المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أوهام‌ ‌ سفيان بن عيينة   ‌ ‌نسبه ومولده: هو الإمام المحدِّث المفسِّر حافظ العصر - أوهام المحدثين الثقات - جـ ٢

[سعيد باشنفر]

فهرس الكتاب

أوهام‌

‌ سفيان بن عيينة

‌نسبه ومولده:

هو الإمام المحدِّث المفسِّر حافظ العصر محدِّث الحرم شيخ الإسلام سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي، أبو محمد الكوفي ثم المكِّي

(1)

، وقيل: إنَّ أباه عيينة هو المكنَّى أبا عمران، والأول أصح.

وُلد سفيان بالكوفة عشية السبت في النصف من شعبان سنة سبع ومائة وكان له تسعة أخوة حدَّث منهم أربعة: محمد وآدم وعمران وإبراهيم، وكان أبوه صيرفيًّا بالكوفة فركبه الدَّين فحملهم إلى مكَّة

(2)

.

وقيل: بل كان أبوه من عُمَّال خالد بن عبد الله القسري فلمّا عُزل خالد عن العراق ووُلَّي يوسف بن عمر الثقفي طلب عمَّال خالد فهربوا منه، فلحق أبوه عيينة بمكَّة فنزلها

(3)

.

(1)

سير أعلام النبلاء (8/ 401) وتذكرة الحفَّاظ (1/ 262).

(2)

تاريخ بغداد (9/ 174) والمحدِّث الفاصل (ص 197).

(3)

الطبقات الكبرى (5/ 497).

ص: 5

‌طلبه للعلم:

طلب سفيان الحديث وهو غلام صغير وحفظ القرآن وهو ابن أربع عشرة سنة، وقال سفيان: أول مَنْ جالستُ من الناس عبد الكريم أبو أُمية، جالسته وأنا ابن خمس عشرة سنة، ومات في سنة ست وعشرين ومائة.

(1)

وقال سفيان: حججت سنة عشرة ومائة ثم سنة عشرين وجاءنا الزهري مع ابن هشام الخليفة سنة ثلاث وعشرين ومائة، وخرج سنة أربع وعشرين ومائة. قال: وسألته وسعد بن إبراهيم عنده فلم يُجِبني في الحديث، فقال له سعد: أجِب الغلام عما سألك. قال: أما إني أعطيه حقه. قال سفيان: وأنا يومئذ ابن ست عشرة سنة

(2)

.

وقال أبو محمد الرامهرمزي: حدثنا موسى بن زكريا، حدثنا زياد بن عبد الله الخزاعي، قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: كان أبي صيرفيًّا بالكوفة فركبه دَين، فحملنا إلى مكَّة فلمَّا رحنا إلى المسجد لِصلاة الظهر وصرت إلى باب المسجد إذا شيخ على حمار، فقال لي يا غلام: أمسك عليَّ هذا الحمار حتى أدخل المسجد فأركع. فقلت: ما أنا بفاعل أو تحدثني، قال: وما تصنع أنت بالحديث؟ واستصغرني فقلت: حدثني. فقال: حدثني جابر بن عبد الله، وحدثنا ابن عباس. فحدثني ثمانية أحاديث، فأمسكت حماره وجعلت أتحفظ ما حدثني به، فلمّا صلَّى وخرج قال: ما نفعك ما حدثتك حبستني. فقلت: حدثتني بكذا، وحدثتني بكذا. فرددت عليه جميع ما حدثني به، فقال:

(1)

المصدر السابق.

(2)

المصدر السابق.

ص: 6

بارك الله فيك، تعال غداً إلى المجلس. فإذا هو عمرو بن دينار

(1)

.

وقال علي بن المديني عن ابن عيينة: جالست عبدة بن أبي لبابة سنة 123

(2)

، وقال حماد بن زيد: فرأيت سفيان بن عيينة عند عمرو بن دينار غلاماً له ذؤابة معه ألواح

(3)

.

وقال ابن عيينة: كنت أختلف إلى الزهري وأنا حديث السن، لي ذؤابتان فأملى يوماً حديثاً عن أبي سلمة وسعيد فلمّا فرغنا جلسنا نتقابل فاختلف القوم فقال بعضهم عن أبي سلمة وقال بعضهم عن سعيد، وابن شهاب يسمع فقال: ما تقول أنت يا صبي؟ فقلت: عن كُلاهما. فضممت الكاف، فجعل يتعجب من ضبطي ويضحك من لحني

(4)

.

وقال غياث بن جعفر: سمعت ابن عيينة يقول: أول مَنْ أسندني إلى الأسطوانة مسعر بن كدام؟ فقلت: إني حدث. فقال: إنَّ عندك الزهري وعمرو بن دينار

(5)

.

وقال سفيان: دخلت الكوفة ولم يتمّ لي عشرون سنة فقال أبو حنيفة لأصحابه: جاءكم حافظ علم عمرو بن دينار. قال: فجاء الناس يسألونني عن عمرو بن دينار، فأول مَنْ صيَّرني محدِّثاً أبو حنيفة، فذاكرته فقال لي: يا بني، ما سمعت من عمرو إلا ثلاثة أحاديث

(1)

المحدِّث الفاصل (ص 198).

(2)

تهذيب التهذيب (2/ 644)، يعني وعمره 16 سنة، وقال في المحدِّث الفاصل إنه كان ابن عشر سنين أو في حدوده، والصحيح ما ذكرنا.

(3)

الجرح والتعديل (4/ 226).

(4)

المحدِّث الفاصل (ص 196).

(5)

تهذيب الكمال (11/ 188) ووفيات الأعيان (2/ 393).

ص: 7

يضطرب في حفظ تلك الأحاديث

(1)

.

وقال سفيان: زعموا أنَّ الزهري قال: ما رأيت طالباً لهذا الأمر أصغر سنًّا منه يعني سفيان.

وقال سفيان: ما كتبت شيئاً قط إلا شيئاً حفظته قبل أن أكتبه.

وقال سفيان: سمعت من عمرو بن دينار ما لبث نوح في قومه. وقال أيضا: جالست عمرو بن دينار ثنتين وعشرين سنة، ومات سنة ست وعشرين، وجالسته وأنا ابن أربع عشرة سنة.

وقال سفيان: لمّا بلغت خمس عشرة سنة دعاني أبي فقال لي: يا سفيان، قد انقطعت عنك شرائع الصبا فاحتفظ من الخير تكُن من أهله، ولا يغرنك مَنْ اغتر بالله فمدحك بما يعلم الله خلافه منك فإنه ما من أحد يقول في أحد من الخير إذا رضي إلا وهو يقول فيه من الشر مثل ذلك، إذا سخط فاستأنس بالوحدة من جلساء السوء، ولا تنقل أحسن ظنِّي بك إلى غير ذلك، ولن يسعد بالعلماء إلا مَنْ أطاعهم. قال سفيان: فجعلت وصية أبي قبلة أميل معها ولا أميل عنها

(2)

.

‌سعة علمه وحفظه:

قال عبد الله بن المبارك: سُئل سفيان الثوري عن سفيان بن عيينة فقال: ذاك أحد الأحدَين، يقول: ليس له نظير

(3)

.

(1)

وفيات الأعيان (2/ 393).

(2)

صفة الصفوة (2/ 231).

(3)

مقدمة الجرح والتعديل (1/ 33).

ص: 8

قال الشافعي: ما رأيت أحداً من الناس فيه من آلة العلم ما في سفيان بن عيينة، وما رأيت أحداً أكفّ عن الفُتيا منه، وما رأيت أحداً أحسن لِتفسير الحديث منه.

وقال أيضاً: لولا مالك وسفيان لَذهب علم الحجاز

(1)

.

وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت أحداً كان أعلم بالسُّنن من سفيان

(2)

.

وقال الشافعي: أصول الأحكام نيّف وخمسمائة حديث كلّها عند مالك إلا ثلاثين حديثاً، وكلّها عند ابن عيينة إلا ستة أحاديث

(3)

.

قال الذهبي معقباً: فهذا يوضح لك سعة دائرة سفيان في العلم وذلك لأنه ضمَّ أحاديث الحجازيين

(4)

.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: عند ابن عيينة من معرفته بالقرآن وتفسير الحديث ما لم يكُن عند سفيان الثوري

(5)

.

وقال عبد الله بن وهب: لا أعلم أحداً أعلم بتفسير القرآن من سفيان بن عيينة

(6)

.

وقال علي بن المديني: كان أصحاب ابن عباس ستة: عطاء، وطاووس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وجابر بن زيد، وعكرمة، فكان

(1)

المصدر السابق.

(2)

المصدر السابق.

(3)

الإرشاد (1/ 194).

(4)

السير (8/ 459).

(5)

السير (8/ 458).

(6)

الجرح والتعديل (1/ 33) وتاريخ بغداد (9/ 182).

ص: 9

أعلم الناس بهؤلاء عمرو بن دينار ولقيهم كلَّهم، وأعلم الناس بِعمرو وهؤلاء سفيان بن عيينة وابن جريج

(1)

.

وقال أحمد بن حنبل: ليس أحدٌ أثبت من سفيان في عمرو بن دينار

(2)

.

قلت: وقد سمع عمرو بن دينار أيضاً من ابن عباس مباشرة، قال سفيان: قال لي عمرو بن دينار: ما كنت أجلس عند ابن عباس، ما كنت عنده إلا قائماً

(3)

.

وكذلك سمع من ابن عمر وابن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وغيرهم.

وقال ابن خلكان: كان قد أدرك نيّفاً وثمانين نفساً من التابعين

(4)

.

‌ثناء أهل العلم عليه:

قال يحيى القطان: ما رأيت أحسن حديثاً من سفيان بن عيينة

(5)

.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان سفيان بن عيينة من أعلم الناس بحديث الحجاز

(6)

.

وقال علي بن المديني: سفيان بن عيينة أحسن حديثاً من سفيان وشعبة

(7)

.

(1)

المعرفة والتاريخ (1/ 404).

(2)

المصدر السابق (2/ 13).

(3)

المصدر السابق (2/ 12).

(4)

وفيات الأعيان (2/ 391).

(5)

التعديل والتجريح للباجي (3/ 1137) وتاريخ بغداد (9/ 182).

(6)

العلل ومعرفة الرجال (3/ 482) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/ 227).

(7)

تاريخ بغداد (9/ 180).

ص: 10

وقال أيضاً: ما في أصحاب الزهري أتقن من ابن عيينة

(1)

.

وقال أحمد بن حنبل: سفيان أثبت الناس في عمرو بن دينار وأحسن حديثاً

(2)

.

وقال البخاري: سفيان بن عيينة أحفظ من حماد بن زيد

(3)

.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: كنت أسمع الحديث من ابن عيينة فأقوم فأسمع شعبة يحدِّث به فلا أكتبه

(4)

.

وقال ابن سعد: كان ثقة ثبتاً كثير الحديث حجة

(5)

.

وقال أبو حاتم: سفيان بن عيينة: إمام ثقة، وأثبت أصحاب الزهري: مالك وابن عيينة، وكان أعلم بحديث عمرو بن دينار من شعبة

(6)

.

وقال العجلي: كوفي ثقة ثبت في الحديث، وكان بعض أهل الحديث يقول: هو أثبت الناس في حديث الزهري وكان حسن الحديث، وكان يُعَدُّ من حكماء أهل الحديث، وكان حديثه نحواً من سبعة آلاف ولم تكُن له كتب

(7)

.

وقال علي بن المديني: قال لي يحيى بن سعيد (القطان): ما بقي من معلِّمي الذين تعلمت منهم غير سفيان بن عيينة. فقلت: يا أبا

(1)

تاريخ بغداد (9/ 178).

(2)

العلل ومعرفة الرجال (1/ 188).

(3)

جامع الترمذي (4/ 354 ح 1793) والعلل الكبير (1/ 522).

(4)

تاريخ بغداد (9/ 180).

(5)

الطبقات الكبرى (5/ 498).

(6)

الجرح والتعديل (ترجمة 973).

(7)

معرفة الثقات (1/ 417).

ص: 11

سعيد، سفيان إمام في الحديث؟ قال: سفيان إمام القوم منذ أربعين سنة.

وقال أيضاً: سمعت بشر بن المفضل يقول، وقال بيده على الأرض: ما بقي على وجه الأرض أحد يشبه سفيان بن عيينة

(1)

.

وقال أحمد بن حنبل: ما رأينا مثله

(2)

.

وقال ابن حبان: كان سفيان بن عيينة من الحفّاظ المتقنين وأهل الورع في الدين ممَّن عَنَى بعلم كتاب الله وكثرة تلاوته له وسهره فيه، وعَنَى بعلم السُّنن وواظب على جمعها والتفقه فيها إلى أن مات.

‌عبادته وورعه وزهده:

قال ابن سعد: أخبرني الحسن عن عمران بن عيينة ابن أخي سفيان قال: حججت مع عمِّي آخر حجة حجَّها سنة سبع وتسعين ومائة، فلمّا كان بجمع وصلَّى استلقى على فراشه ثم قال: قد وافيت هذا الموضع سبعين عاماً أقول في كل سنة: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وإني قد استحييت من الله من كثرة ما أسأله ذلك. فرجع فتوفي في السنة الداخلة يوم السبت أول يوم من رجب سنة ثمان وتسعين ومائة ودُفن بالحجون

(3)

.

وقال رجل: كنت أمشي مع سفيان بن عيينة إذ أتى سائل فلم يكُن معه ما يعطيه فبكى، فقلت: يا أبا محمد، ما الذي أبكاك؟ قال:

(1)

المعرفة والتاريخ (3/ 127) وتهذيب الكمال (11/ 89).

(2)

الجرح والتعديل (4/ 227).

(3)

الطبقات الكبرى (5/ 497 - 498) وتاريخ بغداد (9/ 183 - 184).

ص: 12

أيّ مصيبة أعظم من أن يؤمل فيك رجل خيراً فلا يصيبه

(1)

.

وعن أبي السري منصور بن عرار قال: تكلمت في مجلس فيه سفيان بن عيينة وفضيل بن عياض وعبد الله بن المبارك، فأما سفيان فتغرغرت عيونه ثم نشفت الدموع، وأما ابن المبارك فسالت دموعه، وأما الفضيل فانتحب، فلمّا قام الفضيل وابن المبارك قلت لسفيان: يا أبا محمد، ما منعك أن يجيء منك مثل ما جاء من صاحبَيك؟ قال: هكذا أكمد للحزن، إنَّ الدمعة إذا خرجت استراح القلب

(2)

.

وقال أبو يوسف الفسوي: دخلت على سفيان بن عيينة وبين يديه قرصان من شعير، فقال: يا أبا يوسف، أما إنهما طعامي منذ أربعين سنة

(3)

.

‌فقهه وفطنته:

قال الحميدي: حدثنا سفيان، قال: حدثنا الزهري أنه سمع القاسم بن محمد يحدِّث أنه سمع عائشة تقول: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استترت بقرام فيه تماثيل، فلمّا رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلوَّن وجهه وهتكه وقال:«إنَّ أشدَّ الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يتشبَّهون بِخَلق الله عز وجل» .

قال سفيان: فلمّا جاءنا عبد الرحمن بن القاسم حدثنا بأحسن منه وأرخص وقال: أخبرني أبي أنه سمع عائشة تقول: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سترت على سهوة لي بِقرام فيه تماثيل، فلمّا رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

وفيات الأعيان (2/ 393).

(2)

صفة الصفوة (2/ 236).

(3)

حلية الأولياء (7/ 274).

ص: 13

نزعه وقال: «إنَّ أشدّ الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بِخَلق الله عز وجل» . قالت عائشة: فقطعت منه وسادة أو وسادتَين

(1)

.

روى سفيان عن عمرو بن دينار عن الزهري في أطفال المشركين وفيه: «هم من آبائهم» ، قال سفيان: فلمّا جاءنا الزهري تفقدته فلم يقُل إلا: «هم منهم»

(2)

.

قال سفيان: ما سمعت ابن جريج في شيء قال: سمعت مجاهداً إلا في هذا

(3)

.

‌حُسن وعظه:

قال الشافعي: قدِم والٍ على اليمن (مكة) فكلَّمه بعض القرشيين أن أصحبه ولم يكُن عند أمي ما تعطيني ما أتحمَّل به فرهنت داراً بستة عشر ديناراً.

وأعطتني فتحمَّلت بها معه، فلمَّا قدِمنا اليمن استعملني على عمل، فحمدت فيه فزاد من عملي، وقدِم العمّال مكة في رجب فأثنوا عليَّ وطار لي بذلك ذكر.

فقدمت من اليمن فَلقيت ابن أبي يحيى وقد كنت أجالسه فسلَّمت عليه فوبَّخني وقال: تجالسوننا وتصنعون فإذا شرع لأحدكم شيء دخل فيه، أو نحو هذا الكلام.

(1)

مسند الحميدي (253)، وروى البخاري (5954) من طريق علي بن عبد الله المديني عن سفيان حديث عبد الرحمن بن القاسم.

(2)

مسند الحميدي (78).

(3)

المعرفة والتاريخ (2/ 13)، ثم قال: حدثنا ابن جريج قال: سمعت مجاهد يقرأ: {فطلقوهن لقبل عدتهن} .

ص: 14

قال: فتركته ثم لقيت سفيان بن عيينة فسلَّمت عليه فرحَّب بي وقال: قد بلغني ولايتك فما أحسن ما انتشر عنك وما أدَّيت كل الذي لله تعالى عليك ولا تعُد.

قال: فجاءت موعظة سفيان إياي أبلغ مما صنع ابن أبي يحيى

(1)

.

‌عقيدته:

كان صاحب سنَّة واتباع، ولم يكُن من أهل الجدل والأهواء

(2)

.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الفضل بن موسى، حدثنا محمد بن منصور الجواز قال: رأيت سفيان بن عيينة سأله رجل: ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله، منه خرج وإليه يعود.

وقال محمد بن إسحاق الصاغاني: حدثنا لوين قال: قيل لابن عيينة هذه الأحاديث التي تُروى في الرؤية؟ قال: حق على ما سمعناها ممَّن نثق به ونرضاه.

وقال أحمد بن إبراهيم الدورقي: حدثني أحمد بن نصر قال: سألت ابن عيينة وجعلت ألحّ عليه فقال: دعني أتنفس. فقلت: كيف حديث عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله يجعل السموات على أصبع» وحديث: «إنَّ قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن» ، وحديث:

(1)

مناقب الشافعي للرازي (ص 10 - 11)، ومناقب الشافعي للبيهقي (1/ 105 - 106)، ومناقب الشافعي لابن كثير (ص 88).

(2)

سير أعلام النبلاء (466 - 468).

ص: 15

«إنَّ الله يعجب أو: يضحك ممَّن يذكره في الأسواق» . فقال سفيان: هي كما جاءت، نقرُّ بها ونحدِّث بها بلا كيف.

وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري: سمعت ابن عيينة يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.

وقال الحميدي: قيل لسفيان بن عيينة: إنَّ بشراً المريسي يقول: إنَّ الله لا يُرى يوم القيامة. فقال: قاتل الله الدويبة، أَلَم تسمع إلى قوله تعالى:{() * +، -} [المطففين: 15]. فإذا احتجب عن الأولياء والأعداء فأيّ فضل للأولياء على الأعداء؟

‌من حكمه وأقواله:

قال سفيان: أجهل الناس مَنْ ترك ما يُعلم، وأعلم الناس مَنْ عمل بما يعلم، وأفضل الناس أخشعهم لله.

وقال: مَنْ زيد في عقله نقص من رزقه.

وقال: مَنْ تزيَّن للناس بشيء يعلم الله تعالى منه غير ذلك شانه الله.

وقال: إنما أرباب العلم الذين هم أهله الذين يعملون به.

وقال: إذا كان نهاري نهار سفيه وليلي ليل جاهل فما أصنع بالعلم الذي كتبت؟

وقال: العلم إن لم ينفعك ضرّك.

وقال: ليس العالم الذي يعرف الخير والشر، إنما العالم الذي يعرف الخير فيتبعه ويعرف الشر فيجتنبه.

وقال: الزهد في الدنيا: الصبر وارتقاب الموت.

ص: 16

وقال: مَنْ كانت معصيته في الشهوة فارجُ له التوبة، فإنَّ آدم عليه السلام عصى مشتهياً فغُفر له، فإذا كانت معصيته في كِبَر فَاخْشَ على صاحبه اللعنة فإنَّ إبليس عصى مستكبراً فلُعن.

وقال: الراضي عن الله لا يتمنَّى سوى المنزلة التي هو فيها.

وقال: ليس من حب الدنيا طلبك منها ما لا بدَّ منه.

وقال: إنَّ العاقل إذا لم ينتفع بقليل الموعظة لم يزِده الكثير منها إلا شرًّا

(1)

.

وقال: الغيبة أشد من الدَّين؛ الدَّين يُقضى والغيبة لا تُقضى.

وقال المسيب بن واضح: سُئل ابن عيينة عن الزهد، فقال: الزهد فيما حرَّم الله، فأمَّا ما أحل الله فقد أباحَكَه الله، فإنَّ النبيين قد نكحوا وركبوا ولبسوا وأكلوا لكن الله نهاهم عن شيء فانتهوا عنه وكانوا به زهَّاداً.

وقال: مَنْ رأى أنه خير من غيره فقد استكبر، وذاك أنَّ إبليس إنما منعه من السجود لآدم عليه السلام استكباره.

وقال: أشدّ الناس حسرةً يوم القيامة ثلاثة: رجل كان له عبد فجاء يوم القيامة أفضل عملاً منه، ورجل له مال فلم يتصدَّق منه، فمات فورثه غيره فتصدَّق منه، ورجل عالم لم ينتفع بعلمه فعلم غيره فانتفع به.

(1)

حلية الأولياء (7/ 271 - 572)، وتهذيب الكمال (11/ 191 - 194)، ووفيات الأعيان (1/ 340).

ص: 17

وقال: الورع طلب العلم الذي يعرف به الورع، وهو عند قوم طول الصمت وقلة الكلام وما هو كذلك، إنَّ المتكلم العالم أفضل عندنا وأورع من الجاهل الصامت.

وقال يحيى بن عثمان: أتى رجل خراساني سفيان بن عيينة في مجلسه فرمى إليه بدرهمين فقال: حدِّثني بهما. فهمَّ به أصحاب الحديث، فقال: دعوه. ثم نكص وبكى ثم قال:

اعمل بِقولي وإن قصرت في عملي ينفعك قولي ولا يضرّك تقصيري

وذكر ابن خلكان أنَّ سفيان بن عيينة لما بلغه خبر جعفر وقتله وما نزل بالبرامكة حول وجهه إلى القِبلة وقال: اللهم إنه كان قد كفاني مؤنة الدنيا فاكفِه مؤنة الآخرة.

‌تدليسه:

قال ابن حبان في مقدمة صحيحه: وأمّا المدلِّسون الذين هم ثقات وعدول فإنّا لا نحتجّ بأخبارهم إلا ما بيَّنوا السماع فيما رووا مثل الثوري والأعمش وأبي إسحاق وأضرابهم من الأئمة المتقنين وأهل الورع في الدين لأنه متى قبلنا خبر مدلس لم يبيّن السماع فيه وإن كان ثقة لزمنا قبول المقاطيع والمراسيل كلها لأنه لا يدرى لعل هذا المدلس دلس هذا الخبر عن صغير يهي الخبر بذكره إذا عُرف اللهم إلا أن يكون المدلس يُعلم أنه ما دلس قط إلا عن ثقة فإن كان كذلك قُبلت روايته وإن لم يبيّن السماع. وهذا ليس في الدنيا إلا سفيان بن عيينة وحده فإنه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن، ولا يكاد يوجد لسفيان بن عيينة خبر دلس فيه إلا وجد ذلك الخبر بعينه قد بيّن سماعه عن ثقة مثل نفسه والحكم

ص: 18

في قبول روايته لهذه العلة وإن لم يبيّن السماع فيها كالحكم في رواية ابن عباس

(1)

إذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يسمع منه

(2)

.

قلت: سفيان قليل التدليس يدل على ذلك أنه حدَّث حديثاً عن معمر عن الزهري ثم قال: قد سمعته من الزهري بطوله فحفظت منه أشياء وهذا مما لم أحفظ منها يومئذ.

وهو ما رواه الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا معمر عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يقول: إنَّ الله بعث محمداً بالحقِّ وأنزل عليه الكتاب، وكان ممّا أنزل عليه آية الرجم، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده.

قال سفيان: قد سمعته من الزهري بطوله فحفظت منه أشياء، وهذا ممّا لم أحفظ منها يومئذ

(3)

.

هكذا بيَّن سفيان من حديثه هذا أنه لم يسمعه من الزهري إلا أنه دلسه ومما رواه البخاري في صحيحه عن علي بن عبد الله المديني، عن سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس قال: قال عمر: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. ألا وإن الرجم حق على مَنْ زنَى وقد أحصن إذا قامت البيِّنة أو كان الحبل أو الاعتراف. قال سفيان: كذا حفظت، ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده

(4)

.

(1)

وذلك أنَّ ابن عباس لم يسمع من النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا ستة أو سبعة أحاديث حيث كان صغيراً.

(2)

صحيح ابن حبان (1/ 161).

(3)

مسند الحميدي (25).

(4)

البخاري (6829).

ص: 19

قال الحافظ: قوله (عن الزهري) صرَّح الحميدي فيه بالتحديث عن سفيان قال: أتينا للزهري فقال: إن شئتم حدثتكم بعشرين حديثاً أو حدثتكم بحديث السقيفة. فقالوا: حدِّثنا بحديث السقيفة. فحدثهم به بطوله، فحفظت منه شيئاً ثم حدثني ببقيته كذلك معمر

(1)

.

وروى البخاري قال: حدثنا الحسن بن الصباح البزار، حدثنا سفيان عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يحدِّث حديثاً لو عدَّه العادّ لأحصاه

(2)

.

ورواه الحميدي عن سفيان ثم قال: ولم يسمعه سفيان من الزهري

(3)

، والحميدي أوثق وألزم أصحاب سفيان فكأنه صرَّح له بأنه لم يسمعه من الزهري ومع ذلك لم يؤثر هذا في حديثه، فأخرجه الإمام البخاري في صحيحه من طريقه. والله تعالى أعلم.

‌علة وهمه:

كان الشيخ يحدِّث ولا يسمح لتلاميذه بالكتابة ويحثّهم على الحفظ كما كانوا هم يحفظون، ثم إنَّ بعضهم كان يكتب إذا رجع إلى بيته من حفظه كل ما سمعه من شيخه في ذلك المجلس، ثم كان التلاميذ يتقابلون مع بعضهم للضبط.

(1)

فتح الباري (12/ 142).

(2)

البخاري (3567)، ورواه مسلم (2493) من طريق يونس بن يزيد عن الزهري.

(3)

في مسنده (249).

ص: 20

قال الحميدي: ثنا سفيان، قال: وسمعت عمراً قال له رجل من أهل مكة: إنَّ سفيان بن عيينة إذا ذهب البيت يكتب عنك. فاستلقى عمرو على فراشه في المسجد فبكى فقال: أحرّج بالله على كل مسلم يكتب عني شيئاً. وقال لي عمرو: يا غلام، أنا حين كنت مثلك لا أنسى شيئاً سمعته

(1)

.

وتقدَّم اختلاف أصحاب الزهري في حديث أملاه عليهم في مجلسه من ضمن أحاديث عديدة وهل كان عن أبي سلمة أو سعيد بن المسيب فكان أضبطهم له سفيان، وسفيان كان يكتب وهذا بخلاف ما ذكره العجلي أنه لم تكُن له كتب

(2)

. ومما يدل أنه يكتب ما رواه الحميدي، قال: ثنا سفيان، ثنا عمرو عن أبي الشعثاء، قال: الرجل أحق أن يغسل المرأة من أخيها. قال سفيان: كنت قد نسيت هذا حتى وجدته مكتوباً عندي بخطي

(3)

.

(1)

المعرفة والتاريخ (11 - 12)، وقال سفيان: ذكر لي أنَّ عمراً قال: يكتبون عني خطايا.

(2)

معرفة الثقات (1/ 417)، قد تقدم قريباً.

(3)

المعرفة والتاريخ (2/ 125).

ص: 21

‌الحديث الأول

(1)

:

84 -

قال الإمام البخاري (253): حدثنا أبو نُعيم قال: حدثنا ابن عيينة عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنه:

أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد.

قال أبو عبد الله: كان ابن عيينة يقول أخيراً: عن ابن عباس عن ميمونة، والصحيح ما روى أبو نعيم.

‌التعليق:

هذا إسناد رجال كلهم ثقات رجال الشيخين.

(1)

رجال الإسناد:

الفضل بن دُكين الكوفي، أبو نُعيم الملائي، مشهور بكنيته، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة 218 وقيل: 219، وكان مولده سنة 130، وهو من كبار شيوخ البخاري، وروى له مسلم.

عمرو بن دينار المكي، أبو محمد الأثرم الحمصي مولاهم، ثقة ثبت، من الرابعة، مات سنة 126، روى له البخاري ومسلم.

جابر بن زيد، أبو الشعثاء الأزدي ثم الجوفي البصري، مشهور بكنيته، ثقة فقيه، من الثالثة، مات سنة 93 ويقال: 103، روى له البخاري ومسلم.

ص: 23

وقد اختلف فيه على سفيان بن عيينة:

فرواه أبو نعيم الفضل بن دكين عن ابن عيينة، عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس.

فجعله من حديث ابن عباس رضي الله عنه وخالفه أصحاب سفيان بن عيينة فقالوا: (عن سفيان، عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، عن ميمونة رضي الله عنها) فجعلوه من حديث أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، منهم:

الشافعي

(1)

، والحميدي

(2)

، وأحمد بن حنبل

(3)

، وعبد الرزاق

(4)

، وأبو بكر بن أبي شيبة

(5)

، وقتيبة بن سعيد

(6)

، وابن أبي عمر محمد بن يحيى

(7)

، ويحيى بن موسى

(8)

، وإسحاق بن إسماعيل الطالقاني

(9)

، وأبو خيثمة زهير بن حرب

(10)

، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي

(11)

، وعبد الرحمن بن بشر

(12)

، وسعيد بن منصور

(13)

، والقعنبي

(14)

،

(1)

في مسنده (1/ 39) ومن طريقه أبو عوانة (810).

(2)

في مسنده (309) وأبو عوانة (810).

(3)

في المسند (6/ 330).

(4)

في المصنف (1032) والطبراني في الكبير (23/ 1032).

(5)

مسلم في صحيحه (327)، وهو في مصنفه (1/ 35)، وابن ماجه (377).

(6)

مسلم (322).

(7)

الترمذي (62).

(8)

النسائي (1/ 129) وفي الكبرى (238).

(9)

أبو عبيد في الطهور (151).

(10)

أبو يعلى (7080).

(11)

أبو عوانة (809).

(12)

أبو عوانة (819).

(13)

الطبراني في الكبير (23/ 1032).

(14)

الطبراني في الكبير (23/ 1032) وأبو نعيم في مسنده (725).

ص: 24

وإبراهيم بن بشار الرمادي

(1)

، وذكر الإسماعيلي

(2)

أيضاً ممن تابع الجماعة: المقدمي، وعثمان بن أبي شيبة، وعباس الترسي، وسريج بن يونس، وابن منيع، وعبد الجبار بن المخزومي، وابن البزار، وأبو همام، وأبو موسى الأنصاري، وابن وكيع، وعبد الرحمن بن مهدي.

وهذا الاختلاف في السند إنما هو من ابن عيينة نفسه لا من قِبل الرواة، فقد قال البخاري عقب الحديث:(كان ابن عيينة يقول أخيراً: عن ابن عباس عن ميمونة، والصحيح ما روى أبو نعيم). اه.

فرجح البخاري رواية سفيان الأُولى على روايته الثانية مع كثرة مَنْ روى عنه آخر قولَيه، ولم أجد مَنْ تابع أبا نعيم على روايته هذه عن سفيان.

وخرَّج مسلم وغيره رواية الجماعة عن سفيان.

قال الحافظ في «الفتح» (1/ 366): (كذا رواه عن ابن عيينة أكثر الرواة، وإنما رواه عنه كما قال أبو نعيم مَنْ سمع منه قديماً، وإنما رجَّح البخاري رواية أبي نعيم جرياً على قاعدة المحدِّثين، لأن من جملة المرجحات عندهم قِدم السماع لأنه مظنّة قوة حفظ الشيخ ولرواية الآخرين جهة أخرى من وجوه الترجيح وهي كونهم أكثر عهداً وملازمة لسفيان، ورجحها الإسماعيلي من جهة أخرى من حيث المعنى، وهي كون ابن عباس لا يطَّلع على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حالة اغتساله مع ميمونة، فيدل على أنه أخذه منها).

(1)

الطحاوي في شرح المشكل (89) وأبو نعيم في مستخرجه (725).

(2)

في صحيحه، قاله ابن رجب في شرحه للبخاري (1/ 254).

ص: 25

وقال ابن رجب في «فتح الباري» (1/ 253): (هذا الذي ذكره البخاري أنَّ الصحيح ما رواه أبو نعيم عن ابن عيينة بإسقاط ميمونة من الإسناد فيه نظر، وقد خالفه أكثر الحفّاظ في ذلك.

وخرَّجه مسلم عن قتيبة وأبي بكر بن أبي شيبة جميعاً عن ابن عيينة

وكذلك رواه الإمامان الشافعي وأحمد عن ابن عيينة.

وذكر الإسماعيلي في صحيحه ممَّن رواه عن ابن عيينة كذلك: المقدمي، وابنا أبي شيبة، وعباس الترسي، وإسحاق الطالقاني، وأبو خيثمة، وسريج بن يونس، وابن منيع، والمخزومي عبد الجبار، وابن البزار، وأبو همام، وأبو موسى الأنصاري، وابن وكيع، والأحمسي.

قال: وهكذا يقول ابن مهدي أيضاً عن ابن عيينة.

قال: وهذا أَولى لأن ابن عباس لا يطَّلع على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأهله يغتسلان، فالحديث راجع إلى ميمونة.

وذكر الدارقطني في «العلل» أنَّ ابن عيينة رواه عن عمرو، وقال فيه: عن ميمونة. ولم يذكر أنَّ ابن عيينة اختلف عليه في ذلك.

وهذا كله مما يبيِّن أنَّ رواية أبي نعيم التي صححها البخاري وهم). اه.

قلت: ما ذكره الحافظان ابن رجب وابن حجر رحمهما الله من حيث ترجيح الرواية برواية الأكثر إنما يكون لو كان الخلاف هو منهم، لكن في هذه الحالة الوهم هو من شيخهم سفيان فيُنظر هل تابع سفيان في روايته هذه عن عمرو أحد على وجه من وجوه الاختلاف فيحكم لهذا الوجه.

ص: 26

إلا أننا لم نجد مَنْ تابع سفيان في روايته هذه على هذين الوجهين بهذا اللفظ.

لكن روى مسلم (323) من طريق ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار، قال: أكبر علمي والذي يخطر على بالي أنَّ أبا الشعثاء أخبرني أنَّ ابن عباس أخبره أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة.

فهذا يرجح رواية أبي نعيم عن سفيان أنَّ الحديث من رواية ابن عباس لا ميمونة.

لكن قال ابن رجب: إنَّ هذا لا يرجح رواية ابن عيينة لأن ذكر أبي الشعثاء جابر بن زيد في إسناده مشكوك فيه، ولو قدّر أنه محفوظ، فلفظ الحديث مخالف للفظ حديث ابن عيينة، فإنَّ حديث ابن عيينة فيه اغتسالهما من إناء واحد، وحديث ابن جريج فيه اغتساله صلى الله عليه وسلم بفضل ميمونة، وهما حديثان مختلفان

(1)

.

قلت: صنيع الدارقطني يدل على أنهما حديث واحد.

جاء في «العلل» (15/ 259): (وسئل عن حديث ابن عباس عن ميمونة قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد.

فقال: يرويه عمرو بن دينار واختلف عنه:

فرواه ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، عن ميمونة.

وخالفه ابن جريج فرواه عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة.

(1)

فتح الباري لابن رجب (1/ 255).

ص: 27

وقول ابن جريج أشبه). اه.

وكذلك قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي (1/ 91): رواه البخاري ومسلم وأبو داود

(1)

والنسائي وابن ماجه بألفاظ مختلفة. والله تعالى أعلم.

وقد قال ابن رجب: وقد ذكر الإسماعيلي في صحيحه أنَّ المتقدمين كانوا لا يفرِّقون بين هاتين العبارتين، يعني (عن) و (أن)، وكذلك ذكر أحمد أيضاً أنهم كانوا يتساهلون في ذلك مع قوله أنهما ليسا سواء وأنَّ حكمهما مختلف لكن كان يقع ذلك منهم أحياناً على وجه التسامح وعدم التحرير

(2)

.

(1)

قوله: أبو داود، وهم منه.

(2)

شرح علل الترمذي (2/ 604).

ص: 28

‌الحديث الثاني

(1)

:

85 -

قال الإمام البخاري في صحيحه (456): حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان، عن يحيى، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:

أتتها بريرة تسألها في كتابتها فقالت: إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي. وقال أهلها: إن شئت أعطيتها ما بقي. وقال سفيان مرة: إن شئت أعتقتها ويكون الولاء لنا. فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكَّرَتْهُ ذلك فقال: «ابتاعيها فأعتقيها، فإنَّ الولاء لمَن أعتق» . ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وقال سفيان مرة: فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: «ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، مَنْ اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مائة مرة» .

ورواه مالك عن يحيى عن عمرة (أنَّ بريرة) ولم يذكر (صعد المنبر).

قال علي: قال يحيى وعبد الوهاب: عن يحيى عن عمرة نحوه.

وقال جعفر عن عون، عن يحيى: سمعت عمرة: سمِعتْ عائشة. اه.

(1)

رجال الإسناد:

علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي، أبو الحسن ابن المديني البصري، ثقة ثبت إمام، أعلم أهل عصره بالحديث وعلله، حتى قال البخاري: ما استصغرت نفسي إلا عند علي بن المديني. روى له البخاري ومسلم.

يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني، أبو سعيد القاضي، ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة 143 أو بعدها، روى له البخاري ومسلم.

عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، أكثرت عن عائشة، ماتت قبل سنة 100، روى لها البخاري ومسلم.

ص: 29

‌التعليق:

تفرَّد سفيان في قوله: (وقال أهلها: إن شئت أعطيتها ما بقي) وهذه اللفظة وهم منه.

فقد روى الليث بن سعد هذا الحديث عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ بريرة جاءت تستعينها في كتابتها (ولم تكن قضت في كتابتها شيئاً).

أخرجه البخاري

(1)

ومسلم عن قتيبة بن سعيد عن الليث. وتابعه يونس بن يزيد

(2)

.

قال ابن رجب في «فتح الباري» (2/ 521): وفي حديث ابن عيينة شكَّ منه في لفظتين:

إحداهما: هل قال في الحديث: (ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر)؟

أو قال: (فصعد على المنبر)؟ وهذا اختلاف قريب لأن المعنى متقارب غير أنَّ رواية (قام على المنبر) تقتضي أنه خطب بذلك قائماً، وليس في مجرد صعوده ما يقتضي قيامه.

الثانية: شكَّ سفيان هل في الحديث أنَّ أهل بريرة قالوا لعائشة: (إن شئت أعتقتها ويكون الولاء لنا؟) أو قالوا: (إن شئت أعطيتها ما بقي) بدل (أعتقتها).

(1)

في صحيحه (2561) ومسلم في صحيحه (1504) و (6).

(2)

النسائي (7/ 305) وفي الكبرى (6252)، والبيهقي (7/ 248)، وأبو عوانة (4791)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4366).

ص: 30

وقد خرَّج ابن خزيمة في مصنَّف له مفرد في الكلام على حديث بريرة هذا الحديث عن عبد الجبار بن العلاء، عن سفيان وقال فيه: إنهم قالوا لعائشة: (إن شئت فأعطي ما بقي ويكون لنا الولاء).

وقال: هذه اللفظة (فأعطي ما بقي) وهم

قلت (أي: ابن رجب): قد تبيَّن برواية البخاري عن ابن المديني عن سفيان أنه كان يتردد في هذه اللفظة ولا يجزم بها، وقد رواه الحميدي (241) وغيره عن سفيان ولم يذكروها إنما ذكروا لفظة (العتق).

ص: 31

‌الحديث الثالث

(1)

:

86 -

قال الإمام البخاري (536، 537): حدثنا علي بن عبد الله المديني، ثنا سفيان، قال: حفظناه من الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:

«إذا اشتدَّ الحر فأبردوا بالصلاة فإنَّ شدة الحر من فيح جهنم.

واشتكت النار إلى ربِّها فقالت: ربِّي، أكل بعضي بعضاً. فأذِنَ لها بِنفَسَين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشدّ ما تجدون من الحر، وأشدّ ما تجدون من الزمهرير».

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.

وأخرجه الشافعي (1/ 52)، والحميدي (942)، وأحمد (2/ 238)، وأبو عوانة (1015) من طريق الحميدي، والبيهقي (1/ 437) من طريق علي المديني والشافعي، وأبو يعلى (5871) من طريق عمرو الناقد، كلهم عن سفيان به.

وأخرجه أبو عوانة (1016) من طريق أحمد بن شيبان، وابن

(1)

رجال الإسناد:

علي بن عبد الله المديني: تقدم انظر حديث رقم (2).

الزهري: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه، من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة 125 روى له البخاري ومسلم.

سعيد بن المسيب بن حزن القرشي المخزومي، أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، من كبار الثانية

، مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين، روى له البخاري ومسلم.

ص: 32

حبان (7466) من طريق إسحاق بن إبراهيم، كلاهما عن سفيان مقتصراً على الشطر الثاني وهو قول:«اشتكت النار» .

وأخرجه النسائي في «الكبرى» (1488)، وابن خزيمة (329)، وابن الجارود (156)، وأبو عوانة (1014) من طرق عن سفيان مقتصراً على الشطر الأول.

هكذا قال سفيان عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:

«إذا اشتدَّ الحر فأبردوا بالصلاة

».

«واشتكت النار إلى ربِّها

».

وخالفه أصحاب الزهري فرووا الشطر الأول فقط بهذا الإسناد وقرنوا أبا سلمة مع سعيد.

وممَّن رواه كذلك الليث بن سعد

(1)

، ويونس

(2)

، وعمرو بن الحارث

(3)

، وابن جريج

(4)

، ومعمر

(5)

، وزمعة بن صالح

(6)

، ويحيى بن سعيد الأنصاري

(7)

، وإسماعيل بن أمية (7)، وابن أبي ذئب، وابن أخي الزهري (7)، وأسامة بن زيد (7).

(1)

مسلم (615).

(2)

مسلم (615).

(3)

مسلم (615).

(4)

عبد الرزاق (2049).

(5)

عبد الرزاق (2049) وابن حبان (1506).

(6)

الطيالسي (2421) ط التركي.

(7)

الدارقطني في العلل (9/ 393 - 394).

ص: 33

ورواه شعيب بن أبي حمزة

(1)

، وصالح بن أبي الأخضر

(2)

عن الزهري عن أبي سلمة وحده، قال الدارقطني: الطريقان محفوظان كما سيأتي.

أمَّا الشطر الثاني وهو قول «اشتكت النار» فإنه ليس من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، إنما هو من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة.

هكذا رواه شعيب بن أبي حمزة

(3)

، ويونس بن يزيد

(4)

، ومعمر

(5)

، فقالوا:(عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة).

وكذلك رواه عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان

(6)

، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث

(7)

، ومحمد بن عمرو بن علقمة

(8)

، ثلاثتهم عن أبي سلمة عن أبي هريرة؛ لذا جزم الإمام أحمد بخطأ سفيان في هذه الرواية

(9)

.

قال الخلال: أخبرنا زكريا بن يحيى، ثنا أبو طالب، أنَّ أبا عبد الله (يعني الإمام أحمد) قال: سفيان بن عيينة في قلة ما روى نحو

(1)

النسائي في الكبرى (1487).

(2)

أمالي المحاملي (287).

(3)

البخاري (3260).

(4)

مسلم (617).

(5)

أحمد (2/ 377)، وعبد الرزاق في التفسير (2/ 337)، والنسائي في الكبرى (2640).

(6)

مسلم (617) و (186).

(7)

مسلم (617) و (187).

(8)

أحمد (2/ 503) وهناد في الزهد (240).

(9)

ولم يتابع سفيان إلا جعفر بن برقان وهو ضعيف في الزهري.

ص: 34

من خمسة عشر حديثاً أخطأ فيها في أحاديث الزهري، فذكر منها حديث «اشتكت النار إلى ربِّها» إنما هو عن أبي سلمة

(1)

.

قال الدارقطني: (وسئل عن حديث سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبردوا بالظهر فإنَّ شدة الحر من فيح جهنم» .

فقال: يرويه الزهري، واختلف عنه:

فرواه يحيى بن سعيد الأنصاري وإسماعيل بن أمية وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد والليث بن سعد وابن أخي الزهري، وابن أبي ذئب وأسامة بن زيد وابن جريج ومعمر عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة.

وخالفهم شعيب بن أبي حمزة وصالح بن أبي الأخضر روياه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة.

ورواه ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وجمع معه حديثاً آخر وهو قوله: «اشتكت النار إلى ربِّها

». والقولان محفوظان عن الزهري)

(2)

.

قلت: وقد جوَّد هذا الحديث يونس بن يزيد

(3)

ومعمر

(4)

فحدثا عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بالشطر الأول، وعن

(1)

المنتخب من العلل للخلال (ص 287).

(2)

العلل (9/ 390 - 394).

(3)

مسلم (615).

(4)

عبد الرزاق (2049).

ص: 35

الزهري عن أبي سلمة وحده بالشطر الثاني.

أما وجه إخراج الإمام البخاري حديث سفيان هذا مع ما فيه من علة، فإنه إنما أخرجه في باب الإبراد بالظهر في شدة الحر من كتاب «مواقيت الصلاة» ، وهذا المناسب للشطر الأول من حديث سفيان.

وأخرج حديث شعيب في (باب صفة النار وأنها مخلوقة) من كتاب «بدء الخلق» .

ص: 36

‌الحديث الرابع

(1)

:

87 -

قال الإمام البخاري (5548): حدثنا مسدد، حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها:

أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها وحاضت بسرف قبل أن تدخل مكة وهي تبكي، فقال:«ما لك، أَنَفِست؟» قالت: نعم. قال: «إنَّ هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت» . فلمّا كنا بِمنَى أتيت بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ قالوا: ضحَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بالبقر.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير مسدد من رجال البخاري وأخرجه البخاري (294) من طريق علي بن المديني وفي (5559) من طريق قتيبة بن سعيد، ومسلم (1211)(119) من طريق

(1)

رجال الإسناد:

مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مستورد الأسدي البصري، أبو الحسن، ثقة حافظ، ويقال: إنه أول مَنْ صنَّف المسند بالبصرة، من العاشرة، مات سنة 228، روى له البخاري.

عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي، أبو محمد المدني، ثقة جليل، قال ابن عيينة: كان أفضل أهل زمانه، من السادسة، مات سنة 126 وقيل: بعدها، روى له البخاري ومسلم.

القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي، ثقة أحد الفقهاء بالمدينة، قال أيوب: ما رأيت أفضل منه. من كبار الثالثة، مات سنة 106 على الصحيح، روى له البخاري ومسلم.

ص: 37

ابن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب، كلهم عن سفيان بن عيينة به.

وأخرجه الشافعي في «السنن» (459)، والحميدي (206)، وأحمد (6/ 39)، وإسحاق بن راهويه (917) عن سفيان به، والنسائي (1/ 153 - 154) و (5/ 165)، وابن ماجه (2963)، وأبو يعلى (4719)، وابن الجارود (466)، وابن خزيمة (2905)، وابن حبان (3834)، والبيهقي (1/ 308) و (5/ 86)، كلهم من طرق عن سفيان بن عيينة به.

هكذا قال سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم (ضحَّى عن أزواجه بالبقر).

خالفه عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون

(1)

فرواه عن عبد الرحمن بن القاسم بهذا الإسناد فقال: (أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر).

ورواه حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن القاسم به فقال: (وذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر يوم النحر)

(2)

.

ورواه عمار الدهني عن عبد الرحمن بن القاسم به فقال: (ذبح عنّا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حججنا بقرة)

(3)

.

(1)

مسلم (1211) و (120)، والبخاري (305) مختصراً وليس فيه ذكر ذبح البقر.

(2)

أبو داود (1782).

(3)

النسائي في الكبرى (4129).

ص: 38

ورواه عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم فقال: (فلمّا كان يوم النحر ذبح النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر)

(1)

.

وروى يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها هذا الحديث وفيه: (فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ فقيل: ذبح النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن أزواجه).

قال يحيى: فذكرت هذا الحديث للقاسم بن محمد، فقال: أتتك بالحديث على وجهه

(2)

.

وروى يونس بن يزيد عن الزهري، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (نحر عن آل محمَّد في حجة الوداع بقرة واحدة)

(3)

.

ورواه معمر عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة، ولفظه:(ما ذبح عن آل محمَّد في حجة الوداع إلا بقرة)

(4)

.

وروى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمَّن اعتمر معه من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن)

(5)

.

وهذا نص واضح في كون البقر المذبوح هو هدي لمن تمتع من

(1)

البخاري (1701) و (1720) ومسلم (1211) و (125).

(2)

البخاري (1720)، ومسلم (1211)(125).

(3)

النسائي (4130) وسنده على شرط الشيخين.

(4)

ابن حبان (4008).

(5)

أبو داود (1751)، والنسائي في الكبرى (4128)، وابن ماجه (3133)، وابن خزيمة (2903)، وابن حبان (4008)، والحاكم (1/ 467)، والبيهقي (4/ 254)، وصححه الحاكم على شرط الشيخين.

ص: 39

نسائه يؤيد رواية عبد العزيز الماجشون

(1)

.

قال الحافظ: أخرجه مسلم أيضاً من طريق عبد العزيز الماجشون عن عبد الرحمن بن القاسم لكن بلفظ (أهدى) بدل (ضحى) والظاهر أنَّ التصرف من الرواة لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر فحمله بعضهم على الأضحية، فإنَّ رواية أبي هريرة صريحة في أنَّ ذلك كان عمَّن اعتمر من نسائه فقويت برواية من رواه بلفظ (أهدى) وتبيَّن منه أنه هدي التمتع فليس فيه حجة على مالك في قوله: لا ضحايا على أهل منَى. والله أعلم.

‌الدلالة الفقهية:

دلَّ الحديث على أنَّ الحاج وهو في منَى يضحِّي يوم النحر، وقد علمت أنَّ لفظ (ضحَّى) ليس به المراد الأضحية لأن الحاج الأفضل في حقِّه الهدي؛ لذا أخرج ابن خزيمة هذا الحديث في كتاب «الحج» وعقد عليه باب ذكر الدليل على أنَّ اسم الضحية قد يقع على الهدي الواجب إذ نساء النبيِّ صلى الله عليه وسلم كنَّ متمتعات خلا عائشة التي صارت قارنة لإدخالها الحج على العمرة لما لم يتمكنها الطواف والسعي لعلة الحيضة

(2)

.

وقال ابن حزم: (كلا اللفظين صحيح، لا نردّ أحدهما بالآخر، وكل أضحية هدي فمَن ضحَّى فقد أهدى الله عز وجل-هدياً وليس كل هدي أضحية، والنسك اسم جامع لكلِّ ذلك)

(3)

.

(1)

فتح الباري (3/ 551).

(2)

صحيح ابن خزيمة (4/ 89).

(3)

حجة الوداع (1/ 302).

ص: 40

إلا أنه قال بعد ذلك: وأيضاً فإنَّ سفيان ذكر التضحية زائدة معنى ليس في رواية الماجشون عن عبد الرحمن إذ قال: (أهدى) ولا رواية عمرة إذا قالت: (نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم والزائد في المعنى زائد علماً وسنَّة يلزم الأخذ بها. ثم ذكر الأحاديث التي وردت أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذبح عمَّن اعتمر من نسائه بقرة عنهن وأنَّ هذا غير البقر الذي ضحَّى به

إلى آخر ما قاله، وهو تكلف واضح.

قال ابن بطال: اختلف العلماء في المسافر: هل تجب عليه أضحية؟ فقال الشافعي: الضحية سنة على جميع الناس وعلى الحاج بِمنَى. وبه قال أبو ثور، وقال مالك: الأضحية على المسافر ولا يؤمر بتركها إلا الحاج بِمنَى. ومذهب ابن عمر أن: الضحية تلزم المسافر. وهو قول الأوزاعي والليث، وقال أبو حنيفة: لا تجب الضحية على المسافر. وروى عن النخعي أنه قال: رخص للحاج والمسافر أن لا يضحِّي، وحجة الشافعي هذا الحديث وهو قول:(ضحَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه) وكانوا في الحج وفي حال سفر

(1)

.

‌الخلاصة:

تفرَّد سفيان بن عيينة في قوله: (ضحَّى عن نسائه بالبقر)، وخالفه عبد العزيز الماجشون وهو مدني، وكذلك شيخهما عبد الرحمن بن القاسم مدني بخلاف سفيان فإنه مكي، فروايته أدق

(1)

شرح صحيح البخاري لابن بطال (6/ 9) و «التوضيح شرح الجامع الصحيح» لابن الملقن (26/ 599).

ص: 41

ويحمل قول سفيان: (ضحَّى) كما قال ابن خزيمة أنه أراد به الهدي الواجب، وعبد العزيز الماجشون. قال أشهب: هو أعلم من مالك، وقال ابن حبان كان فقيهاً ورعاً متابعاً لأهل الحرمين، قاله ابن حجر عقب أن أورد ذلك: وكذلك قال البخاري.

ص: 42

‌الحديث الخامس

(1)

:

88 -

قال الإمام البخاري (7165): حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، قال الزهري، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال:

شهدت المتلاعنين وأنا ابن خمس عشرة فرق بينهما.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، وأخرجه البخاري أيضاً (6854) في كتاب «الحدود» باب مَنْ أظهر الفاحشة واللطخ والتهمة بغير بيِّنة وزاد فيه بعد قوله بينهما: (فقال زوجها: كذبت عليها إن أمسكتها. قال: فحفظت ذلك من الزهري: إن جاءت به كذا وكذا فهو

وإن جاءت به كذا وكذا كأنه وحرة فهو

وسمعت الزهري يقول: جاءت به الذي يكره).

وأخرجه الشافعي في «السنن» (1/ 265)، وفي «الأُمّ» (5/ 126)، وفي مسنده (2/ 46) عن سفيان به، وأبو داود (2251)، وأبو عوانة (4682)، والروياني في مسنده (1077)، والبيهقي في «المعرفة» (11/ 151)، والطبراني في «الكبير» (5687)(5690)، وابن عبد البر في «التمهيد» (15/ 16)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (25/ 302)،

(1)

رجال الإسناد:

علي بن عبد الله المديني، تقدم. انظر: حديث رقم (2).

الزهري، محمد بن مسلم بن شهاب، تقدم. انظر: حديث رقم (3).

سهل بن سعد بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي، أبو العباس، له ولأبيه صحبة، مشهور، مات سنة 88 وقيل: بعدها وقد جاوز المائة، وحديثه في الصحيحين.

ص: 43

والبيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 401)، كلهم من طرق عن سفيان به.

هكذا قال سفيان عن الزهري عن سهل بن سعد أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين.

خالفه أصحاب الزهري فذكروا أنه (أي: الملاعن) طلَّق زوجته ثلاثاً قبل أن يأمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك منهم:

مالك بن أنس

(1)

إمام دار الهجرة ولفظه: (فلمّا فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها. فطلَّقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين.

والأوزاعي

(2)

ولفظه: (قال: يا رسول الله، إن حبستها فقد ظلمتها. فطلَّقها، فكانت سنَّة لمَن كان بعدهما من المتلاعنين).

وابن أبي ذئب

(3)

ولفظه: (ثم قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها. ففارقها، ولم يأمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم بفراقها، فجرت السنَّة بين المتلاعنين).

وابن جريج

(4)

ولفظه: (فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد، فلمّا فرغا قال: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها. فطلَّقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغا من التلاعن ففارقها عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

(1)

البخاري (5259) و (5308)، ومسلم (1492)(1)، والشافعي في مسنده (2/ 46) وفي الأُمّ (5/ 125) ط د. أحمد حسون، وأبو داود (2245)، وأحمد (5/ 337)، وغيرهم.

(2)

البخاري (4745).

(3)

البخاري (7304)، والشافعي في الأُمّ (5/ 125)، وفي المسند (2/ 45).

(4)

البخاري (5309)، ومسلم (1429)(3)، والشافعي (5/ 125)، وفي المسند (2/ 6).

ص: 44

فقال: ذاك تفريق بين كل متلاعنَين. قال ابن جريج: قال ابن شهاب: فكانت السنَّة بعدهما أن يفرق بين المتلاعنين).

وفليح بن سليمان

(1)

ولفظه: (فتلاعنا وأنا شاهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ففارقها، فكانت سنَّة أن يفرق بين المتلاعنين).

ويونس بن يزيد

(2)

ولفظه: (حضرت لعانهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة، فلمّا فرغا من تلاعنهما قال: يا رسول الله، كذبت عليها إن أمسكتها. قال: فطلَّقها ثلاثاً).

وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون

(3)

ولفظه: (فطلَّقها قبل أن يأمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم. قال: فكان فراقه إياها سنَّة في المتلاعنين).

وإبراهيم بن سعد

(4)

ولفظه: (ففارقها قبل أن يأمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم بفراقها فصارت سنَّة بين المتلاعنين).

وعقيل بن خالد

(5)

ولفظه: (ثمَّ فارقها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت السنَّة بعد فيهما أن يفرق بين المتلاعنين).

(1)

البخاري (4746).

(2)

مسلم (1492)(2) ولم يسق لفظه وأحاله على حديث مالك، وأبو داود (2247)، والروياني في مسنده (1079)، والطبراني في الكبير (5685) واللفظ له.

(3)

أحمد (5/ 337)، والنسائي (6/ 170 - 171)، وابن الجعد (2871)، والطحاوي (4/ 156)، والطبراني (5690) و (5692).

(4)

الشافعي في الأُمّ (5/ 125) والمسند (2/ 45 - 46)، وأحمد (5/ 334)، وابن ماجه (2066)، والروياني (1080)، وابن عبد البرّ (15/ 35)، وأخرجه أبو داود (2245) مختصراً.

(5)

أحمد (5/ 337)، وأبو عوانة (4678) و (4679) واللفظ له، والروياني (1081)، والطبراني (5679).

ص: 45

ومحمد بن إسحاق

(1)

ولفظه: (يا رسول الله، ظلمتها إن أمسكتها، هي الطلاق، هي الطلاق، هي الطلاق).

وفي رواية: (هي طالق البتة).

وعياض بن عبد الله الفهري

(2)

ولفظه: (فطلَّقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ما صنع عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم سنَّة).

وقرة بن عبد الرحمن

(3)

.

لذا قال الإمام الشافعي بعد أن ساق حديث مالك وابن جريج وإبراهيم بن سعد، قال:(أخبرنا سفيان، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد، قال: شهدت المتلاعنين عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة. ثمَّ ساق الحديث فلم يتقنه إتقان هؤلاء)

(4)

.

قال البيهقي: يريد ما مضى من رواية مالك وغيره

(5)

.

ولذا قال أبو داود: (لم يتابع ابن عيينة أحد على أنه فرق بين المتلاعنين)

(6)

.

وقال البيهقي: وقد رواه جماعة عن الزهري منهم الأوزاعي ثم

(1)

أحمد (5/ 334)، والطبراني (5688) و (5689) ولفظه: طالق البتة.

(2)

أبو عوانة (4676)، والدارقطني (3/ 275)، والبيهقي (7/ 401).

(3)

الطبراني (5680) ولم يسق لفظه وأحاله على حديث عقيل بن خالد.

(4)

مسند الشافعي (2/ 46 رقم 150) والأُمّ (5/ 126).

(5)

معرفة السنن والآثار (11/ 151).

(6)

في سننه (2/ 475) عقب الحديث (2251)، ونقله عنه البيهقي (4/ 401) ثم قال: إلا ما رويناه عن الزبيري عن الزهري، والدارقطني (3/ 275).

ص: 46

ساق حديثه، ومنهم يونس بن يزيد الأيلي ثم ساق حديثه قال: ومنهم سفيان بن عيينة إلا أنه لم يتقنه إتقان هؤلاء وزاد فيه ففرق بينهما

(1)

.

وقال ابن عبد البر: «وقال ابن عيينة عن ابن شهاب عن سهل أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين، وأنكروه على ابن عيينة.

وقد كان ابن معين يقول في ذلك: ما حدثنا به عبد الوارث عن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: سُئل يحيى بن معين عن حديث ابن عيينة وأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فرق بينهما فقال: أخطأ، ليس النبيّ صلى الله عليه وسلم فرق بينهما.

هكذا ذكره ابن أبي خيثمة في «التاريخ» عن ابن معين، فإن صحَّ هذا ولم يكُن فيه وهم فالوجه فيه أن يحمل كلام ابن معين على أن ليس النبيّ صلى الله عليه وسلم فرق بينهما من حديث ابن شهاب عن سهل بن سعد»

(2)

.

قال الدارقطني: (وأخرج البخاري حديث ابن عيينة عن الزهري عن سهل بن سعد وفرق بين المتلاعنين، وهذا ممّا وهم فيه ابن عيينة لأن أصحاب الزهري قالوا: فطلقها قبل أن يأمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم وكان فراقه إياها سنَّة، لم يقُل أحد منهم إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فرق بينهما.

قال الحافظ معقباً: لم أره عند البخاري بتمامه، وإنما ذكر بهذا الإسناد طرفاً منه وكأنه اختصره لهذه العلة قبل الاعتراض عليه)

(3)

.

(1)

السنن الكبرى (7/ 400).

(2)

التمهيد (15/ 15).

(3)

مقدمة فتح الباري (14/ 381) المطبوع مع «الفتح» .

ص: 47

‌علة الوهم:

دخل على سفيان حديث في حديث.

فسفيان روى عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين. فهذا ثابت من حديث ابن عمر وهو في الصحيحين وغيرهما من طرق أخرى أيضاً عن ابن عمر

(1)

.

إلا أنَّ في حديث الزهري ليس فيه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم هو الذي فرق بينهما بل جاء صريحاً من حديث مالك وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد أنه فارقها ولم يأمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم بفراقها.

قال ابن عبد البر: (معنى قول أبي داود هذا عندي أنه لم يتابعه أحد على ذلك في حديث ابن شهاب عن سهل بن سعد لأن ذلك محفوظ في حديث ابن عمر من وجوه ثابتة، وأظن ابن عيينة اختلط عليه لفظ حديثه عن ابن شهاب عن سهل بن سعد بلفظ حديثه عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عمر)

(2)

.

والله تعالى أعلم.

(1)

البخاري (5312)، ومسلم (1493)(5)، والشافعي (2/ 48)، وفي الأُمّ (5/ 925).

(2)

التمهيد (15/ 17).

ص: 48

‌الحديث السادس

(1)

:

89 -

قال الإمام مسلم في صحيحه (363): حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وابن أبي عمر جميعاً عن ابن عيينة، قال يحيى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنه قال:

تُصُدِّقَ على مولاة لِميمونة بِشاة فماتت، فمرَّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به» . فقالوا: إنها ميتة. فقال: إنما حرم أكلها».

قال أبو بكر وابن أبي عمر في حديثهما: عن ميمونة.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح.

وقد اختلف على سفيان في هذا الإسناد.

(1)

رجال الإسناد:

يحيى بن يحيى بن بكر التميمي النيسابوري، ثقة ثبت إمام، من العاشرة، مات سنة 226 على الصحيح، روى له البخاري ومسلم.

أبو بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، ثقة حافظ صاحب تصانيف من العاشرة مات سنة 235 روى له البخاري ومسلم.

عمرو بن محمد بن بكير الناقد البغدادي ثقة حافظ وهم في حديث، من الطبقة العاشرة، روى عنه البخاري ومسلم.

ابن أبي عمر، سيأتي انظر حديث رقم (8).

الزهري، تقدم.

عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه ثبت، من الثالثة، مات سنة 94 وقيل: 98، روى له البخاري ومسلم.

ص: 49

فرواه أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد بزيادة ميمونة في الإسناد.

وأخرجه كذلك الحميدي في مسنده (315)، وأحمد (6/ 329)، وأبو داود (4120) من طريق مسدد ووهب بن بيان، والنسائي (7/ 171) من طريق قتيبة بن سعيد، وأبو يعلى (7079)، وابن حبان (1289) من طريق أبي خيثمة زهير بن حرب، وأبو يعلى (7100) من طريق إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، وأبو عوانة (548) و (549) من طريق شعيب بن عمرو الدمشقي وعلي بن المديني، وأبو نعيم في «المستخرج على مسلم» (798) من طريق الحميدي وابن أبي شيبة والقعنبي، والطبراني في «المعجم الكبير» (23/ 1037) من طريق القعنبي، والبيهقي (1/ 16) من طريق سعدان بن نصر، كلهم عن سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة.

هكذا قال سفيان (عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة).

خالفه مالك

(1)

، ومعمر

(2)

، وصالح بن كيسان

(3)

، ويونس بن يزيد

(4)

، وعقيل بن خالد

(5)

، والأوزاعي

(6)

، ومحمد بن الوليد

(1)

في «الموطأ» (2/ 498)، ومن طريقه الشافعي (1/ 27)، وأحمد (1/ 327)، والنسائي (7/ 772)، وأبو عوانة (553).

(2)

أبو داود (4121)، وعبد الرزاق (184)، وأحمد (1/ 356)، وعبد بن حميد (651)، وأبو عوانة (553).

(3)

البخاري (2221) و (5531) ومسلم (363).

(4)

البخاري (1492) ومسلم (363).

(5)

أبو عوانة (554)، والدارقطني (1/ 41)، والبيهقي (1/ 20).

(6)

أحمد (1/ 329)، وأبو يعلى (2419)، وابن حبان (1282)، والطبراني (1039).

ص: 50

الزبيدي

(1)

، وحفص بن الوليد

(2)

، وصالح بن أبي الأخضر

(3)

، وإسحاق بن راشد

(4)

، وسليمان بن كثير

(5)

.

فقالوا: (عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس)، لم يذكروا ميمونة في الإسناد.

وقد رواه سفيان بمثل روايتهم، رواه عنه كذلك من أصحابه: الشافعي

(6)

، ويحيى بن يحيى

(7)

، وعمرو الناقد

(8)

، وعلي بن المديني

(9)

، وعثمان بن أبي شيبة

(10)

، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف

(11)

، ويحيى بن حسان

(12)

، وإبراهيم بن بشار الرمادي

(13)

، ومحمد بن أبي بكر المقدمي

(14)

، والحسن بن محمد الزعفراني

(15)

،

(1)

الدارمي (2/ 86)، وابن جرير في تهذيب الآثار (2/ 805 مسند ابن عباس)، والدارقطني (1/ 41).

(2)

النسائي (7/ 172).

(3)

الطبراني في الكبير (1041).

(4)

الطبراني (1040).

(5)

الدارقطني (1/ 42).

(6)

في الأُمّ (1/ 60) ومن طريقه أبو عوانة (547).

(7)

مسلم (363).

(8)

مسلم (363).

(9)

أبو عوانة (549).

(10)

أبو داود (4120).

(11)

أبو داود (4120).

(12)

الدارمي (2/ 86).

(13)

أبو نعيم (798).

(14)

أبو نعيم (798).

(15)

البيهقي (1/ 16).

ص: 51

ويحيى بن آدم

(1)

، وسفيان بن وكيع

(2)

، ومحمد بن عيسى الدامغاني

(3)

، وعبد الجبار بن العلاء

(4)

، ومحمد بن أبي عبد الرحمن المقرئ

(5)

.

وهذا الاختلاف من ابن عيينة فرواه عنه جمع من أصحابه وهم: ابن أبي شيبة، وعمرو الناقد، والحميدي، وأحمد، ومسدد، ووهب، وقتيبة بن سعيد، وأبو خيثمة، والطالقاني، وشعيب بن عمرو، وابن المديني، والقعنبي، والرمادي، وسعدان بن نصر، هؤلاء كلهم رووه عن سفيان بذكر ميمونة في الإسناد.

ورواه عنه قوم آخرون فجعلوه في مسند ابن عباس لم يذكروا فيه ميمونة.

قال الحميدي عقب الحديث: وكان سفيان ربما لم يذكر فيه ميمونة فإذا وقف عليه قال فيه: ميمونة.

وقال علي بن المديني وقد أخرجه عن سفيان بدون ذكر ميمونة قال: وقال سفيان غير مرة: عن ابن عباس عن ميمونة

(6)

.

وقال أبو داود: حدثنا مسدد، حدثنا يزيد، حدثنا معمر، عن الزهري بهذا الحديث لم يذكر ميمونة

(7)

.

(1)

ابن جرير في تهذيب الآثار (2/ 803 رقم 1176).

(2)

المصدر السابق (1177).

(3)

المصدر السابق (1178).

(4)

الدارقطني (1/ 41).

(5)

الدارقطني (1/ 41).

(6)

مسند أبي عوانة (1/ 179) عقب الحديث (549).

(7)

عقب الحديث (4122).

ص: 52

وقال ابن حجر: والراجح عند الحفَّاظ في حديث الزهري ليس فيه ميمونة

(1)

.

وقال محمد بن يحيى الذهلي: لست أعتمد في هذا الحديث على ابن عيينة لاضطرابه فيه

(2)

.

وقال ابن عبد البر بعد أن ذكر رواية الإمام مالك: وكذلك رواه معمر ويونس والزبيدي وعقيل، كلهم عن ابن شهاب، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكان ابن عيينة يقول مراراً كذلك ومراراً يقول فيه: عن ابن عباس عن ميمونة

(3)

.

هذا ما يخص الإسناد.

أمّا في المتن فقد ذكر بعض أهل العلم أنَّ ذكر الدباغ في حديث الزهري وهم لأن الثقات المقدمين في الزهري لم يذكروه، مثل: الإمام مالك، ومعمر، ويونس بن يزيد، وصالح بن كيسان، ومَن تابعهم كالأوزاعي، وصالح بن أبي الأخضر، وإسحاق بن راشد.

لذا قال الإمام أحمد فيما نقله ابنه عبد الله قال: سمعت أبي يقول: (اذهب إلى حديث ابن عكيم جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب).

وحديث ابن عباس قد اختلف فيه، قال الزهري: عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة، ولم يذكر فيه الدباغ، وذكر ابن عيينة الدباغ ولم يذكره معمر ولا مالك وأراه وهم، قال معمر وقال الزهري:

(1)

فتح الباري (9/ 658).

(2)

التمهيد لابن عبد البرّ (9/ 50).

(3)

التمهيد (9/ 50).

ص: 53

ينتفع بالجلد وإن لم يدبغ لقوله: (ألا انتفعتم بإهابها). قال أبي: حدثناه عبد الرزاق عن معمر

(1)

.

وقال ابن عبد البر: قال محمد بن يحيى النيسابوري: لست أعتمد في هذا الحديث على ابن عيينة لاضطرابه فيه.

قال: وأمّا ذكر الدباغ فيه فلا يوجد إلا من رواية يحيى بن أيوب عن عقيل، ومن رواية بقية عن الزبيدي، ويحيى وبقية ليسا بالقويين، ولم يذكر مالك ولا معمر ولا يونس الدباغ، وهو الصحيح في حديث الزهري وبه كان يفتي، قال: وأمّا من غير رواية الزهري فذلك محفوظ صحيح عن ابن عباس

(2)

.

فوجه إعلال الإمام أحمد ومحمد بن يحيى الذهلي رواية ابن عيينة عن الزهري في الدباغ أنَّ الزهري كان ينكر الدباغ ويقول: ينتفع بالجلد وإن لم يدبغ. وما كان لِيخالف ما روى.

فقد روى عبد الرزاق

(3)

عن معمر: وكان الزهري ينكر الدباغ ويقول: يستمتع به على كل حال.

ورواه أحمد وأبو داود من طريق محمد بن يحيى الذهلي كلاهما أحمد ومحمد عن عبد الرزاق وقد جاء ما يدل على أنَّ الزهري يستدل بقوله هذا بحديثه عن ابن عباس.

(1)

مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله (39).

(2)

التمهيد (9/ 50)، لكن ابن عبد البرّ حمل هذا الاختلاف على الزهري فقال عقبه: والقول الذي قاله النيسابوري عن ابن عيينة من اضطرابه عن الزهري في هذا الحديث قد قاله غيره عن ابن شهاب، واضطراب ابن شهاب في هذا الحديث وفي حديث ذي اليدين كثير جدًّا.

(3)

في المصنف (185)، ومن طريقه أحمد (1/ 365)، وأبو داود (4122).

ص: 54

قال ابن عبد البر: وروى الليث عن يونس بن يزيد قال: سألت ابن شهاب عن جلد الميتة، فقال: حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد شاة ميتة أعطتها مولاة لِميمونة من الصدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هلا انتفعتم بجلدها؟» قالوا: إنها ميتة. قال: «إنما حرم أكلها»

(1)

.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية مبيِّناً إنكار أهل العلم على رواية ابن عيينة: (وطعن هؤلاء فيما رواه مسلم وغيره إذ كانوا أئمة لهم في الحديث اجتهاد وقالوا: روى ابن عيينة الدباغ عن الزهري والزهري كان يجوِّز استعمال جلود الميتة بلا دباغ وذلك يبيِّن أنه ليس في روايته ذكر الدباغ

(2)

.

وقال في موضع آخر: وليس في صحيح البخاري ذكر الدباغ، ولم يذكره عامة أصحاب الزهري عنه ولكن ذكره ابن عيينة ورواه مسلم في صحيحه وقد طعن الإمام أحمد في ذلك وأشار إلى غلط ابن عيينة فيه وذكر أنَّ الزهري وغيره كانوا يبيحون الانتفاع بجلود الميتة بلا دباغ لأجل هذا الحديث

(3)

.

قلت: وقد سبقهم إلى ذلك معمر حين ذكر أنَّ الزهري كان ينكر الدباغ إشارة إلى وهم من ذكر الدباغ في حديث الزهري.

وقد تابع سفيان بن عيينة في ذكر الدباغ جماعة لكن في الإسناد إليهم نظر وهم: محمد بن الوليد الزبيدي، وعقيل بن خالد،

(1)

التمهيد (4/ 154).

(2)

مجموع الفتاوى (21/ 91).

(3)

مجموع الفتاوى (21/ 101).

ص: 55

وسليمان بن كثير، وحفص بن الوليد، وسعيد بن عبد العزيز. وقد تقدم تخريج أحاديثهم أيضاً.

قال أبو داود: (لم يذكر الأوزاعي ويونس وعقيل في حديث الزهري الدباغ، وذكره الزبيدي وسعيد بن عبد العزيز وحفص بن الوليد ذكروا الدباغ)

(1)

.

وقال البيهقي: (وقد تابع سفيان على ذلك عقيل بن خالد وسليمان بن كثير والزبيدي)

(2)

.

أولاً محمد بن الوليد الزبيدي:

فرواه عنه بقية بن الوليد وعنه أحمد بن الفرج الحمصي عند ابن جرير والدارقطني، ومحمد بن المصفى عند الدارمي (وسقط بقية عند ابن جرير).

وضعف محمد بن يحيى الذهلي رواية الزبيدي لحال بقية بن الوليد عنده

(3)

. قلت: والراوي عن بقية أحمد بن الفرج، وإن قال أبو حاتم محله عندنا الصدق، فقد ضعفه ابن جوصا وابن عدي، ومحمد بن عوف الطائي ورماه بالكذب وتكلم في خصوص روايته عن بقية فقال: ليس عنده في حديث بقية أصل هو فيها أكذب خلق الله إنما هي أحاديث وقعت إليه في ظهر قرطاس في أولها مكتوب يزيد بن عبد ربّه حدثنا بقية

(4)

.

(1)

في سننه (4/ 236 ح 4122).

(2)

في السنن الكبرى (1/ 16).

(3)

التمهيد (9/ 50).

(4)

الكامل لابن عدي (1/ 193)، تاريخ بغداد (5/ 150)، وسير أعلام النبلاء (12/ 384).

ص: 56

أمّا رواية محمد بن المصفى فلم يسق لفظه الدارمي وأحال على لفظ حديث يحيى بن حسان عن ابن عيينة وقال بنحوه وليس من لفظ يحيى بن حسان عنده لفظ الدباغ.

ثانياً عقيل بن خالد:

ومدار حديثه من طريق يحيى بن أيوب الغافقي وهو وإن وثَّقه يحيى بن معين وقال البخاري: صدوق فقد قال أبو حاتم: محله الصدق يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال أحمد: سيء الحفظ. وفي رواية: كان يحدِّث من حفظه وكان لا بأس به. وقال ابن سعد: منكر الحديث. وقال الدارقطني: في بعض حديثه اضطراب؛ لذا ضعَّف الذهلي رواية يحيى بن أيوب هذه عن عقيل لحال يحيى بن أيوب. والذي يدل على ضعف روايته هذه أنَّ أبا داود قد ذكر أنَّ عقيلاً فيمَن لم يذكر لفظة الدباغ عن الزهري، فيكون عقيلٌ قد اختلف عليه فيها، فذكرها يحيى بن أيوب وخالفه غيره ممَّن لم يقع لنا حديثه لكن أثبته أبو داود عنه. والله أعلم.

ثالثاً سليمان بن كثير:

والإسناد إليه صحيح لكن سليمان بن كثير ضعيف، ضعَّفه يحيى بن معين، وضعف حديثه عن الزهري خاصة: الذهلي، والنسائي، والعقيلي، والجوزجاني، وابن حبان. فقد سمع من الزهري وهو صغير كما ذكر يحيى بن معين وذكره ابن حبان في المجروحين وقال: يخطاء كثيراً أمّا روايته عن الزهري فقد اختلط عليه صحيفته فلا يحتج بشيء يتفرد به عن الثقات. لذا قال ابن حجر في «التقريب» : (لا بأس به في غير الزهري).

ص: 57

رابعاً حفص بن الوليد:

حديثه عند النسائي بإسناد صحيح إليه ليس فيه ذكر الدباغ، لكن ذكره أبو داود فيمَن زاد لفظة الدباغ ولم نقِف على هذا الإسناد، ومع هذا فحفص بن الوليد لم يسمع من الزهري كما قال أبو حاتم فهو منقطع، وقال أبو سعيد ابن يونس: لم يسند حفص بن الوليد غير هذا الحديث.

خامساً سعيد بن عبد العزيز التنوخي:

ذكره أبو داود فيمَن زاد لفظة الدباغ عن الزهري وهو ثقة ثبت عابد فقيه أهل الشام بعد الأوزاعي إلا أنه كان يحدِّث من حفظه وليس له كتاب، قال أبو مسهر: سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: ما لي كتاب. وقال مروان بن محمد: كان علم سعيد بن عبد العزيز في صدره، فلعله وهم في ذلك خاصة إذا علم أنَّ هذه اللفظة التي زادها محفوظة في غير هذا الحديث وثابتة. والله أعلم.

لذا صحح بعض أهل العلم هذه الزيادة في حديث سفيان بن عيينة لهذه المتابعات وكلها لا تخلو من كلام عدا رواية سعيد بن عبد العزيز إن صحَّ الإسناد إليه فيكون قد تابع سفيان في الوهم.

قال البيهقي: (رواه جماعة عن الزهري مالك بن أنس، ويونس بن يزيد، وصالح بن كيسان، وغيرهم فلم يذكروا فيه فدبغوه، وقد حفظه سفيان بن عيينة والزيادة من مثله مقبولة إذا كانت لها شواهد.

وقد تابعه على ذلك عقيل بن خالد وسليمان بن كثير والزبيدي

ص: 58

فيما روى عنهم وهو في حديثه أيضاً عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح)

(1)

.

وقال ابن المنذر: (فإن قيل: ليس في رواية معمر عن الزهري ذكر الدباغ، قيل له: قد روى هذا الحديث ابن عيينة وعقيل والزبيدي وهؤلاء من ثقات أصحاب الزهري وقد ذكروا الدباغ في حديثهم والحفّاظ إذا زادوا في الحديث شيئاً فزيادتهم مقبولة)

(2)

.

وقال ابن عبد البر نحو ما ذكر البيهقي

(3)

.

‌علة الوهم:

1 أنَّ الدباغة ثابتة في حديث ابن عباس من طريق عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس

(4)

، وقد رواها سفيان نفسه عن عمرو بن دينار، وهو من أوثق الناس فيه لطول ملازمته له فكلاهما في مكة فكأنه دخل عليه حديث في حديث فنقل لفظة (الدباغ) من حديث عمرو بن دينار إلى حديث الزهري.

2 أمّا زيادة ميمونة في الإسناد، فهو أيضاً ثابت في حديث ابن جريج عن عمرو بن دينار

(5)

، والحديث في شاة ميمونة أمّ المؤمنين رضي الله عنها وهي خالة ابن عباس.

(1)

السنن الكبرى (1/ 16).

(2)

الأوسط (2/ 270).

(3)

التمهيد (5/ 90).

(4)

رواه مسلم (363)، والحميدي (491)، والنسائي (7/ 172)، كلهم من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ بشاة لمولاة ميمونة وفي رواية لميمونة ميتة فقال:«ألا أخذتم إهابها فدبغتم وانتفعتم» .

(5)

مسلم (363) والنسائي (7/ 172).

ص: 59

3 أنَّ سفيان كان يحدِّث من حفظه فتارة يجعله من حديث ابن عباس وتارة يجعله من حديث ميمونة.

وفي حديث أكثر أصحابه بذكر الدباغ، ورواه عنه ثلاثة من أصحابه بدون ذكر الدباغ هم: قتيبة بن سعيد ويحيى بن حسان ومحمد بن عيسى الدامغاني. ولمّا روجع سفيان في هذه الزيادة ذكر أنه حفظه كذلك ولو كان في كتابه لَقال: هكذا في كتابي.

قال الحميدي عقب الحديث: قيل لِسفيان بعد روايته الحديث: فإنَّ معمراً لا يقول فيه: (فدبغوه)، ويقول: كان الزهري ينكر الدباغ، فقال سفيان: لكني قد حفظته.

والله تعالى أعلم.

‌الخلاصة:

زاد سفيان بن عيينة في هذا الحديث ميمونة ولم يتابعه على ذلك أحد من أصحاب الزهري، إذ خالفه أحد عشر راوياً من أصحاب الزهري لم يذكروا ميمونة، وتابعهم سفيان في رواية أخرى فلم يذكرها.

أمّا في المتن فزاد فيه ذكر الدباغ وأعلَّ ذلك الإمام أحمد ومحمد بن يحيى الذهلي إذ أنه خلاف المحفوظ عن الزهري، وأنَّ الزهري كان ينكر الدباغ ويجيز الانتفاع بجلد الميتة قبل الدبغ وبعده، فكيف يخالف ما يرويه؟! والله تعالى أعلم

(1)

.

(1)

وقد استفدنا هذه المسألة من رسالة علمية تقدَّم بها الطالب عادل المطرفي باسم «منهج المحدِّثين في الإعلال بمخالفة الراوي لما روى» .

ص: 60

‌الحديث السابع

(1)

:

90 -

قال الإمام مسلم (2/ 851) ح (1193)(52): وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد: قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري بهذا الإسناد وقال: أهديت له من لحم حمار وحش.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.

وأخرجه ابن ماجه (3090)، وأحمد (4/ 37 - 38)، والحميدي (783)، والدارمي (1830)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (906)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 69/ 100)، والشافعي (5/ 103)، وابن حبان (136)، والبيهقي (5/ 192) من طرق عن سفيان به وروايته عند ابن ماجه (حمار وحش) إلا أنه رواه مقروناً مع الليث ولم يسق مسلم إسناده ولفظه، وتمامه كان كما جاء في «المسند»: حدثنا سفيان عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثامة، قال: مرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بالأبواء أو بودان فأهديت له من لحم حمار وحش وهو محرم، فردَّه عليَّ، فلمّا رأى

(1)

رجال الإسناد:

يحيى بن يحيى النيسابوري، ثقة ثبت إمام، تقدم. انظر: حديث رقم (6).

أبو بكر بن أبي شيبة، تقدم.

عمرو الناقد، تقدم. انظر: حديث رقم (6).

الزهري، محمد بن مسلم بن شهاب، تقدم.

عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه ثبت، من الثالثة، مات سنة 94 وقيل: 98 وقيل غير ذلك، روى له البخاري ومسلم.

ص: 61

في وجهي الكراهية قال: «إنه ليس بنا ردّ عليك ولكنا حرم» .

هكذا قال سفيان: عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثامة (لحم حمار وحش).

خالفه أصحاب الزهري فرووه عنه بهذا الإسناد فقالوا: (حمار وحش)، منهم:

الإمام مالك بن أنس

(1)

، والليث بن سعد

(2)

، ومعمر

(3)

، وصالح بن كيسان

(4)

، ويونس بن يزيد

(5)

، وابن جريج

(6)

، وشعيب بن أبي حمزة

(7)

، ومحمد بن الوليد الزبيدي

(8)

، ومحمد بن عبد الله ابن أخي الزهري

(9)

، وابن أبي ذئب

(10)

، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر

(11)

، وإسحاق بن راشد الجزري

(12)

، وعبيد الله بن عمر العمري

(13)

، وعبد الرحمن بن إسحاق

(14)

، ومحمد بن عمرو بن

(1)

البخاري (1825)(2573) ومسلم (1193)(50).

(2)

مسلم (1193)(51).

(3)

مسلم (1193)(51).

(4)

مسلم (1193)(51).

(5)

الروياني (999).

(6)

أحمد (4/ 38)، والروياني (999)، وابن خزيمة (2637).

(7)

البخاري (2596).

(8)

ابن حبان (3967).

(9)

أحمد (4/ 72) والطبراني في الكبير (7439).

(10)

أحمد (4/ 38)، وابن الجارود (436)، والطحاوي (2/ 170)، والطبراني في الكبير (7433).

(11)

الطبراني (7432).

(12)

الطحاوي (2/ 170).

(13)

الطبراني (7443) وفي الأوسط» (2245).

(14)

الطبراني (7434).

ص: 62

علقمة

(1)

، وعبد الله بن أبي لبيد

(2)

، وعبد الرحمن بن الحارث المخزومي

(3)

.

قال الإمام الشافعي: (وحديث مالك أنَّ الصعب أهدى للنبيِّ صلى الله عليه وسلم حماراً أثبت من حديث مَنْ حدَّث أنه أهدى له من لحم حمار. والله أعلم)

(4)

.

قال الترمذي: وقد روى بعض أصحاب الزهري عن الزهري هذا الحديث وقال: (أهدى له لحم حمار وحش)، وهو غير محفوظ

(5)

.

وقال الحميدي عقب الحديث: وكان سفيان يقول: حمار وحش. ثم صار إلى: لحم حمار وحش

(6)

.

وقال البيهقي: وكان ابن عيينة يضطرب فيه، فرواية العدد الذين لم يشكوا فيه أَولى

(7)

.

وقال الحافظ: (لم تختلف الرواة عن مالك في ذلك وتابعه عامة الرواة عن الزهري، وخالفهم ابن عيينة عن الزهري فقال: لحم حمار وحش) أخرجه مسلم. ولكن بيّن الحميدي صاحب سفيان أنه كان يقول في هذا الحديث: حمار وحش، ثم صار يقول: لحم حمار وحش.

(1)

عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (4/ 73)، وابن حبان (137)، والطبراني (7436).

(2)

الطبراني (7437).

(3)

ذكره ابن عبد البرّ في التمهيد (9/ 54).

(4)

اختلاف الحديث (ص 137) والمجموع (7/ 335).

(5)

في سننه (3/ 206).

(6)

مسند الحميدي (2/ 38).

(7)

معرفة السنن والآثار (4/ 196).

ص: 63

فدلَّ على اضطرابه فيه، وقد توبع على قوله: حمار وحش، من أوجه فيها مقال)

(1)

.

وقال يعقوب بن سفيان: قال الحميدي: كان سفيان يقول في الحديث: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حمار وحش. ثم قال سفيان: يقطر دماً، وربما لم يقل. وكان سفيان فيما خلا ربما قال: حمار وحش، ثم صار إلى: لحم، حتى مات

(2)

.

وممّا يدل على وهم مَنْ قال: (لحم حمار) ما جاء في رواية ابن جريج، قال: قلت لابن شهاب: الحمار عقير؟ قال: لا أدري.

لذا قال ابن خزيمة: (في مسألة ابن جريج الزهري وإجابته إياه دلالة على أنَّ مَنْ قال في خبر الصعب: أهديت له لحم حمار أو رجل حمار، واهم فيه إذ الزهري قد أعلمه أنه لا يدري الحمار كان عقيراً أم لا حين أُهدي للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكيف يروي أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُهدي له لحم حمار أو رجل حمار وهو لا يدري كان الحمار المهدي إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم عقيراً أم لا)

(3)

.

وسيأتي الحديث في باب محمد بن إسحاق (310) فإنه قال: رجل حمار وحش وفي باب أبي داود الطيالسي (471) فإنه قال: لحم صيد.

(1)

فتح الباري (4/ 32).

(2)

السنن الكبرى للبيهقي (5/ 192).

(3)

صحيح ابن خزيمة (4/ 178).

ص: 64

‌علة الوهم:

جاء من طرق أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ الذي أهداه صعب بن جثامة إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم لحم حمار، وفي رواية: عجز حمار، وفي رواية: رجل حمار وحش

(1)

.

أمَّا رواية الزهري فلم يذكر أصحابه إلا أنه حمار، أي أنه حيّ ليس مذبوحاً، ولعله من هنا دخل الشك على سفيان كما ذكر الحميدي. والله تعالى أعلم.

(1)

مسلم (1194) من طريق سعيد بن جبير ومقسم وعطاء وطاووس. وانظر: التمهيد (9/ 55 - 57) وشرح معاني الآثار (2/ 170).

ص: 65

‌الحديث الثامن

(1)

:

91 -

قال الإمام مسلم (3/ 1312) ح رقم (1684): حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر، واللفظ ليحيى، قال ابن أبي عمر: حدثنا، وقال الآخران: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع السارق في ربع دينار فصاعداً.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح.

وهو في مسند إسحاق (983)، ومن طريقه أخرجه النسائي (8/ 451) وفي «الكبرى» (7408)، ورواه الترمذي (1445) من طريق علي بن حجر، والنسائي أيضاً (8/ 451) من طريق قتيبة بن سعيد، وابن الجارود (824) من طريق محمد بن عبد الله المقرئ وعبد الله بن هاشم بن حيان، وأحمد (6/ 36)، ومن طريقه أبو داود (4383)، وأبو عوانة (6207)، والطحاوي (3/ 163) من طريق يونس بن عبد الأعلى،

(1)

رجال الإسناد:

يحيى بن يحيى: تقدم. انظر حديث رقم (6).

إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، ابن راهويه. المروزي ثقة حافظ مجتهد

روى له البخاري ومسلم.

محمد بن يحيى بن أبي عمر المدني نزيل مكة، صدوق صنف المسند وكان لازم ابن عيينة، لكن قال ابن أبي حاتم: كانت فيه غفلة، من الطبقة العاشرة روى عنه مسلم.

عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، أكثرت عن عائشة، ثقة من الثالثة، ماتت قبل سنة 100 ويقال: بعدها، روى لها البخاري ومسلم.

ص: 66

وابن حبان (4459) من طريق عبد الجبار بن العلاء، وأبو عوانة (6207)، والبيهقي (8/ 254) من طريق أحمد بن شيبان الرملي، وعبد الله بن المبارك في مسنده (150)، وابن عبد البر في «التمهيد» (23/ 380) من طريق أبي الطاهر أحمد بن عمرو، كلهم عن سفيان به.

هكذا قال سفيان عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع السارق في ربع دينار فصاعداً) فجعله من فعل النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وخالفه: يونس بن يزيد الأيلي

(1)

، وإبراهيم بن سعد

(2)

، ومعمر بن راشد

(3)

، وسليمان بن كثير العبدي

(4)

، وعبد الرحمن بن خالد

(5)

، وزمعة بن صالح

(6)

. وتابعهم الأوزاعي

(7)

، وابن أخي الزهري

(8)

، ومالك

(9)

.

فرووه عن الزهري بهذا الإسناد عن عائشة قالت: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً» .

(1)

البخاري (6790) ومسلم (1684).

(2)

البخاري (6789) ومسلم (1684).

(3)

مسلم (1684) والبخاري تعليقاً (6789).

(4)

مسلم (1684).

(5)

البخاري تعليقاً (6789) ووصله الحافظ في التغليق (5/ 231).

(6)

الطيالسي (1582).

(7)

الطبراني في الأوسط (1023).

(8)

البخاري تعليقاً (6789) والخطيب في تاريخ بغداد (8/ 397).

(9)

الطبراني في الأوسط (1910).

ص: 67

وفي رواية: «القطع في ربع دينار» . فجعلوه من قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأمره.

وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن الأنصاري

(1)

، وسليمان بن يسار

(2)

، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم

(3)

، ويحيى بن سعيد الأنصاري

(4)

، ومحمد بن عبد الرحمن بن زرارة

(5)

، عن عمرة عن عائشة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«تقطع اليد في ربع دينار» .

وقد رواه جماعة عن سفيان فجعلوه من قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ منهم:

الإمام الشافعي

(6)

، والحميدي

(7)

، وإسحاق بن راهويه

(8)

، وإبراهيم بن سعيد الجوهري

(9)

، ومحمد بن عبيد بن حسان

(10)

، وحجاج بن المنهال

(11)

.

والحميدي وهو أثبت الناس في ابن عيينة، قد جاء في حديثه

(1)

البخاري (6791) والنسائي (8/ 80).

(2)

مسلم (1684)(3).

(3)

مسلم (1684)(4).

(4)

مالك في الموطأ (2/ 832)، والنسائي (8/ 78)، وفي الكبرى (7409) و (7410)، وابن حبان (4462).

(5)

أحمد (6/ 249) رواه من طريق همام عن يحيى بن أبي كثير، وخالفه حسين المعلم فرواه عن يحيى بن أبي كثير فقال: محمد بن عبد الرحمن الأنصاري أبو الرجال، وهو عند البخاري كما سبق.

(6)

السنن المأثورة (559)، وفي مسنده (ص 334)، والبيهقي (8/ 254).

(7)

في مسنده (279).

(8)

في مسنده (740).

(9)

ابن حبان (4465).

(10)

محمد بن نصر المروزي في السنة (319).

(11)

الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 167).

ص: 68

زيادة تدلّ على ضبط ابن عيينة لهذا الحديث حين تحديثه إياه حيث قال: ثنا سفيان، قال: وحدثناه أربعة عن عمرة، عن عائشة لم يرفعوه عبد الله بن أبي بكر وزريق بن حكيم الأيلي ويحيى بن سعيد وعبد ربّه بن سعيد والزهري أحفظهم كلهم إلا أنَّ في حديث يحيى ما دلَّ على الرفع:(ما نسيت ولا طال علي القطع في ربع دينار)

(1)

.

قال المعلمي: (فهذا يدل أنَّ ابن عيينة لما حدث الحميدي اعتنى بالحديث واحتفل له وذلك أحرى أن يتحرى التحقيق في روايته ولعله راجع أصل كتابه)

(2)

.

لذا لم يخرِّج الإمام البخاري حديث سفيان للاختلاف عليه في لفظه كما قال البيهقي وابن حجر.

قال الحافظ: وكان البخاري أراد الاستظهار لرواية الزهري عن عمرة بموافقة محمد بن عبد الرحمن الأنصاري عنها لما وقع في رواية ابن عيينة عن الزهري من الاختلاف في لفظ المتن هل هو من قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم أو من فعله. وكذا رواه ابن عيينة عن غير الزهري عن يحيى بن سعيد وعبد ربّه بن سعيد

(3)

وزريق صاحب أيلة

(4)

أنهم سمعوا عمرة عن عائشة قالت: (القطع في ربع دينار فصاعداً).

وادَّعى الطحاوي

(5)

اضطراب الزهري في هذا الحديث لاختلاف الرواة عنه في لفظه ورد بأنَّ من شروط الاضطراب أن تتساوى وجوهه

(1)

الحميدي (278) وكذلك رواه إبراهيم بن سعيد الجوهري بمثل رواية الحميدي.

(2)

التنكيل (2/ 125).

(3)

النسائي (8/ 79)، والكبرى (7413)، والحميدي (278).

(4)

المصدر السابق.

(5)

شرح معاني الآثار (3/ 167).

ص: 69

فأمّا إذا رجح بعضها فلا، ويتعيّن الأخذ بالراجح وهو هنا كذلك لأن جلّ الرواة عن الزهري ذكروه عن لفظ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على تقرير قاعدة شرعية في النصاب وخالفهم ابن عيينة تارة ووافقهم تارة، فالأخذ بروايته الموافقة للجماعة أَولى، وعلى تقدير أن يكون ابن عيينة اضطرب فيه فلا يقدح ذلك في رواية من ضبطه

(1)

. والله تعالى أعلم.

‌أثر الوهم:

احتج الطحاوي بحديث ابن عيينة وردَّ به حديث يونس بن يزيد، وقال إنَّ عائشة أخبرت عمَّا قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي قوَّمته بربع دينار وقيمته عند غيرها أكثر من ربع دينار، وقال: إن سفيان أثبت من يونس، وقد ردَّ مزاعمه وفنَّدها البيهقي فقال:

(2)

(زعم أنها رضي الله عنها أخبرت عمَّا قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن يكون ذلك لأنها قوَّمت ما قطع فيه فكانت قيمته عندها ربع دينار، فجعلت ذلك مقدار ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقطع فيه وقيمته عند غيرها أكثر من ربع دينار

).

قال البيهقي: (والبخاري لم يخرِّج حديث ابن عيينة هذا في «الصحيح» وأظنه إنما تركه لمخالفته سائر الرواة في لفظه ولاضطرابه فيه

فرجع الطحاوي إلى ترجيح رواية ابن عيينة، بأن قال: يونس بن يزيد عندكم لا يقارب ابن عيينة وكان ينبغي له أن ينظر في تواريخ أهل العلم بالحديث ويبصر مدارج الرواة ومنازلهم في الرواية ثم يلزمهم ما وقف عليه من أقاويلهم، لو قال ابن عيينة لا

(1)

فتح الباري (12/ 102).

(2)

مختصر خلافيات البيهقي (4/ 436 - 439).

ص: 70

يقارب يونس في الزهري لكان أقرب إلى أقاويل أهل العلم

). إلى أن قال: (والحديث في الصحيحين من حديث إبراهيم وسليمان بن كثير وعند مسلم من حديث معمر أيضاً كلهم عن الزهري منقولاً عن لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما رواه يونس وكلهم حفّاظ ثقات وفي ذلك دلالة على أنَّ أصل الحديث عن لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه الشافعي وغيره عن ابن عيينة.

وأمّا مَنْ رواه عنه عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن يكونا محفوظَين كأن يقطع في ربع دينار ويقول: القطع في ربع دينار فصاعداً فيؤديه ابن عيينة مرة بالفعل دون القول ومرة بالقول دون الفعل.

ص: 71

‌الحديث التاسع

(1)

:

92 -

قال الإمام مسلم في صحيحه (3/ 1402 ح 1778): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن نمير، جميعاً عن سفيان، قال زهير: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن أبي العباس الشاعر الأعمى، عن عبد الله بن عمرو قال:

حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف فلم ينَل منهم شيئاً فقال: «إنّا قافلون إن شاء الله» . قال أصحابه: نرجع ولم نفتحه! فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغدوا على القتال» . فغدوا عليه فأصابهم جراح، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنّا قافلون غداً» . قال: فأعجبهم ذلك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.

إلا أنَّ فيه وهماً وهو قوله عن (عبد الله بن عمرو بن العاص)

(1)

رجال الإسناد:

عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، تقدم.

زهير بن حرب بن شداد، أبو خيثمة النسائي، نزيل بغداد، ثقة ثبت، روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث، من العاشرة، مات سنة 234 وله 74 سنة، روى له البخاري ومسلم.

عمرو بن دينار المكي، أبو محمد الأثرم الجمحي مولاهم، ثقة ثبت، من الرابعة، مات سنة 126، روى له البخاري ومسلم.

السائب بن فروخ، أبو العباس المكي الشاعر الأعمى، ثقة، من الثالثة، روى له البخاري ومسلم.

ص: 72

والحديث إنما هو حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما كما هو عند البخاري وغيره من طريق سفيان نفسه.

وهذا الحديث اختلف فيه على سفيان بن عيينة:

فرواه عنه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وعبد الله بن كثير ثلاثتهم عن سفيان فقالوا: عن عبد الله بن عمرو.

وتابعهم على ذلك عبد الجبار بن العلاء

(1)

، وزكريا بن يحيى بن أسد المروزي

(2)

، ومحمد بن أبي عمر

(3)

، هؤلاء أيضاً رووه عن سفيان فقالوا:(عبد الله بن عمرو).

وخالفهم علي بن المديني

(4)

، وقتيبة بن سعيد

(5)

، وعبد الله بن محمد الجعفي

(6)

، والحميدي

(7)

، وسعيد بن منصور

(8)

، وزهير بن حرب

(9)

، والحسن بن محمد الزعفراني

(10)

، وأحمد بن حنبل

(11)

،

(1)

النسائي في الكبرى (8599) و (8872).

(2)

أبو عوانة (6765)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (1/ 95)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (37/ 256).

(3)

الفاكهي في أخبار مكة (3/ 194).

(4)

البخاري في صحيحه (4325).

(5)

البخاري (6086).

(6)

البخاري (7480).

(7)

في مسنده (706) وأبو عوانة (6766).

(8)

في سننه (2863).

(9)

أبو يعلى (5773)، هكذا عنده وهي خلاف رواية مسلم عنه.

(10)

البيهقي (9/ 43)، وفي دلائل النبوة (5/ 165)، إلا أنه في السنن الكبرى قال: عن عبد الله. ولم ينسبه ونسبه في الدلائل.

(11)

في المسند (2/ 11).

ص: 73

وإبراهيم بن بشار

(1)

. هؤلاء التسعة رووه عن سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن أبي العباس الشاعر الأعمى، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.

قال أبو عوانة في مسنده (4/ 283): بلغني أنَّ إسحاق بن موسى الأنصاري وغيره قالوا: عبد الله بن عمرو. ورواه عنه أصحابه ممَّن يفهم ويضبط فقالوا: عبد الله بن عمر.

قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (8/ 44):

قد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه وقال: الصواب عبد الله بن عمر بن الخطاب.

ثم قال الحافظ: والصواب كما رواه علي بن المديني وكذلك الحميدي وغيرهما من حفّاظ أصحاب ابن عيينة، وكذا أخرجه الطبراني من رواية إبراهيم بن بشار وهو ممَّن لازم ابن عيينة جدًّا.

والذي قال عن ابن عيينة في هذا الحديث (عبد الله بن عمر) وهم الذين سمعوا منه متأخراً كما نبَّه عليه الحاكم.

وقد بالغ الحميدي في إيضاح ذلك فقال في مسنده في روايته لهذا الحديث عن سفيان: (عبد الله بن عمر بن الخطاب).

وأخرجه البيهقي في «الدلائل» (5/ 167) من طريق عثمان الدارمي عن علي بن المديني قال: حدثنا به سفيان غير مرة يقول: عبد الله بن عمر بن الخطاب. لم يقُل: عبد الله بن عمرو بن العاص.

وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عيينة فقال: (عبد الله بن عمرو)

(2)

. وكذا رواه عنه مسلم.

(1)

الطبراني في الكبير (13/ 59) رقم (13684).

(2)

في مصنفه (14/ 57). في نسخة «الفتح» : (عبد الله بن عمر). وهو تصحيف.

ص: 74

وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عنه فزاد قال أبو بكر: سمعت ابن عيينة مرة أخرى يحدِّث به عن ابن عمر

(1)

.

وقال المفضل العلائي عن يحيى بن معين: أبو العباس عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر في فتح الطائف، الصحيح ابن عمر

(2)

. انتهى كلام الحافظ.

قلت: وفات الحافظ رواية الإمام أحمد في مسنده (2/ 11) فلم يشِر إليها. قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، حدثنا عمرو، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمر، قيل لسفيان: ابن عمرو؟ قال: لا، ابن عمر أنَّ النبيَّ لمَّا حاصر الطائف

الحديث.

قال الشيخ العلَّامة أحمد شاكر في تعليقه على «المسند» (6/ 269):

ومن البيِّن الواضح أنهم كلهم لم ينتبهوا إلى رواية الإمام أحمد هنا، وهو من أحفظ أصحاب ابن عيينة إن لم يكُن أحفظهم، وإثباته بالقول الصريح الواضح أنَّ ابن عيينة سئل: ابن عمرو؟ يعني ابن العاص، فقال: لا، ابن عمر يعني ابن الخطاب. فهذا يرفع كل خلاف ويقطع بأنَّ مَنْ روى بِفتح العين أخطأ جدًّا، سواء أكان ممَّن روى عن سفيان بن عيينة أم كان ممَّن بعدهم أم كان من أصحاب نسخ الصحيحين.

قلت: والوهم في هذا الحديث والله أعلم إنما هو من ابن عيينة فقد رواه عنه جماعة من الحفَّاظ الأثبات بذكر عبد الله بن عمرو

(1)

ذكره البيهقي في دلائل النبوة (5/ 168).

(2)

المصدر السابق.

ص: 75

ويشكل تواطؤهم على ذلك، ويدل على ذلك ما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة أنه سمع ابن عيينة يحدِّث به مرة عن ابن عمر ومرة عن ابن عمرو، ذكره البيهقي في «الدلائل» (5/ 168).

ومنشأ الوهم كون أبي العباس الشاعر لم يحدِّث إلا عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص ليس له رواية في الحديث عن غيرهما

(1)

، فلعله اشتبه على سفيان فكان يجعل الحديث أحياناً من مسند ابن عمر وأحياناً من مسند عبد الله بن عمرو، ثم حدَّث به آخر الأمر عن عبد الله بن عمر بن الخطاب كما ذكر الحاكم. والله تعالى أعلم.

وقال الحميدي: (هكذا أخرجه البخاري في «الأدب» وقال فيه: (عن عبد الله بن عمر) وأخرجه هو ومسلم في المغازي وفيه عندهما عن (عبد الله بن عمرو)، والحديث من حديث ابن عيينة وقد اختلف فيه عليه؛ منهم مَنْ قال عنه هكذا ومنهم مَنْ قال عنه هكذا ومنهم مَنْ رواه بالشك.

قال أبو بكر البرقاني: وعبد الله بن عمر أصح. وهكذا أخرجه أبو مسعود في مسند ابن عمر.

وليس للسائب في مسند ابن عمر غير هذا الحديث المختلف فيه)

(2)

.

(1)

ولم يحدِّث عنه إلا عمرو بن دينار وعطاء بن أبي رباح وحبيب بن أبي ثابت.

(2)

«الجمع بين الصحيحين» (2/ 262)، ونقله عنه النووي في شرح صحيح مسلم (12/ 123)، وانظر: فتح الباري (8/ 44)، وعمدة القاري (17/ 304) فقد وقع في بعض نسخ البخاري:(عبد الله بن عمرو).

ص: 76

‌الحديث العاشر

(1)

:

93 -

قال الإمام مسلم (2049): حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير، قال: سمعت عمرو بن حريث يقول: سمعت سعيد بن زيد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«الكمأة من المنّ الذي أنزل الله عز وجل-على بني إسرائيل، وماؤها شفاء للعين» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن أبي عمر من رجال مسلم.

وأخرجه الحميدي عن سفيان به (81)، وأخرجه ابن ماجه (3454) من طريق محمد بن الصباح، وأبو يعلى (965) من طريق عبيد الله القواريري، وأبو عوانة (8355) من طريق علي بن حرب وشعيب بن عمرو، والذهبي في «سير النبلاء» (1/ 125) من طريق علي بن حرب، كلهم عن سفيان بن عيينة به.

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن يحيى بن أبي عمر، تقدم.

عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي، حليف بني عدي، الكوفي

، ثقة فصيح عالم، تغير حفظه وربما دلس، من الرابعة، مات سنة 136 وله 103 سنة، روى له البخاري ومسلم.

عمرو بن حُريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، صحابي صغير، مات سنة 85، روى له البخاري ومسلم.

سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل العدوي، أبو الأعور، أحد العشرة، مات سنة 58 أو بعدها بسنة أو سنتين، حديثه في الصحيحين.

ص: 77

هكذا رواه ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير، عن عمرو بن حريث، عن سعيد بن زيد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:«الكمأة من المنِّ الذي أنزل الله على بني إسرائيل وماؤها شفاء للعين» .

خالفه أصحاب عبد الملك بن عمير فرووه عنه بهذا الإسناد فقالوا: «الكمأة من المنِّ وماؤها شفاء للعين» ، منهم:

شعبة

(1)

، وسفيان الثوري

(2)

، وجرير بن عبد الحميد

(3)

، وعمر بن عبيد

(4)

، ومحمد بن شبيب

(5)

، وشهر بن حوشب

(6)

، وشعيب بن صفوان

(7)

، وأبو عوانة وضاح اليشكري

(8)

، وعبيد الله بن عمرو

(9)

، ومعتمر بن سليمان

(10)

، وعمر بن زياد الهلالي

(11)

، وإبراهيم بن عثمان

(12)

، وأبو حفص

(13)

، وزائدة بن قدامة

(14)

، وزياد

(1)

البخاري (4639) و (5708) ومسلم (2049)(158).

(2)

البخاري (4478).

(3)

مسلم (2049)(157).

(4)

مسلم (2049)(157)، والترمذي (2067)، وأحمد (1/ 188)، ووقع في مطبوع مسلم عمرو بن عبيد. وعمرو بن عبيد ليس من رجال مسلم ولا أصحاب السنن بل قال عنه في المقدمة (1/ 22): يكذب.

(5)

مسلم (2049)(162).

(6)

مسلم (2049)(162).

(7)

النسائي في الكبرى (7565).

(8)

البزار (1250)، وأبو عوانة (8359)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5683).

(9)

أبو عوانة (8359).

(10)

أحمد (1/ 187) وابن أبي شيبة (8/ 88).

(11)

تمام الرازي في الفوائد (1568).

(12)

الخطيب في تاريخ بغداد (6/ 111).

(13)

الطحاوي في شرح مشكل الآثار (5684).

(14)

أبو عوانة (8358).

ص: 78

البكائي

(1)

، والجراح بن الضحاك

(2)

، وشريك بن عبد الله

(3)

، ويزيد بن عطاء

(4)

، وقيس بن الربيع

(5)

، وعبد الحكيم بن منصور

(6)

، ومحمد بن جحادة

(7)

، وعبيدة بن حميد

(8)

، وعنبسة بن عبد الواحد

(9)

، وشيبان بن عبد الرحمن

(10)

.

زاد ابن عيينة في روايته: «الذي أنزل الله على بني إسرائيل» ، وهي غير محفوظة في حديث عبد الملك لأنه لم يذكره هذا العدد الكبير من أصحاب عبد الملك بن عمير.

وقد رواه سفيان مرة أخرى بغير هذه الزيادة، رواه عنه بدونها الإمامان الشافعي

(11)

وأحمد بن حنبل

(12)

وسعدان بن نصر

(13)

.

وهذا الحديث مداره على عمرو بن حريث ولم يروِه عنه إلا عبد الملك بن عمير والحسن العرني وسلمة بن كهيل.

والمحفوظ في رواية عبد الملك بن عمير وسلمة بن كهيل

(14)

(1)

ذكره الدارقطني في العلل (4/ 405).

(2)

المصدر السابق.

(3)

المصدر السابق.

(4)

المصدر السابق.

(5)

المصدر السابق.

(6)

المصدر السابق.

(7)

المصدر السابق.

(8)

المصدر السابق.

(9)

المصدر السابق.

(10)

أبو عوانة (8358).

(11)

ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (227).

(12)

في المسند (1/ 187).

(13)

البيهقي (9/ 345).

(14)

البزار (252).

ص: 79

أنهم لا يذكرون هذه الزيادة وهي قوله: «الذي أنزل الله عز وجل-على بني إسرائيل» ، وهي محفوظة في حديث الحسن العرني

(1)

.

وقد روي حديث الكمأة من طرق عن أبي هريرة

(2)

، وجابر بن عبد الله

(3)

، وأبي سعيد الخدري

(4)

، وبريدة

(5)

، وابن عباس

(6)

، ولم يأتِ فيه ذكر هذه الزيادة التي في حديث ابن عيينة عن عبد الملك والحسن العرني عن عمرو بن حريث. والله تعالى أعلم.

قال أبو عوانة: (زاد على «الذي أنزل الله على بني إسرائيل»)

(7)

.

قال الدارقطني: وسئل عن حديث عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الكمأة، فقال:«هي من المنِّ وماؤها شفاء للعين» . فقال: يرويه عبد الملك بن عمير عن عمرو بن حريث واختلف عنه: فرواه الثوري، وزائدة، وجرير بن حازم، وأبو عوانة، وزياد البكائي، وعمر بن عبيد، ومعتمر بن سليمان، وعبيد الله بن عمرو، والجراح بن الضحاك

إلخ، عن عبد الملك فاتفقوا على إسناده ومتنه.

(1)

مسلم (2049)(159)(160).

(2)

الترمذي (2068)، والنسائي (6671) و (6672)، وأحمد (2/ 301) و (2/ 306) و (2/ 356) و (2/ 357).

(3)

النسائي في الكبرى (6674)، وابن ماجه (3453)، وأحمد (3/ 48).

(4)

النسائي (6674) و (6676)، وابن ماجه (3453)، وأحمد (3/ 48).

(5)

أحمد (5/ 346) و (5/ 351).

(6)

الضياء في المختارة (10/ 226)، والطبراني في الكبير (13010)، والنسائي (6669).

(7)

في مسنده (5/ 193) عقب حديث سفيان (8355).

ص: 80

ورواه ابن عيينة عن عبد الملك بهذا الإسناد قال فيه: «الكمأة من المنِّ الذي أُنزل على بني إسرائيل» .

وكذلك قال الحسن العرني، عن عمرو بن حريث، عن سعيد بن زيد مثل قول ابن عيينة)

(1)

. اه.

‌فائدة:

لم يخرِّج الإمام البخاري حديث سفيان بن عيينة هذا في صحيحه مع أنه على شرطه ومناسب للباب الذي عقده، قال تعالى:{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)} .

أورد فيه حديث الثوري الذي نصّه: «الكمأة من المنِّ وماؤها شفاء للعين» ، ولم يورد حديث سفيان الذي فيه:«المنّ الذي أنزل الله عز وجل-على بني إسرائيل» .

لذا تعقبه الخطابي فقال: (لا وجه لإدخال هذا الحديث هنا لأنه ليس المراد في الحديث أنها نوع من المنِّ المُنزل على بني إسرائيل فإنَّ ذاك شيء كان يسقط عليهم كالزنجبيل والمراد أنها شجرة تنبت بنفسها من غير استنبات ولا مؤنة)

(2)

.

وقال الحافظ بعد أن أورد اعتراض الخطابي: (وقع في رواية ابن عيينة عن عبد الملك في المنِّ الذي أُنزل على بني إسرائيل وبه تظهر مناسبة ذكره في التفسير)

(3)

.

(1)

العلل (4/ 405 - 407).

(2)

نقله الحافظ في الفتح (8/ 164).

(3)

المصدر السابق.

ص: 81

فلله درّ الإمام البخاري فإنه إمام في هذا الفن بلا منازع.

‌علة الوهم:

سببه أحد أمرين:

الأول: أدرج الإمام سفيان بن عيينة: (الذي أنزل الله على بني إسرائيل) صفةً للمنِّ الذي ورد ذكره في الحديث فرواه عنه هكذا أكثر أصحابه، وحيناً لا يذكره كما في رواية الشافعي وأحمد وسعدان بن نصر.

الثاني: اختلاف الأمصار.

فسفيان بن عيينة مكي هاجر به أبوه من البصرة وهو صغير فسكن بمكة.

وعبد الملك بن عمير كوفي؛ لذا فإنَّ رواية أهل العراق أتقن، ومنهم: الثوري، وشعبة، وجرير، وزائدة، وعمر بن عبيد، وزياد البكائي، ومعتمر بن سليمان، وشيبان، ومحمد بن جحادة، وهؤلاء كلهم ثقات من رجال الشيخين.

أمّا وجه إخراج الإمام مسلم له فإنه أخرجه متابعة بعد أن ذكر حديث جرير وعمر بن عبيد وشعبة، ثم أتبعها بحديث الحسن العرني الذي يذكر فيه هذه اللفظة:«المنّ الذي أنزل الله على موسى» ، وأردفه برواية سفيان بن عيينة الموافقه له. والله تعالى أعلم.

‌تنبيه:

وهم الإمام الذهبي في «السير» (1/ 175) فقال بعد أن أورد الحديث من طريق علي بن حرب عن ابن عيينة.

ص: 82

أخرجه البخاري من طريق ابن عيينة فوقع لنا بدلاً عالياً وتابعه على ذلك المحقق.

وسفيان الذي أورد البخاري حديثه إنما هو سفيان الثوري، وقد ذكر ذلك شيخه الحافظ المزي في «تحفة الأشراف» (4465)، وإنما وقع له هذا الوهم لأنَّ الإمام البخاري لم ينسبه بل قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان

وأبو نعيم يروي عن الثوري وابن عيينة. والله تعالى أعلم.

ص: 83

‌الحديث الحادي عشر

(1)

:

94 -

قال ابن ماجه (3092): حدثنا هشام بن عمَّار، ثنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عيسى بن طلحة، عن طلحة بن عبيد الله:

أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أعطاه حمار وحش وأمره أن يفرقه في الرفاق وهم محرِمون.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري.

وأخرجه الضياء في «المختارة» (829) من طريق محمد بن يحيى العدني عن سفيان به.

(1)

رجال الإسناد:

هشام بن عمار بن نُصير السلمي الدمشقي الخطيب، وثَّقه ابن معين وأبو حاتم والعجلي وغيره. قال في «التقريب: صدوق مقراء، كبر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح، مات سنة 245، روى له البخاري.

يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل الأنصاري.

محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي، أبو عبد الله المدني، ثقة له أفراد، مات سنة 120، روى له البخاري ومسلم.

عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي، أبو محمد المدني، ثقة فاضل، مات سنة 100، روى له البخاري ومسلم.

طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب التيمي، أبو محمد المدني، صحابي مشهور، أحد العشرة المبشرين بالجنة، استشهد يوم الجمل سنة 36 وعمره 63 سنة.

ص: 84

هكذا قال سفيان: (عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة، عن طلحة بن عبيد الله).

خالفه مالك

(1)

وهشيم

(2)

ويزيد بن هارون

(3)

وحمّاد بن زيد

(4)

فقالوا: (عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة، عن عمير بن سلمة الضمري).

وذكر الدارقطني

(5)

ممَّن رواه كذلك أيضاً: (علي بن مسهر، وسويد بن عبد العزيز، وأبو ضمرة أنس بن عياض، وعباد بن العوام، والنضر بن محمد المروزي، وعبد الرحيم بن سليمان، ويونس بن راشد) هؤلاء كلهم تابعوا مالكاً وأصحابه فرووه عن يحيى بن سعيد الأنصاري كذلك.

وكذلك رواه يزيد بن الهاد

(6)

، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عيسى بن طلحة، عن عمير بن سلمة.

(1)

الموطأ (1/ 351)، والنسائي (5/ 182 - 183)، وفي الكبرى (3800)، وعبد الرزاق (8335)، وابن حبان (5111)، والبيهقي (6/ 171) و (9/ 322).

(2)

أحمد (3/ 418 رقم 15450).

(3)

أحمد (3/ 452)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1382)، وابن أبي شيبة في مسنده (550)، والطحاوي (2/ 172)، والطبراني في الكبير (5283)، والبيهقي (5/ 188).

(4)

البيهقي (9/ 243) وابن عبد البرّ في التمهيد (23/ 342).

(5)

العلل (13/ 282).

(6)

النسائي (7/ 205)، وفي الكبرى (4856)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (972)، وابن قانع في معجم الصحابة (736)، والطحاوي (2/ 172)، وابن حبان (517)، والحاكم (3/ 623 - 624)، وابن الأثير في أسد الغابة (4/ 314).

ص: 85

وتابعه عبد ربِّه بن سعيد ويحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم كذلك

(1)

.

وهم سفيان فجعله من مسند طلحة بن عبيد الله والصحيح هو من مسند عمير بن سلمة.

قال الدارقطني في «العلل» (4/ 209 رقم 515): هو حديث تفرد به ابن عيينة عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة، عن طلحة، ووهم فيه.

وغيره يرويه عن يحيى بن سعيد ويسنده عن عمير بن سلمة الضمري عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وبعضهم قال: عن عمير بن سلمة عن رجل من بهز، والصواب قول مَنْ قال: عمير بن سلمة.

كذلك رواه يزيد بن الهاد وعبد ربِّه بن سعيد ويحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم.

وقال المزي في «تحفة الأشراف» (4/ 217): (قال يعقوب بن شيبة: هذا الحديث لا أعلمه رواه هكذا غير ابن عيينة وأحسبه أراد أن يختصره فأخطأ فيه وقد خالفه الناس في هذا الحديث، رواه مالك بن أنس وحماد بن زيد ويزيد بن هارون وغيرهم جماعة كلهم رووه عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عيسى بن طلحة، عن عمير بن سلمة، عن رجل من بهز، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقالوا جميعاً في حديثهم: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يقسم في الرفاق وهم محرِمون. وقال: ولعل ابن عيينة حين اختصره لحقه الوهم).

(1)

الدارقطني في العلل (4/ 209).

ص: 86

وقال ابن حجر في «النكت الظراف» (4/ 217): وقد كشف الغطاء عن ذلك علي بن المديني فذكر إسماعيل القاضي عن علي بن المديني أنه قال في كتاب «العلل» بعد أن ساق الحديث عن سفيان بن عيينة مطولاً:

قلت لسفيان: إنه كان في كتاب الثقفي: عن يحيى بن سعيد، عن عيسى بن طلحة، عن عمير بن سلمة، عن البهزي. فقال لي سفيان: ظننت أنه طلحة وليس أستيقنه، وأمَّا الحديث فقد جئتك به.

قال ابن حجر: فلم يلحق سفيان الوهم بسبب اختصاره، بل اعترف أنه لمَّا حدَّث به ظنَّ أنه عن طلحة.

وقال في «المطالب العالية» (7/ 84): ظاهر هذا الإسناد الصحة لكنه معلول؛ بيَّن ذلك علي بن المديني في كتاب «العلل» وأنه قال لابن عيينة: إنَّ الناس يخالفونك؛ لا يقولون عن عيسى بن طلحة عن أبيه. فقال: الحديث قد قصصت لك وكنت أظنه عن أبيه.

قال علي: الصواب: عن عيسى بن طلحة عن البهزي.

قال البيهقي في «المعرفة» (7/ 433): (قال الشافعي: سفيان يُخالف في هذا الحديث، يقولون: عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة عن البهزي).

قال البيهقي: (هو كما قال الشافعي).

وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (23/ 343): (فالحديث لعمير بن سلمة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما قال حماد بن زيد وتابعه على ذلك جماعة منهم: هشيم وعلي بن مسهر ويزيد بن هارون

).

وكذا قال أبو حاتم في «العلل» (898) إنَّ الحديث لعمير

(1)

.

(1)

انظره: في باب يحيى بن سعيد الأنصاري.

ص: 87

‌الحديث الثاني عشر

(1)

:

95 -

قال الإمام أحمد (2/ 247): حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر الأنصاري، عن عمر بن عبد العزيز، عن أبي بكر المخزومي، عن أبي هريرة رضي الله عنه:

أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} و {اقْرَأْ} .

‌التعليق:

هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.

وفي هذا السند أربعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وقد أشار إلى ذلك الترمذي (2/ 463).

(1)

رجال الإسناد:

يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري النجاري، أبو سعيد المدني القاضي، كان ثقة كثير الحديث حجة ثبتاً، قال الثوري: كان أجلّ عند أهل المدينة من الزهري، وقال ابن حجر في «التقريب»: ثقة ثبت. مات سنة 143 أو 144، روى له البخاري ومسلم.

أبو بكر الأنصاري، هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري النجاري، القاضي، ثقة عابد، مات سنة 120 وقيل غير ذلك، روى له البخاري ومسلم.

عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، أمير المؤمنين، وهو أشهر من أن يُعرَّف، مات في رجب سنة 101 وله أربعون سنة، ومدة خلافته سنتان ونصف، روى له البخاري ومسلم.

أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي المدني، راهب قريش، ثقة فقيه عابد، مات سنة 94 وقيل غير ذلك، روى له البخاري ومسلم.

ص: 88

وهذا السند أطول سند عند أحمد بينه وبين النبيِّ صلى الله عليه وسلم ستة أنفس.

وأخرجه الحميدي (992) وابن أبي شيبة (2/ 706) كلاهما عن سفيان به، وأخرجه الترمذي (574) من طريق قتيبة بن سعيد، والنسائي (2/ 161) وفي «الكبرى» (1035) و (1037) من طريق محمد بن منصور، والدارمي (1470) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، والبيهقي في «المعرفة» (3/ 239) من طريق الشافعي والخطيب في «تاريخ بغداد» (3/ 416) من طريق علي بن عبد الله المديني، والباغندي في «مسند عمر بن عبد العزيز» (31) من طريق أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة والعباس بن يزيد، كلهم عن سفيان به.

قال الذهلي

(1)

: (لا أعلم روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد غير ابن عيينة وهو وهم، إنما روى الناس

(2)

عن يحيى في هذا الإسناد حديث الإفلاس)

(3)

.

وقال البيهقي في «المعرفة» : وكذلك رواه علي بن المديني وغيره عن سفيان، وزعم محمد بن يحيى الذهلي أنَّ ابن عيينة وهم فيه، وإنما روى الناس عن يحيى بهذا الإسناد حديث الإفلاس.

(1)

تاريخ بغداد (3/ 416) والتنقيح (1/ 453).

(2)

رواه سفيان بن عيينة، والليث بن سعد، وأنس بن عياض، ومالك بن أنس، وحماد بن زيد، وهشيم.

حديثهم أخرجه الباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز؛ أحاديث رقم (32 - 42).

(3)

«أيما رجل أفلس فأدرك رجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره» .

ص: 89

قلت: قد رواه أيضاً الثوري عن يحيى بن سعيد

(1)

. والله تعالى أعلم.

‌علة الوهم:

يحيى بن سعيد الأنصاري يروي هذا الحديث أيضاً عن محمد بن عمر عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)}

(2)

.

وقد روى مسلم في صحيحه (578) من طريق عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم السجود في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} فمن هنا والله أعلم دخل الوهم إن صحَّ زعم الذهلي

(3)

على سفيان في هذا الحديث.

(1)

رواه الدارقطني في أطراف الغرائب (5/ 275) وقال: غريب من حديث الثوري عن يحيى بن سعيد، تفرد به أحمد بن عبيد عن أبي أحمد الزبيري عنه.

قلت: أحمد بن عبيد قال في «التقريب» : ليّن الحديث. وأبو أحمد الزبيري ثقة إلا أنه يخطاء في حديث الثوري.

وانظر: العلل للدارقطني (9/ 66).

(2)

شرح مشكل الآثار (9/ 241).

(3)

والراجح عندي أنَّ سفيان لم يهم فهو قد روى عن يحيى بن سعيد حديث الإفلاس، فعنده الحديثان معاً ورواه عنه علي بن المديني إمام العلل في وقته ولم يعترض عليه. والله تعالى أعلم.

ص: 90

‌الحديث الثالث عشر

(1)

:

96 -

قال أبو عيسى الترمذي (2828): حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن عليٍّ رضي الله عنه قال:

ما سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد غير سعد بن أبي وقّاص.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح.

وأخرجه النسائي في «الكبرى» (10022) وفي «عمل اليوم والليلة» (193) بهذا الإسناد، ورواه البزار (520) عن الحسن بن الصباح البزار وإبراهيم بن سعيد، وابن حبان (6988) من طريق إبراهيم بن بشار، وأحمد بن زهير بن حرب في «أخبار المكيين» (435)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (2/ 695)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (20/ 317) من طرق عن سفيان بهذا الإسناد.

ورواه الترمذي (3750)، وابن جرير الطبري في «تهذيب الآثار»

(1)

رجال الإسناد:

إبراهيم بن سعيد الجوهري، أبو إسحاق الطبري نزيل بغداد، ثقة حافظ تُكلم فيه بلا حجة، من العاشرة، مات في حدود سنة 250، روى له مسلم.

يحيى بن سعيد الأنصاري، تقدم.

سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب القرشي المخزومي، أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، من كبار الثانية، اتفقوا على أنَّ مرسلاته أصح المراسيل. قال ابن المديني: لا أعلم من التابعين أوسع علماً منه، مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين، روى له البخاري ومسلم.

ص: 91

(3/ 107 مسند علي)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (2/ 437) من طريق الحسن بن الصباح عن سفيان، عن يحيى بن سعيد وعلي بن زيد عن سعيد بن المسيب، عن علي.

هكذا قال سفيان: (عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن علي).

خالفه يحيى بن سعيد القطان

(1)

، والليث بن سعد

(2)

، وعبد الوهاب الثقفي

(3)

، وسليمان بن بلال

(4)

، وشعبة

(5)

، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي

(6)

، وحاتم بن إسماعيل المدني

(7)

، وإسماعيل بن عياش

(8)

، وعبد الله بن نمير

(9)

، وجعفر بن عون

(10)

، وعيسى بن يونس

(11)

، والقاسم بن معن

(12)

، ونُعيم بن يحيى السعيدي

(13)

، ونوح بن حبيب

(14)

، وزائدة بن قدامة

(15)

.

(1)

البخاري (4056).

(2)

البخاري (4057) ومسلم (2412).

(3)

البخاري (3725) ومسلم (2412).

(4)

مسلم (2412).

(5)

الطيالسي (220)، وأحمد (1/ 174)، والشاشي (142) و (145).

(6)

الترمذي (2830) و (3754) مقروناً مع الليث بن سعد.

(7)

ابن ماجه (130).

(8)

ابن ماجه (130).

(9)

ابن أبي شيبة (32146) وابن سعد في الطبقات (3/ 141).

(10)

أبو يعلى (795).

(11)

النسائي في الكبرى (8216) و (10024) وفي عمل اليوم والليلة (196).

(12)

الطبراني في الأوسط (7049).

(13)

الطبراني في الأوسط (5831) والشاشي (141).

(14)

الخطيب في تاريخ بغداد (13/ 321).

(15)

تاريخ بغداد (13/ 321) تعليقاً.

ص: 92

هؤلاء كلهم رووا هذا الحديث فقالوا: (عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن سعد.

وكذلك رواه هاشم بن هاشم السعدي

(1)

: عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص).

وهم سفيان فجعله من مسند علي والصحيح أنه من مسند سعد رضي الله عنهما.

ورواه الحميدي عن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن سعد، فوافق رواية الجماعة هنا

(2)

.

لذا قال النسائي: هذا هو الصواب عندنا، وحديث سفيان خطأ

(3)

.

وقال أيضاً: رواية الليث وعيسى بن يونس أَولى عندنا بالصواب من حديث سفيان بن عيينة. والله أعلم

(4)

.

وقال الترمذي عقب الحديث: وقد روى غير واحد هذا الحديث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص.

وقال البزار: (هذا الحديث لا نعلم أحداً رواه عن يحيى بن سعيد، عن سعيد، عن علي إلا ابن عيينة، وغير ابن عيينة يرويه عن سعيد عن سعد)

(5)

.

(1)

البخاري (4055).

(2)

الفسوي في المعرفة والتاريخ (4/ 695) عن الحميدي، والشاشي في مسنده (144) من طريق أحمد بن زهير بن حرب عن الحميدي به.

(3)

في المجتبى (1/ 228) وفي الكبرى (6/ 57).

(4)

السنن الكبرى (6/ 58).

(5)

في مسنده (2/ 155).

ص: 93

وقال الفسوي: (حدثنا أبو بكر الحميدي، حدثنا سفيان عن مسعر، عن سعد بن إبراهيم، عن عبد الله بن شداد، عن عليّ، قال: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد إلا لسعد فإنه قال يوم أُحد: «ارْمِ، فداكَ أبي وأُمِّي»

(1)

.

ثم ترك سفيان حديث مسعر بعده وصار يحدِّث بحديث يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب، عن عليّ، قال: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد إلا لسعد.

قال أبو بكر: ترك الصحيح وحدَّث الغلط، وقد كان أولاً: حدثنا عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: سمعت سعداً يقول: جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أُحد فقال: «ارْمِ، فداكَ أبي وأُمي»

(2)

.

وقال ابن منده: (هذا حديث غريب من حديث يحيى بن سعيد لا يُعرف عنه إلا من حديث سفيان بن عيينة)

(3)

.

وقال الدارقطني: (هو حديث تفرد به ابن عيينة عن يحيى بن سعيد وعلي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن عليّ.

فأصحاب يحيى يروونه عن يحيى، عن سعيد بن المسيب، عن سعد، قال: جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه).

وقد اختلف عن ابن عيينة في لفظه:

فقال الحسن بن البزار وحميد بن الربيع عنه بهذا الإسناد عن

(1)

مسلم (2411)(41) من طريق ابن عيينة وغيره عن مسعر به (وسيأتي).

(2)

المعرفة والتاريخ (2/ 695).

(3)

تاريخ دمشق (20/ 317).

ص: 94

عليّ: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه إلا لسعد.

وقال الحميدي وغيره عن ابن عيينة فيه: ما سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم جمع أبويه إلا لِسعد.

وهذا أصح من القول الأول لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد صحَّ أنه جمع أبويه للزبير بن العوام

(1)

.

وقال نوح بن حبيب: (رووه جماعة عن يحيى بن سعيد فيهم شعبة وزائدة اتفقوا في إسناده ولم يختلفوا رووه كلهم عن يحيى بن سعيد عن سعيد عن سعد، وتفرد ابن عيينة فرواه عن يحيى بن سعيد، عن سعيد، عن عليّ.

وإن كان ابن عيينة حفظه عن يحيى بن سعيد فإنه حديث غريب

(2)

.

‌علة الوهم:

أنَّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد روى هذا الحديث، ففي الصحيحين وغيرهما من طريق سعد بن إبراهيم عن عبد الله بن شداد، قال: سمعت عليًّا يقول: ما سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد غير سعد

(3)

.

ورواه ابن عيينة عن مسعر، عن سعد بن إبراهيم، عن عبد الله بن شداد، عن عليّ

(4)

.

(1)

في العلل (3/ 218 - 219).

(2)

تاريخ بغداد (13/ 322).

(3)

البخاري (4058) و (4059) ومسلم (2411).

(4)

مسلم (2411).

ص: 95

وكان عند سفيان أيضاً حديث يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن سعد وكان يحدِّث به أولاً كما قال الحميدي ثم حصل له الوهم فأدخل إسناداً في إسناد. والله تعالى أعلم.

ص: 96

‌الحديث الرابع عشر

(1)

:

97 -

قال أبو عوانة (6039): حدثنا أحمد بن شيبان الرملي ويونس بن عبد الأعلى، قالا: ثنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد سمع بشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة، قال:

وجد عبد الله بن سهل قتيلاً في قليب من قلب خيبر فجاء أخوه عبد الرحمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمَّاه حويصة ومحيصة، فذهب عبد الرحمن يتكلم عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«الكبر الكبر» . فتكلم أحد عمَّيه إمّا حويصة وإمّا محيصة فتكلم الأكبر منهما، قال: يا رسول الله، إنّا وجدنا عبد الله قتيلاً في قليب من قلب خيبر. فذكر عداوة اليهود لهم، قال: يحلف خمسون من اليهود أنهم لم يقتلوه.

قالوا: كيف نرضى بأيمانهم وهم مشركون؟

قال: «فيُقسم منكم خمسون أنهم قتلوه» .

(1)

رجال الإسناد:

أحمد بن شيبان بن الوليد بن حبان، أبو عبد المؤمن الرملي، وثَّقه ابن حبان وقال: كان يخطاء، والحاكم، وقال ابن أبي حاتم: صدوق، ونعته الذهبي في «السير»: المحدِّث الكبير الصدوق.

(السير 12/ 346، ميزان الاعتدال 1/ 185، الجرح والتعديل 2/ 55).

يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة الصدفي، أبو موسى المصري، ثقة، من صغار العاشرة، مات سنة 264 وله 76 سنة، روى له مسلم.

يحيى بن سعيد، تقدم.

بُشير بن يسار الحارثي، مولى الأنصار مدني، ثقة فقيه، من الثالثة، روى له البخاري ومسلم.

سهل بن أبي حثمة بن ساعدة بن عامر الأنصاري الخزرجي المدني، صحابي صغير، وُلد سنة ثلاث من الهجرة، وله أحاديث، مات في خلافة معاوية، روى له البخاري ومسلم.

ص: 97

قالوا: أَنُقسم على ما لم نرَ؟

فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح (من طريق يونس).

وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3/ 197) وفي «شرح مشكل الآثار» (4588) عن يونس، عن سفيان به.

وأخرجه البيهقي (8/ 119) من طريق الحميدي عن سفيان به (وهو خلاف ما في مسند الحميدي كما سيأتي) فلعله وهم.

وذكره أبو داود تعليقاً عقب الحديث (4520).

هكذا قال سفيان: عن يحيى بن سعيد، عن بشير، عن سهل بن أبي حثمة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بدأ بأيمان اليهود في حديث القسامة وهم المدَّعى عليهم.

خالفه أصحاب يحيى بن سعيد فرووه عنه بهذا الإسناد وذكروا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بدأ بأيمان الأنصار فقال لهم: أتحلفون وتستحقون قاتلكم؟» قالوا: كيف نحلف ولم نشهد ولم نرَ؟ قال: «فتبرئكم يهود بخمسين

». منهم:

بشر بن المفضل

(1)

، وحماد بن زيد

(2)

، والليث بن سعد

(3)

،

(1)

البخاري (2702) و (3173) ومسلم (1669).

(2)

البخاري (6142) و (6143) ومسلم (1669).

(3)

مسلم (1669).

ص: 98

وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي

(1)

، وسليمان بن بلال

(2)

، وهشيم

(3)

، ومالك

(4)

، وابن جريج

(5)

، وعبدة بن سليمان

(6)

، وأبو قلابة

(7)

، وأبو أويس المدني

(8)

.

هؤلاء كلهم رووا هذا الحديث عن يحيى بن سعيد وذكروا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بدأ بطلب الأيمان من الأنصار وهذا بخلاف ما رواه سفيان عن يحيى.

وقد رواه غير واحد عن سهل بن أبي حثمة كذلك، وقد استوفينا البحث فيه في باب سعيد بن عبيد الطائي فانظره لزاماً.

وقد وافق سفيان الجماعة في رواية أخرى له ورواها عنه عامة أصحابه، منهم:

الإمام الشافعي

(9)

، والحميدي

(10)

، وأحمد

(11)

،

(1)

مسلم (1669)، والنسائي (8/ 10)، والبيهقي (8/ 118)، ولم يسق مسلم لفظه بل أحاله على حديث الليث وحماد.

(2)

مسلم (1669).

(3)

مسلم (1669) ولم يذكر سليمان وهشيم سهل بن أبي حثمة في الإسناد.

(4)

الموطأ (2/ 878)، وعبد الرزاق (18258)، والنسائي (8/ 5) و (8/ 11)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4587).

(5)

عبد الرزاق (18258).

(6)

أبو داود (4520) تعليقاً.

(7)

عبد الرزاق (18257)، وهو في طبقة شيوخه ولم يأت ذكره في التهذيب في مَنْ روى عنه.

(8)

البيهقي (8/ 118).

(9)

في السنن (606)، وفي السنن المأثور (1/ 423)، والأُمّ (6/ 78)، وفي مسنده (2/ 114) بترتيب السندي.

(10)

في مسنده (403)، ورواه البيهقي من طريقه بخلافه كما في حديث الباب.

(11)

في المسند (4/ 2).

ص: 99

وعبد الرزاق

(1)

، وعمرو الناقد

(2)

، وابن المقراء

(3)

، ومحمد بن منصور

(4)

.

وقد أشار بعض أهل الحديث إلى وهم ابن عيينة في هذا.

قال أبو داود: (ورواه ابن عيينة عن يحيى فبدأ بقوله: تبرئكم يهود بخمسين يميناً يحلفون، وهذا وهم من ابن عيينة)

(5)

.

وقال الطحاوي عقب أن أورده من طريق سفيان: وهذا خلاف ما في حديث مالك غير أنَّ أكثر الناس رووه على موافقة مالك

(6)

.

وقال البيهقي: (ورواه سفيان بن عيينة عن يحيى فخالف الجماعة في لفظه ويذكر عن سفيان بن عيينة ما دلَّ على أنه لم يتقنه إتقان هؤلاء)

(7)

.

قلت: كأني ببعضهم لم يقفوا على رواية الجماعة عن سفيان وإنما وقفوا على رواية يونس وأحمد بن شيبان.

وقد بيَّن الإمام الشافعي أنَّ سفيان كان يشك في هذا الحديث فربما رواه فقدَّم الأنصار وربما رواه على الشك في أيهما قدَّم.

(1)

في المصنف (18259) ولم يسق لفظه.

(2)

مسلم (1669) ولم يسق لفظه وأحاله على رواية الجماعة.

(3)

ابن الجارود (798).

(4)

النسائي (8/ 11).

(5)

في السنن (4/ 428) عقب الحديث (4520) قال الحافظ في الفتح (12/ 234): كذا جزم بذلك.

(6)

في شرح مشكل الآثار (11/ 524).

(7)

السنن الكبرى (8/ 120).

ص: 100

قال الشافعي: (كان سفيان يحدِّثه هكذا

(1)

، وربما قال: لا أدري أبَدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنصار في اليمين أم يهود؟ فيقال له: إنَّ الناس يحدِّثون أنه بدأ بالأنصار. قال: فهو ذلك، وربما حدَّثه ولم يشك فيه)

(2)

.

‌علة الوهم:

1 روى سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار وهو الذي روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري هذا الحديث أيضاً أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم طلب من الأنصار البيِّنة فلمّا لم يكُن لهم ذلك طلب من اليهود اليمين (وسبق في باب سعيد بن عبيد الطائي) وحديثه في البخاري، فانظره في بابه ح (574).

2 أنَّ الأصول الشرعية تقول إنَّ البيِّنة على المدَّعي واليمين على المدَّعى عليه.

فلربما من هنا دخل الوهم على سفيان فحدَّثه كما هو هنا في حديث الباب ورواية الأكثر من أصحابه على الوجه الصحيح. والله تعالى أعلم.

‌أثر الوهم:

استدل بعض أهل الحديث بهذه الرواية وبحديث سعيد بن عبيد الطائي على أنه يبدأ في القسامة بالمدَّعى عليهم.

(1)

أي بالبدء بذكر الأنصار.

(2)

السنن للشافعي (1/ 227 عقب الحديث 606)، والأُمّ (6/ 78)، والسنن المأثورة (1/ 423) رواية المزني، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 120).

ص: 101

قال الطحاوي: (فقال قائلون هكذا القسامة على ما في حديث مالك وبشر بن المفضل يبدأ فيها أولياء الدم.

وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: بل يبدأ فيها بالموجود ذلك القتيل بين ظهرانيهم على ما في حديث ابن عيينة

)

(1)

.

والله تعالى أعلم.

(1)

شرح مشكل الآثار (11/ 525).

ص: 102

‌الحديث الخامس عشر

(1)

:

98 -

قال الإمام أحمد (4/ 117): حدثنا سفيان عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله بن معمر، عن بسر بن سعيد، قال:

أرسلني أبو جهيم ابن أخت أبي بن كعب إلى زيد بن خالد أسأله ما سمع في المارّ بين يدَي المصلِّي؟

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لأن يقوم أربعين لا أدري من يوم أو شهر أو سنة خير له من أن يمرّ بين يديه» .

‌التعليق:

هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.

وأخرجه الحميدي (836) عن سفيان، وعبد بن حميد في «المنتخب» (836) من طريق ابن أبي شيبة به، وابن ماجه (944) من

(1)

رجال الإسناد:

سالم بن أبي أمية التيمي، أبو النضر المدني، مولى عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، ثقة ثبت يرسل، من الطبقة الخامسة، توفي سنة 129، روى له البخاري ومسلم.

بُسر بن سعيد، العابد، مولى ابن الحضرمي المدني، ثقة جليل، من الطبقة الثانية، توفي سنة 100، روى له البخاري ومسلم.

أبو جُهيم بن الحارث بن الصمة بن عمرو الأنصاري، قيل: اسمه عبد الله وقد يُنسب لجدِّه، وقيل: هو عبد الله بن جهيم بن الحارث بن الصمة، وقيل: اسمه الحارث بن الصمة، وقيل: هو آخر غيره، صحابي معروف وهو ابن أخت أبي بن كعب بقي إلى خلافة معاوية رضي الله عنهما، روى له البخاري ومسلم.

زيد بن خالد الجهني أبو عبد الرحمن أو أبو طلحة المدني، صحابي مشهور، مات بالمدينة وقيل: بالكوفة سنة 68 وقيل: 78 عن 85 عاماً، روى حديثه البخاري ومسلم.

ص: 103

طريق هشام بن عمّار، ورواه أبو عوانة (1394) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (84) كلاهما عن يونس بن عبد الأعلى، والبزار (3782) من طريق أحمد بن عبيد، والطبراني في «الكبير» (5236) من طريق إبراهيم بن بشار الرمادي، كلهم عن سفيان بن عيينة عن سالم أبي النضر به.

هكذا رواه سفيان فقال: (عن سالم أبي النضر، عن بسر أنَّ أبا جهيم أرسله إلى زيد بن خالد يسأله عن حديث المرور بين يدَي المصلِّي).

خالفه مالك بن أنس

(1)

وسفيان الثوري

(2)

فقالا: (عن سالم أبي النضر، عن بسر بن سعيد، أنَّ زيد بن خالد أرسله إلى أبي جهيم

).

وكذلك رواه سعيد بن أيوب

(3)

عن أبي النضر فجعله من مسند أبي جهيم.

وهم سفيان في جعله من حديث زيد بن خالد عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من حديث أبي جهيم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

قال ابن عبد البرّ في «التمهيد» (21/ 147): روى ابن عيينة هذا الحديث مقلوباً عن أبي النضر عن بسر بن سعيد جعل في موضع زيد بن خالد أبا جهيم، وفي موضع أبي جهيم زيد بن خالد.

(1)

البخاري (510) ومسلم (507).

(2)

مسلم (507)، وابن ماجه (945)، وأبو عوانة (1392) و (1393)، وعبد الرزاق (2322).

(3)

الطبراني في «الأوسط» (265).

ص: 104

وقال أيضاً: قال أحمد بن زهير: سئل يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال: خطأ، إنما هو زيد إلى أبي جهيم كما روى مالك.

وقال الحافظ المزي في «تحفة الأشراف» (3/ 231): ومَن جعل الحديث من مسند زيد بن خالد فقد وهم.

وقال الحافظ ابن رجب في «شرح البخاري» (2/ 678): «وممَّن نصَّ على أن جعل الحديث من مسند زيد بن خالد عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهم من ابن عيينة وخطأ ابن معين في رواية ابن أبي خيثمة، وأشار إليه الإمام أحمد في رواية حنبل.

وقد اضطرب ابن عيينة في لفظه وإسناده ولم يحفظه جيداً».

وقال صاحب «أخبار المكيين» (1/ 423): سئل يحيى بن معين عن حديث ابن عيينة عن سالم أبي النضر عن بسر بن سعيد: أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد، سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذي يمرّ بين يدَي المصلِّي، فقال يحيى: خطأ، إنما هو زيد إلى أبي جهيم.

وقال الزيلعي في «نصب الراية» (2/ 79): إنَّ متنه عكس متن الصحيحين.

ونسب ابن القطان وابن عبد البرّ الوهم فيه إلى ابن عيينة.

قال ابن القطان في كتابه: وقد خطَّأ الناس ابن عيينة في ذلك لمخالفته رواية مالك وليس خطؤه بمتعين لاحتمال أن يكون أبو جهيم بعث بسر بن سعيد إلى زيد بن خالد أو زيد بن خالد بعثه إلى أبي جهيم بعد أن أخبره بما عنده ليستثبته فيما عنده فأخبر كل واحد منهما بمحفوظه. اه.

وتعقبه ابن رجب وابن حجر.

ص: 105

قال ابن رجب في «شرح البخاري» (2/ 678): ومَن تكلف الجمع بين القولين من المتأخرين، فقوله ليس بشيء ولم يأتِ بأمر يُقبل منه.

وقال ابن حجر في «الدراية» (1/ 175): ولا يخفى تكلفه.

وقال في «الفتح» (1/ 585): تعليل الأئمة للأحاديث مبني على غلبة الظن فإذا قالوا أخطأ فلان في كذا لم يتعين خطؤه في نفس الأمر، بل هو راجح الاحتمال فيعتمد. اه.

وهناك زيادة أخرى لسفيان وقعت في رواية البزار عنه وهي قوله (أربعين خريفاً) على الجزم خلاف رواية مالك التي في الصحيح، قال: لا أدري قال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة.

وحاول ابن القطان الجمع بينهما وقد تكلف فيه.

قال الحافظ في «الفتح» (1/ 585): وقد جعل ابن القطان الجزم في طريق ابن عيينة والشك في طريق غيره دالًّا على التعدد، لكن رواه أحمد وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وغيرهم من الحفّاظ عن ابن عيينة عن أبي النضر على الشك أيضاً وزاد فيه (أو ساعة) فيبعد أن يكون الجزم والشك وقعا من راوٍ واحد في حالة واحدة إلا أن يقال: لعله تذكر في الحال فجزم وفيه ما فيه. اه.

وقال الألباني في «تمام المنَّة» ص 32: قوله (أربعين خريفاً) فهذه الزيادة (خريفاً) خطأ من ابن عيينة

وخالفه مالك وسفيان الثوري. اه.

ص: 106

‌الحديث السادس عشر

(1)

:

99 -

قال أبو عيسى الترمذي (2795): حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن زرعة بن مسلم بن جرهد الأسلمي، عن جده جرهد، قال:

مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بجرهد في المسجد وقد انكشف فخذه، فقال:«إنَّ الفخذ عورة» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه اضطرب في إسناده

(2)

.

ورواه الحميدي (857) وابن أبي شيبة (26692) كلاهما عن سفيان، ورواه أحمد (3/ 478) عن سفيان عن أبي النضر عن زرعة بن مسلم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم

هكذا مرسلاً.

ورواه الدارقطني (1/ 224) من طريق بشر بن مطر عن سفيان، عن أبي النضر، عن أبيه، عن جدِّه.

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن يحيى بن أبي عمر المدني نزيل مكة: تقدم. انظر حديث رقم (8)

أبو النضر، سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبد الله التيمي المدني، تقدم.

زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد (ويقال: زرعة بن مسلم بن جرهد) الأسلمي المدني، وثَّقه النسائي، من الثالثة، روى له أبو داود والترمذي والنسائي في سننه الكبرى.

جرهد بن رزاح الأسلمي، مدني له صحبة، وكان من أهل الصفة، يقال: مات سنة 61، روى له أبو داود والترمذي والبخاري تعليقاً.

(2)

انظر: تفاصيل ذلك في «تغليق التعليق» لابن حجر (2/ 209)، و «حاشية مسند أحمد» (30/ 475 - 479) طبعة الرسالة.

ص: 107

ورواه أيضاً يحيى بن معين عن ابن عيينة (تاريخ ابن معين رواية الدوري 3/ 114).

هكذا قال سفيان: (عن أبي النضر، عن زرعة بن مسلم بن جرهد، عن جرهد).

وخالفه مالك

(1)

، والضحاك بن عثمان

(2)

، فقالوا: (عن أبي النضر، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد، عن أبيه أنَّ جرهد

قلب سفيان (زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد) إلى (زرعة بن مسلم بن جرهد) وممّا يدل على صحة رواية مالك أنَّ سفيان الثوري

(3)

، ومسعر بن كدام

(4)

، وعبد الرحمن بن أبي الزناد

(5)

، وسعيد بن أبي مريم

(6)

، وإسماعيل

(7)

رووا هذا الحديث (عن أبي الزناد، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد، عن جدِّه

جرهد)، وافقوا مالكاً والضحاك على قولهم:(زرعة بن عبد الرحمن)

(8)

.

(1)

أبو داود (4014)، وأحمد (3/ 478) و (3/ 479)، والدارمي (2650)، والطبراني في الكبير (2143)، والبيهقي (2/ 228)، وابن سعد في الطبقات الكبرى (4/ 298).

(2)

البخاري في التاريخ الكبير (2/ 249) إلا أنه قال: زرعة بن عبد الرحمن عن جدِّه.

(3)

أحمد (3/ 479)، وابن حبان (1710)، والطبراني (2138).

(4)

أحمد (3/ 479)، والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 248 - 249)، والطبراني (2140).

(5)

الطحاوي في شرح مشكل الآثار (1704) وفي شرح معاني الآثار (1/ 475).

(6)

الطبراني في الكبير (2140).

(7)

البخاري في التاريخ الكبير (2/ 248).

(8)

ورواه الدارقطني (1/ 224) من طريق بشر بن مطر عن سفيان عن أبي الزناد قال: حدثني آل جرهد عن جرهد.

ص: 108

وكذلك روى الحسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عبد الرحمن بن جرهد، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:«فخذ الرجل عورة»

(1)

.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 440): (زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد الأسلمي المدني عن جرهد روى عنه أبو الزناد وسالم أبو النضر، قال ابن عيينة: زرعة بن مسلم بن جرهد، ولم يصح).

وقال أيضاً في «التاريخ الكبير» (2/ 248): (جرهد بن خويلد الأسلمي المدني، قال لي إسماعيل: حدثني ابن أبي الزناد عن أبيه، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد الأسلمي، عن جدِّه جرهد أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له:«الفخذ عورة» .

قال أبو الزناد: حدثني نفر سوى زرعة مثله.

وقال لي صدقة: عن ابن عيينة، عن أبي الزناد، عن آل جرهد، عن جرهد.

وعن سالم أبي النضر، عن زرعة بن مسلم بن جرهد، عن جرهد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مثله، وهذا لا يصح).

وقال ابن حبان في «الثقات» (4/ 268): (ومَن زعم أنه زرعة بن مسلم بن جرهد فقد وهم).

عقد البخاري في صحيحه، باب ما يذكر في الفخذ:

(ويُروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن

(1)

معجم الصحابة (1/ 146).

ص: 109

النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «الفخذ عورة» . وقال أنس: حسر النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن فخذه. وحديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط حتى يخرج من اختلافهم).

‌علة الوهم:

اختلاف الأمصار، فسفيان مكي، وأبو النضر ومَن فوقه في الإسناد كلهم مدنيون.

لذا كانت رواية أهل المدينة مالك بن أنس

(1)

والضحاك بن عثمان

(2)

أصح من رواية سفيان لِعلمهم بأهل بلدهم ومشايخهم أكثر من غيرهم. والله أعلم.

(1)

مالك بن أنس، إمام دار الهجرة. انظر: ترجمته في بابه.

(2)

الضحاك بن عثمان بن عبد الله الأسدي الخزاعي، أبو عثمان المدني، صدوق يهِم، من السابعة، روى له مسلم وأصحاب السنن الأربعة.

ص: 110

‌الحديث السابع عشر

(1)

:

100 -

قال الإمام أبو عيسى الترمذي (658): حدثنا قتيبة، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عاصم الأحول، عن حفصة بنت سيرين، عن الرباب، عن عمِّها سلمان بن عامر يبلغ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم قال:

«إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة، فإن لم يجد تمراً فالماء فإنه طهور» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير رباب الضبّية.

روى لها البخاري في صحيحه تعليقاً وتفردت بالرواية عنها حفصة بنت سيرين ووثقها ابن حبان وقال الترمذي: حسن صحيح، وفي رواية: حسن. وصححه الحاكم على شرط البخاري. وصححه أبو حاتم كما في «العلل» لابنه (1/ 237).

(1)

رجال الإسناد:

قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة 240، روى له البخاري ومسلم.

عاصم بن سليمان الأحول، أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من الرابعة، لم يتكلم فيه إلا القطان فكأنه بسبب دخوله في الولاية، مات بعد سنة 140، روى له البخاري ومسلم.

حفصة بنت سيرين، أم الهذيل الأنصارية البصرية، ثقة، من الثالثة، ماتت بعد المائة، روى لها البخاري ومسلم.

الرَّباب بنت صليع أم الرائح الضبية البصرية، مقبولة، من الثالثة، روى لها البخاري تعليقاً وأصحاب السنن الأربعة.

سلمان بن عامر بن أوس بن حجر بن عمرو بن الحارث الضبي، صحابي سكن البصرة، روى له البخاري.

ص: 111

وأخرجه الحميدي (823) عن سفيان به.

والنسائي في «الكبرى» (3320) من طريق قتيبة وابن خزيمة في صحيحه (2067) من طريق عبد الجبار بن العلاء.

ورواه أحمد (4/ 17) و (4/ 214) وابن الجعد (2153) كلاهما عن سفيان ولم يذكرا: «فإنه بركة» .

هكذا رواه سفيان عن عاصم فقال فيه: «فإنه بركة» .

ولم يتابعه على زيادة هذه اللفظة أحد ممَّن روى هذا الحديث عن عاصم، وهم:

سفيان الثوري

(1)

، وحماد بن زيد

(2)

، وهشام بن حسان

(3)

، ومحمد بن فضيل

(4)

، وأبو معاوية محمد بن خازم

(5)

، وثابت بن يزيد

(6)

، وحفص بن غياث

(7)

، وعبد العزيز بن المختار

(8)

، وعبد الواحد بن زياد

(9)

، وعبد الرحيم بن سليمان

(10)

، وشريك

(11)

،

(1)

الترمذي (695)، وأحمد (4/ 17)، وابن أبي شيبة (9796)، والطبراني (6193).

(2)

النسائي في الكبرى (3319)، وابن خزيمة (2067)، والطبراني في الكبير (6196).

(3)

النسائي (3325) و (3326) وأحمد (4/ 17، 213).

(4)

ابن ماجه (1699)، وابن خزيمة (2067)، وابن أبي شيبة (9796) وفي مسنده (847).

(5)

الترمذي (695) وأحمد (4/ 18) و (4/ 214).

(6)

الدارمي (1701).

(7)

البيهقي في المعرفة (3/ 388).

(8)

الطبراني في الكبير (6195).

(9)

أبو داود (2357)، والحاكم (1/ 432)، والبيهقي (4/ 238).

(10)

ابن ماجه (1695).

(11)

ابن الجعد في مسنده (2153).

ص: 112

وشعبة

(1)

.

لذا قال النسائي: (هذا الحرف: «فإنه بركة» لا نعلم أنَّ أحداً ذكره غير سفيان ولا أحسبه محفوظاً)

(2)

.

وقال الترمذي: (زاد ابن عيينة: «فإنه بركة»).

هذا مع أنَّ سفيان إمام حافظ ثقة لكن لم يصحح أهل الحديث هذه الزيادة.

‌علة الوهم:

1 اختلاف الأمصار: فسفيان بن عيينة مكي، وعاصم بن الأحول بصري من أهل العراق؛ لذا كانت رواية أهل العراق شعبة وسفيان ومَن تابعهما أصح من رواية سفيان بن عيينة. والله تعالى أعلم.

2 أنَّ هذه الصفة موجودة في التمر.

(1)

الطيالسي (1181) ومن طريقه البيهقي (4/ 239).

واختلف على شعبة فرواه عنه محمد بن جعفر عند أحمد (4/ 18) ومسلم بن إبراهيم عند الطبراني في الكبير (6/ 273). ولم يذكرا الرَّباب في الإسناد وأشار إلى هذا الاختلاف على شعبة الترمذي عقب الحديث (694)، وانظر ح (893).

(2)

السنن الكبرى (2/ 254).

ص: 113

‌الحديث الثامن عشر

(1)

:

101 -

قال الإمام النسائي في «السنن الكبرى» (9922): أخبرنا أحمد بن حرب، قال: حدثنا سفيان، عن عاصم، عن رجل يقال له: عبد الرحمن بن الرماح، عن عبد الرحمن بن عوسجة أحدهما عن الآخر، عن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا قضى الصلاة قال:

«اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله ثقات غير عبد الرحمن بن الرماح فلا يُعرف أحد من الرواة بهذا الاسم كما سيأتي.

وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» (93).

وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (3197) عن سفيان بهذا الإسناد ومن طريقه الطبراني في «الدعاء» (646) وعندهما عن ابن عيينة، عن

(1)

رجال الإسناد:

أحمد بن حرب بن محمد بن علي بن حبان بن مازن الطائي الموصلي، صدوق، من العاشرة، مات سنة 263 وله 90 سنة، روى له النسائي.

عاصم بن سليمان الأحول، تقدم.

عبد الرحمن بن الرماح، عوسجة بن الرماح كوفي، مقبول، من السادسة، روى له النسائي.

عبد الرحمن بن عوسجة الهمداني الكوفي، ثقة، من الثالثة، قُتل بالزاوية مع ابن الأشعث، روى له البخاري في «الأدب المفرد» وأصحاب السنن.

ص: 114

عاصم الأحول، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن عبد الرحمن بن الرماح، عن عائشة بدون شك.

هكذا رواه ابن عيينة فقال: (عن عاصم، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن عبد الرحمن بن الرماح، عن عائشة).

خالفه سفيان الثوري

(1)

، وشعبة

(2)

، وأبو معاوية محمد بن خازم

(3)

، وأبو خالد الأحمر

(4)

، ومروان بن معاوية الفزاري

(5)

، وعبد الواحد بن زياد

(6)

، ويزيد بن هارون

(7)

، وثابت أبو زيد

(8)

.

هؤلاء الثمانية رووه عن عاصم فقالوا: (عن عاصم، عن عبد الله بن الحارث، عن عائشة).

وكذلك رواه شعبة

(9)

، وعلي بن عاصم

(10)

، وخالد بن عبد الله

(1)

أحمد (6/ 62) وأبو عوانة (2062) و (2063).

(2)

مسلم (592)، وأبو داود (1512)، والنسائي في الكبرى (1261) و (7717).

(3)

مسلم (592)، والترمذي (298)، وابن ماجه (924)، وابن أبي شيبة (1/ 2)، والنسائي (3/ 69)، وفي الكبرى (9924) و (9925)، وإسحاق بن راهويه (1357).

(4)

مسلم (592).

(5)

الترمذي (299)، وابن حبان (2000)، وأبو عوانة (2061)، والنسائي في الكبرى (99/ 0).

(6)

ابن ماجه (924).

(7)

النسائي في الكبرى (9923)، والدارمي (1347)، والبيهقي (2/ 113).

(8)

الطيالسي (1662).

(9)

مسلم (592) وأبو داود (1512) وغيرهما.

(10)

أحمد (6/ 184).

ص: 115

الواسطي

(1)

، وعبد الواحد بن زياد

(2)

، وعبد الوهاب الثقفي

(3)

، خمستهم عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن الحارث، عن عائشة به.

لذا قال النسائي في «الكبرى» (6/ 29): (حديث شعبة ويزيد بن هارون أَولى عندنا بالصواب من الحديث الأول يعني حديث سفيان والحديث الأول خطأ. والله أعلم).

وقال الحافظ المزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة عوسجة (22/ 432): والوهم في ذلك من ابن عيينة، ولعله مما رواه بعد الاختلاط، فإنه لم يتابعه عليه أحد ولا يُعرف في رواة الحديث مَنْ اسمه عبد الرحمن بن الرماح لا في هذا الحديث ولا في غيره. والله أعلم.

وقال ابن حجر في ترجمته: (إنَّ هذا الإسناد قد اختلف فيه، فقيل: عن ابن عيينة، عن عاصم، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن عبد الرحمن بن الرماح، عن عائشة. وهذا غير محفوظ، والوهم فيه من ابن عيينة فلعله فيما رواه بعد الاختلاط، ولا يُعرف في رواة الحديث مَنْ اسمه عبد الرحمن بن الرماح).

‌علة الوهم:

روى عاصم الأحول

(4)

عن عوسجة بن الرماح، عن عبد الله بن

(1)

أبو يعلى (4721) وابن حبان (2001).

(2)

ابن السني (109).

(3)

إسحاق بن راهويه (1306).

(4)

النسائي في الكبرى (9926)، وابن أبي شيبة (1/ 268)، وابن خزيمة (736)، وابن حبان (2002)، والطبراني في الدعاء (648)، والبخاري في التاريخ الكبير (7/ 75) تعليقاً من طريق أبي معاوية، والنسائي في الكبرى (9927) من طريق شعبة كلاهما عن عاصم به.

ص: 116

الهذيل، عن عبد الله بن مسعود، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس إذا سلَّم إلا مقدار ما يقول: «اللهم أنت السلام وإليك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» . فخلط سفيان في أسمائهم وذكرهم في حديث عائشة بدلاً من ابن مسعود. وشيخه عاصم روى كلا الحديثين. والله تعالى أعلم.

وانظر: «العلل» لعلي بن المديني، ص 720.

ص: 117

‌الحديث التاسع عشر

(1)

:

102 -

قال أبو داود (1976): حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن عبد الله ومحمد ابنَي أبي بكر، عن أبيهما، عن أبي البداح بن عدي، عن أبيه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً.

‌التعليق:

هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير أبي البداح تابعي ثقة.

(1)

رجال الإسناد:

مُسَدّد بن مُسرهد. انظر حديث رقم (4).

عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، القاضي، ثقة، من الخامسة، مات سنة 135 وهو ابن 70 سنة، روى له البخاري ومسلم.

محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، أبو عبد الملك القاضي، ثقة، من السادسة، مات سنة 132، روى له البخاري ومسلم.

أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري النجاري، المدني القاضي، ثقة عابد، من الخامسة، مات سنة 120 أو قريباً منها، روى له البخاري ومسلم.

أبو البدَّاح بن عاصم بن عدي البلوي حليف الأنصاري، يقال: اسمه عدي، ويقال: كنيته أبو عمرو، وأبو البداح لقب، ثقة، من الثالثة، مات سنة 110 وقيل: بعد ذلك، ووهم مَنْ قال له صحبة، روى له أصحاب السنن الأربعة.

قال في «التلخيص» : يقال أن له صحبة وفي القلب منه شيء لكثرة الاختلاف في الإسناد.

وصحح ابن عبد البرّ في «الاستذكار» أن له صحبة وفي كتاب أبي موسى المديني أنه زوج جميلة بنت ياسر أخت معقل بن يسار التي عضلها.

عاصم بن عدي في الحديث العجلان الأنصاري، صحابي شهد أُحداً، مات في خلافة معاوية وقد جاوز المائة، وفي الصحيح حكاية ابن عباس عنه في الملاعنة.

ص: 118

وقد قال الحاكم في مستدركه: (أبو البداح مشهور في التابعين، وعاصم بن عدي مشهور في الصحابة وهو صاحب اللعان). ووافقه الذهبي.

وأخرجه أحمد (5/ 45) والحميدي (854) عن سفيان به.

وأخرجه كذلك الترمذي (954)، والنسائي (5/ 273) وفي «الكبرى» (4074)، وابن ماجه (3036)، وابن خزيمة (2977)، وابن الجارود (477)، وابن حبان (3888)، والحاكم (1/ 478)، والبيهقي (5/ 19)، وابن قانع في «معجم الصحابة» (830)، وابن أبي خيثمة في تاريخه (1479)، والضياء في «المختارة» (190)، وابن عبد البرّ في «التمهيد» (17/ 259)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (4/ 8)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (876)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 126) ط. العلمية.

وقد أعلَّ يحيى بن معين والترمذي والحاكم هذا الحديث.

هكذا قال سفيان: (عن عبد الله ومحمد ابنَي أبي بكر، عن أبيهما، عن أبي البداح بن عدي، عن أبيه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً).

خالفه مالك

(1)

فقال: (عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن

(1)

الموطأ (1/ 374 - 375) رواية يحيى الليثي، وأبو داود (1975)، والنسائي (5/ 273)، وابن ماجه (3037)، وأحمد (5/ 450)، وأبو يعلى (6836)، والترمذي (955)، والنسائي في الكبرى (4175)، وابن خزيمة (2979)، وابن الجارود (478)، والطحاوي (2/ 222)، والطبراني في الكبير (17/ 455)، والضياء في المختارة (191) و (192) و (193)، والبيهقي (5/ 150)، وابن عبد البرّ في التمهيد (17/ 256)، وابن الأثير في أسد الغابة (3/ 110) من طريق عبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق والقعنبي وعبد الرحمن بن القاسم ويحيى القطان وأبي عاصم الضحاك بن مخلد ومحمد بن الحسن الشيباني وغيرهم.

ص: 119

أبي البداح بن عاصم بن عدي، عن أبيه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منَى يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد ومن بعد الغد لِيومين ثم يرمون يوم النفر).

وكذلك رواه ابن جريج

(1)

عن محمد بن أبي بكر، عن أبيه، عن أبي البداح، عن أبيه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أرخص للرعاة أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر ثم يدعوا يوماً وليلة، ثم يرموا الغد.

خالف سفيان في الإسناد والمتن.

أمَّا في الإسناد: فقوله: (أبو البداح بن عدي) وإنما هو كما قال مالك: (أبو البداح بن عاصم بن عدي). وهذا الاختلاف سهل فسفيان نسبه إلى جدِّه لكن قال الترمذي عقب حديث سفيان: (وروى مالك بن أنس: عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي، عن أبيه.

ورواية مالك أصح)

(2)

.

وكذلك قال ابن الأثير

(3)

والطوسي

(4)

.

وقال الحاكم: جوَّده مالك وزلق فيه غيره.

(1)

أحمد (5/ 45)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 215)، والطحاوي (2/ 222)، والطبراني في الكبير (17/ 455)، والبيهقي (5/ 150 - 151)، وابن عبد البرّ (17/ 258) ومراده: ثم يرمون الغد ليومين.

(2)

سنن الترمذي (3/ 289 ح 954).

(3)

أسد الغابة (4/ 8).

(4)

مختصر الأحكام (4/ 225).

ص: 120

أمَّا في المتن: فقد ذكر يحيى بن معين أنَّ سفيان أخطأ فيه.

فقد نقل ابن عبد البرّ عن أحمد بن زهير قوله: (وسئل يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال: أخطأ فيه ابن عيينة)

(1)

.

وجاء تفصيل ذلك في تاريخ ابن معين فجاء فيه: (قال ابن معين: حديث أبي البداح يرويه مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي، عن أبيه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا الجمار ليلاً)

(2)

.

ثم قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي، عن أبيه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً).

قال ابن معين: (وكلام سفيان هذا خطأ إنما هو كما قال مالك بن أنس، فكان سفيان لا يضبطه، كان إذا حدَّث به يقول: ذهب عليَّ من هذا الحديث شيء)

(3)

.

ونحو ذلك روى ابن أبي خيثمة

(4)

عن يحيى بن معين.

فظاهر رواية سفيان أنه سقط عن الرعاة الرمي في أحد أيام التشريق، والصحيح كما رواه مالك أنه رخص لهم في جمع الرمي لا ترك الرمي بالكلية.

(1)

التمهيد (19/ 259).

(2)

هكذا رواه وكيع عن مالك وخالفه أصحاب مالك وذكرنا منهم أكثر من عشرة فرووه كما جاء في رواية الموطأ (انظره: لزاماً في باب وكيع). ح (347).

(3)

تاريخ ابن معين برواية الدوري (3/ 152) ونقله عنه الحاكم في المستدرك (3/ 241).

(4)

في تاريخه (180) وفي أخبار المكيين (458).

ص: 121

وقد ذكر مالك في «الموطأ» عقب هذا الحديث تفسيره فقال: (تفسير الحديث الذي أرخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في تأخير رمي الجمار فيما نرى، والله أعلم، أنهم يرمون يوم النحر فإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر رموا من الغد وذلك يوم النفر الأول فيرمون اليوم الذي مضى ثم يرمون ليومهم ذلك فإنه لا يقضي أحد شيئاً حتى يجب عليه، فإذا وجب عليه ومضى كان القضاء بعد ذلك، فإن بدا لهم النفر فقد فرغوا وإن أقاموا إلى الغد رموا مع الناس يوم النفر الآخر ونفروا)

(1)

.

قلت: لم يتفرد سفيان بن عيينة بهذا فقد تابعه روح بن القاسم فرواه بنفس إسناده ولفظه وذلك فيما رواه ابن خزيمة، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا ابن علية، ثنا روح بن القاسم، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن أبي البداح بن عدي، عن أبيه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يرموا الجمار يوماً ويدعوا يوماً)

(2)

.

قال البيهقي: هكذا قال ابن عيينة وكذلك قال روح بن القاسم عن عبد الله بن أبي بكر وكأنهما نسبا أبا البداح إلى جدِّه وأبوه عاصم بن عدي

(3)

.

وجاء عند ابن خزيمة ما ظاهره أنَّ عبد الجبار بن العلاء تابعهما، فقال: ثنا عبد الجبار بن العلاء عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن

(1)

الموطأ (1/ 375) برواية يحيى الليثي، ونحو هذا التفسير قال الإمام الشافعي في الأُمّ (5/ 423) كتاب الحج، باب دخول منَى، وابن خزيمة (4/ 220).

(2)

صحيح ابن خزيمة (2978).

(3)

السنن الكبرى (5/ 151).

ص: 122

أبي البداح بن عدي، عن أبيه، فذكره)

(1)

.

وسقط من الإسناد في المطبوع سفيان بن عيينة، والله أعلم، فإنَّ عبد الجبار بن العلاء لا يروي عن عبد الله بن أبي بكر وبين وفاتهما 113 سنة، وقد رواه ابن خزيمة عقبه حديث علي بن خشرم عن ابن عيينة فكأنه ذكره متابعةً لحديث عبد الجبار عن سفيان، يدل على ذلك أنَّ البيهقي لم يذكر متابعاً لسفيان سوى روح بن القاسم. والله تعالى أعلم.

‌علة الوهم:

1 سفيان كان يقول إنه لم يضبط هذا الحديث، وفاته منه شيء كما قال ابن معين.

2 مالك مدني وكذلك شيخه في هذا الحديث وهو أعلم بحديث أهل بلده وغيرهم من سفيان. والله تعالى أعلم.

3 اختصار الحديث أو روايته بالمعنى.

(1)

صحيح ابن خزيمة (2976).

ص: 123

‌الحديث العشرون

(1)

:

103 -

قال أبو عبد الرحمن النسائي (1/ 72): أخبرنا محمد بن منصور، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد الذي أُرِيَ النداء، قال:

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثلاثاً ويديه مرتين وغسل رجله مرتين ومسح برأسه مرتين.

‌التعليق:

هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمد بن منصور وهو ثقة وقد تابعه غير واحد كما سيأتي.

وأخرجه النسائي في «الكبرى» (86) و (171) والدارقطني (1/ 81) من طريق محمد بن منصور به.

ورواه أحمد (4/ 40) وابن أبي شيبة (57) عن سفيان به.

ورواه البيهقي (1/ 63) من طريق محمد بن حماد عن سفيان به.

هكذا رواه سفيان فوهم فيه في موضعين:

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن منصور بن ثابت بن خالد الخزاعي الجزار، ثقة، من العاشرة، مات سنة 252، روى له النسائي.

عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني المدني، ثقة، من السادسة، مات بعد سنة 130، روى له البخاري ومسلم.

يحيى بن عمارة بن أبي حسن الأنصاري المازني المدني، ثقة، من الثالثة، روى له البخاري ومسلم.

عبد الله بن زيد بن عبد ربِّه بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، أبو محمد المدني الذي أُرِيَ الأذان، صحابي مشهور، مات سنة 32 هـ، وقيل: استشهد بأُحد.

ص: 124

الأول: في إسناده: فقال عن عبد الله بن زيد الذي أُرِيَ النداء.

والصحيح كما رواه مالك

(1)

، ووهيب بن خالد

(2)

، وسليمان بن بلال

(3)

، وخالد بن عبد الله الواسطي

(4)

، وعبد العزيز بن أبي سلمة

(5)

، ومحمد بن فليح بن سليمان

(6)

، عن عمرو بن يحيى، فقالوا:(عبد الله بن زيد بن عاصم المازني).

وهو صحابي مشهور وقيل إنه هو الذي قتل مسيلمة الكذاب، واستشهد في وقعة الحرة.

وهو غير عبد الله بن زيد الذي أُرِيَ الأذان وهو ابن عبد ربِّه بن ثعلبة.

الثاني: في المتن: قوله: (ومسح برأسه مرتين) وكذا قوله: (وغسل رجليه مرتين).

والصحيح كما رواه الجماعة فذكروا فيه مسح الرأس مرة واحدة، وقالوا: غسل رجليه، ولم يقُل أحد منهم: مرتين.

فقالوا: (فمسح برأسه وأقبل بيدَيه وأدبر بهما و غسل رجليه).

قال البخاري في صحيحه عقب الحديث (1012) في الاستسقاء: كان ابن عيينة يقول: هو صاحب الأذان. ولكنه وهم، لأن هذا

(1)

البخاري (185)، ومسلم (235)، وهو في الموطأ (1/ 18).

(2)

البخاري (186) و (192) ومسلم (235).

(3)

البخاري (199) ومسلم (235).

(4)

البخاري (191) ومسلم (235).

(5)

البخاري (194).

(6)

الدارقطني (1/ 82).

ص: 125

عبد الله بن زيد بن عاصم المازني مازن الأنصار.

وقال الدارقطني عقب الحديث: كذا قال ابن عيينة، وإنما هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، وليس هو الذي أُريَ النداء.

وقال البيهقي: (وأخرجه أبو عبد الرحمن النسائي من حديث سفيان بن عيينة هكذا في مسح الرأس مرتين.

وقد خالفه مالك ووهيب وسليمان بن بلال وخالد الواسطي وغيرهم فرووه عن عمرو بن يحيى في مسح الرأس مرة إلا أنه قال: أقبل بهما وأدبر)

(1)

.

وقال ابن الملقن: وقيل: إنه من أوهام سفيان

(2)

.

قال ابن عبد البرّ في «التمهيد» (3/ 215 فتح البرّ):

(رواه ابن عيينة عن عمرو بن يحيى فأخطأ فيه في موضعين:

أحدهما: أنه قال فيه: عن عبد الله بن زيد بن عبد ربِّه. وهذا خطأ وإنما هو عبد الله بن زيد بن عاصم.

وأمَّا عبد الله بن زيد بن عبد ربِّه فهو الذي أُريَ الأذان في النوم وليس هذا الذي يروي عنه يحيى بن عمارة هذا الحديث في الوضوء وغيره، وعبد الله بن زيد بن عاصم هو عمّ عباد بن تميم وهو أكثر رواية عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن زيد بن عبد ربِّه

وأمَّا الموضع الثاني الذي وهم فيه ابن عيينة في هذا الحديث: فإنه ذكر فيه مسح الرأس مرتين، ولم يذكر فيه أحد (مرتين) غير ابن

(1)

السنن الكبرى (1/ 63 - 64).

(2)

البدر المنير (31/ 344).

ص: 126

عيينة، وأظنه والله أعلم تأوّل الحديث قوله:(فمسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر).

وما ذكرناه عن ابن عيينة فمن رواية مسدد ومحمد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة كلهم ذكروا فيه عن ابن عيينة ما حكيناه عنه

(1)

.

وأمَّا الحميدي فإنه ميَّز ذلك فلم يذكره، أو حفظ عن ابن عيينة أنه رجع عنه فذكر فيه عن ابن عيينة:(ومسح رأسه وغسل رجليه)، فلم يصِف المسح ولا قال: مرتين.

وقال في الإسناد: عن عبد الله بن زيد. لم يزِد، لم يقُل ابن عاصم ولا ابن عبد ربِّه فتخلص)

(2)

. اه.

‌علة الوهم:

1 قوله في الحديث (ومسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر): تأوّله سفيان إلى أنَّ ذلك مرتان. قاله ابن عبد البرّ كما سبق.

2 اختلاف الأمصار؛ فسفيان كوفي سكن مكة، وعمرو بن يحيى مدني؛ لذا كانت رواية مالك ومَن وافقه أصح من رواية سفيان.

3 جاءت روايات تفيد مسح الرأس مرتين.

(1)

ورابعهم محمد بن حماد الأبيوردي والبيهقي (1/ 63).

(2)

وكذلك ابن المقراء وابن الجارود (70)، وعبد الجبار بن العلاء عند ابن خزيمة (172)، ومحمد بن أبي عمر عند الترمذي (47) هؤلاء رووه عن سفيان كرواية الحميدي، لم ينسبوا عبد الله بن زيد ولم يذكروا عدد المسح.

ص: 127

روى عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مسح برأسه مرتين، بدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما

(1)

.

(1)

أخرجه الترمذي (33)، وإسحاق (2264)، والبيهقي (1/ 64)، وعبد الرزاق (119).

وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود إسناداً، وقد ذهب بعض أهل الكوفة إلى هذا الحديث منهم وكيع بن الجراح.

ص: 128

‌الحديث الحادي والعشرون

(1)

:

104 -

قال أبو عبد الرحمن النسائي (4/ 129): أخبرنا محمد بن منصور، قال: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن عرفجة، قال: عُدنا عتبة بن فرقد فتذاكرنا شهر رمضان، فقال: ما تذكرون؟ قلنا: شهر رمضان. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق فيه أبواب النار، وتُغَلُّ فيه الشياطين، ويُنادي منادٍ كل ليلة: يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر أقصر» .

‌التعليق:

هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات.

وهو عند النسائي في «الكبرى» (2417).

ورواه عبد الرزاق (7386) ومن طريق الطبراني في «الكبير» (17/ 132) عن سفيان به.

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن منصور: تقدم انظر: ح (20).

عطاء بن السائب، أبو محمد ويقال: أبو السائب الثقفي الكوفي، صدوق اختلط، من الخامسة، مات سنة 136 روى له البخاري.

عرفجة بن عبد الله الثقفي أو السلمي، مقبول، من الثالثة، روى له النسائي. قال العجلي: كوفي تابعي ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات.

عتبة بن فرقد بن يربوع السلمي، أبو عبد الله، صحابي، نزل الكوفة وهو الذي فتح الموصل في زمن عمر.

ص: 129

هكذا قال سفيان: (عن عطاء، عن عرفجة عن عتبة)

خالفه شعبة

(1)

، وإسماعيل بن إبراهيم (ابن علية)

(2)

، وحماد بن سلمة

(3)

، ومحمد بن فضيل

(4)

، وعبيدة بن حميد

(5)

، وإبراهيم بن طهمان

(6)

، وجرير بن عبد الحميد

(7)

.

فقالوا: (عن عطاء، عن عرفجة، قال: كنت في بيت فيه عتبة بن فرقد فأردت أن أحدِّث بحديث، وكان رجل من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم كأنه أَولى بالحديث منِّي فحدَّث الرجل عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

).

وهم سفيان فجعل راوي هذا الحديث عتبة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

والصحيح هو أنَّ رجلاً حدَّث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مجلس عتبة.

لذا قال النسائي عقب الحديث: هذا خطأ، وحديث شعبة أَولى بالصواب.

وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: كان سفيان

(1)

النسائي (4/ 129)، وفي الكبرى (2418)، وأحمد (4/ 311 - 312)، وابن عبد البرّ في التمهيد (16/ 155).

(2)

أحمد (5/ 411).

(3)

البيهقي في شعب الإيمان (7/ 208 رقم 3329) وابن الأثير في أسد الغابة (6/ 206).

(4)

ابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 1) وفي مسنده (941) وابن عبد البرّ في التمهيد (16/ 155).

(5)

أحمد (4/ 312).

(6)

الحارث في مسنده (بغية الباحث 320).

(7)

المحاملي في أماليه (268).

ص: 130

يخطاء في هذا الحديث، لم يسمعه عتبة من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، رجل حدَّث عتبة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

وهذا الصحابي المُبهَم كنيته أبو عبد الله كما ذكر ابن حجر

(2)

.

‌علة الوهم:

عتبة بن فرقد صحابي، وكان هذا الحديث في بيته ولم يرِد ذكر صحابي غيره في هذا الحديث. والله تعالى أعلم.

سفيان مكي، سكن مكة، وهو أعلم بحديث أهل الحجاز، وهذا الحديث كوفي؛ فعطاء ومَن فوقه في الإسناد كوفيون؛ لذا كانت رواية أهل العراق عن عطاء أصح من رواية سفيان. والله تعالى أعلم.

(1)

العلل ومعرفة الرجال (3/ 165 رقم 4738).

(2)

الإصابة (4/ 127 ترجمة 716) في باب الكنى.

والحديث صححه الألباني في الصحيحة (1868) من طريق شعبة.

ص: 131

‌الحديث الثاني والعشرون

(1)

:

105 -

قال ابن حبان في صحيحه (1480): أخبرنا أبو خليفة، حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر، عن خباب رضي الله عنه قال:

شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّ الرمضاء، فلم يشكِنا.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله ثقات، وقد وهم فيه سفيان بن عيينة كما قال أبو حاتم وأبو زرعة.

والحديث أخرجه كذلك الطبراني في «الكبير» (3686) قال: حدثنا أبو خليفة، حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي، ثنا سفيان به.

(1)

رجال الإسناد:

الفضيل بن الحباب بن عمرو بن صخر بن عبد الرحمن أبو خليفة الجمحي الأعمى، روى عنه الطبراني فأكثر عنه، وأبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما والإسماعيلي في مستخرجه، قال الذهبي: الإمام العلَّامة الثقة المحدِّث شيخ الوقت. وقال أيضاً: كان ثقة صادقاً مأموناً. (السير 14/ 7 - 8).

إبراهيم بن بشار الرمادي، أبو إسحاق البصري، حافظ له أوهام، من العاشرة، مات في حدود سنة 230، روى له أبو داود والترمذي.

سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي، أبو محمد الكوفي الأعمش، ثقة حافظ عارف بالقراءة ورع لكنه مدلس، من الخامسة، مات سنة 147 أو 148، روى له البخاري ومسلم.

عمارة بن عمير التميمي كوفي، ثقة ثبت، من الرابعة، مات بعد المائة وقيل: قبلها بسنتين، روى له البخاري ومسلم.

عبد الله بن سخبرة الأزدي، أبو معمر الكوفي، ثقة، من الثانية، مات في إمارة عبد الله بن زياد، روى له البخاري ومسلم.

ص: 132

وهم سفيان فدخل عليه إسناد في إسناد.

وقد روى الأعمش بهذا الإسناد أي عن عمارة بن عمير عن أبي معمر، قال: قلنا لخباب: أَكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قلنا: بِمَ كنتم تعرفون ذلك؟ قال: باضطراب لحيته.

كذا رواه عنه سفيان الثوري

(1)

، وعبد الواحد بن زياد

(2)

، وحفص بن غياث

(3)

، وجرير بن عبد الحميد

(4)

، وشعبة

(5)

، ووكيع

(6)

، وأبو معاوية محمد بن خازم

(7)

، وعبد الله بن نمير

(8)

، وأبو أسامة حماد بن أسامة

(9)

، وسلم بن جنادة

(10)

، ويعلى بن عبيد

(11)

، وعبيد الله بن موسى

(12)

، وقد رواه سفيان بن عيينة نفسه هكذا

(13)

.

أمَّا حديث (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّ الرمضاء، فلم يشكِنا)

(1)

البخاري (761).

(2)

البخاري (746) وأبو داود (801).

(3)

البخاري (760).

(4)

البخاري (777) ومسلم (619).

(5)

أحمد (5/ 109) وابن خزيمة (506).

(6)

أحمد (5/ 109)، وابن ماجه (826)، وابن خزيمة (506)، والطبراني في «الكبير» (3687)، وابن حبان (130).

(7)

أحمد (5/ 110) و (6/ 385)، وابن خزيمة (505)، والطبراني (3687)، والنسائي في «الكبرى» (530)، وابن أبي شيبة (635).

(8)

أحمد (5/ 110).

(9)

ابن خزيمة (505) والطبراني (3685).

(10)

ابن خزيمة (506).

(11)

البيهقي (2/ 37).

(12)

البيهقي (2/ 37) و (2/ 193).

(13)

أخرجه الحميدي (156)، وابن خزيمة (505)، والطبراني (3688).

ص: 133

فقد رواه شعبة

(1)

، وأبو الأحوص سلام بن سليم

(2)

، وزهير بن معاوية

(3)

، وسفيان الثوري

(4)

، ويونس بن أبي إسحاق

(5)

، وزكريا بن أبي زائدة

(6)

، وإسرائيل

(7)

، وشريك

(8)

، ورُحيل بن معاوية

(9)

أخو أبي خيثمة.

كلهم عن أبي إسحاق السبيعي، عن سعيد بن وهب، عن خباب رضي الله عنه.

ورواه وكيع

(10)

، ويحيى بن عيسى

(11)

، وعبد الرحمن بن مغراء

(12)

عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضَرِّب، عن خباب.

وصحح أبو حاتم في «العلل» (375): حديث سفيان وشعبة عن أبي إسحاق، وخطّأ رواية الأعمش، وكذا قال أبو زرعة في «العلل»

(1)

الطيالسي (1052)، وأحمد (5/ 108)، وأبو عوانة (1010).

(2)

مسلم (619).

(3)

مسلم (619).

(4)

الحميدي (152)، وأبو عوانة (1011)، والشاشي (1019)، والطبراني (3698).

(5)

البزار (2134)، والطبراني (3703)، والبيهقي (1/ 435).

(6)

البيهقي (2/ 104).

(7)

الشاشي (1021) و (1023) والطبراني (3700).

(8)

الطبراني (3702).

(9)

الشاشي (1020).

(10)

ابن ماجه (675)، والحميدي (153)، والشاشي (1017)، والطبراني (3679).

(11)

الطبراني (3677).

(12)

البزار (2136) إلا أنه قال: عن حارثة، عن بعض أصحابه، عن خباب.

ص: 134

(255)

إلا أنه جعل الحمل فيه على وكيع ولم يتفرد وكيع بهذا، فالحمل فيه على الأعمش أَولى وانظره في بابه ح (523). والله تعالى أعلم.

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (198): سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه ابن عيينة، عن الأعمش، عن عمارة، عن أبي معمر، عن خباب، قال: شكونا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم الرمضاء، فلم يشكِنا.

قال أبي: هذا خطأ، أخطأ فيه ابن عيينة، ليس لهذا أصل، ما ندري كيف أخطأ وما أراد؟!

وقال أبو زرعة: إنما أراد ابن عيينة: حديث الأعمش، عن عمارة، عن أبي معمر، عن خباب أنه قيل له: كيف كنتم تعرفون قراءة النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: باضطراب لحيته

(1)

. قلت لأبي زرعة: عنده الحديثان جميعاً. قال: أحدهما والآخر خطأ.

قال أبو حاتم: سألت أبا زرعة عن حديث رواه وكيع بن الجراح، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن خباب: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرمضاء، فلم يشكِنا

(2)

.

قال أبو زرعة: أخطأ فيه وكيع إنما هو على ما رواه شعبة وسفيان عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن خباب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقال أيضاً: سألت أبي عن حديث رواه الأعمش وشريك عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن خباب، قال: شكونا إلى

(1)

رواه الحميدي (156) وابن خزيمة (505) من طريق سفيان بن عيينة به، كما سبق.

(2)

العلل (1/ 135 رقم 375).

ص: 135

رسول الله صلى الله عليه وسلم الرمضاء، فلم يشكِنا.

(1)

ورواه سفيان وشعبة وزهير وإسرائيل عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن خباب: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال أبي: الصحيح ما روى سفيان وشعبة

(2)

.

‌علة الوهم:

1 اختلاف الأمصار؛ فسفيان وإن كان وُلد في الكوفة فقد رحل به أبوه إلى مكة وهو صغير.

2 والأعمش كوفي؛ لذا كانت رواية أهل الكوفة عنه أصح.

والله تعالى أعلم.

(1)

العلل (1/ 95 رقم 255).

(2)

العلل (1/ 135 رقم 375).

ص: 136

‌الحديث الثالث والعشرون

(1)

:

106 -

قال ابن ماجه (820): حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان بن عيينة، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن السائب، قال:

قرأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح ب (المؤمنون)، فلمّا أتى على ذكر عيسى أصابته شرقة فركع. يعني سعلة.

‌التعليق:

هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير هشام بن عمار من رجال البخاري.

والحديث أخرجه الحميدي (840) عن سفيان بهذا الإسناد.

ومن طريقه أخرجه ابن قانع في «معجم الصحابة» (595).

(1)

رجال الإسناد:

هشام بن عمار بن نُصير الدمشقي، تقدم.

ابن جريج، عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم المكي، ثقة فقيه فاضل، وكان يدلس ويرسل، من السادسة، مات سنة 150 أو بعدها وقد جاز السبعين وقيل: جاز المائة ولم يثبت، روى له البخاري ومسلم.

عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان، يقال: اسم أبي مليكة زهير التيمي المدني، أدرك ثلاثين من الصحابة، ثقة فقيه، من الثالثة، مات سنة 117، روى له البخاري ومسلم.

عبد الله بن السائب بن أبي السائب بن عابد بن عبد الله بن عمر المخزومي المكي، له ولأبيه صحبة، كان قاراء أهل مكة، مات سنة بضع وستين.

ص: 137

وقد وهم سفيان في هذا الإسناد في قوله: (عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن السائب).

والصحيح هو: (عن ابن جريج، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن أبي سلمة ابن سفيان، وعبد الله بن عمرو بن عبدٍ القارّي، وعبد الله بن المسيب العابدي، ثلاثتهم عن عبد الله بن السائب به).

كذا رواه عبد الرزاق

(1)

وحجاج بن محمد

(2)

، كلاهما عن ابن جريج بهذا الإسناد، وقد أخرجه مسلم في صحيحه من طريقهما.

وتابعهما روح بن عبادة

(3)

، وهوذة بن خليفة

(4)

، وخالد بن الحارث

(5)

، وعثمان بن عمر بن فارس

(6)

، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد

(7)

، ومسلم بن خالد

(8)

، وعبد المجيد بن عبد العزيز

(9)

، وعبيد الله بن معاذ فرواه عن ابن جريج كذلك

(10)

. إلا أنَّ خالد بن

(1)

في المصنف (2707)، ومن طريقه مسلم (455)، وأبو داود (649)، وابن خزيمة (546)، وذكروا أنَّ هذه الصلاة كانت بمكة.

(2)

مسلم (455).

(3)

أحمد (3/ 411) والمزي في تهذيب الكمال (15/ 46).

(4)

أحمد (3/ 411)، وابن حبان (2189)، وابن قانع في معجم الصحابة (595)، والضياء في المختارة (357)، وابن أبي شيبة في مصنفه (36950)، والمزي في تهذيب الكمال (15/ 46).

(5)

النسائي (2/ 176) وفي الكبرى (1079).

(6)

ابن حجر في التغليق (2/ 31) والمزي في تهذيبه (15/ 46).

(7)

أبو داود (649)، والبخاري في التاريخ الكبير (5/ 8) و (5/ 152)، وابن قانع في معجم الصحابة (595).

(8)

الشافعي في مسنده (1/ 77)، ومن طريقه البغوي في شرح السنَّة (604)، والبيهقي في المعرفة (2/ 210)

(9)

الشافعي في مسنده (1/ 77)، ومن طريقه البغوي في شرح السنَّة (604)، والبيهقي في المعرفة (2/ 210)

(10)

ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (707).

ص: 138

الحارث وعثمان بن عمر لم يذكرا عبد الله بن المسيب ولا عبد الله بن عمرو.

وقد نسب حجاج بن محمد وروح عبد الله بن عمرو فقالا: ابن العاص. وهو وهم، والصحيح: عبد الله بن عمرو بن عبد القارّي، كما قال المزي وابن حجر، وسيأتي

(1)

.

وكذلك رواه يحيى بن سعيد القطان

(2)

وعثمان بن عمر بن فارس

(3)

عن ابن جريج، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن أبي سلمة بن سفيان

(4)

، عن عبد الله بن السائب أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح فوضع نعليه عن يساره.

هكذا رووه مختصراً ولم يذكروا قراءته.

وقد أخرج أبو داود الحديثين في باب (الصلاة في النعل).

وكذلك رواه وكيع عن ابن جريج، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن السائب

(5)

.

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (232): سألت أبي عن حديث

(1)

في باب (حجاج) ح (870) وفي باب (روح) ح (891).

(2)

أبو داود (648)، والنسائي (2/ 74)، وابن ماجه (1431)، وأحمد (3/ 410 - 411)، وابن خزيمة (1014)، والضياء في المختارة (356).

(3)

ابن خزيمة (1015) و (1649)، والحاكم (1/ 259)، والبيهقي (2/ 432).

(4)

اسمه عبد الله بن سفيان المخزومي، أبو سلمة مشهور بكنيته، ثقة، من الرابعة، روى له مسلم.

(5)

أحمد (3/ 411) إلا أنه قصَّر به ولم يذكر أبا سلمة بن سفيان أو أحداً ممَّن تابعه (عبد الله بن عمرو أو عبد الله بن المسيب) بين محمد بن جعفر وعبد الله بن السائب.

ص: 139

رواه ابن عيينة، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن السائب أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى بالناس فقرأ بسورة (المؤمنين).

قال أبي: هذا خطأ، إنما هو ابن جريج، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن أبي سلمة بن سفيان وعبد الله بن عمرو العابدي، عن عبد الله بن السائب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب. قال أبي: لم يضبط ابن عيينة. ثم قال: إن كان ابن عيينة إذا حدَّث عن الصغار كثيراً ما يخطاء

(1)

.

عقد البخاري في صحيحه (باب الجمع بين السورتين في الركعة) ثم قال: (ويذكر عن عبد الله بن السائب: قرأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (المؤمنون) في الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع).

قال ابن حجر في «الفتح» (2/ 256): (وصله مسلم من طريق ابن جريج

واختلف في إسناده على ابن جريج فقال ابن عيينة عنه، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن السائب، أخرجه ابن ماجه.

وقال أبو عاصم عنه، عن محمد بن عباد، عن أبي سلمة بن سفيان أو سفيان بن أبي سلمة، وكأن البخاري علَّقه بصيغة (ويذكر) لهذا الاختلاف مع أنَّ إسناده ممّا تقوم به الحجة).

‌فائدة:

روى أبو داود (4099) قال: حدثنا محمد بن سليمان لوين

(1)

انظر: فتح الباري لابن رجب (4/ 465).

ص: 140

وبعضه قراءة عليه عن سفيان عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال: قيل لعائشة رضي الله عنها:

إن امرأة تلبس النعل، فقالت: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء.

وأخرجه لوين في حديثه (51)، وأخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار (7/ 581) من طريق الإمام الشافعي، وفي شعب الإيمان (7804) من طريق نعيم وهو ابن حماد الخزاعي كلاهما (الشافعي ونعيم) عن سفيان به وهذا الحديث أعله الإمام أحمد.

قال عبد الله: سئل عن حديث ابن عيينة عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المترجلات من النساء.

فقال: «رواه حجاج الأعور عن ابن جريج بإسناد آخر، وليس هو عن ابن أبي مليكة»

(1)

.

ونحو ذلك نقله عن الإمام أحمد المروذي

(2)

.

فالإمام أحمد يرى أن رواية حجاج أصح من رواية ابن عيينة وأنه ليس في الإسناد ابن أبي مليكة.

ولعل ذلك لأن حجاج بن محمد الأعور مقدم في رواية ابن جريج على غيره.

قال يحيى بن معين: قال لي المعلى الرازي: قد رأيت أصحاب ابن جريج ما رأيت منهم أثبت من حجاج بن محمد، قال يحيى:

(1)

في العلل برواية عبد الله بن أحمد (3/ 285).

(2)

كتاب الورع (560).

ص: 141

وكنت أتعجب منه فلما تبينت ذلك إذا هو كما قال، كان أثبتهم في ابن جريج

(1)

.

وقال الإمام مسلم: عبد الرزاق وهشام بن سليمان أكبر في ابن جريج من ابن عيينة

(2)

.

وحديث حجاج هذا لم أجده، وروى عبد الرزاق عن إسماعيل عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره الرجلة

(3)

.

(1)

شرح علل الترمذي (2/ 481).

(2)

المصدر السابق، ولم أجده في المطبوع من التمييز.

(3)

المصنف (13992).

ص: 142

‌الحديث الرابع والعشرون

(1)

:

107 -

قال الإمام أحمد (4/ 271): حدثنا سفيان، عن إبراهيم، يعني ابن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن أبيه، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه:

أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قرأ في العيدين ب {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} ، وإن وافق يوم الجمعة قرأهما جميعاً.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح غير سالم والد حبيب. قال الحافظ في «التقريب» : مجهول. ولم يترجمه المزي في تهذيبه.

وأخرجه الحميدي (920) عن سفيان به.

وابن ماجه (1281) من طريق محمد بن الصباح والدارمي (1568) و (1607) من طريق محمد بن يوسف، كلهم عن سفيان به.

(1)

رجال الإسناد:

إبراهيم بن محمد بن المنتشر بن الأجدع الهمداني الكوفي، ثقة، من الخامسة، روى له البخاري ومسلم.

محمد بن المنتشر بن الأجدع الهمداني، الكوفي، ثقة، من الرابعة، روى له البخاري ومسلم.

حبيب بن سالم الأنصاري مولى النعمان بن بشير وكاتبه، لا بأس به، من الثالثة، روى له مسلم.

سالم والد حبيب مولى النعمان، مجهول، من الثالثة، روى له الترمذي.

ص: 143

هكذا قال سفيان: (عن إبراهيم، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن أبيه، عن النعمان بن بشير).

خالفه أبو عوانة

(1)

، وجرير بن عبد الحميد

(2)

، وسفيان الثوري

(3)

، وشعبة

(4)

، ومسعر بن كدام

(5)

، وأبو حنيفة

(6)

.

فقالوا: (عن إبراهيم، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير).

وهم سفيان فزاد سالم والد حبيب في الإسناد هنا.

ورواه محمد بن الصباح

(7)

وعبد الجبار بن العلاء

(8)

عن سفيان، فلم يذكرا سالماً في الإسناد فوافق رواية الجماعة.

قال الحميدي عقب الحديث: (وكان سفيان يغلط فيه).

وقال عبد الله بن أحمد عقب الحديث: (حبيب بن سالم سمعه من النعمان وكان كاتبه، وسفيان يخطاء فيه يقول: حبيب بن سالم عن أبيه وهو سمعه من النعمان).

وقال الترمذي في سننة (2/ 414 عقب الحديث 523): «وهكذا

(1)

مسلم (878)، وأبو داود (1122)، والترمذي (533).

(2)

مسلم (878).

(3)

عبد الرزاق (4235) و (5706)، وأحمد (4/ 276)، وابن أبي شيبة (14/ 215)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (10/ 29).

(4)

النسائي (3/ 112)، وأحمد (4/ 277)، وابن الجارود في المنتقى (265) و (30).

(5)

أحمد (4/ 276) وأبو نعيم (10/ 29).

(6)

في مسنده (1/ 52) وابن عساكر في تاريخ دمشق (5/ 63).

(7)

ابن ماجه (1281).

(8)

ابن خزيمة (1463).

ص: 144

روى سفيان الثوري ومسعر عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر نحو حديث أبي عوانة.

وأمَّا سفيان بن عيينة فيختلف عليه في الرواية:

يروي عنه، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن أبيه، عن النعمان بن بشير.

ولا نعرف لحبيب بن سالم رواية عن أبيه.

وحبيب بن سالم هو مولى النعمان بن بشير، وروى عن النعمان بن بشير أحاديث.

وقد رُوي عن ابن عيينة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر نحو رواية هؤلاء».

ونقل الترمذي في «العلل الكبير» (ص 92) عن البخاري قوله: (كان ابن عيينة يروي هذا الحديث عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر فيضطرب في روايته؛ قال مرة: حبيب بن سالم، عن أبيه، عن النعمان بن بشير وهو وهم، والصحيح: حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير).

وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (351): سألت أبي عن حديث رواه ابن عيينة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن أبيه، عن النعمان بن بشير (فذكر الحديث).

ورواه جرير وغيره عن ابن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان، ولم يذكروا:(حبيب عن أبيه).

ص: 145

قال أبي: الصحيح ما رواه جرير، ووهم في هذا الحديث ابن عيينة.

‌علة الوهم:

اختلاف الأمصار؛ فسفيان مكي وإن كان أصله من الكوفة فقد رحل به أبوه وهو صغير إلى مكة، وشيخه في هذا الحديث كوفي؛ لذا كانت رواية أهل العراق وفيهم شعبة والثوري عنه أصح من رواية سفيان، والله تعالى أعلم.

‌أثر الوهم:

سالم والد حبيب مجهول فضعف الإسناد به، والحديث عند مسلم بغيره. والله تعالى أعلم.

ص: 146

‌الحديث الخامس والعشرون

(1)

:

108 -

قال الإمام أحمد (1/ 377): حدثنا سفيان، عن عبد الكريم، قال: أخبرني زياد بن أبي مريم، عن عبد الله بن معقل بن مقرن، قال:

دخلت مع أبي على عبد الله بن مسعود، فقال: أنت سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «الندم توبة» ؟ قال: نعم.

وقال مرة: سمعته يقول: «الندم توبة» .

‌التعليق:

وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير زياد بن أبي مريم وثَّقه العجلي والدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات.

والحديث أخرجه كذلك الحميدي (105)، وابن أبي شيبة (9/ 361)، وأبو يعلى (4969)(5129)، وابن ماجه (4252)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 374)، والطحاوي في «شرح معاني

(1)

رجال الإسناد:

عبد الكريم بن مالك الجزري، أبو سعيد مولى بني أمية، ثقة متقن، من السادسة، مات سنة 127، روى له البخاري ومسلم.

زياد بن أبي مريم الجزري، وثَّقه العجلي، من السادسة، ولم يثبت سماعه من أبي موسى، وجزم أهل بلده بأنه غير ابن الجراح، روى له ابن ماجه.

عبد الله بن معقل بن مقرن المزني، أبو الوليد الكوفي، ثقة، من كبار الثالثة، مات سنة 88، روى له البخاري ومسلم.

معقل بن يسار المزني، صحابي، ممَّن بايع تحت الشجرة، وكنيته أبو علي على المشهور، هو الذي يُنسب إليه نهر معقل بالبصرة، مات بعد الستين، حديثه في الصحيحين.

ص: 147

الآثار» (4/ 291) وفي «شعب الإيمان» (7029)، والخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (1/ 239) من طرق عن سفيان بن عيينة به.

كذا رواه عن سفيان بن عيينة كافة أصحابه كما قال الخطيب.

خالفه زهير بن معاوية

(1)

، وشريك بن عبد الله

(2)

، وعبيد الله بن عمرو

(3)

، والنضر بن عربي

(4)

، وفرات بن سلمان

(5)

، وابن جريج

(6)

، فرووه عن عبد الكريم، عن زياد بن الجراح، عن عبد الله بن معقل به).

وهم سفيان فقال: (زياد بن أبي مريم)، والصحيح:(زياد بن الجراح).

قال الحافظ المزي في «تهذيب الكمال» (ترجمة 2053): قال هلال بن العلاء الرقي عن مغيرة بن عبد الرحمن بن عون بن حبيب بن الريان الحراني: قال لي أبي يوماً: من أين جئت؟ قلت: من عند معتمر بن سليمان. فقال: ما حدَّثكم؟ فقلت: حدثنا عن خصيف، عن زياد بن أبي مريم فذكر الحديث. فقال أبي: هذا هو زياد بن الجراح، وهو عمّ جدّتك، وكان رجلاً من أهل الحجاز من موالي عثمان، وكان زياد بن أبي مريم رجلاً من أهل الكوفة قدم حران فنزلها

(1)

الطيالسي (380)، وابن أبي حاتم في العلل (1797)، والطحاوي (4/ 291)، والشاشي (280، 273)، والخطيب في الموضح (1/ 239)، والبيهقي (10/ 154).

(2)

أبو يعلى (5081)، والبخاري في التاريخ الكبير (3/ 375)، والخطيب (1/ 242).

(3)

الشاشي (272) والخطيب (1/ 242).

(4)

الطبراني في الصغير (1/ 33).

(5)

أحمد (1/ 422 - 423).

(6)

البخاري في التاريخ الكبير (3/ 375)، والفسوي في المعرفة (3/ 136)، والخطيب (1/ 243).

ص: 148

وكان يتوكل لزياد بن الجراح. ثم قال: حدثني أبي عون بن حبيب، عن زياد بن الجراح، عن ابن معقل، عن ابن مسعود، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وذكر حديث:«الندم توبة» . اه.

وقال الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول في حديث: «الندم توبة» ، إنما هو عن زياد بن الجراح ليس هو زياد بن أبي مريم.

قال يحيى: قال عبد الله بن جعفر: زياد بن الجراح مولى بني تيم الله، قدم من المدينة، وزياد بن أبي مريم كوفي. (تاريخ ابن معين 4/ 477).

قال أبو حاتم كما في «العلل» لابنه (2/ 101 رقم 1797): «هذا وهم، وهم فيه ابن عيينة

(1)

، إنما هو زياد بن الجراح وليس هو بزياد بن أبي مريم. سمعت مصعب بن سعيد الحراني يقول عن عبيد الله بن عمرو أنه قال لابن عيينة: أنا رأيت زياد بن الجراح وليس هو زياد بن أبي مريم.

قلت: والدليل على صحة ما قاله عبيد الله بن عمرو ما حدثنا يونس بن حبيب، عن أبي داود الطيالسي

(2)

، عن زهير بن معاوية، عن عبد الكريم الجزري، عن زياد وليس بابن أبي مريم، عن عبد الله بن معقل، عن ابن مسعود، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم». اه.

وقال الخطيب في «الموضح» (1/ 241) بسنده عن يحيى بن معين قال: لم يتابع ابن عيينة على حديث عبد الكريم عن زياد بن أبي مريم أحد، وخالفه عبيد الله بن عمرو، وهو أروى الناس عن عبد الكريم،

(1)

ذكره المزي وابن حجر في تهذيبيهما في ترجمة زياد بن أبي مريم.

(2)

مسند الطيالسي (380) ط. التركي.

ص: 149

قال: عبيد الله عن زياد بن الجراح وليس ابن أبي مريم.

ثم عقب عليه الخطيب قائلاً: وفي هذا القول إغفال شديد لأن سفيان الثوري وأخاه عمر قد تابعا ابن عيينة من غير اختلاف عنهما في ذلك، أمَّا عبيد الله بن عمرو فقد ذكرنا الحديث عنه بموافقة ابن عيينة وإن كان المحفوظ عنه ما ذكر يحيى. اه.

وذكر الخطيب بسنده (1/ 243) عن أبي بكر الكزبراني: قال لي علي بن المديني: ما زلت مشتاقاً إلى لقاء مثلك من إخواننا، أخبرني عن زياد بن أبي مريم، وزياد بن الجراح، وزياد مولى عثمان، فإني ما وجدت أحداً يخبرني خبرهم.

فقلت: حدثني الوليد بن عبد الله بن مسرح وسألته عن زياد بن أبي مريم وزياد بن الجراح، فقال: كلاهما لنا:

أمَّا زياد بن الجراح فهو مولى عثمان وله عندنا عقب إلى اليوم.

وأمَّا زياد بن أبي مريم فمولى امرأة من كلب كان مسلمة بن عبد الملك تزوجها بالشام ونقلها إلى حران ومعها زياد بن أبي مريم، ولا عقب له عندنا، وهذه الكلبية أم شراحيل بن مسلم، وقُتل شراحيل بِحران قبل دخول السودة من جراحة أصابته.

ثم قال الخطيب (1/ 246): (والقول في هذا الحديث عندي ما قال عبيد الله بن عمرو الرقي وشريك في قولهما: زياد بن الجراح، مع ما بين يحيى بن معين وعلي بن المديني أنَّ الصواب: زياد بن الجراح، وقال بعض أصحابنا فيه مثلنا: إنَّ الصواب زياد بن الجراح، قال: لأن عبيد الله بن عمرو الرقي حدَّث عن عبد الكريم عن زياد بن أبي مريم أحد عشر حديثاً ليس فيها حديث زياد بن الجراح هذا، وأفرد

ص: 150

عبيد الله بن عمرو حديث زياد بن الجراح هذا بعد ذلك قال: وذاك أنّا كتبنا حديث عبد الكريم الجزري شيخاً شيخاً. قال: وعبيد الله بن عمرو من الرواة عن عبد الكريم الجزري، وهو رجل عالم بعبد الكريم).

قلت: فإمّا أن يكون الوهم هنا من ابن عيينة ومَن تابعه مثل سفيان الثوري

(1)

، وعمر بن سعيد

(2)

أخي سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن ثابت

(3)

، فكان عبد الكريم يقول: زياد، ولم ينسبه فظنوه زياد بن أبي مريم.

أو يكون الوهم من عبد الكريم فتارة يقول: زياد بن أبي مريم، وتارة يقول: زياد بن الجراح

(4)

.

والصحيح هو زياد بن الجراح وأنهما شخصان ليسا واحداً كما سبق وذكره غير واحد من أهل الحديث وكذلك رجحه المزي وابن حجر في تهذيبهما. والله تعالى أعلم.

(وسيأتي الحديث أيضاً في باب مالك بن أنس)، ح (159).

(1)

أحمد (1/ 433)، وابن أبي شيبة (9/ 37)، والفسوي في المعرفة (3/ 135)، والشاشي (237)، والطبراني في الأوسط (6799)، والخطيب في الموضح (1/ 240).

(2)

البخاري في التاريخ الكبير (3/ 373)، والطبراني في الأوسط (5864)، والخطيب في الموضح (1/ 240).

(3)

الطبراني في الأوسط (6799).

(4)

قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/ 528): وقد روى هذا الحديث سفيان الثوري عن عبد الكريم الجزري فقال: عن زياد بن أبي مريم كما رواه ابن عيينة، فدل أنَّ عبد الكريم قال مرة: زياد بن الجراح ومرة قال: زياد بن أبي مريم، والصحيح: زياد بن الجراح.

ص: 151

‌علة الوهم:

ذهب غير واحد من أهل الحديث إلى أنَّ زياد بن أبي مريم هو زياد بن الجراح، ولم يفرقوا بينهما، منهم: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني.

ذكره عنهم الخطيب

(1)

.

قال الخطيب: (وقد دخلت الشبهة في أمر هذين الرجلين على غير واحد من أهل العلم. والعلة في ذلك حديث يروى عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن زياد، قال فيه عدد من الرواة: ابن الجراح، وقال آخرون: ابن أبي مريم، فكان هذا طريقاً إلى الشبهة في الظن بأنهما واحد).

والله تعالى أعلم.

(1)

روى الخطيب بسنده في الموضح (1/ 238) عن حنبل بن إسحاق قال: سمعت أبا عبد الله وهو أحمد بن حنبل يقول: زياد بن أبي مريم الجراح.

قال الخطيب: ذهب أبو عبد الله إلى أنَّ زياد بن أبي مريم هو زياد بن الجراح، وأنَّ كنية الجراح أبو مريم.

وكذا حكى أبو بشر الدولابي عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني قال: زياد بن أبي مريم هو زياد بن الجراح.

وقد حكى عن يحيى بن معين مثل ذلك

كذا روى حنبل عن يحيى وروى عنه المفضل بن غسان العلائي، ويعقوب بن شيبة السدوسي وعباس بن محمد هذا القول ونحن نذكره إن شاء الله.

ص: 152

‌الحديث السادس والعشرون

(1)

:

109 -

قال الحميدي في مسنده (1150): حدثنا سفيان، قال: حدثنا عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«لا عدوى ولا طيرة، جَرِبَ بعير فأجْرَبَ مئة، ومَن أعْدَى الأول؟» .

‌التعليق:

هذا إسناد على شرط الشيخين.

أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/ 308) من طريق مؤمل بن إسماعيل وابن حبان (6118) من طريق إبراهيم بن بشار كلاهما عن سفيان بن عيينة به.

هكذا رواه ابن عيينة فقال: (عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة).

خالفه سفيان الثوري

(2)

، وجرير بن عبد الحميد

(3)

، وسعيد بن

(1)

رجال الإسناد:

عمارة بن القعقاع بن شبرمة الضبِّي، الكوفي، ثقة أرسل عن ابن مسعود، وهو من السادسة، روى له البخاري ومسلم.

أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، قيل: اسمه هرم، وقيل: عمرو، وقيل: عبد الله، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: جرير، ثقة، من الثالثة، روى له البخاري ومسلم.

(2)

أحمد (1/ 440)، والترمذي (2143)، والطحاوي (4/ 308)، وابن أبي شيبة في مسنده (339)، وابن طهمان في مشيخته (85).

(3)

أبو يعلى (5182).

ص: 153

مسروق

(1)

.

فقالوا: (عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، قال: حدثنا صاحب لنا، عن ابن مسعود رضي الله عنه).

أسقط سفيان رجلاً من الإسناد وجعله من مسند أبي هريرة بدلاً من عبد الله بن مسعود.

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (2291): سألت أبي عن حديث رواه ابن عيينة عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«لا عدوى ولا هامة ولا صفر» .

قال أبي: هذا خطأ، وهم فيه ابن عيينة، رواه الثوري عن عمارة، عن أبي زرعة، عن رجل، عن عبد الله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ولم ينفرد سفيان بن عيينة في رواية هذا الحديث من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة، فقد تابعه في هذا عبد الله بن شبرمة. فرواه عن أبي زرعة عن أبي هريرة به

(2)

.

(1)

الطحاوي (4/ 308) إلا أنه قال: عن أبي زرعة عن رجل من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم رواه من طريق حسان بن إبراهيم الكرماني عن سعيد بن مسروق والد سفيان الثوري به، ولعل الوهم من حسان فهو وإن كان من رجال الشيخين إلا أنَّ النسائي قال: ليس بالقوي. وقال أبو أحمد ابن عدي: قد حدَّث بإفرادات كثيرة وهو عندي من أهل الصدق إلا أنه يغلط في الشيء وليس ممَّن يُظن به أنه يتعمد في باب الرواية إسناداً ومتناً وإنما هو وهم منه.

ولم يذكر الحافظ في «المبهمات» ، ولا «التهذيب» ، ولا في «التعجيل» اسماً لهذا الرجل.

(2)

رواه أحمد (2/ 327)، وأبو يعلى (6112)، والطحاوي (4/ 308)، وابن حبان (6119) من طريق محمد بن طلحة وهشيم وشجاع بن الوليد عن ابن شبرمة به، انظر ح (1226).

ص: 154

لكن قال أبو حاتم كما في «العلل» (2313): (خالف ابن شبرمة ابن أخيه عمارة بن القعقاع فقال: عن أبي زرعة، عن رجل، عن ابن مسعود، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو أشبه بالصواب). اه.

وممّا يؤيد ما ذهب إليه أبو حاتم أنَّ الحديث هو من مسند ابن مسعود أنَّ أبا هريرة كان يحدِّث بهذا الحديث.

كما رواه عنه السابقون من أصحابه ثم لم يعُد يحدِّث بهذا الحديث واقتصر على رواية الحديث الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يوردن ممرض على مصح» . وقد ذكر ذلك مسلم في صحيحه (2221) قال:

قال أبو سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف: كان أبو هريرة يحدِّثهما كلتيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله: «لا عدوى» ، وأقام على أن «لا يورد ممرض على مصح». قال: فقال الحارث بن أبي ذياب وهو ابن عمّ أبي هريرة: قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا مع هذا الحديث حديثاً آخر قد سكت عنه، كنت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى» . فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك وقال: «لا يوردن ممرض على مصح» . فماراه الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة فرطن بالحبشية، فقال للحارث: أتدري ماذا قلت؟ قال: لا. قال أبو هريرة: قلت: أَبَيت.

قال أبو سلمة: وَلَعمري، لقد كان أبو هريرة يحدثنا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا عدوى» ، فلا أدري أَنَسيَ أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر

(1)

.

(1)

وانظر: البخاري (5707، 5757) مع «الفتح» ، وأبو داود (397). وقد ذكرت هذا الحديث وأحاديث أخرى وآثار عن بعض السلف في جزء (مَنْ حدَّث ثم نسي ما حدَّث به) ولم أتمّه بعد، فعسى الله أن ييسِّر إتمامه.

ص: 155

‌علة الوهم:

1 حديث العدوى قد رواه عدة من الصحابة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو هريرة، وابن عباس، وأنس. فلربما إن كان هناك وهم من ابن عيينة فمن هنا جاءه. والله أعلم.

2 اختلاف الأمصار؛ فعمارة بن القعقاع كوفي لذا كانت رواية أهل بلده عنه الثوري وجرير أصح من رواية سفيان. والله تعالى أعلم.

ص: 156

‌الحديث السابع والعشرون

(1)

:

110 -

قال الطبراني في «المعجم الكبير» (5393): حدثنا المقدام بن داود، حدثنا أسد بن موسى، ثنا سفيان بن عيينة، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن سعد بن عبادة رضي الله عنه:

أنه استأذن مستقبل الباب، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«لا تستأذن مستقبل الباب» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير المقدام بن داود، ضعيف.

والحديث رواه أيضاً البيهقي (8/ 339) من طريق عبد الرحمن بن بشر، عن سفيان، عن منصور، عن هلال بن يساف، أنَّ سعداً استأذن

فذكره هكذا مرسلاً.

ورواه ابن أبي حاتم في مقدمة «الجرح والتعديل» (1/ 258) من

(1)

رجال الإسناد:

مقدام بن داود بن عيسى بن تليد، أبو عمرو المصري الفقيه العلَّامة المالكي.

قال النسائي في «الكنى» : ليس بثقة. وقال ابن أبي حاتم: سمعت منه بمصر وتكلموا فيه. وقال محمد بن يوسف الكندي: كان فقيهاً مفتياً ولم يكن بالمحمود في الرواية. وقال الدارقطني: ضعيف. (الجرح والتعديل 8/ 303) و (سير أعلام النبلاء 13/ 345).

أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي، أسد السنَّة صدوق يُغرب وفيه نصب، من التاسعة، مات سنة 212 وله 80 سنة، روى له أبو داود والنسائي، واستشهد به البخاري في «الصحيح» .

منصور بن المعتمر بن عبد الله السلمي، أبو عتاب الكوفي، ثقة ثبت وكان لا يدلس، من طبقة الأعمش، روى له البخاري ومسلم.

هلال بن يساف ويقال: ابن إساف الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، من الثالثة.

ص: 157

طريق يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان، عن منصور، قال: أراه عن هلال بن يساف أنَّ سعداً استأذن على

الحديث.

هكذا قال سفيان بن عيينة: (عن منصور، عن هلال بن يساف،

). وخالفه سفيان الثوري

(1)

وعمر الأبار

(2)

، فرووه (عن منصور، عن طلحة بن مصرف، عن هزيل بن شرحبيل، أنَّ سعداً).

وكذلك رواه الأعمش (عن طلحة بن مصرف، عن هزيل بن شرحبيل)

(3)

.

ورواه قيس بن الربيع، عن منصور، عن طلحة بن مصرف، عن الهزيل، عن قيس، عن سعد بن عبادة

(4)

.

وقد ذكر عبد الرحمن بن مهدي أنَّ سفيان وهم في هذا الإسناد فقد روى ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (1/ 258) في باب ما ذكر من علم عبد الرحمن بن مهدي بعلل الحديث عن صالح بن أحمد بن حنبل عن علي بن المديني قال: (قال لي عبد الرحمن بن مهدي: يَهِم ابن عيينة في حديث منصور أنَّ سعداً استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالة الباب، فقال:«لا تستأذن مستقبل الباب» .

قال أبو محمد يعني ابن أبي حاتم: يعني أنَّ ابن عيينة روى عن منصور، عن هلال بن يساف، أنَّ سعداً استأذن.

(1)

ابن أبي شيبة في المصنف (26223) وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/ 258).

(2)

قاله عبد الرحمن بن مهدي كما في الجرح والتعديل (1/ 258).

(3)

أبو داود (5174)، والبيهقي (8/ 339)، وفي الشعب (8439، 8440)، والضياء في المختارة (1057).

(4)

أبو نعيم في الحلية (5/ 24) والبيهقي في الشعب (8441).

ص: 158

قال علي بن المديني: فقلت لعبد الرحمن بن مهدي: ومَن خالفه؟

قال: حدثناه عمر الأبار عن منصور، عن طلحة بن مصرف، عن هزيل بن شرحبيل، أنَّ سعداً استأذن.

قال أبو محمد: فقد بان بأنَّ عبد الرحمن بن مهدي حكم لعمر الأبار في روايته هذا الحديث بما ذكر من الإسناد وأوقع الغلط على ابن عيينة

ثم ساق ابن أبي حاتم بسنده عن وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن طلحة، عن هزيل، عن سعد

الحديث.

ثم قال: فقد بان صحة قول عبد الرحمن بن مهدي في علة هذا الحديث).

ص: 159

‌الحديث الثامن والعشرون

(1)

:

111 -

قال ابن ماجه (723): حدثنا محمد بن الصباح، ثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه وكان أبوه في حجر أبي سعيد قال: قال لي أبو سعيد:

إذا كنتَ في البوادي فارفع صوتك بالأذان فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يسمعه جن ولا إنس ولا شجر ولا حجر إلا شهد له» .

‌التعليق:

هذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، غير محمد بن الصباح وهو ثقة، وثَّقه أبو زرعة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال يحيى بن معين: ليس به بأس. وذكره ابن حبان في كتاب «الثقات» وقد تابعه غير واحد كما سيأتي في هذه الرواية عن سفيان.

فقد أخرجه أحمد (3/ 6)، وعبد الرزاق (1865)، والحميدي (750) عن سفيان بن عيينة، وابن خزيمة في صحيحه (389) عن

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن الصباح بن سفيان الجرجراني، أبو جعفر التاجر، صدوق، من العاشرة، مات سنة 240، روى له أبو داود وابن ماجه.

عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري المدني، ثقة، من الثالثة، روى له البخاري.

عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري المازني، ثقة، من السادسة، مات في خلافة المنصور، روى له البخاري.

ص: 160

عبد الجبار بن العلاء، والبيهقي في «المعرفة» (2/ 232) من طريق الشافعي، وأبو يعلى (982) من طريق أبي خيثمة، وابن عبد البرّ في «التمهيد» (19/ 224) من طريق الشافعي. كلهم عن سفيان بن عيينة بهذا الإسناد.

ورواه عبد بن حميد في «المنتخب» (995) من طريق يحيى بن عبد الحميد عن ابن عيينة، عن ابن أبي صعصعة، عن أبيه، به، ولم ينسبه.

هكذا رواه سفيان فقال: (عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه).

وخالفه مالك

(1)

وعبد العزيز الماجشون

(2)

فرووه عن (عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد). قلب سفيان اسمه.

قال الشافعي: يشبه أن يكون مالك أصاب اسم الرجل.

قال البيهقي: وهو كما قال الشافعي

(3)

.

وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: (قال أبي: وسفيان يخطاء في اسمه، والصواب عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة)

(4)

.

(1)

البخاري (609، 3296، 7548)، وهو في الموطأ (1/ 69) ومن طريقه أخرجه الشافعي في المسند (1/ 59)، وفي الأُمّ (2/ 79)، وأحمد (3/ 35)، والنسائي (2/ 12)، وغيرهم.

(2)

البخاري (3600) و (6495).

(3)

المعرفة (2/ 232) والتمهيد (19/ 224).

(4)

المسند (3/ 6).

ص: 161

وقال الحافظ في «التهذيب» (6/ 209): (قال ابن المديني: وهم ابن عيينة في نسبه حيث قال: عبد الله بن عبد الرحمن، وقال الشافعي: يشبه أن يكون مالك حفظه).

وقال الدارقطني: (لم يختلف على مالك في تسمية عبد الرحمن بن عبد الله).

وقال الحافظ في «الفتح» (2/ 88): قلبه ابن عيينة والصحيح قول مالك ووافقه عبد العزيز الماجشون. ثم قال: واسم أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار، مات أبو صعصعة في الجاهلية وابنه عبد الرحمن صحابي)

(1)

.

وقد وهم كذلك عبد الله بن نمير في اسمه فانظره في بابه، ح (918).

‌علة الوهم:

اختلاف الأمصار؛ فعبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة شيخ سفيان في هذا الحديث مدني لذلك كانت رواية مالك وهو من المدنية وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون المدني نزيل بغداد عن أهل بلدهم أصح من رواية سفيان. والله تعالى أعلم.

قال في «عمدة القاري» عن رواية مالك (5/ 114): رواته مدنيون ما خلا شيخ البخاري.

(1)

وسيأتي في باب عبد الرزاق، فقد وهم في اسمه كذلك.

ص: 162

‌الحديث التاسع والعشرون

(1)

:

112 -

قال الإمام أحمد (4/ 136): حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن عمارة بن رويبة:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال سفيان مرة: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«لن يلِج النار أحد صلَّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» .

قيل لسفيان: ممَّن سمعه؟ قال: من عمارة بن رويبة.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح.

وأخرجه الحميدي (861) عن سفيان به.

وأخرجه ابن خزيمة (319) من طريق أحمد بن عبدة الضبي، (320) من طريق عبد الجبار بن العلاء، كلاهما عن سفيان ب

(2)

(*).

هكذا رواه سفيان بن عيينة فقال: (عن عبد الملك بن عمير، عن عمارة بن رويبة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

(1)

رجال الإسناد:

عبد الملك بن عُمير بن سويد اللخمي، تقدم.

عمارة بن رُوَيْبة الثقفي، أبو زهير، صحابي، نزل الكوفة، تأخر إلى بعد السبعين، روى له مسلم.

(2)

*) ? twb=. 55 w «وتحرف سفيان في مطبوع ابن خزيمة إلى (شيبان) والصحيح سفيان فهو الذي يروي عنه عبد الجبار بن العلاء وليس لعبد الجبار رواية عن شيبان كما في التهذيب.

ص: 163

خالفه شيبان بن عبد الرحمن النحوي

(1)

، وسفيان الثوري

(2)

، وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري

(3)

، ورقبة بن مصقلة

(4)

.

هؤلاء كلهم رووا هذا الحديث فقالوا: (عن عبد الملك بن عمير، عن ابن عمارة بن رويبة، عن أبيه عمارة بن رويبة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

أسقط سفيان ابن عمارة واسمه أبو بكر بن عمارة، وهو المحفوظ أنه يروي هذا الحديث عن أبيه عمارة.

وكذلك رواه إسماعيل بن أبي خالد

(5)

، ومسعر بن كدام

(6)

، والبختري بن المختار

(7)

، ثلاثتهم عن أبي بكر بن عمارة بن رويبة، عن أبيه.

(1)

مسلم (634) و (214) وأحمد (4/ 136).

(2)

أحمد (4/ 136).

(3)

أحمد (4/ 136).

(4)

الطبراني في الأوسط (1851 ط د. الطحان) و (1830 ط الحرمين).

وذكر المحقق د. الطحان والمحققان الفاضلان بدار الحرمين أنه في الأصل عبد الملك بن عمير عن عمارة بن رويبة عن أبيه وسقطت كلمة (ابن) فالصحيح عن (ابن عمارة عن أبيه).

قلت: قد ذكر ذلك الحافظ في «الإصابة» (2/ 544 رقم 2774) في ترجمة رويبة قال: روى الطبراني من طريق رقبة بن مصقلة عن عبد الملك بن عمير عن عمارة بن رويبة عن أبيه الحديث، أورده أبو موسى من هذا الوجه، وفي الإسناد خلل وذلك أنَّ مسلماً وغيره أخرجوه من طرق عن عبد الملك بن عمير عن ابن عمارة عن أبيه، فلعل (ابن) سقط من الرواية الأُولى.

(5)

مسلم (634) و (213)، وأبو داود (427)، والنسائي (1/ 241)، وغيرهم.

(6)

مسلم (634) و (213)، وابن حبان (1738)، وأبو عوانة (1/ 372).

(7)

مسلم (634) و (213).

ص: 164

‌علة الوهم:

ولا شك أنَّ رواية الثوري ومَن وافقه عن عبد الملك بن عمير أَولى من رواية سفيان بن عيينة لأن عبد الملك بن عمير كوفي وهم كذلك كوفيون، وسفيان بن عيينة كوفي رحل من الكوفة وهو صغير وسكن مكة.

ويحتمل أن يكون الوهم من عبد الملك بن عمير عندما حدَّث به سفيان فإنَّ له أوهاماً.

قال أحمد بن حنبل: عبد الملك بن عمير مضطرب الحديث جدًّا مع قلة روايته، ما أرى له خمس مائة حديث وقد غلط في كثير منها.

وقال أيضاً: سماك بن حرب أصلح حديثاً من عبد الملك بن عمير وذلك أنَّ عبد الملك يختلف عليه الحفّاظ. وقال يحيى بن معين: مخلط. والله تعالى أعلم.

ص: 165

‌الحديث الثلاثون

(1)

:

113 -

قال ابن ماجه (2118): حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:

أنَّ رجلاً من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلاً من أهل الكتاب فقال: نِعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون؛ تقولون ما شاء الله وشاء محمد. وذكر ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: «أما والله إن كنت لأعرفها

(2)

لكم قولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد».

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين عدا هشام بن عمار من رجال البخاري.

وأخرجه النسائي في «الكبرى» (10820) من طريق محمد بن عبد الله بن يزيد، وأحمد (5/ 393) من طريق حسين بن محمد بن بهرام، والبخاري في «التاريخ الكبير» (4/ 364) من طريق علي بن

(1)

رجال الإسناد:

هشام بن عمار بن نُصير الدمشقي الخطيب، تقدم.

عبد الملك بن عمير: تقدم.

ربعي بن حراش أبو مريم العبسي الكوفي، ثقة عابد مخضرم، من الثانية، مات سنة 100 وقيل غير ذلك، روى له البخاري ومسلم.

حذيفة بن اليمان، صحابي جليل من السابقين، وأبوه صحابي، مات حذيفة في أوائل خلافة علي رضي الله عنه سنة 36، وحديثه في الصحيحين.

(2)

كذا عند ابن ماجه وعند الآخرين: «لأكرهها» .

ص: 166

المديني، والبزار (2830) من طريق إسحاق بن بهلول الأنباري، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (291) من طريق محمد بن أبي بكر، والحازمي في «الاعتبار» (ص 547، 548) من طريق عباس بن يزيد البصري وهشام بن عمار كلهم عن سفيان بن عيينة به.

هكذا رواه سفيان فقال: (عن عبد الملك، عن ربعي، عن حذيفة).

خالفه شعبة

(1)

، وحماد بن سلمة

(2)

، وأبو عوانة

(3)

، وزياد بن عبد الله البكائي

(4)

، وزيد بن أبي أنيسة

(5)

، وعبيد الله بن عمرو الرقي

(6)

، وزائدة بن قدامة

(7)

، وعبد الله بن إدريس

(8)

.

فرووه عن عبد الملك بن عمير فقالوا: (عن عبد الملك، عن

(1)

الدارمي (2695)، وأبو يعلى (4654)، والبخاري في التاريخ الكبير معلقاً (4/ 363 - 364)، وابن قانع (2/ 50)، والضياء في المختارة (156)، والطبراني في الكبير (8214)، والخطيب في الموضح (1/ 303).

(2)

أحمد (5/ 72)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2743)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 50)، والضياء في المختارة (155)، والحاكم (3/ 463)، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 861).

(3)

ابن ماجه (2118).

(4)

ابن قانع (2/ 50) والضياء في المختارة (154).

(5)

الطبراني في الكبير (8215).

(6)

الحاكم (3/ 462 - 463) والبيهقي في الأسماء والصفات (292).

(7)

ذكره الحازمي في الاعتبار (ص 547) تعليقاً.

(8)

ذكره الحافظ في الفتح (11/ 540).

ص: 167

ربعي، عن طفيل بن سخبرة)

(1)

.

وهم سفيان فجعله من حديث حذيفة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم والصحيح أنه من رواية طفيل بن سخبرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/ 364): والأول أصح (يعني حديث شعبة).

ونقل البيهقي عن البخاري قوله: (حديث شعبة أصح من حديث ابن عيينة)

(2)

.

وقال البزار عقب الحديث (7/ 253): (هكذا قال ابن عيينة: عن عبد الملك، عن ربعي، عن حذيفة. وقال شعبة وأبو عوانة: عن عبد الملك، عن ربعي بن حراش، عن الطفيل أخي عائشة لأمها. وقال معمر: عن عبد الملك، عن جابر، عن سمرة. والصواب حديث عبد الملك عن ربعي، عن الطفيل).

وقال إبراهيم الحربي في كتاب «النهي عن الهجران» : (هذا وهم من ابن عيينة، وإنما رواه ربعي بن حراش، عن الطفيل بن عبد الله بن سخبرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(3)

.

وقال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر رواية سفيان: (وقال أبو عوانة عن عبد الملك، عن ربعي، عن الطفيل بن سخبرة أخي عائشة،

(1)

الطفيل بن سخبرة، ويقال: ابن عبد الله بن الحارث بن سخبرة أخو عائشة لأمها، صحابي له حديث رواه عنه ابن ماجه.

(2)

في «الأسماء والصفات» عقب الحديث (292).

(3)

نقله عنه الحافظ ابن حجر في النكت الظراف (3/ 29 - 30) كما في حاشية «تحفة الأشراف» .

ص: 168

وهكذا قال حماد بن سلمة وعبد الله بن إدريس عن عبد الملك، وهو الذي رجحه الحفّاظ وقالوا: إنَّ ابن عيينة وهم في قوله عن حذيفة. والله أعلم)

(1)

.

‌تنبيه:

وقع عند الحازمي في «الاعتبار» (ص 547) وهم فذكر أنَّ سفيان الثوري خالف رواية حماد وشعبة وزائدة، ثم ساق بسنده عن عباس بن يزيد البصري عن سفيان، عن عبد الملك، عن ربعي، عن حذيفة، فذكر الحديث. وهذا وهم منه فسفيان هذا إنما هو ابن عيينة وليس الثوري. وسفيان بن عيينة هو الذي يروي عنه عباس بن يزيد كما في «التهذيب» .

‌علة الوهم:

روى منصور بن المعتمر، عن عبد الله بن يسار، عن حذيفة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان. قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان»

(2)

.

فحذيفة قد روى حديث النهي عن قول: ما شاء الله وشاء محمد، لكن طريق عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش لا يصح فيها حذيفة. والله أعلم.

وجاء في رواية الجماعة عن عبد الملك أنَّ طفيل بن سخبرة هو

(1)

فتح الباري (11/ 540).

(2)

أبو داود (4980)، وأحمد (5/ 384)، والطيالسي (430)، والنسائي في الكبرى (10821)، وفي عمل اليوم والليلة (985)، والبيهقي (3/ 216).

ص: 169

الذي رأى الرؤيا فلمّا أصبح أخبر بها النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

وسياقه للحديث أتمّ فقد ذكر أنه رأى ممّا رأى النائم أنه مرَّ بِرهط من اليهود فأعجبته هيئتهم فقال: إنكم أنتم القوم لولا أنكم تزعمون أنَّ عزيراً ابن الله. فقالت اليهود: وأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. ثم مرَّ بِرهط من النصارى فذكر مثل ذلك الحديث.

وسيأتي الحديث برقم (223) في باب معمر.

ص: 170

‌الحديث الحادي والثلاثون

(1)

:

114 -

قال الإمام أحمد (5/ 200): حدثنا سفيان، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس، قال: أخبرني أسامة بن زيد:

أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفة فلمّا أتى الشعب نزل فَبَال ولم يقُل أهراق الماء فصببت الماء فتوضأ وضوءاً خفيفاً، فقلت: الصلاة. فقال: «الصلاة أمامك» . قال: ثم أتى المزدلفة، فصلى المغرب ثم حلّوا رحالهم وأعَنْتُهُ ثم صلّى العشاء.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح.

وأخرجه الحميدي (548) عن سفيان به.

وأخرجه النسائي (1/ 292) من طريق الحسين بن حريت، وابن خزيمة (64)، (2847) و (2851) من طريق سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، وعبد الجبار بن العلاء، وأحمد بن منيع.

وأخرجه أبو القاسم البغوي في مسند أسامة (38، 39، 44، 45) من طريق أبي خيثمة، وابن منيع، وأبي بكر بن أبي شيبة.

وأخرجه الفاكهي (5/ 44) في «أخبار مكة» من طريق محمد بن أبي عمر.

كلهم عن سفيان بن عيينة بهذا الإسناد.

(1)

إبراهيم بن عقبة بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني أخو موسى، ثقة، من السادسة، روى له مسلم.

كُريب بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني، مولى ابن عباس، ثقة، من الثالثة، روى له البخاري ومسلم.

ص: 171

وقرن الحميدي والنسائي وابن خزيمة في الموضع الأول والثالث وأبو القاسم البغوي في الموضع الثالث محمد بن أبي حرملة بإبراهيم بن عقبة.

هكذا رواه سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن عقبة فقال: (عن إبراهيم، عن كريب، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد).

خالفه زهير بن معاوية

(1)

، وعبد الله بن المبارك

(2)

، وسفيان الثوري

(3)

، وحماد بن زيد

(4)

، ومعمر

(5)

، ومحمد بن إسحاق

(6)

، ووهيب بن خالد

(7)

، والحارث بن عمير

(8)

، وإبراهيم بن طهمان

(9)

. (كلهم عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب مولى ابن عباس، عن أسامة بن زيد) لم يذكروا ابن عباس.

وكذلك رواه موسى بن عقبة

(10)

ومحمد بن عقبة

(11)

، عن كريب، عن أسامة بن زيد.

(1)

مسلم (1280)، والدارمي (1881)، وأبو داود (1921).

(2)

مسلم (1280)، والنسائي (5/ 260 - 261)، وأبو عوانة (3480).

(3)

أبو داود (1921)، وابن ماجه (3019)، وأحمد (5/ 210)، والنسائي (5/ 259)، وابن خزيمة (973) و (2850)، وأبو عوانة (3482)، وغيرهم.

(4)

النسائي (5/ 259)، والبغوي في «مسند أسامة» (40) و (41).

(5)

أحمد (5/ 210).

(6)

أبو داوود (1924) وأحمد (5/ 202).

(7)

أبو عوانة (3486).

(8)

الطبراني في «الكبير» (451).

(9)

البيهقي (5/ 120).

(10)

أخرجه البخاري (139، 181) و (1667) من طريق مالك ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومسلم (1280) و (276) و (277).

(11)

مسلم (1280) و (280) ص 935 من طريق وكيع عن الثوري.

ص: 172

لم يذكرا فيه ابن عباس رضي الله عنه.

وكذلك رواه محمد بن أبي حرملة، عن كريب، عن أسامة بن زيد

(1)

.

لم يذكر فيه ابن عباس.

قال ابن خزيمة (4/ 267): (لا أعلم أحداً أدخل ابن عباس بين كريب وبين أسامة في هذا الإسناد إلا ابن عيينة). اه.

وقال الحافظ في «الفتح» (1/ 285): وقع في تراجم البخاري لابن المنير في هذا الموضع وهم، فإنه قال فيه عن ابن عباس عن أسامة، وليس هو من رواية ابن عباس، وإنما هو من رواية كريب مولى ابن عباس.

قال ابن منيع: حدثني إبراهيم بن هاناء عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل قال: خالف سفيان في هذا الحديث الناس، يعني ليس بين كريب وأسامة في هذا الحديث ابن عباس.

قال ابن منيع: وقال أبو بكر بن أبي شيبة لمّا حدَّث بهذا الحديث عن ابن عيينة: وهم سفيان في هذا الحديث سمعه كريب من أسامة ليس فيه ابن عباس.

قال أبو بكر: والحديث على ما رواه ابن المبارك

(2)

.

وقال ابن عبد البرّ: إنما هو لكريب عن ابن عباس وأن ليس لابن عباس ذكر صحيح

(3)

.

(1)

البخاري (1669) وأبو عوانة (3481).

(2)

مسند أسامة بن زيد (1/ 94 ح رقم 28).

(3)

التمهيد (13/ 157).

ص: 173

وقد جاء في رواية الحميدي قوله: (قال سفيان: حدثنا إبراهيم بن عقبة ومحمد بن أبي حرملة. قال سفيان: قال أحدهما: أخبرني كريب عن ابن عباس عن أسامة، وقال الآخر: أخبرني كريب، فذكر الحديث.

ثم قال سفيان: لم يختلف إبراهيم بن عقبة ومحمد في شيء من هذا الحديث إلا أن ذا قال: كريب عن أسامة، وقال هذا: كريب عن ابن عباس عن أسامة). اه.

قلت: سبق أن ذكرنا تسعة من أصحاب إبراهيم بن عقبة لم يذكر أحد منهم ابن عباس.

وكذلك رواه إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة، عن كريب، عن أسامة، لم يذكر ابن عباس.

ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في صحيحه

(1)

.

وقد تابعه محمد بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة

(2)

.

‌الخلاصة:

أنَّ سفيان وهم في هذا الحديث من وجهين:

الأول: ذكره ابن عباس بين كريب وأسامة.

الثاني: حمله إسناد إبراهيم بن عقبة ومحمد بن أبي حرملة أحدهما على الآخر، ولم يفند ذلك إلا في رواية الحميدي عنه.

(1)

(2)

أبو عوانة (3481).

ص: 174

والصحيح عدم ذكر ابن عباس في كلا الروايتين؛ ففي حديث إبراهيم بن عقبة خالفه تسعة من أصحاب إبراهيم بن عقبة، وفي حديث محمد بن أبي حرملة، خالفه إسماعيل بن جعفر، وقد أخرج البخاري حديثه، وتابع إسماعيل بن جعفر محمد بن جعفر.

والله تعالى أعلم.

‌علة الوهم:

كون كريب مولى ابن عباس، وقد جاء ذكر ابن عباس في الإسناد عرضاً كما عند مسلم وغيره فقالوا:(عن كريب مولى ابن عباس، عن أسامة).

فلعله من هنا دخل الوهم على سفيان. والله تعالى أعلم.

ص: 175

‌الحديث الثاني والثلاثون

(1)

:

115 -

قال النسائي في «السنن الكبرى» (3300): أنبأ محمد بن منصور، قال: حدثنا سفيان، عن طلحة بن يحيى، عن عمَّته عائشة بنت طلحة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:

دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: إنَّ عندنا حيساً قد خبأناه لك. قال: «قرِّبوه» . فأكل وقال: «إني قد كنت أردت الصوم ولكن أصوم يوماً مكانه» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم رجال الصحيح غير محمود بن منصور شيخ النسائي وهو ثقة، وقد تابعه على هذه الرواية غير واحد كما سيأتي.

وأخرجه عبد الرزاق (7793) عن سفيان به.

وأخرجه البيهقي (4/ 275) من طريق الشافعي ومحمد بن عمرو الباهلي، ورواه الدارقطني (2/ 17) من طريق محمد بن عمرو الباهلي، كلاهما عن سفيان به.

هكذا رواه سفيان عن طلحة بن يحيى، عن عائشة بنت طلحة،

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن منصور بن ثابت بن خالد الخزاعي الجوَّاز، ثقة، من العاشرة، مات سنة 252، روى له النسائي.

طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني، نزيل الكوفة، صدوق يخطاء، من السادسة، مات سنة 148، روى له مسلم.

عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمية أم عمران، كانت فائقة الجمال، وهي ثقة، من الثالثة، روى لها البخاري ومسلم.

ص: 176

عن عائشة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفيه: قال: «ولكن أصوم يوماً مكانه» .

خالفه أصحاب طلحة بن يحيى فرووه عنه بهذا الإسناد ولم يذكر أحد منهم هذه الكلمة وهي قوله: «أصوم يوماً مكانه» ، منهم:

عبد الواحد بن زياد

(1)

، ووكيع

(2)

، وعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني

(3)

، وأبو معاوية محمد بن خازم

(4)

، ويحيى بن سعيد القطان

(5)

، وشعبة

(6)

، وإسماعيل بن زكريا

(7)

، والقاسم بن معن

(8)

، وسفيان الثوري

(9)

، ويعلى بن عبيد

(10)

، وجعفر بن عون

(11)

، وأبو نعيم

(12)

، وأبو أسامة حماد بن أسامة

(13)

، وعيسى بن يونس

(14)

.

وهم سفيان إذ خالفه هؤلاء العدد من أصحاب طلحة بن يحيى فلم يذكروا هذه اللفظة، وقد كان سفيان لا يذكر هذه اللفظة في

(1)

مسلم (1154).

(2)

مسلم (1154).

(3)

أبو نعيم في مستخرجه على صحيح مسلم (2618).

(4)

أبو يعلى (4563) وأبو نعيم (8/ 26).

(5)

أحمد (6/ 49)، والنسائي في الكبرى (2635)، وأبو نعيم (2618)، وابن خزيمة (2143).

(6)

ابن خزيمة (2141)، وابن حبان (3629)، والدارقطني (2/ 175).

(7)

أبو يعلى (4596) وابن حبان (3630).

(8)

النسائي في الكبرى (2637).

(9)

أبو داود (2455)، والترمذي (734)، وأبو عوانة (2841)، والدارقطني (2/ 176)، والبيهقي (4/ 3).

(10)

أبو عوانة (2835).

(11)

أبو عوانة (2840).

(12)

أبو عوانة (2840).

(13)

أبو عوانة (2842).

(14)

إسحاق بن راهويه (1023).

ص: 177

حديثه هذا ثم ذكرها في آخر عمره.

لذا قال النسائي عقب الحديث: هذا خطأ، قد روى هذا الحديث جماعة عن طلحة فلم يذكر أحد منهم:«ولكن أصوم يوماً مكانه»

(1)

.

وقال ابن عبد البر: ولا يصح فيه قول: «صوما يوماً مكانه»

(2)

.

قال البيهقي في «السنن الكبرى» (4/ 276): قال المزني: سمعت الشافعي يقول: سمعت سفيان عامة مجالسه لا يذكر فيه: «سأصوم يوماً مكانه» . ثم عرضته عليه قبل أن يموت بسنة فأجاب فيه: «سأصوم يوماً مكانه» .

قال البيهقي: وروايته عامة دهره لهذا الحديث لا يذكر فيه هذا اللفظ مع رواية الجماعة عن طلحة بن يحيى لا يذكره منهم أحد؛ منهم: سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وعبد الواحد بن زياد، ووكيع بن الجراح، ويحيى بن سعيد القطان، ويعلى بن عبيد، وغيرهم تدل على خطأ هذه اللفظة. والله أعلم. اه. (وانظر:«المعرفة» (2/ 176) باب صوم التطوع والخروج منه قبل تمامه).

وروى الدارقطني (2/ 176) من طريق محمد بن عمرو بن العباس الباهلي عن سفيان بن عيينة به، وقال الدارقطني:(لم يروه بهذا اللفظ عن ابن عيينة غير الباهلي ولم يتابع على قوله: «وأصوم يوماً مكانه»، ولعله شبه عليه والله أعلم لكثرة مَنْ خالفه عن ابن عيينة). فجعل الحمل فيه على الباهلي.

وتعقبه البيهقي بقوله: (ليس الأمر كذلك فقد حدَّث به ابن عيينة

(1)

السنن الكبرى (2/ 245).

(2)

التمهيد (12/ 70).

ص: 178

في آخر عمره وهو عند أهل العلم غير محفوظ)

(1)

. ثم ذكر كلام الشافعي السابق.

وانظر هذه المسألة وأحاديث الباب في كتابي «كشف اللثام» ، المسألة (37)، وانظر ح (642) في باب أبي الأحوص.

‌علة الوهم:

1 دخل على سفيان حديث في حديث.

فالزهري يروي هذا الحديث عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: أُهديت لحفصة شاة ونحن صائمتان، فأفطرتني، وكانت ابنة أبيها، فلمّا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرنا ذلك له، فقال:«أبدلا يوماً مكانه» .

ورواه عنه سفيان بن عيينة هكذا

(2)

.

فلعله من هنا دخل الوهم على سفيان فجعل هذه اللفظة التي يذكرها الزهري في حديثه عن عائشة في حديث طلحة بن يحيى. والله تعالى أعلم.

2 اختلاف الأمصار:

فسفيان بن عيينة مكي، وطلحة بن يحيى مدني سكن الكوفة؛ لذا كان أروى الناس عنه أهل الكوفة. والله تعالى أعلم.

(1)

السنن الكبرى (4/ 275).

(2)

السنن الكبرى (3292).

ورواه عنه كذلك جعفر بن برقان عند الترمذي (735) والنسائي (3291)، ورواه مالك ومعمر عن الزهري، عن عائشة مرسلاً كما في «السنن الكبرى» (3297) و (3295).

ص: 179

‌الدلالة الفقهية:

دلَّ هذا الحديث على وجوب القضاء على مَنْ أفطر في صوم التطوع.

وبهذا قال أبو حنيفة ومالك، إلا أنَّ مالكاً قال: إن كان لعذر لا يلزمه القضاء.

قال ابن عبد البرّ في «التمهيد» (7/ 420): اختلف الفقهاء في هذا الباب فقال مالك وأصحابه: مَنْ أصبح صائماً متطوعاً فأفطر متعمداً فعليه القضاء. وكذلك قال أبو حنيفة وأبو ثور.

وقال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق: استحبّ له أن لا يفطر، فإن أفطر فلا قضاء عليه.

وقال الثوري: أحبّ إليَّ أن يقضى.

واختلف أصحاب أبي حنيفة، فمنهم مَنْ قال بقول الشافعي، ومنهم مَنْ قال بقول صاحبهم. اه.

قال النووي في «المجموع» (6/ 394):

يستحب البقاء لمَن شرع في صوم تطوع أو صلاة تطوع وأنَّ الخروج منهما بلا عذر ليس بحرام ولا يجب قضاؤهما.

قال: وبهذا قال عمر، وعلي، وابن مسعود، وعمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وسفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق.

وقال أبو حنيفة: يلزمه الإتمام فإن خرج منها لعذر لزمه القضاء ولا إثم، وإن خرج بغير عذر لزمه القضاء وعليه الإثم.

وقال مالك وأبو ثور: يلزمه الإتمام فإن خرج بلا عذر لزمه القضاء، وإن خرج بعذر فلا قضاء. اه.

ص: 180

‌الحديث الثالث والثلاثون

(1)

:

116 -

قال الإمام الشافعي (1/ 29 ترتيب المسند): أخبرنا سفيان، أخبرني هشام بن عروة، أخبرني أبو وَجْزَة، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن أبيه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:

«الاستنجاء بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات.

وهو في كتاب «الأُمّ» للشافعي (1/ 95 رقم 341) ومن طريقه رواه البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (1/ 346) والبغوي في «شرح السنَّة» (179).

ورواه الحميدي في مسنده (436) عن سفيان، والطبراني في «المعجم الكبير» (3744) من طريق إبراهيم بن بشار الرمادي عن سفيان.

كذا روى سفيان فقال: (عن هشام، عن أبي وجزة، عن عمارة بن خزيمة، عن خزيمة بن ثابت).

(1)

رجال الإسناد:

هشام بن عروة، تقدم.

أبو وجزة: يزيد بن عبيد السعدي المدني الشاعر، ثقة، من الخامسة، مات سنة 130، روى له أبو داود والنسائي.

عمارة بن خزيمة بن ثابت الأنصاري الأوسي، أبو عبد الله أو أبو محمد المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة 105 وله 75 سنة، روى له أصحاب السنن الأربعة.

خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الأنصاري، ذو الشهادتين من كبار الصحابة، شهد بدراً وقتل مع علي بصفين سنة 37.

ص: 181

خالفه وكيع

(1)

، وعبد الله بن نمير

(2)

، وعبدة بن سليمان

(3)

، ومحمد بن بشر العبدي

(4)

، وأبو معاوية الضرير

(5)

، وعلي بن مسهر

(6)

، وأبو أسامة

(7)

، وعبد الرحمن بن سليمان

(8)

، والمفضل بن فضالة

(9)

، هؤلاء التسعة رووه عن هشام بن عروة فقالوا:(عن هشام، عن عمرو بن خزيمة، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن خزيمة بن ثابت).

وبعضهم قال (عن ابن خزيمة) وهو عمرو بن خزيمة.

قال البخاري: (والصحيح ما روى عبدة ووكيع، عن هشام بن عروة، عن أبي خزيمة، عن عمارة بن خزيمة، عن خزيمة)

(10)

.

وقال علي بن المديني: (إنما هو أبو خزيمة، ولكن كذا قال سفيان. قال علي: الصواب عندي عمرو بن خزيمة)

(11)

.

وقال البيهقي: هكذا قال سفيان أبو وجزة وأخطأ فيه، إنما هو

(1)

ابن ماجه (315)، وأحمد (5/ 213)، والحميدي (437)، والطبراني (3727).

(2)

أحمد (5/ 214)، وابن أبي شيبة (1/ 156)، والطبراني (3726).

(3)

ابن أبي شيبة (1/ 154، 156)، والترمذي في العلل الكبير (1/ 96)، والطبراني (3725).

(4)

أحمد (5/ 213).

(5)

أبو داود (41) والبيهقي (1/ 103).

(6)

الدارمي (671).

(7)

ذكره أبو داود تعليقاً عقب الحديث (41).

(8)

الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 121)، كذا في المطبوع والصحيح عبد الرحيم بن سليمان.

(9)

التمهيد (22/ 309).

(10)

العلل الكبير للترمذي (1/ 96) والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 103).

(11)

معرفة السنن والآثار (1/ 347).

ص: 182

ابن خزيمة واسمه عمرو بن خزيمة.

(1)

قال أبو داود: كذا رواه أبو أسامة وابن نمير عن هشام

(2)

.

قال في «عون المعبود» معقباً: غرضه من إيراد هذه الجملة أنَّ أبا أسامة وابن نمير قد تابعا أبا معاوية عن هشام على اسم شيخ هشام فقالوا: عن هشام عن عمرو بن خزيمة، وهذا تعريض على رواية سفيان فإنه قال: أخبرني هشام بن عروة قال: أخبرني أبو وجزة

(3)

.

وقد ذكر الطبراني في روايته أنه قيل لسفيان: إنهم يقولون: أبو خزيمة قال: لا، إنما هو أبو وجزة الشاعر

(4)

.

وروى ابن ماجه

(5)

من طريق محمد بن الصباح، عن سفيان بن عيينة، ومن طريق علي بن محمد عن وكيع الجراح، كلاهما عن هشام بن عروة، عن أبي خزيمة، عن عمارة بن خزيمة، وهذا وهم منه أوقعه فيه قرنه رواية سفيان برواية وكيع، لأن المحفوظ عن سفيان ما سبق وقد روجع فيه سفيان فلم يرجع. والله أعلم، وانظر ح (403)، (1365).

‌أثر الوهم:

قلب سفيان عمرو بن خزيمة وهو مجهول الحال لم يروِ عنه إلا هشام بن عروة هذا الحديث الواحد (وذكره ابن حبان في

(1)

معرفة السنن والآثار (1/ 347) والسنن الكبرى (1/ 103) ولفظه هنا: وكان علي بن المديني يقول: الصواب رواية الجماعة عن هشام، عن عمرو بن خزيمة.

(2)

في سننه عقب الحديث (41).

(3)

(1/ 63).

(4)

المعجم الكبير (4/ 86 ح 3724).

(5)

ص: 183

الثقات على عادته في توثيق المجاهيل، وقال الذهبي: تابعي لا يُعرف. وقال ابن حجر في «التقريب» : مقبول، أي عند المتابعة). إلى أبي وجزة الشاعر وهو يزيد بن عبيد السعدي وهو ثقة، وثَّقه يحيى بن معين كما روى إسحاق بن منصور عنه، وقال أبو حاتم: لا بأس به صاحب قرآن. ووثَّقه ابن شاهين وابن حجر.

فانقلب الإسناد من إسناد ضعيف لجهالة عمرو بن خزيمة إلى إسناد رجاله كلهم ثقات. والله تعالى أعلم.

ص: 184

‌الحديث الرابع والثلاثون

(1)

:

117 -

قال الحميدي في سننه (307): حدثنا سفيان، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم حبيبة زوج النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنها قالت:

يا رسول الله، هل لك في دُرَّة بنت أبي سفيان؟

قال: «فأفعل ماذا؟» .

قالت: تنكحها.

قال: «أوَ تحبين ذلك؟» .

قلت: لست لك بمخلية وأحب مَنْ يشركني فيك أختي.

قال: «فإنها لا تحلّ لي» .

قلت: فإنه قد بلغني أنك تخطب زينب بنت أبي سلمة.

فقال: «بنت أمّ سلمة؟» .

قلت: نعم.

(1)

رجال الإسناد:

هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه ربما دلس، من الخامسة، مات سنة 145 أو 146 وله 58 سنة، روى له البخاري ومسلم.

عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، ثقة فقيه مشهور، من الثالثة، مات سنة 94 على الصحيح ومولده أوائل خلافة عثمان.

زينب بنت أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومية، ربيبة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ماتت سنة 73 وحضر ابن عمر جنازتها، حديثها عند البخاري ومسلم.

أمّ حبيبة، رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأموية، أمّ المؤمنين مشهورة بكنيتها، ماتت سنة 42 أو 44، وقيل: 49، وقيل: 50، حديثها عند البخاري ومسلم.

ص: 185

قال: «فوالله لو لم تكُن ربيبتي في حجري ما حلّت لي، لقد أرضعتني وإياها ثويبة، فلا تعرضن عليَّ بناتكن ولا أخواتكن» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.

وأخرجه البخاري في صحيحه (5106) عن الحميدي به.

إلا أنه حذف اسم ابنة أبي سفيان واسم بنت أبي سلمة وهو ما وهم ابن عيينة فيه.

وأخرجه البيهقي (7/ 453) من طريق الحميدي به.

هكذا قال سفيان عن هشام: (زينب بنت أبي سلمة).

خالفه أبو أسامة حماد بن أسامة

(1)

، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة

(2)

، وزهير بن معاوية

(3)

، ومحمد بن خازم أبو معاوية الضرير

(4)

، والليث بن سعد

(5)

، وعبدة

(6)

، وابن جريج

(7)

، ومعمر

(8)

، وعبد الله بن نمير

(9)

، وأنس بن عياض

(10)

.

(1)

مسلم (1449) وأبو عوانة (4401).

(2)

مسلم (1449).

(3)

مسلم (1449) وأبو داود (2056).

(4)

أحمد (6/ 291)، وأبو يعلى (7001)، وابن أبي شيبة (17042)، وأبو نعيم في مستخرجه على صحيح مسلم (3391).

(5)

البخاري تعليقاً عقب الحديث (5106).

(6)

النسائي (6/ 96).

(7)

عبد الرزاق (13947)، والطبراني في الكبير (23/ 418)، وأبو عوانة (4400).

(8)

عبد الرزاق (13947)، وأبو عوانة (4400)، والطبراني في الكبير (23/ 418).

(9)

المصدر السابق.

(10)

أبو عوانة (4399).

ص: 186

هؤلاء كلهم رووه عن هشام عن أبيه، عن زينب، عن أم حبيبة فقالوا:(درَّة بنت أبي سلمة).

وكذلك رواه جماعة عن الزهري عن عروة فقالوا: (درَّة بنت أبي سلمة)، ولم يختلفوا عليه

(1)

.

وكذلك رواه عراك بن مالك عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم حبيبة، فقالت:(درَّة بنت أبي سلمة)

(2)

.

وهم سفيان في اسم بنت أبي سلمة فسمَّاها زينب

(3)

، والصحيح هو درَّة كما سمَّاها الجماعة عن هشام، وكذا في رواية الزهري وعراك.

ولذا حذف الإمام البخاري هذا عمداً مع أنه أخرج الحديث من طريق الحميدي عن سفيان ثم أشار عقب الحديث أنَّ الصحيح أنَّ اسمها درَّة فقال: (وقال الليث: حدثنا هشام: درَّة بنت أبي سلمة).

قال الحافظ في «الفتح» (9/ 143): حذف (يعني البخاري) هذا الاسم عمداً، وكذا وقع في هذه الرواية زينب بنت أبي سلمة، وحذفه البخاري أيضاً منها ثم نبَّه على أنَّ الصواب درَّة.

الوهم الثاني: قوله درَّة بنت أبي سفيان.

وقد روى مسلم في صحيحه (1449) من طريق يزيد بن أبي حبيب عن الزهري، عن عروة هذا الحديث وقال: قالت: (أنكح أختي عزة).

(1)

البخاري (5101) و (5107) و (5372) ومسلم (1449).

(2)

البخاري (5123).

(3)

وقد تابعه على ذلك حماد بن سلمة عند ابن حبان. وانظره في بابه.

ص: 187

قال مسلم: لم يسمِّ أحد منهم في حديثه عزة غير يزيد بن أبي حبيب، وذلك لأن بقية الروايات لم تذكر اسمها إنما قالوا:(أنكح أختي بنت أبي سفيان).

وجاء عند الطبراني (23/ 415) من طريق ابن عائشة عن حماد بن سلمة، عن هشام أنَّ اسمها حمنة بنت أبي سفيان.

وذكر ابن الأثير في «أسد الغابة» (7/ 102) عن أبي عمر قوله: الأشهر فيها عزة.

وذكر ابن حجر في «الفتح» (9/ 143) عن أبي موسى كذلك.

ونقل عن القاضي عياض قوله: لا نعلم لعزة ذكراً في بنات أبي سفيان إلا في رواية يزيد بن أبي حبيب. والله تعالى أعلم.

وقد حذف البخاري اسمها عمداً في روايته عن الحميدي عن سفيان هذا الحديث، ولم يشِر إلى اسمها ربما للاختلاف في ذلك. والله أعلم.

وسيأتي الحديث في باب هشام بن عروة ح (538) وحماد بن سلمة، ح (246).

ص: 188

‌الحديث الخامس والثلاثون

(1)

:

118 -

قال الإمام أحمد (5/ 213): حدثنا سفيان بن عيينة، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن عمارة بن خزيمة، عن أبيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«إنَّ الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات.

وأخرجه الحميدي في مسنده (436) وسعيد بن منصور (369)، كلاهما عن سفيان به.

وأخرجه النسائي في «الكبرى» (8982)، وابن الجارود في «المنتقى» (728)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3/ 43)، وفي «شرح المشكل» (6131)، وابن أبي حاتم في «آداب الشافعي ومناقبه» (ص 215 - 216)، والطبراني في «الكبير» (3716).

والبيهقي (7/ 197)، وفي «مناقب الشافعي» (2/ 10)، وأبو عوانة في مسنده (4294)، كلهم من طريق سفيان بن عيينة به.

(1)

رجال الإسناد:

يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، أبو عبد الله المدني، ثقة مكثر، من الخامسة، مات سنة 139، روى له البخاري ومسلم.

عمارة بن خزيمة بن ثابت الأنصاري الأوسي، أبو عبد الله أو أبو محمد المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة 105 وله 75 سنة، روى له الأربعة.

خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الأنصاري الخطمي، أبو عُمارة المدني ذو الشهادتين، من كبار الصحابة، شهد بدراً وقُتل مع علي بصفين سنة سبع وثلاثين.

ص: 189

هكذا قال سفيان: (عن يزيد بن الهاد، عن عمارة بن خزيمة، عن أبيه خزيمة بن ثابت).

خالفه عبد العزيز بن محمد الدراوردي

(1)

، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم

(2)

، وزهير بن محمد

(3)

، وأبو مصعب عبد السلام بن حفص المدني

(4)

، وابن أبي حازم

(5)

.

خمستهم رووه عن يزيد فقالوا: (عن يزيد بن الهاد، عن عبيد الله بن عبد الله بن الحصين، عن هرمي بن عبد الله، عن خزيمة بن ثابت).

وقد اختلف في إسناد هذا الحديث اختلافاً كثيراً

(6)

.

ومع هذا الاختلاف كان مداره في حديث أكثرهم على هرمي بن عبد الله عن خزيمة لم يذكر أحد عمارة بن خزيمة غير سفيان، فقد رواه الليث بن سعد

(7)

، والوليد بن كثير

(8)

، ومحمد بن

(1)

سعيد بن منصور (368)، والطبراني في الكبير (3743)، والبيهقي (7/ 197).

(2)

أحمد (5/ 215)، والنسائي في الكبرى (8984)، وابن حبان في صحيحه (4198).

(3)

الطبراني في الأوسط (977).

(4)

البخاري في التاريخ الكبير (8/ 256)، والنسائي في الكبرى (8985)، والطبراني في الكبير (3741).

(5)

الطبراني (3742).

(6)

انظر هذا الاختلاف في السنن الكبرى للنسائي (5/ 316 - 318)، والتاريخ الكبير للبخاري (8/ 256 - 257)، والتعليق على سنن سعيد بن منصور (3/ 846 وما بعده).

(7)

النسائي في الكبرى (8983)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 44)، والبخاري في التاريخ الكبير (8/ 257).

(8)

البخاري في التاريخ الكبير (8/ 256) والنسائي في الكبرى (8986).

ص: 190

إسحاق

(1)

، وحميد الأعرج

(2)

، وهشام الدستوائي

(3)

بأسانيد مختلفة مدارها على هرمي، وقد أشار إلى ذلك البيهقي كما سيأتي.

قال الإمام الشافعي: غلط سفيان في إسناد هذا الحديث، حديث ابن الهاد

(4)

.

وقال البخاري: (وقال ابن عيينة، عن عمارة بن خزيمة، عن أبيه، وهو وهم)

(5)

.

وقال أبو حاتم: (الصحيح ابن الهاد، عن عبيد الله بن عبد الله بن الحصين، عن هرمي بن عبد الله، عن خزيمة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(6)

.

وقال أيضاً: (هذا خطأ، أخطأ فيه ابن عيينة، إنما هو ابن الهاد، عن علي بن عبد الله بن السائب، عن عبيد الله بن محمد، عن هرمي، عن خزيمة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(7)

.

وقال أبو عوانة: في إسناده نظر

(8)

.

وقال البيهقي: (رواه ابن عيينة عن ابن الهاد فأخطأ في إسناده). ثم نقل قول الشافعي السابق ثم قال: (ومدار هذا الحديث على

(1)

البخاري (8/ 256) والنسائي في الكبرى (8987).

(2)

البخاري (8/ 256).

(3)

النسائي في الكبرى (8988) من طريق إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام، عن هشام.

(4)

آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم (ص 215) والسنن الكبرى للبيهقي (7/ 97).

(5)

التاريخ الكبير (8/ 256).

(6)

آداب الشافعي (ص 215).

(7)

العلل لابن أبي حاتم (1206).

(8)

في مسنده (3/ 85) عقب الحديث (4294).

ص: 191

هرمي بن عبد الله وليس لعمارة بن خزيمة فيه أصل إلا من حديث ابن عيينة، وأهل العلم من الحديث يرونه خطأ. والله أعلم)

(1)

.

‌أثر الوهم:

الوهم في هذا الحديث هو في إسناده، فقلب سفيان (هرمي بن عبد الله)

(2)

إلى (عمارة بن خزيمة)، وأنقص في إسناده عبيد الله بن عبد الله بن الحصين

(3)

، وعبيد الله هذا وثَّقه أبو زرعة وذكره ابن حبان في الثقات، وقال البخاري: في حديثه نظر. وقال ابن حجر: فيه لين.

وكان نتيجة هذا الوهم أن قلب سفيان هذا الإسناد من إسناد ضعيف إلى إسناد ظاهره حسن.

والنهي عن إتيان النساء في أدبارهن صحيح وقد ورد من طرق أخرى. والله تعالى أعلم.

‌علة الوهم:

اختلاف الأمصار، فيزيد بن عبد الله بن الهاد مدني؛ لذا كانت

(1)

السنن الكبرى (7/ 197).

(2)

هرمي بن عبد الله الخطمي، ويقال: ابن عتبة أو ابن عمرو، ومنهم مَنْ قلبه فقال: عبد الله بن هرمي، فوهم، وهو مشهور، من الثانية، وقد قيل إنه وُلد في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأرسل عنه، روى له النسائي وابن ماجه «التقريب» .

قلت: وذكره ابن حبان في «ثقات التابعين» .

(3)

عبيد الله بن عبد الله بن الحصين بن محصن الأنصاري الخطمي، أبو مجون المدني وقيل: عبد الله مكبّر وقد ينسب إلى جدِّه، فيه لين، من الرابعة، وروى له النسائي «التقريب» .

ص: 192

رواية أهل بلده عبد العزيز الدراوردي

(1)

، وإبراهيم بن سعد

(2)

، وأبو مصعب

(3)

، وابن أبي حازم

(4)

أصح من رواية سفيان. والله تعالى أعلم.

(1)

عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدراوردي، أبو محمد الجهني مولاهم المدني، صدوق كان يحدِّث من كتب غيره فيخطاء، روى له مسلم، والبخاري مقروناً.

(2)

إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو إسحاق المدني، نزيل بغداد، ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح، من الثامنة، مات سنة 185، روى له البخاري ومسلم.

(3)

عبد السلام بن حفص أبو مصعب الليثي أو السلمي المدني، وثَّقه ابن معين، من السابعة، روى له أبو داود والترمذي والنسائي.

(4)

عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن دينار المدني، صدوق فقيه، من الثامنة، مات سنة 184، روى له البخاري ومسلم.

ص: 193

‌الحديث السادس والثلاثون

(1)

:

119 -

قال الإمام أحمد (5/ 296): حدثنا سفيان، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، حدثتني امرأة عبد الله بن أبي طلحة أنَّ أبا قتادة كان يصغي الإناء للهرِّ فيشرب، وقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا:

«إنها ليست بنجس. إنها من الطوافين والطوافات عليكم» .

‌التعليق:

هذا حديث صحيح إلا أنَّ سفيان وهم في الإسناد.

وأخرجه عبد الرزاق (351)، والحميدي (430)، وأبو عبيد في «الطهور» (205)، وفي «غريب الحديث» (1/ 270) من طريق سفيان.

هكذا رواه سفيان هنا فقال: (عن إسحاق، عن امرأة عبد الله بن أبي طلحة). وقال في رواية عبد الرزاق: (عن امرأة، عن أمها، وكانت عند أبي قتادة، عن أبي قتادة).

وقال في رواية الحميدي عنه: (عن إسحاق، عن امرأة، أظنها امرأة عبد الله بن أبي قتادة).

وقال عند أبي عبيد: (عن إسحاق، عن امرأة، عن أبي قتادة).

(1)

رجال الإسناد:

إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري المدني، أبو يحيى، ثقة حجة، من الرابعة، مات سنة 132 وقيل: بعدها، روى له البخاري ومسلم.

امرأة عبد الله بن أبي طلحة، ليس لها ترجمة في «التهذيب» ولا في كتب التراجم بهذا الاسم وهو وهم كما سيأتي.

ص: 194

خالفه الإمام مالك بن أنس فقال: (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن حميدة ابنة عبيد بن رفاعة، عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة، عن أبي قتادة)

(1)

.

وتابع مالكاً حسين المعلم

(2)

وهمام بن يحيى

(3)

فقالا: (عن إسحاق بن عبد الله، عن امرأته أم يحيى، عن خالتها بنت كعب بن مالك).

قال البيهقي: (أم يحيى هي حميدة وابنة كعب هي كبشة بنت كعب)

(4)

.

قال البخاري: جوَّد مالك بن أنس هذا الحديث وروايته أصح من رواية غيره

(5)

.

وقال الترمذي: (إنَّ مالكاً جوَّد إسناده عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يأتِ به أحد أتمّ من مالك)

(6)

.

(1)

الموطأ (1/ 22 - 23)، ومن طريقه أخرجه الشافعي في مسنده (11/ 22)، وعبد الرزاق (353)، وأحمد (5/ 303)، وأبو عبيد في الطهور (206)، وابن أبي شيبة (1/ 31)، والدارمي (736)، وأبو داود (75)، والترمذي (92)، والنسائي (1/ 17855) وفي الكبرى (3/ 63)، والدارقطني (1/ 70)، والبيهقي (1/ 345)، وغيرهم.

(2)

البيهقي (1/ 245)، وإسحاق بن راهويه في مسنده كما في النكت الظراف (9/ 272)، وأبو يعلى في مسنده كما في التلخيص الحبير (1/ 41)، وتعليقة على العلل (1/ 131) قال في التعليقة: وقال: أبو يعلى الموصلى: حدثنا أبو خيثمة، ثنا روح بن عبادة، ثنا حسين المعلم عن إسحاق به.

(3)

البيهقي (1/ 247).

(4)

السنن الكبرى (1/ 245).

(5)

السنن الكبرى (1/ 245) والمعرفة (1/ 314).

(6)

في سننه (1/ 155 عقب الحديث 92).

ص: 195

قال البيهقي: (وقد رواه حسين المعلم بقريب من رواية مالك، وكذلك رواه همام بن يحيى عن إسحاق)

(1)

.

وقال أيضاً: (وقد قصر بعض الرواة فلم يقم إسناده)

(2)

.

وقع في رواية «الموطأ» برواية يحيى بن يحيى الليثي: حميدة بنت أبي عبيدة بن فروة، قال ابن عبد البرّ: ولم يتابعه أحد على قوله ذلك وهو غلط منه، وإنما يقول الرواة للموطأ كلهم ابنة عبيد بن رفاعة

، وحميدة هذه هي امرأة إسحاق ذكر ذلك يحيى القطان ومحمد بن الحسن الشيباني في هذا الحديث عن مالك.

قال ابن عبد البرّ: (روى هذا الحديث جماعة عن إسحاق كما رواه مالك منهم: همام بن يحيى، وحسين المعلم، وهشام بن عروة، وابن عيينة، وإن كان هشام وابن عيينة لم يقيما إسناده

، فمالك ومَن تابعه قد أقام إسناده وجوَّده)

(3)

.

‌أثر الوهم في الإسناد:

إسناد سفيان هذا ضعيف. امرأة عبد الله بن أبي طلحة ليس لها ترجمة في «التهذيب» ، وذكرها الحافظ في «التعجيل» فقال:(إسحاق بن عبد الله عن امرأة عبد الله بن أبي طلحة) ولم يزِد على ذلك.

(1)

السنن الكبرى (1/ 245).

(2)

معرفة السنن والآثار (1/ 314).

(3)

التمهيد (1/ 321) وحديث هشام أخرجه عبد الرزاق (352) وابن أبي شيبة (1/ 32).

ص: 196

وقال في «التذكرة» : أظنها حميدة ابنة عبيد بن رفاعة.

أمّا الإسناد الصحيح فهو ما رواه مالك، فقال: إسحاق، عن حميدة ابنة عبيد بن رفاعة

(1)

، عن كبشة بنت كعب بن مالك

(2)

، عن أبي قتادة.

فإسحاق هنا روى عن زوجته حميدة بنت عبيد وكنيتها أم يحيى، وهي روت عن خالتها كبشة بنت كعب التي روت هذا الحديث عن أبي قتادة، وهي زوجة ابنه عبد الله. قال الزبير بن بكار وأبو موسى المديني، وابن حبان: لها صحبة.

فالحديث بهذا الإسناد صحيح، فقد قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما. وقال الدارقطني: إسناده حسن ورواته ثقات معروفون. وقال الحاكم في «المستدرك» : هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه على ما أصلَّاه في تركه غير أنهما قد شهدا جميعاً لمالك بن أنس أنه الحكم في حديث المدنيين، وهذا الحديث ممَّا صححه مالك واحتج به في «الموطأ» ، ومع ذلك فإنَّ له شاهداً بإسناد صحيح.

‌علة الوهم:

اختلاف الأمصار، فإسحاق بن عبد الله راوي هذا الحديث مدني،

(1)

حميدة بنت عبيد بن رفاعة الأنصارية المدنية، زوج إسحاق بن أبي طلحة، وهي والدة يحيى بن إسحاق، مقبولة، من الخامسة، روى لها أصحاب السنن الأربعة.

(2)

كبشة بنت كعب بن مالك الأنصارية، زوج عبد الله بن أبي قتادة، قال ابن حبان: لها صحبة، روى لها أصحاب السنن الأربعة.

ص: 197

وكذلك مَنْ فوقه في الإسناد حميدة بنت عبيد بن رفاعة الأنصارية المدنية، وكذلك كبشة بنت كعب بن مالك أنصارية مدنية.

لذا كانت رواية الإمام مالك أصح من رواية غيره، فهم أهل بلده مع إتقانه وجلالته وتقدمه في الحديث. والله تعالى أعلم.

ص: 198

‌الحديث السابع والثلاثون

(1)

:

120 -

قال أبو داود (1618): حدثنا حامد بن يحيى، أخبرنا سفيان عن ابن عجلان، سمع عياضاً قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: (لا أخرج أبداً إلا صاعاً، إنّا كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاع تمر أو شعير أو أقط أو زبيب أو صاعاً من دقيق).

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير حامد بن يحيى شيخ أبي داود، وهو ثقة حافظ، وقد تابعه محمد بن منصور والعباس بن يزيد وهما ثقتان.

والحديث أخرجه كذلك النسائي (5/ 52) وفي «الكبرى» (2293)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (3420) من طريق محمد بن منصور، والدارقطني (2/ 146) من طريق العباس بن يزيد، كلاهما عن سفيان به.

(1)

رجال الإسناد:

حامد بن يحيى بن هاناء البلخي، أبو عبد الله نزيل طرسوس، ذكر جعفر بن محمد الفريابي أنه سأل علي بن المديني عنه فقال: يا سبحان الله، أبقي حامد إلى زمان يحتاج مَنْ يسأل عنه. وقال أبو حاتم: صدوق. وذكره ابن حبان في كتاب الثقات. وقال ابن حجر في «التقريب» : ثقة حافظ.

محمد بن عجلان المدني، صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، مات سنة 148، روى له مسلم واستشهد به البخاري في «الصحيح» .

عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، القرشي العابدي المكي، ثقة، مات على رأس المائة، روى له البخاري ومسلم.

ص: 199

هكذا رواه سفيان عن ابن عجلان، عن عياض، عن أبي سعيد الخدري فقال:(أو صاعاً من دقيق).

خالفه أصحاب ابن عجلان فرووه عنه بهذا الإسناد ولم يذكر أحد منهم الدقيق، منهم:

حاتم بن إسماعيل

(1)

، ويحيى بن سعيد القطان

(2)

، وحماد بن مسعدة

(3)

، وسليمان بن حيان

(4)

.

وكذلك رواه زيد بن أسلم

(5)

، وعبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام

(6)

، وإسماعيل بن أمية

(7)

، والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب

(8)

، وداود بن قيس

(9)

، عن عياض، عن أبي سعيد الخدري به، ولم يذكر أحد منهم الدقيق.

لذا أنكر أهل الحديث على سفيان زيادة: (أو صاعاً من دقيق).

وقال أبو داود عقب الحديث: فهذه الزيادة وهم من ابن عيينة.

وقال: قال حامد بن يحيى: فأنكروا عليه فتركه سفيان.

(1)

مسلم (985)(21).

(2)

أبو داود (1618)، وأبو يعلى (1227)، وابن حبان (3307)، والبيهقي (4/ 172).

(3)

ابن خزيمة (2413).

(4)

البيهقي (4/ 72).

(5)

البخاري (1505) و (1506)، و (1508)، و (1510) ومسلم (985).

(6)

ابن حبان (3306) والحاكم (1/ 570).

(7)

مسلم (985).

(8)

مسلم (985).

(9)

مسلم (985).

ص: 200

وقال النسائي: لا أعلم أحداً قال في هذا الحديث دقيقاً غير ابن عيينة.

وعند النسائي أيضاً: ثم شك سفيان فقال: دقيق أو سلت.

وقال الدارقطني عقب الحديث: قال أبو الفضل: فقال له علي بن المديني وهو معنا: يا أبا محمد، لا أحد يذكر في هذا الدقيق؟ قال: بلى، هو فيه.

وقال البيهقي: رواه جماعة عن ابن عجلان منهم حاتم بن إسماعيل، ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم في «الصحيح»

(1)

، ويحيى القطان، وأبو خالد الأحمر، وحماد بن مسعدة، وغيرهم فلم يذكر أحد منهم الدقيق غير سفيان، وقد أنكر عليه فتركه. وروي عن ابن سيرين عن ابن عباس مرسلاً موقوفاً على طريق التوهم وليس بثابت، وروي في أوجه ضعيفة لا تسوى ذكرها

(2)

.

‌الدلالة الفقهية:

احتج بعض أهل العلم بجواز إخراج الدقيق في زكاة الفطر برواية سفيان هذه وبهذا قال الأحناف والحنابلة.

قال أبو محمد بن قدامة في كتابه العظيم «المغني» (3/ 63): ويجوز إخراج الدقيق، نصَّ عليه أحمد وكذلك السويق، قال أحمد: وقد روي عن ابن سيرين سويق أو دقيق.

(1)

مسلم (985)(2).

(2)

السنن الكبرى (4/ 172).

ص: 201

وقال مالك والشافعي: لا يجوز إخراجهما لحديث ابن عمر ولأن منافعه نقصت فهو كالخبز.

ولنا حديث أبي سعيد وقوله فيه: (أو صاعاً من دقيق) اه.

قال ابن عبد البرّ في «التمهيد» (4/ 138) وقال الشافعي: أي قوت كان الأغلب على رجل أدَّى منه زكاة الفطر إن كان حنطة أو ذرة أو سلتاً أو شعيراً أو تمراً أو زبيباً أدَّى صاعاً بصاع النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا يؤدي إلا الحب، لا يؤدي دقيقاً ولا سويقاً ولا قيمة.

وقال أبو حنيفة: يؤدي نصف صاع من برٍّ أو دقيق أو سويق أو زبيب أو صاع من تمر أو شعير

(1)

.

(1)

وانظر: المجموع للنووي (6/ 133).

ص: 202

‌الحديث الثامن والثلاثون

(1)

:

121 -

قال الإمام أحمد (2/ 247): حدثنا سفيان، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه رواية:

«خير صفوف الرجال أولها وشرّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرّ صفوف النساء أولها» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، ابن عجلان روى له مسلم في الشواهد والبخاري تعليقاً.

ورواه الحميدي (1000) عن سفيان، عن محمد بن عجلان، عن أبيه، أو عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة.

هكذا قال سفيان: (عن محمد بن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة).

خالفه سفيان الثوري

(2)

، ويحيى بن سعيد القطان

(3)

، والليث بن

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن عجلان المدني، صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، من الخامسة، مات سنة 148، روى له مسلم والبخاري تعليقاً.

سعيد بن أبي سعيد كيسان المقبري، أبو سعد المدني، ثقة، من الثالثة، تغير قبل موته بأربع سنين، وروايته عن عائشة وأمّ سلمة مرسلة، ومات في حدود سنة 120، وقيل: قبلها، وقيل: بعدها، روى له البخاري ومسلم.

أبو هريرة، صحابي.

(2)

ابن أبي شيبة (7630)، والبيهقي (3/ 97)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 91).

(3)

ابن الجارود (317) والقضاعي في مسند الشهاب (1258).

ص: 203

سعد

(1)

، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد

(2)

، وعبد الله بن رجاء

(3)

، وعبد الله بن المبارك

(4)

، وسليم بن أخضر

(5)

، والوليد بن كثير

(6)

، وعبد الرحمن بن إسحاق

(7)

، وعبد الله بن جعفر المدني

(8)

، ويحيى بن أيوب

(9)

، فرووه (عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة).

وهذا الوجه هو الذي صححه الدارقطني، ويدل على ذلك أنَّ سفيان كان يشك فيه كما رواه أوثق أصحابه وألزمهم له الحميدي فكان يقول:(عن محمد بن عجلان، عن أبيه، أو عن سعيد المقبري).

قال الدارقطني: يرويه ابن عجلان واختلف عنه.

فرواه الليث بن سعد وسفيان الثوري ويحيى القطان وسُليم بن أخضر والوليد بن كثير وعباد بن إسحاق، وهو عبد الرحمن بن إسحاق، وعبد الله بن جعفر المديني وعبد الله بن المبارك وأبو عاصم ويحيى بن أيوب عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وخالفهم ابن عيينة فرواه عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

والصحيح عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة

(10)

.

(1)

أحمد (2/ 340).

(2)

الدارمي (1268)، والبيهقي (3/ 97)، والقضاعي في مسند الشهاب (1256).

(3)

الحميدي (1001).

(4)

الدارقطني (9/ 28) تعليقاً.

(5)

الدارقطني (9/ 28) تعليقاً.

(6)

المصدر السابق.

(7)

المصدر السابق.

(8)

المصدر السابق.

(9)

المصدر السابق.

(10)

«العلل» (9/ 27 - 28).

ص: 204

‌الحديث التاسع والثلاثون

(1)

:

122 -

قال أبو داود (2835): حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه، عن سباع بن ثابت، عن أم كُرْز رضي الله عنها قالت: سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول:

«أقرّوا الطير على مكناتها» .

قالت: وسمعته يقول: «عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، لا يضركم أذكراناً كن أم إناثاً» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات.

وأخرجه الشافعي في «السنن» (409)، وأحمد (6/ 381)، والحميدي (345)، وابن أبي شيبة (8/ 237 - 238) وفي كتاب

(1)

رجال الإسناد:

مُسدد بن مُسَرْهَد بن مسربل بن مُستورد الأسدي البصري، تقدم.

عبيد الله بن أبي يزيد المكي، مولى آل قارط بن شيبة، ثقة كثير الحديث، من الرابعة، مات سنة 126 وله 86 سنة، روى له البخاري ومسلم.

أبو يزيد المكي، حليف بني زهرة، يقال: له صحبة، وهو والد عبيد الله، وثَّقه ابن حبان، من الثانية، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه.

سباع بن ثابت حليف بني زهرة، قال: أدركت الجاهلية. وعدَّه البغوي وغيره في الصحابة، وابن حبان في ثقات التابعين، روى له أصحاب السنن الأربعة.

أمّ كُرْز الكعبية المكية، صحابية لها أحاديث، روى لها أصحاب السنن الأربعة.

مكناتها: يريد على أمكنتها (لسان العرب 3/ 412).

ص: 205

«الأدب» (172)، وإسحاق (2278)، كلهم عن سفيان بن عيينة بهذا الإسناد.

وعند الحميدي: قال: (أخبرني أبي).

وأخرجه كذلك ابن ماجه (3162)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (3279)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1040)، وابن حبان (5312) و (6126)، والطبراني في «الكبير» (25/ 406)، والحاكم (4/ 237)، والبيهقي (9/ 300)، وأبو نعيم (9/ 95)، وابن عبد البرّ في «التمهيد» (4/ 315)، كلهم من طرق عن سفيان بن عيينة بهذا الإسناد.

هكذا قال سفيان: (عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه، عن سباع بن ثابت، عن أم كرز).

خالفه حماد بن زيد

(1)

وابن جريج

(2)

فقالوا: (عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن سباع بن ثابت، عن أم كرز).

وهذا الوجه هو الذي صححه أحمد وأبو داود والدارقطني وغيرهم.

وهم سفيان فزاد في الإسناد أبا يزيد المكي والد عبيد الله.

قال أبو داود عقب حديث حماد: هذا هو الحديث، وحديث

(1)

أبو داود (2836)، وأحمد (6/ 381)، والدارمي (1968)، والطحاوي (1043)، والبيهقي (9/ 301)، والدارقطني في العلل (15/ 396) و (15/ 397)، وابن عبد البرّ في التمهيد (4/ 316)، والبيهقي في شعب الإيمان (8623).

(2)

النسائي (7/ 165) وفي الكبرى (4544)، وأحمد (6/ 422)، والدارقطني (15/ 396).

ص: 206

سفيان وهم.

وقال الإمام أحمد: (سفيان يهم في هذه الأحاديث، عبيد الله سمعهما من سباع بن ثابت)

(1)

.

قال البيهقي: كذا قاله سفيان بن عيينة، وذكر أبيه فيه وهم

(2)

.

وقد وافقهما سفيان كذلك.

فرواه عنه قتيبة بن سعيد

(3)

، وعلي بن المديني

(4)

، وأبو بكر بن أبي شيبة

(5)

، ومحمد بن عبد الله بن نمير

(6)

، ويحيى الحماني

(7)

، والطيالسي

(8)

، عن سفيان بهذا الإسناد إلا أنه لم يقل فيه عن أبيه.

وقال أبو بكر النيسابوري: (روى حديث العقيقة ابن جريج وحماد بن زيد فخالفهما ابن عيينة، والقول عندي قولهما)

(9)

.

‌علة الوهم:

ذكرها الحميدي، ألزم أصحاب سفيان وأكثرهم حديثاً عنه، فقال:(كان سفيان يحدِّث بهذا عن عبيد الله عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسل زماناً ثم حدَّث به عن أبيه، عن سباع عن أم كرز، وذكر أنه كان يترك إسناده حتى أثبته بعد)

(10)

.

(1)

المسند (6/ 381) يريد في هذا الحديث والذي سيأتي بعده.

(2)

السنن الكبرى (9/ 300).

(3)

النسائي (7/ 165) وفي الكبرى (4543).

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (25/ 407)

(5)

أخرجه الطبراني في الكبير (25/ 407)

(6)

أخرجه الطبراني في الكبير (25/ 407)

(7)

أخرجه الطبراني في الكبير (25/ 407).

(8)

في مسنده (1739 ط التركي).

(9)

نقله الدارقطني في العلل (15/ 404).

(10)

ذكره عقب الحديث: ذهبت النبوَّة وبقيت المبشِّرات. وسيأتي بعد هذا الحديث.

ص: 207

فمُقتضى هذا أنَّ سفيان كان يشك في هذا الإسناد فيرويه مرسلاً ثم أسنده بما ترجح عنده فوهم، والصحيح رواية من لا يشك.

‌فائدة:

سأل سفيان بن عيينة تلميذه الإمام الشافعي فقال له: يا أبا عبد الله، ما معنى قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«أقرّوا الطير في مكناتها» . فقال له: يا أبا أحمد، كان الرجل من العرب إذا أراد سفراً أخذ معه طيراً، فإن أخذ الطير ذات اليمين مضى في سفره، وإن أخذ ذات الشمال رجع.

وكان ابن عيينة قبل أن سمع من الشافعي إذا سئل أجاب على صيد الليل فرجع سفيان إلى تأويل الشافعي

(1)

.

وقال ابن مهاجر: سألت وكيعاً عن معنى قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أقرّوا الطير في مكناتها» . فقال: إنما هي عندنا على صيد الليل.

فذكرت له قول الشافعي فاستحسنه، أو قال ما ظننته إلا على صيد الليل

(2)

.

(1)

انظر: كتابي «التنبيه على شرف الفقيه» ، ص 51، شرح مشكل الآثار (2/ 259)، حلية الأولياء (9/ 95).

(2)

المصدر السابق، ص 51 - 52.

ص: 208

‌الحديث الأربعون:

123 -

قال ابن ماجه (3896): حدثنا هارون بن عبد الله الحمال، ثنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه، عن سباع بن ثابت، عن أم كرز الكعبية، قالت:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«ذهبت النبوَّة وبقيت المبشرات» .

‌التعليق:

هذا إسناد قد تقدم في الحديث السابق

(1)

.

وأخرجه أحمد (6/ 381)، والحميدي (348)، والدارمي (2138)، والطبري في تفسيره (17732)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2179)، وابن حبان (6047)، وابن عبد البرّ في «التمهيد» (5/ 57)، والدارقطني في «العلل» (15/ 410)، من طرق عن سفيان بهذا الإسناد.

وقد وهم فيه سفيان كما بيَّنا في الحديث السابق.

قال الحميدي عقب هذا الحديث: وكان سفيان يحدِّث بهذا عن عبيد الله عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسل زماناً ثم حدَّث به عن أبيه، عن سباع، عن أم كرز. وذكر أنه كان يترك إسناده حتى أثبته بعد.

(1)

وقال الحافظ في الفتح (12/ 375): أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان.

ص: 209

‌الحديث الحادي والأربعون

(1)

:

124 -

قال الإمام أبو عبد الرحمن النسائي (3/ 40): أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن أبو عبيد الله المخزومي، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش ومنصور عن شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:

كنا نقول في الصلاة قبل أن يفرض التشهد: السلام على الله، السلام على جبريل وميكائيل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا هكذا، فإنَّ الله عز وجل-هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبيّ ورحمه الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن عبد الرحمن وهو ثقة، وثَّقه النسائي، وقال مرة: لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر في تهذيبه: وهو ثقة في ابن عيينة.

وهو عند النسائي في «الكبرى» (1200)، وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 65)، وفي «شرح مشكل الآثار» (5614)، والدارقطني (1/ 350)، والبيهقي (1/ 378)، وهو في مشيخة ابن

(1)

رجال الإسناد:

سعيد بن عبد الرحمن بن حسان، أبو عبيد الله المخزومي، ثقة، من صغار العاشرة، مات سنة 249، روى له الترمذي والنسائي.

الأعمش، سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي، تقدم.

ص: 210

البخاري (2/ 1501) لجمال الدين الظاهري الحنفي، و «الأربعون» (1/ 84) لابن عساكر، وابن عبد البرّ في «الاستذكار» (1/ 488)، كلهم من طريق سعيد بن عبد الرحمن المخزومي به.

هكذا قال سفيان: (عن الأعمش ومنصور، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود، قال: كنا نقول قبل أن يفرض التشهد

خالفه أصحاب الأعمش فرووا هذا الحديث عنه عن أبي وائل، عن ابن مسعود، لم يقولوا:(قبل أن يفرض التشهد)، منهم:

أبو نعيم الفضل بن دكين

(1)

، ويحيى بن سعيد القطان

(2)

، وحفص بن غياث

(3)

، وأبو معاوية محمد بن خازم

(4)

، وزائدة بن قدامة

(5)

، وسفيان الثوري

(6)

، وشعبة

(7)

، والفضيل بن عياض

(8)

، ويعلى بن عبيد

(9)

، وعبد الله بن نمير

(10)

، وأبو زهير عبد الرحمن بن

(1)

البخاري (831).

(2)

البخاري (835).

(3)

البخاري (6230).

(4)

مسلم (402)(58).

(5)

أحمد (1/ 413) وأبو عوانة (2028).

(6)

أحمد (1/ 423)، وعبد الرازق (3061)، وابن ماجه (899)، وابن حبان (1950) و (1956)، والطبراني في الكبير (9888)(9909)، والبيهقي (2/ 377)، والبزار (1674)، والشاشي (504).

(7)

النسائي (2/ 241)، وأحمد (1/ 440)، والطبراني في الكبير (9904).

(8)

النسائي في الكبرى (1202) و (7700)، وفي المجتبى (3/ 41)، والطبراني في الكبير (9889).

(9)

الدارمي (1340)، والشاشي (502)، وأبو عوانة (2027)، وابن جرير في تهذيب الآثار (1/ 232 الجزء المفقود)، وابن الجارود (205).

(10)

الشاشي (503) وابن ماجه (899).

ص: 211

مغراء

(1)

، ووكيع

(2)

، وهشيم

(3)

، وعيسى بن يونس

(4)

، وعبثر بن القاسم

(5)

، وأبو أسامة حماد بن أسامة

(6)

، ومحمد بن فضيل

(7)

، وعبد الله بن إدريس

(8)

، ونعيم بن يحيى السعيدي

(9)

، وعلي بن مسهر

(10)

،

هؤلاء كلهم رووا هذا الحديث عن الأعمش، ولم يذكروا:(قبل أن يفرض التشهد).

وكذلك خالف ابن عيينة أصحاب منصور فرووه عنه، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، ولم يذكروا هذا اللفظ، منهم:

جرير بن عبد الحميد

(11)

، وشعبة

(12)

، وزائدة

(13)

، وسفيان الثوري

(14)

.

وكذلك رواه حصين بن عبد الرحمن

(15)

، ومغيرة بن مقسم

(1)

ابن جرير في تهذيب الآثار (1/ 232 الجزء المفقود).

(2)

ابن أبي شيبة (2983)، وابن خزيمة (703)، وابن أبي شيبة في مسنده (239).

(3)

ابن حبان (1948).

(4)

ابن حبان (1955).

(5)

ابن خزيمة (703) والنسائي في الكبرى (11584).

(6)

ابن خزيمة (703).

(7)

ابن خزيمة (703).

(8)

ابن خزيمة (703).

(9)

الطبراني في الكبير (9887).

(10)

أبو يعلى (5082).

(11)

البخاري (6328) ومسلم (402)(55).

(12)

مسلم (402)(56) وأحمد (1/ 439).

(13)

مسلم (402)(57).

(14)

ابن ماجه (899)، وأحمد (1/ 423)، وعبد الرزاق (3061)، وابن حبان (1950)، والبزار (674).

(15)

البخاري (1202).

ص: 212

الضبي

(1)

، وحماد بن أبي سليمان

(2)

، وجامع بن أبي رشد

(3)

، ومحل بن محرز الضبي

(4)

، ومحل بن خليفة

(5)

، والحكم بن عتيبة

(6)

، وأبو هاشم الرماني

(7)

، وحبيب بن حسان

(8)

، وعاصم بن بهدلة

(9)

، وفضيل بن عمرو الفقيمي

(10)

.

هؤلاء كلهم رووه عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، ولم يذكروا هذه اللفظة وهي قوله:(قبل أن يفرض التشهد).

وكذلك رواه أصحاب ابن مسعود عنه ولم يذكروا أنَّ ذلك قبل فرض التشهد، وهم:

علقمة بن قيس النخعي

(11)

، وأبو الأحوص عوف بن مالك

(12)

،

(1)

البخاري (7381).

(2)

النسائي (2/ 240)، وأحمد (1/ 464)، وابن ماجه (899)، وابن الجعد (363)، والشاشي (501)، والبزار (1674)، والطيالسي (249)، وابن حبان (1949).

(3)

أبو داود (969)، والبزار (1745)، والحاكم (1/ 264) وقال: على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

(4)

الطبراني في الكبير (9884).

(5)

الشاشي (505).

(6)

البزار (1738) والطبراني (9905).

(7)

ابن ماجه (899)، والطبراني (9904) و (9888)، وابن حبان (1950).

(8)

الطبراني في الكبير (9908).

(9)

الطبراني (9896) و (9897) و (9894) و (9900).

(10)

الطبراني (9890).

(11)

النسائي (2/ 240).

(12)

النسائي (2/ 238، 239)، وأحمد (423)، وعبد الرزاق (3061)، وابن ماجه (899)، والطبراني (9888)، وابن حبان (1950)، وغيرهم من طرق عنه.

ص: 213

والأسود بن يزيد

(1)

، وعمرو بن ميمون

(2)

.

قال الطحاوي: (لا نعلم أحداً روى هذا الحديث فيذكر فيه فلمّا فرض التشهد غير ابن عيينة، وقد رواه مَنْ سِواه وكلهم لا يذكر فيه هذا الحرف)

(3)

.

وقال ابن عبد البرّ: (لم يقل أحد في حديث ابن مسعود هذا بهذا الإسناد ولا بغيره: قبل أن يفرض التشهد. والله أعلم)

(4)

.

وقال ابن صاعد: ما سمعناه إلا من أبي عبيد الله زادنا فيه قبل أن يفرض التشهد

(5)

.

وقال ابن الهمام: (وهذا الحديث ليس في الكتب الستة وليس لفظ (الفرض) إلا في رواية النسائي، بل ألفاظه فيها: كنا إذا كنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام. وكنا نقول في الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا إذا جلسنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم

)

(6)

.

‌أثر الوهم:

1 استدل بهذا الحديث بعض أهل العلم على فرضية التشهد.

عقد النسائي في «المجتبى» (باب إيجاب التشهد) لم يذكر فيه إلا

(1)

الترمذي (289)، والنسائي (2/ 237)(2/ 238)، وأحمد (1/ 459)، وابن خزيمة (708)، وابن حبان (195) وغيرهم.

(2)

الطبراني (9914).

(3)

شرح مشكل الآثار (14/ 271).

(4)

الاستذكار (1/ 488).

(5)

أطراف الغرائب والأفراد (4/ 160).

(6)

شرح فتح القدير (1/ 318).

ص: 214

هذا الحديث وكذلك في «السنن الكبرى»

(1)

.

واحتج به كذلك بعض الفقهاء، قال النووي:(احتج أصحابنا بهذه الرواية على أنَّ التشهد الأخير فرض)

(2)

.

2 استفيد من الحديث تأخر فرض التشهد عن فرض الصلاة وحينئذ فصلاة جبريل بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم هل كان الجلوس الأخير فيها مستحبًّا أو واجباً

(3)

.

والله تعالى أعلم.

(1)

المجتبى (3/ 40) والسنن الكبرى (1/ 378).

(2)

الخلاصة (1402)، وانظر: الحاوي الكبير (2/ 138)، المبدع (1/ 495)، والمجموع (3/ 426).

(3)

حاشية البجيرمي (1/ 216) وحاشية الجمل على شرح المنهاج (1/ 381).

ص: 215

‌الحديث الثاني والأربعون

(1)

:

125 -

قال الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في «الكبرى» (9536): أخبرنا محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان عن عاصم بن كليب، عن أبي بكر، قال: قال علي رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«يا علي، سلِ الله الهدى والسداد» ونهاني أن أجعل الخاتم في هذه وهذه. وأشار يعني بالسبابة والوسطى.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح غير محمد بن منصور وهو ثقة.

ورواه الحميدي في مسنده (52) عن سفيان وفيه: (سمعه من ابن أبي موسى)، ومن طريقه أبو عوانة (8653).

وأخرجه مسلم في صحيحه (3/ 1659 رقم 2078) والترمذي (1786)، كلاهما عن ابن أبي عمر، عن سفيان، فقال فيه:(عن ابن أبي موسى).

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن منصور بن ثابت بن خالد الخزاعي الجواز، ثقة، من العاشرة، مات سنة 252، روى له النسائي.

عاصم بن كليب بن شهاب بن المجنون الجرمي الكوفي، صدوق رُمي بالإرجاء، من الخامسة، مات سنة بضع وثلاثين، روى له مسلم والبخاري تعليقاً.

أبو بكر بن أبي موسى الأشعري اسمه عمرو أو عامر، ثقة، من الثالثة، مات سنة 106 وكان أسنّ من أخيه أبي بردة، روى له البخاري ومسلم.

ص: 216

هكذا قال سفيان: (عن عاصم، عن أبي بكر، عن علي رضي الله عنه).

خالفه شعبة

(1)

، وأبو الأحوص

(2)

، وعبد الله بن إدريس

(3)

، وسفيان الثوري

(4)

، وبشر بن المفضل

(5)

، وصالح بن عمر

(6)

، وعلي بن عاصم

(7)

، وأبو عوانة وضاح اليشكري

(8)

، وعمار بن زريق

(9)

.

فرووه فقالوا: (عن عاصم بن كليب، عن أبي بردة، عن علي)

(10)

.

وهم سفيان فجعله من حديث أبي بكر بن أبي موسى الأشعري عن علي، وإنما هو لأخيه:(أبي بردة بن أبي موسى عن علي).

فروجع سفيان في ذلك وقيل له: (إنما يحدثونه عن أبي بردة)، فكان بعد ذلك إذا حدَّث به يقول:(عن ابن أبي موسى). كما في رواية الحميدي ومسلم والترمذي.

(1)

مسلم (3/ 1659 رقم 2078).

(2)

مسلم (2078).

(3)

مسلم (2078).

(4)

النسائي في الكبرى (9538)، وأبو يعلى (281)، وأبو عوانة (8652) تعليقاً.

(5)

أبو داود (4225) والنسائي (8/ 178).

(6)

أبو يعلى (606) و (607).

(7)

أحمد (1/ 134).

(8)

أحمد (1/ 154) وأبو عوانة (8654).

(9)

أبو عوانة (8650).

(10)

وعلَّقه البخاري في صحيحه قبل الحديث (5838) فقال: وقال عاصم عن أبي بردة.

ص: 217

ورواه عنه أبو يعلى (419) من طريق القواريري

(1)

فوافق فيه الجماعة فقال: (عن أبي بردة).

قال الحميدي في مسنده عقب الحديث وهو من أعلم الناس بحديث سفيان: وكان سفيان يحدِّث به عن عاصم بن كليب، عن أبي بكر بن أبي موسى، فقيل له: إنما يحدِّثونه عن أبي بردة فقال: أمّا الذي حفظت أنا فعن أبي بكر، فإن خالفوني فيه فاجعلوه عن ابن أبي موسى.

فكان سفيان بعد ذلك ربما قال: عن ابن أبي موسى، وربما نسي فحدَّث به على ما سمع عن أبي بكر.

وذكره أبو عوانة في مسنده (5/ 261 عقب الحديث 8652) قال:

(فقلنا له: يا أبا محمد، خالفك الناس. قال: مَنْ خالفني؟ قلنا: سفيان الثوري وشعبة. قال: متقنَين حافظَين، ما قالا؟ قلنا: عن عاصم عن أبي بردة عن علي.

قال: أمّا حفظي فأبو بكر وهذان حافظان متقنان، وأبو بكر وأبو بردة هما ابنا أبي موسى، فحدثنا عاصم عن ابن أبي موسى عن علي).

وفي «العلل» للدارقطني (4/ 169): (وسئل عن حديث أبي بردة بن أبي موسى عن علي: نهاني النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن أتختم في الوسطى والتي تليها، وقال لي:«قل: اللهم إني أسألك السداد والهدى» الحديث.

(1)

عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري، أبو سعيد البصري نزيل بغداد، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة 235 على الأصح وله 85 سنة، روى له البخاري ومسلم.

ص: 218

فقال: هو حديث يرويه عاصم بن كليب عن أبي بردة.

حدَّث به عنه شعبة وسفيان الثوري وابن إدريس وأبو الأحوص وأبو عوانة وبشر بن المفضل وعلي بن عاصم.

وقال سفيان بن عيينة: عن عاصم بن كليب عن أبي بكر بن أبي موسى.

وقال خالد الواسطي ومحمد بن فضيل

(1)

: عن عاصم بن كليب، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن علي.

ووهما في قولهما: أبي موسى

والصواب: عن أبي بردة عن علي).

(1)

انظره في باب محمد بن فضيل ح (992) وخالد الواسطي ح (778).

ص: 219

‌الحديث الثالث والأربعون

(1)

:

126 -

قال الطبراني في «المعجم الأوسط» (6238): حدثنا محمد بن علي الصائغ قال: نا محمد بن أبي عمر العدني، قال: نا سفيان بن عيينة، عن مسعر، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة فقال:«اركبها» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح غير شيخ الطبراني وهو محدِّث ثقة أكثر عنه الطبراني في معاجمه، وقال الدارقطني: ثقة، كتب عنه الفريابي وموسى بن هارون والجماعة.

وأخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (7/ 265) من طريق محمد بن الصباح ومحمد بن أبي عمر، كلاهما عن سفيان به، والدارقطني في «العلل» (12/ 2) من طريق سعيد بن عبد الرحمن عن سفيان به.

هكذا قال سفيان: (عن مسعر، عن المختار بن فلفل، عن أنس).

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن علي بن زيد أبو عبد الله الصائغ المكي، ثقة محدِّث، وثَّقه الدارقطني وابن حبان، ونعته الذهبي: المحدِّث الإمام الثقة مع الصدق والفهم وسعة الرواية. «الثقات» (9/ 152) و «السير» (13/ 428).

محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، تقدم وانظر ترجمته في بابه.

مسعر بن كدام بن ظهير الهلالي، تقدم وانظر ترجمته في بابه.

مختار بن فُلفُل مولى عمرو بن حريث، صدوق له أوهام، من الخامسة، روى له مسلم.

ص: 220

خالفه وكيع

(1)

، ومحمد بن بشر

(2)

، وأبو نعيم الفضل بن دكين

(3)

، ويعلى بن عبيد

(4)

، فقالوا:(عن مسعر، عن بكير بن الأخنس، عن أنس).

قال الدارقطني: تفرد به سفيان بن عيينة، عن مسعر عن المختار بن فلفل، عن أنس.

وقال غيره: عن مسعر، عن بكير بن الأخنس، عن أنس

(5)

.

وقال في «العلل» : (رواه أبو نعيم ومحمد بن بشر وأبو أحمد الزبيري ويعلى بن عبيد، عن مسعر، عن بكير بن الأخنس، عن أنس.

وخالفهم ابن عيينة فرواه عن مسعر، عن المختار بن فلفل، عن أنس.

والأول أصح)

(6)

.

وقال أبو نعيم: مشهور من حديث مسعر رواه الناس

(7)

.

وقال أيضاً: تفرد به سفيان عن مسعر

(8)

.

وقد سبقهم الطبراني في ذكر تفرد سفيان بهذا الإسناد فقال عقب

(1)

مسلم (1332).

(2)

مسلم (1332).

(3)

حلية الأولياء (7/ 231).

(4)

الدارقطني في العلل (12/ 20).

(5)

أطراف الغرائب والأفراد (2/ 243).

(6)

العلل (12/ 20).

(7)

الحلية (7/ 230)، أي من طريق بكير عن أنس.

(8)

الحلية (7/ 265).

ص: 221

الحديث: (لم يروِ هذا الحديث عن سفيان إلا محمد بن أبي عمر، ولم يروِه عن مسعر عن المختار بن فلفل إلا سفيان)

(1)

. والله تعالى أعلم.

‌علة الوهم:

أدخل سفيان حديثاً في حديث، فسفيان بن عيينة إنما يروي بهذا الإسناد حديث: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ خير البرية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك إبراهيم»

(2)

.

(1)

«الأوسط» (6/ 220)، وفي قوله لم يروِ هذا الحديث عن سفيان إلا محمد بن أبي عمر نظر، فقد تابعه محمد بن الصباح وسعيد بن عبد الرحمن، كما سبق.

(2)

أبو داود (4672)، والترمذي (3352)، والنسائي في الكبرى (11692)، وأحمد (3/ 179)، وأبو يعلى (3949)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 49) من طريق الثوري وعبد الله بن إدريس وعلي بن مسهر ومحمد بن فضيل عن المختار بن فلفل به.

وقال الدارقطني: ورواه ابن عيينة عن مسعر عن المختار بن فلفل عن أنس، وهو المحفوظ (أطراف الغرائب 2/ 136).

ص: 222

‌الحديث الرابع والأربعون

(1)

:

127 -

قال الإمام الترمذي (1219): حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر رضي الله عنه:

أنَّ رجلاً من الأنصار دبر غلاماً له فمات ولم يترك مالاً غيره، فباعه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فاشتراه نعيم بن عبد الله بن النحام.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح.

وأخرجه الشافعي في مسنده (1/ 328) عن سفيان به.

هكذا قال سفيان: عن عمرو بن دينار، عن جابر، أنَّ هذا الرجل مات فباع النبيُّ صلى الله عليه وسلم الغلام.

خالفه جماعة فرووه عن عمرو بن دينار، ولم يذكروا (فمات)، منهم:

شعبة

(2)

، وحماد بن زيد

(3)

، ومطر بن طهمان

(4)

، وحماد بن

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، تقدم.

عمرو بن دينار المكي، تقدم.

(2)

البخاري (2534).

(3)

البخاري (6716) و (6947) ومسلم (3/ 1298 ح رقم 997).

(4)

مسلم (997).

ص: 223

سلمة

(1)

، وسفيان الثوري

(2)

، وابن جريج

(3)

، وأيوب السختياني

(4)

.

وكذلك رواه جماعة عن جابر رضي الله عنه ولم يقولوا: (فمات)، منهم:

عطاء بن أبي رباح

(5)

، ومحمد بن المنكدر

(6)

، وأبو الزبير

(7)

.

وقد رواه جماعة عن سفيان ولم يذكروا هذه اللفظة (فمات)، منهم:

الإمام الشافعي

(8)

، والإمام أحمد

(9)

، وإسحاق بن راهويه

(10)

، وابن أبي شيبة

(11)

، وعمرو بن علي الفلاس

(12)

، وهشام بن عمار

(13)

، والحميدي

(14)

، وعبد الرزاق

(15)

، وسعيد بن منصور

(16)

، وعلي بن

(1)

الشافعي في مسنده (1/ 327) والبيهقي (10/ 309).

(2)

أبو عوانة (5801).

(3)

أحمد (3/ 294)، وعبد الرزاق (16662)، وابن الجارود (984)، وأبو عوانة (5801).

(4)

أبو عوانة (5779) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5926).

(5)

البخاري (2141)(2403) ومسلم (997).

(6)

البخاري (2415).

(7)

مسلم (997).

(8)

في مسنده (1/ 328) ومن طريقه أبو عوانة (5796).

(9)

في المسند (3/ 308).

(10)

مسلم (997).

(11)

مسلم (997) مقروناً مع ابن راهويه.

(12)

أبو يعلى (1976).

(13)

ابن ماجه (2513).

(14)

في مسنده (1222) وأبو عوانة (5803).

(15)

في مصنفه (16663) ومن طريقه أبو عوانة (5802).

(16)

في سننه (339).

ص: 224

المديني

(1)

، والحسن بن محمد الصباح

(2)

. ممّا يدل على أنَّ سفيان كان في أكثر حديثه لا يذكرها.

وقد بيَّن الإمام الشافعي أنَّ الخلاف فيه من سفيان. قال بعد أن أورده بدون هذه اللفظة:

(هكذا سمعته من سفيان عامة دهري ثم وجدت في كتابي (دبر رجل منا غلاماً له فمات)، فإما أن يكون خطأ من كتابي أو خطأ من سفيان، فإن كان من سفيان فابن جريج أحفظ لحديث أبي الزبير من سفيان

(3)

.

ومع ابن جريج حديث الليث وغيره وأبو الزبير يحدّ الحديث تحديداً يخبر فيه حياة الذي دبره وحماد بن زيد مع حماد بن سلمة وغيره أحفظ لحديث عمرو من سفيان وحده

، وقد أخبرني غير واحد ممَّن لقي سفيان بن عيينة قديماً أنه لم يكُن يدخل في حديثه (مات) وعجب بعضهم حين أخبرته أني وجدت في كتابي (مات) ولعل هذا خطأ عنه أو زلة منه حفظتها عنه)

(4)

.

قلت: وممّا يؤكد خطأ هذه اللفظة ما جاء في بعض روايات الحديث في الصحيح وغيره أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: «أَلَك مال غيره؟» ، وفي رواية:(فاحتاج).

قال العيني: (وهذا ممّا نسب به سفيان بن عيينة إلى الخطأ، أعني قوله: (فمات)، ولم يكُن سيده مات كما هو مصرح به في الأحاديث الصحيحة)

(5)

.

(1)

البيهقي (10/ 308) تعليقاً.

(2)

البيهقي (10/ 308).

(3)

رواه الشافعي عن سفيان، عن أبي الزبير وعمرو بن دينار، جميعاً عن جابر.

(4)

مسند الشافعي (1/ 328).

(5)

عمدة القاري (11/ 261).

ص: 225

وقال ابن حجر: وقد أعلَّه الشافعي بأنه سمعه من ابن عيينة مراراً لم يذكر قوله: (فمات)، وكذلك رواه الأئمة أحمد وإسحاق وابن المديني والحميدي وابن أبي شيبة عن ابن عيينة.

ووجه البيهقي الرواية المذكورة بأن أصلها أنَّ رجلاً من الأنصار أعتق مملوكه إن حدث به حادث فمات، فدعا به النبيّ صلى الله عليه وسلم فباعه من نعيم.

قال البيهقي: فقوله: (فمات) من بقية الشرط، أي: فمات من ذلك الحدث، ليس إخباراً عن أنَّ المدبر مات، فحذف من رواية ابن عيينة قوله:(إن حدث به حدث) فوقع الغلط بسبب ذلك. والله تعالى أعلم

(1)

.

‌علة الوهم:

قال زين الدين العراقي: قد بين البيهقي سبب الغلط في زيادة هذه اللفظة وذلك أن مطراً رواه عن عطاء وأبي الزبير وعمرو بن دينار أن جابر بن عبد الله حدثهم أن رجلاً من الأنصار أعتق مملوكه إن حدث به حادث فمات، فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فباعه من نعيم بن عبد الله، هكذا رواه البيهقي بهذا اللفظ، ورواية مطر هذه عند مسلم ولم يسق لفظها وإنما أحال به على ما تقدم فقال بمعنى حديث حماد وابن عيينة عن عمرو عن جابر، قال البيهقي: وقوله إن حدث به حادث فمات من شرط العقد وليس بإخبار عن موت المعتق ومن هنا وقع الغلط لبعض الرواة في ذكر وفاة الرجل فيه عند البيع وإنما ذكر وفاته في شرط العتق يوم التدبير

(2)

.

(1)

فتح الباري (5/ 166 - 167).

(2)

طرح التثريب (6/ 184)

ص: 226

‌الحديث الخامس والأربعون

(1)

:

128 -

قال الإمام ابن ماجه (429): حدثنا محمد بن أبي عمر العدني، ثنا سفيان عن عبد الكريم أبي أمية، عن حسان بن بلال، عن عمار بن ياسر ح.

وحدثنا ابن أبي عمر قال: ثنا سفيان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن حسان بن بلال، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال:

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلِّل لحيته.

‌التعليق:

الإسناد الذي نحن بصدده هو الإسناد الثاني، وإسناد رجاله ثقات رجال الصحيح غير حسان بن بلال، تابعي وثَّقه علي بن المديني، وابن حبان والذهبي، وقال ابن حجر: صدوق. وجهله ابن حزم وقال: لا نعرف له لقاء عمار. وتعقبه الحافظ فقال: وقوله مجهول مردود فقد روى عنه جماعة كما ترى ووثقه ابن المديني وكفى به.

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، تقدم.

سعيد بن أبي عروبة، أبو النضر البصري، ثقة حافظ له تصانيف كثير التدليس واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة، من السادسة، مات سنة 156، وقيل: 157، روى له البخاري ومسلم.

قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب البصري، ثقة ثبت، يقال: وُلد أكمه، وهو رأس الطبقة الرابعة، مات سنة بضع عشرة، روى له البخاري ومسلم.

حسان بن بلال المزني البصري، صدوق، من الثالثة، روى له الترمذي والنسائي وابن ماجه.

عمار بن ياسر، صحابي جليل مشهور، من السابقين الأولين، قُتل مع علي بصفِّين سنة سبع وثلاثين، وحديثه في الصحيحين.

ص: 227

ورواه الحميدي (147) عن ابن عيينة به.

ورواه الترمذي (30) من طريق محمد بن أبي عمر العدني، والطبراني في «الأوسط» (2395)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (7/ 317) من طريق إبراهيم بن بشار الرمادي، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 696) من طريق الحميدي ثلاثتهم عن سفيان بهذا الإسناد.

وذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 31) تعليقاً.

وأخرجه الترمذي (29)، والحميدي (146)، وابن أبي شيبة (98)، وأبو يعلى (2604)، والفسوي في «المعرفة» (2/ 696)، والطيالسي (680)، والحاكم (1/ 19) من طريق سفيان عن عبد الكريم، عن حسان، عن عمار.

هكذا قال سفيان: عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن حسان، عن عمار رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلِّل لحيته.

وقد أعلَّ الأئمة النقاد هذا الإسناد وإن كان ظاهره الصحة.

قال مهنا: قلت لأحمد: حدثوني عن الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن حسان بن بلال، عن عمار رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ خلَّل لحيته؟

قال أبو عبد الله: إمّا أن يكون الحميدي اختلط وإمّا أن يكون الذي حدَّث عنه خلط. قال: قلت: كيف؟ فحدثني أحمد قال: حدثنا

ص: 228

سفيان عن عبد الكريم، عن حسان بن بلال، عن عمار،

بهذا الحديث

(1)

.

وقال البخاري: (وروى ابن عيينة عن عبد الكريم قال حسان بن بلال عن عمار: خلَّل النبيُّ صلى الله عليه وسلم لحيته، ولم يسمع عبد الكريم من حسان، وقال ابن عيينة مرة: عن سعيد، عن قتادة، عن حسان، عن عمار، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ولا يصح حديث سعيد)

(2)

.

وقال ابن أبي حاتم: (سألت أبي عن حديث رواه ابن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن حسان بن بلال، عن عمار، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تخليل اللحية.

قال أبي: لم يحدِّث بهذا أحد سوى ابن عيينة، عن ابن أبي عروبة، ولم يذكر ابن عيينة في هذا الحديث الخبر

(3)

، وهذا أيضاً ممّا يوهمه)

(4)

.

وقال ابن حجر: لم يسمعه ابن عيينة من سعيد

(5)

.

وقال الطبراني: لم يروِ هذا الحديث عن قتادة إلا سعيد، تفرد به سفيان

(6)

.

(1)

الإمام لابن دقيق العيد (1/ 491).

(2)

التاريخ الكبير (3/ 31).

(3)

يريد أنه لم يذكر سماعاً قاله ابن دقيق العيد في الإمام (1/ 490)، ومغلطاي في شرح ابن ماجه (1/ 331). قلت: وما جاء عند الحاكم من تصريح بالسماع أظنه خطأ.

(4)

العلل لابن أبي حاتم (60).

(5)

التلخيص الحبير (1/ 86).

(6)

المعجم الأوسط (3/ 37).

ص: 229

قلت: وسفيان بن عيينة لا يعرف له رواية عن سعيد بن أبي عروبة غير هذا الحديث وقد علمت ما فيه وأمّا ما جاء في رواية الحاكم من تصريح ابن عيينة بالسماع فلا شك أنه خطأ إذ أنَّ الحاكم رواه من طريق الحميدي وابن أبي عمر، وليس في رواية أيّ منهما تصريح بالسماع إلا ما جاء عند الحاكم، والوهم فيه من شيخ الحاكم أو شيخ شيخه.

ولم يذكر الحافظ المزي في «تهذيب الكمال» ابن عيينة ممَّن روى عن سعيد بن أبي عروبة.

وسعيد بن أبي عروبة كان قد اختلط سنة 145 وذكر أهل الحديث ممَّن سمع منه قبل أن يختلط ومَن سمع منه بعد الاختلاط ومَن سمع منه في الحالَين، ولم يذكروا لابن عيينة سماعاً منه.

لذا قال أبو حاتم: لا يثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تخليل اللحية حديث

(1)

.

وقال أبو داود: قلت لأحمد بن حنبل: تخليل اللحية؟ قال: يخلِّلها، قد روى فيه أحاديث ليس يثبت فيه حديث، يعني عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(2)

.

وقد اغترَّ بظاهر إسناد حديث الباب الشيخ العلَّامة أحمد شاكر فصححه.

(1)

العلل (101).

(2)

مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود (40).

ص: 230

ظاهر كلام الإمام أحمد أنَّ الخطأ هو ممَّن روى عن سفيان، وظاهر كلام أبي حاتم أنَّ الوهم من ابن عيينة وقد أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد

(1)

ومال إلى ما قاله أبو حاتم وهو الصحيح لكون الحميدي قد تابع في روايته عن سفيان فقد تابعه ابن أبي عمر وإبراهيم بن بشار الرمادي كما سلف في التخريج. والله تعالى أعلم.

(1)

الإمام (1/ 490).

ص: 231

‌الحديث السادس والأربعون

(1)

:

129 -

قال الإمام أحمد (6/ 38): حدثنا سفيان عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:

كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البارد.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.

وأخرجه الحميدي في مسنده (275) عن سفيان به.

وأخرجه الترمذي (1895)، والنسائي في «الكبرى» (6844)، وأبو يعلى (4516)، والحاكم (4/ 137)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (5028)، وفي «معرفة السنن والآثار» (5/ 47)، وابن حبان في «الثقات» (8/ 39)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (4/ 248)، كلهم من طرق عن سفيان بن عيينة به.

(1)

رجال الإسناد:

معمر بن راشد الأزدي، مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن، ثقة ثبت فاضل، إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وعاصم بن أبي النجود وهشام بن عروة شيئاً، وكذا فيما حدَّث به بالبصرة، من كبار السابعة، مات سنة 154 وله 58 سنة، روى له البخاري ومسلم.

الزهري، محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه وثبته، من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة 125 وقيل: قبل ذلك، روى له البخاري ومسلم.

عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه مشهور، من الثالثة، مات سنة 94 على الصحيح، ومولده في أوائل خلافة عثمان، روى له البخاري ومسلم.

ص: 232

وقال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين). ووافقه الذهبي.

هكذا قال سفيان: (عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة).

خالفه عبد الله بن المبارك

(1)

، وعبد الرزاق

(2)

، وهشام بن يوسف

(3)

، ومحمد بن ثور

(4)

، فقالوا: (عن معمر، عن الزهري، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أيّ الشراب أطيب؟ قال: «الحلو البارد» .

لم يذكروا عروة ولا عائشة في الإسناد.

وكذلك رواه يونس بن يزيد

(5)

عن الزهري مرسلاً.

قال الترمذي عقب الحديث (4/ 272): والصحيح ما روي عن الزهري عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسلاً.

ثم أخرج الحديث من طريق عبد الله بن المبارك عن معمر ويونس بن يزيد، عن الزهري، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أيّ الشراب أطيب؟ قال: «الحلو البارد» .

قال الترمذي: وهكذا روى عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وهذا أصح من حديث ابن عيينة. اه.

وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/ 36):

سئل أبو زرعة عن حديث رواه ابن عيينة، عن معمر، عن

(1)

الترمذي (1896).

(2)

في المصنَّف (19583).

(3)

ذكره ابن أبي حاتم في العلل (2/ 36).

(4)

المصدر السابق.

(5)

الترمذي (1896) وابن أبي شيبية (8/ 225).

ص: 233

الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البارد.

وروى هشام بن يوسف وابن ثور عن معمر، عن الزهري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطيب الشراب الحلو البارد» .

فقال أبو زرعة: المرسل أشبه.

وقال البيهقي في «المعرفة» (10/ 262): ورواه ابن المبارك وعبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سئل: أيّ الشراب أطيب؟ قال: «الحلو البارد» . هكذا منقطعاً وهو أصح.

قال الدارقطني: والمرسل أشبه بالصواب. ولم يتابع ابن عيينة على ذلك.

والحمل في هذا الحديث على ابن عيينة ليس بمتعين وإن كان قول الترمذي: (وهذا أصح من حديث ابن عيينة). ويشير إليه قول البغوي في «شرح السنَّة» (11/ 364) بعد أن نقل كلام الترمذي السابق: وقال أبو عيسى: (إنما أسنده ابن عيينة من بين الناس)، لاحتمال أن يكون معمر حدَّث به سفيان من حفظه، وحدَّث به في اليمن من كتابه كما رواه عنه عبد الرزاق الصنعاني وهشام بن يوسف الصنعاني.

لذا قال الحاكم في «المستدرك» (4/ 137) بعد أن روى الحديث موصولاً عن طريق سفيان: وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، فإنه ليس عند اليمانيين عن معمر). ووافقه الذهبي فقال: ولم يروِه معمر باليمن. والله أعلم.

والحديث كذلك صححه الألباني في تعليقه على «سنن الترمذي» لأن الثقة قد يرسل الحديث ويوصله مرة أخرى، وفي إطلاق هذا نظر

ص: 234

والصواب هنا ما قاله الأئمة الحفاظ، والله أعلم.

وللحديث مرفوعاً شواهد منها:

ما رواه الحاكم (4/ 153) من طريق هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البارد.

وما رواه تمام الرازي في «الفوائد» (189) من طريق بكار بن تميم عن مكحول، عن أبي أمامة، قال: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البارد.

وروى أحمد (1/ 338) من طريق ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن رجل عن ابن عباس، قال: سئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أيّ الشراب أطيب؟ قال: الحلو البارد.

‌تنبيه:

قال ابن كثير في «البداية والنهاية» (6/ 52): وفي الصحيحين من حديث الزهري عن عروة، عن عائشة، قالت: كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البارد. وقد علمت ممّا سبق حال الحديث وأنه ليس في الصحيحين.

ص: 235

‌الحديث السابع والأربعون

(1)

:

130 -

قال الإمام النسائي في «السنن الكبرى» (9037): أخبرنا محمد بن منصور قال: نا سفيان عن معمر، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه:

أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة ثم يغتسل مرة.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمد بن منصور وهو ثقة وقد توبع.

وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (229) من طريق يحيى، والطبراني في «الأوسط» (483) من طريق محمد بن ميمون الخياط عن سفيان به، والدارقطني في «أطراف الغرائب والأفراد» (2/ 73).

هكذا قال سفيان: (عن معمر، عن ثابت، عن أنس).

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن منصور بن ثابت الخزاعي الجواز، ثقة، من العاشرة، مات سنة 252، روى له البخاري.

معمر، تقدم.

ثابت بن أسلم البناني، أبو محمد البصري، ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين من بعد المائة وله 86 سنة، روى له البخاري ومسلم.

ص: 236

خالفه سفيان الثوري

(1)

، وعبد الله بن المبارك

(2)

، وعبد الرزاق

(3)

، ومحمد بن عمر الواقدي

(4)

.

فرووه عن: (معمر، عن قتادة، عن أنس).

وهذا هو المحفوظ ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في صحيحه.

فقد رواه كذلك هشام الدستوائي

(5)

، وسعيد بن أبي عروبة

(6)

، وأيوب السختياني

(7)

، عن قتادة، عن أنس.

(8)

وهم سفيان في قوله (ثابت) فإنَّ معمراً إنما يروي هذا الحديث عن قتادة.

قال ابن خزيمة: هذا خبر غريب، والمشهور عن معمر، عن قتادة، عن أنس. وقال الطبراني: لم يروِ هذا الحديث عن معمر، عن ثابت إلا سفيان بن عيينة، ورواه سفيان الثوري وغيره عن معمر، عن قتادة

(9)

.

وقال الدارقطني: تفرد به سفيان بن عيينة عن معمر، عن ثابت

(10)

.

ولذا ذكره النسائي عقب حديث الثوري، ومنهجه في ذلك أنه يقدم الأصح عنده ونوَّه إلى خلاف ابن عيينة فقال: ذكر الاختلاف على معمر في خبر أنس بن مالك.

ونقل الحافظ المزي عن النسائي قوله: (الصواب حديث قتادة)

(11)

.

(1)

الترمذي (140)، والنسائي في الكبرى (9036)، وابن ماجه (588)، وأحمد (3/ 185)، وأبو يعلى (2942)(3129)، والطحاوي (1/ 125).

(2)

النسائي (1/ 143) وفي الكبرى (260).

(3)

في المصنف (1061)، وأحمد (3/ 161)، وابن خزيمة (230).

(4)

ابن سعد في الطبقات الكبرى (8/ 192).

(5)

البخاري (268).

(6)

البخاري (284) و (5067)(5215).

(7)

معجم الشيوخ (1/ 246).

(8)

صحيح ابن خزيمة (1/ 115).

(9)

الطبراني في الأوسط (1/ 154).

(10)

أطراف الغرائب والأفراد (2/ 73).

(11)

تحفة الأشراف (1/ 316).

ص: 237

وقال الحافظ ابن رجب في «شرح صحيح البخاري» : وقد روى هذا الحديث ابن عيينة عن معمر، عن ثابت، عن أنس، وهو وهم

(1)

.

‌علة الوهم:

روى ثابت عن أنس رضي الله عنه هذا الحديث ولم يروِه عنه إلا حماد بن سلمة

(2)

ومسعر بن كدام

(3)

.

أمّا معمر فإنما يرويه عن قتادة، عن أنس.

فوهم ابن عيينة من حيث إنَّ كلًّا من قتادة وثابت يرويانه عن أنس، ومعمر يروي عنهما جميعاً. والله أعلم.

(1)

فتح الباري (1/ 300).

(2)

رواه أحمد (3/ 111، 160، 185، 252)، وعبد بن حميد (1263)، والدارمي (753)، وأبو يعلى (3314)، والطحاوي (1/ 129).

(3)

أبو نعيم في الحلية (7/ 222) وقال: غريب من حديث مسعر لم نكتبه إلا من هذا الوجه.

ص: 238

‌الحديث الثامن والأربعون

(1)

:

131 -

قال أبو عبد الرحمن النسائي (8/ 241): أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا سفيان عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل قالوا:

كنا عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقام إليه رجل فقال: أنشدك الله إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله. فقام خصمه، وكان أفقه منه، فقال: صدق اقضِ بيننا بكتاب الله. قال: «قُلْ» . قال: إنَّ ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم وكأنه أخبر أنَّ على ابنه الرجم فافتدى منه ثم سألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أنَّ على ابني جلد مائة وتغريب عام.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل، أمّا المائة شاة والخادم فردّ عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام. اغدُ يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» . فغدا عليها فاعترفت فرجمها.

(1)

رجال الإسناد:

قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني، تقدم.

الزهري، تقدم.

عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله المدني، تقدم.

أبو هريرة الدوسي، صحابي جليل، حافظة الصحابة.

زيد بن خالد الجهني المدني، تقدم.

شبل بن حامد أو ابن خليد المدني، مقبول، من الثالثة، وأخطأ مَنْ قال: هو شبل بن معبد، روى له الترمذي والنسائي وابن ماجه.

ص: 239

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.

وأخرجه الشافعي (2/ 79 ترتيب المسند)، وأحمد (4/ 116)، والحميدي (811)، وابن أبي شيبة (10/ 79) و (10/ 159)، أربعتهم عن سفيان به.

وأخرجه الترمذي (1433)، وابن ماجه (2545)، والدارمي (2317)، وابن الجارود (87)، والطحاوي (3/ 134)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (1113)، وأبو عوانة (6304)، والطبراني في «الكبير» (5191) و (5192)، والبيهقي (8/ 222)، كلهم من طرق عن سفيان.

هكذا قال سفيان: (عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل).

خالفه أصحاب الزهري كلهم فلم يذكروا شبلاً في الإسناد، منهم:

مالك

(1)

، والليث بن سعيد

(2)

، وشعيب بن أبي حمزة

(3)

، ويونس بن يزيد

(4)

، وصالح بن كيسان

(5)

، ومعمر

(6)

، وابن

(1)

البخاري (6633)(6842) وهو في الموطأ (2/ 822).

(2)

البخاري (2724) ومسلم (1697).

(3)

البخاري (6827)(6859).

(4)

مسلم (1698).

(5)

مسلم (1698).

(6)

مسلم (1698)، وعبد الرزاق (13309)، وأحمد (4/ 115).

ص: 240

جريج

(1)

، وزمعة بن صالح

(2)

، وعقيل بن خالد

(3)

.

والحديث أخرجه البخاري مطولاً ومختصراً من طريق علي بن عبد الله المديني

(4)

، ومحمد بن يوسف الفريابي

(5)

، ومسدد

(6)

، ومالك بن إسماعيل

(7)

، أربعتهم عن سفيان بن عيينة به إلا أنه أسقط شبلاً.

وقال النسائي في «الكبرى» (4/ 302)

(8)

: الصواب حديث مالك وشبل في هذا الحديث خطأ.

ونقل يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (1/ 431) عن الحميدي قوله: معمر يقول عن زيد وأبي هريرة، وابن عيينة يقول: شبل بن معبد، وهو وهم.

وقال الحميدي (1/ 433): قيل لسفيان: فإنَّ مالكاً ومعمراً لا يقولان فيه شبل

(9)

؟ قال: لكني أقوله، قد أتقنته من الزهري في الحديثين كلاهما.

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/ 380 رقم 1658): قال الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول في حديث أبي هريرة

(1)

عبد الرزاق (13310).

(2)

الطيالسي (995) ط التركي.

(3)

البيهقي (8/ 213).

(4)

(5)

(6)

(7)

(8)

عقب روايته الحديث (7260) عن الحارث بن مسكين عن سفيان به.

(9)

في المطبوعة: (يقولان فيه شك). وهو تصحيف.

ص: 241

وزيد بن خالد وشبل، قال يحيى: ليس لشبل صحبة، يقال: إنه شبل بن معبد، ويقال: إنه شبل بن خليد، ويقال: شبل بن حامد، وأهل مصر يقولون: شبل بن حامد عن عبد الله بن مالك الأوسي، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وهذا عندي أشبه.

وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن شبل هذا، فقال: ليس لشبل معنى في حديث الزهري. اه.

وقال الحافظ المزي في «تهذيب الكمال» (2672): (وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم: سألت يحيى بن معين عن شبل، من هو؟ فقال: شبل بن حامد، وقد اختلف فيه، فابن وهب يقول يعني عن يونس بن يزيد: شبل بن حامد. والليث يقول عن عقيل: شبل بن خليد.

وسفيان بن عيينة يقول في غير هذا الحديث: شبل بن معبد. وهو يخطاء فيه، هو يظن أنه شبل بن معبد الذي كان شهد على المغيرة بن شعبة.

قلت ليحيى: ليس في هذا الحديث الذي يرويه ابن عيينة شبل؟ قال: لا، ليس فيه شبل وهو يخطاء فيه. اه. ونحوه قال ابن حجر في «التهذيب» (4/ 267).

قال البخاري: شبل بن خليد سمع منه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وقال يونس عن الزهري عن عبيد الله عن شبل بن حامد وهو وهم. «التاريخ الكبير» (4/ 257).

قال البيهقي (8/ 222): رواه البخاري في «الصحيح» عن علي بن عبد الله (المديني) وغيره، عن سفيان دون ذكر شبل، والحفّاظ يرونه خطأ في هذا الحديث.

ص: 242

قال أبو عوانة (4/ 140): (ابن عيينة يخطاء فيه، يقول فيه: شبل، يزيد على غيره ب (شبل)، وهو خطأ).

قال ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2/ 244): (وهذا الحديث ممّا قطعوا به أنَّ ابن عيينة وهم في شبل. قال: هكذا رواه المتأخرون من أصحاب ابن عيينة فقالوا فيه: وشبل عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ورواه المتقدمون من أصحابه فلم يذكروا شبلاً).

وقال الترمذي عقب الحديث:

(حديث أبي هريرة وزيد بن خالد حديث حسن صحيح. وهكذا روى مالك بن أنس ومعمر وغير واحد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة وزيد بن خالد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ورووه بهذا الإسناد عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إذا زنت الأمة فاجلدوها، فإن زنت في الرابعة فبيعوها ولو بضفيرٍ» . وروى سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل، قالوا: كنا عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم. هكذا روى ابن عيينة الحديثين جميعاً عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل، وحديث ابن عيينة وهم فيه سفيان بن عيينة أدخل حديثاً في حديث. والصحيح ما روى محمد بن الوليد الزبيدي ويونس بن عبيد وابن أخي الزهري، عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:«إذا زنت الأمة»

(1)

.

(1)

أخرجه النسائي في «الكبرى» (7261، 7262، 7263) عن الزبيدي ويونس بن عبيد وابن أخي الزهري.

قال الحافظ في «الفتح» (12/ 137): قال الترمذي: هذا وهم من سفيان، وإنما روى عن الزهري بهذا السند حديث:«إذا زنت الأمة» . فذكر فيه شبلاً، وروى حديث الباب بهذا السند ليس فيه شبل فوهم سفيان في تسويته بين الحديثين.

ص: 243

وهذا الصحيح عند أهل الحديث. وشبل بن خالد لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم إنما روى شبل عن عبد الله بن مالك الأوسي، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا الصحيح، وحديث ابن عيينة غير محفوظ، وروي عنه أنه قال: شبل بن حامد، وهو خطأ إنما هو شبل بن خالد، ويقال أيضاً: شبل بن خليد). اه.

قال ابن عبد البرّ في «التمهيد» (9/ 74): ورواه ابن عيينة عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل، وذكره في هذا الحديث شبلاً خطأ عند جميع أهل العلم بالحديث ولا مدخل لشبل في هذا الحديث بوجه من الوجوه.

وقال يحيى بن معين: ذكر ابن عيينة في هذا الحديث شبلاً خطأ، لم يسمع شبل من النبيِّ صلى الله عليه وسلم شيئاً. وقال محمد بن يحيى النيسابوري: وهم ابن عيينة في ذكر شبل في هذا الحديث، وإنما ذكر شبل في حديث خالد «الأمة إذا زنت»

(1)

ولم يقم ابن عيينة إسناد ذلك الحديث أيضاً وقد أخطأ فيهما جميعاً.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 20): وقال ابن عيينة عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والأول أصح.

قال العلائي في «تحفة التحصيل» (1/ 144): فأمّا حديث العسيف فسائر أصحاب الزهري أسقطوا منه ذكر شبل، والبخاري أسقطه منه من طريق سفيان بن عيينة، ونسب النسائي وغيره ابن عيينة فيه إلى الخطأ. وعلى كل تقدير فهو مرسل من جهته وليست له صحبة.

(1)

انظر: الحديث التالي رقم (49).

ص: 244

وقال ابن أبي خيثمة في «أخبار المكيين» (1/ 413): وسئل يحيى بن معين عن حديث ابن عيينة عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل (قام رجل فقال: أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله)

(1)

.

قال يحيى: شبل خطأ، لم يسمع من النبيِّ صلى الله عليه وسلم شيئاً. وكتب يحيى بن معين على شبل خطأ بيده.

وقال الدارقطني: وأمّا ما قاله ابن عيينة فلم يتابع على قوله عن شبل

(2)

.

‌علة الوهم:

وقال الخطيب: وقد وهم سفيان إذ زاد في الحديث شبلاً وسمَّى أباه معبداً لأن عبيد الله إنما رواه عن أبي هريرة وزيد بن خالد فحسب

، وإنما دخل على سفيان الوهم منه من حديث آخر.

ثم ساق بإسناده عن سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله، عن زيد بن خالد وأبي هريرة وشبل أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة تزني قبل أن تحصن، قال:«اجلدوها، فإن زنت فاجلدوها، فإن زنت فبيعوها»

(3)

.

وهذا الحديث كان الزهري يرويه عن عبيد الله عن زيد بن خالد وأبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

(1)

هذا الوهم لسفيان في حديث آخر سيأتي، ونقله عنه الخطيب في الفصل (1/ 515).

(2)

العلل (11/ 58).

(3)

الفصل للوصل (1/ 501 - 503).

ص: 245

وكان يرويه أيضاً عن عبيد الله عن شبل بن خالد، وقيل: عن شبل بن خليد، وقيل: ابن حامد، عن مالك بن عبد الله، وقيل: عبد الله بن مالك الأوسي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فسمع سفيان من الزهري الحديثين معاً: حديث العسيف وحديث الأمة، فلم ينضبطا له وكان اسم شبل مذكوراً في حديث الأمة فذكر سفيان في الحديثين جميعاً وأسقط ذكر الأوسي الذي بعد شبل فلم يذكره وساق الحديثين بإسناد واحد.

ص: 246

‌الحديث التاسع والأربعون

(1)

:

132 -

قال ابن ماجه (2565): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن الصباح، قالا: ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل، قالوا:

كنا عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم فسأله رجل عن الأمة تزني قبل أن تحصن، فقال:«اجلدها، فإن زنت فاجلدها» ثم قال في الثالثة أو في الرابعة: «فبعها ولو بحبل من شعر» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.

ورواه أحمد (4/ 116) وابن أبي شيبة (9/ 513) عن سفيان، ورواه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (1112) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، والنسائي في «الكبرى» (7260) من طريق الحارث بن مسكين، والطبراني في «الكبير» (5203) من طريق الحميدي وابن أبي شيبة، والبزار (3768)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (1/ 228)، والخطيب في «الفصل للوصل» (1/ 501) من طرق عن سفيان به.

(1)

رجال الإسناد:

أبو بكر بن أبي شيبة، تقدم.

محمد بن الصباح، تقدم.

الزهري، تقدم.

عبيد الله بن عبد الله، تقدم.

ص: 247

هكذا قال ابن عيينة: (عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل).

خالفه أصحاب الزهري فرووا هذا الحديث عن الزهري ولم يذكروا شبلاً، منهم:

مالك بن أنس

(1)

، ومعمر

(2)

، وصالح بن كيسان

(3)

، وزمعة بن صالح

(4)

، ويونس بن يزيد

(5)

، ويحيى بن سعيد

(6)

، والوليد بن كثير

(7)

، وعبد العزيز بن أبي سلمة

(8)

، ومعروف

(9)

، وسعد بن إبراهيم

(10)

.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» : وقال ابن عيينة عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل، والأول أصح

(11)

.

وقال يعقوب بن سفيان: وابن عيينة يقول: شبل بن معبد، وهو وهم

(12)

.

(1)

البخاري (6837)، والدارمي (2336)، وأبو عوانة (6326).

(2)

الطبراني في الكبير (5201) والخطيب (1/ 509).

(3)

الطبراني (5206) و (5207) والخطيب في الفصل للوصل (1/ 509).

(4)

الطبراني (5205).

(5)

ابن عبد البرّ في التمهيد (9/ 95).

(6)

ابن عبد البرّ في التمهيد (9/ 96).

(7)

الطبراني (5204).

(8)

الطبراني (5197) و (5198).

(9)

الطبراني (5194).

(10)

أبو عوانة (6328).

(11)

التاريخ الكبير (5/ 20).

(12)

المعرفة والتاريخ (1/ 228).

ص: 248

‌علة الوهم:

دخل على سفيان إسناد في إسناد.

ذلك أنَّ الزهري يروي في هذا حديثين:

الأول: عن عبيد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني.

الثاني: عن عبيد الله، عن شبل بن خالد، عن عبد الله بن مالك الأوسي.

وقد بيَّن ذلك الترمذي والخطيب وغيرهم كما سبق في الحديث السابق، فانظره لزاماً.

ص: 249

‌الحديث الخمسون

(1)

:

133 -

قال الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 187): حدثنا يونس، قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القارّي، قال:

طاف عمر رضي الله عنه بالبيت بعد الصبح، فلمّا صار بذي طوى وطلعت الشمس صلَّى ركعتين.

‌التعليق:

هذا إسناد على شرط مسلم.

رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير يونس بن عبد الأعلى من رجال مسلم.

والحديث رواه أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (5713) عن سفيان به، وهذا سند على شرط الشيخين.

وذكره البخاري في صحيحه (1628) تعليقاً.

(1)

رجال الإسناد:

يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة الصدفي، أبو موسى المصري، ثقة، من صغار العاشرة، مات سنة 264 وله 96 سنة، روى له مسلم.

الزهري، تقدم.

عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، تقدم.

عبد الرحمن بن عبدٍ القارّي من ولد القارة بن الدبش بن محلم بن غالب، يقال: إنه وُلد على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويقال: إنَّ له صحبة، وقال أبو داود: أتي به النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو صغير. روى له البخاري ومسلم. تهذيب الكمال.

ص: 250

إلا أنَّ سفيان وهم في هذا الإسناد فقال: (عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القارّي).

وخالفه مالك

(1)

، ومعمر

(2)

، وابن أبي ذئب

(3)

، فرووه:(عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القارّي).

قال الإمام أحمد (5714): قال ابن أبي ذئب وغيره: حدثنا يحيى بن سعيد عنه عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القارّي، أنَّ عمر طاف بالبيت، وهو الصواب. يعني عن حميد

(4)

.

وقال الأثرم عن أحمد: أخطأ سفيان

(5)

.

وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (835): (سألت أبي عن حديث رواه ابن عيينة وأسامة بن زيد الليثي، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القارّي، عن عمر أنه طاف بالبيت بعد الصبح ثم سار حتى أتى ذي طوى ثم انتظر حتى طلعت الشمس؟

فقال أبي: أخطأ في هذا الحديث، روى كل أصحاب الزهري عن الزهري هذا الحديث عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القارّي، عن عمر، وهو صحيح).

(1)

في الموطأ (1/ 368)، ومن طريقه الطحاوي في شرح المعاني (2/ 187)، والبيهقي (5/ 91).

(2)

عبد الرزاق في المصنف (9008).

(3)

أحمد في العلل (5714) والحارث بن أبي أسامة في مسنده (377).

(4)

أي أنَّ سفيان وهم في ذكر عروة.

(5)

الفتح (3/ 489) وسيأتي.

ص: 251

قلت: لم ينفرد به سفيان بل تابعه صالح بن كيسان.

قال الحافظ في «الفتح» (3/ 489): (وصله مالك عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن بن عبد القاري، عن عمر به، وروى الأثرم عن أحمد، عن سفيان، عن الزهري مثله إلا أنه قال: عن عروة، بدل حميد. قال أحمد: أخطأ فيه سفيان.

قال الأثرم: وقد حدثني به نوح بن يزيد من أصله عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، كما قال سفيان).

ولعلِّي أن أنبِّه هنا على وهم وقع لمحقق كتاب «العلل» الدكتور وصي الله بن محمد بن عباس حفظه الله في تعليقه على هذا الحديث في «العلل» (3/ 391) حيث قال: (ولعل ترجيح رواية حميد على رواية عروة من الإمام أحمد مبني على ترجيح يحيى بن سعيد على سفيان، ثم من رواية حميد وهو ابن عبد الرحمن على رواية عروة وهو غريب عن عبد الرحمن لأجل أنَّ الابن أعرف برواية أبيه من غيره). قلت:

1 لم يروِ يحيى بن سعيد، وهو القطان، هذا الحديث عن الزهري حتى يقال ذلك، إنما رواه يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب، عن الزهري. فإن كان هناك ترجيح هنا فإنما هو بين سفيان وابن أبي ذئب.

والصحيح أنَّ ترجيح الإمام أحمد لرواية ابن أبي ذئب إنما هو لموافقة روايته رواية مالك ومعمر حيث قال: قال ابن أبي ذئب وغيره.

ص: 252

2 ظنَّ أنَّ حميداً هذا هو ابن عبد الرحمن بن عبد القارّي حيث إنه ذكره هنا غير منسوب.

والصحيح أنه حميد بن عبد الرحمن بن عوف، نصَّ عليه مالك في موطنه فقال: عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أنَّ عبد الرحمن بن عبدٍ القارّي.

وكذلك رواه عنه البيهقي في سننه.

3 قوله: (ترجيح رواية حميد على رواية عروة).

لم يروِ عروة هذا الحديث حتى يقال ذلك، وإنما وهم سفيان في قول (عروة) والأَولى أن يقال: (ترجيح رواية مَنْ قال: حميد، على مَنْ قال: عروة. والله أعلم.

ص: 253

‌الحديث الحادي والخمسون

(1)

:

134 -

قال الإمام أحمد (3/ 421): حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن ابن أبي خزامة، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله وقال سفيان مرة: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرأيت دواءً نتداوى به ورُقيّ نسترقي بها وتُقيّ نتَّقيها، أتردّ من قدر الله تبارك وتعالى شيئاً؟

قال: «إنها من قدر الله تبارك وتعالى» .

‌التعليق:

وأخرجه الترمذي (2148) عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، وابن ماجه (3437) عن محمد بن الصباح، والدولابي في «الكنى والأسماء» (1/ 74) من طريق محمد بن منصور، ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة به.

وقد وهم سفيان في هذا الإسناد هنا فقال: (عن الزهري، عن ابن أبي خزامة، عن أبيه).

والصحيح هو: (الزهري عن أبي خزامة، عن أبيه).

(1)

رجال الإسناد:

الزهري، تقدم.

ابن أبي خزامة عن أبيه، وقيل: عن أبي خزامة عن أبيه، وهو الصحيح، مجهول، من الثالثة، روى له الترمذي وابن ماجه.

أبو خزامة ابن يعمر السعدي، أحد بني الحارث بن سعد بن هذيم، يقال: اسمه زيد بن الحارث، ويقال: الحارث، وكلاهما وهم، وهو صحابي له حديث في الرُّقى وقلبه بعض الرواة، روى له الترمذي وابن ماجه وأبو داود في القدر.

الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 412)، والحاكم (4/ 199)، والبيهقي (9/ 349).

ص: 254

هكذا رواه: يونس بن يزيد

(1)

، ومحمد بن الوليد الزبيدي

(2)

، وعباد بن إسحاق

(3)

، وصالح بن كيسان

(4)

، وعمرو بن الحارث

(5)

، ومعمر

(6)

عن الزهري.

وكذلك رواه سفيان بن عيينة نفسه فيما رواه عنه ابن أبي عمر

(7)

، وسعيد بن عبد الرحمن

(8)

، ويحيى بن أبي بكير

(9)

، وحسين بن محمد

(10)

، وعلي بن المديني

(11)

.

قال الإمام أحمد: وهو الصواب

(12)

.

وقال في «العلل ومعرفة الرجال» (1/ 168): والحديث إنما يروى عن أبي خزيمة، عن أبيه، رواه يونس والزبيدي يعني محمد بن الوليد وهو أصحهما.

وقال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن ابن عيينة كلا الروايتين، وقال بعضهم: عن أبي خزامة، عن ابن أبي خزامة، عن أبيه، وقال بعضهم: عن أبي خزامة.

(1)

البيهقي (9/ 349) وفي الصغرى (3963)، وتمام الرازي في الفوائد (1160)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 214).

(2)

أحمد (3/ 421)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2611).

(3)

ابن طهمان في مشيخته (86)، ومن طريقه الخرائطي في مكارم الأخلاق (ص 95).

(4)

ابن الأثير في أسد الغابة (1/ 483).

(5)

أحمد (3/ 421) والبيهقي (9/ 349) وفي الصغرى (3963).

(6)

ابن البختري (176) مجموع فيه مصنفات ابن البختري.

(7)

الترمذي (2065).

(8)

الترمذي (2065)، وهذا خلاف رواية الترمذي السابقة.

(9)

أحمد (3/ 421 رقم 15475)، وفي العلل ومعرفة الرجال (1/ 168 رقم 101).

(10)

المصدر السابق.

(11)

ابن عبد البرّ في التمهيد (2/ 270).

(12)

المسند (3/ 421 عقب الحديث 15475).

ص: 255

وقد روى غير ابن عيينة هذا الحديث عن الزهري، عن أبي خزامة، عن أبيه، وهذا أصح، ولا نعرف لابن خزامة عن أبيه غير هذا الحديث)

(1)

.

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (2537): قال أبي: أخطأ فيه سفيان بن عيينة فقال: عن الزهري، عن ابن أبي خزامة، عن أبيه.

ثم قال: قال أبي وأبو زرعة: وإنما هو عن أبي خزامة، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقال الدارقطني في «العلل» (2/ 251): روى هذا الحديث ابن عيينة عن الزهري، عن ابن أبي خزامة، عن أبيه، ولم يتابع عليه).

قال يحيى بن معين: إنما هو عن الزهري عن أبي خزامة أحد بني الحارث بن سعد

(2)

.

قال ابن حجر معقباً: وهو الصواب

(3)

.

وقال الطبراني: رواه الناس عن الزهري عن أبي خزامة

(4)

.

وقال البيهقي: ورُوي عن معمر وعبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن ابن أبي خزامة، والأول أصح

(5)

.

(1)

في السنن (3/ 582) ونحوه في (4/ 25).

(2)

تاريخ ابن معين رواية الدوري (3/ 115 رقم 475).

(3)

الإصابة (2/ 194).

(4)

المعجم الكبير (6/ 47).

(5)

السنن الكبرى (9/ 349).

ص: 256

‌الحديث الثاني والخمسون

(1)

:

135 -

قال الإمام أحمد (4/ 43): حدثنا سفيان، عن الزهري، فسئل سفيان: عمَّن؟ قال: هو محمود بن الربيع إن شاء الله:

أنَّ عتبان بن مالك كان رجلاً محجوب البصر وأنه ذكر للنبيِّ صلى الله عليه وسلم التخلف عن الصلاة، قال:«هل تسمع النداء؟» قال: نعم. قال: فلم يرخص له.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.

ورواه ابن سعد في «الطبقات» (3/ 550) عن سفيان بن عيينة، والبيهقي في «معرفة السنن والآثار» (2/ 347 ط العلمية) من طريق الشافعي عن سفيان به.

هكذا رواه سفيان عن الزهري، عن محمود بن الربيع، أنَّ عتبان بن مالك استأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن التخلف في الصلاة، وكان قد عمي، فلم يأذن له النبيُّ صلى الله عليه وسلم.

(1)

رجال الإسناد:

الزهري، محمد بن مسلم بن شهاب، انظره في بابه.

محمود بن الربيع بن سراقة بن عمرو الخزرجي، أبو نعيم أو أبو محمد المدني، صحابي صغير، وجُلّ روايته عن الصحابة، روى له البخاري ومسلم.

عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان الأنصاري السلمي، صحابي شهير، مات في خلافة معاوية، روى له البخاري ومسلم.

ص: 257

خالفه مالك

(1)

، ومعمر

(2)

، وإبراهيم بن سعد

(3)

، وعقيل بن خالد

(4)

، ويونس بن يزيد

(5)

، والأوزاعي

(6)

، وإسماعيل بن أبي أويس

(7)

، وعبد الرحمن بن نمر

(8)

، والزبيدي

(9)

.

هؤلاء كلهم رووه عن الزهري، عن محمود بن الربيع، أنَّ عتبان بن مالك استأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يصلِّي في بيته لأنه ضرير البصر وبينه وبين المسجد وادٍ وظلمة، وسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يأتيه فيصلِّي في بيته فيتخذ مصلَّاه مصلّى، فأجابه.

وسأذكر منها رواية الإمام مالك وبنحوه رواه الآخرون.

قال الإمام البخاري في صحيحه (667): حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك عن ابن شهاب، عن محمود بن الربيع الأنصاري: (أنَّ عتبان بن مالك كان يؤمّ قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكاناً أتخذه مصلّى. فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«أين تحب أن أصلِّي؟» . فأشار إلى مكان في البيت فصلَّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1)

البخاري (667) وهو في الموطأ (1/ 172).

(2)

البخاري (686) و (839) و (840) ومسلم (33)(264).

(3)

البخاري (424).

(4)

البخاري (425) و (1185) و (1186).

(5)

البخاري (4010) ومسلم (1/ 455) ح رقم (33)(263).

(6)

مسلم (1/ 456) ح رقم (33)(265).

(7)

الطبراني في الكبير 18/ (52).

(8)

الطبراني (18/ 54).

(9)

الطبراني (18/ 56).

ص: 258

وكذلك رواه أنس بن مالك رضي الله عنه سمعه من محمود بن الربيع ثم سمعه من عتبان بن مالك، قال الإمام مسلم في صحيحه (33) (54): حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا سليمان يعني ابن المغيرة قال: حدثنا ثابت عن أنس بن مالك قال: حدثني محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك قال: قدمت المدينة فلقيت عتبان فقلت: حديث بلغني عنك. قال: أصابني في بصري بعض الشيء فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحب أن تأتيني فتصلِّي في منزلي فأتخذه مصلّى. قال: فأتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ومَن شاء من أصحابه فدخل وهو يصلِّي في منزلي وأصحابه يتحدثون بينهم.

ثم رواه مسلم (33)(55) من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن عتبان بن مالك بنحوه.

وقد أنكر هذا الحديث الإمام الشافعي كونه مخالف لما رواه الإمام مالك والجماعة عن الزهري وأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أذِن لعتبان. قال الشافعي:

«هكذا حدثناه سفيان وكان يتوقاه ويعرف أنه لا يضبطه وقد أوهم فيه فيما نرى. والله أعلم.

والدلالة على ذلك أنَّ مالكاً أخبرنا عن ابن شهاب، عن محمود بن الربيع، عن عتبان بن مالك، وكان يؤمّ قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها تكون الظلمة والمطر والسيل وأنا رجل ضرير البصر. فصلِّ يا رسول الله في بيتي مكاناً أتخذه مصلّى. قال: فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أين تحب أن أصلِّي؟» فأشار له إلى مكان من البيت، فصلَّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 259

قال: وأخبرنا أيضاً إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب، عن محمود، عن عتبان بن مالك أنه كان يؤمّ قومه وهو أعمى».

قال البيهقي: اللفظ الذي رواه ابن عيينة في هذا الإسناد إنما هو قصة ابن أمّ مكتوم الأعمى، وتلك القصة رُويت عن ابن أمّ مكتوم من أوجه، ورُويت في حديث أبي هريرة، وإنما المراد، والله أعلم: لا أجد لك عذراً أو رخصة تلحق فضيلة مَنْ حضرها، فقد رخص لعتبان بن مالك في التخلف عن حضورها. وبالله التوفيق

(1)

.

قال ابن عبد البرّ في «التمهيد» (6/ 229): قد حدَّث ابن عيينة عن الزهري بحديث لعتبان بن مالك أنكره الشافعي، وقال: حديث مالك هذا يردّه.

ثم روى ابن عبد البرّ بسنده من طريق عبيد الله بن محمد عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة إن شاء الله عن عتبة بن مالك أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التخلف عن الصلاة. قال:«أتسمع النداء؟» فلم يرخص له.

قال ابن عبد البرّ: وهذا عندنا على الجمعة فلا تتعارض الأحاديث، وحديث مالك لعتبان في الظلمة والسيل والمطر.

‌علة الوهم:

وردت أحاديث بعدم الرخصة للتخلف عن الجماعة لمجرد عذر البصر في شأن عمرو بن أمّ مكتوم.

روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني

(1)

معرفة السنن والآثار (3/ 348).

ص: 260

إلى المسجد. فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلِّي في بيته فرخص له، فلمّا ولَّى دعاه فقال:«هل تسمع النداء؟» فقال: نعم. قال: «فأجِب»

(1)

.

وروى عاصم عن أبي رزين عن عمرو بن أمّ مكتوم، قال: جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، كنت ضريراً شاسع الدار

الحديث

(2)

.

وروى جابر بن عبد الله قال: أتى ابن أمّ مكتوم النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، منزلي شاسع وأنا مكفوف البصر

(3)

.

فهذه الأحاديث جاءت بعدم الرخصة للتخلف عن الجماعة بمجرد العمي، ومن هنا أحسب، والله أعلم، دخل الوهم على سفيان بن عيينة

(4)

.

(1)

مسلم (653).

(2)

رواه أحمد (3/ 423)، وأبو داود (552)، وابن ماجه (792)، وابن خزيمة (1480)، وغيرهم.

(3)

أحمد (3/ 367)، وعبد بن حميد (1148)، وأبو يعلى (1803)، وابن حبان (2063)، وغيرهم.

(4)

قال بعض أهل العلم إنَّ العمى وحده ليس بعذر لمَن يسمع الأذان في ترك الحضور لحديث عمرو بن أمّ مكتوم، وما جاء في عتبان إنما كان العمى مع حلول السيل. والله أعلم.

ص: 261

‌الحديث الثالث والخمسون

(1)

:

136 -

قال أبو عبد الرحمن النسائي في «الكبرى» (7156): أخبرنا محمد بن منصور المكي، قال: ثنا سفيان عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال:

سمعت عمر يقول: قد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإنَّ الرجم حق على مَنْ زنا إذا أحصن وكانت البيِّنة أو كان الحبل أو الاعتراف، وقد قرأناها:{الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة} وقد رجم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمد بن منصور وهو ثقة، قال النسائي عنه في مشيخته:(ثقة).

وقال الدارقطني: ثقة. وقد تابعه غير واحد كما سيأتي.

فقد أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (28776) عن سفيان به.

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن منصور بن ثابت بن خالد الخزاعي الجواز، ثقة، من العاشرة، مات سنة 252، روى له النسائي.

الزهري، تقدم. وانظر: ترجمته في بابه.

عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه، من الثالثة، مات دون المائة سنة 94، وقيل: 98، وقيل غير ذلك، روى له البخاري ومسلم.

ص: 262

وأخرجه ابن ماجه (2553) من طريق ابن أبي شيبة ومحمد بن الصباح، وأبو عوانة (6257) والبيهقي (8/ 211) من طريق الحسن بن محمد الزعفراني، ثلاثتهم عن سفيان به.

وكذلك رواه علي بن عبد الله المديني عن سفيان به ذكره الحافظ في «الفتح» (12/ 143) ونسبه إلى الإسماعيلي.

هكذا روى هذا الحديث سفيان عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم وزاد في آخره:(وقد قرأناها: {الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة}).

خالفه يونس بن يزيد

(1)

، ومالك

(2)

، ومعمر

(3)

، وصالح بن كيسان

(4)

، وعقيل

(5)

، وعبيد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم

(6)

.

فرووا هذا الحديث بهذا الإسناد عن الزهري ولم يذكروا هذه الزيادة.

وقد روى هذا الحديث البخاري في صحيحه (6829) من طريق علي بن عبد الله المديني عن سفيان إلا أنه حذف هذه الزيادة وهي قوله: (وقد قرأناها: {الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة}).

(1)

مسلم (1691)، وأبو يعلى (6255)، والبيهقي (8/ 210).

(2)

النسائي في الكبرى (7157) و (7158)، والدارمي (2332)، والطحاوي في شرح المشكل (5/ 302).

(3)

عبد الرزاق (13329) وأبو عوانة (6258).

(4)

الطحاوي في شرح المشكل (5/ 303).

(5)

النسائي (7160).

(6)

النسائي (7159).

ص: 263

وقد أخرجه الإسماعيلي في رواية جعفر الفريابي عن علي بن عبد الله المديني شيخ البخاري فذكر هذه الزيادة.

قال الحافظ في «الفتح» (12/ 143): (ولعل البخاري هو الذي حذف ذلك عمداً)

(1)

.

قلت: وقد روى مسلم في صحيحه (1691) هذا الحديث من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان ولم يسق إسناده بل أحال على حديث يونس.

قال النسائي عقب الحديث (4/ 273): (لا أعلم أنَّ أحداً ذكر في هذا الحديث {الشيخ والشيخة فارجموهما البتة} غير سفيان وينبغي أنه وهم. والله أعلم).

قال الحافظ في «الفتح» (12/ 143): وقد أخرج الأئمة هذا الحديث من رواية مالك ويونس ومعمر وصالح بن كيسان وعقيل وغيرهم من الحفّاظ عن الزهري فلم يذكروه.

قلت: وقد روى ابن المقري هذا الحديث عن سفيان ولم يذكر هذه الزيادة

(2)

.

‌علة الوهم:

قد وردت هذه الزيادة في غير هذا الحديث عن عمر، منها: حديث سعيد بن المسيب

(3)

وأسلم مولى عمر

(4)

، كلاهما عن عمر.

(1)

الفتح (12/ 143) قاله معقباً على قول النسائي كالموافق لقوله.

(2)

ابن الجارود في المنتقى (812).

(3)

الموطأ (2/ 824 ح رقم 1506) والشافعي في سننه (1/ 163).

(4)

البزار في مسنده (216).

ص: 264

إلا أنها في حديث ابن عباس عن عمر غير محفوظة لذلك حذفها البخاري عمداً كما قال الحافظ.

وقد جاءت أيضاً في حديث أُبيّ بن كعب

(1)

وزيد بن ثابت

(2)

، رضي الله عنهم أجمعين.

(1)

مصنف عبد الرزاق (5990)، ومسند الطيالسي (540)، والمسند لأحمد (5/ 132)، وصحيح ابن حبان (4428، 4429)، والمستدرك (2/ 450).

(2)

النسائي في الكبرى (7145)، والمسند لأحمد (5/ 183)، وتهذيب الآثار مسند عمر بن الخطاب (2/ 870).

ص: 265

‌الحديث الرابع والخمسون

(1)

:

137 -

قال ابن حبان في صحيحه (7195): أخبرنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي ببغداد، حدثنا سُريج بن يونس، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها:

أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع قراءة أبي موسى فقال: «لقد أُوتي هذا من مزامير آل داود» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح غير شيخ ابن حبان، وثَّقه الدارقطني وغيره، ونعته الذهبي بالإمام المحدِّث الثبت، قال: وكان من بقايا المسندين. وأخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (2/ 344) و (4/ 107) عن سفيان، عن الزهري، عن عروة أو عن عمرة، عن عائشة.

ورواه الدارمي (1489) عن أبي نعيم عن سفيان به وقال فيه: (أراه عن عروة).

(1)

رجال الإسناد:

حامد بن محمد بن شعيب بن زهير البلخي البغدادي المؤدب، وثَّقه الدارقطني وغيره، وُلد في سنة 216 ومات سنة 139. «تاريخ بغداد» (8/ 165) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 291).

سريج بن يونس بن إبراهيم البغدادي، أبو الحارث مروزي الأصل، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة 235، روى له البخاري. (قلت: وله كرامات انظرها في ترجمته).

الزهري، محمد بن مسلم بن شهاب. انظر: ترجمته في بابه.

عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، أكثرت عن عائشة، ثقة، من الثالثة، ماتت قبل المائة، ويقال: بعدها، روى لها البخاري ومسلم.

ص: 266

هكذا رواه سفيان فقال: (عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ورواه مرة أخرى على الشك فقال: (عن الزهري، عن عروة أو عمرة، عن عائشة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

. وفي رواية: (أراه عن عروة).

ورواه مرة ثالثة فقال: (عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ووافقه على هذه الرواية معمر

(2)

.

وهذا هو الصحيح وهو الذي ثبت عليه سفيان آخراً وترك ذكر عروة أو الرواية بالشك ورواه عنه أكابر أصحابه مثل: الحميدي وأحمد وعبد الرزاق.

قال الحميدي عقب الحديث: (وكان سفيان ربما شك فيه فقال: عن عمرة أو عروة. لا يذكر فيه الخبر ثم ثبت على عروة وذكر الخبر فيه غير مرة وترك الشك).

‌علة الوهم:

سفيان كان يشك في هذا الإسناد فيقول: عمرة أو عروة. ثم ثبت أخيراً على عروة فحمله عنه كذلك أكابر أصحابه الذين لزموه لفترات أطول من سريج إذ إن سريج بغدادي وسفيان حجازي مكي.

(1)

عبد الرزاق (4177)، والحميدي (282)، وأحمد (6/ 37)، وابن أبي شيبة (10/ 463) و (12/ 122)، والدارمي (1489)، والنسائي (2/ 180 - 181)، وفي الكبرى (1093)، والطحاوي في شرح المشكل (1158).

(2)

عبد الرزاق (4177)، وأحمد (6/ 167)، وإسحاق بن راهويه (624)، وعبد بن حميد (1476)، والنسائي (2/ 181)، وفي الكبرى (1094)(8051)، والطحاوي (1159).

ص: 267

‌الحديث الخامس والخمسون

(1)

:

138 -

قال أبو عيسى الترمذي (1641): حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«إنَّ أرواح الشهداء في طير خضر تَعلُق من ثمرة الجنة أو: شجر الجنة» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن أبي عمر من رجال مسلم، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وأخرجه أحمد (6/ 387) وسعيد بن منصور (2560) عن سفيان به إلا أنه عند سعيد بن منصور وقع سقط أو وهم فلم يقُل عن أبيه. وإسنادهما على شرط الشيخين.

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، تقدم.

عمرو بن دينار المكي، تقدم.

الزهري: محمد بن مسلم بن شهاب، تقدم. وانظر: ترجمته في بابه.

عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري، أبو الخطاب المدني، ثقة عالم، من الثالثة، مات في خلافة هشام، روى له البخاري ومسلم.

عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري المدني، ثقة، يقال: له رؤية، مات سنة 97 أو 98، روى له البخاري ومسلم.

ص: 268

وأخرجه ابن أبي عاصم في «الجهاد» (202) من طريق ابن كاسب، والطبراني في «الكبير» (19/ 125) من طريقه أيضاً، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (50/ 177) من طريق سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، كلهم عن سفيان به.

هكذا رواه سفيان عن عمرو بن دينار عن الزهري فقال فيه: «إنَّ أرواح الشهداء» .

خالفه أصحاب الزهري فرووه عنه بهذا الإسناد فقالوا: إنَّ نسمة المؤمن». (وفي رواية: المسلم)، منهم:

مالك بن أنس

(1)

، ومعمر

(2)

، والليث بن سعد

(3)

، وشعيب بن أبي حمزة

(4)

، وصالح بن كيسان

(5)

، ويونس بن يزيد

(6)

، وأبو

(1)

الموطأ (1/ 240)، وأحمد (3/ 455)، والنسائي (4/ 108)، وفي الكبرى (2200)، وابن ماجه (4271)، والطبراني في الكبير (19/ 120)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 106)، وابن عبد البرّ في التمهيد (11/ 56)، والبخاري في التاريخ الكبير (5/ 307).

(2)

عبد الرزاق في التفسير (1/ 424)، وأحمد (3/ 455)، وعبد بن حميد (376)، والطبراني في الكبير (19/ 119).

(3)

ابن حبان (4657).

(4)

أحمد (3/ 457)، والطبراني في مسند الشافعي (3194)، والبيهقي في البعث والنشور (255)، والبخاري في التاريخ الكبير (5/ 306).

(5)

أحمد (3/ 455)، والبخاري في التاريخ الكبير (5/ 305)، والطبراني في الكبير (15/ 24).

(6)

أحمد (3/ 456)، والبيهقي في البعث والنشور (223)، والبخاري في التاريخ الكبير (5/ 306).

ص: 269

أويس

(1)

، والحارث بن فضيل

(2)

، والأوزاعي

(3)

.

هؤلاء التسعة كلهم رووه عن الزهري بلفظ: «نسمة أو: روح المؤمن» . وقال معمر: «المسلم» . ولم يقُل: «أرواح الشهداء» إلا سفيان في روايته هذه ومعمر

(4)

في رواية عنه.

وقد وافق سفيان الجماعة في رواية أخرى فقال: «نسمة المؤمن» . رواه عنه هكذا الحميدي

(5)

وهو من ألزم أصحابه له وأكثرهم رواية عنه.

‌علة الوهم:

قد روى سفيان مثل ذلك في ثواب الشهداء.

فقد روى الترمذي (3011) قال: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن قوله تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} .

فقال: أما إنّا قد سألنا عن ذلك فأخبرنا أنَّ أرواحهم في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش .... الحديث).

(1)

أحمد (3/ 460) والطبراني في الكبير (19/ 121).

(2)

ابن ماجه (1449)، وعبد بن حميد في المنتخب (1571)، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (3/ 1218)، والطبراني في الكبير (19/ 122)، والبيهقي في البعث والنشور (226)، والدولابي في الأسماء والكنى (442)، وابن عساكر في تاريخه (50/ 184).

(3)

الطبراني في الكبير (19/ 122).

(4)

عبد الرزاق (1556).

(5)

مسند الحميدي (873)، ومن طريقه ابن قانع في معجم الصحابة (2/ 375)، وذكره البخاري في التاريخ الكبير تعليقاً (5/ 306).

ص: 270

وأخرجه مسلم (1887) من طريق أبي معاوية وعيسى بن يونس كلاهما عن الأعمش به.

فمن هنا والله أعلم دخل الوهم على سفيان فقال في حديثه عن الزهري: «أرواح الشهداء» . وخالفه أصحاب الزهري فيه كما سبق وبيَّناه.

‌أثر الوهم:

عقد الترمذي في سننه باب (ما جاء في ثواب الشهداء) فأورد فيه هذا الحديث.

وكذلك فعل سعيد بن منصور فأورد هذا الحديث في باب (ما جاء في أرواح الشهداء).

فجعلوا هذا الثواب خاصًّا لمَن استشهد في سبيل الله.

بينما هو في الصحيح كما رواه أصحاب الزهري عامًّا لأرواح المؤمنين وليس خاصًّا بالشهداء دون غيرهم من المؤمنين. والله تعالى أعلم.

وقد سبق في التنبيه إلى هذا الوهم محققو «مسند الإمام أحمد» جزاهم الله خيراً (45/ 143).

ص: 271

‌الحديث السادس والخمسون

(1)

:

139 -

قال الإمام أحمد (1/ 219): حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس رضي الله عنه، قال:

جئت أنا والفضل ونحن على أتان ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي بالناس بعرفة، فمررنا على بعض الصف فنزلنا عنها وتركناها ترتع ودخلنا في الصف، فلم يقُل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً.

‌التعليق:

هذا إسناد على شرط الشيخين.

وأخرجه الحميدي (475) وابن أبي شيبة (2886) كلاهما عن سفيان.

وأخرجه مسلم في صحيحه (504)(256) من طريق يحيى بن يحيى، وعمرو الناقد، وإسحاق بن إبراهيم، ثلاثتهم عن سفيان به. (ولم يسق لفظه بل أحال على ما قبله).

وأخرجه النسائي (2/ 64) من طريق محمد بن منصور، وابن ماجه (947) من طريق هشام بن عمار وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1116) من طريق القعنبي وإبراهيم بن يسار وإسحاق بن إبراهيم، قال: ولم يقل القعنبي: (بعرفة).

(1)

رجال الإسناد:

الزهري، تقدم. انظر: ترجمته في بابه.

عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، تقدم.

ص: 272

وابن الجارود في «المنتقى» (168) من طريق ابن المقري ومحمد بن آدم، وابن خزيمة (833) من طريق محمد بن المثنى وعبد الجبار بن العلاء وسعيد بن عبد الرحمن، وأبو يعلى (2382) من طريق أبي خيثمة. وأبو عوانة (1430) من طريق شعيب بن عمرو الدمشقي وابن جرير في «تهذيب الآثار» (1/ 285 الجزء المفقود) من طريق يونس بن عبد الأعلى وأحمد الدولابي، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/ 459) من طريق يونس، والبيهقي (2/ 276) من طريق سعدان بن نصر.

كلهم عن سفيان بن عيينة به.

هكذا رواه هؤلاء الأئمة عن سفيان بن عيينة وفيه قال: (يصلِّي بالناس بعرفة).

ورواه الدارمي (1415) عن الفضل بن دكين، عن سفيان على الشك (فقال: بمنى أو: بعرفة).

ورواه أبو داود (715) عن عثمان بن أبي شيبة عن سفيان مقروناً بطريق القعنبي عن مالك وفيه: (يصلِّي بالناس بمنى). وقال: وهذا لفظ القعنبي.

هكذا رواه سفيان عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، فقال:(بعرفة).

خالفه مالك

(1)

، ويونس بن يزيد

(2)

، ومعمر

(3)

، ومحمد بن

(1)

البخاري (76) و (493)، (4412) ومسلم (504)(254).

(2)

البخاري (4412) تعليقاً، ومسلم (504)(255)، والبخاري أيضاً تعليقاً (1857).

(3)

الترمذي (337)، وأحمد (1/ 365)، وابن جرير في تهذيب الآثار (1/ 298 رقم 550).

ص: 273

عبد الله بن مسلم الزهري

(1)

، وعبد الرحمن بن إسحاق

(2)

.

فرووه عن الزهري بنفس الإسناد وقالوا: (بمنى).

قال الحافظ في «الفتح» (1/ 572): (قوله يصلِّي بالناس بمنى) كذا قال مالك وأكثر أصحاب الزهري، ووقع عند مسلم من رواية ابن عيينة (بعرفة). قال النووي: يحمل ذلك على أنهما قضيتان، وتعقب بأنَّ الأصل عدم التعدد ولا سيما مع اتحاد مخرج الحديث، فالحق أنَّ قول ابن عيينة:(بعرفة) شاذ.

قلت: يدل على ذلك أنَّ سفيان قد رواه على الشك فقال: (بمنى أو بعرفة)

(3)

.

(1)

البخاري (1857).

(2)

ابن جرير في «تهذيب الآثار» (1/ 298 رقم 551).

(3)

ورواه أيضاً معمر عن الزهري فقال: (وذلك في حجة الوداع أو الفتح. قال الحافظ: (وهذا الشك من معمر لا يعول عليه، والحق أنَّ ذلك في حجة الوداع). ورواية معمر عند عبد الرزاق (2359)، وأحمد (7/ 365)، ومسلم (504/ 257).

ص: 274

‌الحديث السابع والخمسون

(1)

:

140 -

قال أبو عبد الرحمن النسائي في «المجتبى» (4/ 56) وفي «الكبرى» (1/ 632 ح 2071): أنبأنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن حجر وقتيبة بن سعيد، عن سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة.

‌التعليق:

هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.

وأخرجه أبو داود (3179)، والترمذي (1007)، وابن ماجه (1482)، وأحمد (2/ 8)، والطيالسي (1817)، والحميدي (607)، وابن أبي شيبة (3/ 277)، وأبو يعلى (5421) و (5482) و (5532)، والطحاوي (1/ 479)، والروياني (1388)، وابن حبان (3045) و (3046)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (3/ 67)، كلهم من طرق عن سفيان به.

(1)

رجال الإسناد:

إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، تقدم.

علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، نزيل بغداد، ثقة حافظ، مات سنة 244 وقد قارب المائة أو جاوزها، روى له البخاري ومسلم.

قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي، أبو رجاء البغلاني، تقدم.

الزهري، تقدم مراراً.

سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أحد الفقهاء السبعة وكان ثبتاً عابداً فاضلاً

، من كبار الثالثة روى له البخاري ومسلم.

ص: 275

هكذا رواه سفيان فقال: (عن الزهري، عن سالم، عن عبد الله بن عمر، أنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة).

خالفه مالك ومعمر فرويا هذا الحديث مرسلاً وقد فصله معمر فميز فيه قول الزهري.

رواية مالك:

فقد روى يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة والخلفاء هلم جرًّا وعبد الله بن عمر

(1)

.

رواية معمر:

فرواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يمشون بين يدَي الجنازة.

قال معمر: وأخبرني الزهري، قال: أخبرني سالم أنَّ أباه كان يمشي بين يدَي الجنازة

(2)

.

ورواه شعيب بن أبي حمزة، وابن جريج، ويونس بن يزيد، وعقيل بن خالد، وزياد بن سعد على وجوه تحتمل الاتصال، والصحيح أنها مرسلة.

(1)

«الموطأ» (1/ 219 رقم 8) باب المشي أمام الجنازة، قال ابن عبد البرّ في «التمهيد» (12/ 13): هكذا الحديث في الموطأ مرسل عند الرواة عن مالك للموطأ، وقد وصله عن مالك قوم منهم يحيى بن صالح الوحاظي وعبد الله بن عون الخراز وحاتم بن سالم القزاز

قال: والصحيح فيه عن مالك الإرسال.

(2)

عبد الرزاق (6259) ورواه الترمذي (1009) عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق.

ص: 276

رواية شعيب بن أبي حمزة:

رواه عمرو بن عثمان بن سعيد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، أنَّ عبد الله بن عمر كان يمشي بين يدَي الجنازة، قال: وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمشي بين يديها وأبا بكر وعمر وعثمان.

قال الزهري: وكذلك السنَّة

(1)

.

وهذا ظاهره الإرسال لأن سالماً يحكي عن فعل أبيه لا عن قوله؛ لذا فإنَّ قوله: قال: وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمشي

هو إما من قوله أو من قول الزهري.

والظاهر أنه من قول الزهري كما جاء في رواية معمر؛ لذا فالعجب من ابن حبان أن يحتج به في تصحيح رواية سفيان.

رواية ابن جريج:

روى أحمد (2/ 37) عن عبد الرزاق وابن بكر، قالا: أخبرنا ابن جريج، قال: قال ابن شهاب، حدثني سالم بن عبد الله، أنَّ عبد الله بن عمر كان يمشي بين يدَي الجنازة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يمشون أمامها.

ورواه أبو يعلى (5519) من طريق أبي عاصم عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن شهاب، أخبرني سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أنه كان يمشي بين يدَي الجنازة، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يمشون أمامها.

(1)

أخرجه ابن حبان (3048) باب ذكر الخبر المدحض قول مَنْ زعم أنَّ هذا الخبر أخطأ فيه سفيان بن عيينة.

ص: 277

وهذا أيضاً مرسل إما من قول الزهري أو من قول سالم بن عبد الله بن عمر، والأول أظهر.

ويؤيده أنَّ الخطيب رواه من طريق جعفر بن عون عن ابن جريج، عن الزهري، عن سالم، أنَّ ابن عمر كان يمشي أمام الجنازة، ويُقال: قد مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان أمامها.

رواية يونس بن يزيد:

رواه الطحاوي (1/ 475): من طريق ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سالم، أنَّ عبد الله بن عمر كان يمشي أمام الجنازة، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان.

ورواه الخطيب في «المدرج» (1/ 335) من طريق أحمد بن شبيب عن أبيه، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم أنَّ عبد الله بن عمر كان يمشي بين يدَي الجنازة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي بين يديها وأبو بكر وعمر وعثمان، وكذلك السنَّة في اتباع الجنائز.

وهذا ظاهره الإرسال لا شك فيه.

ورواه الطبراني في «الكبير» (13135) من طريق ابن لهيعة عن عقيل ويونس، عن الزهري بمثل رواية ابن عيينة، لكن ابن لهيعة ضعيف.

رواية عُقيل بن خالد:

روى أحمد (2/ 140) من طريق الليث بن سعد، وقال: حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب، أنَّ سالم بن عبد الله بن عمر أخبره أنَّ

ص: 278

عبد الله بن عمر كان يمشي بين يدَي الجنازة، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمشي بين يديها، وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.

ورواه الطحاوي (1/ 480) والخطيب في «المدرج» (1/ 233) من طريق سعيد بن عفير عن يحيى بن أيوب، عن عقيل به.

وزاد قوله: (وكذلك السنَّة في اتباع الجنائز).

وهذا ظاهره الإرسال وأنه من قول سالم أو الزهري إذ إنهما يحكيان عن فعل ابن عمر لا قوله.

رواية زياد بن سعد:

رواه أحمد (2/ 140) قال: حدثنا حجاج، قال: قرأت على ابن جريج: حدثني زياد بن سعد أنَّ ابن شهاب قال: حدثني سالم عن عبد الله بن عمر، أنه كان يمشي بين يدَي الجنازة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم يمشون أمامها.

وهذا مثل سابقه ظاهره الإرسال.

رواية النعمان بن راشد:

رواه الخطيب في «المدرج» (1/ 334) من طريق وهب بن جرير عن النعمان بن راشد، عن الزهري، عن سالم، أنَّ أباه كان يمشي أمام الجنازة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يمشون بين يدَي الجنازة.

وهذا ظاهر الإرسال لا شك فيه.

رواية موسى بن عقبة وأبي عتيق:

رواه الطبراني في «الكبير» (13136) من طريق سليمان بن بلال

ص: 279

عن ابن شهاب، عن سالم، أنَّ عبد الله بن عمر كان يمشي أمام الجنازة، وقال: قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي بين يديها وأبو بكر وعمر وعثمان.

وهذا ظاهر الإرسال أيضاً.

رواية هشام الدستوائي:

روى ابن عبد البرّ في «التمهيد» (12/ 92) بسنده من طريق وهب الله بن راشد، قال: حدثنا هشام الدستوائي عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أنه كان يمشي أمام الجنازة ويقول: مشى أمامها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان.

لذا أعلَّ الأئمة الحديث وحذاقه المتقدمون هذا الحديث ورأوا أنَّ سفيان وهم فيه، وأنَّ قول:(إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة) إنما هو قول الزهري وكان يدرج كلامه بعد الحديث ولا يفصله.

كان موسى بن عقبة يقول للزهري: افصل كلامك من كلام النبيِّ صلى الله عليه وسلم لما كان يحدِّث به من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخلطه بكلامه.

قال النسائي عقب الحديث: هذا الحديث خطأ، وهم فيه ابن عيينة، خالفه مالك؛ مالك رواه عن الزهري مرسلاً.

وقال أيضاً: وإنما أتى هذا لأن الحديث رواه الزهري عن سالم، عن أبيه، أنه كان يمشي أمام الجنازة، قال: وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يمشون أمام الجنازة. وقال: (كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إنما هو من قول الزهري.

ص: 280

ونقل الترمذي عن عبد الله بن المبارك والبخاري مثل ذلك.

قال الترمذي: (حديث ابن عمر هكذا رواه ابن جريج وزياد بن سعد وغير واحد عن الزهري، عن سالم، عن أبيه نحو حديث ابن عيينة.

وروى معمر ويونس بن يزيد ومالك وغيرهم من الحفّاظ عن الزهري أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يمشي أمام الجنازة.

وأهل الحديث كلهم يرون أنَّ الحديث المرسل في ذلك أصح.

وسمعت يحيى بن موسى يقول: سمعت عبد الرزاق يقول: قال ابن المبارك: حديث الزهري في هذا مرسل، أصح من حديث ابن عيينة.

قال ابن المبارك: وأرى ابن جريج أخذه عن ابن عيينة)

(1)

.

وقال البخاري: (وإنما يُروى هذا الحديث عن يونس، عن الزهري، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة، قال الزهري: وأخبرني سالم أنَّ أباه كان يمشي أمام الجنازة)

(2)

.

(1)

سنن الترمذي (2/ 321 عقب الحديث 1009).

(2)

المصدر السابق، عقب الحديث 1010.

ص: 281

وقال الترمذي في «العلل» : سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: الصحيح عن الزهري أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة

(1)

.

وقال الإمام أحمد: (هذا الحديث (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو عن الزهري مرسل، وحديث سالم فعل ابن عمر وحديث ابن عيينة كأنه وهم)

(2)

.

وقال علي بن المديني لسفيان: يا أبا محمد، إنَّ معمراً وابن جريج يخالفانك فيه. فقال: اسكت، الزهري حدثنيه، سمعته من فيه يعيده ويبديه عن سالم، عن أبيه

(3)

.

وقال الخطيب: والحديث ليس بمسند وإنما أدرج فيه ذكر النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، وذلك أنَّ الزهري كان يرويه عن سالم (أنَّ ابن عمر كان يمشي أمام الجنازة) ثم يقول الزهري: وقد مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان أمامها

(4)

.

وقال ابن المبارك: الحفّاظ عن ابن شهاب ثلاثة: مالك، ومعمر، وابن عيينة. فإذا اجتمع اثنان على قول أخذنا به وتركنا القول الآخر

(5)

.

وقال الحافظ في «التلخيص» (2/ 111) بعد أن ذكر قول الإمام أحمد والترمذي والنسائي، قال: (ذكر الدارقطني في «العلل» اختلافاً كثيراً فيه على الزهري، قال: والصحيح قول مَنْ قال: عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أنه كان يمشي. قال: وقد مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر. واختار البيهقي

(6)

ترجيح الموصول لأنه

(1)

العلل (1/ 144).

(2)

الطبراني في المعجم الكبير (12/ 286).

(3)

مسند أبي بكر (1/ 212 - 213).

(4)

الفصل للوصل المدرج في النقل (1/ 331).

(5)

النسائي في الكبرى (1/ 632 - 261).

(6)

السنن الكبرى (4/ 23).

ص: 282

من رواية ابن عيينة وهو ثقة حافظ، وعن علي بن المديني قال: قلت لابن عيينة: يا أبا محمد، خالفك الناس في هذا الحديث. فقال: استيقن الزهري حدثني مراراً لست أحصيه يعيده ويبديه، سمعته من فيه عن سالم، عن أبيه. قلت: وهذا لا ينفي عنه الوهم، فإنه ضابط لأنه سمعه منه عن سالم، عن أبيه، والأمر كذلك، إلا أن فيه إدراجاً، لعل الزهري أدرجه إذ حدَّث به ابن عيينه وفصله لغيره وقد أوضحته في «المدرج» بأتمّ من هذا، وجزم أيضاً بصحته ابن المنذر وابن حزم وقد روى عن يونس، عن الزهري، عن أنس مثله أخرجه الترمذي). اه.

‌الترجيح:

رأي الأئمة المتقدمين أحمد والبخاري وعبد الله بن المبارك والترمذي والنسائي والدارقطني ومَن تابعهم

(1)

أرجح وذلك للتالي:

1 مالك ومعمر قد اجتمعا على خلاف سفيان. قال عبد الله بن المبارك: الحفّاظ عن ابن شهاب ثلاثة: مالك، ومعمر، وابن عيينة، فإذا اجتمع اثنان على قول أخذنا به وتركنا القول الآخر.

2 أنَّ معمراً قد جوَّد هذا الحديث فميَّز قول الزهري وبيَّنه وقد كان الزهري يدرج هذه الكلمة فربما لم يميزها عند حديثه لسفيان بهذا الحديث فأدى سفيان ومَن تابعه ما سمعوا.

3 مالك ومعمر مقدمان على سفيان في الزهري.

(1)

وخالفهم: ابن المنذر والبيهقي وابن حبان وابن حزم فصححوا هذا الحديث، ومن المعاصرين: أحمد شاكر والألباني.

ص: 283

قال ابن معين: معمر ويونس عالمان بالزهري، ومعمر أثبت في الزهري من ابن عيينة

(1)

.

وسئل أحمد: أيّ أصحاب الزهري أحب إليك؟ قال: مالك أحبهم إليَّ في قلة روايته وبعده معمر، وما يُضمَّن إلى معمر أحد إلا أصبت معمراً يفوقه وأطلب منه للحديث

(2)

.

4 قال الإمام أحمد: كنت أنا وعلي بن المديني، فذكرنا أثبت مَنْ يروي عن الزهري فقال علي: سفيان بن عيينة. وقلت أنا: مالك بن أنس. وقلت: مالك أقلّ خطأً عن الزهري وابن عيينة يخطاء في نحو من عشرين حديثاً عن الزهري، في حديث كذا وكذا. فذكرت منها ثمانية عشر حديثاً، وقلت: هات ما أخطأ فيه مالك. فجاء بحديثين أو ثلاثة، فرجعت فنظرت فيما أخطأ فيه ابن عيينة فإذا هي أكثر من عشرين حديثاً

(3)

.

‌علة الوهم:

الإدراج؛ فكان الزهري يروي عن سالم، عن أبيه عبد الله بن

(1)

الجرح والتعديل (8/ 257) كان كلامي هذا قبل ظهور نتائج البحث، وأنّ يونس بن يزيد هو أوثق الرواة عن الزهري.

(2)

قال ابن حجر في الفتح (12/ 103): (وأما ابن عيينة فإنما سمع من الزهري سنة 123 ورجع الزهري فمات في التي بعدها). قلت: وذكر ابن عيينة أنه وُلد للنصف من شعبان سنة 107 هـ فيكون عمره لما سمع من الزهري ستة عشر عاماً.

(3)

العلل ومعرفة الرجال برواية ابنه عبد الله (2/ 349).

وهذه الأحاديث التي أخطأ فيها لا تعدّ شيئاً مقارنة لكثرة رواياته عن الزهري فقد ذكر الإمام أحمد قبل هذه الحكاية أنَّ عند ابن عيينة عن الزهري نحواً من ثلاثمائة حديث ونقله عنه الذهبي في الميزان (2/ 170) وذكر أحمد كذلك أنَّ عند مالك عن الزهري نحو ما عند سفيان، انظره:(2/ 349).

ص: 284

عمر، أنه كان يمشي أمام الجنازة ثم يقول الزهري: وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يمشون أمام الجنازة.

فمن هنا دخل الوهم على سفيان. والله تعالى أعلم.

وسيأتي الحديث في باب يونس بن يزيد (741) فانظره.

‌الدلالة الفقهية:

قال الترمذي: اختلف أهل العلم في المشي أمام الجنازة، فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنَّ المشي أمامها أفضل وهو قول الشافعي وأحمد.

وقال ابن عبد البرّ في «التمهيد» (12/ 94): واختلف الفقهاء في المشي أمام الجنازة وخلفها وفي أي ذلك أفضل.

فقال مالك والليث والشافعي: السنَّة المشي أمام الجنازة وهو الأفضل.

وقال الثوري: لا بأس بالمشي خلفها وأمامها والفضل في ذلك سواء.

وقال أبو حنيفة وأصحابه: المشي خلفها أفضل، ولا بأس عندهم بالمشي أمامها.

قال أبو عمر: روي عن ابن عمر وأبي هريرة والحسن بن علي وابن الزبير وأبي أسيد الساعدي وأبي قتادة وعبيد بن عمير وشريح أنهم كانوا يمشون أمام الجنازة ويأمرون الناس بذلك، وهو قول الفقهاء السبعة المدنيين وأكثر الحجازيين.

وقال الزهري: المشي خلف الجنازة من خطأ السنَّة.

ص: 285

وقال أحمد بن حنبل: المشي أمامها أفضل. واحتج بتقديم عمر بن الخطاب الناس في جنازة زينب بنت جحش، وضعَّف أحمد حديث علي بن أبي طالب أنه قال: فضل المشي خلفها على المشي أمامها كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ

ص: 286

‌الحديث الثامن والخمسون

(1)

:

141 -

قال الإمام النسائي في «السنن الكبرى» (1372): أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد، قال: ثنا سفيان، عن الزهري، عن عيسى بن طلحة، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عبد الله بن يزيد مولى آل عمر، وهو ثقة وثَّقه النسائي. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال ابنه ابن أبي حاتم: صدوق ثقة. وقال الخليلي: ثقة متفق عليه، وقد توبع.

وهو في مسند الشهاب (269) من طريقه، والبزار (2419) من طريق أحمد بن داود الواسطي عن سفيان بهذا الإسناد.

ورواه ابن عبد البرّ في «التمهيد» (13/ 49) من طريق حامد بن يحيى البلخي عن سفيان بهذا الإسناد.

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن عبد الله بن يزيد المقراء، أبو يحيى المكي، ثقة، من العاشرة، مات سنة 56، روى له النسائي وابن ماجه.

الزهري، تقدم.

عيسى بن طلحة بن عبد الله التيمي، أبو محمد المدني، ثقة فاضل، من كبار الثالثة، مات سنة 100، روى له البخاري ومسلم.

عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل السهمي، أحد السابقين المكثرين من الصحابة، مات في ذي الحجة ليالي الحرة على الأصح بالطائف على الراجح.

ص: 287

هكذا قال سفيان: (الزهري، عن عيسى بن طلحة، عن عبد الله بن عمرو).

وخالفه محمد بن إسحاق

(1)

فقال: (عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو)، ومالك

(2)

فقال: (عن الزهري، عن عبد الله بن عمرو) وهذا منقطع، الزهري لم يدرك عبد الله بن عمرو.

قال النسائي

(3)

: هذا خطأ، والصواب: الزهري عن عبد الله بن عمرو مرسل. ثم قال: خالفه محمد بن إسحاق.

وقال البزار: حديث عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو ولا نعلم رواه إلا ابن عيينة عن الزهري

(4)

.

وقال ابن عبد البرّ: ورواه الحسين بن الوليد عن مالك، عن ابن شهاب، عن عيسى بن طلحة، عن عبد الله بن عمرو، ولم يتابعه على ذلك أحد من رواة مالك وإنما يرويه هكذا عن ابن شهاب، عن عيسى بن طلحة، عن عبد الله بن عمرو، ابن عيينة وحده من بين أصحاب ابن شهاب، على اختلاف على ابن عيينة في ذلك أيضاً.

وقال الدارقطني: تفرد به سفيان بن عيينة عن الزهري، عن عيسى بن طلحة، عن عبد الله بن عمرو

(5)

.

قلت: تفرد سفيان بهذا الحديث عن الزهري ليس بعلة فهو إمام

(1)

البزار (2420) والطبراني في الأوسط (746).

(2)

«الموطأ (1/ 136 ح رقم 308).

(3)

السنن الكبرى (1/ 432 - 433) ولم يسق رواية محمد بن إسحاق.

(4)

مسند البزار (6/ 399).

(5)

أطراف الغرائب والأفراد (4/ 37).

ص: 288

ثقة حافظ وهو مقدم على محمد بن إسحاق في الزهري وغيره والإمام مالك رواه مرسلاً ولم يذكر الواسطة بينهما إلا أنَّ ما يعلّ الحديث هو ما ذكره الفسوي في كتاب «المعرفة» (2/ 735) حيث قال: قال سفيان: حدثنا الزهري أو حدثت عنه، عن عيسى بن طلحة وربما قال سفيان: أراه عن عيسى بن طلحة، وربما لم يذكر سفيان عيسى بن طلحة أصلاً عن عبد الله بن عمرو، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم» . والله تعالى أعلم.

ص: 289

‌الحديث التاسع والخمسون

(1)

:

142 -

قال الإمام إسحاق بن راهويه (2225): أخبرنا سفيان عن الزهري أو أخيه عبد الله بن مسلم قال: وكان عنده. قال: لا أدري من أيهما سمعه حدث عن عروة بن الزبير، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

«يا معشر المؤمنات، مَنْ كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى يرفع الإمام رأسه من ضيق الثياب» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح.

وأخرجه أحمد (6/ 349) ومن طريقه الخطيب في تاريخه (9/ 217) من طريق سريج بن النعمان عن سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن أسماء بنت أبي بكر.

هكذا قال سفيان: (الزهري أو أخيه في رواية عن عروة، عن أسماء).

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القرشي الزهري، تقدم.

عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، أبو محمد أخو الزهري الإمام، ثقة، من الثالثة، مات قبل أخيه، روى له مسلم واستشهد به البخاري في «الصحيح» .

عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، تقدم.

ص: 290

وخالفه معمر

(1)

والنعمان بن راشد

(2)

فقالا:

(عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري، عن مولاة لأسماء، عن أسماء).

قال الدارقطني: وهو الصحيح

(3)

، وهم سفيان في هذا الإسناد في موضعين:

الأول: قوله عن (الزهري).

وقد ذكر إسحاق أنَّ سفيان كان يشك من أيهما سمعه من الزهري أو أخيه وكلاهما ثقة، ثم إنه في رواية سريج بن النعمان قال: عن الزهري، ولم يشك فيه فوهم.

الوهم الثاني: ذكره عروة في الإسناد وليس هذا من حديث عروة إنما هو من رواية مولاة لأسماء، وقيل: مولى لأسماء، كما جاء في رواية أبي داود وعند الطبراني أنَّ اسمه عبد الله، وهو عبد الله بن عباد.

وقد رواه سفيان مرة أخرى على الصواب فقال: (عن أخي الزهري، عمَّن سمع أسماء، عن أسماء).

هكذا رواه عنه الحميدي

(4)

ومحمد بن أبي عمر العدني

(5)

.

(1)

أبو داود (851)، وعبد الرزاق (5109)، وأحمد (6/ 348)، وإسحاق (2226)، والطبراني في الكبير (24/ 260)، والبيهقي (2/ 241).

(2)

أحمد (6/ 348) والطبراني (24/ 261).

(3)

العلل (15/ 296).

(4)

مسند الحميدي (327).

(5)

الطبراني في الكبير (24/ 261).

ص: 291

قال الخطيب عقب الحديث: هكذا روى سريج هذا الحديث عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، وليس هو من حديث عروة ولا من حديث الزهري عنه، وإنما رواه عبد الله بن مسلم أخو الزهري عن مولى لأسماء، ويقال: مولاة لأسماء، عن أسماء.

وقال الحافظ المزي: (رواه سريج بن النعمان الجوهري عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن أسماء.

وقد وهم سريج في موضعين منه: أحدهما قوله: عن الزهري، والثاني قوله: عن عروة، فإنه ليس من حديث الزهري ولا من حديث عروة، والمحفوظ حديث معمر، وكان ابن عيينة يرويه عن أخي الزهري وربما شك ابن عيينة فيه فقال: عن الزهري أو عن أخيه، عن رجل لم يسمِّه، عن أسماء، حكاه عبد الغني بن سعيد عن الدارقطني، وقيل فيه: عن مولاة لأسماء عن أسماء)

(1)

.

هكذا قال المزي إنَّ الوهم من سريج لكن قد تابعه إسحاق بن راهويه وهو إمام حافظ، وهو قطعاً لم يقف على روايته وإلا لنسب الوهم إلى سفيان مع احتمال أن يكون الوهم في قوله:(الزهري) من سفيان لأنه كان يشك فيه، والوهم في قوله:(عروة) من إسحاق وسريج لأن الحميدي والعدني خالفاهما وإن كان الأول أظهر. والله تعالى أعلم.

قال الدارقطني وقد سئل عن هذا الحديث:

(يرويه الزهري واختلف عنه، فرواه ابن عيينة واختلف عنه:

(1)

تحفة الأشراف (11/ 17 رقم 15738).

ص: 292

فقال محمد بن عباد وابن أبي خداش وأبو الأشعث عن ابن عيينة، قال: سمعت الزهري أو أخاً له عن عروة، عن أسماء. وقال الحميدي: عن ابن عيينة حدثنا أخو الزهري، عمَّن سمع أسماء. ورواه النعمان بن راشد ومعمر عن أخي الزهري، عن مولى أسماء، عن أسماء. وهو الصحيح)

(1)

.

‌علة الوهم:

سفيان ربما شك فقال: (الزهري أو أخوه). وقال ثانية الزهري وقال ثالثة: أخو الزهري، وذكر سبب ذلك أنهما كانا معاً وسمع الحديث من أحدهما.

أمّا وهمه في ذكر عروة في الإسناد وذلك لكثرة ما رواه عروة عن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها. والله تعالى أعلم.

(1)

العلل (15/ 295 - 296).

ص: 293

‌الحديث الستون

(1)

:

143 -

قال النسائي (1/ 121): أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا سفيان عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها:

أنَّ أُمّ حبيبة بنت جحش كانت تستحاض سبع سنين فسألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: «ليست بالحيضة إنما هو عرق» فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضتها وتغتسل وتصلِّي، فكانت تغتسل عند كل صلاة.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.

وأخرجه النسائي أيضاً في (1/ 183)

(2)

وفي «الكبرى» (215) بنفس الإسناد.

ورواه إسحاق بن راهويه (567) و (2062) عن سفيان به.

ورواه أبو عوانة (936) من طريق محمد بن الصباح عن سفيان به.

ورواه مسلم (334) من طريق محمد بن المثنى ولم يسق لفظه بل قال بنحو حديثهم.

هكذا قال سفيان: عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة، أنَّ

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن المثنى بن عبيد العنزي، أبو موسى البصري المعروف بالزمن مشهور بكنيته وباسمه، ثقة ثبت، من العاشرة، وكان هو وبندار كفرسي رهان وماتا في سنة واحدة سنة 252، روى له البخاري ومسلم.

(2)

ووقع عنده في هذا الموضع (موسى) وأظنه أنَّ هناك سقطاً إنما هو (أبو موسى) وهو محمد بن المثنى فإنه ليس ممَّن روى عن ابن عيينة أحد اسمه (موسى) كما في ترجمته في «التهذيب» .

ص: 294

النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليست بالحيضة إنما هو عرق» فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضتها وتغتسل وتصلِّي.

خالفه ابن أبي ذئب

(1)

، والليث بن سعد

(2)

، وعمرو بن الحارث

(3)

، وإبراهيم بن سعد

(4)

، ومعمر

(5)

، وصالح بن أبي الأخضر

(6)

، وعثمان التيمي

(7)

، ويونس بن يزيد

(8)

، ومحمد بن إسحاق

(9)

، وسليمان بن كثير

(10)

، فرووه عن الزهري بهذا الإسناد، ولم يذكروا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضتها.

ولفظ ابن أبي ذئب: (إنَّ أمّ حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمرها أن تغتسل، فقال: «هذا عرق» فكانت تغتسل لكل صلاة).

ولفظ الليث: («إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلِّي» فكانت تغتسل عن كل صلاة).

قال الليث: لم يذكر ابن شهاب أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أمّ حبيبة بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي.

(1)

البخاري (327) وأبو داود (291).

(2)

مسلم (334).

(3)

مسلم (334).

(4)

مسلم (334).

(5)

عبد الرزاق (1164)، وأحمد (6/ 434)، وإسحاق (569)(2061).

(6)

إسحاق (568).

(7)

الحاكم (4/ 62).

(8)

أبو داود (289).

(9)

أبو داود (292)، وأحمد (6/ 431)، والدارمي (777) و (785).

(10)

أبو داود (292) والبيهقي (1/ 350).

ص: 295

ولفظ عمرو بن الحارث: «إنَّ هذه ليست بالحيضة ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلِّي» .

ورواه إبراهيم بن سعد ومعمر وصالح ويونس وعثمان التيمي بنحو ذلك.

ورواه ابن إسحاق بلفظ: (فأمرها بالغسل لكل صلاة) وسيأتي في بابه لأنه وهم في ذلك. كما ذكر الليث وغيره أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بذلك ولكن هي فعلته من نفسها.

وبنحو روايته رواه سليمان بن كثير.

وهم سفيان فأدخل حديثاً في حديث، فإنَّ قوله:(أن تدع الصلاة قدر أقرائها وحيضتها) إنما هو رواية أم سلمة رضي الله عنها في شأن فاطمة بنت أبي حبيش)

(1)

.

لذا قال أبو داود: (وزاد ابن عيينة في حديث الزهري عن عمرة، عن عائشة، أنَّ أمّ حبيبة كانت تستحاض فسألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها).

قال أبو داود: وهذا وهم من ابن عيينة ليس هذا في حديث الحفّاظ عن الزهري إلا ما ذكر سهيل بن أبي صالح، وقد روى الحميدي هذا الحديث عن ابن عيينة لم يذكر فيه:(تدع الصلاة أيام أقرائها)

(2)

.

وقد وافق سفيان الجماعة فرواه بنحو روايتهم دون أن

(1)

الحميدي (304)، ومن طريق أبو نعيم في مستخرجه على مسلم، ورواه الدارقطني (1/ 208) بنحو رواية الحميدي.

(2)

أبو داود (عقب الحديث 281).

ص: 296

يذكر هذه الزيادة، كذا رواه عنه: الإمام الشافعي

(1)

، والحميدي

(2)

.

وقال البيهقي: إنَّ هذه اللفظة إنما ذكرها هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش

(3)

.

‌علة الوهم:

1 سفيان بن عيينة كان يروي حديث أمّ حبيبة بنت جحش من طريق الزهري ويروي حديث فاطمة بنت أبي حبيش من طريق أيوب السختياني

(4)

، فدخل عليه حديث فاطمة بنت أبي حبيش في حديث أمّ حبيبة.

2 الرواية بالمعنى دون التقيد باللفظ، دلَّ على ذلك قول إسحاق بن راهويه عقب حديثه، قال: قال سفيان: أو نحوه

(5)

.

وتعقب الألباني أبا داود فقال في صحيح سنن أبي داود

(6)

:

(1)

الأُمّ (1/ 244 ط د. أحمد حسون) وفي مسنده (1/ 46 - 47)، والسنن المأثورة (1/ 202)، ومن طريقه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 99)، وفي شرح المشكل (2738)، والبيهقي في المعرفة (2/ 121).

(2)

في مسنده (160).

(3)

في السنن الكبرى (1/ 328 - 329)، وانظر ح (227) في باب الأوزاعي.

(4)

قال الحميدي في مسنده (304): (حدثنا سفيان قال: حدثنا أيوب السختياني عن سليمان بن يسار عن أمّ سلمة أنها قالت: كانت فاطمة بنت أبي حبيش تستحاض فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنه ليس بالحيضة ولكنه عرق» وأمرها أن تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضتها ثم تغتسل). وعنه رواه البخاري (3020) من طريق سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلِّي» .

(5)

«مسند إسحاق» (4/ 245 عقب الحديث 2062).

(6)

(2/ 43).

ص: 297

(وصله مسلم وأبو عوانة في صحيحيهما وابن عيينة ثقة حافظ متقن، وقد تابعه الأوزاعي وغيره من الثقات، فانظر الحديث الآتي رقم (283).

وقد خالف الحميدي: محمد بن المثنى ومحمد بن الصباح ومحمد بن إدريس الشافعي الإمام وموسى بن عبد الرحمن المسروقي فكلهم رووه عن ابن عيينة فذكروا فيه هذا الزيادة؛ ورواية هؤلاء مقدمة على رواية الحميدي) اه.

وفيما قاله العلَّامة الألباني نظر من وجوه:

أولاً: قوله أنَّ الشافعي قد خالف الحميدي فرواه عن سفيان بهذه الزيادة، هذا وهم منه فقد رواه الشافعي في «الأُمّ» وفي «المسند» وفي «السنن المأثورة» بدون هذه الزيادة. وكذلك رواه عنه البيهقي كما سبق بيانه، ورواه الطحاوي من طريق الشافعي ولم يسق لفظه بل أحال على ما قبله وهو حديث إبراهيم بن سعد. وأحال حديث إبراهيم بن سعد على حديث الليث، وحديثهما ليس فيه هذه الزيادة فلا أدري من أين دخل الوهم على شيخنا.

ثانياً: قوله أنَّ موسى بن عبد الرحمن المسروقي قد رواه عن ابن عيينة بمثل ما رواه محمد بن الصباح ومحمد بن المثنى.

وهذا وهم فإنَّ موسى بن عبد الرحمن هذا لم يروِ عن ابن عيينة كما في ترجمته في «التهذيب» . والذي أوقعه في هذا الوهم ما جاء عند النسائي (1/ 183 رقم 357) قال: أخبرنا موسى، قال: حدثنا سفيان، وقد وقع سقط في المطبوع، والصحيح: أخبرنا أبو موسى، وأبو موسى هو محمد بن المثنى نفسه، والدليل على ذلك أنه أخرجه في

ص: 298

«الكبرى» في نفس الباب (ذكر الإقراء) قال: محمد بن المثنى

(1)

.

وذكر الحافظ المزي أنَّ النسائي رواه من طريق محمد بن المثنى عن سفيان ولم يذكر موسى بن عبد الرحمن المسروقي، وكما سبق أنه ليس لموسى هذا رواية عن سفيان بن عيينة كما في ترجمتهما في «التهذيب» .

أمّا قوله: وصله مسلم في صحيحه، فإنَّ الإمام مسلماً أخرجه في صحيحه ولم يسق لفظه بل أحال على ما قبله وليس فيه هذه الزيادة. والله تعالى أعلم.

‌الخلاصة:

اختلف على سفيان فرواه عنه الإمام الشافعي والحميدي بدون ذكر أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها.

ورواه عنه إسحاق ومحمد بن المثنى ومحمد بن الصباح بهذه الزيادة، وقد صرح سفيان نفسه في رواية إسحاق أنه يرويه بالمعنى فقال: أو نحوه، فترجح روايته الموافقة للجماعة.

وهذه الزيادة معناها صحيح وقد وردت من غير طريق الزهري وقد رواها سفيان من هذه الطريق، وهي التي حملته على الوهم على الزهري، وقد تابعه الأوزاعي وسيأتي في بابه

(2)

. والله تعالى أعلم.

(1)

السنن الكبرى (1/ 111) ح رقم (215).

(2)

ح (230).

ص: 299

‌الحديث الحادي والستون

(1)

:

144 -

قال الإمام الترمذي (2116): حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال:

مرضتُ عام الفتح مرضاً أشفيتُ منه على الموت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني، فقلت: يا رسول الله، إنَّ لي مالاً كثيراً وليس يرثني إلا ابنتي، أفأُوصي بمالي كله؟ قال:«لا» . قلت: فثُلثَي مالي. قال: «لا» . قلت: فالشطر. قال: «لا» . قلت: فالثلث. قال: «الثلث، والثلث كثير. إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس. وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرتَ فيها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك» . قال: قلت: يا رسول الله، أخلَّف عن هجرتي. قال:«إنك لن تُخلَّف بعدي فتعمل عملاً تريد به وجه الله إلا ازددت به رفعة ودرجة، ولعلك أن تُخلَّف حتى ينتفع بك أقوام ويُضرَّ بك آخرون. اللهم أمْض لأصحابي هجرتهم ولا تردَّهم على أعقابهم» لكن البائس سعدُ ابن خولة يَرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة.

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، تقدم.

عامر بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة 104، روى له البخاري ومسلم.

ص: 300

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن أبي عمر من رجال مسلم.

وأخرجه الشافعي في «السنن المأثورة» (5330)، وأحمد (1/ 179)، والحسين المروزي في «البر والصلة» (169)، وسعيد بن منصور (330)، والحميدي (66)، كلهم عن سفيان به.

وأخرجه ابن ماجه (2708) من طريق هشام بن عمار والحسين بن الحسن المروزي وسهل، وأبو عوانة (5765)، وأبو يعلى (747)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (7/ 39) و (13/ 219)، وابن حبان (4249)، والبيهقي (6/ 268)، وابن عبد البرّ في «التمهيد» (8/ 375)، والشاشي (84)، كلهم من طرق عن سفيان بن عيينة به وفيه:(عام الفتح).

وأخرجه البخاري في صحيحه (6733) عن الحميدي عن سفيان به ولم يذكر (عام الفتح) حذفه عمداً، وأبو داود (2864)، والنسائي (6/ 240)، وابن الجارود (947)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (217) من طرق عن سفيان ولم يقولوا:(عام الفتح).

هكذا قال سفيان: عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه:(مرضت عام الفتح)، وفي رواية:(بمكة عام الفتح).

خالفه مالك

(1)

، وإبراهيم بن سعد

(2)

، وعبد العزيز بن أبي

(1)

البخاري (1295).

(2)

البخاري (3936)(4409).

ص: 301

سلمة

(1)

، ومعمر بن راشد

(2)

، ويونس بن يزيد

(3)

، وسعيد بن عبد العزيز

(4)

، ويحيى بن سعيد الأنصاري

(5)

، وابن أبي عتيق

(6)

، وشعيب بن أبي حمزة

(7)

، كلهم عن الزهري بهذا الإسناد، فقالوا:(عام حجة الوداع).

خالف سفيان الجماعة فقال: (عام الفتح) والصحيح: (عام حجة الوداع).

وقد جاء في حديث عمر بن عبد الله بن الأرقم أنَّ سُبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة وهو من بني عامر من لؤي وكان ممَّن شهد بدراً فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلمّا تعلت من نفاسها تجملت للخطاب

(8)

الحديث.

لذا قال ابن المديني والبيهقي وابن عبد البرّ بصواب حديث الجماعة.

قال البيهقي: (خالفهم سفيان فقال: عام الفتح. والمحفوظ عام حجة الوداع)

(9)

.

(1)

البخاري (5668).

(2)

مسلم (1648)(5)، وعبد الرزاق (6357)، وأحمد (1524).

(3)

مسلم (1648)(5).

(4)

أبو عوانة (5770) و (5771).

(5)

ابن عبد البرّ في التمهيد (8/ 376).

(6)

ابن عبد البرّ (8/ 376).

(7)

البيهقي (6/ 285) والبخاري (56) مختصراً.

(8)

البخاري (3991) ومسلم (1484).

(9)

السنن الكبرى (6/ 268 - 269) ونقله صاحب البدر المنير (7/ 253).

ص: 302

وقال في موضع آخر: (وسائر الرواة عن الزهري قالوا فيه: عام حجة الوداع)

(1)

.

وقال ابن عبد البرّ: انفرد بذلك سفيان عن ابن شهاب فيما علمت، وقد روينا هذا الحديث من طريق معمر ويونس بن يزيد وعبد العزيز بن أبي سلمة ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن أبي عتيق وإبراهيم بن سعد، فكلهم قال فيه عن ابن شهاب: عام حجة الوداع، كما قال مالك

(2)

.

وقال ابن الملقن: قال سفيان بن عيينة: كان ذلك يوم فتح مكة، وهو من أفراده

(3)

.

وقال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن المديني، وذكر هذا الحديث فقال: قال معمر ويونس ومالك: (حجة الوداع)، وقال ابن عيينة:(عام الفتح). قال: (والذين قالوا: حجة الوداع، أصوب)

(4)

.

وقال الحافظ: واتفق أصحاب الزهري على أنَّ ذلك كان في حجة الوداع إلا ابن عيينة فقال: في فتح مكة، واتفق الحفّاظ على أنه وهم فيه، وقد أخرجه البخاري من طريقه فقال:(بمكة) ولم يذكر الفتح، وقد وجدت لابن عيينة مستنداً فيه وذلك فيما أخرجه أحمد والبزار والطبراني والبخاري في «التاريخ» وابن سعد من حديث عمرو القاري أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم فخلف سعداً مريضاً حين خرج إلى حنين، فلمّا قدم من الجعرانة معتمراً دخل عليه وهو مغلوب، فقال: يا

(1)

المصدر السابق (9/ 18).

(2)

التمهيد (8/ 375 - 376).

(3)

التوضيح لشرح الجامع الصحيح (9/ 543).

(4)

التمهيد (8/ 376).

ص: 303

رسول الله، إنَّ لي مالاً وإني أورث كلالة أفأوصي بمالي

الحديث. وفيه: قلت: يا رسول الله، أميت أنا بالدار التي خرجت منها مهاجراً؟ قال:«لا، وإني لَأرجو أن يرفعك الله حتى ينتفع بك أقوام»

(1)

الحديث. فلعل ابن عيينة انتقل ذهنه من حديث إلى حديث، ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون ذلك وقع له مرتين: مرة عام الفتح، ومرة عام حجة الوداع، ففي الأول لم يكن له وارث من الأولاد أصلاً، وفي الثانية كانت له ابنة فقط

(2)

.

وقال العيني: اتفق أصحاب الزهري على أنَّ ذلك كان في حجة الوداع إلا ابن عيينة قال: في فتح مكة، واتفق الحفّاظ على أنه وهم فيه. ثم ساق مثل كلام الحافظ ابن حجر فكأنه أخذه منه وذكر الجمع بين الروايتين فقال: يمكن التوفيق بينهما بأنَّ ذلك وقع مرتين: عام الفتح ومرة عام حجة الوداع، ففي الأولى لم يكن له وارث من الأولاد أصلاً، وفي الثانية كانت له بنت فقط

(3)

.

قلت: ما قاله الحافظان ابن حجر والعيني من احتمال تعدد القصة بعيد، فكيف يرشد النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى ما يستحسن فعله في أمر الوصية ثم لا يقتنع سعد بهذا فيعيد طلبه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

(1)

أحمد (4/ 60)، وابن سعد (3/ 146)، والبزار (1383 زوائد)، والبخاري في التاريخ الكبير (6/ 311)، والبيهقي (9/ 18)، والأزرقي في تاريخ مكة (2/ 212) وإسناده ضعيف لجهالة عمرو بن عبد الله القاري، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/ 242)، وابن حجر في التعجيل (2/ 69)، ولم يذكرا في الرواة عنه غير عبد الله بن عثمان بن خثيم، ولم يؤثر توثيقه عن أحد. ثم إنَّ عبد الله بن عثمان بن خثيم قال عنه ابن المديني: منكر الحديث. وضعَّفه ابن معين.

(2)

فتح الباري (5/ 363 - 364).

(3)

عمدة القاري (14/ 33).

ص: 304

والأصح ما نقلاه عن الحفّاظ أنَّ سفيان وهم فيه، وذلك بيِّن لمخالفته تسعة من أصحاب الزهري وفيهم مَنْ هو مقدَّم عليه في الزهري مثل الإمام مالك ومعمر ويونس بن يزيد.

يلاحظ أنَّ الإمام البخاري روى هذا الحديث من طريق الحميدي وحذف قوله: (عام الفتح) مع أنَّ الحميدي ذكره في حديثه وكذلك ذكره مَنْ رواه من طريق الحميدي عدا البخاري لعلمه بوهم سفيان فيه، وله في ذلك نظائر وقد ذكرته في غير هذا الموضع. والله تعالى أعلم.

وقد ذكر الطحاوي اختلاف سفيان ومالك في هذا الحديث ثم رجح رواية سفيان مستشهداً بحديث عمرو بن القاري فوهم في ذلك لأن سفيان لم يخالف مالكاً وحده بل خالف عامة أصحاب الزهري.

قال الطحاوي: (واختلف سفيان ومالك في هذا الحديث في السفرة التي كان مرض سعد فيها، فقال سفيان: هي عام الفتح، وقال مالك: حجة الوداع، فأردنا أن ننظر إلى حقيقتها أيّ السفرتين كانت). فسرد حديث عمرو القاري ثم قال: (ففي هذا الحديث ما يوجب القضاء لابن عيينة على مالك في اختلافهما في السفرة التي كان فيها مرض سعد وأنها عام الفتح لا حجة الوداع)

(1)

. اه.

وسيأتي الحديث برقم (506)، (518) في باب الزهري، وفي باب سعد بن إبراهيم.

(1)

شرح مشكل الآثار (13/ 224).

ص: 305

‌الحديث الثاني والستون

(1)

:

145 -

قال أبو داود (3319): حدثني عبيد الله بن عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، أنه قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أو أبو لبابة أو مَنْ شاء الله:

إنَّ من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي كله صدقة. قال: «يجزاء عنك الثلث» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.

وأخرجه البيهقي (10/ 68) من طريق أبي داود به، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (988) عن سفيان، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، أنَّ أبا لبابة مرسلاً، وأخرجه الطبراني في «الكبير» (19/ 100) من طريق يحيى الحماني عن سفيان، عن الزهري، عن كعب بن مالك، ولم يذكر أبا لبابة.

هكذا قال سفيان عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن كعب، أنه قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ من توبتي أن أنخلع من مالي

فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «يجزاء عنك من ذلك الثلث» .

(1)

رجال الإسناد:

عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري، أبو سعيد المصري، نزيل بغداد، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة 235 على الصحيح وله 85 سنة، روى له البخاري ومسلم.

عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري المدني، تقدم.

كعب بن مالك، صحابي مشهور.

ص: 306

خالفه أصحاب الزهري فرووا عنه قصة توبة كعب بن مالك فقالوا: (إنه قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ من توبتي أن أنخلع من مالي

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك» . قلت: إني أمسك سهمي الذي بخيبر). منهم:

عقيل بن خالد

(1)

، ويونس بن يزيد

(2)

، وعبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري

(3)

، ومعقل بن عبيد الله

(4)

، ومعمر

(5)

، وابن جريج

(6)

، والأوزاعي

(7)

، وإسماعيل بن أمية

(8)

، وإبراهيم بن مرة

(9)

، وصالح بن أبي الأخضر

(10)

، وعبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري

(11)

، والزبيدي

(12)

، وإسحاق بن راشد

(13)

، ومحمد بن إسحاق في رواية

(14)

.

وهم سفيان وتبعه في ذلك محمد بن إسحاق كما سيأتي

(1)

البخاري (2757) و (4418) ومسلم (2769).

(2)

البخاري (4676)(6690)، ومسلم (2769)، وأبو داود (3317).

(3)

مسلم (2769).

(4)

مسلم (2769) والنسائي (7/ 23).

(5)

الترمذي (3102)، وعبد الرزاق (9744)(16395)، وأحمد (6/ 387)، وابن حبان (3370)، وأبو داود (3320).

(6)

أحمد (3/ 454).

(7)

الطبراني في الأوسط (7009).

(8)

الطبراني في الكبير (19/ 99) والأوسط (8535).

(9)

الطبراني (19/ 94).

(10)

الطبراني (19/ 98).

(11)

ابن أبي شيبة (37003) ومن طريقه الطبراني في الكبير (19/ 95).

(12)

الطبراني (19/ 100).

(13)

الطبراني (19/ 101).

(14)

الطبراني (19/ 91).

ص: 307

في بابه، فقالوا: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن مالك: «يجزاء عنك الثلث» . والنبيُّ صلى الله عليه وسلم إنما قال له: «أمسك عليك بعض مالك» . وإنما قال لأبي لبابة رضي الله عنه: «يجزاء عنك الثلث» .

لذا قال أبو داود عقب الحديث: (حدثنا محمد بن المتوكل، حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرني معمر عن الزهري، قال: أخبرني ابن كعب بن مالك، قال: كان أبو لبابة

فذكر معناه، والقصة لأبي لبابة.

ثم قال أبو داود: رواه يونس عن ابن شهاب، عن بعض بني السائب، عن أبي لبابة. ورواه الزبيدي عن الزهري، عن حسين بن السائب بن أبي لبابة مثله.

‌علة الوهم:

1 كعب بن مالك وأبو لبابة كانا من الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وروى حديثهما الزهري.

فأمّا كعب فقال: إنَّ من توبته أن ينخلع من ماله، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أمسك عليك بعض مالك» .

وأمّا أبو لبابة فقال إنَّ من توبته أن ينخلع من ماله، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«يجزاء عنك الثلث»

(1)

.

(1)

رواه الدارمي (1658) من طريق إسماعيل بن أمية، وعبد الرزاق (16397) وأحمد (3/ 452)(3/ 502) من طريق ابن جريج، وعبد الرزاق (16397) وأبو داود (3320) والبيهقي (10/ 68) من طريق معمر، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1895) وابن حبان (3371) ويعقوب بن سفيان (1/ 385) والبيهقي (4/ 181) من طريق محمد الزبيدي، وابن أبي عاصم (1898) والطبراني (4510) من طريق أسامة بن زيد، كلهم عن الزهري.

ص: 308

فجعل سفيان قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة في حديث كعب بن مالك.

2 سفيان كان يهِم في هذا الحديث فلم يحفظ شيخ الزهري فقال: (ابن كعب بن مالك) وسمَّاه الآخرون عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك كما في رواية الأكثر، وقد رواه الزهري أيضاً عن عبد الله بن كعب بن مالك والد عبد الرحمن، وكلا الروايتين صحيحة.

ثم تردد في اسم الصحابي صاحب الحديث كما مرَّ في التخريج. والله أعلم.

ص: 309

‌الحديث الثالث والستون

(1)

:

146 -

قال الإمام النسائي (2/ 114): أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري، قال: حدثنا سفيان، حدثنا الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن محمد من رجال مسلم وأخرجه في الكبرى (934) كذلك.

وأخرجه الشافعي في السنن المأثورة (65)، وأحمد (2/ 238)، والحميدي (935)، وابن أبي شيبة (7420) أربعتهم عن سفيان به وهذا سند على شرط الشيخين.

وأخرجه مسلم في صحيحه (602) عن ابن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير وأدرجه في لفظ يونس ونص عليه.

ورواه ابن الجارود في المنتقى (304)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1333)، وابن حبان (2145)، والبيهقي (2/ 297)، والطوسي في مختصر الأحكام (2/ 220) من طرق عن سفيان به.

(1)

رجال الإسناد:

عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري البصري صدوق، من صغار العاشرة، روى له مسلم.

سعيد بن المسيب: تقدم.

ص: 310

هكذا قال سفيان عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:«وما فاتكم فاقضوا» .

خالفه أصحاب سفيان فرووه عنه عن سعيد، وقرن بعضهم أبا سلمة معه فقالوا:(وما فاتكم فأتموا). منهم:

ابن أبي ذئب

(1)

، وشعيب بن أبي حمزة

(2)

، ويونس بن يزيد

(3)

، وإبراهيم بن سعد

(4)

، ومعمر

(5)

، وعقيل بن خالد

(6)

، ومحمد بن أبي حفصة

(7)

، وإبراهيم بن أبي عبلة

(8)

، والزبيدي

(9)

، ويحيى

(10)

، ويزيد بن الهاد

(11)

.

وكذلك رواه بلفظ: «فأتموا» :

العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة

(12)

، ومعمر عن

(1)

البخاري (636) و (908).

(2)

البخاري (908).

(3)

مسلم (602)، وأبو داود (572).

(4)

مسلم (602).

(5)

الترمذي (327) من طريق يزيد بن زريع، وعبد الرزاق (3102) و (3404)، ومن طريقه أحمد (2/ 270)، وابن الجارود (306)، وأبو عوانة (1233) و (1273)(1541)، والبيهقي (2/ 297)، والبغوي (441)، ورواه عبد الرزاق مرة بلفظ: فاقضوا (3399).

(6)

أحمد (2/ 452)، والبخاري في جزء القراءة (111).

(7)

أحمد (2/ 239).

(8)

الطبراني في مسند الشاميين (73).

(9)

أبو داود (572) تعليقاً.

(10)

البخاري في جزء القراءة خلف الإمام (109).

(11)

المصدر السابق (110)، وأحمد (2/ 270) رقم (7663).

(12)

مسلم (602).

ص: 311

همام عن أبي هريرة

(1)

، ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة

(2)

، وإسحاق بن عبد الله عن أبي هريرة

(3)

، وسعد بن إبراهيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبي هريرة

(4)

، ويونس بن عبيد عن الحسن (4)، عن أبي هريرة

(5)

، وجعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة

(6)

.

وكذلك رواه يحيى ابن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبي قتادة

(7)

.

لذا قال الإمام مسلم: لا أعلم هذه اللفظة رواها عن الزهري غير ابن عيينة: (واقضوا ما فاتكم، أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة)

(8)

.

وقال أبو داود عقب رواية يونس: كذا قال الزبيدي وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد، ومعمر، وشعيب بن أبي حمزة عن الزهري:(وما فاتكم فأتموا)، وقال ابن عيينة وحده عن الزهري:(فاقضوا)، وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وجعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة:(فأتموا)، وابن مسعود وأبو قتادة وأنس

(1)

مسلم (602)(152)، وعبد الرزاق (3403).

(2)

الطحاوي (1/ 396)، والبيهقي (2/ 297).

(3)

أحمد (2/ 460)، وأبو عوانة (1232)، والبيهقي (3/ 228).

(4)

أحمد (2/ 472)، وابن أبي شيبة (749) عن وكيع وعبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن سعيد، وخالفهم عبد الرزاق (3406) فرواه عن الثوري بلفظ: فاقضوا، ووكيع وابن مهدي أحفظ منه.

(5)

ابن خزيمة (1646)، والدارقطني في جزء أبي الطاهر (95)، وتمام الرازي في الفوائد (1082).

(6)

أبو داود تعليقاً (572)، وكذلك البيهقي (2/ 297).

(7)

البخاري (635)، ومسلم (603)(155).

(8)

رواه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 297) بإسناده إلى مسلم.

ص: 312

عن النبي صلى الله عليه وسلم كلهم قالوا: (فأتموا)

(1)

.

وقال البيهقي: وبهذا اللفظ: (فأتموا) أكثر الرواة عن الزهري ثم أكثر الرواة عن أبي هريرة

(2)

.

وقال أيضاً: والذين قالوا: (فأتموا) أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة رضي الله عنه، فهو أولى

(3)

.

وقال ابن رجب: قوله: (وما فاتكم فأتموا) هذه الرواية المشهورة عن الزهري التي رواها عنه عامة أصحابه الحفاظ

(4)

.

قلت: وقد تابعهم ابن عيينة في رواية أبي نعيم عنه فقال: (وما فاتكم فأتموا)

(5)

.

لكن قال ابن رجب معلقاً على أبي داود ومسلم: قد توبع عليها (يعني: سفيان) ثم ذكر رواية أحمد عن عبد الرزاق عن معمر.

قلت: نعم هو كما قال لكن في هذه المتابعة نظر، وقد تابعه ابن أبي ذئب في رواية أيضاً فيها نظر.

أما معمر: فهو ما رواه عبد الرزاق في مصنفه ومن طريقه الإمام أحمد بلفظ: (فاقضوا)

(6)

.

(1)

أبو داود (572).

(2)

السنن الصغرى (1/ 302).

(3)

السنن الكبرى (2/ 295).

(4)

فتح الباري (3/ 569).

(5)

أخرجه الدارمي (1282)، لكن أخرجه البخاري في جزء القراءة خلف الإمام (114) بلفظ:«فاقضوا» فالله أعلم.

(6)

في مصنفه (3399)، وأحمد (2/ 270 رقم 7664).

ص: 313

إلا أنه رواه كذلك ومن طريقه أحمد

(1)

، ومحمد بن يحيى الذهلي

(2)

، وأحمد بن يوسف السلمي

(3)

، والحسن بن علي الخلال

(4)

بلفظ: (فأتموا)، وهذه أصح لكثرة من رواها عنه.

والظاهر أن عبد الرزاق يخلط بين هذين اللفظين فروى هذا الحديث عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة بلفظ: «فأتموا» أخرجه مسلم في صحيحه

(5)

.

ورواه ثانية عن معمر عن همام بلفظ: «فاقضوا» أخرجه أحمد

(6)

وانظره في بابه، ح (438).

أما ابن أبي ذئب:

فقد اختلف عنه كذلك فرواه حماد بن خالد الخياط بلفظ: «فاقضوا»

(7)

.

وخالفه آدم بن أبي إياس

(8)

، وعثمان بن عمر

(9)

، ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك

(10)

، وأبو النضر هاشم بن القاسم

(11)

فرواه عن

(1)

في مصنفه (3102)(3404)، وأحمد (2/ 270 رقم 7662).

(2)

ابن الجارود في المنتقى (306).

(3)

أبو عوانة (1233)(1273).

(4)

الترمذي (328).

(5)

(6)

أحمد (2/ 318).

(7)

أحمد (2/ 532).

(8)

البخاري (636)(908).

(9)

ابن حبان (2146).

(10)

الشافعي في السنن المأثورة (66)، والبيهقي (3/ 93)، والطحاوي (1/ 396).

(11)

أحمد (2/ 532).

ص: 314

ابن أبي ذئب بلفظ: «فأتموا» ، مما يدل على وهم رواية حماد عنه إذ خالفه أربعة من أصحاب ابن أبي ذئب ومن هذا الوجه خرجه البخاري في صحيحه.

وقد وافق حماداً أبو داود الطيالسي فرواه عن ابن أبي ذئب فقال: (فصلّوا ما أدركتم واقضوا ما فاتكم)

(1)

.

وكذلك رواه البخاري عن آدم عن ابن أبي ذئب في غير الصحيح

(2)

، وما في الصحيح أصح فلعله أراد أن يشير إلى وهم روايته هذه فأخرجها في جزء القراءة خلف الإمام وأخرج الرواية الصحيحة في موضعين من صحيحه والله أعلم.

‌الدلالة الفقهية:

قال العيني: اختلف العلماء في القضاء والإتمام المذكورين هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين وترتب على ذلك خلاف فيما يدركه الداخل مع الإمام هل هو أول صلاته أو آخرها على أربعة أقوال:

أحدها: أنه أوّل صلاته، وأنه يكون بانياً عليه في الأفعال والأقوال.

وهو قول الشافعي وإسحاق والأوزاعي، وهو مروي عن علي وابن المسيب والحسن وعطاء ومكحول، ورواية عن مالك وأحمد واستدلوا بقول:«وما فاتكم فأتموا» لأن لفظ الإتمام واقع على باق من السنن

(1)

سيأتي انظر ح (457).

(2)

القراءة خلف الإمام (113).

ص: 315

الثاني: أنه أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال فيبني عليها وآخرها بالنسبة إلى الأقوال فيقضيها.

وهو قول مالك، وقال ابن بطال عنه: ما أدرك فهو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من القراءة ....

الثالث: أن ما أدرك فهو أول صلاته إلا أنه يقرأ فيها بالحمد وسورة مع الإمام، وإذا قام للقضاء قضى بالحمد وحدها لأنه آخر صلاته.

وهو قول المزني وإسحاق وأهل الظاهر.

الرابع: أنه آخر صلاته وأنه يكون قاضياً في الأفعال والأقوال وهو قول أبي حنيفة وأحمد في رواية وسفيان ومجاهد وابن سيرين، وقال ابن الجوزي الأشبه بمذهبنا ومذهب أبي حنيفة أنه آخر صلاته

(1)

.

‌الخلاصة:

وهم الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله في قوله: (وما فاتكم فاقضوا) والصحيح كما رواه عشرة من أصحاب الزهري بلفظ: «وما فاتكم فأتموا» ونختم هنا بما قاله الحافظ ابن حجر حيث قال:

قوله: (وما فاتكم فأتموا) أي أكملوا، هذا هو الصحيح في رواية الزهري، ورواه ابن عيينة بلفظ:«فاقضوا» وحكم مسلم في التمييز عليه بالوهم في هذه اللفظة مع أنه أخرج إسناده في صحيحه لكن لم يسق لفظه. إلى أن قال: والحاصل أن أكثر الروايات وردت بلفظ: «فأتموا» وأقلها بلفظ: «فاقضوا» وإنما تظهر فائدة ذلك إذا جعلنا بين الإتمام والقضاء مغايرة، لكن إذا كان مخرج الحديث واحداً واختلف في لفظة

(1)

عمدة القاري (5/ 151).

ص: 316

منه وأمكن رد الاختلاف إلى معنى واحد كان أولى، وهنا كذلك لأن القضاء وإن كان يطلق على الفائت غالباً لكنه يطلق على الأداء أيضاً ويرد بعد الفراغ كقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا

(10)} ويرد بمعان أخرى فيحمل قوله فاقضوا على معنى الأداء أو الفراغ فلا يغاير قوله فأتموا، فلا حجة فيه لمن تمسك برواية فاقضوا على أن ما أدركه المأموم هو آخر صلاته

وأوضح دليل على ذلك أنه يجب عليه التشهد في آخر صلاته على كل حال، فلو كان ما يدركه مع الإمام آخراً له لما احتاج إلى إعادة التشهد»

(1)

.

قلت: وقد سبق إلى هذا ابن حبان في صحيحه فعقد في صحيحه باب ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: «وما فاتكم فاقضوا» أراد به فاقضوا على الإتمام لا على التعكيس

(2)

.

(1)

فتح الباري (2/ 118 - 119).

(2)

صحيح ابن حبان (5/ 518).

ص: 317

‌الحديث الرابع والستون

(1)

:

147 -

قال النسائي في السنن الكبرى (10805): أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري قال: حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن سعيد عن صيفي مولى أبي السائب أن أبا سعيد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن بالمدينة نفراً من الجن مسلمين فإذا رأيتم من هؤلاء العوامر شيئاً فآذنوه ثلاثاً فإن ظهر لكم بعد فاقتلوه» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح غير المقري وهو ثقة وثقه النسائي، وقال ابن أبي حاتم سمع منه أبي وهو صدوق ثقة، وقال الخليلي: ثقة متفق عليه، وقال سلمة بن قاسم: ثقة وذكره ابن حبان في الثقات، وتابعه الحميدي كما سيأتي.

وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (537) بنفس الإسناد.

هكذا قال ابن عيينة: (عن ابن عجلان، عن سعيد، عن صيفي عن أبي سعيد).

خالفه يحيى بن سعيد القطان

(2)

، والليث بن سعد

(3)

فقالا: (عن ابن عجلان، عن صيفي، عن أبي السائب، عن أبي سعيد).

(1)

رجال الإسناد:

محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، أبو يحيى المكي، ثقة، من العاشرة، مات سنة 256، روى له النسائي وابن ماجه.

محمد بن عجلان المدني، تقدم.

سعيد ابن أبي سعيد كيسان المقبري، تقدم.

صيفي بن زياد الأنصاري مولاهم أبو زياد أو أبو سعيد المدني ثقة من الرابعة، روى له مسلم.

(2)

مسلم (2236)، والنسائي في الكبرى (10807)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 259).

(3)

أبو داود (5257)، والنسائي في الكبرى (10806)، وعمل اليوم والليلة (970)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 260)، وأحمد (3/ 41).

ص: 318

وهم سفيان في ثلاثة مواضع:

الأول: زاد سعيداً المقبري في الإسناد بين ابن عجلان وصيفي وهذا إنما يرويه ابن عجلان عن صيفي.

الثاني: أسقط أبا السائب من الإسناد وجعله من رواية صيفي عن أبي سعيد، وصيفي لم يسمعه من أبي سعيد.

الثالث: جعل صيفي مولى أبي السائب وإنما هو مولى ابن أفلح.

وقد رواه مالك بن أنس

(1)

عن صيفي فقال: عن صيفي مولى ابن أفلح قال أخبرني أبو السائب مولى هشام

(2)

بن زهرة عن أبي سعيد.

ورواه جرير بن حازم عن أسماء بن عبيد، عن رجل يقال له السائب عن أبي سعيد

(3)

.

وقد ذكر الدارقطني وابن عبد البر أن سفيان وهم في الإسناد.

قال الدارقطني: ورواه ابن عيينة عن ابن عجلان فقال عن صيفي مولى أبي السائب عن أبي سعيد وهو وهم والصواب ما رواه يحيى بن

(1)

مسلم (2236)، وهو في الموطأ (2/ 976).

(2)

أبو السائب الأنصاري المدني، مولى ابن زهرة، يقال اسمه عبد الله بن السائب ثقة من الثالثة روى له مسلم وأصحاب السنن الأربعة.

(3)

مسلم (2236) لذا قال مسلم وهو عندنا أبو السائب.

ص: 319

سعيد القطان والليث بن سعد عن ابن عجلان عن صيفي عن أبي السائب عن أبي سعيد.

وكذلك رواه مالك بن أنس عن صيفي، عن أبي السائب عن أبي سعيد وهو الصواب

(1)

.

قال النسائي عقب الحديث: خالفه الليث بن سعد ويحيى بن سعيد.

وقال ابن عبد البر: هكذا قال مالك في هذا الحديث عن صيفي مولى ابن أفلح، وذكره الحميدي عن ابن عيينة عن ابن عجلان عن صيفي مولى أبي السائب عن رجل قال: أتيت أبا سعيد الخدري نحو حديث مالك إلا أنه قد غلط في قوله فيه مولى أبا السائب ولم يفهم إسناده. وقال فيه عن رجل وإنما هو صيفي عن أبي السائب ....

ورواه يحيى عن ابن عجلان فذكره سواء، (ثم ذكر بسنده عن الليث مثله).

ثم قال: (رواية الليث لهذا الحديث عن ابن عجلان كرواية مالك في إسناده ومعناه. ولا يضر اختلافهما في ولاء أبي سعيد صيفي إذ قال مالك: مولى ابن أفلح، وقال فيه الليث عن ابن عجلان عن صيفي مولى الأنصار وكذلك هو مولى الأنصار، إلا أنه لم يحفظ لمن ولاؤه من الأنصار وقد جوده مالك

أما قول ابن عيينة عن ابن عجلان عن صيفي مولى أبي السائب فلم يصنع شيئاً ولم يقم إسناده. إذ جعله مولى أبي السائب عن رجل

(1)

العلل (11/ 277 رقم 2283).

ص: 320

وإنما هو مولى ابن أفلح عن أبي السائب كذلك قال مالك عن صيفي عن أبي السائب.

وكذلك قال الليث ويحيى القطان عن ابن عجلان عن صيفي عن أبي السائب، ومن قال في هذا الحديث عن ابن عجلان عن سعيد ابن أبي سعيد عن صيفي فقد أفرط في التصحيف والخطأ. كذلك رواه علي بن حرب عن ابن عيينة عن ابن عجلان، وهذا لا خفاء به عند أهل العلم بالحديث وإنما هو عن أبي سعيد صيفي ولا معنى لذكر سعيد ابن أبي سعيد هنا.

ومن رواه أيضاً عن صيفي عن أبي سعيد الخدري فليس بشيء وقد قطعه لأن صيفياً لم يسمعه من أبي سعيد وإنما يرويه عن أبي السائب، عن أبي سعيد الخدري

(1)

.

‌علة الوهم:

صيفي بن زياد هو أبو سعيد، وابن عجلان يرويه عن أبي سعيد صيفي، عن أبي السائب، فوهم سفيان فقال عن سعيد عن صيفي وإنما هو عن أبي سعيد صيفي.

‌الخلاصة:

اختلف على سفيان في هذا الحديث على ثلاثة أوجه:

الأول: ابن عجلان عن سعيد المقبري، عن صيفي مولى أبي السائب، عن أبي سعيد.

(1)

التمهيد (16/ 263).

ص: 321

كذلك رواه محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، وعلي بن حرب وقد حمل ابن عبد البر الوهم منه على علي بن حرب وفاته أنه قد توبع.

الثاني: ابن عجلان عن صيفي مولى أبي السائب عن رجل عن أبي سعيد، ذكر ابن عبد البر أن الحميدي وهو أوثق الناس في سفيان رواه عنه كذلك وهنا وهم في قوله صيفي أبو السائب، عن رجل، عن أبي سعيد إنما هو صيفي عن أبي السائب، عن أبي سعيد.

الثالث: ابن عجلان عن صيفي مولى أبي السائب عن أبي سعيد، كذا قال الدارقطني. ولم أقف على من رواه عنه هكذا، والصحيح كما تقدم. والله تعالى أعلم.

هذا الحديث وهم فيه أيضاً عبيد الله بن عمر العمري فلم يذكر أبا السائب وحديثه عند الترمذي (1489) ووهم فيه أيضاً أسماء بن عبيد فقال السائب ولم يقل أبا السائب وحديثه عند مسلم (2236) وقد أشار مسلم إلى وهمه.

ص: 322

‌الحديث الخامس والستون

(1)

:

148 -

قال عبد بن حميد في المنتخب (526): حدثنا أبو نعيم، ثنا ابن عيينة، عن أيوب السختياني، عن القاسم، عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

«صلاة الأوابين حين ترمض الفصال» .

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير القاسم بن عوف الشيباني فمن رجال مسلم.

وأخرجه محمد بن يحيى بن صاعد في جزء عبد الله ابن أبي أوفى (3) من طريق أبي نعيم وفي حديث رقم (1، 2) من طريق عبد الجبار بن العلاء، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي كلاهما عن سفيان به.

وذكره الحافظ في المطالب العالية (657) ونسبه إلى عبد بن حميد. وذكر البيهقي في معرفة السنن والآثار (4/ 97) أن الشافعي كذلك رواه عن سفيان.

هكذا قال ابن عيينة: (عن أيوب، عن القاسم، عن ابن أبي أوفى).

(1)

رجال الإسناد:

أبو نعيم الفضل بن دكين: تقدم انظر ح رقم (1).

أيوب السختياني: تقدم.

القاسم بن عوف الشيباني الكوفي، صدوق يغرب، من الثالثة، روى له مسلم.

ص: 323

خالفه إسماعيل بن إبراهيم (ابن علية)

(1)

، وحماد بن زيد

(2)

، ومعمر

(3)

، والحسن بن دينار

(4)

.

فقالوا: (عن أيوب، عن القاسم، عن زيد بن أرقم).

وكذلك رواه هشام الدستوائي

(5)

، وقتادة

(6)

عن القاسم بن عوف فقالا: (عن زيد بن أرقم).

وهم سفيان في اسم الصحابي راوي هذا الحديث فقال: (عبد الله بن أبي أوفى) والصحيح هو زيد بن أرقم والحديث مشهور ومحفوظ به.

قال البيهقي: رواه الشافعي في سنن حرملة عن سفيان عن أيوب عن القاسم الشيباني، عن عبد الله بن أبي أوفى، وكذلك رواه جماعة عن سفيان، وهو مما غلط فيه سفيان فقال: عن ابن أبي أوفى بدل زيد

(7)

.

وقال الحافظ: «هذا إسناد صحيح إلا أنه معلول، والمحفوظ في هذا القاسم بن عوف عن زيد بن أرقم»

(8)

.

(1)

مسلم (748)، وأحمد (4/ 367) وغيرهما.

(2)

ابن خزيمة (1227)، وأبو عوانة (2133)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1695).

(3)

عبد الرزاق في مصنفه (4832).

(4)

الطبراني في الأوسط (2279)، والصغير (155).

(5)

مسلم (748)، وأحمد (4/ 366) وغيرهم.

(6)

أحمد (4/ 374)، وابن خزيمة (1227)، وعبد بن حميد (258)، وأبو عوانة (2134).

(7)

معرفة السنن والآثار (4/ 97).

(8)

المطالب العالية (4/ 583).

ص: 324

‌علة الوهم:

روى أيوب عن القاسم الشيباني، عن عبد الله بن أبي أوفى حديثاً في قدوم معاذ حين قدم اليمن أو الشام فرأى النصارى يسجدون لتصاوير فكأنه دخل عليه إسناد حديث سجود النصارى في حديث السجود بعد طلوع الشمس وهي صلاة الضحى. وقد جاء في بعض طرقها أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على مسجد قباء بعدما أشرقت الشمس فإذا هم يصلون فقال:«إن صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال»

(1)

.

والله تعالى أعلم.

(1)

أحمد (4/ 375)، وابن خزيمة (1237).

ص: 325

‌الحديث السادس والستون

(1)

:

149 -

قال الحميدي رحمه الله (534): ثنا سفيان قال: ثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة، فقدم علي من اليمن فأشركه في بدنه بالثلث فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ستاً وستين بدنة وأمر علياً فنحر أربعاً وثلاثين وأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كل جزور ببضعة فطبخت فأكلا من اللحم وحسيا من المرق قال سفيان وأهل العربية يقولون وحسوا.

‌التعليق:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح.

هكذا قال سفيان عن جعفر الصادق عن أبيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر ستاً وستين بدنة، وأمر علياً فنحر أربعاً وثلاثين.

خالفه جماعة فرووه عن جعفر بهذا الإسناد وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثاً وستين بدنة ونحر علي الباقي وهو سبعة وثلاثون بدنة.

منهم: حاتم بن إسماعيل

(2)

، وحفص بن غياث

(3)

، وسفيان

(1)

رجال الإسناد:

جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المعروف بالصادق، صدوق فقيه إمام، من السادسة، مات سنة، 148 روى له مسلم.

محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو جعفر الباقر ثقة فاضل، من الرابعة، مات سنة بضع عشرة. روى له البخاري ومسلم.

(2)

مسلم (1218).

(3)

مسلم (1218).

ص: 326

الثوري

(1)

، ويحيى بن سعيد القطان

(2)

، ووهيب بن خالد

(3)

، ويزيد بن عبد الله بن الهاد

(4)

، وابن جريج

(5)

، ومحمد بن ميمون

(6)

، وإسماعيل بن جعفر

(7)

.

ومن هذا الوجه أخرجه مسلم في صحيحه في حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

لذا قال ابن عبد البر

(8)

: أكثر الرواة لهذا الحديث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر من تلك البدن ثلاثاً وستين ونحر علي بقيتها إلا سفيان بن عيينة.

قال ابن حبان رحمه الله في صحيحه

(9)

: العلة في نحر المصطفى صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وستين بدنة بيده دون ما وراء هذا العدد أن له في ذلك اليوم كانت ثلاثاً وستين سنة، ونحر لكل سنة من سنيه بدنة بيده وأمر علياً بالباقي فنحرها.

(1)

ابن ماجه (3076)، والحاكم (3/ 55) من طريق عبد الله بن داود الحربي به، وأخرجه الترمذي (815)، وابن خزيمة (3056)، والدارقطني من طريق زيد بن خباب مختصراً.

(2)

ابن الجارود (465)، والنسائي في الكبرى (4119).

(3)

أبو يعلى (2027)(6739)، وابن حبان (3943) و (4018)، والبيهقي (5/ 238).

(4)

النسائي في الكبرى (4140) و (6691)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 47).

(5)

عبد بن حميد (1133)، وأبو عوانة (3381).

(6)

أحمد (3/ 331)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 229).

(7)

البغوي في شرح السنة (7/ 133).

(8)

التمهيد (2/ 111).

(9)

(9/ 252) عقب الحديث (3943).

ص: 327

‌علة الوهم:

جاء في رواية أبي إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: «أنحر من البدن سبعاً وستين أو ستاً وستين وأمسك لنفسك ثلاثاً وثلاثين أو أربعاً وثلاثين»

(1)

.

فقد جاء ذكر هذا العدد في حديث أبي إسحاق، فلعله هنا دخل الوهم على ابن عيينة والله أعلم.

(1)

أبو داود (1797)، والنسائي (5/ 148)(5/ 157)، والسنن الكبرى (3705)، والروياني (306) من حديث حجاج الأعور عن يونس ابن أبي إسحاق عن أبيه وفيه وهم آخر وهو قول:(فإني قد سقت الهدي وقرنت) انظره في بابه، ح (484).

ص: 328

‌الخاتمة

وهم الإمام المحدِّث شيخ الإسلام سفيان بن عيينة فيما وقفنا عليه وحررناه في ست وستين حديثاً.

1 ثمانية وعشرون حديثاً في المتن والباقي في الإسناد.

2 منها تسعة عشر حديثاً على الإمام الزهري وهو يعدُّ في الطبقة الأولى من أصحاب الزهري مع الإمام مالك ومعمر ويونس بن يزيد، وقدمه بعضهم على معمر وعلى يونس وعلى مالك أيضاً، وأبى ذلك بعضهم فقدم معمراً عليه، وقدم بعضهم أيضاً يونس عليه.

قال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد (القطان) يقول: ابن عيينة أحب إليّ في الزهري من معمر

(1)

. وقال محمد بن عبد الرحيم صاعقة: سمعت عليًّا قال: أثبت الناس في الزهري سفيان بن عيينة وزياد بن سعد، ثم مالك ومعمر ويونس من كتابه

(2)

. وقال محمد بن

(1)

الجرح والتعديل (1/ 51).

المعرفة والتاريخ (2/ 83 ط دار الكتب العلمية).

(2)

المصدر السابق (1/ 51).

ص: 329

يحيى الذهلي: سمعت علي بن المديني يقول: ما في أصحاب الزهري أتقن من ابن عيينة.

وقال أبو حاتم: أثبت أصحاب الزهري مالك وابن عيينة

(1)

.

وقال عبد الله بن المبارك: الحفّاظ عن ابن شهاب ثلاثة: مالك ومعمر وابن عيينة، فإذا اجتمع اثنان على قول أخذنا به وتركنا الآخر

(2)

.

وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي: أيما أثبت أصحاب الزهري؟ فقال: لكلِّ واحد منهم علة إلا أنَّ يونس وعقيلاً يؤديان الألفاظ وشعيب بن أبي حمزة وليس هم مثل معمر، معمر يقاربهم في الإسناد. قلت: فمالك؟ قال: مالك أثبت في كل شيء، ولكن هؤلاء الكثرة، كم عند مالك؟ ثلاثمائة حديث أو نحو ذا، وابن عيينة نحو من ثلاثمائة حديث. ثم قال: هؤلاء الذين رووا عن الزهري الكثير يونس وعقيل ومعمر

قلت: فهؤلاء أصحاب الزهري، أثبتهم مالك؟ قال: نعم، مالك أثبتهم ولكن هؤلاء قد بقروا علم الزهري يونس وعقيل ومعمر. قلت له: فبعد مالك مَنْ ترى؟ قال: ابن عيينة

(3)

.

وقال الدارمي: سمعت أحمد بن صالح يقول: نحن لا نقدم في الزهري على يونس أحداً. قال أحمد: سمعت أحاديث يونس على الزهري فوجدت الحديث الواحد ربما سمعه من الزهري مراراً، وكان

(1)

المصدر السابق.

(2)

سنن النسائي الكبرى (1/ 632 ح 2072).

(3)

العلل ومعرفة الرجال (2/ 348).

ص: 330

الزهري إذا قدم أيلة نزل على يونس وإذا سار إلى المدينة زامله يونس

(1)

.

وخالفه يحيى القطان.

قال علي بن المديني: وأخبرني يحيى بن سعيد قال: لمّا قدم ابن المبارك من عند معمر قلت له: اكتب لي حديث الإفك. قال: فقال لي: ما تصنع به، إنما عرض معمر على الزهري أكتب لك حديث يونس. قال: لا أريده

(2)

.

وقال العجلي: ثقة ثبت في الحديث، وكان بعض أهل الحديث يقول: هو أثبت الناس في حديث الزهري

(3)

.

وقال الذهبي: ما في أصحاب الزهري أصغر سنًّا منه، ومع هذا فهو أثبتهم

(4)

.

إلا أنَّ هناك مَنْ قدَّم مالكاً ومعمراً ويونس بن يزيد على سفيان في الزهري.

قال عثمان بن سعيد الدارمي: سألت يحيى بن معين عن أصحاب الزهري قلت له: معمر أحب إليك في الزهري أم مالك؟ فقال: مالك. فقلت: يونس أحب إليك أم مالك؟ قال: مالك. فقلت: فابن عيينة أحب إليك أم معمر؟ فقال: معمر.

(1)

تاريخ ابن معين رواية عثمان الدارمي (1/ 46).

(2)

المعرفة والتاريخ (2/ 83).

(3)

ترتيب الثقات (ص 194).

(4)

ميزان الاعتدال (2/ 170).

ص: 331

فقلت: فإنَّ بعض الناس يقولون سفيان أثبت الناس في الزهري؟ فقال: إنما يقول ذاك مَنْ سمع منه، وأيّ شيء كان سفيان، إنما كان غليماً أيام الزهري

(1)

.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: كنت أنا وعلي بن المديني فذكرنا أروى مَنْ يروي عن الزهري، فقال علي: سفيان بن عيينة. وقلت أنا: مالك بن أنس. وقلت: مالك أخطأ عن الزهري وابن عيينة يخطاء في نحو من عشرين حديثاً عن الزهري، في حديث كذا وكذا. فذكرت منها ثمانية عشر حديثاً، وقلت: هات ما أخطأ فيه مالك. فجاء بحديثين أو ثلاثة فرجعت فنظرت فيما أخطأ فيه ابن عيينة فإذا هي أكثر من عشرين حديثاً

(2)

.

ممّا سبق يتضح أنَّ يحيى بن سعيد القطان قدم ابن عيينة على معمر في حديث الزهري، وأنَّ علي بن المديني قدم سفيان على جميع أصحاب الزهري، وقدم أبو حاتم مالكاً وابن عيينة، وقدم الإمام أحمد مالكاً ثم ابن عيينة في الإتقان ويونس ومعمراً في الكثرة.

وقدم يحيى بن معين مالكاً ثم معمراً على سفيان، وقدم أحمد بن صالح يونس على أصحاب الزهري وذلك لطول ملازمته له.

وبالنظر إلى ما وقفنا عليه من أوهام مالك ومعمر وسفيان ويونس نجد أنَّ ما ذهب إليه أحمد بن صالح أرجح

(3)

.

(1)

تاريخ ابن معين رواية عثمان الدارمي (1/ 41) و (1/ 119).

(2)

العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد رواية ابنه عبد الله (2/ 349).

(3)

انظر: الحديث رقم (8) في ردِّ البيهقي على مَنْ قدَّم سفيان على يونس في الزهري. و «مختصر الخلافيات» (4/ 438).

ص: 332

فمجموع ما وهم سفيان على الزهري 19 حديثاً كان القول قول يونس في ستة عشر حديثاً ومعمر في خمسة عشر حديثاً ومالك في أحد عشر حديثاً.

ووهم معمر على الزهري في خمسة عشر حديثاً كان القول قول يونس في أربعة عشر حديثاً وسفيان في خمسة أحاديث ومالك في ستة أحاديث.

ووهم يونس في ثلاثة أحاديث كان القول فيها قول مالك ومعمر وسفيان في حديث واحد منها.

‌علة وهم سفيان في حديث الزهري:

1 -

سفيان سمع من الزهري وهو غلام وكان سنّه آنذاك نحواً من ستة عشر عاماً وقد تقدم قول ابن معين في ردِّه على مَنْ قدم سفيان على معمر: (إنما كان غليماً أيام الزهري).

قال البيهقي في تفضيل حديث يونس على سفيان في الزهري خاصة: وأما ابن عيينة فإنه قال: ولدت سنة سبع ومائة وجالست الزهري وأنا ابن ستة عشر وشهرين ونصف، قدم علينا الزهري سنة ثلاث وعشرين ومائة وخرج إلى الشام ومات.

روى ذلك عنه البخاري عن ابن المديني وكان الزهري يقول: ما رأيت عالماً بالعلم أصغر منه، وكان يجلس على فخذه يحدِّثه، فكم بين سماع هذا وسماع مَنْ صحب الزهري أربع عشرة سنة، فسمعه يبدي الحديث ويعيده وينسبه ويكرره.

2 -

سفيان حافظ فكان يعتمد على حفظه بخلاف يونس بن يزيد فإنه يحدِّث من كتابه، ولا يقبل منه أن يحدِّث من غير كتابه.

ص: 333

3 -

خمسة أحاديث وهم فيها سفيان على شيوخ من بلده مكة مع كثرة رواياته عنهم وخمسة وخمسون حديثاً من شيوخ الأمصار الأخرى ويرجع ذلك إلى أسباب، أهمها:

أ قصر صحبة الراوي لشيوخه من الأمصار الأخرى، فقد لا يسمع الحديث منه إلا مرة واحدة بخلاف شيوخ بلده فإنه قد يسمعه منه مراراً.

ب جهل الراوي بشيوخ الأمصار الأخرى، فيقع منه الوهم خاصة في أسماء مَنْ يحدِّث عنهم شيخه. والله تعالى أعلم.

ص: 334

رقم الحديث

شيخ سفيان فيه

مصره أو بلده

الوهم

الصحيح

1

عمرو بن دينار

مكة

جابر بن زيد عن ابن عباس

جابر، عن ابن عباس، عن ميمونة

2

يحيى بن سعيد الأنصاري

المدينة

إن شئت أعطيتها ما بقي (حديث بربرة)

أنها لم تكن قضت من كتابتها شيئاً)

3

الزهري

مدني سكن الشام

سعيد بن المسيب حديث: «اشتكت النار إلى ربِّها» (أدخل حديثاً في حديث)

أبو سلمة بن عبدالرحمن حديث: «اشتكت النار إلى ربِّها»

4

عبدالرحمن بن القاسم

المدينة

ضحَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بالبقر (في حجة الوداع)

أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر

5

الزهري

تقدم

أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فرَّق بين المتلاعنين

أنَّ زوجها فارقها بعد أن تلاعنا قبل أن يأمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم

6

الزهري

تقدم

1 ابن عباس عن ميمونة

2 أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرهم بالانتفاع من الجلد بالدباغة

أنه من مسند ابن عباس أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرهم فقط بالانتفاع بالجلد ولم يذكر الدباغة

ص: 335

رقم الحديث

شيخ سفيان فيه

مصره أو بلده

الوهم

الصحيح

7

الزهري

تقدم

أهديت له من لحم حمار وحش

حمار وحش (حديث الصعب بن جثامة) أنه من قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم

8

الزهري

تقدم

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع السارق . . . (فجعله من فعله)

الحديث من قوله: تقطع اليد في ربع دينار

9

عمرو بن دينار

مكة

أبو العباس، عن عبدالله بن عمرو بن العاص

أبو العباس، عن عبدالله بن عمر بن الخطاب

10

عبدالملك بن عمير

الكوفة

الكمأة من المنّ الذي أنزل الله عز وجل-على بني إسرائيل

الكمأة من المنّ

11

يحيى بن سعيد

المدينة

عيسى بن طلحة عن طلحة بن عبيدالله

عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة

12

يحيى بن سعيد

تقدم

عمر بن عبدالعزيز عن أبي بكر المخزومي عن أبي هريرة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) } و {اقْرَأْ}

الصحيح بهذا الإسناد حديث الإفلاس (قاله محمد بن يحيى الذهلي) . والله أعلم.

13

يحيى بن سعيد

تقدم

سعيد بن المسيب عن علي (حديث: جمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم لسعد أبويه يوم أُحد)

سعيد بن المسيب عن سعد

14

يحيى بن سعيد

تقدم

أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بدأ بأيمان اليهود في حديث القسامة

أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بدأ بأيمان الأنصار

ص: 336

رقم الحديث

شيخ سفيان فيه

مصره أو بلده

الوهم

الصحيح

15

سالم أبو النضر

المدينة

أنَّ أبا جهيم أرسل بسر بن سعيد إلى زيد بن خالد (يسأله عن حديث المرور بين يدَي المصلِّي) فجعل الحديث من مسند زيد بن خالد والصحيح أنه من مسند أبي جهيم

أنَّ زيد بن خالد أرسل بسر بن سعيد إلى أبي جهيم

16

سالم أبو النضر

تقدم

زرعة بن مسلم بن جرهد عن جدِّه جرهد

زرعة بن عبدالرحمن بن جرهد عن أبيه أنَّ جرهداً

17

عاصم الأحول

البصرة

فليفطر على تمر فإنه بركة

فليفطر على تمر

18

عاصم الأحول

تقدم

عاصم، عن عبدالرحمن بن عوسجة، عن عبدالرحمن بن الرباح، عن عائشة

عاصم، عن عبدالله بن الحارث، عن عائشة

19

عبدالله ومحمد ابنَى أبي بكر

المدينة

رخص للرعاة أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً

رخص للرعاء في البيتوتة خارج منى يوم النحر ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين

20

عمرو بن يحيى المازني

المدينة

1 - عبدالله بن زيد الذي أُريَ الآذان

2 - مسح برأسه مرتين

عبدالله بن زيد بن عاصم المازني (وليس الذي أُريَ النداء) مسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر بهما

21

عطاء بن السائب

الكوفة

. عطاء، عن عرفجة، عن عتبة بن فرقد

عطاء، عن عرفجة، عن رجل من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم حدَّث في مجلس عتبة

ص: 337

رقم الحديث

شيخ سفيان فيه

مصره أو بلده

الوهم

الصحيح

22

الأعمش

الكوفة

الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر، عن خباب: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء، فلم يشكنا

الأعمش، عن عمارة، عن أبي معمر، عن خباب: كيف كنتم تعرفون قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم

23

ابن جريج

مكة

ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عبدالله بن السائب

ابن جريج، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن أبي سلمة بن سفيان وغيره، عن عبدالله بن السائب

24

إبراهيم بن المنتشر

الكوفة

إبراهيم، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن أبيه، عن النعمان بن بشير

إبراهيم، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير

25

عبدالكريم بن مالك الجزري

حران

زياد بن أبي مريم

زياد بن الجراح

26

عمارة بن القعقاع

الكوفة

عمارة، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة

عمارة، عن أبي زرعة، عن رجل، عن ابن مسعود

27

منصور السلمي

الكوفة

منصور، عن هلال بن يساف، عن سعيد بن عبادة

منصور، عن طلحة بن مصرف، عن هزيل بن شرحبيل أنَّ سعداً

28

عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة

المدينة

عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة

عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي صعصعة

29

عبدالملك بن عمير

الكوفة

عبدالملك بن عمير عن عمارة بن رويبة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

عبدالملك بن عمير، عن ابن عمارة بن رويبة، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

ص: 338

رقم الحديث

شيخ سفيان فيه

مصره أو بلده

الوهم

الصحيح

30

عبدالملك بن عمير

تقدم

عبدالملك عن ربعي، عن حذيفة بن اليمان

عبدالملك عن ربعي، عن طفيل بن سخبرة

31

إبراهيم بن عقبة

المدينة

إبراهيم بن عقبة عن كريب، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد

إبراهيم عن كريب، عن أسامة بن زيد

32

طلحة بن يحيى

المدينة

أصوم يوماً مكانه

زيادة شاذة

33

هشام بن عروة

المدينة

أبو وجزة

أبو خزيمة عمرو بن خزيمة

34

هشام بن عروة

تقدم

1 - زينب بنت أبي سلمة عن أمِّ حبيبة

2 - قول: انكح أختي درة بنت أبي سفيان

درة بنت أبي سلمة عن أمِّ حبيبة انكح أختي بنت أبي سفيان، قيل اسمها: عزة، وقيل: حمنة، ولهذا الاختلاف حذف البخاري اسمها عمداً

35

يزيد بن عبدالله بن الهاد

المدينة

يزيد بن الهاد عن عمارة بن خزيمة، عن خزيمة بن ثابت

يزيد بن الهاد عن عبيدالله بن الحصين، عن هرمي بن عبدالله، عن خزيمة بن ثابت

36

إسحاق بن عبدالله

المدينة

إسحاق عن امرأة عبدالله بن أبي طلحة، عن أبي قتادة

إسحاق عن حميدة ابنة عبيد بن رفاعة، عن كبشة بنت كعب بن مالك، عن أبي قتادة

37

محمد بن عجلان

المدينة

صاعاً من دقيق

لم يتابع في ذكر الدقيق في زكاة الفطر

38

محمد بن عجلان

تقدم

ابن عجلان عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة

ابن عجلان عن أبيه، عن أبي هريرة

ص: 339

رقم الحديث

شيخ سفيان فيه

مصره أو بلده

الوهم

الصحيح

39

عبيدالله بن أبي يزيد

مكة

عبيدالله بن أبي يزيد عن أبيه، عن سباع بن ثابت، عن أمِّ كرز حديث أقروا الطير في مكناتها

عبيدالله عن سباع، عن أمِّ كرز

40

عبيدالله بن أبي يزيد

تقدم

عبيدالله عن أبيه، عن سباع، عن أمِّ كرز حديث ذهبت النبوَّة وبقيت المبشرات

عبيدالله عن سباع، عن أمِّ كرز

41

الأعمش ومنصور

تقدم

قبل أن يفرض التشهد

زيادة شاذة

42

عاصم بن كليب

الكوفة

عن أبي بكر، عن علي

عن أبي بردة، عن علي

43

مسعر بن كدام

الكوفة

المختار بن فلفل عن أنس

بكير بن الأخنس عن أنس

44

عمرو بن دينار

مكة

دبر غلاماً له فمات ولم يترك مالاً

دبر غلاماً له ولم يترك مالاً

45

سعيد بن أبي عروبة

البصرة

سعيد عن قتادة، عن حسان

عبدالكريم عن حسان، عن عمار

46

معمر

البصرة/ اليمن

معمر عن الزهري، عن عروة، عن عائشة

معمر عن الزهري مرسلاً

47

معمر

تقدم

معمر عن ثابت، عن أنس

معمر عن قتادة، عن أنس

48

الزهري

مدني سكن الشام

عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل حديث: (أنَّ النبيَّ كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته)

عن أبي هريرة وزيد بن خالد

49

الزهري

تقدم

عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل (الأمة تزني قبل أن تحصن)

عن أبي هريرة وزيد بن خالد

ص: 340

رقم الحديث

شيخ سفيان فيه

مصره أو بلده

الوهم

الصحيح

50

الزهري

تقدم

عروة، عن عبدالرحمن بن عبدٍ القارّي

حميد بن عبدالرحمن عن عبدالرحمن بن عبدٍ القارّي

51

الزهري

تقدم

ابن أبي خزامة عن أبيه

أبي خزامة عن أبيه

52

الزهري

تقدم

محمود بن الربيع أنَّ عتبان بن مالك استأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن التخلف عن الصلاة لأنه أعمى فلم يرخص

محمود بن الربيع أنَّ عتبان طلب من النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته في مكان يتخذه مصلى فأجابه

53

الزهري

تقدم

وقد قرأناها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة

لم يتابع على هذه الزيادة

54

الزهري

تقدم

عمرة عن عائشة

عروة عن عائشة

55

الزهري

تقدم

إنَّ أرواح الشهداء

إنَّ نسمة المؤمن

56

الزهري

تقدم

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي بالناس بعرفة

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي بالناس بمنى

57

الزهري

تقدم

الزهري عن سالم، عن ابن عمر، أنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة

الزهري أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون بين يدَي الجنازة. وقال الزهري: عن سالم أنَّ ابن عمر كان يمشي بين يدَي الجنازة.

58

الزهري

تقدم

الزهري عن عيسى بن طلحة، عن عبدالله بن عمرو

الزهري عن عبدالله بن عمرو

59

الزهري أو أخيه

تقدم

الزهري عن عروة، عن أسماء

أخو الزهري عن مولاة لأسماء، عن أسماء

ص: 341

رقم الحديث

شيخ سفيان فيه

مصره أو بلده

الوهم

الصحيح

60

الزهري

تقدم

أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضتها

أمرها أن تغتسل لكلِّ صلاة (أدخل حديثاً في حديث)

61

الزهري

تقدم

عن سعد بن أبي وقاص قال: مرضت عام الفتح

عام حجة الوداع

62

الزهري

تقدم

يجزئ عنك الثلث

أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك

63

الزهري

تقدم

وما فاتكم فاقضوا

وما فاتكم فأتموا

64

محمد بن عجلان

المدينة

سعيد عن صيفي مولى أبي السائب

صيفي أبي سعيد عن أبي السائب

65

أيوب

تقدم

عن ابن أبي أوفى

عن زيد بن أرقم

66

جعفر بن محمد

المدينة

أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر ستاً وستين بدنة وعلي نحر أربعاً وثلاثين

أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثاً وستين بدنة ونحر عليّ سبعاً وثلاثين

ص: 342