الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين يدي الكتاب
الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيّدنا ونبيّنا محمد بن عبدالله، خير خلقه أجمعين، وعلى آله، وصحابته، الطيّبين الطاهرين، أما بعد:
فإن شرح صحيح مسلم، المعروف بـ «المِنْهَاج بشرْح صحيْح مُسلم ابن الحَجَّاج» ، لشيخ الإسلام أبي زكريا يحيى بن شَرَف النَّووي الشافعي (631 ـ 676 هـ) رحمه الله
(1)
، هو من أجلّ وأرفع شروح صحيح الإمام مسلم، إن لم يكن أجلُّها وأرفعُها على الإطلاق.
(1)
ترجم للنووي كل من الف في تراجم الأعلام والتاريخ، كالذهبي في «تاريخ الإسلام» (15/ 324)، وابن كثير في «طبقات الشافعيين» (1/ 911)، وابن السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 395)، وابن قاضي شهبة في «طبقات الشافعية» (2/ 153)، والسيوطي في «طبقات الحفاظ» (1/ 513)، وابن العماد في «شذرات الذهب» (1/ 55)، والزركلي في «الأعلام» (8/ 149).
كما أفرد ترجمته في كتاب مستقل غير واحد من الأئمة منهم: تلميذه أبو الحسن ابن العطار في كتابه: «تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محي الدين» ، والسخاوي في:«المنهل العذب الرويّ في ترجمة قطب الأولياء النووي» ، وجلال الدين السيوطي في كتابه:«المنهاج السويّ في ترجمة الإمام النووي» ، وكلها مطبوعة متداولة.
وقد تميّز شرحه هذا بمزايا كثيرة جداً، وأثنى عليه الأئمة، ووصفوه بالاستيفاء وعِظَم البَرَكة
(1)
، وغدا مرجعاً مهماً في بابه، وقلَّ مكتبة شرعية، ليس فيها نسخة منه، بل قلَّ شرح من شروح كتب السنّة، إلا وقد نقل عنه مراراً، واستشهد بكلامه، أو اعترض عليه أحياناً.
كل هذا مما يدلّ على جليل قدر هذا الكتاب، ورفيع منزلته، ووضع القبول له ـ إن شاء الله ـ في الأرض.
ومن عظيم مِنَن الله عليّ أن أكرمني بصحبة هذا الكتاب زمناً طويلاً، حتى إني طالعته كاملاً مراراً، وأفدتُ منه فوائد غزاراً.
وكنتُ أثناء مطالعتي للكتاب ربما وقفتُ على مواضع منه رأيتها محلّ نقد قويّ، أو اعتراض جليّ على المؤلف رحمه الله، فكنت أقيّد هذه المواضع للمراجعة، حتى اجتمع لديّ منها الشيء الكثير.
*
مجمل الاعتراضات على شرح النووي:
وهذه الاعتراضات يمكن إجمالها في التالي:
فأحياناً يعزو النووي رحمه الله روايات للصحيح ليست فيه.
وأحياناً ينفي روايات عن الصحيح وهي فيه.
(1)
وصفه بهذا الحافظ السخاوي في كتابه «المنهل العذب الروي» (ص: 19) فقال: «وهو كتاب عظيم البركة» كما وصفه العلامة ابن خلدون في «مقدمته» (ص: 352) بقوله «جاء شرحاً وافياً» . وينظر: «طبقات الحفاظ» للسيوطي (1/ 513)، و «الحطة» للقنوجي (ص: 364).
وأحياناً ينسب أقوالًا لأئمة لا تصحّ عنهم.
أو ينفي أقوالاً لأئمة وهي ثابتة عنهم.
أو يَهِم في تواريخ بعض الوفِيّات.
أو يصحح روايات ضعيفة.
أو يضعف روايات صحيحة.
أو يذكر اجتهادات لا أصل لها.
أو يذكر كلاماً موهماً يفيد معنى غير مقصود.
أو يستدل لمسألة بدليل ويغفل دليلاً أقوى منه.
أو يُجحف في بعض الأحاديث فلا يعطها حقّها من الشرح والإيضاح.
أو يضيّق في تفسير بعض الأحاديث، فيقصُرها على معنى واحد، مع أن ظاهرها محتملٌ لمعان أخرى قوية، وربما كانت جميعها داخلة ومشمولة في مراد النص.
أو يحكم ببطلان بعض الشروح والتفسيرات مع أن لها وجهاً قوياً من النظر.
وأحياناً قد يحكي الإجماع في مسائل اشتهر فيها الخلاف، سواء في فروع الفقه، أو في جرح بعض الرواة وتعديلهم، أو تضعيف وتصحيح بعض الأحاديث، فيحكي الاتفاق مع ثبوت الخلاف واشتهاره، الأمر الذي حمل غير واحد من الأئمة إلى نقد صنيعه، ووصفه بالتساهل، كالحافظ ابن
عبدالهادي الحنبلي
(1)
والعلامة القِنَّوجي
(2)
، ووصفه الحافظُ ابن حجر مرَّة بالمبالغة، فقال:«بالغ كعادته»
(3)
.
وستمر بك شواهد وأمثلة عديدة على ذلك أثناء البحث.
هذا وقد رأيتُ الآن ـ بعد أن استخرتُ الله ئى ـ جمع هذه المواضع، وإفرادها في كتاب مستقل، متبعاً فيه النهج التالي:
*
منهجي في الكتاب:
1 ـ اقتصرتُ على نقد أوهام النووي الجليّة، وما قد يقع له من سهو أو خطأ أو تقصير مما أشرت إليه آنفاً.
2 ـ لم أتعقب النووي في مسائل الفروع الاجتهادية الخلافية، لأن الأمر فيها واسع، والكلام حولها يطول، وكثيرٌ منها قد أشبع بحثاً وتأليفاً ودراسة.
3 ـ لم أتعقب النووي فيما جانب فيه الصواب من مسائل الاعتقاد، فقد أفرد هذا بعض فضلاء المعاصرين بكتاب مستقل
(4)
، فلم أر داعٍ لتكرار الكلام.
4 -
أذكر في البدء كلام النووي بنصه، ثم أذكر محل الانتقاد عليه، وإيضاح سببه، معتنياً بنقد الأئمة له وتعقبهم عليه إن وجدت شيئاً من ذلك.
(1)
«حاشية ابن عبد الهادي على كتاب الإمام» لابن دقيق العيد (1/ 70).
(2)
«السراج الوهاج» (1/ 9).
(3)
«التلخيص الحبير» لابن حجر (1/ 488).
(4)
ستأتي الإشارة إلى ذلك عند الكلام على الدراسات السابقة.
5 ـ احرص على الاختصار قدر الإمكان، والاقتصار على مواضع النقد وبيان الوهم، دون الدخول في تفاصيل المسائل، أو مناقشة الأدلة، فهذا ليس من مهام البحث، إلا بالقدر الذي يخدم موضع النقد فحسب.
6 ـ رتبت المسائل المنتقَدة حسب ترتيب ورودها في الكتاب، مقسّمة على ترتيب كتب صحيح مسلم، موثقاً كلام النووي ببيان رقم الجزء ورقم الصفحة من شرحه على صحيح مسلم.
وكنت أودّ لو أنني رتبت المسائل بحسب موضوعاتها، فأذكر أوهام النووي في التخريج على حدة، وأوهامه في حكاية الإجماع على حدة، وأوهامه في التواريخ على حدة
…
وهكذا، كما فعل الحافظ ابن القطان الفاسي في نقده لكتاب الأحكام الوسطى لعبد الحق الإشبيلي، ثم رأيت الاكتفاء بترتيب المسائل حسب ورودها في الكتاب، ولكل من الطريقتين مزية لا توجد في الأخرى، والأمر في هذا واسع.
*
الدراسات السابقة:
هناك كتب ثلاثة سبقتني في نقد شرح النووي على صحيح مسلم، وهي:
1 ـ «جزء فيه استدراكات على شرح النووي لصحيح مسلم» ، للإمام محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي (ت: 744 هـ)، التقطه الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ) من منتقى، كان قد جمعه ابن عبد الهادي من شرح النووي لصحيح مسلم.
وقد نشر هذا الجزء في (14 صفحة) الباحث مصطفى بن بلْقاسم بلْحاج، ضمن دوريَّة عالم المخطوطات والنوادر
(1)
.
وقد تميَّز هذا الجزء بتنوع مسائله، ودقَّة ملحوظاته، فصاحبه ابن عبد الهادي عالمٌ كبيرٌ، وإمامٌ جليلٌ من أئمة الحديث والفقه، إلا أنه جزء صغير جداً، أشبه ما يكون بالإشارات ورؤوس الأقلام، وكثيراً ما يكتفي ابن عبد الهادي بالإشارة إلى كلام النووي، ثم يعقِّب عليه بقوله:«فيه نظر» أو نحوها من العبارات المختصرة، دون إبداء أي تفصيل أو إيضاح.
وقد أفدتُ من هذا الجزء في مواضع يسيرة جداً، لا تتجاوز ستة تعقبات وهي:
1 ـ تعقُّبه النووي في تاريخ وفاة سفيان بن عيينة.
2 ـ تعقُّبه في وهمه في أحد الرواة؟
3 ـ تعقُّبه في حكاية اتفاق السَّلَف على صحة الصلاة في الدار المغصوبة.
4 ـ تعقُّبه في نسبة عدم نقض الوضوء من أكل لحوم الإبل إلى الخلفاء الأربعة.
5 ـ تعقُّبه في حكايته الاتفاق على تضعيف حديث من غَسَّل واغتسل.
6 ـ تعقُّبه في قوله ببقاء الخَضِر عليه السلام حيّاً حتى اليوم.
وأما بقيَّة اعتراضات ابن عبد الهادي فقد تركتها، لأن معظمها إما مسائل اجتهادية خالف فيها ابن عبد الهادي النووي، أو اعتراضات في قضايا لغوية
(1)
العدد الثاني، رجب، ذي الحجة 1433 هـ.
ونحوية، أو الكلام على بعض الرواة جرحاً وتعديلاً، أو تعقبات في ضبط بعض الألفاظ والأسماء.
وجلّ هذه الاعتراضات مما لا يتفق مع منهج بحثي الذي قصرته على القصور والأوهام المحضة فحسب.
2 ـ «نكت شرح مسلم للنووي» ، لمؤلفه الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني.
هذا الكتاب وصفه الحافظ السخاوي بقوله: «لم يكمل، رأيت منه كرّاسة من الكلام على المقدمة، وأخرى من الكلام على غيرها»
(1)
.
والكتاب لم يصلنا منه شيء حسب علمي، ولم ينقل عنه أحد، فلا تعرف طبيعته على وجه الدِّقة.
وهو من تأليف الشيخ مشهور حسن آل سلمان، (معاصر)، بيد أن مؤلفه خصصه لنقد النووي في بعض مسائل الاعتقاد، ولم يتعرض لغير ذلك، وقد استثنيت في بحثي هذه المسائل حتى لا يتكرر الكلام.
وفي الختام أود الإشارة إلى أمر أحسبه بديهي، لكن لا بأس من التنبيه عليه ولو بإيجاز، وهو أن كشف أوهام النووي رحمه الله ونقدها، إنما مقصوده خدمة كتابه هذا، والارتقاء به نحو الأفضل، وليس المقصود انتقاصه، أو
(1)
الغض منه، أو تتبع زلاته، حاشا لله، فهذا مما لم يخطر على البال لأمور أربعة:
الأمر الأول: أن مؤلف الكتاب النووي إمام كبير وعالم جليل، لكنه ليس بمعصوم في كل ما يقول ويكتب، وكما قيل:«أبى الله أن يصحّ إلّا كتابه» .
الأمر الثاني: أن الكتاب واسع جدا
(1)
، وهو يعد معْلمة إسلامية، أو مدوَّنة كبرى في علوم الشريعة، فكونه وهم أو أخطأ في عشر مسائل أو مائة، فهذا مما لا يعدّ شيئاً، مقابل آلاف المسائل والتحقيقات التي أفادها وأصاب فيها.
الأمر الثالث: أن النووي نفسه قد مارس النقد والاستدراك على غيره، وتعقَّب كثيراً من العلماء والأئمة والشراح الذين سبقوه، ونبّه على أوهامهم، وصوَّب أخطاءهم، واستدرك عليهم. وفي شرحه هذا مئات الشواهد والأمثلة على ذلك.
الأمر الرابع: أنني لم أنفرد بهذا العمل النقدي، فقد سبقني له كثيرٌ من الأئمة من الذين انتقدوا النووي، أو اعترضوا على بعض كلامه، كما سوف تراه في البحث إن شاء الله تعالى.
ولعل بعض القراء قد يضيقون صدراً بكتب الردود والتعقبات، ويحسبونها من فضول العلم وتضييع الأوقات!! وهذا خطأ جسيم، واعتقاد
(1)
طبع «شرح النووي على صحيح مسلم» في تسع مجلدات كبار، في كل مجلد جزءان.
عقيم، فإن من عظيم ألطاف الله بهذه الأمّة أن علماءها يردّ بعضهم على بعض، ولا يسكت بعضهم عن أغلاط بعض، حتى وإن كان المردود عليه من أهل الفضل والصلاح. وبهذه المزيّة حفظ الله ئى شريعته، وصانها من كل تغيير أو تبديل قد يعتريها أو يطرأ عليها.
لكن شرط هذا كله أن يكون الردّ والتعقب في حدود البحث العلمي، مع رعاية أدب الخطاب، وألا يكون الغرض منه تتبع الزلات، وإفحام الخصوم، وإسكات المخالفين!!
*
عنوان البحث ومعناه:
هذا وقد رأيتُ تسمية الكتاب بـ: «النُّكَت على شَرْح النَّووي على صحيح مُسْلم» .
والنُّكَت في اصطلاح العلماء هي: الملحوظات والمسائل العلمية القصيرة التوضيحية
(1)
.
ومنه قول المؤرخ المَقَّرِي التلمساني في ترجمة الحافظ مُنذر بن سعيد البَلُّوطي: «كان إذا قرئ عليه صحيحا البخاري ومسلم والموطأ يصحِّح النُّسخ من حفظه، ويملي النُّكت على المواضع المُحتاج إليها»
(2)
.
ومنه قول الحافظ العراقي في مقدمة التقييد والإيضاح: «فأردتُ أن
(1)
«التعريفات» للجرجاني (ص: 246)، و «تكملة المعاجم العربية» (10/ 304)، و «المعجم الوسيط» (2/ 950).
(2)
«نفح الطيب للمقري» (2/ 25).
أجمع عليه
(1)
نكتاً تقيّد مطلقه وتفتح مغلقه»
(2)
.
وإذن فهذا البحث هو ملحوظات علمية قصيرة توضيحية على بعض كلام النووي في شرحه على صحيح مسلم، جمعت ما تيسر لي منها أثناء قراءة الكتاب، دون قصد التتبع أو الاستقصاء.
هذا والله أسأل أن يجعل هذا العمل المتواضع خالصاً لوجهه الكريم، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
* * *
(1)
يقصد كتاب «علوم الحديث» لابن الصلاح.
(2)
«التقييد والإيضاح لما أُطلق وأُغلق من كتاب ابن الصلاح» (1/ 11).
من المُقدِّمة
1 ـ حصره فوائد المستخرجات في ثلاث فقط وهي أكثر:
ذكر النووي رحمه الله أن لكتب المستخرجات ثلاث فوائد، فقال:«ويستفاد من مخرَّجاتهم ثلاث فوائد: علو الإسناد، وزيادة قوة الحديث بكثرة طرقه، وزيادة ألفاظ صحيحة مفيدة»
(1)
.
«قال الباحث» : حصْر فوائد المستخرجات في الثلاثة المذكورة فيه نظر، فقد ذكر العلماء فوائد كثيرة لكتب المستخرجات، ومنها غير ما ذكره النووي:
1 ـ أن يروي في الصحيح عن مدلِّس، ويرويه صاحب المستخرج عنه مصرِّحاً بالسماع، مما ينفي تهمة التدليس.
2 ـ أن يروي صاحب الصحيح عن راوٍ مختلط، من غير أن يبين هل سمع منه قبل الاختلاط أو بعده، فيأتي صاحب المستخرج، فيرويه من طريق من سمع منه قبل الاختلاط.
3 ـ قد تقع في الصحيح بعض الأسماء المبهمة، كحدثنا فلانٌ أو رجلٌ، أو مهملة، كحدثنا محمدٌ مثلاً، ويأتي مصرَّحاً بالاسم في كتاب المستخرج.
4 ـ قد يقع في متن الصحيح بعض الكلام المدرج، من غير فصل،
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (1/ 26).
ويأتي في المستخرج مميزاً ومنفصلاً
…
إلى غير ذلك من الفوائد
(1)
.
وقد تكرر من النووي رحمه الله هذا الحصر في كتابه «التقريب والتيسير في أصول الحديث» ، بيد أنه أنقص واحدة هناك، وجعل الفوائد فائدتين فقط، فقال:«وللكتب المخرَّجة عليهما فائدتان: علو الإسناد، وزيادة الصحيح»
(2)
!!.
ولأجل هذا الحصر انتقده الحافظ السيوطي رحمه الله، وقال: «لم يذكر المصنِّف ـ النووي ـ تبعاً لابن الصَّلَاح للمستخرج سوى هاتين الفائدتين، وبقي له فوائد أخر
…
»
(3)
ثم أخذ يعدّدها، مما أشرت إلى بعضها آنفاً.
وكذلك رأيت الحافظ العراقي قد تعقَّب ابن الصَّلَاح وهو أصل النووي بمثل ما سبق، فقال:«لو قال إن هاتين الفائدتين من فائدة المستخرجات كان أحسن، فإن فيها غير هاتين الفائدتين»
(4)
.
2 ـ وهْمُه في تاريخ وفاة الإمام سفيان ابن عُيينة:
ترجم النووي رحمه الله للإمام سفيان بن عُيينة، وقال:«توفي سنة تسع وتسعين ومائة»
(5)
.
(1)
ينظر: «النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (1/ 322)، و «تدريب الراوي» للسيوطي (1/ 122).
(2)
«التقريب والتيسير» للنووي (1/ 27).
(3)
«تدريب الراوي» (1/ 122).
(4)
«التقييد والإيضاح» (ص: 32).
(5)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (1/ 34).
«قال الباحث» : صوابه: ثمان وتسعون ومائة، كما قال الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله
(1)
، وهو المقرَّر عند عامة علماء التراجم والسّيَر
(2)
.
ولعل منشأ خطأ النووي رحمه الله أنه تابع فيه الحافظ ابن الصَّلَاح رحمه الله، حيث جزم ابن الصَّلَاح بأن ابن عُيينة توفي سنة: تسع وتسعين ومائة
(3)
. وتعقَّبه الحافظ العراقي، ونبَّه على أنه وهْم منه
(4)
.
فهذا إذن هو منشأ خطأ النووي رحمه الله فيما يظهر لي، خاصة إذا ما علمنا بأن النووي كان قد اختصر ولخّص كتاب علوم الحديث لابن الصَّلَاح، فلعله التقط هذه المعلومة منه.
3 ـ وهمٌ في راوٍ:
قال النووي رحمه الله: «من المختلطين: حُصين بن عبد الوهاب الكوفي»
(5)
.
«قال الباحث» : تعقَّبه ابن عبد الهادي: بأنه: حُصين بن عبدالرحمن،
(1)
مجلة عالم المخطوطات والنوادر، «جزء استدراكات ابن عبد الهادي على شرح صحيح مسلم» للنووي (ص: 181).
(2)
انظر: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (6/ 42)، و «المنتظم» لابن الجوزي (10/ 69)، و «تذكرة الحفاظ» للذهبي (1/ 194).
(3)
«علوم الحديث» لابن الصلاح (ص: 498).
(4)
«التقييد والإيضاح» للعراقي (ص: 459).
(5)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (1/ 34).
وليس عبد الوهاب
(1)
.
والأمر كما ذكر ابن عبد الهادي، فلم أقف في المختلطين على من اسمه حُصين بن عبد الوهاب
(2)
.
4 ـ جزمه بالسن التي كانت بين عبدالله بن عمرو بن العاص وأبيه:
قال النووي رحمه الله: «ومن طريف أحوال عبدالله بن عمرو بن العاصي أنه ليس بينه وبين أبيه في الولادة إلا إحدى عشرة سنة، وقيل اثنتا عشرة»
(3)
.
«قال الباحث» : كذا جزم النووي بالسن التي كانت بين عبدالله بن عمرو وبين أبيه، مع أن من أهل العلم من جزم بأنه كان بينهما عشرون سنة، جزم بذلك ابن يونس المصري
(4)
وأبو نعيم الأصبهاني
(5)
وغيرهما، فالله أعلم.
* * *
(1)
مجلة عالم المخطوطات والنوادر، «جزء استدراك ابن عبد الهادي على شرح مسلم» (ص: 181).
(2)
ينظر: «الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات» (ص: 23).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (1/ 77).
(4)
«تاريخ ابن يونس» (1/ 277)، (الترجمة: 756).
(5)
«معرفة الصحابة» لأبي نعيم (3/ 1721).
ومن كتاب الإِيْمَان
5 ـ حكايته إجماع السَّلَف على صحة الصلاة في الدَّار المغصوبة والنظر في ذلك:
قال النووي رحمه الله: «الصلاة في الدَّار المغصوبة صحيحة، غير محوجة إلى القضاء عند جماهير العلماء، بل بإجماع السَّلَف»
(1)
.
«قال الباحث» : حكاية النووي إجماع السَّلَف على صحة الصلاة في الأرض المغصوبة تعقَّبه فيها ابن عبدالهادي بقوله: «ليس هذا كما قال»
(2)
.
والأمر كما قال ابن عبد الهادي، لأن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كان لا يرى صحة الصلاة في الدار المغصوبة في إحدى الروايتين عنه، واختارها بعض أصحابه
(3)
.
والنووي رحمه الله لا يجهل مخالفة الإمام أحمد بن حنبل في المسألة، لكنه كان يرى أن الإجماع منعقد على الصحة قبل مخالفة الإمام أحمد، وأنه
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (1/ 156).
(2)
«جزء استدراكات ابن عبد الهادي على شرح صحيح مسلم» للنووي (ص: 182).
(3)
انظر: «المحرر في الفقه في مذهب الإمام أحمد» (1/ 43)، و «حاشية الروض المربع» لابن قاسم (1/ 542).
محجوج بالإجماع قبله
(1)
، وهذا ما لم يذكر النووي له مستنداً.
وقد سبق للفقيه الشافعي أبي بكر الباقلاني رحمه الله (ت: 403 هـ) أن حكى أيضاً إجماع السَّلَف على صحة الصلاة في الدار المغصوبة، ولعله سَلَفُ النووي في المسألة، وتعقَّبه الإمام ابن تيمية، فقال: «وهو ـ يعني الباقلاني ـ في غير موضع يدعي إجماعات لا حقيقة لها، كدعواه إجماع السَّلَف على صحة الصلاة في الدار المغصوبة، بكونهم لم يأمروا الظَّلَمة بالإعادة، ولعله لا يَقْدِر أن ينقل عن أربعة من السَّلَف أنهم استفتوا في إعادة الظَّلَمة ما صلّوه في مكان مغصوب، فأفتوهم بإجزاء الصلاة
…
»
(2)
.
6 ـ جزمه بالمدة التي كانت بين وفاة خديجة وأبي طالب:
قال النووي رحمه الله: «توفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام»
(3)
.
«قال الباحث» : كذا جزم النووي رحمه الله بالمدة التي كانت بين وفاة خديجة وأبي طالب، مع أنه مجرّد قول قاله بعض أهل العلم
(4)
، لا يوجد ما يثبته أو يؤكده.
(1)
انظر: «المجموع شرح المهذب» (3/ 164).
(2)
«الفتاوى الكبرى» لابن تيمية (6/ 581).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (1/ 215).
(4)
انظر: «معرفة الصحابة» لأبي نعيم (6/ 3201)، و «البداية والنهاية» لابن كثير (4/ 316).
وهناك من أهل العلم من قال: إن خديجة توفيت قبل أبي طالب بخمسة وثلاثين يوماً
(1)
.
وبعضهم قال: كان بين وفاتهما شهر وخمسة أيام
(2)
.
وأمَّا شيخ المغازي محمد بن إسحاق رحمه الله فلم يحدّد شيئاً بالأيام، واكتفى بقوله:«إنها توفيت وأبا طالب في عام واحد»
(3)
. وتابعه على ذلك ابن هشام
(4)
.
وقد أورد الحافظ البيهقي ما ذكره النووي بصيغة تشعر بعدم الثبوت، فقال:«بلغني أن موت خديجة كان بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام»
(5)
.
لأجل هذا كان الأولى بالنووي عدم الجزم بالمسألة، والاكتفاء بقوله: فيما قيل، أو فيما قاله بعض العلماء، هذا أدق وأصوب، والله أعلم.
7 ـ أحاديث في صحيح مسلم لم يشرحها النووي إطلاقاً:
من عادة النووي رحمه الله شرح جميع أحاديث صحيح الإمام مسلم، بيد أن هناك بضعة أحاديث لم أره تعرض لشرحها إطلاقاً، ومنها على سبيل المثال:
(1)
«تاريخ الإسلام» للذهبي (1/ 614).
(2)
«الطبقات الكبرى» لابن سعد (1/ 211)، و «المنتظم» لابن الجوزي (3/ 11).
(3)
«السير والمغازي» لابن إسحاق (ص: 243).
(4)
«سيرة ابن هشام» (1/ 416).
(5)
«دلائل النبوة» للبيهقي (2/ 353).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «كيف أنتم إذا نَزَل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم»
(1)
.
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «جَعَل ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ اثني عشر ميلاً حول المدينة حِمَى»
(2)
.
حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً: «لأُخرجنّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أَدَعَ إلا مسلماً»
(3)
.
حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: «اللُّهم أعوذ بك من شرّ ما عملت، ومن شرّ ما لم أعمل»
(4)
، لم يشرح قوله: من شرّ ما لم أعمل.
حديث أبي هريرة مرفوعاً: «رأيت عمرو بن عامر الخُزاعي يجرّ قَصَبه في النار، وكان أول من سَيَّب السُّيُوب»
(5)
.
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه»
(6)
.
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (2/ 189).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (9/ 145).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (12/ 92).
(4)
المصدر السابق (17/ 38).
(5)
المصدر السابق (17/ 189).
(6)
المصدر السابق (18/ 36).
رجل يقال له الجَهْجَاه»
(1)
.
حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: «أراني في المنام أتسوك بسواك فجذبني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي كبِّر، فدفعته إلى الأكبر»
(2)
.
8 ـ ضبطه بعض الألفاظ دون أن يبيّن معناها:
ذكر النووي رحمه الله جملة من ألفاظ أحاديث صحيح مسلم الغريبة، واكتفى بضبطها دون بيان معناها، ومن ذلك على سبيل المثال:
«أُسْكفة» : اكتفى بقوله: «هي بهمزة قطع مضمومة، وبإسكان السين»
(3)
!!
«الضِلَع» : اكتفى بقوله: «الضلع بكسر الضاد وفتح اللام»
(4)
ولم يبين معناه.
«البَرذعة» : اكتفى بقوله: «بفتح الباء»
(5)
، ولم يزد.
«اسْتَعَطَ»
(6)
: لم يضبطها ولم يشرحها.
(1)
المصدر السابق (18/ 36).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (18/ 129).
(3)
المصدر السابق (9/ 235).
(4)
المصدر السابق (10/ 57).
(5)
المصدر السابق (10/ 125).
(6)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (10/ 242).
«الجَذعة»
(1)
: لم يضبطها ولم يشرحها.
«الكمأة» : اكتفى بقوله: «بفتح الكاف وإسكان الميم وبعدها همزة مفتوحة»
(2)
.
9 ـ سكوته عن رواية تفرَّد بها كذاب:
قال النووي رحمه الله: «ذكر البزَّار
(3)
خبراً في الإسراء عن عليّ كرم الله وجهه، وذكر مسير جبريل عليه السلام على البُراق، حتى أتى الحِجَاب، وذكر كلمة، وقال: خَرَج مَلَكٌ من وراء الحِجَاب، فقال جبريل: والذي بعثك بالحق إن هذا المَلَك ما رأيته منذ خُلقت، وإني أقرب الخلْق مكاناً»
(4)
.
«قال الباحث» : ما كان يجدر بالنووي رحمه الله ذكر هذه الرواية والسكوت عنها دون التنبيه على ضعفها الشديد، بل إنها شبه موضوعة، فقد تفرَّد بروايتها راوٍ اسمه: زياد بن المنذر الكوفي، يرويه عن محمد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جده عليّ بن أبي طالب به.
وزياد بن المنذر هذا كذَّبه غير واحد من الحفاظ، كابن معين، وقال:
(1)
المصدر السابق (13/ 112).
(2)
المصدر السابق (14/ 4).
(3)
«كشف الأستار عن زوائد البزار» (1/ 179)، (حديث: 352)، وقال البزار:«لا نعلمه يروي عن عليّ بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد» .
(4)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (2/ 221).
(1)
. وقال ابن حبان: «كان رافضياً يضع الحديث»
(2)
. وقال النسائي: «متروك الحديث»
(3)
.
فأمثال هؤلاء الرواة لا يحسن إيراد مروياتهم والسكوت عنها، دون التنبيه على حالها، والله أعلم.
10 ـ نفيه رواية عن صحيح البخاري وهي فيه:
ذكر النووي رحمه الله حديث ابن عباس، قال «لمَّا نزلتْ هذه الآية:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ورهْطَك منهم المخلَصين، خَرَج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصَّفَا، فهتف:«يا صباحاه»
…
الحديث»
(4)
، ثم قال النووي:«ولم تقع هذه الزيادة في روايات البخاري»
(5)
. يعني قوله: ورهْطَك منهم المخلَصين.
«قال الباحث» : بل هي ثابتة في صحيح البخاري، في كتاب
(1)
«المجروحين» لابن حبان (1/ 306)، (الترجمة: 362).
(2)
المصدر السابق (1/ 306)، (الترجمة: 362).
(3)
«الضعفاء والمتروكين» (ص: 44)، (الترجمة: 225)، وانظر:«بقية أقوال الأئمة في هذا الراوي في ميزان الاعتدال» للذهبي (3/ 93)، (الترجمة: 2965)، و «تهذيب الكمال» للمزي (9/ 517)، (الترجمة: 2070).
(4)
«صحيح مسلم» ، كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (1/ 193)، (حديث: 355).
(5)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (3/ 83).
تفسير القرآن، باب قوله:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3]
(1)
.
وقد أشار الحافظُ ابن حجر إلى وهم النووي هذا، فقال: «وفي هذه الزيادة تعقُّب على النووي حيث قال في شرح مسلم إن البخاري لم يخرِّجها، أعني ورهْطَك منهم المخلَصين، اعتماداً على ما في هذه السُّورة
(2)
، وأغفل كونها موجودة عند البخاري في سورة تبَّت»
(3)
.
ومن الطريف أن النووي رحمه الله قال في مقدمة الشرح: «وقد رأيتُ جماعةً من الحفاظ غلِطوا فنفوا رواية البخاري أحاديث، وهي موجودة في صحيحه في غير مظانِّها السابقة إلى الفَهْم»
(4)
.
وقد وقع النووي رحمه الله في مثل هذا هنا، فجلَّ من لا ينسى سبحانه.
* * *
(1)
«صحيح البخاري» ، كتاب التفسير، باب قوله {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} (6/ 159)، (حديث: 4971).
(2)
يعني سورة الشعراء، قول الله تعالى:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} آية (214).
(3)
«فتح الباري» (8/ 502).
(4)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (1/ 15).
ومن كتاب الطَّهارة
11 ـ حكايته الإجماع على تحريم سجود التلاوة والشكر بغير طهارة:
قال النووي رحمه الله: «أجمعت الأمةُ على تحريم الصلاة بغير طهارة، من ماء أو تراب، ولا فرق بين الصلاة المفروضة، والنَّافلة، وسجود التلاوة والشكر»
(1)
.
«قال الباحث» : حكاية الإجماع على تحريم سجود التلاوة والشكر بغير طهارة فيها نظر، فقد صحَّ عن ابن عمر أنه كان يسجد للتلاوة على غير وضوء
(2)
.
وكذا نقل الحافظ العراقي بعض الآثار عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا يسجدون للتلاوة بغير طهارة
(3)
.
بل نقله ابن القيِّم عن كثير من السَّلَف
(4)
.
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (3/ 103).
(2)
«صحيح البخاري» ، أبواب سجود القرآن، باب سجود المسلمين مع المشركين (2/ 41).
(3)
«طرح التثريب» (2/ 215).
(4)
«تهذيب السنن» لابن القيم (1/ 53).
وهو اختيار الإمام ابن تيمية، وأطال في تقريره
(1)
.
وإذا كان الأمر كذلك فليس في المسألة إجماع كما ذكر النووي رحمه الله.
12 ـ ذكره فرضيات مستبعدة:
قال النووي رحمه الله: «قال أصحابنا: ولو خلق للإنسان وجهان وجب غسلهما»
(2)
!! يعني في الضوء.
«قال الباحث» : ليت النووي رحمه الله نزّه شرحه من أمثال هذه الفرضيات البعيدة الوقوع كل البعد!!
وقد وقع له في شرحه هذا نظائر من ذلك، كقوله عند حديثه عن سُنّة الخِتَان: «وأما من له ذكران، فإن كانا عاملين وجب ختانهما، وإن كان أحدُهما عاملاً دون الآخر ختن العامل، وفيما يعتبر العمل به وجهان: أحدهما بالبول، والآخر بالجماع
…
»
(3)
!!
وقوله: «هل يحلّ أكل المني الطاهر، فيه وجهان، أظهرهما لا يحلّ، لأنه مستقذر، فهو داخل في جملة الخبائث المحرمة علينا، وأما مني غير الآدمي
…
»
(4)
.
(1)
«مجموع فتاوى ابن تيمية» (21/ 278).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (3/ 108).
(3)
المصدر السابق (3/ 148).
(4)
المصدر السابق (3/ 198).
وقوله عن ختم القرآن: «وبعضهم يختم في اليوم والليلة ثلاث ختمات، وبعضهم ثمان ختمات، وهو أكثر ما بلغنا»
(1)
!!
وهذا محال، لأن الختمة الواحدة تحتاج إلى ما يقارب العشر ساعات، فكيف بمن يختم ثمان ختمات في يوم وليلة؟ هذا يحتاج أكثر من ثلاثة أيام من القراءة المتواصلة دون توقف البتة!!
والحاصل أن أمثال هذه الفروع والفرضيات ليس محلها كتب شروح السنة، إن وظيفة كتب شروح السنة هي: بيان معاني الأحاديث النبوية، وما تدلّ عليه من أحكام وحِكم وفوائد، مع دفع ما قد يرد عليها من إشكالات في المتن أو الإسناد، ونحو ذلك من المسائل الواضحات البينات، ذات الصلة المباشرة بالنصوص، وما عدا ذلك فتركه أولى، لاسيما والمؤلف قال في المقدمة:«أقتصر على التوسط وأحرص على ترك الإطالات»
(2)
.
13 ـ إيهامه نفي وجود رواية في الصحيحين وتعقُّب الأئمة له:
قال النووي رحمه الله: «إنما قال صلى الله عليه وسلم نحو وضوئي
(3)
ولم يقل مثْل، لأن حقيقة مماثلته صلى الله عليه وسلم لا يقدر عليها غيره»
(4)
.
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (8/ 43).
(2)
المصدر السابق (1/ 5).
(3)
يشير إلى حديث عثمان بن عفان، مرفوعاً:«من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه» صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء وكماله (1/ 204)، (حديث: 226).
(4)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (3/ 108).
«قال الباحث» : تعقَّبه الحافظ ابن حجر، فقال: «لكن ثَبَتَ التعبير بها في رواية المصنِّف ـ يعني البخاري ـ في الرِّقاق من طريق معاذ بن عبد الرحمن، عن حُمْران، عن عثمان، ولفظُه: من توضَّأ مثل هذا الوُضوء
(1)
، وله في الصيام من رواية مَعْمَر: من توضَّأ وضُوئي هذا
(2)
، ولمسلم من طريق زيد بن أسْلَم، عن حُمران: توضَّأ مثل وضُوئي هذا
(3)
. وعلى هذا فالتعبير بِنَحْو من تصرُّف الرّواة، لأنها تطلقُ على المِثْلِيَّة مجازاً، ولأن مثل وإن كانت تقتضي المساواة ظاهراً، لكنّها تطلق على الغالب، فبهذا تلتئم الروايتان، ويكون المتروكُ بحيث لا يخلُّ بالمقصود، والله تعالى أعلم»
(4)
.
وبنحو هذا التعقُّب قال غير واحد من الأئمة، كالعيني في عمدة القاري
(5)
، والقسطلاني في إرشاد الساري
(6)
، والصنعاني في العُدّة
(7)
.
وبهذا يظهر أن نفي النووي لرواية المِثْلِيَّة غير سديد مع ثبوتها في
(1)
«صحيح البخاري» ، كتاب الرقاق، باب قول الله تعالى:«يا أيها الناس إن وعد الله حق» (8/ 92)، (حديث: 6433).
(2)
«صحيح البخاري» ، كتاب الصيام، باب سواك الرطب واليابس للصائم (3/ 31)، (حديث: 1934).
(3)
«صحيح مسلم» ، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء والصلاة عقبه (1/ 207)، (حديث: 229).
(4)
«فتح الباري» لابن حجر (1/ 260).
(5)
«عمدة القاري» (3/ 7).
(6)
«إرشاد الساري» (1/ 245).
(7)
«العدة» للصنعاني (1/ 139).
الصحيحين، والأغلب أنه لم يستحضر ذلك عند كتابة ما تقدم، والله أعلم.
14 ـ تصحيحه حديث «من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج» وهو ضعيف:
قال النووي رحمه الله: «قال بعض أصحابنا يجب الإيتار
(1)
مطلقاً لظاهر الحديث، وحجّة الجمهور الحديث الصحيح في السُّنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج»
(2)
.
«قال الباحث» : كذا صحح الحديث، والصواب أنه ضعيف، فقد رواه أبو داود في سننه
(3)
من طريق الحُصين الحُبراني، عن أبي سعد الخير، عن أبي هريرة به مرفوعاً.
وهذا إسناد ضعيف، فيه: الحُصين الحُبراني وهو مجهول، قال الذهبي:«لا يعرف»
(4)
. وقال ابن حزم
(5)
، وابن حجر
(6)
، والخزرجي
(7)
: «مجهول» .
(1)
يقصد الإيتار في الاستجمار.
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (3/ 126).
(3)
«سنن أبي داود» ، كتاب الطهارة، باب الاستتار في الخلاء (1/ 9)، (حديث: 35).
(4)
«ميزان الاعتدال» (1/ 55)، (الترجمة: 2105).
(5)
«المحلى» (1/ 111).
(6)
«تقريب التهذيب» ، (الترجمة: 1393).
(7)
«خلاصة تذهيب تهذيب الكمال» (ص: 86).
وقد ضعف الحديث جمع غفير من الأئمة، فقال البيهقي:«ليس بالقوي»
(1)
.
وقال ابن عبد البر: «ليس إسناده بالقائم»
(2)
.
وقال الحافظ عبد الحق الإشبيلي: «في إسناده الحُصين الحُبراني وليس بقوي»
(3)
.
وقال ابن حجر: «مداره على أبي سعد الحُبراني الحمْصي، وفيه اختلاف، وقيل إنه صحابي، ولا يصحّ، والراوي عنه حُصين الحُبراني وهو مجهول»
(4)
.
وبناء عليه فلا يسلّم للنووي رحمه الله تصحيحه للحديث، والله تعالى أعلم.
15 ـ إغفاله موضعاً ثَبَتَ استحباب السواك فيه:
قال النووي رحمه الله: «السواك مستحب في جميع الأوقات، ولكن في خمسة أوقات أشدّ استحباباً، أحدها عند الصلاة
…
الثاني: عند الوضوء، الثالث: عند قراءة القرآن، الرابع: عند الاستيقاظ من النوم،
(1)
«معرفة السنن والآثار» (1/ 348).
(2)
نقله عنه الحافظ عبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الوسطى» (1/ 136)، ولم أقف على كلامه في التمهيد والاستذكار.
(3)
«الأحكام الوسطى» (1/ 136).
(4)
«التلخيص الحبير» (1/ 301).
الخامس: عند تغيّر الفم»
(1)
.
«قال الباحث» : أغفل النووي رحمه الله موضعاً سادساً ورد النص به، وهو: عند الدخول إلى البيت، كما ثَبَتَ في صحيح مسلم، من رواية عائشة رضي الله عنها، أنها سُئلت:«بأيّ شيءٍ كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته، قالتْ: بالسواك»
(2)
.
ولست أدري لِمَ أغفل النووي هذا الموضع مع ثبوته في صحيح مسلم.
وقد قال العلامة ابن علَّان الصديقي تعليقاً على حديث عائشة المذكور: «فيه ندب السواك عند دخول المنزل، وذلك لإزالة ما يحصل عادة بسبب كثرة الكلام الناشئة عن الاجتماع»
(3)
.
وبحسب بعضهم: «ربّما يتغيّر رائحة الفم بمحادثة الناس، فمن حسن معاشرة الأهل إزالته»
(4)
.
16 ـ قوله في الصِّفَة المستحبة لتقليم الأظافر والنظر فيه:
قال النووي رحمه الله في صفة تقليم الأظافر: «ويستحب أن يبدأ باليدين قبل الرجلين، فيبدأ بمسبحة يده اليمنى، ثم الوسطى، ثم البِنْصَر، ثم الِخنْصَر، ثم الإِبهام، ثم يعود إلى اليسرى فيبدأ بخِنْصَرها، ثم بِنْصَرها
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (3/ 142، 143).
(2)
«صحيح مسلم» ، كتاب الطهارة، باب السواك (1/ 220)، (حديث: 253).
(3)
«دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين» لابن علَّان الصديقي (6/ 661).
(4)
انظر: «مرقاة المفاتيح» للقاري (2/ 79).
إلى آخرها، ثم يعود إلى الرجلين اليمنى فيبدأ بخِنْصَرها، ويختم بخِنْصَر اليسرى والله أعلم»
(1)
.
«قال الباحث» : ليس على استحباب الترتيب المذكور دليل شرعي، لذلك تعقَّبه الحافظ ابن حجر، فقال:«لم يذكر للاستحباب مستنداً»
(2)
!!.
ويبدو ـ والله أعلم ـ أن النووي رحمه الله أخذ الصفة المذكورة عن الغزالي رحمه الله، حيث ذكرها في كتابه الإحياء
(3)
بنحو ما ذكر النووي.
وقد أنكر على الغزالي وقتها عصريُّه الإمام أبو عبدالله المازري المالكي رحمه الله، وقال:«إنه مبني على ما لا حقيقة له»
(4)
.
وأيّده الحافظُ العراقي، فقال:«لم أجد له أصلاً»
(5)
.
(6)
.
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (3/ 149).
(2)
«فتح الباري» (10/ 345).
(3)
«إحياء علوم الدين» (1/ 520).
(4)
نقله عنه السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» (6/ 242).
(5)
«المغني عن حمل الأسفار» (ص: 166).
(6)
«المقاصد الحسنة» للسخاوي (ص: 489).
17 ـ تحسينه إسناد حديث «حوِّلوا مقعدتي قِبَل القبلة» والنظر في ذلك:
قال النووي رحمه الله: «حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أنّ أناساً يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أَوَ قد فعلوها، حوِّلوا بمقعدي إلى القبلة. رواه أحمد في مسنده
(1)
، وابن ماجه
(2)
، وإسناده حسن»
(3)
.
«قال الباحث» : تحسين إسناد هذا الحديث فيه نظر، لأنه مروي من طريق خالد بن أبي الصَّلْت، عن عِراك بن مالك، عن عائشة به. وهذا إسناد فيه علل، منها:
أولاً: جهالة خالد بن أبي الصَّلْت، فقد قال الإمام أحمد:«ليس معروفاً»
(4)
.
وقال الذهبي: «لا يكاد يعرف»
(5)
.
وضعفه عبد الحق الإشبيلي
(6)
.
(1)
«مسند الإمام أحمد» (43/ 31)، (حديث: 25837).
(2)
«سنن ابن ماجه» ، كتاب الطهارة وسننها، باب الرخصة في ذلك في الكنيف (1/ 117)، (حديث: 324).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (3/ 154).
(4)
«تهذيب التهذيب» (3/ 98)، (الترجمة: 183).
(5)
«ميزان الاعتدال» (1/ 632)، (الترجمة: 2432).
(6)
«الأحكام الوسطى» لعبد الحق الإشبيلي (1/ 129).
ثانياً: الانقطاع بين خالد بن أبي الصَّلْت وعِراك، فقد أشار البخاري في تاريخه إلى أن خالد بن أبي الصَّلْت لم يسمع من عِراك
(1)
.
ثالثاً: الانقطاع بين عِراك وعائشة، فقد أنكر الإمام أحمد ابن حنبل سماعه منها، وقال:«من أين سمع عن عائشة؟»
(2)
، وكذا قال ابن عبد الهادي في التنقيح
(3)
.
ولأجل هذه العلل وغيرها، ضعف الحديث غير واحد من الأئمة، فقال الإمام البخاري:«فيه اضطراب، والصحيح عن عائشة قولها»
(4)
.
وقال ابن حزم: «ساقط»
(5)
.
وقال الذهبي: «حديث منكر»
(6)
.
وقال ابن القيم: «لا يصحّ، إنما هو موقوف على عائشة»
(7)
.
وبهذا يظهر أن تحسين الإمام النووي لإسناد الحديث المذكور فيه تساهل، والعلم عند الله تعالى.
(1)
«التاريخ الكبير» للبخاري (3/ 155)، (الترجمة: 535).
(2)
«المراسيل» لابن أبي حاتم (ص: 299)، و «تهذيب التهذيب» (7/ 173)، (الترجمة: 340).
(3)
«تنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي (1/ 152)، (حديث: 152).
(4)
«العلل الكبير» للترمذي (1/ 24)، (حديث: 6).
(5)
«المحلى» لابن حزم (1/ 192).
(6)
«ميزان الاعتدال» (1/ 632).
(7)
18 ـ كلامٌ موهم في العقود التي يجب أن تصان عنها المساجد:
ذكر النووي رحمه الله ما يجب صيانة المساجد عنه، فقال:«البيع والشراء وسائر العقود، وما في معنى ذلك»
(1)
.
«قال الباحث» : هكذا أطلق النووي منع سائر العقود في المساجد، مع أن جمهور العلماء بمن فيهم الشافعية صرَّحوا باستحباب عقد النكاح في المساجد
(2)
.
قال الحافظ ابن الصَّلَاح: «يستحب أن يكون العقد في مسجد، لما روت عائشة رضي الله عنها، قالتْ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدُّفُوف» ، أخرجه الترمذي، غير أنه قال: حديثٌ غريبٌ»
(3)
.
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (3/ 192).
(2)
ينظر: «شرح مشكل الوسيط» لابن الصلاح (3/ 561)، و «تحفة المحتاج في شرح المنهاج» (7/ 216)، و «النجم الوهاج في شرح المنهاج» (7/ 17).
(3)
«شرح مشكل الوسيط» لابن الصلاح (3/ 561)، والحديث المشار إليه أخرجه الترمذي، في أبواب النكاح، باب ما جاء في إعلان النكاح:(2/ 390)، (حديث: 1089)، من طريق عيسى بن ميمون الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة به، وقال: غريب حسن، لكنه أشار إلى ضعف إسناده، فقال بعد ذلك:«وعيسى ابن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث» ، وكذا ضعف إسناده الحافظ ابن حجر، فقال:«سنده ضعيف» كما في «فتح الباري» (9/ 226).
وما من شك أن الإمام النووي لا يخفى عليه مثل هذا، لكن عبارته فيها من الإيهام ما قد يفهم منه التعميم، فاقتضى التنبيه.
19 ـ حكايته الاتفاق على جواز تطهُّر الرجل والمرأة من إناء واحد وتعقُّب الأئمة له:
قال النووي رحمه الله: «أما تطهير الرجل والمرأة من إناء واحد فهو جائزٌ بإجماع المسلمين»
(1)
.
«قال الباحث» : حكاية النووي الإجماع في المسألة غير مُسلَّم، فقد انتقده جمع من الأئمة.
قال الحافظ العراقي: «ما حكاه ـ النووي ـ من إجماع المسلمين على جواز تطهيرهما من إناء واحد
…
ليس بجيِّد، فقد حكى ابن عبد البر في التمهيد
(2)
عن طائفة أنه لا يجوزُ أن يغترف الرجل مع المرأة من إناء واحد؛ لأن كلَّ واحد منهما يتوضأ حينئذ بفضل صاحبه»
(3)
.
وكذا تعقَّبه في حكاية الإجماع: الحافظ ابن حجر في الفتح، وقال:«فيه نظر»
(4)
، وكذا قال الشوكاني في نيل الأوطار
(5)
.
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (4/ 2).
(2)
«التمهيد» (14/ 164).
(3)
«طرح التثريب» (2/ 39).
(4)
«فتح الباري» (1/ 300).
(5)
«نيل الأوطار» (1/ 43).
20 ـ حكايته الاتفاق على ضعف حديث «من أتى امرأته وهي حائض» :
قال النووي رحمه الله: «حديث ابن عباس المرفوع: من أتى امرأته وهي حائض فليتصدَّق بدينار أو نصف دينار، حديث ضعيف باتفاق الحفاظ»
(1)
.
«قال الباحث» : ما حكاه من اتفاق الحفاظ على تضعيف الحديث غير مُسلَّم، فقد صححه جمع الأئمة المتقدمين، منهم الحاكم في المستدرك، فقال:«حديث صحيح»
(2)
، وكذا صححه الحافظ أبو الحسن ابن القطان في بيان الوهم والإيهام، وأطال في تقرير ذلك، وردّ على من ضعّفه
(3)
.
وكذا ذهب إلى القول بصحته من المتأخرين الحافظ ابن الملقن، وانتصر لتصحيح الحاكم للحديث، وردّ على مخالفيه
(4)
.
ولأجل هذا ردّ الحافظ ابن عبد الهادي على النووي دعواه الاتفاق هذه فقال: «وليس الأمرُ كما قال، وقد تكرر منه هذا في أحاديثَ صحَّحها بعضُ الأئمة، كحديث قيس بن طَلْق في مسِّ الذَّكر، وحديث: «لا نذرَ في معصية، وكفارتُه كفارةُ يمين» ، وحديث الحكم بن عمرو في النهي عن توضُّؤ الرجل
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (3/ 204).
(2)
«المستدرك على الصحيحين» (1/ 278)، (حديث: 612).
(3)
«بيان الوهم والإيهام» (5/ 271)، (حديث: 2468).
(4)
«البدر المنير» لابن الملقن (3/ 100).
بفضل المرأة، وحديث ابن مسعود في الوضوء بالنَّبيذ، وحديث أبي هريرة:«من غسَّل ميتًا فَلْيَغتسِل» ، وأحاديث إيجاب نصف صاع من حنطة في صدقة الفطر، وحديث:«نهى عن ثمن الكلب، إلا كلبَ صيد»
(1)
، انتهى.
وهذه الأحاديث التي أشار إليها الحافظ ابن عبد الهادي سيأتي النظر فيها في محلِّها إن شاء الله، والتنبيه عليها إن كان الأمر كما قال، والله أعلم.
21 ـ نفيه وجود رواية ثابتة في بعض كتب السنّة:
قال النووي رحمه الله: «وأمَّا ما يقع في كثير من كتب الفقه: إنما ذلك عِرْق انقطع وانفجر
(2)
، فهي زيادة لا تعرف في الحديث»
(3)
.
وكرر هذا في كتابه المجموع، فقال:«وقول إمام الحرمين والغزاليِّ: عِرْقٌ انقطع منكر، فلا يعرف لفظة انقطع في الحديث»
(4)
.
(1)
«حاشية ابن عبد الهادي على كتاب الإلمام بأحاديث الأحكام» (1/ 70)، (حديث: 118).
(2)
يشير إلى حديث فاطمة بنت أبي حبيش، والذي فيه «قلت يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة، فقال: لا، إنما ذلك عرق، وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي» صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها (1/ 262)، (حديث: 333).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (4/ 21).
(4)
«المجموع شرح المهذب» (2/ 403).
«قال الباحث» : زيادة «انقطع» معروفة، وهي مخرَّجة في مسند الإمام أحمد
(1)
، وسنن الدارقطني
(2)
، ومستدرك الحاكم وصححه
(3)
، والبيهقي
(4)
.
لذلك تعقَّب الحافظ ابن الملقن رحمه الله الذين أنكروا وجود هذه الزيادة في كتب الحديث، كابن الصَّلَاح والنووي وغيرهما، وقال:«وهو غريب منهم، فهذه اللَّفظة صحيحة، مَوْجُودة في سنن الدَّارقُطني، والبيْهقي، وصحيح الحاكم، وقال: صحيح»
(5)
.
لكن كلام ابن الملقن عليه ملحوظتان:
الملحوظة الأولى: أنه فاته أن الزيادة المذكورة مخرَّجة في مسند الإمام أحمد كما سبق، وهو أجلّ من الكتب التي ذكرها، والعزو إليه أولى
(6)
.
الملحوظة الثانية: قوله: إنها لفظة صحيحة، فيه نظر، لأنه تفرَّد بروايتها عثمان بن سعد الكاتب، عن عبدالله بن أبي مُليكة، عن خالته فاطمة بنت أبي حبيش به.
(1)
«مسند أحمد» (45/ 603)، (حديث: 27631).
(2)
«سنن الدارقطني» ، كتاب الحيض، باب بدون عنوان (1/ 402)، (حديث: 841).
(3)
«المستدرك» (1/ 175).
(4)
«سنن البيهقي» (1/ 354).
(5)
«البدر المنير» لابن الملقن (3/ 118).
(6)
وقد فات هذا أيضاً ابن حجر في «التلخيص الحبير» (1/ 435)، والشوكاني في «نيل الأوطار» (1/ 327)، فأغفلا ذكر مسند الإمام أحمد.
وعثمان بن سعد هذا عامة الأئمة على تضعيفه، كابن معين، وأبي زرعة، والنسائي، والدارقطني وغيرهم
(1)
.
وبهذا يظهر أن نفي النووي رحمه الله وجود لفظة «انقطع» في كتب السّنة غير سديد، كما أن تصحيح ابن الملقن لها غير سديد أيضاً، وجَلَّ من لا ينسى ولا يهم.
22 ـ قوله بكراهة قطع اللَّحم بالسكين من غير حاجة والنظر فيه:
قال النووي رحمه الله: «يكره ـ قطع اللَّحم بالسكين ـ من غير حاجة»
(2)
.
«قال الباحث» : الكراهة حكم شرعي يفتقر إلى مستند شرعي، ولم يذكر النووي مستنده على ذلك.
نعم أخرج أبو داود بسنده، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً:«لا تقطعوا اللَّحم بالسكين، فإنه من صنيع الأعاجم»
(3)
، لكنه حديث ضعيف، في إسناده: نَجيح بن عبد الرحمن، أبو معشر السندي المدني، ضعفه معظم الأئمة
(4)
،
(1)
انظر: «ميزان الاعتدال» (3/ 34)، (الترجمة: 5511)، و «التنقيح» لابن عبد الهادي (1/ 401).
(2)
«شرح صحيح مسلم» (4/ 45).
(3)
«سنن أبي داود» ، كتاب الأطعمة باب في أكل اللحم (5/ 597)، (حديث: 3778).
(4)
انظر: «ميزان الاعتدال» (4/ 246)، (الترجمة: 9017).
ولخَّص ابن حجر حاله بقوله: «ضعيف»
(1)
.
وقد ضعف الحديث جمع كبير من الأئمة، منهم: الإمام أحمد بن حنبل حيث قال: «ليس بصحيح، لا نعرف هذا»
(2)
.
وقال أبو داود: «هو حديث ليس بالقوي»
(3)
.
وقال ابن حجر
(4)
والعيني
(5)
: «حديث ضعيف» .
وقال الحافظ العراقي: «لم يثبت النهي عن قطع اللحم بالسكين»
(6)
.
وقد ساق الحديث الإمامان ابن عدي (6) والذهبي
(7)
ضمن مناكير أبي معشر.
وبناء على ما تقدَّم لا يُسلَّم للنووي رحمه الله قوله بكراهة قطع اللحم بالسكين، كيف وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عكس ذلك في أحاديث عدّة، أنه قطع اللحم بالسكين، منها: حديث عمرو بن أميَّة الضمْري، أنه: «رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يحتزُّ من كتف شاة، فدُعي إلى الصلاة، فألقى السكين،
(1)
«تقريب التهذيب» ، (الترجمة: 7084).
(2)
«المغني» لابن قدامة (9/ 433).
(3)
«سنن أبي داود» (5/ 598)، التخريج السابق.
(4)
«فتح الباري» (1/ 312).
(5)
«عمدة القاري» (3/ 105).
(6)
نقله الحافظ ابن حجر في «الفتح» (9/ 545) عن «شرح سنن الترمذي» للعراقي.
(7)
«الكامل في ضعفاء الرجال» (8/ 319).
فصلَّى ولم يتوضأ»
(1)
.
23 ـ نسبته عدم نقض الوضوء بأكل لحم الإِبل إلى الخلفاء الأربعة وتعقُّب الأئمة له:
قال النووي رحمه الله: «اختلف العلماء في أكل لحوم الجزور
(2)
، وذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء، ممن ذهب إليه الخلفاء الأربعة الراشدون؛ أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ
…
»
(3)
.
«قال الباحث» : نسبة هذا القول إلى الخلفاء الأربعة غير مسلَّم، فقد تعقَّبه الحافظ ابن عبد الهادي، وقال:«فيه نظرٌ، وكأنَّهم قالوه فيما مسَّته النار»
(4)
.
يريد ابن عبد الهادي أن هذه النسبة ليست بثابتة عن الخلفاء الأربعة.
ومما يؤيد كلام ابن عبد الهادي أن النووي نفسه لم يجزم بالنسبة
(1)
حديث متفق عليه، أخرجه البخاري في «صحيحه» واللفظ له، كتاب الوضوء باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق (1/ 52)، (حديث: 208)، وأخرجه مسلم في «صحيحه» ، بنحوه، كتاب الحيض، باب نسخ الوضوء مما مست النار (1/ 274)، (حديث: 355).
(2)
الجزور هو: البعير، ذكراً كان أو أنثى، أفاده ابن الأثير في «النهاية في غريب الحديث» (ص: 266).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (4/ 48).
(4)
«جزء استدراكات ابن عبد الهادي على شرح صحيح مسلم» للنووي (ص: 183).
المذكورة في كتابه المجموع، وإنما قال: «وهو محكي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ
…
»
(1)
، فلم يجزم كما فعل هنا في شرح مسلم، وإنما أشار إلى أنه مجرد حكاية قول نُقل عن الخلفاء الأربعة.
(1)
«المجموع شرح المهذب» (2/ 57).
ومن كتاب الصَّلاة
24 ـ قوله فيما يستحب للسَّامع قوله عند التَّثويب في أذان الفجر وتعقُّب الأئمة له:
قال النووي رحمه الله: «إذا ثَوَّب
(1)
المؤذن في صلاة الصبح، فقال: الصلاة خير من النوم، قال سامعه: صَدَقْتَ وبَرِرْتَ»
(2)
.
«قال الباحث» : قول «صَدَقْتَ وبَرِرْتَ» عند سماع: الصلاة خير من النوم، لا أصل له في الشرع، كما أشار إلى ذلك جمع من الحفاظ والأئمة، منهم: الحافظ ابن الملقن
(3)
، والحافظ ابن حجر
(4)
.
وقد أنكره أيضاً العلامة الصَّنْعاني، وقال:«هذا استحسانٌ من قائله، وإلَّا فليس فيه سنّةٌ تعتمد»
(5)
.
(1)
التثويب هو: قول المؤذن في صلاة الصبح «الصلاة خير من النوم» كما في «الزاهر في معاني كلمات الناس» لأبي بكر الأنباري (1/ 49)، و «مختار الصحاح» (ص: 51).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (4/ 88).
(3)
«التوضيح لشرح الجامع الصحيح» لابن الملقن (6/ 373).
(4)
«التلخيص الحبير» لابن حجر (1/ 520).
(5)
«سبل السلام» للصنعاني (1/ 190).
وكذا قال العلامة المباركفوري: «لم أقف على حديث يدلّ عليه»
(1)
.
25 ـ حكايته الإجماع على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام والتعقُّب عليه:
قال النووي رحمه الله: «أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام»
(2)
.
«قال الباحث» : حكاية الإجماع فيها نظر، فقد نقَضَه النووي نفسه بعد أسطر عندما حكى عن بعضهم القول بالوجوب، فقال:«وحكي عن داود إيجابه عند تكبيرة الإحرام، وبهذا قال الإمام أبو الحسن أحمد بن سيَّار السيَّاري من أصحابنا»
(3)
.
وقد حكي القول بالوجوب أيضاً عن جماعة، منهم: الأوزاعي، والحُميدي شيخ البخاري، وابن خزيمة وغيرهم
(4)
.
كذلك تنتقض حكاية الإجماع بأنه نُقل عن بعض متقدمي المالكية القول بعدم شرعية رفع اليدين في تكبيرة الإحرام، حكاه عنهم الفقيه الحافظ أبو الوليد الباجي المالكي
(5)
.
(1)
«تحفة الأحوذي» (1/ 525).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (4/ 95).
(3)
المصدر السابق (4/ 95).
(4)
ينظر: «التمهيد» لابن عبد البر (9/ 225)، و «فتح الباري» (2/ 219).
(5)
انظر: «المنتقى شرح الموطأ» للباجي (1/ 142).
فتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ منهم من استحب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، ومنهم من أوجب ذلك، ومنهم من نفى المشروعية مطلقاً، فلا إجماع في المسألة كما ادعى النووي.
26 ـ حكايته الاتفاق على ضعف أبي شيبة الواسطي والتعقُّب عليه:
قال النووي رحمه الله: «حديث علي رضي الله عنه أنه قال: «من السنّة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة» ضعيف، متفق على تضعيفه، رواه الدارقطني
(1)
والبيهقي
(2)
من رواية أبي شيبة عبد الرحمن ابن إسحاق الواسطي، وهو ضعيف بالاتفاق»
(3)
.
«قال الباحث» : كلام النووي عليه ملحوظتان:
الملحوظة الأولى: أنه عزا الحديث إلى الدارقطني والبيهقي مع أنه مخرَّج في مسند الإمام أحمد
(4)
وسنن أبي داود
(5)
، والعزو إليهما أولى ممن ذكر.
(1)
«سنن الدارقطني» (2/ 34)، (حديث: 1102).
(2)
«سنن البيهقي» (2/ 48)، (حديث: 2341).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (4/ 115).
(4)
«مسند أحمد» (2/ 222)، (حديث: 875).
(5)
«سنن أبي داود» ، كتاب الصلاة، باب وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة (1/ 201)، (حديث: 756).
الملحوظة الثانية: حكاية الاتفاق على تضعيف عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي فيها نظر، فقد دافع عنه الحافظ ابن حجر في مناسبة أخرى، وقال:«قد أخرج له من طريقه الترمذي، وقال: غريبٌ، وحسَّن له غيرُه، مع قوله إنه تكلّم فيه من قِبَل حفظه، وصحَّح الحاكم من طريقه حديثاً غير هذا، وأخرج له ابن خُزيمة في الصِّيام من صحيحه آخر، لكن قال في القلب من عبد الرحمن شيءٌ»
(1)
.
وبهذا يظهر أن حكاية النووي الاتفاق على تضعيف عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي غير مسلَّمة، وإن كان غالبية الأئمة على تضعيفه
(2)
.
27 ـ اختصاره الشديد في شرح حديث «أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام» :
ذكر النووي رحمه الله حديث أبي هريرة مرفوعاً: «أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسه رأس حمار
(3)
»
…
ثم اكتفى بقوله: «وهذا كله بيان لغِلَظِ تحريم ذلك، والله أعلم»
(4)
.
«قال الباحث» : اختصر الإمام النووي رحمه الله كثيراً في شرح هذا
(1)
«القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد» (ص: 34).
(2)
انظر: «ميزان الاعتدال» (2/ 548)، (الترجمة: 4812).
(3)
«صحيح مسلم» ، كتاب الصلاة، باب النهي عن سبق الإمام (1/ 320)، (حديث: 427).
(4)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (4/ 151).
الحديث على خلاف عادته، فالعلماء عادة ما يذكرون عند شرح هذا الحديث بعض أحكام مسابقة المأموم للإمام في الصلاة، ويذكرون الخلاف في تفسير قوله:«يحوِّل الله رأْسه رأْس حمار» ، أهو على الحقيقة أم على المجاز؟ ولماذا خصّ الحمار بالذكر دون غيره من الحيوانات، إلى غير ذلك من المسائل.
وقد وجدتُ الحافظ ابن الملقن قد تعقَّب النووي بما ذكرته آنفاً، فقال:«واعلم أن النووي رحمه الله في «شرحه لمسلم» أَجْحَفَ في شرح هذا الحديث، فلم يذكر فيه غير أنه قال بعد أن روى:«رأْسه ووجهه وصورته» : هذا كلّه بيانٌ لغِلَظِ تحريم ذلك، ولم يَزد»
(1)
!!.
28 ـ اختلاف قوله في تصحيح حديث:
قال النووي رحمه الله: «ولا يسن زيادة وبركاته
(2)
، وإن كان قد جاء فيها حديث ضعيف
(3)
، وأشار إليها بعض العلماء، ولكنها بدعة إذ لم يصحّ فيها حديث»
(4)
!!
(1)
«الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» (2/ 552).
(2)
يعني في السلام في الصلاة.
(3)
يشير إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود في «سننه» ، من طريق علقمة بن وائل، عن أبيه وائل بن حجر، قال: قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يُسلّم عن يمينه «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» وعن شماله «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» كتاب الصلاة، باب في السلام (1/ 262)، (حديث: 997).
(4)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (4/ 153).
«قال الباحث» : كذا قال النووي رحمه الله:، وخالف في كتابيه الآخرين المجموع
(1)
، وخلاصة الأحكام
(2)
، فصحح إسناد زيادة وبركاته، وقال:«إسنادها صحيح» !!
وهذا هو رأي جمع من الحفاظ، كلهم صححوا زيادة وبركاته في السلام، منهم: الحافظ دقيق العيد، وابن سيّد الناس
(3)
، وابن عبد الهادي
(4)
، وابن الملقن
(5)
، وابن حجر
(6)
، والصنعاني
(7)
.
29 ـ نسبته نقض الوضوء بلمس المرأة للجمهور والتعقُّب عليه:
قال النووي رحمه الله: «لمس النساء: الجمهور على أنه ينقض»
(8)
.
«قال الباحث» : نسبة القول بالنقض للجمهور بهذا التعميم فيه نظر،
(1)
«المجموع شرح المهذب» (3/ 479).
(2)
«خلاصة الأحكام» (1/ 445)، (حديث: 1459).
(3)
نسبه إليهما الشيخ الألباني في صحيح أبي داود الأم (4/ 154)، ولم أقف عليه في كتبهما.
(4)
«المحرر في الحديث» (ص: 207)، (حديث: 271).
(5)
«البدر المنير» (4/ 64).
(6)
«بلوغ المرام» (ص: 152)، (حديث: 320).
(7)
«سبل السلام» (1/ 291).
(8)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (4/ 229)، باختصار يسير.
لأن الحنفية لا يرون نقض الوضوء بمس المرأة مطلقاً
(1)
.
وأما المالكية
(2)
، والحنابلة
(3)
فالمشهور عندهم: أنه ينقض إذا كان اللمس بشهوة، ولا ينقض بغير شهوة.
فلم يبق قائل بالنقض مطلقاً إلا الشافعية
(4)
، فكيف ينسب قول الشافعية وحدهم إلى الجمهور!!.
ورجل في قامة الإمام النووي من المؤكد أنه لا يخفى عليه هذا التفصيل، لكن عبارته فيها من الإيهام ما اقتضى التنبيه عليها.
* * *
(1)
«المبسوط» للسرخسي (1/ 67)، و «اللباب في الجمع بين السنة والكتاب» (1/ 118).
(2)
«بداية المجتهد» (1/ 43)، و «الذخيرة» للقرافي (1/ 225)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» للقاضي عبد الوهاب (1/ 147)، و «عيون الأدلة في مسائل الخلاف» لابن القصار (1/ 501).
(3)
«المغني» لابن قدامة (1/ 141).
(4)
«المهذب في فقه الشافعي» للشيرازي (1/ 51)، و «البيان في مذهب الإمام الشافعي» (1/ 180).
ومن كتاب المسَاجد
30 ـ قوله في إزالة الصَّديد والدماء عن القبور الدَّارسة والنظر فيه:
قال النووي رحمه الله:: «فيه
(1)
جواز نبش القبور الدَّارسة
(2)
وأنه إذا أزيل ترابها المختلط بصديدهم ودمائهم جازت الصلاة في تلك الأرض»
(3)
.
«قال الباحث» : رحم الله النووي فإنه لم يحرّر العبارة كما يجب، حتى أصبحت غير مفهومة، لأن القبور الدارسة لا يبقى عادة فيها صديد ولا دماء، لتقادم عهدها، وطول مدتها، وذهاب أثرها، فكيف يشترط إزالة الصديد والدماء منها!!
لذلك كان الأولى حذف قيْد «الدارسة» حتى يستقيم الكلام، والعلم عند الله تعالى.
(1)
يشير إلى حديث أنس بن مالك في قصة بناء المسجد النبوي، وفيه قول أنس «فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنَّخل فقُّطع، وبقُّبُور المشركين فنُبشت» ، صحيح مسلم، كتاب المساجد، باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم (1/ 373)، (حديث: 524).
(2)
درس الشيء بمعنى: عفا أثره وتقادم عهده، انظر:«الصحاح» للجوهري (3/ 927)، و «المعجم الوسيط» (1/ 279).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (5/ 8).
31 ـ قوله في مسألة نسخ السُّنَّة للقرآن والنظر فيه:
قال النووي رحمه الله: «نسخ السّنّة للقرآن جوَّزه الأكثرون، ومنعه الشافعي»
(1)
.
«قال الباحث» : ما نسبه النووي للأكثرين من تجويز نسخ السّنّة للقرآن فيه نظر، فجمهور العلماء على منع ذلك شرعاً إن كانت السنة آحادية، لأنها أضعف من القرآن ثبوتاً، والأضعف لا يرفع الأقوى منه، ولم يخالف في ذلك إلا قلة قليلة كالظاهرية.
وأما السنّة المتواترة فقد جوَّز جماعة نسخها للقرآن، ومنعه جماعة، ولهم مناقشاتٌ وردودٌ مطولة، ليس هذا محلّ ذكرها، والمقصود التنبيه والإعلام بما في كلام النووي من الإجمال والإيهام، والله أعلم
(2)
.
32 ـ نفيه قولاً ثابتاً عن سعيد بن المُسيِّب:
قال النووي رحمه الله: «وأما الواحد فيقف عن يمين الإمام عند العلماء كافة، ونقل جماعة الإجماع فيه، ونقل القاضي عياض رحمه الله تعالى عن ابن المُسيِّب أنه يقف عن يساره، ولا أظنه يصحّ عنه»
(3)
.
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (5/ 9).
(2)
ينظر: «الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (3/ 146)، و «البحر المحيط في أصول الفقه» للزركشي (5/ 259)، و «روضة الناظر» لابن قدامة (1/ 223)، و «المهذب في علم أصول الفقه المقارن» للنملة (2/ 607).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (5/ 16).
«قال الباحث» : بل هو ثابت عن سعيد بن المُسيِّب، أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، قال: حدثنا وكيعٌ، عن سُفْيان، عن حمَّاد، قال: سألتُ عنه سعيد بن المُسيِّب، قال: يُقيمُهُ عن يساره
(1)
.
وهذا إسناد صحيح، سفيان هو الثوري، وحمَّاد هو ابن سلمة البصري.
لذلك جزم بنسبة هذا القول لسعيد بن المُسيِّب غير واحد من المصنِّفين والشراح، كابن المنذر
(2)
، والقاضي عياض
(3)
، وابن الأثير
(4)
، والحافظ ابن حجر، وقال:«ولم يُتابع على ذلك»
(5)
. يعني لم يوافِق سعيداً أحدٌ من العلماء على قوله هذا.
33 ـ حكايته الاتفاق على أن المدلِّس لا يُحتجّ بحديثه إلا إذا صرَّح بالسَّماع، وتعقُّب الأئمة له:
قال النووي رحمه الله: «اتفقوا على أن المدلِّس لا يُحتجّ بعنعنته»
(6)
.
وكرر هذا في كتابه المجموع في مواضع، فقال: «أجمع العلماء من
(1)
«مصنف ابن أبي شيبة» (1/ 428)، برقم 4935.
(2)
«الأوسط» لابن المنذر (4/ 171).
(3)
«إكمال المعلم» للقاضي عياض (2/ 323).
(4)
«الشافي في شرح مسند الشافعي» لابن الأثير (2/ 44).
(5)
«فتح الباري» (2/ 191).
(6)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (5/ 52).
المحدثين والفقهاء والأصوليين أن المدلِّس إذا قال عن لا يحتجّ بروايته»
(1)
.
وفي موضع آخر: «اتفق العلماء على أن المدلِّس إذا قال عن لا يحتجّ بروايته»
(2)
.
«قال الباحث» : إطلاق الاتفاق بهذه الصورة فيه نظر، فهناك من الأئمة من يحتجّ بحديث المدلِّس حتى وإن قال عن. حكى هذا الخطيب البغدادي عن خلْق كثير من العلماء
(3)
.
وهناك من ردّ حديث المدلِّس مطلقاً وإن صرَّح بالسماع، حكاه ابن الصَّلَاح عن بعضهم
(4)
.
وهناك من فصَّل في المسألة، فقال: إن كان تدليس الراوي نادراً أو كان لا يدلِّس إلا عن ثقة، فعنعنته محتجّ بها.
وإن كان الراوي كثير التدليس، فروايته مردودة، إلا ما صرح فيه بالسماع.
وأما من كان كثير التدليس عن الضعفاء والمجاهيل، فهذا متفق بين الأئمة على ردّ حديثه، إلا ما صرَّح فيه بالسماع.
هذا مجمل ما قرره أئمة هذا الشأن، كالحافظ العراقي
(5)
، وابن
(1)
«المجموع شرح المهذب» (4/ 546).
(2)
المصدر السابق (7/ 159).
(3)
«الكفاية في علم الرواية» للخطيب البغدادي (ص: 361).
(4)
«علوم الحديث» لابن الصلاح (ص: 75).
(5)
«التقييد والإيضاح» للعراقي (ص: 98).
حجر
(1)
رحمهما الله، فليس في المسألة اتفاق عام كما توهم عبارة النووي رحمه الله.
وبعد كتابة الأسطر السابقة، رأيت الحافظين العراقي والسخاوي، قد تعقبا حكاية النووي للاتفاق المذكور، فقال الحافظ العراقي:«حكى ـ النووي ـ في شرح المهذب الاتفاق على أن المدلِّس لا يحتجّ بخبره إذا عنْعن وهذا منه إفراط»
(2)
.
وأما الحافظ السخاوي فأشار إلى الخلاف في المسألة، ثم ذكر كلام النووي، وقال إنه:«مُتَعَقَّب»
(3)
.
34 ـ إيهامه أن دليل منع البيع والشراء في المساجد ثبت بالقياس مع أنه ثابت بالنص:
قال النووي رحمه الله: «في هذين الحديثين
(4)
فوائد منها: النهي عن نشد الضالة في المسجد، ويلحق به ما في معناه من البيع
(1)
«طبقات المدلسين» لابن حجر (ص: 13).
(2)
«التقييد والإيضاح» (ص: 99).
(3)
«فتح المغيث بشرح الفية الحديث» للسخاوي (1/ 231).
(4)
يشير إلى حديث أبي هريرة مرفوعاً: «من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد، فليقل لا ردّها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا» وبنحوه حديث بُريدة بن الحُصيب الأسْلَمي، «صحيح مسلم» ، كتاب المساجد، باب النهي عن نشد الضالة في المسجد (1/ 397)، (حديث: 568).
والشراء والإجارة ونحوها»
(1)
.
«قال الباحث» : عبارة النووي توهم أن دليل منع البيع والشراء في المسجد هو القياس على نشد الضالة وليس كذلك، بل هو ثابت بالنص، كما في حديث أبي هريرة مرفوعاً:«إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أرْبح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالةً، فقولوا: لا ردَّ الله عليك»
(2)
.
وإذن فالنهي عن البيع والشراء في المسجد ثابت بالنص لا بالقياس، والإمام النووي لا يخفى على مثله هذا، كيف وقد ذكره في كتابه المجموع
(3)
عندما عدّد ما ينهى عنه في المسجد، لكن عبارته الآنفة موهمة، فلزم التنبيه عليها، والله أعلم.
35 ـ تحسينه حديثاً ضعيفاً في سكوت الإمام بعد قراءة الفاتحة:
قال النووي رحمه الله: «يُستحب عندنا وعند جماعة للإمام أن
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (5/ 54).
(2)
«سنن الترمذي» ، أبواب البيوع، باب النهي عن البيع في المسجد (3/ 602)، (حديث: 1321)، وقال: حسن غريب، وصححه ابن حبان (4/ 528)، (حديث: 1650)، والحاكم في «المستدرك» (2/ 65)، على شرط مسلم، وقال المناوي في «التيسير بشرح الجامع الصغير» (1/ 99): إسناده صحيح.
(3)
«المجموع شرح المهذب» (2/ 176).
يسكت في الجهرية بعد الفاتحة قدر ما يقرأ المأموم الفاتحة، وجاء فيه حديثٌ حَسَنٌ في سنن أبي داود وغيره»
(1)
.
«قال الباحث» : الحديث المشار إليه ذكره النووي في شرح المهذب
(2)
، وهو ما رواه الحَسَن البصري، عن سمُرة بن جُندب، أنه:«حَفِظَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتةً إذا كبَّر، وسكتةً إذا فَرَغ من قراءة {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]»
(3)
.
وتحسين النووي رحمه الله للحديث فيه نظر، والأرجح أنه ضعيف، لأن مداره على الحَسَن البصري، يرويه عن سمُرة بن جُندب. وبغض النظر عن خلاف العلماء في سماع الحَسَن من سمُرة، إلا أنه كان كثير التدليس
(4)
، ولم يصرِّح بالسَّماع من سمُرة بن جُندب.
لذلك قال ابن المنذر: «في إسناده مقال»
(5)
.
وقال الجَصَّاص: «حديث السكتتين غير ثابت»
(6)
.
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (5/ 76).
(2)
«المجموع شرح المهذب» (3/ 395).
(3)
«سنن أبي داود» ، كتاب الصلاة، باب السكتة عند الافتتاح (1/ 207)، (حديث: 779).
(4)
انظر: «جامع التحصيل» للعلائي (ص: 162).
(5)
«الأوسط» لابن المنذر (3/ 117).
(6)
«أحكام القرآن» للجصاص (4/ 217).
وقد أعلّه الشيخان: الألباني
(1)
، وشعيب الأرنؤوط
(2)
بهذه العلّة، أعني عدم تصريح الحَسَن بالسَّماع من سمُرة، والله أعلم.
36 ـ كلامه في تحديد عوالي المدينة والنظر فيه:
قال النووي رحمه الله: «أما العوالي فهي القُرى التي حول المدينة، أبعدها على ثمانية أميال من المدينة، وأقربها ميلان، وبعضها ثلاثة أميال»
(3)
.
«قال الباحث» : عوالي المدينة هي من جهة الشرق بالتحديد، كما نص عليه كثير من الكتاب والمؤرخين، بمن فيهم النووي نفسه في كتابه تهذيب الأسماء واللغات، حيث قال:«هي مواضع وقُرى بقرب مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة الشرق»
(4)
.
وقال ابن حجر: «العوالي: عبارة عن القرى المجتمعة حول المدينة من جهة نجدها»
(5)
.
فلو قيَّد النووي العبارة في شرح مسلم كما قيَّدها في تهذيب الأسماء واللغات لكان أحسن، لأنها جاءت مطلقة لم تحدّد، فأوهمت أن هذه القرى
(1)
«ضعيف سنن أبي داود الأم» (1/ 299)، (حديث: 135).
(2)
في تحقيقه لمسند الإمام أحمد (33/ 338)، (حديث: 20166).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (5/ 122).
(4)
«تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (4/ 54).
(5)
«فتح الباري» (2/ 29).
من جميع جهات المدينة!!
37 ـ مخالفته جمهور العلماء في تاريخ غزوة الأحزاب:
قال النووي رحمه الله عن غزوة الأحزاب: «كانت سنة أربع من الهجرة، وقيل سنة خمس»
(1)
.
«قال الباحث» : أكثر علماء المغازي على القول الثاني، وهو أن غزوة الأحزاب كانت سنة خمس، كما يقول الحافظ ابن حجر
(2)
.
وكذا نسبه إلى الأكثر جمع من العلماء، منهم: ابن حزم الأندلسي
(3)
والحافظ ابن كثير
(4)
، والديار بكري
(5)
، والحلبي
(6)
، والدكتور العُمري
(7)
وغيرهم كثيرون.
وعلى كل فللنووي رحمه الله سَلَف فيما ذهب إليه
(8)
، وإن كان خلافاً للجمهور.
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (5/ 129).
(2)
«فتح الباري» (5/ 278).
(3)
«جوامع السير» لابن حزم (ص: 185)، وإن كان هو رجح ما رجحه النووي.
(4)
«البداية والنهاية» لابن كثير (6/ 11).
(5)
«تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس» (1/ 480).
(6)
«إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون» للحلبي (2/ 438).
(7)
«السيرة النبوية الصحيحة» للعُمري (2/ 418).
(8)
انظر: «فتح الباري» لابن حجر (5/ 278).
38 ـ تصحيحه حديث أنس في قنوت صلاة الصبح وهو ضعيف:
قال النووي رحمه الله: «وأما أصل القنوت في الصبح فلم يتركه ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ حتى فارق الدنيا، كذا صحّ عن أنس رضي الله عنه»
(1)
.
«قال الباحث» : حديث أنس المشار إليه لا يصحّ، فقد أخرجه أحمد
(2)
، والدارقطني
(3)
، والبيهقي
(4)
، وغيرهم، كلهم من طريق أبي جعفر الرازي، عن الرَّبيع بن أنس، عن أنس بن مالك، أنه قال:«مازال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنتُ في الفجر حتى فارق الدنيا» .
وهذا إسناد ضعيف، مداره على أبي جعفر الرازي، واسمه عيسى بن ماهان، مختلف فيه، وقد ضعفه جمع كبير من الحفاظ، منهم الإمامان أحمد
(5)
وابن حبان
(6)
وغيرهما
(7)
.
وقال ابن حجر: «صدوق سيء الحفظ، خصوصاً عن مغيرة»
(8)
.
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (5/ 178).
(2)
«مسند أحمد» (20/ 95)، (حديث: 12657).
(3)
«سنن الدارقطني» (2/ 370)، (حديث: 1692).
(4)
«السنن الكبرى» للبيهقي (2/ 287)، (حديث: 3104).
(5)
«المجروحين» لابن حبان (2/ 120)، (الترجمة: 706).
(6)
«المجروحين» (2/ 120)، (الترجمة: 706).
(7)
انظر: «ميزان الاعتدال» للذهبي (3/ 320)، (الترجمة: 6595).
(8)
«تقريب التهذيب» ، (الترجمة: 8019).
لذلك ضعف الحديث جمع غفير من الأئمة منهم: ابن الجوزي، وقال:«لا يصحّ»
(1)
، وابن القيم
(2)
، وابن التركماني
(3)
، وابن رجب، وقال:«منكر، روي عن أنس من وجوه كثيرة، لا يثبت منها شيء، وبعضها موضوعة»
(4)
.
وقال الحافظ ابن حجر: «اختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت، فلا يقوم بمثل هذا حجة»
(5)
.
لذلك لا يسلَّم للنووي تصحيحه الحديث المذكور، والعلم عند الله تعالى.
(1)
«العلل المتناهية» لابن الجوزي (1/ 445)، (حديث: 753).
(2)
«زاد المعاد» (1/ 267).
(3)
«الجوهر النقي» (2/ 201).
(4)
«فتح الباري» لابن رجب (9/ 191).
(5)
«التلخيص الحبير» (1/ 600).
ومن كتاب صلاة المُسافرين وقصرها
39 ـ نسبتُه حديثاً لصحيح مسلم ليس فيه:
قال النووي رحمه الله: «في صحيح مسلم وغيره أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم القاصر ومنهم المُتِم، ومنهم الصائم ومنهم المُفْطر، لا يعيبُ بعضهم على بعض»
(1)
.
«قال الباحث» : هذا وهم من النووي رحمه الله، فالحديث ورد في صحيح مسلم من رواية أبي سعيد الخُدري وجابر بن عبدالله، ومن رواية أنس ابن مالك، لكن ليس فيه البتَّة ذكر القصر والإتمام في السفر، وإنما فيه الفطر والصوم فحسب.
ولفظه من حديث أبي سعيد وجابر رضي الله عنهما، قالا:«سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصوم الصائم، ويفطر المُفْطر، فلا يعيب بعضهم على بعض»
(2)
.
ولفظه من رواية أنس بن مالك، قال:«سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فلم يعب الصائم على المُفْطر، ولا المُفْطر على الصائم»
(3)
.
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (5/ 194).
(2)
«صحيح مسلم» ، كتاب الصوم، باب جواز الصوم والفطر في رمضان للمسافر (2/ 787)، (حديث: 1117).
(3)
المصدر السابق، (حديث: 1118).
ثم وجدت جماعة من أهل العلم قد تعقَّبوا النووي بنحو ما ذكرته، منهم العلامة الشوكاني، حيث قال:«ولم نجد في صحيح مسلم قوله: «فمنهم القاصر ومنهم المتُم»
(1)
.
وكذا تعقَّبه الشيخ الكشميري، فقال:«والعجبُ من الشيخ النووي أنه ذكر مع هذه القطعة؛ قطعة إتمام الصلاة في السفر وقصرها أيضاً، ثم عزاه إلى مسلم، مع أنه ليس فيه اسمُها ولا رسمُها»
(2)
.
وكذا قال الشيخ المباركفوري في تحفة الأحوذي
(3)
.
40 ـ نسبته حديثاً لسنن أبي داود وهو في صحيح مسلم:
قال النووي رحمه الله: «ثبتَ عن أمِّ هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتْح صلَّى سُبحة الضُحى ثمانِ ركعات، يُسلِّم من كلِّ ركعتين، رواه أبو داود في سننه
(4)
بهذا اللفظ، بإسناد صحيح على شرط البخاري»
(5)
.
«قال الباحث» : حديث أمِّ هانئ ثابتٌ في صحيح مسلم، والعزو إليه أولى من أبي داود، ولفظه عند مسلم، عن أمِّ هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها: «أنه لمَّا كان عامُ الفتْح، أتَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة، قام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
(1)
«نيل الأوطار» (3/ 241).
(2)
«فيض الباري بشرح صحيح البخاري» للكشميري (1/ 350).
(3)
«تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي» (3/ 86).
(4)
«سنن أبي داود» ، كتاب الصلاة، باب صلاة الضحى (2/ 28)، (حديث: 1290).
(5)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (5/ 233).
إلى غسله، فسترتْ عليه فاطمةُ، ثم أخذ ثوبه فالتحف به، ثم صلَّى ثمانِ ركعات، سُبحة الضُحى»
(1)
.
وقد سبق للنووي رحمه الله شرح هذا الحديث في موضعه من شرحه على صحيح مسلم، ومما قاله هناك:«هذا اللفظ فيه فائدة لطيفة، وهي أن صلاة الضُحى ثمانِ ركعات، وموضع الدلالة كونها قالت سُبحة الضُحى، وهذا تصريح بأن هذا سنّة مقررة معروفة، وصلَّاها بنيَّة الضُحى، بخلاف الرواية الأخرى صلَّى ثمانِ ركعات وذلك ضُحى، فإنَّ من الناس من يتوهم منه خلاف الصواب، فيقول: ليس في هذا دليل على أنَّ الضُحى ثمانِ ركعات، ويزعم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى في هذا الوقت ثمانِ ركعات بسبب فتْح مكة لا لكونها الضُحى، فهذا الخيال الذي يتعلَّق به هذا القائل في هذا اللفظ لا يتَأتَّى له في قولها سُبحة الضُحى»
(2)
.
هذا كلام النووي نقلته بحروفه، لكنه رحمه الله نسيه هنا، فاكتفى لإثبات سنيَّة صلاة الضُحى بحديث عزاه إلى سنن أبي داود فحسب، وهو كما قلنا ثابتٌ في صحيح مسلم.
ولعل سبب ذهول النووي رحمه الله أن مسلماً أخرج حديث أمِّ هاني الصَّريح في سنَّة الضُحى في غير مظنته، فقد أخرجه في كتاب الحيْض، بينما
(1)
«صحيح مسلم» ، كتاب الحيض، باب تستر المغتسل بثوب ونحوه (1/ 266)، (حديث: 336).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (4/ 29).
لم يذكره مع الأحاديث التي أخرجها في استحباب صلاة الضُحى، من كتاب الصلاة، والعلم عند الله تعالى.
41 ـ حكايته الإجماع على كراهة الصلاة التي لا سبب لها في أوقات النهي وجواز الفرائض المؤداة فيها والتعقُّب عليه:
ذكر النووي رحمه الله أحاديث النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس
(1)
، ثم قال:«أجمعت الأمَّةُ على كراهة صلاة لا سبب لها في هذه الأوقات، واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها»
(2)
.
«قال الباحث» : هاهنا مسألتان حكى النووي الإجماع فيهما:
المسألة الأولى: كراهة الصلاة التي لا سبب لها في أوقات النهي.
المسألة الثانية: جواز أداء صلاة الفريضة في أوقات النهي.
والصواب ألّا إجماع في المسألتين، فالخلاف فيهما مشهور، لذلك تعقبه الحافظُ ابن حجر، فقال: «ما نقله ـ النووي ـ من الإجماع والاتفاق مُتعقَّب فقد حكى غيره عن طائفة من السَّلَف الإباحة مطلقاً، وأن أحاديث النهي منسوخةٌ، وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر، وبذلك جزم ابن حزم
(3)
.
(1)
«صحيح مسلم» ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها (1/ 566)، (حديث: 825 فما بعده).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (6/ 110).
(3)
«المحلى» لابن حزم (3/ 5).
وعن طائفة أخرى المنع مطلقاً في جميع الصلوات، وصحّ عن أبي بكرة وكعب ابن عُجرة المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات»
(1)
.
قلت: وكذا تعقَّبه الحافظُ العراقي، فقال بعد أن ذكر أن الحنفية منعوا الصلوات جميعاً في أوقات النهي ولو كانت فريضة فائتة
(2)
(3)
.
وإذن فلا إجماع في كلتا المسألتين، والله تعالى أعلم.
42 ـ حكايته الإجماع على جواز صلاة الجنازة في أوقات النَّهي وتعقُّب الأئمة له:
ذكر النووي رحمه الله حديث عُقبة بن عامر مرفوعاً: «ثلاث ساعاتٍ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلِّي فيهن، أو أن نقبُر فيهنّ موتانا، حين تطلع
(1)
«فتح الباري» لابن حجر (2/ 59).
(2)
مقصود الحنفية بأوقات النهي هنا عند طلوع الشمس حتى ترتفع، وعند اصفرارها حتى تغيب، وعند استوائها في كبد السماء حتى تميل. ينظر:«البناية شرح الهداية» للعيني (2/ 230).
(3)
«طرح التثريب» للعراقي (2/ 190).
الشمس بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيَّف الشمس للغروب حتى تغرب»
(1)
، ثم قال: «صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت
(2)
بالإجماع»
(3)
.
«قال الباحث» : حكاية الإجماع في المسألة متعقَّبة، فالخلاف فيها مشهور، وقد ذهب جمع من العلماء إلى كراهة صلاة الجنازة في الأوقات المذكورة.
قال الإمام الترمذي بعد أن روى حديث عقبة بن عامر السابق: «العمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: يكرهون الصلاة على الجنازة في هذه الساعات
…
وهو قول أحمد وإسحاق»
(4)
.
وقد تعقَّب العلامة المباركفوري كلام النووي أيضاً، وقال: «قوله صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع فيه نظر ظاهر، كما ستقف على ذلك في بيان المذاهب
…
»
(5)
، ثم ساق أقوال العلماء وخلافهم في المسألة.
وكذا تعقَّب حكاية الإجماع هذه الحافظ ابن حجر، وإن لم يسم النووي،
(1)
«صحيح مسلم» ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها (1/ 568)، (حديث: 831).
(2)
يقصد الأوقات الثلاثة المذكورة في الحديث.
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (6/ 114).
(4)
«سنن الترمذي» ، كتاب الصلاة، باب ما جاء في كراهة الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وعند غروبها (3/ 329)، (حديث: 1030).
(5)
«تحفة الأحوذي» (4/ 100).
فقال: «وحكى آخرون الإجماع على جواز صلاة الجنازة في الأوقات المكروهة وهو متعقَّب»
(1)
.
وفي مرقاة المفاتيح: «المذهب عندنا ـ الحنفية ـ أن هذه الأوقات الثلاثة يحرُم فيها الفرائض والنوافل، وصلاة الجنازة
…
»
(2)
.
فكل هذه النقول الموثقة تنقض ما ذكره النووي رحمه الله من الإجماع على عدم كراهة صلاة الجنازة في أوقات النهي المذكورة، والعلم عند الله تعالى.
(1)
«فتح الباري» (2/ 59).
(2)
«مرقاة المفاتيح» (2/ 821).
ومن كتاب الجُمُعة
43 ـ نسبته قولاً للقاضي عياض وهو لغيره:
ذكر النووي رحمه الله حديث مسلم: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، وهذا يومهم الذي فُرض عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له
…
»
(1)
، ثم قال: «قال القاضي: الظاهر أنه فُرض عليهم ـ أي أهل الكتاب ـ تعظيمُ يوم الجمعة بغير تعيين، ووَكَل إلى اجتهادهم لإقامة شرائعهم فيه، فاختلف اجتهادهم في تعيينه، ولم يهدهم الله له
…
ولو كان منصوصاً لم يصحّ اختلافهم فيه»
(2)
.
«قال الباحث» : ما نسبه النووي للقاضي عياض ليس من كلامه، وإنما نقله القاضي عن بعض المشايخ
(3)
، وهذا نص كلامه في إكمال المعلم: «وقال بعض المشايخ ما معناه: إنه ليس في الحديث دليلٌ أن يوم الجمعة فُرض عليهم تعيينه، فتركوه، لأنه لا يجوز لأحد أن يترك فرضًا فُرض عليه، والظاهر
(1)
«صحيح مسلم» من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة (2/ 585)، (حديث: 855).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (6/ 143)، باختصار.
(3)
ينظر: «إكمال المعلم» (3/ 250).
أنه فرض عليهم يوم الجمعة يعظمونه بغير تعيين، ووَكَل إلى اختيارهم تعيينه
…
ولو كان منصوصاً عليه لم يصحّ اختلافهم»
(1)
.
وقد نبّه على وهم النووي الحافظُ العراقي، فقال:«حكى القاضي عياض هذا الكلام عن بعض المشايخ، فجاء النوويّ في شرح مسلم فحكاه عن القاضي نفسه، وقد عرفتَ أنه إنما حكاه عن غيره»
(2)
.
ثم ردّ العراقي بقوة على هذا القول، ووصفه بأنه قول بارد، لأن مخالفات اليهود والنصارى لأوامر الله كثيرة، ولذلك ذمهم الله تعالى.
يعني فلا يستغرب منهم تضييع يوم الجمعة بعد أن فرض الله عليهم تعظيمه وعيّنه لهم، والله تعالى أعلم.
(1)
«إكمال المعلم» (3/ 250).
(2)
ينظر: «طرح التثريب» (3/ 155).
ومن كتاب صلاة العيدين
44 ـ قوله بأن السيدة عائشة كانت دون سن البلوغ عند مشاهدتها للحَبَشَة وهم يلعبون بالحراب في المسجد وتعقُّب الأئمة له:
أبدى الإمام النووي رحمه الله احتمال كون السيدة عائشة رضي الله عنها كانت صغيرة لم تبلغ ولم تكلّف، عندما كانت تنظر مع النبي صلى الله عليه وسلم للحبشة وهم يلعبون بالحراب في المسجد
(1)
.
وقد ذكر هذا الاحتمال حتى يردّ على من استدل بالحديث على جواز نظر المرأة إلى وجه الرجل الأجنبي!!
ونصّ عبارة النووي: «لعل هذا كان قبل نزول الآية في تحريم النظر، وأنها كانت صغيرةً قبل بلوغها، فلم تكن مكلَّفة»
(2)
.
«قال الباحث» : تعقَّبه الحافظ ابن حجر، فقال: «الظاهر أن ذلك وقع بعد بلوغها، وقد تقدم من رواية ابن حبَّان
(3)
أن ذلك وقع لما قدم وفْد الحبشة،
(1)
«صحيح مسلم» ، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد (2/ 609)، (حديث: 892).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (6/ 184).
(3)
«صحيح ابن حبان» (13/ 186)، بإسناد صحيح على شرط البخاري كما قال محقق الكتاب الشيخ شعيب الأرنؤوط.
وكان قدومهم سنة سبع، فيكون عمرها حينئذ خمس عشرة سنة»
(1)
.
وبنحو كلام ابن حجر قال جمع من الأئمة، منهم: الحافظ العيني
(2)
والسيوطي
(3)
، والقسطلاني
(4)
.
(1)
«فتح الباري» (2/ 445)، وينظر: المصدر نفسه (9/ 336).
(2)
«عمدة القاري بشرح صحيح البخاري» (6/ 271).
(3)
نقله عنه علي القاري في «مرقاة المفاتيح» (5/ 2055).
(4)
«إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري» (8/ 118).
ومن كتاب الكسوف
45 ـ حكايته الإجماع على سنِّيَّة صلاة الكسوف وتعقُّب الأئمة له:
قال النووي رحمه الله: في حكم صلاة الكسوف: «أجمع العلماءُ على أنَّها سنةٌ»
(1)
.
«قال الباحث» : حكاية الإجماع فيها نظر، فقد نقل الحافظُ ابن حجر عن بعض العلماء أنه أوجبها، فقال: «الجمهور على أنها سنة مؤكدةٌ، وصرَّح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها
(2)
، ولم أره لغيره، إلَّا ما حكي عن مالك أنَّه أجراها مجرى الجمعة، ونقل الزَّين بن المنيّر عن أبي حنيفة أنه أوجبها، وكذا نقل بعض مصنِّفي الحنفية أنها واجبة»
(3)
.
وهذا الذي ذكره ابن حجر عن بعض الحنفية، صرَّح به غير واحد من علماء الحنفية كالعلامة الكاساني، حيث قال: «وقال بعض مشايخنا
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (6/ 198).
(2)
حيث بوب بقوله: «بيان وجوب صلاة الكسوف» كما في صحيحه المعروف بمستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم (2/ 92).
(3)
«فتح الباري» (2/ 527).
إنها واجبة»
(1)
.
وكذا قال العيني: «وقال بعض مشايخنا إنها واجبة، للأمر بها»
(2)
.
والحاصل أن لا إجماع في المسألة كما ذكر النووي رحمه الله.
ومن كتاب الجَنَائز
46 ـ كلامٌ موهم في استحباب مشْط رأس الميِّت وضفْره:
قال النووي رحمه الله: «فيه
(1)
استحباب مشْط رأس الميِّت وضَفْره»
(2)
.
«قال الباحث» : كلام النووي رحمه الله يوهم تسوية الحكم بين المرأة والرجل في استحباب المشط والضَّفْر المذكور. وهذا ما لم يقل به أحدٌ من أهل العلم فيما أعلم، فإن عامة العلماء على اختصاص ذلك بالمرأة وحدها
(3)
.
والحاصل أن النووي رحمه الله لم يحرّر العبارة كما يجب، وكان الأولى أن يقول: فيه استحباب مشط رأس المرأة وضفره، بدلاً من قوله: رأس الميِّت، والله أعلم.
(1)
يشير إلى حديث أم عطيّة في قصة غَسْل زيْنب بنت النبي صلى الله عليه وسلم، «صحيح مسلم» ، كتاب الجنائز، باب في غسل الميت (2/ 646)، (حديث: 939).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (7/ 4).
(3)
ينظر: «كشف المشكل من حديث الصحيحين» لابن الجوزي (4/ 475). «فتح الباري» لابن حجر (3/ 134)، و «شرح سنن أبي داود» للعيني (6/ 74)، و «نيل الأوطار» (4/ 41).
47 ـ حكايته الاتفاق على ضعف حديث «من غسل ميتاً فليغتسل» وتعقُّب الأئمة له:
ذكر النووي رحمه الله حديث أبي هريرة مرفوعاً: «من غسل ميتاً فليغتسل، ومن مسَّه فليتوضأ»
(1)
، ثم قال:«ضعيف بالاتفاق»
(2)
!!
«قال الباحث» : حكاية الاتفاق غير مسلَّمة، فالحديث حسنه الترمذي
(3)
، وصححه ابن حبان
(4)
، وابن السكن
(5)
.
وكل هؤلاء الأئمة كانوا قبل النووي
(6)
.
لذلك تعقَّبه الحافظ ابن عبد الهادي، فقال:«ليس الأمر كما قال»
(7)
.
وكذا تعقَّبه الحافظ ابن الملقن فقال: «كذا قاله النووي في «شرح مسلم» ،
(1)
أخرجه أبو داود في «سننه» ، كتاب الجنائز، باب في الغسل من غسل الميت (3/ 201)، (حديث: 3161)، والترمذي في «سننه» ، أبواب الجنائز (3/ 309)، باب ما جاء في الغسل من غسل الميت، (حديث: 993)، وابن ماجه في «سننه» ، كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الميت (1/ 470)، (حديث: 1463).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (7/ 6).
(3)
«سنن الترمذي» ، أبواب الجنائز، باب ما جاء في الغسل من غسل الميت (3/ 309)، (حديث: 993).
(4)
«صحيح ابن حبان» (3/ 435)، (حديث: 1161).
(5)
نقله عنه ابن الملقن في «تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج» (1/ 516).
(6)
وممن حسنه من المتأخرين: ابن الملقن في «البدر المنير» (2/ 536)، وابن حجر في «التلخيص الحبير» (1/ 371).
(7)
«حاشية ابن عبد الهادي على كتاب الإمام» لابن دقيق العيد (1/ 70).
وتبعه بعض شراح هذا الكتاب ـ يعني عمدة الأحكام ـ، وليس بجيّد
…
»
(1)
، ثم أخذ يسمى بعض من صححه.
نعم لو قال النووي: الحديث ضعيف عند أكثر العلماء لكان أصوب، فقد نُقِلَ تضعيفه عن الإمام أحمد، وابن المديني، والذهلي، والبخاري، والبيهقي، وابن الجوزي وغيرهم من الأئمة
(2)
.
48 ـ حكايته الاتفاق على ضعف يزيد بن أبي زياد مع توثيق جمع من الأئمة له:
قال النووي رحمه الله: «يزيد بن أبي زياد مجمع على ضعفه»
(3)
.
«قال الباحث» : رحم الله النووي ما أكثر ما يحكي الإجماع في مسائل اشتهر فيها الخلاف!!
ويزيد بن أبي زياد هذا وإن كان أكثر الأئمة على ضعفه، لكنهم لم يجمعوا على ذلك كما ذكر النووي، فقد أخرج له مسلم في صحيحه مقروناً بغيره
(4)
.
وأخرج الترمذي حديثاً من طريقه وحسنه
(5)
.
(1)
«الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» (4/ 442).
(2)
ينظر: «البدر المنير» (2/ 562)، و «خلاصة البدر المنير» (1/ 60).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (7/ 8).
(4)
انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (32/ 140).
(5)
«سنن الترمذي» ، أبواب الحج، ما يقتل المحرم من الدواب (3/ 189)، (حديث: 838).
وقال يعقوب بن سفيان: «يزيد بن أبي زياد، وإن كان قد تكلَّم الناس فيه لتغيّره في آخر عُمُره، فهو على العدالة والثقة، وإن لم يكن مثل منصور والحكم والأعمش، فهو مقبول القول ثقة»
(1)
.
وقال الحافظ أحمد بن صالح المصري: «يزيد بن أبي زياد ثقة، ولا يعجبني قول من تكلَّم فيه»
(2)
.
وقال العجلي: «جائز الحديث، وكان بآخرة يُلقن»
(3)
.
وقد وثقه من المتأخرين الشيخ أحمد شاكر، ودافع عنه
(4)
.
فالحاصل أن مثل هذا الراوي لا يقال إنه مجمع على ضعفه كما هي عبارة النووي، والأولى أن يقال: إنه ضعيف عند الجمهور، أو عند الأكثرية، والعلم عند ربّ البرية.
ثم إن للنووي رحمه الله وهماً آخر يتعلّق بيزيد بن أبي زياد هذا، فإن الإمام مسلماً رحمه الله قال في مقدِّمة صحيحه:«فإنّ اسم السِّتْر والصِّدْق وتعاطي الأخبار يشملهم، كعطاء بن السَّائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سُليم وأضرابهم من حُمّال الآثار ونُقّال الأخبار»
(5)
.
(1)
«المعرفة والتاريخ» ليعقوب بن سفيان (3/ 81).
(2)
«تهذيب التهذيب» (11/ 331)، (الترجمة: 1843).
(3)
«الثقات» للعجلي (ص: 479)، (الترجمة: 1843).
(4)
انظر: «مسند الإمام أحمد» بتحقيق: الشيخ أحمد شاكر (1/ 456)، (حديث: 662).
(5)
انظر: «صحيح مسلم بشرح النووي» (1/ 51).
فقال النووي معلقاً: «وأما يزيد بن أبي زياد فيقال فيه أيضاً يزيد بن زياد وهو قرشي دمشقي، قال الحفاظ: هو ضعيف
…
»
(1)
.
وهذا وهمٌ من النووي رحمه الله، فإن الدمشقي هذا راوٍ آخر مختلف، ليس هو المذكور في كلام الإمام مسلم، فالمذكور في كلام الإمام مسلم كوفي وليس دمشقياً.
وقد نبَّه على وهم النووي هذا الحافظُ ابن حجر فقال: «وأغرب النووي فذكر في مقدِّمة شرح مسلم ترجمة يزيد بن أبي زياد، وابن أبي زياد الدمشقي المذكورة قبل هذه الترجمة، وزعم أنه مُراد مسلم بقوله يزيد بن أبي زياد، وفيه نظر لا يخفى»
(2)
.
49 ـ إغفاله دليلاً قوياً في جواز الدَّفن ليلاً:
قال النووي رحمه الله: «اختلف العلماء في الدَّفن في الليل، فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة
…
وقال جماهير العلماء من السَّلَف والخَلَف لا يكره، واستدلوا بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة من السَّلَف دُفنوا ليلاً من غير إنكار
…
»
(3)
.
«قال الباحث» : هذا استدلال قوي، لكن ثمة ما هو أقوى منه، وهو دفنه صلى الله عليه وسلم ليلاً من غير إنكار.
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (1/ 51).
(2)
«تهذيب التهذيب» (11/ 331).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (7/ 11).
فالمشهور الذي عليه أكثر الأئمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دُفن ليلاً، كما دلَّ عليه جملة من الأحاديث والآثار، منها حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:«توفي النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ودُفن ليلة الأربعاء»
(1)
.
قال الحافظ ابن كثير: «وهو الذي نصَّ عليه غير واحد من الأئمة سَلَفاً وخَلَفاً»
(2)
.
فكان الأولى بالنووي رحمه الله ألا يهْمل هذا الدليل إلى جانب بقيَّة ما ذكره من الأدلة، والله تعالى أعلم.
50 ـ ردّه تفسيراً قوياً لحديث «أسرعوا بالجنازة» وتعقُّب الأئمة له:
ذكر النووي رحمه الله حديث: «أسرعوا بالجنازة .. »
(3)
، ثم جزم بأن المراد بالإسراع: المشي بالجنازة إلى قبرها، وردّ على من فسره بالإسراع بتجهيزها، وقال إنه:«قول باطلٌ مردودٌ»
(4)
.
(1)
أخرجه أحمد في «مسنده» (41/ 300)، من طريق محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة به، وإسناده حسن، محمد بن إسحاق وإن كان مدلساً إلا أنه قد صرح بالتحديث في بعض طرق الحديث، كما أشار إلى ذلك الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند (41/ 300).
(2)
«البداية والنهاية» لابن كثير (8/ 149).
(3)
«صحيح مسلم» ، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة (2/ 651)، (حديث: 944).
(4)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (7/ 13).
«قال الباحث» : ما حكم النووي ببطلانه غير مسلَّم، فمقتضى الأمر بالإسراع يشمل الأمرين معاً؛ الإسراع بالمشي بها إلى قبرها، والإسراع بتجهيزها من غسل وتكفين ونحوه بعد تيقن الموت.
ليس هناك ما يمنع التفسيرين معاً.
لذلك تعقَّب العلامةُ الفاكهي كلامَ النووي، وقال:«هذا جمود على ظاهر لفظ الحديث»
(1)
.
وأيَّده الحافظُ ابن حجر، فقال: «ويؤيده ـ يعني كلام الفاكهي ـ حديث ابن عمر، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مات أحدكم، فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره. أخرجه الطبراني
(2)
بإسناد حسن
(3)
.
ولأبي داود
(4)
، من حديث حُصين بن وحْوَح، مرفوعاً: لا ينبغي لجيفة مسلم أن تبقى بين ظهراني أهله الحديث»
(5)
.
(1)
«رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام» (3/ 237).
(2)
«المعجم الكبير» للطبراني (12/ 444)، (حديث: 13613).
(3)
تحسين إسناد هذا الحديث فيه نظر، لأن فيه يحيى بن عبدالله البابلُّتي، وهو ضعيف، كما قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 44)، (حديث: 4242).
(4)
أخرجه أبو داود في «سننه» ، كتاب الجنائز، باب التعجيل بالجنازة وكراهية حبسها (3/ 200)، (حديث: 3159)، وإسناده ليس بالقوي، كما قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الوسطى» (2/ 152)، لأن فيه سعيد بن عثمان البلوي، لم أقف على من وثقه غير ابن حبان، ذكره في «الثقات» (الترجمة: 8109) قال ابن حجر في «التقريب» (الترجمة: 2364) مقبول.
(5)
«فتح الباري» لابن حجر (3/ 184).
51 ـ إطلاقه كراهة الركوب في الذهاب مع الجنازة:
قال النووي رحمه الله: «يكره الركوب في الذهاب معها»
(1)
، يعني الجنازة.
«قال الباحث» : قيَّده في شرح المهذب بقوله: «إلا أن يكون له عُذر، كمرض أو ضعف ونحوهما، فلا بأس بالركوب»
(2)
.
وكذا قال الحافظ العراقي: «ويستثنى من كراهة الركوب حالة العُذر»
(3)
.
فكان الأولى بالنووي التقييد هنا كما قيَّد في شرح المهذب.
والأمر في هذا واسع، لأن مثل هذا القيد قد يكون معلوماً وحاضراً في ذهن القارئ، بما يغني عن ذكره، والله تعالى أعلم.
52 ـ سقط وتحريف في شرح النووي:
قال النووي رحمه الله: «وفي هذا الحديث
(4)
كراهة تَجْصِيص القبْر، والبناء عليه، وتحريم القعود، والمراد بالقعود: الجلوس عليه، هذا
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (7/ 33).
(2)
«المجموع شرح المهذب» (5/ 279).
(3)
«طرح التثريب» (3/ 287).
(4)
يشير إلى حديث جابر: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجصّص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه» صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبور (2/ 667)، (حديث: 970).
مذهب الشافعي وجمهور العلماء، وقال مالك في الموطأ المراد بالقعود الجلوس»
(1)
.
«قال الباحث» : وقع هنا تحريف وسقط في كلام النووي، وصوابه:«وقال مالك في الموطأ المراد بالقعود: الحَدَث، وهو تأويل ضعيف أو باطلٌ» . كذا نقله الحافظ ابن حجر
(2)
عن النووي، وبه يستقيم الكلام.
وهو الموافق لكلام الإمام مالك في الموطأ، حيث قال:«وإنما نهي عن القعود على القبور، فيما نَرَى للمَذَاهب»
(3)
. يريد قضاء حاجة الإنسان من غائط وبول، كما في شروح الموطأ
(4)
.
وهذه الإفادة وإن كانت خارجة عن موضوع البحث، إلا أنني ذكرتها من باب الفائدة، علها تستدرك عند إعادة طباعة شرح النووي، والله الموفق.
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (7/ 27).
(2)
«فتح الباري» (3/ 224).
(3)
«موطأ مالك» (2/ 236).
(4)
انظر: «الاستذكار» لابن عبد البر (3/ 63)، و «المسالك في شرح موطأ مالك» لابن العربي (3/ 564)، و «شرح الزرقاني على الموطأ» (2/ 101).
ومن كتاب الزكاة
53 ـ تفسيره لحديث «عودة أرض العرب مُروجاً وأنهاراً» والنظر فيه:
ذكر النووي رحمه الله حديث أبي هريرة مرفوعاً: «لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً
(1)
(2)
.
«قال الباحث» : تعقَّبه الشيخُ حمود التويجري
(3)
، فقال: «وفي هذا التأويل نظر؛ لأن أرض العرب أرض قاحلة لا أنهار فيها، وإنما تسقى نخيلها
(1)
جزء من حديث أخرجه مسلم في «صحيحه» ، كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة (2/ 701)، (حديث: 157).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (7/ 97).
(3)
هو الشيخ حمود بن عبدالله التويجري، عالم وقاض ومؤلف، له مؤلفات كثيرة منها: إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة، وإثبات علو الله على خلقه، والدلائل الواضحات على تحريم المسكرات والمفترات، توفي سنة: 1413 هـ، ينظر: تتمة الأعلام، لمحمد خير رمضان يوسف (1/ 154).
وزروعها من مياه الآبار، ولو تركت وأعرض عنها وبقيت مهملة لا تزرع ولا تسقى من مياه الآبار؛ لبقيت قاحلة يابسة، والصحيح أن هذه إشارة إلى ما ابتدئ فيه الآن من حفر الآبار الارتوازية التي ينبع الماء منها بكثرة، وإلى عمل السدود التي تحبس مياه السيول، فتكون أنهارًا تجري إلى الأراضي الطيبة، فتكون مزارع ومروجًا للدواب
…
وقد ظهر مصداق ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض العرب بما ظهر فيها الآن من الآبار الارتوازية، وسيتم ذلك فيما بعد، فتكون مروجًا وأنهارًا؛ كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه»
(1)
.
وهذا اجتهاد من الشيخ التويجري رحمه الله في تفسير الحديث، ومن الصَّعب الجزم بتنزيل الحديث عليه دون مستند شرعي يشهد له.
وهناك تفسير ثالث للحديث ذهب إليه بعض المشتغلين بمسائل الإعجاز العلمي في القرآن والسنّة في العصر الحديث، حيث قرروا أن في الحديث معجزة علمية لم تعرف ولم تكتشف إلا اليوم!!.
قالوا: إن الدراسات والأبحاث العلمية الحديثة أثبتت بأن جزيرة العرب كانت في العصور القديمة قبل نحو عشرة آلاف سنة أرضاً خصبة، تغطيها مساحات واسعة من الأنهار والبحيرات المائية، قبل أن تطرأ عليها حالة الجفاف والتصحر الحالية.
قالوا: فقوله في الحديث: «حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً»
(1)
«إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم» لحمود التويجري (2/ 191).
يدل على أنها كانت كذلك في وقت سابق، وأنها ستعود إلى حالتها الأولى قبل قيام الساعة
(1)
.
«قال الباحث» : كل هذه الأقوال: فرضيات واجتهادات محتملة في تفسير الحديث، ليس لدينا ما يثبتها، أو ينفيها على وجه اليقين.
والأصوب فيما يبدو: أن يكون العود في قوله «حتى تعود» معناه الصيرورة، أي تصير مروجاً وأنهاراً، ومنه قول العرب: عاد الرأْس منِّي كالثَّغَام، بمعنى صار
(2)
.
وعليه فإن جزيرة العرب سوف يطرأ عليها في مستقبل الزمان تغيرات مناخية تقلبها من أرض يابسة جرداء إلى أرض ذات مطر غزير وأنهار، وليس بالضرورة أنها كانت قديماً كذلك، وهذا أمر ليس بالغريب في ظل ما نشاهده اليوم من تغيرات المناخ وتقلباته في كثير من نواحي الأرض، فكم من أرض كانت يابسة، ثم غمرتها المياه مع مرور الأزمنة المتطاولة، وكم من أرض انحسر الماء عنها، وأصبحت يابسة يمشي فوقها الناس، بعد أن كانت مغمورة تحت الماء.
هذا هو الأقرب في تفسير الحديث، لكونه يتماشى مع ظاهره، دون زيادات واحتمالات.
(1)
ينظر كتاب: «قواعد تناول الإعجاز العلمي والطبي في السنة وضوابطه» لعبدالله المصلح (ص: 30).
(2)
«تاج العروس» (8/ 432).
والحاصل أن عودة جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً في آخر الزمان هو من علامات الساعة وقرب قيامها، فيجب الإيمان به كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ولا يضيرنا الجهل بتحديد أسباب حصول ذلك، فمثل هذا مما لا يضر المسلم في دينه، ولا في عقيدته شيئاً، والعلم عند الله تعالى.
54 ـ حصره عدم تكفير الخوارج في مذهب الشافعي فحسب والتعقُّب عليه:
قال النووي رحمه الله: «مذهب الشافعي وجماهير أصحابه العلماء أن الخوارج لا يكفرون، وكذلك القدرية وجماهير المعتزلة وسائر أهل الأهواء»
(1)
.
«قال الباحث» : عدم تكفير الخوارج ليس حكراً على مذهب الشافعي كما توهم عبارة النووي، بل هو قول جماهير علماء أهل السنة كما نقله عنهم غير واحد، كابن حجر
(2)
، والقسطلاني
(3)
، والمناوي
(4)
، والشوكاني
(5)
، وغيرهم كثير.
بل قد حكى الإمام الخطابي إجماع العلماء على أن الخوارج على
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (7/ 160).
(2)
«فتح الباري» (12/ 300).
(3)
«إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري» للقسطلاني (10/ 87).
(4)
«فيض القدير» للمناوي (4/ 126).
(5)
«نيل الأوطار» (7/ 199).
ضلالهم مسلمون، فقال:«أجمعوا على أنهم على ضلالهم مسلمون»
(1)
.
وكذا حكى الإمام ابن تيمية إجماع الصحابة على عدم تكفيرهم، ونصّ عبارته:«الخوارج كانوا من أظهر النَّاس بدعة وقتالاً للأمة وتكفيراً لها، ولم يكن في الصحابة من يكفِّرهم، لا علي بن أبي طالب ولا غيره، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين»
(2)
.
ومن كتاب الصِّيام
55 ـ تضعيفه تفسيراً قوياً لحديث: «إن في السّحور بركة» :
قال النووي رحمه الله: «أما البركة التي فيه
(1)
فظاهرة، لأنه يقوِّي على الصيام، وينشِّط له، وتحصل بسببه الرغبة في الازدياد من الصيام، لخفة المشقَّة فيه على المتسحر، فهذا هو الصواب المعتمد في معناه، وقيل: لأنه يتضمن الاستيقاظ والذكر والدعاء في ذلك الوقت الشريف؛ وقت تنزل الرحمة وقبول الدعاء والاستغفار، وربما توضأ صاحبه وصلَّى، أو أدام الاستيقاظ للذكر والدعاء والصلاة، أو التأهب لها حتى يطلع الفجر»
(2)
.
«قال الباحث» : لست مع النووي في تصويب المعنى الأول وحصر الحديث فيه، والظاهر أن الحديث يشمل الأمرين معاً، تحصيل البركة الدنيوية من تقوية بدن الصائم على احتمال مشقة الصيام في النهار، ويشمل أيضاً تحصيل البركة الدينية من الاستيقاظ في وقت السحر المبارك، ومداومة الذكر
(1)
يشير إلى حديث أنس بن مالك مرفوعاً: «تسحروا فإن في السحور بركة» «صحيح مسلم» ، كتاب الصيام، باب فضل السحور (2/ 770)، (حديث: 1095).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (7/ 206).
والدعاء، ومتابعة السنّة
…
لذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «الأَولى أن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة، وهي اتباع السنّة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوِّي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخُلُق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك، أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام»
(1)
.
ويقول ابن دقيق العيد وكأنه يردّ على كلام النووي: «وهذه البركة: يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية، فإن إقامة السنّة توجب الأجر وزيادته. ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية، لقوة البدن على الصوم، وتيسيره من غير إجحاف به
…
ومما عُلل به استحباب السحور: المخالفة لأهل الكتاب، فإنه يمتنع عندهم السحور، وهذا أحد الوجوه المقتضية للزيادة في الأمور الأخروية»
(2)
.
والحاصل أن النووي رحمه الله ربما ضيّق في تفسير بعض الأحاديث، فيقصرها على معنى واحد فحسب، مع أن ظاهرها محتملٌ لمعان أخرى قوية، وربما كانت جميعها داخلة ومشمولة في مراد النصّ، كما وقع هنا، والله تعالى أعلم.
(1)
«فتح الباري» (4/ 140).
(2)
«إحكام الإحكام» لابن دقيق العيد (2/ 10).
56 ـ اختصار مُجحف:
قال النووي رحمه الله: «معنى المباشرة
(1)
هنا اللَّمس باليد، وهو من التقاء البشرتين» انتهى
(2)
.
«قال الباحث» : أجحف النووي رحمه الله في إيضاح معنى الحديث وبيان مسائله، فاكتفى ببيان المعنى اللغوي للمباشرة فحسب، والشراح يقولون: المراد بالمباشرة في الحديث: استمتاع الصائم بامرأته بالملامسة والمداعبة ومقدمات الجماع دون الجماع، كما ذكره غير واحد، كابن الأثير
(3)
وغيره.
57 ـ إغفاله تفسيراً قوياً لحديث «للصائم فرحتان» :
قال النووي رحمه الله: «وأما ـ فرَحه ـ عند فطره
(4)
، فسببها: تمام عبادته وسلامتها من المفسدات وما يرجوه من ثوابها»
(5)
.
«قال الباحث» : هذا سبب حسنٌ، ويحتمل أن يكون سبب الفَرَح هو: زوال جوع الصائم وعَطَشه حين أبيحَ له الفطر، كما أشار إليه الإمام القرطبي،
(1)
قاله تعليقاً على حديث عائشة، قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم» ، صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة (2/ 777)، (حديث: 1106).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (7/ 217).
(3)
«جامع الأصول» لابن الأثير (6/ 296).
(4)
يشير إلى حديث أبي هريرة مرفوعاً «للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه» صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب في فضل الصيام (2/ 807)، (حديث: 1151).
(5)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (8/ 32).
بل قال: «إنه السابق للفَهْم»
(1)
.
وليس هناك ما يمنع شمول الحديث للمعنيين معاً، فيفرح الصائم بتمام عبادته وسلامتها، ويفرح بزوال جوعه وعَطَشه.
ومثله أيضاً الموضع التالي:
58 ـ إغفاله تفسيراً قوياً لحديث «من صام يوماً في سبيل الله» :
قال النووي رحمه الله: «فيه
(2)
فضيلة الصيام في سبيل الله، وهو محمول على من لا يتضرر به، ولا يفوّت به حقاً، ولا يختل به قتاله ولا غيره من مهمات غزوه»
(3)
.
«قال الباحث» : كلام النووي هذا محمول على أن المراد بسبيل الله في الحديث: الجهاد، مع أن من المحتمل أن يكون المراد به: قصد وجه الله وابتغاء مرضاته مطلقاً، كما صرَّح به غير واحد كالقرطبي
(4)
وغيره.
فهذا تفسير قوي محتمل للحديث، وكان حريّ بالنووي رحمه الله ذكره أو الإشارة إليه ولو بإيجاز.
(1)
«المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب المسلم» (3/ 216).
(2)
يشير إلى حديث أبي سعيد الخدري، مرفوعاً «من صام يوماً في سبيل الله، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً» صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصيام في سبيل الله (2/ 808)، (حديث: 1153).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (8/ 33).
(4)
«المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» للقرطبي (3/ 217).
ومن كتاب الحَجّ
59 ـ حكايته الإجماع على وجوب غسل الميِّت والتعقُّب عليه:
قال النووي رحمه الله: «التكفين واجبٌ وهو إجماعٌ في حقِّ المسلم، وكذلك غسله، والصلاة عليه، ودفنه»
(1)
.
«قال الباحث» : حكاية الإجماع على وجوب غسل الميت متعقَّبة، فإن بعض المالكية رجحوا السنّيّة، وهو اختيار الإمام القرطبي المالكي في شرحه على مختصر مسلم
(2)
.
لذلك تعقَّب الحافظُ ابن حجر النووي في المسألة، وقال:«هو ذهولٌ شديدٌ»
(3)
!!
والمقصود ألَّا إجماع في المسألة كما حكى النووي، وإن كنا لا نشك
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (8/ 129)، وينظر أيضاً:«المجموع شرح المهذب» للنووي (5/ 128)، حيث قال «غسل الميت فرض كفاية بإجماع المسلمين» .
(2)
«المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» (2/ 592).
(3)
«فتح الباري» لابن حجر (3/ 125).
في ضعف القول بعدم الوجوب، لمخالفته صريح الأمر النبوي
(1)
، وما عليه جماهير أهل العلم، والله تعالى أعلم.
60 ـ نسبته إلى أبي حنيفة قولاً لا يصحّ عنه:
(2)
.
«قال الباحث» : تعقَّبه الشيخ الكشميري الحنفي، فقال:«نَسَبَ إلينا النووي أن حجّ الصبي لا يعتبر عندنا، وهو باطلٌ. نعم يقع نفلاً ولا يعتبر عن حجّة الإسلام»
(3)
.
(1)
كما ورد في أحاديث كثيرة، منها حديث ابن عباس مرفوعاً «اغسلوه بماء وسدر» ، أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب الكفن في ثوبين (2/ 75)، (حديث: 1265)، ومسلم في «صحيحه» ، كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات (2/ 865)، (حديث: 1206).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (8/ 160).
(3)
«فيض الباري» للكشميري (2/ 409).
والأمر كما قال الكشميري، فعامة كتب الحنفية مع الجمهور، ولم أر منهم من نسب إلى أبي حنيفة ما ذكره النووي رحمه الله، وما من شك أن أهل المذهب أدرى بمذهب إمامهم من غيرهم.
يقول العلامة الكاساني الحنفي رحمه الله: «فأما البلوغ والحرية فليسا من شرائط الجواز، فيجوز حجّ الصّبي العاقل بإذن وليِّه، والعبد الكبير بإذن مولاه، لكنه لا يقع عن حجَّة الإسلام»
(1)
.
وفي البحر الرائق ـ وهو من كتب الحنفية الشهيرة ـ: «لو حجّ ـ الصَّبي ـ وهو مميِّز بنفسه أو غير مميِّز بإحرام وليِّه فهو نفلٌ»
(2)
.
61 ـ حكايته الإجماع على عدم شرعية الرَّمَل في طواف النساء والتعقُّب عليه:
قال النووي رحمه الله: «اتفق العلماء على أن الرَّمَل
(3)
لا يشرع للنساء»
(4)
، يعني في الطواف.
وكرره في المجموع فقال نقلاً عن ابن المنذر: «أجمع العلماء على أن
(1)
«بدائع الصنائع» للكاساني (2/ 160).
(2)
«البحر الرائق شرح كنز الدقائق» (2/ 334).
(3)
الرَّمَل بفتح الراء والميم: إسراع المشي مع تقارب الخُطى دون الوثوب، كما أفاده النووي في «تهذيب الأسماء واللغات» (3/ 128)، وزاد في «مشارق الأنوار» (1/ 291): مع هزة المنْكبيْن.
(4)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (9/ 7).
المرأة لا ترمل ولا تسعى بل تمشي»
(1)
.
«قال الباحث» : خالف ابن حزم في المسألة، فقال:«فإذا قَدِم المعتمر، أو المعتمرة مكة فليدخلا المسجد، ولا يبدآ بشيء، لا ركعتين ولا غير ذلك قبل القصد إلى الحجر الأسود فيقبِّلانه، ثم يلقيان البيت على اليسار ولا بدَّ، ثم يطوفان بالبيت من الحجر الأسود إلى أن يرجعا إليه سبع مرَّات، منها ثلاث مرَّات خَبَبَا وهو مشْي فيه سرعة»
(2)
.
فهذا كلام ابن حزم ينقض ما حكاه النووي من الإجماع، إلا إن كان النووي يقصد إجماع من قبل ابن حزم، أو أنه لا يعتد بخلافه، أو أنه لم يقف على كلامه، والله تعالى أعلم.
62 ـ إيهامه ضعف أثر عن ابن عباس وهو في الصحيحين:
قال النووي رحمه الله: «من بعث هديه لا يصير محرماً ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم، وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة، إلا حكاية رُويت عن ابن عباس
…
أنه إذا فعله لزمه اجتناب ما يجتنبه المُحرم»
(3)
.
«قال الباحث» : كلام النووي يوهم ضعف أثر ابن عباس رضي الله عنهما، لكونه أسنده إليه بصيغة التمريض (حكاية رويت)، مع أنه أثر ثابتٌ عنه، أخرجه
(1)
«المجموع شرح المهذب» (8/ 59).
(2)
«المحلى» لابن حزم (5/ 8301).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (9/ 70).
الشيخان، البخاري ومسلم، ولفظه عن ابن عباس:«من أهدى هدياً حَرُم عليه ما يحرُم على الحاجّ، حتى ينحر الهدي»
(1)
.
63 ـ قوله بأن فضيلة تضعيف الصلاة في المسجد النبوي مختصةٌ بالمسجد الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم دون ما زيد فيه بعده والتعقُّب عليه:
قال النووي رحمه الله: «واعلم أن هذه الفضيلة مختصةٌ بنفس مسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمانه، دون ما زيد فيه بعده، فينبغي أن يحرص المصلّي على ذلك»
(2)
.
«قال الباحث» : يؤخذ على الإمام النووي أنه اقتصر على هذا القول مع أن جمهور العلماء على خلافه.
فقد قرر جمهور العلماء
(3)
أن الزيادة تأخذ حكم المسجد الأصلي في فضيلة التضعيف.
لذلك تعقَّب كلام النووي غير واحد، منهم: الحافظ العراقي، وقال:
(1)
«صحيح البخاري» ، كتاب الحج، باب من قلّد القلائد بيده (2/ 169)، (حديث: 1700)، وصحيح مسلم، كتاب الحج، باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم (2/ 959)، (حديث: 1321).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (9/ 166).
(3)
ينظر: «وفاء الوفا» للسمهودي (1/ 274)، و «كوثر المعاني الدراري في كشف حبايا صحيح البخاري» للشنقيطي (11/ 139).
(1)
، وكذا تعقَّبه السيوطي
(2)
، وملا علي القاري وأطال في الردّ عليه
(3)
.
وليس من شرط هذا الكتاب مناقشة النووي رحمه الله في المسائل الخلافية، لأن ذلك يطول جداً كما أشرت إليه في المقدِّمة، وإنما ذكرت هذه المسألة لأن النووي اقتصر فيها على قول واحد خالفه فيه جمهور العلماء.
وقد ذكر العلامة السمهودي نقلاً عن الشيخ محب الدين الطبري أن النووي رحمه الله رجع عن قوله هذا
(4)
.
(1)
«طرح التثريب» (6/ 46).
(2)
«حاشية السيوطي على صحيح مسلم» (3/ 428).
(3)
«مرقاة المفاتيح» لملا علي القاري (2/ 585).
(4)
ينظر: «وفاء الوفا» للسمهودي (1/ 274).
ومن كتاب النِّكاح
64 ـ ذكره احتمالاً ضعيفاً في نسخ إباحة اللَّعب بعرائس البنات:
قال النووي رحمه الله: «المراد
(1)
هذه اللُّعب المسماة بالبنات، التي تلعب بها الجواري الصغار
…
ويحتمل أن يكون هذا منهياً عنه، وكانت قصة عائشة هذه ولُعَبُها في أول الهجرة قبل تحريم الصور»
(2)
.
«قال الباحث» : يردّ هذا الاحتمال ما ثبت في سنن أبي داود، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«قدِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، أو خيبر وفي سَهْوتها سِتْرٌ، فهبَّت ريْحٌ فكشفت ناحية السِّتْر عن بنات لعائشة لُعَبٌ، فقال: «ما هذا يا عائشة؟» قالت: بناتي، ورأى بينهن فَرَساً له جناحان من رِقَاع، فقال:«ما هذا الذي أرى وسطهن؟» ، قالت: فَرَسٌ، قال:«وما هذا الذي عليه؟» قالت: جناحان، قال:«فَرَسٌ له جناحان؟» قالت: أما سمعتَ أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟ قالتْ: فضحك حتى رأيت نواجذه»
(3)
.
(1)
يشير إلى حديث زفاف السيدة عائشة رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولُعبها معها، صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب تزويج الأب البكر الصغيرة (2/ 1039)، (حديث: 1422).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم باختصار» (9/ 208 ـ 209).
(3)
«سنن أبي داود» ، كتاب الأدب، باب في اللعب بالبنات (4/ 283)، (حديث: 4932)، من طريق يحيى بن أيوب الغافقي، عن عمارةُ بن غَزِيَّة، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة به، وإسناده صحيح، كما قال الحافظ العراقي (تخريج أحاديث الإحياء: 3/ 1329)، وصححه أيضاً الألباني في آداب الزفاف (ص: 275)، وشعيب الأرنؤوط في تحقيقه لسنن أبي داود (7/ 292)، (حديث: 4932).
فهذا نصّ يردّ ما ذكره النووي من احتمال أن إباحة اللعب بالبنات كان في أول الهجرة ثم نسخ، لأن هذه الحادثة وقعت في السنة السابعة أو التاسعة، وهي تاريخ غزوتي خيبر وتبوك.
65 ـ قوله في وَأْد العرب للبنات والتعقُّب عليه:
ذكر النووي رحمه الله مسألة وَأْدَ البنات، وهي دفنهن أحياء، وقال:«كانت العرب تفعله خشية الإملاق، وربما فعلوه خوف العار»
(1)
.
«قال الباحث» : لو أنه قيّده ببعض العرب لكان أولى، فإن هذه العادة القبيحة لم تكن منتشرة ولا ذائعة بين جميع قبائل العرب، بل كان ذوو الشرف منهم لا يفعلونها، وينهون عنها، وإلا فكيف بقيت نساؤهم، بل كيف بقوا هم أصلاً.
وقد أشار إلى هذا جمع من الأئمة، كالقرطبي رحمه الله عندما كتب يقول: «وقد كان ذوو الشَّرف منهم يمتنعون من هذا ويمنعون منه، حتى افتخر به الفرزدق، فقال:
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (10/ 17) و (11/ 12).
ومنّا الذي منع الوائدات
…
فأحيا الوئيد فلم يُوأد
يعني جدَّه صَعْصَعَة كان يشتريهنَّ من آبائهنَّ، فجاء الإسلام وقد أحْيا سبعين موءودة» انتهى
(1)
.
وأما القصة التي يذكرونها عن وَأْدِ عمَر بن الخطاب رضي الله عنه لابنته في الجاهلية، وأنه كان يبكي حين يذكر ذلك، فليس لها أصلٌ، ولم أجد لها أثراً في كتاب التراجم والتاريخ والسير القديمة بعد التفتيش الشديد عنها!!
66 ـ قوله في صفة رَضَاع الكبير والتعقُّب عليه:
ذكر النووي رحمه الله حديث عائشة في قصة دخول سالم مولى أبي حذيفة على سهْلة بنت سُهيل، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أرضعيه تحرمي عليه»
(2)
، ثم نقل توجيه العلماء لقوله:«أرضعيه» ، فنقل عن القاضي عياض قوله:«لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمسّ ثديها ولا التقت بشرتاهما»
(3)
، ثم قال النووي:«وهذا الذي قاله القاضي حسن، ويحتمل أنه عفي عن مسّه للحاجة، كما خصّ بالرضاعة مع الكبر»
(4)
!!
«قال الباحث» : هذا الاحتمال الثاني غير صحيح، وكان الأولى عدم ذكره، إذ كيف يحلّ لرجل بالغ كامل الرجولة أن ينظر إلى ثدي امرأة أجنبية،
(1)
«تفسير القرطبي» (19/ 233).
(2)
وهو مخرج في صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب رضاعة الكبير (2/ 1076)، (حديث: 1453).
(3)
ينظر: «إكمال المعلم» للقاضي عياض (4/ 641).
(4)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (10/ 31).
فضلاً أن يلتقمه بفمه ويرضعه ويمصه، كما يفعل الأطفال، هذا مما لا يحلّ قطعاً!!.
وعامة الشراح فسروا كلمة «أرضعيه» بأنها تحلب له اللبن في إناء، ثم يشربه من غير أن ينظر إلى الثدي أو يمسّه أو يقترب منه، ولا يذكرون القول بالرضاع المباشر إلا لردّه والإنكار على قائله، كما تراه في كلام الأئمة ابن قتيبة
(1)
، وابن عبد البر
(2)
، والعراقي
(3)
وغيرهم.
(4)
.
ويقول ابن عبد البر: «هكذا إرضاع الكبير يحلب له اللبن ويسقاه، وأما أن تلقمه المرأة ثديها كما تصنع بالطفل فلا، لأن ذلك لا يحل عند جماعة العلماء»
(5)
.
(1)
«تأويل مختلف الحديث» (ص: 437).
(2)
«التمهيد» لابن عبد البر (8/ 257).
(3)
«طرح التثريب» (7/ 139).
(4)
«تأويل مختلف الحديث» (ص: 437).
(5)
«التمهيد» لابن عبد البر (8/ 257).
67 ـ نفيه وجود رواية ثابتة في بعض كتب السنّة:
قال النووي رحمه الله تعليقاً على حديث: الولد للفراش
(1)
: «جاء في رواية احتجبي ـ يعني يا سودة ـ منه، فإنه ليس بأخٍ لك، وقوله «ليس بأخٍ لك» لا يُعرف في هذا الحديث، بل هي زيادة باطلةٌ مردودةٌ»
(2)
.
«قال الباحث» : بل هي زيادة معروفة مخرَّجة في مسند الإمام أحمد
(3)
وسنن النسائي
(4)
وغيرهما، وإن كان الأئمة قد اختلفوا في تصحيحها، فأعلّها البيهقي
(5)
، والمنذري
(6)
، والمازري
(7)
، وأما الحاكم فصحّح إسنادها
(8)
، كما أفاده الحافظ ابن الملقن
(9)
.
فقول الإمام النووي بأنها زيادة لا تعرف في الحديث غير صواب، إلا إن كان قَصَد نفي صحتها، لا نفي وجودها في كتب السنّة، والله أعلم.
(1)
«صحيح مسلم» ، من رواية عائشة رضي الله عنها، كتاب الرضاع، باب الولد للفراش (2/ 1080)، (حديث: 1457).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (10/ 39).
(3)
«مسند الإمام أحمد» (26/ 49)، (حديث: 16127).
(4)
«سنن النسائي» ، كتاب الطلاق، باب إلحاق الولد بالفراش (6/ 180)، (حديث: 3485).
(5)
«السنن الكبرى» للبيهقي (6/ 87).
(6)
«مختصر سنن أبي داود» (3/ 182).
(7)
«المعلم بفوائد مسلم» (1/ 431).
(8)
«المستدرك» (4/ 96).
(9)
«التوضيح لشرح الجامع الصحيح» (14/ 51).
68 ـ كلامٌ موهم في استحباب صلاة ركعتين عند القدوم من السفر:
قال النووي رحمه الله تعليقاً على حديث جَمَل جابر الذي اشتراه منه النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
: «فيه استحباب ركعتين عند القدوم من السفر»
(2)
.
«قال الباحث» : لم يحرر النووي رحمه الله العبارة كما يجب، فأوهم أن استحباب صلاة ركعتين عند القدوم من السفر مطلق في أي مكان، مع أن حديث جابر المذكور قيَّده بالمسجد، ولفظه:«اشترى منّي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراً، فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد، فأصلّي ركعتين»
(3)
.
وهذا ما صرّح به النووي نفسه بعد ذلك في باب بيع البعير واستثناء ركوبه، حيث ذكر حديث جابر، وقال:«فيه أنه يستحب للقادم من السفر أن يبدأ بالمسجد فيصلّي فيه ركعتين»
(4)
.
وكذا صرَّح به في شرحه على المهذب، حين قال:«السنّة للقادم من سفر أن يبدأ بالمسجد فيصلّي فيه ركعتين»
(5)
.
فلو أن النووي رحمه الله قيّد العبارة بالمسجد هنا كما قيّدها في بقيّة
(1)
«صحيح مسلم» ، كتاب النكاح، باب استحباب نكاح البكر (2/ 2089)، (حديث: 715).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (10/ 55).
(3)
«صحيح مسلم مع شرح النووي» (5/ 227).
(4)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (11/ 35).
(5)
«المجموع شرح المهذب» (2/ 178).
المواضع لكان أولى وأحرى، والله تعالى أعلم.
69 ـ تفسيره حديث: «لولا بنو إسرائيل لم يَخْنَز اللَّحم» والنظر فيه:
ذكر النووي ـ رحمه لله ـ حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام، ولم يَخْنَزْ
(1)
اللَّحم
(2)
ثم فسره بقوله: «قال العلماء: معناه أن بني إسرائيل لمّا أنزل الله عليهم المنّ والسَّلوى نهوا عن ادخارهما، فادخروا ففسد وأنْتَن، واستمر من ذلك الوقت»
(3)
!!
«قال الباحث» : في هذا التفسير نظر، لأن مقتضاه أن اللحوم والأطعمة قد تغيّرت طبيعة خلقتها بسبب بني إسرائيل، فكانت قبل وجودهم لا تتغير ولا تتعفَّن، حتى وإن تركت زمناً طويلاً، ثم أصبحت تتغير وتتعفَّن بعد ذلك!!
وفي هذا نظرٌ، لأن الأصل أن الله ئى جعل لهذا الكون وما فيه سنناً ثابتة منذ خلقه، بما فيها فساد اللحم وتعفنه إن ترك زمناً طويلاً.
لذلك كان الأصوب في تفسير الحديث أن يقال: إن بني إسرائيل هم أول من سنّ إمساك الطعام وحبسه عن مستحقيه، حتى صار يفسد ويتغيّر،
(1)
خَنِز معناه: أنتن وتغيّر، كما في غريب الحديث، للقاسم بن سلام (3/ 166)، وغريب الحديث لإبراهيم الحربي (3/ 1036).
(2)
جزء من حديث أخرجه مسلم في «صحيحه» ، كتاب الرضاع، باب لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر (2/ 1092)، (حديث: 1470).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (10/ 59).
وقلَّدهم الناس في ذلك.
هذا مقصود الحديث، وليس أن اللحوم والمأكولات قد تغيّرت طبيعتها التي خلقها الله عليها يوم خلق الأشياء والله أعلم.
وقد أشار إلى هذا التفسير القاضي البيضاوي رحمه الله (ت: 685 هـ)، فقال:«والمعنى: لولا أن بني إسرائيل سنوا ادخار اللَّحم حتى خنز لما ادخر، فلم يَخْنَز»
(1)
.
وبنحوه قال العلامة الطيبي في شرح المشكاة
(2)
.
هذا هو الأصوب في تفسير الحديث وليس كما ذكر النووي رحمه الله.
(1)
«تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة» للبيضاوي (2/ 374)، وينظر أيضاً:«فتح الباري» (6/ 367).
(2)
«الكاشف عن حقائق السنن» للطبي (7/ 2326).
من كتاب الرَّضاع
70 ـ تحسينه حديث «أفعمياوان أنتما» ، وهو ضعيف:
ذكر النووي رحمه الله: حديث أم سلمة: «أنها كانت هي وميمونة عند النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بن أم مكتوم، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم احتجبا منه، فقالتا: إنه أعمى لا يبصر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفعمياوان أنتما، فليس تُبصرانه» ، ثم قال النووي: «هذا الحديث حديث حسن رواه أبو داود
(1)
والترمذي
(2)
وغيرهما»
(3)
.
«قال الباحث» : حسن النووي الحديث المذكور، والأصوب أنه ضعيف، لأنه مروي من طريق نبهان مولى أم سلمة، عن أم سلمة به.
ونبهان هذا لم أقف على من وثقه غير ابن حبان
(4)
.
وقد جهله غير واحد من الحفاظ، فقال البيهقي: «إن البخاري ومسلماً
(1)
«سنن أبي داود» ، كتاب اللباس، باب في قوله ئى «وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن» (4/ 63)، (حديث: 4112).
(2)
«سنن الترمذي» ، وقال: حسن صحيح، أبواب الأدب، باب ما جاء في احتجاب النساء من الرجال (5/ 102)، (حديث: 2778).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (10/ 97).
(4)
«الثقات» لابن حبان (5/ 486)، (الترجمة: 5854).
صاحبي الصحيح لم يخرجا حديثه في الصحيح، وكأنه لم يثبت عدالته عندهما، أو لم يخرج من حد الجهالة برواية عدل عنه»
(1)
.
وقال ابن عبد البر
(2)
وابن حزم
(3)
: «مجهول» .
وقال ابن بطال: «ليس بمعروف بنقل العلم»
(4)
.
وقال ابن حجر: «مقبول»
(5)
، يعني عند المتابعة، وإلا فهو لين الحديث، ولم أر من تابعه.
والحديث قال ابن حجر: «مختلف في صحته»
(6)
، وضعفه ابن عبدالبر في التمهيد، وقال:«لا أصل»
(7)
فلا يسلم للنووي تحسين الحديث، والله أعلم.
(1)
«السنن الكبرى» للبيهقي (10/ 550)، (حديث: 21663).
(2)
«التمهيد» (19/ 155).
(3)
نقله عنه «الذهبي في المغني في الضعفاء» (2/ 694)، (الترجمة: 6595).
(4)
«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (7/ 364).
(5)
«تقريب التهذيب» ، (الترجمة: 7092).
(6)
«فتح الباري» (1/ 550).
(7)
«التمهيد» لابن عبد البر (19/ 155).
من كتاب البُّيوع
71 ـ حكايته إجماع أهل اللغة على أن الحَبَل خاص بالآدميات، والحَمْل لبقية الحيوانات والتعقُّب عليه:
قال النووي رحمه الله: «اتفق أهل اللغة على أن الحَبَل مختص بالآدميات، ويقال في غيرهن الحَمْل، يقال حَمَلت المرأة ولداً وحَبَلت بولد، وحَمَلت الشاة سَخْلَة
(1)
، ولا يقال حَبَلت»
(2)
.
وكرر هذا في كتابه تهذيب الأسماء واللغات، فقال:«اتفق أهل اللغة: على أن الحَبَل مختص بالآدميات، وإنما يقال في غيرهن الحَمْل، يقال: حَبَلت المرأة ولداً وحَبَلت بولد، وحَبَلت من زوجها، وحَمَلت الشاة والبقرة والناقة ونحوها، ولا يقال: حَبَلت»
(3)
.
«قال الباحث» : تعقَّبه الحافظ ابن حجر بأن ابن سيده صاحب المحكم أثبت الحَبَل للحيوانات قولاً لأهل اللغة، قال ابن حجر: «أثبته صاحب
(1)
السَّخْلَة: ولد الشَّاى من المعْز والضأن، ذكراً كَانَ أو أنثى، أفاده ابن سيد في «المحكم» (5/ 77).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (10/ 157).
(3)
«تهذيب الأسماء واللغات» (3/ 61).
المحكم
(1)
قولاً، فقال: اختُلف أهي للإناث عامة أم للآدميات خاصة
…
وفي ذلك تعقُّب على نقل النووي اتفاق أهل اللغة على التخصيص»
(2)
انتهى.
وكذا أثبت الحَبَل لغير الآدميات الإمام اللغوي أبو زيد سعيد بن أوس (ت: 215 هـ)
(3)
، فقال:«يقال حبُلى في كل ذات ظفر»
(4)
.
72 ـ حكايته الإجماع على ضعف أحاديث النهي عن ثمن الكلب إلا كلب صيد والنظر في ذلك:
قال النووي رحمه الله: «وأما الأحاديث الواردة في النهي عن ثمن الكلب إلا كلب صيد، وفي رواية: إلا كلباً ضارياً
…
فكلها ضعيفة باتفاق أئمة الحديث»
(5)
.
«قال الباحث» : حكاية الإجماع هذه بحاجة إلى مراجعة، فقد صحح الأحاديث الواردة في الاستثناء العلامة ابن التركماني، وقال: «الاستثناء رُوي من وجهين جيّدين، من طريق الوليد بن عبيدالله، عن عطاء، عن أبي هريرة. ومن طريق الهيْثم، عن حمّاد، عن أبى الزبير، عن جابر
…
إلى أن قال:
(1)
«المحكم» لابن سيده (3/ 360).
(2)
«فتح الباري» (4/ 357).
(3)
انظر ترجمته في: «طبقات النحويين واللغويين» للإشبيلي (ص: 164).
(4)
«الفرق» لأبي حاتم السجستاني (ص: 245)، وينظر:«تاج العروس» للزبيدي (28/ 270).
(5)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (10/ 233).
فظهر أن الحديث بهذا الاستثناء صحيح»
(1)
.
73 ـ نفيه رواية ثابتة عن ابن معين:
قال النووي رحمه الله: «قال القاضي
(2)
: وقال يحيى بن معين: إن أهل المدينة لا يصححون سماع النُّعمان ـ يعني ابن بشير ـ من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه حكاية ضعيفة أو باطلة، والله أعلم»
(3)
.
«قال الباحث» : إن كان النووي يقصد بطلان المقولة مطلقاً عن يحيى ابن معين، فليس كذلك، فهي ثابتة، كما في رواية تلميذه الدوري عنه
(4)
.
أما إن كان يقصد ردّ المقولة وإبطالها فهذا صحيح، فجماهير العلماء على إثبات سماع النُّعمان بن بشير من النبي صلى الله عليه وسلم، كما قاله النووي نفسه في الموضع السابق.
وقد ثبت تصريح النُّعمان رضي الله عنه بالسماع من النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الحلال بيِّن والحرام بيِّن
…
وهو مخرَّج في الصحيحين
(5)
.
(1)
«الجوهر النقي في الرد على البيهقي» لابن التركماني (6/ 7)، وكذا صحح الاستثناء من المتأخرين الشيخ الألباني بالطرق والشواهد، في «التعليقات الرضية على الروضة الندية» (2/ 347).
(2)
يعني عياضاً، وقوله هذا في «إكمال المعلم» (5/ 289).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (11/ 29).
(4)
«تاريخ ابن معين برواية الدوري» (3/ 230)، (الترجمة: 1078)، وتتمة كلام ابن معين:«وإنما يروي أحاديث النعمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم الكوفيون والشاميون» .
(5)
«صحيح البخاري» ، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه (1/ 20)، (حديث: 52)، صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات (3/ 1219)، (حديث: 1599).
74 ـ تبويبٌ غير مناسب:
ذكر النووي رحمه الله حديث جابر بن عبدالله: «أن عبداً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه على الهجرة، ولم يشعر أنه عبدٌ، فجاء سيّده يريده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعنيه، فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحداً بعدُ حتى يسأله أعبدٌ هو»
(1)
.
وقد بوَّب عليه النووي بقوله: «باب جواز بيع الحيوان بالحيوان من جنسه متفاضلاً»
(2)
!!
«قال الباحث» : لو أنه قال: «باب جواز بيع العبد بالعبدين» ، كما فعل الإمام المنذري في مختصره لصحيح مسلم
(3)
لكان حسناً، فعبارة المنذري أدق وألطف، خاصة وأن الوارد في الحديث بيع العبد بالعبد وليس بيع الحيوان بالحيوان، وتشبيه العبد بالحيوان مما لا يحسن.
(1)
«صحيح مسلم» ، كتاب البيوع، باب بيع الحيوان بالحيوان من جنسه متفاضلاً (3/ 1225)، (حديث: 1602).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (11/ 39).
(3)
«مختصر صحيح مسلم» (ص: 243).
ومن كتاب الوصيَّة
75 ـ حكايته الاتفاق على ضعف حديث «لا نَذْرَ في معصية وكفَّارته كفارة يمين» والتعقُّب عليه:
ذكر النووي رحمه الله حديث: «لا نَذْرَ في معصية وكفَّارته كفارة يمين»
(1)
، ثم قال:«ضعيف باتفاق المحدثين»
(2)
!!
«قال الباحث» : تعقَّبه الحافظ ابن حجر، فقال:«قد صحح الحديث الطحاوي، وأبو علي بن السَّكن، فأين الاتفاق؟»
(3)
.
وما نقله ابن حجر من تصحيح الطحاوي لم أقف عليه، والذي في مشكل الآثار للطحاوي عكس ذلك، فقد قال:«إنه فاسد الإسناد»
(4)
.
(1)
الحديث أخرجه أبو داود في «سننه» من حديث عائشة رضي الله عنها، كتاب الأيمان والنذور، باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية (3/ 232)، (حديث: 3292)، والترمذي في «سننه» ، أبواب النذور والأيمان، باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نذر في معصية (4/ 103)، (حديث: 1524)، والنسائي في «سننه» ، كتاب الأيمان والنذور، باب كفارة النذر (7/ 26)، (حديث: 3834).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (11/ 101).
(3)
«التلخيص الحبير» (4/ 324).
(4)
«مشكل الآثار» للطحاوي (5/ 403)، (حديث: 2158).
(1)
«البدر المنير» (9/ 498).
ومن كتاب الأيْمان
76 ـ نسبته قولاً إلى أبي حنيفة لا يصحّ عنه:
قال النووي رحمه الله: «إذا حلف باللَّات والعُزَّى وغيرهما من الأصنام
…
لم تنعقد يمينه، بل عليه أن يستغفر الله تعالى، ويقول لا إله إلا الله، ولا كفَّارة عليه
…
هذا مذهب الشافعي ومالك وجماهير العلماء، وقال أبو حنيفة: تجب الكفَّارة في كل ذلك»
(1)
.
«قال الباحث» : تعقَّبه الشيخ الكشميري الحنفي، فقال:«نسب النووي إلى الحنفية أنَّ اليمين تنعقد عندهم بالَّلات والعُزَّى، وهو غلطٌ فاحشٌ، وليس في أحد من كتبنا»
(2)
.
77 ـ حكايته الإجماع على أن من لطم مملوكه لا يجب عليه عتقه والنظر في ذلك:
ذكر النووي رحمه الله حديث: «من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه»
(3)
، ثم قال: «أجمع المسلمون على أن عتقه بهذا ليس واجباً،
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (11/ 107).
(2)
«فيض الباري» (2/ 112).
(3)
«صحيح مسلم» ، من حديث ابن عمر، كتاب الأيمان باب صحبة المماليك (3/ 1278)، (حديث: 1657).
وإنما هو مندوب رجاء كفارة ذنبه»
(1)
.
«قال الباحث» : هذا الإجماع ليس على إطلاقه، بدليل أن النووي نفسه نقل بعد أسطر عن القاضي عياض قوله:«أجمع العلماء أنه لا يجب إعتاق العبد لشيء مما يفعله به مولاه مثل هذا الأمر الخفيف، قال: واختلفوا فيما كثر من ذلك وشنع، من ضرب مبرح منهك لغير موجب لذلك، أو حرقه بنار، أو قطع عضواً له، أو أفسده، أو نحو ذلك مما فيه مُثْلة، فذهب مالك وأصحابه والليث إلى عتق العبد على سيده بذلك، ويكون ولاؤُه له، ويعاقبه السلطان على فعله، وقال سائر العلماء لا يعتق عليه»
(2)
.
قال الشوكاني: «وبهذا يتبيّن أن الإجماع الذي أطلقه النووي مقيّد بمثل ما ذكره القاضي عياض»
(3)
، يعني أن الإجماع مقيّد بالضرب الخفيف.
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (11/ 127).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (11/ 127)، وينظر: نص القاضي عياض في كتابه: «إكمال المعلم» (5/ 428).
(3)
«نيل الأوطار» (6/ 101).
ومن كتاب القَسَامة والمحاربين والقَصَاص
78 ـ قوله في مسألة المماثلة في القَصَاص والنظر فيه:
ذكر النووي رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، في قصة اليهودي الذي قتل جارية على أوْضاح
(1)
لها، رَضّ رأسها بين حَجَرين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برَضّ رأسه بين حَجَرين
(2)
.
ثم أخذ النووي يعدد فوائد الحديث، فقال:«منها: أن الجاني يُقتل قَصَاصاً على الصِّفَة التي قَتَل، فإن قَتَل بسيف قُتِل هو بالسيف، وإن قَتَل بحَجَر أو خَشَب أو نحوهما قُتِل بمثله، لأن اليهودي رَضَخ فرُضِخ»
(3)
.
«قال الباحث» : كلام النووي يوهم أن المماثلة في القَصَاص عامة في كل حال وليس كذلك، لأن العلماء بمن فيهم الشافعية استثنوا من ذلك بعض الصور، كمن قَتَل بالسحر أو اللِّواط ونحوها من المحرمات، فإنه لا يُقتل بالطريقة نفسها، والمماثلة تسقط في هذه الحال.
(1)
الأوضاح: نوع من الحُلي يعمل من الفضة كما في «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (5/ 196).
(2)
«صحيح مسلم» ، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب ثبوت القصاص بالقتل بالحجر (3/ 1299)، (حديث: 1672).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (11/ 158).
قال ابن الملقن رحمه الله: «اختلف أصحابنا فيما لو قَتَل باللواط أو بإيجار
(1)
الخمر، فالأصح أن المماثلة تسقط، فإنها محرمة كالسحر»
(2)
.
79 ـ حكايته الاتفاق على أن أم حَرَام بنت مِلْحان كانت محرماً للنبي صلى الله عليه وسلم والنظر في ذلك:
قال النووي رحمه الله: «اتفق العلماء على أنها كانت مَحْرَماً له صلى الله عليه وسلم»
(3)
.
«قال الباحث» : ردّ هذا الحافظ عبد المؤمن بن خلف الدمياطي (ت: 705 هـ)، فقال: «ذهل كل من زعم أن أم حَرَام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أو من النسب، وكل من أثبت لها خؤلة تقتضي محرمية، لأن أمهاته من النسب واللاتي أرضعنه معلومات، ليس فيهن أحد من الأنصار البتة، سوى أم عبد المطلب، وهي سَلْمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خِراش بن عامر بن غَنَم بن عدي بن النجار، وأم حَرَام هي بنت مِلحان بن خالد بن زيد ابن حرام بن جندب بن عامر المذكور، فلا تجتمع أم حَرَام وسَلْمى إلا في
(1)
الوَجْر: الصّبّ في الحلق، انظر:«تاج العروس» (14/ 349)، و «المعجم الوسيط» (2/ 1014).
(2)
«الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» (9/ 87)، وينظر:«البيان في مذهب الإمام الشافعي» للعمراني (11/ 415)، و «المهذب في فقه الشافعي» للشيرازي (3/ 194).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (13/ 57).
عامر بن غَنَم جدهما الأعلى، وهذه خؤلة لا تثبت بها محرمية، لأنها خؤلة مجازية
…
إلى آخره»
(1)
.
وكلام ابن حجر يفهم منه تأييد الدمياطي، لأنه أجاب عن إشكالية دخول النبي صلى الله عليه وسلم على أم حَرَام بنت مِلْحان وجلوسه عندها وتفليتها شعره، بأن أحسن الأجوبة عن ذلك:«دعوى الخصوصية»
(2)
.
فتوجيه ابن حجر هذا يدل على أنه كان لا يرى القول بالمحرمية بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أم حَرَام بنت مِلْحان، وإلا لما رجح القول بالخصوصية، والله تعالى أعلم.
(1)
نقله عن ابن حجر في «الفتح» (11/ 79).
(2)
المصدر السابق (11/ 80).
ومن كتاب الصَّيد والذبائح
80 ـ تحسينه إسناد رواية ضعيفة:
قال النووي رحمه الله: «جاء في سنن أبي داود
(1)
وغيره بإسناد حسن، عن أبي ثعلبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: كلْ، وإن أَكَلَ منه الكلب»
(2)
.
«قال الباحث» : تحسين إسناد هذه الرواية فيه نظر، فقد تفرَّد بروايتها داود بن عمرو الأودي الشامي، وهو وإن وثقه جمع من الحفاظ، إلا أنه قد تكلّم فيه بعضهم، كالعجلي، حيث قال:«ليس بالقوي»
(3)
، وقال أبو حاتم:«شيخ»
(4)
، وقال ابن حجر:«صدوق يخطيء»
(5)
.
وجميع الروايات الصحيحة ليس فيها قوله: «كلْ وإن أَكَلَ منه الكلب» ، بل قد ثبت التصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بعكس ذلك، كما في حديث عدي بن حاتم في الصحيحين، ولفظه مرفوعاً: «إذا أرسلتَ كلبك المعلَّم فقَتَل فكلْ، وإذا
(1)
«سنن أبي داود» ، كتاب الصيد، باب في الصيد (3/ 109)، (حديث: 2852).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (13/ 75).
(3)
«الثقات» للعجلي (1/ 341)، (الترجمة: 425).
(4)
«الجرح والتعديل» (3/ 420)، (الترجمة: 1917).
(5)
«تقريب التهذيب» ، (الترجمة: 1804).
أكل فلا تأكل، فإنما أمسكه على نفسه»
(1)
.
ولأجل هذا حكم جمع من الحفاظ على رواية أبي داود السابقة بأنها منكرة، كالحافظ الذهبي
(2)
، وكذا ضعفها ابن حزم
(3)
وغيره، وأشار إلى ضعفها أيضاً الإمام ابن القيم، وقال: إن «داود بن عمرو ليس بالحافظ»
(4)
.
81 ـ حكايته الإجماع على جواز ذبْح ما ينْحر ونحْر ما يذْبح:
قال النووي رحمه الله: «يجوز ذبح المنحور ونحر المذبوح، وهو مجمعٌ عليه، وإن كان فاعله مخالفاً الأفضل»
(5)
.
«قال الباحث» : حكاية الإجماع غير مسلَّمة، فقد حكى القرطبي عن الإمام مالك أنه كره ذلك مرة، وأخرى حرَّمه
(6)
.
وكذا أثبت الخلاف في المسألة غير واحد من المصنفين، كابن
(1)
«صحيح البخاري» ، واللفظ له، كتاب الوضوء، باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان (1/ 46)، (حديث: 175)، صحيح مسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة (3/ 1529).
(2)
«ميزان الاعتدال» (2/ 18)، (الترجمة: 2637).
(3)
«المحلى» (7/ 471).
(4)
«تهذيب سنن أبي داود» لابن القيم (8/ 42).
(5)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (13/ 97).
(6)
انظر: «المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم» للقرطبي (5/ 370).
رشد
(1)
وابن قدامة
(2)
.
وهذا نصّ كلام ابن رشد يوضح خلاف العلماء في المسألة، يقول رحمه الله:«اختلفوا هل يجوز النحر في الغنم والطير، والذبح في الإبل؟ فذهب مالك إلى أنه لا يجوز النحر في الغنم والطير، ولا الذبح في الإبل، وذلك في غير موضع الضرورة. وقال قوم: يجوز جميع ذلك من غير كراهة، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، والثوري، وجماعة من العلماء، وقال أشهب: إن نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر أكل ولكنه يكره. وفرَّق ابن بكير بين الغنم والإبل، فقال: يؤكل البعير بالذبح ولا تؤكل الشاة بالنحر»
(3)
.
فهذا خلاف العلماء في المسألة كما ترى ينقض دعوى النووي الإجماع؟!.
* * *
(1)
«بداية المجتهد ونهاية المقتصد» (2/ 207).
(2)
«المغني» لابن قدامة (9/ 399).
(3)
«بداية المجتهد ونهاية المقتصد» (2/ 207).
ومن كتاب الأضَاحي
82 ـ حكايته الاتفاق على تفسير العَتِيْرة والنظر في ذلك:
ذكر النووي رحمه الله حديث: «لا فَرَع ولا عَتيرة
(1)
، ثم عرّف العَتِيرة، فقال:«العَتِيرة ذبيحةٌ كانوا يذبحونها في العشْر الأول من رَجَب، ويسمُّونها الرَّجَبية أيضاً، واتفق العلماء على تفسير العَتِيرة بهذا»
(2)
.
«قال الباحث» : حكاية الاتفاق على تفسير العتَيِرْة بالمعنى المذكور فيه نظر، فهناك تفسيرات أخرى للعَتِيرة ذكرها العلماء، منها:
قول الإمام الخطابي: «هي: الذبيحة تذبح للصنم فيصبّ دمها على رأسه»
(3)
.
وجزم ابن الأثير بأنها: «نذر كانوا ينذرونه لمن بلغ ماله كذا رأساً، أن يذبح من كل عشرة منها رأساً في رجب»
(4)
.
ولأجل هذا تعقَّب العراقي حكاية النووي الاتفاق على التفسير المذكور،
(1)
«صحيح مسلم» ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب الأضاحي، باب الفرع والعتيرة (3/ 1564)، (حديث: 1976).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (13/ 136).
(3)
«معالم السنن» (2/ 226).
(4)
«النهاية في غريب الحديث والأثر» (3/ 178).
فقال: «وفيما ذكره نظر»
(1)
.
وأما خلاف العلماء في مشروعية العَتِيرة، وما يجوز منها وما لا يجوز، فليس هذا محلّ بحثنا
(2)
.
* * *
(1)
«طرح التثريب» (5/ 222).
(2)
ينظر خلاف العلماء في مشروعية العتيرة في: «فتح الباري» لابن حجر (9/ 597)، و «عمدة القاري» للعيني (21/ 89).
ومن كتاب الأشْربة
83 ـ قوله باستحسان قول «بسم الله الرحمن الرحيم» عند ابتداء الأكل والنظر فيه:
قال النووي رحمه الله: «تحصلُ التسمية بقوله بسم الله، فإن قال: بسم الله الرحمن الرحيم كان حَسَناً»
(1)
.
«قال الباحث» : تعقَّبه الحافظ ابن حجر، فقال:«لم أر لما ادَّعاه ـ النووي ـ من الأفضليَّة دليلاً خاصاً»
(2)
.
يعني قوله: بسم الله الرحمن الرحيم.
وقد نقل تعقُّب ابن حجر هذا كثيرٌ من المصنِّفين، وأقروه عليه، كالقسطلاني
(3)
، والمباركفوري
(4)
، وغيرهما.
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (13/ 189)، وكرر هذا في كتابه الأذكار (ص: 374).
(2)
«فتح الباري» (9/ 521).
(3)
«إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري» (8/ 211).
(4)
«تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي» (5/ 480).
84 ـ حكايته الاتفاق على أن النهي عن اختناث الأسقية
(1)
نهي تنزيه والنظر في ذلك:
قال النووي رحمه الله: «اتفقوا على أن النهي عن اختناث الأسقية نهي تنزيه لا تحريم»
(2)
.
«قال الباحث» : تعقَّبه ابن حجر والشوكاني فقالا: «كذا قال، وفي نقل الاتفاق نظر، فقد نقل ابن التين وغيره عن مالك أنه أجاز الشرب من أفواه القرب، وقال لم يبلغني فيه نهي»
(3)
.
كذلك يتعقَّب عليه بأن ابن حزم الأندلسي جزم بالتحريم لثبوت النهي
(4)
. فلا إجماع ولا اتفاق إذن في المسألة.
* * *
(1)
اختناث الأسقية: أن يثني أفواهها ثم يشرب منها، كما في «غريب الحديث» للقاسم ابن سلام (2/ 282)، و «غريب الحديث» لابن الجوزي (1/ 309).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (13/ 194)، وتبعه في حكاية الاتفاق المذكور ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (3/ 314).
(3)
«فتح الباري» (10/ 91)، و «نيل الأوطار» (8/ 226).
(4)
نقله ابن حجر عنه في «فتح الباري» (10/ 91).
ومن كتاب اللباس والزِّينة
85 ـ حكايته الإجماع على كراهة المشي في النَّعل الواحدة:
ذكر النووي رحمه الله حديث «النهي عن المشي في نَعْلٍ واحدة إذا انقطعت الأخرى»
(1)
، ثم حكى الإجماع على أن النهي للكراهة وليس للتحريم
(2)
.
«قال الباحث» : حكاية الإجماع على الكراهة فحسب متعقَّبه، فقد ذهب الإمام ابن حزم إلى القول بالتحريم، فقال:«أوجب عليه السلام خلعهما ولا بد أو تركهما جميعاً، فإن خلع إحداهما دون الأخرى، فقد عصى الله في إبقائه الذي أبقى»
(3)
.
فإما أن النووي رحمه الله لا يعتد بخلاف ابن حزم، أو أنه لم يقف على كلامه فيما يظهر، والله تعالى أعلم.
* * *
(1)
ولفظه: عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «إذا انقطع شِسْع أحدكم، فلا يمش في الأخرى حتى يصلحها» صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب إذا انتعل فليبدأ باليمين (3/ 1660)، (حديث: 2098).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (14/ 75).
(3)
«المحلى» لابن حزم (1/ 337).
ومن كتاب السَّلام
86 ـ إغفاله أقوى الأدلة على أكمل صيغ السَّلام:
ذكر النووي رحمه الله أن أكمل الصيغ في ابتداء السَّلام أن يقول: «السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته» ، ثم قال: «واستدل العلماء لزيادة ورحمة الله وبركاته بقوله تعالى إخباراً عن سلام الملائكة بعد ذكر السَّلام: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت
(1)
، وبقول المسلمين كلهم في التشهد: السَّلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته»
(2)
.
«قال الباحث» : استدل النووي رحمه الله بنصوص عامة، وقد وردت في المسألة نصوص خاصة أصرح منها.
منها: حديث أبي تميمة الهُجيمي، عن رجل من قومه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه مرفوعاً:«إذا لقي الرجلُ أخاه المسلم فليقل السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته»
(3)
.
(1)
إشارة إلى قول الله تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)} [هود: 73].
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (14/ 140).
(3)
أخرجه الترمذي في السنن وصححه، أبواب الاستئذان، باب ما جاء في كراهية أن يقول عليك السلام مبتدئاً، وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط البخاري، كما في السلسلة الصحيحة، حديث: رقم 1403.
ومنها: حديث عمران بن حُصين: «أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عشر» ، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«عشرون» ، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ثلاثون» »
(1)
.
والعجيب أن النووي نفسه استدل بحديث عمران هذا على المسألة في كتابه الأذكار
(2)
، فكان الأولى الاستدلال به هنا، بدلاً من النصوص العامة التي أشار إليها.
وأما حديث أبي تميمة الهُجيمي الأول فلم يذكره النووي في الأذكار.
87 ـ إيهامه ضعف رواية في صحيح البخاري:
ذكر النووي رحمه الله قصة سِحْر اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال أثناء شرحه:«وقد قيل إنه إنما كان يخيَّل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطئ»
(3)
!!.
(1)
حديث عمران أخرجه أبو داود في «سننه» ، كتاب الاستئذان، باب في فضل التسليم ورده (3/ 1726)، (حديث: 2682)، والترمذي في «سننه» ، أبواب الاستئذان، باب ما ذكر في «فضل السلام» (4/ 349)، (حديث: 2689)، وقال: حديث حسن غريب، وحسّن إسناده الحافظ البيهقي في «شعب الإيمان» (11/ 242)، وقال ابن حجر:«سنده قوي» ، كما في «فتح الباري» (11/ 6).
(2)
«الأذكار» للنووي (ص: 384).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (14/ 175).
«قال الباحث» : رواية أنه كان يخيَّل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطئ مخرَّجة في صحيح البخاري، فلا يحسن التعبير عنها بقوله:«وقد قيل» ، لأنها من صيغ التضعيف، وهي توهم عدم الثبوت.
ولفظ رواية صحيح البخاري، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحر، حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن
…
الحديث»
(1)
.
ولعل النووي رحمه الله لم يستحضر ذلك عند الكتابة، أو لم يُرد التضعيف، والله تعالى أعلم.
88 ـ تصحيحه حديثاً ضعيفاً في الدعاء عند الطِّيَرَة:
قال النووي رحمه الله: «صحّ عن عروة بن عامر الصحابي رضي الله عنه، قال: ذكرتُ الطِّيَرَة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أحسنها الفأْل، ولا يردّ مسلماً، فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك» ، رواه أبو داود بإسناد صحيح
(2)
.
«قال الباحث» : تصحيح إسناد هذا الحديث فيه نظر، والأصوب أنه ضعيف، فقد أخرجه أبو داود في سننه
(3)
، من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن عروة بن عامر به، وهذا إسناد ضعيف فيه علتان:
(1)
صحيح البخاري، كتاب الطب، باب هل يستخر السحر (7/ 137)، (حديث: 5765).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (14/ 223، 224).
(3)
«سنن أبي داود» ، كتاب الطب، باب في الطيرة (4/ 18)، (حديث: 3919).
العلة الأولى: عروة بن عامر مختلف في صحبته، قال أبو حاتم:«هو تابعي»
(1)
، وقال ابن معين:«ليست له صحبة»
(2)
. فروايته مرسلة.
العلة الثانية: حبيب بن أبي ثابت مدلِّس ولم يصرِّح بالتحديث، وقد قال الحافظ ابن حجر:«الظاهر أن رواية حبيب عن عروة منقطعة»
(3)
.
وقد أعل الحديث بالإرسال جمع من الأئمة منهم: ابن الأثير
(4)
، والمزي
(5)
، وابن الملقن
(6)
، والعراقي
(7)
، وعلي القاري
(8)
وغيرهم.
وبناء عليه فلا يسلَّم للنووي تصحيحه إسناد الحديث مع ما تقدم من العلل القادحة، وتضعيف هذا الجمع الكبير من الأئمة للحديث.
* * *
(1)
«المراسيل» لابن أبي حاتم (ص: 149)، (الترجمة: 272).
(2)
«تاريخ ابن معين برواية الدوري» (3/ 576)، (الترجمة: 2815).
(3)
«تهذيب التهذيب» (7/ 185).
(4)
«أسد الغابة» (4/ 26).
(5)
«تهذيب الكمال» (20/ 26).
(6)
«التوضيح لشرح الجامع الصحيح» (24/ 270).
(7)
«المغني عن حمل الأسفار» (ص: 386).
(8)
«مرقاة المفاتيح» (7/ 2902).
ومن كتاب الفضَائِل
89 ـ نفيه الصحبة عن الرجل الذي خاصم الزُّبير بن العَوَّام في شِرَاج الحَرَّة:
ذكر النووي رحمه الله قصة الأنصاري الذي خاصم الزُّبير بن العَوَّام عند النبي صلى الله عليه وسلم في شِرَاج
(1)
الحَرَّة، وقول الأنصاري: إن كان ابن عمَّتك
(2)
.
ثم قال النووي: «هذا الرجل الذي خاصم الزبير كان منافقاً، وقوله في الحديث إنه أنصاري لا يخالف هذا، لأنه كان من قبيلتهم لا من الأنْصار المسلمين»
(3)
!!.
«قال الباحث» : يردّ كلام النووي ما جاء في صحيح البخاري أن هذا الأنصاري كان قد شهد بدراً، ولفظه: «عن عروة بن الزبير، أن الزبير، كان
(1)
الشراج جمع شَرَجة، وهي: مسائل الماء من الحرار إلى السهل. انظر: «غريب الحديث» لابن الجوزي (1/ 525)، و «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (2/ 456).
(2)
«صحيح مسلم» ، من حديث عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما، كتاب الفضائل، باب وجوب إتباعه صلى الله عليه وسلم (4/ 1829)، (حديث: 2357).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (15/ 108).
يحدِّث: أنه خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدراً
…
»
(1)
.
ومعلوم انتفاء النفاق عمن شهد بدراً، كما دلت عليه أحاديث عدة منها: حديث «لعلّ الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم»
(2)
.
أيضاً جاء عند الترمذيّ: «فغضب الأنصاريّ، فقال: يا رسول الله»
(3)
، ولم يكن غير المسلمين يخاطبونه صلى الله عليه وسلم، بقولهم: يا رسول الله.
لذلك تعقَّب بعض الأئمة نفي الصحبة عن هذا الرجل، منهم العلامة فضل الله التُّوربشتي
(4)
(5)
انتهى.
(1)
«صحيح البخاري» ، كتاب الصلح، باب إذا أشار الإمام بالصلح (3/ 187) (حديث: 2708).
(2)
أخرجه البخاري في «صحيحه» ، كتاب الجهاد والسير، باب في الجاسوس (4/ 59)، (حديث: 3007)، ومسلم في «صحيحه» ، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر (4/ 1941)، (حديث: 2494).
(3)
«سنن الترمذي» ، أبواب الأحكام، باب ما جاء في الرجلين يكون أحدهما أسفل من الآخر في الماء (3/ 36)، (حديث: 1363)، وإسناده حسن.
(4)
توفي في حدود: 660 هـ. انظر ترجمته في: «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 349)، (الترجمة: رقم 1245).
(5)
نقله عنه الحافظ العيني في «عمدة القاري» (12/ 201).
إذن فاعتراض هذا الأنصاري على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم واتهامه له بالمحاباة لأقربائه لم يكن إلا زلّة عظيمة وقع فيها بسبب الغضب الشديد والخصومة، ولا تدل بالضرورة على كفره ونفاقه.
ولعلي أذكّر بما قاله النووي نفسه عندما دافع عن «الرجل الذي امتنع من الأكل باليمين بسبب الكبر، وقال لا أستطيع، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليه بقوله: لا استطعت»
(1)
، فقد دافع عنه النووي، وردّ على القائلين بنفاقه، وقال:«إن مجرَّد الكبر والمخالفة لا يقتضي النِّفاق والكفر لكنه معصية»
(2)
.
فلو أن النووي رحمه الله قال في الأنصاري مثل قوله هذا لكان حسناً.
90 ـ قوله ببقاء الخَضِر عليه السلام حياً حتى اليوم والتعقُّب عليه:
ذكر النووي رحمه الله الخَضِر عليه السلام، ثم قال: «جمهور العلماء على أنه حيّ موجود بين أظهرنا، وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصَّلَاح والمعرفة، وحكاياتهم في رؤيته، والاجتماع به، والأخذ عنه، وسؤاله وجوابه، ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير، أكثر من أن يحصر وأشهر من أن يستر، وقال الشيخ أبو عمرو بن الصَّلَاح: هو حيّ عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم في ذلك، قال: وإنما شَذَّ
(1)
«صحيح مسلم» ، كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما (3/ 1599)، (حديث: 2021).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (13/ 192).
بإنكاره بعض المحدِّثين»
(1)
.
«قال الباحث» : القول بحياة الخَضِر عليه السلام حتى اليوم ليس له مستند صحيح، والصواب قول من قال بوفاته فيما مضى من الزمان، كما هو مذهب جمع من محققي الأئمة، كالإمام البخاري
(2)
، وابن الجوزي
(3)
، وابن تيمية
(4)
، وابن القيم
(5)
، وابن كثير
(6)
وغيرهم.
وقال ابن عبد الهادي: «القول بأن الخَضِر حيّ باطلٌ، ومن حكى الإجماع أو قول الجمهور على ذلك فقد غَلِط»
(7)
.
وهذا ما يفهم من كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله، حيث سرد كثيراً من الأحاديث والآثار التي يستدل بها من قال ببقاء الخَضِر ثم بيّن عدم ثبوتها
(8)
.
(1)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (15/ 136)، وينظر أيضاً: المصدر نفسه (16/ 90)، حيث أكد على شذوذ من قال بموت الخضر وأن الجمهور على حياته.
(2)
«فتح الباري» لابن حجر (2/ 277).
(3)
«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» لابن الجوزي (1/ 361).
(4)
«منهاج السنة» لابن تيمية (4/ 93).
(5)
«المنار المنيف في الصحيح والضعيف» لابن القيم (ص: 123).
(6)
«البداية والنهاية» لابن كثير (2/ 265).
(7)
مجلة عالم المخطوطات والنوادر، «جزء استدراكات ابن عبد الهادي على شرح صحيح مسلم» للنووي (ص: 194).
(8)
«فتح الباري» لابن حجر (6/ 434).
وإذن فليس إنكار بقاء الخَضِر حتى اليوم قول «بعض المحدِّثين» كما ذكر النووي، بل هو مذهب الكثير من كبار علماء الأمة وأعلامها وأساطينها.
وللعلامة محمد الأمين الشنقيطي (ت: 1393 هـ) بحث موسع في كتابه «أضواء البيان» أثبت فيه بالمنقول والمعقول موت الخَضِر عليه السلام، وردّ على القائلين بحياته
(1)
.
(1)
ينظر: «أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن» (3/ 326).
ومن كتاب فضَائِل الصحابة
91 ـ تبويباتٌ غير دقيقة:
قال النووي رحمه الله: «باب فضائل خديجة»
(1)
، وقال:«باب فضائل عائشة»
(2)
.
«قال الباحث» : الأولى أن يقال باب «من فضائل خديجة» و «من فضائل عائشة» ، كما في بقية تبويبات فضائل الصحابة، لأن مسلماً رحمه الله لم يستوعب في صحيحه جميع ما ورد في فضائل خديجة وعائشة رضي الله عنها، وإنما ذكر بعضها.
لاسيما وأن النووي رحمه الله حرص على دقة العناية بتراجم الأبواب واختيار الأنسب منها، وانتقد بعض من سبقه إلى ذلك، فقال:«وقد ترجم جماعة أبوابه ـ يعني صحيح مسلم ـ بتراجم بعضها جيّد وبعضها ليس بجيّد، إما لقصور في عبارة الترجمة، وإما لركاكة لفظها، وإما لغير ذلك، وأنا إن شاء الله أحرص على التعبير عنها بعبارات تليق بها في مواطنها»
(3)
.
* * *
ومن كتاب القَدَر
92 ـ حصْره أقوال العلماء في مصير أطفال المشركين في ثلاثة والتعقُّب عليه:
ذكر النووي رحمه الله خلاف العلماء في حكم أطفال المشركين في الآخرة، فقال:«وأما أطفال المشركين ففيهم ثلاثة مذاهب، قال: الأكثرون هم في النار تبعاً لآبائهم، وتوقفت طائفة فيهم، والثالث وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون أنهم من أهل الجنة»
(1)
.
«قال الباحث» : المسألة فيها أقوال كثيرة غير الثلاثة المذكورة، منها على سبيل المثال: القول بأنهم يمتحنون يوم القيامة، وقيل: إنهم في برزخ، حكى هذين القولين إضافة إلى الثلاثة السابقة الحافظُ العراقي في طرح التثريب
(2)
.
وحكى المناوي أقوالاً أخرى، منها: أنهم تحت المشيئة، وقيل: من عَلِمَ الله كفره لو عاش ففي النار، وخلافه في الجنة، وقيل: يصيرون تراباً
(3)
.
فهذه ثمانية أقوال، والحاصل أن الأقوال في المسألة أكثر من الثلاثة التي ذكرها النووي رحمه الله، والعلم عند الله تعالى.
* * *
من كتاب التوبة
93 ـ إغفاله تفسيراً قوياً لحديث «ليس أحد أحبّ إليه العُذر من الله» :
قال النووي رحمه الله تعليقاً على حديث: «ليس أحد أحبّ إليه العُذر من الله، من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل»
(1)
، قال النووي: «قال القاضي
(2)
: يحتمل أن المراد الاعتذار، أي اعتذار العباد إليه من تقصيرهم وتوبتهم من معاصيهم فيغفر لهم، كما قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25]»
(3)
.
«قال الباحث» : هذا معنى حسن، والأقرب لظاهر النصَ أن يكون المراد: أن الله لا يؤاخذ عبيده بما ارتكبوه حتى يعذر إليهم المرة بعد الأخرى، فلا يسرع بإيقاع العقوبة عليهم من غير إعذار منه، هذا التفسير أقرب لظاهر النصّ كما قلت، ويؤيده قوله في آخر الحديث: من أجل ذلك أنزل الكتاب
(1)
«صحيح مسلم» ، من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما، كتاب التوبة، باب غيرة الله تعالى (4/ 2114)، (حديث: 2760).
(2)
يعني عياضاً. انظر: «إكمال المعلم» (8/ 264).
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (17/ 78).
وأرسل الرسل
(1)
.
وقد أشار القاضي عياض لهذا التفسير، بل وقدَّمه على التفسير الذي نقله النووي عنه، فلا أدرى لِمَ اكتفى النووي رحمه الله بنقل أحد التفسيرين، دون أن يشير للأخر، وهو أقوى؟!.
94 ـ إيهامه ضعف رواية ثابتةٌ في صحيح البخاري:
تحدث النووي رحمه الله عن إلباس النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن أُبيّ ابن سَلول المنافق قميصه لما مات ـ فقال: «إنما فعل هذا إكراماً لابنه وكان صالحاً
…
ولأنه أيضاً من مكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته لمن انتسب إلى صحبته
…
وقيل ألبسه القميص مكافأة بقميص كان ألبسه العبّاس»
(2)
.
«قال الباحث» : قول النووي: «وقيل ألبسه القميص مكافأة بقميص كان ألبسه العباس» هذه العبارة يفهم منها ضعف السبب المذكور أو الشك في ثبوته، حيث عبّر عنه بصيغة التمريض (قيل)!!
وفي هذا نظر، لأن الرواية بذلك ثابتة في صحيح البخاري، ولفظها: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال:«لما كان يوم بدر أُتي بأُسارى، وأُتي بالعبّاس ولم يكن عليه ثوب، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم له قميصاً، فوجدوا قميص عبدالله بن أُبيّ يقدر عليه، فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه، فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه، قال ابنُ عيينة: كانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم يدٌ فأحبّ أن يكافئه» انتهى
بلفظه من صحيح البخاري
(1)
.
إذن فكان الأولى بالنووي الجزم بهذا السبب لا التعبير عنه بـ «قيل» .
وأما بقية الأسباب المذكورة فلا تنافي هذا، بل الصواب أن يقال: إن هذه الأسباب جميعاً اجتمعت وحملت النبي صلى الله عليه وسلم على القيام بهذا الفعل، والله تعالى أعلم.
* * *
(1)
«صحيح البخاري» ، كتاب الجهاد والسير، باب الكسوة للأساري (4/ 60)، (حديث: 3008).
من كتاب الجنّة وصفة نعيمها
95 ـ سكوته عن حديث «أكثر أهل الجنّة البُلْه» وهو ضعيف:
ذكر النووي رحمه الله حديث محاجّة الجنّة والنار، وقول الجنّة:«مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقَطُهم وعجَزُهم»
(1)
، ثم قال تعليقاً عليه:«أي البُلْه الغافلون الذين ليس بهم فتك وحذق في أمور الدنيا، وهو نحو الحديث الآخر: أكثر أهل الجنّة البُلْه»
(2)
.
«قال الباحث» : حديث أكثر أهل الجنّة البُلْه حديث ضعيف، أخرجه البزار في مسنده
(3)
، من طريق سلامة بن روح، عن عُقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن أنس بن ملك به مرفوعاً. وهذا إسناد ضعيف، فيه علتان:
العلة الأولى: تفرَّد سلامة بن روح به، وهو مختلف فيه، وقد ضعفه
(1)
«صحيح مسلم» ، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب النار يدخلها الجبارون (4/ 2186)، (حديث: 2846).
(2)
«شرح النووي على صحيح مسلم» (17/ 181).
(3)
«مسند البزار» (13/ 32)، (حديث: 6339).
غير واحد، منهم: أبو حاتم، وأبو زرعة
(1)
، وقال ابن حجر:«صدوق له أوهام»
(2)
.
العلة الثانية: الانقطاع، فإن سلامة يرويه عن عُقيل بن خالد، ولم يسمع منه، وإنما يحدث من كتبه، كما قاله: الهيثمي
(3)
، وابن حجر
(4)
، والسخاوي
(5)
.
وقد ضعف الحديث جمع غفير من الأئمة، فقال ابن عدي:«حديث منكر»
(6)
.
وقال ابن الجوزي: «لا يصحّ»
(7)
.
وضعفه أيضاً: الهيثمي
(8)
، والسخاوي
(9)
، والمناوي
(10)
، والعجلوني
(11)
،
(1)
«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (4/ 301 ـ 302)، (الترجمة: 1311).
(2)
«تقريب التهذيب» ، (الترجمة: 2713).
(3)
«مجمع الزوائد» (8/ 79)، (حديث: 13050).
(4)
«تقريب التهذيب» ، (الترجمة: 2713).
(5)
«المقاصد الحسنة» ، للسخاوي (ص: 137)، (حديث: 144).
(6)
«الكامل في ضعفاء الرجال» (4/ 329).
(7)
«العلل المتناهية» (2/ 452)، (حديث: 1559).
(8)
«مجمع الزوائد» (8/ 79)، (حديث: 13050).
(9)
«المقاصد الحسنة» للسخاوي (ص: 137)، (حديث: 144).
(10)
«فيض القدير» (2/ 79)، (حديث: 1379).
(11)
«كشف الخفاء» للعجلوني (1/ 185)، (حديث: 495).
والألباني
(1)
وغيرهم.
(2)
، ولم يقل البُلْه!»
(3)
.
وبناءً عليه كان الأولى بالنووي رحمه الله عدم استشهاده بالحديث المذكور وسكوته عن بيان درجته.
* * *
(1)
«سلسلة الأحاديث الضعيفة» (13/ 351)، (حديث: 6154).
(2)
أخرجه البخاري في «صحيحه» ، من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة (4/ 117)، (حديث: 3241)، «صحيح مسلم» ، كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء (4/ 2096)، (حديث: 2737).
(3)
«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز (2/ 770).
من كتاب الفِتَن وأشْراط السَّاعة
96 ـ اختصار مُجْحف:
ذكر النووي رحمه الله حديث: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفراتُ عن جبل من ذهب» ، ثم اكتفى بقوله:«أي ينكشف لذهاب مائه»
(1)
.
«قال الباحث» : اختصر النووي رحمه الله جداً في شرح الحديث، وقد ذكر الشراح مباحث عديدة حوله، ككون هذا الحديث من أشراط الساعة، والخلاف في وقت حدوثه، والخلاف في الحكمة من نهي المسلم عن أخذ شيء من هذا الذهب، إلى غير ذلك من المسائل المهمات التي اشتمل عليها الحديث، ولم يشر إليها النووي قط
(2)
.
* * *
أهم النَّتائج التي توصَّل إليها البحث
بعد هذه الجولة القصيرة في «شرح النووي على صحيح مسلم» يمكن التوصُّل إلى النتائج التالية:
1 -
إن شرح النووي على صحيح مسلم يعدّ من أجلّ وأعظم شروح صحيح مسلم، إن لم يكن أجلّها وأعظمها على الإطلاق.
2 -
لم يَخْل هذا الشرح من بعض الأوهام والمآخذ التي وقع فيها المؤلف رحمه الله لكنها تعدّ قليلة جداً إذا ما نظرنا إلى ضخامة حجم الكتاب، وموسوعيته، واحتوائه على آلاف المسائل والأبحاث، وكفى بالمرء نبلاً أن تعدّ معايبه.
3 -
قد يتساهل الإمام النووي في حكاية الإجماع في مسائل خلافية، كما في أرقام المسائل التالية:(5، 11، 19، 20، 25، 26، 33، 42، 45، 47، 48، 59، 60، 75، 77، 85).
4 -
قد ينسب أحياناً أقوالاً إلى بعض الأئمة ولا تصحّ عنهم، كما في المسألة:(23، 29، 32، 43، 60، 76).
5 -
قد ينفي روايات عن الصحيح وهي موجودة فيه، كما في المسألة:(10).
6 -
قد ينسب النووي روايات إلى الصحيح وهي ليست فيه، كما في
المسألة: (39). لكن كل هذا قليل جداً في الكتاب، وهو يؤكد اعتماد النووي أحياناً على حفظه وذاكرته عند تأليف الكتاب.
7 -
أحياناً يختصر النووي جداً في بعض الأحاديث، فلا يعطها ما تستحقه من الشرح والإيضاح، كما في المسألة:(27، 56، 96)، لكن هذا قليل في الكتاب، والغالب على الكتاب التوسط والقصد.
8 -
قد ينصّ على استحباب شيء أو كراهته دون مستند شرعي، كما في المسألة:(16، 22، 24، 83).
9 -
قد يذكر كلاماً مجملاً يفهم منه التعميم أو معنى غير مقصود، ويكون الصواب في التقييد والتفصيل، كما في المسائل:(18، 46، 51، 54، 68، 78).
10 -
قد يترجم للأبواب بتراجم غير مناسبة، ربما كان غيرها أحسن منها، كما في المسألة:(74).
11 -
قد يضعف بعض الروايات، وهي ثابتة في الصحيح، كما في المسألة:(62، 87، 94).
12 -
يقدَ يهِم في تواريخ وفيّات بعض العلماء، كما في المسألة:(2).
13 -
قد يصحح أو يحسن روايات وهي ضعيفة، كما في المسائل:(14، 17، 35، 38، 70، 80، 88).
14 -
قد يستدل لمسألة بدليل ويغفل دليلاً أقوى منه، كما في المسألة:(49، 86).
15 -
قد يهمل شرح أحاديث بأكملها في صحيح مسلم، كما في المسألة:(7).
16 -
قد يهمل شرح بعض الكلمات الغريبة في بعض الأحاديث، كما في المسألة:(8).
17 -
للعلماء عناية كبيرة بالنقل عن الإمام النووي، والإفادة منه، وتعقُّب كلامه إذا ما اقتضى الأمر، كما سبق أن رأينا أمثلة كثيرة على ذلك في كلام الأئمة، من أمثال: ابن عبدالهادي، والعراقي، وابن حجر، والعيني، والصنعاني، والشوكاني، وغيرهم.
* * *
ثبت
المصادر والمراجع
مرتبة حسب الحروف الهجائية
(أ)
1 ـ الآداب الشرعية والمنح المرعية، لمحمد بن مفلح الحنبلي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعمر حسن القيَّام، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، ط 1، 1436 هـ.
2 ـ إتحاف الجماعة لما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة، لحمود ابن عبدالله التويجري، دار الصميعي للنشر والتوزيع، السعودية، ط 2، 1414 هـ.
3 ـ إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لمحمد بن علي ابن دقيق العيد، مطبعة السنة المحمدية، بدون تاريخ طبع.
4 ـ أحكام القرآن، لأبي بكر أحمد بن علي الجَصَّاص، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط 1405 هـ.
5 ـ الأحكام الوسطى، لعبدالحق بن عبدالرحمن الأندلسي، تحقيق: حمدي السلفي وصبحي السامرائي، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الرياض، ط 1416 هـ.
6 ـ إحياء علوم الدين، لأبي حامد الغزالي، دار المنهاج للنشر والتوزيع،
السعودية، جدة، ط 1، 2011 م.
السعودية، جدة، ط 1، 2011 م.
7 ـ آداب الزفاف في السنة المطهرة، لمحمد ناصر الدين الألباني، دار السلام، ط 1423 هـ.
8 ـ الأذكار، ليحيى بن شرف النووي، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط 1414 هـ.
9 ـ إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، لأحمد بن محمد القسطلاني المصري، المطبعة الكبرى الأميرية، مصر، ط 7، 1423 هـ.
10 ـ الاستذكار، لأبي عمر يوسف بن عبد البر القرطبي، تحقيق: سالم محمد عطا ومحمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط الأولى، 1421 هـ.
11 ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة، لعلي بن محمد ابن لأثير، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط 1409 هـ.
12 ـ الإشراف على نكت مسائل الخلاف، للقاضي عبد الوهاب بن علي البغدادي المالكي، تحقيق: الحبيب بن طاهر، دار ابن حزم، ط 1، 1420 هـ.
13 ـ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين الجكني الشنقيطي، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط 1415 هـ.
14 ـ الاعتصام، لإبراهيم بن موسى الشاطبي، تحقيق: محمد بن عبد الرحمن الشقير وجماعة، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، السعودية، ط 1، 1429 هـ.
15 ـ الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لعمر بن علي، المعروف بابن الملقن الشافعي، تحقيق: عبدالعزيز بن أحمد المشيقح، دار العاصمة بالرياض، ط 1، 1417 هـ.
16 ـ الأعلام، لخير الدين بن محمود الزركلي، دار العلم للملايين، ط 15، 2002 م.
17 ـ إكمال المعلم بفوائد مسلم، لعياض بن موسى اليحصُبي، تحقيق: يحيى إسماعيل، نشرة دار الوفاء، مصر، المنصورة، ط 1، 1419 هـ.
(ب)
18 ـ البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لزين الدين بن إبراهيم المعروف بابن نجيم المصري، دار الكتاب الإسلامي، ط 2.
19 ـ البحر المحيط في أصول الفقه، لمحمد بن عبدالله الزركشي، دار الكتبي، ط 1414 هـ.
20 ـ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لمسعود بن أحمد الكاساني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 2، 1406 هـ.
21 ـ بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، دار الحديث، القاهرة، ط 1425 هـ.
22 ـ البداية والنهاية، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تحقيق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، ط 2، 1408 هـ.
23 ـ البدر المنير في تخريج الأحاديث الواقعة في الشرح الكبير، لعمر بن
علي ابن الملقن الشافعي، تحقيق: مصطفى أبو الغيط وعبدالله بن سليمان كمال، دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، ط 2، 1425 هـ.
24 ـ بلوغ المرام من أدلة الأحكام، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: سمير بن أمين الزهيري، دار الفلق، الرياض، ط 7، 1424 هـ.
25 ـ البناية في شرح الهداية، لبدر الدين محمود العيني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1420 هـ.
26 ـ البيان في مذهب الإمام الشافعي، لأبي الحسين يحيى العمراني اليمني، تحقيق: قاسم محمد النوري، دار المنهاج، جدة، ط 1، 1421 هـ.
(ت)
27 ـ تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمد المرتضى الزبيدي، تحقيق: مجموعة من المحققين، دار الهداية، بدون تاريخ طبع.
28 ـ تاريخ ابن معين برواية الدوري، لأبي زكريا يحيى بن معين، تحقيق: د. أحمد محمد نور سيف، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، ط 1، 1399 هـ.
29 ـ تاريخ ابن يونس المصري، لعبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي المصري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1421 هـ.
30 ـ تاريخ الإسلام، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، ط 1، 2003 م.
31 ـ تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس، لحسين بن محمد الديار بكري،
دار صادر، بيروت، لبنان، بدون تاريخ طبع.
32 ـ التاريخ الكبير، لمحمد بن إسماعيل البخاري، دائرة المعارف العثمانية، حيد آباد الدكن، مراقبة: محمد عبد المعيد خان، بدون تاريخ طبع.
33 ـ تأويل مختلف الحديث، لعبدالله بن قتيبة الدينوري، المكتب الإسلامي، ط 2، 1419 هـ.
34 ـ تتمة الأعلام للزركلي، لمحمد خير رمضان يوسف، دار ابن حزم للطباعة، بيروت، لبنان، ط 1، 1418 هـ.
35 ـ تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة، لعبدالله بن عمر البيضاوي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، ط 1433 هـ.
36 ـ تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، لعبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، بدون تاريخ نشر.
37 ـ تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيى الدين، لعلي بن إبراهيم ابن العطار، بدون ناشر أو تاريخ طبع.
38 ـ تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج، لعمر بن علي ابن الملقن، تحقيق: عبدالله بن سعاف اللحياني، دار حراء، مكة المكرمة، ط 1، 1406 هـ.
39 ـ تخريج أحاديث الإحياء، لمحمود محمد الحداد، دار العاصمة للنشر، الرياض، ط 1، 1408 هـ.
40 ـ تدريب الراوي بشرح تقريب النواوي، لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: نظر الفريابي، دار طيبة، بدون تاريخ نشر.
41 ـ التعريفات، لعلي بن محمد الجرجاني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1403 هـ.
42 ـ تفسير السمعاني، لمنصور بن محمد السمعاني، تحقيق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس، دار الوطن، الرياض، السعودية، ط 1، 1418 هـ.
43 ـ تقريب التهذيب، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا، ط 1، 1406 هـ.
44 ـ التقريب والتيسير في أصول الحديث، ليحيى بن شرف النووي، تحقيق: محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط 1، 1405 هـ.
45 ـ التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح، لعبد الرحيم ابن الحسين العراقي، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، ط 1، 1389 هـ.
46 ـ تكملة المعاجم العربية، لرينهارت بيتر، نقله إلى العربية: محمد سليم النعيمي وجمال الخياط، وزارة الثقافة، العراق، ط 1، 1979 هـ.
47 ـ التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لأحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، ط 1، 1419 هـ.
48 ـ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ليوسف ابن عبد البر القرطبي، نشرة وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، ط 1387 هـ.
49 ـ تنقيح التحقيق، لمحمد بن عبد الهادي الحنبلي، تحقيق: سامي محمد
وعبد العزيز الخباني، أضواء السلف، الرياض، ط 1، 1428 هـ.
50 ـ تهذيب الأسماء واللغات، ليحيى بن شرف النووي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، بدون تاريخ طبع.
51 ـ تهذيب سنن أبي داود مع عون المعبود، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، بدون تاريخ طبع.
52 ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ليوسف بن الزكي المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط 1، 1400 هـ.
53 ـ التوضيح لشرح الجامع الصحيح، لعمر بن علي ابن الملقن الأنصاري الشافعي، تحقيق: دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، نشر: دار النوادر، دمشق، سوريا، ط 1، 1429 هـ.
54 ـ التيسير بشرح الجامع الصغير، لزين الدين عبد الرؤوف بن علي المناوي، ط 3، 1408 هـ.
(ث)
55 ـ الثقات، لأبي حاتم محمد بن حبان البستي، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، مراقبة: محمد عبد المعيد خان، ط 1، 1393 هـ.
(ج)
56 ـ جامع الأصول في حديث الرسول، للمبارك بن محمد ابن الأثير، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، مكتبة الحلواني، ط 1، بدون تاريخ.
57 ـ جامع التحصيل في أحكام المراسيل، لخليل بن كيْكلدى العلائي، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، عالم الكتب، بيروت، لبنان، ط 2، 1407 هـ.
58 ـ الجرح والتعديل، لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، دار المعارف العثمانية، حيد آباد الدكن، ط 1، 1371 هـ.
59 ـ جوامع السيرة، لأبي محمد علي بن أحمد ابن حزم الأندلسي، تحقيق: إحسان عباس، دار المعارف، مصر، ط 1.
60 ـ الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق: إبراهيم باجس عبد المجيد، دار ابن حزم، بيروت، لبنان، ط 1، 1419 هـ.
61 ـ الجوهر النقي على سنن البيهقي، لعلي بن عثمان ابن التركماني، دار الفكر، بدون تاريخ طبع.
(ح)
62 ـ حاشية ابن عبد الهادي على الإلمام بأحاديث الأحكام، لمحمد بن عبد الهادي الحنبلي، تحقيق: محمد خلوف العبدالله، دار النوادر، سوريا، ط 1، 1434 هـ.
63 ـ الحطة في ذكر الصحاح الستة، لصديق حسن خان القنوجي، تحقيق: علي حسن عبد الحميد، دار عمار، الأردن، ط 1408 هـ.
(خ)
64 ـ خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لأحمد بن عبدالله
الخزرجي الأنصاري، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، ط 5، 1416 هـ.
(د)
65 ـ دلائل النبوة، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، ط 1، 1408 هـ.
66 ـ دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، لمحمد علي ابن علَّان الصديقي، تحقيق: خليل مأمون شيحا، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط 4، 1425 هـ.
67 ـ دورية عالم المخطوطات والنوادر، العدد 2، رجب ـ ذو الحجة، 1433 هـ، وكالة دار ثقيف للنشر والتوزيع.
(ذ)
68 ـ الذخيرة، لأحمد بن إدريس القرافي المالكي، تحقيق: محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط 1، 1994 م.
(ر)
69 ـ روضة الناظر وجنة المناظر، لموفق الدين عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي، مكتبة المعارف، الرياض، ط 2، 1404 هـ.
70 ـ رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام، لعمر بن علي الفاكهاني، تحقيق: نور الدين طالب، دار النوادر، سوريا، ط 1، 1431 هـ.
(ز)
71 ـ زاد المعاد في خير هدي العباد، لمحمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرنؤوط والقادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط 27، 1415 هـ.
72 ـ الزاهر في معاني كلمات الناس، لأبي بكر محمد بن القاسم الأنباري، تحقيق: د. حاتم صالح الضامن، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط 1، 1412 هـ.
(س)
73 ـ سبل السلام في شرح بلوغ المرام، لمحمد بن إسماعيل الصنعاني، دار الحديث، بدون تاريخ طبع.
74 ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة سلسلة الأحاديث الصحيحة، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، ط 1، 1415 هـ.
75 ـ سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، ط 1، 1412 هـ.
76 ـ سنن أبي داود سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق: محمد محيى الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت.
77 ـ سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، دار الرسالة العلمية، ط 1، 1430 هـ.
78 ـ سنن الترمذي، لمحمد بن عيسى الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط 2، 1395 هـ.
79 ـ سنن الدارقطني، لعلي بن عمر الدارقطني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط 1، 1424 هـ.
80 ـ سنن النسائي، لأحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، سوريا، ط 2، 1406 هـ.
81 ـ السير والمغازي، لمحمد بن إسحاق المطلبي، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط 1، 1398 هـ.
82 ـ سيرة ابن هشام، لعبد الملك بن هشام المعافري، تحقيق: مصطفى السقا وآخرون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط 2، 1375 هـ.
83 ـ السيرة النبوية الصحيحة، لـ د. أكرم ضياء العُمري، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط 6، 1415 هـ.
(ش)
84 ـ الشافي في شرح مسند الشافعي، للمبارك بن محمد ابن الأثير، تحقيق: أحمد سليمان وياسر إبراهيم، مكتبة الرشد، الرياض، ط 1، 1426 هـ.
85 ـ شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لعبد الحي بن أحمد بن العماد الحنبلي، تحقيق: محمود الأرنؤوط، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، ط 1، 1406 هـ.
86 ـ شرح الزرقاني على موطأ مالك، لمحمد بن عبد الباقي الزرقاني،
تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط 1، 1424 هـ.
87 ـ شرح سنن أبي داود، لمحمود بن أحمد العيني، تحقيق: خالد بن إبراهيم المصري، مكتبة الرشد، الرياض، ط 1، 1424 هـ.
88 ـ شرح صحيح البخاري، لأبي الحسن علي بن خلف بن بطال، تحقيق: ياسر إبراهيم، مكتبة الرشد، الرياض، السعودية، ط 2، 1423 هـ.
89 ـ شرح العقيدة الطحاوية، لعلي بن محمد بن أبي العز الحنفي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبدالله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط 10، 1417 هـ.
90 ـ شرح مشكل الوسيط، لعثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح، تحقيق: د. عبدالمنعم خليفة، دار كنوز إشبيلية، السعودية، ط 1، 1432 هـ.
91 ـ شعب الإيمان، لأحمد حسين البيهقي، تحقيق: د. عبد العلي بن عبد الحميد، مكتبة الرشد، السعودية، ط 1، 1423 هـ.
(ص)
92 ـ الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية، لإسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط 4، 1407 هـ.
93 ـ صحيح ابن حبان، لمحمد بن حبان البستي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط،
مؤسسة الرسالة، بيرون، لبنان، ط 1، 1408 هـ.
94 ـ صحيح البخاري صحيح البخاري، لمحمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: محمد زهير الناصر، نشرة دار طوق النجاة، بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، ط 1، 1422 هـ.
95 ـ صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
(ض)
96 ـ ضعيف سنن أبي داود (الأم)، لمحمد ناصر الدين الألباني، مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، الكويت، ط 1، 1423 هـ.
(ط)
97 ـ طبقات الشافعيين، لإسماعيل بن كثير الدمشقي، تحقيق: د: أحمد عمر هاشم ومحمد زينهم محمد عزب، مكتبة الثقافة الدينية، ط 1413 هـ.
98 ـ طبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين عبد الوهاب السبكي، تحقيق: د. محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر، ط 2، 1413 هـ.
99 ـ طبقات الشافعية، لأبي بكر أحمد بن قاضي شهبة، تحقيق: د. عبد الحافظ ابن عبد العليم خان، عالم الكتب، بيروت، ط 1، 1407 هـ.
100 ـ الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد بن منيع البصري، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1410 هـ.
101 ـ طبقات المدلسين، (المعروف بتعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس)، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: د. عاصم ابن عبدالله القريوتي، مكتبة المنار، عمان، ط 1، 1403 هـ.
102 ـ طبقات النحويين واللغويين، لمحمد بن الحسن الأندلسي الإشبيلي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، ط 2، بدون تاريخ طبع.
103 ـ طرح التثريب في شرح التقريب، لأبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي، دار إحياء التراث العربي.
(ع)
104 ـ العدة على إحكام الأحكام، لمحمد بن إسماعيل الصنعاني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 2، 1435 هـ.
105 ـ العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، لعبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق: إرشاد الحق الأثري، إدارة العلوم الأثرية، فيصل آباد، باكستان، ط 2، 1401 هـ.
106 ـ علوم الحديث، لأبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن ابن الصلاح، تحقيق: ماهر الفحل، دار الكتب العلمية، ط 1، 1423 هـ.
107 ـ عمدة القاري بشرح صحيح البخاري، لمحمود بن أحمد العيني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
(غ)
108 ـ غريب الحديث، لإبراهيم بن إسحاق الحربي، تحقيق: د. سليمان
ابن إبراهيم العايد، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط 1، 1405 هـ.
109 ـ غريب الحديث، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق: الدكتور عبد المعطي القلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
110 ـ غريب الحديث، للقاسم بن سلّام الهروي البغدادي، تحقيق: د. محمد عبد المعين خان، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيد آباد، الدكن، ط 1، 1384 هـ.
(ف)
111 ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، رقمه محمد فؤاد عبد الباقي، وأشرف على طبعه محب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط 1379 هـ.
112 ـ فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق: علي حسين علي، مكتبة السنة، مصر، ط 1، 1424 هـ.
113 ـ الفتاوى الكبرى، لأحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، دار الكتب العلمية، ط 1، 1408 هـ.
114 ـ الفرق، لسهل بن محمد السجستاني، تحقيق: حاتم بن صالح الضامن، مجلة المجمع العلمي العراقي، ط 1406 هـ.
115 ـ فيض الباري على صحيح البخاري، لأنور شاه الكشميري، تحقيق: محمد بدر عالم، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1426 هـ.
116 ـ فيض القدير بشرح الجامع الصغير، لعبد الرؤوف المناوي، المكتبة
التجارية الكبرى، مصر، ط 1، 1356 هـ.
(ق)
117 ـ قواعد تناول الإعجاز العلمي والطبي في السنة وضوابطه، لعبدالله بن عبد العزيز المصلح، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، بدون تاريخ طبع.
118 ـ القول المسدَّد في الذَّب عن مسند أحمد، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط 1، 1401 هـ.
(ك)
119 ـ الكاشف عن حقائق السنن، المعروف بشرح الطيبي على المشكاة، للحسين بن عبدالله الطيبي، تحقيق: د. عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط 1، 1417 هـ.
120 ـ الكامل في ضعفاء الرجال، لأبي أحمد عبدالله بن عدي الجرجاني، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ طبع.
121 ـ كشف الأستار عن زوائد البزار، لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط 1، 1399 هـ.
122 ـ كشف الخفا ومزيل الإلباس، لإسماعيل بن محمد العجلوني، تحقيق: عبد الحميد بن أحمد هنداوي، المكتبة العصرية، ط 1، 1420 هـ.
123 ـ كشف المشكل من حديث الصحيحين، لعبد الرحمن بن علي ابن الجوزي، تحقيق: علي حسين البواب، دار الوطن، الرياض، بدون تاريخ طبع.
124 ـ الكفاية في علم الرواية، لأحمد بن علي بن ثابت، المعروف بالخطيب البغدادي، تحقيق: أبو عبدالله السورقي، وإبراهيم حمدي المدني، المكتبة العلمية، المدينة المنورة، بدون تاريخ طبع.
125 ـ الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات، لبركات بن أحمد ابن الكيال الخطيب، تحقيق: عبد القيوم بن عبد رب النبي، دار المأمون، بيروت، لبنان، ط 1، 1981 م.
126 ـ كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري، لمحمد الخضر الجكني الشنقيطي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط 1، 1415 هـ.
(ل)
127 ـ اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، لعلي بن زكريا الخزرجي الحنفي، تحقيق: د. محمد فضل المراد، دار القلم، الدار الشامية، بيروت، دمشق، ط 2، 1414 هـ.
(م)
128 ـ المبسوط، لمحمد بن أحمد السرخسي، دار المعرفة، بيروت، ط 1414 هـ.
129 ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لأبي الحسن علي بن أبي بكر الهيثمي،
تحقيق: حسام الدين القدسي، مكتبة القدسي، القاهرة، ط 1414 هـ.
130 ـ المجموع شرح المهذب، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، دار الفكر، بدون تاريخ طبع.
131 ـ مجموع فتاوى ابن باز، جمع: محمد سعد الشويعر، بدون تاريخ طبع.
132 ـ مجموع فتاوى ابن تيمية، لأحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، نشرة مجمع الملك فهد للطباعة، المدينة المنورة، ط 1416 هـ.
133 ـ المحكم والمحيط الأعظم، لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيد المرسى، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1421 هـ.
134 ـ المحلى، لأبي محمد علي بن أحمد ابن حزم الظاهري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار التراث، القاهرة، بدون تاريخ طبع.
135 ـ مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر الرازي، المكتبة العصرية، بيروت، صيدا، ط 5، 1420 هـ.
136 ـ مختصر صحيح مسلم، لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق طارق عوض الله محمد، دار ابن الجوزي، السعودية، ط 1، 1434 هـ.
137 ـ المراسيل، لعبد الرحمن بن محمد ابن أبي حاتم الرازي، تحقيق: شكر الله بن نعمة الله فوجاني، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط 1، 1397 هـ.
138 ـ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، لملا علي القارئ، نشرة دار الفكر، بيروت، لبنان، ط 1، 1422 هـ.
139 ـ المستدرك على الصحيحين، لأبي عبدالله محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1411 هـ.
140 ـ مسند الإمام أحمد، لأحمد بن محمد الشيباني، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الحديث، القاهرة، ط 1، 1416 هـ.
141 ـ مسند الإمام أحمد، لأحمد بن محمد الشيباني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط 1، 1421 هـ.
142 ـ مسند البزار (المعروف بالبحر الزخار)، لأبي بكر أحمد بن عمرو البزار، تحقيق: محفوظ الرحمن بن زين الله وآخرون، ط 1، 1988 م.
143 ـ مشارق الأنوار على صحاح الآثار، لعياض بن موسى اليحصبي، دار التراث، بدون تاريخ طبع.
144 ـ مشكل الآثار، لأبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 1، 1415 هـ.
145 ـ مصنف ابن أبي شيبة، لأبي بكر عبدالله بن محمد العبسي، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، ط 1، 1409 هـ.
146 ـ معالم السنن في شرح سنن أبي داود، لحمد بن إبراهيم الخطابي، المطبعة العلمية، حلب، ط 1، 1351 هـ.
147 ـ المعجم الكبير، لسليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: حمدي بن
عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط 2.
148 ـ المعجم الوسيط في اللغة، لأحمد الزيات وجماعة آخرين من مجمع اللغة العربية بالقاهرة، نشرة: دار الدعوة، بدون تاريخ طبع.
149 ـ معرفة الصحابة، لأبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني، تحقيق: عادل يوسف العزازي، دار الوطن للنشر، الرياض، ط 1، 1419 هـ.
150 ـ المعرفة والتاريخ، ليعقوب بن سفيان الفسوي، تحقيق: أكرم ضياء العُمري، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط 2، 1401 هـ.
151 ـ المغني، لعبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، مكتبة القاهرة، ط 1388 هـ.
152 ـ المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار، لزين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي، دار ابن حزم، بيروت، ط 1، 1426 هـ.
153 ـ المغني في الضعفاء، لمحمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: نور الدين عتر، بدون تاريخ طبع.
154 ـ المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأبي العباس أحمد بن عمر القرطبي، تحقيق: أحمد السيد ومحمود بزّال، نشرة دار ابن كثير، بيروت، دمشق، ط 1، 1417 هـ.
155 ـ المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق: محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط 1، 1405 هـ.
155 ـ المقدمة، لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1421 هـ.
157 ـ المنار المنيف في الصحيح والضعيف، لمحمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، ط 1، 1390 هـ.
158 ـ المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1412 هـ.
159 ـ منهاج السنة النبوية في نقد كلام الشيعة القدرية، لأحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، نشرة جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، الرياض، ط 1، 1406 هـ.
160 ـ المنهاج السوي في ترجمة الإمام النووي، لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: أحمد شفيق دمج، دار ابن حزم للنشر، بيروت، لبنان، ط 1، 1408 هـ.
161 -
المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ليحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط 2، 1392 م.
162 ـ المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي، لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق: أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1426 هـ.
163 ـ المهذب في علم أصول الفقه، لعلي بن عبد الكريم النملة، مكتبة
الرشد، الرياض، ط 1، 1424 هـ.
164 ـ المهذب في فقه الشافعي، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، دار الكتب العلمية، بدون تاريخ طبع.
165 ـ الموطأ، لمالك بن أنس الأصبحي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط 1406 هـ.
166 ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال، لمحمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: علي محمد البيجاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط 1، 1382 هـ.
(ن)
167 ـ النجم الوهاج في شرح المنهاج، لمحمد بن موسى الدميري، دار المنهاج، جدة، السعودية، ط 1، 1425 هـ.
168 ـ النكت على كتاب ابن الصلاح، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق: د. ربيع بن هادي المدخلي، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، السعودية، ط 1، 1404 هـ.
169 ـ النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، المعروف بابن الأثير، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية، بيروت، لبنان، ط 1399 هـ.
170 ـ نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، نشرة دار الحديث، مصر، ط 1، 1413 هـ.
(و)
171 ـ وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، لأبي الحسن علي بن عبدالله السمهودي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1419 هـ.
* * *