضْ لأَحْسَابِنَا حَسَنْ

أقول: [قائله هو عمرو بن العاص، وهو من قصيدة]

(5)

من الطويل [يخاطب بها معاوية بن أبي سفيان أولها:

1 -

معاويَ إِنِّي لَم أُبَايِعْكَ فَلْتَةً

ومَا ذَاكَ مَا أَسْرَرتُ مِني كَمَا عَلَنْ

= المغني (874)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 27).

(1)

ينظر في هذا الخلاف شرح التسهيل لابن مالك (3/ 184).

(2)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 208).

(3)

شرح ابن عقيل (3/ 7)"صبيح".

(4)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة لعمرو بن العاص يخاطب بها معاوية بن أبي سفيان في أمر من أمور الحسن بن علي، وانظر البيت في شرح الأشموني (2/ 206)، والإنصاف (366).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1207

2 -

أتُطمِعُ فِينَا ...............

............................ إلخ

وبعده:

3 -

عَلَى أَنهُ أَجْرَى لُؤَيُّ بنُ غَالِبٍ

عَلَى شَتْمِهَا جَهْرًا وَأَحْيَاهُ للفِتَنْ

4 -

وَقَوْلُهُم والنَّاسُ يَمْشُونَ حَوْلَهُم

أنا ابْن رَسُول الله مُعْتقدُ المِننْ

5 -

فَأَعظِم بهَا مِن فتنةٍ هَاشِمية

تَدُبُّ بهَا أَهْلُ العراق إلَى اليَمَنْ

6 -

فَأُقْسمُ بِالبَيتِ الذِي نَسَكَتْ لَهُ

قُرَيْش لَئنْ طَوَّلْتَ للحَسَن الرَّسنْ

7 -

ليَجْتَلِبنَّ يَومًا عَلَيك عَصَبصَبًا

يشيبُ العَذَارَى أَو يغصَّنكَ اللَّبن

8 -

وإلا فَأَعطِ المَرْءَ مَا هُوَ أَهْلُهُ

ولا تَظْلِمَنْهُ إِنهُ لابْنُ مَن وَمَنْ

وأراد بالحسن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما

(1)

، قوله:"أتطمع": من الإطماع، و"أراق": من الإراقة.

الإعراب:

قوله: "أتطمع" الهمزة للاستفهام، و"تطمع" بضم التاء: جملة من الفعل والفاعل، و"فينا" في محل النصب على المفعولية، قوله:"من أراق": في محل النصب -أيضًا- لأنه مفعول ثان لتطمع، ومن موصولة.

و"أراق دماءنا": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت صلة، قوله:"لولاك" الأصل فيه أن يكون فيما يليه ضمير الرفع، ولولاك ولولاه ولولاي قليل

(2)

، وأنكره المبرد، وقال: لا يوجد في كلام من يحتج بكلامه

(3)

.

وهذا مخالف لكلام سيبويه والكوفيين، أما سيبويه فإنه أنشد قول يزيد بن الحكم

(4)

:

وَكَم مَوْطِنٍ لوْلَايَ طِحْتَ كَمَا هوى

...............................

على ما يجيء بيانه عن قريب - إن شاء الله -

(5)

، وأما الكوفيون فإنهم أنشدوا قول الشاعر:

أتُطمعُ فينَا مَن أَرَاقَ دماءَنَا

وَلَوْلَاكَ ................ إلخ

(6)

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ينظر الإنصاف (691).

(3)

ينظر الكامل للمبرد (2/ 249، 250)، والمقتضب (3/ 73).

(4)

انظر الكتاب (3/ 347).

(5)

ينظر الشاهد رقم (559).

(6)

ينظر شرح الكافية الشافية (787)، والمساعد (2/ 293)، والإنصاف (691).

ص: 1208

فذهب سيبويه إلى أن كاف لولاك وأخواته في موضع جر بلولا

(1)

، وذهب الأخفش إلى أنها في موضع رفع

(2)

، وسيجيء مزيد الكلام فيه في البيت الآتي.

قوله: "لم يعرض": فعل منفي، وفاعله قوله:"حسن"، واللام في:"لأحسابنا" تتعلق بقوله: "لم يعرض".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لولاك" فإن فيه حجة على المبرد؛ حيث أنكر مجيء هذا على الفصيح كما ذكرناه.

‌الشاهد التاسع والخمسون بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

وَكَم مَوْطنٍ لَوْلَايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى

بأَجْرَامِهِ مِنْ قنَّةِ النيقِ مُنْهَوي

أقول: قائله هو يزيد بن الحكم بن العاص، وهو من قصيدة واوية من الطويل، وأولها هو قوله:

1 -

تُكَاشِرُني كَرهًا كَأنَّكَ نَاصِحٌ

وَعَينُكَ تُبدِي أَنَّ صَدْرَكَ لي دَوي

وقد ذكرناها في شواهد المفعول معه عند قوله

(5)

:

جَمَعَت وفُحْشًا غِيبةً وَنميمةً

ثَلاثُ خصَالٍ لستَ عَنَها بمرعَوي

قوله: "طحت" بكسر الطاء وضمها، أي: هلكت وسقطت، من طاح يطوح ويطيح، قوله:"كما هوي" أي: كما سقط من هوى يهوي هويًا من باب ضرب يضرب.

قوله: "بأجرامه" الأجرام: جمع جرم، وجرم الشيء جثته، قوله:"من قنة النيق" القنة بضم القاف وتشديد النون مثل القلة، وهي أعلى الجبل، ويجمع على قنان، مثل: برمة وبرام، وقنن وقنات، و"النيق" بكسر النون وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره قاف، وهو أرفع موضع في الجبل، ويجمع على نياق، قوله:"منهوي" بضم الميم، الهاوي والمنهوي، كلاهما بمعنى الساقط.

(1)

الكتاب لسيبويه (2/ 373، 374).

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 185، 186)، والكامل للمبرد (2/ 249، 250)، والمقتضب (3/ 73).

(3)

شرح ابن عقيل (3/ 9)"صبيح".

(4)

البيت من بحر الطويل، ليزيد بن الحكم في الكتاب لسيبويه (2/ 374)، والمنصف (1/ 72)، وابن يعيش (3/ 118)، (9/ 23)، واللسان:"جرم"، والجنى الداني (603)، والممتع (1/ 191)، والخزانة (5/ 36، 337)، (10/ 333)، والدرر (4/ 175).

(5)

ينظر الشاهد رقم (457).

ص: 1209

الإعراب:

[قوله: "]

(1)

وكم موطن" كم هنا خبرية بمعنى كثير، وموطن مميزه، وقد علم أن مميز كم الخبرية يكون مفردًا ويكون مجموعًا؛ نحو: كم عبد ملكت، [وكم عبيد ملكت]

(2)

.

قوله: "لولاي" لولا لربط امتناع الثانية بوجود الأولى نحو: لولا زيد لهلك عمرو، أي: لولا زيد موجود، ثم إنها هاهنا وليها مضمر، والأصل فيه أن يكون ضمير رفع نحو:{لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31]، وأما لولاي ولولاك ولولاه فقليل

(3)

.

ثم مذهب سيبويه والجمهور: هي جارة للضمير مختصة به؛ كما اختصت حتى والكاف بالظاهر، ولا يتعلق لولا بشيء، وموضع المجرور بها رفع بالابتداء، والخبر محذوف.

وقال الأخفش: الضمير مبتدأ، ولولا غير جارة، ولكنهم أنابوا الضمير المخفوض عن المرفوع؛ كما عكسوا؛ إذ قالوا: ما أنا كأنت ولا أنت كأنا

(4)

.

وقال النحاس: لولاك ولولاي إذا أضمر فيه الاسم جر، وإن ظهر رفع، قال سيبويه: وهذا قول الخليل ويونس

(5)

، فمعنى هذا أنك تقول: لولا زيد لكان كذا، فترفع بالابتداء، وتقول: لولاك فتكون الكاف في موضع خفض، وهذا عند أبي العباس خطأ؛ لأن المضمر عقيب المظهر، فلا يجوز أن يكون المظهر مرفوعًا والمضمر مجرورًا.

وأبو العباس لا يجيز: لولاك ولولاه، وإنما يقول: لولا أنت، قال أبو العباس: وحدثت أن أبا عمرو اجتهد في طلب: لولاك ولولاي بيتًا يصدقه أو كلامًا مأثورًا عن العرب فلم يجده، قال أبو العباس: وهو مدفوع لم يأت عن ثقة، ويزيد بن الحكم ليس بالفصيح، وكذلك عنده قول الآخر

(6)

:

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر الكامل للمبرد (2/ 249، 250)، طبعة: مؤسسة المعارف، والمقتضب (3/ 73).

(4)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 185، 186)، وانظر نص سيبويه والجمهور ومذهب الأخفش في مغني اللبيب (274)، بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد.

(5)

ينظر الكتاب لسيبويه (2/ 373 - 374) وهو بنصه.

(6)

هو عجز بيت من بحر السريع، لعمر بن أبي ربيعة، وصدره:

أومت بكفيها من الهودج

......................................

وهو لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه (487)، وانظره في الإنصاف (693)، والخزانة (5/ 333، 335، 339، 340، 342)، وهمع الهوامع (2/ 33).

ص: 1210

...............

لولاك في ذا العام لم أحجج

(1)

قال: إذا رأيت القصيدة رأيت الخطأ فيها فاشيًا

(2)

.

وقال الفراء: لولاي ولولاك المضمر في موضع رفع، كما تقول: لولا أنا ولولا أنت

(3)

، وفيه بحث كثير حذفناه للاختصار

(4)

.

وقوله: "طحت" جواب لولاي، وهي جملة من الفعل والفاعل، قوله:"كما هوى" الكاف للتشبيه، و "ما" يجوز أن تكون مصدرية وأن تكون موصولة، قوله:"هوى": فعل ماض، وقوله:"منهوي" فاعله، والباء في:"بأجرامه" في محل النصب، و "من" في:"من قنة النيق": تتعلق بهوى.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لولاي" فإن فيه حجة على المبرد، حيث أنكر مجيء نحو هذا في الكلام الفصيح

(5)

.

‌الشاهد الستون بعد الخمسمائة

(6)

،

(7)

فلا واللَّه لَا يُلْفِي أُنَاسٌ

فَتى حَتَّاكَ يا ابنَ أَبِي زِيَادِ

أقول: هو من الوافر.

(1)

في (أ):

لولاك في هذا .....................

........................

(2)

ينظر الكامل للمبرد (2/ 249، 250)، طبعة: مؤسسة المعارف، والمقتضب (3/ 73).

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 185) والإنصاف: مسألة (97).

(4)

يقول الفراء في معاني القرآن (2/ 85): "وقد استعملت العرب لولا في الخبر وكثر بها الكلام حتى استجازوا أن يقولوا: لولاك، ولولاي، والمعنى فيهما كالمعنى في قولك: لولا أنا، ولولا أنت، فقد توضع الكاف على أنها خفض، والرفع فيها الصواب

وإنما دعاهم إلى أن يقولوا: لولاك في موضع الرفع؛ لأنهم يجدون المكني يستوي لفظه في الخفض والنصب مثل: ضربتك، ومررت بك، وكذا في الرفع، مثل: قمنا، وضربنا، ومر بنا، فلما كان ذلك استجازوا أن يكون الكاف في موضع أنت رفعًا؛ إذ كان إعراب المكني بالدلالات لا بالحركات، قال الشاعر:

558 -

أتُطْمِعُ فِينَا مَن أَرَاقَ دِماءَنَا

وَلَولَاكَ لَم يَعْرِضْ لأَحْسَابِنَا حَسَنْ

وقال آخر: وحكى بيت الشاهد:

559 -

وَكَم مَوْطِنٍ لَولَايَ طِحْتَ كمَا هَوَى

بِأَجْرَامِهِ منْ قنةٍ النيقِ مُنْهَوي

انتهى".

(5)

ينظر الكامل للمبرد (2/ 249، 250)، طبعة: مؤسسة المعارف، والمقتضب (3/ 73)، والإنصاف مسألة (97).

(6)

توضيح المقاصد (2/ 200)، وانظره في شرح ابن عقيل.

(7)

البيت من بحر الوافر، وهو مجهول القائل، ولم ينسبه العيني إلى قائله، وحتى لم يشر إلى ذلك، وهو في الجنى =

ص: 1211

قوله: "لا يلفي" أي لا يجد، قال الله تعالى:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] أي: وجداه، وضبطه بعضهم بالقاف من اللقى، وكلاهما يجوز على ما لا يخفى، قوله:"يا ابن أبي زياد" ويروى: يا ابن أبي يزيد.

الإعراب:

قوله: "فلا والله" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، ولا لتأكيد القسم، ولفظة اللَّه مجرور بواو القسم، قوله:"لا يلفي أناس" جواب القسم، وأناس بالرفع فاعل يلفي، قوله:"فتى": مفعول يلفي.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حتاك" فإن الأصل فيه أن يجر المظهر، وهاهنا قد جر المضمر، وهو شاذ

(1)

.

‌الشاهد الحادي والستون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

وإذا الحَربُ شَمَّرَتْ لم تَكُن كي

..........................

أقول: هذا أنشده الفراء، وقال أنشدنيه بعض أصحابنا، ولم أسمعه أنا من العرب، ولم يذكر اسم قائله، وتمامه:

........................

حينَ تدعُو الكُمَاةُ فيها نَزَالِ

وهو من الخفيف.

قوله: "شمرت" يعني: نهضَتْ وقامت على ساقها، وأصله من [شمَّر] عن ساقه، قوله:"الكماة" بضم الكاف؛ جمع كام مثل قاض وقضاة، والكامي هو الكميّ وهو الشجاع المتكمي في سلاحه؛ لأنه كمى نفسه، أي: سترها بالدرع والبيضة، قوله:"نزال" كلمة توضع موضع انزل، وهو معدول عن: انزل انزل.

= الداني (544)، والخزانة (9/ 474، 475)، والدرر (4/ 111)، ورصف المباني (185)، والمقرب (1/ 194)، والهمع (2/ 32).

(1)

جره المضمر هو قول الكوفيين والمبرد. ينظر المغني حاشية الأمير (1/ 111).

(2)

توضيح المقاصد (2/ 197).

(3)

البيت من بحر الخفيف، وهو لقائل مجهول، ولم يشر عليه في معاني القرآن للفراء، وهو في شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 209)، والضرائر الشعرية لابن عصفور (309).

ص: 1212

الإعراب:

قوله: "وإذا الحرب" الواو للعطف، وإذا للشرط، وفعل الشرط محذوف دل عليه قوله:"شمرت"، والتقدير: وإذا شمرت الحرب؛ لأن إذا لا تدخل إلا على الجملة الفعلية، قوله:"لم تكن": جواب الشرط، قوله:"حين": نصب على الظرف، و "تدعو": فعل مضارع، و"الكماة": فاعله، قوله:"فيها" أي: في الحرب، يتعلق بتدعو، قوله:"نزال": في محل النصب على أنه مفعول تدعو، والتقدير: حين تدعو تقول: نزال.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لم تكن كي" حيث أدخل الكاف على ضمير المتكلم على معنى؛ لم تكن أنت مثلي، وهذا شاذ لا يستعمل إلا في الضرورة، وحُكي عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: أتاك وأنت كي

(1)

، يعني: أنا كمثلك وأنت كمثلي، واستعمال هذا في حال السعة شذوذ لا يلتفت إليه

(2)

.

‌الشاهد الثاني والستون بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

عيَّنَتْ ليلة فَمَا زلْتُ حتى

نِصفِهَا راجِيا فَعُدتُ يَؤُوسا

أقول قبله:

1 -

إنَّ سَلْمَى مِنْ بَعْدِ يَأْسِي هَمَّتْ

بوصَالٍ لَو صَحَّ لم يُبق بُؤْسا

وهما من المديد

(5)

.

قوله: "بؤسا" بضم الباء الموحدة، وهو الشدة، قوله:"يؤوسا": من اليأس، وهو القنوط وهو خلاف الرجاء.

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 209).

(2)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 209)، والضرائر الشعرية لابن عصفور (309).

وفيها يقول ابن عصفور: "وقوله: "البيت" أنشده الفراء وقال أنشدنيه بعض أصحابنا ولم أسمعه أنا من العرب، قال الفراء: وحكي عن الحسن البصري: أنا كك وأنت كي، واستعمال هذا في حال السعة شذوذ لا يلتفت إليه.

(3)

توضيح المقاصد (2/ 205).

(4)

البيت من بحر الخفيف، ولم ينسب في مراجعه، وكذا لم يشر العيني إلى نسبه أو إلى أنه مجهول القائل، وهو في الجنى الداني (544)، والدرر (4/ 109)، وشرح التصريح (2/ 17)، والمغني (123)، وشرح شواهد المغني (370)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 23).

(5)

قوله من المديد خطأ؛ بل البيتان من بحر الخفيف.

ص: 1213

الإعراب:

قوله: "عينت": فعل وفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يعود إلى سلمى من البيت السابق، قوله:"ليلة": مفعول به وليس مفعولًا فيه فافهم، قوله:"فما زلت" التاء اسم ما زال، و "راجيًا": خبره.

قوله: "حتى"هاهنا بمعنى إلى، وهي حتى الجارة، و "نصفها": مجرور بها، قوله:"فعدت": جملة من الفعل والفاعل عطف على قوله: "فما زلت"، قوله:"يؤوسا": حال من الضمير الذي في عدت.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حتى نصفها" فإن ابن مالك استدل به على أنه لا يشترط في مجرور حتى كونه آخر جزء ولا ملاقي آخر جزء، وهذا الذي ذكره في التسهيل

(1)

.

وأما ما ذكره في شرح الكافية فهو ما ذهب إليه الزمخشري والمغاربة من أن المجرور بحتى يلزم كونه آخر جزء أو ملاقي آخر جزء، بخلاف إلى لو قلت: سرت النهار حتى نصفه لم يجز، ولو قلت: إلى نصفه جاز، هذا ما نص عليه الزمخشري

(2)

.

وقال ابن هشام في المغني

(3)

: لمخفوض "حتى" شرطان:

أحدهما: عام وهو أن يكون ظاهرًا لا مضمرًا خلافًا للكوفيين والمبرد.

والثاني: خاص بالمسبوق بذي أجزاء، وهو أن يكون المجرور آخرًا؛ نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، أو ملاقيًا لآخر جزء؛ نحو [قوله

(4)

تعالى]: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5].

ولا يجوز: سرت البارحة حتى ثلثها أو نصفها؛ كذا قالت المغاربة وغيرهم، وتوهم ابن مالك أن ذلك لم يقل به إلا الزمخشري، واعترض عليه بقوله:

عينت ليلة ...........

.......................

(1)

يقول ابن مالك في التسهيل عن حتى (146): "ومجرورها إما بعض أو كبعض، ولا يكون ضميرًا، ولا يلزم كون آخر جزء أو ملاقي آخر جزء؛ خلافا لزاعم ذلك"، وينظر بشرح التسهيل لابن مالك (3/ 116).

(2)

يقول الزمخشري في المفصل (283): "وحتى في معنى إلى إلا أنها تفارقها في أن مجرورها يجب أن يكون آخر جزء من الشيء، أو مقابلًا في آخر جزء منه"، ينظر ابن يعيش (8/ 15)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (789) والأصول لابن السراج (1/ 426).

(3)

انظر نصه في المغني (125) تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد.

(4)

ما بين المعقوفين زيادة للإيضاح.

ص: 1214

البيت، وهذا ليس محل الاشتراط، إذ لم يقل: فما زلت في تلك الليلة حتى نصفها وإن كان المعنى عليه، ولكنه لم يصرح به

(1)

.

‌الشاهد الثالث والستون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

لَئِنْ كَانَ من جِنٍّ لأبرَحُ طارقًا

وَإنْ يَكُ إِنْسًا ما كَهَا الإنْسُ تَفْعَلُ

أقول: قائله هو الشنفرى الأزدي، واسمه براق، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها

(4)

:

أقيموا بني أُمِّي صدُورَ مطيكم

فإني إلى قوم سواكم لأَمْيَلُ

وهي من الطويل.

قوله: "لأبرح" أي جاء بالبرح وهو الشدة، قوله:"طارقًا": من طرق أهله إذا أتاهم ليلًا [والله أعلم]

(5)

.

الإعراب:

قوله: "لئن كان" ويروى: لئن يك من جن، اللام للتأكيد، واسم كان مستتر فيه، و "من جن": خبره، قوله:"لأبرح": جواب الشرط، قوله:"طارقًا": حال، قوله:"وإن يك" أصله: يكن فحذفت [النون للتخفيف]

(6)

لكثرة استعماله في الكلام، واسمه مستتر فيه وخبره قوله:"إنسًا"، قوله:"ما كها" كلمة ما للنفي، والكاف للتشبيه دخلت على الضمير، أي: وما كان كفعله؛ يعني: ما يفعل الإنس مثل هذه الفعلة؛ فالإنس مبتدأ، ويفعل خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ما كها" حيث دخلت الكاف على الضمير وهو شاذ

(7)

.

(1)

انظر نصه في المغني (125) تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط. المكتبة العصرية بيروت.

(2)

توضيح المقاصد (2/ 199).

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو من لامية الشنفرى الأزدي المشهورة التي تحدثنا عنها في شاهد سابق (525) وانظر بيت الشاهد في الديوان (71)، وروايته:

فإن يك من جن لأبرح طارقا

وإن يك إنسًا ما كها الإنس تفعل

وينظر إعراب لامية الشنفرى للعكبري (136)، ولامية الشنفرى (69)، والخزانة (11/ 343، 345)، والدرر (4/ 151)، وشرح شواهد المغني (900)، واللسان:"كها"، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 30)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 169) ويروى فيه هكذا:"وإن كان إنسانًا".

(4)

ديوان الشنفرى (158) إميل بديع يعقوب، ولامية العرب (50) ط. مكتبة الحياة.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(7)

ينظر شرح التسهيل للمرادي (3/ 350 - 352).

ص: 1215

‌الشاهد الرابع والستون بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

تُخُيِّرنَ منْ أَزْمَان يَوم حَليمَةٍ

إلى اليوم قَدْ جُرِّبْنَ كُلَّ التجَارِبِ

أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وهو من قصيدة بائية من الطويل، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

كلِيني لهَمٍّ يا أُمَيمَةَ ناصبِ

وليل أقاسيهِ بَطِيء الكَوَاكبِ

2 -

تقاعسَ حتى قلتُ ليسَ بمُنقضٍ

وليسَ الذي يرعَى النُّجُومَ بآيبِ

3 -

وصدرٍ أراحَ الليلُ عازِبَ هَمِّهِ

تضاعَفَ فيه الحُزْنُ منْ كُلِّ جانبِ

4 -

عليّ لعمرو نِعمة بعدَ نعْمَةٍ

لوالدِه ليسَتْ بِذَات عَقَارِبِ

(4)

5 -

حَلَفْتُ يَمِينًا غيرَ ذي مَثْنَويَّةٍ .... ولا علْمَ إلا حُسنُ ظنّ بصاحبِ

6 -

لَئِنْ كانَ للقَبرَين قَبر بجلِّقٍ

وقبر بصيداءَ الذي عند حاربِ

7 -

وللحارث الجفني سيد قومه

ليلتمسْنَ بالجمع أرضَ المحاربِ

(5)

[إلى أن قال]

(6)

.

8 -

لهُم شيمة لم يُعْطِهَا الله غيرَهُم

من الناس والأحْلامُ غيرُ عوازبِ

9 -

مَحَلَّتُهُم ذاتُ الإله ودينُهُم .... قويم فمَا يَرجُونَ غيرَ العَوَاقبِ

10 -

ولَا عَيبَ فيهم غيرَ أن سُيوفهم

بهِن فُلُول مِن قِرَاعِ الكتائبِ

11 -

تُخُيِّرنَ من أزمان ......

......................... إلخ

1 -

قوله: "كليني" بكسر الكاف، أي: دعيني وهمي، يقال: وكله إلى كذا يكله؛ أي:

(1)

ابن الناظم (141)، وأوضح المسالك (2/ 129)، وشرح ابن عقيل (3/ 16)"صبيح".

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيدة للنابغة الذبياني يمدح بها عمرو بن الحارث الأصغر ابن الحارث الأكبر، ومنها أبيات من أجود المدح:

وإذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم

عصائب طير تهتدي بعصائب

وانظر بيت الشاهد في المغني (319)، وشرح الأشموني (2/ 211)، والخزانة (3/ 331)، وشرح التصريح (2/ 8)، وشرح شواهد المغني (349، 731)، واللسان:"جرب، وحلم".

(3)

ديوان النابغة الذبياني (40)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. دار المعارف، و (ص 9) دار الكتاب العربي.

(4)

هذا البيت سقط في (أ).

(5)

روايته في الديوان:

...........................

ليلتمسن بالجيش دار المحارب

(6)

ما بين المعقوفين زيادة لبيان موضع الأبيات.

ص: 1216

تركه وإياه، و "ناصب" أي: ذو نصب، وهو التعب، قوله:"بطيء الكواكب" أي: كأن كواكبه لا تسير ولا تغيب؛ لأن انقضاء الليل لا يكون إلا بانتهاء الكواكب الطالعة إلى موضع غروبها.

2 -

قوله: "تقاعس" أي: تأخر، ويروى: تطاول.

5 -

قوله: "غير ذي مثنوية" أي: لم أستثن في يميني ثقة بفعل هذا الممدوح وحسن ظن به.

6 -

قوله: "لئن كان للقبرين" يعني: لئن كان هذا الذي أقسمت على فعله حسن ظن به لصاحبي القبرين، أي: ابن هذين الرجلين اللذين في هذين القبرين ليمضين لأمره وليلتمسن دار من حاربه، و"صيداء" أرض بالشام، و "جلق" بلد، و "حارب": اسم رجل، وقيل: هو موضع.

8 -

[قوله: "شيمة" أي: طبيعة وخلق]

(1)

قوله: "والأحلام غير عوازب" أي: عقولهم حاضرة غير بعيدة عنهم.

9 -

قوله: "محلتهم" أي: مسكنهم، وهو موضع حلولهم، قوله:"ذات الإله" يعني: بيت المقدس [وهذا عرف خاص لهم في إطلاق ذات الإله على بيت المقدس؛ كما يقال: بيت الله]

(2)

.

11 -

قوله: "يوم حليمة" بفتح الحاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الميم وفي آخره تاء، وهو اسم موضع، قال المبرد: يوم حليمة: اليوم الذي سار فيه المنذر بن المنذر بعرب العراق إلى الحرث الأعرج الغساني، وهو الأكبر، وهو أشهر أيام العرب، ومن أمثالهم

(3)

: ما يوم حليمة بسرّ.

الإعراب:

قوله: "تخيرن" على صيغة المجهول، والضمير فيه هو المفعول [الذي ناب عن الفاعل، وهو يرجع إلى السيوف؛ لأن النابغة يصف السيوف بهذا البيت]

(4)

، قوله:"من أزمان" من هنا لابتداء الغاية في الزمان، والأزمان مضاف إلى يوم، ويوم إلى حليمة.

قوله: "إلى اليوم": يتعلق بقوله: "تخيرن" يعني: إلى يومنا هذا، قوله:"قد جربن": جملة وقعت حالًا، وجربن -أيضًا- مجهول، والضمير الذي فيه يرجع إلى السيوف.

قوله: "كل التجارب": كلام إضافي نصب على المصدرية؛ لأن كلا وبعضًا إذا أضيفا إلى

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

مجمع الأمثال للميداني (2/ 272)، ورقمه (3814) وروايته: ما يوم حليمة بسر.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1217

المصدر يكونان منصوبين بطريق النيابة عن المصدر؛ كما في قوله تعالى: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129].

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من أزمان" فإن "من" هاهنا جاء لابتداء الغاية في الزمان؛ كما أن أكثر مجيئها لابتداء الغاية في المكان، وهو حجة على من ينكر ذلك

(1)

.

‌الشاهد الخامس والستون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

يُغْضِي حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ

فَمَا يُكَلَّمُ إلَّا حِينَ يَبتَسِمُ

أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من قصيدة يمدح فيها زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وقد مرّ الكلام فيه مستوفى في شواهد النائب عن الفاعل

(4)

.

الاستشهاد فيه هاهنا:

في قوله: "من مهابته" فإن من هاهنا للتعليل

(5)

.

‌الشاهد السادس والستون بعد الخمسمائة

(6)

،

(7)

وكُنتُ أُرَى كالموتِ من بَيِن ساعَةٍ

فكيفَ ببينٍ كَانَ موْعِدَهُ الحَشْرُ

أقول: قائله هو سلمة بن يزيد بن مجمع الجعفي، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها

(1)

قال الأشموني: "وقد تأتي لبدء الغاية في الأزمنة أيضًا خلافًا لأكثر البصريين نحو: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: 108]، وقوله: (البيت) ". ينظر شرح الأشموني (2/ 211).

(2)

ابن الناظم (141)، وأوضح المسالك (2/ 131).

(3)

البيت من بحر البسيط، وهو من قصيدة طويلة للفرزدق، يمدح فيها علي بن الحسين زين العابدين، وقد مر الحديث عنها، وعن بيت الشاهد في الشاهد رقم (411)، وعلى كل فالقصيدة في الديوان (2/ 178) دار صادر.

(4)

ينظر الشاهد رقم (411).

(5)

ينظر المغني بحاشية الأمير (2/ 15)، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 213).

(6)

ابن الناظم (141).

(7)

البيت من بحر الطويل، نسبه الشارح لسلمة بن يزيد؛ لكن قائلها ليلى بنت سلمى ترثي أخاها، وبيت الشاهد برواية أخرى هي:

وكنت أرى بينًا به بعض ليلة

فكيف ببين دون ميعاده الحشر

وانظر بيت الشاهد في شرح التسهيل لابن مالك (3/ 139)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (798)، وشواهد التوضيح (127)، والدرر (4/ 182)، وحماسة البحتري (274)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 35).

ص: 1218

هو قوله

(1)

:

1 -

أَقُولُ لِنَفْسِي فيِ الخلاءِ أَلُومُهَا

لكِ الوَيلُ ما هذا التَّجَلُّدُ والصبر

2 -

ألم تَعْلَمِي أنْ لَستُ مَا عِشْتُ قِيًا

أخِي إذْ أتَى مِنْ دُونِ أوْصَالِهِ القَبرُ

3 -

وَهَوَّنَ وَجْدِي أَنني سَوفَ أَغْتَدِي

علَى إِثْرِهِ يَوْمًا وإنْ نَفَسَ العُمْرُ

4 -

وكنت ...................

.......................... إلخ

5 -

فَتًى كَانَ يُعطِي السيفَ فيِ الرَّوْعِ حَقَّهُ

إذَا ثَوَّبَ الداعِي وَتَشْقَى بِهِ الجُزْرُ

6 -

فَتًى كَانَ يُدْنِيهِ الْغِنَى مِنْ صَدِيقهِ

إذَا مَا هُوَ اسْتغنَى ويبعِدُهُ الفَقْرُ

المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "وكنت" التاء اسم كان، وخبره قوله:"أرى كالموت" وأرى: على صيغة المجهول بمعنى أظن، وقوله:"من بين ساعة" مفعول لأرى؛ لأن: "من" زائدة، والمعنى: كنت أرى بين ساعة كالموت، يعني: افتراق ساعة من المحبوب كالموت.

قوله: "فكيف" للاستفهام، وقوله:"ببين": خبر لمبتدأ محذوف تقديره: كيف حالي ببين؟ قوله: "كان موعده الحشر": جملة وقعت صفة لبين، وقوله:"الحشر": اسم كان، و "موعده": مقدمًا خبره، وكان هنا بمعنى يكون للمستقبل من الزمان، وذلك كما في قول الطرماح

(2)

:

وَإنِّي لآتيكُم تَشَكُّرَ مَا مَضَى

منَ الأمْرِ واستنجازَ ما كان في غدِ

(3)

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من بين ساعة" فإن الأخفش احتج به على جواز زيادة من في الإيجاب، وأجيب

(1)

انظر المقطوعة كلها في حماسة البحتري (274)، تحقيق: الأب لويس سنحودن، وقد ذكر المقطوعة كلها الشارح إلا بيتين هما:

فتى لا بعد المال زياد لا ترعى

له جفوة إن نالا مالًا ولا كبر

ومأوى اليتامى الممحلين إذا انتهوا .... إلى بابه شعثًا وقد قمط القطر

(2)

اسمه الحكم بن حكيم، من طيئ، ولقبه: أبو نفر، وكنيته الطرماح، وهو الطويل المرتفع، شاعر من شعراء العصر الأموي، كان يهجو الفرزدق، وعاش في الكوفة ومات بها.

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو للطرماح في ديوانه (572)، تحقيق د. عزة حسن، دمشق، وقبل بيت الشاهد جاء قوله:

فمن يك لا يأتيك إلا لحاجة

يروح لها حتى تقضى ويغتدي

وبيت الشاهد في الخصائص (3/ 331)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 32) اللسان مادة:"كون"، وروايته في شرح التسهيل:

وَإنِّي لآتيكُم تذكر مَا مَضى

مِن الأمْرِ واستيجابَ ما كان في غدِ

ص: 1219

عن هذا بأنه يحتمل أن تكون "من" لابتداء الغاية، وتكون الكاف في قوله:"كالموت" اسمًا، ويكون المعنى: وكنت أرى من بين ساعة حالًا مثل الموت؛ كما في قولهم: رأيت منك أسدًا

(1)

، [فيكون من باب التجريد]

(2)

، وفي البيت استشهاد آخر، وهو توسط خبر كان، كما بيناه.

‌الشاهد السابع والستون بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

يَظَلُّ به الحِرْبَاءُ يَمْثُلُ قَائمًا .... وَيَكْثُرُ فيه منْ حنين الأَباعر

أقول: [لم أقف على اسم قائله]

(5)

يصف به الشاعر يومًا توهج حره واشتد جمره.

وهو من الطويل.

قوله: "يظل" بالفتح؛ مضارع ظللت بالكسر، يقال: ظل يفعل إذا فعل نهارًا أو بات يفعل إذا فعل ليلًا، وكون بمعنى: صار؛ كقوله تعالى: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل: (58)]، وهو المراد هاهنا.

و"الحرباء": ذكر أم حبين، وهو حيوان يرى له سنام كسنام الجمل يستقبل الشمس ويدور معها كيفما دارت ويتلون ألوانًا بحر الشمس، وهو في الظل أخضر، ويكنى: أبا قرة، وبه يضرب المثل في الحزامة؛ لأنه يلزم ساق الشجر فلا يرسله إلا ويمسك ساقًا آخر، وجمع الحرباء: حِرابي، والأنثى: حرباءة، وألف حرباء للإلحاق بقرطاس، فلذلك ينون ويلحقه الهاء، ومثله: العلباء.

قوله: "يمثل" أي: ينتصب، من باب نصر ينصر، و "الأباعر": جمع بعران في جمع بعير.

الإعراب:

قوله: "ظل": فعل، و "الحرباء" فاعله؛ يعني اسمه، والباء في:"به" بمعنى: في؛ أي: فيه، والضمير يرجع إلى اليوم؛ لأنه يصف يومًا شديد الحر بحيث أن الحرباء ينتصب قائمًا ولا يتحرك من شدة الحر ويكثر فيه حنين الأباعر، أي: صوتها الحزين.

قوله: "يمثل": جملة خبر يظل، و "قائمًا": حال من الضمير الذي في: "يمثل" الراجع إلى الحرباء، قوله:"ويكر": عطف على قوله: "يظل به الحرباء"، قوله:"فيه" أي: في اليوم الذي وصفه الشاعر.

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 138، 139).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ): وزيادة في هامش (ب).

(3)

ابن الناظم (142).

(4)

البيت من بحر الطويل، وهو مجهول القائل، وانظره في الدرر (4/ 183)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 35)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 139).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1220

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من حنين الأباعر" فإن الأخفش احتج به على زيادة [من]

(1)

في الإيجاب، والمعنى: يكثر فيه حنين الأباعر، فيكون قوله:"حنين الأباعر" كلامًا إضافيًّا وقع فاعلًا لقوله: و"يكثر [فيه"]

(2)

.

وأجيب عن هذا بأن "من" هاهنا لبيان الجنس، ومتعلقه محذوف، وهو في موضع النصب على الحال من الضمير الذي في:"يكثر" وهو ضمير ما دل عليه العطف على يظل به الحرباء، ويكون تقدير الكلام: ويكثر فيه شيء آخر من حنين الأباعر.

قلت: هذا لا يخلو عن تعسف، والظاهر مع الأخفش فليتأمل

(3)

.

‌الشاهد الثامن والستون بعد الخمسمائة

(4)

،

(5)

جَارِيَةٌ لم تَأكلِ المُرَقَّقَا

ولم تَذُقْ مِن البُقُولِ الفُستَقَا

أقول: قائله هو أبو نخيلة بالنون والخاء المعجمة، واسمه: يعمر بن حزن بن زائدة بن لقيط بن هدم بن أبزى بن ظالم بن محاسن بن حمار، وحمار هو عبد العزى بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، شاعر محسن متقدم في القصيد والرجز.

قوله: "المرققا" هو الرغيف الواسع الرقيق، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم:"ما أكل مرققًا حتى لقي الله"

(6)

.

الإعراب:

قوله: "جارية": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي جارية، وقوله:"لم تأكل المرققا": جملة

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 139)، وشرح الأشموني وحاشية الصبان (2/ 212).

(4)

ابن الناظم (142)، وشرح ابن عقيل (3/ 18)"صبيح".

(5)

بيتان من بحر الرجز المشطور، نسبهما الشارح إلى أبي نخيلة، والبيت الثاني منهما في ملحقات ديوان رؤبة (180)، والشاهد كله في مغني اللبيب (320)، وشرح شواهد المغني (331، 735) واللسان: "سكف، فستق، بقل"، والجنى الداني (311).

(6)

حديثان في البخاري، باب الخبز المرقق والأكل على الخوان والسفرة، الأول رقم (5070) بلفظ:"ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزًا مرققًا ولا شاة مسموطة حتى لقي الله" والثاني رقم (5071) بلفظ: عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: "ما علمت النبي صلى الله عليه وسلم أكل على سكرجة قط ولا خبز له مرقق قط" ولا أكل على خوان قط قيل لقتادة فعلى ما كانوا يأكلون؟ قال: "على السفر".

ص: 1221

وقعت صفة للجارية، قوله:"لم تذق" عطف على [قوله: "]

(1)

لم تأكل"، قوله: "الفستقا": مفعوله، قوله: "من البقول" من هاهنا للبدل، أي: بدل البقول، كذا قاله ابن مالك

(2)

.

وقال بعضهم

(3)

: توهم الشاعر أن الفستق من البقول

(4)

، وقال الجوهري: الرواية: النقول بالنون فتكون "من" على قوله للتبعيض، ويكون المعنى: إنها تأكل النقول إلا الفستق، وإنما أراد أنها لا تأكل إلا البقول لأنها بدوية

(5)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من" وقد حررناه.

‌الشاهد التاسع والستون بعد الخمسمائة

(6)

،

(7)

فليت لي بهم قومًا إِذَا رَكبُوا

شَنُّوا الإِغَارَةَ فُرسَانًا وَرُكْبَانًا

أقول: قائله هو قريط بن أنيف من بلعنبر شاعر إسلامي، وقد مر الكلام فيه مطولًا في شواهد المفعول له

(8)

.

والاستشهاد فيه هاهنا:

في قوله: "بهم" فإن الباء فيه للبدل، والإغارة نصب على أنه مفعول له

(9)

.

‌الشاهد السبعون بعد الخمسمائة

(10)

،

(11)

وإني لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ .... كَمَا انْتَفَضَ العصْفُورُ بلَّلَهُ القَطْر

أقول: قائله هو أبو صخر الهذلي، وقد مَرّ الكلام فيه ...............................

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

شرح الكافية الشافية لابن مالك (800).

(3)

في (أ): وقال غيره.

(4)

ينظر المخصص: السفر الحادي عشر (3/ 231)، طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت، أولى (1996 م).

(5)

قال الأمير في حاشيته على المغني: "لم يجزم بذلك وإنما قال: وأنا أظنه". ينظر (2/ 13)، وينظر معه المغني.

(6)

ابن الناظم (142)، وتوضيح المقاصد (2/ 207)، وشرح ابن عقيل (3/ 19)"صبيح".

(7)

البيت من بحر البسيط، ذكر الشارح قائله، ومناسبته، في الشاهد رقم (452) وانظره في مغني اللبيب (1/ 104)، وشرح شواهد المغني (69)، واللسان مادة:"ركب"، والهمع (2/ 21)، والجنى الداني (40)، والهمع (1/ 195)، والخزانة (6/ 253)، والدرر (3/ 80).

(8)

ينظر الشاهد رقم (452).

(9)

ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (801).

(10)

ابن الناظم (143)، وأوضح المسالك (2/ 131)، وشرح ابن عقيل (3/ 20)"صبيح".

(11)

البيت من قصيدة طويلة لأبي صخر الهذلي في الغزل الرقيق الجميل، وهو في شرح أشعار الهذليين (2/ 957)، =

ص: 1222

مستوفًى في شواهد المفعول له

(1)

.

والاستشهاد فيه هاهنا:

في قوله: "لذكراك" فإن اللام للتعليل؛ كما في قولك: جئت

(2)

لإكرامك

(3)

.

‌الشاهد الحادي والسبعون بعد الخمسمائة

(4)

،

(5)

وَمَلَكتَ مَا بَينَ العِرَاقِ وَيَثْرِبٍ

مُلْكًا أَجَارَ لِمُسلِمٍ وَمُعَاهِدِ

أقول: قائله هو ابن ميادة، واسمه الرماح، وقد ترجمناه فيما مضى، وهو من قصيدة يمدح بها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان، وكان أمير المدينة فدح بها حين قدم ابن ميادة المدينة، وأولها هو قوله

(6)

:

1 -

من كان أخطأه الربيع فإنما

نصر الحجاز بغيث عبد الواحد

2 -

إن المَدِينَةَ أَصْبَحَتْ مَعْمُورةً

بِمُتوَّجٍ حُلْو الشمَائِلِ مَاجِدِ

3 -

ولَقَدْ بَلَغْتَ بِغَيرِ أَمْرِ تَكَلُّف .... أعْلَى الخُطُوبِ بِرَغْمِ أنْفِ الحَاسِدِ

4 -

وملكت ....................

........................... ! لخ

5 -

ماليهِمَا ودَمَيهِمَا مِنْ بَعْدِ مَا

غَشَّى الضعِيفَ شُعَاعُ سَيفِ الماردِ

وهي من الكامل.

4 -

قوله: "ويثرب" هي مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، قوله:"أجار" معناه: حمى مسلمًا ومعاهدًا وهو الذمي، أراد: أن ملكه عَمّ أهل ما بين العراق ويثرب من المسلمين وأهل الذمة.

= والمقرب (1/ 162)، وشرح المقرب (2/ 560، 725)، والإنصاف (253)، والخزانة (3/ 254)، والدرر (3/ 79)، وشرح التصريح (1/ 336)، وابن يعيش (2/ 76)، والأشموني (2/ 124)، وقد سبق الحديث عنه في الشاهد رقم (449).

(1)

الشاهد رقم (449).

(2)

في (أ): جئتك.

(3)

ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (803).

(4)

غير موجود في ابن الناظم، وينظر أوضح المسالك (2/ 132).

(5)

البيت من بحر الكامل، وهو من قصيدة في المدح للرماح بن أبرد، المشهور بابن ميادة، أي منسوب إلى أمه، وانظر بيت الشاهد في الجنى الداني (107)، والمغني (215)، والأغاني (2/ 288)، والدرر (4/ 170)، (6/ 250)، وشرح التصريح (2/ 11)، وشرح شواهد المغني (580)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 33، 157).

(6)

انظر القصيدة في الأغاني (2/ 288)، وأبياتًا منها في شرح شواهد المغني (580).

ص: 1223

الإعراب:

قوله: "وملكت" فعل وفاعل، و "ما بين العراق ويثرب": مفعوله، قوله:"ملكًا": نصب على المصدر، قوله:"أجار" صفة لملكًا، واللام في "لمسلم" زائدة للتأكيد. وفيه الاستشهاد، و "معاهد": عطف عليه

(1)

.

‌الشاهد الثاني والسبعون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

فَلَثَمْتُ فَاهَا آخِذًا بِقُرُونِهَا

شُرْبَ النَّزيف بِبَردِ مَاءِ الحَشْرَجِ

أقول: قيل: إن قائله هو عمر بن أبي ربيعة، وقيل: هو جميل، وهو الأصح، وكذا قاله الجوهري، وفي الحماسة البصرية: قائله هو عبيد بن أوس الطائي في أخت عدي بن أوس.

وهو من قصيدة من الكامل، أولها هو قوله

(4)

:

1 -

ما زلتُ أطوي الحَيَّ أتبعُ حِسَّهُم

حتى دَفَعْتُ إِلَى رَبيبَةِ هَودَجِ

2 -

قالتْ وعيشِ أَبِي وعِدَّةَ إِخْوتي

لأُنَبِّهَنَّ الحَي إِنْ لَم تَخْرُجِ

3 -

فخَرَجْتُ خِيفَةَ قَوْلهَا فتبسمتْ

فعلمتُ أَن يَمِينَها لَم يَلْجُجِ

4 -

فتناولتْ رَأسي لتَعْرِفَ مَسَّهُ

بِمخَضَّب الأَطْرَافِ غَيرَ مُشَنَّج

5 -

فَلَثَمْتُ فَاهَا ...........

.............................. إلخ

5 -

قوله: "فلثمت" أي: قبلت؛ من اللثم وهو القُبلة، وقد لِثمت فاها بالكسر إذا قبلتها وربما

(1)

ينظر شرح التصريح (2/ 11)، شرح شواهد المغني (580)، والجنى الداني (107)، والمغني (215)، همع الهوامع للسيوطي (2/ 33، 157).

(2)

ابن الناظم (143).

(3)

البيت من بحر الكامل، وهو في الغزل، من قصيدة نسبت لثلاثة من الشعراء الكبار؛ كما ذكر الشارح، وقد رجح هو أنها لجميل، ولكنا نرجح أنها لعمر بن أبي ربيعة؛ لأنها مع طولها وهو عشرون بيتًا تحكي قصة من قصص عمر بن أبي ربيعة في قصائده الشعرية، واقتحامه خدور العذارى، والقصيدة في ديوان جميل مقطوعة صغيرة، وكذا عند عبيد الطائي، وانظر بيت الشاهد في همع الهوامع (2/ 21)، والدرر (2/ 14)، واللسان:"حشرج- لثم"، وشرح شواهد المغني (320).

(4)

انظر ديوان عمر بن أبي ربيعة (487، 488)، بتحقيق وشرح: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني (1965 م)، وانظر الأبيات المذكورة في الشرح في ديوان جميل بثينة، قافية الجيم (41)، تحقيق: د. حسين نصار، وانظرها أيضًا في شرح الحماسة البصرية (2/ 113)، تحقيق: مختار الدين أحمد، منسوبة إلى عبيد بن أوس الطائي، وبعد البيت الأول المذكور في الشرح جاء قوله:

فدنوت مختفيًا ألم ببيتها

حتى ولجت إلى خفي المولج

ص: 1224

جاء بالفتح، قال ابن كيسان: سمعت المبرد ينشد قول جميل:

فلثمت فاها آخذًا بقرونها

................................

بالفتح، و "القرون": جمع قرن وهي خصلة من الشعر، قوله:"النزيف" بفتح النون وكسر الزاي وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره فاء، وهو فعيل بمعنى [مفعول: أي]

(1)

منزوف ماؤه.

ويقال للرجل إذا عطش حتى يبست عروقه وجفَّ لسانه: نزيف ومنزوف، شبه الشاعر شربه ريقها بشرب النزيف الماءَ الباردَ، والمنزوف أيضًا: المنزوف من الخمر، نزف من إنائه ومزج بالماء البارد.

و"الحشرج" بفتح الحاء المهملة وسكون الشين المعجمة وفتح الراء وفي آخره جيم، وهو ما تنسفه الأرض من الرمل، فإذا صار إلى صلابة أمسكته، فتحفر عنه الأرض فيستخرج.

[وقال المبرد: الحشرج في هذا البيت: الكوز الرقيق الجاري، وقال ثعلب: الحشرج: النقرة في الجبل يجتمع فيها الماء فيصفو]

(2)

.

الإعراب:

قوله: "فلثمت" جملة من الفعل والفاعل، و "فاها": مفعوله، و:"آخذا": حال من الضمير الذي في لثمت، والباء في:"بقرونها" تتعلق بآخذًا.

قوله: "شرب النزيف": كلام إضافي منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: لثمت ومصصت ريقها وشربتها شربًا مثل شرب النزيف ببرد ماء الحشرج، والباء في:"ببرد" زائدة، كما في قوله:{تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20]، فيكون الشرب مصدرًا مضافًا إلى فاعله، و"برد الحشرج": مفعوله.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بقرونها" فإن الباء فيه للتبعيض؛ أي: ببعض قرونها

(3)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (806، 807).

ص: 1225

‌الشاهد الثالث والسبعون بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

شربنَ بماء البحر ثم ترفعتْ

.............................

أقول: قائله هو أبو ذؤيب، وتمامه:

...........................

مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ

وقد مَرَّ الكلام فيه مستوفًى في هذا الباب عن قريب

(3)

.

والاستشهاد فيه:

في قوله: "بماء البحر" فإن الباء فيه بمعنى من للتبعيض، وقد قلنا:"إن شربن" ضمن معنى: روين، فحينئذ الباء على حاله

(4)

.

‌الشاهد الرابع والسبعون بعد الخمسمائة

(5)

،

(6)

إذا رَضِيَتْ عليَّ بَنُو قُشَيرٍ

لَعَمْرُ الله أَعْجَبَنِي رِضَاهَا

أقول: قائله هو قحيف العامري

(7)

؛ كذا قاله المبرد

(8)

، وبعده:

(1)

ابن الناظم (143)، وتوضيح المقاصد (2/ 212)، وشرح ابن عقيل (3/ 22)"صبيح".

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي، من قصيدة يصف فيها سحابًا شرب من ماء البحر حتى امتلأ ثم هو يسقط هذا الماء في الصحراء ليرتوي الناس، وهذا كله بسبب الرياح، وهو معنى ديني جميل، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (7/ 97 - 99)، والخصائص (2/ 85)، والدرر (4/ 179)، واللسان:"شرب"، والجنى الداني للمرادي (43، 505).

(3)

ينظر الشاهد رقم (552).

(4)

ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (807).

(5)

ابن الناظم (143)، وتوضيح المقاصد (2/ 214)، وأوضح المسالك (2/ 138)، وشرح ابن عقيل (3/ 25)"صبيح".

(6)

البيت من بحر الوافر، للقحيف العامري، يمدح فيها حكيم بن المسيب، ومنها بيت الشاهد المشهور في باب الحال، وهو زيادة الباء فيها، وهو قوله:

فما رجعت بخائبة ركاب

حكيم بن المسيب منتهاها

وانظر بيت الشاهد في المقتضب (2/ 320)، والإنصاف (630)، والجنى الداني (477)، والخصائص (2/ 311، 389)، والدرر (4/ 135)، والخزانة (10/ 132، 133)، وشرح التصريح (2/ 14)، وشرح شواهد المغني (416)، واللسان:"رضي"، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 28).

(7)

هو القحيف بن ضمير (بالمعجمة) بن سليم العقليل العامري، من الشعراء الإسلاميين، شاعر مقل شبب بخرقاء محبوبة ذي الرمة، ورثى الشاعر يزيد بن الطثرية، وذكره الجمحي في طبقاته، (ت نحو 130 هـ)، الأعلام (5/ 191)، والخزانة (10/ 142)، وله أخبار في وفيات الأعيان لابن خلكان (6/ 374).

(8)

انظر الكامل في اللغة والأدب للمبرد (1/ 480)، (2/ 108)، تحقيق: حنا الفاخوري، دار الجيل، بيروت.

ص: 1226

2 -

وَلَا تنْبُو سُيوفُ بَنِي قُشَيْرٍ

وَلَا تَمْضي الأَسنَّةُ في صَفَاهَا

وهما من الوافر.

قوله: "بنو قشير" هو قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منظور بن عكرمة بن حصفة بن قيس غيلان، قال ابن دريد

(1)

: قشير: تصغير أقشر، وهو الشديد الشقرة حتى يكاد وجهه يتقشر، أو تصغير قشر، والقشر الثوم.

الإعراب:

قوله: "إذا": ظرف فيه معنى الشرط، و "رضيت": فعل، و "بنو قشير": فاعله، و "علي" بمعنى عني، قوله:"لعمر الله" مبتدأ، وخبره محذوف، أي: لعمر الله قسمي أو يميني، قوله:"أعجبني": فعل ومفعول، وقوله:"رضاها": فاعله، والجملة جواب إذا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "عليَّ" فإن علي فيه بمعنى عن، ويحتمل أن يكون رضي ضمن معنى عطف

(2)

، وقال الكسائي: حمل على نقيضه وهو سخط

(3)

، وقال المبرد في الكامل: وبنو كعب بن ربيعة بن عامر يقولون: رضي الله عليك

(4)

.

‌الشاهد الخامس والسبعون بعد الخمسمائة

(5)

،

(6)

لئنْ مُنيتَ بِنَا عنْ غِبِّ مَعْرَكَةٍ

لا تُلْفِنَا عنْ دمَاءِ القومِ ننتفلُ

أقول: قائله [هو]

(7)

الأعشى، واسمه ميمون بن قيس، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله

(8)

:

(1)

جمهرة اللغة لابن دريد (2/ 347)، تصوير عن حيدر أباد الدكن.

(2)

ينظر حاشية الصبان (2/ 222).

(3)

انظر رأي الكسائي في الخصائص (3/ 311)، والخزانة (1/ 139).

(4)

انظر الكامل للمبرد (1/ 480)، تحقيق: حنا الفاخوري، وهو بنصه.

(5)

ابن الناظم (143).

(6)

البيت من قصيدة طويلة للأعشى قالها ليزيد بن مسهر الشيباني في واقعة بينه وبين قوم الأعشى، وقد بدأها بالغزل الجميل، وكثير من أبيات القصيدة شواهد للنحويين، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (11/ 327، 331، 333، 343، 357)، واللسان مادة:"تفل".

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

الديوان (150) دار الكاتب العربي، و (91) شرح وتعليق: د. محمد محمد حسين، جامعة الإسكندرية، المكتب الشرقي بيروت.

ص: 1227

1 -

ودِّع هُريرةَ إِن الرَّكبَ مُرتَحِل

وهل تُطيقُ وَدَاعًا أيها الرجُلُ

إلى أن قال:

2 -

لئن قتلتُم عَمِيدًا لم يَكُن صدَدًا

لنَقْتُلَنْ مثْلَهُ مِنْكُم فَنَمْتَثِلُ

3 -

لئن مُنيتَ بنَا عن غبٍّ مَعركةٍ

............................ إلخ

وهي من البسيط.

3 -

قوله: "لئن مُنيتَ بنَا" أي: لئن ابتليت بنا، من مُنيَ بأمر كذا إذا ابتلي به، من مني يمنى، من باب: فتح يفتح، ومنى يمنو من باب نصر ينصر

(1)

، وأما منى يمني إذا أنزل المني، فمصدره منيًّا على وزن فعْل بفتح الفاء وسكون العين، وبابه من باب: ضرب يضرب، ومُني -أيضًا- بمعنى: قُدّر، ومنه: المنية وهو الموت؛ لأنه مقدر على الخلق كلهم.

قوله: "عن غبّ" بكسر الغين المعجمة وتشديد الباء الموحدة، أي: عن عقب معركة، قوله:"لا تلفنا" أي: لا تجدنا من ألفى يلفي، قال الله تعالى:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25]، أي: وجدا.

قوله: "ننتفل" أي: ننتفي، يقال: انتفل عن الشيء إذا انتفى عنه، وذكر في شرح ديوانه أن الانتفال الجحود، يقال: انتفلت عن

(2)

الشيء إذا تبرأت منه وجحدته، يقول. إن لقيتنا بعد وقعة نوقعها بكم لم ننتفل ولا نتبرأ ولا نعتذر من دماء من قتلنا منكم.

الإعراب:

قوله: "فن" اللام فيه موطئة للقسم المحذوف، تقديره: والله لئن منيت، وكل واحد من القسم والشرط يستدعي جوابًا، وقد رجح الشرط على القسم هاهنا حيث قال: لا تلفنا بالجزم فإنه جواب الشرط وهو قوله: "إن"، وحذف جواب القسم لدلالة جواب الشرط عليه، ولو كان الجواب للقسم لقال: لا تلفينا بالياء لأنه مرفوع.

و"منيت"على صيغة المجهول، و"بنا" جار ومجرور [مفعول]

(3)

ناب عن الفاعل، وقوله:"عن غب" يتعلق بقوله: "منيت"، و "معركة" مجرور بالإضافة.

وقوله: "لا تلفنا": جملة مجزومة لأنها جواب الشرط، وقوله:"عن دماء": يتعلق بقوله: "ننتفل"، و "ننتفل": جملة وقعت حالا من الضمير المنصوب في لا تلفنا، وقد علم أن

(1)

قال الدكتور سيد تقي وهو يعلق على كتاب المقاصد (92)"الذي في اللسان: منيت بكذا وكذا إذا ابتليت به، ومناه الله حبها يمنيه ويمنوه، أي: ابتلاه بحبها، منيًّا ومنوا، وليس فيه منا يمنى من باب فتح يفتح".

(2)

في (أ): من.

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1228

المضارع إذا وقع حالًا وكان مثبتًا يكتفى بضميره فلا يحتاج إلى الواو

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "عن غب معركة" فإن عن فيه بمعنى بعد؛ كما في قوله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] أي: بعد طبق، وهذا قليل

(2)

.

‌الشاهد السادس والسبعون بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

لاهِ ابنُ عمِّكَ لا أفضِلْتَ في حسبٍ

عَنِّي ولا أنتَ ديَّانِي فَتَخْزُونِي

أقول: قائله هو ذو الأصبع العدواني، واسمه حرثان بن الحرث بن محرث بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان بن سعد بن قيس غيلان بن نزار بن مضر.

وهو أحد بني عدوان بطن من جذيلة، شاعر فارس من قدماء الشعراء في الجاهلية، وله غاوات كثيرة في العرب، ووقائع مشهورة، وروي عن أبي عثمان المازني عن الأصمعي قال: نزلت عدوان على ماء فأحصوا فيهم سبعين ألف غلام أغرل سوى من كان مختونًا لكثرة عددهم، ثم وقع بأسهم بينهم فتفانوا.

والبيت المذكور من قصيدة من البسيط، قالها ذو الأصبع في مزين بن جابر، وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

يَا مَنْ لِقَلْب شَدِيدِ الهَم مَحْزُونِ

أمْسَى تَذَكَّرَ رَيًّا أمَّ هَرُونِ

2 -

أمْسَى تَذَكَّرَهَا مِنْ بَعْد ما شَحَطَتْ

والدَّهْرُ ذُو غِلْظَةٍ حِينًا وَذُو لِين

3 -

فَإنْ يَكُنْ حُبُهَا أمْسَى لنَا شَجَنًا

وأصبَحَ الرَّأْيُ منهَا لا يُوَاتِينِي

4 -

فقَدْ غَنينَا وَشَمْلُ الدَّهْر يَجْمَعُنَا

أُطِيعُ ريًّا وريًّا لا تُعَاصينِي

(1)

في إعرابه سهوان: قوله "بنا" جار ومجرور ناب عن الفاعل، والصحيح أن نائب الفاعل هو تاء المتكلم في منيت، وقوله:"ننتفل" جملة وقعت حالًا، والصحيح أنها مفعول ثان لتلفنا.

(2)

ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (809).

(3)

ابن الناظم (144)، وتوضيح المقاصد (2/ 215)، وأوضح المسالك (2/ 140)، وشرح ابن عقيل (3/ 23)"صبيح".

(4)

البيت من بحر البسيط، من قصيدة طويلة مشهورة لذي الأصبع العدواني يعاتب فيها ابن عم له، وهي في مجموعها من الأخلاق الحسنة، وانظر بيت الشاهد في الخصائص (2/ 288)، وابن يعيش (8/ 53)، والإنصاف (394)، والجنى الداني (246)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 29)، والأغاني (3/ 108)، والخزانة (7/ 173)، والدرر (4/ 143)، وشرح التصريح (2/ 15)، وشرح شواهد المغني (430)، واللسان:"فضل".

(5)

انظر القصيدة بتمامها في المجاميع الشعرية مثل الأغاني (3/ 108)، والمفضليات (159)، وخزانة الأدب (7/ 173)، والأمالي (1/ 254)، وشرح شواهد المغني (430).

ص: 1229

5 -

نَرْمِي الوُشاةَ فلا نُخْطِئْ مُقَاتِلَهُم

بِخَالِصٍ من صَفَاءِ الودِّ مَكنُونِ

6 -

لِيَ ابْنُ عَمٍّ عَلَى مَا كَانَ مِنْ خُلُقٍ

مُخْتَلِفَانِ فَأُقْلِيهِ ويُقْلِيني

7 -

أزْرَى بِنَا أَننَا شالتْ نَعَامَتُنَا

فَخَالنِي دُونَهُ بَلْ خِلْتُهُ دونِي

8 -

ولَا تَقُوتُ عِيَالِي يَومَ مَسغَبَةٍ

ولَا بِنَفْسِكَ فيِ الضَّرَّاءِ تَكْفِيني

(1)

9 -

لاهِ ابنِ عَمِّكَ ............

............................ إلخ

10 -

فإنْ تُرِد عرَضَ الدنْيَا بِمَنْقَصَتِي

فإن ذَلكَ مِمَّا لَيسَ يُشْجِيني

11 -

ولا ترَى فيِ غير الصَّبرِ مَنْقَصَةً

ومَا سوَاهُ فإن اللهَ يَكْفِيني

12 -

لولَا أياصر قُربَى لَستَ تَحْفظهَا

ورَهْبَةُ الله فِيمَنْ لا يُعَادِينِي

13 -

إذًا بَرَيتُكَ بَريًا لا انْجِبَارَ لَهُ

إني رَأَيْتُكَ لَا تَنْفَك تبرِينِي

14 -

إن الذِي يَقْبِضُ الدُّنيَا ويبسطها

إِنْ كَانَ أغْنَاكَ عَنِّي سَوفَ يُغْنِيني

15 -

اللهُ يَعْلَمُنِي واللَّهُ يعلَمُكُم

واللهُ يُجْزِيكُمُ عَنِّي وَيَجْزِينِي

16 -

مَاذَا عَلَيّ وَإنْ كُنتُم ذَوي رَحِمِي

أنْ لَا أُحِبكُم إذْ لَمْ تُحِبوني

17 -

لَو تَشرَبُونَ دَمِي لَم يرو شاربكم

ولَا دِمَاؤُكُم جَمْعًا ترَوِّينِي

18 -

لِيَ ابْنُ عَم لَوْ أَن الناسَ فيِ كَبَدٍ

لَظَل مُحْتَجِرًا بِالنَّبلِ يَرمِيني

19 -

يَا عَمْرُو إِنْ لا تَدَعْ شَتْمِي ومَنقَصَتِي

أَضربْكَ حَتَّى تَقُولَ الهَامَةُ اسْقُونِي

20 -

كُلُّ امْرِئ صَائِرٌ يَوْمًا لِشِيعَتِهِ

وإنْ تَخَلَّقَ أخْلاقًا إلَى حِيِن

21 -

إني لَعَمْرُكَ ما بَابِي بِمُنْغَلِقٍ

عَلَى الصديق ولا خيري بِمَمْنُونِ

22 -

ولا لِسَانِي عَلَى الأَدْنَى بِمُنَطِلقٍ

بالمنكراتِ ولا فَتْكِي بِمَأْمُونِ

23 -

لَا يَخْرُجُ القَسرُ مِنِّي غيرَ مَغْضَبَةٍ

ولَا ألْيَنُ لمن لا يَبتَغِي لِيني

24 -

وأنْتُمُ مَعشَرٌ زَيْدٌ عَلَى مِائَةٍ

فَاجْمِعُوا أمْرَكُم شتى وكِيدُونِي

25 -

وإنْ عَلِمتُم سَبِيلَ الرشدِ فانْطَلقُوا

وإنْ جَهِلْتُم سَبِيلَ الرشْدِ فَأتُوني

26 -

يا رُبّ ثَوبٍ حَوَاشيهِ كأوسطِهِ

لا عَيبَ في الثوبِ مِنْ حُسنٍ ومِنْ لِيِن

27 -

مَاذَا علَيَّ إِنْ تَدْعُونَنِي ضَرَعًا

إن لا أجِيبُكُمُ إذْ لا تُجِيبُونِي

28 -

قَدْ كُنْتُ أعْطِيكُمُ مَالِي وَأَمْنَحُكُم

وُدِّي عَلَى مُثْبَتٍ فيِ الصَّدرِ مَكْنونِ

(1)

هذا البيت سقط في (أ).

ص: 1230

29 -

يَارُب حَيّ شَدِيدِ الشَّغْب ذِي لجبٍ

دَعَوْتُ منْ رَاهِنٍ فِيهِ وَمَرهُونِ

30 -

ردَدْتُ بَاطِلَهُمْ في رَأْس قَائِلِهِم

حَتَّى يَظَلُّوا خُصُومًا ذَا أفَانِيِن

31 -

يا صَاحِ لو كنتَ لي ألْفَيتَنِي بَشَرًا

سَمْحًا كَرِيمًا أُجَازِي مَنْ يُجَازِيني

32 -

واللَّه لو كَرْهَت كفي مُصاحبتي

لقلت إذ كَرِهَتْ قربي لها بِيني

9 -

قوله: "لاه ابن عمك" أي: لله درّ ابن عمك، قوله:"ولا أنت دياني كمخزونيّ" قال ابن السكيت: أي: ولا أنت مالك أمري فتسوسني، ومادة فتخزوني: الخاء والزاي العجمتان والواو، يقال: خزاه يخزوه خزوًا: ساسه وقهره، وأما الخزْيُ فهو من خَزِيَ يَخْزِي خزيًا، أي: ذلّ وهان.

الإعراب:

قوله: "لاه ابن عمك" قد قلنا: إن أصله: لله درُّ ابن عمك، وهذا يقال في المدح، ومعناه: لله خير ابن عمك، والدّرّ: اللبن، يقال في الذم: لا درّ درُّهُ، أي لا كثر خيره، وقوله:"در ابن عمك": كلام إضافي مبتدأ، و "لله" مقدمًا خبره.

قوله: "لا أفضلت" جملة منفية، و "في حسب" متعلق به، "ولا أنت"؛ عطف عليه، وأنت: مبتدأ، و "دياني": خبره، وأصله: ديانني حذفت نون الوقاية للتخفيف فصار: دياني، قوله:"فتخزوني" مرفوع.

والمعنى: ما أنت دياني فما تخزوني، وذلك لأن شرط النصب بعد الفاء التي تقع جواب النفي أن يكون خالصًا من معنى الإثبات، فإن لم يكن خالصًا تعين الرفع نحو: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، وما تزال تأتينا فتحدثنا، على معنيين.

الأول: نفي الإتيان والحديث، أي: ما تأتينا فما تحدثنا.

والثاني: نفي الإتيان وإثبات الحديث، أي: ما تأتينا فأنت تحدثنا

(1)

، وقوله:"فتخزوني" على المعنى الأول فافهم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "عني" فإن عن هاهنا بمعنى على، أي: لا أفضلت في حسب عليَّ

(2)

.

(1)

ينظر المقتضب للمبرد باب الفاء (2/ 14) وما بعدها.

(2)

ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (809).

ص: 1231

‌الشاهد السابع والسبعون بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

لَوَاحِقُ الأقراب فيها كالمُقَق

................................

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز يصف خيلًا، وهو من قصيدة طويلة مرجزة سقناها في أول الكتاب

(3)

.

قوله: "لواحق الأقراب" اللواحق: الضوامر من الخيل؛ من: لحق لحوقًا إذا ضمر، والأقراب: جمع قرُب بضم القاف والراء وفي آخره باء موحدة وهو من الشاكلة إلى مراقي البطن، قوله:"كمالمقق" بضم الميم وبالقافين، وهو الطول.

الإعراب:

قوله: "لواحق الأقراب": كلام إضافي خبر مبتدأ محذوف، أي: هي لواحق الأقراب، قوله:"فيها كمالمقق": جملة من المبتدأ والخبر في الحقيقة؛ لأن الكاف زائدة، والتقدير: فيها المقق.

الاستشهاد فيه:

وهو زيادة الكاف

(4)

.

‌الشاهد الثامن والسبعون بعد الخمسمائة

(5)

،

(6)

أَتَنْتَهُونَ وَلَنْ يَنْهَى ذَوي شططٍ

كَالطعنِ يذهبُ فيه الزيتُ والفتلُ

أقول: قائله هو الأعشى ميمون، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها:

وَدِّعْ هُرَيْرَةَ إِنَّ الرَّكْبَ مرتَحِلٌ

................................

(1)

ابن الناظم (144)، وشرح ابن عقيل (3/ 26)"صبيح".

(2)

البيت من بحر الرجز المشطور من أرجوزة طويلة لرؤبة بن العجاج ديوانه (104) يصف فيها مفازة، وقد سردها وشرحها الشارح في أول الكتاب، ينظر الشاهد رقم (4)، والشاهد في الأصول (1/ 239)، والخزانة (4/ 266)، والإنصاف (170)، والمقتضب (4/ 418)، والأشموني (2/ 225).

(3)

ينظر الشاهد رقم (4).

(4)

ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (812).

(5)

ابن الناظم (144)، شرح ابن عقيل (3/ 27)"صبيح".

(6)

البيت من بحر البسيط، من قصيدة مشهورة للأعشى ميمون بن قيس سبق الحديث عنها قريبا في الشاهد رقم (575)، وبيت الشاهد في ديوان الأعشى (99) د. محمد حسين، والمقتضب (4/ 141)، والأصول (1/ 352)، وابن يعيش (8/ 43)، والهمع (2/ 31)، والدرر (2/ 29)، والخزانة (9/ 453).

ص: 1232

وقد ذكرنا أولها عن قريب

(1)

.

قوله: "أتنتهون" ويروى: هل تنتهون، ويروى: لا تنتهون، قوله:"ولن ينهى" ويروى: ولا ينهى، و "الشطط": الظلم والجور، قوله:"يذهب فيه" ويروى: يهلك فيه، أي: في موضعه من المطعون.

والمعنى: لا ينهى الظالم عن ظلمه إلا الطعن الجائف الذي تغيب فيه الفتل إذا دسمت بالزيت، وذلك لسعته وبعد غوره.

الإعراب:

قوله: "أتنتهون" الهمزة للاستفهام على سبيل الإنكار والتوبيخ، قوله:"ولن ينهى" يجوز أن يكون الواو للحال، "وينهى": فعل، وفاعله:"كالطعن" على ما يأتي، و:"ذوي شطط": مفعوله.

قوله: "يذهب" فعل، و"الزيت" فاعله، و "الفتل" عطف عليه، والجملة في محل النصب على الحال، ويجوز أن تكون صفة لطعن على تقدير زيادة الألف واللام

(2)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كالطعن" فإن الكاف فيه مرفوع على الفاعلية، والعامل فيه ينهى كما قلنا، والتقدير: ولن ينهى ذوي شطط مثل الطعن؛ فيرفعه بفعله، ويقال: يجوز أن تكون الكاف حرف جر، وتكون صفة قامت مقام الموصوف تقديره: لن ينهى ذوي شطط شيء كالطعن، فشيء هو الفاعل المحذوف، والكاف حرف جر صفة لشيء، فإن شيئًا نكرة، والنكرات قد توصف بحرف الجر؛ نحو: كلمت غلامًا لمحمد. فافهم

(3)

.

‌الشاهد التاسع والسبعون بعد الخمسمائة

(4)

،

(5)

أبدًا كَالفِرَاء فَوقَ ذُرَاهَا

حينَ يَطْوي المَسَامِعَ الصَّرَّارُ

أقول: لم أقف على اسم قائله.

(1)

ينظر الشاهد رقم (575)، والديوان (150) وروايته فيه:"هل تنتهون".

(2)

هو مثل نحو قول الشاعر:

ولقد أمر على اللئيم يسبني

فمضيت ثمت قلت لا يعنيني

حيث تحتمل جملة يسبني أن تكون نعتًا، وأن تكون حالًا.

(3)

ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (812)، وما يشترك بين الاسمية والحرفية دكتور: عبد الحميد الوكيل (87) مطبعة الأمانة.

(4)

ابن الناظم (144).

(5)

البيت من بحر الخفيف، وهو لقائل مجهول، يصف رجلًا باليقظة والحذر وأنه كالحمار الوحشي الواقف على=

ص: 1233

وهو من الخفيف، يصف الشاعر بهذا في الحقيقة رجلًا يأوي ذرا الجبال بالليالي دائمًا خوفًا من عدوه يدهمه في منزله؛ كحمير الوحش التي تتعلق برؤوس الجبال في الليالي خوفًا من دهمة مفترس.

قوله: "كالفراء" بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف همزة، وهو جمع فرا بفتح الفاء والراء المقصورة، وهو الحمار الوحشي؛ كجبل يجمع على جبال، وقد ضبطه بعضهم بضم الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف راء أخرى، وهذا غير صحيح، وإن كان له وجه في المعنى؛ لأن فرارًا على وزن طوال ولد البقرة الوحشية، وكذلك الفرير مثل طويل، ويقال: الفرار جمع فرير، قال أبو عبيدة: ولم يأت على فعال شيء من الجمع إلا أحرف هذا أحدها.

قوله: "ذراها" بضم الذال المعجمة؛ جمع ذروة [الجبل]

(1)

وهي أعلاه، ومنه ذروة السنام [والضمير يرجع إلى الجبال]

(2)

، قوله:"حين يطوي" أي: حين يسد المسامعَ الصرارُ وهو بفتح الصاد وتشديد الراء، وهو الطير الذي يصيح بالليل، وهو الذي يسمى الجدجد بضمتين.

الإعراب:

قوله: "أبدًا": نصب على الظرف، قوله:"كالفراء" الكاف اسم في محل الرفع على الابتداء، والظرف، أعني قوله:"فوق ذراها": خبره، يعني: الحمير الوحشية مستمرة فوق ذراها بالليالي، ويخبر بهذه الجملة عن استمرار كون الفراء فوق ذرا الجبال، وهو معنى قوله:"أبدًا"، أي: مستمرًّا دائمًا، وذلك إنما يكون غالبًا حين يقوى صياح الصرار، وذلك لا يكون إلا بالليل؛ لأن الصرار لا يقوى صياحه إلا بالليل، ولكن ذكر هذه الجملة وأراد في الحقيقة بيان حال الرجل الذي ذكرناه آنفًا، والتقدير: مثل هذا الرجل المستمر فوق رؤوس الجبال بالليالي مثل الفراء المستترة فيها فافهم.

وفي الحقيقة: الكاف في محل الرفع على الخبرية وبحسب الظاهر من غير التقدير هي في محل الرفع على الابتداء وعليه كلام ابن الناظم حيث قال: ومبتدأ -أي ويكون مبتدأ، وعليه قول الشاعر:

أبدًا كالفراء ............

....................... إلخ

[قوله: "]

(3)

حين": نصب على الظرف، و "يطوي": فعل، و "الصرار": فاعله،

= الجبل بالليل، وهو حذر من عدو يباغته، وانظر بيت الشاهد في شرح الكافية الشافية لابن مالك (813).

(1)

و

(2)

و

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1234

و "المسامع": مفعوله.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كالفراء" وقد ذكرناه

(1)

.

‌الشاهد الثمانون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

......................

يَضْحَكْنَ عَنْ كَالْبَردِ المُنْهَمّ

أقول: قائله هو العجاج الراجز، وأوله

(4)

:

1 -

ولَا تَلُمْنِي اليَوْمَ يَابْنَ عَمِّي

عِنْدَ أَبِي الصَّهْبَاءِ أَقْصَى هَمِّي

2 -

بِيضٌ ثَلَاثٌ كَنِعَاجٍ جُمٍّ

يَضحَكْنَ عَنْ كَالْبَردِ المنهَمّ

3 -

تَحْتَ عَرَايين أُنُوف شُم

2 -

و "البيض": جمع بيضاء، و "النعاج": جمع نعجة الرمل، وهي البقرة [الوحشية]

(5)

، قال أبو عبيد: ولا يقال لغير البقر من الوحش نعاج، و "الجم" بضم الجيم جمع جمَّاء وهي التي لا قرن لها، وبالفتح بمعنى الكثير، قوله:"كالبرد المنهمّ" بتشديد الميم، أي: مثل البرد الذائب يصف به النسوة؛ يعني: أولئك النسوة يضحكن عن أسنان كالبرد الذائب لطافة ونظافة.

الإعراب:

[قوله]

(6)

: "بيض"؛ خبر مبتدأ محذوف، أي: هن بيض، أو مبتدأ خبره محذوف، أي: منهن بيض، أو مبتدأ وثلاث صفته، وكذلك الكاف في:"نعاج"، وخبره:"يضحكن"، وقوله:"عن": يتعلق بيضحكن، و"المنهم": صفة للبرد.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كالبرد" فإن الكاف فيه اسم بمعنى المثل، والدليل على اسميتها دخول

(1)

ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (813)، وما يشترك بين الاسمية والحرفية (87).

(2)

ابن الناظم (144)، وأوضح المسالك (2/ 147).

(3)

البيت من بحر الرجز المشطور، وهو في ديوان العجاج (2/ 328)، وانظره في المغني بحاشية الأمير (1/ 154) وما يشترك بين الاسمية والحرفية (85).

(4)

ينظر المقطوعة كلها في ديوان العجاج (الملحقات)(2/ 328)، تحقيق: عبد الحفيظ السطلي، مكتبة أطلس، دمشق.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1235

حرف الجر عليها

(1)

.

‌الشاهد الحادي والثمانون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

بكَا اللقْوَةِ الشغواءِ جُلْتُ فلم أكنْ

لِأُولَعَ إلا بالكَمِي المقُنَّع

أقول: أنشده ثعلب ولم يعزه إلى قائله، وهو من الطويل.

قوله: "اللقوة" بفتح اللام وسكون القاف، وهي العقاب سميت بذلك لسرعة اختطافها، وتسمى -[أيضًا]-

(4)

فتخاء للين جناحيها، قال الجوهري: اللَّقوة: العقاب الأنثى، واللِّقوة بالكسر مثله، قال أبو عبيدة: سميت بذلك لقوة لَسْع أشداقها

(5)

.

قوله: "الشغواء" بالشين والغين المعجمتين، يقال للعقاب: شغواء لفضل منقارها الأعلى على الأسفل، ويقال: سميت بذلك لاعوجاج منقارها، ويقال: غارة شعواء بالعين المهملة، وهي التي تأتي من كل جانب.

قوله: "جلت": من الجولان، أراد به الجولان في الحرب، قوله:"لأولع" على صيغة المجهول من أولع بالشيء فهو مولَع به بفتح اللام، أي: مغرى به، قوله:"بالكمي" بفتح الكاف وتشديد الياء، وهو الشجاع المتكمي في سلاحه؛ لأنه كمى نفسه؛ أي: سترها بالدرع والبيضة.

قوله: "المقنع" بضم الميم وفتح القاف وتشديد النون وفي آخره عين مهملة، يقال: رجل مقنع إذا كان عليه بيضة.

الإعراب:

قوله: "بكا اللقوة" الباء تتعلق بقوله: "جلت"، والكاف اسم على ما يأتي، و "الشغواء" بالجر صفة اللقوة، و "جلت": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"فلم أكن" جملة معطوفة على قوله: "جلت"، واسم كان مستتر فيه وخبره هو قوله:"لأولع"، وانتصاب لأولع بأن المقدرة، أي: لأن أولع، قوله:"إلا": استثناء من قوله: "لأولع"، قوله:"بالكمي": يتعلق بأولع،

(1)

ينظر المغني بحاشية الأمير (1/ 152) وفيه إشارة للخلافات النحوية بين سيبويه والمحققين وبين الأخفش والفارسي.

(2)

ابن الناظم (144).

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو مجهول القائل، وانظره في الجنى الداني (82)، والدرر (4/ 158)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 31)، وما يشترك بين الاسمية والحرفية (86)، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 225).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

الصحاح مادة: "لقى".

ص: 1236

و: "المقنع" بالجر صفته.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بكا اللقوة" حيث جاء الكاف فيه اسمًا؛ لأنه مجرور بالباء، والمعنى: بمثل اللقوة الشغواء جلت

(1)

.

‌الشاهد الثاني والثمانون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

فقلتُ للرَّكب لمَّا أنْ علَا بهم

من عَن يمين الحُبَيَّا نَظْرَةٌ قَبلُ

أَلمحة مِنْ سَنَا بَرقٍ رَأَى بَصَري

أَمْ وَجْهَ عَالية اخْتَالتْ بِهَا الكِلَلُ

أقول: قائله هو القطامي

(4)

، واسمه عمير بن شنيم التغلبي؛ فالقطامي لقب عليه، وهذا من قصيدة طويلة يمدح بها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان، وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

إِنا مُحَيُّوكَ فَاسْلَم أيُّهَا الطَّلَلُ

وإن بَلِيتَ وَإنْ طَالتْ بِكَ الطيَلُ

2 -

أنى اهْتَدَيْتُ لِتَسليم عَلَى دمنٍ

بِالْغَمرِ غَيَّرَهُن الأَعْصُرُ الأوَلُ

3 -

والْعَيشَ لا عَيشَ إلا مَا تقرُّ بِه

عَينٌ ولا حَال إلا سَوفَ تَنتقلُ

4 -

والناسُ مَنْ يَلْقَ خَيرًا قَائِلُونَ لَهُ

مَا يَشْتَهي وَلأُم المخطِئِ الْهَبَلُ

5 -

قَدْ يُدْرِكُ المُتأَنِّي بَعضَ حَاجَتهِ

وَقَدْ يَكُونُ مَعَ المستَعْجلِ الزلَلُ

6 -

يَمْشيَن رَهْوًا فَلا الأَعْجازُ خاذِلَةٌ

ولا الصُّدُور على الأَعْجازِ تتَّكلُ

7 -

فقلْتُ للركب ..............

...................................

8 -

.......................

.................... إلى آخر البيتين

9 -

تُهْدي لَنَا كُلَّمَا كَانَتْ عَلاوَتُنَا

رِيحُ الحُزَامَى جَرَى فِيها النَّدَى الخضِلُ

(1)

ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (813).

(2)

ابن الناظم (144)، وتوضيح المقاصد (2/ 218).

(3)

البيت من بحر البسيط، من قصيدة طويلة في المدح قالها القطامي في ديوانه (1)، الهيئة العامة للكتاب، وانظره في ابن يعيش (8/ 41)، واللسان مادة:"عنن، وحبا"، وأسرار العربية (55)، والجنى الداني (243)، ورصف المباني (367)، والمقرب (1/ 195).

(4)

هو عمرو بن شييم بن عباد التغلبي، من شعراء العصر الأموي، عاصر جريرا والفرزدق، عاش في عصر عبد الملك بن مروان، فقال شعره في دولته وفي الفخر وفي جميع أغراض الشعر (ت 101 هـ).

(5)

انظر ديوان القطامي (1)، تحقيق محمود الربيعي، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

ص: 1237

10 -

أما قُرَيشٌ فَلَنْ تَلْقَاهُم أبَدًا

إلا وَهُمْ خَيرُ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ

11 -

إِلا وَهُم جَبلُ الله الذِي قَصُرَت

عنهُ الجِبَالُ فَمَا سَاوَى بِهِ جَبَلُ

12 -

قَوْمُ هُمُ بَيَّنوا الإسلامَ وَامْتَنَعُوا

قَومُ الرَّسُولِ الذِي مَا بَعْدَهُ رُسُلُ

13 -

مَنْ صَالحُوهُ رَأَى في عَيشِهِ سعةً

ولا يُرَى مَنْ أَرَادُوا ضُرَّهُ يَئلُ

14 -

كَم نَالني منْهُمُ فَضْلًا علَى عَدَم

إذْ لا أكادُ مِنَ الاقْتَارِ أَجْتَمِلُ

15 -

وَكَم منَ الدَّهْرِ مَا قَدْ ثَبَّتوا قَدَمِي

إذْ لا أَزَالُ معَ الأَعدَاءِ نَنْتَضِلُ

16 -

فلَا هُمُ صَالحُوا مَنْ يبتغي عَنتِي

ولَا هُمُ كدَّرُوا الخيَرَ الذِي فَعَلُوا

17 -

هُمُ المُلُوكُ وَأَبْنَاء المُلُوكِ لَهُم

والآخِذُونَ بِهِ وَالسَّادَةُ الأُوَلُ

(1)

وهي من البسيط.

7 -

قوله: "للركب" الركب: جمع [راكب]

(2)

عند الأخفش، وعند سيبويه اسم جمع، وفي النهاية: الركب: اسم من أسماء الجموع كنفر ورهط، ولهذا يصغر على لفظه، وقيل: هو جمع راكب كصاحب وصحْب، وقال الجوهري: الركب: أصحاب الإبل في السفر دون الدواب، وهم العشرة فما فوقها، والجمع: أركب

(3)

.

قوله: "لما أن علا بهم" ويروى: علا لهم، والمعنى: علت لهم، أي: جعلتهم يعلون ويستشرفون للنظر إلى عاليه، وهو بمنزلة قوله: أعلتهم، لأن الباء والهمزة تتعاقبان على نقل الأفعال، كقولك: ذهبت به وأذهبته.

قوله: "الحبيا" بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف مقصور مصغر لا تكبير له، وهو اسم موضع بالشام، قوله:"قبل" بفتح القاف وفتح الباء الموحدة، يقال: نظرة قبل إذا لم يتقدمها نظر، ومنه يقال: رأينا الهلال قبلًا إذا لم يكن رؤي قبل ذلك.

8 -

قوله: "من سنا برق" سنا البرق ضوءه، قوله:"عالية" أي: امرأة عالية [وقيل: عالية اسم امرأة]

(4)

قوله: "اختالت" بالخاء المعجمة، أي: تبخترت، قوله:"الكلل" بكسر الكاف جمع كلة وهو ستر رقيق

(5)

.

(1)

في (أ): وفي الديوان: "والآخذون به والساسة الأول".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

الصحاح مادة: "ركب".

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

الكلة: الستر الرقيق يخاط كالبيت يتوقى فيه من الحشرات كالبق والبعوض، وهو ما يسمى في عهدنا هذا بالناموسية. انظر صرح التصريح (2/ 95)، واللسان مادة:"كلل".

ص: 1238

9 -

قوله: "علاوتنا" بفتح العين المهملة، يقال: كن في علاوة الريح وسفالتها، فعلاوتها: أن تكون فوق الصيد، وسفالتها: أن تكون تحت الصيد لئلا يجد الوحش رائحتك، يقال: قعد فلان في علاوة الريح، أي: في موضع مشرف يصيبه الريح، وقعد في سفالتها، أي: في موضع منخفض لا يأتي له الريح، قوله:"الخضل" بالخاء والضاد المعجمتين، أي: الرطب البلول.

الإعراب:

قوله: "فقلت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"للركب": يتعلق بقلت، والقول إذا وصل باللام يكون بمعنى الخطاب، أي: خاطبت الركب، قوله:"لما" بمعنى حين ظرف، والعامل فيه "قلت"، وكلمة:"أن" مفسرة

(1)

.

قوله: "علا بهم" جملة من الفعل والفعول بمعنى أعلتهم، والفاعل قوله:"نظرة"، قوله:"من عن يمين الحبيا": يتعلق بما قبله، و "عن" هنا بمعنى جانب، فلذلك دخل عليها حرف الجر، قوله:"قبل" بالرفع صفة للنظرة.

قوله: "ألمحة" الهمزة للاستفهام و "لمحة" منصوب بقوله: "رأى بصرى"، قوله:"من سنا برق": [يتعلق بلمحة في موضع النصب، والتقدير: ألمحة كائنة من سنا برق]

(2)

.

وقوله: "بصري": فاعل رأى، قوله: " [أم]:

(3)

متصلة عطف بها، [قوله: "]

(4)

وجه عالية على قوله: "لمحة"، قوله:"اختالت" فعل، و:"بها" في محل النصب على المفعولية، و "الكلل": فاعله، والجملة وقعت حالًا من عالية، ويروى:"اختالت به" بتذكير الضمير، فعلى هذا يكون الحال من الوجه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من عن يمين الحبيا" فعن هاهنا اسم مجرور بمن، ويكون في مثل هذا الموضع بمعنى جانب، والمعنى: من جانب الحبيا، وهذا كثير في الكلام

(5)

.

(1)

علق عليه المصحح فقال: قول العيني: "أن مفسرة، الظاهر أنها مصدرية، والتقدير: وقت علو نظرة قبل بهم، ومع ذلك فشرط المفسرة ألا تسبق بصريح القول، قال د. سيد تقي معلقًا، (92): "وأقول ليست أن هنا مفسرة ولا مصدرية، وإنما هي زائدة يمكن الاسثغناء عنها، فيقال: فقلت للركب لما أن علا بهم، وأن تزاد بعد لما كثير، كقوله تعالى:{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} [يوسف: 96].

(2)

و

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ينظر ابن يعيش (8/ 41) وما يشترك بين الاسمية والحرفية (72) وخالف كون عن هاهنا اسمًا كل من الفراء وبعض الكوفيين فقالوا ببقاء عن علي حرفيتها وعللوا لقولهم بأن "من" إنما تدخل على جميع حروف الجر عدا مذ واللام والباء وفي، وقال ابن مالك بزيادتها حينئذ. ينظر الجنى الداني (243)، والمغني (162).

ص: 1239

‌الشاهد الثالث والثمانون بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

غَدَتْ مِن عَلَيه بَعدَ مَا تَمَّ ظِمؤُهَا

تَصِلُّ وَعَن قَيضٍ ببَيدَاءَ مَجْهَلِ

أقول: قائله هو مزاحم بن الحرث العقيلي

(3)

، وهو إسلامي، قاله أبو حاتم وأبو الفرج

(4)

، وهو الصحيح، لا ما قاله ابن سيده إنه جاهلي، وقصيدته هذه اللامية من أحسن ما وصف به القطا، وقبله:

1 -

قطعت بشَوشَاة كَأَن قتودها

على خاضب يعلو الأَمَاعزَ هَيكَلِ

2 -

أَذَلكَ أَم كُدريَّة ظَل فَرخُهَا

لَقَى بشَرَوْرَى كَالْيَتِيمِ المُعَيَّلِ

وهي من الطويل.

1 -

قوله: "بشوشاة" بفتح الشينين المعجمتين بينهما واو ساكنة مثل: موماة، وهي الناقة السريعة، قوله:"كأن قتودها" القتود: جمع قتد بفتح القاف والتاء المثناة من فوق، وهو خبث الرحل، ويجمع على أقتاد -أيضًا-، و "الخاضب" بالخاء والضاد المعجمتين وبالباء الموحدة، وهو الظليم الذي أكل الربيع واحمر ظنبوباه واصفر، "الأماعز" بالعين المهملة والزاي المعجمة، وهي المواضع الكثيرة الحجارة و "الهيكل": العظيم الخلق.

2 -

و "الكدرية" بضم الكاف وسكون الدال، وهي القطا التي في لونها كدرة، والقطا نوعان: كدري وجونى

(5)

، والكدري أغبر اللون، والجوني أسود اللون.

قوله: "لَقَى" بفتح اللام وفتح القاف مقصور، وهو المطروح الذي لا يلتفت إليه، قال الجوهري: اللقى بالفتح: الشيء الملقى لهوانه، وجمعه ألقاء، و "شرورى" بفتح الشين المعجمة

(1)

ابن الناظم (144)، وتوضيح المقاصد (2/ 220)، وأوضح المسالك (2/ 151)، وشرح ابن عقيل (3/ 28)"صبيح".

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيده طويلة لمزاحم العقيلي، في وصف الصحراء والإبل، وفي بيت الشاهد يصف قطاة ترقد على البيض، وقد فارقته عندما اشتد بها العطش، وانظر البيت في الكتاب لسيبويه (4/ 231)، والمقتضب (3/ 53)، والمغني (146، 532)، والخزانة (10/ 147)، والدرر (4/ 187)، وشرح التصريح (2/ 19)، وشرح شواهد المغني (425).

(3)

مزاحم بن الحارث، شاعر إسلامي، من بني عقيل، بدوي فصيح، كان في زمن جرير والفرزدق، وكان جرير يصفه ويقرظه ويمدحه، وكذا فعل الفرزدق، وذو الرمة، وأكثر شعره في الوصف والغزل، توفي نحو (120 هـ). انظر ترجمته في الخزانة: الشاهد (6/ 273)، والأعلام (8/ 100).

(4)

الأغاني (19/ 98).

(5)

في (أ): جوني.

ص: 1240

وفتح الراءين المهملتين بينهما واو ساكنة، وهو اسم موضع، ويقال: اسم جبل، قوله:"المعيل" أي: المهمل المتروك.

قوله: "غدت" بالغين [المعجمة]

(1)

والدال؛ من غدا يغدو غدوًا، وهو نقيض الرواح، أراد أنها أقامت مع فرخها حتى احتاجت إلى ورود الماء وعطشت، فطارت تطلب الماء عندما تم ظمؤها

(2)

؛ لأنها كانت تشرب في كل ثلاثة أيام أو أربعة مرة، فلما جاءها ذلك الوقت طارت، قال أبو حاتم: قلت للأصمعي: كيف قال غدت من عليه، والقطاة إنما تذهب إلى الماء ليلًا لا غدوة؟ فقال: لم يرد الغدو، وإنما هذا مثل للتعجيل.

قوله: "ظمؤها" بكسر الظاء المعجمة وسكون الميم بعدها همزة، والظمؤ: مدة صبرها عن الماء، وهو ما بين الشرب إلى الشرب، ويروى:"بعد ما تم خمسها" بكسر الخاء، وهو ورود الماء في كل خمسة أيام، ولم يرد أنها تصبر عن الماء خمسة أيام؛ إنما هذا للإبل لا للطير، ولكنه ضربه مثلًا، هذا قول أبي حاتم، ولأجل هذا كانت رواية من روى:"بعد ما تم ظمؤها" أحسن وأصح.

قوله: "تصل" بالصاد المهملة المكسورة، أي: تصوت أحشاؤها من العطش، يقال: جاءت الإبل تصل عطشًا، قاله أبو حاتم، وقال غيره: تقبل

(3)

في طيرانها.

وقوله: "عن قيض" بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ضاد معجمة، وهو قشر البيض الأعلى، ويقال: وعن قيض يعني: عن فراخ، والقيض في الأصل: اسم لما يقشر من البيض عن الفراخ، وإنما يريد أن يذكر ساعة طيرانها من أجل ذلك.

قوله: "ببيداء" بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف ممدودة، وهي الفلاة التي تبيد من سكنها، أي: تهلك، وهوى:"بزيزاء مجهل" الزيزاء بكسر الزاي المعجمة الأولى: الغليظ من الأرض، قاله الثعلبي وغيره.

قلت: الزيزاء: منهل من مناهل الحجيج من أرض الشام ينزل منها إلى أرض معان من بلاد الشوبك.

ويروى بفتح همزتها وكسرها، ففتحها، على أنه ممنوع من الصرف، فعند البصريين منع للعلمية والتأنيث لأنه بقعة، وعند الكوفيين لأن ألفه للتأنيث، فعلى هذا يكون قوله:"مجهل"

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): ظمؤها.

(3)

في (أ): تصل.

ص: 1241

صفة لزيزاء، وأما كسرها فعلى الإضافة إلى مجهل، والمجهل: القفر التي ليس فيها أعلام يهتدى بها

(1)

.

وحاصل المعنى من هذا البيت: أنه يصف قطاة في أشد أحوالها وحاجتها إلى الطيران من عطشها وحاجة فرخها إلى الري؛ لأنها غدت في اليوم الخامس من شربها وجوفها يصوِّت من يبسه وبعد عهده عن الماء.

الإعراب:

قوله: "يعلو الأماعز": جملة وقعت صفة لخاضب، وكذا قوله:"هيكل": صفة أخرى، قوله:"أذلك" إشارة إلى خاضب، قوله:"غدت من عليه" اسم غدت مستتر فيه يعود إلى القطاة، ومعنى:"من عليه" من فوقه، والضمير يرجع إلى الفرخ، وقال أبو عبيدة: معناه من عند فرخها.

قوله: "بعد": نصب على الظرف، قوله:"بعد ما تم ظمؤها" كلمة ما مصدرية، أي: بعد تمام ظمئها، قوله:"تصل": جملة وقعت خبرًا لقوله: "غدت"، وقال شارح أبيات الجمل: تصل في موضع نصب على الحال

(2)

.

قوله: "وعن قيض" عطفت على قوله: "من عليه"، قوله:"ببيداء": جار ومجرور صفة لقوله: "قيض"، وقوله:"مجهل": صفة للبيداء، وهو إما مصدر ميمي في الأصل أو اسم مكان.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من عليه" فإن على هاهنا اسم بمعنى فوق كما ذكرناه

(3)

.

(1)

نقد صاحب الخزانة العيني في هذا الموضع من خمسة أوجه أكثرها في اللغة، ويهمنا منها الوجه النحوي، قال الإمام عبد القادر:"زيزاء بالكسر نكرة، فالبصريون يوجبون صرفه؛ لأن ألف فعلاء بكسر الفاء ليست للتأنيث، والفراء ومن تبعه يجوز منع الصرف على أن الألف للتأنيث، ويستدل الفراء بقراءة قوله تعالى: {مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ} [المؤمنون: 20] بالكسر، وأجاب البصريون بأنه منع صرفه إنما هو للعلمية والتأنيث، لأنه علم بقعة لا لأن ألفه للتأنيث، كما تقدم". ثم قال: "فهذا خبط من العيني وتخليط في تقرير المسألة عند الفريقين، رابعًا: لا يصح وصف النكرة بالنكرة، خامسها: لا وجه لإضافة المعرفة إلى النكرة". الخزانة (10/ 157، 158).

(2)

انظر نصه في كتاب الحلل في شرح أبيات الجمل لابن السيد البطليوسي (82)، تحقيق: د. مصطفى إمام.

(3)

ينظر ما يشترك بين الاسمية والحرفية (70) وفيه: "وبعض النحويين زعم أن على لا تكون حرفًا البتة وأنها اسم في كل مواردها". وينظر المغني بحاشية الأمير (128).

ص: 1242

‌الشاهد الرابع والثمانون بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

وَلَقَدْ أَرَانِي لِلرِّمَاحِ درِيئةً

مِنْ عَنْ يَمِيني تَارَةً وَأَمَامِي

أقول: قائله هو قطري بن الفجاءة الخارجي، وهو من قصيدة أولها

(3)

:

1 -

لَا يَركَنَنَّ أحَدٌ إِلَى الإحْجَامِ

يَوْمَ الوَغَى مُتَخَوِّفًا لحِمَامِ

وقد ذكرناها بتمامها في شواهد الحال

(4)

، وهي من الكامل.

قوله "دريئة" هي الحلقة التي يتعلم عليها الطعن والرمي، ولقد تكلمنا في هذا البيت بما فيه الكفاية في شواهد الحال.

الإعراب:

قوله: "ولقد أراني" الواو للعطف، واللام للتأكيد، وقد للتحقيق، و "أراني": جملة من الفعل والمفعول والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى يوم الوغى في البيت الذي قبله.

قوله: "للرماح" اللام فيه للتعليل؛ أي: من أجل الرماح، قوله:"دريئة": نصب على أنه مفعول ثان لأرى، قوله:"من عن يميني" أي: من جانب يميني، قوله:"تارة": نصب على المصدر؛ كما في: مرة وطورًا، ويجمع على تارات وتير، قال الشاعر

(5)

:

يَقوم تيرات ويمشي تيرًا

................................

قوله: "وأمامي": عطف على يميني، والتقدير: ومن عن أمامي تارة أخرى.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من عن يميني" فإن عن هاهنا اسم بمعنى جانب بدليل دخول حرف الجر عليها

(6)

فافهم.

(1)

أوضح المسالك (2/ 150)، وشرح ابن عقيل (3/ 29)"صبيح".

(2)

البيت من بحر الكامل، وهو لقطري بن الفجاءة، وانظره في الخزانة (10/ 158)، والدرر (2/ 269)، وشرح التصريح (2/ 10)، وأسرار العربية (255)، وابن يعيش (8/ 40)، والمغني (49)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 156)، (2/ 36).

(3)

انظر شعر الخوارج (111)، والخزانة (10/ 163)، وديوان الحماسة للمرزوقي (136).

(4)

ينظر الشاهد رقم (495) من هذا البحث.

(5)

البيت من بحر الرجز، وهو مجهول القائل، وقد جمع فيه تارة مرتين، جمع مؤنث وجمع تكسير.

(6)

ينظر المغني بحاشية الأمير (131).

ص: 1243

‌الشاهد الخامس والثمانون بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

على عنْ يَمِيني مَرَّت الطيرُ سُنّحًا

..............................

أقول: لم أقف على اسم قائله، وتمامه:

...........................

وَكَيفَ سُنُوحٌ واليَمينُ قَطيعُ

وهو من الطويل.

قوله: "سنحًا" بضم السين المهملة وتشديد النون؛ جمع سانح، تقول: سنح لي الطير يسنح سنوحًا إذا مَرَّ من مياسرك إلى ميامنك، والعرب تتيمن بالسانح دون البارح

(3)

؛ [كذا قاله الجوهري

(4)

]

(5)

.

قلت: العرب تختلف في ذلك فأهل نجد يتيمنون بالسانح دون البارح وأهل الحجاز بعكس ذلك، قال ذو الرمة وهو نجدي

(6)

:

خَلِيلَيَّ لَا لاقَيتُمَا مَا حَييتُمَا

منَ الطير إلا السَّانِحَات وأسْعُدَا

وقال النابغة وهو نجدي يتشاءم بالبارح

(7)

:

زعمَ البوَاح أن رحلتنا غدًا

وبذَاكَ تَنْعَابُ الغُرَابِ الأسْوَد

وقال كثير وهو حجازي يتشاءم بالسانح

(8)

:

أقولُ إذَا مَا الطيرُ مَرَّت مُخِيفَةً

سَوَانِحُهَا تَجْري ولَا أَسْتَثيرُهَا

فهذا هو الأصل، ثم قد يستعمل النجدي لغة الحجازي، والحجازي لغة النجدي، فمن ذلك

(1)

توضيح المقاصد (2/ 218).

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو لقائل مجهول، وانظره في الجنى الداني (234)، والخزانة (10/ 159)، وشرح شواهد المغني (440)، والمغني (150)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 36).

(3)

في (أ): وتتشاءم بالبارح.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

الصحاح مادة: "سنح".

(6)

البيت من بحر الطويل من قصيدة لذي الرمة، في وصف أطلال صاحبته أم سالم في ديوانه (3/ 1750) تحقيق: د. عبد القدوس، وهو في بيت الشاهد يدعو لصاحبته بالخير والسعد، وبعد البيت المذكور قوله:

ولا زلتما في خيره ما بقيتما

وصاحبتما يوم الحساب محمدًا

(7)

البيت من بحر الكامل، وهو من قصيدة المتجردة للنابغة، انظر ديوانه (89)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. دار المعارف، والبيت ورد كشاهد على المعنى لا لشاهد نحوي.

(8)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيدة لكثير عزة يرثي فيها عمر بن عبد العزيز، ينظر ديوانه (108)، ط. دار الكتاب العربي، وأيضًا ديوانه (312) تحقيق: د. إحسان عباس. والبيت ورد هاهنا لبيان المعنى لا لشاهد نحوي.

ص: 1244

قول عمر بن قميئة

(1)

، وهو نجدي:

فَبيني عَلَى طَيْرٍ شَخيصٍ نحوسه

وأَشأَمُ طَير الرَّاجِزِين سَنِيحُهَا

(2)

وقال الأعشى وهو نجدي

(3)

:

أَجارَهُمَا بِشْرٌ مِنَ المَوْت بَعدَمَا

جَرَتْ لَهُمَا طَيرُ السنيح بأَشْأَم

الإعراب:

قوله: "على عن يميني": يتعلق بقوله: "مرت"، و"الطير": فاعل مرت، و"سنحا": نصب على الحال.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "على عن يميني" فإن عن هاهنا اسم بدليل دخول على عليها، وهذا نادر، والمحفوظ من دخول "على" على كلمة عن في هذا البيت فقط، فإن الأكثر أن تدخل عليه كلمة من عند كونها

(4)

اسمًا

(5)

.

‌الشاهد السادس والثمانون بعد الخمسمائة

(6)

،

(7)

دَعْ عَنْكَ نَهبًا صيحَ فيِ حُجُرَاته

................................

أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وآخره:

........................

وَلكنْ حديثًا مَا حديثُ الرَّواحلِ

(1)

عمرو بن قميئة على وزن فعيلة، قديم جاهلي من رهط طرفة بن العبد، كان مع امرئ القيس حينما قام يطالب بثأر أبيه فاستنجد بأهل الروم، وهو القائل فيه: "بكى صاحبي

" وهي الأبيات المشهورة في ذلك، ويسمى عمرو الضائع؛ لأنه هلك في بلاد الروم. انظر الخزانة (4/ 412).

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو لعمرو بن قميئة، وانظره في الاقتضاب (754)، واللسان مادة:"سنح".

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو في ديوان الأعشى (163)، تحقيق: د. محمد محمد حسين، وروايته:

تلافاهما بشر من الموت بعدما

جرت لهما طير النحوس بأشأم

وأشأم: من الشؤم، والشر: النحس، والأليات كلها وردت لبيان المعاني وليست لشواهد نحوية.

(4)

في (أ): عند كون عن اسمًا.

(5)

ينظر الجنى الداني والخلاف في عن الاسمية فيه (243)، وما يشترك بين الاسمية والحرفية (73).

(6)

توضيح المقاصد (2/ 219).

(7)

البيت مطلع قصيدة من بحر الطويل؛ لامرئ القيس يمدح فيها جارية ابن مر، وكان قد أجاره من قوم نهبوا إبله وماله، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (8/ 159)، (11/ 177)، والمغني (150)، وشرح شواهد المغني (440)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 29)، والمقرب (1/ 195).

ص: 1245

وهو من [أول]

(1)

قصيدة لامية من الطويل، وفيها الثلم

(2)

، وبعده

(3)

:

2 -

كَأَن دِثَارًا حَلَّقَتْ بِلَبُونهِ

عُقَابُ تَنُوفُ لَا عُقَابُ القَوَاعِلِ

3 -

تَلَعَّبَ بَاعِثٌ بِذِمَّةِ خَالِدٍ

وَأَوْدَى دِثَارٌ فيِ الخُطُوبِ الأَوَائِلِ

4 -

وأَعْجَبني مَشْي الحُذُفَّةِ خَالِدٍ

كَمَشْيِ الأَتَانِ حُلِّئَتْ بِالْمناهِلِ

5 -

أبَتْ أَجَأٌ أَنْ تُسلِمَ اليَوْمَ جَارَهَا

فَمَنْ شَاءَ فَلْيَنْهَضْ لَهَا بالمقَاتِلِ

6 -

تَبِيتُ لَبُوني بِالقُرَيةِ أُمَّنًا

وَأَسرَحُهَا غِبًّا بِأكنَافِ حَائِلِ

7 -

بَنُو ثُعَلٍ جِيرَانُهَا وحُمَاتُهَا

وَتُمْنَعُ مِنْ رِجَالِ سَعْد ونَابِلِ

8 -

تَلَاعبُ أوْلَادَ الوُعُولِ رِبَاعُهَا

دُوَينَ السَّمَاءِ فيِ رُؤُوسِ المجادِلِ

9 -

مُكَلَّلَةً حَمْرَاءَ ذَاتَ أَسِرَّةٍ

لَهَا حُبُك كَأَنَّهَا مِنْ وَصَائِلِ

1 -

قوله: "دع" أي: اترك، "نهبًا" أي: ما انتهب، ويجمع على نهاب، قوله:"صيح": مجهول صاح، و "الحجرات" بضم الحاء

(4)

ثم الجيم النواحي، قال الأصمعي: معناه: دع الذي انتهبه باعث وحدثني حديثًا عن الرواحل التي أنت ذهبت بها.

وقال: نزل امرؤ القيس على خالد بن سدوس الطائي وأغار باعث وهو رجل من طيء على مال امرئ القيس، فقال له جاره خالد: أعطني صنائعك، يعني: إبله حتى أطلب مالك وأرده عليك، ففعل امرؤ القيس وانطوى خالد عليها.

2 -

قوله: "كأن دثارًا" أراد به دثار بن فقعس بن طريف من بني أسد، كان راعيًا لامرئ القيس، قوله:"حلقت": من التحليق، قوله:"عقاب تنوف" بالتاء المثناة من فوق وضم النون وفي آخره فاء، وهو موضع في جبل طيء مرتفع، و "القواعل" بالقاف والعين المهملة؛ جبال صغار، قال ابن الكلبي: القواعل: جبل سلمى بموضع يقال له القواعلة، أراد أن لبونه أغير عليه من قبل تنوف.

3 -

قوله: "أودى" أي: هلك فيمن مضى، قوله:"في الخطوب": جمع خطب، وهو الأمر العظيم.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

الثلم: هو حذف الوتد المجموع ويسمى الخرم.

(3)

ينظر القصيدة كلها في ديوان امرئ القيس (146)، ط. دار الكتب العلمية، و (94) ط. دار المعارف، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم.

(4)

في (أ): بفتح الحاء.

ص: 1246

4 -

قوله: "مشْي الحُزُقَّةِ" بضم الحاء المهملة والزاي المعجمة وتشديد القاف، وهي لقب، ويقال: ضربٌ من المشي، فمن جعلها ضربًا من المشي نصبه، ومن جعله نعتًا رفعه.

قوله: "حلئت" أي: منعت أن ترد، يقال: حلأت الإبل تحلئة، أي: منعتها من ورود الماء، شبهه بالأتان لأنه حقره، و "المناهل": المياه.

5 -

قوله: "أجأ" بالمد

(1)

أحد جبلي طيء، وهو مؤنث، ومن العرب من لا يهمزه [أي يستعمله مقصورًا، وكذا وقع هنا في النظم للضرورة]

(2)

.

6 -

قوله: "القُرَيّة" بضم القاف وفتح الراء وتشديد الياء آخر الحروف؛ موضع، قوله:"أُمُّنًا" بضم الهمزة وتشديد الميم؛ أي: آمنة ليست بخائفة، ويروى: آمنًا؛ أي: آمنًا أنا عليها، و "الأكناف": النواحي، "وحائل" بالحاء المهملة؛ اسم موضع.

7 -

قوله: "نابل" بالنون وبالباء الموحدة، ونابل وسعد حيان من طيء، ورواه أبو حاتم: نايل بالياء آخر الحروف.

8 -

قوله: "تلاعب" أراد أولاد الوعول، يقول: هي من الأمن تراعي الوحوش ربَاعها، وهو جمع رِبع وهو ما ينتج من الربيع، و "المجادل" بالجيم؛ القصور، الواحد مجدل، وهي هنا الجبال شبهت بالقصور، يروى: المعاقل جمع معقل.

9 -

قوله: "مكللة" أي: هذه الجبال مكللة بالصخور، قيل: بالسحاب، قوله:"ذات أسرة" أي: في ذات طرائق، "لها حبك" بضم الحاء المهملة والباء الموحدة؛ أي: طرائق، و "الوصائل": جمع وصيلة، وهو ثوب أمعر الغزل فيه خطوط.

الإعراب:

قوله: "دع": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"نهبًا": مفعوله، وفيه حذف، والتقدير: دع عنك ذكرك نهبًا، قوله:"صيح في جراته": في محل النصب على أنه صفة لنهبًا، والتقدير: نهبًا صيح عليه في نواحيه، قوله:"ولكن حديثًا" أي ولكن حدثنا حديثًا؛ فانتصاب حديثًا بالمقدر المذكور، قوله:"ما": استفهام مبتدأ، و "حديث الرواحل": خبره.

(1)

في نسخة بولاق جاء قوله: "قول العيني بالمد؛ كذا في النسخ التي بين أيدينا، والذي في الجوهري: أجأ على وزن فعل. (3/ 310)، ومقتضى النظم أن يكون على وزن فعل بالتحريك.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1247

الاستشهاد فيه:

في قوله: "دع عنك" فإن عن هنا اسم بمعنى جانب وهذا متعين في ثلاثة مواضع:

أحدها: أن تدخل عليها من كما في قوله:

وَلَقَدْ أَرانِي للرِّمَاح دريئةً

منْ عَنْ يَميني تَارةً وَأَمَامِي

وقد ذكر عن قريب

(1)

.

والثاني: أن تدخل عليها على وذلك نادر، والمحفوظ منه بيت واحد وهو قوله:

على عنْ يَميني مَرَّت الطيرُ سُنّحَا

.......................

(2)

والثالث: أن يكون مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى واحد، قاله الأخفش

(3)

، وذلك كما في قوله:

دع عنك نهبًا .............

......................... إلخ

وذلك لئلا يؤدي إلى تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المنفصل"

(4)

.

‌الشاهد السابع والثمانون بعد الخمسمائة

(5)

،

(6)

لمن الدِّيَارُ بِقُنَّةِ الحِجْر

أَقويْنَ مُذْ حجج وَمُذ دهْر

أقول: قائله هو زهير بن أبن سلمى، واسمه: ربيعة، وهو من قصيدة رائية، من الكامل، يمدح بها هرم بن سنان، وهو أول القصيدة، وبعده

(7)

:

(1)

ينظر الشاهد رقم (584).

(2)

ينظر الشاهد رقم (585).

(3)

ينظر ارتشاف الضرب لأبي حيان (2/ 452)، والجنى الداني للمرادي (471، 472)، وبين ابن عصفور الإشببيلي وابن هشام الأنصاري في النحو والصرف (244) ماجستير بالأزهر.

(4)

ينظر الكتاب (1/ 421) والفصول الخمسون لابن معطي (217) وشرح جمل الزجاجي "الكبير" لابن عصفور (1/ 481) والمغني (147) والمقرب (214).

(5)

أوضح المسالك (2/ 142).

(6)

البيت من بحر الكامل، مطلع قصيدة لزهير بن أبي سلمى، في مدح هرم بن سنان، الذي أخذ منه أجر المدح؛ لكن ذهب الأجر وبقي الشعر وسيبقى، وقد نقل الشارح القصيدة كلها وهي في الديوان (86)، ن بشرح أبي العباس ثعلب، وبيت الشاهد في أسرار العربية (273)، والأغاني (6/ 86)، والإنصاف (371)، والخزانة (9/ 439)، وشرح التصريح (2/ 17)، والمغني (235)، وشرح شواهد المغني (750)، وابن يعيش (4/ 93)، (8/ 11)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 217)، وأشعار الستة الجاهليين (1/ 323) وما بعدها.

(7)

ينظر شرح ديوان زهير بن أبي سلمى لأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب (86)، ط. دار الكتب المصرية (1964 م)، وأشعار الستة الجاهليين (1/ 323).

ص: 1248

2 -

لعِبَ الدِّيَارُ بِهَا فغَيّرَهَا

بَعدي سوَافيِ المُورِ والقَطْرِ

3 -

قَفْرًا بمنْدَفِع النَّحَائِبِ مِنْ

ضَفْوَى أولات الضال والسِّدْر

4 -

دَعْ ذَا وَعَدِّ القَوْلَ فيِ هَرَمٍ

خَيرِ الكُهُول وَسَيِّدِ الحَضْر

5 -

تَالله ذَا قَسَمًا لقد عَلِمَتْ

ذُبيَانُ عَامَ الحَبس والأَصْر

6 -

أَنْ نِعْمَ مُعْتَركُ الجِيَاعِ إِذَا

حُبَّ القِتَارُ وسَابئُ الخمْر

7 -

ولَنعْمَ حَشْوُ الدِّرع أنْتَ إذَا

دُعِيَتْ نَزَال وَلُجّ في الذُّعْر

(1)

8 -

ولَنِعْمَ مَأْوَى القَوْمِ قَد عَلمُوا

إنْ عَضَّهُم جل منَ الأَمْر

9 -

ولَنعْمَ كَافيِ مَنْ كَفيتُ ومن

تَحْملْ [لَهُ يُحْمَلْ] عَلى ظَهرِ

(2)

10 -

حَامي الذمار على مُحَافَظَةٍ الـ

جُلّي أَمينُ مُغَيَّبُ الصَّدر

(3)

11 -

حَدِبٌ عَلَى المولَى الضعيفِ إِذَا

مَا نَابَ بعْضُ نَوائبِ الدَّهْرِ

(4)

12 -

وَمرَهقُ النيرَان يُطْعم في الـ

لَأْوَاءِ غير مُلعّن القدْر

(5)

13 -

وَيَقيك مَا وقَّى الأكارمَ منْ

حُوبٍ نُسَبُّ بِه ومِنْ غدْر

14 -

وإذَا بَرَزْتَ بِه بَرَزْتَ إلى

صَافيِ الخَليقَةِ طَيِّب الخبر

15 -

متَصَرف للحمد مُعْتَرِف

للرُّزْء نهَّاضٌ إلى الذكْر

(6)

16 -

جَلَد يَحُثُّ عَلَى الجميع إذا

كَرِهَ الظُّنُونُ جَوَامعَ الأَمْرِ

17 -

ولأنتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وبعـ

ـضُ الناس يَخْلُقُ ثُم لَا يَفْري

18 -

ولأنتَ أَشْجَعُ حيَن تَتجِهُ الأَبْـ

طالُ منْ لَيث أبي أَجْر

(1)

هذا البيت سقط في (ب).

(2)

ما بين المعقوفين بياض في (ب): والبيت السابق عليه غير موجود في أشعار الستة الجاهليين.

(3)

روايته في أشعار الستة الجاهليين (1/ 323)، والديوان (90):

حامي الذمار ..................

................................

(4)

روايته في أشعار الستة الجاهليين (1/ 323)، والديوان (90):

.................. الضريك إذا

نابت عليه نوائب الدهر

(5)

روايته في أشعار الستة الجاهليين (1/ 323)، والديوان (90):

.................. يحمد في ال

.........................................

(6)

روايته في أشعار الستة الجاهليين (1/ 323)، والديوان (90):

متصرف للمجد معترف

للنائبات يراح للذكر

ص: 1249

19 -

وَرْدٌ عُرَاضُ السَّاعِدَينِ حدِيد

النَّابِ بينَ ضَرَاغِمِ غُثْرِ

20 -

يَصْطَادُ أحْدَانُ الرِّجَالِ فما

تَنْفَك أَجْرِيهِ على ذُحْرِ

21 -

والسِّتْرُ دونَ الفَاحِشاتِ فَمَا

يَلْقَاكَ دُونَ الخيرِ مِنْ سِتْرِ

22 -

أُثني عَلَيكَ بِمَا عَلِمتُ وَمَا

أَسْلَفْتَ في النَّجْدَاتِ والذكْرِ

23 -

لَوْ كُنْتُ مِنْ شَيء سِوَى بَشَرٍ

كَنْتُ المنورُ لَيلَةَ الْبَدْرِ

(1)

1 -

قوله: "بقنة الحجر" القنة -بضم القاف وتشديد النون: أعلى الجبل، والحجر بكسر الحاء وسكون الجيم، قال أبو عمرو: ولا أعرف [لحجر]

(2)

إلا حجر ثمود، ولا أدري هو ذاك أم لا، وحجر [اليمامة]

(3)

غير ذاك مفتوح، قوله:"أقوين" أي: خلون، وأقوى الرجل إذا نزل بالقفر، قوله:"مذ حجج" أي: مذ سنين، وهي جمع حجة

(4)

، ويروى:[من حجج]

(5)

ومن شهر.

والمعنى: أقوت من أجل مرور السنين والدهور وتعاقبهما عليها.

2 -

قوله: "سوافي "بالسين المهملة جمع سافية، من سفت الريح تسفي، و:"المور" بضم الميم وفي آخره راء مهملة؛ التراب، و "القطر": المطر.

3 -

و "القفر" بالقاف والفاء، و "المندفع": حيث يندفع الماء، "إلى النحائب" بالنون والحاء المهملة، وهي آبار في موضع معروف، يقال لها النحائب، وليس كل آبار تسمى النحائب، قوله:"من ضفوى" بفتح الضاد وسكون الفاء: اسم موضع بأرض غطفان، قوله:"أولات الضال" بالضاد المعجمة وتخفيف اللام، وهو السدر البري.

4 -

قوله: "دع ذا": خطاب لنفسه؛ أي: دع هذا الذي هممت به واصرف قولك إلى مدح هرم، "خير الكهول وسيد الحضر" بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة، يقال: قوم حضر وقوم سفر، أراد به: خير من حضر وخير من غاب.

5 -

و "الحبس والأصر

(6)

والأزل"

(7)

واحد، ويقال: أراد بعام الحبس العام الذي أحدق

(1)

هذا البيت زيادة من الديوان بشرح أبي العباس ثعلب، حتى تستكمل القصيدة كاملة (90).

(2)

ما بين المعقوفين إضافة من ديوان زهير (76).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

بالفتح، وأما بالضم فهي الدليل والبرهان، وإذا فتحت فهو المرة من الحج.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(6)

الأصر: بفتح أوله بمعنى الحبس، وبكسره هو العهد.

(7)

الأزل: بفتح فسكون بمعنى الضيق، والشدة، وبكسر فسكون: الداهية.

ص: 1250

بهم العدو فحبسوا مالهم لئلا يخرج إلى الرعي خشية أن يغار عليهم.

6 -

قوله: "معترك الجياع" أي: مزدحمهم، و:"حُبّ القُتار" بضم القاف وبالتاء المثناة من فوق، وهو ريح الطعام، و:"سابئ الخمر": المشتري من سبأت الخمر أسبؤها سبأ وسباءً إذا اشتريتها.

7 -

"ولج": من اللجاجة، و "الذعر" بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة، وهو الخوف والفزع.

10 -

["الذمار": ما ينبغي له أن يحميه من حرمة، وروى أبو عمرو: حامي القتير]

(1)

و"القتير" بفتح القاف وكسر التاء المثناة من فوق، وهي المسامير، وأراد: الدروع يلبسها في الحرب فتحمي مساميرها عليه، و"الجلي" بضم الجيم وتشديد اللام، وهي الخصلة العظمى والجمع: جلل، ويقال: الجلي: جماعة العشيرة، وقيل: عظماء العشيرة، قوله:"مغيب الصدر" يعني: لا يضمر إلا الخير.

11 -

قوله: "حدب" بفتح الحاء وكسر الدال المهملتين؛ أي: متعطف مشفق.

12 -

قوله: "ومرهق النيران" يعني: تغشي نيرانه وتدني، و"اللأواء": الشدة، قوله:"غير ملعن القدر" يعني: لا تُسَبُّ قِدره لأنه يطعم.

13 -

و"الحوب" بضم الحاء المهملة؛ الإثم.

15 -

و"متصرف الحمد" يتصرف في كل باب خيرًا، حيث ما رأى حمدًا انصرف إليه، قاله الأصمعي، قوله:"معترف للرزء" أي: صابر للمصيبة، والرزء بضم الراء وسكون الزاي وفي آخره همزة.

16 -

و"جلد" بفتح الجيم وسكون اللام، أي: قوي.

17 -

قوله: "تفري": من الفري، وهو القطع، قوله:"ما خلقت" أي: ما قدرت، والخالق الذي يقدر ويهيئ للقطع.

18 -

و"الأبطال": جمع بطل وهو الشجاع.

19 -

و"الضراغم": جمع ضرغم وهو الأسد، قوله:"غثر" بضم الغين المعجمة وسكون الثاء المثلثة؛ جمع أغثر وهو الأغبر.

20 -

قوله: "أحدان": جمع واحد؛ أبدلوا الواو همزة.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ، ب): وهو مستكمل من شرح ديوان زهير.

ص: 1251

21 -

و "النجدات": جمع نجدة وهي الشدة.

الإعراب:

قوله: "لمن الديار" الديار مرفوع بالابتداء، وخبره قوله:"لمن" مقدمًا، ومن استفهامية ومتعلق اللام محذوف وهو -أيضًا- متعلق الباء في:"بقنة الحجر"، والتقدير: لمن الديار الكائنة بقنة الحجر، وقنة الحجر في محل الرفع على أنها صفة للديار

(1)

.

قوله: "أقوين": جملة من الفعل والفاعل وقعت حالًا بتقدير: قد؛ أي: قد أقوى، قوله:"مذ حجج" مذ لابتداء الغاية لكون الزمان ماضيًا، وهو حرف جار لا يجر به إلا الزمان.

فإن كان ماضيًا يكون بمعنى من؛ مثلًا إذا قلت: ما رأيته مذ شهر فالمعنى: من شهر، فإن كان حاضرًا فهو بمعنى في نحو: ما رأيته مذ اليوم؛ أي فيه، وكذا الكلام في منذ

(2)

.

ثم معنى قوله: "مذ حجج ومذ دهر": أقوين من أجل مرور الحجج ومرور الدهور وتعاقبهما عليها، هذا عند البصريين

(3)

،

وأما رواية من روى: مذ حجج ومذ شهر، فهي على لغة من يخفض بمذ على كل حال

(4)

؛ ولهذا قال أبو القاسم الزجاجي: كأن مِنْ لغة زهير بن أبي سلمى أن يخفض بمذ على كل حال

(5)

.

وقال بعضهم: هذا اعتذار لهذه الرواية؛ لئلا يقال لمن: رواه هكذا: كيف يخفض بمذ ما مضى وحكمها أن توفع ما مضى وتخفض ما أنت فيه؟

على أن الأبيات الثلاثة التي من أول هذه القصيدة لم يصح أنها لزهير، وقد روي أن هارون الرشيد [رحمه الله]

(6)

قال للمفضل بن محمده [رحمه الله]

(7)

كيف بدأ زهير شعره بقوله:

دَع ذا وَعَدِّ القَولَ فيِ هَرَمٍ

خَيرِ الكهول وسيد الحَضْرِ

(1)

قال الدكتور سيد تقي في تعليقاته (93): "الباء (بقنة الحجر) متعلقة بمحذوف آخر، وهذا المحذوف حال من ضمير الديار المستكن في الخبر، والتقدير: الديار كائنة لمن حال كونها مستقرة أو كائنة بقنة الحجر".

(2)

ينظر الجنى الداني (503).

(3)

ينظر المغني بحاشية الأمير (2/ 21)، ما يشترك بين الاسمية والحرفية (109) وارتشاف الضرب (2/ 465).

(4)

انظر ما قيل حول البيت في الإنصاف (1/ 370)، وابن يعيش (8/ 11)، ورصف المباني (320)، واللسان:"حجر"، وشرح شواهد المغني للسيوطي (750)، والخزانة (4/ 126).

(5)

ينظر ما قيل في الجمل للزجاجي (140)، وأيضًا شرح الجمل "الكبير" لابن عصفور (1/ 489).

(6)

و

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1252

ولم يتقدم قبل ذلك شيء ينصرف إليه؟ فقال المفضل: قد جرت عادة العرب أن يقدموا قبل المديح تشبيهًا، ووصف إبل، ونحو ذلك، وكان زهير همَّ بذلك ثم قال لنفسه: دع هذا الذي هممت به مما جرت به العادة واصرف قولك إلى مدح هرم، فهو أولى من بدئ بذكره في الكلام، فاستحسن الرشيد قوله.

وكان حماد الراوية حاضرًا فقال: يا أمير المؤمنين ليس هذا أول الشعر، ولكن قبله.

لِمنِ الديَارُ بِقُنَّةِ الحِجرِ

أَقْوَيْنَ مُذْ حِججٍ وَمُذْ دهرِ

إلى أن قرأ الأبيات الثلاثة، فالتفت الرشيد إلى المفضل، فقال: ألم تقل أن: "دع ذا" هو أول الشعر، فقال: ما بهذه الرواية إلا يومي هذا، ويوشك أن تكون مصنوعة، فقال الرشيد لحماد: أصدقني، فقال: يا أمير المؤمنين أنا زدتها

(1)

هذه الأبيات، فقال الرشيد: من أراد الثقة والرواية الصحيحة فعليه بالمفضل، ومن أراد الاستكثار والتوسع فعليه بحماد.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مذ وحجج ومذ دهر" فإن مذ ها هنا لابتداء الغاية في الزمان الماضي وجرها الماضي، وهو قليل، وذلك لأن أكثر العرب وجوب جرها للحاضر، وعلى ترجيح جر منذ للماضي على رفعه، وجر مذ ها هنا من القليل

(2)

.

‌الشاهد الثامن والثمانون بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

قفَا نَبكِ مِنْ ذِكرى حبيبٍ وعرفان

وَربعٍ آثَارُهُ مَنْذُ أَزْمَانِ

أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي

(5)

، وهو من قصيدة طويلة من الطويل، وعروضه ليست بمقبوضة؛ لكونه

(6)

مصرعًا، وهذا أولها، وبعده

(7)

:

2 -

أتتْ حججٌ بعدي عليها فأصبحت

كخطِّ زَبُورٍ فيِ مصاحفَ رُهْبَانِ

(1)

في (أ): أنا زدت فيها.

(2)

ينظر الجنى الداني (503) والمغني (335)، ورصف المباني للمالقي (320، 321).

(3)

توضيح المقاصد (2/ 225)، وأوضح المسالك (2/ 143).

(4)

البيت مطلع قصيدة من بحر الطويل، وهي لامرئ القيس في حديث عن النفس والأصحاب والحرب، وهي ليست طويلة كما ذكر العيني، (17 بيت) وهي في ديوانه (89) ط. دار المعارف، وانظر بيت الشاهد في شرح التصريح (2/ 17)، والمغني (1/ 335)، وشرح شواهد المغني (374)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 217).

(5)

ينظر ديوانه (89) ط. دار المعارف، بتحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، و (163) ط. دار الكتب العلمية.

(6)

في (أ): لكونه.

(7)

ينظر الديوان (163).

ص: 1253

3 -

ذكرتُ بهَا الحي الجميعَ فهيّجتْ

عَقَابِيلَ سُقْم من ضمير وأشجانِ

4 -

فَسَحَّتْ دموعي في الرِّدَاءِ كأنَّهَا

كُلى مِنْ شَعِيبٍ ذات سَحٍّ وتَهْتَانِ

1 -

قوله: "قفا": خطاب للاثنين، ولكن المراد واحد، ومن عادتهم أن يخاطبوا

(1)

الواحد بصيغة الاثنين؛ كما في قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24]، والخطاب لمالك خازن النار، ويراد به التكرير للتأكيد؛ كأنه قيل: قف قف، وألق ألق، ويقال: الألف فيه ليست للتثنية، وإنما هي مبدلة من نون التأكيد، وأصله: قفن فأبدلت الألف من النون.

قوله: "ذكرى" بكسر الذال؛ مصدر من ذكر يذكر، قوله:"وعرفان" يريد به: عرفان الديار يعني معرفتها، و"الربع" ربع الدار بعينها حيث كانت، ويجمع على ربوع وأرباع وأربع، والربع: المحلة -أيضًا-، ويروى:"ورسم عفت" وهكذا وقع في شرح ابن

(2)

القاسم

(3)

، قوله:"عفت" يعني: درست؛ من عفى المنزل يعفو درس، يتعدى ولا يتعدى.

2 -

و"الحجج"؛ السنون، وأراد بالرهبان الأحبار.

3 -

قوله: "عقابيل" هي بقايا الأرض لا واحد لها من لفظها، و"الأشجان": جمع شجن وهو الحزن.

4 -

قوله: "فَسَحَّتْ" أي: سالت، قوله:"كُلى" بضم الكاف، أراد بها الرقاع التي حول المزادة، و"الشعيب" بفتح الشين المعجمة وكسر العين المهملة؛ المزادة من أديمين، قوله:"سح" أي: صبّ، و"تهتان" أراد به السيلان.

الإعراب:

قوله: "قفا": أمر من وقف [يقف]

(4)

قف قفا، وفاعله مستكن

(5)

فيه، قوله:"نبك": مجزوم لأنه جواب الأمر، "من ذكرى": يتعلق به، و"عرفان": عطف عليه، قوله:"وربع" عطف على قوله: "ذكرى" أي: ومن ربع، قوله:"عفت": فعل ماض، و"آثاره": فاعله، والجملة صفة لربع، قوله:"منذ": حرف جر، و"أزمان": مجرور به.

(1)

في (ب): يخاطبون.

(2)

في (أ): أبي القاسم ويقصد به ابن أم قاسم.

(3)

ينظر توضيح المقاصد (2/ 225).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

إذا أراد أن الألف ها هنا لخطاب الاثنين فهي الفاعل وإن أراد أنها مبدلة من نون التوكيد الخفيفة فالضمير الفاعل مستكن حينئذ.

ص: 1254

الاستشهاد فيه:

في قوله: "منذ" حيث وقع لابتداء الغاية وجر الزمان، وجره في مثل هذا الموضع مرجح على رفعه

(1)

.

‌الشاهد التاسع والثمانون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

مَا زَال مُذْ عَقَدَت يَدَاهُ إزَارَهُ

فَسَمَا فأَدْرَكَ خَمْسَةَ الأَشْبَار

يُدْنِي كَتَائبَ مِنْ كتَائِبَ تَلْتَقِي

في ظلٍّ مُعْتَرِكِ العَجَاجِ مُثَارِ

أقول: قائله هو الفرزدق مدح به يزيد بن المهلب، وهو من قصيدة طويلة من الكامل، وقبل قوله:"ما زال":

1 -

وَإذَا الرِّجَالُ رَأَوْا يَزِيدَ رَأَيْتَهُم

خُضُعَ الرِّقَابِ نَواكِسَ الأَبْصَارِ

وبعدهما هو قوله:

4 -

ولقدْ وَطِئتْ يزيد كلَّ مدينةٍ

بينَ الدُّرُوبِ وبينَ بَحْرِ وَبَارِ

5 -

شُعْثًا مُسَومَةً على أكْنافِهَا

أُسدٌ هَوَاصِرُ بالكماة ضَوَارِي

1 -

قوله: "خضع الرقاب" بضم الخاء والضاد المعجمتين؛ جمع خضوع؛ أي: خاضع، و"النواكس": جمع ناكس، وهو المطأطئ رأسه، وهو جمع شاذ؛ كما يقال فوارس في جمع فارس.

2 -

قوله: "فسما" أي: علا وارتفع، [قوله: "]

(4)

وأدرك خمسة الأشبار] معناه: أيفع ولحق حد الصبي؛ لأن الفلاسفة زعموا أن المولود إذا ولد لتمام مدة العمل ولم تعتره آفة في الرحم، فإنه يكون في قده ثمانية أشبار [من شبر نفسه، وتكون سرته بمنزلة المركز له؛ فيكون

(1)

انظر شرح التصريح (2/ 17)، والمغني (335).

(2)

ابن الناظم (145)، وتوضيح المقاصد (2/ 223)، وأوضح المسالك (2/ 153).

(3)

البيتان من بحر الطويل، من قصيدة قاربت الخمسين بيتًا، للفرزدق في مدح يزيد بن المهلب، ورواية البيتين في الديوان هكذا:

ما زال مذ عقدت يداه إزاره

فدنا فأدرك خمسة الأشبار

يدني خوافق من خوافق تلتقي

في كل معتبط الغبار مثار

والقصيدة كلها في الديوان (1/ 303)، ط. دار صادر، وينظر الشاهد في الجنى الداني (504)، وشرح التصريح (2/ 21)، والمغني (336)، وشرح شواهد المغني (755)، والخزانة (1/ 312).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1255

منها إلى نهاية شقه الأعلى أربعة أشبار]

(1)

بشبره، ومنها إلى نهاية شقه الأسفل أربعة أشبار، ومنها إلى أطراف أصابعه من يديه جميعًا أربعة أشبار، حتى إنه لو رقد على صلبه وفتح ذراعيه ووُضع ضابط في سرته وأدير لكان شبه الدائرة.

قالوا: فما زاد على هذا أو نقص فلآفة عرضت له في الرحم، فإنك تجد من نصفه الأعلى أطول من نصفه الأسفل، ومن نصفه الأسفل أطول من نصفه الأعلى، ومن يده الواحدة أقصر من الأخرى، فإذا تجاوز الصبي أربعة أشبار فقد أخذ في الترقي إلى غاية الكمال.

ويقال: عنى بخمسة الأشبار السيف؛ لأنه الأغلب في السيوف الموصوفة بالكمال.

ويقال: هي عبارة عن خلال المجد على أحسن مذاهب أهل الحد، وهي: العقل والعفة والعدل والشجاعة والشعر، وقيل: بل الوفاء مكان الشعر.

وقال غالب شراح كتب النحو: إن معناه لم يزل منذ نشأ مَهِيبًا فائزًا بالمعالي حتى مات فأقبر في لحد هو خمسة أشبار، وهذا كما ترى بعيد لا يساعده التركيب، ولا هو قريب منه على ما لا يخفى.

3 -

قوله: "كتائب": جمع كتيبة وهو الجيش، ويروى:"يدني خوافق": من خوافق وهي جمع خافقة، وهي الراية، قوله:"معترك العجاج": موضع الحرب، والعجاج: الغبار، قوله:"مثار" بضم الميم وبالثاء المثلثة؛ من أثار يثير، يقال: أثار الغبار يثور ثورًا وثورانا إذا سطع وأثاره غيره.

الإعراب:

قوله: "ما زال" من الأفعال الناقصة، واسمه مستتر فيه، وخبره قوله:"يدني" في البيت الثاني، فلذلك ذكر ابن الناظم البيت الثاني مع أنه لا استشهاد فيه لتعلقه بالأول في المعنى

(2)

.

قوله: "مذ عقدت" مذ ها هنا ظرف مضاف إلى الجملة الفعلية، ودخوله على الجملة الفعلية أكثر من الاسمية، و"يداه": فاعل عقدت، و" إزاره": مفعوله، قوله:"فسمَا": عطف على عقدت.

وقوله: "فأدرك": عطف على فسمَا، وقوله:"خمسة الأشبار" كلام إضافي مفعول أدرك، قوله:"يدني": خبر ما زال، وهو جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى الممدوح.

وقوله: "كتائب": مفعوله، وكلمة:"من": تتعلق بيدني، و"تلتقي": جملة من الفعل

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

انظر شرح الألفية لابن الناظم (145) منشورات ناصر خسرو، إيران.

ص: 1256

والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى كتائب الثاني، والمفعول محذوف تقديره من كتائب تلتقي الأعداء.

وقوله: "في ظل": يتعلق بتلتقي، وأراد بظل المعترك ظل الغبار الساتر من اعتراك الرجال في المعترك، فإن الغبار إذا اشتد يطبق ما بين السماء والأرض فلا يرى لا شمس ولا ضوء فيصير كالظل الكثيف، وهذا لا يكون هكذا إلا من غاية اشتداد الحرب؛ حيث يرتفع الغبار من سنابك الخيول فيملأ مكانها، وقوله:"مثار": صفة للعجاج، ولكن بتقدير زيادة الألف واللام.

الاستشهاد فيه:

في قوله: " [مذ عقدت" حيث أضيف فيه مذ إلى الجملة الفعلية

(1)

، وفيه شاهد آخر وهو قوله: "]

(2)

خمسة الأشبار" حيث جرد الفرزدق المضاف من حرف التعريف، فإنه لا يستعمله هكذا إلا الفصحاء.

وهو حجة على الكوفيين في جوازهم الجمع بين تعريف المضاف باللام والإضافة إلى المعرفة كما قيل: الثلاثة الأثواب، وهو منقول عن عرب غير فصحاء، فإن المسموع تجريد الأول من التعريف؛ كما في قول الفرزدق، وكما في قول ذي الرمة

(3)

:

وَهَلْ يَرجِعُ التسلِيمَ أَوْ يَكْشِفُ العَمَى

ثَلاثُ الأثَافي وَالديَارُ البَلاقِعُ

(4)

"العمى": الإلباس، و"البلاقع" الأرض الخالية، و"الأثافي ": جمع أثفية وهي حجارة تنصب عليها القدر.

‌الشاهد التسعون بعد الخمسمائة

(5)

،

(6)

وَمَا زِلْتُ مَحمُولًا عَلَيَّ ضَغِينَةٌ

وَمضْطَلِعَ الأَضغانِ مُذْ أَنَا يَافِعُ

أقول: قائله هو رجل من سلول، وقيل: قائله هو .....................................

(1)

قال سيبويه: "هذا باب ما يضاف إلى الأفعال من الأسماء .... ومما يضاف إلى الفعل أيضًا قولك: ما رأيته مذ كان عندي، ومذ جاءني". الكتاب لسيبويه (3/ 117)، وينظر الجنى الداني مثلًا (503، 504).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

البيت من بحر الطويل، وهر لذي الرمة، انظر ديوانه (274) بشرح الخطيب التبريزي، وينظر شرح الكافية للرضي (3/ 92).

(4)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 246، 247).

(5)

ابن الناظم (145)، وتوضيح المقاصد (2/ 223).

(6)

البيت من بحر الكامل، وقد اختلف في قائله، فقيل لرجل من سلول، وقيل للكميت بن معروف الأسدي، وهو =

ص: 1257

الكميت بن معروف الأسدي

(1)

، وهو من الطويل.

قوله: "ضغينة" بالضاد والغين المعجمتين، وهو الحقد، قوله:"ومضطلع الأَضْغَانِ" المضطلع بالشيء: القادر عليه المستقل به، والأَضْغَانِ: جمع ضغن بكسر الضاد وهو الحقد.

قوله: "يافع": من أيفع شاذ، والقياس: موفع، واليافع: الذي ناهز الحلم، والمعنى: لم أزل مذ ناهزت الحلم محسدًا مضطلعًا بضغائن الأعداء.

الإعراب:

قوله: "وما زلت": من الأفعال الناقصة، والتاء اسمه، وقوله:"محمولًا عليَّ ضغينة": جملة خبره، وارتفاعِ ضغينة يكون مفعولًا لمحمولًا الذي هو اسم مفعول قد ناب عن الفاعل، قوله:"ومضطلع الأضْغَانِ": كلام إضافي عطف على قوله: "محمولًا"، قوله:"مذ" ها هنا ظرف أضيف إلى الجملة الاسمية وهو قوله: "أنا يافع" لأنه خبر ومبتدأ.

الاستشهاد فيه:

في قوله: " [مذ أنا يافع" حيث أضيف مُذْ إلى الجملة الاسمية

(2)

، وفيه شاهد آخر وهو]

(3)

"محمولًا" حيث ذكره الشاعر وهو فعل المؤنث، وذلك لأن تاء الضغينة تأنيث لفظي، فلذلك قال: محمولًا ولم يقل: محمولة.

‌الشاهد الحادي والتسعون بعد الخمسمائة

(4)

،

(5)

مَا زِلْتُ أَبْغِي الْمال مُذْ أَنَا يَافِعُ

وَلِيدًا وَكَهْلًا حِينَ شِبْتُ وَأَمْرَدا

أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو

= الصحيح، وهو في الكتاب لسيبويه (3/ 117)، وشرح شواهد الإيضاح (345)، والجنى الداني (504)، وديوان الكميت بن معروف (173)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1/ 531).

(1)

هو الكميت بن معروف بن الكميت الأكبر بن ثعلبة الأسدي، أسلم جده في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يلتق به، وقد ذكر الجمحي في طبقات الشعراء الكميت بن معروف وجده، ومن شعره وهو من قصيدة الشاهد قوله:

فقلت له تالله يدري مسافر

إذا أضمرته الأرض ما الله صانع

انظر الخزانة (7/ 524).

(2)

قال سيبويه: "هذا باب ما يضاف إلى الأفعال من الأسماء .... ومما يضاف إلى الفعل أيضًا قولك: ما رأيته مذ كان عندي، ومذ جاءني". الكتاب لسيبويه (3/ 117).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

أوضح المسالك (1/ 154).

(5)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة للأعشى في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان لم ينشدها أمامه، وقد سبق سردها =

ص: 1258

قوله

(1)

:

ألم تَغْتَمِضْ عَينَاكَ لَيلَةَ أَرمَدَا

وَبتَّ كمَا بَاتَ السلِيمُ مُسَهَّدَا

وقد ذكرنا معه جملة أبيات في شواهد المفعول المطلق

(2)

، وبعد البيت المذكور:

2 -

وأبْتَذِلُ العِيسَ المَرَاقِيلَ تَغْتَلِي

مَسَافَةَ مَا بَينَ النُّجَيرِ فَصَرْخَدَا

3 -

ألا أيُّهَذَا السائِلِي أَيْنَ يمَّمَتْ

فإن لَهَا في أَهْلِ يَثْرِبَ موْعِدَا

4 -

فَإنْ تَسأَلِي عَنِّي فَيَارب سَائِلٍ

حَفِي عَنِ الأَعْشَى بهِ حَيثُ أَصْعَدَا

1 -

قوله: "أبغي" أي: أطلب؛ من البغية، و"يافع" قد فسرناه الآن

(3)

، و"الوليد": الصبي، و"الكهل": بعد الثلاثين، وقيل: بعد الأربعين إلى الخمسين، و"الأمرد": الذي ليس في وجهه شعر، وأصله من تمريد الغصن وهو تجريده عن ورقه.

2 -

قوله: "العيس" بكسر العين، جمع أعيس وعيساء، وهي الإبل البيض تخلطها صُفْرة، ويقال: البيض بأعيانها، و"المراقيل": جمع مِرقال بكسر الميم؛ من الإرقال، يقال: أرقل البعير إذا ارتفع عن سيره ومد عنقه ونفض رأسه وضرب بمشافره، قوله:"تغتلي" بالغين المعجمة؛ أي: تبادر وتسرع، و"النُّجَير" بضم النون وفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف؛ موضع بحضرموت، و"صرخد": بلدة بالشام.

4 -

قوله: "حفي "بالحاء المهملة؛ من حفيت به حفاوة، وأنا حفي به إذا ألطفته

(4)

، وحفوته حفوًا وهو أن يسألك فتحرمه، وأحفيت الرجل إحفاء إذا سألته فأكثرت عليه، ومنه قوله تعالى:{إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ} [محمد: 37] أي: يسألكم كثيرا، وحفى حفًا شديدًا في باطن قدميه، وحفيت حفاية وحفوة إذا لم يكن لك نَعْلان أو خفان.

الإعراب:

قوله: "وما زلت" من الأفعال الناقصة، والتاء اسمه -وخبره الجملة أعني قوله:"أبغي المال"، قوله:"مذ أنا يافع" الكلام فيه مثل الكلام في البيت السابق في الإعراب

(5)

.

= وقصتها قبل ذلك، في الشاهد رقم (447) من شواهد هذا الكتاب، وينظر بيت الشاهد في ديوانه (100)، وتذكرة النحاة (589)، وشرح التصريح (2/ 21)، ومغني اللبيب (336)، وشرح شواهد المغني (577)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 216).

(1)

الديوان (100) وما بعدها، ط. دار الكتاب العربي، و (171) شرح وتعليق محمَّد محمَّد حسين.

(2)

ينظر الشاهد رقم (447).

(3)

ينظر الشاهد رقم (590).

(4)

في (أ): وأنا حفي به إذا ألطفته.

(5)

ينظر الشاهد رقم (590).

ص: 1259

والاستشهاد [فيه:

في]

(1)

قوله: "وليدًا": نصب على أنه خبر كان المقدرة تقديره: ومذ كنت وليدًا، المعنى: ما زلت مكتسبًا في حالاتي هذه، وقوله:"وكهلًا": عطف على قوله: "وأمردًا" في التقدير لأن الكهولة بعد الأمردية، والتقدير: وليدًا أو أمردًا أو كهلًا، قوله:"حين شبت": ظرف لقوله: "وكهلًا"

(2)

.

‌الشاهد الثاني والتسعون بعد الخمسمائة

(3)

،

(4)

ربمَا الجَامِلُ المُؤَبَّلُ فيهم

وعَنَاجيجُ بَينَهُنَّ المِهَارُ

أقول: قائله هو أبو دؤاد الجارية بن الحجاج أحد بني برد بن أقصى من أياد

(5)

، وهو من قصيدة من الخفيف، وأولها

(6)

:

1 -

أَوحَشَت من سُرُوبِ قَومي تِعَارُ

فَأَرُومُ فَشَابَةٌ فَالستَارُ

2 -

بَعد مَا كَانَ سِرْبُ قومي حينًا

لهُم الخيلُ كُلُّهَا وَالبحَارُ

3 -

فإلي الدُّور فالمَرَورَات منهُم

فَجَفيرٌ فَناعمُ فَالديَارُ

4 -

فقَدْ أمسَت دِيَارُهُم بَطْنُ فَلْجٍ

وَمَصيرٌ لصَيفهم تعْشَارُ

5 -

رُبّمَا الجاملُ ..............

........................ إلخ

1 -

قوله: "أوحشت" أي: أقفرت، و "السروب": جمع سرب، وهو المال السارح، و"تعار" بكسر [التاء]

(7)

المثناة من فوق، و "أروم" بفتح الهمزة وضم الراء، و "شابة"

(1)

ما بين المعقوفين زيادة للإيضاح.

(2)

ينظر شرح التصريح (2/ 21)، ومغني اللبيب (336).

(3)

ابن الناظم (145)، وتوضيح المقاصد (2/ 193)، وأوضح المسالك (2/ 161)، وشرح ابن عقيل (3/ 33)"صبيح".

(4)

البيت من بحر الخفيف، وهو من قصيدة لأبي دواد الأيادي، وذكر الشارح بعضها، وانظر بيت الشاهد في المغني (137)، وشرح شواهد المغني (405)، والجنى الداني (448)، وشرح التصريح (2/ 22)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 26)، والخزانة (9/ 586، 588).

(5)

هو أبو دواد (بدالين بينهما واو وألف) الإيادي، واسمه جارية بن الحجاج، من شعراء الجاهلية نعته الأصمعي بأنه أحد نعات الخيل المجيدين في الجاهلية مع الطفيل والجعدي، أجاره الحارث بن همام وحماه من أعداء فضرب به المثل لحسن الجوار، ومن شواهده في النحو قوله:(لا أعد الإقتار عدمًا .... ).

وقوله: (أكل امرئ تحسبين امرأ .................. ) انظر الخزانة (9/ 590).

(6)

انظر الأبيات كلها في خزانة الأدب (9/ 586).

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1260

بالشين المعجمة وفتح الباء الموحدة المخففة، و"الستار" بكسر السين المهملة؛ كلها مواضع.

2 -

قوله: "والبحار" أراد بها الريف.

3 -

قوله: "فإلى الدور" بضم الدال؛ جوب تنجاب في الرمل، و"المرورات" بفتح الميم والراءين المهملتين بينهما واو ساكنة، و "الجفير" بفتح الجيم وكسر الفاء، و"ناعم" بالنون وكسر العين المهملة، و"الديار" بكسر الدال؛ كلها أسماء مواضع، وكذلك "بطن فلج" اسم موضع، وهو بفتح الفاء وسكون اللام وفي آخره جيم.

4 -

وكذلك "تعشار" اسم موضع وهو بكسر [التاء]

(1)

المثناة من فوق وسكون العين المهملة وبالشين المعجمة.

5 -

قوله: "الجامل" بالجيم؛ جماعة من الإبل، لا واحد لها من لفظها؛ كذا في شرح ديوان أبي دواد، وقيل: هو جماعة الأجمال؛ كالباقر جمع بقر، قال الجوهري في الجامل: القطيع من الإبل مع رعاته وأربابه، و"المؤبل" بضم الميم وبفتح الهمزة والباء الموحدة المشددة [جمع وابل]

(2)

[يقال: إبل]

(3)

مؤبل إذا كانت للقنية.

قوله: "وعناجيج": الخيول الطوال الأعناق، وهو جمع عنجوج بضم العين والجيمين، قوله:"المهار" بكسر الميم، جمع مهر، وهو ولد الفرس، ويجمع على: أمهار ومهارة -أيضًا-، والأنثى مهرة، والجمع: مُهُر ومهرات.

الإعراب:

قوله: "ربما" كلمة رب قد كُفَّتْ عن العمل بما، و"الجامل" مبتدأ وخبره قوله:"فيهم" و"عناجيج": عطف على الجامل.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ربما" حيث دخلت على رب ما الكافة فكفتها عن العمل، ودخلت على الجملة الاسمية، وهو نادر، ولأجل هذا قال أبو علي: يجب أن تقدر ما اسمًا مجرورًا على معنى شيء، و"الجامل" خبر الضمير محذوفًا

(4)

، وتكون الجملة صفة لما، ويكون التقدير: رب شيء هو الجامل المؤبل. فافهم

(5)

.

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

في (أ): المحذوف.

(5)

ينظر المغني (137)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 172، 174).

ص: 1261

‌الشاهد الثالث والتسعون بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

مَاويّ يَا رَبَّتَمَا غَارَةٍ

شَعْوَاءَ كَاللَّذْعَةِ بِالميسَمِ

أقول: قائله هو ضمرة بن ضمرة النهشلي

(3)

، وبعده

(4)

:

2 -

نَاهَبتُهَا الغُنْمَ عَلَى طَيِّعٍ

أَجْرَدَ كالقِدْحِ من السأْسَمِ

3 -

مَا بَلْ لَستُ بِرعْدِيدَةٍ

أَبْلَخَ وَجَّادٍ عَلَى المعدِمِ

4 -

لا وَأنتْ نَفْسُكَ خَلِيَّتَهَا

لِلْعَامِرِيَّينْ ولَم تُكْلَمِ

وهي من السريع

(5)

.

1 -

قوله: "يا ربتما" ربت بفتح الراء وتشديد الباء وفتح التاء المثناة من فوق، وفيه لغات أحدها هذه، قوله:"غارة": اسم من أغار يغير، و"الشعواء": الفاشية المتفرقة، قوله:"كاللذعة"[بالذال المعجمة والعين المهملة؛ من لذعته النار إذا أحرقته، وإنما اللدغة بالدال المهملة والغين المعجمة]

(6)

فهي الفرصة من لدغ العقرب، و"الميسم" بكسر الميم؛ آلة الوسم وهو المكوى.

2 -

قوله: "طيّع" أي: فرس طيّع ليّن العنان طوع، وأجرد: قصير الشعر، وهو صلب كأنه قدح من خشب من الأبنوس وهو الساسم، ورجل رعديدة ورعديد إذا كان يرعد عند القتال.

3 -

[و"الأبلخ" بالخاء المعجمة؛ المتكبر الفخور، و: "وجّاد" بتشديد الجيم؛ كثير الغضب]

(7)

.

4 -

قوله: "لا وألت" أي: نجت، ومنه الموئل وهو المنجا، قوله:"ولم تكلم" أي: ولم تُجْرَج.

الإعراب:

قوله: "ماوي" منادى مرخم، وأصله: يا ماوية، قوله:"يا ربتما" كلمة يا للتنبيه، وليست للنداء؛ لأنها دخلت على ما لا يصلح أن يكون منادى، ورب دخلت عليها ما، ولم تكفها عن

(1)

ابن الناظم (145).

(2)

البيت من بحر السريع، نسب في مراجعه لضمرة بن ضمرة النهشلي، وانظر بيت الشاهد في الإنصاف (105)، وابن يعيش (8/ 31)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 38)، والخزانة (9/ 384)، واللسان "هيه".

(3)

من شعراء الجاهلية، وله بيت شعر عند النحويين في الابتداء بالنكرة، وهو قوله:(عجيب لتلك قضية .. ) وقصته مشهورة حيث كان ضمرة يبر أمه. الخزانة (2/ 32).

(4)

ينظر شعر بني تميم في العصر الجاهلي (286) جمع وتحقيق د: عبد الحميد محمود المعيني، نشر نادي القصيم الأدبي ط. سابعة (1982 م)، وخزانة الأدب للبغدادي (9/ 384).

(5)

في النسخ من الرجز.

(6)

و

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1262

العمل، ولهذا جرت قوله:"غارة"، و"شعواء": صفة غارة، [قوله: "]

(1)

كاللذعة": جار ومجرور، و"بالميسم": يتعلق به.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ربتما غارة" حيث جرت رب مع دخول "ما" عليها، ولم تكلها عن العمل، قال أبو حيان: كلمة ما زائدة، والتقدير: رب غارةٍ

(2)

، وكذا نص عليه ابن هشام رحمه الله

(3)

.

‌الشاهد الرابع والتسعون بعد الخمسمائة

(4)

،

(5)

وَنَنْصرُ مَوْلانَا ونَعْلَمُ أنَّهُ

كمَا النَّاسِ مَجْرُومٌ عليه وَجَارِمُ

أقول: قائله هو عمرو بن البراقة النبهي

(6)

، وهو من قصيدة ميمية من الطويل، وأولها هو قوله

(7)

:

1 -

تَقُولُ سُلَيمَى لَا تَعَرَّضْ لِتَلْقَة

ولَيلُكَ مِنْ لَيلِ الصعَالِيكِ نَائِمُ

2 -

ألَم تَعْلَمِي أَن الصَّعَالِيكَ نَوْمُهُم

قَلِيلٌ إذا نَامَ الخلِي المُسَالِمُ

3 -

إذَا الليلُ أدْجَى وَاكْفَهَرَّتْ نُجُومُهُ

وصَاحَ مِنَ الإِفْرَاطِ هَامٌ جَوَاثمُ

4 -

وَمَال بِأَصْحَابِ الكَرَى غَلَبَاتُهَا

فَإني عَلَى أَمْرِ الغِوَايَةِ حَازِمُ

5 -

وكَيفَ ينامُ الليلَ مِنْ جُلّ هَمّهِ

حُسَامٌ كَلَونِ الملحِ أبيضُ صَارِمُ

6 -

وكُنتُ إذَا قَوْمٌ غَزَوْني غَزَوْتُهُم

فَهَلْ أنَا فيِ ذا يال هَمْدَانِ ظَالِمُ

7 -

مَتَى تَجْمَعُ القَلْبَ الذكِيَّ وصَارمًا

وأنفًا حَمِيًّا تَجْتِنبكَ المَظَالِمُ

8 -

متَى تَجْمَعِ المال المُمَنّعَ بالقَنَا

تَعِشْ مُثْرِيًا أوْ تَخْتَرِمْكَ المخارِمُ

9 -

كَذَبْتُم وَبَيتُ الله لا تَأْخُذُونَهَا

مُرَاغَمَةً مَا دَام للسيفِ قَائِمُ

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

نصه في الارتشاف (2/ 463)، وتجر ما الزائدة بعد رب الجارة النكرة نحو قوله:(ربما ضرة بسيف صقيل).

(3)

ينظر المغني (137)، وابن يعيش (8/ 31)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 38).

(4)

ابن الناظم (145)، وتوضيح المقاصد (2/ 230)، وأوضح المسالك (2/ 156)، وشرح ابن عقيل (3/ 35)"صبيح".

(5)

البيت من بحر الطويل، وهو لعمرو بن براقة، وهو من قصيدة له في الفخر والشجاعة، حيث أغار على عدو له، واقتص لنفسه واسترد ماله، وانظر بيت الشاهد في أمالي القالي (2/ 122)، وشرح التصريح (2/ 21)، ومغني اللبيب (65)، وشرح شواهد المغني (202)، والخزانة (10/ 207).

(6)

شاعر شجاع فاتك من صعاليك الجاهلية، واسمه عمرو بن منبه، وبراقة اسم أمه، المؤتلف والمختلف (66).

(7)

انظر الأبيات في الأمالي لأبي علي القالي (2/ 122)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (500).

ص: 1263

10 -

إذَا جَرَّ مَولانَا عَلينَا جَريرَةً

صبَرنَا لَهَا إنا كرَامٌ دعَائمُ

11 -

ونَنْصُرُ مَوْلَانَا ..........

................ إلى آخره

12 -

أمُستَبطنٌ عَمرُو بنُ نُعمَانَ غَارَتي

ومَا لَيلُ مَظْلُومٍ إذَا هَمَّ نَائمُ

3 -

قوله: "أدجى": أظلم، قوله:"واكفهرت": من اكفهرّ الرجل إذا عبس، ومنه قول ابن مسعود رضي الله عنه

(1)

: "إذا لقيت الكافر فألقه بوجه مكفهر"

(2)

، و" الهام": جمع هامة وهي الرأس، وهامة القوم: رئيسهم وكبيرهم.

6 -

قوله: "يالَ همدان" أصله: يا آل همدان، حذفت الهمزة للضرورة.

11 -

قوله: "مجروم عليه": من الجرم بالجيم والراء، وهو الذنب، ويروى: كما الناس مظلوم عليه وظالم.

الإعراب:

قوله: "وننصر": جملة من الفعل والفاعل، و "مولانا": مفعوله، و "نعلم": عطف على ننصر، قوله:"أنه" أن واسمها

(3)

، وهو الضمير، وخبرها وهو قوله:"مجروم عليه" سدت مسد مفعولي نعلم، قوله:"كما الناس" دخلت ما على الكاف ولم تكف عملها؛ فلهذا جرت الناس.

والاستشهاد فيه:

وهو ظاهر، والواو في قوله:"وجارم" بمعنى أو، أي: أو جارم

(4)

.

‌الشاهد الخامس والتسعون بعد الخمسمائة

(5)

،

(6)

أَخٌ مَاجِدٌ لَم يُخْزِنِي يومَ مَشْهَدٍ

كمَا سيفُ عمرو لم تَخُنْهُ مَضَاربهْ

أقول: قائله هو نهشل بن حريّ

(7)

، وقبله بيتان آخران، وهما قوله:

(1)

هو عبد الله بن مسعود بن الحارث أبو عبد الرحمن الهذلي المكي (ت 32 هـ) ينظر طبقات القراء (458) وما بعدها.

(2)

الحديث في النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 193). مادة: "كفهر".

(3)

في (أ): أن مع اسمها.

(4)

ينظر شرح التصريح (2/ 21).

(5)

ابن الناظم (145)، أوضح المسالك (2/ 157) بلا نسبة.

(6)

البيت من بحر الطويل من أبيات لنهشل بن حري ورثي أخاه مالكًا، الذي استشهد في موقعة صفين، وانظر بيت الشاهد في شرح التصريح (2/ 22)، وشرح شواهد المغني (502)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 38)، والدرر (4/ 209).

(7)

شاعر إسلامي قُتل أخوه مع علي بن أبي طالب في موقعة صفين، عده ابن سلام في الطبقة الرابعة.

ص: 1264

1 -

أَغَرُّ كَمصْبَاحِ الدُّجُنَّةِ يَتَّقي

قَذَى الزَّادِ حَتَّى تُسْتَفَادَ أطَايِبُهْ

2 -

وهَوَّنَ وَجْدِي عَنْ خَليليَ أنَّني

إذا شئتُ لَاقَيتُ امْرَأً مَاتَ صاحبُهْ

وهي من الطويل يرثي بها نهشل أخاه مالكًا قتل بصفين مع علي رضي الله عنه وكان شجاعًا، ويكنى أبا ماجد.

1 -

قوله: "الدجنة" أي: الظلمة، قوله:"قذى الزاد" بالقاف والذال المعجمة، أراد أنه يزهد فيما يشين أخذه إلى أن يستفيد الطيبات.

3 -

قوله: "ماجد" أي: كريم، قوله:"لم يخزني": من الخزي وهو الذل والهوان، قوله:"يوم مشهد" المشهد بفتح الميم: محضر الناس، وأراد به مشهد صفين؛ يعني: وقعتها، قوله:"كما سيف عمرو" وأراد به: عمرو بن معدي كرب، [وسيفه]

(1)

هو الصمصامة، قوله:"مضاربه": جمع مضرب السيف، وهو نحو من شبر من طرفه، وخيانة السيف: النبوة عند الضربة.

الإعراب:

قوله: "أخ ماجد": مبتدأ تخصص بالصفة وهو قوله: ماجد، وقوله:"لم يحزني": خبره

(2)

، و "يوم مشهد": كلام إضافي منصوب على الظرفية، قوله:"كما سيف" الكاف دخلت عليها ما الكافة فكفتها عن العمل؛ فلذلك ارتفع قوله: "سيف" على الابتداء، وقوله:"لم تخنه": خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كما" حيث كف ما [عمل]

(3)

الكاف الجر كما ذكرنا

(4)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

علق د. سيد تقي (93) على ذلك فقال: "أخ ماجد خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هو أخ ماجد، وقوله: لم يخزني خبر بعد خبر؛ لأن العرب قد جرت عادتهم أن يذكروا الممدوح ثم يعقبونه بذكر أوصاف له، وهذه الأوصاف أخبار لمبتدآت محذوفة كقول الشاعر:

فتى كملت أخلاقه ......

........................ إلى آخره

أي: هو فتى".

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ينظر شرح التصريح (2/ 22).

ص: 1265

‌الشاهد السادس والتسعون بعد الخمسمائة

(1)

،

(2)

بَل بَلَدٍ مِلْءُ الفَجَاجِ قَتَمُهْ

لا يُشْتَرَى كَتَّانُهَ وجَهْرَمُهْ

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز.

قوله: "ملء الفجاج" أي: ملء الطرق، قوله:"قتمه" بفتح القاف والتاء المثناة من فوق، وهو الغبار، وكذلك القتام، قوله:"جهرمه" أراد جهرميه بياء النسبة، والجهرمية: بسط شعر، تنسب إلى قرية بفارس تسمى جهرم، وقال صاحب العين: جعل الجهرم اسمًا بإخراج ياء النسبة منه.

الإعراب:

قوله: "بل بلد" أي: رب بلد، وبلد: مجرور برب المضمرة، قوله:"ملء الفجاج": كلام إضافي خبر عن قوله: "قتمه" فإنه مبتدأ، والجملة في محل الجر؛ لأنها صفة لبلد، قوله:"لا يشترى" على صيغة المجهول، و"كتانه": مفعول ناب عن الفاعل، و"جهرمه": عطف عليه.

الاستشهاد فيه:

على إضمار: "رب" وعملها كما ذكرنا

(3)

.

‌الشاهد السابع والتسعون بعد الخمسمائة

(4)

،

(5)

فَمِثْلكِ حُبلَى قد طَرَقتُ وَمُرْضِعٌ

فَأَلْهَيتُها عن ذي تمائم مُغْيَلِ

أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدته ....................

(1)

ابن الناظم (146)، وتوضيح المقاصد (2/ 231)، وشرح ابن عقيل (3/ 37)"صبيح".

(2)

البيت من بحر الرجز المشطور، لرؤبة بن العجاج، من قصيدة طويلة يمدح فيها أبا العباس السفاح جاء فيها:

لملك في إرث مجد قدمه

من آل عباس تسامى أنجمه

وينظر ديوانه (150)، وينظر المغني (120)، وشرح شواهده (347)، وشرح أبيات المغني (3/ 3)، وشواهد ابن عقيل (155)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (822)، والدرر (1/ 114)، والإنصاف (225)، ورصف المباني (156)، وشرح عمدة الحافظ (273)، وابن يعيش (8/ 105).

(3)

يقول سيبويه: "وإذا أعملت العرب شيئًا مضمرًا لم يخرج عن عمله مظهرا في الجر والنصب والرفع تقول: وبلد تريد: ورب بلد". الكتاب (1/ 106)، المساعد لابن عقيل (2/ 296، 297).

(4)

ابن الناظم (146)، وأوضح المسالك (2/ 162)، وشرح ابن عقيل (3/ 36)"صبيح".

(5)

البيت من معلقة امرئ القيس المشهورة التي سبق الحديث عنها في عدة شواهد، انظر على سبيل المثال الشاهد رقم (448، 537)، وبيت الشاهد في الديوان (12)، والكتاب لسيبويه (2/ 163)، والمغني (136، 161)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 36)، وشرح شواهد المغني (402، 463)، والخزانة (1/ 334)، والدرر (4/ 193)، وروايته في =

ص: 1266

المشهورة التي أولها

(1)

:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

................................

قوله: "فمثلك حبلى" ويروى: فمثلك بكرًا قد طرقت وثيبًا، ويروى: ومرضعًا، ومعنى:"طرقت" أتيتها ليلًا، [قوله: "]

(2)

فألهيتها" أي أشغلتها، يقال: لهيت عن الشيء إذا تركته وشغلت عنه، فالمصدر لَهيًا ولُهيًا ولِهيًا

(3)

، وحكى الرياشي: لهيانًا ولهوت به ألهو لهوًا لا غير.

قوله: "تمائم" هي التعاويذ، واحدتها تميمة وهي العوذ، قوله:"مغيل"[بضم الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الياء آخر الحروف]

(4)

هذه رواية أبي عبيدة والأصمعي.

وقال الأصمعي: هو الذي تؤتى أمه وهي ترضع، يقال: امرأة مُغِيل، ومُغْيَل بكسر الغين المعجمة وسكونها، قد أغالت وأغيلت إذا سقت ولدها غيلًا، والغيل: أن ترضع على حمل، أو تؤتى وهي ترضعه

(5)

.

ويروى: مِحول، وهو الذي يأتي عليه الحول، يقال: حال إذا أتى عليه الحول فهو محيل ومحول، ويقال: إن العرب تقول لكل صغير، محول ومحيل، وإن لم يأت عليه حول، وكان يجب أن يكون محيل مثل مقيم، إلا أنه أخرجه عن الأصل؛ كما يقال: استحوذ، ولو قال: استحاذ لكان جيدًا.

ومعنى البيت أنه ينفق نفسه عليها يقول: إن الحامل والمرضع لا يكادان يرغبان في الرجال وهما يرغبان فيّ لجمالي.

الإعراب:

قوله: "فمثلك": مجرور برب المضمرة، تقديره: رب مثلك، والعرب تبدل من رب الواو، وتبدل من الواو الفاء لاشتراكهما في العطف، ولو روي:(فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعًا) بنصب المثل لكان جيدًا، على أن ينتصب بطرقت، ويعطف مرضعًا عليه؛ إلا أنه لم يرو هكذا.

قوله: "قد طرقت": جواب رب، وأصله: طرقته حذف المفعول للعلم به، و"موضع" بالجر

= الديوان، وكذا في ابن عقيل:(محول)، وأما في الكتاب فروايته:"ومثلك بكرًا قد طرقت وثيبًا".

(1)

ديوان امرئ القيس (8) ط. دار المعارف.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

وجد في الحاشية تعليقا على ذلك: "قول العيني: لهيًا إلى آخره، انظر ما ضبط كل واحدة من الثلاث، وليس في الجوهري إلا لهيًا ولهيانا".

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

القاموس المحيط مادة: "غيل".

ص: 1267

عطف على "فمثلك"، قوله:"فألهيتها": عطف على قوله: "قد طرقت"، والمعنى: فألهيت كل واحدة منهما.

قوله: "عن ذي تمائم" أي: عن صبي ذي تمائم؛ أقام [النعت مقام]

(1)

المنعوت، قوله:"مغيل": صفة لذي تمائم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فمثلك" حيث حذفت

(2)

رب بعد الفاء كما ذكرنا

(3)

.

‌الشاهد الثامن والتسعون بعد الخمسمائة

(4)

،

(5)

وَلَيلٍ كَمَوْجِ البَحْر أَرْخَى سُدُولَهُ

عَلَيَّ بأَنْوَاع الهُمُوم ليبتلي

أقول: قائله هو امرؤ القيس -أيضًا-، وهو -أيضًا- من قصيدته المشهورة التي ذكرنا أولها آنفًا

(6)

.

قوله: "كموج البحر" أي: في كثافة ظلمته، يقال: أظلم كأنه موج البحر إذا تكاثفت ظلمته، قوله:"سدوله" أي: ستوره، يقال: سدلت ثوبي إذا أرخيته ولم تضممه.

قوله: "بأنواع الهموم"[أي: بضروب الهموم، قوله: "]

(7)

ليبتلي" أي: لينظر ما عندي من الصبر والجزع، ويقال: ليختبر، ويقال: ليعذبني، ومعنى البيت: أنه يخبر أن الليل قد طال عليه لما هو فيه.

الإعراب:

قوله: "وليل": مجرور برب المضمرة، أي: رب ليل، وقوله:"كموج البحر": صفته، قوله:"أرخى سدوله": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت صفة لليل

(8)

، والدليل عليه أنه

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): حذف.

(3)

ينظر الجنى الداني للمرادي (75، 76).

(4)

ابن الناظم (146)، توضيح المقاصد (2/ 233)، أوضح المسالك (2/ 163).

(5)

البيت من بحر الطويل، ضمن أبيات معلقة امرئ القيس، وهو في ديوانه (117)، و (81) ط. دار المعارف، وانظره في الخزانة (2/ 326)، وشرح شواهد المغني (574، 782)، وشرح عمدة الحافظ (272)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (763).

(6)

ينظر الشاهد رقم (597).

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

قال د. سيد تقي معلقًا (94): "جملة أرخى سدوله" في محل رفع لأنها خبر لليل الواقع مبتدأ؛ لأن رب زائدة في المبتدأ.

ص: 1268

يروى: "مرخ سدوله"، على وزن اسم الفاعل من الإرخاء.

قوله: "علي": يتعلق بأرخى، قوله:"بأنواع الهموم": يتعلق بقوله: "ليبتلي"، واللام فيه للتعليل، وهي جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى الليل، والمفعول محذوف تقديره: ليبتليني، أي: ليعذبني كما قلنا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وليل" حيث حذف رب بعد الواو كما ذكرنا

(1)

.

‌الشاهد التاسع والتسعون بعد الخمسمائة

(2)

،

(3)

رَسْمِ دَارٍ وَقَفْتُ في طَلَلهْ

كِدْتُ أَقْضِي الحَيَاةَ مِنْ جَلَلهْ

أقول: قائله هو جميل بن معمر، وروى الأصمعي: أقضي الغداة، وبعده

(4)

:

2 -

مُوحِشًا مَا تَرَى به أَحَدًا تنـ

سجُ الريحُ تُربَ مُعْتَدلهْ

3 -

وصَرِيعًا مِنَ الثُّمام تَرَى

عَازفَات المَدَبِّ في أَسَلِهْ

4 -

بَيْن عَلْياء وَابش فَبُليٍّ

فالغَميم الذي إلى جَبَله

(5)

5 -

وَاقِفًا فيِ رِبَاعِ أُمِّ جُسَيْرٍ

[من ضُحَى يَوْمه إِلَى أُصُله

6 -

يا خليلي إن أُمِّ جُسَيْرٍ]

(6)

حين يدنُو الضجيعُ من غَلَلِهْ

7 -

روضةٌ ذاتُ حَنْوَةٍ وخُزَامَى

جادَ فيها الربيعُ منْ سَبَله

8 -

بينمَا نَحْنُ بالأراكِ معًا

إذْ بدَا راكبٌ على جمَلهْ

9 -

فَتَنَظَّرنَ ثُم قُلْنَ لَهَا

أكرميه حُيِّيتِ في نُزُلهْ

10 -

فظللْنا بنعمَةٍ واتكَأْنَا

وَشَرِبنَا الحَلَال بن قُلله

(1)

ينظر شرح شذور الذهب (320 - 322)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 187 - 189)، والمقتضب (2/ 346، 347)، وينظر المساعد (2/ 297).

(2)

ابن الناظم (146)، توضيح المقاصد (2/ 233)، أوضح المسالك (2/ 165).

(3)

البيت من بحر الخفيف، وهو مطلع قصيدة لجميل بثينة في الغزل، نقلها الشارح في كتابه إلا بيتين أخيرين في القصيدة، وانظر ديوانه (188)، وبيت الشاهد في: شرح التصريح (2/ 23)، والمغني (121)، وشرح شواهد المغني (395)، والإنصاف (378)، والأغاني (8/ 94)، والخزانة (10/ 20).

(4)

ديوان جميل بثينة (188 - 190)، تحقيق: د. حسين نصار، مكتبة مطر (1967 م).

(5)

هذا البيت سقط في (أ).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1269

11 -

قد أصُونُ الحَديثَ دونَ خَليلٍ

لا أَخَافُ الأداةَ مِنْ قبَلِهْ

وهي من الخفيف، من عروضه الثانية المحذوفة.

1 -

قوله: "رسم دار" الرسم: ما كان لاصقا بالأرض من آثار الدار كالرماد ونحوه، و"الطلل": ما شخص من آثار الدار، قوله:"من جَلله" بفتح الجيم؛ معناه: من أجله، ويقال: من عِظَمِهِ في عيني كذا فسَّره الجوهري

(1)

.

2 -

و "الترب" بالضم؛ التراب.

3 -

و"الثمام" بضم الثاء المثلثة؛ نبت ضعيف له خوص، و"العازفات": من عزف الريح وهي

(2)

أصواتها، و"الأسل" بفتح الهمزة والسين المهملة؛ شجر، ويقال: كل شوك طويل شوكه أسل، وتسمى الرماح أسلًا.

5 -

و: "الأُصُل" بضمتين؛ جمع أصيل، وهو الوقت بعد العصر.

6 -

قوله: "من غلله" بفتح الغين المعجمة واللام، وهو الماء بين الأشجار.

7 -

قوله: "ذات حنوة" بفتح الحاء المهملة وسكون النون، وهو نبت طيب الريح، قوله:"سبله" بفتح السين المهملة والباء الموحدة، وهو المطر ها هنا، و"السبل": السنبل -أيضًا-.

8 -

قوله: "بالأراك" بفتح الهمزة، وهو شجر من الحمض.

الإعراب:

قوله: "رسم": مجرور برب المضمرة، ولم يتقدمها شيء، لا واو ولا فاء ولا بل، وهو قليل جدًّا، و"دار": مجرورة بالإضافة، قوله:"وقفت": جملة من الفعل والفاعل، و"في طلله": في محل النصب على المفعولية، والجملة في محل الجر على أنها صفة لدار.

قوله: "كدت": من أفعال المقاربة، والتاء اسمه، وقوله:"أقضي الحياة": خبره، والحياة منصوب بأقضي، قوله:"من جلله": يتعلق بأقضي.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "رسم دار" حيث جر رسم برب المضمرة ولم يتقدمها شيء

(3)

.

(1)

الصحاح مادة: "جلل".

(2)

في (أ): وهو.

(3)

ينظر شرح التصريح (2/ 23).

ص: 1270

‌الشاهد المتمم للستمائة

(1)

،

(2)

وَكريمَةٍ مِنْ آلِ قَيسِ أَلفْتُهُ

حتَّى تَبَذَّخَ فارتَقَى الأَعْلامِ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل.

قوله: "وكريمة" أي: رب كريمة، فالهاء للمبالغة لا للتأنيث بدليل قوله:"ألفته وتبذخ وفارتقى"، [قوله: "]

(3)

ألفته" بفتح الهمزة وفتح اللام، معناه: أعطيته ألفًا، [يقال: ألفه يألِفه من باب: ضرَب يضرِب إذا أعطاه ألفًا]

(4)

. وأما: ألِف يألَف من الألفة فهو من باب علم يعلم.

قوله: "تُبَذَّخَ" بفتح [التاء]

(5)

المثناة من فوق وفتح [الباء]

(6)

الموحدة وتشديد الذال المعجمة، وفي آخره خاء معجمة، ومعناه: تكبر وعلا وشرف، يقال: بذِخ بالكسر، من البذخ بفتحتين وهو الكبر، وشرُف باذخ، أي: عال، والبواذخ من الجبال: الشوامخ، قوله:"فارتقى": من الارتقاء وهو الصعود، و"الأعلام": جمع علم وهو الجبل.

الإعراب:

قوله: "وكريمة": مجرور برب المضمرة، قوله:"من آل قيس": في محل الجر؛ صفته؛ أي: كريم كائن من آل قيس، قوله:"ألفته": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وهذه -أيضًا- صفة.

قوله: "حتى" هذه هي الابتدائية التي تبتدأ بعدها الجملة، قوله:"تبذخ": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى كريمة، [قوله: "]

(7)

فارتقى": عطف عليه، قوله: "الأعلام": جرور وإلى المقدرة، تقديره: فارتقى إلى الأعلام، وهذا مختص بالضرورة

(8)

.

والاستشهاد فيه:

هذا البيت مشتمل على أمور متعسفة:

الأول: في قوله: "كريمة" حيث أدخل الهاء فيه للمبالغة قياسًا؛ وذلك لأن أمثلة المبالغة ثلاثة

(1)

ابن الناظم (146)، وشرح ابن عقيل (3/ 40).

(2)

البيت من بحر الكامل، وهو لقائل مجهول، يمدح ويفتخر، وينظر بيت الشاهد في شرح الأشموني (2/ 234)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 36)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (903)، والدرر (4/ 192) واللسان:"ألف".

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

و

(5)

و

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

همع الهوامع للسيوطي (2/ 36)، وحاشية الصبان (2/ 234).

ص: 1271

وهي: فعالة كنسابة، وفعُولة كفروقة، ومفعالة كمهذارة، وهذا ليس منها.

والثاني: حذف التنوين من "قيس" للضرورة.

والثالث: حذف إلى من قوله: "الأعلام".

‌الشاهد الأول بعد الستمائة

(1)

،

(2)

ربمَا ضَربَةٍ بِسَيفٍ صَقِيلٍ

بَينَ بُصْرَى وَطَعْنَةٍ نجلاءِ

أقول: قائله هو عدي بن الرعلاء الغساني

(3)

، وهو من قصيدة هو أولها، وبعده قوله

(4)

.

2 -

وغَمُوسٍ تضِلُّ فِيهَا يَدُ الأسِي

وأَعْيَتْ طَبِيبَهَا بالشِّفَاءِ

3 -

رفَعُوا رايَةَ الضِّرَابِ وَقَالُوا

لَيَذُودَنَّ سَامرُ المللْحَاءِ

وهي من الخفيف وفيه التشعيث

(5)

، فإن نجلاء وزنه مفعولن، وهو مشعث.

قوله: "بين بصرى" ويروى: دون بصرى، وهو الأصح، أي: عند بصرى، وهو بضم الباء الموحدة؛ بلد بالشام وهي كرسي جوران، و"نجلاء" بفتح النون وسكون الجيم، يقال: طعنة نجلاء؛ أي: واسعة بينة النخيل والنجل، بالتحريك سعة شق العين.

الإعراب:

قوله: "ربما" كلمة رب دخلت عليها ما الكافة ولكنها ما كفتها ها هنا عن العمل؛ ولهذا جرت ضربة، وقوله:"بسيف": يتعلق بضربة، و"صقيل": صفة بمعنى مصقول، قوله:"بين بصرى" أي: بين جهات بصرى، فاكتفى بالمفرد؛ إذ كان مشتملًا على أمكنة، وهو نصب على الظرف، قوله:"وطعنة" بالجر عطف على قوله: "ضربة"، قوله:"نجلاء": صفتها.

(1)

توضيح المقاصد (2/ 230)، وأوضح المسالك (2/ 155).

(2)

البيت من بحر الخفيف، وهو لعدي بن الرعلاء الغساني؛ كما ذكر الشارح، وهو في الفخر بالشجاعة، وانظره في المغني (137)، والخزانة (9/ 582)، والدرر (4/ 205)، وشرح التصريح (2/ 21)، وشرح شواهد المغني (725)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 38).

(3)

شاعر جاهلي، والرعلاء اسم أمه، اشتهر بها، وهو صاحب البيتين المشهورين:

(ليس من مات فاستراح بميت ..... )

انظر خزانة الأدب (9/ 586).

(4)

انظر هذه الأبيات وغيرها في الخزانة (9/ 583).

(5)

التشعيث معناه: حذف أول الوتد المجموع، فمثلا: فاعلاتن تصير: فالاتن (مفعولن).

ص: 1272

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ربما ضربة" حيث دخلت [ما]

(1)

على رب ولم تكلها عن العمل، وهو قليل

(2)

.

‌الشاهد الثاني بعد الستمائة

(3)

،

(4)

ربما أَوْفَيتُ في عَلَمٍ

تَرفَعَنْ ثَوْبي شَمَالاتُ

أقول: قائله هو جذيمة الأبرش، وهو جذيمة بن مالك بن فهم الأزدي المعروف بالوضاح، وكان به برص فكَنَّتْ العرب عنه بالوضاح، والأبرش إعظامًا له، وقيل إن قائله: تأبط شرًّا، وهو غلط، وبعد هذا البيت

(5)

:

2 -

في فُتُوٍّ أنا رَائبُهُم

منْ كَلالِ غَزْوَةٍ ماتُوا

3 -

ليت شِعْري ما أَماتَهُمُ

نحنُ أَدْلَجْنَا وهم باتُوا

4 -

ثُمَّ أُبْنَا غَانِمِينَ وكم

من أُنَاسٍ قَبلَنا فاتُوا

وهي من المديد.

1 -

قوله: "أوفيت" أي: نزلت، وأصله من أوفى على الشيء إذا أشرف، قوله:"في علَم" بفتح اللام، وهو الجبل، قوله:"شمالات" بفتح الشين المعجمة، وهو جمع شمال، وهي الريح التي تهب من ناحية القطب.

وفيه خمس لغات: شَمْل بسكون الميم، وشمَل بالتحريك، وشمال بلا همز، وشمأل بالهمز، وشأمل مقلوب منه، وربما جاء بتشديد اللام.

2 -

قوله: "في فتو" ويروى: في شباب، قوله:"أنا رائبهم"، ويروى: أنا كالئهم؛ من كلأ إذا حرس، والأولى من ربأت القوم ربئًا، وارتبأتهم؛ أي: رقبتهم، وذلك إذا كنت لهم طليعة فوق شرف.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(2)

ينظر المغني (137)، وابن يعيش (8/ 31)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 38).

(3)

أوضح المسالك (2/ 159).

(4)

البيت من بحر المديد، وقائله جذيمة بن الأبرش، وهو في الفخر بالحذر والشجاعة، وانظره في الكتاب (3/ 518)، والمقتضب (3/ 15)، وابن يعيش (9/ 40)، وشرح المقدمة الجزولية الكبير (3/ 1102)، وشرح شواهد المغني (134، 345)، والتصريح (2/ 22، 206)، وهمع الهوامع (2/ 78).

(5)

ينظر الأبيات في خزانة الأدب (11/ 404)، وشرح شواهد المغني (395).

ص: 1273

3 -

قوله: "ما أماتهم" ويروى: ما أطاف بهم.

الإعراب:

قوله: "ربما" ما في رب كافة، و"أوفيت": جملة من الفعل والفاعل، و"في علم": يتعلق به، وفي ها هنا بمعنى على؛ كما في قوله تعالى:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71].

قوله: "ترفعن" أصل: ترفع، زيدت فيه نون التأكيد الخفيفة للضرورة، وهو فعل مضارع، و"شمالات": فاعله، و"ثوبي": مفعوله، والجملة في محل الجر؛ لأنها صفة لقوله: علم

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ربما" فإن ما دخلت على رب وكفتها عن العمل، ودخلت على الجملة الفعلية

(2)

.

وفيه استشهاد آخر غير مقصود ها هنا: وهو دخول نون التأكيد في الواجب فافهم

(3)

.

‌الشاهد الثالث بعد الستمائة

(4)

،

(5)

بَلْ مَهْمَهٍ قَطَعْتُ بَعْدَ مَهْمَهٍ

................................

أقول: قائله هو رؤبة، وقيل: العجاج والد رؤبة، ولم أجده في ديوانه، وهو من قصيدة مرجزة.

و"المهمه": المفازة البعيدة الأطراف، ويجمع على مهامه.

الإعراب:

قوله: "بل مهمه" أي: بل رب مهمه، فحذفت رب، وبقي عملها، وهذا بعد بل قليل

(6)

،

(1)

قال الدكتور سيد تقي معلقًا: "الظاهر أن جملة ترفعن في محل نصب على الحالية من التاء في أوفيت، والرابط ضمير المتكلم في ثوبي، أما جعل الجملة صفة لعلم فمدفوع بخلوها من الضمير العائد إلى المنعوت".

(2)

ينظر الكتاب (3/ 518)، والمقتضب (3/ 15)، وابن يعيش (9/ 40).

(3)

قال سيبويه: "وقال الشاعر جذيمة الأبرش: (البيت)، وزعم يونس أنهم يقولون: ربما تقولن ذاك، وكثر ما تقولن ذاك؛ لأنه فعل غير واجب" الكتاب (3/ 517، 518). وينظر ارتشاف الضرب (1/ 304، 305)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (3/ 1403، 1404).

(4)

أوضح المسالك (2/ 164).

(5)

البيت من بحر الرجز المشطور، نسب للعجاج، وهو في ديوانه (2/ 368)، بتحقيق د. عبد الحفيظ السطلي؛ كما نسب لابنه رؤبة وهو في ديوانه (166)، بتحقيق: وليم بن الورد، برواية:

ومهمه أطرافه في مهمه

...........................

وانظره في الخزانة (7/ 549)، وشرح شواهد الشافية (202)، واللسان:"بلل".

(6)

الجنى الداني للمرادي (237)، وينظر (75، 76).

ص: 1274

وفيه الاستشهاد.

قوله: "قطعت": فعل وفاعل والمفعول محذوف، أي: قطعتها، والجملة في محل الجر [لأنها]

(1)

صفة مهمه، و"بعد": نصب على الظرف، و"مهمه": مجرور بالإضافة.

‌الشاهد الرابع بعد الستمائة

(2)

،

(3)

وَقاتِمِ الأعْمَاقِ خَاوي المُخْتَرَقْن

...................................

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وقد استوفينا الكلام فيه في شواهد الكلام في أول الكتاب

(4)

.

والاستشهاد فيه:

في قوله: "وقاتم" فإن "رب" مضمرة فيه بعد الواو؛ أي: ورب قاتم الأعماق

(5)

.

‌الشاهد الخامس بعد الستمائة

(6)

،

(7)

فَإنَّ الحُمُرَ مِن شَرِّ المَطَايَا

كَمَا الحبَطَاتُ شَرّ بَنِي تَمِيمِ

أقول: قائله هو زياد الأعجم، وقبله بيتان آخران وهما:

1 -

لَعَمْرُكَ إننِي وَأَبَا حَمِيدٍ

كَمَا النَّشْوَانُ والرَّجُلُ الحَلِيمُ

2 -

أُرِيدُ حَيَاتَهُ ويُرِيدُ قَتْلِي

وَأَعْلَمُ أنَّهُ الرجُلُ اللئِيمُ

وهي من الوافر وفيه العصب والقطف.

قوله: "فإن الحمر" بضم الحاء المهملة وسكون الميم؛ جمع حِمار، وهكذا وجدته مضبوطًا

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(2)

شرح ابن عقيل على الألفية (3/ 36)"صبيح".

(3)

البيت من بحر الرجز لرؤبة بن العجاج هو أول قصيدته، وقد سردها الشارح كاملة في الشاهد الرابع من هذا الكتاب، وهي قصيدة يصف فيها مفازة، وبيت الشاهد في الكتاب (4/ 210)، وشرح التسهيل (1/ 11)، والدرر اللوامع (2/ 38، 104)، والخصائص (1/ 228)، والمنصف (2/ 3، 308)، والمحتسب (1/ 86)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (764).

(4)

ينظر الشاهد رقم (4) من هذا البحث.

(5)

ينظر شرح شذور الذهب (320 - 322)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 187 - 189)، والمقتضب (2/ 346، 347)، والمساعد (2/ 297).

(6)

شرح ابن عقيل (3/ 32)"صبيح".

(7)

البيت من بحر الوافر، ثالث أبيات ثلاثة لزياد بن الأعجم، وهو في ديوانه (97)، وانظر بيت الشاهد في خزانة الأدب (10/ 204)، والأشموني (2/ 231).

ص: 1275

في نسخة صحيحة لأبي علي الفارسي، أعني: التذكرة، ووجدت في موضع آخر: فإن الخمر بفتح الخاء المعجمة، وهي التي تشرب، وهذا أقرب، وإن كان ذلك أصوب، وقد شبه الخمر بالمطية التي لا خير فيها، ووجه التشبيه حصول الشر من كل منهما.

قوله: "الحبطات": جمع حبط، وكان الحرث بن عمرو بن تميم يسمى الحبط؛ لأنه كان في سفر فأكل من الذرق وهو الحندقوق وانتفخ بطنه فسموه حبطًا؛ أخذًا من الحبط وهو أن ينتفخ بطن الماشية من أكل الحندقوق، ثم سُمي أولاده كلهم حبطات.

الإعراب:

قوله: "فإن الخمر" الفاء للعطف، وإن [حرف]

(1)

من الحروف المشبهة بالفعل، و"الخمر": اسمها، و "من شر المطايا": خبرها، قوله:"كما الحبطات" الكاف للتشبيه، دخلت عليها ما الكافة فكفتها عن العمل، فالحبطات مرفوع على الابتداء، وخبره:"شرَّ بني تميم".

والاستشهاد فيه: وهو ظاهر.

‌الشاهد السادس بعد الستمائة

(2)

،

(3)

...........................

لَبِمَا قَدْ تُرَى وَأَنْتَ خَطِيبُ

أقول: قائله مجهول، وصدره:

فَلَئن صِرْتَ لَا تُحِيرُ جَوَابًا

....................................

(4)

وهو من الخفيف.

قوله: "لا تحير جوابًا" من أحار يحير، يقال: كلمته فلم يحر جوابًا؛ أي: لم يرده، وفي حديث سطح

(5)

"فَلَم يُحِرْ جَوَابًا" أي: لم يرجع أو لم يرد، وفي الحديث

(6)

: "مَنْ دعا رَجُلًا بالكُفْر ولَيس كَذلكَ حَارَ عَلَيه" أي: رجع إليه ما نسب إليه.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(2)

توضيح المقاصد (2/ 228).

(3)

البيت من بحر الخفيف، وقد نسب لصالح بن عبد القدوس في الخزانة (10/ 221، 222)، ولمطيع بن إياس في أمالي القالي (1/ 271)، وشرح شواهد المغني (720)، وانظره في المغني (310)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 38).

(4)

روايته في (ب):

(ولئن صرت ..........

................................ )

(5)

و

(6)

الحديث في "النهاية في غريب الحديث والأثر"(1/ 458).

ص: 1276

الإعراب:

قوله: "فلئن" الفاء إما للعطف وإما لغيره، على حسب ما تقدمه من الكلام، واللام للتأكيد، و"إن" للشرط، قوله:"صرت" جملة من الفعل والفاعل، فعل الشرط.

قوله: "لا تحير": جملة وقعت خبر صرت والتاء اسمه، قوله:"جوابًا": نصب على أنه مفعول لقوله: "لا تحير" وقيل: إنه نصب على التمييز، أي: من حيث الجواب، أو على التعليل.

قلت: هذه لا تستقيم ها هنا، إلا أن يجعل لا تحير من حار يحير حيرة، وإما من أحار يحير كما ذكرنا فهو مفعول، والمعنى ها هنا على هذا.

قوله: "لبما قد ترى": جواب الشرط، والباء حرف جر دخلت عليه ما الكافة عن عمل الجر، ذكره ابن مالك، وقال

(1)

: إن ما الكافة أحدثت مع الباء معنى التعليل؛ كما أحدثت في الكاف معنى التعليل؛ كما في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 198]

(2)

، قوله:"قد ترى" على صيغة لمجهول؛ أي: قد تظن، قوله:"وأنت خطيب": جملة اسمية وقعت حالًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لبما" وقد ذكرناه مستوفًى.

‌الشاهد السابع بعد الستمائة

(3)

،

(4)

لَعَمرُكَ إننِي وَأَبَا حُمَيدٍ

كَمَا النَّشْوَانُ والرَّجُلُ الحَلِيمُ

أقول: قائله هو زياد الأعجم، وقد ذكرناه عن قريب. المعنى ظاهر

(5)

.

الإعراب:

قوله: "لعمرك": مبتدأ، وخبره محذوف؛ أي: لعمرك يميني أو قسمي، قوله:"إنني" إن من الحروف المشبهة بالفعل، واسمه ضمير المتكلم، وخبره: النشوان.

قوله: "وأبا حميد": كلام إضافي عطف على اسم إن، قوله:"كما النشوان" الكاف للتشبيه

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 172).

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 172، 173).

(3)

توضيح المقاصد (2/ 229).

(4)

البيت من بحر الوافر، من أبيات ثلاثة لزياد بن الأعجم، وهو في ديوانه (97)، وانظر بيت الشاهد في خزانة الأدب (10/ 204)، والأشموني (2/ 231)، والجنى الداني (481)، والمغني (178).

(5)

ينظر الشاهد رقم (605).

ص: 1277

دخلت عليها ما الكافة عن العمل؛ فلذلك رفع النشوان على الخبر

(1)

، ويروى: لكالنشوان؛ فعلى هذا لا استشهاد فيه، قوله:"والرجل" بالرفع عطف على النشوان، والحليم صفته.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كما النشوان" وهو ظاهر، وقد أجاز بعضهم أن تكون ما مصدرية على مذهب من أجاز وصلها بالاسمية

(2)

.

‌الشاهد الثامن بعد الستمائة

(3)

،

(4)

فَحُورٍ قدْ لَهَوْتُ بِهن عِينٍ

...............................

أقول: قائله هو المتنخل، واسمه مالك بن عويمر بن عثمان بن حبيش بن عادية بن صعصعة بن كعب بن طانجة بن لحيان بن هذيل، وكنيته أبو أشيلة، وتمامه:

..........................

نواعم في المُرُوطِ وفي الرياطِ

وهي من قصيدة طائية، قال الأصمعي: هذه أجود طائية قالتها العرب، وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

عَرَفْتُ بأَجْدُثٍ فَنِعَافِ عِرْقٍ

عَلاماتٍ كَتَحْبِيرِ النمَاطِ

2 -

كَوَشْمِ المِعْصَمِ المُغْتَالِ عُلَّتْ

نوَاشِرُهُ بِوَشْم مُستَشَاطِ

3 -

ومَا أنْتَ الغدَاةَ وذِكْرُ سَلْمَى

وأَضْحَى الرأْسُ مِنْكَ إلَى اشْمِطَاطِ

4 -

كأن عَلَى مَفَارِقِهِ نَسِيلًا

مِن الكتَّانِ يُنْزَعُ بالمِشَاطِ

5 -

فإما تُعْرِضَنَّ أُمَيمُ عَنِّي

ويَنزَغُكِ الوشَاة أولُو النَّبَاطِ

6 -

فحُورٍ قَدْ لَهَوْتُ .........

........................... إلخ

7 -

لَهَوْتُ بِهِنَّ إذْ مَلَقِي مَلِيحٌ

وإذْ أنَا فيِ المخيَلَةِ والشطَاطِ

وهي من الوافر.

(1)

في (أ): على الخبرية.

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 171)، والمغني بحاشية الأمير (1/ 152).

(3)

توضيح المقاصد (2/ 232).

(4)

البيت من بحر الوافر، من قصيدة في الغزل، وقائلها المتنخل الهذلي، واسمه مالك بن عويمر، وهي في ديوان الهذليين (2/ 18)، وبيت الشاهد في ابن يعيش من (2/ 118)، والمعجم المفصل في شواهد العربية (4/ 159)، وأمالي الشجري (1/ 143، 366)، والأشموني (2/ 332).

(5)

انظر ديوان الهذليين (2/ 18)، ط. دار الكتب المصرية، والجنى الداني للمرادي (75، 76).

ص: 1278

1 -

قوله: "بأجدث" بفتح الهمزة وسكون الجيم وضم الدال وفي آخره شاء مثلثة، ويروى: بالحاء المهملة، فأجدث وأحدث كلاهما موضع، قوله:"فنعاف" بكسر النون وبالعين المهملة وفي آخره فاء، وهو جمع نعف، وهو ما انحدر من الجبل وارتفع عن مسيل الوادي، وأراد بنعاف عرق طريق مكة، قوله:"كتحبير النماط" التحبير -بالحاء المهملة الوشي والتزيين، والنماط كسر النون: جمع نمط، أي: كأن هذه الديار وشي النماط.

2 -

قوله: "كوشم المعصم" المعصم: موضع السّوَار من المرأة، و"الوشم": النقش، و"المغتال" بالغين المعجمة؛ أي: الممتلئ من لحم وشحم، قوله:"علت": من العلل" أي: علّتها مرة بعد مرة.

و"النواشر": عروق باطن الذراع، قوله:"مستشاط" أي: طلب منه أن يستشيط فاستشاط هذا الوشم؛ أي: ذهب فتفشى واتسع، ومنه: استشاط غضبًا أي: امتلأ، والحاصل أنه طار كل مطر وانتشر.

قوله: "إلى اشمطاط" وهو اختلاط البياض بالسواد، وكل خليط شميط، قوله:"نسيلا" وهو ما نسل منه إذا سرح بالمشط، فشبه الشيب ببياضه، و"المِشاط" بكسر الميم؛ جمع مشط.

5 -

قوله: "أميم" يعني: يا أميمة، قوله:"ينزغك" بالغين المعجمة، أي: يؤذيك ويقرصك، [قوله: "]

(1)

أولو النباط": الذين يستنبطون الأخبار والأحاديث ويستخرجونها.

6 -

قوله: "فحور" بضم الحاء المهملة؛ جمع حوراء وهي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها.

7 -

قوله: "لهوت": من لهوت بالشيء ألهو لهوًا إذا لعبت به، قوله:"عين" بكسر العين المهملة، جمع عيناء وهي الواسعة العين، قوله:"نواعم": جمع ناعمة، و"المروط": جمع مِرط بكسر الميم، وهو إزار له علم، و:"الرياط": جمع رِيطة بكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف، وهي الملحفة التي ليست بملفقة.

الإعراب:

قوله: "فَحُورٍ" أي: رب حور، والجر فيه برب المضمرة، قوله:"قد لهوت بهن": جملة معترضة دين الصفة والموصوف، وذلك لأن عينًا صفة للحوراء.

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في (أ).

ص: 1279

الاستشهاد فيه:

على إضمار رب بعد الفاء.

‌الشاهد التاسع بعد الستمائة

(1)

،

(2)

بَدَا لِي أنِّي لَستُ مُدْركَ ما مضى

وَلَا سَابِقٍ شيئًا إِذَا كَانَ جَائِيَا

أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، وقد مَرّ الكلام فيه مستوفى في شواهد إن وأخواتها

(3)

.

الاستشهاد فيه ها هنا:

في قوله: "ولا سابق" فإنه مجرور بالباء المقدرة عطفًا على خبر ليس، على توهم إثبات الباء فيه، هذا إذا روي بالجر، وقد روي بالنصب -أيضًا- عطفًا على اللفظ؛ فحينئذ لا استشهاد فيه.

‌الشاهد العاشر بعد الستمائة

(4)

،

(5)

ألا رجلٍ جَزَاهُ اللهُ خيرًا

.................................

أقول: قائله هو رجل من أهل البادية، وتمامه:

...........................

يدُلُّ عَلَى مُحَصِّلةٍ تَبِيتُ

وقد مَرّ الكلام فيه مستوفى في شواهد لا التي لنفي الجنس

(6)

.

الاستشهاد فيه ها هنا:

في قوله: "رجل" فإنه مجرور بمن مقدرة تقديره: ألا من رجل، وأكثر الروايات: ألا رجلًا بالنصب، أي: ألا تروني رجلًا، وقد ذكرناه

(7)

.

(1)

توضيح المقاصد (2/ 235).

(2)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة لزهير يذكر فيها النعمان بن المنذر حين طلبه كسرى ليقتله، ويذكر في القصيدة بأن كل شيء سيغني، وانظر القصيدة في ديوان زهير (284) ط. دار الكتب، وقد سبق الشاهد برقم (282).

(3)

ينظر الشاهد رقم (282)، وأشعار الستة الجاهليين (1/ 343)، وديوان زهير (286)، ط. دار الكتب.

(4)

توضيح المقاصد (2/ 235).

(5)

البيت من بحر الوافر، وهو لعمرو بن قعاس المرادي، وانظره في الكتاب لسيبويه (2/ 308)، والخزانة (3/ 51)، وشرح شواهد المغني (214)، وأمالي ابن الحاجب (167)، وتخليص الشواهد (415)، وشرح الأشموني (2/ 16).

(6)

ينظر الشاهد رقم (323).

(7)

ينطر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 224)، وينظر الشاهد رقم (323).

ص: 1280

‌الشاهد الحادي عشر بعد الستمائة

(1)

،

(2)

............................

وَلِلطيرِ مَجرَى وَالجُنُوبِ مَصَارِعُ

أقول: قائله هو قيس بن ذريح، والأصح أن قائله هو البعيث، وهو خداش بن بشر الدارمي، وصدره:

ألَا يَا لَقَوْمِ كُل مَا حُمَّ وَاقِعٌ

................................

وهو من الطويل.

قوله: "كل ما حُمَّ" بضم الحاء وتشديد الميم، معناه: كل ما قدر واقع، قال الجوهري: حُم الشيء وأُحِمّ؛ أي: قُدِّرَ فهو محموم

(3)

قوله: "والجنوب": جمع جنب، و"المصارع": جمع مصرع؛ من صرعته صَرعًا وصِرعًا بالفتح لتميم، والكسر لقيس.

الإعراب:

قوله: "ألا" للتنبيه، وقوله:"يا لقوم" يا حرف نداء، و"لقوم": منادى مضاف، وأصله: قومي، فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة التي فيما قبلها، واللام فيه للاستغاثة، وهي من اللامات الزائدة للتوكيد.

قوله: "كل ما حُم": كلام إضافي [مبتدأ]

(4)

، وقوله:"واقع": خبره، قوله:"وللطير مجرى": جملة من المبتدأ، وهو قوله:"مجرى" و [الخبر]

(5)

وهو قوله: "للطير".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "والجنوب مصارع" حيث جاء قوله: " [والجنوب]

(6)

بالجر، مع أنه خبر عن قوله:"مصارع"؛ لأنه عطف على قوله: "وللطير" بحرف مقدر تقديره: وللجنوب مصارع

(7)

.

(1)

توضيح المقاصد (2/ 237).

(2)

البيت من بحر الطويل، نسبه العيني في الشرح لقيس بن ذريح، أو لخداش الدارمي، وانظره في الدرر (6/ 153)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 139)، واللسان:"حمم"، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (521).

(3)

الصحاح مادة: "حمم".

(4)

ما بين المعقوفتين سقط في (أ).

(5)

و

(6)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(7)

همع الهوامع للسيوطي (2/ 139)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 190).

ص: 1281

‌الشاهد الثاني عشر بعد الستمائة

(1)

،

(2)

مَا لِمُحِبٍّ جَلَدٌ أنْ يَهْجُرَا

وَلَا حَبِيبٍ رَأْفَةٌ فَيَجْبُرَا

أقول: لم أقف على اسم راجزه.

قوله: "جلَد" بفتح اللام؛ أي: قوة، وأصل الجلد الصلابة والجلادة، تقول منه: جلُد الرجل بالضم فهو جلد وجليد بيِّن الجلد والجلادة والجلودة، قوله:"يهجرا": من الهجر، وهو ضد الوصل، وقد هجره هجرًا وهجرانًا، و"الرأفة": الرحمة والشفقة؛ من رَؤُف يرؤُف، وأصل:"الجبر" أن تغني الرجل من فقر، أو تصلح عظمه من كسر.

الإعراب:

قوله: "ما لمحب جلد" كلمة ما بمعنى ليس، "وجلد" اسمها "ولمحبٍّ": مقدمًا خبرها، قوله:"أن يهجرا" أي: لأن يهجر؛ فأن مصدرية، والتقدير: ما لمحب قوة للهجران.

قوله: "ولا حبيب" أي: وليس لحبيب رأفة، وارتفاع رأفة بكونها اسم لا، "ولحبيب" مقدمًا خبره، قوله:"فيجبرا" بنصب الراء بتقدير أن بعد الفاء، أي: فأن يجبرا، والألف فيه للإشباع، وكذلك في قوله:"أن يهجرا"، والمفعول محذوف تقديره: فيجبره؛ أي: المحب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولا حبيب" حيث جاء مجرورًا لكونه عطفًا على قوله: "لمحب" بحرف منفصل وهو قوله: "لا" تقديره: ولا لحبيب رأفة؛ كما ذكرناه فافهم

(3)

.

‌الشاهد الثالث عشر بعد الستمائة

(4)

،

(5)

إذَا قيلَ أَيُّ النَّاس شَرُّ قَبيلَةٍ

أَشَارَتْ كُلَيبٍ بالأَكُفِّ الأَصَابع

أقول: قائله هو الفرزدق، وقد مَرّ الكلام فيه مستوفًى في .............................

(1)

توضيح المقاصد (2/ 237).

(2)

البيتان من بحر الرجز، وهما لقائل مجهول، وانظرهما في الأشموني (2/ 274)، والدرر (199)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 37)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1159).

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 190)، والمساعد (2/ 298).

(4)

توضيح المقاصد (2/ 51)، شرح ابن عقيل (3/ 39)"صبيح".

(5)

البيت من بحر الطويل من قصيدة للفرزدق في الفخر بعد أن سرد مآثر آبائه، انظر ديوان الفرزدق (1/ 418) طبعة دار صادر، وتخليص الشواهد (504)، والخزانة (9/ 113) والدرر (4/ 191)، وشرح التصريح (1/ 312)، =

ص: 1282

شواهد تعدي الفعل ولزومه

(1)

.

الاستشهاد فيه ها هنا:

في قوله: "كليب" فإنه مجرور بإلى القدرة، والتقدير: أشارت إلى كليب، قال ابن مالك: ولا خلاف في شذوذ هذا الجر

(2)

.

‌الشاهد الرابع عشر بعد الستمائة

(3)

،

(4)

أَلا رُبَّ مَوْلُودٍ وَلَيسَ لَهُ أَبٌ

وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلِدَهُ أَبَوَانِ

أقول: قائله هو رجل من أزد السراة، وحكى أبو علي الفارسي أن قائله هو عمرو الجنبي

(5)

، وإنه لقي امرأ القيس في بعض المفاوز، فسأله فقال له: عمرو: عجبت لمولود البيت، فأجابه امرؤ القيس: فذاك رسول الله عيسى ابن مريم وآدم عليهما السلام، وبعده بيتان آخران وهما

(6)

.

2 -

وَذِي شامَةٍ غَرّاءَ فيِ حُرِّ وجهِهِ

مُجَلَّلَةٍ لا تَنْقَضي لأوَانِ

3 -

وَيَكْمُلُ في خَمْسٍ وتِسْعٍ شَبَابُهُ

وَيَهْرَمُ فيِ سَبْعٍ مَعًا وَثَمَانِ

وهي من الطويل.

قوله: "رب مولود وليس له أب" أراد به عيسى - صلوات الله عليه وسلامه -

(7)

، وأراد بـ:"ذي ولد لم يلده أبوان" آدم عليه السلام، ويقال: أراد به القوس، وولده السهم لم يلده أبوان؛ لأنه لا يتخذ القوس إلا من شجرة واحدة مخصوصة.

وقيل: أراد بذي الولد البيضة، وأراد بذي شامة غراء إلخ القمر؛ فإنه ذو شامة، وهي المسحة التي فيه، يقال: إنها من أثر جناح جبريل عليه السلام لما مسحه.

= وشرح شواهد المغني (2/ 178)، والمغني (61)، والهمع (2/ 36).

(1)

ينظر الشاهد رقم (421).

(2)

قال ابن مالك نصًّا في شرح التسهيل (2/ 150): "ولا خلاف في شذوذ حذف حرف الجر، وبقاء عمله كقول الشاعر: وحكى بيت الشاهد، ثم قال: ومثله (حتى تبذخ فارتقى الأعلام) فحذف إلى وأبقى الضمير".

(3)

أوضح المسالك (2/ 145).

(4)

البيت من بحر الطويل، لرجل من أزد السراة في شرح التصريح (2/ 18)، وشرح شواهد الإيضاح (257)، وشرح شواهد الشافية (22)، والكتاب لسيبويه (2/ 266)، والخزانة (2/ 381)، والدرر (1/ 173)، وشرح شواهد المغني / (398)، والجنى الداني (441)، والخصائص (2/ 333)، وابن يعيش (9/ 126)، والهمع (1/ 54).

(5)

انظر التكملة للفارسي (190) تحقيق: كاظم بحر المرجان، ط. عالم الكتب.

(6)

خزانة الأدب (2/ 382)(هارون)، وشرح شواهد المغني (398).

(7)

في (أ): صلى الله عليه وسلم.

ص: 1283

وأراد بكمال شبابه: "في خمس وتسع": تبدره ليلة الرابع عشر، وذلك لأنه في ذلك الوقت في غاية النهاية من النور والبهاء؛ كما أن الشاب في غاية قوته وحسن منظره في عنفوان شبابه، وأراد بهرمه ذهاب نوره ونقصان ذاته ليلة التاسع والعشرين، فإن الخمس والتسع والسبع والثمان تسعة وعشرون، وهذا إلغاز حسن.

قوله: "لم يلده أبوان" بسكون اللام وفتح الدال [وأصله: لم يلده بكسر اللام وسكون الدال]

(1)

ثم لما سكن اللام تشبيهًا بكف، والتقى ساكنان، حرك الدال بالفتح.

2 -

وقوله: "غراء" فعلاء؛ تأنيث الأغر وهو الأبيض، قوله:"في حر وجهه" الوجه: ما بدا من الوجنة، قال: لطمه على حرّ وجهه، قوله:"مجللة": من التجليل، وهو التغطية، قوله:"لا تنقضي لأوان" أي: لا تذهب في وقت من الأوقات.

الإعراب:

قوله: "ألا" للتنبيه، و "رب": حرف جر و "مولود": مجرور به، وقال ابن هشام اللخمي: والصواب: عجبت لمولود، قوله:"وليس له أب": جملة حالية، ويقال: الواو فيه لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف؛ كما في قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إلا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4].

قوله: "وذي ولد" أي: وصاحب ولد، وهو عطف على قوله:"مولود" وقوله: "لم يلده أبوان": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الجر؛ لأنه صفة لذي ولد، قوله:"وذي شامة": عطف على ذي ولد.

قوله: "غراء": صفة لشامة، قوله:"في حر وجهه": صفة لشامة -أيضًا، تقديره: كائنة في حر وجهه، قوله:"مجللة" بالجر صفة أخرى، وكذا قوله:"لا تنقضي لأوان"، واللام في لأوان للوقت؛ كما في قوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أي: لوقت دلوك الشمس.

ويروى: لا تنجلي لزمان، لا يقال: هذا إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن المعنى لو قلت: وقت؛ لأن التغاير في اللفظ كافٍ في دفع ذلك.

قوله: "ويكمل": عطف على قوله: "لا تنقضي"، ويجوز عطف المثبت على المنفي والعكس - أيضًا، وهي جملة من الفعل والفاعل، وهو قوله:"شبابه"، قوله:"في خمس": إنما أنت

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1284

الأعداد كلها باعتبار الليالي

(1)

، قوله:"ويهرم": عطف على يكمل، قوله:"معًا" أي: جميعًا وانتصابه على الحال.

الاستشهاد فيه:

أن: "رب" ها هنا للتقليل، واعلم أن معنى رب ليس للتقليل دائمًا [خلافًا للأكثرين]

(2)

ولا للتكثير دائمًا خلافًا لابن درستويه وطائفة؛ بل ترد للتكثير كثيرًا وللتقليل قليلًا، فمن الأول قوله تعالى:{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] ومن الثاني البيت المذكور، ونظير رب في إفادة التكثير كم الخبرية، وفي إفادة التكثير تارة وإفادة التقليل أخرى كلمة:"قد" فافهم

(3)

.

* * *

(1)

صحته إنما ذكر الأعداد كلها باعتبار الليالي.

(2)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(3)

ينظر المغني بحاشية الأمير (1/ 119)، وتحقيق: محمَّد محيي الدين (134، 135).

ص: 1285

‌شواهد الإضافة

‌الشاهد الخامس عشر بعد الستمائة

(1)

،

(2)

تَسَائِلُ عَنْ قِرْمٍ هجَانٍ سَمَيذَعٍ

لَدَى الْبَأْسِ مِغْوَار الصَّبَاحِ جَسُورِ

أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأنصاري الصحابي رضي الله عنه.

وهو من الطويل.

قوله: "هجان" بكسر الهاء؛ أي: خيار، قال ابن فارس: يقال: رجل هجان؛ أي: كريم، والهجان من الإبل: البيض الكرام، ناقة هجان وبعير هجان

(3)

.

وقال ابن الأثير: الهجان: الأبيض، ويقع على الواحد والاثنين، والجمع والمؤنث بلفظ واحد، يقال: أرض هجان: إذا كانت طيبة التراب

(4)

.

قال الجوهري: رجلٌ هَجينٌ بيِّن الهُجْنة، والهُجْنَة في الناس والخيل إنما تكون من قبل الأم، فإذا كان الأب عتيقًا والأم ليست كذلك كان الولد هجينًا

(5)

، والإقراف من قبل الأب.

(1)

ابن الناظم (147).

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيدة لحسان بن ثابت رضي الله عنه، يحكي فيها قصة أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة عن أبيها الذي استشهد يوم أحد، وقد أجابها حسان من القصيدة قائلًا:

فقلت لها: إن الشهادة راحة

ورضوان ربي يا أمام غفور

فإن أباك الخير حمزة فاعلمي

وزير رسول الله خير وزير

ديوان حسان (219) ط. الهيئة المامة، تحقيق: د. سيد وصفي، وينظر ديوانه (238)، تحقيق: البرقوقي، ط. دار الكتاب العربي (1990 م)، وعمدة الحافظ (483)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (449).

(3)

مجمل اللغة لابن فارس (900) مادة (هجن) تحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، ط. مؤسسة الرسالة.

(4)

النهاية لابن الأثير (5/ 242)(هجن).

(5)

الصحاح مادة: "هجن".

ص: 1286

قوله: "سميذع" بفتح السين المهملة؛ السيد الموطأ الأكناف، قوله:"لدى العباس" بالباء الموحدة، وهي الشدة في الحرب، قوله:"مغوار الصباح" بكسر الميم وسكون الغين المعجمة؛ من أغار على العدو ويغير إغارة، ورجل مغوار ومغاور؛ أي: مقاتل، وقوم مغاوير وخيل مغيرة، قوله:"جسور" بفتح الجيم وضم السين المهملة، وهو المقدام؛ من جسر على كذا يجسر جسارة وتجاسر عليه، أي: أقدم عليه.

الإعراب:

قوله: "تسائل": جملة من الفعل والفاعل، "عن قرم": في محل النصب على المفعولية، قوله:"هجان" بالجر صفة قوم، و"سميذع" صفة أخرى، و"لدى العباس": كلام إضافي منصوب على الظرفية، وقوله:"مغوار الصباح" بالجر -أيضًا- صفة أخرى.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مغوار الصباح" أي: مغوار في الصباح، والإضافة فيه بمعنى في؛ كما في قوله تعالى:{بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ} [سبأ: 33]، أي: مكر في الليل، وقل من يذكر هذا من النحويين

(1)

، وقوله:"جسور" بالجر -أيضًا- صفة بعد صفة.

‌الشاهد السادس عشر بعد الستمائة

(2)

،

(3)

إذا كَوْكَبُ الخَرْقَاءِ لَاحَ بِسُحْرَةٍ

سُهَيلٌ أَذَاعَتْ غَزْلَهَا في القَرَائِبِ

أقول: قائله لم أقف على اسمه

(4)

، وبعده بيت آخر:

2 -

وقَالتْ سَمَاءُ البَيتِ فَوْقَكَ مُنْهِجٌ

وَلَمَّا تُيَسِّر أَحْبلًا لِلركَائِبِ

وهما من الطويل.

قوله: "كوكب الخرقاء" بفتح الخاء وسكون الراء وبالقاف، وهي امرأة كان في عقلها

(1)

قال أبو حيان: "وأثبت ابن مالك الإضافة بمعنى في وقال: أغفل أكثر النحويين الإضافة التي بمعنى في، وهي ثابتة في الكلام الفصيح. انتهى ....... ". ينظر الارتشاف (2/ 502)، وقال ابن مالك في الكافية الشافية بشرحها (898).

والثاني اجرر وانو من أو في إذا

صحّا ولم تلف للام منفذا

(2)

ابن الناظم (147).

(3)

البيت من بحر الطويل، لقائل مجهول، وهو في الأشباه والنظائر (3/ 193)، والخزانة (3/ 112)، وابن يعيش (3/ 8)، واللسان:"غريب"، والمحتسب (2/ 228)، والمقرب (1/ 213)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (67).

(4)

في (أ): لم أقف على اسم قائله.

ص: 1287

نقصان؛ من الخرق بضم الخاء المعجمة، وهو الجهل والحمق؛ من خرق يخرق من باب علم يعلم خَرَقًا بفتحتين، فهو أخرق، وهي خرقاء، والاسم: الخرق بالضم، والخرقاء: صاحبة ذي الرمة غيلان الشاعر، وهي من بني عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.

قوله: "لاح" أي: ظهر، قوله:"سهيل" بضم السين المهملة؛ اسم نجم يطلع وقت السحر، قوله:"أذاعت" بالذال المعجمة؛ أي: فرقت، وثلاثيه ذاع، يقال: ذاع الخبر يذيع ذيعًا وذيوعًا وذيعوعة وذيعاعة؛ أي: انتشر، وأذاعه غيره؛ أي: أفشاه.

والمعنى: أن هذه المرأة كانت تنام عن غزلها، ثم إذا أحست بطلوع سهيل فرقت غزلها بين قرائبها النساء.

الإعراب:

قوله: "إذا": ظرف، و "كوكب الخرقاء": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله:"لاح"

(1)

، وقوله:"بسحرة" في محل المفعول فيه، قوله:"سهيل" بالرفع عطف بيان على الكوكب أو بدل منه.

قوله: "أذاعت": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه العائد إلى الخرقاء، والجملة مظروف إذا، قوله:"غزلها": مفعول أذاعت، قوله:"في القرائب" يتعلق بأذاعت.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كوكب الخرقاء" حيث أضيف الكوكب إلى الخرقاء لأدنى ملابسة بسبب اجتهادها في العمل عند طلوعه

(2)

.

‌الشاهد السابع عشر بعد الستمائة

(3)

،

(4)

......................

لتُغْنِي عَنِّي ذَا إِنَائِكَ أَجمَعَا

أقول: قائله هو ابن عناب الطائي، وصدره

(5)

:

(1)

الصحيح كما في خزانة الأدب (3/ 113): كوكب الخرقاء: فاعل بفعل محذوف يفسره لاح.

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 239)، وابن يعيش (3/ 8).

(3)

ابن الناظم (148).

(4)

البيت من بحر الطويل، لحريث بن عناب، وهو في المقرب (2/ 77)، وهمع الهوامع (2/ 41) وابن يعيش (3/ 8)، والدرر (2/ 110).

(5)

في الأصل (أ، ب): وتمامه.

ص: 1288

إذا قَال قَدني قال بالله حلفة

.................................

وقد مَرّ الكلام فيه مستوفى في شواهد النكرة والمعرفة

(1)

.

الاستشهاد فيه ها هنا:

أنه أضاف الإناء إلى المخاطب في قوله: "ذا إنائك" لأدنى ملابسة بسبب شربه منه، وإن كان الإناء في الحقيقة لسقي اللبن؛ فصار فيه دليلًا على صحة الإضافة لأدنى ملابسة

(2)

.

‌الشاهد الثامن عشر بعد الستمائة

(3)

،

(4)

فَأتَتْ بهِ حُوشَ الفُؤَادِ مُبطّنًا .. سُهُدًا إذا مَا نَامَ لَيلُ الهَوْجَلِ

أقول: قائله هو أبو كبير الهذلي، واسمه عامر بن الحليس الجَرْبِي

(5)

.

وهو من قصيدة لامية من الكامل، قالها في تأبط شرًّا، وكان زوج أمه، وأولها هو قوله

(6)

:

1 -

ولقَد سَرَيْتُ عَلَى الظلام بمْغشَمٍ

جَلد مِنَ الفتيَان غَيرِ مُثَقَّلِ

2 -

ممنْ حَمَلْنَ بهِ وَهُنَّ عَوَاقدٌ

حُبُكَ النِّطَاق فَشَبَّ غَيرَ مُهَبَّلِ

3 -

ومُبَرَّإ منْ كُلِّ غُبر حَيضَةٍ

وَفَسَاد مُرضعَة ودَاء مُغْيَلِ

4 -

حَمَلَتْ بِهِ في لَيلَةٍ مزؤُودَةٍ

كَرْهًا وعَقْدُ نطَاقهَا لَم يُحَلّلِ

5 -

فإذا طَرَحْتَ لَهُ الحَصَاةَ رَأَيْتَهُ

يَنْزُو لِوَقْعَتِهَا طُمُورَ الأَخْيَلِ

6 -

وإذَا يَهُبُّ منَ المنامِ رَأَيْتَهُ

كَرُتُوب كَعْبِ السَّاق ليسَ بزُمُّلِ

7 -

فأتَتْ به حُوش ..........

....................... إلخ

(7)

8 -

مَا إنْ يَمَسُّ الأرْضَ إلَّا مَنكبٌ

منهُ وحَرف السَّاقِ طيَّ المحمَل

9 -

وإذَا رَمَيتَ بهِ الفِجَاجَ رَأَيْتَهُ

يهوَي مَخَارمَهَا هَويَّ الأَجْدَلِ

(1)

ينظر الشاهد رقم (71).

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 239).

(3)

أوضح المسالك (2/ 169).

(4)

البيت من بحر الكامل، وهو من قصيدة لأبي كبير الهذلي، وقد سبق ذكره وذكر أبيات من قصيدة الشاهد، ومناسبة القصيدة، انظر الشاهد رقم (446)(المفعول المطلق)، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (8/ 194)، وشرح التصريح (2/ 28)، وشرح أشعار الهذليين (1073)، والمغني (511)، وشرح شواهد المغني (227)، واللسان مادة:"سهد".

(5)

هو حريث بن عناب الطائي، شاعر إعلامي من شعراء الدولة الأموية، بدوي مقل، الخزانة (11/ 449).

(6)

شرح شواهد المغني (227).

(7)

ذكر في (أ): قبل بيتين من موضعه.

ص: 1289

10 -

وإذا نَظَرتْ إلَى أسِرَّةِ وَجْههِ

بَرَقَتْ كَبَرقِ العَارِضِ المتُهَلِّلِ

1 -

قوله: "بمغشم" بكسر الميم وسكون الغين المعجمة؛ أي: برجل مغشم، أي: ظلوم، وكذلك غشوم.

2 -

قوله: "حبك النطاق" أي: الإزار، وحبك الإزار: طرائقه، و"مهبل" أي: مثقل، يقال: هبله اللحم: أكثر عليه وغلظ.

3 -

قوله: "من كل غبر حيضة" يعني: لم تحمله أمه في بقية الحيض بل حملت حين طهرت طهرًا بينًا، و"مغيل": من أغالت إذا أرضعته على حبل.

4 -

قوله: "في ليلة مزؤودة"

(1)

أي: ليلة ذات زؤد؛ أي: ذعر.

7 -

قوله: "حوش الفؤاد" بضم الحاء المهملة وسكون الواو وفي آخره شين معجمة، يقال: رجل حوش الفؤاد؛ أي: حديد الفؤاد، ويروى: حوش الجنان، قوله:"مبطنًا" أي: ضامر البطن، قوله:"سُهُدًا" بضم السين المهملة والهاء، وهو القليل النوم، و"الهوجل" الوخم الثقيل.

5 -

قوله: "ينزو" أي: يُشب من النشاط، قوله:"طمور الأخيل" وهو طائر زعموا أنه الشقراق.

6 -

قوله: "كرتوب" بضم الراء والتاء المثناة من فوق وفي آخره جاء موحدة، ورتوب الكعب: انتصابه وقيامه، و "الزمل" بضم الزاي المعجمة وتشديد الميم؛ الضعيف النوم.

9 -

و"الفجاج": الطرق، قوله:"مخارمها" المخارم -بالخاء المعجمة: منقطع أنف الجبل، و"الهوي": السقوط، و"الأجدل": الصقر.

10 -

و: "أسرة وجهه": محاسنه والطرائق التي في الوجه، "المتهلل": الذي يتهلل في البرق؛ أي: يضيء.

الإعراب:

قوله: "فأتت به" معناه: ولدته أمه، يعني: أم تأبط شرًّا، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله:"حوش الفؤاد": كلام إضافي منصوب على الحال، وكذا انتصاب "مبطنًا" و"سهدًا".

قوله: "إذا" ظرف لقوله: "سهدًا"، و "ما" زائدة، ويحتمل أن تكون مصدرية؛ أي: حين

(1)

في (ب): مزرودة.

ص: 1290

نوم ليل الهوجل، وجعل الفعل لليل لوقوعه فيه، أي، نام الهوجل فيه، وأراد [بالهوجل]

(1)

تأبط شرًّا، وأضاف الليل إليه لأجل إسناد النوم إلى الليل.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حوش الفؤاد" فإن الإضافة لم تفد فيه شيئًا من التعريف والتخصيص؛ فلذلك وقع حالًا كما ذكرنا؛ إذ الحال لا يكون إلا نكرة

(2)

.

‌الشاهد التاسع عشر بعد الستمائة

(3)

،

(4)

يَا رُبَّ غابِطِنا لَوْ كَانَ يَطْلبُكُم

لَاقى مُبَاعَدَةً مِنْكُم وحِرْمَانَا

أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وهو من قصيدة نونية، وهي طويلة جدًّا من البسيط يهجو فيها الأخطل، وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

بَانَ الخلِيطَ وَلَوْ طُوِّعْتُ مَا بَانَا

وَقَطَّعُوا مِنْ حِبَالِ الوَصْلِ أَقْرَانَا

2 -

حَيِّ المنازِلَ إِذْ لَا نَبتَغِي بَدَلًا

بالدَّارِ دَارًا ولَا الجِيرَانِ جِيرَانَا

3 -

قَدْ كُنْتُ فيِ أَثَرِ الأَظْعَانِ ذَا طَرَبٍ

مُرَوَّعًا مِنْ حِذَارِ البَيِنْ مِحْزَانَا

4 -

يَا رب مكْتَئِب لَو قَدْ نعِيتُ لَهُ

بَاكٍ وآخَرَ مَسرورٍ بمَنعَانَا

إلى أن قال:

5 -

إِنَّ العيونَ التِي فيِ طَرفِهَا مَرَضٌ

قَتَلْنَنَا ثمَّ لَم يُحْيينَ قَتْلَانَا

6 -

يَصْرَعْنَ ذَا اللبِّ حتى لا حَرَاكَ بِهِ

وَهنَّ أَضْعَف خَلْقِ الله أَرْكَانَا

7 -

يا رب غابطنا ..............

...................... إلخ

8 -

أَرَيْنَهُ الموتَ حَتَّى لا حَيَاةَ بِهِ

قَدْ كن دِنَّكَ قَبْلَ الموتِ أَدْيَانَا

9 -

ظَنِّي بِكم حَسَنٌ من خبرة بكم

فَلَا تَكونوا كمَن قد كَانَ أَلْوَانَا

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(2)

ينظر شرح التصريح (2/ 28).

(3)

ابن الناظم (149)، وأوضح المسالك (2/ 170).

(4)

البيت من بحر البسيط، وهو من قصيدة طويلة لجرير يهجو فيها الأخطل، وقد بدأها بالغزل، وانظر بيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 427)، وشرح أبيات سيبويه (540)، والمقتضب (4/ 150)، وشرح التصريح (2/ 28)، شرح شواهد المغني (712)، وسر الصناعة (457)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 47)، وشرح أبيات المغني (3/ 204)، والدرر (5/ 9).

(5)

الديوان (449) ط. دار الكتب العلمية أولى (1986 م)، وكثير من القصيدة في شرح شواهد المغني (711).

ص: 1291

قوله: "غابطنا": من الغبطة وهي أن تتمنى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه وليس بحسد، تقول منه: غبطه بما نال أغبطه غبطا غبطة واغتباطا فاغتبط هو.

قوله: "وحرمانًا": من حرمه الشيء يحرُمُه، من باب: نصر ينصر حَرِمًا بفتح الحاء وكسر الراء، وحرِمة وحريمة وحرمانا إذا منعه.

الإعراب:

قوله: "يَا رُبَّ" يا حرف نداء، ولكن ها هنا لمجرد التنبيه، ولهذا لا يحتاج إلى المنادى؛ وذلك لأن حرف النداء إذا وليّه ما لا يصلح أن يكون منادى يكون لمجرد التنبيه، وقد قيل: يكون للنداء -أيضًا- في مثل هذه المواضع، والمنادى محذوف.

وقوله: "رب": حرف جر، و "غابطنا": كلام إضافي مجرور برب، قوله:"لو كان" لو للشرط، وكان فعل الشرط، والضمير فيه اسم كان، وخبره الجملة - أعني قوله:"يطلبكم".

قوله: "لاقى": جواب لو، وهي جملة من الفعل والفاعل، و"مباعدة ": مفعوله، وقوله:"منكم": في محل النصب لأنها صفة لمباعدة، والمعنى: مباعدة حاصلة منكم، وقوله:"حرمانا" عطف على مباعدة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "غابطنا" فإن الإضافة فيه غير محضة، فلهذا دخلت عليه رُبّ

(1)

.

‌الشاهد العشرون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

إِن وَجْدِي بكَ الشدِيدَ أَرَاني

عَاذِرًا مَنْ عَهدْتُ فيك عَذُولًا

لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف. المعنى ظاهر.

(1)

الكتاب لسيبويه (1/ 425 - 427) وفيه يقول: "واعلم أن كل مضاف إلى معرفة وكان للنكرة صفة فإنه إذا كان موصوفًا أو وصفًا أو خبرًا أو مبتدأ بمنزلة النكرة المفردة ويدلك على ذلك قول الشاعر:

يا رب مثلك في النساء غريرة

بيضاء قد متعتها بطلاق

ومثله قول جرير (البيت)، فرب لا يقع بعدها إلا نكرة، فذلك يدلك على أن غابطنا ومثلك نكرة".

(2)

توضيح المقاصد (2/ 245).

(3)

البيت من بحر الخفيف، وهو مجهول النسب، ينظر: الأشموني وشواهده للعيني (2/ 242)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 109)، وهمع الهوامع (2/ 48)، وشرح التصريح (2/ 27)، ويروى:

................................

عاذرًا من وجدت فيك عذولًا

ص: 1292

الإعراب:

قوله: "إن": [حرف]

(1)

من الحروف المشبهة بالفعل، قوله:"وجدي": كلام إضافي اسمه، وهو مصدر مضاف إلى فاعله، قوله:"بك" في محل النصب مفعوله.

وقوله: "الشديد" بالنصب صفة وجدي، قوله:"أراني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الرفع لأنها خبر إن، وأرى يستدعي ثلاثة مفاعيل؛ الأول: الياء، والثاني: قوله: "من عهدت" والثالث: قوله "عاذرًا".

قوله: "من" موصولة، و"عهدت" فعل وفاعل، و"فيك" في محل النصب مفعوله، و"عذولًا": مفعول ثان لعهدت، والمفعول الأول محذوف تقديره: من عهدته، قوله:"فيك" حال من عذولًا، والجملة صلة الموصول والموصول مع صلته في محل النصب على أنها مفعول عاذر.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إن وجدي" فإنه مصدر مضاف إلى فاعله كما قلنا، واكتسب بإضافته التعريف، فلذلك وصف بالمعرفة وهو قوله:"الشديد"، فلو لم يكتسب تعريفًا بإضافته لما جاز وصفه بالمعرفة فافهم

(2)

.

‌الشاهد الحادي والعشرون بعد الستمائة

(3)

،

(4)

مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ

أَعَالِيَهَا مَرُّ الرِّياحِ النَّوَاسمِ

أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان بن عقبة، وهو من قصيدته [الطويلة]

(5)

، من الطويل التي أولها هو قوله

(6)

:

1 -

خَلِيلَيَّ عُوجَا النَاعِجَاتِ فَسَلَّمَا

عَلَى طَلَلٍ بيَن النَّقَا والأَحَارِمِ

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 228) وينظر: شرح التصريح بمضمون التوضيح (2/ 27).

(3)

ابن الناظم (150)، وتوضيح المقاصد (2/ 253)، وشرح ابن عقيل (2/ 50).

(4)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيدة لذي الرمة يمدح فيها الملازم بن حريث الحنفي، من بني بكر بن وائل، بدأها بوصف أطلال صاحبته وبكائه على الديار، ديوانه (2/ 745)، تحقيق: د. عبد القدوس أبو صالح، وانظر بيت الشاهد في الكتاب (1/ 52، 65)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 417)، والمحتسب (1/ 237)، والمقتضب (4/ 197)، وشرح عمدة الحافظ (838)، والخصائص (2/ 417)، والخزانة (4/ 225).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(6)

الديوان (270، 271) ط. دار الكتب العلمية أولى (1995 م)، و (2/ 745)، تحقيق: د. عبد القدوس أبو صالح، مؤسسة الرسالة (1993 م).

ص: 1293

2 -

كَأَنْ لَم يَكُنْ إِلا حَدِيثًا وَقَدْ أَتَى

لَهُ مَا أَتَى لِلْمُزْمِنِ المُتَقَادِمِ

3 -

سلَامَ التِي شقَّتْ عَصَا البَين بَيْنَهُ

وبَيْنَ الهَوَى مِنْ إِلْفِهِ غَيرَ صَارِمِ

[إلى أن قال]

(1)

.

4 -

لحَفْنَ الحَصَا أَنْيَارَهُ ثُمَّ خُضْنَهُ

نُهُوضَ الهِجَانِ المُوعِثَاتِ الجَوَاشِمِ

5 -

مَشَينَ ..................

....................... إلخ

وقد مدح بها غيلانُ الملازمَ بنَ حريث الحنفي.

قوله: "الناعجات" بالنون؛ جمع ناعجة، وهي إبل يصاد عليها بقر سِرَاعٌ، والنعج: البياض، و"النقا" بفتح النون وبالقاف؛ اسم للرمل المستطيل، قوله:"والأحارم" بفتح الهمزة والحاء وكسر الراء؛ اسم لطرف الرمال، و"الطلل": ما شخص من آثار الديار، قوله:"لحفن" أي جعلنه كالملحف، و"الأنيار": أعلام الخز، قوله:"ثم خضنه" أي: خضن فضول المروط كما يخاض الماء، و"الموعثات": اللائي وقعن في الوعث فهن يتجشمن المشي على مشقة، قوله:"مشين كما اهتزت"، وفي ديوان ذي الرمة:

رويدًا كما اهتزت .............

..............................

(2)

قوله: "تسفهت" أي: مالت بأعاليها مرَّ الرياح، يقال: تسفهت الريح الشجر إذا مالت به، قوله:"النواسم": جمع ناسمة؛ من نسمت الريح نسمًا ونسمانًا، ونسيم الريح: أولها حين تهب بلين قبل أن تشتد.

الإعراب:

قوله: "مشين" أي النسوة، جملة من الفعل والفاعل، قوله:"كما اهتزت" الكاف للتشبيه، وما مصدرية واهتزت فعل، و"رماح" فاعله، والتقدير: كاهتزاز الرماح.

قوله: "تسفهت": فعل ماض، وفاعله قوله:"مر الرياح" وقوله: "أعاليها" بالنصب مفعوله، و"النواسم" بالجر صفة الرياح، والجملة في محل الرفع لأنها صفة الرماح.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "تسفهت" حيث أنثها الشاعر مع [أن]

(3)

فاعلها مذكر، وهو لفظ:"مر"

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(2)

ديوانه (270) ط. دار الكتب.

(3)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

ص: 1294

وذلك لأنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه وهو الرياح

(1)

.

‌الشاهد الثاني والعشرون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

أَتْيُ الفَوَاحِشِ عِنْدَهُم مَعْرُوفَةٌ

وَلَدَيْهِم تركُ الجَمِيلِ جَمَالُ

أقول: قيل إنه للفرزدق ذَمَّ به الأخطل، وهو من الكامل. المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "أتي" أي: إتيان الفواحش، وهو كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله:"معروفة" وإنما أنث الخبر لكون المبتدأ اكتسب التأنيث من المضاف إليه، قوله:"ولديهم": ظرف، والعامل فيه قوله:"ترك الجميل" وهو مبتدأ، وخبره قوله:"جمال".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "معروفة" فإنها مؤنثة مع أنها خبر لقوله: "أتي الفواحش" والأتي مذكر، وذلك لأنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه [المؤنث]

(4)

، وهو الفواحش

(5)

.

‌الشاهد الثالث والعشرون بعد الستمائة

(6)

،

(7)

رؤْيَةُ الفِكْرِ ما يَؤُولُ لهُ الأَمْرُ

مُعَينٌ على اجْتِنَابِ التَّوَانِي

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف.

قوله: "ما يؤول" أي: ما يرجع له الأمر، قوله:"على اجتناب التواني" ويروى: على اكتساب الثواب.

(1)

ينظر الكتاب (1/ 52، 65)، المقتضب (4/ 197)، شرح عمدة الحافظ (838)، والخصائص (2/ 417).

(2)

ابن الناظم (150).

(3)

البيت من بحر الكامل، نسبه العيني للفرزدق، ولكنه ليس في ديوانه طبعة دار الكتب العلمية، أولى (1987 م)، ولا طبعة دار صادر، وهو بلا نسبة في شرح عمدة الحافظ (505) ورواية الشطر الثاني فيه هكذا:

.............................

ويرون فعل المكرمات حرامًا

(4)

ما بين المعقوفين مكرر في (ب).

(5)

في شرح عمدة الحافظ (505).

(6)

ابن الناظم (150)، توضيح المقاصد (2/ 254).

(7)

البيت من بحر الخفيف، وهو لقائل مجهول، وانظره في شرح التسهيل لابن مالك (3/ 238)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 49)، والمساعد (2/ 339)، وشواهد ابن عقيل للجرجاني (158).

ص: 1295

الإعراب:

قوله: "رؤية الفكر": كلام إضافي مبتدأ وهو [مصدر]

(1)

مضاف إلى فاعله، وقوله:"ما يؤول له الأمر": جملة وقعت مفعولًا للمصدر، وقد قيل: ما يؤول به الأمر جملة في محل الجر؛ لأنه صفة للفكر، يعني: الفكر الذي يرجع إليه الأمر، قوله:"معين": خبر المبتدأ، قوله:"على اجتناب": يتعلق بالمعين.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "له الأمر" حيث قال: له ولم يقل: لها، فكأنه قال: الفكر الذي يؤول له الأمر، كذا قال البعلي، ويجوز أن يكون الاستشهاد في قوله:"معين" فإنه مذكر مع أن المبتدأ مؤنث، وذلك لسريان التذكير إليه من المضاف إليه، وهو الفكر، وهو عكس البيتين السابقين

(2)

.

‌الشاهد الرابع والعشرون بعد الستمائة

(3)

،

(4)

..............................

وَإنْ سَقَيتِ كِرَامَ النَّاسِ فاسْقِينَا

أقول: قائله هو أبو شامة بن حزن النهشلي، وصدره:

إِنَّا مُحَيُّوكِ يَا سَلْمَى فَحَيِّينَا

................................

وهو من قصيدة نونية من البسيط وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

إنّا مُحَيُّوكِ يَا سلْمَى فَحَيِّينَا

وَإنْ سَقَيْتِ كِرَامَ النَّاس فاسْقِينَا

2 -

وإنْ دَعَوْتِ إلَى جُلَّى وَمَكْرُمَةٍ

يَوْمًا سَرَاةَ كرامِ النَّاس فادْعِينَا

3 -

إنّا بَنِي نهْشَلٍ لَا نَدَّعِي لأَبٍ

عَنْهُ ولَا هُوَ بِالأبناء يَشْرِينَا

4 -

إِنْ تُبْتَدَرْ غَايَةٌ يَوْمًا لمكْرُمَةٍ

تلْقَ السَّوَابِقَ منَّا وَالمُصَلِّينَا

وهي من قصيدة طويلة، المعنى ظاهر.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 238).

(3)

توضيح المقاصد (2/ 246).

(4)

البيت من بحر البسيط، وهو من نونية عدتها عشرة أبيات في الفخر بالشجاعة والقوة، وهي لأبي شامة النهشلي، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (8/ 302)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (100)، والمعجم المفصل في شواهد الشعرية (987).

(5)

ينظر القصيدة كلها مع شرحها مفصلة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1/ 100)، تحقيق أحمد أمين، وعبد السلام هارون.

ص: 1296

الإعراب:

قوله: "إنا" إن حرف من الحروف المشبهة بالفعل، ونا اسمه، و"محيوك": خبره، وأصله: محيون إياك، فلما أضيفت سقطت النون، وقوله:"يا سلمى": منادى مفرد مثل يا زيد.

قوله: "فحيينا": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، والفاء [فيه]

(1)

هي الفاء التي تربط الجواب بالشرط، ولكن ليس ها هنا حقيقة الشرط، ولكن

(2)

ها هنا شبه الشرط؛ كما في قوله: الذي يأتيني فله درهم، وبدخولها فهم ما أراده المتكلم من ترتب لزوم الدرهم على الإتيان، فكذلك ها هنا فهم ما أراده من ترتب لزوم تحيتهم على تحيتها، وكذلك الكلام في الشطر الثاني.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كرام الناس" فإن إضافة الكرام إلى الناس إضافة الصفة إلى الموصوف؛ كما في نحو: سحق عمامة

(3)

.

‌الشاهد الخامس والعشرون بعد الستمائة

(4)

،

(5)

عَلا زَيدُنَا يَومَ النَّقا رَأْسَ زَيْدكم

...............................

أقول: قائله هو رجل من طيء؛ كذا قاله المبرد، وتمامه:

..........................

بأَبْيضَ مَاضي الشَّفْرَتينِ يَمَان

وبعده

(6)

:

2 -

فإنْ تَقْتُلُوا زَيْدًا بزَيْدٍ فَإنمَّا

أَقَادَكُم السلطانُ بعدَ زَمَان

وهما من الطويل.

وقصته أن رجلًا من طيء يقال له زيد من ولد عروة بن زيد الخيل، قتل رجلًا من بني أسد

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (أ): وإنما ها هنا.

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 231).

(4)

توضيح المقاصد (2/ 246).

(5)

البيت من بحر الطويل، قاله رجل من طيء، في قصة قتل حكاها الشارح ناقلًا إيَّاها من الكامل (2/ 151)، وانظر بيت الشاهد في شرح شواهد المغني (165)، والأشباه والنظائر (3/ 224)، وسر الصناعة (2/ 452)، وشرح التصريح (1/ 153).

(6)

يراجع الكامل في اللغة والأدب (2/ 151)، تحقيق: حنا الفاخوري، دار الجيل، بيروت، وشرح شواهد المغني (164، 165).

ص: 1297

يقال له زيد، ثم أقيد به بعد فقال شاعر طيء في ذلك.

قوله: "علا" من علا يعلو هذا في المكان، وأما في الشرف والرتبة فيقال: علا يعلي علاء وكلاهما متعد بمعنى فاقه.

قوله: "يوم النقا" بفتح النون والقاف؛ أي: يوم الحرب عند النقا؛ وذلك نحو قولهم: يوم أحد؛ أي: يوم الحرب عند أحد، و "النقا" مقصور، وهو الكثيب من الرمل، وكتب بالألف؛ لأنه من الواو بدليل ظهورها في التثنية: نقوان، ومن قال: نقيان كتبه بالياء، يذكِّرُهم بوقعة جرت في ذلك الموضع وكانت الغلبة لهم، ويروى:

عَلَا زيدُنَا يومَ الحِمَى رأسَ زَيدِكُم

................................

كذا رواه المبرد.

[قوله: "]

(1)

بأبيض" أي: بسيف أبيض وبياضه من صفائه وصقالته، قوله: "ماضي الشفرتين" أي: نافذ الحدين، وشفرة السيف: حدته، وفي رواية المبرد:

.......................

بأبيَضَ مشحوذ الفرَارِ يَمَانِ

قوله: "يمانِ" منسوب إلى اليمن، والألف فيه عوض عن ياء النسب فلا يجتمعان، قال سيبويه: وبعضهم يقول: يمانيّ بالتشديد، وها هنا لا يجيء التشديد

(2)

.

الإعراب:

قوله: "علا": فعل ماض، "زيدنا": كلام إضافي فاعله، و"يوم النقا": كلام إضافي نصب على الظرف، وقوله:"رأس زيدكم": كلام إضافي مفعول لقوله: "علا".

قوله: "بأبيض": صفة موصوفها محذوف، أي: بسيف أبيض، والجار والمجرور في محل النصب بأنه مفعول ثان لعلا، قوله:"ماضي الشفرتين": كلام إضافي مجرور تقديرًا لأنه صفة لأبيض، قوله:"يمان": صفة أخرى.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "زيدنا" فإن فيه إضافة الموصوف إلى القائم مقام الوصف، أي: علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم، فحذف الصفتين وجعل الموصوف خلفًا عنهما في الإضافة، واستشهد به الزمخشري، وقال: أجرى زيدًا مُجرَى النكرات فأضافه كما أضيف النكرات فقال:

(1)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

(2)

الكتاب لسيبويه (3/ 337)(هارون).

ص: 1298

زيدنا وزيدكم

(1)

.

‌الشاهد السادس والعشرون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

فقلتُ انْجُوَا عَنْهَا نَجَا الجلْدِ إنهُ

سيرضِيكُمَا مِنْهَا سَنَامٌ وَغَارِبُه

أقول: قائله هو أبو الجرّاح، قاله أبو علي البغدادي في كتاب المقصور والممدود، وقال الصاغاني في العباب: هو أبو الغمر الكلابي، وقد نزل عنده ضيفان فنحر لهما ناقة فقالا: إنها مهزولة. فقال معتذرًا لهما:

فَقُلْتُ انْجُوَا عَنهَا ............

.............................

وقبله بيتان آخران وهما

(4)

:

1 -

وَرَدْتُ وأهْلِي بَين قوٍّ وفَرْدَةٍ

عَلَى مجْزَرٍ تَأْوي إليهِ ثَعَالبُه

2 -

فَصَادَقْتُ خيري كاهل فاجآ بها

يَشُفَّانِ لحمًا بَانَ مِنْهُ أَطَايبُهْ

[وهي من الطويل]

(5)

.

1 -

قوله: "قو" بفتح القاف وتشديد الواو؛ اسم موضع، وكذلك:"فردة".

3 -

قوله: "انجوا": أمر الاثنين، من نجوت جلد البعير عنه إذا سلخته، وكذلك أنجيته، ومادته: نون وجيم وواو، يخاطب به الشاعر الضيفين، قوله:"نجا الجلد" النجا مقصور اسم الجلد، قوله:"غاربه" بالغين المعجمة، وهو أعلى الظهر.

الإعراب:

قوله: "فقلت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"انجوا عنها نجا الجلد": مقول القول؛ أي: انجوا عن الناقة نجا الجلد، قال الفراء: وإنما أضاف النجا إلى الجلد مع أن النجا هو الجلد؛ لأن العرب تضيف الشيء إلى نفسه إذا اختلف اللفظان؛ كقوله: {حَقُّ الْيَقِينِ} [الواقعة: 95]،

(1)

ينظر المفصل للزمخشري (12)، وشرحه لابن يعيش (1/ 44)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 231)، وشرح التصريح (1/ 153).

(2)

توضيح المقاصد (2/ 247).

(3)

البيت من بحر الطويل، من مقطوعة اختلف في قائلها على ما ذكر الشارح، وانظر البيت في الخزانة (4/ 358) منسوب لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت أو لأبي الغمر الكلابي، وهو بلا نسبة في إصلاح المنطق (94)، وشرح الأشموني (2/ 243)، واللسان مادة:"نجا"، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (62).

(4)

انظر البيتين في الخزانة (4/ 259).

(5)

ما بين المعقوفتين سقط في (ب).

ص: 1299

{وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} [يوسف: 109].

قوله: "إنه" أي: الشأن، الهاء اسم إن، والجملة التي بعده خبره في محل الرفع، قوله:"منها" أي من الناقة، وهو حال من السنام، و "سنام": مرفوع على أنه فاعل لقوله: "سيرضيكما"، وقوله:"وغاربه": كلام إضافي عطف عليه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "نجا الجلد" فإنه أضاف المؤكِّد إلى المؤَكَّد؛ هكذا قال ابن أم قاسم

(1)

، والأحسن أن يقال فيه ما قاله الفراء على ما ذكرناه الآن.

‌الشاهد السابع والعشرون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

إلى الحَوْل ثم اسْمُ السلام علَيكُمَا

................................

أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة بن عامر العامري، وتمامه:

...........................

ومن يبكِ حَوْلًا كَاملًا فَقَدْ اعْتَذَرْ

ولما بلغ لبيد ثلاثين ومائة سنة وقربت وفاته قال

(4)

:

1 -

تَمَنَّى ابْنَتَايَ أن يَعيشَ أبُوهُمَا

وَهَلْ أنَا إلَّا مِنْ رَبيعَةَ أوْ مُضَرْ

2 -

فَقُومَا وقُولَا بالذي تَعْلَمَانِهِ

ولا تَخْمشَا وَجْهًا ولَا تَحْلِقَا شعر

3 -

وقُولَا هُوَ المَرءُ الذي لا صَدِيقَهُ

أضَاعَ وَلَا خَانَ الخليلَ ولا غَدَرْ

4 -

إلى الحول ...................

....................... إلخ

وهي من الطويل، [المعنى ظاهر]

(5)

.

(1)

ما قال المرادي هو ما قاله ابن مالك في شرح التسهيل حيث قال: "ثم أشرت إلى إضافة المؤكد إلى المؤكد، وأكثر ما يكون ذلك في أسماء الزمان المبهمة كحينئذ ويومئذ، وقد يكون في غير أسماء الزمان يقول الشاعر (البيت) أراد اكشطا عنها الجلد لأن النجا هو الجلد فأضاف المؤكد". (3/ 232، 233).

(2)

توضيح المقاصد (2/ 248).

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيدة لا تتجاوز عشرة أبيات، قالها لبيد لابنته حينما حضرته الوفاة، وينظر بيت الشاهد في الأشباه والنظائر (7/ 96)، والأغاني (13/ 40)، والخزانة (4/ 337)، والخصائص (3/ 29)، وابن يعيش (3/ 14)، وشرح عمدة الحافظ (507)، والمقرب (1/ 213)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (292).

(4)

ديوان لبيد (79)، ط. دار صادر، بيروت.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1300

الإعراب:

4 -

قوله: "إلى الحول": جار ومجرور يتعلق بقوله: "وقولا بالذي تعلمانه" لأن المعنى: اذكراني بعدي بالذي تعلمانه فيّ من الشفقة والإحسان إليكما ثم ابكيا على إلى الحول، ولا بد من تقدير: ابكيا بقرينة.

2 -

قوله: "ولا تخمشا وجهًا ولا تحلقا شعر" وذلك أن النهي عن خمش الوجه وحلق الشعر لا يكون إلَّا في البكاء، فأمرهما بالبكاء عليه بدون هذين؛ لأن البكاء على الميت يباح إذا لم يكن فيه خمش وجه وحلق شعر ولطم خد ونحو ذلك.

فإن قلت: فما معنى تقدير الحول؟

قلت: لأن الزمان ساعات وأيام وجُمَع وشهور وسنون، [والسنون]

(1)

هي النهاية، فكأنه أمرهما بالقول بما فيه والبكاء عليه إلى مدة هي نهاية الزمان في التقسيم إلى أجزائه.

ويمكن أن يكون لبيد قد نظر في ذلك إلى ما روي في بعض الآثار أن أرواح الموتى لا تنقطع من التردد إلى منازلهم في الدنيا إلى سنة كاملة، ثم بعد سنة ترتفع وتنقطع عن الدنيا.

فكأنه قصد بذلك أن تذكرانه وتبكيان عليه في هذه المدة ليشاهد ذلك عنهما بعين الحال، فلذلك قال:

...........................

وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَاملًا فَقَدْ اعْتَذَرْ

وقد قيل: إن هذه المدة كانت عزاء الجاهلية وقد أبطلها الشرع.

قلتُ: هذا إنما يتمشى أن لو كان لبيد قال هذا في الجاهلية، ولم يقل لبيد هذا إلَّا في الإِسلام؛ لأنه إنما قاله قبيل موته حين دنت وفاته، وأكثر شراح هذا البيت قد خَبَّطُوا ها هنا، ولا سيما بعض من شراح أبيات كتاب الزمخشري

(2)

، فقد رووا قبل قوله:"إلى الحول" بكيت، وقالوا: يخاطب الشَّاعر خليليه بقوله: بكيت إلى سنة من فراقكما ثم سلمت عليكما، ومن يبك سنة فهو معذور لو ترك البكاء، وذهلوا عن الأبيات التي تقدمت عليه وتكلفوا في معناها هذا التكليف، وليس الأمر كذلك وإنما هو مثل الذي ذكرناه.

قوله: "ثم اسم السلام عليكما": كناية عن الأمر بترك ما كان أمرهما به من القول بما فيه والبكاء عليه إلى سنة للمعنى الذي ذكرناه؛ ألا ترى أن رجلًا إذا كان في حديث مع أحد ثم

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر المفصل للزمخشري (93)، وابن يعيش والتعليقات عليه (3/ 14).

ص: 1301

أراد أن يترك كلامه ويفارقه ينهض ويقول: السلام عليكم، ويكون هذا القول قاطعًا لكلامه.

وإنما عطف بثم؛ لأن المعنى على التراخي؛ لأنه قال: افعلَا وافعلَا ولا تفعلَا ولا تفعلَا إلى الحول، ثم قال: اتركا هذا كله بقوله: ثم اسم السلام عليكما، ولفظة: اسم مقحمة.

والمعنى: ثم السلام عليكما، والخطاب لبنتيه لا لغيرهما كما زعمه بعضهم ممن قد ذكرناهم الآن، وقوله:"اسم السلام" مبتدأ، و"عليكما" خبره.

قوله: "ومن يبك حولًا": إشارة إلى تعليل أمره إياهما بترك ما أمرهما به من القول بما فيه والبكاء عليه إلى سنة، فكأنه يقول: السنة مدة بعيدة، فإذا ذكرتماني بعد موتي سنة كاملة ثم تركتما ذكري فأنتما معذورتان؛ لأن من يبكي على ميته سنة كاملة فهو معذور إذا ترك البكاء.

وكلمة "من" شرطية، و"يبك" مجزوم بها، و"حولًا" نصب على الظرف، و"كاملًا": صفته، وقوله:"فقد اعتذر": جملة فعلية جزاء للشرط.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ثم اسم السلام" فإن اسم مضاف إلى السلام، وهو إضافة الملغي إلى المعتبر؛ يعني: لفظة الاسم ها هنا ملغي؛ لأن دخوله وخروجه سواء. فافهم

(1)

.

‌الشاهد الثامن والعشرون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

أَقَامَ بِبَغْدَادِ العِرَاقِ وَشَوْقُهُ

لِأَهْلِ دِمَشْقِ الشَّامِ شَوْقٌ مُبَرّحُ

أقول: قائله بعض الطائيين، وهو من الطَّويل.

قوله: "مبرح" أي: شديد، يقال: برّح به الأمر تبريحًا؛ أي: جهده.

الإعراب:

قوله: "أقام": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"ببغداد العراق" في محل النصب على المفعولية، وبغداد لا ينصرف فلما أضيف انجر بالكسر، قوله:"وشوقه"؛ مبتدأ، وخبره قوله:

(1)

قال ابن يعيش: "هذا الفصل يخالف ما قبله لأن فيه إضافة الاسم إلى المسمى

قال لبيد (البيت) فإن المراد ثم اسم معنى السلام عليكما فحذف المضاف واسم معنى السلام هم السلام فكأنه قال بالله". ينظر ابن يعيش (13/ 3، 14)، وينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 243).

(2)

توضيح المقاصد (2/ 248).

(3)

البيت من بحر الطَّويل، وهو منسوب لبعض الطائيين، وانظره في الدرر (5/ 16)، وشرح الأشموني (2/ 244)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 307)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (171).

ص: 1302

شوق" الثاني [وقوله: "مبرح" صفته، والجملة وقعت حالًا]

(1)

، وقوله:"وشوقه" مصدر مضاف إلى فاعله، وقوله:"لأهل دمشق الشَّام" في محل النصب على المفعولية.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ببغداد العراق، ودمشق الشَّام" فإن الإضافة فيهما إضافة المعتبر إلى الملغي عكس البيت السابق، وذلك لأن دخول العراق والشَّام وخروجهما سواء

(2)

.

‌الشاهد التاسع والعشرون بعد الستمائة

(3)

،

(4)

.....................

كمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ من الدَّمِ

أقول: قائله هو الأَعمش ميمون بن قيس، وصدره:

وَتَشْرَقُ بالقَوْلِ الذي قد أَذَعْتُهُ

..............................

وهو من قصيدة ميمية وهي طويلة [من الطَّويل]

(5)

، وأولها هو قوله

(6)

:

1 -

ألَا قُلْ لَتِيّا قَبْلَ مِرَّتِهَا اسْلَمِي

تَحِيّةَ مُشْتَاقٍ إلَيهَا مُتَيَّمِ

2 -

عَلَى قِيلِهَا يَومَ التَقَيْنَا وَمَنْ يَكُنْ

عَلَى مَنْطِقِ الوَاشِيَن يَصْرِمْ ويُصْرَمِ

3 -

لئِنْ كُنتَ فيِ حُبِّ ثَمَانِينَ قَامَةً

وَرُقِّيتَ أسْبابَ السَّمَاءِ بسُلَّمِ

4 -

ليَسْتَدْرِجَنَّكَ القَولُ حَتَّى تَهِرُّهُ

وتَعْلَمَ أنِّي عَنْكَ لَسْتُ بِمُلْجِم

5 -

وتشرق بالقول ............

..................... إلخ

6 -

فَلَا تُوعِدَنِّي بِالفَخَارِ فإنَّنِي

بَنَى الله بَيْتِي فيِ الدَّخِيسِ العَرَمْرَمِ

1 -

قوله: "لتيّا": تصغير تا التي من أسماء الإشارة.

5 -

قوله: "وتشرق": من شرق بريقه إذا غصّ، وهو من باب علم يعلم، قوله:"قد أذعته"

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر شرح الأشموني (2/ 243، 244).

(3)

توضيح المقاصد (2/ 252).

(4)

البيت من بحر الطَّويل، وهو من قصيدة للأعشى يهجو فيها عمير بن عبد الله بن المنذر، وفيها يقول:

فما أَنْتَ من أهل الحجون إلى الصفا

ولا لك حق الشرب من ماء زمزم

وانظر بيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 52)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 54)، والمقتضب (4/ 197، 199)، والمغني (513)، والخزانة (5/ 106)، والدرر (5/ 19)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 49)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (920).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

ديوان الأعشى (155)، شرح وتعليق د. محمَّد محمَّد حسين، المكتب الشرقي، بيروت.

ص: 1303

بالذال المعجمة والعين المهملة؛ من الإذاعة وهو الإفشاء، قوله:"صدر القناة" وهو الرمح، ويجمع على قَنا وقنوات وقنى وقناء.

6 -

قوله: "في الدخيس" بفتح الدال وكسر الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة، وهو العظيم، و"العرمرم": الكثير.

الإعراب:

قوله: "وتشرق": جملة من الفعل والفاعل، و"بالقول" في محل النصب مفعول، وقوله:"الذي قد أذعته" صفة للقول، قوله:"كما شرقت" الكاف للتشبيه، وما مصدرية، والتقدير: كشرق صدر القناة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "شرقت" فإنَّها مؤنثة وفاعلها وهو الصدر مذكر، وكان القياس شرق، ولكن لما كان الصدر الذي هو مضاف بعض المضاف إليه أعطي له حكمه

(1)

.

‌الشاهد الثلاثون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ عيْنٍ ثَرَّةٍ

................................

أقول: قائله هو عنترة بن شداد العبسي، وتمامه:

..........................

فَتَرَكْنَ كُلَّ حَدِيقَةٍ كالدِّرْهَمِ

وهو من قصيدته المشهورة التي أولها

(4)

:

أعْيَاكَ رَسْمُ الدَّارِ لَمْ يَتَكلَّمِ

حَتَّى تَكَلَّمَ كَالأَصَمِّ الأَعْجَمِ

(1)

قال سيبويه: "وربما قالوا في بعض الكلام: ذهبت بعض أصابحه، وإنما أنث البعض لأنه أضافه إلى مؤنث هو منه ولو لم يكن منه لم يؤنثه؛ لأنه لو قال: ذهبت عبد أمك لم يحسن، ومما جاء مثله في الشعر قول الشَّاعر الأعشى (البيت) لأن صدر القناة مؤنث". الكتاب لسيبويه (1/ 51، 52).

(2)

ينظر توضيح المقاصد (2/ 254).

(3)

البيت من بحر الكامل، وهو من قصيدة عنترة بن شداد المشهورة، وهي معلقته التي يتحدث فيها عن شجاعته، وليس مطلعها كما ذكره الشارح، بل مطلعها:

هل غادر الشعراء من متردم

أم هل عرفت الدار بعد توهم

وينظر بيت الشاهد في سر الصناعة (181)، والمغني (198)، وشرح شواهد المغني (485)، واللسان "ثرر- حرر"، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 74)، والدرر (5/ 136).

(4)

الديوان (182)، تحقيق: محمَّد سعيد المولودي.

ص: 1304

وهو

(1)

من الكامل.

قوله: "ثرة" بفتح الثاء المثلثة وتشديد الراء، معناه: كل عين كثيرة الماء، وكذلك يقال: سحاب ثر؛ أي: كثير الماء، وناقة ثرة: واسعة الإحليل، ويروى:

جَادَتْ عَلَيهِ كُلُّ بَكْرٍ حُرَّةٍ

................................

قوله: "كل حديقة"، ويروى: كل قرارة، أي: جادت بمطر جود، و"البكر" السحابة في أول الرَّبيع التي لم تمطر، و"الحرة": البيضاء، وقيل: الخالصة [وحرّ كل شيء: خالصه]

(2)

، ومن روى:"ثرة" فهو المليء، وكذلك الثرثارة، والقرارة: كل مطمئن من الأرض يجتمع فيه السيل، فإذا اشتد الريح رأيت له حبكًا وطرائق فكان لقراره مستقر السيل.

قوله: "فتركن كل حديقة" معناه: أن الماء لما اجتمع استدار أعلاه فصار كَدَور الدرهم، ويقال: شمه بياضه ببياض الدرهم.

الإعراب:

قوله: "جادت": فعل ماض، وقوله:"كل عين" كلام إضافي فاعله، قوله:"عليه" في محل النصب على أنَّه مفعول، والضمير يرجع إلى النبت في البيت السابق، وهو قوله:

أوْ رَوْضَةً أُنُفًا يُضَمِّنُ نَبتَهَا

غَيثٌ قَلِيلُ الدّمْنِ لَيسَ بِمَعلَمِ

قوله: "ثرة" بالجر صفة للعين، قوله:"فتركن": محمول على المعنى؛ لأن المعنى: جادت عليه السحاب، ولو كان في الكلام لجاز؛ فترك كل قرارة على لفظ كل، وتركت ترده على بكر، قوله:"وكل حديقة": كلام إضافي منصوب بقوله: "تركن"، قوله:"كالدرهم" الكاف للتشبيه، و"الدرهم مجرور به.

والاستشهاد فيه:

في قوله: "جادت" حيث أنث مع إسناده إلى لفظة: "كل" لاكتساب كل التأنيث من المضاف إليه بإضافته فافهم

(3)

.

(1)

في (أ): وهي.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 247، 248).

ص: 1305

‌الشاهد الحادي والثلاثون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

دَعَوْتُ لَمَّا نَابَنِي مِسْوَرًا

فَلَبَّى فَلَبَّىْ يَدَيْ مِسْوَر

أقول: قائله هو أعرابي من بني أسد، قاله أبو تمام

(3)

.

وهو من المتقارب وفيه الحذف.

قوله: "لما نابني" أي: لما أصابني؛ من النائبة، قوله:"فلبى" يعني: قال لبيك، يقال: لبيت الرَّجل إذا قلت له لبيك، و"المسور" بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو وفي آخره راء مهملة؛ اسم رجل.

الإعراب:

قوله: "دعوت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"مسورًا": مفعوله، والسلام في "لما" للتعليل وما موصولة، و"نابني": جملة صلته، والتقدير: دعوت مسورًا لأجل النائبة التي نابتني، وكان دعا مسورًا ليقوم عنه بدية لزمته فأجابه إلى ذلك.

قوله: "فلبى" أي فلباني فحذف المفعول، أي: قال لبيك، قوله:"فلبى يدي مسور"[يعني]

(4)

، فإجابة مني بعد إجابة له إذا سألني في أمر نابه فدعا له جزاء الصنيعة، وخص يديه بالذكر؛ لأنهما اللتان أعطتاه المال، وقيل: ذكر اليدين على سبيل الإقحام والتأكيد.

فإن قلتَ: ما الفرق بين الفاءين؟

قلت: الأولى للعطف المؤذن بالتعقيب، والثانية منببية على حذف الفعل وإقامة المصدر مقامه، دعا له أن يكون مجابًا كما كان مجيبًا، يقول: دعوت مسورًا لينصرني لما نابني من الشدائد فأجابني فأجاب الله دعاءَه، وزعم سيبويه أن لبيك تثنية لبّ

(5)

.

وزعم يونس أنَّه اسم مفرد وأصله: لبّى على وزن فعْلَى، ثم قلبت ألفه ياء؛ لاتصاله بالضمير؛

(1)

ابن الناظم (151)، وتوضيح المقاصد (2/ 260)، وأوضح المسالك (2/ 191)، وشرح ابن عقيل (3/ 53)"صبيح".

(2)

البيت من بحر المتقارب، نسب لأعرابي من بني أسد، وانظره في الكتاب لسيبويه (1/ 352)، والمحتسب (1/ 78)، والمغني (578)، وشرح التصريح (2/ 38)، وشرح شواهد المغني (910)، واللسان:"لبى"، والخزانة (2/ 92)، وسر الصناعة (747)، والدرر (3/ 68).

(3)

لم نجده في ديوان الحماسة الذي جمعه أبو تمام.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 351).

ص: 1306

كما في: عليك وإليك

(1)

، ورد عليه سيبويه بهذا البيت؛ فإنَّه أضافها إلى الظاهر ولم يأت بالألف، ولو كان بمنزلة:"على" لقال: فلبا يدي مسور؛ لأنك تقول: على زيد إذا أظهرت الاسم، وإن لم تظهر قلت: عليه

(2)

؛ كما قال

(3)

:

دَعَوْتَ فَتًى أَجَابَ فَتًى دَعَاهُ

بِلَبَّيْهِ أَشَمَّ شَمَرْدلِيُّ

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فلبى يدي مسور" حيث جاء لبي مضافًا إلى الظاهر، وهو نادر شاذ؛ لأن هذا من الأسماء التي تلزم الإضافة إلى الضمر نحو: دواليك وسعديك وحنانيك وهذاذيك

(4)

.

وفي شرح الكشاف كتب ابن حبيب الكاتب: "فلبى" الأولى بالألف، والثانية بالياء على إضافتها إلى يدي إضافة المصدر إلى المفعول، وصححه الصاغاني.

قلت: الأول فعل لهان كانت الألف رابعة، ولعل ذلك لتمييز أن الأولى فعل وأن الثَّانية مصدر منصوب، وعلامة النصب فيه الياء.

‌الشاهد الثاني والثلاثون بعد الستمائة

(5)

،

(6)

إنكَ لَوْ دَعَوْتَنِي وَدُونِي

زَوْرَاءُ ذاتُ مُتْرَعٍ بَيُونِ

لَقُلْتُ لَبَّيْهِ لِمَنْ يَدْعُوني

.....................

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الرجز.

قوله: "زوراء" بفتح الزاي وسكون الواو ومدّ الراء، وهي البئر البعيدة القعر، والأرض البعيدة -أَيضًا - تسمى زوراء، وكذلك دجلة بغداد [تسمى]

(7)

زوراء.

قوله: "مَتْرَع" من قولهم: حوض ترع بالتحريك إذا كان ممتلئًا، وضبطه بعضهم منزع بالزاي

(1)

ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 351).

(2)

ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 351)، وابن يعيش (1/ 119).

(3)

البيت من بحر الوافر، وقد نسب للأسدي، وانظره في لسان العرب مادة "لبى".

(4)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 251).

(5)

توضيح المقاصد (2/ 261)، وأوضح المسالك (2/ 190)، وشرح ابن عقيل (2/ 52).

(6)

البيت من بحر الرجز، وهو مجهول القائل، وانظره في: المغني (578)، وسر الصناعة (746)، وشرح التصريح (2/ 38)، وشرح شواهد المغني (920)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 190)، والخزانة (2/ 93)، والدرر (3/ 68)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1285).

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1307

المعجمة؛ من قولهم: بئر نزوع ونزيع إذا كانت قريبة القعر ينزع منها باليد، والأول أصح وأقرب.

قوله: "بيون" بفتح الباء الموحدة وضم الياء آخر الحروف المخففة وفي آخره نون، وهي البئر البعيدة القعر الواسعة، وكذلك البائنة، قاله الجوهري

(1)

.

الإعراب:

قوله: "إنك" الكاف اسم إن، و"لو" للشرط، و"دعوتني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت فعل الشرط، قوله:"ودوني زوراء": جملة اسمية وقعت حالًا، قوله:"ذات مترع": كلام إضافي مرفوع؛ لأنها صفة زوراء.

قوله: "بيون" بالجر صفة المترع [قوله: "لقلت" جواب لو، وفي الحقيقة هو خبر إن سدَّ مسد جواب الشرط]

(2)

، قوله:"لبيه": مقول القول، وقوله:"لمن يدعوني": يتعلق بقوله: "قلت".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لبيه" فإنَّه أضيف إلى ضمير الغيبة، وهو شاذ، والحكم فيه وفي أمثاله أن يضاف إلى ضمير المخاطب

(3)

.

‌الشاهد الثالث والثلاثون بعد الستمائة

(4)

،

(5)

أَمَا تَرَى حَيثُ سُهَيلٍ طَالِعًا

.......................

أقول: هذا الشطر أنشده ابن الأعرابي، ولم ينشد تمامه، ولا عزاه إلى قائله، وقد قيل: إن قائله مجهول، وأنشد السيد السمرقندي

(6)

تمامه في شرحه لمقدمة ابن الحاجب فقال:

أَمَا تَرَى حَيثُ سُهَيلٍ طَالِعًا

نَجْمًا يُضيءُ كالشِّهَاب لَامِعًا

قوله: "سهيل" بضم السين المهملة، وهو نجم يطلع وقت السحر.

(1)

الصحاح مادة: "بين".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 252)، وشرح التصريح (2/ 38).

(4)

ابن الناظم (150)، وشرح ابن عقيل (3/ 56).

(5)

البيت من بحر الرجز، ولم ينسبه العيني إلى بحره، ولا إلى قائله، وهو بلا نسبة في الخزانة (3/ 7)، والدرر (3/ 124)، وشرح شذور الذهب (168)، شرح شواهد المغني (390)، والمغني (133)، وابن يعيش (4/ 90)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1198).

(6)

لم أستطع الحصول على ترجمة له.

ص: 1308

الإعراب:

قوله: "أما" الهمزة للاستفهام، و"ترى": جملة من الفعل والفاعل، و"حيث": ظرف أضيف إلى سهيل فلذلك جر سهيل، و"طالعًا" نصب لأنه مفعول ترى وهو من رؤية البصر؛ فلذلك اقتصر على مفعول واحد.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حيث سهيل" لأن حيث من حقها أن تضاف إلى الجملة، وها هنا قد أضيفت إلى المفرد وهو شاذ

(1)

.

فإن قلت: ما محل حيث ها هنا؟

قلت: حيث ها هنا معرب؛ لأنه لم يضف إلى جملة، فهو إما منصوب على الظرفية، أو منصوب على المفعولية، وتكون ترى من رؤية القلب التي تستدعي المفعولين، فالمفعول الأول هو حيث، والثاني هو قول: طالعًا، أو يكون من رؤية البصر ويكون حيث مفعوله

(2)

، و"طالعًا" حالًا من حيث لا من سهيل؛ لأن الحال من المضاف إليه ضعيفة.

فإن قلت: كيف تقول: "حيث" ها هنا معربة؟.

قلت: لأن الموجب لبنائه هو إضافته إلى الجملة، وإذا زال ذلك الموجب الذي هو علة البناء زال المعلول وهو البناء، ومنهم من قال: حيث مبنية وإن أضيفت إلى المفرد كما في: "لدن".

وقد قيل: إن حيث ها هنا مضافة إلى الجملة، وإن سهيلًا مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف، أي: مستقر أو ظاهر في حال طلوعه فافهم.

‌الشاهد الرابع والثلاثون بعد الستمائة

(3)

،

(4)

إِذَا رَيْدَةٌ مِنْ حَيثُ مَا نَفَحَتْ لَهُ

.......................

أقول: قائله هو أبو حية النميري، واسمه المشمر بن الربيع بن زرارة بن كثير بن حباب

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 254، 255)، وقال: هو شاذ لا يقاس عليه خلافًا للكسائي. وانظر أيضًا شرح التسهيل لابن مالك (2/ 232)، وابن يعيش (4/ 90 - 92).

(2)

في (أ): مفعولًا له.

(3)

توضيح المقاصد (2/ 263).

(4)

البيت من بحر الطَّويل، وقائله هو أبو حية النميري؛ كما ذكر الشارح، وانظره في المغني (133)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 212)، والخزانة (6/ 554)، وشرح شواهد المغني (390)، واللسان مادة:"خلل"، والدرر (3/ 125)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (694)، ورواية العجز فيه:

......................

أتاه برياها حبيب يواصله

ص: 1309

ابن مالك بن عامر بن نمير الشَّاعر المشهور. وأبو حية بالياء آخر الحروف المشددة، وهو شاعر مجيد من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، وكان فصيحًا مقصدًا راجزًا، من ساكني البصرة، وكان أهوجًا جبانًا بخيلًا كذابًا معروفًا بذلك أجمع، وكان أبو عمرو بن العلاء يقدمه، وقيل: إنه كان يصرع، وتمام البيت:

.......................

أَتَاهُ بِرَيَّاهَا خَلِيلٌ يُوَاصِلُهْ

وهو من الطَّويل.

قوله: "ريدة" بفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الدال المهملة، يقال: ريح ريدة ورأدة وريدانة، أي: لينة الهبوب، قال هميان

(1)

بن قُحافة

(2)

:

جَرَتْ عَلَيهَا كُلُّ رِيحٍ رَيْدَةٍ

هَوْجَاءَ شَغْوَاءَ نَؤوجُ الغُدْوَةِ

قوله: "نفحت": من نفح الطِّيب ينفح إذا فاح وله نفحة طيبة، قوله:"برياها" بفتح الراء وتشديد الياء آخر الحروف، وهي الرائحة.

الإعراب:

قوله: "إذا": ظرف فيه معنى الشرط، و"ريدة": مرفوع بفعل محذوف يفسره الظاهر؛ أي إذا نفحت ريدة، قوله:"من حيث" حيث ها هنا منقطع عن الإضافة تقديره: إذا ريدة نفحت له من حيث هبت؛ وذلك لأن ريدة فاعل بفعل محذوف يفسره نفحت؛ كما ذكرنا، فلو كان نفحت مضافًا إليه، حيث لزم بطلان التفسير؛ إذ المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف، فلا يفسر عاملًا فيه.

قوله: "أتاه": جواب إذا، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وهو قوله:"خليل"، قوله:"يواصله": جملة وقعت صفة لخليل.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من حيث" حيث قطعت عن الإضافة كما ذكرنا، وأصله من حيث هبت

(3)

.

(1)

في (أ): حميان، وهو هميان بن قُحافة السعدي، من بني تميم، شاعر راجز عاش في العصر الأُموي، له رجز في وصف الإبل، في المؤتلف والمختلف، الأعلام (8/ 95).

(2)

البيت من بحر الرجز لهميان بن قُحافة، وهو في الخصص لابن سيده (9/ 86)، (15/ 81).

(3)

قال ابن مالك: "وأندر من إضافته إلى مفرد إضافته إلى جملة مقدرة كقول الشَّاعر (البيت) أراد إذا ريدة نفحت من حيث ما هبت لأنه أتاه برياها خليل، فحذف هبت للعلم به وجعل ما عوضًا كما جعل التنوين في حينئذ عوضًا".

شرح التسهيل لابن مالك (2/ 232، 233).

ص: 1310

‌الشاهد الخامس والثلاثون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

ونَطْعَنُهُمْ تَحْتَ الحُبَا بَعْدَ ضَرْبهِمْ

بِبِيضِ المَوَاضِي حيثُ لَيِّ العَمَائِمِ

أقول: قيل إن قائله هو الفرزدق من قصيدته التي نذكرها في البيت الذي يأتي، ولم أجده فيها في ديوانه.

وهو من الطَّويل.

قوله: "ونطعنهم": من طعنه بالرمح يطعنه بالفتح فيهما، وطعن في السنن يطعُن بالضم، قوله:"تحت الحُبا" بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة، وضبطه الجوهري بكسر الحاء

(3)

وابن السكيت ذكر الوجهين

(4)

، وأراد بهذا: أوساطهم؛ كما أراد من "لي العمائم" رؤوسهم، والمعنى: نطعنهم في أوساطهم بعد ضربهم في رؤوسهم.

قوله: "ببيض المواضي" البيض -بفتح الباء: الحديد، والمواضي: السيوف، وأراد ضربهم بحديد السيوف في رؤوسهم، ويجوز كسر الباء ويكون جمع أبيض، وهو السيف، والمواضي صفتها والإضافة فيه من قبيل الإضافة في: جرد قطيفة

(5)

.

الإعراب:

قوله: "ونطعنهم": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله:"تحت الحبا": كلام إضافي في محل النصب على المفعولية، قوله:"بعد" نصب على الظرف، و"ضربهم": مصدر مضاف إلى المفعول، وطوى ذكر الفاعل، والتقدير: بعد ضربنا إياهم، والباء في:"ببيض المواضي" يتعلق بالضرب، قوله:"حيث": مبني على الضم، و"لي العمائم": كلام إضافي مجرور بالإضافة.

(1)

ابن الناظم (152)، وأوضح المسالك (2/ 193).

(2)

البيت من بحر الطَّويل نسب للفرزدق، وبحثنا عنه في ديوانه كله في قافية الميم، ولم نجده، وانظره في ابن يعيش (4/ 92)، والمغني (132)، وشرح شواهد المغني (389)، والخزانة (6/ 553)، والدر (3/ 123)، وشرح التصريح (2/ 39).

(3)

الصحاح مادة: "حبي".

(4)

نصه في تهذيب إصلاح المنطق (296)، بتحقيق فخر الدين قباوة، يقول ابن السكيت: "ويقولون: حبوة بكسر الحاء، فإذا جمعوها قالوا حبًا بالضم، وحبوة بالضم، فإذا جمعوها قالوا حبًا بالكسر.

(5)

معناه أن قوله: "بيض المواضي" من إضافة الموصوف إلى الصفة، وأصله بالبيض المواضي، أي: بالسيوف القاطعة، وأما جرد قطيفة فعكسه، أي من إضافة الصفة إلى الموصوف، ويؤول بشيء جرد.

ص: 1311

الاستشهاد فيه:

وذلك أن حيث فيه لم تضف إلى جملة؛ فيكون معربًا، ومحله النصب على الحالية، وقد مر الكلام فيه عن قريب

(1)

.

‌الشاهد السادس والثلاثون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

أَبَأْنَا بهَا قَتلَى وَمَا في دِمَائهَا

شِفَاءٌ وَهُنَّ الشَّافيَاتُ الحَوَائمِ

أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من قصيدة طويلة قالها في قتل قتيبة بن مسلم، ومدح بها سليمان بن عبد الملك بن مروان، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

تَحِنُّ بِزَوْرَاء المَدينَة نَاقَتي

حَنِينَ عَجُولٍ تَبْتغِي البَوّ رَائمِ

2 -

فيا لَيتَ زَوْرَاءَ المَدينةِ أَصْبَحَتْ

بأَخفَارِ فَلْجٍ أوْ بسَيفِ الكَوَاظِمِ

3 -

وكَمْ نَامَ عَنِّي بالمَدِينةِ لَمْ يُبَلْ

إليّ اطِّلاعَ النَّفسِ فَوقَ الحَيَازِمِ

إلى أن قال:

4 -

إذَا جَشَأَتْ نفْسِي أقُولُ لهَا ارْجَعِي

ورَاءَكِ واسْتَحْيي بَيَاضَ اللَّهَازِمِ

5 -

شَفَينَ حَزَازَات [الصُّدُورِ] ولَمْ تَدَعْ

عَلينَا مَقَالًا في وَفَاءٍ لِلَائِمِ

(5)

6 -

جَزَى الله قَوْمِي إذ أَرَادَ حَقَارَتِي

قُتَيبَةُ سَعْيَ المُدرِكِينَ الأَكَارِم

7 -

أبأنا ........................

...................... إلخ

1 -

قوله: "تحن": من الحنين والشوق، و"الزوراء": اسم موضع بالمدينة، و"البوّ" بفتح الباء الموحدة وتشديد الواو؛ جلد حوار يحشى ثمامًا، تراه الناقة التي مات ولدها فتسكن

(6)

.

(1)

ينظر الشاهد رقم (634)، وشرح الأشموني (2/ 245)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 232).

(2)

أوضح المسالك (2/ 172).

(3)

البيت من قصيدة طويلة للفرزدق، زادت على المائة بيت يذكر فيها قتل قتيبة بن مسلم، ويمدح سليمان بن عبد الملك، ويهجو قيسًا وجريرًا، وانظرها في الديوان (7/ 301)، ط. دار صادر، وانظر بيت الشاهد في الخزانة (7/ 373) وشرح التصريح (2/ 29)، وهو بلا نسبة في المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (895)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 85)، ووروى البيت فيه هكذا:

أبأنا بهم قتلى وما في دمائهم

.........................

(4)

الديوان (1/ 307) ط. دار صادر، بيروت.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

أما الحوار بالضم فهو ولد الناقة ساعة تضعه، أو إلى أن ينفصل عن أمه، وأما الثمام فهو نبت يحشى به الجلد المذكور. انظر القاموس مادة:"حور، ثمم".

ص: 1312

2 -

و"الأحفار": جمع حفر الماء، و"الفلج" بفتح الفاء وسكون اللام وبالجيم؛ اسم موضع، و"السِّيف" بكسر السين المهملة؛ شط البحر، و"الكواظم": جمع كاظم

(1)

والكاظم: اسم موضع، وأراد بجمعها ها هنا كاظمة وما حولها.

3 -

قوله: "وكم نام عني" أي: وكم خلي البال نام عني لا يبالي ما أنا فيه من الكرب والغم الذي قد خرجت له نفسي من الحيازم، إلى التراقي.

4 -

قوله: "إذا جشأت" أي: ارتفعت نفسي لتخرج من صدري أقول لها ارجعي وراءك واستحصي من بهاض اللهازم، أي: الشيب، وهو جمع لهزمة.

5 -

و"الحزازات": جمع حزازة الصدر، وهو ما في القلب من الأمر المطلوب الذي يتعب صاحبه.

6 -

قوله: "أبأنا بها" في ديوان الفرزدق: أبأنا بهم، فعلى الأول يرجع الضمير إلى السيوف المذكورة فيما قبل، وعلى الثاني: يرجع إلى أهل الوقعة، ومعنى أبأنا: قتلنا، كما في قول طفيل

(2)

:

أَبَأْنَا بِقَتْلانَا مِنَ القَومِ ضِعْفُهُمْ

...............................

قال ابن هشام: ومعناه: قتلنا

(3)

، قوله:"الحوائم" العطاش التي تحوم حول الماء؛ جمع حائمة؛ من الحوم وهو الطواف حول الشيء.

الإعراب:

قوله: "أبأنا": جملة من الفعل والفاعل، و"بها" جار ومجرور، والباء للاستعانة، وعلى رواية: بهم تكون الباء للسببية، وقوله:"قتلى"؛ مفعول لقوله: أبأنا، قوله:"وما" نافية، وقوله:"شفاء": مبتدأ، و"فيها": مقدمًا خبره، والضمير يرجع إلى السيوف، قوله:"وهن" مبتدأ أي السيوف، و"الشافيات": خبره، يقول: ليس الشفاء في دماء السيوف، يعني الدماء التي تهريقها السيوف، وإنما هي الشافيات؛ لأنه لولاها

(4)

لما سفكت الدماء.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "الشافيات الحوائم" حيث دخلت الألف والسلام على الشافيات الذي هو مضاف

(1)

في (أ): كاظمة.

(2)

البيت من بحر الطَّويل، وهو لطفيل الغنوي في ديوانه (32)، وانظره في لسان الرب مادة:"بوأ".

(3)

جاء في الصحاح للجوهري مادة: "بوأ": "أبأت القاتل بالقتيل إذا قتلته به، وباء الرَّجل بصاحبه؛ أي: قتل به، ويقال: بؤيه، أي: كن ممن يقتل به".

(4)

في (ب): لولا.

ص: 1313

إلى الحوائم؛ وذلك لأن الإضافة فيه لفظية، وتختص الإضافة اللفظية بجواز دخول الألف واللام على المضاف في مسائل منها مثل هذا الموضع؛ كما في قولك: كالجعد الشعر ونحوه

(1)

.

‌الشاهد السابع والثلاثون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

لقدْ ظَفِرَ الزُّوَّارُ أَقْفِيةِ العِدَا

بِمَا جَاوَزَ الآمال مَلْأَسْرِ والقَتْل

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الكامل.

قوله: "الزوار" بضم الزاي؛ جمع زائر، و"الأقفية": جمع قفا، و"العدا" بكسر العين؛ جمع عدوّ، و"الآمال": جمع أمل وهو الرَّجاء.

الإعراب:

قوله: "لقد" اللام للتأكيد وقد للتحقيق، و"ظفر": فعل، و"الزوار": فاعله، وهو مضاف إلى أقفية التي هي مضافة إلى العدا، والباء في قوله:"بما" يتعلق بقوله: "ظفر" وما موصولة، و"جاوز" فعل وفاعل، و"الآمال": مفعوله، والجملة صلة الموصول، قوله:"ملأسر" أصله من الأسر على لغة أهل اليمن؛ فإنهم أبدلوا الميم من اللام

(4)

؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم

(5)

: "ليس من امبر في امصيام في امسفر"

(6)

، وكلمة من ها هنا للبيان والتفصيل، وقوله:"والقتل" عطف على قوله: "ملأسر".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "الزوار أقفية العدا". فإن الزوار بالألف واللام مضاف إلى أقفية التي هي مضافة إلى العدا التي بالألف واللام؛ كما في قولك: الضارب رأس الجاني، وذلك لكون الإضافة فيه لفظية

(7)

.

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 85)، وقوله فيها هذا الموضع، وهو أن يكون المضاف إلى فيه ال، أو مضافًا لما فيه ال، ومنها أَيضًا أن يكون المضاف مثنى أو جمعًا كما في قوله:(الشاتمي عرضي).

(2)

أوضح المسالك (2/ 173).

(3)

البيت من بحر الطَّويل، وليس من الكامل كما ذكر الشارح، كما أنَّه غير منسوب لقائل، وانظره في شرح التصريح (2/ 29)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (764).

(4)

في (أ): يبدلون الميم من اللام.

(5)

الحديث في مسند أَحْمد (5/ 424) طبعة دار المعارف (1365 هـ)، القاهرة.

(6)

تشبيه العيني البيت بالحديث ليس صحيحًا، فالبيت فيه حذف نون من للضرورة الشعرية، وقد ورد ذلك في أشعار كثيرة، أما الحديث ففيه إبدال اللام ميمًا، وهو لغة لأهل اليمن.

(7)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 85، 86) والشاهد السابق.

ص: 1314

‌الشاهد الثامن والثلاثون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

الوُدُّ أَنْتِ المستحقةُ صَفْوهِ

مِنِّي وَإنْ لَم أَرْجُ مِنْكِ نَوَالًا

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو -أَيضًا - من الكامل. المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "الود": مرفوع بالابتداء، قوله:"أنتِ" بالكسر خطاب لمؤنث، وهو -أَيضًا - مبتدأ، وخبره قوله:"المستحقة صفوه"، والجملة خبر المبتدأ الأول، قوله:"مني": جار ومجرور في محل النصب على الحال من الود.

قوله: "وإن لم أرج " إن هذه تسمى واصلة، وفي التقدير: هو عطف على مقدر تقديره: أرجو منك نوالًا وإن لم أرج، و"نوالًا" نصب على أنَّه مفعول لقوله:"لم أرج"، وصدر الكلام أغنى عن جواب إن.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "المستحقة صفوه" فإن المستحقة مضاف إلى صفوه، وصفوه مضاف لضمير ما هو مقرون بأل وهو الود

(3)

، وذهب المبرد إلى أن مثل هذا لا يجوز فيه إلَّا النصب ولا يجوز الجر

(4)

، والصحيح الجواز بدليل البيت المذكور؛ فإن صفوه فيه مجرور، وهو حجة عليه

(5)

.

‌الشاهد التاسع والثلاثون بعد الستمائة

(6)

،

(7)

إِنْ يَغْنِيَا عَنِّي المسُتَوْطِنَا عَدَنٍ

فإنَّنِي لَسْتُ يَوْمًا عَنْهُمَا بِغَنِي

أقول: قائله -أَيضًا- مجهول، وكثيرًا ما يحتج ابن هشام بالأبيات المجهول قائلها

(8)

،

(1)

توضيح المقاصد (2/ 251)، وأوضح المسالك (2/ 174).

(2)

البيت من بحر الكامل، وهو في الغول، وقائله مجهول، وانظره في شرح التصريح (2/ 29)، والدرر (5/ 12)، وشرح الأشموني (2/ 246)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 48)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (645).

(3)

ينظر شرح التصريح (2/ 29)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 86).

(4)

انظر رأي المبرد والرد عليه في الأشموني (2/ 246)، والمساعد (2/ 206).

(5)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 85)، والمساعد (2/ 202).

(6)

أوضح المسالك (2/ 175).

(7)

البيت من بحر البسيط، وهو مجهول القائل؛ كما نص عليه العيني وغيره، وانظره في شرح الأشموني وشواهده للعيني (2/ 246)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 85)، والمساعد (2/ 202)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 48).

(8)

إنما خص ابن هشام بالذكر؛ لأنه استشهد بأربعة أبيات متوالية في هذا الموضع منفردًا بها، وكلها مجهولة القائل، =

ص: 1315

والجهالة لا تضر بالاحتجاج إذا احتج بها المتقدمون مثل سيبويه وأمثاله، فإن في كتابه أبياتًا مجهولة وقد احتج بها، [وهو من بحر البسيط]

(1)

.

قوله: "إن يغنيا": من غنى فلان عن كذا فهو غان، يعني: استغنى عنه ولا حاجة له به، وذكره في الدستور

(2)

في باب فعل يفعَل مثل: علم يعلم، وقال: غني عنه غِنى فهو غنيٌّ استغنى.

الإعراب:

قوله: "إن": حرف شرط، و"يغنيا": فعل الشرط مجزوم، و"عني" صلته، قوله:"المستوطنا عدن" أصله: المستوطنان، فحذفت النُّون للإضافة، والألف والسلام فيه بمعنى الذي، أي: اللذان استوطنا عدن، قوله:"فإنني" جواب الشرط، وضمير المتكلم اسم إن، والجملة - أعني:"لست يومًا عنهما بغني" خبره، والتاء اسم ليس، وخبره قوله:"بغني"، والباء فيه زائدة والأصل: لست غنيًّا عنهما، وخففت الياء فيه للضرورة، و"يومًا" نصب على الظرف، و"عنهما" يتعلق بغني.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "المستوطنا عدن" حيث دخلت الألف واللام في المضاف المثنَّى لكون الإضافة لفظية.

‌الشاهد الأربعون بعد الستمائة

(3)

،

(4)

ليسَ الأخِلَّاءُ بالمُصْغِي مَسَامِعهم

إلى الوُشَاةِ ولو كانُوا ذَوي رَحِمِ

أقول: قائله مجهول، وهو -أَيضًا- من البسيط.

"الأخلاء": جمع خليل وهو الصديق الصافي، و"الوشاة" بضم الواو؛ جمع واش، وهو الساعي بنقل الكلام بين الأخلاء.

= وبيت الشاهد ثالثها.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

لم نقف عليه ولم نسمع عنه.

(3)

أوضح المسالك (2/ 176).

(4)

البيت من بحر البسيط، وهو مجهول القائل، ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 85)، وشرح التصريح (2/ 30)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 48)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (916).

ص: 1316

الإعراب:

قوله: "الأخلاء": مرفوع لأنه اسم ليس، وخبره هو قوله:"بالمصغي مسامعهم"، والباء فيه زائدة للتأكيد، وقوله:"إلى الوشاة" يتعلق بقوله: بالمصغي، قوله:"ولو" حرف شرط واصل بما قبله، وفي الحقيقة هو عطف على مقدر تقديره: إن لم تكن الوشاة ذوي رحم ولو كانوا ذوي رحم، واسم كان الضمير الذي يرجع إلى الوشاة، وخبره هو قوله:"ذوي رحم".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بالمصغي مسامعهم" حيث دخلت الألف والسلام في المضاف الجمع (الذي أَتبع المثنَّى فيه) لكون الإضافة لفطة كما ذكرنا

(1)

.

‌الشاهد الحادي والأربعون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

طُولُ الليالِي أسْرَعَتْ في نقْضِي

نَقَضْنَ كُلِّي ونَقَضْنَ بَعْضِي

أقول: قائله هو الأغلب العجلي، وكان من العمرين، وعاش دهرًا طويلًا، وبعده بيت آخر وهو

(4)

:

2 -

حَنَينَ طُولِي وَطَوَينَ عَرْضِي

أَقْعَدْنَنِي مِنْ بَعْد طُولِ النَّهْضِ

وهما من الرجز وفيه القطع.

قوله: "طول الليالي" ويروى: إن الليالي أسرعت، وقوله:"ونقضن بعضي" ويروى: أخذن بعضي [وتركن بعضي]

(5)

. المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "طول الليالي": كلام إضافي مبتدأ، و"أسرعت": خبره، وقوله:"في نقضي" يتعلق به، قوله:"نقضن كلي" جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت حالًا بتقدير قد، قوله:"ونقضن بعضي": جملة مثلها معطوفة على الجملة المتقدمة.

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 85).

(2)

أوضح المسالك (2/ 179).

(3)

بيتان من بحر الرجز المشطور نسبا للعجاج، وهما في ديوانه (1/ 300)، تحقيق: السطلي؛ كما نسبا للأغلب العجلي، وانظرهما في الكتاب (1/ 53)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 366)، وشرح التصريح (2/ 31)، والأغاني (21/ 30)، والخزانة (4/ 224)، وشرح شواهد المغني (881).

(4)

ديوان العجاج (2/ 300) تحقيق: السطلي.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1317

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أسرعت" فإنَّها خبر عن المذكر وهو قوله: "طول"، والقياس: أسرع، ولكن المبتدأ اكتسب التأنيث من المضاف إليه، فلذلك أُنِّث الخبر

(1)

.

‌الشاهد الثاني والأربعون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

إِنَارةُ العَقْلِ مَكْسُوفٌ بِطَوْعِ هَوًى

وَعَقْلُ عَاصِي الهَوَى يَزْدَادُ تَنْويرَا

أقول: قيل إن قائله من المولدين، وهو من البسيط، المعنى ظاهر، وهو معنى مليح جدًّا وفيه موعظة كبيرة.

الإعراب:

قوله: "إنارة العقل": كلام إضافي مبتدأ، وقوله:"مكسوف": خبره؛ أي: مظلم، والباء في:"بطوع" يتعلق به، وهو مضاف إلى هوى، قوله:"وعقل عاصي الهوى": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله:"يزداد"، وقوله:"تنويرًا" نصب على التمييز.

الاستشهاد فيه:

عكس الاستشهاد في البيت السابق؛ لأن في هذا تذكير المؤنث، وهو قوله:"مكسوف"، وكان القياس:"مكسوفة"، وهناك تأنيث المذكر وهو قوله:"أسرعت"، وإنما ذكر المؤنث ها هنا مع أنَّه خبر عن المؤنث، وهو قوله:"إنارة العقل"؛ لأن المضاف اكتسب التذكير من المضاف إليه.

‌الشاهد الثالث والأربعون بعد الستمائة

(4)

،

(5)

وَكُنْتَ إِذْ كُنْتَ إلَهي وَحْدَكَا

لَم يَكُ شَيءٌ يَا إِلاهي قبلكَا

أقول: قائله هو عبد الله بن عبد الأعلى القُرشيّ الراجز، وهو من الرجز المسدس. المعنى ظاهر.

(1)

ينظر الكتاب (1/ 52، 53)، وشرح التصريح (2/ 31).

(2)

أوضح المسالك (2/ 180).

(3)

البيت من بحر البسيط، وهو لقائل مجهول، قيل: إنه من المولدين، وانظره في المغني (512)، وشرح شواهده للسيوطي (881)، والتصريح (2/ 32)، والأشموني (2/ 248).

(4)

أوضح المسالك (2/ 184).

(5)

بيتان من الرجز المشطور، وقد نسبهما الشارح، وهما في الإقرار بالألوهية لله تعالى، وانظرهما في الكتاب لسيبويه =

ص: 1318

الإعراب:

قوله: "وكنت" من كان التامة، وفي كتاب سيبويه: قد كنت

(1)

، قوله:"إذ": ظرف بمعنى حين كنت، وهو -أَيضًا- من كان التامة، قوله:"إلهي" أصله يَا إلهي، قوله:"وحدكا": منصوب على الحال، والعامل محذوف تقديره: انفردت وحدكا، والألف في وحدكا وقبلكا للإطلاق.

قوله: "لم يك" أصله: لم يكن حذفت النُّون منه للتخفيف، وهي من كان الناقصة، وقوله:"شيء" اسمه، وقوله:"قبلكا": خبره، وقوله:"يَا إلهي": معترض بين اسم كان وخبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وحدكا" حيث أضيف [لفظ]

(2)

وحد إلى كاف الخَطَّاب، وهو مما يضاف لكل مضمر: إلى الغائب نحو: وحده، وإلى المخاطب نحو: وحدك، وإلى المتكلم نحو: وحدي

(3)

.

‌الشاهد الرابع والأربعون بعد الستمائة

(4)

،

(5)

والذِّئبَ أَخْشَاهُ إِنْ مَرَرْت بِهِ

وَحْدِي وَأَخْشَى الرَّيَّاحَ والمَطَرَا

أقول: قائله هو الرَّبيع بن ضبيع بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس غيلان، قال أبو حاتم: وكان من أطول من كان قبل الإِسلام عمرًا، عاش أربعين وثلاثمائة سنة ولم يُسلِم، وقال حين بلغ مائة سنة وأربعين سنة:

1 -

أقْفَرَ مِنْ مَيَّةَ الحَرِيبَ إلَى

زجَين إلا الظِّبَاءَ والبَقَرَا

2 -

كَأنَّهَا دُرَّةٌ مُنَغَّمَةٌ

مِنْ نِسوَة كُنَّ قَبلَهَا دُرَرًا

3 -

أصْبَحَ مِنِّي الشَّبَابُ قَدْ حَسَرَا

إنْ يَنَأْ عَنِّي فَقَدْ ثَوَى عُصُرَا

4 -

فارَقَنَا قَبلَ أنْ نُفارِقَهُ

لمَّا قَضَى مِنْ جِمَاعِنَا وَطَرَا

= (2/ 210)، وشرح أبيات سيبويه (2/ 29)، وسر صناعة الإعراب (541)، والمقتضب (4/ 247)، والمنصف (2/ 232)، والمغني (179)، والدرر (5/ 23)، وشرح شواهد المغني (681)، وابن يعيش (2/ 11).

(1)

الكتاب لسيبويه (2/ 210)، وروايته:(وكنت) وليس كما ذكره الشارح.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 240).

(4)

أوضح المسالك (2/ 186).

(5)

البيت من بحر المنسرح، وهو للربيع بن ضبيع الفزاري، وانظره في الكتاب لسيبويه (1/ 90)، واللسان:"ضمن"، والأشباه والنظائر (/ 173)، والمحتسب (2/ 99)، والخزانة (7/ 384)، والدرر (5/ 22)، وشرح التصريح (2/ 36).

ص: 1319

5 -

أصْبَحْتُ لا أَحْمِلُ السلاحَ ولا

أَمْلِكُ رَأسَ البَعِيرِ إنْ نَفَرَا

6 -

والذئب أخشاه ...........

.............. إلخ

وهي من المنسرح

(1)

.

ووصف بهذا البيت والذي قبله انتهاء سِنّه وذهاب قوته؛ فلا يطيق حمل السلاح لحرب ولا يملك رأس البعير إن نفر من شيء، وأنه يخشى من الذئب إن مر به على حدته، ولا يحتمل الريح وأذى المطر لهرمه وضعفه.

الإعراب:

قوله: "والذئب": منصوب بفعل يفسره الظاهر، أي: أخشى الذئب أخشاه، ويجوز فيه الرفع على الابتداء، والأول أوجه، قوله:"إن مررت به" أي بالذئب، وجواب الشرط محذوف تقديره: إن مررت به أخشاه، قوله:"وحدي": حال من الضمير الذي في مررت، أي: حال كوني متوحدًا، قوله:"أخشى": عطف على أخشاه، وهي جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"الرياح" مفعول، و"المطرا": معطوف عليه، والألف فيه للإطلاق.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وحدي" حيث أضيف وحد إلى ياء المتكلم

(2)

.

‌الشاهد الخامس والأربعون بعد الستمائة

(3)

،

(4)

ضَرْبًا هَذَا ذَيْكَ وَطَعْنًا وَخْضَا

.....................

أقول: قائله هو العجاج الراجز، يمدح به الحجاج بن يوسف، ويذكر فيه ابن الأشعث وأصحابه، وبعده

(5)

:

(1)

في الأصل (أ، ب): من الوافر، والصحيح أنَّه من المنسرح.

(2)

ينظر الشاهد (643)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 240).

(3)

أوضح المسالك (2/ 187).

(4)

البيت من الرجز المشطور، من أرجوزة للعجاج، قالها في أصحاب ابن الأشعث، ويمدح الحجاج:

بلجب عرض يباري عرضًا

فوجدوا الحجاج يأبى الهضا

انظر ديوان العجاج (1/ 140)، تحقيق: د. عبد الحفيظ السطلي، وانظر بيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 350)، وشرح أبيات سيبويه (5/ 311)، وشرح التصريح (2/ 37)، وابن يعيش (9/ 111)، والمحتسب (2/ 279)، والخزانة (2/ 106)، والدرر (3/ 66)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية؛ (1187).

(5)

ديوان العجاج (1/ 140)، تحقيق: د. عبد الحفيظ السطلي، مكتبة أطلس، دمشق.

ص: 1320

4 -

يَمْضي إِلَى عَاصِي الْعُرُوق النَّحضَا

...................

وقبله:

1 -

نَجْزيهمْ بِالطَّعْنِ فَرْضًا فَرْضَا

وتَارَةً يَلْقَوْنَ قَرْضًا قَرْضَا

2 -

حَتَّى نُقَضِّي الأجَلَ المنقَضَّا

.....................

3 -

قوله: "هذاذيك": من الهذ -بالذال المعجمة وهو الإسراع في القطع، وقال الأصمعيّ: تقول للنَّاس إن أردت أن يكفوا عن الشيء: هجاجيك وهذاذيك على تقدير الاثنين، قوله:"وَخْضًا" بفتح الواو وسكون الخاء وبالضاد المعجمتين، قال ابن فارس: الوخض: الطعن غير جائف، يقال: وخضه بالرمح

(1)

، وقال ابن يعيش: الوخض: الطعن الجائف

(2)

، وقال [ابن النحاس]

(3)

في شرح أبيات الكتاب: الوخض بالتحريك

(4)

.

4 -

قوله: "إلى عاصي العروق" بالعين والصاد المهملتين

(5)

، قال الجوهري: العاصي: العرق الذي لا يرقأ، ويجمع على عواص

(6)

، قوله:"النحضا" بفتح النُّون وسكون الحاء المهملة ثم ضاد معجمة، وهو اللحم المكتنز كلحم الفخذ، وكذلك النحضة.

وحاصل المعنى: يمضي الطعن والضرب في اللحم إلى العروق العاصية.

الإعراب:

قوله: "ضربًا": نصب على المصدر، والتقدير: نضرب ضربًا، وقوله:"هذاذيك": نصب على المصدر -أَيضًا، وهو بدل من الأول وثني للتكرار

(7)

، كأنه يقطع الأعناق بضربه ويبلغ الأجواف بطعنه، قوله:"وطعنًا": عطف على قوله: "ضربًا" أي: يطعن طعنًا، قوله:"وَخْضَا" صفة لقوله: "طعنًا".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "هذاذيك" فإنَّه مصدر قصد من تثنيته التكرار، وأنه شيء يعود مرة بعد مرة، فليس المراد منه شيئين فقط؛ كما تقول: ادخلوا الأول فالأول، والغرض أن يدخل الجميع، وجئت بالأول فالأول، حتَّى يعلم أنَّه شيء بعد شيء، ومنه يقال: جاء القوم رجلًا فرجلًا على

(1)

معجم مقاييس اللغة (6/ 94).

(2)

ينظر ابن يعيش (1/ 119).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

شرح النحاس (152).

(5)

في (أ): بالعين والصاد المهملتين.

(6)

الصحاح مادة: "غضى".

(7)

في (أ): للتكثير.

ص: 1321

هذا المعنى، ولا يحتاج إلى تكريره مرة واحدة

(1)

.

‌الشاهد السادس والأربعون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

إذَا شُقَّ بُرْدٌ شُقَّ بِالبُرْدِ مِثْلُهُ

دَوَاليْكَ حتَّى ليسَ لِلْبُرْدِ لَابِسٌ

أقول: قائله هو سحيم بن عبد بني الحسحاس في ابنة مولاه، وقبله

(4)

:

1 -

وإنَّ الصُّبَيْرَياتِ وَسْطَ بُيُوتِنَا

ظِبَاءٌ حَنَتْ أَعْنَاقَهَا في المكَانِسِ

2 -

فَكَمْ قَدْ شَقَقنَا من رِدَاءٍ منير

وَمِنْ بُرْقُعٍ عَنْ طَفْلَةٍ غَير عَانِسِ

3 -

وَهُن بَنَاتُ القَوْمِ إن يظْفَرُوا بِنَا

يَكُنْ فيِ بَنَاتِ القَوْمِ إحْدَى الدَّهَارِسِ

وهي من الطَّويل.

1 -

[قوله: "وإن الصبيريات" أي: النسوة المنسوبة إلى بني صبير بن يربوع، قوله:"المكانس": جمع مكنس الظبي، وهو موضع كنسه؛ أي: تستره.

2 -

قوله: "منير" أي: ذي أعلام.

قوله: "طفلة" بفتح الطاء؛ المرأة الناعمة، قوله:"ممكورة" أي: خدلة الساقين؛ يعني: ممتلئة الساقين]

(5)

.

3 -

قوله: "الدهارس" الدواهي.

4 -

قوله: "دواليك": من المداولة، وهي المناوبة، كانت عادة العرب في الجاهلية أن يلبس كل واحد من الزوجين بُرد الآخر، ثم يتداولان على تخريقه حتَّى لا يبقى فيه لبس؛ طلبًا لتأكيد المودة، ومال: تزعم النساء أنَّه إذا شق أحد الزوجين عند البضّاع شيئًا من ثوب صاحبه دام الوُدّ بينهما وإلا تهاجرا.

الإعراب:

قوله: "إذا": ظرف فيه معنى الشرط، و"شق" فعله، و"شق" الثاني جوابه، وقوله:

(1)

ينظر ابن يعيش (1/ 119).

(2)

أوضح المسالك (2/ 188).

(3)

البيت من بحر الطويل، منسوب لسحيم، وهو في ديوانه (15)، تحقيق: عبد العزيز الميمني، ط. دار الكتب، وانظر الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 350)، وابن يعيش (1/ 119)، واللسان:"هذذ" والخصائص (3/ 45)، ورصف المباني (181)، والمحتسب (2/ 279)، وهمع الهوامع للسهوطي (1/ 189)، والدر (3/ 65)، وشرح التصريح (2/ 37).

(4)

ديوان سحيم (15)، تحقيق: عبد العزيز الميمني، ط. دار الكتب (1950 م).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1322

"برد، ومثله": مرفوعان بالنيابة عن الفاعل، قوله:"دواليك": نصب على المصدر يعني تداولًا بعد تداول، ويقال: نصب على الحال؛ أي: متداولين.

قوله: "حتَّى": ابتدائية ها هنا، و"لابس": مرفوع لأنه اسم ليس، وخبره قوله:"للبرد"، ووروى: حتَّى كلنا غير لابس، والجملة مستأنفة عند الجمهور، وعند الزجاج وابن درستويه في موضع جر بحتى.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "دواليك" فإنَّه مصدر مثنى مضاف إلى ضمير المخاطب مخصوص به، ومعناه التكرار. فافهم

(1)

.

‌الشاهد السابع والأربعون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

نَدِمْتُ عَلَى مَا فَاتَنِي يَوْمَ بِنْتُمُ

........................

أقول: قائله هو كثير عزة، وتمامه:

...................

فَيَا حَسْرَتَا أَنْ لَا يَرَيْنَ عَويلِي

وهو من قصيدة لامية، وهي [طويلة]

(4)

من الطَّويل، وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

ألَا حَيّيَا ليلَى أجَدَّ رَحِيلي

وآذَنَ أصْحَابِي غَدًا بِقُفُولِ

2 -

تَبَدَّتْ لَهُ لَيلَى لِتُذْهِبَ عَقْلَهُ

وَشَاقْتك أُمّ الصَّلْتِ بَعْدَ ذُهُولِ

3 -

أُرِيدُ لأَنْسَى ذِكْرَهَا فَكَأَنَّمَا

تُمَثَّلُ لِي لَيلَى بِكُلِّ سَبيلِ

4 -

إذَا ذُكِرَتْ لَيلَى تَغَشَّتْكَ عَبرَةٌ

تُعَلُّ بِهَا العَينَانِ بَعْدَ نُهُولِ

5 -

وَكَمْ مِنْ خَلِيلٍ قَال لِي هَلْ سَأَلْتَهَا

فَقُلْتُ نَعَمْ لَيلَى أضَنُّ خَلِيلِ

6 -

وأبعَدَهُ لَيلًا وأوشكهُ قِلَى

وإنْ سُئِلْتَ عُرْفًا فَشَرُّ مَسُولِ

7 -

لقَدْ كَذَبَ الوَاشُونَ مَا بُحْتُ عِندَهُمْ

بِلَيلَى ولَا أرْسَلْتُهُمْ بِرَسُولِ

8 -

فإنْ جَاءَكِ الوَاشُونَ عَنِّي بِكِذْبَةٍ

فَرَوْهَا وَلَمْ يَأتُوا لَهَا بِحَويلِ

(1)

ينظر ابن يعيش (1/ 119).

(2)

ابن الناظم (152).

(3)

البيت من بحر الطَّويل، وهو من قصيدة طويلة لكثير عزة في الغزل، قد سرد الشارح أكثرها، ديوان كثير عزة (108)، وانظر الأمالي لأبي علي القالي (2/ 67)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (807).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ديوان كثير عزة (108)، تحقيق: د. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت (1971 م).

ص: 1323

9 -

فلا تَعْجَلِي يَا لَيلُ أنْ تتَفَهَّمِي

بِنُصْحٍ أتَى الوَاشُونَ أمْ بِحُبُولِ

10 -

فإنْ تَبْذُلِي لِي منك يَومًا مَوَدَّةً

فَقدْمًا صَنَعْتُ القَرْضَ عِنْدُ بُذُولٍ

11 -

وإنْ تَبخَلِي يَا لَيلُ عَنِّي فإنَّنِي

تُوَكِّلُنِي نَفْسِي بكُلٍّ بَخِيل

12 -

ولسْتُ بِرَاضٍ من خليلٍ بنائِلٍ

قَلِيلٍ وَلَا أرْضَى لَهُ بِقلِيلِ

13 -

ولَيسَ خَلِيلِي بِالملولِ ولَا الَّذِي

إذَا غِبتُ عَنْهُ بَاعَنِي بِخَيلِ

14 -

ولَكِنْ خَلِيلِي مَن يُدِيمُ وصَالهُ

وَيَحْفَظُ سِرِّي عِندَ كُلِّ دَخِيلِ

15 -

ولَمْ أَرَ مِن لَيلَى نَوَالًا أعُدُّهُ

ألا رُبَّما طَالبتُ غَيرَ مُنِيلِ

16 -

يَلُومُكَ فيِ لَيلَى وَعَقْلُكَ عِندَهَا

رِجَالٌ ولَمْ تَذْهبْ لَهُمْ بِعُقُولِ

17 -

يقولُون لي دَعْ عَنكَ لَيلَى وَلا تَهِمْ

بقَاطِعَةِ الأقرَانِ ذَاتِ حَلِيلِ

18 -

فمَا نفعت نفسي بما أَمَرُوا به

وَلَا عُجْتُ مِنْ أقوالِهمْ بفَتِيلِ

19 -

نَدِمْتُ عَلَى مَا فَاتَني .........

................ إلخ

22 -

وقَالُوا نَأَتْ فَاخْتَرْ مِنَ الصَّبرِ والبُكَا

فَقُلْتُ البُكَا أَشْفَى إذًا لِغَلِيلِي

21 -

فَوَلَّيتُ مَحْزُونًا وقُلْتُ لِصَاحِبي

أَقَاتِلَتِي لَيلَى بِغَيرِ قَتِيلِ

22 -

لقدْ أكْثَرَ الوَاشُونَ فِينَا وفِيكُمُ

ومَال بنَا الوَاشُونَ كل مُميلِ

23 -

ومَا زِلتُ مِنْ لَيلَى لَدُنْ طُرَّ شَاربِي

إلى اليَومِ كالمقصَى بِكُلِّ سَبيلِ

7 -

قوله: "برسول" ويروى: برسيلي، وكلاهما بمعنى الرسالة.

9 -

قوله: "بحُبُولِ" بالحاء المهملة المضمومة؛ جمع حِبل بكسر الحاء وهو الداهية، ويروى: بالخاء المعجمة، وهو الفساد.

10 -

قوله: "فقِدْمًا" بمعنى: قديمًا، ويروى: فقَدْ ما [بفتح القاف]

(1)

على أن قد حرف تحقيق وما زائدة، قاله أبو علي.

17 -

قوله: "الأقران": جمع قرن، وهو الحبل يريد به الوصل، أو جمع قِرن بكسر القاف [وهو الفساد]

(2)

.

18 -

[قوله: "ولا عجت" بكسر العين؛ أي: ولا انتفعت، يقال: تناولت دواء فما عجت به؛ أي: ما انتفعت به، و"الفتيل" بالفاء، هو الخيط الذي يكون في شق النواة]

(3)

.

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1324

الإعراب:

قوله: "ندمت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"على": يتعلق به، و"ما": موصولة، و"فاتني": جملة صلتها، و"يوم": نصب على الظرف مضاف إلى الجملة -أعني: بنتم، قوله:"يَا حسرتا" قد مَرَّ غير مرة أن حرف النداء في مثل هذا الموضع يكون لمجرد التنبيه، وأن أَلْف حسرتا لد الصوت بالمنادى المندوب

(1)

.

قوله: "أن لا يرين": جملة شرطية، قوله:"فيا حسرتا" مقدمًا جواب، وقوله:"عويلي": كلام إضافي مفعول يرين، وهو من رؤية البصر، ولهذا اكتفى بمفعول واحد، و"العويل": الصياح والضجيج.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "يوم بنتم" فإن يوم ظرف أضيف إلى الجملة التي هي الفعل الماضي، ويجوز في الفتحة أن تكون إعرابًا وأن تكون بناء

(2)

.

‌الشاهد الثامن والأربعون بعد الستمائة

(3)

،

(4)

على حين عَاتَبتُ المشيبَ عَلَى الصِّبَا

......................

أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وقد تكرر ذكره، وتمامه:

.......................

وَقُلْتُ أَلمَّا أصْحُ والشَّيْبُ وَازِعُ؟

وهو من قصيدة عينية طويلة من الطَّويل، وأولها هو قوله

(5)

:

(1)

قال الدكتور سيد تقي معلقًا (97): "إذا كان المنادى مندوبًا فليس يا لمجرد التنبيه، بل هي للندبة".

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 255 - 258) وما قيل في إعراب وبناء يوم عند إضافتها إلى الجمل وتفريعات ذلك.

(3)

ابن الناظم (153) توضيح المقاصد (2/ 266)، وأوضح المسالك (2/ 198)، وشرح ابن عقيل (3/ 59).

(4)

البيت من بحر الطَّويل من قصيدة للنابغة الذبياني يعتذر فيها للنعمان بن المنذر، وهي مثل كثير من قصائده في ذلك يقول فيها له:

فإنك كالليل الذي هو مدركي

وإن خلت أن المتتامي عنك واسع

وانظر بيت الشاهد في ديوانه (53)، والكتاب (2/ 330)، وشرح أبيات سيبويه (2/ 53)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 255)، والمنصف (1/ 58)، وابن الشجري (1/ 46)، وشرح شواهد المغني (816)، والإنصاف (292)، ورصف المباني (349)، وشرح الأشموني (2/ 256).

(5)

الديوان (53) ورواية هذه القصيدة في الديوان مختلفة في الكلمات والأبيات، ومن أرادها فليراجعها (52) وما بعدها، ط. دار الكتب العلمية، و (3) ط. دار المعارف، تحقيق: محمَّد أبو الفضل إبراهيم.

ص: 1325

1 -

عَفَا ذُو حُسَا مِنْ فَرْتِنَا فَالفَوَارِعُ

فَجَنْبًا أريكٍ فالتلاعُ الدوافعُ

2 -

فمُجْتمَعُ الأشْرَاجِ غيَّرَ رَسْمَهَا

مَصَايِفُ مَرَّتْ بَعْدَنَا وَمَرَابعُ

3 -

تَوَهَّمْتُ آياتٍ لها فعرفتُها

لِسِتَّة أعْوَامٍ وذَا العَامُ سَابِع

4 -

رَمَادٌ ككحلِ العينِ لأيًا أبِينُهُ

ونُؤْيٌ كَجَذْمِ الحَوضِ أَثْلَمُ خَاشِعُ

5 -

كأن مَجَرَّ الرامسَاتِ ذُيُولَهَا

عَلَيهِ حَصِيرٌ نَمَّقَتْهُ الصَّوانِعُ

6 -

عَلَى ظَهْرِ مَبْنَاةٍ جَديدٍ سُيُورُهَا

يَطُوفُ بها وسطَ اللّطِيمَةِ بائعُ

7 -

فَكفْكَفْتُ مِنِّي عَبرَةٌ فَرَدَدْتُهَا

عَلَى النَّحْرِ مِنْهَا مُسْتَهَلٌّ وَدَامِعُ

8 -

على حين ..............

.................... إلخ

9 -

وقدْ حَال هَمٌّ دُونَ ذَلكَ شَاغِلٌ

مَكَانَ الشِّغَافِ تَبتَغِيهِ الأصَابعُ

10 -

وعِيدُ أبِي قَابُوسَ في غَيرِ كُنهِهِ

أَتَانِي وَدُونِي رَاكِسٌ فالضَّوَاجِعُ

1 -

قوله: "عفا" أي: اندرس، قوله:"ذو حسا" بضم الحاء والسين المهملتين، وهو موضع، قوله:"من فرتنا" أي: منازل فرتنا، وهو اسم امرأة، و"الفوارع" بالفاء؛ مواضع مرتفعة، و"الأريك" بفتح الهمزة وكسر الراء اسم موضع، و"التلاع" بكسر التاء المثناة من فوق: مجاري الماء، والواحدة تلعة، و"الدوافع": التي تدفع إلى الوادي.

2 -

قوله: "فمجتمع الأشراج" هو شعاب تدفع من الحرة، واحدها شرح بالجيم، و"المصايف": جمع مصيف، وهي زمن الصيف، و"المرابع": أزمنة الرَّبيع.

3 -

و"الآيات" علامات الدار.

4 -

قوله: "لأيًا أبينه" أي: لقلته وتغيره عن حالته لا أبينه إلَّا بعد بطء وجهد، و"النؤي" بضم النُّون وسكون الهمزة؛ حاجز حول البيت لئلا يدخله الماء، وجذم كل شيء، أصله، و"الأثلم": الذي تثلم وانهدم، و:"الخاشع" هنا المطمئن اللاصق بالأرض الذي ذهب شخوصه.

5 -

و"الرامسات" الرياح الشديدة، قوله:"نمقته" أي زينته.

6 -

قوله: "على ظهر مبناه" أي على ظهر نطع، وكانوا يبسطون النطع ويلقون عليها الحصر إذا عرضوها للبيع، و"اللطمة": سوق الطِّيب، وقيل: سوق فيها بز وطيب.

7 -

قوله: "مستهل" بضم الميم؛ أي: سائل منصب، و"الدامع": المترقرق في العين.

8 -

قوله: "أصح": من الصحو، وهو خلاف السكر، قوله:"وازع" بالزاي المعجمة والعين

ص: 1326

المهملة؛ من وزعت الرَّجل عن الأمر؛ أي: كففته وسمي الكلب وازعًا؛ لأنه يكف الذئب عن الغنم.

9 -

قوله: "الشغاف" بفتح الشين والغين المعجمتين، وهو حجاب القلب، قوله:"تبتغيه الأصابع" أي: أصابع الأطباء الذين يعالجونه.

10 -

قوله: "في غير كنهه" أي: جاءني وعيده في غير قدر الوعيد وفي غير حقيقته، أي: لم أكن بلغت ما يغضب عليّ فيه ويتوعدني من أجله، قوله:"راكس بالراء والكاف والسين المهملة؛ اسم واد، و"الضواجع": جمع ضاجعة وهي منحنى الوادي ومُنْعطفه.

الإعراب:

قوله: "على حين" على ها هنا ظرف كفي؛ كما في قوله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} [القصص: 15] أي: في وقت غفلة.

والمعنى ها هنا: في وقت عاتبت، وحين ها هنا مبني مضاف إلى جملة، وهي فعل مبني بناء أصليًّا، ويجوز فيه الإعراب، ولكن البناء أرجح للتناسب، قوله:"عاتبت": جملة من الفعل والفاعل، و "المشيب" مفعوله، و "على الصبا" يتعلق بعاتبت، و"على" ها هنا للتعليل، والمعنى: عاتبت المشيب لأجل الصبا؛ كما في قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185] أي: لهدايته إياكم.

قوله: "وقلت" عطف على قوله: "عاتبت"، [قوله: "]

(1)

ألما" الهمزة للاستفهام على وجه الإنكار، ولما من الجوازم، و "أصح": مجزوم به، و"الشيب": مبتدأ، و"وازع": خبره والجملة وقعت حالًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حين" حيث بني على الفتح لإضافته إلى فعل بناؤه لازم كما ذكرناه؛ ويجوز كسره للإعراب، ولكن البناء أرجح. فافهم

(2)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

قال ابن مالك: "تضاف أسماء الزمان المبهمة غير المحدودة إلى الجمل، فتبنى وجوبًا، إن لزمت الإضافة، وجوازًا راجحًا إن لم تلزم، وصدرت الجملة بفعل مبني، ثم شرحه قائلًا: "فنبهت على جواز الإعراب وترجيح البناء في نحو قوله: (البيت)، وفي نحو قول الآخر:

لأجتَذِبَنْ عنْهُنَّ قلْبِي تحَلُّمَا

على حين يستصْبين كُلَّ حَليمِ".

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 255)، وقال سيبويه: "وزعموا أن ناسًا من العرب ينصبون هذا الذي في موضع رفع فقال الخليل رحمه الله هذا كنصب بعضهم: (يومئذ) في كل موضع، فكذلك غير أن نطقت، وكما قال النابغة: =

ص: 1327

‌الشاهد التاسع والأربعون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

......................

عَلَى حِينَ يَسْتَصْبِينَ كُلَّ حَلِيمِ

أقول: قائله لم أقف على اسمه، وصدره:

لَأَجْتَذِبَنْ مَنْهُن قَلْبِي تَحَلُّمًا

.....................

وهو

(3)

من الطَّويل.

قوله: "تحلمًا" بتشديد اللام، وهو تكلف الحلم بكسر الحاء، وهو الأناة، قوله:"حين": مضاف إلى "يستصبين" من استصبيت فلانًا إذا عددته صبيًّا؛ يعني: جعلته في عداد الصبيان.

الإعراب:

قوله: "لأجتذبن" اللام للتأكيد، وأجتذبن: جملة من الفعل والفاعل مؤكدة بنون التأكيد الخفيفة، قوله:"منهن": جار ومجرور يتعلق بها، قوله:"قلبي": كلام إضافي مفعول لأجتذبن.

قوله: "تحلمًا" يجوز أن يكون حالًا بمعنى متحلمًا، ويجوز أن يكون نصبًا على التعليل، قوله:"على حين" لم يظهر الجر في حين لكونه مبنيًّا لإضافته إلى الجملة -أعني قوله: "يستصبين"، وهي جملة من الفعل والفاعل، قوله:"كل حليم": كلام إضافي مفعول.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "على حين" حيث جاء مبنيًّا على الفتح لإضافته إلى الجملة، وهذا البيت حجة على من ذهب إلى أن المضارع المتصل به نون الإناث باقٍ على إعرابه

(4)

.

= (البيت) كأنه جعل: (حين وعاتبت) اسمًا واحدًا". الكتاب (2/ 329، 330)، وينظر شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (3/ 59، 60).

(1)

توضيح المقاصد (2/ 267)، وأوضح المسالك (2/ 199).

(2)

البيت من بحر الطَّويل، غير منسوب لأحد، ولم يشر العيني إلى قائله أو إلى أنَّه مجهول، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (3/ 255)، والمساعد لابن عقيل (2/ 355)، وشرح التصريح (2/ 42)، والمغني (518)، وشرح شواهد المغني (833)، همع الهوامع للسيوطي (1/ 218)، وشرح الأشموني (2/ 256)، ويروى:

لأجتذبن عنهن قلبي تحلمًا

............................

(3)

في (ب): وهي.

(4)

ينظر البيت السابق، والكتاب (2/ 329، 330) وشرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (3/ 59،60).

ص: 1328

‌الشاهد الخمسون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

.......................

على حينِ التواصلُ غير دان

أقول: لم أقف على اسم قائله، وصدره:

تَذكَّرَ ما تَذَكّرَ منْ سُلَيمَى

......................

وهو من الوافر.

قوله: "على حين التواصل" ويروى: على حين التراجع. المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "تذكر": [جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "ما تذكر" جملة في محل النصب على أنها مفعول]

(3)

، وكلمة من في:"سليمى" للغاية حيث جعل سليمى غاية؛ لتذكره، يعني: أنها في محل الابتداء والانتهاء، ويقال: إنها للمجاوزة، والأول أظهر.

قوله: "على حين" يجوز في حين الإعراب لتصدره باسم، وهو قوله:"التواصل" فإنَّه اسم مرفوع بالابتداء، وقوله:"غير دان": كلام إضافي خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "على حين" فإنَّه يجوز فيه الإعراب والبناء، ولكن البناء على الكسر أرجح على الإعراب، ولا يجيز البصريون غيره

(4)

.

(1)

أوضح المسالك (2/ 201).

(2)

عجز بيت من بحر الوافر، مجهول النسبة، وقد ذكر الشارح صدره، وهو في شرح التصريح (2/ 42)، وشرح الأشموني (2/ 257)، وهمع الهوامع (3/ 230)، والدرر (1/ 178)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1009).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

قال ابن هشام: (والثاني الإعراب) إذا كان المضاف إليه جملة فعلية فعلها معرب أو جملة اسمية، فالأول كقوله تعالى:{هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119] فـ (يوم) مضاف إلى: (ينفع) وهو فعل مضارع، والفعل المضارع معرب كما تقدم، فكان الأرجح في المضاف الإعراب، فلذلك قرأ السبعة كلهم إلَّا نافعًا برفع اليوم على الإعراب لأنه خبر مبتدأ، وقرأ نافع وحده بفتح اليوم على البناء، والبصريون يمنعون في ذلك البناء ويقدرون الفتحة إعرابًا مثلها في: صمت يومَ الخميس، والتزموا لأجل ذلك أن تكون الإشارة ليست لليوم، وإلا لزم الشيء ظرفًا لنفسه، والثاني كقول الشَّاعر:(البيت) يروى بفتح الحين على البناء، والكسر أرجح على الإعراب، ولا يجيز البصريون غيره". شرح شذور الذهب (79 - 81) وينظر ارتشاف الضرب (2/ 521)، والمقتضب للمبرد (3/ 176).

وقال سيبويه: "هذا باب ما يضاف إلى الأفعال من الأسماء يضاف إليها أسماء الدهر، وذلك قولك: هذا يومُ يقوم زيد، وآتيك يومَ يقوم ذاك، وقال الله عز وجل:{هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35)} [المرسلات: 35]، و {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} =

ص: 1329

‌الشاهد الحادي والخمسون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

أَلَم تَعْلِمِي يَا عَمْرَكِ الله أَنَّنِي

كَرِيمٌ عَلَى حيِن الكرامُ قليلُ

أقول: قائله هو مويال بن يهم المذحجي، ويقال: هو مبشر بن الهذيل الفزاري

(3)

.

وهو من قصيدة من الطَّويل هو أولها، وبعده:

2 -

وإِني لا أَخْزَى إذَا قِيلَ مُمْلَقٍ

سَخِيَّ وَأْخْزَى أن يُقَال بَخِيلُ

3 -

فإنْ لا يَكُنْ جِسْمِي طَويلًا فإنّنِي

لَهُ بالخِصَالِ الصَّالحاتِ وَصُولُ

4 -

إذا كُنْتُ فيِ القَومِ الطِّوالِ عَلَوْتَهُمْ

بِعَارِفَةٍ حَتَّى يُقَال طَويلُ

5 -

ولا خَيرَ فيِ حُسنِ الجُسُومِ وطُولِهَا

إذَا لَم يَزِنْ حُسْنَ الجُسومِ عقُولُ

6 -

وكَم قَدْ رَأَينَا من فروع كَثيرَةٍ

تَمُوتُ إذَا لَمْ يُحْيِهُنّ أُصُولُ

7 -

ولم أرَ كَالمعْرُوفِ أمَّا مَذَاقُهُ

فحُلْوٌ وأمَّا وَجْهُهُ فَجَميلُ

المعنى: ظاهر.

الإعراب:

قوله: "ألم تعلمي" الهمزة للاستفهام، وكلمة لم جازمة، وتعلمي مجزوم بها، و"أَنْتَ" فيه مستتر فاعله

(4)

، قوله:"يَا عمرك الله": من عمِر الرَّجل بالكسر يعمر عَمرًا وعُمرًا بفتح العين وضمها على غير قياس؛ لأن قياس مصدره التحريك؛ أي: عاش زمانًا طويلًا.

ومنه قولهم: أطال الله عَمرك وعُمرك، وهما وإن كانا مصدرين بمعنى التعمير إلَّا أنَّه استعمل في القسم أحدهما، وهو المفتوح، فإذا أدخلت عليه اللام رفعته بالابتداء، فقلت: لعمر الله، واللام لتوكيد الابتداء، والخبر محذوف تقديره: لعمر الله قسمي، ولعمر الله ما أقسم به، فإن

= وجاز هذا في الأزمنة واطرد فيها كما جاز للفعل أن يكون صفة، وتوسعوا بذلك في الدهر لكثرة كلامهم" الكتاب (3/ 117)، وينظر في قول الكوفيين شرح التسهيل لابن مالك (3/ 255 - 257) وارتشاف الضرب (2/ 521)، والبحر المحيط (8/ 437)، وهمع الهوامع (1/ 218).

(1)

توضيح المقاصد (2/ 268).

(2)

البيت من بحر الطَّويل، من قصيدة طويلة في الغزل، صدرها أبو علي القالي بقوله:"أنشدنا أبو بكر الأنباري لشاعر قديم" وينظر الأشموني بحاشية الصبان (2/ 194)، والمساعد (2/ 355، 884)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 218)، والدرر (1/ 187)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (728).

(3)

انظر الأمالي لأبي علي القالي (1/ 63)، وديوان المعاني (1/ 89).

(4)

قول العيني: "مستتر" سهو إذ هو بارز. هامش الخزانة، بولاق (3/ 413).

ص: 1330

لم تأت باللام نصبته نصب المصادر، فقلت: عمر الله ما فعلت كذا، وعمرك الله ما فعلت.

ومعنى لعمر الله، وعمر الله: أحلف ببقاء الله ودوامه عز وجل، وإذا قلت: عمرك الله، فكأنك قلت: بتعميرك الله، أي: بإقرارك له بالبقاء، وقال عمر بن أبي ربيعة

(1)

:

أيُّهَا المنكِحُ الثُّرَيا سُهَيلًا

عَمْرُكَ الله كَيفَ يَلْتَقِيَانِ

يريد: إنِّي سألت الله أن يطل عمرك، لأنه لم يرد القسم بذلك، وكذلك المعنى ها هنا: ألم تعلمي يَا فلانة سألت الله أن يطيل عمرك، فالتقدير هكذا والنادى محذوف، أو تقول: إن حرف النداء ها هنا لمجرد التنبيه، وذلك لأن "يا" إذا وليها ما ليس بمنادى تكون لمجرد التنبيه عند البعض، وعند البعض النادى محذوف، ويقدر بحسب ذلك المقام.

قوله: "أنني" أن مع اسمه وخبره سد مسد مفعولي تعلمي، قوله:"على" بمعنى الظرف، و"حين" معربة بالكسر؛ لأنه وقع قبل المعرب، أعني قوله:"الكرام" فإنَّه مرفوع بالابتداء، و"قليل" خبره.

الاستشهاد فيه:

وذلك لأن لفظة: "حين يوم" ونحوهما تعرب قبل المعرب نحو: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119] وقبل مبتدأ نحو: "حين الكرام قليل"، فالإعراب قبل هذين جائز بالاتفاق

(2)

.

وأما البناء فمنعه البصريون وأجازه الكوفيون، ومال أبو علي إلى تجويزه، واختاره ابن مالك، وعلى هذا روي البناء على الفتح ها هنا، أعني: على حين الكرام قليل، بفتح نون حين، فافهم

(3)

.

‌الشاهد الثاني والخمسون بعد الستمائة

(4)

،

(5)

إذَا بَاهِلِيٌّ تَحْتَهُ حَنْظَلِيَّةٌ

لَهُ وَلَد مِنْهَا فَذَاكَ المُذرّعُ

أقول: قائله هو الفرزدق، واسمه همام بن غالب، وقد تكرر ذكره.

(1)

البيت من بحر الخفيف، منسوب لعمر بن أبي ربيعة، وليس في ديوانه: طبعة دار الكتب العليمة، تحقيق: عبدأ علي مهنا، وانظره في المقتضب (2/ 329)، ولسان العرب مادة:"عمر".

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 255 - 257)، وارتشاف الضرب (2/ 521)، والبحر المحيط (8/ 437)، وهمع الهوامع (1/ 218).

(3)

ينظر الشاهد السابق وتحقيقه. رقم (651).

(4)

ابن الناظم (153)، وأوضح المسالك (2/ 194).

(5)

البيت من بحر الطَّويل، من مقطوعة عدتها ثلاثة أبيات للفرزدق، ديوانه (1/ 416)، ط. دار صادر، وبيت الشاهد هو أولها، وانظر الشاهد في المغني (97)، وشرح الأشموني (2/ 258)، والجنى الداني (368)، وشرح التصريح =:

ص: 1331

وهو من الطَّويل.

قوله: "باهلي"[بالباء]

(1)

الموحدة؛ نسبة إلى باهلة قبيلة من قيس غيلان، وباهلة بنت صعب بن سعد العشيرة بن مالك، ومالك هو جماع مذحج.

"وحنظلية": نسبة إلى حنظلة، وهي أكرم قبيلة في تميم، يقال لهم: حنظلة الأكرمون، وأبوهم حنظلة بن مالك بن عمرو بن تميم، "المذرع" بضم الميم وفتح الذال المعجمة وتشديد الراء وفي آخره عين مهملة، وهو الذي أمه أشرف من أبيه، وهو الذي يسمى: إقرافًا، والإقراف: أن يكون الرَّجل والده وضيعًا وأمه شريفة، وقال له: المذرع، وقال ابن هشام اللخمي؛ وإنما سمي المذرع للرقمتين في ذراع البغل، وإنما صارتا فيه من قبل الحمار.

الإعراب:

قوله: "إذا" للشرط و"باهلي": مرفوع بكان المقدرة، تقديره: إذا كان باهلي، فحذف كان وأبقى اسمها وخبرها، ولا بد من هذا التقدير؛ لأن إذا الشرطية لا تدخل على الجملة الاسمية

(2)

.

قوله: "تحته حنظلية" جملة اسمية؛ لأن حنظلية مبتدأ وتحته خبره، والجملة في محل النصب لأنها خبر كان المقدرة، قوله:"له ولد": جملة اسمية يجوز أن تكون في محل الرفع على أنها صفة لباهلي، ويجوز أن تكون في محل النصب على الحال بدون الواو على القلة، قوله:"فذاك": مبتدأ، و"المذرع": خبره، والجملة جواب إذا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إذا باهلي" احتج به الأخفش والكوفيون على جواز دخول إذا الشرطية على الجملة الاسمية، وأجيب عنه بأن كان فيه مقدرة كما ذكرنا

(3)

.

‌الشاهد الثالث والخمسون بعد الستمائة

(4)

،

(5)

.......................

...... فَهَلًّا نَفْسُ لَيلَى شَفِيعُهَا

أقول: قائله هو قيس بن الملوح الملقب بالمجنون، ويقال: قائله هو ابن الدمينة، وقال

= (2/ 40)، وشرح شواهد المغني (270)، واللسان مادة:"ذرع"، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 207)، والدرر (3/ 103)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (522).

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ينظر المغني (93).

(3)

ينظر المغني (93).

(4)

أوضح المسالك (2/ 196).

(5)

البيت من بحر الطَّويل، وقد اختلف في قائله على ما ذكره الشارح، وانظر بيت الشاهد في المغني (74)، وشرح =

ص: 1332

ابن عصفور: قائله هو الصمة بن عبد الله القشيري

(1)

، وصدره

(2)

:

ونُبِّئتُ ليلَى أرسَلَتْ بشَفَاعَةٍ

إِلَيَّ فهلَّا ...............

وبعده:

2 -

أأكرَمُ مِنْ لَيلَى عَلَيَّ فَتَبْتَغِي

بِهِ الجَاهَ أَمْ كُنتُ امْرَأً لا أُطيعُهَا

وهما من الطَّويل.

قوله: "نبئت" أي: أخبرت.

الإعراب:

قوله: "ونبئت" على صيغة المجهول؛ فالتاء مفعوله الأول ناب عن الفاعل، وقوله:"ليلى": مفعول ثان، قوله:"أرسلت" جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى ليلى مفعول ثالث، وقوله: بشفاعة" في محل النصب مفعول أرسلتْ، وقوله: "إليّ" يتعلق بأرسلت.

قوله: "فهلَّا": حرف تحضيض مختص بالجمل الفعلية الخبرية، فلذلك يقال ها هنا محذوف تقديره: فهلَّا كان هُو -أي: الشأن- نفس ليلى شفيعها، ويقال التقدير: فهلا شفعت نفس ليلى؛ لأن الإضمار من جنس المذكور أقيس، فعلى هذا قوله:"شفيعها" مرفوع على أنَّه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هي شفيعها، وعلى التقدير الأول قوله:"نفس ليلى" كلام إضافي مبتدأ، و"شفيعها" خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فهلا نفس" حيث أضمر فيه ضمير الشأن كما ذكرنا، والتقدير فيه: فهلا كان هو؛ لأن هذا مختص بالجملة الفعلية الخبرية كما ذكرناه

(3)

.

= شواهد المغني (221)، والخزانة (3/ 60)، والدرر (5/ 106)، والأغاني (11/ 314)، وتخليص الشواهد (320)، وشرح التصريح (2/ 41)، والحماسة للمرزوقي (1220)، وشرح الأشموني (2/ 259).

(1)

شاعر إسلامي بدوي مقل، من شعراء الدولة الأموية، وهو الصمة بن عبد الله بن قرة بن هبيرة، ولجده قرة صحبة بالنبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

انظر البيت في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 443)؛ لكنه لم ينسبه، وليس في المقرب، ولا الضرائر.

(3)

ينظر شرح التصريح (2/ 41)، والمغني (74).

ص: 1333

‌الشاهد الرابع والخمسون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

وَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لَا ذُو شَفاعةٍ

بِمُغْنٍ فَتِيلَا عَنْ سَوَاد بن قارِبِ

أقول: قائله هو سواد بن قارب الأَزدِيّ الصحابي رضي الله عنه، وقد مرَّ الكلام فيه مستوفى في شواهد ما ولا وإن المشبهات بليس

(3)

.

والاستشهاد فيه:

في قوله: "يوم لا ذو شفاعة" فإن يوم فيه بمنزلة إذ في كونه اسم زمان مبهم لما يأتي؛ فلذلك نزل منزلته فيما أضيف إليه، وهذا ونحوه نزل فيه المستقبل لتحقيق وقوعه منزلة ما قد وقع ومضى.

‌الشاهد الخامس والخمسون بعد الستمائة

(4)

،

(5)

إِنَّ لِلْخَيْر وللشَّرِّ مدًى

وَكِلَا ذَلكَ وَجْهٌ وَقَبَلْ

أقول: قائله هو عبد الله بن الزبعري بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهو بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.

وهو أحد شعراء قريش المعدودين، وكان يهجو المسلمين ويحرض عليهم كفار قريش، ثم أسلم بعد ذلك، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم إسلامه، وأمنَّه يوم الفتح، وقال ذلك يوم أحد وهو يومئذ

(1)

أوضح المسالك (2/ 198).

(2)

البيت من بحر الطَّويل من قصيدة عدتها سبعة أبيات لسواد بن قارب الصحابي الجليل أنشدها أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء يعلن إسلامه، انظر شرح أبيات المغني (6/ 273)، وانظر بيت الشاهد في الجنى الداني (54)، والدرر (2/ 126)، والتصريح (1/ 201)، وشرح عمدة الحافظ (215)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (835)، والمغني (419)، وقد مر في الشاهد رقم (227) من شواهد هذا الكتاب.

(3)

ينظر الشاهد رقم (227).

(4)

ابن الناظم (153)، وتوضيح المقاصد (2/ 270)، وأوضح المسالك (2/ 203)، وشرح ابن عقيل (3/ 62)"صبيح".

(5)

البيت من بحر الرمل، من قصيدة قالها عبد الله بن الزبعري، شامتًا في المسلمين وقد هزمتهم قريش، وكان عبد الله كافرًا، وقد رد عليه حسان بقصيدة على نفس الوزن والقافية والروي، ثم أسلم عبد الله، كما ذكر العيني، وانظر بيت الشاهد في ابن يعيش (3/ 2، 3)، والمغني (1/ 203)، والمقرب (1/ 211)، وشرح التصريح (2/ 43)، وشرح شواهد المغني (549)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 50)، والأغاني (15/ 136) والدرر (5/ 25)، وقد ذكرت قصيدة حسان في شرح شواهد المغني.

ص: 1334

مشرك، وهو من قصيدة أولها هو قوله

(1)

:

يَا غُرَابَ البَينِ أَسَمَعْتَ فَقُلْ

إنَّما تَنْطقُ شيئًا قَدْ فُعِلْ

إلخ، ويروى:

إنَّ لِلخَيرِ وَلِلشَّرِّ مَدًى

لِكِلَا ذَيْنِكَ وَقْتٌ وأَجَلْ

كُلُّ بُؤْسٍ ونَعِيمٍ زَائِلٌ

وبَنَاتُ الدَّهْرِ يَلْعَبْنَ بكُلْ

والعَطِيَّاتُ خِسَاسٌ بَينَهُمْ

وسَواءٌ قَبْرٌ مُثْرٍ ومُقِلْ

وهو من الرمل، وأصله في الدائرة:"فاعلاتن" ست مرات، وفيه الخبن والحذف.

قوله: "مدى" أي: غاية، قوله:"وقبل" بفتح القاف والباء الموحدة؛ أي: جهة.

الإعراب:

قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله:"مدى": اسمه، و" للخير" مقدمًا خبره، و"للشر": عطف عليه، قوله:"وكلا ذلك": كلام إضافي مبتدأ، قوله:"وجه": خبره، و"قبل": عطف عليه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وكلا ذلك" فإن كلا فيه أضيف إلى ذلك، وهو لأن كان مفردًا في اللفظ ولكنه يرجع إلى شيئين في المعنى؛ لأن المذكور هو الخير والشر، فكأن المعنى: وكلا ما ذكر من الخير والشر، كما في قوله تعالى:{عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] أي: بين ما ذكر من الفارض والبكر.

وإنما قدر هكذا؛ لأن كلتا وكلا مما يلازم الإضافة إلى معرف مثنى لفظًا ومعنًى نحو: كلا الرجلين، وكلتا المرأتين، أو معنى دون لفظ؛ كما في قولك: كلانا فعلنا، ومنه البيت المذكور

(2)

.

‌الشاهد السادس والخمسون بعد الستمائة

(3)

،

(4)

كِلا أَخِي وَخَلِيلي وَاجِدِي عَضُدًا

في النَّائِبَاتِ وَإلْمَامِ المُلِمَّاتِ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط.

(1)

ينظر شرح شواهد المغني (549).

(2)

ينظر شرح التصريح (2/ 43)، وابن يعيش (3/ 2، 3)، والمغني (1/ 203)، والمقرب (1/ 211)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 50).

(3)

ابن الناظم (154)، أوضح المسالك (2/ 204)، شرح ابن عقيل (3/ 63)، صبيح.

(4)

البيت من بحر البسيط، لقائل مجهول، وهو في المروءة وإعانة الصاحب، وانظره في الأشموني (2/ 260)، =

ص: 1335

قوله: "عضدًا" أي: معينًا ومساعدًا، [قوله: "]

(1)

في النائبات": جمع نائبة، وهي المصيبة، ونائبات الدهر: مصائبه، قوله: "وإلمام الملمات" الإلمام: الإتيان والنزول، وقد ألمَّ به؛ أي: نزل به، والملمات: جمع ملمة، وهي النازلة من نوازل الدهر.

الإعراب:

قوله: "كلا أخي": كلام إضافي مبتدأ، و"خليلي": عطف عليه، وقوله:"واجدي": كلام إضافي -أَيضًا- خبر المبتدأ، وإفراد الخبر باعتبار لفظ كلا؛ لأنه وإن كان مثنى في المعنى فهو مفرد في اللفظ، أو يكون التقدير: كل منهما واجدي عضدًا؛ فياء الإضافة هو المفعول الأول لواجد، وقوله:"عضدًا": مفعول ثان، قوله "في النائبات": جار ومجرور يتعلق بواجدي، و:"إلمام الملمات": عطف عليه.

الاستشهاد فيه:

أن "كلا" أضيف إلى كلمتين، ولا يجوز ذلك، فلا يقال: كلا زيد: عمرو قاما، وهذا الذي جاء ضرورة نادرة

(2)

، وأجاز ابن الأنباري إضافتها إلى المفرد بشرط تكررها نحو: كلاي وكلاك محسنان

(3)

.

‌الشاهد السابع والخمسون بعد الستمائة

(4)

،

(5)

كِلَا الضَّيفَن المشنُوء والضيفِ واجدٌ

لَدَيّ المُنَى والأمنُ في اليُسْرِ والعُسْرِ

أقول: احتج به ابن الأنباري، ولم يعزه إلى قائله

(6)

.

وهو من الطَّويل.

= والمغني (203)، وشرح التصريح (2/ 43)، وشرح شواهد المغني (552)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 50)، والدرر (3/ 112)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (143).

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر شرح التصريح (2/ 43)، والمغني (203)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 50).

(3)

لم نعثر عليه في كتب الأنباري أبو البركات: الإنصاف، وأسرار العربية، والبلغة، ولعله في كتب لأبي بكر ابن الأنباري، وانظره في الارتشاف (2/ 511)، والمساعد (2/ 343) وهمع الهوامع (2/ 50).

(4)

توضيح المقاصد (2/ 271).

(5)

البيت من حر الطَّويل، ولم يعرف له قائل، وهو في شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 260)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (429).

(6)

لم نعثر عليه في كتب الأنباري أبو البركات: الإنصاف، وأسرار العربية، والبلغة، ولعله في كتب لأبي بكر بن الأنباري.

ص: 1336

و"الضيفن" بفتح الضاد المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الفاء وفي آخره نون، وهو تابع للضيف، وهو الذي يسمى الطفيلي، والنون فيه زائدة؛ فوزنه فعلن لا فيعل.

قوله: "المشنوء" بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم النُّون وفي آخره همزة، ومعناه: المبغض من شنُؤَ الرجل فهو مشنوء، أي: مبغض وإن كان جميلًا.

الإعراب:

قوله: "كلا الضيفن": كلام إضافي مبتدأ، وقوله:"المشنوء" بالجر؛ صفة الضيفن، قوله:"والضيف" بالجر عطف على الضيفن، قوله:"واجد": خبر لمبتدأ، وإفراد الخبر بالنظر إلى لفظ كلا، كما ذكرنا في البيت السابق، ويروى: نائل مكان واجد؛ من نال إذا بلغ وأدرك.

قوله: "لدي": نصب على الظرف؛ أي: عندي، قوله:"المني": مفعول لقوله: "واجد"، و"الأمن" بالنصب؛ عطف عليه، واقتصر واجد على مفعول واحد؛ لأنه من وجدت بمعنى: أصبت.

[قوله: "في اليسر": جار ومجرور في محل النصب على الحال، و"العسر" بالجر، عطف عليه، وقوله: "في اليسر" يرجع]

(1)

في المعنى إلى المنى، وقوله:"العسر" إلى "الأمن".

الاستشهاد فيه:

إن: "كلا" أضيفت إلى مفرد معطوف عليه آخر، وهذا لا يجوز إلَّا في الضرورة النادرة؛ كما ذكرنا في البيت الذي قبله

(2)

.

‌الشاهد الثامن والخمسون بعد الستمائة

(3)

،

(4)

.....................

أَيِّي وَأَيُّكَ فارسُ الأَحْزَابِ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وصدره:

فَلَئِنْ لَقِيتُكَ خَالِيَيْنِ لَتَعْلَمَنْ

.......................

وهو من الكامل.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر الشاهد رقم (656).

(3)

توضيح المقاصد (2/ 272)، وأوضح المسالك (2/ 205).

(4)

البيت من بحر الطَّويل، وهو لقائل مجهول، وانظره في المحتسب (1/ 254)، ومغني اللبيب (141)، وشرح التصريح (2/ 44)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 51)، والدرر (5/ 32)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (103).

ص: 1337

"الأحزاب": الجماعات؛ جمع حرب وهو الطائفة من كل شيء.

الإعراب:

قوله: "فَلَئِنْ "الفاء إما للعطف على شيء قبله، وإما جواب شرط ذكر فيما تقدم، والسلام للتأكيد، وإن للشرط.

وقوله: "لقيتك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت فعل الشرط، وقوله:"خاليين" حال من الفاعل والمفعول جميعًا، وقوله:"لتعلمن": جملة من الفعل والفاعل وقعت جواب الشرط، وأكدت باللام والنون.

قوله: "أيّي": كلام إضافي مبتدأ، وقوله:"وأيك" -أَيضًا: كلام إضافي عطف عليه، وقوله:"فارس الأحزاب": كلام إضافي خبر المبتدأ، والجملة وقعت مفعولًا لقوله: لتعلمن.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أيِّي وأيُّك" وذلك أن أي لا يضاف إلى مفرد معرفة إلَّا إذا تكررت، ولا يأتي ذلك إلَّا في الشعر؛ كما جاء ها هنا فافهم

(1)

.

‌الشاهد التاسع والخمسون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

أَلَا تَسْأَلُونَ النَّاسَ أَيِّي وَأَيِّكُمْ

غَدَاةَ الْتقينَا كَانَ خَيْرًا وَأَكْرَمَا

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الطَّويل. المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "ألا" للتنبيه، و"تسألون": جملة من الفعل والفاعل، و"النَّاس": مفعوله، قوله:"أبي": كلام إضافي مبتدأ، و"أيكم": عطف عليه، وقوله:"غداة": نصب على الظرف أضيف إلى الجملة المركبة من الفعل والفاعل، قوله:"كان خيرًا": خبر المبتدأ، واسم كان مستتر فيه، و"خيرًا": خبره، و"أكرما": عطف عليه.

(1)

ينظر شرح التصريح (2/ 44)، وابن يعيش (3/ 132، 133).

(2)

ابن الناظم (154)، شرح ابن عقيل (3/ 64)"صبيح".

(3)

البيت من بحر الطَّويل، وهو لقائل مجهول، وانظره في شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 261)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (826).

ص: 1338

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أبي وأيكم" والكلام فيه كالكلام في البيت السابق

(1)

.

‌الشاهد الستون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

فَأَوْمَأْتُ إِيمَاءً خَفِيًّا لِحَبتَرٍ

فَلِلَّهِ عَينَا حَبتَرٍ أَيَّمَا فَتَى

أقول: قائله هو الراعي النميري، وكان نزل به رجل من بني بكر بن كلاب في ركب معه ليلًا، في سنة مجدبة وقد عزبت عن الراعي إبله، فنحر لهم نابًا من رواحلهم، فلما غدت الإبل أعطى الراعي ربَّ الناب نابًا مثلها وزاده ناقة ثنية، وقال

(4)

:

1 -

عَجِبتُ مِنَ السَّارِينَ وَالرِّيحُ قَرَّةٌ

إِلَى ضَوء نَارٍ بينَ فَرْدَةَ والرَّجَا

2 -

إلى ضَوء نَارٍ يَشْتَوي القِدُّ أَهْلُهَا

وقَدْ تُكْرَمُ الأَضْيَافُ والقدُّ يُشْتَوَى

3 -

فلَمَّا أَتَوْنَا واشْتَكَينَا إلَيهم

بَكَوْا وكِلا الحَيَّينِ مِمَّا بهِ بَكَى

4 -

بَكى مُعْوِزٌ منْ أن يُلَامَ وطَارِقٌ

يَشُدُّ مِنَ الجُوع الإزَارَ عَلَى الحَشَا

5 -

فأَلْطَفْتُ عَينِي هَلْ أَرَى مِنْ سَمِينَةٍ

ووَطَّنْتُ نَفْسي بالغَرَامَةِ والقِرَى

6 -

فأبصَرْتُهَا كَوْمَاءَ ذَاتَ عَرِيكَةٍ

هِجَانًا مِنَ اللائي تَمتَّعْنَ بالصُّوَى

7 -

فأومأت ................. ......................... إلخ

8 -

وقُلتُ لَه أَلْصق بأَيْبَسِ سَاقِهَا

فإن يُجْبَرِ العُرْقُوبُ لَا يَرْقَإِ النَّسَا

9 -

وفَدَّيْتُهُ لَمَّا رَأَيتُ فُؤَادَهُ

مَضَى غَيرَ مَنْكُوب ومُنْضلِهُ انْتَضَى

10 -

كأَنِّي وقَدْ أَشْبَعْتُهُمْ مِنْ سَنَامِهَا

جَلَوتُ غِطَاءً عَنْ فُؤَادِيَ فَانْجلَى

11 -

فَبتْنَا وبَاتَتْ قدْرُنَا ذَاتَ هزَّةٍ

لَنَا قَبلَ ما فيها شِوَاءٌ ومُصْطَلَى

12 -

فأصْبَحَ رَاعِينَا بُرَيْمَةُ عِندَنَا

بستِّينَ أَبْقَتْهَا الأخِلَّةُ والخِلا

13 -

فَقُلْتُ لِرَبِّ النَّاب خُذْها ثَنِيَّةً

ونَابٌ عَلَينَا مثْلُ نابِك في الحيَا

(1)

ينظر الشاهد رقم (658).

(2)

شرح ابن عقيل (3/ 65)"صبيح".

(3)

البيت من بحر الطَّويل من قصيدة للراعي النميري، يحكي قصة ضيوف نزلوا عليه فذبح لهم ناقة من نوقهم، فلما أصبحوا أعطاهم بدلها، وانظر بيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (2/ 180)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 442)، واللسان مادة:"ثوب- حبتر"، وتذكرة النحاة (617)، والخزانة (9/ 370)، والدرر (7/ 301).

(4)

انظر القصيدة بتمامها وشرحها في ديوان الحماسة للمرزوقي (1501)، القسم الثالث، باب الهجاء، تحقيق: أَحْمد أمين، وعبد السلام هارون، وهي أَيضًا في ديوان الراعي النميري (256)، تحقيق: د. نوري القيسي.

ص: 1339

وهي من الطَّويل.

1 -

قوله: "قرة" بفتح القاف وتشديد الراء؛ أي: باردة، قوله:"فردة": اسم موضع، وكذلك:"الرجا" بالراء والجيم.

2 -

قوله: "القد" بكسر القاف؛ السير الذي يقطع من الجلد.

4 -

و"الطارق": الذي يأتي أهله ليلًا.

6 -

و"الكوماء" بفتح الكاف؛ الناقة العظيمة السنام، وتجمع على كُوم بضم الكافُ وعريكة السنام: بقيته، قوله:"هِجانا" بكسر الهاء، وهو من الإبل البيض، ويستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع، يقال: بعير هجان، وناقة هجان، وإبل هجان، قوله:"بالصُّوى" بضم الصاد المهملة، وهو ما غلظ من الأرض وارتفع ولم يبلغ أن يكون جبلًا.

8 -

[قوله: "ألصق" من قولهم: ألصق فلان بعيره إذا عقره، وربما قالوا: ألصق بساق بعيره، وقيل لبعض العرب: كيف أنت عند القرى؟ قال: ألصق والله بالناب الفانية والبكر الضرع، وأراد الشَّاعر: ألصق السيف بساقها وأعقرها]

(1)

.

7 -

قوله: "فأومأت": من الإيماء وهو الإشارة، قوله:"لحبتر" بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح التاء المثناة من فوق وفي آخره راء، وهو اسم رجل، والحبتر في اللغة: القصير.

8 -

قوله: "النسا" بفتح النُّون، وهو عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذين ثم يمر بالعرقوب حتَّى يبلغ الحافر. قوله:"مُنْصَلِه" بضم الميم وسكون النُّون وفتح الصاد، وهو السيف، قوله:"انتضى": [من انتضيت السيف إذا سللته- بالضاد المعجمة]

(2)

، [وهو يجوز بالصاد المهملة والمعجمة، وكلاهما بمعنى واحد]

(3)

.

12 -

قوله: "الأخلة" بالخاء المعجمة؛ جمع خلال وهو العود، "والخلاء" بالخاء -أَيضًا-[الكلأ]

(4)

.

13 -

و"الناب" بالنُّون؛ الناقة المسنة، قوله:"في الحبا" بكسر الحاء المهملة وبالباء الموحدة؛ أي: العطاء.

الإعراب:

قوله: "فأومأت": جملة من الفعل والفاعل، و"إيماء": نصب على أنَّه مفعول مطلق،

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1340

و"خفيًّا": صفته، قوله:"لحبتر": جار ومجرور في محل النصب على المفعولية.

قوله: "فللَّه" اللام فيه للتعجب والقسم، وقوله:"عينا حبتر": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله:"فللَّه"، قوله:"أيما" في محل الجر؛ لأنه صفة لحبتر، ومعناه: كامل؛ كما في قولك: مرت برجل أيما رجل، ويجوز أن يكون حالًا؛ لمعرفة أي: كاملًا، وقال أبو إسحاق: المعنى: أيما فتى هو.

والاستشهاد فيه:

أن "أيًّا" فيه صفة، وقد علم أنَّه صفة لمعرفة وحال من نكرة

(1)

، ولا يضاف إلَّا إلى نكرة، وأنشده ابن مالك مثالًا لوقوع:"أي" حالًا لمعرفة

(2)

.

وقال أبو حيان في شرحه: أصحابنا أنشدوه بالرفع على أنَّه مبتدأ، أو خبر مبتدأ، وقدّروه: أي فتى هو، ولم يذكر أصحابنا كون أي تقع حالًا، وإنما ذكروا لها خمسة أقسام: موصولة، وشرطية، واستفهامية، وصفة لنكرة، ومنادى

(3)

.

‌الشاهد الحادي والستون بعد الستمائة

(4)

،

(5)

..........................

لَدُنْ شَبَّ حَتَّى شَابَ سُودُ الذَّوَائب

أقول: قائله هو القطامي، واسمه عمير بن شييم

(6)

، وقد ذكرناه، وصدره:

صريعُ غَوَانٍ راقَهُنَّ ورُقْنَهُ

.......................

(1)

كلام غير واضح، نقده فيه صاحب الخزانة (9/ 372) فقال:"والصحيح أن يكون صفة من النكرة، وحالًا من المعرفة".

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 315)، الكتاب لسيبويه (2/ 180)، وفيه يقول:"وسألته عن قوله وهو الراعي (البيت) فقال: أيما تكون صفة للنكرة وحالًا للمعرفة وتكون استفهامًا مبنيًّا عليها ومبنية على غيرها، ولا تكون لتبيين العدد ولا في الاستثناء .... وأيما فتى استفهام ألا ترى أنك تقول: سبحان الله من هو؟ وما هو؟ فهذا استفهام فيه معنى التعجب، ولو كان خبرًا لم يجز ذلك؛ لأنه لا يجوز في الخبر أن تقول من هو؟ وتسكت".

(3)

قوله مردود يقول سيبويه السابق؛ فقد نص على كون أي تقع حالًا للمعرفة، الكتاب لسيبويه (2/ 180).

(4)

توضيح المقاصد (2/ 274)، وأوضح المسالك (2/ 207).

(5)

البيت من بحر الطَّويل، من قصيدة للقطامي، ديوانه (279)، وبيت الشاهد في تخليص الشواهد (623)، والمغني (157)، وشرح التصريح (2/ 46)، وشرح شواهد المغني (455)، ومعاهد التنصيص (1/ 181)، والأشباه والنظائر (4/ 47)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 215)، والخزانة (7/ 86)، والدرر (3/ 137).

(6)

هو عمير بن شييم التغلبي من شعراء العصر الأُموي، ومن شعراء البادية (ت 101 هـ).

ص: 1341

وهو من قصيدة بائية من الطَّويل، وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

نَأَتْكَ بلَيلَي نِيَّةٌ لَم تُقَارِبِ

ومَا حُبُّ لَيلَى منْ فُؤَادِي بذَاهِب

2 -

مُنَعَّمَة تَجْلُو بِعُودِ أرَاكَةٍ

ذُرَى بَرَدٍ عَذْبٍ شَتِيتِ المنَاصِب

3 -

كَأَن فَضيضًا من غرِيضِ غَمَامَةٍ

عَلَى ظَمَأٍ جَادَتْ به أُمّ غَالِب

4 -

صريع غَوانٍ ...............

..................... إلخ

5 -

لِمسْتَهْلِكٍ قَدْ كَادَ منْ شِدَّة الجَوَى

يَمُوتُ وَمن طُولِ العِدَاتِ الكَوَاذِبِ

(2)

6 -

قُدَيْدِيمَةَ التَّجْريب والحِلْمِ أنَّنِي

أَرَى غَفَلاتِ العَيش قَبلَ التَّجَارِب

2 -

قوله: "ذرى برد" بضم الذال المعجمة، وذرى كل شيء: أعاليه والبرد: حب الغمام.

3 -

و: "الفضيض" بضادين معجمتين؛ الماء السائل، "والغريض": الطري الناعم.

4 -

قوله: "غوان": جمع غانية، وهي الجارية التي غنيت بحسنها عن العلي، قوله:"راقهن" أي: أعجبهن، و"رقنه" أي: أعجبنه، وذكر في شرح ديوانه معنى راقهن: أصبنه حتَّى لا حراك به، و"الذوائب": جمع ذؤابة الشعر.

الإعراب:

قوله: "صريع غوان": كلام إضافي خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو صريع غوان، وقوله:"راقهن": جملة من الفعل والفاعل والمفعول صفة لغوان، وقوله:"رقنه": عطف على راقهن، ويجوز أن يكون "صريع غوان" مرفوعًا بالابتداء، ويكون قوله:"راقهن" خبره.

قوله: "لدن": اسم لأول الغاية زمانًا أو مكانًا، وهي لازمة البناء، والإضافة لا تمنعها عن البناء، وقوله:"شب": جملة من الفعل والفاعل في محل الجر بالإضافة، والمعنى: عند شبيبته.

قوله: "حتَّى" للغاية، و"شاب سود الذوائب": جملة من الفعل والفاعل، والمعنى: صريع غوان راقهن ورقنه من عند شبيبته إلى شيب سود ذوائبه.

الاستشهاد فيه:

في جواز إضافة لدن إلى الجملة كما في قوله: "لدن شب"

(3)

.

(1)

ديوان القطامي (89) تحقيق: محمود الربيعي، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

(2)

يروى في (أ): (من شدة الهوى).

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 237)، والارتشاف (2/ 526، 527).

ص: 1342

‌الشاهد الثاني والستون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

تَنْتَهِضُ الرَّعْدَةُ في ظُهَيْري

مِن لَدُنِ الظُّهْرِ إلى العُصَيرِ

أقول: قائله هو راجز من رجاز طيء لم أقف على اسمه.

قوله: "الرعدة": من الارتعاد، قوله:"في ظهيري": تصغير ظهري بفتح الظاء.

والمعنى: يقوم عليَّ الارتعاد من عند الظهر إلى العصر.

الإعراب:

قوله: "تَنْتَهضُ [الرعدة]

(3)

": جملة من الفعل والفاعل، وكلمة: "في" تتعلق بمحذوف؛ أي: الرعدة الكائنة في ظهري، و "من" و"إلى" يتعلقان بقوله: "تَنْتَهضُ".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من لدن" حيث جاءت معربة وهي لغة قيس

(4)

.

‌الشاهد الثالث والستون بعد الستمائة

(5)

،

(6)

وَمَا زَال مُهْرِي مَزْجَرَ الكَلْب منْهُمُ

لَدُنْ غدْوَةً حَتَّى دَنَتْ لِغُرُوب

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل.

المعنى: ظاهر.

الإعراب:

قوله: "وما زال": من الأفعال الناقصة، فقوله:"مهري": كلام إضافي اسمه، قوله: "مزجر

(1)

شرح ابن عقيل (3/ 68)"صبيح".

(2)

بيتان من بحر الرجز المشطور، لم ينسبا لقائل معين، وهما في الخصائص (2/ 235)، وشرح الأشموني (2/ 262)، والدرر (3/ 136)، واللسان مادة:"نهض" والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1174).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 236) وقد ذكر أنها لغة قيس وقرئ بها قوله تعالى: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} [الكهف: 2]. بسكون النُّون وإشمامها نحو الضم وهي قراءة أبي بكر عن عاصم.

(5)

شرح ابن عقيل (3/ 68)"صبيح".

(6)

البيت من بحر الطَّويل، وهو مجهول القائل، وقد ذكر بعضهم أنَّه نسب لأبي سفيان بن حرب، وانظره في الحيوان (1/ 318)، والدرر (3/ 138)، وجواهر الأدب (128)، والتصريح (2/ 46)، واللسان مادة:"لدن"، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 215).

ص: 1343

الكلب" كلام إضافي -أَيضًا- خبره، قوله: "منهم": جار ومجرور في محل النصب على الحال.

قوله: "لدن" قد قلنا إن لدن لابتداء الغاية في زمان أو في مكان، ولا تمنعها الإضافة عن البناء؛ كما لم تمنع كم لأن بناءها لازم وهي بمعنى عند، ولكن الفرق بينهما أن لدن لما حضرك، وعند لما حضرك ولما غاب عنك، فعند أعم في الاستعمال، فتقول: عندي مال وإن كان بمكة، ولا تقول: لديّ مال إلَّا لما هو بحضرتك، وقد نصبت العرب بها غدوة تشبيهًا لنونها بالتنوين في اسم الفاعل؛ حيث رأوها تثبت تارة وتحذف تارة، فلذلك نصبوا غدوة بعدها على التشبيه بالمفعول.

ويقال: نصبوا ما بعدها كما نصبوا ما بعد كم الخبرية، ومنهم من رفع غدوة تشبيهًا بالفاعل؛ كما نصب تشبيهًا بالمفعول، ومنهم من جرها على القياس، ولم تقع غدوة بعد لدن إلَّا مصروفة، وهي معرفة مؤنثة لكثرة الاستعمال؛ ألا ترى أنَّهم لم يقولوا: لدن شحرة ولا لدن بكرة، ويقال: انتصاب غدوة على التمييز، وهو اختيار ابن مالك.

وقيل: هي خبر لكان المقدرة، والتقدير: لدن كانت الساعةُ غدوة، وحكى الكوفيون رفعها بكان المحذوفة، والتقدير: لدن كانت غدوة، قوله:"حتَّى دنت" أي: الشَّمس، "لغروب"، أي: لوقت غروبها

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لدن غدوة" حيث جاءت غدوة منصوبة كما ذكرنا مفصلًا.

‌الشاهد الرابع والستون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

حَنَنْتَ إلَى رَيَّا وَنَفْسُكَ بَاعَدَتْ

مزارَكَ من ريَّا وشَعْباكما مَعَا

أقول: قائله هو الصمة بن عبد الله القشيري، وهو من قصيدة عينية من الطَّويل يتغزل بها في

(1)

أجاز ابن مالك في غدوة عند إيلائها لدن ثلاثة أوجه: الجر على القياس، والنصب على التمييز، وعلى إضمار كان مضمرًا فيها اسمها، وحكى عن الكوفيين الرفع على تقدير كونها اسم كان. ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 238).

(2)

ابن الناظم (155).

(3)

البيت من بحر الطَّويل، من مقطوعة عدتها ثمانية أبيات، كلها في الغزل الرقيق، واختارها أبو تمام في حماسته في أول باب النسيب، وهي للصمة القشيرى (شاعر إسلامي) قالها في ابنة عمه، وقد خطبها إلى أبيها فطلب منه مهرًا خمسين جملًا، فساقه أبوه إلى عمه فوجدها تنقص واحدًا فلم في يزوجه إياها، فهجر الصمة أباه وعمه وذهب إلى دمشق، وانظر بيت الشاهد في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 240)، والمثل السائر (165)، والأغاني (8/ 6، 9)، وأمالي القالي (1/ 190)، وشرح ديوان الحماسة (3/ 1215)، ويروى:

أتبكي على ليلى ونفسك باعدت

.........................

ص: 1344

بنت عمه رَيَّا، وأولها:

1 -

أمِنْ ذِكْرِ دَارٍ بالرِّقاشَيِن أَعْصَفَتْ

بِهَا بَارِحَاتُ الصّيفِ بَدْءًا ورُجَّعَا؟

2 -

فمَا حَسَنٌ أنْ تَأْتِي الأمْرَ طَائِعًا

ويَجْزَعُ إنْ دَاعِي الصَّبَابَةِ أَسْمَعَا

3 -

كأنكَ لَم تَسْمَعْ وَدَاعَ مُفَارِقٍ

ولَمْ تَرَ شَعْبَي صَاحِبَيِن تَقَطَّعَا

4 -

بَكَتْ عَينِي اليُسرَى فَلَمَّا زَجَرْتُهَا

عَنْ الجَهْلِ بَعدَ الحِلمِ أَسْبَلَتَا مَعَا

5 -

ألا يَا خَلِيلَيَّ اللَّذَينِ تَوَاصَلا

بِلَومِي إلَّا أنْ أُطِيعَ وأسْمَعَا

1 -

قوله: "بالرقاشين" بكسر الراء؛ اسم موضع، قوله:"أعصفت" يقال: أعصفت الريح إذا اشتدت، هذه لغة أسد، وغيرهم يقولون: عصفت بلا همزة، و"البارحات" بالباء الموحدة؛ جمع بارحة، وهي الريح الشديدة الهبوب.

6 -

قوله: "حننت": من الحنين وهو الشوق وتوقان النفس، تقول: حن إليه يحنُّ حنينًا فهو حانّ، و"ريَّا" بفتح الراء وتشديد الياء آخر الحروف [اسم امرأة]

(1)

، قوله:"وشعباكما" أي: اجتماعكما، وهذا اللفظ من الأضداد، يقال: شعبت الشيء فرقته، وشعبته جمعته، يقال: التأم شعبهم؛ أي: اجتمعوا بعد التفرق، وتفرق شعبهم إذا تفرقوا بعد الاجتماع.

الإعراب:

قوله: "حننت": جملة من الفعل والفاعل، و"إلى ريا": يتعلق به في محل النصب على المفعولية، قوله:"ونفسك": كلام إضافي مبتدأ، و"باعدت": خبره، والجملة حال.

قوله: "مزارك": كلام إضافي منصوب بقوله: "باعدت"، يقال: أبعده وباعده وبعّده كلها بمعنى واحد، قوله:"من ريا" في موضع النصب على الحال من المزار.

قوله: "وشعباكما": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله:"مَعَا" بمعنى جميعًا، والجملة حال أَيضًا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مَعَا" حيث وقع منقطعًا عن الإضافة بمعنى جميعًا في محل الرفع على الخبرية كما ذكرنا، وهو قليل

(2)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 239، 240).

ص: 1345

‌الشاهد الخامس والستون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

فَريشِي مِنكمُ وهَوَايَ مَعْكُمْ

وَإنْ كانت زِيَارَتُكُمْ لِمَامَا

أقول: قائله هو جرير الخطفي، يمدح هشام بن عبد الملك، وهو من قصيدة ميمية من الوافر، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

ألَا حيّ المنازلَ والخِيامَا

وَسَكْنًا طال فيها ما أقامَا

2 -

أُحيِّيهَا وَمَا بي غيرَ أنِّي

أُرِيدُ لأُحْدِثَ العَهْدَ القُدامَى

3 -

منازِلَ قدْ خَلَت من سَاكنِيهَا

عَفَتْ إلَّا الدَّعَائمَ والثُّمامَا

4 -

مَحَتهَا الرِّيحُ والأَمْطارُ حتَّى

حَسِبْتُ رَسُومَهَا فيِ الأرضِ شَامَا

قوله: "فريشي" بكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره شين معجمة، وهو اللباس الفاخر: وكذلك الرياش، قال الله تعالى:{وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [الأعراف: 26] ويقال: الريش والرياش: المال والخصب والمعاش، قوله:"لمامَا" بكسر اللام وتخفيف الميم، مال: فلان يزورنا لمامًا؛ أي: في الأحايين.

الإعراب:

قوله: "فريشي": مبتدأ، وخبره:"منكم" وكذلك قوله: "هواي" مبتدأ، وخبره:"معكم"، قوله:"وإن": واصلة بما قبلها، وقوله:"كانت": من الأفعال الناقصة، وقوله:"زيارتكم": اسمه، و"لمامَا": خبره، والجملة فعل الشرط، والجواب محذوف دل عليه الشطر الأول.

(1)

ابن الناظم (155)، وأوضح المسالك (2/ 209)، وشرح ابن عقيل (3/ 70).

(2)

البيت من بحر الوافر من قصيدة لجرير بن عطية الخطفي، يمدح فيها هِشام بن عبد الملك، مطلعها:

أأصبح وصل حبلكم رمامًا

وما عهد كعهدك يا أماما

وبعد بيت الشاهد قوله:

وقيت الحتف من عرض المنايا

ولقيت التحية والسلاما

والبيت في الديوان: "وهواى فيكم" وقد غيره النحاة ليستشهدوا به، ديوان جرير (225) ط. دار المعارف، د. نعمان طه، وانظره أَيضًا في ديوانه بشرح الخطيب التبريزي (606)، والكتاب (3/ 287)، ونسبه للراعي ووجدته في ملحقات ديوانه (311) ضمن الأبيات المنسوبة إليه، وينظر ما يشترك بين الاسمية والحرفية (100).

(3)

هذا الكلام خطأ، فهذا المطلع وهذه الأبيات ليست بقصيدته التي يمدح فيها جرير هشامًا، وإنما هي قصيدة قالها في هريم المجاشعي، وهلال بن أخور المازنِيّ، ومما قال فيهما:

متى ما تبخل الغمرات يللم

هريم وابن أخور ما الأما

ديوان جرير (779)، ط. دار المعارف، د. نعمان طه.

ص: 1346

فإن قلت: هذه الجملة معطوفة على ماذا؟

قلت: على محذوف تقديره: إن لم يكن وإن كانت.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "معْكم" حيث بني على السكون وهذه لغة ربيعة وتميم، وعند الجمهور عينها مفتوحة معربة

(1)

.

‌الشاهد السادس والستون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

وَمِنْ قَبلِ نَادَى كُلُّ مَوْلى قَرَابَةٍ

فَمَا عَطَفَتْ مَوْلَى عَلَيهِ العَوَاطِفُ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل.

قوله: "مولى قرابة" أراد به ابن العم؛ لأن المولى يقع على جماعة كثيرة وهم الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والعتق والمنعم عليه، ويضاف كل واحد إلى ما يقتضيه، وها هنا المقتضى أن يكون ابن العم بدليل إضافته إلى قرابة.

قوله: "فما عطفت": من العطف وهو الحنو والرأفة، فالمعنى: نادى كل ابن عم [يزعم]

(4)

إلى قرابته وصرخ حتَّى يعينوه فيما هوفيه إما من الحرب، وإما من نازلة نزلت به، فما رحم عليه أحد منهم ولا أجاب لدعائه.

(1)

قال ابن يعيش: "لما اعتقد فيها الحرفية سكنها، والقياس فيها أن تكون مبنية لفرط إبهامها ك (كيف) و (حيث) وإنما أعربت ونصبت على الظرفية؛ لأنهم تصرفوا فيها على حد تصرفهم في (عند) فيقولون: معي مال، أي: هو في ملكي وإن كان غائبًا، كما يقال: عندي مال". ابن يعيش (2/ 128، 129)، وقال سيبويه:"وسألت الخليل عن (معكم ومع) لأي شيء نصبتها؟ فقال: لأنها استعملت غير مضافة اسمًا كجميع ووقعت نكرة، وذلك قولك: جاءا معًا، وذهبا معًا، وقد ذهب معه، ومن معه، صارت ظرفًا فجعلوها بمنزلة: أمام وقدام. قال الشَّاعر فجعلها كهل حين اضطر وهو الراعي: (البيت) ". الكتاب لسيبويه (3/ 286، 287)، وينظر (1/ 420).

(2)

ابن الناظم (155)، وتوضيح المقاصد (2/ 283)، وأوضح المسالك (2/ 211)، شرح ابن عقيل (3/ 72)"صبيح".

(3)

البيت من بحر الطَّويل، وهو لقائل مجهول، وانظره في حاشية الصبان (2/ 269)، والدرر (3/ 112)، وشرح التصريح (2/ 50)، وشرح قطر الندى (20)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 210)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (571).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1347

الإعراب:

قوله: "ومن قبل" الواو للعطف إن تقدمه شيء من الكلام، وقبل مجرور بمن، وهو معرب ها هنا، وقوله:"فأدى": فعل، و"كل مولى": كلام إضافي فاعله، و"قرابة" مجرور بإضافة مولى إليه، قوله:"فما عطفت" الفاء للتعقيب، وما للنفي، وعطفت فعل، و"العواطف": فاعله، وقوله:"عليه": جار ومجرور في محل النصب على المفعولية، والضمير يرجع إلى قوله:"مولى قرابة"، وقوله:"مولى" قيل: أنَّه بدل من الضمير ولكنه قدم لأجل الضرورة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ومن قبل" فإنَّه معرب؛ لأن المضاف إليه منوي تقديره: من قبل ذلك ونحوه

(1)

.

‌الشاهد السابع والستون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

فَسَاغَ لِيَ الشَّرَابُ وَكنْتُ قَبلًا

أَكَادُ أَغَصُّ بالمَاء الحَمِيمِ

أقول: قائله هو عبد الله بن يعرب بن معاوية بن غيلان بن البكاء بن عامر، وكان له ثأر فأدركه فأنشده.

وهو من الوافر.

قوله: "فساغ" أي: استمرأ، قال الجوهري: ساغ يسوغ سوغًا؛ أي: سهل مدخله في الحلق، وسُغتُه أنا أسيغه وأسوغه، يتعدى ولا يتعدى، والأجود: أسغته إساغة

(4)

.

قوله: "أغص بالماء" أي: أَشْرق به؛ من غصص يغصص وغص يغص من باب علم يعلم، قوله:"بالماء الحميم" والأظهر: بالماء الفرات؛ أي: العذب، ولكن المشهور:"بالماء الحميم"، والذي رواه الثعالبي والزمخشري:"بالماء الفرات"

(5)

، وهو الأنسب لأن الحميم الحار، ومنه اشتقاق الحمام، وقد قيل: الحميم ها هنا بمعنى البارد وهو من الأضداد.

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 269)، وقبل ها هنا معرب دون تنوين؛ وذلك لنية ثبوت لفظ المضاف إليه.

(2)

ابن الناظم (156)، وتوضيح المقاصد (2/ 278)، وأوضح المسالك (3/ 212)، وشرح ابن عقيل (3/ 73)"صبيح".

(3)

البيت من بحر الوافر، وينسب إلى يزيد بن الصعق في الخزانة (1/ 426)، واللسان مادة:"حمم"، ولعبد الله بن يعرب في الدرر (3/ 112)، وانظره في تذكرة النحاة (527)، والخزانة (6/ 505)، وشرح التصريح (2/ 50)، وابن يعيش (4/ 88)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 210)، والبيت يروى برواية أخرى هي:(بالماء الفرات).

(4)

الصحاح مادة: "سوغ".

(5)

المفصل للزمخشري (168)، وشرح ابن يعيش (4/ 88).

ص: 1348

الإعراب:

قوله: "فساغ": فعل ماض، و"الشراب": فاعله، و"لي": يتعلق بساغ، قوله:"وكنت قبلًا" الواو للحال، والتاء اسم كان، والجملة -أعني: قوله: "أكاد أغص": خبره، و"قبلًا":

نصب على الظرفية، واسم:"أكاد" الضمير المستتر فيه، وقوله:"أغص": خبره، و"بالماء" يتعلق به، و"الحميم": صفته.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "قبلًا" فإنَّه حذف المضاف إليه منه ولم ينوه؛ فلذلك أعربه، ولو كان المحذوف منويًّا لكان "قبل" مبنيًّا على الضم؛ كما في قوله تعالى:{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:]

(1)

.

‌الشاهد الثامن والستون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

وَنَحْنُ قَتَلْنَا الأُسْدَ أُسْدَ خَفِيَّةٍ

فَمَا شَرِبُوا بَعْدًا عَلَى لَذَّةٍ خَمْرًا

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من الطَّويل.

قوله: "الأسد" بضم الهمزة وسكون السين؛ جمع أسد، ويجمع على أسود -أَيضًا- بضمتين وأسْد وآساد، قوله:"خفية" بفتح الخاء المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف، قال الجوهري: قولهم أُسُود خفية؛ كقولهم: أسود جلية وهما مأسدتان

(4)

، وقال ابن سيده: الخفية: اسم علم لموضع، ثم أنشد البيت المذكور

(5)

.

الإعراب:

قوله: "ونحن": مبتدأ، وخبره قوله:"قتلنا الأسد" وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول،

(1)

إذا حذف المضاف إليه ولم ينو ثبوته ولا التعريف به كان المضاف تامًّا فيعرب كسائر النكرات نحو فرس وغلام. ينظر ابن يعيش (4/ 88).

(2)

ابن الناظم (156)، وأوضح المسالك (2/ 215)، وغير موجود في شرح ابن عقيل.

(3)

البيت من بحر الطَّويل، لقائل مجهول، وهو في شرح الأشموني (2/ 269)، وشرح التصريح (2/ 50)، والخزانة (6/ 501)، واللسان:"بعد وخفا"، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 209، 210)، وروايته في أوضح المسالك:(أسد شنوءة).

(4)

الصحاح مادة: "خفي ".

(5)

لم نستطع العثور عليه في الكتب والأسفار الطويلة لابن سيده.

ص: 1349

قوله: "أسد خفية": كلام إضافي بدل من الأسد، قوله:"فما شربوا": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"خمرًا": مفعوله، قوله:"بعدًا": نصب على الظرف، قوله:"على لذة": جار ومجرور يتعلق بقوله: "فما شربوا"، ومحله النصب على أنَّه صفة لقوله:"خمرًا"

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بعدًا" فإنَّه أعرب؛ لأنه لم تنو فيه الإضافة

(2)

.

‌الشاهد التاسع والستون بعد الستمائة

(3)

،

(4)

لعَنَ الإِلهُ تَعِلَّةَ بنَ مُسَافِرٍ

لَعْنًا يُشَنُّ عَلَيهِ منْ قُدَّامُ

أقول: قائله هو رجل من بني تميم، وقبله

(5)

:

1 -

أَلْبَانُ إِبْلِ تَعِلَّةَ بن مُسَافِرٍ

مَا دَامَ يَمْلِكهَا عَلَيَّ حَرَامُ

2 -

وطَعَامُ عِمْرَانَ بْنِ أَوْفَى مِثْلُهُ

مَا دَامَ يَسْلُكُ في الحُلُوقِ طَعَامُ

3 -

إنَّ الذِينَ يَسُوغُ في أَعْنَاقِهْم

زَادٌ يَمُنُّ عَلَيهمُ لَلِئامُ

وهي من الكامل.

قوله: "تعلة بن مسافر"، ويروى: تعلة بن مزاحم، وتعلة بفتح [التاء]

(6)

المثناة من فوق وكسر العين المهملة، وهو اسم رجل، وفي البسيط أول هذه الأبيات هكذا: ألبان ثعلبة بن نبت مسافر، فعلى هذا لفظ تعلة الذي ضبطاه مصحف، ويحتمل أن يكون صحيحًا، ولكنه بعيد فافهم قوله:"يشن عليه" ويروى: يصب عليه ومعناهما واحد.

الإعراب:

قوله: "لعن الإله": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"تعلة بن مسافر": مفعوله، و"لعنًا"

(1)

يكون صفة إذا كان مؤخرًا عن موصوفة أما وقد قدم عليه فيكون حالًا.

(2)

ينظر شرح التصريح (2/ 50)، وابن يعيش (4/ 88).

(3)

أوضح المسالك (2/ 216).

(4)

البيت من بحر الكامل، نسب لرجل من بني تميم، ولم يعين، وهو في الدرر (3/ 114)، وشرح التصريح (2/ 51)، وتذكرة النحاة (279)، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 268)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 210)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (846).

(5)

لم أعثر عليه في أشعار بني تميم في العصر الجاهلي جمع عبد الحميد محمود المعيني، والأبيات في الكامل للمبرد (1/ 59) تحقيق: محمَّد أبو الفضل إبراهيم، نهضة مصر.

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1350

نصب على أنه مفعول مطلق، قوله:"يشن عليه" على صيغة المجهول؛ جملة وقعت صفة لقوله: "لعنًا"؛ فيكون محلها من الإعراب النصب، قوله:"عليه": صلة يشن.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من قدام" فإن أصله: من قدامه، فلما قطعه عن الإضافة ونواها بناه على الضم

(1)

.

‌الشاهد السبعون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

...........................

عَلَى أَيِّنَا تَغدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ

أقول: قائله هو معن بن أوس، وكان متزوجًا بأخت صديق له فطلقها، فأقسم أن لا يكلمه، فقال قصيدة من الطويل يستعطفه، وأولها هو قوله:

1 -

لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لأرْجَلُ

عَلَى أَيِّنَا تَعْدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ

2 -

وإنِّي أَخُوكَ الدَّائمُ العَهْدِ لَمْ أَحُلْ

إنْ أَبْزَاكَ خَصْمٌ أوْ نَبَا بِكَ مَنْزِلُ

3 -

أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتَ مِنْ ذِي عَدَاوَةٍ

وأَحْبِسُ مَالِي إنْ غَرَمْتَ فَاعْقِلِ

4 -

وإنْ سُؤتَنِي يَوْمًا صَفَحْتُ إلَى غَدٍ

ليُعْقِبَ يَومًا مِنكَ آخرُ مُقبِلِ

5 -

كأنَّكَ تَشْفِي مِنكَ دَاء مَسَاءَتِي

وسُخْطِي وَمَا في رَيْثَتِي مَا تَعَجَّلُ

6 -

وإنِّي عَلَى أَشْيَاءَ مِنكَ تُرِيبُنِي

قَدِيمًا لَذُو صَفْحٍ عَلَى ذَاكَ مُجْمِلُ

7 -

سَتقطعُ في الدّنيَا إذا ما قطّعْتنِي

يَمِينُك فَانْظُرْ أيَّ كَفٍّ تُبَدِّلُ

8 -

وفيِ النَّاسِ إن رَثَّت حِبَالُكَ وَاصِلٌ

وفي الأرْضِ عَنْ دَارِ القِلَى مُتَحَوَّلُ

9 -

إذا أَنْتَ لَمْ تُنْصِفْ أخَاكَ وَجَدْتَهُ

عَلَى طَرَفِ الهِجْرَانِ إنْ كَانَ يَعقِلُ

10 -

ويَرْكَبُ حَدَّ السَّيفِ مِنْ أنْ يُضِيمَهُ

إذا لَمْ يَكُنْ عَنْ شَفْرَةِ السَّيفِ مَزْحل

11 -

وكُنتُ إذَا مَا صَاحِبٌ رَامَ ظَنَّتِي

وبُدِّلَ سُوءًا بالذِي كُنتُ أفْعَلُ

12 -

قَلَبتُ لَهُ ظَهرَ المجَنِّ فَلَم أدُمْ

عَلَى ذاكَ إلَّا رَيثَمَا أتَحَوَّلُ

13 -

إذَا انْصَرَفَتْ نَفْسِي عَن الشَّيءِ لَمْ تَكَدْ

إلَيهِ بِوَجْهٍ آخَرَ الدَّهْرِ تُقْبِلِ

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 268).

(2)

أوضح المسالك (2/ 217).

(3)

البيت من بحر الطويل، وهو مطلع قصيدة لمعن بن أوس، يعاتب فيها صديقًا له ويستعطفه، وانظر بيت الشاهد في المقتضب (3/ 246)، والمنصف (3/ 35)، وابن يعيش (4/ 87)، والخزانة (8/ 244)، وشرح التصريح (2/ 51)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1126)، واللسان مادة:"كبر".

ص: 1351

1 -

قوله: "لأوجل" أي: لأخاف، من وجل يوجل، قوله:"المنية" أي: الموت، و "تغدو": بالغين المعجمة والدال المهملة، من الغدو، وهو نقيض الرواح.

2 -

قوله: "لمْ أُحَل": من حال عن العهد حؤولًا: انقلب، وهو بالحاء المهملة، [قوله: "]

(1)

إن أبزاك" بالباء الموحدة والزاي المعجمة، يقال: أبزى فلان بفلان إذا غلبه وقهره، قوله: "أو نبا بك منزل" بالنون ثم الباء الموحدة، يقال: نبا بفلان منزله إذا لم يوافقه، وكذلك فراشه.

5 -

قوله: "وما في ريثتي" بالراء المفتوحة والياء آخر الحروف الساكنة ثم الثاء المثلثة من راث عليَّ خبرك يريث ريثًا، أي: أبطأ.

6 -

قوله: "تريبني": من الريب وهو الشك، قوله:"مجمل" بالجيم، من الإجمال وهو الإحسان.

8 -

قوله: "رثت" أي بليت وخلقت، "عن دار القلى" بكسر القاف، وهو البغض والعداوة.

10 -

قوله: "مزحل" بالزاي المعجمة والحاء المهملة؛ من زحل عن مكانه زحولًا، وتزحل إذا انتحى وتباعد، والمزحل: مصدر ميمي بمعنى الزحول.

12 -

قوله: "إلا ريثما" يعني: إلا قدر التحول، وما مصدرية وقد يستعمل بغير ما نحو:

لا يَصْعُبُ الأمْرُ إلا رَيْثَ تَرْكَبُهُ

..........................

الإعراب:

قوله: "لعمرك": مبتدأ، وخبره محذوف؛ أي: لعمرك يميني أو قسمي، وقد تكرر نحو هذا في الكتاب

(2)

، قوله:"ما أدري": جواب القسم، ومفعوله محذوف تقديره: ما أدري ما يفعل بنا، أو ما أدري ما يكون ونحو ذلك.

وقوله: "وإني" الياء اسم إن، وخبره قوله:"لأوجل"، واللام فيه للتأكيد مفتوحة، قوله:"على أينا" يتعلق بقوله: "تغدو" وهو فعل مضارع، و "المنية" فاعله، قوله:"أول": مبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة، تقديره: أول الوقت أو أول الساعة ونحو ذلك.

والاستشهاد فيه وهو ظاهر

(3)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر الشاهد (651).

(3)

ينظر ابن يعيش (4/ 87)، وابن الشجري (2/ 74، 75).

ص: 1352

‌الشاهد الحادي والسبعون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

فَأَدْرَكَ إرْقَال العَرَادَةَ ظَلْعُهَا

وَقَدْ جَعَلَتْنِي مِنْ حَزِيمَةَ إِصْبَعَا

أقول: قائله هو الأسود يصف فرسًا؛ كذا قاله الزمخشري

(3)

، وقال ابن الناظم: وقول الكلحبة اليربوعي:

فأدرك .......................

................... إلخ

وهو كلحبة بن عبد الله بن كلحبة، ويقال: اسمه هبيرة بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع

(4)

، وكلحبة لقبه، وهو بفتح الكاف وسكون اللام وفتح الحاء المهملة والباء الموحدة، والذي قال ابن الناظم هو الصحيح

(5)

، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله

(6)

:

1 -

فإنْ تَنجُ مَنهَا يَا حَزِيمَ بنَ طَارِقٍ

فقدْ تَرَكَتْ مَا خَلْفَ ظَهرِكَ بَلْقَعَا

2 -

ونادى مُنادِي الحيَّ أَنْ قد أُتيتُمُ

وقدْ شَرِبَتْ مَاءَ المَزَادَةِ أجمعَا

3 -

وقُلْتُ لِكَأْسِ أَلْجمِيهَا فَإِنَّمَا

نَزَلْنَا الكَثِيبَ مِنْ زَرُود لِنَفْزَعَا

4 -

كَأَنَّ بَلِيَتَيْهَا وبَلْدَةِ نَحْرِهَا

مِنَ النَّبْلِ كُرَّاثَ الصَّرِيمِ المُنْزَعَا

5 -

فأدرك ....................

................. إلخ

(7)

6 -

أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرِجِ اللِّوَى

ولَا أَمْرَ لِلْمَعْصِيِّ إلا مُضَيَّعَا

7 -

إذَا المَرْءُ لَمْ يَغْشَ الكَرِيهَةَ أَوْشَكَتْ

حِبَالُ الهُوَيْنَى بالفَتَى أنْ تَقَطعَا

1 -

قوله: "فإن تنج منها" أي: من فرس الكلحبة، وكانت تسمى العرادة، وذلك أنه أغار

(1)

ابن الناظم (156).

(2)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة ذكر الشارح أبياتها، واختلف في قائلها فنسبها الزمخشري في المفصل (157) إلى أبي الأسود بن يعفر، ونسبها شارح المفصل ابن يعيش (3/ 28، 29) إلى الكلحبة اليربوعي، وكذا فعل ابن الناظم في شرح الألفية (156)، وانظر بيت الشاهد في شرح اختيارات المفضل (146)، واللسان مادة:"حرم، بقي"، ونسب إلى رؤبة في مغني اللبيب (624)، وليس في ديوانه، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (495).

(3)

ينظر المفصل (157)، وشرح ابن يعيش (3/ 31).

(4)

هو كلحبة العريني اليربوعي أحد فرسان بني تميم وساداتها وشعرائها، وفرسه تسمى العرادة.

(5)

ينظر المفصل بشرح ابن يعيش (3/ 31)، نسبه للأسود بن يعفر ونُسب للكلحبة اليربوعي في الخزانة (4/ 401).

(6)

شعر الكلحبة اليربوعي ضمن كتاب: شعر بني تميم في العصر الجاهلي (205)، جمع وتحقيق د: عبد الحميد المعيني.

(7)

يروى في شعر الكلحبة، وأيضًا في الخزانة (1/ 388) هكذا:

فأدرك إبقاء العرادة ظلعها

..............................

ص: 1353

عليه فاستاق ماله وأفْلَتَ بنفسه، فقال: إن نجوت منها فقد ذهبت بمالك، و "البلقع": الأجرد الذي لا شيء فيه.

وقال المفضل: أغار حزيمة بن طارق أخو بني ثعلبة علي بني يربوع بزرود فاستاق إبلهم، فأتى بني يربوع الصريخ فركبوا في إثره فهزموه واستنقذوا ما كان أخذه، وأسروا خزيمة بن طارق، فقال في ذلك هبيرة بن عبد مناف:

فإن تنج منها يا حزيم بن طارق

.................... إلخ

(1)

و"حزيم": ترخيم حزيمة، يقول: فإن نجوت يا خزيمة من فرسي، وهي العرادة، فلم تفلت إلا بنفسك، وقد استبيح مالك وما كنت حويته وغنمته، فلم تدع لك هذه الفرس شيئًا.

3 -

قوله: "لكأس" هي ابنته، وقال أحمد بن عبيد: كأس جاريته، و "الكثيب": قطعة من الرمل مستطيلة محدودبة، و "زرود" بفتح الزاي المعجمة وضم الراء وسكون الواو وفي آخره دال مهملة؛ اسم موضع، قوله:"لنفزعا" أي: لنغيث، يقول: ما نزلنا في هذا الموضع إلا لنغيث من استغاث بنا ونجيب الداعي.

4 -

[قوله: "]

(2)

بليتيها" الليتان: صفحتا العنق، و "الصريم": قطع من الرمل، الواحدة صريمة، و "الكراث": نبت، وهي ثلاث ورقات تشبه قذذ السهم، وإنما خص الصريم لأن الكراث لا ينبت إلا في الرمل، وإنما قال: "المنزعا" لأن ساق الكراثة تكون غائبة في الرمل، فإذا نزعت أشبهت النبل بكمالها.

5 -

قوله: "إرقال العرادة" الإرقال -بكسر الهمزة: نوع من السير، وقال الجوهري: الإرقال: نوع من الخبب

(3)

، و "العَرادة" بفتح العين المهملة والراء المهملتين- أيضًا: اسم لفرس كانت لهبيرة كما ذكرنا، قوله:"ظلعها" بالظاء المعجمة؛ من ظلع البعير يظلع ظلعًا؛ أي: غمز في مشيه.

قوله: "من حزيمة" بفتح الحاء المهملة وكسر الزاي المعجمة، وهو حزيمة بن طارق

(4)

كما ذكرنا، ولقد غلط جماعة من شرح المفصل

(5)

في تفسيرهم حزيمة بالقبيلة

(6)

، وكان كلحبة على فرسه عرادة، وكانت مجروحة، فقصرت لما قربت من حزيمة ففاته، فقال:

(1)

شرح اختيارات المفضل (146).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

الصحاح مادة: "رقل".

(4)

في (ب): خزيمة وليس حزيمة.

(5)

في (أ): غلط جماعة من شراح المفصل، ويقصد به ابن يعيش في شرح المفصل (3/ 31).

(6)

انظر نصه في شرح المفصل لابن يعيش (3/ 31)، يقول:"وحزيمة هذه بالزاي المعجمة: بطن من باهلة بن عمرو بن ثعلبة"، ولم أعثر على ذلك في معجم قبائل العرب.

ص: 1354

فأدرك إرقال العرادة .......

....................... إلخ

يعني: أدرك سير العرادة، "ظلعها" يعني: غمزها في مشيها، والحال أنها قد كانت جعلتني من حزيمة قدر مسافة أصبع، فالحاصل أنه لما تبعه لحقه، ولم تبق بينه وبينه إلا قدر مسافة أصبع حتى أدركه فرسه الظلع فقصرت ففاته حزيمة.

6 -

قوله: "بمنعرج اللوى" اللوى مقصور الرمل ومنعرجه، حيث انثنى منه وانعطف، قوله:"إلَّا مضيعَا" أي: إلا أمرًا مضيعًا، قوله:"الهوينى" بضم الهاء؛ أي: الرفق والدعة.

الإعراب:

قوله: "فأدرك": فعل ماض، و "ظلعها": كلام إضافي فاعله، وقوله:"إرقال العرادة": كلام إضافي منصوب لأنه مفعول لأدرك، قوله:"وقد جعلتني": جملة فعلية وقعت حالًا، "من حزيمة" أي: من جهة حزيمة، قوله:"إصبعَا": مفعول ثان لجعلتني؛ أي: قدر مسافة إصبع.

والاستشهاد فيه:

حيث حذف فيه المضاف والمضاف إليه جميعًا، وأقيم المضاف إليه الثاني الذي هو الثالث مقامهما

(1)

.

‌الشاهد الثاني والسبعون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

أَكُلَّ امرئٍ تَحْسَبِينَ امْرَأً

وَنَارٍ تَوَقدُ باللّيْلِ نَارًا

أقول: قائله هو أبو دؤاد، واسمه: جارية بن الحجاج، وقيل: جريرة بن الحجاج، وقيل: جارية ابن حمران الحذاقي من إياد، وقد بسطا الكلام فيه فيما مضى

(4)

وبعده:

2 -

ودَارٍ يقُولُ لَهَا الزَّائِرُو

نَ وَيْلُ أُمِّ دَارِ الحَذَاقِيِّ دَارًا

وهما من المتقارب.

(1)

ينظر ابن يعيش (3/ 31).

(2)

ابن الناظم (157)، وتوضيح المقاصد (2/ 280)، وأوضح المسالك (2/ 223)، وشرح ابن عقيل (3/ 77)"صبيح".

(3)

البيت من بحر المتقارب، وهو لأبي دؤاد الإيادي، وهو في الفخر بالكرم، وانظر البيت في الكتاب (1/ 66)، والأصول (2/ 57)، والمفصل (106)، وشرحه لابن يعيش (3/ 26)، والتصريح (2/ 56)، والأشموني (2/ 273)، والهمع (2/ 52).

(4)

ينظر الشاهد رقم (592).

ص: 1355

المعنى: أَكُلَّ رجل تحسبينه رجلًا وكُلَّ نار تحسبينها نارًا، يعني: ليس كل من له صورة امرئ بامرئ كامل، بل المراد بالكامل

(1)

: من له خصال سنية وأوصاف بهية، وليس كل نار توقد بالليل نارًا، إنما النار نار توقد لقرْي الزوار.

الإعراب:

قوله: "أكل امرئ" الهمزة للاستفهام، "وكل امرئ": كلام إضافي مفعول لقوله: "تحسبين"، وقوله:"امرأ" مفعوله الثاني.

قوله: "ونار" بالجر لأن أصله: وكل نار، فلما حذف كل، أبقي نار على أصله بالجر، و "تحسبين" -أيضًا- فيه مقدرة؛ لأن المعنى: وتحسبين كل نار، ويروى: ونارًا بالنصب، قال النحاس: ومن لم يعطف على عاملين رواه: "ونارًا" بالنصب.

قوله: "توقد" أصله: تتوقد، فحذفت منه إحدى التاءين وهي [جملة]

(2)

وقعت صفة للنار، قوله:"نارًا" نصب لأنه مفعول ثان لتحسبين المقدرة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ونار" حيث حذف المضاف فيه، وترك المضاف إليه بإعرابه؛ إذ تقديره: وكل نار" كما ذكرنا، فحذف كل وترك نار بالجر على ما كان عليه، ولا يجوز أن يعطف نار المجرور على امرئ؛ إذ فيه عطف على عاملين بواو واحدة فافهم

(3)

.

‌الشاهد الثالث والسبعون بعد الستمائة

(4)

،

(5)

...............................

وَأَتَيْتُ فَوْقَ بَنِي كُلَيْبٍ مِنْ عَلُ

أقول: قائله هو الفرزدق يهجو جريرًا، وصدره:

ولَقدْ سَدَدتُ عليكَ كُل ثَنِيَّةٍ

............................

(1)

في (أ): بل المرء الكامل.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر ما قيل فيه في شرح التسهيل لابن مالك (3/ 270، 271).

(4)

أوضح المسالك (2/ 220).

(5)

البيت من بحر الكامل، وهو من قصيدة طويلة للفرزدق، يفتخر فيها ويهجو جريرا، ومطلعها مشهور وهو قوله:

إِنَّ الذي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنا

بَيتًا دَعَائِمَهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ

وهي في الديوان، ط. دار صادر (1/ 155)، وانظر بيت الشاهد في تذكرة النحاة (85)، والدرر (3/ 115)، وشرح شذور الذهب (139)، وابن يعيش (4/ 89)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 210)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (700).

ص: 1356

وبعده

(1)

:

2 -

رَمَحَتْكَ حِيَن عَجِلَتْ دُونَ وَدَاقِهَا

لَكِنْ أبُوكَ وَدَاقَهَا لا يَعْجَلُ

3 -

وأَنَخْتَ أمّكَ يَا جَرِيرُ كَأَنَّهَا

للنَّاسِ بَارِكَةً طَرِيقٌ مُعْمَلُ

وهي من الكامل.

1 -

قوله: "ثنية" بفتح الثاء المثلثة وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف، وهي طريقة العقبة.

2 -

و "الوداق" بفتح الواو وبالقاف المطر، وكذلك الودق، ولكن المراد هاهنا الماء؛ من ودق الماء إذا سال.

الإعراب:

قوله: "سددت": فعل وفاعل، و "كل ثنية": كلام إضافي مفعوله، و "أتيت": جملة من الفعل والفاعل عطف على قوله: "سددت"، وقوله:"فوق": نصب على الظرف مضاف إلى بني كليب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من عل" حيث جاء مبنيًّا على الضم كفوق؛ فإنه يوافق فوق في معناه وفي بنائه على الضم؛ لأن معناه هاهنا: من فوقهم

(2)

.

واعلم أن عل - بلام خفيفة اسم بمعنى فوق، والتزم فيه أمران:

أحدهما: استعماله مجرورًا بمن.

والثاني: استعماله غير مضاف؛ فلا يقال: أخذته من عل السطح؛ كما يقال: من علوه ومن فوقه، ومتى أريد به المعرفة كان مبنيًّا على الضم تشبيهًا بالغايات؛ كما في البيت المذكور؛ إذ المراد فوقية معينة لا فوقية مطلقة، ومتى أريد به النكرة كان معربًا

(3)

؛ كما في

(1)

ينظر الديوان (495) ورواية البيت في الديوان هكذا:

إني ارتفعت عليك كل ثنية

وعلوت فوق بني كليب من علُ

والبيتان اللذان ذكرهما العيني ليسا في القصيدة المذكورة، ولا في غيرها؛ لأن طبعات الديوان الأخيرة حذفت منها الأبيات المفحشة المقذعة في الهجاء، انظر ديوانه شرح علي فاعور، طبعة دار الكتب العلمية أولى (1987 م)، وطبعة دار صادر بيروت.

(2)

ينظر ابن يعيش (4/ 89).

(3)

ينظر ابن يعيش (4/ 90).

ص: 1357

البيت الذي يأتي بعد بيت واحد

(1)

.

‌الشاهد الرابع والسبعون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

أَقَبُّ مِنْ تَحْتُ عَرِيضٌ مِنْ عَلُ

.........................

أقول: قائله هو أبو النجم العجلي، وهو من قصيدة مرجزة يصف فيها أشياء كثيرة، وبهذا الشطر يصف الفرس.

قوله: "أقب" بالقاف وتشديد الباء الموحدة، وهو الضامر البطن؛ من القبب وهو دقة الخصر، والأنثى قباء، قوله:"من عل" أي: من علوه؛ أي: من فوقه.

الإعراب:

قوله: "أقب": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو أقب، قوله:"من تحت": جار ومجرور في محل الرفع على الوصفية، وقوله:"عريض": خبر بعد خبر، و "من عل": صفته.

الاستشهاد فيه:

والكلام فيه كالكلام في البيت السابق

(4)

.

‌الشاهد الخامس والسبعون بعد الستمائة

(5)

،

(6)

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا

كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ

أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها

(1)

ينظر الشاهد رقم (676).

(2)

شرح ابن عقيل (3/ 74).

(3)

البيت من بحر الرجز المشطور، من أرجوزة مشهورة لأبي النجم العجلي، يصف فيها عدة أشياء، منها الصحراء، والفرس، والثور، وبيت الشاهد في وصف الثور، يقول:

في مسك ثور سجله كأسجل

...........................

واللامية المذكورة مكسورة حرف الروي، وهو اللام على غير ما قاله العيني، والنحويون الذين استشهدوا ببناء عل على الضم، وإنما هو معرب مجرور بمن، وبيت الشاهد في: الديوان (157)، الرياض، علي أغا، وانظر بيت الشاهد في الأزهية (22)، والخزانة (2/ 397)، والخصائص (2/ 363)، وشرح شواهد المغني (449)، وابن يعيش (4/ 89)، والمغني (154).

(4)

ينظر الشاهد رقم (673).

(5)

أوضح المسالك (2/ 221).

(6)

البيت من بحر الطويل، وهو من معلقة امرئ القيس التي سبق الحديث عنها، والاستشهاد بعدة شواهد منها مثل رقم (44، 154، 230، 231)، وبيت الشاهد في الديوان (19)، دار المعارف، وانظره في الكتاب (4/ 228)، وشرح أبيات سيبويه (2/ 339)، وشرح التصريح (2/ 54)، والمغني (154)، وشرح شواهد المغني (451)، =

ص: 1358

قوله

(1)

:

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِل

بسِقْطِ اللِّوَى بَيَن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ

وهي من الطويل.

قوله: "مِكَرٍّ" بكسر الميم؛ يعني: لا يسبق في الكر، و "مفرٍّ" - أيضًا -بكسر الميم؛ يعني: لا يسبق في الفرار، قوله:"مقبل مدبر" يعني: إذا استدبرته حسن، وإذا استقبلته حسن.

قوله: "كجلمود" بضم الجيم، وهي الصخرة الملساء، قوله:"حطه السيل" يعني: حدره السيل من عل، يعني: من فوق، يعني: من مكان عال، يمدح به فرسه، يقول: إذا أردت الكر وأنا عليه وجدته عنده كجلمود حدره السيل من مكان عال.

الإعراب:

قوله: "مكر" بالجر لأنه صفة لقوله: "بمنجرد قيد الأوابد هيكل" في البيت السابق يعني بفرس منجرد مكر، "ومفر" -أيضًا- بالجر صفة أخرى، وكذلك قوله:"مقبل ومدبر"، وهذه كلها صفات مجرورة.

قوله: "معًا" يعني: جميعًا، نصب على الحال، يعني: مجتمعين، والكاف في قوله:"كجلمود" للتشبيه، وجلمود مجرور به، وهو مضاف إلى صخر من قبيل إضافة الخاص إلى العام.

قوله: "حطه": فعل ومفعول، و "السيل": فاعله، والضمير المنصوب يرجع إلى الجلمود.

قوله: "من عل": يتعلق بقوله: "حطه"، وفيه ثمان لغات:[جئته]

(2)

من علُ، ومن علِ، ومن علو، ومن علا، ومن علو، ومن عال، ومن معال، ومن معالا، فمن قال: من عل بالتنوين جعله نكرة، كأنه، قال: من موضع عال، ومن قال: مِن عَلُ فهو مَعرفة، وتقديره: من فوق ما يعلم.

وكان الواجب أن لا يحرك، إلا أنه لما ضارع المتمكن أعطوه فضيلته، وهي الحركة، واختير له الضمة لأنها غاية الحركات، ومن قال: جئتُكَ بن عُلُوٍّ جعله نكرة -أيضًا- وجاء به على التمام، ومن ضم قدره معرفة، ومن قال: جئتك من عَالٍ، فمعناه: من مكان عال

(3)

.

= والمقرب (1/ 215)، ورصف المباني (328)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 210)، والخزانة (2/ 397)، والدرر (3/ 115).

(1)

الديوان (110) وما بعدها.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

وقد وردت اللغات المذكورة، وأكثر منها في كتب اللغات، انظر مادة:"علو".

ص: 1359

الاستشهاد فيه:

في قوله: "من عل" فإنه معرب لأنه أريد به النكرة؛ إذ المراد تشبيه الفرس في سرعته بجلمود انحط من مكان ما عال، لا من علوّ مخصوص، فقوله من عل، أي: من مكان عال

(1)

.

‌الشاهد السادس والسبعون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

................................

بِمِثْلِ أَوْ أَنْفَعَ مِنْ وَبْلِ الدِّيَمْ

أقول: هذا رجز ما وقفت على اسم راجزه، وصدره:

عَلَّقْتُ آمالي فَعَمَّتِ النِّعَمْ

.........................

قوله: "من وبل الديم" الوبل: المطر الشديد، وكذلك: الوابل، "والديم" بكسر الدال؛ جمع ديمة، قال أبو زيد: الديمة: المطر الذي ليس فيه رعدٌ ولا برق، أقله ثلث النهار، أو ثلث الليل، وأكثره ما بلغ من الغد، والجمع الديم.

الإعراب:

قوله: "علقت": جملة من الفعل والفاعل، و "آمالي": كلام إضافي مفعوله، قوله:"فعمت": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر الراجع إلى الآمال، و "النعم": مفعوله، قوله:"بمثل": جار ومجرور يتعلق بقوله: "علقت"، والمضاف إليه محذوف تقديره: بمثل وبل الديم أو أنفع من وبل الديم كما في قوله عليه الصلاة والسلام

(4)

"إن أحدكم ليفتن في قبره مثل أو قريبًا من فتنة الدجال"، والتقدير: مثل فتنة الدجال أو قريبًا من فتنة الدجال، قوله:"أو أنفع": عطف على المقدر الذي ذكرناه

(5)

.

(1)

ينظر الكتاب لسيبويه (4/ 228)، وشرح التصريح (2/ 54)، وابن يعيش (4/ 90).

(2)

أوضح المسالك (2/ 225).

(3)

البيتان من بحر الرجز المشطور، وهما لقائل مجهول، وانظرهما في التصريح (2/ 57)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1251).

(4)

الحديث في صحيح البخاري: باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل، وبرقم (182) وروايته:(عن عائسة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين خسفت الشمس، فإذا الناس قيام يصلون وإذا هي قائمة تصلي فقلت: ما للناس؟ فأشارت بيدها نحو السماء وقالت: سبحان الله، فقلت: آية؟ فأشارت أي نعم، فقمت حتى تجلاني الغشي وجعلت أصب فوق رأسي ماء، فلما انصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: "ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار، ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبًا من فتنة الدجال" لا أدري أي ذلك قالت أسماء).

(5)

ينظر شرح التصريح (2/ 57).

ص: 1360

والاستشهاد فيه:

هو ما ذكرناه.

‌الشاهد السابع والسبعون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

.................................

بَيْنَ ذِرَاعَيْ وَجَبْهَةِ الأَسَدِ

أقول: قائله هو الفرزدق، وصدره:

يا مَنْ رَأَى عَارِضًا أُسَرُّ بِهِ

..............................

وهو من المنسرح، وأصله: مستفعلن مفعولات [مستفعلن]

(3)

مرتين، وفيه الطيّ فافهم.

قوله: "عارضًا" أي: سحابًا، قوله:"أسر به" أي أفرح به، ويروى: أكفكفه، يقال: يكفكف دمعه: يمسحه مرة بعد أخرى ليرده، ويروى: أرقت له؛ بمعنى: سهرت لأجله، قوله:"بين ذراعي" أراد بذراعي الأسد الكوكبين اللذين يدُلان على المطر عند طلوعهما، وذراعا الأسد وجبهتا الأسد: منزلتان من منازل القمر، والذراع والجبهة من أنواء الأسد.

الإعراب:

قوله: "يا من رأى" يا حرف نداء، والمنادى محذوف تقديره: يا قوم من رأى سحابًا أفرح به، ويحتمل أن يكون "من" منادى مفردًا، وعلى الأول تكون من استفهامية، و "عارضًا" مفعول رأى.

قوله: "أسر به" على صيغة المجهول، وهي جملة في محل النصب؛ لأنها صفة لقوله:"عارضًا"، قوله:"بين": نصب على الظرف، وهو معمول الرؤية دون السرور لفساد المعنى، و "ذراعي": مضاف إلى مقدر، تقديره: بين ذراعي الأسد؛ وجبهة الأسد فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه.

(1)

توضيح المقاصد (2/ 282).

(2)

عجز بيت من بحر المنسرح، وقد ذكر صدوه الشارح ناسيًا البيت للفرزدق؛ كما فعل بعض الشراح؛ لكن البيت ليس في ديوان الفرزدق، طبعاته الأخيرة، دار صادر، ودار الكتب العلمية، وهو في المراجع الآتية: الكتاب لسيبويه (1/ 180)، وابن يعيش (3/ 21)، والمغني (380 - 621)، وشرح شواهد المغني (799)، والمقتضب (4/ 229)، وتخليص الشواهد (87)، والخصائص (2/ 407)، وشرح عمدة الحافظ (502)، واللسان:"بعد"، الخزانة (2/ 319).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1361

والاستشهاد فيه:

وهو أنه فصل بين ذراعي وجبهة الأسد بما ليس بظرف وهو قوله: "وجبهة"، والفصل بدون الظرف لا يجوز، فلذلك قلنا: إن المضاف إليه مقدر في الأول.

ويقال: مذهب سيبويه هاهنا أن المضاف إليه محذوف من الثاني، والمذكور آخرًا هو المضاف إليه الأول، وإنما أُخِّر ليكون كالعوض عن المضاف إليه الثاني؛ إذ لو قدم وقيل: بين ذراعي الأسد وجبهته، لم يكن للثاني مضاف إليه لفظًا، ولا ما يقوم مقامه، فأخر الأول ليكون كالقائم مقامه

(1)

.

‌الشاهد الثامن والسبعون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

إلّا عُلَالةَ أوْ بُدَا

هَةَ سابِحٍ نَهْدِ الجُزَارَهْ

أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، وهو من قصيدة طويلة من الكامل، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

يَا جَارَتَا مَا كنتِ جَارَهْ

بَانَتْ لِتُحْزنُنَا عُفَارهْ

2 -

تُرْضِيِكَ مِنْ حُسنٍ ومِنْ

دَلٍّ مُخَالِطُهُ غَرَارَهْ

(5)

[إلى أن قال]

(6)

.

3 -

وهُناكَ يَكْذِبُ ظنُّكُمْ

أَنْ لا اجتماعَ ولَا زِيارَهْ

(7)

4 -

ولا بَرَاءَةَ للبَرِي

ءِ ولَا عَطَاءَ ولَا خُفَارَهْ

(1)

ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 180)، وابن يعيش (3/ 21).

(2)

ابن الناظم (157).

(3)

البيت من مجزوء الكامل، من قصيدة للأعْشى ميمون بن قيس يهجو فيها شيبان بن شهاب الجحدري؛ لكنه بدأها بالغزل، والتغني بصاحبته عفارة، وسرد ذكريات شبابه معها، وانظر بيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 179)، والمقتضب (4/ 228)، والمقرب (1/ 180)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 114)، وابن يعيش (3/ 22)، والخصائص (2/ 407)، وسر صناعة الإعراب (1/ 298)، والشعر والشعراء (1/ 163)، والخزانة (1/ 172)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (304).

(4)

ديوانه (153) شرح محمد حسين، طبعة المطبعة النموذجية، و (189) بشرح محمد حسين أيضًا طبعة المكتب الشرقي، بيروت.

(5)

روايته في الديوان:

ترضيك من دل ومن

حس مخالطه غراره

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(7)

روايته في الديوان:

وهناك يصدق ظنكم

أن لا اجتماع ولا زياره

ص: 1362

5 -

ولا نُقَاتِلُ بالعصِيِّ

ولا نُرَامِي بالحِجَارَهْ

(1)

6 -

إلّا عُلَالةَ أوْ بُدَا

هَةَ سابِحٍ نَهْدِ الجُزَارَهْ

1 -

قوله: "يا جارتا ما كنت جاره" يعني: آية جارة كنت، وما في موضع نصب؛ كما تقول: يا رجل أي رجل كنت.

2 -

قوله: "غراره": من الغرة.

3 -

قوله: "وهناك يكذب إلخ" يخاطب بها الأعشى شيبان بن شهاب يقول: إذا غزوناكم علمتم أن ظنكم بأننا لا نغزوكم ولا نجتمع ولا نزوركم بالخيل والسلاح كذب.

4 -

قوله: "ولا براءة" يعني: البريء منكم لم تنفعكم براءته؛ لأن الحرب إذا عظمت لحق شرها البريء وغيره، قوله:"ولا عطاء" أي: نحن ننال جماعتكم بما يكرهون ولا نقبل منهم عطاء ولا خفارة [تفتدون بهما منا، وأراد: لا قبول عطاء لكم ولا خفارة]

(2)

"إلا علالة أو بداهة

إلخ".

5 -

قوله: "بالعصي" بكسر العين؛ جمع عصا.

6 -

قوله: "إلا علالة" بضم العين المهملة وتخفيف اللام، وهي بقية جري الفرس، وبقية كل شيء: علالة، قوله:"أو بداهة" بضم الباء الموحدة وتخفيف الدال المهملة، وهي أول جري الفرس.

قوله: "سابح" ويروى: قارح، يقال: فرس قارح؛ من قرح إذا انتهت أسنانه، وإنما تنتهي في خمس سنين؛ لأنه في السنة الأولى حولي ثم جذع ثم ثني ثم رباع ثم قارح، يقال: أجذع المهر وأثنى وأربع وقرح، وهذه وحدها بلا ألف، والفرس قارح، والجمع قرح، والإناث قوارح.

وأما السابح [فهو بالباء الموحدة؛ من سَبْح الفرس وهو جريه، يقال: فرس سابح، ويحتمل أن يكون]

(3)

من ساح الماء يسيح إذا جرى، يشبه به الفرس الشديد الجري.

قوله: "نهد الجزارة" النهد بفتح النون وسكون الهاء وفي آخره دال مهملة، يقال: فرس نهد؛ أي: جسيم مشرق تقول منه: نَهُد الفرسُ بالضم نهودة.

"والجزارة" بضم الجيم وتخفيف الزاي المعجمة وبعد الألف راء مهملة، وهي أطراف البعير اليدان والرجلان والرأس، سميت بذلك لأن الجزار يأخذها فهي جزارته؛ كما يقال: أخذ العامل

(1)

هذا البيت غير موجود بالديوان.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1363

عمالته، فإذا قالوا: فرس نهد الجزارة أو عبل الجزارة، فإنما يراد غلظ اليدين والرجلين وكثرة عصبهما، ولا يدخل الرأس هنا لأن عظم الرأس هجنة في الخيل.

الإعراب:

قوله: "إلا علالة": استثناء من قوله: "ولا عطاء ولا خفارة" استثناء منقطع؛ أي: لا يقبل منكم عطاء ولا خفارة، ولكن نزوركم بالخيل والمضاف إليه فيه محذوف تقديره: إلا علالة سابح لما نذكره الآن -إن شاء الله تعالى- قوله: "أو بداهة سابح": كلام إضافي منصوب لأنه عطف على المستثنى، قوله:"نهد الجزارة": كلام إضافي مجرور؛ لأنه صفة لسابح.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "إلا علالة" أصله: إلا علالة سابح أو بداهته؛ فحذف من الثاني ما تكرر في الأول وهو الهاء؛ كما قال تعالى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} [الفرقان: 41] ثم أخر سابحًا، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بقوله:"أو بداهة"، وهذا مذهب سيبويه في جميع هذا النوع

(1)

.

وقال الفراء وغيره من الكوفيين والبصريين كالمبرد وغيره: أصله: إلا علالة سابح أو بداهة سابح، ثم حذف المضاف إليه من الأول، ولا فصل على هذا الوجه في البيت بين مضاف ولا مضاف إليه.

والمبرد [رحمه الله]

(2)

استشهد بهذا البيت على قوله

(3)

:

يا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ لَا أَبَا لَكُمُ

لا يَكفِينكُمُ في سَوْأَةٍ عُمَرُ

أراد: إلا علالة سابح أو بداهة سابح، ويا تيم عدي تيم عدي

(4)

، وقد قيل: إن في كل من القولين مخالفة للأصل؛ أما المبرد فلأنه حذف من الأول لدلالة الثاني عليه

(5)

، وأما سيبويه فلأنه فصل بين المتضايفين

(6)

، وقال الفراء: والاسمان مضافان معًا إلى سائح أو قارح على الاختلاف في الرواية، وهذا يلزم منه توارد عاملين على معمول واحد

(7)

.

(1)

ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 179).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

البيت من بحر البسيط، وهو لجرير من قصيدة طويلة في ديوانه (209)، ط. دار المعارف، يهجو فيها عمر بن لجأ، وانظر البيت في الكتاب (1/ 53)، والمقتضب (4/ 229).

(4)

قال المبرد في المقتضب (4/ 227 - 230): "في باب الاسمين اللذين لفظهما واحد والآخر منهما مضاف: والأجود: يا تيمُ تيمَ عدي؛ لأنه لا ضرورة ولا حذف ولا إزالة شيء عن موضعه".

(5)

انظر رأى المبرد في المقتضب (4/ 227 - 230)، وكذا في ابن يعيش (3/ 21).

(6)

انظر رأي سيبويه في الكتاب (1/ 53).

(7)

انظر البيت المذكور وكلام الفراء حوله في معاني القرآن (2/ 321، 322).

ص: 1364

‌الشاهد التاسع والسبعون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

يَفرُكْنَ حَبَّ السُّنْبُلِ الكُنَافِجِ

بالْقَاعِ فَرْكَ القُطُنَ المَحَالِجِ

أقول: قائله هو أبو جندل الطهوي، كذا قاله أبو حاتم في كتاب الطير.

وهو من قصيدة جيمية من الرجز المسدس يصف بها الجراد، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

يا رَبُّ رَبَّ القُلُصِ النَّوَاعِجِ

الحُنُفِ الضَّوَابِعِ الضُّماعجِ

2 -

مُعْصَوْصَبَات بذَوي الحَوَائِجِ

اصْبُبْ عَلَى زَرْعِ الخَبِي الوَالِجِ

3 -

بَيْنَ إنَا حيَن الحَصَادِ الهَائِجِ

وبَيَن خُرْفَنْجِ النَّبَاتِ البَاهِجِ

4 -

فيِ غُلْوَاءِ القُصُبِ النَّوَاهِجِ

مِنَ الدَّبَا ذَا طَبَقٍ أفَايِجِ

5 -

مِنْ ثَابِرٍ ونَاقِزٍ ودَارِج

ومُسْتَقِلٍّ فَوْقَ ذَاكَ مَائِجِ

6 -

يَجِنُّ مِنْ مَشَافِرِ الحَنَادِجِ

بَيْنَ تَنَاهِي القُفِّ ذِي الفَوَائِجِ

7 -

يَفرُكْنَ ..................

..................... إلخ

8 -

ثُمَّ يَسِيحُ وهْوَ ذُو مَسَاحِجٍ

قُعْسَ الرِّقَابِ مُشْرِف المَنَاسِجِ

1 -

قوله: "القلص" بضم القاف [واللام]

(4)

؛ جمع قلوص، وهو الفتى من الإبل، و "النواعج" من الإبل، السراع، و "الحنف" بضم الحاء المهملة والنون؛ جمع حنفاء، وهي التي [لها]

(5)

ميل في صدر قدمها، و "الضوابع " بالضاد المعجمة، يقال: ناقة ضابع إذا مدت أضباعها في سيرها، وهي أعضادها، ويجمع على ضوابع على غير قياس؛ كفوارس جمع فارس، و:"الضماعج" بضم الضاد المعجمة، قال ابن دريد: الضمعج والعمضج والضماعج والعماضج: الصلب الشديد

(6)

.

2 -

قوله: "معصوصبات" من اعصوصب اليوم إذا اشتد، وأصله من العصب وهو الطي

(1)

ابن الناظم (158).

(2)

البيتان من بحر الرجز الشطور، وهما من قصيدة ذكرها الشارح وذكر قائلها، وانظر الشاهد في شرح عمدة الحافظ (492)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1134)، وشرح لتسهيل لابن مالك (3/ 278)، واللسان:"حندج - كنفج".

(3)

جندل بن المثنى الطهوي من تميم، شاعر راجز كان معاصرًا للراعي، وكان يهاجيه، والطهوي نسبة إلى جدته طهية، (ت 90 هـ) الأعلام (2/ 140).

(4)

و

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(6)

جمهرة اللغة (485، 1212).

ص: 1365

الشديد، والمعصوب: الشديد اكتناز اللحم، ومنه [قوله

(1)

تعالى]: {يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77]، أي: شديد، والتركيب يدل على ربط شيء بشيء، قوله:"الخبيء" بفتح الخاء المعجمة وكسر الباء الموحدة بعدها همزة، قال الجوهري: الخبء والخبيء: ما خبئ، وخبء الأرض: النبات

(2)

، و"الوالج": صفته؛ من ولج إذا دخل.

3 -

قوله: "بين إنا" بكسر الهمزة وبالنون مقصورًا بمعنى الحين، وأضيف إلى الحين لاختلاف اللفظين، وذلك لأجل التأكيد فافهم، قوله:"الهائج" من هاج النبات هياجًا إذا يبس وأرض هائجة: يبس بقلها واصفر، قوله:"خُرْفَنْج" بضم الخاء المعجمة وسكون الراء وفتح الفاء وسكون النون وفي آخره جيم، يقال: نبت خُرْفَنْج، أي: ناعم غض، وكذلك: خِزفِنْج بكسر الخاء والفاء، وخرفاج بكسر الخاء، وخرافج [بضم الخاء]

(3)

، وخرفج بفتح الخاء والراء وكسر الفاء الكل بمعنى واحد، قوله:"الباهج" من أبهجت الأرض بهج نباتها.

4 -

قوله: "في غُلَوَاء" بضم الغين المعجمة وفتح اللام والواو وبالمد، و "غلواء"[كل]

(4)

شيء: أوله، ومنه: غلواء الشباب وهو سرعته، و "النواهج" جمع ناهج بالنون من نهج الثوب إذا بلي، قال أبو عبيد: هو نهج بكسر الهاء وأنهج الثوب أخذ في البلى.

قوله: "من الدبا" بفتح الدال المهملة والباء الموحدة المخففة وهي صغار الجراد، قوله:"ذا طبق" بفتح الطاء والباء الموحدة وبالقاف، أي: ذا جماعة، يقال: أتانا طبق من الناس، وطبق من الجراد، أي: جماعة، قوله:"أفايج" أراد به: أفاوج، جمع فوج وهو الجماعة.

5 -

قوله: "من ثابر" بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة؛ من المثابرة وهي المواظبة على الشيء، قوله:"وناقز" بالنون والقاف والزاي المعجمة؛ من نقز الظبي إذا وثب، و"دارج": من درج إذا ذهب ومضى، وهذا تقسيم الدبا إلى هذه الأحوال الثلاثة، قوله:"مائج" من ماج يموج [موجًا]

(5)

إذا اضطرب.

6 -

قوله: "يجن" بالجيم والنون؛ من جن الذباب إذا كثر، قوله:"من مشافر الحنادج" المشافر: جمع مضفر، و "الحنادج": العظام من الإبل، قوله:"القُفّ" بضم القاف وتشديد الفاء، وهو ما ارتفع من متن الأرض، وكذلك القفة، والجمع قفاف، و "الفوائج" بالفاء، جمع فائجة وهو متسع ما بين كل مرتفعين من غلظ أو رمل.

7 -

و "الكُنافج" بضم الكاف وتخفيف النون وكسر الفاء، وهو الممتلئ، و"القاع":

(1)

ما بين المعقوفين زيادة للإيضاح.

(2)

الصحاح مادة: "خبأ".

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

و

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1366

المستوي من الأرض، وكذلك القيعة، و "المحالج": جمع محلج -بكسر الميم، وهو الآلة التي يحلج بها القطن.

8 -

قوله: "ثم يسيح": من ساح الظل إذا فاء، قوله:"ذو مساحج": جمع مسحج - بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الحاء المهملة ثم جيم، يقال: حمار مسحج ومسحاج: مكدم، وبعير سحاج: يسحج الأرض بخفه

(1)

.

قوله: "قعس الرقاب" بضم القاف؛ جمع أقس، وهو الذي يميل رأسه وعنقه نحو ظهره، قوله:"مشرف المناسج" أي: عالي المناسج، وهو جمع منسج -بفتح الميم، وهو أسفل الحارك من الحيوان.

الإعراب:

قوله: "يفركن": فعل مضارع، والضمير فيه يرجع إلى الجراد، وهو فاعله، و "حب السنبل": كلام إضافي مفعوله، و "الكنافج" صفة السنبل، قوله:"بالقاع" أي: في القاع، والباء [فيه]

(2)

ظرفية.

قوله: "فرك القطن المحالج" فرك مضاف، والمحالج مضاف إليه، والقطن مفعول به قد فصل بين المضاف والمضاف إليه، وهذا من قبيل قراءة ابن عامر

(3)

: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: 137] بنصب الأولاد

(4)

.

والاستشهاد فيه:

وهو ظاهر، وقد أنشده أبو حاتم في كتاب الطير:

يَفْرُكْنَ حَبَّ السُّنْبُلِ الكُنَافِجِ

بِالْقَاعِ فَرْكَ القُطْنِ بالمَحَالِجِ

بزيادة الباء في قوله: "بالمحالج" فحينئذ لا استشهاد فيه؛ لأن الفرك حينئذ يكون مضافًا إلى القطن؛ من إضافة المصدر إلى مفعوله. فافهم

(5)

.

(1)

في القاموس: مادة: "سحج": حمار مسحج: معضض مكدم، أي: يمض راكبه.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

هو عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة بن عامر (ت 118 هـ)، طبقات القراء (1/ 423) وما بعدها.

(4)

القراءة في البحر المحيط (4/ 229)، ومعجم القراءات (2/ 322).

(5)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 227، 228) وابن يعيش (3/ 22، 23).

ص: 1367

‌الشاهد الثمانون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

وَحَلَقِ المَاذِيِّ والقَوَانِسِ

فَدَاسَهُمْ دَوْسَ الحَصَادِ الدَّائِسِ

أقول: قائله هو عمرو بن كلثوم، وهو من الرجز المسدس.

قوله: "الماذي" والماذية بالذال المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف، وهو من الدروع البيضاء، ويقال: العسل الماذي هو الخالص الصافي؛ شبهت به الدروع الصافية الخالصة من الخبث، وقيل: الماذي نسبة إلى ماذي بن يافث بن نوح عليه الصلاة والسلام.

و"القوانس": جمع قونس بفتح القاف وسكون الواو وفتح النون وفي آخره سين مهملة وهو أعلى البيضة من الحديد، قوله:"فداسهم" من الدوس، "والدائس": فاعل منه.

الإعراب:

ظاهر لأن الظاهر أن قوله: "وحلق الماذي" بالجر؛ عطف على ما ذكر قبله من المجرورات من آلات الحرب، و "القوانس": عطف عليه، وقوله:"فداسهم": جملة من الفعل والفاعل -وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى المذكور فيما قبله- والمفعول.

والاستشهاد فيه:

في قوله: "دوس الحصاد الدائس" فإن الحصاد منصوب؛ لأنه مفعول به وقع بين المضاف وهو الدوس، والمضاف إليه وهو الدائس، والدوس منصوب؛ لأنه مفعول مطلق لقوله:"فداسهم"، والتقدير: كدوس الدائس الحصاد

(3)

.

‌الشاهد الحادي والثمانون بعد الستمائة

(4)

،

(5)

يَطُفْنَ بِحُوزِيّ المَرَاتِعَ لَمْ تَرْعَ

بوَادِيهِ منْ قَرْعِ القِسيّ الكنَائِنِ

أقول: قائله هو الطرماح بن حكيم الطائي، وهو من قصيدة نونية من الطويل، وأولها هو

(1)

ابن الناظم (158).

(2)

البيتان من بحر الرجز المشطور، وقد نسبا لعمرو بن كلثوم، وليسا في ديوانه، وهما في شرح التسهيل لابن مالك (3/ 278)، وشرح الأشموني (2/ 276)، وينظر المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1181).

(3)

ينظر شرح الأشموني (2/ 276)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 278).

(4)

ابن الناظم (158).

(5)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيدة للطرماح بن حكيم في ديوانه (473)، تحقيق: د. عزة حسن، وانظر الشاهد أيضًا في شرح التصريح (2/ 57)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 277).

ص: 1368

قوله

(1)

:

1 -

أسَاءَكَ تَفْويضُ الخَلِيطِ المبايِنِ

نَعَمْ والنَّوَى قَطَّاعَةٌ للقَرَائِنِ

[وقبله هو قوله:

2 -

يُخَافِتَنْ بعْضَ المَضْغِ مِنْ خَشْيَةِ الرَّدَى

ويُنْصِتْنَ للسَّمْعِ انتصَات القَنَاقِنِ

2 -

"القناقن": جمع قِنْقِن بقافين مكسورتين بينهما نون ساكنة، وهو الرجل الماهر المهندس الذي يعرف الماء تحت الأرض. قاله الأزهري

(2)

، وقال أبو عبيد: أنصته وانتصت له بمعنى واحد، وقال الأزهري: نصت وانتصت بمعنى واحد

(3)

، يصف الطرماح بهذه الأبيات بقر الوحش]

(4)

.

3 -

قوله: "بحوزي المراتع" الحوزي بضم الحاء المهملة وكسر الزاي المعجمة، قال ابن فارس: الحوزي من الناس: الذي ينحاز عنهم ويعتزلهم

(5)

، قال الصاغاني: الحوزي: الرجل الذي له أبدا من عقله ورأيه مذخور، [قال العجاج يصف ثورًا يطعن الكلاب

(6)

:

يَحُوزُهَا وَهْوَ لَهَا حُوزِيّ

أي: يغلبهم بالهوينى، ويجوز يطعن -بفتح الياء، وتكون الباء في:"بحوزي" حينئذ للمصاحبة أي: تطوف هذه البقر المراتع بمصاحبة الحوزي الذي يحميهن]

(7)

، ولكن المراد بالحوزي هاهنا الثور الذي يجعله بقر الوحش رأسًا لهن يتبعنه في المرعى ومورد الماء، وهو الذي يحوشهن ويحوزهن ويحميهن عمن يقصدهن من بني آدم وغيرهم.

و"المراتع": مواضع الرتع؛ من رتع إذا أكل ما شاء، قوله:"لم ترع": من الروع وهو الخوف والفزع، وأراد "بالوادي": البوادر، قوله:"من قرع القسي": من قرعت الشيء إذا ضربته.

و"القسي": جمع قوس، ووزنه فليع، وأصله: قووس على وزن فعول، فقدمت اللام على العين [فصارت]

(8)

قسوو على وزن فلوع، ثم [قلبت]

(9)

الواو ياء، وكسرت السين؛ كما

(1)

انظر القصيدة كلها في ديوان الطرماح بن حكيم (473)، تحقيق: د. عزة حسن، طبعة وزارة الثقافة بدمشق (1968 م).

(2)

انظر تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري (8/ 293)، مادة "قن" تحقيق: البردوني.

(3)

انظر تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري (12/ 155) مادة: "نصت" تحقيق: البردوني.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

مجمل اللغة لابن فارس (2/ 117).

(6)

بيت من أرجوزة طويلة للعجاج بن رؤبة في ديوانه (332)، تحقق: د. عزة حسين، دار الشروق، بيروت.

(7)

و

(8)

و

(9)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1369

فعل كذلك في عصي، ثم كسرت القاف -أيضًا- للمتابعة، و"الكنائن": جمع [كنانة]

(1)

، وهي الجعبة التي يجعل فيها السهام.

الإعراب:

قوله: "يُطفن" بضم الياء؛ من أطاف به إذا ألم به وقاربه، وهي جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى بقر الوحش، وقوله:"بحوزي" صلته، و "يطفن": بفتح الياء؛ من الطواف، وتكون الباء في بحوزي حينئذ للمصاحبة؛ أي: تطوف هذه البقر المراتع بمصاحبة الحوزي الذي يحميهن.

وقوله: "المراتع" بالنصب مفعول، والمعنى: يطوف بقر الوحش بالثور المراتع كما ذكرنا، قوله:"لم يُرَعْ" على صيغة المجهول، و "بواديه": كلام إضافي مفعوله الذي ناب عن الفاعل، والضمير فيه يرجع إلى الحوزي، والجملة في موضع النصب على الحال.

والمضارع المنفي إذا وقع حالًا يجوز فيه الواو والضمير معًا نحو: جاء زيد وما يضحك غلامه، ويجوز الواو وحده نحو: جاء زيد وما يضحك عمرو، ويجوز الضمير وحده نحو: جاء زيد ما يضحك غلامه، فهذه ثلاثة أوجه كما عرف في موضعه

(2)

.

قوله: "من قرع" متعلق بقوله: لم يرع، والقرْع مصدر، وقوله:"الكنائن" فاعله جر بالإضافة، و "القسي" بالنصب مفعوله.

والاستشهاد فيه:

حيث فصل بين المصدر المضاف وفاعله المضاف إليه بالمفعول وهو قوله: "القسي"

(3)

.

‌الشاهد الثاني والثمانون بعد الستمائة

(4)

،

(5)

عَتَوْا إِذْ أَجَبْنَاهُمْ إلى السَّلْمِ رَأْقَةً

فسُقْنَاهُمُ سَوْقَ البُغَاثَ الأجادِل

ومَن يُلْغِ أَعْقَابَ الأُمُورِ فَإِنَّهُ

جَدِيرٌ بهُلك آجِلٍ أو مُعَاجِل

أقول: لم أقف على اسم قائلهما، وهما من الطويل.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في اقتران المضارع بالواو في الوجه الأول والثاني خلاف، انظر الموضع السابع من مواضع امتناع الواو في جملة الحال في الأشموني (2/ 189).

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 277).

(4)

ابن الناظم (158)، وأوضح المسالك (2/ 226).

(5)

البيتان من بحر الطويل، وهما في الفخر بالشجاعة، والبيت الثاني حكمة، وهما لقائل مجهول، وانظرهما في شرح: =

ص: 1370

1 -

قوله: "عَتَوْا": من عتى يعتو، قال أبو عبيدة: كل مبالغ من كبر أو فساد أو كفر فقد عتى يعتو عتيًّا، قوله:"إلى السلم" بكسر السين؛ أي: إلى الصلح، و"البغاث" بتثليث الباء الموحدة والغين المعجمة وفي آخره ثاء مثلثة، وهو طائر ضعيف يُصاد ولا يصطاد، و "الأجادل": جمع أجدل وهو الشقراق، وقال الجوهري: الأجدل: الصقر

(1)

.

2 -

قوله: "جدير" أي: لائق، قوله:"بُهلك"[بضم الهاء]

(2)

أي: بهلاك.

الإعراب:

قوله: "عَتَوْا": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه، قوله:"إذ": ظرف بمعنى حين أضيف إلى الجملة - أعني: "أجبناهم"، و "إلى السلم" يتعلق بها.

قوله: "رأفة": نصب على التعليل، أي: لأجل الرأفة والشفقة، قوله:"فسقناهم": عطف على قوله: "عتوا" والفاء للسببية لأن عتوهم كان سببًا لسوقهم إياهم.

قوله: "سوق" نصب لأنه مفعول مطلق وهو مضاف إلى الأجادل، و "الأجادل" مجرور بالإضافة، و "البغاث" نصب على أنه مفعول، ولكنه فصل به بين المضاف والمضاف إليه.

قوله: "ومن": شرطية، وقوله:"يلغ": من الإلغاء مجزوم لأنه فعل الشرط، و "أعقاب الأمور": كلام إضافي مفعول يلغ، قوله:"فإنه": جواب الشرط، والضمير اسم إن، وخبره قوله:"جدير بهلك": يتعلق به، قوله:"آجل" بالجر صفة لقوله: "بهلك"، وقوله:"أو معاجل": عطف عليه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "سوق البغاث الأجادل" فإن البغاث كما ذكرنا مفعول، وقد وقع فصلًا بين المضاف -أعني:"سوق"، والمضاف إليه- أعني:"الأجادل" فافهم.

‌الشاهد الثالث والثمانون بعد الستمائة

(3)

،

(4)

لَئِنْ كَانَ النِّكَاحُ أَحَلَّ شيء

فإِنَّ نِكَاحَهَا مَطَرٍ حَرَامُ

أقول: قائله هو الأحوص، واسمه محمد بن عبد الله بن عاصم الأنصاري، وهو من قصيدة

= عمدة الحافظ (491)، وقد نسبا فيه لبعض الطائيين، وانظر أيضًا شرح التصريح (2/ 57)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (771).

(1)

الصحاح مادة: "جدل".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ابن الناظم (158)، وأوضح المسالك (2/ 234).

(4)

البيت من بحر الوافر، وهو من قصيدة للأحوص، يهجو رجلًا قبيحًا تزوج امرأة جميلة، وانظر الديوان (147) =

ص: 1371

ميمية، منها قوله

(1)

:

سلامُ الله يا مطَرٌ عليها

وَليسَ عليكَ يا مطرُ السلامُ

وقد ذكرناها في شواهد الكلام في أول الكتاب، و"مطر": اسم رجل هنا، وكان أقبح الناس، وكانت له امرأة من أجمل النساء، وكانت تريد فراقه ولا يرضى مطر بذلك، وأنشد الأحوص هذه القصيدة يصف بها أحوالهما.

[الإعراب]

(2)

:

قوله: "لئن كان" ويروى: "فإن يكن": إن حرف شرط، واللام فيه للتأكيد، و "كان النكاح": جملة من الفعل والفاعل وقعت فعل الشرط، وقوله:"فإن نكاحها": جواب الشرط، وكان ناقصة، والنكاح اسمه، و"أحل شيء": كلام إضافي خبره.

وقوله: "نكاحها": اسم إن، وهو مصدر مضاف إلى مفعوله أو فاعله، و "حرام" بالرفع خبر إن، وقوله:"مطر" يروى بالحركات الثلاث: الخفض فيكون فصلًا بين المتضايفين بمضمر الفاعل أو المفعول؛ فإنه يقال: نكحته ونكحها، قال الله تعالى:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. والرفع فلا فصل بين المتضايفين، ولكن يكون المصدر مضافًا إلى المفعول، ويكون:"مطر" فاعله، والنصب عكس ذلك.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مطر" إذا روي بالجر، فإنه يكون فصلًا بين المتضايفين؛ كما قلنا، وهذا ليس بضرورة، فإنه يمكنه أن يقول: فإن نكاحها مطرٌ بالرفع، أو مطرًا بالنصب

(3)

.

‌الشاهد الرابع والثمانون بعد الستمائة

(4)

،

(5)

فَزَجَجْتُهَا بِمِزَجَّةٍ

زَجَّ القَلُوصَ أَبِي مَزَادَةَ

أقول: أنشد الأخفش هذا البيت ولم يعزه إلى أحد، وهو من الكامل.

= سلسة شعراؤنا، والأغاني (15/ 234)، والخزانة (2/ 151)، وشرح شواهد المغني (767)، وشرح التصريح (2/ 59)، والمغني (672)، وروايته في الديوان:

فإن يكن النكاح أحل شيئًا

.............................

(1)

ينظر الشاهد رقم (9) من شواهد هذا الكتاب (الجزء الأول).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 278).

(4)

ابن الناظم (158).

(5)

البيت من مجزوء الكامل، لم ينسب في مراجعه، وانظره في الكتاب لسيبويه (1/ 176)، ومجالس ثعلب: =

ص: 1372

قوله: "فزججتها" بالزاي المعجمة وبالجيمين، يقال: زججت الرجل أزجه زجًّا فهو مزجوج إذا طعنته بالزج، قوله:"بمزجة" بكسر الميم وفتح الزاي وتشديد الجيم وهو رمح قصير كالمزارق، والناس يلحنون فيها فيفتحون ميمها، قوله:"القلوص" بفتح القاف الشابة من النوق كالفتى من الرجال، و "أبو مزادة": كنية رجل.

الإعراب:

قوله: "فزججتها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو الضمير الراجع إلى الناقة المذكورة فيما قبله، والأظهر أن الضمير يرجع إلى المرأة؛ لأنه يخبر أنه زج امرأة بالمزجة كما زج أبو مزادة القلوص، والباء في:"بمزجة" للاستعانة؛ كالباء في: كتبت بالقلم [أي هي باء الآلة]

(1)

.

قوله: "زج": نصب بنزع الخافض؛ أي: زججتها زجًّا كزج أبي مزادة القلوصَ، و "القلوص": منصوب على أنه مفعول، ولكنه اعترض بين المصدر المضاف وبين فاعله؛ لأن قوله:"زج" مضاف إلى أبي مزادة.

والاستشهاد فيه:

حيث فصل بالقلوص بين المضاف، وهو "زج"، والمضاف إليه وهو "أبي مزادة"، وقال الزمخشري

(2)

: سيبويه بريء من إجازة مثل هذا، وليس لقائله في هذا عذر إلا مس الضرورة لإقامة الوزن

(3)

، ووجهه: أن يجر القلوص على الإضافة، ويقدر مضاف إلى أبي مزادة [محذوف]

(4)

بدلًا عن القلوص، تقديره: زج القلوص قلوص أبي مزادة فافهم.

= (152)، والمقرب (1/ 54)، الإنصاف (427)، وتخليص الشواهد (82)، والخزانة (4/ 415)، والخصائص (2/ 406)، وابن يعيش (3/ 189).

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ): ويوجد في هامش النسخة (ب).

(2)

انظر نصه في المفصل (102)، قال المعلق:"وذلك لأن سيبويه لا يرى الفصل بغير الظرف والجار والمجرور، فكيف يحتج بما خالف مذهبه، ثم قال: "وهو من زيادات الأخفش في هوامش كتاب سيبويه فأدخله بعض الناس فيه"، وانظر القضية كلها في هامش كتاب سيبويه (1/ 176)، وكذلك شرح ابن يعيش (9/ 13 - 23)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 278).

(3)

ليست الضرورة هي التي جعلته يفصل؛ لأنه يجوز إضافة زج إلى القلوص، ورفع أبي مزادة فاعلًا، وقد أجاز هو جره بدلًا مما قبله على الجر فيهما.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1373

‌الشاهد الخامس والثمانون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

مَا زَال يُوقِنُ مَنْ يَؤُمُّكَ بِالْغنَى

وَسِوَاكَ مَانِعُ فَضْلَهُ المُحْتَاجِ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل

(3)

.

قوله: "من يؤمك" أي: من يقصدك.

الإعراب:

قوله: "ما زال": من الأفعال الناقصة، وقوله:"من يؤمك": اسمه، ومن موصولة، "ويؤمك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول صلتها، وقوله:"يوقن": خبر ما زال مقدمًا، و"بالغنى": يتعلق به، قوله:"سواك" كلام إضافي مبتدأ، وقوله:"مانع" خبره وهو مضاف إلى المحتاج، وقوله:"فضله" كلام إضافي فاصل بينهما.

والاستشهاد فيه:

فإن قوله: "فضله" منصوب على المفعولية، فصل به بين المضاف وهو "مانع"، وبين المضاف إليه وهو المحتاج

(4)

.

‌الشاهد السادس والثمانون بعد الستمائة

(5)

،

(6)

كَمَا خُطَّ الكتابُ بكفِّ يومًا

يهوديٍّ يُقاربُ أو يُزِيلُ

أقول: قائله هو أبو حية النميري، وبعده:

2 -

علَى أن المَصِيرَ بِهَا إذَا مَا

أعادَ الطرفَ يعْجمُ أو يقِيلُ

(1)

ابن الناظم (158)، وأوضح المسالك (2/ 228).

(2)

البيت من بحر الكامل، وهو لم ينسب لقائل، وهو في المدح، وانظره في شرح عمدة الحافظ (493)، وشرح التصريح (2/ 58)، وشرح الأشموني (2/ 276) والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (156).

(3)

في (أ، ب): من الوافر.

(4)

ينظر ما قيل في ذلك في شرح التسهيل لابن مالك (3/ 278).

(5)

ابن الناظم (158) توضيح المقاصد (2/ 290)، وأوضح المسالك (2/ 32)، وشرح ابن عقيل (3/ 83)"صبيح".

(6)

البيت من بحر الوافر، وهو لأبي حية النميري؛ كما في مراجعه يصف أطلالًا وديارًا دارسة، وانظر بيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 179)، والمقتضب (4/ 377)، والخصائص (2/ 405)، ورصف المباني (65)، وشرح عمدة الحافظ (495)، وابن يعيش (1/ 103)، والإنصاف (432)، والخزانة (4/ 219)، والدرر (5/ 45)، وشرح التصريح (2/ 59)، وشرح شواهد المغني (2/ 52).

ص: 1374

وهما من الوافر.

قوله: "كما خط الكتاب" ويروى: كتحبير الكتاب، قوله:"يقارب" أي: اليهودي الخطَ؛ يعني: يقارب بعض خطه من بعض أو يزيل، أي: أو يقرب فيما بينه ويباعد، يقال: زلت الشيء أزيله زيلًا إذا ميزت بعضه من بعض، وفرقته، وزيلته فتزيل، وصف رسوم الدار تشبيهًا بالكتاب في الاستدلال بها، وخصَّ اليهود لأنهم أهل كتاب، وجعل كتابته بعضها تتقارب من بعض، وبعضها يفترق كما ذكرنا.

2 -

قوله: "يعجم" أي: يقرب أو يشك، يقال: رأيت فلانًا فجعلت عيني تعجمه، أي: كأنها تعرفه ولا تمضي على معرفته؛ كذا قاله ابن سيده ثم أنشد البيت المذكور

(1)

.

الإعراب:

قوله: "كما" الكاف للتشبيه وما مصدرية، و "خط" على صيغة المجهول مسند إلى قوله:"الكتاب"، والتقدير: كخط الكتاب، وهو في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: رسم هذه الدار كخط الكتاب، قوله:"بكف": جار ومجرور يتعلق بقوله: "خط"، وهو مضاف إلى قوله:"يهودي"، وقد فصل بينهما بالظرف وهو قوله:"يومًا".

قوله: "يقارب": جملة من الفعل والفاعل في محل الجر صفة ليهودي، قوله:"أو يزيل": عطف عليه، وهي -أيضًا- في محل الجر على أنها صفة ليهودي.

والاستشهاد فيه:

في قوله: "يومًا" فإنه نصب على الظرف بقوله: "خُط"، وقد فصل به بين المضاف وهو "بكف"، والمضاف إليه وهو "يهودي"، والحال أنه أجنبي؛ فلا يجوز ذلك إلا في الضرورة

(2)

.

‌الشاهد السابع والثمانون بعد الستمائة

(3)

،

(4)

هما أَخَوَا في الحربِ مَنْ لَا أَخا لهُ

إذا خَافَ يَوْمًا نَبْوَةً فَدَعَاهُمَا

أقول: قائلته هي عمرة الخثعمية، ترثي ابنيها؛ كذا قال في الحماسة، وقال الزمخشري: قالته درنى بنت عبعبة.

(1)

انظر لسان العرب، وتاج العروس مادة:"عجم"، ولم نعثر عليه في مؤلفات ابن سيده التي بين أيدينا.

(2)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 277، 278).

(3)

ابن الناظم (158)، وتوضيح المقاصد (2/ 291).

(4)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة في الرثاء لعمرة الخثعمية ترثي ابنيها، وانظر بيت الشاهد في الكتاب لسيبويه =

ص: 1375

وهي من قصيدة ميمية من الطويل، وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

لقد زعمُوا أَنِّي جَزِعْتُ عليهِمَا

وهلْ جَزَعٌ إِنْ قُلْتُ وَا بأَبَا هُمَا

2 -

هما أخوا ............

........................ إلخ

3 -

هُمَا يَلْبَسَانِ المَجْدَ أَحْسَنَ لِبْسَةً

شَحِيحَانِ ما اسْطَاعَا عَلَيهِ كِلاهُمَا

4 -

شِهَابَانِ مِنَّا أُوقِدَا ثُمَّ أُخْمِدَا

وَكَانَ سَنًا لِلْمُدْلِجِينَ سناهما

5 -

إذا نَزَلَا الأرْضَ المَخُوفَ بِهَا الرَّدَى

يُخَفِّضُ مِنْ جَأْشَيْهِمَا مُنْصَلاهُمَا

6 -

إذَا اسْتَغْنَيَا حَبَّ الجَمِيعُ إليهِمَا

ولَمْ يَنْأَ عَنْ نَقْعِ الصَّدِيقِ غِنَاهُمَا

7 -

إذا افْتَقَرَا لَمْ يَجْثُمَا خَشْيَةَ الرّدَى

ولَمْ يَخْشَ زُرْءًا منهُمَا مولياهما

8 -

لقد سَاءَنِي أنْ عَنَسَتْ زَوْجَتَاهُمَا

وإنْ عُرِّيَتْ بعدَ الوَجَى فَرَسَاهُمَا

9 -

وإنْ يَلْبَثْ العَرْشَانِ يُسْتَلُّ مِنهُمَا

خِيَارُ الأواسِي أنْ يَمِيلَ غَمَاهُمَا

1 -

قولها: "لقد زعموا" زعم يستعمل كثيرًا فيما لا حقيقة له، قولها:"وا": حرف الندبة للتألم والتشكي، قولها:"بأبا هما" أصله: بأبي هما، فهرب من الكسرة وبعدها ياء إلى الفتحة فانقلبت ألفًا.

2 -

قولها: "نبوة" بفتح النون وسكون الباء الموحدة؛ من نبا السيف إذا لم يعمل في الضربة.

5 -

قولها: "منصلاهما": تثنية منصل وهو السيف.

قولها: "زُرْءًا" بضم الزاي وسكون الراء وفي آخره همزة، وهو الاحتقار، ومنه الازدراء.

8 -

قولها: "عنست" من التعنيس، وهو طول مكث الجارية في منزل أهلها بعد الإدراك حتى خرجت من حد الإبكار، و "الوجى" بالجيم من وجي الفرس بالكسر، وهو أن يجد وجعًا في حافره.

9 -

قولها: "الأواسي": جمع آسية، وهي الطيبة؛ من الأسى وهو الطب.

= (1/ 180)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 218)، ونوادر أبي زيد (1150)، والخصائص (1/ 165)، وابن يعيش (3/ 21)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 52)، والإنصاف (434)، والدرر (5/ 45)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1083).

(1)

انظر الأبيات المذكورة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1082)، الجزء الثالث.

ص: 1376

الإعراب:

قولها: "هما": مبتدأ، وأرادت بهما عمرةُ ابنيها، وقولها:"أخوا": خبره، وهو مضاف إلى قولها:"من لا أخا له"، وقولها:"في الحرب": جار ومجرور فصل به بين المضاف والمضاف إليه، وكلمة "من" موصولة، وقولها:"لا أخا له" صلته.

قولها: "إذا" للشرط، وقولها:"خاف يومًا": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى مَنْ، وقعت فعل الشرط، وقولها:"يومًا": نصب على الظرف، و"نبوة": نصب على أنه مفعول خاف، وقولها:"فدعاهما": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت جواب الشرط

(1)

.

الاستشهاد فيه:

في قولها: "أخوا [في الحرب من لا أخا له] حيث فصل بالأجنبي بين المضاف -أعني قوله: "أخوا"،

(2)

وبين المضاف إليه - أعني قولها: "من لا أخا له" كما ذكرنا

(3)

.

‌الشاهد الثامن والثمانون بعد الستمائة

(4)

،

(5)

تَسْقِي امْتيَاحًا نَدَى المِسْوَاكَ رِيقَتِهَا

كمَا تَضَمَّنَ ماءَ المُزْنَةِ الرَّصَفُ

أقول: قائله هو جرير [بن عطية] الخطفي، وهو من قصيدة طويلة من البسيط يمدح بها يزيد بن عبد الملك بن مروان ويهجو آل المهلب، وأولها هو قوله

(6)

:

1 -

انْظُرْ خَلِيلِي بِأَعْلَى ثَرْمَدَاءَ ضُحًى

والعِيسُ جَائِلَةٌ أَغْرَاضُهَا خنُفُ 2 - استقبَلَ الحيُّ بَطْنَ السِّرِّ أَمْ عَسَفُوا

فالقَلْبُ فِيهِمْ رَهِينٌ أَيْنَما انْصَرفُوا

(1)

علق عليه الدكتور سيد تقي الدين فقال (99): "ليست جملة فدعاهما جواب الشرط، وإنما هي معطوفة على جملة خاف، أما جواب الشرط فمحذوف دل عليه الشطر الأول من البيت، والتقدير: إذا خاف يومًا نبوة فدعاهما فهما أخوا في الحرب من لا أخا له".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 180).

(4)

ابن الناظم (159)، وتوضيح المقاصد (2/ 290)، وأوضح المسالك (2/ 231).

(5)

البيت من بحر البسيط، وهو من قصيدة لجرير يمدح بها يزيد بن عبد المللك، ويهجو فيها آل المهلب، وقد بدأها بالغزل، وبيت الشاهد في وصفهما، وانظر الشاهد رقم (171) من الديوان، ط. دار المعارف، وأيضًا في شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 277)، وشرح التصريح (2/ 58)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 52)، والدرر (5/ 44)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (570).

(6)

ديوان جرير (1/ 168)، ط. دار المعارف، بتحقيق: د. النعمان طه، و (304) ط. دار صادر.

ص: 1377

[إلى أن قال]

(1)

.

3 -

مَا اسْتَوْصَفَ النَّاسُ عَنْ شَيْءٍ يَرُوقُهُمُ

إلَّا أَرَى أُمَّ عَمْرٍو فوقَ مَا وَصَفُوا

4 -

كأنها مُزْنَةٌ غَراءُ واضِحَةٌ

أوْ دُرَّةٌ لا يُوَارِي ضَوْءَهَا الصَّدَفُ

5 -

مَكسُوَّةٌ البَدْنِ في لُبٍّ يُزَيِّنُهَا

وفي المناصبِ مِنْ أَنْيَابِهَا عَجَفُ

6 -

تسقي .............

......................... إلخ

1 -

قوله: "ثرمداء" اسم موضع، و:"العيس" بالكسر الإبل البيض يخالط بياضها شيء من الشقرة واحدها أعيس والأنثى عيساء، قوله:"خنف" بضمتين [جمع أخنف]

(2)

من الخنف وهو الاعوجاج في الرجل.

4 -

و: "المزنة" السحابة البيضاء، و:"الغراء" البيضاء، قوله:"لا يواري" أي لا يستر من المواراة، وقوله:"الصدف" جمع صدفة وهي غشاء الدر.

5 -

قوله: "في لب" بضم اللام وتشديد الباء ولب كل شيء خالصه، و:"العجف" بالتحريك الهزال.

6 -

قوله: "امتياحًا" من ماح فاه بالسواك يميح إذا استاك، و:"الندا" بفتح النون البلل من النداوة، و:"المزنة" السحابة كما قد ذكرنا الآن، و:"الرصف" بفتح الراء والصاد المهملتين جمع رصفة، وهي حجارة مرصوف بعضها إلى بعض [قال العجاج

(3)

:

.............................. .... مِنْ رَصَفٍ نَازَعَ سَيْلًا رَصَفًا

(4)

]

يقال: مزج هذا الشراب من ماء رصف نازح رصفًا آخر؛ لأنه أصفى له وأرق.

الإعراب:

[قوله: "]

(5)

تسقي" جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه وهو: "هي" الذي يرجع إلى أم عمرو المذكورة في الأبيات [السابقة]

(6)

، وقوله:"ندى" مضاف إلى قوله: "ريقتها" وهو كلام إضافي مفعول لتسقي، وقوله:"المسواك" فصل به بين المضاف والمضاف إليه، ونصب على أنه مفعول ثان لتسقي.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

البيت من بحر الرجز للعجاج، وقد أتى به الشارح للدلالة على بيان المعنى المراد.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب، أ): وقد استكملناه من النسخة المحققة حديثًا (2/ 579).

(5)

و

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1378

وقوله: "امتياحًا": نصب على الحال؛ أي: تسقي ندى ريقتها المسواك حال كونها ممتاحة [أي: متسوكة]

(1)

أو يكون منصوبًا بنزع الخافض، أي: عند الامتياح، ويجوز أن يكون فاعل تسقي. قوله:"ندى ريقتها"، و"المسواك" مفعوله الأول، وقوله:"امتياحًا" مفعولًا ثانيًا، ويكون الامتياح الريق الحاصل من فمها؛ لأن الامتياح هو أخذ الماء من البئر، قوله:"كما" الكاف للتشبيه وما مصدرية، و "تضمن": فعل، و "الرصف": فاعله، و "ماء المزنة": كلام إضافي مفعوله، والتقدير: كتضمن الرصف ماء المزنة وهو المطر.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "المسواك" فإنه منصوب على المفعولية، فصل به بين المضاف وهو قوله:"ندى" وبين المضاف إليه، وهو "ريقتها"، والتقدير: تسقي ندى ريقتها المسواك

(2)

.

‌الشاهد التاسع والثمانون بعد الستمائة

(3)

،

(4)

أَنْجَبَ أَيَّامَ وَالِدَاهُ بِهِ

إِذْ نَجَلَاهُ فَنِعْمَ مَا نَجَلَا

أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس يمدح به سلامة ذا فايش.

قوله: "أنجب أيام والداه"، ويروى:"أزمان والداه"، ويروى:"أنجب أيام والديه به"، قوله:"أنجب": من أنجب الرجل إذا ولد نجيبًا، قوله:"إذ نجلاه" بالنون والجيم؛ أي: إذ نسلاه؛ من النجل وهو النسل، ونجله أبوه؛ أي: ولده، قوله:"فنعم ما نجلا" أي: فنعم ما ولدا؛ يعني: أبوي سلامة قد ولدا ولدًا كريمًا.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 278).

(3)

ابن الناظم (159)، وتوضيح المقاصد (2/ 292)، وأوضح المسالك (2/ 230).

(4)

البيت من بحر المنسرح، ولم يشر العيني إلى بحره العروضي، وهو من قصيدة طويلة للأعشى يمدح بها سلامة ذا فايش، وأولها شاهد في النحو على حذف خبر إن، وهو قوله:

إن محلًّا وإن مرتحلًا

..................................

ومما قاله:

يا خير من يركب المطي ولا

يشرب كأسًا بكف من بخلا

وانظر بيت الشاهد في المحتسب (1/ 152)، وشرح عمدة الحافظ (494)، ومجالس ثعلب (96)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 53)، والدرر (5/ 49)، واللسان:"نجل"، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (648)، وروايته في الديوان ط. دار الكاتب العربي أولى (1968)، بشرح إبراهيم جزيني (172)، وط. المكتب الشرقي بيروت (271)، تحقيق: د. محمد محمد حسين.

أنجب أيام والديه به

إذ نجلاه فنعم ما نجلا

ص: 1379

الإعراب:

قوله: "أنجب": فعل ماض، وفاعله قوله:"والداه"، قوله:"أيام": نصب على الظرف، فصل به بين الفعل والفاعل، قوله:"به" أي: بسلامة، قوله:"إذ": بمعنى حين، و "نجلاه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، والضمير المنصوب فيه ورجع إلى سلامة.

قوله: "فنعم": من أفعال المدح، و "ما نجلا": فاعله، والمخصوص بالمدح محذوف، والتقدير: فنعم ما نجلاه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أيام" فإنه ظرف فصل به بين الفعل وهو قوله: "أنجب" وفاعله وهو قوله: "والداه"؛ إذ التقدير: أنجب والداه به أيام إذ نجلاه

(1)

.

‌الشاهد التسعون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

نَجَوْتُ وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيْفَهُ

مِنْ ابْنِ أبي شَيْخِ الأَبَاطِحِ طالِبِ

أقول: قائله هو معاوية بن أبي سفيان [رضي الله عنهما]،

(4)

، قال ذلك لما اتفق ثلاثة من الخوارج، وهم عبد الرحمن بن عمرو، المعروف بابن ملجم المرادي، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكر التميمي -أيضًا- على قتل علي بن أبي طالب [-كرم الله وجهه-]

(5)

ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، فقال المرادي: أنا أكفيكم علي بن أبي طالب [كرم الله وجهه]

(6)

، وقال البرك: أنا أكفيكم معاوية، وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاهدوا على ذلك فأخذوا أسيافهم فسموها، واتعدوا لسبعة عشر من رمضان أن يبيت كل واحد منهم في [بلد]

(7)

صاحبه الذي هو فيه.

فأما ابن ملجم فإنه سار إلى الكوفة، وبرك سار إلى دمشق، وعمرو بن بكر سار إلى مصر، فلما دخل السابع عشر من رمضان نهض المرادي وقتل عليًّا رضي الله عنه حين خرج إلى المسجد، وجعل

(1)

ينظر شرح عمدة الحافظ (494)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 53).

(2)

ابن الناظم (159)، وتوضيح المقاصد (2/ 293)، وأوضح المسالك (2/ 235)، وشرح ابن عقيل (3/ 84).

(3)

البيت من بحر الطويل، نسب في مراجعه إلى معاوية الخليفة عندما نجا من القتل ليصير بعد ذلك خليفة للمسلمين، وانظره في الأشموني (2/ 190، 278)، والتصريح (2/ 59)، والهمع (2/ 52).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

و

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(7)

زيادة للإصلاح.

ص: 1380

ينهض الناس من النوم.

وأما البرك فإنه حمل على معاوية وهو خارج إلى صلاة الفجر في هذا اليوم فضربه بالسيف فمسك وقُتل، وداوى معاوية جرحه فبرأ.

وأما عمرو بن بكر فإنه لما كمن لعمرو بن العاص ليخرج إلى الصلاة، فاتفق أن عرض لعمرو بن العاص مغص شديد في ذلك اليوم؛ فلم يخرج إلا نائبه إلى الصلاة، وهو خارجة بن حبيبة، وكان على شرطة عمرو فحمل عليه فقتله، وهو يعتقده عمرو بن العاص رضي الله عنه، فلما أُخِذَ قال: أردت عمرًا، وأراد الله خارجةَ، ثم ضُرِبَ عنُقه، ثم قال معاوية هذا البيت:

نَجَوْتُ وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيْفَهُ

..........................

أراد به عبد الرحمن بن ملجم - لعنه الله تعالى، وأراد من ابن أبي شيخ الأباطح طالب علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

الإعراب:

قوله: "نجوت": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"وقد بلَّ المرادي": جملة فعلية وقعت حالًا؛ فلذلك ذكرت بقد، قوله:"من ابن": جار ومجرور يتعلق ببلَّ، وقوله:"أبي": مضاف إلى قوله: "طالب"، وقوله:"شيخ الأباطح": فصل به بين المضاف والمضاف إليه.

والاستشهاد فيه:

إذ التقدير: من ابن أبي طالب شيخ الأباطح؛ فوصف المضاف قبل ذكر المضاف إليه، و "الأباطح": جمع أبطح، وهو في الأصل مسيل ماء فيه دقاق الحصى، وأراد به شيخ مكة شرَّفها الله تعالى، فإن أبا طالب من أعيان أهل مكة وأشرافها

(1)

.

‌الشاهد الحادي والتسعون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

كَأَنَّ بِرْذَوْنَ أَبَا عِصَامِ

زَيْدٍ حِمَارٌ دُقَّ بِاللِّجَامِ

أقول: لم أقف على اسم راجزه.

(1)

هو مثال للفصل بصفة المضاف: ينظر شرح عمدة الحافظ (496).

(2)

ابن الناظم (159)، وأوضح المسالك (2/ 236)، وشرح ابن عقيل (3/ 86).

(3)

البيت من بحر الرجز، لقائل مجهول، وانظره في الخصائص (2/ 404)، والدرر (5/ 47)، وشرح التصريح (2/ 60)، وشرح عمدة الحافظ (495)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 52).

ص: 1381

قوله: "برذون" بكسر الباء الموحدة، قال الجوهري: البرذون: الدابة

(1)

، قلت: البرذون: الكديش الرومي

(2)

.

الإعراب:

قوله: "كأن" للتشبيه، و "برذون": اسمه، وقوله:"أبا عصام": منادى حذف منه حرف النداء، تقديره: يا أبا عصام، وقد اعترض به بين المضاف وهو برذون، وبين المضاف إليه وهو زيد، و "حمار" بالرفع لأنه خبر كأن، قوله:"دق باللجام": جملة في محل الرفع لأنها صفة لحمار.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أبا عصام" فإنه منادى منصوب، فصل به بين المضاف والمضاف إليه كما ذكرنا؛ إذ التقدير: كأن برذون زيد يا أبا عصام حمار دق باللجام

(3)

.

‌الشاهد الثاني والتسعون بعد الستمائة

(4)

،

(5)

.............................

كَنَاحِتِ يَوْمًا صَخْرَةٍ بِعَسِيلِ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وصدره:

فَرِشْنِي بِخَيْرٍ لا أَكُونَنْ وَمِدْحَتِي

........................

وهو من الطويل.

قوله: "فرشني": أمر من راش يريش، يقال: رشت فلانًا: أصلحت حاله، والمعنى: أصلح [لي]

(6)

حالي بخير وهو على التشبيه من قولهم: رشت السهم إذا لزقت عليه الريش، قال الشاعر

(7)

:

فَرِشْنِي بِخَيْرٍ طَالما قَدْ بَرَيْتَنِي

وخَيْرُ الموَالِي مَنْ يَريشُ ولا يَبْرِي

(1)

الصحاح مادة: "برزن".

(2)

لعله الحمار الكداش، أي: العضاض.

(3)

ينظر شرح عمدة الحافظ (495).

(4)

توضيح المقاصد (2/ 286)، وأوضح المسالك (2/ 229).

(5)

البيت من بحر الطويل، وهو لقائل مجهول، يأمل خير من ممدوحه، ووجوه ألا يخيب ظنه فيه، وانظره في شرح التصريح (2/ 58)، واللسان:"عسل"، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 52)، والدرر (5/ 43).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(7)

البيت من بحر الطويل، لعمير بن حيان، وهو في لسان العرب:"نشر" وأساس البلاغة: "ريش".

ص: 1382

قوله: "بعسيل" بفتح العين وكسر السين المهملتين، وهو قضيب الفيل، قاله الجوهري

(1)

، وقال الصاغاني: العسيل هو مكنسة العطار الذي يجمع به العطر، ثم أنشد البيت المذكور.

قلت: كلاهما يصلح أن يكون مرادًا هاهنا؛ لأن المعنى: لا ينبغي أن أكون في مدحتي كمن ينحت الصخرة بقضيب الفيل لاستحالته عادة، أو كمن ينحتها بمكنسة العطار لعدم الفائدة.

الإعراب:

قوله: "فرشني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقوله:"بخير": يتعلق به، قوله:"لا أكوننْ": جملة مؤكدة بالنون الخفيفة، قوله:"ومدحتي" مفعول معه، أي: مع مدحتي إياك.

قوله: "كناحت" الكاف للتشبيه، و "ناحت": مجرور بها، وهو مضاف إلى صخرة، و "يومًا" نصب على الظرف، فصل به بين المضاف والمضاف إليه، وقوله:"بعسيل": يتعلق بقوله: "ناحت".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "يومًا" فإنه ظرف فصل بين المضاف وهو قوله: "كناحت"، والمضاف إليه وهو "صخرة"، والتقدير: كناحت صخرة يومًا بعسيل

(2)

.

‌الشاهد الثالث والتسعون بعد الستمائة

(3)

،

(4)

مَا إِنْ وَجَدْنَا للهَوَى مِنْ طِبٍّ

ولَا عَدِمْنَا قَهْرَ وُجْدٌ صَبِّ

أقول: لم أقف على اسم راجزه.

[قوله: "]

(5)

ما إن وجدنا" ويروى: ما إن عرفنا، قوله: "ولا عدمنا"، ويروى: ولا جهلنا، و "الوجد": شدة الشوق، و "الصب": العاشق.

(1)

الصحاح مادة: "عسل".

(2)

ينظر شرح التصريح (2/ 58)، واللسان:"عسل"، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 52).

(3)

أوضح المسالك (2/ 233) وروايته في (أ):

ما إن وجدنا .........

..............................

(4)

بيتان من الرجز المشطور، مقطوعا العروض والضرب، وهما في الغزل، وأن مريض الهوى لا يشفيه طبيب، ولكن يشفيه وصل حبيبته، وانظرهما في المساعد على تسهيل الفوائد (2/ 370)، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 279)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 274)، وهمع الهوامع (2/ 53)، والدرر (2/ 67).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1383

الإعراب:

"ما" نافية، و"إن" زائدة؛ كما في قوله

(1)

:

فَمَا إِنْ طِبُّنَا جُبْنٌ ولكنْ

مَنَايَانَا وَدَوْلَةُ آخَرِينَا

وقوله: "وجدنا": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"من طب" مفعوله، و:"من" زائدة، والأصل: طبًّا، وقوله:"للهوى": يتعلق بمحذوف، والتقدير: طبًّا كائنًا للهوى أو حاصلًا.

قوله: "ولا عدمنا": جملة من الفعل والفاعل -أيضًا، عطف على الجملة الأولى، وقوله:"قهر" بالنصب مفعوله وهو مصدر مضاف إلى قوله: "صبّ"، وقوله:"وجد" بالرفع فاعله اعترض به بين المضاف والمضاف إليه.

وفيه الاستشهاد:

لأن التقدير: ولا عدمنا قهر صبّ وجد، ويحتمل أن يكون وَجْد مفعولًا، ولا يكون الفصل حينئذ بفاعل المضاف

(2)

.

‌الشاهد الرابع والتسعون بعد الستمائة

(3)

،

(4)

سَقَى الأَرَضِينَ الغَيْثُ سَهْلَ وَحَزْنَهَا

فَنِيطَتْ عُرَى الآمالِ بالزَّرْعِ والضَّرعِ

أقول: أنشده ابن الأنباري، ولم يعزه إلى قائله

(5)

، وهو من الطويل.

لا الغيث ": المطر، و "السهل": نقيض الجبل، قال: مكان سهل وأرض سهلة، و " الحزن" بفتح الحاء وسكون الزاي وهو ما غلظ من الأرض وصلب وفيه حزونة.

قوله: "فنيطت" أي: تعلقت، من ناط قلبي به، أي: تعلق، و "العرى" بضم العين، جمع عروة، و "الآمال": جمع أمل وهو الرجاء، و "الضرع" لكل ذات خف أو ظلف.

(1)

البيت من بحر الوافر، وهو لفروة بن مسيك، يدور في كتب النحويين شاهد لإهمال ما الحجازية لاقترانها بإن الزائدة، وهو في المقتضب (1/ 51)، والأصول (1/ 77)، وابن يعيش (5/ 120)، والهمع (1/ 123).

(2)

هو من الفصل المختص بالضرورة، ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 279)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 274).

(3)

شرح ابن عقيل (3/ 79)"صبيح".

(4)

البيت من بحر الطويل، لقائل مجهول، وهو في شواهد التوضيح (40)، والهمع (1/ 123)، وشرح الأشموني (2/ 274)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (551).

(5)

ليس في كتاب الإنصاف لابن الأنباري، ولا أسرار العربية، ولا البلغة.

ص: 1384

الإعراب:

قوله: "سقى": فعل، و "الغيث": فاعله، و "الأرضين": مفعوله، قوله:"سهل" بالنصب؛ بدل من الأرضين، بدل البعض من الكل، والمضاف إليه محذوف تقديره: سهلها، وقوله:"وحزنها": عطف عليه، قوله:"فنيطت" الفاء تصلح أن تكون للسببية، ونيطت على صيغة المجهول، و "عرى الآمال": كلام إضافي مفعوله ناب عن الفاعل، والباء تتعلق بقوله:"نيطت".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "سهل" حيث حذف الشاعر منه المضاف إليه؛ إذ أصله كما قلنا: سهلها، لدلالة ما أضيف إليه بعده عليه

(1)

.

‌الشاهد الخامس والتسعون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

وَلَئِنْ حَلَفْتُ عَلَى يَدَيْكِ لأَحْلِفَنْ

بِيَمِيِن أَصْدَقَ مِنْ يَمِيِنكِ مُقْسِمِ

أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من الكامل. المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "ولئن": الواو للعطف إن تقدمه شيء، واللام للتأكيد، وإن للشرط، و "حلفت": جملة من الفعل والفاعل وقعت فعل الشرط، وقوله:"على يديك": تتعلق بها.

قوله: "لأحلفن": جملة مؤكدة باللام والنون وقعت جوابًا للشرط، [قوله: "]

(4)

بيمين": مضاف إلى قوله: "مقسم"، وقوله: "أصدق من يمينك": معترض بين المضاف والمضاف إليه.

والاستشهاد فيه:

فإن التقدير: لأحلفن بيمين مقسم أَصْدقَ من يمينك، وهذه الجملة المعترضة نعت لليمين،

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 274).

(2)

شرح ابن عقيل (3/ 85).

(3)

البيت من بحر الكامل، وهو من قصيدة للفرزدق كلها في الغزل، وعدتها (أربعون بيتًا) إلا خمسة أبيات في آخرها جاءت في الفخر، وجواب القسم المذكور في بيت الشاهد قوله:

فلأنت من حلل الحجال قتلتني

إذ نحن بالحدق الزوارق نرتمي

والبيت في الديوان (550)، شرح: علي فاعور، دار الكتب العلمية، والقصيدة في الديوان (1/ 227)، ط. دار صادر، وشرح الأشموني (2/ 278)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 275).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1385

فصلت بين المضاف وهو قوله: "بيمين" والمضاف إليه وهو قوله: "مقسم"

(1)

.

‌الشاهد السادس والتسعون بعد الستمائة

(2)

،

(3)

لأَنْتَ مُعْتَادُ في الهَيْجَا مُصَابَرَةِ

يَصْلَى بها كُلُّ مَنْ عَادَاكَ نِيرَانَا

أقول: لم أقف على اسم قائله.

وهو من البسيط، ولم يذكر في غالب نسخ ابن أم قاسم إلا الشطر الأول؛ لأن الاستشهاد فيه.

قوله: "في الهيجا" قال الجوهري: الهيجا الحرب، يمد ويقصر وها هنا مقصورة، قوله:"يصلى" من قولهم: صليت الرجل نارًا إذا أدخلته النار، وصلى هو -أيضًا-، قال تعالى:{سَيَصْلَى نَارًا} [المسد: 3] وهو من باب علم يعلم، فإن ألقيته فيها إلقاء كأنك تريد الإحراق، قلت: أصليته بالألف وصليته تصلية.

الإعراب:

قوله: "لأنت": مبتدأ، واللام فيه للتأكيد، وقوله:"معتاد": خبره، وهو مضاف إلى قوله:"مصابرة"، وقوله:"في الهيجا": معترض بين المضاف والمضاف إليه، قوله:"يصلى": فعل مضارع، وقوله:"كل من عاداك": كلام إضافي فاعله، وقوله:"نيرانَا" مفعوله، والباء في:"بها" للسببية؛ أي: بسبب مصابرتك في الحرب يدخل أعداؤك النار، أراد: نار الحرب.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "في الهيجا" فإنه فصل بين المضاف وهو قوله: "معتاد"، والمضاف إليه وهو قوله:"مصابرة"، قال ابن مالك: هذا من أحسن الفصل لأنه فصل بمعمول المضاف، ويدل على جوازه من الأخبار قوله عليه الصلاة والسلام

(4)

"هل أنتم تاركو لي صاحبي" فإن قوله: "تاركو" مضاف إلى قوله: صاحبي، وقد فصل بينهما بالجار والمجرور، وهو قوله:"لي" فافهم

(5)

.

(1)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 275، 276).

(2)

توضيح المقاصد (2/ 286).

(3)

البيت من بحر البسيط، وهو في المدح، وانظره في المساعد على تسهيل الفوائد (2/ 368)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 273).

(4)

ينظر صحيح البخاري (6/ 105)، دار الشعب.

(5)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 273) وما بعدها.

ص: 1386

‌الشاهد السابع والتسعون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

هُمَا خُطَّتَا إِمَّا إِسَارٍ وَمِنَّةٍ

..........................

أقول: قائله هو تأبط شرًّا

(3)

، واسمه ثابت بن جابر الفهمي جاهلي، وتمامه:

............................

وإمَّا دَمَ والقَتْلُ بالحُرِّ أَجْدَرُ

وهو من قصيدة رائية من الطويل، وأولها هو قوله:

1 -

إذَا المَرْءُ لَمْ يَحْتَلّ وَقَدْ جَدَّ جَدُّهُ

أَضَاعَ وقَاسَى أمْرَهُ وَهْوَ مُدْبِرُ

2 -

[ولكنْ أخُو الحَزْمِ الذِي لَيسَ نَازِلًا

بِهِ الخَطْبُ إلَّا وهْوَ لِلْقَصْدِ مُبصِرُ

3 -

فَذاكَ قَرِيعُ الدَّهرِ مَا عَاشَ حُوَّلٌ

إذَا سَدَّ مِنهُ مَنخِرٌ جَاشَ مِنخُر

4 -

أقُولُ لِلَحْيَانِ وقدْ صَفِرَتْ لَهْم

وطَابي وَيَومِي ضَيِّقُ الحِجْرِ مُعْوَرُ

5 -

هما خطتا ...........

....................... ]

(4)

وقد ذكرنا تمامها مع معانيها في شواهد أفعال المقاربة

(5)

.

والاستشهاد فيه هاهنا:

في قوله: "خطتا إما إسار" حيث فصل فيه "إما" بين المضاف وهو قوله: "خطتا" والمضاف إليه وهو قوله: "إسار"، و"خطتا": تثنية خطة، وأصله: خطان، فحذفت النون للإضافة، والخطة -بضم الخاء المعجمة هي القصة والحالة، و "الإسار" بكسر الهمزة؛ بمعنى الأسر، والتقدير: خطأ أسر.

والمعنى: ليس لي إلا واحدة من خصلتين اثنتين على زعمكم؛ إما إسار والتزام منكم إذا رأيتم العفو، وإما قتل، وهو بالحر أجدر مما يكسبه الذل، فهاتان الخصلتان هما اللتان أشار إليهما بقوله:"هما خطتا" وقد ثلثهما بخطة أخرى فيما بعد، وهذا كله تهكم وهزؤ

(6)

.

(1)

توضيح المقاصد (2/ 288).

(2)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة لتأبط شرًّا يدعو فيها إلى التمرد، وانظر بيت الشاهد في الخصائص (2/ 405)، ورصف المباني (342)، والمغني (643)، والممتع (526)، وهمع الهوامع للسيوطي (1/ 49)، (2/ 52)، والخزانة (7/ 499)، والدرر (1/ 143)، وشرح التصريح (2/ 58)، وشرح شواهد المغني (975).

(3)

أحد لصوص العرب في الجاهلية، كان يغزو على رجليه، وكان ينتظر الظباء فينتقي أحسنها فيعدو خلفها ثم يأتي به، وسمي بذلك لأنه حمل إلى أمه جراب حيات فنثره في حجرها. الخزانة (1/ 138).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

ينظر الشاهد رقم (243).

(6)

ينظر شرح التصريح (2/ 58)، والمغني (643)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 62).

ص: 1387

‌الشاهد الثامن والتسعون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

نَرَى أسْهُمًا للْمَوْتِ تُصْمِي وَلَا تُنْمِي

ولا نَرْعَوي عِنْ نَقْضِ أَهْواؤُنَا العَزْمِ

أقول: أنشده ثعلب ولم يعزه إلى أحد، وهو من الطويل.

قوله: "أسهمًا": جمع سهم، قوله:"تصمي": من الإصماء؛ من أصميت الصيد إذا رميته فقتلته بحيث تراه، قوله:"ولا تنمي": من الإنماء؛ من أنميت الصيد إذا رميته فغاب عنك، ثم مات.

والحاصل: أن سهام الموت عمالة لا يفوت عنها الحاضر والغائب، قوله:"ولا نرعوي": من الارعواء وهو الكف، يقال: ارعوى عن القبيح إذا كف عنه وكذا رعى عنه، و "العزم": من عزمت على الأمر إذا أردت فعله وقطعت عليه.

الإعراب:

قوله: "نرى": من رؤية البصر، و "أسهمًا": مفعوله، و"للموت": يتعلق بمحذوف تقديره: أسهمًا كائنة للموت، قوله:"تصمي": جملة من الفعل والفاعل في محل النصب على أنها صفة لأسهمًا، ويجوز أن يكون مفعولًا ثانيًا لنرى إذا جعلناها من رؤية القلب، قوله:"ولا تنمي" عطف على قوله: "تصمي"، ويجوز عطف المنفي على المثبت وبالعكس.

قوله: "ولا نرعوي": جملة وقعت حالًا، وقوله:"عن نقض": يتعلق بها، وقوله:"نقض": مصدر مضاف إلى قوله: "العزم"، وقوله:"أهواؤنا": مرفوع لأنه فاعل المصدر.

وفيه الاستشهاد: حيث فصل به بين المضاف وهو قوله: "نقض" وبين المضاف إليه وهو: "العزم" مع أن الفاعل متعلق بالمضاف، وهو ضعيف، والتقدير: عن نقض العزم أهواؤنا، أي: عن أن تنقص أهواؤنا العزم

(3)

.

(1)

توضيح المقاصد (2/ 292).

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو مطلع قصيدة للتصريع فيه، لشاعر مجهول، يذكر أن الموت يصيبنا دائمًا، ومع ذلك لا نكف عن اللهو واتباع الهوى، وهو في شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 279)، والارتشاف (2/ 534).

(3)

هو شاهد على الفصل بين المضاف والمضاف إليه بفاعل المضاف وهو مما اختص بالضرورات، ينظر الأشموني بحاشية الصبان (2/ 279).

ص: 1388

‌الشاهد التاسع والتسعون بعد الستمائة

(1)

،

(2)

وِفَاقُ كَعْبُ بُجَيْرٍ مُنْقِذٌ لَكَ مِنْ

تَعْجِيلِ تَهْلُكَةٍ والخُلْدِ فِي سَقَرَا

أقول: قائله هو بجير بن زهير بن أبي سلمى، واسم أبي سلمى: ربيعة بن رباح بن قرط بن الحرث بن مازن بن حلاوة بن ثعلبة بن ثور بن زهير بن هدمة بن الأثلم بن عثمان بن مزينة المزني، وهو أخو كعب بن زهير، أسلم قبل أخيه، وهما شاعران مجيدان.

وأما أبوهما زهير فهو مشهور من فحول الشعراء، وشهد بجير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف. والبيت المذكور من قصيدة من البسيط، يحرض بها بجير أخاه كعبًا على الإسلام؛ لأن بجيرًا أسلم قبل كعب كما ذكرنا، وأما أبوهما زهير فإنه مات قبل المبعث لسنة. المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "وفاق": مرفوع بالابتداء، وهو مضاف إلى قوله:"بجير"، وقوله:"كعب": منادى وقد حذف منه حرف النداء، وأصله: يا كعب، قوله:"منقذ": خبر المبتدأ، وقوله:"لك": يتعلق به، وكذلك قوله:"من تعجيل"، قوله:"والخلد" بالجر عطف على قوله: "من تعجيل" أي: ومن الخلد في السقر وهو النار يوم القيامة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كعب" فإنه منادى كما ذكرنا، وقد فصل به بين المضاف وهو قوله:"وفاق"، وبين المضاف إليه وهو قوله:"بجير"، والتقدير: وفاق بجير يا كعب منقذ لك، أي: منج لك من تعجيل الهلاك في الدنيا والخلود في النار في الآخرة

(3)

.

(1)

توضيح المقاصد (2/ 294).

(2)

البيت من بحر البسيط لبجير بن زهير أخي كعب يدعوه للتعجيل بالإسلام، وقد استجاب كعب لأخيه وأسلم، ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ بردته، وبيت الشاهد في همع الهوامع للسيوطي (2/ 53)، وشرح الأشموني (2/ 279)، والارتشاف (2/ 534)، والدرر (5/ 48).

(3)

ينظر الارتشاف (2/ 534)، والأشموني بحاشية الصبان (2/ 279)، وقال الأشموني:"تنبيه: من المختص بالضرورة أيضًا الفصل بفاعل المضاف، ثم ذكر بيت الشاهد".

ص: 1389

‌الشاهد المتمم للسبعمائة

(1)

،

(2)

بِأَيِّ تَرَاهُمُ الأَرَضِينَ حَلُّوا

.............................

أقول: لم أقف على اسم قائله، وتمامه:

.............................

آلدَّبَرَانِ أم عسَفُوا الكِفَارا؟

وقبله هو قوله:

ألَا يَا صَاحِبَيَّ قِفَا المَهَارَا

نسائلْ حِبّ بَثْنَةَ أين سارَا؟

وهما من الوافر.

قوله: "المهارا" بفتح الميم؛ جمع مهرية، وهي الإبل المنسوبة إلى مهرة بلد باليمن، وبلاد مهرة ليست بها نخيل ولا زرع، وإنما أموال أهلها الإبل، وينسب إليها النجب المفضلة، وألسنة أهلها مستعجمة لا يكاد يوقف عليها، [قوله:"حِبّ" بكسر الحاء؛ أي: محبوبي]

(3)

، و "بثنة": بفتح الباء الموحدة وسكون الثاء المثلثة وفتح النون وهو عطف بيان عن حب، قوله:"آلدبران" بفتح الدال المهملة، وهو اسم موضع، وكذلك:"الكِفار": اسم موضع، وهو بكسر الكاف.

الإعراب:

قوله: "بأي": تتعلق بقوله: "حلُّوا"، وهو مضاف إلى "الأرضين"، و"تراهم":"معترض بينهما، قوله: "آلدبران" الهمزة للاستفهام، وفيه إضمار، والتقدير: هل حلوا بالدبران أم عسفوا؟ أي: أم توجهوا نحو الكفار؟ و "أم" هذه متصلة لمعادلتها الهمزة في إفادة التسوية.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بأيِّ تراهم الأرضين" فإن التقدير فيه: بأي الأرضين تراهم حلوا، ففصل بقوله:"تراهم" بين قوله: "بأي" الذي هو مضاف، وبين قوله:"الأرضين" الذي هو مضاف إليه

(4)

.

(1)

توضيح المقاصد (2/ 295).

(2)

البيت بلا نسبة في الدرر (5/ 50)، وشرح التصريح (2/ 60)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 53)، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 279)، والارتشاف (2/ 535).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

قال الأشموني معلقًا عليه: "أي الذي يستقيم المعنى المراد بدونه، وليس المراد الملغي بالمعنى المصطح عليه، لأن ترى في البيت عامل في المفعولين، وهما لضمير وحلوا". شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 279)، وينظر الارتشاف (2/ 535).

ص: 1390

‌الشاهد الأول بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

.........................

مُعَاوِدُ جُزأَةً وَقْتِ الْهَوَادِي

أقول: لم أقف على اسم قائله، وصدره:

أَشَمُّ كَأَنَّهُ رَجُلٌ عبُوسٌ

............................

وهو من الوافر وفيه العصب [في عروضه]

(3)

.

قوله: "أشم": من الشمم، وهو الارتفاع والتكبر، وهو من باب علم يعلم، قوله:"عبوس" من قولهم رجل عبوس الوجه؛ أي: عابسه وكريهه، ومادته: عين وباء موحدة وسين مهملة، قوله:"الهوادي": جمع هادية؛ من هدأ إذا سكن.

الإعراب:

قوله: "معاود": مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو معاود، وهو مضاف إلى قوله:"وقت الهوادي"، و "جرأة": نصب على المفعولية، وقد فصل بين المضاف وهو قوله:"معاود" وبين المضاف إليه وهو قوله: "وقت الهوادي".

وفيه الاستشهاد:

والتقدير: معاود وقت الهوادي جرأة

(4)

.

* * *

(1)

توضيح المقاصد (2/ 295).

(2)

البيت من بحر الوافر، وهو لقائل مجهول، يصف رجلًا بالحزم، وانظر الشاهد في المقتضب (4/ 377)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 53).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب): وصحة القول فيه: وفيه القطف في عروضه وضربه، والقطف مجموع العصب والحذف، فتصير فيه مفاعلتن إلى مفاعل.

(4)

هو شاهد على الفصل بالمفعول لأجله. ينظر الارتشاف (2/ 535).

ص: 1391

‌شواهد المضاف إلى ياء المتكلم

‌الشاهد الثاني بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

سَبَقُوا هَوَيَّ وَأَعْنَقُوا لِهَوَاهُمُ

فَتُخَرِّمُوا وَلِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ

أقول: قائله هو أبو ذؤيب الهذلي، واسمه خالد بن خويلد، وقد ترجمناه فيما مضى، وهو من قصيدة عينية طويلة من الكامل، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

أَمِنَ المنُونِ وَرَيْبهَا تَتَوَجَّعُ

والدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِب مَنْ يَجْزَعُ

2 -

قَالت أُمَامَةُ مَا لجِشِمِكَ شَاحِبًا

مُنْذُ ابْتَذَلْتَ وَمِثْل مالِكَ ينفعُ

3 -

أَمْ مَا لِجَنْبِكَ لا يُلَائِمُ مضْجَعَا

إلا أَقَضَّ عَلَيْكَ ذَاكَ المَضْجَعُ

4 -

فَأَجَبْتُهَا أن مَا لِجِسْمِي أنَّهُ

أَوْدَى بني من البِلَادِ فَوَدّعُوا

5 -

أَوْدَى بَنِيَّ فَأَعْقَبُونِي حَسْرَةً

بَعْدَ الرّقَادِ وَعبرة ما تَقْلَعُ

6 -

فَالْعَينُ بَعْدَهُمْ كأَنَّ حِدَاقَهَا

كحّلتْ بِشَوْك فَهْيَ عُور تَدْمَعُ

7 -

سبقوا ...................

............. إلخ

8 -

فغبرت بَعْدَهُمْ بِعَيْشِ نَاصِبٍ

وَإِخَالُ أَنِّي لَاحِقٌ مُسْتَتْبعُ

9 -

وَلَقَدْ حَرِصْتُ بِأَنْ أُدَافِعَ عَنْهُم

فَإِذَا المَنِيَّةُ أَقْبَلَتْ لَا تُدْفَعُ

(1)

ابن الناظم (160)، وأوضح المسالك (2/ 239)، وشرح ابن عقيل (3/ 90)"صبيح".

(2)

البيت من بحر الكامل، من قصيدة طويلة لأبي ذؤيب في رثاء أولاده الخمسة الذين ماتوا في عام واحد، ثم زلف من الرثاء إلى الدهر وأحواله الذي لا يترك أي شيء؛ بل يذهب إليه ويقضي عليه، وانظر القصيدة في ديوان الهذليين (1/ 1) وبيت الشاهد في سر صناعة الإعراب (700)، وشرح أشعار الهذليين (1/ 7)، وشرح شواهد المغني (262)، وابن يعيش (3، 33)، والمحتسب (1/ 76)، وفي المقرب (1/ 217)، والدر (5/ 51).

(3)

ديوان الهذليين (1/ 1)، وشرح أشعار الهذليين (1/ 7)، وشواهد المغني (262).

ص: 1392

10 -

وَإِذَا المِنيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا

أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لَا تَنْفَعُ

11 -

وتَجَلُّدِي للشامتين أُرِيهُمُ

أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضَعُ

12 -

حَتَّى كَأَنِّي لِلْحَوَادِثِ مَرْوَةٌ

بِصَفَا المُشَرَّقِ كُلَّ يَوْمٍ تُقْرَعُ

13 -

وَالدَّهْرُ لَا يَبْقِي عَلَى حَدَثَانِه

جَوْنُ السَّحَابِ لَهُ جَدَائدُ أَرْبَعُ

وكان أبو ذؤيب هلك له بنون خمسة في عام واحد، أصابهم الطاعون وكانوا هاجروا إلى مصر فرثاهم بهذه القصيدة.

1 -

قوله: "أمن المنون" أي: الموت، قال الأخفش: المنون واحد لا جماعة له، قوله:"وريبها" أي: ريب المنون، وروى الأصمعي: وريبه، وقال هكذا ينشد، وذكر المنون هاهنا والمنون يذكر ويؤنث، وقول الأصمعي أرجح لقوله:

..............................

والدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ

والدهر هاهنا الموت، وحكى في تفسير قوله تعالى:{وَمَا يُهْلِكُنَا إلا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] أي الموت، والله أعلم.

و"الريب": من رابني الدهر وأرابني، وريبه: ما يأتي به من الفجائع والمصائب، و "التوجع": التفجع، و"المعتب": من الإعتاب، يقال: عاتبته فأعتبني، أي رجع عما أكره إلى ما أحب.

2 -

قوله: "أمامة" ويروى: أميمة، و "الشاحب" بالشين المعجمة والحاء المهملة، هو المتغير المهزول، "منذ ابتذلت" أي: منذ وليت العمل وامتهنت نفسك، و "الابتذال": العمل والكد.

قوله: "ومثل ما لك ينفع" أي: مثل ما لك ينبغي لك أن تودّع نفسك به، وقال الأصمعي: معناه: إن كان مات من كان يكفيك من بنيك، فمثل مالك يشتري به من يكفيك ضيعتك فاتخذ من يكفيك وأقم وودع نفسك.

3 -

قوله: "لا يلائم" أي: لا يوافق، قوله:"إلا أقض" بالضاد المعجمة، أي: صار تحت جنبك على مضجعك مثل قضض الحجارة وهي حجارة صغار.

4 -

قوله: "أن ما لجسمي" قال الأخفش: ما صلة إنما هو أن لجسمي أن الأولى في موضع [خفض]، والثانية في موضع رفع، والمعنى: فأجبتها أن الذي لجسمي إيداء بني، والإيداء الهلاك، أودى يودي إيداء.

5 -

قوله: "فأعقبوني" أي: أورثوني، قوله:"ما تقلع": من الإقلاع.

ص: 1393

6 -

قوله: "حداقها": جمع حدقة، قوله:"كحلت" ويروى: سملت، يعني: غرزت بشوك، و "العور" بضم العين؛ جمع أعور.

7 -

قوله: "هويَّ" لغة هذيل؛ يعني: هواي، وجميع المقصور يفعل به هكذا عندهم

(1)

، قوله:"وأعنقوا" يعني: تبع بعضهم بعضًا، قوله:"فتخرموا" على صيغة المجهول من الماضي وهو بالخاء المعجمة، أي: أخذوا واحدًا واحدًا، تقول: مضوا للموت وتخرمتهم المنية، قوله:"ولكل جنب مصرع" معناه: كل إنسان يموت.

8 -

قوله: "فغبرت" بالغين المعجمة؛ أي: بقيت

(2)

ويروى فلبثت.

قوله: "ناصب": من نصب العيش ينصب نصوبًا إذا اشتد، قوله:"وإخال" أي: أظن، وهو بمعنى اليقين هنا، قوله:"مستتبع" أي: مستلحق.

10 -

قوله: "أنشبت أظفارها": جمع ظفر، أراد أن المنية لا تفارق؛ كالسبع إذا أخذ لا يفارق حتى يعض، قوله:"ألفيت" أي: وجدت؛ من الإلفاء، و "التميمة": المعاذاة وهي العوذة، فلا تنفع العوذ والرقى إذا جاءت المنية.

11 -

قوله: "لا أتضعضع" أي: لا أتكسر.

12 -

قوله: "مروة بصفا المشرق": شبه نفسه بالحجر، يقول: كأنما أنا مروة في السوق تقرعها أقدام الناس، ومرورهم بها للمصائب [التي]

(3)

تمر لي فتقر عيني كل يوم. و "المروة": الحجارة البيض ملء الكف، و "الصفا": الصخرة العريضة، و "المشرق" بضم الميم وفتح الشين المعجمة وتشديد الراء المفتوحة وفي آخره قاف، قال الأصمعي: هو المصلى ومسجد الخيف هو المشرق، قال أبو عبيدة: المشرق سوق الطائف، وقال الباهلي: هو جبل البرام، ويروى: بصفا المشقر بتقديم القاف على الراء، قال [ابن]

(4)

الأعرابي: هو حصن بالبحرين بهجر، والصفا موضع آخر.

13 -

قوله: "جون السحاب" ويروى: جون السراة، وظهر كل شيء: سراته، وأعلى الظهر: السراة، قوله:"جدائد" بالجيم؛ جمع جدود، وهي النعجة التي لا لبن لها من غير بأس، قال الأصمعي: الجدائد: الأتن التي قد جفت ألبانها، واحدتها جدود، وامرأة جداء: لا ثدي لها، والمعنى: لئن هلك بنيَّ وأصابني ما أصابني بعدهم فالدهر لا يبقي على حدثانه.

(1)

أي تقلب ألفه ياء وتدغم في ياء المتكلم، تقول: هذا فتى، وهذه عصى، ومنه: سبقوا هواي.

(2)

في (ب): مضيت.

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1394

الإعراب:

قوله: "سبقوا": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير الذي يرجع إلى بني أبي ذؤيب الذين هلكوا في عام واحد، وقوله:"هويّ": كلام إضافي مفعوله، قوله:"وأعنقوا" أيضًا جملة من الفعل والفاعل معطوفة على الجملة الأولى، وقوله:"لهواهم": في محل النصب على المفعولية.

قوله: "فتخرموا" الفاء للتعقيب مع ما فيه من معنى السببية، قوله:"ولكل جنب": كلام إضافي في محل الرفع على أنه خبر لقوله: "مصرع"، ومحل الجملة النصب على الحال، والأَوْلى أن تكون الواو هاهنا للاستئناف.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "هويّ" حيث قلب فيه ألف المقصور ياء، وأُدغمت الياء في الياء؛ لأن أصله: هواي، وهذا لغة هذيل فإنهم يفعلون ذلك في كل مقصور

(1)

.

‌الشاهد الثالث بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

أَوْدَى بَنِيَّ وَأَعْقَبَونِي حَسْرَةً

...........................

أقول: قائله هو أبو ذؤيب، وقد مرَّ الكلام فيه مستقصى الآن

(4)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بني" حيث قلبت واو الجمع فيه ياء، ثم أدغمت الياء في الياء لأن أصله بنون، فلما أضيفت إلى ياء المتكلم سقطت النون، فصار: بنوي، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياءً، وأُدغمت الياء في الياء، فصار "بني" بضم النون، ثم أبدلت من ضمة النون كسرة لأجل الياء فصار "بنيَّ"

(5)

.

* * *

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 281، 282)، والارتشاف (2/ 536).

(2)

أوضح المسالك (2/ 238).

(3)

البيت من بحر الكامل، وهو من قصيدة أبي ذؤيب التي مرت في الشاهد السابق مباشرة، وفيها يرثي أبو ذؤيب أولاده الذين ماتوا في عام واحد، وانظر بيت الشاهد في التصريح (2/ 62)، والأشموني (2/ 281).

(4)

ينظر الشاهد رقم (702).

(5)

ينظر الشاهد السابق (702).

ص: 1395

‌شواهد إعمال المصدر

‌الشاهد الرابع بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

بِضَرْبٍ بِالسّيُوفِ رُؤُوسَ قَوْمٍ

أَزَلْنَا هَامَهُنَّ عَنِ المَقِيلِ

أقول: قائله هو المرار بن منقذ التميمي، وهو من الوافر.

قوله: "هامهن" الهام: جمع هامة، وهي الرأس، والضمير فيه يرجع إلى الرؤوس.

فإن قلت: المعنى على هذا أزلنا رؤوس الرؤوس، وهذه إضافة الشيء إلى نفسه وهي باطلة.

قلت: إنما أضافها إليها لاختلاف اللفظين، ومثل هذا لا يجوز إلا لأجل التأكيد

(3)

، قوله:"عن المقيل" أراد به الأعناق لأنها مقيل الرأس، وأصله من قال يقيل قيلولة وقيلًا ومقيلًا، وهو شاذ

(4)

وهو النوم في الظهيرة، [والمقيل]

(5)

والقيل والقيلة- أيضًا: شرب نصف النهار.

الإعراب:

قوله: "بضرب" الباء فيه تتعلق بقوله: "أزلنا"، و"السيوف": "يتعلق بضرب، وهو فاعل المصدر

(6)

، و "رؤوس قوم": كلام إضافي منصوب بالمصدر.

(1)

ابن الناظم (161)، وأوضح المسالك غير موجود فيه، وشرح ابن عقيل (3/ 94)"صبيح".

(2)

البيت من بحر الوافر، وقد نسبه الشارح للمرار بن منقذ، وهو في الكتاب لسيبويه (1/ 116)، والمحتسب (1/ 219)، واللمع (27)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 393)، وابن يعيش (6/ 61).

(3)

في (أ): يجوز لأجل التأكيد.

(4)

إنما كان شاذًّا لأن المكان والزمان والمصدر تصاغ على مفعل، بالفتح من المعتل؛ كمقام واللام كمقوى، وأما مقيل، فقد جاء بالفتح فهو شاذ كالمسجد، والمنبت.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(6)

قوله: "وهو فاعل المصدر" سهو بل فاعل المصدر هو ضمير محذوف، والتقدير: بضربنا.

ص: 1396

قوله: "أزلنا": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"هامهن": كلام إضافي منصوب على المفعولية، وإنما أنث الضمير لأنه يرجع إلى الرؤوس كما ذكرنا، ويجوز أن يرجع إلى القوم، والقوم يذكر ويؤنث؛ لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كان للآدميين تذكر وتؤنث مثل: رهط ونفر وقوم، قال تعالى:{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} [الأنعام: 66]، وقال:{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} [الشعراء: 105] فأنث، قوله:"عن المقيل": يتعلق بأزلنا.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "روؤوس قوم" حيث نصب بقوله: "بضرب" وهو مصدر منكر منون؛ كما في قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا} [البلد: 14، 15] فإن الإطعام مصدر نكرة منون، وقد عمل في قوله:"يتيمًا"، وإعمال المصدر مضافًا أكثر، ومنونًا أقيس

(1)

.

‌الشاهد الخامس بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

ضَعِيفُ النِّكَايَةِ أَعْدَاءَهُ

يخالُ الفِرَارُ يُرَاخِي الأجلَ

أقول: هذا من أبيات الكتاب، ولم ينسب فيه إلى أحد، وهو من المتقارب.

قوله: "النكاية" هو الإضرار، يقال: نكيت في العدو أنكي نكاية إذا قتلت فيهم وجرحت، قال أبو النجم

(4)

:

نَنْكِي العِدَا وَنُكْرِمُ الأَضْيَافَا

...........................

قوله: "يخال" أي: يظن، قوله:"يراخي" أي: يباعد أو يؤخر، يهجو رجلًا بالضعف والعجز عن مكافأته أعداءه والانتصاف منهم إذا ظلموه، ثم ذكر أنه يحسب أن الفرار عن الحرب يباعد الأجل ويحرس نفسه.

الإعراب:

قوله: "ضعيف النكاية": كلام إضافي مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو ضعيف

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 284).

(2)

ابن الناظم (161)، وتوضيح المقاصد (3/ 5)، وأوضح المسالك (2/ 214)، وشرح ابن عقيل (3/ 95).

(3)

البيت من بحر الوافر، وهو لقائل مجهول، وانظره في الكتاب (1/ 192)، والخزانة (8/ 271)، والدرر (5/ 252)، وشرح التصريح (2/ 63)، وابن يعيش (6/ 59، 64)، والمنصف (3/ 71)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 93).

(4)

البيت من أرجوزة لأبي النجم العجلي، وهو في ديوانه (142) ط. النادي الأدبي بالرياض، وانظره في الصحاح للجوهري:"نكى".

ص: 1397

النكاية، وقوله:"أعداءه": [كلام إضافي]

(1)

] منصوب بالنكاية]

(2)

.

قوله: "يخال": فعل مضارع، وفاعله مستتر فيه، و "الفرار" بالنصب مفعوله الأول، وقوله:"يراخي الأجل": جملة في محل النصب على أنها مفعول ثان ليخال، والضمير في يراخي يرجع إلى الفرار.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ضعيف النكاية" فإنه مصدر معرف باللام، وقد عَمِل عَمَل فعله، فنصب الأعداء كما قلنا

(3)

.

‌الشاهد السادس بعد السبعمائة

(4)

،

(5)

لَقَدْ عَلِمَتْ أُولِي المُغِيرَةِ أَنَّنِي

كَرَرْتُ فَلَمْ أَنْكُلْ عَنِ الضَّرْبِ مِسْمَعًا

أقول: قائله هو المرار الأسدي، وقد مَرَّ ذكره مع البيت مستوفًى في شواهد التنازع في العمل

(6)

.

و"المغيرة": الخيل التي تغير، قوله:"فلم أنكل" أي: فلم أعجز، و "مسمع" بكسر الميم؛ اسم رجل.

والاستشهاد فيه:

هاهنا أن المصدر المعرف باللام وهو قوله: "الضرب" قد عَمِل عَمَل فعله ونصب مسمعًا، وهذا نحو قوله:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: 148] فالجهر مصدر معرف بالألف واللام عامل في: "بالسوء"، نص على ذلك غير واحد

(7)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

هذا هو الأعمال القليل لاقترانه بالألف واللام. ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 284).

(4)

ابن الناظم (161)، وشرح ابن عقيل (3/ 97)"صبيح".

(5)

البيت من بحر الطويل، وقائله هو المرار الأسدي، وقيل: مالك بن زغبة الباهلي، وانظره في الكتاب (1/ 193)، والمقتضب (1/ 141)، وابن يعيش (6/ 64)، والأشموني (2/ 284).

(6)

ينظر الشاهد رقم (440).

(7)

انظر الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 193)، وانظر الكلام بالتفصيل عن الآية في البحر المحيط (3/ 382)، والبيان لابن الأنباري (1/ 272)، ط. طبعة الهيئة المصرية.

ص: 1398

‌الشاهد السابع بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

أَظَلُومُ إِنَّ مُصابُكُمْ رَجُلًا

أَهْدَى السَّلَامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ

أقول: قائله هو الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي

(3)

، وقال الحريري في درة الغواص: قائله العرجي

(4)

، وليس بصحيح، والصحيح ما ذكرناه.

وهو من قصيدة ميمية من الكامل، وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

أَقْوَى مِن آلِ ظُلَيْمَةَ الحُرْمُ

فَالْعَيْرَتَانِ فَأَوْحَشَ الحُطْمُ

2 -

فَجنُوبُ أَبِيْرَةَ فَمُلْحِدُهَا

فَالسِّدْرَتَانِ فَمَا حَوَى دُسْمُ

3 -

وَبمَا أرَى شَخْصًا بهِ حَسَنًا

فيِ القَوْمِ إذْ تخييلُهُ نُعْمُ

4 -

إذْ وُدّهَا صَافٍ وَرُؤْيَتُهَا

أُمْنِيّةٌ وكَلَامُهَا غُنْمُ

5 -

لَفَّاءُ مَمْكُورٌ مُخَلْخَلُهَا

عَجْرَاء لَيْسَ لِعَظْمِهَا حَجْمُ

6 -

خَمْصَانَة قَلِقٌ تُوَشَّحُهَا

رُؤْدُ الشَّبَابِ عِلَابُهَا عَظْمُ

7 -

وَكَأَن غَالِيَةً تُبَاشِرُهَا

تَحْتَ الثِّيَابِ إِذَا صَغَا النَّجْمُ

8 -

أظلوم ............

........................ إلى آخره

9 -

أَقْصَيْتِهُ وَأَرَادَ سِلْمَكُم

فليهْنهِ إذَا جَاءَكَ السّلْمُ

1 -

قوله: "أقوى": من أقوت الدار إذا خلت، وكذلك قويت، و "ظليمة": تصغير ظلمة، وهي أم عمران زوجة عبد الله بن مطيع، وكان الحارث يتشبب بها، ولما مات زوجها تزوجها بعده، و "الحرم" بضم الحاء وفتح الراء؛ جمع حرمة الرجل، وهي أهله، و:"العيرتان" بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف؛ اسم موضع، وكذلك "الحطم" بضم الحاء

(1)

أوضح المسالك (2/ 242).

(2)

البيت من بحر الكامل، وهو للحارث بن خالد في الأغاني (9/ 225)، والخزانة (1/ 454)، والدرر (5/ 258) وللعرجي في درة الغواص (96)، والمغني (538)، وانظره في شرح التصريح (2/ 64)، وشرح شواهد المغني (892)، والأشباه والنظائر (6/ 226)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 94).

(3)

كان الحارث شاعر كثير الشعر، استعمله يزيد على مكة، وابن الزبير فيها فمنعه ابن الزبير حتى جاء عبد الملك بن مروان فولاه مكة ثم عزله، الخزانة (1/ 454).

(4)

انظر درة الغواص في أوهام الخواص للحريري (96)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار نهضة مصر.

(5)

انظر الأبيات في شرح شواهد المغني (892).

ص: 1399

وسكون الطاء المهملتين، وكذلك أبيرة، و "السدرتان"، "ودسم" مواضع.

4 -

و "الغنم" بضم الغين المعجمة؛ بمعنى الغنيمة.

5 -

قوله: "لفاء" بفتح اللام وتشديد الفاء، يقال: امرأة لفاء: ضخمة الفخذين مكتنزة، قوله:"ممكور مخلخلها" من قولهم: امرأة ممكورة الساقين؛ أي: خدلاء، ومخلخلها: موضع الخلخال وهو الساق، و "عجراء" بالراء المهملة؛ أي: سمينة؛ من قولهم: عجر الرجل بالكسر يعجر عجرًا أي: غلظ وسمن.

6 -

و "خمصانة" بضم الخاء المعجمة؛ أي: ضامرة البطن، قوله:"رؤد الشباب" بضم الراء وسكون الهمزة؛ أي: حسن الشباب، والرؤودة والرأدة: الشابة الحسناء، قوله:"علابها" بكسر العين المهملة؛ من علب اللحم إذا اشتد، والعلاب: وَسْم في طول العنق.

7 -

قوله: "إذا صغا النجم" أي: إذا مال للغروب، ومادته صاد مهملة وغين معجمة.

9 -

و "السلم" بكسر السين: الصلح.

الإعراب:

قوله: "أظلوم" قال ابن بري: والصواب: أظليم، وظليم ترخيم: ظليمة تصغير ظلمة، وهي أم عمران، وقد ذكرناها آنفًا، ويروى: أسليم، والصحيح: أظليم، والهمزة: حرف نداء، تقديره: يا ظليم.

و"إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، و "مصابكم": اسمه وهو مصدر ميمي بمعنى إصابتكم، و "رجلًا": منصوب بالمصدر، و "أهدى السلام": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر في أهدى، والمفعول هو السلام في محل النصب لأنها صفة لرجل، وقوله:"تحية" مصدر لأهدى السلام؛ من باب قعدت جلوسًا، و "ظلم": مرفوع لأنه خبر "إن".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مصابكم" حيث عَمِل عمل فعله، وهو مصدر ميمي، وذلك جائز بالاتفاق.

ص: 1400

‌الشاهد الثامن بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

أَكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي

وَبَعْدَ عَطَائِكَ المَائةَ الرِّتَاعَا

أقول: قائله هو القطامي، واسمه عمير بن شييم، وقد ترجمناه فيما مضى، وهو من قصيدة عينية من الوافر يمدح بها زفر بن الحارث الكلابي، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ضبَاعًا

وَلَا يَكُ مَوْقِفٌ مِنْكِ الوَدَاعًا

إلى أن قال:

2 -

وَمَنْ يَكُنْ اسْتَلَامَ إلى ثُوْيّ

فقد أحْسَنْتُ يَا زِفْرُ المَتَاعَا

3 -

أكفرًا بعد ...............

.................. إلى آخره

(4)

4 -

فلَوْ بِيَدِي سوَاكَ غَدَاةَ زَلَّتْ

بيَ القدَمَانِ لَمْ أَرْجُ اطّلَاعًا

5 -

إذًا لَهَلَكْتُ لَوْ كَانَتْ صِغَارًا

من الأَخْلَاقِ تَبْتَدِعُ ابْتِدَاعًا

6 -

فَلَمْ أر منعمين أَقَلّ مِنّا

وأَكْرَمَ عِنْدَمَا اصْطَنَعُوا اصْطناعَا

7 -

مِنَ البيضِ الوُجُوهِ بَنِي نُفَيلٍ

أَبَتْ أخلاقُهُم إِلَّا اتِّسَاعَا

1 -

قوله: "ضباعًا" أراد ضباعة بنت زفر بن الحارث.

2 -

قوله: "استلام": من اللوم، أي:[أتى]

(5)

ما يلام عليه، و"الثويّ" بفتح الثاء المثلثة وكسر الواو وتشديد الياء، وهو الضعيف.

3 -

و"الرتاع" بكسر الراء؛ التي ترتع؛ هكذا فسره في شرح ديوان القطامي، وذكر كثير من شراح كتب النحو أن الرتاع اسم رجل.

4 -

قوله: "اطلاعًا" أي ارتفاعا.

5 -

قوله: "إذًا لهلكت إلى آخره" معناه: لو ابتدعت فيَّ أمورًا صغارًا لهلكتُ وبنو نفيل من بني عامر بن صعصعة. واللَّه أعلم.

(1)

ابن الناظم (161)، وأوضح المسالك (2/ 243)، وشرح ابن عقيل (3/ 99)"صبيح".

(2)

البيت من بحر الوافر، وهو من قصيدة طويلة بلغت سبعين بيتًا، للقطامي، يمدح بها زفر بن الحارث، وقد بدأها بالغزل، ثم الفخر، ثم أتبع ذلك بالمدح العظيم لصاحبته، وانظر بيت الشاهد في ديوان القطامي (68)، وكذا في تذكرة النحاة (456)، والخزانة (8/ 136، 137)، والدرر (3/ 62)، وشرح التصريح (2/ 64)، وشرح شواهد المغني (846)، والأشباه والنظائر (2/ 411)، واللسان:"سمع، غنى".

(3)

انظر ديوان القطامي (68)، تحقيق: د. محمود الربيعي، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب.

(4)

هذا البيت سقط في (ب).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1401

الإعراب:

قوله: "أكفرًا" الهمزة للاستفهام على سبيل الإنكار، و"كفرًا": نصب بفعل محذوف؛ أي: أأكفر كفرًا بعد رد الموت عني؟ قال ذلك القطامي حين أُتي به مأسورًا إلى زفر بن الحارث، وأطاف به قوم ليقتلوه، فأبى زفر ومنعه ومنّ عليه ورد عليه ماله، وأعطاه مائة بعير من غنائم القوم الذين أسروه، فقال القطامي:

أَكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي

....................................

و"بعد": نصب على الظرفية مضاف إلى قوله: "د"، و"د"؛ مضاف إلى الموت، والتقدير: بعد رد زفر الموت عني، والمصدر مضاف إلى مفعوله، وطوى ذكر الفاعل، قوله:"وبعد عطائك": عطف على قوله: "بعد رد الموت عني".

وقوله: "عطائك" مصدر [مضاف]

(1)

إلى فاعله؛ بمعنى إعطائك، وقوله:"المائة"؛ مفعوله، و"الرتاعا": صفة المائة، وما ذكرنا من القصة أدل دليل على صحة ما ذكر في شرح ديوان القطامي من أن المراد من الرتاع: الإبل التي ترتع، وغلط تفسير من فسَّر الرتاع باسم الرجل، وآفة غلطهم في مثل هذا الموضع من عدم اطلاعهم على السوابق واللواحق من البيت الَّذي يستشهد به، وعدم وقوفهم في موارد الأبيات وقصتها، والمفعول الثاني فيه محذوف تقديره: وبعد عطائك إياي المائة الراتعة من الإبل

(2)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وبعد عطائك [المائة الرتاعا]

(3)

" فإن لفظ العطاء اسم للمصدر بمعنى الإعطاء؛ فأعطى حكم المصدر في العمل، وذلك لأنه نصب قوله: "المائة" كما ذكرنا.

وقد جاء في الخبر نحوه، وذلك في حديث عائشة رضي الله عنها:"من قبلة الرجل امرأته الوضوء"

(4)

، فإن القبلة: اسم للتقبيل، وقد عَمل عَمَلَه حيث نصب امرأته، وقوله:"الوضوء": مرفوع بالابتداء، وقوله:"من قبلة الرجل امرأته": مقدمًا خبره فافهم

(5)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

قال الدكتور سيد تقي الدين معلقًا (99): "والمفعول الثاني محذوف، سهو لأن المحذوف هو المفعول الأول، وهو ضمير المتكلم؛ لأنه فاعل في المعنى؛ إذ هو الآخذ".

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

الحديث في كتاب الموطأ لمالك: باب الطهارة (65، 66).

(5)

اسم المصدر ثلاثة أنواع: علم نحو يسار وهذا النوم لا يعمل اتفاقًا، وذو ميم مزيدة لغير مفاعلة كالمضرب وهذا يعمل اتفاقًا، ونوع ثالث كالشاهد وهذا فيه خلاف؛ فمنعه البصريون وأجازه الكوفيون والبغداديون. ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 287، 288).

ص: 1402

‌الشاهد التاسع بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

...............................

قَرْعُ القَوَاقِيزِ أَفْوَاهَ الأَبَارِيقِ

أقول: قائله هو الأقيشر الأسدي، واسمه المغيرة بن عبد اللَّه، وقد ترجمناه في أول الكتاب

(3)

، وصدره:

أَفْنَى تِلَادِي وما جَمّعْتُ من نَشَبٍ

...................................

وهو من قصيدة قافية من البسيط، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

أَقُولُ والكَأْسُ فيِ كَفِّي أُقَلِّبُهَا

أُخَاطبُ الصِّيدَ أَبْنَاءَ العَمَالِيقِ

2 -

إنِّي تُذَكِّرُنِي هِنْدًا وَجَارَتَهَا

بالطّفِّ صَوْتُ حَمَامَاتٍ على نيق

3 -

أفنى تلادي .............

...................... إلى آخره

(5)

4 -

كأَنَّهُن وَأَيْدِي الشّرْب مُعْمَلَة

إذَا تَلَألَأْنَ فيِ أَيْدِي الغَرَانِيقِ

5 -

بناتُ مَاء مغائيص جَآْجئهَا

حمرٌ مَنَاقِيرُها صُفْرُ الحَمَالِيقِ

6 -

أَيْدِي سُقاة تَهُزُّ الدَّهْرَ مُعْمِلَةٌ

كَأَنَّمَا أوْبُهَا رَجْعُ المَخَارِيِقِ

7 -

تِلْكَ اللَّذَاذَةُ مَا لَمْ تَأْتِ فاحِشَةٌ

أَو تَرْم فِيهَا بسَهْمٍ سَاقِطِ الفُوقِ

8 -

عَلَيكَ كُلّ فَتًى سَمْحٍ خَلَائِقُهُ

مَحْضِ العُرُوقِ كَرِيم غيرِ مَمْذُوقِ

9 -

وَلَا تُصَاحِبْ لَئِيمًا فِيهِ مَقْرِفَةٌ

ولا تَزُورَنّ أصْحَابَ الدَّوَانِيقِ

10 -

لا تَشْرَبَنْ أَبَدًا رَاحًا مُسَارَقَةً

إلا مَعَ الغُرِّ أبْنَاء البَطارِيِقِ

1 -

قوله: "الصيد" بكسر الصاد المهملة؛ جمع أصيد وهو الملك، و"العماليق": جمع عملاق، وهم قوم من ولد عمليق بن لاوذ بن أورم بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام، وهم أمم تفرقوا في البلاد، وأراد بهم الملوك.

(1)

أوضح المسالك (2/ 244).

(2)

البيت من بحر البسيط، وهو من قصيدة للأقيشر الأسدي، وكلها في النصح والتوجيه والفخر، وانظر الشاهد في الإنصاف (233)، والمغني (536)، والأغاني (11/ 259)، والخزانة (4/ 391)، والدرر (5/ 256)، وشرح التصريح (2/ 64)، وشرح شواهد المغني (891).

(3)

من المعمرين، ولد في الجاهلية، وكان ماجنا فاسقًا مدمنًا للخمر (ت 80 هـ)، الخزانة (4/ 487).

(4)

الأغاني (11/ 259)، والخزانة (4/ 391)، وشرح شواهد المغني (891).

(5)

هذا البيت سقط في (ب).

ص: 1403

2 -

قوله: "بالطَّفِّ" بفتح الطاء وتشديد الفاء، وهو اسم موضع بناحية الكوفة، قوله:"على نيق" بكسر النون وسكون الياء آخر الحروف، وهو أرفع موضع في الجبل.

3 -

قوله: "تلادي" بكسر التاء المثناة من فوق، وهو المال القديم من تراث وغيره، قوله:"من نشب" بفتح النون والشين المعجمة وفي آخره باء موحدة، وهو المال الثابت كالدار ونحوها.

و"القواقيز" بالقافين والزاي المعجمة، وهي ضرب من الرواظيم، وهي الكؤوس الصغار، وهي جمع قازوزة، وقد قالوا: قازوزة، وجمعها قواقيز، وقال الجوهري: القازوزة: مشربة، وهي قدح ولا تقل قاقُزَّة

(1)

، وقال ابن السكيت: وأما القاقزة فمولدة، و"الأباريق": جمع إبريق، والأباريق ذات العرى، والأكواب: التي لا عرى لها.

4 -

و"الغرانيق": جمع غرنوق، وغرانق - أيضًا، وهو الشاب الناعم، والغرانيق - أيضًا: جمع غُرنيق، وهو طير طويل العنق يأوي [إلى]

(2)

المياه.

5 -

و"مغائيص": جمع غائص على غير قياس، و"الجآجئ" جمع جؤجؤ وهو المصدر، و"الحماليق" بالحاء المهملة؛ جمع حملاق وهو باطن الأجفان الَّذي

(3)

يسوده الكحل، ويقال: ما غطته الأجفان من بياض المقلة.

6 -

قوله: "أوبها" أي: رجوعها، و"المخاريق" بالخاء المعجمة؛ جمع مخراق، وهو البرق.

7 -

و"الفوق" بضم الفاء؛ موضع الوتر من القوس

(4)

.

8 -

قوله: "خلائقه": جمع خليقة وهي الطبيعة، قوله:"محض العروق" أي: خالص العروق، قوله:"غير ممذوق" بالذال المعجمة؛ أي: غير مختلط وهو المخلص.

9 -

قوله: "مقرفة" بالقاف قبل الفاء؛ من الإقراف، والمقرف: الَّذي أمه عربية وأبوه ليس كذلك، والإقراف يكون من قبل الفحل، والهجنة من قبل الأم، و"الدوانيق": جمع دافق وهو مشهور، ويقال للمهزول الساقط - أيضًا: دانق، وأراد بها هاهنا أصحاب النفوس الدنيئة من البخلاء؛ لأنهم يحررون على دانق تحريرًا عظيمًا.

10 -

و"الراح" الخمر، و"الغر" بضم الغين المعجمة جمع أغر، وهو الرجل الشريف، و"البطاريق": جمع بطريق، وهو الَّذي مرتبته دون مرتبة الملك.

(1)

الصحاح مادة: "قزز".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

في (أ): التي.

(4)

في (أ): السهم.

ص: 1404

الإعراب:

قوله: "أفنى": فعل ماض، وفاعله قوله:"قرع القواقيز"، و"تلادي": كلام إضافي مفعوله، قوله:"وما جمعت": عطف على قوله: "تلادي" أي: والذي جمعته، ومن للبيان، قوله:"قرم القواقيز": مصدر ترعت أضيف إلى فاعله، قوله:"أفواه الأباريق": مفعوله.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "قرع القواقيز" فإن القواقيز مخفوضة في اللفظ، مرفوعة في المعنى، ويروى: قرع القواقيز أفواه الأباريق على أن يكون القواقيز هي المفعولة في المعنى، و"الأفواه" هي الفاعلة؛ لأن من قرعك فقد ترعته، فيكون إضافة المصدر هنا إلى المفعول، وعلى الوجه الأول هي إضافة إلى الفاعل، ولم يقع في القرآن مصدر مضاف إلى المفعول ومعه الفاعل إلا قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، فحج مصدر، والبيت مفعول في المعنى وقد أضيف المصدر إليه، و"من" هي الفاعلة، والتقدير: ولله على الناس أن يحج البيت من استطاع إليه سبيلًا. فافهم

(1)

.

‌الشاهد العاشر بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

حتَّى تَهَجَّرَ في الرَّوَاحِ وَهَاجَهَا

طلَبَ المُعَقِّبِ حَقَّهُ المَظْلُومُ

أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة بن عامر العامري، يصف حمارًا وأتانه قد كانا في خصب زمانًا، حتَّى إذا هاج النبات ونضب أكثر العيون وخاف أن ترشقه سهام من القناص، أسرع مع أتانه إلى [كل]

(4)

نجد، يرجوان فيه أطيب الكلأ وأهنأ الورد، وقبله قوله

(5)

:

1 -

أو مِسْحَلٍ شَنِجٍ عِضَادَةَ سَمْحَجٍ

بسَرَاتهِ نَدَبٌ لَهَا وكُلُومُ

(1)

هو شاهد على إضافة المصدر إلى مفعوله ثم مجيء فاعله، وقد خصه بعضهم بالضرورة وبعضهم أطلق جوازه.

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 289)، وارتشاف الضرب (3/ 174)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 118)، والتصريح بمضمون التوضيح (2/ 63).

(2)

ابن الناظم (162)، وأوضح المسالك (2/ 246)، وشرح ابن عقيل (3/ 104)"صبيح".

(3)

البيت من بحر الكامل من قصيدة للبيد بن ربيعة العامري يصف أطلالًا كما يصف البقرة الوحشية، وفي آخرها يفتخر، وانظر بيت الشاهد في ابن يعيش (2/ 42، 46)، والإنصاف (332)، والخزانة (2/ 245)، والدرر (6/ 118)، والخزانة (8/ 134)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 145)، والديوان بشرح الطوسي (186).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

الديوان (185) وما بعدها، بشرح الطوسي، دار الكتاب العربي، و (151)، ط. دار صادر.

ص: 1405

2 -

يُوفيِ وَيَرْتَقِبُ النَّجَادَ كَأَنَّهُ

ذو إرْبَةٍ كُلَّ المَرَامِ يَرُومُ

3 -

قَرْبًا يَشُجُّ بِهَا الحُزُونَ عَشِيَّةً

رَبِذٌ كَمِقْلَاةِ الوَلِيدِ شَتِيمُ

3 -

حتَّى تَهَجَّرَ فيِ الرَّوَاحِ وَهَاجَهَا

طلَب المُعَقِّبِ حَقَّهُ المَظْلُومُ

وهي من الكامل.

1 -

قوله: "أو مسحل" بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الحاء المهملة، وهو الحمار الوحشي، و"شنج" بفتح الشين المعجمة وكسر النون وفي آخره جيم؛ أي: منقبض مجتمع.

قوله: "سمحج" بفتح السين [المهملة]

(1)

وسكون الميم وفتح الحاء المهملة وفي آخره جيم، وهي الأتان الطويل الظهر، وكذلك الفرس، ولا يقال للذكر، قوله:"بسراته" أي: بظهره، و"ندب" أي: أثر، و"كلوم" أي: جراح؛ جمع كلم بفتح الكاف؛ من عض الحمر إياه.

2 -

[قوله: "النجاد" بكسر النون؛ جمع نجد، وهو ما ارتفع من الأرض]

(2)

، قوله:"إربة" بكسر الهمزة؛ أي: حاجة، قوله:"يروم" أي يطلب.

3 -

قوله: [أقُرَبًا] بفتحتين، وهي الليلة التي يرد الماء في صبيحتها، قوله: "]

(3)

يشج": من شججت المفازة: قطعتها، ومادته شين معجمة وجيمان، و"الحزون" بضم الحاء المهملة؛ جمع حزن وهو ما غلظ من الأرض.

قوله: "رَبِذ"

(4)

بفتح الراء وكسر الباء الموحدة وفي آخره [ذال معجمة؛ أي: سريع خفيف القوائم في مشيه، قوله: "كمقلاة الوليد" أي: الصبي، والمقلاة بكسر]

(5)

الميم؛ عصية يتخذها الصبي من أصلب العيدان ليضرب بها القلة، والقلة: الخشيبة الصغيرة التي تنصب شبه الحمار بها في نزوه نشاطًا وخفة، قوله:"شتيم" بفتح الشين المعجمة وكسر التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف، وهو كريه الوجه.

4 -

قوله: "حتَّى تهجر" أي: حتَّى صار هذا المسحل في الهاجرة مع أتانه، ويقال: هجر -أيضًا- إذا ارتحل في وقت الهاجرة، ويقال للهاجرة: الهجير والهجر - أيضًا، وذلك نصف النهار، قوله:"وهاجها" أي: العير هاج الأتان في وقت الرواح لطلب الماء، ويروى: هاجه على إرادة العير، يقال: هاج الشيء؛ أي: ثار، وهاجه غيره يتعدى ولا يتعدى، قوله:"المعقب" بضم

(1)

و

(2)

و

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

في (ب): زبد بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة وفي آخره ميم والأصح هو ما أثبته بالنص.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1406

الميم وفتح العين المهملة وتشديد القاف؛ من عقّب في الأمر إذا تردد في طلبه مُجِدًّا، قاله الجوهري

(1)

وقال غيره: المعقب: الغريم الطالب لأنه يأتي في عقب غريمه.

الإعراب:

قوله: "حتَّى تهجر" حتَّى للغاية، و"تهجر": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه العائد إلى المسحل، قوله:"في الرواح" المضاف فيه محذوف؛ أي في وقت الرواح، قوله:"وهاجها": عطف على تهجر، والضمير المنصوب فيه يرجع إلى الأتان.

قوله: "طلب المعقب": كلام إضافي منصوب بنزع الخافض، والتقدير: هاجه الطلب مثل طلب المعقب، و"حقه": منصوب لأنه مفعول للمصدر قوله: طلب.

قوله: "المظلوم" مرفوع لأنه، صفة للمعقب [في المعنى]

(2)

؛ لأن المعقب وإن كان مجرورًا في اللفظ لأجل الإضافة، ولكنه مرفوع في المعنى لأنه فاعل، والتقدور: كما طلب المعقب حقه المظلوم، وقال أبو حاتم: المظلوم جار على المضمر الَّذي في المعقب؛ كأنه يذهب إلى أنَّه بدل اشتمال من الضمير الفاعل الَّذي في المعقب، ويقال: إن المظلوم فاعل لقوله: حقه، وحقه: فعل ماض، والهاء مفعوله.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "المظلوم" حيث رفع على المحل كما قررناه فافهم

(3)

.

‌الشاهد الحادي عشر بعد السبعمائة

(4)

،

(5)

السَّالِكُ الثَّغْرَةَ اليَقْظَانَ سَالِكها

مَشْيَ الهَلُوكِ عليها الخيعَلُ الفُضُلُ

أقول: قائله هو المتنخل الهذلي

(6)

، واسمه مالك بن عويمر، وهو من قصيدة من البسيط،

(1)

الصحاح مادة: "عقب".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

في إتباع المصدر على المحل خلاف بين النحوين ينظر فيه الكتاب لسيبويه (1/ 191)، وابن يعيش (6/ 65، 67)، والارتشاف (3/ 177)، وينظر المساعد (2/ 237)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 120).

(4)

ابن الناظم (162).

(5)

البيت من بحر البسيط، من قصيدة للمتنخل الهذلي في رثاء ابنه وفيها يصفه بالشجاعة، ويتعجب من اعتداء الموت عليه، ومما قاله في شجاعته قوله:

التارك القرن مصفرًّا أنامله

كأنه من عقار قهوة ثمل

وانظر بيت الشاهد في الخصائص (2/ 167)، والخزانة (5/ 101)، والدرر (3/ 60)، وتذكرة النحاة (346)، وشرح أشعار الهذليين (1281)، ولسان العرب:"حفل".

(6)

شاعر محسن من شعراء هذيل، وهو جاهلي، والمتنخل لقبه. الخزانة (5/ 101).

ص: 1407

وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

مَا بَالُ عَينَيكَ أَمْسَتْ دَمْعُهَا خَضِلُ

كَمَا وَهِي سَربُ الأخْرَابِ مُنْبَذِلُ

2 -

لَا تَفْتَأُ اللَّيْلَ مِنْ دَمعٍ بِأَرْبَعَةٍ

كَأَنَّ إِنْسَانَهَا بالصَّاب مُكْتَحِلُ

3 -

تَبْكِي علَى رَجُلٍ لَمْ تَبْلَ جدَّتُهُ

خلَّى عليك فِجَاجًا بَينَهَا سُبُلُ

4 -

فَقَدْ عَجبتُ ومَا بالدَّهْرِ منْ عَجَبٍ

أني قُتلْتَ وأَنْتَ الحَازِمُ البطلُ

5 -

السالكُ الثغرة ...................

............................. إلى آخره

1 -

قوله: "خضل" بالمعجمتين؛ أي: نديّ، قوله:"وهي" أي: انشق، و"الأخراب" بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة؛ جمع خُرْبةٍ على غير قياس، وهي عرا المزادة، قوله:"منبذل" أي: منشق.

2 -

قوله: "لا تفتأ" أي: لا تزال، و"الصاب" بالصاد المهملة والباء الموحدة في آخره؛ شجر له لبن إذا أصاب العين حلبها كأنه شهاب نار، وربما أضعف البصر، وقال الأصمعي: هو شجر مرٌّ يكون بالغور.

3 -

قوله: "لم تبل جدته" أي لم ينتفع بشبابه، و:"الفجاج" جمع فج وهو الطريق.

4 -

و"البطل" الشجاع.

5 -

و"الثغرة" بضم الثاء المثلثة؛ كل ثنية قبلها خوف من الأعداء، قوله:"سالكها" ويروى: كالئها؛ أي: حافظها، أراد أن حافظها لا ينام من الخوف، و"الهلوك" بفتح الهاء وضم اللام وفي آخره كاف؛ المرأة الفاجرة المتساقطة، و"الخيعل" بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح العين المهملة وفي آخره لام، وهو ثوب يخاط أحد شقيه ويترك الآخر؛ كذا قاله في شرح الهذليات

(2)

، وذكر في شرح كتب النحو أن الخيعل قميص لا كم له، وقيل: قميص قصير.

و"الفضل" بضم الفاء والضاد المعجمة، وهو قميص تلبسه المرأة في بيتها؛ كذا ذكره الركني، وفي شرح الهذليات: الفضل هو الخيعل ليس تحته إزار، وهذا هو الصحيح.

الإعراب:

قوله: "السالك": مرفوع خبر بعد خبر لقوله: "وأنت الحازم البطل"، وقوله:"الثغرة": يجوز فيه النصب على المفعولية، والجر على الإضافة، وكذلك يجوز الوجهان في "اليقظان"

(1)

انظر القصيدة كلها في شرح أشعار الهذليين (1281)، وديوان الهذليين (2/ 33).

(2)

في شرح أشعار الهذليين (1281).

ص: 1408

لأنه صفة الثغرة، و"سالكها": فاعل اليقظان، والضمير فيه يرجع إلى الثغرة.

قوله: "مشي الهلوك": كلام إضافي منصوب بفعل مقدر، تقديره: يمشي مشي الهلوك، ولا يجوز أن يكون منصوبًا بالسالك؛ لأنه موصوف باليقظان، ولا يوصف الموصوف قبل تمامه؛ فلا يقال: مررت بالضارب الظريف زيدًا؛ بل بالضارب زيدًا الظريف، قوله:"الخيعل": مرفوع بأنه مبتدأ، و "عليها": مقدمًا خبره، والجملة حالية.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "الفضل" فإنه مرفوع لأنه صفة للهلوك على الموضع لأنه فاعل المشي، قلت: هذا إنما يتمشى على تفسير ابن الناظم الفضل بقوله: اللابسة ثوب الخلوة، وأما على التفسير الَّذي ذكرناه فهو صفة للخيعل؛ فلا يكون فيه استشهاد فافهم

(1)

.

‌الشاهد الثاني عشر بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

قد كُنْتُ دايَنْتُ بِهَا حَسَّانًا

مَخَافَةَ الإِفْلَاسِ والليَّانَا

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وقال أبو علي: قائله هو زياد العنبري، وزعم أنَّه وجد ذلك بخط مؤرّج السدوسي، أنشده إياها أبو الدّقَيش لزياد العنبري، وكذا قال ابن يعيش وهو الأصح.

وهو من الرجز المسدس، وبعده

(4)

:

يحُسْنِ بيْعَ الأصْلِ والقِيَانَا

............................

قوله: "داينت": من المداينة، وداينت فلانًا: عاملته فأعطيت دينًا وأخذت بدين، وبعته بدين؛ أي: بتأخير، و"حسان" اسم رجل.

قوله: "والليانا" بفتح اللام وكسرها، والفتح أكثر استعمالًا والكسر أقيس، وليس في المصادر فعلان بفتح الفاء وسكون العين إلا الليان فيمن فتح اللام، والشنآن فيمن سكن النون،

(1)

ينظر شرح التسهيل للمرادي (3/ 262 - 265).

(2)

ابن الناظم (162)، وأوضح المسالك (2/ 247)، وشرح ابن عقيل (3/ 105)"صبيح".

(3)

بيتان من بحر الرجز المشطور، من أرجوزة لرؤبة، منها هذا الشاهد المشهور:

أعرف منها الجيد والعينانا

...........................................

وانظر بيت الشاهد في ديوان رؤبة بن العجاج (187)، والكتاب (1/ 191، 192)، والمغني (476)، وابن يعيش (6/ 65)، وشرح شواهد المغني (869).

(4)

ديوانه (187).

ص: 1409

وقال أبو علي: الليان: الَّذي يلوي بالحق، يريد أنَّه من صفة الفاعل، وأنه أحق من المصدر؛ وكذا قال في الشنآن أنَّه صفة الفاعل، ويقال: الليان: المطل بالدين، قوله:"والقيانا" بالقاف؛ جمع قينة، وهي الأَمَةُ المغنية.

الإعراب:

قوله: "قد" للتحقيق، والتاء في "كنت" اسم كان، وخبره الجملة -أعني:"داينت بها"، قوله:"حسانًا" مفعول داينت، و"مخافة الإفلاس": كلام إضافي نصب على التعليل، قوله:"والليانا" بالنصب؛ عطف على موضع الإفلاس؛ لأن موضعه نصب لكونه مفعولًا في المعنى للمخافة الَّذي هو مصدر.

وفيه الاستشهاد:

ويجوز -أيضًا- النصب في "الليانا" من وجهين آخرين:

أحدهما: أنَّه يريد: ومخافة الليان؛ فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه في الإعراب.

والآخر: أن ينتصب على المفعول معه أي مخافة الإفلاس مع الليان، قوله:"يحسن": من الإحسان، و "بيع الأصل": مفعوله، و"القيانا": عطف على موضع الأصل كما في الليانا

(1)

.

(1)

قال سيبويه: "وتقول: عجبت من ضرب زيد وعمرو إذا شئت أشركت بينهما كما فعلت ذلك في الفاعل، ومن قال: هذا ضارب زيد وعمرًا، قال: عجبت له من ضرب زيد وعمرًا؛ كأنه أضمر ويضرب عمرًا أو ضرب عمرًا، قال رؤبة: (البيت) ". الكتاب (1/ 191)، وقال ابن يعيش: "إذا عطفت على ما خفض بالمصدر جاز لك في المعطوف وجهان: أحدهما: أن تحمله على اللفظ فتخفضه وهو الوجه، والآخر: أن تحمله على المعنى، فإن كان المخفوض مفعولًا في المعنى نصبت المعطوف، وإن كان فاعلًا رفعته فتقول: عجبت من ضرب زيد وعمرو، وإن شئت: وعمرًا؛ فهو بمنزلة قوله: هذا ضارب زيد وعمرو وعمرًا، وإنما كان الوجه الجر لتشاكل اللفظين واتفاق المعنيين، وإذا حملته على المعنى كان مردودًا على الأول في معناه وليس مشاكلًا له في لفظه، وإذا حصل اللفظ والمعنى كان أجود من حصول المعنى وحده، وإذا نصبت قدرت المصدر بالفعل كأنك قلت: عجبت من أن ضرب أو ومن أن يضرب ليتحقق لفظ الفاعل والمفعول، فأما قوله:(البيت) يحسن بيع الأصل والقيانا، الشعر لزيادة العنبري والشاهد فيه نصب الليان بالعطف على المعنى، وذلك كأنه قال: وتخاف الليان، ويجوز أن يكون معطوفًا على مخافة، والتقدير: مخافة الإفلاس ومخافة الليان، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وكذلك القيان هو منصوب على معنى الأصل؛ لأن المراد يحسن أن يبيع الأصل والقيان

والنعت في ذلك كالعطف في جواز الحمل على اللفظ والمعنى تقول فيه: عجبت من ضرب زيد الظريف بالخفض على اللفظ والظريف بالرفع على المعنى". ابن يعيش (6/ 65، 67).

ص: 1410

‌الشاهد الثالث عشر بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

تَنْفِي يَدَاهَا الحَصَى فِي كُلِّ هَاجرَةٍ

نَفْيَ الدَّرَاهِيمِ تَنْقَادُ الصَّيَارِيفِ

أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من البسيط.

قوله: "تنفي": من النفي بالنون والفاء، وفي المحكم: كل ما رددته فقد نفيته، ونفيت الدراهم: أبرزتها للانتقاد ثم أنشد البيت المذكور

(3)

، و"الهاجرة": وقت اشتداد الحر في وقت الظهيرة، قوله:"نفي الدراهيم" ويروى: نفي الدنانير؛ جمع دينار، وأصله دنّار بالتشديد، فأبدلت إحدى النونين ياء

(4)

كما في

(5)

:

تَقَضِّي البَازِي إِذَا البَازِي كَسَرْ

.....................................

أصله: تقضض

(6)

، والدراهيم: جمع درهام لا جمع درهم، فإن جمع درهم دراهم، ومن جعل الدراهيم جمع درهم، كان شاذًّا على غير قياس، والدرهم فارسي معرب، وكسر الهاء لغة، وربما قالوا درهام، قال الشاعر

(7)

:

لَوْ أنَّ عِنْدِي مَائَتَي دِرْهَامِ

لَجَازَ فيِ آفَاتِهَا خَاتَامِي

قوله: "الصياريف": جمع صيرف، ولكن لما أشبعت كسر الراء تولدت منها الياء.

الإعراب:

قوله: "تنفي": فعل مضارع، و "يداها": فاعله، و"الحصى" مفعوله، و"في كل هاجرة":

(1)

ابن الناظم (161)، وشرح ابن عقيل (3/ 102)"صبيح".

(2)

البيت من بحر البسيط، منسوب للفرزدق في مراجعه غير أنَّه ليس موجودًا في ديوانه على اختلاف طبعاته (دار صادر، ودار الكتب العلمية، وغيرها)، وانظره في الكتاب لسيبويه (1/ 28)، واللسان:"صرف"، والمقتضب (2/ 258)، والإنصاف (27) والخزانة (4/ 424).

(3)

لم نستطع العثور عليه في المحكم ولا غيره من مؤلفات ابن سيده.

(4)

ينظر الممتع لابن عصفور (371).

(5)

هو بيت من الرجز للعجاج من أرجوزة طويلة، وقبل بيت الشاهد قوله في وصف البازي أيضًا:

...............................

دانى صاحبه من السطور فمر

وهو في ديوان العجاج (1/ 42)، تحقيق: عبد الحفيظ السطلي، وبيت الشاهد في الممتع لابن عصفور (1/ 374)، وهو شاهد على إبدال الياء من الضاد، وبعده:

تقضي البازي إذا البازي كسر

............................................

(6)

ينظر الممتع لابن عصفور (1/ 374).

(7)

بيتان من الرجز غير منسوبين لأحد، وانظرهما في الصحاح للجوهري:"درهم".

ص: 1411

يتعلق بتنفي، قوله:"نفي الدراهيم": كلام إضافي منصوب بنزع الخافض، تقديره: تنفي الحصى يداها نفيًا كنفي الدراهيم، والنفي مصدر مضاف إلى مفعوله.

قوله: "تنقاد": فاعله، وتنقاد -أيضًا- مصدر على وزن تَفْعَال كترداد، و"الصياريف": فاعل به مجرور بالإضافة، وفي شرح الكتاب: ويجوز نصب التنقاد ورفع الدراهيم في المحل على القلب من حيث أمن اللبس، فيكون ذلك كقوله

(1)

:

............................

......... أوْ بَلَغَتْ سوْءَاتِهِمْ هَجْرُ

وهجر لا تبلغ السوءات.

الاستشهاد فيه:

حيث أضيف المصدر إلى مفعوله ثم رفع الفاعل؛ كما في قولك: عجبت من شرب العسل زيد، وقيل: إن هذا مختص بالضرورة

(2)

.

‌الشاهد الرابع عشر بعد السبعمائة

(3)

،

(4)

يَمُرُّونَ بِالدَّهْنَا خِفَافًا عِيَابُهُمْ

وَيَخْرُجْنَ مِنْ دَارَيْنِ بُجْرَ الحقَائِبِ

عَلَى حينَ أَلْهَى النَّاسَ جُلُّ أُمُورِهِمْ

فَنَدْلًا زُرَيْق المال نَدْلَ الثَّعَالِبِ

أقول: قائله هو الأحوص، أو أعشى همدان على الاختلاف، وقد مَرَّ الكلام فيه مستوفًى في شواهد المفعول المطلق

(5)

.

والاستشهاد فيه هاهنا:

في قوله: "فندلًا" فإنه بدل من اندل الَّذي هو أمر من ندل يندل إذا نقل واختلس،

(1)

جزء بيت من بحر البسيط، وهو للأخطل يهجو جريرًا، وأصله:

مثل القنافذ هداجون قد بلغت

نجران أو بلغت سوآتهم هجر

وقبله:

أما كليب بن يربوع فليس لها

عند التفاخر إيراد ولا صبر

يخالفون ويعصى الناس أمرهم

وهم بغيب وفي عمياء ما شعروا

(2)

ينظر الشاهد رقم (709).

(3)

ابن الناظم (162).

(4)

البيتان من بحر الطويل، وهما في ديوان الأحوص 371)، وقد مضى الحديث عنها وذكر مراجعهما مفصلة في الشاهد رقم (443)، ومن مراجعهما شرح عمدة الحافظ (697)، واللسان مادة:"وقع".

(5)

ينظر الشاهد رقم (443).

ص: 1412

والمصدر إذا كان بدلًا من اللفظ بالفعل، يعمل عمل الفعل لأنه يقوم مقامه، فلذلك احتمل فيه هاهنا ضمير الفاعل، ونصب المفعول وهو قوله:"المال"؛ لأن تقدير قوله: "فندلًا زريق المال": اندل يا زريق المال كندل الثعالب

(1)

.

‌الشاهد الخامس عشر بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

فإنكَ وَالتَّأْبِينَ عُروَةَ بَعْدَمَا

دَعَاك وأَيْدِينَا إِلَيكَ شَوَارِعُ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وبعده بيت آخر:

2 -

لكالرَّجُلْ الحَادِي وَقَدْ تَلَعَ الضُّحَى

وطَيرُ المَنَايَا فَوْقَهُنّ أَوَاقِعُ

وهما من الطويل.

قوله: "والتأبين": من أبنت الرجل رقبته، وقال الأصمعي: التأبين: أن تقفو أثر الشيء، قوله:"دعاك": من دعا بالدال المهملة، وقد ضبطه بعضهم "وعاك" من الوعي وهو الحفظ، يقال: وعيت الحديث والكلام، و"شوارع": جمع شارعة، أي: ممتدة، قوله:"الحادي": من الحدو، وهو سوق الإبل والغناء لها، قوله:"وتلع الضحى" أي: ارتفع، ومادته تاء مثناة من فوق ولام وعين مهملة، قوله:"أواقع" أصله: وواقع لأنه جمع واقعة؛ فأبدلت الواو همزة.

الإعراب:

قوله: "فإنك" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، وإن: حرف من الحروف المشبهة بالفعل، والكاف اسمه، وخبره في البيت الثاني، وهو قوله:"لكالرجل الحادي".

قوله: "والتأبين": نصب على أنَّه مفعول معه، و"عروة": نصب على أنَّه مفعول المصدر، أعني: التأبين، و "بعد" نصب على الظرف، وما مصدرية، قوله:"دعاك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله:"وأيدينا": كلام إضافي مبتدأ، و"شوارع": خبره، والجملة في محل النصب على الحال.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "والتأبين عروة" حيث نصب التأبين عروة، وهو مصدر معرف بالألف واللام

(4)

.

(1)

ينظر الأشموني بحاشية الصبان (2/ 385).

(2)

شرح ابن عقيل (3/ 96)"صبيح".

(3)

البيت من بحر البسيط، غير منسوب لأحد، وهو في شرح عمدة الحافظ (697)، وشرح الأشموني (2/ 284)، واللسان مادة:"وقع"، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (571).

(4)

هو من أعمال المصدر القليل، ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 284).

ص: 1413

‌الشاهد السادس عشر بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

إِذَا صَحَّ عَوْنُ الله ألمَرْءَ لَمْ يَجِدْ

عَسِيرًا من الآمالِ إلا مُيَسَّرًا

أقول: أنشده الأصمعي ولم يعزه إلى قائله، وهو من الطويل.

قوله: "عون الله ألمرء" بإظهار الهمزة في أول المرء لأجل الوزن، ويروى: إذا صح عون الخالق المرء، وهذه أصح، و"الآمال" بالمد؛ جمع أمل وهو الرجاء.

الإعراب:

قوله: "إذا": للشرط، وقوله:"صح عون اللَّه": جملة من الفعل والفاعل و"ألمرء": مفعوله، وقعت فعل الشرط، وقوله:"لم يجد"؛ جواب الشرط، قوله:"عسيرًا" مفعول لم يجد، وقوله:"من الآمال": جار ومجرور في محل النصب لأنها صفة لعسيرًا أي: عسيرًا كائنًا من الآمال، قوله:"إلا ميسرًا": استثناء من "عسيرًا".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "عون اللَّه ألمرء" فإن لفظ العون مصدر أضيف إلى فاعله، ونصب المرء على المفعولية، وإنما قلنا: إن لفظة: "عون" مصدر لأنه بمعنى الإعانة، والمصدر الَّذي حذفت منه همزته أو غيرها يعمل عمل فعله، ومنه قول حسان بن ثابت - رضي الله تعالى عنه

(3)

:

لِأَنَّ ثَوَابَ الله كُلَّ مُوَحِّدٍ

جِنَانٌ مِنَ الفِرْدَوْسِ فِيهَا يُخَلَّدُ

فإن الثواب بمعنى الإثابة فافهم

(4)

.

(1)

شرح ابن عقيل (2/ 100)"صبيح".

(2)

البيت من بحر الطويل، وهو لقائل مجهول، وليست له مراجع كثيرة؛ إلا ما ذكر العيني وابن عقيل، وانظر معجم شواهد النحو الشعرية (84، 414).

(3)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة قالها حسان للنبي صلى الله عليه وسلم مادحًا، ومطلعها:

شق له من اسمه ليعزه

فذو العرش محمود وهذا محمد

نبي أتانا بعد يأس وفترة

من الرسل والأوثان في الأرض تعبد

ينظر ديوان حسان (339)، طبعة الهيئة العامة للكتاب، تحقيق: د. سيد حنفي.

(4)

ينظر إضافة المصدر إلى فاعله في شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 288) وحاشية الخضري على ابن عقيل (2/ 23).

ص: 1414

‌الشاهد السابع عشر بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

بعِشْرَتِكَ الكِرَامَ تُعَدُّ مِنْهُمْ

فَلا تُرِيَنْ لِغَيْرهِمُ الوَفَاءَ

أقول: هو من الوافر، المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "بعشرتك " الباء تتعلق بقوله: "تعد"، و"العشرة ": مصدر مضاف إلى فاعله، و"الكرام": مفعوله.

قوله: "تعد" على صيغة المجهول؛ جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل، و"منهم": يتعلق به، قوله:"فلا ترين" الفاء جواب شرط محذوت تقديره: إذا كان الأمر كذلك فلا ترين، وهو جملة من الفعل والفاعل دخلها نون التأكيد المخففة، وقوله:"الوفاء" بالنصب؛ مفعولها، واللام في "لغيرهم" يتعلق بها.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بعشرتك الكرام" فإن لفظ العشرة نصب الكرام؛ لأنه بمعنى المعاشرة، وهو مصدر عَمل عَمَل فعله؛ حيث رفع الفاعل ونصب المفعول، أعني: الكرام؛ كما ذكرنا

(3)

.

‌الشاهد الثامن عشر بعد السبعمائة

(4)

،

(5)

يُحَايِي بهِ الجَلْدُ الَّذي هو حازِمٌ

بِضَرْبَةِ كَفَّيهِ المَلا نَفْسَ رَاكِبِ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.

قوله: "يحايي": بمعنى يحيي؛ من الإحياء، قوله:"الجلد" أي: القوي الصلب، و"الحازم": الضابط، قوله:"الملا" بفتح الميم، مقصور، وهو البري، وأراد به التراب، قوله:"يحايي به" أي: بالماء، يصف مسافرًا معه ماء فتيمم وأحيا بالماء نفس راكب كاد يموت عطشًا.

(1)

شرح ابن عقيل (3/ 100)"صبيح".

(2)

البيت من بحر الوافر، مجهول القائل، ومراجعه قليلة وهي شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 288)، ومعجم شواهد النحو الشعرية (25، 261).

(3)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 288).

(4)

توضيح المقاصد (3/ 7).

(5)

البيت من بحر الطويل، وهو لقائل مجهول، وانظره في حاشية يس (2/ 62)، والدرر (5/ 243)، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 286)، وهمع الهوامع (2/ 92)، ومعجم شواهد النحو الشعرية (40، 298).

ص: 1415

الإعراب:

قوله: "يحاصى": فعل، وقوله:"الجلد": فاعله، وقوله:"به" الباء فيه للاستعانة أو للسبب، والمضمر يرجع إلى الماء كما ذكرناه، قوله:"الَّذي هو حازم": موصول مع صلته، والجملة من المبتدأ والخبر صفة للجلد، قوله:"بضربة": يتعلق بقوله: "يحايي"، ويجوز أن يتعلق بقوله:"حازم"، وهو مصدر مضاف إلى فاعله، و"الملا" مفعوله، قوله:"نفس راكب": كلام إضافي منصوب بقوله: "يحايي".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "بضربة كفيه" فإن ضربة مصدر محدود أضيف إلى فاعله، ونصب الملا وهو مفعوله، وهو شاذ لأن المصدر المحدود لا يعمل، فإذا ورد حكم بشذوذه

(1)

.

* * *

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 286) والعلة في منع المصدر المحدود من العمل هي أن صيغته حينئذ هي الصيغة التي هي أصل الفعل.

ص: 1416

‌شواهد إعمال اسم الفاعل

‌الشاهد التاسع عشر بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْمًا لِيُوهِنَهَا

فَلَمْ يضِرْهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ

أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها قوله

(3)

:

1 -

وَدّعْ هُرَيْرَةَ إِنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلٌ

وهل تُطِيقُ وَدَاعًا أَيُّهَا الرجلُ

إلى أن قال:

2 -

تُغْرِي بِنَا رهطَ مسعُودٍ وأخوتهِ

يومَ اللقاءِ فَتَرْدَى ثُمَّ تَعْتَزِلُ

3 -

أَلَسْتَ مُنْتَهِيًا عن نحتِ أَثْلَتِنَا

وَلَسْتَ ضائرَهَا ما أطّتِ الإِبِلُ

4 -

كَنَاطِح صَخْرَةً ..............

.................... إلى آخره

[وهو من البسيط]

(4)

.

3 -

قوله: "أطت الإبل": من أطيط الإبل، وهو نقيض جلودها عند الحكة [و"النقيض" بفتح النون وكسر القاف وفي آخره ضاد معجمة، وهو صوت النسع والرحل والمفاصل والأضلاع]

(5)

.

4 -

قوله: "ليوهنها" أي: ليزعزعها من مكانها، ويروى: ليفلقها، أي: ليشقها، قوله: "فلم

(1)

ابن الناظم (163)، وأوضح المسالك (2/ 249)، وشرح ابن عقيل (3/ 109)"صبيح".

(2)

البيت من بحر البسيط، من قصيدة للأعشى سبق الحديث عنها، انظر الشاهد رقم (575) يعاتب فيها يزيد ابن مسهر الشيباني، وانظر بيت الشاهد في شرح التصريح (2/ 66)، والأغاني (9/ 149)، والرد على النحاة (74)، وشرح شذور الذهب (390)، والأشموني (2/ 295)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (700).

(3)

ينظر الديوان (145) وما بعدها، ط. دار الكاتب العربي، و (91) بشرح وتعليق د. محمد محمد حسين، جامعة الإسكندرية.

(4)

و

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1417

يضرها": من ضار يضير ضيرًا بمعنى: ضره يضره ضرًّا، قوله: "وأوهى" من أوهيت الجلد إذا خرقته، يقال: وهي الجلد يهي إذا خرق، قوله: "الوعل" بفتح الواو وسكون العين المهملة وكسرها، وهو الأيَّل [وهو تيس الجبل]

(1)

.

والمعنى: أنك تكلف نفسك ما لا تصل إليه ويرجع ضرره عليك.

الإعراب:

قوله: "كناطح": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: أنت كوعل ناطح، و"صخرة": منصوب لأنه مفعول اسم الفاعل، و "يومًا": نصب على الظرف، قوله:"ليوهنها" اللام للتعليل، ويوهن منصوب بأن المقدرة، وقوله:"فلم يضرها" جملة معطوفة على الجملة الأولى.

قوله: "وأوهى": فعل ماض، وقوله:"الوعل": فاعله، وقوله:"قرنه": كلام إضافي مفعوله، والضمير فيه يرجع إلى الوعل، وليس بإضمار قبل الذكر؛ لأنه وإن كان مقدمًا في الذكر ففي الرتبة مؤخر.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "كناطح" فإنه اسم فاعل عَمِل عَمَل فعله لاعتماده على موصوف مقدر؛ لأن تقديره: كوعل ناطح كما ذكرناه، والاعتماد على الموصوف المقدر كالاعتماد على الموصوف الظاهر

(2)

.

‌الشاهد العشرون بعد السبعمائة

(3)

،

(4)

وَكَمْ مَالِئٍ عَيْنَيْهِ مِنْ شَيءِ غيرِه

إذا راحَ نحوَ الجَمْرَةِ البيضُ كالدُّمي

أقول: قائله هو عمر بن أبي ربيعة، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

وكمْ من قتيلٍ لا يُباءُ به دمٌ

ومنْ غَلِقٍ رهنًا إذا لفّهُ مِنَى

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ينظر ارتشاف الضرب (3/ 184)، وأوضح المسالك بمصباح المسالك (3/ 181، 182) وشرح جمل الزجاجي "الكبير" لابن عصفور (1/ 550، 551). ويعمل اسم الفاعل المجرد من "أل" عمل فعله بشرط: أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال، فإن كان بمعنى المضي لم يعمل إلا عند الكسائي الَّذي استدل على جواز إعماله بقول الله تعالى:{وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} [الكهف: 18]- ووافقه في ذلك هشام وابن مضاء، ورد بأنه حكاية حال ماضية.

(3)

ابن الناظم (163)، وشرح ابن عقيل (3/ 108)"صبيح".

(4)

البيت من بحر الطويل، من قصيدة لعمر بن أبي ربيعة، في الغزل، قالها في حجاج بيت الله، وتعرض لهن وهن يرمين الجمرات، والبيت في ديوانه (26)، والكتاب (1/ 165).

(5)

ينظر الديوان (26، 27) بشرح عبدأ علي مهنا.

ص: 1418

2 -

وكَمْ مَالِئٍ ...................

....................... إلى آخره

3 -

يسحبنَ أذيال المُرُوطِ بأسوُقٍ

خدال إذا ولّينَ أَعْجَازَهَا رِوَى

4 -

أوانسُ يسلُبْنَ الحليمَ فؤادَهُ

فيا طولَ ما شوقٍ ويا حسنَ مُجْتَلَى

5 -

مع الليلِ قَصْرًا رميُهَا بأكُفِّهَا

ثلاثَ أَسَابيع تُعَدُّ من الحصَى

6 -

فلمْ أَرَ كالتجْميرِ مَنْظَرَ نَاظِرٍ

ولا كليالي الحجِّ أَفْلَتْنَ ذا هوى

وقد قالها عمر بن أبي ربيعة في بنت مروان بن الحكم، ولها قصة أضربنا عنها لطولها.

1 -

قوله: "لا يباء به دم" أي: لا يقتص به، قوله:"من غلق" بفتح الغين المعجمة وكسر اللام، يقال: غلِق الرهن إذا استوجبه المرتهن فذهب به، وكانت الجاهلية تعمل به فيرهن الرجل عند الرجل رهنًا، ويقول: إن جئتك بمالك إلى وقت كذا وإلا فالرهن لك، فإذا جاء الوقت قالوا: غلق رهن فلان إذا استحقه المرتهن فأخذه، فنفى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم[بقوله]

(1)

:

"لا يغلق الرهن"

(2)

، والحديث أخرجه الدارقطني وغيره.

2 -

قوله: "وكم مالئ": اسم فاعل من ملأ يملأ، قوله:"إذا راح": من الرواح بالعشيّ، وأراد بالجمرة الجمار التي ترمى بمنى، ورمي الجمار فيها بعد الزوال، وقبل الصلاة، وواحد الجمار جمرة، وقيل: المراد بالجمرة هنا الموضع؛ سمي بذلك لاجتماع الجمار فيه، وهي الحجارة التي يرمى بها، قوله:"البيض" بكسر الباء الموحدة؛ جمع بيضاء، وأراد بها النساء الحسان، قوله:"كالدمي" بضم الدال المهملة؛ جمع دمية وهي الصورة التي ينقشها النقاش، والمعنى: كم رجل أيام منى ينظر إلى النساء الحسان ممتلئة

(3)

عيناه مما لا يملك إذا رحن إلى رمي الجمار لا يفيد نظره شيئًا، وشبه البيض [بالدمي]

(4)

في حسنها وبياضها وجودة صورتها؛ لأن

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

الحديث في موطأ مالك برقم (1217) قَال يَحْيَى حَدَّثَنَا مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيبِ: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ".

وأيضًا في سنن ابن ماجة برقم (2432) ونصه: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيِّدٍ حَدَّثَنَا إبْرَاهيمُ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ".

وفي سنن الدارقطني برقم (2959) ونصه: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحسَين بنِ سَعِيْدٍ الْهَمَذَانِيُّ الْجَبَّانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ هِشَامٍ الْقَوَّاسُ حَدَّثَنَا بِشْرْ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِي حَدَّثَنَا أَبُو عِصْمَةَ عَن مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَغْلَقُ الرَّهْنُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ". أَبُو عِصْمَةَ وَبِشْرٌ ضَعِيفَانِ وَلا يَصِحُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنْ عَمْرٍو".

(3)

في (أ): مملوءة.

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1419

الصانع لها لا يبقى غاية في تحسينها وتلطف شكلها وتخططها، ويراد أيضًا مع ذلك السكينة والوقار.

3 -

قوله: "أذيال المروط" الأذيال: جمع ذيل، والمروط: جمع مرط -بكسر الميم وهو المئزر من الخز هاهنا، و"الأسوق": جمع ساق، و"خدال" بكسر الخاء وبالدال المهملة؛ جمع خدلاء، وهي الممتلئة الساقين والذراعين، قوله:"رِوى" بكسر الراء؛ من قولهم: ماء روي؛ أي: عذب.

6 -

قوله: "ذا هوى" أي: ذا عشق ومحبة.

الإعراب:

قوله: "وكم مالئ" كم خبرية في موضع رفع بالابتداء، والخبر محذوف، والتقدير: لا يفيد نظره شيئًا، وهذه الجملة في موضع الخبر، وهذا التقدير أَوْلى من تقدير بعضهم كائن أو موجود. قوله:"مالئ عينه": كلام إضافي، قوله:"من شيء غيره"[بإضافة شيء إلى غيره]

(1)

يتعلق بمالئ، قوله:"إذا": ظرف فيه معنى الشرط، وجوابه محذوف سدَّ مسده الكلام [المتقدم، وتقديره؛ إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى ملأ عينيه، فملأ هو الجواب]

(2)

، ودل عليه قوله:"مالئ"، وهو العامل في "إذا"، "وراح" من أخوات كان يرفع الاسم وينصب الخبر، ولا تستعمل تامة وإنما تستعمل ناقصة داخلة على جملة، فالبيض اسمه، والخبر الظرف المتقدم وهو قوله:"نحو الجمرة"، والتقدير: إذا راح البيض كالدمي مستقرات نحو الجمرة أو كائنات، فالعامل في الظرف الاستقرار المحذوف أو الكون، ويروى بجر البيض بدلًا من شيء، فاسم راح مستتر يرجع إلى مالئ فافهم

(3)

.

قوله: "كالدمي" في موضع رفع على الصفة للبيض، لأن الألف واللام فيها للجنس وليست للعهد، والتقدير: إذا راح نحو الجمرة البيض مثل الدمي، ويحتمل أن تكون الكاف في موضع النصب على الحال من البيض وإن كانت الألف للجنس، لأن لفظها لفظ المعرفة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مالئ عينيه" حيث جاء بمالئ بالتنوين، ونصب عينيه، لأنه اعتمد على موصوف

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

كلام غير دقيق، حيث جعل راح ناقصة في البيت، وحكم بأنها تستعمل ناقصة أبدًا، والنحويون كابن مالك حكموا بأن راح وغدًا تامتان أبدًا، والمنصوب بعدهما حال، وغيره كابن عصفور ذكر أنهما يأتيان بالوجهين، وفي بيت الشاهد خاصة جاءت راح تامة لأنها تدل على إيقاع الفاعل مشيًا في الوقت الَّذي اشتقت منه، والمعنى: مشي البيض نحو الجمرة وقت الغدو. مع كتاب المقاصد (101).

ص: 1420

مقدر؛ لأن تقديره: وكم رجل مالئ؛ كما في البيت السابق

(1)

.

‌الشاهد الحادي والعشرون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

أخَا الحَرْبِ لبَّاسًا إليها جلالهَا

وليس بولَّاجِ الحَوَالِفِ أعقلَا

أقول: قائله هو القلاخ بن حَزْن بن جناب، وهو من قلخ البعير إذا هدر هديرًا صافيًا، ومادته قاف ولام وخاء معجمة، وقبل البيت:

1 -

فإنْ تَكُ فَاتْتَك السَّماءُ فإِنَّنِي

بأرفع مَا حَوْلِي مِنَ الأَرْضِ أَطْوَلَا

2 -

وأدنى فُرُوعًا للسَّمَاءِ أعالِيًا

وأمنعه حوضًا إذَا الورْدُ أَثْعَلَا

وهي من الطويل.

قوله: "فإن تك إلى آخره" يقول: إن لم تبلغ أنت أيها المخاطب الرتبة العلية فإنني أرفع من جميع ما يناسبني وأعلى ذكرًا، قوله:"أثعلا": من أثعل الأمر إذا عظم وكذلك [الجيش]

(4)

ومادته: ثاء مثلثة وعين مهملة ولام، قوله:"لباسًا": مبالغة لابس من اللبس، و"الجلال" بكسر الجيم؛ جمع جُل ويريد به هاهنا الدروع والجواثن، و"الولاج": مبالغة من والج من الولوج، وهو الدخول، و"الخوالف" بالخاء المعجمة؛ جمع خالفة وهي عماد البيت، والمراد به البيت، و"الأعقل" بالعين المهملة والقاف؛ الَّذي يضطرب رجلاه من وجع أو فزع، يريد أنَّه قوي النفس ثابت القدم في موضع الزلل، إذا حضر البأس والحرب لا يلج البيت مستترًا بل يظهر ويحارب.

الإعراب:

قوله: "بأرفع": خبر إن في قوله: "فإنني"، وقوله:"أطولا": نصب على الحال، وأراد: أطول من كل شيء، فحذف؛ أي: أنا بأرفع الأمكنة التي حولي طائلًا كل شيء.

وقوله: "أخا الحرب": كلام إضافي منصوب على الحال، وكذلك قوله:"لباسًا": حال

(1)

ينظر الشاهد رقم (719)، وينظر الكتاب لسيبويه (1/ 165).

(2)

ابن الناظم (164)، وتوضيح المقاصد (3/ 20)، وأوضح المسالك (2/ 250)، وشرح ابن عقيل (3/ 112)"صبيح".

(3)

البيت من بحر الطويل للقلاخ بن حزن. ينظر الكتاب (1/ 111)، وابن يعيش (6/ 70)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 79)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (1032)، وشواهد ابن عقيل (180).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1421

أخرى، وذو الحال هو الضمير في قوله:"فإنني"، وأراد بقوله:"أخا الحرب": مؤاخي الحرب وهو كناية عن ملازمته الحرب وأنه لا يفارقها، قوله:"جلالها": نصب بقوله "لباسًا".

قوله: "وليس": من الأفعال الناقصة، واسمه الضمير المستتر فيه، وقوله:"بولاج الخوالف": كلام إضافي خبر ليس، والباء فيه زائدة، قوله:"أعقلا": نصب لأنه خبر بعد خبر لليس، وهو غير منصرف وألفه للإطلاق.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "لباسًا" فإنه صيغة المبالغة للفاعل كما ذكرنا، وقد أعمل عمل فعله؛ حيث نصب جلالها كما يعمل اسم الفاعل الَّذي لغير المبالغة

(1)

.

‌الشاهد الثاني والعشرون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

عَشِيَّةَ سُعْدَى لوْ تَرَاءَتْ لِرَاهِبٍ

بِدُوْمَةَ تَجْرٌ عندهُ وحَجِيجُ

قَلَى دِينَهُ وَاهْتَاجَ للشَّوْقِ إِنَّهَا .... على الشَّوْقِ إِخْوَانَ العَزَاءِ هَيُوجُ

أقول: قائله هو الراعي، واسمه عبيد؛ كذا قال ابن الناظم، وفي شرح المقرب والجزولية: قائله أبو ذؤيب، والصحيح أنهما للراعي، نصَّ عليه ابن هشام اللخمي.

وهما من الطويل.

قوله: "سعدى": اسم محبوبته التي يتشبب بها، قوله:"بدومة" بضم الدال وسكون الواو وفتح الميم، وهو موضع فاصل بين الشام والعراق، على سبع مراحل من دمشق، وعلى ثلاث عشرة مرحلة من المدينة، وهي التي تسمى دومة الجندل.

(1)

ينظر الخلاف بين النحويين في إعمال صيغ المبالغة إعمال اسم الفاعل في الكتاب لسيبويه (1/ 111)، وشرح التسهيل للمرادي (3/ 181 - 186)، وينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 79، 80)، والمقتضب (2/ 113 - 117) مختصر، والخزانة (3/ 456 - 458)، وأمالي ابن الشجري (2/ 107)، والانتصار لابن ولاد (68 - 72)، وحاشية الصبان (2/ 296 - 298)، وارتشاف الضرب (3/ 113)، وهمع الهوامع (2/ 97).

(2)

ابن الناظم (164)، وشرح ابن عقيل (3/ 113)"صبيح".

(3)

البيتان من بحر الطويل، وهما للراعي النميري يمدح بهما خالد بن عبد الله بن خالد بن أسد؛ إلا أنَّه نسي المدح وتغزل في محبوبته طوال القصيدة، ومما قاله فيها بيت الشاهد:

ويوم لقيناها بيمني هجت

بقايا الصبا إن الفؤاد لجوج

وانظر بيت الشاهد في ديوانه (125) طبعة المجمع العلمي العراقي، وشرح أبيات سيبويه (1/ 15، 16)، واللسان مادة:"هيج" ونسب لأبي ذؤيب الهذلي في الكتاب لسيبويه (1/ 111).

ص: 1422

قوله: "تجر" بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الجيم؛ جمع تاجر، و"الحجيج": جمع حاج، قوله:"قلى" بالقاف؛ من القلى وهو البغض، قوله:"واهتاج": من هاج يهيج هيجًا وهيجانًا؛ أي: ثار، يتعدى ولا يتعدى، و"الهيوج": بمعنى اسم الفاعل منه.

الإعراب:

قوله: "عشية": نصب على الظرف وهو منصوب لأنه لم يرد به معين، أضيف إلى الجملة أعني قوله:"سعدى" لأن "سعدى" مبتدأ، وقوله:"لو تراءت إلى آخره" خبره.

قوله: "تراءت": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الَّذي ورجع إلى سعدى، وقعت فعل الشرط، والباء في "بدومة": ظرف؛ أي: في دومة، ومحلها الجر لأنه صفة لراهب، تقديره: لراهب كائن في دومة.

[قوله: "تجر": مرفوع بالابتداء، والمخصص كونه معطوفًا عليه؛ لأن]

(1)

، قوله:"وحجيج": عطف عليه، وقوله:"عنده": خبره، والتقدير: تجر وحجيج كاثنان عنده؛ كما في قول الشاعر

(2)

:

فَيَوْمٌ عَلَينَا وَيَوْمٌ لَنَا

.............................

قوله: "قلى دينه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقعت جواب الشرط، قوله:"واهتاج للشوق": جملة معطوفة على الجملة الأولى، قوله:"إنها" أي: إن سعدى، والضمير اسم ان، وقوله:"هيوج": خبره، وقوله:"إخوان العزاء"؛ كلام إضافي منصوب بقوله: "هيوج".

والاستشهاد فيه:

فإن: "هيوج" في معنى اسم فاعل على وزن فعول، وقد نصب إخوان العزاء، وهو مقدم كما ينصب اسم الفاعل الحقيقي

(3)

.

‌الشاهد الثالث والعشرون بعد السبعمائة

(4)

،

(5)

ضَرُوبٌ بنَصْلِ السَّيفِ سُوقَ سِمَانِهَا

...................................

أقول: قائله هو أبو طالب، واسمه عبد مناف بن عبذ المطلب، وتمامه:

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

البيت من بحر المتقارب، وهو للنمر بن تولب، من قصيدة سبق ذكرها كما سبق ذكر الشاهد أيضًا رقم (178)، وهو في الكتاب (1/ 44)، والهمع (1/ 101)، والدرر (1/ 76).

(3)

ينظر الشاهد (722).

(4)

توضيح المقاصد (3/ 21)، وأوضح المسالك (2/ 252).

(5)

صدر بيت من بحر الطويل لأبي طالب، وقد ذكر الشارح عجزه، والشاعر يرثي فيها أمية بن المغيرة زوج أخت =

ص: 1423

................

إذا عدِمُوا زادًا فإنكَ عاقِرُ

وهو من قصيدة رائية من الطويل، وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

ألا إنَّ زَادَ الرَّكْبِ غَيرُ مُدَافِعٍ

بِسَرْوٍ سُحَيمٍ غَيَّبَتْهُ المَقَابِرُ

2 -

بسَرْو سُحَيمٍ عَارِفٌ ومُنَاكِرٌ

وفَارِسُ غَارَاتِ خَطيبٌ وبَاسِرُ

3 -

تَنَادَوْا بأن لا سَيِّدَ الحَيِّ فِيهُمُ

وقَدْ فُجِعَ الحَيَّانِ كَعْبٌ وعَامرُ

4 -

وكَانَ إذَا وَافَى منَ الشَّامِ قَافِلًا

تَقدَّمَهُ تسْعَى إليْنَا البَشَائِرُ

5 -

فتُصْبِحُ أَهْلُ الله بِيضًا كَأَنَّمَا

كَسَتهُمْ حَبِيرًا رَبْدَةٌ ومَعَافِرُ

6 -

فَإِلَّا يَكُنْ لحَمٌ غَرِيضٌ فإنَّهُ

تُكَبُّ عَلَى أفْوَاههِنَّ الغَرَائِرُ

7 -

فيَا لكَ مِنْ نَاعٍ حُبيتَ بألَةٍ

شِرَاعِيّةٍ تصْفَرّ مِنهَا الأظَافِرُ

8 -

تَرَى دَارَهُ لا تَبْرَحُ الدَّهْرَ عِنْدَهَا

مُجَعْجِعَةً كُومٌ سِمَانٌ وبَاقِرُ

9 -

إذا أَكِلَتْ يَومًا أَتَى الغَدَ مِثْلَهَا

زَوَاهِقُ زُهْمٌ أَوْ مَخَاضٌ بَهَازِرُ

10 -

ضروب ..................

..................... إلى آخره

وكان أبو طالب رثى بهذه القصيدة أمية بن المغيرة المخزومي، وكان خرج إلى الشام فمات في الطريق في موضع يقال له: سرو سحيم، و"سحيم" اسم موضع، و"سرو": شجرة.

5 -

قوله: "حبيرًا" بفتح الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة، يقال: ثوب حبير؛ أي جديد، قوله:"ربدة" بكسر الراء وسكون الباء الموحدة، قال الصاغاني: الرَّبدة والرَّبدة [بالكسر في الأول وسكون الباء والفتح في الثاني في الراء والباء]

(2)

، وهي الصوفة، قوله:"معافر" بفتح الميم؛ حي من همدان تنسب إليهم الثياب المعافرية [وأراد به هاهنا تلك الثياب]

(3)

.

6 -

قوله: "غريض" بالغين المعجمة؛ أي: طري ناعم، و"الألّة" بفتح الهمزة [وتشديد اللام]

(4)

، وهي الحربة العريضة النصل.

7 -

قوله: "شراعية" بضم الشين المعجمة؛ أي: طويلة.

= أبي طالب، وهي عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في الكتاب (1/ 111)، والمقتضب (2/ 114)، والخزانة (3/ 446)، والتصريح (2/ 68)، وابن الشجري (2/ 106)، وشرح التصريح (2/ 68)، وابن يعيش (6/ 70)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 97).

(1)

انظر القصيدة في ديوان أبي طالب (68) إيران، مدينة قم، منشورات دار الثقافة، وهي أيضًا في خزانة الأدب (4/ 242).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1424

8 -

قوله: "مجعجعة": من الجعجعة وهي صوت الرحى

(1)

، و"الكوم" بضم الكاف؛ جمع كوماء، وهي الناقة أنعطمة السنام، قوله:"زواهق" بالزاي المعجمة؛ جمع زاهقة وهي السمينة.

9 -

و"الزهم" بضم الزاي المعجمة؛ جمع زهماء وهي السمينة -أيضًا-، و"البهازر" بفتح الموحدة؛ جمع بهازرة وهي الناقة السمينة.

10 -

قوله: "ضروب" على وزن فعول؛ مبالغة ضارب، و"نصل السيف": حديدته وذبابه طرفه الَّذي يضرب به، و"السوق" بضم السين؛ جمع ساق، و"السمان": جمع سمينة، وأراد بها السوق السمان، قوله:"عاقر" بالقاف؛ من العقر وهو النحر.

الإعراب:

قوله: "ضروب": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو ضروب، وقوله:"بنصل السيف": كلام إضافي يتعلق به، والباء فيه للاستعانة كما في: كتبت بالقلم، و"سوق" بالنصب مفعول لقوله:"ضروب"، و"سمانها": مجرور بالإضافة، قوله:"إذا" ظرف لقوله "ضروب"، و"عدموا": فعل وفاعل، و"زادًا" مفعوله، كذا قاله البعض، وليس كذلك؛ بل إذا للشرط، وعدموا فعل الشرط.

وقوله: "فإنك عاقر": جملة وقعت جوابًا للشرط، فلذلك دخلت الفاء، والعامل في إذا فعل محذوف دل عليه عاقر، والتقدير: إذا عدموا زادًا عقرت.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ضروب" فإنه صيغة مبالغة للضارب، وقد عمل عمل فعله؛ حيث نصب سوق سمانها، وقال ابن ولاد

(2)

: سألت أبا إسحاق؛ لم صار ضروب ونحوه يعمل وهو بمنزلة ما استقر وثبت؛ وضارب لا يعمل إذا كان كذلك؟

فقال: لأنك تريد أنها حال ملازمة هو فيها، ولست تريد أنَّه فعل فعله مرة واحدة وانقضى الفعل؛ كما تريد في: ضارب.

فإذا قلت: هذا ضروب رؤوس الجبال أمس، فإنما هي حال كان فيها؛ فنحن نحكيها

(3)

، قال ابن عصفور: هذا الَّذي ذهب إليه أبو إسحاق هو الصحيح، والدليل على صحته قول أبي طالب:

(1)

نقده البغدادي هنا في موضعين، في قوله:"شرعية" بضم الشين، فقال: إنها بالكسر، وفي قوله:"مجعجعة" إنها صوت الرحى، فقال: الجعجعة صوت الإبل.

(2)

هو أحمد بن محمد بن ولاد النحوي (ت 332 هـ)، ينظر بغية الوعاة (1/ 386).

(3)

ينظر الانتصار لابن ولاد (68 - 72).

ص: 1425

ضروب .....................

...................... إلى آخره

لأنه مدح بني أمية بن المغيرة بما ثبت له واستقر، وحكى الحال التي كان فيها من عقر الإبل إذا عدم الزاد، ولو أراد المضي المحض ولم يرد حكاية حال، لما ساغ الإتيان بإذا؛ لأنها إنما وضعت للزمان المستقبل فافهم

(1)

.

‌الشاهد الرابع والعشرون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

فَتَاتَانِ أَمَّا منهُمَا فَشَبِيهُةٌ

هِلَالًا والأخْرَى منهما تُشْبِهُ البَدْرَا

أقول: قائله هو عبد الله بن قيس الرقيات، وبعده:

فَتَاتَانِ بالنَّجْمِ السَّعِيدِ ولدتُّمَا

ولمْ تَلْقَيَا يَومًا هَوَانًا وَلَا نَزْرَا

وهو من الطويل، المعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "فَتَاتَانِ": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هما فتاتان، وكلمة:"أما" للتفصيل فَصَّلَ بها الفتاتين في الحسن والتشبيه، قوله:"فشبيهة": خبر مبتدأ محذوف تقديره: أما واحدة منهما، أي: من الفتاتين، و"هلالًا": منصوب بشبيهة.

قوله: "والأخرى" بدرج الهمزة للوزن، وهو مرفوع بالابتداء، وخبره قوله:"تشبه"، و"البدرا": مفعوله، وألفه للإطلاق، وقد شبه الرقيقة منهما بالهلال والأخرى

(4)

بالبدر.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فشبيهة هلالًا" حيث نصب شبيهة هلالًا؛ لأنها عملت عمل فعلها، وهذا جائز خلافًا لجماعة من البصريين

(5)

.

(1)

ينظر شرح الجمل الكبير لابن عصفور (1/ 560) وما بعدها، ومثل المقرب (258)، وشرح المقرب (المنصوبات)(216).

(2)

ابن الناظم (164)، وتوضيح المقاصد (3/ 23)، وأوضح المسالك (2/ 253).

(3)

البيت من بحر الكامل، نسب لابن قيس الرقبات؛ لكنه ليس في ديوانه، وانظره في شرح عمدة الحافظ (680)، والأشموني (2/ 297).

(4)

في (أ): والسمينة.

(5)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 297)، وينظر في ذلك: أمثلة المبالغة بن القياس والسماع دراسة نحوية من خلال الأسلوب العربي، دكتور: عادل الطنطاوي (1/ 202)"مجلة كلية اللغة العربية: بالمنصورة، فرع جامعة الأزهر الشريف، العدد الثامن عشر".

ص: 1426

‌الشاهد الخامس والعشرون بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

حَذِرٌ أمورًا لَا تَضِيرُ وَآمِنٌ

مَا ليسَ مُنْجِيَهُ منَ الأقْدَارِ

أقول: قائله هو أبو يحيى اللاحقي

(3)

، قال المازني: زعم أبو يحيى أن سيبويه سأله: هل تعدي العرب فعلًا؟، قال: فوضعت له هذا البيت وعملته له ونسبته إلى العرب وأثبته في كتابه، وكان هذا اللاحقي غير موثوق به

(4)

.

وهو من الكامل.

قوله: "حذر" أي: خائف، وهو بفتح الحاء وكسر الذال، قوله:"لا تضير": من ضار يضير، بمعنى: ضرّ يضرّ، والظاهر من البيت أنَّه ذم، ويحتمل أن يكون مدحًا يمدحه بكثرة الحذر، قوله:"منجيه": اسم فاعل من أنجي إنجاء، و"الأقدار": جمع قدر.

الإعراب:

قوله: "حذر": مرفوع على أنَّه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو حذر، وقوله:"أمورًا": مفعوله، وقوله:"لا تضير": في موضع نصب على الصفة لأمور، والتقدير: حذر أمورًا غير ضائرة، قوله:"وآمن": عطف على حذر، وقوله:"ما": مفعول لقوله: "آمن" لأنه بمعنى المضارع، ولا يكون بمعنى المضي؛ لأن الحذر والآمن إنما يكونان فيما يأتي، وأما ما مضى فقد علم وما بمعنى الَّذي، و"ليس إلى آخره": صلته، واسم ليس ضمير فيها عائد على ["ما" بحكم الصلة]

(5)

.

و"منجيه": كلام إضافي خبر ليس، والهاء فيه يرجع إلى ما يرجع الضمير الَّذي في ليس، وقوله:"من الأقدار": متعلق بمنجيه، و"منجيه": اسم فاعل مضاف إلى الهاء، والهاء في موضع نصب لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال وأضيف كانت إضافته غير

(1)

ابن الناظم (164)، وتوضيح المقاصد (3/ 23)، وشرح ابن عقيل (3/ 114)"صبيح".

(2)

البيت من بحر الكامل، مروي عن اللاحقي، وانظره في الكتاب (1/ 113)، والمقتضب (2/ 116)، وابن الشجري (2/ 107)، والخزانة (3/ 456)، وابن يعيش (6/ 71).

(3)

هو أبان بن عبد الحميد اللاحقي، شاعر مطبوع لكنه مطعون في دينه، اتصل بالبرامكة، ومدح بني هاشم، واحتال حتَّى وصل إلى بلاط هارون الرشيد، يقول:

فأبناء عباس هم يرثونه كما

النعم لابن العم في الأرث قد حجب

انظر الخزانة (8/ 171 - 176).

(4)

ينظر الخزانة (3/ 456).

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1427

محضة وكانت النية بها الانفصال، فإن قلت: ما الدليل على أنَّه هاهنا بمعنى المضارع؛ قلت: وقوعه خبرًا لليس، والنفي إنما يقع على الأخبار، وليس إنما تنفي المضارع.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حذر" فإنه على وزن فَعِل بفتح الفاء وكسر العين، وقد عمل عمل حاذر

(1)

.

‌الشاهد السادس والعشرون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

أتانِي أنهم مَزِقُونَ عِرْضِي

جِحَاشُ الكِرْمَلَين لهَا فَدِيدُ

أقول: قائله هو زيد الخيل الَّذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير، وكان سيد طيئ قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع وفد طيئ سنة تسع من الهجرة، فأسلموا وحسن إسلامهم، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا زيد الخيل" فإنه

(1)

قال المرادي: "هذا مذهب سيبويه وهذه المثل تسمى: بالأمثلة الخمسة، ومذهب سيبويه جواز إعمالها بالشروط المذكورة لاسم الفاعل، وذهب الكوفيون إلى أنها لا تحمل وتقدمت علتهم، ومنع أكثر البصريين منهم: المازني والزيادي والمبرد إعمال فعيل وفعل، وفرق الجرمي فأجاز إعمال فعل لأنه على وزن الفعل، ومنع إعمال فعيل، والصحيح ما ذهب إليه سيبويه للسماع كقول بعض العرب: إن الله سميع دعاء من دعاه، رواه بعض الثقاة وقالوا: هو حفيظ علمه وعلم غيره، وقال الشاعر:

فَتَاتَانِ أمَّا منهما فَشَبيهَةٌ

هِلالًا والأخرَى مِنْهُمَا تُشْبِهُ البَدْرَا

وقد يقال هو على إسقاط الخافض، أي: بهلال، ومن إعمال فعل قول زيد الخيل:

أتانِي أنهم مَزِقُونَ عِرْضِي

جحَاشُ الكِرْمَلَيِن لهَا فَدِيدُ

فأعمل مزقًا وهو للمبالغة من مازق، وأنشد سيبويه:

حَذِرٌ أمورًا لا تضيرُ وَآمِنٌ

مَا ليس مُنْجيَهُ مِنَ الأقْدَارِ

واعلم أن الكوفيين تأولوا المسموع على إضمار فعل يفسره المثال وهو فاسد لكثرة ما ورد منه

مسألة: أجاز ابن ولاد وابن خروف وبعض النحوين إعمال فعيل من أبنية المبالغة كإعمال الأمثلة الخمسة نحو: هذا شرب الماء، وطبيخ الطعام، والصحيح المنع لأنه لم يسمع" شرح التسهيل للمرادي (3/ 181 - 186).

(2)

ابن الناظم (164)، وتوضيح المقاصد (3/ 25)، وأوضح المسالك (2/ 254)، وشرح ابن عقيل (3/ 115)"صببح".

(3)

البيت من بحر الوافر، وهو ثاني بيتين لزيد الخير أولهما:

ألم أخبركما خبرًا أتاني

أبو الكساح جديه الوعيد

وانظر البيتين في ديوان زيد الخير (42)، بتحقيق: د. نور حمود القيسي (العراق)، وانظر بيت الشاهد في المقرب (1/ 128)، وشرح الكافية الشافية (1040)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 81)، وشرح التصريح (2/ 68)، وابن يعيش (6/ 73)، وينظر الديوان (176)، تحقيق: أحمد البرزة.

ص: 1428

لم يبلغ كل الَّذي فيه، ثم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير، وإنما سمي زيد الخيل لخمسة

(1)

أفراس كنّ له، وأقطع له رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب له بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن ينج زيد من حمى المدينة"

(2)

فلما انتهى إلى بلد نجد إلى ماء من مياهه يقال له قردة أصابته الحمى فمات.

وهو من الوافر.

قوله: "مزقون": جمع مزق بفتح الميم وكسر الزاي، وهو مبالغة مازق؛ من المزق وهو شق الثياب ونحوها، يقال؛ مزقة يمزِقه بالكسر، قوله:"عرضي" بكسر العين، وعرض الرجل: جانبه الَّذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه، والعرض -أيضًا- النفس، يقال: أكرمت عنه عرضي؛ أي: نفسي، وفلان نقي العرض؛ أي: بريء من أن يُشتَم أو يعاب.

قوله: "جحاش"، جمع جحش وهو ولد الحمار، و"الكرملين" بكسر الكاف؛ اسم ماء في جبل طيئ، و"الفديد" بالفاء؛ الصوت، قاله الأصمعي، وفدّ الرجل يفدّ فديدًا، وقال أبو خيرة: الفديد: صوت عَدْو الشاة.

الإعراب:

قوله: "أتاني": جملة من الفعل [والفاعل]

(3)

، والمفعول، وقوله:"أنهم" بالفتح في محل الرفع على الفاعلية، والضمير اسم أن، وقوله:"مزقون": خبره، وقوله:"عرضي": كلام إضافي مفعول لقوله مزقون.

[قوله: "]

(4)

جحاش الكرملين] كلام إضافى مرفوع على أنَّه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هم جحاش الكرملين، وهذه استعارة بليغة؛ حيث ذكر فيها المشبه به وترك ذكر المشبه وهو حد الاستعارة - أيضًا، وأراد بذلك أن هؤلاء القوم الذين بلغني عنهم أنهم مزقون عرضي عندي بمنزلة جحاش الكرملين التي تصوت عند ذلك الماء، أراد أني لا أعبأ بذلك ولا أصغي إليه؛ كما أنَّه لا يعبأ بصوت الجحاش حين تنهق عند الماء، وتخصيص الجحاش بصوتها للمبالغة في الحقارة ولا سيما صوت الحمير الَّذي هو أنكر الأصوات الَّذي يجتنب [عند]

(5)

سماعه ويحذر

(6)

عن الالتفات إليه.

(1)

في (أ): لخمس.

(2)

قال المحشي في نسخة بولاق: "قول العيني: إن ينج زيد، هكذا بالأصول التي بين أيدينا بدون ذكر جواب، أقول وهكذا في جميع النسخ، وما المانع أن تكون إن نافية، والفعل مرفوع، بدليل بقية الخبر".

(3)

و

(4)

و

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(6)

في (أ): ويعرض.

ص: 1429

قوله: "فديد": مرفوع بالابتداء، و"لها" مقدمًا خبره، والجملة في محل الرفع على أنها صفة للجحاش.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مزقون" فإنه جمع مزق بفتح الميم [وكسر الزاي]

(1)

المعجمة بمعنى ممزق، وقد عمل في قوله:"عرضي" عَمَلَ فعله

(2)

.

‌الشاهد السابع والعشرون بعد السبعمائة

(3)

،

(4)

ثم زادُوا أَنَّهُمْ في قومِهم

غُفُرٌ ذَنْبَهُمُ غَيرُ فُخُرْ

أقول: قائله هو طرفة بن العبد، شاعر جاهلي، وهو من قصيدة طويلة من الرمل، وأولها هو قوله

(5)

:

1 -

أَصَحَوْتَ اليومَ أَمْ شَاقَتْكَ هِرّ

ومنَ الحُبِّ جُنُونٌ مُسْتَعِرْ

إلى أن قال:

2 -

أُسْدُ غَاب فإذا مَا فَزِعُوا

غَيرُ أَنْكَاسٍ ولا هُوجٌ هُذُرْ

3 -

وهُمْ ما هُمْ إذا مَا لَبِسُوا

نَسْجَ داودَ لبأْسٍ مُحْتَضِرْ

4 -

وَتَسَاقَى القَوْمُ كأسًا مُرَّةً

وعلا الخَيْلَ دمَاءٌ كالشَّقِرْ

5 -

ثم زادوا ...............

.................. إلى آخره

1 -

قوله: "هر": مرخم هرة؛ اسم محبوبته.

2 -

و"أسد" بضم الهمزة وسكون السين؛ جمع أسد، و"غاب": جمع غابة، وهي

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر البيت السابق رقم (725).

(3)

ابن الناظم (164)، وأوضح المسالك (2/ 257)، وشرح ابن عقيل (3/ 117)"صبيح".

(4)

البيت من بحر الرمل نسب لطرفة بن العبد، وهو من قصيدة طويلة له بلغت (70 بيتًا) كلها في الفخر بالشجاعة وشرب الخمر، والأبيات التي اختارها الشارح من ذلك، وقد سبق الحديث عنها بشيء من التفصيل في شاهد آخر برقم (526)، وانظر بيت الشاهد في ديوانه (39)، بشرح مهدي ناصر، وأيضًا (64) بشرح الأعلم الشنتمري، الكتاب (1/ 113)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 80)، والأمالي الحاجبية (357)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 97)، ورواية الكتاب:

...........................

................ غير فجر

(5)

الديوان بشرح مهدي ناصر (39)، والديوان بشرح الأعلم الشنتمري (50) تحقيق: درية الخطيب، ولطفي السقا (دمشق).

ص: 1430

الأجمة، مدح قومه وشبههم بالأسد التي تسكن الآجام، فإذا تعرض لها شيء قاتلت عن آجامها حتَّى تحمي أشبالها قتالًا شديدًا، و"الأنكاس": جمع نكس بالنون وهو من الرجال الرديء الَّذي لا خير فيه، و:"الهوج" بضم الهاء؛ جمع أهوج وهو الأحمق.

قوله: "هذر" بضم الهاء والذال؛ جمع هذُور وهو كثير الكلام، ويروى: ولا هُوج دثر، والدثر -بضم الدال والثاء المثلثة: جمع دثور، وهو المتزمل في ثيابه الملتف من الكسل وضعف البدن والهمة.

3 -

قوله: "وهم ما هم!؟ ": تفخيم وتعجب كأنه قال: أي رجال هم، [قوله: "]

(1)

نسج داود" يعني: الدروع والنسج عملها وسردها، وأول من عملها داود عليه الصلاة والسلام فلذلك نسبت إليه، قوله: "لبأس" أي: لشدة، قوله: "محتضر" بفتح الضاد المعجمة؛ أي: المحضور المجتمع إليه، ويروى: بكسر الضاد؛ أي: حاضر.

4 -

[قوله: "]

(2)

وتساقى القوم": هذا مثل ضربه؛ أي: سقى بعضهم بعضًا كأس الحتوف، قوله: "كالشقر" بفتح الشين المعجمة وكسر القاف وهو شقائق النعمان، وقال الأصمعي: هو شجر له ثمر أحمر.

5 -

قوله: "غفر" بضمتين؛ جمع غفور، وكذا "فخر": جمع فخور بالخاء المعجمة؛ من الفخر.

والمعنى: أنهم زادوا على أمثالهم بأنهم يغفرون ذنوب المذنبين ولا يفتخرون على من عداهم.

الإعراب:

قوله: "ثم زادوا": جملة من الفعل والفاعل، وهو هم المستتر فيه، عطفت على ما قبلها، قوله:"أنهم" بفتح الهمزة أراد: بأنهم، فحذف الباء، والضمير اسم أن، وقوله:"غفر"[خبره، والجملة تعلقت بما قبلها تعلق المفعول له، أي لأجل أنهم غفر]

(3)

في قومهم، أي: عند قومهم، وكلمة في بمعنى عند، ويتعلق الظرف بزادوا، وقوله:"ذنبهم": كلام إضافي مفعول لقوله: "غفر"، قوله:"غير فخر": خبر آخر لأن.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "غفر ذنبهم" وذلك أن ذنبهم معمول اسم الفاعل المجموع وهو غفر فافهم

(4)

.

(1)

و

(2)

و

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

قال سيبويه: "وأجروه حين بنوه للجمع كما أجري في الواحد ليكون كفواعل حين أجري مثل فاعل من ذلك قول طرفة (البيت) ". الكتاب لسيبويه (1/ 112، 113).

ص: 1431

‌الشاهد الثامن والعشرون بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

..................................

والنَّاذِرَينِ إذا لمْ أَلْقَهُمَا دَمِي

أقول: قائله هو عنترة بن شداد العبسي، وصدره:

الشَّاتِمَيْ عِرْضي وَلَمْ أَشْتِمْهُمَا

...................................

وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله

(3)

:

1 -

أعياكَ رسْمُ الدارِ لم تتكلمِ

حَتَّى تكلمَ كالأَصَمِّ الأَعْجَمِ

إلى أن قال:

2 -

ولقدْ خشيتُ بأنْ أَمُوتَ ولمْ تَدُرْ

لِلْحَرْب دائرة على ابْنَيْ ضُمْضُمِ

3 -

الشاتمي عرضي ...............

........................ إلى آخره

وهي من الكامل.

قوله: "الشاتمي عرضي" أصله: الشاتمين: تثنية شاتم؛ من الشتم وهو السب، و"العرض": نفس الرجل، والعرض الحسب [وقد حققناه عن قريب]

(4)

، وأراد بالشاتمين: ابني ضمضم، وهما حصين ومرة.

قوله: "والناذرين": تثنية ناذر؛ من النذر؛ يعني: ينذران على أنفسهما ويقولان: لئن لقيناه لنقتلنه [قوله: "]

(5)

إذا لم ألقهما" عني: يقولان ذلك في الخلاء، فإذا لقيتهما أمسكا عني ذلك هيبة لي وجبنًا عني.

الإعراب:

قوله: "الشاتمي عرضي": كلام إضافي منصوب لأنه صفة لقوله: "ابني ضمضم"، قوله:"ولم أشتمهما": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت حالًا، قوله:"والناذرين" بالنصب؛ عطفًا على قوله: "الشاتمي عرضي".

قوله: "إذا": ظرف لقوله: و"الناذرين"، وقوله:"لم ألقهما": جملة من الفعل والفاعل والمفعول

(1)

أوضح المسالك (2/ 256).

(2)

البيت من بحر الكامل من معلقة عنترة المشهورة التي تحدث فيها عن شجاعته، وهي طويلة، وبيت الشاهد في آخرها، وانظر ما كتب في مطلعها المذكور في الشاهد رقم (520)، ورقم (630)، وانظر بيت الشاهد في الديوان (154)، تحقيق: عبد المنعم شلبي، والأغاني (9/ 212)، وشرح التصريح (2/ 69)، شرح الأشموني (2/ 246).

(3)

الديوان (142).

(4)

و

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1432

وهو الضمير المنصوب الَّذي يرجع إلى ابني ضمضم، قوله:"دمي" مفعول لقوله: "الناذرين".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "والناذرين" لأنه تثنية اسم فاعل، وقد عمل عمل فعله؛ لأن تثنية اسم الفاعل وجمعه كالمفرد في العمل والشروط

(1)

.

‌الشاهد التاسع والعشرون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

أَوَالِفًا مَكَّةَ منْ وُرْقٍ الحمى

........................................

أقول: قائله هو العجاج الراجز، وهو من قصيدة مرجزة، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

يا دارَ سَلْمَى يَا اسْلَمِي ثُمَّ اسْلَمي

بِسَمْسَمٍ أوْ عَنْ يَمِينِ سَمْسَمِ

2 -

ظَلِلْتُ فِيهَا لَا أُبَالِي لُوَّمِي

ولا صِبَايَ في سُؤَالِ الأرسمِ

3 -

وَمَا سُؤَال طَلَلٍ وحُمَمِ

وَمَا التَّصَابِي لِلْعُيُونِ الحلّمِ

4 -

بَعْدَ بَيَاضِ الشَّعَرِ الْمُلَمْلَمِ

إلَّا تَضَالِيل الفُؤَادِ الأيْهَمِ

5 -

غرَّاء لَمْ تَشْغَبْ فَتَسْهُمِ

وَلَمْ يَلُحْهَا حزنٌ على ابنِمِي

6 -

وَلَا أخٍ ولَا أبٍ فَتَسْهُمِ

فَالحمْدُ للَّه العَلِيِّ الأَعْظَمِ

7 -

ذِي الجبرُوت وَالأَثَالِ الأَفخم

وعالم الإِعْلَان والمكَتَّمِ

8 -

وَرَبِّ كُل كَافِرٍ وَمُسْلِمِ

بَانِي السَّمَوَات بغَيْر سُلَّمِ

9 -

وَرَبِّ أَسْرَابِ حجيجٍ كُظَّم

عن اللّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّم

10 -

وربِّ هَذَا الحَرَم المُحَرَمِ

والقانطات أَلْبَيتَ غير الرُّيَّمِ

11 -

أوَالِفًا مَكَّةَ منْ وُرْق الحِمَي

وَرَبِّ هَذَا الأَثَرِ المُقَسَّمِ

وهي قصيدة طويلة منها قوله:

(1)

ينظر الشاهد (727)، من هذا البحث، والكتاب (1/ 112).

(2)

ابن الناظم (165)، وشرح ابن عقيل (3/ 116)"صبيح".

(3)

البيت من بحر الرجز المشطور، وهو للعجاج، من أرجوزة طويلة في أغراض مختلفة، ومنها في الثناء على الله، ووصف حجاج بيت الله الحرام، انظر ديوان العجاج (1/ 442)، بتحقيق: السطلي، وبيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 26)، واللسان مادة:"منى"، والمحتسب (1/ 78)، والإنصاف (519)، والخصائص (3/ 35)، وشرح التصريح (2/ 189)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 157)، والدرر (6/ 244).

(4)

ديوان العجاج (1/ 442)، بتحقيق: د. عبد الحفيظ السطلي (جامعة حلب) مكتبة أطلس، دمشق.

ص: 1433

فَخِنْدَفٌ هَامَة هَذَا العَأْلَمِ

قَوْمٌ لَهُمْ فضل السَّنَاء الأَكْرَمِ

1 -

قوله: "يا اسلمي" يا للتنبيه بخلاف قوله: "يا دار سلمى" فإنها للنداء، و"سمسم": اسم موضع.

2 -

و"الُلوّم" بضم اللام وتشديد الواو؛ جمع لائم، و"الصبا": الجزع.

3 -

والطلل: آثار الدار وما سوَّدوا، و"الحمم" بضم الحاء المهملة وفتح الميم؛ الفحم، و"التصابي": اتباع الصبا، و"العيون": سادة القوم، و"الحُلّم" بضم الحاء المهملة وتشديد اللام؛ من الحلم.

4 -

و"الململم" المجتمع المضموم بعضه إلى بعض، و"الأيْهم" بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف، وهو الذاهب العقل.

5 -

قوله: "لم تسغب" من السغب بالسين المهملة والغين المعجمة وهو الجوع، قوله:"ولم يلحها" بالحاء المهملة؛ أي لم يغيرها، قوله:"على ابنم" أي: على ابن، والميم زائدة.

7 -

و"الأثال": الأثر في المال، يقال: ما أحسن أثال بيتك!

9 -

و"الحجيج": جمع حاج، و"الكظم": جمع كاظم، و"اللغى" بفتح اللام؛ اللغو، و"الرفث": الفحش.

10 -

و"القاطن": الثابت، قوله:"غير الريم" بضم الراء وتشديد الياء آخر الحروف؛ جمع رائم؛ من رام يريم إذا برح.

11 -

قوله: "أوالفًا": جمع آلفة؛ من ألف يألف ألفة، ويروى:"قواطنا مكة"؛ جمع قاطنة؛ يعني: مقيمة، قوله:"من ورق الحمى" الورق -بضم الواو وسكون الراء؛ جمع ورقاء، وهي التي في لونها بياض إلى سواد، يقال: جمل أورق وحمامة ورقاء، و"الحمى" بفتح الحاء المهملة وكسر الميم، وأصله: الحمام؛ فحذف الألف لأنها زائدة، وأبدل إحدى الميمين ياء؛ كما تقول في تقضضت تقضيت، وقال ابن كيسان: يريد الحمام؛ فحذف من آخره الألف والميم شبهًا بما يحذف في الترخيم، والياء صلة لكسر الميم.

وقال أبو العباس: حذف الميم فصارت الحما، فقلبت الألف ياء وذلك لطلب القافية.

ويقال: كان الحمام؛ فحذف الألف لأنها زائدة، فالتقى حرفان من جنس واحد فحذف الأخير منهما وعوض ياء، وقال النحاس: رأيت في كتاب من كتب محمد بن يزيد

(1)

يقول فيه: حذف الميم من الحمام على الترخيم في غير اك داء، وقلب الألف ياء؛ لأنها زائدة، وحروف اللين

(1)

البيت المذكور (الشاهد) ليس في المقتضب، ولا في الكامل للمبرد.

ص: 1434

يبدل بعضها من بعض.

الإعراب:

قوله: "أوالفًا": نصب على الحال من قوله: "القاطنات"، و:"مكة" نصب على أنها مفعول أوالفا، و"من" للبيان، و:"الورق" مجرور به، و"الحمى" مجرور بالإضافة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أوالفًا" فإنه جمع اسم الفاعل، وقد عمِل عمَل فعله؛ حيث نصب مكة كما ذكرناه

(1)

.

‌الشاهد الثلاثون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

مِمَّنْ حَمَلْنَ به وهُنَّ عَوَاقِدٌ

حُبَكَ النِّطَاقِ فَشَبَّ غَيرَ مُهَبَّلِ

أقول: قائله هو أبو كبير الهذلي، واسمه عامر بن الحليس، وهو من قصيدة لامية، وقد ذكرنا بعضها في شواهد المفعول المطلق

(4)

، وبعضها في شواهد الإضافة

(5)

.

قوله: "حبك النطاق" ويروى: حبك الثياب؛ لأن النطاق لا يكون له حبك، والحبك: الطرائق، والواحد حبيكة، و"المهبل" بتشديد الباء الموحدة المفتوحة؛ المعتوه الَّذي لا يتماسك، ويقال: غير مهبل: هو الَّذي لم يدع عليه بالهبل والثكل، أو الَّذي حملت به أمه وهي مكرهة، وقد زعم العرب أن المرأة إذا وُطِئَت مكرهة غير مطاوعة جاء الولد نجيبًا.

الإعراب:

قوله: "ممن حملن به" ويروى: مما حملن به؛ فالمعنى على الأول: من الذين حملن به، أي: من الفتيان الذين حملن بهم أمهاتهم بهم، وعلى الثاني: من الحمل الَّذي حملن به، وهو خبر

(1)

قال ابن مالك في الكافية الشافية بشرحها (1040).

وما سوى المفرد مثله جعل

في الحكم والشروط فاسمع وامتثل

(2)

ابن الناظم (165).

(3)

البيت من بحر الكامل، وهو من قصيدة لأبي كبير الهذلي، قالها في ربيبه تأبط شرًّا، وقد سبق الحديث عنها بشيء من التفصيل في شواهد سابقة، انظر الشاهد رقم (446)، ورقم (618)، وبيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 109)، وابن يعيش (6/ 74)، وشرح أشعار الهذليين (1072)، والإنصاف (489)، والخزانة (8/ 192 - 194)، وشرح شواهد المغني (227، 963).

(4)

ينظر الشاهد رقم (446).

(5)

ينظر الشاهد رقم (618).

ص: 1435

مبتدأ محذوف؛ أي: هو ممن حملن به.

والمراد به: تأبط شرًّا؛ لأنا قد قلنا فيما مضى: إن أبا كبير قد مدح بهذه القصيدة تأبط شرًّا وكان زوج أمه؛ أي: تأبط شرًّا ممن حملن به، والضمير في حملن يرجع إلى النساء، و "به": في محل نصب على أنَّه مفعول حملن.

قوله: "وهن": مبتدأ، و "عواقد": خبره، وصرف عواقد للضرورة، و "حبك النطاق": كلام إضافي منصوب بعواقد، قوله:"فشب": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر الَّذي يرجع إلى تأبط شرًّا، قوله:"غير مهبل": حال من الضمير الَّذي في: "فشب".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "عواقد حبك النطاق" فإن "حبك النطاق" منصوب بعواقد، وفيه دليل على إعمال اسم الفاعل مجموعًا جمع تكسير

(1)

.

‌الشاهد الحادي والثلاثون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

إذا فَاقِدٌ خَطْبَاءُ فَرْخَيِنْ رَجَّعَتُ

ذَكَرْتُ سُلَيمْى في الخلِيطِ المُزَايِلِ

أقول: قائله هو بشر بن أبي خازم

(4)

.

وهو من الطويل.

قوله: "فاقد" بالفاء في أوله، وهي المرأة التي تفقد ولدها وزوجها، وكذلك ظبية فاقد، قوله:"خطباء" معناه: بيِّنة الخطب، وهو الأمر العظيم، قوله:"فرخين": تثنية فرخ، وأراد به الولد، والفرخ في الأصل: ولد الطائر، قوله:"رجعت" بتشديد الجيم؛ من الترجيع وهو الاسترجاع، وهو أن تقول عند المصيبة:{إنَّا للهِ وَإنَّا إليهِ رَجِعُونَ} [البقرة: 156].

قوله: "في الخليط" بفتح الخاء المعجمة؛ بمعنى الخالط؛ كالنديم بمعنى المنادم، قوله:"المزايل" ويروى: المباين، ومعناهما واحد.

(1)

ينظر ما قيل في تحقيق البيت السابق (729)، وشرح الكافية الشافية (1041).

(2)

ابن الناظم (165).

(3)

البيت من بحر الطويل، نسب في مراجعه إلى بشر بن أبي خازم الأسدي، وليس في ديوانه، تحقيق: د. عزة حسن دمشق (1960 م)، وانظره في شرح الكافية الشافية لابن مالك (1042)، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 294)، والمقرب (124)، وشرح المقرب (المنصوبات) الجزء الأول، باب إعمال اسم الفاعل، واللسان:"فقد".

(4)

شاعر جاهلي من بني أسد، مات مقتولًا، قبل ظهور الإسلام بقليل.

ص: 1436

الإعراب:

قوله: "إذا": كلمة الشرط، و "فاقد": مرفوع بفعل مضمر يفسره الظاهر تقديره: إذا رجعت فاقد، و "فاقد": صفة موصوفها محذوف تقديره: إذا امرأة فاقد، قوله:"خطباء" بالرفع؛ صفة فاقد، قوله:"فرخين": منصوب بفعل دل عليه فاقد، ويجيء تحقيق الكلام فيه عن قريب

(1)

.

قوله: "ذكرت": جملة من الفعل والفاعل وقعت جوابًا لإذا، و "سليمى": مفعول ذكرت، وقوله:"في الخليط": متعلق بذكرت، و"المزايل": صفة الخليط.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فرخين" حيث استدل به الكسائي على جواز إعمال اسم الفاعل الموصوف؛ وذلك لأن فرخين معمول لفاقد بعد ما وصف بقوله: "خطباء"

(2)

، وأجيب بأن فرخين منصوب بإضمار فعل يفسره فاقد ويدل عليه، وتقديره: فقدت فرخين، ويؤيد أنَّه ليس منصوبًا بفاقد؛ أن فاقدًا صفة غير جارية على الفعل في التأنيث؛ ألا ترى أن اسم الفاعل إذا لم يجر على الفعل في تذكيره وتأنيثه لم يعمل، لا يجوز: هذه امرأة مرضع ولدها؛ لأن اسم الفاعل لا يذهب به؛ إذ ذاك مذهب الفعل؛ إنما ذهب به مذهب النسب؛ فإذا قلت: امرأة مرضع؛ فالمعنى: ذات إرضاع؛ كما تقول: رجل دارع، أي: ذو درع، فإذا ذهبت بمرضع مذهب التاء فلا بد من الزمان، ويعمل إذ ذاك

(3)

، قال الشاعر

(4)

:

كَمُرْضعَةٍ أوْلادَ أُخْرَى وضَيَّعت

بَنِي بَطْنِها هَذا الضَّلَال عَنِ الْقَصْدِ

وقال أبو علي في التذكرة: لا يكون فرخين منصوبًا إلا بمضمر دل عليه فاقد، ولا يكون منصوبًا بفاقد لأمرين:

أحدهما: أنك قد وصفتها بخطباء، واسم الفاعل إذا وصف لم يعمل.

والآخر: أن فاقدًا غير جارٍ على الفعل؛ إذ لو كان جاريًا عليه لقيل: فاقدة؛ فدلَّ على أنَّه

(1)

ينظر الاستشهاد.

(2)

قال ابن مالك: "فلو صغر أو نعت اسم الفاعل جائيًا على أصله أو معدولًا به بطل عمله إلا عند الكسائي، فإنه أجاز إعمال المصغر وإعمال المنعوت، وحكي عن بعض العرب: أظنني مرتحلًا وسويئرًا فرسخًا، وأجاز أن يقال: أنا زيدًا ضاربٌّ أيُّ ضارب، ومما يحتج به في إعمال الموصوف قول الشاعر (البيت). ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (1042).

(3)

ينظر شرح الأشموني وحاشية الصبان (2/ 294، 295)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 74) وما بعدها.

(4)

البيت من بحر الطويل، ولم أعثر له على قائل، ولا مراجع، ولم نجده في اللسان ولا الصحاح مادة:"رضع".

ص: 1437

بمعنى النسب؛ نحو: امرأة طالق؛ فلا يعمل حينئذ عمل فعله.

‌الشاهد الثاني والثلاثون بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

هَلْ أَنْتَ بَاعِثُ دِينَارٍ لحَاجَتنَا

أَو عَبْدَ رَبِّ أَخَا عَوْنِ بنِ مِخْرَاقِ

أقول: قائل هذا البيت مجهول [وقيل إنه مصنوع]، وقيل: إنه لجرير الخطفي.

وهو من البسيط.

و"دينار": اسم رجل، وكذلك:"عبد رب".

الإعراب:

قوله: "هل" للاستفهام، و"أنت": مبتدأ، و"باعث": خبره، و"دينار": مجرور بالإضافة، وقوله:"لحاجتا: يتعلق بقوله: "باعث"، قوله: "أو عبد رب": عطف على دينار في المعنى؛ لأنه مفعول في الحقيقة؛ إذ التقدير: باعث دينارًا؛ قوله: "أخا عون" كلام إضافي بدل من "عبد رب" بدل الشيء من الشيء، وهما لعين واحدة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أو عبد رب" فإنه منصوب بفعل مضمر تقديره: أو تبعث عبد رب؛ لأنك إذا عطفت على مثل هذا، كان لك في المعطوف وجهان: إن شئت أن تخفضه بالحمل على اللفظ، وإن شئت تنصبه بإضمار فعل، تقول: هذا ضارب زيد وعمرو، فتشرك بين الآخر والأول في الجار، وتقول: هذا ضارب زيد وعمرًا؛ كأنك تقول: وتضرب عمرًا أو ضارب عمرًا.

وقال الزجاجي: أو عبد رب منصوب بإضمار فعل

(3)

، وخطأه بعضهم وقال: لا يحتاج هنا إلى الإضمار؛ لأن اسم الفاعل بمعنى الاستقبال، وموضع دينار نصب فهو معطوف على الموضع؛ فلا يحتاج إلى تكلف إضمار، وإنما يحتاج إلى الإضمار إذا كان اسم الفاعل بمعنى المضي؛ لأن إضافته إضافة محضة لا ينوى بها الانفصال.

(1)

ابن الناظم (165)، وشرح ابن عقيل (3/ 120)"صبيح".

(2)

البيت من بحر البسيط، وقد اختلف في قائله على ما ذكر الشارح، فقيل هو لجابر بن رألان أو لجرير أو لتأبط شرًّا أو هو مصنوع، وانظره في الكتاب لسيبويه (1/ 171)، والمقتضب (4/ 151)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 145)، والخزانة (8/ 215)، والدرر (6/ 192)، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 301)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (1047).

(3)

ينظر جمل الزجاجي (99) طبعة (1926 م) تحقيق ابن أبي شنب و (88) تحقيق: علي توفيق الحمد (1984 م)، ط. أولى.

ص: 1438

قلت: الَّذي قاله الزجاجي هو الَّذي قاله سيبويه

(1)

؛ بل لا يحتاج هاهنا

(2)

إلى الإضمار؛ لأن إضافة اسم الفاعل غير محضة؛ لأن النية بها الانفصال لكونه بمعنى الاستقبال والدليل عليه دخول هل؛ لأن الاستفهام أكثر ما يقع عما يكون في الاستقبال، وإن كان قد يستفهم عن ماض كقولك: هل قام زيد أمس؟ وهل أنت قائم أمس؟ وقال تعالى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} [الأعراف: 44]؟ فهذا كله ماض، لكنه لا يكون إلا بدليل، والأصل ما قلنا.

و"باعث" هاهنا بمعنى مرسل؛ كما قال تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19]، وقد يكون بمعنى الإيقاظ؛ كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} [الكهف: 19]، وقال -أيضًا-: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا] [يس: 52] أي: من أيقظنا؛ ولكن الأحسن هنا أن يكون بمعنى الإرسال؛ إذ لا دليل على النوم في البيت فافهم

(3)

.

‌الشاهد الثالث والثلاثون بعد السبعمائة

(4)

،

(5)

أَنَاوٍ رِجَالُكِ قَتْلَ امرِئٍ

مِنَ العِزِّ في حُبِّكِ اعتاضَ ذُلًّا؟

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من المتقارب

(6)

.

قوله: "أناو" اسم فاعل من نوى ينوي نية. المعنى ظاهر.

(1)

قال سيبويه: "وزعم عيسى أنهم ينشدون هذا البيت (هل أنت باعث

) يقصد بالنصب على إضمار فعل، ثم قال:"فإن أخبر أن الفعل قد وقع وانقطع فهو بغير تنوين ألبتة؛ لأنه إنما أجري مجرى الفعل المضارع له؛ كما أشبهه الفعل المضارع في الإعراب، فكل واحد منهما داخل على صاحبه، فلما أراد سوى ذلك المعنى جرى مجرى الأسماء التي من غير ذلك الفعل؛ لأنه إنما شبه بما ضارعه من الفعل كما شبه به في الإعراب، وذلك قولك: هذا ضارب عبدِ الله وأخيه، وجه الكلام وحده الجر لأنه ليس موضعًا للتنوين، وكذلك قولك: هذا ضارب زيدٍ فيها وأخيه، وهذا قاتل عمرٍو أمس وعبدِ الله، وهذا ضارب عبدِ الله ضربًا شديدًا وعمرو، ولو قلت: هذا ضارب عبدِ الله وزيدًا جاز على إضمار فعل، أي وضرب زيدًا، وإنما جاز هذا الإضمار لأن معنى الحديث في قولك هذا ضارب زيدٍ: هذا ضرب زيدًا وإن كان لا يعمل عمله فحُمل على المعنى ............ ". ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 171، 172).

(2)

في جميع النسخ: "بل يحتاج" وهو خطأ فلا بد من تقدير. انظر الخزانة (8/ 215).

(3)

انظر خزانة الأدب (8/ 216)، يقول الإمام عبد القادر البغدادي:"وقد نقل كلام العيني ابن هشام اللخمي ومنه ولم يعزه إليه، أقول كلامه في وجه الاستشهاد".

(4)

توضيح المقاصد (3/ 15).

(5)

البيت من بحر المتقارب، وقد نسب لحسان بن ثابت، وليس في ديوانه، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (3/ 73)، والدرر (2/ 128)، وشرح شذور الذهب (389).

(6)

في (ب): من الوافر وقد صححته.

ص: 1439

الإعراب:

قوله: "أناو" الهمزة للاستفهام، "وناو": اسم فاعل، و"رجالك": كلام إضافي فاعله، وقوله:"قتل امرئ": كلام إضافي مفعوله، قوله:"من العز": يتعلق بقوله: "اعتاض"، وكذلك قوله:"في حبك"، والكاف فيه لخطاب المؤنث، وكذلك في قوله: " [رجالك]

(1)

، قوله:"ذلًّا": نصب لأنه مفعول اعتاض؛ [والجملة من اعتاض ومتعلقاته صفة لامرئ]

(2)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أناو رجالك" فإن قوله: "أناو" اسم فاعل، وقد عَمِل عَمَل فعله حيث اعتمد على حرف الاستفهام، وذلك لما قد علم أنَّه لا يعمل حتَّى يعتمد على أحد الأشياء الستة، منها الاستفهام

(3)

.

‌الشاهد الرابع والثلاثون بعد السبعمائة

(4)

،

(5)

.............................

تَرَقْرَقُ في الأَيْدِي كُمَيْتٍ عَصِيرُهَا

أقول: قائله هو مضرس بن ربعي

(6)

، وصدره:

فما طعمُ راحٍ في الزجاجِ مدَامَةٍ

...................................

وهو من الطويل.

قوله: "راح": وهو الخمر، ومن أسمائه المدام، وله أسام كثيرة، قوله:"ترقرق": من رقرق الشيء إذا تلألأ ولمع، قوله:"كميت": من الكمتة وهي الحمرة الشديدة التي تضرب إلى السواد من شدة حمرتها.

الإعراب:

قوله: "فما طعم راح" الفاء للعطف على ما تقدمه أو جواب شرط، و"طعم راح": كلام

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

هو شاهد على إعمال اسم الفاعل لاعتماده على الاستفهام. ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (1028)، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 293).

(4)

توضيح المقاصد (3/ 17).

(5)

البيت من بحر الطويل، وقد نسب في مراجعه إلى مضرس بن ربعي، وكذا في الدرر (5/ 266)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 95) وشرح الأشموني (2/ 294).

(6)

هو مضرس بضم الميم وتشديد الراء مكسورة ابن ربعي بكسر الراء وتسكين الباء وتشديد الياء ابن لقيط بفتح اللام ابن خالد بن نضلة شاعر جاهلي، الخزانة (5/ 22).

ص: 1440

إضافي مبتدأ، و"مدامة": خبره

(1)

، قوله:"في الزجاج": في محل الجر على أنَّه صفة للراح، قوله:"ترقرق": جملة من الفعل والفاعل في محل الرفع على أنها صفة لمدامة و"في الأيدي": يتعلق بها، قوله:"كميت" بالجر؛ صفة للراح، وقوله:"عصيرها": مرفوع به

(2)

.

والاستشهاد فيه:

في قوله: "كميت" حيث رفع: "كميت عصيرها" فإن قوله: "كميت" وصف لم يستعمل إلا مصغرًا، وقد عمل في قوله:"عصيرها" حيث رفعها، وهذا مذهب المتأخرين من المغاربة؛ فإنهم قالوا: إذا كان الوصف لا يستعمل إلا مصغرًا ولم يحفظ له مكبر جاز إعماله، وأنشدوا هذا البيت، لكن هذا على رواية من جر كميت على أنَّه وصف

(3)

.

‌الشاهد الخامس والثلاثون بعد السبعمائة

(4)

،

(5)

شُمٌّ مهَاوينُ أبدانَ الجَزُورِ مخا

مِيصُ العَشِيَّاتِ لا خُوْرٌ ولا قَزَمُ

أقول: قائله هو كميت بن معروف الأسدي، وهو من البسيط.

قوله: "شم" بضم الشين المعجمة وتشديد الميم؛ جمع أشم؛ من الشمم وهو ارتفاع قصبة الأنف مع استواء أعلاه، وأراد به هاهنا أنهم سادات كبار، قوله:"مهاوين": جمع مهوان

(1)

مدامة ليس الخبر، وإنما الخبر فيما يأتي بعد ذلك من أبيات، وجملة ترقرق وما بعدها صفات.

(2)

وعلى ذلك جرى الاستشهاد، ورد كميت بالرفع ليكون خبرًا مقدمًا، وعصيرها المبتدأ، ولا شاهد فيه على ذلك.

(3)

قال المرادي: "إذا صغر اسم الفاعل فمذهب البصريين والفراء أنَّه لا ينصب المفعول به، وأنه يجب إضافته فتقول: ضويرب زيد، وعلة ذلك: بُعْد شبهه عن المضارع بتغيير بنيته، ودخول خاصة من خواص الأسماء، وذهب الكسائي قيل: وباقي الكوفيين وتابعهم أبو جعفر النحاس إلى جواز إعماله مصغرًا لأنه ليس من أصول الكوفيين شبهه له في الصورة بل في المعنى، واستدل الكسائي بقول العرب: أظنني مرتحلًا فسويرًا فرسخًا، ولا حجة فيه لأن فرسخًا ظرف، وروائح الأفعال قد تعمل في الظروف. وقال النحاس: ليس تصغيره بأعظم من تكسيره بل أحرى أن يعمل إذا كان مصغرًا لأن التصغير قد يوجد في ضرب من الأفعال والتكسير لا يوجد فيها. وأجيب بأن التكسير إنما وقع بعد استقرار العمل فلم يؤثر، والصحيح أنَّه لا يعمل مصغرًا لأنه لم يحفظ من كلامهم. وقال بعض متأخري المغاربة: إذا كان الوصف لا يستعمل إلا مصغرًا ولم حفظ له مكبر جاز إعماله، ومن ذلك قول الشاعر (البيت) في رواية: من جر: (كميت) ". شرح التسهيل للمرادي (3/ 179، 180)، وينظر شرح ألفية ابن معطٍ (979)، والتذييل والتكميل (4/ 780، 781)، وشرح جمل الزجاجي "الكبير" لابن عصفور (1/ 554)، ومثل المقرب لابن عصفور (253، 254)"ماجستير"، وشرح المقرب: المنصوبات (1/ 187).

(4)

توضيح المقاصد (3/ 20).

(5)

البيت من بحر البسيط، وهو في المدح، ونسب لأكثر من شاعر، فقيل: نسب للكميت بن زيد، وللكميت بن معروف الأسدي، ينظر الكتاب (1/ 114)، وهمع الهوامع (2/ 97)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 80)، والخزانة (8/ 150)، وقيل: لتميم بن أبي مقبل في الدرر (5/ 275)، واستبعده صاحب الخزانة (8/ 154).

ص: 1441

بكسر الميم، وهو الَّذي يهين الجزور وينحرها.

قوله: "أبدان الجزور" أراد: أبدان الجزر بالجمع ولكنه اكتفى بالواحد، و"الجزور" -بفتح الجيم من الإبل يقع على الذكر والأنثى، ويجمع على جُزُر بضمتين، ويروى: أبداء الجزور، والأبداء: جمع بدأة وهو المفصل، وقال الجوهري: البدأة: النصيب من الجزور، والجمع أبداء وبدوء، مثل: جفن وأجفان وجفون

(1)

، ومادته باء الموحدة ودال وهمزة.

و"المخاميص": جمع مخماص، وهو الضامر البطن، وأراد به هاهنا الجائع؛ يعني أنهم يجوعون أوقات العشيات لأجل الضيفان، و"العشيات": جمع عشية، قال الجوهري: العشي والعشية: من صلاة المغرب إلى العتمة

(2)

.

قوله: "لا خور" بضم الخاء المعجمة وسكون الواو وفي آخره راء مهملة؛ جمع أخور، وهو الضعيف؛ من خار يخور خؤورة إذا ضعف، وخار الحر إذا انكسر، و"القزم" بفتح القاف والزاي المعجمة، قال الجوهري: رجل قزم والذكر والأنثى والواحد والجمع فيه سواء؛ لأنه في الأصل مصدر، و"القزم" هو أردأ المال، والقِزام -بالكسر: اللئام

(3)

، وأراد أنهم ليسوا برَذَال الناس وسفلتهم.

الإعراب:

قوله: "شم": خبر مبتدأ محذوف، أي هم شم، قوله:"مهاوين" بالرفع إما صفة وإما خبر بعد خبر، و"أبدان الجزور": كلام إضافي نصب على أنَّه مفعول مهاوين.

قوله: "مخاميص العشيات": كلام إضافي مرفوع لأنه خبر بعد خبر، والإضافة فيه بمعنى في، أي: مخاميص في أوقات العشيات، قوله:"لا خور": عطف على ما قبله من الموفوع، "ولا قزم": عطف عليه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "مهاوين أبدان الجزور" فإن مهاوين جمع اسم الفاعل الَّذي للمبالغة، وقد عمِل عمَل فعله؛ حيث نصب أبدان الجزور

(4)

.

* * *

(1)

الصحاح مادة: "بدأ".

(2)

الصحاح مادة: "عشى".

(3)

الصحاح مادة: "قزم".

(4)

ينظر الكتاب (1/ 112 - 114)، وشرح المفصل لابن يعيش (6/ 76).

ص: 1442

‌شواهد أبنية المصدر

‌الشاهد السادس والثلاثون بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

وَهْيَ تُنَزِّي دَلْوَهَا تَنْزِيًّا

كَمَا تُنَزِّي شَهْلةٌ صَبيًّا

أقول: لم أقف على اسم قائله

(3)

.

قوله: "وهي تنزي" ويروى: بات ينزي دلوه، وكذا رواه أبو عبيدة، قوله:"تنزي": من التنزيه وهي رفع الشيء إلى فوق، قوله:"شهلة" بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء، وهي العجوزة الكبيرة، شبَّه يديها إذا جذبت بهما الدلو لتخرج من البئر بيدي امرأة ترقص صبيًّا، وخص الشهلة؛ لأنها أضعف من الشابة فهي تنزي الصبي باجتهاد، وقال أبو عبيدة: التنزية: رفعها إياه إلى فوق.

الإعراب:

قوله: "وهي": مبتدأ، و"تنزي": خبره، قوله:"دلوها": كلام إضافي مفعول تنزي، قوله:"تنزيًّا": نصب على المصدرية، قوله:"كما" الكاف للتشبيه، وما مصدرية، و"تنزي": فعل، و"شهلة" فاعله، و"صبيًّا": مفعوله، والتقدير: كننزي الشهلة الصبي.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "تنزيًّا" فإن القياس فيه: تنزية بالياء المخففة بعدها تاء التأنيث؛ كما تقول: سمي

(1)

ابن الناظم (169)، وتوضيح المقاصد (3/ 35)، وأوضح المسالك (2/ 264)، وشرح ابن عقيل (2/ 128).

(2)

بيتان من بحر الرجز المشطور، ولم ينسبا لقائل، وهما في الوصف، وانظرهما في الخصائص (2/ 302)، والتصريح (2/ 72)، والمنصف (2/ 195)، واللسان مادة:"شهل".

(3)

في (أ): راجزه.

ص: 1443

تسمية وزكى تزكية، ولكنه أتى كمصدر الفعل الصحيح؛ نحو: سلم تسليمًا، وكلّم تكليمًا

(1)

.

‌الشاهد السابع والثلاثون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

يا قَوْمُ قدْ حَوْقَلْتُ أوْ دَنَوْتُ

وَبَعْضُ حِيقَالِ الرِّجالِ الموتُ

أقول: [قيل]

(4)

إنه لرؤبة، ولم أقف على صحته

(5)

، وهو من الرجز المسدس.

قوله: "حوقلت" من حوقل الشيخ حوقلة وحيقالًا إذا كبُر وفتُر عن الجماع، قوله:"وبعض حيقال الرجال"، ويروى: و"بعض حوقال" بفتح الحاء المهملة، وأراد المصدر، فلما استوحش [من]

(6)

أن تصير الواو ياءً فتحه، وأما حيقال فأصله: حِوقال -بكسر الحاء وسكون الواو، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.

الإعراب:

قوله: "يا قوم": منادى مضاف، وأصله: يا قومي بياء المتكلم فاكتفى بالكسرة عنها، قوله:"قد": للتحقيق، و"حوقلت": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"أو دنوت": عطف عليه، قوله:"وبعض حيقال الرجال"؛ كلام إضافي مرفوع بالابتداء، وخبره قوله:"الموت"، والجملة يجوز أن تكون حالية أو مستأنفة.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وبعض حيقال" فإنه على وزن فيعال، وهو مصدر فوعل، والقياس في مصدره: فوعلة؛ كدحرج دحرجة، ولكنه جاء على فيعال -أيضًا- كحيقال. فافهم

(7)

.

* * *

(1)

ينظر المنصف شرح تصريف المازني (2/ 195).

(2)

ابن الناظم (169)، شرح ابن عقيل (2/ 131).

(3)

بيتان من بحر الرجز المشطور، وهما لرؤبة، وانظرهما في ملحق ديوانه (170)، وابن يعيش (7/ 155)، واللسان:"حقل"، والمحتسب (2/ 96)، والمنصف (1/ 39)، (3/ 7).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

البيتان في ديوانه مجموع أشعار العرب (170).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(7)

ينظر المنصف (1/ 39)، وابن يعيش (7/ 155).

ص: 1444

‌شواهد الصفة المشبهة باسم الفاعل

‌الشاهد الثامن والثلاثون بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

وَمَا أنَا مِنْ رُزْءٍ وَإنْ جلَّ جَازِعٌ

ولَا بِسُرُورٍ بَعْدَ مَوْتكَ فارِحُ

أقول: قائله هو أشجع السلمي

(3)

، وهو من قصيدة حائية من الطويل، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

مضَى ابْنُ سَعِيدٍ حِينَ لم يبقَ مَشْرِقٌ

وَلَا مَغْرِبٌ إلا لَهُ فِيهِ مَادِحُ

2 -

ومَا كُنْتُ أَدْرِي مَا فَوَاضِلُ كَفِّهِ

عَلَى النَّاسِ حتَّى غَيَّبْتْهُ الصَّفَائِحُ

3 -

فَأصْبَحَ فيِ لَحْدٍ مِنَ الأَرْضِ مَيتًا

وكَانَتْ بِهِ حَيًّا تضيقُ الصَّحَاصِحُ

4 -

فما أنا من رزء .................

......................... إلى آخره

5 -

كَأَنْ لَمْ يَمُتْ حَيٌّ سِوَاكَ وَلَمْ تَقُمْ

عَلَى أَحَدٍ إلا عَلَيكَ النَّوَائِحُ

6 -

سَأَبْكِيكَ مَا فَاضَتْ دُمُوعِي فَإِنْ تُغِضْ

فحَسْبُكَ مِنِّي مَا تُجِنُّ الجَوَانِحُ

7 -

لئنْ حَسُنَتْ فِيكَ المرَاثِي وذِكْرُهَا

لَقَدْ حَسُنَتْ مِنْ قَبلُ فِيكَ المَدَائِحُ

قوله: "الصفائح": جمع صفيحة، وأراد بها الأحجار - أعني أحجار القبر. و"الصحاصح": جمع صحصح وهي الأرض المستوية، وكذلك الصحصحان، و"النوائح": جمع نائحة.

(1)

ابن الناظم (172)، وتوضيح المقاصد (3/ 44).

(2)

البيت من بحر الكامل، وهو من قصيدة لأشجع السلمي في الرثاء، وقد اختارها أبو تمام في حماسته؛ لأنها من أجود الرثاء، وانظر الشاهد في الخزانة (1/ 295)، وديوان الحماسة (856).

(3)

من شعراء الدولة العباسية، نشأ بالبصرة، وقال الشعر وأجاد وعد من الفحول، وافتخرت به قبيلته قيس، ومدح البرامكة، ومدح هارون الرشيد. الخزانة (1/ 296).

(4)

الخزانة (1/ 295)، وديوان الحماسة (856).

ص: 1445

قوله: "فإن تغض": من غاض الماء إذا نقص، قوله:"تجن" أي: تستر؛ ومنه الجنّ لاستتارهم عن الإنس، و"الجوانح": الأضلاع.

قوله: "من رزء" بضم الراء وسكون الزاي المعجمة وفي آخره همزة، وهو المصيبة، ويجمع على أرزاء، قوله:"وإن جل" بالجيم، بمعنى عظم، وكثير منهم يصحفونه وينشدونه بالحاء المهملة، قوله:"بعد موتك"[الكاف]

(1)

للخطاب لابن سعيد المذكور في أول القصيدة.

الإعراب:

قوله: "وما أنا" ويروى: فما أنا بالفاء، وكلمة ما نافية، وأنا مبتدأ، وخبره قوله:"جازع"، وقوله:"من رزء": جار ومجرور يتعلق به، قوله:"وإن": واصلة بما قبله.

و"جل": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الَّذي يرجع إلى الرزء، وفي الحقيقة هو عطف على محذوف تقديره: وما أنا جازع من رزء إن لم يجل وإن جلّ، قوله:"ولا بسرور" الباء تتعلق بقوله: "فارح"، وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره: ولا أنا فارح بسرور بعد موتك.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فارح" فإن الصفة المشبهة التي هي فرح حُوّلت إلى فارح على صيغة اسم الفاعل لإفادة معنى الحدوث

(2)

في الزمن المستقبل، وإذا قصد باسم الفاعل الثبوت عومل معاملة الصفة المشبهة، وإذا قصد بالصفة المشبهة معنى الحدوث حولت إلى بناء اسم الفاعل فافهم

(3)

.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

في (ب): الحديث.

(3)

قال الرضي: "قوله: على معنى الثبوت أي الاستمرار واللزوم، والذي أرى أن الصفة المشبهة كما أنها ليست موضوعة للحدوث في زمان ليست -أيضًا- موضوعة للاستمرار في جميع الأزمنة؛ لأن الحدوث والاستمرار قيدان في الصفة ولا دليل فيها عليهما؛ فليس معنى حسن في الوضع إلا ذو حسن، سواء كان في بعض الأزمنة أو جميع الأزمنة، ولا دليل في اللفظ على أحد القيدين فهو حقيقة في القدر المشترك بينهما، وهو الاتصاف بالحسن، لكن لما أطلق ذلك ولم يكن بعض الأزمنة أولى من بعض ولم يجز نفيه في جميع الأزمنة؛ لأنك حكمت بثبوته فلا بد من وقوعه في زمان كان الظاهر ثبوته في جميع الأزمنة إلى أن تقوم قرينة على تخصصه ببعضها؛ كما تقول كان هذا حسنًا فقبح أو سيصير حسنًا أو هو الآن حسن فقط فظهوره في الاستمرار ليس وضعيًّا". ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 205)، وشرح الشافية للرضي (1/ 148، 149).

ص: 1446

‌الشاهد التاسع والثلاثون بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

بِبُهْمَةٍ مُنِيَتُ شَهْمٍ قَلْبُ

مُنَجِّذٍ لَا ذِي كَهَامٍ يَنْبُو

أقول: لم أقف على اسم راجزه، وهو من الرجز المسدس.

قوله: "ببهمة " البهمة -بضم الباء الموحدة الفارس الَّذي لا يدري من أين يؤتى لشدة بأسه، والجمع بُهَم، ويقال -أيضًا- للجيش: بهمة، ومنه قولهم: فلان فارس بهمة وليث غابة.

قوله: "منيت" بضم الميم وكسر النون بعدها ياء آخر الحروف ساكنة، ومعناه: ابتليتُ؛ من منوته ومنيته إذا ابتليته، قوله:"شهم" بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء، يقال: رجل شهم أي: جلد ذكي الفؤاد؛ من شهُم الرجل بالرجل شهامة فهو شهم.

قوله: "منجذ" بضم الميم وفتح النون وتشديد الجيم المفتوحة وفي آخره ذال معجمة، يقال: رجل منجذ؛ أي: مجرب أحكمته الأمور، قوله:"كهام" بفتح الكاف وتخفيف الهاء، يقال: سيف كهام. أي: كليل، ولسان كهام؛ أي: عييّ، وفرس كهام أي بطيء، قوله:"ينبو": من نبا الشيء ينبو؛ أي: تجافى وتباعد.

الإعراب:

قوله: "ببهمة": جار ومجرور يتعلق بقوله: "منيتُ"، والتاء في منيت مفعول ناب عن الفاعل، قوله:"شهم": مجرور لأنه صفة بهمة، وقوله:"قلب": مرفوع بقوله: "شهم"، وهو نظير؛ حسنٌ وجهٌ بالرفع.

قوله: "منجذ" بالجر؛ صفة أخرى لبهمة، قوله. "لا ذي كهام": عطف على ما قبله من المجرور، قوله:"ينبو": جملة وقعت صفة لكهام.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "شهم قلب" فإن فيه شاهدًا على جواز: حسنٌ وجهٌ بالرفع، وهو ضعيف لعدم رابط في اللفظ بين الصفة وموصوفها. فافهم

(3)

.

(1)

ابن الناظم (174).

(2)

بيتان من بحر الرجز المشطور، لم ينسبا لقائل، وهما في شرح الأشموني بحاشية الصبان (3/ 10)، وشرح الكافية الشافية (1070)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 99)، والدرر (5/ 284)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (1114).

(3)

يقول المرادي: "أما: حسن وجهه بالجر فهو عند سيبويه مختص بالشعر، وعند المبرد ممنوع في الشعر وغيره، وهو =

ص: 1447

‌الشاهد الأربعون بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

وَنَأْخُذُ بَعْدَهُ بذِنَابِ عَيْشٍ

أَجَبّ الظهرِ ليسَ لهُ سَنَامُ

أقول: قائله هو النابغة، واسمه زياد بن معاوية الذبياني، وهو من قصيدة ميمية في مدح النعمان بن الحارث الأصغر، وأولها هو قوله

(3)

:

1 -

ألم أقسمْ عليكَ لتُخْبِرَنِّي

أمحمولٌ على النعش الهُمامُ

2 -

فإنِّي لَا أُلَامُ عَلَى دُخُولٍ

ولَكِنْ ما وَرَاءَكَ يَا عِصَامُ

3 -

فإنْ يَهْلِك أَبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ

رَبيعُ النَّاسِ والبَلَدُ الحَرامُ

(4)

4 -

ونَأْخُذ بَعْدَهُ ...............

..................... إلى آخره

وكان النابغة بلغه أن النعمان ثقيل من مرض كان أصابه حتَّى أشفق منه عليه فأتاه النابغة، وكان النعمان يُحمل في مرضه ذلك على سرير يُنقل ما بين الغمر وقصوره التي بالحيرة، وكان النعمان قد حجب النابغة لما بلغه عنه من أمر المتجردة، فكان النابغة إذا أراد الدخول على

= عند الكوفيين جائز في الكلام كله. وهو الصحيح؛ لأن مثله قد ورد في الحديث كقوله في حديث أم زرع: (صفر وشاحها) - أخرجه مسلم في صحيحه (2/ 376) - وفي حديث الدجال: "أعورُ عينهِ اليُمنَى" - الحديث بلفظه هكذا ذكره البخاري (2/ 255) - وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم: "شئن أصابعه وطويل أصابعه" - في البخاري (68) من كتاب اللباس - ومع جوازه ففيه ضعف؛ لأنه يشبه إضافة الشيء إلى نفسه، وأما حسن وجهه بالنصب فمن شواهده قول الراجز:

...........................

كُومَ الذِّرَى وَادِقَةً سُرَّاتِهَا

قال في الشرح: وهو مثل قراءة بعض السلف: {وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُءَاثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 238] بالنصب. انتهى، وخرجت على أن "قلبه" بدل من اسم (إن).

وأما: حسن وجه بالرفع، فأجازه الكوفيون ومنعه أكثر البصريين. قال المصنف: وبجوازه أقول، ويدل على جوازه قول الراجز (البيت) شرح التسهيل للمرادي (3/ 225 - 228)، وينظر ابن يعيش (6/ 86، 87)، والمساعد (2/ 217، 218)، والتذييل والتكميل (4/ 874).

(1)

ابن الناظم (175).

(2)

البيت من بحر الوافر، من مقطوعة للنابغة، نقلها الشارح كلها وذكر مناسبتها، وانظر بيت الشاهد في الكتاب لسيبويه (1/ 196)، والمقتضب (2/ 179)، وأسرار العربية (200)، والإنصاف (134)، واللسان مادة:"حبب"، وابن يعيش (6/ 83، 85).

(3)

الديوان (157) شرح عباس عبد الساتر، و (105)، بتحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (دار المعارف)، والأغاني (11/ 26)، والخزانة (7/ 511).

(4)

وروايته في الديوان:

فإن يهلك أبو قابوس يهلك

ربيع الناس والشهر الحرام

ص: 1448

النعمان جعل عصام حاجب النعمان يخبر عنه أنَّه عليل فقال النابغة لعصام [وهو عصام]

(1)

ابن شهبرة الجرمي:

ألم أقسم عليك ..............

......................... إلى آخره

1 -

[قوله: "]

(2)

عليك": خطاب لعصام، قوله: "أمحمول على النعش" كان الملك إذا مرض جعلته الرجال على أكتافها يعتقبونه ويقفون ويقال: إن ذلك أوطأ له في الأرض.

وقيل: معنى أمحمول على النعش، أي: هل مات فيحمل على النعش أم لا؟، و"الهمام" بضم الهاء؛ السيد الشريف.

2 -

قوله: "فإني لا ألام على دخول" أي: لا ألام على ترك الدخول عليه؛ لأني محجوب لا أصلُ إليه، يريد أنَّه لا يقدر على أن يدخل على النعمان لغضبه عليه وحجابه له، قوله:"ما وراءك يا عصام" يريد: أخبرني بكنه أمره وحقيقته.

3 -

قوله: "فإن يهلك أبو قابوس" هو كنية النعمان، قوله:"يهلك ربيع الناس" جعله بمنزلة الربيع في الخصب لكثرة عطائه وفضله، قوله:"والشهر الحرام" أي: هو موضع أمن في كل مخافة لمستجير وغيره، ويقال: إن الشهر الحرام يُضَاعُ بعده ويتعاور الناس [فيه]

(3)

ويقتتلون ولا ترعى حرمته.

4 -

قوله: "ونأخذ بعده" ويروى: ونمسك بعده بذناب عيش؛ أي: نبقى بعده في شدة وسوء حال، ونتمسك بطرف عيش قليل الخير بمنزلة البعير المهزول الَّذي ذهب بسنامه وانقطع لشدة هزاله، و"الذناب" بكسر الذال [المعجمة]

(4)

عقب كل شيء، قوله:"أجب الظهر" أي: مقطوع السنام؛ كأن سنامه قد جُبّ؛ أي: قطع من أصله، ويقال؛ بعير أجب وناقة جباء.

الإعراب:

قوله: "ونأخذ": جملة من الفعل والفاعل عطف على ما قبله، "وبعده": كلام إضافي نصب على الظرف؛ أي: بعد النعمان، والباء في بذناب يتعلق بنأخذ، و"عيش": مجرور بالإضافة.

والاستشهاد فيه:

في قوله: "أجب الظهر" فإنه يجوز فيه ثلاثة أوجه:

الأول: أجبُّ الظهرَ برفع أجب ونصب الظهر مثل: حسنٌ الوجهَ، وهذا من أقسام الضعيف

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1449

وهو أن تنصب الصفة المجردة المعرفَ بالألف واللام، فأجب مرفوع على أنَّه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو أجب، وأما نصب الظهر فعلى التشبيه بالمفعول أو على التمييز على رأي الكوفيين

(1)

.

الثاني: نصب "أجب" ورفع الظهر، وهو مثل الأول غير أن ارتفاع الأجب في الوجه الأول يكون على أنَّه خبر مبتدأ محذوف كما قلنا ونصبه في الوجه الثاني على الحال

(2)

.

الوجه الثالث: جر الأجب والظهر جميعًا، أما جر الأجب فعلى أنَّه صفة لعيش، وأما جر الظهر فبالإضافة

(3)

.

‌الشاهد الحادي والأربعون بعد السبعمائة

(4)

،

(5)

أنعتُهَا إِنِّي مِن نُعّاتِهَا

كُوَمَ الذُّرَا وَادِقَةً سُرَّاتِهَا

أقول: قائله هو عمر [بن الأشعث]

(6)

بن لحاء -بالحاء المهملة- التيمي، وترتيب هذا الرجز هكذا

(7)

:

1 -

أنعتها إني من نُعَّاتِهَا

مدارةَ الأخفاف مجمراتِهَا

2 -

غُلْبَ الذَّفَارَى وعفَرْنِيّاتِهَا

كُوَمَ الذُّرَا وَادِقَةً سُرَّاتِهَا

3 -

حملتُ أثقالي مصمماتها

................................

1 -

قوله: "أنعتها" أي: أصفها، والضمير المنصوب يرجع إلى النوق، قوله:"نعاتها" بضم النون وتشديد العين؛ جمع ناعت، قوله:"مدارة" أي: مدورة الأخفاف، قوله:"مجمراتها": جمع مجمرة بالجيم، دقال: حافرٌ مجمرٌ؛ أي: صلب قويٌّ.

2 -

و"الغلب" بضم الغين المعجمة وسكون اللام وفي آخره [باء موحدة]

(8)

؛ جمع غلباء، يقال: رجل أغلب إذا كان غليظ الرقبة وامرأة غلباء.

و"الذفارى" بفتح الذال المعجمة والفاء والراء، وهو جمع ذفرى بكسر الذال وسكون

(1)

ينظر ابن يعيش (6/ 85).

(2)

رفع أجب أو نصب على القطع أو الحالية لا يجوز لأنه قطع النكرة غير الموصوفة نادر، وكذلك مجيء الحال منها.

(3)

ابن يعيش (6/ 83، 85)، والكتاب لسيبويه (1/ 196) وفيها حديث مطول.

(4)

ابن الناظم (175).

(5)

بيتان من الرجز منسوبان في مراجعهما لعمر بن لجأ التيمي في الخزانة (8/ 221)، والدرر (5/ 289)، وابن يعيش (6/ 83، 88).

(6)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(7)

انظر هذا الرجز في خزانة الأدب (8/ 221).

(8)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1450

الفاء، والذفرى من القفا هو الموضع الذي يعرق من البعير خلف الأذن، يقال: هذه ذفرى أسيلة لا ينون؛ لأنَّ ألفها للتأنيث وهي مأخوذة من ذفر العرق؛ لأنها أول ما يعرق من البعير، والجمع ذفريات، وذفارَى بفتح الراء، وهذه الألف في تقدير الانقلاب عن الياء؛ ومن ثَمّ قال بعضهم: ذفارٍ، مثل: صحارٍ.

قوله: "وعفرنياتها" بفتح العين المهملة والفاء وسكون الراء وفتح النون بعدها الياء آخر الحروف، وهو جمع عفرناة، يقال: ناقة عفرناة؛ أي: قوية، قوله:"كوم الذرا" الكوم: جمع كوماء، وهي الناقة العظيمة السنام، والذرا -بضم الذال المعجمة؛ جمع ذروة وهي أعلى السنام.

قوله: "وادقة": من ودقت إذا دنت لأنها [إذا]

(1)

سمنت دنت سرتها من الأرض من سمنها، "السرات" بضم السِّين المهملة؛ جمع سرة.

3 -

قوله: "مصمماتها": جمع مصممة؛ من صمم في السير وغيره إذا مضى.

الإعراب:

قوله: "أنعتها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله:"إنِّي" الياء اسم إن، وقوله: لا من نعاتها": خبره، قوله: "كوم الذرا": كلام إضافي نصب على المدح، قوله: "وادقة": صفة مشبهة نصب على الوصف، و "سراتها": نصب على التشبيه بالمفعول وعلامة النصب فيه الكسر؛ كما في مسلمات، وإما نُصب على التمييز على رأي الكوفيين

(2)

.

والاستشهاد فيه:

لأنَّ فيه شاهدًا على جواز قولك: زيد حسن وجهَه، بالنصب، وهو القسم الذي ينصب الصفة المشبهة المضاف إلى ضمير الموصوف فافهم، والله سبحانه وتعالى أعلم

(3)

.

‌الشاهد الثاني والأربعون بعد السبعمائة

(4)

،

(5)

أَمِن دِمْنَتَيِنْ عَرَّجَ الرّكبُ فيهمَا

بِحَقْلِ الرُّخَامَى قَدْ عَفَا طَلَلَاهُمَا

أَقَامَتْ عَلَى رَبْعَيهِمَا جَارَتَا صَفا

كُمَيتا الأَعَالِي جَوْنَتَا مُصْطَلَاهُمَا

أقول: قائله هو الشماخ، واسمه معقل بن ضرار بن حرملة بن صيفي بن إياس بن عبد غنم

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ينظر القولان في ابن يعيش (6/ 87، 79)، والشاهد رقم (739) من هذا البحث وما قيل في تحقيقه.

(3)

ينظر ابن يعيش (6/ 89).

(4)

ابن الناظم (175).

(5)

البيت من بحر الطَّويل، وهو من قصيدة للشماخ يمدح بها يزيد بن مربع الأنصاري، وقد ختمها بقوله: =

ص: 1451

ابن جحاش بن مجللة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس غيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

وهما من أول قصيدة طويلة من الطَّويل.

قوله: "دمنتين": تثنية دمنة، وهي ما بقي من آثار الديار، وأراد بهما الأثفيتين، قوله:"عرج الركب": من التعريج على الشيء، وهو الإقامة عليه، يقال: عرَّج فلان على المنزل إذا حبس مطيته عليه، ويروى: عرس الركب؛ من التعريس وهو نزول القوم في السَّفر من آخر الليل يقفون فيه وقفة للاستراحة ثم يرتحلون، وأعرس لغة فيه، "والركب": جمع راكب، كصحب جمع صاحب، و "حقل" بفتح الحاء المهملة وسكون القاف وفي آخره لام، وهو القراح الطيب، الواحدة: حقلة، والقَراح -بفتح القاف؛ الماء الذي لا يشوبه شيء، و "الرخامى" بضم الراء وبالخاء المعجمة وفتح الميم؛ شجر مثل الضال، وفي شرح الرضي: الحقل: الموضع الذي ينبت فيه الرخامى

(1)

، [والمراد بحقل الرخامى ها هنا: اسم موضع]

(2)

.

قوله: "قد عفا" أي: درس؛ من عفت الدار إذا درست، والصَّواب في عفا أن يكتب بالألف لأنَّه من ذوات الواو؛ يقال: عفا يعفو، قوله:"طللاهما": تثنية طلل، وهو ما شخص من آثار الدار.

قوله: "على ربعيهما": تثنية رَبْع وهو الدار، قوله:"جارتا صفا" الصفا: الجبل، وأراد بجارتا صفًّا: الأثفيتين، قوله:"كميتا الأعالي" أي: أسود، أعلاهما من أثر النار، قوله:"جونتا مصطلاهما" الجون -بفتح الجيم وسكون الواو- من الأضداد يطلق على الأبيض والأسود، والمراد ها هنا الأسود، وقال البعلي: أراد به الأبيض.

وقال سيبويه: يريد مصطلى الأثفيتين جون وأعلاهما كميت

(3)

، وتأول الضمير في مصطلاهما

= وإني لأرجو من يزيد بن مربع

عطيته من خيرتين اصطفاهما

عطية من نائل وكرامة

سعى في ابتغاء المجد حتَّى احتواهما

وانظر الشاهد في الكتاب (1/ 199)، والهمع (2/ 99)، وفي الخزانة (8/ 220، 222)، والمقرب (1/ 141)، والخزانة (4/ 293)، والدرر (5/ 281)، وابن يعيش (6/ 83، 86)، والبيت في ديوانه (307، 308)"دار المعارف"، ورواية البيت الأول في الديوان هكذا:

أمن دمنتين عرج الركب فيهما

بحقل الرخا مى قد أنى لبلاهما

(1)

لم يذكر الرضي في شرحه على الكافية إلَّا البيت الثَّاني (أقامت على ربعيهما) وبين الشاهد فيه كما هنا، أما البيت الأول وشرح:"حقل الرخامي" فلم يُذكر، شرح الرضي (912)، د. حسن الحفظي.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

الكتاب لسيبويه (1/ 199).

ص: 1452

بأنه عائد على الأعالي؛ لأنها مثناة في المعنى، و "المصطلى" بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء واللام؛ موضع النَّار.

والمعنى: أقامت ثفيتان اللتان في ربع الدمنتين أعاليهما شديدة الحمرة وأسافلهما مُسوَدّة.

الإعراب:

قوله: "أمن دمنتين" الهمزة للاستفهام، و "من" للتعليل؛ أي؛ من أجل دمنتين، و "عرج الركب": جملة من الفعل والفاعل، قوله:"فيهما" أي: عليهما، لأنَّ عرج يستعمل بعلى لا بفي يقال: عرج عليه؛ كما قلنا، وفي تجيء بمعنى على؛ كَمَا في قوله تعالى:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] أي: عليها، والباء في:"بحقل الرخامى" بمعنى في، ومحلها النصب على الحال؛ أي: حال كونهم كائنين في حقل الرخامى.

وقوله: "قد عفا طللاهما": جملة فعلية وقعت حالًا من الدمنتين، قوله:"أقامت": فعل وفاعله: قوله: "جارتا صفا"، "وصفا" في تقدير الجر على الإضافة، قوله:"على ربعيهما": يتعلق بأقامت، وعلى بمعنى في، قوله:"كميتا الأعالي": كلام إضافي، وأصله: كميتان، سقطت النون للإضافة وهي صفة: جارتا صفا.

قوله: "جونتا مصطلاهما": صفة مشبهة من حبان يجون، وهي أضيفت إلى ما أضيف إلى ضمير موصوفها، أعنى: مصطلاهما، وضمير مصطلاهما يعود إلى جارتا، فهي مثل قولك: مررت برجل حسن وجهِه بالإضافة، والمبرد يمنعه مطلقًا

(1)

، وسيبوبه يخصه

(2)

.

وقال بعض شراح كتاب سيبوبه: الشاهد لسيبويه في البيت: جونتا مصطللاهما؛ حيث أضاف جونتا إلى مصطلى، وأضاف مصطلى إلى هما، وهما راجعان إلى "جارتا صفا"؛ لأنَّ الجونتين من صفة الجاريتين.

الاستشهاد فيه:

كما قررناه، فإن سيبويه قال: الجر في هذا النحو من الضرورات

(3)

، ثم أنشد قول الشماخ:

(1)

قال ابن عقيل: "ويقل نحو: حسن وجهه؛ بجر وجه، ولم يجز سيبويه ذلك إلَّا في الشعر، ومنعه المبرد مطلقًا". المساعد (2/ 217، 218)، وقال أبو حيان:"ولم يجز سيبويه الجر إلَّا في الشعر ومنعه المبرد مطلقًا". التذييل والتكميل (4/ 874).

(2)

المعنى: خصه بالشعر، انظر الكتاب (1/ 199، 200).

(3)

قال سيبويه: "وقد جاء في الشعر حسنة وجهها، شبهوه بـ: حسنة الوجه، وذلك رديء؛ لأنَّه بالهاء معرفة كما كان بالألف واللام، وهو من سبب الأول كما أنَّه من سببه بالألف واللام؛ قال الشماخ: (البيتين) ". الكتاب (1/ 199).

ص: 1453

فجونتا مصطلاهما نظير: حسن وجهِه، وأجازه الكوفيون في السعة، وهو الصَّحيح على ما نص عليه ابن الناظم

(1)

.

‌الشاهد الثالث والأربعون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

هَيفَاءُ مُقْبِلَةً عَجْزَاءُ مُدْبِرَةً

مَمْخُوطَةٌ جُدِلَتْ شَنْبَاءُ أَنْيَابَا

أقول: قائله هو أبو زبيد الطَّائي، واسمه حرملة بن المنذر، توفي في زمن عثمان رضي الله عنه، ولم يعرف تاريخه.

وهو من البسيط.

قوله: "هيفاء": الضامرة، والمذكر: أهيف، "والعجزاء" بالزاي المعجمة؛ العظيمة العجز، "وممخوطة" بالطاء المهملة، يحتمل أنها موشومة بالمخط -بكسر الميم- الذي يوشم به، وقيل: المخط: الحديدة التي ينقش بها الأديم.

قوله: "جدلت": من الجدل وهو الفتل؛ يقال: جدلت الحبل أجدله جدلًا؛ أي: فتلته فتلًا محكمًا، ومنه: جارية مجدولة الخلق حسنة الجدل، ومادته جيم وقال مهملة ولام.

قوله: "شنباء": من الشنب وهو حدة الأسنان، وقيل: برد وعذوبة، وامرأة شنباء بينة الشنب، قال الجرمي: سمعت الأصمعي يقول: الشنب: برد الفم والأسنان، فقلت: إن أصحابنا يقولون: هو حدتها حين تطلع فيراد بذلك حداثتها وطراءتها؛ لأنها إذا أتت عليها السنون احتكت، فقال ما هو إلَّا بردها.

الإعراب:

قوله: "هيفاء": خبر ابتدأ محذوف؛ أي: هي هيفاء، و "مقبلة" نصب على الحال، وكذا الكلام في:"عجزاء مدبرة".

فإن قلتَ: ما العامل في الحال؟

(1)

انظر نصه في شرح الألفية لابن الناظم (450) تحقيق: د. عبد الحميد السيد، ثم عرض أحاديث في ذلك وقال: ومع جوازه فهو ضعيف؛ لأنَّه يشبه إضافة الشر إلى نفسه، وينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 91)، والتذييل والتكميل (4/ 874).

(2)

ابن الناظم (175).

(3)

البيت من بحر البسيط، وهو في الغزل، لأبي زبيد الطَّائي في ديوانه (36)، والكتاب (1/ 198)، وابن يعيش (6/ 83، 84)، واللسان "هلب".

ص: 1454

قلتُ: محذوف تقديره: إذا كانت مقبلة وإذا كانت مدبرة، وكانت ها هنا تامة.

قوله: "ممخوطة" كذلك خبر مبتدأ محذوف، أو خبر بعد خبر، و "جدلت" على صيغة المجهول وقعت صفة لقوله:"ممخوطة"، قوله:"شنباء": خبر بعد خبر، و "أنيابًا": نصب بقوله "شنباء" مثل: حسن وجهًا.

الاستشهاد فيه:

فإن شنباء صفة مشبهة نصبت أنيابًا التي هي مجردة عن الألف واللام، وفيه شاهد على جواز قولك: حسن وجهًا.

فإن قيل: ما يسمى هذا المنصوب؟

قلتُ: هذا تمييز لأنَّه نكرة، وأمَّا إذا كان معمولها معرفة بالألف واللام يجوز أن يقال إنه نصب على التمييز أو على التشبيه بالمفعول

(1)

فافهم.

‌الشاهد الرابع والأربعون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

أَلِكْنِي إِلَى قَوْمِي السَّلَامَ رسَالةً

بِآيَة مَا كَانُوا ضِعَافًا وَلَا عُزْلَا

وَلَا سَيِّئي زِيّ إِذَا مَا تَلَبَّسُوا

إلَى حَاجَة يَوْمًا مُخَيَّسَةً بُزْلَا

أقول: قائلها هو عمرو بن شأس بن عبيد بن ثعلبة بن دومة بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة.

وهما من الطويل.

قوله: "ألكني" بفتح الهمزة وكسر اللام وسكون الكاف، قال البعلي: معناه: بلغني، وقال

(1)

ينظر شرح الكافية للرضي (3/ 439)، والكتاب لسيبويه (1/ 196 - 199) وفيه يقول:"وأعلم أن، كينونة الألف واللام في الاسم الآخر أكثر وأحسن من أن لا تكون فيه الألف واللام؛ لأنَّ الأول في الألف واللام وفي غيرهما ها هنا على حالة واحدة وليس كالفاعل فكان إدخالهما أحسن وأكثر؛ كما كان ترك التنوين أكثر وكان الألف واللام أولى لأنَّ معناه: حسنٌ وجهُهُ، فكما لا يكون هذا إلَّا معرفة اختاروا في ذلك المعرفة والأخرى عربية؛ كما أن التنوين والنون عربي مطرد فمن ذلك .... ". وأنشد البيت وأبياتًا آخر.

(2)

ابن الناظم (176).

(3)

البيتان من بحر الطَّويل، وهما لعمرو بن شاس في الكتاب (1/ 197)، والمنصف (2/ 103)، والمغني (420)، والمقتضب (2/ 103)، والخصائص (3/ 274)، والدرر (5/ 36)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 79)، وشرح شواهد المغني (835).

ص: 1455

ابن هشام: أرسلني

(1)

، قلت: معناه ما قاله ابن فارس في المجمل: "ألكني"؛ أي: تحمل رسالتي إليه، قال الشاعر

(2)

:

ألكني إليها عمرك الله يا فتى

بآية ما جاءت إلينا تهاديَا

(3)

وقال أبو زيد: ألكته أليكه إذا أرسلته، قلت: فحينئذ يكون ألكنى أمرًا من ألاك يلين إذا أرسل، وقال الجوهري: الألوك الرسالة، وكذلك المألك والمألكة بالضم فيهما

(4)

.

قوله: "رسالة" ويروى: تحية، قوله:"بآية" أي: بعلامة، "ممَّا كانوا ضعافًا" وهو جمع ضعيف؛ ككرام جمع كريم، قوله:"ولا عزلا" بالعين المهملة والزاي المعجمة؛ جمع أعزل وهو الذي لا سلاح معه.

قوله: "ولا سيئي زي" أصله: ولا سيئين بالنون سقطت للإضافة، وهو جمع سيئ من السوء، و "المزي" -بكسر الزَّاي المعجمة، وتشديد الياء آخر الحروف، وهو اللباس والهيئة، ويروى: ولا سيئي رأي بالراء المهملة وسكون الهمزة

(5)

.

قوله: "ولا مخيسة" بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف وفتح السِّين المهملة؟ أي: محبوسة، وقال النحاس: الأجود أن يكون مخيسة بمعنى مذللة

(6)

، وقال الجوهري: المخيس: اسم سجن كان بالعراق؛ أي: موضع التذلل، وكل سجن مخيَس ومخيِس -أيضًا- يعني بفتح الياء وكسرها

(7)

.

قوله: "بزلَا" بضم [الباء]

(8)

الموحدة وسكون الزَّاي المعجمة؛ جمع بازل وهو البعير الذي فطر نابه؛ أي انشق، ذكرًا كان أو أنثى.

الإعراب:

قوله: "ألكني": جملة من الفعل والفاعل وهو أنت في ألك والمفعول وهو "ني" وهو مفعول ثان مقدمًا، وقوله:"السَّلام" هو المفعول [الأول]

(9)

، والتقدير: بلغ السَّلام عني.

(1)

انظر البيت في المغني (420)، وقد فسر فيه آية بمعنى: علامة، فلعل الشارح يقصد علامة الإرسال.

(2)

البيت من بحر الطَّويل، وهو لسحيم عبد بني الحسحاس، في ديوانه (19).

(3)

المجمل لابن فارس (1/ 102)، تحقيق: زهير سلطان، مؤسسة الرسالة، العراق، وهو بنصه مع البيت أيضًا.

(4)

الصحاح مادة: "ألك".

(5)

في (أ): ولا سيئي رأي بالزاي المعجمة.

(6)

انظر كتاب شرح أبيات سيبويه للنحاس (75)، تحقيق: زهير غازي (البصرة).

(7)

الصحاح مادة "خيس".

(8)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(9)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1456

قوله: "رسالة": نصب على الحال، قوله:"بآية ما كانوا" الباء تتعلق بقوله "رسالة"، وكلمة ما نافية، ويجوز أن تكون زائدة، ويكون في "ضعافًا" كلمة لا مقدرة، تقديره ولا ضعافًا ولا عزلًا حذفت "لا" لدلالة لا الثَّانية [عليها]

(1)

، ويجوز أن تكون ما مصدرية؛ أي: بآية كونهم لا ضعافًا ولا عزلًا.

قوله: "ولا عزلًا": عطف على قوله: "ضعافًا"، قوله:"ولا سيئي زي": عطف على قوله: "ولا عزلًا"، وهو كلام إضافي منصوب، قوله:"إذا ما تلبسوا" إذا ظرف لقوله: "ولا سيئي زي"، وكلمة ما زائدة أو مصدرية أي ولا سيئي زي وقت تلبسهم.

قوله: "إلى حاجة" متعلق بقوله: "تلبسوا"، و "يومًا" نصب على الظرف، قوله:"مخيسة": نصب على أنها صفة لقوله: "بزلًا" قدمت على موصوفها للضرورة، و "بزلًا": منصوب بقوله: "تلبسوا".

وحاصل المعنى: ولا كانوا سيئي زي إذا ركبوا بزلًا مخيسة؛ أي مذللة إلى حاجة ذوي الحاجات أي لأجل حاجتهم.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ولا سيئي زي" فيه دليل على جواز: حسن وجهٍ بالإضافة وبتجريد المضاف إليه من الألف واللام

(2)

.

‌الشاهد الخامس والأربعون بعد السبعمائة

(3)

،

(4)

لَا يَبْعَدَن قَوْمِي الذينَ هُمُ

سُمُّ العَدَاةِ وَآفَةُ الجُزْر

النَّازلُي بِكلِّ مُعْتَرَكٍ

والطَّيِّبُونَ مَعَاقِدَ الأُزْرِ

أقول: قائلته هي خرنق بنت هفان القيسية، من بني قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. ترثي زوجَها بشر بن عمرو بن مرثد وابنَها علقمة بن بشر وأخويه حسَّان وشرحبيل.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 196، 197).

(3)

ابن الناظم (176).

(4)

البيت من بحر الكامل، وهو من قصيدة للخرنق ترثى فيها زوجها بشرًا ومن قتل معه في يوم قلاب، وانظر الشاهد في الديوان (43)، والكتاب (1/ 202)، (2/ 57، 58، 64)، والخزانة (5/ 41، 42)، والدرر (6/ 14)، والمحتسب (2/ 198)، والإنصاف (468)، ورصف المباني (416).

ص: 1457

وكانوا قد أغاروا في بني ضبيعة علي بني أسد، فأخذ عليهم بنو أسد عقبة جبل يقال له قلاب من محلة بني أسد فقتلوهم به، فقالت خرنق تذكُر ذلك

(1)

:

1 -

فَلَا وَأَبِيكَ يبقى بَعْدَ بِشر

عَلَى حَيٍّ يَمُوتُ صَديق

2 -

وبعدَ الخير عَلقَمَةُ بنُ بشْر

إذا مَا الموتُ كَانَ لَدَى الحُلوقِ

3 -

وَمَال بَنُو ضُبَيعَةَ بَعْدَ بِشْر

كمَا مَال الجُذُوعُ من الحريق

4 -

فَكَم بقُلَاب مِن أَوْصَالِ خرقٍ

أخِي ثقَة وَجُمجُمَةٍ فَلِيق

والبيتان المذكوران من قصيدة من الكامل، وأولها هو قولها

(2)

:

1 -

إنْ يَشرَبُوا يَهبُوا وإنْ يَذَرُوا

يَتَوَاعَظُوا عنْ منطق الهُجْر

2 -

قومٌ إذا رَكِبُوا سمعت لهُم

لغَطًا ينَ التَّأْيِيهِ والزجرِ

3 -

والخَالطينَ نحيتَهُم بنُضَارهم

وذَوي الغنَى مِنْهُم بِذي النقر

4 -

هَذَا ثنَائي مَا بَقيتُ لَهُم

فَإذَا هَلَكتُ أَجَنَّنِي قبرِي

1 -

قولها: "الهجر" بضم الهاء؛ الفحش.

2 -

و "اللغط": الجلبة.

و"والتأبيه": الصوت، يقال: أيهت به تأبيهًا إذا صحت به.

3 -

و "النحيت": الخامل الساقط الذكر فيهم، و "النضار": الرفيع.

5 -

قولها: "لا يبعدن" بفتح العين والدال؛ من بَعِدَ يبعَدُ -من باب علم يعلم- بَعَدًا بفتحتين إذا هلك، ومعناه: لا يهلكن قومي، قولها:"سم" بضم السِّين المهملة، وحكى الأخفش الكسر- أيضًا، وجمعه: سمام، و "العداة": جمع عاد؛ كالقضاة جمع قاض.

[قولها]

(3)

: "وآفة الجزر" الآفة العلة، والجزر بضم الجيم وسكون الزاى بعدها راء، وأصله: جزر بضمتين فسكنت [الثَّانية]

(4)

للوزن، وهو جمع جزور، وأراد بآفة الجزر: أنهم كانوا يكثرون من نحر الجزر للضيفان.

قوله: "معترك" بضم الميم، هو موضع القتال، وكذلك المعركة، ومعنى "النازلين بكلِّ معترك"

(5)

(1)

ينظر: الديوان (39) وما بعدها برواية أبي عمر بن العلاء، دار الكتب: بيروت، وأيضًا ديوان الخرنق بنت بدر (26) تحقيق: د. حسين نصار، ط. دار الكتب المصرية.

(2)

ينظر: ديوان الخرنق (29).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(5)

في (أ، ب): في الأبيات: النازلين، وفي كتب النحو: النازلون.

ص: 1458

أنهم ينزلون عن الخيل عند [ضيق]

(1)

المعترك فيقاتلون على أقدامهم، وفي ذلك الوقت يتداعون نزال، و "الأزر" بضم الهمزة وسكون الزَّاي؛ جمع إزار.

و"المعاقد" بفتح الميم، وهو موضع عقد الإزار، ويقال: المعاقد: الحجز، وهي جمع حجزة، والحجزة: حيث ينثني طرف الإزار في لوث الإزار، وحكى ابن الأعرابي: الحزة كما ينطق بها العامة، وقيل: المعاقد للأزر، والحجز للسراويلات، والحجز للعجم وملوك العرب؛ [كما قال النابغة في ملوك غسان

(2)

:

رقَاقُ النِّعَالِ طَيِّبٌ حُجُزَاتهُم

يُحَيَّوْنَ بالرِّيحَان يَوْمَ السَّبَاسِب

والمعاقد للعرب]

(3)

لأنها لا تكاد تلبس إلَّا الأزر، والأزر جمع إزار، وسكن الزَّاي للاستخفاف.

وحاصل معنى قولها: "والطيبون معاقد الأزر" أنهم موصوفون بالعفة؛ لأنَّ العرب تكني بالشيء عما يحويه ويشتمل عليه؛ كما قالوا: ناصح الجيب يريدون الفؤاد؛ فكنوا عنه بالجيب الذي يقع عليه أو قريبًا منه.

الإعراب:

قوله: "لا يبعدن" لا: دعاء، ويبعدن: في موضع جزم بالدعاء؛ لأنَّ الدعاء يجزم كما يجزم النَّهي غير أن النون الخفيفة ذهبت بإعرابه في اللفظ وبقي الموضع مجزومًا، قوله:"قومي": فاعل غير أنَّه لا يظهر فيه الإعراب، قوله:"الذين": موصول، و "هم" مبتدأ، و "سم العداة": خبره، والجملة صلة الموصول، والموصول مع صلته صفة للقوم.

قوله: "وآفة الجزر" كلام إضافي [عطف]

(4)

على: "هم سم العداة"، قوله:"النازلين" بالنصب على القطع، ويروى: النازلون بالرفع -أيضًا- بالإتباع، ويروى كلاهما بالقطع -أيضًا-.

قوله: "والطيبون معاقد الأزر" من باب الحسن الوجه، و "معاقد": منصوب على التشبيه بالمفعول به، وهو مشبه بالضاربين زيدًا، ولا يجوز أن يكون مفعولًا به؛ لأنَّ طاب غير متعد، ولا يجوز أن يكون تمييزا؛ لأنَّ التمييز لا يكون إلَّا نكرة، ولا يجوز أن ينوى به الانفصال؛ لأنَّ

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

البيت من الطَّويل، قاله النابغة، مادحًا ملوك غسان، وانظره في ديوانه (12) طبعة دار صادر، وهو شاهد على بيان معنى، وروايته فيه:

رفاق النعال ...........

...............................

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

ص: 1459

معاقد لا يخلو إما أن يكون جمع معقِد بكسر القاف، وهو الموضع، أو جمع معقَد بفتح القاف، وهو المصدر، وأجمع النحويون على أن إضافة المصدر والموضع محضة لا ينوى بها الانفصال.

الاستشهاد وفيه:

في قوله: "والطيبون معاقد الأزر" فإن فيه دليلًا على صحة: الحسن وجه الأب

(1)

برفع الوجه، ويجوز نصبه كما يجوز نصب معاقد الأزر على الوجه المذكور.

‌الشاهد السادس والأربعون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

فَمَا قَوْمِي بثَعْلَبَةَ بنن سَعْدٍ

ولَا بِفَزَارَةَ الشُّعْر الرِّقَابَا

أقول: قائله هو الحارث بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرَّة أحد بني مرَّة بن عوف.

وهو من قصيدة بائية من الوافر، قالها الحارث حين هرب من النُّعمان بن المنذر فلحق بقريش، والبيت المذكور أول القصيدة، وبعده

(4)

:

2 -

وقَوْمِي إِنْ سَأَلْت بَنو لُؤَيٍّ

بمَكَّةَ علّمُوا مُضَرَ الضِّرَابَا

3 -

سَفِهْنَا باتّبَاعِ بَني بَغِيضٍ

وتَركِ الأَقْربينَ بِنَا انْتِسَابَا

4 -

سفاهةَ مُخْلِفٍ لما ترَوّى

هراق الماءِ واتبع السَّرَايَا

5 -

فَلَوْ طَوَّعْتَ عمركَ كُنتَ فيهم

وما ألفيتَ أنْتَجعُ السَّحَابَا

1 -

قوله: "الشعر" بضم الشين المعجمة وسكون العين المهملة جمع أشعر، يقال: رجل أشعر إذا كان كثير شعر الجسد.

الإعراب:

[قوله]

(5)

: "فما" بمعنى ليس، و "قومي": كلام إضافي اسمه، وقوله:"بثعلبة بن سعد": خبره، والباء فيه زائدة، قوله:"ولا بفزارة": عطف على قوله: "بثعلبة بن سعد"، وقوله:"الشعر الرقابا": صفة لفزارة.

(1)

ينظر الكتاب (1/ 202).

(2)

ابن الناظم (176).

(3)

البيت من بحر الوافر، وهو للحارث بن ظالم، في الفخر بقومه وهجاء غيرهم، وانظره في الكتاب (1/ 201)، وشرح أبيات سيبوبه (1/ 258)، والمقتضب (4/ 161)، والخزانة (7/ 492)، وابن يعيش (6/ 89)، والأغاني (11/ 119)، والإنصاف (133)، والأشموني (3/ 14)، وابن الشجري (2/ 143).

(4)

انظر القصيدة كلها وهي طويلة في المفضليات للضبي (312)، ط. دار المعارف، تحقيق: هارون.

(5)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1460

وفيه الاستشهاد:

فإنَّه مثل: الحسن الوجهَ، بنصب الوجه؛ فإن الحسن صفة مشبهة، وقد نصب الوجه، وهو معرف بالألف واللام، [وكذلك "الشعر" صفة مشبهة نصب الرقاب وهو معرف بالألف واللام]

(1)

،

(2)

.

‌الشاهد السابع والأربعون بعد السبعمائة

(3)

،

(4)

لَقَدْ عَلمَ الأَيْقَاظُ أخفيَةَ الكَرَى

تَزَجُّجَهَا منْ حَالِكٍ واكْتِحَالهَا

أقول: قائله هو كميت بن زيد الأسدي، وهو من قصيدة هائية

(5)

من الطَّويل، وقبله هو قوله:

1 -

أبُوكَ أبو العَاصِي إذا الحَربُ شمَّرَتْ

عَنِ السَّاق وابتَزَّ الغُوَاةُ جِلَالهَا

2 -

إذا مَا بَدَت بعدَ الخريعِ الذِي أَرتْ

مَحَاسِنَهَا أَعْفَارهَا وَجَمَالهَا

3 -

تُعَرِّضُ لِلْأَيْدِي اللَّوَامِسِ منهم

روَادِفَهَا مَبذُولَة ودلَالهَا

4 -

مُحَلَّقَةَ الأَصْدَاغِ شَمْطَاءَ كشَّفَتْ

عَنِ الذعرِ المنقُوضِ منهُ فِضالهَا

1 -

قوله: "أبوك أبو العاصي إلى آخره" يمدحه ويصفه بمعرفة الحرب وتلقيها بالحزم والصبر عند اغترار الجاهل بها، وشبهها بالخريع وهي العاجزة

(6)

، وقيل: الناعمة الرخصة، وقال كراع: الخريع: الماجنة المتبرجة، والخريعة بالهاء: الفاجرة، والخراعة: الدعارة ففرق بينهما.

3 -

قوله: "مبذولة" أي: مبذولة هي؛ يعني الروادف [ودلالها بالنصب على المعية أي: مع دلالها ولا يعطف على الروادف]

(7)

؛ لأنَّ الدلال الذي هو الغنج والشكل لا يلمس باليد.

4 -

قوله: "محلقة الأصداغ" بالنصب على الحال من الضمير الذي في قوله: "إذا ما بدت".

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

قال سيبويه: "وزعم أبو الخطَّاب أنَّه سمع قويًّا من العرب ينشدون هذا البيت للحارث بن ظالم (البيت) فإنَّما أدخلت الألف واللام في: الحسن ثم أعمته كما قال: الضارب زيدًا، وعلى هذا الوجه تقول: هو الحسنُ الوجهَ، وهي عربية جيدة، قال الشاعر (البيت). الكتاب لسيبويه (1/ 201).

(3)

ابن الناظم (176).

(4)

البيت من بحر الطَّويل، منسوب للكميت وليس في ديوانه، ولا في شعر الكميت الذي جمعه د. داود سلوم، بالعراق، جامعة بغداد، وهو في شرح شواهد الإيضاح (569)، وابن يعيش (5/ 27)، والمحتسب (2/ 47)، واللسان "خفي ".

(5)

ليست هائية بل هي لامية؛ لأنَّ اللام هي النووي، والهاء إنَّما هي وصل، والألف خروج.

(6)

في (أ): الفاجرة.

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1461

قوله: "فضالها" بكسر الفاء؛ يعني: ثيابها التي للتبذل لأنها قد تعرف من كسوة التجمل.

قوله: "الأيقاظ": جمع يقظ، "والأخفية": الأغطية، واحدها خفاء

(1)

، وسمي خفاء لأنَّه يخفي ما تحته، وأصل الخفاء الكساء الذي يستر به الرطب، وهو سقاء اللبن، [والمراد]

(2)

ها هنا أجفان العيون، "والكرى": النوم.

قوله: "تزججها" أي: تكحلها بالمزج، يقال: زججت المرأة حاجبيها إذا أدقت صنعتهما وتزيينهما، قوله:"من حالك" أي من أسود، ويروى:[تزججها]

(3)

من آنف [واكتحالها]

(4)

، أي: من قريب؛ قاله السكري، ثم قال: التزجج إنَّما يكون للحاجب إذا نتف ما حوله لكنَّه إستعاره للأنف لقربه منه، وهذا التفسير يوجب أن يكون قوله:"من آنف": جمع أنف وجمعه بما حوله.

الإعراب:

قوله: "لقد" اللام للتأكيد و "قد" للتحقيق، و "علم" ها هنا بمعنى عوف؛ فلذلك اقتصر به على مفعول واحد وهو قوله: تزججها، و "الأيقاظ" بالرفع فاعل علم.

قوله: "أخفية الكرى": كلام إضافي منصوب على التمييز عند أبي الفتح، كأنه حمله على المعنى؛ لأنَّ المعنى: الأيقاظ عيون أخفية الكرى، فكأنه قال: الأيقاظ عيونًا من أغطية النوم التي تشتمل على عيون جهال القوم.

ويجوز أن تجعل الأخفية العيون أنفسها لاشتمالها على النوم كاشتمال الأخفية على ما فيها، وللمجاورة، كأنه قال: الأيقاظ عيونًا، وكذا قدره أبو الفتح

(5)

.

وأجاز أبو علي نصبه كنصب: مررت برجل حسن وجهَه، على التشبيه بالمفعول به، أو على التمييز وإن كان معرفة؛ لأنَّ التعريف لا يفيد هنا شيئًا فهو كتعريف الأجناس

(6)

.

قوله: "من حالك": "يتعلق"

(7)

بتزججها، قوله:"واكتحالها" التقدير: واكتحالها منه فحذف للدلالة عليه كما تقدم، ولا يجوز أن يتعلق من حالك باكتحالها؛ لما يؤدي إليه من تقديم الصلة على الموصول، فافهم.

(1)

في (أ): خفي.

(2)

و

(3)

و

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(5)

المحتسب (2/ 47).

(6)

أجاز ابن جني في سر الصناعة (43)، أن يكون تمييزًا، وقد نقل الحديث عن أبي علي وفيه حديث مطول فليراجع هناك. ينظر سر الصناعة (38، 39).

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1462

الاستشهاد فيه:

في قوله: "الأيقاظ أخفية الكرى" فإن فيه دليلًا على صحة: الحسن وجه الأب

(1)

.

‌الشاهد الثامن والأربعون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

الحَزْنُ بَابًا والعقورُ كَلبَا

.................................

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وقبله

(4)

:

................................

فذَاكَ وضْمٌ لَا يُبَالي السَّبَا

يذم به إنسانًا بابه مغلق دون الأضياف، وأن كلبه عقور، وهو نظير: الحسن وجهًا، فإن الحسن صفة مشبهة نصبت وجهًا، وهو مجرد عن الألف واللام والإضافة، وكلك قوله:"الحزن بابًا والعقور كلبًا" فإن الحزن والعقور صفتان مشبهتان وقد نصبتا بابًا وكلبًا، وهما عاريان عن الألف واللام والإضافة

(5)

.

‌الشاهد التاسع والأربعون بعد السبعمائة

(6)

مَا الرَّاحِمُ القلْب ظَلَّامًا وَإِنْ ظُلمَا

...................................

أقول: لم أقف على اسم قائله

(7)

وتمامه:

.................................

ولَا الكَريمُ بمَنَّاع وإنْ حُرِمَا

وهو من البسيط.

(1)

ينظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (1071، 1072).

(2)

ابن الناظم (176).

(3)

البيت من بحر الرجز المشطور، من قصيدة لرؤبة يمدح بها المصفى، وقبل بيت الشاهد:

إذا أخ زارك يدعو الرِّبا

يسأل ما لا يخاف ذنبَا

لاقى الذي يبغيك ما أحبَّا

وبيت الشاهد في ديوانه (15)، والكتاب (1/ 200)، والمقتضب (4/ 162)، والأشباه والنظائر (3/ 180)، وشرح أبيات سيبويه (1/ 304)، والخزانة (8/ 227).

(4)

الديوان (15).

(5)

قال سيبويه: "فأمَّا النكرة فلا يكون فيها إلَّا: الحسنُ وجهًا، تكون الألف واللام بدلًا من التنوين؛ لأنك لو قلت: حديث عهد أو كريم أب لم تحلل بالأول في شيء فتحتمل له الألف واللام لأنَّه على ما ينبغي أن يكون عليه؛ قال رؤبة (البيت) ". ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 200).

(6)

توضيح المقاصد (3/ 42).

(7)

البيت بلا نسبة في الدرر (5/ 294)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 101).

ص: 1463

قوله: "ظلَّامًا" على وزن فعال بالتشديد مبالغة ظالم، وكذلك المناع مبالغة مانع، ولكن المعنى ها هنا: ليس بذي ظلم، وليس بذي منع؛ كما في قوله تعالى:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] أي ليس بذي ظلم، وليس المراد به المبالغة فافهم، قوله:"وإن ظُلِمَا": على صيغة المجهول، وكذا قوله:"وإن حُرِمَا" وأصله: من حَرَمَهُ الشَّيءَ يحرِمُه حَرِمًا، مثال سرَقَه سَرِقًا بكسر الراء، وحِرمَة وحَريمَة وحِرمَانًا، وَأحرمه -أيضًا- إذا منعه إيَّاه

(1)

.

الإعراب:

قوله: "ما الراحم القلب" ما بمعنى ليس و "الراحم القلب": كلام إضافي اسمه، و "ظلامًا" خبره، قوله:"وإن" واصل بما قبله معطوف على محذوف تقديره: إن لم يظلم وإن ظلم، والألف في "ظلمًا" للإطلاق، وكذلك التي في: حُرمَا، قوله:"ولا الكريم": عطف على قوله: "ما الراحم القلب"، والباء في [قوله:]

(2)

"بمناع" زائدة، والكلام في قوله:"وإن حُرِمَا" مثل الكلام في قوله: "وإن ظُلِمَا".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ما الراحم القلب" فإن الراحم اسم فاعل أضيف إلى فاعله، وإضافة اسم الفاعل إلى فاعله لا تجوز إلَّا إذا أمن اللبس وفاقًا للفارسي ومَن تبعه، والجمهور على منعه، وقالت جماعة: إن حذف مفعوله اقتصارًا جاز وإلا فلا

(3)

.

ومن هذا القبيل البيت المذكور، فإن قوله:"الراحم" اسم فاعل أضيف إلى فاعله وحذف مفعوله اقتصارًا، والصحيح أن جواز ذلك متوقف على أمن اللبس، ويكثر أمن اللبس في اسم فاعل غير المتعدي؛ فلذلك سهل فيه الاستعمال المذكور، وأمَّا في اسم الفاعل المتعدي فقليل؛ كما في قوله:"ما الراحم القلب" إلى آخره.

‌الشاهد الخمسون بعد السبعمائة

(4)

،

(5)

مِنْ صديقٍ أَوْ أَخي ثِقَةٍ

أَوْ عَدُوٍّ شَاحِطٍ دارَا

أقول: قائله هو عدي بن زيد بن حمار التميمي، شاعر جاهلي، وهو من المديد.

(1)

انظر نصه في الصحاح للجوهري: "حرم".

(2)

ما بين المعقوفين سقط في: (أ).

(3)

ينظر الأقوال الثلاثة في شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 303).

(4)

توضيح المقاصد (3/ 46).

(5)

البيت من بحر المديد، وهو لعدي بن زيد التميمي، انظر ديوانه (101)، تحقيق: محمد جبار المعيبد، وهو في الكتاب (1/ 198)، وشرح التصريح (2/ 82)، والمغني (459)، وشرح أبيات الكتاب (1/ 131، 217)، وشرح =

ص: 1464

قوله: "شاحط": فاعل من الشحط وهو البعد، وكذلك الشحوط، يقال: شحط يشحط شحطًا وشحوطًا ومشحطًا إذا بعد.

الإعراب:

ظاهر لأنَّ قوله: "من صديق" يتعلق بما تقدمه من البيت، وقوله:"أو أخي ثقة": كلام إضافي عطف عليه، وكذا قوله:"أو عدو"، وقوله:"شاحط" صفة للعدو، و "دارًا" نصب به.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "شاحط" فإنَّه صفة مشبهة باتفاقهم مع أنَّه جار على فعله، وبهذا رد على من قال: إن الصفة هي التي لا تجري على فعلها نحو: حسن وشديد، وممن قال ذلك أبو علي والزمخشري

(1)

.

قلت: إن صح اتفاقهم فهو محمول على أنَّه اسم فاعل، ولكنه لما قصد به الثبوت أجرى حكمه حكم الصفة المشبهة، فلذلك أطلق عليه أنَّه صفة مشبهة فافهم

(2)

.

‌الشاهد الحادي والخمسون بعد السبعمائة

(3)

،

(4)

سَبَتني الفَتَاةُ البَضَّةُ المُتَجَرَّدِ الْ

لَطِيفَةِ كشحِهِ وَمَا خِلْت أَنْ أُسبَى

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل.

قوله: "الفتاة" الشابة، و "البضة" بفتح الباء الموحدة وتشديد الضَّاد المعجمة، يقال: رجل بَضٌّ؛ أي: رقيق الجلد ممتلئ، وجارية بضة كانت أدماء أو بيضاء.

قوله: "المتجرد" بضم الميم وفتح [التاء]

(5)

المثناة من فوق والجيم والراء، يقال: فلان حسن المتجرد بفتح الراء والمجرد والمجردة؛ كقولك: حسن العرية والمعرى، وهما بمعنى واحد.

قوله: "كشحه" الكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف، وهو بكسر الحاء، وهو أقصر الأضلاع، قوله:"ومما خلت" أي: وما ظننت أن أسبى؛ من السبي وهو الأسر.

= شواهد المغني (858)، وروايته في الكتاب لسيبويه:(من حبيب).

(1)

نصه في المفصل (230)، يقول صاحبه:"وأسماء الفاعل والمفعول يجريان مجرى الصفة المشبهة في ذلك (في الدلالة على الثبوث) فيقال: ضامر البطن، وحاملة الوشاح، ومعمور الدار، ومؤدب الخدام".

(2)

ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 198).

(3)

توضيح المقاصد (3/ 49).

(4)

البيت من بحر الطَّويل، وهو لقائل مجهول، وانظره في شرح الأشموني بحاشية الصبان (3/ 7).

(5)

ما بين المعقوفين زيادة للتوضيح.

ص: 1465

الإعراب:

قوله: "سبتني": جملة من الفعل والمفعول، قوله:"الفتاة" فاعلها، و "البضة" بالرفع صفة الفتاة، قوله:"المتجرد" مجرور بإضافة البضة إليه، وقوله:"اللطيفة": مرفوع لأنَّه صفة أخرى للفتاة، وهو مضاف إلى كشحه، والضمير في كشحه يرجع إلى المتجرد، قوله:"وما خلت": جملة من الفعل والفاعل، و "أن أسبى": على أنَّه في محل النصب مفعول.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "البضة المتجرد اللطيفة كشحه" فإن الكشح مضاف إلى ضمير المتجرد المضاف إليه البضة، ونظيره: مررت برجل حسن الوجنة جميل خالها، فإن المعمول مضاف إلى ضمير معمول صفة أخرى، وهذا تركيب نادر

(1)

.

‌الشاهد الثَّاني والخمسون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

فَعُجْتُهَا قبلَ الْأَخيَار مَنزلَةً

وَالطَّيِّبِي كُلِّ مَا التَاثَتْ بِهِ الأُزُرُ

أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من قصيدة من البسيط، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

تَقُولُ لَمَّا رَأَتْنِي وَهيَ طيبةٌ

عَلَى الفراش ومنهَا الدَّلُ والحفرُ

2 -

أصدِر هُمُومَكَ لَا يَقتُلكَ وَاردُهَا

فَكلُّ وَاردَةٍ يَومًا لها صدرُ

3 -

فعجتها قِبَلَ الأَخيَار مَنزلَةً

وَالطَّيِّبي كُلِّ مَا التَاثَت بِهِ الأُزُرُ

(5)

4 -

إذَا رَجَا الرَّكْبُ تَعْرِيسًا ذكرتُ لهُم

غَيثًا يَكُونُ عَلَى الأَيْدِي لَهُ دِرَرُ

5 -

وَكَيفَ تَرجُونَ تغميضًا وَأَهْلُكُم

بِحَيثُ تَلْحَسُ عن أولادِها البقرُ

6 -

سِيرُوا فإنَّ ابنَ ليلَى مِنْ أمامِكُم

وَبادِرُوهُ فإنَّ العُرفَ يُبتَدَرُ

7 -

فأصْبَحُوا قدْ أعادَ الله دولتَهم

إذ هم قريشٌ وإذ ما مثلَهم بشرُ

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (3/ 7).

(2)

توضيح المقاصد (3/ 50).

(3)

البيت من بحر البسيط، من قصيدة طويلة للفرزدق، يمدح بها عمر بن عبد العزيز، بدأها بالغزل، وليس مطلعها ما ذكره الشارح بل مطلعها قوله:

زارت سكينة أطلّا ما أناخ بهم

شفاعة النوم للعينين والسهر

وانظر بيت الشاهد في ديوانه (1/ 182) "، وشرح التصريح (2/ 85)، وشرح الأشموني (2/ 6).

(4)

انظر القصيدة كلها في الديوان (1/ 182) ط. دار الكتب العلمية، والأبيات التي ذكرها الشارح مختارة من القصيدة.

(5)

هذا البيت سقط في (ب).

ص: 1466

8 -

ولن يَزَال إمامٌ منهمُ ملكٌ

إليه يَشخَصُ فوقَ المنبرِ البصرُ

3 -

قوله: "فعجتها" أي: فعجت الناقة؛ يقال: عجت البعير أعوجه عوجًا ومعاجًا إذا عطفت رأسه بالزمام، وانعاج عليه: انعطف، قوله:"قبل الأخيار" بكسر القاف وفتح الباء الموحدة؛ أي: نحوهم وجهتهم، والأخيار: جمع خيِّر بالتشديد.

قوله: "والطيبي" أصله: والطيبين، سقطت النون للإضافة، وهو جمع طيب قوله:"التاثت": من الالتياث، وهو الاختلاط والالتفاف، يقال: التاث برأس القلم شعرة، ومادته: لام وياء وثاء مثلثة، "والأزر": جمع إزار، وهو كناية عن وصفهم بالعفة، والعرب تكني بالشيء عما يحويه ويشتمل عليه؛ كما قالوا: فلان ناصح الجيب؛ أي: الفؤاد، وكذلك ها هنا، أراد أنهم موصوفون بالعفة فافهم.

الإعراب:

قوله: "فعجتها" الفاء للعطف، وعجتها: جملة من الفعل والفاعل والمفعول، و "قبل الأخيار": كلام إضافي منصوب على الظرفية، و "منزلة" نصب على التمييز.

قوله: "والطيبي كل ما التاثت": عطف على الأخيار، ولفظ "كل" مضاف إلى ما الموصولة و "التاثت": فعل ماض، و "الأزر": فاعله، والجملة صلة الموصول، والضمير في "به" يرجع إلى لفظ ما.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "والطيبي كل ما التاثت" فإن قوله: "الطيبي" صفة مشبهة مضافة إلى كل الذي هو مضاف إلى موصول، وقد علم أن معمول الصفة المشبهة على أنواع منها المضاف إلى موصول؛ كما في البيت المذكور، والباقي عرف في موضعه

(1)

.

‌الشاهد الثالث والخمسون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

...........................

وَثيرَاتُ مَا الْتَفَّتْ عَلَيها المآزِرُ

أقول: قائله هو عمر بن أبي ربيعة، وصدره:

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (3/ 6).

(2)

توضيح المقاصد (3/ 51).

(3)

البيت من بحر الطَّويل، وهو في الغزل لعمر بن أبي ربيعة؛ لكنَّه غير موجود في ديوانه، بشرح عبدأ مهنا، ويوجد في شرح التصريح (2/ 86)، وشرح الأشموني (2/ 357).

ص: 1467

أَسِيلَاتُ أَبْدَانٍ دِقَاقُ خصُورُهَا

...................................

وهو من الطَّويل.

قوله: "أسيلات أبدان": جمع أسيلة، وهي الطويلة، وكل مسترسل أسيل؛ ومنه سمي الرماح أسيلًا، ورجل أسيل الخد إذا كان لين الخد طويله، وقد أسل بالضم أسالة.

و"الدقاق" بكسر الدال جمع دقيق، و "الخصور": جمع خمس، قوله:"وثيرات": جمع وثيرة -بفتح الواو وكسر الثاء المثلثة، والوثير: الفراش الوطيء، وأراد بها ها هنا وطيآت الأرداف والأعجاز.

الإعراب:

قوله: "أسيلات أبدان": كلام إضافي خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هن أسيلات أبدان، قوله:"دقاق": جمع اسم فاعل عَمِل عَمَل فعله؛ حيث رفع خصورها وهو -أيضًا- خبر بعد خبر.

قوله: "وثيرات ما التفت": كلام إضافي خبر بعد خبر [وما موصولة، و "التفت": فعل ماض، و "المآزر": فاعله، والجملة]

(1)

صلة للموصول، والضمير في "عليها" يرجع إلى "ما" باعتبار معناها.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وثيرات ما التفت" فإن وثيرات صفة مشبهة أضيفت إلى الموصول، وقد علم أن الصفة المشبهة المضافة على أنواع: منها المضاف إلى الموصول كما في البيت المذكور

(2)

.

‌الشاهد الرابع والخمسون بعد السبعمائة

(3)

،

(4)

أَزور امرأ جَمًّا نوالٌ أعده

لمن أَمَّه مُستَكْفِيًا أَزْمَةً الدَّهْرِ

أقول: قائله مجهول، وهو من الطَّويل.

قوله: "جمًّا" بالجيم وتشديد الميم؛ أي: عظيمًا، قوله:"نوال" بفتح النون، وهو العطاء وكذلك النول، قوله:"لمن أمه" أي: قصده، قوله:"أزمة الدهر" أي: شدته.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (3/ 6).

(3)

توضيح المقاصد (3/ 51).

(4)

البيت من بحر الطَّويل، وهو في المدح، لشاعر مجهول، وانظره في شرح الأشموني (6/ 3)، وشرح التصريح (2/ 86).

ص: 1468

الإعراب:

قوله: "أزور": جملة الفعل والفاعل، و "امرأ": مفعوله، و "جمًّا": صفة مشبهة منصوب لأنَّه صفة لامرئ، وقوله:"نوال": مرفوع بقوله: "جمًّا" لأنه صفة مشبهة عمل عمل فعله.

قوله: "أعده": من الإعداد، جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه، والفعول وهو الهاء الذي يرجع إلى النوال، والجملة في محل الرفع لأنها صفة للنوال، والأَوْلى أن تكون في محل النصب على أنها صفة لامرئ ويكون الضمير فيها راجعًا إليه

(1)

.

وقوله: "لمن أمه": يتعلق بقوله: "مستكفيًا"، ومن موصولة، و "أمه" جملة صلتها، و "مستكفيًا" نصب على أنَّه مفعول ثان لأعده، وقوله:"أزمة الدهر": كلام إضافي منصوب بقوله: "مستكفيًا".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "جمًّا نوالُ" حيث [رفع جمًّا نوال]

(2)

مع أنَّه غير متلبس بضمير صاحب الصفة لفظًا، وفي المعنى التقدير: جمًّا نواله

(3)

.

‌الشاهد الخامس والخمسون بعد السبعمائة

(4)

،

(5)

حَسَنُ الوَجهِ طَلْقُهُ أَنْتَ فِي السِّلْـ

ـمِ وَفِي الحَربِ كَالِحٌ مُكفَهِرٌّ

أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف.

قوله: "طلقه" أي طلق الوجه؛ يقال: رجل طلق الوجه وطليق الوجه؛ أي: غير عبوس، "والسلم" بكسر السِّين؛ الصلح، "والكالح": من الكلوح وهو التكشير في عبوس، وقد كلح الرجل كلوحًا وكلاحًا، و "المكفهر": من اكفهر الرجل إِذا عبس.

الإعراب:

قوله: "حسن الوجه" كلام إضافي، وقد عمل في الضمير البارز وهو قوله:"أنت"، وقوله:

(1)

الظاهر أنَّه يتعلق بأعده، قبله؛ لأنَّ المعنى: أعده لمن يقصده.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(3)

ينظر شرح الأشموني (3/ 6)، وشرح التصريح (2/ 86).

(4)

توضيح المقاصد (3/ 47).

(5)

البيت من بحر الخفيف، لقائل مجهول، وهو في المدح بالصفتين المشهورتين عند العرب، وهما الكرم والشجاعة؛ إلَّا أن الشاعر عبر عنهما بالكناية في البيت الأول، وانظر الشاهد في شرح الأشموني (2/ 356).

ص: 1469

"طلقه" بالرفع بدل من قوله: "حسن الوجه"

(1)

، قوله:"في المسلم": حال من أنت؛ أي: حال كونك في المسلم، [قوله:]

(2)

"وفي الحرب": طف على قوله: "في المسلم"، وهو متعلق بكالح، و "كالح": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: أنت في الحرب كالح، و "مكفهر": خبر بعد خبر.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "حسن الوجه طلقه أنت" حيث عمل حسن الوجه وهو صفة مشبهة في الضمير البارز وهو أنت مع أنَّه غير سببي، وقد شرط أن يكون معمول الصفة المشبهة سببيًّا بخلاف اسم الفاعل فإنَّه يعمل في السببي والأجنبي، والمراد بالسببي المتلبس بضمير صاحب الصفة لفظًا أو معنًى، وأجيب عن ذلك بأن المراد من السببي أن لا يكون أجنبيًّا، فإنَّها لا تعمل في الأجنبي، وأمَّا عملها في الموصوف فلا إشكال فيه

(3)

.

* * *

(1)

فيه سهوان: جعله أنت معمول الصفة المشبهة، وهو لا يجوز لأنَّه لا بد أن يكون سببًا من الموصوف، وأيضًا هذا المحمول السببي هو الوجه في الوصف الأول، وضميره في الوصف الثاني، وهو طلقه، وأما أنت فهو مبتدأ مؤخر، وخبره الأول حسن، والثاني: طلقه، وليس طلقه بدلًا كما زعم، وهذا هو السَّهو الثَّاني.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

شرح الأشموني (3/ 5).

ص: 1470

‌شواهد التعجب

‌الشاهد السادس والخمسون بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

وَاهًا للَيلَى ثُمَّ وَاهًا وَاهًا

.......................................

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، ويقال أبو النجم العجلي، وقد ذكرناه مع الاختلاف فيه مع شواهد المعرب والمبني عند قوله

(3)

:

إن أبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا

...................................

وقوله: "واهًا لليلى" أول القصيدة المرجزة، وهي

(4)

:

1 -

وَاهًا لِلَيلَى ثُمَّ وَاهًا وَاهًا

هِيَ المُنَى لَو أنَّنا نِلْنَاهَا

2 -

يا لَيتَ عينَاهَا لَنَا وَفَاهَا

بثَمَنٍ نُرضى بِهِ أَبَاها

3 -

إن أبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا

قدْ بَلَغَا فِي المَجْدِ غَاياهَا

قوله: "واهًا" كلمة يقولها المتعجب، فإذا تعجبت من طيب شيء، قلت: واهًا له ما أطيبه!، وكلمة:"وا" ها هنا اسم لأعجب كما في قوله

(5)

:

وَا بِأَبي أنْتِ وفُوكِ الأَشْنَبُ

...................................

(1)

ابن الناظم (176).

(2)

البيت من بحر الرجز المشطور، من مقطوعة لرؤبة في الغزل، ذكر الشارح بعض أبياتها، وهو في ملحق ديوان رؤبة (168)، ونسب له ولأبي النجم في شرح شواهد المغني (129)، وابن يعيش (4/ 72)، واللسان:"وبه".

(3)

ينظر الشاهد رقم (17).

(4)

ينظر الديوان (168)، مجموع أشعار العرب، تحقيق: وليم بن الورد.

(5)

من الرجز، انظر اسم الفعل في كلام العرب والقرآن الكريم (376)، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (3/ 198)، وهو شاهد على أن "وا" اسم فعل بمعنى أعجب.

ص: 1471

وقد يزاد فيها الهاء، فيقال: واهًا كما في البيت المذكور، قوله:"لليلى" اللام فيه للتعجب، وهي مكسورة ليفرق بينها وبين لام الاستغاثة، قوله:"لم واهًا": عطف على: واهًا [لليلى، قوله: "واهًا]

(1)

تأكيد للأول.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "واهًا" فإنَّه كلمة للتعجب؛ كما ذكرنا، وقد علم أنَّه يستعمل على صيغ مختلفة منها كلمة:"واهًا"، ومنها كلمة: كيف؛ كما في قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: 28]، ومنها لفظ: سبحان الله؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه

(2)

: "سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس"

(3)

.

‌الشاهد السابع والخمسون بعد السبعمائة

(4)

،

(5)

..............................

يَا جَارَتَا مَا أَنْتِ جَارَهْ!

أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، وأوله:

بَانَت لِتُحْزِنَنَا عفَارَة

...................................

وهي من قصيدة طويلة، من الكامل المجزوء المرفل المصرع

(6)

، وأولها هذا البيت، وبعده قوله

(7)

:

2 -

تُرضِيكَ مِن حُسْنٍ وَمِن

دلّ مُخَالطُةُ غَرَارَهْ

3 -

بَيضَاءُ ضَحوَتهَا وَصَف

رَاءُ العَشِيَّة كالعَرَارَة

(8)

4 -

وَسَبَتْكَ حِينَ تَبَسَّمَت

بينَ الأَريكةِ وَالسِّتَارَهْ

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ينظر صحيح البُخاريّ (1/ 79، 80)، طبعة دار الشعب، وصحيح مسلم (8/ 673)، طبعة دار الشعب.

(3)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (3/ 17).

(4)

ابن الناظم (176).

(5)

البيت من بحر الكامل المجزوء، من قصيدة للأعشى على عادته في تطويل القصائد، فغالبها يتجاوز السبعين بيتًا، وهو في هذه يهجو شيبان بن شهاب الجحدري، بدأها بالغزل ووصف صاحبته، والعجيب أن بيت الشاهد عند النحويين غيره في الديوان، فصدره عند النحويين عجز في الديوان والعكس، وانظر البيت في ديوانه (77) دار الكتاب العربي، ورصف المباني (452)، وشرح عمدة الحافظ (435)، والخزانة (3/ 308 - 310)، (5/ 486)، واللسان "بشر" و "جور".

(6)

في (ب): من الرجز المسدس، والصَّواب ما أثبته.

(7)

انظر الديوان (77) ط. دار الكتاب العربي، و (189)(المكتب الشرقي)، وانظر ما قيل في الشاهد رقم (678) من شواهد هذا الكتاب.

(8)

في هذا البيت سقط في (أ).

ص: 1472

1 -

قوله: "بانت": من البين، و "عفارة": اسم امرأة يحتمل أن تكون هي الجارة أو غيرها، فإن كانت عينها فقد انتقل من الإخبار إلى الخطاب بقوله: يا جارتا، والجارة ها هنا زوجته، وأصله: يا جارتي، فأبدل من الكسرة فتحة، فانقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ويجوز أن تكون الألف فيها ألف الندبة، فلما وصلها حذف الهاء، فكأنه لما فقدها ندبها.

2 -

قوله: "غراره" بالغين المعجمة؛ من الغرة، "والعَرارة" بفتح العين المهملة، وهو شجر له نور أصفر يكون قدر شبر، "والأريكة" السرير المتخذ في حجلة، ويجمع على: أرائك.

الإعراب:

قوله: "بانت": فعل، و "عفاره": فاعله، واللام في:"لتحزننا" للتعليل، قوله:"يا جارتا": منادى منصوب؛ لأنَّه مضاف؛ إذ أصله: يا جارتي؛ كما نقول؛ يا غلامي ثم نقول: يا غلامًا.

قوله: "ما أنت" ما نافية، و "أنت": مبتدأ، و "جاره": خبره، ويروى: ما كنت جاره، فهذا يؤكد

(1)

معنى النفي، ويجوز أن تكون ما استفهامًا في موضع الرفع على الابتداء، وأنت خبره، وجاره يكون تمييزًا، والمعنى: عظمت من جارة.

[الاستشهاد فيهِ:

في قوله: "ما أنت جارة! " حيث يدل على التعجب؛ إذ التقدير: عظمت من جارة]

(2)

كما ذكرنا

(3)

.

‌الشاهد الثامن والخمسون بعد السبعمائة

(4)

يَا هَيْء مَا لِي مَن يُعَمِّر يُفْنِهِ

مَرَّ الزَّمَانِ عَلَيهِ وَالتَّقْلِيبُ

أقول: قائله هو جميح بن الطماح الأسدي، ويقال: نافع بن لقيط الأسدي؛ قاله ابن بري، وعن أبي الحسن الأخفش عن ثعلب أنَّه لنافع بن نويفع الفقعسي

(5)

، وهو من قصيدة طويلة من الكامل، وأولها هو قوله:

1 -

بَانتْ لِطَيِّبِهَا الغدَاةَ جَنُوبُ

وَطَرِبْتَ أَنَّكَ مَا عَلِمْتُ طَرُوبُ

(1)

في (ب): يؤيد.

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (3/ 17).

(4)

ابن الناظم (176).

(5)

البيت من بحر الكامل، وقد اختلف في قائله على ما ذكره الشارح، وهو في التحسر من طول العمر ومرور الزمان على الإنسان، وانظر البيت في الصحاح للجوهري:"هيأ".

ص: 1473

قوله: "يا هيء" ذكر بعض أهل اللغة أن هيء اسم لفعل أمر ومعناه تنبه واستيقظ كمعنى: صه ومه في كونهما اسمين لاسكت واكفف

(1)

، وإنما بنيت على حركة بخلاف: صه ومه؛ لئلا يلتقي ساكنان، وخصت بالفتحة طلبًا للخفة بمنزلة: أين وكيف.

قوله: "ما لي" يعني: أي شيء لي، يريد بذلك من تغير حاله عما كان يعهده، ثم استأنف ذلك فأخبر عن تغير حاله، فقال: لا من يعمر يفنه مر الزمان عليه"، "والتقليب": أي: التغيير من حال إلى حال، ويروى: يا فيء ما لي بالفاء وسكون الياء، والعرب تقول: يا فيء ما لي؛ تتأسف بذلك، قوله: "من يعمر يفنه" ويروى: يبله؛ من بلي الثوب إذا خَلِق.

الإعراب:

قوله: "يا هيء" يا ها هنا لمجرد التنبيه؛ لأنها دخلت على ما لا يصلح للنداء، وقال ابن بري: دخل حرف النداء على هيء كما دخل على فعل الأمر في قول الشماخ

(2)

:

ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال

...................................

والسنجال -بكسر السيد: اسم قرية من قرى أرمينية، قوله:"ما لي": جملة من المبتدأ والخبر، وكلمة ما للاستفهام، قوله:"مَن" شرطية، و "يعمر": على صيغة المجهول فعل الشرط فلذلك جزم، وقوله:"يفنه مر الزمان" جواب الشرط، "ويفنه": فعل ومفعول، و "مر الزمان": كلام إضافي فاعله، قوله:"عليه": يتعلق بكر، قوله:"والتقليب" بالرفع عطف على المضاف في قوله: "مر الزمان".

الاستشهاد فيه:

في قوله: "يا هيء ما لي" حيث يدل على التعجب؛ كما ذكرنا

(3)

.

(1)

في الصحاح للجوهري: "هيأ" قولهم: "يا هيء ما لي" كلمة أسف وتلهف، أنشد الكسائي، ثم ذكر بيت الشاهد".

(2)

صدر بيت من بحر الطَّويل، وعجزه قوله:

....................................

وقبل منايا باكرات وآجال

وسنجال: قرية بأرمينية، وروي البيت (ألا يا أصبحاني) وفيه الشاهد أيضًا، ومطلع القصيدة قوله:

لعمري لا أنسى وإن طال عهدنا

لقاء ابنة الضمري في البلد الخالي

ديوان الشماخ (455)، ط. دار المعارف.

(3)

هو شاهد على مجيء: "هيء" اسم فعل أمر بمعنى تنبه واستيقظ، واسم الفعل هذا للتعجب السماعي.

ص: 1474

‌الشاهد التاسع والخمسون بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

يا مَا أُمَيلِحَ غِزْلَانًا شدَنَّ لَنَا

منْ هَؤُلَيَّائِكُنَّ الضّالّ والسمُر!

أقول: قائله هو العرجي، وهو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفَّان الأموي، وقد مرَّ ذكره مع البيت في شواهد اسم الإشارة

(3)

.

قوله: "أميلح": تصغير أملح؛ من ملح الشيء ملاحة، و "شدن": جمع مؤنث

(4)

من شدن الظبي إذا صلح جسمه، و "الضال" بالضاد المعجمة وتخفيف اللام وهو السدر البري، واحدها: ضالة بالتخفيف -أيضًا-.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "يا ما أميلح" فإن الكوفيين استدلوا به على أن صيغة ما أفعله! في التعجب اسم؛ لأنَّه صغر ها هنا، والتصغير لا يكون إلَّا في الأسماء، وأجاب البصريون عن ذلك أنَّه شاذ وقد استوفينا الكلام هناك

(5)

.

(1)

ابن الناظم (177).

(2)

البيت من بحر البسيط، وقد اختلف في قائله، فقيل: للمجنون وهو في ديوانه (130)، وله أو للعرجى أو لبدوي اسمه كامل الثَّقفيُّ أو لذي الرمة في الخزانة (1/ 93، 96، 97)، والدرر (1/ 234)، وشرح شواهد المغني (962)، وانظره في أسرار العربية (115)، والإنصاف (127)، وشرح شافية ابن الحاجب (1/ 190).

(3)

ينظر الشاهد رقم (95).

(4)

يقصد أنَّه فعل ماض أسند إلى نون النسوة، وهي نون جمع المؤنث، وفي الصحاح:"شدن" شدن الظبي: قوي وطلع قرناه، واستغنى عن أمه.

(5)

ينظر المسألة (15) من الإنصاف، وفيه قال الأنباري: "ذهب الكوفيون إلى أن (أفعل) في التعجب نحو: ما أحسن زيدًا! اسم، واحتجوا بأنه جامد لا يتصرف، ولو كان فعلًا لوجب أن يتصرف؛ لأنَّ التصرف من خصائص الأفعال، فلما كان جامدًا وجب أن يلحق بالأسماء. ومنهم من قال بالاسمية لتصغيره، والتصغير من خصائص الأسماء كما قال الشاعر:(البيت)، وقد جاء ذلك كثيرًا في الشعر وسعة الكلام، ومنهم من استدل بتصحيح عينه في نحو: ما أقومه!، وما أبيعه!، قياسًا على تصحيح العين في الاسم نحو: هذا أقوم منك، وأبيع منك، ولو كان فعلًا لاعتلت عينه قياسًا على الفعل نحو: قام وباع، فإذا كان قد أجري مجرى الأسماء في التصحيح مع ما دخله من الجمود والتصغير وجب أن يكون اسمًا. والذي يدل على أنَّه ليس بفعل وأنه ليس التقديرُ فيه: شيء أحسن زيدًا!، قولهم: ما أعظم الله!، وقول الشاعر:

مَا أَقدَرَ اللهُ أَن يُدنِي عَلَى شَحَطٍ

من دَارُهُ الحَزن مِمَّنْ دارُهُ صُولُ!

ولو كان الأمر كما زعمتم لوجب أن يكون التقديرُ فيه: شيء أعظم الله، شيء أقدر الله!، والله تعالى عظيم وقادر لا بجعل جاعل". الإنصاف بتصرف (1/ 126 - 129)، وينظر أسرار العربية (115)، والمساعد لابن عقيل (2/ 147).

ص: 1475

‌الشاهد الستون بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

ومُستَبدِلٍ مِن بَعد غَضبَى صُرَيمَةً

فَأَحرِ بِه منْ طُولٍ فَقرٍ وَأَحْريَا

أقول: أنشده ثعلب ولم يعزه لقائله، وهو من الطَّويل.

قوله: "ومستبدل": اسم فاعل من الاستبدال، قوله:"غضبى" بفتح الغين وسكون الضَّاد المعجمتين وفتح الباء الموحدة، وهو المائة من الإبل، وفي كتاب القالي: غضيى بالياء آخر الحروف موضع الباء

(3)

، وفي كتاب ابن ولاد: غضنى بالنون موضع الياء وهو تصحيف.

قوله: "صريمة": تصغير صرمة بكسر الصاد المهملة وسكون الراء، وهي قطعة من الإبل نحو الثلاثين، صغرها للتقليل، قوله:"فأحر به" أي: أجدر به، وهو صيغة التعجب؛ من قولهم: فلان حري أن يفعل كذا؛ أي: جدير ولائق، قوله:"وأحريا" أصله: أحرين بنون التوكيد فأبدلت الألف من النون، وهو -أيضًا- صيغة التعجب.

الإعراب:

قوله: "ومستبدل" مجرور بالعطف على ما قبله إن تقدمه شيء، وإلا فبإضمار رب، قوله:"صريمة" منصوب على أنَّه مفعوله.

قوله: "فأحر به" على وزن أفعل به من صيغة التعجب، ولكن معناه: ما أفعله!؛ كما تقول: أكرم يزيد!، معناه: ما أكرمه!، لفظه أمر ومعناه تعجب، وفاعله المجرور بالباء عند البصريين، وهو ضمير مستتر عند الكوفيين على ما عرف في موضعه.

قوله: "من طول فقر" كلام إضافي مجرور بمن يتعلق بأحر به قوله: "وأحريا" عطف على قوله: فأحر به! كرر للتأكيد، والتقدير: وأحرين به، فأبدلت النون ألفًا، وحذف به ها هنا لدلالة الأول عليه.

الاستشهاد فيه:

أمران: أحدهما: الاستدلال على فعلية هذه الصيغة، أعنى: أفعل به! لمرادفته لما ثبتت فعليته مع

(1)

ابن الناظم (177)، وشرح ابن عقيل (3/ 148)"صبيح".

(2)

البيت من بحر الطَّويل، وهو مجهول القائل في المغني (339)، وشرح شواهد المغني (759)، واللسان "غضب""حرى"، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 78)، والدرر (5/ 159).

(3)

ليس في كتاب الأمالي لأبي علي القالي؛ كما ذكر الشارح، وقد بحثنا عنه فلم نجده.

ص: 1476

كون وزنه من الأوزان التي تخص الأفعال نحو [قوله تعالى]

(1)

: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38]

(2)

.

والثاني: توكيده بنون التوكيد الخفيفة في قوله: "وأحريا"[كما ذكرنا]

(3)

.

‌الشاهد الحادي والستون بعد السبعمائة

(4)

،

(5)

أرأَيْتَ إِنْ جَاءَتْ بِهِ أملودًا

مُرَجلًا ويلبسُ البرودَا

أقائلُن أحضِرُوا الشُّهُودَا

...................................

أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وقد مرَّ الكلام فيه مستوفًى في شواهد الكلام في أوائل الكتاب

(6)

، وقد ذكرنا أن الاستشهاد فيه دخول نون التوكيد في اسم الفاعل، وهو قوله:"أقائلن" تشبيهًا له بالفعل، وقد دل هذا على أن الاستدلال على فعلية أفعل به! في التعجب بدخول نون التوكيد عليه، كما في قوله:"وأحريا" في البيت السابق ليس بقوي، لاحتمال أن يقال النون فيه كالنون في قوله:

أقائلُنَّ أحضروا الشهودا

......................................

‌الشاهد الثاني والستون بعد السبعمائة

(7)

،

(8)

جَزَى اللهُ عَنِّي وَالْجَزَاءُ بِفَضلِهِ

ربيعَةَ خَيرًا مَا أعَفَّ وَأكرَمَا

أقول: قائله هو ........................................................

(1)

زيادة للإيضاح.

(2)

ينص في شرح الكافية الشافية قائلًا: "وهما فعلان غير متصرفين، أما (أفعل) فلا خلاف في فعليته؛ لأنَّه على صيغة لم يصغ عليها إلَّا فعل، ولأنَّ العرب قد تؤكده بالنون الخفيفة يقول الشاعر: (البيت)، والمؤكد بالنون لا يكون إلَّا فعلًا". شرح الكافية الشافية (1077)، وقد خالف هذا في التسهيل فنص على الخلاف بين البصريين ومعهم الكسائي وبين الكوفيين غير الكسائي، ولم ينص على مخالفة الكسائي لفريقه في شرحه للتسهيل ممَّا يدل على التعارض في أسلوبه، قال ابن مالك في التسهيل:"ينصب المتعجب منه مفعولًا بموازن أفعل فعلًا لا اسمًا خلافًا للكوفيين غير الكسائي". ينظر تسهيل الفوائد (130)، وقال في شرحه:"وأمَّا (أفعل) فمختلف في فعليته عند الكوفيين متَّفقٌ على فعليته عند البصريين وهو الصَّحيح". ينظر (3/ 31).

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ابن الناظم (177).

(5)

ثلاثة أبيات من بحر الرجز المشطور، وهي لرؤبة في وصف امرأة تحب شابًّا قويًّا، وهي في ملحق ديوانه (173)، وانظرها في المراجع الآتية: المحتسب (1/ 193)، (2/ 120)، والخصائص (1/ 136)، والأشموني (1/ 42)، (3/ 212)، والتصريح (1/ 42)، والهمع (2/ 79)، والدرر (2/ 101).

(6)

ينظر الشاهد رقم (11).

(7)

ابن الناظم (178)، وأوضح المسالك (2/ 257).

(8)

البيت من بحر الطويل، وهو من قصيدة لعلي بن أبي طالب، قالها في الحصين بن المنذر، وهو غلام يزحف براية =

ص: 1477

[أمير المؤمنين]

(1)

علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو من الطَّويل، والمعنى ظاهر.

الإعراب:

قوله: "جزى الله": جملة من الفعل والفاعل، وقوله:"ربيعة": مفعول به، و "خيرًا":

مفعول ثان، والجملة دعائية لا محل لها من الإعراب إنشاء في صورة الإخبار.

قوله: "والجزاء": مبتدأ، و "بفضله": خبره؛ أي: بفضل [الله]

(2)

وقد اعترضت بين الفاعل والمفعول، قوله:"ما أعف" صيغة التعجب؛ أي: ما أعفهم!، قوله:"وأكرما": عطف عليه، وأصله: ما أكرمهم والألف فيه للإطلاق.

والاستشهاد فيه:

وذلك لأن المتعجب [منه]

(3)

إذا علم جاز حذفه سواء كان معمول أفعل كما في قوله: "ما أعفَّ وأكرمَا"؛ إذ أصله: ما أعفهم وأكرمهم؛ كما ذكرنا، أو معمول أفعل به. فافهم

(4)

.

‌الشاهد الثالث والستون بعد السبعمائة

(5)

،

(6)

فَذَلِكَ إِنْ يَلْقَ المَنِيَّةَ يَلْقَهَا

حَمِيدًا وَإنْ يَستَغنِ يَومًا فأجدر

أقول: قائله هو عروة بن الورد بن زيد، وقيل: ابن عمرو بن زيد بن عبد الله بن ثابت بن هرم بن لديم بن عرذ بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد بن غيلان بن مضر بن نزار، شاعر من شعراء الجاهلية، وفارس من فرسانها، وصعلوك من صعاليكها المعدودين

= حمراء، فأعجب بزحفه، فقال:

لنا الراية الحمراء يخفق ظلها

إذ قيل قدمها حصين تقدمَا

وبيت الشاهد ملفق من بيتين في الديوان وهما:

جزى الله قومًا قابلوا في لقائهم

لدى البأس خير ما أعف وأكرمَا

ربيعة ألكنب أنهم أفعل نجده

وبأس إذا لافها خميسًا عرمرمَا

وانظر بيت الشاهد في ديوان الإمام علي (170)، ط. دار الكتب العلمية.

(1)

و

(2)

و

(3)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(4)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (3/ 20).

(5)

ابن الناظم (178)، وتوضيح المقاصد (3/ 61)، وأوضح المسالك (2/ 276)، وشرح ابن عقيل (3/ 152)"صبيح".

(6)

البيت من بحر الطَّويل، وهو من قصيدة لعروة بن الورد، قالها يعاتب امرأته، وقد نهته عن الغزو، ومطلعها:

أقللي اللوم يا بنة منذر

ونامي وإن لم تشتهي النوم فاسهري

انظر ديوان عروة والسمؤال (35)، ط. دار صادر، وانظر بيت الشاهد في شرح التصريح (2/ 90)، والأغاني (6/ 296، 303)، والخزانة (10/ 9)، (10/ 13)، والدرر (4/ 207)، وهمع الهوامع للسيوطي (2/ 38).

ص: 1478

المعدمين الأجواد، وكان [يلقب]

(1)

عروة الصعاليك لجمعه إيَّاهم وقيامه بأمرهم، وقيل: لقب بقوله:

لحى الله صعلوكًا .......

........................ إلى آخره

وهو من قصيدة رائية من الطَّويل، وأولها هو قوله

(2)

:

1 -

لحَى الله صُعلُوكًا إذا جَنَّ لَيلُهُ

مصافي المُشاشِ آلفًا كل مجزرِ

2 -

يَعُدُّ الغِنَى مِن نفسِهِ كل ليلَةٍ

أصابَ قراهَا من صَدِيقٍ مُيَسّرِ

3 -

ينامُ عِشَاءً ثمَّ يُصْبحُ ناعِسًا

يَحُتُّ الحَصَى عنْ جَنْبِهِ المتَعَفِّرِ

4 -

يُعِينُ نِسَاءَ الحَيِّ مَا يستعِنَّهُ

ويُضْحِي طَلِيحًا كالبعيرِ المحسرِ

5 -

ولله صعلوكٌ صفيحةُ وجهِهِ

كضوءِ شِهَابِ القَابِسِ المتنوّرِ

6 -

مطِلٌّ على أعدائِهِ يزجُرُونَهُ

بساحتهِم زجرَ المنيحِ المشَهَّر

7 -

إذا بعدُوا لا يأمنُونَ اقترابَه

تَشَوُّفَ أَهْلِ الغائبِ المتُنَظّرِ

8 -

فذلك ..................

........................ إلى آخره

(3)

1 -

أقول: [قوله: "]

(4)

لحى الله"، أصله: اللوم والقشر، ويستعمل في السب، و "الصعلوك": الفقير، و "المشاش"، بضم اليم، كل عظم هش دسم، الواحدة مشاشة، و "المجزر": الموضع الذي تجزر فيه الإبل.

2 -

و "المُيَسّر" بضم الميم وفتح الياءآخر الحروف وتشديد السِّين المهملة، الذي قد نتجت إبله وكثر لبنه، وضده المجنّب، ويحت ويحط متقاربان.

3 -

و "المتعفر" بالعين المهملة، المتمرغ في التُّراب.

4 -

و "الطليح" بالحاء المهملة؛ من طلح البعير أعيا فهو طليح، و "المحسر" بالحاء والسين المهملتين، من حسر البعير يحسر حسورًا إذا كلَّ وأعيا وحسره غيره.

5 -

قوله: "صفيحة وجهه" أراد ضوء صفيحة وجهه.

6 -

قوله: "مطلّ": من أطل على كذا إذا أوفى عليه، و "المنيح" بفتح الميم وبالحاء المهملة يستعمل في معنيين: أحدهما: أن يكون قدحًا لاحظ به، والآخر: في معنى المستعار، لأنَّ العارية يقال لها المنحة، وكانوا يستعيرون القداح بعضهم من بعض، والبيت يحتمل الوجهين.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(2)

ديوان عروة والسموأل (35)، ط. دار صادر، بيروت، والبيت "لحى الله" بعد عشرة أبيات.

(3)

هذا البيت سقط في (أ).

(4)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

ص: 1479

7 -

قوله: "تشوف أهل الغائب": نصب على المصدر، والمفعول محذوف، والتقدير: تشوف أهل الغائب رجوعه.

8 -

و "المنية": الموت.

الإعراب:

قوله: "فذلك": إشارة إلى الصعلوك الثَّاني من القصيدة، والفاء تصلح أن تكون للترتيب الذكري، وهو الذي يفصل المجمل الذي سبق وهو مبتدأ، والجملة الشّرطيّة خبره.

وقوله: "إن" للشرط، و "يلق": فعل وفاعل، و "لمنية" مفعول، والجملة: فعل الشرط، قوله:"يلقها": جواب الشرط فلذلك جزم الفعل، والهاء ترجع إلى المنية في محل النصب على المفعولية.

وقوله: "حميدًا": نصب على الحال من الضمير المنصوب بمعنى محمودة، وصيغة فعيل يستوي فيها المذكر والمؤنث إذا كان بمعنى المفعول؛ كما في قوله تعالى:{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]

(1)

.

قوله: "وإن يستغن": عطف على الجملة الأولى، وهي -أيضًا- شرطية، و "يومًا": نصب على الظرف، قوله:"فأجدر": وقع جوابًا للشرط فلذلك دخلت الفاء.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فأجدر" فإن صيغة التعجب على وزن أفْعِل، ولكن حذف منه المتعجب منه، ولا يسوغ ذلك في أفعل به إلَّا إذا كان معطوفًا على آخر مذكور معه المتعجب منه، كما في قوله تعالى:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38]، والتقدير: وأبصر بهم

(2)

، وقد حذف ها هنا بدون ذلك؛ لأنَّ أصل قوله:"فأجدر" أي: فأجدر بكونه حميدًا، وذلك للضرورة وهو قليل

(3)

.

‌الشاهد الرابع والستون بعد السبعمائة

(4)

،

(5)

وقَال نَبِيُّ المُسلِمِينَ تَقَدَّمُوا

وَأَحْبِبْ إِلَينَا أَنْ يَكُونَ المُقدَّمَا

أقول: قائله هو عباس بن مرداس، وهو من المؤلفة قلوبهم الذين أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من

(1)

أولًا: ليست قريب في الآية فعيلًا بمعنى مفعول، وإنَّما هي فعيل بمعنى فاعل، ثانيًا: ليست حميدًا حالًا من مفعول يلقها، وإنَّما هي حال من الفاعل، والمعنى: يلقها محمودًا غير مذموم. مع كتاب المقاصد (105).

(2)

في (أ): وأبصرهم.

(3)

ينظر ما قيل في شرح الأشموني بحاشية الصبان (3/ 20)، وقوله:"فأجدر بكونه حميدًا، أحسن منه: فأجدر بكونه مستغنيًّا".

(4)

ابن الناظم (181)، وتوضيح المقاصد (3/ 72)، وشرح ابن عقيل (3/ 157)"صبيح".

(5)

البيت من بحر الطَّويل، من قصيدة للعباس بن مرداس، يذكر فيها فتح مكّة، وحنين، ويمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي =

ص: 1480

سبي حنين مائة من الإبل، وهو من قصيدة طويلة من الطَّويل، وأولها هو قوله

(1)

:

1 -

أَلا مُبلِغُ الأقْوامِ أن مُحمدًا

رَسُولَ الإله راشدٌ حَيثُ يمَّمَا

2 -

دَعَا رَبَّهُ وَاسْتَغْفَرَ الله وحْدَهُ

فَأصْبَحَ قَدْ وَفَّى إايهِ وأَنْعَمَا

3 -

سَرَينَا وَوَاعَدْنَا قُدَيدًا مُحَمَّدًا

يَؤُمُّ بِنَا أمْرًا مِنَ الله مُحْكَمَا

4 -

تَمَارَوْا بنَا فيِ الفَجْرِ حَتَّى تَبَيَّنوا

مَعَ الفَجْر فِتْيَانًا وغَابًا مُقَوَّمَا

5 -

علَى الخيلِ مَشْدُودًا عَلَينَا دُرُوعُنَا

ورَجلًا كدَفَّاعِ الآتي عَرَمرَمَا

6 -

فإنَّ سرَاةَ الحَيِّ إنْ كُنتَ سَائلًا

سُلَيمٌ وفِيهِم منهُمُ مَنْ تَسَلَّمَا

7 -

وَجِيدٌ منَ الأنْصَارِ لا يَخْذُلُونَهُ

أطَاعُوا فلَا يَعْصُونَهُ مَا تَكَلَّمَا

8 -

وإنْ تَكُ قَدْ أمَّرتَ فيِ القَومِ خَالِدًا

وقَدَّمْتَهُ فإنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَا

9 -

بجُندٍ هدَاهُ الله أنْتَ أمِيرُهُ

تُصِيبُ بهِ في الحقِّ مَنْ كَان أظْلَمَا

10 -

حَلَفْتُ يَمينًا بَرَّةً لمُحمَّدٍ

فَأكمَلْتُها أَلْفًا منَ الخَيل مُلْجَمَا

11 -

وقال نَبيُّ المُسلمين ..........

................... إلى آخره

1، 3 - [قوله: "]

(2)

يمما" أي: قصد، و "قديد" بضم القاف؛ موضع بين مكّة والمدينة.

4، 5 - قوله:"تماروا" أي: شكوا، و:"الآتيّ" بفتح الهمزة وكسر التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف، وهو السيل العظيم.

6، 7 - و "العرمرم": الكثير، ومنه قيل للجيش الكثير: عرمرم، و "سراة القوم": ساداتهم.

الإعراب:

قوله: "وقال": فعل، و "نبي المسلمين": كلام إضافي فاعله، ويروى: وقال أمير المؤمنين، وكذا رواه ابن عصفور، قوله:"تقدموا": جملة من الفعل والفاعل وهو أنتم، وقعت مقولًا للقول.

قوله: "وأحبب إلينا": صيغة التعجب معناه: ما أحب إلينا!، قوله:"أن يكون" أصله: بأن

= في الديوان (101)، وانظر بيت الشاهد في: شرح الكافية الشافية لابن مالك (2/ 1096)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 34، 41)، والمساعد (2/ 150)، وشواهد ابن عقيل (189)، وعجزه في الهمع (2/ 90)، والأشموني (3/ 19).

(1)

انظر الأبيات والقصيدة في الديوان: للعباس بن مرداس السلمي (101)، تحقيق: د. يَحْيَى الجبوري، وزارة الثقافة، بغداد.

(2)

ما بين المعقوفين زيادة للإيضاح.

ص: 1481

يكون، واسم يكون هو الضمير الذي يرجع إلى النبيِ صلى الله عليه وسلم، وقوله:"المقدما": خبره.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أحبب إلينا أن يكون" حيث فصل الشاعر فيه بين فعل التعجب ومعموله بالظرف وهو قوله: "إلينا"، وقد منع ذلك الأخفش والمبرد، والبيت حجة عليهما

(1)

.

‌الشاهد الخامس والستون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

أُقيمُ بدَارِ الحَزْمِ ما دام حَزْمُهَا

وَأَحْرِ إذا حَالتْ بأنْ أتَحَوَّلَا

أقول: قائله هو أوس بن حجر، وهو من قصيدة طويلة من الطَّويل، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

صَحَا قَلْبُهُ عَنْ سُكْرِه وَتَأَمَّلَا

وَكَانَ بِذكْرَى أُمِّ عَمْرو مُوكّلَا

2 -

وَكَانَ لَهُ الحينُ المتَاحُ حمولةً

وَكُلُّ امرِيءٍ رَهْنٌ بمَا قد تحَمَّلَا

(1)

قال ابن يعيش: "وذهب آخرون كالجرمي وغيره إلى جواز الفصل بالظرف نحو: ما أحسن اليوم زيدًا!، وما أجمل في الدار بكرًا!. واحتجوا بأن فعل التعجب وإن كان ضعيفًا فلا ينحط عن درجة أن في الحروف، وأنت تجيز الفصل في (إن) بالظرف من نحو: إن في الدار زيدًا، وليت لي مثلك صديقًا، وإذا جاز ذلك في الحروف كان في الفعل أجوز وإن ضعف لأنَّه لا يتقاصر عن الحروف". ابن يعيش (7/ 150).

وقال الشلويين: "وقوله: ولا يفصل بينهما؛ أي: لا تقل: ما أحسن اليوم زيدًا!، ولا: أحسن اليوم بزيد!، وهذا مذهب نسبه الصيمري إلى سيبويه، ولا يصح ذلك، والصَّواب أن ذلك جائز وهو المذهب المشهور والمنصور". شرح المقدمة الجزولية (الكبير) للشلويين (891، 892).

وقد منع ذلك المبرد فقال: "ولو قلت: ما أحسن عندك زيدًا!، وما أجمل اليوم عبد الله! لم يجز، وكذلك: لو قلت: ما أحسن اليوم وجه زيد! وما أحسن أمس ثوب زيد!؛ لأنَّ هذا الفعل لما لم يتصرف لزم طريقة واحدة وصار حكمه كحكم الأسماء. والدليل على ذلك أنك تقول: أقام عبد الله زيدًا، فتقلب الواو ألفًا لأنه فصل، وتقول في الاسم: هذا أقوم من ذا فلا يعل". المقتضب (4/ 178).

ومع أن المبرد نص صراحة على المنع في نصه السابق إلَّا أنني وجدت له نصًّا آخر يفيد الجواز في هذه المسألة، وبهذا يكون له قولان، يقول المبرد:"وتقول: ما أحسن إنسانًا قام إليه زيد!، وما أقبح بالرجل أن يفعل كذا!، فالرجل الآن شائع وليس التعجب منه وإنَّما التعجب من قولك: أن يفعل كذا؛ بنحو: ما أقبح بالرجل أن يشتم النَّاس!، تقديره: ما أقبح شتم النَّاس بمن فعله من الرجال! ". المقتضب (4/ 187).

(2)

ابن الناظم (181)، وتوضيح المقاصد (3/ 73)، وأوضح المسالك (3/ 234).

(3)

البيت من بحر الطَّويل، وهو من قصيدة طويلة لأوس بن حجر، وكلها في الحكم، ووصف أخلاق النَّاس وتغيرهم، ويختمها في قوله في الديوان (92).

وليس أخذك الدائم العهد بالذي

يذمك إن ولَّى ويرضيك مقبلًا

وانظر بيت الشاهد في شرح التسهيل لابن مالك (3/ 41)، والتصريح (2/ 90)، والمساعد (2/ 158).

(4)

الديوان (82).

ص: 1482

3 -

أَلَا أَعْتِبُ ابْنَ العَمِّ إِنْ كَانَ ظَالِمًا

وأغفِرُ عَنْهُ الجهلَ إن كَانَ أَجْهَلَا

4 -

وَإنْ قَال لي مَاذا تَرَى يَشتَشِيرُنِي

يَجدْنِي ابنَ عمٍّ مُخْلِطَ الأَمْرِ مزيلَا

5 -

أُقِيمُ بِدَارِ الحزْمِ .............

........................ إلى آخره

5 -

قوله: "أقيم بدار الحزم ما دام حزمها" معناه: ما دامت [هي]

(1)

حازمة في الإقامة فأنا -أيضًا- حازم بها، فإذا تحولت هي فالأَولى لي أن أتحول، وقال ابن السكيت في معنى هذا البيت: يريد ما كانت الإقامة بها حزمًا، ويقول: أخلق أن أتحول عنها إذا انقلبت وتغيرت فصارت داره معجزة.

وأخلق وأحر وأقمن به معناه كله واحد

(2)

.

الإعراب:

قوله: "أقيم": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه وهو أنا، قوله:"ما دام" أي: مدة دوام حزمها، قوله:"وأحر": صيغة التعجب، ومعموله هو قوله:"بأن أتحولا"، قوله:"إذا حالت" إذا للظرف، والعامل فيه أتحولا، والضمير في "حالت" وفي قوله:"حزمها" ورجع إلى أم عمرو المذكورة في البيت السابق

(3)

.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "وأحر إذا حالت بأن أتحولا" حيث فصل بين فعل التعجب وبين فاعله وهو: "بأن أتحولا" بالظرف وهو قوله: "إذا حالت"، وهذا مختلف فيه فأجازه الجرمي ومنعه المبرد والأخفش

(4)

.

‌الشاهد السادس والستون بعد السبعمائة

(5)

،

(6)

خَليليَّ مَا أَحرَى بِذي اللُّبِّ أَن يُرَى

صَبُورًا وَلكن لا سبيلَ إلى الصبر

أقول: احتج به الجرمي وغيره ولم يذكر أحد منهم اسم قائله، وهو من الطَّويل. المعنى ظاهر.

(1)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(2)

انظر إصلاح المنطق (257) تحقيق: قباوة.

(3)

الصَّحيح أن الضمير يرجع إلى الدار، وكل ما ذكره من معنى البيت يشير إلى ذلك.

(4)

ما اختاره بعض النحويين من إجازة الفصل بين فعل التعجب ومعموله هو جائز على قبح، ولم ينسب إلى واحد بعينه. قال ابن عقل:"وذهب بعض إلى إجازة الفصل بقبح فحصلت ثلاث أقوال: المنع، والجواز بقبح، وإبراز فصيحًا". ينظر المساعد (2/ 158) وينظر تحقيق البيت السابق رقم (764).

(5)

ابن الناظم (181)، وشرح ابن عقيل (3/ 158)"صبيح".

(6)

البيت من بحر الطويل، وقائله مجهول، وفيه دعوة إلى الصبر، وانظره في شرح الكافية الشافية لابن مالك =

ص: 1483

الإعراب:

قوله: "خليلي": منادى حذف منه حرف النداء، وأصله: يا خليلي، وفي التقدير: يا خليلان لي فسقطت النون للإضافة، قوله:"ما أحرى": صيغة التعجب، قوله:"بذي اللب": جار ومجرور يتعلق بأحرى.

قوله: "أن يرى" أصله: بأن يرى، وهو في محل الرفع لأنَّه فاعل أحرى، والضمير الذي فيه مفعول ناب عن الفاعل، "وصبورًا" مفعول ثان، قوله:"ولكن" للاستدراك.

وقوله: "لا سبيل" كلمة لا لنفي الجنس، "وسبيل" اسمه وخبره محذوف تقديره: لا سبيل موجود، وقوله:"إلى الصبر" يتعلق بالمحذوف.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "أن يرى" حيث حذف منه الباء وفصل بينه وبين فعله وهو أحرى بالجار والمجرور وهو قوله: "بذي اللب"

(1)

.

‌الشاهد السابع والستون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

ما كَانَ أَسعَدَ مَن أَجَابَكَ آخِذًا

بِهُدَاكَ مُجْتنبًا هَوًى وَعِنَادًا

أقول: قائله هو عبد الله بن رواحة الأنصاري رضي الله عنه يخاطب به النَّبيّ عليه الصلاة والسلام

(4)

- وهو من الكامل.

الإعراب:

قوله: "ما كان أسعد": لفظة كان زائدة بين ما وفعل التعجب، والتقدير: ما أسعد، وقوله:"من أجابك" في محل الرفع لأنَّه فاعل فعل التعجب

(5)

، و "من": موصولة، و "أجابك":

= (2/ 1097)، وشرح الأشموني (3/ 24) والهمع (2/ 91)، والمعجم المفصل (3/ 446).

(1)

ينظر الشاهد (764)، وفي كلامه هنا في وجه الاستشهاد قرر أمرين، الفصل والحذف، أما الفصل فهذا لا شيء فيه، وأمَّا الحذف فلا داعي له.

(2)

ابن الناظم (181).

(3)

البيت من بحر الكامل، نسب في مراجعه إلى عبد الله بن رواحة، وبحثنا عنه في ديوانه فلم نجده، وانظره في شرح عمدة الحافظ (211، 752)، وشرح الأشموني بحاشية الصبان (3/ 25).

(4)

في (أ): صلى الله عليه وسلم ولم يشر إلى معنى البيت.

(5)

ليس بصحيح، فالفاعل ضمير ما التعجبية، وأمَّا من أجابك فهو المفعول المتعجب منه الذي كان فاعلًا في الأصل قبل التعجب.

ص: 1484

جملة من الفعل والفاعل والمفعول صلة.

قوله: "آخذًا": حال من الضمير المرفوع الذي في أجابك، و "بهداك": يتعلق به، قوله:"مجتنبًا":

حال أخرى إما مترادفة أو متداخلة، قوله:"هوىً": مفعول مجتنبًا، و "عنادًا": عطف عليه.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "ما كان أسعد" حيث زيدت فيه لفظة كان؛ كما ذكرنا

(1)

.

‌الشاهد الثامن والستون بعد السبعمائة

(2)

،

(3)

................................

كفَى الشَّيبُ وَالإسْلامُ لِلْمَرء نَاهيَا

أقول: قائله هو سحيم عبد بني الحسحاس، شاعر إسلامي، وهو من قصيدة يائية من الطَّويل، وأولها هو قوله

(4)

:

1 -

عُمَيرَةَ وَدِّعْ إِنْ تَجَهَّزْتَ غَادِيًا

كفَى الشَّيبُ وَالإسْلامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيَا

2 -

تُرِيكَ غَدَاةَ البَين كفًّا ومِعْصَمَا

وَوَجْهًا كدِينَار الهِرَقْلِيِّ صَافِيَا

3 -

كَأَنَّ الثُّرَيَّا عُلِّقَتْ فَوقَ نَحْرهَا

وَجَمْرُ غضَى هَبتْ لَهُ الرِّيحُ ذَاكِيَا

4 -

فمَا بَيضَة بَاتَ الظَّلِيمُ يَحُفُّهَا

ويَرْفَعُ عَنهَا جُؤْجُؤًا مُتَجَافِيَا

5 -

بأحْسَنَ مِنهَا يَومَ قَالتْ أرائِحٌ

مَعَ الرَّكبِ أمْ يأتي لَدَينَا ليَالِيَا

6 -

فَإنْ تثوَ لا تهل وإنْ تضْحَ نَاويًا

تُزَوَّدْ وَتَرجِعْ عَنْ عُمَيرَةَ راضِيَا

1 -

قوله: "عميرة": منصوب بقوله: "ودع"، وهو اسم محبوبته التي كان يتشبب بها، قوله:"غاديًا" بالغين المعجمة؛ من الغدو وهو الذهاب.

2 -

و: "البين" بفتح الباء الموحدة؛ الفراق.

3 -

و "الدينار الهرقلي" منسوب إلى هرقل ملك الروم، قوله:"ذاكيا" بالذال المعجمة؛ من: [ذكى يذكى من باب فتح يفتح إذا فاح.

(1)

ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (3/ 25).

(2)

أوضح المسالك (2/ 273).

(3)

البيت من الطويل من يائية طويلة لسحيم في الغزل وأغراض أخرى، وهو في ديوانه (16) ط. دار الكتب، وهو أيضًا من شواهد الكتاب (4/ 225)، (2/ 26)، وشرح شواهد المغني (325)، والتصريح (2/ 88)، والقطر (323)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 34)، وشرح الأشموني (3/ 19)، والقضايا النحوية والصرفية في الجزء السادس عشر من كتاب روح المعاني للآلوسي (290) ماجستير باسم: أحمد السوداني بالأزهر.

(4)

ديوان سحيم (16) ط. دار الكتب المصرية.

ص: 1485

4 -

و "الظليم" بفتح الظاء المعجمة وكسر اللام؛ ذكر النعام]

(1)

، و "الجؤجؤ": المصدر.

5 -

قوله: "أم ثاو": من ثوى إذا أقام.

الإعراب:

قوله: "كفى": فعل، و "الشَّيب": فاعله [و: "الإسلام": عطف عليه، وقوله: "للمرء": يتعلق بقوله: "كفى"، وقوله: "]

(2)

ناهيًا: مفعول كفى، وهو ها هنا متعد إلى واحد

(3)

.

الاستشهاد فيه:

في ترك دخول الباء على فاعل كفى؛ كما لم يترك في قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28] فإن زيادتها غير لازمة ها هنا، بخلاف باب التعجب؛ فإن زيادتها فيه لازمة نحو أفعل به

(4)

.

‌الشاهد التاسع والستون بعد السبعمائة

(5)

،

(6)

أَرَى أُمِّ عَمْرٍو دَمعُهَا قَد تَحَدَّرَا

بُكاءً عَلَى عَمرو وَمَا كَانَ أَصبَرَا

أقول: قائله هو امرؤٌ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدة [رائية]

(7)

من الطَّويل، وأولها هو قوله

(8)

:

1 -

سَمَا بكَ شوقٌ بَعدَ مَا كانَ أَقصَرَا

وحَلَّت سُلَيمَى بَطْن قَوّ فعَرعَرَا

2 -

كِنَانِيَّة بانَت وفي الصَّدْرِ وُدُّهَا

مجاورة غسانَ والحي يَعمُرَا

إلى أن قال:

3 -

أَرَى أُمِّ عَمْرو ................

................. إلى آخره

1 -

قوله: "سما بك" أي: ارتفع وذهب بك كل مذهب لبعد الأحبة عنك بعد ما كان

(1)

و

(2)

ما بين المعقوفين سقط في (أ).

(3)

ناهيًا: ليس مفعول كفى؛ لأنَّ كفى هنا لازمة، بمعنى اكتف، وإنَّما هو حال، أو تمييز، وهو مثل قوله تعالى:{وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28].

(4)

ينظر ما قيل في ذلك في شرح التسهيل لابن مالك (3/ 34).

(5)

شرح ابن عقيل (3/ 151)"صبيح".

(6)

البيت من قصيدة لامرئ القيس، وهي رائية طويلة، فيها أبيات تجري مجرى الحكم والأمثال، وفي القصيدة يبكي ملكه الضائع، ويتحسر على مجد آبائه، وهي في الديوان (56) ط. دار المعارف.

(7)

ما بين المعقوفين سقط في (ب).

(8)

البيت في ديوانه (56) ط. دار المعارف، و (65)، ط. دار الكتب العلمية، والخزانة (9/ 211).

ص: 1486

أقصر عنك، و "قوّ" بفتح القاف، و "عرعر" موضعان، يقول: جل قومها بهذين الموضعين المتباعدين عن ديارك فاشتد لذلك شوقك.

2 -

قوله: "كنانية" أي: من بني كنانة أو من بلادهم، قوله:"بانت" أي: ذهبت وانقطعت عنك وجاورت حيًّا غير حيك، وودها مع ذلك باقٍ في صدرك، ووصف أنها من كنانة، وكنانة من مضر، وأنها جاوزت غسان، وغسان من اليمن؛ إشارة إلى أن حيها ليس من حيه فذلك أشد عليه وأبعد لاجتماعها به، و "يعمر": من بني كنانة، يريد أنها مرَّة تجاور في هذا الحي من كنانة ومرة تجاور من اليمن.

3 -

قوله: "أرى أم عمرو" يعني: عمرو بن قميئة اليشكري صاحبه، يصف أن السَّفر بعيد وأن أم عمرو باكية عليه لبعدها عنه وشوقها إليه، قوله:"وما كان أصبرَا! ": تعجب؛ أي: وما كان أصبرها!.

الإعراب:

قوله: "أرى": جملة من الفعل والفاعل، وهو من رؤية البصر، فلذلك اكتفى بمفعول واحد وهو قوله:"أم عمرو"، وقوله:"دمعها" كلام إضافي مبتدأ، و "تحدرا": خبره، والجملة وقعت حالًا بدون الواو، والألف في: تحدرا للإطلاق.

قوله: "بكاء": نصب على التعليل؛ أي: لأجل البكاء على عمرو، قوله:"وما كان أصبرَا": صيغة التعجب؛ أي: وما كان أصبرها!، والضمير المنصوب بأصبر الذي للتعجب قد حذف لدلالة ما قبله عليه، وفيه الاستشهاد.

‌الشاهد السبعون بعد السبعمائة

(1)

،

(2)

وَلَم أَرَ شيئًا بَعْدَ لَيلَى أَلذُّهُ

وَلَا مَنْظَرًا أَروَى بِهِ فَأَعِيجُ

أقول: هذا أنشده أحمد بن يَحْيَى عن ابن الأعرابي، ولم يعزه إلى قائله، وبعده:

2 -

كَوسطَى لَيَالِي الشَّهْرِ لَا مُقْسَئِنَّةٌ

وَلَا وَثَبَى عَجْلَى القِيَامِ خَروجُ

وهما من الطَّويل.

قوله: "ولا منظرًا أروى به" ويروى: ولا مشربًا أروى به، وكذا ضبطه الشَّيخ أبو حيان -رحمه الله تعالى- بيده وهو الصَّحيح، قوله:"فأعيج" أي: أنتفع، يقال: شربت دواء فما عجت

(1)

توضيح المقاصد (3/ 67).

(2)

البيت من بحر الطَّويل، وهو في الغزل، وقائله مجهول، وانظره في: شرح التصريح (2/ 92)، واللسان:"عيج".

ص: 1487

به؛ أي: ما انتفعت به، وقال ابن مالك

(1)

: يعيج من الكلم التي لا تستعمل إلَّا في النفي.

وهذا البيت يرد عليه، قوله:"ولا مقسئنة": من اقسأن العود إذا صلب، ومادتها: القاف والسين المهملة والهمزة والنون والمقسئنة: الكبيرة العاسية، والعاسية بالعين والسين المهلتين من عسا الشيخ يعسو الشيخ يعسو عسيًا إذا كبر وولى، قوله:"ولا وثبى": من وثب وثبة، وكنى بها عن عدم الصغر؛ يعني لا كبيرة ولا صغيرة بل هي وسط.

الإعراب:

[قوله: "]

(2)

ولم أر": جملة من الفعل والفاعل المنفي، وقوله: "شيئًا": مفعوله، و "بعد ليلى": كلام إضافي نصب على الظرف، قوله: "ألذه": من لذذت الشيء ألذه لذًّا ولذاذة، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل النصب على أنها صفة لقوله: "شيئًا".

قوله: "ولا منظرًا": عطف على قوله: "شيئًا" أي: ولم أر منظرًا، قوله:"أروى به": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل النصب على أنها صفة لمنظرًا، قوله:"فأعيج": عطف على أروى.

الاستشهاد فيه:

في قوله: "فأعيج" وذلك أنَّه قد علم أن شروط ما يصاغ منه فعلًا التعجب ثمانية منها: أن يكون مثبتًا؛ فلا يصاغان من فعل مقصود نفيه لزومًا كم يعِج، أو جوازًا كم يعج، معناه: أن عاج يعيج بمعنى: انتفع لم يستعمل إلَّا منفيًّا، وعاج يعوج بمعنى: مال استعمل مثبتًا ومنفيًّا؛ كذا قال في شرح التسهيل

(3)

، ولكن نُوزع في اختصاص المعنى بالنفي بوروده مثبتًا في البيت المذكور؛ حيث قال: فأعيج. فافهم

(4)

.

* * *

إلى هنا انتهى المجلد الثالث ويليه المجلد الرابع مبتدءًا بـ: شواهد "نعم وبئس" وما جرى مجراها

(1)

شرح التسهيل لابن مالك (3/ 44)، وانظر حاشية الصبان (3/ 22).

(2)

ما بين المعقوفين سقط في: (أ).

(3)

ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 44).

(4)

ينظر شرح التصريح (2/ 92).

ص: 1488