المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المنهيات في سورة الحجرات   إعداد: د علي بن غازي التويجري الأستاذ المساعد - المنهيات في سورة الحجرات - العدد ١٣٩

[علي بن غازي التويجري]

فهرس الكتاب

المنهيات في سورة الحجرات

إعداد: د علي بن غازي التويجري

الأستاذ المساعد في كلية القرآن الكريم في الجامعة [الإسلامية]

ص: 49

‌المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [سورة النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [سورة الأحزاب: 70، 71]

(1)

.

أما بعد: فإن هذا القرآن العظيم كتاب ربنا، فيه نبأ من قبلنا، وخبر ما بعدنا، وحكم ما بيننا، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق

(2)

على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا:{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِه}

(1)

هذه الخطبة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه، ومن الخير للمسلم أن يعود لسانه وقلمه كتابتها بين يدي قوله أو كتابته، وانظر تخريجها في خطبة الحاجة للشيخ الألباني، حيث جمع ألفاظها، وطرقها، وبين من خرجها.

(2)

أي لا يبلى. انظر: النهاية في غريب الحديث (2/ 71).

ص: 51

[الجن: 1، 2]، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم

(1)

.

وهو والله حقيق بطلب الهدى فيه، والنهل من معينه، والاستنباط من معانيه، وإنفاق العمر فيه.

وقد أحببت أن أدلي بدلوي بكتابة هذا البحث الذي سميته: المنهيات في سورة الحجرات، شرح آياتها، وبيان حكمها، وأدلة النهي عنها، مع بعض أحكامها. فإن كان صوابا فمن الله، وحده لا شريك له، وهو ما أرجوه، وإن كان خطأ فمني واستغفر الله، وللقارئ غنمه وعليَّ غرمه.

‌أسباب اختيار الموضوع، وأهميته:

1 -

لقد لفت انتباهي كثرة ما اشتملت عليه سورة الحجرات، تلكم السورة العظيمة من

(1)

هذا اقتباس من حديث علي رضي الله عنه، وهو وإن كان ضعيف الإسناد، كما سيأتي، لكنه كلام حسن صحيح، كما قال ابن كثير، وجميل المعنى كما قال الألباني. وقد أخرجه الترمذي في سننه (5/ 172)، ح (2906)، كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل القرآن، ثم قال: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده مجهول، وفي الحارث -الأعور- مقال. وأورده ابن كثير في مقدمة تفسيره (1/ 21)، ثم قال معلقا على كلام الترمذي السابق:(قلت: لم ينفرد بروايته حمزة بن حبيب الزيات، بل قد رواه محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي، عن الحارث الأعور، فبرئ حمزة من عهدته، على أنه وإن كان ضعيفا في الحديث إلا أنه إمام في القراءة والحديث، مشهور من رواية الحارث الأعور، وقد تكلموا فيه، بل قد كذبه بعضهم من جهة رأيه واعتقاده، أما أنه تعمد الكذب فلا، والله أعلم. وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وقد وهم بعضهم في رفعه، وهو كلام حسن صحيح، على أنه روي له شاهد عن عبد الله بن مسعود))

ثم ذكر كلام ابن مسعود، واستغربه، وذكر فيه راويا متكلم فيه كثيراً.

وقال عنه الألباني في تخريج العقيدة الطحاوية ص (71)، ح (3): «هذا حديث جميل المعنى، ولكن إسناده ضعيف

» ا. هـ.

ص: 52

الأوامر والنواهي والأخبار رغم قصرها.

2 -

ومن الأسباب أيضا التي دفعتني إلى الكتابة في هذا البحث خاصة الحاجة الماسة إلى معرفة ما ورد من النهي عن المحرمات في هذه السورة وغيرها، لكن هذه السورة خاصة قد اشتملت على جملة من المناهي التي كثر انتشارها بين الناس، حتى بين طلبة العلم، ووقع فيه من وقع إلا من رحم الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ومن بين هذه المنهيات: الغيبة التي كما قيل شب عليها الصغير وهرم عليها الكبير إلا من رحم الله.

ومنها السخرية، واللمز، والتنابز بالألقاب، وكثرة التقدم بين يدي الله ورسوله، والقول عليهما بغير علم، والتجسس، والمنَّ بالنفقة والأعطيات إلى غير ذلك مما ستراه في ثنايا هذا البحث، وكلها نراه واقعا مريرا ملموسا في مجتمعاتنا، نسأل الله أن يردنا إليه ردا جميلا.

3 -

ومن الأسباب كثرة أسباب الغفلة والشر في هذه الأيام، مما يستدعي بذل مزيد من الجهد من طلبة العلم في تذكير الناس بأمر ربهم وشرعه، وردهم إليه.

4 -

ومن الأسباب رغبتي في نفع نفسي علَّ الله أن يمن علي بالتوفيق لاجتناب نواهيه، ونفع إخواني ممن تيسر له الاطلاع عليه، وهو حسبي ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

‌خطة البحث:

لقد قمت بحمد الله بالكتابة في هذا الموضوع وفق الخطة التالية:

أولا: مقدمة تشتمل على أهمية البحث، وأسباب الكتابة فيه، وهي ما سبق ذكرها قريباً.

ص: 53

ثانيا: المنهيات في سورة الحجرات، وجعلتها في سبعة مباحث، وفي كل مبحث مطالب على النحو التالي:

المبحث الأول: النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله، وتحته ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: في بيان التفسير الإجمالي للآية.

المطلب الثاني: في بيان معنى التقدم لغة، وفي أقوال المفسرين.

المطلب الثالث: حكم التقدم بين يدي الله ورسوله، والنصوص الواردة في النهي عنه.

المبحث الثاني: النهي عن رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم، والجهر له عند مخاطبته، وتحته ستة مطالب:

المطلب الأول: سبب نزول الآية.

المطلب الثاني: التفسير الإجمالي للآية.

المطلب الثالث: معنى رفع الصوت والجهر له لغة، وفي أقوال المفسرين.

المطلب الرابع: حكم رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم والجهر له، والنصوص الواردة في وجوب توقيره واحترامه.

المطلب الخامس: حكم رفع الصوت عند قبره.

المطلب السادس: نماذج من استجابة الصحابة للنهي عن رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم والجهر له.

المبحث الثالث: النهي عن السخرية، وتحته ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: التفسير الإجمالي للآية.

المطلب الثاني: معنى السخرية لغة وفي أقوال المفسرين وغيرهم.

المطلب الثالث: حكم السخرية وما ورد من النهي عنها.

المبحث الرابع: النهي عن اللمز والتنابز بالألقاب، وتحته أربعة مطالب:

ص: 54

المطلب الأول: سبب نزول الآية.

المطلب الثاني: التفسير الإجمالي للآية.

المطلب الثالث: معنى اللمز والتنابز بالألقاب لغة وفي كلام المفسرين.

المطلب الرابع: حكم اللمز والتنابز بالألقاب، وما ورد من النهي عن ذلك.

المبحث الخامس: النهي عن التجسس، وتحته ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: التفسير الإجمالي للآية.

المطلب الثاني: التجسس لغة وفي كلام المفسرين.

المطلب الثالث: حكم التجسس وما ورد من النهي عنه.

المبحث السادس: النهي عن الغيبة، وتحته خمسة مطالب:

المطلب الأول: التفسير الإجمالي للآية.

المطلب الثاني: معنى الغيبة لغة واصطلاحا، وبعض صورها.

المطلب الثالث: حكم الغيبة وما ورد من النهي عنها.

المطلب الرابع: ما يستثنى من الغيبة.

المطلب الخامس: تحريم سماع الغيبة، ووجوب ردها، والذب عن أعراض المسلمين.

المبحث السابع: النهي عن المن على الله ورسوله وسائر الخلق، وتحته أربعة مطالب:

المطلب الأول: سبب نزول الآية.

المطلب الثاني: التفسير الإجمالي للآية.

المطلب الثالث: المراد بالمن لغة وفي أقوال المفسرين.

المطلب الرابع: حكم المن والنصوص الواردة فيه.

ثالثا: الخاتمة.

ص: 55

‌منهج البحث:

لقد سرت في كتابة هذا البحث وفق المنهج التالي:

1 -

ذكر نص الآية في أول المبحث.

2 -

عزو الآيات إلى سورها.

3 -

تخريج الأحاديث من دواوين السنة المشهورة.

4 -

اقتصرت على إيراد الأحاديث الصحيحة، فما كان منها في الصحيحين، أو في أحدهما اكتفيت بالنص على إخراجهما له أو أحدهما، وما كان في غيرهما حكمت على إسناده بذكر قول أهل الفن فيه.

ولأجل ذلك أعرضت عن جملة من الأحاديث، وأسباب النزول التي أوردها كثير من المفسرين، ولا يصح إسنادها.

5 -

ذكر سبب نزول الآية إن وجد، وصح سنده.

6 -

أشرح الآية شرحا إجماليا بإيراد كلام أئمة التفسير، كالطبري، وابن كثير، وغيرهما، وأؤلف بينه، ليكون الكلام منسبكا متناسبا، وربما لخصت كلامهم إذا كان التفسير المنقول عنهم قليلا، أو متماثلا، كما حصل في المبحثين الأخيرين.

7 -

أذكر معنى الخصلة المنهي عنها في اللغة من كلام أهل اللغة، ليتبين المعنى الشامل للكلمة.

8 -

أردفه بذكر أقوال أئمة التفسير، ثم أرجح بينها، أو أبين عدم تعارضها.

9 -

أذكر أحيانا كلام بعض أهل العلم من غير المفسرين في تعريف الخصلة، إذا رأيت أن كلام المفسرين منصب على الآية دون الإشارة إلى معنى الخصلة إجمالا.

10 -

أذكر القراءات الصحيحة (القراءات العشر) ضمن المعنى الإجمالي للآية، إن وجدت.

ص: 56

11 -

أذكر حكم الخصلة المنهي عنها، ثم أردفه بذكر النصوص المؤيدة لذلك الحكم مبتدئا بالآيات.

12 -

زدت بعض المطالب إذا رأيت أن الأمر يستدعي ذلك، وأن الحاجة إليه ملحة، كما حصل في مبحث النهي عن رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم، ومبحث النهي عن الغيبة.

13 -

جمعت بين بعض النواهي في مبحث واحد، كما حصل في مبحث اللمز والتنابز، للارتباط الوثيق بينهما، وتقارب دلالتهما، وقلة المادة العلمية لكل واحد منهما على حدة في كلام المفسرين.

14 -

وثقت ما أوردته من أقوال أهل العلم، أو تعريفاتهم، أو النقول عنهم بعزوها إلى مصادرها.

15 -

ترجمة الأعلام الواردة، ما لم تكن مشهورة.

16 -

شرحت بعض الكلمات التي تحتاج إلى بيان في الحاشية.

17 -

ذيلت الرسالة بفهارس علمية كالتالي:

أ- فهرس الآيات القرآنية.

ب- فهرس الأحاديث النبوية.

ج- فهرس الأعلام.

د- فهرس المصادر والمراجع.

هـ- فهرس الموضوعات.

ص: 57

‌المبحث الأول: النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1].

‌المطلب الأول: التفسير الإجمالي للآية

ينادي الله عباده بوصف الإيمان، ذلكم الوصف العظيم الذي إذا حققه المسلم في نفسه حمله على فعل الأوامر واجتناب النواهي، فينهاهم عن التقدم بين يدي الله ورسوله في أي حال من الأحوال.

قال ابن جرير الطبري: «يعني تعالى ذكره بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} يا أيها الذين أقروا بوحدانية الله، وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، يقول: لا تعجلوا بقضاء أمر في حروبكم أو دينكم قبل أن يقضي الله لكم فيه ورسوله، فتقضوا بخلاف أمر الله ورسوله

».

وفي قوله: {لَا تُقَدِّمُوا} قراءتان.

قرأ يعقوب

(1)

{لا تَقدَّموا} بفتح التاء والدال، وذلك على حذف إحدى التاءين، لأن الأصل (لا تتقدموا) مضارع "تقدموا".

وقرأ الباقون {لَا تُقَدِّمُوا} بضم التاء وكسر الدال، مضارع "قدَّم" مضعف العين. قال الفراء

(2)

: كلاهما صواب، يقال: قدمت وتقدمت، وقال

(1)

هو يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله مولى الحضرمين، الإمام قارئ البصرة في عصره، قرأ القرآن على أبي المنذر سلام بن سليم، وأبي الأشهب، ومهران بن ميمون، وغيرهم، وسمع من حمزة الزيات، وشعبة، وقرأ عليه روح، ورويس، وغيرهما، مات سنة خمس ومائتين. انظر: معرفة القراء (1/ 157).

(2)

هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، الأسدي بالولاء، أبو زكريا، المعروف بالفراء، إمام الكوفيين، وأعلمهم بالنحو، واللغة، وفنون الأدب، ولد بالكوفة سنة (144 هـ)، له معاني القرآن، ومشكل اللغة، وغيرها، مات في طريق مكة سنة (207 هـ). انظر: الأعلام (8/ 145).

ص: 58

الزجاج: كلاهما واحد

(1)

.

قلت: وعند التأمل يتبين أن الأمر كما قال الزجاج، وأن حاصل معنى القراءتين ومؤداهما واحد.

ومعنى الآية: لا تقطعوا أمرا دون الله ورسوله، ولا تتعجلوا به

(2)

.

ثم قال ابن جرير: «وقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يقول: وخافوا الله أيها الذين آمنوا في قولكم، أن تقولوا ما لم يأذن لكم به الله ولا رسوله، وفي غير ذلك من أموركم، وراقبوه إن الله سميع لما تقولون، عليم بما تريدون بقولكم إذا قلتم، لا يخفى عليه شيء من ضمائر صدوركم، وغير ذلك من أموركم، وأمور غيركم»

(3)

.

‌المطلب الثاني: معنى التقدم لغة وفي أقوال المفسرين

‌أولا: معنى التقدم لغة:

أصل هذه الكلمة «قدم» يدل على السبق، قاله ابن فارس

(4)

.

وبذلك فسره الفيروزابادي

(5)

، فقال بعد ذكر قوله تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ

(1)

انظر: زاد المسير 7/ 455، 456.

(2)

انظر: المغني في توجيه القراءات العشر (3/ 258)، والمبسوط في القراءات العشر ص

(412)

.

(3)

انظر: جامع البيان للطبري (26/ 116، 117).

(4)

هو أحمد بن فارس بن زكريا القزويني، الرازي، من أئمة اللغة، والأدب، قرأ على البديع الهمداني، والصاحب بن عباد، وغيرهما، له كتاب معجم مقاييس اللغة، والمجمل، مات سنة 395 هـ. انظر: الأعلام (1/ 193). وانظر قوله في: معجم مقاييس اللغة (5/ 65).

(5)

هو مجد الدين، محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر، أبو طاهر الفيروزابادي، من أئمة اللغة، والأدب، ولد بكارزين من أعمال شوران، سنة (729 هـ)، رحل إلى العراق، والشام، ومصر، ثم استقر في زبيد باليمن، له كتاب: القاموس المحيط، وبصائر ذوي التمييز، وغيرهما، مات سنة (817 هـ). انظر: الأعلام (7/ 146).

ص: 59

يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}: «وتحقيقه: لا تسبقوه بالقول والحكم، بل افعلوا ما يأمركم به، كما يفعله العباد المكرمون

(1)

، كما قال تعالى:{لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْل} [الأنبياء: 27]

(2)

. ونحوه قول أبي عبيدة

(3)

: «تقول العرب: فلان يقدم بين يدي الإمام وبين يدي أبيه، يتعجل بالأمر والنهي دونه»

(4)

.

‌ثانيا: أقوال المفسرين في معنى التقدم

لقد تعددت أقوال المفسرين في المراد بالتقدم، وإن كانت تعود إلى شيء واحد، كما سنذكره بعد ذلك، وإليكها:

1 -

قال ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة

(5)

في قوله: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة.

2 -

وقال ابن عباس في رواية عطية العوفي

(6)

: نهوا أن يتكلموا بين

(1)

يعني الملائكة.

(2)

انظر: بصائر ذوي التمييز (4/ 146).

(3)

هو أبو عبيدة، معمر بن المثنى التيمي بالولاء، البصري، النحوي، من أئمة العلم بالأدب، واللغة، مولده ووفاته بالبصرة، وكانت ولادته سنة (110 هـ)، له مجاز القرآن، مات سنة (209) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (9/ 445)، والأعلام (7/ 272).

(4)

انظر: مجاز القرآن (2/ 219).

(5)

هو علي بن أبي طلحة، سالم مولى بني العباس، سكن حمص، أرسل عن ابن عباس، ولم يره، صدوق قد يخطئ، مات سنة ثلاث وأربعين ومائة. انظر: التقريب (698).

(6)

هو عطية بن سعد بن جُنادة، بضم الجيم، العوفي، الجدلي، الكوفي، أبو الحسن، صدوق يخطئ كثيرا، وكان شيعيا مدلسا، مات سنة إحدى عشر ومائة هـ. انظر: التقريب ص

(680)

.

ص: 60

يدي كلامه.

3 -

وقال مجاهد: «لا تفتاتوا على رسول الله بشيء حتى يقضي الله على لسانه» .

4 -

وقال قتادة: ذكر لنا أن أناسا كانوا يقولون: لو أنزل في كذا، لو أنزل في كذا وكذا، قال فكره الله عز وجل ذلك، وقدم فيه.

5 -

قال الحسن: هم قوم نحروا قبل أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم النبي أن يعيدوا الذبح.

6 -

وقال الضحاك: لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم.

7 -

وقال ابن زيد: لا تقطعوا الأمر دون الله ورسوله.

8 -

وقال سفيان

(1)

: لا تقضوا أمرا دون رسول الله

(2)

.

قلت: وكل هذه الأقوال حق، وهي من باب اختلاف التنوع، لا اختلاف التضاد

(3)

. فمؤداها واحد، والآية شاملة لجميعها، كما قال الألوسي في تفسيره

(4)

بعد إيراده لجملة من أقوال المفسرين في ذلك: «ثم إن كل ذلك من باب بيان حاصل المعنى في الجملة» .

(1)

هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ فقيه عابد، إمام حجة، وكان ربما دلس، مات سنة (161 هـ)، وله أربع وستون سنة. انظر: التقريب ص (394).

(2)

انظر: جامع البيان للطبري (2/ 116، 117)، وتفسير القرآن لابن كثير (7/ 364)، والدر المنثور (7/ 546).

(3)

وأكثر الخلاف الوارد بين السلف في التفسير من هذا الباب، كما حققه شيخ الإسلام، ابن تيمية في مقدمة التفسير. انظر: مجموع الفتاوى له (13/ 333).

(4)

انظر: روح البيان له (26/ 133).

ص: 61

‌المطلب الثالث: حكم التقدم بين يدي الله ورسوله، وذكر جملة من النصوص الدالة على تحريمه

‌أولا: حكمه:

لا يجوز التقدم بين يدي الله ورسوله في أي أمر من الأمور، سواء في التحليل أو التحريم أو التشريع، أو غير ذلك، فهو أمر محرم، والمؤمن منهي عنه.

قال الأمين الشنقيطي موضحا حكم ذلك: «

وهذه الآية الكريمة فيها التصريح بالنهي عن التقديم بين يدي الله ورسوله، ويدخل في ذلك دخولا أوليا تشريع ما لم يأذن به الله، وتحريم ما لم يحرمه، وتحليل ما لم يحلله، لأنه لا حرام إلا ما حرمه الله، ولا حلال إلا ما أحله الله، ولا دين إلا ما شرعه الله»

(1)

.

‌ثانيا: النصوص الواردة في النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله في جميع الأمور:

لقد جاءت جملة من الآيات مبينة أن الحكم خير الأحكام، وهو خير الفاصلين، ولا يجوز التحاكم إلى غيره، وذلك مستلزم عدم جواز التقدم بين يديه، وعدم جواز الأخذ بحكم غيره في أي أمر من الأمور، ومسلتزم للنهي عن ذلك. كما أنه مسلتزم أيضا للنهي عن التقدم بين يدي رسوله، لأن الله قد أمرنا بتحكيم رسوله في جميع شئوننا، كما قال تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} النساء: 65، وقال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الحشر: 7، وقال تعالى: {وَمَا

(1)

انظر: أضواء البيان (7/ 614).

ص: 62

كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينا} الأحزاب: 36، وقال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} النساء: 80؛ فمن الآيات الدالة على النهي عن التقدم بين يدي الله وأن الحكم له:

1 -

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} الحجرات: 1.

2 -

قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الأنعام: 6].

3 -

وقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّه} [الشورى: 10].

4 -

وقوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} [يوسف: 40].

5 -

وقوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57].

6 -

وقوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].

7 -

وقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].

8 -

وقوله تعالى: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف: 26].

9 -

قوله تعالى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 12].

10 -

وقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88].

11 -

وقوله تعالى: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70]

(1)

.

(1)

وقد أشار إلى الاستدلال بهذه الآيات على ما نحن بصدده الأمين الشنقيطي في أضواء البيان (7/ 163)، و (4/ 82)، و (7/ 614).

ص: 63

‌المبحث الثاني: النهي عن رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم والجهر له عند مخاطبته

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2].

‌المطلب الأول: سبب نزول الآية:

روى البخاري، عن ابن أبي مليكة

(1)

، قال: كاد الخيّران أن يهلكا أبو بكر وعمر، رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس

(2)

أخي بن مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر

(3)

، قال نافع: لا أحفظ اسمه، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} الآية. قال ابن الزبير: فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، ولم

(1)

هو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة، بالتصغير، ابن عبد الله بن جدعان، يقال: اسم أبي مليكة: زهير التيمي المدني، أدرك ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة فقيه، مات سنة سبع عشرة ومائة. انظر: التقريب ص (524).

(2)

هو الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد التميمي، صحابي جليل، كان مقدما في قومه، شهد حنينا، والطائف، وفتح مكة، وكان من المؤلفة قلوبهم، استشهد بالجوزجان سنة (31 هـ). انظر: الأعلام (2/ 5).

(3)

هو القعقاع بن معبد، كما في الرواية التي تليها.

ص: 64

يذكر ذلك عن أبيه

(1)

: يعني أبا بكر

(2)

.

ورواه البخاري عن ابن أبي مليكة: أن عبد الله بن الزبير أخبره: أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد

(3)

، وقال عمر: بل أمّر الأقرع بن حابس، فتماريا فارتفعت أصواتهما، فنزلت في ذلك:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} حتى انقضت الآية

(4)

.

‌المطلب الثاني: التفسير الإجمالي للآية

قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت رسول الله، تتجهموه

(5)

بالكلام، وتغلظون له في الخطاب، يقول:«ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض» . يقوله: ولا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضا: يا محمد، يا محمد، يا نبي الله، يا نبي الله، يا رسول الله»

(6)

.

(1)

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 456): وقد وقع في رواية الترمذي قال: «وما ذكر ابن الزبير جده» ، وقد وقع في رواية الطبري من طريق مؤمل بن إسماعيل، عن نافع، عن ابن عمر، فقال في آخره:«وما ذكر ابن الزبير جده، يعني أبا بكر» .

(2)

رواه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب سورة الحجرات، وانظر: الفتح (8/ 454)، ح (4845).

(3)

هو القعقاع بن معبد بن زرارة الدارمي التميمي، من سادات العرب، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد تميم، وآمن به، شهد حنينا مع النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: الأعلام (5/ 202).

(4)

رواه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب سورة الحجرات، وانظر: الفتح (8/ 457)، ح (4847).

(5)

تتجهموه: أي تكلموه بكلام غليظ شديد. انظر: لسان العرب (12/ 110).

(6)

انظر: جامع البيان للطبري (26/ 117).

ص: 65

ويقول السعدي: «ثم قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} وهذا أدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم في خطابه. أي: لا يرفع المخاطب له صوته معه فوق صوته، ولا يجهر له بالقول، بل يغض الصوت، ويخاطبه بأدب ولين وتعظيم وتكريم وإجلال وإعظام، ولا يكون الرسول كأحدهم، بل يميزونه في خطابهم كما تميز عن غيره في وجوب حقه على الأمة، ووجوب الإيمان به، والحب له الذي لا يتم الإيمان إلا به، فإن في عدم القيام بذلك محذورا، خشية أن يحبط عمل العبد، وهو لا يشعر، كما أن الأدب معه من أسباب حصول الثواب، وقبول الأعمال

(1)

.

‌المطلب الثالث: معنى رفع الصوت والجهر له لغة، وفي أقوال المفسرين

‌أولا: لغة:

الصوت: جنس لكل ما وقر في أذن السامع، وجمعه أصوات، يقال: صات يصوت صوتا، وأصات وصوت به إذا ناداه

(2)

.

قال الراغب في قوله: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} خصص الصوت بالنهي، لكونه أعم من النطق والكلام. ويجوز أنه خصه لأن المكروه رفع الصوت فوق صوته، لا رفع الكلام

(3)

.

الجهر بالصوت: هو رفعه وإعلانه، يقال: جهرت بالقول أجهر به، إذا أعلنته، ورجل جهير الصوت: أي عالي الصوت. وكذلك رجل جَهْوَري

(1)

انظر: تيسير الكريم الرحمن للسعدي (5/ 68).

(2)

انظر: معجم مقاييس اللغة (3/ 318)، ولسان العرب (2/ 72)، مادة:"صوت".

(3)

انظر: المفردات في غريب القرآن ص (288)، ونقله عنه الفيروزابادي في بصائر ذوي التمييز (3/ 450).

ص: 66

الصوت: رفيعه، والجهر: العلانية

(1)

.

‌ثانيا: أقوال المفسرين في المراد برفع الصوت، والجهر له:

إن الناظر في كتب التفسير يجدها قد حفظت لنا جملة من أقوال المفسرين في المراد بالنهي عن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، والجهر له، وفيما يلي شيء منها:

1 -

قال قتادة: كانوا يجهرون له بالكلام، ويرفعون أصواتهم، فوعظهم الله، ونهاهم عن ذلك.

2 -

وقال مجاهد: في قوله: {ولا تجهروا له بالقول} لا تنادوه نداء، ولكن قولا لينا: يا رسول الله.

3 -

وقال الضحاك: قوله: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} هو كقوله: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} [النور: 63]. نهاهم الله أن ينادوه كما ينادي بعضهم بعضا، وأمرهم أن يشرِّفوه ويعظموه ويدعوه إذا دعوه باسم النبوة

(2)

.

4 -

وقال الزجاج: أمرهم الله بتجليل نبيه، وأن يغضوا أصواتهم، ويخاطبوه بالسكينة والوقار

(3)

.

قلت: وحاصل هذه الأقوال واحد، وهو النهي عن رفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم، إذا كانوا بحضرته، سواء كان الحديث معه أو مع غيره، كما نهوا حينما يتكلمون معه أن يكون كلامهم له ككلام بعضهم لبعض - وهو كلام الأكفاء الذين ليس لبعضهم على بعض مزية توجب الاحترام والتوقير - بل

(1)

انظر: تهذيب اللغة للأزهري (6/ 50)، مادة: جهر، ولسان العرب (4/ 150)، مادة: جهر.

(2)

انظر: جامع البيان للطبري (6/ 118)، وزاد المسير (7/ 457).

(3)

أورده عنه الشوكاني في فتح القدير (5/ 61).

ص: 67

يكلموه كلاما مصحوبا بتعظيمه وتوقيره واحترامه والأدب معه، وبلفظ النبوة والرسالة ونحوها.

‌المطلب الرابع: حكم رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم والجهر له، وذكر النصوص الدالة على وجوب توقيره واحترامه وتعظيمه

‌أولا: حكم رفع الصوت فوق صوته والجهر له:

لقد دلت هذه الآية أن رفع الصوت فوق صوت النبي والجهر له من أشد الذنوب خطرا، وأعظمها إثما، بل قد يكون سببا في حبوط العمل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول

(1)

بعد أن ذكر الآية:

«

فوجه الدلالة أن الله سبحانه نهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته، وعن الجهر له كجهر بعضهم لبعض، لأن هذا الرفع والجهر قد يفضي إلى حبوط العمل، وصاحبه لا يشعر، فإنه علّل نهيهم عن الجهر وتركهم له بطلب سلامة العمل من الحبوط، وبين أن فيه من المفسدة جواز حبوط العمل، وانعقاد سبب ذلك، وما قد يفضي إلى حبوط العمل يجب تركه غاية الوجوب

».

ثم قال:: «

فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم والجهر له بالقول يخاف منه أن يكفر صاحبه وهو لا يشعر، ويحبط عمله بذلك، وأنه مظنة لذلك وسبب فيه، فمن المعلوم أن ذلك لما ينبغي له من التعزير والتوقير والتشريف والتعظيم والإكرام والإجلال» ا. هـ.

‌ثانيا: ذكر جملة من النصوص الدالة على وجوب توقير النبي، واحترامه، وتعظيمه:

لقد دلت الآية التي نحن بصددها، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا

(1)

ص (57)، وما بعدها.

ص: 68

تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]. على لزوم توقير النبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيمه، واحترامه، وجاء في مواضع أخر من كتاب الله ما يبين ذلك، ويؤيده، منها:

1 -

قوله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9]. على أن الضمير في قوله: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} عائد على الرسول صلى الله عليه وسلم، وعليه أكثر المفسرين

(1)

.

قال السعدي في بيان معنى الآية: «{وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} أي تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم، {وَتُوَقِّرُوهُ} أي تعظموه، وتجلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة في رقابكم»

(2)

.

2 -

وقوله تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157].

قال الطبري مفسرا لهذه الآية: «فالذين صدقوا النبي الأمي، وأقروا بنبوته {وعزروه} يقول وقروه وعظموه، وحموه من الناس، {واتبعوا النور الذي أنزل معه} يعني القرآن والسنة، {أولئك هم المفلحون} يقول الذين يفعلون هذه الأفعال التي وصف بها جل ثناؤه أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، هم المفلحون المدركون ما طلبوا، ورجوا بفعلهم ذلك»

(3)

.

(1)

وممن اقتصر على أن المراد به الرسول الطبري في تفسيره (26/ 74)، وذكر في قوله في آخر الآية:{وتسبحوه} قراءة بلفظ: «وتسبحوا الله» لكنها قراءة شاذة، واقتصر عليه أيضا ابن كثير في تفسيره (7/ 329)، والبغوي في تفسيره (4/ 190)، والسعدي في تفسيره (5/ 46).

(2)

انظر: تيسير الكريم الرحمن للسعدي (5/ 46).

(3)

انظر: جامع البيان للطبري (9/ 85، 86).

ص: 69

3 -

قوله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور: 63].

قال قتادة في الآية: أمر الله أن يهاب نبيه، وأن يبجل، وأن يعظم، وأن يفخم، ويشرف

(1)

.

4 -

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا} [البقرة: 104].

5 -

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُون} [الحجرات: 4].

6 -

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات: 3].

قال الأمين الشنقيطي: «وقد دلت آيات من كتاب الله على أن الله تعالى لا يخاطبه في كتابه باسمه، وإنما يخاطبه بما يدل على التعظيم والتوقير، كقوله:{يَا أَيُّهَا النَّبِي} [الأنفال: 64]، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} [المائدة: 41]، {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1]، {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]، مع أنه ينادي غيره من الأنبياء بأسمائهم، كقوله:{وَقُلْنَا يَا آدَم} [البقرة: 35]، وقوله:{وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} [الصافات: 104]، وقوله:{يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك} [هود: 46]، {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا} [نوح: 48]، وقوله:{قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ} [الأعراف: 144]، وقوله:{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} [آل عمران: 55]، وقوله:{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً} [ص: 26].

أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر اسمه في القرآن في خطاب، وإنما يذكر في غير ذلك، كقوله:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144]،

(1)

انظر: الدر المنثور (6/ 231)، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.

ص: 70

وقوله: {وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} [محمد: 2]، وقوله:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح: 29]

(1)

.

‌المطلب الخامس: حكم رفع الصوت عند قبره بعد وفاته

لقد قرر أهل العلم أنه كما لا يجوز رفع الصوت فوق صوته في حياته صلى الله عليه وسلم، كذلك لا يجوز رفع الصوت عند قبره بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

قال ابن كثير: «وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره، كما كان يكره في حياته، لأنه محترم حيا وفي قبره، صلوات الله وسلامه عليه دائما»

(2)

.

ويدل عليه ما رواه البخاري عن السائب بن يزيد، قال: كنت قائما في المسجد فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما. قال: من أنتما -أو من أين أنتما؟ - قالا: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم)

(3)

.

تنبيه:

أما ما يقوم به أهل البدعة والجهل عند قبره صلى الله عليه وسلم، من دعائه، وطلب الشفاعة منه، والتوسل به، فهو من المنكر العظيم الذي لا يجوز، لأنه صرف حق الله لغيره، وقد جاءت نصوص الكتاب بتحريمه، ومنها:

(1)

انظر: أضواء البيان (6/ 616).

(2)

تفسير القرآن لابن كثير (7/ 368)، وانظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام، ابن تيمية (27/ 323)، وأحكام القرآن لابن العربي (4/ 1714).

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب رفع الصوت في المسجد، انظر: الفتح (1/ 667)، ح (470).

ص: 71

1 -

قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن: 18].

و {أحدا} نكرة في سياق النهي، فتدل على العموم، أي لا يجوز دعاء أحد سواه، كائنا من كان فيما لا يقدر عليه إلا الله، كطلب الشفاعة، وقضاء الحوائج، وتفريج الكربات، ورد الضالة، وإعطاء الولد، وشبهه.

2 -

وقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُون. وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5، 6].

3 -

وقوله تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ. وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 106، 107].

4 -

وقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ. وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سباء: 22، 23]

(1)

.

‌المطلب السادس: نماذج من استجابة الصحابة للنهي عن رفع الصوت عند رسول الله

إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم خير مثال يحتذى بعد نبينا صلى الله عليه وسلم في تطبيق نصوص الشرع، والمبادرة في فعل الأوامر، واجتناب النواهي أو غيرها، وسرعة الاستجابة لله ورسوله، فهذا الفاروق لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله،

(1)

ذكر هذه الآيات مستدلا بها على ذلك شيخ الإسلام، المجدد محمد بن عبد الوهاب. انظر: حاشية ثلاث الأصول لابن قاسم ص (35)، وكتاب التوحيد له ص (88)، (104)، وللمزيد راجع فتح المجيد (1/ 301 - 324)، وتيسير العزيز الحميد ص (155 - 182).

ص: 72

لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

«لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال عمر: الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر»

(1)

.

الله أكبر ما أعظمه من جيل، وما أعلمه بربه ونبيه، وأقومه بحجة الله على خلقه، وفيما يلي ذكر شيء من استجابة الصحابة لما جاء في الآية التي نحن بصددها:

1 -

ما جاء عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه: أخرج الحاكم عن أبي هريرة، قال:«لما نزلت: {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله} قال أبو بكر: والذي أنزل عليك الكتاب لا أكلمك إلا كاخي السرار»

(2)

.

فقد أقسم الصديق، وهو البار بقسمه ألا يكلم رسول الله إلا كاخي السرار -أي كصاحب المساررة الذي يخفض صوته

(3)

؛ استجابة لما جاء في قوله تعالى: {لا ترفعوا أصواتكم} [الحجرات: 2].

2 -

ما جاء عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: يدل له ما رواه البخاري

(4)

في سبب نزول قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} ، وفيه: قال ابن الزبير: فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية حتى يستفهمه، وقد سبق.

(1)

رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب كيف كان يمين النبي. انظر: الفتح (11/ 532)، ح (6632).

(2)

رواه الحاكم في مستدركه (2/ 462)، وصححه، ووافقه الذهبي، وأورده ابن كثير في تفسيره (7/ 365)، من رواية طارق بن شهاب، ثم قال:«حصين بن عمر» هذا وإن كان ضعيفا لكن قد رويناه من حديث عبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة بنحو من ذلك.

(3)

انظر: النهاية في غريب الحديث (2/ 360)، ولسان العرب (4/ 362)، مادة:"سرر".

(4)

قد سبق تخريجه في ص 22.

ص: 73

3 -

ما جاء عن ثابت بن قيس بن شماس

(1)

: رواه البخاري، ومسلم، وأحمد، واللفظ له عن أنس قال:«لما نزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} إلى {وأنتم لا تشعرون}، وكان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت، فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حبط عملي، أنا من أهل النار، وجلس في أهله حزينا، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بعض القوم إليه، فقالوا له: تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لك؟ قال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، وأجهر له بالقول، حبط عملي، أنا من أهل النار، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال، فقال: «لا، بل هو من أهل الجنة» ، قال أنس: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا، ونحن نعلم أنه من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف، فجاء ثابت بن قيس بن شماس، وقد تحنط ولبس كفنه، فقال: بئسما تعودون أقرانكم، فقاتلهم حتى قتل»

(2)

.

(1)

هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، الخزرجي، خطيب الأنصار، من كبار الصحابة، بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، واستشهد باليمامة، فنفذت وصيته بمنام رآه خالد بن الوليد. انظر: التقريب ص (186).

(2)

أخرجه بهذا اللفظ أحمد في مسنده (19/ 391)، ح (12399)، وأخرجه مع بعض الاختلاف البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، سورة الحجرات، باب {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي}. انظر: الفتح (8/ 454)، ح (4846)، ومسلم في صحيحه (1/ 110)، ح (119)، كتاب الإيمان، باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله.

ص: 74

‌المبحث الثالث: النهي عن السخرية

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ} [سورة الحجرات: 11].

‌المطلب الأول: التفسير الإجمالي للآية

يقول ابن جرير: «يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين، {ولا نساء من نساء} يقول: ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات، عسى المهزوء منهن أن يكن خيرا من الهازئات»

(1)

.

ويقول ابن كثير: «ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

«الكبر بطر الحق وغَمْص الناس»

(2)

. وفي رواية: «وغمط الناس»

(3)

. والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقَر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقِر له، ولهذا قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ

(1)

انظر: جامع البيان للطبري (26/ 130، 131).

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (4/ 59)، ح (4092)، كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر، والترمذي في سننه (4/ 361)، ح (1999)، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الكبر، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2/ 771)، ح (3448) من حديث ابن مسعود.

(3)

رواه مسلم في صحيحه (1/ 93)، ح (91)، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، من حديث ابن مسعود.

ص: 75

قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ}

(1)

.

قلت: ولكثرة وقوع الناس من رجال ونساء في السخرية، أفرد -والله أعلم- النساء بالذكر لشدة التوكيد على ذلك، مع أن الأكثر أن الخطاب في القرآن يكون مع الرجال، ويكون النساء تبعا لهم، كما في قوله:{يا أيها الذين آمنوا} ، {يا أيها الناس} ، {إن الذين آمنوا} ، {إنما المؤمنون} ، {يوصيكم الله} ، وغيرها، لكن خصهن بالذكر للتأكيد على شدة التحريم في حق الجميع.

وقيل: بل أفرد النساء بالذكر، لأن السخرية منهن أكثر، ذكره الشوكاني

(2)

.

وقد ذكر أهل العلم أن لفظة القوم مما يختص به الرجال

(3)

. ويدل لذلك قول زهير بن أبي سلمى

(4)

:

ولا أدري ولست أخال أدري

أقوم آل حصن أم نساء

(5)

‌المطلب الثاني: معنى السخرية لغة، وفي أقوال أهل العلم من المفسرين وغيرهم

‌أولا: السخرية لغة:

السخرية: هي الاستهزاء، يقال: سخر منه وبه سَخْرا، وسَخَرا، ومَسْخَرا، وسُخْرا بالضم، وسُخْرَة، وسِخرِيا، وسُخْرِيا، وسُخْرِية: هزئ به

(6)

.

قال الفراء: يقال: سخرت منه، ولا يقال: سخر به، واستدل بقوله تعالى:{لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات: 11]، وقوله تعالى:{فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: 79]، وقوله:{إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُم} [هود: 38]

(7)

.

(1)

انظر: تفسير القرآن لابن كثير (7/ 376).

(2)

انظر: فتح القدير للشوكاني (5/ 65).

(3)

انظر: الكشاف للزمخشري (4/ 121)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/ 325)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (26/ 247).

(4)

هو زهير بن ابن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني، من مضر، حكيم الشعراء في الجاهلية، ولد في بلاد مزينة، نواحي المدينة، وكان يقيم في الحاجر من ديار نجد، كان ينظم القصيدة في شهر، وينقحها في سنة، فكانت قصائده تسمى بالحوليات. انظر: الإعلام (2/ 52).

(5)

أورده القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 16/ 325، وأبو حيان في البحر المحيط 9/ 517.

(6)

انظر: تهذيب اللغة (7/ 167)، مادة:"سخر"، والجامع لأحكام القرآن (16/ 324)، ولسان العرب (4/ 352)، مادة:"سخر".

(7)

انظر: لسان العرب (4/ 353)، مادة:"سخر"، والصحاح (2/ 679)، مادة:"سخر".

ص: 76

وحكى الجوهري

(1)

، عن أبي زيد

(2)

: سخرت به، وهو أردأ اللغتين.

وقال الأخفش

(3)

: سخرت منه، وسخرت به، وضحكت منه، وضحكت به، وهزءت منه، وهزئت به، كل يقال

(4)

.

‌ثانيا: السخرية في أقوال المفسرين وغيرهم

لقد تكلم المفسرون على المعنى المراد بقوله: {لا يسخر قوم من قوم} فمن أقوالهم:

1 -

قال مجاهد: هو سخرية الغني بالفقير.

2 -

وقال ابن زيد: لا يسخر من ستر الله ذنوبه ممن كشفه الله.

3 -

قال الطبري بعد إيراد القولين السابقين: «والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله عم بنهيه المؤمنين أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السخرية، فلا يحل لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك»

(5)

.

(1)

هو إسماعيل بن حماد الجوهري، أبو نصر، لغوي، من الأئمة، أشهر كتبه الصحاح، وله العروض، سافر إلى الحجاز، وطاف البادية، ثم رجع إلى خراسان، وأقام بنيسابور، حاول الطيران فمات بسبب ذلك سنة (393 هـ). انظر: الأعلام (1/ 213).

(2)

هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري، أحد أئمة اللغة، والأدب، ولد سنة (115 هـ)، كان من ثقات اللغويين، ويرى رأي القدرية، له كتاب النوادر في اللغة، والهمز، ولغات القرآن، مات بالبصرة سنة (215 هـ). انظر: الأعلام (3/ 92).

(3)

هو سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء، البلخي ثم البصري، المعروف بالأخفش الأوسط، نحوي عالم باللغة والأدب، أخذ عن سيبويه، وألف معاني القرآن، والاشتقاق، وغيرهما، مات سنة (215 هـ). انظر: الأعلام (3/ 101).

(4)

انظر: الصحاح للجوهري (2/ 679)، مادة:"سخر".

(5)

انظر: جامع البيان للطبري (26/ 131)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/ 325).

ص: 77

قلت: وهذا هو القول الصواب في تفسير هذه الآية.

هذا ما يتعلق بأقوال المفسرين في الآية التي نحن بصددها، وقد تناول العلماء تعريف السخرية، والمراد بها مطلقا، فمن ذلك:

1 -

ما عرفها به الغزالي في الإحياء، حيث قال: السخرية هي الاستحقار والاستهانة، والتنبيه على العيوب والنقائص بوجه يضحك منه، وقد تكون بالمحاكاة بالفعل والقول، وقد يكون بالإشارة أو الإيماء

(1)

.

2 -

وعرفها بعضهم: بأنها ذكر الشخص بما يكره على وجه مضحك بحضرته

(2)

.

3 -

واختار الألوسي: أنها احتقار الشخص قولا أو فعلا على وجه مضحك

(3)

.

‌المطلب الثالث: حكم السخرية، وما ورد مني النهي عنها

‌أولا: حكم السخرية:

السخرية محرمة بإجماع أهل العلم، وكبيرة من كبائر الذنوب، يجب على المسلم تجنبها، والحذر منها، وهي من صفات المنافقين والكافرين

(4)

.

(1)

انظر: الإحياء (3/ 131).

(2)

ذكره الألوسي في روح البيان (25/ 152).

(3)

انظر: المرجع السابق بنفس الجزء والصفحة.

(4)

وقد حكى الهيثمي في الزواجر (2/ 33) الإجماع على تحريم ذلك، ونص على التحريم القاسمي في محاسن التأويل (15/ 5458).

ص: 78

‌ثانيا: النصوص الدالة على تحريم السخرية:

كما حرم الله السخرية في هذه الآية الكريمة، جاءت النصوص في الكتاب والسنة دالة على ذلك، فمنها:

1 -

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79].

فقد أخبر الله أن السخرية بالمؤمنين من صفات المنافقين، فعاقبهم بالسخرية منهم، والعذاب الأليم على ذلك الجرم العظيم.

2 -

قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة: 212].

فقد ذكر الله السخرية بالمؤمنين من صفات الكافرين المترفين، وذكر أن المؤمنين فوقهم، ويسخرون منهم يوم القيامة.

3 -

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُون. وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ. وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ. وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ. وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ. فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ. عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ. هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففون: 29 - 36].

قال ابن كثير رحمه الله مبينا دلالة هذه الآيات: يخبر تعالى عن المجرمين أنهم كانوا في الدار الدنيا يضحكون من المؤمنين أي يستهزئون بهم ويحتقرونهم وإذا مروا بالمؤمنين يتغامزون عليهم أي محتقرين لهم {وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} أي وإذا انقلب أي رجع هؤلاء المجرمون إلى منازلهم انقلبوا إليها فاكهين أي مهما طلبوا وجدوا ومع هذا ما شكروا نعمة الله عليهم بل اشتغلوا بالقوم المؤمنين يحقرونهم ويحسدونهم {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} أي لكونهم على غير دينهم قال الله تعالى {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} أي وما بعث هؤلاء المجرمون

ص: 79

حافظين على هؤلاء المؤمنين ما يصدر منهم من أعمالهم وأقوالهم ولا نسوا هم فلم اشتغلوا بهم وجعلوهم نصب أعينهم كما قال تعالى ? {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)} [المؤمنون: 108 - 111] ولهذا قال ها هنا {فَالْيَوْمَ} يعني يوم القيامة {الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} أي في مقابلة ما ضحك بهم أولئك {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} (36) أي إلى الله عز وجل في مقابلة من زعم فيهم أنهم ضالون وليسوا بضالين بل هم من أولياء الله المقربين ينظرون إلى ربهم في دار كرامته وقوله تعالى: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} أي هل جوزي الكفار على ماكانوا يقابلون به المؤمنين من الاستهزاء والتنقيص أم لا يعني قد جوزوا أوفر الجزاء وأتمه وأكمله"

(1)

.

4 -

ومنها مارواه مسلم، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه»

(2)

.

فقد دل الحديث على أنه يكفي المسلم شرا احتقاره لأخيه، والاحتقار من السخرية.

5 -

ما رواه البخاري، ومسلم واللفظ له، عن أبي بكرة، رضي الله عنه،

(1)

تفسير ابن كثير (8/ 353).

(2)

رواه مسلم في صحيحه (4/ 1986)، ح (2564)، كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم وخذله، واحتقاره، ودمه، وعرضه، وماله، وأحمد في مسنده (13/ 159)، ح

(7727)

، وأبو داود في سننه (4/ 270)، ح (4882)، كتاب الأدب، باب الغيبة، والترمذي في سننه (4/ 325)، ح (1927)، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في شفقة المسلم على المسلم.

ص: 80

قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«أي شهر هذا؟» ، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: «أليس ذا الحجة؟» . قلنا: بلى، قال:«فأي بلد هذا؟» ، قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال:«أليس البلدة؟» ، قلنا: بلى. قال: «فأي يوم هذا؟» ، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال:«أليس يوم النحر؟» ، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا

»

(1)

.

ففي هذا الحديث شدة تحريم الأعراض، والسخرية استهزاء بها واحتقار لها.

6 -

ما رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، تعني قصيرة، فقال: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته

(2)

، قالت: وحكيت له إنسانا، فقال:«ما أحب أني حكيت إنسانا، وأن لي كذا وكذا»

(3)

.

(1)

رواه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب قول النبي رب مبلغ أوعى من سامع. انظر: الفتح (1/ 190)، ح (67)، ومسلم في صحيحه (3/ 1307)، ح (1679)، كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال.

(2)

أي خالطته مخالطة يتغير بها طعمه، أو ريحه، لشدة نتنها وقبحها، قاله النووي في الأذكار ص (300).

وقال صاحب عون المعبود (13/ 221): (لمزجته: أي غلبته، وغيرته، وأفسدته).

(3)

أخرجه أحمد في مسنده (42/ 361)، ح (25560)، وأبو داود في سننه (4/ 269)، ح (4875)، كتاب الأدب، باب في الغيبة، والترمذي في سننه (4/ 660)، ح (2502)، كتاب صفة القيامة، باب (51)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني أيضا في صحيح أبي داود (3/ 923)، ح (4080).

ص: 81

‌المبحث الرابع: النهي عن اللمز والتنابز بالألقاب

قال تعالى: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].

‌المطلب الأول: سبب نزول الآية

أخرج أحمد، وأبو داود، والترمذي عن أبي جَبيرة بن الضحاك

(1)

، قال:«فينا نزلت في بني سلمة {ولا تنابزوا بالألقاب}، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فكان إذا دُعي أحد منهم باسم من تلك الأسماء، قالوا: يا رسول الله إنه يغضب من هذا فنزلت: {ولا تنابزوا بالألقاب}»

(2)

.

(1)

هو أبو جبيرة بفتح أوله بن الضحاك بن خليفة الأنصاري، الأشهلي، لا يعرف اسمه، قال أبو أحمد الحاكم، وابن منده: هو أخو ثابت بن الضحاك، اختلف في صحبته، فنفاها عنه أبو حاتم، وجزم بها المزي، والذهبي، وابن حجر، روى عنه ابنه محمود، وقيس بن أبي حازم، وشبل بن عوف، والشعبي. انظر: تهذيب الكمال (33/ 181)، والإصابة (7/ 30)، وتهذيب التهذيب (12/ 52).

(2)

أخرجه أحمد في مسنده (30/ 221)، ح (18288)، وأبو داود في سننه (4/ 290)، ح (4962)، كتاب الأدب، باب في الألقاب، والترمذي في سننه (5/ 388)، ح (3268)، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الحجرات، وقال:«هذا حديث حسن صحيح غريب» ، والنسائي في تفسيره (2/ 320)، ح (536)، والحاكم (2/ 463)، وصححه، ووافقه الذهبي، والألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 937)، ح (4152). قلت: أبو جبيرة وإن كان مختلفا في صحبته، فقد روى هذا الحديث عن عمومة له، كما عند الإمام أحمد (27/ 202)، ح (16642)، فهو مرفوع متصل الإسناد، وغير منقطع.

ص: 82

‌المطلب الثاني: التفسير الإجمالي للآية

يقول تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم} أي: لا يطعن بعضكم على بعض، ولا يعب بعضكم بعضا، وهذا كقوله:{ولا تقتلوا أنفسكم} [النور: 61]، لأن المؤمنين كالنفس الواحدة، فمتى عاب المؤمن المؤمن فكأنه عاب نفسه، فينبغي أن يكون حالهم كالجسد الواحد، ولأنه إذا همز غيره أوجب للغير أن يهمزه، فيكون كالمتسبب بذلك.

ثم قال: {ولا تنابزوا بالألقاب} أي: لا تتداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها، ولا يعير بعضكم بعضا، وهذا هو التنابز، وأما الألقاب غير المذمومة فلا تدخل في هذا.

ثم قال تعالى: {بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} أي: بئس الصفة والاسم الفسوق، وهو التنابز بالألقاب، كما كان أهل الجاهلية يتناعتون بعد ما دخلتم في الإيمان، وعقلتموه، {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} ومن لم يتب من نبز أخيه بما نهى الله عن نبزه به من الألقاب، أو لمزه إياه، أو سخريته منه، فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم، لتعريضها لعقوبة الله وعذابه، لأن الناس قسمان لا ثالث لهما، إما ظالم لنفسه غير تائب، وإما تائب مفلح

(1)

.

وفي قوله: {ولا تلمزوا} قراءتان:

قرأ يعقوب: (ولا تلمُزوا) بضم الميم، وقرأ الباقون بكسر الميم

(2)

.

(1)

تم استخلاصه من جامع البيان للطبري (26/ 131 - 134)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/ 327)، وتفسير القرآن لابن كثير (7/ 376)، وتيسير الكريم الرحمن للسعدي (5/ 72، 73).

(2)

انظر: المبسوط في القراءات العشر ص (413)، والمغني في القراءات (2/ 209).

ص: 83

وهما لغتان في الكلمة، لا يختلف المعنى باختلافهما

(1)

.

‌المطلب الثالث: معنى اللمز والنبز بالألقاب لغة، وفي كلام المفسرين

‌أولا: اللمز لغة:

اللمز: هو العيب، وقيل: العيب بالسر، وأصله الإشارة بالعين ونحوها، يقال: لمزه يلمُزه ويلمِزه لمزا، إذا عابه، ورجل لمّاز ولمُزة، أي: عيَّاب.

ويأتي اللمز أيضا بمعنى الدفع والضرب، يقال: لمزه يلمزه لمزا، إذا ضربه ودفعه

(2)

. واللمزة والهمزة بمعنى واحد، وهو الذي يغتاب الناس ويغضهم قاله الزجاج، وأبو عبيدة.

وفرق بينهما أبو العالية، والحسن، وعطاء، فقالوا: الهمزة: الذي يغتاب الرجل في وجهه. واللمزة: الذي يغتاب من خلفه.

وقال مجاهد: الهمزة باليد والعين، واللمزة باللسان

(3)

.

‌ثانيا: النبز لغة:

النبز -بالتحريك- اللقب، والجمع الأنباز، والنبز بالتسكين المصدر، تقول: نبزه نبزا، أي: لقبه، وفلان ينَبِّز بالصبيان، أي: يلقبهم، شدد للكثرة.

ويقال: النبز، والنزب لقب السوء، وتنابزوا بالألقاب، أي: لقب بعضهم بعضاً

(4)

.

(1)

انظر: إتحاف فضلاء البشر ص (397).

(2)

انظر: الصحاح (3/ 894)، مادة: لمز، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/ 166).

(3)

انظر: تفسير القرآن لابن كثير (8/ 481)، وفتح القدير للشوكاني (5/ 497).

(4)

انظر: الصحاح (3/ 897)، مادة:"نبز"، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/ 328)، ولسان العرب (5/ 413)، مادة:"نبز".

ص: 84

والألقاب: جمع لقب، هو النبز، وهم اسم يسمى به الإنسان غير اسمه الأصلي، ويراعى فيه المعنى، بخلاف الأعلام، والألقاب ثلاثة: لقب تشريف، ولقب تعريف، ولقب تسخيف، وإياه قصد بقوله:{ولا تنابزوا بالألقاب} ، ولقبته بكذا فتلقب

(1)

.

‌ثالثا: أقوال المفسرين في المراد باللّمز:

ذكر المفسرون معنيين للّمز الوارد في الآية، وهما:

1 -

قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: لا يطعن بعضكم على بعض

(2)

.

2 -

وقال الضحاك: لا يلعن بعضكم بعضا

(3)

.

قلت: المعنى واحد، لأن لعن بعضهم بعضا من طعن بعضهم على بعض.

‌رابعا: أقوال المفسرين في المراد بالنبز بالألقاب:

لقد تعددت أقوال المفسرين في المراد بالتنابز بالألقاب، وهي متقاربة في المعنى، منها:

1 -

قال ابن عباس في رواية العوفي: هي تعيير التائب بسيئات قد كان عملها.

2 -

قال ابن عباس في رواية أخرى، والحسن، وسعيد بن جبير، وعطاء

(1)

انظر: تهذيب اللغة (9/ 176)، مادة "لقب"، وزاد المسير (7/ 467)، وبصائر ذوي التمييز (4/ 438)، والمعجم الوسيط (2/ 867)، مادة:"لقب".

(2)

انظر: جامع البيان للطبري (26/ 131، 132، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/ 327)، وتفسير القرآن لابن كثير (7/ 376).

(3)

عزاه له القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (16/ 327)، والشوكاني في فتح القدير (5/ 65).

ص: 85

الخراساني، والقرظي: هو تسمية المسلم بعد إسلامه بدينه قبل الإسلام، كقولهم: يا يهودي، يا نصراني.

3 -

قال عكرمة: هو قول الرجل للرجل: يا كافر، يا منافق.

4 -

قال ابن زيد: هو تسمية المسلم بالأعمال السيئة، كقوله: يا زاني، يا سارق، يا فاسق

(1)

.

قلت: والآية شاملة لجميع ما ذكر، كما حققه إمام المفسرين الطبري بقوله:«والذي هو أولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب، أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين أن يتنابزوا بالألقاب، والتنابز بالألقاب: هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة، وعم الله بنهيه ذلك، لم يخصص به بعض الألقاب دون بعض، فغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه، أو صفه يكرهها، وإذا كان ذلك كذلك صحت الأقوال التي قالها أهل التأويل في ذلك التي ذكرناها كلها، ولم يكن بعض ذلك أولى بالصواب من بعض، لأن كل ذلك مما نهى الله المسلمين أن ينبز بعضهم بعضا» ا. هـ

(2)

.

‌المطلب الرابع: حكم اللمز والتنابز بالألقاب، وما ورد من النهي عن ذلك

‌أولا: حكم اللمز والتنابز بالألقاب:

(1)

انظر: جامع البيان للطبري (26/ 132، 133)، وزاد المسير (7/ 468)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/ 328 - 329)، وفتح القدير للشوكاني (5/ 65)، وروح البيان للألوسي (26/ 154).

(2)

جامع البيان (26/ 133).

ص: 86

‌أ- حكم اللمز:

لا يجوز لمز المسلم لأخيه، وقد حرم الله ذلك، كما هو صريح قوله:{ولا تلمزوا أنفسكم} ، وهو نهي صريح، والنهي يقتضي التحريم، مع ما تأيد به من النصوص الأخرى الدالة على المنع، وستأتي قريبا.

‌ب- حكم التنابز بالألقاب:

لا يجوز التنابز بالألقاب إذا كان بما يكرهه المسلم، وقد حكى النووي اتفاق العلماء على تحريم تلقيب الإنسان بما يكره، وسواء كان صفة له، أو لأبيه، أو لأمه، أو غيرهما

(1)

.

وإن كان بما لا يكرهه الشخص، أو يعجبه ولا اطراء فيه، فهو جائز أو مستحب، كما لقب النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالصديق، وعمر بالفاروق، وعثمان بذي النورين، ونحو ذلك

(2)

.

ولهذا عقد البخاري في كتاب الأدب من صحيحه ترجمة لذلك، فقال: باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم: الطويل والقصير، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما يقول ذو اليدين» ، وما لا يراد به شين الرجل.

وأورد فيه حديث أبي هريرة، قال: «صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد، ووضع يده عليها -وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه- وخرج سَرَعان

(3)

الناس، فقالوا: قصرت الصلاة، وفي

(1)

انظر: تهذيب الأسماء (1/ 12)، وروح البيان (26/ 154).

(2)

انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/ 329).

(3)

سَرَعان: بفتح السين المهملة، وسكون الراء، وقيل: بفتحها: المسرعون إلى الخروج. انظر: عمدة القارئ (15/ 205).

ص: 87

القوم رجل كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه ذا اليدين، فقام فصلى ركعتين ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم وضع قبل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر».

قال الحافظ ابن حجر، شارحا لذلك:«هذه الترجمة معقودة لبيان حكم الألقاب، وما لا يعجب الرجل أن يوصف به مما هو فيه، وحاصله: أن اللقب إن كان مما يعجب الملقب ولا اطراء فيه، مما يدخل في نهي الشرع، فهو جائز، أو مستحب، وإن كان مما لا يعجبه فهو حرام أو مكروه، إلا أن يعين طريقا إلى التعريف به، حيث يشتهر به، ولا يتميز عن غيره إلا بذكره، ومن ثم أكثر الرواة من ذكر الأعمش، والأعرج، ونحوهما، وعارم، وغندر، وغيرهم، والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم لما سلم من ركعتين في صلاة الظهر: «أكما يقول ذو اليدين»

(1)

.

‌ثانيا: ذكر النصوص الواردة في النهي عن اللمز، والتنابز بالألقاب:

لقد صان الشرع أعراض المسلمين من النيل منها بغير وجه حق، فحرم اللمز والتنابز بالألقاب، لما يورثه ذلك من التباغض والعداوة، وذلك في جملة من النصوص منها:

الأول: قوله تعالى: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].

فقد حرم الله اللمز والتنابز من عدة وجوه، وهي:

1 -

النهي عن اللمز والتنابز بالألقاب في {ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب} ، والنهي يقتضي التحريم.

2 -

التحذير منه والتنفير ب «بئس» الدالة على الذم.

3 -

وصفه بالفسوق في قوله: {بئس الاسم الفسوق} ، والفسوق هو

(1)

انظر: الفتح (10/ 483).

ص: 88

الخروج عن طاعة الله إلى معصيته.

4 -

ما تشعر به دلالة الآية من قبحه بعد الإيمان، ومنافاته له.

5 -

التحذير والتهديد والوعيد لمن لم يتب منه، بقوله:{ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} .

6 -

وصف فعلته بأنهم هم الظالمون، أي: الذين وضعوا أنفسهم في غير موضعها، وذلك بتعريضها لعقوبة الله وسخطه.

الثاني: قوله تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} [الهمزة: 1].

الثالث: ما رواه البخاري، ومسلم عن أبي بكرة، وفيه:«إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في يومكم هذا»

(1)

.

فاللمز والتنابز بالألقاب داخل في النهي عن التعرض للأعراض.

الرابع: ما رواه البخاري، ومسلم عن أبي ذر، وفيه: أنه ساب رجلا فعيره بأمه، وفي رواية:«وكانت أمه أعجمية، فنلت منها»

(2)

، وفي رواية:«قلت: يا ابن السوداء»

(3)

. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك

(1)

سبق تخريج الحديث في ص 42.

(2)

رواها البخاري في كتاب الأدب، باب ما ينهى عن السباب واللعن. انظر: الفتح (10/ 480)، ح (6050)، ومسلم، وسيأتي تخريجه منه قريبا.

(3)

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 464)، وأشار إليها الحافظ في الفتح (1/ 106).

ص: 89

جاهلية»

(1)

.

ووجه الشاهد: أن أبا ذر لما لمز الرجل بأمه عد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من الجاهلية، والجاهلية تطلق مقابل الإسلام، وإضافة الشيء إليها ذم له، قال شيخ الإسلام:« .. وهذا يقتضي أن كل ما كان من أمر الجاهلية وفعلهم فهو مذموم في دين الإسلام» ثم قال: «

ومعلوم أن إضافتها إلى الجاهلية خرج مخرج الذم»

(2)

.

(1)

رواه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية، انظر: الفتح (1/ 106)، ح (30)، ومسلم في صحيحه (3/ 1282)، ح (1661)، كتاب الإيمان، باب إطعام المملوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس.

(2)

اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 205).

ص: 90

‌المبحث الخامس: النهي عن التجسس

(1)

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12].

‌المطلب الأول: التفسير الإجمالي للآية

قال الطبري: «{ولا تجسسوا} ولا يتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقتنعوا بما ظهر لكم من أمره، وبه فأحمدوا أو ذموا، لا على ما تعلمونه من سرائره»

(2)

.

وقال السعدي: «{ولا تجسسوا} أي: لا تفتشوا عن عورات المسلمين، ولا تبغوها، ودعوا المسلم على حاله، واستعملوا التغافل عن زلاته التي إذا فتشت ظهر منها ما لا ينبغي»

(3)

.

‌المطلب الثاني: التجسس لغة، وفي كلام المفسرين

‌أولا: التجسس في لغة العرب:

التجسس لغة: مأخوذ من الجس، والجس: يطلق على الجس باليد، ويطلق ويراد به جس الأخبار، وهو المراد هنا، يقال: جس الخبر، وتجسسه: بحث عنه وفحص، ومنه التجسس، والجاسوس: وهو الذي يتجسس الأخبار ثم يأتي بها.

والتجسس، والتحسس بمعنى واحد، وهو التبحث، قاله أبو عبيد

(4)

، ونحوه الأخفش.

(1)

لم أتعرض للنهي عن الظن هنا، لأن ذلك جاء بصيغة الأمر:{اجتنبوا كثيرا من الظن} ومحله بحثنا الآخر "المأمورات في سورة الحجرات"، يسر الله إتمامه.

(2)

جامع البيان (26/ 135).

(3)

تيسير الكريم الرحمن (5/ 73).

(4)

انظر: مجاز القرآن له (2/ 220).

ص: 91

وقيل: التجسس (بالجيم): طلب الخبر لغيره، والتحسس (بالحاء) طلبه لنفسه. وقيل: بالجيم: البحث عن العورات، وبالحاء الاستماع. وقيل: بالجيم البحث، ومنه رجل جاسوس، إذا كان يبحث عن الأخبار، وبالحاء: هو ما أدركه الإنسان ببعض حواسه. وقيل: التجسس غالبا يطلق في الشر، والتحسس يكون في الخير، كما قال تعالى:{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف: 78]

(1)

.

‌ثانيا: التجسس في أقوال المفسرين:

وردت عن أئمة السلف عدة أقوال في المراد بالتجسس في الآية، وهي كما يلي:

1 -

قال ابن عباس: نهى الله المؤمن أن يتتبع عورة المؤمن.

2 -

وقال مجاهد: خذوا ما ظهر لكم، ودعوا ما ستر الله.

3 -

وقال قتادة في قوله: {ولا تجسسوا} هل تدرون ما التحسس، أو التجسس؟ هو أن تتبع، أو تبتغي عيب أخيك، لتطلع على سره.

4 -

وقال سفيان: هو البحث.

5 -

وقال ابن زيد: قوله: {ولا تجسسوا} قال: حتى انظر في ذلك، وأسأل عنه حتى أعرف حق هو أم باطل؟ قال: فسماه الله تجسسا، قال: يتجسس كما يتجسس الكلاب

(2)

.

قلت: والآية شاملة لجميع ما ذكر، كما أشار إليه ابن الجوزي، فقال: ( ..

(1)

انظر: تهذيب اللغة (10/ 448)، مادة "جسس"، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/ 333)، ولسان العرب (6/ 38)، مادة:"جسس"، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (7/ 379).

(2)

انظر: جامع البيان للطبري (26/ 135)، والدر المنثور (7/ 567).

ص: 92

قال المفسرون: التجسس: البحث عن عيوب المسلمين، وعوراتهم)

(1)

.

‌المطلب الثالث: حكم التجسس، وما ورد من النهي عنه

‌أولا: حكم التجسس:

التجسس حرام بتحريم الله ورسوله، كما سيأتي، وكبيرة من كبائر الذنوب، كما نص عليه أهل العلم

(2)

، وهو خصلة ذميمة، يجب على المسلم شدة الحذر منها، والبعد عن الوقوع فيها.

ويستثنى من ذلك ما كان لمصلحة راجحة، كما ذكره الماوردي

(3)

.

ونقله عنه النووي

(4)

، وابن حجر.

قال ابن حجر في الفتح: (ويستثنى من النهي عن التجسس ما لو تعين طريقا إلى إنقاذ نفس من الهلاك مثلا، كأن يخبر ثقة بأن فلانا خلا بشخص ليقتله ظلماً، أو بأمرأة ليزني بها، فيشرع في هذه الصورة التجسس، والبحث عن ذلك حذرا من فوات استدراكه، نقله النووي عن الأحكام السلطانية للماوردي، واستجاده، وأن كلامه: ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات، ولو غلب على الظن استسرار أهلها بها إلا هذه الصورة)

(5)

.

(1)

انظر: زاد المسير (7/ 471).

(2)

وممن نص عليه الذهبي في كتاب الكبائر ص 259، ذكره تحت الكبيرة التاسعة والستين.

(3)

انظره في: الأحكام السلطانية ص (252).

والماوردي: هو أبو الحسن، علي بن محمد بن حبيب الماوردي، عالما قاضيا، مؤلفا، له كتاب: النكت والعيون في تفسير القرآن، والحاوي في الفقه، مات سنة 450 هـ. انظر: الأعلام (4/ 327).

(4)

انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 26).

(5)

انظر: الفتح (10/ 497).

ص: 93

‌ثانيا: ما ورد من النهي عن التجسس

لقد جاء في النهي عن التجسس وتحريمه جملة من النصوص، منها:

1 -

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12].

2 -

ما رواه البخاري، ومسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن، فإن أكذب الحديث الظن، ولا تجسسوا ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا»

(1)

.

3 -

ما رواه أبو داود عن معاوية، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم» . قال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله بها

(2)

.

4 -

ما رواه أحمد، وأبو داود عن أبي برزة الأسلمي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته»

(3)

.

(1)

رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن}. انظر: الفتح (10/ 499)، ح (6066)، ومسلم في صحيحه (4/ 1985)، ح (2563، 2564)، كتاب البر والصلة والأدب، باب تحريم الظن والتجسس.

(2)

رواه أبو داود في سننه (4/ 272)، ح (4888)، كتاب الأدب، باب في النهي عن التجسس، وقد صحح إسناده النووي في رياض الصالحين ص (446)، ح (1572)، والألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 924)، ح (4088).

(3)

رواه أحمد (33/ 20)، ح (19776)، وأبو داود في سننه (4/ 270)، ح (4880)، كتاب الأدب، باب في الغيبة، وأبو يعلى في مسنده (6/ 460)، ح (7386)، والحديث قال عنه الألباني: حديث صحيح، كما في صحيح الترغيب (2/ 589)، ح (2340)، وله شاهد صحيح من حديث ابن عمر عند الترمذي، ح (2033)، وشاهد من حديث البراء عند أبي يعلى، برقم:(1671)، وسنده حسن، كما قال المنذري في الترغيب. انظر: صحيح الترغيب (2/ 588، 589).

ص: 94

5 -

ما رواه البخاري، ومسلم من حديث علي بن أبي طالب، وفيه: أن حاطب بن أبي بلتعة كتب كتابا لأناس من المشركين في مكة، يخبرهم ببعض أمر النبي

وذكر قصة طويلة، وفيها قول عمر بن الخطاب: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

«إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم

»

(1)

.

ووجه الشاهد كما قال الذهبي في الكبائر: أن عمر أراد قتل حاطب بما فعل -وهو التجسس على رسول الله، ونقل خبر غزو مكة- فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتله، لكونه شهد بدرا

(2)

.

6 -

ما رواه أبو داود، عن زيد بن وهب، قال:«أتي ابن مسعود، فقيل: هذا فلان تقطر لحيته خمرا، فقال عبد الله: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به»

(3)

.

(1)

رواه البخاري في صحيحه، في مواضع، منها: ما أخرجه في كتاب التفسير، باب سورة الممتحنة، انظر: الفتح (8/ 502)، ح (4890)، مسلم في صحيحه (4/ 1941)، ح

(2494)

، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر.

(2)

انظر: الكبائر للذهبي ص (259).

(3)

رواه أبو داود في سننه (4/ 273)، ح (4890)، كتاب الأدب، باب في النهي عن التجسس، والأثر صححه النووي في رياض الصالحين ص (446)، ح (1573)، والألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 925)، ح (4090).

ص: 95

‌المبحث السادس: النهي عن الغيبة

قال تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12].

‌المطلب الأول: التفسير الإجمالي للآية

نهى الله عن الغيبة في قوله: {ولا يغتب بعضكم بعضا} ، والغيبة كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم هي: ذكرك أخاك بما يكره

(1)

.

فلا يجوز لعباد الله المؤمنين أن يقول بعضهم لبعض بظهر الغيب ما يكره المقول له ذلك في وجهه، ثم ضرب الله مثلا منفرا من الغيبة، فقال:{أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه} ، فقد شبه الغيبة بأكل لحم الإنسان الميت، وهو مكروه للنفوس غاية الكراهية.

والاستفهام في قوله: {أيحب أحدكم} تقريري، لتقرير كراهة أكل لحم الميت عند كل سامع.

ثم قال {واتقوا الله} أي: فيما أمركم به، ونهاكم عنه، فراقبوه في ذلك، واخشوا منه، {إن الله تواب رحيم} والتواب الذي يأذن بتوبة عبده، فيوفقه لها، ثم يتوب عليه بقبول توبته، (رحيم) بعباده حيث دعاهم إلى ما ينفعهم، وقبل منهم التوبة

(2)

.

(1)

ستأتي تخريج الحديث قريبا.

(2)

تم تلخيصه من جامع البيان للطبري (26/ 135)، والجامع لأحكام القرآن (16/ 335)، وتفسير القرآن لابن كثير (6/ 379)، وفتح القدير (5/ 66)، وروح المعاني (26/ 158)، وتيسير الكريم الرحمن (5/ 73، 74)، والتحرير والتنوير (26/ 254، 255).

ص: 96

قال ابن القيم في كتاب الأمثال في القرآن بعد ذكره للآية، وما ضربه الله فيها من المثل: (وهذا من أحسن القياس التمثيلي، فإنه شبه تمزيق عرض الأخ بتمزيق لحمه، ولما كان المغتاب يمزق عرض أخيه في غيبته، كان بمنزلة من يقطع لحمه في حال غيبة روحه عنه بالموت، ولما كان المغتاب عاجزا عن دفعه بنفسه بكونه غائبا عن ذمه، كان بمنزلة الميت الذي يقطع لحمه، ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه، ولما كان مقتضى الأخوة التراحم والتناصر فعلق عليها المغتاب ضد مقتضاها من الذم والعيب والطعن، كان ذلك نظير تقطيعه لحم أخيه، والأخوة تقتضي حفظه وصيانته والذب عنه، ولما كان المغتاب متفكها بغيبته وذمه متحليا بذلك، شبه بأكل لحم أخيه بعد تقطيعه، ولما كان المغتاب محبا لذلك معجبا به شبهه بمن يحب أكل لحم أخيه ميتا، ومحبته لذلك، قدر زائد على مجرد أكله، كما أن أكله قدر زائد على تمزيقه، فتأمل هذا التشبيه والتمثيل، وحسن موقعه، ومطابقته المعقول فيه للمحسوس، وتأمل أخباره عنهم بكراهة أكل لحم الأخ ميتا، ووصفهم بذلك في آخر الآية، والإنكار عليهم أولها أن يحب أحدهم ذلك، فكما أن هذا مكروه في طباعهم فكيف يحبون ما هو مثله ونظيره، فاحتج عليهم بما كرهوا على ما أحبوه، وشبه لهم ما يحبونه بما هو أكره شيء إليهم، وهم أشد شيء نفرة عنه، فهذا يوجب العقل والفطرة والحكمة أن يكون أشد شيء نفرة عما هو نظيره ومشبهه، وبالله التوفيق

(1)

.

قلت: في قوله: {ميتا} قراءتان: قرأ نافع "ميتّا" بالتشديد، وقرأ الباقون "ميتا" بالتخفيف، وهما لغتان في الكلمة، فلا يختلف المعنى باختلافهما

(2)

.

(1)

انظر: الأمثال في القرآن ص (224) وما بعدها.

(2)

انظر: حجة القراءات ص (677)، والكشف (1/ 239).

ص: 97

‌المطلب الثاني: معنى الغيبة لغة، وفي الشرع، وبعض صورها

‌أولا: الغيبة لغة:

الغيبة في اللغة مأخوذة من اغتاب الرجل صاحبه اغتيابا، والاغتياب: افتعال من غابه المتعدي، إذا ذكره في غيبته بما يسوءه، فالاغتياب: ذكر أحد غائب بما لا يحب أن يذكر به، والاسم منه الغيبة، بكسر الغين، مثل الغيلة

(1)

.

‌ثانيا: الغيبة في اصطلاح الشرع

(2)

لقد جاء بيان الغيبة بيانا شافيا كافيا في كلام الصادق المصدوق، صلوات الله وسلامه عليه، فيما رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«أتدرون ما الغيبة؟» ، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه، فقد بهته»

(3)

.

‌ثالثا: من صور الغيبة المحرمة:

(1)

انظر: لسان العرب (1/ 656)، مادة غيب، والبحر المحيط (9/ 519)، والتحرير والتنوير (2/ 254).

(2)

اقتصرت في تعريف الغيبة هنا على ما وردت به السنة بعد تردد في كتابة ما أورده الطبري في تفسيره (6/ 136)، والحافظ في الفتح (10/ 484)، لكني رأيت أن أقوال العلماء من المفسرين وغيرهم كلها دائرة في معنى الحديث، وأن إيرادها إطالة على القارئ بلا منفعة. والمنفعة حاصلة بحمد الله بما في الحديث، فعليه يقتصر ويترك ما سواه.

(3)

رواه أحمد في مسنده (12/ 56)، ح (7146)، ومسلم في صحيحه (4/ 2001)، ح

(2589)

، كتاب البر والصلة، باب تحريم الغيبة، وأبو داود (4/ 269)، ح (269)، كتاب الأدب، باب في الغيبة، والترمذي في سننه (4/ 329)، ح (1934)، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الغيبة، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 98

إن للغيبة صورا وقوالب شتى، ينبغي على المسلم الحذر منها جميعا، فكم من قول وفعل يظن قائله أو فاعله أنه لا غيبة فيه، وهو من الغيبة المحرمة التي توعد عليها بالوعيد الشديد، نسأل الله العافية والسلامة، وفيما يلي نقل لكلام بعض أهل العلم في ذلك:

يقول الإمام النووي في الأذكار:

«فأما الغيبة فهي ذكرك الإنسان بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خَلقه، أو خُلقه، أو ماله، أو ولده، أو والده، أو زوجه، أو خادمه، أو مملوكه، أو عمامته، أو ثوبه، أو مشيته، وحركته، وبشاشته، وخلاعته، وعبوسه، وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته بلفظك، أو كتابتك، أو رمزت أو أشرت إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك، أو نحو ذلك.

أما البدن فكقولك: أعمى، أعرج، أعمش، أقرع، قصير، طويل، أسود، أصفر.

وأما الدين فكقولك: فاسق، سارق، خائن، ظالم، متهاون بالصلاة، متساهل في النجاسات، ليس بارا بوالده، لا يضع الزكاة مواضعها، لا يجتنب الغيبة.

وأما الدنيا فقليل الأدب، يتهاون بالناس، لا يرى لأحد عليه حقا، كثير الكلام، كثير الأكل أو النوم، ينام في غير وقته، يجلس في غير موضعه.

أما المتعلق بوالده، فكقولك أبوه فاسق أو هندي أو نبطي

(1)

أو زنجي

(2)

،

(1)

نبطي: واحد الأنباط، وهم جيل من الناس، كانوا يسكنون في العراق، ثم استعمل أخيرا في أخلاط الناس من غير العرب. انظر: اللسان (7/ 411)، والمعجم الوسيط (1/ 934).

(2)

زنجي: واحد الزنوج، وهم جيل من السودان، يتميز بالجلد الأسود، والشعر الجعد، ثم صار يطلق على السلالات المنحدرة من القبائل الأفريقية أنى استوطنت. انظر: المعجم الوسيط (1/ 416).

ص: 99

إسكاف

(1)

، بزاز

(2)

، نخاس

(3)

، نجار، حداد، حائك

(4)

.

وأما الخلق، فكقوله: سيء الخلق، متكبر، مراء، عجول، جبار، عاجز، ضعيف القلب، متهور، عبوس، خليع، ونحوه.

وأما الثوب، فواسع الكم، طويل الذيل، وسخ الثوب، ونحو ذلك.

ويقاس الباقي بما ذكرناه، وضابطه: ذكره بما يكره»

(5)

.

ويقول أيضا تحت باب بيان مهمات تتعلق بحد الغيبة:

«قد ذكرنا في الباب السابق أن الغيبة: ذكرك الإنسان بما يكره، سواء ذكرته بلفظك، أو في كتابك، أو رمزت أو أشرت إليه بعينك أو يدك أو رأسك.

وضابطه: كل ما أفهمت به غيرك نقصان مسلم، فهو غيبة محرمة.

ومن ذلك: المحاكاة، بأن يمشي متعارجا، أو متطأطئا، أو على غير ذلك من الهيئات، مريدا حكاية هيئة من ينتقصه بذلك، فكل ذلك حرام بلا خلاف.

ومن ذلك إذا ذكر مصنف كتاب شخصا بعينه في كتابه، قائلا: قال فلان كذا، مريدا تنقصه، والشناعة عليه، فهو حرام.

فإن أراد بيان غلطه لئلا يقلد، أو بيان ضعفه في العلم لئلا يغتر به، ويقبل قوله، فهذا ليس غيبة، بل نصيحة واجبة، يثاب عليها إذا أراد ذلك.

وكذا إذا قال المصنف أو غيره: قال قوم، أو جماعة كذا، وهذا غلط، أو

(1)

الإسكاف: هو الخرَّاز، وصانع الأحذية، ومصلحها. انظر: المعجم الوسيط (1/ 456).

(2)

البزاز: هو بائع البز، والبز نوع من الثياب، والسلاح. انظر: المعجم الوسيط (1/ 56).

(3)

النخاس: بائع الدواب والرقيق. انظر: المعجم الوسيط (2/ 945).

(4)

الحائك: هو الذي يقوم بنسج الثياب. انظر: المعجم الوسيط (1/ 219).

(5)

انظر: الأذكار ص (298 - 299).

ص: 100

خطأ، أو جهالة وغفلة

ونحو ذلك، فليس غيبة، إنما الغيبة ذكر الإنسان بعينه أو جماعة معينين.

ومن الغيبة المحرمة قولك: فعل كذا بعض الناس، أو بعض الفقهاء، أو بعض من يدعي العلم، أو بعض المفتين، أو بعض من ينسب إلى الصلاح، أو يدعي الزهد، أو بعض من مر بنا اليوم، أو بعض من رأيناه، أو نحو ذلك إن كان المخاطب يفهمه بعينه، لحصول التفهيم.

ومن ذلك غيبة المتفقهين والمتعبدين، فإنهم يعرضون بالغيبة تعريضا يفهم به، كما يفهم بالتصريح، فيقال لأحدهما: كيف حال فلان؟ فيقول: الله يصلحنا، الله يغفر لنا، الله يصلحه، نسأل الله العافية، نحمد الله الذي لم يبتلينا بالدخول على الظَّلَمة، نعوذ بالله من الشر، الله يعافينا من قلة الحياء، الله يتوب علينا

وما أشبه ذلك مما يفهم منه تنقصه، فكل ذلك غيبة محرمة.

وكذلك إذا قال: فلان يبتلى بما ايتلينا به كلنا، أو ما له حيلة في هذا، كلنا نفعله.

وهذه أمثلة، وإلا، فضابط الغيبة: تفهيمك المخاطب نقص إنسان، كما سبق»

(1)

.

ويقول شيخ الإسلام، ابن تيمية: «فمن الناس من يغتاب موافقة لجلسائه وأصحابه وعشائره، مع علمه أن المغتاب بريء مما يقولون، أو فيه بعض ما يقولون، لكن يرى أنه لو أنكر عليهم قطع المجلس، واستثقله أهل المجلس، ونفروا عنه، فيرى موافقتهم من حسن المعاشرة، وطيب المصاحبة، وقد يغضبون فيغضب لغضبهم فيخوض معهم.

(1)

انظر: الأذكار ص (300، 301).

ص: 101

ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى، تارة في قالب ديانة، وصلاح، فيقول: ليس لي عادة أن أذكر أحدا إلا بخير، ولا أحب الغيبة ولا الكذب، وإنما أخبركم بأحواله. ويقول: والله إنه مسكين، أو رجل جيد، ولكن فيه كيت وكيت. وربما يقول: دعونا منه، الله يغفر لنا وله، وإنما قصده استنقاصه، وهضما لجنابه، ويخرجون الغيبة في قالب صلاح وديانة، يخادعون الله بذلك، كما يخادعون مخلوقا، وقد رأينا منهم ألوانا كثيرة من هذا، وأشباهه.

ومنهم من يرفع غيره رياء، فيرفع نفسه، فيقول: لو دعوت البارحة في صلاتي لفلان، لما بلغني عنه كيت وكيت، ليرفع نفسه ويضعه عند من يعتقده، أو يقول: فلان بليد الذهن قليل الفهم، وقصده مدح نفسه، وإثبات معرفته، وأنه أفضل منه.

ومنهم من يحمله الحسد على الغيبة، فيجمع بين أمرين قبيحين: الغيبة، والحسد. وإذا أثنى على شخص أزال ذلك عنه بما استطاع من تنقصه في قالب دين وصلاح، أو في قالب حسد وفجور، وقدح، ليسقط ذلك عنه.

ومنهم من يخرج الغيبة في قالب تمسخر، ولعب، ليضحك غيره باستهزائه، ومحاكاته، واستصغار المشتهزأ به.

ومنهم من يخرج الغيبة في قالب التعجب، فيقول تعجبت من فلان كيف لا يفعل كيت وكيت؟! ومن فلان كيف وقع منه كيت وكيت، وكيف فعل كيت وكيت، فيخرج اسمه في معرض تعجبه.

ومنهم من يخرج الاغتمام، فيقول: مسكين فلان، غمني ما جرى له، وما تم له، فيظن من يسمعه أنه يغتم له، ويتأسف، وقلبه منطو على التشفي به، ولو قدر لزاد على ما به، وربما ذكره عند أعدائه ليتشفوا به، وهذا وغيره من أعظم أمراض القلوب والمخادعات لله ولخلقه.

ص: 102

ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب، وإنكار منكر، فيظهر في هذا الباب أشياء من زخارف القول، وقصده غير ما أظهر. والله المستعان»

(1)

.

‌المطلب الثالث: حكم الغيبة، وما ورد من النهي عنها

‌أولا: حكم الغيبة:

الغيبة محرمة، ومن كبائر الذنوب بالإجماع

(2)

، وقد أكد الله تحريمها في الآية التي نحن بصددها في عدة مؤكدات، وهي:

1 -

النهي المقتضي للتحريم بقوله: {ولا يغتب} .

2 -

الاستفهام التقريري بقوله: {أيحب} .

3 -

إسناد الفعل إلى أحد في قوله: {أيحب أحدكم} ، لبيان عموم كراهية ذلك عند كل أحد.

4 -

تعليق المحبة بما هو في غاية الكراهة، وهو أكل لحم الميت.

5 -

تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان.

6 -

جعل المأكول أخا.

7 -

جعل المأكول ميتا.

8 -

تعقيب ذلك بقوله: {فكرهتموه} تقريرا وتحقيقا لذلك

(3)

.

(1)

مجموع الفتاوى (28/ 236 - 238).

(2)

نص على أن الغيبة من الكبائر بالإجماع القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (16/ 337)، ونص على أنها محرمة بالإجماع النووي في الأذكار ص (298)، وانظر: الفتح (10/ 484، 485)، وابن كثير في تفسيره (7/ 380).

(3)

بتصرف من أنوار التنزيل وإسرار التنزيل، للبيضاوي (5/ 89)، والفتوحات الإلهية (4/ 184).

ص: 103

‌ثانيا: ما ورد في النهي عن الغيبة:

لقد وردت نصوص كثيرة في تحريم الغيبة، منها:

1 -

قوله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه} [الحجرات: 12].

2 -

ما رواه أحمد، وأبو داود، عن أنس، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما عرج بي، مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم»

(1)

.

3 -

ما رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا. قال غير مسدد

(2)

تعني قصيرة، فقال:«لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» ، قالت: وحكيت له إنسانا، فقال:«ما أحب أني حكيت إنسانا، وإن لي كذا وكذا»

(3)

.

قال النووي في الأذكار

(4)

: «وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة، أو أعظمها، وما أعلم شيئا من الأحاديث يبلغ في الذم لها هذا المبلغ، {وَمَا يَنْطِقُ

(1)

رواه أحمد في مسنده (21/ 53)، ح (13340)، وأبو داود في سننه (4/ 269)، ح

(4878)

، كتاب الأدب، باب في الغيبة، والحديث صححه الألباني في الصحيحة، ح

(533)

.

(2)

هو مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مستورد الأسدي، البصري، أبو الحسن، ثقة، حافظ، يقال إنه أول من صنف المسند بالبصرة، ويقال اسمه عبد الملك بن عبد العزيز، ومسدد لقبه، مات سنة (228 هـ). انظر: التقريب ص (935).

(3)

تقدم تخريجه في ص 43.

(4)

ص 300.

ص: 104

عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4]، نسأل الله الكريم لطفه، والعافية من كل مكروه» ا. هـ.

4 -

ما رواه البخاري، ومسلم، عن أبي بكرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة يوم النحر بمنى في حجة الوداع:«إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا»

(1)

.

5 -

ما رواه أحمد، وأبو داود، عن أبي برزة الأسلمي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم

»

(2)

.

6 -

ما رواه أحمد، وأبو داود، عن سعيد بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق»

(3)

.

7 -

ما رواه مسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه»

(4)

.

8 -

ما رواه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد، عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال:«كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتفعت ريح خبيثة منتنة، فقال: «أتدرون ما هذه؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين»

(5)

.

(1)

سبق تخريجه في ص 42.

(2)

سبق تخريجه في ص 59.

(3)

أخرجه أحمد في مسنده (3/ 190)، ح (1651)، وأبو داود في سننه (4/ 269)، ح

(4876)

، كتاب الأدب، باب الغيبة، والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 923)، ح (4081).

(4)

سبق تخريجه في ص 41.

(5)

رواه أحمد في مسنده (23/ 97)، ح (14784)، والبخاري في الأدب المفرد (1/ 386)، ح (732)، بسند حسن، قاله ابن حجر في الفتح (1/ 485)، والألباني، كما في تحقيقه للأدب المفرد. انظر: الجزء والصفحة السابقين، وفي غاية المرام، ح (249)، وحسنه كذلك شعيب الأرنؤوط في تحقيقه للمسند (23/ 97).

ص: 105

وفي رواية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ناسا من المنافقين اغتابوا أناسا من المسلمين، فبعث الله هذه الريح لذلك»

(1)

.

‌المطلب الرابع: فيما يستثنى من الغيبة

ليست الغيبة على حد سواء، فإنها إن كانت لمصلحة راجحة فهي جائزة.

قال ابن حجر: (

قال العلماء: تباح الغيبة في كل غرض صحيح شرعا، حيث يتعين طريقا إلى الوصول إليه بها)

(2)

.

وقد ذكر النووي في رياض الصالحين

(3)

تحت باب ما يباح من الغيبة، ما يستثنى من الغيبة، فقال: «اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو ستة أسباب:

الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا.

الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراماً.

(1)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1/ 386)، ح (733)، وحسنه الألباني في تحقيقه له، وأخرجه عبد بن حميد في مسنده، انظر: المنتخب من مسند عبد بن حميد (2/ 140)، ح

(1206)

.

(2)

انظر: الفتح (10/ 486)، وقد ذكر ما يستثنى باختصار.

(3)

ص (432)، وذكره أيضا في الأذكار ص (303).

ص: 106

الثالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي، ودفع الظلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا، فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك فالتعيين جائز كما سنذكره في حديث هند

(1)

، إن شاء الله تعالى.

الرابع: تحذير المسلمين من الشر، ونصيحتهم، وذلك من وجوه:

منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.

ومنها: المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة.

ومنها: إذا رأى متفقها يتردد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه ذلك، ويخيل إليه أنه نصيحة فليفطن لذلك.

ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها، إما بأن لا يكون صالحا لها، وإما بأن يكون فاسقا، أو مغفلا، ونحو ذلك، فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله، ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه، ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغتر به، وأن يسعى في أن يحثه على الاستقامة أو يستبدل به.

(1)

في ص (78).

ص: 107

الخامس: أن يكون مجاهرا بفسقه، أو بدعته، كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة الناس، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظلما، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.

السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروف بلقب، كالأعمش، والأعرج، والأصم، والأعمى، والأحول، وغيرهم، جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى.

فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء، وأكثرها مجمع عليه، ودلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة، فمن ذلك:

1 -

عن عائشة، رضي الله عنها، أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«ائذنوا له، بئس أخو العشيرة» . متفق عليه

(1)

.

2 -

وعنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا. رواه البخاري

(2)

. قال الليث بن سعد -أحد رواة هذا الحديث: هذان الرجلان كانا من المنافقين.

3 -

عن فاطمة بنت قيس، رضي الله عنها، قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أبا الجهم ومعاوية خطباني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما معاوية

(3)

فصعلوك لا

(1)

رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب، انظر: الفتح (10/ 486)، ح (6054)، ومسلم في صحيحه (4/ 202)، ح

(2591)

، كتاب البر والصلة والأدب، باب مدارة من يتقى فحشه.

(2)

رواه البخاري، كتاب الأدب، باب ما يجوز من الظن. الفتح (10/ 500)، ح (6067).

(3)

هو معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، وأرضاه، كما في مكمل إكمال الإكمال للحسنى. انظر: شرح الأُبي على مسلم (5/ 227).

ص: 108

مال له، وأما أبو الجهم

(1)

فلا يضع العصا عن عاتقه». متفق عليه

(2)

.

وفي رواية لمسلم: «وأما أبو الجهم فضراب للنساء»

(3)

. وهو تفسير لرواية: «لا يضع العصا عن عاتقه» ، وقيل: معناه: كثير الأسفار.

4 -

وعن زيد بن أرقم، رضي الله عنه، قال:«خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبي لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أبي، فاجتهد يمينه: ما فعل، فقالوا: كذب زيد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فوقع في نفسي مما قالوه شدة، حتى أنزل الله تعالى تصديقي: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُون} [المنافقون: 1]. ثم دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم، فلووا رؤوسهم» . متفق عليه

(4)

.

5 -

وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قالت هند امرأة أبي سفيان

(1)

هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو الجهم بن حذيفة بن غانم بن عامر القرشي، العدوي، قيل اسمه عامر، وقيل عبيد، بالضم، من مسلمة الفتح، عاش إلى أول خلافة ابن الزبير.

انظر: الإصابة (7/ 34).

(2)

هكذا قال النووي، وهو وهم منه، فإن الحديث لم يخرجه إلا مسلم، فقد أخرجه في صحيحه (2/ 1114)، ح (1480)، كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها، وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 580 - 581)، وأحمد في مسنده (45/ 309)، ح (27327).

(3)

انظره في صحيح مسلم (2/ 1118).

(4)

رواه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، سورة المنافقون، باب {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم}. انظر: الفتح (8/ 515)، ح (4903)، ومسلم في صحيحه (2/ 2140)، ح (2772)، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، أول باب فيه.

ص: 109

للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم؟ قال:«خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» . متفق عليه

(1)

.

قلت: وقد أفاد وأجاد رحمه الله، وذكر الأدلة على ما قال، وقد أثنى عليه أهل العلم بذلك، قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله بعد ذكر هذه الأسباب: (

وكلامه رحمه الله ليس بعده كلام، لأنه كلام جيد، وصواب، وله أدلة

)

(2)

.

‌المطلب الخامس: تحريم سماع الغيبة، ووجوب ردها، والذب عن أعراض المسلمين

(3)

لقد تبين لنا من النصوص الواردة في الغيبة شدة تحريمها، وينبني على ذلك عدم جواز سماعها -فهي من المنكر الذي يجب إنكاره، ومنعه، كما يجب على المسلم الرد والذب عن أعراض المسلمين، إذا سمع من يغتابهم، ما استطاع، فإن عجز، وإلا لزمه مفارقة المجلس الذي تقع فيه الغيبة، وهكذا في سائر المنكرات.

وقد جاءت نصوص الشرع بتحريم سماع الغيبة، ووجوب ردها، منها:

1 -

قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} [المؤمنون: 55]، والغيبة من اللغو.

2 -

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 3].

(1)

رواه البخاري في صحيحه، كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف. انظر: الفتح (9/ 418)، ح (5364)، ومسلم في صحيحه (3/ 1338)، ح (1714)، كتاب الأقضية، باب قضية هند.

(2)

انظر: شرح ابن عثيمين لرياض الصالحين (4/ 99).

(3)

استخلصت هذا المطلب، وأدلته من رياض الصالحين، والأذكار للإمام النووي رحمه الله.

ص: 110

3 -

قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36].

4 -

روى أحمد، والترمذي، عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة»

(1)

.

ووجه الدلالة فيه واضح في الحث على الرد عن عرض المسلم.

5 -

ما اتفق عليه البخاري، ومسلم، عن عتبان بن مالك، في حديثه الطويل، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي، فقال: «

أين مالك بن الدخشم

(2)

؟ فقال رجل: ذلك منافق، لا يحب الله ولا رسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تقل ذلك، ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله، يريد بذلك وجه الله، وإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله»

(3)

.

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رد عن عرض مالك بن الدخشم، ونهى الصحابي عن قوله فيه.

(1)

رواه أحمد في مسنده (45/ 528)، ح (27543)، وحسنه لغيره محققوه، والترمذي في سننه (4/ 327)، ح (1932)، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الذب عن عرض المسلم، وقال: حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 181)، ح

(1575)

.

(2)

هو مالك بن الدخشم، بضم الدال، ويقال الدخشن، بالنون، ويقال: الدُّخيشم، بالتصغير من بني عوف بن عمرو الأنصاري الأوسي، مختلف في نسبته، شهد بدرا، وأسر سهيل بن عمرو يومئذ. انظر: تجريد أسماء الصحابة (2/ 43)، والإصابة (6/ 23).

(3)

رواه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب صلاة النوافل جماعة. انظر: الفتح (3/ 72)، ح (1186)، ومسلم في صحيحه (1/ 455)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الرخص في التخلف عن الجماعة بعذر.

ص: 111

6 -

ما اتفق عليه البخاري ومسلم، عن كعب بن مالك، رضي الله عنه، في حديث الطويل في قصة تخلفه عن تبوك، وتوبته، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه، والنظر في عطفيه

(1)

، فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم)

(2)

.

ووجه الدلالة من الحديث أن معاذا أنكر على من اغتاب كعبا، ورد عن عرضه، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم بسكوته.

7 -

ويدل له ما رواه أحمد، وأبو داود عن معاذ بن أنس الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من حمى مؤمنا من منافق» أراه قال: «بعث الله ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مسلما بشيء يريد شينه به، حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال»

(3)

.

(1)

بكسر المهملة، وكنى بذلك عن حسنه وبهجته، والعرب تصف الرداء بصفة الحسن، وتسميه عطفا، لوقوعه على عطفي الرجل. انظر: الفتح (7/ 723).

(2)

رواه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب حديث كعب، وقول الله عز وجل:{وعلى الثلاثة الذين خلفوا} انظر: الفتح (7/ 717)، ح (4418)، ومسلم في صحيحه

(4/ 2120)، ح (2769)، كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب وصاحبيه.

(3)

رواه أحمد في مسنده (24/ 406)، ح (15649)، وأبو داود في سننه (4/ 270)، ح

(4883)

، كتاب الأدب، باب من رد عن مسلم غيبه، والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 924)، ح (4086).

ص: 112

‌المبحث السابع: النهي عن المن على الله ورسوله، وسائر الخلق

قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين} [الحجرات: 17].

‌المطلب الأول: سبب نزول الآية

أخرج النسائي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قدم وفد بني أسد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكلموا: فقالوا: قاتلتك مضر، ولسنا بأقلهم عددا، ولا آكلّهم شوكة

(1)

، فقال لأبي بكر وعمر:«تكلموا هكذا» ، قالوا: لا. قال: «إن فقه هؤلاء قليل، وإن الشيطان لينطق على ألسنتهم» . قال عطاء في حديثه: فأنزل الله عز وجل: {يمنون عليك أن أسلموا}

(2)

.

وروى الطبراني، وابن المنذر، وابن مردويه بسند حسن

(3)

عن عبد الله بن أبي أوفى: أن أناسا من العرب قالوا: يا رسول الله، أسلمنا ولم نقاتلك، كما قاتلك بنو فلان، فأنزل الله:{يمنون عليك أن أسلموا} الآية

(4)

.

(1)

يعني: لسنا بأضعفهم بأسا وحدة في السلاح. انظر: لسان العرب (10/ 454)، مادة: شوك.

(2)

أخرجه النسائي في سننه (10/ 269)، ح (11455)، وزاد السيوطي في الدر المنثور (7/ 585) غزوه للبزار، وابن مردويه، وهو أثر صحيح، لشواهده، والتي منها أثر ابن أبي أوفى المذكور بعده، وهو حسن الإسناد، كما قال السيوطي، وأثر سعيد بن جبير، وقتادة، مرسلان، وهما عند الطبري في تفسيره (26/ 145)، وأثر الحسن البصري عند ابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3306).

(3)

قاله السيوطي في الدر المنثور (7/ 585).

(4)

أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 78)، ح (8016)، وزاد السيوطي في الدر المنثور (7/ 585)، نسبته لابن المنذر، وابن مردويه.

ص: 113

‌المطلب الثاني: التفسير الإجمالي للآية

يخبر الله في قوله: {يمنون عليك أن أسلموا} عن بني أسد، ومن معهم -والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب- أنهم يمنون على رسوله صلى الله عليه وسلم بإيمانهم، حيث قالوا: آمنا بك من غير قتال، ولم نقاتلك، كما قاتلك غيرنا، ويمنون بأنهم تابعوا الرسول، وناصروه.

فأمر الله نبيه أن يقول لهم: {قل لا تمنوا علي إسلامكم} لا تمنوا علي ذلك، ولا تعدوه منة علي، فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم، ولله المنة عليكم فيه، فإن الإسلام هو المنة التي لا يطلب موليها ثوابا لمن أنعم بها عليه، ولهذا قال:{بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان} أي: أرشدكم إليه، وأراكم طريقه، سواء وصلتم إلى المطلوب أو لم تصلوا، {إن كنتم صادقين} في دعواكم الإيمان»

(1)

.

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم حنين: «يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي» ، كلما قال شيئا، قالوا: الله ورسوله أمن»

(2)

.

‌المطلب الثالث: المراد بالمن لغة، وفي أقوال المفسرين

‌أولا: المن لغة:

المن لغة يأتي بمعنى القطع، ومنه قوله:{لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [فصلت:

(1)

تم تلخيصه من جامع البيان (26/ 145)، وتفسير القرآن العظيم (7/ 390)، وفتح القدير (5/ 69).

(2)

رواه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف انظر: الفتح (7/ 644)، ح (4330)، ومسلم في صحيحه (2/ 738)، ح (1061)، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام، وتصبر من قوي إيمانه.

ص: 114

8]، يقال منه: يمنُّه منًّا قطعه، والمنين الحبل الضعيف، وحبل منين، أي مقطوع.

ويأتي المن بمعنى الإنعام، كما في قوله تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [آل عمران: 164]. يقال: قد من الله على فلان، إذا أنعم، أو لفلان علي مِنَّة.

ويأتي بمعنى: النقص من الحق والبخس، ومنه قوله تعالى:{وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ} [القلم: 3]. ومنه المنة المذمومة، لأنه ينقص النعمة، ويكدرها

(1)

.

‌ثانيا: المن في أقوال المفسرين:

المن: هو ذكر النعمة على معنى التعديد لها، والتفريع لها، مثل أن يقول: قد أحسنت إليك، ونعشتك، وشبهه.

وقيل: هو التحدث بما أعطى، حتى يبلغ ذلك المعطى فيؤذيه

(2)

.

وقيل: هو ذكر المنة للمنعم عليه على سبيل الفخر عليه بذلك، والاعتداد عليه بإحسانه

(3)

.

وقيل: هو ذكر النعمة والإحسان، ليراعيه المحسن إليه

(4)

.

وهذه الأقوال في معنى المن مطلقا، وأما في الآية:

فقال قتادة: {لا تمنوا} أنا أسلمنا بغير قتال، لم نقاتلك، كما قاتلك بنو فلان، وبنو فلان

(5)

.

(1)

انظر: مفاتيح الغيب للرازي (7/ 49)، والمفهم في شرح مسلم (1/ 304)، ولسان العرب (13/ 415)، وما بعدها، مادة "منن"، والبحر المحيط (2/ 650).

(2)

انظر: القولين في الجامع لأحكام القرآن (3/ 308).

(3)

انظر: تفسير البحر المحيط (2/ 650).

(4)

انظر: التحرير والتنوير (26/ 269).

(5)

انظر: جامع البيان (26/ 145).

ص: 115

وقال الحسن قوله: {يمنون عليك أن أسلموا} هؤلاء مؤمنون، وليسوا بمنافقين، ولكنهم كانوا يقولون لرسول الله: أسلمنا قبل أن يسلم بنو فلان، وقاتلنا معك قبل أن يقاتل بنو فلان، فأنزل الله:{بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان}

(1)

.

قلت: لا خلاف بين القولين، فهي في قوم منُّوا على النبي صلى الله عليه وسلم إيمانهم به، فبين الله أن المنة له، ولا منة لهم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وعليه فلا يجوز لأحد أن يمن بإيمانه، بل المن لله أن هداه لدينه، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم.

‌المطلب الرابع: حكم المن، والنصوص الواردة في النهي عنه

‌أولا: حكم المن:

المن محرم، وهو من كبائر الذنوب، نص عليه القرطبي

(2)

، والفخر الرازي

(3)

، وغيرهما.

‌ثانيا: النصوص الواردة في النهي عنه:

لقد جاءت جملة من النصوص في تحريم المن، منها:

1 -

قوله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين} [الحجرات: 17].

2 -

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264].

(1)

أورده ابن أبي زمنين في تفسيره (4/ 267).

(2)

انظر: الجامع لأحكام القرآن (3/ 308).

(3)

انظر: مفاتيح الغيب (7/ 51).

ص: 116

3 -

قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذى} [البقرة: 262].

4 -

ما رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم» ، قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال:«المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب»

(1)

.

وفي رواية له: «المسبل إزاره»

(2)

.

وفي رواية لأبي داود: «المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منه»

(3)

.

5 -

روى الطبراني، وابن أبي عاصم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يقبل الله لهم صرفا ولا عدلا: عاق، ومنان، ومكذب بالقدر»

(4)

.

- ما رواه أحمد، والطحاوي، وابن حبان، عن مطرف بن الشخير، قال: بلغني عن أبي ذر حديثا

وساق حديثا طويلا، ثم قال: قلت: من الثلاثة الذين

(1)

رواه أحمد في مسنده (23/ 245)، ح (21318)، ومسلم في صحيحه (1/ 102)، ح (106)، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية، وأبو داود في سننه (4/ 56)، ح (4084)، كتاب اللباس، باب ما جاء في إسبال الإزار، والترمذي في سننه (3/ 507)، ح (1211)، كتاب البيوع، باب ما جاء فيمن حلف على سلعته كاذبا.

(2)

انظر: صحيح مسلم، نفس الجزء، والصفحة السابقتين.

(3)

وسنده صحيح، كما في صحيح سنن أبي داود (2/ 770)، ح (3445).

(4)

رواه الطبراني في الكبير (8/ 140)، ح (7547)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 231)، ح (332)، والحديث حسنه المنذري، كما في صحيح الترغيب (2/ 663)، ح (2513)، والألباني في الصحيحة، ح (1785).

ص: 117

(1)

رواه أحمد في مسنده (35/ 421)، ح (21530)، والطبراني في الكبير (2/ 156)، ح

(1637)

، والطحاوي في تحفة الأخيار شرح مشكل الآثار (7/ 262، 263)، ح

(5219، 5220)، والحاكم في مستدركه (2/ 88)، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وصححه أيضا الألباني في صحيح الجامع (1/ 589)، ح (3074).

ص: 118

‌الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده على ما يسر من الكتابة في هذا البحث، وأختمه بذكر خلاصته، وتتلخص فيما يلي:

1 -

تحريم التقدم بين يدي الله ورسوله، وخطورته، ووجوب الحذر منه، وكثرة النصوص الدالة على أن الحكم لله وحده لا شريك له، فالحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه، والشرع ما شرعه.

2 -

تحريم رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وعند قبره بعد مماته، وعدم جواز الجهر له بالقول.

3 -

تحريم السخرية بين المسلمين، وأنها من كبائر الذنوب، ووجوب الحذر منها، وأنها كما تكون بالقول تكون بالفعل، والإشارة باليد أو العين، ونحوها.

4 -

تحريم اللمز والتنابز بالألقاب -إلا ما كان محبوبا للشخص- وأن ذلك مما يورث العداوة والبغضاء بين المسلمين.

5 -

النهي عن التجسس والتفتيش عن عيوب الناس، وأنه من الصفات الذميمة التي يجب على المسلمين الحذر منها.

6 -

تحريم الغيبة وأنه الداء الخطير الذي شب عليه الصغير، وهرم عليه الكبير، إلا من رحم الله، وتعدد صورها، ووجوب الحذر منها، ومحاسبة النفس أشد المحاسبة في أمرها، وأنه يستثنى منها ما رجحت به المصلحة.

7 -

النهي عن المنة مطلقا، وهي في حق الله وحق رسوله أبشع وأشنع، وأنها سبب لبطلان العمل.

وفي الختام أسأل الله حسن الخاتمة لي ولسائر إخواني المسلمين، كما أسأله أن يجعل أعمالنا صالحة، ولوجهه خالصة، وأن يجعل هذا البحث نافعا لمن كتبه، ولمن نظر فيه، وأن يختم بالصالحات أعمالنا، وبالسعادة آجالنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ص: 119

‌فهرس المصادر والمراجع

1 -

إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر، لأحمد عبد الغني الدمياطي، نشر دار الندوة - بيروت.

2 -

الأحكام السلطانية في الولايات الدينية: لأبي الحسن، علي بن محمد الماوردي، ط مطبعة مصطفى الحلبي، ط الثانية 1393 هـ.

3 -

أحكام القرآن: لأبي بكر، محمد بن عبد الله، المعروف بابن العربي (ت 543 هـ)، تحقيق علي محمد البجاوي، طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه.

4 -

إحياء علوم الدين: لأبي حامد، محمد بن محمد الغزالي، طبع دار المعرفة - لبنان.

5 -

الأدب المفرد: لمحمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق سمير بن أمين الزهيري، بتخريجات الألباني، نشر مكتبة المعارف - الرياض، ط الأولى 1419 هـ.

6 -

الأذكار: لمحي الدين، أبي زكريا، يحيى بن شرف النووي، طبع المكتبة الإسلامية، استنبول، تركيا، الطبعة الرابعة 1375 هـ.

7 -

أسباب النزول: لأبي الحسن، علي بن أحمد الواحدي (ت 468 هـ)، تحقيق عصام بن عبد المحسن الحميدان، نشر دار الإصلاح، الطبعة الأولى 1411 هـ.

8 -

أسرار التنزيل وأسرار التأويل، المعروف بتفسير البيضاوي: لناصر الدين، عبد الله بن عمر البيضاوي، طبع مؤسسة شعبان - بيروت.

9 -

الإصابة في تمييز الصحابة: للحافظ أحمد بن علي المعروف بابن حجر، نشر دار الكتب العلمية - بيروت.

10 -

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: للشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، نشر عالم الكتب - بيروت.

11 -

الأعلام: لخير الدين الزركلي، نشر دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة السادسة 1984 م.

12 -

اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم: لشيخ الإسلام، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق د. ناصر العقل، ط الأولى 1404 هـ.

13 -

إكمال إكمال المعلم، المعروف بشرح الأبي: تأليف محمد بن خليفة الوشناني الأبي، نشر دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415 هـ.

14 -

الأمثال في القرآن في القرآن الكريم: لابن قيم الجوزية، طبع دار المعرفة 1981 م.

15 -

الأوسط: لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 هـ)، تحقيق طارق عوض الله وزميله، طبع دار

ص: 120

الحرمين - القاهرة، عام 1415 هـ.

16 -

بدائع التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن قيم الجوزية: جمعه يسري السيد محمد، نشر دار ابن الجوزي، ط الأولى 1414 هـ.

17 -

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز: لمجد الدين، محمد بن يعقوب الفيروزابادي، نشر المكتبة العلمية - بيروت.

18 -

تاريخ مدينة دمشق: لأبي القاسم، علي بن الحسن بن عساكر، دار الفكر - بيروت، ط 1995 م، تحقيق محب الدين، أبو سعيد العمري.

19 -

تجريد أسماء الصحابة: لشمس الدين، أبي عبد الله، محمد بن أحمد الذهبي، دار المعرفة - بيروت.

20 -

التحرير والتنوير: لمحمد الطاهر ابن عاشور، نشر الدار التونسية، سنة 1984 م.

21 -

تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار: لأحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، تحقيق خالد محمود الرباط، دار بلنسية للنشر - الرياض، ط الأولى 1420 هـ.

22 -

تفسير البغوي المسمى: معالم التنزيل: للحسين بن مسعود البغوي، تحقيق خالد عبد الرحمن العك، ومروان سوار، دار المعرفة - بيروت.

23 -

تفسير الطبري المسمى: جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لمحمد بن جرير الطبري، شركة مكتبة البابي الحلبي - مصر، ط الثالثة 1388 هـ.

24 -

تفسير القاسمي المسمى: محاسن التأويل: لمحمد جمال الدين القاسمي، نشر مطبعة دار إحياء الكتب العربية.

25 -

تفسير القرآن العظيم: لابن أبي زمنين، تحقيق حسين عكاشة وزميله، نشر دار الفاروق بالقاهرة، ط الأولى 1423 هـ.

26 -

تفسير القرآن العظيم: لأبي الفداء، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت 774 هـ)، تحقيق سامي بن محمد سلامة، دار طيبة، ط الثالثة 1420 هـ.

27 -

تفسير القرآن العظيم، لعبد بن محمد بن إدريس، المعروف بابن أبي حاتم، تحقيق أسعد الطيب، نشر مكتبة نزار الباز - مكة المكرمة، ط الثالثة 1424 هـ.

28 -

تفسير القرطبي المسمى الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، لم تذكر له طبعة.

29 -

تفسير النسائي: لأبي عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي النسائي، (ت 303 هـ)، ط مكتبة السنة - القاهرة، ط الأولى 1410 هـ، تحقيق سيد الجليمي، وصبري الشافعي.

30 -

تقريب التهذيب: لأحمد بن علي، المعروف بابن حجر، تحقيق أبي الأشبال صغير أحمد شاغف، دار العاصمة - الرياض، ط الأولى 1415 هـ.

ص: 121

31 -

تهذيب الأسماء واللغات: لأبي زكريا، محي الدين بن شرف النووي، دار الكتب العلمية - بيروت.

32 -

تهذيب التهذيب: للحافظ أحمد بن علي، المعروف بان حجر، دار حيادر - بيروت.

33 -

تهذيب الكمال في أسماء الرجال: لجمال الدين، أبي الحجاج، يوسف المزي، تحقيق د/ بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1405 هـ.

34 -

تهذيب اللغة: لأبي منصور، محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق عبد السلام هارون، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر، الدار المصرية للنشر والترجمة.

35 -

تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد: لسليمان بن عبد الله بن محمد ابن عبد الوهاب الحنبلي (ت 1233 هـ)، نشر دار الفكر - بيروت، طبع عام 1412 هـ.

36 -

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تقديم محمد زهري النجار، منشورات دار المدني جدة 1408 هـ.

37 -

الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي: لأبي عيسى، محمد بن سورة الترمذي، تحقيق أحمد شاكر، شركة مكتبة مصطفى البابي الحلبي - مصر، ط الثانية 1398 هـ - 1978 م.

38 -

حاشية ثلاثة الأصول، للشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الطبعة السادسة 1408 هـ، لم يذكر اسم المطبعة.

39 -

حجة القراءات: لأبي زرعة، عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة، تحقيق سعيد الأفغاني، مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة 1404 هـ - 1984 هـ.

40 -

الدر المنثور في التفسير المأثور: لجلال الدين، عبد الرحمن السيوطي، دار الفكر - بيروت، طبع 1403 هـ - 1983 م.

41 -

روح البيان في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، لمحمود الألوسي البغدادي، دار الفكر - بيروت، 1403 هـ - 1983 م.

42 -

رياض الصالحين: لأبي زكريا، يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ)، تحقيق شعيب الأرنؤوط، طبع مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1420 هـ.

43 -

زاد المسير: لأبي الفرج، عبد الرحمن بن الجوزي، نشر المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى.

44 -

الزواجر عن اقتراف الكبائر، لأحمد بن محمد بن علي بن حجر المكي الهيتمي، نشر دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ.

45 -

سلسلة الأحاديث الصحيحة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي - بيروت.

46 -

سنن أبي داود، للحافظ أبي داود، سليمان بن أشعث السجستاني، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتب العصرية، صيدا - بيروت.

ص: 122

47 -

السنن الكبرى: لأبي عبد الرحمن، أحمد بن شعيث النسائي (ت 303 هـ)، طبع مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1422 هـ.

48 -

سير أعلام النبلاء: لشمس الدين، محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة ط/ الثانية 1420 هـ

49 -

شرح رياض الصالحين، للشيخ محمد بن صالح العثيمين، دار البصيرة بالاسكندرية.

50 -

شرح النووي على مسلم: لأبي زكريا، يحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي.

51 -

شرح العقيدة الطحاوية: لصدر الدين، محمد بن علاء بن محمد بن أبي العز الحنفي، تحقيق جماعة من العلماء، تخريج محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط الثامنة 1404 هـ.

52 -

الصارم المسلول على شاتم الرسول، لشيخ الإسلام، ابن تيمية، نشر عالم الكتب 1403 هـ.

53 -

الصحاح: لإسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين - بيروت، ط الثالثة 1404 هـ.

54 -

صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان: لعلاء الدين، علي بن بلبان الفارسي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1418 هـ.

55 -

صحيح الترغيب والترهيب: لمحمد ناصر الدين الألباني، طبع دار المعارف - الرياض، الطبعة الأولى 1412 هـ.

56 -

صحيح الجامع الصغير وزيادته: لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة 1402 هـ.

57 -

صحيح سنن ابن ماجة: لمحمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الثالثة 1408 هـ.

58 -

صحيح سنن أبي داود: لمحمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الأولى 1409 هـ.

59 -

صحيح سنن الترمذي: لمحمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الأولى 1408 هـ.

60 -

صحيح مسلم: لأبي الحسين، مسلم بن الحجاج القشيري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

61 -

ضعيف سنن أبي داود: لمحمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الأولى 1412 هـ.

62 -

عمدة القاري شرح صحيح البخاري: لبدر الدين، محمد بن أحمد العيني، نشر دار الفكر، الطبعة الأولى 1418 هـ.

63 -

عون المعبود شرح سنن أبي داود: لأبي الطيب، محمد شمس الدين الحق العظيم أبادي، دار الفكر -

ص: 123

بيروت، ط الثالثة 1399 هـ.

64 -

غريب القرآن: لأبي محمد، عبد الله بن مسلم بن قتيبة، تحقيق السيد أحمد صقر، منشروات دار الكتب العلمية - بيروت، 1398 هـ.

65 -

فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق الشيخ عبد العزيز بن باز، وترتيب محمد فؤاد عبد الباقي، دار الريان للتراث - القاهرة، الطبعة الأولى 1407 هـ.

66 -

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد: للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، تحقي الوليد الفريان، نشر دار الصميعي، الطبعة الأولى 1415 هـ.

67 -

الفتوحات الإلهية -المسماة بحاشية الجمل- لسليمان بن عمر العجيلي الشهير بالجمل، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

68 -

الكبائر، لشمس الدين، محمد بن أحمد الذهبي، طبع دار إحياء التراث - بيروت.

69 -

الكشاف: لأبي القاسم جار الله، محمود بن عمر، المعروف بالزمخشري، توزيع دار الباز، طبع دار المعرفة - بيروت.

70 -

كشف الأستار على زوائد البزار على الكتب الستة: لنور الدين، علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 هـ)، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الثانية 1404 هـ.

71 -

الكشف عن وجوه القراءات السبع، لمكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق محي الدين رمضان، دار الرسالة، ط الرابعة 1407 هـ.

72 -

لسان العرب: لأبي الفضل، جمال الدين، محمد بن مكرم الشهير بابن منظور، تصوير دار الفكر عن طبعة دار صادر - بيروت.

73 -

المبسوط في القراءات العشر: للإمام أبي زكريا، محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، دار الدعوة، مطبعة السعادة - مصر.

74 -

مجاز القرآن: لأبي عبيدة، معمر بن المثنى التميمي، تحقيق د/ فؤاد سزكين، طبع مؤسسة الرسالة، ط الثانية 1401 هـ.

75 -

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: لنور الدين، علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الثالثة 1402 هـ.

76 -

مجموع الفتاوى: لشيخ الإسلام، ابن تيمية، أبي العباس، تقي الدين، أحمد بن عبد الحليم، جمع عبد الرحمن بن قاسم النجدي، توزيع الرئاسة العامة لشئون الحرمين، تنفيذ مكتبة الحديثة، طبع إدارة المساجد العسكرية بالقاهرة.

77 -

المستدرك على الصحيحين: لأبي عبد الله، محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم، وبذيله تلخيص

ص: 124

المستدرك للذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت.

78 -

مسند الإمام أحمد بن حنيل (ت 241 هـ)، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ورفاقه، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1414 هـ.

79 -

مسند أبي يعلى: للإمام أبي يعلى بن علي الموصلي، تحقيق إرشاد الحق الأثري، من منشورات دار القبلة - جدة، الطبعة الأولى 1408 هـ.

80 -

المعجم الكبير: لأبي القاسم، سليمان بن أحمد الطبراني، ت 360، تحقيق حمدي السلفي، نشر مكتبة ابن تيمية - القاهرة.

81 -

المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: وضع محمد فؤاد عبد الباقي، نشر دار الفكر، الطبعة الثالثة 1412 هـ.

82 -

معجم مقاييس اللغة، لأبي الحسين، أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق عبد السلام محمد هارون، نشر مكتبة الخانجي بمصر، الطبعة الثالثة 1402 هـ.

83 -

المعجم الوسيط: لإبراهيم مصطفى، وآخرون من مجمع اللغة العربية، نشر شركة الإعلانات الشرقية، الطبعة الثالثة 1405 هـ.

84 -

المغني في توجيه القراءات العشر: ل د/ محمد سالم محيسن، نشر دار الجيل - بيروت، الطبعة الثانية 1408 هـ.

85 -

المفردات في غريب القرآن: لأبي القاسم بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، دار المعرفة - بيروت.

86 -

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: لأحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي، تحقيق محيي الدين مستو، وزملائه، نشر دار ابن كثير والكلم الطيب - بيروت، الطبعة الأولى 1417 هـ.

87 -

المنتخب من مسند عبد بن حميد: لمصطفى العدوي، دار بلنسية، الطبعة الثانية 1423 هـ.

88 -

الموطأ: للإمام مالك بن أنس الأصبحي، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1406 هـ.

89 -

النهاية في غريب الحديث والأثر: لأبي السعادات، المبارك بن محمد الجزري، المعروف بابن الأثير، تحقيق طاهر أحمد الراوي، ومحمود محمد الطناحي، دار الكتب العلمية - بيروت.

ص: 125