الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُوقِظة
للحافظ المُحدِّث
شمس الدِّين أبي عبد الله محمَّد بن أحمد بن عثمان الذَّهَبيِّ
(المتوفَّى سنة 748 هـ)
(محقَّقٌ على ثلاث نسخٍ خطيَّة)
تحقيق وتعليق
أحمد بن شهاب حامد
غفر الله له ولوالدَيه ولمشايخه وللمسلمين
تقديم الشَّيخ عبد العزيز السَّعيد
- وفَّقه الله -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي النَّعماء والجلال والكبرياء، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، والصَّلاة والسَّلام على المبعوث رحمةً للعالمين، نبيِّنا محمَّدٍ وآله وصحبه ومن اقتفى أثره.
أمَّا بعد:
فإنَّ أخانا فضيلة الشَّيخ أحمد بن شهاب حامد - وفَّقه الله - يُقدِّم لأهل العلم وطُلَّابه كتاب «المُوْقِظة» للحافظ الكبير والمُؤرِّخ الشَّهير محمَّد بن أحمد الذَّهبيِّ رحمه الله، بعد أن حقَّقه على ثلاث نسخٍ خطيَّة، تحقيقًا علميًّا، أظهر به القراءة الصَّحيحة للنَّص، بعد ما يزيد على ثلاثة عقودٍ من الزَّمان من طباعته للمرَّة الأولى، وهي طباعةٌ فيها أغلاطٌ وتحريفٌ وسوءُ قراءةٍ للنَّص، مع بعض التَّعليقات التي فيها خروجٌ عن منهج السَّلف.
ولعلَّ هذا التَّحقيق يكون ناسخًا لما تقدَّمه من تحقيق، ومبيِّنًا لما أشكل، بما أودعه في الهوامش من تعليقاتٍ مختصرةٍ متينةٍ
على بعض المواضع، مستفيدًا من كلام المؤلِّف في كتبه الأخرى وغيره من أهل العلم، نفع الله بالكتاب، وبارك فيه، وجزى المحقِّق خيرًا.
والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصَّالحات.
وكتبه
عبد العزيز بن محمد السعيد
21/ 1/ 1439 هـ
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فهذه هي «المُوْقِظة» في علم مصطلح الحديث، للحافظ المؤرِّخ شمس الدِّين محمَّد بن أحمد بن عثمانَ الذَّهبيِّ رحمه الله، أقدِّمها للقارئ الكريم بعد أن حقَّقتُها على ثلاث نسخ خطيَّة، وحشَّيتُها بتعليقاتٍ مُوْضِحةٍ لبعض جمل الكتاب، وجعلتُ بين يدَي التَّحقيق والتَّعليق بعضَ المباحث الممهِّدة، وأرجو من الله الكريم أن ينفع بها، وأن يتقبَّل منِّي عملي، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم
(1)
.
وكتبه
أحمد بن شهاب حامد
في يوم الاثنين، التَّاسع والعشرين، من شهر ذي القَعدة
سنة ثمانٍ وثلاثين وأربع مئةٍ وألف
بمدينة الرِّياض، أعزَّها الله بالإسلام والسُّنَّة
(2)
(1)
وأرجو من القارئ الكريم أن يتكرَّم بإفادتي بما لديه من اقتراحٍ أو تصويب، على بريدي الإلكتروني: ahmed 1408@gmail.com
(2)
ثم تمَّت مراجعة الكتاب في مسجد المصطفى خيرِ الورى، صلوات الله وسلامه عليه، قُبَيل غروب شمس يوم الخميس، الثَّاني والعشرين من شهر الله المحرَّم، سنة تسعٍ وثلاثين وأربع مئةٍ وألف، والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصَّالحات.
المبحث الأوَّل
التَّعريف بالحافظ الذَّهبي
(1)
* هو محمَّد بن أحمد بن عثمان بن قَايْمَاز بن عبد الله التُّرْكُمانيُّ الأَصْل، الفَارِقيُّ ثمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الحافظ أبو عبد الله شمس الدِّين الذَّهَبِيُّ.
* وُلِد في ثالث ربيعٍ الآخِر سنة 673.
* وأجاز له في تلك السَّنة - بعناية أخيه من الرَّضاعة الشَّيخِ علاءِ الدِّين ابنِ العَطَّار -: أحمدُ بن أبي الخير، وابنُ الدَّرَجي، وابنُ عَلَّان، وابن أبي اليُسْر، وابنُ أبي عمر، والفَخْرُ عليٌّ، وجمعٌ جمٌّ.
وطلب بنفسه بعد التِّسعين، فأكثر عن ابن غَدِير وابن عساكر ويوسف الغَسُوليِّ ومن بقي من تلك الطَّبقة ومن بعدها، ثمَّ رَحل إلى القاهرة وأخذ عن الأَبَرْقُوهِيِّ والدِّمياطيِّ وابن الصَّوَّاف والغَرَّافيِّ وغيرهم.
* وخرَّج لنفسه «ثلاثين بلدانيَّة» ، ومهَرَ في فنِّ الحديث.
(1)
هذه التَّرجمة مختصرةٌ من «الدُّرر الكامنة» لابن حجر (4/ 336)، وانظر للاستزادة:«الذَّهبيُّ ومنهجه في كتاب تاريخ الإسلام» للدكتور بشَّار عوَّاد معروف.
وجمع «تاريخ الإسلام» ، فأربى فيه على من تقدَّم بتحرير أخبار المحدِّثين خصوصًا، وقطعةً من سنة سبع مئة، واختصر منه مختصراتٍ كثيرة، منها:«العِبَر» ، و «سير النُّبلاء» ، و «مُلَخَّص التَّاريخ» قدر نصفه، و «طبقات الحفَّاظ» ، و «طبقات القرَّاء» و «الإشارة» ، وغير ذلك.
واختصر «السُّنَن الكبير» للبَيْهقيِّ، فهذَّبه وأجاد فيه، وله «الميزان في نقد الرِّجال» أجاد فيه أيضًا، واختصر «تهذيب الكمَال» لشيخه المزِّي.
وخرَّج لنفسه «المعجم الكبير» و «الصَّغير» و «المختصَّ بالمحدِّثين» ، فذكر فيه غالب الطَّلبة من أهل ذلك العصر، وعاش الكثيرُ منهم بعده إلى نحو أربعين سنة، وخرَّج لغيره من شيوخه ومن أقرانه ومن تلامذته.
وَرِغب النَّاس في تواليفه، ورحلوا إليه بسببها، وتداولوها قراءةً ونَسْخًا وسماعًا.
(1)
.
مات في ليلة الثَّالث من ذي القَعْدة سنة 748.
(1)
الوافي بالوفيات (4/ 115).
المبحث الثَّاني
عنوان الكتاب
ونسبته إلى المصنِّف
عنوان الكتاب:
عُرِف هذا الكتاب باسم «الموقظة» ، وممَّا يؤيِّد صحَّة هذه التَّسمية أمور:
أحدها: ورودها في كلام بعض أهل العلم، ومنهم:
1 -
ابن حجر، فقال في «الأسئلة الفائقة بالأجوبة اللَّائقة»
(1)
في جواب عن سؤالٍ ورد إليه: «وسألتم رضي الله عنكم عن بيان الحديث الحسن، وهل له حدٌّ جامعٌ مانعٌ أو الأمر كما قال الذَّهبيُّ في الموقظة أنَّه لا يُطمَع في ذلك» ، ونقل ذلك السَّخاويُّ في «الجواهر والدُّرر»
(2)
.
2 -
ابن أبي شريف، فقال في «حاشية شرح النُّخبة»
(3)
: «قوله: (وفهم منه بعضهم) كأنَّه يريد الذَّهبيَّ في مقدِّمته في الاصطلاح المسمَّاة بالموقظة» .
(1)
(ص 63).
(2)
(2/ 913).
(3)
(ص 87).
3 -
السُّيوطيُّ، فنقل في «الحاوي للفتاوي»
(1)
و «تحفة الأبرار»
(2)
(3)
جملًا من الكتاب مُصدِّرًا ذلك بقوله: «قال الذَّهبيُّ في الموقظة» .
والثَّاني: ثبوت هذا الاسم في أوَّل نسختين من نسخ الكتاب الخطيَّة، وهما الأصل وب، وجاء في آخر الأصل:«تمَّت المقدِّمة الموقظة» .
والثَّالث: أنَّه لا يُعرف من سمَّى الكتاب بغير هذا الاسم.
نسبة الكتاب إلى المصنِّف:
لا شكَّ في ثبوت نسبة الكتاب إلى الحافظ الذَّهبيِّ رحمه الله، ويدلُّ على ذلك أمور:
أحدها: أنَّ المصنِّف أحال في هذا الكتاب إلى كتبٍ أخرى له، فقال وهو يتكلَّم عن المصنِّفات في الضُّعفاء:(فهذا قد ألَّفتُ فيه مختصرًا سمَّيتُه بـ «المغني»، وبسطتُ فيه مؤلَّفًا سمَّيتُه بـ «الميزان»)
(4)
.
والثَّاني: نقل العلماء منه مع عزو الكلام إلى الذَّهبي.
(1)
(2/ 113).
(2)
(ص 93).
(3)
(3/ 993).
(4)
(ص 76).
والثَّالث: نسبة الكتاب إلى الذَّهبيِّ في نُسَخه الخطيَّة.
والرَّابع: أنَّ أسلوب الكتاب في عرضه وصياغته وتعابيره يتوافق مع أسلوب الذَّهبيِّ في سائر كتبه.
المبحث الثَّالث
أهمية كتاب «المُوْقظة»
تظهر أهميَّة كتاب «الموقظة» في أمور:
أوَّلها: جلالة مؤلِّفه، فإنَّ الذَّهبيَّ حافظٌ بارعٌ في الفنِّ، حاذقٌ للصِّناعة الحديثيَّة.
والثَّاني: ظهور أثر اجتهاده في هذا العلم، وذلك في ذكر بعض آرائه، وزيادة بعض المسائل على من سبقه، ومن ذلك:
1 -
ذكره بعض الأمثلة على الأسانيد الصَّحيحة، وزيادة بعض المراتب على من سبقه.
2 -
رأيه في عدم انضباط الحسن بقاعدةٍ تندرج كلُّ الأحاديث الحسان فيها.
3 -
ذكره بعض الأمثلة على الأسانيد الحسان، وتقسيم ذلك إلى قسمين: قسمٌ متجاذبٌ بين الصِّحة والحسن، وقسمٌ متجاذبٌ بين الحسن والضَّعف.
4 -
زيادة «المطروح» في ألفاظ علوم الحديث، وهذا قد تفرَّد به كما سيأتي بيانه في موضعه.
5 -
تعقُّبه شيخَه ابن دقيق العيد في مسألة إقرار الرَّاوي بالوضع.
6 -
الكلام على حكم مفاريد الحَّفاظ والثِّقات والصَّدوقين.
7 -
ذكره لبعض صور التَّدليس في ألفاظ الأداء، ممَّا لا يُعرَف أنَّه سُبِق إليه.
8 -
رأيه في التَّصرُّف في الإسناد في رواية المصنَّفات.
9 -
تفصيله في حكم الرَّاوي الذي أخرج له الشَّيخان، والرَّاوي الذي صحَّح له بعض الأئمَّة غير الشَّيخين.
10 -
تفسيره لبعض ألفاظ الجرح والتَّعديل.
11 -
تقسيم المتكلِّمين في الجرح والتَّعديل من حيث التَّساهل والتَّشدُّد والاعتدال.
والثَّالث: نقل من جاء بعده من أهل العلم عنه، ومنهم:
1 -
الحافظ كمال الديِّن محمَّد الشُّمُنِّي (ت 821 هـ)، وذلك في «نتيجة النَّظر»
(1)
، وقد يُصرِّح أحيانًا بالنَّقل عنه، ويُغفِل ذلك أحيانًا.
(1)
(ص 93 و 145 و 256 و 282).
2 -
الحافظ ابن ناصر الدِّين الدِّمشقي (ت 842 هـ)، وذلك في شرحيه «المطوَّل»
(1)
و «المختصر»
(2)
على منظومته في الاصطلاح التي أسماها: «عقود الدُّرر في علوم الأثر» ، وهو مُكثِرٌ من النَّقل عنه، فيُصرِّح بذلك أحيانًا، ويغفله أحيانًا.
3 -
الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، وذلك في «نزهة النَّظر»
(3)
.
4 -
العلَّامة تقيُّ الدِّين أحمد الشُّمُنِّي
(4)
(ت 872 هـ)، وذلك في «عالي الرُّتْبة في شرح نظم النُّخْبة»
(5)
.
5 -
الحافظ شمس الدِّين السَّخاوي (ت 902 هـ)، وذلك في «فتح المغيث»
(6)
(7)
و «شرح التَّقريب»
(8)
.
(1)
انظر على سبيل المثال: (ص 183).
(2)
(ص 27).
(3)
(ص 89).
(4)
وهو ابن الكمال الآنف ذكره.
(5)
(ص 63).
(6)
(2/ 132).
(7)
(2/ 259).
(8)
(ص 68).
4 -
الحافظ جلال الدِّين السُّيوطي (ت 911 هـ)، وذلك في «تدريب الرَّاوي»
(1)
(2)
و «تحفة الأبرار»
(3)
و «الحاوي للفتاوي»
(4)
.
5 -
العلَّامة محمَّد الأمير الصَّنعاني (ت 1182 هـ)، وذلك في «إسبال المطر»
(5)
.
(1)
(1/ 248).
(2)
(3/ 993).
(3)
(ص 93).
(4)
(2/ 113).
(5)
(ص 236)، وقد نقل عنه بواسطة ابن ناصر الدين.
المبحث الرَّابع
موضوعات «المُوْقظة»
يُمكن تقسيمُ موضوعات «الموقظة» إلى ستَّة أقسام
(1)
:
* القسم الأوَّل: في ذكر مدلولات ألفاظ تتعلَّق بعلوم الحديث، وعدَّتُها اثنان وعشرون لفظًا، وهي:
الصَّحيح، والحسن، والضّعيف، والمطروح، والموضوع، والمرسل، والمعضَل، والمنقطع، والموقوف، والمرفوع، والمتَّصل، والمسنَد، والشَّاذُّ، والمنكر، والغريب، والمسلسل، والمعنعن، والتَّدليس، والمضطرب، والمدرَج، وألفاظ الأداء، والمقلوب.
* القسم الثَّاني: في كيفيَّة التَّحمُّل والأداء، وذَكَر فيه الموضوعات التَّالية:
1 -
اشتراط العدالة في الرَّاوي.
2 -
المعتبَر في تحمُّل الصَّغير.
(1)
استفدتُ هذا التَّقسيم من تبويب «الاقتراح» لابن دقيق العيد.
3 -
التَّصرُّف في الإسناد في رواية المصنَّفات أو النَّقل منها.
4 -
قول: «سمعتُ» فيما تحمَّله الرَّاوي بالقراءة.
5 -
إفراد حديثٍ من نسخة.
6 -
اختصار الحديث وتقطيعُه.
7 -
تقديم المتن على الإسناد وتأخيره.
8 -
استعمال ألفاظ الإحالة على المتون.
9 -
التَّحمُّل في المذاكرة.
10 -
السَّماع من غير مقابلة.
* القسم الثَّالث: في آداب المحدِّث، وذكر فيه الآداب التَّالية:
1 -
تصحيح النِّيَّة.
2 -
بذل النَّفس للطَّلَبة.
3 -
الامتناع من الرِّواية عند التَّغيُّر.
4 -
ترك التَّحديث مع وجود من هو أولى.
5 -
دلالة المبتدئين على المهمِّ فالمهمِّ، وعدم غشِّهم.
6 -
مراعاة آداب مجلس التَّحديث.
7 -
ترتيل الحديث وترك الإسراع المذموم فيه.
8 -
عَقْد مجالس الإملاء.
* القسم الرَّابع: في معرفة الثِّقات، وذَكَر فيه الموضوعات التَّالية:
1 -
تعريف الثِّقة.
2 -
تعريف الحافظ.
3 -
ذكر طبقات الحفَّاظ، وأمثلة عليهم.
4 -
حكم مفاريد الحفَّاظ.
5 -
حكم مفاريد الثِّقات.
6 -
طرق معرفة الثِّقة، وذَكَر منها طريقين:
(أ) التَّنصيص على توثيقه.
(ب) التَّصحيح لحديثه.
7 -
إطلاق طوائف اسم الثِّقة على من لم يُجرَح مع ارتفاع الجهالة عنه.
8 -
تفسير إطلاق الجهالة على الرَّاوي.
9 -
تقوية حال مجهول العين إذا كان المُنفرِد عنه من كبار الأثبات.
10 -
مصادر معرفة الثِّقات.
11 -
حال الرُّواة الذين أخرج لهم الشَّيخان أو أحدهما.
12 -
الثِّقات الذين لم يُخرَّج لهم في الصَّحيحين.
* القسم الخامس: في معرفة الضُّعفاء، وذَكَر فيه موضوعات:
أوَّلها: أمور ينبغي مراعاتها في الكلام في الرُّواة، وهي:
1 -
الوَرَع التَّام، والخبرة بالحديث وعلله ورجاله.
2 -
تحرير عبارت الجرح والتَّعديل.
3 -
النَّظر في حال الجارح من حيث الحِدَّة أو التَّساهل أو الاعتدال.
4 -
النَّظر في حال الجارح مع المجروح.
الثَّاني: حكم رواية المبتدع.
الثَّالث: آفات تدخل على المتكلِّمين في الجَرْح، وهي:
1 -
اختلاف العقائد.
2 -
الاختلاف بين المتصوِّفة وأهل العلم.
3 -
الجهل بمراتب العلوم.
4 -
عدم الوَرَع والأخذ بالتَّوهُّم.
* القسم السَّادس: في المُؤتلِف والمُختلِف.
المبحث الخامس
منهج الذَّهبيِّ في «المُوْقظة»
استفتح الذَّهبيُّ رحمه الله كتابه بالشُّروع في المقصود، دون أن يُصدِّره بخُطبةٍ ولا توطئةٍ يُفصِح فيها عن منهجه، وبالتَّأمُّل في الكتاب يتبيَّن بجلاءٍ أنَّه اعتمد كثيرًا على كتاب «الاقتراح» لشيخه ابن دقيق العيد، فيكاد يكون كتابه اختصارًا له، وهو تارةً ينقل عنه مُصرِّحًا بذلك، فيقول:«قال شيخنا ابن وَهْبٍ» أو: «قال شيخنا ابن دقيق العيد» ، وتارةً يختصر كلامه دون تصريح، وهو الأكثر.
ومن ثمَّ كان من الحسن في بيان منهج الذَّهبيِّ في «المُوْقظة» أن يُقرَن بالموازنة بينه وبين منهج ابن دقيق العيد في «الاقتراح» ، وذلك من جهات:
*
أوَّلها: موضوعات الكتابين:
1 -
لم يُورِد الذَّهبيُّ كلَّ المباحث التي أوردها ابن دقيق العيد، بل اقتصر على بعضها وترك كثيرًا منها.
2 -
زاد الذَّهبيُّ بعض المباحث على «الاقتراح» ، كـ (المطروح) وتحرير بعض عبارات الجرح والتَّعديل.
*
الجهة الثَّانية: مسائل الكتابين:
1 -
لم يلتزم الذَّهبيُّ في المبحث الواحد بإيراد كلِّ المسائل الواردة في «الاقتراح» ، فتارةً يستوفي إيرادها، وتارةً يقتصر على بعضها.
2 -
قد يزيد على شيخه بعض المسائل في المبحث الواحد، وهذا قليل.
*
الجهة الثَّالثة: ترتيب الكتابين:
1 -
لم يعتنِ الذَّهبيُّ بالتَّنظيم والتَّرتيب الذي شُيِّد عليه «الاقتراح» ، فإنَّ النَّاظر في «الاقتراح» لأوَّل وهلةٍ يظهر له بوضوحٍ حسنُ ترتيب مباحثه، وجودةُ عَرْض مسائله؛ فإنَّ ابن دقيق العيد نظَّم كتابه في تسعة أبواب:
الباب الأوَّل: في مدلولات ألفاظ تتعلَّق بهذه الصِّناعة، وأورد فيه اثنين وعشرين لفظًا، ابتدأها بـ «الصَّحيح» ، واختتمها بـ «المقلوب» .
الباب الثَّاني: في كيفيَّة السَّماع والتَّحمُّل وضبط الرِّواية وأدائها.
الباب الثَّالث: في آداب المحدِّث.
الباب الرَّابع: في آداب كتابة الحديث.
الباب الخامس: في معرفة العالي والنَّازل.
الباب السَّادس: في معرفة بقايا من الاصطلاح سوى ما تقدَّم في الباب الأوَّل.
الباب السَّابع: في معرفة الثِّقات من الرُّواة.
الباب الثَّامن: في معرفة الضُّعفاء.
الباب التَّاسع: في ذكْر طرَفٍ من الأسماء المُؤْتلفة والمُخْتلفة.
ثمَّ ختم كتابه بذكر أحاديثَ صحيحةٍ مُنقسِمةٍ على أقسام الصَّحيح.
هذا ما يتعلَّق بـ «الاقتراح» ، وأمَّا الذَّهبيُّ فإنَّه انتقى من جملة هذه الأبواب بعض المباحث المندرجة تحتها، وسردها سردًا دون تبويب، فتارةً يذكر المبحث بعنوانٍ دالٍ على المضمون، وتارةً يُصدِّره بقوله:«مسألة» ، وتارة يصدِّره بقوله:«فصل» .
2 -
سار في إيراد ألفاظ علوم الحديث على ترتيب شيخه في الجملة، وخالف ذلك في لفظٍ واحد، وهو «الموضوع» ، فإنَّه جعله اللَّفظ الخامس، وأمَّا شيخه فجعله قبل الأخير.
والتَّرتيب الذي سار عليه الذَّهبيُّ أوفق؛ لأنَّه صدَّر كتابه بخمسة ألفاظٍ دالَّةٍ على درجة الحديث، ورتَّبها حسب القوَّة، فابتدأها بالصَّحيح، ثمَّ الحسن، ثمَّ الضَّعيف، ثمَّ المطروح، ثمَّ
الموضوع، وتفطَّن السَّخاويُّ رحمه الله لهذا التَّرتيب، فقال في «فتح المغيث» (2/ 132):«يقع في كلامهم (المطروح)، وهو غير الموضوع جزمًا، وقد أثبتَه الذَّهبيُّ نوعًا مستقلًّا، وعرَّفه بأنَّه ما نزل عن الضَّعيف وارتفع عن الموضوع» ، والذَّهبيُّ إنَّما عرَّفه بـ (ما انحطَّ عن رتبة الضَّعيف)، لكن لمَّا أورده بين الضَعيف والموضوع؛ فَهِم السَّخاويُّ أنَّه بينهما في الرُّتبة.
*
الجهة الرَّابعة: أسلوب عَرْض الكتابين:
1 -
سَرَد الذَّهبيُّ مسائل الكتاب سردًا، بخلاف ابن دقيق العيد في «الاقتراح» فإنَّه اعتنى فيه بحُسْن العرض وتقسيم المسائل وترتيبها.
2 -
راعى الذَّهبيُّ الاختصار في بعض المسائل، فأدَّى ذلك إلى نوعٍ من الغموض في بعضها، لا يتَّضح إلَّا بالرُّجوع إلى «الاقتراح» .
المبحث السادس
التَّحقيق
والتَّعليق
التَّحقيق:
اعتمدتُ في تحقيق الكتاب على ثلاث نسخٍ:
النُّسخة الأولى: نسخة دار الكتب الظَّاهرية «الأصل»
(1)
:
وهي محفوظة ضمن مجموع برقم: (1028 عام، 88)، عدد أوراقها: 12 ورقة، وهي نسخةٌ ناقصة، سقطت بعض أوراقها، كما نُبِّه عليه في موضعه.
جاء في آخرها: «علَّقها لنفسه الفقير: إبراهيم بن عمر بن حسن الرُّباط الرَّوحائيُّ
(2)
، في اللَّيلة التي يُسفِر صباحها عن الخميس، خامس عشر ربيعٍ الأوَّل، سنة اثنتين وثلاثين وثمان مئة».
وهذا النَّاسخ هو الحافظ البِقاعيُّ المشهور، أحد تلاميذ الحافظ ابن حجر، وكان عمره حين نسخها 23 سنة؛ إذ هو من مواليد سنة 809 هـ
(3)
.
(1)
أفادني بهذه النُّسخة وبنسخة باريس أخونا الشيخ ياسر بن سعد العسكر، فجزاه الله خيرًا.
(2)
الرَّوْحائي: نسبة إلى الرَّوحا، من قرى الرَّحْبة «لب اللُّباب» (1/ 119).
(3)
انظر ترجمته في «الضَّوء اللَّامع» (1/ 101)، و «نظم العقيان» (ص 24)، و «البدر الطَّالع» (1/ 19).
وقد اتَّخذتُ هذه النُّسخة أصلًا إلَّا في موضع الصَّفحات السَّاقطة.
النُّسخة الثَّانية: نسخة مكتبة الإسكوريال بـ (مَدْرِيْد)«م»
(1)
.
وهي محفوظة ضمن مجموع برقم: (1336)، ومكتوبة بخطٍّ مغربيٍّ، عدد أوراقها 4 أوراق، وهي نسخةٌ كاملةٌ، في أوراقها تشقُّق يسيرٌ أدى إلى سقوط بعض الكلمات والجمل، وقُطِعت أطراف بعض الصَّفحات من أجل التَّجليد، فذهبت معها بعض الإلحاقات المشار إليها في المتن.
وهذا النَّاسخ هو الأمير الفقيه أبو عبد الله محمَّدٌ الحَفْصي، الملقَّب بالحسين، ترجم له التُّنْبُكْتي في «نيل الابتهاج»
(2)
، ومحمَّد بن محمَّد مخلوف في «شجرة النُّور الزَّكيَّة»
(3)
، فذكرا أنَّه
(1)
أعانني على التَّواصل مع مكتبة الاسكوريال أخونا الفاضل هشام الأندلسي، فجزاه الله خيرًا.
(2)
(ص 525).
(3)
(ص 245).
كان من جِلَّة فقهاء تونُس وعلمائِها، علَّامةً محقِّقًا فهَّامة، أخذ عن ابن عرفة والقاضي أبي مهدي عيسى الغبريني وغيرهما
(1)
، وله أجوبة مسائل الإمام ابن سمعة الأندلسي المنوَّعة حين وجَّهها إلى إفريقيَّة، ذكره القاضي أبو يحيى بن عاصم، ونقل عنه أبو القاسم بن ناجي في «شرح المدوَّنة» ، والوَنْشَرِيْسِيُّ في «المعيار المُعْرِب»
(2)
، توفِّي سنة 839 هـ.
وأبوه المذكور هو سلطان الدَّولة الحفصيَّة
(3)
، وتولَّى السَّلطنةَ من بعده أخوه أميرُ المؤمنين أبو فارس عبد العزيز (عزوز)
(4)
، وكان من مناقب السُّلطان أبي فارسٍ ما ذكره السَّخاويُّ بقوله:«أرسَل يستدعي نسخةً من (فتح الباري) لشيخنا، بتحريك الزَّين عبد الرَّحمن البرعكي، فجُهِّز له ما كمل، وهو قدر الثُّلثين منه، وبهذه الواسطة كان تجهَّز لكتبة الشَّرح - بل ولجماعة مجلس الإملاء - ذهبًا يُفرَّق عليهم على قدر مراتبهم»
(5)
.
(1)
نقل في «نيل الابتهاج» (ص 297) عن الأمير محمد قوله: «شيخنا ابن عرفة وشيخنا الغبريني ممَّن يجتهد في المذهب، ولا يُحتاج للدَّليل على ذلك؛ إذ العيان شاهدٌ بتلك» .
(2)
(1/ 24)، فقد نقل عنه مسألة في الطَّلاق.
(3)
الفارسيَّة في مبادئ الدَّولة الحفصيَّة (ص 177)، الأدلَّة البيِّنة النَورانيَّة (ص 108)، الدُّرر الكامنة (1/ 257).
(4)
الفارسيَّة في مبادئ الدَّولة الحفصيَّة (ص 189)، الأدلَّة البيَّنة النَّورانيَّة (ص 112).
(5)
الضَّوء اللَّامع (4/ 214).
واعتمدتُ على هذه النُّسخة في موضع السَّقط من الأصل، وأبرزتُ أكثر الفروق التي فيها، ولم أُشِر إلى الكلمات السَّاقطة بسبب التَّشقُّق؛ خشية إثقال الحواشي.
النُّسخة الثَّالثة: نسخة المكتبة الوطنيَّة بباريس «ب»
.
وهي محفوظةٌ ضمن مجموعٍ برقم (4577 عربيات)، وهي نسخةٌ ناقصةٌ في آخرها، كثيرة الخطأ والتَّصحيف، وفيها بعض الزِّيادات الموضِّحة، ولعلَّها حواشٍ ألحقها النَّاسخ بالأصل دون بيان، ولذلك لم أُبرِز ما خالفت به النُّسختين الأخريين، إلَّا ما دعت الحاجة إلى ذكره.
وسرتُ في تحقيق الكتاب على المنهج التَّالي:
1 -
أثبتُّ نصَّ نسخة الأصل، إلَّا ما تبيَّن لي رجحانه من النُّسخ الأخرى، وفي موضع النَّقص من الأصل اعتمدتُ على نسخة م.
2 -
أشرتُ في الحاشية إلى الفروق بين النُّسخ، واستبعدتُ منها ما لم يكن مؤثِّرًا، وما كان بيِّن الخطأ.
3 -
قابلتُ النصَّ على «الاقتراح» لابن دقيق العيد، واستعنتُ به في التَّرجيح بين النُّسخ، وفي تنظيم فقرات الكتاب.
4 -
قابلتُ النَّصَّ على المصنَّفات التي نقلت عن «الموقظة» ، لا
سيَّما «الشَّرح المطوَّل لعقود الدُّرر» لابن ناصر الدِّين الدِّمشقي، ففيه نقولاتٌ كثيرةٌ عنه.
5 -
وضعتُ عناوين للمسائل، وجعلتُها في الحاشية الجانبيَّة لئلَّا تلتبس بالأصل.
6 -
ميَّزتُ المسائل الزَّائدة على ما في «الاقتراح» بجعل حرف ز في أوَّلها، وبدارةٍ في آخرها •
(1)
.
الطَّبعات السَّابقة:
طُبِع كتابُ «الموقظة» عدَّة طبعات، من أمثلها: طبعة (مكتب المطبوعات الإسلاميَّة بحلب)
(2)
؛ فقد كان لها السَّبْقُ في الظُّهور، والعنايةُ فيها بخدمة النَّصِّ ظاهرة، إلَّا أنَّها جاوزت الحدَّ المسموح به في التَّحقيق، فقد تصرَّف المحقِّق بتغيير بعض جمل الكتاب دون مُسوِّغٍ، مع الإشارة إلى ذلك في الأصل تارة، وإغفال ذلك تارةً، ولم تخلُ أيضًا من أخطاءٍ يسيرةٍ في قراءة بعض الكلمات.
وفيما يلي بيانُ بعض ذلك
(3)
:
(1)
أشار عليَّ بذلك شيخُنا صالح بن عبد الله العُصَيمي - جزاه الله خيرًا -.
(2)
وأمَّا الطَّبعات التي تلتها فاعتمد محقِّقوها على نسخة الظَّاهريَّة والمطبوعة السَّابقة، ولذا ضربتُ صفحًا عن تتبُّع ما وقع فيها من أخطاء.
(3)
واستغنيتُ بهذا الجدول عن ذكر هذه الأخطاء في مواضعها.
م
الصَّفحة
السَّطر
الخطأ
التَّصويب
1
29
11
وحينئذٍ لو قيل: حسنٌ صحيحٌ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه؛ لبطل هذا الجواب.
وحقيقة ذلك -أن لو كان كذلك- أن يُقال: حديثٌ حسنٌ وصحيحٌ، فكيف العمل في حديثٍ يقول فيه:«حسنٌ صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه» ؟! فهذا يُبطل قول من قال: أن يكون ذلك بإسنادين.
وقع في هذا الموضع اختلافٌ بين النُّسخ، وهو اختلافٌ في الصِّياغة، والمحقِّق لفَّق بينها، فأثبت الجملة كما وردت في ب، ثمَّ كرَّر الجملةَ نفسها كما وردت في الأصل.
2
35
8
من المتروكين والهلكى، وبعضهم أفضل من بعض.
الصَّواب كما في النُّسخ: «التَّلفى . . . أضل [أو: أمثل]» ، وقد قرأها المحقِّق كما أشار في الحاشية:«التلقي» ، فهنا مأخذان:
أحدهما: الخطأ في قراءة النَّص.
والثَّاني: تغيير ما في الأصل.
3
36
11
وإدراكٌ قويٌّ.
الصَّواب كما في النُّسخ: «وإدمانٌ قويٌّ» ، فتصرَّف المحقِّق فيها.
م
الصَّفحة
السَّطر
الخطأ
التَّصويب
4
37
4
أعني مخالفًا للقواعد.
الصَّواب كما في النُّسخ: «بمعنى مخالف» ، وأشار المحقِّق إلى أنَّه وقع في الأصل:«يعني مخالف» ، فتصرَّف في النَّص.
5
38
2
لا نرتاب في كونها موضوعة.
الصَّواب كما في النُّسخ: «لا نرتاب في كذبها» ، فوقع المحقِّق في مأخذين:
أحدهما: الخطأ في قراءة النَّص.
الثَّاني: زيادة «موضوعة» دون إشارةٍ إلى ذلك.
6
42
12
وقد يُعَدُّ مفرد الصَّدوق منكرًا.
الصَّواب كما في النُّسخ: «تفرُّد» .
7
47
2
ما رواه الرَّجل عن آخر ولم يسمعه.
الصواب كما في النُّسخ: «لم يسمعه» ، وإضافة واو العطف تصرُّفٌ من المحقِّق.
8
47
6
وإن لم يمكن فمنقطع.
الصَّواب كما في النُّسخ: «وإن لم يكن» .
9
51
3
المضطرب والمعلل.
الصَّواب كما في الأصل و م و «الاقتراح» : «المضطرب» ، ووقع في ب:«المعلل» ، ولفَّق المحقِّق بينهما.
م
الصَّفحة
السَّطر
الخطأ
التَّصويب
10
52
2 من أسفل
فهذا الضَّرب يسوق البخاري ومسلم الوجهين منه في كتابيهما.
أشار المحقِّق إلى زيادته «منه» على النُّسخ، وهو تصرُّفٌ لا حاجة إليه.
11
56
8
فأما (أنبأنا) و (أنا) فكذلك.
الصَّواب كما في الأصل وم: «فأمأ (أنبأنا) فكذلك» .
وزاد المحقِّق «أنا» من ب، وهي اختصار «أخبرنا» ، وإثباتها خطأ؛ لأنَّ المعنى لا يستقيم بها، ولأنَّه تقدَّم الكلام على (أخبرنا)، ولأنَّه سيأتي بعد جملٍ بيانُ أنَّ استعمال (أخبرنا) في الإجازة مصطلحٌ لبعض المغاربة، ويؤيِّد ذلك أنَّها لم ترد في «الاقتراح» .
12
58
2
فيقول: أنبأنا فلان، ولم يقل: وأنا حاضر.
الصَّواب كما في الأصل وم: «أخبرنا» .
وأمَّا (أنبأنا) فأثبتها المحقِّق من ب دون أن يُشير إلى اختلاف النُّسخ، وهو خطأ؛ لأنَّ (أنبأنا) تُستعمَل عند المتَّأخرين في الإجازة لا السَّماع، فلا يستقيم بها المعنى.
م
الصَّفحة
السَّطر
الخطأ
التَّصويب
13
61
1
فصل.
هكذا في ب، وفي الأصل:«التَّحمُّل» ، وموضعه مخروم في م، ولم يُشر المحقِّق للاختلاف، وما في الأصل هو المقدَّم.
14
65
9
كساه العلم خشية لله.
الصَّواب كما في النُّسخ: «كسره العلم، وخشع لله» ، فتصرَّف المحقِّق في الجملة.
15
66
4
قد أتقن روايتها.
الصَّواب كما في النُّسخ: «قد أدمن في دربتها» ، فتصرَّف المحقِّق في الجملة.
16
66
9
مع وجود من هو أولى منه لسنِّه وإتقانه.
الصَّواب كما في النُّسخ: «لدينه» ، وما أثبته المحقِّق أخذه من «الاقتراح» .
17
77
11
فتابعيُّهم إذا انفرد بالمتن.
«بالمتن» لم ترد في النُّسخ، ووقع في موضعها كلمةٌ أخرى لم يتَّضح لي قراءتها، والكلام مستقيم بدونها.
18
82
الأخير
بعباراته الكثيرة. أما قول البخاري
الصَّواب كما في م: «فكثيرًا ما يقول البخاريُّ» ، وفي الأصل:«بعباراته الكثير. أما يقول البخاري» ، وهو تحريف.
م
الصَّفحة
السَّطر
الخطأ
التَّصويب
19
83
2
وعلمنا مقصده
الصَّواب كما في النُّسخ: «معتقده» .
20
83
8
ومن ثم قيل: تجب حكاية الجرح والتعديل.
الصَّواب كما في م: «قيل في حُكَّام الجرح والتعديل» ، ووقع في الأصل:«قيل في حكاية . . . » ، وتصرَّف المحقِّق فيه.
21
84
الأخير
فإن قُدِّر خطؤه في نقده. . . . الصَّواب كما في النُّسخ: «فإن بدر خطؤه
»، فتصرَّف المحقِّق فيه.
22
85
1
إذا تكلَّموا في نقد شيخ ورد شيء في حفظه وغلطه.
الصَّواب كما في م: «ووزنه» ، وما في الأصل يحتمله، وقرأها المحقِّق:«ورديه» فتصرَّف فيها.
23
92
5
شُعيث بن محرَّر.
الصَّواب: «شُعَيث بن مُحْرِز» .
التَّعليق:
انتهجتُ في التَّعليق على هذا المتن المنهج التَّالي:
1 -
وثَّقتُ ما فيه من الآيات والأحاديث والنُّقول.
2 -
إذا نقل الذَّهبيُّ كلامًا لأحد أهل العلم باختصار، فإنَّني أُوْرِد النَّصَّ المنقول بتمامه إذا كان ذلك مساعدًا على فهم معناه.
3 -
أوردتُ من «الاقتراح» ما يوضِّح كلام الذَّهبيِّ، فإن أوردتُه
بنصِّه فإنَّني أكتفي بتوثيقه، وإن تصرَّفتُ فيه فإنَّني أوضِّح ذلك بقولي:«كما هو مستفادٌ من الاقتراح» .
4 -
نقلتُ من كتب الذَّهبيِّ الأخرى ما يوضِّح كلامه هنا، أو كان متمِّمًا لمقصوده.
5 -
علَّقتُ على بعض المواضع التي تحتاج إلى إيضاح ممَّا لم يرد في «الاقتراح» ولا في كتب الذَّهبيِّ الأخرى.
6 -
ميَّزتُ الأعلام والرُّواة الواردين في الكتاب، دون المشاهير منهم، كأصحاب المصنَّفات المشهورة، ومن تدور عليهم الأسانيد من الرُّواة، ودون من لم يشتهر باسمه سواه.
شكر وتقدير
أشكر المشايخ الفضلاء الذين اطَّلعوا على عملي في الكتاب أو على بعض المواضع منه، وأكرموني بملحوظاتهم وإفاداتهم، ومنهم: الشَّيخ عبد العزيز بن محمَّد السَّعيد، والشَّيخ إبراهيم بن عبد الله اللَّاحم، والشَّيخ محمد أجمل الإصلاحي، والشَّيخ صالح بن عبد الله العُصَيمي، فجزاهم الله خيرًا، وأجزل لهم المثوبة، وبارك فيهم وفي علمهم.
كما أشكر كلَّ من عاونني في مقابلة الكتاب أو مراجعته، أو تفضَّل عليَّ بإفادةٍ أو مشورة، وأخصُّ بالذِّكر منهم أخي وصديقي الشَّيخ حسين بن حسن باقر، فقد راجع الكتاب كاملًا، ودقَّق النَّظر فيه، وأفادني بإفاداتٍ مهمَّة، فجزاهم الله جميعًا خيرًا.
طرَّة الأصل
أوَّل الأصل
آخر الأصل
أوَّل نسخة (م)
آخر نسخة (م)
أوَّل نسخة (ب)
آخر نسخة (ب)
القسم الأول
في مدلولات ألفاظ تتعلق بعلوم الحديث
بسم الله الرحمن الرحيم
(1)
*
الحديث الصَّحيح:
[تعريف الحديث الصحيح]:
* هو ما دار على عدلٍ مُتقِنٍ واتَّصل سندُه.
فإن كان مرسَلًا ففي الاحتجاج به اختلافٌ.
وزاد أهلُ الحديث: سلامتَه من الشُّذوذ والعلَّة، وفيه نظرٌ على مقتضى نظر الفقهاء، فإنَّ كثيرًا من العلل يأبَوْنها
(2)
(3)
.
(1)
في الأصل بعد البسملة: «ربِّ زدني علمًا، ووفِّق يا كريم، قال الإمام العالم العلَّامة، الرُّحلة المحقِّق، بحر الفوائد ومَعْدِن الفرائد، عمدة الحفَّاظ والمحدِّثين، وعُدَّة الأئمَّة المحقِّقين، وآخر المجتهدين، شمس الدِّين محمَّد بن عثمان الذَّهبي، رحمه الله ونفعنا بعلومه وجميع المسلمين» ، والمصنِّف نُسِب هنا إلى جدِّه، وإلَّا فهو محمَّد بن أحمد بن عثمان.
وفي م بعد البسملة أيضًا: «صلَّى الله على سيِّدنا ومولانا محمَّد وآل محمَّد وآله [كذا] وصحبه
…
، قال الشَّيخ رُحلة الآفاق، عمدة المحدِّثين، شمس الدِّين، أبو عبد الله محمَّد بن أحمد الذَّهبيُّ
…
رحمة الله عليه»، وموضع النَّقط مخروم.
(2)
في ب: «يأبَوْنَ أنَّها علَّة» .
(3)
كما إذا أثبت الرَّاوي عن شيخه شيئًا، فنفاه من هو أحفظ، أو أكثرُ عددًا، أو أكثرُ ملازمةً منه؛ فإنَّ الفقيه والأصوليَّ يقولان: المُثبِت مقدَّمٌ على النَّافي، فيُقبَل، والمحدِّثون يُسمُّونه شاذًّا، قاله في «فتح المغيث» (1/ 26).
فالمجمَع على صحَّته إذن: المتَّصل السَّالم من الشُّذوذ والعلَّة، وأن يكون رواته ذوي ضبطٍ وعدالةٍ ز: وعدم تدليس. •
[مراتب الصَّحيح المجمع عليه]:
* فأعلى مراتب المجمَع عليه:
مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر
(1)
.
ز: أو: منصورٌ، عن إبراهيمَ، عن علقمةَ، عن عبد الله
(2)
.
أو: الزُّهريُّ، عن سالمٍ
(3)
، عن أبيه
(4)
.
أو: أبو الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة
(5)
.
(1)
وهو أصحُّ الأسانيد عند البخاري، كما في «المعرفة» للحاكم (ص 235).
(2)
أي: منصور بن المُعْتَمِر السُّلَميُّ، عن إبراهيمَ بن يزيدَ النَّخَعيِّ، عن علقمةَ بن قيسٍ النَّخعيِّ، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، وهو أصحُّ أسانيد ابن مسعود، كما في «المعرفة» للحاكم (ص 239)، فعلى هذا: أصحُّ ذلك: شعبة وسفيان عن منصور، وعنهما يحيى القطَّان وعبدُ الرَّحمن بن مَهْدي، وعنهما عليُّ بن المديني، وعنه أبو عبد الله البخاريُّ، قاله المصنِّف في «السِّير» (4/ 60)، وقال (9/ 158): «أصحُّ إسنادٍ بالعراق وغيرِها: أحمد بن حنبلٍ، عن وكيعٍ، عن سفيان، عن منصور
…
»، وقال:«وفي (المسند) بهذا السَّند عدَّة متون» ، وجعل ابنُ معينٍ (الأعمش) مكان (منصور)، وعدَّه أصحَّ الأسانيد.
(3)
هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب.
(4)
وهو أصحُّ الأسانيد عند أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، كما في «المعرفة» للحاكم (ص 237)، و «علوم الحديث» لابن الصَّلاح (ص 15).
(5)
وهو أصحُّ الأسانيد عن أبي هريرة عند البخاريِّ، حكاه عنه الحاكم في «المعرفة» (ص 236).
ثمَّ بعده:
معمرٌ، عن همَّامٍ، عن أبي هريرة
(1)
.
أو: ابنُ أبي عَرُوْبةَ
(2)
، عن قَتادةَ، عن أنس.
أو: ابنُ جُرَيجٍ
(3)
، عن عَطاءٍ، عن جابرٍ.
وأمثالُه.
ثمَّ بعده في المرتبة:
اللَّيث وزُهَيرٌ، عن أبي الزُّبَير، عن جابر
(4)
.
أو: سِمَاكٌ، عن عِكْرمة، عن ابن عبَّاس
(5)
.
أو: أبو بكر بن عيَّاش، عن أبي إسحاق
(6)
، عن البراء.
(1)
وهو أصحُّ أسانيد اليمانيِّين، كما في «المعرفة» للحاكم (ص 239)، وسيأتي الكلام على هذه النُّسخة (ص 62).
(2)
هو سعيد بن أبي عَرُوْبة مِهْران اليَشْكُريُّ مولاهم.
(3)
أي: عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرِيجٍ الأُمَويُّ مولاهم، عن عَطاء بن أبي رَبَاح القرشيِّ مولاهم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(4)
أي: اللَّيثُ بن سعدٍ الفَهْميُّ، وأبو خيثمةَ زُهَيرُ بن معاويةَ الجُعْفيُّ، عن أبي الزُّبير المكِّي - واسمه محمَّد بن مسلم بن تَدْرُس -، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(5)
نسخَةُ عِدَّة أحاديث، فلا هي على شرط مسلمٍ لإعراضه عن عِكرمة، ولا هي على شرط البخاريِّ لإعراضه عن سِماك، ولا ينبغي أن تُعَدَّ صحيحة؛ لأنَّ سماكًا إنَّما تُكُلِّم فيه من أجلها، قاله المصنِّف في «السِّير» (5/ 248).
(6)
السَّبِيعي، واسمه عمرو بن عبد الله.
أو: العلاء بن عبد الرَّحمن، عن أبيه
(1)
، عن أبي هريرة.
ونحوُ ذلك من أفراد البخاريِّ أو مسلم. •
*
الحسن:
[تعريف الحسن]:
* وفي تحرير معناه اضطراب.
[(1) تعريف الخطَّابي]:
* فقال الخطابيُّ رحمه الله: «هو ما عُرِف مَخْرَجُه واشتَهَر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامَّة الفقهاء»
(2)
.
وهذه عبارةٌ ليست على صناعة الحدود والتَّعريفات؛ والصَّحيح مُنْطَبِقٌ ذلك عليه أيضًا
(3)
(4)
.
لكنْ مرادُه ممَّا لم يبلغ درجة الصَّحيح؛ فالحسن:
(5)
ما ارتقى
(1)
عبد الرَّحمن بن يعقوب الجُهَنيُّ.
(2)
«عامة» ليست في م، وهي موجودة في «معالم السُّنن» (1/ 6).
(3)
في م: «إذ الصَّحيح مُنْطَبِقٌ عليه» ، وفي ب:«إذ الصَّحيح ينطلق ذلك» .
(4)
فإنَّ الصَّحيح أيضًا قد عُرِف مخرجُه واشتهر رجاله، فيدخل الصَّحيح في حدِّ الحسن. «الاقتراح» (ص 191).
(5)
في الأصل: «فأقول: الحسن» ، في ب:«فيُقال: الحسن» ، والمثبت من م، وهو الأليق؛ لأنَّه توضيحٌ لقوله في توجيه تعريف الخطَّابي:«لكن مراده ممَّا يبلغ درجة الصَّحيح» ، وما في النُّسختين يُوهِم إنشاء تعريفٍ للمصنِّف، ومحلُّه اللَّائق أن يكون بعد الفراغ من إيراد تعريفات مَن سبقه، وعادة المصنِّف أنَّه إذا أراد إنشاء كلامٍ لنفسه أن يُصدِّره بـ «قلتُ» ، ويؤيِّد ذلك ما سيذكره المصنِّف من قطع الطَّمع عن أن يكون للحديث الحسن قاعدةٌ تندرج فيها كلُّ الأحاديث الحسان.
عن درجة الضَّعيف، ولم يبلغ درجة الصِّحَّة.
وإن شئتَ:
(1)
الحسنُ ما سَلِم من ضعف الرُّواة، فهو حينئذٍ داخلٌ في قسم الصَّحيح، فحينئذٍ يكون الصَّحيحُ مراتبَ كما قدَّمنا، والحسنُ ذا رُتبةٍ دون تلك المراتب، فجاء الحسن مثلًا في آخر مراتب الصَّحيح
(2)
.
[(2) تعريف التِّرمذي]:
* ز: وأمَّا التِّرمذيُّ فهو أوَّل من خصَّ هذا النَّوعَ باسم الحَسَن •، وذكر أنَّه يريد به:«أن يسلم راوِيْهِ من أن يكون متَّهمًا، وأن يسلم من الشُّذوذ، وأن يُروَى نحوُه من غير وجه»
(3)
.
وهذا مشكلٌ أيضًا على ما يقول فيه: «حسنٌ غريب، لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه» .
(1)
في ب زيادة: «قلت» .
(2)
وبهذا يظهر لك أنَّ الحسن قسمٌ داخلٌ في الصَّحيح، وأنَّ الحديث النَّبويَّ قسمان ليس إلَّا: صحيحٌ، وهو على مراتب، وضعيفٌ، وهو على مراتب، قاله المصنِّف في «السِّير» (7/ 339)، وذكر أنَّ الحَسَن باصطلاحنا مولَّدٌ حادثٌ، وأنَّه في عُرْف السَّلف قسمٌ من أقسام الصَّحيح، الذي يجب العمل به عند جمهور العلماء، أو الذي يرغب عنه أبو عبد الله البخاريُّ، ويُمشِّيه مسلمٌ، وبالعكس. «السِّير» (13/ 214).
(3)
شرح علل التِّرمذي (1/ 340)، ونصُّ كلام التِّرمذي:«وما ذكرنا في هذا الكتاب: (حديثٌ حسنٌ)، فإنَّما أردنا به حُسْنَ إسناده عندنا: كلُّ حديثٍ يُروَى لا يكون في إسناده متَّهمٌ بالكذب، ولا يكون الحديث شاذًّا، ويُروى من غير وجهٍ نحوُ ذلك؛ فهو عندنا حديثٌ حسنٌ» ، قال المصنِّف في «التَّاريخ» (2/ 397):«وتحسين التِّرمذيِّ لا يكفي في الاحتجاج بالحديث» ، ثمَّ أورد نصَّ تعريف التِّرمذي مُعلِّلًا به لذلك.
[(3) تعريف ابن الجوزي]:
* وقيل: الحسن ما ضعفُه محتمَلٌ، ويسوغ العمل به
(1)
.
فهذا أيضًا ليس مضبوطًا بضابطٍ يتميَّز به الضَّعفُ المحتمَل
(2)
.
[(4) تعريف ابن الصَّلاح]:
* وقال ابن الصَّلاح رحمه الله: «إنَّ الحسن قسمان:
أحدهما: ما لا يخلو سندُه من مستورٍ لم تتحقَّق أهليتُه، لكنَّه غيرُ مغفَّلٍ ولا خطَّاءٍ ولا متَّهم
(3)
، ويكون المتنُ مع ذلك عُرِف مثلُه أو نحوُه من وجهٍ آخر
(4)
اعتضد به
(5)
.
وثانيهما: أن يكون راوِيْهِ مشهورًا بالصِّدق والأمانة، لكنَّه لم يبلغ درجة رجال الصَّحيح؛ لقصوره عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يُعَدُّ تفرُّده منكرًا، مع عدم الشُّذوذ والعلَّة»
(6)
.
فهذا عليه مؤاخذات.
(1)
والقائل هو ابن الجوزي في مقدِّمة «الموضوعات» (1/ 14)، ونصُّ كلامه - وهو يذكر أقسام الحديث -:«القسم الرَّابع: ما فيه ضعفٌ قريبٌ محتمَلٌ، وهذا هو الحسن، ويصلح البناء عليه والعمل به» .
(2)
وإذا اضطرب هذا الوصفُ، لم يحصل التَّعريف المميِّز للحقيقة «الاقتراح» (ص 195).
(3)
بالكذب في الحديث، أي: لم يظهر منه تعمُّد الكذب في الحديث، ولا سببٌ آخر مفسِّقٌ «علوم الحديث» لابن الصَّلاح (ص 31).
(4)
«من وجهٍ آخر» زيادة من م و ب، وهي ثابتة في «علوم الحديث» (ص 31).
(5)
فيخرج بذلك عن أن يكون شاذًّا ومنكرًا «علوم الحديث» (ص 31).
(6)
علوم الحديث (ص 31).
[ليس للحسن قاعدة مطَّردة]:
* ز: وقد قلتُ لك
(1)
: إنَّ الحسن ما قَصُر سندُه قليلًا عن رتبة الصَّحيح، وسيظهر لك بأمثلة.
* ثمَّ لا تطمع بأنَّ للحسن قاعدةً تندرج كلُّ الأحاديث الحسان فيها، فأنا على إياسٍ من ذلك
(2)
، فكم من حديثٍ تردَّدَ فيه الحفَّاظ، هل هو حسنٌ أو ضعيفٌ أو صحيحٌ؟ بل الحافظ الواحد يتغيَّر اجتهاده في الحديث الواحد، يومًا يَصِفُه بالصِّحَّة، ويومًا يصفه بالحُسْن، وربَّما استضعفه.
وهذا حقٌّ؛ فإنَّ الحديث الحسن يستضعفه الحافظ عن أن يرقِّيَه إلى رتبة الصَّحيح، فبهذا الاعتبار فيه ضعفٌ ما؛ إذ الحسن لا ينفكُّ عن ضعفٍ ما
(3)
، ولو انفكَّ عن ذلك لصحَّ باتِّفاقٍ. •
(1)
في حاشية ب: «هذا في توجيه كلام الخطَّابي بقوله: مرادُه ما لم يبلغ درجة الصَّحيح» .
(2)
قال البُلْقِينيُّ في «المحاسن» (ص 176): «نوع الحَسَن لمَّا توسَّط بين الصَّحيح والضَّعيف عند النَّاظر؛ كأنَّ شيئًا ينقدح في نفس الحافظ، قد تَقْصُر عبارته عنه، كما قيل في الاستحسان، فلذلك صَعُب تعريفه» ، وسُئِل ابنُ حجرٍ عن رأيه في هذه الجملة من كلام المصنِّف، فأجاب عن ذلك في «الأسئلة الفائقة» (ص 63) - ونقله السَّخاويُّ في «الجواهر والدُّرر» (2/ 913) -، ومحصَّل جوابه: أنَّه يمكن ضبط الحسن، لا كما قال الذَّهبيُّ.
(3)
«إذ الحسن لا ينفك عن ضعفٍ ما» ليست في م و ب.
[قول التِّرمذي: «حسن صحيح»]:
* وقول التِّرمذيِّ: «هذا حديثٌ حسنٌ صحيح» ، عليه إشكال؛ لأنَّ الحسن قاصرٌ عن الصَّحيح، ففي الجمع بين التَّسميتين
(1)
لحديثٍ واحدٍ مجاذَبة
(2)
.
- وأجيب عن هذا بشيءٍ لا ينهض، بأنَّ ذلك راجعٌ إلى الإسناد، فيكون قد رُوي بإسنادٍ صحيحٍ، وبإسنادٍ حسن
(3)
(4)
.
وحقيقة ذلك - أن لو كان كذلك - أن يُقال: حديثٌ حسنٌ وصحيحٌ، فكيف العمل في حديثٍ يقول فيه:«حسنٌ صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه» ؟! فهذا يُبطل قول مَن قال: أن يكون ذلك بإسنادين
(5)
.
- ويسوغ
(6)
أن يكون مرادُه بالحُسْن المعنى اللُّغويَّ لا الاصطلاحي
(7)
، وهو إقبال النُّفوس وإصغاء الأسماع إلى حُسْن
(1)
المثبت من م و ب، وفي الأصل محتملة، ولعلَّها:«السَّمتين» .
(2)
أي: جمعٌ بين نفي ذلك القصور وعدمه «الاقتراح» (ص 197).
(3)
«بإسنادٍ صحيح» ليست في م، وفي ب:«أي يكون الحديث مرويًّا بإسنادٍ حسن، وبإسنادٍ صحيح» .
(4)
وهذا جواب ابن الصَّلاح في «علوم الحديث» (ص 39).
(5)
«وحقيقة ذلك
…
إلخ» وردت في ب على نحوٍ مختصر، ونصُّها:«وحينئذٍ لو قيل: (حسن صحيح، لا نعرفه إلا من هذا الوجه) لبطل هذا الجواب» .
(6)
المثبت من م و ب، وفي الأصل:«فيسوغ» .
(7)
سوَّغ المصنِّف أن يكون هذا مرادَ التِّرمذي، وأمَّا ابن الصَّلاح فعمَّم ولم يخصَّ التِّرمذيَّ بذلك، فقال في «علوم الحديث» (ص 39):«على أنَّه غير مُستَنكَرٍ أن يكون بعضُ من قال ذلك أراد بالحُسْن معناه اللُّغوي» .
متنه وجَزالة لفظه، وما فيه من الثَّواب والخير، فكثيرٌ من المتون النَّبويَّة بهذه المثابة.
قال شيخنا ابن وَهْبٍ
(1)
: «فعلى هذا يلزم إطلاق الحَسَن على بعض (الموضوعات)، ولا قائل بهذا
(2)
».
- ثمَّ قال: «فأقول: لا يُشترط في الحَسَن قيدُ القصور عن الصَّحيح، وإنَّما جاء القصور إذا اقتُصِر على (حديثٌ حسَنٌ)، فالقصور يأتيه من قيد الاقتصار، لا من حيث حقيقتُه وذاتُه
(3)
».
ثمَّ قال: «فللرُّواة صفاتٌ تقتضي قبول الرِّواية، ولتلك الصِّفات درجاتٌ بعضها فوق بعض، كالتَّيقُّظ والحفظ والإتقان.
فوجود الدَّرجة الدُّنيا كالصِّدق مثلًا وعدم التُّهَمة، لا يُنافيه وجودُ ما هو أعلى منه من الإتقان والحفظ، فإذا وُجِدت الدَّرجةُ العليا، لم ينافِ ذلك وجودَ الدُّنيا، كالحفظ مع الصِّدق، فصحَّ أن يُقال:(حسنٌ) باعتبار الدُّنيا
(4)
، (صحيح) باعتبار العليا
(5)
.
(1)
وهو ابنُ دقيق العيد.
(2)
من أهل الحديث إذا جرَوا على اصطلاحهم «الاقتراح» (ص 199).
(3)
في م و ب: «حقيقة ذاتِه» وقد شُكِلت التَّاءُ في م بالكسر، والأصل موافقٌ لـ «الاقتراح» (ص 199).
(4)
وهي الصِّدق مثلًا «الاقتراح» (ص 200).
(5)
وهي الحفظ والإتقان «الاقتراح» (ص 200).
ويَلزم على ذلك أن يكون كلُّ صحيحٍ حسنًا، فيَلتزِم ذلك
(1)
، وعليه عبارات المتقدِّمين، قد يقولون فيما صحَّ
(2)
: (هذا حديثٌ حسن)»
(3)
.
[مراتب الحسن]:
* ز: قلت: فأعلى مراتب الحسن:
بهزُ بن حَكِيمٍ، عن أبيه، عن جدِّه
(4)
.
(1)
«ويلزم على هذا
…
إلى هنا» ليست في م.
(2)
في ب: «فإنهم قد يقولون فيما صح» .
(3)
قوله: «فيَلتزِم ذلك» فيه غموض، ونصُّ «الاقتراح» (ص 200):«ويَلتزِم ذلك ويؤيِّده: ورود قولهم: هذا حديثٌ حسنٌ في الأحاديث الصَّحيحة، وهذا موجودٌ في كلام المتقدِّمين» ، ونقل مغلطاي في «إصلاحه» (ص 106) نصَّ «الافتراح» بلفظ:«ويلزمه ويؤيِّده» ، ونقله البُلْقِينِيُّ في «المحاسن» (ص 186) والزَّركشيُّ في «نكته» (2/ 388) بلفظ: «ويلتزمه
…
»، ونقله جماعةٌ من غير هذه اللَّفظة، منهم العراقيُّ في «شرح ألفيَّته» (1/ 173) وفي «التَّقييد والإيضاح» (ص 46) وابنُ الوزير في «تنقيح الأنظار» (ص 97)، وذكر ابن حجرٍ في «النُّكت» (1/ 478) أنَّ الجواب الذي ذكره ابن دقيق العيد أقوى الأجوبة.
(4)
أي: بهز بن حَكِيم بن معاوية بن حَيْدة القُشَيْريُّ، عن أبيه حَكِيم، عن جدِّه معاوية رضي الله عنه.
وعمرُو
(1)
بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه
(2)
.
ومحمَّدُ بن عمرٍو، عن أبي سلمةَ
(3)
، عن أبي هريرة.
وابنُ إسحاقَ، عن محمَّد بن إبراهيمَ التَّيمي.
وأمثالُ ذلك.
وهو قسمٌ متجاذَبٌ بين الصِّحَّة والحُسْن، فإنَّ عدَّةً من الحفَّاظ يصحِّحون هذه الطُّرق، وينعتونها بأنَّها من أدنى مراتب الصَّحيح.
* ثمَّ بعد ذلك أمثلةٌ كثيرةٌ يُتنازَع فيها، بعضهم يُحسِّنها، وبعضهم يُضعِّفها
(4)
، كحديث الحارث بن عبد الله
(5)
، وعاصم بن ضَمْرة، وحجَّاج بن أرْطَاة، وخُصَيفٍ
(6)
، ودَرَّاجٍ أبي السَمْح، وخلقٍ سواهم. •
*
الضَّعيف:
[تعريف الضَّعيف]:
* ز: ما نَقَص عن درجة الحَسَن قليلًا.
[تردُّد حديث رواةٍ بين الحُسن والضَّعف]:
ومن ثَمَّ تُرُدِّد في حديث أُناس، هل يبلغ حديثُهم إلى درجة الحَسَن أم لا؟
* وبلا رَيبٍ فخلقٌ كثيرٌ من المتوسِّطين في الرِّواية بهذه
(1)
في الأصل سَقْطُ عدَّةِ صفحاتٍ بعد هذا الموضع.
(2)
أي: عمرو بن شُعَيبِ بن محمَّد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبيه شُعَيب، عن جدِّ شعيبٍ: عبد الله رضي الله عنه.
(3)
ابن عبد الرَّحمن بن عوف رضي الله عنه.
(4)
يعني: ولم يُقَل بصحَّته، قاله السَّخاويُّ في «شرح التَّقريب» (ص 68).
(5)
أي: الأعور.
(6)
هو خُصَيف بن عبد الرَّحمن الجَزَريُّ.
المثابة، فآخر مراتب الحَسَن هي أوَّل مراتب الضَّعيف، أعني الضَّعيف الذي هو في السُّنن وفي كتب الفقهاء، ورُواتُه ليسوا بالمتروكين، كابن لَهِيعة، وعبد الرَّحمن بن زيد بن أسلم، وأبي بكر بن أبي مريمَ الحِمْصي، وفَرَج بن فَضَالة، ورِشْدِين
(1)
، وخلقٍ.
*
المطروح:
(2)
[تعريف المطروح]:
* هو ما انحطَّ عن رتبة الضَّعيف
(3)
.
[مظانُّ وجود المطروح]:
* ويُروى في بعض المسانيد الطِّوال وفي الأجزاء، بل وفي «سنن ابن ماجه»
(4)
(5)
.
(1)
هو رِشْدِين بن سعدٍ المهري.
(2)
في ب: «المنكر» !.
(3)
وارتفع عن الموضوع، كما في «الشَّرح المطوَّل للعقود» (ص 183)، و «فتح المغيث» (2/ 132)، وقال في «الشَّرح المختصر للعقود» (ص 27):«وتفرَّد أبو عبد الله الذَّهبيُّ فيما أعلم بتلقيبه هكذا، وكأنَّه مأخوذٌ من قولهم: (فلانٌ مطروح الحديث)، وهذا هو أخبار المتروكين» ، وقال السَّخاويُّ: «وقد أثبته الذَّهبيُّ نوعًا مستقلًّا
…
قال شيخنا: وهو المتروك على التَّحقيق، يعني الذي زاده في (نخبته) و (توضيحها)، وعرَّفه بالمتَّهم راويه بالكذب»، وعبَّر عنه المصنِّف في مبحث الموضوع بـ (السَّاقط) و (المطَّرح).
(4)
وإنَّما غضَّ من رتبة (سننه) ما في الكتاب من مناكير، وقليلٍ من الموضوعات، قاله المصنِّف في «السِّير» (13/ 279)، وذكر أنَّ فيه نحو ثلاثين حديثًا مطَّرحًا ساقطًا، وأمَّا الأحاديث التي لا تقوم بها الحجَّة فكثيرة، لعلَّها نحو الألف.
(5)
وبإخراج التِّرمذيِّ لحديث المصلوب والكلبيِّ وأمثالهما؛ انحطَّت رتبة «جامعه» عن رتبة سنن أبي داود والنَّسائي، قاله المصنِّف في «تاريخه» (3/ 961).
[أمثلة على الحديث المطروح]:
* مثل: عمرو بن شِمْر
(1)
، عن جابرٍ الجُعفي، عن الحارث
(2)
، عن علي
(3)
.
وكصدقةَ الدَّقِيْقِي، عن فَرْقَد
(4)
، عن مُرَّة الطَّيِّب، عن أبي بكر
(5)
.
وجُوَيْبِر
(6)
، عن الضَّحَّاك، عن ابن عباس.
وحفص بن عمرَ
(7)
العَدَني، عن الحَكَم بن أبان، عن عكرمة
(8)
.
وأشباه ذلك من أحاديث المتروكين والتَّلْفَى، وبعضهم أمثل
(9)
من بعض. •
(1)
بكسر المعجمة وسكون الميم، كما في «نتائج الأفكار» (1/ 252).
(2)
أي: ابن عبد الله الأعور.
(3)
وهذا أوهى أسانيد أهل البيت، كما في «المعرفة» للحاكم (ص 240) و «الاقتراح» (ص 202).
(4)
أي: ابن يعقوب السَّبَخِي.
(5)
وهذا أوهى أسانيد الصِّدِّيق، كما في «المعرفة» (ص 241) و «الاقتراح» (ص 202).
(6)
أي: جُوَيْبِر بن سعيدٍ الأزديِّ، عن الضَّحَّاك بن مُزاحِمٍ الهلاليِّ، عن عبد الله بن عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(7)
في م: «عمرو» ، وهو تصحيف.
(8)
أي: عن ابن عبَّاس، وهو أوهى أسانيد اليمانيين، كما في «المعرفة» (ص 242) و «الاقتراح» (ص 206).
(9)
في ب: «أضل» .
*
الموضوع:
[تعريف الموضوع ومثاله]:
* ز: ما كان متنه مخالفًا للقواعد وراويه كذَّابٌ
(1)
.
كـ «أربعين الوَدْعانيَّة»
(2)
، وكـ «نسخة عليٍّ الرِّضا» المكذوبة عليه
(3)
.
[مراتب الموضوع]:
* وهو مراتب:
- منه ما اتَّفقوا على أنَّه كذب، ويُعْرَف ذلك: بإقرار واضعه، وبتجرِبة الكذِب منه، ونحوِ ذلك.
- ومنه ما الأكثرون على أنَّه موضوع، والآخرون يقولون: هو
(1)
جمْعُ المصنِّف في تعريف الموضوع بين كذب الرَّاوي ومخالفة القواعد يُراد به ما يُقطَع بوضعه؛ «فإنَّ تفرُّد الكذَّاب - بل الوضَّاع - ولو كان بعد الاستقصاء في التَّفتيش من حافظٍ متبحِّرٍ تامِّ الاستقراء؛ غيرُ مستلزمٍ للوضع [أي: في نفس الأمر لا في الحكم بالظَّاهر]، بل لا بدَّ معه من انضمام شيءٍ من قرائن الوضع» ، أفاده السَّخاويُّ في «فتح المغيث» (2/ 102).
(2)
وهي أربعون حديثًا وضعها زيد بن رِفاعة، وسرقها منه قاضي المَوْصِل أبو نصْرٍ محمَّد بن عليِّ بن وَدْعان، انظر:«الميزان» (2/ 50 و 2/ 96 و 4/ 214) و «اللِّسان» (3/ 475 و 3/ 554 و 7/ 381)، وهي مطبوعة في المكتب الإسلامي بتحقيق الشَّيخ علي حسن علي عبد الحميد.
(3)
وهو عليٌّ الرِّضا ابن موسى الكاظم ابن جعفرٍ الصَّادق الهاشميُّ العَلَويُّ، قال المصنِّف في «تاريخه» (5/ 128):«وقد كذبت الرَّافضة على عليٍّ الرِّضا وآبائه أحاديث ونسخًا هو بريءٌ من عُهْدتها، ومُنزَّهٌ من قولها» وقال في «الميزان» (2/ 353) في ترجمة عبد الله بن أحمد بن عامر: «عن أبيه، عن عليٍّ الرِّضا، عن آبائه، بتلك النُّسخة الموضوعة الباطلة، ما تنفكُّ عن وضعه أو وضع أبيه» .
حديثٌ ساقطٌ مطَّرَح، ولا نجْسُر
(1)
أن نسمِّيَه موضوعًا.
- ومنه ما الجمهور على وَهْنه وسقوطه، والبعض على أنَّه كذب. •
[ملكة أئمَّة النَّقد في كشف الموضوع]:
* ولهم في نقد ذلك طرقٌ متعدِّدة، وإدمانٌ قويٌّ تضيق عنه عباراتهم، من جنس ما يُؤتاه الصَّيْرَفيُّ الجِهْبِذ
(2)
في نقد الذَّهب والفضَّة، أو الجوهريُّ لنقد الجواهرِ والفصوصِ وتقويمِها.
ز: فلكثرة ممارستهم للألفاظ النَّبويَّة، إذا جاءهم لفظٌ ركيكٌ بمعنًى مخالفٍ للقواعد
(3)
، أو لمجازفةٍ في التَّرغيب والتَّرهيب أو الفضائل، وكان بإسنادٍ مظلم، أو بإسنادٍ مضيءٍ كالشَّمس في أثنائه رجلٌ كذَّابٌ وضَّاعٌ = فيهيج بهم حالٌ
(4)
بأنَّ هذا مختلَقٌ ما قاله الرَّسول صلى الله عليه وسلم، وتتواطأ أقوالهم فيه على شيءٍ واحد. •
[إقرار الرَّاوي بالوضع]:
* وقال شيخنا ابن دقيق العِيد: «إقرار الرَّاوي بالوضع كافٍ في وضعه
(5)
، ولكنَّه ليس بقاطعٍ في كونه موضوعًا؛ لجواز أن
(1)
أي: لا نجترئ، كما في «القاموس» (ج س ر).
(2)
«الجهبذ» غير واضحةٍ في م.
(3)
المثبت من ب، والذي يظهر من م:«للقوي» ، وهذه صورتها:
(4)
في ب: «فيهيج حالُه» .
(5)
أي: في الحكم عليه بالوضع، وعبارة «الاقتراح»:«كافٍ في ردِّه» .
يكذب في الإقرار»
(1)
.
ز: قلتُ: هذا فيه بعض ما فيه، ونحن لو فتحنا باب التَّجويز والاحتمال البعيد؛ لوقعنا في الوسوسة والسَّفسَطة
(2)
(3)
.
نعم، كثيرٌ من الأحاديث التي وُسِمت بالوضع لا دليل على وضعها
(4)
، كما أنَّ كثيرًا من الموضوعات لا يُرتاب في كذبها. •
*
المرسل:
[تعريف المرسَل]:
* عَلَمٌ على ما سَقَط ذِكْرُ الصَّحابيِّ من إسناده، فيقول التَّابعيُّ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[أنواع المرسل باعتبار درجته]:
* ز: ويقع في المراسيل الأنواعُ الخمسةُ الماضية.
[مرسل التَّابعيِّ الكبير]:
* فمن صِحاح المراسيل: مُرسَل سعيد بن المسيَّب، ومرسل
(1)
الاقتراح (ص 229).
(2)
والسَّفسَطة: المغالطة، كما في «الكليَّات» للكفوي (ص 849).
(3)
قال ابن حجرٍ في «نزهة النَّظر» (ص 89): «وفهم منه بعضهم أنَّه لا يُعمَل بذلك الإقرار أصلًا، وليس ذلك مراده، وإنَّما نفى القطع بذلك، ولا يلزم من نفي القطع نفيُ الحكم؛ لأنَّ الحكم يقع بالظَّنِّ الغالب، وهو هنا كذلك» ، قال ابن أبي شريف في «حاشيته» (ص 87):«قوله: (وفهم منه بعضهم) كأنَّه يعني الذَّهبيَّ في مقدِّمته في الاصطلاح المسمَّاة بالموقظة» ، وانظر: اليواقيت والدُّرر (2/ 39)، وما ذكره ابن حجرٍ ظاهرٌ في مراد ابن دقيق العيد.
(4)
«نعم، كثير من الأحاديث
…
إلخ» زيادة من ب و «الشَّرح المطوَّل للعقود» (ص 186).
مسروق
(1)
، ومرسل الصُّنَابِحيِّ
(2)
، ومرسل قيس بن أبي حازم
(3)
، ونحو ذلك؛ فإنَّ المرسَل إذا صحَّ إلى تابعيٍّ كبير فهو حجَّةٌ عند خلقٍ من الفقهاء.
فإن كان في الرُّواة ضعيفٌ إلى مثل ابن المسيَّب؛ ضَعُف الحديث من قِبَل ذلك الرَّجل.
وإن كان متروكًا أو ساقطًا؛ وَهَنَ الحديثُ وطُرِح.
ويوجد في المراسيل موضوعات.
[مرسل التَّابعي المتوسط]:
* نعم، وإن صحَّ الإسناد
(4)
إلى تابعيٍّ متوسِّط الطَّبقة - كمراسيل مجاهد، وإبراهيمَ
(5)
، والشَّعْبِي -؛ فهو مرسَلٌ جيِّدٌ لا بأس به، يقبله قومٌ، ويردُّه آخرون.
* ومن أوهى المراسيل عندهم: مرسل الحسن.
[مرسل التَّابعي الصَّغير]:
* وأوهى من ذلك: مرسل الزُّهْريِّ
(6)
، وقتادةَ، وحُمَيدٍ
(1)
«ومرسل مسروق» زيادة من ب.
(2)
هو عبد الرَّحمن بن عُسَيلة، أبو عبد الله الصُّنَابِحيُّ، قدم المدينة بعد موت النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بخمسة أيَّام.
(3)
انتهى السَّقط الواقع في الأصل قبل: «أبي حازم» .
(4)
في م و ب: «الحديث» .
(5)
أي: ابن يزيد النَّخَعي.
(6)
مراسيل الزُّهريِّ كالمعضل؛ لأنَّه يكون قد سقط منه اثنان، ولا يسوغ أن نظنَّ به أنَّه أسقط الصَّحابيَّ فقط، ولو كان عنده عن صحابيٍّ لأوضحه، ولما عجز عن وصله، قاله المصنِّف في «السِّير» (5/ 339).
الطويل من صغار التَّابعين.
وغالبُ المحقِّقين يعُدُّون مرسلات هؤلاء مُعْضَلاتٍ ومنقطِعات؛ فإنَّ غالب روايات هؤلاء عن تابعيٍّ كبيرٍ عن صحابي، فالظَّنُّ بمُرسِله أنه قد أسقط من إسناده اثنين. •
*
والمُعضَل:
[تعريف المعضل و
المنقطع]:
* هو
(1)
ما سقط من إسناده اثنان فصاعدًا.
وكذلك:
* المنقطع
(2)
:
* ز: فهذا النَّوع قلَّ من احتجَّ به.
[بلاغات مالك أجود من بعض المراسيل]:
* وأجوَد ذلك: ما قال فيه مالكٌ: بلغني أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كذا وكذا
(3)
؛ فإنَّ مالكًا متثبِّتٌ، فلعلَّ بلاغاته أقوى من مراسيل مثل حُمَيد وقتادة. •
(1)
«هو» زيادة من م.
(2)
ظاهر صنيع المصنِّف أنَّ «المنقطع» عنده مرادفٌ لـ «المُعضَل» ، وأمَّا في «الاقتراح» (ص 209) فعرَّفه بقوله:«وما سقط منه رجلٌ في أثنائه يُسمَّى بـ (المنقطع)» .
(3)
في م: «أنَّه بلغه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
»
*
الموقوف:
[تعريف الموقوف]:
* هو ما أُسنِدَ إلى الصَّحابيِّ من قوله أو فعله.
ومُقابِله:
*
المرفوع:
[تعريف المرفوع]:
* وهو ما نُسِب إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من قوله أو فعله
(1)
.
*
الموصول
(2)
:
[تعريف الموصول]:
* ما اتَّصل سنده وسلم من الانقطاع.
ز: ويصدق على المرفوع والموقوف. •
*
المسنَدُ:
[تعريف المسنَد]:
* هو ما اتَّصل سنده بذكر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقيل: يدخل في المسند كلُّ ما ذُكِر فيه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وإن كان في أثناء سنده انقطاع.
*
الشَّاذُّ:
[تعريف الشَّاذ]:
* هو ما خالف رواية الثِّقاتِ
(3)
، أو ما
(4)
انفرد به من لا
(1)
أو تقريره، كما في «الاقتراح» (ص 210).
(2)
في ب: «المتصل» ، والأصل موافقٌ لـ «الاقتراح» (ص 211).
(3)
المثبت من م وهو الموافق لـ «الاقتراح» (ص 211)، وفي الأصل:«راوِيْهِ» ، وفي ب:«رواته» .
(4)
«ما» زيادة من م و ب.
يَحتمِل حالُه قبولَ تَفرُّده.
*
المنكَرُ
(1)
:
[تعريف المنكر]:
* هو ما انفرد الرَّاوي الضَّعيف به، ز: وقد يُعَدُّ تفَرُّدُ الصَّدُوقِ منكرًا
(2)
. •
*
الغريب:
[تعريف الغريب]:
* ز: ضدُّ المشهور. •
[أنوع الغريب]:
* فتارةً ترجع غرابته إلى المتن، وتارة إلى السَّنَد.
* ز: فالغَريب صادقٌ على ما صحَّ، وعلى ما لم يصح. •
[أنواع التَّفرُّد]:
* والتَّفرُّد:
- يكون لما انفرد به الرَّاوي إسنادًا أو متنًا.
(1)
قال السَّخاويُّ في «فتح المغيث» (2/ 12): «وأمَّا جمع الذَّهبيِّ بينهما [أي: الشاذِّ والمنكر] في حكمه على بعض الأحاديث فيحتمل أن يكون لعدم الفرق بينهما، ويحتمل غيره» .
(2)
قال المصنِّف في «الميزان» (3/ 151): «وإنَّ تفرُّد الصَّدوق ومن دونه يُعدُّ منكرًا» ، وقال أيضًا (1/ 339):«وأمَّا من وثِّق، ومثل أحمد الإمام يتوقَّف فيه، ومثل أبي حاتمٍ يقول: صالح الحديث؛ فلا نرقِّيه إلى رتبة الثِّقة، فتفرُّد هذا يُعدُّ منكرًا» ، ومثال ذلك: رافع بن سلمة بن زياد، قال في «الميزان» (2/ 362):«ورافعٌ متوسِّطٌ صالح الأمر، ممَّن إذا تفرَّد بشيءٍ عُدَّ منكرًا» ، ومحمَّد بن إسحاق، قال في «الميزان» (4/ 51):«ابن إسحاق حسن الحديث، صالح الحال، صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة؛ فإنَّ في حفظه شيئًا، وقد احتجَّ به أئمَّة» .
- ويكون لما تفرَّد به عن شيخٍ معيَّنٍ، كما يُقال: لم يروِه عن سفيان إلا ابنُ مَهدي، ولم يروِه عن ابن جُرَيجٍ إلا ابنُ المبارك
(1)
.
*
المسلسل:
[تعريف المسلسل ومثاله]:
* ما كان سنده على صفةٍ واحدةٍ في طبقاته.
كما سُلْسِل بـ «سمعتُ»
(2)
، أو كما سُلْسِل بالأوَّليَّة إلى سفيان
(3)
.
[حكم المسلسلات]:
* ز: وعامَّة المسلسلات واهية، وأكثرها باطلة؛ لكذب رواتها
(4)
.
(1)
فإذا قلنا: تفرَّد به فلانٌ عن فلان؛ احتمل أن يكون منفردًا مطلقًا، واحتمل أن يكون تفرَّد به عن هذا المعيَّن، ويكون مرويًّا من غير جهة ذلك المعيَّن، فتنبَّه لذلك؛ فإنَّه قد تقع المؤاخذة على قومٍ من المتكلِّمين على الأحاديث، ويكون له وجهٌ كما ذكرنا. «الاقتراح» (ص 214).
(2)
ذكره في «الاقتراح» (ص 214) مثالًا على (المسلسل في جميع طبقاته)، وأخرجه السُّيوطيُّ في «جياد المسلسلات» (ص 163).
(3)
ذكره «الاقتراح» (ص 214) مثالًا على (المسلسل في أكثر طبقاته)، وأخرجه المصنِّف في «السِّير» (17/ 656)، وللمصنِّف جزءٌ في جمع طرقه سمَّاه:«العذب السَّلسل في الحديث المسلسل» ، ذكره ابن حجرٍ في «المجمع المؤسس» (2/ 171) والسَّخاويُّ في «فتح المغيث» (3/ 438).
(4)
محلُّ الوهاء والبُطلان: وصف التَّسلسل لا أصل المتن، ذكره ابن الصَّلاح في «علوم الحديث» (ص 276).
[أقوى المسلسلات]:
وأقواها: المسلسل بقراءة الصَّف
(1)
، والمسلسل بالدِّمشقيين
(2)
، والمسلسل بالمِصريِّين
(3)
، والمسلسل بالمحمَّدِينَ إلى ابن شهاب
(4)
. •
*
المعنعن:
[تعريف المعنعن]:
* ما إسناده فلانٌ عن فلان.
[حكم المعنعن]:
* فمن
(5)
النَّاس من قال: لا يثبت حتَّى يصحَّ لقاءُ الرَّاوي لشَيْخه يومًا ما
(6)
.
وَمنهم من اكتفى بمجرَّد إمكان اللُّقِيِّ
(7)
، وهو مذهبُ مسلم،
(1)
أخرجه التِّرمذيُّ (3309).
(2)
وهو حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه فيما يرويه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ربِّه تبارك وتعالى: «يا عبادي، إنِّي حرَّمتُ الظُّلم على نفسي
…
» أخرجه مسلم (2577)، قال النَّووي في «أذكاره» (ص 716): «رجال إسناده منِّي إلى أبي ذرٍّ كلُّهم دمشقيُّون، ودخل أبو ذرٍّ رضي الله عنه دمشق، فاجتمع في هذا الحديث جملٌ من الفوائد، منها:
…
تسلسله بالدِّمشقيين».
(3)
وهو (حديث البطاقة)، أخرجه مسلسَلًا السَّخاويُّ في «الجواهر المكلَّلة» (ص 133)، والسُّيوطيُّ في «جياد المسلسلات» (ص 247).
(4)
وهو حديث أمِّ سلمة مرفوعًا: «استرقوا لها؛ فإنَّ بها النَّظْرة» ، أخرجه مسلسَلًا المصنِّف في «السِّير» (17/ 664)، والسَّخاويُّ في «الجواهر المكلَّلة» (ص 153).
(5)
في الأصل: «ومن النَّاس» ، والمثبت من م و ب.
(6)
وإنَّما يقول ذلك أبو عبد الله البخاريُّ، وشيخُه عليُّ بن المديني، وهو الأصوب والأقوى. قاله المصنِّف في «السِّير» (12/ 573).
(7)
في الزَّمن «الاقتراح» (ص 216).
وقد بالغ في الرَّدِّ على مخالِفه
(1)
.
[اشتراط عدم التدليس في الرَّاوي المُعنْعِن]:
* ثمَّ بتقدير تيقُّن اللِّقاء، يُشترط أن لا يكون الرَّاوي عن شيخه مدلِّسًا؛ فإن لم يكن حملناه على الاتِّصال، فإن كان مدلِّسًا، فالأظهرُ أنَّه لا يُحمَل على السَّماع.
[التَّدليس عن الثِّقات أو عن الضُّعفاء]:
* ز: ثمَّ إن كان المدلِّس عن شيخه ذا تدليسٍ عن الثِّقات؛ فلا بأس.
وإن كان ذا تدليسٍ عن الضُّعفاءِ؛ فمردود، فإذا قال الوليد أو بقيَّة
(2)
: «عن الأوزاعي» فَواهٍ؛ فإنَّهما يُدلِّسان كثيرًا عن الهَلْكَى، ولهذا يتَّقي أصحابُ الصِّحاح حديثَ الوليد، فما جاء إسنادُه بصيغة:«عن ابن جُرَيْج» ، أو:«عن الأوزاعي» تجنَّبوه.
[عُسْر نقد بعض المرويَّات في حق المتأخِّرين]:
* وهذا في زماننا يعسُر نقدُه على المحدِّث؛ فإنَّ أولئك الأئمَّة - كالبخاريِّ وأبي حاتمٍ وأبي داود - عايَنُوا الأصول، وعرفوا عِلَلَها، وأمَّا نحن فطالت علينا الأسانيدُ، وفُقِدت العباراتُ المتيَقَّنةُ
(3)
، وبمثل هذا ونحوه دخَل الدَّاخِلُ على الحاكم في تَصرُّفه في «المستدرَك» . •
(1)
وادَّعى الإجماع عليه «صحيح مسلم» (1/ 22).
(2)
يعني الوليدَ بن مسلمٍ الدِّمشقيَّ، وبقيَّةَ بن الوليد الحِمْصيَّ.
(3)
مراد المصنِّف - والله أعلم -: أنَّه يجب التَّسليم للأئمَّة المتقدِّمين في أحكامهم على الأحاديث؛ لأنَّهم عاصروا الرُّواة، وعاينوا أصولهم، وتيقَّنوا عبارات الأداء التي استعملوها كالتَّصريح بالسَّماع أو العنعنة، وهذا ما لا يمكن للمتأخِّرين إدراكُه.
*
التَّدليس
(1)
:
[تعريف التَّدليس]:
* ما رواه الرَّجل عن آخرَ لم يسمعْه منه
(2)
، ز: أو لم يُدْرِكْه •:
فإن صرَّح
(3)
وقال: «حدَّثنا» ؛ فهذا كذَّاب
(4)
.
وإن قال: «عن» ؛ احتُمِلَ ذلك
(5)
، ز: ونُظِر في طبقته هل يُدرِك من هو فوقه؟
- فإن كان لقِيَهُ؛ فقد قرَّرناهُ
(6)
.
- وإن لم يكن لقِيَهُ وأمكن أن يكون معاصِرَهُ، فهو محلُّ تردُّد
(7)
، وإن لم يكن
(8)
؛ فمنقطع
(9)
، كـ (قتادة عن أبي هريرة)
(10)
. •
(1)
في ب: «المدلَّس» ، والمثبت موافقٌ لـ «الاقتراح» (ص 217).
(2)
في ب: «ما لم يسمعه منه» .
(3)
في ب زيادة: «بالاتصال» ، ووُضِع عليها (ظ) إشارةً إلى الإشكال.
(4)
لا يُسمَّى بالتَّدليس «الاقتراح» (ص 217).
(5)
أي: احتُمِل كونُ صنيعِه تدليسًا، وجزم في «الاقتراح» (ص 218) أنَّه في هذه الحال يُسمَّى تدليسًا، فلم يحتج إلى التَّفصيل الذي أورده المصنِّف.
(6)
أي: أنَّه يُسمَّى تدليسًا.
(7)
أيُسمَّى تدليسًا أم لا؟
(8)
في ب: «أي: ممكنًا ذلك» ، ولعلَّها كانت حاشية، أدخلها النَّاسخ في النَّص.
(9)
ولا يُسمَّى تدليسًا.
(10)
حاصل كلام المصنِّف: أنَّ محلَّ التَّدليس ما روي بـ (عن) ونحوها، وأنَّ له صورتين: إحداهما: أن تكون روايته عمَّن لقيه. والثَّانية: أنَّ تكون روايته عمَّن أمكن أن يكون معاصره ولم يلقه، فهذه محلُّ تردُّدٍ في تسميتها تدليسًا.
[حكم «قال» حكم «عن»]:
* وحُكمُ «قَالَ» : حُكمُ «عَنْ» .
[أغراض التَّدليس]:
* ولهم في ذلك أغراضٌ:
- فإن كان لو صرَّح بمن حدَّثه عن المسمَّى، لعُرِف ضعفُه؛ فهذا غَرَضٌ مذمومٌ، وجنايةٌ على السُّنَّة، ومن يُعاني ذلك جُرِح به؛ فإنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ
(1)
.
- وإن فَعَله طلبًا للعُلوِّ فقط.
- أو إيهامًا لتكثير الشُّيوخ، بأن يُسمِّيَ الشَّيخَ مرَّة ويُكنِّيَه أخرى، وينسبَه إلى صنعَةٍ أو بلدٍ لا يكاد يُعرَف به، وأمثالِ ذلك، كما يقول
(2)
: «حدَّثنا البخاريُّ» ويقصد مَنْ يُبخِّر النَّاس، أو:«حدَّثنا عليٌّ بما وراء النَّهر» ويعني نهرًا
(3)
، أو:«حدَّثنا بزَبِيد»
(1)
قال المصنِّف في «الميزان» (1/ 316): «صحَّ هذا
…
عن جماعةٍ كبارٍ فعلُه، وهذه بليَّةٌ منهم، ولكنَّهم فعلوا ذلك باجتهادٍ، وما جوَّزوا على ذلك الشَّخص الذي يُسقِطون ذِكْرَه بالتَّدليس أنَّه تعمَّد الكذب، هذا أمثل ما يُعتذر به عنهم».
(2)
في الأصل: «تقول
…
وتقصد
…
وتريد» والمثبت من م و ب و «الشَّرح المطوَّل للعقود» (ص 459).
(3)
أي: غير نهر جَيْحُون، كما في «الشَّرح المطوَّل للعقود» (ص 459)؛ فإنَّ كل ما كان من تلك النَّاحية فهو (ما وراء النَّهر)، انظر:«تاج العروس» (ج ح ن).
ويريد موضعًا بقُوْص
(1)
، أو:«حدَّثنا بحَرَّان»
(2)
ويريد قرية المَرْج
(3)
(4)
.
= فهذا محتَمَلٌ، والورع تركُه.
[من أمثلة التَّدليس]:
* ومن أمثلة التَّدليس
(5)
: (الحسن عن أبي هريرة)، ز: وجمهورهم على أنَّه منقطعٌ لم يلقه
(6)
•، وقد رُوي عن الحسن قال:«حدَّثنا أبو هريرة» ، فقيل: عنى بـ «حدَّثنا» أهلَ بلده.
[مفسدة التَّدليس]:
* وقد يُؤدِّي تدليسُ الأسماء إلى جَهالة الرَّاوي الثِّقة، فيُرَدُّ خبرُه الصَّحيح، فهذه مفسدة، ز: ولكنَّها في غير «جامع البخاريِّ» ونحوه، الذي تقرَّر أنَّ موضوعَه للصِّحاح، فإنَّ الرَّجل قد قال في «جامعه»:«حدَّثنا عبدُ الله» وأراد به: ابنَ صالحٍ المصري
(7)
،
(1)
فـ (زَبِيد) مدينةٌ مشهورةٌ باليمن، و (قُوْص) مدينةٌ كبيرةٌ في صعيد مصر، كما في «معجم البلدان» (4/ 413).
(2)
وهي مدينة عظيمة مشهورة على طريق المَوْصل والشَّام والرُّوم، كما في «معجم البلدان» (2/ 235).
(3)
أي: قريةً بمَرْج دمشق، كما في «الشَّرح المطوَّل على العقود» (ص 459)، ومَرْج دمشق هو مَرْج رَاهِط، وهو أشهر المروج في الشِّعر، فإذا قالوه مفردًا فإيَّاه يعنُون، قاله في «معجم البلدان» (5/ 101)، وانظر:(3/ 21).
(4)
وهذه الثَّلاثة أمثلةٌ لتدليس الأماكن، وهو داخل في تدليس الشُّيوخ، كما في «الشَّرح المطوَّل على العقود» (ص 459).
(5)
الخفيِّ جدًّا «الاقتراح» (ص 219).
(6)
«لم يلقه» زيادة من م و ب.
(7)
«المصري» زيادة من ب.
وقال: «حدَّثنا يعقوب» وأراد به: ابنَ كاسبٍ، وفيهما لِيْنٌ. •
وبكلِّ حالٍ التَّدليس منافٍ للإخلاص؛ لما فيه من التَّزيُّن
(1)
.
*
المضطرب
(2)
:
[تعريف المضطرب]:
* ما رُوِي على أوجهٍ مختلفة، فيعتَلُّ الحديث
(3)
.
[مخالفة الواهي للثَّبْت]:
* فإن كانت العلَّةُ غيرَ مُؤثِّرة، بأن يرويَه الثَّبْتُ على وجهٍ ومخالفُه واهٍ؛ فليس بمعلول، ز: وقد ساق الدَّارقطنيُّ كثيرًا من هذا النَّمَط في كتاب «العلل» ، فلم يُصِب؛ لأنَّ الحُكْم للثَّبْت.
فإن كان الثَّبْتُ أرسله مثلًا، والواهي وصَلَه؛ فلا عِبْرة بوصله
(4)
؛ لأمرين: لضعف راويه، ولأنَّه معلولٌ بإرسال الثَّبْت له.
ثمَّ اعلم أنَّ أكثر المتكلَّم فيهم، ما ضعَّفهم الحفَّاظ إلَّا
(5)
لمخالفتهم للأثبات.
(1)
هو داخلٌ في قوله تعالى: {ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} [آل عمران: 188]، قاله المصنِّف في «السِّير» (7/ 460).
(2)
في ب: «المعلَّل» ، والمثبت موافقٌ لـ «الاقتراح» (ص 222).
(3)
عرَّفه في «الاقتراح» بقوله: «ما روي على وجوهٍ مختلفة» ، ثمَّ قال:«وهو أحد أسباب التَّعليل عندهم» ، فيُفهَم منه أنَّ قول المصنِّف:«فيعتَلُّ الحديث» ليس من حدِّ المضطرب.
(4)
المثبت من م و ب، وفي الأصل:«لوصله» .
(5)
في م و ب: «النُّقَّاد» ، وسقطت:«إلا» من م.
[مخالفة جماعة الأثبات للثَّبْت]:
* وإن كان الحديث قد رواه الثَّبْتُ بإسنادٍ، أو وَقَفه، أو أرسله، ورفقاؤه الأثبات يُخالفونه = فالعبرة بما اجتمع عليه ثقاتٌ؛ فإنَّ الواحد قد يغلط، وهنا قد ترجَّح ظهور غلطه، فلا تعليلَ، والعبرة بالجماعة. •
[تصحيح الوجهين]:
* وإن تساوى العدد واختلف الحافظان، ولم يترجَّح الحكم لأحدهما على الآخر؛ ز: فهذا الضَّرب يَسوقُ البخاريُّ ومسلمٌ الوجهين في كتابيهما، وبالأَولى
(1)
سَوْقُهما لما اختلفا في لفظه
(2)
إذا أمكن جمع معناه. •
ومن أمثلة اختلاف الحافِظَين: أن يُسمِّي أحدهما في الإسناد ثقة، ويُبدِله الآخر بثقةٍ آخر، أو يقول أحدهما:«عن رجل» ، ويقول الآخر:«عن فلان» ، فيُسمِّي ذلك المبْهَم، فهذا لا يضرُّ في الصِّحَّة.
فأمَّا إذا اختلف جماعةٌ فيه، وأتوا به على أقوالٍ عدَّة؛ فهذا يُوْهِن الحديث، ويدلُّ على أنَّ راويَه لم يُتْقِنه
(3)
.
نعم، لو حدَّث به على ثلاثة أوجهٍ ترجع إلى وجهٍ واحد؛
(1)
في م: «والأولى» .
(2)
في ب زيادة: «أن يجمَع» ، ورُمِز فوقها بـ (ظ) إشارةً إلى الإشكال.
(3)
في م: «رواته لم تتقنه» ، وكلا المعنيين صحيح؛ لأنَّ الاضطراب قد يكون من الشَّيخ، وقد يكون من الرُّواة عنه.
فهذا ليس بمُعتَلٍّ، كأن يقول مالك:«عن الزُّهريِّ، عن ابن المسيَّب، عن أبي هريرة» ، ويقول عُقَيلٌ:«عن الزُّهريِّ، عن أبي سَلَمة» ، ويرويه ابن عُيينة:«عن الزُّهريِّ، عن سعيدٍ وأبي سَلَمة معًا» .
*
المُدرَج:
[تعريف المدرج]:
* هي ألفاظٌ تقع من بعض الرُّواة متَّصلةً بالمتن، لا يَبِينُ للسَّامع إلَّا أنَّها من صُلْب الحديث، ويدلُّ دليلٌ على أنَّها من لفظ راوٍ.
[طريق معرفة الإدراج]:
بأن يأتي الحديث من بعض الطُّرق بعبارةٍ تفصِل هذا من هذا، وهذا طريقٌ ظنِّيٌّ
(1)
، فإن ضعُف
(2)
توقَّفنا أو رجَّحنا أنَّها من المتن.
ويبعد الإدراج في وسط المتن
(3)
، كما لو قال:«من مسَّ أنثييه وذَكَرَه فليتوضَّأ»
(4)
(5)
.
(1)
قد يقوى قوَّةً صالحةً في بعض المواضع، وقد يضعف «الاقتراح» (ص 224).
(2)
في ب تحت «ضَعُف» بخطِّ النَّاسخ نفسه: «أي: هذا الظنُّ» .
(3)
عبارة «الاقتراح» (ص 225): «وممَّا قد يضعُف فيه: أن يكون مدرَجًا في أثناء لفظ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، لا سيَّما إذا كان مقدَّمًا على اللَّفظ المرويِّ، أو معطوفًا عليه بواو العطف» .
(4)
أخرجه بهذا اللَّفظ ابنُ شاهين في كتاب «الأبواب» - كما في «النُّكت الوفيَّة» (1/ 541) -.
(5)
بتقديم لفظ (الأنثيين) على (الذَّكَر)، فهاهنا يضعف الإدراج؛ لما فيه من اتِّصال هذه اللَّفظة بالعامل، الذي هو من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم. «الاقتراح» (ص 225).
[تصنيف الخطيب في المدرج]:
* ز: وقد صنَّف فيه الخطيبُ تصنيفًا كبيرًا
(1)
(2)
، وكثيرٌ منه غيرُ مُسلَّمٍ له إدراجه. •
*
ألفاظ الأداء:
[«حدَّثنا» و «سمعت»]:
* فـ «حدَّثنا» و «سمعتُ» لما سَمِع من لفظ الشَّيخ، واصطُلِح على أنَّ «حدَّثني» لما سمعتَ منه وحدَك، و «حدَّثنا» لما سمعتَه مع غيرك، وبعضهم سوَّغ «حدَّثنا» فيما يقرؤه هو على الشَّيخ
(3)
.
[«أخبرنا»]:
* وأمَّا «أخبرنا» فصادقةٌ على ما سَمِع من لفظ الشَّيخ، أو قرأه هو، أو قرأه آخر على الشَّيخ وهو يسمع.
فلفظ الإخبار أعمُّ من التَّحديث
(4)
، و «أخبرني» للمنفرد.
[تسوية المحقِّقين بين «حدَّثنا» و «أخبرنا»]:
* وسوَّى المحقِّقون - كمالكٍ والبخاريِّ - بين «حدَّثنا» و «أخبرنا»
(5)
(6)
، والأمر في ذلك واسعٌ.
(1)
«كبيرًا» زيادة من م.
(2)
واسم كتابه: «الفصل للوَصْل المُدرَج في النَّقل» ، وهو مطبوع بتحقيق الدكتور محمَّد بن مطر الزَّهراني رحمه الله، في دار هجر.
(3)
وهو بعيدٌ من الوضع اللُّغوي. «الاقتراح» (ص 226).
(4)
فكلُّ تحديثٍ إخبارٌ، ولا ينعكس. «الاقتراح» (ص 226).
(5)
في م و ب زيادة: «وسمعتُ» ، والأصل موافقٌ لـ «الاقتراح» (ص 227).
(6)
فكلٌّ من اللَّفظين عندهم يُستَعمل فيما سُمِع من لفظ الشَّيخ، وفيما قُرِئ عليه وهو يسمع. «الإلماع» (ص 116).
[«أنبأنا»]:
* فأمَّا «أنبأنا»
(1)
فكذلك
(2)
، لكنَّها غلبت في عُرْف المتأخِّرين على الإجازة.
[ترادف الحديث والخبر والنَّبأ لغة]:
* ز: وقولُه تعالى: {قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير} [التحريم: 3] دالٌّ على التَّساوي، فالحديث والخبر والنَّبأ مترادفات
(3)
. •
[من اصطلاحات المغاربة في الإجازة]:
* وأمَّا المغاربة فيُطلِقون «أخبرنا» على ما هو إجازة، ز: حتَّى إنَّ بعضهم يُطلِق في الإجازة «حدَّثنا» ، وهذا تدليس
(4)
.
[«قال لنا»]:
* ومن النَّاس من عدَّ «قال لنا» إجازةً ومناولة
(5)
.
[من صور التَّدليس في ألفاظ الأداء]:
* ومن التَّدليس: أن يقول المحدِّث عن الشَّيخ الذي سَمِعه في أماكنَ لم يسمعها: «قُرِئ على فلان: أخبرك فلانٌ» ، فربَّما
(1)
في ب زيادة: «وأنا» ، وهي اختصار «أخبرنا» ، وإثباتها خطأ؛ لتقدُّم الكلام على (أخبرنا)، ولأنَّه سيأتي بعد جملٍ بيانُ أنَّ استعمال (أخبرنا) في الإجازة مصطلحٌ لبعض المغاربة، ويؤيِّد ذلك أنَّها لم ترد في «الاقتراح» .
(2)
فالمتقدِّمون يُطلِقونها بمعنى (أخبرنا) أو (حدَّثنا). «الاقتراح» (ص 227).
(3)
أي: في اللُّغة، ووجه الدَّلالة من الآية في قوله تعالى في صدر الآية:{وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثًا} ، فسمَّى الحديث نبأً، والحديث بمعنى الخبر؛ لقوله تعالى:{يومئذ تحدث أخبارها} ، وانظر:«الإلماع» (ص 130).
(4)
قبيحٌ، كما في «تاريخ الإسلام» (14/ 113).
(5)
قال أبو جعفرٍ الحِيْريُّ: «كلُّ ما قال البخاريُّ: (قال لي فلانٌ)؛ فهو عرضٌ ومناولة» ، وقال ابن منده:«أخرج البخاريُّ في كتبه الصَّحيحة وغيرها (قال لنا فلانٌ)، وهي إجازة» انظر: «الشَّرح المطوَّل للعقود» (ص 517).
فعل ذلك الدَّارقطنيُّ يقول: «قُرِئ على أبي القاسم البغوي: أخبرك فلانٌ»
(1)
، وقال أبو نُعَيم: «قُرِئ على عبد الله
(2)
بن جعفر بن فارس، حدثنا هارون بن سليمان»
(3)
.
* ومن ذلك: «أخبرنا فلانٌ من كتابه» ، رأيتُ ابنَ مُسْدِي
(4)
يفعله، وهذا لا ينبغي؛ فإنَّه تدليس، والصَّواب قولُك
(5)
: «في كتابه»
(6)
(7)
.
(1)
نسب ذلك إليه ابنُ طاهرٍ في «أطراف الأفراد» (1/ 32).
(2)
في م و ب: «أبي عبد الله» ، وهو تصحيف.
(3)
قال المصنِّف في «السِّير» (17/ 461): «رأيتُه يقول في شيخه عبد الله بن جعفر بن فارسٍ - الذي سمع منه كثيرًا وهو أكبر شيخ له -: (أخبرنا عبد الله بن جعفر فيما قُرِئ عليه)، فيُوْهِم أنَّه سمعه، ويكون ممَّا هو له بالإجازة، ثمَّ إطلاق الإخبار على ما هو بالإجازة مذهبٌ معروفٌ قد غلب استعماله على محدِّثي الأندلس، وتوسَّعوا فيه، وإذا أطلق ذلك أبو نعيم في
…
الشُّيوخ الذين قد عُلِم أنَّه ما سمع منهم بل له منهم إجازة؛ كان له سائغًا، والأحوط تجنُّبه»، انظر:«فتح المغيث» (2/ 487 - 488).
(4)
في الأصل: «ابن مسيَّب» ، وفي م:«مسدد» وعليها علامة الإشكال، والتَّصويب من «الشَّرح المطوَّل للعقود» (ص 528)، فإنَّه ذَكَر صورًا من تدليس الإجازة إذا شافَهَ بها المجيزُ المجازَ له أو كاتبه بها، ثمَّ قال:«وأشدُّ من ذلك تدليسًا: أخبرنا فلانٌ من كتابه، وكان الحافظ أبو بكر بن مُسْدِي يفعله» ، وهو الحافظ أبو بكر محمَّد بن يوسف بن مُسْدِي الأندلسي، قال المصنِّف في «تاريخه» (15/ 91) وابن حجرٍ في «تعريف أهل التَّقديس» (ص 92):«كان يُدلِّس الإجازة» ، وأورده ابن حجر في الطَّبقة الأولى.
(5)
في ب: «قوله» .
(6)
في م: «من كتابه» ، وهو تصحيف.
(7)
والمراد: أنَّ شيخه كتب إليه بهذه الإجازة، وقوله:«من كتابه» يُوْهِم أنَّه سمع شيخه وهو يُحدِّثه من كتابه.
* ومن التَّدليس: أن يكون قد حضر «جزءًا»
(1)
على شيخ وهو ابن سنتين أو ثلاث، فيقول: «أخبرنا فلان
(2)
»، ولم يقل:«وأنا حاضر» ؛ فهذا الحضور العَرِيُّ عن إذن المُسْمِع لا يُفيد اتِّصالًا، بل هو دون الإجازة؛ فإنَّ الإجازة نوعُ اتِّصالٍ عند أئمَّة
(3)
.
وحضورُ ابنِ
(4)
عامٍ أو عامين إذا لم يَقترن بإجازةٍ كلا شيء، إلَّا أن يكون حضوره على شيخٍ حافظٍ أو مُحدِّثٍ يَفْهَم
(5)
، فيكون إقراره بكتابة اسم الطِّفل بمنزلة الإذن منه له في الرِّواية
(6)
.
[«قال»]:
* ومن صُوَر الأداء: حدَّثنا حَجَّاج بن محمَّد قال: (قال
(7)
ابن جُرَيج)، فصيغة «قال» لا تدلُّ على اتِّصال
(8)
.
(1)
في ب: «طفلٌ» .
(2)
في ب: «أنبأنا فلان» ، ولا يستقيم بها المعنى؛ لأنَّ (أنبأنا) تُستعمل عند المتأخِّرين في الإجازة لا السَّماع.
(3)
«عند أئمَّة» زيادة من م و ب.
(4)
«ابن» زيادة من ب، وليست في «الشَّرح المطوَّل للعقود» (ص 510).
(5)
ضُبطت في الأصل: (يُفْهِم)، وهو خطأ، فإنَّه لا يتأتَّى إفهامُ ابن عامٍ أو عامين الإجازة، وليس ذلك بشرطٍ عندهم، وفي ب:«وهو يَفْهَم ما يُحدِّثه» ، ولعلَّها حاشية أدخلها النَّاسخ في النَّص.
(6)
والإجازة أجودُ من الحضور في القوَّة
…
، أمَّا إذا كان مع الحضور إذنٌ من الشَّيخ في الرِّواية فهو أجود، قاله المصنِّف في «السِّير» (18/ 369).
(7)
في ب: «قال» مرة واحدة.
(8)
أي: في نفسها، ومع ذلك فهي محمولةٌ على السَّماع بالشَّرط المذكور في المعنعن، وهو إذا عُلِم اللُّقي، وسَلِم من التَّدليس، لا سيَّما من عُرِف من حاله أنَّه لا يروي إلَّا ما سمعه، كحجَّاج بن محمَّدٍ الأعور، فروى كتب ابن جُرَيجٍ بلفظ:(قال ابن جُرَيج)، فحملها النَّاس عنه، واحتجُّوا بها، قاله العراقيُّ في «شرح التَّبصرة والتَّذكرة» (1/ 390)، وما سيأتي تفريعٌ على ذلك.
* وقد اغتُفِرَت في الصَّحابة، كقول الصَّحابي:«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، فحُكْمها الاتِّصال إذا كان ممَّن تُيُقِّن سماعُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لم يكن له إلَّا مُجرَّدُ رؤية، فقوله:«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» محمولٌ على الإرسال
(1)
، كمحمود بن الرَّبِيع
(2)
، وأبي أُمامة بن سَهْل، وأبي الطُّفَيل
(3)
، ومروان
(4)
.
* وكذلك «قال» من التَّابعيِّ المعروف بلقاء ذلك الصَّحابي، كقول عروة:«قالت عائشة» ، وكقول ابن سيرين:«قال أبو هريرة» رضي الله عنهما؛ فحكمه الاتصال.
[مراتب صيغ الأداء]:
* وأرفع من لفظةِ «قال» : لفظةُ «عن» ، وأرفع من «عن»:
(1)
لكن لا يُقال إنَّه مقبولٌ كمراسيل الصَّحابة؛ لأنَّ رواية الصَّحابة إمَّا أن تكون عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابيٍّ آخر، والكلُّ مقبول، واحتمال كون الصَّحابيِّ الذي أدرك وسمع يروي عن التَّابعين بعيدٌ جدًّا، بخلاف مراسيل هؤلاء، فإنَّها عن التَّابعين بكثرة، فقوي احتمال أن يكون السَّاقط غيرَ صحابيٍّ، وجاء احتمال كونه غيرَ ثقة، قاله في «فتح المغيث» (2/ 273).
(2)
«كمحمود» زيادة من م و ب.
(3)
واسمه: عامرِ بن واثلة، وهو آخر من ضُبِطت وفاته ممَّن رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم.
(4)
يعني ابنَ الحَكَم القرشيَّ الأُمَويَّ، ولم يصحَّ له سماعٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن له رؤيةٌ إن شاء الله، قاله المصنِّف في «تاريخه» (2/ 706).
«أخبرنا» و «ذَكَر لنا» و «أنبأنا» ، وأرفع من ذلك:«حدثنا» و «سَمِعْتُ» .
* وأمَّا في اصطلاح المتأخِّرين، فـ «أنبأنا» و «عن» و «كَتَب إلينا» واحدٌ. •
*
المقلوب:
[تعريف المقلوب]:
* هو ما رواه الشَّيخ بإسنادٍ لم يكن كذلك، فيَنْقِلب عليه ويَنِطُّ
(1)
من إسناد حديثٍ إلى متنِ آخرَ بعده، ز: أو أن ينقلبَ عليه اسمُ راوٍ، مثل «مُرَّة بن كَعْب» بـ «كَعْب بن مُرَّة» ، و «سَعْد بن سِنان» بـ «سِنَان بن سَعْد» . •
[حكم من وقع منه القَلْب]:
* فمن فَعَل
(2)
ذلك خطأً؛ فقريبٌ
(3)
، ومَن تعمَّد ذلك وركَّبَ متنًا على إسنادٍ ليس له؛ فهو «سارقُ الحديث» ، وهو الذي يُقال في حقِّه:«فلانٌ يسرقُ الحديث» ، ومِن ذلك: أن يسرقَ حديثًا ما سمعه، فيدَّعيَ سماعَه من رجل
(4)
.
(1)
في «القاموس» (نطط): «نطَّ في الأرض يَنِطُّ: ذَهَب» .
(2)
في الأصل و ب: «يعُدُّ» ، والمثبت من م.
(3)
أُلحِق في ب بين السُّطور: «أن يتفطَّن ويجد الصَّواب» ، ولعلَّها حاشية.
(4)
فيُستفاد من هذا أنَّ سرقة الحديث: تركيبُ متنٍ على إسنادٍ ليس له عمدًا، وقال المصنِّف في «تاريخه» (5/ 812):«سرقة الحديث: أن يكون محدِّثٌ ينفرد بحديث، فيجيء السَّارق ويدَّعي أنَّه سمعه أيضًا من شيخ ذاك المحدِّث» .
* ز: وإن سَرَق فأَتى بإسنادٍ ضعيفٍ لمتنٍ لم يثبت سندُه؛ فهو أخفُّ جُرْمًا ممَّن سَرَق حديثًا لم يصحَّ متنُه وركَّب له إسنادًا صحيحًا؛ فإنَّ هذا نوعٌ من الوضع والافتراء، فإن كان ذلك في متون الحلال والحرام؛ فهو أعظمُ إثمًا، وقد تبوَّأَ بيتًا في جهنَّم
(1)
.
* وأمَّا سَرِقةُ السَّماع وادِّعاءُ ما لم يَسمع من الكتب والأجزاء، فهذا كذبٌ مجرَّد، ليس من الكذب على الرَّسول صلى الله عليه وسلم، بل من الكذب على الشُّيوخ، ولن يُفِلحَ مَن تعاناه، وقلَّ مَن سَتَر الله عليه منهم، فمنهم مَن يَفتضِحُ في حياته، ومنهم من يَفتضِحُ بعد وفاته، فنسأل الله السِّتر والعفو. •
* * * * *
(1)
يشير بذلك إلى حديث: «من كَذَب عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأ بيتًا في جهنَّم» رواه أحمد بهذا اللَّفظ (28/ 657 رقم 17457)، ولفظ الصَّحيحين:«فليتبوَّأ مقعده من النَّار» البخاري (110) ومسلم (3).
القسم الثَّاني
في كيفيَّة
التَّحمُّل
والأداء
* التَّحمُّل
(1)
:
[اشتراط العدالة في الرَّاوي]:
* لا تُشترَطُ العدالةُ حالةَ التحمُّل، بل حالةَ الأداء، فيَصِحُّ سماعُهُ كافرًا وفاجرًا وصَبيًّا؛ فقد رَوَى جُبَير بن مُطْعِم رضي الله عنه أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بـ «الطُّوْر»
(2)
، فسَمِعَ ذلك حالَ شِرْكِه، ورواه مُؤْمِنًا.
[المعتبر في تحمُّل الصَّغير]:
* واصطلح المحدِّثون على جَعْلِهم سماعَ
(3)
ابن خمس سنين: «سَمَاعًا» ، وما دونها:«حضورًا» ، وتأنَّسوا
(4)
بأنَّ محمودًا عَقَل مجَّةً
(5)
، ولا دليل فيه
(6)
، والمعتبَرُ فيه:
(7)
إنَّما هو أهليَّةُ الفهم والتَّمييز.
(1)
في ب: «فصل» ، وأصابها طمسٌ في م.
(2)
أخرجه البخاري (4854)، ومسلم (463).
(3)
«سماع» ليست في م و ب.
(4)
المثبت من م، وتأنَّسَ واستأنسَ بمعنًى - كما في «تاج العروس» (أ ن س) -، وفي ب:«ويأنسوا» ، وهو لحنٌ.
(5)
يُشير إلى حديث محمود بن الرَّبيع رضي الله عنه قال: «عَقَلْتُ من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مجَّةً مجَّها في وجهي، وأنا ابنُ خمس سنين من دَلْو» أخرجه البخاري (77) ومسلم (33 «265»)، والمجَّة: طرح الماء من الفم بالتَّزريق، كما في «هُدَى السَّاري» (ص 186).
(6)
«وما دونها
…
» إلى هنا سقط من الأصل.
(7)
«فيه» زيادة من م و ب.
*
مسألة
(1)
:
[التَّصرُّف في الإسناد في رواية المصنَّفات أو النَّقل منها]:
* يسوغ التَّصرُّفُ في الإسناد بالمعنى إلى صاحب الكتاب أو الجزء، وكرِه بعضُهم أن يزيد في ألقاب الرُّواة في ذلك، وأن يزيد تاريخَ سماعهم وبقراءة من سَمِعُوا؛ لأنَّه قدرٌ زائدٌ
(2)
على المعنى.
* ولا يسوغ إذا وصَلْتَ إلى الكتاب أو الجزء، أن تتصرَّفَ في تغيير أسانيده ومتونه، ولهذا قال شيخنا ابنُ وَهْبٍ: «ينبغي أن يُنظَرَ فيه
(3)
: هل يجبُ أو هو مُستَحْسَن؟
وقوَّى بعضهم الوجوبَ
(4)
، مع تجويزهم الرِّوايةَ بالمعنى، وقالوا: ما له أن يُغيِّر التَّصنيف».
قال:
(5)
(6)
.
(1)
في ب: «فائدة» .
(2)
إلى هنا انتهت نسخة ب.
(3)
أي: المنع من التَّصرُّف.
(4)
وهو ابنُ الصَّلاح، فقال في «علوم الحديث» (ص 214):«ليس لأحدٍ أن يُغيِّر لفظ شيءٍ من كتابٍ مصنَّفٍ، ويُثبِتَ بدله فيه لفظًا آخر معناه؛ فإنَّ الرِّواية بالمعنى رخَّص فيها من رخَّص لما كان عليهم في ضبط الألفاظ والجمود عليها من الحَرَج والنَّصَب، وذلك غير موجودٍ فيما اشتملت عليه بطونُ الأوراق والكتب، ولأنَّه إن ملك تغيير اللَّفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره» .
(5)
«قال» زيادة من م.
(6)
أي: أنَّ التَّعليل لوجوب المنع من التَّصرُّف بأنَّ فيه تغييرًا للتَّصنيف؛ فيه ضعف؛ لأنَّه يلزم منه جوازُ التَّصرُّف فيما ننقله إلى أجزائنا وتخاريجنا؛ فإنَّه ليس فيه تغيير للتَّصنيف المتقدِّم، قال في «الاقتراح» (ص 235):«وليس هذا جاريًا على الاصطلاح؛ فإنَّ الاصطلاح على أن لا تُغيَّر الألفاظُ بعد الانتهاء إلى الكتب المصنَّفة، سواء رويناها فيها أو نقلناها منها» .
ز: قلتُ: ولا يسوغ تغييرُ ذلك إلَّا في تقطيع حديثٍ، أو في جَمْعِ أحاديثَ مفرَّقةٍ إسنادُها واحد، فيقال فيه: وبه إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. •
*
مسألة:
[قول: «سمعتُ» فيما تحمَّله الرَّاوي بالقراءة]:
* تسمَّح بعضهم
(1)
أن يقول: «سمعتُ فلانًا» فيما قرأه عليه، أو يقرؤه عليه الغير، وهذا خلاف الاصطلاح، أو من باب الرِّواية بالمعنى.
ومنه قول المُؤرِّخين: «سمع فلانًا وفلانًا»
(2)
.
*
مسألة:
[إفراد حديثٍ من نسخة]:
* إذا أَفرَد حديثًا من مثل «نسخة همَّامٍ» أو «نسخة ابن مُسْهِر»
(3)
(4)
، فإن حافَظَ على العبارة جاز وِفاقًا، كما يقول
(1)
كمالكٍ والسُّفيانين، حكاه عنهم عياضٌ في «الإلماع» (ص 123 - 124).
(2)
ويمكن الفرق بأنَّ الذي في التَّراجم مجرَّد الإخبار بالشُّيوخ، لا خصوص التَّمييز بين السَّماع وغيره، قاله في «فتح المغيث» (2/ 348).
(3)
رُسِمت في الأصل: «ان مُسْهِر» ، والمثبت من م، ويُذكر غالبًا بأبي مُسْهِر.
(4)
النُّسخة: هي الصَّحيفة التي تشتمل على أحاديث ينتظمها إسنادٌ واحد، وهمَّامُ بن مُنَبِّهٍ الصَّنعانيُّ صاحب تلك الصَّحيفة الصَّحيحة عن أبي هريرة، وهي نحوٌ من مئةٍ وأربعين حديثًا، حدَّث بها عنه: معمرُ بن راشد، قاله المصنِّف في «السِّير» (5/ 311)، وقد ساقها بتمامها الإمامُ أحمد في «مسنده» (13/ 475 رقم 8115 - 8252)، وأفردها بعض المعاصرين، وأمَّا ابنُ مُسْهِرٍ فهو أبو مُسْهِرٍ عبد الأعلى بن مُسْهِرٍ الغسَّانيُّ، ونسخته مطبوعة، لكنَّها ليست على الوضع المتعارَف للنُّسخ.
مسلم: «فذكر أحاديث، منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، وإلَّا فالمحقِّقون على التَّرخُّص في التَّصرُّف
(1)
السَّائغ.
*
مسألة:
[اختصار الحديث وتقطيعه]:
* اختصارُ الحديث وتقطيعُه جائزٌ إذا لم يُخِلَّ معنًى.
[تقديم المتن على الإسناد وتأخيره]:
* ومن التَّرخيص: تقديمُ
(2)
متنٍ سمعه على الإسناد، وبالعكس، كأن يقول: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النَّدم توبة»
(3)
، أخبرنا
(4)
به فلانٌ عن فلانٍ).
*
مسألة:
[استعمال ألفاظ الإحالة على المتون]:
* إذا ساق حديثًا بإسناد، ثم أتبَعَه بإسنادٍ آخر، وقال:«مثله» ، فهذا يجوز للحافظ المميِّز للألفاظ، فإن اختلف اللَّفظ قال:«نحوه» ، أو قال:«بمعناه» ، أو:«بنحوٍ منه» .
*
مسألة:
[التَّحمُّل في المذاكرة]:
* إذا قال: «حدَّثنا فلانٌ مذاكرةً» ، دلَّ على وَهْنٍ ما؛ إذ
(1)
المثبت من م، وفي الأصل:«التَّرخيص في التَّصريف» .
(2)
في م: «ومن التَّرخُّص: تقدُّم» .
(3)
أخرجه ابن ماجه (4252) وأحمد (6/ 37 رقم 3568).
(4)
في م: «حدَّثنا» .
المذاكرة يُتَسمَّح فيها.
[السَّماع من غير مقابلة]:
* ومن التَّساهل: السَّماعُ من غير مقابلة:
- فإن كان كثير الغَلَط
(1)
؛ لم يَجُز، وإن جوَّزنا ذلك فيَصِحُّ فيما صحَّ من الغَلَط دون المغلوط.
- وإن نَدَر الغَلَط
(2)
؛ فمُحتَمَل، لكن لا يجوز له فيما بعدُ أن يُحدِّث من أصل شيخه.
(1)
أي: إن علم من نفسه كثرةَ النِّسيان والخطأ «الاقتراح» (ص 242).
(2)
أي: إن كانت تغلب الصِّحَّة على الكتابة «الاقتراح» (ص 242).
القسم الثَّالث
في آداب المحدِّث
* آداب المحدِّث:
[تصحيح النِّيَّة]:
*
تصحيح النِّيَّة من طالب العلم مُتعَيِّنة
(1)
:
- ز: فمن طلب الحديث للمكاثرة أو للمفاخرة، أو ليروي، أو ليتناول
(2)
الوظائف، أو ليُثنَى عليه وعلى معرفته؛ فقد خسر.
- وإن طلَبَه لله، وللعمل به، وللقُرْبة بكثرة الصَّلاة على نبيِّه صلى الله عليه وسلم ولنفع النَّاس؛ فقد فاز.
- وإن كانت النِّيَّة ممزوجةً بالأمرين؛ فالحكم للغالب.
- وإن كان طلَبَه لفَرْط المحبَّة فيه، مع قطع النَّظر عن الأجْر وعن بني آدم؛ فهذا كثيرٌ ما يعتري طلبةَ العلوم، فلعلَّ النِّيَّة أن يرزقها اللهُ بعدُ.
وأيضًا فمن طَلَب العلم للآخرة كسَرَهُ العلم وخشع لله، واستكان وتواضع، ومن طلبه للدُّنيا تكبَّر به وتكثَّر
(3)
وتجبَّر وازدرى بالمسلمين العامَّة، وكان عاقبةُ أمره إلى سَفَالٍ وحَقَارة. •
فليحتسِب المحدِّث بحديثه
(4)
؛ رجاءَ الدُّخول في قوله صلى الله عليه وسلم:
«نضَّر الله امْرَأً سَمِع مقالتي فوعاها، ثمَّ أدَّاها إلى من لم يسمعها»
(1)
.
[بذل النَّفس للطَّلبة]:
* وليبذل نفسَه للطَّلبة الأخيار، لا سيما إذا انفرد.
[الامتناع من الرِّواية عند التَّغيُّر]:
* ولْيَمتنع
(2)
مع الهَرَم وتغيُّر الذِّهن، ز: ولْيَعهد إلى أهله وإخوانه حال صحَّته: أنَّكم متى رأيتموني تغيَّرتُ فامنعوني من الرِّواية.
فمن تغيَّر بسوء حفظٍ، وله أحاديث معدودةٌ قد أدمن في دُرْبتها
(3)
؛ فلا بأس بتحديثه بها زمن تغيُّره.
ولا بأس بأن يُجيز مرويَّاته حالَ تغيُّره؛ فإنَّ أصولَه مضبوطةٌ ما تغيَّرت، وهو فقد وعَى
(4)
ما أجاز، فإن اختلط وخَرِف امتُنِع من أخذ الإجازة منه. •
[ترك التَّحديث مع وجود من هو أولى]:
* ومن الأدب: أن لا يُحدِّث مع وجود من هو أولى منه لدينه وإتقانه
(5)
، وأن لا يُحدِّث بشيءٍ يرويه غيرُه أعلى منه.
(1)
أخرجه أحمد (27/ 301 رقم 16738) بهذا اللَّفظ من حديث جُبَير بن مُطْعِم رضي الله عنه، وهو مرويٌّ عن جمعٍ من الصَّحابة.
(2)
في م: «وليسمع» ، وهو خطأ.
(3)
أي: واظبها ولازمها، كما في «المصباح» (د م ن).
(4)
«وهو فقد» هذا الأسلوب مستعملٌ عند المصنِّف، كما في «تاريخه» (11/ 136 و 15/ 601)، ومستعملٌ عند غيره أيضًا.
(5)
في «الاقتراح» (ص 247): «لسِنِّه أو لغير ذلك» .
[دلالة المبتدئين على المهم فالمهم وعدم غشِّهم]:
ز: وأن لا يَغُشَّ المبتدئين، بل يدلُّهم على المهمِّ فالمهمِّ
(1)
، فالدِّين النَّصيحة.
فإن دلَّهم على مُعَمَّرٍ عامِّيٍّ وعَلِم قصورهم في إقامة مرويَّات العامِّي؛ نَصَحهم ودلَّهم على عارفٍ يسمعون بقراءته، أو حضر مع العامِّيِّ وروى بنزولٍ؛ جمعًا بين الفوائد. •
[مراعاة آداب مجلس التَّحديث]:
* ورُوِي أنَّ مالكًا رحمه الله كان يغتسل للتَّحديث، ويتبخَّر، ويتطيَّب، ويلبَس ثيابه الحسنة، ويلزم الوقار والسَّكينة، ويزْبُر
(2)
من يرفع صوته
(3)
.
[ترتيل الحديث وترك الإسراع المذموم فيه]:
* ويُرتِّلُ الحديث
(4)
، وقد تسمَّح النَّاس في هذه الأعصار بالإسراع المذموم، الذي يخفى معه بعضُ الألفاظ، والسَّماع هكذا لا مزيَّة
(5)
له على الإجازة، بل الإجازة صدقٌ، وقولُك:«سمعتُ أو قرأتُ هذا الجزءَ كلَّه» مع التَّمتمة ودمج بعض الكلمات؛ كَذِبٌ.
وقد قال النَّسائيُّ في عِدَّة أماكنَ من «صحيحه»
(6)
: «وذكر
(1)
«فالمهم» زيادة من م.
(2)
أي: يزْجُر وينْهَر، كما في «المصباح» (ز ب ر).
(3)
رواه الخطيب في «الجامع» (1/ 406).
(4)
أي: يتمهَّل في قراءته، يقال: رتَّلْتُ القرآن ترتيلًا: تمهَّلتُ في القراءة ولم أعجل، كما في «المصباح» (ر ت ل).
(5)
في الأصل: «مِيْزة» ، والمثبت من م.
(6)
ويعني به كتابه «المجتبى» ، وهو المشهور بـ «السُّنن الصُّغرى» ، ووَصَفه المصنِّف بالصِّحَّة تبعًا لجماعةٍ، كابن عديٍّ والدَّارقطنيِّ والحاكم والخطيب وغيرهم، كما في «النُّكت» لابن حجر (1/ 481) و «القول المعتبر» للسَّخاوي (ص 49).
كلمةً معناها كذا وكذا»
(1)
.
[عَقْد مجالس الإملاء]:
* وكان الحُفَّاظ يعقدون مجالس للإملاء، ز: وهذا قد عُدِم اليوم
(2)
•، والسَّماع بالإملاء يكون محقَّقًا ببيان الألفاظ للمُسْمِع
(3)
والسَّامع
(4)
.
* ولْيَتجنَّب رواية المشكلات ممَّا لا تحمَّله قلوبُ العامَّة، ز: فإن روى ذلك فليكن في مجالسَ خاصة. •
* ويحرم عليه روايةُ الموضوع وروايةُ المطروح، إلَّا أن يُبيِّنه للنَّاس ليحذروه.
(1)
في «الاقتراح» (ص 249): «ولم يكن المتقدِّمون على هذا التَّساهل، هذا أبو عبد الرَّحمن النَّسائيُّ يقول
…
الخ»، والمراد: أنَّ ما شكَّ النَّسائيُّ في لفظه فإنَّه يسبقه بقوله: «وذَكَر كلمةً معناها» ، قال السَّخاويُّ:«لكونه فيما يظهر لم يسمعها جيِّدًا وعَلِمَها» «فتح المغيث» (2/ 379)، ومن أمثلة ذلك في «المجتبى»:(438 و 886 و 2134 و 3704).
(2)
أي: في زمان المصنِّف، ثمَّ أحياه من بعده جماعة، كالعراقيِّ وابنه وابن حجر. «فتح المغيث» (3/ 251)، «تدريب الرَّاوي» (2/ 705).
(3)
في م: «للمستمع» .
(4)
بيان اللَّفظ للسَّامع يكون في حال في إملاء الشَّيخ، وبيانه للمُسْمِع - وهو الشَّيخ المملي - يكون في المقابلة بعد الفراغ من الإملاء، وهذا معنى قوله في «الاقتراح» (ص 250):«ولأنَّ السَّماع يكون محقَّقًا متبيِّن الألفاظ، مع العادة في قراءته للمقابلة بعد الإملاء» .
القسم الرَّابع
في معرفة الثِّقات
*
الثِّقة:
[تعريف الثِّقة]:
* تُشترَط العدالةُ في الرَّاوي كالشَّاهد، ويمتاز «الثِّقة» بالضَّبط والإتقان.
[تعريف الحافظ]:
ز: فإن انضاف إلى ذلك المعرفةُ والإكثارُ فهو «حافظ» .
[طبقات الحفَّاظ]:
* والحفَّاظ طبقات
(1)
:
في ذِرْوَتِها:
أبو هريرة رضي الله عنه.
وفي التَّابعين، كابنِ المسيَّب.
وفي صغارِهم، كالزُّهري.
وفي أتباعِهم، كسفيانَ، وشعبةَ، ومالك.
ثمَّ ابنِ المبارك، ويحيى بن سعيد، ووكيعٍ، وابن مهديٍّ.
ثمَّ كأصحاب هؤلاء، كابن المَدِينيِّ
(2)
، وابن مَعِينٍ، وأحمدَ، وإسحاقَ، وخَلْق.
ثمَّ البخاريِّ، وأبي زُرْعةَ، وأبي حاتمٍ، وأبي داودَ، ومسلمٍ.
(1)
جعل المصنِّف الحفَّاظ على ثلاث طبقات باعتبار منزلتهم في الحفظ، ورتَّب حفَّاظ كلِّ طبقةٍ باعتبار الزَّمن.
(2)
«ثمَّ كأصحاب هؤلاء، كابن المديني» ساقطة من م.
ثمَّ النَّسائيِّ، وموسى بن هارونَ، وصالحِ جَزَرَة، وابن خُزَيمةَ.
ثمَّ ابن الشَّرْقي
(1)
(2)
.
ومِمَّن يُوصَفُ بالحفظ والإتقان [بعد] هؤلاء
(3)
:
جماعةٌ من الصَّحابة والتَّابعين.
ثمَّ عُبَيدُ الله بن عمر، وابنُ عَوْن
(4)
، ومِسْعَرٌ
(5)
.
ثمَّ زائدةُ
(6)
، واللَّيثُ
(7)
، وحمَّادُ بن زيد.
ثمَّ يزيدُ بن هارونَ، وأبو أسامة
(8)
، وغُنْدَرٌ
(9)
(10)
، وابنُ وَهْبٍ
(11)
.
(1)
في الأصل: «الشَّرقي» ، وفي م كأنَّها:«ابن السيرفي» ، ولعلَّ الصَّواب ما هو مثبت.
(2)
هو أحمد بن محمَّد بن حسن، أبو حامد ابن الشَّرقيِّ، تلميذ مسلم.
(3)
«هؤلاء» زيادة من م، وما قبلها في موضعها خرمٌ، ولعلَّها ما أثبتُّ.
(4)
هو عبد الله بن عَوْن بن أرطبان، أبو عَوْنٍ البصريُّ.
(5)
هو مِسْعَر بن كِدَام بن ظَهِير الهلاليُّ، أبو سَلَمة الكوفيُّ.
(6)
هو زائدة بن قدامةَ الثَّقفيُّ، أبو الصَّلْت الكوفيُّ.
(7)
هو اللَّيث بن سعد الفهميُّ، أبو الحارث المِصْريُّ.
(8)
هو حمَّاد بن أسامة بن زيد القرشيُّ مولاهم، أبو أسامة الكوفيُّ.
(9)
«وغندر» زيادة من م و «الشَّرح المطوَّل للعقود» (ص 594)، إلَّا أنَّها في م:«وابن غندر» ، وهو خطأ.
(10)
هو محمَّد بن جعفر الهُذَليُّ، البصريُّ، ويُعرَف بـ «غُنْدَر» .
(11)
هو عبد الله بن وَهْب بن مسلم القرشيُّ مولاهم الفِهْريُّ، أبو محمَّدٍ المِصْريُّ.
ثمَّ أبو خيثمةَ
(1)
(2)
، وأبو بكر بن أبي شيبةَ
(3)
، وابنُ نُمَيرٍ
(4)
، وأحمدُ بن صالح.
ثمَّ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، وابنُ وَارَهْ
(5)
، والتِّرمذيُّ، وأحمدُ بن أبي خَيْثَمةَ، وعبد الله بن أحمد.
ثمَّ ابنُ صاعِدٍ
(6)
(7)
، وابنُ زيادٍ النَّيسابوريُّ
(8)
، وابنُ جَوْصَا
(9)
، وابنُ الأَخْرَم
(10)
.
ثمَّ أبو بكرٍ الإسماعِيْليُّ
(11)
، وابنُ عَدِيٍّ
(12)
، وأبو أحمدَ الحاكم
(13)
.
(1)
هو زُهَير بن حرب بن شدَّاد الحَرَشي، أبو خيثمة النَّسائيُّ.
(2)
في م: «أبو بكرٍ خيثمة» ، وهو خطأ.
(3)
واسمه: عبد الله.
(4)
هو محمَّد بن عبد الله بن نُمَيْر الهَمْدانيُّ الخَارِفيُّ، أبو عبد الرَّحمن الكوفيُّ.
(5)
هو محمَّد بن مسلم بن عثمانَ الرَّازيُّ، معروفٌ بـ (ابنِ وَارَه).
(6)
هو يحيى بن محمَّد بن صاعِدٍ الهاشميُّ، أبو محمَّدٍ البغداديُّ.
(7)
من: «وابن واره» إلى هنا ليس في م.
(8)
هو عبد الله بن محمَّد بن زياد، أبو بكرٍ النَّيسابوريُّ.
(9)
هو أحمد بن عُمَيْر بن يوسُف بن موسى بن جَوْصَا، أبو الحسن الدِّمشقيُّ.
(10)
هو محمَّد بن العبَّاس بن أيُّوب بن الأخْرَم الأصبهانيُّ.
(11)
واسمه: أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل.
(12)
هو عبد الله بن عَدِيِّ بن عبد الله، أبو أحمدَ الجُرْجانيُّ.
(13)
واسمه: محمَّد بن محمَّد بن أحمد النَّيسابوريُّ.
ثمَّ ابنُ مَنْدَهْ
(1)
، ونحوه.
ثمَّ البَرْقَانيُّ
(2)
، وأبو حازمٍ العَبْدَوِيُّ
(3)
(4)
.
ثمَّ البَيْهَقيُّ، وابنُ عبد البَرِّ.
ثمَّ الحُمَيديُّ
(5)
، وابنُ طَاهِر
(6)
.
ثمَّ السِّلَفِيُّ
(7)
، وابنُ السَّمْعاني
(8)
.
ثمَّ عبد القادر
(9)
، والحازِميُّ
(10)
.
ثمَّ الحافظ الضِّياء
(11)
، وابنُ سيِّد النَّاس - خطيبُ تونُس -
(12)
.
(1)
هو محمَّد بن إسحاق بن محمَّد، أبو عبد الله بن منده.
(2)
هو أحمد بن محمَّد بن أحمد، أبو بكرٍ البَرْقانيُّ.
(3)
في الأصل: «العبدري» ، وهو خطأ، والمثبت من م.
(4)
واسمه: عمر بن أحمدَ بن إبراهيم.
(5)
هو محمَّد بن أبي نَصْر فتوح بن عبد الله، أبو عبد الله الحُمَيديُّ.
(6)
هو محمَّد بن طاهر بن عليٍّ، أبو الفضل المقدسي، يُعرَف بابن القيسرانيِّ.
(7)
هو أحمد بن محمَّد بن أحمد، أبو طاهرٍ السِّلَفيُّ.
(8)
هو عبد الكريم بن أبي بكرٍ محمد بن أبي المظفَّر منصور، أبو سعدٍ السَّمعانيُّ.
(9)
هو عبد القادر بن عبد الله، أبو محمَّدٍ الرُّهَاويُّ.
(10)
هو محمَّد بن موسى بن عثمان، أبو بكرٍ الحازِميُّ.
(11)
هو ضياء الدِّين، محمَّد بن عبد الواحد، أبو عبد الله المقدسيُّ، صاحب «الأحاديث المختارة» .
(12)
هو محمَّد بن أحمد بن عبد الله، ابن سيِّد النَّاس، أبو بكرٍ اليَعْمَريُّ الإشبيليُّ.
ثمَّ حفيدُه حافظ وقته أبو الفتح
(1)
.
وممَّن يُعَدُّ
(2)
من الحفَّاظ في الطَّبقة الثَّالثة:
عَدَدٌ من الصَّحابة، وخلقٌ من التَّابعين وتابعيهم، وهلمَّ جرًّا إلى اليوم.
فمثل يحيى القطَّان يُقال فيه: إمامٌ، وحجَّةٌ، وثبتٌ، وجِهْبِذٌ، وثقةٌ ثقةٌ
(3)
.
ثمَّ ثقةٌ حافظٌ.
ثمَّ ثقةٌ متقنٌ.
ثمَّ ثقةٌ عارفٌ، وحافظٌ صدوقٌ، ونحوُ ذلك.
[حكم مفاريد الحفَّاظ]:
* فهؤلاء الحفَّاظ الثِّقات:
- إذا انفرد الرَّجل منهم من التَّابعين؛ فحديثه صحيحٌ.
- وإن كان من الأتباع؛ قيل: صحيحٌ غريبٌ.
- وإن كان من أصحاب الأتباع؛ قيل: غريبٌ فردٌ، ويندر
(1)
واسمه: محمَّد بن محمَّد بن محمَّد، فوافق اسمُه اسمَ أبيه وجدِّه، وهو صاحب «النَّفح الشَّذي» ، قال المصنِّف في «المعجم المختص» (ص 261): «أحد أئمَّة هذا الشأن
…
جالستُه، وسمعتُ بقراءته، وأجاز لي مرويَّاته».
(2)
المثبت من م، وفي الأصل:«تعدى» .
(3)
في م: «ثقة» مفردة، وهو خطأ؛ لأنَّها أدنى درجة من «ثقة حافظ» .
تفرُّدهم، فتجد الإمامَ منهم عنده مئتا ألف حديثٍ، لا يكاد ينفرد بحديثين ثلاثة.
- ومن كان بعدهم، فأين ما ينفرد به؟ ما علمتُه، وقد يُوجَد.
[حكم مفاريد الثِّقات]:
* ثمَّ ننتقل إلى اليَقِظ الثِّقة المتوسِّط المعرفة والطَّلب، فهو الذي يُطلَق عليه أنَّه ثقة، وهم جمهور رجال الصَّحيحين:
- فتابِعيُّهم إذا انفرد ....
(1)
؛ خُرِّج حديثُه ذلك في الصِّحاح.
- وقد يتوقَّف كثيرٌ من النُّقَّاد في إطلاق الغرابة مع الصِّحَّة في حديث أتباع الثِّقات
(2)
، وقد يُوجَد بعضُ ذلك في الصِّحاح دون بعضه، وقد يُسمِّي جماعةٌ من الحفَّاظ الحديث الذي ينفرد به مثلُ هُشَيمٍ وحفص بن غياثٍ منكرًا.
- فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة، أطلقوا النَّكارة على ما انفرد به، مثل: عثمان بن أبي شيبة، وأبي سلمة
(1)
مكان النَّقط كلمةٌ يظهر أنَّها: «وتابيعهم» ، وهذه صورتها في الأصل:
وهذه صورتها في م:
ولعلَّها سبق قلمٍ من النَّاسخ حصل من انتقال نظره إلى الكلمة السَّابقة: «فتابعيُّهم» فكرَّرها، فيحتمل أنَّ الجملة وقعت هكذا: «فتابعيُّهم إذا انفرد بحديثٍ
…
»، والكلام على كلٍّ يستقيم بدونها.
(2)
أي: أتباع التَّابعين الثِّقات، فـ «الثِّقات» صفةٌ لموصوفٍ محذوف.
التَّبُوْذَكي، وقالوا: هذا منكرٌ.
* فإن روى أحاديث من الأفراد المنكرة؛ غمزوه، وليَّنوا حديثه، وتوقَّفوا في توثيقه، فإن رجع عنها وامتنع من روايتها، وجوَّز على نفسه الوَهَم؛ فهو خيرٌ له، وأرجح لعدالته، وليس من حدِّ الثِّقة أنَّه لا يغلَط ولا يُخطئ، فمن الذي يسلم من ذلك غير المعصوم الذي لا يُقَرُّ على خطأ؟!
فصل
[طرق معرفة الثِّقة]:
[(1) التَّنصيص على توثيقه]:
* الثِّقة: من وثَّقه كثيرٌ ولم يُضعَّف.
[(2) التَّصحيح له]:
ودونه في الرُّتبة:
(1)
من لم يُوثَّق ولا ضُعِّف. •
- فإن خُرِّج حديثُ هذا في «الصَّحيحين» ؛ فهو موثَّقٌ
(2)
بذلك.
- ز: وإن صحَّح له مثلُ التِّرمذيِّ
(3)
وابن خُزَيمة؛ فجيِّدٌ أيضًا.
- وإن صحَّح له
(4)
كالدَّارقطنيِّ والحاكم؛ فأقلُّ أحواله حُسْنُ حديثه
(5)
. •
(1)
«في الرُّتبة» زيادة من م.
(2)
في م: «موثوق» .
(3)
يُشكل على هذا قولُ المصنِّف في «الميزان» (3/ 403): «لا يعتمد العلماء على تصحيح التِّرمذي» ، وفي هذا بحثٌ، ليس هنا محلُّه.
(4)
«وإن صحَّح له كـ» ساقطة من م.
(5)
ما ذكره المصنِّف في تصحيح الحاكم يعارضه قولُه في «الميزان» (4/ 170): «يُصحِّح أحاديثَ ساقطةً، ويُكثِر من ذلك» ، وقولُه في «التَّذكرة» (3/ 1042):«ولا ريب أنَّ في (المستدرك) أحاديثَ كثيرةً ليست على شرط الصِّحَّة، بل فيه أحاديث موضوعة، شَانَ (المستدركَ) بإخراجها فيه» .
[إطلاق طوائف اسم الثِّقة على من لم يُجرَح مع ارتفاع الجهالة عنه]:
* وقد اشتهر عند طوائفَ من المتأخِّرين:
(1)
إطلاقُ اسم الثِّقة على من لم يُجرَح، مع ارتفاع الجهالة عنه
(2)
(3)
، وهذا يُسمَّى
(4)
«مستورًا» ، ويُسمَّى «محلُّه الصِّدق» ، ويُقال فيه:«شيخ» .
[تفسير إطلاق الجهالة على الرَّاوي]:
* وقولهم: «مجهولٌ» لا يلزم منه جهالةُ عينه
(5)
، فإن جُهِل عينُه
(6)
وحالُه فأولى أن لا يحتجُّوا به.
[تقوية حال مجهول العين إذا كان المنفرد عنه من كبار الثِّقات]:
* ز: وإن كان المُنفرِد عنه من كبار الأثبات، فأقوى لحاله، ويَحتَجُّ بمثله جماعةٌ، كالنَّسائيِّ وابن حِبَّان
(7)
. •
(1)
وَصَفهم في «الاقتراح» (ص 280) بـ (بعض أرباب الحديث).
(2)
أي: جهالة العين، كما في «الاقتراح» (ص 281).
(3)
لعلَّه يُشير بذلك إلى ابن حِبَّان، فإنَّه قال مقدِّمة «الثِّقات» (1/ 13):«لأنَّ العدل من لم يُعرَف منه الجَرح، ضدُّ التَّعديل، فمن لم يُعلَم بجَرحٍ فهو عدلٌ إذا لم يَبِن ضدُّه» ، وقال المصنِّف في «الميزان» (3/ 184) في ترجمة عمارة بن حديد:«ولا يُفرَح بذكر ابن حبَّان له في الثِّقات؛ فإنَّ قاعدته معروفةٌ من الاحتجاج بمن لا يُعرف» .
(4)
«يُسمَّى» ليست في م.
(5)
فالرَّجل قد يكون مجهولًا عند أبي حاتمٍ ولو روى عنه جماعةٌ ثقات، يعني أنَّه مجهولُ الحال عنده، فلم يَحكُم بضعفه ولا بتوثيقه، قاله المصنِّف في «تاريخه» (4/ 617)، وانظر تفصيل المصنِّف في المجهولين باعتبار طبقاتهم في خاتمة «الدِّيوان» (ص 478).
(6)
«فإن جُهِل عينُه» ليست في م.
(7)
وأمَّا لو روى عنه جماعةٌ، فالجمهور على أنَّ من كان من المشايخ قد روى عنه جماعةٌ، ولم يأتِ بما يُنكَر عليه أنَّ حديثه صحيح، قاله المصنِّف في «الميزان» (4/ 6).
[مصادر معرفة الثِّقات]:
* ويَنْبوع معرفة الثِّقات: تاريخ البخاري
(1)
، وابن أبي حاتم
(2)
، ز: وابن حبَّان
(3)
، وكتابُ «تهذيب الكمال»
(4)
. •
فصل
[حال الرُّواة الذين أخرج لهم الشَّيخان أو أحدهما]:
* ز: من أخرج له الشَّيخان أو أحدهما
(5)
على قسمين
(6)
:
أحدهما: ما احتَجَّا به في الأصول.
(1)
والمراد به كتابه: «التَّاريخ الكبير» ، وهو مطبوع بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانيَّة في الهند.
(2)
والمراد به كتابه: «الجرح والتَّعديل» ، في عدَّة مجلَّدات تدلُّ على سعة حفظ الرَّجل وإمامته، قاله المصنِّف في «التَّاريخ» (7/ 533)، وقال في «التَّذكرة» (3/ 830):«يقضي له بالرُّتبة المنيفة في الحفظ» ، وهو مطبوع بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانيَّة في الهند.
(3)
والمراد به كتابه: «الثِّقات» ، وهو مطبوع بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانيَّة في الهند.
(4)
لشيخ المصنِّف الحافظ أبي الحجَّاج المزِّي، إليه المنتهى في معرفة الرِّجال وطبقاتهم، ومن نظر في كتابه «تهذيب الكمال» علم محلَّه من الحفظ، فما رأيتُ مثلَه ولا رأى هو مثل نفسه
…
وكلُّ أحدٍ يحتاج إلى «تهذيب الكمال» ، قاله المصنِّف في «المعجم المختص» (ص 299)، وهو مطبوع في دار الرِّسالة بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف.
(5)
«أو أحدهما» زيادة من «الحاوي» للسُّيوطي (2/ 113) في نقله عن المصنِّف.
(6)
لم يفصَّل في «الاقتراح» (ص 282) في هذه المسألة كما فصَّل المصنِّف، فوضعتُ علامة الزِّيادة على المسألة كلِّها؛ لعُسْر تمييز زيادات المصنِّف.
وثانيهما: من خرَّجا له متابعةً وشهادةً واعتبارًا.
فمن احتجَّا به أو أحدهما، ولم يُوثَّق ولا غُمِز؛ فهو ثقةٌ، حديثه قويٌّ.
ومن احتجَّا به أو أحدُهما
(1)
، وتُكُلِّم فيه:
- فتارةً يكون الكلامُ فيه تعنُّتًا، والجمهورُ على توثيقه؛ فهذا حديثُهُ قويٌّ أيضًا
(2)
.
- وتارةً يكون الكلامُ في تليينه وحفظه له اعتبارٌ؛ فهذا حديثُه لا يَنحطُّ عن مرتبة الحَسَن التي قد نُسمِّيها: من أدنى درجات الصَّحيح
(3)
، فما في الكتابين - بحمد الله - رجلٌ احتَجَّ به البخاريُّ ولا مسلمٌ في الأصول ورواياتُه ضعيفةٌ، بل حَسَنةٌ أو صحيحةٌ.
ومن خَرَّجَ له البخاريُّ أو مسلمٌ في الشَّواهد والمتابعات؛ ففيهم مَن في حفظه شيءٌ، وفي توثيقه تردُّدٌ
(4)
. •
(1)
«ولم يُوثَّق
…
» إلى هنا زيادةٌ من م و «الحاوي» .
(2)
«أيضًا» زيادة من م و «الحاوي» .
(3)
مثل: (مطرٍ الورَّاق)، لا ينحطُّ حديثه عن رتبة الحسن، وقد احتجَّ به مسلم. و (أبي بكرٍ النَّهْشَليِّ)، صدوقٌ، احتجَّ به مسلمٌ وغيره. قاله المصنِّف في «السِّير» (5/ 453 و 7/ 333).
(4)
ولا ينحطُّ إلى درجة الاطِّراح، ففي ترجمة ابن أبي المخارق من «الميزان» (2/ 564):«أخرج له البخاريُّ تعليقًا، ومسلمٌ متابعة، وهذا يدلُّ على أنَّه ليس بمطَّرحٍ» .
فكلُّ مَن خُرِّجَ له في الصَّحيح فقد قَفَزَ القَنْطَرة
(1)
، فلا يُعْدَلُ عنه
(2)
، إلا ببُرهانٍ بَيِّن
(3)
.
* نعم، الصَّحيحُ مراتب، والثِّقاتُ طبقات، فليس مَنْ وُثِّق مطلقًا كَمَنْ تُكُلِّمَ فيه، وليس مَن تُكُلِّم في سوءِ حفظه مع صدقه
(4)
واجتهاده في الطَّلَب كمن ضعَّفوه، ولا من ضعَّفوه ورَوَوْا له كمن تركوه، ولا من تركوه كمن اتَّهموه وكذَّبوه، فالتَّرجيحُ يَدخُلُ عند تعارُضِ الرِّوايات.
* ز: وحَصْرُ الثِّقاتِ في مصنَّفٍ كالمتعذِّر، وضبطُ عدد المجهولين مستحيل.
* فأمَّا من ضُعِّف أو قيل فيه أدنى شيء، فهذا قد ألَّفتُ فيه
(1)
نَقَل في «الاقتراح» (ص 283) عن الحافظ أبي الحسن المقدسي أنَّه كان يقول في الرَّجل الذي يُخرَّج عنه في الصَّحيح: «هذا جاز القنطرة» ، وقال:«يعني بذلك أنَّه لا يُلتفَت إلى ما قيل فيه، وهكذا نعتقد وبه نقول» .
(2)
في م و «الحاوي» : «فلا مَعْدِل له» .
(3)
قال الزَّركشيُّ في «النُّكت على مقدِّمة ابن الصَّلاح» (3/ 919): «وها هنا فائدةٌ جليلة، وهو ما جرت به عادة كثيرٍ من المتأخِّرين في الرَّجل إذا روى له البخاريُّ ومسلمٌ وقد تُكُلِّم فيه؛ أن يعتمدوه، ويقولوا: قد جاز القنطرة
…
وجرى على ذلك الحافظ أبو الحجَّاج المزِّي والذَّهبيُّ وغيرهم ممَّا يظهر من تصرُّفهم».
(4)
«مع صدقه» زيادة من م.
مختصرًا سمَّيتُه بـ «المغني»
(1)
، وبسطتُ فيه مؤلَّفًا سمَّيتُه بـ «الميزان»
(2)
. •
فصل
[الثِّقات الذين لم يُخرَّج لهم في الصَّحيحين]:
* ز: ومن الثِّقات الذين لم يُخرَّج لهم في الصَّحيحين خلقٌ، منهم: من صحَّح لهم التِّرمذيُّ وابنُ خزيمة، ثمَّ من روى لهم النَّسائيُّ وابنُ حِبَّان وغيرُهما، ممَّن
(3)
لم يضعِّفهم أحدٌ، واحتجَّ هؤلاء المصنِّفون برواياتهم
(4)
.
* وقد قيل في بعضهم: «فلانٌ ثقة» ، «فلانٌ صدوق» ، «فلانٌ لا بأس به» ، «فلانٌ ليس به بأس» ، «فلانٌ محلُّه الصِّدق» ، «فلانٌ شيخ» ، «فلانٌ مستور» ، «فلانٌ روى عنه شعبة أو مالكٌ أو يحيى بن سعيد»
(5)
(6)
، وأمثالُ ذلك، كـ:«فلانٌ حسَنُ الحديث» ، «فلانٌ صالح الحديث» ، «فلان صدوقٌ إن شاء الله» .
(1)
واسمه تامًّا: «المغني في الضُّعفاء» ، قال السُّيوطيُّ في «ذيل الطَّبقات» (5/ 348):«مختصرٌ نفيس» ، وهو مطبوعٌ بتحقيق الدكتور نور الدين عتر.
(2)
واسمه تامًّا: «ميزان الاعتدال في نقد الرِّجال» ، وهو من أجلِّ الكتب، قاله ابن السُّبكي في «الطَّبقات الكبرى» (9/ 104)، طُبِع مرارًا.
(3)
في الأصل: «ثمَّ لم يضعِّفهم» .
(4)
«برواياتهم» ليست في م.
(5)
«بن سعيد» زيادة من م.
(6)
أي: ونحوهم ممَّن شُهِر بالتَّثبُّت فيمن يروي عنهم، أو كان لا يروي إلَّا عن الثِّقات.
فهذه العبارات كلُّها جيِّدة، ليست مضعِّفةً لحال الشَّيخ، نعم ولا مُرَقِّيةً لحديثه إلى درجة الصِّحَّة
(1)
الكاملة المتَّفق عليها، لكن كثيرٌ ممَّن ذكرنا متجاذَبٌ بين الاحتجاج به
(2)
وعدمه.
وقد قيل في جماعاتٍ: «ليس بالقوي» واحتُجَّ به، وهذا النَّسائيُّ قد قال في عِدَّة
(3)
: «ليس بالقوي» ، ويُخرِّج
(4)
لهم في كتابه، فإنَّ قولنا
(5)
: «ليس بالقوي» ليس بجَرْحٍ مُفسِد
(6)
. •
* * * * *
(1)
المثبت من م، وفي الأصل:«الصَّالحة» .
(2)
«به» ليست في م.
(3)
في م: «جماعة» .
(4)
في م: «واحتجَّ» .
(5)
المثبت من م، وفي الأصل: «قال: قولنا
…
»، وهو يفيد أنَّ المقول من كلام النَّسائي، والأظهر أنَّ هذا خطأٌ من النَّاسخ؛ لأنَّني لم أقف - بعد تتبُّعٍ - على من نَسَب هذا القول للنَّسائي، وهو ممَّا يُحرَص على نقله.
(6)
م: «مفسَّر» .
القسم الخامس
في معرفة الضُّعفاء
[أمور ينبغي مراعاتها في الكلام في الرُّواة]:
[(1) الورع التَّام والخبرة بالحديث وعلله ورجاله]:
* والكلام في الرُّواة يحتاج إلى وَرَعٍ تامٍّ، وبراءةٍ من الهوى والمَيْل، وخِبرةٍ كاملةٍ بالحديث وعلله ورجاله.
[(2) تحرير عبارات الجرح والتَّعديل]:
* ز: ثمَّ نحن نفتقر إلى تحرير
(1)
عبارات التَّعديل والجَرح، وما بين ذلك من العبارات المتجاذَبة.
* ثمَّ أهمُّ من ذلك أن نعلم بالاستقراء التَّامِّ: عُرْفَ ذلك الإمام الجِهْبِذ، واصطلاحَه، ومقاصدَه بعباراته.
فكثيرًا ما يقول البخاريُّ
(2)
: «سكتوا عنه» ، وظاهرها أنَّهم ما تعرَّضوا له بجرحٍ ولا تعديل، وعلمنا معتقده
(3)
بها بالاستقراء
(4)
: أنَّها بمعنى «تركوه» .
وكذا عادته إذا قال: «فيه نظر» ، بمعنى
(5)
أنَّه متَّهم أو ليس بثقة، فهو عنده أسوأ حالًا من الضَّعيف
(6)
.
(1)
«تحرير» ليست في م.
(2)
المثبت من م، وفي الأصل:«بعباراته الكثير أما يقول البخاري» .
(3)
كذا في الأصل، ولم تتَّضح في م بسبب وقوع خُرْم، ولعلَّها:«مقصده» .
(4)
وصف ابنُ حجرٍ في «النُّزهة» (ص 138) المصنِّفَ بأنَّه من أهل الاستقراء التَّام في علم الرِّجال.
(5)
في م: «تعيَّن» .
(6)
قال الحافظان المزيُّ والذَّهبيُّ: «هو نظير قولنا: متروكٌ أو مطروح» ، نقله الزَّركشيُّ في «النُّكت على مقدِّمة ابن الصَّلاح» (1/ 1018).
وبالاستقراء إذا قال أبو حاتمٍ: «ليس بالقويِّ» يريد بها أنَّ هذا الشَّيخ لم يبلغ درجة القويَّ الثَّبت.
والبخاريُّ قد يُطلِق على الشَّيخ: «ليس بالقوي» ويريد أنَّه ضعيف.
[(3) النَّظر في حال الجارح من حيث الحِدَّة أو التَّساهل أو الاعتدال]:
* ومن ثَمَّ قيل في حكَّام
(1)
الجرح والتَّعديل: فيهم
(2)
من نَفَسُه حادٌّ في الجَرح
(3)
، وفيهم من هو معتدل، وفيهم من هو متساهل.
فالحادُّ فيهم: يحيى بن سعيد، وابنُ معين، وأبو حاتمٍ، وابن خِراشٍ، وغيرُهم
(4)
.
والمعتدل فيهم: أحمد بن حنبلٍ، والبخاريُّ، وأبو زُرْعة
(5)
.
(1)
في الأصل: «حكاية» ، والمثبت من م و «الشَّرح المطوَّل للعقود» (ص 245)، وهو المناسب للسِّياق، وسيأتي استعمال المصنِّف هذا اللَّفظ في قوله: «
…
وحكَّام القسط»، وقوله:«والحاكم منهم يتكلَّم بحسب اجتهاده» .
(2)
في الأصل: «فمنهم» ، والمثبت من م و «الشَّرح المطوَّل للعقود» (ص 245).
(3)
متعنِّتٌ في التَّوثيق، متثبِّتٌ في الجَرْح، يغمز الرَّاوي بالغلطتين والثَّلاث، ويُليِّن بذلك حديثَه، فهذا إذا وثَّق شخصًا، فعَضَّ على قوله بناجذَيك، وتمسَّك بتوثيقه، وإذا ضعَّف رجلًا فانظر هل وافقه غيرُه على تضعيفه؟ فإن وافقه ولم يُوثِّق ذاك أحدٌ من الحذَّاق؛ فهو ضعيف، وإن وثَّقه أحدٌ فهذا الذي قالوا فيه: لا يُقبَل تجريحُه إلَّا مفسَّرًا، قاله المصنِّف في جزء «ذكر من يُعتمد عليه في الجرح والتَّعديل» (ص 172).
(4)
كالنَّسائيِّ والجوزجاني والأزْدي، كما في جزء «ذكر من يُعتمَد عليه في الجرح والتَّعديل» (ص 172)، و «الميزان» (1/ 400 و 1/ 95).
(5)
وابن عدي، كما في جزء «ذكر من يُعتمَد عليه في الجرح والتَّعديل» (ص 172).
والمتساهل كالتِّرمذيِّ، والحاكم، والدَّارقطنيِّ في بعض الأوقات
(1)
.
[(4) النَّظر في حال المجروح مع الجارح]:
* وقد يكون نَفَسُ الإمام فيما وافق مذهبَه أو في حال شيخه ألطفَ منه فيما كان بخلاف ذلك، والعصمة للأنبياء والصِّدِّيقين وحكَّام القِسْط
(2)
.
ولكنْ هذا الدِّينُ مؤيَّدٌ محفوظٌ من الله تعالى، لم يُجمِع علماؤه على ضلالة، لا عمدًا ولا خطأ، فلا يجتمع اثنان على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة
(3)
، وإنَّما يقع اختلاف عباراتهم
(4)
في مراتب القوَّة أو مراتب الضَّعف.
(1)
وابن حبَّان والبيهقي، كما في جزء «ذكر من يُعتمَد عليه في الجرح والتَّعديل» (ص 172)، و «الميزان» (3/ 184).
(2)
إثبات العصمة للصِّدِّيقين وحكَّام القسط يخالفُه قول المصنِّف نفسِه في «السِّير» (7/ 40): «لسنا ندَّعي في أئمَّة الجرح والتَّعديل العصمةَ من الغلط النَّادر، ولا من الكلام بنَفَسٍ حادٍّ فيمن بينهم وبينه شحناء وإحنة» ، وقال في «الميزان» (1/ 47):«فإنَّا لا ندَّعي العصمة من السَّهو والخطأ في الاجتهاد في غير الأنبياء» .
(3)
أي: لم يجمع العلماء على توثيق ضعيف، ولا تضعيف ثقة، فهو كقولهم: هذا لا يختلف فيه اثنان، ويؤيِّد ذلك قولُ المصنِّف في سباق هذه الجملة:«لم يجمع علماؤه على ضلالة» ، وقوله في «السِّير» (11/ 82):«وإذا اتَّفقوا على تعديلٍ أو جرحٍ؛ فتمسَّك به، واعْضَضْ عليه بناجذَيك، ولا تتجاوزه فتندم، ومن شذَّ منهم فلا عِبْرةَ به» ، وانظر: حاشية «الرَّفع والتَّكميل» (ص 286).
(4)
في الأصل: «اختلافهم» ، والمثبت من م، وهو موافقٌ لما نقله الكمال الشُّمُنِّي عن المصنِّف في «نتيجة النَّظر» (ص 256).
والحاكم
(1)
منهم يتكلَّم بحسب اجتهاده وقوَّة معارفه، فإن بَدَر
(2)
خطؤه في نقده
(3)
فله أجرٌ واحدٌ
(4)
، والله الموفِّق.
[حكم رواية المبتدع]:
* وهذا فيما إذا تكلَّموا في نقد شيخٍ ووزنه
(5)
في حفظه وغلطه، فإن كان كلامهم فيه من جهة معتقده، فهو على مراتب
(6)
:
فمنهم: من بدعته غليظة
(7)
، ومنهم: من بدعته دون ذلك
(8)
.
ومنهم: الدَّاعي إلى بدعته، ومنهم: الكافُّ، وما بين ذلك.
فمتى جمع الغِلَظَ والدَّعوة؛ تُجُنِّب الأخذُ عنه.
ومتى جمع الخِفَّة والكَفَّ؛ أخذوا عنه وقَبِلوه.
فالغِلَظ: كغلاة الخوارج والجهميَّة والرَّافضة.
(1)
وقع في «نتيحة النَّظر» (ص 256) نقلًا عن المصنِّف: «والواحد» .
(2)
أي: ظَهَر، والبادرة: الخطأ، كما في «المصباح» (ب د ر).
(3)
في م: «نقد» .
(4)
يُشير إلى حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعًا: «إذا حكم الحاكم، فاجتهد، ثمَّ أصاب؛ فله أجران، وإذا حكم، فاجتهد، ثمَّ أخطأ؛ فله أجرٌ» رواه البخاري (7352) ومسلم (1716).
(5)
أي: درجته، وهذا التَّعبير مستعملٌ عند المصنِّف في مواضع، كما في «التَّذكرة» (1/ 129)(1/ 181)، و «السِّير» (6/ 257)(7/ 95).
(6)
في م: «فهو مراتب» .
(7)
وهي البدعة الكبرى، كما في «الميزان» (1/ 49).
(8)
وهي البدعة الصُّغرى، كما في «الميزان» (1/ 49).
والخِفَّة: كالتَّشيُّع والإرجاء
(1)
.
وأمَّا من استحلَّ الكذب نصْرًا لرأيه - كالخطَّابيَّة
(2)
- فبالأولى ردُّ حديثه. •
[آفات تدخل على المتكلِّمين في الجرح]:
[(1) اختلاف العقائد]:
* قال شيخنا ابنُ وَهْبٍ:
«العقائد أوجبت تكفيرَ البعض للبعض
(3)
، أو التَّبديع، وأوجبت العصبيَّة، ونشأ من ذلك الطَّعنُ بالتَّكفير والتَّبديع.
وهو كثيرٌ في الطَّبقة المتوسِّطة من المتقدِّمين.
والذي تقرَّر عندنا: أنَّه لا تُعتبر المذاهب في الرِّواية، ولا نُكفِّر أحدًا من أهل القبلة
(4)
، إلَّا بإنكار متواترٍ من الشَّريعة، فإذا اعتقدنا ذلك، وانضمَّ إليه الورعُ والضَّبطُ والتَّقوى؛ فقد حصل
(1)
وجميع تصرُّفات أئمَّة الحديث تُؤْذِن بأنَّ المبتدع إذا لم تُبِح بدعتُه خروجَه من دائرة الإسلام، ولم تُبِح دمه؛ فإنَّ قبول ما رواه سائغ، وهذه المسألة لم تتبرهن لي كما ينبغي، والذي اتَّضح لي منها أنَّ من دخل في بدعة، ولم يُعدَّ من رؤوسها، ولا أمعن فيها؛ يُقبَل حديثُه، قاله المصنِّف في «السِّير» (7/ 154).
(2)
وهي فرقةٌ من الرَّوافض، منسوبةٌ إلى أبي الخطَّاب محمَّد بن أبي الأجْدَع الأسَدي، عُرِفوا باستحلال الكذب، بل سائر المحَّرمات، والتَّديُّنِ بشهادة الزُّور لموافقيهم. انظر:«مقالات الإسلاميِّين» للأشعري (1/ 76)، و «فِرَق الشِّيعة» للنَّوْبَختي (ص 52).
(3)
«للبعض» ليست في م.
(4)
المثبت من م وهو الموافق لـ «الاقتراح» (292)، وفي الأصل:«ولا تكفير أهل القبلة» .
معتمَد الرِّواية، وهذا مذهب الشَّافعيِّ رضي الله عنه، حيث يقول:(أقبلُ شهادة أهل الأهواء إلَّا الخطَّابيَّة من الرَّوافض)
(1)
»
(2)
.
* قال شيخنا: «وهل تُقبَل رواية المبتدع فيما يُؤيِّد به مذهبه؟ فمن رأى ردَّ الشَّهادة بالتُّهَمة لم يقبل.
* ومن كان داعيةً متجاهرًا ببدعته؛ فليُتْرَك إهانةً له وإخمادًا لمذهبه، اللهمَّ إلَّا أن يكون عنده أثرٌ تفرَّد به، فنُقدِّم سماعَه منه.
وينبغي أن نتفقَّد حالَ الجارح مع من تَكلَّم فيه باعتبار الأهواء، فإن لاحَ لك انحرافُ الجارح، ووجدتَ توثيقَ المجروح من جهةٍ أخرى؛ فلا تحفِلْ بالمُنحرِف
(3)
وبغمزه المبهم
(4)
، وإن لم تجد توثيق المغموز فتأنَّ وترفَّق»
(5)
.
[(2) الاختلاف بين المتصوِّفة وأهل العلم الظَّاهر]:
* قال شيخُنا ابنُ وَهْبٍ رحمه الله:
(ومن ذلك
(6)
: الاختلافُ الواقع بين المتصوِّفة وأهل العلم الظَّاهر
(7)
، فقد وقع بينهم تنافرٌ أوجب كلام بعضهم في بعض.
(1)
حكاه عنه بمعناه: الخطيبُ في «الكفاية» (1/ 303).
(2)
الاقتراح (ص 291).
(3)
أي: لا تُبالِه ولا تهتمَّ به، كما في «المصباح» (ح ف ل).
(4)
في م: «المتَّهم» ، والمثبت موافقٌ لـ «الاقتراح» .
(5)
الاقتراح (ص 293).
(6)
أي: الآفات الدَّاخلة على المتكلِّمين في الجَرح.
(7)
عبَّر ابنُ السُّبكيِّ في نقله كلام ابن دقيق العيد في «طبقاته» (2/ 19) عن أهل العلم الظَّاهر بـ (أصحاب الحديث)، وقال:«وهذا في الحقيقة داخلٌ في قسم مخالفة العقائد، وإن عدَّه ابنُ دقيق العيد غيرَه» ، وما ذهبت إليه الصُّوفية من تقسيم العلم إلى حقيقة وهو العلم الباطن، وإلى شريعة وهو العلم الظَّاهر؛ باطلٌ لا أصل له.
وهذه غَمْرةٌ
(1)
لا يَخلُص منها إلَّا العالمُ الوافي بشواهد الشَّريعة، ولا أحصر ذلك في العلم بالفروع، فإنَّ كثيرًا من أحوال المحقِّقين من الصُّوفيَّة
(2)
لا يفي بتمييز حقِّه من باطِلِه علمُ الفروع، بل لا بدَّ معه
(3)
من معرفة القواعد الأصوليَّة، والتَّمييز بين الواجب والجائز، والمستحيل عقلًا والمستحيل عادة.
وهو مقامٌ خَطِر؛ إذ القادح في مُحِقِّ
(4)
الصُّوفيَّة داخلٌ في حديث: «من عادى لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة»
(5)
، والتَّارك لإنكار الباطل ممَّا سمعه من بعضهم تاركٌ للأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
[(3) الجهل بمراتب العلوم]:
* ومن ذلك: الكلامُ بسبب الجهل بمراتب العلوم، فيُحتاج إليه في المتأخِّرين أكثر
(6)
، فقد انتشرت علومٌ للأوائل، وفيها حقٌّ
(1)
غَمْرة الشَّيء: شِدَّتُه ومُنْهَمَكُه «تاج العروس» (غ م ر).
(2)
في م: «فإنَّ كثيرًا من الصُّوفيَّة» .
(3)
«معه» زيادة من «م» ، وفي «الاقتراح»:«مع ذلك» .
(4)
في م: «محقِّق» .
(5)
أخرجه ابن ماجه (3989) من حديث معاذ رضي الله عنه بلفظ: «وإنَّ من عادى لله وليًّا؛ فقد بارز الله بالمحاربة» ، وأصله عند البخاريِّ (6502) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ:«فقد آذنتُه بالحرب» ، وانظر:«جامع العلوم والحكم» (2/ 330).
(6)
والمتقدِّمون قد استراحوا من هذا الوجه؛ لعدم شيوع هذه الأمور في زمانهم «الاقتراح» (ص 300).
كالحساب والهندسة والطِّب، وباطلٌ كالقول في الطَّبيعيَّات وكثيرٍ من الإلهيَّات وأحكام
(1)
النُّجوم.
فيحتاج القادح أن يكون مميِّزًا بين الحقِّ والباطل، لئلا
(2)
يُكفِّر من ليس بكافر أو يقبل رواية الكافر.
[(4) عدم الورع والأخذ بالتَّوهُّم]:
* ومنه: الخللُ الواقع بسبب عدم الوَرَع والأخذِ بالتَّوهُّم والقرائن التي قد تتخلَّف، قال صلى الله عليه وسلم:«الظَّنُّ أكذب الحديث»
(3)
، فلا بدَّ من العلم والتَّقوى في الجَرح، فلصعوبة اجتماع هذه الشَّرائط في المُزكِّين؛ عَظُم خطرُ الجرح والتَّعديل)
(4)
.
(1)
في م: «كأحكام» ، والمثبت موافق لـ «الاقتراح» (ص 299).
(2)
المثبت من م، وهو الموافق لـ «الاقتراح» ، وفي الأصل:«فلا» .
(3)
رواه البخاريُّ (5143) ومسلم (2563).
(4)
الاقتراح (ص 297).
القسم السَّادس
في المؤتلف والمختلف
* المُؤْتلِف والمُخْتلِف
(1)
(2)
:
* ز: فنٌّ واسعٌ مهمٌّ، وأهمُّه ما تكرَّر وكَثُر.
وقد يندُر
(3)
(4)
، كـ (أَجْمَدَ بن عُجْيَان)
(5)
، و (آبي اللَّحْم)
(6)
، و (ابن أَتَشٍ الصَّنعاني)
(7)
، و (محمَّد بن عَبَادة الواسِطيِّ العِجْليِّ)
(8)
، و (محمَّدِ بن حُبَّان الباهِليِّ)
(9)
، و (شُعَيث بن مُحْرِز)
(10)
(11)
، والله أعلم
(12)
. •
تمَّت المُوْقِظة
(1)
في الأصل: «المختلف والمؤتلف» ، والمثبت من م، وهو الموافق لـ «الاقتراح» (ص 273).
(2)
وهو أن يشترك اسمان في صورة الخطِّ، ويختلفا في النُّطق. «الاقتراح» (ص 273).
(3)
في م: «وأهمُّه ما يتكرَّر» وليس فيه: «وكثر، وقد يندر» .
(4)
والنَّادر: هو ما قلَّت فيه المخالفة من أحد الطَّرفين، حتَّى إنَّ بعضه لا يختلف فيه إلَّا بالنِّسبة إلى رجلِ واحدٍ «الاقتراح» (ص 304).
(5)
في «المشتبه» للمصنِّف (ص 3): «(أحمد) الجادَّة، وبالجيم: (أَجْمَد بن عُجْيان)» .
(6)
في «المشتبه» (ص 10): «(أُبَي): واضحٌ، وبمدٍّ وكسرٍ: (آبي اللَّحم) صحابيٌ» .
(7)
في «المشتبه» (ص 34): «(أَنَس) ظاهرٌ، و (محمَّد بن الحسن بن أَتَشٍ الصَّنعاني) فردٌ معاصرٌ لعبد الرزَّاق» .
(8)
في «المشتبه» (ص 430): «(عُبَادة) عدَّة، وبالفتح:
…
و (محمَّد بن عَبَادة الواسطيُّ) شيخٌ للبخاري».
(9)
في «المشتبه» (ص 131): «وبالكسر وبموحَّدة (حِبَّان) واسعٌ،
…
و (محمَّد بن حُبَّان)، وهو بالضمِّ، ويروي عنه الطَّبرانيُّ والجِعابيُّ، وهو باهليُّ معمَّرٌ».
(10)
في الأصل: «محرر» بالرَّاء، وهو تصحيف.
(11)
في «المشتبه» (ص 397): «(شُعَيب) كثير، وبمثلَّثة: (شُعَيث بن مُحْرِز)» .
(12)
في آخر الأصل: «تمَّت المقدِّمة الموقظة، علَّقها لنفسه الفقير: إبراهيمُ بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عمرَ بن حسن الرُّبَاط الرَّوحائي، في اللَّيلة التي يُسفِر صباحُها عن الخميس، خامسَ عشرِ ربيعٍ الأوَّل، سنةَ اثنتين وثلاثين وثمان مئة، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّدٍ خاتم النَّبيِّين، وعلى آله وصحبه أجمعين».