الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا الكتاب
رسالة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراه في الفقه
من: كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة
وقد نوقشت بتاريخ 24/ 6/ 1434 وأجيزت بتقدير: ممتاز
وكانت لجنة المناقشة مكونة من:
أ. د. عبد المحسن بن محمد المنيف (مشرفا)
أ. د. حمد بن حماد الحماد (مناقشا داخليا)
أ. د. ناصر بن عبد الله الميمان (مناقشا خارجيا)
بسم الله الرحمن الرحيم
يسر مشروع أسفار أن يقدم للقارئ الكريم الإصدار الثاني من إصدارات المشروع والذي يطبع لأول مرة، وهو تحقيق كتاب (المنهج الصحيح في الجمع بين ما في المقنع والتنقيح)، وهذا الكتاب يهم المختصين بالفقه الحنبلي بالدرجة الأولى، إذ جمع المؤلف فيه بين متنين احتاج المذهب إلى الجمع بينهما، وهما: كتاب (المقنع) لشيخ المذهب الموفق ابن قدامة (ت 620)، وكتاب (التنقيح المشبع) لمصحح المذهب علاء الدين المرداوي (ت 885)؛ إذ لا غنى للحنبلي عنهما، ولا يُستغني بواحد منهما عن الآخر، فجاء العلامة شهاب الدين أحمد العُسكُري (ت 910) تلميذ العلاء المرداوي فجمع بينهما مع التصرف بالأصل والاستدراك عليه ومخالفة الترجيح أحيانا، فكانت التجربة الأولى للجمع بين المقنع والتنقيح، إلا أن المنية اخترمته قبل تمام جمعه، فجاء بعد العسكري تلميذه الموضِّح الشويكي (ت 939) فجمع بينهما أيضا في كتابه (التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح) وأتمه، وجاء التقي الفتوحي (ت 972) عصريّ الشويكي فجمع بينهما أيضا في المتن الشهير المسمى بـ (منتهي الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات)، ومع كون (المنتهي) أشهر المتون الثلاثة إلا أن كتب المذهب لم تخل من النقل عن (المنهج) و (التوضيح) فممن نقل عنهما: الحجاوي (ت 968) في حاشية التنقيح وهو من تلاميذ الشويكي، ومنصور البهوتي (ت 1051) في الكشاف وشرح المنتهى وحاشية الإقناع، وابن منقور (ت 1125) في مجموعه، بل إن للتاج البهوتي تلميذ الفتوحي: تعليقات على هامش (التوضيح) نقل عنها الخلوتي (ت 1088) في حاشية المنتهى، وكذا لعثمان حفيد صاحب المنتهى (ت 1064) تعليقات على التوضيح، بل قال عنه العلامة ابن سعدي (ت 1376):«والذي يظهر لي أنه [يعني التوضيح] يفوق على المنتهي» .
ولا يفوتنا أخيرا أن نسأل الله أن يجزي مؤلف الكتاب ومحققه ومطالعه خير الجزاء، وأن يسبغ نعمه الظاهرة والباطنة على من سعى في نشره وطباعته متحملا تكاليفه المالية. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أسفار
لنشر نفيس الكتب والرسائل العلمية
دولة الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(1)
(2)
(3)
(4)
.
(1)
سورة آل عمران آية (103).
(2)
سورة النساء آية (1).
(3)
الأحزاب: آية (70، 71).
(4)
هذه الخطبة تسمى «خطبة الحاجة» والحديث له روايات فيها اختلاف يسير، أخرجه أبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح برقم (2118) 2/ 238، والترمذي في سننه، كتاب النكاح، باب ما جاء في خطبة النكاح برقم (1105) 3/ 405، والنسائي في سننه، كتاب الجمعة، باب كيفية الخطبة برقم (1404) 3/ 104، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب خطبة النكاح، برقم (1892) 1/ 609، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب النكاح، وأحمد في مسنده برقم (3720) 6/ 262، والدارمي في سننه، كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح برقم (2248) 3/ 1413، والحاكم في المستدرك في كتاب النكاح، برقم (2744) 2/ 199، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الجمعة، باب الإمام يقرأ على المنبر آية السجدة برقم (5802) 3/ 304.
قال ابن الملقن (صحيح) ينظر: البدر المنير 7/ 530.
وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: إسناده من طريق أبي عبيدة ضعيف؛ لانقطاعه، ومن طريق أبي الأحوص صحيح على شرط مسلم (3720) 6/ 262.
وقال الألباني: (صحيح). ينظر: صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (1105) 3/ 105، وصحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم برقم (1892) 4/ 392، وله رسالة خاصة بها، أورد طرقها، وصححها.
أما بعد:
فإن من نعم الله علينا أن هدانا لهذا الدِّين القويم، ومن فضله علينا أن شرع لنا هذه الشريعة المبنية على اليسر، ورفع الحرج عن المؤمنين، ومن نعمه علينا أن هدانا إلى طريق العلم النافع الموصل إلى جنات النعيم، وإن من أشرف هذه العلوم الشرعية، هو ما عرف اصطلاحًا
بعلم الفقه، فهو من أجل العلوم، وأشرفها مكانة، وأرفعها قدرًا، كما قال صلى الله عليه وسلم:((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدِّين))
(1)
.
قال في الأشباه والنظائر للسيوطي
(2)
-رحمه الله تعالى-: (فعلم
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدِّين برقم (71) 1/ 25، ومسلم في صحيحه كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة برقم (1037) 2/ 718.
(2)
هو: عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدِّين الخضيري السيوطي، جلال الدِّين، أبو الفضل، أصله من أسيوط، ولد سنة (849 هـ) ونشأ بالقاهرة يتيما، كان عالما شافعيا، مؤرخا أديبا، وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه، والفقه واللغة، ولما بلغ أربعين تجرد للعبادة، وترك الإفتاء والتدريس، وشرع في تحرير مؤلفاته، له مصنفات عديدة منها «الأشباه والنظائر» و «الحاوي للفتاوى» و «الإتقان في علوم القرآن» توفي سنة (911 هـ). ينظر: شذرات الذهب 10/ 74، والضوء اللامع 4/ 65، والأعلام 3/ 301.
الفقه بحوره زاخرة، ورياضه ناضرة، ونجومه زاهرة، وأصوله ثابتة مقررة، وفروعه ثابتة محررة، لا يفنى بكثرة الإنفاق كنزه، ولا يبلى على طول الزمان عزة أهله، قوام الدِّين وقوامه، وبهم ائتلافه وانتظامه، هم ورثة الأنبياء، وبهم يستضاء
…
)
(1)
.
فكان اهتمام علماء الإسلام بهذا العلم كثيرًا، وألفوا فيه مؤلفات لا تحصى، ولكنّ كثيرًا منها ما زال محبوسًا في خزائن المكتبات في أنحاء العالم، مما يجعل المسؤولية على الباحثين عظيمة؛ لإخراج هذا التراث الذي بُذل فيه الغالي والنفيس من عالم المخطوط، إلى عالم المطبوع محقَّقًا تحقيقًا علميًا.
وقد طمحت نفسي إلى خدمة هذا الفن في تحقيق تراث علماء الإسلام، ومن هذا التراث الذي وقع اختياري عليه كتاب (المنهج الصحيح في الجمع بين ما في المقنع والتنقيح) للعلامة أحمد بن عبد اللّه بن أحمد، شهاب الدِّين، أبي العباس، الدمشقي، الصالحي، الشهير بابن العُسْكُري
(2)
.
أهمية وأسباب اختيار الموضوع:
أولاً: إن كثيرًا، من الكتب المخطوطة لم تر النور بعد، ونحن بحاجة إلى إخراج هذه الكنوز الدفينة، والكشف عن هذه الذخائر النفيسة،
(1)
انظر: الأشباه والنظائر 1/ 2.
(2)
سيأتي فصل كامل في ترجمته (الفصل الثالث) في الصفحة رقم [64].
التي لا تزال حبيسة المكتبات، والتي من خلالها نستطيع التعرف على كتب فقهائنا، وطرقهم في التأليف، والاستنباط، وتأسيس القواعد الشرعية، ومعالجتهم لما وقع في زمانهم من نوازل، وواقعات.
ثانيًا: إن الاشتغال بتحقيق المخطوطات يساعد على تنمية قدرات المحقِق العلمية، وحصيلته الفقهية، وتمرينه على ضبط عبارات العلماء وفهمها.
ثالثًا: ما يتميز به التحقيق من معالجته لأبواب كثيرة من أبواب الفقه - إن لم يكن كلها - بخلاف الموضوع حيث يقتصر فيه غالبًا على موضوع واحد.
رابعًا: ما يُكسِبُه التحقيق من معارف متنوعة، حيث يقتضي الارتباط بجملة من العلوم، فالتحقيق في الفقه مثلاً يستلزم - إضافة إلى مراجع الفقه - الرجوع إلى مراجع أصول الفقه، والسنة، والآثار، والجرح والتعديل، واللغة، وتفاسير الأحكام، والتراجم، والسير، وذلك أمر حتمي في تحقيق المخطوطات.
خامسًا: مكانة كتابي المقنع والتنقيح العلمية، فقد أثنى العلماء على هذين الكتابين، ثناء يدل على أهميتهما وقيمتهما العلمية.
سادسًا: مكانة مؤلف كتاب المقنع العلامة عبد الله بن أحمد بن محمد ابن قدامة المقدسي
(1)
، ومؤلف كتاب التنقيح العلامة علاء الدِّين علي بن سليمان المرداوي
(2)
العلمية، حيث كان لهما الباع الطويل في
(1)
سيأتي فصل كامل في ترجمته (الفصل الأول) في الصفحة رقم [16].
(2)
سيأتي فصل كامل في ترجمته (الفصل الثاني) في الصفحة رقم [46].
العلوم الشرعية، فهما يعتبران من محققي المذهب الحنبلي
(1)
.
الدراسات السابقة:
من خلال بحثي في فهارس المكتبات، والمخطوطات المتوفرة لدي لم أجد أحدًا قام بدراسة المخطوط، كما أنني قمت بمراسلة الجهات المعنية لهذا المخطوط وأفادوا بعدم التقديم له كرسالة علمية
(2)
.
(1)
انظر سير أعلام النبلاء 42/ 174، شذرات الذهب 7/ 339.
(2)
من الجهات التي أفادت بعدم التقدم للموضوع المعهد العالي للقضاء، وكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
خطة البحث:
تتكون الرسالة من مقدمة، وقسمين: قسم للدراسة، وقسم للتحقيق.
أما المقدمة فتتضمن ما يلي:
· الافتتاحية.
· أسباب اختيار الموضوع.
الدراسات السابقة.
· خطة البحث.
· منهج التحقيق.
وأما القسمان فهما: قسم الدراسة، وقسم النص المحقق.
القسم الأول: القسم الدراسي، ويشتمل على أربعة فصول:
الفصل الأول: دراسة موجزة عن الإمام ابن قدامة، وكتابه المقنع وفيه مبحثان:
المبحث الأول: دراسة موجزة عن الإمام ابن قدامة، وفيه ثمانية مطالب:
المطلب الأول: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته.
المطلب الثاني: مولده، ونشأته، ووفاته.
المطلب الثالث: طلبه للعلم، ورحلاته العلمية.
المطلب الرابع: شيوخه.
المطلب الخامس: تلاميذه.
المطلب السادس: مؤلفاته.
المطلب السابع: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه.
المطلب الثامن: عقيدته، ومذهبه الفقهي.
المبحث الثاني: التعريف بكتاب المقنع، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: منهج المؤلف في الكتاب.
المطلب الثاني: مصادر المؤلف.
المطلب الثالث: قيمة الكتاب العلمية.
الفصل الثاني: دراسة موجزة عن الإمام المرداوي، وكتابه التنقيح، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: دراسة موجزة عن الإمام المرداوي، وفيه ثمانية مطالب:
المطلب الأول: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته.
المطلب الثاني: مولده، ونشأته، ووفاته.
المطلب الثالث: طلبه للعلم، ورحلاته العلمية.
المطلب الرابع: شيوخه.
المطلب الخامس: تلاميذه.
المطلب السادس: مؤلفاته.
المطلب السابع: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه.
المطلب الثامن: عقيدته، ومذهبه الفقهي.
المبحث الثاني: التعريف بكتاب التنقيح وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: منهج المؤلف في الكتاب.
المطلب الثاني: مصادر المؤلف.
المطلب الثالث: قيمة الكتاب العلمية.
الفصل الثالث: دراسة موجزة عن الإمام العُسْكُري، وفيه ثمانية مباحث:
المبحث الأول: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته.
المبحث الثاني: مولده، ونشأته، ووفاته.
المبحث الثالث: طلبه للعلم، ورحلاته العلمية.
المبحث الرابع: شيوخه.
المبحث الخامس: تلاميذه.
المبحث السادس: مؤلفاته.
المبحث السابع: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه.
المبحث الثامن: عقيدته، ومذهبه الفقهي.
الفصل الرابع: التعريف بكتاب المنهج الصحيح، ويشتمل على سبعة مباحث:
المبحث الأول: تحقيق اسم الكتاب.
المبحث الثاني: إثبات نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
المبحث الثالث: منهج المؤلف في هذا الكتاب.
المبحث الرابع: مصادر المؤلف في كتابه.
المبحث الخامس: قيمة الكتاب العلمية.
المبحث السادس: الفرق بين كتابي المنهج الصحيح، وكتاب التوضيح.
المبحث السابع: وصف النسخ الخطية، ونماذج منها.
القسم الثاني: النص المحقق.
ويشتمل على تحقيق النص كاملا من أَوَّل الكتاب إلى آخره، ويقع في (230) لوحة.
الفهارس على النحو التالي:
1 -
فهرس الآيات القرآنية مرتبة حسب ترتيب السور في المصحف الشريف.
2 -
فهرس الأحاديث النبوية مرتبة على الحروف الهجائية.
3 -
فهرس الآثار.
4 -
فهرس الأعلام.
5 -
فهرس المصادر والمراجع.
6 -
فهرس الموضوعات.
منهج التحقيق:
لقد سرت في تحقيقي على المنهج الآتي:
1 -
نسخت الأصل حسب القواعد الإملائية الحديثة، وإذا اشتبهت علي الكلمة لعدم وضوحها، أو سقطها، أو محوها فإني اجتهد قدر الإمكان بمعرفة مراد المؤلف، وإلا أجتهد في وضع الكلمة المناسبة التي تقيم المعنى، وتكون بين معقوفتين، مع الإشارة إلى ذلك في الهامش.
2 -
أشرت إلى نهاية كل لوحة في المخطوط بعلامة/.
3 -
عزوت الآيات القرآنية بذكر اسم السورة، ورقم الآية، مع كتابتها بالرسم العثماني.
4 -
خرجت الأحاديث النبوية، فإن كان في الصحيحين، أو أحدهما اكتفيت بذلك، وإلا فأخرجه من بقية كتب السنة، فإن لم يوجد فيها، فمن مظانه في كتب الأحاديث الأخرى، مع ذكر كلام أهل العلم في بيان درجته.
5 -
عزوت الآثار إلى مظانها.
6 -
وثقت المسائل الفقهية والنقول، وأقوال المذاهب الأخرى التي ذكرها المؤلف من مصادرها الأصلية.
7 -
بينت الصحيح من المذهب إذا خالفه المؤلف.
8 -
شرحت الألفاظ الغريبة، والمصطلحات العلمية التي تحتاج إلى بيان.
9 -
قمت بالتعليق العلمي على بعض المسائل الواردة.
10 -
ترجمت باختصار للأعلام الوارد ذكرهم في المتن.
11 -
قمت بالتعريف الموجز بالأماكن التي ذكرها المؤلف.
12 -
قمت بالتعريف الموجز بالمقادير، والأطوال، والمكاييل، والمقاييس بما يعادلها من المقادير الحديثة.
13 -
التزمت بعلامات الترقيم، وضبط ما يحتاج إلى ضبط.
14 -
وضعت الفهارس الفنية اللازمة على النحو المبين في الخطة.
شكر وتقدير:
أتقدم بالشكر لله على توفيقه وتيسيره، وله الحمد أولاً، وآخرًا، وظاهرًا، وباطنًا.
ثم أقدم شكّري وتقديري للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ممثلة بكلية الشريعة، والقائمين على قسم الفقه، والأساتذة الفضلاء، الذين لم يألوا جهدًا في تقديم جميع ما ينفع الطالب في حياته العلمية والعملية، فلهم مني الشكّر والعرفان، والدُّعاء بالغفران.
كما أنني أقدم الشكّر والدُّعاء للمشرف على هذه الرسالة، فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: عبد المحسن بن محمد المنيف، الذي استفدت منه تربويًا من خلال سماحة نفسه وتواضعه الجم، وعلميًا بتوجيهاته وآرائه، ولم يتوان بتوفير وبذل ما أحتاجه من رأي ومرجع، مما كان له أكبر الأثر في إخراج هذه الرسالة، فجزاه الله خير ما جزى معلمًا عن طالبه، وزاده الله علمًا وعملاً.
كما أشكر جميع من قدم لي مساعدة، خلال إعداد هذه الرسالة، وأسال الله جل شأنه، وتقدست أسماؤه، أن يجعل هذا العمل في ميزان الأعمال، وأن يرزقنا الإخلاص في القول، والعمل، وصلّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أولاً: قسم
الدراسة
ويشتمل على أربعة فصول:
الفصل الأول: دراسة موجزة عن الإمام ابن قدامة، وكتابه المقنع.
الفصل الثاني: دراسة موجزة عن الإمام المرداوي، وكتابه التنقيح.
الفصل الثالث: دراسة موجزة عن الإمام العُسْكُري.
الفصل الرابع: التعريف بكتاب المنهج الصحيح.
الفصل الأول دراسة موجزة عن الإمام ابن قدامة، وكتابه المقنع
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: دراسة موجزة عن الإمام ابن قدامة.
المبحث الثاني: التعريف بكتاب المقنع.
المبحث الأول دراسة موجزة عن الإمام ابن قدامة
وفيه ثمانية مطالب:
المطلب الأول: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته.
المطلب الثاني: مولده، ونشأته، وفاته.
المطلب الثالث: طلبه للعلم، ورحلاته العلمية.
المطلب الرابع: شيوخه.
المطلب الخامس: تلاميذه.
المطلب السادس: مؤلفاته.
المطلب السابع: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه.
المطلب الثامن: عقيدته، ومذهبه الفقهي.
المطلب الأول: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته:
هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر بن عبد الله بن حذيفة وينتهي نسبه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه المقدسي، الجمّاعيلي، ثم الدمشقي، الصالحي الحنبلي، الشيخ الإمام العلامة موفق الدِّين، المشتهر بابن قدامة المقدسي، وكنيته أبو محمد.
أما نسبته إلى المقدسي، فنسبة إلى أسرة المقادسة، وموطنهم قريب من بيت المقدس
(1)
.
وأما نسبته إلى الجماعيلي، فهي نسبة إلى القرية التي ولد بها
(2)
، وهي قرية في جبل نابلس.
وأما الصالحي؛ فلأنه نزل مع آله في مسجد الصالحية
(3)
.
(1)
بيت المقدس: ويسمى المسجد الأقصى، والقدس، من أرض فلسطين، ثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها. ينظر: معجم المعالم الجغرافية ص 292.
(2)
جماعيل: بالفتح، وتشديد الميم، وألف، وعين مهملة مكسورة، وياء ساكنة، ولام: قرية في جبل نابلس من أرض فلسطين، بينها وبين بيت المقدس يوم، منها الإمام موفق الدِّين ابن قدامة وأهله، وهى وقف عليهم. ينظر: معجم البلدان 2/ 159، ومراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع 1/ 345.
(3)
الصالحية: قرية كبيرة ذات أسواق وجامع في لحف جبل قاسيون من غوطة دمشق، كانت عامرة آهلة بالسكان، ومحلها اليوم في السفح الواقع أسفل قبة السيار، وأعلى بستان الدواسة، يطل منها الإنسان على الربوة، وحدائقها ذات البهجة التي كان يزرع فيها قديما الزعفران، ولا تزال تلك الجهة تدعى حتى اليوم بدير مران. ينظر: معجم البلدان 3/ 390، ومراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع 2/ 830، والرحلة الشامية ص 79.
قال أبو عمر أخو الْمُوَفَّق: «ينسبونا إلى مسجد أَبي صالح، لا أنّا صالحون»
(1)
وهذا من ورعه، وتواضعه.
المطلب الثاني: مولده، ونشأته، وفاته:
ولد الْمُوَفَّق رحمه الله بجمَّاعيل، إحدى قرى مدينة نابلس بفلسطين، في شعبان سنة (541 هـ)، في أسرة اشتهرت بالعلم والصلاح، وكان تام الخلقة، أبيض مشرق الوجه، أدعج كأن النور يخرج من وجهه؛ لحسنه، وأسع الجبين، طويل اللحية، قائم الأنف، مقرون الحاجبين، صغير الرأس، لطيف اليدين والقدمين، نحيف الجسم، ممتعا بحواسه، هاجر مع أهل بيته وأقاربه
إلى دمشق
(2)
، وحفظ القرآن، وحفظ مختصر الخرقي في الفقه وله عشر سنين، ولما بلغ العشرين من عمره سافر إلى بغداد
(3)
؛
(1)
انظر: ذيل طبقات الحنابلة 3/ 110، والمقصد الأرشد 2/ 347، وشذرات الذهب 7/ 51.
(2)
دمشق: بكسر أوله، وفتح ثانيه، والكسر لغة فيه، البلدة المشهورة قصبة الشام، وهي جنة الأرض بلا خلاف ليس في أرض الإسلام وفي أرض الروم مثلها، وهي من أحسن البلاد وأجلها موقعا سهلية جبلية، وفي شمالها جبل عظيم ممتد مسيرة أربعة أيام لها سور من حجارة، ودورها اثنا عشر ميلا، افتتحها أبو عبيدة بن الجراح صلحا، وبها عيون كثيرة، تأتي من قنوات الجبال، ولا تكاد الشمس أن تصل إلى أكثر أرضها لكثرة الشجر. ينظر: آكام المرجان في ذكر المدائن المشهورة في كل مكان ص 57، والمسالك والممالك ص 87، معجم البلدان 2/ 463.
(3)
بغداد: أم الدنيا، وسيدة البلاد، وجنة الأرض، ومدينة السلام، وقبة الإسلام، ومجمع الرافدين، ومعدن الظرائف ومنشأ أرباب الغايات، هواؤها لطيف، وماؤها عذب، وتربتها طيبة، مثوى الخلفاء، ومقر العلماء بناها الخليفة العباسي المنصور، وهي عاصمة الخلافة العباسية، وهي اليوم عاصمة العراق، وتقع على ضفتي دجلة. ينظر: معجم البلدان 1/ 456، وآثار البلاد وأخبار العباد ص 313، رحلة ابن بطوطة 2/ 57.
لطلب العلم، وأقام بها نحوًا من أربع سنين، وحج واشتغل بالتدريس، والتأليف، وسمع وقرأ على والده
(1)
وغيره من المشايخ الكبار، وتصدر في جامع دمشق مدة طويلة، وبعد موت أخيه أبي عمر، صار هو الذي يؤم المصلين بالجامع المظفري، ويخطب يوم الجمعة فيه إذا حضر.
قال الضياء
(2)
: كان حسن الأخلاق، لا يكاد يراه أحد إلا مبتسما يحكي الحكايات، ويمزح، وسمعت البهاء يقول: كان الشيخ يمازحنا وينبسط، وكان لا ينافس أهل الدنيا، وكان يؤثِر، ولا يكاد يشكو، وربما كان أكثر حاجة من غيره
(3)
.
(1)
هو: أحمد بن محمد بن قدامة الزاهد والد الشيخ أبي عمر والشيخ الْمُوَفَّق، ولد سنة (491 هـ) وكان خطيب جماعيل ففر بدينه من الفرنج فهاجر إلى الله ونزل هو وآله بمسجد أبي صالح، وكان زاهدا صالحا قانتا لله صاحب جد وصدق وحرص على الخير، وقد حج وجاور، وسمع من زين العبدري «صحيح مسلم» وحدث به، روى عنه ابناه. توفي سنة (558 هـ) ودفن بسفح جبل قاسيون. وإلى جانبه دفن ولده أبو عمر رحمهما الله. ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 29، وتأريخ الإسلام 38/ 246، وذيل طبقات الحنابلة 3/ 125، وشذرات الذهب 6/ 304.
(2)
هو: الضياء محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي الحنبلي، أبو عبد الله، أحد الأعلام، ولد بقاسيون سنة (569 هـ) وسمع من الخضر بن طاوس، ومن ابن المعطوش، ومن البوصيري، ومن أبي جعفر الصيدلاني، كان رقيق القلب، سريع الدمعة، كريم النفس، كثير الذكر لله، والقيام بالليل، محافظا على صلاة الضحى، له مصنفات عدة منها: كتاب (فضائل الأعمال) وكتاب (الأحكام) ولم يتم، وكتاب (الموافقات) توفي سنة (643 هـ).
ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 248، وسير أعلام النبلاء 23/ 128، وذيل طبقات الحنابلة 4/ 176.
(3)
انظر: تأريخ الإسلام 44/ 490، وسير أعلام النبلاء 22/ 171.
وقال ابن غنيمة
(1)
المفتي ببغداد: ما أعرف أحدًا في زماننا أدرك درجة الاجتهاد، إلا الْمُوَفَّق
(2)
، توفي رحمه الله يوم السبت في يوم عيد الفطر عام (620 هـ) ودفن من الغد في جبل قاسيون
(3)
، خلف الجامع المظفري، ولقد رثي بمراثي كثيرة، وممن رثاه الشيخ صلاح الدِّين أبو عيسى موسى بن محمد بن راجح المقدسي رحمه الله
(4)
.
(1)
هو: أبو بكر محمد بن معالي بن غنيمة البغدادي المأموني ابن الحلاوي شيخ الحنابلة في زمانه ببغداد، وكان علامة صالحا ورعا كبير القدر، من كبار أصحاب أبي الفتح ابن المني، كان إماما، مفتيا، متعبدا، ورعا، صالحا، خيرا، عارفا بالمذهب، ولد بعد (530 هـ) برع في المذهب وانتهت إليه معرفته مع الديانة، وسمع من: أبي الفتح الكروخي، وابن ناصر، وأبي القاسم ابن البناء، وأبي بكر ابن الزاغوني، عليه تفقه مجد الدِّين ابن تيمية، توفي سنة (610 هـ) ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 155، وتأريخ الإسلام 44/ 90، والمقصد الأرشد 2/ 503، وشذرات الذهب 7/ 89.
(2)
ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 181، وتأريخ الإسلام 44/ 488، وسير أعلام النبلاء 22/ 169، وذيل طبقات الحنابلة 3/ 287، والمقصد الأرشد 2/ 17، وشذرات الذهب 7/ 159.
(3)
جبل قاسيون: هو جبل مشرف على دمشق، فيه آثار الأنبياء، وهو معظم من الجبال، وفيه مغارات وكهوف ومعابد للصالحين، وفيه مغار يعرف بمغارة الدم، يقال إن قابيل قتل هابيل هناك، وهناك حجر يزعمون أنه الحجر الذي فلق به هامته، وفيه مغارة أخرى يسمونها مغارة الجوع، يقال إن أربعين نبيا ماتوا بها من الجوع. ينظر: معجم البلدان 4/ 296، خريدة العجائب وفريدة الغرائب ص 288.
(4)
هو: موسى بن محمد بن خلف بن راجح الشيخ الإمام الزاهد صلاح الدِّين أبو عيسى المقدسي، ولد سنة (583 هـ) سمع يوسف بن معالي الكناني ومحمود بن عبد المنعم والخشوعي وأجاز لابن الشيرازي توفي في جمادى الآخرة سنة (643 هـ). ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 3/ 511، والمقصد الأرشد 3/ 10.
المطلب الثالث: طلبه للعلم، ورحلاته العلمية:
بقي الْمُوَفَّق في فلسطين
(1)
عشر سنين، بدأ في حفظ القرآن الكريم، ثم هاجر مع والده إلى دمشق وهناك أكمل حفظ القرآن وهو دون سن البلوغ، وحفظ مختصر الخرقي، وكتبَ الخط المليح، وقرأ على مشايخ دمشق، ثم تنوعت رحلاته رحمه الله في طلب العلم، فرحل أولاً إلى بغداد هو وابن خالته - الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي المقدسي
(2)
- وأقاما هناك أربع سنوات، أتقنا خلالها الفقه، والحديث، والخلاف، ثم
(1)
فلسطين: بكسر الفاء وفتح اللام، فتحها معاوية سنة (19 هـ)، بلد ذو زروع وفواكه وتجارات مكتظ بالسكان، سميت فلسطين؛ لأن أَوَّل من نزلها فلستين بن كيسوحين يقطن بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام، وهي مدينة بيت المقدس بينها وبين الرملة ثمانية عشر ميلا، وهي آخر كور الشام من ناحية مصر، ومن مشهور مدنها عسقلان، والرملة، وغزة، ونابلس، وأريحا، وعمان، ويافا، وبيت جبرين، وقيل في تحديدها: إنها أَوَّل أجناد الشام من ناحية الغرب، وطولها للراكب مسافة ثلاثة أيام، أولها رفح من ناحية مصر وآخرها اللجون من ناحية الغور، وعرضها من يافا إلى أريحا نحو ثلاثة أيام أيضا. ينظر: المسالك والممالك 1/ 464، والجبال والأمكنة والمياه ص 257، ومعجم البلدان 4/ 274، والروض المعطار في خبر الأقطار ص 441.
(2)
هو: الإمام الحافظ تقي الدِّين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي المقدسي، الجماعيلي، ثم الدمشقي المنشأ الصالحي الحنبلي، ولد بجماعيل من أرض نابلس سنة (541 هـ)، كان من أهل بيت عرفوا بالعلم والصلاح، اتجه إلى طلب العلم في سن مبكرة، فتتلمذ في صغره على عميد أسرته العلامة محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو عمر، ثم تتلمذ على شيوخ دمشق وعلمائها فأخذ عنهم الفقه وغيره من العلوم، له مصنفات عديدة منها: المصباح في عيون الأحاديث الصحاح، ونهاية المراد من كلام خير العباد، وتحفة الطالبين في الجهاد والمجاهدين، توفي سنة (600 هـ) ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 129، وتأريخ الإسلام 42/ 442، وتذكرة الحفاظ 4/ 111.
انتقل إلى رِبَاطِ النَّعَّالِ، واشتغل على ابن المَنِّيِّ
(1)
، ثم ارتحل إلى مكة عام (573 هـ) وأدى مناسك الحج، وقرأ، والتقى بأهل
العلم، ومنهم المبارك بن الطبّاخ
(2)
، وفي طريق العودة ذهب إلى بغداد، حيث بقي فيها سنة، كما رحل إلى الموصل
(3)
، ثم ارتحل إلى دمشق، وبدأ بالتأليف، والكتابة، وكانت رحلاته لطلب العلم وتحصيله.
(1)
هو: العلامة ناصح الدِّين نصر بن فتيان بن مطر بن المني النهرواني، أبو الفتح الحنبلي، فقيه العراق، ولد سنة (501 هـ)، وتفقه على أبي بكر أحمد بن محمد الدِّينوري، ولازمه حتى برع في المذهب، وسمع من: هبة الله بن الحصين، والحسين بن محمد البارع، والحسين بن عبد الملك الخلال، وأبي الحسن بن الزاغوني، تفقَّه عليه الشيخ الْمُوَفَّق، والبهاء عبد الرحمن، قال ابن النجار: كان ورعا، عابدا، حسن السمت، على منهاج السلف، أضر بأخرة، وثقل سمعه، ولم يزل يدرس إلى حين وفاته بمسجده بالمأمونية، توفي سنة (583 هـ). ينظر: تأريخ الإسلام 41/ 166، وسير أعلام النبلاء 21/ 138، وذيل طبقات الحنابلة 2/ 354، والمقصد الأرشد 3/ 62.
(2)
هو: المبارك بن علي بن الطباخ البغدادي الحنبلي، أبو محمد، المجاور بمكة، وإمام الحنابلة بالحرم، كان يكتب العبر، ويؤم بحطيم الحنابلة، سمع من ابن الحسين، وأبي بكر المزرفي، وابن غالب بن البنا، والقاضي أبي الحسين بن الفراء، وكتب بخطه، سمع منه أبو سعد بن السمعاني، وأبو القاسم عبيد الله بن الفراء، وأبو العباس أحمد بن محمد بن الفراء، وأبو الفتح بن عبدوس الحراني، كان أديبا فاضلا مليح الإنشاء حسن الطريقة، وروى عن هبة الله بن أحمد الموصلي وجماعة. توفي سنة (575 هـ) وله (86 سنة) ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 70، وذيل طبقات الحنابلة 2/ 317.
(3)
الموصل: بفتح أوله، وإسكان ثانيه، بعده صاد مهملة مكسورة، المدينة المشهورة العظيمة، إحدى قواعد بلاد الإسلام، قليلة النظير كبرا وعظما، وكثرة خلق، وسعة رقعة، فهي محط رحال الركبان ومنها يقصد إلى جميع البلدان فهي باب العراق ومفتاح خراسان، ومنها يقصد إلى أذربيجان، سميت بذلك؛ لأنها وصلت بين الفرات ودجلة. وقيل: لأنها وصلت بين الجزيرة والعراق. نظر: معجم ما استعجم 4/ 1278، ومعجم البلدان 5/ 223، وآثار البلاد وأخبار العباد ص 463.
المطلب الرابع: شيوخه:
تلقى الْمُوَفَّق العلم على علماء عصره من أبرزهم:
أولاً: والده الشيخ العلامة أحمد بن محمد بن قدامة.
ثانيًا: الشيخ عبد القادر بن عبد الله الجيلاني: أبو محمد، ولد بالرها في جمادى الآخرة سنة (536 هـ) ونشأ بالموصل، طلب العلم وهو صغير، ورحل إلى البلاد النائية، ولقي الكبار، وعني بالحديث أتم عناية، كان عالمًا، صالحًا، مأمونًا، ثقة، تتلمذ على مسعود بن الحسن الثقفي، والحسن بن العباس الرستمي، وأبي المطهر القاسم بن الفضل الصيدلاني، وسمع منه الحافظ عبد الغني، والشيخ الْمُوَفَّق ببغداد قرأ عليه متن الخرقي قبل وفاته بأربعين يومًا، توفي سنة (561 هـ)
(1)
.
ثالثًا: عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي: جمال الدِّين، أبو الفرج ابن الجوزي البغدادي الحنبلي، ولد في بغداد سنة (511 هـ) وكان أوحد وقته في الوعظ، وكان حافظًا ثقة،
له مصنفات عديدة منها «المنتظم في تأريخ الأمم» و «زاد المسير في علم التفسير» و «أخبار الأذكياء» قرأ عليه الْمُوَفَّق في بغداد، توفي سنة (597 هـ)
(2)
.
رابعًا: نصر بن فتيان بن مطر ابن المَنِّي النهرواني.
(1)
ينظر: تأريخ الإسلام 44/ 108.
(2)
ينظر: الإكمال في رفع الارتياب 3/ 15، والمقصد الأرشد 2/ 93، شذرات الذهب في أخبار من ذهب 1/ 47.
خامسًا: عبد الواحد بن محمد بن المسلّم بن هلال الأزدي الدمشقي: ولد سنة (489 هـ) وسمع من الشريف النسيب، وأبي طاهر الحنائي، وأبي الحسن بن الموازيني، روى عنه: البهاء ابن عساكر، والحافظ عبد الغني، والْمُوَفَّق المقدسي، وآخرون، توفي سنة (565 هـ) ودفن بمقبرة باب الفراديس
(1)
.
سادسًا: عبد الله بن أحمد الطوسي: الشيخ، الإمام، العالم، الفقيه، المحدث، أبو الفضل، البغداداي، الشافعي، خطيب الموصل، ولد سنة (487 هـ) سمع حضورا من أبي عبد الله ابن طلحة النعالي، وطراد الزينبي، وحدث عنه أبو سعد السمعاني، وعبد القادر الرهاوي، وقرأ عليه الْمُوَفَّق بالموصل وقال عنه:«كان شيخًا حسنًا لم نر منه إلا الخير»
(2)
توفي سنة (578 هـ)
(3)
.
سابعًا: المبارك بن علي بن الطباخ البغدادي الحنبلي.
ثامنًا: هبة الله بن الحسن بن هلال الدقاق العجلي: أبو القاسم، السامري، الكاتب، ثم البغدادي، شيخ معمر، صحيح الرواية، من أهل الظفرية، ولد سنة (471 هـ) سمع من أبي الحسن علي بن محمد الأنباري، وعاصم بن الحسن، وعبد الله بن علي بن زكريا، حدث عنه السمعاني، وعبد الغني بن عبد الواحد، وأبو محمد ابن قدامة، قال السمعاني:
(1)
ينظر: تأريخ الإسلام 39/ 226، وسير أعلام النبلاء 20/ 500. باب الفراديس: موضع بقرب دمشق، وباب من أبواب دمشق، أنشأه الملك الظاهر غازي وبنى عليه أبراجا عالية، ثم سد بعد وفاته إلى أن فتحه ابن ابنه الملك الناصر. ينظر: معجم البلدان 4/ 242، ونهر الذهب في تأريخ حلب 2/ 11.
(2)
ينظر: سير أعلام النبلاء 21/ 88.
(3)
ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 75، وسير أعلام النبلاء 21/ 87.
«كان شيخا لا بأس به، ظاهره الخير والصلاح»
(1)
.
وقال ابن قدامة: «هو - فيما أظن - أقدم مشايخنا سماعًا»
(2)
، توفي سنة (562 هـ)
(3)
.
تاسعًا: نفيسة بنت محمد بن علي البزازة البغدادية: وتسمى أيضا فاطمة، والأَوَّل أشهر، سمعت من طراد الزينبي، والحسين بن طلحة النعالي الحمامي، روى عنها الحافظ عبد الغني، والشيخ الْمُوَفَّق ببغداد توفيت سنة (563 هـ)
(4)
.
عاشرًا: عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد، المعروف بابن الخشاب البغدادي:
أبو محمد، العالم المشهور في الأدب والنحو التفسير والحديث، ولد سنة (492 هـ) كان متضلعا من العلوم، وكان قليل الاكتراث بالمأكل والملبس، سمع من أبي القاسم الربعي، وأبي الغنائم النرسي، وأبي زكريا بن منده، كان إليه المنتهى في حسن القراءة وسرعتها وفصاحتها مع الفهم والعذوبة، وانتهت إليه الإمامة في النحو، روى عنه أيضا أبو اليمن الكندي، والحافظ عبد الغني، وأبو محمد بن قدامة، ومحمد بن عماد الحراني، وأبو البقاء العكبري توفي سنة (567 هـ)
(5)
.
(1)
ينظر: تأريخ الإسلام 39/ 144، وسير أعلام النبلاء 20/ 471.
(2)
انظر: تأريخ الإسلام 39/ 144، وسير أعلام النبلاء 20/ 471.
(3)
ينظر: تأريخ الإسلام 39/ 144، وسير أعلام النبلاء 20/ 471.
(4)
ينظر: تأريخ الإسلام 39/ 180.
(5)
ينظر: المختصر في أخبار البشر 3/ 52، العبر في خبر من غبر 3/ 50، تأريخ الإسلام 39/ 269.
المطلب الخامس: تلاميذه:
تفقه على يدي الْمُوَفَّق الكثير من أهل العلم من أبرزهم:
أولاً: زكي الدِّين إبراهيم بن عبد الرحمن المعري البعلي: الزاهد العابد، زكي الدِّين أبو إسحاق؛ حضر على الشيخ موفق الدِّين، وتفقه وحفظ «المقنع» . وكان صالحا، عالما عابدا، زاهدا ورعا، اجتمعت الألسن على مدحه والثناء عليه. وقال الذهبي
(1)
: كان من أعبد البشر. توفي سنة (ت 691 هـ)
(2)
.
ثانيًا: أحمد بن إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي: الشيخ الهمام عماد الدِّين بن الشيخ العماد المقدسي الصالحي، سمع من أبى القاسم ابن الحرستاني، وأبيه، والشيخ موفق الدِّين، له حظ من صلاة، وصيام، وذكر، سمع منه المزي والبرزالي وأقام مدة بزاوية له بسفح قاسيون توفي سنة (688 هـ)
(3)
.
ثالثًا: أحمد بن سلامة بن أحمد بن سليمان النجار الحراني:
(1)
هو: الحافظ محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله، التركماني الأصل، الفارقي ثم الدمشقي، أبو عبد الله شمس الدِّين الذهبي، منقطع القرين في معرفة أسماء الرجال، محدث كبير، مؤرخ، ولد سنه (673 هـ) مهر في فنون كثيرة حتى كان أكثر أهل عصره تصنيفا، من مصنفاته: الإعلام بالوفيات، تاريخ الإسلام، سير أعلام النبلاء، توفي سنة (748 هـ) ينظر: المختصر في أخبار البشر 4/ 150، وتذكرة الحفاظ 1/ 4.
(2)
انظر: ذيل طبقات الحنابلة 4/ 252، وشذرات الذهب 7/ 729.
(3)
ينظر: المقصد الارشد 1/ 74.
أبو العباس، المحدث الزاهد، صحب الحافظ عبد الغني المقدسي، والحافظ عبد القادر الرهاوي، والشيخ موفق الدِّين المقدسي، وسمع منهم، كان مشهورًا بالزهد، والورع والصلاح، توفي في بحران سنة (646 هـ)
(1)
.
رابعًا: الحافظ أحمد بن عيسى بن عبد الله ابن قدامة: الإمام، العالم، الحافظ، المتقن، القدوة، الصالح، سيف الدِّين، أبو العباس أحمد ابن المحدث الفقيه مجد الدِّين عيسى ابن الإمام العلامة موفق الدِّين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، الصالحي، الحنبلي، ولد سنة (605 هـ) كان ثقة ثبتًا، ذكيًا، سلفيًا، تقيًا، ذا ورع وتقوى، ومحاسن جمة، وتعبد وتأله، ومروءة تامة، قال بعضهم: ولو طال عمره لساد أهل زمانه علما وعملا سمع من جده الكثير، له مصنف في الاعتقاد، فيه آثار كثيرة وفوائد، وله كتاب «الأزهر» في ذكر آل جعفر بن أبي طالب وفضائلهم، توفي سنة (643 هـ)
(2)
.
خامسًا: إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو المرداوي: ابن الفراء العدل المسند الكبير عز الدِّين أبو الفداء، روى عن الْمُوَفَّق، وابن راجح، وجماعة، وكان صالحًا، متواضعًا، متعبدًا، توفي سنة (700 هـ)
(3)
.
سادسًا: زكي الدِّين إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد المعرّي: الزاهد العابد، زكي الدِّين، أبو إسحاق، عابد صالح، سمع من البهاء،
(1)
ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 3/ 536.
(2)
ينظر: سير أعلام النبلاء 23/ 118، وذيل طبقات الحنابلة 3/ 525، والمقصد الارشد 1/ 151.
(3)
ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 406.
وحضر الشيخ الْمُوَفَّق، ولد سنة (609 هـ) كان
قنوعًا، يقوم الليل، ويصوم كثيرًا، وغالب أيامه يقرأ نصف ختمة، قال الذهبي: كان من أعبد البشر، توفي سنة (691 هـ)
(1)
.
سابعًا: عبد الحافظ بن بدران بن شبل بن طرخان المقدسي النّابلسي: صاحب المدرسة بنابلس، سمع من الشيخ موفق الدِّين، والبهاء وغيرهما، وأجاز له ابن المرستاني، قال الذهبي: إمام فقيه عابد بنى مدرسة بنابلس وكان مواظبًا على التلاوة والانقطاع، توفي في ذي الحجة وله نحو من تسعين، سنة (698 هـ)
(2)
.
ثامنًا: علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي الصالحي الحنبلي: أبو الحسن، ولد في آخر سنة (590 هـ) وسمع من حنبل، وابن طبرزد، والكندي.
قال ابن رجب
(3)
في طبقاته: تفرّد في الدّنيا بالرواية العالية، وتفقه
(1)
ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 375، وتأريخ الإسلام 52/ 111، وذيل طبقات الحنابلة 4/ 252، وشذرات الذهب 7/ 729.
(2)
ينظر: المقصد الارشد 2/ 125، وشذرات الذهب 7/ 772.
(3)
هو: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، زين الدِّين، أبو الفرج، ولد ببغداد، سنة 736 هـ، من علماء الحنابلة، كان محدثا، حافظا، فقيها، أصوليا، ومؤرخا، من شيوخه محمد بن محمد الميدومي في مصر، ومحمد بن إسماعيل ابن الخباز بدمشق، وابن تيمية، ومن تلاميذه الزركشي عبد الرحمن بن محمد، وعلاء الدِّين الطرطوسي، وابن اللحام البعلي وغيرهم، له مصنفات عدة منها (تقرير القواعد وتحرير الفوائد، وذيل طبقات الحنابلة، الاستخراج لأحكام الخراج، وجامع العلوم والحكم، وغيرها كثير) توفي بدمشق في شهر رجب سنة (795 هـ) ينظر: الدرر الكامنة 3/ 108، والمقصد الأرشد 2/ 81، والأعلام 3/ 295.
على الشيخ موفق الدِّين، وقرأ عليه «المقنع» وأذن له في إقرائه، وصار محدّث الإسلام وراويته، روى الحديث فوق ستين سنة، وسمع منه الأئمة الحفّاظ المتقدّمون، توفي سنة (690 هـ)
(1)
.
تاسعًا: عبد العظيم بن عبد القوي ابن عبد الله المنذري الشّامي ثم المصري الشّافعي: زكي الدِّين، أبو محمد، صاحب التصانيف، ولد سنة (581 هـ) كان حافظًا، كبيرًا، حجّة، ثقة، عمدة، سمع من الأرتاحي، وأبي الجود، وابن طبرزد، وخلق.
قال الذهبيّ: لم يكن في زمانه أحفظ منه، له مصنفات عدة منها:«مختصر مسلم» و «مختصر سنن أبي داود» وله عليه حواش مفيدة، وكتاب «الترغيب والترهيب» وهو كتاب نفيس، توفي سنة (656 هـ)
(2)
.
عاشرًا: الضياء محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي الحنبلي. وغيرهم.
المطلب السادس: مؤلفاته:
قال ابن رجب
(3)
: «صنف الشيخ الْمُوَفَّق رحمه الله التصانيف الكثيرة الحسنة في المذهب، فروعا وأصولا، وفي الحديث، واللغة، والزهد، والرقائق، وتصانيفه في أصول الدِّين في غاية الحسن، أكثرها على طريقة
(1)
ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 373، شذرات الذهب 7/ 723.
(2)
انظر: شذرات الذهب 7/ 479.
(3)
انظر: ذيل طبقات الحنابلة 3/ 291.
أئمة المحدثين، مشحونة بالأحاديث والآثار، وبالأسانيد».
وقال الشيخ عز الدِّين بن عبد السلام
(1)
(2)
.
ومن مؤلفاته ما يلي:
أولاً- في العقيدة:
1 -
ذم التأويل (مطبوع).
2 -
لمعة الاعتقاد، وهي رسالة في عقيدة أهل السنة والجماعة (مطبوع).
3 -
رسالة في مسألة العلو (مطبوع).
4 -
مسألة في تحريم النظر في كتب أهل الكتاب (مطبوع).
ثانيًا- في أصول الفقه:
1_
روضة الناظر وجنة المناظر (مطبوع).
(1)
هو: عز الدِّين، عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم، أبو محمد، شيخ الإسلام، الإمام العلامة، وحيد عصره، سلطان العلماء، السلمي الدمشقي، ثم المصري الشافعي، ولد سنه (577 هـ) انتهت إليه معرفه مذهب الشافعي، بلغ مرتبة الاجتهاد، برع في الفقه، والأصول، والعربية، وفاق الأقران والأضراب، وجمع بين فنون العلم، من التفسير، والحديث، والفقه، واختلاف أقوال الناس، ومآخذهم، توفي بمصر سنة (660 هـ). ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 299، وطبقات الشافعيين ص 873، وطبقات الشافعية 2/ 109، وشذرات الذهب 7/ 522.
(2)
انظر: تأريخ الإسلام 30/ 410، وتذكرة الحفاظ 3/ 229، وسير أعلام النبلاء 18/ 193، وذيل طبقات الحنابلة 3/ 294، والمقصد الارشد 2/ 18.
ثالثًا- في الفقه:
1 -
المغني في شرح مختصر الخرقي (مطبوع).
2 -
المقنع (مطبوع).
3 -
الكافي (مطبوع).
4 -
عمدة الفقه (مطبوع).
5 -
مختصر الهداية لأبي الخطاب (مطبوع).
رابعًا - في الفضائل والأخلاق:
1 -
كتاب التوابين (مطبوع).
2 -
كتاب الرقة والبكاء (مطبوع).
3 -
كتاب المتحابين في الله (مطبوع).
خامسا- في التأريخ والأنساب:
1 -
الاستبصار في نسب الأنصار (مطبوع).
2 -
التبيين في فضائل الخلفاء الراشدين (مطبوع).
(1)
(1)
يراجع للاستزادة في مؤلفاته: سير أعلام النبلاء 22/ 167، ذيل طبقات الحنابلة 3/ 281، فوات الوفيات 2/ 158، الوافي بالوفيات 17/ 23، شذرات الذهب 7/ 155، ابن قدامة وآثاره الأصولية للدكتور عبد العزيز بن عبد الرحمن السعيد، مقدمة روضة الناظر، تحقيق الدكتور عبد الكريم النملة، والمسائل الأصولية المتعلقة بالأدلة الشرعية للدكتور عبد الرحمن السديس.
المطلب السابع: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه:
يعتبر ابن قدامة شيخ المذهب، وكتبه تعتبر هي العمدة في المذهب، وجميع المتأخرين عيال عليه، فهم إما شارحون لكتبه، أو ناقلون لأقواله ويظهر ذلك من أقوال العلماء فيه:
فقال الشيخ عبد الله اليونيني
(1)
(2)
.
قال الضياء: «كان رحمه الله إمامًا في القرآن وتفسيره، إمامًا في علم الحديث ومشكّلاته، إمامًا في الفقه بل أوحد زمانه فيه، إمامًا في علم الخلاف،
(1)
هو: عبد الله بن عثمان بن جعفر اليونيني، أبو عثمان، الزاهد الكبير، أسد الشام، وكان شيخا مهيبا طوالا، حاد الحال، تام الشجاعة، أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر، كثير الجهاد، دائم الذكر، عظيم الشأن، توفي سنة (617 هـ). ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 173، وتأريخ الإسلام 44/ 338، وسير أعلام النبلاء 22/ 101، والمقصد الأرشد 2/ 357، وشذرات الذهب 7/ 132.
(2)
انظر: شذرات الذهب 7/ 159، وسير أعلام النبلاء 22/ 169، وذيل طبقات الحنابلة 3/ 287.
أوحد زمانه في الفرائض، إمامًا في أصول الفقه، إمامًا في النحو، إمامًا في الحساب، إمامًا في النجوم السيارة والمنازل»
(1)
.
وقال عمر بن الحاجب
(2)
: «هو إمام الأئمة، ومفتي الأمة، خصه الله بالفضل الوافر، والخاطر الماطر، والعلم الكامل، طنت بذكره الأمصار، وضنت بمثله الأعصار، أخذ بمجامع
الحقائق النقلية والعقلية، إلى أن قال: وله المؤلفات الغزيرة، وما أظن الزمان يسمح بمثله، متواضع، حسن الاعتقاد، ذو أناة، وحلم، ووقار، مجلسه معمور بالفقهاء، والمحدثين، وكان كثير العبادة، دائم التهجد، لم نر مثله ولم ير مثل نفسه»
(3)
.
وقال أبو العباس ابن تيمية
(4)
: «ما دخل الشام بعد الأوزاعي، أفقه
(1)
انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 238.
(2)
هو: عمر بن محمد بن منصور الأميني، الدمشقي المعروف بابن الحاجب (عز الدِّين) أبو حفص، محدث، حافظ، مؤرخ، عالم بتقويم البلدان، ولد بدمشق سنة (593 هـ)، تنقل في بلاد شتى لطلب العلم، سمع من: هبة الله بن الخضر بن طاوس- وهو أقدم شيخ له-، وموسى بن عبد القادر، والشيخ الْمُوَفَّق، له مصنفات عدة منها: معجم الشيوخ فيه ألف ومئة وثمانون شيخا، معجم البقاع والبلدان التي سمع بها، توفي سنة (630 هـ). ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 207، وتأريخ الإسلام 45/ 400، وتذكرة الحفاظ 4/ 164، وسير أعلام النبلاء 22/ 370، وطبقات الحفاظ للسيوطي ص 509.
(3)
ينظر: سير أعلام النبلاء 22/ 167.
(4)
هو: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله أبي القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقي الحنبلي، أبو العباس، تقي الدِّين ابن تيمية، شيخ الإسلام، ولد في حران سنة (661 هـ)، من مشايخه والده، والشيخ عبد الرحمن بن قدامة، ومن تلاميذه ابن القيم، وابن مفلح، كان آية في التفسير والأصول، له مصنفات عدة منها:(الجوامع)، و (الفتاوى) و (منهاج السنة) و (السياسة الشرعية) توفي معتقلا بقلعة دمشق سنة (728 هـ). ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 4/ 491، الدرر الكامنة 1/ 168، المقصد الأرشد 1/ 132، الأعلام 1/ 144.
من الشيخ الْمُوَفَّق، رحمه الله»
(1)
.
قال ابن النجار
(2)
(3)
.
قال الذهبي: «ورأيت وفاة الشيخ شمس الدِّين ابن أبِي عمر بخط شيخنا شيخ الإسلام تقي الدِّين ابن تيميه، فمن ذلك: توفي شيخنا الإِمام، سيد أهل الإسلام فِي زمانه، وقطب فلك الأنام فِي أوانه، وحيد الزمان حقًا حقًا، وفريد العصر صدقًا صدقًا، الجامع لأنواع المحاسن، ...... القارن بين خلتي العلم والحلم، والحسب والنسب، والعقل والفضل، والخَلق والخُلق، ذي الأخلاق الزكية، والأعمال المرضية، مع سلامة الصدر والطبع، واللطف والرفق، وحسن النية، وطيب الطوية، حتى إن كان المتعنت ليطلب له عيبا فيعوزه - إلى أَن قال - وبكت عليه العيون بأسرها، وعم مصابه جميع الطوائف، وسائر الفرق. فأي دمع مَا انسجم، وأي أصل مَا
جُذم، وأي ركن مَا هدم، وأي فضل ما عدم؟! يا لَهُ من خطب مَا أعظمه، وأجل مَا أقدره، ومصاب ما أقحمه؟ وأكبر ذكره.
(1)
نقله عن شيخ الإسلام كل من: ذيل طبقات الحنابلة 3/ 286، شذرات الذهب 7/ 158.
(2)
هو: محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي، تقي الدِّين أبو البقاء، الشهير بابن النجار، فقيه حنبلي مصري، من القضاة، أخذ عن والده وغيره وولي نيابة القضاء بسؤال معظم أهل مصر، وانتهت إليه رئاسة مذهبه، له مصنفات: منها (منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات) وشرح الكوكب المنير، توفي سنة (972 هـ). ينظر: الكواكب السائرة 3/ 87، والأعلام 6/ 6، والمدخل المفصل 1/ 473.
(3)
انظر: سير أعلام النبلاء 22/ 167.
وبالجملة: فقد كان الشيخ أوحد العصر فِي أنواع الفضائل، بل هذا حكم مُسلّم من جميع الطوائف. وكان مصابه أجل من أَن تحيط به العبارة، فرحمه اللَّه ورضي عَنْهُ، وأسكنه بحبوحة جنته، ونفعنا بمحبته. إنه جواد كريم». انتهى
(1)
.
وقال فيه شيخه أبو الفتح ابن المنّى: «اسكن هنا، فإن بغداد مفتقرة إليك، وأنت تخرج منها، ولن تخلف فيها مثلك»
(2)
.
وقال سبط ابن الجوزي
(3)
(4)
.
(1)
نقل عنه كل من: ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة 4/ 181، وابن العماد في شذرات الذهب 7/ 661.
(2)
انظر: المقصد الأرشد 2/ 17.
(3)
هو: العلامة الواعظ، المؤرخ شمس الدِّين أبو المظفر يوسف بن قزغلي التركي، ثم البغدادي الهبيري الحنفي، سبط الشيخ أبي الفرج بن الجوزي، له مصنفات منها «تفسير» في تسع وعشرين مجلدا، و «شرح الجامع الكبير» وكتاب «مرآة الزمان» وهو كتاب كاسمه، وجمع مجلدا في مناقب أبي حنيفة، ودرس وأفتى. وكان في شبيبته حنبليا، وكان وافر الحرمة عند الملوك. ينظر: شذرات الذهب 7/ 460.
(4)
ينظر: شذرات الذهب 7/ 157.
المطلب الثامن: عقيدته، ومذهبه الفقهي:
أولاً: عقيدته:
يعتبر العلامة الْمُوَفَّق من أعلام السلف، سليم المعتقد، حيث تربى على سلامة العقيدة، والأخذ من معين الكتاب والسنة. والسير على منهج السلف.
قال سبط ابن الجوزي رحمه الله: «كان صحيح الاعتقاد، مبغضا للمشبهة» .
وقال: من شرط التشبيهات أن يرى الشيء ثم يشبهه، من رأى الله تعالى حتى يشبهه لنا.
وقال ابن النجار
(1)
وقال ابن رجب: «وتصانيفه في أصول الدِّين في غاية الحسن، أكثرها على طريقة أئمة المحدثين، مشحونة بالأحاديث والآثار، وبالأسانيد، كما هي طريقة الإمام أحمد وأئمة الحديث، ولم يكن يرى الخوض مع المتكلمين في دقائق الكلام، ولو كان بالرد عليهم، وهذه طريقة أحمد والمتقدمين، وكان كثير المتابعة للمنقول في باب الأصول وغيره، لا يرى إطلاق مالم يؤثر من العبارات، ويأمر بالإقرار والإمرار لما جاء فِي الكتاب والسنة من الصفات، من غَيْر تفسير ولا تكييف، ولا تمثيل ولا تحريف،
(1)
ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 3/ 284.
ولا تأويل ولا تعطيل»
(1)
.
وإن المتأمل في كلام ابن رجب السابق، والمتأمل في بعض كتب الْمُوَفَّق المتعلقة بالعقيدة يلمس أنه قد تأثر بمسلك الأشاعرة، ولا سيما في صفات الأفعال، واكتفى بالإقرار، والإمرار ومن أمثلة ذلك:
1 -
قال في لمعة الاعتقاد
(2)
لما تكلم عن كلام السلف وأئمة الخلف في الصفات: «وعلى هذا درج السلف، وأئمة الخلف رضي الله عنهم، كلهم متفقون على الإقرار، والإمرار» .
والكلام فيه إجمال لمذهب السلف، والصواب أنه لابد من الإيضاح والتفصيل.
2 -
قوله في لمعة الاعتقاد عن كلام الله: «من صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم»
(3)
.
قال ابن عثيمين في تعليقه على لمعة الاعتقاد
(4)
: قوله: متكلم بكلام قديم يعني: قديم النوع حادث الآحاد لا يصلح إلا هذا المعنى على مذهب أهل السنة والجماعة، وإن كان ظاهر كلامه أنه قديم النوع والآحاد.
وقال شيخ الإسلام
(5)
: «إن لفظ القديم أولاً ليس مأثورًا عن السلف، وإنما الذي اتفقوا عليه أن القرآن كلام الله غير مخلوق» .
(1)
ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 3/ 291.
(2)
ينظر: لمعة الاعتقاد ص 7.
(3)
ينظر: لمعة الاعتقاد ص 15.
(4)
ينظر: تعليق مختصر على كتاب لمعة الاعتقاد ص 74.
(5)
ينظر: الفتاوى الكبرى 6/ 465.
3 -
قال في روضة الناظر
(1)
في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله}
(2)
أي: أولياء الله.
وهذا التفسير رده الشنقيطي في مذكرة في أصول الفقه
(3)
فقال: «وأما تفسيره» «يؤذون الله» بقوله يؤذون أولياءه فليس بصحيح، بل معنى إيذائهم الله كفرهم به وجعلهم له الأولاد والشركاء، وتكذيبهم رسله.
وبهذا يتبين أن الْمُوَفَّق سار على عقيدة السلف في الجملة، وقد تأثر في مذهب الأشاعرة في بعض المسائل، كصفات الله، والتفويض والإمرار، وذلك لانتشار مذهبهم في عصره
(4)
.
ثانيًا: مذهبه الفقهي:
أما مذهبه فهو حنبلي يظهر من خلال الوقوف على شيوخه، وتلاميذه، كما يظهر من خلال مصنفاته الفقهية مثل الكافي، والمغني وغيرها، كما اشتهر بهذا المذهب عند الفقهاء، والمصنفين
(5)
.
وقد بين الْمُوَفَّق سبب اتباعه لمذهب الإمام أحمد فقال في المغني
(6)
: «وكان إمامنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه، من أوفاهم
(1)
ينظر: روضة الناظر: 1/ 260.
(2)
سورة الأحزاب: 57.
(3)
ينظر: مذكرة في أصول الفقه ص 72.
(4)
للاستزاده يراجع كتاب المسائل الأصولية المتعلقة بالأدلة الشرعية 1/ 95.
(5)
ينظر: سير أعلام النبلاء 22/ 167، ذيل طبقات الحنابلة 3/ 281، فوات الوفيات 2/ 158، الوافي بالوفيات 17/ 23، شذرات الذهب 7/ 155.
(6)
ينظر: المغني 1/ 4.
فضيلة، وأقربهم إلى الله وسيلة، وأتبعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمهم به، وأزهدهم في الدنيا وأطوعهم لربه، فلذلك وقع اختيارنا على مذهبه».
ولكن الْمُوَفَّق رحمه الله كان مجتهدًا فلم يقتصر على ترجيح المذهب، ولم يتعصب له إذا ظهر أن الحق خلافه، ومن تتبع كتابه المغني الزاخر بأقوال الأئمة، والأصحاب، وجد أن الْمُوَفَّق اجتهد في مسائل، وخالف ظاهر مذهب الإمام أحمد، فمثلا في مسألة تحديد مسافة القصر في الصلاة، يرى الْمُوَفَّق عدم التحديد بمسافة معينة، مخالفا بذلك المذهب وغيره فقال
(1)
: «ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة، لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة، ولا حجة فيها مع الاختلاف، وقد روي عن ابن عباس، وابن عمر، خلاف ما احتج به أصحابنا، ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قولهم حجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه
…
» وكذلك مسألة تغريب المرأة الزانية البكر، ومسألة حكم السعي، وغيرها كثير
(2)
.
(1)
ينظر: المغني 2/ 190.
(2)
ليراجع في ذلك تحقيق الدكتور عبد العزيز السعيد على الروضة القسم الأَوَّل من الدراسة، وكذلك رسالة الدكتور عبد الرحمن السديس (المسائل الأصولية المتعلقة بالأدلة الشرعية) 1/ 106.
المبحث الثاني
التعريف بكتاب المقنع
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: منهج المؤلف في الكتاب.
المطلب الثاني: مصادر المؤلف.
المطلب الثالث: قيمة الكتاب العلمية.
المطلب الأول: منهج المؤلف في الكتاب:
قال الْمُوَفَّق في مقدمته لكتاب المقنع
(1)
وأكثر المؤلف فيه من ذكر الروايات في المذهب، والأوجه، ولم يرجح بينها.
قال المرداوي: «اعلم رحمك الله تعالى أن المصنف - المراد الْمُوَفَّق رحمه الله تعالى - يكرر في كتابه أشياء كثيرة، عبارته فيها مختلفة الأنواع، فيحتاج إلى تبيينها، وأن يكشف عنها القناع، فإنه: تارة يطلق «الروايتين» أو «الروايات» أو «الوجهين» أو «الوجه» أو «الأوجه» أو «الاحتمالين» أو «الاحتمالات» بقوله «فهل الحكم كذا؟ على روايتين، أو على وجهين، أو فيه روايتان، أو وجهان، أو احتمل كذا واحتمل كذا» ونحو ذلك، فهذا وشبهه الخلاف فيه مطلق، والذي يظهر: أن إطلاق المصنف وغالب الأصحاب ليس هو لقوة الخلاف من الجانبين، وإنما مرادهم: حكاية
(1)
ينظر: المقنع 1/ 14.
الخلاف من حيث الجملة»
(1)
، ومشى فيه الْمُوَفَّق على طريقة أبواب الفقه.
المطلب الثاني: مصادر المؤلف:
قد تتبعت كتاب المقنع من أوله، إلى آخره، فتوصلت إلى أن الْمُوَفَّق يذكر الروايتين، والوجهين في المذهب، كما أنه لا ينقل إلا عن القليل من الفقهاء.
فقد نقل عن أبي بكر: عبد العزيز بن جعفر، غلام الخلال
(2)
في تسعة عشر موضعًا، ونقل عن أبي الخطاب: محفوظ بن أحمد الكلوذاني
(3)
(1)
ينظر: الإنصاف 1/ 4.
(2)
هو: عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد بن معروف أبو بكر، المعروف بغلام الخلال، تلميذ أبي بكر الخلال، ولد سنة (285 هـ) وروى عنه بالإجازة أبو إسحاق البرمكي، له مصنفات عدة منها: كتاب المقنع وهو نحو مئة جزء، وكتاب الشافي نحو ثمانين جزءًا، وكتاب زاد المسافر، وكتاب الخلاف مع الشافعي، توفي سنة (363 هـ) ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 119، وسير أعلام النبلاء 16/ 143، والمقصد الأرشد 2/ 126.
(3)
هو: محفوظ بن أحمد الكلوذاني، أبو الخطاب البغدادي، إمام الحنابلة في وقته، أصله من «كلواذا» بضواحي بغداد، ولد ببغداد سنة (432 هـ) كان فقيها أصوليا، أديبا، أخذ أبو الخطاب العلم من عدد من فقهاء بغداد، ومحدثيها الذين عاصرهم والتقى بهم منهم القاضي أبو يعلى، وأبو طالب العشاري، والدامغاني، ومن أشهر تلاميذه أبو سعد عبد الوهاب بن حمزة، وأبو بكر الدِّينوري، وأبو الفتح السامري، له مصنفات عدة، منها «التمهيد» في أصول الفقه، و «الانتصار في المسائل الكبار» ، و «الهداية» في الفقه، توفي بغداد سنة (510 هـ) ينظر: الهداية على مذهب الإمام أحمد 1/ 7، وطبقات الحنابلة 2/ 258، وتأريخ الإسلام 35/ 251.
في واحد وثلاثين موضعًا، ونقل عن
القاضي: محمد بن الحسين بن أبي يعلى
(1)
في ثمانية وأربعين موضعًا، ونقل عن الخرقي
(2)
في اثنين وعشرين موضعًا، ونقل عن ابن حامد: الحسن بن حامد
(3)
في اثني عشر موضعًا.
(1)
هو: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء، أبو يعلي كان عالم زمانه، وفريد عصره، ولد في أَوَّل سنة (380 هـ) وكان عارفا بالمذهب، سمع من علي بن عمر الحربي، وأبي القاسم بن حبابة، والحسن بن حامد، وابن البغدادي الحسين بن أحمد وغيرهم، ومن تلاميذه أحمد بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي، وأبو الخطاب الكلوذاني، وأبو الوفاء بن عقيل، وله تصانيف كثيرة في الفروع والأصول، وغير ذلك، منها: المجموع في الفروع، رؤوس المسائل، المفردات في الفقه، توفي سنة (458 هـ). ينظر: سير أعلام النبلاء 18/ 89، وطبقات الحنابلة 2/ 193، العبر في خبر من غبر 2/ 309، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 393.
(2)
هو: عمر بن الحسين بن عبد الله الخرقي، أبو القاسم، من أهل بغداد صاحب الكتاب المختصر، في الفقه على مذهب أحمد بن حنبل، وكان فقيها، صالحا، سديدا، شديد الورع، قرأ العلم على من قرأه على أبي بكر المروذي، وحرب الكرماني، وصالح وعبد الله ابني الإمام أحمد، وقرأ عليه أبو عبد الله بن بطة، وأبو الحسين التميمي، وأبو الحسين بن سمعون، له كتاب المختصر الذي شرحه علماء المذهب، ومات الخرقي بدمشق سنة (334 هـ) ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 75، وتأريخ الإسلام 25/ 97، وسير أعلام النبلاء 15/ 363.
(3)
هو: الحسن بن حامد بن علي بن مروان أبو عبد الله البغدادي، أبو عبد الله، إمام الحنبلية في زمانه، ومدرسهم، ومفتيهم، وهو أكبر تلامذة أبي بكر غلام الخلال، له مصنفات عدة في العلوم المختلفة منها: الجامع في المذهب نحوا من أربعمئة جزء، وله شرح الخرقي، وشرح أصول الدِّين، وأصول الفقه، وكان قانعا متعففا، يأكل من نسخ يده، ويتقوت، وكان يكثر الحج،. توفي سنة (403 هـ). ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 171، وتاريخ الإسلام 28/ 79، وسير أعلام النبلاء 17/ 203.
المطلب الثالث: قيمة الكتاب العلمية:
قال عنه البرهان ابن مفلح
(1)
في مقدمة المبدع
(2)
وقال المرداوي
(3)
في مقدمة الإنصاف: «فإن كتاب المقنع
…
من أعظم الكتب نفعًا، وأكثرها جمعًا، وأوضحها إشارة، وأسلسها عبارة، وأوسطها حجمًا، وأغزرها علمًا، وأحسنها تفصيلاً وتفريعًا، وأجمعها تقسيمًا وتنويعًا، وأكملها ترتيبًا، وألطفها تبويبًا، قد حوى غالب أمهات مسائل المذهب، فمن حصلها فقد ظفر بالكنز والمطلب، فهو كما قال مصنفه فيه: جامعًا لأكثر الأحكام، ولقد صدق وبر ونصح، فهو الحبر الإمام، فإن من نظر فيه بعين التحقيق والإنصاف وجد ما قال حقًا وافيًا بالمراد من غير خلاف .. ». اه
(4)
.
(1)
هو: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان الدِّين، الشيخ الإمام البحر الهمام العلامة القدوة الرحلة الحافظ المجتهد الأمة، شيخ الإسلام، سيد العلماء والحكام، ذو الدِّين المتين والورع واليقين، من قضاة الحنابلة. ولد في دمشق سنة (816 هـ) باشر القضاء في الديار الشامية نيابة واستقلالا أكثر من أربعين سنة، من محاسنه إخماد الفتن التي كانت تقع بين فقهاء الحنابلة وغيرهم في دمشق، وتوفي في دمشق سنة (884 هـ). ينظر: شذرات الذهب 9/ 507، والأعلام 1/ 65، والمدخل المفصل 1/ 539.
(2)
ينظر: المبدع 1/ 13.
(3)
الفصل الثاني في هذه الرسالة مخصص لترجمته.
(4)
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 1/ 3.
ولقد اهتم العلماء بهذا الكتاب اهتماما بالغا، فممن شرحه:
أولاً: بهاء الدِّين المقدسي
(1)
(ت 624 هـ) في ثلاث مجلدات.
ثانيًا: شمس الدِّين عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي
(2)
(ت 682 هـ) في «الشرح الكبير على المقنع» هكذا اشتهر، ويسمى أيضًا: الشافي في شرح المقنع.
قال ابن مانع
(3)
: إن هذا الشرح يسمى أيضًا: «تسهيل المطلب في تحصيل المذهب» وقد وصفه ابن بدران
(4)
في المدخل ص 221: بأنه شرح
(1)
هو: عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد، أبو محمد بهاء الدِّين المقدسي، أبو محمد، فقيه حنبلي من الزهاد نسبته إلى بيت المقدس، ولد سنة (556 هـ) كان يؤم بمسجد الحنابلة بنابلس، ثم انتقل إلى دمشق. وسمع بها وببغداد تفقه ببغداد على ابن المنى، وتفقه بدمشق على الشيخ موفق الدِّين ولازمه وعلق عنه الفقه واللغة، وقرأ العربية، وصنف في الفقه والحديث والرقائق. له مصنفات منها، (شرح العمدة) و (شرح المقنع)، وانصرف في آخر عمره إلى الحديث، وكتب منه الكثير، وتوفي بدمشق سنة (624 هـ). ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 3/ 360، والأعلام 3/ 292.
(2)
هو: عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الحنبلي، أبو الفرج، شمس الدِّين: فقيه، من أعيان الحنابلة، ولد في دمشق سنة (597 هـ) وهو أَوَّل من ولي قضاء الحنابلة بها، وسمع من أبيه، وعمه الشيخ الْمُوَفَّق، وعليه تفقه، وعرض عليه «المقنع» وشرحه عليه، له مصنفات منها: الشرح الكبير للمقنع، في فقه الحنابلة، توفي سنة 682 هـ). ينظر: تأريخ الإسلام 51/ 106، وذيل طبقات الحنابلة 4/ 172، والمقصد الأرشد 2/ 107، وشذرات الذهب 7/ 657، والأعلام 3/ 329.
(3)
هو: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن مانع الوهيبي التميمي، قاض، من علماء الحنابلة. من أهل (شقراء) بنجد. جمع مكتبة حافلة، منها ما نقله بخطه. وجرّد (حاشية) جده لأمه عَبْد الله بن عبد الرحمن (أبا بطين) على (المنتهى) من هوامش نسخته، فجاءت في مجلد ضخم. وتولى قضاء (القطيف) ومات بالاحساء سنة (1287 هـ). انظر: الأعلام 3/ 333.
(4)
هو: عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بن عبد الرحيم بن محمد بدران، فقيه أصولي حنبلي، عارف بالأدب والتأريخ، ولد في «دومة» بقرب دمشق، كان سلفي العقيدة، فيه نزعة فلسفية، حسن المحاضرة، كارها للمظاهر، قانعا بالكفاف، لا يعني بملبس، أو بمأكل، ولي إفتاء الحنابلة، وانصرف مدة إلى البحث عما بقي من الآثار، في مباني دمشق القديمة، له مصنفات منها، «المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل» و «شرح روضة الناظر لابن قدامة» توفي سنة (1346 هـ). ينظر: الأعلام 4/ 37.
وافٍ، وإذا قيل:(قال الشارح) أو (قاله في الشرح) فالمراد الشرح الكبير لابن أبي عمر.
ثالثًا: زين الدِّين أبو البركات المنجى بن عثمان بن أسعد بن المنجى التنوخي الدمشقي (ت 695 هـ)
(1)
في «الممتع في شرح المقنع» مطبوع في ستة مجلدات بتحقيق د/ عبد الملك بن عبد الله بن دهيش.
رابعًا: ابن حمدان (ت 695 هـ)
(2)
في أربعة مجلدات.
(1)
هو: منجى بن عثمان بن أسعد بن المنجى بن بركات بن المؤمل التنوخي، المعري الأصل، الدمشقي، الفقيه الأصولي، المفسر النحوي، زين الدِّين، أبو البركات، ولد سنة (631 هـ)، وحضر على أبي الحسن بن المقير، وجعفر الهمداني، وسمع من السخاوي، وابن مسلمة، والقرطبي، قرأ الأصول على كمال الدِّين التفليسي، وغيره.
وقرأ النحو على ابن مالك، وبرع في ذلك كله، روى عنه: الأئمة أبو زكريا النواوي، وأبو الفضل بن قدامة الحاكم، وأبو العباس ابن تيمية، درس وأفتى، واجتمع له العلم والدِّين، والمال، والجاه، وحسن الهيئة، وكان صحيح الذهن، جيد المناظرة صبورا فيها، وله بر وصدقة، له مصنفات منها:«شرح المقنع» واسمه الممتع في أربع مجلدات «وتفسير القرآن الكريم» وهو كبير، لكنه لم يبيضه، توفي بدمشق سنة (695 هـ) ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 4/ 271، والمقصد الأرشد 3/ 41.
(2)
هو: أحمد بن حمدان بن شبيب النمري الحراني نجم الدِّين، أبو عبد الله، ولد سنة (603 هـ) بحران، ورحل إلى القاهرة، وسمع، وتفقه، وانتهت له معرفة المذهب، سمع من الحافظ عبد القادر الرهاوي، ومجد الدِّين بن تيمية، وغيرهما، ومن تلاميذه سعد الدِّين الحارثي، وجمال الدِّين المزي، وعلم الدِّين البرزالي، له مصنفات عدة منها:(الرعاية الكبرى، والرعاية الصغرى، وآداب المفتي، وغيرها) وعمي في آخر عمره توفي سنة (695 هـ) بالقاهرة. ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 385، والمقصد الأرشد 1/ 99، وشذرات الذهب 7/ 748.
خامسًا: ابن عبد القوي
(1)
(ت 699 هـ) في «مجمع البحرين» ، بلغ به إلى أثناء الزكاة، وهو من الكتب التي أثنى عليها صاحب الإنصاف، بالتحرير والتحقيق والتصحيح للمذهب.
سادسًا: سعد الدِّين مسعود بن أحمد الحارثي
(2)
(ت 711 هـ) جاء في مقدمة الإنصاف: ومما نقلت منه من الشروح
…
وقطعة من الحارثي من العارية إلى الوصايا عليه. اه.
سابعًا: ابن عبيدان البعلي
(3)
(ت 734 هـ) بلغ به باب ستر العورة.
(1)
هو: محمد بن عبد القوي بن بدران المرداوي المقدسي، أبو عبد الله، شمس الدِّين: فقيه حنبلي، ولد بمردا (من قرى نابلس) سنة (630 هـ) وإليها نسبته، وتفقه على الشيخ شمس الدِّين بن أبي عمر وغيره، وبرع في العربية، واللغة، واشتغل ودرس، وأفتى وصنف، قال الذهبي: كان حسن الديانة، دمث الأخلاق، كثير الإفادة، مطرحا للتكلف، ولي تدريس الصاحبة مدة، وكان يحضر دار الحديث ويشغل بها وبالجبل وله حكايات ونوادر وكان من محاسن الشيوخ. له مصنفات منها (عقد الفرائد وكنز الفوائد) مجلدان في نظم مسائل المذهب الحنبلي، وكتاب في (طبقات الأصحاب) و (منظومة الآداب) و (مجمع البحرين)، توفي بدمشق سنة (699 هـ). ينظر: المقصد الأرشد 2/ 460، وشذرات الذهب 7/ 789، والأعلام 6/ 214.
(2)
هو: سعد الدِّين أبو محمد مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي العراقي المصري الحنبلي، الشيخ الإمام الفقيه الحافظ المتقن قاضي القضاة، ولد ونشأ بمصر سنة (652 هـ) ونشأ في طلب العلم وسمع من ابن البرهان والنجيب الحراني وابن علاق وخلق، نسبته إلى (الحارثية) من قرى غربي بغداد، وسكن دمشق فولي بها مشيخة الحديث النورية، توفي سنة (711 هـ). ينظر: العبر في خبر من غبر 4/ 95، وتذكرة الحفاظ 4/ 191، وذيل طبقات الحنابلة 4/ 387، والأعلام 7/ 216.
(3)
هو: عبد الرحمن بن محمود بن محمد ابن عبيدان، أبو الفرج، زين الدِّين: فقيه حنبلي، من أهل بعلبك، ولد سنة (675 هـ) كان عالما بأصول الفقه والحديث والعربية، زاهدا ورعا، له مصنفات منها (زوائد الكافي والمحرر على المقنع) في الفقه، و (المطلع) على أبواب (المقنع) في الأحكام، توفي سنة (734 هـ) ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 5/ 50، وشذرات الذهب 8/ 187، والأعلام 3/ 336.
ثامنًا: الشمس محمد بن مفلح
(1)
(ت 763 هـ) صاحب الفروع، شرحه في ثلاثين مجلدًا.
تاسعًا: جمال الدِّين أبو المحاسن يوسف بن محمد المرداوي
(2)
(ت 769 هـ).
عاشرًا: البرهان أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ابن مفلح
(3)
(1)
هو: محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدِّين المقدسي الراميني ثم الصالحي، أعلم أهل عصره بمذهب الإمام أحمد بن حنبل. ولد سنة (708 هـ) وقيل (710 هـ) ونشأ في بيت المقدس، حضر عند الشيخ تقي الدِّين ونقل عنه كثيرا وكان يقول له ما أنت ابن مفلح أنت مفلح وكان أخبر الناس بمسائله واختياراته ولازم القاضي شمس الدِّين ابن مسلم وقرأ عليه، وكان يتردد إلى ابن الفويره، والقحفاوي النحويين، وإلى المزي والذهبي ونقل عنهما كثيرا له مصنفات منها (كتاب الفروع) و (النكت والفوائد السنية على مشكّل المحرر) و (الآداب الشرعية الكبرى)، وله على (المقنع) نحو ثلاثين جزءا، توفي بصالحية دمشق سنة (763 هـ). ينظر: الدرر الكامنة 6/ 14، والمقصد الأرشد 2/ 517، وشذرات الذهب 8/ 340، الأعلام 7/ 107.
(2)
هو: جمال الدِّين يوسف بن محمد بن التقي عبد الله بن محمد بن محمود المرداوي، أبو المحاسن، نسبته إلى «مردا» من قرى نابلس، ولد سنة (700 هـ) تقريبا، وسمع من ابن عبد الدائم، وابن الشحنة ووزيرة وغيرهم، وولي قضاء الحنابلة بالشام (17) سنة، كان بعيدا عن المحاباة، لا يركب مع القضاة، في عيد ولا محمل، له مصنفات منها: الانتصار في أحاديث الأحكام، كفاية المستقنع في شرح المقنع في فروع الفقه الحنبلي، والواضح الجلي في نقض حكم ابن قاضي الجبل في الوقف. توفي بصالحية دمشق سنة (769 هـ) ودفن بتربة الْمُوَفَّق بسفح قاسيون. ينظر: الدرر الكامنة 6/ 243، والمقصد الأرشد 8/ 371، وشذرات الذهب 8/ 340، الأعلام 8/ 250.
(3)
هو: إبراهيم بن محمد بن مفلح الراميني الأصل، الدمشقي، أبو إسحاق، برهان الدِّين، شيخ الحنابلة في عصره، ولد سنة (749 هـ) حفظ كتبا عديدة وأخذ عن جماعة منهم والده، وجده، وقرأ على بهاء الدِّين ابن أبى البقاء السبكي، اشتغل وأفتى ودرس وناظر وصنف وشاع اسمه واشتهر ذكره فدرس بدار الحديث الأشرفية بالصالحية وغيرها، له مصنفات منها (طبقات أصحاب الإمام أحمد) و (كتاب الملائكة) و (شرح المقنع) وتلف أكثر كتبه في فتنة تيمور بدمشق. توفي سنة (803 هـ) ينظر: المقصد الأرشد 1/ 236، وشذرات الذهب 9/ 40، والأعلام 1/ 64.
(ت 803 هـ) وهو ابن صاحب الفروع.
الحادي عشر: البرهان أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح الدمشقي (ت 884 هـ) في «المبدع شرح المقنع» .
قال ابن بدران: «وهو شرح حافل .. وفيه من الفوائد والنقول ما لا يوجد في غيره» اه
(1)
.
(2)
.
ومن العلماء من قام بتصحيح المقنع منهم:
أولاً: محمد بن عبد القادر الجعفري النابلسي
(3)
(ت 797 هـ) في
(1)
ينظر: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ص 212.
(2)
ينظر: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ص 222.
(3)
هو: محمد بن عبد القادر بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد المنعم، الجعفري النابلسي، أبو عبد الله، شمس الدِّين فاضل، من فقهاء الحنابلة، من أهل نابلس (بفلسطين) يقال له (الجنة) لكثرة ما فيه من الفضائل، صحب ابن قيم الجوزية، وتفقه عليه، له مصنفات منها:(طبقات الحنابلة) و (مختصر كتاب العزلة) و (تصحيح الخلاف). وأصيب في آخر عمره بفقد ولد له، ففقد عقله، ومات بنابلس سنة (797 هـ). ينظر: شذرات الذهب 8/ 596، والدرر الكامنة 5/ 268، والأعلام 6/ 211.
ثانيًا: العلاء المرداوي
(1)
(ت 885 هـ) في كتابيه «الإنصاف» و «التنقيح» .
ثالثًا: مجير الدِّين أبو اليمن عبد الرحمن بن محمد العليمي
(2)
(ت 928 هـ) في «تصحيح الخلاف المطلق في المقنع» .
ومن العلماء من وضع زوائد على المقنع منهم:
ابن عبيدان البعلي (ت 734 هـ) في «زوائد الكافي والمحرر على المقنع» .
ومن العلماء من اختصر المقنع منهم:
أولاً: الشمس محمد بن أبي الفتح البعلي
(3)
(ت 709 هـ) صاحب المطلع.
(1)
ستأتي ترجمته إن شاء الله في الفصل الثاني.
(2)
هو: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العليمي الحنبلي، أبو اليمن، مجير الدِّين: مؤرخ باحث، من أهل القدس، نسبته إلى علي بن عليم المقدسي، ولد سنة (860 هـ) له مصنفات منها:(الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل) و (المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد) و (فتح الرحمن في تفسير القرآن) توفي سنة (928 هـ). ينظر: الأعلام 3/ 331، والمدخل المفصل 1/ 439.
(3)
هو: محمد بن أبي الفتح بن أبي المفضل البعلي، الفقيه المحدث، النحوي اللغوي، شمس الدِّين، أبو عبد الله، ولد سنة (645 هـ) وسمع من الفقيه محمد اليونيني، وإبراهيم بن خليل، ومحمد بن عبد الهادي، له مصنفات عدة منها: كتاب «شرح الجرجانية» و «شرح الألفية» لابن مالك، وكتاب «المطلع على أبواب المقنع» في شرح غريب ألفاظه ولغاته، قال الذهبي: كان إماما في المذهب، والعربية والحديث، غزير الفوائد متقنا. صنف كتبا كثيرة مفيدة. وكان ثقة صالحا، متواضعا على طريقة السلف، مطرح للتكلف في أموره، حسن البشر، حدثنا بدمشق وبعلبك وطرابلس، وتوفي بالقاهرة سنة (709 هـ) ينظر: العبر في خبر من غبر 4/ 151، وتذكرة الحفاظ 4/ 196، وذيل طبقات الحنابلة 4/ 372، وشذرات الذهب 8/ 39، والأعلام 6/ 326.
ثانيًا: شرف الدِّين موسى بن أحمد بن سالم الحجاوي
(1)
(ت 968 هـ) في «زاد المستقنع» .
ومن العلماء من نظم المقنع منهم:
محمد بن عبد القوي المقدسي (ت 699 هـ) في «عِقد الفرائد وكنز الفوائد» وهو منظومة دالية نظم بها المؤلف كتاب المقنع، وضم إليه زوائد المحرر على المقنع، فقال:
وسقت زيادات المحرر جلها
…
وما قد حوى من كل قيد مجود
وذكر جملة من زوائد الكافي والمغني، وأشار إلى ذلك بقوله:
وشيئا من الكافي الكفيل ببغيتي
…
وشيئا من المغني المحيط بمقصدي
(1)
هو: موسى بن أحمد بن موسى بن سالم، شرف الدِّين أبو النجا الحجاوي الصالحي، مفتي الحنابلة بدمشق، ولد سنة (895 هـ) كان إماما بارعا أصوليا فقيها محدثا ورعا، انتهت إليه مشيخة الحنابلة والفتوى، وكان بيده تدريس الحنابلة بمدرسة أبي عمر والجامع الأموي، من شيوخه شهاب الدِّين الشويكي، وابن الديوان، وتتلمذ عليه ابن الأحدب، وإبراهيم بن محمد بن حميدان، وأبو بكر بن زيتون الحنبلي، له مصنفات منها:«الإقناع لطالب الانتفاع» و «زاد المستقنع في اختصار المقنع» توفي سنة (968 هـ) ينظر: الكواكب السائرة 3/ 192، وشذرات الذهب 1/ 472، والأعلام 7/ 320، ومعجم المؤلفين 13/ 34.
وهذا النظم من الكتب التي أثنى عليها صاحب الإنصاف، بالتحرير والتحقيق والتصحيح للمذهب، واختصر هذا النظم: عبد العزيز بن حمد بن ناصر بن معمَّر
(1)
(ت 1244 هـ) في «المنتقى من عقد الفرائد» مطبوع في مجلد، ومن شرطه تقديم الراجح في المذهب، فإنه قال:
ومهما تأتى الابتداء براجح
…
فإني به عند الحكاية أبتدي
ومن العلماء من جمع بين المقنع والتنقيح منهم:
أولاً: شهاب الدِّين أحمد بن عبد الله العُسْكُري الصالحي (ت 910 هـ) وصل فيه إلى الوصايا، وهو الكتاب الذي قمت بتحقيقه بفضل الله تعالى.
ثانيًا: شهاب الدِّين أبو الفضل أحمد بن محمد الشويكي
(2)
(ت 939 هـ) في «التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح» حققه الأستاذ
(1)
هو: عبد العزيز بن حمد بن ناصر بن معمر، من علماء نجد، ولد في الدرعية سنة (1203 هـ) وأخذ عن علمائها، له مصنفات منها «منحة القريب» في الرد على كتاب لأحد القسوس البريطانيين، و «المنتقى من عقد الفرائد وكنوز الفوائد» وفي أيامه كانت الحرب مع إبراهيم «باشا» ابن محمد علي، وخربت الدرعية وتفرق رجالها، فرحل ابن معمر إلى البحرين، وتوفي بها سنة (1244 هـ) ينظر: الأعلام 4/ 17، والمدخل المفصل 2/ 737.
(2)
هو: شهاب الدِّين أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد الشويكي النابلسي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي، مفتي الحنابلة بدمشق، العلامة الزاهد، ولد سنة (875 هـ) بقرية الشويكة من بلاد نابلس، ثم قدم دمشق، وسكن صالحيتها، وحفظ القرآن العظيم بمدرسة أبي عمر، و «الخرقي» و «الملحة» وغير ذلك، من مشايخه ناصر الدِّين بن زريق، وأحمد العُسْكُري صاحب المخطوط، وحج، له مصنف في المذهب الحنبلي سماه «التوضيح» جمع فيه بين «المقنع» و «التنقيح» وزاد عليهما أشياء مهمة، توفي سنة (939 هـ). ينظر: الكواكب السائرة 2/ 100، وشذرات الذهب 10/ 325.
الدكتور ناصر الميمان، ونال به درجة الدكتوراه بجامعة أم القرى، وطبع في ثلاث مجلدات.
ووصف الشويكي كتابه هذا: بوضوح العبارة، وأنه ردَّ ما أسقطه المنُقِّح من كلام الْمُوَفَّق، وذكر مواضع قدم فيها غير المذهب، ومواضع فرع فيها على ما يوهم أنه المذهب، وربما اعترض عليه في بعض مسائل فيها خلل في التصحيح، وربما زاد ونقص، وغيَّر، وقدم، وأخر.
وقد أثنى الشيخ ابن سعدي
(1)
(ت 1376 هـ) على هذا الكتاب بقوله: «تأملت التوضيح للشويكي، فوجدته أنفع وأحسن من المنتهى» . اه
(2)
.
ثالثًا: تقي الدِّين محمد بن أحمد الفتوحي (ت 972 هـ) في «منتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيح وزيادات» .
ومن العلماء من شرح غريب المقنع منهم:
شمس الدِّين محمد بن أبي الفتح (ت 709 هـ) في «المطلع على أبواب المقنع» مطبوع في مجلد.
(1)
هو: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله آل سعدي، التميمي، أبو عبد الله، ولد في عنيزة سنة (1307 هـ) نشأ يتيما، من مشايخه: إبراهيم بن حمد بن جاسر، وعبد الكريم الشبل، والشيخ صالح بن عثمان قاضي، ومن تلاميذه: سليمان بن إبراهيم البسام، ومحمد بن صالح آل عثيمين، وعبد الله بن عبد العزيز بن عقيل، له مصنفات تزيد على الثلاثين مصنفا منها: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، والمختارات الجلية، وتفسير أسماء الله الحسنى، توفي مريضا في عنيزة سنة (1376 هـ). ينظر: الأعلام 3/ 340، ومشاهير علماء نجد وغيرهم ص 256.
(2)
ينظر: التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح 1/ 108.
قال ابن بدران: «وقد انتدب لشرح لغات المقنع، العلامة اللغوي محمد بن أبي الفتح البعلي، فألف في هذا النوع كتابه المطلع على أبواب المقنع، فأجاد في مباحث اللغة، ونقل في كتابه فوائد منها، دلت على رسوخ قدمه في اللغة والأدب، وكثيرا ما يذكر فيه مقالا لشيخه الإمام محمد بن مالك
(1)
المشهور.
ورتب كتابه على أبواب المقنع، ثم ذيله بتراجم ما ذكر في المقنع من الأعلام، فجاء كتابه في غاية الجودة» اه
(2)
.
(1)
هو: جمال الدِّين محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الإمام العلامة الأوحد الطائي الجياني الأندلسي، ولد رحمه الله بجيان الأندلس سنة (600 هـ) تقريبا، شيخ العربية، وقدوة أرباب المعاني والبيان. أخذ عن والده النحو، واللغة، والمنطق، كان إماما في اللغة، وأما النحو والتصريف فكان فيهما بحرا لا يجارى، وحبرا لا يبارى، مع ما هو عليه من الدِّين المتين والعبارة وصدق اللهجة وكثرة النوافل وحسن السمت وكمال العقل، له مصنفات منها:«الموصل في نظم المفصل» و «الكافية الشافية» ثلاثة آلاف، و «إكمال الأعلام بمثلث الكلام» توفي سنة (672 هـ). ينظر: نفح الطيب 2/ 222، شذرات الذهب 7/ 696.
(2)
ينظر: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ص 223.
الفصل الثاني
دراسة موجزة عن الإمام المرداوي، وكتابه التنقيح
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: دراسة موجزة عن الإمام المرداوي.
المبحث الثاني: التعريف بكتاب التنقيح.
المبحث الأول
دراسة موجزة عن الإمام المرداوي
وفيه ثمانية مطالب:
المطلب الأول: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته.
المطلب الثاني: مولده، ونشأته، وفاته.
المطلب الثالث: طلبه للعلم، ورحلاته العلمية.
المطلب الرابع: شيوخه.
المطلب الخامس: تلاميذه.
المطلب السادس: مؤلفاته.
المطلب السابع: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه.
المطلب الثامن: عقيدته، ومذهبه الفقهي.
المطلب الأول: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته:
علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي ـ نسبة إلى قرية مردا، وهي من أعمال نابلس في فلسطين ـ السعدي، ثم الصالحي، ثم الحنبلي، علاء الدِّين، أبو الحسن شيخ المذهب، ومصححه، ومنقحه.
المطلب الثاني: مولده، ونشأته، وفاته:
ولد سنة (817 هـ) بقرية مردا، ونشأ بها، فحفظ القرآن، وأخذ عن علمائها، وتنقل في حياته في بلاد شتى طالبًا للعلم، ومعلمًا للناس، كما أنه حج البيت الحرام مرتين، وقد تولى المرداوي في حياته كثيرًا من المهام، منها التدريس، والإفتاء، والقضاء، وبعد حياة حافلة بالعلم، والتعليم، والتأليف، توفي في يوم الجمعة في السادس من شهر جمادى الأولى سنة (885 هـ) وصلي عليه في جامع الحنابلة، المسمى بالجامع المظفري، ودفن في سفح قاسيون، رحمه الله رحمة واسعة.
المطلب الثالث: طلبه للعلم، ورحلاته العلمية:
خرج من بلده وهو صغير إلى مدينة الخليل
(1)
فأقام بها وقرأ بها
(1)
مدينة الخليل: هي مدينة صغيرة الساحة، كبيرة المقدار مشرقة الأنوار، في بلدة فلسطين، حسنة المنظر، عجيبة المخبر، فيها حصن وعمارة وسوق بقرب البيت المقدس، بينهما مسيرة يوم تعرف بمسجد إبراهيم، ينظر: معجم البلدان 2/ 387، ورحلة ابن بطوطة 1/ 239.
القرآن، ثم رحل إلى دمشق، ونزل بمدرسة شيخ الإسلام ـ أبي عمر ـ بالصالحية، واشتغل بالعلم، وفتح الله عليه، فبرع في فنون كثيرة، وانتهت إليه رياسة المذهب، ثم فتح الله عليه بالتصنيف.
ومن رحلاته أنه سافر إلى مكة للحج مرتين، الأولى عام (855 هـ) وجاور بها واستفاد من علمائها، منهم أبو القاسم النويري
(1)
(ت 875 هـ)، وأبو الفتح المراغي
(2)
(ت 859 هـ).
وبعد رحلة الحج عاد إلى دمشق، وشرع في تأليف كتابه الإنصاف وفرغ منه في سنة (867 هـ).
ومن رحلاته العلمية أنه سافر إلى القاهرة
(3)
، وأذن له قاضيها ـ العز
(1)
هو: محمد بن محمد بن محمد، أبو القاسم، محب الدِّين النويري، نسبة إلى قرية بصعيد مصر الأدنى، ولد سنة (801 هـ) فقيه مالكي عالم بالقراءات، حج مرارا، وأقام بغزة والقدس ودمشق وغيرها، له مصنفات منها:(شرح المقدمات الكافية في النحو والصرف والعروض والقافية) وهي أرجوزة له، و (الغياث) منظومة في القراءات الثلاث الزائدة على السبع، و (شرحها) و (شرح طيبة النشر في القراءات العشر). توفي بمكة سنة (875 هـ). ينظر: الأعلام 7/ 47، ومعجم المؤلفين 11/ 250.
(2)
هو: محمد بن أبي بكر بن الحسين، أبو الفتح، شرف الدِّين القرشي المراغي، من سلالة عثمان بن عفان: محدث، فقيه، أصولي، نحوي، صوفي، ولد بالمدينة سنة (775 هـ) فقيه عارف بالحديث، قرأ على البلقيني، وابن الملقن، ومن مشايخه الزين العراقي، والهيتمي، والنويري، له مصنفات منها (المشرع الروي في شرح منهاج النووي) و (تلخيص أبي الفتح لمقاصد الفتح) اختصر به فتح الباري لابن حجر، توفي بمكة سنة (859 هـ). ينظر: البدر الطالع 2/ 146، والأعلام 6/ 58، ومعجم المؤلفين 9/ 108.
(3)
القاهرة: كبرى مدن مصر وعاصمتها، بناها القائد الفاطمي جوهر الصقلي عند فتحه مصر سنة 358 هـ لسيده المعز لدين الله الفاطمي، وسماها بالقاهرة المعزية، ازدهرت الازدهار الكبير في العهد الفاطمي وفي العهود التالية، وكانت من أكبر مراكز الإسلام ثقافة وحضارة وتجارة ونضالا، وبها الجامع الأزهر، والجامعات العلمية الأخرى، وفيها من الجوامع، والمساجد، والدور العظيمة، والمساكن الجليلة، والمناظر البهجة، والقصور الشامخة، والبساتين النضرة، ما لا يمكن حصره، ولا يعرف ما هو قدره إلا أن قدر ذلك بالتقريب. ينظر: الاستبصار في عجائب الامصار 1/ 83، والمواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار 2/ 203.
الكناني
(1)
(ت 876 هـ) ـ في سماع الدعوى، ودرس على مجموعة من المشايخ في كثير من العلوم، وأخيرًا رجع إلى بلده مدرسًا، ومفتيًا، ومؤلفًا حيث ألف كتابه المشهور (التنقيح المشبع) وفرغ منه سنة (873 هـ)، وفي عام (875 هـ) حج مرة ثانية، وعاد إلى دمشق وصنف كتابه (تحرير المنقول وتهذيب الأصول) وشرحه بكتابه (التحبير شرح التحرير) وبقي فيها إلى أن توفي في يوم الجمعة في السادس من شهر جمادى الأولى سنة (885 هـ).
المطلب الرابع: شيوخه:
لقد تتلمذ علاء الدِّين المرداوي على علماء كُثر، في أماكن متفرقة، وانتفع منهم انتفاعًا كبيرًا منهم:
(1)
هو: أحمد بن إبراهيم بن نصر الله، أبو البركات، عز الدِّين الكناني العسقلاني الأصل، المصري الحنبلي، ولد بالقاهرة سنة (800 هـ) فقيه مؤرخ انتهت إليه رئاسة الحنابلة بمصر، كان ورعا، زاهدا، من مشايخه: الزراتيتي، والْمجد سَالم القَاضِي، والشَّمْس الشَّامي، وَأبي الْفضل بن الإِمَام المغربي، له مصنفات عدة منها:(طبقات الحنابلة) و (نظم أصول ابن الحاجب) و (صفوة الخلاصة) و (شرح ألفية ابن مالك) وتوفي بالقاهرة سنة (876 هـ). ينظر: الضوء اللامع 1/ 250، وشذرات الذهب 9/ 479، والأعلام 1/ 88.
أولاً: الشيخ تقي الدِّين أبو بكر بن إبراهيم بن يوسف بن قندس البعلي
(1)
، شيخ الحنابلة في وقته (ت 861 هـ) ولازمه حتى كان جل انتفاعه به، وكان مما قرأه عليه بحثًا وتحقيقًا المقنع في الفقه، ومختصر الطوفي في الأصول، في الفقه وأصوله، وألفية ابن مالك.
ثانيًا: أبو الفرج عبد الرحمن بن إبراهيم الطرابلسي الحنبلي
(2)
(ت 866 هـ) قرأ المقنع تصحيحًا عليه.
ثالثًا: الزين عبد الرحمن بن سليمان المعروف ـ بأبي شعرـ
(3)
(1)
هو: أبو بكر بن إبراهيم بن يوسف بن قندس البعلي الحنبلي الإمام العلامة ذو الفنون، ولد ببعلبك سنة (809 هـ) تفقه في المذهب الحنبلي، وحفظ «المقنع» وعني بعلم الحديث كثيرا، من مشايخه شرف الدِّين بن مفلح، والشيخ يوسف الرومي، وابن أبي الجوف، وكان مفننا في العلوم، ذا ذهن ثاقب، تتلمذ على يديه جماعة وانتفعوا به، منهم شيخ المذهب علاء الدِّين المرداوي، والشيخ تقي الدِّين الجراعي، وغيرهما من الأعلام، وكان من عباد الله الصالحين، له مصنفات منها «حاشية على الفروع» و «حاشية على المحرر» توفي بدمشق سنة (861 هـ). ينظر: شذرات الذهب 9/ 441، ومعجم المؤلفين 3/ 55.
(2)
هو: زين الدِّين عبد الرحمن بن إبراهيم بن الحبال الحنبلي الطرابلسي، أبو الفرج، سكن بصالحية دمشق مدة يقرئ بها القرآن والعلم، وكان يباشر نيابة الحكم عن قاضي القضاة شهاب الدِّين بن الحبال، ثم تركها، وأقبل على الاشتغال بالعلم، من مشايخه: ابن الحبال، وتتلمذ عليه العلاء المرداوي قرأ عليه المقنع تصحيحا ووصفه بالعلم والزهد والورع، مع كثرة العبادة والصلاح الشهير. توفي سنة (866 هـ). ينظر: الضوء اللامع 4/ 43، وشذرات الذهب 9/ 474.
(3)
هو: زين الدِّين عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الكرم الحنبلي، المعروف بأبي شعر، الشيخ الإمام العلامة القدوة الحافظ، نشأ على خير ودين، واشتغل على الشيخ علاء الدِّين بن اللحام، وأذن له بالإفتاء شمس الدِّين القباقبي، وحضر زين الدِّين ابن رجب، وعني بالحديث وعلومه، وكان أستاذا في التفسير، وكان متبحرا في كلام الشيخ تقي الدِّين ابن تيمية، له حواش على كتب من كتب في الفقه، منها على كتاب:«الوجيز» على المسائل التي ليست في المذهب، توفي سنة (844 هـ). ينظر: المقصد الأرشد 2/ 90، وشذرات الذهب 9/ 367، والمدخل المفصل 2/ 752.
(ت 844 هـ) اخذ منه الفقه، والنحو، بل سمع منه تفسير البغوي مرارًا، وقرأ عليه في سنة ثمان وثلاثين من شرح ألفية العراقي إلى الشاذ.
رابعًا: الحافظ محمد بن عبد الله بن محمد القيسي الدمشقي
(1)
(ت 842 هـ) أخذ عنه علوم الحديث، سمع عليه منظومته، وشرحها بقراءة شيخه التقي.
خامسًا: أبي القاسم محمد النويري المالكي (ت 857 هـ) قرأ عليه الأصول.
سادسًا: شمس الدِّين محمد السيلي الحنبلي
(2)
(ت 879 هـ) لازمه أكثر من عشر سنين، بل وقرأ عليه المقنع في الفقه بتمامه بحثًا، وانتَفع به
(1)
هو: محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن علي القيسي الدمشقي، الشهير بابن ناصر الدِّين، الإمام الحافظ المؤرخ الأديب، ولد بدمشق سنة (777 هـ) وبها نشأ وحفظ القرآن العزيز، وعدة متون، وسمع الحديث في صغره من الحافظ أبي بكر بن المحب، وسمع من خلق منهم بدر الدِّين بن قوام، ومحمد بن عوض، والعز الأبناسي، وابن غشم المرداوي، وغيرهم، له مصنفات منها:«توضيح المشتبه» و «الرد الوافر» و «بواعث الفكرة في حوادث الهجرة» توفي سنة (842 هـ). ينظر: شذرات الذهب 1/ 72.
(2)
هو: محمد بن محمد السيلي الشيخ الإمام العالم الفرضي قدم من السيلة إلى دمشق فاشتغل وقرأ المقنع، وتفقه على الشيخ شمس الدِّين بن القباقبي، وقرأ علم الفرائض والحساب على الشيخ شمس الدِّين الحواري، وصار أمة فيه، وله إطلاع على كلام المحدثين، والمؤرخين، ويستحضر تاريخا كثيرا، وله معرفة تامة بوقائع العرب، ويحفظ كثيرا من أشعارهم أفتى ودرس مدة، ثم انقطع في آخر عمره في بيته توفي سنة (879 هـ) ينظر: المقصد الأرشد 2/ 526، وشذرات الذهب 9/ 490.
جدا في الفرائض، والحساب، والوصايا.
سابعًا: المحدث الفقيه علي بن حسين بن عروة الدمشقي الحنبلي
(1)
(ت 837 هـ) أخذ عنه الحديث.
ثامنًا: شهاب الدِّين أحمد بن يوسف المرداوي الحنبلي
(2)
(ت 850 هـ) أخذ عنه في الفقه.
المطلب الخامس: تلاميذه:
تتلمذ على الشيخ علاء الدِّين المرداوي خلق كثير منهم:
أولاً: محمد بن محمد بن عبد القادر النابلسي
(3)
(ت 889 هـ).
(1)
هو: علي بن حسين بن عروة المشرقي ثم الدمشقي الحنبلي، المعروف بابن زكنون، فقيه حنبلي، عالم بالحديث وأسانيده، ولد سنة (760 هـ) سمع على يحيى بن يوسف الرحبي، ويوسف الصيرفي، ومحمد بن محمد بن داود، وغيرهم، كان زاهدا، عابدا، قانتا، خيرا، لا يقبل لأحد شيئا، ولا يأكل إلا من كسب يده، ثم أقبل على العبادة، له مصنفات منها:«الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري» نقل في كل باب ما يتعلق بشرحه من كتاب «المغني» وغيره، توفي سنة (837 هـ). ينظر: المقصد الأرشد 2/ 237، وشذرات الذهب 9/ 323، والأعلام 4/ 280.
(2)
هو: شهاب الدِّين، أبو العباس، أحمد بن يوسف المرداوي الحنبلي الإمام الحافظ المفنن العلامة، أحد مشايخ المذهب، أخذ الفقه عن الشيخ علاء الدِّين بن اللحام، باشر القضاء بمردا مدة طويلة، وكان يقصد بالفتاوى من كل إقليم، ومن تلامذته الأعيان شمس الدِّين العليمي وغيره، وكان إماما في النحو يحفظ «محرر» الحنابلة و «محرر» الشافعية، وإذا سئل عن مسألة أجاب عنها على مذهبه ومذهب غيره، توفي سنة (850 هـ). ينظر: شذرات الذهب 9/ 390.
(3)
هو: بدر الدِّين أبو عبد الله، محمد بن محمد بن عبد القادر النابلسي الجعفري الحنبلي، المعروف بابن قاضي نابلس، من مشايخه: علاء الدِّين المرداوي، وتقي الدِّين بن قندس، وبرع في المذهب، وأفتى وناظر، وباشر القضاء بنابلس نيابة عن والده، ثم باشره بالديار المصرية عوضا عن العز الكناني، توفي سنة (890 هـ). ينظر: شذرات الذهب 9/ 523.
ثانيًا: أحمد بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي
(1)
(ت 895 هـ).
ثالثًا: عبد القادر بن عبد اللطيف بن محمد بن أحمد الحسيني الحنبلي
(2)
(ت 898 هـ).
رابعًا: بدر الدِّين، أبو المعالي، محمد بن ناصر الدِّين السعدي المصري الحنبلي
(3)
(ت 900 هـ).
(1)
هو: أحمد بن حسن بن أحمد بن حسن بن عبد الهادي، الإمام العلامة الصالح المفيد أبو العباس المقدسي الأصل، الصالحي الدمشقي الحنبلي، ولد سنة (856 هـ)، وسمع الحديث من جماعة كالنّظام بن مفلح، له مصنفات منها: شرح الخرقي، توفي سنة (895 هـ). ينظر: الكواكب السائرة 1/ 135، ومعجم المؤلفين 1/ 189.
(2)
هو: عبد القادر بن عبد اللطيف بن محمد الحسيني الفاسي الأصل المكي الشريف الحسيب النسيب، ولد سنة (842 هـ) بمكة، وحفظ بها القرآن العظيم، وصلّى به بمقام الحنابلة التراويح، وتلا بالروايات السبع على الشيخ عمر الحموي النجار نزيل مكة، وأخذ الفقه عن العز الكناني، والعلاء المرداوي، وأذن له في الإفتاء والتدريس والأصول عن الأمين الأقصرائي الحنفي، ورحل في الطلب، وجد واجتهد، ثم أقام بمكة للاشتغال، وولي قضاء الحنابلة بها، توفي بالمدينة سنة (898 هـ). ينظر: الضوء اللامع 4/ 272، وشذرات الذهب 9/ 544.
(3)
هو: بدر الدِّين أبو المعالي محمد بن ناصر الدِّين السعدي المصري الحنبلي، شيخ الإسلام الإمام، ولد بالقاهرة سنة (835 هـ) من مشايخه: ابن حجر، وجمال الدِّين ابن هشام، والعز الكناني، برع في المذهب، وصار من أعيانه، وقرأ على القاضي علاء الدِّين المرداوي لما توجه إلى القاهرة كتابه «الإنصاف» وغيره، ولازمه، فشهد بفضله، وأذن له بالإفتاء والتدريس أيضا، له مصنف في «مناسك الحج» على الصحيح من المذهب، وهو كتاب في غاية الحسن، والجوهر المحصل في مناقب الإمام أحمد بن حنبل، توفي سنة (900 هـ). ينظر: شذرات الذهب 9/ 552، والأعلام 7/ 52، ومعجم المؤلفين 11/ 199.
خامسًا: ابن المبرد يوسف بن حسن بن عبد الهادي
(1)
(ت 909 هـ).
سادسًا: أحمد بن عبد الله العُسْكُري صاحب المخطوط المراد تحقيقه (ت 910 هـ).
سابعًا: عبد الوهاب بن أحمد بن الطرابلسي ثم الدمشقي الحنبلي (ت 921 هـ)
(2)
.
المطلب السادس: مؤلفاته:
أولاً: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (مطبوع).
ثانيًا: كتاب التنقيح المشبع في تحرير المقنع (مطبوع).
(1)
هو: يوسف بن حسن بن أحمد بن حسن ابن عبد الهادي الصالحي، جمال الدِّين، ابن المبرد، ولد سنة (840 هـ) علامة متفنن، من فقهاء الحنابلة، وقرأ على الشيخ أحمد المصري الحنبلي، والشيخ محمد، والشيخ عمر العُسْكُريين، وقرأ «المقنع» على الشيخ تقي الدِّين الجراعي، والشيخ تقي الدِّين بن قندس، والقاضي علاء الدِّين المرداوي له مصنفات منها:«الجوهر المنضد» و «الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي» ، توفي سنة (909 هـ). ينظر: الكواكب السائرة 1/ 317، وشذرات الذهب 10/ 62، والأعلام 8/ 225.
(2)
هو: عبد الوهاب بن أحمد بن الوهاب القاضي تاج الدِّين الطرابلسي، ثم الدمشقي الحنبلي، ولد سنة (842 هـ) وفوض إليه القضاء بدمشق، وبمكة، وبالقاهرة، وبطرابلس، ومات بدمشق سنة (921 هـ). ينظر: الكواكب السائرة 1/ 257.
ثالثًا: كتاب تحرير المنقول في تهذيب علم الأصول (مطبوع).
رابعًا: كتاب التحبير في شرح التحرير (مطبوع).
خامسًا: تصحيح الفروع (مطبوع).
سادسًا: شرح الآداب (مطبوع). وغيرها كثير.
المطلب السابع: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه:
هو الإمام العلامة الفقيه، المحدث، الأصولي، شيخ المذهب، وإمامه، ومصححه، ومنقحه، وقال عنه السخاوي
(1)
: «وكان فقيها، حافظًا لفروع المذهب، مشاركًا في الأصول، بارعًا في الكتابة بالنسبة لغيرها، مذكورًا بتعفف، وورع، وإيثار في الأحيان للطلبة، متنزها عن الدخول في كثير من القضايا
(2)
».
وقال عنه صاحب الشذرات
(3)
: «وما صحبه أحد إلّا وحصل له
(1)
هو: محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبى بكر بن عثمان بن محمد شمس الدِّين السخاوي الأصل القاهري الشافعي، مؤرخ حجة، وعالم بالحديث والتفسير والأدب، أصله من سخا (من قرى مصر) ولد سنة (831 هـ) في القاهرة، قرأ على الجمال ابن هشام الحنبلي، وصالح البلقيني، وابن الهمام، وابن حجر ولازمه وانتفع به، ساح في البلدان سياحة طويلة، وصنف زهاء مائتي كتاب منها:(التذكرة، وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث، والضوء اللامع لأهل القرن التاسع، توفي في المدينة سنة (902 هـ). ينظر: البدر الطالع 2/ 184، والكواكب السائرة 1/ 53، وشذرات الذهب 1/ 76، والأعلام 6/ 194.
(2)
ينظر: الضوء اللامع 5/ 227.
(3)
هو: هو الإمام الفقيه الأديب المؤرخ الأخباري أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الدمشقي الصالحي الحنبلي، المعروف بابن العماد، ولد في صالحية دمشق، سنة (1032 هـ) نشأ في دمشق، وقرأ القرآن الكريم، وطلب العلم مشمرا عن ساعد الجد والاجتهاد، فأخذ من أعلام الأشياخ، وأجلهم الشيخ أيوب الخلوتي عن الشيخ شمس الدِّين بن بلبان، ثم رحل إلى القاهرة وأقام بها مدة طويلة للأخذ عن علمائها، فأخذ بها عن الشيخ سلطان المزاحي، اشتهر ابن العماد بكتابه العظيم:(شذرات الذهب) الذي لخص فيه أحداث ألف عام، وعني فيه بتراجم العلماء والأعلام، وتوفي سنة (1089 هـ). ينظر: شذرات الذهب 1/ 86، والأعلام 3/ 290، ومعجم المؤلفين 5/ 107.
الخير، وكان لا يتردد إلى أحد من أهل الدنيا، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان الأكابر والأعيان يقصدونه؛ لزيارته والاستفادة منه، وحجّ، وزار بيت المقدس مرارًا، ومحاسنه أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر»
(1)
.
وقال أيضا
(2)
: «وصار قوله حجّة في المذهب يعوّل عليه في الفتوى والأحكام في جميع مملكة الإسلام» .
وقال ابن بدران في المدخل: «فصار كتابه تصحيحا لغالب كتب المذهب، وبالجملة فهذا الفاضل يليق بأن يطلق عليه مجدد مذهب أحمد في الأصول والفروع
(3)
».
وقال أيضا
(4)
(1)
ينظر: شذرات الذهب 9/ 511.
(2)
ينظر: شذرات الذهب 9/ 511.
(3)
ينظر: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ص 436.
(4)
ينظر: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ص 462.
المطلب الثامن: عقيدته، ومذهبه الفقهي:
أما عقيدة العلامة المرداوي فلم أجد من صرح بعقيدته، لكنه عرف عنه أنه سليم المعتقد على سيرة السلف الصالح، قال من حقق التحبير
(1)
: فكتاب التحبير مليء بالنصوص التي تقرر هذه العقيدة، وترد على المخالفين من الرافضة، والمعتزلة، والأشاعرة، والمرجئة وغيرهم.
كما أن هناك مسائل مستقلة كمسألة الإيمان، ومسألة الكلام، تجد أن المرداوي يقرر فيها مذهب السلف مستدلاً بالآيات، والأحاديث، وكلام السلف الصالح من الصحابة، والتابعين،
ومن بعدهم، وكثيرًا ما يعتمد النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ويؤيد ما ذهب إليه
(2)
.
أما مذهبه فهو حنبلي يظهر من خلال الوقوف على شيوخه، وتلاميذه، كما يظهر من خلال مصنفاته الفقهية، وقد نقل عنه كل من محققي كتابه التحبير شرح التحرير تصريح العلامة المرداوي بمذهبه حيث قال معللاً سبب تقديمه مذهب الإمام أحمد:«لأن الكتاب للحنابلة، ومصنفه حنبلي المذهب»
(3)
.
(1)
وهم: د. عبد الرحمن الجبرين، د. عوض القرني، د. أحمد السراح.
(2)
ينظر: التحبير شرح التحرير 1/ 41.
(3)
ينظر: التحبير شرح التحرير 1/ 42.
المبحث الثاني
التعريف بكتاب التنقيح
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: منهج المؤلف في الكتاب.
المطلب الثاني: مصادر المؤلف.
المطلب الثالث: قيمة الكتاب العلمية.
المطلب الأول: منهج المؤلف في الكتاب:
قد أفصح مصنف التنقيح العلامة علاء الدِّين المرداوي عن غرضه من تأليف الكتاب فقال: «أما بعد، فقد سنح بالبال أن أقتضب ما في كِتَابي الإنصاف من تصحيح ما أطلقه الشيخ الْمُوَفَّق في المقنع من الخلاف فيه، ومالم يفصح فيه بتقديم حكم، وأن أتكلم على ما قطع به، أو قدمه، أو صححه، أو ذكر أنه المذهب، وهو غير الراجح في المذهب، وما أخل به من قيد، أو شرط صحيح في المذهب، وما حصل في عبارته من خلل، أو إبهام، أو عموم، أو إطلاق.
إلى أن قال: وهو في الحقيقة تصحيحٌ، وتنقيحٌ، وتهذيبٌ لكل ما في معناه، بل وتصحيحٌ لغالب ما في المطولات، ولاسيما في التتمات، وهذه طريقةٌ لم أر أحدًا ممن تكلم على التصحيح سلكها».
(1)
.
(1)
ينظر: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 436.
المطلب الثاني: مصادر المؤلف:
قد تتبعت كتاب التنقيح من أوله، إلى آخره، فتوصلت إلى أن المرداوي ينقل عن مصادر مهمة، وأعلام لهم في العلم والتصنيف باع وهمة، وقد بَلَغَت الكتب التي استقى المؤلف منها ونقل عنها مصرحًا باسم الكتاب خمسة وعشرين مؤلفًا تقريبًا، كما أنه يصرح في مواضع باسم صاحب الكتاب وقد بلغ عددهم ستة وعشرين علمًا تقريبًا.
وسأورد الكتب التي صرح بها وعدد تكرارها في مصنفه:
1 -
الرعاية الصغرى، وتذكر مع الرعاية الكبرى مجموعة (الرعايتين): تأليف أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان النميري الحراني أبي عبد الله نجم الدِّين (630 - 695 هـ) وذكرهما المرداوي مجموعتين في موضعين.
2 -
الرعاية: تأليف أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان النميري الحراني أبي عبد الله نجم الدِّين (630 - 695 هـ) والمرادة عند علماء المذهب عند الإطلاق هي (الرعاية الكبرى) وقد ذكرها في مؤلفه في ستة مواضع.
3 -
عيون المسائل: تأليف محمد بن الحسين محمد بن خلف بن أحمد البغدادي ابن الفراء، القاضي أبي يعلى (380 - 458 هـ) وقد أشار المرداوي إليه في كتابه مرة واحدة.
4 -
الترغيب = ترغيب القاصد في تقريب المقاصد: تأليف محمد بن
الخضر ابن محمد بن الخضر بن تيميه أبي عبد الله فخر الدِّين (542 - 622 هـ) وبلغ عدد المسائل التي رجع فيها إليه ثلاث مسائل.
5 -
الإيضاح: تأليف عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الأنصاري، أبي الفرج الشيرازي (؟ -486 هـ) وقد صرح المرداوي بذكر اسم هذا المصدر في موضع واحد.
6 -
الانتصار في المسائل الكبار: تأليف محظوظ بن أحمد بن الحسين الكلوذاني البغدادي، أبي الخطاب (432 ـ 510 هـ) وقد صرح المرداوي بذكر أسم الكتاب في ثلاثة مواضع.
7 -
الحاويين: تأليف عبد الرحمن بن عمر بن أبي القاسم البصري الضرير، أبو طالب نور الدِّين (624 - 684 هـ) وقد نقل المرداوي عنة في ثلاثة مواضع.
8 -
الفائق: تأليف أحمد بن الحسين بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي أبي العباس شرف الدِّين المعروف بابن قاضي الجبل (693 - 771 هـ) وقد نقل عنه في موضعين.
9 -
الفروع: تأليف محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي أبي عبد الله شمس الدِّين (708 - 763 هـ) وقد أكثر المرداوي النقل عنه فقد نقل في واحد وعشرين موضعًا.
10 -
الفصول: تأليف علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي أبي الوفاء (431 - 513 هـ) ويسمى هذا الكتاب أيضًا بـ «كفاية المفتي» وقد ذكر المرداوي هذا الكتاب باسمة صريحًا في موضعين فقط.
11 -
القواعد الفقهية: تأليف عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السلامي البغدادي ثم الدمشقي أبي الفرج زين الدِّين (736 - 795 هـ) وقد ذكر المرداوي هذا الكتاب باسمة صريحًا في أربعة مواضع.
12 -
الكافي: تأليف عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي أبي عبد الله موفق الدِّين (541 - 620 هـ) وقد نقل المرداوي منه في موضعين فقط.
13 -
المبهج: تأليف عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الأنصاري أبي الفرج الشيرازي (؟ -486 هـ) وقد ذكر المرداوي هذا الكتاب مصرحا به في موطن واحد مما يشعر أن اعتماده عليه كان قليلاً.
14 -
المجرد: تأليف محمد بن الحسين بن محمد بن خلف البغدادي أبي يعلى القاضي (380 - 458 هـ) وقد ذكر المرداوي هذا الكتاب مصرحًا به في موطن واحد مما يشعر أن اعتماده عليه كان قليلاً.
15 -
المحرر: تأليف عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيميه، أبي البركات مجد الدِّين (590 - 652 هـ) وقد نقل المرداوي منه في ثلاثة مواضع فقط.
16 -
المستوعب: تأليف محمد بن عبد الله بن الحسين السامري، أبي عبد الله نصير الدِّين المعروف بابن سنينة (535 - 616 هـ) وقد نقل المرداوي منه في ثلاثة مواضع فقط.
17 -
المغني: تأليف عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي،
أبي عبد الله موفق الدِّين (541 - 620 هـ) وقد نقل المرداوي منه في سبعة مواضع فقط.
18 -
التلخيص: (تخليص المطلب في تلخيص المذهب) تأليف محمد بن الخضر بن محمد بن الخضر بن تيمية، أبي عبد الله، فخر الدِّين (542 - 622 هـ) وقد ذكر المرداوي هذا الكتاب مصرحًا به في موطن واحد مما يشعر أن اعتماده عليه كان قليلاً.
19 -
المطلع: تأليف محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي، أبي عبد الله، شمس الدِّين، (645 - 709 هـ) وقد ذكر المرداوي هذا الكتاب مصرحًا به في موطن واحد مما يشعر أن اعتماده عليه كان قليلاً.
20 -
النهاية في اختصار الهداية: تأليف عبد الله بن رزين بن عبد العزيز الغساني، سيف الدِّين (؟ -606 هـ) وقد ذكر المرداوي هذا الكتاب مصرحًا به في موطن واحد مما يشعر أن اعتماده عليه كان قليلاً.
21 -
الوجيز: تأليف الحسين بن يوسف بن محمد بن أبي السري، أبي عبد الله، ويلقب بسراج الدِّين (664 - 732 هـ) وقد ذكر المرداوي هذا الكتاب مصرحا به في موطن واحد مما يشعر أن اعتماده عليه كان قليلاً.
22 -
عقد الفرائد وكنز الفوائد: وهو نظم في الفقه، تأليف محمد بن عبد القوي بن بدران بن عبد الله المقدسي، أبي عبد الله، شمس الدِّين (630 - 699 هـ) وقد أشار المرداوي إليه في كتابه مرة واحدة.
23 -
التعليق = الخلاف الكبير: تأليف محمد بن الحسين بن محمد
بن خلف البغدادي، أبي يعلى القاضي (380 - 458 هـ) وقد صرح المرداوي بذكر اسم هذا المصدر في موضع واحد.
24 -
مجمع البحرين: تأليف محمد بن عبد القوي بن بدران بن عبد الله المقدسي، شمس الدِّين المعروف بالناظم (630 - 699 هـ) وقد أشار المرداوي إليه في كتابه مرة واحدة.
25 -
مسبوك الذهب: تأليف عبد الرحمن بن علي بن الجوزي أبي الفرج (511 - 59 هـ) وقد أشار المرداوي إليه في كتابه مرة واحدة.
ومن الفقهاء والعلماء الذين صرح العلامة المرداوي بالنقل عنهم في مؤلفه:
أبو العباس ابن تيمية في موضعين، والقاضي محمد بن الحسين في ثمانية مواضع، والمجد ابن تيمية
(1)
في عشرة مواضع، والحارثي في موضعين، وأبو الخطاب محفوظ بن أحمد في موضع واحد، وابن عقيل
(2)
(1)
هو: عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن تيمية الحراني، مجد الدِّين، أبو البركات، فقيه، محدث، مفسر، أصولي، نحوي، مقرئ، ولد سنة (590 هـ) بحران، من مشايخه عمه الخطيب فخر الدِّين ابن تيمية، ومن تلاميذه ابنه شهاب الدِّين عبد الحكيم، له مصنفات عدة منها: المحرر في الفقه، والمنتقى من أحاديث المصطفى، ومنتهى الغاية في شرح الهداية، توفي بحران سنة (652 هـ).
(2)
هو: علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي، أبو الوفاء، ولد سنة (431 هـ) فقيه أصولي، أحد أعيان المذهب، أخذ من القاضي أبي يعلى، وأفتى ودرس له مصنفات عدة منها: الفنون يقع في (200) مجلد، والواضح، وعمدة الأدلة، توفي سنة (513) هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 259، وتأريخ الإسلام 35/ 349، والمقصد الأرشد 2/ 245.
في خمسة مواضع، وابن رزين
(1)
في موضع واحد، والحلواني
(2)
في موضع
واحد، وأبو المعالي أسعد بن منجى
(3)
في موضعين، وابن حامد الحسن بن حامد في موضعين، وابن الزاغوني
(4)
في موضعين، وأبو بكر عبد العزيز بن
(1)
هو: عبد الرحمن بن رزين بن عبد العزيز بن أبي الجيش، الغساني، الحوراني، ثم الدمشقي، سيف الدِّين، أبو الفرج، فقيه حنبلي، سمع بدمشق من أبي العباس أحمد بن سلامة النجار الحراني، وببغداد من أبي المظفر محمد بن مقبل بن المني، ومحيي الدِّين بن الجوزي، له تصانيف منها: التهذيب في اختصار المغني في مجلدين، والنهاية مختصر الهداية، وله تعليقة في الخلاف مختصرة، توفي قتيلا بسيف التتار سنة (656 هـ). ينظر: تاريخ الإسلام 48/ 263، ذيل طبقات الحنابلة 4/ 39، المقصد الأرشد 2/ 88.
(2)
هو: محمد بن علي بن محمد، أبو الفتح، الحلواني، نسبة إلى بيع الحلوى، المعروف بابن المراق، من أهل بغداد، ولد سنة (439 هـ) شيخ الحنابلة في عصره، درس الفقه أصولا وفروعا وبرع فيهما، وأفتى ودرس، له مصنفات عدة منها: كفاية المبتدي، ومختصر العبادات، وله مصنف في أصول الفقه في مجلدين، توفي سنة (505 هـ) ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 257، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 246، والمقصد الأرشد 2/ 472.
(3)
هو: أسعد بن المنجى بن أبي البركات بركات بن المؤمل التنوخي المصري، ثم البغدادي، ثم الحراني، ثم الدمشقي، الحنبلي، وجيه الدِّين، أبو المعالي، ولد سنة (519 هـ) من مشايخه عبد الوهاب بن الحنبلي، وعبد القادر الجيلي، ومن تلاميذه ابن قدامة، والحافظ المنذري، وله تصانيف، منها: الخلاصة في الفقه مجلد، والعمدة في الفقه أصغر منه، والنهاية في شرح الهداية توفي سنة (606 هـ). ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 141، ذيل طبقات الحنابلة 3/ 101، شذرات الذهب 7/ 37.
(4)
هو: علي بن عبيد الله بن نصر بن عبيد الله بن سهل بن الزاغوني، أبو الحسن، البغدادي فقيه حنبلي أصولي، ولد سنة (455 هـ) سمع من أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون وغيرهما، حدث عنه السلفي، وابن ناصر، وابن عساكر، وأبو موسى المديني، وأبو الفرج بن الجوزي وغيرهم. قال ابن رجب: كان متفننا في علوم شتى من الأصول والفروع، والحديث، والوعظ، له مصنفات عدة منها: الإقناع، والواضح، والخلاف الكبير، توفي سنة (527 هـ). ينظر: الإكمال 3/ 369، وسير أعلام النبلاء 19/ 605، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 401.
جعفر في موضع واحد، والزركشي
(1)
في ثلاثة مواضع، وابن أبي موسى
(2)
في موضعين، وابن حمدان في تسعة مواضع، والْمُوَفَّق ابن قدامة
في ثمانية مواضع، والقمولي
(3)
في موضع واحد، وابن عبدوس
(4)
في موضع واحد،
(1)
هو: محمد بن عبد الله بن محمد، أبو عبد الله، شمس الدِّين، الزركشي، المصري، الحنبلي، فقيه، كان إماما في المذهب، أخذ الفقه عن قاضي القضاة موفق الدِّين عبد الله الحجاوي قاضي الديار المصرية، له مصنفات منها:«شرح الخرقي» في الفقه، وشرح قطعة من المحرر للشيخ مجد الدِّين من النكاح إلى باب الأضاحي، و «شرح قطعة من الوجيز» من العتق إلى الصداق، توفي سنة (772 هـ) وله من العمر خمسين سنة. ينظر: شذرات الذهب 8/ 385، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 419، ومعجم المؤلفين 10/ 239.
(2)
هو: محمد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي، أبو علي، قاض، من علماء الحنابلة، إليه انتهت رئاسة المذهب، ولد ببغداد سنة (345 هـ) أخذ عن أبي الحسن التميمي وغيره، وحدث عن ابن المظفر، وكان رئيسا رفيع القدر، بعيد الصيت، كان أثيرا عند الخليفتين القادر بالله، والقائم بأمر الله العباسيين، وكان له حلقة بجامع المنصور، وكان معظما للإمام أحمد، من تصانيفه:«الإرشاد» في الفقه «وشرح كتاب الخرقي» وتوفي ببغداد سنة (428 هـ). ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 182، العبر في خبر من غبر 2/ 260، والمقصد الأرشد 2/ 342.
(3)
هو: أحمد بن محمد بن الحزم، القرشي، المخزومي، القمولي، نجم الدِّين، فقيه شافعي، من أهل قمولة بصعيد مصر، تولى القضاء، اعتنى بكتاب الوسيط، فشرحه في أربعين مجلدا، وسماه البحر المحيط، وأكمل تفسير الإمام فخر الدِّين، وله كتاب جواهر البحرين، قال عنه ابن الوكيل: ما في مصر أفقه منه، توفي في رجب سنة (727 هـ) ينظر: الدرر الكامنة 1/ 359، وشذرات الذهب 7/ 40.
(4)
هو: علي بن عمر بن أحمد بن عمار بن أحمد بن علي بن عبدوس الحراني، أبو الحسن، ولد سنة (510) هـ اشتهر بالوعظ، والفقه، والتفسير، قرأ عليه أبو الفتح نصر الله بن عبد العزيز، وخاله السيخ فخر الدِّين ابن تيمية، له مصنفات منها:(المذهب في المذهب، والتذكرة) تولى القضاء، توفي في مدينة حران سنة (559) هـ. ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 90، والمقصد الأرشد 2/ 242، وشذرات الذهب 6/ 306.
وابن تميم
(1)
في أربعة مواضع، وابن نصر الله
(2)
في موضعين، والشيرازي
(3)
في موضع واحد، والآجري في
موضع واحد، والشارح في ستة مواضع، وابن البنا
(4)
في موضع واحد، والسامري
(5)
في موضع واحد.
(1)
هو: محمد بن تميم الحراني الفقيه، أبو عبد الله، الفقيه المقنن صنف مختصرا في الفقه، وهو يدل على علم مؤلفه، وفقه نفسه، تفقه على الشيخ مجد الدِّين ابن تيمية، وعلى أبي الفرج ابن أبي الفهم، وناصر الدِّين البيضاوي وغيرهم، توفي سنة (675 هـ) تقريبا. ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 4/ 131، المقصد الارشد 2/ 386.
(2)
هو: أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر البغدادي، ثم المصري، محب الدِّين، شيخ المذهب، ومفتى الديار المصرية، كان متضلعا بالعلوم الشرعية، من تفسير، وحديث، وفقه وكان له يد طولى في الأصول، ولد ببغداد سنة (765 هـ) سمع من والده الشيخ نصر الله، ومن نجم الدِّين أبى بكر بن قاسم، ونور الدِّين على بن أحمد المقرئ، له حواشٍ على المحرر حسنة، وعلى الفروع، وكتابة على الفتاوى، ومن تلاميذه إبراهيم بن محمد بن مفلح صاحب المبدع، توفي سنة (844 هـ). ينظر: المقصد الأرشد 1/ 202، شذرات الذهب 9/ 364، الأعلام 1/ 264.
(3)
هو: عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الأنصاري، أبو الفرج، الشيرازي الأصل، الحراني المولد، الدمشقي المقر، الفقيه الحنبلي الواعظ، وكان يعرف في العراق بالمقدسي، من كبار أئمة الإسلام، سمع من أبي الحسن بن السمسار، وشيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني، وعبد الرزاق بن الفضل الكلاعي، وارتحل إلى بغداد، فلازم القاضي أبا يعلى بن الفراء، وتفقه به، ودرس ووعظ، وبث مذهب أحمد بأعمال بيت المقدس، له مصنفات منها:«المبهج» و «الإيضاح» و «التبصرة» و «الجواهر» توفي سنة (486 هـ) ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 248، وسير أعلام النبلاء 19/ 51، والمقصد الأرشد 2/ 179.
(4)
هو: الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء، البغدادي، أبو علي، من كبار فقهاء الحنابلة، ولد سنة (396 هـ) وقرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي بالقراءات، سمع من: هلال الحفار، وأبي الفتح بن أبي الفوارس، وأبي الحسن بن رزقويه، وأبي الحسين بن بشران، وروى عنه: أحمد بن ظفر المغازلي، وأبو منصور عبد الرحمن القزاز، وإسماعيل بن السمرقندي، له مصنفات عدة منها: المجرد، وشرح الخرقي، وطبقات الفقهاء، توفي سنة (471 هـ). ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 243، وتأريخ الإسلام 32/ 39، وسير أعلام النبلاء 18/ 380.
(5)
هو: محمد بن عبد الله بن الحسين السامري، الفقيه الفرضي، أبو عبد الله ويلقب نصير الدِّين، ويعرف بابن سُنَيْنهَ، ولد سنة (535 هـ) بسامرا، وسمع من ابْن البطي، وأبي حَكِيم النهرواني، وعبد اللطيف بْن أَبِي سَعْد ببغداد وتفقه عَلَى أَبِي حَكِيم، ولازمه مدة، له مصنفات مشهورة، منها: كتاب «المستوعب فِي الفقه» وكتاب «الفروق» وكتاب «البستان» فِي الفرائض، وولي القضاء بسامرا، وأعمالها مدة. ثم ولي القضاء والحسبة ببغداد، وتوفي فيها سنة (616 هـ). ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 3/ 249، والمقصد الأرشد 2/ 423، وشذرات الذهب 7/ 126.
المطلب الثالث: قيمة الكتاب العلمية:
يعتبر كتاب التنقيح من أهم المراجع في المذهب الحنبلي؛ لأنه يعتبر ملخصًا ومصححًا للمقنع، وقد بين ذلك في مقدمته لكتابه التنقيح بأنه اقتضاب لما في كتاب الإنصاف، كما بين أنه يذكر الراجح فيه من المذهب، وأوضح الكلمات الغامضة، والمبهم، والمطلق، والمقيد، كما أوضح أنه يذكر الصحيح من المذهب
…
إلى أن قال: «وهو في الحقيقة تصحيحٌ، وتنقيحٌ، وتهذيبٌ لكل ما في معناه، بل وتصحيحٌ لغالب ما في المطولات، ولاسيما في التتمات» .
وحيث رأى العلماء قيمة وأهمية كتاب (التنقيح) مع كتاب (المقنع) سعى كثير منهم لمحاولة الجمع بينهما، والتقريب بين عبارتهما؛ ليسهل الرجوع إليهما، وممن سعى إلى ذلك من العلماء:
أولاً: العلامة تقي الدِّين محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي الشهير (بابن النجار)(ت 972 هـ) حيث ألف كتابه المشهور (منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات).
ثانيًا: العلامة أحمد بن عبد الله العُسْكُري (ت 910 هـ) حيث شرع في تأليف كتاب سماه (المنهج الصحيح في الجمع بين ما في المقنع والتنقيح) وهو المخطوط الذي بين أيدينا للعمل على تحقيقه بإذن الله، وقد أدركته المنية قبل إتمامه.
ثالثًا: العلامة أحمد بن محمد الشويكي (ت 939 هـ) ألف كتابًا سماه (التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح).
رابعًا: قام العلامة موسى الحجاوي (ت 968 هـ) بوضع حاشية على كتاب التنقيح. وهذه المحاولات والجهود تدل دلالة واضحة على أهمية كتاب التنقيح.
الفصل الثالث
دراسة موجزة عن الإمام العُسْكُري
وفيه ثمانية مباحث:
المبحث الأول: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته.
المبحث الثاني: مولده، ونشأته، وفاته.
المبحث الثالث: طلبه للعلم، ورحلاته العلمية.
المبحث الرابع: شيوخه.
المبحث الخامس: تلاميذه.
المبحث السادس: مؤلفاته.
المبحث السابع: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه.
المبحث الثامن: عقيدته، ومذهبه الفقهي.
المبحث الأول: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته:
هو الشيخ الإمام، العالم، الأوحد، المحقق، المتقن، المفيد، المتفنن، البحر، العلامة، أحمد بن عبد اللّه بن أحمد، شهاب الدِّين أبو العباس، الدمشقي، الصالحي، الشهير بابن العُسْكُري
(1)
.
المبحث الثاني: مولده، ونشأته، وفاته:
لم تذكر كتب التراجم سنة ولادته، ولقد نشأ نشأة علمية، وكان يتصف بالدِّين، والزهد، والتواضع، وكان منقطعًا عن الناس، قليل المخالطة لهم، ومات في ليلة الأحد الخامس عشر من شهر ذي القعدة، وقيل: في ذي الحجة، سنة (910 هـ، وقيل: 912 هـ) بدمشق، ودفن بالصالحية -رحمه الله تعالى-.
المبحث الثالث: طلبه للعلم، ورحلاته العلمية:
حفظ القرآن، وتصدّر بمدرسة أبي عمر للإقراء
(2)
، وبرع بعد ذلك ودرّس، وأفتى، وناب في القضاء، حتى صار مرجع الحنابلة بدمشق،
(1)
ينظر: ترجمته في الجوهر المنضد 1/ 16، والكواكب السائرة 1/ 151، وشذرات الذهب 10/ 82، والسحب الوابلة 1/ 170.
(2)
مدرسة أبي عمر: تسمى المدرسة العمرية، ألفها محمد بن محمد بن قدامة المقدسي (ت 607 هـ) وهي أكبر مدرسة في دمشق، وبها خزانة للكتب لا نظير لها فلعبت بها أيدي المختلسين إلى أن أتى بعض الطلبة النجديين فسرق منها خمسة أحمال جمل من الكتب وفر بها ثم نقل ما بقي وهو شيء لا يذكر بالنسبة لما كان بها إلى خزانة الكتب في قبة الملك الظاهر في مدرسته. ينظر: النفحة المسكية في الرحلة المكية ص 57، ومنادمة الأطلال ص 244.
ومفتيهم، وكان ملازمًا لتدريس تفسير البغوي
(1)
، دائم التحريض على مطالعة كتاب الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم.
المبحث الرابع: شيوخه:
لقد تتلمذ شهاب الدِّين أحمد بن عبد اللّه بن أحمد العُسْكُري، على علماء أجّلاء، وانتفع منهم انتفاعًا كبيرًا منهم:
1 -
التقي بن قندس (ت 861 هـ).
2 -
الشهاب بن زيد الموصلي (ت 870 هـ)
(2)
.
3 -
النّظام بن مفلح (ت 872 هـ)
(3)
.
(1)
هو: محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد البغوي الفراء المروزي، الفقيه المحدث، كان من كبار الفقهاء المجتهدين، كان ذا تعبد ونسك وقناعة باليسير، ولد سنة (432 هـ) تفقه على القاضي حسين صاحب التعليقة، وعن أبي عمر عبد الواحد المليحي، وأبي الحسن محمد بن محمد الشيرزي، وحدث عنه: أبو منصور محمد بن أسعد العطاري عرف بحفدة، وأبو الفتوح محمد بن محمد الطائي، له مصنفات عدة منها «معالم التنزيل» و «مشكّل القرآن» و «شرح السنة» توفي سنة (510 هـ) وقيل سنة (516 هـ). ينظر: طبقات الحفاظ 4/ 37، وسير أعلام النبلاء 19/ 441، والبداية والنهاية 12/ 238، وطبقات الشافعيين ص 549.
(2)
هو: أحمد بن محمد بن أحمد بن زيد، شهاب الدِّين، أبو العباس، ولد سنة (789 هـ) من علماء الحنابلة، متواضعا، سمع من عائشة ابنة عبد الهادي، والعلاء بن زكنون، وعبد الرحمن بن عبد الله بن خليل الحرستاني، له مصنفات منها:(محاسن المساعي في مناقب أبي عمرو الأوزاعي) و (تحفة الساري إلى زيارة تميم الداري) و (ديوان خطب) توفي بدمشق سنة (870 هـ). ينظر: الضوء اللامع 2/ 68، والأعلام 1/ 230.
(3)
هو: عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح، أبو حفص، نظام الدِّين، الراميني المقدسي الصالحي، قاض حنبلي، من أهل الصالحية (بدمشق) ولد سنة (782 هـ) قرأ القرآن عند الشمس بن الأستاذ، وأحمد البقعي، أنشأ مدرسة دار الحديث النظامية في شرقي الصالحية، توفي سنة (872 هـ). ينظر: الضوء اللامع 6/ 66، والأعلام 5/ 39.
4 -
علاء الدِّين المرداوي (ت 885 هـ).
المبحث الخامس: تلاميذه:
تتلمذ على العلامة أحمد العُسْكُري خلق كثير منهم:
1 -
أحمد بن محمد بن أحمد العلامة الزاهد، أبو الفضل شهاب الدِّين الشويكي النابلسي، ثم الدمشقي، الصالحي، الحنبلي (ت 939 هـ).
2 -
حسن بن إبراهيم الحنبلي
(1)
، لازم الشهاب العُسْكُري في حل المقنع والتنقيح، (ت 925 هـ).
3 -
أحمد بن محمد المرداوي الحنبلي المعروف بابن الديوان
(2)
(ت 940 هـ).
4 -
أحمد بن يحيى بن زيد التميمي النجدي
(3)
(ت 948 هـ).
(1)
هو: حسن بن إبراهيم بن أحمد بن خليل بن أحمد بن عيسى بن عثمان بن عمر بن علي بن سلامة، الشيخ بدر الدِّين العجمي الأصل، المقدسي البيت لبدي، ثم الصالحي الحنبلي، حفظ المحرر للمجد بن تيمية، وحله على شارحه الشيخ علاء الدِّين البغدادي، ولازم شيخ الحنابلة الشهاب العُسْكُري في حل المقنع والتنقيح، وحل توضيح ابن هشام في النحو على الشيخ شهاب الدِّين بن شكّم، ولازمه مدة طويلة، وتوفي سنة (925 هـ) ودفن بالصالحية. ينظر: الكواكب السائرة 1/ 177، وشذرات الذهب 10/ 184.
(2)
هو: أحمد بن محمّد بن شهاب الدِّين المرداوي ثم الصالحي، الحنبلي، المعروف بابن الديوان، قرأ على الشيخ شهاب الدِّين الذويب الحنبلي لبعض السبعة، وأخذ علم الحديث عن الجمال يوسف ابن الهادي وغيره، وتفقه عليه وعلى الشهاب العُسْكُري على مذهب الإمام أحمد. توفي سنة (940 هـ) ينظر: محض الصواب في فضل عمر بن الخطاب ص 49.
(3)
هو: أحمد بن يحيى بن عطوة بن زيد التميمي النجدي، ولد في بلده العيينة ونشأ بها وقرأ على فقهائها، ثم رحل إلى دمشق لطلب العلم فقرأ على الشيخ شهاب الدِّين العُسْكُري وتخرج به وانتفع، وقرأ على يوسف بن عبد الهادي في الفقه من أصول ابن اللحام وغير ذلك، وتفقه ومهر في الفقه فأجازه مشايخه وأثنوا عليه فرجع إلى بلده فصار المرجوع إليه في قطر نجد في المذهب الحنبلي، توفي سنة (948 هـ). ينظر: محض الصواب في فضل عمر بن الخطاب ص 48.
المبحث السادس: مؤلفاته:
قد صنّف ابن العُسْكُري كتابًا في الفقه جمع فيه بين المقنع والتنقيح وسماه (المنهج الصحيح في الجمع بين ما في المقنع والتنقيح) في فروع الحنابلة، وهو المخطوط الذي سأقوم بتحقيقه بمشيئة الله تعالى، ولم تذكر كتب التراجم التي وقفت عليها غيره، وهذا لا ينقص قدره، بل قد يكون كتابًا واحدًا ويمتاز بالتدقيق، والتصحيح، والترجيح، ويكون المؤلف قد بذل فيه جهدًا كبيرًا.
المبحث السابع: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه:
(1)
.
المبحث الثامن: عقيدته، ومذهبه الفقهي:
قال في متعة الأذهان عند ترجمته للشهاب أحمد العُسْكُري وعند كلامه عن مسائل الاعتقاد: «والظاهر أنه كان سالكًا فيها طريق السلف كما
(1)
ينظر: الكواكب السائرة 1/ 92.
هو غالب الحنابلة .. كما أنه كان ملازمًا لقراءة تفسير شيخ السنة أبي محمد البغوي»
(1)
.
وأما مذهبه، فهو المذهب الحنبلي، يتحقق ذلك في جمعه بين كتابين من أمهات كتب الحنابلة (المقنع لابن قدامة، والتنقيح للمرداوي)، كما أنه كان يوصف بمفتي الحنابلة بدمشق
(2)
.
وقال ابن حميد: «صار إليه المرجع في مذهب الحنابلة»
(3)
.
وقال عنه ابن الغزي
(4)
: «مفتي السادة الحنابلة بدمشق»
(5)
.
(1)
ينظر: متعة الأذهان 1/ 90.
(2)
ينظر: معجم المؤلفين 1/ 313.
(3)
ينظر: السحب الوابلة 1/ 171.
(4)
ينظر: الجوهر المنضد ص 16.
(5)
ينظر: السحب الوابلة 1/ 171.
الفصل الرابع
التعريف بكتاب المنهج الصحيح
ويشتمل على سبعة مباحث:
المبحث الأول: تحقيق اسم الكتاب.
المبحث الثاني: إثبات نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
المبحث الثالث: منهج المؤلف في هذا الكتاب.
المبحث الرابع: مصادر المؤلف في كتابه.
المبحث الخامس: قيمة الكتاب العلمية.
المبحث السادس: الفرق بين كتابي المنهج الصحيح، وكتاب التوضيح.
المبحث السابع: وصف النسخ الخطية، ونماذج منها.
المبحث الأول: تحقيق اسم الكتاب:
لا ريب أن عنوان هذا الكتاب (المنهج الصحيح في الجمع بين ما في المقنع والتنقيح) ومن خلال تتبع ترجمة الإمام أحمد العُسْكُري، نجد أن كل من ترجم له يذكر أنه صاحب الكتاب إما صريحا كما في تصريح مؤلفه باسمه حيث قال (وسميته بالمنهج الصحيح في الجمع بين ما في المقنع والتنقيح).
وإما بيانًا لمضمون مؤلفه، أو إشارة إلى اسم الكتاب مختصرًا فمثلا:
قال محمد بن طولون
(1)
: «صنف كتابًا جمع فيه بين المقنع للموفق والتنقيح لشيخه أبي الحسن المرداوي»
(2)
.
وقال الغزي
(3)
: «وألف كتابًا في الفقه جمع فيه بين المقنع والتنقيح،
(1)
هو: محمد بن علي، شمس الدِّين أبو عبد الله، ابن الشيخ علاء الدِّين، ابن الخواجه، الشهير بابن طولون، الدمشقي الصالحي الحنفي، المحدث النحوي، مولده بصالحية دمشق في ربيع الأَوَّل سنة (880 هـ) وسمع وقرأ على جماعة منهم القاضي ناصر الدِّين أبو البقاء زريق، والخطيب سراج الدِّين الصيرفي، والجمال يوسف بن عبد الهادي، كان ماهرًا في النحو علامة في الفقه، مشهورًا بالحديث، ومن أشهر تلاميذه: الشيخ شهاب الدِّين الطيبي، والشيخ علاء الدِّين بن عماد الدِّين، والشيخ نجم الدِّين البهنسي، توفي سنة (953 هـ). ينظر: الكواكب السائرة 2/ 51.
(2)
ينظر: متعة الأذهان 1/ 90.
(3)
هو: محمد بن محمد بن محمد الغَزِّي العامري القرشي الدمشقيّ، أبو المكارم، نجم الدِّين، مؤرخ، باحث أديب، ولد في دمشق سنة (977 هـ) له مصنفات منها:(الكواكب السائرة في تراجم أعيان المئة العاشرة) و (لطف السمر وقطف الثمر من تراجم أعيان الطبقة الأولى من القرن الحادي عشر) و (حسن التنبّه لما ورد في التشبه - خ) بخطه، كاملا في الظاهرية، و (عقد الشواهد) توفي في دمشق سنة (1061 هـ). ينظر: الأعلام 7/ 63.
ومات قبل تمامه»
(1)
.
وقال الباباني
(2)
: «جامع المقنع والتنقيح -في فروع الحنابلة لشهاب الدِّين أحمد بن عبد الله العُسْكُري»
(3)
.
وقال في معجم المؤلفين
(4)
: «من تصانيفه: كتاب في فقه فروع الحنابلة جمع بين المقنع والتنقيح، وتوفي قبل إتمامه بدمشق» .
وقال في المدخل المفصل
(5)
: «الجمع بين المقنع والتنقيح» لشهاب الدِّين أحمد ابن عبد الله العُسْكُري الصالحي.
ونسبه إليه الحجاوي في حاشيته على التنقيح
(6)
، بعد ذكره مسألة كراهة تغسيل شهيد المعركة فقال:«ولم نر من صرح بالكراهة، إلا المنُقِّح ومن تابعه بعده، كالعُسْكُري في كتابه المنهج الذي جمع فيه بين المقنع والتنقيح، ولم يتيسر له إكماله» .
وقال في السحب الوابلة: «وقد صنف كتابا جمع فيه بين المقنع
(1)
ينظر: الكواكب السائرة 1/ 151.
(2)
هو: إسماعيل بن محمد أمين بن مير سليم الباباني البغدادي، عالم بالكتب ومؤلفيها، باباني الأصل، بغدادي المولد والمسكن، أقام زمنا في (مقري كوي) بقرب الآستانة، مشتغلا بإكمال كتابه (إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون) وله (هدية العارفين، أسماء المؤلفين وآثار المصنفين) توفي سنة (1339 هـ) ينظر: إيضاح المكنون 3/ 158، والأعلام 1/ 326.
(3)
ينظر: إيضاح المكنون 3/ 358.
(4)
ينظر: معجم المؤلفين 1/ 313.
(5)
ينظر: المدخل المفصل 1/ 218.
(6)
ينظر: التنقيح المشبع مع الحاشية ص 129.
والتنقيح»
(1)
.
تنبيه: غلاف المخطوط كتب بعنوان (المنهج الصحيح في الجمع بين المقنع والتنقيح)، وفي مقدمة المؤلف قال:(وسميته بالمنهج الصحيح في الجمع بين ما في المقنع والتنقيح).
ويلاحظ أن هناك فرقًا يسيرًا بينهما في اللفظ فقط، وإن كان المضمون واحدًا، ولكن الصواب والأقرب هو ما سماه المؤلف بنفسه؛ لأنه قد يكون الغلاف من الناسخ مع أنه لا فرق في المضمون كما سبق ذكره.
المبحث الثاني: اثبات نسبة الكتاب إلى مؤلفه:
يعتبر كتاب المنهج الصحيح في الجمع بين ما في المقنع والتنقيح هو الكتاب الوحيد للإمام العُسْكُري، وقد ثبت ذلك من خلال:
أولاً: تصريح مؤلفه باسمه حيث قال: (وسميته بالمنهج الصحيح في الجمع بين ما في المقنع والتنقيح).
ثانيًا: ذكر اسم الكتاب منسوبًا للإمام العُسْكُري في غالب من ترجم للمؤلف منهم: صاحب كتاب متعة الأذهان
(2)
، وصاحب كتاب حاشيته على التنقيح
(3)
، وصاحب كتاب
الكوكب السائرة
(4)
، وصاحب
(1)
ينظر: السحب الوابلة 1/ 172.
(2)
المراد به محمد بن طولون. ينظر: متعة الأذهان 1/ 90.
(3)
المراد به الحجاوي. ينظر: التنقيح المشبع مع الحاشية ص 129.
(4)
المراد به الغزي. ينظر: الكواكب السائرة 1/ 151.
كتاب السحب الوابلة
(1)
، وصاحب كتاب إيضاح المكنون
(2)
، وصاحب كتاب معجم المؤلفين
(3)
، وصاحب كتاب المدخل المفصل
(4)
.
المبحث الثالث: منهج المؤلف في هذا الكتاب:
أولاً: سلك المؤلف رحمه الله في كتابه، طريقة فقهاء الحنابلة، فبدأ بكتاب الطهارة، ثم الصلاة، ثم كتاب الزكاة ....
ثانيًا: جعل المؤلف كتابه أبوابًا، وفصولا تحت كل كتاب، فجاء الكتاب شاملاً لأغلب المسائل الفقهية.
ثالثًا: اقتصر المؤلف على ذكر المذهب الحنبلي، دون التعرض للمذاهب الأخرى، فلم يتعرض لغير المذهب إلا نادرًا.
رابعًا: التزم المؤلف لفظ شيخه في التنقيح، إلا في لفظ رأى أن غيره أوضح منه، ومن المسائل التي غير فيها لفظا مما يوهم المعنى، مسألة صحة الاعتكاف في المساجد التي تقام فيها الجمعة، أو الجماعة، في باب الاعتكاف، فحذف قوله:(أو الجمعة) لأنه موهم
(5)
.
ومن الألفاظ التي غير فيها المؤلف؛ لأنه رأى فيها إيهامًا وغموضًا، قول المنُقِّح في باب الاستنجاء «ويسن تقديم رجله اليسرى دخولاً، ويمنى
(1)
المراد به ابن حميد. ينظر: السحب الوابلة 1/ 172.
(2)
المراد به الباباني. ينظر: إيضاح المكنون 3/ 358.
(3)
المراد به عمركحالة. ينظر: معجم المؤلفين 1/ 313.
(4)
المراد به بكر أبو زيد. ينظر: المدخل المفصل 1/ 218.
(5)
ينظر: كتاب الاعتكاف، لوح رقم (27/ أ). في الصفحة رقم [444].
خروجًا، عكس مسجد، وانتعال، وخلع ونحوهما» أبدلها بلفظ غير موهم وواضح فقال:«ويسن تقديم رجله اليسرى دخولاً، ويمنى خروجًا، كخلع نعل عكس انتعاله، ودخوله المسجد، ونحوهما»
(1)
.
ومن المسائل التي غير فيها لفظًا مما يوهم المعنى، أنه غير لفظ المنُقِّح في باب إزالة النجاسة «ويعتبر العصر في كل غسلة، مع إمكانه فيما تشرب نجاسة، أو دقه وتقليبه، أو تثقيله لا تجفيفه»
(2)
ف (أو) هنا محتملة للتخيير والتنويع، وعبارة المؤلف (ثم إن كان المحل مما تشرب نجاسات يمكن عصره وجب كل مرة، ولا يكفي تجفيفه بدل العصر، وإن لم يمكن كالزلالي ونحوه، فبدقها، أو دوسها وتقليبها، أو تثقيلها بما يفصل الماء عنها» فأوضح محل الاحتمال
(3)
.
ومنها قوله في فصل قصر الصلاة «ومن ابتدأ سفرًا مباحًا
(4)
» وفي التنقيح: «ومن نوى سفرًا مباحًا»
(5)
فإنه قد ينوي ولا يسافر.
خامسًا: استدرك المؤلف على شيخه بعض المسائل، ومن ذلك قوله في باب السواك وسنن الوضوء:«ومن واجباته تسمية فيقول: بسم الله، وكذا في غسل، وتيمم، ويسقط سهوًا، فإن ذكر بعد فراغه صحت، وإن ذكر في أثنائه أتم، والأخرس يشير بها»
(6)
.
(1)
ينظر: باب الاستنجاء، وأثر الاستنجاء. لوح رقم (6/ ب) في الصفحة رقم [112].
(2)
ينظر: التنقيح المشبع ص 67.
(3)
ينظر: باب إزالة النجاسة. لوح رقم (15/ أ) في الصفحة رقم [147].
(4)
ينظر: فصل في قصر الصلاة. لوح رقم (48/ ب) في الصفحة رقم [284].
(5)
ينظر: التنقيح المشبع ص 112.
(6)
ينظر: باب السواك وسنن الوضوء. لوح رقم (7/ ب) في الصفحة رقم [116].
وعبارة المرداوي في التنقيح «والتسمية واجبة في وضوء، وغسل، وتيمم، وتسقط سهوًا، ويكفي إشارة أخرس»
(1)
.
(2)
.
وعبارة المرداوي في التنقيح «ويسن نظره إلى موضع سجوده، إلا في صلاة خوف ونحوه عند الحاجة فلا، ثم يقرأ البسملة
…
» فلم يذكر دعاء الاستفتاح، ولا التعوذ
(3)
.
ومنها في باب بيان حكم الأراضي المغنومة، فقد ذكر المؤلف أن الأراضي ثلاثة أضرب
(4)
، وأطال في التفصيل، بينما اختصر في التنقيح على قسم واحد وهو ما فتح عَنْوَة فقط
(5)
وكما في مسألة الاستثناء من الدَّين الذي يسقط الزكاة، فقد خالف فيها المنُقِّح؛ لأنها هي الرواية الصحيحة من المذهب، كما في كتاب الزكاة
(6)
.
(1)
ينظر: التنقيح المشبع ص 49.
(2)
ينظر: باب صفة الصلاة لوح رقم (31/ أ) في الصفحة رقم [211].
(3)
ينظر: التنقيح المشبع ص 91.
(4)
ينظر: باب بيان حكم الأراضي المغنومة. لوح رقم (130/ أ) في الصفحة رقم [559].
(5)
ينظر: التنقيح المشبع ص 204.
(6)
ينظر: كتاب الزكاة لوح رقم (69/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [353].
قال العلامة العُسْكُري: «فرأيت أنَّ ضمَّ ما أَلَّفَه إلى ما صَنَفَهُ أصوب؛ ليكون كتابه محتويًا على تصحيح كثير من المذهب، ويكون كالكتاب الواحد، ليسهل على الطالب في المطالعة، ومغنيًا عن غيره في المراجعة» .
سادسًا: حذف المؤلف وأسقط من التنقيح ما رأى أنه يستغنى عنه، طالبًا للاختصار في مؤلَفِه، كما استدرك عليه بعض الروايات التي قدم أنها هي المذهب.
ففي كتاب الحج قال
(1)
: «ومن أراد التضحية فدخل العشر حرم عليه، وعلى من يضحي عنه أخذ شيء من شعره، وظفره إلى الذبح» .
بينما في التنقيح زاد لفظة لا معنى لها فقال: «ومن أراد التضحية فدخل العشر حرم عليه، وعلى من يضحي عنه إلى الذبح أخذ شيء من شعره، وظفره وبشرته إلى الذبح»
(2)
. فالمنُقِّح كرر لفظة (إلى الذبح) مرتين ولا فائدة من التكرار.
سابعًا: وافق المؤلف المرداوي في التصحيح غالبا، مستندا على أنه الأقوى عند الأصحاب والأشهر، وبين أنه لا يذكر إلا الصحيح من المذهب، إلا لمعنى يقتضيه.
ثامنًا: بين في مؤلفه أنه يرجح في بعض المسائل الفقهية، ويشير إلى ترجيحه بلفظ (يتوجه) كما في تعريف الطهارة قال: «ويتوجه أن يقال:
(1)
ينظر: باب الهدي والأضاحي. لوح رقم (122/ ب) من المخطوط. في الصفحة رقم [536].
(2)
ينظر: التنقيح المشبع ص 196.
زوال جنس مانع الصلاة، وما أشبهه، بما يزول به شرعًا»
(1)
.
وكما قال في وقت الأذان: «ولا يصح أذان قبل دخول الوقت كالإقامة، إلا لفجر، فيجوز بعد نصف الليل ويصح، والأفضل بعد الفجر، وقيل: قبله بيسير، ويتوجه أنه أظهر»
(2)
.
وكما قال في حكم القتال على فرس من الغنيمة قال: «وليس له القتال على فرس من الغنيمة، ولا لبس ثوب، ويتوجه أن مرادهم مع عدم الحاجة، ومعها يجوز»
(3)
.
وكقوله في حكم من يكون له النظر في الوقف قال: «وإن شرط النظر للأفضل من أولاده فهو له، فإن أبى القبول، انتقل إلى من يليه، فإن تعين أحدهم؛ لفضله، ثم صار فيهم من هو أفضل، انتقل إليه؛ لوجود الشرط فيه، ويتوجه إن استوى اثنان اشتركا»
(4)
.
وكقوله في حكم حفر البئر وغرس الشجر في المسجد قال: «ويحرم حفر بئر، وغرس شجرة في مسجد، فإن فعل قلعت، وطمت نص عليهما، فإن لم تقلع فثمرتها لمساكين المسجد، ويتوجه جواز حفر بئر فيه، إن كان فيه مصلحة، ولم يحصل به ضيق»
(5)
وغير ذلك من ترجيحات المؤلف.
تاسعًا: أشار المؤلف إلى الروايات، والأوجه في المذهب في
(1)
ينظر: كتاب الطهارة. لوح رقم (4/ أ) في الصفحة رقم [99].
(2)
ينظر: باب الأذان والإقامة. لوح رقم (21/ أ) في الصفحة رقم [171].
(3)
ينظر: باب ما يلزم الإمام والجيش. لوح رقم (127/ ب) في الصفحة رقم [550].
(4)
ينظر: كتاب الوقف. لوح رقم (223/ ب) في الصفحة رقم [869].
(5)
ينظر: كتاب الوقف. لوح رقم (225/ أ) في الصفحة رقم [878].
بعض المسائل، كما في باب فروض الوضوء قال:«ويصح عن جنابة حال حيض نصًا، وعكسه، وفي استحبابه روايتان»
(1)
.
وكما في قوله في فصل في الكفن قال: «فإن وجد حاكم وأذن فيه رجع، وإن لم يأذن ففي الرجوع روايتان»
(2)
.
وكما في باب نواقض الوضوء قال: «ولا نقض بانتشار عن فكر، وفيه عن تكرار نظر وجهان»
(3)
.
عاشرًا: يذكر المؤلف الأحكام الفقهية عارية عن الدليل غالبًا، كما أنه يذكر الدليل ضمنا نادرًا، كما في باب صفة الصلاة قال:«فإذا أتى المسجد قدم رجله اليمنى وقال: بسم الله، والصلاة على رسول الله وعلى آله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وفضلك»
(4)
، وكما في باب صفة الصلاة قال:«ثم يستفتح سرًا فيقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك»
(5)
.
وكقوله في باب إخراج الزكاة: «ويستحب أن يقول المخرج عند دفعها: اللهم اجعلها مغنمًا، ولا تجعلها مغرمًا»
(6)
.
وكقوله في باب ما يكره ويستحب وحكم القضاء: «وأن يدعو عند
(1)
ينظر: باب فروض الوضوء. لوح رقم (8/ ب) في الصفحة رقم [121].
(2)
ينظر: فصل في الكفن. لوح رقم (63/ ب) في الصفحة رقم [329].
(3)
ينظر: باب نواقض الوضوء. لوح رقم (11/ أ) في الصفحة رقم [132].
(4)
ينظر: باب صفة الصلاة. لوح رقم (30/ أ) في الصفحة رقم [207].
(5)
ينظر: باب صفة الصلاة. لوح رقم (31/ أ) في الصفحة رقم [211].
(6)
ينظر: باب إخراج الزكاة. لوح رقم (84/ ب) في الصفحة رقم [401].
فطره فيقول: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت»
(1)
.
وكقوله في باب صوم التطوع: «ويستحب منه ما روي عن عائشة رضي لله عنها قالت: يا رسول الله إن وافقتها فبم أدعو؟ قال: قولي: اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عني»
(2)
.
وكما في قوله في باب دخول مكة: «فإذا رأى البيت رفع يديه فقط نصًّا، ودعا فقال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، حينا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تعظيمًا، وتشريفًا، وتكريمًا، ومهابةً، وبرًا، وزد من عظمه، وشرفه ممن حجه، واعتمره تعظيمًا، وتشريفًا، ومهابةً، وبرًا»
(3)
.
الحادي عشر: ينص المؤلف في كتابه على المذهب بقوله «نصًّا» وقد تكررت كثيرًا.
المبحث الرابع: مصادر المؤلف في كتابه:
إن من مظاهر قيمة كل مؤلف كثرة المصادر التي استقى منها المؤلف مادة مؤلفه، وعلى حسب قوة تلك المصادر العلمية، يكون الحكم على الكتاب، ويعتبر مؤلف المنهج الصحيح في الجمع بين ما في المقنع والتنقيح من الكتب القيمة والتي تظهر أهميته من خلال جمعه بين مصدرين من مصادر المذهب الحنبلي، كما أن المتتبع لكتاب العُسْكُري يلمح قيمة
(1)
ينظر: باب ما يكره ويستحب وحكم القضاء. لوح رقم (94/ ب) في الصفحة رقم [434].
(2)
ينظر: باب صوم التطوع. لوح رقم (97/ أ) في الصفحة رقم [443].
(3)
ينظر: باب دخول مكة. لوح رقم (113/ أ) في الصفحة رقم [505].
الكتاب العلمية من خلال رجوعه إلى أكثر كتب المذهب المعتمدة، وتصريحه بالنقل عن فقهاء المذهب كثيرا، إما تصريحًا بكتبهم، وإما بأسمائهم، وسوف أذكر الكتب التي وقفت عليها من خلال تحقيقي لهذا المخطوط، ثم أذكر بعد ذلك العلماء الذين ذكرهم تصريحا، فمن الكتب التي نقل عنها المؤلف:
1 -
الأحكام السلطانية: تأليف القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف البغدادي (380 ـ 458 هـ) وقد صرح العُسْكُري بذكر هذا المصدر في موضوعين، وقد نقل عن مؤلفه مصرحًا باسمه في خمس وعشرين مرة.
2 -
الانتصار في المسائل الكبار: تأليف محظوظ بن أحمد بن الحسين الكلوذاني البغدادي، أبي الخطاب (432 ـ 510 هـ) وقد صرح العُسْكُري بذكر اسم الكتاب في ثلاثة مواضع.
3 -
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: تأليف علي بن سليمان المرداوي أبي الحسن علاء الدِّين المرداوي (817 ـ 885 هـ) وأشار العُسْكُري للنقل من هذا المصدر في مقدمة التنقيح وأنه مقتضب من الإنصاف.
4 -
الإيضاح: تأليف عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الأنصاري، أبي الفرج الشيرازي (؟ -486 هـ) وقد صرح العُسْكُري بذكر اسم هذا المصدر في موضع واحد.
5 -
الترغيب = ترغيب القاصد في تقريب المقاصد: تأليف محمد بن
الخضر بن محمد بن الخضر بن تيمية أبي عبد الله فخر الدِّين (542 - 622 هـ)
(1)
وبلغ عدد المسائل التي رجع فيها إليه خمس مسائل.
6 -
التعليق = الخلاف الكبير: للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف البغدادي، (380 - 458 هـ) وقد صرح العُسْكُري بذكر اسم هذا المصدر في موضع واحد.
7 -
النظم: عقد الفرائد وكنز الفوائد: تأليف محمد بن عبد القوي بن بدران بن عبد الله المقدسي، أبي عبد الله، شمس الدِّين (630 - 699 هـ) وقد أشار العُسْكُري إليه في كتابه مرة واحدة.
8 -
التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع: تأليف علي بن سليمان المرداوي (718 - 885 هـ) وهو أحد أصلي كتاب المحقق، وذكره في مئة وستة وأربعين موضعًا.
9 -
الحاويين: تأليف عبد الرحمن بن عمر بن أبي القاسم البصري الضرير، أبي طالب نور الدِّين (624 - 684 هـ)
(2)
وقد نقل العُسْكُري عنه
(1)
هو: محمد بن الخضر بن محمد ابن تيمية، أبو عبد الله ابن أبي القاسم الحراني الخطيب المقرئ الواعظ الفقيه المحدث، حسن القصص حلو الكلام، مليح الشمائل، له القبول التام عند الخاص والعام، من أهل الصلاح والدِّين، ولد سنة (542 هـ) من شيوخه: أحمد بن أبي الوفاء، وحامد بن أبي الحجر، وابن المني، وأحمد بن بكروس، له مصنفات منها:(الديوان) و (التفسير الكبير) توفي سنة (622 هـ). ينظر: تاريخ أربل 1/ 97، وسير أعلام النبلاء 22/ 289، والوافي بالوفيات 3/ 32، وذيل طبقات الحنابلة 3/ 321.
(2)
هو: عبد الرحمن بن عمر بن أبي القاسم بن علي بن عثمان البصري، الفقيه الضرير، الإمام نور الدِّين أبو طالب، نزيل بغداد، ولد في البصرة سنة (624 هـ) وسمع ببغداد من أبي بكر الخازن، ومحمد بن علي بن أبي السهل، ومن مجد الدِّين ابن تيمية أحكامه، وكتابه «المحرر» في الفقه، وكان بارعا في الفقه، وله معرفة في الحديث والتفسير، وله تصانيف عديدة، منها: كتاب «جامع العلوم في تفسير كتاب الله الحي القيوم» كتاب «الحاوي» في الفقه، في مجلدين «الكافي، في شرح الخرقي توفي سنة (684 هـ) ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 4/ 195، شذرات الذهب 7/ 674، والمقصد الأرشد 2/ 101.
في موضع واحد مجموعًا مع الحاوي الكبير.
10 -
الخلاصة: تأليف أسعد - ويسمى محمد - بن المنجى بن بركات التنوخي أبي المعالي وجيه الدِّين (519 - 606 هـ) وقد صرح العُسْكُري بذكر أسم مؤلفه في ثمانية مواضع من كتابة.
11 -
الرعاية الصغرى، وذكرها المؤلف مع الرعاية الكبرى (الرعايتين): تأليف أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان النميري الحراني أبي عبد الله نجم الدِّين (630 - 695 هـ) وذكرهما العُسْكُري مجموعتين في ثلاثة مواضع.
12 -
الرعاية: تأليف أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان النميري الحراني أبي عبد الله نجم الدِّين (630 - 695 هـ) والمراد بها عند علماء المذهب عند الإطلاق هي (الرعاية الكبرى) وقد اعتنى العُسْكُري بهذا المصدر بكثرة، ونقل عنة في تسعة وعشرين موضعا.
13 -
شرح ابن منجا= شرح المقنع: تأليف المنجى بن عثمان بن أسعد بن المنجى بن بركات التنوخي المعري أبي البركات زين الدِّين (631 - 695 هـ) وقد صرح العُسْكُري بالنقل عنه في موضعين.
14 -
الشرح الكبير: تأليف عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة
المقدسي أبي الفرج شمس الدِّين (597 - 682 هـ) وإذا أطلق الشارح فهو المراد، وإذا أطلق الشرح عند الحنابلة فالمراد (الشرح الكبير) وقد ذكره العُسْكُري في كتابه خمسة عشر مرة.
15 -
عيون المسائل: تأليف محمد بن الحسين محمد بن خلف بن أحمد البغدادي ابن الفراء، القاضي أبي يعلى (380 - 458 هـ) وقد أشار العُسْكُري إليه في كتابه مرة واحدة.
16 -
الفائق: تأليف أحمد بن الحسين بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي أبي العباس شرف الدِّين المعروف بابن قاضي الجبل (693 - 771 هـ)
(1)
وقد أكثر العُسْكُري من النقل من هذا الكتاب فقد نقل عنه في أربعة عشر موضعًا.
17 -
الفتاوى المصرية: تأليف أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية، أبي العباس تقي الدِّين (661 - 728 هـ) وقد ذكر العُسْكُري هذا المصدر مصرحا باسمه مرة واحدة، وإن كان قد أكثر المؤلف النقل عن أبي العباس فقد نقل عنه في إحدى وستين موضعًا.
18 -
الفروع: تأليف محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي أبي عبد الله شمس الدِّين (708 - 763 هـ) وقد اعتمد العُسْكُري رحمة الله
(1)
هو: أحمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الحنبلي شرف الدِّين ابن قاضي الجبل، ولد سنة (693 هـ) أخذ العلم عن إسماعيل بن عبد الرحمن الفراء، ومحمد بن علي الواسطي، والتقي سليمان، له مصنفات منها: القصد المفيد في حكم التوكيد ومسألة رفع اليدين توفي سنة (771 هـ). ينظر: الدرر الكامنة 1/ 138، والمقصد الأرشد 1/ 93، وشذرات الذهب 8/ 376.
على هذا الكتاب اعتمادًا كبيرًا، فقد
نقل منه في مئة وأربعة عشر موضعًا.
19 -
الفصول: تأليف علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي أبي الوفاء (431 - 513 هـ) ويسمى هذا الكتاب أيضًا بـ «كفاية المفتي» وقد أشار العُسْكُري إلى هذا الكتاب باسمه صريحا في أربعة مواضع فقط، كما صرح باسم مؤلفه في ثمانية عشر موضعا.
20 -
القواعد الفقيه: تأليف عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السلامي البغدادي ثم الدمشقي أبي الفرج زين الدِّين (736 - 795 هـ) وقد أفاد العُسْكُري من الكتاب في مواطن كثيرة صرح باسمه في أحد عشر موضعًا، كما صرح باسم مؤلفه في ستة مواضع.
21 -
الكافي: تأليف عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي أبي عبد الله موفق الدِّين (541 - 620 هـ) وقد نقل العُسْكُري منه في أربعة عشر موضعًا.
22 -
المبهج: تأليف عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الأنصاري أبي الفرج الشيرازي (؟ -486 هـ) وقد ذكر العُسْكُري هذا الكتاب مصرحا به في موطن واحد مما يشعر أن اعتماده عليه كان قليلاً.
23 -
المجرد: تأليف محمد بن الحسين بن محمد بن خلف البغدادي أبي يعلى القاضي (380 - 458 هـ) وقد نقل العُسْكُري من هذا الكتاب في موضعين.
24 -
المحرر: تأليف عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيميه
أبي البركات مجد الدِّين (590 - 652 هـ) وقد اعتمد العُسْكُري رحمه الله على هذا الكتاب كثيرا، وصرح بالنقل منه في سبعة عشر موضعا، كما صرح باسم مؤلفه في تسعة وعشرين موضعا.
25 -
المستوعب: تأليف محمد بن عبد الله بن الحسين السامري أبي عبد الله نصير الدِّين المعروف بابن سنينة (535 - 616 هـ) وقد اعتنى العُسْكُري رحمه الله بالأخذ من هذا المصدر في اثنين وعشرين موضعًا.
26 -
الجامع الصغير: تأليف محمد بن الحسين محمد بن خلف بن أحمد البغدادي ابن الفراء، القاضي أبي يعلى (380 - 458 هـ) وقد أشار العُسْكُري إليه في كتابه مرة واحدة.
27 -
المغني: تأليف عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي أبي محمد موفق الدِّين (541 - 620 هـ) وقد أكثر العُسْكُري النقل منه فنقل منه في ستة وعشرين موضعًا.
28 -
المقنع: تأليف عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي أبي محمد موفق الدِّين (541 - 620 هـ) وقد نقل العُسْكُري منه في أربعة عشر موضعًا.
29 -
المختصر: (مختصر ابن تميم): تأليف محمد بن تميم الحرّاني، أبي عبد الله، ونقل العُسْكُري عنه في مؤلفه إحدى وعشرين مرة.
30 -
التلخيص: (تخليص المطلب في تلخيص المذهب) تأليف محمد بن الخضر بن محمد ابن الخضر بن تيمية، أبي عبد الله، فخر الدِّين
(542 - 622 هـ) وقد نقل عنه العُسْكُري في مؤلفه تسع مرات.
31 -
شرح صحيح مسلم: تأليف أبو زكريا محيي الدِّين يحيى بن شرف النووي (631 - 676 هـ)
(1)
وقد نقل عنه العُسْكُري في موضعين.
32 -
الوجيز: تأليف الحسين بن يوسف بن محمد بن أبي السري، أبي عبد الله، ويلقب بسراج الدِّين (664 - 732 هـ)
(2)
وقد نقل عنه العُسْكُري في خمسة عشر موضعًا.
33 -
النهاية في اختصار الهداية: تأليف عبد الله بن رزين بن عبد العزيز الغساني، سيف الدِّين (؟ -606 هـ) وقد نقل عنه العُسْكُري في ثلاثة مواضع، وصرح باسم مؤلفه في موضعين.
34 -
المطلع: تأليف محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي، أبي عبد الله، شمس الدِّين، (645 - 709 هـ) وقد نقل عنه العُسْكُري في مؤلفه في خمسة مواضع.
(1)
هو: الشيخ محيي الدِّين النووي شيخ الإسلام أبو زكريا يحيى بن شرف ابن مري بن حسن الشافعي، ولد سنة (631 هـ)، حاز قصب السبق في العلم والعمل، ثم أخذ في التصنيف، من مشايخه: الرضي بن البرهان، والزين خالد، وشيخ الشيوخ عبد العزيز الحموي، ولي مشيخة دار الحديث، له مصنفات عدة منها: المجموع شرح المهذب، ورياض الصالحين، وتهذيب الأسماء واللغات، وشرح صحيح مسلم، توفي سنة (767 هـ). ينظر: العبر في خبر من غبر 3/ 334، وتأريخ الإسلام 50/ 246، وتذكرة الحفاظ 4/ 174، وطبقات الحفاظ ص 513.
(2)
هو: الحسين بن يوسف بن محمد بن السري، الدجيلي، البغدادي، أبو عبد الله، سراج الدِّين، ولد سنة (664 هـ) إمام في الفقه، حافظا، له مصنفات عدة منها:(في الفقه) و (نزهة الناظر وتنبيه الغافلين) توفي سنة (732 هـ).
ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 5/ 30، المقصد الأرشد 1/ 349، شذرات الذهب 8/ 173.
35 -
الصحاح: تأليف أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (ت: 393 هـ)
(1)
وقد
نقل عنه العُسْكُري في موضع واحد.
36 -
الهدي: (زاد المعاد في هدي خير العباد): تأليف محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدِّين ابن قيم الجوزية (691 - 751 هـ)
(2)
وقد نقل عنه العُسْكُري في مؤلفه في موضع واحد، وصرح باسم مؤلفه في موضعين.
ومن الفقهاء والعلماء الذين صرح العلامة العُسْكُري بالنقل عنهم في مؤلفه:
الإمام أحمد بن حنبل
(3)
، والمرداوي، وأبو العباس ابن تيمية،
(1)
هو: إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي، أصله من فاراب، أبو نصر، أحد من يضرب به المثل في ضبط اللغة، وفي الخط المنسوب، وكان يحب الأسفار والتغرب، دخل بلاد ربيعة ومضر في تطلب لسان العرب، ودار الشام والعراق، ثم عاد إلى خراسان، فأقام بنيسابور يدرس ويصنف، ويعلم الكتابة، وينسخ المصاحف، كان حسن الخط، أخذ العربية عن: أبي سعيد السيرافي، وأبي علي الفارسي، وخاله أبي إبراهيم الفارابي وهو مع ذلك من فرسان الكلام في الأصول، وكان يؤثر السفر على الحضر، ويطوف الآفاق، ويكثر الترحال بين البلدان له مصنفات من أشهرها:(الصحاح) وله كتاب في (العروض) وفي (النحو)، توفي ساقطا من سطح بيته سنة (393 هـ). ينظر: العبر في خبر من غبر 2/ 184، وسير أعلام النبلاء 17/ 81، وبغية الوعاة 1/ 446).
(2)
هو: شمس الدِّين ابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي الشيخ الإمام العلامة شمس الدِّين الحنبلي المعروف بابن قيم الجوزية ولد سنة (691 هـ) تفقه على شيوخ منهم: إسماعيل بن محمد الحراني، وابن أبي الفتح البعلي، وتقي الدِّين ابن تيمية، له مصنفات منها: زاد المعاد، وإعلام الموقعين، والطرق الحكمية في السياسة الشرعية، توفي سنة (751 هـ). ينظر: الوافي بالوفيات (2/ 195) والدرر الكامنة 5/ 137، والمقصد الأرشد 1/ 265، وشذرات الذهب 8/ 287.
(3)
هو: أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الوائلي، أبو عبد الله، ولد في بغداد سنة (164 هـ) إمام المذهب الحنبلي، وأحد الأئمة الأربعة، نشأ منكبا على طلب العلم، من مشايخة الإمام الشافعي، ومن تلاميذه أبو بكر المروذي، وقعت له محنة بخلق القرآن في زمن المأمون، فثبت إلى أن زالت تلك المحنة، له مصنفات عديدة منها، المسند، والعلل، والزهد، وغيرها توفي في بغداد سنة (241 هـ). ينظر: الطبقات الكبرى 7/ 253، طبقات الفقهاء 1/ 91، وطبقات الحنابلة 1/ 4 ـ 20، سير أعلام النبلاء 11/ 177.
والقاضي (محمد بن الحسين)، والمجد ابن تيمية، والحارثي، وأبو الخطاب (محفوظ بن أحمد)، وابن عقيل، وابن رزين، والحلواني، وأبو المعالي (أسعد بن منجى)، وابن حامد (الحسن بن حامد)، وابن خطيب الدهشة
(1)
، وابن
هبيرة
(2)
، والجوهري، والكسائي
(3)
، وابن الزاغوني، والخرقي،
(1)
هو: محمود بن أحمد بن محمد الهمذاني الفيومي الأصل، الحموي، الشافعي، أبو الثناء، نور الدِّين، المعروف بابن خطيب الدهشة: قاض، عالم بالحديث وغريبه. أصله من الفيوم ولد بحماة في حدود سنة (750 هـ)، وبها نشأ وحفظ القرآن الكريم، له مصنفات عدة منها:(تحفة ذوي الأرب في مشكّل الأسماء والنسب)، (مختصر قوت المحتاج في شرح المنهاج للأذرعي) وسماه لباب القوت، و (التقريب في علم الغريب في اللغة)، و (تحرير الحاشية في شرح الكافية) قيل: لما احتضر تبسم ثم قال: لمثل هذا فليعمل العاملون، توفي في حماة في شوال سنة (834 هـ). ينظر: طبقات الشافعية 4/ 108، وشذرات الذهب 9/ 305، الأعلام للزركلي 7/ 162، ومعجم المؤلفين 12/ 148.
(2)
هو: يحيى بن هبيرة بن محمد بن هبيرة الذهلي الشيباني، الدوري، العراقي، الحنبلي، أبو المظفر، عون الدِّين، من كبار الوزراء في الدولة العباسية، وكان دينا، خيرا، متعبدا، عاقلا، وقورا، متواضعا، جزل الرأي، بارا، عالما بالفقه والأدب، ولد في قرية بني أوقر من الدور - أحد أعمال العراق- سنة (499 هـ) له مصنفات عدة منها: الإيضاح والتبيين في اختلاف المجتهدين، والإشراف على مذاهب الأشراف، العبادات في الفقه على مذهب أحمد، توفي سنة (560 هـ) ينظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 20/ 426، الأعلام للزركلي 8/ 175.
(3)
هو: على بن حمزة الكسائي، أبو الحسن، المقرئ روى عن حمزة الزيات، وأبي بكر بن عياش، ومحمد بن سهل، روى عنه أبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن أبي سريج، قال الشافعي: من أراد أن يتبحر في النحو، فهو عيال على الكسائي. له عدة مصنفات منها: معاني القرآن، وكتاب النوادر الكبير، ومختصر في النحو، وغير ذلك. وهو مؤدب الرشيد العباسي، وابنه الأمين، مات بالري سنة (189 هـ) ينظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 6/ 182، والعبر في خبر من غبر 1/ 234، وسير أعلام النبلاء 9/ 132.
وابن منجا، وابن رجب، وأبو بكر (عبد العزيز بن جعفر)، وابن أبي الفتح، والزمخشري
(1)
، والزركشي، والأثرم
(2)
، وابن أبي المجد، وابن القيم، وابن أبي موسى.
المبحث الخامس: قيمة الكتاب العلمية:
يعتبر كتاب المنهج الصحيح من الكتب التي لها قيمتها واعتبارها، وتظهر قيمة الكتاب من خلال شموله على أبواب الفقه، وتحرير مسائل كل باب، وكشف غوامض العبارات، وتقييد ما يحتاج إلى تقييد، كما أن
(1)
هو: محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري، أبو القاسم، كان واسع العلم، كثير الفضل، غاية في الذكاء وجودة القريحة، متفننا في كل علم، معتزليا قويا في مذهبه، مجاهرا به حنفيا. ولد في رجب سنة (497 هـ)، برع في التفسير، والحديث، والنحو، واللغة، والبلاغة، له مصنفات عدة تربع على الثلاثين منها (الكشاف في التفسير وأساس البلاغة، والمفصل في اللغة). توفي سنة (538 هـ) ينظر: سير أعلام النبلاء 20/ 151، وبغية الوعاة 2/ 279.
(2)
هو: أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، ويقال الكلبي، الأثرم الإسكافي، أبو بكر، جليل القدر، حافظ إمام، سمع من حرمي بن حفص، وعفان بن مسلم، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن مسلم القعنبي، والإمام أحمد بن حنبل، نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة وصنفها ورتبها أبوابا، له مصنف في علل الحديث، ومصنف في السنن، حدث عنه: النسائي في سننه، وموسى بن هارون، ويحيى بن صاعد، وعلي بن أبي طاهر القزويني توفي بعد سنة (260 هـ). ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 66، وسير أعلام النبلاء 12/ 624، والمقصد الأرشد 1/ 161.
المؤلف قيد نفسه بذكر الصحيح من المذهب، كما أنه يعتبر مرجعًا في
المذهب الحنبلي؛ لأنه جمع بين كتابين يعتبران عمدة في المذهب - المقنع، والتنقيح - كما أنه تخصص في تحرير المذهب الحنبلي دون أن يتعرض للمذاهب الأخرى إلا نادرًا.
المبحث السادس: الفرق بين كتابي المنهج الصحيح، وكتاب التوضيح:
من الفروق بين كتاب العلامة أحمد العُسْكُري المسمَّى (المنهج الصحيح في الجمع بين ما في المقنع والتنقيح) وبين كتاب العلامة الشويكي المسمَّى (التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح) والذي يتوهم أنهما كتاب واحد، والحق أنهما كتابان مختلفان، وأوجه الفرق بينهما من خلال ما يلي:
أولا: نسبة الكتابين للمؤلفين واضحة ليس فيها لبس، فقد قال العُسْكُري في مقدمة كتابه:(وسميته المنهج الصحيح في الجمع بين ما في المقنع والتنقيح)
(1)
.
وقال الأستاذ الدكتور ناصر الميمان في تحقيق كتاب التوضيح: «ولا يتطرق الشكّ إلىَّ في أن عنوان هذا الكتاب (التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح) وذلك؛ لأن المؤلف نفسه قال في مقدمة الكتاب وسميته التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح»
(2)
.
(1)
مقدمة المخطوط. لوح رقم 2/ ب في الصفحة رقم [93].
(2)
ينظر: التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح تحقيق الدكتور الميمان 1/ 95 ط المكتبة المكية الطبعة الأولى.
ثانيا: من خلال نقل فقهاء الحنابلة عن الكتابين في مقام واحد، فدل على أنهم وقفوا على كتابين مستقلين من ذلك:
(1)
.
وقال البهوتي: «وقال في التنقيح: ولا يبلع ما بين أسنانه بلا مضغ ولو لم يجر به ريق
نصًّا، وتبعه عليه تلميذه العُسْكُري في قطعته، وتبع العُسْكُري تلميذه الشويكي في التوضيح وصاحب المنتهى
…
»
(2)
.
قال الميمان في تحقيق التوضيح: «فهذه مسألة خالف فيها الشويكي شيخه العُسْكُري، فكيف يتصور مخالفته لكتاب أكمله في القدر الذي كان مؤلفًا قبله، إن مثل هذا لا يعد تكملة بل عمل آخر
…
»
(3)
.
وقال الأستاذ الدكتور عبد الله الطريقي: «ظاهر النقول من كتب الفقه عند الحنابلة من كتاب العُسْكُري، ومن كتاب الشويكي ظاهرهما أنهما كتابان»
(4)
.
(1)
ينظر: حواشي التنقيح ص 263.
(2)
ينظر: كشاف القناع 1/ 399.
(3)
ينظر: التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح 1/ 99.
(4)
ينظر: معجم مصنفات الحنابلة ص 130.
ثالثا: من خلال تتبع الكتابين يوجد فرق ظاهر بينهما من ذلك:
أولا: مقدمة المنهج الصحيح «الحمد لله محرك الهمم لنيل المآرب، ومزحزح العقد عن كل راغب في العلم وطالب، ومصحح العزم لذوي البصاير في تحصيله، ومثيبهم على طلب كثيره وقليله، وكيف لا وبهم الناس يهتدون، وبحسن آثارهم يقتدون، أحمده على ما من به ومنح، وأشكّره على ما حلم عنه من الذنب وصفح
…
».
أما مقدمة الشويكي
(1)
«الحمد لله العزيز الوهاب، كثير العطاء لمخلص دعاه وأناب، وقصد بابه وترك سائر الأبواب، أحمده حمدًا طيبًا مباركًا، كما يحب ربنا ويرضاه .. » . ثانيا: قال العُسْكُري في المنهج الصحيح: «باب المياه: وأقسامها ثلاثة، أحدها طهور بمعنى المطهر، أو اسم لما تحصل به الطهارة وهو الباقي على خلقته مطلقًا ومنه لو استهلك منه مائع طاهر ولو بيسير ما مستعمل نصًّا فتصح الطهارة به ولو كان الماء المطلق الطهور لا يكفي لها ومتغير بمكثه» .
وقال الشويكي في التوضيح في باب المياه
(2)
: «وهي ثلاثة أقسام طهور ومنه الباقي على
أصل خلقته عل أي صفة كان، حتى ولو استهلك فيه مائع طاهر، أو ماء مستعمل يسير نصًّا، فتصح الطهارة به ولو كان الماء لا يكفي لها».
(1)
ينظر: التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح 1/ 209.
(2)
ينظر: التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح 1/ 214.
ثالثا: قال العُسْكُري في المنهج الصحيح في باب الحيض: «وهو دم طبيعة، وجبلة للنساء، يرخيه الرحم، ومخرجه قعره، يعتاد أنثى إذا بلغت، في أوقاتٍ معلومةٍ، ويمنع أشياءَ منها: الطهارة له، والوضوء، ولا يمنع غسل الجنابة، بل يسن» .
وقال الشويكي في التوضيح باب الحيض
(1)
رابعا: قال العُسْكُري في المنهج الصحيح في باب الهدي والأضاحي: «ويستحب قوله عند ذلك - أي عند الذبح - بسم الله، والله أكبر» .
وقال الشويكي في التوضيح في باب الهدي والأضاحي
(2)
: «وتجب التسمية، وتسقط سهوا، ويسن التكبير معها» .
خامسا: قال العُسْكُري في المنهج الصحيح: «باب الحوالة وهي انتقال الحق من ذمة إلى ذمة، واشتقاقها من التحول، فينتقل الحق من ذمة المحيل، إلى ذمة المحال عليه» .
وقال الشويكي في التوضيح: «باب الحوالة
(3)
: وهي انتقال مال من ذمة إلى ذمة، وهي عقد إرفاق لا خيار فيه، تصح بلفظها، أو معناها
(1)
ينظر: التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح 1/ 263.
(2)
ينظر: التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح 2/ 539.
(3)
ينظر: التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح 2/ 672.
الخاص، وتنقل الحق من ذمة محيل، إلى ذمة محال عليه
…
».
سادسا: قال العُسْكُري في المنهج الصحيح: «باب الهبة والعطية: الهبة تمليك الحي لغيره ما يصح بيعه غير واجب بغير عوض بما يعد هبة عرفًا» . وقال الشويكي في التوضيح: «باب الهبة والعطية
(1)
وهي تمليك مال معلوم موجود مقدور على تسليمه في الحياة غير واجب، بغير
عوض بما يعد هبة عرفًا».
رابعًا: من حيث وصف المخطوط للكتابين: فقد ذكر الأستاذ الدكتور ناصر الميمان في وصف المخطوطات التي قابل عليها في تحقيقه التوضيح، وأنها ثلاث نسخ، ولا تتوافق مع نسخة المنهج الصحيح، لا عددًا في الصفحات، ولا في الأسطر، ولا في الكلمات، ولا في أماكن وجودها، مما يدل دلالة واضحة على أن الكتابين مختلفان.
المبحث السابع: وصف النسخ الخطية، ونماذج منها:
من خلال بحثي في فهارس المكتبات، والمخطوطات المتوفرة لدي، ومن خلال البحث في الأقراص المدمجة، والمواقع على الشبكة العالمية لم أجد نسخة أخرى.
وقد حصلت على نسخة مصورة من مكتبة الأسد بدمشق ورقمها (13974) وهي منسوخة على نسخة المؤلف والقائم بنسخها هو (محمد بن جمال الدِّين بن محمد بن عبد القادر بن شهاب الدِّين أحمد العُسْكُري)
(1)
ينظر: التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح 2/ 837.
وتأريخها 14/ 10/ 1040 هـ.
وعدد ألواحها (230) لوحة، تبدأ من باب كتاب الطهارة، وتنتهي في آخر باب الهبة والعطية.
وعدد الأسطر يتراوح مابين 21 إلى 26 سطرًا.
ونوع الخط هو خط النسخ، ولا يوجد بها بياض، أو طمس، وهذه بعض النماذج من المخطوط.
غلاف المخطوط
اللوحة الأولى من المخطوط
اللوحة ما قبل الأخيرة من المخطوط
اللوحة الأخيرة من المخطوط
ثانيًا: قسم التحقيق
ويشتمل على تحقيق النص كاملا من أَوَّل الكتاب إلى آخره
ويقع في مئتين وثلاثين لوحة
بسم الله الرحمن الرحيم، رب يسر، وأعِن يا كريم
الحمد لله مُحرك الهِمم لنيل المآرب، ومزحزح العقد عن كل راغب في العلم وطالب، ومصحح العزم لذوي البصائر في تحصيله، ومثيبهم على طلب كثيره وقليله، وكيف لا؟ وبهم الناس يهتدون، وبحسن آثارهم يقتدون.
أحمده على ما مَنَّ به ومنح، وأشكره على ما حلم عنه من الذنب وصفح، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له في ملكه
(1)
، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه، وعلى آله وصحبه الأعلام، وعلى التابعين لهم بإحسان على المنهج القويم والإسلام وسلم وبعد:
(2)
.
فإن شيخنا العلامة علاء الدِّين المرداوي - تغمده الله تعالى برحمته -
(1)
ولا شريك له في شيء من أسمائه وصفاته، ولا في ربوبيته، ولا في إلهيته، ولا شريك له فيما يجب له من العبادة، وفي هامش المخطوط (على الدوام).
(2)
يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر استحبابا في الخطب، كما في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الخطبة بعد الثناء:(أما بعد) من حديث المسور بن مخرمة في صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد، برقم (922) 2/ 10، والمكاتبات، كما في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في كتابه إلى هرقل:(أما بعد) كما في حديث أبي سفيان المخرج في صحيح البخاري، باب بدء الوحي، برقم (7) 1/ 9، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام الليل، برقم (671) 1/ 524، والأشهر بناؤها على الضم حيث حذف المضاف إليه، ونوي معناه، وهي ظرف زمان، وقد تستعمل ظرف مكان. ينظر: همع الهوامع 2/ 192، وتاج العروس 7/ 436، وشرح منتهى الإرادات 1/ 1.
كان وحيدًا في دهره، وممن فاق على كثير من أبناء عصره، وجدّ في طلب العلم الشريف، وحصل منه على حظٍ وافرٍ، وَصَنَّفَ فيه كتبًا على مذهب الإمام الرباني - أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه وأرضاه -، ونفعنا بما ورثه من العلم، وانتحاه.
ومن أَجَلِّ ما صنَّفه في ذلك وحَقَّقَ، كتابه المسمى بالتنقيح
(1)
لمقنع الشيخ الْمُوَفَّق
(2)
، فإنه قصد به تصحيح الخلاف المطلق فيه، لكنه أهمل ذكر كثير مما قدم فيه المذهب، أو جزم به فيه، فحصل بذلك فوت كثير مما قصده وعني به، وإيهام أيضًا فيما ذكر مما هو مبني على ما في المقنع مما تركه، وهو مرتبط به، فرأيت أنَّ ضمَّ ما أَلَّفَه، إلى ما صَنَّفَهُ أصوب؛ ليكون كتابه
محتويًا على تصحيح كثير من المذهب، ويكون كالكتاب الواحد، ليسهل على الطالب في المطالعة، ومغنيًا عن غيره في المراجعة، فسألني جماعة من الطلبة فعل ذلك مرارًا، وأنا أمتنع منه بالله احتقارًا لنفسي واستصغارًا، ثم إني استخرت ـ الله تعالى ـ فيما سُئِلْت فرأيت/ [2/ أ] إسعافه بذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ من أفضل العمل، راجيًا ـ من الله تعالى ـ الثواب، والدُّعاء ممن نظر فيه، وانتفع به، وَمِنَ الله أستمد المعونة، وأستهدي به، وأسأله أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، ومقربًا لديه في جنات النعيم، وأن يحفظنا من الزلل فيما قصدنا، فلا نَضِل، ولا يُضَل بنا، إنه كريم جواد، وهو ولينا ونعم العماد.
(1)
اسم الكتاب كاملا: التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع.
(2)
المراد به: عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة.
وسميته بالمنهج الصحيح في الجمع بين ما في المقنع والتنقيح، وربما ذكرت فيه مسائل زيادة على ما ذكر، وغيرت لفظًا بلفظٍ أوضح منه وأظهر، وأسقطت منه ما يستغنى عنه طلبًا للاختصار، وحذرًا من التكرار، مقرًا له على كتابة مصطلحه بالأسود، والأحمر، ومتابعًا له في تصحيحه غالبًا، وتقديم الأقوى عند الأصحاب والأشهر، ولا أذكر غالبًا غير الصحيح
(1)
، إلا لمعنى يقتضي ذكره، وربما أُطلق الخلاف متابعةً؛ لعدم مُصحح فأذكره، ولا أذكر فيه مسألة،
إلا بنقل صريح ولو من واحد؛ لعدم
(1)
وقال مرعي رحمه الله في مطالب أولي النهى 1/ 19: «وكان ممن سلك منهم مسلك التحقيق، والتصحيح، والتدقيق، والترجيح، العلامة صاحب الإنصاف، والتنقيح، بين بتنقيحه، وإنصافه الضعيف من الصحيح
…
أه».
اطلاعي على غيره ممن نقل عن أصحاب الوجوه
(1)
والترجيح، وقد أقول يتوجه أن يقال كذا، إن ظهر لي صوابه؛ ليتميز قولي به.
قال الشيخ: أما بعد
(2)
، فقد سنح
(3)
بالبال
(4)
أن أقتضب
(5)
ما في كِتَابيْ الإنصاف من تصحيح ما أطلقه الشيخ الْمُوَفَّق في المقنع من الخلاف فيه، ومالم يفصح فيه بتقديم حكم، وأن أتكلم على ما قطع به، أو قدمه، أو صححه، أو ذكر أنه المذهب، وهو غير الراجح في المذهب، وما أُخِلَّ به من قيد، أو شرط صحيح في المذهب، وما حصل في عبارته من خلل، أو إبهام، أو عموم، أو إطلاق، ويستثنى منه مسألة، أو أكثر، حكمها مخالف لذلك العموم، أو الإطلاق، وأما ما قطع به، أو قدّمه، أو صححه، أو ذكر أنه المذهب، أو كان مفهوم كلامه مخالفًا لمنطوقه، وكان موافقًا
(1)
الوجه هو: الحكم المنقول في المسألة لبعض الأصحاب المجتهدين في المذهب، جاريا على قواعد الإمام، وأصوله، ونصوصه، ويأتي الوجه في كتب الحنابلة مفردا، ومثنى، ومجموعا، فيقال: في وجه، وعلى وجهين، أو ثلاثة، أو نحو ذلك. ينظر: المستوعب 1/ 38، وصفة الفتوى ص 114، والإنصاف 12/ 226، والمدخل المفصل 1/ 279.
(2)
أي: بعدما تقدم ولما كانت (أما) متضمنة لمعنى الشرط أتى بعدها بالفاء الجزائية فقال: فقد، ويؤتى بها؛ للانتقال من أسلوب، إلى أسلوب، وأَوَّل من قال بها، قيل: داود عليه السلام، وقيل: كعب بن لؤي جد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: قس بن ساعدة الأيادي، وقيل: يعرب بن قحطان، وقيل سحبان وائل. ينظر: المزهر في علوم اللغة 1/ 116، 391، المحيط البرهاني في الفقه 8/ 137، عمدة القاري 6/ 221.
(3)
يقال: سنح لي الأمر، إذا عرض لك. ينظر: جمهرة اللغة 1/ 536، ولسان العرب 2/ 291.
(4)
أي: بالقلب تقول: ما خطر فلان ببالي. ينظر: تاج العروس 28/ 124.
(5)
أي: أقتطع. ينظر: مقاييس اللغة 5/ 100، والمحكم والمحيط الأعظم 6/ 180، والمصباح المنير 2/ 506.
للصحيح من المذهب، فإني لا أتعرض إليه غالبًا إذا علمت/ [2/ ب] ذلك، فما أطلق فيه الخلاف، أو كان في معناه فإني أقتصر منه على القول الصحيح بلفظ المصنف غالبًا.
وما قطع به، أو قدّمه، أو صححه، أو ذكر أنه المذهب، والمشهور خلافه، فإني آتي مكانه بالصحيح من المذهب.
وما قطع به منه، أو قدمه، أو صححه، أو أخل به من قيدٍ، أو شرطٍ، فإن كان الشرط لأصل الباب ذكرته في أوله، وإلا أَضفته هو والقيد إلى لفظ المصنّف مسبوكًا فيه
(1)
.
وما كان فيه من خلل، فإني أغير لفظه، وآتي بما يفي بالمقصود، مع تكميله وتحريره، وما كان فيه من إيهامٍ، فإن كان في حكم فإني أفسره بالصحيح من المذهب بما يقتضيه المقام من الاحتمالات اللاتي هن أقوالٌ في المذهب من صحةٍ، ووجوبٍ، وندبٍ، وضدها، وإباحة.
وإن كان في لفظ، فإني أبين معناه، وما كان فيه من عمومٍ، أو إطلاقٍ، فإني أذكر ما يستثنى من العموم، حتى خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وما هو مقيدٌ للإطلاق، من نوع اختصار، وتغيير بعض ألفاظ من كلام المصنّف، وربما صرحت ببعض ما شمله العموم، فإذا وجدت في هذا الكتاب لفظًا، أو حكمًا مخالفًا لأصله، أو غيره، فاعتمده فإنه وضع عن تحرير، واعتمد أيضًا ما فيه من تصريحٍ، وقيودٍ في مسائله، فإنه محترزٌ به عن مفهومه.
وقد يذكر المصنف مسألةً، أو أكثر، ولها نظائر والحكم فيها واحدٌ،
(1)
السبك: الشبك، والخلط، والتداخل. ينظر: الصحاح مادة: سبك 4/ 1593.
فأضيفها إلى ما ذكره؛ لئلا يتوهم أنه مخالف لذلك.
وقد يكون مفهوم كلامه موافقًا لمنطوقه، فأذكره لإزالة التوهم المذكور.
وربما ذكر بعض فروع مسألة فأكملها؛ لارتباط بعضها ببعض، أو لتعلقها بها، ومع هذا، لم أستوعب ما في الكتاب من ذلك، بل ذكرت المهم حسب الطاقة، وربما علّلت بعض مسائل؛ ليدل على أصلٍ، أو قاعدةٍ، أو نكتةٍ غيرهما.
وأميّز أصل/ [3/ أ] المصنف، أو معناه بكتابته بالأحمر
(1)
، إلا محل التصحيح وإبهام الحكم؛ ليعلم الناظر ـ إن لم يكن حافظًا للكتاب ـ محل الزيادة، والتصحيح وموضع الخلل، والإبهام، أو التقييد، والمستثنى وغيره.
وأشير إلى نص الإمام أحمد رحمه الله إن كان في المسألة، فإذا انضم هذا التصحيح إلى بقية ما في الكتاب، تحرر المذهب ـ إن شاء الله تعالى ـ.
وهو في الحقيقة تصحيحٌ، وتنقيحٌ، وتهذيبٌ لكل ما في معناه، بل وتصحيحٌ لغالب ما في المطولات، ولاسيما في التتمات، وهذه طريقةٌ لم أر أحدًا ممن تكلم على التصحيح سلكها، إنما
يصححون الخلاف المطلق، من الروايات
(2)
، والأوجه، والاحتمالات
(3)
فقط، ففاتهم شيءٌ كثيرٌ جدًا،
(1)
وسأقوم بإذن الله بتمييز أصل المصنف بكتابته بالأسود الغامق.
(2)
الرواية هي: أن تكون المسألة منصوصا عليها من الإمام. ينظر: المستوعب 1/ 38.
(3)
الاحتمال هو: قابلية المسألة؛ لأن يقال فيها بحكم غير الحكم الذي قيل فيها؛ لدليل مرجوح بالنسبة إلى دليل الحكم، أو مساو له. ينظر: المستوعب 1/ 38، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 140، والمدخل المفصل 1/ 280.
مع مسيس الحاجة إليه أكثر مما فعلوه، والله الْمُوَفَّق.
وأمشي في ذلك كله على قول واحد، وهو الصحيح من المذهب، أو ما اصطلحنا عليه في الإنصاف
(1)
، وتصحيح الفروع
(2)
، فيما إذا اختلف
(1)
قال في الإنصاف 1/ 3: «فإن من نظر فيه ـ أي المقنع ـ بعين التحقيق والإنصاف، وجد ما قال حقا وافيا بالمراد من غير خلاف، إلا أنه - رحمه الله تعالى - أطلق في بعض مسائله الخلاف من غير ترجيح. فاشتبه على الناظر فيه الضعيف من الصحيح. فأحببت إن يسر الله تعالى أن أبين الصحيح من المذهب والمشهور، والمعمول عليه والمنصور، وما اعتمده أكثر الأصحاب، وذهبوا إليه، ولم يعرجوا على غيره ولم يعولوا عليه» . وأطال رحمه الله في بيان عمله في الكتاب حتى قال في الإنصاف في ص 18: «واعلم رحمك الله أن الترجيح إذا اختلف بين الأصحاب إنما يكون ذلك لقوة الدليل من الجانبين، وكل واحد ممن قال بتلك المقالة إمام يقتدى به، فيجوز تقليده والعمل بقوله. ويكون ذلك في الغالب مذهبا لإمامه؛ لأن الخلاف إن كان للإمام أحمد فواضح، وإن كان بين الأصحاب، فهو مقيس على قواعده وأصوله ونصوصه. وقد تقدم أن الوجه مجزوم بجواز الفتيا به» . والله سبحانه وتعالى أعلم.
(2)
قال في تصحيح الفروع 1/ 5: «وقد التزم فيه أن يقدم - غالبا - المذهب وإن اختلف الترجيح أطلق الخلاف والذي يظهر أن غير الغالب مما لم يطلق الخلاف فيه قد بين المذهب فيه أيضا فيقول بعد ما يقدم غيره: والمذهب أو: والمشهور، أو: الأشهر، أو: والأصح، أو: والصحيح كذا وهو في كتابه كثير.
وقد تتبعنا كتابه فوجدنا ما قاله صحيحا وما التزمه صريحا، إلا أنه رحمه الله تعالى عثر له على بعض مسائل قدم فيه حكما نوقش على كونه المذهب وكذلك عثر له على بعض مسائل أطلق فيها الخلاف - لا سيما في النصف الثاني - والمذهب فيها مشهور كما ستراه إن شاء الله تعالى وما ذاك إلا أنه رحمه الله تعالى لم يبيضه كله ولم يقرأ عليه فحصل بسبب ذلك بعض خلل في بعض مسائله.
الترجيح، وربمالم يذكر المسألة إلا واحد، ونحوه فأذكره، فإن أشكل عليك شيءٌ من ذلك فراجع أصله.
وربمّا حررت بعض مسائل من غيره، وتعرضت إلى ذكر غير المشهور، إن كان قويًا واختاره بعض المحققين بعد تقديم المذهب، أو كان ضعيفًا، وفيه قيدٌ، أو شرط، لم يذكره هو أو غيره، أو بنى عليه حكمًا، والخلاف فيه مطلقٌ عنده، أو عند غيره، فأصححه، أو لنكتة غير ذلك.
وقد أتعرض لذكر بعض حدودٍ، وأذكر السالم منها ظاهرًا، وقلّ أن تسلم، مراعيًا في ذلك كله ترتيب المصنف في مسائله غالبًا وأبوابه.
سائلاً من الله تعالى أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن يهدينا إلى الصراط المستقيم، وأن يكون عمدةً للطالب، ومقنعًا للراغب، ومغنيًا عما سواه، وكافيًا لمن حرره وفهم معناه، وهاديًا إلى الصواب، راجيًا من الله تعالى جميل الأجر، وجزيل/ [3/ ب] الثواب، فهو المستعان، وعليه التكلان، وهو حسبنا، وعليه اعتمادنا.
كتاب
(1)
الطهارة
(2)
ومعناها شرعًا: ارتفاع الحدث وما في معناه
(3)
بماءٍ طهور، وزوال الخبث به، أو مع ترابٍ ونحوه
(4)
، أو بنفسه، أو ارتفاع حكمهما بما يقوم
(1)
الكتاب في اللغة مصدر كتب، يقال: كتب الشيء يكتبه، كتبا، وكتابا، وكتابة، ويطلق على عدة معان منها:
أ - أنه اسم لما كتب مجموعا.
ب - يطلق على ما يكتبه الشخص، ويرسله إلى غيره.
ج - يطلق على المكتوب، وعلى ما كتب فيه.
د - يطلق على المنزّل من عند الله تعالى، فيشمل القرآن، والتوراة، والإنجيل.
هـ - يطلق على الصحف المجموعة.
وفي اصطلاح الفقهاء: الكتاب: هو الذي يشتمل على المسائل، سواء كانت قليلة، أو كثيرة من فن، أو فنون. ينظر: تهذيب اللغة 10/ 88، ولسان العرب 1/ 698، والمصباح المنير 2/ 524، والكليات 1/ 476.
(2)
الطهارة لغة: النظافة، والنزاهة من الأقذار. ينظر: شرح الزركشي 1/ 112، والمبدع 1/ 20 والإنصاف 1/ 19، وبدأ المؤلف بذلك، لأن آكد أركان الدِّين بعد الشهادتين، الصلاة، ولا بد لها من الطهارة؛ لأنها شرط، والشرط متقدم على المشروط، وهي تكون بالماء، والتراب، والماء هو الأصل، وبدأوا بربع العبادات، اهتماما بالأمور الدِّينية، فقدموها على الدنيوية. ينظر: الأم 1/ 16، والمبدع 1/ 3.
(3)
أي: معنى ارتفاع الحدث، كالحاصل بغسل الميت؛ لأنه تعبدي، لا عن حدث، وكذا غسل يدي القائم من نوم الليل، والوضوء، والغسل المستحبين، وما زاد على المرة في وضوء، وغسل، وغسل ذمية، أو مجنونة؛ ليحلان لزوجيهما. ينظر: التنقيح المشبع 1/ 33، وشرح منتهى الإرادات 1/ 13.
(4)
كالصابون، والأُشنان، والنخالة وغيرها من المطهرات الحديثة. ينظر: الروض المربع 1/ 50، والشرح الممتع 1/ 58.
مقامه
(1)
، (ويتوجه أن يقال: زوال جنس
(2)
مانع الصلاة، وما أشبهه، بما يزول به شرعًا).
(1)
أي: ما يقوم مقام الماء، كالتيمم، والاستجمار بالخشب، والخرق. ينظر: الإقناع 1/ 3، وزاد المستقنع 1/ 24، ومطالب أولي النهى 1/ 63.
(2)
الجنس: اسم دال على كثيرين، مختلفين بالأنواع. ينظر: التعريفات ص 78، والكليات ص 339، والمعجم الوسيط 1/ 140.
باب
(1)
المياه
(2)
وأقسامها ثلاثة
(3)
:
أحدها طهور
(4)
: بمعنى المطهر، أو اسم لما تحصل به الطهارة، وهو الباقي على خلقته مطلقًا
(5)
؛ ومنه لو استهلك فيه مائع طاهر ولو بيسير ماء
(1)
الباب لغة: الفرجة التي يدخل منها إلى الدار، ويطلق على ما يسد به ويغلق، من خشب ونحوه، وفي القاموس المحيط 1/ 77: بابات الكتاب: سطوره، لا واحد لها.
واصطلاحا: اسم لطائفة من المسائل، مشتركة في حكم، وقد يعبر عنها بالكتاب، وبالفصل، وقد يجمع بين هذه الثلاثة. ينظر: تاج العروس 1/ 125.
(2)
المياه جمع ماء، وهو جمع كثرة، وهي ما فوق العشرة؛ لزيادة أنواع الماء عليها، وجمع الماء في القلة أمواه، وهو اسم جنس، والألف واللام فيه؛ لبيان حقيقة الجنس، لا للجنس الشامل، لأنه مستحيل فتكون للعهد الذهني، والماء جوهر بسيط سيال بطبعه، وبدأ بالكلام عليه؛ لأن الطهارة المائية هي الأصل، ولا تحصل إلا بالماء المطلق، فاحتاج إلى تمييزه من غيره، وقدمه؛ لشرفه. ينظر: سر صناعة الإعراب 1/ 122، وحاشية الروض المربع 1/ 58.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 5، والرعاية الصغرى 1/ 29، والإقناع 1/ 3.
(4)
قال جمهور أهل اللغة: يقال الوضوء، والطهور بضم أولهما، إذا أريد به الفعل الذي هو المصدر، ويقال: الوضوء، والطهور بفتح أولهما، إذا أريد به الماء الذي يتطهر به. ينظر: شرح النووي على مسلم 3/ 99، والمطلع 1/ 6.
(5)
أي: حقيقة، أو حكما، أما حقيقة: فعلى أي صفة خلقه الله تعالى، من برودة، أو حرارة، أو ملوحة، أو عذوبة، أو ذوب ثلج، أو نزول، أو نبع، أو غير ذلك، وأما حكما: فكالمتغير بمكثه، أو بطحلب، أو نحوه، أو بما لا يخالطه ونحوه. ينظر: التنقيح المشبع 1/ 35. وقد أكثر المؤلف من هذه اللفظة في المخطوط، فقد ذكرها أكثر من مئة مرة تقريبا.
مستعمل نصًّا
(1)
فتصح الطهارة به، ولو كان الماء المطلق الطهور لا يكفي لها ومتغيرٌ بمكثه، أو بطاهرٍ لا يمكن صونه عنه، ومتغير بما لا يخالطه كعود قماري
(2)
، وقطع كافور
(3)
، ودهنٍ.
أو بما أصله الماء، كملحٍ بحريٍ
(4)
.
أو ما تَرَوَّحَ بِرِيحِ ميتةٍ إلى جانبه، أو سُخِّنَ بشمس، أو بطاهر، فهذا كله يرفع الأحداث
(5)
، الأحداث: جمع مفرده حدث، وهو ما أوجب وضوءًا، أو غسلاً
(6)
.
قال: إلا حدث رجل وخنثى بما خلت به امرأة، وسيأتي
(7)
.
ويزيل الأنجاس الطارئة جمع نجس وهو: ما منع استصحابه من صحة
(1)
أكثر المؤلف من هذه الكلمة في مؤلفه حتى بلغت أكثر من ألف ومئتين وخمسين مرة، ومعناها: أي نص عليه الإمام، وهي من الألفاظ الصريحة في نقل المذهب بالرواية عن الإمام. ينظر: المدخل لابن بدران ص 18، والمدخل المفصل 173.
(2)
قمار: بالفتح، ويروى بالكسر، موضع بالهند ينسب إليه العود. ينظر: معجم البلدان 4/ 396، ومختار الصحاح 1/ 260، ولسان العرب 5/ 115.
(3)
كافور: نبت طيب الريح، يشبه بالكافور من النخل. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 7/ 6، ولسان العرب 5/ 112.
(4)
وهو الماء الذي يرسل على السباخ، فيصير ملحا؛ لأن المتغير به منعقد من الماء، أشبه ذوب الثلج، واقتضى ذلك أن الملح المعدني ليس كذلك، وهو صحيح. ينظر: المبدع 1/ 25.
(5)
ينظر: المبدع 1/ 25، والإقناع 1/ 4.
(6)
ينظر: الإنصاف 1/ 25، والإقناع 1/ 6، وما أوجب وضوءا يسمى بالحدث الأصغر، وما أوجب غسلا يسمى بالحدث الأكبر. ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 14.
(7)
في الباب نفسه. في لوح رقم (4/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [103].
الصلاة في الجملة، غير مكروه
(1)
الاستعمال حتى ولو سخن بشمسٍ
(2)
.
وقيل: بلا قصدٍ، أو تغير بما يخالطه من عود أو كافور، أو دهن، أو بما أصله الماء، أو سخن بمغصوبٍ، أو اشتد حره، أو برده، قاله ابن عبدوس في تذكرته.
أو ماء زمزم
(3)
في إزالة نجاسة
(4)
، أو بئر في مقبرة نصًّا فيكره
(5)
.
ولا يباح ماء آبار ثمود
(6)
غير بئر الناقة
(7)
(1)
المكروه لغة: ضد المحبوب. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 4/ 169، ولسان العرب 13/ 435، والكليات 1/ 871.
واصطلاحا: ما مدح تاركه، ولم يذم فاعله. ينظر: شرح مختصر الروضة 1/ 382، والمختصر في أصول الفقه ص 64، والتحبير شرح التحرير 3/ 1005.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 9، والفروع 1/ 59.
(3)
زمزم: بفتح أوله، وسكون ثانيه، وتكرير الميم، والزاي: وهي البئر المباركة المشهورة، سميت زمزم؛ لكثرة مائها؛ ولأنها زمت بالتراب؛ لئلا يأخذ الماء يمينا وشمالا، ولو تركت، لساحت على الأرض حتى تملأ كل شيء، ولها أكثر من اثني عشر اسما منها: مكتومة، مضنونة، شباعة، سقيا الرواء، ركضة جبريل، هزمة جبريل، شفاء سقم، طعام طعم، حفيرة، شراب الأبرار. ينظر: الروض الأنف 2/ 6، ومعجم البلدان 3/ 147. ولسان العرب 12/ 275.
(4)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 136:
واكره لرفع حدث من زمزم
…
كخبث بل صنه للتكرم
(5)
ينظر: المبدع 1/ 27، والفروع 1/ 62، ومنتهى الإرادات 1/ 5.
(6)
قوم نبي الله صالح، وآثارهم باقية بوادي القرى ـ بين المدينة والشام ـ في محافظة العلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة، في المملكة العربية السعودية، وبئر ثمود التي كان شربها بين القوم، وبين الناقة. ينظر: آثار البلاد وأخبار العباد 1/ 90.
(7)
لأمره عليه الصلاة والسلام أن يهريقوا ما استقوا من آبارها، وأن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة، والحديث متفق عليه، كما في صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: 73] برقم (3379) 4/ 149، ومسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين، برقم (2981) 4/ 2216.
وبئر الناقة، بئر كانت معلومة باقية إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استمر علم الناس بها قرنا بعد قرن إلى وقتنا هذا، وهي مطوية محكمة البناء، واسعة الأرجاء، آثار العتق عليها بادية، لا تشتبه بغيرها. ينظر: زاد المعاد 3/ 490.
نصًّا
(1)
، ويكره مسخن بنجاسةٍ مطلقًا إن لم يحتج إليه
(2)
.
القسم الثاني: طاهرٌ غير مطهر وهو: طهور خالطه طاهرٌ فغيَّره في غير محل تطهيرٍ، وفي محله طهور، أو غلب على أجزائه، أو طبخ فيه/ [4/ أ] فغيَّره
(3)
، أو كان طاهرًا من أصله كما ورد ونحوه، وسلبه الطهورية خلط يسيره بمستعملٍ ونحوه بحيث لو خالفه في الصفة غيَّره.
ولو بلغ قلتين
(4)
، أو غُيِّر أحد أوصافه لونه، أو طعمه، أو ريحه، أو كثيرًا من صفته لا بترابٍ ولو وضع قصدًا، ولا بما ذكر في أقسام الطهور،
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 4، ومنتهى الإرادات 1/ 6.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 61، والإقناع 1/ 6، وشرح منتهى الإرادات 1/ 16.
قال في هداية الراغب 1/ 109: «فإن احتيج إليه، بأن لم يوجد غيره تعين بلا كراهة؛ لأن الواجب لا يكون مكروها» . وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 135:
ويكره التطهير بالمسخن
…
بنجس في أشهر معنعن
(3)
قال في الشرح الكبير: لا نعلم فيه خلافا. 1/ 11، وينظر: الوجيز 1/ 21، والمبدع 1/ 28.
(4)
قال في الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 40: أما القلة: فهي شبه حب يأخذ جرارا من الماء، ورأيت القلة من قلال هجر، والإحساء تأخذ من الماء ملء مزادة، والمزادة: شطر الراوية، كأنها سميت قله؛ لأن الرجل القوي يقلها أي: يحملها وكل شيء حملته فقد أقللته، وقيل: ما تقله اليد، وقيل غير ذلك، والقلال مختلفة في القرى العربية، وقلال هجر من أكبرها.
أو استعمل في رفع حدث إن كان دون قلتين، لا قلتين، أو غسل رأسه بدلاً عن المسح، أو طهارةٍ مشروعةٍ
(1)
، أو غسل ذميةٍ لحيضٍ، ونفاسٍ، وجنابةٍ.
ويسلبه إذا غمس يده فقط كلها فيما دون قلتين نصًّا
(2)
، أو حصل فيها كلها من غير غمسٍ، ولو باتت في جرابٍ ونحوه
(3)
، قائم من نوم ليلٍ ناقض لوضوء قبل غسلها ثلاثًا
(4)
، ولو قبل نية غسلها، لكن إن لم يجد غيره، استعمله ويتيمم معه
(5)
، لا من صغير، ومجنونٍ، وكافر
(6)
، ولا أثر لغمسها في مائعٍ طاهرٍ غير الماء، ويسلبه نصًّا
(7)
اغترافه بيده، أو فمه، أو وضع رجله، أو غيرها، في قليل بعد نية غسل واجب، لا وضوء.
وإن غسلت به نجاسة فانفصل متغيرًا بها، أو قبل زوالها فنجس، وإن
(1)
اللفظة محتملة للواجب، والمسنون، ولو عبر عنها بعبارة (مستحبة) لكان أولى، كما في المغني 1/ 18، والإقناع 1/ 5.
(2)
ينظر: الإنصاف 1/ 38، والإقناع 1/ 5، ومنتهى الإرادات 1/ 6، وكشاف القناع 1/ 33.
(3)
لعموم الأخبار؛ ولأن الحكم إذا علق على المظنة لم يعتبر حقيقة الحكمة. ينظر: المغني 1/ 75، والشرح الكبير 1/ 17، الإقناع 1/ 6.
(4)
ينظر: المغني 1/ 74، والمبدع 1/ 32. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 144:
من بعد نوم الليل يبغي الطهرا
…
تثليث غسل اليد فرضا فاقرا
وغمسها في الماء قبل الغسل
…
يسلبه التطهير جا في النقل
(5)
ينظر: المغني 1/ 76، والفروع 1/ 72، وكشاف القناع 1/ 34.
(6)
قال البهوتي في شرح منتهى الإرادات 1/ 19: «علم منه أنه لا أثر لغمس بعض اليد، ولا يد كافر، ولا غير مكلف، ولا غير قائم من نوم ليل ينقض الوضوء، كنوم النهار؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم المكلفين هم المخاطبون بذلك، والمبيت إنما يكون بالليل، والخبر إنما ورد في كل اليد، وهو تعبدي، فلا يقاس عليه بعضها» .
(7)
ينظر: الإقناع 1/ 6، وكشاف القناع 1/ 35.
انفصل غير متغير بعد زوالها بالغسلة التي طهَّرت المحل عن محلٍ ولو غير أرض فطاهرٌ غير مطهرٍ
(1)
إن كان دون قلتين.
وإن خلت امرأةٌ ولو كافرة كخلوة نكاح، وتأتي بماء دون قلتين؛ لطهارةٍ كاملةٍ عن حدث فطهورٌ، ولا يرفع حدث رجلٍ وخنثى مشكّلٍ تعبدًا
(2)
.
القسم الثالث نجس
(3)
: وهو ما تغير بمخالطة نجاسةٍ وغير محل تطهير
(4)
وفيه طاهر إن كان واردًا
(5)
.
فإن تَغَيَّرَ بعضه، فمالم يتغير منه طهورٌ إن كثر
(6)
، فإن لم يَتَغَيَّرْ وهو
(1)
قال الحجاوي في حاشيته على التنقيح ص 38: «وأما قوله: طاهر غير مطهر، فلم نر من قاله غير المنُقِّح، وليس له وجه، وإذا كان تغيره لا يؤثر، فمن أين صار طاهرا، وهو متغير بالنجاسة، ولو قال: نجس، كقول الشيخ تقي الدِّين لكان أقرب، فعلى المذهب هو طهور، وجزم به شيخنا الشويكي في كتابه التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح أه» . والذي في التوضيح 1/ 217: «وإن شرع في إزالة نجاسة فانفصل متغيرا، أو قبل زوالها فنجس، وإن انفصل غير متغير مع زوالها والمحل أرض أو غيرها فطاهر، إن كان دون القلتين، وإن خلت امرأة ولو كافرة كخلوة نكاح ويأتي بما دون قلتين؛ لطهارة كاملة عن حدث فطهور» .
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 138:
وامرأة بالماء في الطهر خلت
…
لا يطهر الرجال مما أفضلت
(3)
النجس: يأتي على ثلاث لغات، وهو الشيء القذر من الناس، ومن كل شيء قذرته. ينظر: العين 6/ 55، وجمهرة اللغة 1/ 476، وتهذيب اللغة 10/ 313.
(4)
ينظر: تجريد العنايةص 16، ومنتهى الإرادات 1/ 30.
(5)
قال في الإقناع 1/ 8: «يريد: إن كان قليلا واردا على الموضع المراد تطهيره فلا يعتبر نجسا إلا بالانفصال بخلاف ما إذا ورد الموضع على الماء فإنه ينجسه بالملاقاة ولا يطهر به الموضع» .
(6)
ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 25، ومطالب أولي النهى 1/ 43.
يسير ولو جاريًا فنجس، كطاهر ومائع غير ماءٍ، حتى لبن، ولو كثيرًا نصًّا
(1)
، وإن كان كثيرًا فطهور.
إلا أن تكون/ [4/ ب] النجاسة بول آدميٍ، أو عذرته المائعة، أو الرطبة، أو يابسة ذابت نصًّا
(2)
وأمكن نزحه بلا مشقةٍ، فينجس
(3)
، عند أكثر المتقدمين، والمتوسطين
(4)
،
(1)
ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 20.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 8، ومنتهى الإرادات 1/ 7، وكشاف القناع 1/ 40.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 8، والروض المربع 1/ 11، وكشاف القناع 1/ 40.
(4)
هناك اختلاف في تحديد زمان المتقدمين، والمتوسطين، والمتأخرين وسأذكر موجز ما وقفت عليه:
قال في التحفة السنية: المتقدمون هم: من الحسن بن حامد، المتوفى سنة (403) هـ إلى القاضي أبي يعلى، المتوفى سنة (458) هـ.
والمتوسطون هم: من بعد القاضي أبي يعلى، المتوفى سنة (458 هـ) إلى برهان الدِّين ابن مفلح المتوفى سنة (884) هـ.
وقال ابن قاسم في حاشية الروض 1/ 93: «والمتقدمون من الإمام، إلى القاضي أبي يعلى، والمتوسطون منه إلى الْمُوَفَّق، والمتأخرون من الْمُوَفَّق إلى الآخر» .
وقال بكر أبو زيد في المدخل المفصل 1/ 217: «المتقدمون: هم في اصطلاحهم: من تلامذة الإمام أحمد، إلى الحسن بن حامد، المتوفى سنة (403 هـ)» .
والمتوسطون: هم في اصطلاحهم من تلامذة- ابن حامد- آخر طبقه المتقدمين- وعلى رأسهم تلميذه القاضي أبو يعلى المتوفى سنة (459 هـ) إلى البرهان ابن مفلح صاحب المبدع، المتوفى سنة (884 هـ).
والمتأخرون: هم في اصطلاحهم: من العلامة العلاء المرداوي المتوفى سنة (885 هـ) إلى الآخر.
وقال في اللآلئ البهية في كيفية الاستفادة من الكتب الحنبلية 1/ 46 «الصواب أن المتقدمين: يبدأون من الإمام أحمد رحمه الله، حتى الإمام القاضي أبي يعلى رحمه الله.
والمتوسطين: من الإمام القاضي أبي يعلى صاحب (الأحكام السلطانية) المتوفى سنة (458 هـ)، وينتهون بالإمام ابن مفلح الحفيد برهان الدِّين إبراهيم بن محمد بن عبد الله صاحب (المبدع شرح المقنع) المتوفى سنة (884 هـ).
والمتأخرين: أولهم العلامة مصحح المذهب ومنقحه، علاء الدِّين علي بن سليمان المرداوي، المتوفى سنة (885 هـ) صاحب كتاب (تصحيح الفروع)، وينتهون بالإمام منصور بن إدريس البهوتي، شارح الإقناع، والمنتهى، والزاد، والمفردات وغيرها المتوفى سنة (1051 هـ)، والإمام عثمان بن أحمد النجدي صاحب (هداية الراغب شرح عمدة الطالب) المتوفى سنة (1097 هـ)».
التفريع
عليه
(1)
.
وعنه
(2)
لا ينجس
(3)
، كما لولم يمكن نزحه، اختاره أكثر المتأخرين
(4)
.
قال شيخنا:
(5)
وهو أظهر
(6)
.
(1)
قال في الكافي 1/ 32: أكثر الروايات عن أحمد، أنها تنجس الماء الكثير.
(2)
قال في تصحيح الفروع 1/ 84: «وهو الصحيح من المذهب» ، وينظر: الاقناع 1/ 8، والروض المربع 1/ 11.
(3)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 141، 142:
كل النجاسات إذا ما وردت
…
على كثير الماء إذا ما غيرت
طهره الجمهور ولم يفرقوا
…
ومعهم الشيخان فيما حققوا
والخرقي في الأقدمين حرروا
…
نصًّا أتى بالفرق وهو الأشهر
تنجيسه من آدمي البول
…
ومائع الغوط فقط في القول
إلا حياضا نزحها لا يمكن
…
وفقا لما قال علي والحسن
(4)
قال ابن مفلح في الفروع 1/ 84: «وهو الصحيح من المذهب عند المتأخرين» .
(5)
المراد به المرداوي، وهكذا إذا تكررت في جميع المخطوط.
(6)
قال في الشرح الكبير 1/ 26: «وهو اختيار أبي الخطاب، وابن عقيل، ومذهب الشافعي، وأكثر أهل العلم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء» ؛ ولأن نجاسة بول الآدمي، لا تزيد على نجاسة بول الكلب، وهو لا ينجس القلتين فهذا أولى، وحديث النهي عن البول في الماء الدائم، لابد من تخصيصه، بما لا يمكن نزحه إجماعا، فيكون تخصيصه بخبر القلتين، أولى من تخصيصه بالرأي، والتحكم.
وإذا انضَّم حسب الإمكان عرفًا
(1)
إلى ما نجس ماء طهور كثير طهره، إن لم يبق فيه تغير، وكان متنجسًا بغير بول آدميٍ، أو عذرته المتقدمة، فإن كان بأحدهما ولم يتغير، فتطهيره
بإضافة ما يشق نزحه، وإن تَغَيَّرَ، وكان مما يشق نزحه فتطهيره بإضافة ما يشق نزحه مع زوال التغير، أو بنزح يبقى بعده ما يشق نزحه، أو بزوال تغيره بمكثه، وإن كان مما لا يشق نزحه، فبإضافة ما يشق نزحه عرفًا، كمصانع مكة
(2)
مع زوال تغيره إن كان
(3)
.
(1)
العرف: هو ما استقر في النفوس من جهة شهادات العقول، وتلقته الطباع السليمة، بالقبول.
والعادة: ما استمروا عليه عند حكم العقول، وعادوا له مرة، بحد أخرى.
والعرف القولي: هو أن يتعارف الناس إطلاق اللفظ عليه.
والعرف العملي: هو أن يطلقوا اللفظ على هذا، وعلى ذاك، ولكنهم فعلوا هذا دون غيره. ينظر: الكليات ص 617.
(2)
وهي الطرق التي جعلت موردا للحجاج يصدرون عنها، ولا تنفذ، فلا تنجس، إلا بالتغير.
قال في شرح منتهى الإرادات 1/ 22: «لا نعلم فيه خلافا، ولا فرق بين قليل البول، والعذرة وكثيرهما، نص عليه في رواية مهنا» .
ومكة: وتسمى بكة، وأم القرى، والبلد الأمين، ولها أسماء كثيرة، وفيها المسجد الحرام، والكعبة المشرفة، والمشاعر المقدسة. ينظر: معجم البلدان 5/ 182، ومعجم المعالم الجغرافية ص 301.
(3)
لقد دُرس هذا الموضوع من قبل مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية وصدر فيه قرار هذا مضمونه: (اطلع المجلس على البحث المعد في ذلك من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء كما اطلع المجلس على خطاب معالي وزير الزراعة والمياه رقم 1/ 1299 وتأريخ 30/ 5/ 1398 هـ، وبعد البحث والمداولة والمناقشة قرر المجلس ما يلي:
بناء على ما ذكره أهل العلم من أن الماء الكثير المتغير بنجاسة يطهر إذا زال تغيره بنفسه، أو بإضافة ماء طهور إليه، أو زال تغيره بطول مكث، أو تأثير الشمس ومرور الرياح عليه، أو نحو ذلك لزوال الحكم بزوال علته.
وحيث إن المياه المتنجسة يمكن التخلص من نجاستها بعدة وسائل، وحيث إن تنقيتها، وتخليصها مما طرأ عليها من النجاسات بواسطة الطرق الفنية الحديثة لأعمال التنقية، يعتبر من أحسن وسائل الترشيح، والتطهير حيث يبذل الكثير من الأسباب المادية؛ لتخليص هذه المياه من النجاسات، كما يشهد ذلك ويقرره الخبراء المختصون بذلك، ممن لا يتطرق الشكّ إليهم في عملهم، وخبرتهم، وتجاربهم.
لذلك فإن المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة، بحيث تعود إلى خلقتها الأولى لا يرى فيها تغير بنجاسة في طعم، ولا لون، ولا ريح، ويجوز استعمالها في إزالة الأحداث، والأخباث، وتحصل الطهارة بها منها، كما يجوز شربها، إلا إذا كانت هناك أضرار صحية تنشأ عن استعمالها فيمتنع ذلك، محافظة على النفس، وتفاديا للضرر، لا لنجاستها.
والمجلس إذ يقرر ذلك يستحسن الاستغناء عنها في استعمالها للشرب، متى وجد إلى ذلك سبيلا، احتياطا للصحة، واتقاء للضرر، وتنزها عما تستقذره النفوس، وتنفر منه الطباع. ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة فتوى رقم (2468) 5/ 96.
وإن كان الماء النجس كثيرًا، فزال تغيره بنفسه، أو بنزح بقي بعده كثير، صار طهورًا، إن كان متنجسًا بغير البول والعذرة
(1)
على ما تقدّم، ولم يكن مجتمعًا من متنجس كل ما دون القلتين نصًّا
(2)
.
قال شيخنا: فإن كان لم يطهر هو وما كوثر بماءٍ يسير إلا بالإضافة والمنزوح أيضًا طهور بشرطه
(3)
، وإن كُوثِر، أو كان كثيرًا، فأضيف إليه ماءٌ يسير، أو غير الماء لا مسك ونحوه وأزال تغيره
(4)
، وقيل: يطهر
(5)
.
والكثير ما بلغ قلتين، واليسير ما دونهما وهما: خمس مئة رطل
(6)
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 8، وزاد المستقنع 1/ 25.
(2)
ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 23.
(3)
ينظر: التنقيح المشبع 1/ 39.
(4)
ينظر: المبدع 1/ 40، والإقناع 1/ 9.
(5)
وهو وجه عند الأصحاب. ينظر: الوجيز 1/ 10، والشرح الكبير 1/ 29، والإنصاف 1/ 66.
(6)
الرطل: الذي يكال، ويوزن به، وبكسر الراء أشهر، ويجوز فتحها. ينظر: العين 7/ 413، وجمهرة اللغة 2/ 758، وتهذيب اللغة 13/ 216.
عراقي
(1)
تقريبًا وأربعمئة وستة وأربعون رطلاً، وثلاثة أسباع رطل مصري، وما وافقه من البلدان.
ومئة وسبعة أرطال، وسبع رطلٍ دمشقي وما وافقه، وتسعة وثمانون رطلاً، وسُبعا رطل حلبي، وما وافقه، وثمانون رطلاً، وسبعا رطلٍ ونصف سبع رطل قدسي/ [5/ أ] وما وافقه.
ومساحتهما مربعا ذراع
(2)
وربع طولاً، وعرضًا، وعمقًا، قاله ابن حمدان وغيره
(3)
، ومدورًا ذراع طولاً، وذراعان ونصف عمقًا، حررت ذلك.
فيسع كل قيراط
(4)
عشرة أرطال، وثلثي رطل عراقي، والمراد ذراع
(1)
قال في المقادير الشرعية ص 192: «إن اختلاف الفقهاء في تحديد الرطل البغدادي قائم على اختلافهم في عدد ما يتألف منه الرطل البغدادي من دراهم، وعدد ما يتألف منه الدرهم من حبات» . اه. لذا اختلف تحديد الرطل العراقي فقيل: يساوي (6، 405) وقيل: (406 غرام) وقيل: (408 غرام) ينظر: المقادير الشرعية ص 192، ومجلة البحوث الإسلامية عدد (59) ص 172. بعنوان (بحث في تحويل الموازين والمكاييل الشرعية إلى المقادير المعاصرة. لفضيلة الشيخ: عبد الله بن منيع.
(2)
الذراع: من طرف المرفق، إلى طرف الإصبع الوسطى. ينظر: العين 2/ 96، وتهذيب اللغة 2/ 189، والمحكم والمحيط الأعظم 2/ 77. ومقداره بالسنتيمتر يساوي (0، 48). ينظر: المقادير الشرعية ص 299.
(3)
ينظر: الفتاوى الكبرى 1/ 10، والمبدع 1/ 41، والإنصاف 1/ 68. والإقناع 1/ 10.
(4)
القيراط: جزء من أجزاء الدِّينار، وفد اختلفت المذاهب في مقداره، فعند الحنفية (1/ 20) من الدِّينار، فالقيراط (25، 4*20= 0، 2125) من الجرام، وعند الجمهور:(1/ 24) من الدِّينار، فالقيراط:(25، 4*24=0، 1771) من الجرام. ينظر: المكاييل والموازين الشرعية ص 23، ومجلة البحوث الإسلامية 59/ 196.
اليد، قاله القمولي الشافعي
(1)
، والرطل مئة درهم وثمانية وعشرون درهمًا، وأربعة أسباع درهم، وهو سبع القدسي،
وثمن سبعه، وسبع الحلبي وربع سبعه؛ وسبع الدمشقي، ونصف سبعه، ونصف المصري، وربعه وسبعه وهو بالمثاقيل
(2)
تسعون مثقالاً.
ومجموع القلتين بالدراهم
(3)
أربعة وستون ألفًا، ومائتان وخمسة وثمانون، وخمسة أسباع درهم.
فإذا أردت معرفة القلتين بالبلدان فاعرف زنة رطل البلد، وأسقطه من هذا القدر مرّة بعد أخرى حتى يبقى أقل من رطل؛ فما كان فانسبه منه تجده كما ذكر الشيخ، وتعرف مالم يذكره
(4)
.
(1)
لم أجد من نقل عنه من كتب الشافعية، ونقل عنه كل من صاحب شرح منتهى الإرادات 1/ 24، وكشاف القناع 1/ 44.
(2)
قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 217: المثقال في الأصل: مقدار من الوزن، أي شيء كان من قليل، أو كثير، فمعنى مثقال ذرة: وزن ذرة، ثم غلب إطلاقه على الدِّينار. ينظر: مختار الصحاح 1/ 49، والمطلع ص 170، ولسان العرب 11/ 87.
وقد اختلف في تقديره فقدره ابن عثيمين (25، 4) جرام. ينظر: مجالس شهر رمضان ص 88، وقدره عبد الله بن منيع (52، 4) جرام. ينظر: مجلة البحوث الإسلامية عدد (59) ص 196.
(3)
الدرهم اسم لما ضرب من الفضة، على شكّل مخصوص، وهو وحدة نقدية من مسكوكات الفضة، معلومة الوزن، وأصل الدرهم، كلمة أعجمية عربت عن اليونانية، وقد ورد ذكره في القرآن قال تعالى:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ الزَّاهِدِينَ} سورة يوسف آية رقم (20) ويساوي عند الجمهور (2، 975) جراما تقريبا. ينظر: المكاييل والموازين الشرعية ص 19، والموسوعة الفقهية 20/ 249، والفقه الإسلامي وأدلته 3/ 182.
(4)
مقدار القلتين بالصاع: ثلاثة وتسعون صاعا، وثلاثة أرباع الصاع. ومقدارها بالأوقية: مئة وستون أقة، وثلاثة أرباع الأقة، ومقدارها بالكيلو غرام: مائتان كيلو غرام تقريبا، ومقدارها باللتر: مائتان وسبعون لترًا. ينظر: المستوعب 1/ 106.
وإذا شكّ في طهارة ونجاسة الماء بنى على اليقين
(1)
ولو متغيرًا ولم يعلم ما غيره، لكن إن كان فيه ما يصلح أن يكون مغيره من نجاسته، أو غيرها أضيف التغيير إليه، وإلاّ فلا، ولا يلزمه السؤال.
ويلزم من علم نجاسته إعلام من أراد استعماله
(2)
إن شرطت إزالتها للصلاة، وإن أخبره عدل بنجاسته قبل، إن عيّن السبب، وما انتضح من قليلٍ؛ لسقوط نجاسةٍ فيه نجس، وما على
المقابر من الماء طاهرٌ، إن لم تكن نُبِشَتْ، وإن كانت قد تقلّب ترابها فهو نجس، إن تَغَيَّرَ بها، أو كان قليلاً.
وإن اشتبه ماء طهور بنجسٍ، أو محرمٍ لم يتحر فيهما، ويتيمم
(3)
كما لو كان النجس بولاً من غير إعدامهما، فلو علم النجس بعد تيممه، وصلاته فلا إعادة
(4)
.
وعنه
(5)
يشترط له الإعدام إن لم يحتج إليه.
وعنه
(6)
يتحرى مع عدم طهور غير مشتبه، أو إمكان تطهير أحدهما بالآخر، إن زاد عدد الطهور ولو بواحد، فلولم يظن/ [5/ ب] شيئًا تيمّم
(7)
.
(1)
ينظر: المغني 1/ 188، الوجيزص 22، والعدة شرح العمدة ص 16.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 10، وكشاف القناع 1/ 45.
(3)
ينظر: عمدة الفقه ص 13، والوجيزص 22.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 11، وكشاف القناع 1/ 48، وهداية الراغب 1/ 150.
(5)
ينظر: الكافي 1/ 38، والفروع 1/ 96، والإنصاف 1/ 74؛ ليكون عادما للماء حقيقة، وحكما.
(6)
ينظر: الإنصاف 1/ 75.
(7)
ينظر: الإنصاف 1/ 73، والإقناع 1/ 11، والروض المربع 1/ 14.
فإن توضأ بماءٍ، ثم علم نجاسته أعاد
(1)
، ونقضه حتى يتيقن براءته، ويلزم التحري لأكل، أو شرب
(2)
.
وإن اشتبه طاهر بطهور توضأ منهما وضوءًا واحدًا، من هذا غرفة، ومن هذا غرفة مطلقًا
(3)
.
وقيل
(4)
: وضوءين ما لم يكن عنده طهور بيقين، وصلّى صلاة واحدة.
وإن أشتبهت ثياب طاهرة بنجسة، أو محرمة صلّى في كل ثوب صلاة بعدد النجس، أو المحرم، ينوي بكل صلاة الفرض، وزاد صلاة إن علم عددها
(5)
، وإلا صلّى إن لم يكن عنده
ثوب طاهر حتى يتيقن أنه صلّى في ثوبٍ طاهر، وكذا حكم الأمكنة الضيقة
(6)
، وتأتي الواسعة
(7)
.
(1)
ينظر: المبدع 1/ 44، والإنصاف 1/ 75.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 11، شرح منتهى الإرادات 1/ 27، وكشاف القناع 1/ 48.
(3)
ينظر: المبدع 1/ 44، والإنصاف 1/ 76. والإقناع 1/ 12.
(4)
ينظر: المغني 1/ 45، والمحرر 1/ 7، والإنصاف 1/ 75.
(5)
ينظر: المغني 1/ 47، وعمدة الفقه ص 13، والوجيز ص 22، والشرح الكبير 1/ 53، والفروع 1/ 100، وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 148، 147:
وإن يكن في ثياب وجدا
…
لا يتحرى جاء نصًّا مسندا
بل في عداد نجس يصلي
…
يزيد أخرى حررت في النقل
(6)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 53، والوجيزص 22، والإنصاف 1/ 78، والإقناع 1/ 12.
(7)
في باب إزالة النجاسة. لوح رقم (16/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [150].
باب الآنية
(1)
وهي الأوعية: كل إناءٍ طاهرٍ يباح اتخاذه، واستعماله، ولو ثمينًا، كجوهر ونحوه
(2)
، إلاّ عظم آدمي، وجلده، وكذا شعره، وآنية ذهب، وفضة
(3)
، ومضببًا بهما، فيحرم مطلقًا
(4)
، ولو ميلاً يكتحل به ونحوه، وكذا مموّه
(5)
، ومطلي، وَمُطَعَّم
(6)
، وَمُكَفَّت
(7)
، ونحوه.
وتصح الطهارة منهما
(8)
، ومن إناء مغصوب، أو ثمنه محرّم
(9)
؛
(1)
الآنية: تطلق على كل ما يستعمل في الأكل والشرب، جمع إناء، كسقاء وأسقية، وجمع الآنية: الأواني.
ينظر: جمهرة اللغة 1/ 250، ومعجم الفروق اللغوية ص 7، والمطلع ص 20.
(2)
ينظر: المحرر 1/ 35، والشرح الكبير 1/ 55، والوجيز ص 23، والمبدع 1/ 45، والإنصاف 1/ 79.
(3)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 150:
ومن إناء فضة أو ذهب
…
فالطهر لا يصح أيضًا مذهبي
(4)
ينظر: الوجيز ص 23، وزاد المستقنع 1/ 26، والروض المربع 1/ 15.
(5)
الشيء المموه: الإناء إذا طلي بماء الذهب، أو الفضة، وما تحت ذلك حديد، أو شبه. ينظر: المغرب في ترتيب المعرب ص 449، والمصباح المنير 2/ 586، وتاج العروس 36/ 509.
(6)
تطعيم الإناء بذهب، أو فضة: وذلك بأن يحفر في الإناء من نحو خشب حفرا، ويوضع فيه قطع ذهب، أو فضة بقدرها. ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 29.
(7)
تكفيت الإناء: وذلك بأن يبرد الإناء، حتى يصير فيه شبه المجاري في غاية الدقة، ويوضع فيها شريط دقيق من ذهب، أو فضة، ويدق عليه حتى يلصق. ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 29.
(8)
ينظر: الفروع 1/ 103، وزاد المستقنع 1/ 26.
(9)
قال في حاشية الروض 1/ 104: «لأن الإناء ليس بشرط ولا ركن في العبادة، فلم يؤثر فيها» .
وفيها، وإليها، إلا ضبّة يسيرة عرفًا، من فضّة، لحاجة كتشعيب قدح، وهي أن يتعلق بها غرض، غير زينة، ولو وجد غيرها، وتكره مباشرتها لغير حاجة.
ولا يطهر جلد ميتة نجس بموتها بدبغ
(1)
.
ويجوز استعماله في يابس بعد دبغه، فيباح الدّبغ
(2)
، وعنه يطهر
(3)
، فيشترط غسله بعده، ولا يطهر جلد غير مأكولٍ بذكاته كلحمه، فلا يجوز ذبحه لذلك.
ولبن ميتّة، وأنفحتها
(4)
، وجلدها، نجس، وعظمها، وقرنها، وعصبها، وحافرها، نجس
(5)
، وشعر، ووبر ميتةٍ طاهرةٍ في الحياة
(6)
، ونحوهما، وباطن بيضة مأكول صلب قشرها طاهر، ولو سُلِق في نجاسة لم يحرم.
وما أُبِينَ مِنْ حَيٍّ من قرنٍ، وسنٍ، وغيرهما فهو كميتته، والمسك،
(1)
ينظر: المحرر 1/ 33، والوجيزص 23، الفروع 1/ 103. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 150:
كذا إهاب ميتة لا يطهر
…
بالدبغ في المنصوص وهو الأشهر
(2)
ينظر: الفروع 1/ 109، والإقناع 1/ 13، وكشاف القناع 1/ 54.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 49، والفروع 1/ 110.
(4)
الأنفحة: فيها أربع لغات، أفصحهن عند الجمهور إنفحة بكسر الهمزة، وفتح الفاء، وتخفيف الحاء، وهي شيء يستخرج من بطن الجدي، أصفر، يعصر في صوفة مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن، ولا يكون إلا لكل ذي كرش. ينظر: المغرب في ترتيب المعرب ص 471، وتحرير ألفاظ التنبيه ص 190، ولسان العرب 2/ 624.
(5)
ينظر: الكافي 1/ 49، الفروع 1/ 118، ومنتهى الإرادات 1/ 33.
(6)
ينظر: الفروع 1/ 337، والإنصاف 1/ 328، والإقناع 1/ 68.
وفأرته
(1)
، ودود القز، والطعام، ولعاب الأطفال، وما سال من فمٍ/ [6/ أ] عند نومٍ طاهر.
(1)
الفأرة: نافجة المسك: وتأتي بهمز، وبدون همز، وسميت بذلك؛ لفوران رائحتها، وانتشارها، أو لأنها على هيئة الفأرة. ينظر: تاج العروس 13/ 291.
باب الاستنجاء
(1)
وأثر الاستنجاء
والمراد به الاستجمار: وهو إزالة خارج من سبيلٍ بماءٍ.
وقد يستعمل في إزالته بجامدٍ، كما ذَكر في باب إزالة النجاسة
(2)
.
يسن عند دخول خلاءٍ، ونحوه، قول ما ورد
(3)
، ويسن في فضاءٍ بُعْدٌ، واستتارٌ عن ناظر، وطلب مكان رِخوٍ.
ويكره دخوله بما فيه ذكر الله بلا حاجة
(4)
، لا دراهم ونحوها فلا
(1)
الاستنجاء: إزالة النجو، وهو العذرة، وأكثر ما يستعمل في إزالته بالماء، وقد يستعمل في إزالته بالأحجار.
وقيل: هو من النجو، وهو القشر، والإزالة، يقال: نجوت العود إذا قشرته، ونجوت الجلد عن الشاة، وأنجيته إذا سلخته. ينظر: مشارق الأنوار 2/ 5، والمطلع ص 23.
وقيل: أصل الاستنجاء: نزع الشيء من موضعه، وتخلصه ومنه، نجوت الرطب، واستنجيته، إذا جنيته. ينظر: المطلع ص 23.
وقيل: هو من النجو، وهو القطع، ويقال: نجوت الشجرة، وأنجيتها إذا قطعتها، وكأنه قطع الأذى عنه باستعمال الماء. ينظر: الجيم 3/ 285، والمطلع ص 23.
وقيل: هو من النجوة، وهي ما ارتفع من الأرض، ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي 1/ 27، وتهذيب اللغة 11/ 137، والمطلع ص 23.
(2)
باب إزالة النجاسة سيأتي لوح رقم (15/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [147].
(3)
مثل قول: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث، والخبائث)) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب ما يقول عند الخلاء برقم (142) 1/ 40، ومسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء برقم (375) 1/ 283.
(4)
ينظر: الفروع 1/ 128، والمبدع 1/ 58، والإقناع 1/ 14.
بأس به نصًّا
(1)
.
لكن يجعل فص
(2)
خاتم في باطن كفّه اليمين، ومثله حرز
(3)
، قاله في الفروع
(4)
.
ويسن تقديم رجله اليسرى دخولاً، ويمنى خروجًا
(5)
، كخلع نعلٍ عكس انتعاله، ودخوله المسجد، ونحوهما، ويقول عند خروجه ما ورد
(6)
.
(1)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 369، والمغني 1/ 124، والشرح الكبير 1/ 81، ومنتهى الإرادات 1/ 11.
(2)
الفص: ما يركب في الخاتم من الحجارة الكريمة، وغيرها. ينظر: المعجم الوسيط 2/ 691.
(3)
الحرز: تميمة، أو تعويذة يكتب عليها، وتحمل؛ لتحمي حاملها من المرض، والخطر كما يزعم المعوذون. ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة 1/ 471. وتسمى الرقى المعلقة التمائم، وتسمى الحروز والجوامع، والصواب فيها أنها محرمة، ومن أنواع الشرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له، وقوله صلى الله عليه وسلم تعلق تميمة فقد أشرك، وقوله صلى الله عليه وسلم إن الرقى والتمائم والتولة شرك. واختلف العلماء في التمائم إذا كانت من القرآن، أو من الدعوات المباحة هل هي محرمة، أم لا؟ والصواب تحريمها لوجهين: أحدهما: عموم الأحاديث المذكورة، فإنها تعم التمائم من القرآن، وغير القرآن. والوجه الثاني: سد ذريعة الشرك، فإنها إذا أبيحت التمائم من القرآن اختلطت بالتمائم الأخرى، واشتبه الأمر وانفتح باب الشرك بتعليق التمائم كلها، ومعلوم أن سد الذرائع المفضية إلى الشرك والمعاصي من أعظم القواعد الشرعية. ينظر: فتاوى مهمة لعموم الأمة ص 110، وإعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد 1/ 141.
(4)
ينظر: الفروع 1/ 128.
(5)
قد أجمع العلماء، على أن الشمال يبدأ بها في الأمور المفضولة، واليمنى يبدأ بها في الأمور الفاضلة، وممن نقل الإجماع النووي في المجموع 2/ 77.
(6)
مثل قول: (غفرانك) الحديث أحرجه أحمد في مسنده، برقم (25220) 24/ 124، وأبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء، برقم (30) 1/ 8، والترمذي في سننه، كتاب الطهارة، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء، برقم (7) 1/ 12، وابن ماجة في سننه، كتاب الطهارة، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء، برقم (300) 1/ 110، والدارمي في سننه، كتاب الطهارة، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء، برقم (707) 1/ 536، وغيرهم. قال محقق المسند: إسناده حسن.
وقيل في تأويل ذلك، وفي تعقيبه الخروج من الخلاء بهذا الدُّعاء أقوال:
الأول: أنه قد استغفر من تركه ذكر الله تعالى مدة لبثه على الخلاء، وكان صلى الله عليه وسلم لا يهجر ذكر الله إلا عند الحاجة، فكأنه رأى هجران الذكر في تلك الحالة تقصيرا، وعده على نفسه ذنبا فتداركه بالاستغفار.
الثاني: معناه التوبة من تقصيره في شكّر النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليه فأطعمه، ثم هضمه، ثم سهل خروج الأذى منه، فرأى شكره قاصرا عن بلوغ حق هذه النعم، ففزع إلى الاستغفار منه.
الثالث: أن النجو يثقل البدن، ويؤذيه باحتباسه، والذنوب تثقل القلب، وتؤذيه باحتباسها فيه، فلما تخلص من هذا المؤذى لبدنه، سأل أن يخلصه من المؤذى الآخر، ويريح قلبه منه ويخففه. ينظر: معالم السنن 1/ 22، وإغاثة اللهفان 1/ 58.
ويكره رفع ثوبٍ قبل دنوّه من الأرض بلا حاجة.
واستقبال شمس، وقمرٍ
(1)
، ومهبّ ريحٍ
(2)
.
ومس فرجه بيمينه
(3)
، واستجماره بها لغير ضرورةٍ، أو حاجةٍ؛ لصغر
(1)
وهذا لا دليل عليه بل الدليل على خلافه استدلالا بحديث (ولكن شرقوا أو غربوا). ينظر: المحرر 1/ 9.
قال في المبدع 1/ 63: روي أن معهما ملائكة وأن أسماء الله مكتوبة عليهما، وأنهما يلعنانه وغير ذلك.
وقال ابن القيم: لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك كلمة واحدة، لا بإسناد صحيح، ولا ضعيف، ولامرسل، ولا متصل وليس لهذه المسألة أصل في الشرع اه. ينظر: مفتاح دار السعادة 2/ 205.
(2)
وقيل: في سبب الكراهة؛ لئلا يرد عليه البول، فينجسه. ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 34، وكشاف القناع 1/ 61.
(3)
ينظر: المحرر 1/ 39، والوجيز ص 24، والفروع 1/ 131، والإقناع 1/ 15.
حجر تعذر أخذه بعقبه
(1)
، أو بين إصبعيه
(2)
فيأخذه بيمينه، ويمسح بشماله، وإن مسح بها أجزأه، وبوله في شِقٍ، وَسَرَبٍ
(3)
، وماءٍ راكدٍ، وقليل جارٍ، وفي إناءٍ بلا حاجةٍ نصًّا
(4)
، ومستحم غير مُقَيَّر
(5)
، أو مُبَلَّط، واستقبال قبلة في فضاءٍ باستنجاءٍ، أو استجمار، وكلامه فيه مطلقًا
(6)
، ويعتمد على رجله اليسرى
(7)
.
ويحرم لبثه فوق حاجته، وبوله في طريق مسلوكٍ، وتغوطه في ماءٍ، وعلى ما نُهي عن الاستجمار به، وظل نافع، وتحت شجرة عليها ثمرة، ومورد ماءٍ، واستقبال قبلة، واستدبارها في فضاء فقط
(8)
، ويكفي انحرافه، وحائل ولو كمؤخرة رَحْل، فإذا انقطع بوله سُن مسح ذكره من حلقة الدّبر ثلاثًا
(9)
،
(1)
قال في حاشية التنقيح ص 45: (والصواب بعقبيه .... لأنه لا يمكن إمساكه بعقب واحدة.
(2)
الأصبع معروفة تذكر وتؤنث، وفيها عشر لغات: فتح الهمزة، مع فتح الباء وضمها وكسرها، وضم الهمزة، مع فتح الباء وضمها وكسرها، وكسر الهمزة مع فتح الباء وضمها وكسرها، والعاشرة: أُصبُوع، بضم الهمزة والباء بعدها واو. ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 54، والمطلع ص 28، والمصباح المنير 1/ 332.
(3)
السرب بفتحتين: بيت في الأرض، لا منفذ له، وهو الوكر. ينظر: المصباح المنير 1/ 272.
(4)
ينظر: المحرر 1/ 39، والفروع 1/ 131، والإقناع 1/ 15، ومنتهى الإرادات 1/ 11.
(5)
المقير: المطلي بالقطران، والقار شيء أسود يطلى به السفن والإبل، أو هو الزفت، ينظر: القاموس المحيط 1/ 467، وتاج العروس 13/ 492، وحاشية الروض المربع 1/ 132.
(6)
أي: سواء كان الكلام واجبا كرد السلام، أو مسنونا كإجابة المؤذن، ويستثى من ذلك تحذير معصوم من هلكة أعمى، وغافل من حية، أو بئر، أو نحوهما. ينظر: الإقناع 1/ 15، وشرح منتهى الإرادات 1/ 35، ومطالب أولي النهى 1/ 69.
(7)
ينظر: عمدة الفقه ص 15، والعدة شرح العمدة ص 24، والمحرر 1/ 9، والفروع 1/ 129.
(8)
ينظر: تجريد العناية ص 17، والمحرر 1/ 37، 38، 39.
(9)
هذا من البدع التي لم ترد في الشرع. ينظر: الفروع 1/ 136.
ونتره
(1)
ثلاثًا نصًّا
(2)
، ثم يتحول إن خاف تلوثًا، ثم يستجمر مرتبًا ندبًا.
ويستحب دلك يده بالأرض بعده، ويجزئه أحدهما، والماء أفضل كجمعهما
(3)
إلا أن يعد، والخارج موضع العادة
(4)
، فلا يجزئ إلا الماء للمتعدي/ [6/ ب] فقط نصًّا
(5)
كتنجيس مخرج بغير خارج، واستجمارٍ بمنهيٍّ عنه.
ولا يجب غسل ما أمكن من داخل فرج ثيّب من نجاسة وجنابةٍ نصًّا
(6)
بل ما ظهر ويأتي
(7)
، وكذا حَشَفَةُ أَقْلَف غير مفتوق، ويغسلان من مَفْتُوقٍ.
ويصح الاستجمار بكل طاهر، مباحٍ، منقٍ، وهو بأحجار ونحوها بقاء أثر لا يزيله إلا الماء، وطهارته خشونة المحل كما كان، إلا الروث،
(1)
النتر: اجتذاب، واستخراج بقية البول من الذكر عند الاستنجاء. ينظر: تهذيب اللغة 10/ 81، والمحكم والمحيط الأعظم 9/ 476. قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 21/ 106:«نتر الذكر، بدعة على الصحيح» .
(2)
ينظر: المحرر 1/ 38، والإنصاف 1/ 102، والإقناع 1/ 16، ومنتهى الإرادات 1/ 11.
(3)
قال في حاشية التنقيح ص 45: ظاهره أن فضيلة الاقتصار على الماء، كفضيلة جمعهما، وليس كذلك، بل جمعهما أفضل من الاقتصار على الماء، وهناك رواية عن الإمام أحمد أن الاقتصار على الماء مكروه؛ لأنه يباشر النجاسة بيده. ينظر: شرح الزركشي 1/ 220، والإنصاف 1/ 105.
(4)
مثل أن ينتشر إلى الصفحتين، أو يمتد إلى الحشفة كثيرا. ينظر: المبدع 1/ 68، والإنصاف 1/ 106، والروض المربع ص 22.
(5)
ينظر: المحرر 1/ 39، والمبدع 1/ 58، والإنصاف 1/ 102، ومنتهى الإرادات 1/ 11.
(6)
ينظر: الفروع 1/ 138، والإنصاف 1/ 108، والإقناع 1/ 17، ومنتهى الإرادات 1/ 12.
(7)
في باب ما يوجب الغسل لوح رقم (12/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [138].
والعظام، والطعام، فيحرم ولو لبهيمة، ومحترم، ومتصل بحيوان، فإن استجمر بعده لم يجزئه
(1)
.
وقيل:
(2)
إن لم يبق ما يزيله، وقد يتوجه تداخلهم، فلا يجزئ أقل من ثلاث مسحاتٍ، تعم كل مسحة المحل، فإن لم ينق، زاد حتى ينقي، ويسن قطعه على وتر
(3)
، إن زاد على ثلاث، ويجب لكل خارج، ولو طاهرًا، أو غير ملوث، إلا الريح؛ فإن تطهر قبله، ولو تيممًا لم يصح
(4)
.
(1)
يعني «لو استجمر أولا بمنهي عنه ثم استجمر بعده بمباح فقيل: لا يجزئ، وقيل: بلى، وقيل: إن أزال شيئا» ورجح المرداوي عدم الإجزاء. ينظر: تصحيح الفروع 1/ 142.
(2)
ينظر: المقنع 1/ 32، والفروع 1/ 142، والإنصاف 1/ 111.
(3)
ينظر: زاد المستقنع 1/ 28، وكشاف القناع 1/ 70.
(4)
ينظر: الوجيز ص 24، والشرح الممتع 1/ 138.
باب السواك
(1)
وسنن الوضوء
(2)
السِّوَاكُ وَالْمِسْوَاكُ اسم للعود الذي يتسوك به، والتّسوك الفعل وهو على لسانه، وأسنانه، ولثته، مسنونٌ كل وقت إلاّ صائم بعد زوال فيكره، ويباح قبله بسواكٍ رطبٍ
(3)
، وكان واجبًا على النبي صلى الله عليه وسلم، ويتأكد استحبابه عند صلاةٍ، وانتباهٍ من نوم، وتغيير رائحة فم بأكلٍ
(4)
، أو غيره، وعند وضوءٍ، وقراءة، بعود أراكٍ
(5)
، أو نحوه لينٍ منقٍ لا يجرحه، ولا يضره،
(1)
سمي بذلك؛ لكون الرجل يردده في فمه ويحركه. ينظر: المطلع ص 27.
(2)
الوُضوء -بضم الواو- فعل المتوضئ، وهو إمراره الماء على أعضائه، وبالفتح: الماء المتوضأ به، هذا هو المشهور. ينظر: المطلع ص 32.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 53، والوجيزص 25، والمبدع 1/ 77.
(4)
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 21/ 109: «الاستياك إنما شرع لإزالة ما في داخل الفم وهذه العلة متفق عليها بين العلماء؛ ولهذا شرع عند الأسباب المغيرة له كالنوم، والإغماء» .
(5)
الأراك: هي شجرة طويلة، ناعمة، كثيرة الورق، والأغصان خوارة العود، ولها ثمر في عناقيد يسمى البرير يملأ العنقود الكف، ويقال: شجر من الحمض يستاك بقضبانه، الواحدة أراكة. ينظر: المصباح المنير 1/ 12.
فائدة: السواك بعود الأراك أفضل من الاستياك بغيره وذلك لأمور:
أولا: أن عود الأراك خفيف الحمل، ويمكن أن يستعمل في كل وقت.
ثانيا: أن في الاستياك بعود الأراك فوائد عديدة منها احتواؤه على مادة مضادة للتعفنات، وتطهر اللثة واللسان، وهي علاج لجروح اللثة، وتمنع نزيف الدّم منها وتسمى (مض تينيك).
ثالثا: أن في عود الأراك مادة تساعد على قتل الجراثيم، وتمنع تسوس الأسنان، وفيه أكثر من عشرين مادة لها فوائد متنوعة. ينظر: شرح عمدة الفقه للجبرين 1/ 104، 103.
ولا يَتَفَتَّتُ فيه، ولا بما يجهله، فإن خالف كره، ولا يصيب السّنة بإصبعٍ، أو خرقةٍ، ويستاك عرضًا من ثناياه إلى أضراسه
(1)
، ويسن ادهان في بدن، وشعر غِبًّا
(2)
يومًا ويومًا نصًّا
(3)
، واكتحال بإثمد
(4)
في كل عين وترًا
(5)
.
وسن قص شاربٍ، وحفه أولى نصًّا
(6)
، وتقليم أظفار يوم جمعة مخالفًا
(7)
، ولا يحيف عليها، ويغسل رؤوس أصابعه بعده، وحلق عانةٍ، وله قصه وإزالته بما شاء، يفعل ذلك مرةً في كل أسبوعٍ؛ ولا يتركه فوق أربعين نصًّا
(8)
ويدفن شعرًا وظفرًا/ [7/ أ].
ويجب ختانٌ مطلقًا عند بلوغٍ، ما لم يخف على نفسه
(9)
، وزمن صِغَر
(1)
لأن التسوك طولا ربما أدمى اللثة، وأفسد الأسنان. ينظر: المبدع 1/ 82.
(2)
الغب: لفظ يدل على زمان، وفترة فيه، وهو هنا أن يدهن يوما، ويدع يوما. ينظر: معجم مقاييس اللغة 4/ 379، والمطلع ص 28.
(3)
ينظر: المغني 1/ 69، والمبدع 1/ 82، والإقناع 1/ 20، ومنتهى الإرادات 1/ 12، وكشاف القناع 1/ 74.
(4)
الإثمد: (بكسر الهمزة والميم) الكحل الأسود. ينظر: المصباح المنير 1/ 84. مادة (ث م د).
(5)
ينظر: المغني 1/ 69، والمحرر 1/ 11، والوجيز ص 25، وتجريد العناية ص 19.
(6)
ينظر: الفروع 1/ 151، والإنصاف 1/ 121، وشرح منتهى الإرادات 1/ 45.
(7)
معنى المخالفة هنا: أن يبدأ بخنصر اليمنى، ثم الوسطى، ثم الإبهام، ثم البنصر، ثم السبابة، ثم إبهام اليسرى، ثم الوسطى، ثم خنصر، ثم السبابة، ثم البنصر. ينظر: المغني 1/ 65، والإنصاف 1/ 122، وشرح منتهى الإرادات 1/ 45، وحاشية الروض المربع 1/ 165.
قال ابن دقيق العيد: «ما اشتهر من قصها على وجه مخصوص لا أصل له في الشريعة، ولا يجوز اعتماد استحبابه؛ لأن الاستحباب شرعي، لا بد له من دليل» . نقل ذلك عنه كل من: كشاف القناع 1/ 76، وكشف الخفاء 2/ 405، ومطالب أولي النهى 1/ 86، وحاشية الروض المربع 1/ 165.
(8)
ينظر: الفروع 1/ 153، والمبدع 1/ 85، والإنصاف 1/ 123.
(9)
ينظر: الوجيز ص 25، والإقناع 1/ 22، زاد المستقنع 1/ 29، شرح منتهى الإرادات 1/ 44.
أفضل بأخذ جلدة حشفة ذكر؛ وأنثى بأخذ جلدةٍ فوق محل إيلاج تشبه عرف الدّيك، ولا تؤخذ كلها، فعليها تختن ذكر خنثى وفرجه؛ وعنه
(1)
لا يجب على أنثى فيختن ذكره، ويكره يوم سابع، ومن الولادة إليه
(2)
، وقزعٌ وهو أخذ بعض الرأس، وترك بعضه نصًّا
(3)
كحجامةٍ ونحوها.
ويسن تسوكه بيساره نصًّا
(4)
وبداءته بجانب فمه الأيمن، وتيامنه في شأنه كله، وهو من سنن وضوءٍ.
ومن واجباته تسمية فيقول: بسم الله، وكذا في غسلٍ، وتيمّم، ويسقط
(1)
ينظر: الإنصاف 1/ 125.
(2)
قال في الفروع 1/ 134: للتشبه باليهود. وينظر: الإقناع 1/ 22.
(3)
ينظر: الإنصاف 1/ 127. ومنتهى الإرادات 1/ 13. قال في الشرح الممتع 1/ 167: وهو أنواع:
1 -
أن يحلِقَ غير مرتّب، فيحلقُ من الجانب الأيمن، ومن الجانب الأيسر، ومن النَّاصية، ومن القَفَا.
2 -
أن يحلقَ وسطَه ويترك جانبيه.
3 -
أن يحلقَ جوانبه ويتركَ وسطه، قال ابن القيم رحمه الله:«كما يفعله السُّفَل» .
4 -
أن يحلقَ النَّاصيةَ فقط ويتركَ الباقي.
(4)
إذا أطلقت السنة، المراد بها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم دليلاً صريحا، صحيحا في التسوك باليسار، بل نقل صاحب الإنصاف عن المجد 1/ 128 قوله: السنة إرصاد اليمنى للوضوء، والسواك، والأكل ونحو ذلك. وينظر: منتهى الإرادات 1/ 12.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 21/ 108: «الأفضل أن يستاك باليسرى؛ نص عليه الإمام أحمد في رواية ابن منصور الكوسج ذكره عنه في مسائله وما علمنا أحدا من الأئمة خالف في ذلك. وذلك لأن الاستياك من باب إماطة الأذى فهو كالاستنثار والامتخاط؛ ونحو ذلك مما فيه إزالة الأذى وذلك باليسرى كما أن إزالة النجاسات كالاستجمار ونحوه باليسرى وإزالة الأذى واجبها ومستحبها باليسرى» .
سهوًا، فإن ذكر بعد فراغه صحت، وإن ذكر في أثنائه أتم، والأخرس يشير بها
(1)
.
ومن سننه أيضًا غسل كفين ثلاثًا لغير قائمٍ من نوم ليل ولو تيقن طهارتهما نصًّا
(2)
، فإن كان منه بما ينقض الوضوء فواجب تعبدًا، ويسقط سهوًا، ويعتبر له نية، وتسمية
(3)
.
ويسن بداءته قبل غسل وجهٍ بمضمضةٍ ثم باستنشاقٍ بيمينه وانتثاره بيساره، ومبالغة فيهما لغير صائم
(4)
، ويكره له، وكذا في سائر الأعضاء، ففي مضمضة إدارة الماء في جميع الفم، وفي استنشاقٍ جذبه بالنفس إلى أقصى الأنف، والواجب
(5)
أدنى إدارةٍ فيه، وجذب إلى باطن الأنف، وفي غيرها دلك المواضع التي ينبو
(6)
عنها الماء، وفركها، وقد يقال: لهذا يتجه بعد بلِّ البشرة بالماء، أما قبله فواجبٌ، يؤيده قول الزركشي
(7)
في تعليل
(1)
ينظر: الكافي 1/ 57، والمحرر 1/ 11، والروض المربع 1/ 25.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 173، وشرح الزركشي 1/ 170، ومنتهى الإرادات 1/ 13.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 58، والإقناع 1/ 31، وشرح منتهى الإرادات 1/ 46.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 26، ومطالب أولي النهى 1/ 95.
(5)
الواجب في اللغة: فيطلق على معنيين: أحدهما: الساقط، مأخوذ من:«وجب» بمعنى «سقط» قال الله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [سورة الحج الآية: 36]. ومعنى «وجبت جنوبها» : أي سقطت جنوبها على الأرض بسبب الذبح.
ثانيهما: اللزوم، يقال: وجب الشيء وجوبا، أي: لزم لزوما.
واصطلاحا: ما توعد بالعقاب على تركه، وقيل: ما يعاقب تاركه، وقيل: ما يذم تاركه شرعا.
ينظر: المستصفى 1/ 53، وروضة الناظر 1/ 102، والأحكام للآمدي 1/ 97.
(6)
أي: يرتفع، وينفر، ويتباعد. ينظر: الصحاح 6/ 2500، والمصباح المنير 2/ 295، ولسان العرب 15/ 303.
(7)
ينظر: شرح الزركشي 1/ 312.
الدّلك بأنه أحوط وأعون على إيصال الماء إلى جميع البشرة، فدل على أن الإسباغ هو بلُّ البشرة بالماء، وأنه يكفي فيه الظن، واليقين أحوط، ومعناه في كلام غيره.
وتخليل أصابع يديه ورجليه
(1)
فيبدأ بخنصر يمنى ويسرى بالعكس للتيامن، وتخليل لحيةٍ كثيفةٍ
(2)
بأخذ كف من ماءٍ يضعه من تحتها بأصابعه نصًّا
(3)
مشتبكة فيها، أو من جانبيها مال إليه الْمُوَفَّق وغيره
(4)
ويعركها، وكذا عَنْفَقَةٌ
(5)
، وشاربٌ، وحاجبان، ولحية امرأة وخنثى، ويجزئ غسل ظاهره،/ [7/ ب] وفي الخفيف
(6)
يجب غسله وما تحته، وأخذ ماءٍ جديدٍ للأذنين بعد مسح رأسه
(7)
، ومجاوزة موضع فرضٍ، وغسلة ثانية وثالثة، وتكره الزيادة عليها لغير وسواسٍ
(8)
، وتسن على موضع فرضٍ، ولا تكره مفاضلةٌ بين أعضائه.
(1)
والسنة من تخليل الأصابع، هو وصول الماء إلى باطن الأصابع، والمقصود من التخليل، هو المبالغة، والتكميل في التطهر. ينظر: جامع العلوم في اصطلاحات الفنون 4/ 34.
(2)
ينظر: الوجيز ص 25، وشرح منتهى الإرادات 1/ 47، ومطالب أولي النهى 1/ 95.
(3)
ينظر: شرح الزركشي 1/ 174، والمبدع 1/ 89، وشرح منتهى الإرادات 1/ 47.
(4)
انظر المغني 1/ 78، شرح الزركشي 1/ 174، والإنصاف 1/ 134، والروض المربع 1/ 27.
(5)
العنفقة: هي ما بين الشفة السفلى والذقن سواء كان عليها شعر أم لا. ينظر: العين 2/ 301، وتهذيب اللغة 3/ 192، والمحكم والمحيط الأعظم 2/ 415، والمصباح المنير 2/ 418.
(6)
في المخطوط (وفي الخفين) والصواب ما أثبت لإقامة المعنى. وينظر: الإقناع 1/ 27، والشرح الممتع 1/ 213.
(7)
ينظر: مختصر الخرقي ص 12، والكافي 1/ 71، والمحرر 1/ 12، والوجيزص 25.
(8)
ينظر: عمدة الفقه ص 16، والعدة شرح العمدة ص 35، والإقناع 1/ 30. قال ابن حزم في مراتب الإجماع ص 19:(واتفقوا على أن الزيادة على الثلاث لا معنى لها).
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 21/ 168: «الوسوسة في الطهارة مثل غسل العضو أكثر من ثلاث مرات، والامتناع من الصلاة على حصر المسجد ونحو ذلك: هو أيضًا بدعة وضلالة باتفاق المسلمين ليس ذلك مستحبا، ولا طاعة، ولا قربة» .
باب فرض الوضوء وشرطه وصفته وطهارة الحدث
فرضت قبل التيمم قاله في الفروع
(1)
في اجتناب النجاسة.
ومن فرائضه شرطه وهو شرعًا: استعمال ماءٍ طهورٍ في الأعضاء المعروفة؛ ويجب بالحدث وهو وصفٌ حكمي يتعلق بالبدن، ويحل بجميعه كجنابةٍ.
وفروضه ستة: غسل الوجه، وفم وأنف منه، وغسل اليدين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين، وترتيب
(2)
، وموالاة
(3)
لا مع غُسل، ولا يسقطان سهوًا كبقية الفروض، وهي ألا يؤخر غسل عضوٍ حتى ينشف العضو الذي قبله في زمنٍ معتدل، أو قدره من غيره، ولا يضر جفافه؛ لاشتغاله بسنةٍ كتخليلٍ، وإسباغٍ؛ وإزالة شكّ، ووسوسة، ويضر إسراف، وإزالة وسخ ونحوه، لغير طهارة لا لها.
والنية شرطٌ لطهارة الحدث كلّها
(4)
، ولغُسلٍ، وتجديدٍ وضوءٍ مستحبين، وغسل يد نائم من نوم ليلٍ وتقدم
(5)
، ولغسل ميتٍ، إلا طهارة
(1)
ينظر: الفروع 2/ 92.
(2)
قال في الكافي 1/ 67: «ولنا أن في الآية قرينة تدل على الترتيب؛ لأنه أدخل الممسوح بين المغسولات، وقطع النظير عن نظيره، ولا يفعل الفصحاء هذا إلا لفائدة، ولا نعلم هنا فائدة سوى الترتيب.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 116، وأخصر المختصرات 1/ 93، وكشف المخدرات 1/ 58.
(4)
ينظر: المغني 1/ 82، والشرح الكبير 1/ 121، والمبدع 1/ 93، والإنصاف 1/ 142.
(5)
في باب السواك وسنن الوضوء. لوح رقم (7/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [118].
ذميةٍ لحيض، ونفاس، وجنابة، ومسلمة ممتنعة فتغسل قهرًا، ولا نية للعذر، ولا تصلي به، ومجنونة من حيض فيهما، وينويه عنها.
ويشترط لوضوءٍ أيضًا عقلٌ، وتمييزٌ، وإسلامٌ، ودخول وقت على من حدثه دائم لفرضه، وإزالة ما يمنع وصول الماء، وطهارة من حيضٍ، ونفاسٍ، وفراغه من خروج خارج، واستنجاءٍ، أو استجمارٍ قبله وتقدم
(1)
، وطهورية ماءٍ، وإباحته
(2)
.
ويشترط لغسلٍ نية، وإسلام، سوى ما تقدم من غسل الذّمية لزوجها المسلم؛ لصحته مع كفرها بلا نية، وعقل، وتمييز، وفراغ حيض، ونفاس لغسلهما، وإزالة ما يمنع وصول الماء كما تقدم
(3)
وطهوريته/ [8/ أ] وإباحته
(4)
.
ويصح عن جنابة حال حيض نصًّا، وعكسه، وفي استحبابه روايتان
(5)
.
وهي قصد رفع حدث، أو طهارة لما لا يباح إلا بها لكن ينوي من حدثه دائم الاستباحة.
ومحلها القلب، ويسن نطقه بها سرًا
(6)
، ولا يضر سبق لسانه بخلاف
(1)
في باب الاستنجاء. لوح رقم (6/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [114].
(2)
ينظر: المبدع 1/ 96، الإقناع 1/ 23.
(3)
في أَوَّل هذا الباب.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 23، وكشاف القناع 1/ 86.
(5)
ينظر: تجريد العناية ص 23.
(6)
قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى 1/ 214،:«بل التلفظ بالنية نقص في العقل، والدِّين: أما في الدِّين؛ فلأنه بدعة، وأما في العقل؛ فلأن هذا بمنزلة من يريد أكل الطعام فقال: أنوي بوضع يدي في هذا الإناء، أني آخذ منه لقمة، فأضعها في فمي فأمضغها، ثم أبلعها؛ لأشبع فهذا حمق، وجهل» .
وقال ابن القيم في زاد المعاد 1/ 189: «ولم يكن يقول في أوله: نويت رفع الحدث، ولا استباحة الصلاة، لا هو، ولا أحد من أصحابه البتة، ولم يرو عنه في ذلك حرف واحد، لا بإسناد صحيح، ولا ضعيف» . وقال في الإقناع 1/ 24 «والتلفظ بها وبما نواه هنا وفي سائر العبادات بدعة» .
قصده، ولا إبطالها بعد فراغه، أو شكّه، كوسواس.
فإن نوى ما تسن له الطهارة كقراءة، وذكر، وأذان، ونوم، ودفع شكّ، وغضبٍ، وكلام محرّم، وفعل مناسك الحج نصًّا
(1)
غير طواف
(2)
، وجلوس بمسجد، وقيل
(3)
: وقدمه في الرعاية
(4)
ودخوله، وحديث، وتدريس علمٍ.
وفي المغني وغيره
(5)
، وأكل.
وفي النهاية
(6)
وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الغسل تتمته
(7)
، أو التجديد،
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 24، وشرح منتهى الإرادات 1/ 54، ودليل الطالب ص 11، والروض المربع 1/ 30.
(2)
أي أن الطواف مما تجب له الطهارة. ينظر: دليل الطالب ص 11، وشرح منتهى الإرادات 1/ 54، وكشاف القناع 1/ 88.
(3)
ينظر: الإنصاف 1/ 145، ودليل الطالب ص 11، وشرح منتهى الإرادات 1/ 54، وكشاف القناع 1/ 88.
(4)
ينظر: الرعاية الصغرى 1/ 40.
(5)
ينظر: المغني 1/ 84. وينظر: الفروع 1/ 169، والإنصاف 1/ 145، ومنتهى الإرادات 1/ 25.
(6)
نقل عنه كل من صاحب الفروع 1/ 168، والإنصاف 1/ 145، وشرح منتهى الإرادات 1/ 54، وكشاف القناع 1/ 88.
(7)
أي: يأتي في الغسل تتمته. ينظر: كشاف القناع 1/ 88.
ناسيًا حدثه إن سن ارتفع،
(1)
ويسن إن صلّى بينهما، وإلاّ فلا.
وإن نوى غسلاً مسنونًا أجزأ عن الواجب، وكذا عكسه
(2)
، وإن نواهما حصلا نصًّا
(3)
، وإن نوى طهارة مطلقة، أو وضوءًا مطلقًا، أو الغسل وحده، أو لمروره لم يرتفع.
وإن اجتمعت أحداث متنوعة، أو متفرقة توجب وضوءًا، أو غسلاً فنوى بطهارته أحدها ولو غلطًا ارتفع سائرها
(4)
، ويجب الإتيان بها عند أَوَّل واجباتها وهي التسمية، ويسن عند أَوَّل مسنوناتها كما لو كان على حدث من نوم فغلط ونوى حدث بولٍ قاله ابن تميم إن وجد قبل واجب، ويجوز تقديمها بزمنٍ يسيرٍ كصلاة.
ويسن استصحاب ذكرها فيها، وإن استصحب حكمها بألا ينوي قطعها أجزأه
(5)
.
فصل
(6)
وصفته أن ينوي، ثم يسمي، ثم يتمضمض، ثم يستنشق ثلاثًا ثلاثًا
(1)
ينظر: الفروع 1/ 170، والمبدع 1/ 96، والإقناع 1/ 39، وشرح منتهى الإرادات 1/ 54.
(2)
ينظر: الوجيز ص 26، والفروع 1/ 170، والمبدع 1/ 96، وزاد المستقنع 1/ 29.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 171، والمبدع 1/ 97، والإنصاف 1/ 148، ومنتهى الإرادات 1/ 15.
(4)
ينظر: الفروع 1/ 171. والإقناع 1/ 25، والروض المربع 1/ 30، وكشاف القناع 1/ 90.
(5)
ينظر: الفروع 1/ 173، والإقناع 1/ 25.
(6)
فصلت الشيء تفصيلا: جعلته فصولا متمايزة، ومنه جزء المفصل سمي بذلك؛ لكثرة فصوله، وهي السور.
ينظر: المصباح المنير 2/ 474، التوقيف على مهمات التعريف ص 104.
من غرفة وهو أفضل نصًّا
(1)
، ويُسَمَّيَانِ فرضًا فيه، وفي غُسل، ولا يسقطان نصًّا
(2)
، ثم يغسل وجهه ثلاثًا من منابت شعر رأسه المعتاد غالبًا، إلى ما انحدر/ [8/ ب] من لحييه، وذقنه طولاً، وما بين أذنيه عرضًا إلى مع ما استرسل من اللّحية، فيدخل فيه عذارٌ وهو الشّعر النابت على العظم الناتئ المسامت صِمَاخ الأذن
(3)
، وهو ما تحت الْعِذَار إلى الذقن.
ولا يدخل صدغ، وهو الشعر الذي بعد انتهاء الْعِذَار يحاذي رأس الأذن ينزل عنه قليلاً، ولا تخدين وهو الشعر الخارج إلى طرفي الجبين في جانبي الوجه بين النزعة ومنتهى الْعِذَار، ولا النزعتان، وهو ما انحسر الشعر عنه من فَوْدَي الرأس.
قال في الصحاح
(4)
: فود الرأس جانباه، بل جميع ذلك من الرأس فتمسح معه، ولا يجب، بل ولا يسن غسل داخل عينٍ لحدثٍ، ولا يجب من نجاسة فيها، ثم يغسل يديه حتى أظفارها ثلاثًا، ولا يضر وسخٌ يسيرٌ تحت أظفاره ولو منع وصول الماء.
ويجب غسل إصبعٍ زائدةٍ ويد أصلها في محل فرض، أو غيره ولم يتميز، وإلا فلا، إلى المرفقين ويدخلهما فيه، فإن خلقتا بلا مرافق غسل
(1)
ينظر: الكافي 1/ 60، والمغني 1/ 89، والشرح الكبير 1/ 124، والمبدع 1/ 99، ومنتهى الإرادات 1/ 16.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 173. والمبدع 1/ 99.
(3)
صماخ الأذن: هو الخرق الذي يفضي إلى الرأس، وهو المسمع. ينظر: غريب الحديث لابن قتيبة 2/ 190، والمصباح المنير 1/ 347.
(4)
ينظر: الصحاح 2/ 520.
إلى قدرهما في غالب الناس، ثم يمسح جميع ظاهر رأسه ولو بإصبع، أو خرقة ونحوها، وعفا بعضهم عن ترك يسيرٍ منه للمشقة، ويجزئ غسله بدلاً عن مسحه إن أمرَّ يده، وكذا إن أصابه ماءٌ وأمرَّ يده، ويستحب مسح أذنيه بعده، ولا يجب، وإن كانا من الرأس على الأصح، والبياض فوقهما دون الشعر منه أيضًا فيجب
مسحه مع الرأس، فلو مسح رأسه، ثم حلقه، أو غسل عضوًا، ثم قطع جزءًا منه، أو جلدة لم يؤثر؛ لأنه ليس ببدل عما تحته، وإن تطهّر بعد ذلك غسل ما ظهر.
وإن حصل في بعض أعضائه شقٌ، أو ثقبٌ لزم غسله؛ وصفة مسحه مسنون فيبدأ بيديه/ [9/ أ] من مقدّم رأسه، ثم يمرهما إلى قفاه، ثم يردهما إلى مقدمه
(1)
.
وصفة مسح أذنيه أن يدخل سبابتيه في صِمَاخَيْهِمَا، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما، ولا يستحب تكرار مسح رأسٍ وأذنٍ
(2)
، ثم يغسل رجليه ثلاثًا إلى الكعبين، وهما العظمان الناتئان في جانبي رجليه ويدخلهما في الغسل، وإن كان أقطع وجب نصًّا
(3)
غسل ما بقي من محل فرض أصلاً، أو تبعًا كرأس عَضدٍ، أو ساق وكذا تيمم؛ فإن لم يبق شيءُ سقط.
ويسن إذا فرغ رفع نظره إلى السماء وقول: أشهد أن لا إله إلا الله،
(1)
ينظر: المستوعب 1/ 152، وعمدة الفقه ص 15، وشرح الزركشي 1/ 194.
(2)
ينظر: المستوعب 1/ 154، والمغني 1/ 94، والإقناع 1/ 29.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 63، والمغني 1/ 91، والشرح الكبير 1/ 143، والمبدع 1/ 108، ومنتهى الإرادات 1/ 17.
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
(1)
.
ويباح معونته، وتنشيف أعضائه بلا كراهةٍ
(2)
.
ويسن كون المعين عن يساره كإناء وضوئه الضيق الرأس، وإلا عن يمينه
(3)
، ولو وضأه، أو يممّه غيره بإذنه صح، وينويه المفعول به، وإن أُكْرِه عليه يصح.
ويجب الوضوء بالحدث
(4)
ويحل جميع البدن؛ فإن عجز عن الطهارة فوجد متبرعًا لزمه، فإن عدم فبأجرة مثله إن قدر، وإلا صلّى ولم يُعِد.
(1)
ينظر: المغني 1/ 104، والعدة شرح العمدة ص 32، والمبدع 1/ 109. وهو جزء من حديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء، برقم (234) 1/ 209. وهو جزء من حديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء، برقم (234) 1/ 209. وهو جزء من حديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء، برقم (234) 1/ 209.
(2)
ينظر: المغني 1/ 104، وتجريد العناية ص 20. والمبدع 1/ 109.
(3)
إطلاق السنية فيه نظر، بل الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما، في صب الماء على النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت أنهما عن يساره، كما في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في صحيح البخاري كتاب الوضوء، باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، برقم (206) 1/ 52، ومسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين، برقم (274) 1/ 230، وحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه، عند ابن ماجة في سننه، كتاب الطهارة وسننها، باب الرجل يستعين على وضوئه فيصب عليه، برقم (391) 1/ 138، وحديث أسامة رضي الله عنه في صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب الرجل يوضئ صاحبه، برقم (181) 1/ 74. والله أعلم.
(4)
في المخطوط (بألمٍ يحدث) ولعل الصواب ما أثبت لأن المعني لا يستقيم، ينظر: الفروع 1/ 192. وفي المنتهى 1/ 49 (ويجب الوضوء بحدث).
باب مسح
(1)
الخفين
(2)
وسائر الحوائل
وهو رخصة
(3)
وأفضل من الغَسل
(4)
ويرفع الحدث نصًّا
(5)
.
ويصح على خُفٍ وَجُرْمُوقٍ
(6)
خفٍ قصيرٍ وجوربٍ صفيقٍ من صوف، أو غيره
(7)
.
كمُجَلَّد وَمُنَعَّل حتى لِزَمِنٍ
(8)
ومن له رجلٌ واحدةٌ لم يبق من فرض
(1)
المسح لغة: إمرار اليد على الشيء. ينظر: المغرب في ترتيب المعرب ص 441، والتعريفات ص 212.
وشرعا: إصابة البلة لحائل مخصوص، في زمن مخصوص. ينظر: القاموس الفقهي ص 338.
والحف واحد الخفاف التي تلبس على الرجل، سمي بذلك لخفته. ينظر: الصحاح 4/ 1353، ومختار الصحاح ص 94.
(2)
قال ابن المنذر في الأوسط 1/ 462: «روي إباحة المسح على الجوربين، عن تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر، وأبي مسعود، وأنس بن مالك، وابن عمر، والبراء بن عازب، وبلال، وأبي أمامة، وسهل بن سعد رضي الله عنهم» .
(3)
الرخصة في اللغة: السهولة واليسر. ينظر: المصباح المنير 1/ 223. مادة (ر خ ص)
وشرعا: ما ثبت على خلاف دليل شرعي؛ لمعارض راجح. ينظر: روضة الناظر 1/ 190، وشرح مختصر الروضة 1/ 457، ومختصر التحرير شرح الكوكب المنير 1/ 478.
(4)
قال في المنتهى 1/ 17: «ولا يسن أن يلبس؛ ليمسح، وكره لبس مع مدافعة أحد الأخبثين» وينظر: منار السبيل 1/ 30.
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 32، ومنتهى الإرادات 1/ 17.
(6)
الُجرمُوق «بضم الجيم، والميم» وهو معرب، نوع من الخفاف، حجمه صغير، يلبس فوق الخف. ينظر: مختار الصحاح 1/ 59، المطلع ص 36، لسان العرب 10/ 35.
(7)
ينظر: المبدع 1/ 113.
(8)
الزمن: الذي طال مرضه زمانا. ينظر: المغرب في ترتيب المعرب ص 210، والقاموس الفقهي ص 160.
الأخرى شيءٌ إلا لِمُحْرِمٍ لبسهما لحاجةٍ.
وقيل: يجوز.
قال شيخنا: وهو أظهر
(1)
(2)
.
وعمائم رجال، وجبائر: جمع جبيرة وهي أخشاب ونحوها تربط على الكسر ونحوه
(3)
. وعلى خمُر النساء المدارة تحت حلوقهن، لا القلانس
(4)
.
ومن شرطه أن يلبس الجميع بعد كمال الطهارة بالماء نصًّا
(5)
، حتى
(1)
ينظر: الإنصاف 1/ 170، والتنقيح ص 56.
(2)
في حاشية المخطوط (قال صاحب شرح المفردات قال الشيخ تقي الدِّين: وفصل الخطاب، أن الأفضل في حق كل احد ما هو الموافق لحال قدمه، فالأفضل لمن قدماه مكشوفتان غسلهما، ولا يتحرى لبس الخف؛ ليمسح عليه كما كان عليه أفضل الصلاة والسلام يغسل قدميه إذا كانتا مكشوفتين، ويمسح قدميه إذا كان لابسا للخف) وينظر: الإنصاف 1/ 169.
(3)
ينظر: طلبة الطلبة ص 8، وتحرير ألفاظ التنبيه ص 44.
(4)
القلانس: جمع قلنسوة بفتح القاف واللام، وسكون النون، وضم المهملة وفتح الواو، وقد تبدل مثناة من تحت، وقد تبدل ألفا وتفتح السين، فيقال قلنساة، وهي لباس للرأس، مختلف الأنواع، والأشكّال، وهي مبطنات تتخذ للنوم. ينظر: الإنصاف 1/ 171، والمعجم الوسيط 2/ 754، ومعجم لغة الفقهاء 1/ 369. مادة (ق، ل، ن، س).
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 33، ومنتهى الإرادات 1/ 18، وكشاف القناع 1/ 113. وقد ذكر ابن عثيمين في الشرح الممتع 1/ 250. فائدة: الفوارق بين الجبيرة وباقي الممسوحات:
الأول: أن الجبيرة لا تختص بعضو معين، والخف يختص بالرجل، والعمامة والخمار يختصان بالرأس.
الثاني: أن المسح على الجبيرة جائز في الحدثين، وباقي الممسوحات لا يجوز إلا في الحدث الأصغر.
الثالث: أن المسح على الجبيرة غير مؤقت، وباقي الممسوحات مؤقتة.
الرابع: أن الجبيرة لا تشترط لها الطهارة ـ على القول الراجح ـ وبقية الممسوحات لا تلبس إلا على طهارة، على خلاف بين أهل العلم في اشتراط الطهارة بالنسبة للعمامة والخمار.
ولو مسح فيها على خفٍ، أو عمامةٍ، أو جبيرةٍ، أو غسل صحيحًا، وتيمم لجرحٍ، حتى لجبيرة فلو شدها على غير طهارة نزع، فلو خاف تيمم، فلو عمت محل التيمم كفى مسحها بالماء/ [9/ ب].
ويمسح مقيمٌ، وعاص بسفره يومًا وليلة
(1)
، ومسافرٌ سفر قصرٍ ثلاثةً بلياليهن
(2)
، ولو مستحاضة، ونحوها نصًّا
(3)
من وقت حدث بعد لبس إلى مثله، وجبيرة إلى حلها.
ومن مسح مسافرًا، ثم أقام، أتمّ على بقية مسح مقيم
(4)
.
وإن مسح مقيمٌ أقل من يومٍ وليلة ثم سافر، أو شكّ في ابتدائه فكذلك
(5)
.
ومن أحدث، ثم سافر قبل المسح أتمّ مسح مسافر
(6)
، ولا يصح
(1)
قال في الإنصاف 1/ 176: «فأما العاصي بسفره: فحكمه حكم المقيم على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب، وقال في الفروع: ويحتمل أن يمسح عاص بسفره كغيره، ذكره ابن شهاب، وقيل: لا يمسح مطلقا، عقوبة له» .
(2)
ينظر: الفروع 1/ 209، والإقناع 1/ 33، وكشاف القناع 1/ 114، وأخصر المختصرات 1/ 95.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 33، ومنتهى الإرادات 1/ 17، وكشاف القناع 1/ 114.
(4)
ينظر: الكافي 1/ 75، والمغني 213، والوجيز ص 27، والإنصاف 1/ 177. ولو قال المؤلف (أتم مسح مقيم) لكان أولى كما في المحرر 1/ 12.
(5)
ينظر: الوجيز ص 27، والإقناع 1/ 33، وكشاف القناع 1/ 115.
(6)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 160، والمبدع 1/ 120، والإنصاف 1/ 179.
مسحٌ، إلا على ما يستر محل الفرض، ويثبت بنفسه
(1)
، أو بنعلين فيصح إلى خلعهما لا بشده نصًّا
(2)
، ولو ثبت بنفسه لكن يبدو بعضه لولا شده، أو شَرَجُه
(3)
صحّ المسح عليه، ومن شرطه أيضًا إباحته مطلقًا، وإمكان المشي فيه عرفًا، وطهارة عينه ولو في ضرورةٍ فيتيمم معها للرجلين، وألا يصف القدم لصفائه.
فإن كان فيه خرقٌ، أو غيره يبدو منه بعض القدم، لم يمسح عليه
(4)
، وإن لم يبد شيءٌ بانضمامه بلبسه مسح نصًّا
(5)
.
وإن لبس خفًا فلم يحدث حتى لبس عليه آخر صحّ المسح عليه، إن كانا صحيحين، أو أحدهما وإلا فلا، وإن أحدث لم يصح المسح عليه، وإن نزع الممسوح لزمه نزع التحتاني، ويمسح صحيحًا على لفافةٍ،
(1)
ينظر: المستوعب 1/ 178، والوجيز ص 27.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 194، الإقناع 1/ 34، ومنتهى الإرادات 1/ 18.
(3)
هي عرى يدخل بعضها في بعض، فيستر محل الفرض. ينظر: منتهى الإرادات 1/ 18.
(4)
ينظر: المستوعب 1/ 178، ومختصر الخرقي ص 16، والمغني 1/ 216، والوجيز ص 27.
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 165:
وإن بدت رجل الفتى من خفه
…
فغسلها إذ ذاك ليس يكفه
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 21/ 212 بعد أن رجح جواز المسح على المخرق اليسير: «إن الرخصة عامة، ولفظ الخف يتناول ما فيه من الخرق، وما لا خرق فيه، ولا سيما والصحابة كان فيهم فقراء كثيرون، وكانوا يسافرون، وإذا كان كذلك فلا بد أن يكون في بعض خفافهم خروق، والمسافرون قد يتخرق خف أحدهم ولا يمكنه إصلاحه في السفر، فإن لم يجز المسح عليه لم يحصل مقصود الرخصة، وأيضًا فإن جمهور العلماء يعفون عن ظهور يسير العورة، وعن يسير النجاسة التي يشق الاحتراز عنها: فالخرق اليسير في الخف كذلك» .
(5)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 161، والفروع 1/ 197، ومنتهى الإرادات 1/ 18.
لا مخرقًا عليها، ولا لفائف وحدها نصًّا فيهما
(1)
.
ويجب مسح أكثر أعلى خف ونحوه
(2)
ـ دون أسفله وعقبه، فلا يجزئ مسحهما، بل ولا يسن ـ مرةً، وتكره الزيادة عليها، فيضع أصابع يده مفروجة ثم يمرها من رؤوس أصابعه إلى ساقه.
ويصح مسح دوائر أكثر عمامة مُحَنَّكَة
(3)
لذكرٍ، لا أنثى ولو لضرورة، ولا يصح على غير محنكة، إلا أن تكون ذات ذؤابةٍ
(4)
، فيصح بشرط سترها لما لم تجر العادة بكشفه، ولا يجب مسح ما جرت عادة بكشفه.
ويجب مسح جميع جبيرةٍ لم تجاوز قدر حاجةٍ
(5)
فإن تجاوزت وجب نزعها، فإن خاف ضررًا تيمم لزائدٍ، ودواءٍ حتى قارًا
(6)
في شق وتضرر بقلعه كجبيرةٍ، ومتى ظهر بعض قدم ماسحٍ، أو رأسه وفحش فيه/ [10/ أ] أو انتقض بعض عمامته، أو انقطع دم مستحاضة، أو انقضت مدة مسحٍ ولو
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 35، ومنتهى الإرادات 1/ 17، 18.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 163، 164:
أكثر أعلى الخف مسحا يجب
…
ومالك فكل الأعلى يذهب
والحنفي قدر ثلاث أصابع
…
وما اسمه مسح يقول الشافعي
(3)
المحنكة: التي أدير بعضها تحت الحنك، والحنك ما تحت الذقن من الإنسان وغيره. المطلع ص 37.
(4)
الذؤابة: طرف العمامة المرخى. ينظر: المطلع ص 37، والمصباح المنير 1/ 211، وتاج العروس 13/ 133.
(5)
ينظر: المستوعب 1/ 180، والوجيز ص 27، والإقناع 1/ 36، شرح منتهى الإرادات 1/ 67.
(6)
القار: هو شيء أسود، تطلى به الإبل، والسفن يمنع الماء أن يدخل. ينظر: العين 5/ 206، ولسان العرب 5/ 124.
متطهرًا، أو في صلاةٍ استأنف الطهارة
(1)
، وبطلت الصلاة، وزوال جبيرةٍ كخفٍ، وخروج قدمٍ، أو بعضه إلى ساقٍ كخلعه، ولا مدخل لحائل في طهارةٍ كبرى، إلا الجبيرة
(2)
.
(1)
ينظر: المستوعب 1/ 188، والوجيز ص 27.
(2)
ينظر: الوجيز ص 27، وتجريد العناية ص 24.
باب نواقض الوضوء
(1)
نواقضه: مفسداته، وهي ثمانية:
أحدها: الخارج من السبيلين مطلقًا
(2)
حتى الريح، ولو من قُبُل نصًّا
(3)
إلى ما هو في حكم الظاهر، ويلحقه حكم التطهير إلا ممن حدثه دائمٌ، ولا ينقُض يسير نجسٍ خرج من أحد فَرْجَيْ خُنْثَى مُشكّلٍ، غير بول وغائط.
الثاني: خروج نجاسةٍ من غيرهما، فإن كانت بولاً، أو غائطًا نقض مطلقًا، وإن كانت غيرهمالم ينقض إلا كثيرها
(4)
، وهو مَا فَحُشَ فِي نَفْسِ كل أحدٍ بحسبه، وعنه
(5)
في أَنفُسِ أوساط الناس، قال شيخنا: وهو أظهر
(6)
.
(1)
قال ابن قاسم في حاشية الروض المربع 1/ 239: «فنواقض الوضوء، هي العلل المؤثرة في إخراج الوضوء عما هو المطلوب منه، وفسره بالمفسدات؛ لأنه في الأصل من نقضت الشيء إذا أفسدته، فنواقض الوضوء مفسدات الوضوء، يعني مبطلات الفائدة المطلوبة منه، ويقال: النقض في الأصل حل المبرم، ثم استعمل في إبطال الوضوء بما عينه الشارع مبطلا، وحقيقة عرفية، ونواقضه أحداث، وأسباب، فالأحداث ما نقض الوضوء بنفسه، والأسباب ما كان مظنة؛ لخروجه، كالنوم، والمس» .
(2)
قال ابن هبيرة في الإفصاح 1/ 78: «أجمعوا على أن الخارج من السبيلين، ينقض الوضوء، سواء كان نادرا، أو معتادا، قليلاً كان، أو كثيرا، نجسا كان، أو طاهرا
…
». وينظر: الكافي 1/ 81، وعمدة الفقه ص 16، والعدة ص 40.
(3)
ينظر: المغني 1/ 125، والفروع 1/ 219، والإنصاف 1/ 195.
(4)
ينظر: المحرر 1/ 13، والمبدع 1/ 130.
(5)
ينظر: الفروع 1/ 222، والإنصاف 1/ 336.
(6)
ينظر: التنقيح ص 58، وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 167:
والدود من غير سبيل إن خرج
…
ينقض والنعمان قال: لا حرج
ولا ينقض بلغم معدة، وصدر، ورأس لطهارته، ولا جُشَاءٌ نصًّا
(1)
.
الثالث: زوال العقل، أو تغطيته بنومٍ، إلا يسيره عرفًا من قائمٍ
(2)
، وجالسٍ، ونوم من لم يغلب على عقله، ونوم النبي صلى الله عليه وسلم مطلقًا.
الرابع: مس ذكر آدمي
(3)
إلى أصول الأنثيين بيده مطلقًا فيهما، غير ظفر من غير حائلٍ
(4)
ولو بزائدٍ، خلا ظفره، وينقض مسه بفرج غير ذكر.
ولا ينقض مس بائنٍ، ومَحَلِّهِ وقُلْفَةٍ
(5)
، وفرج امرأة بائنين وملموس
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 38، وكشاف القناع 1/ 125، ومطالب أولي النهى 1/ 141.
(2)
ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 71، ومطالب أولي النهى 1/ 142. وحد اليسير:«مالم يحصل معه الاسترخاء فيسقط عن قيامه، أو ركوعه، أو يزول عن هيئة التجافي في سجوده، وعن مستوى جلوسه» ينظر: المستوعب 1/ 201.
(3)
سئل الشيخ عبد الله أبا بطين في الدرر السنية في الأجوبة النجدية 5/ 159: هل ينقض مس فرج الحيوان.
فأجاب: «لمس فرج الحيوان غير الآدمي، لا ينقض الوضوء، حيا، ولا ميتا، باتفاق الأئمة» ، ونقض الوضوء من مس الذكر، من مفردات المذهب قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 169:
وينقض الوضوء مس الذكر
…
بظاهر الكف وأكل الُجزُر
والحنفية يرون عدم النقض في مس الذكر. ينظر: بدائع الصنائع 1/ 30، والاختيار لتعليل المختار 1/ 10، ودرر الحكام 1/ 16.
والمالكية اختلفوا، وقد ذكر ابن عبد البر كما في الاسذكار 1/ 249:«والذي تقرر عليه المذهب عند أهل المغرب من أصحابه - أنه من مس ذكره، أمره بالوضوء ما لم يصل، فإن صلّى أمره بالإعادة في الوقت، فإن خرج الوقت فلا إعادة عليه» .
والشافعية يرون أن مس الذكر بباطن الكف ناقض للوضوء. ينظر: الأم 1/ 33، والحاوي الكبير 1/ 192، والمجموع 2/ 42.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 38، والروض المربع 1/ 37، وكشاف القناع 1/ 126.
(5)
القُلفة بالضم: الغرلة. وهي جلدة الذكر التي ألبستها الحشفة. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 6/ 415، ولسان العرب 9/ 290، والقاموس المحيط ص 846.
ذكره، أو فرجه، ولا مس غير فرج، ولا مسه بغير يد، ولا مس زائدٍ، فإذا لمس قُبُل خنثى مُشْكِل، وذكره حتى منه نقض، لا أحدهما إلا ما له منه لشهوة، وينقض مس حلقة دبر منه، أو من غيره
(1)
، وعنه لا، قال شيخنا: وهو أظهر
(2)
، ومس امرأة فرجها الذي بين شَفْرَيْهَا، وهو مخرج بولٍ ومنيٍ/ [10/ ب] وحيضٍ، لا شَفْرَيْهَا وهما اسْكَتَاهَا، أو فرج امرأةٍ أخرى، ومس رجل فرجها، وعكسه ولو من غير شهوة، إذ هما من قبيل مس فرج.
الخامس: مس بشرته بشرة أنثى من غير حائل، غير طفلة وعكسه لشهوة، ولو بزائدٍ، أو لزائد، أو شلاء، ولو كان الملموس ميتًا، أو عجوزًا، أو محرمًا، أو صغيرةً
(3)
، ولا ينتقض وضوء
ملموس بدنه ولو وجد منه شهوة، ولا مس شعر بظفر وأمرد
(4)
، ولا نقض بانتشار عن فكر، وفيه عن تكرار نظرٍ وجهان
(5)
.
السادس: غسل ميّت، أو بعضه، لا تيممه لتعذر غسلٍ نصًّا
(6)
.
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 38، والروض المربع 1/ 38، وكشاف القناع 1/ 128.
(2)
ينظر: التنقيح ص 58.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 39، وكشاف القناع 1/ 129.
(4)
الأمرد: الشاب الذي بلغ، ولم تبد له لحية. ينظر: المخصص 1/ 59، ودستور العلماء 1/ 113.
(5)
الوجه الأول: أنه لا ينقض الوضوء؛ لأنه لا نص فيه. ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 73، وكشاف القناع 1/ 129، وحاشية الروض المربع 1/ 253.
الوجه الثاني: أنه ينقض الوضوء، لأنه من جنس التوضؤ عند الغضب. ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 238، وحاشية الروض المربع 1/ 253.
(6)
ينظر: الكافي 1/ 92، والوجيز ص 28، وتجريد العناية ص 22، ومنتهى الإرادات 1/ 20.
السابع: أكل لحم جزورٍ تعبدًا، ولا ينقض شرب لبنها، وأكل كبدها، أو طحالها ونحوه،
(1)
ولا طعام محرم قال بعضهم
(2)
: أو نجس، وكل ما أوجب غسلاً كإسلامٍ، والتقاء ختانين، وانتقال مَنّي ونحوه، أوجب وضوءًا غير موتٍ.
الثامن: الردّة عن الإسلام بأن ينطق بكلمة الكفر، أو يعتقدها، أو يشكّ شكّا يخرجه عن الإسلام
(3)
.
ومن تيقّن الطهارة، وشكّ في الحدث وعكسه بنى على اليقين
(4)
، ولو عارضه ظن، أو شكّ، أو كان في غير صلاة فإن تيقنهما، وجهل أسبقهما فهو بضد حاله قبلهما، فإن جهل حاله قبلهما تطهّر، وإن تيقن فعلهما وجهل أسبقهما، فعلى مثل حاله قبلهما، وكذا لو عيَّن وقتًا لا يسعه، فإن جهل حالهما وأسبقهما، أو تيقن حدثًا وفعل طهارة فقط فعلى ضد حاله قبلهما، وإن تيقن حدثًا ناقضًا، وفعل طهارةٍ جهل حالها فمحدث
(5)
على أي حال كان قبلهما، وعكسها بعكسها قاله ابن تميم
(6)
فيهما، ومن توهّم حدثًا فتوضأ، ثم تحققه أعاد.
ومن أحدث حرم عليه صلاة، وطواف مطلقًا، ومس مُصحف وبعضه
(1)
ينظر: مختصر الخرقي ص 14، والكافي 1/ 85، وعمدة الفقه ص 17.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 39.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 91، والعدة ص 44، والشرح الكبير 1/ 192، والمبدع 1/ 144.
(4)
ينظر: مختصر الخرقي ص 14، والمغني 1/ 144، والإنصاف 1/ 221.
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 40، وكشاف القناع 1/ 133.
(6)
ينظر: مختصر ابن تميم 1/ 295.
من غير حائل
(1)
، ولو بغير يده حتى جلده وحواشيه، إلا بطهارة كاملة، ولو تيممًا سوى مس صغير لوحًا فيه قرآن، وما حَرُمَ بلا وضوء حَرُمَ بلا غسل، وله حمله/ [11/ أ] بعلاقته، وفي غلافه، وكُمه، وتصفحه به، أو عودٍ، ومسه من وراء حائل
(2)
كحمل رُقىً، وتعاويذ فيها قرآن، ومس تفسير، ومنسوخ تلاوته، ويحرم مسه بعضوٍ نجسٍ لا بغيره.
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 40، وكشاف القناع 1/ 134.
(2)
ينظر: الكافي 1/ 93، والمحرر 1/ 16، والفروع 1/ 242.
باب ما يوجب الغسل، وما يسن له، وصفته
وهو غسل جميع بدنه بماءٍ طهور على وجه مخصوص
(1)
، وموجبه ستة:
أحدها: خروج مَنِيٍّ من مخرجه، ولو دمًا دفقًا بلذة
(2)
، فإن خرج لغير ذلك من غير نائم ونحوه لم يوجب، وعنه
(3)
يوجب مالم يصر سلسًا
(4)
قاله القاضي وغيره
(5)
، فيجب الوضوء فقط كمستحاضة.
وإن انتبه بالغ، أو من يمكن بلوغه كابن عشر، ووجد بللاً جهل كونه منيًّا بلا سبب تقدم نومه وجب الغسل
(6)
، كتيقنه، وغسل ما أصابه من بدنٍ، وثوبٍ، وإن تيقنه مذيًا
(7)
لم يجب غُسل، ولا يجب لحلمٍ بلا
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 42، والروض المربع 1/ 40، وشرح منتهى الإرادات 1/ 79.
(2)
المني: هو الماء الأبيض الغليظ الدافق، الذي يخرج بلذة عند اشتداد الشهوة، ويكون منه الولد- بإذن الله- ويجب منه الغسل، ومني المرأة: رقيق أصفر. ينظر: غريب الحديث للخطابي 3/ 222، والمغني 1/ 146.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 197، والمبدع 1/ 150، والإنصاف 1/ 227.
(4)
السلس: استرسال البول، وعدم استمساكه. ينظر: مفاتيح العلوم 1/ 189، ومختار الصحاح ص 152، والمطلع ص 60.
(5)
ينظر: المبدع 1/ 151، والإنصاف 1/ 227.
(6)
ينظر: المبدع 1/ 151.
(7)
المذي: هو ماء رقيق يضرب لونه إلى البياض يخرج من رأس الإحليل بعقب شهوة والمذي يشدد ويخفف والتخفيف فيه أكثر يقال: مذى الرجل وأمذى إذا سال ذلك منه. ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 30، وإصلاح غلط المحدثين ص 23، وغريب الحديث للخطابي 3/ 222.
بللٍ نصًّا
(1)
.
فإن انتبه ثم خرج وجب، وإن وجده في ثوبٍ ينام وغيره فيه فلا، وكذا إن سمع ريحًا من أحدهما لا يعلم عينه، لم تجب الطهارة على واحدٍ منهما، ولا يأتم أحدهما بالآخر، ولا يصافه فيهما
(2)
.
قال أحمد في رجلين أمَّ أحدهما صاحبه فسمعا صوت ريح كل واحدٍ منهما، ويقول ليست مني قال: يعيدان الوضوء، والصلاة، فالوضوء استحبابًا على الأظهر، وإعادة الصلاة وجوبًا؛ لفساد صلاة كل واحدٍ منهما باعتقاده إلى قوله
(3)
.
وإن أحس بانتقاله فأمسك ذكره فلم يخرج وجب نصًّا
(4)
، ولو امرأة، وكذا انتقال حيضٍ، قاله أبو العباس
(5)
ويثبت به حكم بلوغٍ، وفطرٍ وغيرهما، فإن خرج بعد الغسل لم يجب إن وجب بالانتقال، وإلا وجب، أو خرجت بقية مني اغتسل له لم يجب، وكذا لو جامع فلم ينزل واغتسل،
(1)
ينظر: الفروع 1/ 255، والإقناع 1/ 43، وكشف المخدرات 1/ 72.
(2)
ينظر: المبدع 1/ 146، والروض المربع 1/ 39.
(3)
ينظر: المغني 2/ 78.
(4)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 199، والمبدع 1/ 151، والإنصاف 1/ 230، ودليل الطالب 1/ 16. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 175:
ويجب الغسل على من انتقل
…
منيه في أنثييه قد حصل
حين أراد الدفق أمسك ذكره
…
بذاك نص جاء حرب ذكره
(5)
نقل ذلك عنه ابن مفلح في الفروع 1/ 254.
ثم خرج لغير شهوة.
وإن/ [11/ ب] خرج منيُّه من فرجها فلا غسل، ويكفي وضوءٌ نصًّا
(1)
، وإن دَبَّ مَاؤُهُ إلى فرجها فلا غسل بدون إنزال
(2)
.
الثاني: تغيب حشفةٍ أصليةٍ، أو قدرها إن فقدت، في فرج أصلي مطلقًا بلا حائل
(3)
، ولو مجنونًا، أو نائمًا، بأن أدخلتها المرأة في فرجها منهما ولو غير بالغٍ نصًّا
(4)
فاعلاً، ومفعولاً يجامع مثله فيلزمه غسلٌ، ووضوءٌ بموجباته إذا أراد ما يتوقف على غسلٍ، أو وضوءٍ لغير لبثٍ بمسجدٍ، أو مات قبل غسله شهيدًا، ولا يجب غسلٌ بغير تغييبها كالتصاق ختانيهما، أو سحاقٍ
(5)
بلا إنزال
(6)
.
الثالث: إسلام كافرٍ مطلقًا ولو مميزًا
(7)
، ووقت وجوبه عليه كالذي قبله.
وقال أبو بكر: لا غسل عليه، إلا إذا وجد منه في حال كفره ما يوجبه فيجب إلا حائضًا، ونفساء اغتسلتا لزوجٍ، أو سيد مسلم.
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 43، وكشاف القناع 1/ 142.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 219.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 43، وشرح منتهى الإرادات 2/ 653.
(4)
ينظر: الفروع 1/ 256، ومنتهى الإرادات 1/ 22.
(5)
السحاق: إتيان المرأة المرأة، يقابله لواط عند الرجال ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة 2/ 1042.
(6)
ينظر: الإقناع 1/ 44، وكشاف القناع 1/ 143.
(7)
ينظر: الروض المربع 1/ 41، وكشف المخدرات 1/ 74، ومطالب أولي النهى 1/ 167.
الرابع: الموت تعبدًا لا عن حدث
(1)
، ولا نجس غير شهيد معركة، ومقتول ظلمًا ويأتي
(2)
.
الخامس: خروج حيض
(3)
.
والسادس: نفاسٌ، ولا يجب بولادة عرية عن دم
(4)
، ولجنبٍ ونحوه، لا كافرٍ ولو رجي إسلامه نصًّا قراءة بعض آيةٍ ولو كرر مالم يتحيل على قراءةٍ تحرم عليه.
قال شيخنا: «مالم تكن طويلةً، وله قول ما وافق قرآنًا ولم يقصده نصًّا
(5)
»، وقراءة مالم يجزئ في صلاةٍ لإسراره وذكرٍ، وله العبور في مسجدٍ.
ويحرم عليه وعلى حائضٍ، ونفساء انقطع دمهما لبثٌ فيه، ولو مصلّى عيد، إلا أن يتوضؤوا، فلو تعذر، واحتاج إليه جاز من غير تيممٍ نصًّا
(6)
؛ ويتيمم؛ لأجل لبثه فيه لغسل، ويمنع منه مجنون، وسكران، ومن عليه نجاسةٌ تتعدى
(7)
.
(1)
ينظر: المحرر 1/ 17، والوجيز ص 29، والمبدع 1/ 157.
(2)
في كتاب الجنائز في فصل تغسيل الميت. لوح رقم (62/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [324].
(3)
ينظر: المحرر 1/ 17، والوجيز ص 29، والفروع 1/ 259.
(4)
ينظر: المحرر 1/ 17، وشرح الزركشي 1/ 290، والمبدع 1/ 158.
(5)
ينظر: الفروع 1/ 261، والإنصاف 1/ 244، والتنقيح ص 61، ومنتهى الإرادات 1/ 23.
(6)
ينظر: الإنصاف 1/ 246، والإقناع 1/ 46، ومنتهى الإرادات 1/ 23، وكشاف القناع 1/ 148.
(7)
ينظر: الروض المربع 1/ 42، وشرح منتهى الإرادات 1/ 83.
فصل
ويسن غُسلٌ لاسيما لصلاة جمعة لحاضرها في يومها إن صلّى، والأفضل عند مضيه إليها عن جماعٍ نصًّا
(1)
، لا لامرأةٍ وهو آكدها
(2)
، وعيد في يومها لحاضرها إن صلّى ولو وحده، وكسوف، واستسقاء، ومن غسل ميتٍ ولجنونٍ، وإغماءٍ بلا حلمٍ، واستحاضةٍ
(3)
، وإحرام ولو حائضًا، ونفساء ويأتي
(4)
.
ودخول مكة، أو حرمها نصًّا
(5)
، ووقوفٌ بعرفة
(6)
، ومبيتٌ بمزدلفة
(7)
، ورمي جمارٍ،/ [12/ أ] وطواف زيارةٍ، ووداعٍ، ويتيمم للكل لحاجةٍ، ولما يُسن الوضوء له لعذرٍ وهو ضربان:
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 46، ومنتهى الإرادات 1/ 23، وكشاف القناع 1/ 149.
(2)
ينظر: المبدع 1/ 163، ودليل الطالب 1/ 18، وشرح منتهى الإرادات 1/ 83.
(3)
الاستحاضة: سيلان الدّم في غير وقته من أدنى الرحم. ينظر: المطلع ص 57، ومعجم اللغة العربية 1/ 594.
(4)
في باب الإحرام. لوح رقم [103/ أ] من المخطوط في الصفحة رقم [465].
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 47، ومنتهى الإرادات 1/ 23، وكشاف القناع 1/ 151.
(6)
عرفة، وعرفات: موضع بمكة، قيل سميت عرفة؛ لأن الناس يتعارفون به، وقيل: لأن جبريل عليه السلام طاف بإبراهيم صلى الله عليه وسلم، فكان يريه المشاهد، فيقول له: أعرفتَ؟ أعرفتَ؟ فيقول إبراهيم: عرفتُ عرفتُ، وقيل: لأن آدم صلى الله عليه وسلم لما هبط من الجنة، وكان من فراقه حواء ما كان فلقيها في ذلك الموضع عرفها، وعرفته، وهي تمتد من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبالها إلى قصر آل مالك ووادي عرفة، وبها الآن معالم تبين حدودها من كل جانب. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 2/ 113، ومعجم البلدان 4/ 104.
(7)
سمي المزدلفة؛ لاقترابهم إلى منى بعد الإفاضة من عرفات. ويقال: سميت مزدلفة؛ لأنها منزلة، وقربة من الله عز وجل. ينظر: غريب الحديث للخطابي 2/ 24، والمصباح المنير 1/ 154.
كامل وصفته أن ينوي، ويسمي كما تقدم في وضوءٍ
(1)
، ويغسل يديه ثلاثًا قبله، ويغسل ما به من أذىً والوضوء كاملاً، ويحثي على رأسه ثلاثًا يروي بكل مرةٍ أصول شعره، ويفيض الماء على سائر جسده ثلاثًا، ويتيامن ويدلك بدنه بيديه، ويعيد غسل قدميه بمكانٍ آخر، ويكفي فيه الظن في الإسباغ
(2)
.
وتسن موالاةٌ، فإن فاتت جدّد لإتمام نيةٍ، وسدرٍ في غسل كافرٍ أسلم كإزالة شعره، وحائضٍ طهرت وأخذها مسكًا فتجعله في قطنة، أو غيرها بعد غسلها، فإن لم تجد فطيبًا، فإن تعذر فطينًا.
ومجزئ وهو غسل ما به من نجاسةٍ، أو غيرها تمنع وصول الماء إلى البشرة، وإلاّ صح، ونية وتعميم بدنه بغسلٍ حتى فمٍ، وأنفٍ كوضوءٍ، وباطن شعرٍ، وظاهره مع نقضه لغسل حيضٍ
(3)
، لا جنابةٍ نصًّا فيهما
(4)
، وحشفة أقلفٍ، إن أمكن تَشْمِيرُهَا وما يظهر من فرجها عند قعودها لقضاء حاجتها، لا ما أمكن من داخله ولا داخل عين.
ويسن وضوءه بمدٍ
(5)
، وهو مئة وأحدٌ وسبعون درهمًا، وثلاثة أسباع
(1)
في باب فروض الوضوء. لوح رقم [8/ ب] من المخطوط في الصفحة رقم [123].
(2)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 213، والمبدع 1/ 166، والإنصاف 1/ 252.
(3)
والحكم من مفردات المذهب قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 177:
والظفر في غسل المحيض ينقض
…
في النص والشيخان هذا نقضوا
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 48، ومنتهى الإرادات 1/ 24.
(5)
المد بالضم هو: مكيال ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما، ومد يده بهما، وبه سمي مدا، ينظر: القاموس المحيط ص 318، وتاج العروس 9/ 159.
درهمٍ، ومئة وعشرون مثقالاً، ورطل وثلث عراقي، وما وافقه، ورطل وسبع رطل، وثلث سبع رطلٍ مصريٍ، وما وافقه
(1)
، وثلاث أواقٍ، وثلاثة أسباع أوقيةٍ حلبيةٍ، وما وافقه، وأوقيتان وأربعة أسباع أوقية قدسية، وما وافقه.
وغُسلُه بصاعٍ، وهو ستمئةٍ وخمسة وثمانون درهمًا، وخمسة أسباع درهم، وأربعمئةٍ وثمانون مثقالاً، وخمسة أرطالٍ وثلث رطلٍ عراقيٍ بالبر الرَّزِينِ نص عليهما
(2)
، وأربعة أرطالٍ، وخمسة أسباع رطلٍ، وثلث سبع رطل مصري، ورطل، وسبع رطل دمشقي، وإحدى عشرة أوقية، وثلاثة أسباع أوقية حلبية، وعشر أواقٍ، وسبعا أوقيةٍ قدسيةٍ.
قال شيخنا
(3)
: وهذا ينفعك هنا، وفي الفطرة، والفدية، والكفارة وغيرهما.
فإن أسبغ بدونهما أجزأه، ولم يكره بل الإسراف/ [12/ ب] فيه، وإذا اغتسل ينوي الطهارتين للحدثين، أو رفع الحدث، أو استباحة الصلاة، أو أمرًا لا يباح إلا بوضوءٍ، وغسل أجزأ عنهما، وأسقط الترتيب، والموالاة نصًّا
(4)
.
ويستحب لكلٍ من جنبٍ ـ ولو أنثى ـ وحائضٍ، ونفساء انقطع
(1)
قال الحجاوي في حاشية التنقيح ص 62: «ولو قال رطل، وأوقيتان، وسبعا أوقية مصري، لكان أبين وأحسن وأخصر» .
(2)
ينظر: المبدع 2/ 338، والإقناع 1/ 48، وكشاف القناع 1/ 155.
(3)
المراد به المرداوي. ينظر: مطالب أولي النهى 1/ 184.
(4)
ينظر: المبدع 1/ 173، والإقناع 1/ 49، ومنتهى الإرادات 1/ 25، وكشاف القناع 1/ 156.
دمهما، إذا أرادوا
(1)
النوم، أو الأكل، أو الشرب، أو الوطء ثانيًا، أن يغسل فرجه، ويتوضأ، لكن الغسل للوطء أفضل، ويأتي
(2)
، ولا يضر نقضه بعد ذلك
(3)
.
ويكره تركه لنومٍ فقط، وبيع الحمَّام، وإجارته، وبناؤه مكروهٌ نصًّا
(4)
، وله دخوله بإزارٍ، إن أمن وقوع محرمٍ، فإن خافه كُره، وللمرأة دخوله لعذرٍ، وإلا حَرم نصًّا
(5)
، وتُكره القراءة فيه نصًّا
(6)
ولو خفض صوته، والسّلام
(7)
، ولا بأس بالذّكر
(8)
.
(1)
في المخطوط (إذا أرادا) ولعله خطأ من الناسخ لأن المراد الجنب، والحائض، والنفساء.
(2)
لعله في باب عشرة النساء ولم يصل إليه المؤلف رحمه الله.
(3)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 343، والمغني 1/ 168، والشرح الكبير 1/ 226.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 49، ومنتهى الإرادات 1/ 25، وكشاف القناع 1/ 158.
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 49، ومنتهى الإرادات 1/ 25، وكشاف القناع 1/ 158.
(6)
ينظر: الإقناع 1/ 50، ومنتهى الإرادات 1/ 25، وكشاف القناع 1/ 159.
(7)
المراد: ابتداء، وردًا.
(8)
ينظر: الإقناع 1/ 49، وكشاف القناع 1/ 159، وكشف المخدرات 1/ 78.
باب شروط
(1)
التيمم
(2)
، وفرضه، وصفته
وهو استعمال ترابٍ مخصوصٍ في وجهٍ، ويدين، بدل عن طهارة ماءٍ حضرًا، وسفرًا ولو قريبًا، لكل ما يفعل به عند العجز عنه شرعًا
(3)
، سوى جنبٍ، وحائضٍ، ونفساء انقطع دمهما في مسألة تقدمت في الباب قبله
(4)
، ونجاسة على غير بدنٍ يجوز بشرطين:
أحدهما: دخول وقت ما يتيمم له، فلا يصح لفرضٍ حاضرٍ قبل وقته
(5)
، ولا لنفلٍ في وقتٍ نهي عنه
(1)
الشرط لغة: العلامة، ومنه قوله تعالى:{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} سورة محمد: آية رقم (18)، أي: علاماتها. ينظر: الصحاح 3/ 1136، ومقاييس اللغة 3/ 260، والمحكم والمحيط الأعظم 8/ 13.
والشرط اصطلاحا: هو ما يلزم من عدمه عدم المشروط، ولا يلزم من وجوده وجود المشروط، ولا عدمه لذاته.
وهو عقلي، ولغوي، وشرعي، فالعقلي: كالحياة للعلم، واللغوي: كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، والشرعي كالطهارة للصلاة. ينظر: قواطع الأدلة في الأصول 1/ 100، وروضة الناظر 1/ 84، والفروق للقرافي 1/ 60، والمطلع ص 72.
(2)
التيمم لغة: القصد. ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ} سورة البقرة آية (267) أي: لا تقصدوا الخبيث. ينظر: شرح الزركشي 1/ 323، والمبدع 1/ 177، والزاهر في معاني كلمات الناس 1/ 41.
(3)
ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 89، وكشف المخدرات 1/ 80، ومطالب أولي النهى 1/ 189.
(4)
في باب ما يوجب الغسل. لوح رقم [13/ أ] من المخطوط في الصفحة رقم [139].
(5)
هنا فيه إشكّال فكيف يكون حاضرا قبل وقته، فلو حذف كلمة (حاضر) لكان أولى.
نصًّا
(1)
، ويصح لفائتةٍ إذا ذكرها وأراد فعلها، ولكسوفٍ عند وجوده، واستسقاءٍ إذا اجتمعوا، وجنازةٍ إذا غسّل الميت، أو يمم، ولعيدٍ إذا دخل وقته، ولمنذورة كل وقتٍ، ولنفلٍ عند جواز فعله.
الثاني: العجز عن استعماله فيصح؛ لعدمه بحبسٍ، أو غيره، ولعجز مريضٍ عن الحركة، وعن من يُوَضِّئُهُ إذا خاف فوت الوقت إن انتظر من يوضئه، وعن الاغتراف ولو بفمه، أو لخوف ضررٍ، واستعماله في يدٍ تضمن جرح، أو بردٍ شديدٍ يخاف منه نزلةً، أو مرضًا ونحوه، بعد غسل ما يمكنه
(2)
، وتعذر إسخانه، أو بقاء شَيْنٍ
(3)
، أو مرضٍ يخشى زيادته، أو تطاوله،
ولفوات مطلوبه، أو عطشٍ يخافه على نفسه، أو رفيقه المحترم، ويلزمه بذله له، أو خشية على نفسه، أو ماله في طلبه خوفًا محققًا، لا جبنًا، أو خافت/ [13/ أ] امرأةٌ فُسّاقًا نصًّا
(4)
، وبكونه لا يحصل إلا بزيادةٍ كثيرة على ثمن مثله عادةً في مكانه، ويلزمه شراؤه بثمن مثله، وزيادة يسيرة
(5)
، لا بثمن يعجز عنه، أو يحتاجه لنفقة ونحوها، وحبلٍ، ودلوٍ كماء، ويلزمه قبولهما عاريّةً، وقبول ماء قرضًا، وكذا ثمنه، وله ما يوفيه لا طلب اقتراضٍ، ويلزمه قبوله هبةً
(6)
لا ثمنه ولا شراؤه بدينٍ في ذمته مطلقًا.
فإن كان بعض بدنه جريحًا ونحوه وتضرر تيمم له، ولما يتضرر
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 50، ومنتهى الإرادات 1/ 26، وكشاف القناع 1/ 161.
(2)
ينظر: الكافي 1/ 123، وعمدة الفقه ص 17، والمبدع 1/ 178.
(3)
الشين هو: أن يخاف بقاء تشوه العضو، باستعمال الماء في بدنه. ينظر: الفروع 1/ 275.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 52، ومنتهى الإرادات 1/ 27.
(5)
ينظر: الفروع 1/ 278، والإقناع 1/ 52.
(6)
ينظر: الإنصاف 1/ 270، ومطالب أولي النهى 1/ 195.
بغسله مما قرب منه، فإن عجز عن ضبطه لزمه أن يستنيب إن قدر، وإلا كفاه التيمم، فإن أمكن مسحه بالماء وجب وأجزأه نصًّا
(1)
.
وإن لم يمكنه التيمم عليه صلّى على حسب حاله بلا إعادةٍ، وإن كان الجرح في بعض أعضاء الوضوء لزمه مراعاة ترتيبٍ، وموالاة في وضوءٍ فيتيمم له عند غسله لو كان صحيحًا
(2)
.
ويبطل وضوؤه بخروج وقتٍ، فيعيد غسل الصحيح إذًا، ويتيمم، وقيل: لا يلزمه
(3)
.
قال المنُقِّح
(4)
: وهو أظهر.
وإن وجد ما يكفي بعض بدنه استعمله مطلقًا، ثم تيمّم للباقي
(5)
.
ومن عدم الماء لزمه طلبه في رَحلِه، ومن رفيقه، وسؤاله عن موارده، وفيما قرب منه عادةً
(6)
.
قال بعضهم
(7)
: إلى ثلاثة أميالٍ فما دونها نصًّا
(8)
، إذا خوطب
(1)
ينظر: الإنصاف 1/ 272، والإقناع 1/ 52، ومنتهى الإرادات 1/ 27، وكشاف القناع 1/ 166.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 287، والإنصاف 1/ 272، والإقناع 1/ 52.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 287، والمبدع 1/ 184.
(4)
ينظر: التنقيح ص 64.
(5)
ينظر: الوجيز ص 31، وكشاف القناع 1/ 166.
(6)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 249، والفروع 1/ 279، والمبدع 1/ 185.
(7)
لم أجد من قال بذلك من الفقهاء.
(8)
الميل: هو من الأرض قدر منتهى مد البصر، وكل ثلاثة أميال فرسخ، والميل الشرعي الهاشمي ألف باع، والباع قدر مد اليدين، ويساوي (1848) مترا، وقيل:(1680) مترا. ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 373، والمقادير الشرعية ص 301.
بالصلاة ولم يتحقق علامة، ومن خرج إلى أرض لحرثٍ، أو صيدٍ ونحوه، حمله نصًّا إن أمكنه
(1)
، وتيمم إن فاتت حاجته برجوعه، ولا يعيد فيهما.
ومن أراق الماء في الوقت، أو مر به فيه، وأمكنه الوضوء، زاد بعضهم ويعلم أنه لا يجد غيره، أو باعه فيه، أو وهبه حَرُم
(2)
ولم يصحا، أولم يقبله هبة فتلف الماء وتيمم وصلّى في الجميع صح، ولم يعد.
وإن نسي الماء، أو جهله بموضعٍ يمكنه استعماله وتيمم، لم يجزئه، ويتيمم لجميع الأحداث، ولنجاسةٍ على جرحٍ وغيره على بدنه فقط تضره إزالتها، أو لعدم، ولا إعادة بعد أن يخفف منها ما أمكنه لزومًا.
وإن/ [13/ ب] تيمم في حضر خوفًا من بردٍ وصلّى، فلا إعادة.
وعنه
(3)
يعيد، والثانية فرضه، وكذا لو عدم ماءً، وترابًا، أولم يمكنه استعماله؛ لمانعٍ يصلي فرضًا فقط على حسب حاله، ولا إعادة
(4)
ولا يزيد هنا في قراءة، وغيرها على ما يجزئ، ولا يؤم مُتطهرًا بأحدهما قاله ابن حمدان
(5)
.
(1)
ينظر: الإنصاف 1/ 285، والإقناع 1/ 55/ وشرح منتهى الإرادات 1/ 97.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 282/ ودليل الطالب 1/ 19، ومنار السبيل 1/ 46.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 124، والفروع 1/ 293.
(4)
ينظر: الكافي 1/ 131، والمغني 1/ 184، ومطالب أولي النهى 1/ 207. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 183:
وعند فقد الماء والتراب
…
صل ولا تعد كذا جوابي
(5)
لم أجده في الرعاية الصغرى ولعله في الكبرى.
ولا يقرأ في غير صلاةٍ إن كان جنبًا ونحوه.
ولا يصح التيمم إلا بترابٍ طهور
(1)
، مباحٍ، غير محترقٍ، له غبار يَعْلَقُ بيديه، ولو على لَبَد، أو غيره حتى مع وجود ترابٍ.
فإن خالطه ذو غبارٍ لا يصح التيمم به فهو كالماء إذا خالطته الطاهرات، وما تيمم به كماءٍ مستعملٍ
(2)
، ولا بأس بما تيمم منه، فإن لم يجد إلا طينًا لم يستعمله، وصلّى على حسبه، وإن أمكن تجفيفه والتيمم به في الوقت لزمه، وإن وجد ثلجًا وتعذر تذويبه لزمه مسح أعضاء وضوئه، ويعيد.
فصل
ومن شروطه النية فينوي استباحة ما لا يباح إلا به، فإن نوى رفع الحدث، لم يجزئه
(3)
.
ومن فرائضه مسح جميع وجهه سوى ما تحت شعر مطلقًا، ومضمضة، واستنشاق، بل يكرهان، وإن نوى وأمرَّ وجهه على ترابٍ، أو صَمَّدَهُ
(4)
للريح فعمّه التراب ومسحه به صح، لا إن سَفَّتْهُ ريحٌ قبل النية فمسحه به ويديه إلى كوعيه، وتسمية كوضوءٍ، وترتيبٍ، وموالاة في غير
(1)
ينظر: الفروع 1/ 296، والإقناع 1/ 54.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 296، والإقناع 1/ 55، وكشاف القناع 1/ 173.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 121، والمغني 1/ 185، والشرح الكبير 1/ 260.
(4)
أي: نصب المحل الذي يمسح في التيمم. ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 98، ومطالب أولي النهى 1/ 211.
حدثٍ أكبر، وهي بقدرها في وضوءٍ، قاله الْمُوَفَّق وغيره
(1)
.
ويجب تعيين النية لما يتيمم له من حدثٍ، أو غيره، كنجاسةٍ على بدنه، فإن نوى جميعها صح، وأجزأه، وإن نوى أحدهمالم يجزئه عن الآخر نصًّا
(2)
، ولو تنوعت أسباب أحد الحدثين ونوى أحدهما أجزأ عن الجميع
(3)
.
ومن نوى شيئًا استباحه، ومثله ودونه، لا أعلى منه، فإن نوى نفلاً، أو أطلق النية للصلاةلم يصل إلا نفلاً، وإن نوى فرضًا فعله ومثله كمجموعة، وفائتة، ودونه، فأعلاه فرض عين، فنذر كفاية، فنافلة، فطواف نفل، فمس مُصحفٍ،/ [14/ أ] فقراءة، فلبث.
ويبطل تيممٌ بخروج وقتٍ نصًّا
(4)
، حتى من جنبٍ لقراءةٍ، ولبثٍ في مسجدٍ، وحائض لوطء، ولطواف، ونجاسة، وجنازة، ونافلة ونحوه، مالم يكن في صلاة جمعة، فيلزم من تيمم لقراءةٍ، ووطء ونحوه الترك.
ولو نوى الجمع في وقت الثانية، ثم تيمّم لها في وقت الأولى لم يبطل بخروجه، ووجود ماءٍ لعادمه، وزوال عذرٍ مبيحٍ له، ثم إن وجده بعد صلاته، أو طوافه لم تجب إعادة، وإن وجده فيها بطلت، ووجبت الإعادة.
وعنه لا
(5)
فيمضي فيها وجوبًا، وعليها إن عيَّن نفلاً أتمه، وإلا لم
(1)
ينظر: الكافي 1/ 121، والمغني 1/ 185، والشرح الكبير 1/ 260.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 260، والمبدع 1/ 192، والإنصاف 1/ 290، ومنتهى الإرادات 1/ 29.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 261، والمبدع 1/ 194، والإقناع 1/ 56.
(4)
ينظر: المغني 1/ 194، والفروع 1/ 306، والمبدع 1/ 196، ومنتهى الإرادات 1/ 29.
(5)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 273، والمبدع 1/ 197، والإنصاف 1/ 298.
يزد على أقل الصلاة، فإذا فرغ بطل تيممه.
ولو عدم الماء فيها كالمذهب، وعليها أيضًا إن وجده في صلاةٍ على ميتٍ في تيممٍ بطلت الصلاة، وأعيدت بعد غسله.
ومبطلات وضوءٍ إذا تيمم له
(1)
، وغسل بما يوجبه إلا غسل حيضٍ، ونفاسٍ إذا تيممت
(2)
لهما، فلا يبطل بمبطلات غسلٍ، ووضوءٍ، بل بوجود حيضٍ، ونفاسٍ فلو تيممت للحيض، ثم أجنبت، فله الوضوء
(3)
؛ لبقاء حكمه.
وإن تيمّم وعليه ما يجوز المسح عليه ثم خلعه، بطل تيممه نصًّا
(4)
.
ويستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت، كمن يعلم، أو يرجو وجود الماء، أو يستوي عنده الأمران، فإن تيمم وصلّى أَوَّل الوقت، أجزأه
(5)
.
وصفته المسنونة أن ينوي استباحة ما يتيمم له، ثم يسمي، ويضرب يديه مُفَرَّجَةً على تراب، أو طاهر من لَبَدٍ وغيره، فيه غبار، ضربة واحدة
(6)
(1)
ينظر: العدة ص 50، والشرح الكبير 1/ 269.
(2)
في المخطوط (إذا تيمم) والصواب ما أثبت. ينظر: الإقناع 1/ 57، وكشاف القناع 1/ 178.
(3)
في المخطوط (فله الوضوء) والصواب ما أثبت. ينظر: المغني 1/ 197، والشرح الكبير 1/ 261، والفروع 1/ 310.
(4)
ينظر: الوجيز ص 30، والإنصاف 1/ 298، والإقناع 1/ 57، ومنتهى الإرادات 1/ 29.
(5)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 400، ومختصر الخرقي ص 15، والكافي 1/ 126.
(6)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 180:
وضربة تسن للتيمم
…
للوجه والكفين فيما قد نمي
بعد نزع خاتم إن كان، فيمسح وجهه بباطن أصابعه، ثم كفيه براحته نصًّا
(1)
.
وإن مسح بضربتين جاز
(2)
، وكذا كيفما مسح بعد استيعاب ما مسح.
وقال القاضي: الضربة مجزية، والأفضل اثنتان
(3)
، واحدة لوجهه، والأخرى ليديه إلى المرفقين، ويمسح إحدى الراحتين بالأخرى، ويخلل الأصابع، ولا يسن تكراره، ومن حبس، أو قطع عدو ماء عن بلده وعُدم، صلّى بالتيمّم، ولا إعادة.
ولا يصح تيممٌ لخوف فوت جنازةٍ، وعنه بلى
(4)
إن خاف فوتها مع الإمام.
ولا مكتوبة إلا إذا وصل مسافر إلى ماءٍ وقد ضاق الوقت، أو علم أن النَّوبة لا تصل إليه إلا بعده
(5)
، أو علمه/ [14/ ب] قريبًا، أو دلّه ثقةٌ وخاف فوت الوقت، أو دخول وقت الضرورة.
وإن اجتمع جُنبٌ، وميتٌ، ومن عليها غُسل حيضٍ، وبذل ما يكفي
(1)
هكذا في المخطوط (براحته) ولعل الصواب براحتيه. ينظر: المحرر 1/ 21، والشرح الكبير 1/ 276، والفروع 1/ 298، والإقناع 1/ 59، ومنتهى الإرادات 1/ 30.
(2)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 376، والمغني 1/ 179، وعمدة الفقه ص 17.
(3)
نقل عنه كل من صاحب المحرر 1/ 21، وشرح الزركشي 1/ 338، والإنصاف 1/ 301.
(4)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله 1/ 38، والمغني 1/ 196، والشرح الكبير 1/ 279، وحاشية الروض المربع 1/ 313.
(5)
ينظر: الفروع 1/ 291، والمبدع 1/ 202، والإنصاف 1/ 305.
أحدهم، أو نذره، أو وصّى به لأولادهم به، أو وقفه عليه فلميّت
(1)
، فإن كان ثوبًا صلّى فيه حي، ثم كفن به، وحائضٌ أولى من جنبٍ، وهو أولى من محدثٍ، ومن كفاه وحده منهما، أولى ومن عليه نجاسة أولى من الجميع، ويقدم ثوبًا على بدن، ويقدم على غسلها، غسل طيب محُرِم، ويُقرع مع التساوي، وإن تطهر به غير الأَولى، أساء وصحت
(2)
.
(1)
ينظر: المغني 1/ 202، والشرح الكبير 1/ 280، وكشاف القناع 1/ 180.
(2)
ينظر: الإنصاف 1/ 307، والإقناع 1/ 58.
باب إزالة النجاسة الحكمية
(1)
لا تحصل إزالتها بغير ماءٍ طهورٍ، ويطهر ما تنجس بكلبٍ، وخنزيرٍ، ومتولدٍ من أحدهما، على غير أرضٍ ونحوها على ما يأتي بسبع غسلاتٍ منقية تعبدًا إحداهن بالتراب
(2)
والأُولى أَولى
(3)
.
وتطهر سائر المتنجسات بسبعٍ منقيةٍ
(4)
، ولا يشترط ترابٌ.
وقيل: بلى
(5)
في غير محل استنجاء نصًّا
(6)
، فإن لم ينق بها زاد حتى ينقي.
ولا يضر بقاء لونٍ، أو ريحٍ، أو هما عجزًا ويطهر، فيجب الحت،
(1)
أي الطارئة على عين طاهرة، ويمكن تطهيرها. وسميت حكمية؛ لأنها لا تدرك بحاسة من الحواس الخمس، وأخرج بالحكمية العينية التي لا يمكن تطهيرها بحال، وهي كل عين يابسة كانت، أو رطبة يمنع منها الشرع، بلا ضرورة لا لأذى فيها طبعا، ولا لحق الله، أو غيره شرعا، كالبول، والعذرة.
وسميت عينية؛ لأنها تدرك بحاسة البصر. ينظر: المستوعب 1/ 313، وشرح منتهى الإرادات 1/ 102، وحاشية الروض 1/ 60.
(2)
ينظر: عمدة الفقه ص 13، والعدة شرح العمدة ص 16، والشرح الكبير 1/ 284.
(3)
ينظر: التنقيح ص 67، والإقناع 1/ 58، والروض المربع 1/ 50.
(4)
والرواية الأخرى التي رجحها الْمُوَفَّق في المغني أنه لا يجب فيه عدد، اعتمادا على أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، لا في قوله ولا في فعله. ينظر: المغني 1/ 40.
(5)
ينظر: المستوعب 1/ 347، والفروع 1/ 317، والتنقيح ص 67.
(6)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 30، وكشاف القناع 1/ 183.
والفرك إن لم تزل بدونهما.
قال في التلخيص
(1)
وغيره: إلا أن يتضرر المحل بهما فلا.
ويضر بقاء طعمٍ، ويغسل ما نجس ببعض الغسلات بعدد ما بقي بعد تلك الغسلة بتراب إن لم يكن استعمل في الأصل حيث اشترط، ويحسب العدد من أَوَّل غسلة، ولو كانت النجاسة عينية، ولا يتعين التراب، بل يجزئ عنه أشنان
(2)
ونحوه ولو كان موجودًا، ثم إن كان
المحل مما تشرّب نجاسات يمكن عصره وجب كل مرة، ولا يكفي تجفيفه بدل العصر، وإن لم يمكن كَالزُّلَالِيِّ
(3)
ونحوه، فَبِدَقِّهَا، أو دوسها وتقليبها، أو تثقيلها بما يفصل الماء عنها، وإن كان صقيلاً
(4)
، كسيفٍ، وسكين ونحوهمالم يطهر بمسحه، بل بغسله، فلو قطع به قبل غسله بما فيه بلل كبطيخٍ ونحوه نجس، وإن كان رطبًا لا بلل فيه كجبنٍ ونحوه فلا بأس به.
ولو عصر الثوب في ماءٍ راكدٍ ولم يرفعه منه/ [15/ أ] لم يطهر في
(1)
نقل عنه كل من صاحب الفروع 1/ 324، والإقناع 1/ 59، وكشاف القناع 1/ 185.
(2)
الأشنان بالضم والكسر: نبت معروف، تغسل به الثياب، والأيدي، والضم أعلى، نافع للجرب، والحكة، جلاء، منق، مدر للطمث، مسقط للأجنة. ينظر: القاموس المحيط 1/ 1176، وتاج العروس 34/ 180. ولأنها أبلغ منه في الإزالة، فنصه على التراب تنبيه عليها، والوجه الآخر في المذهب لا يجزئه؛ لأنه طهارة أمر فيها بالتراب، فلم يقم غيره مقامه، كالتيمم؛ ولأن الأمر به تعبد غير معقول، فلا يجوز القياس فيه. ينظر: المغني 1/ 40.
ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 103، وكشاف القناع 1/ 183، ومطالب أولي النهى 1/ 225.
(3)
الزلية: بكسر الزاي، نوع من البسط، والجمع الزلالي. ينظر: المصباح المنير 1/ 255.
(4)
الصقيل: الأملس الذي لا يتخلل الماء أجزاءه، كالحديد، والنحاس. ينظر: المصباح المنير 1/ 345.
الأصح بخلاف جارٍ عصره في كل جريةٍ منه، وإن وضعه في الإناء وصب عليه الماء فغسلة إذا عصره ويطهر نصًّا
(1)
.
ويعتبر استيعاب المحل بالتراب ونحوه، إلا فيما يضر فيكفي مسماه، ويعتبر مائعٌ يوصله إليه فلا يكفي ذره على المحل ويتبعه الماء.
وقيل: يكفي، وهو أظهر، قاله في الفروع
(2)
.
وتطهر أرضٌ متنجسةٌ بمائعٍ، أو ذات جُرمٍ أزيل عنها ولو من كلبٍ نصًّا
(3)
، والمنصوص ونحو صخر، وَأَجْرِنَةُ
(4)
حمّامٍ، وأحواضٍ ونحوها بمكاثرة بحيث لم يبق للنجاسة أثرٌ من لونٍ، أو ريحٍ إن لم يعجز ولولم ينفصل الماء، ويضر بقاء طعمٍ، وإن تفرقت أجزاؤها واختلط بها وصارت رميمًا لم تطهر بغسلٍ
(5)
.
ولا تطهر أرضٌ متنجسةٌ ولا غيرها بشمسٍ، ولا ريحٍ، ولا جفافٍ، ولا نجاسةٌ باستحالةٍ
(6)
، ولا نارٍ.
فلو عمل زيتٌ نجسٌ صابونًالم يطهر، والقُصْرُمل
(7)
، ودخان
(1)
ينظر: الفروع 1/ 321، والإنصاف 1/ 316.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 315، والمبدع 1/ 205.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 60، ومنتهى الإرادات 1/ 31، وكشاف القناع 1/ 185.
(4)
الجرن: الذي يسمى بالمدينة المهراس، وهو حجر منقور، يصب فيه الماء، ويتوضأ منه. ينظر: لسان العرب 13/ 87، مادة (ج ر ن).
ينظر: جمهرة اللغة 1/ 467، والمحكم والمحيط الأعظم 7/ 385. والمخصص 2/ 11.
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 60، وكشاف القناع 1/ 185.
(6)
الاستحالة: تغير الشيء عن طبعه، ووصفه. ينظر: المصباح المنير 1/ 157.
(7)
أي: الرماد من الروث النجس نجس. ينظر: كشاف القناع 1/ 186.
النجاسة ونحوهما نجسٌ، وكذا ما تصاعد من بخار الماء النجس إلى جسمٍ صقيلٍ، ثم قطر إلا خمرة انقلبت بنفسها، أو بنقلها لغير قصد التخليل، وإن خللت حَرُم، ولم تطهر ولو بنقلها بقصده وَدَنُّهَا
(1)
مثلها فيطهر كَمُحْتَفَرٍ من الأرض
(2)
، لا إناءٍ طهر ماؤه، فإذا انفصل عنه فغسلة يبني عليها، ويجب إراقة خمرٍ غير الْخَلَّالِ في الحال، لا خمرة الْخَلَّالِ.
ولا يطهر دهنٌ بغسله، ولا عجينٌ ولحم تنجس، بأن مُلِّح بملحٍ نجسٍ، وباطن حبٍ نقع في نجاسةٍ نصًّا
(3)
، ولو جففه كل مرةٍ، وإناء تشرَّب نجاسة، وسكين سُقيت ماءً نجسًا.
ويجوز أن يعلف العجين النجس وشبهه للبهائم، ثم قال أحمد رحمه الله
(4)
: ولا يطعمه لما يؤكل في الحال، وإن أطعمه لمأكولٍ، لم يشرب لبنه في الحال نصًّا.
وإن وقعت فأرةٌ، أو سِنورٌ
(5)
ونحوهما مما ينضم دبره إذا وقع في
(1)
أي: وعاؤها. ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 105، وكشاف القناع 1/ 187، ومطالب أولي النهى 1/ 229.
(2)
المحتفر: المكان الذي يحفر في الأرض فيه الماء الكثير، فإذا تغير بنجاسة، ثم زال تغيره بنفسه، فيتطهر هو ومحله تبعا له. ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 105.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 329، والإنصاف 1/ 321، ومنتهى الإرادات 1/ 31.
(4)
نقل ذلك عنه كل من: المغني 1/ 30، والشرح الكبير 1/ 296، وشرح منتهى الإرادات 1/ 105، ومطالب أولي النهى 1/ 228.
(5)
السنور هو: الهر، والأنثى سنورة، قال ابن الأنباري: وهما قليل في م العرب، والأكثر أن يقال هر.
ينظر: لسان العرب 4/ 381، والمصباح المنير 1/ 291، وتاج العروس 12/ 93.
مائعٍ فخرجت حية فطاهرٌ نصًّا
(1)
، وكذا/ [15/ ب] في جامدٍ وهو ما يمنع انتقالها فيه، وإن ماتت فيه، أو وقعت ومعها رطوبةٌ في دقيقٍ ونحوه ألقيت وما حولها، وسائره طاهرٌ
(2)
، فإن اختلط ولم ينضبط حرم نصًّا
(3)
.
وإذا خفي موضع نجاسةٍ في بدنٍ، أو ثوبٍ، أو مصلّى لزم غسل ما تيقن به إزالتها
(4)
لا في صحراءٍ ونحوها بل يصلّي فيها بلا تحرٍ.
ويجزئ في بول غلام لم يأكل طعامًا بشهوةٍ نضحٌ مع نجاسته، وهو غمره بالماء، وإن لم ينفصل
(5)
، لا أنثى، وخنثى.
وإذا تنجس أسفل خفٍ، أو حذاء ونحوهما بمشي وجب غسله، ولم يجزئ دلكه بأرضٍ، ولا حكه بشيء، ولا يعفى عن يسير كل نجاسةٍ، ولو لم يدركها الطرف كالذي يعلق بأرجل الذباب ونحوه، إلا يسير دم نجسٍ وقدره الذي لم ينقض، من حيوانٍ طاهرٍ آدميٍ، أو غيره من غير سبيل، حتى دم حيضٍ، ونفاسٍ، واستحاضةٍ.
وما تولد منه في غير مائعٍ ومأكولٍ ويُضَم دم
(6)
متفرق في ثوبٍ، لا أكثر من ثوبٍ، ودم عِرقٍ مأكول نصًّا
(7)
، وما في خلال لحمه طاهر ولو
(1)
ينظر: الفروع 1/ 351، والإنصاف 1/ 344، ومنتهى الإرادات 1/ 33.
(2)
ينظر: الوجيز ص 32، والفروع 1/ 350.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 351، والمبدع 1/ 211، والإنصاف 1/ 344، ومنتهى الإرادات 1/ 33.
(4)
ينظر: الوجيز 32، والإقناع 1/ 61، وزاد المستقنع 1/ 35، وكشف المخدرات 1/ 89.
(5)
ينظر: الفروع 1/ 332، ودليل الطالب 1/ 22، وأخصر المختصرات 1/ 100.
(6)
في المخطوط (ويضمه دم) والصواب ما أثبت. ينظر: الإقناع 1/ 61، وكشاف القناع 1/ 191.
(7)
ينظر: الإقناع 1/ 62، ومنتهى الإرادات 1/ 33، وكشاف القناع 1/ 191.
ظهرت حمرته في قدر كدم سمكٍ، ويؤكلان، وكدم شهيدٍ عليه ولو كثر بل يستحب إبقاؤه، ودم بقٍّ
(1)
، وقمل، وبراغيث
(2)
، وذباب ونحوها، على القول بنجاسة ذلك يعفى عن يسيره.
ويعفى عن أثر استجمارٍ في محله، ويسير سلس بول، ودخان نجاسةٍ، وغبارها، وبخارها ما لم تظهر له صفة، ويسير نجاسةٍ أسفل خفٍ، وحذاء ونحوهما، تنجس بمشيه بعد دلكه إن أجزأ، وبول مأكول، وروثه على القول بنجاستهما، ويسير طين شارعٍ، وغباره إن قيل بنجاسته
(3)
.
والمذهب طهارته إن لم تعلم نجاسته
(4)
، ويسير ماءٍ نجسٍ قاله ابن حمدان
(5)
.
وعن حمل نجسٍ كثيرٍ في صلاة خوفٍ، ويأتي
(6)
.
وما تنجس بما يعفى عن يسيره ملحق به في العفو عن يسيره، وما عفي عن يسيره، عفي عن أثر كثيره عن الجسم الصقيل بعد المسح.
(1)
البق: جمع بقة، وهي حشرة من رتبة نصفية الأجنحة، أجزاء فمها ثاقبة ماصة على شكّل خرطوم. ينظر: المعجم الوسيط 1/ 66.
(2)
البراغيث: جمع برغوث، وهو ضرب من صغار الهوام، عضوض، شديد الوثب. ينظر: المعجم الوسيط 1/ 50.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 345، والمبدع 1/ 217، والإنصاف 1/ 335.
(4)
ينظر: الفروع 1/ 345، والمبدع 1/ 217، والإنصاف 1/ 335.
(5)
الذي في الرعاية الصغرى 1/ 58: لا يعفى عن يسير نجس غير الدّم وفرعه. وقال أيضًا في الرعاية الصغرى 1/ 58: وطين الشوارع طاهر إن جهل حاله. وقيل: نجس يعفى عن يسيره في الأصح.
(6)
في فصل في صلاة الخوف. لوح رقم (52/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [293].
ولا ينجس آدميٌ/ [16/ أ] مطلقًا بموته، بلى غير شهيدٍ قتل، والنبي صلى الله عليه وسلم.
قال شيخنا المنُقِّح
(1)
: ومثله وسائر الأنبياء، والنجس منا طاهر منه
(2)
.
وما لا نفس له سائله
(3)
، وبوله، وروثه إن لم يتولد من نجاسةٍ.
وللوزغ
(4)
نفسٌ سائلةٌ نصًّا
(5)
.
وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيّه طاهر كمنّي آدميٍ، وعنه فيه يجزئ فرك يابسه.
ورطوبة فرج امرأةٍ طاهرٌ
(6)
، ولبن غير مأكولٍ، ومنيّه، وبيضه من غير آدميٍ نجس، وسباع بهائم، وجوارح طير، وحمار أهلي، وبغلٍ منه نجسة.
وسُؤر
(7)
هرٍ وهو فضل طعامه، وشرابه وما دون خلقته من طيرٍ وغيره طاهر
(8)
، فلو أكل نجاسةً، ثم ولغ في ماءٍ يسيرٍ فطهورٌ مطلقًا، وكذا فم
(1)
ينظر: التنقيح ص 69.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 199، والإنصاف 8/ 42، والإقناع 3/ 165، وكشاف القناع 5/ 31.
(3)
قال ابن القيم في زاد المعاد 4/ 102: «وأَوَّل من حفظ عنه في الإسلام أنه تكلم بهذه اللفظة، فقال: (ما نفس له سائلة) إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء» .
(4)
الوزغ: حيوان سام أبرص. ينظر: غريب الحديث للقاسم بن سلام 4/ 470، والمحكم والمحيط الأعظم 6/ 40، ولسان العرب 8/ 459.
(5)
ينظر: الإنصاف 1/ 399، ومنتهى الإرادات 1/ 33.
(6)
ينظر: الوجيز ص 33.
(7)
السؤر هو: بقية الماء الذي يبقيها الشارب في الإناء، أو الحوض، ثم استعير لبقية الطعام وغيره، والمقصود: بقية طعام الحيوان، وشرابه. ينظر: المصباح المنير 1/ 294، والمطلع ص 56.
(8)
ينظر: الوجيز ص 33.
طفلٍ، وبهيمةٍ.
ولا يكره سؤر هرٍّ نصًّا
(1)
.
وفي المستوعب
(2)
يكره سُؤر الفأر مع طهارته؛ لأنه يورث النسيان.
قال في الرعاية
(3)
: على الأشهر، ولا بأس باستعمال المطعوم من الملح وغيره في إزالة النجاسة، وإزالة ما لا يزول بغيره.
قال في الفروع
(4)
: وظاهر كلامهم لا يجب ذلك قاله ابن تميم.
ولا بأس باستعمال النّخَالة الخالصة في التَّدَلُّكِ
(5)
ويكره بدقيقٍ.
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 63، ومنتهى الإرادات 1/ 33، وكشاف القناع 1/ 195.
(2)
ينظر: المستوعب 1/ 324.
(3)
ينظر: الرعاية الصغرى 1/ 61.
(4)
ينظر: الفروع ا/ 323.
(5)
ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 104، وكشاف القناع 1/ 184، وكشف المخدرات 1/ 88.
باب الحيض
(1)
وهو دم طَبِيعَةٍ، وَجِبِلَّةٍ للنساء، يرخيه الرحم، ومخرجه قعره، يعتاد أنثى إذا بلغت، في أوقاتٍ معلومةٍ
(2)
، ويمنع أشياءً منها: الطهارة له، والوضوء، ولا يمنع غسل الجنابة، بل يسن، وتقدم
(3)
، ولا مرورها في مسجدٍ إن أمنت تلويثه، وفعل صلاةٍ ووجوبها، وفعل صومٍ دون وجوبه، ولا يصحان منها، وقراءة قرآن، ومس مُصحفٍ.
ويمنع الوطء في الفرج
(4)
، إلا لمن به
(1)
الحيض لغة: السيلان، وجمع الحائض حوائض، وحيض على فعل، سمي الحيض حيضا من قولهم حاض السيل إذا فاض، وله أسماء منها: حاضت، ونفست، ودرست، وطمثت، وضحكت، وكادت، وأكبرت، وصامت.
ينظر: لسان العرب 7/ 142، وتاج العروس 18/ 311.
(2)
قال ابن قدامة في المغني 1/ 223: «لحكمة تربية الولد، فإذا حملت انصرف ذلك الدّم بإذن الله إلى تغذيته؛ ولذلك لا تحيض الحامل، فإذا وضعت الولد، قلبه الله تعالى بحكمته لبنا يتغذى به الطفل؛ ولذلك قلما تحيض المرضع، فإذا خلت المرأة من حمل، ورضاع، بقي ذلك الدّم لا مصرف له، فيستقر في مكان، ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام، أو سبعة، وقد يزيد على ذلك، ويقل، ويطول شهر المرأة، ويقصر، على حسب ما ركبه الله تعالى في الطباع» . وينظر: المستوعب 1/ 365، شرح الزركشي 1/ 405، والإنصاف 1/ 346.
(3)
في باب ما يوجب الغسل. لوح رقم (13/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [139].
(4)
لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} البقرة آية (222). ونقل ابن جرير في تفسيره 4/ 384، الإجماع على تحريم جماع الزوجة الحائض، كما نقل الإجماع شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 21/ 624.
شَبَق
(1)
بشرطه
(2)
، وسنة الطلاق مالم تسأله طلاقًا بعوض، أو خلعًا، والاعتداد بالأشهر، إلا المتوفى عنها زوجها.
ويوجب الغسل، والبلوغ، والاعتداد به، زاد المستوعب
(3)
: والحكم ببراءة الرّحم في الاعتداد، واستبراء الإماء، ووجوب الكفارة بالوطء فيه، ونفاس مثله/ [16/ ب]، إلا في
اعتدادٍ، وكونه لا يوجب البلوغ، ولا تحتسب عليه به في مدة الإيلاء
(4)
، ويقطع تتابع صوم الظهار في وجهٍ
(5)
، وإذا انقطع الدّم أبيح فعل الصيام، والطلاق ولم يبح سائرها حتى تغتسل
(6)
، ويَستمتِع منها بغير وطء في فرجٍ
(7)
، ويستحب ستره خوفًا من أذىً.
فإن وطئها فيه من يجامع مثله ولو بحائلٍ قبل انقطاعه فعليه دينارٌ
(1)
الشبق: شدة الشهوة. ينظر: تهذيب اللغة 8/ 264.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 192:
وعندنا يحرم وطء المرأةِ
…
إن تستحض إلا لخوف العنتِ
(3)
ينظر: المستوعب 1/ 402.
(4)
الإيلاء في اللغة: الإيلاء اليمين، وآليت حلفت. ينظر: تفسير غريب ما في الصحيحين ص 260، وطلبة الطلبة ص 61، وتحرير ألفاظ التنبيه ص 268.
وفي الشرع هو: حلف الزوج القادر على الوطء بالله تعالى، أو صفة من صفاته، على ترك وطء زوجته في قبلها، مدة زائدة على أربعة أشهر. ينظر: مفاتيح العلوم ص 34، المطلع ص 416.
(5)
ينظر: المبدع 1/ 230، والتنقيح ص 70.
(6)
ينظر: عمدة الفقه ص 18، والعدة شرح العمدة ص 53.
(7)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 190:
يجوز بالحائض الاستمتاع
…
بدون فرج ليس ذا جماع
مضروبًا، أو نصفه على التخيير نصًّا كفارة
(1)
.
ويجزئ إلى مسكينٍ واحدٍ، كنذر مطلقٍ، ويسقط بعجزٍ.
وكذا هي إن طاوعته حتى من ناسٍ، ومكرهٍ، وجاهل الحيض، أو التحريم أو هما
(2)
.
وأقل سنٍ تحيض له أنثى تمام تسع سنينٍ، وأكثره خمسون سنة
(3)
.
(1)
لحديث ((من أتى امرأته في حيضتها فليتصدق بدينار، ومن أتاها وقد أدبر الدّم عنها، فلم تغتسل فنصف دينار)) والحديث روي بروايات متقاربة من رواية عبد الحميد عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهم، والحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (2595) 4/ 359، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب الحيض، باب إصابة الحائض، برقم (1264) 1/ 328، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الحيض، باب ما روى في كفارة من أتى امرأته حائضا، برقم (1511) 1/ 469، وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب في كفارة من أتى حائضا، برقم (2168) 2/ 251، والترمذي في سننه، كتاب الطهارة، باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض، برقم (136) 1/ 244، والنسائي في سننه، كتاب الطهارة، باب ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضها، برقم (289) 1/ 153، والدارمي في سننه، كتاب الطهارة، باب من قال: عليه الكفارة، برقم (1151) 1/ 722.
ونقل ابن الملقن في البدر المنير 3/ 81 عن أبي محمد بن حزم الظاهري قوله: مقسم ليس بالقوي فسقط الاحتجاج به.
وقال ابن حجر في التلخيص الحبير 1/ 292: رواية عبد الحميد فكل رواتها مخرج لهم في الصحيح؛ إلا مقسم فانفرد به البخاري، لكنه ما أخرج له إلا حديثا واحدا في تفسير النساء قد توبع عليه، وقد صححه الحاكم، وابن القطان، وابن دقيق العيد.
وقال الألباني (ضعيف) ينظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة 10/ 32. قال محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ في فتاويه 2/ 98: «الدِّينار هو السكة من الذهب، ووزنه مثقال ذهب وهو بمقدار أَربعة أَسباع الجنيه السعودي وما وازنه».
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 191:
فإن يطأ الفرج فقل كفاره
…
وهكذا في المرأة المختاره
(3)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 3/ 1303، والمستوعب 1/ 366، ومختصر الخرقي ص 18، والكافي 3/ 198. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 187:
أكثر سن الحيض خمسون سنه
…
فحنبل عن شيخه قد عنعنه
والحامل لا تحيض
(1)
فلا تترك الصلاة لما رأته، ولا يمنع وطؤها، وتغتسل عند انقطاعه استحبابًا نصًّا
(2)
.
وأقل الحيض يومٌ وليلة، فلو انقطع لأقل منه فليس بحيضٍ، بل دم فساد، وأكثره خمسة عشر يومًا، وغالبه ستٌ، أو سبعٌ، وأقل طهرٍ بين حيضتين ثلاثة عشر يومًا
(3)
، وغالبه بقية الشهر، ولا حد لأكثره
(4)
.
فصل
والمبتدأ بها الدّم
(5)
في سنٍ يحيض لمثله، ولو صفرة، أو كُدْرَة
(6)
(1)
أثبت الطب الحديث أن ما ينزل من المرأة الحامل من دم، إنما هو دم مرض، وليس حيضا. ينظر: منتهى الإرادات 1/ 34، وقضايا فقهية لعمر الأشقر 1/ 129، والحيض والنِّفاس للدبيان 11/ 131.
(2)
ينظر: الكافي 1/ 140، والعدة ص 57، والمبدع 1/ 236.
(3)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 189:
والطهر بين الحيض فاعرف خبره
…
أقله ثلاثة مع عشره
وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي يرون أن أقله خمسة عشر يوما.
ينظر: للحنفية: النتف من الفتاوى 1/ 131، والمحيط البرهاني 1/ 219.
وللمالكية: المقدمات الممهدات 1/ 126، وبداية المجتهد 1/ 56.
وللشافعية: الحاوي الكبير 11/ 176، والمهذب 1/ 86.
(4)
ينظر: الإرشاد إلى سبيل الرشاد ص 43، والمستوعب 1/ 368، والوجيز ص 34.
(5)
المبتدأة: يقال: بدأة الأمر أوله ومبتدؤه، وهي من لم يسبق لها حيض في سن بلوغها. ينظر: الفائق في غريب الحديث 1/ 84، والقاموس الفقهي ص 107.
(6)
الكدرة: ما تراه المرأة أثناء الدم، لونه ليس بصاف يميل إلى السواد. ينظر: العين 4/ 222، والمخصص 1/ 204، والقاموس الفقهي ص 316.
تجلس بمجرَّد ما تراه، فتترك الصلاة، والصوم يومًا وليلةً، ثم إن انقطع لدونها فليس بحيضٍ
(1)
، وقضت واجب صلاةٍ ونحوها، وإن انقطع لها كان حيضًا، واغتسلت له، وإن جاوزها، ولم يَعْبُر الأكثرلم تجلس المجاوز، فتصوم وتصلّي.
ويَحرمُ وطؤها فيه قبل تكراره نصًّا
(2)
، فإن انقطع يومًا فأكثر، وفي الفروع
(3)
أو أقل، واغتسلت، لم يكره وطؤها قبل مجاوزة أكثر الحيض، فإن عاد فكما لولم ينقطع، وتغتسل عند انقطاعه غسلاً ثانيًا، تفعل ذلك ثلاثًا في كل شهرٍ مرةً.
فإن كان في الثلاث متساويًا، ابتداءً إلى انتهاء يتبين أنه حيض وصار عادةً، فتثبت به العادة، ولا يعتبر فيها التوالي فتجلسه في الشهر الرابع نصًّا
(4)
.
(1)
ينظر: الفروع 1/ 368، والإنصاف 1/ 359، والإقناع 1/ 65، وكشاف القناع 1/ 204.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 369، ومنتهى الإرادات 1/ 35.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 368، والإقناع 1/ 66، وكشاف القناع 1/ 205.
(4)
ينظر: الفروع 1/ 368، والإنصاف 1/ 362.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 19/ 238: «والأصل في كل ما يخرج من الرحم، أنه حيض، حتى يقوم دليل على أنه استحاضة؛ لأن ذلك هو الدّم الأصلي الجبلي، وهو دم ترخيه الرحم، ودم الفساد، دم عرق ينفجر، وذلك كالمرض، والأصل الصحة لا المرض، فمتى رأت المرأة الدّم جار من رحمها فهو حيض، تترك لأجله الصلاة، ومن قال: إنها تغتسل عقيب يوم وليلة فهو قول مخالف للمعلوم من السنة، وإجماع السلف» .
وقال محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ في فتاويه 2/ 99: «ثم نعرف أَن ما ذكره في حكم المبتدأَة أَنها تصنع ما ذكر أَنه لم يقم عليه برهان. فالصحيح والذي لا يمكن للنساء العمل بسواه أَن المبتدأَة إِذا جاءها الدّم في زمن يمكن أَن يكون زمن حيض فإِنها تجلس إِلى أَن ينقطع، فهو حيض كله ولا يحتاج أَن تنتظر إِلى أَن يتكرر. النساء لا يعملن الآن ولا قبل الآن إِلا عليه، وهو الصواب» .
وتعيد واجب صومٍ/ [17/ أ] ونحوه كطوافٍ، واعتكافٍ ونحوهما فعلته في المجاوز نصًّا
(1)
، ولا تثبت العادة بمرةٍ
(2)
.
قال ابن تميم
(3)
: وجهًا واحدًا، فإن ارتفع حيضها، ولم يعد، أو أيست قبل تكراره لم تعد، وإن كان على أعدادٍ مختلفةٍ، فما تكرر منه صار عادةً، مرتبًا كان كخمسة في أَوَّل شهر، وستة في ثان، وسبعةٍ في ثالث، فتجلس الخمسة لتكرارها، وغير المرتب عكسه، فتجلس منه ما تكرر.
وتثبت العادة بالتمييز، كثبوتها بارتفاع الدم، ولا يعتبر فيها التوالي أيضًا، ولا التكرار على الأصح، فلو رأت المبتدأة دمًا أسود، ثم أحمر، وتعدد، كان أكثر الحيض زمن الدّم الأسود فتجلسه، وما عداه استحاضة، وهو معنى قوله في المقنع
(4)
.
وإن جاوز دمها أكثر الحيض فهي مستحاضةٌ
(5)
، فإن كان دمها متميزًا
(1)
ينظر: الفروع 1/ 368.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 193:
إذا تعدى الدّم بالمبتدأه
…
وجاوز الأقل فاسمع نبأه
لا تلتفت إليه بل تصلّي
…
وتفعل الصيام بعد الغسل
وعند قطع دمها تغتسل
…
ثلاث مرات لهذا تفعل
إن يتفق فتنتقل إليه
…
وتقضي ما صامته فرضا فيه
(3)
ينظر: مختصر ابن تميم 1/ 414.
(4)
ينظر: المقنع 1/ 90، والمبدع 1/ 242.
(5)
ينظر: المغني 1/ 256، والشرح الكبير 1/ 324، والإنصاف 1/ 362.
بعضه ثخينٌ أسود منتن، وبعضه رقيقٌ أحمر، فحيضها زمن التمييز.
فتجلس الأدنى من دمٍ ثخينٍ، أو أسود، أو منتن إن صَلُح أن يكون حيضًا.
وإن لم يكن متميزًا، أو كان ولم يصلح قعدت من كل شهرٍ غالب الحيض ستًا، أو سبعًا بالتحري
(1)
.
ويعتبر في حقها تكرار الاستحاضة نصًّا
(2)
، فتجلس قبل تكراره أقله، وعنه
(3)
عادة نسائها الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى، فإن اختلفن جلست الأقل، فإن عُدِمْنَ اعتبر غالب نساء بلدها.
وإن استحيضت معتادة رجعت إلى عادتها نصًّا
(4)
.
ونقص العادة لا يحتاج إلى تكرار
(5)
، فلو نقصت عادتها، ثم استحيضت بعده، كأن عادتها عشر، فرأت سبعة، ثم استحيضت في الشهر الآخر جلست السبعة، قطع به ابن تميم
(6)
والمجد وعزاه للأصحاب.
وإن نسيت العادة عملت بالتمييّز الصالح، ولو تنقل من غير تكرارٍ، فإن لم يكن لها تمييّز، أو كان وليس بصالح فهي المتحيرة، ولا تفتقر
(1)
ينظر: المبدع 1/ 244، والإنصاف 1/ 363، والإقناع 1/ 66.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 382، والإنصاف 1/ 365، ومنتهى الإرادات 1/ 35.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 142، والمغني 1/ 235، والعدةص 55، والمحرر 1/ 27.
(4)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 329، والمبدع 1/ 245، والإنصاف 1/ 365، ومنتهى الإرادات 1/ 35.
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 66، وكشاف القناع 1/ 208.
(6)
ينظر: مختصر ابن تميم 1/ 414.
استحاضتها إلى تكرارٍ أيضًا.
وتجلس غالب الحيض إن اتسع شهرها له، وإلا جلست الفاضل بعد أقل الطهر، كأن يكون شهرها ثمانية عشر يومًا، فإنها تجلس الزائد عن أقل الطهر بين الحيضتين فقط/ [17/ ب] وهو هنا خمسة أيامٍ؛ لئلا ينقص الطهر عن أقله.
وإن جهلت شهرها جلسته من شهرٍ هلالي.
وشهر المرأة عبارة عن المدة التي يجتمع لها فيها حيضٌ وطهرٌ صحيحان
(1)
.
وأقل ذلك أربعة عشر يومًا، يومٌ للحيض، وثلاثة عشر للطهر، ولا حد لأكثره، وغالبه الشهر المعروف، ولا تكون معتادة حتى تعرف شهرها، ووقت حيضها، وطهرها، ويتكرر.
وإن علمت عدد أيامها، ونسيت موضعها، وكذا من عدمتهما كما سيأتي، جلستها من أَوَّل كل شهرٍ هلاليٍ.
وقيل: بالتحري
(2)
.
قال المنُقِّح
(3)
: وهو أظهر.
(1)
ينظر: الإنصاف 1/ 366، والإقناع 1/ 67، وشرح منتهى الإرادات 1/ 118، ومطالب أولي النهى 1/ 256.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 339، والمبدع 1/ 248، وقال في الإنصاف 1/ 368:«وجزم به في الإفادات، واختاره أبو بكر، وابن أبي موسى، وقدمه في نهاية ابن رزين ونظمها، وأطلقهما في الشرح، وشرح ابن منجا، والشرح والحاويين» .
(3)
ينظر: التنقيح ص 71.
فإن تعذر التحري، بأن يتساوى عندها الحال فلم تظن شيئًا، أو تعذر الأولية عملت بالآخر، وما جلسته ناسيةً من حيضٍ مشكّوك فيه كحيضٍ يقينًا، وما زاد على ما تجلسه إلى أكثره كطهر متيقن، وغيرهما استحاضة.
وإن ذكرت عادتها رجعت إليها وقضت الواجب زمن العادة المنسية وزمن جلوسها في غيرها.
وكذلك الحكم في كل موضعٍ من لا عادة لها ولا تمييز، مثل المبتدأة إذالم تعرف وقت ابتداء دمها، ولا تمييز لها
(1)
.
وإن علمت أيامها في وقتٍ من الشهر، ونسيت موضعها، فإن كانت أيامها نصف الوقت فأقل تحيضها من أولها، أو بالتحري، وليس لها حيضٌ بيقينٍ
(2)
.
وإن زادت على النصف ضُمَّ الزائد إلى مثله مما قبله فكان حيضًا بيقينٍ.
وإن نسيت أسقطت الزائد على أيامها من آخر المدة، ومثله من أولها، فما اجتمع فهو حيضٌ بيقينٍ، والشكّ فيما بقي من الوقت المعين.
وإن علمت موضع حيضها، ونسيت عدده، جلست
(3)
فيه غالب الحيض على ما تقدم
(4)
.
(1)
ينظر: المغني 1/ 238، والإنصاف 1/ 371، وكشاف القناع 1/ 210.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 340، والمبدع 1/ 249، والإنصاف 1/ 371، والإقناع 1/ 67.
(3)
في المخطوط (وجلست) ولعله خطأ من الناسخ.
(4)
في أَوَّل الفصل. لوح رقم (17/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [158].
وإن تغيرت عادةٌ مطلقًا فكدمٍ زائدٍ على أقل حيض مبتدأة، ولولم يعد، أو أيست قبل تكراره لم تقض.
وإن طَهُرَت في أثناء عدَّتها طُهرًا خَالصًا ولو/ [18/ أ] أقل زمنٍ، فهي طاهرة تغتسل وتصلّي، ولا يكره وطؤها
(1)
.
وعنه بلى
(2)
، قال المنُقِّح
(3)
: وهو أظهر.
فإن عاودها الدّم في العادة ولم يجاوزها، ولم يعبر أكثره، لم تجلسه حتى يتكرر، وإن عبر أكثر الحيض فليس بحيضٍ، وإن عاودها بعد العادة فلا يخلو، إما أن يمكن جعله حيضًا، أو لا، فإن أمكن جَعْلُه حيضًا بأن يكون بضمه إلى الدّم الأَوَّل لا يكون بين طهرٍ فيهما أكثر من أكثر الحيض فيلفقا، ويجعلا حيضةً واحدةً إن تكرر، أو يكون بينهما أقل الطهر ثلاثة عشر يومًا، وكلٌ من الدَّمَيْنِ يصلح أن يكون حيضًا بمفرده فيكونان حيضتين.
وأن يمكن جعله حيضًا بمجاوزته مع الأَوَّل أكثر الحيض وليس بينه وبين الدّم الأَوَّل أقل الطهر فهذا اسْتِحَاضَة، سواءٌ تكرر، أو لا، ويظهر ذلك بالمثال، فلو كانت العادة عشرة أيام مثلاً، فرأت منها خمسة دمًا، وطهرت الخمسة الباقية، ثم رأت خمسة دمًا وتكرر ذلك، فالخمسة الأولى والثالثة حيضة واحدة بالتلفيق.
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 68، والروض المربع 1/ 54، وشرح منتهى الإرادات 1/ 114.
(2)
ينظر: المستوعب 1/ 374. وقال في الإنصاف 1/ 372: اختاره المجد في شرحه.
(3)
ينظر: التنقيح ص 72.
ولو رأت الثاني ستة، أو سبعة، لم يمكن أن يكون حيضًا، ولو كانت رأت يومًا دمًا، ثم ثلاثة عشر طهرًا، ثم رأت يومًا دمًا، وتكرر فهما حيضتان لوجود طهرٍ صحيحٍ بينهما، ولو رأت يومين دمًا، ثم اثني عشر يومًا طهرًا، ثم يومين دمًا فهنا لا يمكن جعلهما حيضةً واحدةً؛ لزيادة الدمين مع ما بينهما من الطهر على أكثر الحيض، ولا جعلهما حيضتين على المذهب؛ لانتفاء طهرٍ صحيحٍ بينهما فيكون الحيض منهما ما وافق العادة، والآخر استحاضة، وصفرة وكدرة في أيام العادة حيضٌ
(1)
، لا بعدها، ولو تكرر
(2)
.
فصل في التّلفيق
(3)
ومعناه ضم الدّماء بعضها إلى بعض، إذا تخلله الطُّهر، وصلح زمانه أن يكون حيضًا، فمن/ [18/ ب] كانت ترى يومًا، أو أقل، أو أكثر دمًا يبلغ مجموعه أقل الحيض فأكثر، وطهرًا متخللاً، فالدّم حيضٌ ملفقٌ
(4)
، والباقي
(1)
ينظر: مختصر الخرقي ص 17، والمغني 1/ 241، والمحرر 1/ 24، والشرح الكبير 1/ 349، وشرح الزركشي 1/ 430.
(2)
ينظر: الإرشاد إلى سبيل الرشاد ص 46، والوجيز ص 35، ومختصر الخرقي ص 17، والمغني 1/ 241، والمحرر 1/ 24. وهو من المفردات قال الناظم: في المنح الشافيات 1/ 197:
وإن ترى معتادة للصفرة
…
في خارج العادة أو للكدرة
ليس بحيض ذا ولو تكررا
…
وغسلها يس بذا تقررا
(3)
التلفيق لغة: ضم الأشياء بعضها إلى بعض؛ لتكون شيئا واحدا. ينظر: العين 5/ 165، وتهذيب اللغة 9/ 133، والمخصص 1/ 396.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 69، وكشاف القناع 1/ 214، وحاشية الروض المربع 1/ 397.
طهر
(1)
، إلا أن يجاوز زمن الدّم والنقاء أكثره، فتكون مستحاضة، والظاهر أن هذه المسألة من فروع توالي العادة، والمذهب كما تقدم أنه لا يعتبر فيها التوالي، فعلى هذا تجلس المبتدأة من هذا الدّم أقل الحيض، والباقي إن تكرر فهو حيضٌ بشرطه، وإلا فاستحاضةٌ.
والاستحاضة من عرقٍ أدنى الفرج، فإذا أرادت المستحاضة
(2)
ونحوها الطهارة، فتغسل فرجها، وَتَعْصِبُهُ بطاهرٍ يمنع الدّم حسب الإمكان
(3)
.
فإن غلب وَقَطَر بعد ذلك لم تبطل طهارتها، ولا يلزمها إذًا إعادة شيءٍ، وغسله لكل صلاةٍ إن لم تفرط، وتتوضأ لوقت كل صلاة إن خرج شيءٌ، نص عليه فيمن به سلس بولٍ
(4)
، وإلا فلا، وتصلّي ما شاءت، حتى جمعًا بين فرضين، وتصلّي عقب طهرها ندبًا، فإن أخرت لم يضر وإن كان لها عادة بانقطاعه زمنًا يَتَّسِعُ للوضوء، والصلاة فتعين الفعل فيه، وإلا فلا.
وإن عرض هذا الانقطاع بعد طهارتها فلمن عادتها الاتصال، لزمها استئناف الطهارة ولو في الصلاة، وإن كان لوقتٍ لا يَتَّسِعُ لهمالم يؤثر، وتبطل طهارتها بخروج الوقت أيضًا
(5)
.
ولا يباح وطؤها من غير خوف العَنَت منه، أو منها، فإن كان فيباح
(1)
في المخطوط (طهرًا) والصحيح ما أثبت؛ لأنه خبر.
(2)
المستحاضة: هي المرأة التي استمر بها الدم، بعد أيام حيضها. ينظر: المطلع ص 45.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 388، الإقناع 1/ 70.
(4)
ينظر: المحرر 1/ 27، والشرح الكبير 1/ 323، والفروع 1/ 388، والمبدع 1/ 245.
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 71، وكشاف القناع 1/ 216.
ولو لواجدٍ طولاً، وأكثر مدة دم النفاس
(1)
أربعون يومًا
(2)
، من ابتداء خروج بعض الولد، فإن رأته قبله بثلاثة أيامٍ فأقل بإمارةٍ فنفاسٍ، ولا يحسب منه نصًّا
(3)
.
وإن جاوزها وصادف عادة حيضها فحيضٌ، فإن زاد عليها، أولم يصادف عادةً، ولم يجاوز أكثر الحيض فحيضٌ إن تكرر، وإلا فاستحاضة، ولا تدخل اسْتِحَاضَة في مدة نفاسٍ، ويثبت حكمه، والمذهب ولو صارت نفساء بتعديها بوضع ما يتبين فيه خلق إنسانٍ/ [19/ أ] نصًّا
(4)
، ولا حدَّ لأقله
(5)
، فيثبت حكمه ولو بقطرةٍ، فلو انقطع في مدته فطاهرٌ، تغتسل وتصلّي، ويكره وطؤها
(6)
، ثم إن عاد فيها فمشكّوكٌ فيه نصًّا
(7)
، كما لولم تره، ثم رأته في المدة فتصوم، وتصلّي، وتقضي صوم الفرض، ولا يأتيها زوجها.
(1)
سمي النِّفاس بهذا الاسم؛ لأن النفس التي هي اسم لجملة الحيوان قوامها الدم، وقيل: لخروج النفس، وهو الولد، وقيل: لتنفس الرحم بالولد. ينظر: العين 7/ 268، والمغرب في ترتيب المعرب ص 472، ومختارالصحاح ص 316، والمصباح المنير 2/ 617.
وفي الشرع: دم ترخيه الرحم، مع ولادة وقبلها بيومين، أو ثلاثة بأمارة على الولادة، كالتألم. ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 122، وكشاف القناع 1/ 218، ومطالب أولي النهى 1/ 269.
(2)
ينظر: الإرشاد إلى سبيل الرشادص 47، والوجيز ص 35.
(3)
ينظر: الإنصاف 1/ 357، ومنتهى الإرادات 1/ 37، وكشف المخدرات 1/ 97.
(4)
ينظر: الفروع 1/ 364، والمبدع 1/ 259، ومنتهى الإرادات 1/ 37.
(5)
قال ابن حزم في المحلى 1/ 413: «ولم يختلف أحد في أن دم النفاس، إن كان دفعة، ثم انقطع الدّم ولم يعاودها، فإنها تصوم، وتصلّي، ويأتيها زوجها» .
(6)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 200:
والنفساء في الأربعين وطؤها
…
وإن تكن بلا دم قد كرها
(7)
ينظر: الإقناع 1/ 72، ومنتهى الإرادات 1/ 37، وكشاف القناع 1/ 220.
وإن ولدت توأمين، فأَوَّل النِّفاس وآخره من الأول
(1)
، فلو كان بينهما أربعون فلا نفاس للثاني نصًّا
(2)
.
ويجوز شرب دواءٍ لإلقاء نطفةٍ
(3)
، ولقطع الحيض مع أمن الضرر، ولحصوله، إلا قُرْبَ رَمَضَانَ لِتُفْطِرَهُ، ولا يجوز لقطع الحمل.
(1)
ينظر: المحرر 1/ 27، والوجيز ص 35، والفروع 1/ 397.
(2)
ينظر: الكافي 1/ 153، والمحرر 1/ 27، والشرح الكبير 1/ 375، ومنتهى الإرادات 1/ 37.
(3)
ينظر: كشاف القناع 1/ 220، وزاد المستقنع 1/ 195، والروض المربع 1/ 604.
وذهب الحنفية، والشافعية، وبعض المالكية إلى جوازه إذا كان قبل نفخ الروح.
قال ابن الهمام في فتح القدير 3/ 401: يباح الإسقاط بعد الحبل، مالم يتخلق شيء منه، ثم في غير موضع قالوا: ولا يكون ذلك، إلا بعد مئة وعشرين يوما، وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخلق نفخ الروح. انتهى. وينظر: تبيين الحقائق 2/ 166، والبحر الرائق 3/ 215، والدر المختار 3/ 176.
وقال الرملي في نهاية المحتاج 8/ 433: الراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقا، وجوازه قبله. انتهى. وينظر: الغرر البهية 4/ 92، وحاشية البجيرمي 3/ 360، وإعانة الطالبين 3/ 298.
وفي حاشية قليوبي 4/ 160: نعم يجوز إلقاؤه ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه خلافا للغزالي. انتهى.
وقال الحطاب في مواهب الجليل 3/ 477: وأما التسبب في إسقاط الماء قبل أربعين يوما من الوطء فقال اللخمي جائز.
كتاب الصلاة
(1)
وهي أقوالٌ، وأفعالٌ معلومةٌ، مفتتحةٌ بالتكبير، مختتمةٌ بالتسليم
(2)
، سميت صلاة؛ لاشتمالها على الدُّعاء، وفرضت ليلة الإسراء قبل الهجرة بنحو خمس سنين
(3)
.
والخمس واجبة على كل مسلم مكلف، ولولم يبلغه الشرع
(4)
، إلا حائضًا، ونفساء، وهي آكد الفروض بعد الشهادة.
(1)
تعريف الصلاة لغة: جاءت الصلاة في اللغة على عدة معان منها:
حسن الثناء، ومنه قوله تعالى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} سورة البقرة رقم (157).
ومنها الدعاء، ومنه قول الله تعالى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} أي: ادع لهم. سورة التوبة آية رقم (103). ينظر: غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 167.
ومنها الرحمة، ومنه قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} سورة الأحزاب آية رقم (43). ينظر: لسان العرب 14/ 465، وتاج العروس 38/ 438.
ومنها الاستغفار ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} سورة الأحزاب آية رقم (56). ينظر: تهذيب اللغة 12/ 166.
وقال في تاج العروس 38/ 439: «مشتركة بين الدعاء، والتعظيم، والرحمة، والبركة» .
(2)
ينظر: المبدع ص 263، والإنصاف 1/ 388، وشرح منتهى الإرادات 1/ 125، وأضاف الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع 2/ 5. في التعريف قيد (التعبد لله) وعلل ذلك بقوله حتى يتبين أنها من العبادات، وهذا اجتهاد منه ولم أقف على أحد قال به قبله.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 401، والإنصاف 1/ 388، والإقناع 1/ 72، وكشف المخدرات 1/ 99.
(4)
قال شيخ الإسلام: «ولا تلزم الشرائع إلا بعد العلم، وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد .. » الفتاوى الكبرى 5/ 317.
وتجب على نائمٍ، ويلزم من علم إعلامه بدخول وقتها
(1)
، ومن تَغَطّى عقله حتى بمحرَّمٍ فيقضي
(2)
، ولو زمن جنونه، لو جنَّ بعده متصلاً به، ولا تجب على كافر، ولا مجنونٍ، ولا تصح
منهما، ولا قضاء، وإذا صلّى، أو أذَّن في أي حالٍ، أو محل كافر يصح إسلامه حكم بإسلامه
(3)
، ولا تصح صلاته ظاهرًا، ولا يعتد بأذانه.
ولا تجب على صغيرٍ، ولا تصح منه، إلا من مميزٍ وهو من بلغ سبعًا
(4)
، والثواب له، ويلزم الولي أمره بها إذًا، وتعليمه إياها، وطهارةٌ نصًّا
(5)
، ويضرب على تركها لعشرٍ وجوبًا، وعنه
(6)
تجب على من بلَغَها، وحيث وجبت عليه فاستثنى المجد وجمع
(7)
، الجمعة.
وإن بلغ في أثنائها، أو بعدها في وقتها لزمه إعادتها نصًّا
(8)
، وإعادة
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 73، وكشف المخدرات 1/ 100.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 201:
لا تسقط الصلاة بالإغماء
…
بمرض كالشرب للدواء
لا فرق إن طال به الإغماء
…
أو قصر الحكم كذا سواء
(3)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 205:
وكافر بالصلاة يسلم
…
في كل حال وبهذا يحكم
(4)
الصبي المميز هو: الذي يفهم الخطاب، ويرد الجواب، ولا ينضبط بسن معين. ينظر: مواهب الجليل 2/ 482، والشرح الكبيرللدردير 1/ 541، والمجموع 7/ 23، والمبدع 1/ 289، وكشاف القناع 1/ 225، قال ابن عثيمين في الشرح الممتع 2/ 14:«لكن سبع سنوات غالبا هو الحد» .
(5)
ينظر: الفروع 1/ 413، والمبدع 1/ 268، والإنصاف 1/ 397، ومنتهى الإرادات 1/ 39.
(6)
ينظر: المبدع 1/ 267. والإنصاف 1/ 396.
(7)
ينظر: الإنصاف 1/ 396.
(8)
ينظر: الكافي 1/ 175، والشرح الكبير 1/ 381، والمبدع 1/ 268، ومنتهى الإرادات 1/ 39.
تيممٍ لفرض لا وضوء، وإسلام.
ولا يجوز لمن وجبت عليه الصلاة تأخيرها، أو بعضها عن وقت الجواز إن كان ذاكرًا لها، قادرًا على فعلها/ [19/ ب] إلا لمن ينوي الجمع، أو لمشتغلٍ بشرطها الذي يحصله قريبًا
(1)
، وله تأخيرها عن أَوَّل وقتها، بشرط العزم على فعلها فيه، مالم يظن مانعًا منه، كموتٍ، وقتلٍ، وحيضٍ، وكذا من أعير سترةً أَوَّل الوقت فقط، ومتوضئ عَدِم الماء في السفر، وطهارته لا تبقى
إلى آخر الوقت، ولا يرجو وجوده، ومستحاضةٌ لها عادةٌ بانقطاع دمها في وقتٍ يتسع لفعلها فيتعين فعلها في ذلك الوقت، ومن له التأخير فمات قبل الفعل لم يأثم، وتسقط بموته
(2)
.
ومن جحد وجوبها كفر، فإن تركها تهاونًا، وكسلاً دعاه إمامٌ، أو نائبه إلى فعلها، فإن أَبَى حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله
(3)
، ولا يقتل مطلقًا، حتى يستتاب ثلاثة أيامٍ كمرتدٍ نصًّا
(4)
.
(1)
قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى 2/ 36، 5/ 319، والاختيارات الفقهية 1/ 403، ومجموع الفتاوى 22/ 57. «وأما قول بعض أصحابنا: لا يجوز تأخيرها عن وقتها إلا لناس، وجمعهما، أو مشتغل بشرطها، فهذا لم يقله أحد قبله من الأصحاب، بل ولا من سائر طوائف المسلمين، إلا أن يكون بعض أصحاب الشافعي، وهذا لا شكّ ولا ريب، أنه ليس على عمومه، وإنما أراد صورا معروفة، كما إذا أمكن الواصل إلى البئر، أن يضع حبلا يستقي به، ولا يفرغ إلا بعد الوقت، أو أمكن العريان أن يخيط ثوبا، ولا يفرغ إلا بعد الوقت ونحو هذه الصورة، ومع هذا فالذي قاله في ذلك هو خلاف المذهب المعروف عن أحمد، وأصحابه، وجماهير العلماء، وما أظنه يوافقه إلا بعض أصحاب الشافعي».
(2)
ينظر: الفروع 1/ 416، والإقناع 1/ 74.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 417، والمبدع 1/ 269، والروض المربع 1/ 62.
(4)
ينظر: الكافي 1/ 177، وشرح الزركشي 2/ 269، ومنتهى الإرادات 1/ 40.
فإن تاب بفعلها نصًّا
(1)
، وإلا قُتِل بضرب عنقه؛ لكفره نصّ عليهن
(2)
، وكذا لو ترك شرطًا، أو ركنًا مجمعًا عليه، أو مختلفًا فيه يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ.
وقيل
(3)
: لا يقتل بمختلف فيه، قال المنُقِّح
(4)
: وهو أظهر.
(1)
ينظر: الكافي 1/ 177، وشرح الزركشي 2/ 269، ومنتهى الإرادات 1/ 40.
(2)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 9/ 4774، ومنتهى الإرادات 1/ 40. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 203:
وتارك الصلاة حتى كسلا
…
يقتل كفرا إن دعي وقال: لا
وماله فيء ولا يغسل
…
وصحح الشيخان حدا يقتل
(3)
ينظر: الفروع 1/ 421، والمبدع 1/ 272، والإنصاف 1/ 404، وكشاف القناع 1/ 229.
(4)
ينظر: التنقيح ص 74.
باب الأذان
(1)
والإقامة
(2)
وهو: الإعلام بدخول وقت الصلاة، أو قربه لفجر.
وهي: الإعلام بالقيام إليها بذكرٍ مخصوصٍ فيهما، والأذان أفضل منها، ومن الإمامة.
وهما فرض كفايةٍ
(3)
للصلوات الخمس، والجمعة دون غيرها على الرجال جماعةً حضرًا أداءً دون النساء، والخناثى، بل يكره.
ويسن لقاضٍ ما عليه، ولمصلٍ وحده، ومسافرٍ وليسا بشرطٍ للصلاة، فتصح بدونهما مع الكراهة، ولو اقتصر على إقامةٍ لم يكره نصًّا
(4)
وكذا
(1)
الأذان لغة: الإعلام، ومنه قوله تعالى:{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} سورة التوبة آية 3 أي إعلام. ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 54، والصحاح 5/ 2068، وتفسير غريب ما في الصحيحين ص 416. قال النووي في شرحه على مسلم 4/ 77:«ذكر العلماء في حكمة الأذان أربعة أشياء: إظهار شعار الإسلام، وكلمة التوحيد، والإعلام بدخول وقت الصلاة وبمكانها، والدُّعاء إلى الجماعة» .
(2)
والإقامة لغة: مصدر أقام، وهو متعدي قام، فحقيقته: إقامة القاعد. المطلع ص 65، وأنيس الفقهاء ص 22.
(3)
فرض الكفاية هو: ما مقصود الشرع فعله؛ لتضمنه مصلحة، لا تعبد أعيان المكلفين به، وهو واجب على الجميع، ويسقط بفعل البعض. ينظر: شرح مختصر الروضة 2/ 403. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 208:
فرض على الكفاية الأذان
…
دليله قام به البرهان
(4)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 499، والإنصاف 1/ 407.
الصلاة بدونهما في مسجدٍ قد صلّى فيه.
وينادى لعيدٍ، وكسوفٍ، واستسقاءٍ فقط الصلاة جامعةٌ
(1)
، أو الصلاة، ويأتي بعضه
(2)
، فإن اتفق أهل بلدٍ على تركهما قاتلهم الإمام.
ولا يجوز أخذ الأجرة عليهما، فإن لم يوجد متطوع بهما، رَزَقَ
(3)
الإمام من بيت المال من يقوم بهما، ولا يجوز مع وجوده/ [20/ أ] ويسن أذانٌ في أذن مولودٍ حين يولد
(4)
.
ويسن كونه صيتًا
(5)
، أمينًا، عالمًا بالأوقات، وإن كان أعمى وله من يعلمه بالوقت لم يكره نصًّا
(6)
، وبصير أولى، ويشترط ذكوريته، وعقله،
(1)
ينظر: المغني 2/ 320، والمحرر 1/ 39، والشرح الكبير 2/ 286.
(2)
في باب صلاة الكسوف. لوح رقم (58/ أ) من المخطوط. في الصفحة رقم [312].
(3)
الرزق في اللغة: ما يسوقه الله إلى الحيوان؛ للتغذي: أي ما به قوام الجسم، ونماؤه. ينظر: التوقيف على مهمات التعاريف ص 177، وتاج العروس 25/ 335.
(4)
ينظر: المبدع 1274، والإقناع 1/ 76، وشرح منتهى الإرادات 1130.
(5)
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع 2/ 50: «هنا ثلاثة أوصاف تعود على التلفظ بالأذان:
1 -
قوة الصوت.
2 -
حسن الصوت.
3 -
حسن الأداء.
فهذا كله مطلوب.
ونستنبط من قوله: «صيتا» أن مكبرات الصوت من نعمة الله؛ لأنها تزيد صوت المؤذن قوة وحسنا، ولا محذور فيها شرعا، فإذا كان كذلك وكانت وسيلة لأمر مطلوب شرعي، فللوسائل أحكام المقاصد. ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسلم العباس بن عبد المطلب أن ينادي يوم حنين:«أين أصحاب السمرة» ، لقوة صوته. فدل على أن ما يطلب فيه قوة الصوت ينبغي أن يختار فيه ما يكون أبلغ في تأدية الصوت».
(6)
لفعل ابن أم مكتوم، كما في حديث سالم بن عبد الله، عن أبيه رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا، واشربوا، حتى ينادي ابن أم مكتوم)) ثم قال: وكان رجلا أعمى، لا ينادي حتى يقال له: أصبحت، أصبحت، والحديث أخرجه البخاري بلفظه في صحيحه، كتاب الأذان، باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره، برقم (617) 1/ 127، كما يدل عليه حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه وفيه ((
…
فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم)) والحديث أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، في كتاب الأذان، باب من قال ليؤذن في السفر مؤذن، برقم (628) 1/ 128، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة، برقم (674) 1/ 465. فدل على أنه لا يشترط في المؤذن غير الإسلام؛ لقوله: أحدكم. ينظر: كشاف القناع 1/ 235، وحاشية الروض المربع 1/ 436.
وإسلامه، فإن تشاح فيه نفسان، قدم أفضلهما في ذلك، ثم أفضلهما في دينه، وعقله، ثم من يختاره الجيران، أو أكثرهم، فإن استويا، أقرع بينهما
(1)
.
والأذان المختار خمسة عشر كلمة بلا ترجيع
(2)
الشهادتين فيه خفية، والإقامة إحدى عشرة كلمةً
(3)
، فإن رَجَّع في الأذان، أو ثَنَّى الإقامة جاز، ولم يكره.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 395، والإنصاف 1/ 410.
(2)
الترجيع: أن يذكر الشهادتين مرتين، مرتين، يخفض بذلك صوته، ثم يعيدهما رافعا بهما صوته، وهو أذان أبي محذورة، والحكمة: أن يأتي بهما بتدبر وإخلاص، لكونهما المنجيتين من الكفر المدخلتين في الإسلام، وسمي بذلك؛ لأنه رجع إلى الرفع بعد أن تركه، أو إلى الشهادتين بعد ذكرهما ينظر: المغني 1/ 294، والمبدع 1/ 280.
وإنما اختار الإمام أحمد أذان بلال الذي لا ترجيع فيه لأمور:
الأول: أن أذان بلال هو الأخير، لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له بعد رجوعه إلى المدينة.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم داوم عليه سفرا، وحضرا، وكذلك صحابته رضي الله عنهم، ولا يدامون إلا على الأفضل.
الثالث: عدم الاختلاف في ألفاظ أذان بلال، بخلاف أذان أبي محذورة، فقد وقع فيه اختلاف في بعض ألفاظه، وما اتفق عليه، أولى مما اختلف فيه. ينظر: المغني 1/ 294.
(3)
في المخطوط (إحدى عشر كلمةً) والصواب ما أثبت.
ويستحب أن يقول في أذان الصبح، الصلاة خيرٌ من النوم مرتين، وهو التثويب
(1)
بعد الْحَيْعَلَة
(2)
، ويكره في غيرها، وبين الأذان والإقامة، وأن يؤذن أَوَّل الوقت، ويترسل فيه
(3)
ويَحْدُرُها ويجزمهما فلا يعربهما بل يقف على كل جملةٍ، ويؤذن، ويقيم قائمًا، ويكرهان قاعدًا لغير عذرٍ، ولا يكرهان راكبًا، وماشيًا لمسافرٍ، وفي ابن تميم
(4)
يكره إقامة راكبًا، وماشيًا نصًّا.
متطهرًا
(5)
، فإن أذن محدثًا جاز بلا كراهة نصًّا
(6)
، إلا إقامة محدثٍ، وأذان جنبٍ فيكرهان.
ويسن على موضعٍ عالٍ مستقبل القبلة، فإذا بلغ الْحَيْعَلَة التفت يمينًا لحيَّ على الصلاة، وشمالاً لحي على الفلاح، ويجعل إصبعيه السّبابتين في
(1)
وإنما سمي تثويبا من قولك: ثاب فلان إلى كذا، أي عاد إليه
…
كأنه لما قال: حي على الصلاة، حي على الفلاح، عاد إلى الدُّعاء فقال: الصلاة خير من النوم، فثاب إلى الدعاء. ينظر: شرح السنة للبغوي 2/ 265.
(2)
الْحَيْعَلَة: حكاية قولك: حي على الصلاة، حي على الفلاح، وهي منحوتة من كلمتي (حي) و (على). ينظر: العين 1/ 60، وكتاب الأفعال 1/ 274، وتحرير ألفاظ التنبيه 1/ 53، وتاج العروس 28/ 284.
(3)
الترسل: التأني والتمهل، والمترسل، الذي يتمهل في تأذينه، ويبين تبينا يفهمه من يسمعه، وهو من قولهم: جاء فلان على رسله: أي على هيئته، غير عجل، ولا متعبة نفسه. ينظر: المطلع ص 66، ودليل الطالب ص 26.
(4)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 44.
(5)
ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 135.
(6)
لأن الطهارة غير مشروطة له. ينظر: المغني 1/ 300، والشرح الكبير 1/ 401، والإقناع 1/ 78، ومنتهى الإرادات 1/ 41.
أذنيه
(1)
، ويرفع وجهه إلى السماء فيه
كله نصًّا
(2)
، وقيل: عند كلمة الإخلاص
(3)
، ويتولاهما معًا، فلا يستحب أن يقيم غير من أذن، ويقيم في موضع أذانه إلا أن يشق لبعدٍ ونحوه
(4)
.
ولا يصح إلا مرتبًا متواليًا عرفًا منويًا من واحدٍ، فلو أتى واحدٌ ببعضه، وآخر بباقيه لم يعتد به
(5)
، ولو تعذر ذَكر عاقل مسلم عدل.
ولا تعتبر الموالاة بين الإقامة والصلاة، بل يستحب تأخيرها قدرًا يتهيأ فيه؛ للصلاة قاله في الكافي
(6)
.
ويكفي مؤذنٌ واحدٌ في المصر نصًّا
(7)
بحيث يسمعهم، فإن لم يكن واحدٌ زِيْدَ بقدر الحاجة كل واحدٍ في جانبٍ، أو دفعة واحدة/ [20/ ب] في مكان واحد.
ورفع الصوت به ركنٌ بقدر طاقته؛ ليحصل السماع، وتكره الزيادة
(1)
وقد ذكر العلماء فائدتين لوضع الأصبعين في الأذنين:
الأولى: أن ذلك أرفع للصوت.
الثانية: أنه علامة للمؤذن ليعرف من يراه على بعد، أو من كان به صمم أنه يؤذن ينظر: الروض المربع ص 64، ونيل الأوطار 2/ 57.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 13، والمبدع 1/ 284، ومنتهى الإرادات 1/ 41.
(3)
في هامش المخطوط، (وقيل عند كلمة الإخلاص، والشهادتين). وينظر: الفروع 2/ 13، والمبدع 1/ 284.
(4)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 210:
وحيث أذن تندب الإقامه
…
إلا إذا شق فلا ملامه
(5)
ينظر: المبدع 1/ 286، وكشاف القناع 1/ 240.
(6)
ينظر: الكافي 1/ 213.
(7)
ينظر: الإنصاف 1/ 408، ومنتهى الإرادات 1/ 40.
فوق طاقته
(1)
، وإن أذن لنفسه، أو حاضر خُيِّر، ورفع صوته أفضل، وإن خافتَ ببعضه، وجهر ببعضه فلا بأس، ووقت إقامةٍ إلى الإمام، وأذانٍ إلى المؤذن
(2)
.
ولا يؤذن غير الراتب إلا بإذنه، إلا أن يخاف فوت التأذين
(3)
، ومتى جاء وقد أذن قبله أعاد نصًّا
(4)
.
وإن نَكَّسَهُ، أو فرق بينه
(5)
بسكوتٍ طويلٍ ولو بنومٍ، أو كلامٍ كثير، أو محرم كسَبٍّ، وقذف ونحوهما لم يعتد به
(6)
، ويكره فيه كلامٌ يسيرٌ وسكوتٌ بلا حاجة كإقامة ولو لحاجة، ولا رد سلام.
ولا يصح أذانٌ قبل دخول الوقت كالإقامة، إلا لفجر
(7)
، فيجوز بعد نصف الليل ويصح
(8)
، والأفضل بعد الفجر، وقيل: قبله بيسيرٍ
(9)
، ويتوجه
(1)
ينظر: الكافي 1/ 209، والإقناع 1/ 79، وكشاف القناع 1/ 241.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 29، والإقناع 1/ 79.
(3)
ينظر: المبدع 1/ 293، والإقناع 1/ 79، قال في حاشية الروض 1/ 455:«لأن الأذان منوط بنظر المؤذن» .
(4)
ينظر: الفروع 2/ 30، والإنصاف 1/ 428، والإقناع 1/ 79، وشرح منتهى الإرادات 1/ 138.
(5)
في المخطوط (أو خرق بينه) والصواب ما أثبت. ينظر: الشرح الكبير 1/ 406، والمبدع 1/ 285، والإنصاف 1/ 419، والإقناع 1/ 78.
(6)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 406، والمبدع 1/ 285، والإنصاف 1/ 419.
(7)
قال في المغني 1/ 297: «الأذان قبل الوقت في غير الفجر لا يجزئ، وهذا لا نعلم فيه خلافا» وقال النووي في المجموع 3/ 89: «أما غيرها ـ أي الصبح ـ فلا يصح الأذان لها قبل وقتها بإجماع المسلمين، نقل الإجماع فيه ابن جرير وغيره» . وقال ابن المنذر في الإجماع ص 39: «وأجمعوا على أن من السنة: أن يؤذن للصلاة بعد دخول وقتها، إلا الصبح» .
(8)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 491، والكافي 1/ 199، والمحرر 1/ 38.
(9)
ينظر: الفروع 2/ 20، والإنصاف 1/ 420.
أنه أظهر.
ويكره في رمضان قبل فجرٍ ثانٍ نصًّا
(1)
مقتصرًا عليه، أما إذا كان معه من يؤذن بعد الوقت فلا
(2)
، وعنه
(3)
لا يكره مع العادة اختاره جماعةٌ.
قال المنُقِّح
(4)
: وهو أظهر وعليه العمل
(5)
.
ويسن جلوسه بعد أذان مغربٍ
(6)
، وكل صلاةٍ يسن تعجيلها جلسةً خفيفةً، ثم يقيم، ولا يُحرِم إمامٌ وهو في الإقامةٍ بل يستحب عَقِبَ فراغه منها.
ولا يكره ركعتان قبل مغربٍ نصًّا، بل تباح
(7)
.
ويحرم خروج من مسجدٍ بعد أذانٍ بلا عذرٍ، أو نية رجوعٍ
(8)
، إلا أن
(1)
ينظر: المغني 1/ 298، والوجيز ص 37، والفروع 2/ 20، ومنتهى الإرادات 1/ 41.
(2)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 491، والكافي 1/ 200، والمبدع 1/ 287، والإنصاف 1/ 420.
(3)
ينظر: المغني 1/ 298، قال في الإنصاف 1/ 421:«فإن كان عادة لم يكره جزم به في الحاويين. وصححه الشارح، وغيره واختاره المجد» .
(4)
ينظر: التنقيح ص 76.
(5)
نقل عن المنُقِّح هذه العبارة في هذا المخطوط تسع مرات، قال الحجاوي في حاشية التنقيح ص 76:«ومراده عادة الناس الموجودة، لا العمل في الفتيا والحكم، كما توهمه بعض الناس؛ لأنه يأتي بعد تقديم المذهب، وليته ترك ذلك» .
(6)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 210:
وجلسة بعد آذان المغرب
…
تندب حتى تركها أكره تصب
(7)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 211:
والركعتان قبل فعل المغرب
…
تندب لا تكره عن صحب النبي
(8)
ينظر: الفروع 2/ 28، ومنتهى الإرادات 1/ 40.
يكون قد صلّى.
قال ابن تميم
(1)
: ويجوز لمؤذن خروج بعد أذان فجر نصًّا.
ومن جمع بين صلاتين، أو قضى فوائت أذنّ للأولى فقط، ثم أقام لكل صلاةٍ، ويجزئ أذان مميزٍ لبالغٍ، ومُلَحَن
(2)
، وملحون
(3)
، إن لم يخل المعنى مع الكراهة فيهما، لا أذان فاسق
(4)
، وخنثى، وامرأة.
ويستحب لمن سمع المؤذن ولو ثانيًا، وثالثًا حيث سُن حتى نفسه
(5)
/ [21/ أ] نصًّا
(6)
.
أو المقيم أن يقول متابعة قوله سرًا كما يقول، ولو في طواف، أو
(1)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 50.
(2)
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع 2/ 70: «الملحن: المطرب به، أي: يؤذن على سبيل التطريب به، كأنما يجر ألفاظ أغنية، فإنه يجزئ لكنه يكره» .
(3)
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع 2/ 70: «الملحون: هو الذي يقع فيه اللحن، أي: مخالفة القواعد العربية، ولكن اللحن ينقسم إلى قسمين:
الأول: قسم لا يصح معه الأذان، وهو الذي يتغير به المعنى.
الثاني: وقسم يصح به الأذان مع الكراهة، وهو الذي لا يتغير به المعنى، فلو قال المؤذن:«الله أكبار» فهذا لا يصح؛ لأنه يحيل المعنى، فإن «أكبار» جمع «كبر» كأسباب جمع «سبب» وهو الطبل.
ولو قال: «الله وكبر» فإنه يجوز في اللغة العربية إذا وقعت الهمزة مفتوحة بعد ضم أن تقلب واوا
…
».
(4)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 209، 210:
وفاسق آذانه كالعدم
…
فيه كذا من فاه بالمحرم
(5)
أي: يستحب للمؤذن أن يجيب نفسه. ينظر: كشاف القناع 1/ 245.
(6)
في هامش المخطوط: «وهذا على قاعدة أن المتكلم يدخل في عموم مه، كما هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله» .
امرأة، أو تاليًا بل يقطع، ويجيب لا مُصَلٍّ، وَمُتَخَلٍّ، ويقضيانه.
فإن أجابه المصلّى بطلت بالْحَيْعَلَة فقط، قال أبو المعالي: وبغيرها إن قصد الأذان لا الذكر.
إلا في الْحَيْعَلَة فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله فقط
(1)
نصًّا.
وعند التثويب: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ
(2)
.
وفي الإقامة عند لفظها: أقامها الله وأدامها
(3)
؛ ثم يصلّي على النبي صلى الله عليه وسلم.
ويقول بعد فراغه: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة
(4)
والفضيلة
(5)
،
(1)
أي بدون زيادة العلي العظيم؛ لعدم ورودها في حديث عمر رضي الله عنه المخرج في صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه، برقم (385) 1/ 289. وينظر: الكافي 1/ 215، والمغني 1/ 309، والشرح الكبير 1/ 416.
(2)
قال ابن حجر في التلخيص الحبير 1/ 520: «لا أصل لما ذكره في الصلاة خير من النوم» ، وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع 2/ 92:«وهذا ضعيف، لا دليل له؛ ولا تعليل صحيح» .
(3)
من حديث أبي أمامة: أن بلالا أخذ في الإقامة، فلما قال: قد قامت الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أقامها الله، وأدامها» .
والحديث ضعيف. ينظر: فتح الباري لابن رجب 5/ 259، ومرقاة المفاتيح 2/ 569، ونيل الأوطار 2/ 64، ومشكّاة المصابيح 1/ 212.
(4)
الوسيلة: منزلة في الجنة. ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه 1/ 54، والمطلع ص 71، وقال أهل اللغة: الوسيلة، المنزلة عند الملك، والدرجة، والقربة. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 8/ 613، ولسان العرب 11/ 724.
(5)
الفضيلة: أي المرتبة الزائدة على سائر الخلائق، ويحتمل أن يكون منزلة أخرى، أو تفسيرا للوسيلة. ينظر: فتح الباري لابن حجر 2/ 95.
وابعثه مقامًا محمودًا
(1)
(2)
.
ولا يقول: الدرجة الرفيعة
(3)
، ثم يدعو هنا، وعند إقامة أيضًا، فعله أحمد
(4)
.
(1)
قال في الإنصاف 1/ 427: «والصحيح من المذهب، أنه لا يقولهما إلا مُنَكَرين» وقد رجح ابن القيم رواية التنكير، ورد أن يقالا معرفين من أربعة أوجه. ينظر: بدائع الفوائد 4/ 104.
(2)
والأفضل أن يضاف إليها «الذي وعدته» لورودها في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب الدُّعاء عند النداء، برقم (614) 1/ 126. أما رواية «إنك لا تخلف الميعاد» أخرجها البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا فرغ من ذلك (الأذان) برقم (1933) 1/ 603، قال الألباني في إرواء الغليل 1/ 260: وهى شاذة؛ لأنها لم ترد في جميع طرق الحديث عن على بن عياش اللهم إلا في رواية الكشمينى لصحيح البخاري خلافا لغيره فهي شاذة أيضا لمخالفتها لروايات الآخرين للصحيح.
(3)
صرح بذلك ابن حجر في التلخيص 1/ 518، والسخاوي في المقاصد الحسنة ص 343.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 27، والمبدع 1/ 293، ومنتهى الإرادات 1/ 42.
باب شروط الصلاة
وهي ما تجب لها قبلها، قال المنُقِّح
(1)
: إلا النية على ما يأتي، وهي ستة بالتاء؛ لأنها جمع شرط وهو ما يتوقف عليه صحة الشيء إن لم يكن عذر، ولا يكون منه
(2)
.
فمتى أخلَّ بشرطٍ لغير عذرٍ لم تنعقد صلاته ولو ناسيًا، أو جاهلاً.
ومنها: إسلامٌ، وعقلٌ، وتمييزٌ، وتقدم
(3)
.
أولها: دخول الوقت وهو سبب نفس وجوبها؛ لأنها تضاف إليه، وهي تدل على السببية ويتكرر بتكرارها وجوب الأداء، إذ سببه الخطاب.
الثاني: الطهارة من الحدث.
وأَوَّل الصلوات الخمس المفروضات الظهر
(4)
، وتسمى الهجير
(5)
(1)
ينظر: التنقيح ص 78.
(2)
ومن تعريفات الشرط في الاصطلاح: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود، ولا عدم لذاته. مثل الوضوء للصلاة. ينظر: قواطع الأدلة 1/ 223، وروضة الناظر 1/ 84، والفروق للقرافي 1/ 60.
(3)
في باب فروض الوضوء. لوح رقم (8/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [120].
(4)
سميت الظهر ظهرا اشتقاقا لها من الظهور، إذ هي ظاهرة في وسط النهار.
والظهر لغة: الوقت بعد الزوال، وشرعا اسم للصلاة من باب تسمية الشيء باسم وقته. ينظر: شرح الزركشي 1/ 463، والمبدع 1/ 295.
(5)
لأنها تصلّي وقت الهاجرة، وهي شدة الحر. ينظر: كشاف القناع 1/ 249، وكشف المخدرات 1/ 109، وحاشية الروض المربع 1/ 465.
وهي أربع ركعاتٍ وهي الأولى؛ لبداءة جبريل بها لما صلّى بالنبي صلى الله عليه وسلم
(1)
.
ووقتها من الظل الذي هو زوال الشمس، وهو ميلها عن كَبِد السماء
(2)
.
ويعرف ذلك بزيادة الظل بعد تناهي قصره؛ لأن الظل يكون أولاً طويلاً لمقابلة قصرها، وكلما ارتفعت الشمس قصر الظل، إلى أن ينتهي.
فإذا أخذت الشمس في الزوال مغربة طال الظل إلى جهة المشرق، وبه يعرف الزوال.
ويقصر الظل جدًا في كل بلدٍ تحت وسط الفَلَك، ويطول فيما بعد عنه؛ لأن الشمس ناحية عنه فصيفها كشتاء غيرها، لكن لا يقصر في بعض بلاد خُرَاسَان لسير الشمس ناحية/ [21/ ب] عنها، قاله ابن حمدان
(3)
وغيره،
(1)
قال ابن الملقن في البدر المنير 3/ 150: هذا الحديث أصل أصيل في هذا الباب.
والحديث أخرجه الشافعي في مسنده، من كتاب استقبال القبلة في الصلاة ص 27، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب المواقيت، برقم (2028) 1/ 531، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلاة، باب في جميع مواقيت الصلاة، يرقم (3220) 1/ 280، وأحمد في مسنده برقم (3081) 5/ 202، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في المواقيت، برقم (393) 1/ 107، والترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في مواقيت الصلاة، برقم (149) 1/ 278. قال الألباني: حديث صحيح. ينظر: مشكّاة المصابيح 1/ 185، وصحيح الجامع الصغير وزيادته 1/ 297.
(2)
قال البهوتي في كشاف القناع 1/ 249: «أجمع العلماء، على أن أَوَّل وقت الظهر إذا زالت الشمس، حكاه ابن المنذر، وابن عبد البر» وينظر: الإجماع لابن المنذر ص 38، والتمهيد 8/ 70.
(3)
لم أجده في الرعاية الصغرى، ولعله في الكبرى، ونقل عنه كل من صاحب المبدع 1/ 296، والإقناع 1/ 82، وكشاف القناع 1/ 250.
يختلف باختلاف الزمان والبلد فأقل ما تزول في إقليم الشام
(1)
، والعراق على قدم وثلث في نصف حُزيران
(2)
، ويتزايد إلى أن تزول على عشرة أقدامٍ وسدس في نصف كانون الأول
(3)
وتزول على أقل وأكثر في غير ذلك.
وطول الإنسان ستة أقدامٍ وثلثان بقدمه تقريبًا، ويمتد وقتها إلى أن يصير ظل كل شيءٍ مثله، بعد الذي زالت عليه الشمس إن كان نصًّا
(4)
، والأفضل تعجيلها، بأن يتأهب لها بدخول وقتها، وكذا كل صلاةٍ يستحب تعجيلها، إلا في شدّة حر فيسن التأخير
(5)
، ولو صلّى وحده
(6)
حتى ينكسر.
وغيم نصًّا
(7)
لمن يصلّي جماعةً إلى قرب وقت الثانية، غير صلاة
(1)
الشام: سميت بذلك، لكثرة قراها، وتداني بعضها من بعض، فشبهت بالشامات، وقيل غير ذلك، وكان أَوَّل دخول المسلمين الشام زمن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة، وهي ذات أنهار جارية، ومزارع نضرة، وتشمل بلاد الشام سورية، والأردن، ولبنان، وفلسطين. ينظر: معجم البلدان 3/ 311، ومعجم المعالم الجغرافية ص 167.
(2)
حزيران: الشهر السادس من الشهور السريانية، ويقابله شهر يونيه من الشهور الرومية، وهو نهاية فصل الربيع، وبداية فصل الصيف. ينظر: المعجم الوسيط 1/ 170، ومعجم اللغة العربية المعاصرة 1/ 488.
(3)
هو الشهر الثالث من الأشهر السريانية، ويقع في قلب الشتاء، ويقابله شهر ديسمبر من الأشهر الرومية. ينظر: مختار الصحاح 1/ 274، والمصباح المنير 1/ 200.
(4)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل صالح 1/ 153، ومسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله ص 52، ومنتهى الإرادات 1/ 42.
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 82، وكشاف القناع 1/ 251، وحاشية الروض المربع 1/ 469.
(6)
قال ابن قاسم في حاشية الروض 1/ 469: «وليس المراد أن يترك الجماعة ويصلي وحده، إذ لا يترك واجب لمسنون، وإنما المراد المعذور لمرض ونحوه» .
(7)
ينظر: المغني 1/ 282، وشرح الزركشي 1/ 488، والإنصاف 1/ 431، ومنتهى الإرادات 1/ 42.
جمعةٍ فيهما، وتأخيرها لمن لم تجب عليه الجمعة إلى بعد صلاتها، ولمن يرمي الجمرات حتى يرميها أفضل ويأتي
(1)
.
ثم يليه وقت العصر وهي الوسطى
(2)
، وهي أربع ركعاتٍ، ووقتها من خروج وقت الظهر، إلى أن يصير ظل الشيء مثليه سوى ظل الزوال إن كان، وهو آخر وقتها المختار، وعنه إلى اصفرار الشمس
(3)
، قال في الفروع
(4)
: وهي أظهر، وتبعه المنُقِّح
(5)
.
ثم هو وقت ضرورةٍ إلى غروبها، وتعجيلها أفضل بكل حالٍ، ويسن جلوسه بعدها في مصلاه إلى غروب الشمس، وبعد فجرٍ إلى طلوعها، ولا يستحب ذلك في بقية الصلوات نصًّا
(6)
.
ثم يليه وقت المغرب وهي وتر النهار، وهي ثلاث ركعاتٍ، ولا يكره تسميتها بالعشاء، وبالمغرب أولى
(7)
، وتعجيلها أفضل، فيكره تأخيرها، إلا ليلة جمعٍ
(8)
/ [22/ أ] وهي ليلة النحر لمن قصدها محرمًا إن لم يوافها وقت
(1)
في باب صفة الحج. لوح رقم (117/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [520].
(2)
اختلف الفقهاء في المراد بالصلاة الوسطى، على عشرين قولا، والراجح أن الوسطى هي صلاة العصر، قال المرداوي في الإنصاف 1/ 432:«هو المذهب، نص عليه الإمام أحمد، وقطع به الأصحاب، ولا أعلم عنه، ولا عنهم فيها خلافا» .
(3)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 434، وشرح الزركشي 1/ 468، والمبدع 1/ 299، والإنصاف 1/ 433.
(4)
ينظر: الفروع 1/ 300.
(5)
ينظر: التنقيح ص 78.
(6)
ينظر: المبدع 2/ 180، والإقناع 1/ 83.
(7)
ينظر: الفروع 1/ 432، والإقناع 1/ 83، ومطالب أولي النهى 1/ 311.
(8)
جمع: اسم من أسماء مزدلفة، وسميت مزدلفة جمعا؛ لاجتماع الناس بها. ينظر: تهذيب اللغة 1/ 267، والمخصص 4/ 60، والمطلع ص 75.
الغروب، على مقتضى كلامهم وهو أوضح، قاله في الفروع
(1)
.
وفي غيم لمن يصلي جماعةً نصًّا
(2)
، وفي جمعٍ إن كان أرفق ويأتي
(3)
، ويمتد وقتها إلى مغيب الشفق الأحمر
(4)
.
ثم يليه وقت العشاء وهي أربع ركعاتٍ، ولا يكره تسميتها بالعتَمَة
(5)
، ويكره النوم قبلها مطلقا، والحديث بعدها، إلا مع طلوع الفجر الثاني وهو البياض المعترض في المشرق، ولا ظلمة بعده، وتأخيرها إلى آخر وقتها المختار أفضل ما لم يشق على المأمومين، أو بعضهم نصًّا
(6)
، أو يؤخر مغربًا؛ لغيمٍ، أو جمعٍ.
وتأخير عادم الماء العالم به، أو الراجي وجوده إلى آخر الوقت أفضل في الكل
(7)
وتقدم
(8)
.
وتأخيرٌ لمصلّي كسوف أفضل إن أمن فوتها، ولمعذورٍ، كخائفٍ،
(1)
ينظر: الفروع 1/ 302.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 439، والمبدع 1/ 303، والإنصاف 1/ 435، ومنتهى الإرادات 1/ 43.
(3)
سيأتي كلام المؤلف في نفس الصفحة.
(4)
المراد به: ما يكون بعد غيبوبة الشمس في مغربها من شعاع أحمر. ينظر: غريب الحديث لإبراهيم الحربي 1/ 26، وجمهرة اللغة 2/ 874، ومقاييس اللغة 3/ 197، والمحكم والمحيط الأعظم 6/ 170.
(5)
ينظر: الإنصاف 1/ 437، والإقناع 1/ 83، وكشف المخدرات 1/ 112.
(6)
ينظر: المبدع 1/ 306، والإقناع 1/ 83، ومنتهى الإرادات 1/ 43، وكشاف القناع 1/ 255.
(7)
ينظر: المبدع 1/ 306، والإقناع 1/ 83.
(8)
في باب شروط التيمم. لوح رقم (14/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [145].
وتائقٍ
(1)
ونحوه، وتقدم إذا ظن مانعًا من الصلاة ونحوه
(2)
، ولو أمره والده بتأخيرها ليصلّي به أخّر نصًّا
(3)
، فلا تكره إمامة ابنٍ بأبيه
(4)
، ويجب التأخير؛ لتعلم الفاتحة، وذكر واجبٍ في الصلاة.
ثم يليه وقت الفجر وهي ركعتان، وتسمى الصبح، ولا يكره تسميتها بالغداة
(5)
.
ويمتد وقتها إلى طلوع الشمس، وتعجيلها أفضل، وعنه
(6)
إن أسفر المأمومون، أو أكثرهم فالأفضل الإسفار، إلا لحاجٍ بمزدلفة، ويكره الحديث بعدها في أمر الدنيا حتى تطلع الشمس.
وتدرك مكتوبةٌ أداءً ولو جمعة ويأتي
(7)
، أو كان آخر وقتٍ ثانية في جمعٍ بتكبيرة إحرام
(8)
فتنعقد، ويبنى عليها، ولا تبطل بخروج الوقت وهو فيها ولو أخرها عمدًا.
قال المجد في شرحه
(9)
: معنى قولهم تدرك بتكبيرة بناء ما خرج عن
(1)
التائق: يقال: تاقت نفسه إلى الشيء، اشتاقت، ونازعت إليه. ينظر: مختار الصحاح 1/ 47، ومعجم اللغة العربية المعاصرة 1/ 305.
(2)
في كتاب الصلاة. لوح رقم (20/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [165].
(3)
ينظر: المبدع 1/ 307، والإقناع 1/ 84، ومنتهى الإرادات 1/ 43.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 11، والمبدع 2/ 88، والإقناع 1/ 84.
(5)
ينظر: شرح الزركشي 1/ 482، والإقناع 1/ 84، وكشاف القناع 1/ 256.
(6)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 442، والمبدع 1/ 308، والإنصاف 1/ 438.
(7)
في هذا الباب. لوح رقم (23/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [179].
(8)
قال في كشاف القناع 1/ 330: «سميت التكبيرة التي يدخل بها في الصلاة: تكبيرة الإحرام؛ لأنه يدخل بها في عبادة يحرم فيها أمور، والإحرام: الدخول في حرمة لا تنتهك» .
(9)
نقل ذلك عنه صاحب الإقناع 1/ 84، وكشاف القناع 1/ 257.
وقتها على تحريمة الأداء في الوقت وأنها لا تبطل بل تقع الموقع في/ [22/ ب] الصحة والإجزاء.
ومن شكّ في دخول الوقت لم يصل فإن صلّى فعليه الإعادة، وإن وافق الوقت، قاله ابن تميم
(1)
وغيره
(2)
.
فإن غلب على ظنه دخوله بدليلٍ من اجتهادٍ، أو تقليد، أو تقدير الزمان بقراءة، أو صنعة صلّى إن لم يمكنه اليقين بشهادةٍ، أو إخبار عن يقينٍ حتى أعمى عاجزٌ ونحوه يقلد، فإن عدم أعاد، والأفضل لهم التأخير إلى الاستيقان ولو أمكن اليقين، فإن أخبره بذلك مخبرٌ عن يقينٍ قُبِل قوله إن كان ثقةً، أو سماع أذان ثقة عارف، وإن كان عن اجتهادٍ لم يقبله أطلقه الأكثر
(3)
، وقال جمعٌ
(4)
يقبله لعذرٍ.
قال المنُقِّح
(5)
: وهو أظهر.
ومتى اجتهد وصلّى، فبان أنه وافق الوقت، أو ما بعده أجزأه، وإن وافق قبله لم يجزئه عن فرضه وكانت نفلاً ويأتي
(6)
، وعليه الإعادة
(7)
.
(1)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 29.
(2)
ينظر: المغني 1/ 213، والمبدع 1/ 310، والإقناع 1/ 84، وكشاف القناع 1/ 257.
(3)
منهم الْمُوَفَّق. في المقنع 1/ 111، والكافي 1/ 199، وابن أبي السري في الوجيز ص 38، والمجد في المحرر 1/ 29.
(4)
منهم ابن عقيل، وأبو المعالي، وابن تميم، وابن حمدان. ينظر: الفروع 1/ 437، والمبدع 1/ 310.
(5)
ينظر: التنقيح ص 79.
(6)
في باب النية لوح رقم (29/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [202].
(7)
ينظر: الكافي 1/ 198، والإقناع 1/ 84.
ومن أدرك من الوقت قدر تكبيرةٍ، ثم طرأ مانعٌ من جنونٍ، أو حيضٍ ونحوه لزمه القضاء، وإن بقي قدرها من أخره، ثم زال المانع، ووجد المقتضي ببلوغ صبيٍ، أو إفاقة مجنونٍ، أو إسلام كافر، أو طهر حائضٍ وجب قضاؤها، وقضاء ما يجمع إليها قبلها
(1)
.
فإن كان قبل طلوع الشمس لزم قضاء الصبح، وإن كان قبل غروبها لزم قضاء الظهر والعصر، وإن كان قبل طلوع فجرٍ لزم قضاء المغرب والعشاء.
ومن فاته فرض صلاةٍ فأكثر، لزم قضاؤها مرتبًا على الفور، إلا إذا حضر لصلاة عيدٍ نصًّا
(2)
مالم يتضرر في بدنه، أو ماله، أو معيشةٍ يحتاجها نصًّا
(3)
، ويجوز التأخير؛ لغرضٍ صحيحٍ كانتظار رفقةٍ، أو جماعةٍ للصلاة
(4)
، ولا يصح نفلٌ مطلقٌ إذًا؛ لتحريمه كأوقات النهي.
وإن قَلّت الفوائت قضى سنتها معها، وإن كثرت فالأولى ترك سنتها.
واستثنى الإمام أحمد رحمه الله سنة الفجر وقال: لا يُهْمِلُها
(5)
، وخير من الوتر
(6)
.
ولا تسقط الفائتة لحجٍ، ولا تضعيف صلاةٍ في المساجد الثلاثة/ [23/ أ]
(1)
ينظر: المحرر 1/ 74، والوجيز ص 38.
(2)
ينظر: المبدع 1/ 313، والإنصاف 1/ 443، والإقناع 1/ 85، ومنتهى الإرادات 1/ 43.
(3)
ينظر: المبدع 1/ 313، والإنصاف 1/ 443، والإقناع 1/ 85، ومنتهى الإرادات 1/ 43.
(4)
ينظر: الفروع 1/ 483، والروض المربع 1/ 72، وكشف المخدرات 1/ 114.
(5)
ينظر: الفروع 1/ 439، والمبدع 1/ 314، والإنصاف 1/ 443.
(6)
الوتر: الفرد أو ما لم يتشفع من العدد. ينظر: لسان العرب 5/ 273، والقاموس المحيط ص 490.
ولا غيرها
(1)
.
فإن خشي فوات الحاضرة، أو خروج وقت الاختيار سقط وجوبه، فيصلّي الحاضرة إذا بقي من الوقت قدر فعلها، ثم يقضي
(2)
، وعنه لا تسقط إلا في جمعةٍ نصًّا
(3)
.
وتصح البداءة بغير الحاضرة نصًّا
(4)
مع ضيق الوقت، ولا نافلة إذًا ولو راتبةً.
وإن نسي الترتيب بين الفوائت حال قضائها، أو بين حاضرةٍ، وفائتةٍ حتى فرغ سقط وجوبه
(5)
، ولا يسقط بجهل وجوبه فلو صلّى الظهر، ثم الفجر جاهلاً، ثم صلّى العصر في وقتها صحت عصره؛ لاعتقاده أن لا صلاة كمن صلاها، ثم تبين أنه صلّى الظهر بلا وضوءٍ، ولا بفوت جماعةٍ.
وإن ذكر فائتة في حاضرة أتمها غير الإمام نفلاً، مالم يضق الوقت
(6)
، ويقطعها الإمام نصًّا مع سعة
(7)
، قال المنُقِّح
(8)
: واستثنى جمع الجمعة
(9)
، وهو أظهر.
(1)
ينظر: المستدرك على مجموع الفتاوى 3/ 65، والفروع 1/ 441، والمبدع 1/ 314.
(2)
ينظر: الكافي 1/ 196، والشرح الكبير 1/ 451، والإنصاف 1/ 444.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 196، والشرح الكبير 1/ 451، والمبدع 1/ 314، والإنصاف 1/ 444.
(4)
ينظر: الفروع 1/ 443، والإنصاف 1/ 445، والإقناع 1/ 86، وكشاف القناع 1/ 261.
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 86، والروض المربع 1/ 72، وكشاف القناع 1/ 261.
(6)
ينظر: الفروع 1/ 442، والمبدع 1/ 316، والإقناع 1/ 86، وكشاف القناع 1/ 262.
(7)
ينظر: الإقناع 1/ 86، ومنتهى الإرادات 1/ 44، وكشاف القناع 1/ 262.
(8)
ينظر: التنقيح ص 79.
(9)
منهم: القاضي أبو يعلى، وابن حمدان، وابن تميم، والمرداوي، وقال: وهو الصواب. ينظر: الإنصاف 1/ 445.
ولو شكّ في صلاةٍ هل صلّى ما قبلها، ودام حتى فرغ، فبان أنه لم يصل أعادهما
(1)
.
وإن نسي صلاةً من يوم يجهل عينها، صلّى خمسًا بنية الفرض.
وإن نام مسافرٌ عن الصلاة حتى خرج الوقت، سن له الانتقال من مكانه ليقضي الصلاة في غيره نصًّا
(2)
.
(1)
ينظر: الفروع 1/ 442، والإقناع 1/ 86، وكشاف القناع 1/ 262.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 87، وكشاف القناع 1/ 263.
باب ستر العورة
(1)
وهي الشرط الثالث، السَّتر بالفتح مصدر سترت الشيء إذا غطّيته
(2)
.
والعورة: سوءة الإنسان وما يستحي منه.
فمعنى ستر العورة: تغطية ما يقبح ظهوره، ويُستَحى منه
(3)
.
وسترها عن النظر حتى عن نفسه، لا من أسفل
(4)
، ولم يتيسر نظر، بل مما عداه بما لا يصف لون البشرة سوادها، وبياضها، لا حجم العضو فإنه لا بأس به نصًّا
(5)
.
ويكفي ورَقٌ، ونباتٌ ونحوهما، ومتصل به كَيَدِهِ، وَلِحْيَتِهِ نصًّا
(6)
لا بَارِيَة
(7)
، وحصير ونحوهما مما يضره، ولا حَفِيرَة، وطين، وماءٍ راكدٍ؛
(1)
العورة: كل شيء يستره الإنسان أنفة وحياء فهو عورة، وهي قسمان: مغلظة: القبل والدبر، ومخففة: ما سواهما من غير الوجه والكفين من الحرة، وموضع الإزار من الرجل، ومنه ومن الظهر والبطن من الأمة. ينظر: المصباح المنير 2/ 437، والكليات ص 644.
(2)
ينظر: إكمال الإعلام 2/ 293، والمطلع ص 80، والتوقيف على مهمات التعريف ص 190.
(3)
ينظر: تهذيب اللغة 3/ 110، والصحاح 2/ 759، ومختار الصحاح ص 221.
(4)
أي: من جهة الرجلين، وإن تيسر النظر من أسفل، كمن صلّى على حائط. ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 149.
(5)
ينظر: المبدع 1/ 317، والروض المربع ص 73.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 33، والمبدع 1/ 317، والإنصاف 1/ 448، ومنتهى الإرادات 1/ 45.
(7)
أي لا يلزمه ستر العورة بالبارية وهي الحصير الخشن المنسوج. ينظر: المصباح المنير 1/ 46، وتاج العروس 11/ 28.
لعدم واجب في الصلاة مطلقًا/ [23/ ب] فلو نسي ستر عورته، أو جهل وجوبه، وصلّى عريانًا أعاد
(1)
؛ لأن النسيان ليس بعذرٍ في شيءٍ من الشروط، وكذا في غيرها ولو في ظلمةٍ، أو حمّامٍ
(2)
لا عن نفسه إن جاز له كشفها خلوةً
وتقدم
(3)
، إلا لضرورة كتداوٍ ونحوه، أو حاجةٍ كتَخَل، أو لأحد الزوجين، أو لأمَتِه المباحة وهي لسيدها.
وعورة الرجل، والأمة ما بين السُّرة، والركبة
(4)
وكذا خنثى، ومن بلغ عشرًا.
(1)
ينظر: المبدع 1/ 328.
(2)
قال ابن القيم في زاد المعاد 1/ 168: «ولم يدخل صلى الله عليه وسلم حماما قط، ولعله ما رآه بعينه، ولم يصح في الحمام حديث» . وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 12/ 224، 225 عند قوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} سورة النور آية رقم (30): «هذه الآية حرم العلماء نصًّا دخول الحمام بغير مئزر، ثم قال: فإن استتر فليدخل بعشرة شروط:
الأول: ألا يدخل إلا بنية التداوي.
الثاني: أن يعتمد أوقات الخلوة، أو قلة الناس.
الثالث: أن يستر عورته بإزار صفيق.
الرابع: أن يكون نظره إلى الأرض، أو يستقبل الحائط؛ لئلا يقع بصره على محظور.
الخامس: أن يغير ما يرى من منكر برفق، يقول: استتر سترك الله.
السادس: إن دلكه أحد لا يمكنه من عورته، من سرته إلى ركبته إلا امرأته أو جاريته.
السابع: أن يدخله بأجرة معلومة بشرط، أو بعادة الناس.
الثامن: أن يصب الماء على قدر الحاجة.
التاسع: إن لم يقدر على دخوله وحده اتفق مع قوم يحفظون أديانهم على كرائه.
العاشر: أن يتذكر به جهنم، فإن لم يمكنه ذلك كله فليستتر وليجتهد في غض البصر».
(3)
في أَوَّل هذا الباب. لوح رقم (23/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [181].
(4)
ينظر: عمدة الفقه ص 22، والعدة شرح العمدة ص 68، والشرح الكبير 1/ 456، والمبدع 1/ 318.
والحرة البالغة كلها عورةٌ في الصلاة حتى ظفرها نصًّا
(1)
، وذوائبها، إلا وجهها فقط وعنه
(2)
والكفين.
قال المنُقِّح
(3)
: وهو أظهر، ومراهِقة
(4)
قال بعضهم
(5)
: ومميِّزة كأَمَة، وأم الولد
(6)
، والمعتق بعضها، وَمُدَبَّرَةٌ
(7)
، وَمُكَاتَبَةٌ
(8)
، كأمة.
وعنه
(9)
كحرةٍ.
قال المنُقِّح
(10)
: وهو أظهر، يعني في معتقٍ بعضها، ويستحب لرجلٍ أن يصلّي في ثوبين، قال بعضهم
(11)
: في قميصٍ ورداءٍ، أو إزارٍ وسراويل،
(1)
ينظر: المغني 1/ 431، والفروع 2/ 35، والمبدع 1/ 319، والإنصاف 1/ 452، ومنتهى الإرادات 1/ 45.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 35، والمبدع 1/ 319، والتنقيح ص 80، والإقناع 1/ 88.
(3)
ينظر: التنقيح ص 80.
(4)
المراهق: الغلام الذي قارب الاحتلام، ولم يحتلم بعد. ينظر: المصباح المنير 1/ 242، مادة (ر هـ ق).
(5)
قال في الكافي 1/ 227: «لأن الرق باق فيهما، إلا أنه يستحب لهما التستر، لما فيهما من شبه الأحرار» وينظر: عمدة الفقه ص 22، والشرح الكبير 1/ 459، والمبدع 1/ 320.
(6)
أم الولد هي: الأمة المملوكة التي جامعها سيدها فحملت منه وولدت، وهي رقيقة حتى يموت سيدها، فإذا مات سيدها فإنها تعتق. ينظر: شرح عمدة الفقه لابن جبرين 1/ 234.
(7)
المدبر: هو المعلق عتقه بموت سيده. ينظر: المطلع ص 383.
(8)
المكاتَب بفتح التاء: العبد الذي اشترى نفسه من سيده بمال مؤجل، إلى أوقات معلومة. ينظر: المغني 6/ 415، والشرح الكبير 7/ 241، وشرح منتهى الإرادات 2/ 568.
(9)
ينظر: الكافي 1/ 227، والمحرر 1/ 43، والإنصاف 1/ 453. قال في الشرح الكبير 1/ 459 في المبعضة:«لأن فيها حرية تقتضي الستر، فوجب كما يجب على الخنثى المشكّل ستر فرجيه معا؛ لوجوب ستر أحدهما» .
(10)
ينظر: التنقيح ص 80.
(11)
ينظر: الكافي 1/ 228، ومطالب أولي النهى 1/ 330.
وزاد بعضهم
(1)
: مع ستر رأسه، ولعله مرادهم.
ولا يكره في ثوبٍ واحدٍ يستر ما يجب ستره، فإن صلّى في قميصٍ واحدٍ استحب أن يزره عليه، فإن لم يزره، وشد وسطه عليه بما يستر العورة صحت، فإن اقتصر على ستر عورة، وأعرى العاتقين في نفلٍ أجزأه
(2)
، وفي فرض به، ويستر جميع أحد عاتقيه بشيءٍ من لباس، ولو وصف البشرة.
ويسن لامرأةٍ حرةٍ صلاةٌ في دِرعٍ
(3)
، وخمار
(4)
، وَمِلْحَفَة
(5)
، ويكره في نِقَاب، وبرقعٍ نصًّا
(6)
، فإن اقتصرت على ستر عورتها أجزأها.
ولا تبطل الصلاة بكشف يسيرٍ من العورة عرفًا سهوًا ولو في زمنٍ طويلٍ.
وكذا كثيرٍ في زمنٍ يسيرٍ
(7)
فلو أطارت الريح سترته ونحوه عن عورته
(1)
ينظر: الرعاية الصغرى 1/ 73، والفروع 2/ 38، والمبدع 1/ 321، والإنصاف 1/ 454.
(2)
قال النووي في شرحه على مسلم 4/ 231: «قال العلماء: حكمته أنه إذا ائتزر به ولم يكن على عاتقه منه شيء لم يؤمن أن تنكشف عورته، بخلاف ما إذا جعل بعضه على عاتقه؛ ولأنه قد يحتاج إلى إمساكه بيده، أو يديه فيشغل بذلك وتفوته سنة، وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت صدره ورفعهما حيث شرع» .
(3)
الدرع: ثوب تلبسه المرأة في بيتها ويسمى (القميص). ينظر: المغرب في ترتيب المعرب ص 162، ولسان العرب 6/ 106، ومعجم اللغة العربية المعاصرة 1/ 739.
(4)
الخمار: ما تغطي به المرأة رأسها. ينظر: تاج العروس 11/ 214، والقاموس الفقهي ص 122، والمعجم الوسيط 1/ 255.
(5)
الملحفة بكسر الميم هي: الملاءة التي تلتحف بها المرأة. ينظر: تهذيب اللغة 5/ 46، والمصباح المنير 2/ 550، ومعجم لغة الفقهاء 1/ 458.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 38، والمبدع 1/ 323، ومنتهى الإرادات 1/ 45.
(7)
ينظر: المبدع 1/ 324، والإقناع 1/ 88، وكشاف القناع 1/ 268.
فبدا منها مالم يعف عنه ولو كلها فأعادها سريعًا بلا عملٍ كثيرٍ لم تبطل، ومن صلّى في ثوب حرير، أو أكثره ممن
يحرم عليه، أو مغصوبٍ، أو بعضه، أو ما ثمنه المعين حرامٌ رجلاً كان، أو امرأة، ولو كان عليه غيره لم تصح صلاته إن كان عالمًا، ذاكرًا
(1)
، وإلا صحت كما لو كان المنهي عنه خاتم ذهبٍ، أو عمامةٍ، أو تِكَّة سراويل
(2)
أو خفًا من حريرٍ/ [24/ أ].
وإن جهل، أو نسي كونه غصبًا، أو حريرًا، أو حُبس بغصبٍ صحت.
ولو صلّى على أرضٍ ولو مزروعةٍ بلا ضرورةٍ، أو على مصلاة بلا غصب، ولا ضررٍ جاز وصحت، ويصلّي في حريرٍ؛ لعدمٍ ولا يعيد، وعريانًا مع مغصوبٍ، ولا يصح نفل آبقٍ
(3)
ومن لم يجد إلا ثوبًا نجسًا ولم يقدر على غسله، صلّى فيه وجوبًا، وأعاد نصًّا
(4)
، فإن صلّى عريانًا مع وجوده أعاد
(5)
، قال بعضهم
(6)
قولاً واحدًا.
فإن كان معه ثوبان نجسان صلّى في أقلهما نجاسة.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 464، والمبدع 1/ 324، والإنصاف 1/ 457. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 215:
وتبطل الصلاة في المغتصب
…
من أرض أو ثوب وفي الحرير
(2)
التكة بكسر التاء: رباط السراويل. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 6/ 650، والمخصص 1/ 393، ولسان العرب 10/ 406.
(3)
الآبق: هو العبد الهارب من سيده، وقيده بعضهم بما إذا كان هروبه من غير خوف، ولا كد عمل. ينظر: المصباح المنير ص 2.
(4)
قال في الكافي 1/ 221: «لأن ستر العورة آكد؛ لوجوبه في الصلاة وغيرها، وتعلق حق الآدمي به في ستر عورته، وصيانة نفسه» . وينظر: منتهى الإرادات 1/ 46.
(5)
قال في كشاف القناع 1/ 271: «لأنه فوت السترة مع قدرته عليها من وجه» .
(6)
ينظر: المبدع 1/ 325.
ويصلّي بلا إعادة في موضعٍ نجسٍ لا يمكنه الخروج منه نصًّا
(1)
، ويسجد بأرضٍ إن كانت يابسةً، وإلا أومأ غاية ما يمكنه، وجلس على قدميه.
ومن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها لا المنكب
(2)
إلا إذا كفت منكبه، وعجزه فقط فيستره، ويصلّي جالسًا نصًّا
(3)
.
وقيل:
(4)
يتَّزِر ويصلّي قائمًا.
قال المنُقِّح
(5)
: وهو أظهر، كما لولم يكف، فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين، فإن لم يكف جميعها خُيِّر، والأولى ستر دُبُر
(6)
، وإن بذلت له سترة لزم قبولها إن كانت عارية، لا هبة كتحصيلها بثمن مثلها بشراءٍ، أو استئجارٍ، فإن زاد فكماء وضوءٍ، فإن عدم بكل حالٍ صلّى جالسًا
(7)
ندبًا يومئ إيماءً، ولا يتربع بل يَنْضَامُّ نصًّا
(8)
.
(1)
ينظر: الكافي 1/ 221، والمغني 1/ 426، والشرح الكبير 1/ 465، والمبدع 1/ 326، ومنتهى الإرادات 1/ 46.
(2)
المنكب: مجمع عظم العضد، والكتف. ينظر: العين 5/ 385، وتهذيب اللغة 10/ 158، ومختار الصحاح 1/ 319.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 52، والإنصاف 1/ 463، ومنتهى الإرادات 1/ 46.
(4)
ينظر: المغني 1/ 427، والفروع 2/ 52. قال في حاشية الروض المربع 1/ 508:«ولأن القيام متفق على وجوبه، فلا يترك لأمر مختلف فيه» .
(5)
ينظر: التنقيح ص 80.
(6)
لأنه أفحش، وينفرج في الركوع والسجود، وقيل: القبل أولى؛ لأن به يستقبل القبلة، والدبر مستور بالأليتين. ينظر: الشرح الكبير 1/ 466.
(7)
لأن الجلوس بدل عن ستر العورة لكونه يستر معظمها، والمغلظ منها. ينظر: المبدع 1/ 326.
(8)
أي يضم إحدى فخذيه إلى الأخرى. ينظر: الإنصاف 1/ 465، ومنتهى الإرادات 1/ 46، شرح منتهى الإرادات 1/ 154، وحاشية الروض المربع 1/ 509.
وإن صلّى قائمًا، وركع، وسجد على الأرض جاز.
وإن وجد سترةً قريبةً منه عرفًا ستر وبنى، وإلا ابتدأ، وكذا لو عتقت في الصلاة، واحتاجت إليها فلو جهلت العتق، أو وجوب الستر، أو القدرة عليه، أعادت كخيار معتقة تحت عبد.
وتصلّي العراة جماعةً، وإمامهم في وسطهم وجوبًا فيهما بلا إعادة
(1)
، فإن كانوا رجالاً ونساءً صلّى كل نوعٍ لأنفسهم
(2)
.
وإن كانوا في ضيقٍ صلّى الرجال، واستدبرهم النساء، ثم صلّى النساء، واستدبرهن الرجال.
وفي الرعاية
(3)
وكذا لنوع الواحد مع ضيق/ [24/ ب] الموضع ويصلون جماعتين، أو أكثر، فإن بذل لهم سترة صلوا فيها واحدًا بعد واحدٍ، إلا أن يخافوا خروج الوقت فتدفع إلى من يصلح للإمامة، فيصلّي بهم، ويصلّي الباقون عراة.
فإن كانت السترة لأحدهم لزمه أن يصلي فيها، فإن أعارها وصلّى عريانًا لم تصح صلاته
(4)
.
ويستحب أن يعيرها لهم بعد صلاته
(5)
، ولا يجب فيصلون فيها واحدًا
(1)
قال في كشاف القناع 1/ 273: «لأنه أستر من أن يتقدم عليهم، فإن تقدمهم الإمام بطلت، إلا في ظلمة فيجوز أن يتقدم عليهم؛ للأمن من رؤيتهم عورته» .
(2)
ينظر: الوجيز ص 39، والمبدع 1/ 328، والإقناع 1/ 89.
(3)
ينظر: الرعاية الصغرى 1/ 75.
(4)
لأنه قادر على السترة.
(5)
لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} سورة المائدة آية رقم (2).
بعد واحدٍ، إلا أن يضيق الوقت فيصلّي فيها واحدٌ
(1)
والباقون عراة، والأفضل إذا ضاق الوقت، أو خص بها واحدًا أن يعيرها لمن يصلح لإمامتهم؛ ليؤمهم ويقوم بين أيديهم.
وإن أعارها لغيره جاز وصار حكمه حكم صاحب الثوب.
فإن كانوا رجالاً ونساءً، فالنساء أحق؛ لفحش عورتهن وتأكدها، فإذا صلّين دفعت إلى الرجال، فإن كان فيهم ميّت، صلّى بها عارٍ، ثم يكفن الميت
(2)
.
ويكره في الصلاة السدل سواءٌ كان تحته ثوبٌ، أو لا، وهو طرح ثوبٍ على كتفيه ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى
(3)
.
واشتمال الصماء وهو أن يضطبع بثوبٍ ليس عليه غيره
(4)
.
وتغطية وجهٍ، وتلثمٍ على فمٍ، وأنفٍ، ولف كمٍ بلا سبب.
وشد وسط بما يشبه شد زنارٍ
(5)
نصًّا، ولو في غير صلاةٍ، فيكره
(1)
في المخطوط (واحدًا) والصواب ما أثبت؛ لأنه فاعل.
(2)
ينظر: الإنصاف 1/ 468، والإقناع 1/ 90.
(3)
قال في الإنصاف 1/ 468: وهذا التفسير هو الصحيح. وعليه جمهور الأصحاب، وجزم به في الهداية، والمذهب، والخلاصة، والشرح، وغيرهم. وقدمه في التلخيص، والفروع، والرعاية الصغرى، والحاويين، والمستوعب. وينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 778، والمغني 1/ 418، والعين 7/ 228. وهناك تفسيرات أخرى للسدل. ينظر: الفروع 2/ 56، والمبدع 1/ 330، والإنصاف 1/ 468.
(4)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 635، والمغني 1/ 418، والمبدع 1/ 330، وغريب الحديث للقاسم بن سلام 2/ 117.
(5)
الزنار: ما يشده الذمي على وسطه. ينظر: المطلع ص 81. وينظر: منتهى الإرادات 1/ 47.
التشبه بالكفار فيه
(1)
.
ولا يكره بما لا يشبهه، بل يستحب بمنديلٍ، أو مِنْطَقَة
(2)
ونحوها نصًّا
(3)
؛ لأنه أستر للعورة.
ويكره لامرأةٍ شد وسطٍ مطلقًا، ولا بأس بالاحتباء
(4)
مع ستر العورة، ويحرم مع عدمه وهو أن يجلس ضامًا ركبتيه إلى نحو صدره، ويدير ثوبه من وراء ظهره إلى أن يبلغ ركبتيه ثم يشده فيكون كالمعتمد عليه والمستند إليه.
ويحرم إسبال شيءٍ من ثيابه ولو عمامةً بلا حاجةٍ، كستر ساقٍ قبيحٍ ونحوه خيلاء من غير حربٍ
(5)
، ويكره فوق نصف ساقه/ [25/ أ] وتحت كعبيه نصًّا بلا حاجةٍ
(6)
.
ويسن تطويل كمِّ الرجل إلى رؤوس أصابعه، أو أكثر يسيرًا وتوسعته قصدًا، وقصر كمِّ المرأة، ويجوز لها زيادة ثوبها إلى ذراعٍ.
(1)
ينظر: الوجيز ص 40، وشرح منتهى الإرادات 1/ 156، ومطالب أولي النهى 1/ 345.
(2)
المنطقة: بكسر الميم، وفتح الطاء، ما يشد به الوسط. ينظر: المعجم الوسيط 2/ 931، ومعجم لغة الفقهاء ص 464.
(3)
ينظر: الإنصاف 1/ 471.
(4)
الاحتباء: هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه، بثوب يجمعها به مع ظهره، ويشده عليها، وقد يكون باليدين بحيث تكون ساقاه منصوبتين، وبطنا قدميه موضوعين على الأرض، ويداه موضوعتين على ساقية.
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 694، والنهاية في غريب الحديث 1/ 335. تاج العروس 37/ 394.
(5)
قال في الإنصاف 1/ 472: «هذا عين الصواب الذي لا يعدل عنه، وهو المذهب، وهو ظاهر نص أحمد» .
(6)
ينظر: الإنصاف 1/ 472، والإقناع 1/ 91، ومنتهى الإرادات 1/ 47.
فصل في اللباس
(1)
ويحرم لبس ما فيه صورة حيوانٍ، وتعليقه، وستر الجدار به، وتصويره، حتى في سترٍ، وسقفٍ، وحائطٍ، وسريرٍ ونحوه
(2)
، لا افتراشه وجعله مخدًّا بلا كراهةٍ، وإن أُزيل من الصورة ما لا تبقى الحياة معه، أولم يكن لها رأسٌ فلا بأس به نصًّا
(3)
.
ولا بأس بِلَعِب الصغيرة بِلُعبةٍ غير مصورةٍ، وشرائها لها نصًّا
(4)
.
ويباح صورة غير حيوانٍ مطلقًا.
ويحرم على رجلٍ، ولو كافرًا، وخنثى لبس ثياب حريرٍ ولو تَكَّة، وشرابةٍ نصًّا
(5)
، والمراد مفردة لا تبعًا، فإنها كزرٍ، وبطانةٍ، وافتراشه، واستناده إليه، وتعليقه، وستر الجدران به غير الكعبة المشرفة.
وكلام أبي المعالي يدل أنه محل وِفاقٍ إلا من ضرورةٍ
(6)
، وكذا ما غالبه حرير ظهور، إلا إذا استويا، وقيل: يحرم
(7)
، قال المنُقِّح
(8)
: وهو أظهر.
(1)
اللباس بالكسر ما يلبس. ينظر: مختار الصحاح ص 278.
(2)
ينظر: المحرر 1/ 141، والشرح الكبير 1/ 471، والوجيز ص 40، والفروع 2/ 74.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 92، وكشاف القناع 1/ 280، ومطالب أولي النهى 1/ 354.
(4)
ينظر: الفروع 7/ 15، والإنصاف 9/ 275، والإقناع 2/ 226.
(5)
ينظر: الفروع 2/ 66، والمبدع 1/ 334، والإنصاف 1/ 475، ومنتهى الإرادات 1/ 47.
(6)
ينظر: الإقناع 1/ 93، وشرح منتهى الإرادات 1/ 159، وكشاف القناع 1/ 281.
(7)
ينظر: الكافي 1/ 231، والفروع 2/ 66، والمبدع 1/ 335.
(8)
ينظر: التنقيح ص 82.
ولا يحرم خَزٌ نصًّا
(1)
وهو ما سُدِيَ بِإِبْرَيْسَمٍ
(2)
، وَأُلْحِمَ بِوَبَرٍ، أو صوفٍ ونحوه.
ويحرم على ذكرٍ وخنثى بلا حاجةٍ لبس منسوجٍ بذهبٍ، أو فضةٍ، ومموهٍ بأحدهما.
فإن استحال لونه ولم يحصل منه شيءٌ أبيح، وإلا فلا.
ويباح لبس حريرٍ؛ لحكةٍ، ومرضٍ، وفي حربٍ مباحٍ، ولو لغير حاجةٍ.
ويحرم إلباسه لصبيٍ، كما يحرم على الرجال، فلا تصح صلاته فيه
(3)
، وملوم استعماله، ويحرم بيعه، وخياطته كذلك، وأجرتها نصًّا
(4)
، والأمر به، ويحرم يسير ذهبٍ تبعًا نصًّا كالمفرد
(5)
.
ويحرم تشبه رجلٍ بامرأةٍ، وعكسه في لباسٍ وغيره
(6)
.
ويباح حشو جِبَابٍ، وفرشٍ به، وعلم حريرٍ، وهو طراز الثوب، ورقاعٍ منه، وَلَبِنَةِ الجيب وهي الزِّيق.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 473، ومنتهى الإرادات 1/ 47.
(2)
الإبريسم: ضرب من الخز، وقيل: الحرير الخالص وهو أحسنه. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 8/ 656، والمخصص 1/ 384.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 71، والإنصاف 1/ 479، وشرح منتهى الإرادات 1/ 160.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 81، والمبدع 1/ 341، والإنصاف 1/ 483، والإقناع 1/ 93، وكشاف القناع 1/ 283.
(5)
ينظر: المبدع 1/ 338، والإقناع 1/ 93، وكشاف القناع 1/ 283.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 58، والإقناع 1/ 93، وكشاف القناع 1/ 283.
والجيب ما ينفتح على النحر
(1)
، أو طوقه إذا كان أربع أصابع فما دون مضمومةً نصًّا
(2)
، وخياطة به، وأزرارٌ
(3)
.
ويباح الحرير للأنثى، ويحرم/ [25/ ب] كتابة مهرها فيه.
وقيل: يكره
(4)
، قال المنُقِّح
(5)
: وعليه العمل.
ولو جمِع في أثوابٍ بحيث لو جمع كان ثوبًا فلا بأس به.
ويكره لرجلٍ لبس مزعفرٍ
(6)
، وأحمر مُصْمَت نصًّا
(7)
.
وطيلسانٍ وهو المقور
(8)
، ومشيه في نعلٍ واحدةٍ، أو نعلين مختلفين
(1)
ينظر: المصباح المنير 1/ 115.
(2)
ينظر: المغني 1/ 421، والشرح الكبير 1/ 473، والفروع 2/ 72، ومنتهى الإرادات 1/ 48.
(3)
الزر: قطعة صغيرة من معدن، أو نحوه مستديرة الشكّل غالبا، توضع على الثياب وتدخل في عروة؛ لتمسك طرفي الثوب، أو تكون للزخرفة، والزينة. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 9/ 3، ومعجم اللغة العربية 2/ 980.
(4)
قال المرداوي في تصحيح الفروع 2/ 72: «لو قيل بالإباحة لكان له وجه» .
(5)
ينظر: التنقيح ص 82.
(6)
ينظر: الزعفران: نبات معروف، كان يستخدم؛ لصبغ الثياب. ينظر: المصباح المنير 1/ 153.
(7)
ينظر: الفروع 2/ 77، والمبدع 1/ 339، والإنصاف 1/ 481، ومنتهى الإرادات 1/ 47.
وقال في كشاف القناع 1/ 283. «خرج بالمصمت ما فيه حمرة وغيرها فلا يكره ولو غلب الأحمر».
(8)
قال في مطالب أولي النهى 1/ 347: «على شكّل الطرحة يرسل من فوق الرأس؛ لأنه يشبه لبس رهبان الملكيين من النصارى، وقال بعضهم: يرسل من وراء الظهر والجانبين من غير إدارة تحت الحنك، ولا إلقاء طرفيه على الكتفين، أو يقور من أحد طرفيه ما يخرج الرأس منه، ويرخى الباقي خلفه وفوق منكبيه؛ لأنه شعار اليهود.
وأما المدور الذي يدار تحت الحنك، ويغطي الرأس وأكثر الوجه، ويجعل طرفيه على الكتفين: فهذا لا خلاف في أنه سنة».
بلا حاجةٍ، وَمُعَصْفَرٍ
(1)
إلا في إحرامٍ فلا يكره نصًّا
(2)
.
وأفضل الثياب البياض
(3)
، ولا يكره السواد مطلقًا، وكذا الْكَتَّان إجماعًا
(4)
.
وتسن السراويل، وتُبَّان
(5)
في معناه، ويستحب تنظيف الثوب، ويكره ترك الوسخ فيه، ويباح الْيَلْمَقِ، وهو القباء
(6)
ويكره ثوب الشهرة، وهو ما خالف ثياب بلدته
(7)
، وَالصَّلِيب في الثوب ونحوه.
(1)
يقال: عصفر الثوب: صبغه بالعصفر، وهو نبات يستخرج منه صبغ أصفر. ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة 2/ 1509.
(2)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني ص 153، والكافي 1/ 489، والمبدع 1/ 339، ومنتهى الإرادات 1/ 47.
(3)
ينظر: المغني 2/ 258، والشرح المنير 2/ 203، والمبدع 2/ 173.
(4)
الإجماع لغة: العزم، والاتفاق.
واصطلاحا: اتفاق مجتهدي عصر من هذه الأمة بعد وفاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، على أمر ديني، وهو حجة قاطعة عند الأكثر. ينظر: المختصر في أصول الفقه ص 74، والتحبير شرح التحرير 4/ 1522. وقد نقل الإجماع على عدم كراهة لبس الْكَتَّان من: صاحب الفروع 2/ 78، والإنصاف 1/ 482.
(5)
التُبّان: بضم التاء، وتشديد الباء، هو شبه السراويل قصير الساقين، يستر العورة المغلظة. ينظر: مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/ 118، والنهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 181، والقاموس المحيط 1/ 1183.
(6)
القَبَاء: بفتح القاف والباء على وزن سحاب، لفظة عربية، وقيل معربة، وتطلق على نوع من الألبسة تلبس فوق الثياب، أو القمصان، سمي بذلك؛ لانضمام أطرافه. ينظر: جمهرة اللغة 1/ 375، والزاهر في معاني كلمات الناس 2/ 279، وغريب الحديث للخطابي 3/ 130.
(7)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسير ثوب الشهرة: وهو ما قصد به الارتفاع، وإظهار التواضع. ذكره عنه ابن مفلح في الفروع 2/ 61، والمرداوي في الإنصاف: 1/ 473.
وقال ابن قاسم في حاشية الروض 1/ 529: «وقال غير واحد من السلف، لباس الشهرة مما يزري بصاحبه، ويسقط مروءته، ولبس الدني يذم في موضع، ويمدح في موضع، فيذم إذا كان شهرة، ويمدح إذا كان تواضعا، واستكانة» .
ولا بأس بلبس الْفِرَاءِ إذا كانت من جلودٍ طاهرةٍ، ويكره لبسه وافتراشه جلدًا مختلفًا في طهارته، وله إلباسه دابته، ويحرم إلباسها ذهبًا، وفضةً، وحريرًا.
ولا بأس بلبس الأصواف، والأوبار، والأشعار إذا كانت مما يؤكل لحمه حيًا كان، أو ميتًا،
ولا بأس بالصلاة على ما عمل من القطن، والكتان، والصوف، والشعر، والحصر، وكذا على ما فيه صورة نصًّا
(1)
.
(1)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 9/ 4702، والفروع 2/ 76، والمبدع 2/ 334.
باب اجتناب النجاسة
(1)
وهو الشرط الرّابع وهي: عينٌ، أو صفةٌ مَنَع الشرع منها بلا ضرورةٍ، لا لأذى فيها طبعًا
(2)
، ولا لحق الله
(3)
، أو غيره
(4)
.
شرعًا: طهارة بدن المصلّي، وثيابه، وموضع صلاته من نجاسةٍ غير معفوٍّ عنها شرطٌ لصحة الصلاة.
فمتى لاقى ببدنه، أو ثوبه نجاسة غير معفو عنها، أو حملها عالمًا قادرًا على اجتنابها لم تصح صلاته
(5)
، لا إن مسّ ثوبه ثوبًا، أو حائطًا نجسًالم يستند إليه، أو قابلها راكعًا، أو ساجدًا من غير ملاقاة، أو حمل مستجمرًا، أو سقطت عليه فأزالها، أو زالت سريعًا بحيث لم يطل الزمان ولم يحتج إلى عمل كثيرٍ، ولا تصح مع حمل قارورةٍ فيها نجاسةٌ
(6)
.
(1)
النجاسة: وهي لغة ضد الطهارة، وشرعا قذر مخصوص يمنع جنسه الصلاة، كالميتة والدّم والخمر والبول، ولا يجب في غير الصلاة في الأصح، والاجتناب معناه التباعد، فكأنه قال: تباعد النجاسة، بمعنى إبعادها عن بدن الْمُصَلِّي وثوبه وبقعته شرط. ينظر: حاشية الروض 1/ 530.
(2)
كالسميات. ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 161، وكشف المخدرات 1/ 118.
(3)
كصيد الحرم، وصيد البر للمحرم. ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 161، وكشف المخدرات 1/ 118.
(4)
ينظر: الإنصاف 1/ 26، وشرح منتهى الإرادات 1/ 161، وكشف المخدرات 1/ 118.
(5)
ينظر: المبدع 1/ 340، والإنصاف 1/ 483.
(6)
ينظر: الكافي 1/ 222، والشرح الكبير 1/ 475، والإنصاف 1/ 488.
وإن طيَّن أرضًا نجسةً، أو بسط عليها، أو على حيوانٍ نجسٍ.
قال أبو المعالي
(1)
: أو على حريرٍ يحرم جلوسه عليه شيئًا طاهرًا صفيقًا بحيث لم ينفذ إلى ظاهره/ [26/ أ] وصلّى عليه، أو على بساطٍ باطنه نجس، وظاهره طاهر، أو في علوٍ سفليه غصب، أو غسل وجه آجُرٍّ
(2)
نجس، وصلّى عليه صحت مع الكراهة.
ومتى وجد عليه نجاسة جهل كونها في الصلاة صحت
(3)
، وإن علم بعد سلامه أنها كانت في الصلاة لكنه جهل عينها، أو حكمها، أو أنها كانت عليه، أو ملاقيها، أو عجز عن إزالتها، أو نسيها أعاد.
وعنه
(4)
لا يعيد جاهلٌ، وناسي، قال المنُقِّح
(5)
: وهو أظهر.
وإن صلّى على مكان طاهرٍ من بساطٍ طرفه نجس، أو تحت قدميه حبلٌ في طرفه نجاسةٌ، ولو تحرك بحركته صحت، إلا أن يكون متعلقًا به، أو في يده، أو وسطه حبلٌ مشدودٌ فيها ينجر معه إذا مشى فلا تصح، وإن كان لا ينجرُّ معه كزَورقٍ.
(1)
نقل عنه كل من صاحب الفروع 2/ 101، والمبدع 1/ 343، والإنصاف 1/ 484.
(2)
الآجر: اللبن إذا طبخ، بمد الهمزة والتشديد أشهر من التخفيف، الواحدة آجرة وهو معرب. ينظر: المصباح المنير 1/ 5، وشرح منتهى الإرادات 1/ 162.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 477، والمبدع 1/ 344، والإنصاف 1/ 485.
(4)
ينظر: المبدع 1/ 345، والإقناع 1/ 96، ومطالب أولي النهى 1/ 363.
(5)
ينظر: التنقيح ص 83. وقال في الإنصاف 1/ 486: «وهي الصحيحة عند أكثر المتأخرين، اختارها المصنف، والمجد، وابن عبدوس في تذكرته، والشيخ تقي الدِّين، وصححه في التصحيح، والنظم، وشرح ابن منجا، وتصحيح المحرر، وجزم بهما في العمدة، والوجيز، والمنور، والمنتخب، والتسهيل، وغيرهم. وقدمه ابن تميم وغيره».
قال الشيخ
(1)
: الزَّورق هو المركب كبير فيه نجاسة، أو لا يقدر على ضبطها لو همت بالهرب، كفيلٍ ونحوه، صحت، وإن خاط جرحًا، أو جبر كسر ساقٍ ونحوه بعظمٍ، أو خيطٍ نجسٍ فَجَبر وصح لم يلزمه إزالته إن خاف الضّرر إن غطاه اللحم لم يتيمّم له، وإلا تيمّم، وإن لم يخف لزمه، فلو مات من تلزمه إزالته أزيل إلا مع المثلة.
وإن شرب خمرًا ولم يسكر، غسل فمه وصلّى، ولا يلزمه القيء نصًّا
(2)
، ولا بأس بدخول البِيَع
(3)
والكنائس فيها صورٌ، والصلاة ولو فيها بلا كراهةٍ
(4)
.
وإن سقط سِنُّه، أو عضوٌ منه فأعاده بحرارته فثبتت فهي طاهرةٌ.
ولو جعل موضع سِنِّه سِنَ شاةٍ مذكاةٍ ونحوه، صحت، ثَبَتَ، أو لا
(5)
.
ولا تصح صلاةٌ تعبدًا في مقبرةٍ قديمةٍ، أو حديثةٍ نُبِشَت، أو لا، وهي مدفن الموتى
(6)
، ولا يضر قبرٌ، ولا قبران، ولا ما أُعد للدفن، ولم يدفن
(1)
ينظر: الكافي 2/ 221، والمغني 2/ 50.
(2)
ينظر: المبدع 1/ 344، والإنصاف 1/ 489، ومنتهى الإرادات 1/ 49.
(3)
البيع: جمع بيعة، وهي معبد النصارى. ينظر: المطلع ص 267، والقاموس الفقهي ص 46، والمعجم الوسيط 1/ 79.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 96، وكشاف القناع 1/ 293. وحكما بالكراهة إذا كان فيهما صور، بخلاف المؤلف.
(5)
ينظر: المبدع 1/ 346، والإقناع 1/ 96، والروض المربع 1/ 79.
(6)
فيه
(1)
، ولا ما دفن بداره.
وتصح صلاة جنازةٍ فيها ولو قبل الدفن بلا كراهةٍ، والمسجد إن حدث بعد مقبرةٍ كهي، وإن حدثت بعده حوله، أو في قبلته كصلاةٍ إليها
(2)
.
ولا حمامٍ وهو المبني للغُسل فيه، ويستوي فيه مكان الغسل، ومسلخ الثياب نصًّا
(3)
، وأَتُونُهُ
(4)
/ [26/ ب] وكل ما يغلق عليه الباب، ويدخل في بَيْع نصًّا
(5)
، ولا حُش
(6)
وهو ما أعد لقضاء الحاجة، فيمنع من الصلاة داخل
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 97، وشرح منتهى الإرادات 1/ 163، وكشاف القناع 1/ 293، ومطالب أولي النهى 1/ 366.
(2)
سئل شيخ الإسلام عن الصلاة في المسجد إذا كان فيه قبر فأجاب: «اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد على قبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غير، إما بتسوية القبر، وإما بنبشه إن كان جديدا، وإن كان المسجد بني بعد القبر فإما أن يزال المسجد، وإما أن تزال صورة القبر، فالمسجد الذي على القبر لا يصلّى فيه فرض، ولا نفل، فإنه منهي عنه». ينظر: الفتاوى الكبرى 2/ 80، ومجموع الفتاوى 22/ 194.
(3)
ينظر: المغني 2/ 52، والشرح الكبير 1/ 479.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 106، والمبدع 1/ 348.
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 97، وكشاف القناع 1/ 294. وفي المنتهى 1/ 50 (وتكره بأرض الخسف، لا ببيعة، وكنيسة).
(6)
الحش: مثلثة الحاء، أصله البستان من النخيل، وإنما سمي المتوضأ حشا؛ لأنهم كانوا يتغوطون في البستان.
ينظر: جمهرة اللغة 1/ 98، الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي 1/ 38، تهذيب اللغة 3/ 254.
بابه، وموضع الْكَنِيف وغيره سواءٌ
.
وأعْطَان إبل، واحدها عطَنٌ بفتح الطاء وهو ما تقيم فيه، وتأوي إليه، ولا بأس بموضع نزولها في سيرها، ومَجْزَرَةٍ وهو ما أعدَّ للذبح فيه.
ومَزْبَلَةٍ مرمى الزُّبالة ولو طاهرةٌ.
وقارعة طريقٍ وهو ما كثر سلوكه، سواءٌ كان فيه سالكٌ، أو لا.
ولا بأس بما علا عن جادة الطريق يَمْنَةً وَيَسْرَةً نصًّا
(1)
، وتصح جمعةٌ ونحوها فيها ضرورةٌ نصًّا
(2)
، وعلى راحلةٍ وأسطحتها كلها
(3)
، وسطح نهرٍ، وموضع مغصوب أرضًا، أو حيوانًا، أو غيرهما للعين، أو لمنفعةٍ، أو جزءًا مشاعًا
(4)
فيها سوى جمعةٍ، ولعل الأظهر ضرورةً، وإلا لم تصح، وتقدم إذا صلّى في أرضه بلا غصبٍ
(5)
.
والمنع من هذه المواضع فيما يقع عليه الاسم، ويدخل في البيع،
(1)
ينظر: المغني 2/ 53، والشرح الكبير 1/ 481، والمبدع 1/ 349.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 107، ومنتهى الإرادات 1/ 49.
(3)
قال في المبدع 1/ 350: «لأن الهواء تابع للقرار، بدليل الجنب يمنع من اللبث على سطح المسجد، ويحنث بدخول سطح الدار إذا حلف لا يدخلها، فيعود الضمير إلى الكل» .
(4)
المشاع في اللغة: الشيء المشترك غير المقسوم. وفي الاصطلاح: الملك المشاع، هو الملك المتعلق بجزء نسبي غير معين، من مجموع الشيء، مهما كان الجزء كبيرا، أو صغيرا. ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 212، والمعجم الوسيط 1/ 504.
(5)
في باب ستر العورة. لوح رقم (24/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [184].
وتقدم بعضه
(1)
.
ويصلّى فيها كلها لعذرٍ بلا إعادةٍ، وإن غيرت أماكن النهي بما يزيل اسمها، كجعل حمامٍ دارًا ونحوه صحت.
وتكره الصلاة إليها مالم يكن حائلٌ ولو كمؤخرة رحلٍ، وليس كسترة صلاةٍ فيكفي الخط ونحوه.
وتصح في أرض السباخ، وفي أرض الخسف مع الكراهة نصًّا
(2)
، ولا بأس بالصلاة على الثلج بحائلٍ، أو لا، إذا وجد حجمه
(3)
وكذا حشيش، وقطنٌ منتفش، وإن لم يجد بجهدٍ، لم يصح.
ولا تصح الفريضة في الكعبة، ولا على ظهرها
(4)
.
إلا إذا وقف على منتهاه بحيث إنه لم يبق وراءه شيءٌ منها نصًّا
(5)
، أو
(1)
في هذا الباب. لوح رقم (27/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [194].
(2)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله 1/ 68، والمغني 2/ 56، والإنصاف 1/ 496، ومنتهى الإرادات 1/ 50.
(3)
في المخطوط (خيمة) ولعله خطأ من الناسخ، والصواب ما أثبت. ينظر: الإقناع 1/ 99، وكشاف القناع 1/ 298.
(4)
قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى 2/ 57: «وهذه المواضع - غير ظهر بيت الله الحرام - قد يعللها بعض الفقهاء بأنها مظنة النجاسة، وبعضهم يجعل النهي تعبدا، والصحيح أن عللها مختلفة. تكون العلة مشابهة أهل الشرك كالصلاة عند القبور، وتارة لكونها مأوى للشياطين كأعطان الإبل، وتارة لغير ذلك، والله أعلم» .
(5)
ينظر: المبدع 1/ 352، والإقناع 1/ 99، ومنتهى الإرادات 1/ 49، وكشاف القناع 1/ 299.
صلّى خارجها وسجد فيها
(1)
.
ويصح نذر صلاةٍ فيها وعليها، ونافلةٌ إذا كان بين يديه شيءٌ منها شاخصٌ متصلٌ بها نصًّا
(2)
، فإن لم يكن شاخصٌ وسجوده على منتهاها لم تصح، وإلا صحت.
وعنه
(3)
لا، اختاره الأكثر، ويسن نفله فيها، والحِجْر
(4)
منها نصًّا
(5)
، وقدره ستة أذرعٍ وشيءٌ، فيصح التوجه إليه، وقال ابن حامد، وابن عقيل: لا.
وقاله أبو المعالي في المكّي ويسن النفل فيه، والفرض فيه كداخلها في ظاهر كلامهم. وقاله ابن نصر الله تَفقُهًا، ولو نقض بناء الكعبة وصلّى/ [27/ أ] إلى الموضع صحت.
(1)
وقد جمع الناظم في المنح الشافيات 1/ 216، المواطن التي نهي عنها بقوله:
مزبلة معاطن ومقبره
…
قارعة الطريق ثم المجزره
وظهر بيت الله والحمام
…
وألحق الحش بها الإمام
(2)
ينظر: الفروع 2/ 112، والمبدع 1/ 352، ومنتهى الإرادات 1/ 49، وكشاف القناع 1/ 300، ومطالب أولي النهى 1/ 374، والشرح الممتع 2/ 259.
(3)
ينظر: المبدع 1/ 352، والإنصاف 1/ 497، والإقناع 1/ 100، وكشاف القناع 1/ 300.
(4)
حجر الكعبة: هو ما حواه الحطيم المدار بالبيت جانب الشمال، وكل ما حجرته من حائط فهو حجر.
ينظر: الصحاح 2/ 624، ومختار الصحاح 1/ 67، ولسان العرب 4/ 170.
(5)
ينظر: المبدع 1/ 353، والإقناع 1/ 100، ومنتهى الإرادات 1/ 49.
باب استقبال القبلة
(1)
صلّى النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس عشر سنين بمكة، وستة عشر شهرًا بالمدينة
(2)
، ثم أمر بالتوجه إلى الكعبة، قاله في المستوعب
(3)
، وهو الشرط الخامس لصحة الصلاة، فلا تصح بدونه، إلا لعاجزٍ كالتحام حربٍ، وهربٍ من سيلٍ، أو سبعٍ ونحوه ولو نادرًا كمريضٍ لا يجد من يديره إليها، ومربوطٍ إلى غيرها فيصح إلى غير القبلة منهم بلا إعادة.
وتنفل راكبٍ، وماشٍ في سفرٍ ولو قصيرًا مباح ونحوه، لا راكب تَعَاسِيف وهو ركوب الفلاة، وقطعها على غير صَوب
(4)
.
فإن لم يعذر من عدلت به دابته عن جهة سيره، بأن أمكنه ردها فلم
(1)
القبلة الوجهة، وهي الفعلة من المقابلة، والعرب تقول: ما له قبلة ولا دبرة، إذا لم يهتد لجهة أمره، وأصل القبلة في اللغة: الحالة التي يقابل الشيء غيره عليها، كالجلسة للحال التي يجلس عليها، إلا أنها الآن صارت كالعلم للجهة التي يستقبلها المصلي، وسميت قبلة لإقبال الناس عليها، وقيل: لأنه يقابلها، وهي تقابله. ينظر: المطلع ص 58، والمبدع 1/ 353.
(2)
المدينة: سماها بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهي اسم لمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة، ولها أسماء كثيرة منها: طيبة، وطابة، والعذراء، والمحببة، وغير ذلك، وفي وسطها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي جنوبها مسجد قباء، وفي شمالها جبل أحد، وفيها نخيل كثيرة، وهي إحدى مناطق المملكة العربية السعودية. ينظر: معجم البلدان 5/ 82، ومعجم المعالم الجغرافية ص 337.
(3)
ينظر: المستوعب 2/ 119.
(4)
راكب التعاسيف: هو الذي ليس له مقصد معلوم. ينظر: المصباح المنير 1/ 236، والمعجم الوسيط 2/ 601.
يفعل، أو عدل هو مع علمه، أو عذر وطال بطلت، وكذا إن انحرف عن جهة سيره فصار قفاه إلى القبلة عمدًا، إلا أن يكون ما انحرف إليه جهة القبلة
(1)
.
وإن وقفت دابته؛ لتعبٍ، أو انتظار رفقته، أولم يسر لسيرهم، أو نوى النزول ببلدٍ دخله استقبل، وإن نزل في أثنائها نزل مستقبلاً، وأتمها نصًّا
(2)
.
وإن ركب المسافر النازل فيها بطلت، وإن ركب ماشٍ فيه أتمه.
ويصح نذر الصلاة على دابةٍ، ويلزم الراكب افتتاحها إلى القبلة إن أمكنه بلا مشقةٍ، وكذا إن أمكنه ركوعٌ، وسجودٌ، واستقبال عليها نصًّا
(3)
، كمن هو في سفينة، أو مِحَفَّةٍ
(4)
ونحوها، أو كانت راحلته واقفة نصًّا
(5)
، وإلا أومأ إلى جهة سيره، ويعتبر فيه طهارة محله نحو سَرْجٍ، وركابٍ.
وإن وطئت دابته نجاسةً فلا بأس، ويلزم الماشي أيضًا الافتتاح إليها وركوع، وسجودٌ، ويفعل الباقي إلى جهة سيره.
والفرض في القبلة إصابة العين ببدنه نصًّا
(6)
، بحيث لا يخرج شيءٌ
(1)
ينظر: الفروع 2/ 121، والمبدع 1/ 356، والإنصاف 2/ 6.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 121، والمبدع 1/ 356، والإنصاف 2/ 7، ومنتهى الإرادات 1/ 50.
(3)
ينظر: المغني 1/ 316، والإقناع 1/ 101، ومنتهى الإرادات 1/ 50، وكشاف القناع 1/ 303.
(4)
المحفة: بكسر الميم، مركب للنساء، كالهودج، إلا أنها لا تقبب قديما، سميت بذلك؛ لأن الخشب يحيط بالقاعد فيها من جميع جوانبه. ينظر: تهذيب اللغة 5/ 170، والصحاح 4/ 1345، والمحكم والمحيط الأعظم 2/ 539.
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 101، وكشاف القناع 1/ 303، وكشف المخدرات 1/ 122.
(6)
منه عنها.
ولا يضر علوٌّ، ولا نزولٌ لمن قرب منها، إن لم يتعذر عليه إصابتها، فإن تعذر بحائلٍ أصلّيٍ من جبلٍ ونحوه، اجتهد إلى عينها، ومع الحائل غير الأصلي كالمنازل ونحوها، لابد من اليقين
بنظرٍ، أو خبرٍ، اجتهد، وإصابة الجهة بالاجتهاد
(1)
، ويعفى عن الانحراف/ [27/ ب] قليلاً لمن بعُد
(1)
الاجتهاد في اللغة: مشتق من مادة «جُهد» بضم الجيم، بمعنى بذلك الجهد، وهو الطاقة، أو بفتح الجيم، بمعنى تحمل الجهد وهو المشقة. فالاجتهاد: بذل الجهد، واستفراغ الوسع في تحقيق أمر من الأمور الشاقة، سواء أكان في الأمور الحسية، كالمشي والعمل، أو في الأمور المعنوية، كاستخراج حكم، أو نظرية عقلية، أو شرعية، أو لغوية.
ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 319، ومختار الصحاح ص 63، ولسان العرب 3/ 135 مادة (جهد).
والاجتهاد في الاصطلاح: بذل الوسع في النظر في الأدلة الشرعية؛ لاستنباط الأحكام الشرعية.
ينظر: قواطع الأدلة في الأصول 2/ 302، وروضة الناظر 2/ 333، ومعالم أصول الفقه عند أهل السنة ص 464.
عنها
(1)
، وهو من لم يقدر على المعاينة، ولا على من يخبره عن علم، سوى المشاهد لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم والقريب منه، ففرضه إصابة العين، والبعيد منه إلى الجهة، فإن أمكنه ذلك بخبر ثقةٍ، مكلفٍ، عدل ظاهرًا وباطنًا، عن يقينٍ، أو استدلالٍ بمحاريب المسلمين، لزمه العمل به، وإن وجد محاريب لا يعلمها للمسلمين لم يلتفت إليها.
وإن اشتبهت عليه القبلة، فإن كان في قريةٍ ففرضه التوجه إلى محاريبهم
(2)
، فإن لم يكن، لزمه السؤال عنها إن كان جاهلاً بأدلتها، فإن وجد من يخبره عن يقينٍ ففرضه الرجوع إلى خبره.
وإن كان عن ظنٍ ففرضه تقليده إن كان من أهل الاجتهاد فيها، وهو العالم بأدلتها، وإن كان من اشتبهت عليه في السفر ونحوه عالمًا بأدلتها ففرضه الاجتهاد في معرفتها.
فإذا اجتهد وغلب على ظنه جهةٌ صلّى إليها، فإن تركها، وصلّى إلى
(1)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 485، والمبدع 1/ 356، والإنصاف 2/ 9، والإقناع 1/ 102، وكشاف القناع 1/ 305.
(2)
ينظر: الكافي 1/ 234، والشرح الكبير 1/ 485، والوجيز ص 41.
غيرها أعاد، وإن أصاب.
فإن تعذر عليه الاجتهاد؛ لغيمٍ، أو نحوه، أو به مانعٌ من الاجتهاد كرَمَدٍ ونحوه، أو تقاومت عنده الأمارات صلّى على حسب حاله بلا إعادة.
وكل من صلّى من هؤلاء قبل فعل ما يجب عليه من استخبار، أو اجتهاد، أو تقليدٍ، أو تحرٍ فعليه الإعادة، وإن أصاب، ويستحب أن يتعلم أدلة القبلة، والوقت.
ويستدل على القبلة بأشياء منها النُّجوم، وأثبتها الْقُطْبُ الشَّمالي، ثم الجَدْي
(1)
.
والقطب نجمٌ خفيٌ، حوله أنجمٌ دائرةٌ كفراشة الرّحى في أحد طرفيها الفرقدان
(2)
، وبهما يعرف مكانه؛ لأنه لا يقرب منه سواهما، وفي الطرف الآخر الجدي، والقطب في وسط الفراشة لا يبرح من مكانه ليلاً، ولا نهارًا.
وعليه تدور بنات نَعشٍ
(3)
إذا جعله وراء ظهره بالشام وما حاذاها،
(1)
ينظر: الفروع 2/ 127، والإقناع 1/ 103، وكشاف القناع 1/ 307. قال في حاشية الروض المربع 1/ 558:«الجدي: نجم نير وهو غير جدي البرج، ويعرف بجدي القطب وجدي الفرقدين تعرف به القبلة» . وينظر: المصباح المنير 1/ 93، مادة (ج د ي)
(2)
الفرقد: نجم قريب من القطب الشمالي، ثابت الموقع تقريبا، ويهتدى به، وبقربه نجم آخر مثله، وأصغر منه، وهما الفرقدان. ينظر: مختار الصحاح ص 238.
(3)
بنات نعش: سبعة كواكب، تشاهد جهة القطب الشمالي، سميت بذلك؛ تشبيها بحملة النعش. ينظر: تهذيب اللغة 1/ 277، ولسان العرب 6/ 355، وتاج العروس 17/ 418، والمعجم الوسيط 2/ 934.
وخلف أذنه اليمنى بالمشرق، وعلى عاتقه الأيسر بإقليم مصر وما والاه، كان مستقبلاً لعين القبلة.
وإن استدبر الفرقدين، أو الجدي كان مستقبلاً للجهة، والشمس، والقمر ومنازلهما وهي/ [28/ أ] ثمانيةٌ وعشرون منزلاً، وما يقترن بهما ويقاربهما كلها تطلع من المشرق على يسار الْمُصَلِّي، وتغرب في المغرب على يمينه.
ومنها الرياح فيستدل بأربعةٍ منها تهب من زوايا السماء
(1)
.
فالجنوب تهب من بين المشرق، والقبلة مستقبلة لبطن كتف الْمُصَلِّي اليسرى، مارةً إلى يمينه، والشمال مقابلتها تهب إلى مهب الجنوب فهما متقابلتان.
والدَّبُور تهب مما بين المغرب، والقبلة مستقبلة شطر
(2)
وجه الْمُصَلِّي الأيمن مارةً إلى الزاوية المقابلة لها، والصَّبا
(3)
مقابلتها تهب إلى مهب الدَّبُور.
قال ابن منجا: والرياح التي ذكرها المصنف دلائل قبلة العراق، وقبلة الشام مشرقة عنها، وحينئذٍ فمهب الجنوب لأهل الشام قبلةً.
(1)
ينظر: كفاية المتحفظ، ونهاية المتلفظ ص 174.
(2)
الشطر: هو الحد، والنحو، والتلقاء. ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 58، ولسان العرب 4/ 408. مادة (ش ط ر).
(3)
الصبا: هي الريح الشرقية، ويقال لها القبول، وهي تهب من مشرق الاستواء، وهو مطلع الشمس في زمن الاعتدال. ينظر: كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ ص 174.
وهو بين مطلع سهيلٍ
(1)
إلى مطلع الشمس في الشتاء، والشمال مقابلتها تهب من ظهر الْمُصَلِّي؛ لأن مهبها من القطب، إلى مغرب الشمس في الصيف.
والصَّبا تهب من يسار الْمُصَلِّي المتوجه إلى قبلة الشام؛ لأن مهبها من مطلع الشمس في الصيف، إلى مطلع الْعَيُّوقِ
(2)
، والدَّبور مقابلتها؛ لأنها تهب بين القبلة والمغرب.
وإذا اختلف اجتهاد رجلين فأكثر، في جهتين فأكثر، لم يتبع واحدٌ صاحبه، ولم يصح اقتداؤه به نصًّا
(3)
.
فإن كان الاختلاف في جهةٍ فتيامن واحدٌ، وتياسر غيره صح، فإن ائتم أحدهما بالآخر؛ لاتفاق اجتهادهما فمن بان له الخطأ انحرف وأتمّ، وينوي المأموم منهما المفارقة؛ للعذر ويتبعه من قلده، ويتبع جاهلٌ، وأعمى وجوبًا أوثقهما في نفسه
(4)
، فإن تساويا عنده خُيِّر، فإن لم يجد الأعمى، أو الجاهل من يقلده صلّى بالتحري ولم يعد، ومن صلّى بالاجتهاد، أو التقليد، ثم علم خطأ القبلة لم يعد
(5)
، وإن أراد مجتهدٌ صلاةً
(1)
سهيل: ألمع نجم في السماء، بعد الشعرى اليمانية. ينظر: الموسوعة الفلكية ص 225.
(2)
العيوق: نجم أحمر، مضيء في طرف المجرة الأيمن، يتلو الثريا ولا يتقدمها، ويطلع قبل الجوزاء، سمي بذلك؛ لأنه يعوق الدبران عن لقاء الثريا. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 2/ 271، ولسان العرب 10/ 280، والمعجم الوسيط 26/ 228.
(3)
ينظر: مختصر الخرقي ص 21، والمغني 1/ 322، وشرح الزركشي 1/ 534، ومنتهى الإرادات 1/ 51.
(4)
ينظر: مختصر الخرقي ص 21، والمغني 1/ 324، والمحرر 1/ 51.
(5)
قال البهوتي في كشاف القناع 1/ 312: «لأنه أتى بالواجب عليه على وجهه، مع عدم تفريطه، فسقط عنه؛ ولأن خفاء القبلة في الأسفار يقع كثيرا؛ لوجود الغيوم وغيرها من الموانع، فإيجاب الإعادة مع ذلك فيه حرج، وهو منتف شرعا» .
أخرى اجتهد لها وجوبا
(1)
، فإن تغير اجتهاده عمل بالثاني نصًّا
(2)
، ولو في صلاةٍ بنى ولم يعد ما صلّى بالأول.
(1)
لأنها واقعة متجددة، فتستدعي طلبا جديدا، كطلب الماء في التيمم. شرح منتهى الإرادات 1/ 174.
(2)
ينظر: المغني 1/ 322، والمبدع 1/ 364، ومنتهى الإرادات 1/ 52.
باب النية
النية لغةً: القصد، وهو عزم القلب على الشيء.
وشرعًا في عبادة: العزم على/ [28/ ب] فعل الشيء، تقربًا إلى الله تعالى.
وهي الشرط السادس للصلاة على كل حالٍ، فليست كبقية الشروط التي تسقط بالعجز عنها وتصح الصلاة بدونها، كالاستقبال، والستارة ونحوهما، بل هي لا يتحقق عجزٌ عنها مادام العقل موجودًا، فلا يعذر بتركها، ولا تصح الصلاة بدونها بحالٍ
(1)
.
ويجب نصًّا
(2)
أن ينوي الصلاة بعينها إن كانت معينةً، من فرضٍ كظهرٍ، أو عصرٍ، ونفلٍ مؤقتٍ، وإلا أجزأته نية الصلاة
(3)
، ولا يشترط نية قضاءٍ في فائتةٍ، ولا فريضةٍ في فرضٍ، ولا أداء في حاضرةٍ، ويصح قضاءٌ بنية أداءٍ وعكسه إذا بان خلاف ظنه لا مع العلم، ولا يشترط إضافة الفعل إلى الله تعالى.
ويأتي بالنية عند تكبيرة الإحرام، والأفضل مقارنتها للتكبير.
(1)
ينظر: الكافي 1/ 241، والشرح الكبير 1/ 493، والمبدع 1/ 365.
(2)
ينظر: الكافي 1/ 241، والشرح الكبير 1/ 494، والفروع 2/ 132، والمبدع 1/ 365، ومنتهى الإرادات 1/ 52.
(3)
ينظر: الإنصاف 2/ 19، والإقناع 1/ 106.
فإن تقدَّمت عليه بزمنٍ يسيرٍ بعد دخول الوقت في أداءٍ، وراتبةٍ صحت، بشرط عدم فسخها، وبقاء إسلامه، وكذا لو أتى بها قاعدًا، ثم قام.
ويجب استصحاب حكمها إلى آخر الصلاة
(1)
، فإن قطعها في أثنائها، أو تردد في قطعها بطلت، وكذا بعزمه على فسخها، وشكّه هل نوى فعمل مع الشكّ عملاً، ثم ذكر أنه نوى، أو شكّ هل أحرم بظهرٍ، أو عصرٍ ثم ذكر فيها.
وإن أحرم بفرضٍ فبان عدمه، كمن أحرم بفجر فائتةٍ فلم تكن عليه، أو بان قبل دخول وقته انقلب نفلاً، وإن كان عالمًالم تنعقد.
وإن أحرم في وقته الْمُتَّسِعِ، ثم قلبه نفلاً صحّ مطلقًا
(2)
، ويكره لغير غرضٍ.
وإن انتقل من فرضٍ إلى فرضٍ بمجرد النية من غير تكبيرة إحرامٍ للثاني بطل فرضه الأول، وصح نفلاً إن استمر، وكذا حكم ما يبطل الفرض فقط، إذا وجد فيه كترك قيامٍ ونحوه، ولم ينعقد الثاني.
وإن اقترن بنية الثاني تكبيرة إحرامٍ له بطل الأوّل، وصح الثاني بشرطه.
ومن شرط الجماعة أن ينوي الإمام، والمأموم حالهما
(3)
، فينوي الإمام
(1)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 495، والإقناع 1/ 107، وشرح منتهى الإرادات 1/ 175، وكشاف القناع 1/ 316.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 496، والمبدع 1/ 369، والإنصاف 2/ 26.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 496، والمبدع 1/ 370، والإنصاف 2/ 27، والإقناع 1/ 107.
الإمامة، والمأموم المأمومية، فلو نوى أحدهما، دون صاحبه لم يصح.
وكذا لو نوى كل واحدٍ منهما أنه إمام الآخر، أو مأمومه نصًّا
(1)
.
أو نوى الائتمام بأحد الإمامين لا بعينه، أو بهما.
أو نوى الائتمام بالمأموم، أو المنفرد، أو شكّ في الصلاة أنه إمامٌ، أو مأمومٌ؛ لعدم الجزم بالنية، أو نوى إمامة من لا يصح أن يؤمه كامرأةٍ تؤم رجلاً ونحوه، أو أحرم بحاضرٍ فانصرف/ [29/ أ] قبل إحرامه، أو عيَّن إمامٌ إمامًا، أو مأمومًا، وقلنا لا يجب تعيينها في الأصح فأخطأ لم يصح، وكذا لو نوى الإمامة، وهو لا يرجو مجيء أحد.
وإن أحرم بحاضرٍ فانصرف بعد دخوله معه صحت.
وإن نوى الإمامة ظانًّا حضور مأمومٍ صحّ لا مع الشكّ، فإن لم يحضر لم يصح.
وإن أحرم منفردًا، ثم نوى الائتمام، أو نوى الإمامة لم يصح
(2)
فرضًا كان، أو نفلاً، إلا في الاستخلاف ويأتي
(3)
، ونصّه يصح في النفل.
قال المنُقِّح
(4)
: وهو أظهر.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 496، والمبدع 1/ 370، والإنصاف 2/ 28، ومنتهى الإرادات 1/ 53.
(2)
ينظر: الكافي 1/ 289، والشرح الكبير 1/ 497، والوجيزص 42، والمبدع 1/ 370.
(3)
سيأتي الكلام على المسألة في هذا الباب، في لوح رقم (29/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [204].
(4)
ينظر: التنقيح ص 88.
وإن أحرم مأمومٌ، ثم نوى الانفراد؛ لعذرٍ يبيح ترك الجماعة صح، إن استفاد بمفارقته تعجيل لحوقه؛ لحاجته قبل فراغ إمامه.
فإن كان الإمام يُعَجِّلُ، ولا يتميز انفراده عنه بنوع تَعجِيل لم يجز.
فإن زال العذر وهو في الصلاة فله الدخول مع الإمام، قاله ابن تميم
(1)
.
فإن فارقه في قيامٍ قبل قراءته قرأ، وبعدها له الركوع في الحال، وفي أثنائها يكمل ما بقي.
وإن كان في صلاة سرٍ، وظن أن إمامه قرأ لم يقرأ، وإن فارقه في ثانية الجمعة أتم جمعةً، فإن فارقه في الأولى فكمن أحرم فيها حتى تفوته الركعتان.
وإن كان لغير عذرٍ لم يصح.
وإن أحرم إمامًا، ثم صار منفردًا؛ لعذرٍ مثل أن يسبق المأموم الحدث، أو فسدت صلاته؛ لعذرٍ فنوى الانفراد صح.
وتبطل صلاة مأمومٍ ببطلان صلاة إمامه لعذرٍ، أو غيره
(2)
لا عكسه، ويتمها منفردًا، وعنه
(3)
لا تبطل صلاة مأمومٍ، ويتمونها جماعةً بغيره
(1)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 263.
(2)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 714، والفروع 2/ 150، والإنصاف 2/ 30.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 150، والمبدع 1/ 373، والإقناع 1/ 109.
نصًّا
(1)
، أو فرادًا اختاره جماعة
(2)
.
وإن نوى الإمامة؛ لاستخلاف إمامٍ له إذا سبقه الحدث صح، وبطلت صلاة الإمام كتعمده لذلك.
وله أن يستخلف من يتم الصلاة بمأمومٍ ولو مسبوقًا نصًّا
(3)
، وأنه يستخلف المسبوق من يسلم بهم، ثم يقوم فيأتي بما عليه.
فإن لم يستخلف المسبوق، وسلموا منفردين، أو انتظروا حتى سلم بهم جاز نصًّا
(4)
، وكذا لإمامٍ استخلاف من لم يدخل معه نصًّا
(5)
، لا من ذكر الحدث، ويبني على فعل الأَوَّل حتى في
القراءة يأخذ من حيث بلغ نصًّا
(6)
، قاله ابن تميم
(7)
، وصححه المجد
(8)
، وتابعه الشارح
(9)
والمنُقِّح
(10)
أنه يأتي بما فاته من الفاتحة سرًا، ثم يجهر بما بقي،/ [29/ ب] ولا يبني على قراءة الإمام، ولعله أظهر.
(1)
ينظر: الفروع 2/ 151، والمبدع 1/ 373.
(2)
ينظر: المحرر 1/ 100، والفروع 2/ 150، والمبدع 1/ 373.
(3)
ينظر: المغني 2/ 76، والمبدع 1/ 374، والإقناع 1/ 109، وكشاف القناع 1/ 321.
(4)
ينظر: الإنصاف 2/ 34، والإقناع 1/ 109، وكشاف القناع 1/ 322.
(5)
ينظر: المبدع 1/ 374، وشرح منتهى الإرادات 1/ 180.
(6)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 851، والفروع 2/ 153، والإقناع 1/ 109، وكشاف القناع 1/ 322.
(7)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 274.
(8)
نقل عنه كل صاحب الفروع 2/ 153، والإنصاف 2/ 34.
(9)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 51.
(10)
ينظر: التنقيح ص 89.
فإن لم يعلم كم صلّى الأَوَّل بنى على اليقين، فإن سبح به المأموم رجع إليه.
فإن لم يستخلف الإمام وصلوا وِحْدانًا صح، وكذا إن استخلفوا لأنفسهم نصًّا
(1)
، وكذا لو استخلف الإمام لمرضٍ، أو خوفٍ، أو حصرٍ عن القراءة الواجبة، أو قصرٍ ونحوه.
ومن استخلف فيما لا يعتد به اعتد به المأموم، وإن استخلف كل طائفةٍ رجلاً، أو استخلف بعضهم وصلّى الباقون فرادًا صح.
وإن سبق اثنان فأكثر فائتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما، أو ائتم مقيمٌ بمثله إذا سلم إمامٌ مسافرٌ صح، في غير جمعةٍ، لا فيها وجهًا واحدًا، بناءً على الاستخلاف، وبلا عذر السبق لا يصح، كاستخلاف إمامٍ بلا عذرٍ.
وإن أحرم إمامًا؛ لغيبة إمام الحي، أو إذنه، ثم حضر في أثنائها فأحرم بهم، وبنى على صلاة خليفته، وصار الإمام مأمومًا صح
(2)
.
(1)
ينظر: الفروع 2/ 155، والإنصاف 2/ 35.
(2)
ينظر: المغني 2/ 78، والشرح الكبير 1/ 500، والفروع 2/ 429.
باب صفة الصلاة
يستحب الخروج إليها بخوفٍ، وخشوعٍ، ويمشي بسكينةٍ، ووقار
(1)
، ويقارب بين خطاه، ولا يُشَبِّك بين أصابعه ويقول: باسم الله الذي خلقني فهو يهدين
(2)
إلى قوله {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}
(3)
ويقول: ((اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك
(4)
، وبحق ممشاي هذا
(5)
فإني لم أخرج أشرًا
(6)
، ولا بَطرًا
(7)
، ولا رِياءً، ولا سُمعةً، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت))
(8)
اللهم اجعلني من أَوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيك، وأقرب
(1)
قال النووي في شرحه على مسلم 5/ 100: «قيل: هما بمعنى، وجمع بينهما تأكيدا، والظاهر أن بينهما فرقا، وأن السكينة التأني في الحركات، واجتناب العبث ونحو ذلك، والوقار في الهيئة، وغض البصر، وخفض الصوت، والإقبال على طريقه بغير التفات ونحو ذلك» .
(2)
هذا الدُّعاء لم يثبت في حديث صحيح، فيما وقفت عليه، بل حكم عليه بعض العلماء بالوضع. ينظر: تذكرة الموضوعات للفتني ص 37، والفوائد المجموعة للشوكاني ص 26، وقد ذكر في كثير من كتب الفقه مثل المغني 1/ 329، والعدة ص 74، وشرح العمدة ص 604، وغيرها.
(3)
الشعراء: آية 89.
(4)
هو الإجابة من الله لدعائهم. ينظر: آداب المشي إلى الصلاة ص 5.
(5)
هو الإثابة من الله تعالى، والإجابة للدعاء. ينظر: آداب المشي إلى الصلاة ص 5.
(6)
الأشر: كفران النعمة، وعدم شكّرها. المصباح المنير 1/ 15 مادة (ء ش ر).
(7)
البطر: الطغيان عند النعمة. ينظر: تهذيب اللغة 13/ 229، وغريب الحديث لابن الجوزي 1/ 76، ولسان العرب 4/ 69.
(8)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إذا خرج من منزله، برقم (29202) 6/ 25، وأحمد في مسنده برقم (11156) 17/ 248، وابن ماجة في سننه، كتاب المساجد والجماعات، باب المشي إلى الصلاة، برقم (778) 1/ 256. والحديث ضعيف. قال البوصيري في مصباح الزجاجة 1/ 98: هذا إسناده مسلسل بالضعفاء، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/ 8، وضعيف الترغيب والترهيب 1/ 51:(ضعيف) وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند 17/ 248: إسناده ضعيف.
من تَوَسَّل إليك، وأفضل من سألك، ورغب إليك
(1)
، اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي بصري نورًا
(2)
.
فإذا أتى المسجد قدم رجله اليمنى وقال: باسم الله، والصلاة على رسول الله وعلى آله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك وفضلك نصًّا
(3)
.
(1)
إلى هذا لم أجده في كتب السنة مسندا حسب بحثي، وقد سبق المؤلف في ذكره كل من صاحب المغني 2/ 223، والشرح الكبير 2/ 209.
(2)
نص الدُّعاء الثابت في الحديث: ((اللهم اجعل لي في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، ومن بين يدي نورًا، ومن خلفي نورًا، واجعل في نفسي نورًا، وأعظم لي نورًا)). الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (736) 1/ 529.
ومعنى النور الوارد في الحديث: قال النووي في شرح مسلم 6/ 45: «بيان الحق، وضياؤه، والهداية إليه، فسأل النور في جميع أعضائه، وجسمه، وتصرفاته، وتقلباته، وحالاته، وجملته في جهاته الست حتى لا يزيغ شيء منها» .
وقال القرطبي في المفهم 7/ 29: «وهذه الأنوار التي دعا بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمكن أن تحمل على ظاهرها، فيكون معنى سؤاله: أن يجعل الله له في كل عضو من أعضائه نورا يوم القيامة، يستضيء به في تلك الظلم هو ومن تبعه، أو من شاء الله ممن تبعه، والأولى أن يقال: هذه الأنوار هي مستعارة للعلم، والهداية
…
»
(3)
يقال: افتح لي أبواب رحمتك، عند الدخول، وافتح لي أبواب فضلك، عند الخروج، والحديث أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا دخل المسجد وخرج منه، برقم (1664) 1/ 425، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل إذا دخل المسجد، وما يقول إذا خرج، برقم (3412) 1/ 298، وأحمد في مسنده برقم (26417) 44/ 15، وابن ماجة في سننه، كتاب المساجد والجماعات، باب الدُّعاء عند دخول المسجد، برقم (771) 1/ 253، والترمذي في أبواب الصلاة، باب ما يقول عند دخوله المسجد، برقم (314) 2/ 127. قال في مجمع الزوائد 2/ 32: فيه صالح بن موسى وهو متروك الحديث. وقال الألباني: صحيح. ينظر: سنن الترمذي بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2/ 127.
ويشتغل في المسجد بالطاعة من الصلاة، والقراءة، والذكر، ولا يخوض في حديث الدنيا، أو يسكت، ويجلس إلى/ [30/ أ] القبلة.
وإن سمع الإقامة وهو خارج المسجد ونحوه لم يَسعَ إليها، فإن طمع في إدراك التكبيرة الأولى فلا بأس بسرعته قليلاً نصًّا
(1)
.
ويسن أن يقوم إلى الصلاة إمامٌ، فمأمومٌ غير مقيمٍ، إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة
(2)
إن رأى الإمام، وإلا قام عند رؤيته.
وليس بين الإقامة والتكبير دعاءٌ مسنونٌ نصًّا
(3)
، ثم يسوي الإمام الصفوف بالمناكب
(4)
، والأكعب
(5)
فيلتفت عن يمينه قائلاً
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 111، وكشاف القناع 1/ 326، ومطالب أولي النهى 1/ 414.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 211:
قد قامت الصلاة حين تسمع
…
إلى الصلاة فالقيام يشرع
(3)
ينظر: الإنصاف 2/ 41، والإقناع 1/ 112، وكشاف القناع 1/ 327.
(4)
المناكب: كل مجمع عظم العضد، والكتف من الإنسان، والطائر، ونحوه. ينظر: المحيط في اللغة 6/ 281، ومقاييس اللغة 5/ 474.
(5)
الأكعب جمع كعب، والكعبان هما: العظمان الناتئان في منتهى الساق، مع القدم مع الجانبين. ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 24، تهذيب اللغة 1/ 211.
وضابط المحاذاة: التساوي بالمناكب في أعلى البدن، والأكعب في أسفل البدن، بحيث لا يتقدم عليه، ولا يتأخر، وهذا في حال الاعتدال، أما إذا كان الشخص محدودب الظهر، فلا عبرة بالمناكب؛ لعدم إمكانية تساويها، وإنما العبرة بالأكعب فقط، ولا ينظر إلى مقدمة القدم؛ لاختلافها في الطول، والقصر. ينظر: الشرح الممتع 3/ 10.
اعتدلوا
(1)
، وعن يساره كذلك، ويكمل الصف الأَوَّل، ويتراصون.
وميمنة، والصف الأَوَّل للرجال أفضل، وهو ما يقطعه المنبر، لا ما يليه، وكذا كل ما قرب من الإمام، ويكره تركه لقادرٍ، وينوي كما
(2)
تقدم
(3)
، ثم يقول وهو قائمٌ مع القدرة في فرضٍ: الله أكبر مُرَتَّبًا لا يجزيه غيرها.
فإن أتمه قائمًا، أو راكعًا، أو أتى به قاعدًا صحت نفلاً فقط إن اتسع الوقت.
فإن لم يحسنها بالعربية لزمه تعلمها في مكانه
(4)
، أو فيما قرب منه إن اتسع الوقت.
فإن خشي فواته، أو عجز عن تعلمها، كبَّر بلغته
(5)
.
ولا يكبر قبل ذلك بلغته، ولو عن مستحبٍ غيرها نصًّا
(6)
، فإن فعل
(1)
بهذا اللفظ مفردة لم ترد فيما وقفت عليه، والوارد لفظ ((تراصوا واعتدلوا)) من حديث أنس رضي الله عنه والحديث أخرجه أحمد في مسنده برقم (12255) 19/ 278. قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند (حديث صحيح وهذا إسناد قوي) 19/ 278. وهناك ألفاظ أخرى ثابتة في الصحيحين، وغيرها.
(2)
في المخطوط (كلما) ولعله خطأ من الناسخ، والصواب ما ذكرت.
(3)
في باب النية. في لوح رقم (29/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [202].
(4)
قال في المبدع 1/ 378: «لأنها ركن في الصلاة، فلزمه تعلمها كالفاتحة» .
(5)
ينظر: المغني 1/ 335، والمحرر 1/ 53، والفروع 2/ 164، والمبدع 1/ 378، ومنتهى الإرادات 1/ 55. قال في المبدع 1/ 378:«لأنه عجز عن اللفظ فلزمه الإتيان بمعناه» .
(6)
ينظر: الإنصاف 2/ 43، والإقناع 1/ 113، ومنتهى الإرادات 1/ 55، وكشاف القناع 1/ 331.
بطلت.
وإن أحسن البعض أتى به، والأخرس ونحوه يحرم بقلبه، ولا يُكَبِّر مأمومٌ قبل فراغ إمامه منه، فإن كبر معه لم تنعقد صلاته، وكذا إن مدّ همزة الله، أو أكبر، أو قال: أكْبَار، ولا يضر إن خلل الألف بين اللام والهاء
(1)
؛ لأنه إشباعٌ، وحذفها أولى.
والتشهد الأخير، والذكر الواجب، والسلام، كتكبيرة الإحرام في ذلك.
ويسن جهر إمامٍ بتكبيرٍ، وتسميعٍ، والسلام الأَوَّل، وقراءةٍ في جهريةٍ بحيث يسمع من خلفه، وأدناه سماع غيره، ويسر غيره به، وبغيره، غير ما يأتي قريبًا
(2)
.
ويكره جهر مأمومٍ إلا بتكبيرٍ، وتحميدٍ، وسلامٍ؛ لحاجةٍ
(3)
فيسر.
وجهر كل مصلٍ في ركنٍ، وواجب فرضٌ بقدر ما يسمع نفسه، إن لم يكن مانعٌ، فإن كان فبحيث يحصل السماع مع عدمه.
ثم يرفع يديه نصًّا
(4)
، أو إحداهما عجزًا مع ابتداء التكبير وينهيه معه نصًّا
(5)
ممدودة الأصابع، مضمومة، فيستقبل ببطونهما القبلة إلى حَذوِ منكبيه
(6)
/ [30/ ب] برؤوسهما إن لم يكن عذرٌ، لا إلى فروع أذنيه.
(1)
في المخطوط (خلت الألف بين اللام والهاء) ولعل الصواب ما أثبت. ينظر: الفروع 2/ 163.
(2)
في نفس الصفحة ونفس اللوح من المخطوط.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 114، وشرح منتهى الإرادات 1/ 185، وكشاف القناع 1/ 332، ومطالب أولي النهى 1/ 422.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 167، ومنتهى الإرادات 1/ 55.
(5)
ينظر: الفروع 2/ 167، ومنتهى الإرادات 1/ 55.
(6)
في رفع اليدين بهذه الصورة حكم عظيمة:
منهم من قال: إنها إشارة إلى رفع الحجاب بينه وبين ربه. ينظر: الفروع 2/ 168، نقلا عن ابن شهاب.
ومنهم من قال: تعظيم لله، وابتهال إليه، واستسلام له، وخضوع للوقوف بين يديه، واتباع لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ينظر: التمهيد لابن عبد البر 9/ 212.
ومنهم من قال: تعظيم الله عز وجل، فيجتمع في ذلك التعظيم القولي، والفعلي، والتعبد لله بهما، فإن قولك:«الله أكبر» لا شكّ أنك لو استحضرت معنى هذا تماما لغابت عنك الدنيا كلها؛ لأن الله أكبر من كل شيء، وأنت الآن واقف بين يدي من هو أكبر من كل شيء.
ومنهم من قال: إن ذلك من زينة الصلاة؛ لأن الإنسان إذا وقف، وكبر بدون أن يتحرك لم تكن الصلاة على وجه حسن كامل، ولا مانع أن تكون كل هذه مقصودة.
ومنهم من قال: رفع اليدين تعبد لا يعقل معناه.
ومنهم من قال: هو إشارة إلى التوحيد.
ومنهم من قال: لأن يراه من لا يسمع التكبير فيعلم دخوله في الصلاة فيقتدي به.
ومنهم من قال: هو: استسلام وانقياد وكان الأسير إذا غلب مد يديه علامة لاستسلامه، وقيل هو إشارة إلى طرح أمور الدنيا والإقبال بكليته على صلاته. ينظر: ينظر: المجموع شرح المهذب 3/ 310، والشرح الممتع 3/ 28.
قال في الفروع
(1)
: والأشهر يُخَيَّر، ويرفع يديه أقل، وأكثر؛ لعذرٍ، ويسقط بفراغ التكبير كله، ورفعهما إشارةٌ إلى رفع الحجاب بينه، وبين ربه، ثم يحطهما من غير ذكرٍ.
ويضع يده اليمنى على كوع اليسرى نصًّا
(2)
، ويجعلهما تحت سُرَّتِهِ
(3)
.
(1)
ينظر: الفروع 2/ 168.
(2)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 551، والشرح الكبير 1/ 513، والمبدع 1/ 381، ومنتهى الإرادات 1/ 55. الشرح الممتع على زاد المستقنع (1/ 395)
الكُوع: هو العَظم الذي يلي الإِبهام. وأنشدوا:
وعظم يلي الإبهام كوع وما يلي
…
لخنصره الكرسوع، والرسغ ما وسط
وعظم يلي إبهام رجل ملقب
…
ببوع؛ فخذ بالعلم واحذر من الغلط
(3)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 551، ومنتهى الإرادات 1/ 55.
هذا هو المذهب وهو ما عليه جماهير الأصحاب: أن الْمُصَلِّي يضعهما تحت سرته، استدلالا بحديث علي رضي الله عنه قال:((السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السر)) والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلاة، باب وضع اليمين على الشمال، برقم (3945) 1/ 343، وأحمد في مسنده برقم (875) 2/ 222، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب وضع اليدين على الصدر في الصلاة من السنة برقم (2341) 2/ 48، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة برقم (756) 1/ 201.
والحديث ضعيف. ينظر: التحقيق في مسائل الخلاف 1/ 339، وجامع الأصول 5/ 320، بيان الوهم والإيهام 5/ 26، وخلاصة الأحكام 1/ 359، وتنقيح التحقيق 1/ 140، ونصب الراية 1/ 313.
وروي عن أحمد: أنه يجعلها تحت صدره، وفوق سرته، استدلالا بحديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال:((صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع يده اليمنى على يده اليسرى، على صدره)) الحديث أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة قبل افتتاح القراءة، برقم (479) 1/ 243، قال الألباني بعد أن حكم على الحديث بالضعف:«لكن الحديث صحيح، جاء من طرق أخرى بمعناه، وفي الوضع على الصدر، أحاديث تشهد له كما في مرسل طاوس عند أبي داود، وهي صحيحة» . انظر سنن أبي داود بتحقيق محمد عبد الحميد 1/ 201.
ويكره على صدره نصًّا
(1)
.
ويسن نظره إلى موضع سجوده
(2)
إلا في صلاة خوفٍ ونحوه عند الحاجة، وإلا فلا.
(1)
ينظر: الفروع 2/ 169، والمبدع 1/ 381، والإقناع 1/ 114.
(2)
قال في المبدع 1/ 381 «كانوا يستحبون للرجل أن لا يجاوز بصره مصلاه؛ ولأنه أخشع، وأكف لنظره، إلا في صلاة الخوف عند الحاجة، وحال إشارته في التشهد فإنه ينظر إلى سبابته» .
وقال المرداوي في الإنصاف 2/ 46: «الصحيح من المذهب: أن النظر إلى موضع سجوده مستحب في جميع حالات الصلاة، وعليه أكثر الأصحاب، وقال القاضي وتبعه طائفة من الأصحاب: ينظر إلى موضع سجوده، إلا حال إشارته في التشهد، فإنه ينظر إلى سبابته» .
ثم يستفتح سِرًا فيقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك
(1)
، ولا إله غيرك نصًّا
(2)
، ومعنى الواو (وبحمدك) سبّحتك ويجوز بما ورد نصًّا
(3)
.
ثم يتعوّذ سرًّا فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وكيفما تعوذّ فحسنٌ، ثم يقرأ البسملة سرًا ولو قيل: إنها من الفاتحة، وليست منها كغيرها.
قال ابن تميم:
(4)
رواية واحدة، بل آية من القرآن فاصلة بين كل سورتين سِوى براءة
(5)
، فيكره ابتداؤها بها فإن نسي الاستفتاح حتى تعوذ،
(1)
قال العيني في شرح أبي داود 3/ 387: «قوله:» سبحانك اللهم: أي: أنزهك يا الله، وقد مر غير مرة.
قوله: «وبحمدك» عطف على محذوف، أي: أسبحك بتسبيحك، وأحمدك بحمدك.
قوله: «تبارك» تفاعل من البركة، وهي الكثرة والاتساع، ومعناه: تعالى وتعظم، وكثرت بركته في السموات، والأرض، إذ به تقوم، وبه تستنزل الخيرات، ونهي أن يتأَوَّل في وصفه معنى الزيادة؛ لأنه ينبئ عن النقصان.
قوله: «وتعالى» أي: علا وارتفع.
قوله: «جدك» أي: عظمتك.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة برقم (399) 1/ 299.
(3)
من أدعية الاستفتاح الواردة ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء، والثلج، والبرد)) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه واللفظ له، كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744) 1/ 149، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب ما يقال بعد تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598) 1/ 419.
(4)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 127.
(5)
ينظر: الإنصاف 2/ 48، والإقناع 1/ 115، ومنتهى الإرادات 1/ 55، وكشاف القناع 1/ 336.
أو التعوذ حتى بسمل، أو البسملة حتى شرع في القراءة سقط، ثم يقرأ الفاتحة مرتبة، متوالية، مشدّدةً، وفيها إحدى عشرة تشديدة
(1)
، فإن
ترك ترتيبها، أو تشديدة منها، أو قطعها لا بنية قطعها، ولو سكت غير مأموم بذكر، أو قرآن، أو سكوتٍ غير مشروعٍ كثيرًا، لزمه استئنافها إن كان عمدًا، وإلا عُفي عنه.
ويكره الإفراط
(2)
في التشديد، والمد.
فإذا فرغ، قال: آمين، يجهر بها إمامٌ، ومأمومٌ معًا
(3)
في صلاة جهرٍ، ومنفردٍ ونحوه إن جهر بالقراءة، وإن تركه إمامٌ أتى به مأمومٌ جهرًا كالتعوذ، وكذا إن أسره، ويجهر به؛ ليذكره، فإن قرأ غيره لم يتعوذ، ويستحب سكوته بعدها بقدر قراءة مأمومٍ
(4)
.
فإن لم يحسنها لزمه تعلمها، فإن ضاق الوقت عنه لزمه قراءة قدرها في عدد الحروف، والآيات من غيرها، فإن لم يحسن إلا آيةً واحدةً كرّرها بقدرها.
(1)
في المخطوط (أحد عشر تشديدة) والصواب ما أثبت؛ لأن العدد من واحد إلى ثلاثة يوافق المعدود.
قال في الشرح الكبير 1/ 524: «أولها اللام في لله، والباء في ربّ، والراء في الرّحمن، وفي الرّحيم، والدال في الدِّين، وفي إياّك وإياّك تشديدتان، وفي الصّراط على الصاد، وعلى اللام في الّذين، وفي الضّالّين تشديدتان في الضاد، واللام» .
(2)
الإفراط: هو مجاوزة الحد، والإسراف في كل أمر، وهو خلاف القصد. ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 98، ومجمل اللغة ص 716، والمحكم والمحيط الأعظم 6/ 186.
(3)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 256:
ويجهر الإمام والمأموم
…
بقول آمين عداك اللوم
(4)
ينظر: الفروع 2/ 176.
فإن لم يحسن شيئًا من القرآن بالعربية لم يجز أن يترجم عنه بلغةٍ/ [31/ أ] أخرى نصًّا
(1)
كعالمٍ، ولزمه أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر
(2)
فقط، فإن لم يحسن إلا بعض الذّكر، كرّره بقدر الذّكر.
فإن لم يحسن شيئًا منه، وقف بقدر القراءة، ولم يلزمه الصلاة خلف قارئٍ، ولا بأس إن تَلَقَّف
(3)
القراءة في صلاة من غيره.
ثم يندب أن يقرأ بعد الفاتحة سورةً كاملة نصًّا
(4)
، قال القاضي وغيره: ويجوز آيةً، إلا أن أحمد رحمه الله استحب كونها طويلةً، يبتدئ السورة بالبسملة نصًّا
(5)
ولو في غير صلاةٍ وقال: لا يدعها قيل له: فإن قرأ من بعض سورةٍ قال: لا بأس، ثم إن كان في غير صلاةٍ، فإن شاء جهر بها،
(1)
ينظر: المبدع 1/ 388، ومنتهى الإرادات 1/ 56، وكشاف القناع 1/ 340، ومطالب أولي النهى 1/ 432.
(2)
الحديث في بعض ألفاظه زيادة: (ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) كما في لفظ أبي داود في سننه، كتاب الصلاة، باب ما يجزئ الأمي والأعجمي في القراءة، برقم (832) 1/ 220، (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما يجزئني منه، قال: قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) كما أخرج الحديث النسائي في سننه بلفظ مقارب، كتاب الافتتاح، باب ما يجزئ من القراءة لمن لا يحسن القرآن، برقم (924) 2/ 143. قال الحاكم في مستدركه حديث رقم (880) 1/ 367:«هذا حديث صحيح على شرط البخاري» .
(3)
اللقف: سرعة الأخذ لما يرمى إليك باليد، أو باللسان. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 6/ 418، ومختار الصحاح 1/ 284، ولسان العرب 9/ 320.
(4)
ينظر: المبدع 1/ 390، ومنتهى الإرادات 1/ 56.
(5)
ينظر: المبدع 1/ 390، وشرح منتهى الإرادات 1/ 191.
وإن شاء خافت نصًّا
(1)
تكون في الصبح من طوال المفصّل
(2)
، ويكره بقصاره من غير عذرٍ كسفرٍ، ومرضٍ ونحوهما، وفي المغرب من قصاره
(3)
.
ولا يكره بطواله إن لم يكن عذر نصًّا
(4)
.
وفي الباقي من أوسطه إن لم يكن عذر، فإن كان لم يكره بأقصر منه، ويكره بالفاتحة فقط.
وأَوَّل المفصّل {ق} ويستحب أن يقرأ كما في المُصحف.
ويحرم تنكيس الكلمات، وتبطل به الصلاة، ويكره تنكيس السّور في ركعةٍ، أو ركعتين كالآيات
(5)
.
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 118، وكشاف القناع 1/ 342، ومطالب أولي النهى 1/ 436.
(2)
المفصل: اسم مفعول من فصلت الشيء جعلته فصولا متمايزة، وهو ما ولي المثاني من قصار السور، وسمي بذلك؛ لفصل بعضه عن بعض، أو لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة، أو لإحكامه، وقلة المنسوخ فيه، وآخره سورة الناس بلا نزاع، وللعلماء في أوله أربعة أقوال:
أحدهما: أنه من أَوَّل «ق» .
والثاني: أنه من أَوَّل الحجرات.
والثالث: من أَوَّل الفتح.
والرابع: من أَوَّل القتال، والصحيح الأول، ينظر: المطلع 1/ 94، والإتقان في علوم القرآن 1/ 221، ومنتهى الإرادات 1/ 56، وحاشية الروض 2/ 34.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 249، وعمدة الفقه 1/ 25، والعدة 1/ 78، والمحرر 1/ 54، ومنتهى الإرادات 1/ 56.
(4)
ينظر: الإنصاف 2/ 56، والإقناع 1/ 118، ومنتهى الإرادات 1/ 56.
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 119، ومنتهى الإرادات 1/ 57، وكشاف القناع 1/ 344، وكشف المخدرات 1/ 133.
قال أبو العباس
(1)
: ترتيب الآيات واجبٌ؛ لأن ترتيبها بالنصّ إجماعًا، وترتيب السّور بالاجتهاد، لا بالنصّ في قول جمهور العلماء، منهم المالكية
(2)
، والشافعية
(3)
، فيجوز قراءة هذه قبل هذه، وكذا في الكتابة، ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة رضي الله عنهم في كتابتها، لكن لما اتفقوا على المُصحف في زمن عثمان رضي الله عنه وعن بقية الصحابة، صار هذا مما سنه الخلفاء الراشدون، وقد دل الحديث على أن لهم سنة يجب اتباعها
(4)
.
ويجهر إمامٌ بقراءةٍ في الصّبح، وأوليي مغرب، وعشاءٍ
(5)
.
ويكره لمأمومٍ، ويخير منفردٌ حتى قائم؛ لقضاء ما فاته بعد سلام إمامه بين جهرٍ، وإخفاتٍ.
وإن قضى صلاة جهرٍ نهارًا سرَّ جماعة، وفرادى كصلاة سرٍّ، فإنه يسر فيها مطلقًا، وليلاً يجهر في جماعةٍ فقط.
ويكره جهره في نفلٍ نهارًا، وليلاً يراعى المصلحة، وإن أسر في جهرٍ بنى على قراءته، ولا بأس بجهر المرأة إذا لم يسمعها/ [31/ ب] أجنبي، وإن
(1)
ينظر: الفتاوى الكبرى 4/ 419، ومجموع الفتاوى 13/ 396.
(2)
ينظر: الفواكه الدواني 1/ 66.
(3)
ينظر: تحفة المحتاج 2/ 57.
(4)
ينظر: المستدرك على مجموع الفتاوى 3/ 82.
(5)
ينظر: مختصر الخرقي ص 24، والمغني 1/ 407، والمحرر 1/ 55، والوجيز ص 43، ومنتهى الإرادات 1/ 57.
قال في الشرح الكبير 1/ 533: «الجهر في هذه المواضع مجمع على استحبابه، ولم يختلف المسلمون في مواضعه، والأصل فيه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت ذلك بنقل الخلف عن السلف» .
قرأ بقراءةٍ تخرج عن مُصحف عثمان لم تصح صلاته، وتحرم، ويصح بما وافق المُصحف
(1)
، وإن لم يكن من العشرة نصًّا
(2)
.
ثم يرفع يديه عقيب فراغه من القراءة مع ابتداء الركوع مكبرًا فيضع يديه مُفَرجَتَي الأصابع على ركبتيه، ويمد ظهره مستويًا، ورأسه حِيال
(3)
ظهره.
ويُجَافي مرفقيه عن جنبيه، وقدر الإجزاء في ركوع انحناؤه، بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه إذا كان وسطًا من الناس، وقدره من غيره، ومن قاعدٍ مقابلة وجهه ما وراء ركبتيه من الأرض أدنى مقابلة، وتتمتها الكمال قاله أبو المعالي
(4)
.
ويقول سبحان ربي العظيم ثلاثًا وهو أدنى الكمال
(5)
، وأعلاه في حق إمامٍ إلى عشر، ومنفرد العرف، وكذا سبحان ربي الأعلى في سجوده، والكمال في رب اغفر لي ثلاث، ومحل ذلك في غير صلاة كسوف.
ولو انحنى لتناول شيءٍ ولم يخطر بباله الركوع لم يجزئه عنه
(6)
، ثم
(1)
ينظر: المعني 1/ 354، والشرح الكبير 1/ 534، والوجيز ص 43.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 183، والإقناع 1/ 119، وكشاف القناع 1/ 354. والقراء العشرة هم: أبو جعفر، ونافع المدنيان، وابن كثير المكي، وابن عامر الشامي، وأبو عمرو بن العلاء، ويعقوب الحضرمي البصريان، وعاصم، وحمزة، والكسائي الكوفيون، وخلف بن هشام. ينظر: النشر في القراءات العشر 1/ 38.
(3)
أي: بإزائه، وقبالته. ينظر: مختار الصحاح ص 84، والمطلع ص 95.
(4)
نقل عنه كل من صاحب الفروع 3/ 68، والمبدع 2/ 109، والإنصاف 2/ 308.
(5)
ينظر: مختصر الخرقي ص 22، والمغني 1/ 361، والمحرر 1/ 61، والشرح الكبير 1/ 542، ومنتهى الإرادات 1/ 57.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 196، والإقناع 1/ 120، وشرح منتهى الإرادات 1/ 194.
يرفع رأسه مع رفع يديه كرفعه الأَوَّل قائلاً إمامٌ ومنفردٌ: سمع الله لمن حمده، مرتبًا وجوبًا، ومعنى سمع هنا أجاب، ثم إن شاء أرسل يديه، وإن شاء وضع يمينه على يساره نصًّا
(1)
.
فإذا قام قال: ربنا ولك الحمد، ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيءٍ بعد
(2)
، والمأموم يحمد فقط، وله قول: ربنا لك الحمد بلا واوٍ، وبها أفضل
(3)
.
وإن شاء قال: اللهمّ ربنا لك الحمد، بلا واوٍ، ولو عطس حال رفعه
(1)
ينظر: الفروع 2/ 199، والإنصاف 2/ 63، والإقناع 1/ 120.
(2)
قال العيني في شرح أبي داود 3/ 364: «إشارة إلى الاعتراف بالعجز عن أداء حق الحمد بعد استفراغ المجهود فيه، فإنه- عليه السلام حمده ملء السموات والأرض، وهذه نهاية أقدام السابقين، وهذا تمثيل وتقريب، والكلام لا يقدر بالمكاييل، ولا تسعه الأوعية، وإنما المراد منه تكثير العدد، حتى لو قدر أن تكون تلك الكلمات أجساما تملأ الأماكن، ولبلغت من كثرتها ما يملأ السموات والأرض
…
».
(3)
هناك ألفاظ صحيحة ثابتة وهي كالتالي:
الأولى: رَبَّنا ولك الحمدُ. أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة، برقم (732) 1/ 147، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام برقم (411) 1/ 308. وسبب تفضيل المؤلف لها؛ لأنها متفق عليها في الصحيحين.
الثانية: رَبَّنا لك الحمدُ. أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب التكبير إذا قام من الركوع برقم (789) 1/ 157.
الثالثة: اللَّهُمَّ رَبَّنا لك الحمدُ. أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب فضل اللهم ربنا ولك الحمد برقم (796) 1/ 158، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب التسميع والتحميد والتأمين برقم (409) 1/ 306.
الرابعة: اللَّهُمَّ رَبَّنا ولك الحمدُ. أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع برقم (795) 1/ 158.
فحمد لهما جميعًا لم يجزئه نصًّا
(1)
.
وحيث استحب رفع اليدين فقال أحمد
(2)
: هو من تمام الصلاة، من رفع أتم صلاة
(3)
.
ثم يكبر ويخر ساجدًا، ولا يرفع يديه، فيضع ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، ويمكن جبهته، وأنفه، وراحته من الأرض ويكون على أطراف أصابعه مفرجةً نصًّا
(4)
، موجهةً إلى القبلة، والسجود بالْمُصَلِّي على هذه الأعضاء مع الأنف ركنٌ مع القدرة، وإن عجز بالجبهة أومأ ما أمكنه، ولا يلزم بغيرها، وإن قدر بها تبعها الباقي.
ويجزئ بعض كل عضوٍ منها ولو على ظهر كَفٍ وقَدمٍ ونحوهما، ويسن بباطن/ [32/ أ] كفه وضم أصابع يديه وتوجيههما نحو القبلة قاله أحمد.
ومن سقط من قيامٍ، أو ركوعٍ ولم يطمئن عاد
(5)
، وإن اطمأن انتصب قائمًا وسجد، فإن اعتَّل حتى سجد سقط.
وإن علا موضع رأسه على قدميه فلم تستعمل الأسافل بلا حاجةٍ فلا بأس بيسيره، وكذا بكثيره، إن لم يخرج عن صفة السجود بلا كراهةٍ.
(1)
ينظر: المبدع 1/ 397، والإقناع 1/ 120، وكشف المخدرات 1/ 134.
(2)
ينظر: مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود 1/ 50، ومسائل الإمام احمد برواية ابنه أبي الفضل 3/ 164.
(3)
أي: من رفع أتم صلاة ممن لم يرفع. ينظر: الإنصاف 2/ 65.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 203، والمبدع 1/ 400، والإنصاف 2/ 65، ومنتهى الإرادات 1/ 58.
(5)
ينظر: الفروع 1/ 202، والمبدع 1/ 395، والإنصاف 2/ 66.
ولا يجب عليه مباشرة المصلّى بشيءٍ منها حتى الجبهة، لكن يكره تركها بلا عذرٍ نصًّا
(1)
، فلو سجد على متصلٍ به غير أعضاء السجود كَكَوْرِ
(2)
عمامته، وكمه، وذيله ونحوه صحت، ولم يكره لعذرٍ
(3)
، ولا يجزئه سجوده على يده قال بعضهم: قولاً واحدًا.
ولا يستحب كشف الركبتين بل يكره.
قال في المغني وغيره
(4)
: يستحب مباشرة الْمُصَلَّي بالجبهة واليدين؛ ليخرج من الخلاف.
ويسن أن يجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه ما لم يؤذ جاره، ويضع يديه حذو منكبيه مضمومة الأصابع، وله أن يعتمد بمرفقيه على فخذيه إن طال، ويفرق بين ركبتيه ويقول: سبحان ربي الأعلى، وحكمه كتسبيح الركوع.
ثم يرفع رأسه مكبرًا، ويجلس مفترشًا يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب يمناه فاتحًا أصابعه نحو القبلة، باسطًا يديه على فخذيه، مضمومة الأصابع قائلاً: رب اغفر لي ثلاثًا وهو الكمال هنا، ولا يكره ما ورد غيره
(5)
.
(1)
ينظر: المحرر 1/ 63، والمبدع 1/ 402، والإنصاف 2/ 67، ومنتهى الإرادات 1/ 58.
(2)
يقال: كار العمامة على رأسه، إذا لفها وأدارها، وكل دور كور. ينظر: المصباح المنير 2/ 543.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 121، وكشاف القناع 1/ 353، ومطالب أولي النهى 1/ 451.
(4)
ينظر: المغني 1/ 373، والشرح الكبير 1/ 559، والفروع 2/ 202.
(5)
مثل قوله: (اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، واهدني، وارزقني) لورودها في السنة، كما عند الإمام أحمد في المسند برقم (3514) 5/ 459، وعند أبي داود في سننه، كتاب الصلاة، باب الدُّعاء بين السجدتين، برقم (850) 1/ 224، والترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (284) 2/ 76، وابن ماجة في سننه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين برقم (898) 1/ 290، قال الألباني: صحيح. ينظر: تخريج الكلم الطيب ص 106، ومشكّاة المصابيح 1/ 283.
ثم يسجد الثانية كالأولى، ثم يرفع رأسه مكبرًا قائمًا على صدور قدميه، معتمدًا على ركبتيه نصًّا
(1)
لا على يديه إلا أن يَشُقَّ.
وعنه
(2)
يجلس جلسة الاستراحة
(3)
كجلوسه بين السجدتين.
ثم ينهض كما سبق، ثم يصلّي الثانية كالأولى، إلا في تجديد النية، وتكبيرة الإحرام، والاستفتاح، ولو نسي في الأولى، والاستعاذة إن كان استعاذ في الأولى، وإلا سن هنا إن نسيه.
(1)
ينظر: مختصر الخرقي ص 23، والكافي 1/ 254، والمحرر 164، والشرح الكبير 1/ 567، ومنتهى الإرادات 1/ 58.
(2)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 566، والمغني 1/ 379، والمحرر 1/ 64.
(3)
جلسة الاستراحة: هي جلسة يسيرة، صفتها: كالجلوس بين السجدتين، وموضعها بعد السجدة الثانية من كل ركعة، بعدها قيام. ينظر: كشاف القناع 1/ 355.
قال في المقنع مع حاشيته 1/ 153: «اختلفت الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله، فروي أنه لا يجلس، اختاره الخرقي، وروي عن عمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس رضي الله عنهم وبه يقول مالك، والثوري، وأصحاب الرأي.
قال أحمد رحمه الله: أكثر الأحاديث على هذا، قال الترمذي: عليه العمل عند أهل العلم، قال أبو الزناد: تلك السنة.
والرواية الثانية: يجلس اختارها الخلال، وهو أحد قولي الشافعي، قال الخلال: رجع أبو عبد الله رحمه الله تعالى عن قوله لما روى مالك بن الحويرث رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود، قبل أن ينهض)) متفق عليه، وحمل جلوس النبي صلى الله عليه وسلم على أنه كان في آخر عمره عند كبره. قال شيخنا: وهذا جمع بين الأخبار».
ثم يجلس مفترشًا جاعلاً يديه على فخذيه، باسطًا أصابع يسراه مضمومة/ [32/ ب] مستقبلاً بها القبلة، قابضًا من يمناه الْخِنْصَر
(1)
، والْبِنْصِر
(2)
، مُحلقًا إبهامه مع وسطاه.
ثم يتشهد سرًا، ويشير بسبابتها
(3)
لا بغيرها ولو عدمت؛ لأنها إشارةٌ إلى الوحدانية في تشهده مرارًا؛ لتكرار التوحيد عند ذكر الله تعالى، ولا يحركها، وكذا عند دعائه في صلاةٍ وغيرها نصًّا
(4)
، فيقول: التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله.
وإن قال: (وحده لا شريك له) فلا بأس ذكره جماعة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
(5)
، جاز نصًّا
(6)
، هذا التشهد الأوّل، والأَوْلَى تخفيفه
(1)
الخِنْصِر: بكسر الخاء، والصاد، الإصبع الصغرى القصوى من الكف. ينظر: العين 4/ 338، والمحكم والمحيط الأعظم 5/ 331.
(2)
البنصر: إصبع يلي الخنصر. ينظر: الصحاح 2/ 592. وترتيب أصابع اليد كالتالي:
الإبهام، الأصبع الكبرى الأولى، ثم السبابة، وتسمى السباحة، والمسبحة، والمشيرة، ثم الوسطى، ثم البنصر، ثم الخنصر. طلبة الطلبة ص 164.
(3)
السبابة: هي الأصبع الكبيرة التي بجانب الإبهام. سميت سبابة؛ لأنهم كانوا يشيرون بها عند السب. ينظر: المصباح المنير 1/ 262، وكشاف القناع 1/ 356، ومعجم اللغة العربية المعاصرة 2/ 1022.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 122، ومنتهى الإرادات 1/ 59، وكشاف القناع 1/ 356.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه في عدة مواضع منها في كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة، يرقم (831) 1/ 166، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (402) 1/ 301.
(6)
ينظر: الإنصاف 2/ 77، والإقناع 1/ 123.
وعدم الزيادة عليه.
والمسبوق يكرره، فإن سلم إمامه قام ولم يتمه.
ثم إن كانت الصلاة ركعتين فقط أتى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وما بعدها فيقول: اللهمّ صلّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما صلّيت على آل إبراهيم
(1)
إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد
(2)
.
هذا الأَوْلَى من ألفاظ الصلاة، والبركة، ويجوز بغيره مما ورد
(3)
، وآله: أتباعه على دينه، وتجوز الصلاة على غيره منفردًا نصًّا
(4)
.
(1)
في حاشية المخطوط: من الإنصاف قال: تجوز الصلاة على غير الأنبياء صلى الله عليه وسلم منفردا على الصحيح من المذهب، نص عليه في رواية أبي داود وغيره، قال الأصفهاني في شرح خطبة الخرقي: ولا تختص الصلاة بالأنبياء عندنا؛ لقول علي لعمر صلّى الله عليك، وقدمه في الفروع، وحكى ابن عقيل عن القاضي، أنه لا بأس به مطلقا، وقيل: لا يصلي على غيرهم إلا تبعا له، جزم به المجد في شرحه، ومحل الخلاف في غيره صلوات الله عليه، أما هو فإنه قد صحّ عنه الصلاة على آل أبي أوفى، وغيرهم ولقوله: صلّى الله عليهم. ينظر: الإنصاف 2/ 80.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله:(إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما) برقم (4797) 6/ 120، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، برقم (406) 1/ 305.
(3)
مثل قوله: ((اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد)) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي بعد التشهد، برقم (405) 1/ 305.
(4)
في حاشية المخطوط: جزم به المجد في شرحه، ومجمع البحرين، والنظم، وقدمه ابن تميم، والرعاية الكبرى، والآداب الكبرى، قال في الفروع: وكرهها جماعة، وقال في الرعاية وقيل: يسن الصلاة على غيره مطلقا، فيحتمل أن يكون موافقا للمذهب، وقيل: يحرم، اختاره أبو المعالي، واختار الشيخ تقي الدِّين منع الشعار، ومحل الخلاف في غيره صلوات الله عليه، أما هو فإنه قد صحّ عنه الصلاة على آل أبي أوفى وغيرهم؛ لقوله صلّى الله عليهم. ينظر: الإنصاف 2/ 80.
ويستحب أن يتعوذ فيقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، وأعوذ بالله من عذاب القبر، وأعوذ بالله من فتنة المحيا، والممات، وأعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال
(1)
.
وإن دعا بما ورد في الكتاب، والسنة، أو عن الصحابة، والسلف فلا بأس مالم يشق على مأمومٍ، أو يخف سهوًا، ويجوز بغيره مما يتضمن طاعةً، ويعود إلى أمر آخرته نصًّا
(2)
.
قال ابن تميم
(3)
: ولولم يشبه ما ورد، لا حوائج دنياه وملاذها، وكذا في ركوعٍ، وسجودٍ ونحوهما، ولا بأس به لمعينٍ بغير كاف خطابٍ، وتبطل به.
ولا تبطل بقوله عند ذكر إبليس: لعنه الله/ [33/ أ] ولا بتعويذ نفسه بقرآنٍ؛ لحمّى ونحوها، ولا بقول: باسم الله عند لدغ عقربٍ ونحوها.
ولا بالحوقلة في أمر الدنيا
(4)
، ثم يسلم مرتِبًا، معرِّفًا وجوبًا، مبتدئًا
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم (1377) 2/ 99، ومسلم في صحيحه، في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم (588) 1/ 412. بألفاظ متقاربة، وليس باللفظ الوارد في المتن.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 216، والإقناع 1/ 123، ومنتهى الإرادات 1/ 59، وكشاف القناع 1/ 360.
(3)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 160.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 218، والمبدع 1/ 417، والإنصاف 2/ 82، والإقناع 1/ 124، وشرح منتهى الإرادات 1/ 203، وكشاف القناع 1/ 361.
عن يمينه قائلاً جهرًا: السلام عليكم ورحمة الله فقط، فهو ركنٌ فيه، بخلاف سلام جنازة نصًّا، وعن يساره كذلك سرًا
(1)
.
ويستحب التفاته عن يساره أكثر
(2)
، وَيُسر مأموم بهما.
ويستحب جزمه، وعدم إعرابه فيقف على كل تسليمةٍ، وينوي بسلامه الخروج من الصلاة ندبًا.
فإن نوى معه الحفظة، والإمام، والمأموم جاز، ولم يستحب نصًّا
(3)
وكذا لو نوى ذلك دون الخروج وإن كانت صلاته أكثر من ركعتين نهض مكبرًا؛ لنهوضه من السجود إذا فرغ من التشهد الأوّل، وأتى بما بقي من صلاته كما سبق، إلا أنه لا يجهر فيه، ولا يقرأ شيئًا بعد الفاتحة، إلا إمامٌ في صلاة خوفٍ إذا قيل بانتظاره للطائفة الثانية في الركعة الثالثة، فيقرأ مع الفاتحة سورة، ثم يجلس في التشهد الثاني مُتَورِكًا، يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى ويخرجها عن يمينه، ويجعل أليتيه على الأرض، ويأتي بالتشهد الأوّل، ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبما بعده، ثم يسلم كما سبق.
والمرأة كالرجل في ذلك، إلا أنها تجمع نفسها، وتَتَربّع جالسةً، أو تسدل رجليها عن يمينها وهو أفضل نصًّا
(4)
، وترفع يديها، وإن سجد؛
(1)
ينظر: الفروع 2/ 218، والإنصاف 2/ 83، والروض المربع 1/ 94.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 219، الإنصاف 2/ 83، والإقناع 1/ 124، وشرح منتهى الإرادات 1/ 204.
(3)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 784، والمغني 1/ 400، والمحرر 1/ 66، والشرح الكبير 1/ 593.
(4)
ينظر: مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله 1/ 79، ومختصر الخرقي ص 24، والمغني 1/ 403، والمحرر 1/ 67، ومنتهى الإرادات 1/ 60.
لسهوٍ بعد السلام في ثلاثيةٍ، أو رباعيةٍ تورّك في تشهد سجوده نصًّا
(1)
لا في ثنائية.
وينحرف الإمام إلى المأموم جهة قصده، والأفضل بيمينه، ويستحب ألا يطيل الجلوس بعد السلام مستقبل القبلة كما يأتي تتمته، ويستغفر ثلاثًا، ويذكر ما وردّ
(2)
ويعقده والاستغفار بيده
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 125، وكشاف القناع 1/ 363.
(2)
بعد أن يستغفر ثلاثا يقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ذا الجلال، والإكرام، وفي رواية يا ذا الجلال والإكرام، ثم يقول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، ثم يقول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدِّين ولو كره الكافرون) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (592) ورقم (593) ورقم (594) 1/ 414، 415.
ثم يسبح ثلاثا وثلاثين، ويحمد الله ثلاثا وثلاثين، ويكبر الله ثلاثا وثلاثين، ويقول تمام المئة، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لما أخرج مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته برقم (597) 1/ 418. وقد ورد التسبيح والتحميد والتكبير الذي بعد الصلاة على أوجه متنوعة وهي:
الوجه الأول: الصيغة السابق ذكرها والواردة في صحيح مسلم.
الوجه الثاني: «سبحان الله» ثلاثًا وثلاثين، و «الحمد لله» ثلاثًا وثلاثين، و «الله أكبر» أربعًا وثلاثين، فيكون الجميع مِئَة. أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب، برقم (3705) 5/ 19، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدُّعاء والتسبيح والاستغفار، برقم (2727) 4/ 2091.
الوجه الثالث: «سبحان الله» عشرًا، و «الحمد لله» عشرًا، و «الله أكبر» عشرًا، فيكون الجميع ثلاثين. أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب الدُّعاء بعد الصلاة، برقم (6329) 8/ 72.
الوجه الرابع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» كل واحدة خمسًا وعشرين مرَّة، فيكون الجميع مِئَة. أخرجها النسائي في سننه، كتاب السهو، باب نوع آخر من عدد التسبيح، برقم (1351) 3/ 76.
نصًّا
(1)
، ويدعو بعد فجرٍ، وعصر؛ لحضور الملائكة فيها فيؤمنون، والأصح/ [33/ ب] وغيرهما من الصلوات، فيبدأ بالحمد لله، والثناء عليه ويختم به، ويصلّي على النبي صلى الله عليه وسلم أولّه، وآخره.
قال بعضهم
(2)
: ووسطه، متطهرًا مستقبل القبلة، ويعم بالدعاء، ولا بأس أن يخص نفسه بالدُّعاء نصًّا
(3)
، والمراد الذي لا يؤمن عليه كالمنفرد، فأما ما يؤمن عليه كالمأمومين مع الإمام فيعم، وإلا خانهم، ويستحب أن يخفيه، ويكره رفع الصوت به في صلاةٍ وغيرها إلا لحاجٍ.
ويكره التفاتٌ يسيرٌ في صلاةٍ بلا حاجةٍ؛ لخوفٍ ونحوه.
وتبطل إن استدار بجملته، أو استدبرها مالم يكن في الكعبة
(4)
، أو في شدة خوفٍ ولا تبطل بصدره مع وجهه، ورفع بصره إلى السماء، لا حال التَّجشُؤ
(5)
(1)
ينظر: الفروع 2/ 231، والإقناع 1/ 126، ومنتهى الإرادات 1/ 60، وحاشية الروض 2/ 84.
(2)
منهم: الآجري. ينظر: الفروع 2/ 235، والمبدع 1/ 423، وشرح منتهى الإرادات 1/ 206، وكشاف القناع 1/ 367، ومطالب أولي النهى 1/ 471.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 232، والإقناع 1/ 126، وشرح منتهى الإرادات 1/ 206.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 274، والإنصاف 2/ 91، والإقناع 1/ 127، وكشاف القناع 1/ 369، وكشف المخدرات 1/ 139، ومطالب أولي النهى 1/ 474.
(5)
الجشاء: الصوت يخرج من الفم عند امتلاء المعدة. ينظر: القاموس الفقهي ص 63، والمعجم الوسيط 1/ 123، ويفهم من كلام المؤلف حتى ولو كان المتجشئ منفردا، وليس بمراد، بل المراد إن كان في جماعة لئلا يؤذي من بجانبه. ينظر: حاشية التنقيح ص 93.
نصًّا
(1)
.
وتغميضه نصًّا
(2)
بلا حاجةٍ، وصلاته إلى صورةٍ، ووجه آدمي، وما يلهيه، ونار، ولو سراجًا ونحوه، وحمله ما يشغله نصّ على ذلك كله
(3)
، وفتح فمه ووضعه فيه شيئًا، لا بيده وكمه نصًّا
(4)
، وإلى متحدثٍ، ونائمٍ، وكافرٍ نصًّا
(5)
.
واستناده بلا حاجةٍ، فإن سقط لو أزيل لم تصح، وما يمنع كمالها كخوف بردٍ ونحوه، وافتراش ذراعيه ساجدًا.
وإقعاؤه وهو فرش قدميه، وجلوسه على عقبيه، وابتداؤها حاقنًا
(6)
ببولٍ، أو حاقبًا
(7)
بغائطٍ، ومع ريحٍ محتبسة ونحوه، أو تائقًا إلى طعامٍ ونحوه مالم يضق الوقت فلا يكره، بل يجب
(8)
.
(1)
ينظر: المبدع 1/ 423، والإنصاف 2/ 92، ومنتهى الإرادات 1/ 60.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 274، والإقناع 1/ 127، ومنتهى الإرادات 1/ 60، وكشف المخدرات 1/ 139.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 276، والإقناع 1/ 127، ومنتهى الإرادات 1/ 60.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 275، والمبدع 1/ 428، ومنتهى الإرادات 1/ 61.
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 127، ومنتهى الإرادات 1/ 61.
(6)
الحاقن: هو الذي يدافع البول. ينظر: غريب الحديث لابن قتيبة 3/ 749، والنهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 416، وتحرير ألفاظ التنبيه ص 334.
(7)
الحاقب: هو الذي احتاج إلى الخلاء، فلم يتبرز وحصر غائطه.
ينظر: تهذيب اللغة 4/ 46، والنهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 411، وتاج العروس 2/ 302.
(8)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 61.
ويحرم اشتغال بالطهارة إذًا، وعبثه، ووضع يده على خاصرته
(1)
، وَتَرَوُّحُهُ إلا لحاجةٍ كغمٍ شديدٍ لا مراوحته بين رجليه فيستحب كتفريقها، وتكره كثرته.
وفرقعة أصابع وتشبيكها، ولمس لحيته، واعتماده على يده في جلوسٍ من غير حاجةٍ
(2)
.
ويسن ردُّ مارٍ بين يديه آدميًا، أو غيره مالم يغلبه فلا يرده من حيث جاء، أو يكن محتاجًا
(3)
، أو في مكّة المشرفة نصًّا
(4)
، فلا تنقص صلاته إن لم يرده نصًّا، فإن أبى دفعه، فإن أصرّ فله قتاله ولو مشى، فإن خاف فساد صلاته لم يكرر دفعه، ويضمنه إذًا.
ويحرم مرورٌ بين مصلٍّ/ [34/ أ] وسترته ولو بعد عنها، ومع عدم سترته يحرم بين يديه قريبًا وهو ثلاثة أذرعٍ
(5)
فأقل.
وفي المستوعب
(6)
إن احتاج إلى المرور ألقى شيئًا ثم مرَّ.
(1)
الخاصرة: المستدق فوق الوركين، أو ما بين رأس الورك، وأسفل الأضلاع. ينظر: طلبة الطلبة ص 5، والمعجم الوسيط 1/ 237.
(2)
ينظر: المبدع 1/ 423، والإنصاف 2/ 92، والإقناع 1/ 127، وشرح كتاب آداب المشي إلى الصلاة ص 61.
(3)
في المخطوط (يكن في محتاجا) ولعله خطأ من الناسخ والصواب ما أثبت. ينظر: المبدع 1/ 429، والإقناع 1/ 129.
(4)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 61، وكشاف القناع 1/ 375، ومطالب أولي النهى 1/ 481.
(5)
قال في التوضيح 1/ 312: «وبالمقاييس المعاصرة يكون مقدار المسافة التي يحرم المرور فيها بين يدي الْمُصَلِّي إذا لم تكن سترة: مترا وتسعة وثلاثين سنتيمترا (39، 1) تقريبا» ، وفي المقادير الشرعية ص 311، المسافة 1، 44 سم.
(6)
ينظر: المستوعب 2/ 241.
وله عد الآي
(1)
، والتسبيح
(2)
بأصابعه بلا كراهة فيهما كتكبيرات العيد، وقتل حيةٍ، وعقربٍ، وقملةٍ، ولبس ثوبٍ، وعمامةٍ ولفها، وحمل شيءٍ ووضعه، وإشارةٌ بيد، وعين ونحوه مالم يطل.
فإن طال فعل عرفًا في صلاةٍ من غير جنسها أبطلها عمدًا، أو سهوًا مالم يكن ضرورةً كحالة خوفٍ، وهربٍ من عدوٍ ونحوه إلا أن يفعله متفرقًا، وإشارة أخرس مفهومة، أولا كالعمل.
وعند ابن عقيل
(3)
كالكلام تبطل، إلا برد سلامٍ، ولا تبطل بعمل القلب نصًّا
(4)
، ولو طال، ولا بإطالة نظرٍ في كتاب مع كراهته، ويكره تكرار الفاتحة
(5)
، لا جمع سورتين فأكثر ولو في فرضٍ نصًّا
(6)
، كتكرار سورةٍ في
(1)
(2)
قال في الشرح الممتع 3/ 249: «هذا قد يحتاج إليه الإنسان، خصوصًا الإمام؛ لأن الإمام حَدَّدَ الفقهاء رحمهم الله التسبيحَ له بعشر تسبيحات، قالوا: أكثر التسبيح للإمام عشر، وأدنى الكمال ثلاث» .
(3)
نقل عنه صاحب الفروع 2/ 269.
(4)
ينظر: المبدع 1/ 432، والإقناع 1/ 130، وكشاف القناع 1/ 378.
(5)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 612، والفروع 2/ 276، والمبدع 1/ 432، والإنصاف 2/ 99، والشرح الممتع 3/ 239.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 181، والإقناع 1/ 128، وكشاف القناع 1/ 374.
ركعتين، وتفريقها فيهما نصًّا
(1)
.
ولا تكره قراءة أواخر السور، وأواسطها كأوائلها، وله الفتح على إمامه إذا أُرْتِجَ
(2)
عليه، أو غلط، ويجب في الفاتحة كنسيان سجدةٍ ونحوها، فإن عجز عن إتمامها استخلف وتقدم
(3)
ولا يفتح على غير إمامه، فإن فعل لم تبطل.
وله رده إشارةً نصًّا
(4)
، فإن رده لفظًا بطلت، ويكره لعاطسٍ الحمد، فإن عطسَ حَمِد في نفسه، فإن حمد بلفظه لم تبطل
(5)
، وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم كانت واجبةً ولو في فرضٍ، وإن قرأ آيةً فيها ذكره صلى الله عليه وسلم صلّى عليه في نفلٍ فقط.
ويجب رد كافرٍ معصومٍ عن بئر كمسلم فيقطع الصلاة لذلك
(6)
، وكذا إن فر منه غريمه خرج في طلبه، وكذا إنقاذ غريقٍ ونحوه، فإن أبى صحت.
وإذا نابه شيءٌ في الصلاة مثل سهو إمامه، أو استئذانٍ إنسانٍ عليه سبّح رجلٌ ولو كثر، ويباح بقراءةٍ، وتكبيرٍ، وتهليلٍ ونحوه، ويكره بنحنحةٍ/ [34/ ب]، وصفيرٍ كتصفيقه،
وتسبيحها نصًّا
(7)
، وسنّ تصفيحها ببطن
(1)
ينظر: الفروع 2/ 181، والمبدع 1/ 432، والإنصاف 2/ 99، وشرح منتهى الإرادات 1/ 192.
(2)
في حاشية المخطوط (ارتج: أي أغلق) قلت: وهو الصواب. ينظر: غريب الحديث للقاسم بن سلام 4/ 325، والدلائل في غريب الحديث 2/ 523، وجمهرة اللغة 1/ 385.
(3)
في باب النية. لوح رقم (29/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [205].
(4)
ينظر: المغني 2/ 16، والمحرر 1/ 78، والفروع 2/ 268، ومنتهى الإرادات 1/ 62.
(5)
ينظر: الفروع 2/ 270، والمبدع 1/ 434، والإنصاف 2/ 100، والإقناع 1/ 130.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 265، والإقناع 1/ 130، وكشاف القناع 1/ 380.
(7)
أي ويكره التنبيه من المرأة بالتسبيح. ينظر: الإقناع 1/ 131، ومنتهى الإرادات 1/ 62، وكشاف القناع 1/ 380.
كفها على ظهر الأخرى وهو التصفيق
(1)
وإن كثر أبطلها.
وإن بَدَرَه بصاقٌ، أو مخاطٌ ونحوه في مسجدٍ بصق في ثوبه، وفي غيره عن يساره، أو تحت قدميه، وفي ثوبٍ أولى إن كان في صلاةٍ، ويكره أمامه، أو عن يمينه.
فصل
ويستحب صلاة غير مأمومٍ إلى سترةٍ، ولولم يخش مارًا، فإن كان في بناءٍ قرب من جداره، وفي فضاءٍ إلى شاخصٍ كشجرةٍ وعصا مثل آخرة الرّحل
(2)
، وهو ذراعٌ فأقل نصًّا
(3)
وقربه منها قدر ثلاثة أذرعٍ من قدميه نصًّا
(4)
وانحرافه عنها يسيرًا، ويكفي خيطٌ ونحوه، وما اعتقده سترةً وعرضها أعجبُ إلى أحمد
(5)
.
فإن لم يجد شاخصًا خط خطًا كالهلال، فإذا مرَّ شيءٌ من ورائهالم يكره، فإن مر بينه وبين سترته، أولم يكن له سترةً فمر بين يديه قريبًا كقربه من السترة كلبٌ أسود بهيمٌ، وهو ما لا لون فيه سِوى السّواد بطلت صلاته،
(1)
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع 3/ 265: «قال بعض العلماء: بظهر كفها على بطن الأخرى، وقال بعض العلماء: ببطن كفها على بطن الأخرى، كما هو المعروف عند النساء الآن، وعلى كل؛ فالأمر واسع، سواء كان التصفيق بالظهر على البطن، أم بالبطن على الظهر، أم بالبطن على البطن، المهم ألا تسبح بحضرة الرجال» .
(2)
قال في المبدع 1/ 437: «وهو عود في مؤخره ضد قادمته، والمراد به رحل البعير، وهو أصغر من القتب، والمؤخرة تختلف فتارة تكون ذراعا، وتارة أقل» .
(3)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 62، وكشف المخدرات 1/ 141، ومطالب أولي النهى 1/ 488.
(4)
ينظر: الإنصاف 2/ 104، والإقناع 1/ 131، ومنتهى الإرادات 1/ 62، وكشاف القناع 1/ 382.
(5)
نقل ذلك عنه صاحب المبدع 1/ 473، والإنصاف 2/ 104، والإقناع 1/ 132.
لا بمرور امرأةٍ، وحمارٍ أهليٍ
(1)
، ولا بالوقوف، ولا بغل.
قال بعضهم: رواية واحدة، وله القراءة في المصحف ولو حافظًا، والسؤال والتعوذ عند آية رحمةٍ، أو عذابٍ ونحوهما حتى مأموم نصًّا
(2)
.
فصل
أركان الصلاة ثلاثة عشر
(3)
وهي ما كان فيها، ولا يسقط عمدًا، ولا سهوًا
(4)
، بل إن تعمد تركه بطلت، وسهوًا لا تبطل على ما يأتي حكمه في باب سجود السهو
(5)
.
القيام في فرضٍ لقادرٍ سوى عريانٍ، وخائفٍ به، ولمداواة، وقِصر سقفٍ لعاجزٍ عن الخروج، ومأمومٍ خلف إمام الحي العاجز عنه بشرطه.
قال أبو المعالي
(6)
وغيره: وحَدُّه مالم يصر راكعًا، والركن منه بقدر قراءة الفاتحة، وتكبيرة الإحرام وهي منها.
وقراءة الفاتحة لغير مأمومٍ، وركوعٍ إلا ما بعد أَوَّل في كسوفٍ وتقدم
(1)
ينظر: الفروع 2/ 259، وتجريد العناية ص 39، والإقناع 1/ 132، وشرح منتهى الإرادات 1/ 215.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 271، ومنتهى الإرادات 1/ 62، وكشاف القناع 1/ 384، ومطالب أولي النهى 1/ 430.
(3)
أسقط المؤلف (ركن الترتيب بين هذه الأركان) وبذلك خالف صاحب الإقناع 1/ 134، ومنتهى الإرادات 1/ 63.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 244، والمبدع 1/ 441، والإقناع 1/ 132، والروض المربع 1/ 102.
(5)
باب سجود السهو. لوح رقم (37/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [234].
(6)
نقل عنه صاحب كشاف القناع 1/ 386.
المجزئ منه
(1)
، والاعتدال عند السجدات، والاعتدال عنهما، والجلوس بينهما، والطمأنينة في هذه الأفعال وقدرها إلى سكونٍ/ [35/ أ] وقيل: بقدر الذكر الواجب، قال المنُقِّح
(2)
: وهو أظهر.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في تشهدٍ أخيرٍ، وعنه
(3)
سنةٌ كخارج الصلاة، ويتأكد استحبابه عند ذكره، وتشهد أخير والركن منه: اللهمّ صلّ على محمدٍ، مع ما يجزئ من تشهدٍ أَوَّل ويأتي، وجلوسه له، والتسليمتان أيضًا، وهما من الصلاة.
وواجبًاتها ستة
(4)
وهي التي تبطل بتركها عمدًا وتسقط سهوًا.
وفي الرعاية
(5)
وجهلاً ويجبره السجود، ولا تبطل به.
والتكبير
(6)
في محله فلو شرع فيه قبل انتقاله، أو كمّله بعد انتهائه لم يجزئه كتكميله واجب قراءةٍ راكعًا، أو شروعه في تشهدٍ قبل قعوده، وكما لا يأتي بتكبير ركوعٍ، أو سجودٍ فيه، وقيل
(7)
: يجزئه للمشقة.
قال المنُقِّح: وهو أظهر
(8)
، ولعله أولى، غير تكبيرة إحرامٍ، وتكبيرة
(1)
في باب صفة الصلاة. لوح رقم (32/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [215].
(2)
ينظر: التنقيح ص 95.
(3)
ينظر: المبدع 1/ 444، والإنصاف 2/ 116.
(4)
هي في الحقيقة ثمانية، فقد جمع المؤلف التسبيح في الركوع، والسجود، وقول رب اغفر لي في ركن واحد. وغيره يعد كل واحد على حدة، فتكون ثمانية.
(5)
لم أحده في الرعاية الصغرى، ولعله في الكبرى.
(6)
هكذا بالواو، ولعل الصواب بدونها؛ لأنها أَوَّل الواجبات. وقد تكون على تقدير (وأَوَّل الواجبات التكبير) وعدم التقدير أولى.
(7)
ينظر: الفروع 2/ 249.
(8)
ينظر: التنقيح ص 95.
ركوع مأمومٍ أدرك إمامه راكعًا فإن الأُوْلَى ركنٌ، والثانية سنةٌ.
والتسميع لإمامٍ، ومنفردٍ، وتحميدٌ في محله للكل، وتسبيحٌ راكعًا وساجدًا، أو قول: رب اغفر لي مرةً مرة وفيها ما في التكبير، وتشهدٌ أَوَّل على غير مأمومٍ قام إمامه عند سهوٍ إذا لم نلزمه بالرجوع فيتابعه كما سيأتي
(1)
.
والجلوس له
(2)
والواجب منه التحيات لله، سلامٌ عليك أيها النبي ورحمة الله، سلامٌ علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله
(3)
.
(1)
سيأتي في الباب التالي (باب سجود السهو). لوح رقم (37/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [235].
(2)
وهو من المفردات وقد جمعها الناظم في المنح الشافيات 1/ 210، 211، 212 بقوله:
وسائر التكبير في الصلاة
…
فالنص عنه بالوجوب آتي
كذاك في التسميع والتحميد
…
تسبيحي الركوع والسجود
والجلسة الأولى في التشهد
…
ثانية التسليم في المجرد
ورحمة الله وربي اغفر لي
…
فكل هذا واجب في النفل
(3)
الصيغ الثابتة هي:
الأولى: ((التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله)) أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة برقم (831) 1/ 166، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (402) 1/ 301.
الثانية: «التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله» أخرجها مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (403) 1/ 302.
الثالثة: ((التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله)) أخرجها مالك في الموطأ، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم (300) 2/ 124، والشافعي في مسنده، كتاب الصلاة، باب في صفة الصلاة، برقم (275) 1/ 96، وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب التشهد برقم (3067) 2/ 202، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة كيف هو برقم (2992) 1/ 261، والطحاوي في مشكّل الآثار برقم (3804) 9/ 414، والحاكم في مستدركه، كتاب الصلاة برقم (979) 1/ 398، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب من قدم كلمتي الشهادة على كلمتي التسليم، برقم (2838) 2/ 205.
وسنن الأقوال اثنتا عشرة
(1)
: الاستفتاح، والتعوذ، وقراءة البسملة، وقول آمين، وقراءة السورة في/ [35/ ب] محلها وفيما يأتي من الجمعة، والعيدين، وسائر التطوع، والجهر والإخفات لمن يشرعان له، والتعوذ في التشهد الأخير، والدُّعاء آخره، والقنوت في الوتر، وما سوى ذلك سنن أفعالٍ، وهيئات، وسميت هيئة؛ لأنها صفة في غيرها
(2)
فدخل فيها جهر، وإخفاتٌ، وترتيلٌ، وتخفيف، وإطالةٌ، وتقصيرٌ، ولا يشرع سجودٌ لترك سنة مطلقًا؛ وإن سجد فلا بأس نصًّا
(3)
، والخشوع سنة وهو معنى يقوم بالنفس يظهر منه سكون الأطراف.
(1)
ينظر: الكافي 1/ 263، والشرح الكبير 1/ 650، والمبدع 1/ 446، والإنصاف 2/ 119. في المخطوط (وسنن الأقوال اثنا عشر) والصواب ما أثبت لأن العدد الواحد والاثنان يوافق المعدود.
(2)
ينظر: المستوعب 2/ 188، والإنصاف 2/ 122، والإقناع 1/ 135.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 136، وزاد المستقنع ص 48. قال ابن عثيمين في الشرح الممتع 3/ 333:«وعندي في ذلك تفصيل وهو: أن الإنسان إذا ترك شيئا من الأقوال، أو الأفعال المستحبة نسيانا، وكان من عادته أن يفعله، فإنه يشرع أن يسجد، جبرا لهذا النقص الذي هو نقص كمال، لا نقص واجب؛ لعموم قوله في الحديث: «لكل سهو سجدتان» ، وفي صحيح مسلم «إذا نسي أحدكم، فليسجد سجدتين» فإن هذا عام، أما إذا ترك سنة، ليس من عادته أن يفعلها، فهذا لا يسن له السجود؛ لأنه لم يطرأ على باله أن يفعلها».
باب سجود السهو
(1)
لا يشرع لعمدٍ
(2)
، ويشرع لسهوٍ بوجود أسبابه وهي ثلاثةٌ: زيادةٌ، ونقصٌ، وشكّ في الجملة؛ لنافلةٍ، وفرضٍ، سوى صلاة جنازةٍ، وسجود تلاوةٍ، وشكر، وحديث نفسٍ، وَنَظَر إلى شيء، وسهوٍ في سجدتيه نصًّا
(3)
، أو بعدهما، وقبل سلامه في سجوده بعد السلام، أو قبله، وكثرة سهوٍ حتى يصير كوسواسٍ، ذكره ابن أبي موسى
(4)
وغيره.
فالأَوَّل الزيادة، فمتى زاد فعلاً من جنس الصلاة قيامًا، أو قعودًا ونحوهما عمدًا بطلت
(5)
، وسهوًا ولو قدر جلسة استراحة سجد.
ومتى ذكر عاد إلى ترتيب الصلاة بغير تكبيرٍ، ولو نوى القصر فأتم
(1)
سها عن الشيء سهوا: ذهل وغفل قلبه عنه حتى زال عنه فلم يتذكره، وفرقوا بين النسيان والسهو:
فالنسيان: عدم ذكر ما قد كان مذكورا.
والسهو: ذهول وغفلة عما كان مذكورا، وعما لم يكن، فعلى هذا هو أعم من النسيان. ينظر: المطلع ص 113، والمصباح المنير 2/ 604، والمبدع 1/ 448، وكشاف القناع 1/ 393.
قال ابن القيم في زاد المعاد 1/ 277: «وكان سهوه صلى الله عليه وسلم في الصلاة من إتمام نعمة الله على أمته، وإكمال دينهم؛ ليقتدوا به فيما يشرعه لهم عند السهو» .
(2)
ينظر: الوجيز ص 47، والفروع 2/ 315، والإقناع 1/ 136.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 664، والمبدع 1/ 449، والإنصاف 2/ 123، ومنتهى الإرادات 1/ 64.
(4)
نقل عنه صاحب المبدع 1/ 499.
(5)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 665، والمبدع 1/ 449، والإنصاف 2/ 124، ومنتهى الإرادات 1/ 65.
سهوًا ففرضه الركعتان، ويأتي ويسجد للسهو.
وإن زاد ركعةً قطع متى ذكر، وبنى على فعله قبلها
(1)
.
ولا يتشهد إن كان تشهد، ثم سجد وسلّم، ولا يعتد بها مسبوق نصًّا
(2)
، ولا يصح أن يدخل معه فيها من علم أنها زائدة.
وإن كان إمامًا فنبَّهَه ثقتان فأكثر ويلزمهم تنبيهه على واجب الصلاة لزمه الرجوع، سواء نبهوه إلى زيادةٍ، أو نقصٍ ولو منفردًا، أو ظن خطأهما نصًّا
(3)
، مالم يتيقن صواب نفسه/ [36/ أ] فيعمل بيقينه، أو يختلف عليه الْمُنَبِّهُونَ فيسقط قولهم.
ويرجع طائف إلى قول اثنين نصًّا
(4)
، فإن لم يرجع بطلت صلاته، ووجبت مفارقته، ويتم المفارق صلاته، ومن تابعه عالمًا بطلت صلاته، لا من كان جاهلاً، أو ناسيًا.
ومن نوى ركعتين نفلاً، وقام إلى ثالثةٍ نهارًا رجع إن شاء، وسجد للسهو وله أن يتمها أربعًا ولا يسجد، وهو أفضل، وإن كان ليلاً فليس إتمامها بأفضل، بل يرجع ويسجد للسهو
(5)
.
وعملٌ متوالٌ مستكثرٌ في العادة من غير جنس الصلاة كمشيٍ، وفتح
(1)
ينظر: الفروع 2/ 317، والإقناع 1/ 137، وآداب المشي إلى الصلاة ص 39.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 319، والإقناع 1/ 137، والروض المربع 1/ 106.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 318، والإنصاف 2/ 125.
(4)
يعني إذا تردد الطائف في عدد الأشواط، وأخبره ثقتان أخذ بقولهما.
(5)
ينظر: المبدع 1/ 451، والإنصاف 2/ 187، وشرح منتهى الإرادات 1/ 222.
بابٍ ونحوه يبطلها عمده، وسهوه، وجهله إن لم تكن حاجةٌ
(1)
وتقدم
(2)
.
ولا تبطل بيسيرٍ، ولا يشرع له سجودٌ، ولا بأس به؛ لحاجةٍ، ويكره لغيرها.
وإن أكل، أو شرب عمدًا
(3)
، فإن كان في فرضٍ بطلت صلاته، قلَّ، أو كثر عرفًا.
وفي نفلٍ يبطل كثيره فقط.
وإن كان سهوًا، أو جهلًا لم يبطل يسيره فرضًا كانت، أو نفلاً
(4)
.
(1)
في منتهى الإرادات 1/ 65 «إن لم تكن ضرورة» وهناك فرق بين الحاجة، والضرورة. قال في حاشية الروض المربع 1/ 98:«الحاجة ما يمكن الاستغناء عنه، والضرورة ما لا يستغنى عنه» .
وقال في الشرح الممتع 5/ 72: «إن الحاجة: هي التي يكون بها الكمال. والضرورة: هي التي يندفع بها الضرر» .
وفي الموسوعة الفقهية 16/ 247: «إن الحاجة وإن كانت حالة جهد، ومشقة فهي دون الضرورة، ومرتبتها أدنى منها ولا يتأتى بفقدها الهلاك» . وقال الدكتور محمد الزحيلي في القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة 1/ 290:
الفرق بين الحاجة والضرورة في الأحكام أمران:
1 -
إن الضرورة تبيح المحظور سواء كان الاضطرار للفرد أو للجماعة، والحاجة لا تبيح المحظور إلا للجماعة، والحاجة إذا عمَّت كانت كالضرورة.
2 -
الحكم الثابت بالضرورة ينتهي بانتهاء الاضطرار؛ بخلاف الحكم الثابت بالحاجة، فهي تثبت بصورة دائمة، يستفيد منها المحتاج وغيره، وهي لا تصادم النص، إنما تخالف القواعد العامة والقياس.
(2)
في باب صفة الصلاة. لوح رقم (34/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [224].
(3)
قال ابن المنذر في الإجماع ص 39: «: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن الْمُصَلِّي ممنوع من الأكل، والشرب» .
(4)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 670، والمبدع 1/ 453، والإنصاف 2/ 129.
ولا بأس بِبَلع ما بقي في فيه، أو بين أسنانه من بقايا الطعام بلا مضغٍ ممالم يجر به ريقه نصًّا
(1)
، وبلع ما ذَاب بفيه من سكرٍ ونحوه كأكلٍ.
وإن أتى بقولٍ مشروعٍ في غير موضعه عمدًا كقراءة في سجودٍ، وقعودٍ، وتشهده في قيامٍ ونحوه لم تبطل.
ويسن السجود لسهوه، وإن سلم قبل إتمام صلاته عمدًا أبطلها.
وإن كان سهوًا، ثم ذكر قريبًا عرفًا أتمها، ولو انحرف عن القبلة نصًّا
(2)
،
(1)
ينظر: الفروع 2/ 297. قال الأستاذ الدكتور ناصر الميمان في تحقيقه على التوضيح 1/ 318: «وقد عبر ابن مفلح في الفروع 2/ 297 بهذا اللفظ (ممالم يجر به ريقه) ومن ثم تبعه المرداوي في التنقيح ص 97 فتبعه المؤلف هنا ـ يريد الشويكي ـ قلت: وتبعه العُسْكُري هنا ـ ثم قال المحقق حفظه الله: وتبعهم ابن النجار في المنتهى 1/ 65، وعندي أن هذا تحريف تتابع الناس فيه، وصواب العبارة (مما يجري به ريقه) لأمور:
الأول: أنه أنهى العبارة إلى الإمام رحمه الله حيث قال: «نصا» والمنصوص عن الإمام أحمد إنما هو فيه فيما يجري فيه الريق. ينظر: الإنصاف 2/ 131.
ثانيا: أن العبارة بهذا الشكّل، تخالف أصول المذهب؛ لأن ما لا يجري به الريق يكون له جرم، وما كان له جرم، إذا ابتلعه تبطل صلاته هذا المذهب.
ثالثا: أن ما ذكرته هو المفهوم من مهم في كل من الرعاية، والفروع، والمبدع، والإنصاف، كما جزم بذلك الشيخ منصور البهوتي في كشاف القناع 1/ 399، ولوكان هناك خلاف في المسألة لنقلوه.
رابعا: أن جملة من الكتب المعتمدة في المذهب من المتوسطين، والمتأخرين، صرحوا بالعبارة الصحيحة (مما يجري به ريقه) ومن ذلك: المغني 3/ 126، والكافي 1/ 279، والشرح الكبير 1/ 671، والمبدع 1/ 454، والإقناع 1/ 138.
خامسا: أن أَوَّل من عبر عن هذه المسألة بهذه العبارة المشكّلة، هو صاحب الفروع، ومن المعلوم أن الفروع لم يبيضه المؤلف، وتركه مسودة؛ لذا انتقد كثير من فقهاء المذهب بعض عباراته، وأصلحوها لهذا السبب». أ هـ.
(2)
ينظر: المغني 2/ 12، والشرح الكبير 1/ 671، والمبدع 1/ 455، ومنتهى الإرادات 1/ 65.
وإن شرع في غيرها قطعها فلو طال الفصل، أو تكلم عامدًا، أو ساهيًا ولو لمصلحتها، أو في صلبها بطلت، لا إن سلَّم سهوًا، أو نام فتكلم، أو سبق على لسانه حال قراءته كلمة لا من القرآن، أو غلبه سُعالٌ، أو عُطاسٌ، أو تثاؤبٌ فبان حرفان
(1)
.
وعنه
(2)
تبطل صلاة مأمومٍ ومنفردٍ، لا إمام تكلم؛ لمصلحتها، والتسليم ليس كلامٌ، وإن تقَهقَه ولولم يبين/ [36/ ب] حرفين، أو نفخ، أو انتَحَبَ بأن رفع صوته ببكاءٍ فبان حرفان فككلام، لا إن كان انتحابه ونحوه من خشية الله.
وإن بان حرفان في نحنحةٍ فكلامٌ، إن لم تكن حاجة، وإن استدعى البكاء كُرِهَ، وإلا فلا
(3)
.
فصل
الثاني: النقص فمتى ترك ركنًا ناسيًا غير تكبيرة إحرامٍ ونية؛ لعدم انعقاد الصلاة بتركهما فذكره بعد شروعه، في قراءة التي بعدها
(4)
بطلت التي تركه منها فقط نصًّا
(5)
، فلو رجع عالمًا عمدًا بطلت صلاته، وإن ذكره
(1)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 66.
(2)
ينظر: مسائل الإمام احمد وإسحاق بن راهويه 2/ 588، والمحرر 1/ 72، والشرح الكبير 1/ 674.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 288، والمبدع 1/ 463، والإنصاف 2/ 139، ومنتهى الإرادات 1/ 66.
(4)
في المخطوط (وقراءة التي بعدها) ولعل الأصوب ما ذكرت. ينظر: الشرح الكبير 1/ 684، والمبدع 1/ 464.
(5)
ينظر: مسائل الإمام احمد وإسحاق بن راهويه 2/ 584، والفروع 2/ 321، والمبدع 1/ 464، ومنتهى الإرادات 1/ 66.
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 229:
ومن سها عن ركن ركعة فلم
…
يذكره حتى بقراءة الأخرى ألم
فإنه تبطل تلك الركعه
…
فقط ولا تقل إذا بالرجعه
قبله عاد فأتى به وبما بعده نصًّا
(1)
، فلو ذكر الركوع وقد جلس أتى به، وبما بعده.
وإن سجد سجدةً، ثم قام، فإن كان جلس للفصل سجد الثانية ولم يجلس، وإلا جلس ثم سجد، وإن كان جلس للاستراحة لم يجزئه عن جلسة الفصل؛ لنيته بجلوسه نفلاً فلا يجزئ عن فرضٍ.
فإن لم يعد عمدًا بطلت صلاته، وسهوًا، أو جهلاً تبطل الركعة فقط
(2)
.
وإن علم بعد السلام فهو كترك ركعةٍ كاملةٍ يأتي بها مع قرب الفصل عرفًا كما تقدم
(3)
، فإن كان المتروك تشهدًا أخيرًا، أو سلامًا أتى به، وسجد وسلم.
وإن نسي أربع سجداتٍ، من أربع ركعاتٍ وذكر في التشهد سجد في الحال سجدةً فصحت له ركعة، ثم أتى بثلاث ركعاتٍ، وسجد للسهو وسلَّم.
وإن ذكر بعد سلامه بطلت نصًّا
(4)
، وإن ذكر وقد قرأ في الخامسة
(1)
ينظر: عمدة الفقه ص 26، والعدة ص 91، والشرح الكبير 1/ 684.
(2)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 66.
(3)
في الفصل السابق لوح رقم (36/ ب) في الصفحة رقم [232].
(4)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 701، والمغني 2/ 29، والعدة ص 91، والمحرر 1/ 84، ومنتهى الإرادات 1/ 66.
فهي أُولاه، وتشهده قبل سجدتي الأخيرة زيادة فِعْلِية، وقبل السجدة الثانية زيادة قَولِية.
وإن نسي التشهد الأَوَّل وحده، أو مع الجلوس له، ونهض لزمه الرجوع والإتيان به مالم يستتم قائمًا، ويلزم المأموم متابعته ولو بعد قيامهم وشروعهم في القراءة.
وإن استتم قائمًا ولم يقرأ فمضيه في صلاته أولى نصًّا
(1)
، ويتابعه المأموم، ولو علم تركه قبل قيامه ولا يتشهد، وإن/ [37/ أ] قرأ لم يجز له الرجوع وعليه السجود لذلك كله
(2)
.
وإن رجع جاز وكره، وكذا حكم تسبيح الركوع، والسجود، ورب اغفر لي بين السجدتين.
وكل واجبٍ تركه سهوًا، ثم ذكره فيرجع إلى تسبيح ركوعٍ قبل اعتداله، لا بعده، وحيث جاز رجوعه أدرك مسبوق الركعة به، وإن ترك ركنًا لا يعلم موضعه بنى على الأحوط.
فلو ذكر في التشهد أنه ترك سجدة لا يعلم من الأولى، أم من الثانية جعلها من الأولى، وأتى بركعةٍ، وإن ترك سجدتين لا يعلم من ركعةٍ، أو ركعتين سجد سجدةً، وحصلت له ركعة، وإن ذكره بعد شروعه في قراءة
(1)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 591، والشرح الكبير 1/ 688، والمبدع 1/ 467. وفي المنتهى 1/ 67 تصريح بالكراهة.
(2)
ينظر: المغني 2/ 20، والشرح الكبير 1/ 688، والوجيز ص 48، والمبدع 1/ 467، ومنتهى الإرادات 1/ 67.
الثالثة لغت الأولتان
(1)
.
وإن ترك سجدةً لا يعلم من أي ركعةٍ أتى بركعةٍ كاملةٍ، ولو جهل عين الركن المتروك بنى على الأحوط أيضًا.
فإن شكّ في القراءة والركوع جعله قراءة، وإن شكّ في الركوع والسجود جعله ركوعًا، فإن ترك آيتين متواليتين من الفاتحة جعلهما من ركعةٍ، وإن لم يعلم تواليهما جعلهما من ركعتين
(2)
.
فصل
الثالث: الشكّ، فمن شكّ في عدد الركعات بنى على اليقين
(3)
.
وعنه
(4)
يبني منفرد على اليقين، وإمامٌ على غالب ظنه إن كان المأموم أكثر من واحدٍ، وإلا بنى على اليقين كما لا يرجع مأمومٌ واحدٌ إلى فعل إمامه بل يبنى على اليقين
(5)
كفعل نفسه ويأتي
(6)
.
فإن استويا عنده فبالأقل، وحيث قلنا يعمل بظنه، فله العمل باليقين
(1)
ولعل الأفصح (الأوليان). ينظر: المزهر 1/ 209، والعين 8/ 370، وجمهرة اللغة 2/ 991.
(2)
ينظر: المبدع 1/ 466، والإنصاف 2/ 149، والإقناع 1/ 141، وكشاف القناع 1/ 406.
(3)
ينظر: المغني 3/ 344، والعدة ص 91، والمحرر 1/ 84.
(4)
ينظر: الكافي 1/ 281، والوجيز ص 48.
وقال في كشاف القناع 1/ 406: «ذكر في المقنع أن هذا ظاهر المذهب وأنه المشهور عن أحمد، وأنه اختيار الخرقي؛ ولأن للإمام من ينبهه ويذكره إذا أخطأ الصواب، بخلاف المنفرد» .
(5)
في المخطوط (بنى على اليقين) والصواب ما أثبت. ينظر: الفروع 2/ 326، والمبدع 1/ 470، والإنصاف 2/ 147.
(6)
في ثنايا هذا الفصل.
صرح به القاضي وغيره.
ويأخذ مأمومٌ عند شكّه بفعل إمامه/ [37/ ب] وفي فعل نفسه يبني على اليقين، فلو شكّ هل دخل معه في الأولى، أو الثانية جعله في الثانية، ولو أدرك الإمام راكعًا، ثم شكّ بعد تكبيره هل رفع الإمام رأسه قبل إدراكه راكعًالم يعتد بتلك الركعة
(1)
.
وحيث قلنا يبني على اليقين فإنه يأتي بما بقي عليه، فإن كان مأمومًا أتى به بعد سلام إمامه، وسجد للسهو.
ولا أثر لشكّ من سلم نصًّا
(2)
، ومن شكّ في ترك ركنٍ فهو كتركه
(3)
، ولا يسجد لشكّه في ترك واجبٍ ولا لشكّه هل سها، أو في زيادةٍ، إلا إذا شكّ فيها وقت فعلها، ولا لشكّه إذا زال وتبين أنه مصيبٌ فيما فعله، لكن لو سجد؛ لسهوٍ ظنه، ثم بان أنه لم يسه سجد.
وليس على مأمومٍ سجود سهوٍ، إلا أن يسهو إمامه فيسجد معه
(4)
ولولم يتم التشهد، ثم يتمه، لو كان مسبوقًا فيمالم يدركه، سواءٌ سجد إمامه قبل السلام، أو بعده فلو قام بعد سلام إمامه رجع فسجد معه، وإن شرع في القراءة لم يرجع.
وإن أدركه في إحدى سجدتي السهو سجد معه، فإذا سلم أتى
(1)
ينظر: الإنصاف 2/ 150، والإقناع 1/ 142، ومنتهى الإرادات 1/ 67.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 326، والإنصاف 2/ 150.
(3)
ينظر: المغني 2/ 30، والعدةص 91، والشرح الكبير 1/ 693، والمبدع 1/ 470.
(4)
ينظر: الإنصاف 2/ 151، وزاد المستقنع ص 50، ودليل الطالب ص 40، ومنتهى الإرادات 1/ 67.
بالثانية، ثم قضى صلاته نصًّا
(1)
.
وإن أدركه بعد سجود السهو، وقبل السلام لم يسجد، وإن سها سلم معه، أو سها إمامه، أو سها فيما انفرد حتى فيمن فارقه؛ لعذرٍ سجد.
ولا يعيد المسبوق السجود إذا سجد مع إمامه، وإن لم يسجد معه سجد وجهًا واحدًا
(2)
، فإن لم يسجد الإمام ناسيًا سجد مأمومٌ بعد سلامه، وإلا يئس من سجوده، وإن كان مسبوقًا سجد إذا فرغ.
وسجود السهو لما يُبْطِل عَمدُه الصلاةَ واجبٌ، سوى نفس سجود سهو قبل سلامٍ فإنها تصح مع سهوه، وتبطل بتركه عمدًا.
ولا يجب السجود/ [38/ أ] له وكذا ما إذا لحن لحنًا يحيل المعنى
(3)
سهوًا، أو جهلاً إذا قلنا لا تبطل، قاله المجد
(4)
في شرحه.
والمذهب وجوب السجود، ومحله ندبًا قبل السلام، إلا في السلام قبل إتمام صلاته.
وإذا بنى الإمام على غالب ظنه إن قلنا به فبعده.
فلو سجد ما قبل السلام بعده، أو عكسه جاز، وإن نسيه قبل السلام، أو بعده أتى به، ما لم يطل الفصل عرفًا
(5)
.
(1)
ينظر: الفروع 2/ 330، والمبدع 1/ 471، ومنتهى الإرادات 1/ 68.
(2)
ينظر: الكافي 1/ 284، والمبدع 1/ 471.
(3)
مثل أن يكسر كاف (إياك) أو يضم تاء (أنعمت) أو يفتح ألف الوصل في (اهدنا) ينظر: الكافي 1/ 294، والمغني 2/ 145، والشرح الكبير 1/ 526.
(4)
ينظر: المحرر 1/ 73.
(5)
ينظر: العدة ص 93، والمحرر 1/ 85، والشرح الكبير 1/ 699، والمبدع 1/ 473.
ولو انحرف عن القبلة نصًّا
(1)
، أو تكلم، أو يخرج من المسجد مالم يحدث.
فلو شرع في صلاةٍ قضاه إذا سلم، وإن طال الفصل، أو خرج
(2)
، أو أحدث لم يسجد، وصحت
(3)
.
ويكفيه لجميع السهو سجدتان، ولو اختلف محلهما، بأن كان محل أحدهما قبل السلام، والآخر بعده نصًّا
(4)
، أو أحدهما في جماعةٍ، والآخر منفردًا
(5)
.
ويغلِّب
(6)
بسنة الظهر قبلها
(7)
إذا قضاها قبل التي بعدها
(8)
.
ويستحب غير الرواتب أربعٌ قبل الظهر، وأربعٌ بعدها، وأربعٌ قبل
(1)
ينظر: الفروع 2/ 321، والمبدع 1/ 456.
(2)
قال ابن قدامة في المغني 2/ 27: «لأنه؛ لتكميل الصلاة، فلا يأتي به بعد طول الفصل، كركن من أركانها، وإنما ضبطناه بالمسجد؛ لأنه محل الصلاة وموضعها، فاعتبرت فيه المدة، كخيار المجلس» .
(3)
ينظر: الإرشاد إلى سبيل الرشاد ص 75، والإقناع 1/ 143، وكشاف القناع 1/ 409.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 332، والإنصاف 2/ 158، ومنتهى الإرادات 1/ 68.
(5)
في حاشية المخطوط: «ما قبل السلام، ومتى سجد بعد السلام، جلس فتشهد وجوبا التشهد الأخير، ولا يتورك في ثنائية، وسجود سهو، وما يقول فيه، وبعد الرفع منه، كسجود صلب» .
(6)
أي يبدأ. وبدأ المؤلف في ذكر بعض صلاة التطوع، والأصل أن يذكرها في الباب الذي بعد هذا، ولعل ذلك من باب التمهيد للباب، أو سهوا من الناسخ، أو غير ذلك.
(7)
أي: بالسنة التي قبل الظهر.
(8)
بدأ المؤلف في ذكر بعض صلاة التطوع، وكان الأصل أن يذكرها في الباب التالي وهو المناسب، ولكن هكذا في المخطوط.
العصر، وأربعٌ بعد المغرب، وعند الشيخ ستٌ، وأربعٌ بعد العشاء
(1)
.
ولا إثم بترك سنةٍ، ويباح ركعتان بعد الوتر جالسًا، وركعتان بعد أذان المغرب قبلها نصًّا
(2)
فيهما.
ومن المسنون التراويح
(3)
في رمضان، وهي عشرون ركعةً في جماعةٍ يجهر فيها بالقراءة، ولا ينقص منها، ولا بأس بالزِّيادة نصًّا
(4)
، يسلِّم من كل ركعتين.
وينوي في أَوَّل كل تسليمةٍ فيقول: أصلّي ركعتين من التراويح المسنونة
(5)
ويستريح بين كل أربعٍ، ولا بأس بتركه.
(1)
ينظر: الفروع 2/ 371، والمبدع 2/ 21، والروض المربع 1/ 117، ومنتهى الإرادات 1/ 71.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 147، والروض المربع 1/ 117، ومنتهى الإرادات 1/ 71.
(3)
سميت تروايح؛ لأنهم كانوا يجلسون بين كل أربع يستريحون، وقيل: مشتقة من المراوحة، وهي التكرار في الفعل. ينظر: المطلع ص 121، والمبدع 2/ 21، وكشاف القناع 1/ 425.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 372، والإنصاف 2/ 180، ومنتهى الإرادات 1/ 71.
(5)
في الإقناع 1/ 147، ومنتهى الإرادات 1/ 71، وكشف المخدرات 1/ 154، وبداية العابد وكفاية الزاهدص 39 (في أَوَّل كل ركعتين) وهي أسلم؛ لأن عبارة المؤلف توهم أن المراد التسليمة الأولى من التسليمتين التي يخرج بهما من الصلاة.
والتلفظ بالنية غير مشروع، قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى 1/ 214:«بل التلفظ بالنية نقص في العقل، والدِّين، أما في الدِّين؛ فلأنه بدعة، وأما في العقل؛ فلأن هذا بمنزلة من يريد أكل الطعام فقال: أنوي بوضع يدي في هذا الإناء أني آخذ منه لقمة، فأضعها في فمي فأمضغها، ثم أبلعها لأشبع فهذا حمق وجهل» .
وقال في مرقاة المفاتيح 1/ 42: «قال المحقق الإمام ابن الهمام: قال بعض الحفاظ: لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح، ولا ضعيف أنه كان صلى الله عليه وسلم يقول عند الافتتاح: أصلي كذا، ولا عن أحد من الصحابة، والتابعين، بل المنقول أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر، وهذه بدعة. اه» .
ووقتها بعد سنة العشاء نصًّا
(1)
قبل الوتر، إلى طلوع الفجر الثاني، وفعلها في مسجدٍ، وأَوَّل الليل أفضل، ويوتر بعدها في الجماعة.
فإن كان له تهجد، فالأفضل وتره بعده، وإلا قدَّمه بعد سنة العشاء، فإن أحبَّ متابعة إمامه قام إذا سلَّم الإمام فشفعها بأخرى نصًّا
(2)
.
ومن أوتر، ثم صلّى بعده لم ينقض وتره، وصلّى شفعًا ما شاء إلى طلوع الفجر.
ويكره تطوعٌ بين/ [38/ ب] التراويح نصًّا
(3)
لا طواف.
ولا يكره تعقيبٌ نصًّا
(4)
، وهو أن يتطوَّع بعد التراويح والوتر جماعةً نصًّا
(5)
.
واستحب أحمد أن يبتدئ التراويح بسورة القلم.
فإذا سجد قام فقرأ من البقرة، ونُقِل يقرأ بها في عشاء الأخيرة
(6)
، قال أبو العباس: وهو أحسن
(7)
.
(1)
ينظر: الفروع 2/ 372، والمبدع 2/ 22، ومنتهى الإرادات 1/ 71.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 751، والمبدع 2/ 23، والإنصاف 2/ 182.
(3)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني ص 92، ومسائل الإمام أحمد برواية ابنه أبي الفضل صالح 3/ 44، ومسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله ص 96.
(4)
التعقيب: هو التطوع بعد صلاة التراويح. ينظر: الكافي 1/ 268، والمغني 2/ 125، والإنصاف 2/ 182.
(5)
ينظر: الكافي 1/ 268، والمغني 2/ 125، والإنصاف 2/ 182.
(6)
نقل ذلك عنه صاحب الفروع 2/ 374، والإقناع 1/ 147، وكشاف القناع 1/ 427، ومطالب أولي النهى 1/ 565.
(7)
ينظر: الفتاوى الكبرى 5/ 343.
ويسن ختمه آخر ركعةٍ من التراويح قبل ركوعه، ويدعو بدعاء القرآن
(1)
.
ومتى سجد بعد السَّلام كبَّر، ثم سجد سجدتين، ثم جلس فتشهد وجوبًا كالتشهد الأخير، ثم سلَّم تسليمتين
(2)
، ولا يتورَّك فيه
(3)
في ثنائية.
وإن سجد قبله سجد سجدتين بلا تشهدٍ بعدهما نصًّا
(4)
، وسجود سهوٍ وما يقول فيه، وبعد الرفع منه، كسجود صُلْب، والفرض، والنفل فيه سواءٌ.
ومن ترك السجود الواجب عمدًا، لا سهوًا بطلت بما قبل السلام، لا بما بعده، وإنمالم تبطل به؛ لأنه منفردٌ عنها واجبٌ لها كالأذان
(5)
.
(1)
عاد المصنف بعد ذلك إلى مسائل سجود السهو، والأولى أن تكون مسائل السهو متصلة.
(2)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني ص 78، والكافي 1/ 282، والمحرر 1/ 85، ومنتهى الإرادات 1/ 69.
(3)
أي: في التشهد الذي بعد سجدتي السهو. ينظر: مطالب أولي النهى 1/ 535.
(4)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني ص 78، وكشاف القناع 1/ 410.
(5)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 704، والفروع 2/ 336، والمبدع 1/ 475.
باب صلاة التطوع
(1)
وهو التّنفل
(2)
وهي أفضل تطوع البدن، لعل مراده هذا التطوع الذي نفعه قاصرٌ، ومراده بقوله في الجهاد، أفضل ما يتطوع به الجهاد، وفيما نفعه متعدٍ، فيكون فضيلة كل منهما بالاعتبارين، وقاله المجد
(3)
.
قال المنُقِّح
(4)
ولعله يدخل فيه إقراء الناس، يؤكده قول ابن تميم
(5)
.
ونصَّ أحمد أن إقراء الناس وتعليمهم أفضل من غيره، وقاله في الرعاية
(6)
من عنده انتهى، ثم صلاة، ونصه أن الطواف لغريبٍ في المسجد الحرام
(7)
، أفضل من الصلاة فيه.
(1)
التطوع ما تبرع به من ذات نفسه، مما لم يلزمه فرضه، وسمي تطوعا؛ لأن فاعله يفعله تبرعا، من غير أن يؤمر به حتما. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 2/ 314، ولسان العرب 8/ 243، وتاج العروس 21/ 466، وحاشية الروض المربع 2/ 178.
(2)
سميت صلاة التطوع نافلة؛ لأنها زيادة أجر لهم على ما كتب من ثواب ما فرض عليهم. ينظر: تهذيب اللغة 15/ 256، ولسان العرب 11/ 671.
(3)
ينظر: الإنصاف 2/ 161، وشرح منتهى الإرادات 1/ 235.
(4)
ينظر: التنقيح ص 101.
(5)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 173.
(6)
ينظر: الرعاية الصغرى 1/ 92.
(7)
ينظر: الإقناع 1/ 147، ومنتهى الإرادات 1/ 69، قال ابن قدامة في المغني 9/ 359:«ويجوز تسمية الحرم بالمسجد الحرام، بدليل قول الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} سورة الإسراء: آية رقم (1). وإنما أسري به من بيت أم هانئ من خارج المسجد» .
قال المنُقِّح
(1)
: والوقوف بعرفة أفضل من الطواف، خلافًا لبعضهم. انتهى.
الظاهر أنه أراد صاحب الفروع، فإنه قال
(2)
: فدلَّ أن الطواف أفضل من الوقوف، انتهى.
ولا يظهر وجه المفاضلة بينهما، إذ المفاضلة بين شيئين كلٍ منهما/ [39/ أ] عبادة منفردة، وليس كذلك هنا إذ الوقوف إما جزء عبادةٍ، أو ليس بعبادة منفردًا بخلاف الطواف وما ورد في فضله، يدل على فضل الحج الذي هو جزؤه وهو مشتملٌ عليه انتهى.
ثم سائر ما تعدى نفعه، من عيادة مريضٍ، وقضاء حاجة مسلمٍ، وإصلاحٍ بين الناس ونحوه، وهو متفاوتٌ فصدقة على قريبٍ محتاجٍ، أفضل من عتقٍ.
وعتق أفضل من صدقةٍ على أجنبيٍ، إلا زمن غلاء، أو حاجةٍ.
ثم صومٌ ولعلَّ الأفضل لكل أحدٍ ما يصلح به قلبه، وتسكن إليه نفسه يدل على هذا قول أحمد رحمه الله: انظر ما هو أصلح لقلبك فافعله
(3)
.
(1)
ينظر: التنقيح ص 101.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 346.
(3)
نقل ذلك ابن تيمية في الفتاوى الكبرى 5/ 343، وابن مفلح في الفروع 2/ 351، وغيرهم.
وآكد تطوع الصلاة ما تسن له الجماعة: كسوفٌ، ثم استسقاءٌ، ثم تراويحٌ، ثم وترٌ وليس بواجبٍ نصًّا
(1)
إلا على النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز راكبًا على الراحلة، وجالسًا على الأرض، ثم سنة فجرٍ، ثم سنة مغربٍ، ثم سواءٌ في رواتبٍ
(2)
.
ووقت وترٍ ما بين صلاة العشاء، ولو في جمع تقديمٍ وطلوع الفجر الثاني، ولا يصح قبل العشاء، والأفضل في آخره لمن وَثِق من قيامه فيه
(3)
.
وأقله ركعةً، ولا يكره بها مفردةً ولو بلا عذرٍ من مرضٍ، أو سفرٍ ونحوهما، وأكثره احدى عشرة ركعةً
(4)
، يسلم من كل ركعتين
(5)
، ويوتر بركعةٍ، ويستحب فعلها عقب الشفع بلا تأخيرٍ نصًّا
(6)
فيهما، وإن صلاها كلها بتسليمةٍ جاز.
وإن أوتر بتسعٍ سرد ثمانيًا، وجلس ولم يسلِّم، ثم صلّى التاسعة وتشهد وسلَّم
(7)
.
وإن أوتر بخمسٍ سردهن، ولم يجلس إلا في آخرهن، وإن أوتر بسبعٍ
(1)
ينظر: المبدع 2/ 5، والإنصاف 2/ 166، ومنتهى الإرادات 1/ 69.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 144، ومنتهى الإرادات 1/ 69، وكشاف القناع 1/ 415.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 163، والمبدع 2/ 6، والإنصاف 2/ 167، والإقناع 1/ 144.
(4)
في المخطوط (احدى عشر ركعةً) والصواب ما أثبت.
(5)
ينظر: عمدة الفقه ص 27، والعدة ص 95، والمحرر 1/ 88، والشرح الكبير 1/ 706.
(6)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 706، والمبدع 2/ 4، والإنصاف 2/ 166.
(7)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 233:
ومن يكن بالتسع أيضًا صانعه
…
فجلستين الثامنة والتاسعه
فكخمسٍ نصًّا
(1)
، وهو أفضل فيهما
(2)
.
وأدنى الكمال ثلاثٌ بسلامين وهو أفضل نصًّا
(3)
، ويجوز سردًا بسلامٍ
(1)
ينظر: التنقيح ص 101، والإقناع 1/ 144، ومنتهى الإرادات 1/ 70، وكشاف القناع 1/ 416. وخالف المؤلف الْمُوَفَّق ابن قدامة كما في المقنع 1/ 184، والمغني 2/ 117، وصاحب الشرح الكبير 1/ 715 مستدلين بحديث ابن عباس رضي الله عنهم وسؤال عائشة رضي الله عنها عن وتر النبي صلى الله عليه وسلم وفيه ((
…
فلما أسن، وأخذ اللحم، أوتر بسبع ركعات، لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في السابعة
…
)) والحديث أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في صلاة الليل برقم (1342) 2/ 40. قال الألباني في صحيح أبي داود 5/ 88:«إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح» .
قال ابن قدامة في المغني 2/ 117: «وهذا صريح في أن السبع يجلس فيها عقيب السادسة ولعل القاضي يحتج بحديث ابن عباس رضي الله عنهم: ((صلّى سبعا، أو خمسا أوتر بهن، لم يسلم إلا في آخرهن)) والحديث أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في صلاة الليل برقم (1342) 2/ 40، قال الألباني في صحيح أبي داود 5/ 100، إسناده صحيح على شرط مسلم.
وعن أم سلمة قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع، أو خمس، لا يفصل بينهن بتسليم ولا كلام)) والحديث أخرجه النسائي في سننه، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب كيف الوتر بخمس وذكر الاختلاف على الحكم في حديث الوتر، وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة، والسنة فيها، باب ما جاء في الوتر بثلاث، وخمس، وسبع، وتسع برقم (1192) 1/ 376، قال الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي 4/ 359:(صحيح) وكلا الحديثين فيه شكّ في السبع وليس في واحد منهما أنه لا يجلس عقيب السادسة، وحديث عائشة فيه تصريح بذلك، وهو ثابت فيتعين تقديمه».
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 233، 234:
من وتره بركعات خمس
…
بجلسة ترد لا بالعكس
وهكذا الوتر بسبع يفعل
…
إذ مثله عن النبي ينقل
(3)
ينظر: الكافي 1/ 266، والعدة ص 95، والمحرر 1/ 88، والشرح الكبير 1/ 716، ومنتهى الإرادات 1/ 70.
واحدٍ يقرأ في الأولى بـ {سَبِّحِ}
(1)
وفي الثانية {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}
(2)
وفي الثالثة {قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ}
(3)
ويسن أن يقنت فيها جميع السنة بعد الركوع، وإن/ [39/ ب] كبَّر ورفع يديه، ثم قنت قبله جاز، فيرفع يديه إلى صدره مبسوطةً وبطونهما نحو السماء نصًّا
(4)
.
ومن أدرك مع الإمام منها ركعةً، فإن كان سلَّم من ثنتين أجزأ، وإلا قضى كصلاته نصًّا
(5)
، ويقول في قنوته جهرًا إن كان إمامًا، أو منفردًا نصًّا
(6)
: اللهم إنا نستعينك، ونستهديك، ونستغفرك ونتوب إليك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، ونشكّرك ولا نكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد
(7)
، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك الجد
(8)
بالكفار ملحق
(9)
.
(1)
الأعلى: 1.
(2)
الكافرون: 1.
(3)
الإخلاص: 1.
(4)
ينظر: المبدع 2/ 11، والإقناع 1/ 145، ومنتهى الإرادات 1/ 70.
(5)
ينظر: الفروع 2/ 361، والإقناع 1/ 145، ومنتهى الإرادات 1/ 70.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 362.
(7)
أي: نسرع في العمل، والخدمة، وتبادر. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 406، ولسان العرب 3/ 153، وتاج العروس 8/ 32.
(8)
الجد: نقيض الهزل، واللعب، أي الحق. ينظر: العين 6/ 7، وتهذيب اللغة 10/ 249، ومشارق الأنوار 1/ 141.
(9)
لحقه ولحق به لحاقا بالفتح، أي أدركه، وألحقه به غيره، وألحقه أيضًا، بمعنى لحقه، وفي الدعاء:«إن عذابك بالكفار ملحق» بكسر الحاء، أي لا حق، والفتح أيضًا صواب. ينظر: تهذيب اللغة 4/ 37، والصحاح 4/ 1549، ومجمل اللغة ص 804.
وقد أثر هذا الدُّعاء موقفا على عمر رضي الله عنه بألفاظ متقاربة، فقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصلاة، باب القنوت برقم (4969) 3/ 111، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب صلاة التطوع والإمامة، باب قنوت الوتر من الدُّعاء برقم (7031) 2/ 106، وابن جرير في تهذيب الآثار، في مسند عبد الله ابن عباس برقم (596) 1/ 351، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أوتر هذه الليلة التي بات ابن عباس فيها عنده، برقم (1100) 2/ 155، والطحاوي في شرح معاني الآثار، كتاب الصلاة، باب القنوت في صلاة الفجر وغيرها، برقم (1475) 1/ 249. وصححه الألباني في إرواء الغليل 2/ 165.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت
(1)
، اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من
عقوبتك، وبك منك، لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك
(2)
، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم نصًّا
(3)
زاد بعضهم وآله
(4)
.
ويرفع يديه إذا أراد السجود نصًّا
(5)
.
(1)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر، برقم (1425) 2/ 63، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب دعاء القنوت، برقم (3138) 2/ 296. وقال النووي في الأذكار ص 60:«قال الترمذي: هذا حديث حسن، قال: ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيئًا أحسن من هذا» . وقال ابن عبد البر في الاستذكار 2/ 296: «يرويه الحسن بن علي من طرق ثابتة» ، وقال الألباني في الإرواء 2/ 172:(صحيح).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه بلفظ مقارب، كتاب الصلاة، باب ما يقول في الركوع والسجود، برقم (486) 1/ 352.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 363، والمبدع 2/ 14، والإنصاف 2/ 171، ومنتهى الإرادات 1/ 70.
(4)
ينظر: المبدع 2/ 14، والإنصاف 2/ 171، والإقناع 1/ 145، وأخصر المختصرات ص 118، وكشف المخدرات 1/ 153، ومطالب أولي النهى 1/ 558.
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 145، ومنتهى الإرادات 1/ 71، وكشاف القناع 1/ 420، ومطالب أولي النهى 1/ 559. وهذا الموضع ليس من المواضع الثابت فيها رفع اليدين، فمواضع رفع اليدين في الصلاة أربع: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول.
ويمسح وجهه بيديه فعله أحمد رحمه الله
(1)
، واختاره الشيخان
(2)
وغيرهما كخارج الصلاة.
والمأموم يؤمن نصًّا
(3)
، ولا قنوت، ويفرد المنفرد الضمير، وإذا سلّم منه قال: سبحان الملك القُدوس، يرفع صوته في الثالثة
(4)
.
ويكره قنوته في غير وترٍ، فإن ائتم بمن يقنت في الفجر، أو في النازلة تابعه وأمَّن نصًّا
(5)
، إلا أن ينزل بالمسلمين نازلة، فيسن لإمام الوقت
(1)
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع 4/ 40: «الأقوال في هذه المسألة ثلاثة:
القول الأول: أنه سنة.
القول الثاني: أنه بدعة.
القول الثالث: أنه لا سنة، ولا بدعة، أي: أنه مباح؛ إن فعل لم نبدعه، وإن ترك لم ننقص عمله.
والأقرب: أنه ليس بسنة؛ لأن الأحاديث الواردة في هذا ضعيفة، ولا يمكن أن نثبت سنة بحديث ضعيف، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية».
(2)
المراد بهما: الْمُوَفَّق ابن قدامة، والمجد ابن تيمية رحمهما الله. ينظر: الفروع 1/ 50.
(3)
ينظر: المحرر 1/ 89، ومنتهى الإرادات 1/ 70.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب صلاة التطوع والإمامة، باب في الوتر ما يقرأ فيه، برقم (6873) 2/ 93، وأحمد في مسنده، برقم (15354) 24/ 72، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في الدُّعاء بعد الوتر، برقم (1430) 2/ 65، والنسائي في سننه، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب القراءة في الوتر، برقم (1732) 3/ 244. وغيرهم، قال النووي في الأذكار ص 89: قال الترمذي: حديث حسن. وقال الألباني (صحيح) ينظر: مشكّاة المصابيح 1/ 398، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند 24/ 74: إسناده صحيح على شرط مسلم.
(5)
ينظر: المحرر 1/ 90، والإنصاف 2/ 174، ومنتهى الإرادات 1/ 71.
خاصةً
(1)
القنوت في كل مكتوبةٍ، إلا الجمعة نصًّا
(2)
، وعنه ونائبه اختاره جماعة
(3)
.
قال المنُقِّح
(4)
: وهو أظهر.
قال أحمد رحمه الله
(5)
: ويرفع صوته/ [40/ أ]، قال في الفروع
(6)
: ومراده في صلاةٍ جهريةٍ.
والسنن الراتبة عشرٌ فيتأكد فعلها، ويكره تركها إلا في سفرٍ، فيخير في غير سنة فجرٍ، ووترٍ على ما تقدم، وفعلها في البيت أفضل، ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر وهما آكدها
(7)
.
ويستحب تخفيفهما، والاضطجاع بعدهما على جنبه الأيمن نصًّا
(8)
، ولعل المراد به في حق من يقوم بالليل، وتجوز راكبًا يقرأ في الأولى
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 145، ومنتهى الإرادات 1/ 71، وكشاف القناع 1/ 421، وكشف المخدرات 1/ 154، والأسئلة والأجوبة الفقهية 1/ 149.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 367، والإقناع 1/ 421، ومنتهى الإرادات 1/ 71.
(3)
قال في الإنصاف 2/ 175 «وهو الصحيح من المذهب، نص عليه اختاره المجد في شرحه، وابن عبدوس في تذكرته، والشيخ تقي الدِّين، وجزم به في الوجيز، وقدمه في الفروع، والمحرر، والرعايتين، والحاوي الصغير، والفائق» .
(4)
ينظر: التنقيح ص 101.
(5)
تقل عنه كل من صاحب الفروع 2/ 367.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 367.
(7)
ينظر: المغني 2/ 93، والشرح الكبير 1/ 729، والمبدع 2/ 17، وشرح منتهى الإرادات 1/ 243.
(8)
ينظر: المغني 2/ 93، والفروع 2/ 367، وشرح منتهى الإرادات 1/ 237.
منهما، ومن سنة المغرب بعد الفاتحة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي ثانيتهما سورة الإخلاص.
ووقت كل راتبةٍ منها قبل الفرض من دخول وقته إلى فعله، وما بعده من فعله إلى آخر وقته، ولا سنة لجمعةٍ قبلها نصًّا
(1)
ويأتي بما بعدها.
ومن فاته شيءٌ منها سنَّ قضاؤه وتقدم إذا فاتت مع الفرائض
(2)
، وسنة فجرٍ، وظهر الأُولى
(3)
بعدهما قضاء، ويبدأ بسنة الظهر إذا قضى ما قبلها.
فصل
ويستحب حفظ القرآن إجماعًا، ويجب منه ما يجب في الصلاة فقط، ويستحب ختمه في كل أسبوعٍ نصًّا
(4)
، وإن قرأه في ثلاثٍ فحسنٌ، ولا بأس به فيما دونها أحيانًا
(5)
.
ويكره فوق أربعين عند أحمد
(6)
، ويحرم إن خاف نسيانه.
(1)
(2)
في باب شروط الصلاة. لوح رقم (23/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [179].
(3)
في المخطوط (الأولة) ولعله خطأ من الناسخ، والصواب ما أثبت. ينظر: كشاف القناع 1/ 423، والتوضيح 1/ 326.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 380، والإقناع 1/ 148، ومنتهى الإرادات 1/ 74، وكشاف القناع 1/ 429.
(5)
ينظر: المغني 2/ 127، والإقناع 1/ 148، وكشاف القناع 1/ 429، ومطالب أولي النهى 1/ 604.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 382، ومنتهى الإرادات 1/ 74، وكشاف القناع 1/ 430، وكشف المخدرات 1/ 160.
قال أحمد
(1)
: ما أشد ما جاء فيمن حفظه، ثم نسيه.
ويستحب التعوذ قبل القراءة، فإن قطعها قطع تركٍ، وإهمالٍ على أنه لا يعود إليها أعاد التعوذ إذا رجع إليها، وإن قطعها لعذرٍ عازمًا على إتمامها إذا زال؛ لتناول شيءٍ، أو إعطائه، أو أجاب سائلاً لم يحتج إلى إعادةٍ وكفى التعوذ الأوَّل.
ويختم في الشتاء أَوَّل الليل، وفي الصيف أَوَّل النهار
(2)
، ويجمع أهله، وولده عند ختمه ويدعو نصًّا
(3)
، ولا يكرر سورة الصمد، ولا يكرر الفاتحة، وخمسًا من البقرة نصًّا
(4)
.
ويستحب ترتيل القراءة وإعرابها، وتمكين حروف المد، واللين من غير تكلفٍ
(5)
، وتحسين القراءة/ [40/ ب].
قال أحمد رحمه الله: يحسن القارئ صوته بالقراءة، ويقرأه بحزنٍ، وتدبرٍ
(6)
.
(1)
نقل ذلك عنه صاحب الفروع 2/ 382، والإقناع 1/ 148، وشرح منتهى الإرادات 1/ 255، وكشاف القناع 1/ 430، ومطالب أولي النهى 1/ 604.
(2)
لطول ليل الشتاء، وطول نهار الصيف.
(3)
ينظر: المغني 2/ 126، وكشاف القناع 1/ 430، ومختصر الإنصاف والشرح الكبير 1/ 158، ومطالب أولي النهى 1/ 605.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 148، وشرح منتهى الإرادات 1/ 255، وكشف المخدرات 1/ 160.
(5)
حروف المد هي: الواو الساكنة، المضموم ما قبلها، والياء الساكنة، المكسور ما قبلها، والألف.
وحرفا اللين هما: الواو، والياء الساكنتان، المفتوح ما قبلهما. ينظر: التمهيد في علم التجويد ص 54.
(6)
ينظر: الإقناع 1/ 149، وكشاف القناع 1/ 431، ومطالب أولي النهى 1/ 599.
ولا بأس بالقراءة في كل حالٍ قائمًا، وجالسًا، ومضطجعًا، وراكبًا، وماشيًا ولو في طريقٍ نصًّا
(1)
، لكن يكره استدامة القراءة حال خروج الريح، وجهره بها مع الجنازة.
وكره أحمد رحمه الله السرعة في القراءة، قاله القاضي
(2)
إذا لم يبين الحروف، وتركه أكمل، ولا بأس بالقراءة حال مس الذكر، والزوجة.
فصل
وصلاة الليل مرغوبٌ فيها، ويستحب أن يتقدمها نومٌ.
قال أحمد رحمه الله: التهجد إنما هو بعد النوم
(3)
وأن يفتتحه بركعتين خفيفتين وهي أفضل من صلاة النهار، وأفضله النصف الأخير، وأفضله ثلثه الأَوَّل نصًّا
(4)
، وقيامه مستحبٌ إلا على النبي صلى الله عليه وسلم فكان واجبًا، ولم ينسخ، وقطع في الفصول، والمستوعب
(5)
بنسخه، ولا يقومه كله، إلا ليلة عيدٍ.
وتكره مداومته، وصلاته بين عشائين من قيامه.
قال أحمد: قيام الليل من المغرب، إلى طلوع الفجر
(6)
، ويعجب
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 149، وكشاف القناع 1/ 432.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 149، وكشاف القناع 1/ 432، وآداب المشي إلى الصلاة ص 21، ومطالب أولي النهى 1/ 597.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 391، والإقناع 1/ 150، ودليل الطالب ص 43، وكشاف القناع 1/ 435.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 391، والإنصاف 2/ 186.
(5)
لم أجده في المستوعب. ونقل عنهم كل من صاحب شرح منتهى الإرادات 1/ 247، وكشاف القناع 1/ 437.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 391، والمبدع 2/ 26، وشرح منتهى الإرادات 1/ 247، ومنار السبيل 1/ 113.
أحمد أن يكون له ركعتان معلومةً
(1)
.
فصل
وصلاة ليلٍ، ونهارٍ مثنى، وإن تطوع في النهار بأربعٍ كالظهر فلا بأس
(2)
، وإن سردهن ولم يجلس إلا في آخرهن فقد ترك الأَولى.
ويجوز أن يقرأ في كل ركعةٍ بفاتحة الكتاب وسورة، وإن زاد على أربع نهارًا، أو اثنتين ليلاً ولو جاوز ثمانيًا بسلامٍ واحدٍ كُره
(3)
، وصح التطوع في البيوت، وإسراره أفضل إن كان مما لا تشرع له الجماعة، ولا بأس بصلاته جماعةً، ويكره جهره فيه نهارًا.
قال أحمد: لا يرفع صوته، وليلاً يراعي المصلحة
(4)
، وكثرة ركوعٍ وسجودٍ أفضل من طول قيامٍ، ومن فاته تهجده قضاه/ [41/ أ] قبل الظهر.
(1)
لعلها ركعات معلومة. ينظر: الكافي 1/ 269، والفروع 2/ 402، والمبدع 2/ 28، والإقناع 1/ 152.
(2)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 726، ومختصر الخرقي ص 28، والكافي 1/ 270، ومنتهى الإرادات 1/ 72.
والمذهب: متفق مع هذه الرواية، فالأفضل في صلاة التطوع في النهار: أن تكون مثنى، مثنى، فإن صلّى أربعا صح. اختاره القاضي، وأبو الخطاب، والمجد وغيرهم.
وقيل: لا يصح إلا مثنى مثنى، فعلى القول بصحة التطوع في النهار بأربع: لو تطوع بأربع، لم يكره على الصحيح من المذهب. ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 726.
(3)
ينظر: المبدع 2/ 27، والإنصاف 2/ 187، والإقناع 1/ 152، ومنتهى الإرادات 1/ 72، والروض المربع ص 118.
(4)
إن كان بحضرته، أو قريبا منه من يتأذى بجهره أسر، وإن كان من ينتفع بجهره جهر. ينظر: الإقناع 1/ 118، وكشاف القناع 1/ 344.
ومن نوى عددًا فهل يجوز الزيادة عليه، ظاهر كلامه فيمن قام إلى ثالثة التراويح لا يجوز قاله في الفروع
(1)
.
قال أحمد
(2)
فيمن قام في التراويح إلى ثالثةٍ، يرجع وإن قرأ؛ لأن عليه تسليمًا ولا بد
(3)
، وذكر في باب سجود السهو
(4)
أن من نوى ركعتين وقام إلى ثالثةٍ نهارًا، فالأفضل أن يتم ولا
يسجد لسهوه؛ لإباحة ذلك
(5)
، وفي الليل ليس بأفضل، ولعل مراد النص التراويح وما أشبهها، والمراد بالثاني ماعدا ذلك فلا تناقض.
وصلاة قاعدٍ على النصف من أجر صلاة قائمٍ، إلا المعذور.
ويسن كونه في حال القيام متربعًا، ويثني رجليه في ركوعٍ وسجودٍ، ولا تصح من مضطجعٍ
(6)
.
(1)
ينظر: الفروع 2/ 398.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 397، والمبدع 2/ 27، والإنصاف 2/ 184.
(3)
والمشهور، والصحيح من المذهب الصحة مع الكراهة. ينظر: المبدع 2/ 27، والإنصاف 2/ 187.
(4)
ينظر باب سجود السهو. لوح رقم (37/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [231].
(5)
لحديث أبي أيوب رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع قبل الظهر لا يسلم فيهن تفتح لهن أبواب السماء)) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب الأربع قبل الظهر وبعدها، برقم (1270) 2/ 23، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ذكر الأخبار المنصوصة والدالة على خلاف قول من زعم أن تطوع النهار أربعا لا مثنى، برقم (1214) 2/ 221. والحديث ضعفه ابن خزيمة في صحيحه 2/ 221، وقال الألباني في مشكّاة المصابيح 1/ 367: (ضعيف).
(6)
لعموم الأدلة على افتراض الركوع، والسجود، والاعتدال عنهما. ينظر: الإقناع 1/ 152، ومنتهى الإرادات 1/ 72، وكشاف القناع 1/ 441.
فصل
ومن المسنون صلاة الضحى، واستحب المجد، وجماعةٌ المداومة عليها
(1)
، واختاره أبو العباس
(2)
، أو فعلها غِبًّا أفضل نصًّا
(3)
لمن لم يقم في ليله ولعله أظهر، ووقتها من خروج وقت نهيٍ، إلى قبيل الزوال مالم يدخل وقت النهي، والأفضل فعلها إذا اشتد الحر، وأقلها ركعتان، وأكثرها ثمان
(4)
، ويصح تطوعٌ بفردٍ كركعةٍ ونحوها
(5)
.
فصل
ومنه سجود التلاوة
(6)
للقارئ، والمستمع في الصلاة وغيرها حتى في
(1)
منهم أبو الخطاب، كما نقل ذلك صاحب الكافي 1/ 268، والشرح الكبير 1/ 776، وابن عقيل، كما نقل ذلك صاحب الإنصاف 2/ 191. وقال:«الصحيح من المذهب: أنه لا يستحب المداومة على فعلها، بل تفعل غبا نص عليه في رواية المروذي، وعليه جمهور الأصحاب» .
(2)
بل الصحيح أن شيخ الإسلام فصل في ذلك فقال: «والأشبه أن يقال: من كان مداوما على قيام الليل، أغناه عن المداومة على صلاة الضحى، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، ومن كان ينام عن قيام الليل، فصلاة الضحى بدل عن قيام الليل» . ينظر: الفتاوى الكبرى 2/ 128، ومجموع الفتاوى 22/ 284، ولعل عبارة المؤلف (واختار أبو العباس) حتى تتوافق مع النقل عنه.
(3)
ينظر: الإنصاف 2/ 190، ومنتهى الإرادات 1/ 72.
(4)
ينظر: الكافي 1/ 267، ومنتهى الإرادات 1/ 72، ومنار السبيل 1/ 113، وبداية العابد ص 39.
(5)
ينظر: الفروع 2/ 401، والإقناع 1/ 153، وكشاف القناع 1/ 442.
(6)
قال الخرشي في شرح مختصر خليل للخرشي 1/ 349: «إنما قالوا سجود التلاوة ولم يقولوا سجود القراءة؛ لأن التلاوة أخص من القراءة؛ لأن التلاوة لا تكون في كلمة واحدة والقراءة تكون فيها تقول قرأ فلان اسمه، ولا تقول تلا اسمه؛ لأن أصل التلاوة من قولك تلا الشيء يتلوه إذا تبعه، فإذا لم تكن الكلمة تتبع أختها لم يستعمل فيها التلاوة ويستعمل فيها القراءة؛ لأن القراءة اسم لجنس هذا الفعل» .
طوافٍ مع قِصَرٍ
(1)
.
فصل
ويتيمم محدثٌ، ويسجد مع قصره أيضًا دون السامع نصًّا
(2)
، ولا يسجد لقراءة غير إمامه بحالٍ نصًّا
(3)
كسماع إمامٍ، أو مأمومٍ قراءة بعض المأمومين، فإن فعل بطلت، ولا مأمومٌ لقراءة نفسه.
وهو سجود شكّر صلاة
(4)
فيعتبر له ما يعتبر لصلاةٍ نافلةٍ من الطهارة، والاستقبال وغيرهما
(5)
.
ويعتبر أن يكون القارئ يصلح إمامًا للمستمع فلا يسجد قدام القارئ، ولا عن يساره مع خلوِّ يمينه، ولا رجل لتلاوة امرأةٍ، وخنثى، وقيل
(6)
: بلى.
(1)
ينظر: الفروع 2/ 305، والمبدع 2/ 34، والإنصاف 2/ 193، ومنتهى الإرادات 1/ 73.
(2)
ينظر: المبدع 2/ 34، والإقناع 1/ 154، والروض المربع ص 119، وكشاف القناع 1/ 445. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 235:
ومن يكن سامع لا مستمعا
…
سجوده فليس في ذا شرعا
(3)
ينظر: الفروع 2/ 306، والمبدع 2/ 35.
(4)
هكذا في المخطوط ولعل الصواب (وهو وسجود شكّر صلاة) ينظر: الإقناع 1/ 155، ومنتهى الإرادات 1/ 73، وكشاف القناع 1/ 446.
(5)
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع 4/ 90: «ومن طالع كلام شيخ الإسلام رحمه الله في هذه المسألة، تبين له أن القول الصواب ما ذهب إليه، من أن سجود التلاوة ليس بصلاة، ولا يشترط له ما يشترط للصلاة، فلو كنت تقرأ القرآن عن ظهر قلب وأنت غير متوضئ، ومررت بآية سجدة، فعلى هذا القول تسجد، ولا حرج، وكان ابن عمر رضي الله عنهما مع شدة ورعه ـ يسجد على غير وضوء، لكن الاحتياط أن لا يسجد إلا متطهرا» .
(6)
ينظر: المبدع 2/ 36، وحاشية الروض المربع 2/ 237.
قال المنُقِّح
(1)
: وهو أظهر، كسجوده لتلاوة أميٍّ
(2)
وزَمِنٍ
(3)
.
وإن/ [41/ ب] سجد في صلاة جهر، أو خارجها سنَّ رفع يديه نصًّا
(4)
كمنفردٍ مطلقًا، ويلزم المأموم متابعة إمامه.
ولا يقوم ركوع مقامه لكن إن كان في صلاةٍ، فإن شاء ركع، وقامت سجدة الصلاة مقامه نصًّا
(5)
، وإن شاء سجد، ثم نهض، فإذا قام، فإن شاء قرأ، ثم ركع، وإن أحبَّ ركع من غير قراءةٍ
(6)
.
وإن لم يسجد القارئ لم يسجد المستمع
(7)
وهو أربع عشرة سجدة
(8)
:
(1)
ينظر: التنقيح ص 103.
(2)
الأمي: الباقي على أصل ولادة أمه، لم يقرأ ولم يكتب، وقيل: نسبة إلى أمة العرب. ينظر: تهذيب اللغة 15/ 456، ومقاييس اللغة 1/ 28، والفائق في غريب الحديث 1/ 56.
(3)
الزمن: الذي لا يستطيع القيام، أو الذي طال مرضه زمانا. ينظر: جمهرة اللغة 2/ 661، والنهاية في غريب الأثر 3/ 251، والمغرب في ترتيب المعرب ص 210.
(4)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني ص 93، ومسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 778، ومنتهى الإرادات 1/ 73. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 235:
رفع اليدين في سجود التالي
…
لو في الصلاة جاء عن رجال
(5)
قال في الإنصاف 2/ 195: «وجزم به في مجمع البحرين، وقدمه ابن تميم» ، وخالف المؤلف صاحب المبدع 2/ 36، والإنصاف 2/ 195، والإقناع 1/ 155، وكشاف القناع 1/ 447، ومطالب أولي النهى 1/ 589، في مسألة قيام سجود الصلاة عن سجود التلاوة.
(6)
ينظر: الكافي 1/ 371، والمبدع 2/ 36، والإنصاف 2/ 199.
(7)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 238:
مستمع سجوده لا يشرع
…
إن يكن التالي به يمتنع
(8)
في المخطوط (أربعة عشر سجدة) والصواب ما أثبت.
في الحج ثنتان
(1)
، وثلاث
(2)
في المفصل
(3)
.
وسجدة {ص} عند وأناب
(4)
، ليست من عزائم السجود، بل هي سجدة شكرٍ، يسن سجوده لها خارج الصلاة وفيها تبطل، وسجدة {حم} عند يسأمون
(5)
.
ويكبر إذا سجد بلا تكبيرة إحرامٍ، وإذا رفع يجلس، ويسلم تسليمةً واحدةً نصًّا
(6)
عن يمينه بلا تشهدٍ، ويكفيه سجدة واحدة نصًّا
(7)
، ويقول في السجود ما يقول في سجود صلاةٍ، وإن قال: أو زاد غير ما ورد
(8)
فحسن.
(1)
وهما قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} سورة الحج رقم (18).
وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة الحج رقم (77).
(2)
في المخطوط (وثلاثة) والصواب ما أثبت.
(3)
واحدة في سورة النجم آية (62) وهي قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} .
وواحدة في سورة الانشقاق آية رقم (21) وهي قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} .
وواحدة في سورة العلق آية رقم (19) وهي قوله تعالى: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} .
(4)
في قوله تعالى: سورة ص آية رقم (24){وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} .
(5)
قوله تعالى سورة فصلت آية رقم (38){فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} .
(6)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 751، ومنتهى الإرادات 1/ 73.
(7)
ينظر: الإقناع 1/ 156، ودليل الطالب ص 44، وكشاف القناع 1/ 449.
(8)
مثل قوله: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه، وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771) 1/ 534.
وسجوده لها، والتسليم ركنٌ، والأفضل سجوده عن قيامٍ، وإن سجد عن جلوسٍ فحسن، ويكره لإمامٍ قراءة سجدةٍ في صلاة سرٍ وسجوده لها
(1)
، وإن فعل خيِّر مأمومٌ في المتابعة فيه، وتركها.
ويكره اختصار آيات السجود، وهو أن يجمعها في ركعةٍ واحدةٍ يسجد فيها، أو أن يسقطها من قراءته
(2)
.
ويستحب سجود شكّرٍ عند تجدد نعمٍ، واندفاع نِقَمٍ مطلقًا ونصه في أمرٍ يخصه.
ولا يسجد له في صلاةٍ فإن فعل بطلت، لا من جاهلٍ، وناسٍ، وصفته وأحكامه كسجود تلاوةٍ
(3)
.
فصل
أوقات النهي خمسةٌ: بعد طلوع فجرٍ ثانٍ إلى طلوع الشمس
(4)
، وبعد
(1)
لأنه لا يخلو حينئذ إما أن يسجد لها أو لا فإن لم يسجد لها كان تاركا للسنة وإن سجد لها أوجب الإبهام، والتخليط على المأموم فكان ترك السبب المفضي إلى ذلك أولى. ينظر: الإقناع 1/ 156، وزاد المستقنع ص 52، ومنتهى الإرادات 1/ 73، وكشاف القناع 1/ 449.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 156، ومنتهى الإرادات 1/ 73، وكشاف القناع 1/ 449.
(3)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 73، وأخصر المختصرات ص 119، وكشف المخدرات 1/ 159، ومطالب أولي النهى 1/ 589.
(4)
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع 4/ 111: ولكن القول الصحيح: أنَّ النَّهيَ يتعلَّقُ بصلاةِ الفجرِ نفسِهَا، وأما ما بين الأذان والإقامة، فليس وقت، لكن لا يُشرع فيه سوى ركعتي الفجر؛ لأنه ثبت في «صحيح مسلم» وغيره تعليق الحُكم بنفس الصلاة:«لا صلاةَ بعدَ صلاةِ الفجرِ حتى تطلعَ الشمسُ» .
طلوعها حتى ترتفع قيد رمحٍ، وعند قيامها ولو يوم جمعةٍ حتى تزول، وبعد صلاة فراغ عصرٍ حتى تغرب، ولو جمعًا في وقت ظهرٍ، فمن صلّى العصر منع من التطوع، وإن لم يصلّ غيره، ومن لم يصلّ لم يمنع، وإن صلّى غيره ولو أحرم بها، ثم قلبها نفلاً؛ لعذرٍ لم يمنع/ [42/ أ] من التطوع بعدها، وتفعل سنة ظهرٍ بعدها ولو في جمع تأخيرٍ، وإذا تضيفت للغروب حتى تغرب
(1)
.
ويجوز قضاء الفرائض فيها، والنذر ولو كان نذرها فيها.
ويجوز فعل ركعتي طوافٍ فرضًا كان، أو نفلاً، وإعادة جماعةٍ إذا أقيمت وهو في المسجد جماعةً كان صلّى، أو فرادًا في كل وقتٍ منها، وصلاة جنازةٍ في الوقتين الطويلين وهما بعد فجرٍ وعصرٍ، دون غيرهما إلا أن يخاف عليه
(2)
.
ويحرم على قبرٍ، وغائبٍ وقت نهيٍ نفلاً، وفرضًا، ويحرم تطوعٌ بغيرها في شيءٍ منها حتى إيقاع بعضه فيها، والأصل بقاء الإباحة حتى يعلم.
وإن ابتدأه فيهالم ينعقد ولو جاهلاً، وكذا ماله سببٌ كتحية مسجدٍ، في غير حال خطبة جمعةٍ سواءٌ صُلِّيَت قبل الزوال، أو بعده، وفيها تفعل بلا كراهةٍ، وسجود تلاوةٍ، وقضاء سننٍ راتبةٍ، وصلاة كسوفٍ
(3)
.
(1)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 429، والمقنع 1/ 190، والشرح الكبير 1/ 793، والفروع 2/ 410، ومنتهى الإرادات 1/ 74.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 1/ 797، والمبدع 2/ 43، والإنصاف 2/ 204، ومنتهى الإرادات 1/ 74.
(3)
ينظر: المحرر 1/ 86، والشرح الكبير 1/ 802، ومنتهى الإرادات 1/ 75.
باب صلاة الجماعة
(1)
أقلها اثنان، فتنعقد بهما
(2)
في غير جمعةٍ، وعيدٍ ولو بأنثى، أو عبدٍ، لا بصبي في فرضٍ نصًّا
(3)
وهي واجبةٌ نصًّا
(4)
فيقاتل تاركها كأذان وجوب عين، لا وجوب كفايةٍ للصلوات الخمس المؤداة حضرًا، وسفرًا
(5)
.
وتفضل على صلاة المنفرد بسبعٍ وعشرين درجةً، ولا ينقص أجره مع العذر ولو لغير عذرٍ حتى في خوفٍ على الرجال الأحرار القادرين، لا شرط
(1)
أي باب بيان أحكام صلاة الجماعة، وسميت جماعة؛ لاجتماع المصلين في الفعل، مكانا وزمانا، فإذا أخلوا بهما، أو بأحدهما لغير عذر، كان ذلك منهيا عنه باتفاق الأئمة، وشرع لهذه الأمة الاجتماع للعبادة في أوقات معلومة، فمنها ما هو في اليوم والليلة للمكتوبات، ومنها ما هو في الأسبوع وهو صلاة الجمعة، ومنها ما هو في السنة متكررا وهو صلاة العيدين لجماعة كل بلد، ومنها ما هو عام في السنة وهو الوقوف بعرفة؛ لأجل التواصل والتوادّ وعدم التقاطع، واتفق المسلمون على أن الصلوات الخمس في المساجد من أوكد العبادات، وأجل الطاعات، وأعظم القربات، بل وأعظم وأظهر شعائر الإسلام. ينظر: كشاف القناع 1/ 453، وحاشية الروض المربع 2/ 255.
(2)
وفي المخطوط (فتنعد) والصواب ما أثبت. ينظر: الإقناع 1/ 158، ومنتهى الإرادات 1/ 75.
(3)
ينظر: المبدع 2/ 49، ومنتهى الإرادات 1/ 75.
(4)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 239:
في كل فرض تجب الجماعه
…
وقال في اشتراطها جماعه
(5)
قال ابن القيم في كتاب الصلاة ص 268: «ومن تأمل السنة حق التأمل، تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان، إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة، والجماعة، فترك حضور المسجد لغير عذر، كترك أصل الجماعة لغير عذر» .
لصحتها
(1)
، إلا في جمعةٍ ونحوها فتصح من منفردٍ، وله فعلها في بيته، وصحراء، وفي مسجدٍ أفضل.
وتسن لنساء منفرداتٍ
(2)
، ولهن حضور جماعة الرجال، وكره جماعة للشابّة.
قال في الفروع
(3)
: وهو أشهر، والمراد لِلْمُسْتَحْسَنَةِ، ويباح لغيرها.
ويستحب لأهل الثغور ـ وهو الموضع المخوف من فرج البلد ـ الاجتماع في مسجدٍ واحدٍ
(4)
، والأفضل لغيرهم الصلاة في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره.
قال بعضهم
(5)
: أو تقام بدونه لكن في قصده لغيره كَسِر قلب إمامه، أو جماعته، ثم المسجد العتيق، ثم ما كان أكثر جماعةً، وأبعد أَولى من
(1)
أي ليست الجماعة شرط لصحة الصلوات الخمس، والذي يرى أنها شرط هو شيخ الإسلام ابن تيمية. وهي رواية في المذهب. ينظر: الفتاوى الكبرى 5/ 345، والفروع 2/ 420، والإنصاف 2/ 210.
(2)
أي: منفردات عن الرجال، سواء أمهن رجل، أو امرأة.
(3)
منهم القاضي، وابن عقيل. ينظر: الفروع 2/ 421.
(4)
قال في الشرح الكبير 2/ 4 «لأنه أعلى للكلمة، وأوقع للهيبة، فإذا جاءهم خبر عن عدوهم سمع جميعهم، وكذلك إذا أرادوا التشاور في أمر، وإن جاء عين للكفار أخبر بكثرتهم، قال الأوزاعي: لو كان الأمر إلي لسمرت أبواب المساجد التي للثغور؛ ليجتمع الناس في مسجد واحد» .
وانظر في تعريف الثغر: الفروع 4/ 263، والمبدع 2/ 50، والصحاح 2/ 605، ومجمل اللغة 1/ 159، ومختار الصحاح ص 49.
(5)
منهم: الشارح، وابن تميم، وابن حمدان. ينظر: الإنصاف 2/ 214.
أقرب
(1)
.
ويحرم أن يؤم في مسجدٍ قبل إمامه الراتب، فإن فعل لم تصح في ظاهر كلامهم/ [42/ ب] قاله في الفروع
(2)
.
وقدم في الرعاية
(3)
: تصح، وتكره بدون إذنه، إلا أن يتأخر لعذرٍ، أولم يظن حضوره، أو ظن ولا يكره ذلك؛ لضيق الوقت فيصلُّون، وإن لم يعلم عذره وتأخر عن وقته المعتاد انتُظِر ورُوسِل مع قربه، وعدم المشقة، وسعة الوقت
(4)
.
وإن صلّى، ثم أقيمت الصلاة وهو في المسجد، أو جاءه غير وقت نهيٍ ولم يقصد الإعادة، وأقيمت استحب إعادتها، إلا المغرب.
وعنه
(5)
تعاد وتشفع برابعة ندبًا، يقرأ فيها بالحمد، وسورة كتطوعٍ نصًّا
(6)
، فإن لم يشفعها صحت، والأُولى فرضه نصًّا
(7)
كإعادتها منفردًا.
وإن جاءه وقت نهيٍ بقصد الإعادة انبنى على فعلٍ ما له سبب، والمسبوق في المعادة يتمها، فلو أدرك من رباعيةٍ ركعتين قضى ما فاته
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 4، والمبدع 2/ 51، والإنصاف 2/ 214، والإقناع 1/ 159، ومنتهى الإرادات 1/ 75.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 425.
(3)
ينظر: الرعاية الصغرى 1/ 102.
(4)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 5، والمبدع 2/ 52، والإنصاف 2/ 217، ومنتهى الإرادات 1/ 75.
(5)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل صالح 3/ 10، المحرر 1/ 96، والشرح الكبير 2/ 6.
(6)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 6، والمبدع 2/ 53.
(7)
ينظر: الفروع 2/ 433، والمبدع 2/ 53.
منها، ولم يسلّم معه نصًّا
(1)
.
ولا يكره إعادة جماعةٍ في غير مسجدي مكة، والمدينة فقط، وفيهما تكره؛ لغير عذرٍ وإن قصدها للإعادة كره
(2)
.
ومتى أقيمت لم يشرع في نفلٍ مطلقٍ، أو راتبٍ في المسجد، أو غيره ولو بيته، فإن فعل لم تنعقد، وإن أقيمت وهو فيها ولو خارج المسجد أتمها ولو فاتته ركعة، ولا يزيد على ركعتين، فإن كان شرع في الثالثة أتمها أربعًا، فإن سلَّم من ثلاثٍ جاز نصًّا
(3)
فيهما، إلا أن يخشى فوات ما يدرك به الجماعة فيقطعها
(4)
.
ومن كبَّر قبل سلام الإمام الأَوَّل أدركها، ومن أدرك الركوع مع إمامٍ قبل رفع رأسه أدرك الركعة، ولولم يدرك معه الطمأنينة، وأجزأته تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع، وإتيانه بها أفضل نصًّا
(5)
.
فإن نواهما بتكبيرةلم تنعقد
(6)
، وإن أدركه غير راكعٍ سن دخوله معه، وينحط مسبوقٌ بلا تكبيرٍ له، ويقوم للقضاء بتكبيرٍ نصًّا
(7)
فيهما.
وإن أدركه في سجود سهوٍ بعد السلام لم يدخل معه، فإن فعل لم
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 160، وكشاف القناع 1/ 458.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 430، والمبدع 2/ 54، ومنتهى الإرادات 1/ 76.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 160، وكشاف القناع 1/ 458.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 161، ودليل الطالب ص 46، وكشاف القناع 1/ 459.
(5)
ينظر: الإنصاف 2/ 224، والإقناع 1/ 161، ومنتهى الإرادات 1/ 76.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 435، والمبدع 2/ 57.
(7)
ينظر: الفروع 2/ 435، وشرح منتهى الإرادات 1/ 262.
تنعقد صلاته، فإن قام قبل التسليمة الثانية بلا عذرٍ يبيح المفارقة، انقلبت نفلاً إن لم يرجع
(1)
.
وما أدرك مع الإمام فهو آخر صلاته، وما يقضيه أولها يستفتح له، ويتعوذ، ويقرأ السورة/ [43/ أ] ويتورك آخر صلاته مع الإمام
(2)
، ويكرر التشهد الأَوَّل نصًّا
(3)
حتى يسلم إمامه وتقدم.
فإن سلَّم قبل تمامه قام ولم يتمه، وإن فاتته الجماعة، استحب أن يصلّي في جماعةٍ أخرى، فإن لم يجد استحب لبعضهم أن يصلّي معه، وإن أدرك معه ركعةً من مغربٍ، أو رباعيةٍ تشهد عقب قضاء أخرى نصًّا
(4)
كالرواية الأخرى
(5)
.
ولا يجب فعل قراءةٍ على مأمومٍ، فيتحمل إمامٌ عنه واجب القراءة، وسجود سهوٍ، والسترة، والتشهد الأَوَّل إذا سبقه بركعةٍ، وسجود تلاوةٍ أتى بها في الصلاة خلفه.
قال في المستوعب
(6)
: وقول: سمع الله لمن حمده.
(1)
لترك العود الواجب؛ لمتابعة إمامه بلا عذر، فيخرج من الائتمام به، ويبطل فرضه. ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 263.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 10، والفروع 3/ 208، والمبدع 2/ 57، والإنصاف 2/ 225.
(3)
ينظر: مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله ص 85، والشرح الكبير 1/ 577، ومنتهى الإرادات 1/ 76.
(4)
ينظر: المبدع 2/ 58، والإقناع 1/ 161، ومنتهى الإرادات 1/ 76، وكشاف القناع 1/ 462.
(5)
أي رواية أن ما يدركه المسبوق هو أَوَّل صلاته. ينظر: المغني 2/ 303، والفروع 2/ 439، والمبدع 2/ 58.
(6)
ينظر: المستوعب 2/ 316.
وفي التلخيص
(1)
وغيره ودعاء القنوت.
وتسن قراءة الفاتحة وغيرها في سكتات الإمام ولو لتنفسٍ، ولا يضر تفريقه الفاتحة، وفيما لا يجهر فيه، ومع الفاتحة سورةٌ في أُولَتَيْ
(2)
ظهرٍ وعصر، أو لا يسمعه؛ لبعده نصًّا
(3)
، وموضع سكتاته بعد تكبيرة الإحرام، وفراغ القراءة، وفراغ الفاتحة فيسن هنا سكتةٌ قدر الفاتحة.
ويقرأ أطرشٌ
(4)
إن لم يشغل من إلى جنبه، ويسن أن يستفتح، ويستعيذ فيما يجهر فيه إمامٌ، إذا لم يسمعه
(5)
.
فصل
الأَولَى أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة، بعد
شروع إمامه، فلو سبقه بالقراءة وركع تبعه، بخلاف التشهد فيتمه إذا سلم
(6)
، وإن وافقه كره ولم تبطل، وفي أقوالها إن كبَّر للإحرام معه، أو قبل تمامه لم تنعقد.
(1)
نقل عنه صاحب الإنصاف 2/ 229.
(2)
هكذا في المخطوط ولعل الأفصح (أَوليي).
(3)
ينظر: مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه 2/ 546، ومختصر الخرقي ص 24، وعمدة الفقه ص 24.
(4)
الطرش: الصمم، وقيل: هو أهون الصمم. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 8/ 16، ولسان العرب 6/ 311، وتاج العروس 17/ 243. والصمم: ذهاب السمع ينظر: العين 7/ 91، وتهذيب اللغة 12/ 88.
(5)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 13، والمبدع 2/ 62، والإنصاف 2/ 232، والإقناع 1/ 162، ومنتهى الإرادات 1/ 76، وكشاف القناع 1/ 464.
(6)
ينظر: الإقناع 1/ 162، ومنتهى الإرادات 1/ 77، وكشف القناع 1/ 464، وكشف المخدرات 1/ 167.
وإن سلم معه كره، وصحت، وقبله عمدًا بلا عذرٍ تبطل، لا سهوًا فيعيده بعده، وإلا بطلت
(1)
، ولا يكره سبقه، ولا موافقته بقول غيرهما.
ويحرم سبقه بشيءٍ من أفعالها، فإن ركع وسجد ونحوه قبل إمامه عمدًا حرم، ولم تبطل كسبقه سهوًا ثم ذكر ويلزمه فيهما أن يرجع ليأتي به معه، فإن لم يرجع حتى أدركه إمامه فيه عمدًا، لا سهوًا وجهلاً بطلت.
وإن سبقه بركنٍ فعليٍ، بأن ركع، ورفع قبل ركوع إمامه، عالمًا، عمدًا بطلت صلاته نصًّا
(2)
/ [43/ ب] وإن كان جاهلاً، أو ناسيًا بطلت تلك الركعة إن لم يأت بما فاته مع إمامه، وعنه لا
(3)
، كركنٍ غير ركوعٍ.
وإن سبقه بركنين بأن ركع، ورفع قبل ركوعه، وهوى إلى السجود قبل رفعه عمدًا بطلت صلاته، وصحت صلاة جاهلٍ، وناسٍ، وبطلت الركعة.
قال ابن تميم
(4)
، وابن حمدان
(5)
، وصاحب الفروع
(6)
وغيرهم: مالم يأت بذلك مع إمامه.
وإن تخلف عنه بركنٍ بلا عذرٍ فكالسبق به، ولعذرٍ يفعله ويلحقه،
(1)
ينظر: الفروع 2/ 445، والمبدع 2/ 62، والإقناع 1/ 163، ومنتهى الإرادات 1/ 77، والروض المربع ص 127.
(2)
ينظر: المغني 1/ 378، والمحرر 1/ 102، والشرح الكبير 2/ 14، والوجيز ص 51، ومنتهى الإرادات 1/ 77.
(3)
ينظر: الإنصاف 2/ 236.
(4)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 280.
(5)
لم أجده في الرعاية الصغرى، ولعله في الكبرى.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 448.
وتصح الركعة، وإلا فلا
(1)
.
وإن تخلف عنه بركعةٍ فأكثر؛ لعذرٍ من نومٍ، أو غفلةٍ ونحوه تابعه، وقضى بعد سلام إمامه نصًّا
(2)
جمعةً، أو غيرها كمسبوقٍ.
وإن تخلف بركنين بطلت، ولعذرٍ كنومٍ، وسهوٍ، وزحامٍ إن أمن فوت الركعة الثانية أتى بما تركه وصحت ركعته، وإلا تبعه ولغت ركعته، والتي تليها عوضها
(3)
.
ويستحب لإمامٍ تخفيف الصلاة مع إتمامها إذا لم يؤثر مأموم التطويل، وتكره سرعة تمنع المأموم فعل ما يسن.
وتطويل قراءة الركعة الأولى أكثر من الثانية نصًّا
(4)
، فإن عكس قال أحمد رحمه الله: يجزئه، وينبغي ألا يفعل ذلك في كل صلاةٍ، إلا في صلاة خوفٍ في الوجه الثاني كما يأتي
(5)
، فالثانية أطول
(6)
، وصلاة جمعةٍ بسورة سبِّح، والغاشية
(7)
، ولعل المراد لا أثر لتفاوت يسير، قاله في
(1)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 77.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 450، والمبدع 2/ 64، والإنصاف 2/ 239.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 448، والإقناع 1/ 163، ومنتهى الإرادات 1/ 77.
(4)
ينظر: مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه 9/ 4751، والمبدع 2/ 65، والإنصاف 2/ 240، ومنتهى الإرادات 1/ 78.
(5)
في فصل صلاة الخوف. لوح رقم (51/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [291].
(6)
ينظر: الإقناع 1/ 164، والروض المربع ص 128، ومنتهى الإرادات 1/ 78، وكشف المخدرات 1/ 167.
(7)
والحديث في صحيح مسلم، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه برقم (878) 2/ 598، أيضًا ثبت في السنة قراءة الإمام بالجمعة، والمنافقون، كما في مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه برقم (877) 2/ 597، أيضًا صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في الأولى بالجمعة، والثانية بالغاشية، كما في مسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، برقم (878) 2/ 598.
الفروع
(1)
وهو متجه.
ويسن انتظار كل داخل وهو في ركوعٍ، أو غيره إذا أحسَّ به، إن لم يشق على مأمومٍ نصًّا
(2)
.
وإن استأذنت امرأةٌ، ولو أَمة إلى المسجد ليلاً، أو نهارًا كره لزوجٍ، أو سيد منعها، إلا أن يخشى فتنةً، أو ضررًا، وكذا أب مع ابنته، وله منعها من الانفراد.
فإن لم يكن أبٌ، فأولياؤها المحارم ويأتي إن شاء الله تعالى
(3)
.
وينهى عن تطيبها؛ لحضور مسجدٍ، وغيره.
قال أحمد: ولا تبدي زينتها إلا لمن في الآية
(4)
، ونقل أبو طالبٍ ظهورها عورةً، فإذا خرجت فلا تبين شيئا ولا خفها فإنه يصف القدم، وأحب إليَّ أن تجعل لِكُمِّهَا زِرًّا عند يدها،/ [44/ أ] وصلاتها في بيتها أفضل
(5)
.
(1)
ينظر: الفروع 2/ 451.
(2)
لأن حرمة الذي معه، أعظم من حرمة الذي لم يدخل معه. حاشية الروض المربع 2/ 292.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 164، وكشاف القناع 1/ 468. ولعله في باب الحضانة، ولم يصل إليه رحمه الله.
(4)
(5)
ينظر: الفروع 2/ 458، والإقناع 1/ 165، ومنتهى الإرادات 1/ 78، وكشاف القناع 1/ 469.
فصل في الإمامة
الأَولَى بها الأجود قراءةً، ثم الأفقه
(1)
، ثم الأجود قراءةً الفقيه، ثم الأقرأ، ثم الأكثر قرآنًا، ثم القارئ العارف فقه صلاته، ثم الأفقه، ولو كان أحد الفقيهين أفقه، أو أعلم بأحكام الصلاة قُدِّم، ويقدم قارئٌ لا يعلم فقه صلاته، على قارئٍ أميٍّ، ثم الأَسن، ثم الأَشرف وهو من كان قرشيًا، فيقدم منهم من كان من بني هاشمٍ على من سواهم، ثم الأَقدم هجرةً بسبقه إلى دار الإسلام مسلمًا ومثله السبق بالإسلام، ثم الأَتقى، ثم الأَورع، ثم قرعةً.
والتقديم في ذلك تقديم أَولويةٍ، واستحباب فلو تقدم المفضول جاز نصًّا
(2)
وكره.
وإن أذن الأَفضل للمفضول لم يكره نصًّا
(3)
، ولا بأس أن يؤم الرجل أباه بلا كراهةٍ
(4)
، وصاحب البيت، وإمام المسجد ولو عبدًا أحق بإمامة مسجده وبيته من الكل، إلا من ذي سلطانٍ نصًّا
(5)
فيهما، ويحرم تقدم
(1)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 250:
وقدم القاري على الفقهيه
…
فالنص قد جاء بلا تمويه
(2)
ينظر: شرح الزركشي 2/ 84.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 11، والمبدع 2/ 88.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 165، وكشاف القناع 1/ 473، وحاشية الروض المربع 2/ 306.
(5)
ينظر: زاد المستقنع ص 54، وشرح منتهى الإرادات 1/ 271، وبداية العابدص 41، والشرح الممتع 4/ 211. والمراد به الإمام الأعظم.
غيرهما عليهما بدون إذنٍ، ويستحب تقديمهما لأفضل منهما، وسيد في بيت عبدٍ أولى منه.
وحرٌ
(1)
أولى من عبدٍ، ومن مبعضٍ
(2)
، وهو أولى من عبدٍ، وحاضرٌ، وبصيرٌ، وحضريٌ
(3)
، ومتوضئٌ، ومستأجرٌ أولى من ضدهم
(4)
.
فإن قصر إمامٌ مسافرٌ قضى المقيم كمسبوقٍ ولم تكره إمامته إذًا كالعكس، وإن أتم كرهت، وإن تابعه المقيم صحت.
ولا تصح إمامة فاسقٍ بفعلٍ، أو اعتقادٍ ولو بمثله علم فسقه ابتداء، أو لا، فيعيد إذا علم ولو كان مستورًا فسقه
(5)
، وعنه
(6)
تصح مع الكراهة كصحتها مع فِسْق مأمومٍ وعلى الأُولَى تصح الجمعة، والعيد بلا إعادةٍ، إن تعذرا خلف غيره.
وإن خاف أذى، صلّى خلفه وأعاد نصًّا
(7)
.
(1)
في المخطوط (وحرًا) والصواب ما أثبت؛ لأنه معطوف على مرفوع.
(2)
المبعض: هو الذي بعضه حر وبعضه رقيق. ينظر: الشرح الممتع 11/ 318، ومعجم لغة الفقهاء ص 31.
(3)
الحضري: هو الناشئ في الحضر من المدن والقرى، والبدوي الناشئ بالبادية، المتخذ لها وطنا. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 398، ولسان العرب 4/ 197. قال محقق المستوعب 2/ 361:«لأن البدوي في مظنة قلة العلم بأحكام الصلاة» .
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 166، ومنتهى الإرادات 1/ 79 وكشاف القناع 1/ 236.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 20، ومنتهى الإرادات 1/ 79، ومطالب أولي النهى 1/ 652.
(6)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 23، والمبدع 2/ 74، والإنصاف 2/ 252.
(7)
ينظر: المغني 2/ 142، والشرح الكبير 2/ 29، والمبدع 2/ 75، الإقناع 1/ 164، ومنتهى الإرادات 1/ 79.
وإن نوى مأمومٌ الانفراد، ووافقه في أفعالها صح، ولم يعد حتى ولو جماعةً صلوا خلفه بإمامٍ، فالفاسق بالفعل من أتى كبيرةً، أو داوم على صغيرةٍ، أو ترك واجبًا لله تعالى، أو لآدميٍّ/ [44/ ب] من غير عذر
(1)
.
والكبيرة نصًّا
(2)
ما فيه حدٌّ في الدنيا كزّنا، وسرقةٍ، وقذفٍ، أو وعيدٌ في الآخرة كأكل ربًا، أو مال يتيمٍ ظُلمًا، أو مال غيره بالباطل، وشهادة زورٍ، وعقوقٍ ونحوه. والصغيرة ما دون ذلك من المحرمات كنميمةٍ
(3)
، وسبٍ دون قذفٍ، واستماع كلام الأجنبيات، أو النظر إليهن لغير حاجةٍ ونحو ذلك
(4)
.
والفاسق بالاعتقاد هو المقلد فيما يكفر به من يكون داعية إليه، مثل من يقول بخلق القرآن، وعلم الله تعالى وأسمائه، وأنه لا يُرَى في الآخرة، وأن الإيمان مجرد اعتقادٍ، وقذف عائشة، وسب الصحابة رضي الله عنهم ديانةً.
وأما البدع التي لا تكَفِر كتفضيل عليٍ ونحوها، والداعية إليها فاسقٌ، وفي التكفير بنفي خلق المعاصي، والوقف عندنا فيمن حكمنا بكفره، وتكفير الخوارج، وهم الذين يكفرون عليًا،
وعثمان، ويقذفون عائشة بما برأها الله تعالى منه روايتان
(5)
وهما في الرافضة
(6)
، وكل مخالفٍ فيما لا
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 166، وكشاف القناع 1/ 475، وكشف المخدرات 1/ 170.
(2)
ينظر: المستوعب 2/ 331، والفروع 4/ 382، والمبدع 8/ 306، والإنصاف 3/ 268.
(3)
بل الصحيح أنها من الكبائر. ينظر: الكبائر ص 166، والزواجر عن اقتراف الكبائر 2/ 34.
(4)
ينظر: المستوعب 2/ 331، والروض المربع ص 722، وشرح منتهى الإرادات 3/ 590، ومنار السبيل 2/ 488.
(5)
ينظر: المبدع 8/ 307.
(6)
الرافضة: هم الذين رفضوا إمامة أبي بكر، وعمر ـ رضي الله عنهم ـ ويطعنون فيهما، وأَوَّل من أطلق عليهم هذا الاسم هو زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وذلك لما نشب القتال بينه، وبين والي العراق يوسف الثقفي، قال أهل الكوفة لزيد: إننا ننصرك على أعدائك، بعد أن تخبرنا برأيك في أبي بكر، وعمر اللذين ظلما جدك علي بن أبي طالب، فقال زيد: إني لا أقول فيهما إلا خيرا، وما سمعت أبي يقول فيهما إلا خيرا، ففارقوه عند ذلك حتى قال لهم:«رفضتموني» ، ومن يومئذ سموا رافضة. ينظر: مقالات الإسلاميين 1/ 33، الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار 1/ 152.
يسوغ فيه الخلاف كالقائلين بنفي القدر
(1)
، والمشبهة
(2)
، والمجسمة ونحوهم
(3)
.
وأما المختلفون في الفروع مع صحة اعتقادهم في الأصول، فلا بأس بصلاة بعضهم خلف بعضٍ نصًّا
(4)
.
قال ابن تميم:
(5)
ومن صلّى بأجرةٍ لم يصلّ خلفه، فإن دفع إليه شيءٌ بغير شرطٍ فلا بأس نصًّا
(6)
.
(1)
وهم المعتزلة ينظر: الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية 1/ 147، والانتصار في الرد على المعتزلة الأشرار 1/ 68.
(2)
المشبهة: صنفان صنف شبهوا ذات البارئ، بذات غيره، وصنف آخرون شبهوا صفاته، بصفات غيره، وكل صنف من هذين الصنفين مفترقون على أصناف شتى، والمشبهة الذين ضلوا في تشبيه ذاته بغيره أصناف مختلفة وأَوَّل ظهور التشبيه صادر عن أصناف من الروافض الغلاة فمنهم السبابية. ينظر: الفرق بين الفرق ص 214، التبصير في الدِّين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين ص 119.
(3)
المجسمة: يقصد به من وصف الله بأنه جسم، وشبهوه بخلقه، ويقال لهم: المشبهة. ينظر: الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار ص 136.
(4)
ينظر: المغني 2/ 141، والفروع 2/ 185، والمبدع 1/ 392، وشرح منتهى الإرادات 1/ 275.
(5)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 294.
(6)
ينظر: الإقناع 1/ 166، وشرح منتهى الإرادات 1/ 272.
وتكره إمامة أقلفٍ
(1)
وتصح، وكذا أقطع يدين، أو رجلين، أو إحداهما مع الكراهة، ولا تصح خلف كافرٍ، ولا أخرس بناطقٍ ولا بمثله نصًّا
(2)
، ولا خلف من به سلس بولٍ ونحوه إلا
بمثله فقط
(3)
، ولا خلف عاجزٍ عن ركوعٍ، أو سجودٍ، أو قعودٍ ونحوه من الأركان، أو الشروط إلا بمثله.
ولا تصح خلف عاجزٍ عن القيام، إلا إمام الحي، وهو كل إمام مسجد راتبٍ المرجو زوال علته، ويصلون وراءه جلوسًا، وإن صلَّوا قياما صحت
(4)
، والأفضل له أن يستخلف إذا مرض والحالة هذه/ [45/ أ].
وإن ترك الإمام ركنًا، أو واجبًا، أو شرطًا عنده وحده عالمًا أعاد، وإن كان عند المأموم فلا، ومن ترك ركنًا، أو شرطًا مختلفًا فيه بلا تأويلٍ، ولا تقليدٍ أعاد.
وتصح خلف من خالف في فرعٍ لم يفسق فيه، ومن فعل ما يعتقد
(1)
الأقلف هو: الذي لم يختن. ينظر: تهذيب اللغة 9/ 126، والصحاح 4/ 1418، والمخصص 1/ 161.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 28.
(3)
قال في المبدع 2/ 78: «لأن في صلاته خللا غير مجبور ببدل؛ لكونه يصلي مع خروج النجاسة التي يحصل بها الحدث من غير طهارة، أشبه ما لو ائتم بمحدث يعلم بحدثه، وإنما صحت صلاته في نفسه للضرورة» .
(4)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 247، 248، 249:
وليس للقادر الائتمام
…
بمدنف يعجزه القيام
إلا إمام الحي في بلائه
…
إن كان يرجى برؤه من دائه
به فيأتموا جلوسا خلفه
…
فإن هم قاموا وراموا خلفه
فعندنا قولان في البطلان
…
أصحها لا لذوي العرفان
تحريمه في غير الصلاة مما اختلف فيه كنكاحٍ بلا ولي، وشرب نبيذٍ
(1)
ونحوه.
فإن داوم عليه فسق، ولم يصل خلفه، وإن لم يداوم
(2)
، فقال الشيخ
(3)
: هو من الصغائر، ولا بأس بالصلاة خلفه.
ولم يشترط ابن عقيل مداومته، وإن ابتدأ بهم الصلاة قائمًا، ثم اعتَلَّ فجلس، أتموا خلفه قيامًا، ولم يجز الجلوس نصًّا
(4)
، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد
(5)
.
وقيل:
(6)
إن قوي الخلاف، وإلا أنكر، قال المنُقِّح
(7)
: وهو أظهر.
(1)
النبيذ: اسم لكل ما ينتبذ من تمر، أو عسل، أو زبيب، أو حنطة، أو غير ذلك، وذلك أن يلقى شيء من الثلاثة في الماء، سواء أسكر، أو لم يسكر. ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 46، ولسان العرب 3/ 511، وتاج العروس 9/ 481. مادة (نبذ).
(2)
في المخطوط (وإن لم يدم) ولعل الصواب ما أثبت. ينظر: كشاف القناع 1/ 478، ومطالب أولي النهى 1/ 666.
(3)
ينظر: المغني 2/ 141.
(4)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 705، ومختصر الخرقي ص 29، والمغني 2/ 164، والعدة ص 104.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 23، والإقناع 1/ 168، وشرح منتهى الإرادات 1/ 275.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 23، وكشاف القناع 1/ 479. وقال شيخ الإسلام:«وقولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها، ليس بصحيح فإن الإنكار، إما أن يتوجه إلى القول بالحكم، أو العمل، أما الأَوَّل فإذا كان القول يخالف سنة، أو إجماعا قديما وجب إنكاره وفاقا، وإن لم يكن كذلك، فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء، وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة، أو إجماع وجب إنكاره أيضًا بحسب درجات الإنكار» . الفتاوى الكبرى 6/ 96، والمستدرك على مجموع الفتاوى 3/ 205.
(7)
ينظر: التنقيح ص 107.
ولا تصح إمامة امرأةٍ، ولا خنثى برجالٍ، ولا خناثى
(1)
فإن لم يعلم أعاد
(2)
، وعنه تصح في تراويحَ خاصة وهو أشهر عند أكثر المتقدمين
(3)
إن كانت قارئةً وهم أُميُّون، وتقف خلفهم، قال المنُقِّح
(4)
: والأَوَّل أظهر
(5)
.
ولا تصح إمامة مميزٍ لبالغٍ في فرضٍ ولو وجبت، وتصح في نفلٍ، وبمثله.
ولا تصح إمامة محدثٍ، ولا نجسٍ يعلم ذلك ولو جهله مأمومٌ فقط نصًّا
(6)
فإن جهله هو ومأمومٌ حتى قضوا الصلاة صحت صلاة مأمومٍ وحده، إلا في الجمعة إذا كانوا أربعين بالإمام فإنها لا تصح، وكذا لو كان أحد
(1)
أي لا يصح أن يؤم الخنثى بالخناثى؛ لاحتمال أن يكون الإمام امرأة، والمأمومون ذكورا.
(2)
في المخطوط (فإن لم يفعل أعاد) ولعل الصواب ما أثبت. ينظر: الإقناع 1/ 168، وكشاف القناع 1/ 479.
والمراد: فإن لم يعلم الرجل المأموم بكون الإمام امرأة، أو خنثى إلا بعد الصلاة أعاد؛ لأنه مفرط؛ لأن ذلك لا يخفى غَالِبًا. ينظر: كشاف القناع 1/ 479.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 24، وشرح منتهى الإرادات 1/ 275. قال في الإنصاف 2/ 264:«جزم به في المذهب، والفائق، وابن تميم، والحاويين، قال الزركشي: وقدمه ناظم المفردات، والرعاية الكبرى» .
(4)
ينظر: التنقيح ص 107.
(5)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 252:
إمامة المرأة بالرجال
…
فعندنا تصح في مثال
امرأة قارئة مجيده
…
حافظة لسور عديده
وغيرها من الرجال أمي
…
أو حافظ لسورة في النظم
ففي التراويح فقط تؤمهم
…
قيامها من خلفهم لا عندهم
ونصه في الأقدمين اشتهرا
…
وخالف الشيخان فيما ذكرا
(6)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 55، والفروع 3/ 25، والمبدع 2/ 83، والإنصاف 2/ 267.
المأمومين محدثًا فيها، وتقدم حكم الصلاة بالنجاسة جاهلاً
(1)
.
ولا تصح إمامة أميٍّ ـ نسبةً إلى الأم ـ بقارئٍ وهو من لا يحسن الفاتحة، أو يدغِم منها حرفًا لا يدغَم، وهو الأرت
(2)
، أو يلحن لحنًا يحيل المعنى، كفتح همزة اهدنا، وضم تاء أنعمت، وإن أتى به مع القدرة على إصلاحه لم تصح كما يأتي
(3)
.
فإن عجز عن إصلاحه قرأه في فرض القراءة
(4)
، وما زاد عنها تبطل الصلاة بعمده، ويكفر إن اعتقد إباحته، وإن كان لجهلٍ، أو نسيان، أو آفة لم تبطل، ولا يمنع إمامته.
وإن سبق لسانه إلى تغيير نظم القرآن بما هو منه على وجهٍ يحيل معناه كقوله: إن المتقين في ضَلالٍ/ [45/ ب] وسعر، ونحوه لم تبطل، ولم يسجد له، وكذا إن أبدل فيها حرفًا بحرفٍ لا يبدل به، وهو الأَلثغ الذي يجعل الراء غينًا، وعكسه، والجيم بالسين ونحوه
(5)
، إلا ضاد المغضوب، والضالين بظاء، فتصح بمثله، وإن قدر على إصلاح ذلك لم تصح.
(1)
في باب اجتناب النجاسة. لوح رقم (26/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [193].
(2)
ينظر: المبدع 2/ 85، والروض المربع ص 132، وشرح منتهى الإرادات 1/ 276.
وقال في حاشية الروض 2/ 320: «هو من يدغم حرفا في حرف، في غير موضع الإدغام» .
وقيل: من يبدل الراء بالياء.
وقيل: من يلحقه رتج في كلامه، وفي المذهب هو الذي في لسانه عجلة، تسقط بعض الحروف، وكذا الألكن لا تتبين قراءته».
(3)
في ثنايا هذا الباب وفي نفس الصفحة. لوح رقم (46/ أ) من المخطوط.
(4)
في المخطوط " فإن عجز عن قراءةٍ في فرض القراءة" والصواب ما أثبت حتى تستقيم العبارة. ينظر: الإقناع 1/ 168، وكشاف القناع 1/ 481.
(5)
ينظر: المغني 2/ 146، والمبدع 2/ 85، وشرح منتهى الإرادات 1/ 276.
وتكره إمامة كثير اللّحن الذي لا يحيل المعنى نصًّا
(1)
والفأفاء، الذي يكرر الفاء، والتمتام الذي يكرر التاء، ومن لا يفصح ببعض الحروف
(2)
.
وأن يؤم أجنبيةً فأكثر لا رجل معهن، أو قومًا أكثرهم يكرهوه بحقٍ نصًّا
(3)
.
ولا يكره الائتمام به، ولا بأس بإمامة ولد الزنا
(4)
ولقيط
(5)
ومنفي بلعانٍ، وخصي، وجندي، وأعرابيٍّ نصًّا
(6)
إذا سَلِم دينهم، وصلحوا لها.
ويصح ائتمام من يؤدي الصلاة بمن يقضيها وعكسه، وقاض ظهر يوم، بقاض ظهر يومٍ آخر
(7)
، ومتنفلٍ بمفترض، لا عكسه، إلا إذا صلّى بهم في صلاة خوفٍ صلاتين نصًّا
(8)
، ولا يصح ائتمام من يصلّي الظهر
(1)
ينظر: المبدع 2/ 86، والروض المربع ص 133، وشرح منتهى الإرادات 1/ 273.
(2)
قال في المبدع 2/ 86: «لأن في قراءتهم نقصا عن حال الكمال، بالنسبة إلى من لا يفعل ذلك؛ ولأنهم يأتون بالحرف الواجب، وإنما يزيدون حركة، أو فاء، أو تاء، وذلك غير مؤثر، كتكرير الآية» .
(3)
ينظر: زاد المستقنع ص 55، ومنتهى الإرادات 1/ 81، والروض المربع ص 133.
(4)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 251:
وولد الزنا فالائتمام
…
به فلا يكره يا غلام
(5)
اللقيط: فعيل بمعنى مفعول، كجريح، وقتيل، والمقصود به الآدمي الصغير، الذي يوجد مرميا على الطريق، ولا يعرف أبوه، ولا أمه. ينظر: المطلع ص 343، ومعجم لغة الفقهاء ص 393.
(6)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 58، والمبدع 2/ 87، والإنصاف 2/ 274، ومنتهى الإرادات 1/ 81.
(7)
ينظر: زاد المستقنع ص 55، والروض المربع ص 134، ومختصر الإنصاف والشرح الكبيرص 168.
(8)
ينظر: الفروع 2/ 440، والإقناع 1/ 170، ومنتهى الإرادات 1/ 81.
بمن يصلي العصر، أو غيرها، ولا عكسه
(1)
.
فصل في الموقف
السنة وقوف المأمومين من خلف الإمام، إلا إمام العراة، وإمامة النساء فوسطًا وجوبًا في الأُولى
(2)
، واستحبابًا في الثانية
(3)
.
فإن وقفوا قدامه ولو بإحرامٍ لم يصح، غير امرأةٍ أمَّت رجالاً في تراويح على روايةٍ تقدمت
(4)
، وداخل الكعبة في نفلٍ إذا تقابلا، أو جعل ظهره إلى ظهر إمامه، لا إن جعل ظهره إلى وجهه؛ لتقدمه عليه، وفيما إذا استدار الصف حولها فلا بأس بتقدم المأموم في غير جهة الإمام فقط نصًّا
(5)
.
وفي شدة خوفٍ نصًّا
(6)
إذا أمكن المتابعة، وإن وقفوا معه، أو من جانبيه صح.
وإن كان المأموم واحدًا وقف عن يمينه فإن وقف خلفه، أو عن يساره أداره عن يمينه، فإن جاء آخر وقف خلفه، وإلا أدارهما، فإن شق تقدم
(1)
ينظر: والإقناع 1/ 170، والروض المربع ص 134.
(2)
أي إمامة العراة.
(3)
أي إمامة النساء. ينظر: المبدع 2/ 90، والإقناع 1/ 170، وكشاف القناع 1/ 485.
(4)
في فصل الإمامة. لوح رقم (45/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [270].
(5)
ينظر: المحرر 1/ 111، ومنتهى الإرادات 1/ 82.
(6)
ينظر: المبدع 2/ 91، ومنتهى الإرادات 1/ 82.
الإمام، فإن تأخر الأيمن قبل إحرام/ [46/ أ] الداخل؛ ليصليا خلفه جاز، كتفاوت إحرام اثنين خلفه، ثم إن بطلت صلاة أحدهما تقدم الآخر إلى الصف الأَوَّل يمين الإمام، أو جاء آخر، وإلا نوى المفارقة.
وإن أدركهما جالسين أحرم وجلس عن يمين صاحبه، أو عن يسار الإمام، ولا تَأخُر إذًا؛ للمشقة، والاعتبار بمؤخرٍ قدم
(1)
.
وإن أمَّ خنثى وقف عن يمينه، وإن أمَّ رجلٌ، أو خنثى امرأة وقفت خلفه، فإن وقفت عن يمينه، أو يساره فكرجلٍ في ظاهر كلامهم قاله في الفروع
(2)
.
ولا بأس بقطع الصف عن يمينه، أو خلفه، وكذا إن بَعُدَ الصف منه نصًّا
(3)
وقربه منه أفضل، وكذا توسطه نصًّا
(4)
وعمن انقطع عن يساره، فقال ابن حامد: إن كان بعد مقام ثلاثة رجالٍ بطلت صلاتهم
(5)
.
وإن اجتمع أنواع، سنَّ تقدم رجالٍ أحرارٍ، ثم عبيد، ثم الأفضل فالأفضل، ثم صبيان كذلك،
(6)
ثم خناثى، ثم نساء.
(1)
ينظر: الفروع 3/ 39، وكشاف القناع 1/ 171.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 46.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 39، والإنصاف 2/ 282، ومنتهى الإرادات 1/ 83، وكشف المخدرات 1/ 174.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 39.
(5)
نقل ذلك عنه كل من: شرح منتهى الإرادات 1/ 283، وكشف المخدرات 1/ 174، ومطالب أولي النهى 1/ 695.
(6)
أي: كذلك إذا اجتمع صبيان أحرار، وعبيد، قدم الصبي الحر، ثم العبد. ينظر: الإقناع 1/ 172، وكشاف القناع 1/ 489، وكشف المخدرات 1/ 174.
ويقدم من الجنائز إلى الإمام، وإلى القبلة في قبرٍ حيث جاز، رجل حر، ثم عبد، ثم صبيٌ كذلك، ثم خنثى، ثم امرأة نصًّا
(1)
حرة، ثم أمة وتأتي تتمته
(2)
.
ومن لم يقف معه إلا كافر، أو امرأة، أو مجنون، أو خنثى، أو محدث، أو نجس يعلم مصافة ذلك ففذ، وكذا صبي في فرضٍ نصًّا
(3)
، وامرأة مع نساء وإذا ائتمت بمثلها كرجلٍ كما تقدم
(4)
.
ومن جاء فوجد فرجةً في الصف، أو وجده غير مرصوصٍ دخل فيه نصًّا
(5)
.
فإن مشى إلى الفرجة عرضًا كره، فإن لم يمكنه فله أن ينبهه بكلامٍ، أو نحنحةٍ، أو إشارة من يقوم معه، ويتبعه ويكره بجذبه نصًّا
(6)
.
فإن صلّى فردًا ركعة فأكثر، أو عن يساره مع خلو يمينه لم تصح
(7)
.
(1)
ينظر: المبدع 2/ 94، ومنتهى الإرادات 1/ 82.
(2)
في كتاب الجنائز (فصل في الصلاة على الميت). لوح رقم (64/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [330].
(3)
ينظر: زاد المستقنع ص 56، ومنتهى الإرادات 1/ 82، والروض المربع ص 137، وكشاف القناع 1/ 489. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 254:
والصف بالصبيان والنساء
…
يبطل في الفرض بلا امتراء
(4)
في أَوَّل هذا الفصل. لوح رقم (46/ أ) في الصفحة رقم [273].
(5)
ينظر: المبدع 2/ 95، والإنصاف 2/ 288، ومنتهى الإرادات 1/ 83.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 42، والإقناع 1/ 172، ومنتهى الإرادات 1/ 83.
(7)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 253، 254:
والفذ من صلّى خليف الصف
…
صلاته باطلة لا تكفي
أو صف مأموم على الشمال
…
من الإمام واليمين خالي
صلاته تبطل لا تمار
…
ويكره الصف حذا السواري
فإن كبَّر ثم دخل في الصف، أو وقف معه آخر قبل الركوع فلا بأس، وإن ركع فردًا ثم دخل في الصف، أو وقف عن يمين الإمام طمعًا في إدراك الركعة، أو وقف معه/ [46/ ب] آخر قبل رفع الإمام صحت
(1)
.
وكذا إن رفع ولم يسجد، وإن فعله؛ لغير عذرٍ، بألا يخاف فوت الركعة لم يصح.
وإذا كان المأموم يرى الإمام، أو من وراءه وكانا في المسجد صحت، ولولم تتصل الصفوف عُرفًا
(2)
، وكذا إن لم ير أحدهما إن سمع التكبير، وإلا فلا.
وإن كانا خارجين عنه، أو المأموم وحده، وأمكن الاقتداء صحت إن رأى أحدهما ولو من شباكٍ، وإن لم ير أحدهما والحالة هذه لم يصح، ولو سمع التكبير ويكفي الرؤية في بعض الصلاة، وسواء في ذلك الجمعة وغيرها، وحيث صحت فاعتبر جماعة اتصال الصفوف عرفًا، قال المنُقِّح
(3)
: والصحيح عدم اشتراطه إذا حصلت الرؤية المعتبرة، وأمكن الاقتداء ولو جاوز ثلاثمئة ذراعٍ.
وإن كان بينهما نهر تجري فيه السفن
(4)
، أو طريق ولم تتصل فيه
(1)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 616، والكافي 1/ 300، والمغني 2/ 158، والشرح الكبير 2/ 69، ومنتهى الإرادات 1/ 83.
(2)
ينظر: المبدع 2/ 98، والإنصاف 2/ 293، والإقناع 1/ 173.
(3)
ينظر: التنقيح ص 110.
(4)
ينظر: الكافي 1/ 302، والمحرر 1/ 123، والمبدع 2/ 99.
الصفوف عرفًا إن صحت
(1)
لم تصح فيه، ومثله من بسفينة، وإمامه في أخرى في غير شدة خوفٍ
(2)
.
ويكره أن يكون إمامٌ أعلى من مأمومٍ كثيرًا بذراع فأكثر وتصح، ولا بأس بيسير كدرجة منبر ونحوها، ولا بعلوِّ مأمومٍ مطلقًا نصًّا
(3)
.
ويكره لإمامٍ الصلاة في طاق القبلة
(4)
وهو المحراب أطلقه الأكثر
(5)
، وقيده ابن تميم
(6)
وابن حمدان
(7)
بما يمنع مشاهدته، ولعله مرادهم.
وعنه
(8)
لا كسجوده فيه، وتطوعه في موضع المكتوبة بعد صلاتها نصًّا
(9)
.
قال بعضهم: وفاقًا بلا حاجةٍ فيهما كضيق مسجدٍ
(10)
، وترك مأموم له
(1)
في حاشية المخطوط: أي الصلاة.
(2)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 83.
(3)
انظر: الوجيز ص 53، ومنتهى الإرادات 1/ 83، وكشف المخدرات 1/ 176.
(4)
أي المحراب، والمقصود البناء نصف الدائري، الذي يكون في مقدمة المسجد، يوضع؛ لتحديد اتجاه القبلة، وقد يقف فيه الإمام وخاصة عند امتلاء المسجد بالمصلين. مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 605، والفروع 3/ 55، والمبدع 2/ 100، والروض المربع ص 138.
(5)
ينظر: المغني 2/ 161، والشرح الكبير 2/ 79، والمبدع 2/ 100، والإنصاف 2/ 298، وشرح منتهى الإرادات 1/ 283.
(6)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 328.
(7)
لم أجده في الرعاية الصغرى، ولعله في الكبرى. ونقل عنه صاحب الإنصاف 2/ 298.
(8)
ينظر: الإنصاف 2/ 298.
(9)
ينظر: مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه 2/ 580، والشرح الكبير 2/ 79، والفروع 3/ 58، والمبدع 2/ 100، ومنتهى الإرادات 1/ 83.
(10)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 580، والشرح الكبير 2/ 79، والفروع 3/ 58.
أولى، وإطالته القعود بعد الصلاة مستقبل القبلة إن لم يكن نساء ولا حاجة، بل يستحب تركه.
فإن أطال انصرف مأموم إذًا، وإلا استحب له ألا ينصرف قبله.
ويستحب لنساءٍ قيامهن عقب سلام إمامٍ، وثبوت رجال قليلاً، ويباح اتخاذ المحراب نصًّا
(1)
/ [47/ أ].
ويكره اتخاذ غير إمامٍ مكانًا بالمسجد لا يصلِّي فرضه إلا فيه، ولا بأس به في النفل.
ويكره لمأمومين فقط وقوفٌ بين سوار
(2)
، إذا قطعت الصفوف عرفًا بلا حاجةٍ
(3)
.
وإن أمَّت امرأة نساءًا، سنَّ قيامها وسطهنَّ وتقدم ذلك
(4)
، ويصح قدامهن، ومن الأدب وضع إمامٍ نعله عن يساره، ومأموم بين يديه؛ لئلا يؤذي غيره
(5)
.
(1)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 605، والمبدع 2/ 100، والإنصاف 2/ 298، ومنتهى الإرادات 1/ 84.
(2)
السواري: جمع سارية وهي العامود، أو الأسطوانة، التي يقام عليها السقف في المساجد فتقيمه؛ وذكرت في القرآن بلفظ (العمد) قال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} سورة الرعد: آية رقم (2)«يعني: السواري، واحدها عمود» . ينظر: تفسير الطبري 16/ 322، وتفسير البغوي 3/ 5.
وهي الأسطوانة -بضم الهمزة، والطاء ينظر: لسان العرب 14/ 383، تاج العروس 38/ 263. كما يسميها الفقهاء.
(3)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 612، والشرح الكبير 2/ 79، والفروع 3/ 59.
(4)
في أَوَّل هذا الفصل. لوح رقم (46/ أ) من المخطوط.
(5)
ينظر: المبدع 2/ 103، والإقناع 1/ 174، وشرح منتهى الإرادات 1/ 285، وكشف المخدرات 1/ 177، ومطالب أولي النهى 1/ 699، وحاشية الروض المربع 2/ 356.
فصل
ويعذر في تركه جمعةً، وجماعةً مريض، أو خائف حدوثه، أو زيادته، فإن لم يتضرر بإتيانه راكبًا، أو محمولاً، أو يتبرع أحدٌ به، أو بقود أعمى لزمته الجمعة، دون الجماعة إن لم تكن في المسجد.
ومن يدافع أحد الأخبثين، أو من يحضره طعام محتاج إليه، وله الشبع نصًّا
(1)
.
أو خائفٌ من ضياع ماله كغلة في بيادرها
(2)
، ودواب لا حافظ لها غيره ونحوه، أو تلفه كخبزٍ في تنور، وطبيخٍ على نار ونحوه، أو فواته، أو ضررٍ فيه، أو في معيشةٍ يحتاجها.
أو مستحفظًا على شيء يخاف عليه إن ذهب وتركه، كناطور
(3)
بستان ونحوه، أو ضائع يرجوه كآبق هو في طلبه ونحوه.
أو خائف موت رفيقه، أو قريبه نصًّا
(4)
، ولا يحضره، أو لتمريضه إن لم يكن عنده من يقوم مقامه.
أو خائف على حريمه، أو نفسه من ضررٍ، أو سلطان ظالمٍ، أو
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 82، والمبدع 2/ 104، ومنتهى الإرادات 1/ 84.
(2)
البيدر: هو الموضع الذي يجمع فيه ثمر النخيل عند جداده. وقيل: هو الموضع الذي يداس فيه الطعام. ينظر: تفسير غريب ما في الصحيحين ص 236، ولسان العرب 4/ 50، والمصباح المنير 1/ 97.
(3)
الناطور: حارس البستان. ينظر: الإقناع 1/ 175، حاشية الروض 7/ 437.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 175، ومنتهى الإرادات 1/ 84، وكشاف القناع 1/ 496.
ملازمة غريمٍ بحق ولا وفاء له، أو فوات رفقته مسافر سفرًا مباحًا منشأً، أو مستديمًا.
أو غلبه نعاسٌ يخاف معه فوتها في الوقت، أو مع الإمام، أو تطويل إمامٍ، أو من عليه قود إن رجا العفو.
أو متأذٍ بمطر، أو وحلٍ، وثلجٍ، وجليد، وريح باردة في ليلة مظلمة
(1)
.
والمنكر في طريقه ليس عذرًا نصًّا
(2)
، ولا الأعمى مع قدرته، فإن عجز فتبرع قائدٌ لزمه، ويكره حضور مسجدٍ ولو خلا من آدميٍ؛ لتأذي الملائكة.
والمراد الجماعة حتى ولو في غير مسجدٍ، أو غير صلاةٍ من أكل بصلاً، أو فجلاً ونحوه حتى يذهب/ [47/ ب] ريحه
(3)
.
قال بعض الأطباء: يقطع الرائحة الكريهة مضغ السَّذَابِ
(4)
، أو السُّعْدِ
(5)
.
(1)
ينظر: زاد المستقنع ص 57، ومنتهى الإرادات 1/ 84، ودليل الطالب ص 50، وأخصر المختصرات ص 123.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 176، ومنتهى الإرادات 1/ 84، وكشاف القناع 1/ 497.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 63، والمبدع 2/ 106، والإنصاف 2/ 304، والإقناع 1/ 176، ومنتهى الإرادات 1/ 84.
(4)
السّذاب: جنس نباتات طيبة، من الفصيلة السذابية، له رائحة قوبة خاصة. ينظر: المعجم الوسيط 1/ 424.
(5)
السعد بالضم، طيب معروف، وفيه منفعة عجيبة في القروح التي عسر اندمالها. ينظر: القاموس المحيط ص 288، وتاج العروس 8/ 199.
باب صلاة أهل الأعذار
(1)
يجب أن يصلّي مريضٌ قائمًا إجماعًا
(2)
في فرضٍ ولو لم يقدر إلا كصفة ركوعٍ كصحيح ولو معتمدًا على شيء، أو مستندًا إلى حائط ولو بأجرةٍ إن قدر عليها سوى ما تقدم في صفة الصلاة
(3)
.
فإن لم يستطع، أو شق عليه؛ لضررٍ من زيادة مرضٍ، أو تأخر بُرْءٍ ونحوه فقاعدًا متربعًا ندبًا، ويثني رجليه في ركوعٍ وسجوده كمتنفلٍ فإن لم يستطع، أو شق عليه ولو بتعديه بضرب ساقه ونحوه كتعديها بضرب بطنها حتى نفست كما سبق فعلى جنب، والأيمن أفضل
(4)
، وتصح على ظهره ورجلاه إلى القبلة، مع القدرة على جنبه مع الكراهة.
فإن تعذر تعين الظهر، ويلزمه الإيماء بركوعه وسجوده برأسه ما أمكنه، ويكون سجوده أخفض من ركوعه.
فإن عجز أومأ بطرفه، فإن عجز فبقلبه مستحضرًا للفعل، والقول، ولا
(1)
أهل الأعذار هم: المريض، والمسافر، والخائف، ونحوهم. ينظر: الملخص الفقهي 1/ 231.
(2)
نقل الإجماع صاحب الإقناع 1/ 176، وكشاف القناع 1/ 498.
(3)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله ص 105، والكافي 1/ 314، وعمدة الفقه ص 29. والمحرر 1/ 125.
(4)
ينظر: الوجيز ص 54، والفروع 3/ 68، والإقناع 1/ 176، ومنتهى الإرادات 1/ 85.
تسقط الصلاة حينئذ، وهو مقتضى قول من قال: مادام عقله ثابتًا
(1)
.
وقول غيره: مع حضور ذهنه، إذ مقتضاه أن ثبوت العقل ولو مجردًا عن إمكان الإيماء المذكور كافٍ في التكليف، وإمكان الفعل منه بغير القلب متعذرٌ فيتعين؛ لإسقاط ما وجب عليه.
يؤيده قول ابن عقيل
(2)
في الأحدب
(3)
: يجدد لركوع فيه؛ لعجزه عنه كمريضٍ لا يطيق الحركة يجدد لكل ركنٍ قصدًا، كفُلك في العربية للواحد، والجمع
(4)
.
وفي المستوعب
(5)
فجعله بقلبه كافيًا مع إمكانه بالطرف فمع عدمه أَولى، وإن سجد ما أمكنه على شيءٍ رفعه كره، وأجزأ نصًّا
(6)
.
ولا بأس بسجوده على وسادةٍ ونحوها، ولا يلزمه، فإن قدر على
(1)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 786، والمغني 2/ 109، والشرح الكبير 2/ 88، والإقناع 1/ 177.
(2)
نقل عنه كل من صاحب الفروع 3/ 71، والإنصاف 2/ 308، والإقناع 1/ 177، وكشاف القناع 1/ 499.
(3)
الحدب: خروج الظهر، ودخول الصدر والبطن. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 3/ 264، والقاموس المحيط ص 72، وتاج العروس 2/ 243. مادة (ح د ب)
(4)
ينظر: الفروع 3/ 71، والإنصاف 2/ 308، والإقناع 1/ 177. أي: فإنه يصلح في العربية للواحد والجمع بالنية.
(5)
ينظر: المستوعب 2/ 382.
(6)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن اهويه 2/ 688، والفروع 3/ 68، والمبدع 2/ 109، والإنصاف 2/ 308.
القيام، أو القعود ونحوه مما عجز عنه من كل ركنٍ، أو واجبٍ في أثناء الصلاة انتقل إليه وأتمها
(1)
.
ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود،/ [48/ أ] أومأ بالركوع قائمًا وبالسجود قاعدًا، ولو قدر على القيام منفردًا وجالسًا في جماعةٍ خُيِّر
(2)
.
وقيل
(3)
: يلزمه القيام، قال المنُقِّح
(4)
: وهو أظهر.
وقيل
(5)
: جماعة أولى، ولعله أظهر، إذ يكمل له ثواب القيام لمكان العذر ويزيد بفعلها في جماعةٍ
(6)
.
(1)
ينظر: الكافي 1/ 315، والشرح الكبير 2/ 88، والمبدع 2/ 110.
(2)
ينظر: المغني 2/ 106، تجريد العناية ص 48، والفروع 3/ 79، والإنصاف 2/ 309، ومنتهى الإرادات 1/ 85.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 177، وكشاف القناع 1/ 500، وكشف المخدرات 1/ 180.
(4)
ينظر: التنقيح ص 112، والإنصاف 2/ 309.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 79، والإقناع 1/ 183، وكشاف القناع 2/ 6، وكشف المخدرات 1/ 187.
(6)
ينظر: المغني 2/ 107، والشرح الكبير 2/ 86، الفروع 3/ 79. قال ابن عثيمين في الشرح الممتع 4/ 338: «للعلماء فيها ثلاثة أقوال:
من العلماء من قال: إنه يخير؛ لتعارض الواجبين، واجب الجماعة، وواجب القيام، وليس أحدهما أولى بالترجيح من الآخر.
ومنهم من قال: يقدم القيام، فيصلي في بيته قائما؛ لأن القيام ركن بالاتفاق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«صل قائما» ، وصلاة الجماعة أقل وجوبا لما يلي:
أولا: وجود الخلاف في وجوبها.
ثانيا: فإذا وجبت هل هي فرض كفاية، أو فرض عين.
ثالثا: إذا كانت فرض عين، فهل هي واجبة في الصلاة، بحيث تبطل الصلاة بتركها بلا عذر، أو واجبة للصلاة تصح الصلاة بدونها مع الإثم.
ومنهم من قال: يجب أن يحضر إلى المسجد، ثم يصلي قائما إن استطاع، وإلا صلّى جالسا؛ لأنه مأمور بإجابة النداء، والنداء سابق على الصلاة، فيأتي بالسابق، فإذا وصل إلى المسجد، فإن قدر صلّى قائما، وإلا فلا، وأيضًا: ربما يظن أنه إذا ذهب إلى المسجد لا يستطيع القيام، ثم يمده الله عز وجل بنشاط ويستطيع القيام».
والذي أميل إليه ـ ولكن ليس ميلا كبيرا ـ هو أنه يجب عليه حضور المسجد، ويدل لذلك حديث ابن مسعود الثابت في «صحيح مسلم»:«وكان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف» ومثل هذا في الغالب لا يقدر على القيام وحده، فيجب أن يحضر إلى المسجد، ثم إن قدر على القيام فذاك، وإن لم يقدر فقد قال الله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} اه.
وإن قدر أن يسجد على صُدْغَيْه لم يلزمه، ولو قال ثقات الأطباء ولو واحدًا: إن صلّيت مستلقيًا أمكن مداواتك فله ذلك ولو مع قدرته على القيام يؤيده نصه أنه يفطر بقول واحدٍ إن الصوم مما يُمَكِّن العلة
(1)
.
وتصح صلاة فرضٍ على راحلةٍ واقفةً، وسائرةً خشية تأذٍ بوحلٍ ومطرٍ ونحوه، وعليه الاستقبال، وما يقدر عليه
(2)
، وفي شدة خوفٍ كما يأتي
(3)
.
فإن قدر على النزول ولا ضرر، لزمه القيام، والركوع، وأومأ بالسجود، ولا تصح لمرضٍ، لكن إن خاف هو، أو غيره بنزوله انقطاعًا عن رفقته، أو عجزًا عن ركوبه صلّى عليها، كخائفٍ بنزوله على نفسه من عدوٍ ونحوه.
ومن أتى بالمأمور من كل ركنٍ ونحوه؛ للصلاة وصلّى عليها بلا عذرٍ، أو في سفينةٍ ونحوها ولو جماعة من أمكنه الخروج منها واقفةً، أو سائرةً صحت.
(1)
ينظر: الفروع 3/ 79، والإقناع 1/ 178، ومنتهى الإرادات 1/ 86، وحاشية الروض المربع 2/ 373.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 178، وكشاف القناع 1/ 502، وآداب المشي إلى الصلاة ص 30.
(3)
في فصل في صلاة الخوف، في لوح رقم (52/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [291].
ولا تصح فيها من قاعدٍ مع القدرة على القيام، وكذا عجلةً
(1)
، ومِحَفَّةً
(2)
ونحوهما
(3)
.
ومن كان في ماءٍ، أو طينٍ، أومأ إيمًاء كمصلوبٍ، ومربوطٍ، والغريق يسجد على متن الماء
(4)
.
فصل في قصر الصلاة
(5)
ومن ابتدأ سفرًا
(6)
مباحًا ولو لنزهةٍ، أو فرجةٍ، أو مكرهًا كأسيرٍ، أو
(1)
العجلة: خشبة معترضة على نعامة البئر والغربُ مُعَلَّقٌ بها. ينظر: الصحاح تاج اللغة 5/ 1760، ومجمل اللغة 1/ 649، ومقاييس اللغة 4/ 238، والنهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 186.
(2)
المِحَفَّةُ: مركب من مراكب النساء، يحف بثوب، يشبه الهودج ينظر: معجم ديوان الأدب 3/ 55، المحكم والمحيط الأعظم 2/ 539، ومختار الصحاح ص 76، ولسان العرب 9/ 49.
(3)
قال في حاشية الروض المربع 2/ 373: «بلا نزاع، لقدرته على ركن الصلاة، كمن بغير سفينة، وتجوز إقامة الجماعة فيها، على الصحيح من المذهب، ومثل السفينة، عجلة، ومحفة، وعمارية» .
(4)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 473، والفروع 2/ 115، والمبدع 2/ 113، والإنصاف 2/ 313، ومنتهى الإرادات 1/ 86.
(5)
الأصل في قصر الصلاة الكتاب، والسنة، والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} سورة النساء آية رقم (101).
ومن السنة حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه، قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة، إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فقد أمن الناس، فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال ((صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته)) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها برقم (686) 1/ 478. ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك. ينظر: الإجماع ص 41.
(6)
قال في المستوعب 2/ 386: «الأسفار أربعة: واجب كسفر الحج، والجهاد، وسفر طاعة كزيارة، وسفر مباح كسفر التجارة، والتفرج، وسفر معصية كسفر الآبق. والناشز. بتصرف.
مغرَّبٍ ولو محرمًا مع مغربةٍ، وكامرأةٍ، وعبدٍ، وجنديٍ تبعًا لزوجٍ وسيدٍ وأميرٍ في نيته وسفره، ومتى صار الأسير ببلدهم أتم نصًّا
(1)
، فلا يترخص في سفر معصيةٍ بقصرٍ، ولا فطرٍ، ولا أكل لميتةٍ نصًّا
(2)
.
فإن خاف/ [48/ ب] على نفسه إن لم يأكل مات، قيل له: كُلْ وتُبْ، ولا في سفرٍ مكروهٍ للنهي عنه، وقاله ابن عقيل
(3)
في السفر إلى المشاهد والقبور.
وفي الرعاية
(4)
، أو إلى قبرٍ غير قبر نبيٍ، ولا هائمٍ، وسائحٍ
(5)
.
ويقصر من المباح أكثر قصده كمن قصد معصيةً ومباحًا، أو تاب في أثنائه وقد بقي مسافة قصرٍ وهي ستة عشر فرسخًا
(6)
تقريبًا برًا، أو بحرًا
(1)
ينظر: الفروع 3/ 83، والإنصاف 2/ 315، والإقناع 1/ 179.
(2)
ينظر: المغني 2/ 196، والشرح الكبير 2/ 90، والفروع 4/ 349.
(3)
نقل عنه كل من صاحب الفروع 3/ 84، والإنصاف 2/ 317.
(4)
في الرعاية الصغرى 10/ 112: (ولا يترخص هائم، ولا من قصد مشهدا، أو قبرا) ولم يخصص قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
(5)
هما اللذان يخرجان ولا يقصدان مكانا معينا، ولا يدريان أين يذهبان. ينظر: الإنصاف 2/ 320، وشرح منتهى الإرادات 1/ 293، ومطالب أولي النهى 1/ 717.
(6)
الفرسخ بالسكون، والفرسخ من المسافة المعلومة في الأرض مأخوذ منه، والفرسخ ثلاثة أميال تقريبا، سمي بذلك؛ لأن صاحبه إذا مشى قعد واستراح من ذلك، كأنه سكن، وهو واحد الفراسخ فارسي معرب، والفرسخ يعادل (5040) مترا، ويعادل تقريبا خمسة كيلو مترات. ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 4/ 1935، والهداية على مذهب الإمام أحمد ص 103، ولسان العرب 3/ 44، وتاج العروس 7/ 317، والمقادير الشرعيةص 300.
وهي يومان قاصدان أربعة بردٍ،
والبريد
(1)
: أربعة فراسخ
(2)
، والفرسخ: ثلاثة أميال هاشميةٍ
(3)
، وبأميال بني أمية، ميلان ونصف، الميل اثنا عشر ألف قدم، ستة آلاف ذراعٍ
(4)
، والذراع أربعٌ وعشرون إصبعًا معترضةً معتدلةً، كل إصبع ست حبات شعيرٍ بطون بعضها إلى بعض عرض، كل شعيرةٍ ست شعيرات برذون
(5)
فله قصر الرباعية خاصةً إلى ركعتين إجماعًا
(6)
.
وكذا الفطر ولو قطعها في ساعةٍ واحدةٍ، فلو قام إلى ثالثةٍ عمدًا أتم أربعًا، فإن سلَّم من ثلاثٍ عمدًا بطلت، وإن قام سهوًا قطع، فلو نوى الإتمام أتم، وأتى بما بقي، سوى ما سها به فإنه يلغو إذا فارق خيام قومه، أو بيوت قريته العامرة بما يقع عليه اسم المفارقة بنوعٍ من البعد عرفًا، لا الخراب إن لم يَلِهِ عامر، فإن وليه اعتبر مفارقة الجميع كما لو جعل مزارع، وبساتين يسكنه أهله ولو في فصل النزهة.
ويعتبر في سكان القصور، والبساتين مفارقة ما نسبوا إليه عرفًا، وأنه
(1)
البريد يعادل (20، 16) كم 2. ينظر: المقادير الشرعيةص 300.
(2)
في المخطوط (أربع فراسخ) والصواب ما أثبت.
(3)
نسبة إلى هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم ونسب إليه لأنه قدر أميال البادية ومسافته تعادل (1848) مترا. ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 373، والإيضاح والتبيين والتعليق عليه ص 77.
(4)
أي ما يعادل (1660) مترا تقريبا. ينظر: الشرح الممتع 4/ 351، وتيسير العلام ص 233.
(5)
البرذون: يطلق على العربي من الخيل، والبغال، من الفصيلة الخيلية، عظيم الخلقة، غليظ الأعضاء، قوي الأرجل، عظيم الحوافر. ينظر: تهذيب اللغة 15/ 42، وتاج العروس 34/ 247.
(6)
ينظر: الإجماع ص 41. ونقل الإجماع كل من صاحب العدة ص 110، والمبدع 2/ 116، والإقناع 1/ 179.
لا يرجع إلى وطنه، أو لا ينويه قريبًا، فإن رجع لم يترخص حتى يفارقه ثانيًا نصًّا
(1)
، ولو لم ينو الرجوع لكن بدا له؛ لحاجةٍ لم يترخص في رجوعه بعد نية عوده حتى يفارق أيضًا، إلا أن يكون رجوعه سفرًا طويلاً.
والمعتبرة نية المسافة، لا وجود حقيقتها، فمتى نوى ذلك قصر، ولو رجع/ [49/ أ] قبل استكمال المسافة، لم يلزمه إعادة ما قصر نصًّا
(2)
، وإن رجع، ثم بدا له العود إلى السفرلم يقصر حتى يفارق مكانه.
فإن شكّ في قدر المسافة، أولم يعلم قدر سفره، كمن خرج في طلب آبقٍ، أو ضالةٍ ناويًا أن يعود به أين وجده، لم يقصر حتى يجاوز المفازة
(3)
، ويقصر من له قصد صحيحٌ، وإن لم تلزمه صلاةٌ كحائض، وكافر، ومجنون، وصبي ولو بقي دون مسافة قصر، ولو مرَّ بوطنه، أو ببلدٍ له فيه امرأة، أو تزوج فيه أتم، والقصر أفضل من الإتمام نصًّا
(4)
.
وإن أتم جاز ولم يكره، وإن أحرم مقيمًا في حضرٍ، أو دخل عليه وقت صلاةٍ فيه ثم سافر، أو أحرم بها في سفرٍ، ثم أقام كراكب سفينةٍ، أو ذكر صلاة حضرٍ في سفرٍ، أو عكسه، أو ائتم بمقيمٍ، أو بمن يلزمه الائتمام، أو بمن يشكّ فيه، أو بصلاةٍ يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها كمن يقتدي بمقيمٍ فيحدث، أولم ينو القصر لزمه أن يتم، كمتعمدٍ ترك صلاةً، أو
(1)
ينظر: الفروع 3/ 83، والمبدع 2/ 116، والإقناع 1/ 180، ومنتهى الإرادات 1/ 87.
(2)
ينظر: الإنصاف 2/ 319، ومنتهى الإرادات 1/ 87.
(3)
المفازة: البرية، وكل قفر مفازة. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 9/ 112، وتاج العروس 15/ 274.
(4)
ينظر: الكافي 1/ 309، والعمدةص 30، والعدةص 111، والفروع 3/ 87.
بعضها حتى خرج وقتها، أو عازمٍ في صلاته على قطع طريقٍ فيه القصر عند إحرامه والعلم بأنه نوى، وأنّ إمامه إذًا مسافر ولو بإمارة، وعلامة كهيئة لباس، شرط لجواز القصر، لا إنْ إمامه نوى القصر.
فلو قال: إن أتم أتممت، وإن قصر قصرت لم يضر، ولو نوى القصر، ثم رفضه، ونوى الإتمام جاز، وأتم
(1)
.
ولو نوى القصر، ثم أتم سهوًا ففرضه الركعتان، والزيادة سهوٌ يسجد لها
(2)
.
ولو نوى القصر، ثم قام إلى ثالثةٍ سهوًا لم يلزمه الإتمام، وله أن يقطع ويجلس، وإن نوى الإتمام أتم، وأتى له بركعتين سوى ما يسهو به، فإنه يلغو.
وقال أبو بكر
(3)
: لا يحتاج القصر إلى نيةٍ، فلو نوى الإتمام ابتدًاء جاز له القصر.
ومن له طريقان بعيد، وقريب فسلك البعيد، وذكر صلاة سفرٍ في آخر وفيه قصر.
وإذا نوى إقامة مطلقة/ [49/ ب] في بلدٍ ولو البلد الذي يقصده نصًّا بدار حربٍ
(4)
، أو إسلامٍ أكثر من عشرين
(1)
ينظر: الفروع 3/ 89، والإنصاف 2/ 326.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 89، والمبدع 1/ 450، والإنصاف 2/ 326.
(3)
واختار هذا القول الزركشي، وقال في الإنصاف 2/ 325:«اختاره الشيخ تقي الدِّين، واختاره جماعة من الأصحاب» . وهو اختيار ابن مفلح في الفروع 3/ 88.
(4)
دار الحرب: هي أراضي الدول الكافرة، التي أعلنت الحرب على المسلمين، ولا يأمن من فيها بأمان المسلمين، ويغلب على أحكامها أحكام أهل الكفر. ينظر: بدائع الصنائع 7/ 130، والفروع 10/ 237، ومعجم لغة الفقهاء ص 205.
صلاةٍ،
(1)
، أو شكّ في نيته هل نوى ما يمنع القصر، أو لا أتم، وإلا قصر، ويوم الدخول، والخروج يحسب من المدة.
ومن أقام؛ لقضاء حاجةٍ بلا نيةٍ إقامة، ولا يعلم قضاء الحاجة قبل المدة ولو ظنًا، أو حبس ظلمًا، أو حبسه مطرٌ، أو مرضٌ ونحوه قصر أبدًا.
ومن رجع إلى بلدٍ أقام به ما يمنع القصر قصر مطلقًا حتى فيه نصًّا
(2)
.
وإن قصد رُستَاقًا
(3)
ينتقل فيه ولم ينو إقامته في موضعٍ واحدٍ ما يمنع القصر قَصَرَ نصًّا
(4)
.
وإن نوى إقامةً بشرط كأن يقول: إن لقيت فلانًا في هذا البلد أقمت فيه، وإلا فلا، فإن لم يلقه فله حكم السفر.
وإن لقيه به صار مقيمًا إن لم يكن فسخ نيته الأولى قبل لقائه، أو حال لقائه، وإن فسخ بعده فهو كمسافرٍ نوى القصر، ثم بدا له السفر قبل تمامها فليس له أن يقصر في موضع إقامته حتى يشرع في السفر.
(1)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 257:
إذا نوى إقامة مستقر
…
إحدى وعشرين صلاة يقصر
فإن نوى أكثر فالاتمام
…
يلزمه وينتفي الملام
(2)
ينظر: المغني 2/ 215، والشرح الكبير 2/ 111، والفروع 3/ 96.
(3)
الرستاق: موضع فيه زرع، وقرى، أو بيوت مجتمعة، ويكون في ناحية الإقليم. ينظر: المصباح المنير 1/ 226، وكشاف القناع 1/ 513، وتاج العروس 4/ 421.
(4)
ينظر: الكافي 1/ 310، والإقناع 1/ 182.
والملّاح
(1)
الذي معه أهله، أو لا أهل له، وليس له نية الإقامة ببلدٍ لا يترخص، ومثله مُكَارٍ
(2)
، وراعٍ، وساعٍ ونحوهم نصًّا
(3)
.
فصل في الجمع
وهو رخصة، وعارضة، وليس بمستحبٍ، بل تركه أفضل، غير جمعي عرفة، ومزدلفة يجوز بين ظهرٍ وعصرٍ، وعشاءين في وقت إحداهما لمسافرٍ يقصر
(4)
، فلا يجمع من لا يقصر كمكي ونحوه بعرفة ومزدلفة نصًّا
(5)
،
(1)
الملاح بالتثقيل: السفان، وهو الذي يجري السفينة. ينظر: المصباح المنير 2/ 578. مادة (م ل ح).
(2)
المكاري: هو الذي يكاري الدابة ويأخذ الكراء. ينظر: التعريفات ص 228.
(3)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 88. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 259:
لا قصر للملاح والمكاري
…
ونحوهم من طالبي الأسفار
(4)
ينظر: الفروع 3/ 104، والإنصاف 2/ 334، والإقناع 1/ 183، ومنتهى الإرادات 1/ 88.
(5)
ينظر: الإنصاف 2/ 335، والإقناع 1/ 183، وكشاف القناع 2/ 5، ومطالب أولي النهى 1/ 732، قال في المغني 3/ 366، 367:» ويجوز الجمع لكل من بعرفة، من مكي وغيره. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم، على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة، وكذلك من صلّى مع الإمام. وذكر أصحابنا أنه لا يجوز الجمع، إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشر فرسخا، إلحاقا له بالقصر، وليس بصحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، فجمع معه من حضره من المكيين وغيرهم، ولم يأمرهم بترك الجمع، كما أمرهم بترك القصر حين قال:(أتموا، فإنا سفر).
ولو حرم الجمع لبينه لهم، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا يقر النبي صلى الله عليه وسلم على الخطأ، وقد كان عثمان يتم الصلاة؛ لأنه اتخذ أهلا، ولم يترك الجمع، وروي نحو ذلك عن ابن الزبير، قال ابن أبي مليكة: وكان ابن الزبير يعلمنا المناسك، فذكر أنه قال: إذا أفاض، فلا صلاة إلا بجمع. رواه الأثرم.
وكان عمر بن عبد العزيز والي مكة، فخرج فجمع بين الصلاتين، ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين خلاف في الجمع بعرفة ومزدلفة، بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره، والحق فيما أجمعوا عليه، فلا يعرج على غيره. ا هـ.
وكمريضٍ يلحقه بترك
(1)
مشقة، وضعف، ومرضعٍ نصًّا
(2)
؛ لمشقة كثرة النجاسة، وعاجزٍ عن الطهارة، ولو تيممًا لكل صلاةٍ، أو عن معرفة الوقت كأعمى، أومأ إليه أحمد، ومستحاضةٌ ونحوها نصًّا
(3)
، ولمن له شغلٌ يبيح ترك جمعةٍ، وجماعةٍ قاله ابن حمدان
(4)
في الجمع، وحكى القاضي نص أحمد يجمع في الحضر لعذرٍ، أو شغلٍ، وحمل مراده على ما يبيح ترك الجمعة، والجماعة ذكره في الفروع
(5)
.
ثم قال: ويتوجه أن مراده غير/ [50/ أ] غلبة النعاس.
وفي الوجيز
(6)
: استثنى النعاس ونحوه.
وفي الفائق
(7)
: وعنه تجمع حضرًا لشغلٍ، ثم ذكر قول القاضي، وحمله النص على ما تقدم، ثم قال: قلت إلا النعاس فدل كلامه أن المقدم غير هذه الرواية.
وقال: ظاهر كلام كثيرٍ منهم ولمطرٍ بين العشاءين فقط يبل الثياب
(1)
أي: بترك الجمع فيه. ينظر: الكافي 1/ 313، والشرح الكبير 2/ 116، والمبدع 2/ 124، ومنتهى الإرادات 1/ 88.
(2)
ينظر: الكافي 1/ 313، والشرح الكبير 2/ 116، والمبدع 2/ 124، ومنتهى الإرادات 1/ 88.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 104، والمبدع 2/ 126، والإنصاف 2/ 336، ومنتهى الإرادات 1/ 88.
(4)
لم أجده في الرعاية الصغرى، ولعله في الكبرى.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 109.
(6)
ينظر: الوجيزص 55.
(7)
نقل عنه صاحب الإنصاف 2/ 337.
- زاد في الرعاية
(1)
، والفائق وغيرهما _ أو النعل، أو البدن، ويوجد معه مشقةٌ، وثلجٌ نصًّا
(2)
وبردٌ، وجليدٌ، ووحلٌ، وريحٌ شديدةٌ، باردةٌ، ولمن يصلي في بيته، أو في مسجد طريقه تحت ساباطٍ
(3)
ونحوه، ولو ناله يسيرٌ وفعل الأرفق من تأخير، وتقديمٍ أفضل سوى جمع عرفة ومزدلفة
(4)
، ويشترط للجمع في وقت الأُولى ثلاثة شروطٍ:
نية الجمع عند إحرامها.
وكذا تقديمها على الثانية في الجمعين ولو في وقتها، فيجب الترتيب بينهما وهو كالترتيب في الفوائت يسقط بنسيانٍ.
وألا يفرق بينهما، إلا بقدر إقامةٍ، ووضوء خفيف
(5)
.
ولا يضر كلامٌ يسيرٌ ذكرًا، أو غيره، فإن صلّى السنة الراتبة بينهما بطل الجمع.
وعنه لا
(6)
، إن لم يطلها كما لو سجد؛ لسهوٍ، وأن يكون العذر موجودًا عند افتتاح الصلاتين، وسلام الأولى، فلو أحرم بالأولى مع وجود مطرٍ، ثم انقطع ولم يعد، فإن حصل وَحلٌ، وإلا بطل الجمع.
(1)
ينظر: الرعاية الصغرى 1/ 115.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 105، والإنصاف 2/ 337، ومنتهى الإرادات 1/ 88.
(3)
الساباط: سقيفة بين حائطين، تحتهما ممر نافذ، ينظر: معجم ديوان الأدب 1/ 370، والمطلع ص 133.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 184، ومنتهى الإرادات 1/ 88، وكشاف القناع 2/ 7.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 112، والإقناع 1/ 184، ومنتهى الإرادات 1/ 89، ودليل الطالب ص 53.
(6)
ينظر: المغني 2/ 206، والمحرر 1/ 135، والشرح الكبير 2/ 122.
ولا يشترط دوام العذر إلى فراغ الثانية في جمع مطرٍ ونحوه، بخلاف غيره كسفرٍ، ومرضٍ، فلو انقطع السفر في الأولى بنية إقامته ونحوها بطل القصر، ويتمها وتصح، وإن انقطع في الثانية بطلا ويتمها نفلاً، ومريضٌ كمسافرٍ فيما إذا/ [50/ ب] برئ في الأُولى والثانية، وإن جمع في وقت الثانية كفاه نية الجمع في وقت الأُولى، مالم يضق عن فعلها
(1)
.
فإن ضاق لم يصح الجمع، واستمرار العذر إلى دخول وقت الثانية، ولا أثر لزواله بعد ذلك في جمع، ولا يشترط غير ذلك
(2)
، فلا يشترط الموالاة بينهما بل الترتيب كما تقدم
(3)
.
ولا يشترط اتحاد إمامٍ، ولا مأمومٍ فلو صلّى الأُولى وحده، ثم الثانية إمامًا، أو مأمومًا، أو صلّى إمامٌ الأولى، وإمامٌ الثانية، أو صلّى مع الإمام مأموم الأُولى، وآخر الثانية، أو نوى الجمع خلف من لا يجمع، أو بمن لا يجمع صح
(4)
.
فصل في صلاة الخوف
وتأثيره في تغيير هيئات الصلاة وصفاتها، لا في تغيير عدد ركعاتها قال أبو عبد الله رضي الله عنه: صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة أوجهٍ، أو سبعةٍ، وكلها
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 124، وشرح الزركشي 2/ 153، والمبدع 2/ 130، والإنصاف 2/ 345، ومنتهى الإرادات 1/ 89.
(2)
ينظر: الكافي 1/ 313، والشرح الكبير 2/ 124، والمبدع 2/ 131.
(3)
في أَوَّل هذا الفصل. لوح رقم (50/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [289].
(4)
ينظر: المبدع 2/ 131، والإنصاف 2/ 347، والإقناع 1/ 185، ومنتهى الإرادات 1/ 89.
جائزةٌ
(1)
، فمن ذلك:
إذا كان العدو في جهة القبلة، وخيف هجومه، صفهم إمام خلفه صفين فأكثر حضرًا كان، أو سفرًا وصلّى بهم جميعًا إلى أن يسجد فيسجد معه الصف الذي يليه، ويحرس الآخر حتى يقوم الإمام إلى الثانية فيسجد
(2)
ويلحقه، ثم الأَولى تأخَر الصف المقدَّم، وتَقدُّم المؤخَّر، فإذا سجد في الثانية سجد معه الصف الذي يليه، وهو الذي حرس أولاً، وحرس الآخر حتى يجلس للتشهد فيسجد ويلحقه فيتشهد ويسلم بهم، ويشترط فيها ألا يخافوا كمينًا، وكون القتال مباحًا، وألا يخفى بعضهم عن المسلمين
(3)
.
وإن حرس بعض الصف، أو جعلهم صفًا واحدًا، أو حرس الأَوَّل في الأُولى، والثاني في الثانية فلا بأس، ولا يجوز أن يحرس صفٌ واحدٌ في الركعتين.
الوجه الثاني: إذا كان العدو في غير جهة القبلة، أو في جهتها نصًّا
(4)
ولم يروهم، أو رأوهم وأحبوا فعلها كذلك جعل طائفة حذاء العدو تكفيهم وهي مؤتمّةٌ في كل صلاته تسجد معه؛ لسهوه لا/ [51/ أ] لسهوهم، وطائفةٌ تصلّي معه ركعةً، وهي مؤتمةٌ فيها فقط تسجد؛ لسهوه فيها إذا فرغت، وإذا فارقوه صاروا منفردين، فإذا قام منها واستتم قائمًا نوت مفارقته ولا يجوز
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 125، والمبدع 2/ 132، والإنصاف 2/ 347، ومنتهى الإرادات 1/ 89.
(2)
أي الصف الذي حرس. ينظر: ومنتهى الإرادات 1/ 89.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 318، والشرح الكبير 2/ 127، والفروع 3/ 116.
(4)
ينظر: المغني 2/ 298، والعدةص 112، والمحرر 1/ 138، ومنتهى الإرادات 1/ 90.
قبله، وأتمت لأنفسها أخرى بالحمد وسورة، ثم تشهدَّت وسلَّمت ومضت تحرس، وثبت قائمًا يطيل قراءته حتى تحضر الأُخرى فتصلّي معه الثانية، يقرأ إذا جاؤوا الفاتحة وسورة إن لم يكن قرأ، فإن كان قرأ، قرأ بقدرهما، ولا يؤخر القراءة إلى مجيئها، ويكفي إدراكها لركوعها، ويكون الإمام ترك المستحب، فإذا جلس للتشهد أتمّت لأنفسها أخرى، ويكرر الإمام التشهد
حتى تفرغ، فإذا تشهدت سلم بهم، وهذه صفة صلاته صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع
(1)
، واختارها الإمام وأصحابه
(2)
.
وإن كانت الصلاة مغربًا، صلّى بالأولى ركعتين، وبالثانية ركعة، ويصح عكسها نصًّا
(3)
، وإن كانت رباعية غير مقصورة، صلّى بكل طائفةٍ ركعتين، ولو صلّى بطائفةٍ ركعةً، وبالأخرى ثلاثًا صح، وتفارقه الأولى في المغرب، والرباعية عند فراغ التشهد، وينتظر الإمام الطائفة الثانية جالسًا، يكرر التشهد، فإذا أتت قام وتتم الأُولى بالحمد لله في كل ركعةٍ، والأُخرى تتم بالحمد لله، وسورة
(4)
.
وإن فرقهم أربعًا فصلّى بكل طائفةٍ ركعةً صحت صلاة الأولين،
(1)
سميت بذات الرقاع: لما لفوا على أرجلهم من الخرق.
وقيل: سميت باسم جبل بقع في ذلك المكان.
وقيل: سميت باسم شجرة، وقيل: سميت بذلك؛ لأن خيلهم فيها سواد، وبياض.
وقيل: لأنهم رقعوا فيها راياتهم. وقعت في السنة الرابعة من الهجرة، ينظر: معجم ما استعجم 2/ 664، ومعجم البلدان 3/ 56، ومراصد الإطلاع 2/ 625، وكشاف القناع 2/ 12.
(2)
ينظر: الكافي 1/ 316، والشرح الكبير 2/ 128، وشرح الزركشي 2/ 242.
(3)
ينظر: المبدع 2/ 136، والإنصاف 2/ 352، ومنتهى الإرادات 1/ 90.
(4)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 90.
وبطلت صلاة الإمام والآخرين، إن علمتا بطلان صلاته، فإن جهلتاه والإمام صحت كحدثه
(1)
.
الوجه الثالث: أن يصلّي بطائفة ركعة، ثم تمضي إلى العدو، ثم بالثانية ركعةً، ثم تمضي ويسلم وحده، ثم تأتي الأولى فتتم صلاتها بقراءة، ثم تأتي الأخرى فتتم صلاتها بقراءة، ولو قضت الثانية ركعتها وقت مفارقة/ [51/ ب] إمامها وسلّمت، ثم مضت وأتت الأُولى فأتمت صح، وهو أَولى
(2)
.
الوجه الرابع: أن يصلي بكل طائفةٍ صلاةً ويسلم بها
(3)
.
الوجه الخامس: ونصّ عليه أن يصلّي الرباعية المقصورة تامة، ويصلّي معه كل طائفةٍ ركعتين بلا قضاء فتكون له تامة، ولهم مقصورة
(4)
.
ولو قصر الجائز قصرُها، وصلّى بكل طائفةٍ ركعة بلا قضاء صح، في ظاهر كلامه، واختاره الْمُوَفَّق
(5)
، وقدمه في الفروع
(6)
، والرعاية
(7)
، ومختصر ابن تميم
(8)
، ومجمع البحرين، والفائق
(9)
، وغيرهم وهو الوجه
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 135، والفروع 2/ 122، والمبدع 2/ 137.
(2)
ينظر: المبدع 2/ 138، والإنصاف 2/ 354، والإقناع 1/ 187، ومنتهى الإرادات 1/ 91.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 139، والشرح الكبير 2/ 136، والفروع 3/ 125، ومنتهى الإرادات 1/ 91.
(4)
ينظر: المبدع 2/ 139، والإنصاف 2/ 355، والإقناع 1/ 187، ومنتهى الإرادات 1/ 91.
(5)
ينظر: المغني 2/ 308.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 127.
(7)
ينظر: الرعاية الصغرى 1/ 117.
(8)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 384.
(9)
نقل عنهم صاحب الإنصاف 2/ 356.
السادس، والمذهب خلافه، وعليه الأكثر
(1)
.
وتصلّى الجمعة في الخوف حضرًا، بشرط كون كل طائفةٍ أربعين فأكثر، فيصلّي بطائفةٍ ركعة بعد حضورها الخطبة.
فإن أحرم بالتي لم تحضرهالم يصح، وتقضي كل طائفةٍ ركعة بلا جهر، ويصلّي الاستسقاء ضرورة كالمكتوبة، والكسوف، والعيد آكد منه فيصليهما.
ويستحب له حمل سلاحٍ يدفع به عن نفسه، ولا يثقله كسيفٍ، وسكين ونحوهما، مالم يمنعه إكمالها كَمِغْفَر
(2)
، أو يؤذي غيره كريحٍ إذا كان متوسطًا فيكره، ويجوز حمل نجس في هذه الحالة؛ للحاجة، ولا إعادة
(3)
.
فصل
وإذا اشتد الخوف صلّوا وجوبًا، ولا يؤخرونها رجالاً، وركبانًا إلى القبلة وغيرها، يومئون إيماءً على قدر الطاقة، وسجودهم أخفض من ركوعهم، وسواءٌ وجد قبلها، أو فيها ولو احتاج عملاً كثيرًا.
وتنعقد الجماعة نصًّا
(4)
، ويجب ويعتبر إمكان المتابعة، ولا يضر
(1)
ينظر: المبدع 2/ 140، والإنصاف 2/ 356. وقال في منتهى الإرادات 1/ 91: ومنعه الأكثر.
(2)
المغفر: درع ينسج على قدر الرأس، يلبس تحت القلنسوة. ينظر: السلاح ص 29، والصحاح 2/ 771، والمخصص 2/ 45.
(3)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 91.
(4)
ينظر: مختصر الخرقي ص 34، والمغني 2/ 309، والمبدع 2/ 142.
تأخر الإمام، ولا كرٌّ، ولا فرٌّ ونحوه؛ لمصلحة، ولا تلويث سلاحه بدمٍ، ولا يلزمهم افتتاحها إلى القبلة، ولو أمكنهم من هرب من عدوٍ هربًا مباحًا، أو من سيلٍ، أو سبعٍ ونحوه كنارٍ، أو من غريم ظالمٍ، أو خوفه على نفسه، وأهله، أو ماله، أو/ [52/ أ] ذَبِّه عنه، أو عن غيره، أو طالب عدوًا يخاف فوته، أو فوت وقت وقوفٍ بعرفة، ومن أمن في صلاة، أو خاف انتقل وبنى، ومن صلاها؛ لسوادٍ ظنه عدوًا فلم يكن، أو كان، وثم مانع أعاد، وإن بان يقصد غيره لم يعد
(1)
.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 135، والمبدع 2/ 137، والإنصاف 2/ 362، ومنتهى الإرادات 1/ 92.
باب صلاة الجمعة
سميت جمعةً؛ لجمعها الجماعات، وقيل: لجمعها الخلق الكثير
(1)
ولعلهما بمعنى
(2)
.
وهي صلاة مستقلة، وأفضل من الظهر.
وفرضت نصًّا
(3)
بمكة قبل الهجرة، وقطع به القاضي في خلافه.
واختار النووي بالمدينة، واختار أبو العباس
(4)
أنها فعلت بمكة على صفة الجواز، وفرضت بالمدينة.
وهي واجبة على كل مسلمٍ، مكلفٍ، ذكر، حرٍ، مستوطنٍ ببناء اسمه واحدٌ
(5)
ولو تفرقا يسيرًا، ليس بينه وبين موضع الجمعة أكثر من فرسخ
(1)
وقيل: لجمع طين آدم فيها، وقيل: لأن آدم جمع فيها خلقه، وقيل: لأنه جمع مع حواء في الأرض فيها، وفيه خبر مرفوع، وقيل: لما جمع فيها من الخير. قيل: أَوَّل من سماه يوم الجمعة كعب بن لؤي، واسمه القديم: يوم العروبة. ينظر: الفروع 3/ 133، وشرح منتهى الإرادات 1/ 308، ومطالب أولي النهى 1/ 754.
(2)
أي بمعنى واحد. لقرب مفهوم التسمية.
(3)
قال ابن رجب في فتح الباري 8/ 66: ممن اختار أن الجمعة فرضت بمكة قبل الهجرة: أبو حامد الإسفراييني من الشافعية، والقاضي أبو يعلى في خلافه الكبير من أصحابنا، وابن عقيل في عمد الأدلة، وكذلك ذكره طائفة من المالكية، منهم: السهيلي وغيره.
(4)
لم أجد هذا القول في كتب شيخ الإسلام المتوفرة لدي، وإنما نقل ذلك عنه كل من: الإقناع 1/ 189، وكشاف القناع 2/ 21، وكشف المخدرات 1/ 192، ومطالب أولي النهى 1/ 755، وحاشية الروض 2/ 418.
(5)
قال ابن المنذر في الإجماع ص 40: «وأجمعوا على أن الجمعة واجبة على الأحرار البالغين المقيمين الذي لا عذر لهم» .
تقريبًا إذا لم يكن عذرٌ، لأهل قرية خارج بلدها ينقصون عن أربعين.
ومن في خيامٍ ونحوها، ومسافرٍ دون قصر نصًّا
(1)
فتلزمهم بغيرهم.
ولا تجب على مسافرٍ سفر قصر، ومن دونه وبينه وبين موضعها أكثر من فرسخٍ.
فلو أقام مسافرٌ ما يمنع القصر ولولم ينو استيطان الشغل، أو علم ونحوه لزمته بغيره.
ولا يؤم فيها، ولا جمعة بمنى
(2)
، وعرفة نصًّا
(3)
، ولا عبد، ومعتق بعضه، ومكاتب
(4)
ونحوهم.
وهي أفضل في حقهم من الظهر؛ للخلاف في وجوبها عليهم، ولا امرأة، وخنثى ومن حضرها منهم أجزأته، ولم تنعقد به، فلا يحسب من العدد المعتبر، ولا يؤم فيها
(5)
.
(1)
ينظر: المغني 2/ 268، والشرح الكبير 2/ 144، والمبدع 2/ 146.
(2)
منى: مشعر من مشاعر الحج، وهي أقربها إلى مكة، سميت بذلك؛ لما يمنى بها من الدماء، أي: يراق، وقيل غير ذلك، وهي تقع بين جبلين مطلين عليها، وتمتد من جمرة العقبة، إلى وادي محسر، وفيها الجمرات الثلاث، ومسجد الخيف. ينظر: معجم البلدان 5/ 198.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 137، والإقناع 1/ 190، وكشاف القناع 2/ 23.
(4)
المكاتب بفتح التاء: العبد الذي اشترى نفسه من سيده بمال مؤجل، إلى أوقات معلومة. ينظر: المغني 6/ 415، والشرح الكبير 7/ 241، وشرح منتهى الإرادات 2/ 568.
(5)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 267:
ولا يؤم العبد والمسافر
…
في جمعة دليله فظاهر
لا فرق أن كان كمال العدد
…
بغيره أو لم يكن في مقصدي
ومن سقطت عنه؛ لعذرٍ كمرضٍ، وخوفٍ ونحوهما غير سفرٍ إذا حضرها وجبت عليه، وانعقدت به، وأمَّ فيها.
ومن صلّى الظهر ممن يجب عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام، لم تصح صلاته، والأَفضل لمن لا تجب عليه التأخير،/ [52/ ب] حتى يصلّي الإمام، فإن صلّوا قبله صحت، ولو زال العذر ولا إعادة، إلا الصبي إذا بلغ فلا يسقط فرضه.
ولا يجوز لمن تلزمه الجمعة، السفر في يومها بعد الزوال حتى يصلّي، إلا أن يخاف فوت رفقته وتقدم
(1)
.
ويجوز قبله مع الكراهة، وعنه
(2)
لا يجوز بعد الفجر، إن لم يأت بها في طريقه مطلقًا، ويشترط لصحة الجمعة أربعة شروطٍ:
أحدها: الوقت فلا تصح قبله، وأَوَّله أَوَّل وقت صلاة العيد نصًّا
(3)
كما سيأتي
(4)
.
وتفعل فيه جوازًا ورخصةً، وتجب بالزوال، وفعلها بعده أفضل، وآخره آخر وقت الظهر، وإن خرج وقتها قبل فعلها امتنعت الجمعة، وصلّوا ظهرًا.
(1)
في فصل في الموقف. لوح رقم (47/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [278].
(2)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 162، والفروع 3/ 145، والمبدع 2/ 149، والإنصاف 2/ 373.
(3)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 262:
لجمعة وقت الوجوب يدخل
…
إذ ترتفع شمس كعيد نقلوا
(4)
في باب صلاة العيدين. لوح رقم (56/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [306].
وإن خرج وقد صلّوا ركعة أتموا جمعةً، وإن خرج قبل ركعةٍ بعد التحريمة أتموا جمعةً نصًّا
(1)
.
وعنه
(2)
لا فيستأنفونها ظهرًا
(3)
.
الثاني: أن يكون بقرية مبنيةٍ بما جرت العادة بالبناء به من حجرٍ، أو طينٍ، أو قصبٍ مجتمعة البناء بما جرت به العادة، يستوطنها أربعون بالإمام من أهل وجوبها، استيطان إقامةٍ لا يَظْعَنُونَ
(4)
عنها صيفًا، ولا شتاءً
(5)
.
فلا تصح من مستوطنٍ بغير بناءٍ، كبيوت الشعر، والخَرَاكِي
(6)
، ولا في بلدٍ يسكنها أهلها بعض السنة دون بعضٍ، أو بلدٍ فيها دون العدد المعتبر، أو متفرقةً بما لم تجر به العادة، بل تفرقًا يسيرًا إذا اشتملها اسم واحد.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 167، والمبدع 2/ 152، والإنصاف 2/ 376، ومنتهى الإرادات 1/ 94.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 167، والمبدع 2/ 152، والإنصاف 2/ 376.
(3)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 266:
إن خرج الوقت وهو في الجمعه
…
صحت ولو قبل كمال الركعه
وعنه بل بدونها لا تدرك
…
والخرقي والشيخ هذا سلكوا
(4)
أي لا يرحلون عنها. ينظر: دليل الطالب ص 56، وكشاف القناع 2/ 27، ومطالب أولي النهى 1/ 764.
(5)
ينظر: الكافي 1/ 325، والعدة ص 113، والشرح الكبير 2/ 170.
(6)
جمع: مفردها خركاة، كانت تطلق في أَوَّل الأمر بالعموم على المحل الواسع، وبالأخص على الخيمة الكبيرة التي يتخذها أمراء الأكراد، والأعراب، والتركمان مسكنا لهم، وكان التركمان يصنعونها من اللبد، ثم أطلقت على سرادق الملوك، والوزراء. ينظر: معجم الألفاظ الفارسية المعربة ص 53، والفروع 3/ 136.
وتصح فيما قارب البنيان من الصحراء ولو بلا عذرٍ، لا فيما بعد، ولا يتمم عددٌ من مكانين متقاربين، ولا يصح تجميع كامل في ناقص مع القرب الموجب للسعي، والأَولى مع تتمة العدد فيهما تجميع كل قومٍ، وإن جمعوا في مكانٍ واحدٍ فلا بأس
(1)
.
الثالث:/ [53/ أ] حضور أربعين من أهل القرية، ولو كان بعضهم خُرسًا، أو صُمًا فلا تنعقد بأقل منهم، فإن قَرُب الأصم، وبَعُد من يسمع لم تصح على الأصح.
فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهرًا نصًّا
(2)
إن لم يمكن فعل الجمعة مرةً أخرى، وإن نقصوا وبقي العدد المعتبر أتموا جمعةً، سواء سمعوا الخطبة، أو لحقوهم قبل نقصهم.
وإن أدرك مسبوقٌ مع الإمام منها أقل من ركعة أتمها ظهرًا إذا كان قد نوى الظهر ودخل وقتها، وإلا انعقدت نفلاً.
ومن أحرم مع الإمام، ثم زحم عن السجود، أو نسيه، ثم ذكر لزمه السجود على ظهر إنسانٍ، أو رجله، فإن لم يمكنه سجد إذا زال الازدحام، وكذا لو تخلف؛ لمرضٍ، أو نومٍ، أو نسيانٍ ونحوه، فإن غلب على ظنه فوات الثانية تابع إمامه في ثانيته، وصارت أُولاه وأتمها جمعةً، فإن لم يتابعه عالمًا بتحريم ذلك بطلت صلاته.
وإن جهله وسجد، ثم أدرك الإمام في التشهد أتى بركعةٍ أخرى بعد
(1)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 94.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 177، والمبدع 2/ 155، والإنصاف 2/ 379.
سلامه، وصحت جمعته، فإن لم يدركه حتى سلم، استأنف ظهرًا، سواء زحم عن سجودها، أو ركوعها، أو عنهما، وإن غلب على ظنه الفوت فتابع إمامه فيها ثم طول، أو غلب على ظنه عدم الفوت فسجد فبادر الإمام فركع لم يضره فيهما، ولو زال عذر من أدرك ركوع الأولى وقد رفع إمامه من ركوع الثانية، تابعه في السجود فتتم له ركعة ملفقة من ركعتي إمامه، يدرك به الجمعة
(1)
.
الرابع: أن يتقدمها خُطبتان بعد دخول الوقت من مكلفٍ، وهما بدل من ركعتين نصًّا
(2)
، ولا بأس بقراءتهما من صَحِيفة، لمن لا يحسنهما كقراءةٍ من مُصحف.
من شرط صحتهما حمد الله تعالى بلفظ الحمد لله، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقراءة آيةٍ ولو من جنب مع تحريمها، والوصية بتقوى الله تعالى، وموالاته/ [53/ ب] بينهما مع أجزائهما وبين الصلاة، ولهذا يستحب قرب المنبر من المحراب؛ لئلا يَطول الفصل بينهما وبين الخطبة، فيستحب البداءة بالحمد، ثم بالصلاة، ثم بالموعظة، فإن نَكَّس أجزأه.
والنية، ورفع الصوت بحيث يسمع العدد المعتبر إن لم يعرض مانع، فإن لم يسمعوا؛ لخفض صوته، أو بعده لم يصح، وإن كان؛ لنومٍ، أو غفلةٍ، أو مطرٍ، ونحوه صحت.
(1)
ينظر: الفروع 2/ 449، والإنصاف 2/ 239، والإقناع 1/ 164، ومطالب أولي النهى 1/ 635.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 164، والإنصاف 2/ 387، ومنتهى الإرادات 1/ 94، وكشاف القناع 2/ 31.
وإن كانوا كلهم طُرْشًا
(1)
، أو عُجْمًا، وهو سميع عربي لا يفهمون قوله صحت، وقاله المجد
(2)
في الصُّم.
وإن نقصوا عن العدد وعادوا وكثر التفريق عرفًا، أو فات ركنٌ منها استأنفوا.
ولا تصح الخطبة بغير العربية مع القدرة على الأصح، كقراءة، وتصح مع العجز قولاً واحدًا
(3)
، وحضور العدد، وسائر شروط الجمعة؛ للقدر الواجب منها، وتبطل بكلام محرمٍ ولو يسيرًا، ولا تشترط لهما الطهارتان بل يستحب، ولا ستر عورةٍ، وإزالة نجاسةٍ، ولا أن يتولاهما من يتولى الصلاة بل يستحب، ولا حضور النائب الخطبة، ولا أن يتولى الخطبتين واحدٌ.
ويستحب أن يخطب على منبرٍ، أو موضعٍ عالٍ، ويكون المنبر على يمين القبلة، وأن يسلِّم على المأمومين إذا خرج عليهم كما إذا أقبل عليهم وردوا عليه، ورد هذا السلام، وكل سلامٍ مشروع فرض كفايةٍ على المُسَلَّم عليهم.
وقيل: سنة
(4)
كابتدائه، ثم يجلس إلى فراغ الأذان، وأن يجلس بين الخطبتين جلسةً خفيفةً، فإن أبى، أو خطب جالسًا فصل بسكتة، ويخطب قائمًا، ويعتمد على سيفٍ
(5)
، أو قوس، أو عصا بإحدى يديه، فإن لم يكن
(1)
الأطرش: الْأَصَم. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 8/ 16، ولسان العرب 6/ 311، وتاج العروس 17/ 243.
(2)
ينظر: المحرر 1/ 146.
(3)
ينظر: الإنصاف 2/ 387، والإقناع 1/ 194، وشرح منتهى الإرادات 1/ 316.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 176، والإنصاف 2/ 396، والإقناع 1/ 194.
(5)
قال ابن القيم في زاد المعاد 1/ 182: «
…
ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف، وكثير من الجهلة يظن أنه كان يمسك السيف على المنبر، إشارة إلى أن الدِّين إنما قام بالسيف، وهذا جهل قبيح من وجهين:
أحدهما: أن المحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم توكأ على العصا، وعلى القوس.
الثاني: أن الدِّين إنما قام بالوحي، وأما السيف فلمحق أهل الضلال، والشرك، ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يخطب فيها إنما فتحت بالقرآن، ولم تفتح بالسيف .. »
أمسك شماله بيمينه، أو أرسلهما عند جنبيه، ويقصد/ [54/ أ] تلقاء وجهه، وأن يقصر الخطبة، والثانية أقصر، وَيُعْرِبُهُمَا
(1)
بلا تمطط، ويستقبلهم نصًّا
(2)
وينحرفون إليه، وإن استدبرهم فيها صح، ويدعو للمسلمين، ولا بأس به لمعينٍ حتى للسلطان.
ويكره أن يسند الإنسان ظهره إلى القبلة، ولا بأس بِالْحُبْوَةِ نصًّا
(3)
، وبِالْقُرْفُصَاءِ وهي الجلوس على أليتيه، رافعًا ركبتيه إلى صدره
(4)
، مفضيًا بأخمص قدميه إلى الأرض، وكان الإمام أحمد رحمه الله يقصد هذه الجلسة، ولا جلسة أخشع منها
(5)
.
ولا يشترط لصحتها إذن الإمام.
(1)
أي: يكون كلامه بينا فصيحا. ينظر: تهذيب اللغة 2/ 219، ولسان العرب 1/ 588، مادة (عرب).
(2)
ينظر: الفروع 3/ 177، والمبدع 2/ 165، ومنتهى الإرادات 1/ 95.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 179، والمبدع 2/ 178. والاحتباء: جلوس الإنسان على إليتيه ونصب ساقيه، وربط ظهرهُ وساقيهِ بثوب. ينظر: مجمل اللغة لابن فارس ص 262، والمحكم والمحيط الأعظم 4/ 26، والمخصص 1/ 400.
(4)
ينظر: فقه اللغة وسر العربية ص 141، وغريب الحديث للقاسم بن سلام 1/ 210، وتهذيب اللغة 9/ 288.
(5)
ينظر: الفروع 2/ 179، والإقناع 1/ 195، وكشاف القناع 2/ 37.
فصل
وصلاة الجمعة ركعتان يسن جهره فيهما بالقراءة في الأولى سورة الجمعة، وفي الثانية بالمنافقين، وفي فجر يومها بالسجدة في الأُولى، وهل أتى في الثانية، وتكره مداومتهما نصًّا
(1)
، ويكره في عشاء ليلتها سورة الجمعة زاد في الرعاية
(2)
والمنافقين.
ويجوز إقامتها في أكثر من موضعٍ؛ لحاجة كضيقٍ، وخوف من فتنة، وبعد ونحوه وكذا العيد، ويحرم لغيرها، وإذن إمامٍ فيها إذًا، فإن فعلوا فجمعة الإمام التي باشرها، أو أذن فيها هي الصحيحة، فإن استويا في الإذن، أو عدمه فالثانية المسبوقة بالإحرام باطلة مطلقًا
(3)
.
وإن وقعتا معًا بطلتا، وصلّوا جمعةً إن أمكن.
وإن جهلت الأولى، أو جهل الحال صلوا ظهرًا، وإذا وقع عيدٌ يوم جمعةٍ فصلوا العيد، والظهر جاز، وسقطت الجمعة عمن حضر العيد إسقاط حضورٍ، لا وجوبٍ، كمريضٍ ونحوه، لا كمسافرٍ ونحوه، والأفضل حضورهما، إلا الإمام فلا تسقط عنه
(4)
فإن اجتمع معه العدد المعتبر أقامها،
(1)
ينظر: المغني 2/ 271، والشرح الكبير 2/ 189، ومنتهى الإرادات 1/ 95.
(2)
لم أجده في الرعاية الصغرى ولعله في الكبرى. ونقل ذلك صاحب الفروع 3/ 190، والإنصاف 2/ 400، ومطالب أولي النهى 1/ 779.
(3)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 95.
(4)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 264:
والعيد والجمعة إن قد جمعا
…
فتسقط الجمعة نصًّا سمعا
عمن أتى بالعيد لا يستثنى
…
سوى الإمام في أصح المعنى
وإلا/ [54/ ب] صلّوا ظهرًا.
وعنه
(1)
لا تسقط أيضًا عن العدد المعتبر فتكون فرض كفايةٍ، فيجب أن يحضر معه من تنعقد به، فإن لم يحضروا حرم وصلّوا ظهرًا، ويسقط العيد بالجمعة فعلت قبل الزوال، أو بعده، فإن فعلت بعد الزوال اعتبر العزم على الجمعة؛ لترك صلاة العيد.
وقال الشيخ وغيره: يسقط إن عجلت قبل الزوال فتجزئ عن العيد
(2)
.
ويسن أن يفصل بينها، وبين الجمعة بكلامٍ، أو انتقالٍ ونحوه، وليس قبلها سنةٌ راتبةٌ نصًّا
(3)
، بل يستحب أربع.
فصل
قد تقدم
(4)
استحباب الغُسل للجمعة في يومها
(5)
؛ لحاضرها وليس بشرطٍ، ولو قيل: بوجوبه روايةً واحدةً
(6)
، ووقته بعد طلوع الفجر، ولو
(1)
ينظر: الفروع 3/ 195، والمبدع 2/ 170، والإنصاف 2/ 404.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 195، والمبدع 2/ 171، والإنصاف 2/ 405.
(3)
ينظر: المغني 2/ 270، والشرح الكبير 2/ 197، والإنصاف 2/ 406.
(4)
في باب ما يوجب الغسل وما يسن له وصفته. لوح رقم (12/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [137].
(5)
قال في المغني 2/ 256: «وليس ذلك بواجب في قول أكثر أهل العلم. قال الترمذي: العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم. وهو قول الأوزاعي، والثوري، ومالك، والشافعي، وابن المنذر وأصحاب الرأي، وقيل: إن هذا إجماع» .
قال ابن عبد البر: أجمع علماء المسلمين قديما وحديثا على أن غسل الجمعة ليس بفرض واجب. ينظر: طرح التثريب 3/ 161.
(6)
ينظر: المبدع 1/ 162، وقال ابن قاسم في حاشية الروض 2/ 470: «وحكى الترمذي وغيره، أنه ليس بواجب عند الصحابة، ومن بعدهم، وعن أحمد وغيره، أنه واجب، ووجوبه أقوى من وجوب الوتر، وأوجبه الشيخ على من له عرق، أو ريح،
…
قوله صلى الله عليه وسلم واجب، محمول على تأكيد الاستحباب، كما يقال: حقك علي واجب، جمعا بين الأدلة، ويرشحه قرنه بالسواك، والطيب، وهما غير واجبين إجماعا».
أحدث بعده لم يؤثر فيه نصًّا
(1)
والأفضل فعله عند مضيه إليها مسبوقًا بجماعٍ نصًّا
(2)
إن كان له أهلٌ.
ويستحب أن يتنظف لها بقص شاربه، وقلم أظفاره، وقطع الروائح، ويتطيب بما يقدر عليه ولو من طيب أهله، وأن يلبس أحسن ثيابه، وأفضلها البياض.
ويبكر إليها بعد طلوع الفجر ماشيًا إن لم يكن عذرٌ، فإن كان، فلا بأس بركوبه ذهابًا، وإيابًا
(3)
.
ويجب السعي بالنداء الثاني بين يدي الخطيب، والأفضل من مؤذنٍ واحدٍ، ولا بأس بالزيادة إلا من بعد منزله، ففي وقتٍ يدركها
(4)
، إذا علم حضور العدد على أحسن هيئةٍ بسكينةٍ، ووقارٍ مع خشوعٍ، ويدنو من الإمام، ويستقبل القبلة، ويشتغل بالصلاة إلى خروج الإمام، فإن خرج خففها
(5)
.
(1)
ينظر: المغني 2/ 275، والشرح الكبير 2/ 200.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 198، والمبدع 2/ 172، والإنصاف 2/ 407.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 203، والمبدع 2/ 173، والإنصاف 2/ 408، ومنتهى الإرادات 1/ 96.
(4)
قال ابن قدامة في المغني 2/ 220: «فأما من كان منزله بعيدا، لا يدرك الجمعة بالسعي وقت النداء، فعليه السعي في الوقت الذي يكون به مدركا للجمعة؛ لأن الجمعة واجبة، والسعي قبل النداء من ضرورة إدراكها، وما لا يتم الواجب إلا به واجب» .
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 197، ومنتهى الإرادات 1/ 96.
ولو نوى أربعًا صلّى ركعتين، ويحرم ابتداء نافلةٍ إذًا، غير تحية مسجدٍ، وقطع كثير بجلوسه على المنبر، وكذا بالذكر، وأفضله قراءة القرآن، ويقرأ سورة الكهف في يومها،/ [55/ أ] ويكثر الدعاء، وأفضله بعد العصر.
قال أحمد رحمه الله: «أكثر الأحاديث في الساعة التي ترجى فيها الإجابة أنها بعد صلاة العصر»
(1)
، وكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ويكره أن يتخطى رقاب الناس، إلا أن يكون إمامًا فلا؛ للحاجة، أو يرى فرجةً لا يصل إليها إلا به.
ويحرم أن يقيم غيره فيجلس مكانه، ولو عبده، أو ولده، أو من عادته الصلاة فيه، إلا الصغير، وقواعد المذهب تقتضي عدم الصحة، إلا من جلس بموضعٍ يحفظه له بإذنه، أو دونه، ويكره إيثاره بمكانه الأفضل كالصف الأَوَّل ونحوه لا قبوله، فلو آثر زيدًا فسبقه إليه عمرو حرم، قاله الْمُوَفَّق
(2)
، وجماعة.
وإن وجد مصلّى مفروشًا فليس له رفعه.
قال في الفائق: مالم تحضر الصلاة.
قال المنُقِّح
(3)
: وهو مرادهم ولا الجلوس ولا الصلاة عليه.
ومن قام من موضعه؛ لعارضٍ لحقه، ثم عاد إليه فهو أحق به، فإن لم
(1)
ينظر: الفروع 3/ 160، والمبدع 2/ 174، والإنصاف 2/ 409.
(2)
انظر المغني 2/ 260، ومنتهى الإرادات 1/ 96.
(3)
ينظر: التنقيح ص 119.
يصل إليه إلا بالتخطي، فكما سبق.
ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يركع ركعتين موجزة تحية المسجد إن كان في مسجدٍ، وإلا فلا، ولا تجوز الزيادة عليهما، فتسن لكل داخلٍ مسجدًا غير خطيبٍ دخل لها، وداخله؛ لصلاة عيدٍ، أو والإمام في مكتوبةٍ، أو بعد الشروع في الإقامة، وداخل المسجد الحرام، وقيّمه؛ لتكرار دخوله قاله ابن عقيل
(1)
.
وتجزئ راتبةٌ ولو فائتة إن قلنا تقضى، وفريضة ولو فائتة عنها، وإن نوى التحية والفرض فظاهر كلامهم حصولهما، قاله في الفروع
(2)
.
وإن جلس قبل فعلهما، قام فأتى بهما إن لم يطل الفصل صرح/ [55/ ب] به المجد في شرحه.
وقال الشيخ
(3)
، وجمع
(4)
: إن لم تفته معه تكبيرة الإحرام، وتقدم إذا دخله وهو يؤذن، ويحرم الكلام فيهما والإمام يخطب، إن كان منه بحيث يسمعه، إلا له، أو لمن كلمه؛ لمصلحةٍ، ولا بأس به قبلهما، وبعدهما نصًّا
(5)
، وبين الخطبتين إذا سكت، وتسكيت من تكلم بإشارةٍ.
ويجب؛ لتحذير ضريرٍ، وغافلٍ عن بئرٍ، وهلكةٍ ونحوه
(6)
، ويباح إذا
(1)
نقل عنه صاحب الفروع 2/ 182.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 182.
(3)
ينظر: المغني 2/ 237.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 181، والمبدع 2/ 177.
(5)
ينظر: المحرر 1/ 152، والنكت والفوائد السنية 1/ 152.
(6)
ينظر: الإقناع 1/ 198، وكشاف القناع 2/ 47، ومطالب أولي النهى 1/ 789.
شرع في الدُّعاء مطلقًا، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نصًّا
(1)
سرًا كالدعاء، وتأمينه عليه، وحمده خفية إذا عطس نصًّا
(2)
، وتشميت عاطسٍ، ورد سلامٍ، وإشارة أخرس مفهومة كلام.
ولا يتصدق على سائلٍ وقت الخطبة، ولا يناوله، فإن سأل قبلها، ثم جلس لها جاز نصًّا
(3)
، وله الصدقة على من لم يسأل، أو على من سألها الإمام له.
ويكره العبث، والشرب والإمام يخطب إن سمعها، وإلا فلا، نصًّا
(4)
فيهما.
ولا بأس بالشرب اليسير إن اشتد عطشه، ومن نعس يسن انتقاله من مجلسه، إن لم يتخط.
(1)
ينظر: الإنصاف 2/ 418، والإقناع 1/ 199، ومنتهى الإرادات 1/ 97، وكشف المخدرات 1/ 200.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 184، والإنصاف 2/ 418، ومنتهى الإرادات 1/ 97.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 337، والفروع 3/ 187، والمبدع 2/ 179.
(4)
ينظر: المغني 2/ 241، والشرح الكبير 2/ 221، والفروع 3/ 188.
باب صلاة العيدين
(1)
الفطر، والأضحى
واحدهما عيدٌ سمّي به؛ لأنه يعود ويتكرر لأوقاته، وهي فرض كفايةٍ
(2)
إن اتفق أهل بلدٍ على تركها قاتلهم الإمام، ويكره انصراف من حضر وتركها.
ووقتها من ارتفاع الشمس، إلى زوالها، فإن لم يعلم به إلا بعد الزوال، أو أخروها لغير عذرٍ، خرج من الغد فيصلّي بهم قضاءً، ولو أمكن في يومها، وكذا لو مضى أيام
(3)
.
ويسن تقديم صلاة الأضحى بحيث يوافق من بمنى في ذبحهم نصًّا
(4)
، وتأخير صلاة الفطر، والأكل في الفطر قبل الخروج إليها تمراتٍ وترًا، والإمساك في الأضحى حتى يصلّي؛ ليأكل من أضحيته، والأولى من
(1)
العيد لغة: ما اعتادك أي تردد عليك مرة بعد أخرى، وسمي العيد عيدا؛ لأنه يعود ويتكرر لأوقاته، وقيل: لأنه يعود بالفرح والسرور، وقيل: تفاؤلا بعوده، كما سميت القافلة قافلة في ابتداء خروجها، تفاؤلا بقفولها سالمة أي رجوعها. ينظر: شرح الزركشي 2/ 213، والمبدع 2/ 180، وكشاف القناع 2/ 49. وينظر: تهذيب اللغة 3/ 58، ولسان العرب 3/ 319.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 268:
فرض على الكفاية الصلاة
…
للعيد قد أثبته الرواة
والحنفي قال فيها تجب
…
ومالك والشافعي تندب
(3)
ينظر: الفروع 3/ 210، والمبدع 2/ 181، ومنتهى الإرادات 1/ 97.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 200، والمبدع 2/ 182، والإنصاف 2/ 421، ومنتهى الإرادات 1/ 97.
كبدها إن كان يضحي، وإلا خيِّر نصًّا
(1)
.
والغُسل، وتبكير مأمومٍ إليها/ [56/ أ] بعد صلاة الصُبح
(2)
ماشيًا، إن لم يكن عذرٌ، ولا بأس بالركوب في العود نصًّا
(3)
، على أحسن هيئةٍ من لبسٍ، وتطيبٍ، وتنظيفٍ ونحوه، غير
معتكفٍ فإنه يخرج في ثياب اعتكافه نصًّا
(4)
، وإمامٌ يتأخر إلى الصلاة، والتوسعة على الأهل، والصدقة، وإذا غدا من طريقٍ، سنَّ رجوعه في أخرى، وكذا جمعةً نصًّا
(5)
.
ويشترط لوجوبها شروط الجمعة، ولصحتها استيطانٌ، وعدد جمعة، لا إذن إمامٍ فلا تقام إلا حيث تقام
(6)
.
وعنه
(7)
لا، جزم به في الكافي
(8)
وابن تميم
(9)
وغيرهما، ولعله أظهر.
(1)
ينظر: الإنصاف 2/ 421، ومنتهى الإرادات 1/ 97.
(2)
ليحصل له أجر التبكير، وانتظار الصلاة والدنو من الإمام من غير تخطي رقاب الناس، ولا أذى أحد. ينظر: المغني 2/ 277، والشرح الكبير 2/ 227.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 227.
(4)
ينظر: الكافي 1/ 340، والمحرر 1/ 162، والشرح الكبير 2/ 227، ومنتهى الإرادات 1/ 97.
(5)
ينظر: مختصر الخرقي ص 33، والكافي 1/ 340، والشرح الكبير 2/ 233، ومنتهى الإرادات 1/ 97.
(6)
أي: لا يقام العيد إلا حيث تقام الجمعة. ينظر: المغني 2/ 291، والشرح الكبير 2/ 234، والفروع 3/ 199.
(7)
ينظر: الفروع 3/ 199، والإنصاف 2/ 425.
(8)
ينظر: الكافي 1/ 339.
(9)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 7.
فيفعلها المسافر، والعبد، والمرأة، والمنفرد، وعلى الأَوَّل يفعلونها تبعًا، لكن يستحب أن يقضيها من فاتته كما يأتي
(1)
.
ولا بأس بحضورها النساء غير متطيباتٍ، ولا لابساتٍ ثوب زينةٍ، أو شهرةٍ، ويعتزلن الرجال.
وعنه
(2)
يكره لشابةٍ، ولعله أظهر.
ويسن في صحراء قريبةٍ عرفًا، ويستحب لإمامٍ أن يستخلف من يصلّي بضعفاء الناس نصًّا
(3)
، والأَولى ألا يصلوا قبل الإمام، وإن صلّوا قبله فلا بأس، وأيهما سبق سقط الفرض به، وجازت التضحية، وتكره في الجامع بلا عذر، إلا بمكة المشرفة فتسن في المسجد، ويبدأ بالصلاة قبل الخطبة، فلو خطب قبل الصلاةلم يعتد بها، فيصلّي ركعتين يكبر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام، والاستفتاح، وقبل التعوذ ستًا، وفي الثانية بعد قيامه من السجود، وقبل قراءتها خمسًا، ويرفع يديه مع كل تكبيرةٍ نصًّا
(4)
قائلاً بين كل تكبيرتين: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأَصيلاً، وصلّى الله على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
وإن أحب قال/ [56/ ب] غيره إذ ليس فيه ذكرٌ مؤقتٌ، ولا يأتي بعد التكبيرة الأخيرة في الركعتين بشيءٍ، وإن نسي التكبير، أو شيئًا منه حتى
(1)
في هذا الباب. لوح رقم (57/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [308].
(2)
ينظر: المبدع 2/ 67، والإنصاف 2/ 212.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 339، والشرح الكبير 2/ 235، والمبدع 2/ 185.
(4)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني ص 87، والكافي 1/ 341، وشرح الزركشي 2/ 223، ومنتهى الإرادات 1/ 98.
شرع في القراءةلم يعد إليه، وكذا إن أدرك الإمام قائمًا بعد التكبير الزائد، أو بعضه لم يأت به نصًّا
(1)
، ثم يقرأ في الأولى بعد الفاتحة بسبح، وفي الثانية بالغاشية
(2)
، ويجهر بالقراءة، وتكون بعد التكبير في الركعتين.
فإذا سلّم، خطبهم خطبتين يجلس بينهما، وبعد صعوده المنبر، وحكمهما كخطبة الجمعة حتى في الكلام، إلا التكبير مع الخاطب
(3)
.
ويسن أن يفتتح الأولى قائمًا بسبع تكبيراتٍ متوالياتٍ، والثانية بسبعٍ كذلك، يحثهم في خطبة فطرٍ على الصدقة، ويبين لهم ما يخرجون، ويرغبهم في الأضحية في الأضحى، ويبين لهم حكم الأضحية، والتكبيرات الزوائد، والذكر بينهما، والخطبتان سنَّة
(4)
.
ويكره التنفل في موضعها قبلها، وبعدها حتى فائتةً نصًّا
(5)
قبل مفارقته إمامًا كان، أو مأمومًا في صحراء فعلت، أو في مسجدٍ، ولا بأس به إذا خرج، أو فارقه ثم عاد إليه نصًّا
(6)
.
(1)
ينظر: الفروع 3/ 203، والمبدع 2/ 188.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 270:
قراءة الجمعة فاندب فيها
…
سورتها وسورة تليها
(3)
أي: فيجوز التكبير معه. ينظر: الفروع 3/ 204، والمبدع 2/ 189، والإقناع 1/ 201، ومنتهى الإرادات 1/ 98، وكشاف القناع 2/ 55.
(4)
ينظر: المغني 2/ 287، والعدة ص 123، والشرح الكبير 2/ 245، والمبدع 2/ 191، ومنتهى الإرادات 1/ 98.
(5)
ينظر: عمدة الفقه ص 31، والعدة ص 123، والمحرر 1/ 163، والمبدع 2/ 191، ومنتهى الإرادات 1/ 98.
(6)
ينظر: المحرر 1/ 163، والإقناع 1/ 201، وكشاف القناع 2/ 56.
ومن كبَّر قبل سلام الإمام صلّى ما فاته على صفته، ويكبر مسبوقٌ ولو بنومٍ، أو غفلةٍ في قضاءٍ بمذهبه لا بمذهب إمامه، وإن فاتته الصلاة سُنَّ قضاؤها، فإن أدركه في الخطبة جلس فسمعها، ثم صلاها متى شاء قبل الزوال، أو بعده على صفتها
(1)
.
وعنه
(2)
أربعًا بلا تكبيرٍ بسلامٍ واحدٍ، قال بعضهم
(3)
: كالظهر.
ويسن التكبير المطلق في العيدين، وإظهاره نصًّا
(4)
في المسجد والمنازل والطرق حضرًا وسفرًا في كل موضعٍ يجوز فيه ذكر الله تعالى، ويُسن رفع الصوت به لغير أنثى/ [57/ أ].
ويُسن في حق كل من كان من أهل الصلاة من مميزٍ، وبالغٍ حرًا، أو عبدًا، ذكرًا، أو أنثى من أهل القرى، والأمصار، ويتأكد من ابتداء ليلتي العيدين، وفي الخروج إليهما إلى فراغ الإمام من الخطبة فيهما ويقطع.
وفي الكافي
(5)
والغُنية وغيرهما يبقى إلى آخر أيام التشريق
(6)
، وهو
(1)
ينظر: الكافي 1/ 342، وعمدة الفقه ص 32، والمحرر 1/ 166، ومنتهى الإرادات 1/ 98.
(2)
ينظر: الكافي 1/ 342، والمحرر 1/ 166، والشرح الكبير 2/ 250.
(3)
هو فخر الدِّين ابن تيمية قال ذلك في كتابيه (البلغة، والتلخيص). ينظر: الإنصاف 2/ 433.
(4)
ينظر: المحرر 1/ 167، وشرح الزركشي 2/ 217، والمبدع 2/ 193، ومنتهى الإرادات 1/ 99.
(5)
ينظر: الكافي 1/ 343.
(6)
أيام التشريق: هي اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة، سميت بذلك؛ من تشريق اللحم؛ لأن لحوم الأضاحي، والهدي تشرق فيها، أي تنشر في الشمس. ينظر: المطلع ص 138، والقاموس الفقهي ص 194.
في الفطر آكد نصًّا
(1)
، ولا يقيد فيه بأدبار الصلوات، بل هو مطلقٌ في جميع الزمان المشروع فيه
(2)
.
وفي الأضحى من ابتداء عشر ذي الحجة، والمقيد فيه فيكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إن كان مُحِلاً، ومُحْرِم من صلاة الظهر يوم النحر، إلى العصر من آخر أيام التشريق فيهما، ومن لم يرمِ جمرة العقبة، كبَّر، ثم لّبى نصًّا
(3)
.
ومن كان عليه سجود سهوٍ أتى به، ثم كبَّر عقيب كل فريضةٍ في جماعةٍ، حتى مأموم تبعية إمامه، ومسبوقٌ بعد قضائه نصًّا
(4)
فيهما.
ومن قضى فائتةً من غير أيامها لا من أيامها فيها في عامه إلا بعد أيامها؛ لأنه سنة فات محلها، ويكبر المسبوق في قضاءه بمذهبه، لا بمذهب إمامه كبعد الفراغ.
ولا يكبر عقب نافلةٍ ولا من صلّى وحده، ويأتي به الإمام مستقبل الناس على الأشهر
(5)
.
(1)
ينظر: مختصر الخرقي ص 32، والمغني 2/ 273، والشرح الكبير 2/ 251، ومنتهى الإرادات 1/ 99.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 271:
تكبير تشريق فقل بالعصر
…
من آخر يقطع لا بالفجر
بخطبة الفطر كذاك يقطع
…
والجهر بالكسوف أيضًا يشرع
(3)
ينظر: الفروع 3/ 215، والمبدع 2/ 195.
(4)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 251، والمبدع 2/ 193، والإنصاف 2/ 436، ومنتهى الإرادات 1/ 99.
(5)
ينظر: الإنصاف 2/ 437، والإقناع 1/ 203، ودليل الطالب ص 60.
وقيل
(1)
: مستقبل القبلة كمأمومٍ، قال المنُقِّح
(2)
: وهو أظهر، واختاره جماعةٌ
(3)
وقدمه في الفروع وغيره، وأيام العشر الأيام المعلومات، وأيام التشريق الأيام المعدودات.
ومن نسي التكبير قضاه ولو بعد كلامه مكانه، فإن قام، أو ذهب عاد فجلس ثم كبَّر، وإن قضاه ماشيًا فلا بأس ما لم يحدث أو يخرج من المسجد إن لم يطل الفصل.
ولا يكبر عقب صلاة عيد الأضحى كالفطر.
وقيل
(4)
: بلى. قال المنُقِّح
(5)
: وهو أظهر.
وصفة التكبير شفعًا/ [57/ ب] الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد، مرةً واحدةً، وإن كرره ثلاثًا فحسن.
ولا بأس بقوله لغيره: تقبل الله منك ومنا، وتعريفه
(6)
عشية عرفة بالأمصار نصًّا
(7)
.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 255، وتجريد العناية ص 57.
(2)
ينظر: التنقيح ص 121.
(3)
قال في الإنصاف 2/ 437: «على ظاهر ما نقل ابن القاسم عنه وقدمه في الفروع، والرعاية الكبرى، والفائق، وتجريد العناية وابن رزين في شرحه واختاره أبو بكر، والمصنف، والشارح» .
(4)
ينظر: الإنصاف 2/ 440.
(5)
ينظر: التنقيح ص 121.
(6)
التعريف: هو اجتماع الناس عشية عرفة في المساجد، للذكر، والدُّعاء حتى غروب الشمس. وهو بدعة محدثة، وسئل الإمام أحمد فقيل له: تفعله أنت؟ قال: أما أنا فلا. ينظر: المغني 2/ 296، والفروع 3/ 216، والمبدع 2/ 196، والإنصاف 2/ 441، والبدع الحولية ص 370.
(7)
ينظر: المغني 2/ 296، والشرح الكبير 2/ 259، والفروع 3/ 216.
باب صلاة الكسوف
(1)
وهو ذهاب ضوء أحد النَّيرَين، أو بعضه
(2)
، وإذا كسف أحدهما فزعوا مما وقع، ومضوا إلى الصلاة جماعةً، وفرادى، وجماعةً في مسجدٍ أفضل، ولا يشترط لها إذن الإمام نصًّا
(3)
ولا الاستسقاء، ولا يشرع لها خطبةٌ.
ووقتها من حين الكسوف إلى التَّجلي، وإن فاتت لم تقض، ولا تعاد إن صليت ولم تنجلِ، بل يذكر الله تعالى، ويدعو
(4)
.
وينادى لها الصلاة جامعة، ثم يصلي ركعتين، يقرأ في الأولى بعد استفتاحٍ وتعوذٍ الفاتحة، وسورة طويلة نحو البقرة جهرًا، ثم يركع ركوعًا طويلاً.
قال جماعة
(5)
: نحو مئة آية، ثم يرفع فيسمع، ويحمد، ثم يقرأ
(1)
يقال: كَسَفَتْ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا، وَمِثْلُهُ خَسَفَتْ، وقيل: الكسوف مختص بالشمس، والخسوف بالقمر، وقيل: الكسوف في أوله، والخسوف في آخره، إذا اشتد ذهاب الضوء. ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 88، 89، والمبدع 2/ 196.
(2)
قال في الشرح الممتع 5/ 174: «والحقيقة أنه لا يذهب، وإنما ينحجب، ولهذا نقول: التعبير الدقيق للكسوف: انحجاب ضوء أحد النيرين، أي: الشمس، أو القمر بسبب غير معتاد» .
(3)
ينظر: المغني 2/ 312، والشرح الكبير 2/ 372، والمبدع 2/ 196، ومنتهى الإرادات 1/ 100.
(4)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 100.
(5)
الفاتحة ودون القراءة الأولى، ويطيل وهو دون القيام الأول، ثم يركع فيطيل، وهو دون الركوع الأول، نسبته إلى البقرة كنسبة الأَوَّل منها، ثم يرفع ولا يطيل فيه، ثم يسجد سجدتين طويلتين ولا يطيل الجلوس بينهما، ثم يقوم إلى الثانية، فيفعل مثل ذلك من الركوع وغيرهما، لكن يكون دون الأولى في كل ما يفعل فيها، ثم يتشهد، ويسلم، وإن تجلى الكسوف فيها أتمها خفيفةً، فإن تجلى قبلها، أو غابت
الشمس كاسفةً، أو طلعت، أو الفجر، والقمر خاسفٌ لم يصل، وإن غاب خاسفًا ليلاً
(1)
صلّى له.
وقيل
(2)
: لا، ولعله أظهر، ويعمل بالأصل في بقائه، وذهابه، وإن وقع في وقت نهيٍ، دعا وذكر بلا صلاة، وبعرفة صلّى، ثم دفع.
ويجوز فعلها على كل صفةٍ وردت، إن شاء أتى في/ [58/ أ] كل ركعةٍ بركوعين كما تقدم
(3)
وهو الأفضل، وإن شاء بثلاثٍ، أو أربعٍ، أو خمسٍ،
(1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مختصر الفتاوى المصرية ص 148: «أجرى الله تعالى العادة أن الشمس لا تنكسف إلا وقت الاستسرار، وأن القمر لا يخسف إلا وقت الإبدار، وللشمس والقمر ليال معتادة، من عرفها عرف الكسوف، والخسوف، كما أن من علم كم مضى من الشهر يعلم أن الهلال يطلع في الليلة الفلانية، لكن العلم بالهلال هو علم عام للناس، وأما علم الكسوف فهو لمن يعرف حساب جريانهما، وليس خبر الحاسب بذلك من باب علم الغيب، بل مثل العلم بأوقات الفصول، ومن قال من الفقهاء إن الشمس (تكسف) في غير وقت الاستسرار، فقد غلط، وقال ما ليس له به علم» .
(2)
ينظر: المحرر 1/ 171، والفروع 3/ 218، والمبدع 2/ 200.
(3)
في أَوَّل باب صلاة الكسوف في لوح رقم (58/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [311].
والركوع الثاني وما بعده سنة، ولا تدرك به الركعة، ويصح فعلها كنافلةٍ.
وإن اجتمع مع كسوفٍ، جنازةٌ قدمت، فتقدم على ما يقدم عليه، ولو مكتوبة ونصُّه على فجرٍ، وعصرٍ فقط
(1)
، وتقدم على جمعة إن أمن فوتها، أولم يشرع في خطبتها، وكذا على
عيدٍ
(2)
، أو مكتوبةٍ، إن أمن الفوات، وعلى وترٍ ولو خيف فوته، ومع تراويح وتعذر فعلها، تقدم التراويح
(3)
.
وقيل هو
(4)
، قال المنُقِّح
(5)
: وهو أظهر.
ولا يصلّى لشيءٍ من سائر الآيات كالصواعِق، والريح الشديدة، والظُّلمة بالنهار، والضباب بالليل ونحوه، إلا الزلزلة الدائمة.
(1)
ينظر: الفروع 3/ 359، والإنصاف 2/ 450.
(2)
سبق أن الشمس لا تنكسف إلا في وقت الاستسرار، قال شيخ الإسلام في مختصر الفتاوى المصرية ص 148:«وأما ما ذكره طائفة من الفقهاء من اجتماع صلاة العيد، والكسوف، فذكره في ضمن كلامهم فيما إذا اجتمع صلاة الكسوف وغيرها من الصور المفروضة، كما قد ذكروا اجتماع الوتر، والظهر، وذكروا العيد مع عدم استحضارهم هل ذلك ممكن، أم لا، لكن استفدنا من تقديرهم، العلم بالحكم فقط على تقدير وجوده، كما يقدرون مسائل يعلم أنها لا نفع؛ لتحرير القواعد، وتمرير الأذهان على ضبطها» .
قال الحجاوي في حاشيته على التنقيح ص 122: «وأما اجتماع الكسوف يوم العيد، وهو أَوَّل شوال، أو العاشر من ذي الحجة فمستحيل؛ لاستحالة اجتماع الجرمين في هذين اليومين» .
(3)
ينظر: الفروع 3/ 223، والإقناع 1/ 205، ومنتهى الإرادات 1/ 100، وكشاف القناع 2/ 65.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 223.
(5)
ينظر: التنقيح ص 122.
باب صلاة الاستسقاء
(1)
وهو الدُّعاء بطلب السقيا، على صفةٍ مخصوصة، تسن حضرًا، وسفرًا، فإذا أَجْدَبَت الأرض وهو ضد الخصب، وقحط المطر وهو احتباسه، لا عن أرضٍ غير مسكونةٍ، ولا مسلوكةٍ فزع الناس إلى الصلاة، حتى ولو كان القحط في غير أرضهم، أو غار ماء عيونٍ، وأنهار، أو نقص وضر ذلك، وصفتها في موضعها، وأحكامها صفة صلاة العيد
(2)
.
وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظَّ الناس، وأمرهم بالتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم
(3)
، وأداء الحقوق، والصيام، ولا يلزمهم بأمره، والصدقة، وترك التشاحن
(4)
، ويعدهم يومًا يخرجون فيه، ويتنظف لها، ولا يتطيب، ويخرج إلى المصلّى متواضعًا في ثياب بذلةٍ، مُتخشعًا، مُتذللاً، مُتضرعًا
(5)
.
ويستحب أن يخرج معه أهل الدِّين، والصلاح، والشيوخ، وكذا مميز
(1)
الاستسقاء: هو استفعال من السقيا، أي باب الصلاة لأجل الاستسقاء. ينظر: المطلع ص 130، والمبدع 2/ 203، وكشاف القناع 2/ 66.
(2)
ينظر: المبدع 2/ 203، والإنصاف 2/ 451، والإقناع 1/ 206.
(3)
وذلك واجب؛ لأن المعاصي سبب القحط، والتقوى سبب للبركات؛ ينظر: المبدع 2/ 204.
(4)
التشاحن: وهو تفاعل من الشحناء، وهي العداوة؛ لأنها تحمل على المعصية والبهت، وتمنع نزول الخير. ينظر: المبدع 2/ 205.
(5)
ينظر: المغني 2/ 319، والمحرر 1/ 176، والشرح الكبير 2/ 286.
الصبيان، ويباح خروج أطفالٍ، وعجائز،/ [58/ ب] وبهائمٍ، ويكره من النساء ذوات الهيئات، ويكره إخراج أهل الذمة
(1)
، وإن خرجوا لم يكره خروجهم، ولم يمنعوا وجهًا واحدًا، وأمروا بالانفراد عن المسلمين فيصلّي بهم كالعيد، ثم يخطب خطبةً واحدةً، مفتتحةً بالتكبير تسعًا
(2)
، ويكثر فيها الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم، والاستغفار، وقراءة الآيات التي فيها الأمر به كقوله تعالى {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}
(3)
ونحوه.
ويسن رفع يديه وقت دعاءٍ، ويكون ظهورهما نحو السماء، فيدعو قائمًا ويكثر منه، ويؤمن مأمومٌ ويرفع يديه جالسًا، وأي شيءٍ دعا به جاز، والأفضل بالوارد من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ومنه: اللهم اسقنا غَيثًا مُغيثًا، هَنيئًا مَريئًا
(4)
، غَدقًا
(5)
، مُجَلَّلاً
(6)
،
(1)
أهل الذمة: هم أهل العقد، والعهد، والأمان، والضمان. ينظر: المطلع ص 263.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في شرح المفردات 1/ 274:
وخطبة فرد في الاستسقاء
…
تشرع لاثنتين في الأداء
وهكذا التكبير في ابتدائها
…
يشرع كالعيد وفي أثنائها
(3)
سورة نوح: آية رقم 10، 11.
(4)
قال في المطلع ص 141: «الغيث: المطر، والمغيث المنقذ من الشدة، والهنيء: ممدودا مهموزا، هو الطيب المساغ الذي لا ينغصه شيء، ومعناه هنا: أنه منم للحيوان وغيره من غير ضرر ولا تعب، والمريء: ممدودا مهموزا أيضًا: المحمود العاقبة» .
(5)
الغدق: بفتح الدال، وكسرها، الماء الكثير الغامر، وقيل: كبار القطر.
ينظر: تهذيب اللغة 8/ 32، مقاييس اللغة 4/ 415، تحرير ألفاظ التنبيه ص 92، ومعجم لغة الفقهاء ص 329.
(6)
مجللا أي: يجلل الأرض بمائه، أو بنباته، وقيل: الذي يعم.
ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 289، ولسان العرب 11/ 118، وتاج العروس 28/ 229.
سَحًّا
(1)
، عامًا، طَبَقًا
(2)
دائمًا، نافعًا، عاجلاً غير آجل، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سُقيا رحمةٍ، ولا سُقيا عذابٍ، ولا بلاءٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، اللهم إن بالعباد، والبلاد من اللّأواء
(3)
، والجهد، والضَّنك، ما لا نشكّوه إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرّ لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنزل علينا من بركاتك، اللهم ارفع عنا الجوع، والجهد، والعُري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا
(4)
.
ويستحب أن يستقبل القبلة في أثناء الخطبة، ويحوِّل رداءه فيجعل ما
(1)
في المخطوط (ساحا) ولعل الصواب ما أثبت لأنه هو الوارد في الحديث. والسح: الكثير المطر، الشديد الوقع على الأرض، يقال: سح الماء يسح إذا سال من فوق إلى أسفل.
ينظر: غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 564، والزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 88.
(2)
الطبق: العام مالئا للأرض. ينظر: غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 364، وغريب الحديث لإبراهيم الحربي 2/ 862. تفسير غريب ما في الصحيحين 1/ 514.
(3)
اللأواء: الشدة، والبؤس، وضيق المعيشة. ينظر: جمهرة اللغة 1/ 246، ومجمل اللغة 1/ 800، ولسان العرب 15/ 238.
(4)
الوارد من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء قوله: ((اللهم اسقنا غيثا، هنيئا، مريئا، مريعا، غدقا، مجللا، عاما، طبقا، سحا، دائما، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إن بالعباد، والبلاد، والبهائم، والخلق من اللأواء، والجهد، والضنك ما لا يشكّو إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض، اللهم ارفع عنا الجهد، والجوع، والعري، واكشف عنا من البلاء، ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك، إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا)) أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار، كتاب الاستسقاء، باب الدُّعاء في الاستسقاء برقم (7210) 5/ 177. قال في البدر المنير 5/ 162
هذا الحديث ذكره الشافعي في «الأم» و «المختصر» ولم يوصل به إسناده، وكذلك قال في التلخيص الحبير 2/ 201.
على الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، ويفعل الناس كذلك، ويتركونه حتى ينزعوه مع ثيابهم، ويدعو سرًا حال استقباله
(1)
فيقول: اللهم إنك أمرتنا بدعائك/ [59/ أ] ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا، إنك لا تخلف الميعاد
(2)
.
فإذا فرغ من الدُّعاء استقبلهم، ثم حثهم على الصدقة، والخير، ويصلّي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمؤمنين، والمؤمنات، ويقرأ ما تيسر، ثم يقول: أستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين وقد تمت الخطبة.
فإن سُقوا، وإلا عادوا ثانيًا، وثالثًا، وإن سُقوا بعد خروجهم صلّوا، وكذا قبل الخروج وبعد التأهب، وإلا لم يخرجوا، وشكّروا الله تعالى وسألوه المزيد من فضله، وينادى لها: الصلاة جامعة، ولا يشترط لها إذن إمامٍ، ولا بأس بالتوسل بالصالحين
(3)
، ونصّه بالنبي صلى الله عليه وسلم
(4)
.
(1)
ليكون أقرب إلى الإخلاص، وأبلغ في الخشوع، والخضوع، والتضرع، وأسرع في الإجابة. ينظر: الشرح الكبير 2/ 295.
(2)
هذا الأثر أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار، كتاب الاستسقاء، باب السنة في الاستسقاء، برقم (7202) 5/ 174، بلفظ «اللهم إنك أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك، فقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا، اللهم إن كنت أوجبت إجابتك لأهل طاعتك وكنا قد قارفنا ما خالفنا فيه الذين محضوا طاعتك فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا، وإجابتنا في سقيانا وسعة رزقنا» .
(3)
المراد: التوسل بدعاء الصالحين؛ لأن التوسل بذواتهم غير مشروع، وقد استسقى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدعاء العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم. ينظر: فتاوى مهمة لعموم الأمة ص 90.
(4)
المراد: التوسل بالإيمان به، وطاعته، ومحبته، والصلاة والسلام عليه. ينظر: الفتاوى الكبرى 2/ 422، وفتح الله الحميد المجيد ص 427، والرد على شبهات المستعينين بغير الله ص 92.
وإن استسقوا عقب صلواتهم، أو في خطبة الجمعة أصابوا السنة
(1)
.
ويستحب أن يقف في أَوَّل المطر ويخرج رحله وثيابه؛ ليصيبها وهو الاستِمطَار، ويغتسل في الوادي إذا سال، ويتوضأ، وإذا زادت المياه فخيف منها استحب أن يقول: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظِّراب
(2)
، والآكام
(3)
، وبطون الأودية
(4)
، ومنابت الشجر
(5)
، ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به
…
الآية
(6)
.
ويستحب أن يقول: مطرنا بفضل الله، ورحمته، ويحرم بنوء كذا،
(7)
(1)
الاستسقاء المسنون على ثلاثة أضرب:
أحدها: الخروج إلى المصلّى، وقد تقدم وصفه، وهو أكملها.
الثاني: استسقاء الإمام يوم الجمعة في خطبتها، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم والحديث مخرج في الصحيحين من حديث أنس.
الثالث: أن يدعوا الله عقيب صلواتهم، وفي خلواتهم. ينظر: الإنصاف 2/ 460، والإقناع 1/ 208.
(2)
أي الروابي الصغار. ينظر: معجم ديوان الأدب 1/ 245، والزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 87، وتهذيب اللغة 14/ 270.
قال في الشرح الممتع 5/ 226: «وذلك؛ لأن المرتفع من الأرض يكون فيه النبات أسرع نموا؛ لأنه مرتفع قد تبين للشمس، والهواء فيكون أحسن» .
(3)
الآكام: جمع أكمة، وهي التل، وقيل: شرفة كالرابية، وهي ما اجتمع من الحجارة في مكان واحد. ينظر: تهذيب اللغة 10/ 222، ولسان العرب 12/ 21، والمصباح المنير 1/ 18.
(4)
أي الأمكنة المنخفضة. ينظر: الروض المربع ص 171.
(5)
الحديث بنصه: ((اللهم حوالينا، ولا علينا، اللهم على الآكام، والجبال، والآجام، والظراب، والأودية، ومنابت الشجر))، أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب الاستسقاء في المسجد الجامع، برقم (1013) 2/ 28.
(6)
سورة البقرة آية رقم (286).
(7)
يؤيد هذا الحديث المخرج في الصحيحين بلفظ: ((قال: أصبح من عبادي مؤمن بي، وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي، كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب)) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب قول الله تعالى:(وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) برقم (1038) 2/ 32، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء، برقم (71) 1/ 83.
وإضافة المطر إلى النوء دون الله تعالى اعتقادًا كفر إجماعًا
(1)
، ولا يكره في نوء كذا، ومن رأى سحابًا، أو هبت الريح سأل الله تعالى خيره، وتعوذ من شره
(2)
.
(1)
نقل الإجماع كل من صاحب المبدع 2/ 215، والإقناع 1/ 209.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 209، وشرح منتهى الإرادات 1/ 338، ومطالب أولي النهى 1/ 825.
كتاب الجنائز
(1)
بفتح الجيم: جمع جنازةٍ بالكسر، ترك الدواء أفضل نصًّا
(2)
، ولا يجب ولو ظن نفعه، ويحرم بمحرمٍ أكلاً، وشربًا، ولا بأس بكتب قرآن، وذكر/ [59/ ب] في إناءٍ، ثم يسقى فيه المريض.
ويستحب الإكثار من ذكر الموت، والاستعداد له، وعيادة المريض، ونصّه غير المبتدع من حين مرضه
(3)
، ولا يكثر الجلوس عنده، وتكره وسط النهار نصًّا
(4)
.
وقال: يعاد بكرةً وعشيةً، وقال أيضًا: العيادة في رمضان ليلاً
(5)
.
قال جماعة: ويغب بها
(6)
ويخبر المريض بما يجده بلا شكوى، ويحسن
(1)
الجنائز: بفتح الجيم، وكسرها، اسم للميت، والسرير، ويقال للميت بالفتح، وللسرير بالكسر، وإذا لم يكن الميت على السرير، لا يقال له جنازة ولا نعش، وإنما يقال له: سرير، وقيل: لا يسمى جنازة حتى يشد الميت مكفنا عليه، وقيل: اجنزت الشيء، إذا سترته، ومنه اشتقاق الجنازة. ينظر: المطلع ص 145.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 239، والإنصاف 2/ 463، والإقناع 1/ 210، ومنتهى الإرادات 1/ 105.
(3)
ينظر: المبدع 2/ 218، والإنصاف 2/ 462.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 253، والمبدع 2/ 218.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 253، والمبدع 2/ 218.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 253، والمبدع 2/ 218، والإنصاف 2/ 462. يقال فلان يزور غبا: أي يزور يوما، ويدع يوما. ينظر: العين 4/ 350، وغريب الحديث لإبراهيم الحربي 2/ 611، والصحاح 1/ 190.
ظنه بربه وصرح بعضهم
(1)
بوجوبه، ويغلِّب الرجاء، ونصه
(2)
يكون خوفه ورجاؤه واحدًا، ويذكره التوبة، والوصية، ويدعو بالصلاح والعافية، ولا بأس بوضع يده عليه، فإذا نزل به سُن أن يليه أرفق أهله وأعرفهم بمداراته، ويتعاهد بلَّ حلقه بماءٍ، أو شرابٍ، ويندي شفتيه بقطنةٍ، ويلقنه قول لا إله إلا الله مرة، واختار الأكثر
(3)
ثلاثًا ولا يزاد إلا أن يتكلم، فيعاد برفقٍ ومداراةٍ.
ويسن أن يقرأ عنده سورة يس، والفاتحة نصَّ عليهما
(4)
.
ويسن توجيهه إلى القبلة على جنبه الأيمن نصًّا
(5)
إن كان المكان واسعًا، وإلا على ظهره، وعنه
(6)
مستلقيًا على قفاه اختاره الأكثر.
قال المنُقِّح
(7)
: وهو أظهر.
فإذا مات سُنَّ تغميض عينيه، ويكره من جنبٍ، وحائضٍ، وأن يقرِّباه، قاله أحمد، ويقول: بسم الله، وعلى وفاة رسول الله نصًّا
(8)
، فلذات
(1)
نقل صاحب الإنصاف 2/ 463، عن القاضي أبي يعلى وجوب ذلك.
(2)
ينظر: المبدع 2/ 258، والإنصاف 2/ 463.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 271.
(4)
ينظر: الكافي 1/ 352، والشرح الكبير 2/ 305، والمبدع 2/ 219، ومنتهى الإرادات 1/ 105.
(5)
ينظر: المحرر 1/ 181، والشرح الكبير 2/ 305، والإنصاف 2/ 465، ومنتهى الإرادات 1/ 105.
(6)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني ص 189، والإقناع 1/ 211، وكشاف القناع 2/ 82.
(7)
ينظر: التنقيح ص 125.
(8)
ينظر: المغني 2/ 336، والشرح الكبير 2/ 307، وشرح الزركشي 2/ 278، والمبدع 2/ 220، والإقناع 1/ 212، ومنتهى الإرادات 1/ 105، وكشاف القناع 2/ 83، وكشف المخدرات 1/ 218.
محرمٍ تغميض رجلٍ وعكسه، ويشد لحييه
(1)
، ويلين مفاصله بإلصاق ذراعيه بعضُديه، ثم يعيدهما، وَيَنْزِع ثيابه
(2)
، ويُسَجَّى
(3)
، ويجعل على بطنه مرآة، أو نحوها، ويوضع على سرير غسله متوجهًا على جنبه الأيمن، منحدرًا نحو رجليه.
ويجب أن يسارع في قضاء دينه، وتفريق وصيته، ويسن الإسراع في تجهيزه إن مات غير فجأة، ولا بأس أن ينتظر به، مالم يخف عليه، أو يشق على من يحضره من ولي غيره وجمع/ [60/ أ] يقرب نصًّا
(4)
، وفي موت فجأة بصاعقة، أو هدم ونحوهما، وفيما إذا شكّ في موته حتى يعلم موته بانخساف صُدْغَيْه، وميل أنفه، وانفصال كفيه، واسترخاء رجليه، ذكره الأصحاب
(5)
.
ويعرف موت غيرهما بذلك وبغيره، ولا يستحب النعي، وهو النداء بموته، بل يكره نصًّا
(6)
ولا بأس بتقبيله، والنظر إليه، ولو بعد تكفينه نصًّا
(7)
.
(1)
حتى لا تدخل الهوام فيه، والماء في وقت غسله. ينظر: الشرح الكبير 2/ 307.
(2)
لئلا يحمى فيسرع إليه الفساد والتغير. الشرح الكبير 2/ 307.
(3)
التسجية: التغطية. ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 95، وشمس العلوم 5/ 2989.
(4)
ينظر: الكافي 1/ 353، والمغني 2/ 337، والشرح الكبير 2/ 308، ومنتهى الإرادات 1/ 105.
(5)
ينظر: الكافي 1/ 353، والشرح الكبير 2/ 308، والمبدع 2/ 222، والإنصاف 2/ 467، ومنتهى الإرادات 1/ 106.
(6)
ينظر: المغني 2/ 425، والشرح الكبير 2/ 432، والفروع 3/ 273.
(7)
ينظر: الفروع 3/ 274، والمبدع 2/ 223، ومنتهى الإرادات 1/ 106.
فصل في غسل الميت
غَسْلُه، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه، وحمله فرض كفايةٍ
(1)
، ويتعين غُسلٌ مع جنابة، وحيض، ويسقطان به، ويشترط له ماءٌ طهورٌ، وإسلام غاسلٍ، وعقله ولو جنبًا، وحائضًا، ومميزًا.
وأولى الناس به وصيه العدل
(2)
، ثم أبوه وإن علا، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته نسبًا، ثم نعمةً، ثم ذوو أرحامه، كميراث الأحرار في الجميع، ثم الأجانب، وهم أولى من زوجة، وهي أولى من أم ولد، وأجنبية أولى من زوجٍ، وسيدٍ، وزوجٍ أَولى من سيدٍ.
وتسن البداءة بمن يخاف عليه، ثم بأَبٍ، ثم بالأقرب، ثم بأفضل، ثم بأسنّ، ثم قرعة، وغسل المرأة أحق الناس به بعد وصيتها على ما سبق الأقرب فالأقرب، فالأَوَّل أمها وإن علت، ثم بنتها وإن نزلت، ثم القربى فالقربى كميراثٍ، وَيُقَدم منهن من يُقَدم من الرجال، وعمتها، وخالتها سواءٌ، كبنت أخيها وبنت أختها، ثم الأجنبيات.
ولكل واحدٍ من الزوجين غسل صاحبه نصًّا
(3)
، ولو قبل الدخول، أو وَلَدَتْ عَقِبَ مَوْتِهِ، أو بعد طلاقٍ رجعيٍ إن أبيحت لا بائن، ومتى جاز نظر
(1)
ينظر: الكافي 1/ 353، والشرح الكبير 2/ 309، والإنصاف 2/ 539.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 279:
صلاة ميت فالوصي قدموا
…
على إمام أو قريب فاعلموا
(3)
ينظر: المغني 2/ 390، والعدةص 131، والشرح الكبير 2/ 312.
كل واحدٍ منهما غير العورة، قال أحمد رحمه الله: إذا غَسَّل زوجته، أو غسَّلته فليكن من فوق ثوبٍ.
وَلِسَيِّدٍ غُسْلُ أَمَتِهِ وَطِئَهَا، أو لا، وأم ولده، وتُغَسِلانه، ومكاتبته مطلقًا، ولها تغسيله إن شرط وطأها، وإلا فلا، ولا/ [60/ ب] يغسل أمته المزوَّجة، ولا المعتدة من زوجٍ، ولا المعتق بعضها، وترك التغسيل من زوجٍ، وزوجةٍ، وسيد أولى، والنساء وإن كنَّ أجانب أولى منهم، إلا الصلاة عليه فإن السلطان، ثم نائبه الأمير، ثم الحاكم أحق بها بعد وصيه، ثم الحُكْمُ
(1)
كما تقدم
(2)
، لكن السيد أولى برقيقه من السلطان، ويُغسَّل، وَيُدفن، وتأتي تتمته
(3)
.
ولرجلٍ، وامرأة غسل من له دون سبع سنين نصًّا
(4)
ولو بلحظةٍ، وستر عورته، ونظرها نصًّا
(5)
.
وليس له غسل ابنة سبع، ولا لها غسل ابن سبع، وإن مات رجلٌ بين
(1)
في المخطوط (ثم الحاكم) ولعل الصواب ما أثبت؛ لأنه يكون الكلام مكرورًا.
(2)
في بيان من الأولى بتغسيله، في أَوَّل الفصل. لوح رقم (60/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [320].
(3)
في فصل في حمل الميت ودفنه لوح رقم (65/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [336].
(4)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 313، والفروع 3/ 282، والمبدع 2/ 226، ومنتهى الإرادات 1/ 107.
قال ابن المنذر في الإجماع ص 44: «أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن المرأة تغسل الصبي الصغير» . ينظر: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف 5/ 338.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 285، والإقناع 1/ 214، ومنتهى الإرادات 1/ 107.
نسوةٍ، أو عكسه ممن لا يباح لهم غسله، أو خنثى مشكّل، يمم بحائلٍ نصًّا
(1)
، ويحرم بدونه لغير محرم، ورجلٌ أولى بخنثى، ولا يغسِّل مسلمٌ كافرًا، ولا يكفنه، ولا يصلّي عليه، ولا يتبع جنازته، ولا يدفنه، إلا ألا يجد من يواريه، وإذا أخذ في غسله وجب ستر عورته، وسن تجريده نصًّا
(2)
، إلا النبي صلى الله عليه وسلم فلا
(3)
، وستره عن العيون، ويكون تحت سقفٍ ونحوه، ويكره النظر إليه لغير حاجةٍ، حتى الغاسل لا ينظر إلا لما بدا منه، وأن يحضره غير من يعين في غسله، ولا يغطي وجهه نصًّا
(4)
.
ويستحب خَضْبُ شعر لحية رجلٍ، ورأس امرأةٍ بحناء نصًّا
(5)
، ثم يرفع رأسه برفقٍ في أَوَّل غسلةٍ إلى قريب من جلوسه، ولا يشق عليه
(1)
ينظر: المحرر 1/ 188، والشرح الكبير 2/ 314، والمبدع 2/ 227، والإنصاف 2/ 483، ومنتهى الإرادات 1/ 107.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 315، والمبدع 2/ 228، والإنصاف 2/ 485، ومنتهى الإرادات 1/ 107.
(3)
لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: «أن اغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه. الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (26306) 43/ 331، وأبو داود في سننه، كتاب الجنائز، باب في ستر الميت عند غسله، برقم (3141) 3/ 196، وابن حبان في صحيحه، كتاب التأريخ، باب وفاته صلى الله عليه وسلم، برقم (6628) 14/ 596، والحاكم في مستدركه، كتاب المغازي والسرايا، برقم (4398) 3/ 61، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الجنائز، باب ما يستحب من غسل الميت في قميص، برقم (6621) 3/ 544. وحسنه الألباني في مشكّاة المصابيح 3/ 1675، وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند 43/ 332.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 285، ومنتهى الإرادات 1/ 107.
(5)
ينظر: المبدع 2/ 233.
نصًّا
(1)
، ويعصر بطن غير حاملٍ عصرًا رفيقًا،
ويكثر صب الماء حينئذٍ، ويكون ثَمَّ بخور
(2)
، ثم يلف على يده خرقةً فينجي بها أحد فرجيه، ثم ثانيه للثاني.
ولا يحل مس عورة من له سبع سنين فأكثر، ولا النظر إليها، ويستحب ألا يمس سائر بدنه إلا بخرقةٍ، ولا يجب فعل الغسل، فلو ترك تحت ميزابٍ ونحوه وحضر أهل؛/ [61/ أ] لغسله، ونوى، ومضى زمن يمكن غسله فيه صح، ثم ينوي غسله وهي فرض، وكذا تعميم بدنه به، ويسمي، وحكمها حكم تسمية وضوءٍ، وغسلٍ، ويغسل كفيه نصًّا
(3)
، ويعتبر غسل ما عليه من نجاسة، ولا يكفي مسحها، ولا وصول الماء إليها.
ويسن أن يدخل إصبعيه السبابة، والإبهام عليهما خرقة نصًّا
(4)
، مبلولةً بالماء، ثم بين شفتيه فيمسح أسنانه، ومنخريه وينظفهما ولا يدخلهما فيه، ويتتبع ما تحت أظفاره بعود إن لم يكن قلمها.
ويسن أن يوضئه في أَوَّل غسلاته كوضوء حدثٍ، ماخلا المضمضة
(5)
، والاستنشاق
(6)
إن لم يخرج شيء، فإن خرج أعيد وضوؤه، ويأتي حُكم غَسْل
(7)
.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 318، والمبدع 2/ 230، والإنصاف 2/ 486.
(2)
لئلا يظهر منه ريح. ينظر: المبدع 2/ 230، وكشاف القناع 2/ 92.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 215، وكشاف القناع 2/ 93.
(4)
ينظر: المبدع 2/ 231، ومنتهى الإرادات 1/ 108.
(5)
المضمضة: تحريك الماء في الفم. ينظر: لسان العرب 7/ 234، والمطلع ص 30.
(6)
الاستنشاق: جذب الماء إلى داخل الأنف بريح الأنف. ينظر: العين 5/ 43.
(7)
في هذا الفصل. لوح رقم (62/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [323].
ويجزئ غسله مرة واحدة، ويكره الاقتصار عليها نصًّا
(1)
.
ويسن ضرب سدر ونحوه، فيغسل برغوته رأسه، ولحيته، وسائر بدنه في كل غسلة.
ويسن تيامنه فيغسل شقه الأيمن، ثم الأيسر، كذلك يبدأ من نحو رأسه إلى نحو رجليه يبدأ بصفحة عنقه، ثم إلى الكتف، ثم إلى الرجل، ويقلبه على جنبه مع غسل شقيه، ثم يفيض الماء القراح
(2)
على جميع بدنه، فيكون ذلك غسلة يفعل ذلك ثلاثًا، إلا أن الوضوء في الأولى فقط،
يمر في كل مرة يده على بطنه، فإن لم ينق بالثلاث، أو خرج منه شيء أعيد وضوءه ووجب غسله إلى سبع نصًّا
(3)
، ويقطع على وترٍ ندبًا.
ويسن أن يجعل في الآخرة كافورًا، أو سدرًا نصًّا
(4)
، وغسله بالماء البارد أفضل، ولا بأس بغسله بماءٍ حارٍ، وخِلَال
(5)
يلف عليه قطن، ويزيل ما بأنفه، وصِماخَيه من أذى، وأشنان إن احتيج إليه، وإلا كره في الكل، ولا بأس بغسله في حمَّامٍ نصًّا
(6)
، ولا بمخاطبته له حال غسله نحو انقلب
(1)
ينظر: المبدع 2/ 233، والإقناع 1/ 216، ومنتهى الإرادات 1/ 108.
(2)
القراح: الخالص من الماء، الذي لم يخالطه كافور، ولا حنوط، ولا غير ذلك. ينظر: المصباح المنير 2/ 496. مادة (ق ر ح).
(3)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل صالح 3/ 150، والمغني 2/ 344، والعدة ص 126، ومنتهى الإرادات 1/ 108.
(4)
ينظر: المحرر 1/ 186، والشرح الكبير 2/ 323، والفروع 3/ 289، ومنتهى الإرادات 1/ 108.
(5)
الخلال: العود الذي يتخلل به، وما يخل به الثوب أيضًا، والجمع الأخلة. ينظر: الصحاح 4/ 1687، ومختار الصحاح ص 96، والمطلع ص 147، ولسان العرب 11/ 214.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 289، ومنتهى الإرادات 1/ 109.
يرحمك الله، ولا يغتسل غاسل بفضل ما سخن له، فإن لم يجد غيره تركه حتى يبرد نصًّا
(1)
، ويقص شارب غير محرمٍ، ويقلم أظفاره/ [61/ ب] إن طالا
(2)
.
ويأخذ شعر إبطيه نصًّا
(3)
، ويجعل ذلك معه كعضوٍ ساقطٍ، ويعاد غسله نصًّا
(4)
؛ لأنه جزءٌ منه كعضو، والمراد يستحب.
ويحرم حلق شعر عانته، ورأسه وختنه، ولا يسرح شعره نصًّا
(5)
.
قال القاضي: يكره
(6)
، ويبقى عظمٌ نجسٌ جبر به مع مثله، وتزال اللصوق؛ لغسلٍ واجبٍ فيغسل ما تحتها، فإن خيف من قلعها مُثْلَة مسح عليها، ولا يبقي خاتمٌ ونحوه كحلقةٍ في أذن
امرأةٍ، ويضفر شعر المرأة ثلاثة قرون، ويسدل خلفها، فإذا فرغ من غسله نشفه بثوبٍ ندبًا، ولا يتنجس ما شق به نصًّا
(7)
؛ لعدم نجاسته بالموت.
وإن خرج منه شيءٌ من السبيلين، أو غيرهما نصًّا
(8)
بعد السبع،
(1)
ينظر: الفروع 3/ 289، والإقناع 1/ 217.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 276:
وشارب الميْت كذاك الظفر
…
طويله يقص ندبا ذكروا
(3)
ينظر: الإنصاف 2/ 494، والإقناع 1/ 217، ومنتهى الإرادات 1/ 108.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 290، والمبدع 2/ 234.
(5)
ينظر: عمدة الفقه ص 33، والعدة ص 126، والمحرر 1/ 185، والشرح الكبير 2/ 324، ومنتهى الإرادات 1/ 108.
(6)
ينظر: الإنصاف 2/ 495، والإقناع 1/ 218.
(7)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني ص 214، ومختصر الخرقي ص 37، والمغني 2/ 346.
(8)
ينظر: شرح الزركشي 2/ 288، والإقناع 1/ 216، وشرح منتهى الإرادات 1/ 350، وكشاف القناع 2/ 95.
غسلت النجاسة ووضئ، ولا غسل رواية واحدة
(1)
، لكن يسد المحل بعد غسله بالقطن، والطين الحر
(2)
، ولا يكره حشو المحل إن لم يتمسك.
وإن خيف خروج شيء من منافذ وجهه فلا بأس أن يحشى بقطنٍ نصًّا
(3)
، وإن خرج منه شيءٌ بعد وضعه في أكفانه ولفها عليه، حمل ولم يعد غسل، ولا وضوء سواءٌ كان في السابعة، أو بعدها.
ومُحْرِمٌ ميتٌ كهو حَي فيغسل بماء، وسدر، ولا يلبس ذَكَرٌ المخيط، ولا يخمَّر رأسه، ولا وجه أنثى، ولا يقرب طيبًا، ولا يوقف بعرفة إن مات قبله، ولا يطاف به.
ويكره غسل شهيد المعركة ولو غير مكلف، أو غالّا
(4)
رجلاً، أو امرأة، إلا أن يكون جنبًا، أو حائضًا، أو نفساء طهرتا، أو لا، أو وجب عليه غسلٌ قبل الموت، ككافرٍ يسلم، ثم يقتل ونحوه.
وتغسل نجاسة، ويجب بقاء دم لا نجاسة معه، فإن لم تزل إلا بالدّم غسلا، وينزع عنه السلاح، والجلود.
ويجب دفنه في ثيابه التي قتل فيها نصًّا
(5)
، ويستحب دفنه في
(1)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل صالح 2/ 218، والمغني 2/ 345، ومنتهى الإرادات 1/ 108.
(2)
هو الخالص الصلب الذي له قوة تمسك المحل. ينظر: المغني 2/ 345، والشرح الكبير 2/ 330.
(3)
ينظر: المغني 2/ 345، والشرح الكبير 2/ 327، والمبدع 2/ 235.
(4)
الغال: هو الذي يكتم غنيمته، أو بعضها، ليأخذه لنفسه، ويختص به. وقيل الخيانة، والسرقة الخفية. ينظر: مختصر الخرقي ص 40، والمغني 2/ 415، والشرح الكبير 2/ 355.
(5)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 333، والإنصاف 2/ 500، ومنتهى الإرادات 1/ 109.
مصرعه، ولا يصلّى على من لا يغسَّل.
وإن سقط من شاهقٍ، أو دابة لا بفعل العدو، أو رفسته فمات، أو مات حتف أنفه
(1)
، أو/ [62/ أ] عاد سهمه عليه نصًّا
(2)
، أو وجد ميتًا ولا أثر به، أو حمل بعد جرحه فأكل، أو شرب، أو نام، أو بال، أو تكلم، أو عطس نصًّا
(3)
، أو طال بقاؤه عرفًا غسِّل، وصلِّي عليه وجوبًا، ومن قتل مظلومًا حتى من قتله الكفار صبرًا في غير حربٍ، ألحق بشهيد المعركة.
وكل شهيدٍ غُسِّلَ صُلّى عليه وجوبًا، ومن لا، فلا، والشهيد بغير قتلٍ كغريقٍ، ومحروقٍ.
ومن مات تحت هدمٍ، أو امرأةٍ في نفاسٍ، ومن قتله سبع ونحوه، يغسل، ويصلّى عليه رواية واحدة
(4)
.
وإذا ولد السقط
(5)
لأكثر من أربعة أشهرٍ غُسِّلَ، وصلّى عليه، ولولم يستهل
(6)
، ويستحب تسميته نصًّا
(7)
.
(1)
أي: لا بفعل أحد. ينظر: شرح منتهى الإرادات 1/ 352.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 297، والإنصاف 2/ 501، ومنتهى الإرادات 1/ 109.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 298، والإنصاف 2/ 502، ومنتهى الإرادات 1/ 109.
(4)
ينظر: المغني 2/ 399، والشرح الكبير 2/ 336.
(5)
السقط بكسر السين، وفتحها، وضمها: وهو المولود قبل تمامه. ينظر: مقاييس اللغة 3/ 86، والمطلع ص 149.
(6)
الاستهلال: رفع الصوت، والمراد هنا صراخ المولود، أو عطاسه، أو غير ذلك من العلامات الدالة على حياته. ينظر: المطلع ص 373. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 277:
بعد أربع الشهور سقط يغسل
…
وصل لو لم يستهل نقلوا
(7)
ينظر: المغني 2/ 389، والشرح الكبير 2/ 336، وشرح الزركشي 2/ 335.
وإن جهل ذكرًا، أو أنثى سُمي بصالحٍ لهما، ويصلّى على طفلٍ، ومن تعذر غسله؛ لعدم ماءٍ، أو عذر غيره، يمِّمَ، وكُفِّن، وصُلّي عليه.
وإن تعذر، غُسل بعضه يمم له، وإن أمكن صب الماء عليه بلا عرك، صب عليه، وترك عركه، ثم إن يمم؛ لعدم الماء، وصلي عليه، ثم وجد الماء قبل دفنه وجب غسله، وإن وجد فيها بطلت.
ويلزم الوارث قبول ما وهب للميت لا ثمنه، ويجب على الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسنًا.
وقال جمعٌ
(1)
محققون: إلا على مشهورٍ ببدعةٍ مضلةٍ، أو فجور، فيسن إظهار شره، وستر خيره، قال المنُقِّح
(2)
: وهو أظهر.
فصل في الكفن
ويجب كفن الميت في ماله؛ لحق الله تعالى، وحق الميت رجلاً، أو امرأةً ثوبٌ واحدٌ يستر جميع البدن، بشرط ألا يصف البشرة، ويكون ملبوس مثله في الجُمَع، والأعياد مالم يوص بدونه، مقدمًا هو ومؤنة تجهيزه، على دينٍ ولو برهنٍ، وأرش جنايةٍ، ووصية وغيرهما.
وإن وصَّى في أثوابٍ ثمينةٍ لم يصح، ويسن كونه جديدًا أيضًا.
(1)
قال في المحرر 1/ 190: «ذكره ابن عقيل، والشيخ في الكافي، والشيخ وجيه الدِّين، والمصنف في شرح الهداية، وابن تميم» وقال في الإنصاف 2/ 506: «وجزم به في المحرر، ومجمع البحرين، والكافي، وأبو المعالي، وابن تميم، وابن عقيل» .
(2)
ينظر: التنقيح ص 129.
ويجب كفن الرقيق على مالكه/ [62/ ب] فإن لم يكن له مالٌ، فعلى من تلزمه نفقته إلا الزوج، ثم من بيت المال إن كان مسلمًا، ثم على مسلمٍ عالمٍ به.
ويكره في رقيقٍ يحكي هيئة البدن نصًّا
(1)
وشعر، وصوف، ومزعفر، ومعصفر، ولو لامرأةٍ حتى المنقوش قطنًا كان أو غيره.
ويحرم بجلودٍ، وحريرٍ، وَمُذَهّب لامرأةٍ، ويجوز فيهما ضرورةً، فإن لم يجد ما يستر جميعه ستر العورة، ثم رأسه، وجعل على باقيه حشيش، أو ورق، ولا بأس بإعداد كفنٍ قد تُعُبِّد فيه نصًّا
(2)
، وأفضل الأكفان البياض.
ويستحب تكفين رجلٍ في ثلاث لفائف
(3)
بيض من قطنٍ، وأحسنها أعلاها، وتكره الزيادة، وتعميمه، ويكفن صغيرٌ في ثوبٍ، ويجوز في ثلاثة نصًّا
(4)
فيهما.
والصغير إلى بُلُوغٍ في قميصٍ، ولفافتين، وخنثى كأنثى.
وإن ورثه غير مكلفٍ لم تجز الزيادة على ثوبٍ؛ لأنه تبرع فيبسط بعض اللفائف فوق بعض، ويجمرها بعد رشها بماء وَرْدٍ، أو غيره؛ ليعلق به، ثم يوضع عليها مستلقيًا، ويجعل الحَنُوط
(5)
فيما بينها، ويجعل منه في
(1)
ينظر: الفروع 3/ 318، والمبدع 2/ 248، والإنصاف 2/ 508، ومنتهى الإرادات 1/ 111.
(2)
ينظر: المغني 2/ 348، والشرح الكبير 2/ 341.
(3)
في المخطوط (ثلاثة لفائف) والصواب ما أثبت.
(4)
ينظر: المغني 2/ 349، والفروع 3/ 324، والإنصاف 2/ 514، ومنتهى الإرادات 1/ 111.
(5)
الحنوط: ما يخلط من الطيب؛ لأكفان الموتى، وأجسامهم خاصة. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 450، ولسان العرب 7/ 279.
قطنٍ يجعل بين أليتيه، ويشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف
كالتبان
(1)
تجمع أليتيه، ومثانته، ويجعل الباقي على منافذ وجهه، ومواضع سجوده، ومغابنه نصًّا
(2)
.
وإن طُيِّب بغير وَرسٍ، وزعفرانٍ ولو بمسكٍ نصًّا
(3)
سائر بدنه غير داخل عينيه كان حسنًا، ويكره داخل عينيه نصًّا
(4)
وبوَرسٍ وزعفرانٍ، ثم يرد طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم طرفها الأيمن على الأيسر، ثم الثانية والثالثة كذلك.
ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه؛ لشرفه، والفاضل عن وجهه، ورجليه عليها بعد جمعه، ثم يعقدها إن خاف انتشارها، ثم تحل العقد، لا الأزرار نصًّا
(5)
، ولا يُخَرَّق الكفن كرهه أحمد
(6)
.
وإن كفِّن في قميصٍ بكمَّين، وَدَخَارِيصَ
(7)
نصًّا
(8)
ولفافة جاز،
(1)
التبان: بضم التاء، وتشديد الباء، هو شبه السراويل قصير الساقين، يستر العورة المغلظة. ينظر: مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/ 118، والنهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 181، والقاموس المحيط 1/ 1183.
(2)
ينظر: المغني 2/ 347، والمحرر 1/ 191، والفروع 3/ 321، وشرح الزركشي 2/ 294.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 321، والمبدع 2/ 246، والإنصاف 2/ 511، ومنتهى الإرادات 1/ 110.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 321، والمبدع 2/ 246، والإنصاف 2/ 511، ومنتهى الإرادات 1/ 110.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 323، والمبدع 2/ 247.
(6)
ينظر: الكافي 1/ 360، والمغني 2/ 347، والشرح الكبير 2/ 341، والمبدع 2/ 247، والإنصاف 2/ 512.
(7)
الدخريص: البنيقة، وهي طوق الثوب الذي يضم النحر وما حوله. ينظر: المغرب في ترتيب المعرب ص 161، ولسان العرب 10/ 28، والمصباح المنير 1/ 190، وتاج العروس 17/ 576.
(8)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية 3/ 1424، والمغني 2/ 348، والفروع 3/ 322، والمبدع 2/ 247، والإنصاف 2/ 513.
ويجعل المئزر مما يلي جسده/ [63/ أ] ولا يزر عليه القميص، ويدفن في مقبرةٍ مُسَبَّلَةٍ بقول بعض الورثة؛ لأنه لا منة، وعكسه الكفن، والمؤنة نصًّا
(1)
، ولو بذله بعض الورثة من نفسه لم يلزم بقيتهم قبوله.
ويسن تكفين امرأةٍ في خمسة أثوابٍ بيضٍ، إزارٍ، وخمارٍ، وقميصٍ وهو الدرع، ولفافتين.
ونصه
(2)
وجزم به جماعةٌ
(3)
خرقة تشد بها فخذاها، ثم مئزر، ثم قميص، وخمار، ثم لفافة، ولا بأس أن تُنَقَّبَ ذكره جماعة
(4)
.
ويسن تغطية نعشٍ بأبيض، ويكره بغيره، وإن مات مسافرٌ كفنه رفيقه من ماله، فإن تعذر فمنه، ويؤخذ من تركته، أو ممن تلزمه نفقته إن نوى الرجوع ولا حاكم، فإن وجد حاكم وأذن فيه رجع، وإن لم يأذن ففي الرجوع روايتان
(5)
.
(1)
ينظر: المغني 3/ 381، والفروع 3/ 314، والمبدع 2/ 244.
(2)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني 1/ 213، ومسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله ص 137، والكافي 1/ 360، وعمدة الفقه ص 33، والعدة ص 128، والمحرر 1/ 192، والإنصاف 2/ 513.
(3)
ينظر: مختصر الخرقي ص 37، والمغني 2/ 350، والمحرر 1/ 192، والفروع 3/ 323، وشرح الزركشي 2/ 296، والإنصاف 2/ 513.
(4)
منهم ابن الزاغوني، وابن تميم، وابن حمدان. ينظر: الفروع 3/ 323، والإنصاف 2/ 513، وكشاف القناع 2/ 108.
(5)
والمذهب الرجوع. ينظر: الإقناع 1/ 223، وكشاف القناع 2/ 108، وكشف المخدرات 1/ 229، ومطالب أولي النهى 1/ 874.
ويقدم من احتاج كفن ميتٍ؛ لبردٍ ونحوه لا إلى حاجةٍ إلى الصلاة فيه.
زاد بعضهم
(1)
إن خشي التلف، وإن نُبِش، وسُرِق كفنه، كُفِّن من تركته ثانيًا، وثالثًا نصًّا
(2)
، ولو قسمت مالم تصرف في دينٍ، أو وصيةٍ، وإن أكله سبعٌ، أو أخذه سيلٌ وبقي كفنه، فإن كان من ماله فتركة، وإن كان من متبرعٍ به فهو له لا لورثة ميتٍ.
وإن جُبِيَ كفنه، فما فضل فلربه إن علم، فإن جهل ففي كفن آخر نصًّا
(3)
، فإن تعذر تصدق به، ولا يُجْبَى كفن؛ لعدم إن ستر بحشيش.
فصل في الصلاة على الميت
تقدم أنها من فروض الكفايات
(4)
، ويسقط فرضها بواحدٍ، رجلاً كان، أو امرأة، أو خنثى، وتسن لها الجماعة ولو نساء نصًّا
(5)
إلا على النبي صلى الله عليه وسلم فلا، احترامًا له، والفذ هنا كغيرها، ولا يطاف بالجنازة على أهل الأماكن؛ لِيُصَلُّوا عليها، فهي كالإمام يُقصَد، ولا يَقصِد، والأولى بها بعد الوصي، السلطان كما تقدم
(6)
، ثم أقرب العصبة، ثم ذوو أرحامه، ثم
(1)
منهم المجد، نقل ذلك عنه كل من صاحب الفروع 3/ 324، والمبدع 2/ 249، والإنصاف 1/ 309.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 324، والإقناع 1/ 223، وشرح منتهى الإرادات 1/ 354.
(3)
ينظر: المحرر 1/ 193، والفروع 3/ 324، والمبدع 2/ 244، والإنصاف 2/ 508.
(4)
في فصل غسل الميت. لوح رقم (60/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [320].
(5)
ينظر: الإنصاف 2/ 515، والإقناع 1/ 223، ومنتهى الإرادات 1/ 111.
(6)
في فصل غسل الميت. لوح رقم (61/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [320].
الزوج نصًّا
(1)
، ومع التساوي يقدم الأَولى بالإمامة، فإن اجتمع أولياء موتى، قدم الأَولى بالإمامة، ثم قُرعة، ولولي كل ميتٍ أن ينفرد بصلاته على ميته إن أمن فسادًا، ومن قدمه ولي بمنزلته، فإن بادر أجنبيٌّ/ [63/ ب] وصلّى، فإن صلّى الولي خلفه صار إذنًا، وإلا فله أن يعيد الصلاة؛ لأنها حقه، وإذا سقط فرضها سقط التقديم الذي هو من أحكامه.
وليس للوصي أن يقدم غيره، ويستحب لإمامٍ أن يصفهم، وألا ينقصهم عن ثلاثة صفوفٍ نصًّا
(2)
.
ويسن أن يقوم إمامٌ عند صدر رجلٍ، ووسط امرأةٍ، وبين ذلك من خنثى، ومنفردٍ كإمامٍ، ويقدم إلى إمام من كل نوعٍ أفضلهم، فإن تساووا قدم أكبر نصًّا
(3)
، فإن تساووا فسابق، فإن تساووا فقرعة، ويقدم الأفضل أمامها في المسير.
ويجعل وسط امرأةٍ حذاء صدر رجلٍ وخنثى بينهما، ويسوي بين رؤوس خناثى، ثم يحرم كما سبق، والأَولى معرفة ذكوريته، وأنوثيته، واسمه، وتسميته في دعائه، ولا يعتبر ذلك، ولا بأس بالإشارة حال الدُّعاء للميت نصًّا
(4)
، ويتعوذ قبل الفاتحة، ولا يستفتح، ويكبر أربع تكبيراتٍ،
يقرأ في الأَولى الفاتحة سرًا ولو ليلاً، ويصلّي على النّبي صلى الله عليه وسلم في الثانية كما
(1)
ينظر: الفروع 3/ 328، والإنصاف 2/ 475، والإقناع 1/ 223.
(2)
ينظر: الكافي 1/ 362، والمغني 2/ 367، والشرح الكبير 2/ 350، والفروع 3/ 335، والمبدع 2/ 251، ومنتهى الإرادات 1/ 111.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 224، ومنتهى الإرادات 1/ 111، وكشاف القناع 2/ 112.
(4)
ينظر: المبدع 2/ 254، والإنصاف 2/ 521، والإقناع 1/ 224.
في التشهد، ويدعو في الثالثة سرًا بأحسن ما يحضره، فلا توقيت فيه نصًّا
(1)
، ويسن بالمأثور فيقول:((اللهم اغفر لحينا، وميتنا، وشاهدنا، وغائبنا، وصغيرنا، وكبيرنا، وذكرنا، وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا، ومثوانا، وأنت على كل شيءٍ قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، والسنة، ومن توفيته منا فتوفه عليهما)
(2)
، (اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله
(3)
، وأوسع مدخله
(4)
، واغسله بالماء، والثلج، والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، وعذاب النار))
(5)
، وافسح له في قبره، ونور له فيه.
وإن كان صغيرًا، أو بلغ مجنونًا واستمر، زاد اللهم اجعله ذُخرًا
(6)
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 224، ومنتهى الإرادات 1/ 112، وكشف المخدرات 1/ 232.
(2)
لم أجده في كتب السنة بهذا اللفظ، وأقرب الألفاظ إليه ((اللهم اغفر لحينا، وميتنا، وصغيرنا، وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده)) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجنائز، باب الدُّعاء للميت، برقم (3201) 3/ 211، وابن ماجة في سننه، كتاب الجنائز، باب الدُّعاء في الصلاة على الجنازة، برقم (1498) 1/ 480، قال في تهذيب الآثار ص 162:(وهذا خبر - عندنا - صحيح سنده) وصححه ابن الملقن، والألباني: ينظر: البدر المنير 5/ 271، ومشكّاة المصابيح 1/ 527، وأحكام الجنائزص 124.
(3)
قال في مرقاة المفاتيح 2/ 592: «بضم النون والزاي وتسكن، وهو ما يقدم إلى الضيف من الطعام» . أي أحسن نصيبه من الجنة.
(4)
قال في مرقاة المفاتيح 3/ 1197: «بفتح الميم وضمها أي: قبره» .
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الكسوف، باب الدُّعاء للميت في الصلاة، برقم (963) 2/ 622.
(6)
أي: ذخيرة عند الله عز وجل في تقديم ثواب صبره عليه، ينتفع به عند الورود عليه. ينظر: تفسير غريب ما في الصحيحين ص 439.
لوالديه/ [64/ أ] وفرطًا، وأَجرًا، وشفيعًا مجابًا، اللهم ثقِّل به موازينهما، وأَعظم به أجورهما، وأَلحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم
(1)
.
وإن لم يعرف إسلام والديه، دعا لمواليه ويقول في دعائه لامرأة: اللهم إن هذه أَمتك، ابنة أَمتك، وفي خنثى هذا الميت ونحوه.
ويقف بعد الرابعة قليلاً، ولا يدعو، ولا يتشهد قبل الرابعة ولا يسبِّح نصًّا
(2)
، ولا بأس بتيامنه، ويسلم تسليمة واحدة، ويجوز ثانية عن يمينه نصًّا
(3)
، ويجوز تلقاء وجهه نصًّا
(4)
ويرفع يديه مع كل تكبيرةٍ نصًّا
(5)
، ويسن وقوفه مكانه حتى ترفع نصًّا
(6)
، والواجب من ذلك قيام إن كانت الصلاة فرضًا، فلا تصح من قاعدٍ.
وتكبيرات أربعًا، فإن نقص عنها غير مسبوق تكبيرةً عمدًا بطلت، وسهوًا يكبر مالم يطل الفصل، فإن طال، أو وجد منافٍ من كلامٍ ونحوه
(1)
لم أجد هذا الدُّعاء في كتب السنة. وقد ذكره عدد من العلماء منهم الْمُوَفَّق ابن قدامة في الكافي 1/ 365، وإبراهيم بن مفلح في المبدع 2/ 254، والحجاوي في الإقناع 1/ 225، وابن النجار في منتهى الإرادات 1/ 112، والبهوتي في كشاف القناع 2/ 115.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 338، والمبدع 2/ 225، والإنصاف 2/ 523، وكشاف القناع 2/ 115، ومنتهى الإرادات 1/ 112.
(3)
ينظر: شرح الزركشي 2/ 315، والإنصاف 2/ 523، ومنتهى الإرادات 1/ 112.
(4)
ينظر: المغني 2/ 366، وشرح الزركشي 2/ 315، والإنصاف 2/ 523، ومنتهى الإرادات 1/ 112.
(5)
ينظر: عمدة الفقه ص 34، والعدة ص 130، والمبدع 2/ 255، والإنصاف 2/ 523.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 339، والإقناع 1/ 225، ومنتهى الإرادات 1/ 112.
استأنف نصًّا
(1)
.
والفاتحة على إمامٍ ومنفردٍ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأدنى دعاء للميت، والسلام ولولم يقل: ورحمة الله أجزأ نصًّا
(2)
، وجميع ما يشترط للمكتوبة مع حضور الميت بين يديه قبل الدفن، إلا الوقت فلا تصح على جنازةٍ محمولةٍ؛ لأنها كإمام، ولا من وراء حائل قبل الدفن نصًّا
(3)
، ويشترط إسلام ميت، وتطهيره بماءٍ، أو ترابٍ؛ لعدم، فإن تعذر صلّى عليه، ولا يشترط عين الميت فينوي على الحاضر.
وإن نوى أحد الموتى اعتبر تعيينه، والأَولى ألا يزيد في التكبير على أربعٍ، فإن زاد إمامٌ تابعه مأموم إلى سبع نصًّا
(4)
مالم يظن بدعته، أو رفضه فلا يتابع، ذكره ابن عقيل
(5)
محل
وِفَاق، ولا يدعو بعد الرابعة في المتابعة أيضًا، ولا يتابع فيها زاد عليها، ولا تبطل بها ولو عمدًا، وينبغي أن يسبح بعدها نصًّا
(6)
لا فيما دونها، ولا يسلم قبله نصًّا
(7)
، ومنفردٍ كإمامٍ في الزيادة.
ولو كبر فجيء بثانيةٍ، أو أكثر فكبر ونواها لهما وقد بقي من تكبيرة
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 226، ومنتهى الأرادات 1/ 112.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 226، وكشاف القناع 2/ 117.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 340، والمبدع 2/ 257، والإنصاف 2/ 533.
(4)
ينظر: المحرر 1/ 197، والشرح الكبير 2/ 351، وشرح الزركشي 2/ 326، ومنتهى الإرادات 1/ 112.
(5)
نقل عنه كل من صاحب الإنصاف 2/ 527، وحاشية الروض 3/ 78.
(6)
ينظر: المبدع 2/ 257، والإقناع 1/ 226، ومنتهى الإرادات 1/ 112.
(7)
ينظر: الإقناع 1/ 226، وكشاف القناع 2/ 119.
أربع صح، فيقرأ في الخامسة، ويصلّي في السادسة، ويدعو في السابعة.
ومن سبق ببعض الصلاة، كبر ودخل مع إمام ولو بين تكبيرتين ندبًا، أو بعد تكبير الرابعة قبل السلام، ويقضي ثلاث تكبيراتٍ.
ويقضي مسبوق ما فاته/ [64/ ب] على صفته بعد سلام إمام، فإن خشي رفعها تابع رفعت، أو لا نصًّا
(1)
، فإن سلّم ولم يقضه صح
(2)
، ومتى رفعت بعد الصلاة لم توضع لأحدٍ، فظاهره يكره، قاله في الفروع
(3)
.
ومن لم يصل، استحب له إذا وضعت أن يصلّي عليها قبل الدفن، أو بعده ولو جماعة نصًّا
(4)
على القبر، وكذا غريق ونحوه إلى شهر من دفنه، أو زيادة يسيرة، ويحرم بعدها نصًّا
(5)
، وإن شكّ في انقضاء المدة، صلّى عليه حتى يعلم فراغها.
ويصلّي إمام وغيره على غائبٍ عن البلد، ولو كان دون مسافة قصرٍ في غير جهة القبلة بالنية إلى شهر، لا في أحد جانبي البلد صغيرًا كان، أو كبيرًا ولو؛ لمشقة مرض، ومطر.
ومن صلّى كره له إعادة الصلاة، إلا على من صُلّي عليه بالنية إذا
(1)
ينظر: الفروع 3/ 348، والمبدع 2/ 258، والإنصاف 2/ 530.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 281:
وفائت التكبير للمأموم
…
قضاؤه فليس بالمحتوم
(3)
ينظر: الفروع 3/ 351.
(4)
ينظر: المغني 2/ 382، والشرح الكبير 2/ 354، والفروع 3/ 351، وشرح الزركشي 2/ 325، والمبدع 2/ 259.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 351، والمبدع 2/ 259، ومنتهى الإرادات 1/ 112.
حضر، أو وجد بعض ميتٍ صلّى على جملته فتسن ويأتي
(1)
، أو صلّى عليه بلا إذن ممن هو أولى منه مع حضوره فتعاد تبعًا، ولا يصلّى على مأكولٍ في بطن سبعٍ، ومستحيل بإحراق ونحوهما.
ولا يسن للإمام الأعظم، وإمام كل قريةٍ وهو واليها في القضاء، الصلاة على غالٍّ ـ وهو من كتم غنيمته، أو بعضها
(2)
ـ ولا قاتل نفسه عمدًا نصًّا
(3)
، فلو صلّى عليهما جماعةً فلا بأس كبقية الناس، ويصلّى على كل عاصٍ كسارقٍ، وشارب خمرٍ، ومقتولٍ قصاصًا، أو حدًا وغيرهم نصًّا
(4)
، ومديونٍ لم يخلف دراهم.
قال: ولا يغسل ولا يصلّى على كل صاحب بدعةٍ مكفرةٍ نصًّا
(5)
، ولا يورث، ويكون ماله فَيئًا نصًّا
(6)
.
وإن وجد بعض ميتٍ تحقيقًا غير شعرٍ، وظفرٍ، وسنٍ، غسِّل، وكفِّن، وصُلّي عليه، ودفن وجوبًا، ينوي ذلك البعض فقط إن لم يكن صلّى على
(1)
في نفس هذا الفصل، وفي نفس هذا اللوح من المخطوط.
(2)
ينظر: المغني 2/ 415، والشرح الكبير 2/ 355.
(3)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني ص 221، ومختصر الخرقي ص 40، والكافي 1/ 367، والمغني 2/ 415، والمبدع 2/ 261، ومنتهى الإرادات 1/ 113. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 281، 282:
من غل فالإمام لا يصلي
…
عليه لكن غيره في النقل
وهكذا عامد قتل نفسه
…
لسوء ما يلقاه بعد رمسه
(4)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني ص 221، والمبدع 2/ 262، والإقناع 1/ 228، وكشاف القناع 2/ 123.
(5)
ينظر: المبدع 2/ 262، والإقناع 1/ 228.
(6)
ينظر: الفروع 8/ 65، والمبدع 5/ 415، والإنصاف 7/ 352، والإقناع 1/ 228.
جملته، وإلا سنت الصلاة، ثم إن وجد الباقي صلّى عليه، ودفن بجنبه، ولا يصلّى على ما بان من حيٍ، كيد سارقٍ ونحوه.
وإن اشتبه من يصلَّي عليه بضده، كمسلمٍ، وكافرٍ صَلّى على الجميع، ينوي من يصلي عليه بعد غسلهم، وتكفينهم، فإن أمكن عزلهم، وإلا دفنوا معًا نصًّا
(1)
، وتباح الصلاة عليها/ [65/ أ] في مسجدٍ إن أمن تلويثه، وإلا حرم، قاله أبو المعالي، وغيره
(2)
، وإن لم يحضره غير نساءٍ صلين عليه جماعةً نصًّا
(3)
، وتقدم
(4)
.
فصل في حمله ودفنه
تقدَّم أنهما من فروض الكفاية، وكذا مؤنتهما
(5)
، ولا يختص أن يكون الفاعل من أهل القربة، فلهذا يسقط بكافرٍ، فيوضع الميت على النعش مستلقيًا، ويستر بمكبة
(6)
إن كان امرأةً، ويكره ستره بغير البياض، ويسن به.
(1)
ينظر: الفروع 3/ 359، والمبدع 2/ 263، وشرح منتهى الإرادات 1/ 367، ومطالب أولي النهى 1/ 893.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 360، والإنصاف 2/ 538.
(3)
ينظر: المبدع 2/ 264، والإنصاف 2/ 538، والإقناع 1/ 229.
(4)
في فصل الصلاة على الميت. لوح رقم (63/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [330].
(5)
في فصل غسل الميت. لوح رقم (60/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [320].
(6)
المكبة: شيء يوضع فوق السرير، تعمل من خشب، أو جريد، أو قصب مثل القبة فوقها ثوب. ينظر: المبدع 2/ 266، والإقناع 1/ 229، وكشاف القناع 2/ 126، ومطالب أولي النهى 1/ 873.
ويسن أن يحمله أربعة؛ لأنه يسن التربيع
(1)
في حمله، وهو أفضل من الحمل بين العمودين، وصفة التربيع أن يضع قائمة النعش اليسرى المقدمة على كتفه اليمنى
(2)
، ثم ينتقل إلى المؤخرة، ثم يضع قائمته اليمنى المقدمة على كتفه اليسرى، ثم ينتقل إلى المؤخرة.
وإن حمل بين العمودين كل واحدٍ على عاتقٍ كان حسنًا ولم يكره، والأولى الجمع بينه وبين التربيع، ويكره أخذ الأجرة على ذلك، ولا بأس بحمل طفلٍ على يديه، ولا بحمل الميت
(3)
بأعمدة للحاجة، ولا على دابة؛ لغرضٍ صحيحٍ كبعدٍ ونحوه
(4)
.
ولا بأس بالدفن ليلاً، ويكره عند طلوع الشمس، وزوالها،
(1)
لقول ابن مسعود رضي الله عنه: ((من اتبع جنازة، فليحمل بجوانب السرير كلها، فإنه من السنة، ثم إن شاء فليتطوع، وإن شاء فليدع)). أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الجنائز، باب ما قالوا فيما يجزي من حمل جنازة، برقم (11281) 2/ 481، وابن ماجة في سننه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في شهود الجنائز، برقم (1478) 1/ 474، وابن حزم في المحلى بالآثار في كتاب الجنائز، مسألة حمل النعش رقم (906) 3/ 397. وقال في مصباح الزجاجة 2/ 28:(هذا إسناد موقوف رجاله ثقات وحكمه الرفع إلا أنه منقطع) وضعفه ابن حجر في التلخيص الحبير 2/ 226.
(2)
في المخطوط (على كتفه اليمين) ولعل الصواب ما أثبت حتى تستقيم العبارة. ينظر: الفروع 3/ 363، وشرح الزركشي 2/ 303، والإقناع 1/ 229، وكشاف القناع 2/ 127.
(3)
في المخطوط (فلا يحمل الميت) ولعل الصواب ما أثبت حتى تستقيم العبارة. ينظر: الفروع 3/ 365، والإنصاف 2/ 541.
(4)
وعبارة المؤلف فيها غموض، ولو قال: الإقناع (1/ 230)
ولا بأس بحمل طفل على يديه، وبحمل الميت بأعمدة للحاجة، وعلى دابة لغرض صحيح كبعد ونحوه. لكان أوضح. ينظر: الإقناع 1/ 230، وكشاف القناع 2/ 127، ومطالب أولي النهى 1/ 895.
وغروبها
(1)
.
ويستحب الإسراع بها دون الخَبَب
(2)
مالم يخف عليها منه.
واتباعها سنة، ويكره لامرأة، وماشيًا أمامها نصًّا
(3)
والراكب خلفها، ويكره ركوبٌ إلا لحاجةٍ، أو لغرضٍ فلا، والقرب منها أفضل، فإن بعد وتقدم إلى القبر فلا بأس.
ويكره أن يتقدم إلى موضع الصلاة عليها، وأن يُتبع بنارٍ إلا لحاجة ضوءٍ نصًّا
(4)
، وأن يُتبع بماء وردٍ ونحوه، ويكره جلوس من تبعها حتى توضع بالأرض للدفن نصًّا
(5)
، لا لمن بعد عنها، وإن جاءته وهو جالسٌ، أو مرت به كره قيامه لها.
ويكره رفع الصوت معها ولو بقراءةٍ، أو ذكرٍ بل يسن سرًا.
(1)
قال ابن بسام في تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ص 100: (علة الِنهي هي خشية مشابهة الكفار، فيؤخذ من هذا تحريم التشبه بهم وتقليدهم في عباداتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم). وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 277:
عند الطلوع أو غروب الشمس
…
يكره وضع الميت في رمس
كذاك عند الاستوا في الظاهر
…
والمشي بالنعلين في المقابر
(2)
الخبب: المشي بالجنازة أعلى درجات المشي المعتاد. ينظر: المغني 2/ 353، والمحرر 1/ 202، والفروع 3/ 365، والمبدع 2/ 266.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 361، والمبدع 2/ 266، والإنصاف 2/ 541، ومنتهى الإرادات 1/ 114.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 230، وكشاف القناع 2/ 129، ومطالب أولي النهى 1/ 897.
(5)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 3/ 1395، والكافي 1/ 369، والمغني 2/ 358، والمحرر 1/ 202.
ويكره التبسم، والتحدث في أمر الدنيا، والضحك أشد، وكذا مسحه بيديه، أو بشيءٍ عليها تبركًا، وقول القائل مع الجنازة: استغفروا له ونحوه بدعة، وكرهه أحمد
(1)
، وحرمه أبو حفص
(2)
.
ويحرم أن يتبعها/ [65/ ب] مع منكر، وهو عاجزٌ عن إزالته نصًّا
(3)
نحو طبولٍ، ونياحةٍ، ولطمٍ، وتصفيقٍ، ورفع أصواتٍ، فإن قدر تبعها وأزاله، فلو ظن إن تبعها أزيل المنكر لزمه، ويسن
أن يدخل قبره من عند رجليه إن كان أسهل عليهم، وإلا من حيث سهل نصًّا
(4)
ثم سواء، ولا توقيت فيمن يدخله، بل بحسب الحاجة نصًّا
(5)
.
ويكره أن يُسَجَّى قبر رجلٍ نصًّا
(6)
إلا لعذر مطر، أو غيره، ويسن لامرأةٍ.
(1)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 3/ 1388، والمغني 2/ 355، والشرح الكبير 2/ 363.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 370، وكشاف القناع 2/ 130، ومطالب أولي النهى 1/ 898. وهو: عمر بن إبراهيم بن عبد الله، أبو حفص العكبري، المعروف بابن المسلم، له معرفة عالية بالمذهب له مصنفات عدة منها: المقنع، وشرح الخرقي، والخلاف بين أحمد ومالك، وغيرها، رحل إلى الكوفة، والبصرة لطلب العلم، سمع من أبي علي الصواف، وأبي بكر النجاد، وأبي محمد بن موسى، توفي سنة (387 هـ) ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 163، والمقصد الأرشد 2/ 292.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 230، ومنتهى الإرادات 1/ 115، وكشاف القناع 2/ 130، ومطالب أولي النهى 1/ 897.
(4)
ينظر: مختصر الخرقي ص 38، والمغني 2/ 370، والمحرر 1/ 203، ومنتهى الإرادات 1/ 115.
(5)
ينظر: الكافي 1/ 371، والفروع 3/ 376، والمبدع 2/ 269، والإنصاف 2/ 546.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 375، والإقناع 1/ 231، ومنتهى الإرادات 1/ 115، وكشاف القناع 2/ 131.
ومن مات في سفينةٍ، وتعذر خروجه إلى البر ثقل بشيٍ بعد غسله، وتكفينه، والصلاة عليه، وألقي في البحر سَلاً
(1)
كإدخاله القبر.
وإن مات في بئرٍ أُخرج، فإن تعذر طمت عليه، ومع الحاجة إليه يخرج مطلقًا، وأَولى الناس بتكفينٍ، ودفنٍ أولاهم بغسلٍ، والأولى أن يتولاه بنفسه، ثم بنائبه، ثم من بعدهم بالدفن الرجال الأجانب، ثم محارمه من النساء، ثم الأجنبيات، ومحارمها من الرجال، أولى من الأجانب، ومن محارمها النساء بدفنها، ومن الزوج، والأجانب أولى من محارمها النساء.
ويقدم من الرجال خصي، ثم شيخٌ، ثم أفضل دينًا، ومعرفةً، ومن بعد عهده بجماعٍ أولى ممن قرب، ولا يكره للرجال دفن امرأةٍ، وثم محرم نصًّا
(2)
.
واللّحد
(3)
أفضل، وكونه مما يلي القبلة، ويكره الشَّق
(4)
بلا عذرٍ حتى ولو تعذر اللحد؛ لكون التراب يمنعها، وسنة بلبن، وحجارةٍ إن أمكن نصًّا
(5)
، ولا يشق إذًا.
ويسن تعميقه، وتوسعته بلا حدٍ نصًّا
(6)
، وقال: الأكثر قامةً وسطًا
(1)
ينظر: الفروع 3/ 304، والمبدع 2/ 241، والإنصاف 2/ 505، ومنتهى الإرادات 1/ 115.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 373، والمبدع 2/ 269، والإقناع 1/ 231.
(3)
اللحد هو: أن يحفر في جانب القبر حفرة جهة القبلة، يوضع فيه الميت، وينصب عليه اللبن، فيكون كالبيت المسقف. ينظر: العين 3/ 182، وجمهرة اللغة 1/ 516، وفقه السنة 1/ 545.
(4)
الشق هو: أن يحفر في أرض القبر شقا، تبنى جوانبه باللبن، يوضع الميت فيه، ويسقفه عليه بشيء. ينظر: المغني 2/ 372، والشرح الكبير 2/ 379.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 375، والمبدع 2/ 270.
(6)
ينظر: الإقناع 1/ 231، ومنتهى الإرادات 1/ 115، وكشاف القناع 2/ 133، وآداب المشي إلى الصلاة ص 39.
وبسطة وهي بسطت
يده قائمة، ويكفي ما يمنع الرائحة، والسباع، وينصب عليه اللبن نصًّا
(1)
وهو أفضل من القصب
(2)
.
ويجوز ببلاطٍ، ويكره دفنه في تابوتٍ
(3)
، ولو امرأةٍ نصًّا
(4)
، أو في حجرٍ منقوشٍ، ويكره إدخاله خشبًا
(5)
، إلا لضرورة، وما مسته نارٌ
(6)
.
ويستحب قول من يدخله عند وضعه: باسم الله، وعلى ملة رسول الله، وإن أتى عند وضعه وإلحاده بذكرٍ، أو دعاءٍ يليق فلا بأس.
ويستحب الدُّعاء له عند القبر بعد دفنه نصًّا
(7)
، واستحب الأكثر تلقينه بعد دفنه
(8)
.
(1)
ينظر: الكافي 1/ 371، العمدة ص 34، والعدة ص 133، والشرح الكبير 2/ 379، والفروع 3/ 377، ومنتهى الإرادات 1/ 115.
(2)
القصب: كل نبات كانت ساقه أنابيب، وكعوبا، ومنه قصب السكر. ينظر: تهذيب اللغة 8/ 294، ولسان العرب 1/ 674، والمصباح المنير 2/ 504. مادة (قصب).
(3)
قال في الشرح الكبير 2/ 380: «لأنه خشب ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وفيه تشبه بأهل الدنيا والأرض أنشف لفضلاته» .
(4)
ينظر: والمغني 2/ 376، والشرح الكبير 2/ 380، والفروع 3/ 378، والمبدع 2/ 271، ومنتهى الإرادات 1/ 115.
(5)
قال النووي في المجموع 5/ 287، بعد ذكره كراهية دفن الميت في تابوت إلا إذا كانت الأرض رخوة أو ندية:«وهذا الذي ذكرناه من كراهة التابوت مذهبنا ومذهب العلماء كافة وأظنه إجماعا قال العبدري رحمه الله لا أعلم فيه خلافا يعني لا خلاف فيه بين المسلمين كافة والله أعلم» .
(6)
قال في الشرح الكبير 2/ 380: «تفاؤلا أن لا تمسه النار» .
(7)
ينظر: والفروع 3/ 383، والمبدع 2/ 275، والإقناع 1/ 231.
(8)
وهذا من البدع التي لم يرد عليها دليل من كتاب، أو سنة صحيحة، قال في الكافي 1/ 373:«سئل أحمد رضي الله عنه عن تلقين الميت في قبره فقال: ما رأيت أحدا يفعله» .
وقال في المغني 2/ 377: «فأما التلقين بعد الدفن، فلم أجد فيه عن أحمد شيئا، ولا أعلم فيه للأئمة قولا، سوى ما رواه الأثرم» .
وقال في دليل الطالب ص 71: «قال شيخ الإسلام ابن تيمية: تلقين الميت الأظهر أنه مكروه؛ لأنه لم يفعله صلى الله عليه وسلم بل المستحب الدُّعاء له» ونقل أيضًا عن ابن القيم قوله: «وقال: ابن القيم: لم يكن صلى الله عليه وسلم يقرأ عند قبر الميت، ولا يلقن الميت، التلقين لا يصح» .
وقال ابن باز في مجموع فتاويه: 13/ 206 عندما سئل عن التلقين بعد الدفن فقال: «بدعة وليس له أصل، فلا يلقن بعد الموت، وقد ورد في ذلك أحاديث موضوعة ليس لها أصل، وإنما التلقين يكون قبل الموت» .
وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع 5/ 364: «تلقين الميت بعد الدفن لم يصح الحديث فيه، فيكون من البدع» .
وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها 1/ 838: «وأما تلقينه بعد الموت، فمع أنه بدعة لم ترد في السنة، فلا فائدة منه؛ لأنه خرج من دار التكليف، إلى دار الجزاء؛ ولأنه غير قابل للتذكر» .
ومن فتاوى اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية 8/ 338 في التلقين بعد الموت: «الصحيح من قولي العلماء في التلقين بعد الموت أنه غير مشروع، بل بدعة، وكل بدعة ضلالة» .
ويسن وضعه في لحده على جنبه الأيمن، ووضع لبنةٍ تحت رأسه، وتكره مخدة، والمنصوص مِضْرَبَةٌ وَقَطِيفَةٌ
(1)
تحته/ [66/ أ] ونصه
(2)
لا بأس بها في علةٍ، ويسند خلفه وأمامه بترابٍ؛ لئلا يسقط.
ويجب استقباله القبلة، ويسن حثو التراب فيه من قبل رأسه ثلاثًا باليد لكل إنسان، ثم يُهال عليه التراب، ويرفعه قدر شبرٍ
(3)
.
(1)
القطيفة: دثار مخمل، والجمع قطائف، وقطف. ينظر: الصحاح 4/ 1417، والمغرب في ترتيب المعرب ص 389، ومختار الصحاح ص 257.
(2)
ينظر: المغني 2/ 372، والشرح الكبير 2/ 381، والفروع 3/ 373، والإنصاف 2/ 547، ومنتهى الإرادات 1/ 116.
(3)
حتى يعلم أنه قبر فيتوقى، ويترحم عليه. ينظر: الكافي 1/ 372، والمغني 2/ 376، والمبدع 2/ 273.
ويكره فوقه، وَتَسْنِيمُهُ
(1)
أفضل من تَسْطِيحه نصًّا
(2)
، إلا بدار حربٍ إذا تعذر نقله فالأولى تسويته بالأرض، ويرش عليه الماء، ويوضع عليه حصا صغار يجلل به؛ ليحفظ ترابه، ولا بأس بتطيينه قاله أحمد
(3)
، وتعليمه بحجرٍ، أو خشبةٍ ونحوهما، وبناء قبةٍ
(4)
، أو بيتٍ، أو حظيرةٍ إن كان في ملكه
(5)
، وإن كان في مسبَّلةٍ كره.
وكره أحمد
(6)
الفُسطَاط
(7)
، والخيمة على القبر، وتكره الزيادة على
(1)
تسنيم القبر: جعله كهيئة السنام للبعير، وهو خلاف تستطيحه. ينظر: المطلع ص 152.
(2)
ينظر: الكافي 1/ 372، والمغني 2/ 373، والشرح الكبير 2/ 384.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 386، والفروع 3/ 380، والإنصاف 2/ 547.
(4)
قال الشوكاني في شرح الصدور بتحريم رفع القبور ص 8: (اعلم أنه قد اتفق الناس، سابقهم ولاحقهم، وأولهم وآخرهم من لدن الصحابة رضوان الله عنهم إلى هذا الوقت: أن رفع القبور والبناء عليها بدعة من البدع التي ثبت النهي عنها واشتد وعيد رسول الله لفاعلها، كما يأتي بيانه، ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين أجمعين).
(5)
والصواب التحريم كما أفتى بذلك سماحة ابن باز، وابن عثيمين رحمهما الله عندما سئلا عن البناء على القبور فقال ابن باز في فتاوى نور على الدرب 2/ 229:«أما البناء على القبور فهو محرم سواء كان مسجدا أو قبة أو أي بناء لا يجوز ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن اليهود، قال: لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .
وقال ابن عثيمين في مجموع فتاوى والرسائل 2/ 233 «البناء على القبور محرم وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم لما فيه من تعظيم أهل القبور، وكونه وسيلة وذريعة إلى أن تعبد هذه القبور وتتخذ آلهة مع الله كما هو الشأن في كثير من الأبنية التي بنيت على القبور فأصبح الناس يشركون بأصحاب هذه القبور، ويدعونها مع الله تعالى ودعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم لكشف الكربات شرك أكبر وردة عن الإسلام» .
(6)
ينظر: الفروع 3/ 380، والإنصاف 2/ 550، والإقناع 1/ 233، وكشاف القناع 2/ 139.
(7)
الفسطاط: بضم الفاء، وكسرها: بيت من الشعر، وفيه لغات الفستاط، وفساط، والفسطاط، والجمع فساطيط. ينظر: الصحاح 3/ 1150، ولسان العرب 7/ 371.
تراب القبر من غيره نصًّا
(1)
، زاد بعضهم إلا أن يحتاج إليه.
ويكره المبيت عنده، ويكره تجصيصه
(2)
، وَتَزْوِيقُهُ، وَتَخْلِيقُهُ
(3)
والكتابة عليه، والبناء نصًّا
(4)
لاصقة، أو لا، والجلوس، والوطء عليه
(5)
.
قال بعضهم:
(6)
إلا لحاجةٍ، والاتكاء إليه، ويحرم التخلي عليها، أو بينها، والدفن في صحراءٍ أفضل سوى النبي صلى الله عليه وسلم
(7)
، واختار صاحباه الدفن عنده تشرفًا، وتبركًا، ولم يزد عليهما؛ لأن الخرق يتسع، والمكان ضيق، وجاءت أخبار تدل على دفنهم كما وقع
(8)
،
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 233، ومنتهى الإرادات 1/ 116، وكشاف القناع 2/ 139.
(2)
التجصيص: بناؤها بالجص، وهي النورة البيضاء. مشارق الأنوار 1/ 158، والمطلع ص 152.
(3)
التخليق: الخلوق هو الطيب. ينظر: العين 4/ 152.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 380، والإقناع 1/ 233، ومنتهى الإرادات 1/ 116، وكشاف القناع 2/ 139.
(5)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 387.
(6)
ينظر: الإقناع 1/ 233، وشرح منتهى الإرادات 1/ 375.
(7)
لحديث أبي بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض)) الحديث أخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب الجنائز، باب ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم، برقم (1628) 1/ 520، وصححه الألباني في صحيح الجامع 2/ 989.
(8)
منها حديث أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الرؤيا، قال:«هل رأى أحد منكم رؤيا اليوم» ، قالت عائشة رضي الله عنها: رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:«إن صدقت رؤياك دفن في بيتك ثلاثة هم أفضل أو خير أهل الأرض» ، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتها، قال لها أبو بكر رضي الله عنه: هذا أحد أقمارك وهو خيرها، ثم توفي أبو بكر وعمر فدفنا في بيتها. الحديث أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب المغازي والسير برقم (4401) 3/ 63. قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 7/ 185: فيه عمر بن سعيد الأبح وهو ضعيف.
ومنها حديث يحيى بن سعيد؛ أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: رأيت ثلاثة أقمار، سقطن في حجري فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق، قالت: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتها. قال لها أبو بكر: هذا أحد أقمارك، وهو خيرها. الحديث أخرجه مالك في المؤطأ، كتاب الجنائز، باب ما جاء في دفن الميت، برقم (793) 2/ 325. وقال محقق جامع الأصول 2/ 546: رجاله ثقات، إلا أن يحيى بن سعيد لم يدرك عائشة، فهو منقطع.
ذكرها المجد
وغيره
(1)
.
ويحرم إسراجها، واتخاذ المسجد عليها، وبينها، ويكره المشي بالنعل فيها حتى بالتُمُشكّ بضم التاء والميم وسكون الكاف
(2)
؛ لأنه نوعٌ منها، لا بخفٍ
(3)
، ويسن خلعه إذا داخلها إلا خوف نجاسةٍ، أو شوكٍ ونحوه نصًّا
(4)
.
ومن سبق إلى مسبلة قدم، ثم يقرع، ولا بأس بتحويل الميت، ونقله إلى مكانٍ آخرٍ بعيدٍ؛ لغرض صحيحٍ نصًّا
(5)
كبقعة شريفةٍ
(6)
، ومجاورة صالحٍ، والمراد مع أمن التغير، إلا الشهيد حتى لو نقل رد إليه؛ لأن دفنه به سنة نصًّا
(7)
(1)
ينظر: الفروع 3/ 387، والإقناع 1/ 234، وكشاف القناع 2/ 140.
(2)
قال في التوضيح 1/ 391: (هكذا في الأصول (وسكون الكاف) ولعل الصواب وسكون الشين سبق قلم.
والتمشك: قال ابن قندس: لم أجده في الجوهري والقاموس ولا غيرهما، وقال لي بعضهم: هو شبه السرموزة، وجانباه أقصر من جانبيها. ينظر: حواشي ابن قندس على الفروع ق 87/ ب.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 234، وكشاف القناع 2/ 141.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 416، والمبدع 2/ 275، والإنصاف 2/ 551.
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 234، وكشاف القناع 2/ 141، وكشف المخدرات 1/ 238.
(6)
قال مالك: سمعت غير واحد يقول: إن سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد ماتا بالعقيق، فحملا إلى المدينة، فدفنا بها. أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الجنائز، باب ما جاء في دفن الميت، برقم (977) 1/ 385.
(7)
ينظر: الإقناع 1/ 234، ومنتهى الإرادات 1/ 117، وكشاف القناع 2/ 142.
كما تقدم
(1)
، ويجوز نبشه؛ لغرضٍ صحيحٍ نصًّا
(2)
كتحسين كفنه، وخير من بقعته، وكإفراده عمن دفن معه، ويستحب جمع الأقارب
(3)
، والبقاع الشريفة، وما كثر فيه الصالحون
(4)
.
ويحرم قطع شيءٍ من أطراف الميت، وإتلاف ذاته ولا ضمان فيها، ولوليه أن يحامي عنه، وإن آل ذلك إلى إتلاف الطالب فلا ضمان.
ومن أمكن/ [66/ ب] غسله فدفن قبله لزم نبشه وتغسيله نصًّا
(5)
، وإن خشي تفسيخه، أو تغيره ترك جزم به جماعة
(6)
.
وكذا من دفن غير موجهٍ، أو قبل تكفينه، أو الصلاة عليه نصًّا
(7)
.
وعنه
(8)
يصلّى على القبر ولا ينبش، قال المنُقِّح
(9)
: وهو أظهر.
ويحرم نصًّا
(10)
دفن اثنين فأكثر فيه إلا لضرورةٍ، أو حاجةٍ، فلا ينبش
(1)
في فصل غسل الميت. لوح رقم (62/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [325].
(2)
ينظر: الإنصاف 2/ 471، والإقناع 1/ 234، وكشاف القناع 2/ 86.
(3)
لأنه أسهل لزيارتهم وأكثر للترحم عليهم. ينظر: الشرح الكبير 2/ 389.
(4)
قال في الشرح الكبير 2/ 389: «لتناله بركتهم، وكذلك في البقاع الشريفة، فقد روي في البخاري ومسلم إن موسى عليه السلام لما حضره الموت سأل الله تعالى أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رمية بحجر» .
(5)
ينظر: الفروع 3/ 389، والإنصاف 2/ 470، والإقناع 1/ 213، ومنتهى الإرادات 1/ 117.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 389، والمبدع 2/ 278، والإنصاف 2/ 470، وكشاف القناع 2/ 86.
(7)
ينظر: الفروع 3/ 389، والإنصاف 2/ 471.
(8)
ينظر: الفروع 3/ 389، والإنصاف 2/ 471.
(9)
ينظر: التنقيح ص 135.
(10)
ينظر: الفروع 3/ 386، والمبدع 2/ 276، والإنصاف 2/ 551، وشرح منتهى الإرادات 1/ 377.
قبر ميتٍ باقٍ؛ لميتٍ آخر.
ويسن حجزه بينهما بترابٍ نصًّا
(1)
، والتقديم إلى القبلة، كالتقديم إلى الإمام في الصلاة فيسن، وتقدم ذكره
(2)
.
ومتى ظن أنه صار ترابًا جاز دفن غيره فيه، والزراعة وحرثه وغير ذلك، وإلا فلا نصًّا
(3)
، ولو وصى بدفنه في ملكه دفن مع المسلمين؛ لأنه يضر الورثة قاله أحمد
(4)
.
ويصح بيع ما دفن فيه من ملكه مالم يجعل، أو يصر مقبرةً نصًّا
(5)
.
ويحرم حفره في مسبلة قبل الحاجة، ودفنه في مسجد ونحوه، ويُنبَش
(6)
نصًّا
(7)
، وفي ملك غيره للمالك، وإلزام دافنه بنقله، والأولى تركه.
ويحرم أن يدفن مع الميت حُلِي، أو ثياب غير كفنه، وإن وقع في القبر ما له قيمةٌ عرفًا، أو رماه ربه فيه نبش وأخذ نصًّا
(8)
.
وإن كفن بثوب غصبٍ، أو بلع مال غيره بغير إذنه وتبقى ماليته
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 234، وكشاف القناع 2/ 143.
(2)
في فصل الصلاة على الميت. لوح رقم (64/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [330].
(3)
ينظر: الفروع 3/ 388، والإنصاف 2/ 553، وشرح منتهى الإرادات 1/ 377.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 387، والإقناع 1/ 235، وكشاف القناع 2/ 144.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 387، والمبدع 2/ 277، والإقناع 1/ 235، وكشاف القناع 2/ 144.
(6)
أي: وينبش قبر من دفن بمسجد ونحوه.
(7)
ينظر: الفروع 3/ 381، والمبدع 2/ 274، والإقناع 1/ 235، ومنتهى الإرادات 1/ 116.
(8)
ينظر: المغني 2/ 214، والفروع 3/ 392، والمبدع 2/ 276، والإنصاف 2/ 553، ومنتهى الإرادات 1/ 117.
كخاتمٍ، وطلبه ربه لم ينبش، وغرم ذلك من تركته كمن غصب عبدًا فأبق تجب قيمته؛ لأجل الحيلولة، فإن تعذر الغرم؛ لعدم تركة ونحوه نبش، وأخذ الكفن في الأولى، وشق جوفه في الثانية، وأخذ المال إن لم يبذل له قيمته، وإن بلعه بإذن ربه أخذ إذا بلي، ولا يعرض له قبله، ولا يضمنه، وإن بلع مال نفسه لم ينبش قبل أن يبلى، إلا أن يكون عليه دينٌ.
وإن ماتت حاملٌ بمن ترجى حياته حرم شق بطنها نصًّا
(1)
، ويسطو عليه القَوابِل فيخرجونه فإن تعذر ترك حتى يموت، ولا يدفن قبله، ولو خرج بعضه حيًا شق حتى يخرج، فلو مات قبل خروجه، وتعذر خروجه غسل ما خرج منه، واحتمل وصلّي عليه معها بشرطه، وإلا عليها دونه، وإن ماتت ذميةٌ حاملٌ بمسلمٍ دفنها مسلمٌ وحدها إن/ [67/ أ] أمكن، وإلا مع المسلمين، وجعل ظهرها إلى القبلة على جنبها الأيسر، ولا يصلّى عليه؛ لأنه غير مولودٍ، ولا سقط، ويصلّى على مسلمة حامل، وحملها إن مضى مدة تصويره، وإلا عليها دونه. ولا تكره القراءة على القبر، وفي المقبرة نصًّا
(2)
بل تستحب
(3)
.
(1)
ينظر: والإنصاف 2/ 556، والإقناع 1/ 235، ومنتهى الإرادات 1/ 117. لأنه هتك حرمة متيقنة، لإبقاء حياة متوهمة إذ الغالب أن الولد لا يعيش، وفي هذا العصر وجدت وسائل لدى الأطباء يعرفون بها حياة الجنين، وموته، ولذلك فلا مانع من شق بطنها، إذا ما قرروا وجوده حيا.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 424، والفروع 3/ 419، والمبدع 2/ 280، والإنصاف 2/ 557.
(3)
الحديث في المسألة (من دخل المقابر، فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ، وكان له بعدد من فيها حسنات) قال الألباني في أحكام الجنائز 1/ 259: لا أصل في شيء من كتب السنة، وقال أيضًا في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 3/ 397: وهذا إسناد مظلم، هالك، مسلسل بالعلل.
وقال في المغني 2/ 422: «روى جماعة أن أحمد، نهى ضريرا أن يقرأ عند القبر، وقال له: إن القراءة عند القبر بدعة» .
ونقل عن الإمام مالك في اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 264: «ما علمت أحدا يفعل ذلك فعلم أن الصحابة، والتابعين ما كانوا يفعلونه» . ومن أراد الزيادة فليراجع كتاب بدع القبور للعصيمي.
وأي قربةٍ فعلها المسلم وجعل ثوابها، أو بعضه كالنصف ونحوه لمسلمٍ حيٍ، أو ميتٍ جاز، ونفعه ذلك بحصول الثواب له حتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم من تطوعٍ
(1)
.
وواجبٍ تدخله النيابة كحجٍ ونحوه، أو لا كصلاةٍ ونحوها، واعتبر بعضهم إذا نواه حال الفعل، أو قبله
(2)
.
ويستحب إهداء ذلك فيقول: اللهم اجعل ثواب كذا لفلان نصًّا
(3)
.
(1)
قال في شرح العقيدة السفارينية ص 537: «وبهذا نعرف ضلال من إذا فعلوا طاعة أهدوها للرسول صلى الله عليه وسلم، فإن إهداء القرب للرسول صلى الله عليه وسلم بدعة وضلالة في الدِّين وسفه في العقل؛ لأن من أهدى إليه عبادة فعلها فمضمون ذلك أنه حرم نفسه من أجرها فقط، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فأجرها واصل إليه من الأصل؛ سواء أهديتها إليه أم لم تهدها إليه.
ثم إنك لم تؤمر أن تهدي إليه العبادات؛ لا أضحية، ولا قراءة قرآن، ولا غيره، بل أمرت أن تصلّي وتسلم عليه، وتدعو له، فهكذا أمرت كما قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب الآية 56).
قال شيخ الإسلام: ولم يعهد أن أحدًا من القرون المفضلة فعل ذلك، لا الصحابة ولا التابعون وتابعوهم، كلهم لم يهدوا للرسول عليه الصلاة والسلام ثواب قربة أبدًا؛ لأنهم أفقه وأعلم واحكم من أن يهدوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ثوابًا؛ إذ إن أجرهم حاصل للرسول صلى الله عليه وسلم فإن (الدال على الخير كفاعله)».
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 285:
تطوع القربات كالصلاة
…
ثوابه لمسلمي الأموات
يهدى وكالقرآن مثل الصدقهْ
…
منفعة تأتيهم محققهْ
(3)
ينظر: الفروع 3/ 427، والإقناع 1/ 236، وكشاف القناع 2/ 148.
قال ابن تميم
(1)
: والأولى أن يسأل الأجر من الله تعالى، ثم يجعله له فيقول: اللهم أثبني برحمتك على ذلك، واجعل ثوابه لفلان انتهى، ولعله أولى، وهو المتداول بين الناس خلفًا عن سلف.
ويستحب أن يصلح لأهل الميت طعامٌ يبعث به إليهم ثلاثًا
(2)
، لا لمن يجتمع عندهم، ويكره فعلهم ذلك؛ للناس يجتمعون عليه، والذبح عند القبر، والأكل منه نصًّا
(3)
.
فصل
يستحب لرجلٍ زيارة قبر مسلمٍ، وتباح لقبر كافرٍ، ولا يمنع كافر زيارة قبر أبيه المسلم، ويكره لنساءٍ، فإن علم أنه يقع منهن محرمٌ حرِّمت، غير قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه
(4)
رضي الله عنهما فيسن
(5)
، ويقف الزائر أمام القبر،
(1)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 157.
(2)
أي: لمدة ثلاثة أيام.
(3)
ينظر: المبدع 2/ 283، ومنتهى الإرادات 1/ 118، وكشاف القناع 2/ 149.
(4)
قال في حاشية التنقيح ص 135: «والصواب وقبري صاحبيه على التثنية» .
(5)
والصواب تحريم زيارتهن لعموم الأدلة، قال الشيخ صالح آل شيخ في تنبيهات على أحكام تختص بالمؤمنات ص 82: «المرأة تستحب لها زيارة المسجد النبوي للصلاة فيه والدعاء، لكن لا يجوز لها زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها منهية عن زيارة القبور.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية رحمه الله في مجموع فتاويه 3/ 239: والصحيح في المسألة منعهن من زيارة قبره صلى الله عليه وسلم؛ لأمرين: أولا: عموم الأدلة، والنهي إذا جاء عاما فلا يجوز لأحد تخصيصه إلا بدليل، ثم العلة موجودة هنا. انتهى.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في منسك لما ذكر زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لمن زار مسجده الشريف، قال: وهذه الزيارة إنما تشرع في حق الرجال خاصة، أما النساء فليس لهن زيارة شيء من القبور، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه «لعن زوارات القبور من النساء، والمتخذين عليها المساجد والسرج» .
ويقرب منه، ولا بأس بلمس القبر باليد.
ويستحب إذا زارها، أو مرَّ بها قوله: (السلام عليكم معرفًا نصًّا
(1)
دار قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)
(2)
يرحم الله المستقدمين منكم، والمستأخرين ((نسأل الله لنا ولكم العافية))
(3)
((اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم))
(4)
واغفر لنا ولهم، ونحوه .. ويخير بين تعريفه، وتنكيره في سلامه على الحي، وكذلك على الأحياء، وابتداءه سنة، ومن جماعة سنة كفاية، ورده فرض عينٍ على المخاطب المفرد، وكفاية على الجماعة، وتزاد الواو في رد السلام.
ولا ينبغي أن يسلم على من هو على حاجة، ولا على امرأةٍ أجنبيةٍ، إلا أن تكون عجوزًا بَرْزَة
(5)
، والهجر المنهي عنه يزول
(6)
/ [67/ ب].
(1)
ينظر: الإنصاف 2/ 563، والإقناع 1/ 237، ومنتهى الإرادات 1/ 119، وكشاف القناع 2/ 151.
(2)
إلى هذا الموضع نص حديث، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء برقم (249) 1/ 218.
(3)
بهذا اللفظ، أخرجها ابن ماجة في سننه، كتاب الجنائز، باب ما جاء فيما يقال إذا دخل المقابر، برقم (1547) 1/ 494، وابن حبان في صحيحه، كتاب الجنائز، باب المريض وما يتعلق به، برقم (3173) 7/ 445، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الجنائز، باب ما يقول إذا دخل مقبرة برقم (7212) 4/ 132.
(4)
بهذا اللفظ، أخرجها ابن ماجة في سننه، كتاب الجنائز، باب ما جاء فيما يقال إذا دخل المقابر، برقم (1546) 1/ 493، وأحمد في مسنده برقم (24425) 40/ 486.
(5)
أي: عفيفة تبرز للرجال، وتتحدث معهم، وهي المرأة التي أسنت، وخرجت عن حد المحجوبات. ينظر: العين 7/ 364، وتهذيب اللغة 13/ 138، والمحكم والمحيط الأعظم 2/ 435.
(6)
قال في كشاف القناع 2/ 154: «وهو هجر المسلم أخاه فوق ثلاثة أيام (يزول بالسلام)؛ لأنه سبب التحابب للخير، فيقطع الهجر» .
ويستحب السلام عند الانصراف، وإذا دخل على أهله، ولا بأس به على الصبيان تأديبًا لهم، ويجزئ في السلام: السلام عليكم، وفي الرد: عليكم السلام.
ويستحب مصافحة الرجل للرجل، والمرأة للمرأة، ولا بأس بمصافحة المردان؛ لمن وثق من نفسه، وقصد تعليمهم حسن الخلق.
ولا يجوز مصافحة المرأة الأجنبية الشابة، ولا ينزع يده من يد مصافحه حتى ينزعها، إلا لحاجة كحيائه ونحوه، ولا بأس بالمعانقة، وتقبيل الرأس، واليد لأهل العلم والدِّين ونحوهم.
ويكره تقبيل الفم، وإذا غلبه التثاؤب غطى فمه، وإذا عطس خمر وجهه، وغض صوته، وحمد الله بحيث يسمع جليسه فيشمته ويرد عليه العاطس.
وتشمت المرأة المرأة، والرجل الرجل، والمرأة العجوز البرزة، ولا يشمِت الشابة، ولا تشمته.
والتشميت بالشين المعجمة والمهملة، فإن عطس ثانيًا شمته، وثالثًا دعا له بالعافية.
ولا يشمت ولا يجيب التجشي بشيء، فإن حمد قال: هنيئًا مريئًا، أو هنأك الله بالعافية، وأمراك.
ويجب الاستئذان على كل من يريد الدخول عليه من أقارب، وأجانب، فإن أذن له، وإلا رجع، ولا يزيد على ثلاث، إلا أن يظن عدم سماعهم.
وصفة الاستئذان سلام عليكم، ولا يستقبل الباب بوجهه حالة السماع، فإذا دخل سلم ثانيًا.
وتستحب تعزية أهل المصيبة
(1)
حتى الصغير.
ومن شق ثوبه نصًّا
(2)
، وتكره استدامة لبسه قبل الدفن، وبعده أولى إلى ثلاثة
(3)
.
وقيل: وفوقها لغائبٍ ونحوه، قال المنُقِّح
(4)
: وهو أظهر.
وكرهه جماعةٌ بعد ثلاث، ولم يحد آخرون آخر وقتها
(5)
.
(1)
قال النووي في الأذكارص 148: «واعلم أن التعزية هي التصبير، وذكر ما يسلّي صاحب الميت، ويخفّف حزنه، ويهوّن مصيبته، وهي مستحبة، فإنها مشتملة على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهي داخلة أيضًا في قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وهذا أحسن ما يُستدلّ به في التعزية» .
وقال في الشرح الممتع 5/ 389: (التعزية: هي: التقوية، بمعنى: تقوية المصاب على تحمل المصيبة، وذلك بأن تورد له من الأدعية، والنصوص الواردة في فضيلة الصبر ما يجعله يتسلى وينسى المصيبة).
(2)
ينظر: المغني 2/ 405، والشرح الكبير 2/ 427، والفروع 3/ 403، والإنصاف 2/ 564.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 240، وشرح منتهى الإرادات 1/ 381. قال في الفروع 3/ 404:«ولم يحد جماعة آخر وقت التعزية، منهم الشيخ، فظاهره يستحب مطلقا، وهو ظاهر الخبر» .
(4)
ينظر: التنقيح ص 135.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 403، والمبدع 2/ 286، قال في النكت والفوائد السنية على مشكّل المحرر 1/ 208:«ولم يحد جماعة من الأصحاب، منهم الشيخ موفق الدِّين استحباب التعزية بثلاث، وإطلاق كلامهم يقتضي الاستحباب بعد الثلاث، وهو ظاهر الأخبار؛ ولأن القصد تسلية أهل المصيبة، والدُّعاء لهم، ولميتهم، وهذا المعنى تستوي فيه الثلاث وغيرها، والتعليل بتحديد المصيبة مناسبة مرسلة ليس لها أصل، فلا تقبل على أن هذا المعنى موجود في الثلاث» .
ويكره تكرارها نصًّا
(1)
لشابةٍ أجنبيةٍ، ومعنى التعزية التسلية، والحث على الصبر بوعد الأجر، والدُّعاء للميت والمصاب، ولا تعيين فيما يقوله، ويختلف باختلاف المعزون، فإن شاء قال في تعزية/ [68/ أ] المسلم بالمسلم: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاك، وغفر لميتك
(2)
.
وفي تعزيته بكافرٍ أخلف الله عليك، ولا نقص عددك، ويقول المسلم المعزى: استجاب الله دعاك، ورحمنا وإياك، ولا يكره أخذه بيد من عزاه نصا
(3)
.
ولا يكره البكاء على الميت قبل الموت، وبعده، ولا بأس بجعل المصاب عليه علامة يعرف بها؛ ليعزى.
ويكره له تغيير حاله من خلع ردائه، ونعله، وغلق حانوته، وتعطيل معاشه ونحوه.
ولا يجوز الندب، وهو البكاء، مع تعداد محاسن الميت
(4)
.
ولا النياحة، وهو اجتماع النساء؛ للبكاء متقابلاتٍ بصوتٍ، ورنةٍ
(5)
،
(1)
ينظر: المبدع 2/ 286، ومنتهى الإرادات 1/ 118، وكشاف القناع 2/ 160.
(2)
والأفضل التقيد بما ورد في السنة، كما ورد في تعزية النبي صلى الله عليه وسلم لإحدى بناته حيث قال:((إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل إلى أجل مسمى، فلتصبر، ولتحتسب)) وبهذا اللفظ أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب ما جاء في قول الله تعالى (أن رحمة الله قريب من المحسنين)، برقم (7448) 9/ 139، ومسلم في صحيحه، كتاب الكسوف، باب البكاء على الميت، برقم (923) 2/ 635.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 406، والإنصاف 2/ 567، والإقناع 1/ 241.
(4)
ينظر: المطلع 154.
(5)
ينظر: مجمل اللغة 1/ 847، والمطلع 154.
وندبةٍ، ولا شق الثياب، ولطم الخدود، وما أشبه ذلك من الصراخ، وخمش الوجه، ونتف الشعر، ونثره وحلقه.
ويباح بيسير الندبة الصدق إذا لم يخرج مخرج النوح، ولا قصد نظمه نصًّا
(1)
نحو قوله: يا أبتاه، يا ولداه ونحو ذلك.
(1)
ينظر: الفروع 3/ 402، والمبدع 2/ 290، والإنصاف 2/ 568.
كتاب الزكاة
(1)
الزكاة أحد أركان الإسلام، واختلف العلماء هل فرضت بمكة، أو بالمدينة، واختار المجد، وحفيده أبو العباس أنها مدنية
(2)
، قال في الفروع
(3)
: ولعل المراد طلبها، فإنه كان بالمدينة وظاهره ميله إلى وجوبها بمكة.
وهي حق واجبٌ في مالٍ خاصٍ، لطائفةٍ مخصوصةٍ، في وقتٍ مخصوصٍ، فتجب في أربعة أصنافٍ.
المال السائمة
(4)
من بهيمة الأنعام، والخارج وما في حكمه من الغل
(1)
الزكاة لغة تطلق على معاني منها:
أولا: النماء والزيادة، يقال: زكا الزرع، إذا نما وزاد.
ثانيا: الصلاح، قال سبحانه وتعالى:{فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} سورة الكهف آية رقم (81). أي صلاحا. ينظر: تفسير البغوي 3/ 210.
ثالثا: المدح، قوله سبحانه وتعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} سورة النساء آية رقم (49) ينظر: التفسير الوسيط 3/ 179، والتفسير المنير 5/ 110.
رابعا: التطهر والنقاء، قوله سبحانه وتعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} سورة الأعلى آية (14). ينظر: تفسير الطبري 18/ 342.
سميت بذلك؛ لأنها تثمر المال وتنميه، وقيل: لأنها تزكي والفقراء، أي: تنميهم. ينظر: غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 184، المطلع ص 155.
(2)
ينظر: المبدع 2/ 291، وشرح المنتهى 1/ 387.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 437.
(4)
قال في المطلع ص 156: السائمة: هي الراعية، يقال: سامت الماشية: رعت، وأسمتها، أخرجتها إلى الرعي.
ونحوه، والأثمان، وعروض التجارة، وسيأتي بيانها في أبوابها إن شاء الله تعالى
(1)
.
ولا تجب في غير ذلك، إلا في متولد بين وحشيٍ، وأهليٍ، وبقر وحشٍ
(2)
، وغنمه فلا تجب في سائر الأموال إذا لم تكن للتجارة حيوانًا كان كالرقيق، والطيور، والخيل، والبغال،
والحمير سائمةً أو لا، أو غير حيوانٍ كاللآلئ، والجواهر، والثياب، والسلاح، وأدوات الصناعة، وأثاث البيوت، والأشجار، والنبات، والأواني، والعقار من الدور، والأرضين للسكنى، أو للكِري.
ولا تجب إلا بشروطٍ خمسةٍ:
الإسلام/ [68/ ب]، والحرية، فلا تجب بمعنى الأداء على كافرٍ، ولو مرتدًا، ولا عبد، ولو مدبرًا، أو أم ولدٍ، ولا مكاتبٍ نصًّا
(3)
؛ لنقص ملكه، بل معتق بعضه فيزكي ما ملكه بحريته، وإن ملَّك السيد عبده مالًا لم يملكه، وتجب على السيد نصًّا
(4)
، ولا ينعقد على المال المنسوب إلى الجنين فلا زكاة.
(1)
باب زكاة بهيمة الأنعام. لوح رقم (70/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [356]، وزكاة الخارج من الأرض. لوح رقم (74/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [367]، وزكاة الأثمان في الصفحة رقم [384]. لوح رقم (79/ أ) وما بعدها من المخطوط، وزكاة عروض التجارة. لوح رقم (81/ أ) وما بعدها من المخطوط في الصفحة رقم [390].
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في شرح المفردات 1/ 289:
في بقر الوحش زكاة تذكر
…
إن سامها والشيخ هذا ينكر
كذا نتاج أمها الأهلية
…
من وحش أو بالعكس بالسوية.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 436، والمبدع 2/ 294، ومنتهى الإرادات 1/ 121.
(4)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 3/ 1102، والشرح الكبير 2/ 438، والمبدع 2/ 294، والإنصاف 3/ 6.
الثالث: ملك نصاب ففي أثمان، وعروض تقريب، فلا يضر نقص حبتين، وفي ثمرٍ، وزرعٍ تحديد، وقيل: تقريب
(1)
فلا يؤثر نحو رِطلَين، وَمُدَّين.
قال المنُقِّح
(2)
: وهو أظهر، ويؤثران على الأول، ولا اعتبار بنقصٍ داخلٍ في الكيل، وتجب فيما زاد على النصاب بالحساب، إلا في السائمة فلا زكاة في وقصها
(3)
.
الرابع: تمام الملك فلا زكاة في دَين الكتابة، ولا في السائمة، وغيرها الموقوفة على غير معين كالمساكين، أو على مسجدٍ، ورباطٍ ونحوهما كموصى به في وجوه بر، ويشتري به وقفًا، ولو اتجر به وصي قبله فربح فيه نصًّا
(4)
، ولا في ربحٍ، ويضمن الوصي إن خسر.
وتجب في سائمةٍ، وغلة أرضٍ، وشجرٍ موقوفةٍ على معينٍ نصًّا
(5)
.
ويخرج من غير السائمة، فإن كانوا جماعةً، وبلغ نصيب كل واحدٍ من غلته نصابًا، وجبت نصًّا
(6)
، وإلا فلا، ولا في حصة مضاربٍ قبل القسمة، ولو ملكت بالظهور، فلا ينعقد عليها الحول قبل استقرارها
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 243، وكشاف القناع 2/ 169.
(2)
ينظر: التنقيح ص 136.
(3)
في المخطوط (فلا زكاة في نقصها) والصواب ما أثبت. ينظر: عمدة الفقه ص 35، والعدة ص 136، والفروع 3/ 445.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 243، وكشاف القناع 2/ 170.
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 243، ومنتهى الإردات 1/ 122، وحاشية الروض 3/ 168.
(6)
ينظر: الإنصاف 5/ 72، والإقناع 1/ 243، ومنتهى الإردات 1/ 122، وكشاف القناع 2/ 170.
نصًّا
(1)
، ويزكي رب المال حصته منها نصًّا
(2)
كالأصل لملكه بظهوره.
ومن له دينٌ على مليء
(3)
باذلٍ من قرضٍ، أو دَين عروض تجارةٍ، أو صداقٍ، أو عوض خلعٍ، أو أجرةٍ بالعقد قبل القبض، وإن لم يستوف المنفعة ونحو ذلك جرى في حول الزكاة من حين ملكه عينًا كان، أو دَينًا نصًّا
(4)
من غير بهيمة الأنعام لا منها؛ لاشتراط السوم، فإن عينت زكيت كغيرها، وكذا الدية الواجبة لا تزكى؛ لأنهالم تتعين مالاً زكويًّا زكّاه إذا قبضه، أو أبرأ منه نصًّا
(5)
لما مضى/ [69/ أ] قصد ببقائه عليه الفرار من الزكاة، أم لا، ويجزئ إخراجها قبل قبضه، ولو قبض من الدَّين دون نصابٍ زكّاه نصًّا
(6)
وكذا لو كان في يده بعض نصاب وباقيه دَين، أو غصب، أو ضال زكى ما بيده.
وكل دينٍ سقط قبل قبضه لم يتعوض عنه كنصف صداقٍ قبل قبضه بطلاقٍ، أو كله؛ لانفساخه من جهتها فلا زكاة فيه، وإن أسقطه ربه زكّاه نصًّا
(7)
، وإن أخذ ربه به عوضًا، أو أَحال، أو احتَال زكاه كعين وهبها.
وتجب أيضًا في دَين على غير مليءٍ، ومماطلٍ، ومؤجلٍ، ومجحودٍ
(1)
ينظر: كشاف القناع 2/ 171.
(2)
ينظر: المحرر 1/ 218، والفروع 3/ 466، والإقناع 1/ 243.
(3)
المليء: كثير المال. ينظر: تهذيب اللغة 3/ 61، والنهاية في غريب الحديث والأثر 4/ 352.
(4)
ينظر: الإنصاف 3/ 18.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 453، والإقناع 1/ 244، وكشاف القناع 2/ 172.
(6)
ينظر: شرح الزركشي 2/ 520، والمبدع 2/ 298، ومنتهى الإردات 1/ 122.
(7)
ينظر: الفروع 3/ 455، والإنصاف 3/ 20.
ببينة
(1)
أو لا، ومغصوبٍ في جميع الحول، أو بعضه، فإن أخرجها الغاصب رجع المالك عليه بها، وضائع
كلقطة فحوَّل التعريف على ربها وما بعده على ملتقطٍ نصًّا
(2)
، فإن أخرج الملتقط زكاتها عليه منها، ثم أخذها ربها، رجع عليه بما أخرج، ومسروقٍ، ومدفونٍ منسي في داره، أو غيرها، أو مذكورٍ جهل عند من هو، وموروثٍ، ومرهونٍ، ويخرجها الراهن منه بلا إذنٍ، ومبيعٍ قبل القبض، ويزكي بائع مبيعًا غير متعينٍ، ولا متميزٍ، ومشتر يزكي غيره، ومودع وليس للمودع إخراجها منه بغير إذن مالكه نصًّا
(3)
، وغائبٍ مع عبده، أو وكيله ونحو ذلك.
ولا زكاة في مال من عليه دَين ينقص النصاب، ولو مع غير جنس المال فيمنع، وما استدانه، حتى دَين خراجٍ
(4)
نصًّا
(5)
، وأرش جناية عبيد التجارة؛ لمؤنة حصاد، وجذاذ
(6)
، أو دِياسٍ
(7)
، وكِرَاء أرض ونحوه نصًّا
(8)
، لا دينًا
(1)
ومعنى العبارة: أنه لو كان الدِّين الواجب زكاته مجحودا ببينة أو بلا بينة؛ لأن جحده لا يزيل ملك ربه عنه. ينظر: التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح 1/ 398.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 244، وكشاف القناع 2/ 174.
(3)
لأنه افتيات عليه، ولتوقف الإجزاء على النية. ينظر: الإقناع 1/ 245، وكشاف القناع 2/ 175، وحاشية الروض 3/ 175.
(4)
الخراج: عبارة عما قرر على الأرض التي استولى عليها المسلمون من أراضي المشركين بدل الأجرة. ينظر: المطلع ص 258.
(5)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 450، والمبدع 2/ 299، والإنصاف 3/ 24.
(6)
الجذاذ: بفتح الجيم، وكسرها، وبالدال المهملة، والمعجمة: صرام النخل، وقطع جميع الثمر. ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 177، وتاج العروس 7/ 475. مادة (ج ز ز).
(7)
يقال: داس الزرع دياسا بمعنى: درسه، وأداسه لغة ومعناه: دقة ليتخلص الحب من القشر. ينظر: المطلع ص 318، ومعجم لغة الفقهاء 1/ 205.
(8)
ينظر: الإنصاف 3/ 25، والإقناع 1/ 245، ومنتهى الإردات 1/ 123. وخالف المؤلف ما في التنقيح ص 137: وفيه أن الزكاة لا تجب على من عليه دين ينقص النصاب إلا إذا كان لمؤنة الحصاد والجذاذ والدياس. قال الحجاوي في حاشيته على التنقيح ص 137: «ولم نر أحدا استثنى ما استثناه المنُقِّح على المذهب فيما اطلعنا عليه إلا دين الضامن» .
بسبب ضمان، فيمنع وجوبها في قدره حالاً كان الدَّين، أو مؤجلاً في الأموال الباطنة كالأثمان، وقيم عروض التجارة، والمعدن، أو الظاهرة كالمواشي، والحبوب في الثمار نصًّا
(1)
، ومعنى قولنا يمنع بقدره، أنا نسقط من المال بقدر الدَّين، كأنه من غير مالكٍ له، ثم يزكي ما بقي.
ولا يمنع الدَّين خمس الركاز، ومتى أبرئ المدين، أو قضى من مال مستحدثٍ ابتدأ حولاً وحكم/ [69/ ب] دين الله من كفارةٍ، وزكاةٍ، ونذرٍ مطلقٍ، ودين حجٍ ونحوه كدين.
الخامس: مضي الحول شرط على نصابٍ تامٍ، ويعفى عن نحو ساعتين، إلا في الخارج من الأرض، فإذا استفاد مالاً، فلا زكاة فيه حتى يتم عليه الحول، إلا نتاج السائمة، وربح التجارة فإن حوله حول أصله إن كان نصابًا، وإن لم يكن نصابًا، فحوله من حين كمل النصاب.
ولا يبني وارث على حول مورثٍ نصًّا
(2)
، بل يستأنف حولاً، وإن ملك نصابًا صغارًا انعقد عليه الحول من حين ملكه، فعليه لو تغذت باللبن فقط لم تجب؛ لعدم السوم، ومتى نقص النصاب في بعض الحول، أو باعه، أو أبدله بغير جنسه انقطع الحول، إلا في إبدال ذهبٍ بفضةٍ، وعكسه، وأموال الصيارف، ويخرج مما معه عند وجوب الزكاة، ولا ينقطع
(1)
ينظر: المبدع 2/ 404.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 246، وشرح منتهى الإرادات 1/ 395، وكشاف القناع 2/ 178.
فيما أبدله بجنسه مما تجب الزكاة في عينه نصًّا
(1)
، حتى لو أبدل نصابًا من السائمة بنصابين زكاهما نصًّا
(2)
.
ومتى قصد ببيعٍ ونحوه الفرار من الزكاة مطلقًا حرم، ولم تسقط، ويزكي من جنس المبيع لذلك الحول، وإن قال: لم أقصد الفرار ففي قوله حكمًا وجهان
(3)
، ولعل أولاهما يقبل بيمينه، وقال المنُقِّح
(4)
: يعمل بالقرينة.
وإذا تم الحول وجبت الزكاة في عين المال، نقله واختاره الأكثر
(5)
.
وعنه
(6)
تجب في الذمة، فعلى الأَوَّل إذا مضى حولان فأكثر على نصاب لم يؤد زكاته فزكاةٌ واحدةٌ، وعلى الثاني يزكي لكل حول أطلقه أحمد
(7)
.
وقيل
(8)
: إلا إذا قلنا دين الله يمنع وجوبها فزكاة واحدة، وعليه الأكثر.
قال المنُقِّح
(9)
: وهو أظهر، وعليه أيضًا يزكيه لكل حولٍ مالم تفن
(1)
ينظر: الفروع 3/ 474، وزاد المستقنع ص 73.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 246، وكشاف القناع 2/ 179.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 476، والإنصاف 3/ 33.
(4)
ينظر: التنقيح ص 138.
(5)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 463، والفروع 3/ 477، والمبدع 2/ 306.
(6)
قال في الفروع 3/ 477: اختاره الخرقي، وأبو الخطاب، وصاحب التلخيص، قال ابن عقيل: هو الأشبه بمذهبنا.
(7)
ينظر: الفروع 3/ 477، والإنصاف 3/ 35.
(8)
ينظر: المحرر 1/ 219، وشرح الزركشي 2/ 462، والإنصاف 3/ 36.
(9)
ينظر: التنقيح ص 139.
الزكاة المال، إلا ما كان زكاته الغنم من الإبل ففي الذمة نصًّا
(1)
، وتتكرر بتكرر الأحوال، وعلى الأَوَّل إن كان أكثر من نصابٍ نقص من زكاته لكل حولٍ نقصه بها.
تنبيه: تعلق الزكاة بالنصاب كتعلق أرش جناية، لا كتعليق دَين رهنٍ، ولا بمال محجورٍ عليه؛ لفلس، ولا تعلق شركة فله إخراجها من/ [70/ أ] غيره، والنماء بعد وجوبها له، ولو أتلفه لزمه ما وجب في التالف، لا قيمته، ويتصرف فيه ببيعٍ وغيره.
ولا يرجع بائعٌ بعد لزوم بيع في قدرها، ويخرجها، فإن تعذر فسخ في قدرها، ولمشتر الخيار فتجب بمضي الحول، ولا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء، فعليه لو أتلف المال بعد الحول قبل التمكن ضمنها.
وعنه
(2)
يعتبر فلا ضمان، ولا تسقط بتلف المال على الأَوَّل، إلا الزرع، والثمر إذا تلف بجائحةٍ
(3)
قبل حصاد، وجذاذٍ ويأتي
(4)
، ومالم يدخل تحت اليد كالديون وتقدم معناه، وديون الله من الزكاة، والكفارة، والنذر المطلق سواءٌ نصًّا
(5)
.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 465، الإقناع 1/ 247، وكشاف القناع 2/ 181.
(2)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 3/ 1010، والكافي 1/ 382، والفروع 3/ 482.
(3)
الجائحة: المراد بها الآفة، وعرفها الشافعي بقوله:«ما أذهب الثمر بأمر سماوي» مثل الريح، والصواعق، والمطر، والجراد، وغيرها ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 196، والمصباح المنير 1/ 113. مادة (ج وح).
(4)
في باب زكاة الخارج من الأرض ص 379. لوح رقم (76/ ب) من المخطوط.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 487، والإقناع 1/ 247، وكشاف القناع 2/ 182.
فإن مات من عليه منها زكاة، أو غيرها بعد وجوبها لم تسقط، وأخذت من تركته، فيخرجها وارث، فإن كان صغيرًا فوليه، فإن كان معها دين آدميٍ وضاق ماله اقتسموا بالحصص نصًّا
(1)
إلا إذا كان به رهن فيقدم، وتقدم أضحية معينة عليه، ويقدم نذر بمعين عليهما، وعلى الدَّين، وكذا لو أفلس حيٌ.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 466، والمبدع 2/ 309، والإنصاف 3/ 41، والإقناع 1/ 248.
باب زكاة بهيمة الأنعام
ولا تجب إلا في السائمة منها؛ للدر، والنسل، وهي التي ترعى في أكثر الحول نصًّا
(1)
طرفًا، أو وسطًا مباحًا، فلو اشترى لها ما ترعاه، أو جمع لها ما تأكل، أو علفها حرامًا فلا زكاة.
ولا تجب في العوامل
(2)
أكثر السنة، ولو لإجارة، وإن كانت سائمةً نصًّا
(3)
كالإبل التي تكرى.
وقيل: بلى
(4)
فيزكي زكاة القيمة، حتى في عقارٍ يكرى، قاله ابن عقيل
(5)
.
قال في الفروع:
(6)
في الإبل وهو أظهر، ولو نوى بالسائمة العمل لم تؤثر نيته مالم يوجد العمل ولو سامت بعض الحول، وعلفت بعضه فالحكم للأكثر.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 486، والمبدع 2/ 309، والإنصاف 3/ 45، ومنتهى الإرادات 1/ 125.
(2)
العوامل جمع عاملة، وهي التي تستخدم في السقي والحرث وحمل الأثقال. وتطلق على البقر، والإبل. ينظر: النهاية في غريب الحديث 3/ 301.
(3)
ينظر: المغني 2/ 430، والمحرر 1/ 214، والشرح الكبير 2/ 467، والفروع 4/ 205.
(4)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 467، وشرح الزركشي 2/ 378، والمبدع 2/ 310، والإنصاف 3/ 46.
(5)
نقل عنه صاحب الإنصاف 3/ 40.
(6)
ينظر: الفروع 4/ 5.
ويجب في متولدٍ بين سائمةٍ، ومعلوفةٍ، ولا يعتبر للسوم، والعلف نية، فلو سامت بنفسها، أو أسامها غاصب وجبت، كغصبه حبًا وزرعه في أرض ربه، فيه العشر على مالكه، وعكسه بعكسه، وهي ثلاثة أنواعٍ:
أحدها الإبل
(1)
، فلا زكاة فيها حتى تبلغ خمسًا،/ [70/ ب] فتجب فيها شاة بصفة الإبل جودة ورداءة، فإن كانت الإبل معيبة فالشاة صحيحة تنقص قيمتها بقدر نقص الإبل، فإن
أخرج بعيرًا لم تجزئه نصًّا
(2)
كبقرة، وكنصفي شاتين، وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه.
فإذا بلغت خمسًا وعشرين ففيها بنت مخاضٍ
(3)
، لها سنة سميت بذلك؛ لأن أمها قد حملت غالبًا، فإن كانت عنده وهي أعلى من الواجب خيِّر بين إخراجها، وبين شراء بنت مخاض بصفة الواجب، فإن عدمها، أو كانت معيبةً أجزأه ابن لبون، أو خنثى ولد لبون وهو الذي له سنتان، ويجزئ أيضًا حق، أو جذع
(4)
،
(1)
الإبل: بكسر الباء ويجوز إسكانها - وهو اسم جنس يقع على الذكور والإناث، لا واحد له من لفظه، يقال لولد الناقة إذا وضعته ربع - بضم الراء وفتح الباء - والأنثى ربعة ثم هبع وهبعة - بضم الهاء وفتح الباء الموحدة - فإذ فصل عن أمه فهو فصيل، والجمع فصلان، والفصال الفطام وهو في جميع السنة حوار - بضم الحاء. ينظر: المجموع شرح المهذب 5/ 385.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 13، والإنصاف 3/ 49، ومنتهى الإرادات 1/ 125.
(3)
بنت مخاض: ما تم لها سنة، ودخلت في الثانية، والذكر ابن مخاض، سميا بذلك؛ لأن أمهما قد ضربها الفحل، فحملت غالبا، ولحقت بالمخاض من الإبل، وهن الحوامل. ينظر: المطلع ص 157.
(4)
الجذعة من الإبل: ما تم لها أربع سنين، ودخلت في الخامسة، والذكر يقال له جذع، سميا بذلك؛ لأنهما يجذعان إذا سقطت أسنانهما. ينظر: المطلع ص 158، وشرح الزركشي 2/ 382.
أو ثني
(1)
أولى لزيادة السن وبنت لبون
(2)
ولها جبران، ولو وجد ابن لبون، فإن عدم ابن لبون لزمه شراء بنت مخاض.
وفي ست وثلاثين بنت لبون سميت به؛ لأن أمها وضعت فهي ذات لبن.
وفي ست وأربعين حقة
(3)
لها ثلاث سنين سميت بذلك؛ لأنها استحقت أن تركب، ويحمل عليها، ويطرقها الفحل.
وفي إحدى وستين جذعة لها أربع سنين سميت بذلك؛ لأنها ألقت ثنيتها، فبإسقاط سنها تجذع، وتجزئ جذعة عن ثنية بلا جبران كما يأتي
(4)
.
وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومئة، فإذا زادت واحدة، ففيها ثلاث بنات لبون، ثم تستقر الفريضة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة
(5)
، ولا أثر لزيادة بعض بعير،
(1)
الثني من الإبل: الذي أثنى أي ألقى ثنيته وهو ما استكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة.
ينظر: مجمل اللغة 1/ 164، وطلبة الطلبة ص 16، والمغرب في ترتيب المعرب ص 17.
(2)
ابنة لبون: هي ما تم لها سنتان من الإبل، ودخلت في الثالثة، والذكر: ابن لبون، سميا بذلك؛ لأن أمهما قد ولدت بعدهما ـ غالبا ـ فصارت ذات لبن. ينظر: المطلع ص 157، والمصباح المنير 2/ 548.
(3)
حقة: بكسر الحاء، وهي ما تم لها ثلاث سنين من الإبل، ودخلت في الرابعة، سميت بذلك؛ لأنها استحقت أن تركب، ويحمل عليها. ينظر: المطلع ص 158، والمصباح المنير 1/ 143.
(4)
في هذا الباب لوح رقم (72/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [362].
(5)
قال ابن عبد البر في التمهيد 2/ 139: «لأن الأصل في فرائض الإبل المجتمع عليها في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون» .
ولا بقرة، أو شاة.
فإذا بلغت مئتين اتفق الفرضان، إن شاء أخرج أربع حِقَاق، أو خمس بنات لبون، إلا أن يكون النصاب كله بنات لبون/ [71/ أ] أو حقاق فيخرج منه ولا يكلف إلى غيره، أو يكون مال يتيم، أو مجنون فيتعين إخراج أدون مجزئ، والمنصوص تجب الحقاق، وكذا الحكم في أربع مئة، وإن أخرج عنها من النوعين بلا تشقيصٍ كأربع حقاق، وخمس بنات لبون صح، أما مع الكسر فلا، كحقتين، وبنتي لبون ونصف.
وإن وجد أحد الفرضين كاملاً، والآخر ناقصًا لابد له من جبران يعين الكامل، ومع عدم الفرضين، أو عيبهما له العدول عنهما مع الجبران فيخرج خمس بنات مخاض، وخمس جبرانات عشر شياه، أو مئة درهم، أو يخرج أربع جذعات ويأخذ أربع جبرانات ثمان شياه، أو ثمانين درهمًا.
ولا يجوز أن يخرج بنات المخاض عن الحقاق، ويضعف الجبران، ولا الجذعات عن بنات اللبون ويأخذ الجبران مضاعفًا، ولا يخرج أربع بنات لبون مع جبران، ولا خمس حقاق، ويأخذ الجبران.
وليس فيما بين الفريضتين شيء، وهو الأوقاص فهو عفو لا يتعلق به الزكاة، بل بالنصاب فقط.
ومن وجبت عليه سن فعدمها، خير المالك في الصعود، والنزول، فإن شاء أخرج سنًا أسفل منها، ومعها شاتان، أو عشرون درهمًا، وإن شاء أخرج أعلى منها، وأخذ مثل ذلك من الساعي.
إلا ولي يتيم، ومجنون فيتعين عليه إخراج أَدْوَن مُجزئ، صرح به في الوجيز
(1)
، والزركشي
(2)
، وهو مراد غيرهما.
ويعتبر كون ما عدل إليه في ملكه، فإن عدم فيه حصل الأصل فإن عدم ما يليها انتقل إلى الأخرى، وضاعف الجبران، فلو عدمه أيضًا انتقل إلى ثالث كذلك.
وحيث تعدد الجبران جاز جبران غنمًا، وجبران دراهم، والنصف شياه، فلو كان النصاب معيبًا، وعدمت الفريضة فيه دفع السن السفلي مع الجبران.
وليس له دفع الأعلى وأخذ جبران بل مجانًا، إلا ولي يتيم فلا، ولا مدخل لجبرانٍ في غير الإبل.
فصل
النوع الثاني: البقر ولا/ [71/ ب] شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين فهي أقل نصابها، ويجب فيها تبيعٌ
(3)
، أو تبيعةٌ وهو ما حاذى أذنُه قرنَه نصًّا
(4)
، لكلٍ منهما سنة.
وفي أربعين مُسِنَّة
(5)
ألقت سنًا غالبًا
(1)
ينظر: الوجيز ص 70.
(2)
ينظر: شرح الزركشي 2/ 388.
(3)
التبيع: ما تم له سنة من أولاد البقر، يقال للذكر تبيع، وللأنثى تبيعه، وسميا بذلك؛ لأنهما قد قويا فهما يتبعان أمهما. ينظر: المطلع ص 159.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 23، والإنصاف 3/ 57، والإقناع 1/ 251.
(5)
المسنة من البقر: هي التي تم لها سنتان، ودخلت في الثالثة، سميت بذلك؛ لسقوط ثنيتها. قال الأزهري:«والبقرة، والشاة يقع عليها اسم المسن إذا أثنيا، فإذا سقطت ثنيتها بعد طلوعها فقد أسنت، وليس معنى إسنانها كبرها كالرجل، ولكن معناه طلوع ثنيتها» . ينظر: تهذيب اللغة 12/ 210، والمطلع ص 159.
نصًّا
(1)
لها سنتان.
وفي الستين تبيعان، ثم في كل ثلاثين تبيعٌ، وفي كل أربعين مُسِنَّة
(2)
.
فإذا بلغت مئةً وعشرين اتفق الفرضان فيخير نصًّا
(3)
، ولا يجزئ الذكر في الزكاة في غير التبيع في زكاة البقر، وابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمها، إلا أن يكون النصاب كله ذكورًا فيجزئ فيه ذكر في جميع أنواعها.
ويؤخذ من الصغار صغيرةٌ في غنم، دون إبل وبقر؛ فلا يجزئ إخراج فصلان
(4)
، وعجاجيل، فيقوَّم النصاب من الكبار، ويقوَّم فرضه؛ ثم تقوم الصغار، ويؤخذ عنها كبيرةً بالقسط.
وقيل: يجزئ
(5)
فيؤخذ من خمس وعشرين، إلى إحدى وستين واحدة، ثم في ستٍ وسبعين ثنتان، وكذا في إحدى وتسعين، وفي ثلاثين عجل إلى تسع وخمسين واحد، وفي ستين إلى تسع وثمانين اثنان، وفي
(1)
ينظر: الفروع 4/ 23، والمبدع 2/ 316، والإنصاف 3/ 58.
(2)
قال ابن عبد البر في التمهيد 2/ 273: (ولا خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما قال معاذ بن جبل في ثلاثين بقرة تبيع وفي أربعين مسنة).
(3)
ينظر: الكافي 1/ 387، والمغني 2/ 444، والفروع 4/ 19، وشرح الزركشي 2/ 394، والمبدع 2/ 314.
(4)
الفصلان: جمع فصيل، وهو ولد الناقة بعد فطامه، وفصله عن أمه. ينظر: المطلع ص 341، والمعجم الوسيط 2/ 691.
(5)
ينظر: الفروع 4/ 29، والمبدع 2/ 318.
تسعين ثلاثٌ منها، وقس عليه، والتعديل بالقيمة مكان زيادة السن، ولو
كانت دون خمس وعشرين من الإبل صغارًا وجب في كل خمس شاة كالكبار، ويؤخذ من المراض مريضة.
فإن اجتمع صغارٌ، وكبارٌ، وصحاحٌ، ومعيباتٌ، وذكورٌ، وإناث لم يؤخذ إلا أنثى صحيحة كبيرة على قدر قسمة المالين، إلا إذا لزمه شاتان في مالٍ معيبٍ إلا واحدة، أو لزماه في مئة وعشرين سخلة
(1)
وشاة كبيرة فيخرج في الأُولى الصحيحة ومعيبة معها.
وفي الثانية الشاة وسخلة معها، فإن كان نوعين كَالْبَخَاتِيِّ
(2)
، وَالْعِرَابِ
(3)
، والبقر، والجواميس،/ [72/ أ] والضأن، والمعز، أخذت الفريضة من أحدهما على قدر قيمة المالين، أو كان فيه كرام، ولئام، وسمان، ومهازيل وجب الوسط نصًّا
(4)
بقدر قيمة المالين.
وإن أخرج عن النصاب من غير نوعه ما ليس في ماله منه جاز، إن لم تنقص قيمة المخرج عن النوع الواجب.
(1)
يقال لأولاد الغنم ساعة تضعها أمهاتها من الضأن، والمعز ذكر كان، أو أنثى سخلة، وجمعها سخال.
ينظر: جمهرة اللغة 1/ 598، والزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 98، وتهذيب اللغة 6/ 179.
(2)
البخاتي: هي إبل غلاظ، ذوات سنامين، وهي الإبل الخرسانية. المطلع على ألفاظ المقنع ص 159.
(3)
العراب تطلق على الإبل، والبقر، والخيل، وهي جرد ملس، حسان الألوان الكريمة، وهي العربية الخالصة، خلاف البخاتي. ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 101، والمصباح المنير 1/ 179.
(4)
ينظر: عمدة الفقه ص 36، والعدة ص 141، والفروع 4/ 31، والمبدع 2/ 319، ومنتهى الإرادات 1/ 128.
فصل
النوع الثالث: الغنم ولا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين، فهي أقل نصابها.
فيجب فيها شاةٌ إلى مئةٍ وعشرين، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مئتين، فإذا زادت، ففيها ثلاث شياه إلى أربع مئة، ثم في كل مئة شاةٍ شاةٌ، ويؤخذ من معزٍ ثني
(1)
، ومن ضأن جذع هنا وفي كل موضع وجبت شاة على ما يأتي بيانه في الأضحية
(2)
.
ولا يؤخذ تيس إلا فحلٌ ضراب؛ لخيره برضا ربه حيث يؤخذ ذكر ويجزئ، ولا هرمة، ولا ذات عوار وهي المعيبة بذهاب عضوٍ، أو غيره عيبًا يمنع التضحية بها نصًّا
(3)
، إلا أن يكون النصاب كله كذلك، ولا الرُّبى
(4)
وهي التي لها ولد تُرَبِّيه، ولا حامل، ولا مرضع، ولا طَرُوقَة
(5)
الفحل؛ لأنها تحبل غالبًا، ولا خيار المال، ولا الأكولة وهي السمينة، ولا سن من جنس الواجب أعلى منه، إلا برضا ربه كبنت لبون عن بنت مخاض، ولا يجزئ إخراج القيمة مطلقًا فطرةً، أو غيرها.
(1)
الثني من المعز: ما تم له سنة، ودخل في الثانية. ينظر: مختصر الخرقي ص 43، والمغني 2/ 452، والشرح الكبير 2/ 519.
(2)
في باب الهدي والأضاحي في لوح رقم (120/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [529].
(3)
ينظر: المغني 2/ 475، والإقناع 1/ 253.
(4)
الربى: على وزن فعلى، وهي الشاة التي وضعت حديثا، وقيل هي التي تحبس في البيت لأجل اللبن. ينظر: معجم ديوان الأدب 3/ 84، والصحاح 1/ 131، ومجمل اللغة ص 371، وطلبة الطلبة ص 17.
(5)
أي: يطرق الفحل أمثالها، وإطراق الفحل إنزاؤه. ينظر: تهذيب اللغة 9/ 11، والفائق في غريب الحديث 2/ 360، ولسان العرب 10/ 216.
وإن أخرج سنًا أعلى من الفرض من جنسه أجزأ، فيجزئ مسن عن تبيع، أو تبيعةٍ وأعلى من المُسِنَّة عنها، وبنت لبون عن بنت مخاض، وحقة عن بنت لبون، وجذعة عن حقة، ولو كان الواجب عنده وتقدم إجزاء حق، وجذع، وثني
(1)
عن بنت مخاض، ويجزئ ثنية وأعلى منها عن جذعة، ولا جبران.
فصل في الخلطة
الخلطة في المواشي/ [72/ ب] لها تأثير في الزكاة إيجابًا، وإسقاطًا فتصير الأموال كالواحد في نصاب الزكاة دون الحول.
فإذا اختلط نفسان، أو أكثر من أهل الزكاة في نصاب من الماشية حولاً لم يثبت لهما حكم الانفراد في بعضه بأن ملكاه معًا بإرث، أو شراءٍ، أو غيرهما فحكمهما في الزكاة حكم الواحد، سواءٌ كانت خلطة أعيانٍ بأن يكون مشاعًا بينهما
(2)
، أو خلطة أوصاف بأن يكون مال كلٍ منهما متميزًا
(3)
، فلو استأجر؛ لرعي غنمه شاةً منهما فحال الحول ولم يفردها فهما خليطان، فإذا اختلطا فيها، فيشترط اشتراكهما في مُراح بضم الميم، وهو المبيت والمأوى أيضًا.
(1)
الثني والثنية من الإبل: ما دخل في السنة السادسة، سمي بذلك؛ لأنه ألقى ثنيته في وقتها، والثنايا هي أسنان مقدم الفم. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 10/ 199، ولسان العرب 14/ 123، وشمس العلوم 1/ 452.
(2)
ينظر: المغني 2/ 454، والعدة ص 141، والشرح الكبير 2/ 530، والفروع 4/ 38.
(3)
ينظر: المغني 2/ 454، والعدة ص 141، والشرح الكبير 2/ 530، والفروع 4/ 38.
ومسرح، وهو مكان اجتماعها؛ لتذهب إلى المرعى.
ومحلب وهو موضع الحلب، وفحل وهو عدم اختصاصه في طرقه بأحد المالين.
ومرعى وهو موضع الرعي ووقته، وراعٍ على منصوص أحمد
(1)
والحديث.
ويظهر أن اتحاده كما في الفحل، ولا يعتبر لها نية مطلقًا، واعتبرها صاحب المحرر
(2)
وغيره في خلطة الأوصاف، ويبني على الخلاف.
ولو وقع الخلط اتفاقًا، أو فعله راعٍ من نفسه، ولا أثر لخلطة من ليس من أهل الزكاة، ولا في دون نصاب، ولا خلطة الغاصب بمغصوبٍ، فإن اختل شرطٌ منها، أو ثبت لهما حكم
الانفراد في بعض الحول كأن اختلطا في أثناء الحول في نصابين بعد انفرادهما زكيا زكاة المنفردين فيه وفيما بعده زكاة الخلطة.
وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد وحده، مثل إن ملك نفسان كل واحدٍ أربعين شاة في أَوَّل المحرم، ثم خلطاها في أَوَّل صفر، ثم باع أحدهما نصيبه من آخر فإن المشتري ملك أربعين مختلطة لم يثبت لها حكم
(1)
لعله يشير إلى ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفرق، والخليطان ما اجتمع على الحوض والراعي والفحل» أخرجه الدار قطني في سننه، كتاب الزكاة، باب تفسير الخليطين وما جاء في الزكاة على الخليطين، برقم (1943) 2/ 494.
(2)
ينظر: المحرر 1/ 216.
الانفراد فعليه زكاة المنفرد إذا تم حوله شاة، وعلى الآخر زكاة الخلطة عند تمام حوله نصف شاة إن كان الأَوَّل أخرجها من غير المال.
وإن أخرجها منه لزم الثاني أربعون جزءًا من شاة، ثم يزكيان فيما بعد ذلك الحول زكاة الخلطة، كلما/ [73/ أ] تم حول أحدهما فعليه بقدر ماله منها.
ولو ملك رجلٌ نصابًا شهرًا، ثم باع نصفه مشاعًا، أو أعلم على بعضه وباعه مختلطًا انقطع الحول ويستأنفانه من حين البيع.
وقال ابن حامد
(1)
: لا ينقطع حول البائع، وعليه عند تمام حوله زكاة حصته، فإن أخرجها من المال انقطع حول مشتر إن لم يستدم الفقير الخلطة.
وإن أخرجها من غيره لم ينقطع حول المشتري، ولو قلنا تتعلق بالعين وإن انفرد بعضه وباعه، ثم اختلطا انقطع الحول قبل زمن الانفراد، أو كثر ولو ملك نصابًا من شهر، ثم باع أحدهما مشاعًا ثبت للبائع حكم الانفراد، وعليه عند تمام حوله زكاة منفرد.
وإن ملك نصابًا شهرًا، ثم ملك آخر لا يتغير به الفرض مثل أن يملك أربعين شاةً في المحرم، وأربعين في صفر فعليه زكاة الأَوَّل عند تمام حوله، ولا شيء عليه في الثاني، وإن كان الثاني يتغير به الفرض، مثل أن يكون مئة شاة، فعليه زكاته إذا تم حوله وجهًا واحدًا، وقدرها بأن ينظر إلى
(1)
نقل عنه كل من صاحب المحرر 1/ 216، والشرح الكبير 2/ 540، والفروع 4/ 47، والمبدع 2/ 327، والإنصاف 3/ 7.
زكاة الجميع فيسقط منها ما وجب في الأَوَّل، ويجب الباقي في الثاني وهو شاة، وإن كان الثاني يتغير به الفرض، ولا يبلغ نصابًا مثل أن يملك ثلاثين من البقر في المحرم، وعشرًا في صفر فعليه في العشر إذا تم حولها زكاة خلطة ربع مُسِنَّة.
وإن ملك مالاً يبلغ نصابًا ولا يغير الفرض كخمسٍ، فلا شيء فيها، ومثله لو ملك عشرين شاةً بعد أربعين، أو ملك عشرًا من البقر بعد أربعين لا شيء فيها.
وإذا كان لرجلٍ ستون شاةً كل عشرين منها مختلطة بعشرين لآخر فعلى الجميع/ [73/ ب] شاة نصفها على صاحب الستين، ونصفها على خلطائه على كل واحدٍ سدس شاة، ضمًا لمال كل خليط إلى مال الكل فيصير كمال واحد.
وإن كانت كل عشر منها مختلطة بعشرٍ لآخر فعليه شاة، ولا شيء على خلطائه؛ لأنهم لم يختلطوا في نصابٍ، وإذا كانت ماشية الرجل مفترقة في بلدين فأكثر لا تقصر بينهما الصلاة فهي كالمجتمعة.
وإن كان بينهما مسافة قصر، فلكل مال حكم نفسه
(1)
نصابًا كما لو كانا لرجلين، ولا تؤثر الخلطة في غير السائمة نصًّا
(2)
.
(1)
وهو من المفردات قال الناظم في شرح المفردات 1/ 291:
ماشية النصاب إن تفرقت
…
مسافة القصر زكاة سقطت
وعنه لا والشيخ قد صححها
…
كذا أبو الخطاب قد رجحها
(2)
ينظر: الكافي 1/ 394، والعمدة ص 36، والعدةص 142، والمبدع 2/ 331، والإنصاف 3/ 83، ومنتهى الإرادات 1/ 131.
وعنه أنها تؤثر في خلطة أعيان
(1)
، وقيل
(2)
: وأوصاف، فعلى هذا يعتبر اتِّحَادُ الْمُؤَنَ، ومرافق الملك، فيشترط اشتراكهما فيما يتعلق بإصلاح مال الشركة، فإن كانت في الزرع، والثمر فلا بد من الاشتراك في الماء، والجَرِين، والبَيدَر
(3)
، والعمال من الناطور، والحصاد، والدواب ونحوه.
وإن كانت في التجارة، فلابد من الاشتراك في الدكان
(4)
، والميزان، والمخزن، ونحوه مما يرتفق به.
وللساعي أخذ الفرض من مال أي الخليطين شاء مع الحاجة وعدمها نصًّا
(5)
، ولو بعد قسمة في خلطة أعيانٍ وقد وجبت الزكاة مع بقاء النصيبين، ويرجع المأخوذ منه على خليطه بقيمة حصته يوم أخذت، فإذا أخذ الفرض من مال رب الثلث رجع بقيمة ثلثي المخرج على شريكه، وإن أخذه من الآخر رجع بقيمة ثلثه.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 546، والمبدع 2/ 331، والإنصاف 3/ 83.
(2)
ممن قال به القاضي، وابن عبدوس وقال الزركشي:«وهو ظاهر كلام الأكثرين» . ينظر: الإنصاف 3/ 83.
(3)
الجرين، والبيدر: قيل هما بمعنى واحد وقيل: إن الجرين اسم لموضع الحب، والبيدر: اسم لموضع التمر. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 4/ 110، وتاج العروس 7/ 246، والمعجم الوسيط 1/ 78. وقال الشيخ صال البليهي في السلسبيل 1/ 261:«البيدر لغة أهل الشام، وعند أهل نجد، ومصر، والعراق الجرين، وفي الحجاز المربد، وفي لغة آخرين المسطاح، وقال في المصباح 1/ 97: «الجرين البيدر الذي يداس فيه الطعام والموضع الذي يجفف فيه الثمار أيضا والجمع جرن مثل: بريد وبرد»
(4)
الدكان: بضم الدال، وفتح الكاف مع تشديدها: يطلق على الحانوت، وعلى الدكة، وهي المكان المرتفع الذي يقعد عليه. ينظر: تهذيب الأسماء واللغات 3/ 106، والمصباح المنير 1/ 198.
(5)
ينظر: الفروع 4/ 60، وشرح الزركشي 2/ 408، والمبدع 2/ 332، ومنتهى الإرادات 1/ 131.
فإن اختلفا في قيمة المأخوذ فالقول قول المرجوع عليه مع يمينه، إذا احتمل صدقه وعدمت البينة.
وإذا أخذ الساعي أكثر من الفرض بلا تأويل كأخذه عن أربعين مختلطة شاتين من مال أحدهما، أو عن ثلاثين بعيرًا جذعة، رجع على خليطه في/ [74/ أ] الأُولى بقيمة نصف شاة، وفي الثانية بقيمة نصف بنت مخاض ولم يرجع بالزيادة؛ لأنها ظلم فلم يرجع بها على غير ظالمه.
وإن أخذه بتأويل كأخذه صحيحة عن مراض، أو كبيرة عن صغار، أو قيمة الواجب رجع عليه، ومن بذل الواجب لزم قبوله، ولا تبعة عليه.
ويجزئ إخراج بعض الخلطاء بدون إذن بقيتهم مع حضورهم، وغيبتهم.
قال صاحب المحرر
(1)
: عقد الخلطة جعل كل واحدٍ منهما كالإذن لخليطه في الإخراج عنه، ومن أخرج منهما فوق الواجب، لم يرجع بالزيادة.
(1)
ينظر: المحرر 1/ 216.
باب زكاة الخارج من الأرض
تجب الزكاة في كل مكيلٍ مدَّخرٍ نصًّا
(1)
، من قوتٍ كَبُرٍ، وشعيرٍ ونحوهما، وغير قوت كبِزْر كتَّان، وفجل ونحوهما، فتجب في صَعتر
(2)
، وأشنانٍ ونحوهما، وكل ورقٍ مقصود كورق سدرٍ، وخطمي
(3)
، وآسٍ
(4)
، وحناء، وورس
(5)
، ونِيْل
(6)
، وغُبَيْرَا، وعُصفُر
(7)
ونحوه.
(1)
ينظر: الفروع 4/ 70، والإنصاف 3/ 86، والإقناع 1/ 457، ومنتهى الإرادات 1/ 131.
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 294:
زكاة ما تخرجه الأراضي
…
علته فالكيل للتقاضي
والادخار لا بالاقتيات
…
ولا تقول سائر النبات
(2)
السعتر: نبات معروف: وتبدل السين صادا في لغة بلعنبر فيقال: صعتر، وبعضهم يقتصر على الصاد، ومن خواصه أنه إذا فرش في موضع طرد الهوام. ينظر: المصباح المنير 1/ 276، وتاج العروس 12/ 320.
(3)
الخطمي، ويفتح: نبات محلل منضج ملين، نافع لعسر البول، والحصا، والنسا، وقرحة الأمعاء، والارتعاش، ونضج الجراحات، وغيرها. تهذيب اللغة 7/ 244، والقاموس المحيط ص 1104.
(4)
الآس: شجر عطر الرائحة الواحدة آسة. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير 1/ 29.
(5)
الورس: نبت أصفر يكون باليمن يتخذ منه الغمرة للوجه. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية 3/ 988.
(6)
النيل: ويسمى (نَبَاتُ العِظْلِمِ) نبات ذو ساق صلب، وشعب دقاق، وورق صغار مرصفة من جانبيه.
ينظر: القاموس المحيط ص 1066، وتاج العروس 31/ 54. مادة (ن ي ل).
(7)
العصفر: بضم العين والفاء وهي معربة نبات صبغ. ينظر: تهذيب اللغة 3/ 213، ومختار الصحاح ص 210.
قال في الفروع
(1)
: والمذهب عند جماعةٍ، وجزم به آخرون من حبٍ، وثمرٍ.
فلا تجب في ذلك عليهما، وتجب في سائر الحبوب كالحنطة، والشعير، والسُّلت
(2)
، وهو حبٌ لونه لون الحنطة، وطبعه طبع الشعير في البرودة، والذرة، والقطنيات
(3)
، كلها
كالباقلاء
(4)
، والحمص، واللوبياء، والعدس، والماش، والتُّرمُس حبٌ عريض أصفر من الباقلاء، والدخن
(5)
، والأرز ونحو ذلك، وكالخشخاش
(6)
، والسمسم، ولا يجزئ السَّيرج عنه.
قال بعضهم: وجهًا واحدًا.
وبزر البقول كلها كالهندباء
(7)
،
(1)
ينظر: الفروع 4/ 70.
(2)
السلت: بضم السين، حب لا قشر له، كقشر الشعير، بل أملس، كالحنظة في ملمسه، وكالشعير في طبعه وبرودته. ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 105، والمصباح المنير 1/ 284، مادة (س ل ت)
(3)
القطنيات: بكسر القاف، وفتحها، وتشديد الياء، وتخفيفها، حبوب كثيرة تقتات، وتطبخ وتختبر كالحمص، والعدس، ونحوهما، سميت قطنية، لقطنها في بيوت الناس. ينظر: تهذيب اللغة 9/ 22، والزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 105.
(4)
الباقلا بتخفيف اللام، على وزن فاعلاء، وإذا شدد قصر، وإذا خفف مد: نبات عشبي حولي، تؤكل قرونه مطبوخة، وكذلك أوراقه، مثل الفول، واللوبيا. ينظر: المعجم الوسيط 1/ 66، ومعجم اللغة العربية المعاصرة 1/ 232.
(5)
الدخن: نبات عشبي، من النجيليات حبه صغير أملس كحب السمسم، ينبت بريا، ومزروعا. ينظر: المعجم الوسيط 1/ 276، ومعجم اللغة العربية المعاصرة 1/ 731.
(6)
الخشخاش: نبت يستخرج منه الأفيون، ثمرته حمراء، وعصارته تستعمل للتنويم، والتخدير. ينظر: مختار الصحاح ص 91، والمعجم الوسيط 1/ 22.
(7)
الهندباء: بقل زراعي حولي، ومحول من الفصيلة المركبة، يطبخ ورقه، أو يجعل في الشلطة. المعجم الوسيط 2/ 997.
والكَرَفْسِ
(1)
، ونحوهما وبزر الرياحين جميعها، وأَبَازِير القدر كالكُسْفُرة
(2)
الخضراء، والكمون، والكَرَاويا، وكذلك حب الأشنان، والرازيانج وهو الشمر
(3)
، واليانسون، والقُنَّب وهو الشَّهْدَانِجُ
(4)
، والخَرْدَل
(5)
، وبزر الكتان، وقطن، مع عدم وجوب زكاته، فإن وجبت/ [74/ ب] فلا.
وقال الشيخ: بلى
(6)
، ويقطين
(7)
،
(1)
الكرفس: عشب ثنائي الحول، من الفصيلة الخيمية، له جذر وتدي مغزلي، وساق جوفاء قائمة، يكون في الموسم الأَوَّل من نموه حزمة من أوراق جذرية ذات أعناق طويلة غليظة تؤكل، وثمرته جافة منشقة تنقسم إلى ثميرتين. ينظر: لسان العرب 6/ 196، والمعجم الوسيط 2/ 783.
(2)
الكسفرة: ويقال لها كسبرة؛ نبات عشبي من فصيلة الخيميات، أو البقدونسيات، أوراقه وردية اللون، أو بيض، أزهاره صغيرة القد، يستعمل تابلا، وتضاف أوراقه إلى بعض المآكل، ويدخل في تركيب بعض المشروبات، كما يستعمل في الأدوية ضد الصداع، والتشنج، وهو هاضم، ومقو. معجم اللغة العربية المعاصرة 3/ 1928.
(3)
الشمر: بقلة، وهو نوعان، نوع حلو يزرع ويؤكل ورقه، وسوقه نيئا، ونوع آخر سكري، يؤكل مطبوخا. ينظر: المعجم الوسيط 1/ 493، ومعجم اللغة العربية المعاصرة 2/ 1233.
(4)
الشهدانج: بفتح الشين، وكسر النون، ويقال شاهدانج بزيادة الألف بعد الشين. وهي كلمة معربة، ومعناه سلطان الحب، ويعبرون في كتب الطب بأنه (حب القنب)، ومن خواصه أنه ينفع من حمى الربع شربا، والبهق والبرص) طلاء. ينظر: تاج العروس 6/ 68، والمعجم الوسيط 1/ 497.
(5)
الخردل: نبات عشبي حريف من الفصيلة الصليبية، ينبت في الحقول، وعلى حواشي الطرق، تستعمل بزوره في الطب، ومنه بزور يتبل بها الطعام، الواحدة خردلة. المعجم الوسيط 1/ 225.
(6)
ينظر: الكافي 1/ 397، والمغني 3/ 4.
(7)
اليقطين: من لا ساق له من النبات، كالقثاء، والبطيخ، وغلب استعمال اليقطين على الدباء، وهو القرع. ينظر: غريب الحديث لإبراهيم الحربي 1/ 1021، وجمهرة اللغة 3/ 1245، والمخصص 3/ 284.
وقُرْطُم
(1)
، وقثاء، وخيار، وبطيخ، ورشاد
(2)
، وفجل ونحوه، وكذا تجب في كل ثمرٍ يكال ويدخر كالتمر، والزبيب، واللوز، والفستق، والبُندُق
(3)
، لا في عُنَّابٍ، وجوزٍ نصًّا
(4)
.
وسائر الفواكه كالتين، والمشمش، والتوت، والتفاح، والإجَّاص، والخوخ، والكُمَّثْرَى، والسفرجل
(5)
، والرمان، والنَّبق، وَالزُّعْرُورِ
(6)
، والموز، وكذا في قصب السكر، ولا في الخضر كبطيخٍ، وقثاءٍ، وخيارٍ، وباذنجان، ولفتٍ وهو السَّلجم، وسِّلْق
(7)
، وكزبرة، وقنبيط، وبصل، وثوم، وكراث، وجزر، وفجل، ونحوه، ولا في البقول كالهندباء، والكَرَفس، والنعناع، والرشاد، وبقلة الحمقاء، والقَرَظ
(8)
، والجرجير ونحوه، ولا في
(1)
القرطم: نبات زراعي، صبغي من الفصيلة المركبة، يستعمل زهره تابلا، وملونا للطعام، ويستخرج منه صباغ أحمر. المعجم الوسيط 2/ 727.
(2)
الرشاد: بقلة سنوية، له حب حريف يسمى حب الرشاد. ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 106، ولسان العرب 3/ 177.
(3)
البندق: بالضم الذي يرمى به، الواحدة بهاء، والجمع البنادق وهي كلمة معربة. تاج العروس 25/ 100.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 258، ودليل الطالب ص 79، ومنتهى الإرادات 1/ 132.
(5)
السفرجل: ثمر معروف، قابض، مقو، مدر، مشه، مسكن للعطش، وإذا أكل على الطعام أطلق. ينظر: القاموس المحيط 1/ 1015، وتاج العروس 29/ 203.
(6)
الزعرور ثمر شجر، منه أحمر، وأصفر، له نوى صلب مستدير. ينظر: تهذيب اللغة 2/ 80، وتاج العروس 11/ 427.
(7)
السلق: بقلة لها ورق طوال، وأصله ذاهب في الأرض، ورقها غض طري يؤكل مطبوخا. ينظر: تهذيب اللغة 8/ 310، ولسان العرب 10/ 162.
(8)
العناب: شجر شائك من الفصيلة السدرية، وتطلق الكلمة أيضًا على ثمر ذلك الشجر، وهو ثمر أحمر، حلو لذيذ الطعم، زيتوني الشكّل والقد، يؤكل عند النضج. معجم اللغة العربية المعاصرة 2/ 1560.
الزهر كالورد، والبنفسج، والنرجس، واللِّينوفر
(1)
، والخِيرِي
(2)
وهو المنثور ونحوه.
ولا في طلع الفُحَّال وهو ذكر النخل بضم أوله وتشديد ثانيه
(3)
، والسعف، والخوص وقشور الحب، والتين، والحطب، والخشب، وأغصان الخلاف، والقصب الفارسي، ولبن الماشية، وصوفها ونحو ذلك.
وكذا الحرير، ودود القز، وعنه
(4)
أنها تجب في الزيتون، والقطن، والزعفران
(5)
إذا بلغا بالوزن نصابًا، فيخرج من حبٍ زيتون، ومن زيته أفضل، فإن لم يكن له زيتٌ تعين الحب، ويعتبر لوجوبها شرطان:
أحدهما: أن يبلغ نصابًا قدره بعد التصفية في الحبوب، والجفاف في الثمار خمسة أوسق
(6)
، والوسق ستون صاعًا، والصاع خمسة أرطال
(1)
اللينوفر: ضرب من الرياحين، ينبت في المياه الراكدة، وهو المسمى عند أهل مصر بالبشنين، ويقوله العوام النوفر، كجوهر، بارد في الثالثة، رطب في الثانية، ملين للصلابات، وصالح للسعال، وأوجاع الجنب، والرئة، والصدر. ينظر: تاج العروس 14/ 272.
(2)
الخيري: نبات له زهر، وغلب على أصفره؛ لأنه الذي يستخرج دهنه ويدخل في الأدوية، وطبعه حار يابس في الدرجة الثانية، وهو صنفان، وأفضله ما كان زهره أصفر، فأما الأبيض فضعيف؛ لكثرة مائه، وينفع من كان مزاجه معتدلا، ويفتح سدد الرأس. ينظر: المعجم الوسيط 1/ 264، وشمس العلوم 3/ 1967.
(3)
ينظر: العين 6/ 126، والمغرب في ترتيب المعرب ص 353، وتحرير ألفاظ التنبيه ص 181، والمعجم الوسيط 2/ 676.
(4)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 552، والفروع 4/ 71، والمبدع 2/ 335.
(5)
الزعفران: نبات معروف كان يستخدم؛ لصبغ الثياب. ينظر: المصباح المنير 1/ 153.
(6)
أوسق: بفتح الهمزة، وسكون الواو، ثم سين مهملة مضمومة، جمع وسق بفتح الواو وكسرها، وسكون السين لغتان. وهو مكيلة معلومة يعادل ستين صاعا، فيكون النصاب ثلاثمئة صاع. ينظر: تاج العروس 26/ 471، مادة (و س ق)، وفتح الباري 3/ 311. والصاع يعادل: كيلوين وأربعين جراما فيكون النصاب بالكيلو= 2040×300= 612، كيلو جراما، أي ستمئة واثني عشر كيلو جراما. ينظر: مجالس شهر رمضان ص 160.
وثلث بالعراقي.
فيكون النصاب في الكل ألفًا
(1)
وستمئة رطل عراقي، ولو فيما لا يكال القطن، وزعفران ونحوهما، وألفًا
(2)
، وأربعمئة، وثمانية وعشرين
(3)
رطلاً، وأربعة أسباع رطلٍ مصري وما وافقه، وثلاثمئة، واثنين وأربعين
(4)
/ [75/ أ] رطلا
(5)
وستة أسباع رطلٍ دمشقي وما وافقه، ومئتين وخمسة
وثمانين
(6)
رطلاً، وخمسة أسباع رطلٍ حلبي وما وافقه، ومئتين، وسبعة وخمسين
(7)
رطلاً، وسبع رطلٍ قدسيٍ وما وافقه.
والوسق، والصاع، والمد مكاييل نقلت إلى الوزن؛ لتحفظ وتنقل، والمكيل يختلف في الوزن فمنه ثقيلٌ كالأرز ومتوسطٌ كبرٍ، وعدسٍ،
(1)
في المخطوط (ألف) ولعله خطأ من الناسخ، والصواب ما أثبت؛ لأنه خبر كان.
(2)
في المخطوط (ألف) ولعله خطأ من الناسخ، والصواب ما أثبت؛ لأنه معطوف على منصوب.
(3)
في المخطوط (وعشرون) ولعله خطأ من الناسخ، والصواب ما أثبت؛ لأنه معطوف على منصوب.
(4)
في المخطوط (واثنان وأربعون) ولعله خطأ من الناسخ، والصواب ما أثبت؛ لأنه معطوف على منصوب.
(5)
في المخطوط (رطل) ولعله خطأ من الناسخ، والصواب ما أثبت؛ لأنه تمييز.
(6)
في المخطوط (ومائتان وخمسة وثمانون) ولعله خطأ من الناسخ، والصواب ما أثبت؛ لأنه معطوف على منصوب.
(7)
في المخطوط (ومائتان وسبعة وخمسون) ولعله خطأ من الناسخ، والصواب ما أثبت؛ لأنه معطوف على منصوب.
وخفيف كشعيرٍ، وذرةٍ فالاعتبار في ذلك بالمتوسط نصًّا
(1)
، ومثل مكيله من غيره وإن لم يبلغ الوزن نصًّا
(2)
، فمن اتخذ وعاء يسع خمسة أرطالٍ وثلثًا من جيد البر، ثم كال به ما شاء عرف ما بلغ حد الوجوب من غيره نصًّا
(3)
، فإن شكّ في بلوغ قدر النصاب ولم يجد ما يقدره به احتاط وأخرج ولا يجب.
وعنه
(4)
يعتبر نصاب ثمرة نخلٍ، وكرمٍ
(5)
رطبًا، ثم يؤخذ عشر يابسه.
ونصاب عَلَس، وهو نوعٌ من الحنطة، وأرز يدخر في قشره عادةً لحفظه عشرة أوسقٍ إذا كان ببلدٍ قد خبره أهله وعرفوا أنه يخرج منه مصفى النصف؛ لأنه يختلف في الخفة والثقل فيرجع إلى أهل الخبرة ويؤخذ بقدره، وإن صفيا فنصاب كل منهما خمسة أوسق، فإن شكّ في بلوغهما نصابًا خير بين أن يحتاط ويخرج عشره قبل قشره، وبين قشره واعتباره بنفسه كمغشوش أثمانٍ، وتضم ثمرة العام الواحد، وزرعه بعضها إلى بعضٍ في تكميل النصاب.
ولو اختلف وقت اطلاعه، وإدراكه بالفصول وسواءٌ تعدد البلد، أو لا نصًّا
(6)
، فإن كان له نخلٌ تحمل في السنة مرتين ضم أحدهما/ [75/ ب] إلى
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 259، والروض المربع 3/ 222.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 259، وكشاف القناع 2/ 207.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 78، والمبدع 2/ 338، الإقناع 1/ 259.
(4)
ينظر: الإنصاف 3/ 91.
(5)
الكرم: هو العنب. ينظر: شمس العلوم 2/ 1119.
(6)
ينظر: الفروع 4/ 83، والإقناع 1/ 260.
الآخر، كزرع العام الواحد فعلى هذا، لو كان النخل يحمل في السنة حملاً، وبعضه حملين ضم ما يحمل حملاً إلى أيهما بلغ معه، فإن كان بينهما فإلى أقربهما إليه.
ولا تضم ثمرة عامٍ، أو زرعه إلى آخر، وتضم أنواع الجنس بعضها إلى بعض في تكميل النصاب
(1)
، فالسُّلت نوعٌ من الشعير جزم به الشيخان
(2)
؛ لأنه يشبهه في صورته فيضم إليه، والعَلَس
(3)
نوعٌ من البر يضم إليها.
ولا يضم جنسٌ إلى آخر كأجناس الثمار، والماشية.
وعنه
(4)
يضم إلى شعيرٍ، وقطنياتٍ، وأبازير، وبقول، وكلما تقارب بعضها إلى بعضٍ.
الثاني: أن يكون النصاب مملوكًا له وقت وجوب الزكاة، فتجب فيما نبت بنفسه مما يزرعه الآدمي كمن سقط له حبٌ في أرضه، أو أرضٍ مباحةٍ.
ولا يجب فيما يكتسبه اللَّقَّاط، أو يأخذه أجرةً لحصاده، ودِياسَه،
(1)
وهو من المفردات قال الناظم في شرح المفردات 1/ 292:
والقمح والشعير والقطاني
…
تضم في النصاب كالأثمان
(2)
ينظر: المغني 3/ 4، والمحرر 1/ 221.
(3)
العلس: بفتح العين، واللام، نوع من القمح، يكون في الكمام منه الحبتان، والثلاث، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه جنس مستقل عن القمح. ينظر: الزاهر ص 105، والمصباح المنير 2/ 425 مادة (ع ل س).
(4)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 559، والفروع 4/ 85، والمبدع 2/ 339.
ولا فيما يجتنيه من مباحٍ كبُطْمٍ
(1)
، وزَعْبَل وهو شعير الجبل
(2)
، وَبِزْرُ قَطْونَا
(3)
ونحوه كعفصٍ، وأُشنانٍ، وسُماقٍ، ونحوه سواءٌ أخذه من مواتٍ، أو نبت في أرضه، وقلنا لا يملكه إلا بأخذه.
فصل
ويجب العشر واحد من عشرة فيما سقي بغير مؤنةٍ، كالغيث وهو المطر، والسيوح كالأنهار والسواقي
(4)
، وما يشرب بعروقه كالبعل.
ونصف العشر فيما سقي بكلفة كالدَّوالي جمع دالية وهو الدلو الصغير، قاله في الفروع
(5)
.
وقال ابن أبي الفتح
(6)
: الدُّولَابُ
(7)
تديره البقر، وَالنَّاعُورَةُ
(8)
يديرها الماء، والسَّانِية، والنَّواضِح واحدهما ناضح
(9)
وهما البعير يستقي عليه، وما
(1)
البطم: بضمة، وبضمتين، الحبة الخضراء، أو شجرها، ثمره مسخن، مدر، نافع للسعال، واللقوة، والكلية، وتغليف الشعر بورقه الجاف المنخول ينبته ويحسنه. ينظر: العين 7/ 433، والنهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 181، والقاموس المحيط 1/ 1080.
(2)
ينظر: المغني 3/ 5.
(3)
برز قطونا: بذور نبات عشبي حولي، من فصيلة لسان الحمل، ينبت في الأراضي الرملية، وتسمى حب البراغيث، وتستعمل في الإمساك المستعصي. ينظر: المعجم الوسيط 1/ 54.
(4)
ينظر: معجم لغة الفقهاء ص 253.
(5)
ينظر: الفروع 4/ 87.
(6)
انظر: المطلع ص 167.
(7)
الدولاب: هي الآلة التي تديرها الدابة، ليسقى بها. ينظر: المعجم الوسيط 1/ 305.
(8)
الناعورة: دولاب ذو دلاء، أو نحوها يدور بدفع الماء، أو جر الماشية فيخرج الماء من البئر، أو النهر إلى الحقل، والجمع نواعير. ينظر: المعجم الوسيط 2/ 934.
(9)
سمي ناضحا: لأنه ينضح العطش، أي يبله بالماء الذي يحمله، ثم أطلق على كل بعير، وإن لم يحمل الماء. ينظر: المصباح المنير 2/ 609.
يحتاج في ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من غرف، أو غيره.
قال الشيخان وغيرهما
(1)
: ولا يؤثر مؤنة حفر الأنهار، والسواقي وتنقيتها، ومؤنة سقي؛ لقلة المؤنة، وكذا من يحمل/ [76/ أ] الماء في السواقي؛ لأنه كحرث الأرض.
وإن اشترى ماء بركةٍ، أو حفيرةٍ وسقى بها سيحًا
(2)
فالعشر في ظاهر كلامهم.
قاله المجد
(3)
، وكذا إن جمعه، وسقى به فإن سقى نصف السنة بهذا ونصفها بهذا وجب ثلاثة أرباع العشر، وإن سقيت أرض العشر بماء الخراج لم يؤخذ منها.
وإن سقيت أرض الخراج بماء العشرلم يسقط خراجها، ولا يمنع من سقي كل واحدة بماء الأخرى نصًّا
(4)
، فإن سقى بأحدهما أكثر اعتبر أكثرهما نفعًا، ونمو الزرع نصًّا
(5)
، فإن جهل المقدار وجب العشر نصًّا
(6)
.
(1)
ينظر: المغني 3/ 10، والشرح الكبير 2/ 563، والفروع 4/ 87، والإنصاف 3/ 99.
(2)
السيح: الماء الجاري، مثل الغيل، يسمى سيحا؛ لأنه يسيح في الأرض: أي يجري. ينظر: غريب الحديث للقاسم بن سلام 1/ 69، ومعجم ديوان الأدب 3/ 299، وتهذيب اللغة 5/ 112، ومجمل اللغة ص 480.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 88، والمبدع 2/ 341، والإنصاف 3/ 100.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 88، والمبدع 2/ 341، وكشاف القناع 2/ 210.
(5)
ينظر: الكافي 1/ 400، والمغني 3/ 10، والشرح الكبير 2/ 563، والفروع 4/ 88، والمبدع 2/ 341، ومنتهى الإرادات 1/ 134.
(6)
ينظر: الكافي 1/ 400، والمغني 3/ 10، والشرح الكبير 2/ 563، ومنتهى الإرادات 1/ 134.
وقال ابن حامد: فيما إذا سقى بأحدهما أكثر يؤخذ بالقسط، فإن جهل المقدار جعل بكلفة المتيقن والباقي سيحًا
(1)
.
ومن له حائطان، أو أرضان ضما في النصاب، ولكلٍ منهما حكم نفسه في سقيه بمؤنةٍ، أو غيرها ويصدق المالك فيما سقي به بلا يمينٍ، فإن نكل غرم ما اعترف به فقط.
وإذا اشتد الحب
(2)
وبدا صلاح ثمرة ففي فستقٍ، وبندقٍ ونحوه انعقاد لبه، وفي زيتونٍ له زيت بأن يجري فيه الدهن، وما لا زيت له بأن يصلح؛ للكبس، وفي غيرهما كبيعٍ، وجبت الزكاة، فإن قطعها قبله؛ لغرضٍ صحيحٍ كأكلٍ، أو بيعٍ، أو تخفيفٍ، أو تحسين بقيتها فلا زكاة فيه، ولغيره بل فرارًا من الزكاة، أو إتلافه يأثم، وتلزمه ولو باعه، أو وهبه خرص، أم لا فزكاته عليه.
ولا يستقر الوجوب إلا بجعلها في جرين، وبيدرٍ، ومِسْطَاحٍ
(3)
فإن تلفت قبله بغير تعدٍ منه، أو إتلافه سقطت الزكاة نصًّا
(4)
خرصت أم لم تخرص، وإن تلف البعض زكى الباقي إن كان نصابًا، وإلا فلا.
وإن تلفت بعد الاستقرار لم تسقط، وإن ادعى تلفها قبل قوله بغير
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 563، والفروع 4/ 88، والمبدع 2/ 341.
(2)
اشتداد الحب: المراد به قوته، وصلابته، وذلك علامة صلاحه. ينظر: لسان العرب 3/ 232. مادة (ش د د).
(3)
المسطاح: بفتح الميم، الموضع الذي يسقط فيه الثمر. ينظر: الصحاح 1/ 375، ومجمل اللغة ص 460، ومقاييس اللغة 3/ 72.
(4)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 564، والمبدع 2/ 342، والإنصاف 3/ 40.
يمينٍ، ولو اتهم نصًّا
(1)
إلا أن يدعيه/ [76/ ب] بجائحةٍ ظاهرةٍ تظهر عادةً فلابد من بينةٍ، ثم يصدق في قدر التالف.
ويجب إخراج زكاة الحب مصفى، والثمر يابسًا، فإن دفعها إلى الساعي رطبًا، وعنبًا ردت إليه إن كانت باقيةً، أو قيمتها إن تلفت.
وقيل:
(2)
لا يضمنها إن تلفت بغير تعريض، وكان المالك دفعها اختيارًا منه.
قال ابن تميم:
(3)
وهو أظهر ولعله أولى، فإن بقي في يد الساعي حتى جف، وكان قدر الواجب أجزأ، وإن كان أكثر منه، أو أقل عمل بمقتضاه من رد إليه، أو تكميله.
فإن احتيج إلى قطع ثمرٍ، بعد بدو صلاحها، وقبل كماله؛ لضعف أصلٍ ونحوه كخوف عطشٍ، أو تحسين بقيته جاز، وعليه زكاته يابسًا نصًّا
(4)
كما لو قطع لغرض البيع، ويحرم قطعه مع حضور ساعٍ إلا بإذنه، وكذا لو كان رطبًا لا يجيء منه تمرٌ
(5)
، وعنبًا لا يجيء منه زبيبٌ وجب قطعه، وفيه الزكاة إن بلغ نصابًا يابسًا منه تمرًا، أو زبيبًا، أو يخرج منه رطبًا، وعنبًا اختاره القاضي
(6)
، وجماعة
(7)
.
(1)
ينظر: الإنصاف 3/ 103، والإقناع 1/ 262.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 92، والإنصاف 3/ 104، وكشاف القناع 2/ 212.
(3)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 263.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 94، والإقناع 1/ 262، وكشاف القناع 2/ 213.
(5)
في المخطوط (تمرا) ولعل الصواب ما ذكرت؛ لأنه فاعل.
(6)
ينظر: نقل عنه صاحب الإقناع 1/ 263، وكشاف القناع 2/ 213.
(7)
منهم الْمُوَفَّق والمجد، وصاحب الفروع ينظر: كشاف القناع 2/ 213.
وله أن يخرج الواجب منه مشاعًا، أو مقسومًا بعد الجذاذ، أو قبله بالخرص، فيخير الساعي بين مقاسمة رب المال الثمرة قبل الجذاذ فيأخذ نصيب الفقراء شجراتٍ مفردة، وبين مقاسمته بعد جذها بالكيل وله بيعها منه، أو من غيره، والمذهب أنه لا يخرج إلا يابسًا، وأنه يحرم ولا يصح شراء زكاته، ولا صدقته نص عليهن
(1)
، وسواء اشتراها من آخِذها منه، أو من غيره.
ويسن أن يبعث الإمام ساعيًا خارصًا إذا بدا صلاح الثمر، فيخرص
(2)
ثمرة نخلٍ، وكرم فقط على أربابه، وهو حزر مقدار الثمرة في رؤوس النخل وزنًا، ثم يعرِّف المالك قدر الزكاة، ويخيره بين أن يتصرف ويضمن قدرها، وبين حفظها إلى وقت الجفاف.
فإن لم يضمن، وتصرف صحّ تصرفه، وإن حفظها إلى وقت الجفاف زكى الموجود فقط، وافق قول/ [77/ أ] الخارص، أو لا، وسواء اختار حفظها ضمانًا بأن يتصرف، أو أمانةٍ، وإن أتلفها المالك، أو تلفت بتفريطه ضمن زكاتها بخرصها ثمرًا.
وإن ترك الساعي شيئًا من الواجب أخرجه المالك نصًّا
(3)
، فإن لم يبعث ساعيًا فعلى رب المال من الخرص ما يفعله الساعي إن أراد
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 567، والفروع 4/ 375، والمبدع 2/ 344، والإنصاف 3/ 107.
(2)
الخرص: لغة الحرز، والتخمين، وهو شرعا التقدير للثمار، فينظر الخارص كم فيها رطبا، أو عنبا، ثم كم تجيء بعد الجفاف تمرا، أو زبيبا. ينظر: جمهرة اللغة 1/ 585، ومختار الصحاح ص 89، والكافي 2/ 38، والمطلع ص 168.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 106، والإنصاف 3/ 111، وكشاف القناع 2/ 216.
التصرف؛ ليعرف قدر الواجب قبل تصرفه، ثم إن كان أنواعًا، لزم خرص كل نوعٍ وحده؛ لاختلاف الأنواع وقت الجفاف.
وإن كان نوعًا واحدًا فله خرص كل شجرةٍ وحدها، وله خرص الجميع دفعةً واحدةً، وإن ادعى رب المال غلط الخارص غلطًا محتملاً، قبل قوله بغير يمينٍ كما لو قال: لم يحصل في يدي غير كذا، وإن فحش لم يقبل، وكذا إن ادعى كذبه عمدًا.
ويجب أن يترك في الخرص لرب المال الثلث، أو الربع فيجتهد الساعي بحسب المصلحة، ولا يكمل بهذا المقدار المتروك النصاب نصًّا
(1)
إن أكله، وإن لم يأكله كمل به، ثم يأخذ زكاة الباقي سواه بالقسط قاله المجد
(2)
.
وإن لم يترك الخارص شيئًا فلرب المال الأكل بقدر ذلك، ولا يجب عليه نصًّا
(3)
، ويأكل هو وعياله من حبوب ما جرت به العادة كفريكٍ
(4)
ونحوه، وما يحتاجه ولا يجب عليه ولا يهدي نصًّا
(5)
.
ولا يأكل من زرعٍ مشتركٍ شيئًا إلا بإذن شريكه نصًّا
(6)
.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 570، والفروع 4/ 104، والمبدع 2/ 345، والإنصاف 3/ 110، ومنتهى الإرادات 1/ 135.
(2)
نقل عنه صاحب الفروع 4/ 105.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 402، والفروع 4/ 105، والإقناع 1/ 264، ومنتهى الإرادات 1/ 135، وكشاف القناع 2/ 217.
(4)
الفريك هو: البر الذي يفرك حتى ينقلع قشره وينقى. ينظر: العين 5/ 359، ولسان العرب 10/ 374.
(5)
ينظر: والفروع 4/ 106، والمبدع 2/ 346، والإنصاف 3/ 111، ومنتهى الإرادات 1/ 135.
(6)
ينظر: الإقناع 1/ 264، وكشاف القناع 2/ 217.
ويؤخذ العشر من كل نوعٍ على حدته بحصته ولو شق؛ لكثرة الأنواع، واختلافها قال في الفروع
(1)
: واختار الأكثر أخذ الوسط.
ولا يجوز إخراج جنسٍ عن آخر، ويجتمع عشر وخراج/ [77/ ب] في كل أرضٍ خراجية فالخراج في رقبتها، والعشر في غلتها إن كانت لمسلمٍ، وهي ما فتحت عَنْوَة ولم تقسم، وما جلا عنها أهلها خوفًا منَّا، وما صولحوا عليها على أنها لنا، ونقرها معهم بالخراج.
والأرض الْعُشْرِيَّةُ
(2)
المملوكة كالتي أسلم أهلها عليها كالمدينة ونحوها، وما أحياه المسلمون، واختطوه كالبصرة، وما صولح أهلها على أنها لهم بخراجٍ يضرب عليها، وما أقطعها الخلفاء الراشدون إقطاع تمليك، وللإمام إسقاط الخراج على وجه المصلحة ويأتي
(3)
.
ويجوز لأهل الذمة شراء أرضٍ عُشريةٍ من مسلمٍ كالخراجية، ولا عشر عليهم، كالسائمة وغيرها لا زكاة فيها، وعنه
(4)
لا، لغير تغلبي
(5)
.
(1)
ينظر: الفروع 4/ 86.
(2)
الأرض العشرية: الأرض المملوكة وهي خمسة أضرب:
الأولى: التي أسلم أهلها عليها، كالمدينة ونحوها، كجواثى من قرى البحرين. (وهي التي تسمى الآن الأحساء)
والثانية: ما أحياه المسلمون، واختطوه كالبصرة.
والثالثة: ما صالح أهلها على أنها لهم بخراج يضرب عليها، كاليمن.
والرابعة: ما أقطعها الخلفاء الراشدون من السواد إقطاع تمليك.
والخامسة: ما فتح عنوة وقسم، كنصف خيبر. ينظر: كشاف القناع 1/ 219، 218.
(3)
في باب حكم الأرضين المغنومة. لوح رقم (131/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [563].
(4)
ينظر: الإنصاف 3/ 115.
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 265، وكشاف القناع 2/ 220. بنو تغلب: هم من مشركي العرب، طلبهم عمر بالجزية فأبوا أن يعطوها باسم الجزية، وصالحوا على اسم الصدقة مضاعفة، ويروى أنه قال: هاتوها وسموها ما شئتم، والنسبة إليه تغلبي. ينظر: مختار الصحاح ص 228، والمصباح المنير 2/ 450.
فإن خالفوا واشتروا صحّ كالتغلبي، وعليهم عشران في زروعهم، وثمارهم يسقط أحدهما بالإسلام، ومصرف ذلك كما يؤخذ من نصارى بني تغلب، ولا شيء على ذمي فيما اشتراه
من أرضٍ خراجية، ولا فيما استأجره، أو استعاره من مسلمٍ إذا زرعه، ولا فيما إذا جعل داره بستانًا، أو مزرعةً، ولا فيما إذا رضخ
(1)
الإمام له أرضًا من الغنيمة، أو أحيا مواتًا، وقلنا يملكه.
فصل
وفي العسل العشر سواءٌ أخذه من مواتٍ، أو من مِلْكِه.
قال جماعة
(2)
: أو ملك غيره، وهو واضحٌ إذ هو لا يملك بملك الأرض، كالصيد ونصابه عشرة أَفرَاق
(3)
، كل فرقٍ بفتح الراء ستة عشر
(1)
الرضخ: العطاء ليس بالكثير من الغنائم، حسب ما يراه الإمام. ينظر: مجمل اللغة لابن فارس ص 381، وطلبة الطلبة ص 82، وتحرير ألفاظ التنبيه ص 318.
(2)
ينظر: منهم ابن حمدان، الفروع 4/ 120، والمبدع 2/ 349، والإقناع 1/ 266، وكشاف القناع 2/ 221.
(3)
أفراق: بفتح الفاء، وسكون الراء، جمع فرق، قال الزمخشري في الفائق 3/ 104:«فيه لغتان، تحريك الراء، وهو الفصيح، وتسكينها» نوع من المكاييل.
قال ابن قدامة: مكيال ضخم لا يصح ما ورد في نصاب العسل عليه ويعادل بالصاع ثلاثين صاعا، لأن الفرق ثلاثة آصع فيكون نصاب العسل بالجرام= 2040×30= 61200، أي واحدا وستين كيلو ومائتي جرام. ينظر: الأموال ص 624، والنهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 437، والمغني 3/ 21. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 295:
وفي نصاب عسل بالفرق
…
عشر فعشر أي أرض قد لقي
رطلاً عراقيةً نصًّا
(1)
، فتكون مئةً وستين رطلاً، ولا تتكرر زكاة معشراتٍ إن لم يقصد بها التجارة، ولا شيء في المنِّ، والزنجبيل، والشيرخشكّ ونحوه مما ينزل من السماء، كلادن وهو طلٌ، وندى ينزل على نبتٍ تأكله المعز فتتعلق الرطوبة بها فيؤخذ.
فصل
في المعدن وهو كل متولدٍ في الأرض من غير جنسها
(2)
، ليس نباتًا ومن/ [78/ أ] استخرج من أهل الزكاة من معدنٍ في الأرض المملوكة، أو مباحةٍ ولو من داره نصًّا
(3)
نصابًا من عين أثمان، وقيمة غيره بعد سبكه، وتصفيته منطبعًا كان كصفرٍ، ورصاصٍ، وحديد، أو غير منطبع كياقوت، وعقيق، وفَيرُوزَج
(4)
، وبَلَّور، وَسَبَج
(5)
، وكُحل وَمَغْرَة
(6)
وكبريتٍ، وزِفت،
(1)
ينظر: الفروع 2/ 126، والمبدع 2/ 350، والإنصاف 3/ 117، والإقناع 1/ 266، ومنتهى الإرادات 1/ 135، وكشاف القناع 2/ 221.
(2)
قال ابن الجوزي في التبصرة 2/ 178: «وقد أحصيت المعادن كالجص والنورة فوجدوها سبعمئة معدن» .
(3)
ينظر: الفروع 4/ 166، والمبدع 2/ 350، والإقناع 1/ 266.
(4)
الفيروزج: حجر كريم غير شفاف، معروف بلونه الأزرق كلون السماء، أو هو أميل إلى الخضرة، يتحلى به. ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة 3/ 1759.
(5)
قال ابن فارس في مقاييس اللغة 3/ 125: " السين والباء والجيم ليس بشيء ولا له في اللغة العربية أصل. يقولون السبجة: قميص له جيب. قالوا: وهو بالفارسية " شبي ". والسبج: أيضا ليس بشيء. وكذلك قولهم إن السبج حجارة الفضة. وفي كل ذلك نظر". وقال في تكملة المعاجم العربية 6/ 18: " ضرب من الحجر الأسود اللامع".
(6)
المغرة: مسحوق أكسيد الحديد، ويوجد مختلطا بالطوفال، وقد يكون أصفر، وقد يكون بنيا، ويستعمل في أعمال الطلاء. ينظر: المعجم الوسيط 2/ 879.
وزئبقٍ
(1)
، وزجاجٍ، وملحٍ، وقارٍ، ونفطٍ وغيره مما يسمى معدنًا ففيه الزكاة في الحال، ولا يعتبر له حول ربع العشر
(2)
.
ووقت وجوبها بظهوره، واستقرارها بإحرازه سواءً استخرجه في دفعةٍ، أو دفعاتٍ لم يترك العمل بينهما ترك إهمال وحده ثلاثة أيام إن لم يكن عذرٌ، فإن كان فبزواله فلا أثر لتركه له كإصلاح آلةٍ، ومرضٍ، وسفرٍ واستراحةٍ ليلاً، أو نهارًا ونحوه، فيضم الجنس الواحد بعضه إلى بعض ولو من معادن في تكميل نصابٍ، ولا يضم جنس إلى آخر غير نقدٍ، ولا ضم مع الإهمال.
ولا يجوز إخراجها إذا كانت أثمانًا، إلا بعد سبكٍ، وتصفيةٍ، فإن وقت الإخراج بعدهما، فإن أخرج قبل ذلك لم يجز، ورد عليه إن كان باقيًا، أو قيمته إن تلف، فإن اختلفا في القيمة، أو القدر فالقول قول القابض مع يمينه، فإن صفاه أخذه، فكان قدر الواجب أجزأ.
وإن نقص رجع عليه بالنقص، وإن زاد عليه إلا أن يسمح به.
ومؤنة تصفيته وسبكه عليه، فلا يعتبر النصاب بعدهما كمؤنة استخراجه، ولا تتكرر زكاته إذا لم يقصد به التجارة، إلا أن يكون نقدًا.
(1)
الزئبق: فارسي معرب، وهو دهن الياسمين. ينظر: الصحاح 4/ 1488، والمخصص 3/ 277.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 297:
وعندنا فكل ما يستخرج
…
من معدن الأرض عداك الحرج
ففي النصاب منه ربع العشر
…
كالقار أو النفط أو كالصفر
هكذا فيروزج ياقوت
…
ووكل ما بمعدن منعوت
وإن/ [78/ ب] استخرج أقل من نصاب فلا شيء فيه.
ولا زكاة فيما يخرج من البحر من اللؤلؤ، والمرجان
(1)
، والعنبر
(2)
، ونحوه نصًّا
(3)
حيوانًا كان، أو غيره كصيد برٍ.
فصل
وفي الركاز الخمس في الحال، فلا يعتبر حول أي نوعٍ كان من المال، ولو غير نقدٍ قل، أو كثر فلا يعتبر نصاب لأهل الفيء، فيصرف مصرف الفيء المطلق؛ للمصالح كلها، وباقيه لواجده، ولو مستأمنًا بدارنا، ومكاتبًا، وصبيًا، ومجنونًا، ويخرج عنهما الولي، إلا أن يكون فرضًا فيه لطالبه فلمستأجره، ولو استؤجر؛ لحفر بئر، أو هدم شيءٍ فوجده فهو له، لا لمستأجره، وإن وجده عبدٌ فهو من كسبه
(4)
لسيده إن وجده في مواتٍ، أو
(1)
المرجان: جنس حيوانات برية ثوابت، من طائفة المرجانيات، لها هيكل، وكلس أحمر يعد من الأحجار الكريمة، ويكثر في البحر الأحمر. ينظر: المعجم الوسيط 2/ 862، مادة (مرج).
(2)
(3)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 584، والفروع 4/ 172، والمبدع 2/ 352، والإنصاف 3/ 122، ومنتهى الإرادات 1/ 135.
(4)
الكسب: يجري من الفعل، والقول، والعمل، والآثار على إحسان قوة عليه.
وقيل: الفعل المفضي إلى اجتلاب نفع، أو دفع ضر.
وقيل: الكسب ما يتحراه الإنسان مما فيه اجتلاب نفع، وتحصيل حظ، وقد يستعمل فيما يظن أنه يجلب منفعة ثم جلب مضرة، والكسب فيما أخذه لنفسه ولغيره. والاكتساب لا يقال إلا فيما استفاده لنفسه. ينظر: التوقيف على مهمات التعاريف ص 281، والكليات ص 769.
شارعٍ، أو أرضٍ لا يعلم مالكها، أو على وجه هذه الأرض، أو في طريقٍ غير مسلوكٍ، أو خربةٍ، أو في ملكه الذي أحياه.
وإن علم مالكها، أو كانت منتقلة إليه فهو له أيضًا إن لم يدعه المالك، فلو ادعاه بلا بينةٍ، ولا وصفٍ فله مع يمينه، وإن وجد فيها لقطةً فواجدها أحق من صاحب الملك، وكذا حكم المستأجر، والمستعير يجد في الدار ركازًا، أو لقطةً، فإن ادعى كلٌ منهما أنه وجده أولاً، أو دفنه فوجهان
(1)
، وعليهما من وصفه منهما حلف، وأخذه.
والركاز ما وجد من دفن الجاهلية، أو ما تقدم من الكفار في الجملة في دار إسلامٍ، أو عهدٍ، أو دار حربٍ، وقدر عليه وحده، أو بجماعةٍ لا منعة لهم نصًّا
(2)
عليه، أو على بعضه
علامة كفرٍ فقط نصًّا
(3)
فإن كان عليه، أو على بعضه علامة المسلمين، أولم تكن عليه علامة كالأواني، والحلي، والسبائك فهو لقطة.
(1)
قال في الفروع 4/ 183: «أحدهما: القول قول المكري، قدمه ابن رزين وقال: لأن الدفن تابع للأرض» .
والوجه الثاني: القول قول المكتري قلت: وهو الصواب، لزيادة اليد عليه. وينظر: الإنصاف 3/ 128، والإقناع 1/ 269، وكشاف القناع 2/ 227.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 269، وكشاف القناع 2/ 228. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 299:
بنفسه الدفين من قد أخرجا
…
من أرض حربي ركاز ذاك جا
(3)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 3/ 1138، والفروع 4/ 185، والإنصاف 3/ 130، ومنتهى الإرادات 1/ 136.
باب زكاة الأثمان
وهي الذهب، والفضة، ولا زكاة في ذهبٍ حتى يبلغ عشرين مثقالاً
(1)
،/ [79/ أ] ولا في فضةٍ حتى تبلغ وزن مئتي درهمٍ إسلامي مضروبًا وغيره
(2)
.
فالدرهم ستة دَوَانِق
(3)
، وكل عشرة سبعة مثاقيل، وزنة المثقال درهم، وثلاثة أسباع درهم، وهو ثنتان وسبعون حبة شعير متوسطة، وقيل: ثنتان وثمانون حبة شعير، وثلاثة أعشار حبة من الشعير المطلق، ولا تنافي بينهما.
وزنة الدرهم نصف مثقال وخُمُسُهُ، وهو خمسون حبة، وخمسا حبةٍ على الأَوَّل، وعلى الثاني سبعٌ وخمسون حبة، وستة أعشار حبة، وعشر عشر حبة، وهو ستة دَوَانِق كما تقدم
(4)
.
والبغلية
(5)
وهي السوداء ثمانية دَوَانِق،
(1)
المراد الدِّينار الإسلامي الذي يبلغ وزنه المثقال لربعة جرامات وربع، فيكون نصاب الذهب خمسة وثمانين جراما، يعادل عشر جنيهات سعودي وخمسة أثمان الجنيه. ينظر: رسالة في زكاة الحلي لابن عثيمين ص 26.
(2)
المراد الدرهم الإسلامي الذي يبلغ وزنه سبعة أعشار مثقال، فيبلغ مئة وأربعين مثقالا وهي خمسمئة وخمسة وتسعون جراما، تعادل ستة وخمسين ريالا عربيا من الفضة. ينظر: رسالة في زكاة الحلي لابن عثيمين ص 26.
(3)
الدوانق: جمع دانق، وهو من الأوزان، وهو سدس الدرهم. ينظر: لسان العرب 10/ 105، مادة (دنق)
(4)
في أَوَّل الصفحة.
(5)
البغلية: منسوبة إلى ملك يقال له رأس البغل. ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 113، والمطلع ص 171، والمصباح المنير 1/ 171.
والطبرية
(1)
أربعة دَوَانِق، واليمنية دانقان ونصف، والخراسانية دانق
(2)
ونحوه، فيرد ذلك كله إلى المثقال، والدرهم الإسلامي في الزكاة، فنصاب ذهبٍ بالدراهم ثمانية وعشرون درهمًا، وأربعة أسباع درهم، وبالمثاقيل عشرون مثقالاً، وبدينار الوقت الآن الذي زنته درهم وثمن، خمسة وعشرون دينارًا، وسبعا دينارٍ، وتسعه على التحديد.
ونصاب الفضة بالدرهم الإسلامي الذي زنته ستة دَوَانِق مئتا درهمٍ، وبالمثاقيل الذي زنة كل مثقالٍ منها درهم وثلاثة أسباع درهمٍ، وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، مئة وأربعون مثقالاً، ولا زكاة في مغشوشهما حتى يبلغ قدر ما فيه نصابًا.
فإن شكّ فيه خيِّر بين سبكه، وإخراج زكاة نقده إن بلغ نصابًا، وبين استظهاره، وإخراج قدر زكاته بيقينٍ.
وإن وجبت الزكاة، وشكّ في زيادةٍ استظهر فألف ذهبًا، وفضةً مختلطة، وتعذر التميز،/ [79/ ب] يزكي ستمئةٍ ذهبًا، وأربعمئةٍ فضة، وإن لم يجز ذهبٌ عن فضة زكي ستمئةٍ ذهبًا، وستمئةٍ فضةً، وإن أراد أن يزكي المغشوشة منها، وعلم قدر الغش في كل دينارٍ جاز، وإلا لم يجزئه، إلا أن يستظهر فيخرج قدر الزكاة بيقينٍ.
وإن أخرج ما لا غش فيه فهو أفضل، ويعرف قدر غشه بوضع ذهبٍ
(1)
طبرية: مدينة بالشام، وكانت قصبة الأردن، والدراهم الطبرية منسوبة إليها. ينظر: المغرب في ترتيب المعرب ص 287، المصباح المنير 2/ 368.
(2)
في المخطوط (دانقا) ولعله خطأ من الناسخ، والصواب ما أثبت؛ لأنه خبر.
خالصٍ زنة المغشوش في ماءٍ، ثم فضةٍ كذلك وهي أضخم، ثم المغشوش، ويعلم علو الماء، ويمسح بين كل علامتين، فمع استواء الممسوحين نصفه ذهبٌ، ونصفه فضة، ومع زيادة ونقص بحسابه. ويكره ضرب نقدٍ مغشوشٍ، واتخاذه نصًّا
(1)
، وتجوز المعاملة به مع الكراهة، إذا أعلمه بذلك، وإن جهل قدر الغش نصًّا
(2)
، ولا يضرب لغير السلطان.
قال أحمد
(3)
رحمه الله: لا يصلح ضرب الدراهم، إلا في دار الضرب بإذن السلطان؛ لأن الناس إن رخص لهم ركبوا العظائم، ويخرج عن جيدٍ، ورديءٍ من جنسه، ومن كل نوعٍ بحصته، وإن أخرج بقدر الواجب من الأعلى كان أفضل، وإن أخرج عن الأعلى مكسرًا، أو بهرجًا وهو الرديء زاد قدر ما بينهما من الفضل وأجزأ نصًّا
(4)
.
وإن أخرج من الأعلى بقدر القيمة دون الوزن لم يجزئه.
ويجزئ قليل القيمة عن كثيرها مع الوزن، ويجزئ مغشوشٌ عن جيدٍ، ومكسرٌ عن صحيحٍ، وسودٌ عن بيضٍ مع الفضل بينهما نصًّا
(5)
، ولا يلزم قبول رديءٍ عن جيدٍ، في عقدٍ وغيره.
ويثبت الفسخ، ويضم أحد النقدين إلى الآخر في تكميل النصاب، ويخرج عنه، ويكون الضم بالأجزاء/ [80/ أ] فعشرة مثاقيل ذهبًا نصف
(1)
ينظر: الفروع 4/ 133، والمبدع 2/ 359.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 271، وكشاف القناع 2/ 231.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 133، والمبدع 2/ 359.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 134، والإنصاف 3/ 134، ومنتهى الإرادات 1/ 138.
(5)
ينظر: الفروع 4/ 134، والإقناع 1/ 271، ومنتهى الإرادات 1/ 138.
نصابٍ، ومئة درهمٍ نصف فإذا ضما كمل النصاب، وإن بلغ أحدهما نصابًا ضم إليه ما نقص عن الآخر.
وتضم قيمة العروض إلى كلٍ منهما، واليهما، فذهبٌ، وفضةٌ، وعروض يضم الجميع، ويضم جيد لكل جنس، ومضروبه إلى رديئه، وتبره
(1)
.
فصل
ولا زكاة في حُليٍّ مباحٍ لرجلٍ، وامرأةٍ من ذهبٍ، وفضةٍ معد؛ لاستعمال مباحٍ، أو إعارةٍ ولولم يفعل، أو ممن يحرم عليه فيهما، كرجلٍ يتخذ حُليّ النساء؛ لإعارتهن، وعكسه لا فارًا منها
(2)
.
وإن كان الحلي ليتيمٍ، فلوليه إعارته، فإن فعل فلا زكاة، وإلا ففيه الزكاة نصًّا
(3)
، فأما الحلي المحرم كطوق الرجل، وسواره، وخاتمه الذهب كالآنية، وحلية مُصحفٍ، ودواةٍ، ومقلمةٍ، وسرجٍ، ولجامٍ ونحوه، وما أعد للكراء كحُليّ المَوَاشِط نصًّا
(4)
حل له لبسه، أو لا، أو أعد؛ لتجارةٍ كحُليّ الصَّيارف، أو قنيةٍ
(5)
، أو ادخارٍ، ونفقةٍ إن احتاج إليه، أولم يقصد به شيئًا
(1)
التبر: جوهر الذهب، والفضة يقال للقطعة منها تبرة مالم تضرب، فإذا ضربت دراهم، أو دنانير سميت عينا.
ينظر: غريب الحديث للخطابي 1/ 247، والصحاح 2/ 600، ومجمل اللغة ص 153، ولسان العرب 4/ 88.
(2)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 139.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 140، والمبدع 2/ 362، والإنصاف 3/ 139.
(4)
ينظر: شرح الزركشي 2/ 501، والمبدع 2/ 362، والإنصاف 3/ 139.
(5)
قنى الشيء، واقتناه، وقنيت أيضًا قنية وقنية، إذا اقتنيتها لنفسك، لا للتجارة. ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (6/ 2467): ومجمل اللغة 1/ 734، ومختار الصحاح 1/ 261.
نصًّا
(1)
ففيه الزكاة، ولا زكاة في الجوهر، واللؤلؤ وإن كثرت قيمته، أو كان في حُلِيّ، إلا أن يكون؛ لتجارةٍ فيقوم جميعه تبعًا.
والفلوس
(2)
كعروض التجارة، فيها زكاة القيمة
(3)
.
قال المجد
(4)
: وإن كانت للنفقة فلا.
والاعتبار في نصاب الكل بوزنه، إلا المباح المعد؛ للتجارة ولو نقدًا، فالاعتبار بقيمته نصًّا
(5)
، فيقوم النقد بنقدٍ آخر إن كان أحظ للفقراء، أو نقص عن نصابٍ؛ لأنه عرض.
وقيل: بقيمة المباح وزنة التحريم.
وإن انكسر الحُلِيّ، وأمكن لبسه كانشقاقه ونحوه فهو كالصحيح، وإن لم يمكن لبسه فإن لم يحتج في إصلاحه إلى سبكٍ، وتجديد صنعة، ونوى إصلاحه فلا زكاة فيه.
وإن نوى كسره، أولم ينو شيئًا ففيه الزكاة، وإن احتاج إلى تجديد صنعةٍ زكاه وحيث اعتبرت/ [80/ ب] القيمة في النصاب فكذا في الإخراج، فإن أخرج منه مشاعًا، أو مثله وزنًا مما يقابل جودته زيادة الصنعة جاز.
وإن أراد كسره منع، وإذا لم تعتبر القيمة في النصاب لم تعتبر في الإخراج.
(1)
ينظر: المبدع 2/ 362.
(2)
الفلوس: العملة المضروبة من غير الذهب والفضة. ينظر: المعجم الوسيط 2/ 700، مادة (فلس).
(3)
ينظر: الإنصاف 3/ 131.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 273.
(5)
ينظر: المبدع 2/ 363، والإقناع 1/ 273، كشاف القناع 2/ 235.
قال في الفروع
(1)
: «والأشهر، واختاره القاضي، والشيخ وغيرهما يعتبر في المباح خاصة» وهذا من فروع القولين المتقدمين.
ويباح لذكرٍ من فضةٍ خاتم، ولبسه في خنصر يسار أفضل نصًّا
(2)
، ويجعل فصه مما يلي كفه، ولا بأس بجعله مثقالاً، أو أكثر ما لم يخرج عن العادة، وجعل فصه منه، أو من غيره، ويكره لبسه في سبابةٍ، ووسطى، ويكره أن يكتب عليه ذكر الله تعالى، من قرآنٍ وغيره ويستحب التختم بالعقيق
(3)
.
ويكره لرجلٍ، وامرأةٍ خاتم حديدٍ، وصفر، ونحاسٍ، ورصاصٍ نصًّا
(4)
، وكذا قبيعة سيفٍ
(5)
، وحلية منطقة، وجَوشَن، وخُوذَة
(6)
وخف، وَرَان وهو شيءٌ يلبس تحت الخف، وحمائل ونحوها ومن الذهب قبيعة السيف وما دعت إليه ضرورة كأنفٍ، وربط سنٍ، أو أسنان به.
(1)
ينظر: الفروع 4/ 144.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 149، والإنصاف 3/ 142، والإقناع 1/ 274، ومنتهى الإرادات 1/ 139، وكشاف القناع 2/ 236.
(3)
العقيق: خرز أحمر، تتخذ منه الفصوص، يكون باليمن، وبسواحل البحر الأبيض المتوسط. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 1/ 57، والمخصص 1/ 375، تاج العروس 26/ 167.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 164، والمبدع 2/ 368، والإنصاف 3/ 146، ومنتهى الإرادات 1/ 140.
(5)
القبيعة من السيف: ما على طرف مقبضه من فضة أو حديد، وقيل: قبيعة السيف رأسه الذي فيه منتهى اليد إليه.
ينظر: الصحاح 3/ 1260، والمطلع ص 172/ ولسان العرب 8/ 259، والقاموس المحيط ص 748.
(6)
الخوذة: بالضم المغفر، والجمع خوذ، كغرف، فارسي معرب. تاج العروس 9/ 406.
ويباح للنساء من الذهب، والفضة ما جرت عادتهن بلبسه كطوقٍ، وخلخالٍ، وسوارٍ، وَدُمْلُجٍ
(1)
وقُرْط، وخاتم، وما في المُخَانق، والمَقَالد من حرائز، وتعاويذ، وأُكَر، وما أشبه ذلك قل، أو كثر، حتى دراهم، ودنانير لاسيما في من عادتهم التحلي بها.
(1)
الدملج: هو السوار يحيط بالعضد. ينظر: تهذيب اللغة 11/ 171، والنهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 134، وتاج العروس 5/ 579.
باب زكاة العروض
(1)
وهي ما يعد؛ لبيع وشراء؛ لأجل ربحٍ غير النقدين كذا قالوا، ولعل مرادهم في الأصل، ثم استعمل في غيره كما تقدم
(2)
في اعتبار النصاب بوزنه، إلا المعد للتجارة ولو نقدًا، فدلَّ أن العرض قد يكون نقدًا، وصرح به بعضهم
(3)
، وعبارة بعضهم تتناوله عمومًا.
تجب الزكاة في عروض التجارة
(4)
، إذا بلغت قيمتها نصابًا، ويؤخذ منها؛ لأنها محل الوجوب/ [81/ أ] لا من العروض، ولا تصير للتجارة، إلا أن يملكها بفعله
(5)
ولو منفعة، أو بغير معاوضةٍ، أو استرد ما باعه بنية
(1)
العروض: بضم العين، جمع عرض بسكون الراء، كفلس وفلوس، ما سوى الدراهم والدنانير. ينظر: الصحاح 3/ 1083، ومختار الصحاح ص 205، وتحرير ألفاظ التنبيه ص 215. قال ابن عثيمين في الشرح الممتع 6/ 138:(سمي بذلك؛ لأنه لا يستقر، يعرض، ثم يزول، فإن المتَّجِرَ لا يريد هذه السلعة بعينها، وإنما يريد ربحها؛ لهذا أوجبنا زكاتها في قيمتها لا في عينها).
(2)
في باب زكاة الأثمان. لوح رقم (80/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [387].
(3)
منهم صاحب الفروع 4/ 161، والإنصاف 3/ 132، ينظر: الإقناع 1/ 273، وشرح منتهى الإرادات 1/ 434، وكشاف القناع 2/ 235.
(4)
قال في الشرح الكبير 2/ 622: «قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة، إذا حال عليها الحول، روى ذلك عن عمر، وابنه، وابن عباس، وبه قال الفقهاء السبعة، والحسن، وجابر بن زيد، وميمون بن مهران، والنخعي، والثوري، والاوزاعي، والشافعي، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي، واسحق» .
(5)
وذلك مثل البيع، والنكاح، والخلع. ينظر: منتهى الإرادات 1/ 140، ومطالب أولي النهى 2/ 96.
التجارة بها عند تملكه بأن يقصد التكسب به بالاعتياض عنه، فإن ملكها بإرثٍ، أو ملكها بفعله بغير النية، ثم نوى التجارة بهالم تصر للتجارة، إلا أن يكون اشتراه بغرض تجارةٍ فلا يحتاج إلى نية.
وإن كان عنده عرضٌ للتجارة فنواه للقنية، ثم نواه للتجارة لم يصر للتجارة، إلا حُلِيّ اللبس إذا نوى بفعله التجارة فيصير لها بمجرد النية؛ لأن التجارة أصلٌ فيه.
وتقوم العروض عند الحول بالأحظ للمساكين
(1)
من عينٍ، أو وَرِقٍ، إلا المغنية فَتُقَوَّمُ سَاذِجَة
(2)
، ولا عبرة بقيمة آنية ذهبٍ، أو فضةٍ، ويقوم الخصي بصفته، وإن بلغت قيمة العرض
بكل منهما نصابًا خيِّر بينهما، ولا يعتبر ما اشتريت به، وإن اشترى عرضًا بنصابٍ من الأثمان، أو من العروض بنى على حوله، وإن اشتراه بنصابٍ من السائمة، أو باعه بنصابٍ منها لم يَبن على حوله، وإن اشترى نصاب سائمةٍ؛ لتجارةٍ بنصاب سائمةٍ؛ لقنيةٍ بَنى.
وإن ملك نصاب سائمةٍ؛ لتجارة فعليه زكاة تجارة دون سوم، ولو سبق حول سوم، فإن لم يبلغ قيمتها نصاب التجارة فعليه زكاة السوم.
وإن اشترى أرضًا؛ لتجارة يزرعها، أو زرعها ببذرٍ تجارةً، أو شجرًا تجب في ثمره الزكاة فأثمر الشجر، وزرعت الأرض زكى الجميع زكاة قيمة
(1)
تخصيصه المساكين دون غيرهم من أهل الزكاة فيه نظر، والأولى أن يقال: بالأحظ لأهل الزكاة. ينظر: حاشية التنقيح ص 152، والتوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح 1/ 426.
(2)
ساذجة: بفتح الذال المعجمة، أي: مجردة عن معرفة ذلك. شرح منتهى الإرادات 1/ 436، ومطالب أولي النهى 2/ 99.
نصًّا
(1)
، ولو سبق وجوب عشر، مالم تكن قيمتها دون نصاب كما تقدم، ولا عشر عليه.
وإن اشترى صَبَّاغ ما يصبغ به وبقي كزعفران، ونيل، وعصفر ونحوه، فهو عرض تجارةٍ يقوم عند حوله؛ لاعتياضه عن صبغ قائمٍ بالثوب ففيه معنى التجارة/ [81/ ب] ومثله ما يشتريه دَبَّاغٌ؛ ليدبغ به كَعَفْصٍ
(2)
، وَقَرَضٍ وما يدهنه به كسمنٍ، وملحٍ.
ولا زكاة فيما لا يبقى له أثرٌ بما يشتريه قصارٌ من حطبٍ، وَقِلْيٍ
(3)
وَنُورَةٍ
(4)
، وصابون، وأشنان ونحوه.
وإذا أذن كل واحدٍ من الشريكين لصاحبه في إخراج زكاته فأخرجاها معًا، ضمن كل واحدٍ منهما نصيب صاحبه؛ لأنه انعزل حكمًا؛ ولأنه لم يبق عليه زكاةٌ كما لو علم، ثم نسي.
وإن أخرج أحدهما قبل الآخر، ضمن الثاني نصيب الأَوَّل علم، أولم يعلم، لا إن أدى دينًا بعد أداء موكله ولم يعلم، ويرجع على القابض مما
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 277، ومنتهى الإرادات 1/ 141، وكشاف القناع 2/ 242، ومطالب أولي النهى 2/ 101.
(2)
العفص: مولد أو عربي، أو شجرة من البلوط، تحمل سنة بلوطًا، وسنة عفصًا، يتخذ منه الحبر، ويدبغ به، وكذا القرظ ونحوه. ينظر: العين 1/ 307، وجمهرة اللغة 2/ 885، ومختار الصحاح ص 213.
(3)
قِلْيٌ: هو رماد الغضا والرمث يحرق رطبا ويرش بالماء فينعقد قليا. ينظر: تهذيب اللغة 9/ 226، ولسان العرب 15/ 199.
(4)
النورة بضم النون، حجر الكلس، ثم غلبت على أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره، وتستعمل لإزالة الشعر. ينظر: المصباح المنير 2/ 630، والقاموس الفقهي ص 363.
قبض من الوكيل، ولو أذن غير شريكين كل واحدٍ منهما للآخر في إخراج زكاته، فكما لشريكين فيما سبق، ولا يجب إخراج زكاته،
أولا.
ويقبل قول الموكل أنه أخرج قبل دفع وكيله إلى الساعي، وقول من دفع زكاة ماله إليه، ثم ادعى أنه كان أخرجها، وتؤخذ من الساعي إن كانت بيده.
فإن تلفت، أو كان دفعها إلى الفقير، أو كانا دفعا إليه فلا، ومن لزمه نذرٌ، وزكاةٌ قدم الزكاة، وله الصدقة قبل إخراج زكاته.
باب زكاة الفطر
وهي صدقة تجب في الفطر من رمضان، فهي طهرة للصائم من اللغو والرفث
(1)
، وهي واجبة، وتسمى أيضًا فرضًا نصًّا
(2)
على كل مسلمٍ حرٍ، ومكاتبٍ
(3)
ذكرٍ، وأنثى، كبيرٍ وصغيرٍ.
وتجب في مال صغيرٍ نصًّا
(4)
، وذلك كله ممن تلزمه
(5)
مؤنة نفسه، إذا فضل عنده عن قوته، وقوت عياله يوم العيد وليلته، صاع، ويعتبر كون ذلك بعدما يحتاجه للنظر، والحفظ قاله الْمُوَفَّق
(6)
ومن تبعه
(7)
.
(1)
الرفث: الكلام القبيح، والفسق. ينظر: مجمل اللغة ص 390، وتفسير غريب ما في الصحيحين ص 329.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 279، ومنتهى الإرادات 1/ 142، وكشاف القناع 2/ 246، ومطالب أولي النهى 2/ 105. قال في المغني 3/ 80:«قال ابن المنذر: أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم، على أن صدقة الفطر فرض» .
وقال إسحاق: «هو كالإجماع من أهل العلم» .
(3)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 310:
مكاتب فطرته عليه
…
كذا قريب ينتمي إليه
(4)
ينظر: الفروع 4/ 211، والإنصاف 3/ 164، والإقناع 1/ 279، وكشاف القناع 2/ 247.
(5)
في حاشية المخطوط (لنفسه، ولمن تلزمه مؤنته، من مسكن، وخادم، ودابة، وثياب بذله ونحوه، وكذا كتب يحتاجها).
(6)
ينظر: المغني 3/ 96. ونص عبارة الْمُوَفَّق: «ومن له كتب يحتاج إليها للنظر فيها، والحفظ منها، لا يلزمه بيعها».
(7)
منهم صاحب الفروع 4/ 212، والمبدع 2/ 377، والإنصاف 3/ 165، والإقناع 1/ 279، ومنتهى الإرادات 1/ 142، وكشاف القناع 2/ 247.
وإن فضل بعض صاعٍ لزمه إخراجه، ويكمله من تلزمه فطرته لو عجز عن جميعها، وعنه
(1)
لا يلزمه/ [82/ أ] ويخرجها كلها، قاله المجد
(2)
في شرحه.
ويلزم المسلم فطرة من يمونه من المسلمين، حتى زوجة عبده الحرة، ومالك نفع قنٍ
(3)
فقط، وخادم زوجته إن لزمته نفقته، وبائن حامل إن قلنا النفقة لها، لا من استأجر أجيرًا، أو
ظئرًا بطعامه، وكسوته نصًّا
(4)
كضيفٍ، ولا من وجبت نفقته في بيت المال، ولا من تسلم زوجته الأمة ليلاً فقط، بل على سيدها، ويلزمه فطرة من يمونه من المسلمين، وترتيبها كالنفقة، فإن لم يجد ما يؤدي عن جميعهم، فيلزمه البداءة بنفسه، ثم بامرأته، ثم برقيقه، ثم بأمه، ثم بأبيه، ثم بولده، ثم على ترتيب الميراث الأقرب فالأقرب، فإن استوى اثنان فأكثر ولم يفضل غير صاعٍ، أقرع.
ولا يجب على جنينٍ بل يستحب، ومن تبرع بمؤنة شخصٍ شهر رمضان لزمته فطرته نصًّا
(5)
، لا إن مانه جماعة
(6)
، وإذا كان رقيقٌ واحدٌ، أو أكثر بين شركاء، أو بعضه حر، أو قريب تلزمه نفقة اثنين فأكثر، أو ألحقت
(1)
ينظر: الكافي 1/ 413، والشرح الكبير 2/ 649، والمبدع 2/ 376، والإنصاف 3/ 166.
(2)
ينظر: شرح المحرر 1/ 343.
(3)
القن: العبد الذي كان أبوه مملوكا لمواليه. ينظر: العين 5/ 27، والغريب المصنف 2/ 403، وغريب الحديث للقاسم بن سلام 3/ 342.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 217، والإنصاف 3/ 169، والإقناع 1/ 279، ومنتهى الإرادات 1/ 142.
(5)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 3/ 1271، والكافي 1/ 415، والمغني 3/ 93، والمحرر 1/ 226، ومنتهى الإرادات 1/ 142.
(6)
مانه يمونه: قام بكفاية أمره، واحتمل مؤنته. ينظر: أساس البلاغة 2/ 142، والمغرب في ترتيب المعرب ص 449، ومختار الصحاح ص 301، ولسان العرب 13/ 425.
قافة
(1)
ولدًا باثنين فأكثر فعليهم صاعٌ واحدٌ
(2)
، ومن عجز منهم عما عليه لم يلزم الآخر سوى قسطه كشريكٍ ذميٍ.
وإن عجز زوج المرأة عن فطرتها، فعليها إن كانت حرةً، وعلى سيدها إن كانت أمةً، وهل ترجع الحرة والسيد بها على الزوج إذا أيسر، كالنفقة أم لا؟ كالقريب فيه وجهان
(3)
.
قال في الرعايتين:
(4)
بالرجوع وأنه أقيس، ومن له آبقٌ، أو ضال، أو مغصوبٌ فعليه فطرته، إلا أن يشكّ في حياته فتسقط نصًّا
(5)
، فإن علم حياته بعد ذلك أخرج لما مضى.
ولا يلزم الزوج فطرة ناشزٍ وقت الوجوب، ولا من لا تلزمه نفقتها؛
(1)
القافة: القائف: هو الذي يعرف الآثار، ويتبعها ويعرف شبه الرجل في ولده، وأخيه.
غريب الحديث لابن قتيبة 2/ 519، وتحرير ألفاظ التنبيه ص 273، ولسان العرب 9/ 293، والتعريفات ص 171.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 311، 312:
والشركاء كلهم في عبد
…
فيلزم الصاع لكل فرد
وقدم المقنع والمحرر
…
يلزمهم صاع ولا يكرر
ومثله من ألحقته القافة
…
بأبوين فافهم اللطافة
وهكذا جماعة تلزمهم
…
نفقة لواحد يقربهم
وهكذا مبعض الحرية
…
فالكل في الإفتاء بالسوية
(3)
الرجوع وعدمه. والراجح عدم الرجوع والله أعلم ينظر: الإنصاف 3/ 172، والإقناع 1/ 280، وكشاف القناع 2/ 250.
(4)
ينظر: الرعاية الصغرى 1/ 182.
(5)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 656، والمبدع 2/ 380، والإنصاف 3/ 173، ومنتهى الإرادات 1/ 142.
لصغرٍ ونحوه، وتلزم فطرة مريضة/ [82/ ب] ونحوها لا تحتاج نفقة.
ومن لزم غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه أجزأ، كما لو أخرج بإذنه؛ لأن الغير متحمل لا أصيل، ولولم يخرج من تلزمه فطرة غيره مع قدرته لم يلزم الغير شيءٌ وله مطالبته بالإخراج، ولو أخرج العبد بغير إذن سيده لم يجزئه، وإن أخرج عمن لا تلزمه فطرته بإذنه أجزأ، وإلا فلا.
ولا يمنع الدَّين وجوب الفطرة، إلا أن يكون مطالبًا به نصًّا
(1)
، ويجب بغروب شمس ليلة الفطر، فمن أسلم بعد ذلك، أو تزوج، أو ولد له ولدٌ، أو ملك عبدًا، أو كان معسرًا وقت الوجوب، ثم أيسر بعده فلا فطرة، وإن وجد ذلك قبل الغروب وجبت، ولا تسقط بعد وجوبها بموتٍ، ولا غيره.
ويجوز تقديمها بيومٍ، أو بيومين فقط نصًّا
(2)
، وآخر وقتها غروب شمس يوم الفطر، فإن أخرها عنه أثم، وعليه القضاء، والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة، أو قدرها، ويجوز في سائره مع الكراهة، ومن وجبت عليه فطرة غيره، أخرجها مكان نفسه نصًّا
(3)
ويأتي
(4)
.
(1)
ينظر: الكافي 1/ 414، والمحرر 1/ 227، والشرح الكبير 2/ 657، والمبدع 2/ 381، والإنصاف 3/ 176.
(2)
ينظر: مختصر الخرقي ص 48، والفروع 4/ 228، ومنتهى الإرادات 1/ 143. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 314:
وفوق يومين قبيل العيد
…
تعجيلها فليس بالمفيد
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 281، ومنتهى الإرادات 1/ 143، وكشاف القناع 2/ 252، وحاشية الروض 3/ 283.
(4)
في باب إخراج الزكاة. لوح رقم (85/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [401].
فصل
والواجب فيها صاع تمرٍ عراقيٍ، ومثل مكيله من غيره، وهي التمر، والزبيب، والشعير، والأقط
(1)
، ولا عبرة بوزن تمرٍ نصًّا
(2)
، فإذا بلغ صاعًا بالبر أجزأ، وإن لم يبلغ الوزن ويحتاط في الثقيل؛ ليسقط الفرض بيقينٍ.
ولا يجزئ نصف صاعٍ من برٍ نصًّا
(3)
خلافًا لأبي العباس
(4)
.
ويجزئ صاع دقيقٍ، وسويقٍ
(5)
نصًّا
(6)
، ولو مع وجود الحب وهو بر، أو شعير يحمص ثم يطحن، وصاعه بوزن حبه، ويجزئ بلا نخلٍ، وكذا أقطٍ، ولو ممن يقتاته نصًّا
(7)
، أو مع وجود غيره، وهو شيءٌ يعمل من اللبن المخيض.
ولا يجزئ غير هذه الأصناف
(8)
مع قدرته على تحصيلها كدِبسٍ،
(1)
الأقط: لبن محمض يجمد حتى يستحجر ويطبخ، أو يطبخ به، وفيه أربع لغات: سكون القاف مع فتح الهمزة وضمها وكسرها، وكسر القاف. ينظر: المطلع ص 176، والقاموس الفقهي ص 21، والمعجم الوسيط 1/ 22.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 281، وكشاف القناع 2/ 253.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 230، والمبدع 2/ 385، ومنتهى الإرادات 1/ 143.
(4)
ينظر: المستدرك على مجموع الفتاوى 3/ 108، 159.
(5)
السويق: هو القمح، والشعير إذا قلي ثم طحن، وبعض العرب تنطقه بالصاد. ينظر: المطلع ص 176.
(6)
ينظر: الإقناع 1/ 281، ومنتهى الإرادات 1/ 143، وكشاف القناع 2/ 253.
(7)
ينظر: الإقناع 1/ 281، وكشاف القناع 2/ 253.
(8)
والرواية الثانية في المذهب الإجزاء خاصة إذا كان أعلى منه وأنفع للفقير. ينظر: الكافي 3/ 175، والشرح الكبير 2/ 663، والفروع 4/ 236.
قال في الفتاوى الكبرى 5/ 372: «ويجزئه في الفطرة من قوت بلده مثل الأرز وغيره ولو قدر على الأصناف المذكورة في الحديث وهو رواية عن أحمد وقول أكثر العلماء» . وهو المعمول به في الوقت الحاضر. ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة 8/ 265، ومجموع فتاوى ابن باز 14/ 201، ومجموع فتاوى ابن عثيمين 18/ 287.
وجبنٍ، ومَصلٍ
(1)
ولا القيمة نصًّا
(2)
، فإن عدم المنصوص/ [83/ أ] عليه أخرج ما يقوم مقامه من حبٍ، وتمرٍ يقتات،
ولا يجزئ إخراج حبٍ معيبٍ، كمسوسٍ، ومبلولٍ، وقديمٍ تغير طعمه ونحوه، ولا خبز نصًّا
(3)
فإن خالط المخرج ما لا يجزئ وكثر لم يجزئه، وإن قل زاد بقدر ما يكون المصفى صاعًا.
قال أحمد
(4)
رحمه الله: واجبٌ تنقية الطعام.
ويجزئ إخراج صاعٍ ملفقٍ من أجناسٍ
(5)
.
وأفضل مُخْرَج تمر نصًّا
(6)
، ثم زبيبٍ، ثم برٍ، ثم أنفع، ثم شعير، ثم دقيق بر وشعيرٍ، ثم سويقهما، ثم أقط.
ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد، لكن الأفضل ألا ينقصه عن مدٍ برًا، ونصف صاع برٍ من غيره، وأن يعطي الواحد ما يلزم الجماعة،
(1)
الميم والصاد واللام أصل صحيح، يدل على تحلب شيء وقطره ومصل الأقط: عمله، وهو أن تجعله في وعاء خوص، أو غيره حتى يقطر ماؤه، والذي يسيل منه المصالة. ينظر: الصحاح 5/ 1819، مقاييس اللغة 5/ 327، والمحكم والمحيط الأعظم 8/ 336.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 235، والمبدع 2/ 386.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 235، والمبدع 2/ 386، ومنتهى الإرادات 1/ 143.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 237، والمبدع 2/ 386، والإنصاف 3/ 183.
(5)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 314:
والصاع إن لفق من أجناس
…
جوازه موافق القياس
(6)
ينظر: الإقناع 1/ 282، ومنتهى الإرادات 1/ 144، وكشاف القناع 2/ 254.
ولفقيرٍ إخراج فطرة، وزكاة عن نفسه إلى من أخذتا منه.
قال المنُقِّح
(1)
: مالم يكن حيلةً، وكذا الإمام، ونائبه إذا حصلت عنده فقسمها وردهما إلى من أخذتا منه.
(1)
ينظر: التنقيح ص 154.
باب إخراج الزكاة
لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها مع إمكانه، فيجب إخراجها على الفور نصًّا
(1)
، كنذرٍ مطلقٍ، وكفارةٍ نصًّا
(2)
ويأتي
(3)
إلا أن يخاف ضررًا كرجوع ساعٍ ونحوه، كخوفه على نفسه، أو ماله، أو حاجته إليها نصًّا
(4)
، وتؤخذ منه عند يساره، أو لمن حاجته أشد نصًّا
(5)
، أو لقريبٍ، أو جارٍ، أو لتعذر إخراجها من النصاب؛ لغيبة، أو غيرها، ولو قدر على الإخراج من غيره، وتقدم
(6)
، أو لغيبة المستحق، أو الإمام عند خوف رجوعه، وكذا للإمام، والساعي التأخير عند ربها؛ لعذر قحطٍ ونحوه.
فإن جحد وجوبها جهلاً به، ومثله يجهله كقريب عهدٍ بإسلامٍ، ونشوئه ببادية بعيدة تخفى عليه عرف ذلك، فإن أصر، أو كان عالمًا به كفر، وأخذت منه إن كانت وجبت، واستتيب ثلاثًا، فإن لم يتب قتل.
ومن منعها بخلاً بها، أو تهاونًا أخذت منه، وعزره إمامٌ عدلٌ، أو
(1)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 3/ 1110، والمغني 2/ 510، والمحرر 1/ 224، والشرح الكبير 2/ 668، ومنتهى الإرادات 1/ 144.
(2)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 144، كشاف القناع 2/ 225، وكشف المخدرات 1/ 265.
(3)
في باب صوم التطوع. لوح رقم (96/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [442].
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 282، ومنتهى الإرادات 1/ 142، وكشاف القناع 2/ 255، وكشف المخدرات 1/ 265.
(5)
ينظر: الفروع 4/ 244، والإنصاف 3/ 187، ومنتهى الإرادات 1/ 144.
(6)
في باب زكاة الفطر. لوح رقم (83/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [395].
عامل زكاة ما لم يكن جاهلاً
(1)
، فإن غيب ماله، أو كتمه وأمكن أخذت من غير زيادةٍ، فإن لم يمكن أخذها استتيب ثلاثة أيامٍ، فإن تاب وأخرج/ [83/ ب] وإلا قتل حدًا
(2)
، وأخذت من تركته، وإن لم
يمكن أخذها إلا بقتالٍ وجب على الإمام قتاله إن وضعها مواضعها نصًّا
(3)
، ولا يكفر بقتاله له، ومن طولب بها فادعى ما يمنع وجوبها من نقصان الحول، أو النصاب، أو انتقاله في بعض الحول ونحوه، كادعائه أداءها، أو تجدده قريبًا، أو أن ما بيده لغيره، أو أنه منفرد، أو مختلط قبل قوله بلا يمينٍ، وإن أقر بقدر زكاته، ولم يخبر بقدر ماله أخذت منه بقوله، ولم يكلف إحضار ماله.
والصبي، والمجنون يخرج عنهما وليهما كنفقة وغرامة، ويستحب لرب المال تفرقة زكاته بنفسه بشرط أمانته
(4)
.
وفي عبارة بعضهم يجوز، فهو أفضل من دفعها لإمامٍ عادلٍ نصًّا
(5)
،
(1)
قال في كشاف القناع 2/ 257: «أو عزره عامل زكاة لقيامه مقام الإمام فيها، وإنما عزر لتركه الواجب وهي معصية لا حد فيها ولا كفارة، ما لم يكن مانع الزكاة بخلا، أو تهاونا جاهلا بتحريم ذلك فلا يعزر؛ لأنه معذور» .
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 301:
وبالزكاة باخل أو يكسل
…
فيستتاب إن أصر يقتل
(3)
ينظر: الفروع 4/ 246، والإقناع 1/ 283، ومنتهى الإرادات 1/ 144، وكشاف القناع 2/ 257.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 284، ومنتهى الإرادات 1/ 145، وكشاف القناع 2/ 258، ومطالب أولي النهى 2/ 199.
(5)
ينظر: المبدع 2/ 392، والإنصاف 3/ 191، والإقناع 1/ 284، ومنتهى الإرادات 1/ 145، وكشاف القناع 2/ 258، ومطالب أولي النهى 2/ 119. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 309:
زكاته يخرج في الأنام
…
بنفسه أولى من الإمام
وله دفعها إلى الساعي، وإلى الإمام ولو فاسقًا يضعها في مواضعها، ويجب كتمها إذًا
(1)
، ويجزئه مطلقًا، ويجزئ دفعها إلى الخوارج
(2)
، والبغاة
(3)
، نص عليه
(4)
في الخوارج إذا غَلَبوا على بلدٍ، وأخذوا منه العشر وقع موقعه.
ولا يجوز دفع عشرٍ، وصدقةٍ إليهم ولا إقامة حدٍ، وللإمام طلبها من المال الظاهر، والباطن إن وضعها في أهلها، ولا يجب الدفع إليه، وليس له أن يقاتل على ذلك إذا لم يمنع إخراجها بالكلية نصًّا
(5)
.
ولا يجزئ إخراجها إلا بنيةٍ من مكلفٍ فينوي الزكاة، أو الصدقة الواجبة، أو صدقة المال، أو الفطر فلولم ينو، أو نوى صدقة مطلقةً لم يجزئ عما في ذمته، حتى ولو تصدق بجميع المال، والأَولى مقارنتها للدفع، ويجوز قبله بيسيرٍ كصلاةٍ، ولا يعتبر فيه الفرض، ولا يعين المال المزكى عنه، فلو كان له مالان غائبٌ، وحاضرٌ فنوى زكاة أحدهما أجزأ عن أيهما شاء، ولو نوى زكاة ماله الغائب، فإن كان تالفًا فعن الحاضر أجزأ عنه إن كان الغائب تالفًا، ولو نوى عن الغائب فبان تالفًا لم يكن مصرفه إلى غيره.
(1)
لعل هنا سقط وصواب العبارة والله أعلم (وإلا يجب كتمها إذًا) يعني إذا لم يوجد إمام يضعها موضعها وجب كتم الزكاة).
(2)
الخوارج: هم الذين يكفرون بالذنب، ويكفرون عثمان، وعليا، وطلحة، والزبير رضي الله عنهم، ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم، إلا من خرج معهم. ينظر: شرح الزركشي على الخرقي 6/ 218.
(3)
البغاة هم: الخارجون على الإمام بتأويل سائغ، ولهم شوكة. ينظر: دليل الطالب ص 322، وموسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية 10/ 534.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 261، والإقناع 1/ 284، ودليل الطالب ص 87، وكشاف القناع 2/ 259.
(5)
ينظر: الفروع 4/ 260، والإنصاف 3/ 192، والإقناع 1/ 284.
وإن أخذها الإمام قهرًا؛ لامتناعه كفت نية الإمام دون نية رب المال وأجزأته ظاهرًا، لا باطنًا، وكذا إن أخذها الإمام، أو الساعي؛ لغيبة رب المال، وتعذر الوصول إليه لحبسٍ ونحوه/ [84/ أ] أجزأ ظاهرًا وباطنًا، وإن أخذها منه طوعًا، ونواها دون الإمام جاز، لا إن نواها الإمام دونه.
ولا بأس بالتوكيل في إخراجها، ويعتبر كون الوكيل ثقة نصًّا
(1)
مسلمًا، فإن دفعها إلى وكيله أجزأت النية من موكل مع قرب زمن الإخراج، وإلا نوى الوكيل أيضًا، ولا يجزئ نية الوكيل وحده.
وإن أخرج زكاة شخصٍ من ماله بأمره صح، وإلا فلا، وإن كان من مال المخرج عنه بلا إذنه وقلنا بصحة تصرف الفضولي موقوفًا على الإجازة فأجازه ربه أجزأت
(2)
، وإلا فلا، ولو قال لآخر: أخرج عني زكاتي من مالك ففعل، أجزأت عن الآمر نص عليه في الكفارة
(3)
.
ومن أخرج زكاة مال غصبٍ لم يجزئه، ويستحب أن يقول المخرج عند دفعها: اللهم اجعلها مغنمًا، ولا تجعلها مغرمًا
(4)
.
ويقول الآخذ: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله
(1)
ينظر: الفروع 4/ 253، والإقناع 1/ 285، وكشاف القناع 2/ 261.
(2)
المشهور من مذهب الحنابلة عدم صحة التصرف الفضولي. انظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 6/ 2927، والكافي 3/ 14، والمغني 4/ 187، والمحرر 1/ 310، والفروع 7/ 60.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 255، والإنصاف 3/ 198.
(4)
الحديث أخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب الزكاة، باب ما يقال عند إخراج الزكاة، برقم (1797) 1/ 573. قال الألباني (موضوع) ينظر: إرواء الغليل 3/ 343، وسلسلة الأحاديث الضعيفة 3/ 215.
لك طهورا
(1)
، ولا يجب ذلك عليه.
وإظهارها مستحبٌّ، سواءٌ كان بموضعٍ يخرج أهله الزكاة، أم لا، وإن علم الآخذ أهلاً لأخذها كره إعلامه بأنها زكاة نصًّا
(2)
.
قال أحمد رحمه الله
(3)
: لم يُبَكِّته
(4)
، يعطيه ويسكت، وإن علمه أهلاً والمراد ظنه، ويعلم من عادته لا يأخذها فأعطاه ولم يعلمه لم يجزئه في قياس المذهب
(5)
.
وله نقل زكاةٍ إلى دون مسافة قصرٍ نصًّا
(6)
، وفي فقراء بلده أفضل، ولا يدفع الزكاة إلا لمن يظنه من أهلها، فلو لم يظنه من أهلها فدفع إليه، ثم بان من أهلها لم يجزئه.
ولا يجوز نقلها عن بلدها إلى ما تقصر فيه الصلاة، ولو لرحمٍ، وشدة حاجة، فإن خالف وفعل أجزأه.
وعنه
(7)
لا، إلا أن يكون في باديةٍ، أو بلدٍ لا فقراء فيه.
(1)
نص الدُّعاء المأثور أن يقول: «آجرك الله فيما أعطيت، وجعلها لك طهورا، وبارك لك فيما أبقيت» أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار موقوفا، كتاب الزكاة، باب ما يقول المصدق إذا أخذ الصدقة لمن أخذها منه، برقم (8409) 6/ 176.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 258، والمبدع 2/ 396، والإنصاف 3/ 200، والإقناع 1/ 286، وكشاف القناع 2/ 263.
(3)
ينظر: المغني 2/ 482، والشرح الكبير 2/ 706، والفروع 4/ 258، والإنصاف 3/ 200، وشرح منتهى الإرادات 1/ 449.
(4)
قال في لسان العرب 2/ 11: " التبكيت: التقريع والتعنيف".
(5)
ينظر: الفروع 4/ 258، وكشاف القناع 2/ 263.
(6)
ينظر: الفروع 4/ 263، والمبدع 2/ 396، وكشاف القناع 2/ 263.
(7)
الإنصاف 3/ 202، وزاد المستقنع ص 78.
قال المنُقِّح
(1)
: أو فضل معه منها فيفرقها في أقرب البلاد إليه.
والمسافر بالمال يفرقها في موضعِ أكثر إقامة المال فيه نصًّا
(2)
، وله نقل كفارةٍ ونذرٍ/ [84/ ب] ووصية مطلقة ولو إلى مسافة قصرٍ، لا مقيدةٍ نصًّا
(3)
كفقراء مكانٍ معينٍ.
وإن كان في بلدٍ، وماله في آخر، أو أكثر أخرج زكاة كل مالٍ في بلده متفرقًا كان، أو مجتمعًا إلا في نصاب سائمةٍ فيجوز الإخراج في بعضها؛ لئلا يفضي إلى شقيص زكاة الحيوان.
ويخرج فطرة نفسه ومن يمونه في البلد نفسه، وإن كانوا في غيره نصًّا
(4)
وتقدم
(5)
. وحيث جاز النقل فأجرته عليه كأجرة كيلٍ، ووزنٍ وإذا حصل عند الإمام ماشية استحب له وسم إبلٍ، وبقرٍ في أفخاذها، وغنمٍ في أذانها
(6)
.
فإن كانت زكاةً كتب (لله)، أو (زكاة).
(1)
ينظر: التنقيح ص 156.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 264، والمبدع 2/ 397، والإقناع 1/ 287، ومنتهى الإرادات 1/ 146، وكشاف القناع 2/ 264.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 287.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 287، وكشاف القناع 2/ 264، قال في الشرح الممتع 6/ 214:«لأن زكاة الفطر تتعلق بالبدن، والمال زكاته تتعلق به» .
(5)
في باب زكاة الفطر في لوح رقم (83/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [395].
(6)
الكافي في فقه الإمام أحمد (1/ 422)؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك؛ لتمييزها عن غنم الجزية، والضوال؛ ولترد إلى مواضعها إذا شردت، وخص الموضعان لخفة الشعر فيهما، ولقلة ألم الوسم،. ينظر: الكافي 1/ 422، والشرح الكبير 2/ 682، والمبدع 2/ 398.
وإن كانت جزيةً كتب (صَغَارًا)، أو (جِزْيةً)؛ لتتميز
(1)
.
فصل
تقدم أنه يجب إخراج الزكاة عند وجوبها، وله تعجيلها، وتركه أفضل لحولين فأقل فقط بعد كمال النصاب، لا قبله، ولا قبل السوم.
فلو ملك بعض نصابٍ فعجل زكاته، أو زكاة نصابٍ لم يجزئه، ولو ظن ماله ألفًا فعجل زكاته فبان نصفه أجزأه عن عامين، وإن أخذ الساعي فوق حقه، حسبه من حولٍ ثانٍ نصًّا
(2)
.
وليس لولي رب المال أن يعجل زكاته، وإن عجل عن النصاب وما ينمو في حوله أجزأ عن النصاب دون النماء، ويجوز تعجيل زكاة الثمر بعد ظهوره، والزرع بعد نباته إذ ظهوره كالنصاب، وإدراكه كالحول؛ لحولٍ، ولا يجوز قبل ذلك.
وإن عجل زكاة النصاب فتم الحول وهو ناقصٌ قدر ما عجله أجزأ أداء المعجل في حكم الموجود، وإن عجل عن أربعين شاة شاتين من غيرها، أو شاة منها، وأخرى من غيرها أجزأ، وشاتين منها لا يجزئ عنهما، وينقطع الحول
(3)
.
كذا لو عجل شاةً عن الحول الثاني وحده؛ لأن ما عجله عنه زال ملكه
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 681، والفروع 4/ 266، والمبدع 2/ 398، والإقناع 1/ 287، ومنتهى الإرادات 1/ 147.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 287، وكشاف القناع 2/ 266، ومطالب أولي النهى 2/ 131.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 277، والمبدع 2/ 399، والإنصاف 3/ 206.
عنه فينقص به، وإن عجل زكاة المئتين فنتجت عند الحول سخلة لزمته ثالثةٌ.
وإن عجل عن مئة وعشرين واحدة، ثم نتجت قبل الحول أخرى، لزمه إخراج ثانيةٍ، وإن عجلها فدفعها إلى مستحقها فمات قابضها/ [85/ أ]، أو ارتد، أو استغنى منها، أو من غيرها أجزأت عنه، وإن دفعها إلى غنيٍ، أو كافرٍ يعلم غناه، أو كفره، فافتقر عند الوجوب، أو أسلم لم يجزئه، وإن عجلها، ثم هلك المال، أو نقص النصاب، أو مات المالك، أو ارتد قبل الحول لم يرجع على المسكين مطلقًا
(1)
.
وقيل:
(2)
يملك الرجوع اختاره ابن حامد، وابن شهابٍ، وأبو الخطاب
(3)
، كما لو كانت بيد الساعي عند التلف، وقطع المصنف، وغيره عن ابن حامد، إن كان الدافع لها الساعي رجع مطلقًا
(4)
.
وإن كان رب المال، أو أعلمه أنها زكاة معجلة رجع بها، وإن أطلق
(1)
ينظر: العدة ص 153، والمبدع 2/ 401، والإنصاف 3/ 212.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 289، والمبدع 2/ 401، والإنصاف 3/ 213.
(3)
هو محفوظ بن أحمد الكلوذاني، أبو الخطاب البغدادي، إمام الحنابلة في وقته، أصله من «كلواذا» بضواحي بغداد، ولد ببغداد سنة (432 هـ) كان فقيها أصوليا، أديبا، أخذ أبو الخطاب العلم من عدد من فقهاء بغداد، ومحدثيها الذين عاصرهم والتقى بهم منهم القاضي أبو يعلى، وأبو طالب العشاري، والدامغاني، ومن أشهر تلاميذه أبو سعد عبد الوهاب بن حمزة، وأبو بكر الدِّينوري، وأبو الفتح السامري، له مصنفات عدة، منها «التمهيد» في أصول الفقه، و «الانتصار في المسائل الكبار» ، و «الهداية» في الفقه، توفي بغداد سنة (510 هـ) ينظر: الهداية على مذهب الإمام أحمد 1/ 7، وطبقات الحنابلة 2/ 258، وتأريخ الإسلام 35/ 251.
(4)
ينظر: المغني 2/ 475، والشرح الكبير 2/ 688، الفروع 4/ 290، والإنصاف 3/ 213.
لم يرجع، وقال جماعة
(1)
على هذا القول: إن كان الدافع ولي رب المال رجع مطلقًا، وإن كان رب المال، ودفع إلى الساعي مطلقًا رجع فيها، مالم يدفعها إلى الفقير، وإن دفعها إليه فهو كما لو دفعها إليه رب المال، وحيث قيل بالرجوع إذا عجل الزكاة، فإن كان المعجل باقيًا أخذه ربه بزيادته المتصلة لا المنفصلة.
وإن كان تالفًا ضمنه القابض إن اقتضى الحال الضمان؛ لأنه تبين ألا زكاة قاله في القواعد
(2)
بمعناه.
وقال في الفروع
(3)
: ومتى كان رب المال صادقًا فله الرجوع باطنًا أعلمه بالتعجيل، أو لا، لا ظاهرًا مع الإطلاق؛ لأنه خلاف الظاهر.
وإن اختلفا في ذكر التعجيل، صدق الآخذ ويحلف، ولا يصح تعجيل زكاة معدن بحالٍ، ولا ما يجب في ركازٍ، وللإمام، ونائبه استسلاف زكاةٍ برضا رب المال، لا إجباره على ذلك.
فإن استسلفها فتلفت بيده لم يضمنها، وكانت من ضمان الفقراء، سواءٌ سأله ذلك الفقراء، أو رب المال، أولم يسأله أحدٌ؛ لأن له قبضها كولي اليتيم.
وإن تلفت في يد الوكيل قبل أدائها، فمن ضمان رب المال، وإن أخرج الساعي
(4)
قسمة زكاةٍ عنده بلا عذرٍ كاجتماع الفقراء، أو الزكوات لم
(1)
منهم ابن تميم. ينظر: الفروع 4/ 290، والمبدع 2/ 402، والإنصاف 3/ 213.
(2)
ينظر: القواعد لابن رجب ص 67.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 290.
(4)
في المخطوط " وإن أخرج الساعي" والصواب ما أثبت. ينظر: الفروع 4/ 274، والإقناع 1/ 290، وكشاف القناع 2/ 269.
يجز، ويضمن؛ لتفريطه كوكيلٍ في/ [85/ ب] إخراجها يؤخره.
وإن وجد الساعي مالاً لم يحل حوله، ولم يعجلها ربه، وَكّل ثقةً في قبضها عند وجوبها، وصرفها في مصرفها.
ولا بأس بجعله إلى رب المال إن كان ثقةً، فإن لم يجد ثقةً، أخرجها ربها إن لم يخف ضررًا، وإلا أخرها إلى العام الثاني.
وإذا قبض الساعي الزكاة فرقها في مكانه، وما قاربه، فإن فضل شيءٌ حمله، وإلا فلا
(1)
.
وللساعي بيع الزكاة من ماشيةٍ وغيرها؛ لحاجةٍ كخوف تلفٍ، ومؤنةٍ، ومصلحة، وصرفه في الأحظ للفقراء، أو حاجتهم.
فإن باع لغير حاجةٍ، ومصلحةٍ، فقال القاضي
(2)
: لا يصح؛ لعدم الإذن، ويضمن قيمة ما تعذر.
(1)
ينظر: الفروع 4/ 272، والإقناع 1/ 290، وكشاف القناع 2/ 270.
(2)
نقل عنه كل من صاحب الفروع 4/ 273، وكشاف القناع 2/ 270.
باب ذكر أهل الزكاة وما يتعلق به
وهم ثمانية أصنافٍ:
أحدها: الفقراء، فالفقير من لا يجد شيئًا البتة، أو يجد يسيرًا من الكفاية دون نصفها من كسبٍ، أو غيره، مما لا يقع موقعًا من كفايته.
الثاني: المساكين، فالمسكين من يجد معظم الكفاية، أو نصفها، ومن ملك نقدًا، أو غيره ولو كثرت قيمته لا يقوم بكفايته، فليس بغني، فيأخذ تمام كفايته سنة.
قال أحمد رحمه الله
(1)
: إذا كان له عقارٌ، أو ضيعةٌ يستغلها عشرة آلافٍ، أو أكثر لا تكفيه يأخذ من الزكاة، وكذا من له كتب يحتاجها؛ للحفظ، والمطالعة، ولها حلي؛ للبسٍ، أو لكريٍ يحتاج إليه.
وإن تفرغ قادرٌ على الكسب لعلمٍ، وتعذر الجمع أُعطي، لا إن تفرغ للعبادة، وإطعام الجائع ونحوه واجبٌ، مع أنه ليس في المال حق سوى الزكاة.
ومن أبيح له أخذ شيءٍ فله سؤاله، ولا بأس بمسألة شرب الماء، والاستعارة، والاقتراض نصًّا
(2)
فيهن، ولا بأس بسؤال الشيء اليسير
(1)
ينظر: الفروع 4/ 299، والمبدع 2/ 404، والإنصاف 3/ 221.
(2)
ينظر: المحرر 1/ 223، ومنتهى الإرادات 1/ 151.
كشِسع
(1)
النعل،/ [86/ أ] أو الحذاء.
وإن أُعطي مالاً من غير مسألةٍ، ولا استشِراف نفسٍ وجب أخذه.
وإن استَشرفَت نفسه بأن قال: سيبعث لي فلانٌ، أو لعله يبعث لي، فلا بأس بالرد.
الثالث: العاملون عليها وهم جباتها، وكاتب، وقاسم، وحاشر، وكيال، ووزان، وعداد ونحوه، وأُجرة كيل الزكاة، ووزنها، ومؤنة دفعها على المالك.
ويشترط كون العامل مسلمًا، أمينًا، مكلفًا كافيًا من غير ذوي القربى، ولا يشترط حريته، ولا فقره.
ويجوز أن يكون الراعي، والحمَّال ونحوهما كافرًا، أو عبدًا وغيرهما ممن منع الزكاة
(2)
؛ لأن ما يأخذه أجرة لعمله، لا لعمالته.
وإن تلف المال بيده بلا تفريطٍ، لم يضمن، وأعطي أجرته من بيت المال
(3)
، وإن ادعى المالك دفعها إلى العامل، وأنكر، صدق المالك بلا يمينٍ في الدفع، وحلف العامل وبرئ.
(1)
الشسع: سير يمسك النعل بأصابع القدم. ينظر: المخصص 1/ 410، والنهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 472.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 304:
يجوز كون العبد أو ذي القربى
…
عاملا الشيخ لهذا يأبى
وفيه لا يشترط الإسلاما
…
وعكس الشيخان ذا ولاما
(3)
قال في الشرح الكبير 2/ 696: «إذا تلفت الزكاة في يد الساعي من غير تفريط فلا ضمان عليه؛ لأنه أمين ويعطى أجرته من بيت المال؛ لأنه لمصالح المسلمين وهذا من مصالحهم» .
وإن ادعى العامل دفعها للفقير فأنكر، صدق العامل في الدفع والفقير في عدمه، ويقبل إقراره بقبضها ولو عزل.
وإن عمل إمامٌ، أو نائبه على زكاةٍ لم يكن له أخذ شيءٍ منها، ويقدم بأجرته على غيره، وإن أعطي فله الأخذ، وإن تطوع بعمله؛ لقصة عمر
(1)
رضي الله عنه، وله تفرقة الزكاة إن أذن له، وإلا فلا.
وتقبل شهادة أرباب الأموال عليه في وضعها غير موضعها، لا في أخذها منهم.
وإن شهد به بعضهم لبعض قبل التشاجر والتخاصم قبل، وغرم العامل وإلا فلا.
الرابع: المؤلفة قلوبهم وهم السادة المطاعون في عشائرهم من كافرٍ يرجى إسلامه، أو كف شره، ومسلم يرجى بعطيته قوة إيمانه، أو إسلام نظيره، أو نصحه في الجهاد، أو الدفع عن المسلمين
(2)
، أو كف شره كالخوارج/ [86/ ب] ونحوهم، أو قوة على جباية الزكاة ممن لا يعطيها،
إلا أن يخوف ويهدد بقوم في طرف بلاد الإسلام إذا أعطوا من الزكاة جبوها
(1)
وهي: أنه كان يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال: خذه إذا جاءك من هذا المال شيء، وأنت غير مشرف، ولا سائل، فخذه، وما لا، فلا تتبعه نفسك) أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب الزكاة، باب من أعطاه الله شيئا من غير مسألة ولا إشراف نفس، برقم (1473) 2/ 123، ومسلم في صحيحه قريبا من هذا اللفظ، في كتاب الكسوف، باب إباحة الأخذ لمن أعطي من غير مسألة ولا إشراف، برقم (1045) 2/ 723.
(2)
قال في الشرح الكبير 2/ 698 عند ذكره لأصناف المؤلفة: (الضرب الثالث: قوم في طرف بلاد الإسلام اذا أعطوا دفعوا عمن يليهم من المسلمين).
منه ويقبل قوله في ضعف إسلامه، لا أنه مطاعٌ في قومه إلا ببينةٍ
(1)
.
وعنه أن حكمهم انقطع
(2)
، فيرد سهمهم في بقية الأصناف، أو يصرف في مصالح المسلمين نصًّا
(3)
.
الخامس الرقاب: وهم المكاتبون، ولهم الأخذ قبل حلول نجمٍ
(4)
ولو تلفت بيده أجزأت ولم يغرمها، سواءٌ عتق أم لا، ويجوز أن يفدي بها أسيرًا مسلمًا في أيدي الكفار، وأن يشتري منها رقبة يعتقها، لا من يعتق عليه بالشراء كرَحِم محرم، ولا إعتاق عبده، أو مكاتبه عنها، ومن عتق من الزكاة فما رجع من ولائه رد في عتق مثله، وما أعتقه الساعي من الزكاة فولاؤه للمسلمين، ولا يعطي المكاتب لجهة الفقر؛ لأنه عبد ذكره جماعة
(5)
.
وذكر ابن تميم
(6)
لا يعطى؛ لفقره إذا كان معه قدر كفايته قاله أصحابنا، ومقتضاه أنه يعطي إذا لم يكن معه قدر كفايته.
السادس الغارمون: وهم المديونون، وهم ضربان:
(1)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 305:
ومن يقول الحكم في المؤلفه
…
لم ينقطع فقول أهل المعرفه
(2)
ينظر: الكافي 1/ 425، والمحرر 1/ 223، والشرح الكبير 2/ 696، وشرح الزركشي 2/ 447، والمبدع 2/ 408، والإنصاف 3/ 228.
(3)
ينظر: المبدع 2/ 409، والإنصاف 3/ 228.
(4)
المراد بالنجم هنا: القسط، لأن العرب كانت تؤقت بطلوع النجوم، لعد معرفتهم بالحساب، وإنما يحفظون أوقات السنة بالأنواء، وكانوا يسمون الوقت الذي يحل فيه الأداء نجما تجوزا؛ لأن الأداء لا يعرف إلا بالنجم، ثم توسعوا حتى سموا الوظيفة نجما؛ لوقوعها في الأصل في الوقت الذي يطلع فيه النجم ينظر: المصباح المنير 2/ 594.
(5)
ينظر: الفروع 4/ 337، والإقناع 1/ 295، وكشاف القناع 2/ 281.
(6)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 385.
أحدهما: من غرم؛ لإصلاح ذات البين ولو بين أهل ذمةٍ؛ لمصلحة فيأخذ، ولو قبل حلول دينه، ومن تحمل بسبب إتلاف مالٍ، أو نهبٍ، أو ضمانٍ عن غيره وهما معسران، فيجوز الدفع إلى كلٍ منهما، وإن كانا مؤسرين، أو أحدهما، لم يجز للثاني.
ومن غرم؛ لإصلاح نفسه في مباحٍ حتى في شراء نفسه من الكفار، وإن دفع إلى الغارم ما يقضي به دينه لم يجز صرفه في غيره، وإن كان فقيرًا، وكذا المكاتب، والغازي لا يصرفان ما أخذاه إلا لجهةٍ واحدةٍ.
وإن دفع إلى الغارم جاز أن يقضي به دينه فالمذهب أن من أخذ بسببٍ يستقر الأخذ به وهو الفقر، والمسكنة، والعمالة، والتآلف صرفه فيما شاء كسائر ماله
(1)
.
وإن لم يستقر صرفه/ [87/ أ] فيما أخذه له خاصةً؛ لعدم ثبوت ملكه عليه من كل وجهٍ، ولهذا يسترد منه إذا أبرئ، أولم يغز، وإن وكل الغارم من عليه الزكاة قبل قبضها منه بنفسه، أو نائبه في دفعها إلى الغريم
(2)
عن دينه جاز نصًّا
(3)
.
وإن دفع المالك إلى الغريم بلا إذن الفقير صح، كما أن للإمام قضاء دين الحي من الزكاة بلا وكالة.
(1)
ينظر: الفروع 4/ 339، والإنصاف 3/ 243، والإقناع 1/ 295، وكشاف القناع 2/ 282.
(2)
الغريم هو: الذي عليه الدِّين. ينظر: الصحاح تاج اللغة 5/ 1996، ومختار الصحاح 1/ 226، والمطلع ص 129، مادة (غرم).
(3)
ينظر: المغني 2/ 487، والشرح الكبير 2/ 705، والفروع 4/ 340، والإنصاف 3/ 251.
ويشترط في إخراج الزكاة تمليك المعطي، فلا يجوز أن يغذي المساكين، أو يعشيهم، ولا يقضي منه دين ميتٍ غرمه؛ لمصلحة نفسه، أو غيره؛ لعدم أهليته لقبولها، كما لو كفنه منها خلافًا لأبي العباس
(1)
، وذكره روايةً عن أحمد
(2)
.
ويعتبر لملك الفقير لها وإجزائها قبضه، فلا يصح تصرفه قبله نصًّا
(3)
للأمر بها بلفظ الإيتاء، والأداء، والأخذ، والإعطاء، فلو قال الفقير لرب المال: اشترى لي بها ثوبًا ولم يقبضها، لم تجزئه، ولو اشتراه كان له، ولو تلف فمن ضمانه، ولا يكفي إبراء المدين من دينه بنية الزكاة
نصًّا
(4)
، سواءٌ كان المخرج عنه دينًا، أو عينًا، خلافًا لأبي العباس فيما إذا كانت عن دينٍ، ولا تكفي الحوالة بها
(5)
.
السابع في سبيل الله: وهم الغزاة الذين لا حق لهم في الدِّيوان
(6)
، ويتمم لمن أخذ منه دون كفايته من زكاة، ولا يجوز لرب المال أن يشتري ما يحتاج إليه الغازي، ثم يصرفه إليه؛ لأنه قيمة ولا شرائه فرسًا منها يصير حبيسًا
(7)
، ولا دارًا، ولا ضيعة؛ للرباط، أو يقفها على الغزاة، ولا غزوة
(1)
ينظر: المستدرك على مجموع الفتاوى 3/ 164.
(2)
ينظر: المبدع 2/ 411.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 274.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 342، والمبدع 2/ 411، والإنصاف 3/ 251، والإقناع 1/ 289، وكشاف القناع 2/ 269.
(5)
ينظر: المستدرك على مجموع الفتاوى 3/ 160.
(6)
الديوان: اسم الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش، وأهل العطاء. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 150، والمطلع ص 363، ولسان العرب 13/ 166.
(7)
الحبيس في اللغة: مأخوذ من الحبس وهو المنع ضد التخلية، وفي اصطلاح الفقهاء: وهو كل ما وقفته لوجه الله تعالى حيوانا كان، أو أرضا، أو دارا. ينظر: المغرب في ترتيب المعرب ص 101، ومختار الصحاح ص 65، ولسان العرب 6/ 45.
على فرسٍ أخرجه من زكاته نص على ذلك كله
(1)
، ولا يغزي بها عنه، ولا يحج بها عنه، والحج من السبيل نصًّا
(2)
فيأخذ فقيرٌ ما يؤدي به فرض حجٍ، أو عمرةٍ، أو يستعين به فيه.
الثامن ابن السبيل: وهو المسافر المنقطع به في سفرٍ مباحٍ، دون المنشئ للسفر من بلده، ويصدق في إرادة/ [87/ ب] السفر بلا يمينٍ فيعطى قدر ما يصل به إلى بلده، أو منتهى قصده، وعوده إلى بلده ولو وجد من يقرضه، أو مع غناه ببلده، ويعطي الفقير، والمسكين تمام كفايتهم سنة، والعامل قدر أجرة مثله ولو جاوزت الثمن نصًّا
(3)
.
ونصه أيضًا أن ما يأخذه أجرة، ومكاتب، وغارم ما يقضيان به دينهما، ولو دينًا لله تعالى، وليس لهما صرفه إلى غيره كغازٍ وتقدم
(4)
.
والمؤلَّف ما يصل به التأليف، والغازي ما يحتاج إليه؛ لغزوه وإن كثر، ولا يزاد أحد منهم عن ذلك، ومن كان ذا عيالٍ أخذ ما يكفيهم، ولا يعطي أحدٌ منهم مع الغنى، إلا أربعة: العامل، والمؤلف، والغازي، والغارم؛ لإصلاح ذات البين، مالم يكن دفعها من ماله، وإن فضل مع
(1)
ينظر: الفروع 4/ 346، والمبدع 2/ 412، والإنصاف 3/ 240.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 348، والإنصاف 3/ 235، والإقناع 1/ 296، وكشاف القناع 2/ 284. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 306:
الحج أيضًا في سبيل الله
…
عدوا وفي المقنع هذا واه
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 297، وكشاف القناع 2/ 285.
(4)
في الصنف السابع من أهل الزكاة في نفس الصفحة.
غارمٍ، ومكاتب حتى ولو سقط ما عليهما ببراءةٍ، أو غيرها وغازٍ، وابن سبيلٍ شيءٌ بعد حاجتهم، لزمهم رده، كما لو أخذ شيئًا؛ لفك رقبةٍ وفَضُلَ منه.
وإن فسخت الكتابة بعجزٍ، أو موتٍ ونحوه، والزكاة بيده فهي لسيدٍ، وكذا لو اشترى بها شيئًا، ثم عجز وهو في يده كما لو كان صدقة تطوعٍ فضلت معه عن حاجته لم تسترجع منه، والباقون يأخذون أخذًا مستقرًا فلا يردون شيئًا.
ولو ادعى الفقر من عرف بغنى ولو ابن سبيل، أو ادعى إنسانٌ أنه مكاتبٌ، أو غارمٌ لنفسه، أو ابن سبيل لم يقبل إلا ببينةٍ، بخلاف غازٍ ففي من عرف بغنى ثلاثة رجالٍ.
وإن صدق المكاتب سيده، أو الغارم غريمه قبل، وأعطي، وإن ادعى الفقر من لم يعرف بالغنى قبل قوله، وإن كان جَلْدًا وعرف له كسب لم يجز إعطاؤه، ولو لم يملك شيئًا، فإن لم يعرف، وذكر أنه لا كسب له أعطاه من غير يمينٍ بعد أن يخبره أنه لا حظ فيها لغنيٍ، ولا لقويٍ مكتسبٍ، وتقدم إذا تفرغ القادر
(1)
؛ لطلب علمٍ، وتعذر الجمع أنه يعطى.
ومن غرم، أو سافر في معصيةٍ لم يدفع إليه، إلا أن/ [88/ أ] يتوب
(2)
، وكذا لو سافر في مكروهٍ، أو نزهةٍ.
(1)
في باب ذكر أهل الزكاة وما يتعلق به. لوح رقم (86/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [406].
(2)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 707، والمبدع 2/ 416، والإنصاف 3/ 247، والإقناع 1/ 298، وكشاف القناع 2/ 287.
ولو أتلف ماله في المعاصي حتى افتقر دفع إليه من سهم الفقراء، ويستحب صرفها في الأصناف الثمانية كلها
(1)
، لكل صنفٍ ثُمنها إن وجد حيث وجب الإخراج، ولا يجب الاستيعاب نصًّا
(2)
كما لو فرقها الساعي، ولا التعداد من كل صنفٍ، كالعامل فلو اقتصر على صنفٍ منها، أو واحدًا منها أجزأه.
وعنه
(3)
يجب الاستيعاب، فعليها لا يجزئ أقل من ثلاثةٍ في كل صنفٍ، إلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحدًا.
ولا يجب التسوية بين الأصناف، فله تفضيل بعضها على بعضٍ، وإن أخرجها ربها سقط سهم العامل، وإن حرم نقل الزكاة كفى الموجود ببلده ولم يجب النقل؛ لاستيعابها.
ومن فيه سببان كغرم، وفقر أخذ بهما، ولا يجوز أن يعطي عن أحدهما لا بعينه؛ لاختلاف أحكامهما في الاستقرار وغيره.
وإن أعطى بهما، وعين لكل سببٍ قدرًا، وإلا كان بينهما نصفين، تظهر فائدته لو وجد ما يوجب الرد.
ويستحب صرفها إلى أقاربه، الذين لا تلزمه مؤنتهم، ويفرقها فيهم على قدر حاجتهم، ولو أحضر رب المال إلى العامل من أهله من لا يلزمه نفقته؛ ليدفع إليه زكاته دفعها قبل خلطها، وبعده هم كغيرهم، ولا يخرجهم منها.
(1)
قال في المبدع 2/ 417: «لأن في ذلك خروجًا من الخلاف، وتحصيلا للإجزاء يقينا» .
(2)
ينظر: الفروع 4/ 351، وكشاف القناع 2/ 287.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 351، والمبدع 2/ 417.
ويجزئ السيد دفع زكاته إلى مكاتبه، ولغير سيده الدفع إليه، وإلى سيده بغير إذنه وهو أولى، فإن رق؛ لعجزٍ أخذت من السيد، وله دفعها إلى غريمه؛ ليقضي دينه، سواء دفعها إليه ابتداءً، أو استوفى حقه، ثم دفعها إليه؛ ليقضي دين المقرض، مالم يكن حيلةً نصًّا
(1)
.
قال القاضي وغيره
(2)
: ومعنى الحيلة أن يعطيه بشرط أن يردها عليه من دينه؛ لأن من شرطها/ [88/ ب] تمليكًا صحيحًا، فإذا شرط الرجوع لم يوجد، وإن رد الغريم من نفسه ما قبضه وفاءً عن دينه من غير شرطٍ ولا مواطأةٍ جاز أخذه نصًّا
(3)
.
ويقدم الأقرب، والأحوج، وإن كان الأجنبي أحوج أعطى الكل، ولم يحاب بها قريبه، ولا يدفع بها مذمة، ولا يستخدم بسببها قريبًا ولا غيره، ولا يقي ماله، كقومٍ عودهم برًا من ماله فيعطيهم من الزكاة؛ لدفع ما عودهم
(4)
.
والجار أولى من غيره، والقريب أولى نصًّا
(5)
، ويقدم العالم، والدَّيّن على ضدهما، وكذا ذو العائلة
(6)
.
(1)
ينظر: الإنصاف 3/ 250.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 343، والمبدع 2/ 419، والإنصاف 3/ 250، وكشاف القناع 2/ 288.
(3)
ينظر: كشاف القناع 2/ 289، وكشف المخدرات 1/ 268.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 353، والمبدع 2/ 418، والإنصاف 3/ 250.
(5)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 3/ 1046، والمبدع 2/ 418، والإنصاف 3/ 250، ومنتهى الإرادات 1/ 151.
(6)
ينظر: الفروع 4/ 354، والإنصاف 3/ 250، والإقناع 1/ 299، وكشاف القناع 2/ 289.
فصل
ولا يجزئ دفعها إلى كافرٍ ما لم يكن مؤلفًا، ولو زكاة فطرٍ نصًّا
(1)
، ولا عبد كامل الرق ما لم يكن عاملاً، ولا إلى فقيرةٍ لها زوجٌ غنيٌ، ولا عمودي نسبه في حال تجب نفقتهما، ولو في غرمٍ لنفسه، أو كتابةٍ نصًّا
(2)
، حتى ولد البنت نصًّا
(3)
ما لم يكونوا عمالاً، أو مؤلفة، أو غزاة، أو غارمين لذات بين، ولا إلى الزوجة ولو لم تكن في مؤنته كناشزٍ، وكذا عبده المغصوب، ولا إلى بني هاشمٍ نصًّا
(4)
كالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو من كان من سلالة هاشمٍ فدخل فيهم آل عباسٍ، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيلٍ، وآل الحارث بن عبد المطلب، وآل أبي لهبٍ، ما لم يكونوا غزاةً، أو مؤلفةً، أو غارمين؛ لذات بينٍ.
واختار أبو العباس
(5)
جواز أخذهم إن منعوا الخمس، ويجوز إلى ولد هاشميةٍ من غير هاشمي في ظاهر كلامهم.
وقاله القاضي
(6)
اعتبارًا بالأب، ولا لموالي بني هاشمٍ نصًّا
(7)
، ولهم
(1)
ينظر: العدة ص 159، والشرح الكبير 2/ 709، والفروع 4/ 364، والمبدع 2/ 419، والإنصاف 3/ 255، والإقناع 1/ 299، ومنتهى الإرادات 1/ 151.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 709، والفروع 4/ 364، والمبدع 2/ 419، والإنصاف 3/ 260.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 354، والمبدع 2/ 420.
(4)
ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله ص 381، والفروع 4/ 367، ومنتهى الإرادات 1/ 152.
(5)
ينظر: الفروع 4/ 367، والمبدع 2/ 421، والإنصاف 3/ 255.
(6)
ينظر: الفروع 4/ 369، والإنصاف 3/ 256، وشرح منتهى الإرادات 1/ 464.
(7)
ينظر: المغني 7/ 39، وشرح الزركشي 2/ 441، ومنتهى الإرادات 1/ 152. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 307:
مولى بني هاشم في المنقول
…
لا يقبض الزكاة كالأصول
الأخذ من صدقة التطوع، إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ووصايا الفقراء نصًّا
(1)
.
ومن نذر لا كفارة، ولا يحرم على أزواجه صلى الله عليه وسلم في ظاهر كلام أحمد رحمه الله كمواليهن، ولا يجزئ دفعها إلى سائر من تلزمه مؤنته من أقاربه
(2)
ممن يرث/ [89/ أ] بفرضٍ، أو تعصيبٍ
بنسبٍ، أو ولاءٍ كأخٍ، وابن عمٍ، ما لم يكونوا عمالاً، أو غزاةً، أو مؤلفة، أو مكاتبين، أو أبناء سبيلٍ، أو غارمين لذات البين، ولا إلى غنيٍ بنفقةٍ لازمةٍ.
فإن تعذرت النفقة من زوجٍ، أو قريبٍ؛ لغيبةٍ، أو امتناع، أو غيره جاز الأخذ نصًّا
(3)
وله الدفع إلى ذوي أرحامه غير عمودي نسبه، ولو ورثوا لضعف قرابتهم.
وإن تبرع بنفقة قريبٍ، أو يتيمٍ، أو غيره ضمه إلى عياله جاز دفعها إليه وكل من حرمنا عليه الزكاة بما سبق فله قبولها هديةً ممن أخذها من أهلها.
والذكر والأنثى في أخذ الزكاة وعدمه سواء، والصغير ولو مميزًا كالكبير، فيصرف ذلك في أجرة رضاعه، وكسوته، وما لابد منه، ويقبل
(1)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 711، والمبدع 2/ 422، والإنصاف 3/ 257، ومنتهى الإرادات 1/ 152.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 308:
دفع الزكاة للقريب اللازم
…
إنفاقه فليس بالملايم
(3)
ينظر: الفروع 4/ 364، والإنصاف 3/ 254، والإقناع 1/ 300.
ويقبض له منها ولولم يأكل الطعام.
ومن هبة، وكفارة من يلي ماله، وهو وليه، ووكيله الأمين.
وفي المغني
(1)
وهو رواية يصح قبض المميز.
قال المنُقِّح
(2)
: وهو أظهر.
وعند عدم الولي يقبض له من يليه من أمٍ، وقريبٍ وغيرهما.
وذكر صاحب المحرر
(3)
أنه منصوص أحمد، وإن دفعها إلى من لا يستحقها؛ لكفرٍ، أو شرفٍ وكونه عبدًا، أو قريبًا وهو لا يعلم، ثم علم لم يجزئه، ويستردها ربها بزيادتها مطلقًا، وإن تلفت في يد القابض ضمنها؛ لعدم ملكه بهذا القبض، وهو قبضٌ باطلٌ لا يجوز له قبضه، ولو دفع صدقة تطوعٍ إلى غنيٍ وهو لا يعلم لم يرجع، فإن دفع إليه من الزكاة يظنه فقيرًا فبان غنيًا أجزأت نصًّا
(4)
.
فصل
وصدقة التطوع مستحبةٌ كل وقتٍ، وسرًا أفضل بطيب نفسٍ في الصحة، وفي رمضان، وأوقات الحاجة، وكل زمانٍ، أو مكانٍ فاضلٍ، كالعشر، والحرمين، وهي على ذي الرحم صدقة، وصلة فهي عليه وعلى
(1)
ينظر: المغني 4/ 185.
(2)
ينظر: التنقيح ص 159.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 373، والمبدع 2/ 425، والإنصاف 3/ 220، والإقناع 1/ 301، وكشاف القناع 2/ 294.
(4)
ينظر: المغني 7/ 498، والشرح الكبير 2/ 715، والمبدع 7/ 34، ومنتهى الإرادات 1/ 152.
جارٍ أفضل بعده، وتقدم
(1)
، لاسيما/ [89/ ب] مع العداوة.
وتستحب الصدقة بالفاضل عن كفايته، وكفاية من يمونه دائمًا بمتجر، أو غلة ملكٍ، ووقفٍ، أو صنعةٍ.
وإن تصدق بما ينقص مؤنة من تلزمه مؤنته، أو أضر بنفسه، أو بغريمه، أو كفالته أثم، ومن أراد الصدقة بماله كله وهو وحده يعلم من نفسه حسن التوكل، والصبر عن المسألة فله ذلك، ومرادهم يستحب، وجزم به المجد
(2)
وغيره.
قال المنُقِّح
(3)
: وهو أظهر.
وإن لم يعلم ذلك حرم، ويمنع منه، ويحجر عليه، وإن كان له عائلةٌ ولهم كفايةٌ، أو يكفيهم بمكسبه جاز لقصة الصديق
(4)
رضي الله عنه، وإلا فلا،
(1)
في باب ذكر أهل الزكاة وما يتعلق به. لوح رقم (89/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [413].
(2)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 716، والفروع 4/ 381، والمبدع 2/ 427، والإنصاف 3/ 267.
(3)
ينظر: التنقيح ص 160.
(4)
قال: سمعت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما أبقيت لأهلك؟» ، قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما أبقيت لأهلك؟» قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا. والحديث أخرجه الدارمي في سننه، كتاب الزكاة، باب الرجل يتصدق بجميع ما عنده، برقم (1701) 2/ 1033، وأبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب الرجل يخرج من ماله والرخصة في ذلك، برقم (1678) 2/ 129، والترمذي في سننه، كتاب المناقب، باب مناقب أبي بكر، برقم (3675) 5/ 614، والحاكم في مستدركه كتاب الزكاة برقم (1510) 1/ 574، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الزكاة، باب ما يستدل به على أن قوله صلى الله عليه وسلم: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، برقم (7774) 4/ 303، قال الحاكم في المستدرك 1/ 574:(حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه). وقال الألباني (حسن) ينظر: مشكّاة المصابيح 3/ 1699، وصحيح بي داود 5/ 366.
ويكره لمن لا صبر له على الضيق، أو لا عادة له به أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة.
كتاب الصيام
وهو شرعًا إمساكٌ عن أشياءٍ مخصوصةٍ، بنيةٍ في زمنٍ معينٍ، من شخصٍ مخصوصٍ.
صوم شهر رمضان أحد أركان الإسلام، وفروضه، فرض في السنة الثانية من الهجرة، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات.
والمستحب قول: شهر رمضان، ولا يكره قول: رمضان بإسقاط شهرٍ.
ويجب صومه برؤية هلاله، فإن لم يُرَ مع الصحو، أكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا، ثم صاموا، وإن حال دون منظره غيمٌ، أو قترٌ
(1)
(2)
، أو غيرهما ليلة الثلاثين من شعبان، وجب صيامه بنية رمضان، حكمًا ظنيًا بوجوبه احتياطًا
(3)
لا يقينًا، ويجزئه إن بان منه، وتصلّى التراويح ليلة إذٍ، وتثبت بقية توابعه من وجوب كفارة بوطء فيه ونحوه، مالم يتحقق أنه من شعبان.
(1)
في المخطوط (قترا) والصواب ما أثبت؛ لأنه معطوف على مرفوع.
(2)
القَتَر: جمع قترة وهي الغبار، وفرق بعضهم بين الغبار، والقتر، فجعل الغبار خاضا بما إذا كان أسفل في الأرض، والقتر خاصا بالغبار إذا ارتفع فلحق بالسماء. ينظر: مختار الصحاح 1/ 247، والمطلع ص 183.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 408، والمبدع 3/ 5، والإنصاف 3/ 271. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 318:
وفي الثلاثين من الليالي
…
من شهر شعبان عن الهلال
إن حال غيم في غد يصام
…
من رمضان فطره حرام
ولا تثبت بقية الأحكام من حلول الآجال، ووقوع المعلقات وغيرها.
وعنه
(1)
لا يجب
(2)
فعليها يباح صومه.
وعنه
(3)
الناس تبعٌ للإمام فإن صام صاموا، وإلا فلا.
فيتحرى في/ [90/ أ] كثرة كمال الشهور، ونقصها.
وإن نواه احتياطًا بلا مستندٍ شرعي كحسابٍ، ونجومٍ، أو مع صحو فبان منه، لم يجزئه، ويأتي أيضًا
(4)
، وكذا لو صام تطوعًا فوافق الشهرلم يجزئه؛ لعدم التعيين نصًّا
(5)
.
وإن رؤي نهارًا فهو لليلة المقبلة قبل الزوال، أو بعده أَوَّل النهار، أو آخره فلا يجب فيه صومٌ، ولا يباح به فطرٌ.
وإذا رأى الهلال أهل بلد قريبًا، أو بعيدًا لزم الناس كلهم الصوم
(6)
،
(1)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 1230، والكافي 1/ 437، والمغني 3/ 108، والمحرر 1/ 227، والشرح الكبير 3/ 5، والفروع 4/ 410.
(2)
قال في المبدع 3/ 5: «اختاره في التبصرة والشيخ تقي الدِّين، وقال: هو مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه، وقاله أكثر العلماء» .
(3)
قال في المبدع 3/ 6: «وهو قول الحسن، وابن سيرين» ، ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 2/ 1230، والكافي 1/ 437، والمغني 3/ 108، والمحرر 1/ 227، والشرح الكبير 3/ 5، والفروع 4/ 410.
(4)
في نفس هذا الباب. لوح رقم (92/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [424].
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 303، وكشاف القناع 2/ 303.
(6)
فلم يعتدوا باختلاف المطالع، واختار هذا القول المجمع الفقهي بجدة. ينظر: مجلة المجمع 2/ 689. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 322:
وإن رأى الهلال أهل بلد
…
صام جميع الناس في المجود
وحكم من لم يره كمن رآه، ولو اختلفت المطالع نصًّا
(1)
.
ويقبل فيه قول عدلٍ واحدٍ نصًّا
(2)
، وهو خبرٌ فيصام بقوله، ويقبل فيه المرأة، والعبد، ولا يعتبر لفظ الشهادة، ولا يختص بحاكمٍ، فيلزم الصوم من سمعه من عدلٍ، وتثبت بقية الأحكام.
ولا يقبل في بقية الشهور إلا عدلان، وإذا صاموا بشهادة اثنين، ثلاثين يومًا فلم يروا الهلال أفطروا، لا إن صاموا بشهادة واحد.
وإن صاموا ثمانية وعشرين يومًا، ثم رأوا الهلال قضوا يومًا فقط نصًّا
(3)
.
وإن صاموا؛ لأجل غيمٍ ونحوه لم يفطروا، فلو غم هلال شعبان ورمضان وجب أن يقدروا رجبًا، وشعبان ناقصين، ولا يفطروا حتى يروا الهلال، ويصوموا اثنين وثلاثين يومًا، وكذا الزيادة إن غم هلال رمضان، وشوال، وأكملنا شعبان، ورمضان وكانا ناقصين.
قال أبو العباس: قد يتوالى شهران، وثلاثة، وأكثر ثلاثين ثلاثين، وقد يتوالى شهران، وثلاثة، وأكثر تسعة وعشرين يومًا
(4)
.
وفي شرح مسلمٍ للنووي
(5)
: قد يقع النقص متواليًا في شهرين،
(1)
ينظر: الفروع 4/ 413. والإقناع 1/ 303، وكشاف القناع 2/ 303.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 3/ 8، والفروع 4/ 416، والمبدع 3/ 7، والإنصاف 3/ 273، ومنتهى الإرادات 1/ 156.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 421، والمبدع 3/ 9، والإنصاف 3/ 277، ومنتهى الإرادات 1/ 156.
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 181.
(5)
ينظر: شرح مسلم للنووي 7/ 190.
وثلاثة، وأربعة ولا يقع في أكثر من أربعة.
وقال أبو العباس
(1)
أيضًا: قول من يقول: إن رؤي الهلال صبيحة ثمانٍ وعشرين، فالشهر تامٌ، وإن لم ير فهو ناقص، هذا بناء على أن الاستتار لا يكون إلا ليلتين، وليس بصحيحٍ، بل قد يستتر ليلة تارة، وثلاث ليالٍ أخرى.
ومن رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته، لزمه الصوم/ [90/ ب] وجميع أحكام الشهر من طلاقٍ، وعتقٍ وغيرهما معلقين به، ولا يفطر إلا مع الناس.
وإن رأى هلال شوالٍ وحده لم يفطر، وإن راءه عدلان، ولم يشهدا عند الحاكم، أو شهدا فردهما؛ لجهله بحالهمالم يجز لأحدهما، ولا لمن عرف عدالتهما الفطر بقولهما في قياس المذهب، قاله المجد
(2)
، وخالفه الْمُوَفَّق، فجزم بالجواز
(3)
.
وإذا اشتبهت الأشهر على أسيرٍ، أو مطمُورٍ
(4)
، أو من بمفازة ونحوهم، تحرى وصام، فإن وافق الشهر أجزأه، وكذا ما بعده إن لم يكن رمضان السنة القابلة، فإن كان فلا يجزئ عن واحدٍ منهما إن اعتبرنا نية التعيين وهو المذهب
(5)
، وإن لم نعتبرها أجزأ عن الثاني، وقضى الأَوَّل،
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 183.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 427، والمبدع 3/ 10، والإنصاف 3/ 279.
(3)
ينظر: المغني 3/ 167، والفروع 4/ 427، والمبدع 3/ 10، والإنصاف 3/ 279.
(4)
المطمور: المسجون في مكان خفي. ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة 2/ 1414، والفروع 5/ 39.
(5)
ينظر: المبدع 3/ 10، والإنصاف 3/ 279.
قاله المجد
(1)
وغيره، ويقضي يوم عيدٍ، وأيام التشريق، وإن وافق قبله لم يجزئه نصًّا
(2)
.
وإن تحرى وشكّ هل وقع قبله، أو بعده أجزأه، ولو صام شعبان ثلاث سنين متوالية، ثم علم صام ثلاثة أشهرٍ، شهرًا على إثر شهرٍ كالصلاة إذا فاتته، كذا نقله مهنا
(3)
.
وإن صام بلا اجتهاد فكمن خفيت عليه القبلة، وإن ظن أن الشهر لم يدخل فصام لم يجزئه ولو أصاب، وكذا لو شكّ في دخوله.
ولا يجب الصوم إلا على مسلمٍ، مكلفٍ، قادرٍ على الصوم، فلا يجب على كافرٍ، ولا مجنونٍ، ولا على صغيرٍ، لكن يجب على وليه أمره به إذا طاقه، وضربه حينئذٍ عليه؛ ليعتاده، وإذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار لزمهم الإمساك، والقضاء.
وإن أسلم كافرٌ، أو أفاق مجنونٌ، أو بلغ صبيٌ فكذلك، وإن بلغ الصبي بسن، أو احتلامٍ صائمًا أتم، ولا قضاء عليه.
وإن كان نوى من الليل كنذر إتمام نفلٍ، وإن طهرت حائضٌ، أو نفساء، أو تعمد الفطر، ثم حاضت، أو تعمده مقيم، ثم سافر، أو قدم مسافر، أو برئ مريضٌ مفطرين فعليهم القضاء، والإمساك، ومتى لم يجب
(1)
قال المجد: «وإذا جهل الأسير، الأشهر تحرى وصام وقد أجزأه، إلا أن يتبين صومه قبل الشهر» . ينظر: المحرر 1/ 228.
(2)
ينظر: الإقناع 1/ 305، وكشاف القناع 2/ 307.
(3)
ينظر: الإنصاف 3/ 280، والإقناع 1/ 305، وشرح منتهى الإرادات 1/ 475.
إمساك، وطهرت جاز وطؤها، وإن علم مسافرٌ أنه يقدم غدًا لزمه الصوم نصًّا
(1)
، بخلاف صبيٍ يعلم أنه يبلغ غدًا؛ لعدم تكليفه.
ومن عجز عن الصوم؛ لكبر، أو مرضٍ لا يرجى برؤه أفطر، وأطعم عن كل/ [91/ أ] يومٍ مسكينًا، ما يجزئ في كفارةٍ.
وإن سافر، أو مرض فلا فدية؛ لفطره بعذرٍ معتادٍ، ولا قضاء، وإن قدر على القضاء فكمعضوبٍ أحَجَّ عنه، ثم عوفي
(2)
.
والمريض إذا خاف ضررًا بزيادة مرضه، أو طوله بقول مسلمٍ ثقةٍ نصًّا
(3)
، أو كان صحيحًا فمرض في يومه، أو خاف مرضًا؛ لأجل عطشٍ، أو غيره سن فطره، وكره صومه فإن صام أجزأه، ولا يفطر مريضٌ لا يتضرر بالصوم.
وقال الآجُرِّي
(4)
الذي صنعته شاقة، فإن خاف تلفًا أفطر، وقضى،
(1)
ينظر: الفروع 4/ 432، والمبدع 3/ 12، والإنصاف 3/ 282.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 352:
إذا استناب العاجز المعضوب
…
ولو تعافى سقط الوجوب
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 306، ومنتهى الإرادات 1/ 157، وكشاف القناع 2/ 310، وكشف المخدرات 1/ 273.
(4)
في المخطوط (الأجير) ولعله خطأ من الناسخ والصواب ما أثبت. ينظر: الفروع 4/ 437، الإقناع 1/ 306، وكشاف القناع 2/ 310.
وهو: محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري، البغدادي، أبو بكر، فقيه، محدث، نسبة إلى محلّة ببغداد، سمع أبا مسلم الكجي وأبا شعيب الحراني وخلف بن عمرو العكبري، روى عنه أبو الحسن الحمامي وعبد الرحمن بن عمر بن النحاس، كان عالمًا عاملاً صاحب سنة واتباع، له مصنفات عدة منها «النصيحة» و «الشريعة» و «آداب العلماء» توفي سنة (360 هـ) ينظر: تذكرة الحفاظ 3/ 99، وسير أعلام النبلاء 16/ 133، والوافي بالوفيات 2/ 276.
فإن لم يضره تركها أثم، وإلا فلا.
ومن قاتل عدوًا، أو أحاط العدو ببلده، والصوم يضعفه ساغ له الفطر بدون سفرٍ نصًّا
(1)
، ومن به شبقٌ يخاف تشقق مثانته جامع، وقضى، ولا يكفر نصًّا
(2)
، إن لم تندفع شهوته بغيره، وإلا لم يجز، وكذا إن أمكنه ألا يفسد صوم زوجته لم يجز، وإلا جاز للضرورة، ومع الضرورة إلى وطء حائضٍ، وصائمةٍ، فوطء صائمةً أولى.
وإن تعذر قضاؤه؛ لدوام شبقه فككبيرٍ عجز عن الصوم على ما تقدم
(3)
.
ومسافرٌ سفر قصرٍ كمريضٍ فيما تقدم
(4)
، ولولم يجد مشقة، لكن لو سافر؛ ليفطر حرم
(5)
.
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 306، وكشاف القناع 2/ 311، ومطالب أولي النهى 2/ 182.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 439، الإقناع 1/ 306، وكشاف القناع 2/ 311، وكشف المخدرات 1/ 274، ومطالب أولي النهى 2/ 182.
(3)
في أَوَّل كتاب الصيام. لوح رقم (91/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [420].
(4)
في أَوَّل كتاب الصيام. لوح رقم (91/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [421].
(5)
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع 6/ 343: (الصواب أن المسافر له ثلاث حالات:
الأولى: ألا يكون لصومه مزية على فطره، ولا لفطره مزية على صومه، ففي هذه الحال يكون الصوم أفضل له للأدلة الآتية:
أولاً: أن هذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في يوم شديد الحر حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة)) والصوم لا يشق على الرسول صلى الله عليه وسلم هنا؛ لأنه لا يفعل إلا الأرفق والأفضل.
ثانيًا: أنه أسرع في إبراء الذمة؛ لأن القضاء يتأخر.
ثالثًا: أنه أسهل على المكلف غالبًا؛ لأن الصوم والفطر مع الناس أسهل من أن يستأنف الصوم بعد، كما هو مجرب ومعروف.
رابعًا: أنه يدرك الزمن الفاضل، وهو رمضان، فإنَّ رمضان أفضل من غيره؛ لأنه محل الوجوب، فلهذه الأدلة يترجح ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله أن الصوم أفضل في حق من يكون الصوم والفطر عنده سواء.
الحال الثانية: أن يكون الفطر أرفق به، فهنا نقول: إن الفطر أفضل، وإذا شق عليه بعض الشيء صار الصوم في حقه مكروهًا؛ لأن ارتكاب المشقة مع وجود الرخصة يشعر بالعدول عن رخصة الله عز وجل.
الحال الثالثة: أن يشق عليه مشقة شديدة غير محتملة فهنا يكون الصوم في حقه حرامًا.
والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لما شكا إليه الناس أنه قد شق عليهم الصيام، وأنهم ينتظرون ما سيفعل الرسول صلى الله عليه وسلم دعا بإناء فيه ماء بعد العصر، وهو على بعيره فأخذه وشربه، والناس ينظرون إليه، ثم قيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام فقال: «أولئك العصاة، أولئك العصاة» فوصفهم بالعصيان)).
ولا يجوز لمريضٍ، ومسافرٍ أبيح لهما الفطر، أن يصوما في رمضان عن غيره، كمقيمٍ صحيحٍ فيلغوا صومه.
ومن نوى الصوم في سفرٍ، فله الفطر بما شاء من جماعٍ وغيره، ولا كفارة؛ لحصول الفطر بالنية قبل الفعل، وكذا مريضٍ يباح له الفطر.
وإن نوى الحاضر صوم يومٍ، ثم سافر في أثنائه فله الفطر بعد خروجه، لا قبله
(1)
، والحامل، والمرضع إذا خافتا الضرر على أنفسهما، أو ولديهما أبيح لهما الفطر، وكره صومهما، ويجزئ إن فعلتا، وإن أفطرتا، قضتا
(2)
، ولا إطعام إن خافتا على أنفسهما كمريضٍ، بل إن خافتا على
(1)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 325:
ومن نوى الصيام وهو حاضر
…
في يومه يفطر إذ يسافر
(2)
في المخطوط (وقضتا) ولعل الصواب ما أثبت.
ولديهما أطعمتا مع القضاء عن كل يومٍ مسكينًا ما يجزئ في الكفارة، وهو على من يمونه على الفور.
وإن قبل ولد المرضعة ثدي غيرها، وقدرت [91/ ب] تستأجر له، أو له ما تستأجر منه فعلت، ولم تفطر، وله صرف الإطعام إلى مسكينٍ واحدٍ جملةً واحدةً.
وحكم الظئر
(1)
كمرضعٍ فيما تقدم، فإن لم تفطر فتغير لبنها، أو نقص خير المستأجر، وإن قصدت الإضرار أتمت، وكان للحاكم إلزامها بالفطر بطلب المستأجر، ولا يسقط الإطعام بالعجز قاله جماعة منهم المجد
(2)
.
وخالف الْمُوَفَّق وغيره
(3)
، وكذا عن الكبير، والميئوس لا يسقط بالعجز.
ومن نوى الصوم ليلاً، ثم جنَّ، أو أغمي عليه جميع النهار، لم يصح صومه، وإن أفاق جزءًا منه صحّ صومه.
ولا يفسده قليل الجنون، والإغماء، ومن جن في صوم قضاء، وكفارة ونحوهما قضاه بالوجوب السابق.
وإن نام جميع النهار صحّ صومه، ولا يلزم المجنون قضى زمن جنونه، بل المغمى عليه.
(1)
الظئر: «بكسر الظاء المعجمة بعدها همزة ساكنة» : المرضعة غير ولدها، ويقال لزوجها: ظئر أيضًا، وقد ظأره على الشيء، إذا عطفه عليه. ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع ص 317.
(2)
ينظر: المحرر 1/ 228، والفروع 4/ 448، والإنصاف 3/ 292.
(3)
منهم ابن عقيل، وصححه صاحب الحاوي الكبير والصغير، وقدمه الشارح. ينظر: الفروع 4/ 448، والمبدع 3/ 16، والإنصاف 3/ 292، 291.
فصل
ولا يصح صوم واجب إلا بنيةٍ من الليل لكل يومٍ نية مفردة؛ لأنها عبادات.
ولا يفسد يومٌ بفسادٍ آخر وكالقضاء.
وعنه
(1)
يجزئ في أوله بنية واحدةٍ لجميعه، فعليها لو أفطر يومًا؛ لعذرٍ، أو غيره لم يصح صيام الباقي بتلك النية، ولو نسي النية، أو أغمي عليه حتى طلع الفجرلم يصح، وتعتبر من الليل، فلو نوى نهارًا صيام الغد لم يصح، ولو أتى بعد النية بما يبطل الصوم لم يبطل نصًّا
(2)
.
ومن خطر بباله أنه صائمٌ غدًا فقد نوى.
قال بعضهم
(3)
: ومعناه لغيره الأكل، والشرب بنية الصوم نية عندنا، ويجب تعيين النية له نصًّا
(4)
بأن يعتقد أنه يصوم من رمضان، أو من قضائه، أو من نذره، أو كفارته، ولا يجب معه نية الفريضة، والوجوب في واجبه.
وعنه
(5)
لا يجب تعيين النية لرمضان فعليها يصح بنيةٍ مطلقةٍ، ونية
(1)
ينظر: الفروع 4/ 453، والمبدع 3/ 18، والإنصاف 3/ 295.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 452، والإنصاف 3/ 294.
(3)
منهم صاحب الروضة نقل عنه كل من صاحب الفروع 4/ 456، والإنصاف 3/ 297.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 308، ومنتهى الإرادات 1/ 158، وكشاف القناع 2/ 315، وكشف المخدرات 1/ 276.
(5)
ينظر: الكافي 1/ 439، والمغني 3/ 112، والمحرر 1/ 228، والشرح الكبير 3/ 22.
نفلٍ ليلاً، ونية تردد فيها، فلو نوى إن كان غدًا من رمضان فهو عنه، وإلا فعن واجبٍ غيره، وعينه بنيته لم يجزئه عن واحدٍ منهما.
وإن قال: وإلا فهو نفل، أو وفاء، فأفطرلم يصح، وفي ليلة الثلاثين من رمضان/ [92/ أ] وجهان للشكّ، والبناء على الأصل في المذهب الصحة
(1)
كما صححه ابن رجب، وقدمه في الرعاية
(2)
، ومن قال: أنا صائمٌ غدًا إن شاء الله تعالى، فإن قصد بالمشيئة الشكّ، والتردد في العدم والقصد فسدت نيته، وإلا لم تفسد، إذ قصده أن فعله للصوم بمشيئة الله تعالى، وتوفيقه،
وتيسيره، كما لا يفسد الإيمان بقول: إن شاء الله تعالى غير مترددٍ في الحال
(3)
، وكذا سائر العبادات.
وإن لم يردد نيته بل نوى ليلة الثلاثين من شعبان أنه صائمٌ غدًا من رمضان بلا مستندٍ شرعيٍ، إما بلا مستندٍ أصلاً، أو بمستندٍ غير شرعيٍ، كحسابٍ، ونجومٍ لم يصح، وإن كان يجزئه منه.
ومن نوى الإفطار أفطر نصًّا
(4)
، فصار كمن لم ينو، لا كمن أكل، فلو كان في نفلٍ، ثم عاد نواه صحّ نصًّا
(5)
، وكذا لو كان في نذرٍ، أو كفارةٍ، أو
(1)
ينظر: المغني 3/ 112، والشرح الكبير 3/ 22.
(2)
ينظر: الرعاية الصغرى 1/ 202.
(3)
قال في الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار 3/ 781: «ذهب أكثر العلماء إلى جواز الاستثناء بأن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، لا على جهة الشكّ، بل على معنى أنه لا يدري ما حكمه عند الله وما عاقبته عند الله. وروي ذلك عن علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وعائشة» .
(4)
ينظر: الشرح الكبير 3/ 28، والفروع 4/ 459، والمبدع 3/ 19، والإنصاف 3/ 297، ومنتهى الإرادات 1/ 158.
(5)
ينظر: الفروع 4/ 459، والمبدع 3/ 20، والإنصاف 3/ 297.
قضاءٍ فقطع نيته، ثم نوى نفلاً ولو قلب نية نذرٍ، وقضاءٍ إلى النفل فكمن انتقل من فرض صلاةٍ، إلى نفلها.
ولو تردد في الفطر، أو نوى أنه سيفطر ساعةً أخرى، أو إن وجدت طعامًا أكلت، وإلا أتممت ونحوه لم يصح كصلاةٍ.
ويصح صوم نفلٍ بنية من النهار مطلقًا نصًّا
(1)
، ويحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية نصًّا
(2)
فيصح تطوع حائضٍ طهرت، وكافر أسلم في يومٍ ولم يأكلا، بصوم بقية اليوم.
(1)
ينظر: الإقناع 1/ 309، ومنتهى الإرادات 1/ 158، وكشاف القناع 2/ 317. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 323:
بنية يصح صوم النفل
…
بعد زوال الشمس نصًّا نقلي
(2)
ينظر: المغني 3/ 114، والشرح الكبير 3/ 31، والفروع 4/ 457، والمبدع 3/ 20، والإنصاف 3/ 298، ومنتهى الإرادات 1/ 159.
باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة
من أكلٍ، أو شربٍ ولو ترابًا، أو ماءً لا يغذي، ولا يماع في الجوف كالحصى، أو استعط
(1)
بدهنٍ، أو غيره فوصل إلى حلقه، أو دماغه.
قال في الكافي
(2)
: أو خياشيمه، أو احتقن
(3)
، أو داوى الجائفة
(4)
، أو جرحًا بما يصل إلى جوفه
(5)
، أو اكتحل بكحلٍ، أو صَبِر
(6)
، أو قطر
(7)
، أو ذرور
(8)
، أو إثمدٍ كثير، أو يسير مطيب نصًّا
(9)
يتحقق معه وصوله إلى
(1)
استعط الدواء: أدخله في أنفه. ينظر: المعجم الوسيط 1/ 431.
(2)
ينظر: الكافي 1/ 440.
(3)
الحقنة: هي أن يعطى المريض الدواء من أسفله، وهي معروفة عند الأطباء. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 416، ومختار الصحاح ص 78، وتحرير ألفاظ التنبيه ص 125، ولسان العرب 13/ 126.
(4)
الجائفة: الطعنة التي تبلغ الجوف، فقد تكون التي تخالط الجوف. ينظر: معجم ديوان الأدب 3/ 365، والصحاح 4/ 1339، وطلبة الطلبة ص 24، ومختار الصحاح ص 64، والمطلع ص 448.
(5)
ينظر: معجم ديوان الأدب 3/ 365، وطلبة الطلبة ص 24، ومختار الصحاح ص 64، والمطلع 448.
(6)
الصبر: بكسر الباء، عصارة شجر مر، كثيرا ما تداوى به العين. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 8/ 314، ولسان العرب 4/ 442، والقاموس الفقهي ص 206.
(7)
القطر: سائل يقطر في العين للعلاج، أو الغسل. ينظر: المعجم الوسيط 2/ 744، ومعجم اللغة العربية المعاصرة 3/ 1833.
(8)
الذرور: ما يذر في العين، أو على الجرح من دواء يابس. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 157، والمعجم الوسيط 1/ 310.
(9)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 159، والروض المربع 1/ 231.
حلقه، أو استقاء
(1)
فقاء ولو قل، أو أدخل إلى مجوف فيه قوة تحيل الغذاء شيئًا من أي موضعٍ/ [92/ ب] كان، ولو خيطًا ابتلعه كله، أو بعضه، أو رأس سكينٍ من فعله، أو فعل غيره، أو داوى المأمومة
(2)
، أو قطر في أذنه ما يصل إلى دماغه، أو استمنى، أو قبَّل، أو لمس، أو باشر دون الفرج فأمنى، أو مذى، أو كرر النظر فأمنى، لا إن مذى، أولم يكرر النظر، أو حجم، أو احتجم وظهر دمٌ نصًّا
(3)
، لا إن جرح نفسه لغير
التداوي بدل الحجامة
(4)
، ولا بفصدٍ
(5)
وشرطٍ ولا بإخراج دمه برعافٍ أي ذلك فعل عامدًا ذاكرًا لصومه مختارًا فسد صومه، ولو جهل التحريم نصًّا
(6)
.
فلا يفطر غير قاصدٍ للفعل، كمن طار إلى حلقه غبارٌ ونحوه، أو ألقي في ماءٍ فوصل إلى جوفه ونحوه، ولا ناسٍ، ولا مكره، سواءٌ أكره على الفعل حتى فعل، أو فعل به بأن صب في حلقه مكرهًا، أو نائمًا كما لو أُجِّر
(1)
استقاء: القيء أي استخرج ما في الجوف عمدا. ينظر: تاج العروس 1/ 380. مادة (قيأ).
(2)
المأمومة: وهي الشجة التي بلغت أم الدماغ. ينظر: غريب الحديث للقاسم بن سلام 3/ 76، ومقاييس اللغة 1/ 23، والمخصص 4/ 118.
(3)
ينظر: مختصر الخرقي ص 49، والكافي 1/ 441، والمغني 3/ 119، والمحرر 1/ 229، والمبدع 3/ 24، والإنصاف 3/ 302، ومنتهى الإرادات 1/ 159. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 326:
قل أفطر الحاجم والمحجوم
…
بذا أتى النص عداك اللوم
(4)
الحجامة هي: مص الدّم من الجرح، أو القيح من القرحة بالفم، أو بآلة كالكأس. ينظر: معجم لغة الفقهاء ص 175.
(5)
الفصد: (بفتح الفاء وسكون الصاد) شق الوريد؛ لإخراج الدّم بقصد العلاج. ينظر: معجم لغة الفقهاء ص 346.
(6)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 159، وكشاف القناع 2/ 320، كشف المخدرات 1/ 278، ومطالب أولي النهى 2/ 191.
المغمى عليه معالجةً، وإن طار إلى حلقه ذبابٌ، أو غبار طريقٍ، أو دقيق، أو دخان، أو قطر في إحليله نصًّا
(1)
، أو فكر فأمنى
(2)
، أو مذى كما لو حصل بفكرٍ غالبٍ، أو احتلم، أو أمنى نهارًا من وطئ ليل، أو ليلاً من مباشرته نهارًا، أو ذرعه القيء ولو عاد إلى جوفه بغير اختياره، لا إن عاد باختياره، أو أصبح وفي فيه طعامٌ فلفظه، أو شق لفظه فبلعه مع ريقه بغير قصدٍ، أو جرى ريقه ببقية طعامٍ تعذر رميه، أو بلع ريقه عادةً لا إن أمكن لفظه بأن تميز عن ريقه فبلعه عمدًا نصًّا
(3)
ولو دون حِمّصة.
أو اغتسل، أو تمضمض، أو استنشق فدخل الماء حلقه بلا قصدٍ، أو بلع ما بقي من أجزاء الماء بعد المضمضة لم يفطر، وكذا إن زاد على الثلاث في أحدهما، أو بالغ فيه.
ولا يكره للصائم الاغتسال ولو للتبرد، لكن يستحب لمن لزمه الغسل ليلاً من جنبٍ، وحائضٍ ونحوهما أن يغتسل قبل طلوع الفجر، فلو أخره واغتسل بعده صحّ صومه، وكذا إن أخره يومًا لكن يأثم.
وإن فعلهما لغير طهارةٍ فإن كان لنجاسةٍ ونحوها فكالوضوء، وإن كان عبثًا، أو لحرٍ، أو عطشٍ كره نصًّا
(4)
، وحكمه/ [93/ أ] حكم الزائد على الثلاث،
(1)
ينظر: عمدة الفقه ص 42، والعدة ص 169، والشرح الكبير 3/ 42، والمبدع 3/ 26، والإنصاف 3/ 307.
(2)
قال الشوكاني في السيل الجرار ص 284: (إن لم يتسبب بسبب بل خرج منيه لشهوة ابتداء، أو عند النظر إلي ما يجوز له النظر إليه مع عدم علمه بأن ذلك مما يتسبب عنه الأمناء فلا يبطل صومه، وما هو بأعظم ممن أكل ناسيا).
(3)
ينظر: الفروع 5/ 16، والمبدع 3/ 26، ومنتهى الإرادات 1/ 161، وكشاف القناع 2/ 321.
(4)
ينظر: الفروع 5/ 19، والمبدع 3/ 27، والإنصاف 3/ 309.
وكذا إن غاص في الماء في غسلٍ غير مشروعٍ، أو أسرف، أو كان عابثًا.
ومن أكل ونحوه شاكًّا في طلوع الفجر، ودام شكّه فلا قضاء عليه.
وإن أكل يظن طلوع الفجر فبان ليلاً، ولم يحدد نية صومه الواجب قضى
(1)
، جزم به بعضهم
(2)
.
وإن أكل ونحوه شاكًّا في غروب الشمس ودام شكّه، لا ظانًّا، ولو شكّ بعده ودام، أو أكل يظن بقاء النهار قضى، وإن بان ليلاً لم يقض، ولعله معنى قول بعضهم: وإن لم يدم شكّه عمل بما تيقن، وإن أكل يظن، أو يعتقد أنه ليلٌ فبان نهارًا في أوله، أو آخره فعليه القضاء
(3)
.
فصل
وإذا جامع في صوم شهر رمضان بلا عذرٍ كشبقٍ ونحوه بذكرٍ أصليٍ، في فرجٍ أصليٍ، فلو أولج بغير فرجٍ أصليٍ في أصليٍ، أو عكسه، أو بغير أصلي في مثله لم يفسد صوم واحدٍ منهما إلا أن ينزل ـ قبلاً كان، أو دبرًا من آدميٍ، أو غيره حيٍ، أو ميتٍ أنزل، أم لا، فعليه القضاء والكفارة، عامدًا كان، أو ساهيًا مختارًا، أو مكرهًا، حتى مجبوب
(4)
أنزل، أو امرأتان
(1)
قال في كشاف القناع 2/ 323: «لأنه قطع نية الصوم بأكله يعتقد نهارا، والصوم لا يصح بغير نية» .
(2)
ينظر: الفروع 5/ 38، والمبدع 3/ 28، والإنصاف 3/ 310.
(3)
قال في الإنصاف 3/ 310: (وَإِن أكل شاكا في غروب الشمس، فعليه القضاء). يعني إذا دام شكّه، وهذا إجماع، وكذا لو أكل يظن بقاء النهار إجماعا، فلو بان ليلا فيهما: لم يقض، وعبارة بعضهم: صحّ صومه).
(4)
المجبوب: هو الذي قطع مذاكيره. ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 202، وكتاب الأفعال 1/ 180، وأساس البلاغة 1/ 119.
بمساحقةٍ
(1)
.
والنزع جماعٌ، فلو طلع عليه الفجر وهو مجامعٌ فنزع في الحال مع أَوَّل طلوع الفجر، فعليه القضاء، والكفارة كما لو استدام
(2)
.
ولا يلزم المرأة كفارةٌ مع العذر كنومٍ، أو إكراهٍ ونحوهما، وتفطر نص عليه في المكرهة
(3)
، ويلزمها الكفارة إن طاوعته، غير ناسيةٍ، ولا جاهلةٍ.
وقيل
(4)
: يفطر من فعل، لا من فعل به من نائمٍ وغيره.
وقيل: لا قضاء مع النوم، وذكره بعضهم نصًّا فيه
(5)
.
(1)
وافقه في منتهى الإرادات 1/ 160، وخالفه في الإقناع 1/ 313، وكشاف القناع 2/ 326. وقال في المغني في المساحقة 3/ 138:«وأصح الوجهين، أنهما لا كفارة عليهما؛ لأن ذلك ليس بمنصوص عليه، ولا في معنى المنصوص عليه، فيبقى على الأصل، وإن ساحق المجبوب فأنزل، فحكمه حكم من جامع دون الفرج فأنزل» .
وقال في كشاف القناع 2/ 326: «صححه في المغني، والشرح، فيما إذا تساحقتا، ونقله في الإنصاف عن الأصحاب في مسألة المجبوب؛ لأنه لا نص فيه، ولا يصح قياسه على الجماع» .
وقال في الإنصاف 3/ 304: «وقال في المستوعب: المساحقة كالوطء فيما دون الفرج» .
وقال في حواشي التنقيح ص 164: «هذا خلاف المذهب، بل حكم الوطء دون الفرج» .
وقال في حاشية الروض 3/ 412: «خلاف المذهب، لأن ذلك مباشرة دون الفرج، وليس بوطء حقيقة، وحقيقة الوطء إيلاج الذكر في الفرج، فليس فيه غير القضاء، وهو قول الجمهور» .
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 331:
والنزع عندنا جماع يذكر
…
مذ بان فجر معه يكفر
(3)
ينظر: المبدع 3/ 30، والإنصاف 3/ 352.
(4)
ينظر: الفروع 5/ 42، والمبدع 3/ 31، والإنصاف 3/ 312.
(5)
ينظر: الفروع 5/ 42، والمبدع 3/ 31، والإنصاف 3/ 312.
قال في الفائق
(1)
: ولو وطئت نائمةً فانتبهت بعد فراغه، أو امتنعت قبله لم تفطر نص عليه، ولو استدخلت ذكر نائمٍ بطل صومها، وظاهره لا يبطل صوم النائم.
وإن جامع دون الفرج عامدًا، وقيل:
(2)
أو ناسيًا اختاره الأكثر
(3)
فأنزل ولو مذيًا نصًّا
(4)
، أو وطئ بهيمةٍ في الفرج أفطر، ويجب الكفارة في الثانية فقط، ولا تجب بقبلةٍ، ولمسٍ ونحوهما.
وإن جامع في يومٍ رأى الهلال في ليلته وردت شهادته فعليه القضاء، والكفارة.
وإن جامع في يومين، ولم يكفر فكفارتان.
وإن جامع، ثم كفَّر، ثم جامع في يومه فكفارة ثانية نصًّا
(5)
، وكذا كل واطئٍ يلزمه الإمساك يكفّر بوطئه.
ولو جامع وهو صحيحٌ، ثم جنَّ [93/ ب] أو مرض، أو سافر، أو حاضت المرأة، أو نفست بعد وطئها نصًّا
(6)
لم تسقط الكفارة.
(1)
لم أجد من نقل عنه في كتب الفقه المتوفرة لديّ.
(2)
ينظر: المبدع 3/ 31، والإنصاف 3/ 315.
(3)
ينظر: المبدع 3/ 31.
(4)
ينظر: الفروع 5/ 50، وشرح الزركشي 2/ 591.
(5)
ينظر: الفروع 5/ 50، والمبدع 3/ 33، والإنصاف 3/ 320، ومنتهى الإرادات 1/ 161. قال ابن عبد البر في التمهيد 7/ 181:(أجمعوا على أن من وطئ في يوم واحد مرتين أو أكثر أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة).
(6)
ينظر: الإقناع 1/ 313، ومنتهى الإرادات 1/ 161، وكشاف القناع 2/ 326.
ومن نوى الصوم في سفره، ثم جامع فلا كفارة.
ولا تجب الكفارة بغير الجماع كأكلٍ، وشربٍ ونحوهما في صيام رمضان أداءً، ويختص وجوب الكفارة برمضان؛ لأن غيره لا يساويه، فلا تجب في قضائه، والكفارة على الترتيب، فيجب عتق رقبةٍ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فلو قدر على الرقبة في الصوم، لم يلزمه
الانتقال نصًّا
(1)
، إلا إن قَدِر قبله
(2)
، فإن لم يجد سقطت عنه، كصدقة فطرٍ، بخلاف كفارة حجٍ، وظهارٍ، ويمينٍ ونحوها نصًّا فيهما
(3)
.
وإن كفَّر غيره عنه بإذنه فله أخذها، وإن ملكه ما يكفر به، وقلنا له أخذه هناك فله أخذه، وإلا أخرجه عن نفسه.
(1)
ينظر: المبدع 3/ 35، والإنصاف 3/ 322، والإقناع 1/ 313، وكشاف القناع 2/ 327.
(2)
في العبارة سقط ولعله سهوا من الناسخ وصواب العبارة (فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا). وينظر: التوضيح 1/ 454، والإقناع 1/ 314.
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 314، والروض المربع 1/ 234، ومنتهى الإرادات 1/ 161، وكشاف القناع 2/ 327، ومطالب أولي النهى 2/ 202.
باب ما يكره ويستحب وحكم القضاء
لا بأس بابتلاع الصائم ريقه على جاري العادة، ويكره أن يجمع ريقه ويبلعه، فإن فعله قصدًا لم يفطر إن لم يخرجه إلى بين شفتيه، فإن فعل أفطر، وإن انفصل عن فمه، ثم ابتلعه أفطر.
وإن أخرج من فيه حصاةً، أو درهمًا، أو خيطًا، أو نحوه وعليه من ريقه، ثم أعاده فإن كان ما عليه كثيرًا فبلعه أفطر، لا إن قل؛ لعدم تحقق انفصاله، ولا إن أخرج لسانه، ثم أعاده وبلع ما عليه؛ لأن الريق لم يفارق محله، وإن تنجس فمه ولو بخروج قيءٍ ونحوه فبلعه أفطر نصًّا
(1)
، وإن قل، وإن بصقه، وبقي فمه نجسًا فبلع ريقه، فإن تحقق أنه بلع شيئًا نجسًا أفطر، وإلا فلا.
ويحرم بلع نُخَامةٍ، ويفطر به سواءٌ كانت من جوفه، أو صدره، أو دماغه بعد أن تصل
(2)
إلى فمه، ويكره له ذوق الطعام.
قال أحمد
(3)
رحمه الله: أحب إلي أن يجتنب ذوق الطعام، فإن فعل فلا بأس.
(1)
ينظر: المغني 3/ 123، والشرح الكبير 3/ 71، والفروع 5/ 21، والمبدع 3/ 37، والإنصاف 3/ 325، ومنتهى الإرادات 1/ 161.
(2)
في المخطوط (اتصل) ولعل الصواب ما ذكرت؛ لأنه أسلم للعبارة.
(3)
ينظر: المغني 3/ 125، والشرح الكبير 3/ 72، والفروع 5/ 22، والمبدع 3/ 38، والإنصاف 3/ 326.
وقيد صاحب المحرر
(1)
النص بما كان؛ لمصلحةٍ، وحاجة، فعلى هذا عليه أن يستقصي في البصق، ثم إن وجد طعمه في حلقه لم يفطر كالمضمضة، وإن لم يستقص في البصق أفطر.
ويكره مضغ العلك
(2)
الذي لا يتحلل منه أجزاء نصًّا
(3)
، وإن/ [94/ أ] وجد طعمه في حلقه أفطر، ويحرم مضغ ما يتحلل منه أجزاء مطلقًا.
وقال المصنف
(4)
: إلا ألا يبلع ريقه وتابعه، شراحه
(5)
.
قال المنُقِّح
(6)
: ولم نره لغيره.
ويكره قبلة من تحرك شهوته، وإن ظن الإنزال حرم، ولا يكره ممن لا تحرك شهوته، وكذا دواعي الوطء كلها.
ويكره تركه بقية طعامٍ بين أسنانه، وشم ما لا يأمن أن يجذبه نَفَسُه إلى حلقه كسحيق مسكٍ، وكافورٍ، ودهنٍ ونحوه، قاله في المستوعب
(7)
وغيره
(8)
.
(1)
ينظر: لم أجده في المحرر، وإنما نقل ذلك عنه في الفروع 5/ 22، والإنصاف 3/ 326.
(2)
العلك: بالكسر: يطلق على كل ما يمضغ ويبقى في الفم، كالمصطكا، واللبان. ينظر: العين 1/ 202، وتحرير ألفاظ التنبيه ص 126.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 449، والشرح الكبير 3/ 72، والفروع 5/ 24، والمبدع 3/ 38، والإنصاف 3/ 327، ومنتهى الإرادات 1/ 161.
(4)
ينظر: الكافي 1/ 449، والمغني 3/ 125، والمقنع 1/ 372.
(5)
ينظر: الشرح الكبير 3/ 72، والمبدع 3/ 38.
(6)
ينظر: التنقيح ص 166.
(7)
ينظر: المستوعب 3/ 443.
(8)
ينظر: الفروع 5/ 25، والمبدع 3/ 39.
ويجب اجتناب كذبٍ، وغيبةٍ، ونميمةٍ، وشتمٍ، وفحشٍ ونحوه مطلقًا، وفي رمضان، ومكانٍ فاضلٍ آكد.
قال أحمد
(1)
رحمه الله: «ينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه، ولا يماري، ويصون صومه» ولا يغتاب أحدًا، ولا يعمل عملاً يجرح به صومه، فيجب كف لسانه عما يحرم، ويسن عما يكره، ولا يفطر بغيبةٍ ونحوها.
وإن شُتِمَ استحب قوله جهرًا في رمضان: إني صائم.
فصل
يستحب تعجيل الإفطار إذا تحقق الغروب، والمذهب له الفطر بغلبة الظن
(2)
، وفطره قبل الصلاة أفضل، وتأخير السحور
(3)
مالم يخش طلوع الفجر الثاني، ولا يستحب تأخير الجماع، بل يكره مع الشكّ في طلوع الفجر، لا الأكل، والشرب نص عليهما
(4)
.
قال أحمد
(5)
رحمه الله: إذا شكّ في الفجر يأكل حتى يستيقن طلوعه،
(1)
ينظر: المغني 3/ 125، والفروع 5/ 27، والمبدع 3/ 40.
(2)
ينظر: المبدع 3/ 40، والإقناع 1/ 315، وكشاف القناع 2/ 331، وكشف المخدرات 1/ 281.
(3)
السحور: هو بالفتح، اسم ما يتسحر به من الطعام، والشراب، وبالضم المصدر والفعل نفسه، وأكثر ما يروى بالفتح، وقيل: إن الصواب بالضم؛ لأنه بالفتح الطعام، والبركة، والأجر، والثواب، في الفعل، لا في الطعام. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 347.
(4)
ينظر: والفروع 5/ 31، والمبدع 3/ 41.
(5)
ينظر: المغني 3/ 174، والشرح الكبير 3/ 78، والفروع 5/ 30، والمبدع 3/ 41، والإنصاف 3/ 330.
وتحصل فضيلة السحور بأكلٍ، أو شربٍ، وإن قلَّ، وقال المجد:
(1)
تمام فضيلته بالأكل.
قال في الفروع
(2)
: والظاهر أنه مراد غيره.
وأن يفطر على رطبٍ، فإن لم يجد فعلى التمر، فإن لم يجد فعلى الماء، وأن يدعو عند فطره فيقول: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت
(3)
، ((سبحانك وبحمدك، اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم))
(4)
.
وإذا غاب حاجب الشمس الأعلى أفطر الصائم حكمًا، وإن لم يَطْعَمْ فلا يثاب/ [94/ ب] على الوصال، ومن فطَّر صائمًا فله مثل أجره، وظاهره أي شيءٍ كان.
وقال أبو العباس
(5)
: المراد إشباعه، ويستحب التتابع في قضاء رمضان، ولا يجب.
فصل
من فاته رمضان؛ لعذرٍ، أو غيره تامًا كان، أو ناقصًا قضى عدد أيامه مطلقًا، اختاره جماعةٌ منهم صاحب المغني، والمحرر
(6)
كأعداد الصلوات.
(1)
ينظر: لم أجده في المحرر، وإنما نقل عنه ذلك في الإنصاف 3/ 331.
(2)
ينظر: الفروع 5/ 36.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بلفظه، كتاب الصيام، باب ما قالوا في الصائم إذا أفطر ما يقول، برقم (9744) 2/ 344، وأبو داود في سننه، كتاب الصوم، باب القول عند الإفطار، برقم (2358) 2/ 306، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصيام، باب ما يقول إذا أفطر، برقم (8134) 4/ 403. قال ابن حجر في التلخيص 2/ 388 (ضعيف).
(4)
مابين القوسين لم أجد له حديثا مرفوعا، ولا موقوفا.
(5)
الفتاوى الكبرى 5/ 377.
(6)
ينظر: الفروع 5/ 63، والإنصاف 3/ 333. وقال في المغني 8/ 37:«قال ابن المنذر: أجمع على هذا من نحفظ عنه من أهل العلم، فأما إن صام شهرا بالهلال، وشهرا بالعدد، فصام خمسة عشر يوما من المحرم، وصفر جميعه، وخمسة عشر يوما من ربيع، فإنه يجزئه، سواء كان صفر تاما، أو ناقصا؛ لأن الأصل اعتبار الشهور بالأهلة، لكن تركناه في الشهر الذي بدأ من وسطه؛ لتعذره، ففي الشهر الذي أمكن اعتباره يجب أن يعتبر» .
وعند القاضي
(1)
إن قضى شهرًا هلاليًا أجزأه مطلقًا، وإلا تمم ثلاثين يومًا فعلى الأَوَّل من صام من أَوَّل شهرٍ كاملٍ، أو من أثناء شهرٍ تسعةً وعشرين يومًا، وكان رمضان الفائت ناقصًا أجزأه عنه، اعتبارًا بعدد الأيام،
(2)
يقضي يومًا تكميلاً للشهر بالهلال والعدد ثلاثين، ويجوز تأخير قضائه مالم يفت وقته، وهو إلى أن يهل شهر رمضان آخر، ولا يجوز تأخيره إلى رمضان آخر من غير عذرٍ نصًّا
(3)
، فيحرم التطوع بالصوم قبله نصًّا
(4)
ولا يصح.
وعنه
(5)
بلى إن اتسع الوقت.
قال المنُقِّح
(6)
: وهو أظهر، وكالتطوع بصلاةٍ في وقت فرضٍ متسعٍ قبل فعله، فإن فعل فعليه القضاء، ويبدأ بفرض الصوم قبل نذرٍ لا يخاف فوته، وإطعام مسكينٍ لكل يومٍ ما يجزئ في كفارةٍ، ويجوز إطعامه قبل القضاء، وإن أخره؛ لعذرٍ كأسيرٍ، ومريضٍ ونحوهما فلا كفارة، ولا قضاء إن مات.
(1)
ينظر: الفروع 5/ 63، والمبدع 3/ 43، والإنصاف 3/ 333.
(2)
هنا نقص ولعله سهو من الناسخ والصواب (وعلى الثاني) ينظر: الفروع 5/ 64، والمبدع 3/ 43، والإنصاف 3/ 333.
(3)
ينظر: المغني 3/ 153، والشرح الكبير 3/ 81، والإنصاف 3/ 333.
(4)
ينظر: المبدع 3/ 43، والإقناع 1/ 316، وكشاف القناع 2/ 334.
(5)
ينظر: المبدع 3/ 43، وكشاف القناع 2/ 334.
(6)
ينظر: التنقيح ص 167.
ومن دام عذره بين الرمضانين ثم زال، صام الشهر الذي أدركه، ثم قضى ما فاته، ولا إطعام نصًّا
(1)
، كما لو مات قبل زواله، وإن أخره لغير عذرٍ فمات قبل رمضانٍ آخر أطعم عنه لكل يومٍ مسكين، وكذا لو أدركه رمضان آخر نصًّا
(2)
، ولا يصام عنه؛ لأن الصوم الواجب أصل الشرع لا يقضى عنه
(3)
.
والإطعام من رأس ماله، أو وصى به نصًّا
(4)
، لكن لو مات بعد قدرته عليه، وقلنا الاعتبار بحالة الوجوب، أطعم عنه
(5)
ثلاثة مساكين، لكل يومٍ مسكين.
ولو مات وعليه صوم شهرٍ من كفارة، أطعم عنه أيضًا، وكذا صوم/ [95/ أ] متعةٍ نصًّا فيهما
(6)
.
وإن مات وعليه صوم منذورٌ في الذمة ولم يصم منه شيئًا مع إمكانه، ولم يخلف تركة لم يلزم الولي شيء، وإن خلف تركةً وجب، ويسن لوليه فعله عنه بنفسه، ويجزئ فعل غيره بغير إذنه، وبإذنه، فيدفع إلى من يصوم
(1)
ينظر: الفروع 5/ 65، والمبدع 3/ 44، والإقناع 1/ 316، وكشاف القناع 2/ 334.
(2)
ينظر: المغني 3/ 154، والشرح الكبير 3/ 83، والمبدع 3/ 44.
(3)
(4)
ينظر: الفروع 5/ 71، والإقناع 1/ 316، وكشاف القناع 2/ 335.
(5)
في المخطوط (وأطعم عنه) والصواب ما أثبت. ينظر: الفروع 5/ 72، والإنصاف 3/ 335.
(6)
ينظر: الفروع 5/ 72، والإنصاف 3/ 335، والإقناع 1/ 317.
عنه من تركته عن كل يومٍ مسكينًا.
وإن مات وقد أمكنه صوم بعض ما نذره، قضى عنه ما أمكنه صومه فقط، ويجزئ صوم جماعةٍ عنه في يومٍ واحدٍ عن عدتهم من الأيام.
وإن نذر صوم شهرٍ بعينه، فمات قبل دخوله لم يصم، ولم يقض عنه.
قال صاحب المحرر
(1)
: وهو مذهب سائر الأئمة، ولا أعلم فيه خلافًا، وإن مات في أثنائه سقط باقيه، فإن لم يصمه؛ لمرضٍ حتى انقضى، ثم مات في مرضه فعلى ما تقدم فيما إذا كان في الذمة، ولا كفارة مع الصوم عنه، أو الإطعام.
وإن كان عليه حجٌ منذورٌ فعل عنه نصًّا
(2)
، وكذا العمرة، وكذا الاعتكاف المنذور نقله الجماعة
(3)
، فإن لم يمكنه فعله حتى مات فكالصوم، وإن كانت عليه صلاةٌ منذورةٌ فعلت عنه، ولا كفارة معه.
وعنه لا
(4)
، وعليه كفارة يمينٍ كترك النذر، وطواف منذورٍ كصلاةٍ في ظاهر كلامهم، أما صلاة الفرض فلا تقبل عنه كما تقدم في قضاء رمضان.
(1)
ينظر: نقل ذلك عنه صاحب الفروع 5/ 78، والإقناع 1/ 317، وكشاف القناع 2/ 336.
(2)
ينظر: الفروع 5/ 78، والمبدع 3/ 46، والإقناع 1/ 317، وكشاف القناع 2/ 336.
(3)
يراد به القول عن الإمام أحمد يرويه عنه الكبار من تلامذته وهم سبعة: ولداه: عبد الله، وصالح، وحنبل ابن عم الإمام- إسحاق- وأبو بكر المروذي، وإبراهيم الحربي، وأبو طالب، والميموني. وهو اصطلاح متقدم، وقد استعمله أبو الخطاب في «الانتصار» وابن قدامة في:«المغني» والمرداوي في: «الإنصاف» وغيرهما. ينظر: المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد 1/ 174.
(4)
ينظر: الشرح الكبير 3/ 87، والفروع 5/ 80، والمبدع 3/ 46، والإنصاف 3/ 340.
باب صوم التطوع
قال أحمد
(1)
رحمه الله: ليس في الصوم رياءٌ، وهو يدل على فضله على غيره؛ لعدم دخول الرياء فيه، وأفضله نصًّا
(2)
صوم داود عليه السلام كان يصوم يومًا، ويفطر يومًا.
ويستحب صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ، وفي أيام الليالي البيض أفضل نصًّا
(3)
وهو الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وصوم الاثنين، والخميس نصًّا
(4)
.
وصوم ستة أيامٍ من شوالٍ، وتحصل فضيلتها ولو متفرقةً عند أحمد، والأصحاب، واستحب بعضهم
(5)
تتابعها، وبعضهم عقب العيد
(6)
.
(1)
لم أجد من نسبه للإمام أحمد في كتب الفقه، وإنما ذكره ابن مفلح في طبقات الحنابلة 1/ 328، في ترجمة محمد بن يحيى الكحال، وأصله حديث أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، عن ابن شهاب الزهري مرسلا، في بيان فضل الصوم برقم (3310) 5/ 205، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزياداته برقم (4907) 1/ 708، وسلسلة الأحاديث الضعيفة برقم (4385) 9/ 375.
(2)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 3/ 1225، والكافي 1/ 450، والمغني 3/ 172، والشرح الكبير 3/ 93، ومنتهى الإرادات 1/ 163.
(3)
ينظر: والكافي 1/ 450، والمغني 3/ 173، والفروع 5/ 83، ومنتهى الإرادات 1/ 163.
(4)
ينظر: المحرر 1/ 231، والشرح الكبير 3/ 94، والمبدع 3/ 48، ومنتهى الإرادات 1/ 163.
(5)
ينظر: الفروع 5/ 85، ومنتهى الإرادات 1/ 163.
(6)
قال في الفروع 5/ 86: «استحبهما ابن المبارك، والشافعي، وإسحاق» .
قال في الفروع
(1)
: وهو أظهر ولعله/ [95/ ب] مراد أحمد، والأصحاب.
قال المنُقِّح
(2)
: ولا ينافي الأَوَّل، وفيه نظر
(3)
، ولا تحصل فضيلتها في غير شوالٍ.
قال في الفروع
(4)
: ولعل مرادهم حصولها إذا فعلت مع قضاء رمضان وقد فاته؛ لعذرٍ، وصوم عشر ذي الحجة
(5)
، وآكده التاسع، وهو يوم عرفة إجماعًا
(6)
سمي بذلك؛ للوقوف بعرفة، والثامن وهو يوم التروية سمي بذلك؛ لأن عرفة لم يكن بها ماء، فكانوا يتروون من الماء إليها.
وصوم المحرم وهو أفضل الصيام بعد شهر رمضان، وأفضله يوم عاشوراء وهو العاشر، ثم تاسوعاء وهو التاسع، ويسن الجمع بينهما نصًّا
(7)
، وإن اشتبه أَوَّل الشهر صام ثلاثة أيامٍ نص عليهما
(8)
، ولا يكره إفراد العاشر بالصوم وهما آكده، ثم العشر، ولم يجب صوم عاشوراء.
وعنه
(9)
وجب، ثم نسخ اختاره
(1)
ينظر: الفروع 5/ 86.
(2)
ينظر: التنقيح ص 168.
(3)
لعل مراد المؤلف بقوله: «فيه نظر» على قول المنُقِّح: «ولا ينافي الأول» أن فيه منافاة بين تتابعها، وبين تفرقتها، ولكن المراد من قول المنُقِّح: أن استحباب تتابع الست من شوال لا يقتضي أن تكون بعد العيد مباشرة. والله أعلم.
(4)
ينظر: الفروع 5/ 86.
(5)
المراد تسع ذي الحجة، لأنه يحرم صوم يوم النحر، وهو العاشر من ذي الحجة.
(6)
ينظر: الفروع 5/ 87، والإقناع 1/ 318، ومنتهى الإرادات 1/ 163، وكشاف القناع 2/ 338.
(7)
ينظر: الإقناع 1/ 318، وكشاف القناع 2/ 338.
(8)
ينظر: والمغني 3/ 178، والشرح الكبير 3/ 104، والمبدع 3/ 49.
(9)
ينظر: الفروع 5/ 91، والإقناع 1/ 318.
أبو العباس
(1)
، ومال إليه الشيخ
(2)
.
وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة، ويوم عرفة كفارة سنتين.
قال في شرح مسلمٍ عن العلماء
(3)
: المراد كفارة الصغائر، فإن لم تكن، رجي التخفيف من الكبائر، فإن لم تكن رفع له درجات، ولا يستحب صيامه لمن كان بعرفة من الحاج بل فطره أفضل، إلا لمتمتعٍ، وقارنٍ عدما الهدي ويأتي
(4)
.
ويكره إفراد رجب بالصوم، وتزول الكراهة بفطره فيه، ولو يومًا، أو صومه شهرًا آخر من السنة.
قال المجد
(5)
: وإن لم يله، وتعمد إفراد يوم الجمعة بصومه نصًّا
(6)
وإفراد يوم السبت.
ويكره صوم يوم الشكّ، وهو يوم الثلاثين من شعبان، إذا لم يكن في السماء علة، ولم يتراء الناس الهلال.
وإن صامه بنية الرمضانية احتياطًا كره، وإن صامه تطوعًا كره إفراده، ويصح.
(1)
ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 466، والمستدرك على الفتاوى 3/ 176.
(2)
ينظر: المغني 3/ 178.
(3)
ينظر: شرح مسلم للنووي 8/ 51.
(4)
في باب الفدية، في لوح رقم (109/ أ) من المخطوط في الصفحة رقم [489].
(5)
نقل ذلك عنه كل من صاحب الإقناع 1/ 319، وكشاف القناع 2/ 340.
(6)
ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 3/ 1238، والمغني 3/ 170، والشرح الكبير 3/ 107، ومنتهى الإرادات 1/ 164.
قال أحمد
(1)
رحمه الله في رواية أبي داود وغيره: أنه إذا لم يحل دونه سحابٌ، أو قتر يوم شكّ لا يصام.
قال القاضي: والأكثرون، أو شهد به من ردت شهادته
(2)
، إلا أن يوافق عادةً، أو يصله بصيامٍ قبله كما تقدم
(3)
/ [96/ أ]، أو يصومه عن قضاء، ونذرٍ، وصوم يوم نيروزٍ، ومهرجان، وهما عيدان للكفار.
وقال الزمخشري: النَّيْرُوز
(4)
الشهر الثالث من شهور الربيع.
والمهرجان
(5)
: اليوم السابع عشر من الخريف.
وقال ابن خطيب الدهشة: النَّيْرُوز يقال: أنه اسمٌ للوقت الذي تنزل فيه الشمس أَوَّل الحمل، والمهرجان في بعض التواريخ كان موافق أَوَّل الشتاء، ثم تقدم عند إهمال الكَبِيس حتى بقي في الخريف، وهو اليوم السادس عشر من مَهرَمَاه
(6)
، وذلك عند نزول الشمس أَوَّل الميزان، وكذا كل عيدٍ
(1)
ينظر: مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود السجستاني ص 127، ونقلها عنه صاحب الفروع 5/ 97.
(2)
ينظر: المبدع 3/ 52، والإنصاف 3/ 349.
(3)
في كتاب الصيام. لوح رقم (90/ ب) في الصفحة رقم [419].
(4)
النَّيْرُوز هو: فارسي معرب، ولم يستعمل إلا في الدولة العباسية، وأصله بالفارسية: نيع روز، جديد يوم، وهو اسم أَوَّل يوم من السنة عند الفرس. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 9/ 28، ولسان العرب 5/ 416، تاج العروس 15/ 349. مادة (نزر).
(5)
المهرجان: عيد للفرس، وهي كلمتان: مهر وزان، حمل وجان، لكن تركبت الكلمتان، حتى صارتا كالكلمة الواحدة، ومعناها محبة الروح. ينظر: المصباح المنير 2/ 582، مادة (مهر).
(6)
في المخطوط (مرمهاة) ولعل الصواب ما أثبت. ينظر: نهاية الأرب في فنون الأدب 1/ 187، والمصباح المنير 2/ 582.
للكفار، أو يوم يفردونه بتعظيم، إلا أن يوافق عادة.
ويكره تقدم رمضان بيومٍ، أو يومين، ولا يكره بأكثر من يومين نصًّا
(1)
ولو بعد نصف شعبان، ويكره الوصال، إلا للنبي صلى الله عليه وسلم فيباح له، وهو ألا يفطر بين اليومين، وتزول الكراهة بأكل تمرةٍ ونحوها، وبمجرد الشرب.
ولا يكره الوصال إلى السحر نصًّا
(2)
، وتركه أولى.
ويحرم صوم يومي العيدين
(3)
، ولا يصح فرضًا، ولا نفلاً، وكذا أيام التشريق، إلا عن دم متعةٍ، وقرانٍ، ومن دخل في تطوعٍ غير حجٍ، وعمرةٍ استحب له إتمامه ولم يجب، لكن يكره قطعه بلا عذرٍ، وإن أفسده فلا قضاء عليه، وكذا لا يلزم الصدقة، ولا القراءة، ولا الأذكار بالشروع، وإن دخل في فرض كفايةٍ، أو واجب موسع كقضاء رمضان قبل رمضان الثاني، والمكتوبة في أَوَّل وقتها وغير ذلك، كنذرٍ مطلقٍ، وكفارةٍ، إن قلنا يجوز تأخيرهما حرم خروجه منه بلا عذرٍ بغير خلافٍ، قاله الشيخان
(4)
.
وقد يجب قطعه كرد معصومٍ عن هلكة، وإنقاذ غريقٍ ونحوه، وإذا دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، وله قطعها بهرب غريمه نصًّا
(5)
، وقلبها نفلاً،
(1)
ينظر: الكافي 1/ 451، والمغني 3/ 106، والشرح الكبير 3/ 110، والفروع 5/ 98، ومنتهى الإرادات 1/ 164.
(2)
ينظر: الفروع 5/ 96، والإنصاف 3/ 350، والإقناع 1/ 319، ومنتهى الإرادات 1/ 164، وكشاف القناع 2/ 342.
(3)
قال في المغني 3/ 169: «أجمع أهل العلم على أن صوم يومي العيدين منهي عنه، محرم في التطوع والنذر المطلق والقضاء والكفارة» .
(4)
ينظر: نقل عنهما صاحب الفروع 5/ 122، والإنصاف 3/ 354.
(5)
ينظر: الإنصاف 2/ 109، والإقناع 1/ 320، وشرح منتهى الإرادات 1/ 496.
وتقدم
(1)
، وإن أفسده بفعله فلا كفارة، ولا يلزمه غير ما كان قبل شروعه.
وليلة القدر شريفة معظمة، يرجى إجابة الدُّعاء فيها، وسميت ليلة القدر؛ لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، وهي/ [96/ ب] باقية لم ترفع، وهي مختصة بالعشر الأخير من رمضان فتطلب فيه، وليالي الوتر آكد، وأرجاها ليلة سبعٍ وعشرين نصًّا
(2)
، وهي أفضل الليالي، حتى من ليلة الجمعة، ويستحب أن ينام فيها متربعًا، ويذكر حاجته في دعائه، ويستحب منه ما روي عن عائشة رضي لله عنها قالت: يا رسول الله إن وافقتها فبم أدعو؟ قال: قولي: اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عني
(3)
.
(1)
في باب صفة الصلاة. لوح رقم (34/ ب) من المخطوط في الصفحة رقم [225].
(2)
ينظر: الشرح الكبير 3/ 114، والفروع 5/ 124، والمبدع 3/ 57، والإنصاف 2/ 335. وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 332:
وليلة القدر فقل أرجاها
…
سبع وعشرون فقم تلقاها
(3)
أخرجه أحمد في مسنده برقم (25384) 42/ 236، والترمذي في سننه، باب ما جاء في عقد التسبيح باليد، برقم (3513) 5/ 534، وابن ماجة في سننه، كتاب الدعاء، باب الدُّعاء بالعفو والعافية، برقم (3850) 2/ 1265، والحاكم في مستدركه، كتاب الدعاء، والتكبير، والتهليل، والتسبيح، والذكر، برقم (1942) 1/ 712. وقال:(هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه) وقال الألباني في مشكّاة المصابيح 1/ 646: (صحيح) وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند 42/ 236: (إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين).
كتاب الاعتكاف
(1)
وهو لزوم مسجدٍ؛ لطاعة الله تعالى، على صفةٍ مخصوصةٍ، من مسلمٍ عاقلٍ ولو مميزًا، طاهرٍ مما يوجب غسلاً، وأقله ساعةً، فلو نذر اعتكافًا وأطلق، أجزأه المسمى، ويسمي جوازًا.
قال ابن هبيرة: ولا يحل أن يسمي خلوة.
قال في الفروع
(2)
: ولعل الكراهة أولى، وهو سنة كل وقتٍ
(3)
، إلا أن ينذره فيجب على صفة ما نذر، ولا يختص بزمانٍ، وآكده في رمضان، وآكده العشر الأخير منه، وإن علقه، أو غيره من التطوعات بشرطه فله شرطه نحو لله علي أن أعتكف شهر رمضان إن كنت مقيمًا، أو معافى، فلو كان فيه مريضًا، أو مسافرًا لم يلزمه شيءٌ.
ويصح بغير صوم
(4)
، وبه أفضل.
(1)
الاعتكاف هو الإقامة، والاحتباس، يقال: اعتكف فلان بمكان كذا إذا أقام به ولم يخرج عنه، وعكف فلان على فلان إذا أقام عليه. ينظر: غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 217، والزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 116، والصحاح 4/ 1406.
(2)
ينظر: الفروع 5/ 132.
(3)
نقل ابن المنذر الإجماع ص 50 فقال: «أجمعوا على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضا، إلا أن يوجبه المرء على نفسه، فيجب عليه» .
(4)
في المخطوط (ويصح بغير نذر) ولعل الصواب ما أثبت. ينظر: المغني 3/ 188، والمحرر 1/ 232، والفروع 5/ 144، والمبدع 3/ 61.
وعنه
(1)
لا يصح، فلا يصح في ليلةٍ مفردةٍ، ولا في بعض يومٍ إن كان مفطرًا، وإلا صح.
ولا يجوز الاعتكاف للمرأة، ولا للعبد بغير إذن زوجٍ، وسيدٍ، فإن شرعا فيه بغير إذنٍ فلهما تحليلهما فلولم يحللاهما صح، وأجزأ، وإن كان بإذنٍ فلهما تحليلهما إن كان تطوعًا وإلا فلا، ولو رجعا بعد الإذن قبل الشروع جاز، والإذن في عقد النذر إذنٌ في فعله إن نذر زمنًا معينًا بالإذن، وإلا فلا.
وللمكاتب أن يعتكف بلا إذن سيده نصًّا
(2)
.
قال جماعة: مالم يحل نجم وكذا له أن يحج بغير إذنه نصًّا
(3)
، ولا يمنع من إنفاقه المال فيه، ويجوز بإذنه أطلقه جماعةٌ وقالوا
(4)
: نصَّ عليه، قال في الفروع
(5)
: ولعل المراد مالم يحل نجم، وصرح به بعضهم، ومن بعضه حرٌّ إن كان بينهما مُهَايَأَة
(6)
فله أن يعتكف، ويحج في نوبته، وإلا فلا، ولسيده منعه.
ولا يصح إلا بنية، ولا من رجلٍ تلزمه الصلاة جماعةً، إلا في مسجدٍ
(1)
ينظر: المحرر 1/ 232، والشرح الكبير 3/ 120، والفروع 5/ 144، والمبدع 3/ 61.
(2)
ينظر: الفروع 5/ 136، والمبدع 3/ 63، والإنصاف 2/ 363، ومنتهى الإرادات 1/ 167.
(3)
ينظر: الفروع 5/ 136، والإنصاف 2/ 363، والإقناع 1/ 322، ومنتهى الإرادات 1/ 167، وكشاف القناع 2/ 350.
(4)
منهم القاضي، وابن عقيل، ينظر: الفروع 5/ 136، والإنصاف 2/ 363.
(5)
ينظر: الفروع 1/ 27.
(6)
المهايأة لغة: المناوبة، واصطلاحا: قسمة المنافع على التعاقب، والتناوب. التنقيح 464.
تقام فيه
(1)
/ [97/ أ] ولو من رجلين معتكفين إن أتى عليه فعل صلاةٍ زمن اعتكافه
(2)
، وإلا صحّ في كل مسجدٍ، وظهره، ورحبته المحوطة، ومنارتها التي بابها فيه منه، وكذا ما زيد فيه، حتى في الثواب في المسجد الحرام، وكذا مسجده صلى الله عليه وسلم، عند أبي العباس، وابن رجب، وجمع
(3)
، وحكي عن السلف
(4)
.
وخالف فيه ابن عقيل، وابن الجوزي، وجمعٌ
(5)
.
قال في الفروع
(6)
: وهو ظاهر كلام أصحابنا، وتوقف أحمد.
ولو اعتكف من لا تلزمه الجمعة في مسجدٍ لا تصلّى فيه، بطل
(1)
في التنقيح (إلا في مسجد تصلّى فيه الجمعة، أو الجماعة) والعبارة تدل على أن الاعتكاف يصح في مسجد تقام فيه الجمعة فقط دون الجماعة. وهو غير صحيح.
(2)
وهو من المفردات قال الناظم في المنح الشافيات 1/ 334:
والاعتكاف لا تجز إيقاعه
…
في المسجد العاري عن الجماعة
(3)
ينظر: الإقناع 1/ 323، ومنتهى الإرادات 1/ 168.
(4)
قال في حاشية الروض 3/ 481: «لعموم الخبر، وهو قول بعض السلف، واختاره الشيخ، وقال: حكم الزيادة حكم المزيد، في جميع الأحكام، وكذا قال الخلوتي، وعثمان، وغيرهما: وفي المسجد ما زيد فيه، فيثبت له جميع أحكامه، حتى حكم المضاعفة في الثواب في المسجد الحرام، وعن أبي هريرة مرفوعا «لو بني هذا المسجد إلى صنعاء، كان مسجدي» وقال عمر رضي الله عنه لما زاد في المسجد -: لو زدنا فيه حتى يبلغ الجبانة، كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن رجب: «وقد قيل: إنه لا يعلم عن السلف خلاف في المضاعفة، وإنما خالف بعض المتأخرين، منهم ابن الجوزي، وابن عقيل» .
(5)
ينظر: الإقناع 1/ 323، ومنتهى الإرادات 1/ 168، وكشاف القناع 2/ 352، ومطالب أولي النهى 2/ 234.
(6)
ينظر: الفروع 5/ 139، 140.
بخروجه إليها إن لم يشترطه، والأفضل الاعتكاف في الجامع إذا كانت الجمعة تتخلله، والمرأة لها الاعتكاف في كل مسجدٍ، إلا مسجد بيتها، وهو ما اتخذته؛ لصلاتها.
ومن نذر الصلاة، أو الاعتكاف في مسجدٍ غير الثلاثة فله فعله في غيره، وإن نذره في إحدى الثلاثة، المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى
(1)
، لم يجزئه في غيرها، وأفضلها المسجد الحرام، ثم مسجد المدينة، ثم الأقصى.
فإن عيَّن الأفضل منها في نذره، لم يجزئه فيما دونه، وعكسه بعكسه.
ومن نذر اعتكاف شهرٍ، أو عشرٍ بعينه دخل معتكفه قبل ليلة الأُولى، وخرج بعد آخره نصًّا
(2)
، كذا لو نذر يومًا معينًا، دخل قبل فجره الثاني، وخرج بعد غروب شمسه، ولم يجز تفريقه بساعةٍ من أيام، وكذا كل زمانٍ معينٍ يدخل قبله، ويخرج بعده.
وإن اعتكف رمضان، أو العشر الأخير منه استحب أن يبيت العيد في معتكفه، ويخرج منه إلى المصلّى نصًّا
(3)
.
وإن نذر شهرًا مطلقًا لزمه شهرٌ متتابعٌ نصًّا
(4)
، وحكمه في دخوله
(1)
المسجد الأقصى: ثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها، ويسمى بيت المقدس، والقدس، والمدينة التي بها المسجد الأقصى تسمى القدس، من أرض فلسطين. ينظر: معجم المعالم الجغرافية ص 292.
(2)
ينظر: كشاف القناع 2/ 364.
(3)
ينظر: الفروع 5/ 159، والمبدع 3/ 68، والإنصاف 2/ 423.
(4)
ينظر: الشرح الكبير 3/ 130، والمبدع 3/ 68، والإنصاف 3/ 369، ومنتهى الإرادات 1/ 168، وكشاف القناع 2/ 355.
معتكفه، وخروجه منه كما تقدم
(1)
.
ويكفي شهرٌ هلاليٌ ناقصٌ بلياليه، أو ثلاثين يومًا بلياليها.
وإن نذر أيامًا، أو ليالي معدودة فله تفريقها إن لم ينو التتابع، ونذر اعتكاف يومٍ لا تدخل ليلته، وكذا عكسه.
وإن نذر شهرًا متفرقًا فله تتابعه، وإن/ [97/ ب] نذر أيامًا، أو ليالي متتابعة لزمه ما يتخللها من ليلٍ، أو نهارٍ.
فصل
ولا يجوز للمعتكف الذي يلزمه التتابع فيه الخروج، إلا لما لا بد منه كحاجة الإنسان من بولٍ، أو غائطٍ، وقيءٍ بغتة، وغسل متنجسٍ يحتاجه، والطهارة الواجبة نصًّا
(2)
، ويتوضأ فيه بلا ضررٍ، فإذا خرج فله المشي على عادته، من غير عجلةٍ، وقصد بيته إن لم يجد مكانًا يليق به لا ضرر فيه، ولا منة، كسقاية لا يحتشم مثله منها، ولا نقص عليه، ويلزم قصد أقرب منزليه، وإن بذل له صديقه، أو غيره منزله القريب؛ لقضاء حاجته لم يلزمه؛ للمشقة بترك المروة، والاحتشام.
ويحرم بوله في المسجد في إناء، وفصد وحجامة فيخرج؛ لحاجة كثيرةٍ، وإلا لم يخرج كمرضٍ يمكنه احتماله.
ويخرج؛ ليأتي بمأكولٍ، ومشروبٍ يحتاجه إن لم يكن له من يأتيه به نصًّا
(3)
.
(1)
في هذا الباب، وفي نفس الصفحة.
(2)
ينظر: الفروع 5/ 163، ومنتهى الإرادات 1/ 169.
(3)
ينظر: الكافي 1/ 457، والمغني 3/ 192، والعدة ص 176، والشرح الكبير 3/ 133، والفروع 5/ 165.
ولا يجوز خروجه؛ لأكله، وشربه في بيته، وله غسل يده في إناءٍ من وسخٍ، وزفرٍ ونحوهما، ولا يخرج؛ لغسلهما، ويخرج للجمعة إن كانت واجبةً عليه، أو شرط الخروج إليها، وله التبكير إليها نصًّا، وإطالة المقام بعدها
(1)
، وكذا إن تعين خروجه؛ لإطفاء حريقٍ، وإنقاذ غريقٍ ونحوه، ولا يلزمه سلوك الطريق الأقرب إلى سرعة الرجوع، ولنفيرٍ متعينٍ إن احتيج إليه، ولشهادة تعيّن عليه أداؤها فيلزمه الخروج، ولا يبطل اعتكافه، ولخوفٍ من فتنةٍ على نفسه، أو حرمته، أو ماله نهبًا، وحريقًا ونحوه، ولمرضٍ يتعذر معه القيام فيه، أو لا يمكنه إلا بمشقةٍ شديدةٍ بأن يحتاج إلى خدمةٍ، أو فراشٍ لا إن كان خفيفًا كصداعٍ، وحمى خفيفة.
وإن أكرهه سلطانٌ، أو غيره على الخروج لم يبطل اعتكافه ولو بنفسه كحائضٍ، ومريضٍ، وخائفٍ أن يأخذه السلطان ظلمًا فخرج واختفى، وإن خرج؛ لاستيفاء حقٍ عليه فإن أمكنه/ [98/ أ] الخروج منه بلا عذرٍ بطل اعتكافه، وإلا لم يبطل لوجوب الإخراج.
وإن خرج من المسجد ناسيًا لم يبطل، ويبني إذا زال العذر في الكل، فإن أخر الرجوع إليه مع إمكانه بطل ما مضى، كمرضٍ، وحيضٍ، ولوجود حيضٍ، ونفاسٍ فترجع إلى بيتها إن لم يكن للمسجد رحبة تضرب خباؤها فيها بلا ضررٍ، فإذا طهرت رجعت إلى المسجد كما تقدم
(2)
.
(1)
وافق المؤلف كل من صاحب الفروع 5/ 165، والإنصاف 3/ 373، والإقناع 1/ 325، وكشاف القناع 2/ 357. وخالف المؤلف صاحب منتهى الإرادات حيث قال:«وسن أن لا يبكر لجمعة، ولا يطيل المقام بعدها» . ينظر: 1/ 169.
(2)
في نفس الباب في الصفحة رقم [449].
وإن كان له رحبةٌ، وأمكن ضربها فيها بلا ضررٍ سن إن لم تخف تلويثًا، فإذا طهرت دخلت المسجد، ولعدة وفاةٍ ونحوها مما يجب الخروج له.
ولا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازةً، ولا يجهزها خارج المسجد إلا بشرطٍ نصًّا
(1)
، أو وجوبٍ، وكذا كل قربةٍ لا تتعين، كزيارةٍ، وتغسيل ميتٍ وغيره نصًّا
(2)
.
وإن شرط ما له منه بدٌ، وليس بقربةٍ كالعشاء في منزله، والمبيت فيه جاز له فعله لا إن شرط الوطء في اعتكافه، والفرجة، أو النزهة، أو الخروج للبيع والشراء؛ للتجارة، أو التكسب بالمسجد.
وإن قال: متى مرضت، أو عرض لي عارضٌ خرجت فله شرطه، وله السؤال عن المريض في طريقه إذا خرج لما لا بد منه ما لم يعرّج، أو يقف؛ لمسألته كبيعه، وشرائه إذا لم يقف.
والدخول إلى مسجدٍ يتم اعتكافه فيه إن كان أقرب إلى مكان حاجته من الأَوَّل، وإن كان أبعد، أو خرج إليه ابتداءً بلا عذرٍ بطل اعتكافه، وإن خرج لما لا بد منه خروجًا معتادًا كحاجة الإنسان ونحوها فلا شيء فيه.
وإن خرج لغير معتادٍ كنفيرٍ ونحوه في المتتابع المطلق المنذور وتطاول، خيّر بين استئنافه، وإتمامه مع كفارة يمينٍ، وقضاء ما فاته.
وإن لم يتطاول لم يقض الوقت الفائت؛ لكونه يسيرًا مباحًا، أو واجبًا،
(1)
ينظر: مختصر الخرقي ص 52، والكافي 1/ 458، والمغني 3/ 194، والمحرر 1/ 232، والشرح الكبير 3/ 137.
(2)
ينظر: الفروع 5/ 175، والمبدع 3/ 72، وكشاف القناع 2/ 358.
وإن فعله في متعينٍ متتابعٍ قضى، وكفَّر معه نصًّا
(1)
.
وإن كان أيامًا مطلقةً، تمم ما بقي بلا كفارةٍ، ويبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله.
تنبيه: المعتاد من هذه الأعذار حاجة/ [98/ ب] الإنسان، والطهارة من الحدث، والطعام والشراب إجماعًا فيهن، والجمعة، وغير المعتاد بقية الأعذار.
وإن خرج جميعه لما له بدٌ مختارًا عمدًا، أو مكرهًا بحقٍ بطل، وإن قل، ثم إن كان في متتابعٍ بشرطٍ، أو نيةٍ استأنف، ولا كفارة، وإن كان مكرهًا، أو ناسيًا فقد تقدم في الأعذار، وإن كان في معينٍ متتابعٍ كنذره شعبان متتابعًا، أو معين ولم يقيده بالتتابع استأنف، وكفَّر، ويكون القضاء، والاستئناف في الكل على صفة الأداء فيما يمكن.
وإن وطئ في فرجٍ ولو ناسيًا نصًّا
(2)
فسد اعتكافه للوطء بل أفسد به المنذور، فهو كما لو أفسده بالخروج فيما له منه بدٌ كما سبق، وهو مراد أبي بكر.
وإن باشر دون الفرج فأنزل فكوطء، وإلا فلا، ولو سكر ولو ليلاً، أو ارتد بطل اعتكافه.
ويستحب للمعتكف التشاغل بفعل القرب، واجتناب ما لا يعنيه من
(1)
ينظر: الفروع 5/ 171، والإنصاف 3/ 378، ومنتهى الإرادات 1/ 170، وكشاف القناع 2/ 360.
(2)
ينظر: منتهى الإرادات 1/ 170، وكشاف القناع 2/ 361.
جدالٍ، ومراءٍ
(1)
، وكثرة كلامٍ وغيره؛ لأنه مكروهٌ في غيره، ففيه أولى.
ولا بأس أن تزوره زوجته، وتتحدث معه، وتصلح رأسه مالم يلتذ بشيءٍ منها، وله أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر، ويأمر بما يريد خفيفًا لا يشغله نصًّا
(2)
، وليس الصمت من شريعة الإسلام.
قال ابن عقيل
(3)
: يكره الصمت إلى الليل، وقال الشيخان
(4)
: ظاهر الأخبار تحريمه، وجزم به في الكافي
(5)
، وإن نذره لم يوف به، ولا يجوز أن يجعل القرآن بدلاً من الكلام ذكره ابن عقيل
(6)
، وتابعه الشيخان مثل أن يرى رجلاً جاء في وقته فيقول: وجئت على قدرٍ يا موسى.
ولا يستحب له إقراء القرآن، والعلم، والمناظرة فيه ونحوه، لكن فعله لذلك أفضل من الاعتكاف؛ لتعدي نفعه
(7)
، ولا بأس أن يتزوج، ويشهد
(1)
الفرق بين الجدال والمراء: قيل: هما بمعنى. غير أن المراء مذموم؛ لأنه مخاصمة في الحق بعد ظهوره، وليس كذلك الجدال.
ولا يكون المراء إلا اعتراضا بخلاف الجدال فإنه يكون ابتداء واعتراضا. ينظر: معجم الفروق اللغوية ص 159، والمصباح المنير 2/ 570.
الفروع 5/ 188، والإنصاف 3/ 383، وكشاف القناع 2/ 362.
(2)
ينظر: الفروع 5/ 188، والإنصاف 3/ 383، وشرح منتهى الإرادات 1/ 508، وكشاف القناع 2/ 362.
(3)
ينظر: نقل ذلك عنه صاحب الفروع 5/ 188، والمبدع 3/ 76، والإنصاف 3/ 383.
(4)
ينظر: الإقناع 1/ 328، وكشاف القناع 2/ 362، وكشف المخدرات 1/ 290، ومطالب أولي النهى 2/ 253.
(5)
ينظر: الكافي 1/ 461.
(6)
ينظر: الكافي 1/ 461، والفروع 5/ 189، والإنصاف 3/ 383.
(7)
أي فعل ذلك في غير زمن الاعتكاف، أفضل له من الاعتكاف، لأن المنفعة في هذه الأفعال تتعدى.
النكاح لنفسه ولغيره، ويصلح بين القوم، ويعود المريض، ويصلي على الجنائز، ويهنئ، ويعزي، ويؤذن، ويقيم/ [99/ أ] كل ذلك في المسجد.
ولا يجوز البيع، والشراء في المسجد لمعتكفٍ وغيره نصًّا
(1)
، ولا يتكسب فيه بالصنعة كخياطةٍ وغيرها قليلاً كان، أو كثيرًا؛ لحاجةٍ وغيرها.
وينبغي لمن يقصد المسجد للصلاة، أو غيرها أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه، لاسيما إن كان صائمًا.
(1)
ينظر: الكافي 1/ 460، والمغني 3/ 200، والشرح الكبير 3/ 148، والفروع 5/ 194.