المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مُنتَقى مِنْ مُسنَدِ أبي بَكْرٍ محمَّدِ بنِ هارُونَ الرُّويانيِّ (المتوفَّى - المنتقى من مسند أبي بكر محمد بن هارون الروياني

[محمد بن هارون الروياني]

فهرس الكتاب

مُنتَقى مِنْ مُسنَدِ أبي بَكْرٍ محمَّدِ بنِ هارُونَ الرُّويانيِّ (المتوفَّى 307 هـ)

انتقاء: الحافظِ ضياءِ الدِّينِ محمَّدِ بنِ عبدِ الواحِدِ المَقْدِسيِّ (المتوفَّى 643 هـ)

ويليه: ملحَقٌ بمرويَّاتٍ مِنْ طريق محمَّد بن هارون الرُّوياني في مسنده

تحقيق: خالد عبد العظيم الحُوَيني

ص: 3

‌مقدمة الطبعة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيدنا محمد المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعدُ،

فهذه هي الطبعة الثانية من تحقيقي لكتاب: «الجزء الأول منتقى من مسند أبي بكر محمد بن هارون الروياني» انتقاء الحافظ: ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (ت: 643 هـ) زدتُ فيها ملحقاً بمرويات من طريق الروياني في مسنده، (21) حديثاً من كتاب «كتاب في معاني قول النبي صلى الله عليه وسلم:[أنزل القرآن على سبعة أحرف]» ل أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن حسن الرازي (ت: 454 هـ)

(1)

.

وحديث واحد من «جزء مُنتَقى من الأحاديث الصحاح والحسان» جمع: ضياء الدين المقدسي.

واكتفيتُ فيه بذكر رقم الحديث في النسخة المطبوعة، وهي بتحقيق حسن ضياء الدين عتر. طبعة: أوقاف قطر.

وقد تصرَّف محققها في عنوان الكتاب، وفي أكثر من موضع في النص، فزاد فيه ما ليس منه وعدَّل، على خلاف ما هو مقرر في قواعد التحقيق، من إثبات النص كما هو، والتعليق عليه في الهامش بما يُريد؛ لذلك اعتمدتُ ما في الأصل، واستبعدتُ ما زاده المحقق وتصرَّف فيه.

(1)

نبهني لهذه المواضع أحد مشايخي الكرام جزاه الله عني خيرا.

ص: 5

وقد حاولتُ الحصول على نسخة خطية للكتاب محفوظة في المدرسة الأحمدية بحلب، فلم أُوفَّق في ذلك.

وأسأل الله أن ينفع به كل مَنْ وقف عليه، وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم ألقاه.

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.

كتب

خالد عبد العظيم الحويني

قرية حوين- مركز الرياض- كفر الشيخ- مصر

يوم الأحد 28 شوال 1443 هـ

29 مايو 2022 م

ص: 6

‌مقدمة الطبعة الأولى

إنَّ الحمدَ للهِ، نحمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفُسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا. مَنْ يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له، ومَنْ يضلِلْ فلا هاديَ له. وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهَ، وحدَه لا شريكَ له، وأشهَدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.

أمَّا بعدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71]

الإمامُ الحافظُ أبو بكرٍ محمدُ بنُ هارونَ الرُّويانيُّ (ت: 307 هـ) أحدُ أعلامِ هذه الأمَّةِ المجيدةِ، المشهودِ لهم بالثِّقةِ والحفظِ والدِّيانةِ.

ص: 7

صاحبُ المُسنَدِ المشهورِ، عالي الطَّبقةِ؛ أدركَ شيوخَ شيوخِه، وعُمِّر دهرًا طويلًا، حتى سَمِعَ منه المُسنَدَ الجَمُّ الغفيرُ مِنْ أصحابِ الحديثِ.

امتازَ مُسْنَدُه رحمه الله بعُلوِّ إسنادِه، وعِزَّةِ مروياتِه ونُدرتِها في المصادرِ الحديثيَّةِ الأخرَى.

لم يصلْنا مِنْ مسندِه إلَّا قطعةٌ وحيدةٌ، وهذا النَّقصُ وقعَ قديمًا في القرْنِ الخامسِ الهجريِّ وبعدَه.

قال ابنُ نُقطةَ (ت: 629 هـ): «وجمَع مُسنَدًا وقع إلينا بعضُه

بأصبَهانَ»

(1)

.

وقال أيضًا: «حدَّث ببغدادَ وبأصبهانَ ببعضِ مُسنَدِ أبي بكرٍ محمدِ بنِ هارونَ الرُّويانيِّ، وهو القدْرُ المسموعُ من أبي الفضلِ الرَّازيِّ»

(2)

.

وقال أيضًا: «وسُمِعَ من أبي عبدِ اللهِ الخلَّالِ ما رَوَى من مُسنَدِ محمدِ ابنِ هارونَ الرُّويانيِّ»

(3)

وقال الحافظُ ابنُ حجَرٍ: «ووقفتُ أيضًا على قِطَعٍ من عدَّةِ مسانيدَ، كمُسنَدِ .. ومحمدِ بنِ هارونَ الرُّويانيِّ»

(4)

ص: 8

أخي القارئَ الكريمَ:

هذا الجزءُ الذي بينَ يدَيكَ هو منتَقًى مِنْ هذا المُسنَدِ المبارَكِ، يُنشَرُ لأوَّلِ مرَّةٍ، انتقاه الإمامُ الحافظُ الكبيرُ ضياءُ الدِّينِ محمدُ بنُ عبدِ الواحدِ المَقدسيُّ رحمه الله (ت: 643 هـ).

ترجِعُ أهميتُه إلى كونِ أسانيدِه غيرَ موجودةٍ بالقطعةِ المطبوعةِ منْ مُسنَدِ الرُّويانيِّ، فهي تُنشَرُ لأوَّلِ مرَّةٍ، ولعلَّ اللهَ سبحانَه يمُنُّ علينا بما تبقَّى من هذا المُسنَدِ المبارَكِ.

وكان‌

‌ منهجي في تحقيقِه

كالتالي:

أولًا: قمتُ بنسخِ المخطوطِ عن أصلِه، مُراعيًا علاماتِ التَّرقيمِ الحديثةَ.

ثانيًا: كتبتُ الآياتِ القرآنيةَ بالرَّسمِ العُثمانيِّ، مع عَزوِها لمواضِعها من المصحفِ الشَّريفِ.

ثالثًا: رقمتُ أسانيدَه، وشرحتُ غريبَه، وضبطتُ ما يُشكِلُ في النَّصِّ.

رابعًا: خرَّجتُ أحاديثَه، واكتفيتُ فيه بمَن أخرجَه مِنْ طريقِ المصنِّفِ، أو تابَعَه، أو تابع شيخه على روايتِه وهكذا.

خامسًا: وضعتُ فهرسًا للآياتِ، والأحاديثِ، والمراجِعِ، ثُمَّ فهرسًا عامًّا.

سادسًا: قدَّمتُ للنَّصِّ ب:

ترجمةٍ لصاحبِ المُسنَدِ، محمَّدِ بنِ هارونَ الرُّويانيِّ، ورُواةِ الجزءِ عنه، وترجمةِ الضِّياءِ المَقدِسيِّ.

ص: 9

ثمَّ وصفتُ النُّسخةَ الخطِّيةَ، وأتبعتُها بصورٍ منها.

وختامًا، أسألُ اللهَ الكريمَ سبحانَه أنْ يتقبلَه منِّي، وأنْ يرضَى به عنِّي، وأن يجعلَه خالصًا لوجهِه الكريمِ، إنَّه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

وآخرُ دعْوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ.

وصلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ على سيدِنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.

وكتب

خالد عبد العظيم الحويني

قرية حُوين -مركز الرياض - كفر الشيخ - مصر

صباح الجمعة 20 ذو الحجة 1442 هـ

30 يوليو 2021 م

ص: 10

‌ترجمةُ صاحبِ المُسنَدِ

محمَّدِ بنِ هارُونَ الرُّويانيِّ

‌اسمُه

(1)

:

هو أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ هارونَ الرُّويانيُّ الرَّازيُّ الآمُلِيُّ الطَّبَريُّ.

الرُّويانيُّ: هذه النِّسبةُ إلى رُويانَ، وهي بلدةٌ بنواحي طَبرسْتانَ، خرَج منها جماعةٌ من أهلِ العِلمِ

(2)

.

الآمُلِيُّ: كذا نسبَه المقريزيُّ

(3)

. وهي آمُلُ طَبرسْتانَ.

الطَّبَريُّ: كذا نسبَه أبو العبَّاسِ أحمدُ بنُ المظفَّرِ البَكرِيُّ، فقال:«سمِعتُ محمَّدَ بنَ هاورنَ الطَّبَريَّ»

(4)

.

‌مولِدُه:

لم أقفْ على سنةِ مولِدِه تصريحًا، ولكنْ يظهَرُ لي أنَّه قد وُلِد في حدودِ سنةِ (210 هـ) أو قبلَها بقليلٍ.

(1)

انظر ترجمته في: «تاريخ جرجان» (442)«الإرشاد في معرفة علماء الحديث» (2/ 801)«إكمال الإكمال» (2/ 748)«التقييد» (ص: 117)«سير أعلام النبلاء» (14/ 507)«تذكرة الحفاظ» (2/ 752)«العبر» (2/ 135)«الوافي بالوفيات» (5/ 148)«البداية والنهاية» (11/ 131)«شذرات الذهب» (2/ 251)«الرسالة المستطرفة» (72)«كشف الظنون» (1683)«إيضاح المكنون» (2/ 482)«هدية العارفين» (2/ 25)

(2)

«الأنساب» ، للسمعاني (6/ 198).

(3)

«المقفى الكبير» (7/ 194).

(4)

«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (13/ 234).

ص: 11

وذلكَ أنَّه روَى في المُسنَدِ في الموضِعِ (1519) عن أبي سعيدٍ الشَّاشيِّ، وهو عيسى بنُ سالمٍ الملَّقبُ ب عُوَيسٍ، وقد تُوفِّيَ أبو سعيدٍ هذا سنةَ (232 هـ) كما في ترجمتِه من تاريخِ بغدادَ (11/ 161) ووفَيَاتِ الشُّيوخِ للبَغَويِّ (88)

(1)

.

‌رحلتُه في طلَبِ العِلمِ:

قال الخليليُّ: «سمِعَ بالعراقِ بُنْدارًا، وأبا موسى، ويحيى بنَ حَبيبٍ. وبمصرَ المُزَنيَّ، والرَّبيعينِ

(2)

، وابنَ عبدِ الحَكَمِ»

(3)

.

قال ابنُ نُقطةَ: «حدَّث عن محمَّدِ بنِ بشَّارٍ .. وخلقٍ كثيرٍ غيرِ هؤلاءِ ببغدادَ، والبصرةِ، ومصرَ»

(4)

.

قال الذَّهبيُّ: «وله الرِّحلةُ الواسعةُ»

(5)

.

‌ثناءُ العلماءِ عليه:

قال الخليليُّ: «ثقةٌ»

(6)

.

وقال ابنُ نُقطةَ: «صاحبُ المُسنَدِ، طاف البلادَ، ثقةٌ إمامٌ»

(7)

.

وقال الذَّهبيُّ: «الإمامُ الحافظُ الثِّقةُ .. صاحبُ المُسنَدِ المشهورِ .. وله الرِّحلةُ الواسعةُ، والمعرفةُ التَّامَّةُ»

(8)

.

(1)

«مقدمة مسند الروياني» ، ط: قرطبة، تحقيق: أيمن علي أبو يماني (ص: 8).

(2)

هما: الربيع بن سليمان الجيزي، والربيع بن سليمان المرادي.

(3)

«الإرشاد» (2/ 801).

(4)

«التقييد» (رقم 135).

(5)

«سير أعلام النبلاء» (14/ 508).

(6)

«الإرشاد» (2/ 801).

(7)

«تكملة الإكمال» (2/ 748).

(8)

«سير أعلام النبلاء» (14/ 507).

ص: 12

وقال ابنُ العِمادِ: «وكان منَ الثِّقاتِ»

(1)

.

‌شيوخُه:

من شيوخِه رحمه الله:

أحمدُ بنُ سِنانٍ الواسِطيُّ، وأحمدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ وَهْبٍ، وإسحاقُ بنُ شاهينَ الواسِطيُّ، والرَّبيعُ بنُ سليمانَ الجِيزيُّ، والرَّبيعُ بنُ سليمانَ المُراديُّ، والعبَّاسُ بنُ محمَّدٍ الدُّورِيُّ، وعمرو بنُ عليٍّ الفلَّاسُ، ومحمَّدُ بنُ إسحاقَ الصَّغانيُّ، ومحمَّدُ بنُ إسماعيلَ البُخارِيُّ، ومحمَّدُ بنُ حربٍ الواسِطيُّ النَّشَّائيُّ، ومحمَّدُ بنُ العلاءِ أبو كُريبٍ، ونصرُ بنُ عليٍّ الجهْضَميُّ، ويونُسُ بنُ عبدِ الأعلَى، وأبو حاتمٍ الرَّازيُّ، وأبو زُرعةَ الرَّازيُّ، وأبو سعيدٍ الأشَجُّ.

‌تلاميذُه:

من تلاميذِه رحمه الله:

إبراهيمُ بنُ أحمدَ القرميسينيُّ، وأحمدُ بنُ المظفَّرِ البَكْريُّ أبو العبَّاسِ، جعفرُ بنُ عبدِ اللهِ بنُ فنَّاكِيٍّ، ومحمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ عليٍّ الآمُلِيُّ الفقيهُ أبو العبَّاسِ، وأبو بكرٍ الإسماعيليُّ.

(1)

«شذرات الذهب» (4/ 37).

ص: 13

‌مؤلَّفاتُه:

قال الخليليُّ: «وله تصانيفُ في الفقهِ والحديثِ»

(1)

.

منها:

1 -

أحاديثُ أبي عَوانةَ الوضَّاح اليَشكُري.

2 -

أحاديثُ الغُرَرِ، أو الغُرَرُ والدُّرَرُ.

3 -

مُسنَدُ الرُّويانيِّ.

4 -

المنتخَب مِنْ حديث أبي كُريب.

جاء في إجازةِ ابنِ سَعْدويهِ لابنِ الطَّبَّاخِ ما نَصُّه:

«سمِعَ منِّي الفاضلُ أبو محمَّدٍ المباركُ بنُ عليِّ بنِ الحسينِ الطَّبَّاخُ جميعَ مُسنَدِ الرُّويانيِّ، وهو ثلاثةٌ وثلاثون جزءًا في نسختي، وانتسخ منه جملةً بروايتي عن الشَّيخِ الأجمعِ أبي الفضلِ الرَّازيِّ، عن أبي القاسمِ الفنَّاكيِّ، عن أبي بكرٍ الرُّويانيِّ رحمةُ اللهِ عليهم.

وسمِعَ منِّي أيضًا: أحاديثَ الغُرَرِ عن أبي بكرٍ الرُّويانيِّ، وهي سبعةُ أجزاءٍ بروايتي عنِ الشَّيخِ أبي الفضلِ، عنِ المَذكورينَ.

وسمِعَ منِّي أيضًا: أحاديثَ أبي عَوانةَ وضَّاح، وهي ستَّةُ أجزاءٍ في نسختي بروايتي عن الشَّيخِ أبي الفضلِ أيضًا، بروايتِه عنِ ابنِ فنَّاكيٍّ، عنِ الرُّويانيِّ، عن أبي الرَّبيعِ السَّمْتيِّ، عن أبي عَوانةَ

»

(2)

(1)

«الإرشاد» (2/ 801).

(2)

«قطعة من مخطوط مسند الروياني» ، نسخة الظاهرية (2547)(ق 272/ أ).

ص: 14

وقال الحافظُ ابنُ حجَرٍ:

« .. وجزءًا فيه «المنتخَبُ مِنْ حديثِ أبي كُريبٍ محمدِ بنِ العَلاءِ بنِ كُريبٍ» بإجازتِه مِنَ التَّقِيِّ سليمانَ قال: أخبرَنا الضِّياءُ، قال: أخبرَنا أبو أحمدَ محمَّدُ بنُ أبي نصرٍ سعيدِ بنِ أحمدَ المؤَذِّنُ بسَماعِه، مِنْ أمِّ البَهاءِ فاطمةَ بنتِ الإمامِ محمَّدِ بنِ أبي سعدٍ البغداديِّ قالت: أخبرَنا أبو الفضلِ عبدُ الرَّحمنِ بنُ أحمدَ بنِ الحسنِ الرَّازيُّ، قال: أخبرَنا جعفرُ بنُ عبدِ اللهِ ابنِ فنَّاكيٍّ قال: أخبرَنا أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ هارونَ الرُّويانيُّ عنه، أوَّلُه حديثُ ابنِ عُمَرَ في النَّهْيِ عن بيعِ الغَررِ، وآخرُه: فإنَّها سِلاحٌ.

وهذا الجزءُ مُنتخَبٌ مِنْ ثلاثةِ أجزاءٍ فيها: نُسخةُ أبي كُريبٍ روايةُ الرُّويانيِّ المذكورِ عنه، وقد سمِعَها كلَّها أبو بكرِ بنُ يوسُفَ المِزِّيُّ مِنْ أبي عليٍّ البَكْريِّ بسماعِه من ستيكَ بنتِ مَعْمَرِ بنِ الفاخِرِ بسماعِها من فاطمةَ بنتِ البغداديِّ المذكورةِ»

(1)

‌وفاتُه:

تُوُفِّيَ رحمه الله سنةَ ثلاثِ مئةٍ وسبعٍ.

ص: 15

‌تنبيهانِ حولَ مُسنَدِ الرُّويانيِّ

الأوَّلُ:

قال المناويُّ (ت: 1031 هـ): «الدَّارِميُّ: عبدُ اللهِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ السَّمَرْقنديُّ في مُسنَدِه المشهورِ له بالتَّرجيحِ المُستحَقِّ لِأَنْ يُسمَّى بالصَّحيحِ. قال الحافظُ ابنُ حجَرٍ: «مُسنَدُ الدَّارميِّ ليس دونَ السُّنَنِ في الرُّتبةِ، بلْ لو ضُمَّ إلى الخمسةِ لكان أولَى منِ ابنِ ماجَهْ؛ فإنَّه أمْثَلُ منه بكثيرٍ»

(1)

.

وقال في موضعٍ آخرَ-وهو تصحيفٌ ظاهرٌ-: «الرُّويانيُّ بضمِّ الرَّاءِ وسُكونِ الواوِ وفتحِ المُثناةِ التَّحتيَّةِ وبعدَ الألفِ نونٌ نِسبةً إلى مدينةٍ بناحيةِ طَبرِسْتانَ، واسمُه محمَّدُ بنُ هارونَ الحافظُ في مُسنَدِه المشهورِ. قال ابنُ حجَرٍ: «مُسنَدُ الرُّويانيِّ ليس دون السِّتِّ في الرُّتبةِ، بل لو ضُمَّ إلى الخمسةِ كان أولَى منِ ابنِ ماجَهْ؛ فإنَّه أمْثَلُ منه بكثيرٍ» إلى هُنا كلامُه»

(2)

.

فالمناويُّ نقلَ النَّصَّ نفسَه عن الحافظِ ابنِ حجَرٍ مرَّةً في مُسنَدِ الدَّارميِّ، ومرَّةً في مُسنَدِ الرُّويانيِّ!!

وقال محمَّدُ بنُ أبي الفيضِ الكَتَّانيُّ (ت: 1345 هـ): «ومُسنَدُ أبي بكرٍ محمَّدِ بنِ هارونَ الرُّويانيِّ .. قال ابنُ حجَرٍ: «إنَّه ليس دونَ السُّنَنِ في الرُّتبةِ»

(3)

.

(1)

«فيض القدير» (1/ 158).

(2)

«فيض القدير» (2/ 41).

(3)

«الرسالة المستطرفة» (ص: 72).

ص: 16

قلتُ: وهذا وهْمٌ منهما، فقولُ الحافظِ كان في مُسنَدِ الدَّارميِّ وليس مُسنَدِ الرُّويانيِّ.

قال البِقاعيُّ (ت: 885 هـ): «قال شيخُنا: وأمَّا هذا السُّنَنُ المُسمَّى ب: «مُسنَدِ الدَّارميِّ» ، فإنَّه ليس دونَ السُّنَنِ في المَرتبةِ، بل لو ضُمَّ إلى الخمسةِ لكان أولَى منِ ابنِ ماجهْ؛ فإنَّه أمْثَلُ منه بكثيرٍ»

(1)

.

وهذا الخطأُ تابَعَ فيه الكَتَّانيَّ أيمنُ عليّ أبو يمانِي محقِّقُ مسندِ الرُّويانيِّ، فبَعدَ نقلِه كلامَ الكَتَّانيِّ السَّابقَ قال:«وليس زُخرُفًا منَ القولِ أنْ أؤكدَ أنَّ ما قاله الحافظُ ابنُ حجَرٍ في شأنِ المُسنَدِ إنَّما هو راجعٌ بالدَّرجةِ الأولَى إلى طبيعةِ مرويَّاتِ المُسنَدِ التي هي في غالِبِها أحاديثُ أحكامٍ وجوامعُ، فَلَكَأنَّما هي سُنَنٌ رُتِّبَتْ على المسانيدِ»

(2)

.

وكذا تبِعَ الكَتَّانيَّ الباحثُ حمزةُ زرور في رسالتِه للماجستير المُسمَّاةِ ب «زوائدِ مُسنَدِ الإمامِ أبي بكرٍ الرُّويانيِّ على الكتبِ السِّتَّةِ ومُسنَدِ أحمدَ» (ص: ب). جامعة العقيد الحاج لخضر -باتنة-، كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإسلامية، قسم أصول الدِّين. الجزائر، سنة 1431 هـ/ 2010 م.

الثَّاني: في كتابِ «المَطالبِ العاليةْ بزوائدِ المَسانيدِ الثَّمانيةْ» للحافظِ ابنِ حجَرٍ العسْقلانيِّ، طبعة دارِ العاصمةِ، لمجموعةٍ من باحثي الماجستير، وفي نهايةِ المُجلَّدِ العاشرِ، عقَدَ محقِّقُ الجزءِ فهرسًا للمصادرِ والمراجعِ، وفي (10/ 866) قال: «مُسنَدُ

(1)

«النكت الوفية بما في شرح الألفية» (1/ 282). وانظر: «تدريب الراوي» (1/ 190).

(2)

«مقدمة مسند الروياني» (1/ 22).

ص: 17

الرُّويانيِّ، لأبي بكرٍ محمَّدٍ الدَّوْرَقيِّ، تحقيق عامر حسن صبري، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى، 1407 هـ».

وهذا وهْمٌ عجيبٌ، حتى في اسمِ مُصنِّفِه. فهذا «مُسنَدُ سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ» لأبي عبدِ اللهِ أحمدَ بنِ إبراهيمَ بنِ كَثيرٍ الدَّوْرَقيِّ (ت: 246 هـ). حققه د/ عامر حسن صبري، وطُبع عن دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1407 هـ، ولا علاقةَ له من قريبٍ ولا من بعيدٍ ب «مُسنَدِ الرُّويانيِّ» .

ص: 18

‌ترجمةُ رُواةِ الجُزْءِ

‌ابنُ فنَّاكيٍّ

(1)

أبو القاسمِ الرَّازيُّ الرُّويانيُّ، جعفرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ يعقوبَ بنِ الفنَّاكيُّ.

روَى عن: محمَّدِ بنِ هارونَ الرُّويانيِّ، وعبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي حاتمٍ وجماعةٍ.

روَى عنه: عبدُ الرَّحمنِ بنُ أحمدَ بنِ الحسنِ بنِ بُندارٍ الرَّازيُّ أبو الفضلِ المُقرِئُ، وهِبةُ اللهِ أبي القاسمِ اللالكائيُّ وغيرُهما.

قال الخليليُّ: «موصوفٌ بالعدالةِ، وحُسْنِ الدِّيانةِ. هو آخِرُ مَنْ حدَّث عنِ الرُّويانيِّ» .

قال الذَّهبيُّ: «الشَّيخُ، راوِي مُسنَدِ الحافظِ محمَّدِ بنِ هارونَ الرُّويانيِّ عنه» .

قال يحيى بنُ مَنْدهْ: «قدِمَ أصبَهانَ - يعنِي: محمَّدَ بنَ عليِّ بنِ عُمَرَ بنِ الجبَّانِ- قُرِئ عليه مُسنَدُ الرُّويانيِّ بسماعِه مِنْ جعفرِ بنِ فنَّاكيٍّ» .

قال ابنُ نُقْطةَ: «حدَّث بالمُسنَدِ عن أبي بكرٍ محمَّدِ بنِ هارونَ الرُّويانيِّ» .

تُوُفِّيَ سنةَ ثلاثٍ وثمانين وثلاثِ مئةٍ.

(1)

«الإرشاد» (2/ 691)«التقييد» (ص: 226)«سير أعلام النبلاء» (16/ 430).

ص: 19

‌أبو الفضلِ الرَّازيُّ

(1)

عبدُ الرَّحمنِ بنُ أحمدَ بنِ الحسنِ بنِ بُندَارِ بنِ جِبريلَ بنِ محمَّدِ بنِ عليِّ بنِ سليمانَ العِجْليُّ، أبو الفضلِ الرَّازيُّ المُقرِئُ.

روَى عن: أحمدَ بنِ فِراسٍ العَبْقَسِيِّ، وجعفرِ بنِ فنَّاكيٍّ، وعبدِ الوهَّابِ الكلابيِّ، وأبي الحسنِ الرَّفَّاءِ، وآخَرِينَ.

روَى عنه: الحسينُ بنُ عبدِ المَلِكِ الخَلَّالُ، ومحمَّدُ بنُ عبدِ الواحدِ الدَّقَّاقُ، وأبو بكرٍ الخطيبُ، وأبو سهلِ بنِ سَعْدَويهِ، وآخَرُونَ.

قال عبدُ الغافرِ بنُ إسماعيلَ: «كان ثِقةً، جوَّالًا، إمامًا في القِراءاتِ، أوْحَدَ في طريقِه، كان الشُّيوخُ يُعظِّمونَه، وكان لا يَسكُنُ الخوانِقَ، بل يأوِي إلى مسجدٍ خَرابٍ، فإذا عُرِفَ مكانُه نَزَحَ، وكان لا يأخُذُ مِنْ أحدٍ شيئًا، فإذا فُتِحَ عليه بشيءٍ آثَرَ به» .

قال الذهبيُّ: «الإمامُ، القُدْوةُ، شيخُ الإسلامِ» .

وقال يَحيى بنُ مَنْدَهْ: «ثقةٌ ورِعٌ مُتديِّنٌ عارِفٌ بالقِراءاتِ والرِّواياتِ، عالمٌ بالأدبِ والنَّحْوِ، وهو مع هذا أكبرُ مِنْ ظانٍّ يدُلُّ عليه مِثْلي، وهو أشْهَرُ مِنْ الشَّمسِ، وأضْوَأُ مِنَ القمَرِ، ذو فنونٍ مِنْ العِلمِ رحمه الله، وكان شيخًا مَهيبًا منظُورًا، فصيحَ اللِّسانِ، حَسَنَ الطَّريقةِ، كبيرَ الوَزْنِ» .

وُلِد سنةَ إحدَى وسبعين وثلاثِ مئةٍ.

وتُوُفِّيَ سنةَ أربعٍ وخمسين وأربعِ مئةٍ.

(1)

«التقييد» (رقم 404)«المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور» ، لأبي إسحاق الصريفيني (1014)«سير أعلام النبلاء» (18/ 135).

ص: 20

‌أبو عبدِ اللهِ الخَلَّالُ

(1)

الحسينُ بنُ عبدِ المَلِكِ بنِ الحسينِ بنِ محمَّدٍ الأَثَرِيُّ السُّنِّيُّ الأصبَهانيُّ.

روَى عن: أحمدَ بنِ الفضلِ الباطرقانيِّ، وعبدِ الرَّحمنِ بنِ أحمدَ بنِ الحسنِ بنِ بُندارٍ أبي الفضلِ، وعبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي عبدِ اللهِ بنِ مَنْدهْ.

روَى عنه: عبدُ الكريمِ بنُ محمَّدِ بنِ السَّمْعانيِّ أبو سعدٍ، وعليُّ بنُ الحسينِ أبو القاسمِ بنُ عساكِرَ، ومحمَّدُ بنُ عُمَرَ أبو موسَى، وغيرِهم.

قال السَّمعانيُّ: «رأيتُه بعدَ أنْ كَبِرَ وأَضَرَّ، وكان حسَنَ المُعاشَرةِ والمُحَاورةِ، بسَّامًا، كثيرَ المَحفوظِ، وكان عزيزَ النَّفْسِ قانِعًا، لا يقبَلُ مِنْ أحدٍ شيئًا مع فقرِه، خرَّج له محمَّدُ بنُ أبي نصرٍ اللِّفتوانيُّ مُعجَمًا في أكثرَ مِنْ عشرةِ أجزاءٍ» .

قال ابنُ نُقطَةَ: «الأديبُ البارِعُ، .. كان ثقةً. حدَّثَ بمُسنَدِ محمَّدِ بنِ هارونَ الرُّويانيِّ

(2)

، عن أبي الفضلِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ أحمدَ الرَّازيِّ المُقرِئِ».

قال الذَّهبيُّ: «الشَّيخُ الإمامُ الصَّدُوقُ، مُسنِدُ أصبَهانَ، شيخُ العربيَّةِ، بقيَّةُ السَّلَفِ» .

وُلِد بأصبَهانَ في صفَرٍ سنةَ ثلاثٍ وأربعين وأربعِ مئةٍ.

وتُوُفِّيَ بها في حاديَ عشَرَ جُمادَى الأولَى من سنةِ اثنتينِ وثلاثين وخمسِ مئةٍ.

(1)

«التقييد» (رقم 297)«سير أعلام النبلاء» (19/ 620).

(2)

تصحف في الشاملة إلى الرُّوماني.

ص: 21

‌أبو زُرعةَ اللِّفتوانيُّ

(1)

عُبَيدُ اللهِ بنُ محمَّدِ بنِ أبي نصرٍ اللِّفتوانيُّ.

روَى عن: أحمدَ بنِ محمَّدِ بنِ هالةَ الكاتبِ، وزاهرِ بنِ طاهرٍ الشَّحَّامِيِّ أبي القاسمِ، والحسينِ بنِ عبدِ المَلِكِ الخَلَّالِ، ومحمَّدِ بنِ عليِّ بنِ أبي ذَرٍّ الصالحانيِّ- حُضورًا-.

روَى عنه: أحمدُ بنُ شَيبانَ بنِ تَغْلِبَ أبو العبَّاسِ الصَّالِحيُّ، وضِياءُ الدِّينِ محمَّدُ بنُ عبدِ الواحدِ المَقدِسيُّ، وأبو إسحاقَ بن الدَّرجيِّ.

قال الذَّهبيُّ: «اعتنَى به أبوه، وسمَّعه الكثيرَ» .

ذكرَه الذَّهبيُّ في وفَيَاتِ سنةِ اثنتين وستِّ مئةٍ، وكذا ابنُ العِمادِ.

قال الذَّهبيُّ: «ولا أعلمُ متَى تُوُفِّيَ، إلَّا أنَّه أجاز في هذه السَّنةِ للبُرهانِ ابنِ الدَّرجيِّ» .

(1)

«تاريخ الإسلام» (13/ 64)«شذرات الذهب» (7/ 15).

ص: 22

‌ترجمةُ المُنتقِي الضِّياءِ المَقْدِسيِّ

(1)

‌اسمُه:

هو محمَّدُ بنُ عبدِ الواحدِ بنِ أحمدَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ إسماعيلَ بنِ منصورٍ، ضياءُ الدِّينِ، أبو عبدِ اللهِ السَّعْديُّ المَقْدِسيُّ الجمَّاعيليُّ الدِّمشقيُّ.

‌مولِدُه:

وُلِدَ بالدِّيرِ المباركِ بقاسِيونَ، سنةَ تسعٍ وستين وخمسِ مئةٍ.

‌شيوخُه:

سَمِعَ مِنْ: أحمدَ بنِ عليِّ بنِ حمزةَ، وخلَفِ بنِ أحمدَ الفرَّاءِ، وزاهرِ ابنِ أحمدَ الثَّقَفيِّ، والمؤيَّدِ الطُّوسيِّ، وأبي جعفرٍ الصَّيدلانيِّ، وأبي الفرَجِ ابنِ الجَوْزيِّ، وأبي المُظفَّرِ بن السَّمعانيِّ، وغيرِهم.

‌تلاميذُه:

روى عنه خَلْقٌ كثيرٌ، منهم: إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ بنِ الخبَّازِ، وسالمُ بنُ أبي الهَيجاءِ القاضي، وعثمانُ بنُ إبراهيمَ الحِمْصيُّ، وابنُ نُقطةَ، وابنُ النَّجَّارِ، وابنُ الأزهرِ الصَّريفينيُّ، وزكيِّ الدِّينِ البِرْزاليُّ، وغيرُهم.

(1)

«سير أعلام النبلاء» (23/ 126)«تاريخ الإسلام» (14/ 472)«تذكرة الحفاظ» (4/ 133)«الوافي بالوفيات» (4/ 48)«فوات الوفيات» (3/ 426)«البداية والنهاية» (17/ 284)«ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (3/ 514)«النجوم الزاهرة» (6/ 354)«الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 71)«الأعلام» (6/ 255).

ص: 23

‌ثناءُ العلماءِ عليه:

قال الذَّهبيُّ: «الإمامُ الحافظُ القُدوةُ المُحقِّقُ المجوِّدُ الحُجَّةُ، بقيَّةُ السَّلَفِ، صاحبُ التَّصانيفِ والرِّحلةِ الواسعةِ .. حصَّلَ الأصولَ الكثيرةَ، وجرَّحَ وعدَّلَ، وصحَّحَ وعلَّلَ، وقيَّدَ وأهملَ، مع الدِّيانةِ والأمانةِ، والتَّقوَى والصِّيانةِ، والورَعِ والتَّواضُعِ، والصِّدقِ والإخلاصِ وصحَّةِ النَّقلِ .. ولم يزلْ مُلازِمًا للعِلمِ والرِّوايةِ والتَّأليفِ إلى أنْ مات» .

قال ابنُ كثيرٍ: «كان رحمه الله في غايةِ العِبادةِ والزَّهادةِ والورَعِ والخيرِ، وقد وقَف كُتُبًا كثيرةً عظيمةً بخطِّه لخِزانةِ المدرسةِ الضِّيائيَّةِ التي وقَفها على أصحابِهم من أهلِ الحديثِ والفُقهاءِ، وقد وُقِفتْ عليها أوقافٌ أُخَرُ كثيرةٌ بعدَ ذلك» .

قال زكيُّ الدِّينِ البِرْزاليُّ: «حافظٌ، ثقةٌ، جبلٌ، ديِّنٌ، خيِّرٌ» .

قال عمرُ بنُ الحاجبِ: «شيخُنا الضِّياءُ شيخُ وقتِه، ونسيجُ وحدِه علمًا وحفظًا وثقةً ودينًا، منَ العلماءِ الرَّبَّانيِّينَ، وهو أكبَرُ من أنْ يدُلَّ عليه مِثْلي» .

قال شرَفُ الدِّينِ يوسُفُ بنُ بدرٍ: «رحِم اللهُ شيخَنا ابنَ عبدِ الواحدِ، كان عظيمَ الشَّأْنِ في الحِفْظِ ومعرفةِ الرِّجالِ، هو كان المشارَ إليه في عِلْمِ صحيحِ الحديثِ وسقيمِه، ما رأتْ عينِي مثلَه» .

‌مصنَّفاتُه:

الأحاديثُ المختارةُ.

الأحكامُ.

ص: 24

فضائلُ الأعمالِ.

فضائلُ الشَّامِ.

مَناقِبُ المُحدِّثينَ.

المُوافَقاتُ. وغيرُها.

‌وفاتُه:

يومَ الاثنينِ الثَّامنَ والعشرين من جُمادَى الآخرةِ سنةَ ثلاثٍ وأربعين وستِّ مئةٍ.

ص: 25

الجُزءُ الأوَّلُ

مُنتَقًى‌

‌ مِنْ مُسنَدِ أبي بكرٍ محمَّدِ بنِ هارونَ الرُّويانيِّ

روايةُ أبي القاسمِ جعفرِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ يعقوبَ بنِ فنَّاكيٍّ الرُّويانيِّ عنه.

روايةُ أبي الفضلِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ أحمدَ بنِ الحسنِ بنِ بُندَارِ بنِ إبراهيمَ العِجْليِّ عنه.

روايةُ أبي عبدِ اللهِ الحسينِ بنِ عبدِ المَلِكِ بنِ الحسينِ الخَلَّالِ الأديبِ عنه

روايةُ أبي زُرْعةَ عُبَيدِ اللهِ بنِ محمَّدِ بنِ أبي نصْرٍ اللِّفتوانيِّ عنه.

ص: 33

ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ العَليِّ العظيمِ

أخبرَنا الشَّيخُ أبو زُرْعةَ عُبَيدُ اللهِ بنُ الشَّيخِ الإمامِ أبي بكرٍ محمَّدِ بنِ أبي نصرِ بنِ أبي بكرٍ اللِّفتوانيِّ بقراءتي عليه في شهرِ جُمادَى الآخِرةِ مِنْ سنةِ تسعٍ وتسعين وخمسِ مئةٍ بمنزلِه بأصبَهانَ، قلتُ له: أخبرَكُم الشَّيخُ الأديبُ أبو عبدِ اللهِ الحُسينُ بنُ عبدِ المَلِكِ بنِ الحُسينِ الخَلَّالُ قراءةً عليه وأنتَ تسمَعُ في ربيعٍ الآخِرِ من سنةِ إحدَى وثلاثين وخمسِ مئةٍ، أنبا أبو الفضلِ عبدُ الرَّحمنِ بنُ أحمدَ بنِ الحسَنِ المُقْري الرَّازيُّ قدِمَ علينا سنةَ إحدَى وخمسين وأربعِ مئةٍ، قال: أنبا أبو القاسمِ جعفرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ يعقوبَ بنِ فنَّاكيٍّ قراءةً عليه في ذي القِعدةِ سنةَ ثمانين وثلاثِ مئةٍ، ثنا أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ هارونَ الرُّويانيُّ الرَّازيُّ:

1 -

ثنا عمرُو بنُ عليٍّ، ثنا عبدُ اللهِ بنُ هارونَ، حدَّثَني أبي، عن محمَّدِ ابنِ إسحاقَ، حدَّثني عاصمُ بنُ قتادةَ الأنصاريُّ، عن محمودِ بنِ لَبيدٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ قال: حدَّثني سَلْمانُ الفارسيُّ حدَّثَنِيه مِنْ فِيه قال: «كنتُ رجلًا فارسيًّا مِنْ أهلِ أصبَهان مِنْ أهلِ قريةٍ يُقالُ لها: جي، وكان أبي دِهْقانَ قريتِه، وكنتُ أحبَّ خَلْقِ اللهِ إليه، لم يزَلْ حُبُّه إيَّايَ حتَّى حبَسني في بيتِه كما تُحبَسُ الجاريةُ، واجتهدتُ في المجوسيَّةِ حتَّى كنتُ قاطِنَ النَّارِ نوقدُها لا نتركُها ساعةً، وكانتْ لأبي ضَيعةٌ عظيمةٌ،

ص: 34

قال: فشُغِل في بُنْيانٍ له يومًا، فقال لي: يا بُنيَّ! إنِّي شُغِلتُ في بُنْياني هذا اليومِ عن ضَيْعتي، فاذهبْ إليها فاطَّلعْها، وأمَرَني فيها ببعضِ ما يُريد وقال: لا تُحبَسْ عليَّ، فإنَّكَ إن احتُبِستَ عنِّي كنتَ أهمَّ إليَّ مِنْ ضيعتي، وشغلْتَني عن كلِّ شيءٍ مِنْ أمري. قال: فخرجتُ أُريدُ الضَّيعةَ التي بعثني إليها أبي بكنيسةٍ مِنْ كنائسِ النَّصارَى، فسَمِعتُ أصواتَهم فيها وهم يُصلُّون قال: وكنتُ لا أدري ما أمْرُ النَّاسِ؛ لحَبْسِ أبي إيَّايَ في بيتِه، فلمَّا سَمِعْتُ أصواتَهم دخلتُ عليهم أنظُرُ ما يَصنعون، فلمَّا رأيتُهم أعجبتْني صلاتُهم، فقلتُ: واللهِ هذا خيرٌ من الدِّينِ الذي نحنُ عليه، فواللهِ ما تركتُهم حتَّى غرَبَتِ الشَّمسُ، وتركتُ ضيعةَ أبي فلمْ آتِها، ثمَّ قلتُ لهم: أينَ أصْلُ هذا الدِّينِ؟ قالوا: بالشَّامِ، قال: ثمَّ رجعتُ إلى أبي، وقد بعثَ في طلبي، وشغلْتُه عن عملِه كلِّه، فلمَّا جئتُه قال أبي: يا بُنيَّ! أين كنتَ؟! يا بُنيَّ ألم أكنْ عَهِدتُ إليكَ بما عهِدتُ؟ قال: نعم يا أبَهْ، مررتُ بأناسٍ يُصلُّون في كنيسةٍ، فأعجبَني ما رأيتُ مِنْ دينِهم، فواللهِ ما زلتُ عندَهم حتَّى غرَبَتِ الشَّمسُ، قال أبي: يا بُنيَّ ليس في ذلكَ الدِّينِ خيرٌ، دينُكَ ودينُ آبائِكَ خيرٌ منه، قال: قلتُ له: كلَّا، واللهِ إنَّه لخيرٌ مِنْ دينِنا، قال: فخافني فجعلَ في رِجْلي قيدًا، فحبَسني في بيتِه، قال: وبَعثتُ إلى النَّصارَى فقلتُ: إذا قدِمَتْ عليكم ركبٌ مِنْ الشَّامِ فأخبِروني بهم، قال: فقدِمَ عليهم رَكْبٌ مِنْ الشَّامِ، فأخبَروني بهم قال: فقلتُ لهم: إذا قضَوا حوائجَهم فأرادوا الرَّجعةَ إلى بلادِهم أخبِروني بهم، فأخبَروني

ص: 35

بهم، قال: فألقيتُ الحديدَ مِنْ رِجْلي، ثُمَّ خرجْتُ معهم حتَّى قدِمتُ الشَّامَ قال: فلمَّا قدِمتُها قلتُ: مَنْ أفضلُ هذا الدِّينِ؟ قالوا: الأسقُفُ في الكنيسةِ، فجئتُه فقلتُ له: إنِّي قد رغِبتُ في هذا الدِّينِ، وأحببتُ أن أكونَ معَكَ، وأخدُمَكَ في كنيستِكَ، وأتعلَّمَ منك، وأصلِّيَ معَكَ، قال: فادخلْ، قال: وكان رجُلَ سوءٍ يأمرُهم بالصَّدقةِ، ويُرغِّبُهم فيها، فإذا اجتمع إليه الشيءُ حبَسَه لنفسِه ولم يُعطِ المساكينَ، حتَّى جمَعَ قِلالًا مِنْ ذهبٍ ووَرِقٍ قال: وأبغضْتُه بُغْضًا شديدًا؛ لِمَا رأيتُه يَصنَعُ، ثُمَّ مات، فاجتمعتْ إليه النَّصارَى ليدفِنوه، فقلتُ لهم: إنَّ هذا كانَ رجُلَ سوءٍ، أمرَكم بالصَّدقةِ، ورغَّبكم فيها، فإنْ جئتُموه بها أكنَزَها، ولم يُعطِ المساكينَ منها شيئًا. قال: فقالوا وما علمُكَ بذلكَ؟ قال: قلتُ لهم فأنا أدلُّكم على كَنزِه. قال: فدلَلتُ عليه، فأريتُهم موضعًا، فاستخرجوا سبعَ قِلالٍ مملوءةً ذهبًا ووَرِقًا، فلمَّا رأوها قالوا: إنَّا واللهِ لا ندْفِنُه أبدًا. قال: فصلبوه، ثمَّ رجَموه بالحِجارةِ، وجاءوا برجلٍ آخَرَ، فجعلوه مكانَه.

قال: فقال سَلْمانُ: فما رأيتُ رجلًا لا يُصلِّي الخَمْسَ أزهدَ في الدُّنيا، ولا أرغَبَ في الآخِرةِ منه، ولا أدْأَبَ ليلًا ونهارًا منه.

قال: فأحببْتُه حبًّا لم أُحِبَّ شيئًا مثلَه. قال: فأقمتُ معه زمانًا، ثُمَّ حضَرَتْه الوفاةُ، فقلتُ له: يا فلانُ! إنِّي كنتُ معَكَ، وأحببْتُك حبًّا لم أحبَّ شيئًا قبلَكَ، وقد حضَرَك ما ترى مِنْ أمرِ اللهِ، فإلى مَنْ تُوصي بي، وما تأمرُني؟ قال: أيْ بُنَيَّ، واللهِ ما أعلَمُ اليومَ أحدًا على ما كنتُ عليه، لقد هلَك النَّاسُ وبدَّلوا، وتركوا أكثرَ ما كانوا عليه، إلَّا

ص: 36

رجُلًا بالمَوْصِلِ، وهو فلانٌ على ما كنتُ عليه، فالْحَقْ به، فلمَّا مات وغُيِّبَ، لحِقتُ بصاحبِ المَوْصِلِ، فقلتُ له: إنَّ فلانًا أوصاني عندَ موتِه أنْ ألحَقَ بكَ، وأخبَرَني أنَّك على أمرِه. قال: فقال لي: أقِمْ عندِي. قال: فأقمتُ عندَه، فوجدتُه خيرَ رجُلٍ على أمرِ صاحبِه، فلم يلبَثْ أنْ مات، فلمَّا حضرَتْه الوفاةُ قلتُ له: يا فلانُ، إنَّ فلانًا أوصَى إليكَ، وأمَرَني باللُّحوقِ بكَ، وقد حضرَك مِنْ أمرِ اللهِ ما ترى، فإلى مَنْ تُوصِي، وما تأمُرُني به؟ قال: يا بُنَيَّ، واللهِ ما أعلَمُ رجُلًا على مثْلِ ما كنَّا عليه، إلَّا رجلًا بنَصِيبينَ، وهو فلانٌ فالحَقْ به، فلمَّا مات وغُيِّبَ، لحِقْتُ بصاحبِ نَصِيبينَ، فأخبرْتُه خبَري، وما أمَرَني به صاحبِي قال: أقِمْ عندِي، فأقمتُ عندَه، فوجدتُه على أمرِ صاحبَيه، فأقمتُ مع خيرِ رجلٍ، فواللهِ ما لبثْتُ أن نزلَ به الموتُ، فلمَّا احتُضِر قال: قلتُ له: يا فلانُ، إنَّ فلانًا كان أوصَى بي إلى فلانٍ، ثُمَّ أوصَى بي فلانٌ وفلانٌ إليكَ، فإلى مَنْ تُوصِي بي وما تأمرُني؟ قال: يا بُنَيَّ، واللهِ ما أعلَمُ بقِيَ أحدٌ على أمرِنا آمُركَ أن تأتيَه، إلَّا رجلًا بعموريَّةَ من أرضِ الرُّومِ على ما نحنُ عليه، فإن أحببتَ فأْتِه، فإنَّه على أمرِنا، فلمَّا مات لحِقْتُ بصاحبِ عموريَّةَ، فأخبرتُه خبَري قال: أقِمْ عندي، فأقمتُ على خيرِ رجلٍ على هُدَى أصحابِه وأمرِهم، واكتسبتُ حتى كانت عندي بُقيراتٌ وغُنيمةٌ، ثمَّ نزل به أمرُ اللهِ، فلمَّا احتُضِر قلتُ: يا فلانُ! إنِّي كنتُ مع فلانٍ، فأوصَى بي إلى فلانٍ، ثمَّ أوصَى بي فلانٌ إلى فلانٍ، ثمَّ أوصى بي فلانٌ إلى فلانٍ، ثمَّ أوصى بي فلانٌ إليكَ، فإلى مَنْ تُوصى بي، وما تأمُرُني؟

ص: 37

قال: يا بُنَيَّ! واللهِ ما أعلَمُ أصبَحَ على ما كنَّا عليه أحدٌ مِنَ النَّاسِ آمرُكَ أنْ تأتِيَه، ولكنَّه قد أظلَّك زمانُ نبيٍّ هو مبعوثٌ بدينِ إبراهيمَ، يخرُجُ بأرضِ العربِ، مُهاجرُه إلى أرضٍ بينَ الحرَّتينِ، بينَهما نخلٌ، به علاماتٌ لا تخفَى: يأكُلُ الهَديَّةَ، ولا يأكُلُ الصَّدقةَ، وبينَ كتِفَيه خاتَمُ النُّبوَّةِ، فإنِ استطعتَ أنْ تلحَقَ بتلكَ البلادِ فافعَلْ، ثُمَّ مات وغُيِّبَ، ومكثتُ بعدَه ماشاء اللهُ أنْ أمكُثَ، ثُمَّ مرَّ بي نفَرٌ مِنْ كلبٍ تُجَّارٌ فقلتُ لهم: تحملوني إلى أرضِ العربِ، وأُعطيكم بقرَتِي هذه؟ قالوا: نعَمْ، فأعطيتُهم وحملوني معَهم، حتَّى إذا بلغُوا بي وادِ القُرَى ظلموني، فباعوني مِنْ رجلٍ يهوديٍّ عبْدًا، فكنتُ إذا رأيتُ النَّخلَ رجوتُ أن تكونَ البلدَ الذي وَصف لي صاحبي، ولم يحِقَّ لي في نفسِي، فبينَما أنا عندَه أنْ قدِم عليه ابنُ عمٍّ له، حتَّى وقف عليه، فقال: قاتَلَ اللهُ نبيَّ قَيْلةَ، واللهِ إنَّهم الآنَ لَمَجموعون على رجلٍ قدِم عليهم مِنْ مكَّةَ اليومَ، ويزعُمون أنَّه نبيٌّ، قال: فلمَّا سمِعْتُها أخذتْني العُرَواءُ، حتى ظننتُ أنَّي ساقطٌ على

ص: 38

سيِّدِي، قال: ونزلتُ عنِ النَّخلةِ، فجعلتُ أقولُ لابنِ عمِّه ذلك: ماذا يقولُ؟ قال: فغضِبَ سيِّدي، فلَطَمني لطْمةً شديدةً، ثُمَّ قال: ما لكَ ولِهذا؟ أقبِلْ على عمَلِكَ. قال: قلتُ: لا شيءَ، إنَّما أردتُ أنْ أسألَه عمَّا قال، وكان عندي شيءٌ قد جمعتُه، فلمَّا أمسيتُ أخذتُه، ثُمَّ ذهبتُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو بقُبَاءَ، فقلتُ له: إنَّه بلغَني أنَّكَ رجلٌ صالحٌ، ومعك أصحابٌ

(1)

غُرَباءُ ذوو حاجةٍ، وهذا شيءٌ كان عندي للصَّدقةِ قال: فقرَّبتُه إليه، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه:«كُلُوا» وأمسكَ هو، ولم يأكلْ منه، قال: فقلتُ لنفسِي: هذه واحدةٌ، قال: ثمَّ انصرفتُ عنه، فجمعتُ شيئًا، وتحوَّل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ، ثُمَّ جئتُه فقلتُ له: إنِّي قد رأيتُك لا تأكُلُ الصَّدقةَ، وهذه الهديَّةُ أكرمتُك، قال: فأكَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم منها، وأمَر أصحابَه فأكلوا منها قال: قلتُ: هاتان خلَّتانِ، ثُمَّ جئتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو ببقيعِ الغَرْقَدِ قدِ اتَّبعَ جنازةَ رجلٍ مِنْ أصحابِه، وعلىَّ شَمْلتانِ لي، وهو جالسٌ في أصحابِه، فسلَّمتُ، ثمَّ استدبرتُ أنظُرُ إلى ظهرِه، هل أرى الخاتَمَ الذي وصفَ صاحبي؟ فلمَّا رآني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم استدبرتُه، عرَف أنِّي استدبرتُ في شيءٍ وُصِف لي، فألقَى رداءَه عن ظهرِه، فنظرتُ إلى الخاتَمِ، فعرَفتُه، فأكببتُ عليه أُقبِّلُه، فقال لي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«تحوَّلْ» . فتحوَّلتُ، فجلستُ بينَ يديه، فقصصتُ عليه حديثي كما حدَّثتُك يا ابنَ عبَّاسٍ، فأُعجِب رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأحبَّ أن يسمَعَ ذاكَ أصحابُه، ثُمَّ شَغَل سلمانَ الرِّقُ حتَّى فاتَه مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بدرًا

(1)

في حاشية الأصل: «السماع: أصحابك» .

ص: 39

وأُحدًا، ثُمَّ قال لي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«كاتِبْ يا سلْمانُ» فكاتبتُ صاحبي على ثلاثِ مئةٍ نخلةٍ أُحيِيها له، وبأربعين أُوقيَّةً، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَعِينوا أخاكُم» فأعانوني بالنَّخلِ، الرَّجلُ بثلاثين وَدِيَّةً، والرَّجلُ بعشرين، والرَّجلُ بخمسَ عشرةَ، والرَّجلُ بعشْرةٍ، يُعين الرَّجلُ بقدرِ ما عندَه، حتَّى اجتمعتْ لي ثلاثُ مئةِ وَدِيَّةٍ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«اذهبْ يا سلمانُ، فاحفِرْ لها، فإذا فرغْتَ فأْتِني، أكونُ أنا الذي أضعُها بيدِي» قال: فحَفَرتُ لها، وأعانني أصحابي، حتَّى إذا فرغتُ جئتُه، فأخبرتُه، فخرجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إليها، فجعلنا نُقرِّبُ له الوَدِيَّ، ويضعُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيدِه، حتَّى إذا فرغْنا، فوالذي نفسُ سلمانَ بيدِه ما مات منها وَدِيَّةٌ واحدةٌ، وأدَّيتُ النَّخلَ، وبقِي عليَّ المالُ، وأُتِىَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بمِثْلِ بيضةِ الدَّجاجةِ مِنْ ذهبٍ، من بعضِ المعادنِ، فقال:«ما فعلَ الفارسيُّ المُكاتَبُ» ؟ فدُعيتُ له، فقال:«خُذْ هذا، فأدِّ بها ما عليكَ يا سلمانُ» قلتُ: وأينُ تقعُ هذه يا رسولَ اللهِ ممَّا عليَّ؟ قال: «خُذْها، فإنَّ اللهَ سيُؤدِّي بها عنكَ» فأخذتُها، فوزنتُ له منها -والذي نفسُ سلمانَ بيدِه- أربعين أوقيَّةً، فأوفَيتُه بحقِّي.

وأُعتِق سلمانُ، فشهِدَ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الخندقَ».

2 -

وحدَّثنا أبو طَلْحةَ موسى بنُ عبدِ اللهِ، ثنا بكرُ بنُ سليمانَ، أنبا ابنُ إسحاقَ، حدَّثني عاصمُ بنُ عُمَرَ بنِ قتادةَ، عن محمودِ بنِ لَبيدٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، بمثْلِ حديثِ عمرِو بنِ عليٍّ سواءً.

ص: 40

3 -

حدثنا أبو زرعةَ هو الرَّازيُّ، ثنا عبدُ اللهِ بنُ محمَّدٍ، ثنا زيدُ بنُ الحُبابِ، عن حسينِ بنِ واقدٍ، حدثني عبدُ اللهِ بنُ بُرَيدةَ، عن أبيه، أنَّ سَلمانَ لمَّا قدِمَ المدينةَ، أتى رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال:«لمَن أنتَ» ؟ فقال: لقومٍ. قال: «فاطلُبْ إليهم أن يُكاتِبوكَ» ، قال: فكاتبوني على كذا وكذا، وعلى كذا وكذا نخلةً يغرِسُها لهم، ويقومُ عليها سَلمانُ، حتى تُطعِمَ كلُّ نخلةٍ. قال: ففعلوا، فجاء النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فغرَس النَّخلَ كلَّه، إلَّا نخلةً واحدةً غرسَها عُمرُ بنُ الخطَّابِ، فأطعم كلُّه مِنْ سنتِه، إلَّا تلك النَّخلةَ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ غرسَها» ؟ قالوا: عُمرُ. فغرَسها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيدِه، فحملت مِنْ عامِها.

4 -

حدَّثنا عبدُ المجيدِ بنُ إبراهيمَ بنُ زُهيرٍ الدِّمياطِيُّ، ثنا جعفرُ بنُ هارونَ، ثنا عِمرانُ بنُ خالدٍ الخُزاعِيُّ، عن ثابتٍ البُنانِيُّ، عن أنسِ بنِ مالكٍ قال: دخلَ سَلمانُ على عُمرَ بنِ الخَطَّابِ، وهو مُتَّكِئٌ على وسادةٍ، فألقاها إليه، فقال سلمانُ:«اللهُ أكبرُ، صدقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم» فقال: «هي يا أبا عبدِ اللهِ! أفِدْنا» . قال: دخلتُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو مُتَّكِئٌ على وسادةٍ، فألقاها إليَّ، فقال: «ما مِنْ مُسلمٍ دخل على أخيهِ المسلمِ، وهو مُتَّكِئٌ على وسادةٍ، فألقاها إيَّاهُ

(1)

تَكرمةً له، إلَّا غَفَرَ اللهُ له».

(1)

كذا بالأصل، وكتب الناسخ فوق:«إياه» علامة تضعيف. وفي «التخريج الصغير والتحبير الكبير» لابن عبد الهادي (3/ 173): « .. فألقاها له تكرمة له، إلا غفر الله له» في الأول من مسند الروياني».

ص: 41

5 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ المُثنَّى، ثنا محمَّدُ بنُ عمَّارٍ، ثنا جريرٌ، عنِ الأَعمَشِ، عن أبي سُفيانَ قال: دخلَ سعدٌ على سَلمانَ يَعُودُه، فقال: أَبشِرْ يا أبا عبدِ اللهِ، تُوُفِّيَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو عنكَ راضٍ، ترِدُ عليه الحوضَ. قال: كيف يا سعدُ، وقد سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول:«ليكن بُلْغَةُ أحدِكُم مِنَ الدُّنيا مِثْلَ زادِ الرَّاكبِ حتَّى يَلقانِي» وما أدرِي ما هذه الأساوِدُ

(1)

حولي، قال: فبكَيا جميعًا، ثمَّ قال له سعدٌ: يا أبا عبدِ اللهِ، أَوصِنِي. قال:«اذْكُرِ اللهَ عندَ همِّكَ إذا هَمَمْتَ، وعندَ حُكمِكَ إذا حَكمْتَ، وعند يدِكَ إذا قسمتَ» .

6 -

حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، ثنا الفضلُ بنُ قرَّةَ، ثنا الحسنُ بنُ أبي جعفرٍ، عن عليِّ بنِ زيدٍ، عن سعيدِ بنِ المُسيَّبِ، عن سَلمانَ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

7 -

وحدَّثنا محمَّدُ بنُ إسحاقَ، ثنا عُبيدُ اللهِ بنُ عمرَ، ثنا حكيمُ بنُ خِذام أبو سُميرٍ، ثنا عليُّ بنُ زيدٍ بن جُدعانَ، عن سعيدِ بنِ المُسيَّبِ، عن سَلمانَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَطَّرَ صائمًا في رمضانَ مِنْ كسبٍ حلالٍ، صلَّتْ عليه الملائكةُ ليالِيَ رمضانَ كلَّها، وصافحُه جبريلُ ليلةَ القدْرِ، ومَن يُصافحْه جبريلُ عليه السلام ليلةَ القَدْرِ يَرقَّ قلبُه، وتكثُرْ دموعُه» قال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، أفرأيتَ مَنْ لم يكُنْ ذلكَ عندَه؟ قال:«فقبضةٌ مِنْ طعامٍ» . قال: أفرأيتَ مَنْ لم يكنْ عندَه؟ قال: «ففَلْقةُ خُبزٍ» . قال: أفرأيتَ مَنْ

ص: 42

لم يكن عندَه؟ قال: «فمَذْقةٌ مِنْ لبَنٍ» . قال: أفرأيتَ مَنْ لم يكن عندَه؟ قال: «فشَرْبةٌ مِنْ ماءٍ» .

8 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، وعمرُو بنُ عليٍّ، قالا: ثنا يحيَى بنُ سعيدٍ، عن سُليمانَ التَّيْميِّ، عن أبي عثمانَ النَّهديِّ، عن سَلمانَ الفارسِيِّ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّ اللهَ خلقَ مئةَ رحمةٍ، فقَسَمَ رحمةً بينَ الخلائقِ، وتسعةً وتسعينَ ليومِ القِيامَةِ» .

9 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، وعمرُو بنُ عليٍّ، قالَا: ثنا ابنُ أبي عَديٍّ، ثنا جعفرُ بنُ ميمونٍ صاحبُ الأنْماطِ

(1)

، عن أبي عثمانَ النَّهديِّ، عن سَلمانَ الفارسِيِّ، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّ اللهَ حَييٌّ كريمٌ، يستحِيي إذا رفعَ الرَّجلُ إليه يدَيهِ، أنْ يَرُدَّهما صِفْرًا خائِبَتَينِ» .

10 -

حدَّثنا بِشْرُ بنُ آدَمَ، ثنا أشعثُ بنُ أشعثَ، ثنا عِمرانُ أبو العَوَّامِ، ثنا سُليمانُ التَّيمِيُّ، عن أبي عثمانَ النَّهدِيُّ، عن سَلمانَ الفارسِيِّ قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المُسلمَ يُصلِّي وخطاياهُ تُوضَعُ على رأسِه، كُلَّما سجدَ تَحاتَتْ، فيفرُغُ حينَ يَفرُغُ مِنْ صلاتِه وقد تحاتَتْ خطاياهُ» .

(1)

النمط: ثوب من صوفٍ يطرح على الهودج. «المغرب في ترتيب المعرب» (ص: 473).

ص: 43

11 -

حدَّثنا العبَّاسُ بنُ محمَّدٍ، ثنا يونسُ بنُ محمَّدٍ، ثنا صالحٌ، عنِ الجُريريِّ، عن أبي عثمانَ النَّهدِيِّ قال: كتبَ سَلمانُ إلى أبي الدَّرداءِ: يا أخي! ليكُن بيتُكَ المسجدَ، فإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول:«المسجدُ بيتُ كلِّ تقيٍّ، وقد ضمنَ اللهُ لمَن كانتِ المساجدُ بيوتَهم بالرَّوحِ والرَّحمةِ والجَوازِ على الصِّراطِ إلى رِضوانِ الرَّبِّ» .

12 -

حدَّثنا أحمدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، ثنا عمِّي ابنُ وهبٍ، ثنا داودُ ابنُ عبدِ الرَّحمنِ المَكيُّ، عن أبي عبدِ اللهِ البصريِّ، عن سُليمانَ التَّيْميِّ، عن أبي عثمانَ النَّهديِّ، عن سلمانَ الفارسِيِّ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«البركةُ في ثلاثٍ: الجَماعةِ، والثَّريدِ، والسَّحورِ» .

13 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ إسحاقَ، ثنا سعيدُ بنُ سُليمانَ، ثنا سيفُ بنُ هارونَ، ثنا سُليمانُ التَّيمِيُّ، حدَّثنِي أبو عثمانُ النَّهديُّ، قال: سَمعتُ سَلمانَ الفارسِيَّ قال: سُئل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنِ الجُبْنِ والسَّمْنِ والفِرَاءِ

(1)

؟ فقال: «الحَلالُ ما أَحلَّ اللهُ في كتابِه، وما سكتَ عنه فهو مِمَّا عفَى اللهُ عنه» .

(1)

في حاشية الأصل: «الفراء: حمار الوحش» .

ص: 44

14 -

حدَّثنا عَمرُو بنُ عليٍّ، ثنا عبدُ الأَعلَى، ثنا بُرْدٌ، عن سُليمانَ بنِ موسَى، عن شُرَحْبيلَ بنِ السِّمْطِ أنَّه كان نازلًا على حِصنٍ من حُصونِ فارسَ مُرابِطًا قد أصابتْهم خَصاصةٌ

(1)

، فمرَّ بهم سَلمانُ الفارسِيُّ فقال: أَلَا أُحدِّثُكُم حديثًا سمعتُه مِنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يكونُ عونًا لكم على منزلِكُم هذا؟ قالوا: بلَى يا أبا عبدِ اللهِ. فحدَّثنا، قال: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «رِباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ مِنْ قيامِ شهرٍ وصيامِه، ومَن ماتَ مُرابِطًا في سبيلِ اللهِ جرَى له أجرُ المُجاهِدِ إلى يومِ القيامَةِ» .

15 -

حدثنا محمَّدُ بنُ إسحاقَ، ثنا الحكمُ بنُ موسَى، ثنا الهيثمُ بنُ حُميدٍ، ثنا النُّعمانُ، عن مكحولٍ، عن شُرَحبيلَ بنِ السِّمْطِ، عن سَلمانَ، أنَّه سمعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول:«مَنْ ماتَ مُرابِطًا في سبيلِ اللهِ أُومِنَ مِنْ عذابِ القَبْرِ، ونُمِّيَ له أجرُه إلى يومِ القِيامَةِ» .

16 -

حدَّثنا أحمدُ، ثنا عمِّي، حدَّثنِي اللَّيثُ، عن أيوبَ بنِ موسَى القُرَشِيِّ، عن مَكْحولٍ، عن شُرَحبيلَ بنِ السِّمْطِ، عن سَلمانَ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«مَنْ رابطَ يومًا وليلةً في سبيلِ اللهِ كان له أجرُ صيامِ شهرٍ، ومَن ماتَ مُرابِطًا جرَى له مِثْلُ ذلك مِنَ الأَجرِ، وأُجرِيَ عليه الرِّزقُ، وأُومِنَ الفتَّانَ» .

(1)

أي: فقر. «الصحاح» (3/ 1037).

ص: 45

17 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، ثنا عثمانُ بنُ عُمرَ، ثنا ابنُ أبي ذئبٍ، عن سعيدٍ، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ وديعةَ، عن سَلمانَ، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنِ اغتسلَ يومَ الجمُعةِ فتَطَهَّرَ ما استطاعَ مِنْ طَهورِه، ثُمَّ يَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِه، أو مِنْ طِيبِ بيتِه، ثمَّ راحِ إلى المسجدِ، ثمَّ لم يُفرِّقْ بينَ اثنَينِ، ثمَّ صلَّى ما بَدَا له، فإذا خرجَ الإمامُ استمعَ وأنصتَ، غُفِرَ له ما بينَه وبينَ جُمَعِهِ الأُخرَى»

18 -

حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، ثنا أبو داودَ، ثنا ابنُ أبي ذئبٍ، عن سعيدٍ المَقْبُريِّ، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ وديعةَ، عن سَلمانَ، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِثلَه.

19 -

حدَّثنا أبو بكرٍ بنِ عبدِ القدُّوسِ، ثنا سلْمُ بنُ قتيبةَ، ثنا قيسُ بنُ الرَّبيعِ، عن عثمانَ بنِ سابورٍ، عن شقيقِ بنِ سلمةَ، قال: دخلتُ على سلمانَ الفارسِيِّ، فأخرجَ إليَّ خُبزًا ومِلْحًا فقال لي:«لولا أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نهانا أنْ يتكلَّفَ أحدٌ لأحدٍ لتكلَّفتُ لكَ» .

20 -

حدَّثنا أحمدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، ثنا عمِّي، ثنا يحيَى بنُ أيوبَ، عن زيدِ بنِ جَبيرةَ الأنصارِيِّ، عن عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ مَعْمَرٍ الأَنصارِيِّ، أنَّ سلمانَ الفارسِيَّ، وأبا سعيدٍ الخُدْرِيِّ أَمَّهُم حذيفةُ وهو أميرٌ على المَدائِنِ، وعندَه أُسامةُ بنُ زيدٍ، فصلَّى بهم حذيفةُ على شيءٍ أَشْرَفَ مِمَّا هم عليه، فأخذَ سَلمانُ بضَبْعيْه

(1)

حتَّى أنزلَه، فلمَّا

(1)

الضبع: العضد. «الصحاح» (ص 1247).

ص: 46

انصرفَ قال: مَنْ ذا؟ قال سلمانُ: أنا وما أدرِي أَطالَ العَهدُ عليكَ أَمْ نسيتَ؟ أَمَا سمعتَ رسولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «لا يُصلِّي الإمامُ على أنشزَ

(1)

مِمَّا هُمْ عليه».

قال أبو سعيدٍ: صدقَ.

21 -

حدَّثنا أحمدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، ثنا عمِّي، ثنا اللَّيثُ بنُ سعدٍ، عن زيدِ بنِ جبيرةَ الأَنصارِيِّ، عن أبي طُوَالةَ، عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ، أنَّ حُذيفةَ بنَ اليَمانِ أمَّهم بالمَدائِنِ، فقام ليُصلِّي على دُكَّانٍ، فجبذَه سلمانُ، ثمَّ قال له: ما أدرِي أَطالَ العَهدُ أَمْ نسيتَ؟ أَمَا سمعتَ رسولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «لا يُصلِّي الإمامُ على شيءٍ أنشزَ مِمَّا عليه أصحابُه» .

22 -

حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، ثنا أبو داودَ، ثنا داودُ بنُ أبي الفُراتِ، عن محمَّدِ بنِ زيدٍ، عن أبي شُرَيحٍ، عن أبي مُسلِمٍ مولَى زيدِ بنِ صُوحانَ، أنَّه رأَى سلمانَ الفارسِيَّ، ورأى رجلًا يُريد أن يَنزِعَ خُفَّيهِ للوُضوءِ، وأمَرهُ سَلمانُ أنْ يمسحَ على خُفَّيه، وناصيتِه، وعِمامَتِه.

وقال سَلمانُ: «رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يمسَحُ على الخِمارِ والخُفَّينِ» .

(1)

النشز: المكان المرتفع. «الصحاح» (3/ 899).

ص: 47

‌مِنْ مُسنَدِ صُهيبٍ

23 -

حدِّثنا العبَّاسُ بنُ محمَّدٍ، ثنا منصورُ بنُ سَلَمةَ، ثنا ليثُ بنُ سعدٍ، عن بُكيرِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الأشجِّ، عن نابلِ صاحبِ العَباءِ، عن ابنِ عُمَرَ، عن صُهيبٍ قال: سلَّمتُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو يُصلِّي، فردَّ عليَّ إشارةً قال: كنتُ أَحسَبُه قال: بأصبعِه هكذا، وأشارَ إلى سبَّابِه.

24 -

وحدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، ثنا أبو الوليدِ، ثنا اللَّيثُ، عن بُكيرِ بنِ عبدِ اللهِ بمثلِه.

25 -

حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، ومحمَّدُ بنُ إسحاقَ، قالَا: ثنا عفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بنُ سَلَمةَ، ثنا ثابتٌ، عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي ليلَى، عن صُهيبٍ أنَّ رسولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم قال: «كان مَلِكٌ مِمَّنْ كان قبلَكُم، وكان له ساحرٌ، فلمَّا كَبُرَ السَّاحرُ قال للمَلِك: إنِّي قد كَبُرَتْ سِنِّي، وحضرَ أَجلِي، فادفعْ إليَّ غُلامًا، فلأعلِّمَه السِّحْرَ، فدفعَ إليه غُلامًا، وكان يُعلِّمُه، وكان بينَ السَّاحرِ وبينَ الغلامِ راهبٌ، فأتَى الغلامُ علَى الرَّاهبِ، فسمِعَ مِنْ كلامِه، فأعجبَه نحوُه وكلامُه، فكان إذا أتَى السَّاحرَ ضربَهُ وقال: ما حَبَسَكَ؟ وإذا أتَى أهلَه جلسَ عندَ الرَّاهبِ، فيُبطِئُ، فإذا أتَى أهلَه ضربوهُ، وقالوا: ما حَبَسَكَ؟ فشكَى ذلك إلى الرَّاهبِ، فقال: إذا أرادَ السَّاحرُ أن يضرِبَك فقل: حبَسَنِي أهلي، وإذا أرادَ أهلُكَ أن يضربُوك فقل: حبَسنِي السَّاحرُ.

ص: 48

قال: فبينما هو كذلكَ، إذ أتَى ذاتَ يومٍ على دابَّةٍ فظيعةٍ عظيمةٍ، قد حبستِ النَّاسَ، فلا يستطيعونَ أن يَجُوزُوا، فقال: اليومَ أعلمُ أمرُ الرَّاهبِ أحبُّ إلى اللهِ أَمْ أمرُ السَّاحرِ؟ فأخذَ حجرًا فقال: اللَّهُمَّ إنْ كان أمرُ الرَّاهبِ أحبَّ إليكَ، وأرضَى لكَ مِنْ أمرِ السَّاحرِ، فاقْتُلْ هذه الدَّابَّةَ حتَّى يَجوزَ النَّاسُ، ورَماها، فقتلَها ومضَى النَّاسُ، فأخبرَ الرَّاهبَ بذلِك، وقال: أيْ بُنيَّ، إنَّكَ أفضلُ منِّي، وإنَّك ستُبتَلَى، فإنِ ابتُلِيتَ فلا تَدُلَّ عليَّ، وكان الغُلامُ يُبرِئُ الأَكْمَه والأَبرَصَ وسائرَ الأدواءِ وسقيمَهُم، وكان جليسٌ للمَلِكَ قد عَمِيَ فسَمِعَ به، فأتَى بهدايا كثيرةٍ، فقال له: اشفنِي ولك ما هاهُنا أجمعُ. قال: ما أَشفِي أنا أحدًا، إنَّما يَشفِي اللهُ، فإن آمنتَ باللهِ دعوتُ اللهَ تعالَى فشفاكَ، فآمَنَ، فدَعا له فشفاهُ، ثمَّ أتَى المَلِكَ فجلسَ معه نحوَ ما كان يجلِسُ، فقال له المَلِكُ: يا فلانُ، مَنْ رَدَّ عليكَ بَصَرَكَ؟ قال: ربِّي. قال: أنا؟ قال: لا، ولكن ربِّي وربُّكَ اللهُ. قال: أَوَ لَك ربٌّ غيرِي؟! قال: نَعَم. فلم يَزَلْ يُعذِّبْه حتَّى دلَّ على الغُلامِ، فبعثَ إليه فقال: أيْ بُنيَّ، قد بلغَ مِنْ سِحرِكَ أنْ تُبرِئَ الأَكْمَه والأَبرَصَ وهذهِ الأدواءَ؟ قال: ما أشفِي أنا أحدًا، إنَّما يشفِي اللهُ. قال: أنا؟ قال: لا. قال: وإنَّ لكَ ربًّا غيرِي؟ قال: نَعَم ربِّي وربُّكَ اللهُ، فأخذَهُ أيضًا بالعذابِ، فلم يَزَلْ به حتَّى دَلَّ على الرَّاهبِ، فأتَى بالرَّاهبِ، فقال: ارجِعْ عن دِينِكَ

(1)

، فوضَعَ المِنْشارَ في مَفْرِقِ رأسِه حتَّى وقعَ شِقَّاهُ، فقال للأعمَى: ارجِعْ عن دِينِكَ فأبَى، فوضَعَ المِنْشارَ في مَفْرِقِ رأسِه حتَّى وقعَ شِقَّاهُ إلى الأرضِ. فقال للغُلامِ: ارجِعْ عن دِينِكَ فأبَى، فبَعَثَ به مع نفرٍ إلى جبلِ كذا وكذا وقال: إذا بلغتُمْ ذُرْوتَه، فإنْ رجعَ عن دينِه، وإلَّا فدَهْدِهُوهُ مِنْ فوقِه، فذهبُوا به فلمَّا عَلَوا بهِ الجَبَلَ قال: اللَّهُمَّ اكفينِهِم بما شئتَ، فرجَفَ بهمُ الجَبَلُ فتدَهْدَهُوا أَجمعِينَ، وجاءَ الغُلامُ يتلَمَّسُ حتَّى دخلَ على المَلِكِ فقال: ما فعلَ أصحابُكَ؟ قال: كفانِيهِمُ اللهُ، فبعثَ به معَ نفرٍ في قُرْقُورٍ

(2)

وقال: إذا لَجَجْتُمْ به البحرَ، فإنْ رجعَ عن دينِه وإلَّا فغرِّقوهُ، فلجَجُوا البحرَ، فقال الغُلامُ: اللَّهُمَّ اكفنيِهِم بما شئتَ، فغرقُوا أجمعونَ، وجاءَ

(1)

بالحاشية: «لعله: فأبى» .

(2)

القرقور: ضرب من السفن، عربي معروف. «الجمهرة» (1/ 199)

ص: 49

الغُلامُ يتلمَّسُ حتَّى دخلَ على المَلِكِ، فقال: ما فعلَ أصحابُكَ؟ فقال: كفانِيهِمُ اللهُ، ثمَّ قال للمَلِكِ: لستَ بقاتلِي حتَّى تفعلَ ما آمُركَ وإلَّا فإنَّكَ لم تستطعْ قتلِيَ. قال: وما هو؟ قال: تجمعُ النَّاسَ في صعيدٍ، ثمَّ تصلِبُنِي على جذعٍ، فتأخذُ سَهْمًا مِنْ كِنانَتِي، ثمَّ قلْ: بِسْمِ اللهِ ربِّ الغُلامِ، فإنَّكَ إذا فعلتَ ذلكَ قتلتَنِي، ففعلَ ووَضعَ السَّهمَ في كبِدِ قَوسِه، ثمَّ رمَى، وقال: بِسْمِ اللهِ ربِّ الغُلامِ، فوقعَ السَّهمُ في صُدْغِه، فوضَعَ الغُلامُ يدَه على موضِعِ السَّهمِ، وماتَ، فقال النَّاسُ: آمنَّا برَبِّ الغُلامِ. قيلَ للمَلِكِ: أَرأَيتَ ما كنتَ تحذَرُ؟ قد -واللهِ- نزلَ بك، قد آمَنَ النَّاسُ كلُّهُم، فأَمَرَ بأفواهِ السِّكَكِ فخُدَّتْ فيها الأُخدودُ، وأُضرمَتْ فيها النِّيرانُ، وقال: مَنْ رجعَ عن دِينِه فدَعُوهُ، وإلَّا فأَقحِمُوهُ فيها، وكانوا يتقادَعُونَ فيها ويَتَدافَعُونَ، فجاءَتِ امرأةٌ بابنٍ لها تُرضِعه، فكأنَّها تقاعَسَتْ أنْ تقعَ في النَّارِ، فقال الصَّبيُّ: يا أُمَّه، اصبرِي، فإنَّكِ على الحقِّ».

واللفظُ لابنِ إسحاقَ.

26 -

أخبرنا ابنُ إسحاقَ، ثنا سعيدُ بنُ عُفيرٍ، ثنا ابنُ لَهيعةَ، عن ابنِ الهاد، عن عثمانَ بنِ صُهيبٍ، عن أبيه، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعليِّ بنِ أبي طالبٍ: «مَنْ أشقَى

ص: 50

الأوَّلِينَ؟» قال: عاقِرُ النَّاقةِ. قال: «فمَن أشقَى الآخرينَ؟» قال: لا أدرِي. قال: «الذي يضربُك على هذا» ، وأشارَ إلى رأسِه. قال: فكان عليٌّ يقولُ: «يا أهلَ العِراقِ، ولوددتُ لو قدِ انْبعَثَ أشقاها، فخضبَ هذه مِنْ هذا» .

27 -

حدَّثنا ابنُ إسحاقَ، ثنا يحيَى بنُ أبي بُكيرٍ، ثنا زُهيرُ بنُ محمَّدٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ محمَّدِ بنِ عقيلٍ، عن حمزةَ بنِ صُهيبٍ، أنَّ صُهيبًا صاحبَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يُكنَى أبا يحيَى، ويزعُمُ أنَّه مِنَ العربِ، ويُطعِمُ الطَّعامَ الكثيرَ، فقال له عمرُ بنُ الخَطَّابِ: يا صُهيبُ! ما لَكَ تكتَنِي بأبي يحيَى، وتزعُمُ أنَّكَ مِنَ العربِ، وتُطعِمُ الطَّعامَ الكثيرَ، وذلك سرفٌ في المالِ؟ فقال له صُهيبٌ: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كنَّانِي أبا يحيَى. قال: وأمَّا قولُكَ في النَّسبِ، فأنا رجلٌ مِنْ النَّمرِ بنِ قاسِطٍ، مِنْ أهلِ مَوْصِلَ، ولكنِّي سُبيتُ غلامًا صغيرًا قد عَقَلْتُ أهلِي وقومِي. وأمَّا قولُكَ في الطَّعامِ، فإنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يقول:«خِيارُكُم مَنْ أَطعَمَ الطَّعامَ، وردَّ السَّلامَ» فذلك الذي حَمَلَنِي على أنْ أُطعِمَ الطَّعامَ.

ص: 51

28 -

حدَّثنا أحمدُ، ثنا عمِّي، ثنا حفصُ بنُ مَيسرةَ، عن موسَى بنِ عُقبةَ، عن عطاءِ بنِ أبي مرْوانَ، عن أبيه، أنَّ كعبًا حدَّثَه، أنَّ صُهيبًا صاحبَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لم يرَ قريةً يُريد دخولَها إلَّا قال حينَ يراها:«اللَّهُمَّ ربَّ السَّماواتِ السَّبعِ وما أظْلَلْنَ، وربَّ الأرْضينِ السَّبعِ وما أقْللنَ، وربَّ الشَّياطينِ وما أضْللنَ، وربَّ الرِّياحِ وما ذَرَينَ، فإنَّا نسألُكَ خيرَ هذه القريةِ، وخيرَ أهلِها، وخيرَ ما فيها، ونعوذُ بك مِنْ شرِّها، وشرِّ ما فيها، وشرِّ أهلِها» .

29 -

حدَّثنا ابنُ إسحاقَ، ثنا بُندارٌ أبو بكرٍ البَصريُّ، ثنا سالمُ بنُ نوحٍ، ثنا سعيدُ الجُريريُّ، عن أبي السَّليلِ، عن صُهيبٍ قال: صنعتُ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم طعامًا فأتيتُه، فدَعَوتُه، فأومأتُ إليه، فقال: وهؤلاءِ؟ فقلتُ: لا، وإنَّما كان شيءٌ يسيرٌ قد صنعتُ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ أَومأتُ إليه، فقال: هؤلاءِ؟ فقلتُ: نَعَم. فجاءُوا، فأَكَلوا، وفضَلتْ فضْلَةٌ.

30 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، ثنا عبدُ الوهاب، ثنا محمَّدُ بنُ عمرٍو، عن يحيَى بنِ عبدِ الرَّحمنِ، قال: قال عُمَرُ لصُهيبٍ: ما وجدتُ عليك في الإسلامِ إلَّا ثلاثًا: كُنِّيتَ

ص: 52

بأبي يحيَى، وقال اللهُ:{لَمْ نَجْعَل لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 7] وإنَّك لا تُمسِكُ شيئًا، وإنَّك لتُدعَى إلى النَّمرِ بنِ قاسطٍ، وإنَّك مِمَّنْ أَنعَمَ اللهُ عليكَ. قال: أمَّا الكُنيةُ، فكنَّاني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أبا يحيَى. وأمَّا قولُك: إنِّي لا أُمسِكُ شيئًا، فإنَّ اللهَ يقول:{وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]. وأمَّا قولُك: إنِّي مِنْ النَّمرِ بنِ قاسطٍ، فلو كنتُ مِنْ روَثةِ الحمارِ ما انتسبتُ إلى غيرِها، ولكنِّي قد عَقلتُ آبائي ومولِدِي، وكانتِ العربُ تَسبِي بعضُها بعضًا، فسبانِي ناسٌ مِنَ العربِ، فباعُوني بسوادِ الكُوفةِ، فتكلَّمتُ بلُغاتِهم. فقال عُمَرُ: صدَقْتَ.

و‌

‌من حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه.

31 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، وعمرُو بنُ عليٍّ، ومحمَّدُ بنُ إسحاقَ، قالوا: ثنا أبو عاصمٍ، عن عبدِ الحميدِ بنِ جعفرٍ، حدَّثَنِي حسينُ بنُ عطاءٍ، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن ابنِ عُمَرَ قال: قلتُ لأبي ذرٍّ: يا عمِّ، أوصِني. قال: يا ابنَ أخي، سألتُ رسولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم كما سألتَ فقال: «إنْ صلَّيتَ الضُّحَى ركعَتَينِ لم تُكتَبْ مِنْ الغافِلِينَ، وإنْ صلَّيتَ الضُّحى أربعًا كُتِبتَ مِنَ العابِدِينَ،

ص: 53

وإنْ صلَّيتَ سِتًّا لم يَتْبعْكَ ذنبٌ، وإنْ صلَّيتَ ثمانيًا كُتبتَ مِنَ القانِتِينَ، وإنْ صلَّيتَ ثنتَيْ عشْرةَ ركعةً بَنَى اللهُ لك بيتًا في الجَنَّةِ، وما مِنْ يومٍ وليلةٍ إلَّا وللهِ فيها صدقةٌ يتصَدَّقُ بها على عبدِه، وما تصدَّق على عبدِه بمثل أنْ يُلْهِمَه ذِكْرَهُ».

واللفظُ لعمرٍو.

32 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ إسحاقَ، ثنا عمرُو بنُ محمَّدٍ، ثنا يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، ثنا أبي.

33 -

[و] عن محمَّدِ بنِ إسحاقَ، حدَّثنِي جعفرٌ، عن مُطِّرحٍ الكِنانِيِّ، عن عُبَيدِ اللهِ بنِ زَحْرٍ، عن القاسمِ أبي عبدِ الرَّحمنِ، عن أبي أُمامَةَ، عن أبي ذَرٍّ قال: فسمعتُ رسولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «أَلَا أُخبرُكُم بأبخلِ النَّاسِ» ؟ قالوا: بلَى. قال: «مَنْ ذُكرتُ عندَه فلم يُصلِّ عليَّ، فذاكَ أبخلُ النَّاسِ» .

34 -

قال أبو بكرٍ: وروَى بعضُ مشايخِنا عن عمرٍو النَّاقدِ، عن يعقوبَ بنِ إبراهيمَ، حدَّثَنِي أبي.

35 -

[و] عن محمَّدِ بنِ إسحاقَ، حدَّثنِي جعفرٌ، عن مُطرِّحٍ، وعُبيدِ اللهِ بنِ زَحْرٍ، عن عليِّ بنِ يزيدَ، عنِ القاسمِ أبي عبدِ الرَّحمنِ، عن أبي أُمامَةَ، عن أبي ذرٍّ، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مثلَه.

ص: 54

36 -

حدَّثنا

(1)

محمَّدُ بنُ إسحاقَ، ثنا الحكمُ بنُ موسَى، ثنا هِقْلٌ، عنِ الأوزاعيِّ، ثنا حسَّانُ بنُ عطيَّةَ، ثنا محمَّدُ بنُ أبي عائشةَ، عن أبي هُرَيرةَ قال: قال أبو ذرٍّ: يا رسولَ اللهِ، ذهبَ أصحابُ الدُّثورِ

(2)

بالأُجورِ، يُصلُّونَ كما نُصلِّي، ويصومونَ كما نصومُ، ولهم فُضولٌ يَتصدَّقونَ بها، وليسَ لنا ما نَتصدَّقُ به. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أفلا أُعلِّمُكُ كلماتٍ إذا أنتَ قُلتَهنَّ أدرَكْتَ مَنْ سبَقَكَ، ولم يلحقْكَ مَنْ خلفَكَ، إلَّا مَنْ عَمِلَ بمثلِ عَمَلِكَ» ؟ قال: قلتُ: بلَى يا رسولَ اللهِ. قال: «تُسبِّحُ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثينَ، وتحمَدُه ثلاثًا وثلاثينَ، وتُكبِّرُهُ ثلاثًا وثلاثينَ، وتختِمُها بلا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له لهُ المُلْكُ وله الحَمْدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ» .

37 -

ثنا محمَّدُ بنُ إسحاقَ، ثنا الحسنُ بنُ موسَى الأشيبُ، ثنا حَمَّادُ ابنُ سَلَمَةَ، عن مَعْبدِ بنِ هِلالٍ العَنْزِيِّ، عن رجُلٍ مِنْ أهلِ دِمَشْقَ، قال: حدَّثني عوفُ بنُ مالِكٍ، عن أبي ذرٍّ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«أَلَا أَدُلُّكَ على كنزٍ مِنْ كُنوزِ الجَنَّةِ» ؟ قال: وما هو؟ قال: «لا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ» .

(1)

في حاشية الأصل: «حدثني» .

(2)

الدُّثور: كثرة المال، ويقال: هم أهل دثر. «العين» (8/ 18).

ص: 55

38 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، ثنا محمَّدُ بنُ جعفرٍ، ثنا شُعبةُ، عن أبي عِمرانَ، عن عبدِ اللهِ بنِ الصَّامتِ، عن أبي ذرٍّ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذا صنعتَ مَرَقةً فأكثِرْ ماءَها، ثمَّ انظُرْ أهلَ بيتٍ مِنْ جيرانِكَ فأصِبْهُم منكَ بمعروفٍ» .

39 -

وبه عن أبي ذرٍّ، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «صلِّ الصَّلواتِ لوقتِها، فإذا وجدتَ الإمامَ يُصلِّي فصلِّ معهُم، فقد أحرزتَ صلاتَك

(1)

، وإنَّ نوَى نافلةً لكَ».

40 -

وبه عن أبي ذرٍّ، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: قلتُ: الرَّجلُ يعملُ العملَ يُحبُّه النَّاسُ؟ قال: «ذاكَ عاجِلُ بُشْرَى المؤمنينَ» .

41 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ إسحاقَ، ثنا أحمدُ بنُ حنبلٍ

(2)

، حدَّثنا مرحومُ ابنُ عبدِ العزيزِ العطَّارُ، حدَّثنِي أبو عِمرانَ الجونِيُّ، عن عبدِ اللهِ بنِ الصَّامتِ، عن أبي ذرٍّ قال: ركبَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِمارًا وأَردَفَنِي خلفَهُ، وقال:«يا أبا ذرٍّ، أَرَأَيتَ إنْ أصابَ النَّاسَ جوعٌ شديدٌ لا تستطيعُ أنْ تقومَ مِنْ فراشِكَ إلى مسجدِكَ، كيف تصنعُ» ؟ قال: اللهُ ورسولُه أعلَمُ. قال: «تَعفَّفْ» .

42 -

حدَّثنا ابنُ إسحاقَ، ثنا أبو النَّضرِ، ثنا سليمانُ بنُ المغيرةِ، عن حُميدِ بنِ هلالٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ الصَّامتِ، عن أبي ذرٍّ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ

(1)

أحرزت صلاتك: أي صحَّت لك في وقتها، وعلى ما يجب أداؤها. «إكمال المعلم» (2/ 614).

(2)

مسند أحمد (21325).

ص: 56

بعدِي مِنْ أُمَّتي أقوامًا يَقرؤونَ القرآنَ لا يُجاوِزُ حلاقِيمَهُم، يَخرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كما يخرجُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثمَّ لا يَعودونَ فيه، هم شرُّ الخَلْقِ والخَليقَةِ».

43 -

قال ابنُ الصَّامتِ: فذكرتُ ذلكَ لرافعٍ أخي الحَكمِ، فقال: وأنا أيضًا سمعتُه مِنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

44 -

حدَّثنا ابنُ إسحاقَ، ثنا خلفٌ، ثنا غُنْدَرٌ، ثنا شُعبةُ، عن أبي عِمرانَ الجونيِّ، عن عبدِ اللهِ بنِ الصَّامتِ، قال: قال أبو ذرٍّ: «أوصانِي خليلِي بثلاثٍ: اسمَعْ وأطِعْ، ولو عبدًا مُجدَّعَ الأطرافِ

(1)

».

45 -

حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، وأبو عبدِ اللهِ القُطَعِيُّ، قالَا: ثنا عمرُ بنُ عليٍّ المُقدَّمِيُّ، عن موسَى بنِ المُسيَّبِ قال: سمعتُ سالمَ بنَ أبي الجَعْدِ يُحدِّثُ عنِ المَعرورِ بنِ سُويدٍ، عن أبي ذرٍّ، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «يقولُ ربُّكم: يا ابنَ آدَمَ، إنَّكَ إنْ تأتينِي بقُرابِ الأرضِ

(2)

خطيئةً، بعدَ أنْ لا تُشرِكَ بي شيئًا، جعلتُ لك قُرابَها مغفرةً ولا أُبالِي».

(1)

المجدَّع: المقطع، ولا يكون بهذه الصفة من العبيد إلا أدناهم وأكثرهم امتهانًا في شأن الخدمة حتى تنال ذلك أطرافه من كثرة الشقاء والنصب.

وقيل: هي إشارة إلى ما علمه عليه السلام من الغيب، وحال أبي ذرٍّ بعده، فقد قيل: إنه حين خرج إلى الربذة كان عاملًا عليها عبد حبشي. «إكمال المعلم» (2/ 614)

(2)

القُراب: مُقاربةُ الشيء، تقول: معه ألف درهم أو قُرابُ ذلك، ومعه ملء قدح ماء أو قُرابُه. وأتيته قُرابَ العشي، وقُرابَ الليل. «العين» (5/ 153).

ص: 57

46 -

حدَّثنا أبو الرَّبيعِ، ثنا أبو عوانةَ، عن عاصمٍ، عن المَعْرورِ بنِ سُويدٍ، عن أبي ذرٍّ قال: سمعتُ الصَّادقَ المَصدوقَ يقول: «يقولُ اللهُ تعالَى: الحسنةُ عَشْرًا وأَزِيدُ، والسَّيِّئةُ واحدةٌ وأَغفِرُها، ومَنْ لَقِيَنِي لا يُشرِكُ بي شيئًا بقُرابِ الأرضِ خطيئةً، جعلتُ له مثلَها مَغفرةً» .

47 -

حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، ثنا وكيعٌ.

48 -

وحدَّثنا ابنُ المُثنَّى، ثنا أبو معاويةَ، قالَا: ثنا الأَعمَشُ، عنِ المَعْرورِ بنِ سُويدٍ، عن أبي ذرٍّ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يقولُ اللهُ: مَنْ عمِلَ حسنةً فله عَشْرُ أمثالِها أو أزْيَدُ، ومَن عمِلَ سيئةً فجزاؤُه مثلُها أو أَغفِرُ، ومَن عمِلَ قُرابَ الأرضِ خطيئةً لَقِيَنِي لا يُشرِكُ بي شيئًا، جعلتُ له مثلَها مغفرةً، ومَن اقتربَ إليَّ شبرًا، اقتربتُ إليه ذراعًا، ومَن اقتربَ إليَّ ذراعًا، اقتربتُ إليه باعًا، ومَن جاءَني يمشِي، أتيتُه هَرْوَلةً» .

49 -

حدَّثنا العبَّاسُ بنُ محمَّدٍ، ثنا أحمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنُ يونسَ، ثنا أبو بكر بنِ عيَّاشٍ، عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ التَّيمِيِّ، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَنَى للهِ مسجدًا ولو مثلَ مَفْحَصِ قَطاةٍ

(1)

، بُني له بيتٌ في الجَنَّةِ، أو قال: بَنَى اللهُ له بيتًا في الجَنَّةِ».

(1)

القطاة: طائر كالحمامة. قال أبو عبيد: مفحص قطاة: يعني موضعها الذي تجثم فيه وإنما سمي مفحصا لأنها لا تجثم حتى تفحص عنه التراب وتصير إلى موضع مطمئن مستو ولهذا قيل: فحصت عن الأمور إذا أكثرت المسألة عنها والنظر فيها حتى تصير منها إلى أن تنكشف لك ما تقنع به وتطمئن إليه منها. «غريب الحديث» (3/ 132).

ص: 58

قال أَحمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنُ يونسَ: قيلَ لأبي بكرِ بنِ عيَّاشٍ: إنَّ هذا لم يَرْفعْهُ غيرُكَ. قال: سمعتُه مِنَ الأَعمشِ وهو شابٌّ.

50 -

حدَّثنا ابنُ إسحاقَ، ثنا يَعلَى بنُ عُبيدٍ، ثنا الأَعمشُ، عن إبراهيمَ التَّيمِيِّ، عن أبيه، عن أبي ذَرٍّ قال:«مَنْ بَنَى للهِ مسجدًا ولو مَفْحَصَ قَطاةٍ، بَنَى اللهُ له بيتًا في الجَنَّةِ» .

51 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ المُثنَّى، ثنا أبو معاويةَ، ثنا الأَعمَشُ، عن إبراهيمَ، عن أبيه، عن أبي ذَرٍّ قال: دخلتُ المسجدَ، فإذا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم جالسٌ، فلمَّا غابَتِ الشَّمسِ قال:«يا أبا ذَرٍّ، هل تدرِي أين تَذهبُ» ؟ قال: قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ. قال: «فإنَّها تَذهبُ فتستأذِنُ في السُّجودِ، فيُؤذَنُ لها وكأنَّها قد قيلَ لها: ارجِعِي مِنْ حيثُ جِئْتِ، فتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِها» . ثمَّ قرأَ عبدُ اللهِ: {فذلِكَ مُستَقَرٌّ لها} .

52 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ إسحاقَ، أنبأ روحُ بنُ عُبادةَ، ثنا عِكرمةُ بنُ عمَّارٍ، حدَّثنِي أبو زُمَيلٍ، حدَّثني مالكُ بنُ مَرْثدٍ، حدَّثنِي أبي مَرْثد، قال: سألتُ أبا ذرٍّ عن ليلةِ القَدْرِ، فقلتُ: يا أبا ذرٍّ، أَسألتَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن ليلةِ القَدْرِ؟ فقال: أنا كنتُ أسألَ النَّاسِ عنها، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَخبرنِي عن ليلةِ القَدْرِ أَفِي رمضانَ أو في غيرِه؟ قال:«بلْ في رمضانَ» فقلتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، أَتكونُ مع الأنبياءِ ما كانوا، فإذا قُبضتَ رُفعَتْ

ص: 59

عنهم، أو هي إلى يومِ القِيامَةِ؟ قال:«بلْ هي إلى يومِ القِيامَةِ» قال: قلتُ: يا نبيَّ اللهِ، أَخبرنِي في أيِّ رمضان هي؟ قال:«في العَشْرِ» قلتُ: في أيِّ العَشْرِهي؟ العَشْرِ الأوُلِ، أو العشرِ الأُخَرِ؟ قال: ثمَّ حدَّثَ وحدَّثَ، فاهتبلْتُ غفلتَهُ، فقلتُ: يا نبيَّ اللهِ، أقسمتُ عليكَ بحقِّي عليكَ، نبِّئنِي في أيِّ العَشْرِ هي؟ قال: فغَضِبَ عليَّ غضَبًا ما غضِبَهُ قبلُ ولا بعدُ، ثمَّ قال:«إنِّ اللهَ لو شاءَ أطْلَعَكُم عليها، التمِسُوها في العَشْرِ الأواخِرِ، فلا تسألْنِي عن شيءٍ بعدَ هذا» .

53 -

حدَّثنا ابنُ إسحاقَ، ثنا عبَّاسٌ، ثنا النَّضرُ، ثنا عِكْرمةُ، ثنا أبو زُمَيلٍ، عن مالكِ بنِ مَرْثدٍ، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَبسُّمُكَ في وجْه أخيكَ صدقةٌ، وأمْرُكَ بالمعروفِ صدقةٌ، ونهيُكَ عنِ المُنكَرِ صدقةٌ، وإرشادُكَ الرَّجلَ في أرضِ الضَّلالِ صدقةٌ، ونظرُكَ الرَّجلَ الرَّديءَ البصرَ لك صدقةٌ، وإماطتُكَ الحَجَرَ والشَّوكَ والعَظْمَ عنِ الطَّريق لكَ صدقةٌ، وإفراغُكَ مِنْ دَلْوِكَ في إناءِ أخيكَ لك صدقةٌ» .

54 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ إسحاقَ، ثنا أبو مُسهِرٍ، حدَّثنِي سعيدُ بنُ عبدِ العزيزِ، عن ربيعةَ بنِ يزيدَ، عن أبي إدريسَ الخَولانِيِّ، عن أبي ذرٍّ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عن اللهِ تعالَى أنَّه قال: «يا عبادِي، إنِّي قد حرَّمتُ الظُّلمَ على نفسِي، وجعلتُه بينكُم مُحرَّمًا فلا تَظالَموا، يا عبادِي، إنَّكُم الذين تَعصونَ باللَّيلِ والنَّهارِ، وأنا الذي أَغفِرُ الذُّنوبَ ولا أُبالِي، فاستغفرونِي أَغْفِرْ لكم. يا عبادِي، كلُّكُم جائعٌ إلَّا مَنْ أَطعمتُ، فاستطعمونِي أُطعِمكُم، يا عبادِي! كلُّكُم عارٍ إلَّا مَنْ كَسيتُ، فاستكسُونِي أَكْسُكُم، يا عبادِي، لو أنَّ أوَّلَكُم وآخرَكُم وإنسَكُم وجِنَّكُم كانوا على أتقَى قلبِ رجلٍ منكُم، لم يَزِد ذلكَ في مُلكي شيئًا، يا عبادِي، لو أنَّ

ص: 60

أوَّلَكُم وآخرَكُم وإنسَكُم وجِنَّكُم كانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ منكُم لم ينتقِصْ ذلك مِنْ مُلكِي. يا عبادِي، لو أنَّ أوَّلَكُم وآخرَكُم وإنسَكُم وجِنَّكُم اجتمعوا في صعيدٍ واحدٍ فسألُوني، فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ منهم ما سألَ، لم ينتقصْ ذلك منِّي شيئًا إلَّا كما ينتقِصُ البحرُ أن يُغمَسَ فيه المِخْيَطُ غَمْسةً واحدةً، يا عبادِي، إنَّما هي أعمالُكُم أَحفظُها عليكُم، فمَن وجدَ خيرًا فلْيحمَدِ اللهَ، ومَن يكُ غيرَ ذلك فلا يَلومنَّ إلَّا نفسَهُ».

قال سعيدٌ: «فكان أبو إدريسَ الخَولانِيُّ إذا حدَّثَ بهذا الحديثِ جَثا على رُكبَتَيهِ» .

قال أبو مُسهِرٍ: «ليس لأهلِ الشَّامِ أشرفُ مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ» .

55 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، وعمرُو بنُ عليٍّ، قالا: ثنا يحيَى، ثنا قُدامَةُ بنُ عبدِ اللهِ العامرِيُّ، حدثَتْنِي جَسْرةُ بنتُ دَجاجةَ، قال: سمعتُ أبا ذرٍّ يقولُ: قام رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بآيةٍ في ليلةٍ حتَّى أصبحَ يُردِّدُها: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118].

ص: 61

56 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، ثنا عبدُ الرَّحمنِ بنُ مهديٍّ، ثنا سُفيانُ، عنِ الأعمَشِ، عنْ سُليمانَ بنِ مُسهِرٍ، عن خَرَشةَ بنِ الحُرِّ، عن أبي ذرٍّ قال: قال رسولُ اللهُ صلى الله عليه وسلم: «ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم اللهُ يومَ القيامةِ: المنَّانُ الذي لا يُعطِي شيئًا إلَّا منَّةً، والمُسبِلُ إزارَه، والمنفِقُ سِلعتَهُ بالحَلِفِ الفاجرةِ» .

57 -

حدثنا ابنُ إسحاقَ، ثنا زُهيرٌ، ثنا حجَّاجُ، ثنا شَيبانُ، ثنا منصورٌ، عن رِبْعيٍّ، عن خَرَشةَ بنِ الحُرِّ، عن أبي ذرٍّ قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا أخذَ مَضجَعَهُ مِنَ اللَّيلِ قال: «اللَّهمَّ باسمِكَ نموتُ ونحيا» ، وإذا استيقظَ قال:«الحمدُ للهِ الذي أحيانا بعدَ ما أماتنا وإليه النُّشورُ» .

58 -

حدَّثنا أبو سعيدٍ الأشجُّ، ثنا عبدُ الرَّحمنِ المُحاربيُّ، ثنا ليثٌ، عن شهرِ بنِ حَوْشَبٍ، عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ غَنْمٍ، عن أبي ذرٍّ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يقولُ اللهُ: «يا عبادِي، كلُّكم مُذنبٌ إلَّا مَنْ عافيتُ، فاستغفروني أغفرْ لكم، ومَن علِمَ أنِّي ذو قُدرةٍ على أنْ أغفِرَ له فاستغفَرَني غفرتُ له ولا أُبالي. يا عبادِي، كلُّكم ضالٌّ إلَّا مَنْ هدَيتُ، فسلوني أُغنِكم. يا عبادي، لو أنَّ أوَّلَكم وآخِرَكم وحيَّكم وميِّتَكم ورَطْبَكم ويابسَكُم اجتمعوا على أتقَى قلبِ رجلٍ مِنْ عبادي لم يزِدْ ذلك في مُلكِي جناحَ بعوضةٍ، ولو

ص: 62

اجتمعوا على أفجَرِ قلبِ رجلٍ مِنْ عبادي لم يَنقُصْ مِنْ مُلكي جناحَ بعوضةٍ، ولو اجتمعوا كلُّهم فأعطيتُ كلَّ سائلٍ ما سأل ما نقَصَ مِنْ عندي جناحَ بعوضةٍ إلَّا كما لو أنَّ أحدَكم مِنْ على شَفَةِ البحرِ فغمس فيه إبرةً ثُمَّ نزَعها؛ ذلكَ بأنِّي جَوَادٌ ماجِدٌ، إنَّما عطائِي كلامٌ، وعذابي كلامٌ، إذا أردتُ شيئًا أنْ أقولَ له كُنْ فيكُونُ».

59 -

حدَّثَنا عبدُ اللهِ بنُ الصَّبَّاحِ، ثنا يعلَى، ثنا الأعمَشُ، عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ غَنْمٍ، عن أبي ذرٍّ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ألا أَدلُّك على كنزٍ مِنْ كُنوزِ الجنَّةِ، لا حَولَ ولا قُوةَ إلَّا باللهِ» .

60 -

حدَّثنا ابنُ إسحاقَ، ثنا عبدُ اللهِ بنُ يوسُفَ، ثنا عبدُ الرَّحمنِ بنُ مَيْسرةَ الدِّمَشقيُّ، عن عَطيَّةَ مولَى السُّلَمِيِّ، عن عبدِ اللهِ بنِ مُعانِقٍ الأشعرِيِّ، عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ غَنْمٍ الأشعريِّ، عن أبي ذرٍّ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ أقام الصَّلاةَ، وآتَى الزَّكاةَ، و مات لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا، فإنَّ على اللهِ أنْ يغفِرَ له هاجرَ أو ماتَ في مولِدِه» قالوا: يا رسولَ اللهِ! ألَا تُبشِّرُ بها أصحابَكَ؟ قال: «دَعُوا النَّاسَ فلْيعْملُوا، فإنَّ في الجنَّةِ مئةَ درجةٍ، ما بينَ كلِّ دَرجتينِ كما بينَ السَّماءِ والأرضِ، أعدَّها اللهُ للمُجاهِدينَ في سبيلِه، ولولا أنْ أشقَّ على النَّاسِ بعدي ما تخلَّفتُ عن سريَّةٍ أبعثُها، ولكِنْ لا يجِدون سَعةً فيتَّبِعوني، ولا تَطيبُ أنفسُهم أنْ يتخلَّفوا بعدِي، ولا أجدُ ما أُفضِلُ به عليهم، ولودَدْتُ لو أُقتلُ، ثُمَّ أحيا، ثمَّ أُقتَلُ» .

ص: 63

61 -

حدثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، ثنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن أَجْلَحَ، عنِ ابنِ بُرَيدةَ، عن أبي الأسودِ، عن أبي ذرٍّ، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «خيرُ ما غيَّرتُم

(1)

الشَّيبَ الحنَّاءُ والكَتَمُ

(2)

».

62 -

حدثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، ثنا يحيى بنُ سعيدٍ، ثنا ابنُ عَجْلانَ، عن سعيدِ بنِ أبي سعيدٍ، عن أبيه، عن عبدِ اللهِ بنِ وديعةَ، عن أبي ذرٍّ، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«منِ اغتسل يومَ الجمُعةِ فأحسنَ الغُسْلَ، وتطهَّرَ فأحسَنَ الطَّهورَ، فلبِس مِنْ خيرِ ثيابِه، ومسَّ ما كُتب له مِنْ طِيبِ أهلِه، أو دُهْنِ أهلِه، ولم يُفرِّقْ بينَ اثنين، غَفَر اللهُ له إلى الجمُعةِ الأُخرَى» .

63 -

حدثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، ثنا يحيى بنُ سعيدٍ، ثنا فِطرٌ، ثنا يحيى بنُ سامَ، عن موسى بنِ طلحةَ، عن أبي ذرٍّ، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يصومُ ثلاثَ عشْرةَ، وأربعَ عشْرةَ، وخمسَ عشرةَ.

64 -

[ثنا ابنُ إسحاقَ، ثنا محمَّدُ بنُ كُنَاسةَ، ثنا فِطرُ بنُ خليفةَ، عن يحيى بنِ سامَ، عن موسى بنِ طلحةَ، عن أبي ذرٍّ قال: أمَرنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بصيامِ ثلاثَ عشْرةَ، وأربعَ عشْرةَ، وخمسَ عشْرةَ]

(3)

.

(1)

في الأصل وضع الناسخ بين «غيرتم» و «الشيب» علامة تضعيف، كأنه يشير لسقط قوله «به» الثابتة عند أحمد في «المسند» (21386) وغيره.

(2)

الكَتَم: نباتٌ يُخلَط مع الوسمة للخضاب الأسود. «العين» (5/ 343).

(3)

من حاشية الأصل.

ص: 64

65 -

أنبا محمَّدُ بنُ إسحاقَ، أنبا محمَّدُ بنُ عُمَرَ، ثنا عبدُ الوارثِ، ثنا حسينٌ المُعلِّمُ، عن ابنِ بُريدةَ، عن يحيى بن يَعمُرَ، عن أبي الأسودِ، عن أبي ذرٍّ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الرَّجلَ إذا رمى الرَّجلَ بالكفرِ، أو قال: عدوَّ اللهِ، إنْ لم يكُنْ صاحبُه كذلكَ حار عليه

(1)

».

66 -

حدثنا ابنُ إسحاقَ، أنبا يحيى بنُ أيوبَ، ثنا عُبيدةُ، ثنا يزيدُ بنُ أبي زيادٍ، عن يحيى بنِ سامَ، عن موسى بنِ طلحةَ، عن أبي ذرٍّ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كان صائمًا، فليصُمْ مِنْ الشَّهرِ ثلاثًا: البِيضَ أو الغُرَّ: ثلاثَ عشْرةَ، وأربعَ عشْرةَ، وخمسَ عشْرةَ» .

67 -

حدثنا محمَّدُ بنُ حُميدٍ، ثنا زافرُ بنُ سليمانَ، عن إسرائيلَ، عن إبراهيمَ، عن مجاهدٍ، عن مُورِّقٍ، عن أبي ذرٍّ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أطَّتِ

(2)

السَّماءُ وحُقَّ لها أن تَئِطَّ، وما منها موضعُ شِبرٍ إلَّا ومَلكٌ ساجدٌ، ولو تعلمون ما أعلَمُ؛ لضحِكْتُم قليلًا،

(1)

أي: رجع عليه. «تفسير غريب ما في الصحيحين» للحميدي (ص: 74).

(2)

قال ابن فارس: وللهمزة والطاء معنى واحد، وهو صوت الشيء إذا حن وأنقض، يقال: أط الرحل يئط أطيطا، وذلك إذا كان جديدا فسمعت له صريرا. وكل صوت أشبه ذلك فهو أطيط. «مقاييس اللغة» (1/ 16).

قال الزمخشري: والمعنى أن كثرة ما فيها من الملائكة أثقلتها حتى أنقضتها وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة وإن لم يكن ثمة أطيط. «الفائق في غريب الحديث» (1/ 499).

ص: 65

ولَبَكيتُم كثيرًا، ولا اطْمأْنَنْتُم على الفُرُشاتِ، ولخَرجتُم إلى الصُّعُداتِ

(1)

تجْأَرون

(2)

إلى اللهِ وتَبكُونَ» ولَوَدِدْتُ أنِّي شجرةٌ تُعْضَدُ، فتُؤكَلُ».

68 -

حدَّثنا إسحاقُ بنُ شاهينَ، ثَنا خالدُ بنُ عبدِ اللهِ، ثَنا خالدُ الحذَّاءُ، عن أبي قِلابةَ، عن عَمرِو بنِ بُجدان، عن أبي ذرٍّ قال: اجتمعتْ غُنَيمةٌ عندَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا ذرٍّ، ابْدُ فيها

(3)

» فبدَوْتُ فيها إلى الرَّبَذَةِ

(4)

، فكانَت تُصيبُنِي الجَنابةُ، فأمكُثُ الخَمْسَ والسِّتَّ، فدخلتُ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال:«أبو ذرٍّ» ! فسكَتُّ، ثمَّ قال:«أبا ذرٍّ، ثكِلتْكَ أُمُّكَ، أو لأُمِّكَ الوَيلُ» فدَعا لي بجاريةٍ سوداءَ، فجاءَتْ بعُسٍّ

(5)

فيه ماءٌ، فسترتْنِي بثوبٍ، واستَتَرْتُ بالرَّاحِلةِ، فاغتسلتُ، فكأنَّما أَلقيتُ عنِّي جبلًا، فدَنوتُ، فقال:«الصَّعيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ المُسلمِ ولو إلى عَشْرِ سنينَ، فإذا وجدتَ الماءَ، فأمْسِسْهُ جِلْدَكَ، فإنَّ ذلك خيرٌ» .

(1)

هي الطُّرُق، وهي جمع صعد. «النهاية» (3/ 29).

(2)

الجؤار: رفع الصوت في الدُّعاء. «مجمل اللغة» (ص: 205).

(3)

أي: اخرج إلى البدو. «المغرب» (ص: 37).

(4)

من قرى المدينة، على ثلاثة أيّام قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكّة، وبهذا الموضع قبر أبي ذر الغفاري. «معجم البلدان» (3/ 24).

(5)

العُسُّ: القدح الذي يعب فيه الاثنان والثلاثة والعدة. «تهذيب اللغة» (1/ 63).

ص: 66

69 -

حدَّثَنا محمَّدُ بنُ إسحاقَ، أنبا يعلَى بنُ عُبَيدٍ، ثَنا الأَعمَشُ، عن عَمرِو بنِ مُرَّةَ، عن أبي البَخْتَريِّ، عن أبي ذرٍّ قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، ذهبَ الأغنياءُ بالأجرِ، يَصومُونَ ويُصلُّونَ ويَحُجُّونَ قال:«وأنتُم تَصومُونَ وتُصلُّونَ وتَحُجُّون» قلتُ: يَتَصَدَّقون ولا نَتَصَدَّقُ قال: «وأنتَ فيكَ صدقةٌ: ورَفْعُكَ

(1)

العَظْمَ عنِ الطَّريقِ صدقةٌ، وهدايتُكَ الطَّريقَ صدقةٌ، وبيانُكَ عنِ الأرْثَمِ

(2)

صدقةٌ، وعونُك الضَّعيفَ بفَضْلِ قُوَّتِك، ومُباضَعتُكَ امرأتَكَ صدقةٌ» قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ! نأتي شهوتَنا ونُؤجَرُ؟! قال: «أرأيتَ لو جعلتَهُ في حرامٍ أكانَ بإثمٍ» ؟ قال: قلتُ: نَعَمْ. قال: «أفتحْتسِبُونَ بالشرِّ، ولا تَحْتَسِبُون بالخيرِ» ؟

70 -

ثَنا ابنُ إسحاقَ، أنبا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، ثَنا مُعلَّى بنُ منصورٍ، عن عبدِ الواحدِ بنِ زيادٍ، عنِ الحارثِ بن حَصيرةَ، عن زيدِ بنِ وهبٍ، قال: سمعتُ أبا ذرٍّ يقولُ: لَأنْ أحلِفَ عَشْرًا أنَّ ابنَ الصَّائدِ هو الدَّجَّالُ أحبُّ إليَّ أنْ أحلِفَ واحدةً أنَّه ليس به، وذاك لشيءٍ سمِعتُه مِنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. بَعثَنِي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى أُمِّ ابنِ الصَّائدِ فقال:«سَلْها كم حَمِلتْ بِه» ؟ فقالتْ: حملتُ به اثنَيْ عشَرَ شَهْرًا، فأتيتُه، فأخبرتُه، فقال:«سَلْها عنْ صيحتِه حينَ وَقَعَ» فقالتْ: صاحَ صياحَ صَبيِّ ابنِ شهْرٍ، فأتيتُه، فأخبرتُه قال: وقال له رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنِّي قد خبَّأتُ لك خَبْئًا» ، فقال:«خَبَّأتَ عَظْمَ شاةٍ عَفْراءَ» فأرادَ

ص: 67

أن يقولَ: الدُّخانَ، فجعلَ يقولُ: الدُّخانَ، فجعل يقولُ: الدُّخُّ

(1)

، فقال له رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«اِخْسَأْ، فإنَّكَ لنْ تَسْبِقَ القَدَرَ» .

71 -

حدَّثَنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، ثنا عبدُ الرَّحمنِ بنُ عثمانَ، ثنا أشعثُ، ويونُسُ بنُ عُبيدٍ، عن الحَسَنِ، عن صَعْصَعَةَ بنِ معاويةَ قال: لقيتُ أبا ذرٍّ وهو يقودُ بعيرًا، وفي عُنقِه قِرْبةٌ، قلتُ: يا أبا ذرٍّ، ما لَك- قال يونسُ في حديثِه: قال: ما لِيَ- عملٌ؟. قلتُ: حدِّثْنِي بحديثٍ سمِعْتَه مِنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «ما مِنْ مؤمنٍ يموتُ له ثلاثةٌ مِنَ الولَدِ، إلَّا أدخلَهُ اللهُ بفَضْلِ رحمتِه الجنَّةَ» ، قال: قلتُ: فحدِّثْنِي بحديثٍ سمِعْتَه مِنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «ما مِنْ مسلمٍ أَعطَى زَوجَينِ مِنْ مالِه

(2)

في سبيلِ اللهِ، إلَّا استقبلتْهُ حَجَبةُ الجَنَّةِ، مِنَ الإبلِ بَعيرَينِ، ومِنَ البقرِ بَقرَتَينِ، ومِنَ الشَّاءِ شاتَينِ».

وزادَ الأَشْعَثُ في حديثِه: «ومَن هَمَّ بحَسَنةٍ فلم يعملْها كُتبتْ له حَسنةٌ، فإنْ فعلَ كُتبَ له عَشرًا إلى ما شاءَ اللهُ، ومَن هَمَّ بسيِّئةٍ فلم يعملْها لم تُكتَبْ عليه، فإنْ عمِلَها لم تُكتَبْ عليه إلَّا سَيِّئةً واحدةً، أو يمحُها اللهُ عنه» .

ص: 68

72 -

حدَّثَنا محمَّدُ بن بشَّار، ثنا أبو داودَ، ثنا أيوبُ بنُ جابرٍ، عن أبي إسحاقَ، عن ابنِ أبي ليلَى، عن أبي ذرٍّ، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّ أَحسنَ ما غُيِّرَ بهِ الشَّيْبُ، الحِنَّاءُ والكَتَمُ» .

73 -

حدَّثنا محمَّدُ بن بشَّار، ثنا عثمان بنُ عمرَ، ثنا عليُّ بنُ المباركِ، عن يحيَى بنِ أبي كثيرٍ، عن أبي سَلَمةَ، قال: جاءَ أبو ذرٍّ يومَ الجُمُعَةِ، حتَّى جلسَ إلى أُبَيِّ بنِ كعبٍ، ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، فقال لأُبيٍّ: ما سَبَقَنِي مِنْ خُطبَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فلم يُحِرْ

(1)

إليَّ شيئًا، فلمَّا قضَى الصَّلاةَ قال:«يا أبا ذرٍّ، ليس لكَ جُمُعَةٌ؛ لأنَّكَ لَغَوْتَ» .

74 -

حدَّثنا ابنُ إسحاقَ، ثنا أبو الأسودِ، ثنا ابنُ لهيعة، عن يزيدَ بنِ أبي حبيبٍ، عن موسَى بنِ سعدِ بنِ زيدِ بن ثابتٍ، عن محمَّدِ بنِ إبراهيمَ ابنِ الحارثِ التَّيْميِّ، عن أبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ أنَّه قال: كانَ أبو ذرٍّ جالِسًا إلى جنبِ أُبيِّ بنِ كعبٍ يومَ الجُمُعةِ، ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، فتلَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آيةً لم يكنْ أبو ذرٍّ سمِعَها، فقال أبو ذرٍّ لأُبيٍّ: متَى أُنزلِتْ هذه الآيةُ؟ فلم يُكلِّمْه، فلمَّا أُقيمتِ الصَّلاةُ، قال له أبو ذرٍّ: ما منعَك أنْ تُكلِّمَنِي حينَ سألتُك؟ فقال له أُبَيٌّ: إنَّه ليس لك مِنْ جُمعتِك إلَّا ما لَغَوتَ، فانطلَقَ أبو ذرٍّ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأخبرَه، فقال له

(1)

أي: لم يرجع إليَّ بجوابٍ. حور: رجع. «الصحاح» (2/ 638). مادة: حور.

ص: 69

رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «صدقَ أُبَيٌّ» ، فقال أبو ذرٍّ: أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ اغفِرْ لأَبي ذرٍّ، وتُبْ عليه» .

75 -

حدَّثنا محمَّد بن بشَّارٍ، ثنا أبو داودَ

(1)

، ثنا همَّامٌ، عن قَتادةَ، عن أبي قِلابةَ، عن أبي أسماءَ، عن أبي ذرٍّ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يَروِي عن ربِّه قال:«إنِّي حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسِي وعلى عبادِي، فلا تظالَمُوا علي، ابن آدمَ يُخطِئُ باللَّيلِ والنَّهارِ، فأَغفِرُ له ولا أُبالِي» .

76 -

حدَّثنا ابنُ إسحاقَ، أنبا أبو عبدِ الرَّحمنِ عبدُ اللهِ بنِ يزيدَ المُقْري، ثنا سعيدُ بن أبي أيوبَ، عن عُبيدِ اللهِ بنِ أبي جعفرٍ القُرَشِيِّ، عن سالمِ بنِ أبي سالمٍ الجَيْشانِيِّ، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ قال: قال لي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أبا ذرٍّ، أراكَ ضعيفًا، وإنِّي أُحِبُّ لكَ ما أحبُّ لنفسِي، لا تَأَمَّرَنَّ على اثنَينِ، ولا تَوَلَّيَنَّ مالَ يتيمٍ» .

77 -

حدَّثنا محمَّدُ بن بشَّارٍ، ثنا روحٌ، ثنا أَشعَثُ، وهشامُ، عن الحسنِ، عن أبي ذرٍّ، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ به العبدُ صلواتُه، فإن وُجدَ تامَّةً حُسبتْ له، وإنْ كان فيها نُقصانٌ، قيل: انظُروا هل لعبدِي مِنْ تطوَّعٍ مِنْ صلاةٍ-وهو أعلمُ- فيكملُ، وتُحسَبُ الأعمالُ على قَدْرِ ذلك» .

(1)

أخرجه أبو الوليد الطيالسي في «مسنده» (465).

ص: 70

78 -

حدَّثنا بِشر بنُ آدمَ ابنِ بنتِ أزهرَ، ثنا أبو عاصمٍ، ثنا موسى بنُ عُبيدةَ، ثنا عِمرانُ بنُ أبي أنسٍ، عن مالكِ بنِ أوسِ بنِ الحدَثانِ، عن أبي ذرٍّ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«في اللَّبنِ صدقةٌ» .

79 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ إسحاقَ، ثنا أبو صالحٍ، ثنا معاويةُ بنُ صالحٍ، أنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ جُبيرِ بن نُفيرٍ حدَّثه، عن أبيه جُبيرِ بنِ نُفيرٍ، عن أبي ذرٍّ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«يا أبا ذرٍّ، أترَى كَثْرةَ المالِ هو الغِنَى» ؟! قال: قلتُ: نعمْ يا رسولَ اللهِ، هو الغِنَى. قال:«وتَرَى أنَّ قِلَّةَ المالِ هو الفَقْرُ» ؟! قال: قلتُ: نعمْ يا رسولَ اللهِ، هو الفَقْرُ. قال:«ليس كذلكَ، إنَّما الغِنَى غِناءُ القلبِ، والفَقْرُ فقرُ القلبِ» قال: سألَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ مِنْ قُريشٍ قال: «هل تعرِفُ فُلانًا» ؟ قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، نعم. قال:«وكيف تراهُ» ؟ قال: قلتُ: إذا سأَلَ أُعطِيَ، وإذا حَضَرَ أُدخِلَ. قال: ثمَّ سأَلَه عنْ رجلٍ مِنْ أهلِ الصُّفَّةِ، قال:«هل تعرِفُ فُلانًا» ؟ قال: قلتُ: لا يا رسولَ اللهِ! قال: فما زالَ يُجلِّيهِ لي، وينعتُه حتَّى عَرفتُه، قال: قلتُ: نعمْ يا رسولَ اللهِ، أفلا يُعطَى مِنْ بعضِ ما أُعطِيَ الآخَرُ؟ قال: «إنْ يُعْطَ خيرًا فهو أهلُه، وإنْ أُعطِيَ عنه

(1)

فقد أُعطيَ حَسنةً».

(1)

في «شعب الإيمان» (12/ 545): «وإن يُصرَف عنه» .

ص: 71

80 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ عُبيدِ اللهِ الزِّيادِيُّ، ثنا مُعتمِر بنُ سُليمانَ، عن يزيدَ بنِ إبراهيمَ، عن قَتادةَ، عن عبدِ اللهِ بنِ شقيقٍ، قال: قلتُ لأبي ذرٍّ: لو أدركتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لسألتُه، قال: وما كنتَ تسألُه؟ قال: كنتُ أسألُ، هل رأَى ربَّه؟ قال: قد سألتُه، قال:«نُورٌ أنَّى أَراهُ» ؟

81 -

حدَّثنا أحمدُ، ثنا عمِّي، ثنا سليمانُ بنُ بلالٍ، حدثني إسماعيلُ ابنُ رافعٍ، عن عطاءٍ الخُراسانيِّ، عن أبي ذرٍّ، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «قال اللهُ: ابنَ آدَمَ، إنَّك ما رجوتَني ودَعوتَني، فإنِّي غافرٌ لكَ على ما كان فيكَ، لو لَقِيتَنِي بقُرابِ الأرضِ خطايا، للقِيتُكَ بقُرابِها مَغفرةً، ما لم تُشركْ بي شيئًا، ولو عمِلْتَ مِنَ الذُّنوبِ حتَّى تبلُغَ عَنانَ السَّماءِ، ثُمَّ استغفرتَنِي، غفرتُ لك ولا أُبالِي. يا ابنَ آدَمَ، كلُّكمْ ضالٌّ إلَّا مَنْ هَدَيتُ، فاستهدونِي أهْدِكُم، يا ابنَ آدَمَ، كلُّكمْ جائعٌ إلَّا مَنْ أطعمتُه، فاستطعمونِي أُطعِمكُم. ابنَ آدَمَ، كلُّكم عارٍ إلَّا مَنْ كسوتُ، فاستكسونِي أَكْسُكُم. يا ابنَ آدَمَ! لو أنَّ إنسَكُمْ، وجِنَّكُم، وأهلَ بحرِكُم وبرِّكم، وأوَّلَكُم، وآخرَكُم، سألونِي حتَّى تنقضِيَ مسائِلُكم، ثمَّ أعطيتُ كلَّ امرئٍ ما سألوه، ما نقصَ ذلك شيئًا مِمَّا عندي، كما لا ينقُصُ البحرُ المخيطُ بغمسِه عنه» .

ص: 72

82 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ عبدِ الكريمِ، ثنا أبو نُعَيمٍ الفضلُ بنُ دُكينٍ، ثنا أبو عاصمٍ محمَّدُ بنُ أبي أيوبَ الثَّقفيُّ، أَخبرنِي عامرٌ الشَّعْبِيُّ، قال: كان رجُلانِ مِنْ الأنصارِ أَخوانِ في دارٍ، فغَزَا أحدُهما في جيشٍ مِنْ جُيوشِ المسلمينَ، وبقيَ الآخَرُ، قال: فأتَتِ الشاهدَ امرأتُه فقال: هل لكَ في امرأةِ أخيكَ عندَها رجلٌ، فلم تَزَلْ به حتَّى رقَّتْهُ على سُلَّمٍ، فاطَّلعَ، فرأى رجُلًا مُتَّكئًا تنتفُ له دجاجةٌ وهو يقولُ:

وِأِشْعَثُ غَرَّهُ الإِسْلَامُ مِنِّي

خَلَوْتُ بعُرسِهِ ليلَ التَّمَامِ

أَبِيتُ على تَرائِبهَا وتُمْسِي

عَلَى أدْمَاءَ مُشرِفَةِ الحِزَامِ

كأنَّ مَجامِعَ الرَّبَلاتِ منها

تِمَامٌ قَدْ جُمِعْنَ إلى تِمَامِ

(1)

قال: فنزلَ إليه فقتلَهُ قال: فقامَ عُمَرُ خَطيبًا حين أصبحَ: أَنْشُدُ اللهَ رجُلًا كان عندَه مِنْ هذا القتيلِ عِلمٌ لمَا قام. فقام الرَّجلُ، فقال: يا أميرَ المؤمنين! عندي منه عِلمٌ، قال: فقَصَّ عليه القِصَّةَ، فقال له عُمَرُ: أبعدَهُ اللهُ. قال: وحدَّثنا عامرٌ أنَّه كان يَهوديًّا المَقتولُ.

83 -

حدَّثنا العبَّاس بنُ محمَّدٍ، ثنا يحيى بن مسلم، ثنا عبدُ المجيدِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ أبي روَّادٍ، عن مَرْوانَ بنِ سالمٍ، عن صَفْوانَ بنِ عَمرٍو، عن شُرَيحِ بنِ عُبيدٍ

(1)

في حاشية الأصل: «ذكر ابن مندة رحمه الله أنَّ القائل هو بكر أو بكير بن شداخ الليثي في معرفة الصحابة» . انظر: «معرفة الصحابة» لابن مندة (ص: 276).

ص: 73

الحَضْرَميِّ، عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «ما مِنْ ميِّتٍ يُقرَأُ عندَه سورةُ يس إلَّا هُوِّنَ عليه» .

84 -

حدَّثنا عَمرُو بنُ عليٍّ، ثنا يزيدُ بنُ هارونَ، ثنا محمَّدُ بنُ إسحاقَ، عن مَكْحولٍ، عن غُضَيفِ بنِ الحارثِ قال: مررتُ بعُمَرَ فقال: «نِعْمَ الفَتى» فقامَ إليَّ رجلٌ مِنْ عندِه، فقال:«يا بُنيَّ، ادعُ اللهَ لي بخيرٍ» قلت: ومَن أنتَ يَرحمُكَ اللهُ؟ قال: «أبو ذرٍّ صاحبُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» قلتُ: غَفَرَ اللهُ لكَ! أنتَ أحقُّ أنْ تدعوَ لي بخيرٍ. قال: «وُضِعَ الحقُّ على لسَانِ عُمَرَ وقلبِه» .

85 -

حدَّثنا أحمدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، ثنا عمِّي ابنُ وهْبٍ، قال: أخبَرَنِي ابنُ لهيعةَ، عنِ الحارثِ بنِ يزيدَ، قال: سمِعتُ ابنَ حُجَيرةَ يقولُ: أَخبَرَنِي مَنْ سمعَ أبا ذرٍّ يقولُ: جئتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليلًا حتَّى الصُّبحَ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أمِّرْنِي. قال:«إنَّها أمانةٌ وخِزْيٌ ونَدامةٌ يومَ القيامَة، إلَّا مَنْ أخذَها بحقِّها، وأدَّى الذي عليه فيها» .

86 -

ثنا ابنُ إسحاق، أنبا نُعَيمُ بنُ حمَّادٍ، ثنا ابنُ المباركِ

(1)

، ثنا ابنُ لهيعةَ، حدَّثني يزيدُ بنُ أبي حبيبٍ، عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ جُبَيرٍ، سمِعَ أبا ذرٍّ وأبا الدَّرداءِ قالَا: قال

(1)

أخرجه ابن المبارك في «الزهد والرقائق» (112) وفي «المسند» له (103).

ص: 74

رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أنا أوَّلُ مَنْ يُؤذَنُ له في السُّجودِ يومَ القيامةِ، وأوَّلُ مَنْ يُؤذَنُ له برفعِ رأسِه، فأَنظرُ بين يدَيَّ، فأَعرفُ أُمَّتي مِنْ بينِ الأُممِ» . قيل: يا رسولَ اللهِ، كيف تعرِفُ ما بين نُوحٍ إلى أُمَّتك؟ قال: «غُرٌّ مُحَجَّلونَ مِنْ آثارِ الوُضوءِ، ولا يكونُ مِنْ الأُممِ أحدٌ غيرُهم، وأَعرِفُهم بسيماهُم وفي وجوهِهم مِنْ أثَر السُّجودِ، بنورِهم

(1)

يَسْعى بين أيديهِم وبأيمانِهم».

87 -

حدَّثنا ابنُ إسحاقَ، ثنا عليُّ بنُ بحرِ بنِ برِّيٍّ، ثنا سُفيانُ بنُ عُيَينَةَ

(2)

، عن عَمرِو بنِ دِينارٍ، عن يزيدَ بنِ جُعْدُبةَ، عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ المخَارِقِ، عن أبي ذرٍّ، وأنَّه يبلُغُ به النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ خلقَ في الجَنَّةِ رِيحًا بعدَ الرِّيحِ بسبعِ سنينَ، ومِن دونِها بابٌ مُغلَقٌ، وإنَّما تأتيكُمُ الرِّيحُ مِنْ خلالِ ذلك البابِ، ولو فُتِح ذلك البابُ لأذْرَتْ

(3)

ما بينَ السَّماءِ والأرضِ مِنْ شيءٍ، وهي عندَ اللهِ الأزْيبُ

(4)

، وهي عندكُمُ الجَنُوبُ».

(1)

كذا في الأصل، وفي «الزهد» لابن المبارك:«وأعرفهم بنورهم يسعى .. » .

(2)

«الثاني من حديث سفيان بن عيينة» ، ل علي بن حرب الطائي (72).

(3)

أي: لأطارته وأذهبته. يُقال: ذرت الريحُ الشيء تَذروه ذَروًا، وأذْرته تُذريه إذراءً، وذرَّته تُذرِّيه تذْريةً: أطارته وأذهبته. «القاموس المحيط» (4/ 330).

(4)

الأزيب: ريحٌ من الرياح بلغة هُذيل. قال شمر: «أهل اليمن ومن يركب البحر فيما بين جُدَّة وعدن، يسمُّون الجنوب: الأزيب، لا يعرفون لها اسمًا غيره» . وقال النضر: «كل ريحٍ شديدةٍ: ذات أزيب، وإنما زيبها: شدتها» . انظر: «العين» (7/ 392)، «تهذيب اللغة» (13/ 267).

ص: 75

88 -

حدَّثنا ابنُ إسحاقَ، أنبا أبو النَّضرِ، ثنا مهديُّ بنُ ميمونٍ، عن واصلٍ مولَى أبي عُيينَةَ، عن يحيى بنِ عقيلٍ، عن يحيى بنِ يَعمُرَ

(1)

، عن أبي ذرٍّ، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«عُرِضَتْ أعمالُ أُمَّتي حَسَنُها وسَيِّئُها، فوجدتُ في محاسنِ أعمالِها الأذَى يُمالُ عنِ الطَّريقِ، ووجدتُ في مَساوِئِ أعمالِها النُّخَاعةُ تكونُ في المسجدِ لا تُدفَنُ» .

89 -

حدَّثنا أحمدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، ثنا عمِّي، ثنا ابنُ لهيعةَ، عن عُبيدِ اللهِ بن أبي جعفرٍ، أنَّ أبا عبدِ الرَّحمنِ الحُبُلِّيَّ حدَّثَه، عن أبي ذَرٍّ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ كشفَ سِتْرًا، فأدْخَلَ بصرَه في بيتٍ قبلَ أن يُؤذَنَ له، فرأَى عورةَ أهلِه، فقد أتَى حَدًّا لا يَحِلُّ له أنْ يأتيَه، وإنَّ مَنْ دخلَ على بابٍ لا سِتْرَ عليه معلَّقٌ، فنظرَ فلا خطيئةَ عليه، إنَّما خطيئتُه على أهلِ البيتِ» .

90 -

حدَّثنا أحمدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، ثنا عمِّي، ثنا يونسُ، عنِ الزُّهْريِّ، أنَّ أبا الأَحوصِ حدَّثنا في مجلسِ سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، وابنُ المُسَيَّبِ جالسٌ، أنَّه سمعَ أبا ذرٍّ يقولُ: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قامَ أحدُكُم في الصَّلاةِ، فإنَّ الرَّحمةَ تُواجِهُه، فلا يُحرِّكُ الحَصى، ولا يَمسَّ الحَصَى» .

(1)

في حاشية الأصل: «كذا عنده» . كأنه يشير إلى رواية مسلم (57/ 553) وغيره، وفيها:«عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود الديلي، عن أبي ذر» والله أعلم.

ص: 76

91 -

حدَّثنا ابنُ إسحاقَ، أنبا عفانُ بنُ مسلمٍ، ثنا أبو الأحوصِ، ثنا سعيدُ بنُ مسروقٍ، عن مُنْذرٍ، عن أبي ذرٍّ قال: قِلْنا

(1)

مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وآله في ظلِّ شجرةٍ، فرأَى راعيًا معه غَنَمٌ، فقال:«يا راعي، معكَ غنمٌ تَسْقِينا» ؟ قال: نَعَمْ. قال: «فلعلَّكَ أنْ تسقِيَنا مِنْ مهابَتِنا» ؟ قال: لا، ولكنَّها جُعِلَتْ لذلك. قال: فسقاهُم، ثمَّ أدْبَرَ بغنمِه، فأتْبَعَهُ النَّبيُّ ببصرِه، فظننتُ أنَّه قد أُوحيَ إليهِ، فقال:«نِعْمَ المالُ لِمَنْ أدَّى حقَّهُ» قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، وفيها حقٌّ؟ قال:«نَعَمْ، مَنْ أعطاهُ دخلَ الجَنَّةَ، ومَن منعَهُ دخلَ النَّارَ» قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، وما حقُّها؟ قال: «في نَسْلِها ورِسْلِها

(2)

».

92 -

حدَّثنا ابنُ إسحاقَ، أنبا زُهيرٌ، ثنا جريرٌ، عن أبي فَرْوةَ، عن أبي زُرْعةَ بنِ عَمرِو بنِ جريرٍ، عن أبي هريرةَ، وأبي ذرٍّ قالَا: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يجلسُ بينَ ظَهْرانِي أصحابِه، فيَجيءُ الغريبُ فلا يدري أيُّهم هو حتَّى يَسألَ، فطلبنا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ نجعلَ لهُ مَجلِسًا يعرفُه الغريبُ إذا أتاهُ. قال: فبَنَيْنا لهُ دُكَّانًا مِنْ طينٍ، فكان يجلسُ عليه، وكنَّا في جانبِه جلوسًا، ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُحتَبيًا، إذْ أقبلَ رجلٌ مِنْ أحسنِ النَّاسِ وجهًا، وأطيبِ النَّاسِ رِيحًا، وأنقَى النَّاسِ ثوبًا، كأنَّ ثيابَه لم يمسَّها دَنسٌ، حتَّى سلَّم مِنْ طَرْفِ السِّماطِ

(3)

، فقال: السَّلام عليكَ يا محمَّدُ، فردَّ عليه

(1)

من القيلولة، وهي النوم في الظهيرة. «الصحاح» (5/ 1808).

(2)

الرِّسْل: هو اللبن. «تهذيب اللغة» (12/ 273).

(3)

السماط: الجماعة من الناس والنخل. والمراد به هنا: الجماعة الذين كانوا جلوسًا عن جانبيه. «النهاية» (2/ 401).

ص: 77

السَّلامَ، ثمَّ قال: أَدْنو يا محمَّدُ، قال: ادْنُهْ، فما زال يقول: أدنو مِرارًا، ويقول له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«ادْنُ» حتَّى وضعَ يدَهُ على رُكْبةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمَّدُ، أخبرنِي ما الإسلامُ؟ قال:«الإسلامُ أنْ تعبُدَ اللهَ ولا تُشرِكَ به شيئًا، وتُقيمَ الصَّلاةَ، وتُؤتِيَ الزَّكاةَ، وتحُجَّ البيتَ، وتصومَ رمضانَ» قال: فإذا فعلتُ، فقد أَسْلَمْتُ؟ قال:«نَعَم» قال: صدقتَ، فلمَّا سمِعْنا قولَ الرَّجلِ: صدقْتَ، أنكرناهُ، ثمَّ قال: يا محمَّدُ، أخبرنِي ما الإيمانُ؟ قال:«الإيمانُ باللهِ، والملائكةِ، والكتابِ، والنَّبيِّين، وتُؤمِنَ بالقَدَرِ كلِّه» قال: فإذا فعلتُ ذلكَ، فقد آمنتُ؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«نَعَمْ» قال: صدقتَ. قال: يا محمَّدُ، أخبرنِي ما الإحسانُ؟ قال:«أنْ تعبُد اللهَ كأنَّكَ تراهُ، فإنْ لم تكُنْ تراهُ، فإنَّه يراكَ» قال: صدقْتَ. قال: يا محمَّدُ، متَّى السَّاعةُ؟ قال: فنكَّسَ فلم يُجبْهُ، فأعادَ، فلم يُجبْهُ شيئًا، ثمَّ رفعَ رأسَهُ، فحَلَفَ باللهِ أو قال: «والذي بَعَثَ مُحمَّدًا بالهُدَى ودِينِ الحقِّ، ما المَسئولُ عنها بأعلمَ مِنَ السَّائلِ، ولكن لها علاماتٌ تُعرَف بها: إذا رأيتَ رِعاءَ البَهْمِ

(1)

يَتطاوَلُونَ في البُنْيانِ، ورأيتَ الحُفاةَ العُراةَ مُلوكَ الأرضِ، وخمسٌ لا يَعلَمُهُنَّ إلَّا اللهُ:{إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية [لقمان: 34]. ثمَّ سطعَ غُبارٌ إلى السَّماءِ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لاوالَّذي بَعَثَ مُحمَّدًا بالحقِّ، ما كنتُ بأعلمَ منهُ مِنْ رجلٍ منكُم، وإنَّه جبريلُ عليه السلام، نزلَ عليكُم في صورةِ دِحْيةَ الكَلْبيِّ» .

(1)

البَهْم: جمع بَهْمةٍ، وهي أولاد الضأن. «تهذيب اللغة» (5/ 1875).

وقال النووي: «هي الصغار من أولاد الغنم، والضَّأن، والمعز جميعًا» . «شرح النووي على مسلم» (1/ 163).

ص: 78

93 -

أنَّه ثنا جَريرٌ، عن منصورٍ، عن رِبْعيِّ بن حِرَاشٍ، عن زيدِ بنِ ظَبْيانَ، أو غيرِه، يَرفعُ الحديثَ إلى أبي ذرٍّ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ثلاثةٌ يُحبُّهمُ اللهُ، وثلاثةٌ يُبْغِضُهمُ اللهُ: رجلٌ كان في قومٍ، فأتاهُم سائلٌ، فسألَهم بوجهِ الله لا يسألُهم لقرابةٍ بينَهم وبينه، فبَخِلوا عليه، فخَلَفَهُم بأعقابِهم فأعطاهُ حيثُ لا يراهُ إلَّا اللهُ، ورجلٌ كان في كَتيبةٍ فانكشفوا، فكرَّ يُقاتِل حتَّى يَفتحَ اللهُ على يديْهِ أو يُقتَلَ، ويُحبُّ رجلًا كان في قومٍ فأدْلَجوا فطالَتْ دُلْجتُهم

(1)

فنزلوا والنُّومُ أحبُّ إليه ممَّا يُعدَلُ به، فناموا وقام يتْلُو آياتِي ويَتَمَلَّقُنِي

(2)

، ويُبغِضُ الشَّيخَ الزَّانِيَ، والمُختالَ المُقِلَّ

(3)

، والبَخيلَ المُستكبِرَ».

94 -

حدَّثنا ابنُ إسحاقَ، ثنا داودُ بنُ رُشيدٍ، ثنا أبو معاويةَ، ثنا عبدُ اللهِ ابنُ ميمونٍ، عن موسَى بنِ مِسكينٍ، عن أبي ذرٍّ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أشادَ

(4)

على مُسلمٍ كذبةً؛ ليُشينَهُ بها بغيرِ حقٍّ، أشادَهُ اللهُ بها في النَّارِ يومَ القيامَةِ».

(1)

أدلج القوم: إذا ساروا من أول الليل. «تهذيب اللغة» (1/ 315).

(2)

المَلَقُ: الودُّ واللُّطْف الشديد. قال: إياك أدعو فتقبل ملقي .. أي: دعائي وتضرعي. «العين» (5/ 174).

(3)

أي: ذو الخيلاء والكبر. «غريب القرآن» لابن قتيبة (ص: 127). والمقلَّ: الفقير.

(4)

قال أبو عبيد: «قوله: أشاد يعني رفع ذكره ونوه به وشهره بالقبيح وكذلك كل شيء رفعته فقد أشدته ولا أرى البنيان المشيد إلا من هذا يقال: أشدت البنيان فهو مشاد وشيدته فهو مشيد إذا رفعته وأطلته» . «غريب الحديث» (3/ 129).

ص: 79

95 -

ثنا محمَّدُ بنُ إسحاقَ، أنبا يونسُ بنُ محمَّدٍ، ثنا حَمَّادُ بنُ سلَمةَ، عن خالدِ بنِ ذَكْوانَ، عن أيوبَ بنِ بُشَيرٍ بنِ كعبٍ، قال: لمَّا سُيِّرَ أبو ذرٍّ إلى الشَّامِ قلتُ له: إنِّي أُريدُ أنْ أسألَك عن حديثٍ مِنْ حديثِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: إذًا أُحدِّثُكَ به إلَّا أنْ يكونَ سِرًّا، قال: ليس بسِرٍّ، قلتُ: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصافِحُكُم إذا لَقِيتُموه؟ قال: «ما لقيتُه قَطُّ إلَّا صافَحَنِي» .

انتهَى حديثُ أبي ذرٍّ.

96 -

ثنا محمَّدُ بن بشَّارٍ، ثنا يحيَى بنُ سعيدٍ، ثنا مِسْعرٌ، عن جَوَّابَ التَّيمِيِّ، عنِ الحارثِ بن سُويدٍ قال: قال رجلٌ لابنِ مسعودٍ: إنَّ لي جارًا يأكلُ الرِّبا، ولا أعلمُ له شيئًا إلَّا خبيثًا، ويدعُوني إلى طعامِه، فأتحرَّجُ أنْ آتيَه، وأتحرَّجُ أنْ لا آتيَه؟ قال:«فأْتِهِ، فإنَّما إثمُه عليه» .

97 -

ثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، ثنا محمَّدُ بنُ جعفرٍ، وعبدُ الرَّحمنِ بنُ مَهْديٍّ، عن مُزاحِمِ بنِ زُفَرَ، قال: سمِعتُ الرَّبيعَ بنَ عبدِ اللهِ يُحدِّث أنَّه سمِعَ ابنَ عُمَرَ سألَهُ رَجُلٌ قال: إنَّ لي جارًا يأكلُ الرِّبا، وإنَّه يدْعوني إلى طعامِه، أَفآتِيه؟ قال:«نَعَمْ» .

ص: 80

98 -

حدَّثنا أبو أحمدَ هارونُ بنُ حُميدٍ الواسِطيُّ، ثنا الفَضْلُ بنُ عَنْبسةَ، ثنا شَريكٌ، عن أبي إسحاقَ، عنِ الزُّبيرِ بنِ عَديٍّ، قال: قال سَلْمانُ: «إذا كان لكَ جارٌ [عاملٌ]

(1)

أو قَارفَ الرِّبا، فدعاكَ إلى طعامِه فأجِبْه؛ فإنَّ المَهْنأَ لكَ، والمَأْثمَ عليه».

(1)

كذا بالأصل، وكتب الناسخ فوقها علامة تضعيف.

ص: 81

و‌

‌من حديثِ زيدِ بنِ ثابتٍ

99 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، ثنا عبدُ الرَّحمنِ، ثنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ، عن زيدِ بنِ ثابتٍ، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لصاحبِ العَريَّةَ أنْ يبيعَها بخَرْصِها

(1)

.

100 -

ثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، وعَمرُو بنُ علِيٍّ، قالَا: ثنا يحيَى بنُ سعيدٍ، ثنا عُبيدُ اللهِ، عن نافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ، عن زيدِ بنِ ثابتٍ قال: رخَّصَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في بيعِ العَرايا بخَرْصِها كَيْلًا.

101 -

ثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، وعَمرُو بنُ عليٍّ، قالَا: ثنا يزيدُ بنُ هارونَ، أخبَرَنِي يحيَى بنُ سعيدٍ، عن نافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ قال: أخبَرَنِي زيدُ بنُ ثابتٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رخَّصَ في العَرِيَّةِ تُؤخَذُ بمِثْلِ خَرْصِها تَمرًا، يأكلُها أهلُها رُطَبًا.

ص: 82

102 -

ثنا سلَمةُ بنُ شَبيبٍ، والحسنُ بنُ إبراهيمَ البَيَاضِيُّ، وابنُ إسحاقَ، قالوا: ثنا عُبيدُ اللهِ بنُ موسى، ثنا الضَّحَّاك بنُ نِبْراسٍ، عن ثابتٍ البُنانِيِّ، عن أنسِ بنِ مالكٍ، عن زيدِ بنِ ثابتٍ قال: أُقيمتِ الصَّلاةُ، وخرجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا معهُ، فقارَبَ في الخُطا، ثمَّ قال:«إنَّما فعلتُ هذا ليَكْثُر خُطَانا في طلبِ الصَّلاةِ» .

103 -

ثنا حَرَميُّ، ثنا شُعْبةُ، عن عُمَرَ بنِ سُليمانَ، عن عبدِ الرَّحمنِ ابنِ أبانَ، عن أبيهِ، عن زيدِ بنِ ثابتٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«نَضَّر اللهُ امرًا سمعَ منَّا حديثًا، فحفظَه حتَّى يُبلِّغَه غيرَه، فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى مَنْ هو أفقَهُ منهُ، وربَّ حاملِ فقهٍ ليس بفَقيهٍ» .

104 -

حدَّثنا عمرُو بنُ عليٍّ، ويحيى بنُ حكيمٍ، قالَا: ثنا ابنُ أبي عَدِيٍّ، عن هشامٍ، عن محمَّدِ بنِ سِيرينَ، عن كثيرِ بنِ أفلَحَ، عن زيدِ بنِ ثابتٍ قال: أُمرْنا أنَّ نُسبِّحَ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثينَ، ونَحْمَدَ ثلاثًا وثلاثينَ، ونُكبِّرَ أربعًا وثلاثينَ

(1)

.

قال: فرأى رجلٌ مِنَ الأنصارِ في منامِه، فقال: أمرَكُم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن تُسبِّحوا في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثينَ، وتَحمدوا ثلاثًا وثلاثينَ، وتُكبِّروا أربعًا وثلاثينَ؟ قال: نَعَمْ، قال: فاجعلُوهنَّ خمسًا وعشرينَ، واجعلوا التَّهليلَ معهنَّ.

قال فغدا على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فحدَّثَه به. قال: «فافْعلُوا»

(2)

.

(1)

في حاشية الأصل: «وتكبر أربعة وأربعين في الأول» .

(2)

فائدة: قال د/ بشار عواد «وهذا الحديث ليس في النسخ العتيقة من «جامع الترمذي» إذ لم نجد له أثرًا في النسخ والشروح التي بين أيدينا، ولم يذكره المزي في «تحفة الأشراف» ولا استدركه عليه الحافظان العراقي وابن حجر، ولو كان في بعض النسخ دون بعض لفعلا ذلك، والله أعلم. «سنن الترمذي» (3413).

ص: 83

105 -

حدَّثنا أبو سعيدٍ الشَّاشيُّ، ثنا إسماعيلُ، ثنا سليمانُ بنُ بلالٍ، عن إبراهيمَ بَرَدانَ بنِ أبي النَّضْرِ مولَى عُمَرَ بنِ عُبيدِ اللهِ، عن أبيه، عن بُسْرِ بنِ سعيدٍ، عن زيد بن ثابت، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«صلاةُ المَرءِ في بيتِه أفضلُ مِنْ صلاتِه في مَسْجدي هذا إلَّا المَكْتوبةَ» .

106 -

ثنا ابنُ إسحاقَ، ثنا محمَّدُ بنُ عُمَرَ، ثنا أسامةُ بنُ زيدٍ، [عن عبدِ اللهِ بنِ يزيدٍ مولَى الأسْوَدِ، عن محمَّدِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ ثَوْبانَ، عن زيدِ]

(1)

بنِ ثابتٍ، أنَّ رسولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّ ابنَ أمِّ مَكْتومٍ يُؤذِّنُ بليلٍ، فكُلوا واشربُوا حتَّى يُؤذِّن بلالٌ» .

107 -

حدَّثنا أحمدُ، ثنا عمِّي، ثنا عثمانُ بنُ الحكمِ، عن زُهيرِ بنِ محمَّدٍ، عن سُهيلِ بنِ أبي صالحٍ، عن أبيه، عن زيدِ بنِ ثابتٍ، أنَّ رسولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم قضَى باليمينِ معَ الشَّاهدِ الواحدِ.

108 -

حدَّثنا ابنُ إسحاق، أنبا سعيدُ بنُ سُلَيمانَ، ثنا أبو أميَّةَ بنُ يَعْلَى، ثنا أبو الزِّنادِ، عن عَمرِو بنِ وُهَيبٍ، عن وُهَيبٍ، عن زيدِ بنِ ثابتٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم

(1)

من حاشية الأصل.

ص: 84

لم يقضِ في الرَّأسِ إلَّا ثلاث: في المُنَقِّلَةِ، والمُوضِحَةِ، والآمَّةِ

(1)

، وفي عَيْنِ الفَرَسِ رُبْعُ ثمنِه.

[من حديثِ أسامةَ]

(2)

109 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ المُثنَّى، ثنا مُعاذُ بنُ مُعاذٍ، ثنا صالحُ بنُ أبي الأخضرِ، ثنا الزُّهْرِيُّ، ثنا عُرْوةُ، عن أُسامةَ بنِ زيدٍ، أنَّ رسولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم بعثَهُ إلى الشَّامِ، وأمرَه أن يُغِيرَ على أُبْنَى

(3)

صباحًا، ثمَّ يُحرِّقَ.

110 -

ثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، ثنا يحيَى بنُ سعيدٍ، عن سُليمانَ التَّيمي، عن أبي عُثمانَ، عن أُسامةَ بنِ زيدٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«ما تركتُ بعدِي فتنةً أضرَّ على الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ» .

(1)

قال أبو عبيد: « .. ثم الموضحة وهي التي تكشط عنها ذلك القشر أو تشق عنها حتى يبدو وضح العظم فتلك الموضحة وليس في شيء من الشجاج قصاص إلا في الموضحة خاصة لأنه ليس منها شيء له حد معلوم ينتهي إليه سواها وأما غيرها من الشجاج ففيها ديتها

ثم المنقلة وهي التي تنقل منها فراش العظام. ثم الآمة وقد يقال لها: المأمومة وهي التي تبلغ أم الرأس يعني الدماغ» «غريب الحديث» (3/ 769).

(2)

من حاشية الأصل.

(3)

موضع بالشام من جهة البلقاء. «معجم البلدان» (1/ 79)

ص: 85

111 -

حدَّثنا أحمدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، ثنا عمِّي ابنُ وهبٍ، حدَّثنِي ابنُ أبي ذِئْبٍ، عنِ الحارثِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ، عن كُرَيبٍ مولَى ابنِ عبَّاسٍ، عن أُسامةَ بنِ زيدٍ أنَّه قال: دخلتُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الكعبةَ، فرأى فيها صورًا، فأمَرَنِي أنْ آتيَهُ بماءٍ، فكنتُ آتيهِ بماءٍ في الدَّلْوِ، فجعلَ يبِلُّ الثَّوبَ، ثمَّ يَضْرِبُ به الصُّوَرَ يقول:«قاتَلَ اللهُ قومًا يُصوِّرون ما لا يَخْلقُونَ» .

112 -

ثنا محمَّدُ بنُ إسحاق، ثنا عبدُ اللهِ بنُ يوسفَ، ثنا الوليدُ بنُ مسلمٍ، ثنا محمَّدُ بنُ المُهاجِرِ، عن الضَّحَّاكِ المَعافِريِّ، عن سُليمانَ بنِ موسَى

(1)

، عن كُرَيب مولَى ابنِ عبَّاس، عن أُسامةَ بنِ زيدٍ، أنَّ رسولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم قال لأصحابِه: «أَلَا هَلْ مُشمِّرٌ للجَنَّةِ، إنَّ الجَنَّةَ لا نظيرَ لها، هي ورَبِّ الكعبةِ نورٌ تلألأ، ورَيحانةٌ تهتَزُّ، وقصرٌ مَشِيدٌ، ونهْرٌ مطَّرِدٌ

(2)

، وفاكهَةٌ كثيرةٌ نَضِيجةٌ، وزَوْجةٌ حسناءُ جميلةٌ، وحُلَلٌ كثيرةٌ في مَقَامِ أبَدٍ، في حَبْرةٍ

(3)

ونَضْرةٍ ونِعْمةٍ، في دارٍ عاليةٍ سَليمةٍ بَهيَّةٍ».

قالوا: نحنُ المُشمِّرونَ لها يا رسولَ اللهِ. قال: «إنْ شاءَ اللهُ» ثمَّ ذكرَ الجِهادَ، وحضَّ عليه.

(1)

في حاشية الأصل: «رواه في موضع آخر وقال: عن محمد بن مهاجر، عن سليمان ولم يذكر الضحاك» . أخرجه بهذا السياق: ابن أبي عاصم في «الجهاد» (1/ 128)، والطبراني في «الكبير» (388)، وأبي الشيخ الأصبهاني في «العظمة» (601).

(2)

أي: جارٍ. من اطَّرد الشيء: تبع بعضه بعضًا وجرى. «المخصص» (3/ 353).

(3)

الحبرة: النعمة .. وقوله تعالى: (فهم في روضة يحبرون) أي: ينعمون. «العين» (3/ 218).

ص: 86

113 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، ثنا أبو عاصمٍ، ثنا أشعثُ، عن الحسنِ، عن أُسامةَ بنِ زيدٍ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أفْطَرَ الحاجِمُ والمَحْجومُ» .

114 -

حدَّثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، ثنا عبدُ الرَّحمنِ، ثنا ثابتُ بنُ قيسٍ -رجلٌ مِنْ أهلِ المدينةِ- حدَّثنِي أبو سعيدٍ المَقْبُري، حدَّثنِي أُسامةُ بنُ زيدٍ قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يصومُ الأيامَ يَسْرُدُ حتَّى لا يَكادُ أنْ يُفطِرَ، ويُفطِرُ حتَّى لا يكادُ أنْ يصومَ، إلَّا يومَيْنِ مِنَ الجمُعةِ إنْ دَخلَا في صيامِكَ إلَّا صُمْتَهما. قال: أيَّ يَومَيْنِ؟ قلتُ: يومَ الاثْنَينِ والخَميسِ. قال: «ذانِكَ يومَانِ تُعرَضُ فيهما الأعمالُ على ربِّ العالَمِينَ، فأحبُّ أنْ يُعرَضَ عملِي وأنا صائمٌ» قلتُ: رأيتُكَ تصومُ شهرًا، ولا تصومُ شيئًا مِنْ شهرٍ؟ قال:«أيَّ شهرٍ» ؟ قلتُ: شعبانَ. قال: «هذا شهرٌ يغفُلُ النَّاسُ عنهُ، بينَ رجبٍ ورمضانَ، وهو شهرٌ تُرفَعُ فيه الأعمالُ على ربِّ العالَمِينَ، فأُحِبُّ أنْ يُرفَعَ عملِي وأنا صائمٌ» .

115 -

ثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، ثنا حمَّادُ بنُ مَسْعَدةَ، ثنا ابنُ أبي ذئبٍ، عن الزِّبْرِقانِ بنِ عَمْرٍو أبو أُميَّةَ الضَّمْريّ، أنَّ رَهْطًا مِنْ قُريشٍ اجتمعوا، فمَرَّ زيدُ بنُ ثابتٍ، فأرسلوا إليه غُلامَينِ لهم، فسألُوه عنِ الصَّلاةِ الوُسْطَى. فقال: هي الظُّهْرُ. فقام إليه رجلٌ منهم فسألاه، فقال: هي الظُّهْرُ، ثمَّ ذهبا إلى أُسامةَ بنِ زيدٍ فسألَاهُ، فقال: هي الظُّهرُ. قال: إنَّ رسولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّيها بالهاجِرةِ

(1)

، فلا يكُونُ وراءَهُ أحدٌ إلَّا صفٌّ أو

(1)

الهاجرة: نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر، وقيل: من عند زوال الشمس إلى العصر، وقيل: في كل ذلك: إنه شدة الحر. «المحكم والمحيط الأعظم» (4/ 157).

ص: 87

صفَّانِ في قائِلتِهم أو تجارتِهم، فأنزلَ اللهُ عز وجل:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].

116 -

ثنا محمَّدُ بنُ بشَّارٍ، ثنا يحيَى بنُ سعيدٍ، ثنا موسَى بنُ عُبيدةَ، عن عُمَرَ

(1)

بنِ الحَكَمِ، عن أُسامةَ بنِ زيدٍ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تُعرَضُ أعمالُ بنِي آدَمَ يومَ الاثْنَينِ والخميسِ، ويَغفِرُ اللهُ ذُنوبَ مَنْ شاءَ، إلَّا المُشاحِنِينَ، أو قاطِعَ رَحِمٍ.

وكان أُسامةُ بنُ زيدٍ يصومُ الاثنينِ والخميسَ، ويقولُ: أُحبُّ أنْ يُعرَضَ عملِي الآنَ وأنا صائمٌ».

(1)

في الأصل: «عمرو» وما أثبت هو الصواب، فهو «عمر بن الحكم بن ثوبان الحجازي، أبو حفص المدني» يروي عن أسامة بن زيد. انظر: «تهذيب الكمال» (21/ 307).

ص: 88

‌ملحَقٌ بمرويَّاتٍ مِنْ طريق محمَّد بن هارون الرُّوياني في مسنده

(1)

‌من مسند أُبيِّ بن كعب

‌أنس بن مالك،

عنه.

117 (1) -

(2)

أخبرنا أبو القاسم جعفر بن عبد الله بن يعقوب بن فنَّاكي العَدْل الرُّوياني بالرِّي سنة تسع وسبعين وثلاث مئة قراءةً عليه وأنا أسمع قال: حدثنا أبو بكر محمَّد بن هارون الرُّوياني، قال: حدثنا أبو حاتم سهل بن محمَّد السجستاني:

(3)

بشر بن المُفضَّل، عن حُميد، عن أنس، عن أُبيِّ بن كعب قال:

ما حكَّ في صدري منذ أسلمتُ إلا أنه قرأتُ آيةً، وقرأها غيري غير قراءتي، فقلتُ: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال صاحبي: أقرأنيها رسول الله

ص: 91

صلى الله عليه وسلم. قال: فأتيناه، فقلتُ: يا رسول الله، أقرأتني آية كذا؟ قال:«نعم» ، وقال صاحبي: أقرأتنيها كذا؟ قال: «نعم، أتاني جبرئيل وميكائيل، فجلس جبرئيل عن يميني، وجلس ميكائيل عن يساري، قال: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، فقلتُ: زدني، فقال: اقرأه على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، فقلتُ: زدني، ثم كذلك حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: كلٌّ شافٍ كافٍ»

(1)

.

‌زرُّ بن حبيش،

عنه.

118 (2) - وأخبرنا ابن فنَّاكي، حدثنا الرُّوياني، حدثنا أبو الرَّبيع، حدثنا أبو عوانة، عن عاصم، عن زرٍّ، عن أُبيٍّ أنَّه قال:

لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرئيل عليه السلام عند أحجار المِراء

(2)

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«إني أُرسلتُ إلى أُمَّةٍ أُميين، فيهم الشيخ، والعجوز، والجارية، والرجل القاسي الذي لم يقرأ شيئاً قطُّ» ، فقال له جبرئيل:«إنَّ القرآن نزل على سبعة أحرف»

(3)

.

‌سليمان بن صُرد،

عنه.

119 (3) - وأخبرنا ابن فنَّاكي، حدثنا الرُّوياني، حدثنا محمد بن معمر، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سُقير العبدي، عن سليمان بن صُرد، عن أُبيِّ بن كعب قال:

(1)

(ح 20).

(2)

موضع بقباء خارح المدينة. قال مجاهد: هي قباء. «النهاية» لابن الأثير (1/ 203) و (4/ 91).

(3)

(ح 24).

ص: 92

سمعتُ رجلاً يقرأ، فقلتُ: مَنْ أقرأك؟ قال: رسول الله، قال: فقلتُ: انطلق إليه، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: استقرئ هذا، فقال: اقرأ، فقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أحسنت» ، قال: فقلتُ: ألم تقرئني كذا وكذا؟ فقال: «بلى، وأنت قد أحسنتَ قراءتَك» ، قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في صدري، ثم قال:«اللهمَّ أذهب عن أُبيٍّ الشكَّ» ، قال: ففضتُ عرقاً، وامتلأ جوفي فرقاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا أُبيُّ إنَّ ملكين أتياني، فقال أحدهما: اقرأ على حرف، فقال الآخر: اقرأ على حرفين، فقال الآخر: زده، قلتُ: زدني، قال: اقرأ على ثلاثة أحرف، قال الآخر: زده، قلتُ: زدني، قال: اقرأ على أربعة أحرف، قال الآخر: زده، قلتُ: زدني، قال: اقرأ على خمسة أحرف، قال الآخر: زده، قلتُ: زدني، قال: اقرأ على ستة أحرف، قال الآخر: زده، قلتُ: زدني، قال: اقرأ على سبعة أحرف، فالقرآن أنزل على سبعة»

(1)

.

‌عبادة بن الصامت،

عنه.

120 (4) - وأخبرنا ابن فنَّاكي، حدثنا أبو بكر الرُّوياني، قال: حدثنا عُبيد الله بن الحجَّاج بن المنهال، حدثنا هشام بن عبد الملك، حدثنا حمَّاد بن سلمة، عن حُميد الطويل، عن أنس بن مالك، عن عُبادة بن الصامت، عن أُبيِّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف»

(2)

.

(1)

(ح 16).

(2)

(ح 14).

ص: 93

121 (5) - وأخبرنا ابن فنَّاكي، حدثنا الرُّوياني، حدثنا عمرو بن علي، حدثنا عفان بن مسلم -واللفظ له- حدثنا حماد، حدثنا حميد، عن أنس، عن عُبادة، أنَّ أبيَّ بن كعب قال: أقرَأني رسول الله صلى الله عليه وسلم آيةً آيةً، وأقرَأ آخرَ غير قراءتي، فقلتُ: مَنْ أقرأكما؟ فقال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: والله لقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، قال أُبيٌّ: ما تخلَّج فيَّ شيء من الإسلام ما تخلَّج فيَّ يومئذٍ، فقلتُ: يا رسول الله ألم تُقرِئني آية كذا وكذا؟ قال: بلى، قلتُ: هذا زعم أنَّك أقرأتَه، قال: فضرب بيده على صدري فما وجدتُ بعد شيئاً، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أتاني جبريل وميكال، فقال جبرئيل: اقرؤوا القرآن على حرفٍ واحدٍ، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: كلٌّ شافٍ كافٍ»

(1)

.

‌عبد الرحمن بن أبي ليلى،

عنه.

122 (6) - وقال أبو حاتم في كتابه:

بشر بن المُفضَّل، عن حميد، عن أنس، عن أُبيِّ بن كعب قال:

«ما حكَّ في صدري منذ أسلمتُ

» إلخ

(2)

.

122 (6) وقال أبو حاتم في كتابه:

شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن أُبيِّ بن كعبٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

وزاد فيه: «أيما حرف قرؤوا به أصابوا»

(3)

.

(1)

(ح 15).

(2)

مرَّ برقم (117).

(3)

(ح 21).

ص: 94

123 (7) - وأخبرنا ابن فنَّاكي، حدثنا الرُّوياني، حدثنا محمد بن بشَّار، وعمرو بن علي، قالا: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، حدثنا عبد الله بن عيسى، عن ابن أبي ليلى، عن أُبيِّ بن كعب قال:

كنتُ في المسجد، فدخل رجل فقرأ قراءةً أنكرتُها عليه، ودخل رجل آخر فقرأ قراءةً سوى قراءة صاحبه، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أصبتُما» فقال: كبر عليَّ ولا إذ كنتُ في الجاهلية، فلما رأى الذي غشيني ضرب في صدري، ففضتُ عرقاً، فكأني نظرتُ إلى الله فرقاً، فقال:«يا أُبيُّ، إنَّ ربي أرسل إليَّ أنِ اقرأ القرآن على حرفٍ، فرددتُ إليه أن هوِّن على أمَّتي، فقال: اقرأ على سبعة أحرف، ولك بكل ردةٍ مسألة تسألنيها، فقلتُ: «اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخَّرتُ الثالثة ليومٍ يحتاج إليَّ فيه الخلق حتى إبراهيم»

(1)

.

124 (8) - وأخبرنا ابن فنَّاكي، حدثنا الرُّوياني، حدثنا محمد بن بشار، وعمرو بن علي، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، أو عن ابن أبي ليلى، عن أُبيِّ بن كعب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاءة

(2)

بني غفار، فأتاه جبرئيل، فقال: إنَّ الله يأمرك بأن تقرأ أمتك القرآن على حرفٍ. قال: «أسأل الله معافاته

ص: 95

ومغفرته، وإن أمتي لا تُطيق ذلك». قال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين. قال: «أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تُطيق ذلك» . قال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف. فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تُطيق ذلك» ، ثم جاءه الرابعة، فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، أيما قرؤوا

(1)

عليه فقد أصابوا»

(2)

.

‌من مسند حذيفة بن اليمان

‌ربعي بن حراش،

عنه.

125 (9) - حدثنا ابن فناكي، حدثنا الروياني، حدثنا ابن بشار، وعمرو بن علي، قالا: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن ربعي بن حراش، قال: أخبرني من لم يكذبني حذيفة بن اليمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن جبرئيل أتاه، فقال:«إن من أمتك الضعيف، فمن قرأ منهم على حرف، فلا يتحول منه رغبةً عنه إلى غيره»

(3)

.

126 (10) - وقد ذكره أبو حاتم في كتابه، فقال: قبيصة، عن سفيان. واللفظ لعبد الرحمن

(4)

.

(1)

زاد المحقق في النص: كلمة «حرف» في قوله: «أيما قرؤوا عليه .. » ثم قال في الحاشية: «قوله: (حرف) من صحيح مسلم، وليست في الأصل» .

قلت: وهو تصرف في النص غير مبرر. وللمحقق أمثالها في الكتاب، فالله المستعان.

(2)

(ح 23).

(3)

(ح 32).

(4)

(ح 33).

ص: 96

‌من مسند سمرة بن جندب

‌الحسن البصري،

عنه.

127 (11) - قال أبو حاتم في كتابه:

قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أنزل القرآن على ثلاثة أحرف»

(1)

.

من مسند عبد الله بن عباس

إبراهيم النخعي، عنه.

128 (12) - وأخبرنا ابن فناكي، حدثنا الروياني، حدثنا أبو الربيع السمتي، حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال:

سمع ابن عباس رجلاً يقول: الحرف الأول، فقال ابن عباس: ما الحرف الأول؟ قال رجل: يا ابن عباس، إن عمر بن الخطاب بعث ابن مسعود مُعلِّماً فحفظوا قراءته، فغيَّر عثمان القراءة، فهو يدعوه الحرف الأول. قال ابن عباس:«إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، وإن جبرئيل عليه السلام كان يُعارض النبي صلى الله عليه وسلم عند كل رمضان، وإنه عارضه في السنة التي قُبض فيها مرتين، وإنه لآخر حرف عرض عليه: ألم تنزيل»

(2)

.

(1)

(ح 40).

(2)

(ح 27).

ص: 97

‌أبو صالح،

عنه.

129 (13) - وقال أبو حاتم في كتابه:

الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«نزل القرآن على سبعة أحرف، صارت في عجُز هوازن منها خمسة»

(1)

.

130 (14) - وبهذا الإسناد عن ابن عباس قال:

«أنزل القرآن على أربعة أحرف، منه حلال، ومنه حرام، ومنه عربية لا يعلمها إلا العرب، ومنه تفسير لا يعرفه إلا الفقهاء، ومنه تأويل لا يعلمه إلا الله، فمن ادَّعى علمه فهو كاذب»

(2)

.

من مسند عبد الله بن مسعود

‌زرُّ بن حبيش،

عنه.

131 (15) - أخبرنا ابن فناكي، حدثنا الروياني، حدثنا أبو الربيع خالد بن يوسف السمتي، حدثنا أبو عوانة وضاح بن عبد الله مولى يزيد اليشكري، عن عاصم بن أبي النَّجود، عن زرِّ بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، قال: أتيتُ المسجد فجلستُ إلى قومٍ، أو جلسوا إليَّ، فاستقرأتُ رجلاً منهم ثلاثين آية من سورةٍ وهي من آل حم، وهي سورة الأحقاف، قال: فقرأ على أحرفٍ لا أقرؤها، ثم استقرأتُ آخر فإذا هو يقرأ شيئاً لا أقرأ أنا ولا صاحبي. قال: فقلت لأحدهما: مَنْ أقرأك؟ قال: فقال: رسول الله

(1)

(ح 30).

(2)

(ح 31).

ص: 98

صلى الله عليه وسلم. ثم قلتُ للآخر: مَنْ أقرأك؟ قال: فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فقلتُ: وأنا أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذتُ بأيديهما، فقلتُ: انطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقتُ بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا عنده رجل -يعني: عليًّا رضي الله عنه قال: فقلتُ: يا رسول الله، إنا اختلفنا في القراءة، فتغيَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكرتُ الاختلاف حتى ذكرتُ ذلك له. قال: ثم قال: «إنما هلك مَنْ كان قبلكم بالاختلاف» . قال: ثم قال الرجل الذي عنده: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر كل إنسانٍ منكم أن يقرأ كما أُقرئ

(1)

.

‌أبو الأحوص،

عنه.

132 (16) - ووجدتُ في كتاب أبي حاتم بما تقدَّم في الإسناد:

إبراهيم الهجري، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«نزل القرآن على سبعة أحرف، لكلِّ آيةٍ منها ظهرٌ وبطنٌ»

(2)

.

(1)

(ح 7).

(2)

(ح 10).

ص: 99

‌من مسند أبي بكرة

‌عبد الرحمن بن أبي بكرة،

عنه.

133 (17) - أخبرنا ابن فناكي، حدثنا الروياني، حدثنا عبيد الله بن الحجاج، حدثنا هشام بن عبد الملك، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن جُدعان، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف»

(1)

.

134 (18) - وقال أبو حاتم في كتابه:

حمَّاد، عن علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة

(2)

، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«نزل القرآن على سبعة أحرف، كل شافٍ كافٍ، كنحو هلمَّ، وتعال، وأقبل، وانطلق، واذهب، وأسرع، واعجل، مالم تختم آية عذاب برحمةٍ، أو آية رحمةٍ بعذابٍ» . هكذا ذكره موقوفاً

(3)

.

(1)

(ح 42).

(2)

زاد المحقق: «عن أبيه» وذكر أنها ليست في الأصل، وأقام أدلة - كما ذكر- أن الصحيح إثباتها، وما ذكره لا طائل من وراءه، وكان يَحسُن به أن لا يتصرف في النص.

(3)

(ح 44).

ص: 100

‌من مسند أبو جهم الأنصاري

‌مسلم بن سعيد مولى بني الحضرمي،

عنه.

135 (19) - قال أبو حاتم في كتابه:

إسماعيل بن جعفر، قال: حدثنا يزيد بن خُصيفة، عن مسلم بن سعيد مولى بني الحضرمي، عن أبي جهم الأنصاري، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أنزل القرآن على سبعة أحرف، فلا تماروا في القرآن؛ فإنَّ مراءً فيه كفر» .

أخبرناه ابن فناكي، حديث الروياني، عنه

(1)

.

(1)

(ح 38).

ص: 101

‌من مسند أبي قتادة

‌عبد الله بن أبي قتادة،

عنه.

136 (20) - قال الضياء المقدسي: أخبرنا أبو زرعة عبيد الله بن محمد بن أبي نصر اللفتواني بقراءتي عليه، قلتُ له: أخبركم أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك قراءةً عليه، أخبرنا أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد المقرئ، أخبرنا جعفر بن عبد الله بن فناكي، أخبرنا أبو بكر محمد بن هارون الروياني، حثنا أحمد بن عبد الرحمن، نا عمِّي، نا جرير، عن أيوب، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أنظر مُعسراً أو وضع له أنجاه الله من كرب يوم القيامة» . صحيح. أخرجه مسلم عن أبي الطاهر أحمد بن عمرو، عن ابن وهب، عن جرير

(1)

.

(1)

مخطوط: «جزءٌ مُنتَقى من الأحاديث الصحاح والحسان» جمع: ضياء الدين المقدسي (ق 13/ أ/ ح 54).

ص: 102

‌من مسند أبي هريرة

‌سعيد بن أبي سعيد المقبري،

عنه.

137 (21) - قال أبو حاتم في كتابه:

ابن عقيل، عن معارك بن عبَّاد، عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال:«نزل القرآن على خمسة أوجه: حلال، وحرام، ومُحكَم، ومتشابه، وأمثال، فاعملوا بالحلال، واجتنبوا الحرام، واتبعوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال» .

هكذا وجدتُه موقوفاً

(1)

.

(1)

(ح 35).

ص: 103

‌من مسند أمِّ أيوب

‌أبو يزيد،

عنها.

138 (22) - قال أبو حاتم في كتابه:

ابن عُيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد

(1)

، عن أبيه، قال: أخبرتني أمُّ أيوب، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«نزل القرآن على سبعة أحرف، أيها قرأتَ أصبتَ»

(2)

. تم بحمد الله.

(1)

قال المحقق: «في الأصل: بريدة» .

(2)

(ح 45).

ص: 104