المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة المصنف بسم الله الرحمن الرحيم (1) الحمد لله الذي عالى (2) [معالم] (3) العلوم - النهاية في شرح الهداية - السغناقي - جـ ١

[الحسام السغناقي]

فهرس الكتاب

‌مقدمة المصنف

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

الحمد لله الذي عالى

(2)

[معالم]

(3)

العلوم ودرج

(4)

أهاليها، وجاوز [برتبتهم]

(5)

قمة

(6)

الجوزاء وأعاليها، وفلق

(7)

ما غسق

(8)

من ظلم العُضل

(9)

ببيان على ألسنة العلماء [تتوقد]

(10)

منه الشُعل، وإيضاح

(11)

يحاكي الزهر [وينفتح]

(12)

به الغلق، ويجدر بأن [يزبر]

(13)

بالتبر

(14)

على صحائف [الحَذق]

(15)

، والصلاة على نبيه محمد المعجز بالتنزيل لدهماء

(16)

المصاقع

(17)

، وعلى آله وأصحابه [حماة الدين وكماة الوقائع]

(18)

وبعد:

(1)

في (ب): أتى بعد البسملة: «رب سهل ولا تعسر» .

(2)

كتب فوقها في (أ): «أعلاه الله -تعالى- أي: رفعه وعالاه ومثله» انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة: الرابعة 1407 هـ - 1987 م (6/ 2437) مادة [ع ل ا].

وفي حاشية (ب): «أعلى المعالاة بلندكردن» : وهي كلمة فارسية بمعنى (أرفع). انظر: المعاني لكل رسم معنى قاموس عربي فارسي على الشبكة العنكبوتية.

(3)

في (أ): «معالي» والتصويب من (ب).

(4)

في حاشية (أ): «الدرجة المرقاةُ والجمع الدرج، والدرجة واحدة الدرجات وهي: الطبقات من المراتب» الصحاح (1/ 314) مادة [درج].

(5)

في (ب): «برتبهم» .

(6)

في حاشية (أ): «القمة أعلى الرأس وأعلى كل شيء، وفي (ب): في الحاشية: «القمة أعلى كل شيء» ، الصحاح (5/ 2015) مادة [ق م م]، مختارالصحاح، لمحمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، (ت 666 هـ) المطبعة الكلية بمصر، ط: الأولى 1329 هـ (1/ 260) مادة [ق م م].

(7)

في حاشية (أ): «فلقت الشيء فلقًا شققته، وفي رجله فلوق، أي: شقوق. الصحاح (4/ 1544) مادة [ف ل ق]، ومختار الصحاح (1/ 243) مادة [ف ل ق]، وفي (ب) في الحاشية: الفلق «شقافتن» وهي، كلمة فارسية، ولعل معناها: الشق بمعنى: فلق. انظر: المعاني قاموس فارس عربي.

(8)

في حاشية (أ): «الغسق أول ظلمة الليل، وقد غسق الليل أظلم» الصحاح (4/ 1537) مادة [غ س ق].

(9)

كتب في حاشية (أ): «العُضل -بالضم-: الداهية، يقال: أعضله من العضل أي: داهية من الدواهي. انظر الصحاح (5/ 1766) مادة [عُ ض ل] بالضم.

(10)

في (ب): «يتوقد» .

(11)

في حاشية (أ): «إضحاء السماء: امتناع الغيم عنها» انظر: الصحاح (1/ 415) مادة [و ض ح].

(12)

في (ب): «ويفتح» .

(13)

في (ب): «تزبر» ومعناها: «تكتب» الصحاح (2/ 667) مادة [ز ب ر].

(14)

التبر: الذهب غير المضروب، الصحاح (2/ 600) مادة [ت ب ر].

(15)

في (أ): «الحِدَق» والتصويب من (ب) والحِذْقُ والحَذَاقة: المهارة في كل عمل والحذاقي: الفصيح اللسان البين اللهجة انظر: لسان العرب (10/ 40) مادة [ح ذ ق].

(16)

كتب فوقها في (أ): «دهماء الناس: جماعتهم وكثرتهم» ، وفي (ب) في الحاشية:«دهماء الناس جماعتهم» انظر: الصحاح (5/ 1924) مادة [د هـ م].

(17)

كتب فوقها في (أ): المصقع: الفصيح، لسان العرب لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم -ابن منظور- (ت 711 هـ)، ط: دار صادر 2003 م (8/ 203)، مادة [ص ق ع] لفظة «صقع» .

(18)

في (ب): «كماة الدين وحماة الوقائع» والكميُّ الشجاع (المتكمي) في سلاحه أي: المتغطي المتستر بالدرع والبيضة، والجمع (الكماة)، مختار الصحاح (1/ 273) مادة [ك م ي].

ص: 1

فإن إيضاح ما انغلق من كتب السلف من أهم الأمور، [وأشرف الخصال]

(1)

في هذه الأزمنة والدهور؛ إذ الأساتذة

(2)

الذين لهم خبر [بمكامن]

(3)

حقائقها، واطلاع بدرك [وقائعها]

(4)

، قد أُكرموا بالوصال إلى مثوبات ذي الجلال، ثم من [بين]

(5)

كتب المتقدمين والمتأخرين، وخلال مصنفات المتبقرين

(6)

والمتبصرين، نجمت

(7)

الهداية هادية لأصول الرواية، ومتون الدراية، مع قصر اللفظ وإنباء المعاني، [وفقه الفقهاء]

(8)

وأصحاء [المعاني]

(9)

، وطلعت مشرقة مبرزة ولكن نطقت مفِلْقة

(10)

[معجزة]

(11)

معضئلة

(12)

بأصول [تفتر]

(13)

منها الفروع المفتنة، [مجلحمة]

(14)

(15)

بقوانين تنسل منها المعاني المكتنة على وجه [تكل]

(16)

عن ذكر محامدها أنامل التحرير، وتضيق عن وصف معاليها أدراج الأضابير

(17)

، ومن [جرأه عذب]

(18)

مشوقة للقلوب، مرغبة أطيب

(19)

مضغة صيحانية مصلبة

(20)

(21)

،

(1)

في (ب): «والشرف والخصال» .

(2)

الأساتذة: كلمة أعجمية، دخيلة على اللغة العربية، ولم ترد في الشعر الذي يحتج به، ومعناها:«الماهر بالشيء العظيم» . مجلة ملتقى أهل اللغة العدد الثاني - السنة الأولى (رجب 1434 هـ- 2013 م).

(3)

في (ب): «بملء من» .

(4)

في (ب): «دقائقها» .

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

كتب تحتها في (أ): «التبقر التوسع في العلم» ، مختار الصحاح (2/ 594) مادة [ب ق ر].

(7)

كتب فوقها في (أ): «أي: ظهرت» ، وفي (ب):«نجمة» .

(8)

في (ب): «فِقر الفقه» .

(9)

في (ب): «المباني» .

(10)

في حاشية (أ): «الفِلْقُ -بالكسر- الداهية والأمر العجب تقول منه: أفلق الرجل وافْتَلق، وشعرٌ مُفْلِقٌ وقد جاء بالفلق. الصحاح (4/ 1544) مادة [فلق] وفي (ب) في الحاشية: «متجددة» .

(11)

ساقطة من (ب).

(12)

في حاشية (أ): «اعضألت الشجرة بالهمز إذا كثرت أغصانها والتفت» ، الصحاح (5/ 1767)، ولسان العرب (11/ 455) مادة [عُ ض ل].

(13)

في (ب): «تغتر» .

(14)

في (ب): «مجلجمة» .

(15)

كتب فوقها في (أ): «الاجلحام الاجتماع» ، وفي (ب) في الحاشية:«أي: مجتمعة» . لسان العرب (12/ 103) مادة [جلحم].

(16)

في (ب): «يطل» .

(17)

في (ب) في الحاشية: الإضبارة دستة تامة، والأضابير مجموعة الكتب، انظر: الصحاح (2/ 718، 719) مادة [ض ب ر].

(18)

في (ب): «ومن وراءه غدت» .

(19)

في (ب) في الحاشية «أي: أطيب ما يمطع» .

(20)

هكذا وردت في (ب) ولعلها الأصح مما ورد في نسخة (أ)«صيخانية معلبة» .

(21)

في (ب): «صيحانية مصلبة» وعرفها بالحاشية «ثمرة صيحانية هي نوع من تمر المدينة هذا مثل

يضرب لاستطابة الشيء» انظر: الصحاح (1/ 385) مادة [ص ي ح]، ولسان العرب (2/ 522) مادة [ص ي ح].

ص: 2

وأضاءت

(1)

[لإعجازها]

(2)

[صليب]

(3)

(4)

الضرزمة

(5)

(6)

، وهي مع ذلك حول الصليان

(7)

الزمزمة

(8)

(9)

، وإن أقبلت الطائفة بالتقليد [عاليةً]

(10)

على الممحوص

(11)

أصوص عليها صوص

(12)

على إثبات دفائنها، و [تفتيح]

(13)

خزائنها من غير [كدح في التنقير]

(14)

وكد في التقرير نكصت [حاكمةً]

(15)

للذِّفْرىَ

(16)

وذاهبةً في البهيرى]

(17)

(18)

، وما [فاهت إلا جاءت بالضلال من السبهال والسميهي]

(19)

بن العقنقل

(20)

، وها أنا قد تصديت [بنثر جواهرنا التي جازها السمع زويرًا]

(21)

، وعدوت حين جريت أعدى من [الشنفرى]

(22)

، وكان ذاك [عِبء]

(23)

اقتراح المختلفين [والكتاب المحكين]

(24)

، ولو لم يكن فيه سوى ما وصَّاني الإمام الهمام السيف [الهدام]

(25)

مطعام الضيفان، مهداء الإخوان، العالم العامل الفاضل الكامل، ألمعي الطبيعة

(26)

، لوذعي القريحة

(27)

، [قاضي القضاء]

(28)

، رئيس الهداة، علاء الدين محمد بن أحمد بن عمر الساغرجي

(29)

[حلاه]

(30)

الله بما زانه، وصانه عما شانه بترتيب

(31)

حواشيها، وتنميق مفاتيح [أغلاقٍ فيها]

(32)

، لكفي بذاك وجوب الأئتمار وينابيع بالانهمار؛ إذ وصيته محقوقة [الإيفاء]

(33)

، [معروفة بالإصفاء]

(34)

، فإنه [سلمه الله]

(35)

توسل لوصول الكتب بعد الفقدان، ويأس مصادفتها عند تطاول النشدان، [وأوحستُ]

(36)

في قرونتي [رحبة]

(37)

[أن أكُون]

(38)

بين الرصد كمبتغى الصيد في [عرّيسَة الأسَد]

(39)

، وسألت الله توفيق حوزِ نُسخةٍ تُصفَى وتُنقّى لا حلوًا يشترط ولا مرًّا فيُعقى

(40)

، [فبررت]

(41)

بحمد الله كافلةً [لإبراز]

(42)

محاسن «الهداية» مقصودًا، [وتنظيم]

(43)

جواهر قلائد «الجامع الصغير»

(44)

والقدوري

(45)

، منضودًا

(46)

فمن ظفر بها استصحب ما هو أشبه الأنورين [إذ أزهر]

(47)

، واستغنى عن جر خمسين

(48)

دفترًا أو أكثر؛ إذ هي انتزعت من المظانِّ التي صيغ جوهر «الهداية» منها، [وافتلا سماعها]

(49)

من نُسَخِ «المباسيط»

(50)

و «الأسرار»

(51)

و «الجامِعَين»

(52)

، و «دليلي الإيضاح»

(53)

(1)

هكذا وردت في (ب)، ولعلها الأصح عما ورد في نسخة (أ)«آضت» .

(2)

في (ب): «بإعجازها» .

(3)

في (ب): «بصيب» .

(4)

في (ب) في الحاشية «صلت» .

(5)

كتب تحتها في (أ): «شدة العض» ، الصحاح (5/ 1971) مادة [ضرزم].

(6)

في (ب): زيادة بعد «الضرزمة» [بنوره الضحى].

(7)

في (ب) كتب في حاشية (أ)«وهو من أفضل المراعي» لسان العرب (12/ 274).

(8)

كتب فوقها في (أ): «الصوت المتتابع» ، وجاء في الصحاح (5/ 1945) مادة [زمزم] «صوت الرعد». وفي لسان العرب (12/ 274) قال:«الزمزمة: صوت خفي لا يكاد يفهم، ومن أمثالهم: حول الصليان الزمزمة» .

(9)

في (ب): زيادة بين معكوفين بعد «الزمزمة» [من أجل].

(10)

في (ب): «غالية» .

(11)

الممحوص: الشديد الخلق من الإبل، الصحاح (3/ 1056) مادة [م ح ص].

(12)

«أصوص عليها صوص» شديدة موثقة، وقيل: كريمة وهو مثل عربي. لسان العرب (7/ 4) مادة [أ ص ص] وانظر: الصحاح (3/ 1029) مادة [أ ص ص].

(13)

في (أ): «ويفتح» والتصويب من (ب).

(14)

في (ب): «درج في التبقير» ، والتنقير:«التفتيش والبحث» ، انظر: الصحاح (2/ 836)، ولسان العرب (5/ 230)، مادة [ن ق ر].

(15)

في (ب): «حاكة» .

(16)

الذِّفْري: بالكسر ما خلف الأذن (الذَّفَرُ) ذكر في (دف) المغرب (1/ 175) مادة [ذ ف ر].

(17)

في (ب): «وذاهة في اليهري» . وكتب فوقها في (أ): «ناقة سمينة» .

(18)

في حاشية (أ): «البهيرى» الباطل تضرب لمن سألته عن شيء فأخطأ في الجواب. انظر: الصحاح

(2/ 599)، ولسان العرب (4/ 83) مادة [ب هـ ر].

(19)

في (ب): «فاضت الأجات بالضلال بن السبهال والسيمهي» ومعناها: أي: جرى إلى غير أمر يعرفه. انظر الصحاح (1/ 2235).

(20)

كتب في حاشية (أ): «الكثيب العظيم المتداخل الرمل» ، الصحاح (11/ 463)، مادة [عقنقل].

(21)

في (ب): «ينثر جواهرها التي حازها السمع دُوئر» ومعنى زويرًا أي: ميلاً وعدولاً. انظر: مقاييس اللغة (3/ 36) مادة [زور].

(22)

«الشنفري» : هكذا وردت في النسختين والأصح «الشنفرى» بالألف المقصورة كما في المثل، و «الشنفرى» هو: عمرو الأزدي من قحطان، شاعر جاهلي وعَدَّاء؛ وفي الأمثال «أعدى من الشنفرى» له:«لأمية العرب» (ت 70 ق. هـ) انظر: الأعلام لخير الدين للزركلي، (ت 1396 هـ)، الناش: دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر، 2002. (5/ 85).

(23)

في (ب): «غب» . وغب كل شيء عاقبته. انظر: الصحاح (1/ 190)، مادة [غ ب ب].

وكتب فوقها في (أ): «العبء الباطل» . العِبء: -بالكسر- الحمل، وجمعه (أعباء). مختار الصحاح (1/ 198)، مادة [ع ب أ].

(24)

في (ب): «وانكباب المحكمين» .

(25)

في (ب): «الهذام» بالذال المعجمة، «الهُدام» السيف الضارب، و «الهُذام» الشجاع. انظر: لسان العرب (12/ 60 - 606)(هـ د م)

(26)

ألمعي الطبيعة: أي: الذكي المتوقد، الصحاح (3/ 1281) مادة:[لمع].

(27)

لوذعي القريحة: أي: الرجل الظريف الحديد الفؤاد، الصحاح (3/ 1278) مادة:[لذع].

(28)

في (أ)«قضاء» والتصويب من (ب)، ولعلها (القضاة) كره بعض أهل العلم إطلاق (قاضي القضاة) وألحقوه بالتسمي بـ (مَلِكِ الأمْلاكِ) الذي ورد في صحيح مسلم-كتاب الآداب- باب تَحْرِيمِ التَّسَمِّى بِمَلِكِ الأَمْلَاكِ وَبِمَلِكِ الْمُلُوكِ (10/ 588) و (3/ 1688) في قوله صلى الله عليه وسلم «إنَّ أخنَع اسْم عِنْدَ اللهِ رَجُل يُسَمَّى مَلِك الأمْلاكِ لا مَالِكَ إلاّ الله» المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الإمام مسلم (ت 261 هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، ط: دار إحياء التراث العربي-بيروت. وممن كره ذلك ابن أبي جمرة، والعراقي، انظر: تيسير العزيز الحميد ص (613).

(29)

لم أجد له ترجمة فيما اطلعت عليه من التراجم.

(30)

في (أ): «جلَّاه» والتصويب من (ب).

(31)

في حاشية (ب): «أي في الباقين» .

(32)

في (أ): «اغلاق فبها» والتصويب من (ب).

(33)

في (ب): «الإيتاء» .

(34)

في (ب): «مغرومة الإصفاء» .

(35)

ساقطة من (أ)، والتصويب من (ب).

(36)

في (ب): «وأوجبت» ومعنى «أوحست» أي: حسيت وشعرت به. لسان العرب (6/ 49) مادة [ح س س].

(37)

ساقطة من (أ) والتصويب من (ب)، ومعنى «قرونتي»:«هو الذي يجمع بين ثمرتين في الأكل» ، الصحاح (6/ 2181) مادة [ق ر ن].

(38)

في (ب): «أن يكون» .

(39)

عرِّيسَة الأسد: موضعه الذي يألفه ويأوي إليه قال في البحر البسيط:

يا طيِّئ السَّهل والأجيال موعدكم*** كمبتغي الصَّيْد في عرِّيسَةِ الأسد.

غريب الحديث لإبراهيم الحربي (2/ 850)، جمهرة اللغة (2/ 716)، معجم ديوان الأدب (1/ 341)، مقاييس اللغة (4/ 263)، لسان العرب (6/ 136) مادة [عرس].

(40)

في حاشية (ب): «فيتقى» ومعنى (فيعقى) أي: يكره كتاب الزاخر (1/ 262).

(41)

في (ب): «فبرزت» وفي حاشيته «في نفسي» .

(42)

في (ب): «بأبراز» .

(43)

في (ب): «وتنظم» .

(44)

«الجامع الصغير» ، شرح الإمام محمد بن الحسن (ت 189 هـ)، ط: عالم الكتب، بيروت 1406 هـ.

(45)

«القدوري» هو: شيخ الحنفية، أبو الحسين، أحمد بن محمد البغدادي القدوري، من مصنفاته:«مختصر القدوري» ، و «التجريد والتقريب» ، وغيرهما. (ت 428 هـ). انظر: الفوائد البهية (ص 30)، الجواهر المضيئة (1/ 93)، الأعلام (1/ 212).

(46)

(منضودًا) أي: وضع بعضه على بعض، الصحاح (2/ 544)، مقاييس اللغة (5/ 439).

(47)

في (أ): «أو أزهر» والتصويب من (ب).

(48)

كتب فوقها في (أ): «سبعين» ، وكذا في حاشية (ب).

(49)

في (ب): «وافتلذ نسخلها عنها» .

(50)

«المباسيط» ، المبسوط للشيباني (ت 189 هـ)، والمبسوط للسرخسي (ت 483 هـ).

(51)

«الأسرار» ، لأبي زيد الدبوسي (ت 430 هـ).

(52)

«الجامعين» : كتاب الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير وكتاب الجامع الكبير وكليهما لأبي عبدالله محمد بن الحسن الشيباني (ت 189 هـ).

(53)

«دليلي الإيضاح» ، لم أعثر على كتاب بهذا الا سم فيما اطلعت عليه من الكتب، ولعله يقصد كتاب «الإيضاح في الفروع» ، للإمام أبي الفضل عبدالرحمن بن محمد الكرماني الحنفي (ت 543 هـ) مخطوط، انظر: كشف الظنون (1/ 211)، وتاج التراجم في طبقات الحنفية (1/ 184). وطبع برسالة دكتوراه بجامعة أم القرى كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، قسم الشريعة، شعبة الفقه، بإسم كتاب التجريد من أول الكتاب حتى نهاية باب الظهار

-دراسة وتحقيقا- إعداد الطالب: عبدالله بن سليمان التويجري- إشراف د/ رويعي بن راجح الرحيلي عام 1432 - 1433 هـ.

ص: 3

و «المحيط اللامعين»

(1)

، والفتاوى الموثوق بها

(2)

، والفوائد المومُوق لها

(3)

، وأُورِد فيها ما يساعد مسائلها ويُضاهيها، وما يضادُها ويناويها

(4)

، ليزداد الإيضاح والإنباء؛ إذ بالضد [تتبين]

(5)

الأشياء، وما أورد فيها لم يخل من الأنواع المثلثة

(6)

، [وهدانا النقائض المقعثة]

(7)

إما من أصل وثيق ذُكر نقله فيه، وإما منقول من أستاذ سُمع من فيه، [وإما مسطور من قبلي ينتخبه الفكر ويصطفيه]

(8)

؛ [فأني أُثْبِتُ ما اثْبَتُ فيها من نكاتٍ نظريةٍ]

(9)

، ومن سِنانِ أسولة سمهرية

(10)

[إلا بعد أن سبلته في بوتقة التخليص والتحرير]

(11)

، وما رقمت غير أنها [أصليت]

(12)

في كانون

(13)

التفكير، وطالما عنيت بتنقيح دلائلها، ومنيت بتوضيح مسائلها، وامتد ما راجعتُ فيها وروجع إليَّ ورددته ورد علي، حتى تراءى لي [فهو مما يبلج]

(14)

به صدور الأنام، وألقى مراسيه

(15)

بذي رمرام

(16)

.

(1)

«المحيط اللامعين» : لعله يقصد، «المحيط البرهاني في الفقه النعماني» لأبي المعالي برهان الدين، بن مازه البخاري الحنفي (ت 616 هـ) وكتاب «المحكم والمحيط الأعظم» لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي (ت 458 هـ).

(2)

مثل: «فتاوى قاضي خان» ، و «الفتاوى الظهيرية» ، وغيرهما وسوف تأتي.

(3)

معنى «الموموق لها» : أي: المحبوبة. انظر: الصحاح (4/ 1568)، مادة [و م ق]، مثل:«الفوائد الظهيرية» ، وسوف تأتي.

(4)

(ويناويها) أي: يبتعد عنها، انظر: الصحاح (6/ 2499)، لسان العرب (1/ 178).

(5)

في (ب): «يتبين» .

(6)

المثلثة، ما جاء بعدها يُبين معناها وهو قوله:(إما من أصل وثيق ذُكر نقله فيه، وإما منقول من أستاذ سمع من فيه، وإما مسطور من قبلي ينتخبه الفكر ويصطفيه).

(7)

في (ب): «وهدايا النفائس المقنعة» ، و «المقعثة»: الجزلة. انظر: الصحاح (1/ 290)، مادة [ق ع ث].

(8)

في (أ): «وإما مسطور من قلم ينتجبه الفكر بمصالحه» والتصويب من (ب).

(9)

في (أ): «فإن ما أتيت ما أثبت ما أثبت فيها» والتصويب من (ب).

(10)

«سمهرية» : الصلابة والشدة. انظر: الصحاح (2/ 689)، مادة [س م هـ ر] ومعنى (سِنان) أي: رفعه المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 292). 75)، المغرب (1/ 216).

(11)

في (ب): «إلا بعد أن سُبَكتْ في بوتقة التلخيص والتحرير» ومعنى (سبلته في بوتقه) أي: جمعته وهذبته انظر: المعجم الوسيط (1/ 415).

(12)

في (أ): «أصيبت» والتصويب من (ب).

(13)

الكانون والكانونة: الموقد ويقال للثقيل من الرجال، كانون وكانون الأول وكانون الآخر: شهران في قلب الشتاء، بلغة أهل الروم، الصحاح (6/ 2189).

(14)

في (ب): «هو مما يثلج» ومعنى «يبلج» : أي: يشرق، انظر: الصحاح (1/ 305)، مادة [ب ل ج].

(15)

في حاشية (أ): «إلقاء المراسي عبارة عن الاستقرار والسكون» ، وانظر: الصحاح (6/ 2356) مادة [ر س أ].

(16)

«وألقى مراسيه بذي رمرام» هذا مثل يضرب لمن اطمأن وقرت عينه بعيشه. انظر: مجمع الأمثال (1/ 186) للميداني (ت 518 هـ) تحقيق: محمد محي الدين، ط: دار المعرفة - بيروت - لبنان والمستقصى في أمثال العرب، (1/ 238) لأبي القاسم الزمخشري (ت 538 هـ) ط: دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الثانية 1987 م ومعنى (رمرام) أي: حشيش الربيع، الصحاح (5/ 1938) مادة [ر و م].

ص: 4

ثم تبينت أن غيره بالأولوية [سبق]

(1)

، [وضل الدريص نفقة

(2)

فَطَمستُهُ]

(3)

(4)

وعبهلته

(5)

، ثم صححته، ثم غربلته ثالثًا ورابعًا، حتى تجلى بارعًا ورائعًا، وبلغ إلى أن ترتضيه العقول، [وتنتقيه]

(6)

الأصول، وكنت على كذا سجيس الأوجس

(7)

في أرفع الأحوال

(8)

، والأوكس

(9)

مزجيًا [ريعان]

(10)

العمر وعنفوان الدهر، قيد ربع المائة من السنين بأصحابٍ كانوا في التدقيق منتهين، [وفيئات]

(11)

الأساتذة على أطيب الأحوال [منسوجة]

(12)

، والأمر سُلكى ليس بمخلوجة

(13)

(14)

، وكان بي حدة اللهبان، وسمة [الشوزان]

(15)

، وبالوقت [التقى]

(16)

الثريان والحواشي [المتذاكية]

(17)

في مثل هذه الحال كادت تزول وأذنت بالذبول، ولا يتأتى الظفر بشيء فكيف بالجميع؟! وإن طُولب من الأصيل إلى الصَّدِيع

(18)

[فالجأتني]

(19)

هذه الضرورة إلى الإقدام على جمع أشتات تلك الفوائد، وفرائد قلائد [لو تصفْحتَها لم تظفر]

(20)

إلا بضرب من البيان [يشتار]

(21)

وعلمٍ من التَّبيان يختار، فلما انتهيت في [كشف]

(22)

مشكلات الهداية وروايتها، واستيضاح معضلات درايتها، تسمية الكتاب «النهاية في شرح الهداية» ألا من فاز بهما فقد فاز بأدلة كتب الفقه أجمع، وصار أذكى القوم وأجمع، وانتقل من ذل السؤال والإِتبذال إلى عز الاستبدال

(23)

والاستقلال، واستغنى بهما عن هذا النوع شرحًا ومشروحًا، وصادف باب الخير مفتوحًا، فإنه قد طابق قدٌّ يستحل

(24)

وباءت [عرَارِ بِكَحْلِ]

(25)

.

(1)

في (ب): «سبقه» .

(2)

«ضل الدريص نفقة» هذا مثل، يضرب لمن يعني بأمره ويعد حجة لخصمه فينسى عند الحاجة، والدرص: ولد الفارة واليربوع والهرة وأشباه ذلك، ونفقة: حجرة. انظر: مجمع الأمثال للمبيداني (1/ 184).

(3)

في (أ): «فطنته» والتصويب من (ب).

(4)

في (ب): «وضل الدريص بقعة فطمسته» .

(5)

أي: أهملته، انظر: الصحاح (5/ 1757)، مادة [ع ب هـ ل].

(6)

في (ب)، وفي حاشية (أ):«ينقيه» .

(7)

كتب فوقها في (أ): «رأى أبدًا» لأن سجيسًا يستعمل في معنى الأبد، والأوجس الدهر أي: أبد الدهر. انظر: الصحاح (3/ 937) مادة [س ج س].

(8)

كتب فوقها في (أ): «الإمهال» .

(9)

الوَكْسُ: النقصُ، الصحاح (3/ 989) مادة [و ك س].

(10)

في (ب): «مرقياً» .

(11)

في (ب): «وقينات» .

(12)

في (ب): «منسوخة» .

(13)

كتب في حاشية (أ): «السلكى والمخلوجة صفتان للطعنة يقال: طعنته سُلكى إذا أشرع الرمح تلقاء وجهه فسلكه فيه» و «المخلوجة» : التي في جانب. انظر: الصحاح (4/ 1591) مادة [س ل ك]، ولسان العرب (10/ 443) مادة [س ل ك].

(14)

في حاشية (أ): «طعنة مخلوجة إذا [طعنه من جانب] والتقدير: طعنه طعنة سلكى وطعنه [طعنة مخلوجة] اسمين لبلمستقيم والمعوج في كل أمري يضرب في باستقامة الأمر وانتظامه]» وما بين الأقواس طمس، والتصويب من كتاب المستقصي في أمثال العرب للزمخشري (1/ 301).

(15)

في (ب): «الشقران» ومعنى (الشوزان) أي: الشغوف به، انظر: تاج العروس (15/ 181) مادة [ش و ز].

(16)

في (ب): «النقي» .

(17)

في (ب): «المتداكية» .

(18)

الصديع: الصبح. الصحاح (3/ 1241)، مادة [ص د ع].

(19)

في (أ): «فاجأتني» والتصويب من (ب).

(20)

في (أ): «لو تصفحتها لم يظفر» والتصويب من (ب).

(21)

في (أ): «تشتار» ، والتصويب من (ب): ومعنى: «تشتار» : يجتبى من مواضعه. انظر: لسان العرب (4/ 434) مادة [شار].

(22)

في (ب): «شرح» .

(23)

في (ب): «الاستبداد» .

(24)

القِدُّ-بالكسر-: سير يقد من جلد غير مدبوغ. الصحاح (2/ 522) مادة [قدد].

(25)

في (ب): «غرار» ، والصواب:«باءت عَرارِ بِكَحْلَ» يضرب لكل مستويين يقع أحدهما بإزاء الآخر. انظر: مجمع الأمثال (1/ 91).

ص: 5

ثم رواية «الهداية» بلغتني من مصنفها الإمام العالم البارع المُوقن الورع مفتي البشر، سيف النظر، ملجأ العلماء [أستاذ]

(1)

الفقهاء، رئيس أهل السنة والجماعة، عمدة أهل التقوى والنزاهة، شيخ الإسلام والمسلمين، افتخار علماء العالمين، برهان الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل بن الخليل بن أبي بكر الفرغاني

(2)

الرَّشداني: [بالأستاذين]

(3)

:

أحدهما: الشيخ العالم الربّاني العامل الصّمداني، ناصب لواء الشرع، مؤسس قواعد الأصل والفرع، فخر الحاج والحرمين، إمام أهل الخافقين

(4)

، السالك كل [سُبُل]

(5)

العبادات، الناسك بعبادة أهل السّعادات، مولانا حافظ الدّين محمد بن محمد بن نصر البخاري

(6)

رضي الله عنه

(7)

وأثابه الجنة، فإني سمعتها منه بمرو

(8)

في المدرسة البدرية

(9)

، ومسجدها الميمونة ببخارها ومحتدبها

(10)

بقراءة الإمام العالم ناصر السنة، قامع البدعة، زين الدين السِّمْنَاني

(11)

، -سلمه الله- من أولها إلى آخرها، وشيخي [هذا]

(12)

: يروي عن علامة العالم أستاذ بني آدم محيي مراسم الفقه على الحقيقة، مدرك الأدلة الدقيقة، مولانا شمس الدين محمد

(1)

في (أ): «أستاد» ، والتصويب من (ب).

(2)

في حاشية (ب)«المرغيناني» وترجمته في سير أعلام النبلاء، و «الفرغاني نسبة إلى نواحي فرغانة لذا يقال فيه: الفرغاني المرغيناني صاحب كتابي «الهداية» و «البداية» في المذهب الحنفي (ت 593 هـ) انظر: سير أعلام النبلاء (21/ 232) لأبي عبدالله محمد بن أحمد الذهبي (ت 748 هـ) ط: مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1405 هـ- تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف شعيب الأرناؤوط، الجواهر المضية (1/ 383)، الفوائد البهية (ص 141).

(3)

في (أ): «بالأستادين» ، والتصويب من (ب).

(4)

(الخافقان): المغرب والمشرق، المغرب (1/ 149) مادة [خ ف ق]، مختار الصحاح (1/ 94) مادة [خ ف ق] وهذه الألقاب تكثر عند علماء الأحناف، ولعله من محبته لشيخه وإجلاله له.

(5)

في (ب): «سبيل» .

(6)

من شيوخ المؤلف (ت 642 هـ)، انظر: الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية (2/ 121) لعبد القادر ابن محمد بن نصر الله القرشي أبومحمد الحنفي (ت 775 هـ) ط: سير محمد كتب خانه، كراتشي.

(7)

هكذا وردت رضي الله عنه والأولى الترحم، والترضي عن الصحابة رضي الله عنهم.

(8)

مرو، من أشهر مدن خرسان، بينهما وبين نيسابور سبعون فرسخا، ومعنى لفظ (مرو): الحجارة البيض التي يقتدح بها. الأخبار الطوال للدينوري ص (37)، وهي تقع الآن في دولة (تركمانستان). موجز عن الفتوحات الإسلامية ص (6، 7، 16)، السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي (ص 387)، المعالم الأثيرة في السنة والسيرة (ص 108).

(9)

المدرسة البدرية: بناها بدر الدين حسن علي المذهب الحنفي في الربع الأول من القرن السابع الهجري، وهي من مآثر العصر الأيوبي، انظر: الدارس في تاريخ المدارس (1/ 149) لعبد القادر النعيمي (ت 927 هـ) تحقيق: إبراهيم شمس الدين ط: دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1410 هـ.

(10)

محتدبها: أي: ما ارتفع من الأرض الواحدة حَدَبَة وحِدَبَة، العين (3/ 186) مادة [ح د ب].

(11)

لم أجد له ترجمه فيما اطلعت عليه.

(12)

في (أ)«بذا» والتصويب من (ب).

ص: 6

ابن عبد الستار بن محمد [بن]

(1)

العمادي الكردري

(2)

:، وهو يروي عن [المصنف]

(3)

أبو حنيفة

(4)

.

والثاني: هو

(5)

الأول زمانًا: الأستاد العالم الزاهد المتقن العابد [الفارع]

(6)

أعلى الدقائق، الباحثِ عن أقصى الحقائق بحيث لا يُداني أحدٌ [شأوه]

(7)

البعيد، ولا يقارب/ 1/ ب/ شأنه السعيد؛ حيث نبذ أمر الدنيا وراء ظهره، وتلقى أمر العقبى عاملاً قدَّام صدره، فلو أخذ بالبيان كأنه السماء المدرار، والفلك الدوار، مولانا فخر الدين محمد [بن محمد]

(8)

بن إلياس المايمرغي

(9)

، تغمده الله بالرحمة والرضوان؛ فإني سمعت منه كتاب «الهداية» من أولها إلى آخرها ببخارى في مسجد مرو بكلاباذ

(10)

تجاه مدرسة المقتدى، ومخرقة المنتدى، بعضها بقراءة فقيه الأمة ناصر السنة، الإمام العالم قوام الدين الصغناقي -سلمه الله- مرةً، ثم جميعها بقراءة الإمام السعيد الشهيد السابق في أنواع العلوم، الفائق في فتح المكنون والمكتوم، شمس الدين [الحافظي]

(11)

الجندي: [ثانيًا]

(12)

.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

هو شمس الدين محمد بن عبد الستار بن محمد بن العمادي، الكردري، تفقه بسمرقند على شيخ الإسلام برهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني وسمع منه، وتفقه ببخارى على العلامة بدر الدين عمر بن عبد الكريم الورسكي، وأبي المحاسن حسن بن منصور قاضي خان وجماعة، له «الفتاوى البزازية» ، و «المناقب» في مناقب الإمام وغيرهما، (ت 642 هـ) انظر: سير أعلام النبلاء (ج 23/ 112، 113)، وكشف الظنون (1/ 70).

(3)

في (ب): «المتصف» .

(4)

هكذا ورت في النسختين، ربما روى الكردي بالسند إلى أبي حنيفة:.

(5)

في (ب): «وهو» .

(6)

في (ب): «السارع» .

(7)

في (أ): «شارة» والتصويب من (ب) ومعنى (شأوه) أي: غايته وأمده، انظر: مختار الصحاح (1/ 354).

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

فخر الدين محمد بن إلياس المايمرغي من شيوخ المؤلف (ت 751 هـ) انظر: الجواهر المضيئة (1/ 213).

(10)

كَلاباذ: بالفتح، والباء الموحدة، وآخره ذال معجمة: محلة ببخارى، وكلاباذ أيضًا: محلة بنيسابور، معجم البلدان (4/ 472)، وتقع الآن في دولة أزبكستان، انظر: موجز عن الفتوحات الإسلامية ص (6، 7)، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (3/ 142).

(11)

في (ب): «الحافظ» .

(12)

في (ب): «هذا» .

ص: 7

وهذا الأستاذ يروي عن العلامة مولانا شمس الدين الكردري بذا

(1)

أيضًا، وهو عن المصنف-رحمهم الله، فشرعت فيه مستوفيًا من الملك الغفور والكريم الشكور.

[شرح مقدمة الهداية]

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْلَى مَعَالِمَ الْعِلْمِ وَأَعْلامَهُ)

- قوله: (الحمد لله) إنما ذُكر بهذا اللفظ دون الشكر لله أو المدح لله، أو أحمد الله، أو احمدوا الله، أو غيرها من الألفاظ تبركًا بمفتتح كتاب الله تعالى، وتأسيًا به، وإنما ذُكر في كتاب الله هكذا، -والله أعلم- لما في الحمد من التصريح بالثناء والاعتراف بدوام النعمة، بخلاف الشكر والمدح.

ولما فيه من تعليم لفظ الحمد مع تعريض الاستغناء، أي: الحمد لله وإن لم [يحمدوه]

(2)

. ولو قال: احمدوا الله لم يفد هذين المعنيين.

- قوله: (أعلى معالم العلم وأعلامه) في هذه الجملة رعاية صنعة ما يقرب من الاشتقاق، [وصنعة الاشتقاق]

(3)

؛ فإن أعلى مع غيره من قبيل

(4)

الأول، والثلاثة الأخر من قبيل

(5)

الآخر، فمن نظير الأول قوله تعالى:{قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} [الشعراء: 168].

ومن نظيرالثاني قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1]، وقوله:{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الواقعة: 1].

ثم المعلم موضع العلم أي: رفع مواضع درك العلوم قيل: المراد منها العلماء، وقيل: المراد منها الأصول التي يوقف بها على الأحكام من نحو الجواز والفساد والحل والحرمة، وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس

(6)

.

(1)

في (ب): «هذا» .

(2)

في (أ): «تحمدوه» ، والتصويب من (ب).

(3)

ساقطة من (ب) انظر: في مسألة الاشتقاق: ديوان الأدب لأبي إبراهيم الفارابي، الاشتقاق للأزدي (ت 321 هـ)، الاتباع لأبي علي القالي (ت 356 هـ)، سر صناعة الإعراب لأبي الفتح الموصلي (ت 392 هـ).

(4)

في حاشية (ب): «أي: من قبيل صنعة ما يقرب من الاشتقاق» .

(5)

في حاشية (ب): «أي: من قبيل الاشتقاق» .

(6)

في حاشية (ب): «ثم اعلم: أن علماء المعاني يعدون الاشتقاق وما شبه الاشتقاق، وليس به من محاسن الكلام. فيقول صاحب الهداية [

] مع إعلامه من قبيل [

] وكل واحد من المعالم والعلم والأعلام بالآخرين من قبيل الأول، ونظير الأول من كلمة [

] الصدقة: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276] ونظير الثاني منه: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن: 54] غاية البيان».

ص: 8

وهذا أوجه بدليل عطف أعلامه عليها؛ [إذ]

(1)

المراد من الأعلام الأشباه الشرعية نحو: دلوك

(2)

الشمس، وملك النصاب، وشهود الشهر، وشرف المكان للصلاة والزكاة والصوم والحج؛ وذلك لأن العلم هو الأمارة، والأسباب الشرعية أمارات لوجوب الأحكام في الحقيقة لما أن الوجوب في الحقيقة مضاف إلى إيجاب الله تعالى، وهو غيب عنا، والله تعالى برحمته أقام الدلالات الظاهرة من دلوك الشمس وغيره عَلمًا على إيجابه الغيبي، تيسيرًا للعباد.

ثم سببية هذه الأشياء ثابتة بتلك الأصول، فكأنه قال: أعلى أصول العلم وأعلى الأشياء الثابتة بتلك الأصول.

ثم لو كان المراد من المعالم العلماء فإعلاؤهم ظاهرٌ؛ قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، حيث خصهم بالذكر ثانيًا بعد دخولهم في ذكر الذين آمنوا إظهارًا لزيادة درجاتهم عنده، ولو كان المراد منها الأصول وهو الظاهر فإعلاؤها ظاهر أيضًا حيث أوجب علينا الاتباع والائتمار بها؛ لقوله تعالى:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 3]، وقوله:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7]، وقوله:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] الآية، وقوله:{فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2].

وكذلك إعلاء هذه الأسباب ظاهر: لما أنه تعالى لما جعلها موجبةً ظاهرًا في حق العباد كان ذلك لشرف لها على سائر الأوقات [والأقوال]

(3)

والأماكن.

(وَأَظْهَرَ شَعَائِرَ الشَّرْعِ وَأَحْكَامَهُ)

- قوله: (وأظهر شعائر الشرع) الشعائر جمع شعيرة وهي ما جعل علمًا على طاعة الله تعالى

(4)

.

قيل: المراد منها ما يؤدى على سبيل الاشتهار كصلاة الجمعة والعيدين والخطبة وجمعي/ 2/ ب/ العرفات والمزدلفة

(5)

.

(1)

في (ب): «لأن» .

(2)

دلوك الشمس: زوالها وقيل غروبها وأصله الميلان، طلبة الطلبة (ص/ 10)، المغرب (ص/ 167).

(3)

في (أ): «الأموال» والتصويب من (ب).

(4)

انظر: طلبة الطلبة (ص 29)، المغرب (ص 251).

(5)

عَرَفَاتُ: -بالتحريك-، وهو واحد في لفظ الجمع، وعرفة: حدها من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبال عرفة، وقيل: في سبب تسميتها بعرفة أقوال كثيرة منها: أن الناس يعترفون بذنوبهم في ذلك الموقف، وهي من الحل وبينها وبين مكة ثلاثة فراسخ، وقيل: أربعة، وكلها موقف إلا بطن عرفة، والمراد بجمعي عرفات: أي صلاتي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين، ولا يجهر فيهما بالقراءة؛ لأنهما صلاتا نهارٍ كسائر الأيام. انظر: معجم البلدان (4/ 104 - 105)، (5/ 120 - 121)، لياقوت الحموي (ت 626 هـ)، الناشر: دار صادر، بيروت، الطبعة الثانية 1995 م.

والمُزْدَلِفَةُ: -بالضم ثم السكون، ودال مفتوحة مهملة، ولام مكسورة، وفاء-، ومزدلفة منقولة من الازدلاف وهو الإجتماع، سميت جمعًا ومزدلفة، وهو مبيت للحاج ومجمع الصلاة إذا صدوا من عرفات، وهو مكان بين بطن محسّر والمأزمين، والمزدلفة: المشعر الحرام ومصلى الإمام يصلي فيه المغرب والعشاء والصبح، وهي فرسخ من منى، وكلها موقف إلا بطن وادي محسر، والمراد بجمعي المزدلفة: أي صلاتي المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. انظر: معجم البلدان (4/ 104 - 105)، (5/ 120 - 121). والجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 155 - 158)، للزبيدي اليمني الحنفي المتوفى سنة:(800 هـ)، الناشر: المطبعة الخيرية، الطبعة الأولى 1322 هـ.

ص: 9

والقياس في الشعائر [الهمز]

(1)

كما في الصحائف والرسائل بخلاف المعايش والمشايخ [فإنهما]

(2)

بياءٍ خالصة لما عرف

(3)

.

والمراد من الشرع: المشروع؛ إذ لو كان المراد به الشارع لقال: شعائَره.

والمشروع بإطلاقه يتناول الأسباب والأحكام الشرعية فكانت الإضافة إضافة بيان كخاتم فضة لجواز إضافة الأحكام إلى غير الشرع كالنحو وغيره، فكان هذا من المصنف رعاية المناسبة بين التحميد والتصنيف على ما قيل [ذكر]

(4)

التحميد متضمنًا مضمون التأليف من شرط صحة التصنيف.

- قوله: (وأحكامه) الحكم: الأثر الثابت بالشيء نحو الجواز والفساد

(5)

.

(وَبَعَثَ رُسُلاً وَأَنْبِيَاءَ -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ- إلَى سُبُلِ الْحَقِّ هَادِينَ، وَأَخْلَفَهُمْ عُلَمَاءَ إلَى سُنَنِ سُنَنِهِمْ دَاعِينَ، يَسْلُكُونَ فِيمَا لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُمْ مَسْلَكَ الاجْتِهَادِ، مُسْتَرْشِدِينَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ وَلِيُّ الإرْشَادِ)

- قوله: (وبعث رسلاً وأنبياء) وغاير بينهما بالعطف؛ لأن «الرسول هو النبي [الذي]

(6)

معه كتاب كموسى عليه السلام، والنبي هو الذي ينبئ عن الله وإن لم يكن معه كتاب كيوشع عليه السلام)، كذا في «الكشاف»

(7)

. وعن هذا قال النبي عليه السلام: «عُلَمَاءُ أمَّتِي كَأنْبِيَاء بَنِي إسْرَائِيْل»

(8)

- ولم يقل: كرسل بني إسرائيل.

(1)

في (ب): «الهمزة» .

(2)

في (ب): «لأنها» .

(3)

انظر: الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية (ص 826، 1002)، المخصص لابن سيده (1/ 144)، المنصف لابن جني (ص 309).

(4)

في (ب): «ذكره» .

(5)

انظر: المغرب ص (125) مادة [ح ك م]، المصباح المنير (ص 145).

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

الكشاف (3/ 22)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، لأبي القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري جار الله (ت: 538 هـ)، الناشر: دار الكتاب العربي- بيروت، ط: الثالثة 1407 هـ، وانظر في الفرق بين النبي والرسول: شرح العقيدة الطحاوية (1/ 155).

(8)

في حاشية (ب): أقول إن علماء الحديث اتفقوا على أن هذا الحديث موضوع بهذا اللفظ، وإن كان معناه صحيحًا لقوله صلى الله عليه وسلم «إنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَة الأنْبِيَاء» أبو عبدالله ولي الدين جار الله. وهو كما قال: حيث قال السخاوي: «حديث: «عُلَمَاء أمَّتي

»، قال شيخنا ومن قبله الدميري والزركشي: إنه لا أصل له، زاد بعضهم: ولا يعرف في كتاب معتبر» أ. هـ». انظر: المقاصد الحسنة (1/ 459)، المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، لشمس الدين محمد بن عبدالرحمن بن محمد السخاوي (ت 902 هـ)، ط: 1، 1405 هـ، دار الكتاب العربي -بيروت.

وقال السيوطي: «حديث: «عُلَمَاء أمَّتي .... » لا أصل له» أ. هـ انظر: الدرر المنتثرة (1/ 148)، الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة، لعبدالرحمن بن أبي بكر جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ)، تحقيق: د/ محمد لطفي الصباغ، الناشر: عمادة شؤون المكتبات- جامعة الملك سعود، الرياض. وقال الألباني:«لا أصل له باتفاق العلماء» . انظر: السلسلة (1/ 679)، سلسة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة، للألباني (ت 1420 هـ)، ط: 1، 1412 هـ، دار المعارف -الرياض.

ص: 10

- قوله: (هادين

وداعين) صفتان لأنبياء وعلماء لا حالان

(1)

لما أن إيقاع الحال عن النكرة لا يحسن إلا عند تقديمها على ذي الحال، ولأن الحال يقتضي التزلزل والصفة تقتضي التقرر، اللهم [إلا أن يكون الحال]

(2)

مؤكدةً، ولكن ليس هذا موضع المؤكدة

(3)

، فكانت مبالغة المدح في إيقاعها صفة لاقتضائها [اللزوم لم يؤثر من أثر الحديث رواة]

(4)

.

(وَخَصَّ أَوَائِلَ الْمُسْتَنْبِطِينَ بِالتَّوْفِيق حَتَّى وَضَعُوا مَسَائِلَ مِنْ كُلِّ جَلِيٍّ وَدَقِيقٍ)

- قوله: (وخص أوائل المستنبطين) أراد بذلك -والله أعلم- أبا حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم

(5)

؛ إذ هم الذين شقوا غبار استنباط المسائل ووضعها، وهم الذين تولوا تمهيد قواعد المسائل الشرعية وتبيينها، وهم الملتذون

(6)

بأي عذر استنباط المسائل الفقهية والمُترِصُون

(7)

لأرهاص

(8)

القواعد الدينية، وكل من صنف كتبًا بعدهم أو وضع مسألةً فهو مغترف من بحار علومهم، ومتجرعٌ من [عُمّان]

(9)

أصولهم، وبانٍ على ما أصَّلوه وتالٍ على ما أسسوا، فلهم الدرجة العليا والرتبة القصوى. رزقنا الله شفاعتهم

(10)

آمين رب العالمين.

(1)

في هامش (ب): قوله: «لا حالان

إلخ» أقول: إن السيد الشريف جوز كونهما حالين باعتبار أن تنوين (رسلًا وأنبياء) للتعظيم فكان الحال من نكرة موصوفة، فليراجع «حاشية الهداية» للسيد قدس الله سره أبو عبدالله.

(2)

في (ب): «إلا أن يقال بكون الحال» .

(3)

في حاشية (أ): «لعدم شرطها من وجوب حذف عاملها وكونها مقررة بمضمون جملة اسمية» .

(4)

هكذا وردت في النسختين، ولعلها تصحيف من النساخ.

(5)

سبق التعليق على ذلك ص 91.

(6)

اللذة: نقيض الألم، المحكم والمحيط الأعظم (10/ 50) مادة [ل ذ ذ].

(7)

في حاشية (أ): «من أترصت الأمر وترصته أي أحكمته وقومته. «صحاح» ». انظر: الصحاح (3/ 1031) مادة [ت ر ص].

(8)

أرهص الشيء: أثبته وأسسه، والرهص: بالكسر العرق الأسفل من الحائط، انظر: أساس البلاغة (1/ 399) المغرب ص (203).

(9)

تصحيف، ولعلها:«عُبابُ» ، والعُبابُ: هو الكثرة. انظر: لسان العرب (1/ 573)، مادة [ع ب ب]، أو «معين» بمعنى: التمام. انظر: مختار الصحاح (1/ 467)، مادة [عين].

(10)

هذا من حسن ظنه بهم، والصالحون يشفعون يوم القيامة، كما هو مقرر في معتقد أهل السنة والجماعة. انظر: شرح العقيدة الطحاوية (1/ 290)، للإمام علي بن علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي المتوفي (792 هـ)، تحقيق: د/ عبدالله التركي، وشعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، لبنان، بيروت، الطبعة الأولى 1408 هـ، والتعليقات السنية على العقيدة الواسطية ص (114)، لفيصل بن عبدالعزيز المبارك المتوفى سنة (1376 هـ) تحقيق: عبد الإله الشايع، الناشر: دار الصميعي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1427 هـ.

ص: 11

- قوله: (من كل جلي) أي: من كل ظاهر دركه، يعني به المسائل القياسية

(1)

.

- قوله: (ودقيق) أي: خفي دركه، يعني به المسائل الاستحسانية

(2)

، نظيرهما إذا وقعت البعْرة

(3)

في البئر، فيه قياس واستحسان؛ فالقياس: أن يفسد الماء لوقوع النجاسة في الماء القليل، وهذا دليل ظاهر دركه، والاستحسان أن لا يفسد؛ لأن آبار الفلوات ليست لها رؤس حاجزة، والمواشي تبعر حولها وتلقيها الريح فيها، فجعل القليل عفوًا للضرورة، ولا ضرورة في الكثير، وهذا دليل خفي دركه.

(غَيْرَ أَنَّ الْحَوَادِثَ مُتَعَاقِبَةُ الْوُقُوعِ، وَالنَّوَازِلُ يَضِيقُ عَنْهَا نِطَاقُ الْمَوْضُوعِ)

- قوله: (غير أن الحوادث) وقع استثناء عما قبله فلذلك انتصب، وهو جواب عمَّا يرد وشبهة على الكلام الأول؛ فإنه لما ذكر أن أوائل المستنبطين وضعوا المسائل من كل جلي ودقيق، كانت المسائل كلها موضوعة؛ [لأن المسألة لا تخلو إما أن كانت مما جليُّ دركه أو

(1)

المسائل القياسية: القياس هو «مساواة محلٍّ لآخر في علَّةِ حُكم له شرعي، لا تُدرك من نصه بمجرد فهم اللغة» ، وهذا تعريف جمهور الحنفية المتأخرين. انظر: التقرير والتحبير (3/ 117)، لأبي عبدالله شمس الدين محمد المعروف بابن أمير حاج الحنفي، المتوفى سنة (879 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 1403 هـ -1983 م، وغاية الوصول في شرح لب الأصول (1/ 116)، لزكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري، زين الدين أبو يحيى السنيكي المتوفى سنة (926 هـ)، الناشر: دار الكتب العربية الكبرى، مصر، وتيسير التحرير (3/ 271، لمحمد أمين ابن محمود البخاري المعروف بأمير باشاه الحنفي المتوفى سنة (927 هـ)، الناشر: دار الفكر - بيروتز.

(2)

المسائل الاستحسانية: الاستحسان «هو العدول في مسألة عن مثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه لوجه هو أقوى منه» ، وهذا من أشمل تعريفات الاستحسان عند الأحناف. انظر: الأحكام للآمدي (4/ 164)، لأبي الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي المتوفى سنة (631 هـ)، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1404 هـ، تحقيق: د/ سيد الجميلي، وأصول السرخسي (2/ 200)، والمبسوطي للسرخسي (3/ 145)، وكشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي (4/ 4)، لعبدالعزيز بن أحمد بن محمد علاء الدين البخاري المتوفى سنة (730 هـ)، تحقيق: عبدالله بن محمد بن محمد عمر، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1418 هـ - 1997 م.

(3)

البعر: رجيع ذوات الخف وذوات الظلف من الإبل والشاء وبقر الوحشي والظباء، إلا البقر الأهلية، والمفرد (بعرة) انظر: لسان العرب (1/ 312)، المعجم الوسيط (1/ 65)، مادة [ب ع ر].

ص: 12

دقيق دُركه كانت المسائل كلها موضوعة]

(1)

، فلأي معنًى تصدى من بعدهم من المستنبطين والمصنفين للاستنباط والتصنيف حتى تصديت أنت أيضًا لإنشاء هذا الكتاب، أليس يكفي موضوعاتهم؟

فأجاب عنه وقال: نعم كذلك إلا أن النوازل تنزل ساعةً بعد ساعةٍ، والحوادث تحدث حينًا غب حينٍ

(2)

، فلا يستوعب جميعها نطاق الموضوعات ولا يجوز كلها حزام المنصوصات، فاحتيج إلى وضع آخر [على]

(3)

حسب حادثة تحدث [لكن]

(4)

مقتفيًا على آثارهم، ومقتبسًا من أنوارهم؛ فإنه لولا سِمَتهِم في وضع المسائل لما اهتدوا إليه، ولولا هديهم في تنقيح الدلائل لما اقتدروا عليه وكانوا في الحقيقة هم المتولين لوضع المسائل كلها بعضها بمباشرتهم وبعضها بتبيين طرقها، فكان لهم الأجر السَّني

(5)

والذكر العلي.

- قوله: (النطاق): والمنطقة كمر

(6)

.

- قوله: (الموضوع): أي: موضوعات أوائل المستنبطين.

(1)

ساقط من (أ)، والتثبيت من (ب).

(2)

أي: بعد حين، انظر: الصحاح (1/ 191)، ولسان العرب (1/ 636)، والقاموس المحيط (1/ 119) مادة [غ ب ب]

(3)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).

(4)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).

(5)

أي: الرفيع، انظر: الصحاح (6/ 2383) ولسان العرب (14/ 403)، والقاموس المحيط (1/ 1296) مادة [س ن أ].

(6)

كمر: لفظة تركية، من أصل فارسي بمعنى منطقة أو حزام وهو اسم لكلِّ بناءٍ فيه العقد، والكمر: الذي يحيط بالشيء، ومنه لبس الكمر للمحرم بالحج أو العمرة، والمعنى: أي نطاق ما وضعه الأوائل بالحج أو العمرة. والمعنى: أي نطاق ما وضعه الأوائل من المستنبطين رحمهم الله انظر: تاج العروس (14/ 66)، مادة [كمر] للزبيدي المتوفى سنة 1205 هـ تحقيق: مجموعة من المحققين، الناشر: دار الهداية وانظر: معجم اللغة العربية المعاصرة (3/ 1958) لأحمد مختار عبدالحميد المتوفى الناشر: عالم الكتب، الطبعة الأولى 1429 هـ/ 2008 م. وأثر التوجيه الشرعي في الدلالة اللغوية لبعض المناهي اللفظية (ص 472) ليحيى بن أحمد عريشي، الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، العدد 128 سنة 1425. ومجموع فتاوى ابن باز (17/ 125) لعبد العزيز بن باز المتوفى سنة (1420، إشراف محمد بن سعد الشويعر. ومجموع فتاوى ورسائل العثيمين (22/ 107) لمحمد بن صالح بن عثيمين المتوفى سنة 1421، جمع وترتيب: فهد بن ناصر السليمان، الناشر: دار الوطن- دار الثريا الطبعة الأخيرة 1413 هـ.

ص: 13

(وَاقْتِنَاصُ الشَّوَارِدِ بِالاقْتِبَاسِ مِنْ الْمَوَارِدِ)

- قوله: (الاقتناص): الاصطياد. والقنص بالتسكين: مصدر قنصه أي: صاده

(1)

.

- قوله: (الشاردة) أي: الآبدة وهي النافرة من الشراد والشرود من حد ضرب.

- قوله: (القبس): شعلة من نار. يقال: اقتبست منه نارًا واقتبست منه علمًا

(2)

أيضًا أي: استفدته

(3)

.

- قوله: (الموارد): جمع المورد

(4)

.

[آب خور]

(5)

فإنه لما استعار الشوارد للأحكام المستخرجة من الأصول بالاستنباط بجامع سبب الوصول إلى المقصود، واستعار الموارد للأصول باعتبار محل الوصول، ولأن [ما]

(6)

بين الماء والعلم من المناسبة؛ إذ الأول سبب حياة الأشباح، والثاني سبب حياة الأرواح، فكان فيه ترشيح الاستعارة كقوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} [البقرة: 16]؛ فإنه لما استعار الاشتراء لاختيار الضلال بترك الهدى رتب عليه عدم الربح الذي هو أحد نتائج البيع.

(وَالاعْتِبَارُ بِالْأَمْثَالِ مِنْ صَنْعَةِ الرِّجَالِ)

- قوله: (والاعتبار بالأمثال من صنعة الرجال) أي: وقياس الأحكام على نظائرها بالعلل المؤثرة من صنيع الكاملين في الرجولية الجامعين لما يكون في الرجال من مرضيّات الخصال لا من صنيع كل [واحد]

(7)

، وجعل من عداهم [كأنه]

(8)

ناقص في الرجولية، ثم ذكر صعوبة الوقوف على المأخذ، بقوله: يعض عليها بالنواجذ

(9)

.

(1)

الصحاح (3/ 1054)، وتاج العروس (18/ 130)، ومختار الصحاح (1/ 560)، مادة [ق ن ص].

(2)

في (ب): «حكمًا» .

(3)

الصحاح (3/ 960) وتاج العروس (16/ 349) ومختار الصحاح (1/ 560) ومعجم مقاييس اللغة (5/ 48)، ولسان العرب (5/ 3510) مادة [ق ب س].

(4)

انظر: مختار الصحاح (1/ 740)، ومعجم اللغة العربية المعاصرة (3/ 2423) مادة [و ر د].

(5)

لعلها فارسية ولعل معناها: (جمع الموارد) انظر: المعاني لكل رسم معنى قاموس عربي فارسي على الشبكة العنكبوتية.

(6)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).

(7)

في (ب): «أحد» .

(8)

في (ب): «كأنهم» .

(9)

في حاشية (أ): في «الفائق» : الناجذ آخر الأسنان، ويقال له ضرس الحلم، ومنه اشتقوا رجل منجذ، وقد نجذ نجوذًا إذا نبت وارتفع، وقيل: النواجذ الأضراس كلها. وقيل: هي الأربعة التي هي الأنياب. انظر: الفائق (3/ 303)، الفائق في غريب الحديث والأثر، للزمخشري (ت 538 ت)، تحقيق: علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار المعرفة -لبنان، الطبعة الثانية.

ص: 14

(وَبِالْوُقُوفِ عَلَى الْمَآخِذِ يُعَضُّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ)

(النواجذ): أربعٌ للإنسان في أقصى الأسنان من كل جانب واحدة فوقًا وتحتًا، وتسمى أضراس الحلم؛ لأنها [تنبت]

(1)

بعد البلوغ، يقال: عض على ناجذه إذا صبر وتصلب، ومنه قول عمر رضي الله عنه: «مَا وَلي أحَدٌ إلا [حام]

(2)

على قَرابَتِه وقَرَى في عَيْبَته ولَنْ يَلي النَّاس كقُرشِي عضّ عَلى نَاجِذِه»

(3)

أي: يعض على/ 2/ أ/ المأخذ بالنواجذ، أي: استنباط الحكم من الموارد أمرٌ صعبٌ لا يهتدي إليه أحدٌ إلا بتوفيق الله تعالى، فيجب أن يوجد التصلب والاهتمام في حقه، فلذلك وصف أصحابه بكمال الرجولية.

(1)

في (أ): «نبتت» والتصويب من (ب) انظر: الصحاح (2/ 571) ومختار الصحاح (1/ 688) ولسان العرب (6/ 4349) مادة [ن ج ذ].

(2)

في (أ): «جام» والتثبيت من (ب) ومعنى (حام) أي: دار، انظر: الصحاح (5/ 1908)، تاج العروس (32/ 37) مادة [ح م و].

(3)

رواه أبو حاتم عن الأصمعي. انظر: غريب الحديث لابن قتية (ت 276 هـ)(2/ 59)، تحقيق: د. عبدالله الجبوري، ط: الأولى، 1397 هـ، مطبعة العاني -بغداد، وانظر: الفائق في غريب الحديث والأثر، لأبي القاسم محمود بن عمرو الزمخشري (ت 538 هـ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، محمد أبو الفضل إبراهيم، الناش: دار المعرفة -لبنان، ط: 1 وأبلغ من قول عمر رضي الله عنه قول نبينا صلى الله عليه وسلم، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ». رواه الإمام أحمد في مسنده (28/ 368)، قال المحقق الأرناؤط:(حديث صحيح بطرقة وشواهده، وهذا إسناد حسن) ورواه الترمذي في سننه (5/ 44) وقال: (هذا حديث صحيح)، ورواه أبو داود في سننه (4/ 329) وقال الألباني:(صحيح)، ورواه ابن ماجة في سننه (1/ 16) وقال الألباني:(صحيح).

ص: 15

(وَقَدْ جَرَى عَلَى الْوَعْدِ فِي مَبْدَإِ بِدَايَةِ الْمُبْتَدِي أَنْ أَشْرَحَهَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى شَرْحًا أَرْسُمُهُ «بِكِفَايَةِ الْمُنْتَهِي»، فَشَرَعْت فِيهِ وَالْوَعْدُ يَسُوغُ بَعْضَ الْمَسَاغِ، وَحِينَ أَكَادُ أَتَّكِئُ عَنْهُ اتِّكَاءَ الْفَرَاغِ)

- قوله: (والوعد يُسَوَّغُ بعض المساغ) أي: يجوز بعض التجويز لا كله، ووجهه: إني شرعت في شرح «البداية» الذي هو موسوم بـ «كفاية المنتهي» بسبب وعدٍ جرى عَليَّ حال شروع تصنيف «بداية المبتدي» ، وقد تصدى عليَّ حالتان متنافيتان حال إرادة ابتداء الشروع في الشرح:

إحداهما: تقتضي الإنجاز، وهي أن الخلف في الوعد مذموم شرعًا، وهو من علامات النفاق في الحديث:«ثَلاثٌ مِن عَلامَاتِ النِّفَاق: إِذا وَعَدَ أخلف، وإِذا اؤتُمِنَ خان، وإذَا حدَّثَ كَذَبَ»

(1)

.

والثانية: تقتضي الامتناع، [وهي]

(2)

أن التصنيف شيء عظيم الشأن بعيد الشأو

(3)

عميق القعر، لا يسلم فيه كل سابح، ولا يغلب كل رامح، ولا يرضي كل أحد بأن يصير مستهدفًا لرشق الطاعنين، والأصل في المتعارضين العمل بقدر الإمكان [وفي القول ببعض التجويز عمل بهما بقدر الإمكان]

(4)

إذ في ترجيح أحدهما إبطال الآخر لا محالة فكان هذا من المصنف: هضم النفس، ورؤية انحطاط رتبته.

ثم قوله: (والوعد يسوغ بعض المساغ) محله النصب على أنه جملة حالية من التاء في (فشرعت) من غير ضمير راجع منها إليه كما في قولك: أتيتك والجيش قادم.

أتكئ عنه. عدَّى الاتكاء بعن وإن كان هو يعد بعلى لتضمين معنى الفراغ كما في قوله تعالى: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة: 260] على تضمين معنى الإمالة.

(1)

رواه البخاري-كتاب الإيمان- باب علامة المنافق (1/ 21)، الجامع الصحيح المختصر للبخاري، ط: 3، دار ابن كثير، اليمامة -بيروت 1407 هـ، تحقيق: د/ مصطفى ديب، ورواه مسلم -كتاب الإيمان- باب بيان خصال المنافق (1/ 78).

(2)

في (ب): «وهو» .

(3)

الشأو: الغاية، بلغ شأوه أي غايته، يقال بعيد الشأو: إذا كان بعيد الهمة. انظر: العين (6/ 297)، جمهرة اللغة (1/ 240)، تهذيب اللغة (6/ 257) مادة [شأو].

(4)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).

ص: 16

(تَبَيَّنْتُ فِيهِ نُبَذًا مِنْ الإطْنَابِ وَخَشِيتُ أَنْ يُهْجَرَ لأجْلِهِ الْكِتَابُ، فَصَرَفْتُ الْعِنَانَ وَالْعِنَايَةَ إلَى شَرْحٍ آخَرَ مَوْسُومٍ بِالْهِدَايَةِ، أَجْمَعُ فِيهِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَ عُيُونِ الرِّوَايَةِ وَمُتُونِ الدِّرَايَةِ، تَارِكًا لِلزَّوَائِدِ فِي كُلِّ بَابٍ، مُعْرِضًا عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الإسْهَابِ، مَعَ مَا أَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى أُصُولٍ يَنْسَحِبُ عَلَيْهَا فُصُولٌ).

- قوله: (تَبيَّنت): أي: علمت.

يقال: في رأسه نبذ من شيب، وأصاب الأرض نبذٌ من مطر أي: شيء يسير

(1)

.

عين الشيء: خياره.

ومتن الشيء بالضم متانة فهو متين أي: صلب، ويقال: رجل مَتِنٌ أي: صلب وقوي

(2)

.

والمراد من [متون]

(3)

الدراية هو المعاني المؤثرة، والنكاة المتينة التي لا تنتقض.

- قوله: (مع [ما]

(4)

أنه يشتمل على أصول يسحب عليها فصول) فيه دفع لوهم من عسى يهم أنه لما ترك الزوائد في كل باب وأعرض عن الإسهاب حينئذٍ لعله لم يأت بأصولٍ ذات فوائد فقال: مع كونه محذوف الزوائد، هو مشحون بالفوائد، هذا كما أصل في فساد البيع بالشرط فهو كل شرط يخالف مقتضى [العقد]

(5)

، وفيه نفع لأحد المتعاقدين أو للمعقود عليه، وهو من أهل الاستحقاق يفسد البيع وإلا فلا، ففي كل قيد منه احتراز عما يضاده، وجمع لما يوافقه، وكذلك قال في مسألة المجازاة [ومن شروط المجازاة]

(6)

أن تكون الصلاة مشتركة، وأن تكون مطلقة، وأن تكون المرأة من أهل الشهوة، وأن لا يكون بينهما حائل وأمثالها كثيرة يعثر عليها في أثناء كلماته.

(وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنِي لِإِتْمَامِهَا، وَيَخْتِمَ لِي بِالسَّعَادَةِ بَعْدَ اخْتِتَامِهَا، حَتَّى إنَّ مَنْ سَمَتْ هِمَّتُهُ إلَى مَزِيدِ الْوُقُوفِ يَرْغَبُ فِي الْأَطْوَلِ وَالْأَكْبَرِ، وَمَنْ أَعْجَلَهُ الْوَقْتُ عَنْهُ يَقْتَصِرْ عَلَى الْأَقْصَرِ وَالْأَصْغَرِ. وَلِلنَّاسِ فِيمَا يَعْشَقُونَ مَذَاهِبُ وَالْفَنُّ خَيْرٌ كُلُّهُ.)

- قوله: (لإتمامهما واختتامهما) وفي بعض النسخ: لإتمامها واختتامها

(7)

، والتثنية راجعة إلى الشرحين.

- قوله: (المزيد): مصدر كالزيادة.

- قوله: [شعر]

(8)

(وللناس فيما يعشقون [مذاهب]

(9)

الشعر لأبي فراس

(10)

أوله:

عليَّ لربع العامرية وقفةٌ

ليملي على الشوق والدمع كاتب

ومن [مذهبي]

(11)

حب الديار لأهلها

وللناس فيما يعشقون مذاهب

والياء في ليملي ساكنة لضرورة الشعر.

(1)

جمهرة اللغة (1/ 306) مادة [نبذ].

(2)

انظر: المغرب (1/ 435) مادة [م ت ن].

(3)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب) والهداية (1/ 24).

(4)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب) والهداية (1/ 24).

(5)

في (ب): «العقل» .

(6)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب) والهداية (1/ 24).

(7)

وهو كما قال: وقد وردت هذه الصيغة في (ب).

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب) والهداية (1/ 24).

(10)

هو الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي (أبو فراس)، وله ديوان مشهور (ت 357 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء (12/ 253) للذهبي (ت 748 هـ)، الناشر: دار الحديث، القاهرة، ط: 1427 هـ.

(11)

في (أ): «بمادتي» ، والصواب «مذهبي» كما ورد في (ب). وديوان أبي فراس (1/ 35) ديوان أبي فراس الحمداني، المكتبة الشاملة.

ص: 17

(ثُمَّ سَأَلَنِي بَعْضُ إخْوَانِي أَنْ أُمْلِيَ عَلَيْهِمْ الْمَجْمُوعَ الثَّانِي، فَافْتَتَحْتُهُ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي تَحْرِيرِ مَا أُقَاوِلُهُ مُتَضَرِّعًا إلَيْهِ فِي التَّيْسِيرِ لِمَا أُحَاوِلُهُ، إنَّهُ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ وَهُوَ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِالإجَابَةِ جَدِيرٌ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.)

- قوله: (المقاولة): القول، ولكن فيها زيادة مزاولة ومقاساة ليست في القول؛ لأنها من باب المغالبة والمباراة والفعل متى غولب فيه جاء أبلغ وأحكم مما إذا زاوله وحده لزيادة قوة الداعي إليه.

- قوله: (المحاولة): طلب الشيء بحيلة، ومنه الحديث:«اللهُمَّ بِكَ أحَاوِل وَبِكَ أصَاول»

(1)

. روي أنه عليه السلام كان يقول هذا الدعاء عند لقاء العدو أي: بنصرتك وتوفيقك ادفع عني كيد العدو واطلب الوثوب عليهم. ومن إنشاء الإمام عماد الدين

(2)

ابن شيخ الإسلام صاحب [«الهداية»]

(3)

رحمهما الله في حق [«الهداية»]

(4)

:

كتاب الهداية يهدي الهدى

إلى حافظيه ويجلو العمى

فلازمه واحفظه يا ذا الحجى

فمن ناله نال أقصى المنى

(5)

(1)

انظر: سنن الدارمي (3/ 1585)، قال المحقق: إسناده صحيح، مسند الدارمي المعروف بـ (سنن الدارمي) لأبي محمد عبدالله الدارمي (ت 255 هـ)، تحقيق: سليم أسد الداراني، الناشر: دار المغني للنشر والتوزيع- السعودية ط: 1، 1412 هـ ومعنى: أحاول: حول المحاولة: طلب الشيء بحيلة ونظيرها المراوغة والمصاولة: المواثبة. روي: أنَّه كان يقول إذا لقى العدو: اللهمَّ بِكَ أحُول وبِكَ أصُول. وهو من حال يحول حيلة، بمعنى احتال، والمراد كيد العدو وقيل: هو من حال بمعنى تحرك، صبح خيبر يوم الخميس بكرة فجأة وقد فتحوا الحصن وخرجوا معهم المساحي فلما رأوه حالوا إلى الحصن، وقالوا: محمد والخميس. أي تحولوا إليه يقال: حال حولا كعاد عودا. الفائق في غريب الحديث. وانظر: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (11/ 73) قال المحقق: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم. صحيح ابن حبان، لابن حبان (ت 354 هـ)، ترتيب الأمير علاء الدين الفارسي (ت 739 هـ)، تحقيق وتخريج وتعليق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة- بيروت، ط: ا، 1408 هـ.

(2)

هو شيخ الإسلام عماد الدين بن علي بن أبي بكر (ابن المرغيناني) تتلمذ على أبيه مصنف كتاب الهداية، من تصانيفه: أدب القاضي (ت 620 هـ):. انظر: هدية العارفين، لإسماعيل بن محمد أمين بن مير سليم الباباني البغدادي (ت 1399 هـ)، طبع بعناية وكالة المعارف الجليلة في مطبعتها البهية، استانبول 1951 م، ثم أعيد طبعه بدار إحياء التراث العربي-بيروت-لبنان.

(3)

في (ب): «البداية» .

(4)

في (ب): «البداية» .

(5)

نسب الإمام، السغناقي: هذين البيتين إلى الإمام عماد الدين ابن صاحب «الهداية» وقد نسبها إليه أيضاً محقق كتاب التجنيس والمزيد في المقدمة (1/ 14) والتجنيس للإمام المرغيناني صاحب الهداية (ت 593 هـ)، تحقيق: محمد أمين مكي، نشر: إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي، باكستان، الطبعة الأولى 1424 هـ، ولم أجد فيما اطلعت عليه من كتب الشعر والتراجم والأحناف من نسبها إليه، والله أعلم.

ص: 18

‌كتاب الطهارة

- قوله: (كتاب الطهارة) كان شيخي الأستاذ الكبير البارع النحرير

(1)

، أستاذ علماء الخافقين

(2)

، فخر الحاج والحرمين، مولانا حافظ الدين محمد بن [محمد]

(3)

بن نصر البخاري

(4)

: وأثابه الجنة كثيرًا ما يقول عند ابتداء كتاب من كتب المشروعات: الأصل المذكور في أصول الفقه هو أن مشروعات الشارع على أربعة أنواع حقوق الله خالصةً وحقوق العباد خالصةً، وما اجتمع فيه الحقان وحق الله [فيه غالبٌ]

(5)

كحد القذف، وما اجتمع فيه الحقان وحق العبد فيه غالب كالقصاص.

وأما حقوق الله تعالى على الخلوص فثمانية عبادات خالصة كالإيمان والصلاة وغيرهما، وعقوبات كاملة كالحدود، وعقوبات قاصرة كحرمان الإرث بالقتل، وحقٌّ دائر بين العبادة والعقوبة كالكفارة.

وعبادة فيها معنى المؤنة كصدقة الفطر، ومؤنة فيها معنى القربة كالعشر

(6)

، ومؤنة فيها

معنى العقوبة/ 3/ ب/ كالخراج

(7)

.

(1)

النحرير: الرجل الطَبِنُ الفطن في كل شيء، وجمعه: النحارير، تهذيب اللغة (5/ 10)، لسان العرب (5/ 197) وفي الصحاح (2/ 824) النحرير: العالم المتقن.

(2)

الخافقان: أفقا المشرق والمغرب لأن الليل والنهار يخفقان فيهما. مختار الصحاح (1/ 94)، المغرب في ترتيب المعرب (1/ 149) مادة [خ ف ق].

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

هو الإمام، حافظ الدين، محمد بن محمد بن نصر البخاري، شيخ الإمام السغناقي صاحب (النهاية في شرح الهداية) الكتاب الذي بين أيدينا، (ت 642 هـ) تقريباً. انظر: الجواهر المضيئة (2/ 82، 83)، وطبقات الحنفية (2/ 83)، وسير أعلام النبلاء (16/ 344).

(5)

في (ب): «غالبٌ فيه» .

(6)

العُشْرُ: -بالضم- أحدُ أجزاء العشرة، والعَاشِرُ آخِذُ العُشْر، فزكاة الحبوب إذا سقيَّ بلا مؤونة العُشر كاملاً، وإذا سقيَّ بمؤونة نصف العُشر انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 316) لناصر بن عبد السيد أبي المكارم، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المطرزي (ت 610 هـ) الناشر دار الكتاب العربي، وطلبة لطلبة في الاصطلاحات الفقهية (1/ 19) لعمر بن محمد النسفي (ت 537 هـ) الناشر: المطبعة العامرة، مكتبة المثنى، بغداد 1311 هـ والفائق في غريب الحديث (2/ 387) لأبي القاسم الزمخشري المتوفى سنة 538 هـ. ت علي البجاوي محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار المعرفة- لبنان، ط 2.

(7)

الخراج: ما يخرج من غلة الأرض أو الغلام ومنه «الخراج بالضمان» أي: الغلبة بسبب إن ضَمِنتَه ضَمِنْتَ ثم سمي ما يأخذ السلطان خراجاً. المغرب في ترتيب المعرب (1/ 143).

ص: 19

وحقٌّ قائم بنفسه من غير سابقة سبب يوجبه كخمس الغنائم والمعادن

(1)

.

وأما حقوق العباد فكثيرة منها المعاملات المالية كالبيع، وغير المالية كالنكاح والطلاق.

ثم اختص الإيمان بالله وما يتلوه بأصول الدين فبقيت الأحكام الأخر وهي التي نحن فيها، ثم قدمت من بينها الصلاة؛ لما أنها أقوى أركان الإسلام بعد الإيمان بالله، قال الله تعالى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} [التوبة: 5]، وقال صلى الله عليه وسلم:«الصَّلاةُ عِمَاد الدِّيْنِ»

(2)

. ومن أراد نصب خيمة بدأ بنصب العماد وهي [أعلى]

(3)

معالم الدين ما خلت شريعة [المرسلين]

(4)

عنها.

(1)

خمس الغنائم والمعادن: أي إذا استولى المسلمون على أموال الكفار خمسها الإمام، أي: أخذ خُمُسها، والمعادن هي الركاز: وهو الكنز الذي من عصر الجاهلية، يخرج خمسه لله ورسوله. انظر: طلبة الطلبة (1/ 20، 86، 118) مادة [خ م س] و [ر ك ز].

(2)

ورد الحديث بهذا اللفظ في كتاب: شعب الإيمان (4/ 300) لأحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 هـ) حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه، د/ عبدالعلي عبدالحميد حامد، أشرف على تحقيقه وتخريج أحاديثه: مختار أحمد الندوي، صاحب الدار السلفية ببومباي- الهندي، الناشر: مكتبة الرشد بالرياض، الطبعة الأولى 1423 هـ وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/ 231)، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت. يومًا قريبًا منه ونحن نسير فقلت: يانبي لله أَخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ وَيُبَاعِدُني مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: «لَقَدْ سَألتَ عَنْ عَظيمٍ، وإنَّهُ لَيَسيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ الله لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وتُؤتِي الزَّكَاةَ، وتَصُومُ رَمَضَانَ، وتَحُجُّ البَيْتَ» ثُمَّ قَالَ: «ألَا أدُلُّكَ عَلَى أبْوابِ الخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَما يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ» ثُمَّ تَلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حَتَّى بَلَغَ {يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16] ثُمَّ قَالَ: «ألا أُخْبِرُكَ بِرَأسِ الأَمْرِ، وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سِنَامِهِ» قُلْتُ: بَلَى يَا رسولَ اللهِ، قَالَ:«رَأسُ الأمْر الإسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةِ سِنَامِهِ الجِهادُ» ثُمَّ قَالَ: «ألَا أُخْبِرُكَ بِمِلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ!» قُلْتُ: بلَى يَا رَسولَ اللهِ، فَأخَذَ بِلِسانِهِ وقال:«كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا» قُلْتُ: يَا رسولَ الله وإنَّا لَمُؤاخَذُونَ بما نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فقالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! وَهَلْ يَكُبُّ الناسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» ، قال السخاوي: وهومرسل ورجاله ثقات. المقاصد الحسنة للسخاوي (ص: 428) وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح بطرقه وشواهده وهذا إسناد منقطع ورواه ابن ماجة في سننه (2/ 1314)، والترمذي (5/ 11) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الألباني في تعليقه: صحيح ورواه النسائي في السنن الكبرى (10/ 214) كلهم بمثل لفظ مسند أحمد. وهذا الحديث ضعفه الألباني في «الجامع الصغير» انظر: حديث رقم 170، في ضعيف الجامع.

(3)

في (ب): «من أعلى» .

(4)

في (ب): «المسلمين» .

ص: 20

قال الإمام شمس الأئمة السرخسي

(1)

ناقلاً عن أستاذه شمس الأئمة الحلواني

(2)

- رحمهما الله- يقول في تأويل قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] أي: لأني ذكرتها في كل كتاب منزل على لسان كل نبي مرسل.

وفي اسم الصلاة ما يدل على أنها ثانية [الإيمان]

(3)

؛ لأن المصلي هو التالي للسابق في [الخيل]

(4)

.

قال القائل

(5)

:

ولا بد لي من أن أكون مصليًّا

[إذا]

(6)

كنت أرضى أن يكون لك السبق»

(7)

ثم قدمت الطهارة؛ لأنها شرط الصلاة، والشرط يقدم على المشروط، والتوقف حكم المشروط على وجود الشرط.

(1)

السرخسي: هو شمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، فقيه أصولي حنفي أخذ الفقه والأصول عن شمس الأئمة الحلواني، سجنه الخاقان فأملى كتاب المبسوط ثلاثين جزاءً وهو سجين في الجب، وشرح السير الكبير، وشرح مختصر الطحاوي وله أصول السرخسي في الفقه (ت 483 هـ). انظر: تاج التراجم (1/ 185)

(2)

الحلواني: هو عبدالعزيز بن أحمد بن نصر بن صالح شمس الأئمة الحلواني، فقيه حنفي من أهل بخارى له المبسوط في الفروع، وشرح آداب القاضي لأبي يوسف، وشرح الجامع الكبير للشيباني، والفتاوى الحنفية للجمالي (ت 879 هـ). انظر: تاج التراجم (1/ 189)، تاج التراجم في طبقات الحنفية، للجمالي (ت 879 هـ)، تحقيق: محمد خير رمضان يوسف، الناشر: دار القلم-دمشق - الطبعة الأولى 1413 هـ.

(3)

في النسختين (للإيمان) والتصويب من المبسوط (1/ 4).

(4)

في النسختين (الحلبة) والتصويب من المبسوط (1/ 4) قال في: طلبة الطلبة (1/ 3) سميت الصلاة إيمانًا لأن جوازها وقبولها به. والصلاة فَعَالة من صَلَّى، كالزكاة من زكى، واشتقاقها من الصلاة، وهو العظم الذي عليه الأليتان، لأن المصلَّي يحرك صلوبه في الركوع والسجود، وقيل للثاني: من خيل السباق من المصلى، لأن رأسه يلي صلوي السابق، المغرب (1/ 271) مادة [ص ل و].

(5)

البصائر والذخائر (7/ 163) لأبي حيان التوحيدي (ت 400 هـ) تحقيق: د/ وداد القاضي، الناشر: دار صادر-بيروت ط: 1408 هـ. وقيل: إنها لسيف الدولة بن حمدان، انظر: البديع في نقد الشعر (ص/ 207) لأبي المظفر الشيرزي ت (584)، تحقيق أحمد بدوي، وحامد عبد الحميد، الناشر: الجمهورية العربية المتحدة - الإدارة العامة للثقافة.

هذا البيت وقبله بيتين ذكرهما صاحب (البصائر والذخائر) ولم ينسبها لأحد، وهي:

تركت لك القصوى لتدرك فضلها

وقلت لهم بيني وبين أخي فرق

ولم يك بي عنها نكول وإنما

تغاضيت عن حقي فتم لك الحقّ

ولابدّ لي من أن أكون مصلياً

إذا كنت أرضى ان يكون لك السبق

(6)

في (ب): «إذ» وهو خطأ.

(7)

المبسوط للسرخسي (1/ 4) كتاب الصلاة.

ص: 21

ثم اختصت الطهارة بالبداية من بين سائر الشروط؛ لأنها أهم من غيرها؛ لأنها لا تسقط بعذر من الأعذار.

ثم ذكر الطهارة بلفظ الجمع، ولم يوحد كما وحد الصلاة والزكاة لما أن لام التعريف إذا دخلت على الجمع تبطل معنى الجمعية لما عرف في [أن]

(1)

لا أتزوج النساء، ولا أشتري العبيد، فكان لفظ الجمع والفرد سواء، [ولكن في سؤال اختصاص من جهة الرجحان بأن يقال: لمَ لم ينعكس الأمر باعتبار الجمع فزال الإشكال]

(2)

.

ولا يشكل على قولنا هذا وهو أن لام التعريف إذا دخلت على الجمع تبطل معنى الجمعية

(3)

.

قوله: (لو حلف أن لا يكلمه الأيام)[فهو]

(4)

على عشرة أيام عند أبي حنيفة:. وقالا

(5)

: على أيام الأسبوع؛ لأنا نقول: ما ذكرنا مقرر على أصله حيث بطل معنى الجمعية فيها؛ إذ لو لم تبطل لكان الأيام وأيام سواء في إرادة [الثلاث]

(6)

كما هو حكم الجمع بدون الألف واللام في قوله: لا يكلمه أيامًا، ثم [لما بطل]

(7)

معنى الجمعية باللام صار اللام للعهد، والمعهود عندهما الأسبوع.

وعند أبي حنيفة: منتهى الجموع

(8)

، وصار صرف الكلام إلى ما قال كل واحد من الفريقين [باعتبار العهد لا]

(9)

باعتبار الجمع فزال الإشكال، ولكن بقي سؤال اختصاص جهة الرجحان بأن يقال: لم لم ينعكس الأمر بأن وُحِّد في الطهارة وجمع في الصلاة والزكاة.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في حاشية (ب): قوله: «ثم ذكر الطهارة بلفظ الجمع» [كما قال] العلامة ابن كمال باشا في «شرح الهداية» : [أن الطهارة] مشتملة على أنواع مختلفة [حقيقة] وحكمًا، فقد وقفت على وجه اختيار المصنف الجمع [في الطهارات] بناء على أن في عبارة الجمع إشارة إلى تعدد أنواعها، وما يقال من أن دخول أداة التعريف معنى الجمعية فليس بعام، بل هو مخصوص بموضع النفي، نص عليه الإمام فخر الإسلام البزدوي في «أصوله» ولأن سلمنا عمومه بمواضع الإثبات أيضًا لكن [لا يشمل] المذكورة؛ لأن مدارها على إيراد صيغة الجمع لا على إرادة معناه فافهم، وبهذا التفصيل تبين فساد ما قيل ذكر الطهارة بلفظ الجمع ولم يوحد كما وحد الصلاة والزكاة».

ما بين معكوفين في الأصل خرم، وقد أثبتها ليستقيم المعنى.

(4)

في (ب): «فهي» .

(5)

أي: محمد بن الحسن وأبو يوسف -رحمهما الله-.

(6)

في (ب): «الثلث» .

(7)

في (أ): «لا بطل» ، والتصويب من (ب).

(8)

أي: عشر أيام على قول أبي حنيفة: السابق.

(9)

ساقط من (ب).

ص: 22

قلنا: كأنه التفت إلى اختلاف أنواع الطهارة حدًّا وحقيقةً، فإن طهارة الوضوء مخالفة لتطهير الثوب؛ فإن المراد من طهارة الوضوء نفس إمرار الماء، ونفس إصابته، وفي الثوب غسله حتى يزيل النجاسة، وكذلك طهارة التيمم مخالفة لهما.

أما الصلاة المطلقة فليست بمختلفة الحقائق

(1)

؛ إذ هي عبارة عن الأركان المعهودة، وإن تنوعت من حيث الصفات بالفرض والواجب والنفل، وكذلك في الزكاة يجمع أنواعها قوله عليه السلام:«هَاتُوا ربْعَ عشُورِ أمَوالِكُمْ»

(2)

. فكان المؤتى من كل أنواع المال ربع العشر، فكانت شيئًا واحدًا من حيث ربع العشر

(3)

.

(1)

في حاشية (أ): «يعني وإن بطل معنى الحقيقة لكن أتى بلفظ وصيغة هي للتعدد في أصل الوضع فيما يكون متعدد الأنواع ليشعر صورة اللفظ على التعدد بالنوع» .

(2)

انظر: المسند لابن حنبل (2/ 334)، وابن ماجه (1/ 570) - 8 كِتَاب الزَّكَاةِ -باب زكاة الورق والذهب-، وسنن أبي داود (2/ 10) -3 كِتَاب الزَّكَاةِ -باب زكاة السائمة، وَقَالَ أَبُو دَاوُد جعله بَعضهم مَوْقُوفا عَلَى عَلّي قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ الصَّوَاب. انظر: خلاصة البدر المنير في تخريج كتاب الشرح الكبير للرافعي (1/ 305) كما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، باب ذكر البيان أن الزكاة واجبة على ما زاد (4/ 34)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (1/ 2) برقم (1572).

(3)

في حاشية (ب): «فإن «لام» التعريف إذا دخلت على الجمع تُبطل معنى الجمع لما عُرف في: «لا أتزوج النساء، ولا اشتري العبيد» ؛ فكان لفظ الجمع والمفرد سواء. انتهى كلامه.

على أن هناك وجهًا آخر من الخلل؛ لأن التعليل المذكور لا يناسب الجمع والمفرد، انتهى كلام العلامة.

أقول إن المراد بما يقال هو صاحب النهاية وقد رد عليه قبل هذه صاحب غاية البيان حيث قال: قال بعض الشارحين: ذكر الطهارة بلفظ الجمع دون الصلاة والزكاة؛ لأن اللام في الجمع تُبطل معنى الجمع فكان الجمع والمفرد سواء.

أقول سلمنا بطلان معنى الجمع على ما هو المختار حيث اللام في الأخريين لا نسلم به؛ إذا كان كذلك يلزم جمع الصلاة دون الأخريين وأيضًا يلزم منه العبث، لأن الجمع [

] وتأتي فائدة الجمع». انتهى كلام غاية البيان.

«ثم أقول: إن سيد المحققين حقق هذا المقام في شرح الهداية حيث قال: جمع لفظ الطهارة إن كان مصدرًا على أرادة النوع الحاصل بالمصدر كاليوم والظنون نظرًا إلى تعددها فإنها أصلية، كطهارة ماء السماء أو حادثة، والحادثة أقسام ضرورة أنها لا تكون إلا بزوال ضدها عن [

] ولا بفعله مع تعدد كل من ضدها والمحل [

] ضدها الحدث الأكبر والأصغر والخبث والرطب واليابس مما له جرم، أو لا جرم له إلى غير ذلك، والمحل البدن والمكان والثوب والمرأة وغيره وفعل المكلف الغسل بالماء، وبمائع آخر طاهر، والدلك بالأرض والفرك والمسح ونحوها، ولا يزول كل ضد عن كل محل وبكل فعل بل فيه تفاصيل واعتبارات تعرف في بدء الكتاب.

وبالجلمة لما تعددت الطهارة لانقسامها أولًا إلى أصلية وحادثة، وانقسام الحادثة باعتبارية الحالة وبه وعنه إلى أقسام مختلفة الأحكام جمع لفظها نعم لو أفرد وأريد به الجنس يعني الحقيقة الصالحة للقليل والكثير- صح لكن يفوت الإشعار بالتعدد وهو مطلوب في ابتداء الكلام تنبيهًا للطالب على وجوب صرف الاهتمام.

فإن قلت: لام التعريف تُبطل الجمعية كما في: «لا أتِزوَّجُ النِّسَاء» فهذا الجمع والمفرد.

قلت: ذلك [

] الاستغراق وعدم العهد كما في المثال المذكور إذ لا يمكن تزوج جميع نساء الدنيا ليمنع نفسه عنه، ولا معهودًا أيضًا حتى أن المعهود بهذا اللفظ يجب أن يكون جمعًا وانتفاء الأمرين هاهنا ممنوع إذ المراد الاستغراق وشمول جميع الطهارات التي لا يحتاج إليها للصلاة يمكن [

] المعهود ولو سُلم فاستواء هذا الجمع والمفرد ممنوع لما في لفظ الجمع من الإشعار بالتعدد وإن بطل معنى الجمعية، كيف وهذا الجمع لا يكاد يستعمل فيما لا يتعدد غايته، أنه يصدق على الواحد والكثير بخلاف المفرد». انتهى.

ص: 23

ويجوز جمع المصادر

(1)

وتثنيتها إذا كانت في آخرها تاء التأنيث كما في قولهم: أجزأته السجدة عن التلاوتين، والتلاوات المتعددة في مكان واحد بمنزلة تلاوة واحدة، ولأن المصدر يؤول بالحاصل من المصدر فيجمع كالعلوم والبيوع. ومنه قوله تعالى:{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10]

‌قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الْآيَةَ. [المائدة: 6].

- قوله: (قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 6] الآية). كان من حقه أن يؤخر الآية عن قوله: ففرض الطهارة؛ لأن [حجة]

(2)

المدعي على ما ادعاه إنما يكون بعد الدعوى لا محالة كما أخبر في غير هذا الموضع من قوله: والمعاني الناقضة للوضوء ما يخرج من السبيلين؛ لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ} [المائدة: 6] الآية وغيره إنما فعل ذلك تبيينًا للأصل وهو أن الأصل لثبوت/ 3/ أ/ الأحكام بالأصول الثلاثة أو الأربعة، وكان من حق الوضع أن يكون في المواضع كلها كذلك لما أن الفرع بعد ثبوت الأصل؛ لأنه مبني عليه، والأصل إن ترك استعماله لا يخرج عن كونه أصلاً، لكن يبقى سؤال:[ما]

(3)

جهة الاختصاص بهذا الموضع لإجراء الأصل؟

قلنا: هي [للتبرك]

(4)

بالافتتاح بكلام الله تعالى.

- قوله تعالى: ({إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6]) أي: إذا أردتم القيام إلى الصلاة كما في قول الشاعر:

إذا [طبخت]

(5)

فابدئي بالميمنة.

فإن قلت: لِمَ جاز أن يعبر عن إرادة الفعل بالفعل؟

قلت: لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له وقصده إليه، فكما عبَّر عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم: الإنسان لا يطير، والأعمى لا يبصر. أي: لا يقدر على الطيران والإبصار. ومنه قوله تعالى: {وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] أي: إنا كنا قادرين على الإعادة، كذلك عبر عن إرادة الفعل بالفعل، وذلك لأن الفعل سبب عن القدرة والإرادة على الخصوص؛ إذ لا يوجد الفعل بدونها فأقيم المسبب مقام السبب للملابسة بينهما، ولإيجاز الكلام عند عدم اللبس، كذا في «الكشاف»

(6)

. ثم ظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة سواء كان محدثًا أو غير محدث، وعليه أصحاب الظواهر

(7)

فقالوا: الوضوء سببه القيام إلى الصلاة، فكل من قام إليها فعليه أن يتوضأ.

(1)

في حاشية (أ): «لا يختص جمع المصدر بذي التأويل بجمع عددي [

] من المصادر عند قصد الأنواع على ما صرح الرضي في بحث المفعول المطلق».

(2)

في (ب): «الثلث» .

(3)

أضفتها ليستقيم المعنى.

(4)

في (ب): «التبرك» .

(5)

في (ب): «طخيت» ، وفي حاشية (أ):«طعنت» . ولم أجد قائل هذا البيت فيما اطلعت عليه من كتب الشعر

(6)

تفسير الكشاف للزمخشري (1/ 609).

(7)

مذهب الظاهرية وهم الذين يأخذون بظاهر النصوص وحملها على الوجوب، ويوجبون الوضوء عند القيام لكل صلاة، لقوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} «فوجب بنص الآية ضرورة أن المرء إذا أراد صلاة فرض أو تطوع وقام إليها أن يتوضأ

» انظر: المحلى لابن حزم (1/ 93)، المحلى بالآثار لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (ت 456 هـ)، الناشر: دار الفكر، بيروت، وانظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (3/ 2)، تحقيق: أحمد شاكر، الناشر: دار الآفاق، بيروت.

ص: 24

وأما المذهب عند جمهور الفقهاء فمعناه: إذا قمتم إلى الصلاة من منامكم أو وأنتم محدثون

(1)

.

وما قاله أصحاب الظواهر فاسد لما روي أن النبي عليه السلام كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الخمس بوضوء واحد، فقال له عمر رضي الله عنه: رأيتك اليوم فعلت شيئًا لم تكن تفعله من قبل؟ فقال: «عَمْدًا فعَلْتُ يَا عُمَر كَي لا تحْرِجُوا»

(2)

.

[فقياسية]

(3)

مذهبهم يوجب أن من جلس فتوضأ ثم قام إلى الصلاة يلزمه وضوء آخر، فلا يزال كذلك مشغولاً بالوضوء لا يتفرغ للصلاة، وفساد هذا لا يخفى على أحد.

كذا ذكره في «المبسوط»

(4)

إمام الدنيا وَمِلاكُ الحُدّيَا

(5)

سيما على أهل الفتيا، شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي تغمده الله بالرحمة والرضوان، وأسكنه في فراديس الجنان.

فإن قلت: هذا زيادة تقييد لإطلاق الكتاب بخبر الواحد

(6)

، وأنتم تأبون ذلك كما أبيتم زيادة تعيين الفاتحة على القراءة، وزيادة الطهارة على الطواف بخبر الواحد.

(1)

وهو كما قال: انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 5)، والكافي في فقه أهل المدينة (1/ 146)، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/ 43)، والأم للشافعي (1/ 29)، والمغني لابن قدامة (1/ 111).

(2)

روى هذا الحديث ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما، انظر: صحيح مسلم (2/ 114) كِتَاب الطَّهَارَةِ -بَاب جَوَازِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ برقم (415).

(3)

في النسختين (وقود)، والتصويب من المبسوط للسرخسي (1/ 5).

(4)

انظر: المبسوط، للسرخسي (1/ 5) باب كيفية الوضوء.

(5)

الحُدّيَا، من التحدي، وتحدِّي الرجل تعمَّده، وتحداه: باراهُ ونازعه الغلبة، انظر: لسان العرب (14/ 168) فصل الحاء المهملة.

(6)

خبر الواحد: كل خبر يرويه الواحد والإثنان فصاعدًا، لا عبرة لعدد فيه بعد أن يكون دون المشهور والمتواتر.

كشف الأسرار (2/ 370)، للبزدوي (ت 730 هـ) ط: دار التاب العربي، بيروت، لبنان 1394 هـ، والمغني للخبازي ص (194)، لأبي محمد، عمر بن بن محمد الخبازي (ت 691 هـ) تحقيق: د/ محمد مظهر بقا، الناشر: جامعة أم القرى، مركز البحث العلمي وإحياء التراث، ط: الأولى 1403 هـ.

وخبر الواحد: إذا تلقته الأمة بالقبول، عملًا به وتصديقًأ له يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة، وهو أحد قسمي المتواتر، ولم يكن بين سلف الأمة نزاع كخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إنَّمَا الأعْمِالُ بِالنِّياَّتِ

»، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل رسله آحادًا، ويرسل كتبه مع الآحاد، ولم يكن المرسل إليهم يقولون: لا نقبله لأنه خبر الواحد، انظر: بسط هذه المسألة في «شرح العقيدة الطحاوية (2/ 501 - 504)، ومختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) ص (531 - 615) اختصره: محمد بن محمد بن عبدالكريم بن رضوان البعلي شمس الدين، ابن الموصلي (ت: 774 هـ)، تحقيق: سيد إبراهيم، الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى 1422 هـ.

ص: 25

قلت: بين الزيادتين فرق وهو: أن هذه الزيادة لو لم يكن فيما نحن فيه يلزم منه فساد بيِّن، وحرج ظاهرٌ على ما ذكرنا، وقد نفاه الشارع بقوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج 78][وحجته]

(1)

لا تتناقض فكانت الزيادة ثابتة بالنص الذي ينفي الحرج، وخبر الواحد وقع موافقًا له

(2)

، وهذا كما بينت زيادة أفطر في قوله تعالى:{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، أي: فأفطر؛ لأنه لو لم يضمر قوله: فأفطر. كان الحكم عائدًا على موضوعه [بالنقض]

(3)

؛ لأنه حينئذٍ كان الصوم واجبًا على المريض والمسافر يومان ليوم واحد، وما جوز [الشرع]

(4)

تأخير الصوم [عنهما]

(5)

إلا لنفي الحرج عنهما لقيام العذر بهما، فعلى ذلك التقدير يكون التكليف عليهما أشد من التكليف على [الصحيح المقيم]

(6)

، ولهذا ذكر الله تعالى عقيبه:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] بخلاف قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]، وقوله تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] حيث لا يلزم القبح والفساد على تقدير ترك الزيادة، بل فيه تقدير لقوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] مع أن الإطلاق والإبهام قد يكونان مقصودين لما عرف.

(1)

في (ب): «وحججه» .

(2)

في حاشية (ب): «أقول: إن هذا مخالف لما حققه في حاشيته الكشاف، حيث قال: وأما الجموع المعرفة فتستعمل على وجهين:

أحدهما: أن يراد بها الكل من حيث هو فيكون الحكم مستنداً إليه دون كل واحد كقولك «للرجال عندي درهم» .

والثاني: وهو الأكثر والأشهر استعمالاً أن يراد بها كل واحد من أفرادها فيكون الحكم مستنداً إلى كل فرد، سواء كان إثباتاً، كقوله:{وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} أي: كل محسن، أو نفياً كقولك:«لا أشتري العبيد» أي: لا هذا ولا ذاك، وكما استفيد منها انتساب الأحكام إلى كل فرد، كما في المفردات المستغرقة بعينها حكم بعض الأصوليين بأن الجمع المعرف بلام الجنس بطل عنه الجمعية وصار للجنسية، لا يقال فلا فائدة لصيغة الجمع؛ لأنا نقول: صيغة الجمع أظهر في قصد الإفراد وأولى بالشمول والإحاطة كما يظهر من المباحث السابقة. انتهى».

(3)

في (أ): «بالنقص» ، والتصويب من (ب).

(4)

في (ب): «الشارع» .

(5)

في (ب): «منهما» .

(6)

في (ب): «الصحيح والمقيم» .

ص: 26

أو نقول: اشتراط الحدث لوجوب الوضوء بسبب إرادة القيام إلى الصلاة ثابت هنا بدلالة النص وصيغته.

أما الدلالة فلأنه ذكر التيمم بالتراب الذي هو بدل عن الماء معلقًا بالحدث، وكذلك ذكر الغسل معلقًا بالحدث وهو أعظم الطهرين، فقال تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. وقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [المائدة: 6] الآية، والنص في البدل نص في الأصل، وإنما يخالف البدل الأصل بحالة وهي الكيفية والكمية لا سببية فكانا متحدين في عمل السبب.

وأما الصيغة فقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] أي: من مضاجعكم؛ لأن القيام المطلق كان [من]

(1)

غير القيام مطلقًا وهو الاضطجاع وهو كناية عن النوم، والنوم دليل الحدث كما في قوله تعالى:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] فهو كناية عن التمكن في المكان المطمئن للإستتار والتمكن فيه دليل الحدث، وإنما اختير هذا النظم -والله أعلم-؛ لأن الوضوء مطهر وضعًا فدل على قيام النجاسة فاستغنى عن ذكره بخلاف التيمم والصلاة سبب الوضوء والحدث شرط فلم يذكر الحدث صريحًا ليعلم أنه سنة وفرض، فكان الحدث شرطًا لكونه فرضًا لا لكونه سنة، فأما الغسل فلا يسن لكل صلاة بل هو فرض فلم يشرع إلا مقرونًا بالحدث.

ولا يقال: إن الغسل سنة للجمعة [فيثبت]

(2)

التنوع فيه؛ لأنا نقول: المدعى أنه لا يسن لكل صلاة فلم يتجه نقضًا، أو نقول: كونه سنة لصلاة الجمعة غير مسلَّم؛ لأن الغسل عند البعض لليوم أو الصلاة.

وهذا مما اختاره فخر الإسلام البزدوي

(3)

:، وذكره في الكشاف:«فإن قلت: هل يجوز أن يكون الأمر شاملاً للمحدثين وغيرهم لهؤلاء على وجه الإيجاب، ولهؤلاء على وجه الندب. قلت: لا؛ لأن تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الإلغاز والتعمية»

(4)

، ثم

(1)

في (ب): «عن» .

(2)

في (ب): «فثبت» .

(3)

هو الإمام أبو الحسن، عليّ بن محمد بن حسين ابن المحدث عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد، الإمام أبو الحسن البَزْدَوِيّ النَّسَفيّ الزّاهد،، صاحب التَّصانيف الجليلة، والمدرِّس بسَمَرْقَنْد. فقيه، حنفي توفي في سمرقند سنة:(482) هـ -رحمه الله تعالى-، قال السّمعانيّ: كان إمام أصحاب أبي حنيفة بما وراء النهر، وممن يُضْرب به المَثَل في حِفْظ المذهب، وطريقته مفيدة. ظهر له الأصحاب، وهو أخو القاضي أبي اليُسْر. وقال الذهبي:"هو شيخ الحنفية وعالم ما وراء النهر". من كتبه "كشف الأستار" في التفسير، كبير جدا، "يقال أنه مائة وعشرون جزءا، كل جزء في ضخم مصحف" تفقّه بالشّمس عبد العزيز بن أحمد الحلواني، وسمع منه؛ ومن عمر بن منصور بن خنْب، وأبي الوليد الحسن بن محمد الدَّرْبَنْديّ. وكان مولده في حدود الأربعمائة. روى عنه أبو المعالي محمد بن نصر الخطيب. وله من المصنفات: المبسوط، شرح الجامع الكبير، شرح الجامع الصغير، أصول البزدوي في أصول الفقه، سيرة المذهب في صفة الأدب، كشف الأستاذ في التفسير، وغيرها. انظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 81، 467، 563، 570)(2/ 1016، 1485)، لمصطفى بن عبد الله المشهور ب (حاجي خليفة) المتوفى (1067 هـ)، الناشر: مكتبة المثنى- بغداد 1941 م. وكتاب (أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون)(1/ 257)، للمؤلف: عبد اللطيف بن محمد بن مصطفى، الشهير بـ (رياض زاده) المتوفى سنة:(1078 هـ) تحقيق: د/ محمد التوبخي، الناشر: دار الفكر- دمشق- سورية، الطبعة الثالثة 1403 هـ - 1983 م.

(4)

الكشاف (1/ 644).

ص: 27

قول من قال: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة: 6] من قبيل صنعة الالتفات

(1)

مما لا يكاد يصح بيان ذلك وهو أن «يا» حرف نداء يقتضي الخطاب، يستوي فيه نداء البعيد والقريب، «وأي» منادى مبهم، وهو يقتضي المضاف إليه، قيل: لأن أصله «أويٌ» ؛ لأن «أيًّا» أبدًا بعض ما يضاف إليه، وبعض الشيء يأوي إلى كله إلا أن الواو قلبت ياءً لسبق الواو الساكنة على الياء، ولاستجابة الإضافة عوضوا عنه كلمة التنبيه مقحمةً.

وقوله: ({الَّذِينَ}) على وجهين: أما إن كان صفته ولفظ الجمع باعتبار أبهام «أي» وهو يوصف بالاسم الذي فيه الألف واللام كما في: [يا]

(2)

أيها الرجل. وأصل «الذي» على زنة شجي وعَمِي، ثم [دخل]

(3)

حرف التعريف عليه فكان هو بمنزلة اسم الجنس بحرف التعريف في كونه صفة له، كذا في «الإقليد»

(4)

.

وأما إن كان موصوف «الذين» محذوفًا؛ لأن الذي وضع وصلةً إلى وصف العارف بالحمل، «وأي» ليس بمعرفة فلا يكون «الذين» صفة له بل كان تقديره: يا أيها الناس الذين آمنوا، ويا أيها الرجال الذين، أو يا أيها المؤمنون الذين، والموصولات كلها غيب يلزم أن يكون صلتها، وهي: آمنوا مغايبة أيضًا وفاقًا لها حتى احتيج إلى التأويل في قول علي رضي الله عنه

(5)

:

«أنا الذي سَمَّتْني أمِّي حَيْدَرَة» .

في وروده على خلاف القياس ذكره في الفائق

(6)

.

(1)

الإلتفات: هو مخاطبة الغائب، وقيل: هو الاعتراض، وقيل: هو الاستدراك. انظر: البديع في البديع ص (32)، لأبي العباس، عبدالله بن محمد المعتز بالله ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد العباسي، المتوفى (296 هـ)، الناشر: دار الجيل، ط 1 (1410 هـ-1990 م).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (أ): «أدخل» ، والتصويب من (ب).

(4)

الإقليد لتاج الدين: أحمد بن محمود بن عمر الجندي، وهو شرح لكتاب: المفصل في النحو، للعلامة جار الله أبي القاسم: محمود بن عمر الزمخشري، الخوارزمي، المتوفى سنة:(538 هـ)، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1776) لحاجي خليفة (ت 1067 هـ)، الناشر مكتبة المثنى- بغداد 1941 م.

(5)

انظر: العين (3/ 179)، غريب الحديث لابن قتيبة (2/ 101)، الدلائل في غريب الحديث (2/ 669)، غريب الحديث للخطابي (2/ 179).

(6)

قالها علي رضي الله عنه يوم خبير: أنا الذي سمتني أمي حيده

كليت غابات كريه المنظره

أوفيهم بالصاع كيل السندره

انظر: الفائق في غريب الحديث والأثر للزمخشري (1/ 266).

ص: 28

وقوله: ({إِذَا قُمْتُمْ}) بالخطاب في [نحره]

(1)

ومقطعة أيضًا لاقتضاء حرف النداء إياه إذ لا يمكن أن يقال: يا فلان إذا فعل مكان فعلت لتنافر جزئي الكلام، فكان كل واحد من الغيبة والخطاب في مظانه بحيث لا يمكن العدول عنه لئلا يخرج عن سنن العربية ووضعها، والالتفات إنما يكون في موضع حقه الغيبة فذكره بالخطاب، أو على العكس أو منهما إلى نفس المتكلم أو على العكس، فأما في موضع لا يجوز غير ما ذكره من الغيبة والخطاب فلا؛ لأن في ذلك خروجًا عن [وضع]

(2)

العربية، ألا ترى أنه كيف [لم تتخلف]

(3)

هذه الطريقة في اثنين وثمانين موضعًا في كتاب الله تعالى كما في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: 104]، وقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا} [البقرة: 153]، وكذلك في خطاب الكفار:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا} [التحريم: 7]، وكذلك في إخبار الله تعالى عن خطاب الكفار -لعنهم الله

(4)

-

لنبينا صلى الله عليه وسلم

(5)

: {يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)} [الحجر: 6]، ولو كان للالتفات لما تناسقت مواقعها كلها على موضوع واحد، بل تغايرت لإجراء الكلام على الأصل، ألا ترى كيف أجري على الأصل قوله تعالى:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت: 65]، والتفت في قوله:{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22]، وكذلك أجرى على الأصل [في سورة الحمد]

(6)

في قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] الآية، والتفت في الفاتحة بقوله:{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة: 5]. وما ادعوه من المعنى الداعي إلى الالتفات في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة: 6] من تناول الغائبين إلى يوم القيامة بذكر الغيبة والحاضرين بذكر الخطاب على وجه التصريح منقوض بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)} [الحجر: 6]؛ إذ لا نبي بعد نبينا عليه السلام حتى يتناول ذكر الغيبة إياه، والله أعلم بصحته.

(1)

كذا في النسختين ولعله تصحيف.

(2)

في (ب): «موضع» .

(3)

في (ب): «يتخلف» .

(4)

لعن الكافر المعين، فإن كان حياً، فقد ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة في المذهب، إلى أنه لا يجوز لعنه، لان حاله عند الوفاة لا تعلم، وقد شرط الله تعالى في إطلاق اللعنة الوفاة على الكفر، وذلك في قوله تعالى:(إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) ولأنا لا ندري ما يختم به لهذا الكافر.

وفي رواية عند الحنابلة وهو قول ابن العربي من المالكية، وفي قول الشافعية أنه يجوز لعن الكافر المعين، قال ابن العربي: لظاهر حاله ولجواز قتله وقتاله، أما لعن الكفار جملة من غير تعيين وكذلك من مات منهم على الكفر فلا خلاف في أنه يجوز لعنهم، وهو صنع المؤلف السنغناقي: لما رواه مالك عن داود بن الحصين أنه سمع الأعرج يقول: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان، قال القرطبي: قال علماؤنا: وسواء كانت لهم ذمة أم لم تكن، انظر: حاشية ابن عابدين (2/ 542)، والقليوبي (3/ 204)، والقرطبي (2/ 188)، وكشاف القناع (6/ 125)، والآداب الشرعية (1/ 303)، والأذكار ص (548).

(5)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(6)

ساقطة من (ب) ولعله تصحيف في الإسم، أو إجتهاد من المؤلف في تسمية سورة الأنعام ب (الحمد).

ص: 29

(فَفَرْضُ الطَّهَارَةِ: غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلاثَةِ، وَمَسْحُ الرَّأْسِ) بِهَذَا النَّصِّ،

-قوله: (ففرض الطهارة) الفاء ها هنا لتعقيب الجملة عن الجملة على وجه البيان، فإن هذا الحكم استفيد من هذه الآية، ولكن في بعض الكميات والكيفيات نوع إشكال حتى وقع الخلاف فيها فَشَرعَ في بيانه.

والفرض: التقدير

(1)

، وها هنا بمعنى المفروض

(2)

كقوله تعالى/ 4/ أ/: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي} [لقمان: 11] أي: مخلوقه.

والإضافة للبيان؛ لأن الفروض قد تكون من الطهارة ومن غيرها، ثم يحتاج ها هنا إلى بيان [نفس]

(3)

الطهارة لغةً وشرعًا، وبيان سببها، وشرطها، وركنها، وحكمها.

‌تعريف الطهارة

أما تفسيرها لغة: النظافة وخلافها الدنس وتفسيرها شرعًا: التطهير بغسل أعضاء مخصوصة وخلافه الحدث

(4)

.

‌سبب الطهارة

وسبب

(5)

وجوبها: الصلاة؛ لأنها تنسب إليها ويقوم بها، وهي شرط الصلاة.

فإن قلت: لما كانت الصلاة سببًا لها كانت الطهارة حكمًا للصلاة إذ المراد من السبب العلة، فكيف يكون الشيء الواحد حكمًا لشيء وشرطًا له، وبينهما منافاة؛ إذ الشرط يقتضي [التقدم]

(6)

والحكم يقتضي [التأخر]

(7)

.

قلت: الصلاة سبب للطهارة من حيث الوجوب، أي: وجوب الطهارة عند وجود الحدث بسبب وجوب الصلاة وإلا فلا يجب، والطهارة شرط للصلاة من حيث الجواز، أي: إنما تجوز الصلاة عند وجود الطهارة، والجواز غير الوجوب فلم يكن الحكم والشرط بنسبة واحدة فيجوز كالصوم للاعتكاف الواجب، فإن سبب وجوب ذلك الصوم وجوب الاعتكاف ثم الصوم شرط جواز الاعتكاف؛ لأنه إنما يجوز الاعتكاف عند وجود الصوم

(1)

طلبة الطلبة (1/ 170) مادة [ف ر ض].

(2)

انظر: المغرب (1/ 257) مادة [ف ر ض].

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

الطهارة في اللغة: النظافة، والتنزه عن الادناس القاموس المحيط (2/ 82)، المصباح المنير (2/ 379) وفي الشرع: النظافة عن الحدث، أو الخبث (الدر المختار للحصكفي مع حاشية رد المختار)، وفي تهذيب الأسماء واللغات (3/ 188)، والمجموع (1/ 124) معناها: رفع الحدث وإزالة النجاسة، أوما في معناهما أو صورتهما.

(5)

السبب: هو كل ما توصلت به إلى شيء أو هو عبارة عما هو طريق إلى الشيء، كشف الأسرار (4/ 170).

(6)

في (ب): «التقديم» .

(7)

في (ب): «التأخير» .

ص: 30

‌شرط الطهارة

وشرط وجوب الطهارة الحدث

(1)

، ومن المحال أن يكون الحدث سببًا.

ألا ترى أنه إزالة [حدث]

(2)

وتبديل فلا يصلح سببًا لها فلو كان سببًا لاجتمع معها وتقرر كالصوم مع شهود الشهر والصلاة مع دلوك

(3)

الوقت.

‌ركن الطهارة

وركنها [في]

(4)

قوله غسل الأعضاء الثلاثة مع مسح الرأس؛ لأن ركن الشيء ما يقوم به ذلك الشيء وقيام الطهارة بهذا

(5)

.

‌حكم الطهارة

وحكمها استباحة الصلاة؛ لأن الحكم

(6)

: الأثر الثابت بالشيء، وهذا الأثر إنما حصل بالطهارة.

‌وَالْغَسْلُ هُوَ الإسَالَةُ وَالْمَسْحُ هُوَ الإصَابَةُ، وَحَدُّ الْوَجْهِ مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ؛ لأنَّ الْمُوَاجَهَةَ تَقَعُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهَا (وَالْمِرْفَقَانِ وَالْكَعْبَانِ يَدْخُلانِ فِي الْغَسْلِ) عِنْدَنَا خِلافًا لِزُفَرَ رحمه الله، هُوَ يَقُولُ: الْغَايَةُ لا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا كَاللَّيْلِ فِي بَابِ الصَّوْمِ.

- قوله: (والغسل هو الإسالة والمسح [هو]

(7)

الإصابة) إنما فسرهما؛ لأن «الفاء» في ففرض الطهارة لما كان «فاء» تفسير للآية المتلوة

(8)

، وفي الآية ذكر الغسل والمسح فسرهما تتميمًا للمرام وإبانة للكلام

(9)

.

أو لأن في هذا التفسير إشارة إلى رد قول الشافعي:

(10)

حيث يشترط هو في سنة مسح الرأس التثليث بمياهٍ [مختلفة]

(11)

فكان فيه تقريب للمسح من الغسل، والشارع أوجب المسح لا الغسل فكان مردودًا، ولهذا صرح هذه الإشارة في جوابه بقوله، ولأن المفروض هو المسح وبالتكرار يصير غسلاً.

(1)

الشرط: اسم لما يتعلق به الوجود، دون الوجوب أي يتوقف عليه وجود الشيء. كشف الأسرار (4/ 173).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

سبق التعريف بالدلوك في (ص 93).

(4)

أضفتها ليستقيم السياق.

(5)

الركن: ما لا وجود للشيء إلا به، كالقيام والركوع والسجود للصلاة. كشف الأسرار (3/ 344).

(6)

الحكم: هو الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين، هذا تعريفه عند الأصوليين، انظر: المحصول للرازي (1/ 89)، وعند الفقهاء: هو مدلول الخطاب الشرعي وأثره، انظر: الإحكام للآمدي (1/ 95).

(7)

ساقطة من (ا) والتثبيت من (ب).

(8)

وهي قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]

(9)

تتميماً للمرام وإبانة للكلام: أي تتميماً للمطلب وتفسيراً للكلام، انظر: الصحاح (5/ 1938) ومختار الصحاح (1/ 132) مادة [ر و م]، وانظر: القاموس المحيط (1/ 456).

(10)

مذهب الإمام الشافعي في مسح الرأس، مسحه ثلاثاً وبمياه جديدة، انظر: الحاوي الكبير (1/ 114، 118) في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح المزني، لأبي الحسن، علي بن محمد، الشهير بالماوردي، المتوفى (450 هـ)، تحقيق: علي محمد معوض وعادل عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية -بيروت- لبنان ط: 1/ 1419 هـ. وانظر: نهاية المطلب في دراسة المذهب (1/ 83)، لأبي المعالي الجزيني إمام الحرمين، المتوفى 478 هـ، تحقيق: د/ عبد العظيم الديب، الناشر: دار المنهاج ط: 1/ 1428 هـ.

(11)

ساقطة من (ب).

ص: 31

وفي الديوان

(1)

قَصاص الشعر بفتح القاف وقُصاصه بضمها بمعنى وهو منتهاه في الرأس وغايته

(2)

، وهو مشتق منها أي: من المواجهة. وليس لأحدٍ أن يقول: لا يشتق الثلاثي من المنشعبة

(3)

فإن هذا رذلٌ من القول؛ لأن معنى الاشتقاق أن ينتظم الصيغتين [فصاعدًا]

(4)

معنى واحدٌ، وفي هذا لا توقيت بأن يكون المشتق منه ثلاثيًّا، وقد [شحن]

(5)

صاحب «الكشاف»

(6)

[و]

(7)

الفائق

(8)

بذكر اشتقاق الثلاثي من المنشعبة فقال: الدَّبر هو النحل مشتق من التدبير؛ لأن أمره على التنقية. وقال أيضًا: اللحم مشتق من [الحيم]

(9)

المطلقة وهو أن يمنع بثوبٍ أو نحوه. وقال: الجن من الاجتنان عن العيون، وفي «الكشاف»

(10)

: اليم من التيمم؛ لأن الناس يقصدونه للاستقاء، وهذا لأن غرضهم من ذكر الاشتقاق بيان حقيقة معنى ثلاث

الكلمة فجاز أن يكون المنشعبة أشهر وأقرب للفهم من الثلاثي لكثرة استعماله كما في الدبر مع التدبير فصح ذكر الاشتقاق لإيضاح معناه وإن لم يكن المنشعبة أصلاً له

(11)

.

(1)

الديوان بحثت عنه فلم أجده، قال صاحب كتاب: مجمع الأنهر (1/ 10) «قال صاحب الكفاية وغيره وفي الديوان قصاص الشعر

» إلخ مجمع الانهر في شرح ملتقى الأبحر لشيخي زاده.

(2)

قال الأصمعي: قُصاصُ الشعر حيث تنتهي نبتته من مقدمة ومؤخرة، وفيه ثلاث لغات: قُصاصُ وقَصاصٌ، والضم أعلى. الصحاح (3/ 1053) مادة [ق ص ص].

(3)

المنشعبة: هي الأبنية المرتفعة من أصل بإلحاق حرف أو تكريره كأكرم، وكرم، التعريفات للجرجاني ص (235)، دستور العلماء جامع العلوم في اصطلاحات الفنون (3/ 245)

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): «شجن» .

(6)

انظر: الكشاف للزمخشري (3/ 445)(2/ 140).

(7)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(8)

انظر: الفائق في غريب الحديث والأثر للزمخشري (1/ 373).

(9)

في (أ): «تحميم» والتصويب من (ب).

(10)

انظر: الكشاف للزمخشري (3/ 445)(2/ 140).

(11)

في حاشية (أ): وحاصل ما ذكره المحقق الشريف موافقًا له: في «شرح الكشاف» في قوله تعالى: {يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} في أول كتاب الصلاة من صلى كالزكاة من زكى من أن المراد من جنسه أي من جنس صلى أي: يتلاقيان في الاشتقاق بلا تعيين للمشتق منه فجاز أن يحمل على اشتقاق صلى من الصلاة.

ص: 32

(وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءَهَا إذْ لَوْلاهَا لاسْتَوْعَبَتْ الْوَظِيفَةُ الْكُلَّ، وَفِي بَابِ الصَّوْمِ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا إذْ الاسْمُ يُطْلَقُ عَلَى الإمْسَاكِ سَاعَةً، وَالْكَعْبُ هُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ هُوَ الصَّحِيحُ وَمِنْهُ الْكَاعِبُ)

-قوله: «ولنا أن هذه الغاية لإسقاط ما وراءها» إلى آخره. والأصل في هذا أن الغاية قد تذكر لمة

(1)

الحكم إليها، وقد يذكر لقصر الحكم عما وراءها، وإنما يتبين ذلك بالنظر في صدر الكلام إن كان صدر الكلام لا يتناول الغاية وما وراءها لو اقتصر على ذلك الصدر يعلم أن ذكر الغاية لإثبات الحكم ومده إليها فيجعل غاية للإثبات فلا تدخل تحت الإثبات، ومتى كان صدر الكلام يتناول الغاية وما وراءها لو اقتصر عليه يعلم أن ذكر الغاية لقصر الحكم عليه فيجعل غاية الإسقاط في معنى الاستثناء فبقي الحكم الأولي ثابتًا في الغاية يصدر الكلام كأنه لم يذكر الغاية، والذي نحن فيه من قبيل هذا؛ لأن قوله تعالى:{وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43] تتناول كل اليد من رؤوس الأصابع إلى الإبط، فصار ذكر المرفق بحرف الغاية لإخراج ما وراء المرفق من أن يكون داخلا تحت حكم الإسقاط فبقي حكم الغسل ثابتًا في المرفق بصدر الكلام.

وأما الصوم فهو من قبيل الأول؛ لأنه يتناول الإمساك ساعة، لغةً، وشرعًا، حتى لو حلف لا يصوم فصام ساعةً حنث، فلا يدخل محل الغاية تحت حكم المصدر؛ لأن هذه الغاية لمد الحكم لما قلنا.

فإن قيل: دعوى غاية الإسقاط إنما تصح أن لو [كانت]

(2)

الغاية غاية لليد بل [هو]

(3)

غاية غسل اليد؛ لأن المأمور به مقصودًا هو الغسل، والغاية تكون لبيان المأمور به، ولأن المقصود من الكلام هو الفعل لا محل الفعل؛ لأنه تبع، ولأن ذكر اليد وإرادة الكف غالب في الشرع وفي العرف، أما الشرع فكآية السرقة

(4)

، وأما العرف فإنه إذا قيل عند الطعام: اغسل يدك، أو غسل فلان يده لا يراد بها إلا الكف فلا يثبت الزيادة عليها إلا بذكر الغاية، فحينئذٍ كانت هذه الغاية غاية مد الحكم كما في الصوم.

قلنا: دعوى غاية مَدَّ الغَسِّلْ ساقطة أيضًا بفهم الصحابة رضي الله عنهم ذلك إلى الآباط في آية التيمم

(5)

في الماء ابتداءً وهم أهل لسان فكان ذكر الغاية لإخراج ما وراءها، فتبقى المرافق داخلة كما ذكرنا، أو لما اشتبهت حال هذه الغاية باعتبار أن من الغايات ما يدخل ويكون حرفًا فيه بمعنى مع، كما قال الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2]، ومن الغايات ما لا يدخل وهو ظاهر كان هذا مجملاً في كتاب الله تعالى فينبه نبيه عليه السلام بفعله فإنه توضأ وأدار الماء على مرافقه

(6)

ولم ينقل عنه ترك غسل المرافق في شيء من الوضوء، فلو كان ذلك

(1)

أي: رد الحكم إليها، قال في مختار الصحاح (1/ 285) مادة [ل م م] (لَمَّ) الله شَعثَهُ أي: أصلح وجمع ما تفرق من أموره وبابُهُ رد.

(2)

في (ب): «كان» .

(3)

في (ب): «هي» .

(4)

وهي قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38].

(5)

وهي قول الله تعالى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 43]، وقول الله تعالى:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ بِرُءُوسِكُمْ بِرُءُوسِكُمْ} الآية.

(6)

هذا الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم: «إذَا تَوضَّأ أدَارَ الماءَ عَلَى مِرفَقَيْهِ» أخرجه الدراقطني في سننه (1/ 142) في باب وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن الجوزي، والمنذري، وابن الصلاح، والنووي، وابن الحجر-رحمهم الله. انظر: سنن الدارقطني، لأبي الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي الدارقطني (ت/ 385 هـ). تحقيق/ شعيب الأرنؤوط، وحسن عبد المنعم شلبي، وعبد اللطيف حرز الله أحمد الله أحمد برهوم. الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1424 هـ-2004 م.

ص: 33

جائزًا لفعله/ 5/ ب/ مرة تعليمًا للجواز، كذا ذكر هذين الجوابين في «المبسوط»

(1)

.

«ولأن الله تعالى لما أمرنا بالغسل إلى المرافق صرنا مأمورين بغسل الكف والذراع، ثم المرفق ليس بعضو منفرد، بل هو ملتقى عظم العضد والذراع، فلما وجب غسل جزء الذراع من المرافق وجب أيضًا غسل جزء العضد؛ لأنه لا يمكن الفصل بينهما غسلاً إلا بالجرح والجرح مدفوع، وهذا كما قيل في الركبة: أنها من العورة، والأصل في العورة ما بين الركبة إلى السرة، وبذلك وردت الأخبار

(2)

، والركبة ملتقى عظم الفخذ والساق، فلما حرم منها جزء الفخذ حرم جزء الساق؛ لأنه لا يتجزأ نظرًا إليها» كذا في «الأسرار»

(3)

.

النتوء

(4)

: والنتوء الارتفاع، من حد منع

(5)

.

-قوله: (هو الصحيح) احتراز عما رواه هشام عن محمد أنه قال: إنه المفصل الذي في

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 957).

(2)

ومن ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً وفيه «فإنَّمَا تَحْتَ السُّرةِ إلى الرُّكْبَةِ مِنَ العَوْرِة» انظر: سنن الدارقطني (1/ 230) في باب الأمر بتعليم الصلوات والضرب عليها، وسنن أبي داود (4/ 64) باب في قوله عز وجل:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ} [النور: 31] وقد حسن الألباني هذا الحديث في صحيح أبي داود (2/ 403) الحديث رقم 496 و 3111 و 4114. وضعف الألباني حديث الدارقطني في ضعيف الجامع الصغير وزياداته (1/ 76) برقم 533.

(3)

انظر: الأسرار ص (187، 188) لأبي زيد عبد الله بن عمر الدبوسي، (ت 430 هـ) تحقيق ودراسة لنيل الدكتوراه، إعداد/ عبد الرحمن بن عبد العزيز بن صالح الصالح، عام 1414 هـ من الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية كلية الشريعة، قسم الفقه، لم يطبع.

(4)

في (ب)«النتاء» .

(5)

النتوء: وهو كما قال:، لسان العرب (1/ 165).

ص: 34

وسط القدم عند معقد الشراك. قال: لأن الكعب اسم للمفصل ومنه كعوب الرمح، والذي في وسط القدم مفصل، وهو المتيقن به.

وهذا سهو من هشام لم يُرد محمد تفسير الكعب بهذا في الطهارة، وإنما أراد به في المحرم إذا لم يجد نعلين أنه يقطع خفيه أسفل من الكعبين، فأما في الطهارة فلا شك أنه العظم الناتئ المتصل بعظم الساق.

وفي قوله عليه السلام: «ألْصِقُواْ الْكعَابَ بِالْكعَابِ»

(1)

. كذا في «المبسوط»

(2)

.

الكاعب: الجارية حين يبدو ثديها للنهود، ذكره في «الصحاح»

(3)

.

‌قَالَ: (وَالْمَفْرُوضُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ وَهُوَ رُبْعُ الرَّأْسِ) لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَخُفَّيْهِ» وَالْكِتَابُ مُجْمَلٌ فَالْتَحَقَ بَيَانًا بِهِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي التَّقْدِيرِ بِثَلاثِ شَعَرَاتٍ، وَعَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ الاسْتِيعَابِ

-قوله: (والمفروض في مسح الرأس) أي: المقدر على وجه الفرضية مقدار الناصية.

فإن قيل: الفرض هو الذي يوجب العلم اعتقادًا باعتبار أنه ثابت بدليل مقطوع به، ولهذا يكفر جاحده، وشيء من هذه الثلاثة من وجوب العلم، وكون الدليل مقطوعًا به، وكفر الجاحد، غير ثابت هنا في حق المقدار فكيف يكون فرضًا؟

قلنا: إن لم يكن ثابتًا في حق المقدار لكن الثلاثة كلها ثابتة في حق أصل المسح فسمى المقدار باسم أصل المسح إطلاقًا لاسم المتضمِّن على المتضمَّن؛ لأن المقدار تفسير هذا المسح والمفسِّر متناول للمفسَّر وإلا لا يكون تفسيرًا له.

أو نقول: الفرض على نوعين:

قطعي: وهو ما ذكرت.

وظني: وهو الفرض على زعم المجتهد، كإيجاب الطهارة بالفصد والحجامة

(4)

عند أصحابنا فإنهم يقولون: يفترض عليه الطهارة عند إرادة الصلاة.

أو نقول: يطلق اسم الفرض على الوجوب كما يطلق اسم الوجوب على الفرض في قوله: الزكاة واجبة، والحج واجب، اتساعًا لالتقائهما في معنى اللزوم على البدن.

السباطة والكساحة والكناسة: كلها بمعنى

(5)

، [وبالفارسية: روفته خانه]

(6)

. يعني: المكان الذي ألقى القوم الكناسة فيه، فكان فيه إطلاق اسم الحال على المحل.

(1)

الحديث في المبسوط للسرخسي (1/ 15) بلا سند، وكذا الكاساني في كتاب (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع)(1/ 19) بلاسند أيضاً. فالحديث بهذا اللفظ لا أصل له.

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 957).

(3)

في حاشية (أ): يقال: نهد ثدي الجارية نهودى أي [إذا أشرف وكَعَّبَ، فهي ناهد وناهدة] مابين المعكوفين ساقط من حاشية (أ) والتصحيح من الصحاح (2/ 545) مادة [ن هـ د](2/ 545).

(4)

الفصد: قطع العروق حتى يسيل الدم، لسان العرب (3/ 336)، الصحاح (2/ 519).

والحجامة، والحجم: فعل الحاجم وهو الحجام واحتجم: طلب الحجامة، وهو محجوم وقد احتجمت من الدم، وفي الحديث الصوم:«أفطر الحاجم والمحجوم» لسان العرب (12/ 117).

(5)

انظر: الصحاح للجوهوي (1/ 399) مادة [ك ش ح] و (3/ 1130) مادة [س ب ط] و (5/ 3015) مادة [ق م م].

(6)

أي: مكان الكناسة بـ (الفارسية) انظر: المعاني لكل رسم معنى قاموس عربي فارسي على الشبكة العنكبوتية.

ص: 35

وإنما لم يقتصر إيراد الحديث بقوله: مسح على ناصيته مع كفايته للمدعي؛ لأن نقل الحديث بما يتلوه من الحكاية يوجب صحته ووكادته.

فإن قيل: المدعى مقدار الناصية وهو غير معين فأقام الدليل على المعين وهو الناصية فما وجهه؟

/ 5/ أ/

قلنا: ثبت بالحديث الناصية، وعدم التعيين بالكتاب بإطلاق اسم الرأس/ 2/ أ/ فلو أثبتنا التعيين بالسنة يلزم نسخ إطلاق الكتاب بخبر الواحد، وهذا لا يجوز.

فإن قيل: لا نسلم بأن الكتاب مجمل، والمجمل ما لا يمكن العمل به، وهنا العمل بهذا النص ممكن وهو القليل.

قلنا: الكلام في ذلك القليل فإنه غير معلوم [لما أن]

(1)

القليل الذي هو شعرة أو شعرتان ليس بكافٍ للمسح؛ لأن ذلك القليل يوجد بغسل الوجه، ومع ذلك لا ينوب عن المسح مع أن النية ليست بشرط عندنا فعلم أنه مجمل فكان فعل النبي عليه السلام مبينًا لذلك المجمل.

قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: في قوله: ومسح على ناصيته وخفيه في أحدهما بيان الشرع، وفي الآخر نصب الشرع؛ فإن في قوله: ومسح على ناصيته بيانًا لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6].

وفي قوله: وخفيه. نصب شرعية المسح على الخف؛ إذ المذهب الصحيح في شرعية المسح على الخف أنها إنما ثبت بالسنة لا بالكتاب.

ثم مسألة مسح الرأس في المقدار فخمسةٌ: قولان من أصحابنا

(2)

، وقول الشافعي

(3)

، وقول مالك

(4)

، وقول الحسن البصري

(5)

رحمهم الله.

(1)

في (ب)«لأن» .

(2)

اختلف الرواية عن أبي حنيفة: في مقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء: في ظاهر الرواية: مقدار ثلاثة أصابع اليد، وفي رواية الحسن بن زياد: مقدار ربع الرأس، وهو اختيار أكثر متأخري الحنفية، وفي رواية الطحاوي والكرخي: مقدار الناصية.

انظر: مختصر الطحاوي (ص: 18)، تحفة الفقهاء (1/ 9، 10)، بدائع الصنائع (1/ 12)، شرح فتح القدير (1/ 17 - 20)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 7).

(3)

مقدار المفروض في مسح الرأس في الوضوء عند الشافعي: حتى ولو مسح بعض شعرة واحدة أجزأه. انظر: الأم (1/ 26)، والمجموع (1/ 440)، وحلية العلماء (1/ 122).

(4)

المشهور من مذهب المالكية أن الواجب مسح جميع الرأس، فإن ترك بعضه لم يجزه، واختلف أصحاب مالك في مقدار الواجب

(الاستذكار (1/ 167)، مواهب الجليل (1/ 302).

(5)

هو الحسن بن يسار البصري مولى الأنصار، سيد التابعين في زمانه، ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان

يرسل كثيراً ويدلس، مات سنة:(110 هـ) وقد قارب التسعين، تقريب التهذيب (1/ 165)، تهذيب التهذيب (2/ 263)، ميزان الاعتدال (1/ 527)، طبقات ابن سعد (7/ 156).

ص: 36

وقال الحسن

(1)

: المفروض أكثر الرأس، فاستدل مالك بفعل رسول الله عليه السلام فإنه مسح بيديه كلتيهما أقبل بهما وأدبر

(2)

، وبه استدل الحسن إلا أنه قال: الأكثر يقوم مقام الكل.

ولكنا نقول: إن فعل رسول الله عليه السلام لا يدل على الركنية لأدائه إلى زيادة النص، وإنما كان ذلك لإكمال الفضيلة، ولا يجوز اعتبار الممسوح بالمغسول؛ لأن المسح بني على التخفيف، وفي كتاب الله تعالى ما يدل على التبعيض في المسح [لاتصال]

(3)

الفعل إلى [محل]

(4)

المسح بحرف الباء.

وعن هذا قال الشافعي: يتأدى بأدنى ما يتناوله الاسم قيل: هو ثلاث شعرات؛ لأنه هو المتيقن، [ولكنا]

(5)

نقول: من مسح برأسه ثلاث شعرات لا يقال إنه مسح برأسه عادةً، وفي الآية ما يدل على البعض وذلك البعض ليس هذا الذي يقول لا بآية الاستعمال

(6)

فبقي ذلك البعض مجملاً فالتحق فعل النبي عليه السلام بيانًا له.

‌وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: قَدَّرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِثَلاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ لأنَّهَا أَكْثَرُ مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي آلَةِ الْمَسْحِ.

-قوله: (وفي بعض الروايات قدّره أصحابنا بثلاثة أصابع). وهو رواية عن محمد

(7)

ذكرها ابن رستم في نوادره

(8)

، أنه إذا وضع ثلاثة أصابع ولم يمدها جاز في قول محمد في الرأس والخف جميعًا، وهو الذي ذكرنا من أحد قولي أصحابنا، ولم يجز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- حتى يمدها [بقدر]

(9)

ما يصيب البلة ربع رأسه، وهو القول الخامس من الأقوال الخمسة فهما اعتبرا الممسوح عليه، ومحمد اعتبر [للممسوح]

(10)

به، وهو [الآلة]

(11)

، وهو عشر أصابع ربعها أصبعان ونصف، إلا أن الإصبع الواحدة لا تتجزأ فجعل الفروض قدر ثلاثة أصابع لهذا.

(1)

أي: الحسن بن زياد:.

(2)

استدل مالك: بحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه سأل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا بتور من ماء، فتوضأ لهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكفأ على يده من التور، فغسل يديه ثلاثا، ثم أدخل يده في التور، فمضمض. واستنشق. واستنثر، ثلاثا، بثلاث غرفات، ثم أدخل يده في التور، فغسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين مرتين، ثم أدخل يده في التور فمسح رأسه، فأقبل بهما، وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه. رواه البخاري في صحيحه (1/ 51) -كِتَاب الْوُضُوءِ-باب الوضوء من التور-، ومسلم في صحيحه (1/ 144) -كِتَاب الطَّهَارَةِ-باب في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

في (أ)«لإيصال» والتصويب من (ب).

(4)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(5)

في (أ)«وكنا» والتصويب من (ب).

(6)

وهي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6].

(7)

هو الإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإمام أبي حنيفة (ت 189 هـ) انظر: كشف الظنون (2/ 126).

(8)

انظر: كتاب النوادر، لأبي بكر إبراهيم بن رستم المروزي (ت 201 هـ) انظر: كشف الظنون (2/ 1282).

(9)

في (أ)«بعد» والتصويب من (ب).

(10)

في (ب)«الممسوح» .

(11)

في (ب)«الأكثر» .

ص: 37

فالحاصل أن علماءنا رحمهم الله اتفقوا في اعتبار الربع، لكن أبا حنيفة وأبا يوسف اعتبرا ربع المحل، ومحمد اعتبر ربع الآلة.

ويرجح ما قالا لما أن المذكور في النص هو الرأس فالاعتبار بما هو المذكور [فيه]

(1)

أولى.

‌قَالَ: (وَسُنَنُ الطَّهَارَةِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الإِنَاءَ إذَا اسْتَيْقَظَ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ نَوْمِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلا يَغْمِسَنَّ يَدَهُ فِي الإنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثًا فَإِنَّهُ لا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»

-قوله: (وسنن الطهارة) الإضافة للبيان كما مر في فرض الطهارة.

ثم ذِكْر الإناء ها هنا وقع على عادتهم، فإنهم كانوا يتوضؤون من [الأتوار]

(2)

ثم لم يتغير سنيته تقديم غسل اليدين في عرفنا، وإن لم يكن ذلك الموجب لما أن السنة لما وقعت سنة في الابتداء لمعنى يبقي السنة، وإن لم يبق ذلك المعنى؛ لأن الأحكام إنما يحتاج إلى أسبابها حقيقةً في ابتداء وجودها لا في بقائها؛ لأن الأسباب تبقى حكمًا وإن لم تبق حقيقةً؛ لأن للشارع ولاية الإيجاد والإعدام فجعل الأسباب الشرعية بمنزلة الجواهر في بقائها حكمًا، وهذا كالرمّل

(3)

في باب الحج، وبقاء الملك بعد [الشري]

(4)

في [يد]

(5)

المشتري وغيرهما.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

في (ب)«الأنواء» والتور: إناءٌ يشرب به، الصحاح (2/ 602) مادة [ت ي ر].

(3)

الرمَّل: فوق المشي ودون العدو. العين (8/ 267)، الدلائل في غريب الحديث (1/ 415)، الصحاح (4/ 1713).

(4)

(الشراء): يمد ويقصر وقد شرى الشيء يشريه شِرىً و شِراءً إذا باعه وإذا اشتراهُ أيضا وهو من الأضداد، قال الله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} أي يبيعها، وقال تعالى:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أي باعوه. ويجمع الشرى على أشرية وهو شاذ لأن فِعلا لا يُجمع على أفعلة. مختار الصحاح تحقيق: محمود خاطر (1/ 354) مادة [ش ي ر].

(5)

ساقطة من (ب).

ص: 38

‌وَلأنَّ الْيَدَ آلَةُ التَّطْهِيرِ فَتُسَنُّ الْبُدَاءَةُ بِتَنْظِيفِهَا، وَهَذَا الْغَسْلُ إلَى الرُّسْغِ لِوُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِهِ فِي التَّنْظِيفِ.

-قوله: (ولأن اليد آلة التطهير) هذه النكتة وإن دلت على وجوب غسل اليد ابتداءً باعتبار أن (ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به يجب كوجوبه)

(1)

، لكن طهارة العضو حقيقةً وحكمًا يدل على عدم الوجوب.

الرسغ: منتهى الكف عند المفصل

(2)

.

‌قَالَ (وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ» وَالْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ

-قوله: (وتسمية الله تعالى) قال الأستاذ مولانا فخر الدين المايمرغي: المنقول من السلف في التسمية في الوضوء [بِسْمِ اللهِ العَظِيْم والحمْدُ لله عَلَى الإسْلام]

(3)

.

فإن قيل: قوله عليه السلام: «لا وضُوءَ لمنْ لمَ يُسَمِّ»

(4)

. نظير قوله عليه السلام: «لا صَلاةَ إلا بِفَاتحَةَ الكتَابِ»

(5)

. في كونه خبر الواحد

(6)

، فكيف اختلف حكمهما [من السنة] والوجوب.

(1)

هذه قاعدة فقهية: (ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب)، المنثور في القواعد الفقهية (1/ 219) لأبي عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي المتوفى (794)، الناشر: وزارة الأوقاف الكويتية، الطبعة الثانية 1405 هـ-1985، والقواعد والفوائد الأصولية ص (130) لابن اللحام، علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي الحنبلي، المتوفى (803) تحقيق: عبد الكريم الفضيلي، الناشر: المكتبة العصرية الطبعة 1420 هـ 1999 م.

(2)

هذا تعريف الرسغ، والرُسْغُ: مفصل ما بين الكف والذراع، وقيل: الرُّسْغُ: مجتمع الساقين والقدمين وقيل: هو مفصلُ ما بين الساعدِ والكف والساق والقدم. انظر: لسان العرب (8/ 428) مادة [ر س غ].

(3)

في (ب)«بسم الله الرحمن الرحيم» ولم أجد هذا الأثر الذي ذكره فيما اطلعت عليه من الكتب.

(4)

لفظ الحديث (لا وضُوءَ لمنْ لم يَذْكُر اسْمَ الله عَلَيْه) أخرجه أبو داود في سننه (1/ 73) في باب التسمية على الوضوء قال الشيخ الألباني: صحيح مقطوع، انظر: سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي. الناشر: دار الفكر. تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد. مع الكتاب: تعليقات كمال يوسف الحوت. والأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها.

(5)

روى هذا الحديث أبو هريرة رضي الله عنه قال: «أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ أُنَادِيَ أَنْ لا صَلاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ» . أخرجه الترمذي في سننه (2/ 118) في باب ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام. قال الألباني: صحيح. انظر: الجامع الصحيح سنن الترمذي لمحمد بن عيسى الترمذي السلمي. الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت. تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون. الآحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها.

(6)

خبر الواحد: هو كل خبر يرويه الواحد والإثنان فصاعدًا، لا عبرة لعدد فيه بعد أن يكون دون المشهور المتواتر. كشف الأسرار (2/ 370)، المغني للخبازي (ص 194). وعند الجمهور هو: ما لم يدخل في حد التواتر، فيكون المشهور أو المستفيض من الآحاد عندهم. الأحكام للآمدي (1/ 234)، نزهة النظر ص (26).

ص: 39

قلنا: لا نسلم أنهما نظيران في كونهما خبر لواحد، بل خبر الفاتحة أشهر من خبر التسمية، كذا قاله الأستاذ فخر الدين، وكذا جعل خبر الفاتحة الإمام البرغريُّ

(1)

في طريقته من الأخبار المشهورة فقدر مرتبة الحكم على حسب مرتبة العلة.

والوجه فيه أن يقال: إن الوجوب إنما يثبت بمواظبة النبي عليه السلام على الفعل من غير تركه، وقد ثبتت مواظبة النبي عليه السلام في حق الفاتحة ولم تثبت في حق التسمية، فقد ذكر الإمام أبوجعفر الطحاوي

(2)

: في «شرح الآثار»

(3)

فقال: حدثنا علي بن معبد

(4)

. إلى أن قال: عن حضين أبي ساسان

(5)

، عن المهاجر بن [قنفذ]

(6)

(7)

: أنه سلم على رسول الله عليه السلام وهو يتوضأ فلم يرد عليه، فلما [فرغ]

(8)

من وضوئه قال: «إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِى أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنِّى كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إِلاَّ عَلَى طَهَارَةٍ»

(9)

.

(1)

لم أجد له ترجمة فيما اطلعت عليه من التراجم.

(2)

أبو جعفر، أحمد بن محمد بن سلامة بن عبدالله الأزدي الطحاوي، فقيه، حنفي، من مصنفاته: أحكام القرآن، اختلاف العلماء، معاني الآثار، الشروط وغيرها توفى سنة:(321 هـ) رحمة الله. انظر: وفيات الأعيان (1/ 71)، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأبي العباس ابن خلكان (ت: 681 هـ) تحقيق: إحسان عباس، الطبعة الأولى 1900 م، وكشف الظنون (1/ 563).

(3)

انظر: شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 27) تحقيق: محمد زهري النجار ومحمد سيد جاد الحق، الناشر: عالم الكتب، الطبعة الأولى:(1414 هـ، 1994 م).

(4)

هو علي بن معبد بن نوح المصري الصغير أبو الحسن البغدادي، نزيل مصر، ثقة، صاحب سنة،

صدوق، انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر (7/ 385)، الناشر: مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند- الطبعة الأولى: 1236 هـ.

(5)

هو حضين بن المنذر أبو ساسان الرقاشي، توفي سنة:(100 هـ) انظر: تقريب التهذيب لابن حجر (1/ 171)، تحقيق: محمد عوامه، الناشر: دار الرشيد سورية، الطبعة الأولى 1406 هـ، 1986 م.

(6)

ساقط من (ب).

(7)

هو المهاجر بن قنفذ بن عمير بن جدعان بن تيم بن مرة القرشي، له صحبة روى عنه الحسن، مرسل، وحضين بن المنذر أبو ساسان. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (6/ 181) و (7/ 168)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولى: 1415 هـ. وانظر أيضاً: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/ 311) و (8/ 259). الناشر: طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية- حيدر آباد - الدكن- الهند دار إحياء التراث- بيروت، الطبعة الأولى: 1271 هـ- 1952 م.

(8)

في (ب): «بلغ» .

(9)

الحديث رواه ابن ماجة في سننه (1/ 126) باب الرجل يسلم عليه وهو يبول. ورواه أبو داود في سننه (1/ 129) باب التيمم في الحضر. ورواه أحمد في مسنده (34/ 361، 362) باب حديث المهاجر بن قنفذ، وغيرهم بألفاظ مختلفة. انظر: سنن ابن ماجة، لابن ماجة (ت 273 هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. الناشر: دار إحياء الكتب العربية - فيصل عيسى البابي الحلبي. وسنن أبي داود، لأبي داود سليمان السجستاني، الناشر: دار الكتاب العربي- بيروت. ومسند الإمام أحمد بن حنبل، لأحمد بن حنبل، تحقيق/ شعيب الأرنؤوط وآخرون، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1420 هـ، 1999 م. وقد صحح الألباني لفظ ابن ماجة وأحمد بن حنبل في الجامع الصغير وزياداته (1/ 417) وضعف لفظ أبي داود في ضعيف أبي داود في سننه (1/ 129) باب التيمم في الحضر.

ص: 40

قال أبو جعفر الطحاوي: «ففي هذا الحديث أن رسول الله عليه السلام كره أن يذكر الله تعالى إلا على طهارة دليل على أنه عليه السلام قد توضأ قبل أن يذكر اسم الله، فبهذا يعلم أن قوله: «لا وضُوْءَ لمِنْ لَمْ يُسَمِّ»

(1)

. نظير قوله عليه السلام: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَا اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ»

(2)

. فلم يرد بذلك أنه ليس بمسكين خارج عن حد المسكنة حتى تحرم الصدقة عليه، وإنما أراد بذلك أنه ليس بالمسكين المتكامل». وفي «المبسوط»

(3)

: علّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الأعرابيَ الوضوء ولم يذكر التسمية.

وتبين بهذا أن المراد من قوله عليه السلام: «لا وضُوْءَ لمِنْ لَمْ يُسَمِّ» . نفي الكمال لا نفي الجواز كما قال في حديث آخر: «مَنْ تَوَضَّأ وَسَمَّى كَانَ طَهُورًا لجَمِيْع بَدَنه، ومَنْ تَوَضَّأ ولم يُسَمِّ كَانَ طَهُورًا لأعْضَاء وَضُوئِه»

(4)

. وهذا بخلاف التسمية على الذبيحة فإنا أمرنا بها إظهارًا لمخالفة المشركين؛ لأنهم كانوا يسمون آلهتهم عند الذبح فكان الترك مفسدًا وها هنا أمرنا بالتسمية تكميلاً للثواب لا مخالفة للمشركين؛ فإنهم كانوا لا يتوضؤون فلم يكن الترك مفسدًا لهذا، فلما كانت هي لتكميل الثواب قال: والأصح أنها مستحبة؛ وذلك لأن الوضوء فعل مشروع من الأفعال، والمستحب في سائر الأفعال ابتداؤه بذكر الله تعالى، فكذلك في الوضوء.

(وَإِنْ سَمَّاهَا فِي الْكِتَابِ سُنَّةً، وَيُسَمِّي قَبْلَ الاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ)

-قوله: «وإن سماها في الكتاب سنة» أي: في «مختصر القدوري»

(5)

؛ لأن لفظ «المبسوط» بلفظ الاستحباب، ثم ذكر في «مبسوط شيخ الإسلام»: وجه ظاهر الرواية

(6)

أن السنة ما فعله رسول الله عليه السلام على المواظبة والنقل على [المواظبة]

(7)

لم يشتهر من رسول الله عليه السلام، ألا ترى أن عثمان وعليًّا رضي الله عنهما حكيا وضوء رسول الله عليه السلام ولم ينقل عنهما التسمية، وما روي أنه عليه السلام كان يسمي

(8)

لأنه سنة مخصوصة في الوضوء، ولكنه فعل من الأفعال، والمستحب في جميع الأفعال البداية بذكر الله على ما قال عليه السلام:«كُلُّ أمْرٍ ذِيْ بَالٍ لَمْ يبْدَأ بِاسْمِ اللهِ فَهُوَ أقْطَع»

(9)

.

(1)

سبق تخريجه في (ص 139).

(2)

الحديث، رواه البخاري (6/ 32) باب لا يسألون الناس إلحافاً. ورواه مسلم (2/ 719) باب المسكين الذي لا يجد غنى .. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت.

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 55) باب الوضوء والغسل.

(4)

الحديث لا أصل له بهذا اللفظ، واللفظ الوارد حديث «لا صَلاةَ لمنْ لا وضُوءَ لَه، ولا وضُوءَ لمنْ لم يَذكُر اسْمَ الله عَلَيْه» وقد سبق ذكره، وقد نقل الترمذي في سننه قول الإمام أحمد «أنه لا يوجد حديث في التسمية له سند جيد» السنن (1/ 38)، وانظر: المجموع (1/ 393).

(5)

مختصر القدوري لأحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان، أبو الحسن القدوري الفقيه الحنفي، ولد في بغداد (362 هـ)، (ت 428 هـ)، صنف (مختصر القدوري والتجريد والتقريب وشرح مختصر الكرخي وكتاب النكاح. الفوائد البهية ص (ص 30) والجواهر المضية (1/ 93) وتاج التراجم (ص 7)، والأعلام (1/ 206).

(6)

المقصود بظاهرة الرواية: أقوال واجتهادات الإمام أبي حنيفة: وقد جمعها تلميذه وصاحبه الإمام محمد بن الحسن الشيباني: بستة كتب وهي (الجامع الكبير والجامع الصغير، والسير الكبير والسير الصغير، والمبسوط أو الأصل، والزيادات وتمثل الأراء الراجحة في المذهب الحنفي، مرجع العلوم الإسلامية ص (365، 376) للدكتور محمد الزحيلي.

(7)

في (أ): «المواضب» والتصويب من (ب).

(8)

في (ب): «يسمى التسمية» .

(9)

هذا الحديث له عدة ألفاظ منها هذا اللفظ، وورد «بحمْدِ الله» بدل «بسْمِ الله» وورد بلفظ «كُلّ أمْر ذِيْ بَال لا يبْدَأ فِيهِ بـ «بِسْم الله الرَّحمَن الرَّحِيْم فَهُو أبْتَر» . رواه الخطيب والحافظ عبدالقادر الرهاوي (1/ 5)، ورواه السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (1/ 6) قال الألباني في إرواء الغليل (1/ 92). «الحديث بهذا اللفظ ضعيف جداً» .

ص: 41

-قوله: [(وهو الصحيح)]

(1)

هذا احتراز عن قولين آخرين: قال بعضهم: يسمي قبل الاستنجاء لما أن الاستنجاء سنة من سنن الوضوء فيسمي قبله ليقع جميع أفعال الوضوء فرضها وسننها بالتسمية، وإنما لم يورد ها هنا ذكر الاستنجاء لما سيجيء.

وقال بعضهم: يسمي بعد الاستنجاء؛ لأن قبله حال كشف العورة، وذكر اسم الله تعالى حال كشف العورة غير مستحب تعظيمًا لاسم الله تعالى، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(2)

و «فتاوى قاضي خان»

(3)

.

ثم قال في «فتاوى قاضي خان»

(4)

: «والأصح أنه يسمي مرتين» .

والاختلاف في التسمية نظير الاختلاف في غسل اليد.

قال بعضهم: يغسل يديه قبل الاستنجاء.

وقال بعضهم: بل يغسلهما بعد الاستنجاء.

والأصح أنه يغسلهما مرتين قبله وبعده.

‌قَالَ: (وَالسِّوَاكُ) لأنَّهُ عليه الصلاة والسلام: كَانَ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ فَقْدِهِ يُعَالِجُ بِالْأُصْبُعِ لأنَّهُ عليه الصلاة والسلام: فَعَلَ كَذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَحَبُّ.

قَالَ (وَالْمَضْمَضَةُ وَالاسْتِنْشَاقُ) لأنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَهُمَا عَلَى الْمُوَاظَبَةِ. وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يُمَضْمِضَ ثَلاثًا يَأْخُذُ لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءً جَدِيدًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ هُوَ الْمَحْكِيُّ مِنْ وُضُوءٍ-صلى الله عليه وسلم.

(وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ) وَهُوَ سُنَّةٌ بِمَاءِ الرَّأْسِ عِنْدَنَا

-قوله: (والسواك): أي: استعمال السواك على حذف المضاف لا من الإلباس [لما أن السواك]

(5)

، والسواك واحد وهو اسم للخشبة المتعينة للاستياك وليست الخشبة سنة.

-قوله: (كان يواظب عليه) أي: مع تركه أحيانًا بدليل أنه عليه السلام علم الأعرابي الوضوء ولم ينقل فيه تعليم السواك

(6)

.

(1)

في (ب): «والصحيح» .

(2)

انظر: المبسوط، للشيباني (1/ 72) باب الوضوء والغسل من الجنابة.

(3)

انظر: فتاوى، قاضنجان (1/ 15) سنن الوضوء، وقاضنجان هو الإمام فخر الدين الحسن بن منصور الأوزجندي، (ت 592 هـ) صنف الجامع الكبير، والصغير شرحاً لمحمد بن الحسن وصنف أيضاً الفوائد، انظر: كشف الظنون (2/ 1299)، والفوائد البهيئة ص (64).

(4)

انظر: فتاوى، قاضنجان (1/ 15).

(5)

هكذا وردت ولعله يقصد (لما أنّ السواك كان يواظب عليه

).

(6)

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطُّهُورُ؟ فَدَعَا بِمَاءٍ فِى إِنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَدْخَلَ إَصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِى أُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ، وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ أَوْ ظَلَمَ وَأَسَاءَ» . رواه البيهقي (1/ 79) باب كراهية الزيادة على الثلاث، ورواه أبوداود (1/ 222) باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، قال الألباني إسناده حسن صحيح وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه صحيح أبي داود (1/ 222).

ص: 42

ثم وقت الاستياك هو وقت المضمضة؛ لأنه ذكر في «مبسوط شيخ الإسلام»

(1)

: ومن السنة حالة المضمضة أن يستاك.

-قوله: (لأن النبي عليه السلام فعلهما على المواظبة)

(2)

ولا يقال: المواظبة تدل على الوجوب حتى قال أهل الحديث: هما فرضان في غسل الجنابة والوضوء استدلالاً بالمواظبة؛ «لأنا نقول: فإنه عليه السلام كان يواظب في العبادات على ما فيه تحصيل/ 2/ ب/ الكمال كما كان يواظب على الأركان. وفي كتاب الله تعالى أمرٌ بتطهير أعضاء مخصوصة؛ والزيادة على النص لا تجوز إلا بما يثبت به النسخ، وعلّم رسول الله عليه السلام الأعرابي الوضوء ولم يذكرهما فيه

(3)

مع أن ابن عباس رضي الله عنهما صرح بقوله: هما فرضَانِ في الجنابة سنَّتَان في الوضُوء» كذا في «المبسوط»

(4)

.

وكيفيته: أن يتمضمض إلى آخره، وإنما فسر كيفيتها نفيًا لقول الشافعي؛ «فإن غيره الأفضل أن يتمضمض ويستنشق بكفٍّ بماء واحد؛ لما روي أن النبي عليه السلام كان يتَمَضْمَضُ ويَسْتَنْشِقُ بِكَفٍّ وَاحِدٍ

وله عندنا تأويلان:

أحدهما: أنه لم يستعن في المضمضة والاستنشاق باليدين كما فعل في غسل الوجه.

والثاني: [أنه]

(5)

فعلهما باليد اليمنى ردًّا على قول من يقول: يستعمل في الاستنشاق اليد اليسرى؛ لأن الأنف [موضع الأذى]

(6)

كموضع الاستنجاء»، كذا في «المبسوط»

(7)

.

‌خِلافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُكْمِ دُونَ الْخِلْقَةِ.

-قوله: (خلافًا للشافعي) يتعلق بقوله: بماء الرأس، لا بقوله: وهو سنة؛ فإن عنده مسح الأذنين سنة أيضًا، ولكن بماءٍ جديد

(8)

.

(1)

لم أجد ذلك في مبسوط شيخ الإسلام ولا في مبسوط السرخسي.

(2)

يقصد المضمضة والاستنشاق.

(3)

رواه البيهقي (1/ 79) باب كراهية الزيادة على الثلاث، ورواه أبو داود (1/ 222) باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، قال الألباني: إسناده حسن صحيح وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه صحيح أبي داود (1/ 222).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 62) باب الوضوء والغسل.

(5)

في (ب): «أن» .

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 6) باب كيفية الوضوء.

(8)

مذهب الحنفية: أن الأذنين من الرأس، ويُسن مسحهما مع الرأس بماء واحدٍ مرة واحدة، انظر: مختصر الطحاوي ص (18)، المبسوط (1/ 64، 65)، تحفة الفقهاء (1/ 14)، بدائع الصنائع (1/ 23)، شرح فتح القدير (1/ 27، 28)، ومذهب الشافعية: أن الأذنين ليسا من الرأس، ويُسن مسح ظاهرهما وباطنهما بماء جديد ثلاثاً، انظر: حلية العلماء (1/ 125، 126)، الوسيط في المذهب (1/ 288)، روضة الطالبين (1/ 61)، المجموع (1/ 410 - 416).

ص: 43

وانتصاب قوله: خلافًا. جاز أن يكون على المفعول المطلق بإضمار فعله أي: قولنا هذا يخالف خلافًا للشافعي، أو هذا المذكور في معنى يخالف فكان مصدرًا مؤكدًا لمضمون الجملة كقوله: لفلان علي ألف درهم عرفًا، وقوله تعالى:{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ}

(1)

[النمل: 88] ..

واستدل الشافعي بما روى أبو أمامة الباهلي: أن النبي عليه السلام أخذ لأذنيه ماءً جديدًا.

أو لأن

(2)

الأذن مع الرأس كالفم والأنف مع الوجه.

ثم يأخذ للمضمضة والاستنشاق ماء جديدًا سوى ما يقيم به فرض غسل الوجه فهذا مثله.

ولنا: حديث ابن عباس: أن النبي عليه السلام مسح برأسه وأذنيه بماءٍ واحدٍ وقال: «الأذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ»

(3)

. فإما أن يكون المراد منه بيان الخلقة وهو مشاهد لا يحتاج فيه إلى بيانه. أو يكون المراد أنهما ممسوحتان كالرأس، وهذا بعيد؛ لأن اتفاق العضوين في الفرض لا يوجب إضافة أحدهما إلى الآخر فعرفنا أن المراد أنهما ممسوحان بالماء الذي يمسح به الرأس، وتأويل ما رواه أنه لم يبق في كفه بلة فلهذا أخذ ماءً جديدًا.

وأما الجواب عن المعنى: فإن المضمضة والاستنشاق مقدمان على غسل الوجه، فإذا أقامهما بماءٍ واحد يكون المفروض تبعًا للمسنون، وذلك لا يجوز، وها هنا إذا أقامهما بماءٍ واحدٍ يكون المسنون تبعًا للمفروض، وذلك مستقيم.

فإن قيل: لم لا يُجعل الحديث بيانًا على أن وظيفتها المسح لا الغسل من غير إثبات التبعية فكان الحديث بيانًا أنهما من الممسوح؟

قلنا: لا يلزم من كون وظيفة الشيء المسح كونه من الرأس كالخف.

فإن قيل: السنة إكمال الفرض في محله، والأذنان ليستا بمحل مسح الرأس ولهذا لا يسقط فرض مسح الرأس بمسحهما.

قلنا: قضية هذا الحديث توجب أن يسقط، ولكن لم

(4)

يسقط لاعتراض معنى آخر وهو استلزام نسخ الكتاب بخبر الواحد ولا يشترط لإقامة السنة محل الفرض

(5)

كما في المضمضة والاستنشاق.

(1)

استدل: بهذه الآية على أن المصدر مؤكدًا لمضمون الجملة فقوله تعالى مصدر، وتقديره مرًا مثل مر السحاب فأقام الصفة مقام الموصوف، إعراب القرآن للنحاس (3/ 223).

(2)

في (ب): «ولأن» .

(3)

حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الأذنان من الرأس» رواه أبو داود (1/ 33) وقال عنه الألباني: ضعيف في السلسلة الضعيفة (2/ 424) ورواه الترمذي (1/ 53) ورواه ابن ماجة من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.

(4)

في (ب): «لا» .

(5)

في (ب): «المفروض» .

ص: 44

‌قَالَ (وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ) لأنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام أَمَرَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام بِذَلِكَ ، وَقِيلَ هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لأنَّ السُّنَّةَ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ وَالدَّاخِلُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ.

قَالَ (وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «خَلِّلُوا أَصَابِعَكُمْ كَيْ لا تَتَخَلَّلُهَا نَارُ جَهَنَّمَ» وَلأنَّهُ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ. قَالَ (وَتَكْرَارُ الْغَسْلِ إلَى الثَّلاثِ) «-لأنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى الصَّلاةَ إلا بِهِ، وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ يُضَاعِفُ اللَّهُ لَهُ الْأَجْرَ مَرَّتَيْنِ، وَتَوَضَّأَ ثَلاثًا ثَلاثًا وَقَالَ: هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي

-قوله: «وتخليل اللحية لأن النبي عليه السلام أمره جبريل عليه السلام بذلك» ، والأمر يقتضي الوجوب، ولكن أمر الوضوء في الآية خاصٌّ ظاهر لا يحتمل الخفاء، فلو قلنا بوجوب تخليل اللحية بهذا الأمر يلزم الزيادة على كتاب الله تعالى بخبر الواحد، وهي تجري مجرى النسخ فلذلك انحطت درجة مقتضى الأمر من الوجوب إلى السنة.

وذكر في «فتاوى قاضي خان» : «ولا يسن تخليل اللحية في قول أبي حنيفة:.

ويستحب أن يمسح ثلث اللحية أو ربعها. وفي بعض الروايات: تمسح كلها، وهو الأصح.

ويغسل الموضع المنكشف بين العذار

(1)

والأذن في قول محمد، وهو رواية عن أبي حنيفة:.

فإن أمرَّ الماء على شعر الذقن ثم حلقه لا يجب عليه غسل الذقن»

(2)

. وذكر في «الإيضاح»

(3)

: وأما تخليل اللحية فليس بمسنون عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-.

وقال أبو يوسف: هو مسنون.

-قوله: (جائز عند أبي حنيفة ومحمد) أي: لا يُبّدع فاعله كما يُبّدع ماسح الحلقوم.

ثم قوله عليه السلام: «خَلِّلُوا أصَابِعَكُمْ»

(4)

. إنما لم يفد الوجوب مع أنه أمرٌ مقرون بالوعيد على التارك لما أن آية الوضوء خاص ليس بمحتمل للبيان؛ لأنه بيِّن في نفسه، فحينئذٍ تكون الزيادة عليه بطريق النسخ لا بطريق البيان، وخبر الواحد لا يصلح لذلك قال الشيخ: في قوله عليه السلام: «خَلِّلُوا أصَابِعَكُمْ» . دليل على أن وظيفة الرِجِلْ الغسل دون المسح فكان حجة على الروافض

(5)

.

(1)

الْعِذَارُ: رأس الخَدِّ انظر: طلبة الطلبة ص (3)، المغرب ص (308) مادة [ع ذ ر].

(2)

انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 37) فتاوى قاضي خان ومذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان للإمام فخر الدين الحسن بن منصور المعروف بقاضيخان (ت 592 هـ)، اعتنى بها: سالم مصطفي البدري طبع، دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان- الطبعة الأولى 2009 م.

(3)

كتاب الإيضاح وهو مخطوط.

(4)

رواه عبد الرزاق في مصنفه في باب غسل الرجلين عن الحسن، كان يقول:«خَلِّلُوا أصَابِعَكُمْ بمَاءِ قبْل أنْ يخلِّلُها الله بالنَّار» (1/ 22) انظر: المصنف لعبد الرزاق الصنعاني (ت 211 هـ) تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: المكتب الإسلامي -بيروت، الطبعة الثانية 1403 هـ ورواه الدارقطني (1/ 166) في باب وجوب غسل القدمين والعقبين ولفظه عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويخلل بين أصابعه ويدلك عقبيه ويقول: «خَلِّلُوا أصَابِعَكُمْ

» الحديث. ضعف هذا الحديث الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (8/ 41) وفي ضعيف الجامع الصغير (1/ 419) في الحديث رقم (2845).

(5)

الرافضة: يمسحون على الرجلين في الوضوء إذا كانتا مكشوفتين، ويستدلون بقراءة الخفض {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ} [المائدة: 6] وقد رّدَّ عليهم الإمام الطحاوي: في العقيدة الطحاوية وألجمهم الحجة انظر: شرح الطحاوية، ت: أحمد شاكر ص (379)، شرح العقيدة الطحاوية لصالح الفوزان (1/ 173).

ص: 45

‌فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ». وَالْوَعِيدُ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ سُنَّةٌ.

-قوله: (فمن زاد على هذا أو نقص) ذكر في «المبسوط»

(1)

«أي: زاد على أعضاء الوضوء أو نقص عنها أو زاد على الحد المحدود أو نقص عنه، أو زاد على الثلاث

(2)

معتقدًا أن كمال السنة لا يحصل بالثلاث، فأما إذا زاد لطمأنينة القلب عند الشك، أو بنية وضوء/ 3/ أ/ آخر فلا بأس به، فإن الوضوء على الوضوء نورٌ على نور، وقد أُمِر بترك ما يريبه إلى ما لا يريبه».

ثم لفظ تعدى يرجع إلى الزيادة لأنه مجاوزة عن الحد؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1]، ولفظ ظلم يرجع إلى النقصان؛ قال الله تعالى:{وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: 33] أي: لم تنقص.

‌قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ) فَالنِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَرْضٌ؛ لأنَّهُ عِبَادَةٌ فَلا تَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ كَالتَّيَمُّمِ. وَلَنَا أَنَّهُ لا يَقَعُ قُرْبَةً إلا بِالنِّيَّةِ، وَلَكِنَّهُ يَقَعُ مِفْتَاحًا لِلصَّلاةِ لِوُقُوعِهِ طَهَارَةً بِاسْتِعْمَالِ الْمُطَهِّرِ، بِخِلافِ التَّيَمُّمِ لأنَّ التُّرَابَ غَيْرُ مُطَهِّرٍ إلا فِي حَالِ إرَادَةِ الصَّلاةِ، أَوْ هُوَ يُنْبِئُ عَنْ الْقَصْدِ (وَيَسْتَوْعِبُ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ) وَهُوَ سُنَّةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: السُّنَّةُ التَّثْلِيثُ بِمِيَاهٍ مُخْتَلِفَةٍ اعْتِبَارًا بِالْمَغْسُولِ. وَلَنَا أَنَّ أَنَسًا رضي الله عنه تَوَضَّأَ ثَلاثًا ثَلاثًا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

وتفسير النية في الوضوء (أن ينوي)

(3)

إزالة الحدث أو إقامة الصلاة.

-قوله: (لأنه عبادة) لأن العبادة اسم لنوع فعل ابتلي الآدمي بفعله تعظيمًا لله تعالى، مختارًا لطاعته على خلاف هوى نفسه، كذا قاله الشيخ-رحمه الله، وهذا موجود في الوضوء فكان عبادة، والنية شرط صحة العبادة لقوله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، جعل الإخلاص وهو النية حالاً للعابدين، والأحوال شروط.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 9) باب كيفية الوضوء.

(2)

في نسخة (أ): «الثلث» والتصويب من (ب) وكتاب المبسوط للسرخسي.

(3)

في (ب): «وهو أن ينوي» .

ص: 46

ولنا: أنه لا يقع قربةً إلا بالنية، هذا قول بموجب العلة حيث التزم ما ألزمه الشافعي يعني أن الوضوء بدون النية لا يقع قربة، وهذا مسلم، إلا أن الكلام فيما وراءه وهو أن استعمال الماء في أعضاء الوضوء هل يوجب الطهارة بدون النية أم لا؟ فقلنا بأنه يوجب ذلك لأن أعضاء الوضوء محكومة بالنجاسة في حق الصلاة حيث أمرنا بالتطهير لحقها، وهو لا يتحقق بدون النجاسة؛ إذ تطهير الطاهر محال، والماء طهور بطبعه فإذا لاقى النجس طهره قصد المستعمل الطهارة [أو لا، كالماء للإرواء، والطعام للإشباع؛ لأن استعمال آلة التطهير في محل قابل للتطهير يفيد الطهارة]

(1)

لا محالة.

فإذا ثبتت الطهارة في أعضاء الوضوء بهذا الطريق كان مفتاحًا للصلاة وإن لم ينو؛ لأنه شرط للصلاة كسائر الشروط، والشروط يراعى وجودها لا وجودها قصدًا ولكن بعد ما وجد له ذلك، بخلاف التيمم؛ لأن التراب لم يعقل مطهرًا فلا يكون مزيلاً للحدث أصلاً، فلم يبق فيه إلا معنى التعبد، وذلك لا يحصل بدون النية.

«فإن قيل: في الوضوء مسح، والمسح غير مطهر بنفسه وضعًا.

قلنا: الماء مطهرٌ بنفسه لا بفعلنا، إلا أنه إذا قل حتى لم يكن شيئًا لا ضعف عن التطهير للنجاسة الحقيقية؛ لأن تطهيرها في إزالة عينها، وفيما نحن فيه النجاسة ضعيفة؛ لأنه حكم دون العين فاستغنى عن الإزالة لإفادة الطهر فصار البلل كالسائل الذي يقدر على الإزالة في إفادة الطهر»، كذا في «الأسرار»

(2)

.

والأوجه فيه أن يقال: [إن]

(3)

آية الوضوء ظاهرة المعنى في وجوب الغسل والمسح، وليس فيها ما يدل على النية فكان اشتراط النية زيادة على النص، وذلك لا يجوز بالقياس وخبر الواحد، بخلاف التيمم فإنه عبارة عن القصد لغةً؛ قال الله تعالى:{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [البقرة: 267] أي: ولا تقصدوا، وإن كان اشتراط النية فيه ثابتًا بالعبارة.

فإن قلت: لا نسلم بأنه ليس في الآية ما يدل على النية، بل فيها دليل على اشتراط النية، وذلك لأن وجوب حكم الغسل خرج مخرج الجزاء للشرط فيتقيد به، فحينئذٍ يكون تقديره: فاغسلوا هذه الأعضاء للقيام إلى الصلاة، ولا نعني بالنية سوى أنه غسل هذه الأعضاء للقيام إلى الصلاة فكان هذا نظير قوله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، فيشترط التحرير بنية هذه الكفارة وإلا فلا يجوز لتعلق الجزاء بالشرط، فكذا هنا

(4)

.

(1)

ما بين معقوفين ساقط من (ب).

(2)

الأسرار ص (137).

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

في (أ): «هذا» والتصويب من (ب).

ص: 47

قلت: هذا مسلم فيما كان ذلك حكمًا غير شرط لحكم آخر، وأما إذا كان هذا الحكم شرطًا لحكم آخر لا يشترط النية في هذا الشرط؛ لأن الشرط يراعى وجوده لا وجوده قصدًا كما في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] لما كان السعي شرطًا لأداء الجمعة لا يشترط النية في السعي أن يكون السعي لأجل الجمعة حتى أنه إذا سعى بغير قصد أداء الجمعة وحضر الجمعة فأدى يجوز، واستيعاب الرأس بالمسح في الوضوء سنة عند الشافعي أيضًا، كذا في «الخلاصة الغزالية»

(1)

، إلا أن الخلاف بيننا وبينه في التثليث بعد الاستيعاب، وكيفيته أن يبل كفيه وأصابع يديه، ويضع بطون ثلاثة أصابع من كل كف على مقدم الرأس، ويعزل السبابتين والإبهامين ويجافي الكفين ويجرهما إلى مؤخر الرأس، ثم يمسح الفودين

(2)

بالكفين ويجرهما إلى مقدم الرأس، ويمسح ظاهر الأذنين بباطن الإبهامين، وباطن الأذنين بباطن السبابتين، ويمسح رقبته بظهر اليدين حتى يصير ماسحًا ببلل لم يصر مستعملاً، كذا علمنا عيانًا الأستاذ الشفيق مولانا فخر الدين المايمرغي.

إلا أن الرواية منصوصة في «المبسوط»

(3)

على أن الماء لا يعطى له حكم الماء المستعمل حال الاستعمال، فقال: ألا ترى أن في المسنون يستوعب الحكم جميع الرأس كما في المغسولات، فكما أن في المغسولات الماء في العضو لا يصير مستعملاً فكذلك في حكم إقامة السنة في الممسوح، ولكن يجب أن يستعمل فيه ثلاث أصابع اليد في الاستيعاب ليقوم الأكثر مقام الكل حتى أنه لو مسح بإصبعه بجوانبها الأربعة لا يجوز في الأصح لعدم استعمال أكثر الأصابع.

(1)

انظر: الخلاصة، المسمى خلاصته المختصر ونقاوة المعتصر للإمام الغزالي (ت 505 هـ)، تحقيق: أمجد رشيد محمد علي، الناشر: دار المنهاج -جدة- السعودية- الطبعة الأولى 1428 هـ، ذكر أن مسح الرأس من سنن الوضوء في الخلاصة (ص 66).

(2)

الفودان: أي: الضفيرتان، يقال: لفلان فؤدان، انظر: الصحاح (2/ 520) لفظة (فيد).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 64) باب الوضوء والغسل.

ص: 48

‌وَاَلَّذِي يُرْوَى فيه مِنْ التَّثْلِيثِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ عَلَى مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلأنَّ الْمَفْرُوضَ هُوَ الْمَسْحُ وَبِالتَّكْرَارِ يَصِيرُ غُسْلاً، وَلا يَكُونُ مَسْنُونًا فَصَارَ كَمَسْحِ الْخُفِّ، بِخِلافِ الْغُسْلِ لأنَّهُ لا يَضُرُّهُ التَّكْرَارُ

-قوله: (والذي يروى [فيه]

(1)

من التثليث) هو ما روي عن عثمان وعلي رضي الله عنهما أنهما حكيا وضوء رسول الله عليه السلام فَغَسلا ثَلاثًا ثَلاثًا ومَسَحَا بِالرَّأْسِ ثَلاثًا

(2)

.

قلنا: المشهور عنهما أنهما غسلا ثلاثًا ثلاثًا ومسحا بالرأس مرةً واحدة، ولئن ثبت ما روي فنوفق بالحمل على أن التكرار ثلاثًا إنما كان للاستيعاب بماءٍ واحدٍ، وما روي أنه مسح مرةً محمول على أنه استوعب الكل بالمرة الواحدة، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(3)

.

ولا يقال: روي أن النبي عليه السلام توضأ ثلاثًا ثلاثًا فكان ماسحًا رأسه ثلاثًا؛ لأنا نقول: ثبت ذلك بمقتضى قوله: ثلاثًا ثلاثًا، وعدم التثليث يثبت بصريح قوله: إن النبي عليه السلام مسح برأسه مرةً واحدة، والصريح أقوى.

‌قَالَ: (وَيُرَتِّبُ الْوُضُوءَ فَيَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَكَرِهِ وَبِالْمَيَامِنِ) فَالتَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الْآيَةَ، وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ.

وَلَنَا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا حَرْفُ الْوَاوِ وَهِيَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَتَقْتَضِي إعْقَابَ غَسْلِ جُمْلَةِ الْأَعْضَاءِ وَالْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ فَضِيلَةٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إنَّ اللَّه تَعَالَى يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى التَّنَعُّلِ وَالتَّرَجُّلِ»

-قوله: (فيبدأ)[تفيد]

(4)

الترتيب.

-قوله: (والفاء للتعقيب) أي: مع الوصل؛ لأنه لو لم يدرج الوصل لا يثبت ما ادعاه بهذا؛ لأن غسل جميع الأعضاء يحصل عقيب القيام إلى الصلاة إذا حصل بعد القيام وإن لم يكن مرتبًا، فأما إذا كان الفاء للتعقيب مع الوصل اقتضى لزوم وصل غسل الوجه بالقيام إلى الصلاة، فلو قدم غير الوجه عليه يبطل الوصل فلا يجوز تقديم غيره عليه، ثم غيره معطوف عليه بحرف الواو وذلك يوجب الترتيب كما في قوله تعالى:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77].

أو نقول: لما ثبت في وجوب ترتيب غسل الوجه على القيام بمقتضى الفاء على ما ذكرنا بدون الفصل بشيء آخر، ثبت الترتيب في سائر الأعضاء أيضًا لعدم القائل بالفصل، فإن كل قائل بترتب غسل الوجه على القيام قائل بترتيب سائر الأعضاء عليه، وكل من لم يقل ذلك لم يقل هذا، ولكنا نقول: العمل بمقتضى الفاء وهو التعقيب ممكن على معنى إعقاب غسل جملة الأعضاء عن القيام إلى الصلاة [لا]

(5)

إعقاب غسل الوجه عينًا بلا فصل؛ فإن المراد غسل هذه الأعضاء عقيب القيام إلى الصلاة كما لو قال رجل لآخر: إذا دخلت السوق فاشتر لي لحمًا وخبزًا وبقلاً. فإنه لا يفيد هذا تقديمًا وتأخيرًا، وإن علق شراء اللحم بكلمة الفاء بل يصير كأنه قال: فاشتر لي هذه الأشياء وهو لا يوجب الترتيب، فكذا هذا. والواو لمطلق الجمع من غير تعرض لترتيب ولا مقارنة فقلنا به لما أن في هذا الوجه عملاً بالسنة ودلالة الإجماع والمعقول.

(1)

زائدة في (أ) والتصويب من (ب) ونسخة الهداية.

(2)

رواه البخاري في باب الوضوءثلاثاً (1/ 43)، ورواه مسلم (1/ 207) في باب فضل الوضوء والصلاة.

(3)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، وإنما ذكر نحوه في المبسوط للسرخسي (1/ 8) باب كيفية الوضوء.

(4)

في الأصل (أ): «تفسير» والتصويب من (ب).

(5)

في (ب): «ولا» .

ص: 49

أما السنة فهي ما ذكر أبو داود السجستاني في «سننه» : أن النبي عليه السلام تَيَمَّمَ فَبَدَأ بِذِرَاعِيْهِ قِبَلَ وَجْهِه»

(1)

، والخلاف فيهما واحد.

وروي أنه عليه السلام نَسِيَ مَسَحَ رأْسه في [وضوء]

(2)

فتذكر بعد فراغه، فمسحه ببلل في كفه

(3)

.

وأما دلالة الإجماع فإنه لو انغمس في الماء بنية الوضوء أجزأه اتفاقًا

(4)

وإن لم يوجد الترتيب.

(1)

انظر: سنن أبي داود، باب التيمم (1/ 87، 88) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وفيه، فقال صلى الله عليه وسلم:«إِنَمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هكَذَا؛ فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شَمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا وَجْهَه» ، صححه الألباني، في صحيح الجامع (1/ 446) برقم (1064، 2367).

(2)

في (ب): «وضوءه» .

(3)

لم أجد ما ذكره، وإنما الوارد حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ نَسِيَ مَسْحَ الرَّأْسِ فَذَكَرَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَوَجَدَ فِي لِحْيَتِهِ بَلَلًا فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ وَيَمْسَحْ بِهِ رَأْسَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَلَلًا فَلْيُعِدِ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» رواه الطبراني في المعجم الأوسط (7/ 307) تحقيق: طارق بن عوض الله الحسيني، الناشر: دار الحرمين- القاهرة قال عنه الهيثمي: «فيه نهشل بن سعيد، وهو كذاب» . انظر: مجمع الزوائد (1/ 240)، تحقيق: حسام الدين القدسي. الناشر: مكتبة القدسي، القاهرة 1414 هـ-1994 م.

(4)

كتب في حاشية (ب)، قوله: أجزأه اتفاقاً، أقول: إن الاتفاق إنما يتحتم لو كان الماء جارياً إلى حوض وذلك لأن الصب شرط في الوضوء والغسل في صحتهما عند أبي حنيفة: كما سيجيء مفصلاً في مسألة الانغماس، أبو عبد الله جار الله واتفق جمهور أهل العلم على أن الغسل الواجب يجزئ عن الوضوء إذا كان لرفع حدث أكبر، كالجنابة، أو الحيض، أو النفاس. مذهب الحنفية:«أنه لو سال عليه المطر أجزأه عن الوضوء والغسل فلا يشترط لهما النية، إذ اشتراطها لاعتبار الفعل الاختياري، وبه تبين أن اللازم للوضوء معنى الطهارة، ومعنى العبادة فيه من الزوائد، فإن اتصلت به النية يقع عبادة، وإن لم تتصل به لا يقع عبادة لكنه يقع، وسيلة إلى إقامة الصلاة لحصول الطهارة كالسعي إلى الجمعة» بدائع الصنائع (1/ 20).

مذهب المالكية: «(فإن اقتصر) أي اكتفى المتطهر من الجنابة والحيض والنفاس (على الغسل دون الوضوء أجزأه) عن الوضوء باتفاق، فله أن يصل بذلك الغسل من غير وضوء إذا لم يمس ذكره، أما لو كان الغسل سنة أو مستحبًا فلا يجزئ عن الوضوء» رسالة ابن زيد القيرواني (1/ 163).

مذهب الشافعية: «ولو بدأ فاغتسل ولم يتوضأ، فأكمل الغسل، أجزأه من وضوء الساعة للصلاة، والطهارة بالغسل أكثر منها بالوضوء أو مثلها» الأم (1/ 41).

مذهب الحنابلة: «وإن غسل مرة وعمَّ بالماء رأسه وجسده ولم يتوضأ أجزأ بعد أن يتمضمض ويستنشق وينوي به الغسل والوضوء وكان تاركًا للاختيار» المعنى على مختصر الخرقي (1/ 160).

ص: 50

وأما المعقول فإنهم وضعوا كل حرف دالاً على معنى مخصوص، ثم إنهم وضعوا الفاء للترتيب مع الوصل، وثم للترتيب مع التراخي ومع [للقران]

(1)

، فلو قلنا بأن الواو توجب الترتيب أو القران كان تكرارًا، ولو قلنا بأنه يوجب الجمع مطلقًا من غير تعرض بأحدهما في أصل الوضع كان كل واحد منهما موضوعًا لمعنى خاص وهو الأصل؛ [إذ]

(2)

الترادف والاشتراك خلاف الأصل.

[والقاطع للشغب]

(3)

هو جواز استعمال الواو في موضع لا يتصور الترتيب [كما]

(4)

في قولك: اشترك زيد وعمرو، ولا يجوز ها هنا استعمال الفاء فما نشاء جواز استعمال الواو هناك وعدم جواز استعمال الفاء هنا إلا لأن الواو لا تقتضي الترتيب والفاء تقتضيه، ثم كما لا يجوز استعمال الفاء مكان الواو، وكذلك لا يجوز استعمال الواو مكان الفاء حتى أن من قال لامرأته: إن دخلت الدار وأنت طالق. تطلق في الحال ولا يتعلق، ولو كان موجب الواو الترتيب لكان/ 3/ ب/ هو بمنزلة الفاء في صحة [التعليق]

(5)

.

ثم الترتيب [بين]

(6)

الركوع والسجود ما عرفناه بسبب الواو في قوله: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77]؛ إذ النصوص فيه متعارضة فإنه قال: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} [آل عمران: 43]، وإنما عرفنا بفعل النبي عليه السلام؛ إذ الصلاة مجملة فصار فعله بيانًا [لها]

(7)

، وقد أورد على الشيخ: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: 277] فاعتبار العمل [الصالح]

(8)

إنما يكون إذا كان مرتبًا على الإيمان فعلم بهذا أن الواو للترتيب.

قال رضي الله عنه وإثابة الجنة ترتيب اعتبار العمل الصالح على الإيمان لم يعلم باعتبار الواو في هذه الآية بل بآيةٍ أخرى وهي قوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: 94] جعل الإيمان شرطًا للعمل الصالح، والشرط مقدم على المشروط أبدًا فلذلك ترتب العمل الصالح على الإيمان لا باعتبار الواو.

[والتنعل نعلين دهياي كردن. والترجل سر شانه كردن]

(9)

ومنه حديث الفائق: نهى النبي عليه السلام عن التَّرَجُّلِ إلا غبًّا

(10)

. ترجل الرجل إذا رجل شعره كقولك: تطيب إذا [طيب]

(11)

نفسه، وترجيله تسريحه وتغذيته بالأدهان وتقويته

(12)

.

(1)

في (ب): «القران» .

(2)

في (ب): «أو» .

(3)

في (ب): «والعاطف للشعب» .

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): «التعلق» .

(6)

في (ب): «من» .

(7)

ساقطة من (أ) والتصويب من (ب).

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

أي: التنعل بنعلين، وتسريح الشعر والعناية به. انظر: المعاني لكل رسم معنى قاموس عربي فارسي.

(10)

عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: «نهى رسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن التَّرَجُّلِ إلا غِبَّا» . انظر: سنن أبي داود (4/ 75) كتاب الترجل، وسنن الترمذي (4/ 234) باب ما جاء في النهي عن الترجل إلا غباً، والسنن الكبرى للنسائي (8/ 132) باب الترجل غباً، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (501)(1/، 499، 500).

(11)

في (ب): «تطيب» .

(12)

انظر: في معنى ترجيل الشعر: مختار الصحاح ص (119)، الصحاح (4/ 1706)

ص: 51

وفي «مبسوط شيخ الإسلام»

(1)

: ومن الناس من زعم أن المراد من الترجل نزع الخفين عن الرجل، ولكن ذاك خطأ محض؛ لأن السنة في النزع أن يبدأ باليسار، وإنما أراد به ترجل الشعر فإنه إذا أراد الرجل أن يرجل شعر رأسه ولحيته فعليه أن يبدأ باليمين ثم باليسار؛ لأن لليمنى فضلاً على اليسار.

‌فصل في نواقض الوضوء

(الْمَعَانِي النَّاقِضَةُ لِلْوُضُوءِ)

لما فرغ من بيان الوضوء فرضه وسنته ومستحبه، بدأ بما ينافيه من العوارض؛ إذ العارض تالي الأصل، ثم ذكر أولاً العارض الذي ثبت بالنص عبارة، وهو ما يخرج من السبيلين لأصالته، ثم ذكر العارض الذي ثبت بمعنى النص اجتهادًا، وهو الدم والقيح لفرعيته.

-النواقض: جمع ناقضة، والنقض متى أضيف إلى الأجسام يراد به إبطال تأليفها، ومتى أضيف إلى المعاني يراد به إخراجه عما هو المطلوب، والمطلوب هنا من الوضوء استباحة الصلاة

(2)

.

-الوضاءة: الحسن والنظافة، تقول: منه وضوء الرجل أي: صار وضيئًا.

-وقال بعضهم: الوضوء بالفتح الماء الذي يُتَوَضَّأُ به، وهو أيضًا: المصدر من تَوَضَّأْتُ للصلاة، مثل الوَلُوع، والقبول

(3)

.

-وقال الأخفش

(4)

: الوضوء بالضم المصدر، وبالفتح الماء ومثله

(5)

الوقود بالفتح الحطب، وبالضم الإيقاد، وهو الفعل

(6)

.

(1)

لم أجد ذلك في مبسوط شيخ الإسلام ولا في مبسوط السرخسي.

(2)

قال في: المصباح المنير (2/ 621) مادة [ن ق ض]«وانتقضت الطهارة بطلت» وانظر: المعجم الوسيط (2/ 947)، القاموس الفقهي ص (359).

(3)

هذا تعريف الصحاح (1/ 80، 81).

(4)

الأخفش يطلق على أحد عشر نحوياً كما ذكره السيوطي في «المزهر» واشتهر منهم ثلاثة من كبار النحويين وهم:

1 -

الأخفش الأكبر (ت 177 هـ) 2 - الأخفش الأوسط (ت 215 هـ) 3 - الأخفش الأصغر (ت 315 هـ). فقه اللغة (1/ 244)، والمزهر في علوم اللغة (2/ 386)، والأعلام للزركلي (3/ 288) ووفيات الأعيان (2/ 380 و 3/ 301).

(5)

في الأصل (أ): «ومثل» والتصويب من (ب).

(6)

انظر: تاج العروس (1/ 490)، ولسان العرب (1/ 194)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 195) لفظه، والصحاح (1/ 81) مادة [وضأ].

ص: 52

(كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} «وَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهَ صلى الله عليه وسلم مَا الْحَدَثُ؟ قَالَ: مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ» وَكَلِمَةُ مَا عَامَّةٌ فَتَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَهُ (وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَدَنِ فَتَجَاوَزَا إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَالْقَيْءُ مِلْءَ الْفَمِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ لا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَاءَ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ» وَلأنَّ غَسْلَ غَيْرِ مَوْضِعِ الإصَابَةِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَهُوَ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ، وَلَنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ» وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلِيَبْنِ عَلَى صَلاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ»

-قوله: (كل ما يخرج من السبيلين) أي: خروج كل ما يخرج منهما ليكون الخبر موافقًا للمبتدأ؛ لأن المبتدأ لفظ المعاني فوجب أن يكون خبره أيضًا المعاني، وهي الخروج.

ولأن المراد من المعاني العلل، والعلة وصفٌ يحل بالمحل فيتغير به حال المحل، ثم ذكر في المدخل

(1)

ما هو المخصوص من هذا العموم فقال: كل ما يخرج من السبيلين سوى الريح الخارج من القبل والذكر، وهو صحيح؛ لأن الوضوء منهما غير واجب إلا في رواية عن محمد ذكرها الإمام التمرتاشي

(2)

في «الجامع الصغير»

(3)

.

-قوله: (يتناول المعتاد وغيره) فيه نفي لقول مالك؛ «فإن غير المعتاد كدم الاستحاضة لا ينقض الطهارة» عنده، كذا في «المبسوط»

(4)

.

-قوله: (إذا خرجا من البدن) شرط الخروج؛ لأن نفس النجاسة غير ناقضة ما لم توصف بالخروج؛ إذ لو كانت نفسها ناقضة لما حصلت الطهارة لشخص ما.

والمراد من البدن بدن الحي حتى [إذا]

(5)

خرجت النجاسة من بدن الميت بعد غسله لا يعاد غسل الميت، بل يغسل ذلك الموضع لا غير.

(1)

لعله كتاب المدخل إلى النحو، للمبرد، إيضاح المكنون (4/ 329).

(2)

هو الإمام، ظهير الدين: أحمد بن اسماعيل التمرتاشي، الحنفي، أبو محمد، وقيل أبو العباس، الخوارزمي، التمرتاشي نسبة إلى تمرتاشي، قرية من قرى خوارزم، من تصانيفه: 1 - فتاوى التمرتاشي 2 - شرح الجامع الصغير 3 - كتاب التراويح. انظر: الجوار المضيئة (1/ 61) وكشف الظنون (2/ 1221) ومعجم المؤلفين (1/ 167) والفوائد البهية (1/ 15) والأعلام للزركلي (1/ 97).

(3)

شرح الجامع الصغير للتمرتاشي -مخطوط-.

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 84) باب الوضوء والغسل.

(5)

في (ب): «لو» .

ص: 53

-قوله: (فتجاوزا): شرط التجاوز إلى موضع؛ لأن الخروج إنما يتحقق بالتجاوز فكان هذا احتراز عما يبدو ولم يتجاوز؛ لأن ذلك لا يسمى خارجًا، وإنما ذكر هذا وإن كان هو [مستفادًا]

(1)

من قوله: خرجا. لما أن زفر: ظن البادي خارجًا حتى أورد ما لم يسل، نقضًا لقولنا: الخارج النجس من غير السبيلين ناقض للوضوء.

-قوله:) حكمُ التطهير): أيُّ حكمٌ هو تطهير. والمراد أن يجب تطهيره في الجملة كما في الجنابة، حتى لو سال الدم من الرأس إلى قصبة الأنف انتقض الوضوء، بخلاف البول إذا نزل إلى قصبة الذكر ولم يظهر؛ لأن هناك النجاسة لم تصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير، وفي الأنف وصلت النجاسة إلى موضع يلحقه حكم التطهير، فإن الاستنشاق في الجنابة فرض وفي الوضوء سنة، كذا ذكر في «المبسوط»

(2)

.

وعن هذا قلنا: إذا كان في عينه قرحة ووصل الدم منها إلى جانب آخر من عينه لا ينقض وضوءه؛ لأنه لم يصل إلى موضع يجب غسله في الجملة.

-قوله: (أمرٌ تعبدي): [التعبد بندر كي كرفتن]

(3)

أي: تعبدنا الله تعالى وكلفنا بغسل الأعضاء الأربعة عند وجود الحدث من السبيلين من غير أن ندركه بالعقول؛ إذ العقل يقتضي وجوب غسل موضع أصابته النجاسة فأمر الوضوء على عكس هذا؛ فإن النجاسة تخرج من أحد السبيلين وأنت تغسل الوجه واليد فكان هذا أمرًا غير مدرك بالعقل فيقتصر على مورد النص وهو خروج النجاسة من السبيلين، هذا هو المعنى المذكور في الكتاب.

ووجهٌ آخر: وهو أن القياس يقتضي وجوب غسل كل الأعضاء كما في المني، بل بالطريق الأولى؛ لأن الغائط أنجس من المني؛ لأن في المني اختلافًا في نجاسته، ولما وجب غسل كل الأعضاء في المني يجب في الغائط بطريق الأولى، فالاقتصار على الأعضاء الأربعة بعد هذا كان أمرًا تعبديًّا.

ولنا: قوله عليه السلام: «الوَضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ»

(4)

.

فإن قلت: هذا مبتدأ وخبره ما اقتضاه الجار والمجرور وهو مستحب أو سنة أو واجب، فما الوجه في تعيين الواجب؟

قلت: فيه وجهان:

أحدهما: أن هذا إخبار، والإخبار آكد من الأمر في اقتضاء الوجوب؛ لما أن الإخبار يقتضي وجود المخبر به لا محالة من غير اختيار، لئلا يلزم الكذب في الإخبار فعدل عن الوجود

(5)

، لئلا يلزم الخبر إلى آكد الوجوب ليكون داعيًا إلى الوجود، فكان الإخبار أقوى في اقتضاء الوجوب، ولو كان أمرًا لكان الوضوء واجبًا فكذا في الإخبار.

(1)

في (ب): «يستفاد» .

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 83).

(3)

أي تعبدنا الله تعالى وكلفنا بغسل الأعضاء الأربعة، انظر: المعاني لكل رسم معنى قاموس عربي فارسي على الشبكة العنكبوتية.

(4)

الحديث عن تيم الداري رضي الله عنه انظر: سنن الدارقطني (1/ 287) باب الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف، وقد ضعفه الألباني: في ضعيف الجامع برقم (6136).

(5)

كتب في حاشية (أ): (الوجوب).

ص: 54

والثاني: أنه وصف الدم بالسيلان، والدم السائل نجس نجاسة غليظة كالغائط فكان ملحقًا به بدلالة النض؛ لأنهما لا يتفاوتان في أن كل واحدٍ منهما خارج نجس من بدن الإنسان، وهذا كقوله عليه السلام:«لا قَودَ إلا بِالسَّيْفِ»

(1)

. فألحق به الخنجر؛ لأنهما لا يتفاوتان في إزهاق الروح مع تمزيق الجلد.

قال الْمُطَرِّزِيُّ: «رعف سال رعافه، وفَتْحُ العين هو الفصيح»

(2)

، فوجه التمسك بالحديث ظاهر، وهو أنه عليه السلام أمر بالانصراف والمضي على صلاته بعد الشروع واجب لئلا يلزم إبطال العمل فلا يلزم ترك هذا الواجب إلا بأمرٍ أوجب منه وهو عدم إمكان المضي، [ولن]

(3)

يكون ذلك ها هنا إلا بانتقاض الوضوء.

فإن قلت: لا نسلم بأن عدم إمكان المضي منحصر على انتقاض الطهارة، بل فيه وجهٌ آخر، وهو إصابة نجاسة الرعاف ببدنه، أو ثوبه فجاز أن يكون أمر الانصراف واقعًا لغسل النجاسة الحقيقية لا للحدث.

قلت: لا يصح هذا لوجهين:

أحدهما: الاستدلال بلفظ الوضوء؛ فإن مطلقه في متعارف لسان الشرع واقع على ما اختلفنا فيه فلا ينصرف إلى ما عليه حقيقة اللغة من الغسل إلا بدلالة كالصلاة والحج، فإن مطلقهما ينصرف إلى ما هو المعهود في الشرع لا إلى ما عليه حقيقة اللغة من الدعاء والقصد، ولا يقال: قد ورد في لسان الشرع غير الوضوء المعهود في الشرع من غسل الفم لقوله عليه السلام: «هَكَذَا الْوضُوء مِنَ الْقَيْءِ»

(4)

؛ لأنا نقول: إن النبي عليه السلام أخرج ذلك على طريق المشاكلة لجواب سائل في قوله: ألا تتوضأ وضوءك للصلاة، كقوله تعالى:{صِبْغَةَ اللَّهِ} [البقرة: 138]، والمراد منها دين الله، لكنها مخرجة على طريق المشاكلة لما عرف.

(1)

أخرج هذا الحديث ابن ماجة في سننه (2/ 889) باب لا قود إلا بالسيف، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه وقال في الزوائد في إسناده جابر الجعفي وهو كذاب وعن طريق أبي بكرة رضي الله عنه وقال في الزوائد في إسناده مبارك بن فضالة وهو يدلس وقد عنعنة وكذا الحسن. وانظر: سنن الدارقطني (4/ 69) كتاب الحدود والديات وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال فيه سليمان بن أرقم متروك. قال عنه الألباني: ضعيف جداً، انظر: الإرواء (7/ 287)، وفي ضعيف الجامع برقم (6307).

(2)

انظر: المغرب في ترتيب المعرب، للمطرزي (1/ 191) باب الراء مع العين المهملة لناصر بن عبدالسيد الخوارزمي المطرزي المتوفى 610 هـ، الناشر: دار الكتاب العربي.

(3)

في (أ): «وأن» والتصويب من (ب).

(4)

الحديث عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً من غير رمضان فأصابه غمّ أذاه فتقيا، فقاء فدعاني بوضوء فتوضأ ثم أفطر فقلت يا رسول الله أفريضة الوضوء من القيء؟، قال «لو كان فريضة لوجدته في القرآن، فقال: ثم صام رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد فسمعته يقول: «هذا مكان إفطاري أمس» لم يروه عن الأوزاعي غير عتبة بن السكن وهو منكر الحديث. انظر: سنن الدارقطني (1/ 292) والحديث برقم (595) باب الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف. وضعف هذا الحديث أشرف عبد المقصود عبد الرحيم في تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني (1/ 242)، الناشر: دار عالم الكتب- الرياض 1411 هـ.

ص: 55

والثاني: الاستدلال بالبناء؛ فإن النبي عليه السلام جوز البناء في هذا الانصراف، والانصراف عن الصلاة لغسل النجاسة الحقيقية يوجب فساد الصلاة ويمنع البناء بالاتفاق مع أن «في رواية ابن [أبي]

(1)

مليكة عن عائشة رضي الله عنهما: (من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ)

(2)

.

وعن المذي لا يجب إلا الوضوء الشرعي»، كذا في «الأسرار»

(3)

.

فإن قلت: البناء الذي هو معطوف غير واجب فكذا الانصراف، والتوضي ينبغي أن يكونا غير واجبين؛ ليتناسب إمكان المعطوفات.

قلت: القران في النظم لا يوجب القران في الحكم لما عرف، وقد وجدنا عطف الأمر الذي يقتضي الوجوب على الأمر الذي يقتضي الإباحة في قوله تعالى:{كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ} [سبأ: 15] قال في «التيسير»

(4)

: «أمر الأكل للإباحة، وأمر الشكر للوجوب» ، فكان جواز عكسه أولى إذ فيه اتباع الضعيف [للقوي]

(5)

، ولأن الدليل قد قام على أن البناء غير واجب لما أن في البناء إتمام الصلاة مع وجود المنافي، مع أنه مختلف فيه، وفي الاستئناف إتمام الصلاة بدون المنافي، وفي جوازها اتفاق فكان أولى بالجواز.

وإذا دل الدليل على أن أحد الأوامر/ 4/ أ/ يدل على [عدم]

(6)

الوجوب لقيام الدليل لا يلزم حمل سائر الأوامر على عدم الوجوب، بل الدليل دل على الوجوب على ما ذكرنا.

‌وَلأنَّ خُرُوجَ النَّجَاسَةِ مُؤَثِّرٌ فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ، وَهَذَا الْقَدْرُ فِي الْأَصْلِ مَعْقُولٌ، وَالاقْتِصَارُ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرُ مَعْقُولٍ

-قوله-رحمه الله: (ولأن خروج النجاسة مؤثر في زوال الطهارة)؛ لأن النجاسة مع الطهارة متنافيتان فكان وجود إحديهما مؤثرًا في زوال الأخرى لا محالة كالحركة والسكون، وهذا أمر معقول.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

هذا الحديث أخرجه الدارقطني في سننه (1/ 282) باب في الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف، ولفظه (مَنْ قَلَسَ أَوْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُتِمَّ عَلَى صَلَاتِهِ»، وقد ضعفه الألباني: في ضعيف الجامع (2/ 159) برقم (521).

(3)

الأسرار ص (27) بتحقيق الدكتور الصالح -لم يطبع-.

(4)

انظر: (التيسير في التفسير) مخطوط لنجم الدين، أبي حفص، عمر بن أحمد النسفي الحنفي، المتوفى بسمرقند سنة:(537 هـ) موقع مخطوطات جامعة الملك سعود، الجزء الثاني من التيسير في التفسير لوح رقم (228).

(5)

في (ب): «على القوي» .

(6)

ساقط من (ب).

ص: 56

ثم خروج النجاسة من البدن، يقتضي وجوب غسل كل الأعضاء لوجهين:

أحدهما: أن النجاسة لما تجاوزت إلى الموضع الذي يلحقه حكم التطهير وجب تطهير ذلك الموضع بالإجماع عندنا حال ازدياد قدر الدرهم، وعند الخصم وإن قل، ثم وجوب التطهير في البدن باعتبار ما يكون منه لا يحتمل الوصف التجزيء؛ إذ هو يسمى محدثًا، وهذه الصفة أعني كونه محدثًا تشمله من قرنه إلى قدمه؛ وذلك لأن الصفة وإن قامت بمحل واحد معين يتصف كل البدن بتلك الصفة كالعلم والعمى والبصر فكذلك موضع الخروج لما اتصف بصفة النجاسة كان كل البدن موصوفًا بها، فحينئذٍ يوجب قيام هذه الصفة تطهير جميع الأعضاء، فبعد ذلك الاقتصار على الأعضاء الأربعة كان أمرًا غير معقول.

والثاني: أنه لما [خرج النجاسة من موضع]

(1)

وجب غسل ذلك الموضع لما ذكرنا، [ولما]

(2)

أن قيام من قام بين يدي من هو واجب التعظيم الذي يعلم الظاهر والباطن مستصحبًا لما يستقذر قبيحٌ جدًّا، [واذا وجب]

(3)

غسل ذلك الموضع وجب غسل الباقي لا لإزالة النجاسة لكن؛ لأن غسل بعض البدن دون البعض يخل بالزينة فيجب غسل كل البدن تحقيقًا لمعنى التزين، ثم الاقتصار على الأعضاء الأربعة بعد هذا كان أمرًا غير معقول أي: غير مدرك بالعقول.

‌لَكِنَّهُ يَتَعَدَّى ضَرُورَةَ تَعَدِّي الْأَوَّلِ

-قوله: «لكنه يتعدى ضرورة تعدي الأول» أي: لكن الاقتصار الذي هو غير معقول يتعدى ضرورة تعدي القدر المعقول الذي هو زوال الطهارة عند حلول النجاسة [كشف]

(4)

هذا هو أن القياس عبارة عن إبانة مثل [حكم]

(5)

أحد المذكورين بمثل علته في الآخر وهو عبارة عن تقدير الفرع بالأصل في الحكم والعلة، وكل واحد منهما يقتضي أن يكون الفرع مماثلاً للأصل لا مخالفًا له حتى أنه لو تغير حكم النص في نفسه كما في مسألة الإطعام أو تغير حكمه في الفرع كما في ظهار الذمي لا يصح القياس.

ثم ها هنا أعني الخارج من السبيلين الحكم في الأصل مشتمل على معنيين: أمر معقول أصالةً وهو زوال الطهارة عند حلول النجاسة.

وغير معقول تبعًا وضمنًا وهو الاقتصار على الأعضاء الأربعة؛ لأنه ثبت مرتبًا عليه فكان تبعًا، فيجب أن يثبت الحكم في الفرع وهو الخارج النجس من غير السبيلين على وفاق ذلك مشتملاً على معنيين أيضًا: أمر معقول، وغير معقول؛ لئلا يلزم تغير حكم النص في نفسه أو في الفرع، ثم الحكم الذي هو غير معقول وإن كان لا يتعدى قصدًا كإيجاب الطهارة بالقهقهة في الصلاة، لكن يتعدى إذا كان ثابتًا في ضمن حكم معقول ضرورةً تعدى ذلك الحكم المعقول؛ لأن الاعتبار للمتضمن لا للمتضمَّن كالوكالة الثابتة في ضمن الرهن، ولأن [تعدية]

(6)

ما هو معقول واجب وما ليس بمعقول ليس بممتنع التعدية؛ إذ هو ثابت في ضمن حكم شيء آخر فيعدى بتعديته كاستواء الجيد مع الرديء في باب الربا، وهو غير معقول؛ إذ التسوية بينهما كالتسوية بين الموجود والمعدوم، ولهذا أجري على وفق القياس في بيع المريض وبيع الوصي مال الصغير حيث لم يسقط اعتبار الجودة وإن كانت في الأموال الربوية، وأنه يعدى إلى غير المنصوص عليه من المكيلات، والموزونات كالجص، والنورة، والحديد ضرورة تعدي أمر معقول، وهو حرمة الفضل بعد المساواة صورةً ومعنىً بالقدر والجنس؛ إذ المساواة لا تتحقق مع بقاء التفرقة بين الجيد والرديء، وإن وجدت المساواة بالقدر والجنس.

(1)

ساقط من (ب).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

في (ب): «ولو أوجب» .

(4)

في (ب): «وكشف» .

(5)

ساقط من (ب).

(6)

في (ب): «تعدي» .

ص: 57

فإن قلت: لو كانت النجاسة تستدعي الطهارة من الوجه الذي ذكرت لانتقضت طهارته عند إصابة الخمر مثلاً بدنه، وإن لم يخرج منه شيء من حيث أن وجوب التطهير لا يحتمل الوصف بالتجزيء.

قلت: هذه معارضة في موضع الإجماع؛ فإن الإجماع منعقد في عدم انتقاض الطهارة هناك، ولأن صفة الانتقاض إنما تتحقق عند تحقق صفة كونه محدثًا، وصفة كونه محدثًا، إنما تلزمه أن لو كانت النجاسة خارجة منه في الأصل وهو الخارج من السبيلين فانتفى اللزوم لانتفاء اللازم.

والوجه لنا أيضًا لإثبات المذهب هو أن الحدث اسم للخارج النجس، و/ 4/ ب/ ذلك لأن الحدث اسم لمجرد الحادث إلا أنه [تغيّر]

(1)

في الشرع إلى كونه حادثًا خارجًا بوصف كونه نجسًا، أما الخروج فلقوله عليه السلام:«الوضُوْءُ ممَّا يَخْرُجْ»

(2)

، وأما كونه نجسًا فلأن الإجماع منعقد على أن الخارج إذا كان طاهر كالبزاق والمخاط لا ينتقض به الطهارة، ولأن حكم الانتقاض في السبيلين لا يخلو [إما]

(3)

إن كان متعلقًا بالمخرج المعتاد أو بالخارج المعتاد أو بهما جميعًا أو بمطلق الخارج النجس من بدن الإنسان لا سبيل إلى الأول؛ لأنه حينئذٍ يلزم أن يكون الآدمي [منتقض]

(4)

الطهارة أبدًا؛ لأن المخرج لا يفارقه ولا سبيل إلى الثاني لانتقاض الطهارة بالخارج الذي هو غير معتاد كالدودة الساقطة من الدبر ودم الاستحاضة، ولا يجوز أن يكون متعلقًا بهما لما أن الرواية منصوصة بأن الإنسان إذا طعن في السرة فخرج البول أو العذرة انتقضت بهما الطهارة عند الشافعي

(5)

، وتعلق المخرج معدوم، فإذا انتفت الأوجه الثلاثة تعين الوجه الرابع وهو الخارج النجس من بدن الإنسان، وفي هذا لا يتفاوت حكم الخارج النجس من السبيلين، وحكم الخارج النجس من غير السبيلين.

(1)

في (ب): «يعبر» .

(2)

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الوضُوْءُ ممَّا يَخْرُجْ وَلَيْسَ ممَّا يَدْخُلْ» انظر: سنن الدارقطني (1/ 276) باب في الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف. قال عنه الألباني: (ضعيف)، انظر: ضعيف الجامع الصغير (2/ 317) الحديث رقم (6162).

(3)

زائدة في (أ) والتصويب من (ب).

(4)

في (ب): «في منتقض» .

(5)

انظر: مغني المحتاج (1/ 141، 142) باب أسباب الحدث، ومغني المحتاج، لشمس الدين محمد بن أحمد الخطيب الشربيني، الشافعي، المتوفى: 977 هـ، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1415 هـ-1994 م. وانظر أيضاً: نهاية المحتاج (1/ 111، 112) باب السبب الأول خروج شيء من قبله أو دبره ونهاية المحتاج، لشمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة، شهاب الدين الرملي (المتوفى: 1004 هـ) الناشر: دار الفكر، بيروت، طبع سنة: 1404 هـ-1984 م.

ص: 58

فإن قلت: هذه طريقة يأباها الإمام السرخسي: في الاحتجاج، ذكره في فصل الاحتجاج بما ليس بحجة من أصول الفقه

(1)

.

قلت: وإن أباها هو فقد تلقاها الإمام الجصاص

(2)

من السلف، والإمام ظهير الدين المرغيناني

(3)

من الخلف رحمهما الله بالقبول وكفى بهما قدوة، وذكر في «الأسرار» .

«فإن قيل: هذه طهارة حكمية [تعبدنا]

(4)

بها بدلالة أنها تجب لا في موضع النجاسة.

قلنا: إن معنى العبارة فيها تبع فإن الله تعالى قال: {لِيُطَهِّرَكُمْ} [الأنفال: 11] ولم يقل: ليتعبدكم، وسميت طهارة ووضوءًا فوجبت شرعًا تعظيمًا لشأن القيام إلى الله تعالى فكان ينبغي أن يغتسل كما في المني؛ لأن الشرط أن يقوم بنفسه طاهرًا إلى الله تعالى وقد لزمه حكم النجاسة بخروج النجس إلا أن الله تعالى قصر الوجوب على الظواهر من الأعضاء تيسيرًا علينا؛ لأنه مما يكثر فبقي فيما لا يكثر على أصل القياس»

(5)

.

(1)

انظر: أصول السرخسي (2/ 215) لشمس الأئمة السرخسي المتوفى سنة: (483 هـ) الناشر: دار المعرفة بيروت.

(2)

انظر: الفصول في الأصول للجصاص (1/ 74، 75)، المتوفى سنة:(370 هـ)، الناشر: وزارة الأوقاف الكويتية، الطبقة الثانية: 1414 - 1994 م. وهو الإمام أبي بكر: أحمد بن علي، المعروف بالجصاص، الرازي، الحنفي، ولد سنة:(305 هـ)، سكن بغداد وكان مشهوراً بالزهد، عرض عليه القضاء فامتنع تفقهه على: أبي سهل الزجاج صاحب كتاب الرياضة، وعلى: أبي الحسن الكرخي واستقر التدريس ببغداد للجصاص ووفد الناس إليه من الأقطار الأخرى. من مؤلفاته: 1 - شرح الجامع الكبير، 2 - شرح الجامع الصغير، 3 - أحكام القرآن، 4 - شرح مختصر الكرخي، 5 - شرح مختصر الطحاوي، 6 - الفصول في الأصول، 7 - اختلاف العلماء، 8 - أدب القاضي على مذهب أبي حنيفة، توفي في بغداد سنة:(370 هـ). انظر: الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية (1/ 84) و (2/ 449)، وتابع التراجم في طبقات الحنفية (1/ 96)، وكشف الظنون (1/ 1، 81، 563) و (2/ 1627).

(3)

هو الإمام ظهير الدين أبو الحسن بن عبد الرزاق المرغيناني الحنفي، وهو استاذ العلامة فخر الدين قاضي خان، له: فوائد ظهير الدين. (ت 506 هـ): انظر: طبقات الحنفية (1/ 364) وكشف الظنون (2/ 1298) وهدية العارفين (1/ 280) لإسماعيل بم محمد أمين الياباني البغدادي (ت 1399 هـ)، الناشر: طبع بعناية وكالة المعارف الجليلة في مطبعتها البهية استاتبول 1951 م، وأعادت طبعة بالأوفست: دار إحياء التراث العربي -بيروت- لبنان.

(4)

في (ب): «تعبدناها» .

(5)

الأسرار ص (12/ 13) بتحقيق الدكتور الصالح -لم يطبع-.

ص: 59

وقال فخر الإسلام: في «الجامع الصغير»

(1)

: هذا الفصل من خصال [أهل]

(2)

السنة والجماعة، وأن من لم يتوضأ من ذلك فمبتدع، ومذهبنا مذهب العشرة الذين بشروا بالجنة، وعلى ذلك المسلمون.

(غَيْرَ أَنَّ الْخُرُوجَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ)

-قوله: (غير أن الخروج) هذا استثناء عن النكتة الأولى جوابًا لسؤال مقدر بأن قيل: ألحقتم الخارج من غير السبيلين بالخارج من السبيلين مع وجود المفارقة بينهما، من حيث أن القليل ناقض في السبيلين وغير ناقض في غير السبيلين، فكيف يصح الإلحاق به؟

فأجاب عنه وقال: «نعم كذلك، إلا أن القليل الظاهر في السبيلين موصوف بالخروج؛ لأن الخروج عبارة عن الانتقال عن محل باطن إلى محل ظاهر» ، كذا في «الأسرار»

(3)

، فلذلك استدل بالظهور على الخروج في السبيلين؛ لأن موضع الظهور في السبيلين ليس بمحل النجاسة، فبالظهور يعلم أنه قد انتقل من محله فيتحقق الخروج لوجود حده، وأما في غير السبيلين فلا يعلم الخروج بمجرد الظهور؛ فإن تحت كل جلدة رطوبة، فإذا تقشرت الجلدة ظهرت الرطوبة غير منتقلة من مكانها فلذلك لم يستدل بالظهور على الخروج، فلا تنتقض الطهارة ما لم يوجد السيَّلان الذي هو محقق للخروج.

‌وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ لأنَّ بِزَوَالِ الْقِشْرَةِ تَظْهَرُ النَّجَاسَةُ فِي مَحَلِّهَا فَتَكُونُ بَادِيَةً لا خَارِجَةً، بِخِلافِ السَّبِيلَيْنِ لأنَّ ذَلِكَ الْوَضْعَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ فَيُسْتَدَلُّ بِالظُّهُورِ عَلَى الانْتِقَالِ وَالْخُرُوجِ، وَمِلْءُ الْفَمِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلا بِتَكَلُّفٍ لأنَّهُ يَخْرُجُ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَ خَارِجًا.

وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله: قَلِيلُ الْقَيْءِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ، وَكَذَا لا يُشْتَرَطُ السَّيَلانُ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ، وَلِإِطْلاقِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«الْقَلْسُ حَدَثٌ» .

-قوله: (وبملء الفم) معطوف على قوله: «بالسيلان» ، أي: يتحقق الخروج بملء الفم في القيء.

وإنما اختلف الحكم في القيء بين ملء الفم، وبين ما دونه؛ لأن الفم تجاذب فيه دليلان: أحدهما يقتضي كونه ظاهرًا، والآخر يقتضي كونه باطنًا حقيقةً وحكمًا، أما الحقيقة فإنه إذا فتح فاه يظهر، وإذا ضمه يبطن.

وأما الحكم، فإن الصائم إذا أخذ الماء بفيه ثم مجه لا يفسد صومه، كما إذا سال الماء على ظاهر جلده فكان ظاهرًا، وإذا ابتلع ريقه لا يفسد صومه أيضًا، كما إذا انتقل من زاوية بطنه إلى الزاوية الأخرى فكان باطنًا فوفرنا على/ 5/ أ/ الدليلين حكمهما، فقلنا: إذا كثر ينقض؛ لأنه يخرج غالبًا اعتبارًا بالظاهر، وإذا قل لا ينقض فيصير تبعًا للريق اعتبارًا بالباطن.

(1)

شرح الجامع الصغير -مخطوط- لفخر الإسلام: علي بن محمد البزدوي (ت 482 هـ).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

الأسرار ص (13، 14).

ص: 60

وفي «المبسوط» : «القياس أن القيء ينبغي أن لا يكون حدثًا؛ لأن الحدث اسم لخارج نجس يخرج بقوة نفسه، والقيء مخرج لا خارج، فإن من طبع الأشياء السيالة أنها لا تسيل إلى فوق ألا بدافع دفعها أو جاذب جذبها كالدم الظاهر على رأس الجرح فمسحه بخرقة، ولكنا تركنا القياس بالآثار عند ملء الفم، فبقي ما دونه على أصل القياس، ولأن في القليل بلوى فإن من يملأ معدته من الطعام إذا ركع أو سجد في الصلاة يعلوه شيء إلى حلقه، فجعل القليل عفوًا، وحد ملء الفم أن [يفمّه]

(1)

إمساكه أو يمنعه من الكلام، وقيل: أن يزيد على نصف الفم»

(2)

.

‌وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «لَيْسَ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ مِنْ الدَّمِ وُضُوءٌ إلا أَنْ يَكُونَ سَائِلاً» وَقَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه حِينَ عَدَّ الْأَحْدَاثَ جُمْلَةً: أَوْ دَسْعَةً تَمْلا الْفَمَ.

وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى الْقَلِيلِ، وَمَا رَوَاهُ زُفَرُ رحمه الله عَلَى الْكَثِيرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْلَكَيْنِ قَدْ بَيَّنَّاهُ.

وَلَوْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ يَمْلا الْفَمَ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَثَيَانُ، ثُمَّ مَا لا يَكُونُ حَدَثًا لا يَكُونُ نَجَسًا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله

-قوله عليه السلام: («لَيْسَ فِي الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ مِنَ الدَّمِ وُضُوءٌ إِلا أَنْ يَكُونَ دَمًا سَائِلا»)

(3)

. القطرة والقطرتان عبارة عن قلة الدم الذي لم يوجد منه السّيلان، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:«إلا أنْ يَكُونَ سَائلاً»

(4)

، فإن حال السيلان سابقة على حال القطر، فإنه إذا ازداد السيلان بازدياد الدم، واجتمع في موضع أو حصل له صلاحية ازدياد السيلان يحصل [القطر]

(5)

، وإذا كان كذلك فلو كانت القطرة على حقيقتها لا يصح استثناء حالة السيلان منها؛ لأن استثناءه الشيء بمنزلة غايته، ولا يجوز تقدم الغاية على المغيّا؛ لأن الغاية تعقب المغيا أبدًا، فكذلك حالة [القطر]

(6)

تعقب حالة السيلان على ما ذكرنا، فلا يجوز أن يتعقب حال السيلان حال القطر لذلك، وهذا كما إذا قال الرجل لامرأته وهي خارج الدار: إذا قعدت وسط الدار فلست بطالق إلا إذا دخلت تلك الدار أو أُدخلت فإنه لا يصح؛ لأن حال الدخول والإدخال سابقة على حال القعود، ولذلك لو قلت على وزانه: ليس في اللقمة واللقمتين من أكل الخبز اختيارًا قطع الصلاة إلا أن يكون المصلي أدخل في فمه لا يصح.

(1)

في (ب): «يمنعه» وفي المبسوط: «يَعُمّه» .

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 75) باب الوضوء والغسل.

(3)

أخرجه الدارقطني في سننه (1/ 287) باب في الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف ثم قال: محمد بن الفضل بن عطية ضعيف، وسفيان بن زياد وحجاج بن نصير: ضعيفان. وقال عنه الألباني: (ضعيف جداً). سلسلة الأحاديث الضعيفة (9/ 376).

(4)

سبق تخريجه في الحديث السابق.

(5)

في (ب): «القطرة» .

(6)

في (ب): «القطرة» .

ص: 61

فإن قلت: جاز أن يكون المراد منه قطر الدم من رأس الجرح من غير أن يسيل إلى موضع يلحقه حكم التطهير.

قلت: هذا قولٌ خارق للإجماع فلا يصح؛ لأن كل من قال بانتقاض الطهارة بالسيلان قال بانتقاضها في هذه الصورة التي أوردت، فإن عندنا إذا ظهر الدم على رأس الجرح فمسحه على أن يسيل وهو بحال لو تركه سال فعليه الوضوء، وعند الخصم لا ينقض السيلان ولا القطر، وأما القائل بالانتقاض بالسيلان، وبعدم الانتقاض بالقطر فمعدوم، فكان المؤول بهذا التأويل قائلاً بقول لم يقل به أحدٌ من العلماء، فكان باطلاً، لدلالة إجماعهم على بطلانه.

-قوله: «أو دَسْعَةُ»

(1)

أي: دفعة من القيء وهي المرة من الدسع

(2)

[نسحار برآدرون شتر]

(3)

من حد منع، واذا تعارضت الأخبار يحمل لأن الأصل في الأدلة الإعمال دون الإهمال، وفي الحمل الإعمال، فكان الحمل واجبًا.

ثم دليل الحمل على ما ذكر، وهو حمل قيء النبي عليه السلام على ما دون ملء الفم؛ لما أن ملء الفم نتيجة كثرة الأكل، وكان رسول الله عليه السلام عن ذلك بمعزلٍ.

والفرق بين المسلكين أي: بين الفم والسبيلين أي: قدمنا وجه الفرق فيما ذكرنا في مسألة الدم من أن القليل غير ناقض في غير السبيلين، وفي السبيلين ناقض. فعند أبي يوسف: يعتبر اتحاد المجلس؛ لأن لاتحاد المجلس أثرًا في جمع المتفرقات، ولهذا تتحد الأقوال المتفرقة في النكاح والبيع وسائر العقود باتحاد المجلس، وكذلك التلاوات المتعددة لآية السجدة بتعدد المجلس، وتتحد باتحاده وعند محمد: الاعتبار لاتحاد السبب؛ لأن الحكم يثبت على حسب ثبوت السبب من الصحة والفساد، فكذلك لاتحاد السبب أثر أيضًا في اتحاد الحكم، حتى إن الإنسان إذا جرح آخر جراحاتٍ، ومات منها قبل [تحلل]

(4)

البر يتحد الموجب، ومتى تخلل البر يختلف الموجب.

وكذلك لو اشترى عبدًا وقبضه فحم

(5)

عنده وقد كان يحم عند البائع ولم يعلم به المشتري أنه إن حم عند المشتري في الوقت الذي كان يحم عند البائع كان له أن يرد، وإن حم عند المشتري في غير ذلك الوقت ليس له أن يرد، وكذلك لو غصب جاريةً محمومةً فزالت حماها ثم حمت فردها إن قال أهل الطب: إن الثاني عين الأول لقيام السبب الداعي إليه لم يضمن، وإن قالوا غير الأول ضمن النقصان.

(1)

في (ب): «تعدي» .

(2)

طلبة الطلبة ص (8)، مختار الصحاح (1/ 40)، المغرب (1/ 164).

(3)

كلام فارسي وفي (ب): «فشخور بوادرون شيوخ» أي: دفعة من القيء. انظر: المعاني لكل رسم معنى قاموس عربي فارسي على الشبكة العنكبوتية.

(4)

في (ب): «تخلل» .

(5)

معنى «فحم» من الحمى وهو المرض ويتضح ذلك من خلال كلام المصنف:.

ص: 62

وفي «التفاريق»

(1)

الاختلاف بينهما، على عكس هذا، فكان الاعتبار في هذه المسائل باتحاد السبب واختلافه، كذا ذكره الإمام التمرتاشي.

‌وَهُوَ الصَّحِيحُ لأنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ حُكْمًا حَيْثُ لَمْ تَنْتَقِضْ بِهِ الطَّهَارَةُ (وَهَذَا إذَا قَاءَ مُرَّةً أَوْ طَعَامًا أَوْ مَاءً، فَإِنْ قَاءَ بَلْغَمًا فَغَيْرُ نَاقِضٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله: نَاقِضٌ إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ، وَالْخِلافُ فِي الْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ. َمَّا النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ فَغَيْرُ نَاقِضٍ بِالاتِّفَاقِ؛ لأنَّ الرَّأْسَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ. لأبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ نَجِسٌ بِالْمُجَاوَرَةِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَزِجٌ لا تَتَخَلَّلُهُ النَّجَاسَةُ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ قَلِيلٌ وَالْقَلِيلُ فِي الْقَيْءِ غَيْرُ نَاقِضٍ

-قوله: (وهو الصحيح) احتراز عن قول محمد: فإنه نجس عنده والذي [ذكره]

(2)

في الكتاب قول أبي يوسف: خاصة حتى إذا أخذ ذلك بقطنه فألقي في الماء لا ينجس الماء عند أبي يوسف، ويتنجس عند محمد.

ثم بعض مشايخنا أخذوا بقول محمد احتياطًا، وبعضهم أخذوا بقول أبي يوسف، وهو اختيار المصنف: رفقاً [للناس]

(3)

خصوصًا/ 5/ ب/ في حق أصحاب القروح.

قوله: (فإن قاء بلغمًا) إلى آخره. قال الإمام المحبوبي: في «الجامع الصغير»

(4)

: هذا الاختلاف يرجع إلى اختلافهم أن البلغم طاهرٌ أم نجس؟ عندهما طاهر، وعند أبي يوسف نجس.

وحكي عن الإمام أبي منصور الماتريدي

(5)

: قال: ليس هذا اختلاف حجة، بل هو اختلاف صورة، فتصور لأبي حنيفة ومحمد أن البلغم يهيج من جانب الفم فأجاب أنه طاهر، وتصور لأبي يوسف أنه يهيج من البطن ويعلو منه فأجاب أنه نجس.

(1)

التفاريق، لم أجده.

(2)

في (ب): «ذكر» .

(3)

في (ب): «بالناس» .

(4)

شرح الجامع الصغير -مخطوط- للإمام الأصولي، صاحب الفنون، عبيد الله بن مسعود المحبوبي البخاري، الحنفي، انتهت إليه معرفة المذهب، وكان ذا هيبة وتعبد، تفقه على العلامة عماد الدين الزرنجي، والإمام قاضي خان، كان محدثاً، وإليه انتهت رئاسة الحنفية بما وراء النهر، ولد سنة:(546 هـ)، (ت 630 هـ). الجواهر المضيئة (2/ 365) وسير أعلام النبلاء (16/ 251).

(5)

هو الإمام محمد بن محمد بن محمود أبو منصور الماتريدي من كبار العلماء تتلمذ على أبي نصر العياضي، له كتب شتى منها: 1 - كتاب التوحيد، 2 - كتاب المقاولات، 3 - كتاب المقالات، 4 - كتاب رد أوائل الأدلة للكعبي، 5 - كتاب بيان أوهام المعتزلة، 6 - كتاب تأويلات القرآن، توفي سنة:(333 هـ):. الجواهر المضيئة (2/ 130)، وتاج التراجم (2/ 59).

ص: 63

وفي «المبسوط» : «فأبو يوسف يقول: البلغم [إحدى]

(1)

الطبائع الأربع فكان نجسًا كالمرة والصفراء.

وقالا

(2)

: البلغم [بزاق]

(3)

والبزاق طاهر. ومعنى هذا أن الرطوبة في أعلى الحلق ترق فتكون بزاقًا، وفي أسفله تثخن فيكون بلغمًا، وبهذا يتبين أن خروجه ليس من المعدة بل من أسفل الحلق، وهو ليس بموضع [النجاسة]

(4)

والبلغم هو النخامة»

(5)

.

وقال عليه السلام لعمار رضي الله عنه: «مَا نُخَامَتُكَ وَدُمُوعُ عَيْنَيْكَ وَالْمَاءُ الَّذِي فِي رَكْوَتِكَ إِلا سَوَاءٌ»

(6)

. ولهما أنه لزج لا يتخلله النجاسة.

فإن قيل: ينقض هذا ببلغم يقع في النجاسة، ثم يرفع نحكم بنجاسته.

قلنا: لا رواية في هذه المسألة، ولئن سلم فالفرق بينهما أن البلغم مادام في الباطن يزداد ثخانته فيزداد لزجه، فإذا انفصل عن الباطن تقل ثخانته فيقل لزجه، فإذا قل لزجه ازدادت رقته فلزقته جاز أن يقبل النجاسة بخلاف [ما]

(7)

إذا كان في باطنه، وكان الطحاوي: يميل إلى قول أبي يوسف حتى روي عنه أنه كان يكره الإنسان أن يأخذ البلغم بطرف ردائه ويصلي معه، كذا في «الفوائد الظهيرية»

(8)

.

‌وَلَوْ قَاءَ دَمًا وَهُوَ عَلَقٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ لأنَّهُ سَوْدَاءُ مُحْتَرِقَةٌ) وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله اعْتِبَارًا بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ سَالَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً لأنَّ الْمَعِدَةَ لَيْسَتْ بِمَحَلِّ الدَّمِ فَيَكُونُ مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ

-قوله: (ولو قاء دمًا وهو علق) أي: قاء دمًا غليظًا متجمدًا [غير]

(9)

سائل؛ بدليل ما ذكر بعده وإن كان مائعًا، والدليل عليه [أيضًا]

(10)

ما ذكره شمس الأئمة السرخسي: في «الجامع الصغير»

(11)

، فأما إذا كان الدم متجمدًا كالعلق لم ينقض الوضوء، حتى يملأ الفم لأن ذلك ليس بدم، وإنما هي مرة سوداء، وبهذا أيضًا يعلم أن موصوف السوداء والمرة في قوله:(لأنه سوداء محترقة). ثم السوداء المحترقة يخرج من المعدة، وما يخرج منها لا يكون حدثًا ما لم يكن ملء الفم.

(1)

في (ب): «أحد» .

(2)

أي: أبو حنيفة ومحمد، المبسوط للسرخسي (1/ 75).

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

في (م): «النجاسة» والتصويب من (ب) والمبسوط (1/ 75).

(5)

المبسوط للسرخسي (1/ 75) باب الوضوء والغسل.

(6)

أخرجه أبو يعلي (3/ 185) الحديث رقم (1611)، والعقيلي (1/ 176)، والدارقطني (1/ 127)، والطبراني في الأوسط (6/ 113) الحديث رقم (5963) قال الهيثمي (1/ 283): مدار طرقه عند الجميع على ثابت بن حماد وهو ضعيف جداً.

(7)

ساقطة من (ب).

(8)

انظر: الفوائد الظهرية وهو مخطوط.

(9)

في (ب): «وهو غير» .

(10)

ما بين معقوفين ساقطة من (ب).

(11)

انظر: شرح الجامع الصغير (/) لشمس الأئمة السرخسي.

ص: 64

-قوله: (فكذلك عند محمد) أي: يعتبر فيه ملء الفم أيضًا، وقول أبي يوسف في هذه المسألة مضطرب، منهم من يجعله مع أبي حنيفة، ومنهم من يجعله مع محمد، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام:»

(1)

.

-قوله: (اعتبارًا بسائر أنواعه) وأنواع القيء خمسة: الطعام، والماء، والمرة، والصفراء، والسوداء. كذا ذكره الإمام المحبوبي.

وعندهما: [إن]

(2)

سال بقوة نفسه بأن كان الدم غالبًا، وإن كان قليلاً بأن لم يكن ملء الفم، وفي الأصل: بزق فخرج منه دم فالحكم للغالب، وإن استويا أحب إلي أن يتوضأ أخذًا بالثقة، كذا ذكره الإمام التمرتاشي.

(وَلَوْ)(نَزَلَ) مِنْ الرَّأْسِ (إلَى مَا لانَ مِنْ الْأَنْفِ)(نَقَضَ بِالاتِّفَاقِ) لِوُصُولِهِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فَيَتَحَقَّقُ الْخُرُوجُ (وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا)

-قوله: (والنوم مضطجعًا) وفي «المبسوط»

(3)

: «أما نوم المضطجع فناقض للوضوء، وفيه طريقان

(4)

:

أحدهما: أن عينه حدث بالسنة المروية فيه؛ لأن كونه [طاهرًا]

(5)

ثابت بيقين، ولا يزال اليقين إلا بيقين مثله، وخروج شيء منه ليس بيقين فعرفنا أن عينه حدث.

والثاني: أن الحدث مما لا يخلو عنه النائم عادةً؛ فإن نوم المضطجع يستحكم فيسترخي به مفاصله إليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «الْعَيْنان وِكَاءُ السَّهِ فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنان اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ»

(6)

.

وما هو ثابت عادةً كالمتيقن به.

وكان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يقول: «لا ينتقض الوضوء بالنوم مضطجعًا حتى يعلم بخروج شيء منه، فكان/ 6/ أ/ إذا نام أجلس عنده من يحفظه، فإذا انتبه سأله، فإن أخبره بظهور شيء منه أعاد الوضوء»

(7)

.

(1)

مبسوط شيخ الإسلام (2/ 310، 311) باب مسألة في القيء.

(2)

في (ب): «وإن» .

(3)

المبسوط للسرخسي (1/ 78) باب الوضوء والغسل.

(4)

في المبسوط (المرجع السابق): «وجهان» .

(5)

في (ب): «ظاهراً» ولعله تصحيف من الناسخ.

(6)

هذا حديث معاوية بن أبي سفيان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أخرجه أحمد في المسند (4/ 96) الحديث رقم (16925)، ثم قال عنه المحقق: شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف لضعف أبي بكر بن أبي مريم.

وأخرجه الدارمي في سننه (1/ 562) الحديث رقم (749) ثم قال عنه المحقق: حسين سليم أسد الدارائي، إسناده ضعيف. وقال عنه الألباني:(حسن صحيح) انظر: الجامع الصغير وزيادته (1/ 7597) الحديث رقم (4148، و (1/ 7598) الحديث رقم (4149).

(7)

لم أجده فيما اطلعت عليه من كتب الحديث.

ص: 65

وفي «الأسرار» : «قال علماؤنا رحمهم الله: النوم لا يكون حدثًا في حال من أحوال الصلاة، وكذلك قاعدًا خارج الصلاة إلا أن يكون متوركًا» ؛ «لأن التورك جلسة تكشف عن مخرج الحدث غير أن [اليقظة تمنعه]

(1)

فكما نام وزال قوة منعه والمسكة كانت زائلة بالجلسة تحقق الاستطلاق»

(2)

.

وفي «الذخيرة»

(3)

: النوم مضطجعًا إنما يكون حدثًا إذا كان الاضطجاع على غيره، أما إذا كان الاضطجاع على نفسه لا يكون حدثًا حتى أن من نام واضعًا أليتيه على عقبيه وصار شبه المنكّب على وجهه واضعًا بطنه على فخذيه لا ينتقض وضوءه، هكذا ذكر في صلاة الأثر عن محمد:.

-قلت: جعل المنكّب على وجهه واضعًا بطنه على فخذيه من أنواع الاضطجاع [لا]

(4)

يصح لما أن المضطجع هو الذي وضع جنبه على الأرض [لا]

(5)

أن يضع بطنه على فخذيه، والله أعلم [بصحته]

(6)

.

-قوله: (أو متكئًا) أي: على أحد وركيه فهو حينئذٍ بمعنى المتورك المذكور في «الأسرار»

(7)

و «الإيضاح»

(8)

.

(أَوْ مُتَّكِئًا)

الاتكاء: افتعال من وكأ معتل الفاء مهموز اللام مقدر لا مستعمل، فأبدل التاء في اتكاء من الواو في أوتكاء؛ لأن التاء تبدل من الواو في باب الافتعال وغيره نحو اتعد.

(أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ)

-قوله: (أو مستندًا إلى شيء) وهو مما اختاره الطحاوي

(9)

لا من أصل رواية «المبسوط» فإنه ذكره في «المبسوط»

(10)

، «فإن كان القاعد مستندًا إلى شيء فنام قال الطحاوي: إن كان بحال لو أزيل سنده عنه سقط انتقض الوضوء لزوال الاستمساك.

(1)

في (ب): «اليقظان يمنعه» .

(2)

الأسرار ص (85، 86).

(3)

انظر: الذخيرة وهو مخطوط.

(4)

في (ب): «إلا» والأصوب ما ورد في (أ) بدلالة السياق.

(5)

في (ب): «إلا» والأصوب ما ورد في (أ) بدلالة السياق.

(6)

ساقطة (أ) والتثبيت من (ب).

(7)

الأسرار ص (93).

(8)

انظر: الإيضاح وهو مخطوط.

(9)

هو الإمام أبو جعفر، أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي ولد في مصر (ت 239 هـ) تفقه على خاله (المزني) الشافعي ثم عكف على قراءة فقه أبي حنيفة: وسار على طريقته الفقهية وتعلم على كثير من الشيوخ وهو ثقة، ثبت، فقيه، عاقل حافظ دين، له اليد الطولي في الفقه والحديث فمن مصنفاته/ 1 - العقيدة الطحاوية، 2 - معاني الآثار، 3 - مشكل الآثار، 4 - أحكام القرآن، 5 - المختصر، 6 - شرح الجامع الكبير، 7 - شرح الجامع الصغير، 8 - كتاب الشروط، 9 - النوادر الفقهية، وغير ذلك من التصانيف الجليلة المعتبرة توفي في مصر (ت 321 هـ):.

(10)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 79) باب الوضوء والغسل.

ص: 66

والمروي عن أبي حنيفة: أنه لا ينتقض وضوءه على كل حال؛ لأن مقعده مستقر على الأرض فيأمن خروج شيء منه

(1)

.

فإن نام قاعدًا فسقط روي عن أبي حنيفة: قال: «إن انتبه قبل أن يصل جنبه إلى الأرض لم ينتقض وضوءه» ؛ لأنه لم يوجد شيء من النوم [مضطجعًا وهو الحدث بخلاف ما إذا انتبه بعد السقوط؛ لأنه وجد شيء من النوم]

(2)

حالة الاضطجاع».

وروي عن أبي يوسف:

(3)

أنه قال: لو تعمد النوم في حالة السجود ينتقض وضوؤه، وإن غلبته عيناه لم ينتقض.

وجه ظاهر الرواية لما روي عن النبي عليه السلام[أنه]

(4)

قال: «إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي سُجُودِهِ يبَاهَى اللَّهُ تعالى بِهِ ملائكته فيَقُولُ: انْظُرُوا عَبْدِي رُوحُهُ عِنْدِي. وجَسَدُه في طَاعَتي»

(5)

. وإنما يكون جسده في الطاعة إذا بقي وضوءه، وجعل هذا الحديث في «الأسرار»

(6)

من المشاهير.

ولأن الاستمساك باقٍ فإنه لو زال لزال على أحد شقيه.

(لَوْ أُزِيلَ عَنْهُ لَسَقَطَ)

لأنَّ الاضْطِجَاعَ سَبَبٌ لِاسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ فَلا يَعْرَى عَنْ خُرُوجِ شَيْءٍ عَادَةً، وَالثَّابِتُ عَادَةً كَالْمُتَيَقَّنِ بِهِ، وَالاتِّكَاءُ يُزِيلُ مَسْكَةَ الْيَقَظَةِ لِزَوَالِ الْمَقْعَدِ عَنْ الْأَرْضِ، وَيَبْلُغُ الاسْتِرْخَاءُ غَايَتَهُ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الاسْتِنَادِ، غَيْرَ أَنَّ السَّنَدَ يَمْنَعُهُ مِنْ السُّقُوطِ)

-قوله: (إلى شيء لو أزيل لسقط) متعلق بقوله: مستندًا لا غير، بدلالة تفصيله فيما بعده حيث ذكر وجه كون الاستناد ناقضًا بقوله: ويبلغ الاسترخاء غايته بهذا النوع من الاستناد غير أن السند يمنعه من السقوط.

-قوله: (يزيل مسكة اليقظة) أي: يزيل التماسك الذي يكون لليقظان.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 79) باب الوضوء والغسل.

(2)

ساقط من (ب).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 79) باب الوضوء والغسل.

(4)

ساقط من (ب).

(5)

أخرجه البيهقي في الخلافيات (2/ 143) حديث رقم (412)، وأخرجه ابن أبي الدنيا في التهجد (3/ 63) قال عنه الألباني: حديث ضعيف، انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (14/ 510) حديث رقم (6730).

(6)

الأسرار ص (91، 92).

ص: 67

‌بِخِلافِ النَّوْمِ حَالَةَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الصَّحِيحُ، لأنَّ بَعْضَ الاسْتِمْسَاكِ بَاقٍ، إذْ لَوْ زَالَ لَسَقَطَ فَلَمْ يَتِمَّ الاسْتِرْخَاءُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«لا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا، فَإِنَّهُ إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» .

-قوله: (بخلاف حالة القيام والقعود والركوع) هذا عندنا.

وقال الشافعي: إذا نام [قائماً]

(1)

أو راكعًا أو ساجدًا فإنه ينتقض الوضوء قولاً واحدًا، فإذا نام قاعدًا مستويًا وأليتاه على الأرض فله فيه قولان، فإذا على أحد قولي الشافعي: نفس النوم حدث على أي صفة ما نام، وفي قوله: نفس النوم لا يكون حدثًا إلا أن يكون مسكته زائلة عن مستوى جلوسه، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام:»

(2)

.

-قوله: (في الصلاة وغيرها) إنما قيد بهذا لأنه إذا نام على هيئة السجود أو قائمًا أو قاعدًا أو راكعًا خارج الصلاة ففيه اختلاف المشايخ.

وذكر ابن شجاع

(3)

إنما لا يكون حدثًا في هذه الأحوال في الصلاة، فأما خارج الصلاة يكون حدثًا.

وفي ظاهر الرواية لا فرق بينهما لبقاء الاستمساك.

وعن علي بن [أبي]

(4)

موسى القمي

(5)

: قال: لا أعرف في هذه المسألة رواية منصوصة عن أصحابنا المتقدمين، ولكن على قياس مذهبهم ينبغي أن يقال: إذا نام ساجدًا على الصفة التي هي [شبة]

(6)

السجود فأن كان رافعًا بطنه عن الأرض مجافيًا لمرفقيه عن جنبيه لا يكون حدثًا، ولو نام قاعدًا [ووضع]

(7)

أليتيه على عقبيه وصار شبه المنكب على وجهه.

(1)

في الأصل (أ): «قاعداً» والتصويب من (ب).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 78) باب الوضوء والغسل وانظر أيضاً: مبسوط شيخ الإسلام (1/ 77) باب الوضوء والغسل.

(3)

هو: أبو شجاع محمد الثلجي، الحنفي من أصحاب الحسن بن زياد، تتلمذ على الإمام محمد الشيباني، من مصنفاته/ 1 - نوادر ابن شجاع في الفقه، 2 - مسائل ابن شجاع (ت 266 هـ):. انظر: ميزان الاعتدال (3/ 577، 578)، تهذيب التهذيب (9/ 220) النجوم الزاهرة (3/ 42)، الفوائد البهية (171).

(4)

ساقط من (ب).

(5)

هو الإمام: أبو الحسن، علي بن موسى بن يزيد القمي النيسابوري، شيخ الحنفية بخراسان وهو فقيه، أصولي، محدث، رحالة، مفسر من أهل العراق من شيوخه: محمد بن حميد الرازي ومحمد بن معاوية بن مالح وتفقه على محمد بن شجاع، من تصانيفه: كتب: أحكام القرآن، (ت 305 هـ)،. انظر: الجواهر المضيئة وشرح الجامع الكبير (2/ 449)، وكشف الظنون (1/ 569)، ومعجم المؤلفين (7/ 250) لعمر رضا كحالة، المتوفي سنة:(1408 هـ)، الناشر: مكتبة بيروت -ودار إحياء التراث العربي- بيروت.

(6)

في (أ): «سنة» والتصويب من (ب).

(7)

في (ب): «واضعاً» .

ص: 68

قال أبو يوسف: «عليه الوضوء» . كذا في «المبسوطين»

(1)

.

-قوله: (فلم يتم الاسترخاء) فلما لم يتم الاسترخاء لم يكن النوم في هذه الأحوال سببًا لخروج الحدث غالبًا فلا يقام مقامه، وذلك لأن السبب إنما يقام مقام المسبب تقديرًا إذا كان يغلب وجود المسبب بذلك السبب، فأما إذا لم يغلب فلا؛ لأنه حينئذٍ يقع الشك في وجود الحدث والوضوء كان ثابتًا بيقين فلا يزال بالشك.

-قوله: (استرخت مفاصله) أي: بلغ الاسترخاء غايته؛ لأن أصل الاسترخاء ويوجد فيمن نام قائمًا فحينئذٍ يتناقض آخر الحديث بأوله.

وذكر التمسك في «الأسرار» و «مبسوط شيخ الإسلام»

(2)

بهذا الحديث من ثلاثة أوجه:

فقال: «فنص النفي حجة؛ لأنه نفى الوضوء على من نام راكعًا أو ساجدًا أو قائمًا، فمن أوجب فقد خالف النص.

-وقوله: (إنما)

(3)

حجة لأنها لإثبات المذكور ونفي ما عداه.

والتعليل وهو استرخاء المفاصل حجة؛ لأنه عليه السلام لم يرد به أصل الاسترخاء، وإنما أراد به النهاية في الاسترخاء؛ لأن أصل الاسترخاء يوجد في حالة الركوع والسجود والقيام؛ لأن أصل الاسترخاء يوجد بالنوم والنوم/ 6/ ب/ موجود في هذه الأحوال، فلو حملنا عليه يلزم التناقض»

(4)

.

(وَالْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ بِالإغْمَاءِ وَالْجُنُونُ) لأنَّهُ فَوْقَ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا فِي الاسْتِرْخَاءِ، وَالإغْمَاءِ حَدَثٌ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي النَّوْمِ إلا أَنَّا عَرَفْنَاهُ بِالْأَثَرِ، وَالإغْمَاءُ فَوْقَهُ فَلا يُقَاسَ عَلَيْهِ

-قوله: (والجنون) برفع النون بالعطف على والغلبة؛ لأن العقل في الإغماء يكون مغلوبًا، وفي الجنون يكون مسلوبًا.

وفي «المبسوط»

(5)

: «ولأن الإغماء في غفلة المرء عن نفسه فوق النوم مضطجعًا فإن هناك إذا نبه انتبه، وها هنا لا ينتبه، وكذلك الإغماء يقطع الصلاة» .

-قوله: (وهو القياس في النوم) أي: كون النوم حدثًا في حال القيام والركوع والسجود، وهو القياس لزوال المقعد عن الأرض ووجود أصل الاسترخاء، ولكن تركنا هذا القياس في النوم بالحديث الذي روي وهو قوله عليه السلام:«لا وضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا»

(6)

(1)

انظر: مبسوط شيخ الإسلام (1/ 58)، والمبسوط للسرخسي (1/ 79)، كليهما في باب الوضوء والغسل.

(2)

انظر: المرجعان السابقان، والمحيط البرهاني (1/ 66، 76).

(3)

ساقط من (ب).

(4)

الأسرار ص (91، 92).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 89) باب الوضوء والغسل.

(6)

الحديث: عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما العينان وكاء الَّسهِ فإذا نامت العين، استطلق الوكاء» قيل لأبي محمد عبد الله: تقول به؟ قال: «لا، إذا نام قائماً ليس عليه الوضوء» رواه الدارمي (1/ 562) باب الوضوء من النوم رقم الحديث (749)، سنن الدارمي، تحقيق: حسين سليم أسد الداراني ثم قال: إسناده ضعيف.

ص: 69

الحديث، والحال أن الإغماء فوق النوم في الغفلة على ما ذكرنا فلذلك لا يقاس الإغماء على النوم في حق عدم انتقاض الوضوء في أحوال القيام والقعود والركوع والسجود فإنه لما كان الإغماء فوق النوم لم يكن ورود الحديث [في النوم]

(1)

ورودًا في الإغماء للمفارقة بينهما، فإنه لو لم يكن أدنى [الغفلة]

(2)

ناقضًا لا يلزم أن لا يكون أعلاها ناقضًا، بل يكون ناقضًا لوجود المعنى الذي هو به اختص دون الأدنى، فلذلك لم يفترق الحكم في قليل الإغماء

(3)

وكثيره، وكذلك السكر يكون ناقضًا كالإغماء.

(وَالْقَهْقَهَةُ فِي كُلِّ صَلاةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ) وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا لا تَنْقُضُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله لأنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ نَجَسٍ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ حَدَثًا فِي صَلاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلاوَةِ وَخَارِجِ الصَّلاةِ. وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«أَلا مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلاةَ جَمِيعًا» وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ. وَالْأَثَرُ وَرَدَ فِي صَلاةِ مُطْلَقَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا. وَالْقَهْقَهَةُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ، وَالضَّحِكُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ دُونَ جِيرَانِهِ وَهُوَ عَلَى مَا قِيلَ يُفْسِدُ الصَّلاةَ دُونَ الْوُضُوءِ.

-قوله: (وبمثله نترك القياس) أي: وبمثل هذا الحديث الذي عمل به الصحابة والتابعون وكان [راويه]

(4)

من المعروفين بالفقه والتقدم في الاجتهاد كأبي موسى الأشعري رضي الله عنه يترك القياس.

وقال في «الأسرار» : «والمشهور ما روى أبو العالية مرسلاً ورواه مسندًا إلى أبي موسى الأشعري: أن رجلاً دخل المسجد وفي بصره سوء فمر على بئر عليها خصفة إلى أن ذكر حديث الضحك»

(5)

. ثم قال: «ورواه أيضًا أسامة بن زيد عن أبيه

(6)

. فهو وإن ورد بخلاف القياس لكن لما ثبت برواية العلماء المشهورين وعمل به الصحابة والتابعون وجب رد القياس به»

(7)

.

(1)

ساقط من (أ).

(2)

في (ب): «القلة» .

(3)

كتب في (أ): ويدخل في الإغماء السكر وحده أن يدخل في مشيته تحرك وهو الصحيح، وكذا في اليمين حتى إذا حلف أنه سكران يعتبر هذا الحد صدر الشريعة.

(4)

في (ب): «رواية» .

(5)

الأسرار ص (97).

(6)

الحديث، عن أبي العالية، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي فَمَرَّ رَجُلٌ فِي بَصَرِهِ سُوءٌ عَلَى بِئْرٍ عَلَيْهَا خَصَفَةٌ فَوَقَعَ فِيهَا، فَضَحِكَ مَنْ كَانَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ:«مَنْ كَانَ مِنْكُمْ ضَحِكَ فَلْيُعِدِ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» ». انظر: سنن الدارقطني (1/ 295، 314) باب أحاديث القهقهة في الصلاة وعللها، الدارقطني، يتحقق: شعيب الأرنؤوط، حسن عبد المنعم شلبي، عبد اللطيف حرز الله، أحمد برهوم، الناشر: دار الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1424 هـ، قال المحقق بعد أن أورد آحاديث الباب: قال أبوالحسن: رجعت هذه الأحاديث كلها التي قدمت ذكرها في هذا الباب إلى أبي العالية الرياض، وأبو العالية فأرسل هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُسمِّ بينه وبينه رجلاً سمعه منه عنه، وقد روى عاصم الأصول عن محمد بن سيرين وكان عالماً بأبي العالية وبالحسن، فقال: لا تأخذوا بمراسيل الحسن ولا أبي العالية، فإنهما لا يباليان عن من أخذا.

(7)

الأسرار ص (100).

ص: 70

وذكر في «مبسوط شيخ الإسلام:»

(1)

: روى أبو حنيفة عن منصور بن زاذان

(2)

، عن الحسن

(3)

، عن [سعيد الجهيني]

(4)

: أن النبي عليه السلام كان يصلي وأصحابه خلفه، فجاء أعرابي وفي بصره سوء أي: ضعف، فوقع في ركيةٍ فضحك بعض أصحابه. الحديث

(5)

، ثم قال: فإن قيل: التعلق بهذا لا يصح؛ لأنه روي أنه وقع في ركيةٍ ولم يكن في مسجد رسول الله ركية.

جوابه: ليس في خبر الجهني أنه كان يصلي في المسجد، فيجوز أن يقال بأنه كان يصلي في غير المسجد وفي الموضع الذي يصلي فيه ركية.

فإن قيل: هذا الخبر لا يصح فإنه لا يتوهم على أصحاب رسول الله عليه السلام الضحك في الصلاة والذين كانوا يصلون خلفه كانوا أصحابه.

جوابه: أنه كان يصلي خلفه الصحابة وغيرهم من المنافقين والأعراب الجهال، ألا ترى أن أعرابيًّا دخل المسجد فدعا وقال: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا. فقال له رسول الله عليه السلام: «لَقَدْ حَجَرْتَ وَاسِعًا» . ثم مال إلى ناحية المسجد فبال فيه، فأمر رسول الله عليه السلام بأن يصب عليه ذنوب من ماء

(6)

!

(1)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، وإنما ذكر نحوه في المبسوط للسرخسي (1/ 77) باب الوضوء والغسل.

(2)

منصور بن زادان الواسطي، روى عن: أبي العالية، وعطاء بن أبي رباح والحسن وغيرهم روى عنه: مسلم بن سعيد الواسطي وحبيب بن الشهيد وجرير بن حازم وغيرهم، وثقة الإمام أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي، مات سنة:(28 وقيل: 29 وقيل: 31 هـ)، التهذيب (10/ 272/ 536).

(3)

هو الحسن بن أبي الحسن البصري، روى عن: أبي بن كعب وسعد بن عبادة وعمر بن الخطاب ولم يدركهم وروى عن غيرهم، وروى عنه: حميد الطويل وغيرهم، والرجل ثقة ومدلّس، (ت 110 هـ)، انظر: التهذيب (2/ 231، 236، 488) والتقريب (1/ 202) برقم 1231.

(4)

في المبسوط (1/ 77) زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، وسعيد الجهيني روى مرسلاً عن: حذيفة بن اليمان وعمر وعثمان والصعي بن حثامة وغيرهم، روى عنه الحسن وسعيد بن ابراهيم بن عبد الرحم بن عوف وقتادة وغيرهم وثقة ابن معين وصدّقه غيره وهو من أول من تكلم في القدر، (ت 80 هـ): التهذيب (10/ 203، 204) برقم (416).

(5)

انظر سنن الدارقطني (1/ 295، 314)، وهو ضعيف جداً، كما في نصب الراية (1/ 107، 108) تحقيق: أيمن صالح شعبان.

(6)

الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا» يريد رحمة الله. رواه البخاري (8/ 10) باب رحمة الناس والبهائم، علق على ذلك مصطفى البغا، بقوله (أعرابي): هو ذو الخويصرة اليماني رضي الله عنه وهو الذي بال في المسجد (حجرت) ضيفت.

ص: 71

وأما التبسم فلا ينقضه؛ لحديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: لما رآني رسول الله عليه السلام ألا تبسم ولو في الصلاة

(1)

.

وأما قهقهة النائم في الصلاة، فقد ذكر فخر الإسلام: في العوارض: «والصحيح أنه لا يكون حدثًا ولا تفسد صلاته؛ لأن القهقهة جعلت حدثًا لقبحها في موضع المناجاة وسقط ذلك بالنوم، ولا تفسد الصلاة أيضًا؛ لأن النوم يبطل حكم الكلام»

(2)

.

وذكر في «المحيط» : «القهقهة من النائم في الصلاة لا تنقض الوضوء، هكذا وقع في بعض الكتب.

وذكر الزندوستي

(3)

في نظمه:

(1)

هذا الحديث، رواه البخاري (5/ 39) في باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي، ورواه مسلم (4/ 1925) في باب من فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه بهذا اللفظ، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:(ما حَجَبَنِيْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أسْلَمْتُ وَلا رَآني إلا ضَحِكَ) أما لفظة (ولو في الصلاة) فقد وردت في مصنف بن أبي شيبة: (1/ 387) في باب من كان يعيد الصلاة من الضحك، قال: حدثنا ابن مهدي، عن حماد بن سلمة عن حميد قال: كان الحسن بن مسلم إذا رآني تبسم في وجهي وهو في الصلاة». وفي المطالب العالية لابن حجر (1/ 216) أورده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْعَصْرَ فِي غَزَاةِ بَدْرٍ إِذْ تَبَسَّمَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله تَبَسَّمْتَ وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ! فقَالَ: إِنَّ مِيكَائِيلَ مَرَّ بِي وَهُوَ رَاجِعٌ مِنْ طَلَبِ الْقَوْمِ وَعَلَى جِنَاحِهِ غُبَارٌ، فَضَحِكَ إِلَيَّ فَتَبَسَّمْتُ إِلَيْهِ» . قال ابن حجر العسقلاني بعد ما أورد هذا الحديث (فيه: علي بن ثابت: متروك ورماه ابن حبان بالوضع، والوازع بن نافع: ضعيف جداً أواه).

(2)

انظر: الجامع الصغير لفخر الإسلام البزدوي (1/ 332).

(3)

الزندوستي، هو الحسين بن يحيى بن علي بن عبد الله، وقيل اسمه: يحيى بن علي بن عبد الله، وقيل علي بن يحيى الزندوستي، وقيل: الزندويستي، البخاري، الزاهد، فقيه حنفي، أخذ عن أبي حفص السفكردي، ومحمد بن ابراهيم الميداني، وعبد الله بن الفضل الخيراخري وغيرهم. من تصانيفه: شرح الجامع الكبير للشيباني في الفروع، وروضة العلماء، والمبكيات ومتحير الألفاظ لتجانس، ونظم الفقه، انظر: الفوائد البهية (ص/ 225)، والجواهر المضيئة (4/ 222)، وهدية العارفين (5/ 307)، توفي حدود سنة 400 هـ):.

ص: 72

إذا نام في صلاته قائمًا أو ساجدًا ثم قهقه لا رواية لهذا في الأصول.

قال شداد بن أوس رضي الله عنه: قال أبو حنيفة: تفسد صلاته، ولا يفسد وضوءه، هكذا أفتى الفقيه عبد الواحد.

وقال الحاكم أبو محمد الكفيني

(1)

: فسدت صلاته ووضوءه جميعًا. وبه أخذ عامة المتأخرين احتياطًا»

(2)

.

والقهقهة من الصبي في حالة الصلاة لا تنقض الوضوء.

(وَالدَّابَّةُ تَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ نَاقِضَةٌ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ رَأْسِ الْجُرْحِ أَوْ سَقَطَ اللَّحْمُ لا تَنْقُضُ) وَالْمُرَادُ بِالدَّابَّةِ الدُّودَةُ)

-قوله: (والمراد [بالدابة]

(3)

الدودة) قيل: إنما فسر الدابة بالدودة؛ لأن الدابة اسمٌ لما يدب على وجه الأرض فلو لم يفسرها بها لكان لقائل أن يقول: المراد بالدابة هي التي تدخل من الذباب في الجرح ثم تخرج، فأما التي تنشأ فيه كأن نشوءها من الدم فخروجها كخروج الدم فينتقض/ 7/ أ/ بها الوضوء في غير السبيلين كما إذا خرجت من السبيلين. وهذا وجه، ولكني وجدت بخط ثقةٍ: إنما فسرها بها لما أنه لو طار الذباب في الدبر ودخل ثم خرج لا ينتقض الوضوء، وهذا أوجه؛ لما أنه ذكر الإمام شمس الدين السرخسي: في «المبسوط»

(4)

: خروجها من الدبر من غير ذكر الجرح ففسرها أيضًا بالدودة، ويؤيد صحة [هذا]

(5)

التفسير ما ذكره شمس الأئمة السرخسي، في تعليل هذه المسألة بعلتين في «الجامع الصغير»

(6)

بعد ما ذكر خروجها من الجرح فقال: بخلاف الدابة التي تخرج من الدبر؛ لأنها استحالت من العذرة فخروجها كخروج العذرة.

(1)

هو الإمام، الحاكم، أبو محمد عبد الله بن محمد الكفيني، نسبة إلى كفين وهي قرية من قرى بخارى، كان فقيهاً فاضلاً، روى عنه الإمام، أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الكرميني وغيره، انظر: الجواهر المضيئة (1/ 291) وطبقات الحنفية (1/ 291) والأنساب للسمعاني (11/ 129).

(2)

انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (1/ 70) تأليف: الإمام العلامة برهان الدين أبي المعالي محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن مازة البخاري الحنفي (ت 616 هـ).

(3)

في (أ): «من الدابة» والتصويب من (ب).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 83) باب الوضوء والغسل.

(5)

ساقط من (ب).

(6)

الجامع الصغير للسرخسي -مخطوط-.

ص: 73

ولأن الدابة التي تخرج من الدبر، لا تخلو عن قليل بلة إلى آخره، فبالنظر إلى العلة الأولى يجب أن لا ينتقض الوضوء بالدابة التي تدخل الدبر ثم تخرج؛ لأنها لم تستحل [من]

(1)

العذرة، وكذا بالنظر إلى العلة الثانية أيضًا؛ لأنه قيّد [بالبلة]

(2)

ويحتمل أن تخرج بغير بلة، والدليل عليه ما ذكر في «المحيط»

(3)

: أنه إذا أدخل العود في دبره، وطرفه بيده ثم أخرجه، يعتبر فيه البلة، إن لم يكن البلة فلا وضوء عليه.

(وَهَذَا لأنَّ النَّجَسَ مَا عَلَيْهَا وَذَلِكَ قَلِيلٌ وَهُوَ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا)

- قوله: ([لأن]

(4)

النجس ما عليها) فإن قيل: قد قال فيما تقدم: ثم ما لا يكون حدثًا لا يكون نجسًا، وهو الصحيح. ثم قال هنا بنجاسة ما عليها وهو ليس بحدث في غير السبيلين، فكيف يستقيم؟

قلنا: لعله [ذكر]

(5)

بناءه على قول محمد: على ما حكيناه، كذا في «الفوائد الظهيرية»

(6)

.

وجاز أن يكون معناه: أن النجس لو كان لكان ما عليها من البلة والبلة بانفرادها حدث في السبيلين فكذا مع غيرها، بخلاف الدودة التي تخرج من الجرح؛ لأنها وإن كانت لا تخلو عن قليل بلة لكن قليل البلة بانفراده ليس بحدث في غير السبيلين.

ويعبر عن هذا بعبارة أخرى ويقال: إن البلة ها هنا خرجت راكبةً، ولو خرجت [راحلة]

(7)

إن خرجت من الجرح لا ينتقض لما أنها لا تخرج بل تظهر، وإن خرجت من الدبر تنقض؛ لأن الظهور فيه كافٍ، كذا حكى الإمام شمس الأئمة السرخسي

(8)

عن الخليل بن أحمد رحمهم الله

(9)

.

(1)

في (ب): «عن» .

(2)

في (ب): «بالعلة» .

(3)

انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (1/ 61).

(4)

في (ب): «فإن» .

(5)

في (ب): «ذكره» .

(6)

الفوائد الظهيرية -مخطوط-.

(7)

في (ب): «راجلة» .

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 83) باب الوضوء والغسل.

(9)

الخليل بن أحمد بن محمد بن الخليل السجزي، القاضي، قال الحاكم أبو عبد الله: شيخ أهل الرأي في عصره، مع تقدمه في الفقه والواعظ والتذكير، روى عن البغوي وابن خزيمة، ولد سنة 291 هـ، وتوفي في سمرقند (378 هـ). انظر: الأنساب (7/ 45)، والجواهر المضيئة (2/ 178) رقم (569)، وتاج التراجم ص (27) رقم (72).

ص: 74

(فَأَشْبَهَ الْجُشَاءَ وَالْفُسَاءَ، بِخِلافِ الرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ وَذَكَرِ الرَّجُلِ لأنَّهَا لا تَنْبَعِثُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُفْضَاةً يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ)

- قوله: (فأشبه الجشاء والفساء) لف ونشر، أي: القليل على الدودة من غير السبيلين أشبه الجشاء، ومن السبيلين أشبه الفساء.

وذكر الإمام التمرتاشي: ذكر [بكر]

(1)

:، واختلف أن الريح عينها نجس أم نجس بسبب مرورها على النجاسة وثمرتها تظهر فيما لو خرج منه الريح وعليه سراويل مبتلة هل تنجس؟ من قال إن عينها نجس [يقول]

(2)

تنجس السراويل، ومن قال: بأن عينها طاهر إلا أنها تنجست بمجاورة النجاسة إياها يقول: لا تنجس السراويل كما لو مرت الريح بنجاسة ثم مرت تلك الريح على ثوب مبتل فإنها لا تنجسه.

(لِاحْتِمَالِ خُرُوجِهَا مِنْ الدُّبُرِ فَإِنْ قُشِرَتْ نَفْطَةٌ فَسَالَ مِنْهَا مَاءٌ أَوْ صَدِيدٌ أَوْ غَيْرُهُ إنْ سَالَ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ نَقَضَ، وَإِنْ لَمْ يَسِلْ لا يَنْقُضُ) وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله يَنْقُضُ فِي الْوَجْهَيْنِ

- قوله: (لاحتمال خروجها من الدبر) وفائدة الاحتمال تظهر في مسألة أخرى أيضًا وهي: أن المفضاة

(3)

إذا طلقها زوجها ثلاثًا وتزوجت بزوج آخر ودخل بها الزوج الثاني لا تحل للأول ما لم تحبل؛ لاحتمال أن الوطء كان في دبرها لا في قبلها، كذا في «الفوائد الظهيرية»

(4)

.

فإن قلت: على تعليل الاحتمال ينبغي أن يجب عليها الوضوء احتياطًا.

قلت: كونها متوضئة كان ثابتًا بيقين، واليقين لا يزول إلا بيقين مثله فلا يجب الوضوء لكون [الأول]

(5)

ثابتًا بيقين كالمتوضئ إذا شك أنه أحدث أم لا لا يجب [عليه]

(6)

الوضوء.

(1)

في (ب): «تكثير» .

(2)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(3)

من " وأَفْضى إِلى المرأَة غَشِيها، وقال بعضهم: إِذا خلا بها، فقد أَفْضى، غَشِيَ أَو لم يَغْشَ، والإِفضاء في الحقيقة الانتهاء، ومنه قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21] أَفضى المرأَةَ فهي مُفضاة إِذا جامَعها فجعلَ مَسْلَكَيْها مَسْلَكاً واحداً كأَفاضها" لسان العرب (15/ 157) مادة [فضا].

(4)

الفوائد الظهيرية -مخطوط-.

(5)

في (ب): «الأصل» .

(6)

ساقطة من (أ).

ص: 75

‌وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لا يَنْقُضُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ نَجِسَةٌ لأنَّ الدَّمَ يَنْضَجُ فَيَصِيرُ قَيْحًا ثُمَّ يَزْدَادُ نُضْجًا فَيَصِيرُ صَدِيدًا ثُمَّ يَصِيرُ مَاءً، هَذَا إذَا قَشَرَهَا فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ، أَمَّا إذَا عَصَرَهَا فَخَرَجَ بِعَصْرِهِ لا يَنْقُضُ لأنَّهُ مُخْرَجٌ وَلَيْسَ بِخَارِجٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

- قوله: (فخرج بعصره لا ينقض) وفي «فتاوى القتابي»

(1)

وأحاله إلى «النوازل»

(2)

: عُصِرت القرحة فخرج منها شيء كثير ولو لم يعصرها لا يخرج شيء نقض الوضوء، وكذا ذكر في «العباب»

(3)

و «الذخيرة»

(4)

، ولكن قال في «الذخيرة»: وفيه نظر. وفي «الفتاوى الظهيرية»

(5)

مثل ما ذكر في الهداية.

‌فصل في الغسل

(وَفَرْضُ الْغُسْلِ الْمَضْمَضَةُ وَالاسْتِنْشَاقُ وَغَسْلُ سَائِرِ الْبَدَنِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله هُمَا سُنَّتَانِ فِيهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ» أَيْ: مِنْ السُّنَّةِ وَذَكَرَ مِنْهَا الْمَضْمَضَةَ وَالاسْتِنْشَاقَ، وَلِهَذَا كَانَا سُنَّتَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَهُوَ أَمْرٌ بِتَطْهِيرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ

قدم الوضوء على الغسل، إما اقتداءً بكتاب الله تعالى، فإنه ذُكر فيه على هذا الترتيب في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة: 6] الآية، وباعتبار شدة الاحتياج إلى علم الوضوء، باعتبار كثرة وروده، حتى أن الله ذكر الوضوء بكلمة «إذا» فإنها تذكر في الأمور الكائنة، وذكر الجناية بكلمة «إن» فإنها تذكر في الأمور المترددة.

أو لأن محل الوضوء بعض كل البدن، ومحل الغسل البدن، والبعض قبل الكل.

أو لأن الوضوء وظيفة الحدث الأصغر، والغسل وظيفة الحدث الأكبر، والأصغر مقدمة للأكبر، ثم ترتيب الغسل عليه باعتبار أنهما طهارتان تعلقتا بالبدن.

قوله/ 7/ ب/ عليه السلام: «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ»

(6)

قيل: خمس منها في الرأس، وخمسٌ في [البدن]

(7)

؛ فالتي في الرأس: الفرق والسواك والمضمضة والاستنشاق وقص الشارب، والتي في الجسد: الختان وحلق العانة ونتف الإبط وتقليم الأظفار والاستنجاء بالماء. كذا ذكره الإمام المحبوبي في صوم «الجامع الصغير»

(8)

.

(1)

فتاوى العتابي -مخطوط-.

(2)

النوازل -مخطوط-.

(3)

العباب -مخطوط-.

(4)

الذخيرة -مخطوط-.

(5)

الفوائد الظهيرية -مخطوط-.

(6)

الحديث رواه مسلم في صحيحه (1/ 223) كتاب الطهارة باب خصال الفطرة برقم (261) عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا.

(7)

في (ب): «الجسد» .

(8)

الجامع الصغير للمحبوبي -مخطوط-.

ص: 76

(إلا أَنَّ مَا يَتَعَذَّرُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ خَارِجٌ عَنْ النَّصِّ بِخِلافِ الْوُضُوءِ لأنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ غَسْلُ الْوَجْهِ وَالْمُوَاجِهَةُ فِيهِمَا مُنْعَدِمَةٌ، وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ حَالَةَ الْحَدَثِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّهُمَا فَرْضَانِ فِي الْجَنَابَةِ سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ» )

- قوله: (إلا أن ما يتعذر إيصال الماء إليه خارج) كداخل العينين؛ لما في غسلهما من الضرر والأذى ولهذا سقط غسلهما عن حقيقة النجاسة بهذا، فأما المضمضة والاستنشاق فيمكن غسلهما من غير مشقة حتى افترض غسلهما عن النجاسة الحقيقية فيفترض في الجنابة، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(1)

.

- قوله: (لأن الواجب فيه غسل الوجه) ذكر في «الأسرار» : «فاعتباره بالوجه ساقط؛ لأن الوجه اسم لما يواجه الناظر إليه وباطن الفم لا يواجهه الإنسان، ألا ترى أنه لا يجب غسل ما تحت الشعرة في الحدث الأصغر، وها هنا يجب، وكذلك الحدث الأصغر لا يحل بالرِجل في الخف، وهذا [يحل]

(2)

فعلم أن ذلك [مقصودها]

(3)

على الظواهر، وهذا يعم الظاهر والباطن لغلظه إلا ما لا يمكن غسله فيسقط»

(4)

، ولا يقال: فقد يقال: اغتسل فلان ولم يمضمض فعلم أن الاغتسال يتم بدونه؛ لأنا نقول كما يقال ذلك يقال أيضًا: اغتسل. وإن بقيت منه لمعة لما أن الوصف يطلق بالأعم منه مجازًا.

‌قَالَ: (وَسُنَّتُهُ أَنْ يَبْدَأَ الْمُغْتَسِلُ فَيَغْسِلَ يَدَيْهِ وَفَرْجَهُ. وَيُزِيلَ نَجَاسَةً إنْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ)

- قوله: (ويزيل النجاسة) قيل: والأصح أن يقال: ويزيل نجاسة؛ لأن حرف التعريف لا يخلو إما أن يراد به العهد والجنس لا يجوز الأول؛ لأن قوله: إن كانت لكلمة الشك يأباه؛ لأن العهد يقتضي التقرر إما ذكرًا وإما علمًا، ولا يجوز الثاني؛ لأن كون النجاسات كلها في بدنه محالٌ، وأقل النجاسة التي ليس دونها أقل وهو الجزء الذي لا يتجزأ غير مراد أيضًا؛ لأنه علل ذلك في الكتاب بقوله كي لا يزداد بإصابة الماء، وهذا القليل الذي ذكرناه لا يزداد عند إصابة الماء لما أنه ذكر الإمام التمرتاشي: في «الجامع الصغير»

(5)

فقال: وفي التفاريق

(6)

عن أبي عصمة

(7)

: لو [أصابه]

(8)

النجاسة مثل رءوس الإبر ثم أصاب ذلك الموضع ماء لم ينجس، والله أعلم.

(1)

انظر: مبسوط شيخ الإسلام (1/ 41) باب الوضوء والغسل.

(2)

في النسختين «محل» والتصويب من كتاب «الأسرار» .

(3)

في النسختين «مقصودهما» والتصويب من كتاب «الأسرار» .

(4)

الأسرار ص (396، 397).

(5)

الجامع الصغير للتمرتاشي -مخطوط-.

(6)

التفاريق -مخطوط-.

(7)

نوح بن مريم أبو عصمة، المروزي، الشهير بالجامع، كان على قضاء مرو، تفقه على أبي حنيفة وابن أبي ليلي، وسمَّي بالجامع قيل: إنه أول من جمع فقه أبي حنيفة بمرو، مقدوح فيه عند المحدثين حتى أنه رمي بالوضع. توفي سنة:(173 هـ). انظر: الأنساب للسمعاني (3/ 66) والجواهر المضيئة (2/ 7، 8) والفوائد البهئة ص (221، 222)، وتاج التراجم ص (20) وتهذيب التهذيب (1/ 487).

(8)

في (ب): «أصابت» .

ص: 77

قلت: إلا أن الرواية بالألف واللام

(1)

قد ثبتت في النسخ، فوجهه أن يحمل الألف واللام على تحسين النظم من غير اعتبار تعريف الجنس وتعريف العهد فكان مبقى على معنى التنكير نحو قوله تعالى:{كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5]، وقوله:{وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا} [يس: 33] حيث وصفهما بالجملة الفعلية لبقائهما على معنى التنكير فكان من قبيل قول القائل: ولقد أمر على اللئيم يسبني

(2)

‌ثُمَّ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ إلا رِجْلَيْهِ

- وقوله: (ثم يتوضأ وضوءه للصلاة)، وهذا احتراز عما روى الحسن بن زياد

(3)

عن أبي حنيفة رحمهما الله: أن الجنب يتوضأ، ولا يمسح رأسه؛ لأنه لا فائدة في المسح لوجود إسالة الماء من بعد، وذلك بعدم معنى المسح بخلاف سائر الأعضاء؛ لأن التسييل هو الموجود فلم يكن التسييل من بعده مُعدِمًا له، ولأن وظيفة الرأس نظير وظيفة الرجل وجوبًا وسقوطًا كما في الوضوء والتيمم ثم سقطت وظيفة الرجل في الوضوء عن الجنابة فكذا تسقط وظيفة الرأس، والصحيح ظاهر الرواية؛ فإن تقديم الوضوء على الإفاضة على جميع البدن يقع سنةً لما روي أن النبي عليه السلام توضأ وضوءه للصلاة إلا رجليه، والوضوء للصلاة يشمل الغسل والمسح جميعًا ولم يسقط وظيفة الرجل بل تأخرت؛ لأن التقديم [لا يفيد]

(4)

لما ذكر في المتن، والمسح يفيد، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(5)

.

ومن العلماء من قال: البداية في الوضوء واجبة.

(1)

يقصد «النجاسة» .

(2)

هذا قولٌ لبعض بني سلول، وقيل: لسمر بن عمرو الحنفي من بني حنيفة، من شعراء الجاهلية

ولقد أمرّ على اللئيم يسبني

فمضيت ثمت قلت لا يغنيني

غضبان ممتلِيًا عليِّ إجابهُ

إني وربَّك سُخْطُهُ يُرضِيني

انظر: البصائروالذخائر (8/ 111) لأبي حيان التوحيدي، علي بن محمد بن العباس (ت نحو 400 هـ)، تحقيق: د. وداد القاضي، الناشر: دار صادر- بيروت الطبعة الأولى 1408 هـ - 1988 م.

وانظر: تراجم شعراء الموسوعة الشعرية (1/ 1464).

(3)

الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي، صاحب أبي حنيفة كان إمامًا بالفقه، وقد روى له الحاكم في مستدركه وأبو عوانة في مستخرجه، (ت 204 هـ). انظر: الفوائد البهية (ص 60) وتراجم الأخبار (1/ 308) والجرح والتعديل (3/ 15) وسير أعلام النبلاء (9/ 543) رقم (212).

(4)

في (ب): «لا يفسد» .

(5)

مبسوط شيخ الإسلام (1/ 23) والمبسوط للسرخسي (1/ 44) كليهما في باب الوضوء والغسل.

ص: 78

ومنهم من فصل بين ما إذا أجنب وهو محدث أو طاهر، فقال: إذا كان محدثًا يلزمه الوضوء؛ لأن قبل الجنابة كان قد لزمه الوضوء فلا يسقط بالجنابة.

ولنا: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، والإطهار بغسل جميع البدن.

ولأن مبنى الأسباب الموجبة للطهارة على التداخل، «ألا ترى أن الحائض إذا أجنبت

(1)

يكفيها غسل واحد»، كذا في «المبسوط»

(2)

.

‌ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ ثَلاثًا، ثُمَّ يَنْتَحِي عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَيَغْسِلَ رِجْلَيْهِ) هَكَذَا حَكَتْ مَيْمُونَةُ رضي الله عنها اغْتِسَالَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ لأنَّهُمَا فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَلا يُفِيدُ الْغَسْلُ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى لَوْحٍ لا يُؤَخِّرُ، وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ كَيْ لا تَزْدَادَ بِإِصَابَةِ الْمَاءِ (وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَنْقُضَ ضَفَائِرَهَا فِي الْغُسْلِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ الشَّعْرِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِأُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها:«أَمَا يَكْفِيك إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ شَعْرِك» وَلَيْسَ عَلَيْهَا بَلُّ ذَوَائِبِهَا

(ومن العلماء من أوجب الوضوء بعد إفاضة الماء) قياسًا على غسل الرجلين، كذا في «المبسوطين»

(3)

، وكان قوله في الكتاب:(وإنما يؤخر غسل رجليه) إلى آخره جوابًا لرواية الحسن عن أبي حنيفة، وجوابًا لقياس من أوجب تأخير الوضوء عن إفاضة الماء على ما ذكرنا.

- قوله: لقوله عليه السلام لأم سلمة رضي الله عنها أول الحديث فإن «أم سلمة قالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أفأنقضها إذا اغتسلت؟ فقَالَ عليه السلام: لا يَكْفِيكِ أَنْ تفيضي الماء عَلَى رَأْسِكِ وسائر جسدك ثلاثًا»

(4)

. وبلغ عائشة أن ابن عمر كان يأمر المرأة بنقض رأسها في الاغتسال فقالت: «لقد كلفهن شططًا، ألا يأمر بحز نواصيهن؟!»

(5)

كذا في

(1)

في (أ): «أجتنبت» والتثبيت من (ب) والمبسوط (1/ 44).

(2)

انظر: المرجع السابق (1/ 44).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 44) باب الوضوء والغسل، ولم أجده في مبسوط شيخ الإسلام.

(4)

رواه الجماعة عدا البخاري: مسلم في صحيحه (1/ 259) كتاب الحيض، باب حكم ضفائر المغتسلة حديث رقم (330).

(5)

رواه مسلم في صحيحه (1/ 260) برقم (331) عن عبيد بن عمير قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقُضن رءوسهن

إلخ الحديث.

ص: 79

‌هُوَ الصَّحِيحُ، بِخِلافِ اللِّحْيَةِ لأنَّهُ لا حَرَجَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَى أَثْنَائِهَا

«المبسوط»

(1)

.

- قوله: (هو الصحيح) احتراز عن قول بعضهم، فإنهم قالوا: إنها تبل ذوائبها ثلاثًا مع كل بلة عصرة، والأصح أن ذلك ليس بواجب لما فيه من الحرج.

‌قَالَ (وَالْمَعَانِي الْمُوجِبَةُ لِلْغُسْلِ إنْزَالُ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حَالَةَ النَّوْمِ وَالْيَقِظَةِ)

- قوله: (والمعاني الموجبة للغسل إنزال المني) إلى آخره.

قلت: هذه المعاني/ 8/ أ/ موجبة للجنابة لا للغسل على المذهب الصحيح من علمائنا رحمهم الله فإنها تنقضه، فكيف توجبه؟! وذكر في «مبسوط شيخ الإسلام»

(2)

: سبب وجوب الاغتسال إرادة ما لا يحل فعله بسبب الجنابة عند عامة المشايخ، وعند بعضهم السبب الجنابة، وهذا الخلاف مثل الخلاف الذي بينا في الوضوء.

إنزال المني على وجه الدفق والشهوة، هذا اللفظ بإطلاقه مستقيم على قول أبي يوسف

(3)

: حيث شرط لوجوب الغسل خروج المني على وجه الدفق والشهوة.

وأما عندهما فلا يستقيم؛ لأنهما جعلا سبب الاغتسال خروج المني عن شهوة، ولم يجعلا الدفق شرطًا حتى قالا بوجوب الغسل، فيما إذا [زال]

(4)

المني عن مكانه عن شهوة، وإن خرج من غير دفق. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(5)

و «المختلفات»

(6)

.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 45) باب الوضوء والغسل.

(2)

انظر: مبسوط شيخ الإسلام (1/ 47) باب الوضوء والغسل.

(3)

انظر: الهداية (1/ 38).

(4)

في (ب): «زائل» .

(5)

انظر: مبسوط شيخ الإسلام (1/ 47) باب الوضوء والغسل.

(6)

المختلفات -مخطوط-.

ص: 80

‌وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله خُرُوجُ الْمَنِيِّ كَيْفَمَا كَانَ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» " أَيْ الْغُسْلُ مِنْ الْمَنِيِّ، وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّطْهِيرِ يَتَنَاوَلُ الْجُنُبَ، وَالْجَنَابَةُ فِي اللُّغَةِ خُرُوجُ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، يُقَالُ أَجْنَبَ الرَّجُلُ إذَا قَضَى شَهْوَتَهُ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى خُرُوجِ الْمَنِيِّ عَنْ شَهْوَةٍ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ انْفِصَالُهُ عَنْ مَكَانِهِ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله ظُهُورُهُ أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْخُرُوجِ بِالْمُزَايَلَةِ إذْ الْغُسْلُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا

- قوله: (وعند الشافعي: خروج المني كيف ما كان)

(1)

حتى أن المني إذا خرج منه لا بسبب الشهوة لكن بعارض آخر بأن حمل حملاً ثقيلاً أو سقط من السطح فخرج منه المني يصير جنبًا، واحُتج في ذلك بما روي عن النبي عليه السلام أنه قال:«الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ»

(2)

. فحجتنا في ذلك أن الله تعالى علق وجوب الاغتسال بالجناية لا بخروج المني بقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. وإنما يقال: أجنب الرجل في اللغة

(3)

إذا قضى [الرجل]

(4)

شهوته من امرأته إلا أن النبي عليه السلام لما أوجب عن الاحتلام سقط اعتبار [المرأة]

(5)

وبقي قدر ما يكون في الاحتلام من قضاء الشهوة، ويدل عليه ما رُوي في بعض ألفاظ أم سليم رضي الله عنها: أنها لما سألت النبي عليه السلام عن المرأة ترى في منامها مثل ما يرى الرجل؟ فقال: «أتَجِدُ لذَلِكَ لذَّة؟» . فقالت: نعم. قال: «فَلْتَغْتَسِل»

(6)

. وإنما يكون من الرجل خروج المني إذا كان عن شهوة. ولأنه إذا خرج عن غير شهوة لا يعلم أنه مني أو رطوبة.

(1)

انظر: في مذهب الأحناف: مختصر الطحاوي ص (19) وتحفة الفقهاء (1/ 26) وشرح فتح القدير (1/ 60 - 63) وبدائع الصنائع (1/ 37).

ومذهب الشافعية: أن نفس خروج المني هو الموجب للغسل، سواء خرج بلذة أو بغير لذة. انظر: الحاوي الكبير (1/ 260)، والبسيط في المذهب (1/ 341) وروضة الطالبين (1/ 83، 84) والمجموع (2/ 158).

(2)

الحديث رواه مسلم في صحيحه (1/ 269) كتاب الحيض باب إنما الماء من الماء برقم (343) عن أبي سعيد الخدري

وفيه: يا رسول الله أرأيت الرجل يُعجل عن امرأته، ولم يُمن، ماذا عليه؟.

(3)

انظر: الصحاح (1/ 104)(جنب).

(4)

ساقطة من (أ) والتثبت من (ب).

(5)

في (ب): «المرة» .

(6)

هذه الرواية لم أجدها بهذا اللفظ، ولكن أخرج ابن أ [ي شيبة في مصنفه في كتاب الطهارة، في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل (1/ 80) (882) أن أم سليم قالت: يا رسول الله، الْمَرْأَةُ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ، أَيَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ؟ قَالَ: هَلْ تَجِدُ شَهْوَةً؟ قَالَتْ: لَعَلَّهُ! قَالَ: هَلْ تَجِدُ بَلَلاً؟ قَالَتْ: لَعَلَّهُ! قَالَ: فَلْتَغْتَسِلْ فَلَقِيَتْهَا نِسْوَةٌ فَقُلْنَ لَهَا: فَضَحْتينَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لأَنْتَهِيَ حَتَّى أَعْلَمَ فِي حِلٍّ أَنَا، أَوْ فِي حَرَامٍ.».

وفي مسند إسحاق بن راهوية مثله (5/ 53)(2157) ما يروى عن أم سليم أم أنس بن مالك رضي الله عنهم، ولم أجد من رواه، وفيه ذكر الشهوة إلا (ابن أبي شيبة وإسحاق) فيما اطلعت عليه، والحديث ضعيف بسبب الانقطاع في السند بين مجاهد ومن معه وبين أم سليم.

ص: 81

وقد قيل

(1)

: إن المني دمٌ في الأصل لكنه يبيض بتصعيد الشهوة حتى اذا كبر وفترت الشهوة خرج أحمر، فعلى هذا لا يتصور خروجه أبيض بغير شهوة فيدل على أنه ليس بمني.

وأما قوله عليه السلام: «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ»

(2)

. فمحمول على ما إذا كان على سبيل الدفق والشهوة بدليل ما بينا، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(3)

.

‌وَلَهُمَا أَنَّهُ مَتَى وَجَبَ مِنْ وَجْهٍ فَالاحْتِيَاطُ فِي الإيجَابِ.

- قوله: (ولهما أنه متى وجب من وجه فالاحتياط في الإيجاب) يعني أن الخروج على وجه الشهوة قد وجد، وإنما عدم الدفق لا غير فباعتبار ما وجد يجب الاغتسال، وباعتبار ما عدم لا يجب فيرجح جانب الوجوب احتياطًا لأمر العبادة، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(4)

.

فإن قلت: يشكل على هذا حكم الريح الجارية من المفضاة

(5)

؛ لأنه على هذا التعليل [ينتفي]

(6)

أن يجب عليها الوضوء بأن يقال: إنها لو خرجت من القبل لا يجب، ولو خرجت من الدبر يجب فترجح جانب الوجوب احتياطًا لأمر العبادة، ولم يقل هناك كذلك، بل قيل بالاستحباب.

(1)

كما ذكر صاحب الأسرار ص (36): «وقالت الأطباء: إنه دم يبيض بالتصعيد، فإذا لم يكن تصعيد ولا شهوة لا يكون منيًا» .

ويقول عطية سالم: - ولديه شهادة في التمريض -: «طبيعة المني: تحول كامل، وأين تحدث عملية التحول؟ وأين المعمل الذي حوله؟ من الدم الخالص إلى هذه المادة المنوية؛ يقول علم التشريح: إن المسئول عن تحويل الدم إلى المني إحدى الخصيتين

ويقولون: إن عملية التحويل تأتي عند الحاجة، بمعنى: لو جئت بمائة رجل وشرحتهم، فلن تحصل على جرام واحد من المني داخل الجسم؛ لأنه يطبخ ويحول فوراً، حينما تشتد الشهوة، وكما يقولون: حالة الإخراج، أو الإفراز، أو أو إلى آخره، تكون في تلك اللحظة التي تتم فيها عمليه الطبخ، ثم يفرز ضخاً ودفقاً كما يقولون، وقبل هذا لا وجود له.

ولهذا إذا استعجل على الطبخة ولم ينضجها خرج مذياً، وهو أبيض ولكن لا ينعقد، فيخرج كخروج البول ما فيه دفع؛ لأن الطبخة ما نضجت». أ. هـ شرح بلوغ المرام (11/ 4) لعطية سالم المتوفى 1420 هـ، باب حكم المني.

(2)

سبق تخريجه (ص 201).

(3)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام. انظر المبسوط للسرخسي (1/ 67، 68) باب الوضوء والغسل.

(4)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام. انظر المبسوط للسرخسي (1/ 67، 68) باب الوضوء والغسل.

(5)

سبق التعريف بها (ص 191).

(6)

في (ب): «ينبغي» .

ص: 82

قلت: جاء الشك هناك من الأصل [بتعارض]

(1)

الدليل الذي هو موجب مع الدليل الذي هو غير موجب لتساويهما في القوة، فتساقطا فعملنا بالأصل الذي كان ثابتًا لنا

(2)

بيقين وهو الطهارة كما قلنا في خبري نجاسة الماء وطهارته، وأما هنا جاء دليل عدم الوجوب من الوصف وهو الدفق، ودليل الوجوب من الأصل، وهو نفس وجود الماء مع الشهوة فكان في إيجاب الاغتسال ترجيح لجانب الأصل على جانب الوصف وهو صحيح، ولأن دليل الوجوب قد سبق هناك

(3)

وهو مزايلة المني عن مكانه على سبيل الشهوة وخروجه من العضو لا على سبيل الدفق بقاء ذلك والسبق من أسباب الترجيح فيرجح جانب الوجوب لذلك، وأما هناك فاقترن الدليلان على سبيل المدافعة فلا يثبت الحكم الحادث لتدافعها بل يبقى ما كان على ما كان.

(وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتْ الْحَشَفَةُ وَجَبَ الْغُسْلُ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ» وَلأنَّهُ سَبَبُ الإنْزَالِ وَنَفْسُهُ يَتَغَيَّبُ عَنْ بَصَرِهِ وَقَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ لِقِلَّتِهِ فَيُقَامُ مَقَامَهُ

-قوله: (والتقاء الختانين) أي مع تواري الحشفة، فإن نفس ملاقاة الفرج الفرج من غير التواري لا يوجب الغسل، لكن يوجب الوضوء عندهما خلافًا لمحمد

(4)

: فكان ذكر غيبوبة الحشفة في الحديث

(5)

/ 8/ ب/ بقوله: إذا التقى الختانان وغابت الحشفة لإزالة ذلك الوهم، وهو وهم نفس ملاقاة الختانين من غير توارٍ بطريق إطلاق اسم الشيء على ما يقرب من ذلك الشيء.

والختان

(6)

موضع القطع من الذكر والأنثى، وذكر الختانين بناءً على عادتهم أنهم يختنون النساء.

ص: 83

والحشفة: ما فوق الختان من الذكر.

فالحاصل أن الجنابة إنما تثبت بشيئين لا غير:

«أحدهما: انفصال المني عن شهوة.

والثاني: الإيلاج في الآدمي». نص على هذا في «المحيط»

(1)

.

وفيه أيضًا: ولو أتى امرأته وهي بكر فلا غسل ما لم ينزل؛ لأن ببقاء البكارة يعلم أنه لم يوجد الإيلاج، ولكن إذا جومعت البكر فيما دون الفرج فحبلت فعليها الغسل لوجود الإنزال؛ لأنه لا حبل بدونه، وإنزالها يوجب الغسل لما روينا في حديث اللذة

(2)

.

ثم قوله: (من غير إنزال). لرد قول من يشترط الإنزال مع التقاء الختانين لا للشرط؛ لأن أحدهما إذا كان كافيًا لإيجاب الغسل كان عند انضمامهما أولى، وذكر في «المبسوط»

(3)

: «وإذا التقى الختانان وغابت الحشفة وجب الغسل أنزل أو لم ينزل. وهو قول المهاجرين عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، فأما الأنصار كأبي بن كعب وحذيفة وزيد بن ثابت رضي الله عنهم قالوا: لا يجب الاغتسال بالإكسال ما لم ينزل. وبه أخذ سليمان الأعمش

(4)

(5)

لظاهر قوله عليه السلام: «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ»

(6)

.

ولنا: أن النبي عليه السلام قال: «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ»

(7)

.

(1)

انظر: المحيط البرهاني (1/ 82).

(2)

حديث أم سليم رضي الله عنها السابق (ص 202).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 68، 69) باب الوضوء والغسل.

(4)

في (ب): «سلمان والأعمش» ولعله تصحيف من الناسخ.

(5)

سليمان بن مهران الأسدي الكوفي الأعمش، ثقة، حافظ، من صغار التابعين، (ت 147 هـ)، تهذيب التهذيب (4/ 222)(376)، وسير أعلام النبلاء (6/ 226)(110) والوافي بالوفيات (15/ 429)(583).

(6)

سبق تخريجه (ص 201).

(7)

رواه ابن ماجة (1/ 200) برقم (611) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتْ الْحَشَفَةُ وَجَبَ الْغُسْلُ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ» وهو ضعيف لضعف حجاج ابن أرطأة، وأخرج مسلم في معنى الحديث:(4/ 42) من شرح النووي عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يُجَامِعُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ هَلْ عَلَيْهِ مِنْ غُسْلٍ؟ وَعَائِشَةٌ جَالِسَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّى لأَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا وَهَذِهِ ثُمَّ نَغْتَسِلُ» .

ص: 84

والأصح أن يقول: إن عمر رضي الله عنه لم يسوغ للأنصار هذا الاجتهاد حتى قال لزيد: أي عدو نفسه ما هذه الفتوى التي تقشعت عنك؟! فقال: سمعت عمومتي من الأنصار يقولون ذلك. فجمعهم عمر وسألهم وقالوا: كنا نفعل هذا على عهد رسول الله عليه السلام ولا نغتسل. فقال: أو كان يعلم به رسول الله؟ فقالوا: لا. فقال: ليس بشيء. وبعث إلى عائشة رضي الله عنها فسألها فقالت: فعلت ذلك مع رسول الله فاغتسلنا. فقال عمر لزيد: لئن عدت إلى هذا لأدبتك

(1)

.

(وَكَذَا الإيلاجُ فِي الدُّبُرِ لِكَمَالِ السَّبَبِيَّةِ)

-قوله: (لكمال السببية) حتى إن الفسقة رجحوا قضاء الشهوة من الدبر على قضاء الشهوة من القبل، ومنه قوله تعالى خبرًا عن قوم لوط عليه السلام:{قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود: 79].

وقد ذكر الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن يوسف المرغاسوني

(2)

في «نوادر الصلاة» عن محمد: إذا حاذى الأمرد رجلاً تفسد صلاة غير الأمرد؛ لأنه يخطر بباله الشهوة بهذه المحاذاة فكان الصبي فيه كالمرأة، وإليه أشار رسول الله عليه السلام في قوله:«لا تَجَالِسُوا أبْنَاءَ الأغْنِيَاءَ فِإنَّ لهم شَهْوةٌ كَشَهْوَةِ النِّسَاءِ»

(3)

. وفي ظاهر الرواية لا تفسد لا لاعتبار عدم الشهوة بل باعتبار أن الفساد بمحاذاة المرأة الرجل حكم ثبت بالسنة بخلاف القياس فلا يتعدى إلى محاذاة غير المرأة حتى أن كانت

(4)

عجوزًا بحيث يتنفر عنها الرجال لو حاذت رجلاً فسدت صلاته مع عدم الشهوة، وكذلك لو حاذت امرأة ابنها أو أباها فسدت صلاة الرجل، ومعلوم أن المسلم لا يشتهي أمه، كذا ذكره الإمام المحبوبي في مسائل متفرقة من صلاة «الجامع الصغير» .

(1)

شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 58، 59) كتاب الطهارة، باب الذي يجامع ولا ينزل.

(2)

لم أجد له ترجمة في «التراجم والطبقات» ولكن ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1979) الإمام أبي بكر: محمد بن يوسف المرغاسوني له: نوادر الأصول في الفروع، ونوادر الصلاة.

(3)

رُوي ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه الكامل في الضعفاء (6/ 128) قال عنه ابن عدي، باطل موضوع، وميزان الاعتدال (3/ 215) قال الذهبي: هذا من بلايا عمر بن عمر والعسقلاني.

(4)

أضفته لاستقامة السياق.

ص: 85

‌وَيَجِبُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ احْتِيَاطًا، بِخِلافِ الْبَهِيمَةِ وَمَا دُونَ الْفَرْجِ لأنَّ السَّبَبِيَّةَ نَاقِصَةٌ.

-قوله: (احتياطًا) هو علة وجوب الغسل؛ لأن

(1)

الغسل مستحب؛ لأن وجوب الغسل بدون الإنزال فيه على قولهما ظاهر؛ لأنهما سويا السبيلين في الحد وفي هذا أولى، وكذلك على أصل أبي حنيفة؛ لأنه إنما لم يوجب الحد فيه للاحتياط في درء الحد [وفي هذا أولى وكذلك]

(2)

[ها هنا]

(3)

الاحتياط في الإيجاب فيجب الغسل بالإجماع.

-قوله: (وما دون الفرج) أراد بالفرج القبل والدبر فكان ما دونه غيرهما من بدن المرأة كالتفخيذ.

‌قَالَ (وَالْحَيْضُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يَطْهُرْنَ} بِالتَّشْدِيدِ (وَ) كَذَا (النِّفَاسُ) لِلإجْمَاعِ.

-قوله: (والحيض) أي الخروج من الحيض؛ لأن الحيض ما دام باقيًا لا يجب الغسل لعدم الفائدة فوجه التمسك بقوله تعالى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] في حق وجوب الاغتسال في حق الصلاة هو أن الشارع غيَّر

(4)

حرمة القربان [إلى غاية الاغتسال فينبغي أن يجب عليها الاغتسال بعد الخروج عن الحيض ليحل القربان]

(5)

لئلا تكون الحرمة مؤثرة؛ إذ فيه نقض ما شرعه بقوله: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} [البقرة: 223]، وبقوله:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة: 222]{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187]. ثم لما صار الاغتسال شرطًا لحل القربان بهذه الآية مع أن وجود طهارة المرأة ليس بشرط لحل القربان سوى الحيض والنفاس في صورة من الصور فلأن يشترط الاغتسال لحل قربان الصلاة والحال أن الطهارة غير جميع النجاسات الحقيقية والحكمية شرط دائم للصلاة بالطريق الأولى، ومما يوضح أن هذا الحكم أعني وجوب الاغتسال للصلاة بعد الخروج عن الحيض ثابت بطريق الدلالة على وجه الأولوية وجوبه عليها للصلاة بالخروج عن الحيض بتمام العشرة وما دونها بخلاف حرمة القربان؛ فإن امتداد الحرمة هناك إلى الاغتسال إذا انقطع الدم لأقل من عشرة أيام.

وأما إذا انقطع دمها (لتمام العشرة)

(6)

أو مضى عليها وقت صلاة بعد الانقطاع لأقل من عشرة أيام يحل القربان لاختصاص الصلاة بالطهارة وعدم اختصاص القربان بها حتى جاز وطء منكوحته وهي جنب أو محدث، أو بأعضائها نجاسة فكان هذا نظير اشتراط الطهارة عن الحيض والنفاس في حق الصوم والصلاة فإنه لما كان اشتراط الطهارة عنها في حق الصلاة على وفق القياس لما ذكرنا أثر ذلك في حق الأداء والقضاء حتى سقطت الصلاة أصلاً، ولما كان اشتراطها عنهما في حق الصوم على خلاف القياس أثر ذلك في حق الأداء دون القضاء ليثبت المدلول بقدر دليله.

وذكر بعض أهل النظر في التمسك بالآية فقال: النص ينفي القربان قبل الاغتسال، ويلزم من هذا وجوب الاغتسال؛ لأنه لولا وجوب الاغتسال لما انتفى القربان قبل الاغتسال؛ لأن حل القربان ثابت في جملة صور عدم وجوب الاغتسال وحل الصلاة بدون الاغتسال.

(1)

في (ب): «لا أن» .

(2)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).

(3)

هكذا وردت في النسختين، ولعلها بدون الواو أنسب للسياق.

(4)

في (ب): «غيا» .

(5)

ساقط من (ب).

(6)

كتب فوقها في (أ): لعشرة أيام.

ص: 86

‌قَالَ «وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَعَرَفَةَ وَالإحْرَامِ» نَصَّ عَلَى السُّنِّيَّةِ، وَقِيلَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَسَمَّى مُحَمَّدٌ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَسَنًا فِي الْأَصْلِ. وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله: هُوَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ» وَبِهَذَا يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ عَلَى الاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى النَّسْخِ، ثُمَّ هَذَا الْغُسْلُ لِلصَّلاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله هُوَ الصَّحِيحُ لِزِيَادَةِ فَضِيلَتِهَا عَلَى الْوَقْتِ وَاخْتِصَاصِ الطَّهَارَةِ بِهَا، وَفِيهِ خِلافُ الْحَسَنِ، وَالْعِيدَانِ بِمَنْزِلَةِ الْجُمُعَةِ؛ لأنَّ فِيهِمَا الاجْتِمَاعُ؛ فَيُسْتَحَبُّ الاغْتِسَالُ؛ دَفْعًا لِلتَّأَذِّي بِالرَّائِحَةِ، وَأَمَّا فِي عَرَفَةَ وَالإحْرَامِ فَسَنُبَيِّنُهُ فِي الْمَنَاسِكِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قوله عليه السلام: («فبها ونعمت»)

(1)

الباء متعلقة بفعل مضمر أي: فبهذه الخصلة أو الفعل يعني الوضوء ينال الفضل. ونعمت أي: نعمت الخصلة هي فحذف المخصوص بالمدح، وسئل عنه الأصمعي

(2)

: فقال: أظنه يريد فبالسنة أخذ. كذا في «الفائق»

(3)

.

(1)

سَمُرةً بن جُندُب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ» رواه أبو داود في سننه (1/ 251) كتاب الطهارة باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، حديث (354)، والترمذي في سننه (2/ 369) برقم (497)، والنسائي في سننه (3/ 94) برقم (1380) قال الألباني: حديث حسن انظر: تحقيقه لرياض الصالحين (1/ 424) برقم (1160).

(2)

هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك، أبو سعيد، الباهلي الأصمعي، البصري، رواية العرب (ت 216 هـ)، الفهرست:(ص 82)، تاريخ العلماء النحويين: 218 (78)، الأعلام:(4/ 162)، معجم المؤلفين (6/ 187).

(3)

الفائق في غريب الحديث (4/ 3) حرف النون مع العين.

ص: 87

-قوله: (أو على النسخ) فدليل النسخ ما ذكر في «المبسوط» «هو ما روي عن عائشة رضي الله عنها وابن عباس

(1)

رضي الله عنهما قالا: «كان الناس عمال أنفسهم، وكانوا يلبسون الصوف ويعرقون فيه، والمسجد قريب السمك

(2)

فكان يتأذى بعضهم برائحة البعض فأمروا بالاغتسال لهذا»

(3)

ثم انتسخ هذا حين لبسوا غير الصوف وتركوا العمل بأيديهم.

ثم اختلف أبو يوسف والحسن بن زياد: أن الاغتسال يوم الجمعة للصلاة أم لليوم؟ فقال الحسن: لليوم إظهارًا لفضيلته كما قال النبي عليه السلام: «سَيّدُ الأيَّامِ يَوْمُ الجُمُعَةِ»

(4)

.

وقال أبو يوسف: للصلاة؛ لأنها مؤداة بجمع عظيم فلها من الفضيلة [ما]

(5)

ليس لغيرها.

وفائدة الاختلاف فيما إذا اغتسل يوم الجمعة ثم أحدث فتوضأ وصلى الجمعة عند أبي يوسف لا يكون مقيمًا للسنة. وعند الحسن يكون مقيمًا»

(6)

.

وفي «مبسوط شيخ الإسلام»

(7)

: إذا اغتسل من الجنابة قبل طلوع الفجر ثم لم يحدث حتى صلى الجمعة بذلك الاغتسال فإن على قول محمد ينال فضل الاغتسال. وعلى قول أبي يوسف: لا ينال -ذكر فيه محمدًا مكان الحسن بن زياد-.

«والاغتسال في الحاصل أحد عشر نوعًا: خمسة منها فريضة: الاغتسال من التقاء الختانين، ومن إنزال الماء، ومن الاحتلام، ومن الحيض، والنفاس. وأربعة منها سنة: الاغتسال يوم الجمعة، ويوم عرفة، وعند الإحرام، والعيدين. وواحدٌ واجب: وهو غسل الميت. وواحد

(8)

مستحب: وهو الكافر إذا أسلم يستحب له أن يغتسل، به أمر رسول الله عليه السلام من جاءه يريد الإسلام

(9)

، وهذا إذا لم يكن جنبًا، فإن كان أجنب [و]

(10)

لم يغتسل حتى أسلم فقد قال بعض مشايخنا: لا يلزمه الاغتسال؛ لأن الكفار لا يخاطبون بالشرائع.

(1)

في (ب): «وابن مسعود» .

(2)

كتب في هامش (ب): السَمْكُ: الارتفاع وهو كما قال كما في الصحاح (4/ 1592) (سمك الله السماء سمكا: رفعها، وسمك الشيء سموكا: ارتفع

وسمك البيت: سقفه).

(3)

رواه البخاري في صحيحه (3/ 57) باب كسب الرجل وعمله بيده، ولفظ البخاري عن عائشة رضي الله عنها «كانَ أصْحَاب رسول الله رضي الله عنه، عُمّال أنفُسِهِم، وكان يكون لهم أرْوَاح، فقيل لهم: لو اغْتَسَلْتُم» .

(4)

رواه أحمد في المسند (5/ 3087)، وابن ماجة (1/ 344)، ضعفه الألباني انظر: الجامع الصغير (1/ 707) برقم 3318.

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 89، 90) والمحيط البرهاني (2/ 92).

(7)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام ولا المبسوط للسرخسي.

(8)

كتب فوقها: «وآخر» .

(9)

وقد ورد ذلك في حديث قيس بن عاصم رضي الله عنه، قال:«أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أرِيْدُ الإسْلامَ فَأمَرَني أنْ اغْتَسِل بماء وسِدْرٍ» رواه النسائي (1/ 54)، والترمذي (2/ 502، 503) وأحمد (5/ 61). ورواه أبو داود في سننه (1/ 129) برقم (355) باب في الرجل يسلم فيمر بالغسل قال الألباني في تصحيحه لأبي داود (2/ 193) برقم (382) إسناده صحيح وقال الترمذي حديث حسن ووافقه النووي. وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ثمامة بن أثال عندما أسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يغتسل أخرجه البيهقي (1/ 171). قال الألباني في الأرواء (1/ 164): صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجا القصة دون الأمر بالغسل فانظر:«الفتح» (1/ 441، 1/ 71).

(10)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).

ص: 88

والأصح أنه يلزمه؛ لأن بقاء صفة الجنابة بعد إسلامه كبقاء صفة الحدث في وجوب الوضوء»، وكذا في «المبسوط»

(1)

.

وذكر في «مبسوط شيخ الإسلام» : «أن اغتسال يوم الجمعة [والعيدين]

(2)

مستحب»

(3)

.

‌قَالَ (وَلَيْسَ فِي الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ غُسْلٌ وَفِيهِمَا الْوُضُوءُ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «كُلُّ فَحْلٍ يُمْذِي وَفِيهِ الْوُضُوءُ» وَالْوَدْيُ: الْغَلِيظُ مِنْ الْبَوْلِ يَتَعَقَّبُ الرَّقِيقَ مِنْهُ خُرُوجًا فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِهِ، وَالْمَنِيُّ: خَاثِرٌ أَبْيَضُ يَنْكَسِرُ مِنْهُ الذَّكَرُ، وَالْمَذْيُ: رَقِيقٌ يَضْرِبُ إلَى الْبَيَاضِ يَخْرُجُ عِنْدَ مُلاعَبَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ. وَالتَّفْسِيرُ مَأْثُورٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا.

- قوله: (وليس في المذي والودي غسل وفيهما الوضوء) فإن قيل: ما معنى قول محمد في الكتاب: في الودي الوضوء. ولا يتصور انتقاض الطهارة بالودي؛ لأنه/ 9/ أ/ إنما يخرج على إثر البول، وبالبول قد وجب الوضوء؟

(4)

قلنا: إنما ذكره ليبين أن الواجب به انتقاض الطهارة لا الاغتسال لو تصور انتقاض الطهارة، هكذا ذكر السؤال والجواب في «مبسوط شيخ الإسلام»

(5)

.

أو نقول: إن وجوب الوضوء بالبول لا ينافي وجوبه بالودي/ 9/ ب/ بل يجب به أيضًا حتى إذا حلف لا يتوضأ من الرعاف فبال ثم رعف ثم توضأ فإنه يحنث في يمينه فعلم أن كل واحد موجب للوضوء إلا أنه يكتفى بالوضوء مرةً عن الكل، وله نظائر في الشرع.

أو نقول: بأن فائدته تظهر في حق سلس البول؛ فإنه إذا توضأ للبول ثم أودى حال بقاء الوقت تنتقض طهارته، والله أعلم.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 90).

(2)

في (ب): «وعند العيدين» .

(3)

انظر: الأصل المعروف بالمبسوط لشيخ الإسلام الشيباني (1/ 77) باب الوضوء والغسل من الجنابة.

(4)

كتب في هامش (ب): والمني خاثر أبيض يغسل منه الذكر، والمذي رقيق يضرب إلى البياض، والودي رقيق يخرج بعد البول، هكذا منقول عن عائشة رضي الله عنها محيط. وهو كما قال. انظر: المحيط البرهاني (1/ 84) والهداية (1/ 40) فصل في الغسل.

(5)

انظر: الأصل المعروف بالمبسوط لشيخ الإسلام الشيباني (1/ 77) باب الوضوء والغسل من الجنابة.

ص: 89

‌باب الماء الذي يجوز به الوضوء

(1)

(الطَّهَارَةُ مِنْ الْأَحْدَاثِ جَائِزَةٌ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ وَالْبِحَارِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «وَالْمَاءُ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَمُطْلَقُ الاسْمِ يَنْطَلِقُ عَلَى هَذِهِ الْمِيَاهِ.

لما ذكر الوضوء والغسل وتقسيمها من الفرض والسنة والاستحباب وموجبهما وما ينقضهما احتاج إلى ذكر الآلة التي هما يحصلان بها بطريق الأصالة وهي الماء المطلق.

قال الشيخ: لم يذكر الماء في آية الوضوء في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6]، فكيف لقب هذا الباب بالماء الذي يجوز به الوضوء؟

ثم قال: إن لم يذكر في آية الوضوء ذكره في آية التيمم وهو خلفه فكان ذكره فيها ذكرًا في الأصل فصار كأنه قال: فاغسلوا بالماء وجوهكم، أو هو مذكور في الأصل يقتضي الغسل؛ إذ الغسل المطلق ينصرف إلى الماء.

- قوله: (الطهارة من الأحداث) ذكر الأحداث لا للتخصيص لأنه لما كان الماء مزيلاً للحدث كان مزيلاً للنجس الحقيقي بالطريق الأولى لما يذكر لكن لما سبق ذكر الوضوء والغسل ذكر الآلة التي هما تحصلان به، وليس ذلك إلا بإزالة الأحداث.

ثم وجه التمسك بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] في حق ماء السماء والأودية ظاهر، وأما في حق ماء العيون والآبار فإما أن أصل المياه كلها من السماء لقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [الزمر: 21] أو يصرف وجه تمسك الآية إلى ماء السماء ويصرف وجه تمسك قوله عليه السلام: «الْمَاءُ طَهُورٌ»

(2)

. إلى غيره.

وقال الشيخ: كون الماء مطهرًا لغيره لا لأن الطهور بمعنى المطهر بل عُلم ذلك بسبب العدول عن صيغة الطاهر إلى صيغة الطهور التي هي للمبالغة في ذلك الفعل كالغفور والشكور فيهما مبالغة ما ليس في الغافر والشاكر، ولن تكون تلك المبالغة في طهارة الماء إلا باعتبار أنه يطهر غيره؛ لأن في نفس الطهارة [كلتا]

(3)

الصيغتين سيان فلا بد من معنى زائد في الطهور ليس هو في الطاهر ولا ذلك إلا بالتطهير لا أن الطهور جاء بمعنى المطهر؛ لأنه من طَهرُ الشيءُ وهو لازم فلا يستفاد منه التعدي.

(1)

باب الماء الذي يجوز به الوضوء وما لا يجوز به. هكذا ورد في الهداية (1/ 41).

(2)

الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قيل: يا رسول الله، أيتوضأ من بئر بضاعة قال: هي بئر يُلقى فيها الحيض ولحكم الطلاب والنتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الْمَاءُ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شيء» . رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 131) باب من قال الماء طهور لا ينجسه شيء. ورواه أحمد في المسند (17/ 359) برقم (1505) طبع الرسالة. ورواه أبو داود في سننه (1/ 24) برقم (66) باب ما جاء في بئر بضاعة، ورواه الترم 1 ي في سنه (1/ 122) برقم (66) رورواه النسائي في سننه (1/ 174) برقم (326) باب ذكر بئر بضاعة. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (1/ 390) برقم (1925).

(3)

في (ب)«كلتي» .

ص: 90

لا ينجسه شيء: أي شيء نجس.

‌قَالَ: (وَلا يَجُوزُ بِمَا اُعْتُصِرَ مِنْ الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ) لأنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ وَالْحُكْمُ عِنْدَ فَقْدِهِ مَنْقُولٌ إلَى التَّيَمُّمِ

- قوله: (بما اعتصر) بالقصر على أنها موصولة وإن كان تصح بمعنى الممدود؛ لأن المنقول هو الموصولة، ولأن في الممدود وهم جواز التوضي بماء انعصر هو بنفسه وليس الأمر كذلك.

‌(وَالْوَظِيفَةُ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ تَعَبُّدِيَّةٌ فَلا تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ الْكَرْمِ فَيَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ لأنَّهُ مَاءٌ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ عِلاجٍ، ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله. وَفِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ شَرَطَ الاعْتِصَارَ.)

- قوله: (والوظيفة في هذه الأعضاء تعبدية) هذا جواب إشكال يرد على قوله: والحكم عند فقد الماء المطلق منقول إلى التيمم بأن يقال: سلمنا بأن الماء الذي اعتصر من الشجر والثمر ليس بماء مطلق، ولكن هو في معنى الماء المطلق من حيث إزالة النجاسة الحكمية فيلحق هو به كما ألحقه أبو حنيفة وأبو يوسف بالماء المطلق في إزالة النجاسة الحقيقية فيجب أن يكون في الحكمية كذلك.

فأجاب عنه وقال: إن شرط صحة القياس أن لا يكون حكم الأصل معدولاً به عن القياس، وأنه معدول عنه، وذلك لأن النص جعل الماء مطهرًا للحدث غير معقول المعنى؛ لأنه لا عين للنجاسة في الأعضاء ليزال، فإذا لم يكن الإزالة ها هنا معقولة لم يتعدَّ إلى سائر المزيلات؛ لأنه لا إزالة حقيقة فيقتصر على مورد الشرع بخلاف النجاسة الحقيقية، فإن جواز استعمال الماء المطلق فيها بسبب الإزالة لا غير، ويوجد الإزالة بسائر المائعات الطاهرة فيجوز بها كما يجوز بالماء المطلق؛ لأن إزالة النجاسة الحقيقية بالماء المطلق معقول المعنى فتعدى إلى غيره من المائعات بجامع الإزالة [الحسية]

(1)

.

- قوله: (وفي الكتاب) أي في «مختصر القدوري»

(2)

، والفاء في فأخرجه لتفسير قوله: غلب.

‌قَالَ (وَلا) يَجُوزُ (بِمَاءٍ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَأَخْرَجَهُ عَنْ طَبْعِ الْمَاءِ كَالْأَشْرِبَةِ وَالْخَلِّ وَمَاءِ الْبَاقِلا وَالْمَرَقِ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الزَّرْدَجِ) لأنَّهُ لا يُسَمَّى مَاءً مُطْلَقًا، وَالْمُرَادُ بِمَاءِ الْبَاقِلا وَغَيْرِهِ مَا تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بِدُونِ الطَّبْخِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ.

الباقلي: إذا شددت اللام قصرت، وإن خففت مُددت الواحدة باقِلّاة وباقلاءة، كذا في «الصحاح»

(3)

.

(1)

في (ب)«كلتي» .

(2)

أي: الجامع الصغير، لمحمد بن الحسن الشيباني.

(3)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1627) لفظة (بقل).

ص: 91

ما تغير بالطبغ: عنى بالتغير الثخونة حتى إذا طبخ ولم يثخن بعد بل رقة الماء باقية فيه جاز الوضوء به ذكره الناطفي

(1)

، كذا في «فتاوى قاضي خان»

(2)

.

-قوله: (كالأشربة والخل)

(3)

إن كان المراد من الأشربة الأشربة المتخذة من الشجر كشراب الريباس والحماض

(4)

، ومن الخْل الخلِّ الخالص كانا من نظير المُعتصِر من الشجر والثمر، وكان ماء الباقلا والمرق نظير الماء الذي غلب عليه غيره فكان من [صنعة]

(5)

اللف والنشر.

وإن كان المراد من الأشربة [الحلواء]

(6)

المخلوط بالماء كالدبس والشهد المخلوط به، ومن الخل الخل المخلوط بالماء كانت الأربعة كلها نظير الماء الذي غلب عليه غيره.

وقيل: القسم الأول: من المياه مقابل بالرقيق؛ لأنه لا قيد فيهما.

والقسم الثاني: مقابل بالمكاتب باعتبار نقصان ما هو الأصل فيهما من الملك وماهية الماء.

والقسم الثالث: مقابل بالمدبر؛ إذ الملك فيه كامل والرق ناقص بدليل حل الوطء والاستخدام فكذلك في الماء الذي خالطه شيء طاهر مغلوب يتناوله مطلق الماء باعتبار غلبة الماء فيه فجاز التوضي به أيضًا، ثم في قوله: فغير أحد أوصافه إشارةً إلى أنه إذا غير الاثنين أو الثلاثة من الأوصاف لا يجوز التوضي به، وإن كان المغير شيئًا طاهرًا لكن المنقول من الأساتذة أنه يجوز حتى أن أوراق الشجر وقت الخريف يقع في الحياض فيتغير ماؤها من حيث اللون والطعم والرائحة، ثم إنهم يتوضئون منها من غير نكير، ولكن [ذكر]

(7)

في أول «تتمة الفتاوى»

(8)

ما يوافق إشارة المذكور في «الكتاب»

(9)

فقيل: وسئل الفقيه أحمد بن إبراهيم الميداني

(10)

: عن الماء الذي يتغير لونه لكثرة الأوراق الواقعة فيه حتى يظهر لون الأوراق في الكف إذا رفع الماء منه هل يجوز التوضي منه. قال: لا، ولكن يجوز شربه وغسل الأشياء به، وأما جواز شربه وغسل الأشياء به فلأنه طاهر.

(1)

هو أبو العباس أحمد بن محمد بن عمرو الناطفي، أحد الأئمة الكبار، توفي: سنة: (446 هـ).

(2)

انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 23، 24) فصل فيما لا يجوز به التوضوء.

(3)

قال صاحب «البناية» : «واعلم أن قوله: «كالأشربة» إن أراد به الأشربة المتخذة من الشجر كشراب الرمان والحماض - وبـ «الخل» الخالص-، كان من نظير المعتصر من الشجر والثمر، وكان ماء الباقلا والمرق نظير الماء الذي غلب عليه غيره، وكان فيه صفة اللف والنشر، وهو أن يلف شيئين ثم ينشرهما، نظيره من التنزيل {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: 73] وإن أراد بالأشربة الحلو المخلوط به والخل المخلوط بالماء كانت الأربعة كلها نظير الماء الذي غلب عليه غيره». البناية (1/ 303). وانظر: شرح العناية على الهداية (1/ 71).

(4)

الريباس: نَبتٌ شديد الحُموضَة، وورقه عريض، وهو نبات معمر ينبت في البلاد الباردة، والجبال ذوات الثلوج توكل ضلوعه وتزين ويعصر منه شراب الريباس. العبابس الزاخر (1/ 114) المعجم الوسيط (1/ 385). الحماض: نبات بريٌ شديد الحموضة، زهرهُ أحمرُ، وورقه أخضر. تاج العروس (18/ 304).

(5)

في (ب)«صيغة» .

(6)

في (ب)«الحُلوَ» .

(7)

ساقطة من (ب).

(8)

أي: فتاوى قاضي خان.

(9)

أي: الجامع الصغير، لمحمد بن الحسن الشيباني

(10)

هو: أبو الحسين، أحمد بن إبراهيم بن صالح بن داود الميداني، من ميدان زياد بنيسابور، سمع محمد ابن يحيى الذهلي وعبد الله بن يزيد المقريء روى عنه الفقيه أبو الوليد القرشي، (ت 315 هـ). الأنساب للسمعاني (12/ 521).

ص: 92

وأما عدم جواز التوضي به لأنه لما غلب عليه لون الأوراق صار ماء مقيدًا كماء الباقلا [وغيره]

(1)

.

قلت: لما تغير لون الماء ها هنا بوقوع الأوراق الكثيرة لا بد أن يتغير طعمه أيضًا فحينئذٍ كان الوصفان من الماء زائلين فصار موافقًا لما أشار إليه «الكتاب» [وإلا]

(2)

يلزم المخالفة بينهما وبين رواية الكتاب ورواية «فتاوى قاضي خان» [التي تجيء بُعيد هذا]

(3)

.

-قوله: (كماء المد)«هو واحد المدود وهو السيل، وإنما خص بالذكر لأنه يجيء بغثاء ونحوه» ، كذا في «المغرب»

(4)

، وذكر في «فتاوى قاضي خان»:«إذا طبخ بالماء ما يقصد به المبالغة في التنظيف كالسدر والحرض فإن تغير لونه ولكن لم تذهب رقته يجوز به التوضي، وإن صار ثخينًا مثل السويق لا يجوز به التوضي»

(5)

.

ولو توضأ بماء السيل يجوز وإن خالطه التراب إذا كان الماء غالبًا رقيقًا فراتًا كان أو أجاجًا، وإذا كان ثخينًا كالطين لا يجوز به التوضي.

-قوله: (وهو الصحيح) احتراز عن «قول محمد فإنه يعتبر الغلبة بتغير اللون والطعم والريح» ، كذا في «فتاوى قاضي خان»

(6)

.

(وَكُلُّ مَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ قَلِيلاً كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَوْ كَثِيرًا)

-قوله: (وكل ماء) المراد منه غير الماء الجاري وغير ما هو في معنى الماء الجاري كالحوض الكبير الذي هو عشر في عشر.

-قوله: (قليلاً كانت النجاسة أو كثيرًا) ترك علامة التأنيث بعد ما جعل القليل والكثير صفة [بالنجاسة]

(7)

مع أن كل واحد منهما فعيل بمعنى فاعل، وفي مثله يفرق بين المذكر والمؤنث بالتاء كسميع وسميعة وعليم وعليمة؛ لأن فعيلاً بمعنى فاعل قد يشبه بفعيل بمعنى مفعول كقولهم: مِلحف

(8)

جديد، ومنه قوله تعالى:{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [الأعراف: 56] في أحد الوجوه.

ثم وجه التمسك بقوله عليه السلام: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِى الْمَاءِ الدَّائِمِ»

(9)

. أن مطلق النهي يوجب التحريم وفساد الفعل من غير فصل بين دائم ودائم، وبين ما يتغير لونه و [بين]

(10)

ما لا يتغير إلا أن يكون في حكم الماء الجاري بأن لا يخلص بعضه إلى بعض بدلالة تقييد الدائم.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

في (ب)«ولا» .

(3)

في (ب)«يفيد هذا» .

(4)

المغرب في ترتيب المعرب (1/ 437) باب الميم مع الدال.

(5)

فتاوى قاضي خان (1/ 23) فصل فيما لا يجوز به التوضوء.

(6)

فتاوى قاضي خان (1/ 24) فصل فيما لا يجوز به التوضئ.

(7)

ساقطة من (ب).

(8)

في (ب)«لمجنة» .

(9)

الحديث رواه البخاري في صحيحه (1/ 412) كتاب الوضوء باب البول في الماء الدائم، برقم (239)، ومسلم في صحيحه (1/ 235) برقم (282) كلاهما عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا بألفاظ متقاربة.

(10)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

ص: 93

فإن قيل: جاز أن يكون النهي للأدب أو للتنزيه.

قلنا: مطلق النهي يقتضي الحرمة مع عرائه عن التأكيد فكيف إذا كان مؤكدًا بالنون الثقيلة، ولأنه لو كان كذلك لما قيده بالدائم، فإن الجاري يشاركه في ذلك المعنى؛ لأن البول في الدائم كما هو ليس بأدب كذلك البول في الماء الجاري ليس بأدب أيضًا فلا يبقى حينئذٍ لتقييد الدائم فائدة.

‌وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله: يَجُوزُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ لِمَا رَوَيْنَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» وَلَنَا حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَاَلَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ رحمه الله وَرَدَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ وَمَاؤُهَا كَانَ جَارِيًا فِي الْبَسَاتِينِ، وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد، وَهُوَ يَضْعُفُ عَنْ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ.

(وَالْمَاءُ الْجَارِي إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْهُ إذَا لَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ لأنَّهَا لا تَسْتَقِرُّ مَعَ جَرَيَانِ الْمَاءِ) وَالْأَثَرُ هُوَ الرَّائِحَةُ أَوْ الطَّعْمُ أَوْ اللَّوْنُ، وَالْجَارِي مَا لا يَتَكَرَّرُ اسْتِعْمَالُهُ، وَقِيلَ مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ.

-قوله: (ورد في بئر بضاعة) الباء في بضاعة تكسر وتضم، كذا في «الصحاح»

(1)

، وفي «المغرب»

(2)

: بالكسر لا غير عن العوري، وهي بئر قديمة بالمدينة.

وفي «المبسوط» : «إن بئر بضاعة [كان]

(3)

ماءه جاريًا يسقى منه خمسة بساتين»

(4)

.

فإن قلت: العبرة عندنا لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، فكيف اختص عموم قوله عليه السلام:«الْمَاءُ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»

(5)

. بسببه الذي كان ورد الحديث في حقه وهو بئر بضاعة.

(1)

الصحاح (2/ 1187) لفظة (بقع).

(2)

المغرب في ترتيب المعرب (1/ 45) الباء مع الطاء المهملة.

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 52) باب الوضوء والغسل.

(5)

غريب بهذا اللفظ، وروى ابن ماجة (1/ 174) برقم (521) عن أبي أمامة الباهلي، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الْمَاءُ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، إلا مَا غَلَبَ عَلَى ريحهُ وطَعمُه ولَوْنُه» وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجة برقم (117).

ص: 94

قلت: إنما لا يخص عموم اللفظ بسببه إذا لم يرد ما يخصصه مثله في القوة وقد ورد هنا ما يخصصه وهو يساويه/ 10/ أ/ في القوة وهو حديث المستيقظ. وقوله عليه السلام: «لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ»

(1)

. وإنما خصصناه بهذين الحديثين دفعًا للتناقض، وذلك لأن الحديثين إذا وردا متعارضين وجهل تاريخهما يجعل كأنهما وردا معًا بعد ذلك إن أمكن العمل بهما بحمل كل واحد منهما على موضع يحمل وإن لم يمكن الحمل يطلب الترجيح، وإن لم يمكن الترجيح يتهاتران وها هنا أمكن العمل بهما بشهادة نقلة الأحاديث على ما قلنا، فعملنا كذلك لهذا [فكان هذا من باب الحمل لدفع التناقض لا من باب التخصيص بالسبب]

(2)

.

ولأنا ما خصصناه ببئر بضاعة أيضًا بل عدينا حكمه من بئر بضاعة أيضًا بل عدينا حكمه من بئر بضاعة إلى ما هو في معناها من الماء الجاري وترك عموم ظاهر الحديث لدفع التناقض والتعارض.

وقال الشافعي: يجوز إن كان الماء قلتين

(3)

.

وقال الشافعي: إذا كان الماء بقدر القلتين لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه حتى يتغير أحد أوصافه.

والقلة اسم لجرة تحمل من اليمن تسع فيها قربتان وشيء، فالقلتان خمس قرب كل قربة خمسون منًّا فيكون جملته مائتين وخمسين منًّا، واستدل بهذا الحديث.

قلنا: هذا ضعيف فقد قال الشافعي في كتابه

(4)

: بلغني بإسنادٍ لا يحضرني من ذكره ومثل هذا دون المرسل

(5)

.

«وقد تكلم الناس في القلة فقيل: إنها القامة، وقيل: إنها رأس الجبل. فيكون معناه: إذا بلغ ماء الوادي قامتين أو رأس الجبلين، ومثل هذا يكون بحرًا، وبه نقول» ، كذا في «المبسوط»

(6)

.

(1)

سبق تخريجه في (ص 221).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

مذهب الشافعية: أن الماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة المؤثرة، سواء تغير أحد أوصافه أولاً، والماء الكثير ينجس إذا تغير أحد أوصافه بالنجاسة، سواء قلَّ التغير أم كثر، ولا يكون الماء كثيراً إلا إذا بلغ قلتين وما دون القلتين فهو قليل، والقلتان من قلال هجر، وهما خمسمائة رطل بغدادية. انظر: الحاوي الكبير (1/ 417)، الروضة (1/ 20)، حاشية القليوبي وغيره (1/ 21).

(4)

جاء في هامش (ب): أي نقول بأنه لا يتنجس.

(5)

جاء في هامش (ب) لأن المراسيل يقطع القول بأنه من رسول الله عليه السلام وصوابه أتقانه، وقوله: بإسناد لا يحضرني على عكسه، والمراسيل عنده ليست بحجة فهذا أولى كافي.

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 71) باب الوضوء والغسل.

ص: 95

وقد ذكر شيخ الإسلام: في «المبسوط» فقال: قلنا: «لا يصح التعلق بهذا [الحديث]

(1)

(2)

؛ لأن في سنده ضعفًا وفي متنه اضطرابًا والقلة في نفسها مجهولة»

(3)

.

-وقوله: (لا يحتمل خبثًا)

(4)

يحتمل معنيين مختلفين لا يدرى أيهما هو المراد، والاعتماد على مثل هذا الخبر لا يصح، كيف وقد ظهر العمل من الصحابة بخلافه في ماء البئر.

أما في سنده ضعف فإنه قال ابن المديني

(5)

: إستاذ محمد بن إسماعيل البخاري -رحمهما الله- حديث القلتين مما لا يثبت، وهكذا ذكر أبو داود فقال: لا يصح لواحدٍ من الفريقين خبر صحيح في تقدير الماء. وفي متنه اضطراب فإنه قال في بعضها: إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثًا. وفي بعضها قال: إذا بلغ أربعين قلة. هكذا رواه جابر رضي الله عنه وأخذ به إبراهيم النخعي

(6)

رحمه الله.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

يقصد حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع فقال صلى الله عليه وسلم: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» رواه أبو داود في سننه (1/ 51) كتاب الطهارة، باب ما ينجس الماء، برقم (63)، ورواه الترمذي في سننه (1/ 97) برقم (67)، ورواه النسائي في سننه (1/ 46) برقم (52) ورواه ابن ماجة في سننه (1/ 172) برقم (517).

قال الطحاوي: في تنقيح تحقيق التعليق (1/ 22)(صحيح)، وقال الألباني: في صحيح الجامع برقم (416) وفي إرواء الغليل برقم (172)(صحيح).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 71) باب الوضوء والغسل.

(4)

سبق تخريجه آنفا.

(5)

الإمام ابن المديني، أبو الحسن، علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح بن بكر بن سعد ولد بالبصرة سنة:(161 هـ)، روى الحديث عن كثير من المحدثين، وهو من أبرز شيوخ الإمام البخاري، وهو من المعاصرين لفتنة (خلق القرآن)، وقال:«إن الله أعز هذا الدين برجلين، أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة» له مصنفات كثيرة منها الأسامي والكنى والضعفاء، والمدلسين، والطبقات، وقبائل العرب، ومن نزل من الصحابة، سائر البلدان، وتفسير غريب الحديث وغيرها، توفي (ت 234 هـ). انظر: العبر للذهبي (1/ 418)، وتذكرة الحفاظ للذهبي (2/ 15)، وتهذيب التهذيب (7/ 349)، التاريخ الكبير للبخاري (2/ 284).

(6)

إبراهيم بن يزيد الأسود النخعي، أبو عمران: فقيه أهل الكوفة، كان من أكابر العلماء صلاحاً وفقهاً وحفظاً للحديث، اتفق أهل العم على توثيقه، (ت 96 هـ) طبقات ابن سعد (6/ 270)، التاريخ الكبير (1/ 333)، البداية والنهاية (9/ 140)، الأعلام (1/ 71).

ص: 96

والقلة في نفسها مجهولة لأنها تذكر ويراد بها قامة الرجل، وتذكر ويراد بها رأس الجبل، وتذكر ويراد بها الجرة

(1)

.

والتعيين بقلال هجر لا يثبت بقول [ابن]

(2)

جريج؛ لأن [ابن]

(3)

جريجًا ممن لا يقلد فبقي محتملاً، وكذلك قوله: لا يحتمل خبثًا [يحتمل]

(4)

ما قاله الشافعي: أي: لا يقبل النجاسة ويدفعها ومحتمل أي: إذا قل الماء حتى انتهى إلى القلتين فإنه لا يحتمل خبثًا أي: يضع عن احتمال الخبث [فيتنجس]

(5)

كما يقال: فلان لا يحتمل الضرب أي: يضعف لا يحتمله فيتوجع، وإذا كان كذلك لم يصح التعلق بهذا الحديث فكان الاعتماد على ما روينا من الأحاديث المشهورة.

(1)

القِلُةَّ: قلة الجبل، والجمع قِلال والقُلّة: أعلى الرأس والقلة: واحد القلال من قلال هجر، وقد جاء في الحديث. والقلة: الخشبة التي يضرب بها الصبي فترتفع، والجمع قلين، وليس هذا بابها، جمهرة اللغة (2/ 976) لأبي بكر الأزدي المتوفي (321) تحقيق رمزي منير بعلبكي، الناشر: دار العلم للملايين -بيروت، الطبعة الأولى 1987 م.

(2)

ساقطة من النسختين والتثبيت من حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (1/ 76).

(3)

ساقطة من النسختين والتثبيت من حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (1/ 76).

قال: «وأما تقدير القلتين بقلال هجر فقد قال الشافعي حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني ذكره أن رسول الله قال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثاً وقال في الحديث بقلال الهجر .. » وهجر ليست هجر البحرين، وهي قرية قريبة من المدينة كانت تعمل فيها القلال، معجم البلدان (5/ 393) وتهذيب الأسماء (4/ 188). وابن جريج، أسمه: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، فقيه الحجاز، مشهور بالعلم والتثبت، كثير الحديث، وصفه النسائي وغيره بالتدليس، وقال الدارقطني: شر التدليس تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس إلا ما سمعه من مجروح، قال أبو نعيم: مات سنة: (150 هـ). اتحاف ذوي الرسوخ بمن رمي بالتدليس من الشيوخ الأنصاري (1/ 27) لحماد الأنصاري (ت 1418 هـ).

(4)

ساقط من (ب)، والعبارة في (أ):«محتمل يحتمل» .

(5)

ساقط من (أ) والتثبت من (ب).

ص: 97

ثم نقول: أراد بالقلة قامة الرجل لا الجرة؛ لأنه ذكر القلة لتقدير الماء في الحياض [والماء في الحياض]

(1)

إنما يقدر بالقامة لا بالجرار.

‌قَالَ (وَالْغَدِيرُ الْعَظِيمُ الَّذِي لا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحْرِيكِ الطَّرَفِ الْآخَرِ إذَا وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ لأنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لا تَصِلُ إلَيْهِ) إذْ أَثَرُ التَّحْرِيكِ فِي السِّرَايَةِ فَوْقَ أَثَرِ النَّجَاسَةِ.

ثُمَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ يَعْتَبِرُ التَّحْرِيكَ بِالاغْتِسَالِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَعَنْهُ التَّحْرِيكُ بِالْيَدِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله بِالتَّوَضُّؤِ.

وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الاغْتِسَالِ فِي الْحِيَاضِ أَشَدُّ مِنْهَا إلَى التَّوَضُّؤِ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرُوا بِالْمِسَاحَةِ عَشْرًا فِي عَشْرٍ بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْعُمْقِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لا يَنْحَسِرُ بِالاغْتِرَافِ هُوَ الصَّحِيحُ.

وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَجَازَ الْوُضُوءُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَنْجُسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لا يَنْجُسُ إلا بِظُهُورِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ فِيهِ كَالْمَاءِ الْجَارِي.

قوله: (والغدير العظيم الذي لا يتحرك) المراد من تحرك أحد طرفيه هو أن يتحرك بالارتفاع والانخفاض ساعة تحريكه.

وقال في «فتاوى قاضي خان» : «واختلفوا في حد الحوض الكبير.

قال بعضهم: إن كان الحوض بحال لو اغتسل إنسان في جانب لا يضطرب الطرف الذي يقابله أي: لا يرتفع ولا ينخفض فهو كبير»

(2)

.

قال مشايخنا: وإنما يعتبر تحرك الجانب [من الجانب]

(3)

الآخر من ساعته لا بعد المكث لا يعتبر حباب الماء فإن الماء وإن كثر يعلق ويتحرك.

وحاصل هذا ما ذكره شيخ الإسلام فقال: يجب أن يعلم أن العلماء اتفقوا على أن النجاسة متى وقعت في ماء راكد قليل فإنه ينجس وفي كثير لا ينجس]

(4)

ولكن اختلفوا بعد هذا في حد الكثرة والقلة

(5)

.

قال مالك: إذا كان الماء بحال لو وقع فيه النجاسة تغير لونه أو طعمه أو ريحه كان قليلاً وإن لم يتغير شيء منه كان كثيرًا

(6)

.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 14) فصل في الماء الراكد.

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

ساقط من (أ) والتثبت من (ب).

(5)

انظر: شرح فتح القدير (1/ 73)، والاختيار لتعليل المختار (1/ 15)، البناية في شرح الهداية (1/ 313، 314)

(6)

مذهب المالكية: عن الإمام مالك: ثلاث روايات:

الأولى: وهي رواية المصريين: أن الماء القليل، يفسد بقليل النجاسة، سواء تغير أحد أوصافه أو لم يتغير، والماء الكثير لا يفسد إلا إذا تغير أحد أوصافه اللون أو الطعم، او الرائحة.

الثانية: أن الماء إن لم يتغير أحد أوصافه بوقوع النجاسة فيه، فلا يؤثر في حكمه سواء كان قليلاً أو كثيراً، وهي رواية المدنيين.

الثالثة: أن الماء القليل لا يفسد بالنجاسة ولكن يكره الوضوء به. انظر: الكافي ص (15)، القوانين الفقهية ص (35).

ص: 98

وقال الشافعي: إن كان دون القلتين كان قليلاً يتنجس بوقوع النجاسة تغير أو لم يتغير وإن كان قلتين فصاعدًا كان كثيرًا

(1)

.

وقال علماؤنا رحمهم الله

(2)

-: الماء إذا كان بحيث يخلص بعضه إلى بعض أي يصل كان قليلاً، وإن كان لا يخلص، كان كثيرًا، لا ينجس وقوع النجاسة فيه إلا أن يتغير لونه أو طعمه أو ريحه كالماء الجاري لكن اختلفوا بعد هذا أنه بأي سبب يعرف خلوص النجاسة إلى الجانب الآخر فقد اتفقت الروايات عن علمائنا الثلاثة أن الخلوص يعتبر بالتحريك فإنه إذا حرك طرفًا منه إن لم يتحرك الجانب الآخر فهو مما لا يخلص بعضه إلى بعض، [وإن تحرك فهو مما يخلص بعضه إلى بعض]

(3)

إلا أنهم اختلفوا في سبب التحريك، فقد روى أبويوسف عن أبي حنيفة أنه يعتبر التحريك بالاغتسال إن اغتسل إنسان في جانب منه اغتسالاً وسطًا إن لم يتحرك الجانب الآخر فهو مما لا يخلص بعضه إلى بعض وإن تحرك فهو مما يخلص، وبه أخذ أبو يوسف

(4)

، وهذا لأن التحريك بالاغتسال يكون أحوط من التحريك بالوضوء؛ لأن التحريك بالاغتسال أشد من التحريك بالتوضي فيه، ولأن حاجة الإنسان إلى الغسل في المياه الجارية والحياض أكثر من حاجته إلى الوضوء فإن الوضوء يكون في البيوت عادةً، وقد روى أبو يوسف عن أبي حنيفة في رواية [أخرى]

(5)

أنه يعتبر التحريك باليد لا غير؛ لأن التحريك يكون بالاغتسال وبالتوضي وبغسل اليد إلا أن التحريك بغسل اليد أخف فكان الاعتبار به أولى توسعةً على الناس

(6)

.

وروي عن محمد نفسه أنه قال: يعتبر التحريك بالوضوء دون الاغتسال؛ لأن مبنى الماء في حكم النجاسة على الخفة فإن القياس أن يتنجس وإن كثر الماء إلا أنه أُسقط حكم النجاسة عن بعض المياه تخفيفًا فاعتبر التحريك الوسط وهو التحريك بالوضوء؛ لأنه بين الاغتسال وغسل اليد [وهو الأصح]

(7)

فعلم بهذا أن الروايات اتفقت عن أصحابنا المتقدمين رحمهم الله يعتبر الخلوص بالتحريك

(8)

لكن اختلفوا في السبب الذي يقع به التحريك.

والمتأخرون من أصحابنا اعتبروا الخلوص بشيء آخر؛ فقد روي عن محمد بن سلام أنه اعتبر الخلوص بالكدرة فقال: إن كان الماء بحال لو اغتسل فيه وتكدر الجانب الذي اغتسل فيه بسبب الاغتسال إن وصلت الكدرة إلى الجانب الآخر فهو مما يخلص بعضه إلى بعض، وإن لم يصل فهو مما لا يخلص.

(1)

سبق الكلام عنها في (ص 223).

(2)

لعله يقصد علماء الحنفية في بلاد ما وراء النهر.

(3)

ساقط من (ب).

(4)

الهداية (1/ 44).

(5)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).

(6)

الهداية (1/ 44).

(7)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).

(8)

الهداية (1/ 44).

ص: 99

وحكي عن الشيخ الإمام إسماعيل الزاهد

(1)

، عن عيسى بن السمرقندي، عن أبي حفص الكبير صاحب محمد بن الحسن رحمهم الله أنه اعتبر الخلوص بالصبغ فقال: يلقى زعفران في جانب منه فإن أثر الزعفران في الجانب الآخر كان مما يخلص بعضه إلى بعض، وإن لم يؤثر فهو مما لا يخلص.

ومنهم من اعتبر الخلوص بالمساحة.

روى نصير بن يحيى

(2)

، عن أبي سليمان الجوزجاني

(3)

رحمهم الله: أنه اعتبر الخلوص بالمساحة إن كان عشرًا في عشر فهو مما لا يخلص، وإن كان أقل فهو مما يخلص.

هذا حاصل ما ذكره شيخ الإسلام: في «مبسوطه»

(4)

.

وعن محمد

(5)

: في «النوادر» أنه سئل عن هذه المسألة فقال: إن كان مثل مسجدي هذا فهو مما لا يخلص [بعضه إلى بعض]

(6)

. فلما قام مسح مسجده فكان ثمانيًا في ثمان في رواية، وعشرًا في عشر في رواية

(7)

.

وعامة المشايخ أخذوا بقول [أبي]

(8)

سليمان الجوزجاني.

ثم الحوض الكبير الذي لا يخلص بعضه إلى بعضه متى وقعت فيه نجاسة حتى لم يتنجس جميعه هل [يتنجس]

(9)

شيء منه؟ فهذا على وجهين:

(1)

هو الإمام الشيخ الزاهد أبا سعد، إسماعيل بن علي السمان، الفقيه، الحنفي، العابد، الزاهد، حج وزار كثيرا من البلدان، أوقف جميع كتبه على المسلمين، توفى سنة:(445 هـ)، الطبقات السنية (1/ 179).

(2)

هو نصير بن يحيى وقيل: نصر البلخي تفقه على أبي سليمان الجوزجاني (ت 286 هـ)، انظر: الجزاهر المضيئة (2/ 200)، طبقات الحنفية (2/ 200).

(3)

هو موسى بن سليمان، أبو سليمان الجوزجاني، فقيه حنفي، أصله من جوزجان من كوربلخ بخراسان، تفقه واشتهر ببغداد، عرض عليه المأمون القضاء فامتنع، له تصانيف منها: السير الصغير، الصلاة، الرهن، نوادر الفتاوى، (200 هـ) تقريباً. الجواهر المضيئة (2/ 186)، الأنساب للسمعاني (3/ 362)، الجرح والتعديل (8/ 145) رقم (652)، الأعلام (7/ 223).

(4)

انظر: في مسألة «الخلوص» المبسوط للسرخسي (1/ 61، 70) باب الوضوء والغسل والمحيط البرهاني (1/ 94، 95) الفصل الرابع: في المياه التي يجوز التوضؤ بها.

(5)

هو الإمام: محمد بن الحسن الشيباني، (النوادر) رُوي عنه: عندما كان قاضياً في الرقة انظر: كشف الظنون (2/ 126، 1981)، هدية العارفين (1/ 2).

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

أي: عشرة أذرع بعشرة، وذلك حدُّ الماء الكثير، كما سوف يأتي في ذراع المساحة

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

ساقطة من (ب).

ص: 100

إن كانت النجاسة مرئية لا يتوضأ من الجانب الذي وقعت فيه النجاسة.

وقال بعضهم: يتنجس مما حول النجاسة بمقدار حوض صغير، وما رواه ظاهر.

وإن كانت غير مرئية بأن بال فيه إنسان أو اغتسل فيه جنب حكي عن مشايخ العراق: لا فرق بين النجاسة المرئية وغيرها، ومشايخ بخارى [وبلخ]

(1)

فرقوا بين المرئية وغيرها فقالوا في غير المرئية: يتوضأ من الجانب الذي وقعت فيه النجاسة بخلاف المرئية [وهو الأصح محيط]

(2)

، وينبني على هذا ما إذا غسل وجهه في حوض كبير فسقط غسالة وجهه في الماء فرفع الماء من موضع الوقوع قبل التحريك.

«قالوا: على قول أبي يوسف لا يجوز ما لم [يحرك]

(3)

الماء. وبه قال أبو جعفر الأسْرُوْشَني

(4)

:، وغيره من مشايخ بخارى جوزوا ذلك وتوسعوا فيه بعموم البلوى»، كذا في «المحيط»

(5)

.

ثم اختلفت ألفاظ الكتب في تعيين الذراع، فجعل الصحيح هنا ذراع الكرباس

(6)

وجعل [الصحيح]

(7)

في «فتاوى قاضي خان:» [ذراع]

(8)

المساحة وقال: لأن ذراع المساحة أليق بالممسوحات»

(9)

.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(3)

في (ب): «يتحرك» .

(4)

هو أبو جعفر، محمد بن عمرو بن الشعبي بن سليمان الأُسْرُوْشَني بضم الألف وسكون السين المهملة، وضم الراء وسكون الواو وفتح الشين المعجمة، وفي آخرها النون، نسبة إلى «أشروشنة» وهي بلدة كبيرة وراء سمرقند، وكان أحد قضاة بخارى وسمرقند، وكان إمامًا فاضلاً عالماً، فقيهاً، له كتاب الجامع الكبير، وكتاب الزيادات، توفي بسمرقند سنة:(404 هـ). الأنساب (1/ 232)، والجواهر المضيئة (4/ 134) والفوائد البهية ص (57، 58).

(5)

المحيط البرهاني (1/ 96)، الفصل الرابع: في المياه التي يجوز التوضؤ بها.

(6)

الكِيْربَاسُ: هوثوب من القطن الأبيض، معرب فارسيته بالفتح، والنسبة كرابيس كأنه شبه بالأنصاري، وإلا فالقياس كرباسي، وهو مُكَرْبَسُ الرأس: مجتمعه، والكربسة: مشي المقيد، انظر: القاموس المحيط (ص 735)، مختار الصحاح (ص 585) لفظة (كربس).

(7)

ساقطة من (ب).

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

فتاوى قاضي خان (1/ 2) في فصل الماء الراكد.

ص: 101

وفي «المحيط» : «والأصح أن يعتبر في كل زمان ومكان ذراعهم»

(1)

، ولم يتعرض للكرباس والمساحة.

ثم ذراع الكرباس أقصر من ذراع المساحة وقد ذكر الشيخ الإمام ظهير الدين إسحاق بن أبي بكر الواوالجي: في الفصل الأول من كتاب الصلاة من «فتاواه» فقال: فالمعتبر فيه ذراع الكرباس دون المساحة وهي سبع مشتات ليس فوق كل مشت إصبع قائمة، وذراع المساحة سبع مشتات فوق كل مشت إصبع قائمة، فالأول أليق بالتوسعة، وذكر/ 10/ ب/ هو: قبل هذا: إنما اعتبر عدد العشر دون غيره من الأعداد؛ لأن العشرة أدنى ما ينتهي إليه نوع عدد.

‌قَالَ: (وَمَوْتُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فِي الْمَاءِ لا يُنَجِّسُهُ كَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَالزَّنَابِيرِ وَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يُفْسِدُهُ لأنَّ التَّحْرِيمَ لا بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ آيَةُ النَّجَاسَةِ، بِخِلافِ دُودِ الْخَلِّ وَسُوسِ الثِّمَارِ لأنَّ فِيهِ ضَرُورَةً، وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِيهِ: «هَذَا هُوَ الْحَلالُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ» وَلأنَّ الْمُنَجَّسَ هُوَ اخْتِلاطُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِأَجْزَائِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، حَتَّى حَلَّ الْمُذَكَّى لِانْعِدَامِ الدَّمِ فِيهِ وَلا دَمَ فِيهَا، وَالْحُرْمَةُ لَيْسَتْ مِنْ ضَرُورَتِهَا النَّجَاسَةُ كَالطِّينِ.)

-قوله: (نفس سائلة) أي: دم سائل، ذكر [الزنابير]

(2)

بلفظ الجمع دون غيره لأن فيه أنواعًا شتى، كذا قاله الشيخ رحمه الله

(3)

(4)

.

ولنا: قوله عليه السلام: وهو فيما رواه سلمان الفارسي رضي الله عنه: أن النبي عليه السلام سئل عن إناء فيه طعام أو شراب يموت فيه ما ليس له دمٌ سائل قال عليه السلام: «هُوَ الحَلالُ أكْلُهُ وَشُرْبُه والوَضُوء بِه»

(5)

. كذا في «المبسوطين»

(6)

.

(1)

المرجع السابق.

(2)

في (أ): «الدنانير» والتصويب من (ب).

(3)

يقصد صاحب الهداية شيخ الإسلام برهان الدين المرغيناني: انظر: الهداية (1/ 45)، طبعة دار السلام، تحقيق/ محمد تامر وحافظ عاشور.

(4)

مذهب الشافعية: أن الميتة التي لا نفس لها سائلة -كالذباب، والخنافس، والزنابير، والديدان وغيرها- هي نجسة، فإذا ماتت في الماء أو غيره من المائعات ففي نجاسته قولان: أظهرهما: أنه لا ينجس، والثاني: ينجس. انظر: الحاوي الكبير (1/ 390)، وروضة الطالبين (1/ 41)، والمجموع (1/ 181، 182)(2/ 589)، والإقناع في حل الألفاظ أبي شجاع (1/ 138).

(5)

الحديث رواه الدارقطني في سننه (1/ 25) الطهارة، باب كل طعام وقعت فيه دابة ليس لها دم، برقم (81) بإسناده عن سلمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا سَلْمَانُ كُلُّ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَقَعَتْ فِيهِ دَابَّةٌ لَيْسَ لَهَا دَمٌ فَمَاتَتْ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَوُضُوؤُهُ» قال: لم يروه غير بقية عن سعيد بن أبي سعيد الزيدي وهو ضعيف.

(6)

المبسوط للشيباني (1/ 70) باب الوضوء والغسل من الجنابة، والمبسوط للسرخسي (1/ 51، 57، 76) باب الوضوء والغسل.

ص: 102

-قوله: (حتى حل المذكى) لانعدام الدم فيه.

فإن قلت: إثبات الحل بزوال الدم منقوص طردًا وعكسًا:

أما الطرد: ففي صورة ذبح المجوسي فإنه زال الدم ولم يحل المذكى.

وأما العكس: ففي صورة ذبح المسلم الشاة بالتسمية التي هي معلوم حياتها يقينًا ولم يسل الدم بعارض بأن أكلت ورق العناب فإنها تحل مع أن الدم لم يزل.

قلت: أما ذبيحة المجوسي فإنها ملحقة بالمنخنقة لعدم أهلية الذابح؛ لأن صاحب الشرع أخرجه عن كونه أهلاً للذبح بقوله عليه السلام: «سنُّوا بهم سنَّة أهْلَ الكتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ، وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ»

(1)

.

والحكم تعلق بالسبب المريق وهو الزكاة الشرعية لما بنفس الإراقة فسقطت الإراقة فيه، ودار الحكم مع سببها تيسيرًا علينا كما في السفر مع المشقة والنوم مع الحدث.

وأما ذبيحة المسلم فلأهلية الذابح واستعمال آلة الذبح جعل الدم كأنه سال شرعًا لإتيانه بما هو المأمور به شرعًا، وربما لا يريق بعارض كما ذكرت فلا تعتبر العوارض؛ إذ هي لا تدخل تحت القواعد فكان الاعتبار للأصل وهو الإراقة من [الأصل]

(2)

كما أن الأصل في السفر هو المشقة عادةً، وربما لا توجد المشقة لعارض فلا يعتبر العارض فيجعل كأن المشقة قد وجدت حتى عمل عمل السفر [الذي]

(3)

وجدت فيه المشقة في إثبات الرخصة كذلك ها هنا.

-قوله: (ولأن المنجس اختلاط الدم المسفوح بأجزائه عند الموت) ولهذا قلنا: إن المصلي إذا [استصحب]

(4)

فأرةً أو عصفورةً [حية]

(5)

لم تفسد صلاته ولو كانت نجسة لفسدت، ولو ماتت حتف أنفها فاستصحبها [فسدت]

(6)

، والسمكة لو استصحبها في

(1)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 189) كتاب الجزية، باب المجوس أهل كتاب والجزية تؤخذ منهم، وأخرجه الإمام مالك في الموطأ (1/ 278) حديث 42، كتاب الجزية، باب جزية أهل الكتاب والمجوس. وقد ضعف هذا الحديث محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي (ت 744 هـ) في كتابه رسالة لطيفة في أحاديث متفرقة ضعيفة (ص 46) تحقيق العباسي الناشر: دار الهدى ط 2/ 1404 هـ.

(2)

في (أ): «الأهل» والتصويب من (ب).

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

في (ب): «استصحبت» .

(5)

في (ب): «أو حية» .

(6)

ساقطة من (ب).

ص: 103

صلاته لا تفسد [صلاته]

(1)

ميتةً كانت أو حيةً؛ لأنه لا دم [لها]

(2)

.

ولا يقال: إن الدموي من الحيوانات كما يشتمل على الدم بعد الموت فكذلك يشتمل على الدم قبل الموت، فلو كان المنجس هو الدم لكان الدموي من الحيوانات نجسًا على تقديري الموت والحياة؛ لأنا نقول: الدموي من الحيوانات قبل الموت وإن كان يشتمل على الدم ولكن الدم الذي يشتمل عليه قبل الموت في معدنه [ومظانه]

(3)

، والدماء بعد الموت تنصب عن مجاريها فلا يبقى في معادنها فيتنجس [اللحم]

(4)

بتشربه إياها، ولهذا لو قطعت العروق بعد الموت لا يسيل منها الدم، كذا في «الفوائد الظهيرية» .

قَالَ (وَمَوْتُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ فِيهِ لا يُفْسِدُهُ كَالسَّمَكِ وَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يُفْسِدُهُ إلا السَّمَكُ لِمَا مَرَّ. وَلَنَا أَنَّهُ مَاتَ فِي مَعْدِنِهِ فَلا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ كَبَيْضَةٍ حَالَ مُحُّهَا دَمًا، وَلأنَّهُ لا دَمَ فِيهَا، إذْ الدَّمَوِيُّ لا يَسْكُنُ الْمَاءَ وَالدَّمُ هُوَ الْمُنَجِّسُ، وَفِي غَيْرِ الْمَاءِ قِيلَ غَيْرُ السَّمَكِ يُفْسِدُهُ لِانْعِدَامِ الْمَعْدِنِ. وَقِيلَ لا يُفْسِدُهُ لِعَدَمِ الدَّمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.)

-قوله: (وموت ما يعيش في الماء فيه) قوله: «في الماء» ظرف ليعيش، وقوله:«فيه» طرف الموت.

-قوله: (لما مر) إشارة إلى قوله: لأن التحريم لا بطريق الكرامة. يعني أن الضفدع والسرطان لما حرم أكلهما مع صلاحيتهما دل على نجاستهما

(5)

.

-قوله: (كبيضة حَالَ مُحّها دمًا) أي: تغير صفرتها دمًا، يعني لو صلى وفي كمه تلك البيضة يجوز الصلاة معها؛ لأن النجاسة في [محلها]

(6)

بخلاف ما إذا صلى وفي كمه قارورة وفيها دمٌ لا تجوز صلاته؛ لأن النجاسة ليست في معدنها.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): «مكانه» .

(4)

في (ب): «الدم» .

(5)

انظر: في مذهب الأحناف: شرح فتح القدير (1/ 83)، البناية شرح الهداية (1/ 340).

ومذهب الشافعية: قال النووي في الروضة: وأما الميتات، فكلها نجسة، إلا السمك والجراد، فإنهما طاهران بالإجماع»، وقال:«وأما النجاسة الجامدة، كالميتة، فإن غيرت الماء، نجسته، وإن لم تغيره، فتارة تقف، وتارة تجري مع الماء، فإن جرت جرية، فما قبلها وما بعدها طاهران. وما على يمينها وشمالها وفوقها وتحتها، إن كان قليلا، فنجس، وإن كان قلتين، فقيل: طاهر، وقيل: على قولي التباعد» انظر: روضة الطالبين (1/ 13 - 26).

(6)

في (ب): «معدنها» .

ص: 104

-قوله: (ولأنه لا دم فيها) وجعل شمس الأئمة السرخسي: هذا التعليل أصح فقال: والثاني أنه ليس لهذه الحيوانات دمٌ سائل؛ فإن ما يسيل منها إذا شمس [يبيض]

(1)

، والدم إذا شمس [يسود]

(2)

، وهذا الحرف أصح؛ لأنه كما لا يفسد الماء بموت هذه الحيوانات فيه لا يفسد غير الماء كالخل والعصير، ويستوي إن تقطع أو لم يتقطع إلا على قول أبي يوسف: فإنه يقول: إذا قطع في الماء أفسده بناءً على قوله: إن دمه نجس. وهو ضعيف؛ فإنه لا دم في السمك إنما هو ماء آجن. ولو كان فيه دم فهو مأكول فلا يكون نجسًا كالكبد والطحال.

وأشار الطحاوي: إلى أن الطافي من السمك في الماء يفسده وهو غلط منه، فليس في الطافي أكثر فسادًا من أنه غير مأكول فهو كالضفدع والسرطان.

وعن محمد: أن الضفدع إذا تفتت في الماء كرهت شربه لا لنجاسته لكن لأن أجزاء الضفدع فيه والضفدع غير مأكول، كذا في «المبسوط» .

‌وَالضُّفْدَعُ الْبَحْرِيُّ وَالْبَرِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ. وَقِيلَ: الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ لِوُجُودِ الدَّمِ وَعَدَمِ الْمَعْدِنِ، وَمَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ مَا يَكُونُ تَوَلُّدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْمَاءِ، وَمَائِيُّ الْمَعَاشِ دُونَ مَائِيِّ الْمَوْلِدِ مُفْسِدٌ

-قوله: (والضفدع [البحري والبري]

(3)

سواء) وإنما يعرف الضفدع المائي من البري بما يكون بين أصابعه سترة دون البري، كذا في «الفتاوى الظهيرية» .

-قوله: (قيل غير السمك يفسده)

(4)

وهو قول [نصير]

(5)

بن يحيى ومحمد بن سلمة وأبي معاذ البلخي وأبي مطيع رحمهم الله

(6)

.

وقيل: لا يفسده. «وهو قول أبي عبد الله البلخي ومحمد بن مقاتل» ، كذا في «المحيط

(7)

ولكن هذا القول وهو قول أبي عبد الله البلخي أصح لما ذكرنا من اختيار شمس الأئمة

(8)

: وهو اختيار صاحب «الهداية» أيضًا حيث قال: هو الأصح

(9)

.

(1)

في المبسوط: «أبيض» .

(2)

في المبسوط: «أسود» .

(3)

في (أ): «البري والبحري» والتصويب من (ب) والهداية.

(4)

هذه الجملة بهذا الترتيب وردت في (أ) و (ب) وفي الهداية متقدمة على الجملة التي قبلها.

(5)

في المحيط (1/ 114): «نصر» وقيل نصير، الجواهر المضيئة (2/ 200).

(6)

انظر: المحيط (1/ 114) الفصل الرابع: المياه التي يجوز التوضؤ بها.

(7)

المرجع السابق.

(8)

شمس الأئمة السرخسي:.

(9)

انظر: الهداية (1/ 46).

ص: 105

‌قَالَ (وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي طَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ) خِلافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. هُمَا يَقُولانِ: إنَّ الطَّهُورَ مَا يُطَهِّرُ غَيْرَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْقَطُوعِ.

وَقَالَ زُفَرُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله: إنْ كَانَ الْمُسْتَعْمِلُ مُتَوَضِّئًا فَهُوَ طَهُورٌ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ لأنَّ الْعُضْوَ طَاهِرٌ حَقِيقَةً، وَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ الْمَاءُ طَاهِرًا لَكِنَّهُ نَجِسٌ حُكْمًا، وَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ الْمَاءُ نَجِسًا فَقُلْنَا بِانْتِفَاءِ الطَّهُورِيَّةِ وَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ عَمَلاً بِالشَّبَهَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله هُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، لأنَّ مُلاقَاةَ الطَّاهِرِ لِلطَّاهِرِ لا تُوجِبُ التَّنَجُّسَ، إلا أَنَّهُ أُقِيمَتْ بِهِ قُرْبَةٌ فَتَغَيَّرَتْ بِهِ صِفَتُهُ كَمَالِ الصَّدَقَةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ نَجِسٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» الْحَدِيثَ، وَلأنَّهُ مَاءٌ أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ فَيُعْتَبَرُ بِمَاءٍ أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، ثُمَّ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً اعْتِبَارًا بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي النَّجَاسَةِ الْحَقِيقَةِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ رحمه الله وَهُوَ قَوْلُهُ إنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً لِمَكَانِ الاخْتِلافِ).

-قوله: (والماء المستعمل لا يطهر الأحداث)

(1)

(2)

والكلام ها هنا في مواضع:

أحدها: في حكم الماء المستعمل.

والثاني: في سببه.

والثالث: في وقت أخذه حكم الاستعمال.

فبدأ ببيان حكمه فقال: والماء المستعمل لا يطهر الأحداث، وإنما قيد بالأحداث لما أنه يطهر الأنجاس فيما روى محمد عن أبي حنيفة رحمهما الله: الطهور ما يطهر غيره مرةً بعد أخرى. وقد ذكرنا في أول هذا الباب أن إفادة تطهير الغير إنما يعلم بالعدول عن صيغة الطاهر إلى صيغة الطهور لا باعتبار الوضع.

وللشافعي

(3)

في الماء المستعمل أقوال ثلاثة: وأظهر أقاويله كما قاله محمد: أنه طاهر غير طهور.

وقال في قول: طاهر ومطهر.

وقال في قول: إن كان المستعمل محدثًا فهو طاهر غير طهور، وإن كان متوضئًا فهو طاهر وطهور. وهو قول زفر.

وقال مالك

(4)

: طاهر وطهور إلا أنه أحب إلي أن يتوضأ بغيره لما أن عنده إذا

(1)

هكذا وردت في (أ) و (ب) وفي الهداية (1/ 46): أصلها «والماء المستعمل لا يجوز استعماله في طهارة الأحداث» .

(2)

انظر: شرح فتح القدير (1/ 46)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 15) البناية شرح الهداية (1/ 394).

(3)

مذهب الشافعية: أن الماء المستعمل في رفع الحدث، طاهر وليس بطهور فلا يصلح استعماله مرة أخرى في طهارة الحدث، انظر: الحاوي (1/ 54)، روضة الطالبين (1/ 7)، المجموع (1/ 202)، الإقناع (1/ 20).

(4)

مذهب المالكية: ان الماء المستعمل في رفع حدث أو إزالة حكم خبث، يكره استعماله بعد ذلك في طهارة حدث أو اغتسالات مندوبة، لا في إزالة حكم خبث، وقيدوا الكراهة بأمرين:

الأول: أن يكون ذلك الماء قليلاً كآنية الوضوء والغسل.

والثاني: أن يوجد ماء طهور غيره، وإلا فلا كراهة.

وكذلك فإنهم لم يجيزوا التيمم مع وجوده. انظر: شرح بداية المجتهد (1/ 66)، مواهب الجليل (1/ 44)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 41).

ص: 106

وقعت في الماء نجاسة حقيقية ولم يتغير طعمه ولا لونه ولا ريحه لم ينجس.

-قوله: (عملاً بالشبهين) وكان هذا كسؤر الحمار لما تعارضت الأدلة بعضها يوجب الطهارة وبعضها يوجب النجاسة خرج من أن يكون طهورًا ويبقى طاهرًا بخلاف ما إذا لم يكن محدثًا لأنه لم يتحول إلى الماء شيء؛ لا من حيث الحقيقة ولا من حيث الحكم فكان هذا وغسل ثوب طاهرٍ سواء.

[فوجه]

(1)

قول محمد ما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنه مرض فتوضأ رسول الله عليه السلام وصب الغسالة عليه فأفاق. وكذا في حق جابر رضي الله عنه، ولو/ 11/ أ/ كان نجسًا لما استشفى [له]

(2)

رسول الله عليه السلام: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ»

(3)

. ولأنه طاهر لاقى [طاهرًا]

(4)

فلا ينجس قياسًا على ما [لو]

(5)

غسل به ثوبًا طاهرًا؛ لأنه لم يتحول إلى الماء نجاسة؛ لأنه لا نجاسة على أعضائه إلا أنه أقيم به قربة فزال عنه صفة الطهورية، ألا ترى أن مال الصدقة لما أقيم به القربة تغير صفته فزال عنه الطيبة حتى لم يحل لرسول الله عليه السلام، ولكن بقي [طاهرا]

(6)

حلالاً في نفسه حتى حل لغير رسول الله عليه السلام، فكذا تغير صفة الماء عندي بإقامة القربة حتى لو غسل أعضاء الوضوء متبردًا لا بنية القربة فإن الماء يبقى طهورًا عندي

(7)

.

(1)

في (ب): «قوله» .

(2)

في (ب): «به» .

(3)

موقوف، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال:«إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» رواه البخاري (7/ 110) باب شراب الحلواء والعسل.

(4)

في (ب): «طاهر» .

(5)

ساقطة من (أ).

(6)

ساقطة من (أ) والتصويب من (ب).

(7)

في هامش (ب): أي بأن كان مدثاً؛ لأنه إذا كان متوضئاً فلا اختصاص بقوله؛ بل يبقى مطهراً بالإجماع.

ص: 107

وأما وجه ما روى أبو يوسف: عن أبي حنيفة: فيما روى أبو هريرة عن رسول الله عليه السلام أنه قال: «لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ»

(1)

. فالنبي عليه السلام سوى بين النجاسة الحكمية والحقيقية؛ فإنه كما نهى عن البول كذلك نهى عن الاغتسال دل أن الاغتسال فيه يوجب النجاسة كالبول والدليل عليه أن الجنب إذا اغتسل يؤخر غسل رجليه كيلا تتنجس رجله ثانيًا بالماء المستعمل، فلو كان الماء المستعمل طاهرًا لما أخر.

ولأنهم أجمعوا أن المسافر إذا خاف العطش حل له التيمم ولا يؤمر بالتوضي، وجمع الغسالة للشرب ولو كان لا يتنجس لأمر بالتوضي به، ثم يجمع الغسالة للشرب مع عزته في ذلك الموضع، والمعنى أن الحدث في منع الصلاة فوق النجاسة الحقيقية فإن اليسير من الحدث مانع عن الصلاة، ومن الحقيقة لا هذا كله في «مبسوط شيخ الإسلام»

(2)

.

«وذكر الطحاوي أنه إذا تبرد بالماء صار الماء مستعملاً وهذا غلط منه إلا أن يكون تأويله أنه إن كان محدثًا فيزول الحدث باستعمال الماء، وإن كان قصده التقرب فحينئذٍ يصير مستعملاً» ، كذا في «المبسوط»

(3)

. ولأنه ما أزيلت به بالنجاسة الحكمية؛ لأن عضو الجنب والمحدث له حكم النجاسة في الشرع حتى منع من جواز الصلاة فلذلك أطلق اسم التطهير بقوله: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6]، {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، فالتطهير عبارة/ 11/ ب/ عن إزالة النجاسة وقد أزيلت تلك النجاسة بالماء فانتقل حكم النجاسة إليه كما في الحقيقة.

فإن قيل: بالأعضاء حكم نجاسة والحكم لا يقبل التحول إلى الماء.

قلنا: لو لم يلحق [بالغير]

(4)

في حق الإزالة لما ثبت حكم الإزالة ولما تغير صفة الماء كما في الثوب الطاهر وقد تغير بالإجماع أو بالدلائل التي قلنا فثبت أنه تحول إليه ما كان بالعضو حكمًا [ولا يثبت ذلك]

(5)

إلا أن يعتبر ذلك الحكم تعين حله.

فإن قيل: هذا إنما يتحقق في [المحدث]

(6)

والجنب، فأما المتوضئ إذا توضأ ثانيًا بنية القربة فلا؛ لأنه لم يكن بأعضائه من النجاسة الحكمية حتى يزول من أعضائه وينتقل إلى الماء.

(1)

سبق تخريجه في (ص 221).

(2)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام وإنما ذكر نحوه في المبسوط للسرخسي (1/ 46) باب الوضوء والغسل.

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (47) باب الوضوء والغسل.

(4)

في (ب): «بالعين» .

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

ساقطة من (ب).

ص: 108

«قلنا: لما نوى القربة فقد ازداد به طهارةً على [طهارة]

(1)

ونورًا على نور على ما جاءت به الأخبار، [ولكن لا]

(2)

تكون طهارة جديدة حكمًا» إلا بإزالة النجاسة حكمًا فصارت الطهارة على الطهارة وعلى الحدث سواء حكمًا كذا في «الأسرار»

(3)

.

«وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة:

(4)

: التقدير فيه بالدرهم كما في النجاسة العينية، ولكنه بعيد فإن في البلوى تأثيرًا في تخفيف النجاسة، ومعنى البلوى في الماء المستعمل ظاهر، فإن صون الثياب عنه غير ممكن وهو مختلف في نجاسته فلذلك خف حكمه»، كذا في «المبسوط»

(5)

.

وقال في «المحيط» : «واختلفوا في طهارة الماء المستعمل.

قال محمد: هو طاهر وهو رواية عن أبي حنيفة: وعليه الفتوى»

(6)

.

‌قَالَ (وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ هُوَ مَا أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ أَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْبَدَنِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ) قَالَ رضي الله عنه: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله: لا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلاً إلا بِإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ لأنَّ الاسْتِعْمَالَ بِانْتِقَالِ نَجَاسَةِ الْآثَامِ إلَيْهِ وَإِنَّهَا تُزَالُ بِالْقُرَبِ، وَأَبُو يُوسُفَ رحمه الله يَقُولُ: إسْقَاطُ الْفَرْضِ مُؤَثِّرٌ أَيْضًا فَيَثْبُتُ الْفَسَادُ بِالْأَمْرَيْنِ

-قوله: (والماء المستعمل هو ما أزيل به حدث) بأن يتوضأ متبررًا وهو محدث، وهذا هو بيان السبب. أو استعمل في البدن على وجه القربة بأن يتوضأ وهو طاهر بنية الطهارة.

-قوله: (وقيل هو قول أبي حنيفة: أيضًا)

(7)

، وذكر في «مبسوط شيخ الإسلام»

(8)

قالوا: يجب أن يكون قول أبي حنيفة كقول أبي يوسف، وقد دل [مسائل]

(9)

على ما ذكرنا نقلت عنهم.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

في (أ): «وأن» والتصويب من (ب).

(3)

الأسرار ص (246، 247).

(4)

الهداية شرح بداية المبتدي (1/ 46، 47).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 46) باب الوضوء والغسل.

(6)

انظر: المحيط البرهاني (1/ 119) الفصل الرابع: في المياه التي يجوز التوضؤ بها.

(7)

الهداية شرح بداية المبتدي (1/ 46، 47).

(8)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام وإنما ذكر نحوه في المحيط البرهاني (1/ 116، 117) في الفصل الرابع: في المياه التي يجوز التوضؤ بها.

وفي المبسوط للسرخسي (1/ 47) في باب الوضوء والغسل.

(9)

في (ب): «سائل) وهو خطأ.

ص: 109

قال في كتاب الحسن: قال أبو حنيفة: إن غمس رَجُلٌ جنب أو غير متوضئ [يديه]

(1)

إلى المرفقين أو إحدى رجليه في ماءٍ في إجانة لم يجز أن يتوضأ منه؛ لأنه سقط فرضه عنه. وذكر أبو يوسف في «نوادر المعلى» : رجل في يده قذر فأخذ الماء بفمه [فصبه على يده فغسلها لم يطهرها لأنه قد صار الماء مستعملاً حين أخذ الماء بفمه]

(2)

وهو جنب وعنده الماء المستعمل نجس.

وقال: في [صلاة الأثر]

(3)

[يطهر]

(4)

اليد إذا لم يرد به المضمضة وجاز به عن الوضوء.

-قوله: (لأن الاستعمال بانتقال نجاسة الآثام) والإثم قذر لقوله عليه السلام: «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ من أصاب»

(5)

. لأنه شعبة من الكفر وهو أقوى النجاسات.

-قوله: (وأبو يوسف يقول: إسقاط الفرض مؤثر أيضًا) وذلك لأن تغير الماء عندهما لزوال [نجاسته]

(6)

حكمية إلى الماء وقد زالت في الحالين إلى الماء نجاسة حكمية من الوجه الذي بينا فأوجب ذلك فساد الماء كما لو تحول إلى الماء نجاسة حقيقية.

وعند محمد تغير الماء ليس من حيث أنه زال إلى الماء شيء لكن من حيث أنه أقام به القربة، فمتى صار مقيمًا للقربة تغير صفة الماء وإلا بقي طهورًا كما كان.

(وَمَتَى يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلاً. الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَا زَايَلَ الْعُضْوَ صَارَ مُسْتَعْمَلاً، لأنَّ سُقُوطَ حُكْمِ الاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الانْفِصَالِ لِلضَّرُورَةِ وَلا ضَرُورَةَ بَعْدَهُ)

-قوله: (ومتى يصير مستعملاً) هذا هو بيان وقت أخذه حكم الاستعمال.

-قوله: (كما زايل العضو) الكاف ها هنا للمفاجأة لا للتشبيه كما تقول: كما خرجت من البيت رأيت زيدًا. أي: فاجأت ساعة خروجي ساعة رؤية زيد، أي يصير الماء مستعملاً مفاجئًا وقت زواله عن العضو وقت الاستعمال من غير توقف إلى وقت الاستقرار في موضع كما هو زعم بعضهم، وذكر في «المحيط» أن الماء إنما يأخذ حكم الاستعمال إذا زايل البدن، [وفي الاجتماع في مكان]

(7)

ليس بشرط هذا هو مذهب أصحابنا رحمهم الله. [وقال: ما ذكر]

(8)

في «شرح الطحاوي» : أن الماء إنما يأخذ حكم الاستعمال إذا زايل البدن واستقر في مكان فذاك قول سفيان الثوري

(9)

وإبراهيم النخعي رحمه الله وبعض مشايخ بلخ، وهو اختيار الطحاوي رحمه الله وبه كان يفتي ظهير الدين المرغيناني رحمه الله

(10)

.

(1)

في (ب): «بدنه» .

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): «صلاته» .

(4)

في (أ): «طهر» والتصويب من (ب).

(5)

رواه مالك في الموطأ (5/ 350) عن زذد بن أسلم مرسلاً، وانظر التمهيد لابن عبد البر (5/ 321).

(6)

في (أ): «نجاسته» والتصويب من (ب).

(7)

في المحيط (1/ 121): «والاجتماع في المكان» .

(8)

في المحيط (1/ 121): «وما ذكر» .

(9)

هو أبو عبد الله، سفيان بن سعيد بن مسروق بن حمزة بن حبيب الثوري الكوفي، ثقة، حافظ، فقيه، عابد، حجة، أحد الأئمة المجتهدين، مات بالبصرة سنة:(161 هـ) تقريب التهذيب (1/ 311) برقم (312)، مشاهير علماء الأمصار ص (170) برقم (1349)، وفيات الأعيان (2/ 386) برقم (266).

(10)

سبق في (ص 230).

ص: 110

أما مذهب أصحابنا ما ذكرنا.

وعن هذا قلنا: من نسي مسح رأسه فأخذ ماءً من لحيته ومسح رأسه لا يجوز [لأنه كما أخذه من لحيته فقد أخذ حكم الاستعمال، لأنه زايل العضو فحصل المسح بماء مستعمل]

(1)

.

وفي «نظم الزندوبستي»

(2)

: أن عند مشايخ بخارى يصير الماء مستعملاً وإن كان في الهواء، حتى قالوا: لو أصاب ثوبه يتنجس

(3)

.

وفي «الفتاوى الظهيرية» : اتفق علماؤنا في أن الماء الذي نادت به القربة ما دام مترددًا في العضو لا يعطى له حكم الاستعمال، فإذا زايل العضو ولم يصل إلى الأرض ولا إلى موضع يستقر فيه بل هو في الهواء إذا نزل على عضو إنسان وجرى فيه لم يصر متوضيًا.

وقال أبو سهل الكبير وبه يقول أصحاب [العشرة]

(4)

ببخارى: أن الماء لا يصير مستعملا ما لم يستقر في مكان من الأرض أو إناء.

(وَالْجُنُبُ إذَا انْغَمَسَ فِي الْبِئْرِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله الرَّجُلُ بِحَالِهِ لِعَدَمِ الصَّبِّ)

-قوله: (والجنب إذا انغمس لطلب الدلو) أي: الجنب الذي ليس في بدنه نجاسة من المني وغيره فيه إشارة إلى أنه لو انغمس للاغتسال للصلاة يفسد الماء عند الكل، وهو شرط عنده أي في الماء الذي هو ليس بجارٍ ولا هو في حكم الجاري حتى أنه لا يشترطه في الماء الجاري والحياض الكبيرة، وقال أبو يوسف: العضو لا يطهر إلا بصب الماء عليه.

وروي عنه أن الثوب لا يطهر إلا بالصب أيضًا وهو قول الشافعي. فوجهه أن القياس يأبى التطهير بالغسل فإن الماء يتنجس بأول الملاقاة فلا يحصل به التطهير، وإنما حكمنا بالطهارة ضرورة أن الشرع كلفنا بالتطهير والتكليف يعتمد القدرة، وسمي الماء طهورًا وذلك يقتضي حصول الطهارة به والضرورة تندفع بطريق الصب فلا ضرورة إلى طريق آخر [فإن]

(5)

الماء حالة الصب [الماء]

(6)

بمنزلة ماءٍ جارٍ، وفي غير حالة الصب آكد، والماء الراكد أضعف من الماء الجاري.

ووجه الرواية التي فرق أبو يوسف: بين الثوب في البدن أن غسل الثياب بطريق الصب لا يتحقق إلا بكلفة ومشقة لأنها تغسلها النساء عادةً، وكل امرأة لا تجد خادمًا يصب الماء عليها ولا ماءً جاريًا، أما غسل البدن يتحقق بطريق الصب من غير كلفة.

(1)

ساقط من النسختين والتثبيت من المحيط (1/ 121).

(2)

سبق (ص 189) هامش 2.

(3)

انظر: المحيط البرهاني (1/ 121) الفصل الرابع: في المياه التي يجوز التوضؤ بها.

(4)

في (ب): «العشيرية» .

(5)

في (ب): «مع ان» .

(6)

«ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

ص: 111

ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو الاستحسان: أن الثوب يخرج من الماء الثالث طاهرًا لأجل البلوى والضرورة فإن الماء الجاري لا يوجد في كل مكان، والثوب قد يكون ثقيلاً لا تقدر المرأة على حمله لتصب عليه الماء فتعصره فتبتلى بالغسل في الإجانات ثم الماء للطافتة يتداخل في أجزاء الثوب فيخرج النجاسة أولاً ثم يخرج الماء على أثره بالعصر فلهذا حكم بطهارته والمياه كلها نجسة لتحول النجاسة من الثوب إلى الماء.

فإن قيل: البلة الباقية في الثوب بعد العصر جز من الماء الثالث والماء الثالث نجس فكيف كانت هذه البلة طاهرة؟

قلنا: المعنى البلوى فإنه لا يمكن عصر الثوب على وجه لا يبقى فيه بلة، وما لا يستطاع التحرز عنه فهو عفو، ثم هذه [البلة]

(1)

لا تماس النجاسة؛ فإن النجاسة خرجت من الثوب ثم الماء خرج بالعصر فما بقي من البلة لم تماس النجاسة، ألا ترى أنه لو كان مكان النجاسة لون في الثوب يتحول ذلك اللون إلى الماء ولا يبقى شيء منه في الثوب لبقاء البلة، فهذا كذلك. كذا في «جامعي شمس الأئمة وقاضي خان -رحمهما الله-» .

‌وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ وَالْمَاءُ بِحَالِهِ لِعَدَمِ الْأَمْرَيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله كِلاهُمَا طَاهِرَانِ: الرَّجُلُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الصَّبِّ، وَالْمَاءُ لِعَدَمِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله: كِلاهُمَا نَجِسَانِ: الْمَاءُ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ الْبَعْضِ بِأَوَّلِ الْمُلاقَاةِ وَالرَّجُلُ لِبَقَاءِ الْحَدَثِ فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ. وَقِيلَ عِنْدَهُ نَجَاسَةُ الرَّجُلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. وَعَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ لأنَّ الْمَاءَ لا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الانْفِصَالِ، وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ.

-قوله: (لعدم الأمرين) وهما إسقاط الفرض ونية القربة، ثم إنما قدم قول أبي يوسف ولم يوسطه كما هو حقه لزيادة احتياجه إلى البيان بسبب ترك أصله.

وذكر شيخ الإسلام في «مبسوطه»

(2)

: أن أبا يوسف ترك أصله في هذه المسألة فإنه كان يجب أن ينجس الماء على مذهبه كما قاله أبو حنيفة:؛ لأن الماء يصير مستعملاً عنده بسقوط الفرض وقد سقط الفرض وإن لم ينو فكأنه إنما ترك أصله في هذه المسألة لضرورة الحاجة إلى طلب الدلو فلم يسقط الفرض كي لا يصير الماء نجسًا فيفسد البئر، ويوجد لهذا نظير وهو ما روي عن أبي يوسف أنه قال: إن أدخل الجنب أو المحدث يده في إناء ليغترف [الماء]

(3)

لا يزول الحدث عن يده كي لا يفسد الماء للحاجة إلى الاغتراف فكذا هذا.

(1)

في (ب): «الثلثة» .

(2)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، وإنما ذكر نحوه في المبسوط للسرخسي (1/ 53) باب الوضوء والغسل والمحيط البرهاني (1/ 124) الفصل الرابع: في المياه التي يجوز التوضؤ بها.

(3)

ساقطة من (ب).

ص: 112

وأما محمد مر على أصله؛ لأن الماء إنما يصير مستعملاً عنده بإقامة القربة ولم يوجد، ولكن طهر الرجل لأن نية القربة ليست بشرط لثبوت الطهارة؛ لأن الماء بطبعه طهور من غير نية.

وكذلك أبو حنيفة مرَّ على أصله وقال: صار الماء مستعملاً بإسقاط الفرض وإن لم توجد نية القربة لما ذكرنا أن النية ليست بشرط لسقوط الفرض، وإذا سقط الفرض صار الماء مستعملاً عنده فيتنجس الرجل.

وذكر الإمام المحبوبي: لما [لم]

(1)

يشترط النية لسقوط الفرض عند أبي حنيفة: صار الماء مستعملاً فيتنجس الرجل لكن نجاسة الماء النجس لا نجاسة الجنابة عند بعض أصحابنا حتى يجوز له قراءة القرآن ودخول المسجد.

قال الصّدْر الشهيد:

(2)

: والصحيح أنه ينجس نجاسة الجنابة؛ لأنه بأول الملاقاة صار الماء مستعملاً، فعند أبي يوسف: الرجل بحاله جنب والماء بحاله طاهر؛ لأنه لو حكم بطهارة الرجل صار الماء مستعملاً بأول الملاقاة، والمستعمل عنده نجس فلا يطهر به الرجل، وإذا لم يطهر ينتقض الحكم بالاستعمال فيؤدي إلى الدور فيقال من الابتداء: الماء طاهر بحاله، والرجل جنب بحاله، احترازًا عن الدور.

/ 12/ أ/ وقال القدوري: كان شيخنا أبو عبد الله الجرجاني رحمهما الله يقول: الصحيح عندي من مذهب أصحابنا إزالة الحدث يوجب استعمال الماء ولا معنى لهذا الخلاف؛ إذ لا نص عنهم على هذا الوجه يعني أن الماء إنما يكون مستعملاً عند أبي يوسف بأحد أمرين: إسقاط الفرض، ونية القربة.

وعند محمد بنية القربة، ولا يجوز أن [يؤخذ]

(3)

هذا الاختلاف من مسألة البئر ويمكن تخريجها على القولين من غير إثبات الخلاف.

قال الكرخي:

(4)

: ويمكن تخريجها بأن يقال: إن محمدًا إنما لم يحكم بنجاسة [الماء]

(5)

البئر لمكان الضرورة كما قلنا في الجنب أو المحدث إذا أدخل يده في الإناء للاغتراف لا يصير الماء مستعملاً بلا خلاف لمكان الضرورة؛ لأن الإنسان عسى لا يجد إناءً صغيرًا أو لا يمكنه صب الماء على يده من الإناء الكبير فيضطر إلى الإدخال وقامت اليد مقام الإناء الصغير، ولم يعتبر أبو يوسف تلك الضرورة في البئر فوقع الاختلاف، وها هنا لا ضرورة، وثبت حكم الاستعمال عند إسقاط الفرض بلا خلاف، ولا يصح الاستدلال بمسألة البئر على إثبات الخلاف ها هنا لوجود الفارق على ما ذكرنا، كذا/ 12/ ب/ في «المحيط»

(6)

و «[الفوائد]

(7)

الظهيرية».

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

هو عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازة، أبو محمد، المعروف بالصدر الشهيد، الفقيه، الحنفي، الأصولي، المناظر، ولد بخراسان سنة:(483 هـ)، وتفقه على أبيه وغيره حتى صار من كبار الأئمة وأعيان الفقهاء، وبالغ في الاجتهاد، وكان معظماً عند السلطان فيما وراء النهر، ويشاوره، ويأخذ برأيه، وذاع صيته بين الناس إلى أن قتله الكفار بسمرقند بعد وقعة قطوان، سنة:(536 هـ)، صنف الفتاوى الكبرى والفتاوى الصغرى وشرح الجامع الصغير المطول والمتوسط والمتأخر، والواقعات والمنتقى وعمدة المفتي والمستفتي، وأصول حسام الدين، الفوائد البهية ص (149)، الجواهر المضية (1/ 391)، الفتح المبين (2/ 25)، الأعلام (5/ 210).

(3)

في (ب): «يوجد» .

(4)

أبو الحسن عبد الله بن الحسين بد دلهم الكرخي- نسبة إلى كرخ قرية بالعراق- انتهت إليه رئاسة الحنفية، من المجتهدين في المسائل توفي سنة:(340 هـ) الفوائد البهية ص (108) تاريخ بغداد (10/ 353) برقم (5507)، الجواهر المضية (2/ 493).

(5)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب) والهداية.

(6)

المحيط البرهاني (1/ 121 - 124) في الفصل الرابع: في المياه التي يجوز التوضؤ بها.

(7)

ساقطة من (ب).

ص: 113

قلت: فحصل من الأقوال الثلاثة المنقولة عن أبي حنيفة: أنه على القول الأول لا يجوز الصلاة ولا قراءة القرآن، وعلى القول الثاني يجوز قراءة القرآن ولا يجوز الصلاة، وعلى القول الثالث: يجوز كلاهما.

وتسمى هذه المسألة مسألة «جحط» عبارة عن نجاسة كل واحد من الرجل والماء أنهما نجسان، «والحاء» [عبارة]

(1)

عن إبقاء حال كل واحد منهما على ما كان، والطاء عن طهارة كل واحد منهما، وترتيب الأحكام على ترتيب العلماء الثلاثة.

‌قَالَ: (وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ وَجَازَتْ الصَّلاةُ فِيهِ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ إلا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» وَهُوَ بِعُمُومِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رحمه الله فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَلا يُعَارَضُ بِالنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ الانْتِفَاعِ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ لأنَّهُ اسْمٌ لِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ

قوله: ([و]

(2)

كل إهاب دبغ فقد طهر جازت الصلاة فيه والوضوء منه) تتعلق هذه المسألة بمواضع ثلاثة: بمسألة الصيد لمناسبة طهارة جلد الصيد بالدباغ، وبمسألة الصلاة لمناسبة جواز الصلاة فيه، وبمسألة الطهارة لمناسبته جواز الوضوء منه فلذلك ذكرها في هذه المواضع في «المبسوط»

(3)

وأشبع بيانها في باب الحدث منه.

-وقوله: (إلا جلد الخنزير والآدمي): التقديم دليل التعظيم في موضع التعظيم كقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 10 - 11]. وأما في موضع الإهانة فالتعظيم في تأخيره كقوله تعالى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: 40]، وهو بعمومه حجة على مالك؛ لأن النكرة إذا اتصفت بصفة عامة تتعمم كقولهم: أي عبيدي ضربك فهو حر. يعتق كلهم إذا ضربوه، تقديره: أي إهاب مدبوغ فهو طاهر، ثم عند مالك

(4)

لا تجوز الصلاة على جلد الميتة ولا الانتفاع به وإن كان مدبوغًا إلا في الجامد من الأشياء

(5)

.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب) والهداية.

(3)

المبسوط للسرخسي (1/ 202، 11/ 255، 24/ 23).

(4)

المشهور من مذهب المالكية: أن الجلد المأخوذ من الحي أو الميت بخس ولا يطهر بالدباغ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:«أَيُّمَا إهَابٍ» أي: جلد «دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» فهو محمول عندهم على الطهارة اللغوية، بمعنى النظافة لا الطهارة الشرعية، فلا يجوز بيعه ولا الصلاة عليه، انظر: القزانين الفقهية (ص 37)، مواهب الجليل (1/ 101)، حاشية الدسوقي (1/ 54)، أسهل المدارك (1/ 54، 55).

(5)

في (ب): «الإسناد» وهو خطأ.

ص: 114

وقال بعض الناس

(1)

: إن كان جلد ما يؤكل لحمه يطهر بالدباغ لحديث ميمونة رضي الله عنها وهو ما روي عن رسول الله عليه السلام: أنه مر بشاة لميمونة فقال: «هَلاَّ انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا» . فقيل: إنها ميتة. فقال: «إِنَّمَا حَرُمَ من الميتة أَكْلُهَا»

(2)

.

وإن كان جلد ما لا يؤكل لحمه لا يطهر بالدباغ لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وجعل هذا القول قول الشافعي

(3)

في «مبسوط شمس الأئمة السرخسي»

(4)

.

واستدل مالك بحديث عبد الله بن عكيم الليثي قال: أتانا كتاب رسول الله عليه السلام قبل موته بسبعة أيام. وفي رواية: بشهر أو شهرين. وكان فيه: «لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ»

(5)

.

(1)

يقصد مذهب الشافعية وسوف يأتي.

(2)

الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تصدق على مولاة لميمونة رضي الله عنها بشاه فماتت فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هَلاَّ انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا فدبغتموه فانتفعتم به» فقالوا: إنها ميتة، فقال:«إنما حرم أكلها» رواه البخاري (3/ 355)(1492) كتاب الزكاة، باب الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه مسلم (4/ 51) كتاب الطهارة، باب طهور جلود الميتة بالدباغ.

(3)

مذهب الشافعية: أنه يطهر بالدباغ كل جلد من مأكول اللحم وغيره إلا جلد كلب، أو خنزير، وفرعهما، فإنه لا يطهر قطعاً، انظر: الوسيط في المذهب (1/ 229، 230)، روضة الطالبين (1/ 41) المهذب مع المجموع (1/ 214 - 217).

(4)

المبسوط (1/ 202).

(5)

أخرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب من روى أن لا ينتفع بإهاب الميتة (4/ 370، 371)، ورواه الترمزي في سننه، كتاب اللباس، باب ما ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت (4/ 222)(1729) وقال هذا حديث حسن. ورواه ابن ماجة في سننه، كتاب اللباس، باب من قال لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب (2/ 1194)(3613)، ورواه النسائي في سننه، كتاب الفرع والعتيرة باب ما يدبغ به من جلود الميتة (7/ 154، 155)، ورواه البيهقي في سننه، كتاب الطهارة، باب في جلود الميتة (1/ 14)، ورواه أحمد في مسنده (4/ 311).

وقد أعل الحديث بأمور ثلاثة:

الاضطراب في سنده، الاضطراب في متنه، الاختلاف في صحبة عبد الله بن عكيم.

قال البيهقي وغيره: لا صحبة له، فهو مرسل نقله الزيلعي عن النووي نصب الراية (1/ 120 - 122)، التلخيص الجبير (1/ 46 - 48)، الاعتبار بالناسخ والمنسوخ من الآثار ص 116 - 118، المجموع (1/ 276 - 277) ونيل الأوطار (1/ 105) والله أعلم.

ص: 115

وقلنا: الإهاب

(1)

اسم للجلد الذي لم يدبغ كذا قاله الأصمعي.

والدليل عليه أيضًا ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تخطب وتمدح أباها فقالت: -رحم الله- أبا بكر قرر الرءوس على كواهلها، والدماء في أهبها. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(2)

. وذكر في «الفائق» : إنما سمي إهابًا لأنه «أهب للحي وبناء للحماية له على جسده كما يقال له المسك لإمساكه ما وراءه»

(3)

، فإذا دبغ يسمى أديمًا

(4)

أو صرمًا أوجرابًا فحينئذٍ لا معارضة بين الحديثين؛ إذ التعارض يقتضي اتحاد المحل مع اتحاد حالته واختلاف الحالة فبقي التعارض، وإن كان أصلها واحدًا كحرمة الخمر وحل الخل

(5)

.

‌وَحُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي جِلْدِ الْكَلْبِ وَلَيْسَ الْكَلْبُ بِنَجِسِ الْعَيْنِ

-قوله رحمه الله: (وحجة على الشافعي في جلد الكلب) وليس في تخصيص الكلب زيادة فائدة لما أن عنده كل «ما لا يؤكل لحمه لا يطهر جلده بالدباغة، وقاس بجلد الخنزير والآدمي.

ولنا: عموم الحديث المذكور في الكتاب.

وما ظهر من لباس الناس كجلد الثعلب والفنك والسمور

(6)

ونحوها في الصلاة وغيرها من غير نكير ينكر يدل على طهارته بالدباغ، كذا ذكر في باب الحدث من «المبسوط»

(7)

، ولكن ذكر في «الأسرار»

(8)

ما يوافق لتخصيص «الهداية» حيث قال بطهارة جلود السباع بالدباغة سوى الكلب والخنزير عند الشافعي على ما يجيء في بيان الآسار

(9)

.

(1)

الأهاب: الجلد، وقيل إنما يقال للجلد أهاب قبل الدبغ فأما بعده فلا، النهاية (1/ 83)، مجمل اللغة (1/ 105)، لسان العرب (1/ 217) الصحاح (1/ 89) المغرب (1/ 50).

(2)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، وفي الفائق نحوه (2/ 113).

(3)

الفائق (1/ 67).

(4)

الأديم: الجلد ما كان، وقيل: الأحمر، وقيل المدبوغ لسان العرب (12/ 9). المصباح المنير ص (9). المغرب (1/ 33).

(5)

انظر في مذهب الأحناف: مختصر الطحاوي ص (17)، تحفة الفقهاء (1/ 71)، بدائع الصنائع (1/ 85)، إيثار الإنصاف في آثار الخلاف ص (47، 48)، شرح فتح القدير (1/ 92 - 94)، رد المحتار (1/ 203).

(6)

الثعلب: معروف والأنثى ثعلبة والجمع ثعالب وأثعل، حياة الحيوان (1/ 252) الفنك: دويبة يؤخذ منها الفرو، حياة الحيوان (2/ 305). السمور: وهو بفتح السين وبالميم المشدودة المضمومة، حيوان بري يشبه السنور وزعم بعض الناس أنه النمس، حياة الحيوان (2/ 46) للدميري (ت 808 هـ)، الناشر: دار الكتب- بيروت الطبعة الثانية 1424 هـ.

(7)

المبسوط (1/ 202).

(8)

انظر: الأسرار ص (306 - 314).

(9)

في (أ)«الأنباء» والتصويب من (ب).

ص: 116

قوله رحمه الله: (وليس الكلب بنجس العين) هذه مسألة [الدبغ]

(1)

اختلفت فيها روايات «المبسوط» ذكر في باب الحدث منه «وجلد الكلب يظهر عندنا بالدباغ.

وقال الحسن بن زياد: لا يطهر. وهو قول الشافعي؛ لأن عين الكلب نجس عندهما.

ولكنا نقول: الانتفاع به مباح في حالة الاختيار، فلو كان عينه نجسًا لما أبيح الانتفاع به

(2)

.

قلت: في هذا اللفظ تنصيص على أن الكلب ليس بنجس العين عندنا. ثم ذكر في أوائل باب الوضوء والغسل منه في بيان مسألة سؤر الكلب.

فقال: «والصحيح من المذهب عندنا أن عين الكلب نجس. إليه يشير محمد في الكتاب في قوله: وليس الميت بأنجس من الكلب والخنزير.

ثم قال: وبعض مشايخنا يقولون [عينه]

(3)

: ليس بنجس. ويستدلون عليه بطهارة جلده بالدباغة»

(4)

. وذكر أيضًا في كتاب الصيد منه في مسألة بيع الكلب في التعليل فقال: «وبهذا يتبين أنه ليس بنجس العين»

(5)

. وذكر في «الإيضاح»

(6)

اختلاف الرواية فيه.

وفي «مبسوط شيخ الإسلام»

(7)

: وأما جلد الكلب فعن أصحابنا فيه روايتان في رواية تطهر بالدباغ. وفي رواية: لا يطهر. وهو الظاهر من المذهب.

وفي «فتاوى قاضي خان» : «إذا وقع في البئر كلب أو خنزير ومات أو لم يمت أصاب الماء فم الواقع أو لم يصب ينزح ماء البئر كله؛ أما الخنزير فلأن عينه نجس، والكلب كذلك، ولهذا لو ابتل الكلب وانتفض وأصاب ثوبًا أكثر من قدر الدرهم أفسده»

(8)

.

وفي «المحيط» : الكلب إذا وقع في الماء فأخرج حيًّا إن أصاب فمه الماء يجب نزح جميع الماء وإن لم يصب فمه الماء فعلى قولهما يجب نزح جميع الماء، وعن أبي حنيفة

(9)

رضي الله عنه: "لا بأس به. وقال: وهذا إشارة إلى أن عين الكلب ليس بنجس"

(10)

.

(1)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(2)

المبسوط (1/ 202، 203).

(3)

في المبسوط: «عين الكلب» .

(4)

المبسوط (1/ 48).

(5)

المبسوط (11/ 235).

(6)

الإيضاح للكرماني -مخطوط- كما سبق.

(7)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، وإنما هو المبسوط للسرخسي (1/ 202، 203).

(8)

فتاوى قاضي خان (1/ 17) فصل فيما يقع في البئر.

(9)

المحيط (1/ 104) قال: «وعن أبي حنيفة: في «الكتاب» إذا وقع في الماء ثم أخرج حياً أنه لا يأس به، وهذه إشارة إلى أن عين الكلب ليس بنجس».

(10)

انظر: المحيط (1/ 103).

ص: 117

‌أَلا يَرَى أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا، بِخِلافِ الْخِنْزِيرِ لأنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، إذْ الْهَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} مُنْصَرِفٌ إلَيْهِ لِقُرْبِهِ وَحُرْمَةُ الانْتِفَاعِ بِأَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ لِكَرَامَتِهِ فَخَرَجَا عَمَّا رَوَيْنَا ثُمَّ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ وَالْفَسَادَ فَهُوَ دِبَاغٌ وَإِنْ كَانَ تَشْمِيسًا أَوْ تَتْرِيبًا لأنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ فَلا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ غَيْرِهِ

-قوله: (ألا يُرى أنه ينتفع به حراسةً واصطيادًا) فإن قلت: يشكل هذا بالسِّرقين

(1)

فإنه نجس العين ثم إنه ينتفع به إيقادًا وتقويةً للزراعة.

قلت: قال شيخي رحمه الله: هذا انتفاع بالاستهلاك فهو جائز في نجس العين كالاقتراب من الخمر للإراقة.

قوله: (بخلاف الخنزير) وفي «مبسوط شيخ الإسلام»

(2)

: من مشايخنا من قال: إنما لا يطهر جلد الخنزير بالدبغ لأنه لا [يدبغ]

(3)

؛ لأن شعره ينبت من لحمه، ولو تصور دبغه لطهر.

وقال بعضهم

(4)

: لا يطهر وإن اندبغ؛ لأنه محرم العين شرعًا.

وفي «المبسوط» : «وأما جلد الخنزير فقد روي عن أبي يوسف أنه يطهر بالدباغ أيضًا. وفي ظاهر الرواية أنه لا يحتمل الدباغة، فإن له جلودًا مترادفة بعضها فوق بعض كما للآدمي، وإنما لا يطهر لعدم احتمال [للطهر]

(5)

وهو الدباغ، أو لأن عينه نجس وجلده من عينه»

(6)

منصرف إليه لقربه.

فإن قلت

(7)

: المضاف والمضاف إليه إذا كان كل واحد منهما صالحًا لرجوع الضمير إليه يرجع إلى المضاف لا إلى المضاف إليه كما تقول: رأيت ابن زيد فكلمته بخلاف قوله تعالى: {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)} [النحل: 114]؛ إذ العبادة لا تتصور للنعمة وما نحن بصدده من قبيل ابن زيد لوجود صلاحية رجوع الضمير إلى كل واحد من اللحم والخنزير.

قلت: يجوز رجوع الضمير إلى المضاف إليه مع وجود الصلاحية إلى المضاف كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة: 27]. قال في «الكشاف»

(8)

: يجوز أن يرجع الضمير في ميثاقه إلى العهد أو إلى الله، وهذا نص منه على ما ادعيت، وكذلك قال في قوله تعالى:{صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ} [الأنبياء: 80] قرئ بياء المذكر وتاء المؤنث رجعًا إلى اللبوس والصنعة، فلما جاز كلاهما جوازًا شائعًا رجع إلى الخنزير هنا لكونه أشمل للأجزاء وأحوط في العمل، «ثم ما يمنع النتن والفساد فهو دباغ وإن كان تشميسًا وهذا عندنا. وعند الشافعي: لا يكون دباغًا إلا بما يزيل الدسومات النجسة عنه، وذلك باستعمال الشَّثُّ

(9)

والقرظ والعفص

(10)

.

(1)

السِّرقين ويقال: السِّرجين والسُرجين: وهو ما تدمل به الأرض وهو الزبل، لسان العرب (13/ 308)، المطلع ص (329).

(2)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، وإنما هو المبسوط للسرخسي (1/ 202، 203).

(3)

في (أ): «يندفع» والتصويب من (ب).

(4)

أي بعض الشافعية وقد سبق بيان المسألة ص 249 هامش (3).

(5)

في النسختين «الطهر» والتصويب من المبسوط (1/ 202).

(6)

المبسوط (1/ 202).

(7)

في (ب): «قيل» .

(8)

انظر: الكشاف (1/ 150).

(9)

كتب في حاشية (أ)، (ب): الشَّثُّ بالثاء المثلثة شجر مثل التفاح الصغار يدبغ بورقة وهو كورق الحلاف. والشب بالباء تصحيف منها؛ لأنه نوع من الروائح وهو صباغ لا دباغ المغرب (1/ 244).

(10)

الشث: شجرٌ طيب الريح مُرُّ الطعم ينبت في جبال الغور ونجد، والقرض: ورق السَّلم وهما نبتان يدبغ بهما، والعفص: ثمر معروف كالبندقة يدبغ به. النهاية في غريب الحديث (2/ 444)، لسان العرب (2/ 159)، المغرب (1/ 244، 318)، المصباح المنير (2/ 418).

ص: 118

ودليلنا فيه: أن المقصود إخراجه من أن يكون صالحًا لمنفعة الأكل، وقد حصل ذلك»

(1)

، كذا في «المبسوط» .

وذكر في «الخلاصة»

(2)

: حتى أن جلد الميتة إذا يبس ثم وقع في الماء القليل لا يفسده.

(ثُمَّ مَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدَّبَّاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ لأنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ الدَّبَّاغِ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَةِ النَّجِسَةِ)

-وقوله: (وما يطهر جلده بالدباغ يطهر بالذكاة) هذا اختيار بعض المشايخ.

وعند بعضهم: إنما يطهر جلد الحيوانات بالذكاة إذا لم يكن سؤره نجسًا. وذكر في «فتاوى قاضي خان رحمه الله» في «فصل النجاسة التي تصيب الثوب، [وما يطهر جلده بالدباغ يطهر/ 13/ أ/ لحمه بالذكاة ذكره شمس الأئمة الحلواني رحمه الله.

قيل: يشترط أن تكون الذكاة من أهلها في محلها وهو ما بين اللبة واللحيين، وقد سمي بحيث لو كان مأكولاً يحل أكله بتلك الذكاة]

(3)

»

(4)

.

-قوله: (لأنها تعمل عمل الدباغ في إزالة الرطوبات)[أي]

(5)

: فيما إذا وجدت إزالة الرطوبات بالذكاة الشرعية بأن كانت من الأهل بالتسمية حينئذٍ يجعل الذكاة إزالة للرطوبات النجسة.

وأما إذا كان الذابح مجوسيًّا لا يجعل الإزالة الحاصلة من ذبحه إزالةً؛ لأن فعله [أمانة]

(6)

في الشرع لا ذبح، وحكم الموت إذا ثبت له لا [بد]

(7)

من الدباغ كذا في «الإيضاح»

(8)

.

(وَكَذَلِكَ يَطْهُرُ لَحْمُهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْكُولاً)

-قوله: (وكذلك يطهر لحمها) في هذه الرواية نوع ضعفٍ لما أن حرمة أكلها اللحم فيما سوى الآدمي ولم يتعلق به حق العباد دليل النجاسة وأيد هذا المعنى ما ذكر في «الأسرار»

(9)

في مسألة أن جلود السباع يطهر بالذكاة عندنا خلافًا للشافعي رحمه الله.

(1)

المبسوط (1/ 202).

(2)

لم أجد ذلك في الخلاصة للإمام الغزالي.

(3)

ساقط من (ب).

(4)

فتاوى قاضي خان (1/ 62) فصل في النجاسة التي تصيب الثوب أو الخف أو البدن أو الأرض.

(5)

ساقط من (ب).

(6)

في (ب): «إماطة» .

(7)

في (ب)«بدلالة» .

(8)

كتاب الإيضاح لعبد الرحمن بن محمد الكرماني المتوفي سنة: (544 هـ) من تصانيفه الجامع الكبير والتجريد في الفقه وشرحه وسماه (الإيضاح) لم يطبع، انظر: كشف الظنون (1/ 211).

(9)

الأسرار ص (306).

ص: 119

ثم قال: «فإن قيل: الجلد يكون متصلاً باللحم واللحم نجس ولا يطهر بالذكاة فكيف يكون الجلد طاهرًا؟.

[قلنا]

(1)

: من مشايخنا من يقول: اللحم طاهر وإن لم يحل الأكل، ومنهم من يقول: نجس، وهو الصحيح عندنا لما مر أن الحرمة في مثله

(2)

تدل على النجاسة، ولكنا نقول: بين اللحم والجلد جلدة رقيقة تمنع مماسة اللحم الجلد الغليظ فلا تنجس»

(3)

، وكذلك من تعليل شمس الأئمة في طهارة جلد المدبوغ بقوله:«إن المقصود إخراجه من أن يكون صالحًا لمنفعة الأكل وقد حصل»

(4)

يعرف به أن لحمه لم يطهر لما أنه لم يخرج عن صلاحيته منفعة الأكل حقيقةً، «وكذلك ذكر الناطفي

(5)

رحمه الله إذا صلى ومعه من لحم السباع كالثعلب ونحوه أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته وإن كان مذبوحًا»

(6)

.

«وعن الفقيه أبي جعفر: إذا صلى ومعه لحم سباع الوحش قد ذبح لا تجوز صلاته، ولو وقع في الماء أفسده» كذا في «فتاوى قاضي خان»

(7)

.

‌قَالَ (وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا طَاهِرٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: نَجِسٌ لأنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ، وَلَنَا أَنَّهُ لا حَيَاةَ فِيهِمَا وَلِهَذَا لا يَتَأَلَّمُ بِقَطْعِهِمَا فَلا يَحُلُّهُمَا الْمَوْتُ إذْ الْمَوْتُ زَوَالُ الْحَيَاةِ

(وَشَعْرُ الإنْسَانِ وَعَظْمُهُ طَاهِرٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: نَجِسٌ لأنَّهُ لا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَنَا أَنَّ عَدَمَ الانْتِفَاعِ وَالْبَيْعِ لِكَرَامَتِهِ فَلا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

-قوله رحمه الله: (وقال الشافعي: نجس) وذكر في «المبسوط»

(8)

: وهذا الاختلاف بناء على أن لا حياة للشعر والعظم عندنا.

وقال الشافعي: فيهما حياة.

وقال مالك: في العظم حياة دون الشعر

(9)

.

(1)

في (ب): «قلت» .

(2)

كتب فوقها في (أ): المراد من المثل أن يكون صالحًا للأكل به وكذلك كتبت في حاشية (ب).

(3)

الأسرار ص (309).

(4)

المبسوط للسرخسي (1/ 202).

(5)

سبق في (ص 216) هامش (1).

(6)

انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 9) في فصل في النجاسة التي تصيب الثوب أو الكف أو البدن أو الأرض.

(7)

انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 9) في فصل في النجاسة التي تصيب الثوب أو الكف أو البدن أو الأرض.

(8)

المبسوط للسرخسي (4/ 211) كتاب النكاح.

(9)

مسألة: حكم صوف الميتة وشعرها وعظمها عند الأئمة:

-فمذهب أبو حنيفة أنها طاهرة، بدائع الصنائع (1/ 220)، فتح القدير (1/ 96)، البناية (1/ 377)، البحر الرائق (1/ 112)، حاشية ابن عابدين (1/ 206).

-مذهب الشافعي أنها نجسة، قال النووي: «وفي الشعر خلاف ضعيف وفي العظم خلاف أضعف منه، وأما العصب فنجس بلا خلاف، الأم (1/ 9، 10)، روضة الطالبين (1/ 43)، المجموع (1/ 296).

-مذهب مالك أن العظام والقرن والسن والحافر والعصب واللبن فيها حياة فهي نجسة، وأما الشعر والصوف والوبر والريش لا حياة فيها، فهي طاهرة، شرح الزرقاني علي خليل (1/ 23 - 25)، إرشاد السالك مع شرح أسهل المدارك (1/ 51 - 54).

ص: 120

واستدلوا بقوله تعالى: {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78]. ولأنه ينمو بنماء ذي الروح فيحله الموت وينجس به. ومالك يقول: العظم يتألم. ويظهر ذلك في السن [بخلاف الشعر.

قلنا: إنه بيان من الحي فلا يتألم به ويجوز الانتفاع به، وقد قال-عليه السلام:«ما أبين من الحي فهو ميت»

(1)

. فلو كان فيه حياة لما جاز الانتفاع به، ولا نقول: إن العظم يتألم بل ما هو متصل به من اللحم يتألم، وبين الناس كلام في السن]

(2)

أنه عظم أو طرف عصب يابس؛ فإن العظم لا يحدث في البدن بعد الولادة، وتأويل قوله تعالى:{مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ} [يس: 78] النفوس.

وفي العصب روايتان:

في إحدى الروايتين: فيه حياة لما فيه من الحركة وينجس بالموت، ألا ترى أنه يتألم الحي بقطعه بخلاف العظم فإن قطع قرن البقرة لا يؤلمها [فدل]

(3)

أنه ليس في العظم حياة فلا تنجس بالموت، وإليه أشار رسول الله عليه السلام حين مر بشاةٍ [ملقاةٍ]

(4)

لميمونة فقال: «هَلاَّ انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا

(5)

؟». فقيل: إنها ميتة. فقال: إنما حرم من الميتة أكلها. وهذا نص على أن ما لا يدخل تحت مصلحة الأكل لا يتنجس بالموت.

وعلى هذا شعر الآدمي طاهر عندنا

(6)

خلافًا للشافعي

(7)

رحمه الله فإن النبي عليه السلام حين حلق رأسه قسم شعره بين أصحابه

(8)

، فلو كان نجسًا لما جوز لهم التبرك به، ولكن لا ينتفع به لحرمته، والذي قيل: إذا طحن سن الآدمي مع الحنطة لم يؤكل فذلك لحرمة الآدمي إلا لنجاسته.

(1)

الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ (مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِىَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ) رواه الترمذي (3/ 126) باب ما قطع من الحي فهو ميت، ورواه ابن ماجة (2/ 1072) باب ما قطع من البهيمة وهي حية. صححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 987) برقم (5652).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

في (ب): «فقال» .

(4)

ساقط من (ب).

(5)

سبق تخريجه في (ص 249).

(6)

انظر، في مذهب الأحناف، شرح فتح القدير (1/ 97)، البناية في شرح الهداية (1/ 383).

(7)

جلد الآدمي فيه قولان للشافعي: الجديد: أن الآدمي لا ينجس بالموت، والقديم: أنه ينجس بالموت، وإن قيل بالقديم هذا فيطهر جلد الآدمي بالدباغ على الأصح، وعنده عظم الآدمي نجس، وفي شعر الآدمي قولان، أو وجهان، بناءً على نجاسته بالموت، والأصح: أنه لا ينجس شعره بالموت، ولا بالإبانة، انظر: الوسيط في المذهب (1/ 229، 230 - 236)، روضة الطالبين (1/ 41، 43)، الحاوي الكبير (1/ 66)، المجموع (1/ 285، 291).

(8)

الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أَتَى مِنًى فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ ثُمَّ قَالَ لِلْحَلاَّقِ: «خُذْ» . وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ الأَيْسَرِ ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ»، وفي رواية (فقسم شعره بين من يليه، قال: ثم أشار إلى الحلاق وإلى الجانب الأيسر، فحلقه فأعطاه أم سليم)، رواه مسلم (4/ 82) باب كيف حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 121

وفي «مبسوط شيخ الإسلام» في تعليل هذه المسألة «أن لهذا عينًا لو انفصل منه حالة الحياة حكم بطهارته، وإذا انفصل منه بعد الموت كذلك حكم لطهارته قياسًا على البيض والولد»

(1)

ويتبين بالانفصال حالة الحياة حتى لم تصر ميتة أنه لا روح في هذه الأشياء؛ إذ لو كان فيه روح لكان إذا أبين من الأصل حال حياة الأصل [لصار]

(2)

ميتة كاللحم ولم يصر ميتة علمنا أنه لا روح في هذه الأشياء.

والجواب عن تعلقهم بقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} [البقرة: 173] هو ما قال شيخي

(3)

رحمه الله: الميتة اسم لما فارقه الروح من غير ذكاة مما لم يذبح ولم يكن لهذه الأشياء روح حتى يزايلها فلا يدخل تحت التحريم.

وقال أيضًا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(4)

: وأما قوله: جزء متصل بذي روح ينمو بنمائه.

[قلنا: لا نسلم أنه ينمو بنمائه]

(5)

ألا يرى أنه ينمو مع نقصان الأصل فإن الأصل إذا مرض وأخذ في النقصان فإن الشعر يزداد وينمو فلم يستقم ذلك القول، ثم ذلك أيضًا لا يدل على أن فيه/ 13/ ب/ حياة كالنبات والشجر، ولأن فيه ضرورة وبلوى فإنه متى حلق الرأس أو مشط اللحية لا بد من أن يتناثر بعض شعوره فيلتزق به فلو منع ذلك جواز الصلاة لضاق الأمر على الناس

(6)

.

والدليل على أن فيه ضرورة ما حكي أن ضيفًا نزل على الشافعي رحمه الله فدفع فضته ليشتري له الباقلي الرطب فاشترى ثم حلق رأسه ثم قام فصلى فقال له الضيف: أليس [أن]

(7)

هذا على [مذهبك]

(8)

لا يجوز؟ فقال: نعم، لكن إذا اضطررنا في شيء انحططنا إلى قول أهل العراق فثبت أن فيه ضرورة

(1)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، انظر: المحيط (1/ 475).

(2)

في (ب): «لكان» .

(3)

لعله يقصد شيخه: محمد بن محمد بن نصر البخاري (ت 642 هـ).

(4)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، انظر: المحيط (1/ 475).

(5)

ساقط من (ب).

(6)

في مذهب الحنفية. انظر: شرح فتح القدير (1/ 97)، البناية في شرح الهداية (1/ 838)، ومذهب الشافعية: أن عظم الآدمي نجس، وفي شعر الآدمي قولان، أو وجهان بناءً على نجاسته بالموت، والأصح: أنه لا يبخس شعره بالموت، لا بالإبانة. انظر: الحاوي الكبير (1/ 66)، روضة الطالبين (1/ 43)، المجموع (1/ 285).

(7)

ساقط من (ب).

(8)

في (ب): «قولك» .

ص: 122

-قوله: (إذ الموت زوال الحياة)

(1)

.

قال شيخي

(2)

رحمه الله: وهذا تعريف بلازمه المسمى [لا بنفس المسمى]

(3)

بل الموت أمر وجودي يلزم منه زوال الحياة؛ قال الله تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2]، وما يدخل تحت الخلق فهو أمرٌ وجودي [والله أعلم]

(4)

.

‌فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ

(وَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ نَجَاسَةٌ نُزِحَتْ وَكَانَ نَزْحُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ طَهَارَةً لَهَا) بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَمَسَائِلُ الْآبَارِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ دُونَ الْقِيَاسِ (فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهَا بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ مِنْ بَعْرِ الإبِلِ أَوْ الْغَنَمِ لَمْ تُفْسِدْ الْمَاءَ) اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ تُفْسِدَهُ لِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ. وَجْهُ الاسْتِحْسَانِ أَنَّ آبَارَ الْفَلَوَاتِ لَيْسَتْ لَهَا رُءُوسٌ حَاجِزَةٌ وَالْمَوَاشِي تَبْعَرُ حَوْلَهَا فَتُلْقِيهَا الرِّيحُ فِيهَا فَجَعَلَ الْقَلِيلَ عَفْوًا لِلضَّرُورَةِ، وَلا ضَرُورَةَ فِي الْكَثِيرِ، وَهُوَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ إلَيْهِ فِي الْمُرَوِّي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَعَلَيْهِ الاعْتِمَادُ، وَلا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَالصَّحِيحِ وَالْمُنْكَسِرِ وَالرَّوْثِ وَالْخِثْيِ وَالْبَعْرِ لأنَّ الضَّرُورَةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ)

لما ذكر حكم الماء القليل بأنه يتنجس كله عند وقوع النجاسة فيه حتى يراق

(5)

كله ورد عليه حكم ماء البئر نقضًا في أنه لا ينزح كله في بعض الصور استدعى هو ذكر ماء البئر بفصل على حدة مرتبًا عليه؛ لأن كونه من الماء القليل يقتضي أن يكون متصلاً به من غير فصل، ولكن مخالفته في الحكم يقتضي أن يكون منفصلاً عنه فوصله بفصل على حدة رعايةً للمعنيين؛ وذلك لأن ماء البئر مخصوص بأحكام يخالف بها حكم الماء القليل فإن حكمه يتفاوت بتفاوت الواقع ويطهر بإزالة بعضه في بعض الصور اتباعًا للآثار، وعن هذا قالوا

(6)

: مسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار وإلا ففيه قياسان: إذا وقعت فيه النجاسة إما أن يطم البئر طمًّا ولا ينتفع به أبدًا لاختلاط النجاسة بالأوحال والجدران كما قاله بشر المريسي

(7)

، وإما أن لا ينجس أبدًا كالماء الجاري؛ لأنه كلما يؤخذ من أعلاه ينبع من أسفله فصار كحوض الحمام إذا كان يصب من جانب [ويؤخذ من جانب]

(8)

حتى لا يتنجس بإدخال اليد النجسة فيه إذا كانت الحالة هذه، ولهذا نقل عن محمد أنه قال: اجتمع رأيي ورأي أبي يوسف أن ماء البئر في حكم الماء الجاري إلا أنا تركنا القياس واتبعنا الآثار.

(1)

في مذهب الحنفية. انظر: مختصر الطحاوي ص (17)، شرح فتح القدير (1/ 96)، البناية في شرح الهداية (1/ 377)، ومذهب الشافعية: أن الشعر والصوف والوبر، والريش والعصب، والقظم، والقرن، والسن، والظلف، والظفر من الميتة كلها نجسة، انظر: الحاوي الكبير (1/ 70) المجموع (1/ 285، 286)، وروضة الطالبين (1/ 43).

(2)

لعله يقصد المرغيناني: كشف الأسرار (4/ 434) أو يقصد شيخه محمد بن محمد بن نصر البخاري.

(3)

ساقط من (ب).

(4)

ساقط من (ب).

(5)

في (ب): «يزال» .

(6)

انظر: الهداية (1/ 49).

(7)

في (ب): «المرسي» وهو أبو عبد الرحمن بشر بن غياث المريسي، كان أبوه يهودياً فأسلم، بدأ بشر حياته كفقيه أو محدث، فأخذ الفقه عن أبي يوسف القاضي: وروى الحديث عن حماد بن سلمة: ولكنه بعد ذلك تأثر بالمعتزلة وصار منهم وكان يقول بخلق القرآن وظل يدعو إلى ذلك نحو من أربعين سنة توفي سنة: (218 هـ)، انظر سير أعلام النبلاء (8/ 326)، الإعلام للزركلي (2/ 55).

(8)

ساقط من (ب).

ص: 123

وعند الشافعي

(1)

رحمه الله يستخرج الفأرة ويبقى الماء طاهرً لما أن المذهب عنده أن الماء إذا بلغ قلتين لا يحتمل خبثًا، وماء البئر أكثر من قلتين فلا يتنجس لهذا.

وبعض الجهال من أصحاب الشافعي يطعنون في هذا فيقولون: ما أكيس

(2)

دلو أبي حنيفة رحمه الله حيث ميز الماء النجس من الطاهر.

قال شمس الأئمة رحمه الله: هذا في الحقيقة طعنٌ في السلف لما أن طهارة البئر بنزح بعض [الدلاء]

(3)

قول السلف من الصحابة والتابعين [فيقال]

(4)

لهم: ما أكيس قرعة [الشافعي]

(5)

حيث [ميزت]

(6)

الحرَّ من الرقيق، وكذلك قال الشافعي في البينات إذا تعارضت يميز المحق من المبطل بالقرعة، وقرعته تلك أكيس من دلونا. كذا في «الظهيرية»

(7)

.

-قوله رحمه الله: (نزحت) أي البئر، أي ماءها بحذف المضاف لعدم الإلباس لما أن عين البئر لا يمكن نزحها، وبنزح النجاسة لا يتم [جواب]

(8)

المسألة فتعين ما قلنا، والتأنيث باعتبار الإسناد الظاهري، ولأن قوله: وكان نزح ما فيها من الماء دليل على ما قلنا فكان هذا من قبيل إطلاق اسم المحل على الحال لقولهم: جرى النهر

(9)

.

(1)

انظر: المجموع شرح المهذب (1/ 176).

(2)

أكيس: أي: أعقل النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (4/ 217)، غريب الحديث لابن الجوزي (2/ 307).

(3)

في (ب): «الدلو» .

(4)

في (ب): «فقال» .

(5)

في (ب): «الشفعي» .

(6)

في (ب): «ميز» .

(7)

جاء في هامش (ب)، مطلب في دفع طعن بعض الشافعية لأبي حنيفة في الدلو وفي عكس القضية. انظر: الظهيرية وهو مخطوط.

(8)

ساقط من (ب).

(9)

جاء في هامش (ب) قوله: «فكان من قبيل» أقول إن الفاضل سعدي جلبي رده بأنه إذا كان الكلام على حذف المضاف لم يكن من إطلاق اسم المحل على الحال وقال أبو عبد الله ولي الدين السيد المحقق: لا حاجة إلى كلا المجازيين بل الكلام حقيقة.

ص: 124

-قوله: (وكان نزح ما فيها طهارة لها) إشارة إلى أنها تطهر بمجرد النزح من غير توقف إلى غسل الأحجار ونقل الأوحال.

-قوله: (إن

(1)

آبار الفلوات ليست لها رءوس حاجزة) فيه إشارة إلى أن حكم آبار الأمصار على خلاف هذا وهذا أحد وجهي الاستحسان الذي ذكره الإمام المحبوبي

(2)

رحمه الله فقال: إن الاستحسان [على]

(3)

وجهين:

أحدهما: الضرورة؛ لأن آبار الفلوات ليست لها رءوس حاجزة والإبل والغنم تنزل حولها وتبعر والرياح تلقيها في البئر فلا يمكن الاحتراز عنها، فلو حكمنا بنجاسة الماء [أدى]

(4)

إلى الحرج فعلى هذه العلة لا يفرق بين الرطب واليابس، والصحيح والمنكسر، [والبعر]

(5)

والروث، ولكن يفرق بين آبار الفلوات وبين آبار الأمصار.

قال شيخ الإسلام في «المبسوط»

(6)

: فأما إذا كان في الأمصار اختلف مشايخنا فيه، قال بعضهم: يتنجس إذا وقع فيها بعرة أو بعرتان؛ لأنها لا تخلو عن حائل [بتابوت]

(7)

أو حائط فلا يتحقق فيها الضرورة.

وقال بعضهم: لا ينجس اعتبارًا للوجه الآخر من الاستحسان وهو أن البعرة شيء صلب وعلى [ظاهرها]

(8)

رطوبة الأمعاء لا يتداخل الماء في أجزائها، فعلى هذه العلة قيل: إن وقع نصف البعرة يفسده؛ لأن النصف منه غير مستمسك فتتداخل النجاسة في أجزائه وتمتزج به بخلاف البعر الكامل؛ لأنه صلب مستمسك لا تتداخل النجاسة في أجزائه فلا تنجسه، وهذا كالفأرة والحية والهرة إذا وقعت في البئر وأخرجت، كذلك حية لا تنجسه وذنب الفأرة إذا وقع فيها [نجسها]

(9)

.

قال شيخ الإسلام

(10)

: والصحيح أن [الكل والنصف]

(11)

سواء لا ينجسه، وذكر الحاكم الشهيد

(12)

في كتاب الإشارة

(13)

فقال: إن كان رطبًا يتنجس وإن كان يابسًا لا يتنجس؛ لأن الرطب لا ينبعث بالريح لثقله ولصوقه بالأرض فلا ضرورة، واليابس ينبعث بالريح لخفته.

(1)

في (ب): «لأن» .

(2)

انظر: العناية (1/ 99)، البناية (1/ 437)، بدائع الصنائع (1/ 76).

(3)

ساقط من (ب).

(4)

في (ب): «الأدى» .

(5)

في (ب): «البعرة» .

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 87 - 89) باب الوضوء والغسل.

(7)

في (ب): «من تابوت» .

(8)

في (ب): «ظاهره» .

(9)

في (ب): «لا ينجسها» .

(10)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام.

(11)

في (ب): «النصف والكل» .

(12)

هو محمد بن محمد بن أحمد أبو الفضل المروزي المسلمي اليلخي، الشهير بالحاكم الشهيد، قاضٍ وزير كان عالم مرو، وإمام الحنفية في عصره، ولى قضاء بخارى، ثم ولاد صاحب خراسان وزارته وقتل شهيداً في الري سنة:(334 هـ)، من كتبه: الكافي، والمنتقى وغيرها. انظر: الفوائد البهية (ص 195)، الجواهر المضيئة (2/ 130)، الإعلام (7/ 19).

(13)

كتاب الإشارة -مخطوط-.

ص: 125

وحكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل

(1)

: أن ماء البئر لا يتنجس بالرطب واليابس جميعًا، وهكذا [حكي]

(2)

عن شمس الأئمة السرخسي رحمه الله حيث سوى بينهما لتحقق الضرورة

(3)

.

وقال الإمام التمرتاشي: واختلف في آبار البيوت فمنهم من قال: تفسده؛ لأن الضرورة معدومة، والأصح التسوية أي: لا يفسد.

واختلف المشايخ في روث الحمار وأخثاء

(4)

البقر إذا وقع في البئر هل ينجسه؟ ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في شرح هذا الكتاب

(5)

.

وفي «المبسوط»

(6)

: أن في روث الحمار والفرس القليل والكثير سواء؛ لأنه ليس له صلابة فيتداخل الماء في أجزائه فيتنجس. وكذا المتفتت من البعر في ظاهر الرواية إلا أنه روي عن أبي يوسف رحمه الله قال: القليل من الروث عفو، وهو الأوجه. كذا ذكره الإمام المحبوبي.

وذكر في «المبسوط» «وعن أبي يوسف

(7)

في [تبنةٍ]

(8)

أو تبنتين من الأوراث تقع في البئر: أستحسن أن لا يفسد. ولا أحفظه عن أبي حنيفة -رحمه الله وهو الأصح لقيام البلوى»

(9)

.

قلت: بهذه الروايات يعلم أن قوله: ولا فرق بين الرطب واليابس والصحيح والمنكسر والروث والخثي والبعر في كل منه خلاف.

ثم [البعرة]

(10)

للبعير والشاة من بعر أي: ألقى البعر من حد منع.

(1)

هو الإمام أبو بكر، محمد بن الفضل الكماري، حافظ المبسوط، توفي في بخارى سنة:(381 هـ) وله ثمانون سنة -رحمه الله تعالى-. طبقات الحنفية (2/ 107، 108)

(2)

ساقط من (ب).

(3)

انظر: المحيط (1/ 106) الفصل الرابع في المياه التي يجوز التوضؤ بها.

(4)

الروثُ: رجيع ذي الحافر، ومفرده: رَوْثة، والجمع: أرواث.

وأخثاء: مايرمي به البقر أو الفيل من بطنه من الروث، والجمع: أخثاء وخثي. انظر: لسان العرب، والمعجم الوسيط (2/ 1104)، (1/ 226، 227)، مادة [خ ث ي]، و (3/ 1763)، (1/ 393) مادة [ر و ث].

(5)

لعله يقصد كتابه (المبسوط).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 88، 89) باب الوضوء والغسل.

(7)

جاء في حاشية (ب): قوله وعن أبي يوسف أقول: بناء على من يرون أن لا يفسد اللبن وقت الحليب في وقوع الثلاث فيه إذا أخرجت من ساعته كما سيجيء بعدم الإفساد بوقوع البعرة والبعرتين بقيام البلوى أبو عبد الله ولي الدين جار الله.

(8)

في (ب): «ثلاث» .

(9)

المبسوط للسرخسي (1/ 88) باب الوضوء والغسل.

(10)

في (ب): «البعر» .

ص: 126

والروث للفرس والحمار من رأث الفرس من حد نصره.

الخثي بكسر الخاء واحد الأخثاء للبقر من خثأ البقر خثئًا من حد ضرب، كذا في «الصحاح»

(1)

وغيره.

واختلف في الكثير منه «قيل أن يغطي وجه ربع الماء. وقيل: وجه أكثره. وقيل: أن لا يخلو دلو من بعرة. وهو الصحيح» ، كذا في «المبسوط» .

وذكر الإمام التمرتاشي ذكر البعرتين إشارة إلى أن الثلاث كثير.

‌وَفِي الشَّاةِ تَبْعَرُ فِي الْمِحْلَبِ بَعْرَةً أَوْ بَعْرَتَيْنِ قَالُوا تُرْمَى الْبَعْرَةُ وَيُشْرَبُ اللَّبَنُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، وَلا يُعْفَى الْقَلِيلُ فِي الإنَاءِ عَلَى مَا قِيلَ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إنَّهُ كَالْبِئْرِ فِي حَقِّ الْبَعْرَةِ وَالْبَعْرَتَيْنِ (فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا خَرْءُ الْحَمَامِ أَوْ الْعُصْفُورِ لا يُفْسِدُهُ) خِلافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله. لَهُ أَنَّهُ اسْتَحَالَ إلَى نَتَنٍ وَفَسَادٍ فَأَشْبَهَ خَرْءَ الدَّجَاجِ.

وَلَنَا إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى اقْتِنَاءِ الْحَمَامَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ مَعَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِتَطْهِيرِهَا وَاسْتِحَالَتِهِ لا إلَى نَتْنِ رَائِحَةٍ فَأَشْبَهَ الْحَمْأَةَ

-قوله: (يرمي [البعر]

(2)

ويشرب اللبن) يعني: لا ينجس هذا إذا رميت من ساعته ولم يبق لها لون بكذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في «المبسوط»

(3)

مقيدًا بقوله: لا ينجس إذا رميت من ساعته ولم يبق لها لون لعموم البلوى والضرورة؛ لأن من عادتها أنها تبعر عند الحلب، وللضرورة أثر في إسقاط حكم النجاسة.

-قوله: (خرؤ

(4)

الحمام والعصفور طاهر عندنا) وقال الشافعي: نجس. والقياس ما قاله الشافعي، ولكن استحسن علماؤنا لحديث ابن مسعود رضي الله عنه: فإنه خرئت عليه حمامة فمسحه بإصبعه. وكذلك ابن عمر رضي الله عنهما ذرق

(5)

عليه طائر فمسحه بحصاةٍ وصلى ولم يغسله

(6)

.

(1)

الصحاح تاج اللغة (1/ 284)، (6/ 2325)، (2/ 593) مادة [ب ع ر] و [خ ث ي] و [ر و ث].

(2)

في (ب): «البعرة» .

(3)

انظر: المبسوط (1/ 88) باب الوضوء والغسل.

(4)

الخُرْءُ: العذِرة، والجمع: خرء، مختار الصحاح ص (171) مادة [خ ر أ].

(5)

ذرق الطائر: خرؤه، وذرق الطائر يذرُق ويَذْرِق ذَرْقاً، وأذرق: حذق بسلحه (خرؤه)، لسان العرب (10/ 108).

(6)

أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه -بتحقيق الأعظمي- باب الطهارة (1/ 198)(1333) بإسناده عن عاصم أبي عثمان قال: «كنَّا جُلُوساً مَع عَبد الله، إذْ وَقَعَ عَلَيْهِ خَرؤ عُصْفُور، فقَال به هَكذا بيدِه، نفطه» ولم أجده عن ابن عمر.

ص: 127

ولأن الحمام تركت في المسجد حتى في المسجد الحرام مع علم الناس بما يكون منها.

وأصله حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه: أن النبي عليه السلام شكر الحمامة فقال: إنها [أوكدت]

(1)

على باب الغار حتى سلمت فجازاها الله تعالى بأن جعل [المسجد]

(2)

مأواها فهو

(3)

دليل طهارة ما يكون منها وخرؤ ما لا يؤكل لحمه من الطيور.

وذكر في «الجامع الصغير»

(4)

أنه يجوز الصلاة فيه وإن كان أكثر من قدر الدرهم في قول أبي حنيفة وأبي يوسف.

وقال محمد رحمه الله: لا يجوز. فهو بمنزلة خرء ما لا يؤكل لحمه من السباع.

واختلف مشايخنا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، فمنهم من قال: هو نجس عندهما لكن التقدير فيه بالكثير الفاحش لمعنى البلوى، والأصح أنه طاهر عندهما فإن في الخرء لا فرق بين مأكول اللحم وغير مأكول اللحم في النجاسة، ثم خرؤ ما يؤكل لحمه من الطيور طاهر فكذلك خرؤ ما لا يؤكل لحمه، كذا في «المبسوط»

(5)

.

ولأنها تذرق من الهواء ولا يمكن الاحتراز عنه وما لا يمكن الاحتراز عنه ساقط الاعتبار كما في خرء ما يؤكل لحمه، وليس كخرء الدجاج والبط؛ لأنهما مما لا يذرق من الهواء فيمكن الاحتراز عنه.

ولأن لخرئيهما رائحة منتنة فيكون نجسًا [كالأرواث]

(6)

، وذكر شيخ الإسلام في «مبسوطه»

(7)

اختلاف المشايخ في خرء الحمام والعصفور أيضًا في نجاسته وطهارته مع اتفاقهم على سقوط حكم النجاسة، لكن عند البعض السقوط من الأصل للطهارة، وعند آخرين للضرورة.

وأما قول الشافعي رحمه الله أنه استحال إلى فساد فيشكل بالمني على مذهبه، ثم الاستحالة إلى فساد لا توجب النجاسة لا محالة؛ فإن سائر الأطعمة إذا فسدت لا تنجس فدل أن التغير إلى الفساد لا يوجب النجاسة على أنه إن كان نجسًا قد سقطت نجاسته للضرورة.

وعند محمد بن الحسن

(8)

: بول ما يؤكل لحمه طاهر حتى لو وقع في الماء القليل لا يوجب تنجسه. ويجوز التوضي به إلا أن يكون البول غالبًا فحينئذٍ لا يجوز التوضي به كما لو وقع فيه لبن، واللبن غالب على الماء، وعندهما

(9)

يتنجس وإن وقعت فيها قطرة؛ لأن القطرة في الماء تكون كثيرًا، [وإن]

(10)

أصاب الثوب وكان كثيرًا فاحشًا لا يجوز الصلاة معه. وعند محمد رحمه الله يجوز.

(1)

في (أ): «أوكدت» والتصويب من (ب) والمبسوط (1/ 57).

(2)

في (ب): «المساجد» .

(3)

لم أجده فيما أطلعت عليه من كتب الحديث.

(4)

الجامع الصغير للشيباني (1/ 79) باب في النجاسة تصيب الثوب.

(5)

المبسوط (1/ 57) باب الوضوء والغسل.

(6)

في (ب): «الأوراث» .

(7)

انظر: المبسوط (1/ 56) باب الوضوء والغسل.

(8)

الهداية (1/ 50)، والمبسوط للسرخسي (1/ 54).

(9)

يقصد أبا حنيفة وأبا يوسف -رحمهما الله- انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 54).

(10)

في (ب): «وإذا» .

ص: 128

واحتج محمد رحمه الله في المسألة بما روي: أن قومًا من [عرينة]

(1)

أتوا المدينة فاجتووها أي لم توافقهم المدينة فاصفرت ألوانهم وانتفخت بطونهم، فأمرهم رسول الله بأن يخرجوا إلى إبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها، [فخرجوا وشربوا من أبوالها وألبانها]

(2)

وصحوا، ثم ارتدوا ومالوا إلى الرعاة وقتلوهم واستاقوا الإبل، فبعث رسول الله عليه السلام في أثرهم قومًا فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في شدة الحر حتى ماتوا

(3)

.

قال الراوي وهو أنس بن مالك رضي الله عنه: (حتى رأيت بعضهم يكدم الأرض بفيه من شدة العطش).

فرسول الله أمرهم بشربها، ولو كان نجسًا لما أمرهم بذلك؛ لأنه لو كان نجسًا كان حرامًا. وقال عليه السلام:«إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ»

(4)

. فالاعتماد لمحمد رحمه الله في المسألة على هذا الحديث.

(1)

في (ب): «عرنة» .

(2)

ساقط من (ب).

(3)

الحديث رواه الأئمة الستة، البخاري في صحيحه (1/ 400) كتاب الوضوء باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، برقم (233)، بإسناده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:«قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلِقَاحٍ وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَانْطَلَقُوا فَلَمَّا صَحُّوا، قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الْخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ» ، قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا، وقتلوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله. رواه مسلم في صحيحه (3/ 1296) كتاب القسامة والمحاربين، باب حكم المحاربين والمرتدين برقم (1671).

(4)

سبق تخريجه في (ص 237).

ص: 129

والقياس في المسألة ما قاله أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله، إلا أنه ترك القياس بهذا الحديث [كذا]

(1)

في «مبسوط شيخ الإسلام رحمه الله»

(2)

.

(فَإِنْ بَالَتْ فِيهَا شَاةٌ نُزِحَ الْمَاءُ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ -رَحِمَهُمَا اللَّهُ-. وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله لا يُنْزَحُ إلا إذَا غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا) وَأَصْلُهُ أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ نَجِسٌ عِنْدَهُمَا.

لَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الْعُرَنِيِّينَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الإبِلِ وَأَلْبَانِهَا» وَلَهُمَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ)

-[قوله رحمه الله: (أمر العرنيين)«عرنة وادٍ بحذاء عرفات وبتصغيرها سميت عرينة وهي قبيلة ينسب إليها العرنيون»

(3)

، وإنما سقطت ياء التصغير عند النسبة إليها حيث لم يقل العرنيين لما أن بابي فعيلة وفعَيْلة يسقطان عند النسبة قياسًا مطردًا فيقال: حنفي ومدني وجهني وعقلي في حنيفة ومدينة وجهينة وعقيلة، وكذلك في عرينة كذا في «المغرب» وغيره]

(4)

.

-قوله: (فإن عامة عذاب القبر منه)

(5)

قال الشيخ: وجه مناسبة عذاب القبر مع ترك [استبراء]

(6)

البول هو أن القبر أول منزل من منازل الآخرة، والطهارة أول منزل من منازل الصلاة، والصلاة أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة كما جاء في الحديث؛ فكانت الطهارة أول ما يعذب بتركها في أول منزل من منازل الآخرة، وليس ذلك إلا القبر، ثم إنه عليه السلام ذكر أن عذاب القبر [على]

(7)

من ترك استنزاه البول ولم يفصل بين [بول]

(8)

ما يؤكل لحمه وبين ما لا يؤكل لحمه علم أن جميع الأبوال نجس.

وذكر في «المبسوط» : «ولما ابتلي سعد بن معاذ رضي الله عنه بضغطة القبر سئل رسول الله عليه السلام عن سببه فقال: إنه كان لا يستنزه من البول ولم يرد به بول نفسه؛ فإن من لا يستنزه منه لا تجوز صلاته، فإنما أراد أبوال الإبل عند معالجتها»

(9)

.

(1)

ساقط من (ب).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 54).

(3)

المغرب في ترتيب المعرب (1/ 313) مادة [ع ر ن].

(4)

ساقط من (ب).

(5)

جزء من حديث رواه الدارقطني في سننه (1/ 127)، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه» .

(6)

في (ب): «استنزاه» .

(7)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

المبسوط للسرخسي (1/ 54) باب الوضوء والغسل وحديث ضمة القبر لسعد رضي الله عنه ثابتة من رواية جمع من الصحابة بألفاظ مختلفة، السلسلة الصحيحة للألباني (7/ 1040). أما ما ورد بشأن سعد رضي الله عنه لقد ضمه ضمة اختلفت منها اضلاعه من أثر البول فهذا مرسل ضعيف (ابن سعد عن سعيد المقبري مرسلاً) أخرجه ابن سعد مرسلاً (3/ 430)، الجامع الكبير للسيوطي (1/ 17056) وقال الألباني: هذا منكر السلسلة الضعيفة (1/ 316، 473).

ص: 130

فأما حديث أنس رضي الله عنه فقد ذكر قتادة عن أنس أنه رخص لهم في شرب

ألبان الإبل ولم يذكر الأبوال، وإنما ذكره في حديث حميد عن أنس، فإذا دار بين أن يكون حجة وبين أن لا يكون يسقط الاحتجاج به، ثم قال: خصهم رسول الله بذلك؛ لأنه ينحرف من طريق الوحي أن شفاءهم فيه، ولا يوجد مثله في زماننا، ويباح بتناول المحرم إذا علم حصول الشفاء به يقينًا، ألا ترى أن من اضطر إلى ميتة فإنه يباح له أن يتناول منها مقدار سد الرمق لعلمه يقينًا كما خص الزبير بلبس الحرير لحكة كانت به وهي مجاز عن القمل فإنه كان كثير القمل، أو يحمل على أنه كان في ابتداء الإسلام ثم صار منسوخًا.

(وَلأنَّهُ يَسْتَحِيلُ إلَى نَتَنٍ وَفَسَادٍ فَصَارَ كَبَوْلِ مَا لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَرَفَ شِفَاءَهُمْ فِيهِ وَحْيًا، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ -رحِمَهُ الله تَعَالَى- لا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلتَّدَاوِي وَلا لِغَيْرِهِ لأنَّهُ لا يُتَيَقَّنُ بِالشِّفَاءِ فِيهِ فَلا يَعْرِضُ عَنْ الْحُرْمَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَحِلُّ لِلتَّدَاوِي لِلْقِصَّةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحِلُّ لِلتَّدَاوِي وَغَيْرِهِ لِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُ.)

-قوله: (ولأنه يستحيل إلى نتنٍ وفسادٍ) وإنما قيد بالنتن والفساد احتراز عما لا نتن فيه لما أن ما يحيله الطبع على نوعين:

«نوع ما يحيله الطبع إلى فساد وهو نجس كالدماء والغائط/ 14/ أ/.

والثاني: ما يحيله الطبع إلى صلاح وهو ليس بنجس كالبيضة والعسل واللبن، وهذا/ 14/ ب/ هو القياس الصحيح»، كذا في «الأسرار»

(1)

.

وذكر الإمام المحبوبي

(2)

في جواب محمد: أن كون اللحم طاهرًا لا يدل على طهارة البول، ألا يرى أن لحم الآدمي طاهر وحرمة الأكل لكرامته وبوله نجس.

-قوله: (يحل للقصة) وهي ما ذكرنا من حديث العرنيين.

‌قَالَ (وَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ عُصْفُورَةٌ أَوْ صَعْوَةٌ أَوْ سُودَانِيَّةٌ أَوْ سَامٌّ أَبْرَصُ نُزِحَ مِنْهَا مَا بَيْنَ عِشْرِينَ دَلْوًا إلَى ثَلاثِينَ بِحَسَبِ كِبَرِ الدَّلْوِ وَصِغَرِهَا)

قوله: (وإن ماتت فيها فأرة أو عصفورة) وحاصله أن الحيوان الواقع في البئر لا يخلو من أوجه ثلاثة: إما أن يكون فأرة ونحوها، أو دجاجة ونحوها، أو شاة ونحوها. ولا يخلو إما أن يخرج حيًّا أو ميتًا، وبعد الموت لا يخلو إما أن [يكون]

(3)

منتفخًا أو لا، أما إذا استخرج حيًّا في الفصول كلاها لا يوجب التنجس إلا الكلب والخنزير، هكذا ذكر في العيون

(4)

وعن أبي يوسف أنه قال: الكلب إذا وقع في البئر ثم خرج منها ما ينقض فأصاب ثوب إنسان من ذلك الماء أكثر من قدر الدرهم لا يجوز الصلاة به.

(1)

الأسرار ص (330).

(2)

الجامع الصغير للمحبوبي مخطوط.

(3)

في (ب): «استنزاه» .

(4)

كتاب العيون، أو عيون المسائل للإمام: أبي الليث: نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي، الحنفي (ت 376 هـ)، كشف الظنون (2/ 1981).

ص: 131

وأما في غير الكلب والخنزير إذا استخرج حيًّا فإنه لا ينزح شيء من الماء، وهذا إذا لم يصب فمه الماء، وأما إذا أصاب فمه إن كان سؤره طاهرًا فالماء طاهر، وإن كان سؤره نجسًا فالماء نجس، وإن كان سؤره مكروهًا فالماء مكروه، ويستحب أن ينزح منها عشر دلاء، فإن كان مشكوكًا بنزح ماء البئر كله كذا في «شرح الطحاوي»

(1)

.

[فإن]

(2)

قلت: فبإطلاق قوله وأما في غير الكلب والخنزير إذا استخرج حيًّا لا ينزح شيء [يعلم]

(3)

أن الواقع وإن كان ذئبًا أو ثعلبًا أو غيرهما من السباع سوى الكلب والخنزير لا ينجس البئر إذا أخرج حيًّا ولم يصب فمه الماء، وكذلك يعلم أن في الكلب والخنزير لا يشترط إصابة الفم في تنجيس الماء كله، ولكن ذكر في «المحيط» و «فتاوى قاضي خان» «أن سائر السباع بمنزلة الكلب»

(4)

حتى إذا وقع سبع من السباع وأخرج حيًّا ولم يصب فمه الماء ينزح ماء البئر كله بمنزلة الكلب، والحق الكافر بالكلب في «المحيط»: «سام أبرص

(5)

من كبار الوزغة»

(6)

.

(يَعْنِي بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه «أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ إذَا مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ وَأُخْرِجَتْ مِنْ سَاعَتِهَا: نُزِحَ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا» وَالْعُصْفُورَةُ وَنَحْوُهَا تُعَادِلُ الْفَأْرَةَ فِي الْجُثَّةِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا)

-قوله: (يعني بعد إخراج الفأرة) لأن سبب نجاسة البئر حصول الفأرة الميتة فيها فلا يمكن الحكم بالطهارة مع بقاء السبب الموجب للنجاسة «فإن أخرجت الفأرة ثم نزح منها عشرون دلوًا وهو يقطر فيها لم يضرها ذلك؛ لأن النزح على وجه لا يقطر شيء [منه فيها بتعذر]

(7)

وما لا يستطاع الامتناع منه يكون عفوًا لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، ولو صب الدلو الأخير في بئر أخرى فعليهم أن ينزحوا دلوًا مثلها كما لو صبت في البئر الأولى؛ لأن حال البئر الثانية بعد ما حصل هذا فيها كحال البئر الأولى حين كان هذا الدلو فيها، وإن صبت الدلو الأولى منها في بئر طاهرة كان عليهم أن ينزحوا منها [عشرين]

(8)

دلوًا» لما ذكرنا، كذا في «المبسوط» .

(1)

انظر: شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 21) باب سؤر السهر.

(2)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(3)

في (ب): «فعلم» .

(4)

انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 17) فصل فيما يقع في البئر والمحيط (5/ 513).

(5)

السامُّ الأبرص: الوزغة، وهما اسمان جُعلا اسمّا واحداً، فإن شئت أعربت الأول وأضفته إلى الثاني، وإن شئت بنيت الأول على الفتح وأعربت الثاني، ولكنه غير منصرف في الوجهين، وقالوا في التثنية والجمع: سامَّا أبرص وسوامٌ أبرص، وربما جمعوا على سوام أو برصَة وأبارص، انظر: المصباح المنير (1/ 72)، والمعجم الوسيط (1/ 51) مادة [ب ر ص].

(6)

المحيط البرهاني (6/ 57).

(7)

في (ب): «منها فيها متعذر» .

(8)

في (ب): «عشرون» .

ص: 132

وعن أبي يوسف: نزع [عشرين]

(1)

إلى الثلاثين في الفأرة الواحدة، وكذلك إلى الأربع، فإن كانت خمسًا ينزح منها أربعون دلوًا إلى التسع، وإن كانت عشرًا فالجميع ينزح، كذا في «الفتاوى الظهيرية» .

(وَالْعِشْرُونَ بِطَرِيقِ الإيجَابِ وَالثَّلاثُونَ بِطَرِيقِ الاسْتِحْبَابِ. قَالَ (فَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا حَمَامَةٌ أَوْ نَحْوُهَا كَالدَّجَاجَةِ وَالسِّنَّوْرِ نُزِحَ مِنْهَا مَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ دَلْوًا إلَى سِتِّينَ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَرْبَعُونَ أَوْ خَمْسُونَ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه «أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّجَاجَةِ: إذَا مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ نُزِحَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ دَلْوًا» وَهَذَا لِبَيَانِ الإيجَابِ، وَالْخَمْسُونَ بِطَرِيقِ الاسْتِحْبَابِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ دَلْوُهَا الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ مِنْهَا، وَقِيلَ دَلْوٌ يَسَعُ فِيهَا صَاعًا)

قوله رحمه الله: (والعشرون بطريق الإيجاب والثلاثون بطريق الاستحباب) وهذا الوضع لمعنيين ذكرهما شيخ الإسلام رحمه الله في «مبسوطه» :

أحدهما: أن السنة جاءت في رواية أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي عليه السلام أنه قال في الفأرة إذا وقعت في البئر فماتت فيها أنه ينزح منها عشرون دلوًا أو ثلاثون. هكذا رواه أبو علي الحافظ السمرقندي رحمه الله

(2)

بإسناده، و [أو]

(3)

لأحد الشيئين فكان الأقل ثابتًا يقينًا وهو معنى الوجوب، والأكثر يؤتى به لئلا يترك اللفظ المروي وإن كان مستغنًى عنه في العمل وهو معنى الاستحباب.

(1)

في (ب): «عشرون» .

(2)

هو: محمد بن محمد بن الحارث بن سفيان أبو علي السمرقندي، له مناكير ذكره الشيخ الضياء انتهى، وهذا الشيخ الضياء انتهى، وهذا الشيخ كان يقال له: أبو علي الحافظ روى عن علي بن إسماعيل الخجندي، وصبح بن عبيد السمرقندي، روى عنه إبراهيم بن مصروية بن سحنام ذكره محمد بن إبراهيم الشيرازي في عوالي أبي الحسن بن سحنام وقال محمد بن الحارث بن سفيان بن ابراهيم السمرقندي يعرف بالحافظ يقع في حديثه مناكير، لسان الميزان (5/ 370) لابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، تحقيق: دائرة المعرفة النظامية بالهند، الناشر: مؤسسة الأعلمي -بيروت- لبنان الطبعة الثانية 1390 هـ-1971 م، ولم أجد له ترجمة فيما اطلعت عليه من تراجم الحنفية.

(3)

يعني: «أو عصفورة» .

ص: 133

والثاني: أن الرواية اختلفت فيه اختلافًا كثيرًا، فروى ميسرة

(1)

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الفأرة تموت في البئر: «يَنْزحُ مِنْهُ المَاء» . وفي رواية: «سَبعَ دلاء» . وفي رواية: «عِشْرُون» . وفي رواية: «ثَلاثُون»

(2)

.

وروى يوسف بن [ماهك]

(3)

عن ابن عباس: في الفأرة أربعون. فإذًا بعضهم أوجب في الفأرة عشرين، وبعضهم أكثر من عشرين وبعضهم أكثر من عشرين، فأخذ علماؤنا رحمهم الله بالعشرين؛ لأن الوسط بين القليل والكثير وكان هو واجبًا لتعينه وما رواه استحبابًا

(4)

.

‌وَلَوْ نُزِحَ مِنْهَا بِدَلْوٍ عَظِيمٍ مَرَّةً مِقْدَارُ عِشْرِينَ دَلْوًا جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ

قوله: ([ولو]

(5)

نزح بدلو عظيم مرة مقدار عشرين دلوًا جاز) «كان الحسن بن زياد يقول: لا يطهر بهذا؛ لأن عند تكرار النزح ينبع الماء من أسفلها ويؤخذ من أعلاها فيكون في حكم الماء الجاري، وهذا لا يحصل بنزح دلو عظيم منها.

(1)

هو ميسرة بن حبيب النهدي، أبو خازم الكوفي، روى عن المنهال بن عمرو وابن إسحاق البيعي وأبي صالح الحنفي وعدي بن ثابت الأنصاري، وتلاميذه: إسرائيل وشعبة والثوري والفضيل بن مرزوق والحسن بن صالح وأخوه علي بن صالح ابن حي وعبد الجبار بن العباس وغيرهم، وثقة الإمام أحمد وابن معين والعجلي والنسائي وابن حبان، تهذيب التهذيب (10/ 386) برقم (691).

(2)

رواه البيهقي في سننه (1/ 268) برقم (1315) وضعفه البيهقي، مصنَّف ابن أبي شيبة (1/ 149) برقم (1711)، الأم للشافعي (1/ 32) و (7/ 173).

(3)

في (ب): «مالك» وهو خطأ وهو: يوسف بن ماهك الفارسي: تابعي، فقيه، مولى القريش، روى عن أبيه، وأمه مسيكة المكية، وأبي هريرة وعائشة أم المؤمنين، وأم هاني، وحكيم ابن حزام، وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر، ومعاوية بن أبي سفيان، وغيرهم رضي الله عنهم جميعاً. وروى عنه، أيوب السختياني، وحميد الطويل، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم، وثقة: يحيى بن معين، والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات (ت 113 هـ): انظر: أخبار المكيين (1/ 293)، وتهذيب التهذيب (11/ 421)، ومغاني الأخيار للعيني (3/ 265)، ولسان الميزان (7/ 530)، وسير أعلام النبلاء (6/ 302).

(4)

انظر: مبسوط شيخ الإسلام (1/ 79)، والمبسوط للسرخسي (1/ 58)، والمحيط البرهاني (1/ 103، 104).

(5)

في (ب): «وإن» .

ص: 134

ونحن نقول: لما قدر الشرع الدلاء بقدر خاص عرفنا أن المعتبر القدر المنزوح، وأن معنى الجريان ساقط؛ لأن ذلك يحصل بدون النزح»

(1)

كذا في «المبسوط» .

(فَإِنْ انْتَفَخَ الْحَيَوَانُ فِيهَا أَوْ تَفَسَّخَ نُزِحَ جَمِيعُ مَا فِيهَا صَغَرَ الْحَيَوَانُ أَوْ كَبُرَ) لِانْتِشَارِ الْبِلَّةِ فِي أَجْزَاءِ الْمَاءِ

قوله: (لا تنشار

(2)

البلة في أجزاء الماء) لأن عند الانتفاخ تنفصل منها بلة نجسة وتلك البلة نجاسة مائعة بمنزلة قطرة من خمر أو بول تقع في البئر، ولهذا قال محمد رحمه الله: إذا وقع في البئر ذنب فأرة فإنه ينزح جميع الماء؛ لأن موضع القطع لا ينفك عن نجاسة مائعة بخلاف ما إذا أخرجت قبل الانتفاخ؛ لأن شيئًا من أجزائها لم يبق في الماء؛ لأنه لم يزايل من أجزائها شيء إلى الماء فالنجاسة بسبب المجاورة، فإذا لم يبق من أجزائها لم يبق الماء نجسًا، وإنما أثبتنا الطهارة شرعًا والتطهير شرعًا بنزح عشرين دلوًا كذا في «المبسوطين»

(3)

.

‌قَالَ (وَإِنْ كَانَتْ الْبِئْرُ مَعِينًا لا يُمْكِنُ نَزْحُهَا أَخْرَجُوا مِقْدَارَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ الْمَاءِ).

-قوله: (وإن كانت البئر معينًا) وفي «الصحاح» يقال: «حفرت حتى عنت أي: بلغت العيون. والماء معين ومعيون، وعان الماء والدمع عينانًا بالتحريك أي: سال»

(4)

. وعلى هذا يكون الميم زائدة والفعل من حد ضرب.

وفيه أيضًا في فصل الميم «أمعنت الأرض أي رويت، وماء معين أي جارٍ»

(5)

. [و]

(6)

على هذا كانت الميم أصلية ولكن ذكر فيه أيضًا بعد هذا: ويقال: «هو مفعول من [عنت]

(7)

الماء إذا استنبطته»

(8)

. وجعل الميم أصلية في «الديوان»

(9)

حتى أورده في باب فعيل من السالم. وفي «تاج المصادر»

(10)

: المعانة بروان شيدن آب]

(11)

من حد [شرف]

(12)

. وفي «المغرب» : «والقياس أن يقال: معينة؛ لأن البئر مؤنثة، وإنما ذكرها حملاً على اللفظ، أو توهم أنه فعيل بمعنى مفعول»

(13)

.

(1)

المبسوط للسرخسي (1/ 92) باب البئر.

(2)

في (أ): «لا تنشأ» والتصويب من (ب) والهداية.

(3)

انظر: مبسوط شيخ الإسلام (1/ 79) والمبسوط للسرخسي (1/ 58).

(4)

الصحاح تاج اللغة العربية (6/ 2171) مادة [عين]

(5)

الصحاح تاج اللغة العربية (6/ 2205) مادة [معن].

(6)

ساقط من (ب).

(7)

في (ب): «عين).

(8)

الصحاح تاج اللغة العربية (6/ 2205) مادة [معن].

(9)

الديوان هو معجم ديوان الأدب لأبي إبراهيم إسحاق الفارابي المتوفى سنة: (350 هـ).

(10)

كتاب «تاج المصادر» في اللغة، لأبي جعفر أحمد بن علي، المعروف بجعفر المقري، البيهقي، (ت 544)، مخطوط. انظر: كشف الظنون (1/ 269).

(11)

جملة في الفارسية كذا في النسختين. ومعناها: أمعنت الأرض أي رويت، وماء معين أي جارٍ. المعاني لكل رسم معنى قاموس عربي فارسي على الشبكة العنكبوتية

(12)

في (ب): «شرب» .

(13)

المغرب في ترتيب المعرب (1/ 335) العين مع الياء.

ص: 135

-قوله: (أخرجوا مقدار ما كان فيها)

(1)

هذا هو المروي عن أبي يوسف رحمه الله، وأما المروي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه إذا نزح منها مائة دلو يكفي، وهو بناء على آبار الكوفة لقلة الماء فيها.

«عن محمد في «النوادر» : أنه ينزح ثلاث مائة دلو أو مائتا دلو، وإنما أجاب بناءً على

كثرة الماء في آبار بغداد» كذا في «المبسوط»

(2)

كما هو [دأبه في]

(3)

حبس الغريم وحد التقادم وانقطاع حق الحضانة.

(وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ تُحْفَرَ حُفْرَةٌ مِثْلُ مَوْضِعِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَيُصَبُّ فِيهَا مَا يُنْزَحُ مِنْهَا إلَى أَنْ تَمْتَلِئَ أَوْ تُرْسَلَ فِيهَا قَصَبَةٌ وَيُجْعَلَ لِمَبْلَغِ الْمَاءِ عَلامَةٌ ثُمَّ يُنْزَحُ مِنْهَا عَشْرُ دِلاءٍ مَثَلاً، ثُمَّ تُعَادُ الْقَصَبَةُ فَيُنْظَرُ كَمْ اُنْتُقِصَ فَيُنْزَحُ لِكُلِّ قَدْرٍ مِنْهَا عَشْرُ دِلاءٍ، وَهَذَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله نَزْحُ مِائَتَا دَلْوٍ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ فَكَأَنَّهُ بَنَى قَوْلَهُ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي بَلَدِهِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي مِثْلِهِ مَا يُنْزَحُ حَتَّى يَغْلِبَهُمْ الْمَاءُ وَلَمْ يُقَدِّرْ الْغَلَبَةَ بِشَيْءٍ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ. وَقِيلَ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ رَجُلَيْنِ لَهُمَا بَصَارَةٌ فِي أَمْرِ الْمَاءِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ قَالَ (وَإِنْ وَجَدُوا فِي الْبِئْرِ فَأْرَةً أَوْ غَيْرَهَا وَلا يُدْرَى مَتَى وَقَعَتْ وَلَمْ تَنْتَفِخْ وَلَمْ تَنْفَسِخْ أَعَادُوا صَلاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانُوا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَغَسَلُوا كُلَّ شَيْءٍ أَصَابَهُ مَاؤُهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْتَفَخَتْ أَوْ تَفَسَّخَتْ أَعَادُوا صَلاةَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله)

-قوله: (وهذا أشبه بالفقه) أي: بالمعنى المستنبط من الكتاب أو السنة، وهذا كذلك من حيث أن الله تعالى اعتبر قول رجلين عدلين في قوله:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95]، وكذلك في الشهادة في قوله:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]. وإنما اشترطت البصارة لهما في الماء؛ لأن الأحكام إنما تستفاد ممن له علم بها، أصله قوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

(1)

انظر: قول أبي حنيفة ومحمد وأبو يوسف في الهداية (1/ 53) فصل في البئر.

(2)

المبسوط (1/ 59) باب الوضوء والغسل.

(3)

في (ب): «دابة كما في» .

ص: 136

‌وَقَالا: لَيْسَ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ شَيْءٍ حَتَّى يَتَحَقَّقُوا مَتَى وَقَعَتْ لأنَّ الْيَقِينَ لا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَصَارَ كَمَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً وَلا يَدْرِي مَتَى أَصَابَتْهُ.

وَلأبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ لِلْمَوْتِ سَبَبًا ظَاهِرًا وَهُوَ الْوُقُوعُ فِي الْمَاءِ فَيُحَالُ عَلَيْهِ، إلا أَنَّ الانْتِفَاخَ وَالتَّفَسُّخَ دَلِيلُ التَّقَادُمِ فَيُقَدَّرُ بِالثَّلاثِ، وَعَدَمُ الانْتِفَاخِ وَالتَّفَسُّخِ دَلِيلُ قُرْبِ الْعَهْدِ فَقَدَّرْنَاهُ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لأنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ سَاعَاتٌ لا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النَّجَاسَةِ فَقَدْ قَالَ الْمُعَلَّى: هِيَ عَلَى الْخِلافِ، فَيُقَدَّرُ بِالثَّلاثِ فِي الْبَالِي وَبِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الطَّرِيِّ وَلَوْ سُلِّمَ فَالثَّوْبُ بِمَرْأَى عَيْنِهِ وَالْبِئْرُ غَائِبَةٌ عَنْ بَصَرٍ فَيَفْتَرِقَانِ. (وَعَرَقُ كُلِّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِسُؤْرِهِ) لأنَّهُمَا يَتَوَلَّدَانِ مِنْ لَحْمِهِ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا حُكْمَ صَاحِبِهِ.

قَالَ (وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ) لأنَّ الْمُخْتَلِطَ بِهِ اللُّعَابُ وَقَدْ تَوَلَّدَ مِنْ لَحْمٍ طَاهِرٍ فَيَكُونُ طَاهِرًا، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْجَوَابِ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالْكَافِرُ.

-قوله: (حتى يتحققوا) التحقق [درست سدن ودرست دانستين]

(1)

.

والقياس ما قالا؛ لأنه على يقين من طهارة البئر فيما مضى [و]

(2)

في شك من النجاسة في الحال، واليقين لا يزال بالشك كما في رؤية النجاسة على ثوبه [حيث]

(3)

لا يلزمه إعادة شيء من الصلوات لهذا، وكان أبو يوسف يقول أولاً بقول أبي حنيفة رحمه الله حتى رأى طائرًا في منقاره فأرة ميتة فألقاها في بئر فرجع إلى هذا القول وقال: لا يعيد شيئًا من الصلوات بالشك.

وأبو حنيفة يقول: ظهر لموت الفأرة سبب [ظاهر]

(4)

وهو وقوعها في البئر فيحال بموتها عليه كمن جرح إنسانًا فلم يزل المجروح صاحب فراش حتى مات يحال بموته على تلك الجراحة؛ لأنه هو الظاهر من السبب.

ثم الانتفاخ دليل تقادم العهد، وأدنى حد التقادم في هذا ثلاثة أيام، [ألا ترى أن من دفن قبل أن يصلى عليه يصلى على قبره إلى ثلاثة أيام]

(5)

ولا يصلى بعد ذلك؛ لأنه ينفسخ في هذه المدة.

(1)

أي: معناه التحقق والضبط. انظر: المعاني لكل رسم معنى قاموس عربي فارسي على الشبكة العنكبوتية.

(2)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(3)

في (ب): «حتى» .

(4)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).

(5)

ساقط من (ب).

ص: 137

وقولهما: إن في نجاسة البئر فيما مضى شكًّا قلنا: زال هذا الشك بيقين النجاسة في الحال فوجب اعتباره، والقول بالاحتياط فيه فيما مضى، وإن كانت غير منتفخة يعيد صلاة يوم وليلة عنده؛ لأن أقل المقادير في باب الصلاة يوم وليلة فقدرناه به احتياطًا والله أعلم.

‌فصل في الآسآر وغيرها

(1)

لما ذكر أحكام ماء البئر للمناسبة التي ذكرناها بما قبله، فكانت تلك الأحكام مبنية على وقوع أنفس الحيوانات، فيها وهي كلها استدعى ذلك ذكر الأحكام المتعلقة بجزئها وهو السؤر؛ إذ الجزء أبدًا يتبع الكل.

السؤر: بقية الماء التي يبقيها الشارب في الإناء ثم عمَّ استعماله فيه وفي الطعام

(2)

، والجمع الآسآر، والفعل منه أسأر، أي: أبقى مما شرب، والنعت من سأر على غير قياس؛ لأن قياسه سئر ونظيره أخيره فهو خيار

(3)

.

وذكر في «شرح الطحاوي»

(4)

: الآسآر على خمسة: سؤر طاهر متفق على طهارته، وسؤر نجس متفق على نجاسته، وسؤر مكروه، وسؤر مشكوك، وسؤر مختلف فيه، وهو سؤر سباع الوحوش سوى الكلب والخنزير، كالأسد والذئب والفهد وغيرها نجس عندنا، خلافًا للشافعي-رحمه الله

(5)

.

(وَعَرَقُ كُلِّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِسُؤْرِهِ)

-قوله: (وعرق كل شيء معتبر بسؤره) فإن قلت: كان من حق الكلام [أن يقول]

(6)

: وسؤر كل شيء معتبر بعرقه؛ لأن الكلام في السؤر لا في العرق فيجب أن يجعل السؤر مقيسًا لا مقيسًا عليه.

(1)

الآسار: جمع سؤر، وهو بقية طعام الحيوان وشرابه، ويعم بقية كل شيء، ومراد الفقهاء بالسؤر: اللعاب ورطوبة الفم، انظر: المطلع ص (40)، لسان العرب (4/ 339) مادة [سأر]. تهذيب الأسماء واللغات (3/ 140).

(2)

المغرب (1/ 215) مادة [س أ ر].

(3)

الصحاح (2/ 675) مادة [س أ ر].

(4)

انظر: شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 21)، باب سور الهر.

(5)

انظر: في مذاهب الأحناف: المبسوط (1/ 48)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 19)، البناية في شرح الهداية (1/ 431). ومذهب الشافعية: أنه إذا ولغ الكلب في إناء، فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب، وهو أيضًا مذهب الحنابلة، انظر: الأم (1/ 39)، روضة الطالبين (1/ 32)، حاشية القليوبي وعميرة (1/ 69)، الإقناع (1/ 38) المغني (1/ 34)، المقنع ص (19)، كشاف القناع (1/ 182).

(6)

ساقط من (ب).

ص: 138

قلت: نعم كذلك إلا أنهما لما كانا متولدين من أصل واحد لا مفاضلة لأحدهما على الآخر، كان كل واحد منهما [بنسبة]

(1)

الآخر مقيسًا ومقيسًا عليه، وذكر في «الإيضاح»

(2)

هكذا فاتبعه صاحب «الهداية»

(3)

فيه.

فإن قلت: هذا الذي ذكره من الأصل ينتقض بعرق الحمار فإنه مخالف بسؤره، فإن عرقه طاهر غير مشكوك [وسؤره مشكوك]

(4)

.

قلت: الأصل يقتضي أن يكون الأمر على ما ذكره إلا أنه خص ذلك بالنص، وهو ركوب النبي-عليه السلام الحمار معروريا

(5)

، فلم يُعمل العلة عند وجود النص لفقدان شرط عملها، أو نقول: الأصل مستمر على ما ذكره غير منقوض بما ذكرت؛ لأن الشك في طهوريته لا في طهارته [لما عرف]

(6)

.

(لأنَّهُمَا)

قوله: (لأنهما) أي: اللعاب والعرق، ذكر ضمير اللعاب وإن لم يذكر اللعاب قبله لما أن السؤر هو ما خالطه اللعاب، فكان ذكر السؤر ذكرًا له، فصلح [لذلك]

(7)

ضميره كقوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: 45] كان ذكر الناس ذكرًا للأرض؛ لأن الناس على وجه الأرض فصلح [لذلك]

(8)

ضميرهما.

(وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ)(طَاهِرٌ)(؛ لأنَّ الْمُخْتَلِطَ بِهِ اللُّعَابُ) وَقَدْ تَوَلَّدَ مِنْ لَحْمٍ طَاهِرٍ فَيَكُونُ طَاهِرًا، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْجَوَابِ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالْكَافِرُ.

-قوله: (وسؤر الآدمي طاهر) لما روي أن النبي عليه السلام أتي بعس

(9)

من لبن فشرب بعضه، وناول الباقي أعرابيًّا كان عن يمينه فشربه، ثم ناوله أبا بكر رضي الله عنه فشربه

(10)

.

(1)

في (ب): «نسبة» .

(2)

الإيضاح للكرماني (ت 544 هـ) وهو مخطوط لم يطبع.

(3)

الهداية (1/ 54) فصل في الآسار وغيرها.

(4)

ساقط من (ب).

(5)

يريد أنه قد ركب حرارة الحْصَى وهو ينزو من شدِّة. غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 610).

(6)

ساقط من (ب).

(7)

في (أ): «لذكر» والتثبت من (ب).

(8)

في (أ): «لذكر» والتثبت من (ب).

(9)

هو: القَدحُ العظيم، والجمع عِسَاسٌ. انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 315) مادة [ع س س] والمصباح المنير في غريب الشرح الكبير (2/ 409) مادة [ع س س].

(10)

أصل هذا الحديث في صحيح البخاري، عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه «أَصَابَنِى جَهْدٌ شَدِيدٌ فَلَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَاسْتَقْرَأْتُهُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَدَخَلَ دَارَهُ وَفَتَحَهَا عَلَىَّ، فَمَشَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ، فَخَرَرْتُ لِوَجْهِى مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ عَلَى رَأْسِى فَقَالَ «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ» . فَقُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. فَأَخَذَ بِيَدِى فَأَقَامَنِى، وَعَرَفَ الَّذِى بِى، فَانْطَلَقَ بِى إِلَى رَحْلِهِ، فَأَمَرَ لِى بِعُسٍّ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ «عُدْ يَا أَبَا هِرٍّ» . فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ، ثُمَّ قَالَ «عُدْ» . فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ حَتَّى اسْتَوَى بَطْنِى فَصَارَ كَالْقِدْحِ - قَالَ - فَلَقِيتُ عُمَرَ وَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِى كَانَ مِنْ أَمْرِى وَقُلْتُ لَهُ تَوَلَّى اللَّهُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْكَ يَا عُمَرُ، وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَقْرَأْتُكَ الآيَةَ وَلأَنَا أَقْرَأُ لَهَا مِنْكَ. قَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ لأَنْ أَكُونَ أَدْخَلْتُكَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِى مِثْلُ حُمْرِ النَّعَمِ». رواه البخاري في صحيحه (5/ 2055) 73 - كتاب الأطعمة.

ص: 139

ولأن عين الآدمي طاهر وإنما لا يؤكل لكرامته لا لنجاسته، وكذلك سؤر الحائض والجنب لما رُوي أن عائشة-رضي الله عنها شربت من إناء في [حال]

(1)

حيضها، فوضع رسول الله-عليه السلام فمه على موضع فمها وشرب

(2)

.

وروي عن النبي عليه السلام أنه قال: «من شرب من سؤر أخيه كتبت له عشر حسنات» . وفي رواية: «سبعون حسنة»

(3)

.

ولأن ما لاقى الماء من الجنب شفتاه أو [احدي]

(4)

شفتيه وشفتاه طاهرتان حقيقة؛ لأنه لا نجاسة على أعضائه من حيث الحقيقة على ما بينا، والنجاسة الحكمية على قول محمد لا يغير صفة الماء، إذا لم يُقصد به إقامة القربة ولم يقصد به ها هنا إقامة القربة إنما قصد به الشرب، فلا تتغير [به]

(5)

صفة الماء على مذهبه، وعلى قولهما النجاسة الحكمية وإن كانت توجب تنجس الماء إذا أسقط به فرضًا [وقد أسقط به فرضًا]

(6)

وإن قصد به [الشرب]

(7)

إلا أنه لم ينجس ها هنا نفيًا للحرج كما سقط اعتبار النجاسة في إدخال اليد، وإن سقط به الفرض عن اليد لما [أن]

(8)

للناس فيه من الضرورة كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(9)

وبهذا

(1)

ساقط من (ب).

(2)

رواه مسلم في صحيحه (1/ 168) -3 كِتَاب الْحَيْضِ-باب سؤر الحائض، ولفظه عن عائشة رضي الله عنها قالت:«كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِىَّ فَيَشْرَبُ» .

(3)

أخرجه الخطيب (6/ 402)، وأخرجه الديلمي في مسنده (3/ 636) برقم (5992) وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 40) برواية الدارقطني من طريق نوح بن أبي مريم عن ابن جريج عن ابن عباس مرفوعا به، وقال ابن الجوزي: تفرد به نوح وهو متروك، وتعقبه السيوطي في اللآلي المصنوعة (2/ 259) طبع المكتبة الحسينية. وقال عنه الألباني: موضوع. انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (1/ 177).

(4)

في (أ): «حدى» والتصويب من (ب).

(5)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(6)

زائدة في (أ).

(7)

في (ب): «شرباً» .

(8)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(9)

انظر: مبسوط شيخ الإسلام (1/ 78) والمبسوط للسرخسي (1/ 47)، والمحيط البرهاني (1/ 125).

ص: 140

خرج الجواب عن شبهة ترد على سؤر الجنب بأن يقال: ينبغي أن يكون سؤر الجنب نجسًا على قول أبي يوسف رحمه الله لوجود سقوط الفرض عن فمه لشربه، إلا أن الجواب ما ذكره شيخ الإسلام من مكان الضرورة.

وأما سؤر الكافر فطاهر أيضًا عندنا، «وبعض أصحاب الظواهر يكرهون ذلك لقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، ولكنا نقول: المراد [خبث]

(1)

الاعتقاد بدليل ما روي أن النبي-عليه السلام أنزل وفد ثقيف في المسجد

(2)

وكانوا مشركين، ولو كان عين المشرك نجسًا لما أنزلهم في المسجد»، كذا في «المبسوط»

(3)

.

(وَسُؤْرُ الْكَلْبِ نَجِسٌ) وَيُغْسَلُ الإنَاءُ مِنْ وُلُوغِهِ ثَلَاثًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «يُغْسَلُ الإنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثًا» وَلِسَانُهُ يُلَاقِي الْمَاءَ دُونَ الإنَاءِ، فَلَمَّا تَنَجَّسَ الإنَاءُ فَالْمَاءُ أَوْلَى، وَهَذَا يُفِيدُ النَّجَاسَةَ وَالْعَدَدَ فِي الْغَسْلِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي اشْتِرَاطِ السَّبْعِ، وَلأنَّ مَا يُصِيبُهُ بَوْلُهُ يَطْهُرُ بِالثَّلَاثِ، فَمَا يُصِيبُهُ سُؤْرُهُ وَهُوَ دُونَهُ أَوْلَى.

-قوله: (فلما تنجس الإناء فالماء أولى) فكانت نجاسة سؤر الكلب [حكمًا]

(4)

ثابتًا بدلالة الإجماع؛ لأن الإجماع لما انعقد على وجوب غسل الإناء بولوغه، ولهذا الإجماع دلالة على نجاسة الماء؛ لأن لسان الكلب لم يلاق الإناء وإنما لاقى الماء، ولما ورد الشرع تنجس الإناء مع أن لسان الكلب لم يلاقٍ الإناء فلأن يرد تنجس الماء ولسان الكلب لاقاه كان أولى.

فإن قلت: قوله-عليه السلام: «يَغْسِل الإنَاء مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلاثًا»

(5)

جاز أن يكون المراد به لحسه [الإناء]

(6)

ثلاثًا

(7)

، فحينئذٍ كان لسانه ملاقيًا للإناء فلا يتم هذا/ 15/ أ/ الاستدلال الثابت بالأولوية.

قلت: الكلام على حقيقته ما لم يقم الدليل على مجازه فإن حقيقة الولوغ واقعة على [سؤر]

(8)

الكلب المائعات بأطراف لسانه، ذكره في «الصحاح»

(9)

، وفي «تاج المصادر»:[الولوغ]

(10)

[خوز وآب خور دن سباع بسر زبان]

(11)

من حد منع، فكان محمولاً على حقيقة الولوغ وهي الشرب فيتم الاستدلال.

(1)

في (أ): «من حيث» والتصويب من (ب) ومن المبسوط.

(2)

أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (1/ 414) باب المشرك يدخل المسجد وابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 260) في الكفار يدخلون المسجد، وأحمد في مسنده (29/ 428)، وأبو داود في سننه (3/ 126) باب ما جاء في خبر الطائف، وابن خزيمة في صحيحه (2/ 285) وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (9/ 308) برقم (4319).

(3)

المبسوط للسرخسي (1/ 47)، وانظر: المحيط (1/ 124).

(4)

ساقط من (ب).

(5)

الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِى إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، إحْدَاهُنَّ بالتُّراب» . رواه البخاري في صحيحه (1/ 330) كتاب الوضوء- باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، ومسلم في صحيحه (1/ 234) -كتاب الطه ارة-باب حكم ولوغ الكلب-.

(6)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).

(7)

ساقط من (ب).

(8)

في (أ): «شرب» والتصويب من (ب).

(9)

الصحاح (4/ 1329) مادة [ولغ].

(10)

ساقطة من (ب).

(11)

ومعناها: ولوغ الكلب بأطراف لسانه. انظر: المعاني لكل رسم معنى قاموس عربي فارسي على الشبكة العنكبوتية.

ص: 141

‌وَالْأَمْرُ الْوَارِدُ بِالسَّبْعِ مَحْمُولٌ عَلَى ابْتِدَاءِ الإسْلَامِ.

-قوله: (والأمر الوارد بالسبع) محمولٌ على الابتداء؛ فإن النبي عليه السلام كان يشدد في أمر الكلاب في الابتداء منعًا لهم من الاقتناء على ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال: من اقتنى كلبًا إلا لماشية أو صيد نقص من أجره كل يوم قيراط

(1)

.

والدليل عليه أنه عليه السلام قال: «وَعَفِّرُوا الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» . والتعفير ليس بواجب بالاتفاق، كذا في «الفتاوى الظهيرية» .

فإن قيل: جاز أن يكون المراد بغسل الإناء هنا التعبد لا التنجس.

قلنا: هذا لا يصح؛ لأن الجمادات لا يلحقها حكم العبادات، ولأنه لو كان تعبدًا لوجب غسل غير موضع النجاسة كما في الحدث، وبالإجماع

(2)

هذا الغسل يجب في موضع الإصابة كما في سائر النجاسات علمنا أنه وجب لإزالة النجاسة لا للتعبد، كذا في «المبسوط»

(3)

.

قوله: (خلافًا للشافعي رحمه الله) وحاصله أن سؤر ما لا يؤكل لحمه من السباع كالأسد والفهد والنمر عندنا نجس

(4)

.

وقال الشافعي-رحمه الله: طاهر لحديث ابن عمر-رضي الله عنهما: أن النبي-عليه السلام-سئل فقيل: أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ فقال: «نعم» . وبما أفضلت السباع [كلها]

(5)

(6)

.

(1)

الحديث في صحيح البخاري (5/ 2088) باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد، وصحيح مسلم (3/ 1201) باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخة ولفظهما (عن ابن عمر رضي الله عنهما مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ).

(2)

انظر: مراتب الإجماع، كتاب الصلاة (1/ 24)

(3)

في (أ): «المبسوطين» والتصويب من (ب)، انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 48) باب الوضوء والغسل.

(4)

في (أ): «شرب» والتصويب من (ب).

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

رواه الدارقطني في سننه (1/ 101) باب الآسار، والبيهقي في سننه (1/ 377) باب سؤر سائر

الحيوانات سوى الكلب والخنزير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟، قال:«نعم وبما أفضلت السباع كلها» . قال المحقق: شعيب الأرنؤط بعد إيراد الحديث: وفي سنده، ابن أبي حبيبة وهو إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وهو ضعيف.

ص: 142

وفي حديث جابر: أن النبي-عليه السلام سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة وما ينوبها من السباع فقال: «لها مَا وَلَغَتْ في بُطُونها، وَمَا بَقِيَ فَهُو لنَا شَرابٌ وُطُهُور»

(1)

.

ولأن عينها طاهر بدليل جواز الانتفاع بها في حالة الاختيار.

وأما حديث [عمر]

(2)

وعمرو بن العاص رضي الله عنهما (وردا حوضًا فقال عمرو بن العاص: يا صاحب الحوض أترد السباع ماءكم هذا؟ فقال عمر: يا صاحب الحوض لا تخبرنا)

(3)

.

ولولا أنهما كانا يريان التنجس [بورودها]

(4)

وإلا لم يكن لسؤال عمرو ولا لنهي عمر معنى [والمعنى]

(5)

في المسألة أنها سؤر سباع يمكن الاحتراز عنه فكان نجسًا قياسًا على الخنزير.

(1)

أخرجه الربيع بن حبيب في مسنده (ص 72)، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السِّباع تَرد الحيَاض وتَشرب منها فقَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لها ما ولَغَتْ في بُطُونها ولَكم ما غبر» قال الربيع: أي: لكم ما بقي. الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب، للربيع بن حبيب بن عمر الأزدي البصري، تحقيق: محمد أدريس، عاشور بن يوسف، الناشر: دار الحكمة، مكتبة الاستقامة 1414 هـ، بيرون، سلطنة عمان. وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 142) عن عكرمة (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتَى على حوض من الحيَاض فأرَاد أن يَتوضَأ ويشْرب، فقال أهل الحوض: إنه تَلغ فيه الكِلاب والسِّباع، فقال عمر: إن لها ما ولَغَت في بُطُونها، قال: فشَرب وتَوضأ).

(2)

في (ب): «ابن عمر» وهو خطأ.

(3)

أخرجه مالك في الموطأ، (1/ 97) كتاب الطهارة، باب الطهور للوضوء (ص 41) عن يحيى بن عبد الرحمن ابن حاطب:«أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خَرَج في رَكْبٍ فِيْهم عمرو بن العاص، حتى وردوا حَوضاً، فقَال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: يا صَاحب الحَوضِ لا تخبرنا، فإنا نَرد على السِّباع وتَردُ عَلينَا» وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الطهارة، باب الماء ترده الكلاب والسباع (1/ 76) قال النووي:«وهذا الأثر إسناده صحيح، إلا أنه مرسل منقطع، فإن يحيى وإن كان ثقة فلم يدرك عمر؛ بل ولد في خلافة عثمان، هذا هو الصواب، قال يحيى بن معين: يحيى بن عبد الرحمن ابن حاطب عن عمر باطل، وكذا قاله غير ابن معين، إلا أن هذا المرسل له شواهد تقوية» المجموع (1/ 228).

(4)

في النسختين: «بورودهما» ولعل الأصوب ما أثبت لأن المراد ورود السباع.

(5)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

ص: 143

وتأويل الحديثين أنه كان ذلك في الابتداء قبل تحريم [لحم]

(1)

السباع أو السؤال وقع في الحياض الكبار، وبه نقول إن مثلها لا تنجس كذا في «المبسوط»

(2)

.

وذكر محمد نجاسة سؤر السباع ولم يبين أن نجاسته خفيفة حتى يعتبر فيه الكثير أو غليظة حتى يعتبر فيه أكثر من قدر الدرهم.

وقد روي عن أبي حنيفة في [غير]

(3)

رواية الأصول أنه نجس نجاسة غليظة.

وروي عن أبي يوسف: أن سؤر ما لا يؤكل لحمه من السباع، كبول ما يؤكل لحمه وعلل فقال: لأن الناس اختلفوا في سؤر ما لا يؤكل لحمه من السباع كما اختلفوا في بول ما يؤكل لحمه، فأوجب اختلافهم تخفيفًا في نجاسته كما في بول ما يؤكل لحمه، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(4)

.

(وَسُؤْرُ الْخِنْزِيرِ نَجِسٌ) لأنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ (وَسُؤْرُ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ نَجِسٌ) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ رحمه الله فِيمَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ لأنَّ لَحْمَهَا نَجِسٌ وَمِنْهُ يَتَوَلَّدُ اللُّعَابُ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ.

(وَسُؤْرُ الْهِرَّةِ طَاهِرٌ مَكْرُوهٌ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ «لأنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُصْغِي لَهَا الإنَاءَ فَتَشْرَبُ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ» .

وَلَهُمَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «الْهِرَّةُ سَبُعٌ» وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُكْمِ دُونَ الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ، إلَّا أَنَّهُ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ لِعِلَّةِ الطَّوْفِ فَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ.

وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ، ثُمَّ قِيلَ كَرَاهَتُهُ لِحُرْمَةِ اللَّحْمِ، وَقُبِلَ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى التَّنَزُّهِ وَالْأَوَّلُ إلَى الْقُرْبِ مِنْ التَّحْرِيمِ.

-قوله رحمه الله: (وسؤر الهرة مكروه) قال شمس الأئمة رحمه الله في «المبسوط» : «هذا لفظ «الجامع الصغير» ، وأما لفظ كتاب الصلاة قال: وإن توضأ بغيره [فهو]

(5)

أحب إلي»

(6)

. وذكر شيخ الإسلام.

وروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: لا بأس بالتوضي به، وهو قول الشافعي

(7)

، واحتجا في ذلك بحديثين:

[أحدهما]

(8)

: ما رواه محمد في كتاب الصيد أن النبي عليه السلام كان يصغي الإناء للهرة ويشرب ما بقي ويتوضأ منه

(9)

.

(1)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(2)

انظر: المبسوط (1/ 49) باب الوضوء والغسل.

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

انظر: مبسوط شيخ الإسلام (1/ 253)، والمبسوط للسرخسي (1/ 49)، والمحيط البرهاني (1/ 128).

(5)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).

(6)

المبسوط (1/ 51) باب الوضوء والغسل.

(7)

سبق توثيق مذهب الشافعية (ص 283) هامش (5).

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

الحديث رواه الدارقطني في سننه (1/ 46) كتاب الطهارة باب سؤر الهرة حديث رقم (15) بإسناد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كَانَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم يمرُّ به الهرّ فيصْغي لها الإناءُ فتَشْرب، ثم يتَوضَّأ بفضلها» قال أبو بكر: يعقوب هذا أبو يوسف القاضي، وعبد ربه هو: عبد الله ابن سعيد المقبري، وهو ضعيف. وروى ابن ماجة في سننه (1/ 131) برقم (368) بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت:«كنت أتَوَضَّأ أنَا ورَسُول الله صلى الله عليه وسلم من إنَاء واحِدٍ قَدْ أصَابَتْ منه الهرّة قبل ذلك» . ورواه الدارقطني في سننه (1/ 48) برقم (211) عنها، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة (1/ 64) برقم (295).

ص: 144

[و]

(1)

روى أبو يوسف هذا الحديث وقال: كيف أكره مع هذا الحديث.

وروي عن عائشة-رضي الله عنها-أنها كانت تصلي وفي بيتها قصعة من هريسة فجاءت هرة وأكلت منها، فلما فرغت من صلاتها دعت [جاراتٍ]

(2)

لها فكن يتحامين من موضع فمها فمدت يدها وأخذت موضع فمها وأكلت وقالت: سمعت رسول الله-عليه السلام يقول: «الهرّة لَيسَت بنجسَة إنما هيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ والطَّوَّافاتِ علَيْكمْ» فما لكن لا تأكلن؟!

(3)

ولأنها نوع بهيمة يجوز اقتناؤها على الإطلاق فلا يكرهه التوضي بسؤرها قياسًا على الإبل، يعني به يباح اقتناؤها لا لغرض بخلاف الكلب؛ فإنه [لا]

(4)

يباح اقتناؤه من غير غرض على ما مر من لفظ الحديث.

«ولنا: حديث ابن عمر: يغسل الإناء من ولوغ الهرة مرةً، وهو إشارة إلى الكراهة، وعن أبي هريرة أن النبي-عليه السلام قال: «الهرَّة سَبْع»

(5)

. فهذا يدل [على النجاسة]»

(6)

[أنه على التحريم أقرب]

(7)

.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

أخرجه إسحاق بن راهوية في مسنده (2/ 458) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن داود بن صالح، عن أبيه «أن مولاة لعائشة أرسلت إلى عائشة بهريسة قالت: فوجدهتها تصلي، فأشارت إلى أن ضعيها، فوضعتها فجاءت الهرة فأخذت منها نهشة، فلما انصرفت من الصلاة قالت: للنساء كلن واتقين موضع فم الهرة، فأكلت عائشة من حيث أكلت الهرة، ثم قالت: إنها ليْسَتْ بِنَجِسٍ إنها مِنَ الطَّوَّافِينَ علَيْكمْ والطَّوَّافاتِ، ولقد رأيت رسول الله يتوضأ بفضلها». فأخرج أحمد في مسنده (5/ 303) نحوه عن كبشة بنت كعب بن مالك قال إسحاق في حديثه وكانت تحت بن أبي قتادة أن أبا قتادة: دخل عليها فسكبت له وضوءه، فجاءت هرة تشرب منه فأصغى لها الإناء حتى شربت قالت كبشة: فرآني أنظر إليه فقال: أتعجبين يابنت أخي؟ قالت: نعم. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ليْسَتْ بِنَجِسٍ إنها مِنَ الطَّوَّافِينَ علَيْكمْ والطَّوَّافاتِ، وقال إسحاق أو الطوافات» . قال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح.

(4)

ساقط من (ب).

(5)

حديث «الهرَّة سَبع» حديث ضعيف: رواه أحمد في المسند (2/ 442)، والدارقطني في سننه (1/ 63)، والطحاوي في مشكل الآثار (3/ 272)، والحاكم في المستدرك (1/ 183)، وقال: حديث صحيح ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي، وفي إسناده عيسى بن المسيب ضعفه ابن معين وأبوداود والنسائي، وتكلم فيه ابن حبان، وقال كاان ممن يقلب الأخبار ويخطئ في الآثار حتى خرج عن حد الاحتجاج به.

والحديث أورده ابن أبي حاتم في العلل (1/ 44)، وفيه"قال أبو زرعة: لم يرفعه أبو نعيم، وهو أصح، وعيسى ليس بالقوي". وانظر: نصب الراية (1/ 134، 135)، تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة (ص 328، 329)، لسان الميزان، للذهبي (4/ 405)، والسلسلة الضعيفة للألباني (2/ 19).

(6)

ساقط من (ب).

(7)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).

ص: 145

وحديث عائشة

(1)

رضي الله عنها يدل على الطهارة فأثبتنا [حكم]

(2)

الكراهة عملاً بهما.

«وكان الطحاوي [يقول]

(3)

: كراهة سؤرها [كحرمة]

(4)

لحمها، وهذا يدل على أنه إلى التحريم أقرب.

وقال الكرخي: كراهة سؤرها؛ لأنها تتناول الجيف فلا يخلو فمها عن نجاسة عادةً، وهذا يدل على أن الكراهة كراهة تنزيه وهو الأصح، والأقرب إلى موافقة الأثر»

(5)

.

وأما قوله: يجوز اقتناؤها على الإطلاق.

قلنا: جواز اقتنائها على الإطلاق دليل على طهارته، ونحن ما أوجبنا الكراهة لنجاستها؛ بل لتوهم النجاسة على فمها كما كرهنا الماء الذي أدخل [فيه]

(6)

الصبي يده.

/ 15/ ب/ وذكر فخر الإسلام رحمه الله في «الجامع الصغير»

(7)

: ودليل الكراهة في سؤر الهرة إجماعهم في الفأرة والحية أن سؤرهما يكره، وإنما أخذ حكمهما من الهرة فلا يصح أن يفارق حكم [الفرع]

(8)

الأصل، ولأنها تأكل الفأرة في [العادات]

(9)

فيتنجس فمها غير أن الغسل متعذر فسقطت نجاستها وبقيت الكراهة، والحديث محمول على أنها لم تأكل الفأرة، ومما يجب حفظه أن الهرة إذا لحست عضوًا لم ينبغ أن يستهان به فيصلي من غير غسل؛ لأن ذلك مكروه.

وذكر شمس الأئمة رحمه الله في «الجامع الصغير»

(10)

: وبهذا يتبين جهل العوام أنهم يتركون الهرة [لتدخل]

(11)

تحت [لحافهم]

(12)

وتلحسهم ولا يغسلون ذلك الموضع، وذلك مكروه عند أبي حنيفة رحمه الله، ويضعون الطعام بين يدي الهرة [فتأكل]

(13)

بعضه فيرفع الجاهل ذلك ويأكله وذلك مكروه ويظنه أنه أكرم الخبز.

(1)

المبسوط (1/ 51) باب الوضوء والغسل.

(2)

ساقط من (ب).

(3)

في (ب): «يرى» .

(4)

في (ب): «لحرمة» .

(5)

انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (1/ 127) الفصل الرابع في المياه التي يجوز التوضؤ بها، والجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 20) الأغسال المسنونة، والبناية شرح الهداية (1/ 486) سؤر الهرة.

(6)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(7)

لم أجد الكتابين، انظر: الجامع الصغير لأبي الحسن الشيباني (ت 189 هـ)(1/ 75) باب ما يجوز به الوضوء وما لا يجوز.

(8)

في (ب): «النوع» .

(9)

في (ب): «العادة» .

(10)

لم أجد الكتابين، انظر: الجامع الصغير لأبي الحسن الشيباني (ت 189 هـ)(1/ 75) باب ما يجوز به الوضوء وما لا يجوز.

(11)

في (أ): «ليدخل» والتصويب من (ب).

(12)

في (ب): «طاقهم» والتصويب من (ب) الِّلحافُ: اسم مايُلْحَفُ به. انظر: الصحاح (4/ 1426) مادة [لحف].

(13)

في (أ): «فيأكل» والتصويب من (ب).

ص: 146

‌وَلَوْ أَكَلْت فَأْرَةً ثُمَّ شَرِبَتْ عَلَى فَوْرِهِ الْمَاءَ تَنَجَّسَ إلَّا إذَا مَكَثَتْ سَاعَةً لَغُسْلِهَا فَمَهَا بِلُعَابِهَا وَالاسْتِثْنَاءُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ -رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الصَّبِّ لِلضَّرُورَةِ.

(وَسُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ) مَكْرُوهٌ لأنَّهَا تُخَالِطُ النَّجَاسَةَ وَلَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيْهَا لَا يُكْرَهُ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ عَنْ الْمُخَالَطَةِ (وَ) كَذَا سُؤْرُ (سِبَاعِ الطَّيْرِ) لأنَّهَا تَأْكُلُ الْمَيْتَاتِ فَأَشْبَهَ الْمُخَلَّاةَ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَحْبُوسَةً وَيَعْلَمُ صَاحِبُهَا أَنَّهُ لَا قَذَرَ عَلَى مِنْقَارِهَا لَا يُكْرَهُ، وَاسْتَحْسَنَ الْمَشَايِخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ (وَ) سُؤْرُ (مَا يَسْكُنُ الْبُيُوتَ كَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ)(مَكْرُوهٌ) لأنَّ حُرْمَةَ اللَّحْمِ أَوْجَبَتْ نَجَاسَةَ السُّؤْرِ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَتْ النَّجَاسَةُ لِعِلَّةِ الطَّوْفِ فَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ

قوله: (والاستثناء على مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف-رحمه الله) يعني به قوله: إلا إذا مكثت ساعة [حينئذ]

(1)

لا يبقى فمها نجسًا عندهما؛ لأنهما يجوزان إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة، ولكن الصب شرط عند أبي يوسف للتطهير في العضو وسقط ها هنا للضرورة كما سقط اشتراط الصب في غسل الثوب في الإجانة

(2)

بالاتفاق للضرورة على أظهر القولين منه.

-قوله: (ولو كانت محبوسةً بحيث لا يصلُ منقارُها

(3)

وإنما قيد بهذا لأن هذا (أحد وجهي) كونها محبوسة.

وقال شيخ الإسلام في «المبسوط» : «وإن كانت [محبوسة]

(4)

فإنه يجوز التوضي به، ولا يكره؛ لأنه ليس على منقارها نجاسة لا من حيث الحقيقة ولا من حيث الاعتبار أما من حيث الحقيقة فطاهر، [وكذلك]

(5)

من حيث الاعتبار لأنها إذا كانت محبوسة فإنها لا تجد

(1)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(2)

الإجانة والإنجانة والأجانة: المركن (شبه طست) تغسل فيه الثياب ومفردها: إجّانة، والجمع: إجاجين، المغرب في ترتيب المعرب (1/ 31)، لسان العرب (13/ 8) مادة [أجن]، تاج العروس (9/ 118) مادة [أجن]، الصحاح (5/ 2068). مادة [أجن].

(3)

الضمير يعود إلى منقار الدجاجة الذي تأكل به. وهو واضح في متن (الهداية).

(4)

في (ب): «فيه).

(5)

في (ب): وأما».

ص: 147

عذرات غيرها حتى تحول فيها، وإنما تجد عذرات نفسها وهي لا تجول [في]

(1)

عذرات نفسها

(2)

.

والثاني: هو ما حكي عن الإمام الحاكم عبد الرحمن أنه قال: لم يرد بكونها [محبوسة أن تكون محبوسة في بيتها؛ لأنها وإن كانت محبوسة في بيتها فإنها تجول في عذرات نفسها فلا يؤمن منه أن يكون على منقارها قذرٌ فيكره التوضي بسؤرها كما لو كانت مخلّاة وإنما أراد بكونها محبوسة]

(3)

أن تحبس في بيت لتسمن للأكل فيكون راسها وعلفها ومأها خارج البيت فلا يمكنها أن تجول في غذرات نفسها.

-قوله: (وكذا سؤر سباع الطير) هو معطوف على قوله: وسؤر الدجاجة المخلاة ليكون داخلاً في حكم الكراهة، ثم حكم الكراهة في سؤر سباع الطير جواب الاستحسان.

وأما في جواب القياس فهو نجس؛ لأن سؤر ما لا يؤكل لحمه من سباع الطير معتبرٌ بسؤر ما لا يؤكل لحمه من سباع الوحش، ولكنا استحسنا فقلنا: بأنه طاهر مكروه؛ لأنها تشرب بمنقارها ومنقارها عظم جاف بخلاف سباع الوحش، فإنها تشرب بلسانها ولسانها رطب بلعابها، ولأن في سباع الطير تتحقق البلوى، وأنها تنقض من الهواء فتشرب فلا يمكن صون الأواني عنها خصوصًا في الصحاري بخلاف سباع الوحش»، كذا في «المبسوط»

(4)

.

وذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله

(5)

-: «فسباع الطير تشرب بمنقارها وهو عظم جاف طاهر، لكن تناولها الجيف غالب فأورث الكراهة، فإن توضأ به عند عدم الماء المطلق جاز من غير كراهة، وذكر في «المحيط» : وكأن أبا يوسف اعتبر الكراهة لتوهم اتصال النجاسة بمنقارها لا لوصول لعابها إلى الماء.

وقال: إذا لم يكن على منقارها نجاسة لا يكره التوضي بسؤرها.

واستحسن المتأخرون رواية أبي يوسف وأفتوا بها»

(6)

.

‌وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْعِلَّةِ فِي الْهِرَّةِ

قوله: (والتنبيه على العلة في الهرة) أي: وبقي التنبيه على العلة التي كانت في الهرة، يعني أن النبي-عليه السلام علل لسقوط نجاسة سؤر الهرة بعلة الطوف بقوله:«إنها مِنَ الطَّوَّافِينَ والطَّوَّافاتِ عَلَيكم»

(7)

. دفعًا للحرج، فكان مقتضى ذلك التعليل أن يوجد الحكم المرتب على تلك العلة أينما وجدت تلك العلة فقد وجدت تلك العلة وهي الطوف في سواكن البيوت بعينها؛ بل أزيد منها، فيثبت ذلك الحكم المرتب عليها أيضًا وهو سقوط النجاسة في سؤر سواكن البيوت كما في الهرة، وكان الشيخ رحمه الله

(8)

يقول في هذا: الله تعالى علل لسقوط وجوب الاستئذان بعلة [الطواف]

(9)

في قوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النور: 58]، ثم استدل النبي-عليه السلام

(1)

في (ب): «و» .

(2)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، بل هو في: المحيط البرهاني (1/ 125) وحاشية الطحاوي على مراقي الفلاح (1/ 31).

(3)

ما بين معكوفين ساقط من (ب).

(4)

المبسوط للسرخسي (1/ 1/ 50، 51) باب الوضوء والغسل.

(5)

لعلها جملة معترضة.

(6)

المحيط البرهاني (1/ 126).

(7)

سبق تخريجه في (ص 293) هامش (3).

(8)

لعله يقصد بالشيخ: أبويوسف.

(9)

في (ب): «الطوف» .

ص: 148

بتعليل الله تعالى فيه على سقوط نجاسة سؤر الهرة بعلة [الطواف]

(1)

أيضًا بقوله: «إنها مِنَ الطَّوَّافِينَ» . ثم استدل أبو حنيفة رحمه الله بتعليل النبي-عليه السلام في سؤر الهرة على سقوط نجاسة سؤر سواكن البيوت بعلة الطواف أيضًا.

‌قَالَ (وَسُؤْرُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ مَشْكُوكٌ فِيهِ) قِيلَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ لأنَّهُ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَكَانَ طَهُورًا مَا لَمْ يَغْلِبْ اللُّعَابُ عَلَى الْمَاءِ، وَقِيلَ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ

-قوله: (وسؤر الحمار والبغل مشكوك فيه) وقال الشافعي: "هو طاهر وطهور؛ لأنه جعل سؤر كل حيوان ينتفع [بجلده]

(2)

طهورًا فلذلك [جعل]

(3)

جميع سؤر السباع كالنمر والفهد سوى الكلب والخنزير طاهراً وطهورًا للانتفاع بجلده"، كذا في «الأسرار»

(4)

.

وكان أبو طاهر الدباس

(5)

رحمه الله ينكر هذا ويقول: "لا يجوز أن يكون شيء من حكم الشرع مشكوكًا فيه، ولكن معناه محتاط فيه فلا يجوز أن يتوضأ به في حالة الاختيار، وإذا لم يجد غيره يجمع بينه وبين التيمم احتياطًا "كذا في «المبسوط»

(6)

.

‌لأنَّهُ لَوْ وُجِدَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رَأْسِهِ، وَكَذَا لَبَنُهُ طَاهِرٌ وَعَرَقُهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَإِنْ فَحُشْ، فَكَذَا سُؤْرُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ،

-قوله: (لأنه لو وجد الماء لا يجب عليه غسل رأسه) أي: بعد ما مسح رأسه بسؤر الحمار [و]

(7)

جد ماءً مطلقًا لا يجب عليه غسل رأسه، فلو كان الشك في طهارته؛ لوجب وإنما عين الرأس دون غيره؛ لأن غيره من الأعضاء يطهر بصب الماء عليه حقيقةً وحكمًا.

قوله: (وهو الأصح) والضمير راجع إلى قوله: وقيل: الشك في طهوريته، ثم لما كان الشك في طهوريته على الأصح كان بقاؤه على الطهارة بلا شك [شاكٍّ]

(8)

، ثم عطف [عليه لبنه وعرقه]

(9)

بكونهما طاهرين مطلقًا، "هذا في العرق بحكم [الروايات]

(10)

الظاهرة صحيح، وأما في اللبن فغير صحيح لما أن الرواية في الكتب المعتبرة نجاسة لبن الحمار أوتسوية النجاسة والطهارة فيه بذكر الروايتين ولم يرجح [جانب]

(11)

الطهارة أحدٌ إلا في رواية غير ظاهرة عن محمد، فذكر شمس الأئمة السرخسي في «المبسوط»

(12)

في تعليل سؤر الحمار فقال: «وكذلك اعتبار سؤره بعرقه يدل على طهارته واعتباره بلبنه يدل على نجاسته، وجُعل لبنه نجسًا كما ترى"

(13)

.

(1)

في (ب): «الطوف» .

(2)

في (ب): «به» .

(3)

في (ب): «جمع» .

(4)

الأسرار ص (255، 256، 266).

(5)

هو: محمد بن محمد بن سفيان، أبو طاهر الدباس، الفقيه، إمام أهل الرأي بالعراق، درس الفقه على القاضي أبي حازم صاحب بكر القمي وكان من أهل السنة والجماعة صحيح المعتقد، ولي القضاء بالشام، وخرج منها إلى مكة فمات بها-رحمه الله تعالى- انظر: طبقات الحنفية (2/ 116، 117).

(6)

المبسوط للسرخسي (1/ 49، 50).

(7)

في (ب): «لو» .

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

في (ب): «لبنه عليه وعرقه» .

(10)

في (ب): «الرواية» وأيضاً في تبيين الحقائق (1/ 34).

(11)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(12)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 49).

(13)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي (1/ 34).

ص: 149

وذكر في «المحيط» : «ولبن الأتان

(1)

نجس في ظاهر الرواية.

وروي عن محمد أنه طاهر ولا يؤكل»

(2)

.

وذكر الإمام التمرتاشي فقال: وعن البزدوي: [أنه]

(3)

يعتبر فيه الكثير الفاحش هو الصحيح.

وعن [فخر]

(4)

الأئمة: الصحيح أنه نجس نجاسة غليظة؛ لأنه حرام بالإجماع

(5)

.

وذكر في «فتاوى قاضي خان» : «وفي طهارة لبن [الأتان]

(6)

روايتان»

(7)

، وأما في عرقه فعن أبي حنيفة رحمه الله في عرق الحمار ثلاث روايات في رواية.

قال: هو طاهر. وفي رواية قال: هو نجس نجاسة خفيفةً، وفي رواية أخرى: قال: هو نجس نجاسة غليظة.

«وذكر القدوري أن عرق

(8)

الحمار طاهر في الروايات المشهورة»

(9)

، كذا في «المحيط» .

‌وَيُرْوَى نَصَّ مُحَمَّدٌ رحمه الله عَلَى طَهَارَتِهِ، وَسَبَبُ الشَّكِّ تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ فِي إبَاحَتِهِ وَحُرْمَتِهِ، أَوْ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي نَجَاسَتِهِ وَطَهَارَتِهِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ نَجِسٌ تَرْجِيحًا لِلْحُرْمَةِ وَالنَّجَاسَةِ، وَالْبَغْلُ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمَا يَتَوَضَّأُ وَيَتَيَمَّمُ وَيَجُوزُ أَيُّهُمَا قَدَّمَ) وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقَدِّمَ الْوُضُوءَ لأنَّهُ مَاءٌ وَاجِبُ الاسْتِعْمَالِ فَأَشْبَهَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ.

-قوله: (ويروى نص محمد على طهارته) وهو ما روي عن محمد أنه قال: أربع لو غمس فيه الثوب لم ينجس وهي: سؤر الحمار، والماء المستعمل، ولبن الأتان، وبول ما يؤكل لحمه. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(10)

.

-قوله: (وسبب الشك تعارض الأدلة في إباحته وحرمته أو اختلاف الصحابة-رضوان الله عليهم أجمعين-) زيفه

(11)

شيخ الإسلام في «مبسوطه»

(12)

أن يكون كل واحد منهما سبب الشك فقال: ثم اختلف مشايخنا في سبب الإشكال في [حد]

(13)

سؤر الحمار فمنهم من قال: السبب الموجب للإشكال اختلاف الصحابة رضي الله عنهم؛ [فإنه روي عن عبد الله بن عمر أنه كان يكره التوضي بسؤر الحمار والبغل]

(14)

(15)

.

(1)

الأتان: الحمارة، ولا تقل أتانة. الصحاح (5/ 2067). مادة [أتن].

(2)

المحيط (1/ 131).

(3)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(4)

في (ب): «شمس» .

(5)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي (1/ 34).

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 25) فصل في الآسار.

(8)

كتب في هامش (ب): «عرقه يفسد الماء دون الثوب» .

(9)

المحيط البرهاني (1/ 131).

(10)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام.

(11)

زيفه: أي: ردئه، يقال: درهم زيف وزائف. انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 325)، لسان العرب (9/ 142) مادة [زيف]. ويوضح ذلك ماذكره في المتن أعلاه.

(12)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام.

(13)

ساقطة من (ب).

(14)

ساقطة من (ب).

(15)

أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 20) باب سور الهر، بإسناد صحيح، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنَّه كَان لا يتوضأ بِفَضْل الكَلْب والهرّ، وما سِوى ذلك فَليسَ به بأس» وعنه أيضاً: «لا تَتَوضَّأ وأمن سُؤر الحمَار ولا الكَلْبِ ولا السِّنّور» . وأخرج عبد الرزاق في مصنفه (1/ 105)(373، 374) باب سؤر الدواب، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنَّه كَانَ يَكره سُؤر الحمَار والكَلب والهرّ أنْ يتوضَّأ بفضْلهم» .

ص: 150

وروي عن عبد الله بن عباس أنه قال: «لا بَأس بالتَّوضِّي به»

(1)

، ولم يترجح أحد القولين على الآخر فأوجب ذلك إشكالاً فيه، ثم قال: ولكن هذا لا يقوى؛ لأن الاختلاف في طهارة الماء ونجاسته لا يوجب الإشكال كما في إناء متى [أخبر]

(2)

عدل أنه طاهر وأخبر آخر أنه نجس فإن الماء لا يصير مشكلاً، وإن اختلفا في طهارة الماء ونجاسته وقد استوى الخبران [فكذا]

(3)

ها هنا.

ومنهم من يقول: بأن الموجب للإشكال إشكال لحمه/ 16/ أ/ فإن اللعاب متولد من اللحم فيكون حكمه حكم اللحم ولحمه مشكل، فإنه في بعض الأخبار حرم أكله وفي بعضها أباح أكله فأوجب إشكالاً، فلما صار لحمه مشكلاً كان اللعاب بمنزلته، ثم قال: ولكن هذا لا يصح؛ لأنه لا إشكال في حرمة اللحم فإن لحمه حرام بلا إشكال؛ لأنه اجتمع ما يوجب حرمة أكله وما يوجب الإباحة فيرجح جانب الحرمة على الإباحة كما إذا أخبره عدل أن هذا اللحم ذبيحة مجوسي وأخبره آخر أنه ذبيحة مسلم وهما عدلان؛ فإنه لا يحل أكله بخلاف الماء إذا اختلف فيه اثنان أحدهما أخبر بنجاسته والآخر بطهارته، فإنه يحكم بطهارة الماء، ولا فرق بينهما من حيث المعنى فإنه في الموضعين جميعًا تعارض الخبران فيبقى ما كان ثابتًا قبل الخبر على ما كان، ففي الماء قبل الخبر إباحة [شرب الماء]

(4)

وطهارته فلما تعارض الدليلان تساقطا بقي الماء طاهرًا كما كان في الأصل، وفي باب اللحم تساقط الدليلان أيضًا بالتعارض بقي ما كان ثابتًا قبل الذبح والثابت قبل الذبح حرمة الأكل؛ لأنه إنما يحل أكله فيما يؤكل لحمه بالذبح شرعًا وإذا لم يثبت السبب المبيح لوقوع التعارض في سبب الإباحة بقي حرامًا كما كان، وفي الحمار إنما تثبت حرمة الأكل بهذا الطريق؛ لأنه تعارض/ 16/ ب/ الدليل الموجب للحل والدليل الموجب للحرمة؛ لأنه إن كان مباح الأكل كان الذبح في محله فيوجب الإباحة، وإن كان غير مأكول اللحم كان الذبح في غير محله فلا يوجب الإباحة فقد وقع التعارض في السبب المبيح للأكل فلم يثبت فإذا لم يثبت شرط إباحة الأكل [للتعارض]

(5)

بقي حرامًا؛ لأن الحرمة كانت هي الثابتة قبل الذبح، وإذا حرم أكل لحمه بلا إشكال يكون لعابه نجسًا بلا إشكال، [وإذا كان لعابه نجسًا بلا إشكال]

(6)

وقد وقع في الماء فينجسه بلا إشكال إلا أنه لم يوجب نجاسة الماء لما فيه من الضرورة والبلوى فكان الأصح في التمسك بدليل الشك هو التردد في الضرورة وذلك لأن الحمار يربط في الدور والأفنية فيشرب من الأواني، وللضرورة والبلوى أثر في إسقاط النجاسة كما في الهرة والفأرة [إلا أن الضرورة في الحمار متقاعدة عن الضرورة في الهرة والفأرة]

(7)

؛ لأنها تدخل مضايق [البيت]

(8)

بخلاف الحمار، و [لو]

(9)

لم تكن الضرورة ثابتة أصلاً كما في سؤر الكلب وسائر السباع لوجب الحكم بنجاسة سؤره بلا إشكال، ولو كانت الضرورة مثل ضرورة الهرة لوجب الحكم بإسقاط النجاسة وبقائه طاهرًا فثبتت الضرورة [مثل ضرورة الهرة لوجب الحكم بإسقاط النجاسة وبقائه طاهرًا فيثبت الضرورة]

(10)

من وجهٍ، ولم يثبت من وجه فقد استوى ما يوجب الطهارة والنجاسة فتساقطا للتعارض فوجب المصير إلى ما كان ثابتًا قبل التعارض والثابت قبله شيئان الطهارة في جانب الماء والنجاسة في جانب اللعاب؛ [فإن]

(11)

اللعاب تولد من اللحم ولحمه نجس فكان اللعاب نجسًا وليس أحدهما بأولى من الآخر فبقي الأمر مشكلا نجسًا من وجهٍ طاهر من وجه فكان إشكال سؤره عند علمائنا بهذا الطريق؛ لا لإشكال لحمه ولا لاختلاف للصحابة في سؤره.

(1)

أثر ابن عباس رضي الله عنهما، لم أجده، وورد في مصنف ابن أبي شيبة (1/ 53) باب من قال لا بأس بسؤر الحمار، عن أبي الحُباب «أنَّ جَابر بن زيد كَان لا يَرى بَأساً بِسُؤر الحمَار» وعن أبي عامر، قال:«لا بَأس بسُؤر البَغل» وعن أبي جعفر، قال: لا بأس بسؤر كل دابة».

(2)

في (ب): «أخبره به» .

(3)

في (ب): «فكذلك» .

(4)

في (ب): «شربه» .

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

ساقطة من (ب).

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

ساقطة من (ب).

(10)

ساقطة من (ب).

(11)

في (ب): «لأن» .

ص: 151

قلت: وبهذا التقرير يخرج الجواب عما يرد في هذه المسألة من الأسئلة:

أحدها: أن يقال: لما تعارضت الأدلة في إباحة السؤر وحرمته ينبغي أن يغلّب الحرمة إما لأن المحرم والمبيح إذا اجتمعا يغلب المحرم على المبيح احتياطًا

(1)

، وإما لأن في الدليل المحرم دلالة كونه ناسخًا؛ لأنا نقول: إنما يحصل ذلك إن لو كان الشك والتردد في الحرمة والحل باعتبار النصين؛ لأن النسخ إنما يجري في النص لا في الضرورة، وها هنا جاء الشك والتردد باعتبار الشك في الضرورة في أن الضرورة [فيه]

(2)

متحققة من كل وجه [أو]

(3)

لا ضرورة فيه على ما ذكرنا، وكذلك القول بالاحتياط إنما يكون في ترجيح الحرمة في غير هذا الموضع.

وأما ها هنا فالاحتياط في إثبات الشك ليجب استعماله؛ لأنا لو رجحنا جهة الحرمة [ها]

(4)

هنا للاحتياط كان فيه ترك العمل بالاحتياط؛ لأنه حينئذٍ لا يجوز استعمال سؤر الحمار مع أن احتمال كونه مطهرًا باقٍ باعتبار الشك فكان متيممًا عند وجود الماء في أحد [الوجهين]

(5)

، وذلك حرام فلا يكون عملاً بالاحتياط ولا بالمباح.

والثاني: أن يقال: لما وقع التعارض في السؤر وللماء خَلَفَ وجب أن يصار إلى الخلف ويسقط استعمال الماء كمن له إناءان أحدهما طاهر والآخر نجس فاشتبه الطاهر عليه فإنه يسقط استعمال الماء ويجب التيمم فكذا هنا.

قلنا: الماء فيما نحن فيه طاهر لما ذكرنا أن قضية الشك أن يبقى كل واحد من الأصول على الصفة التي كانت قبل التعارض ولم يزل الحدث؛ لأنه كان ثابتًا قبل هذا [فيبقى إلى أن يوجد المزيل بيقين]

(6)

، فلما كان الماء طاهرًا [و]

(7)

وقع الشك في طهوريته لا يسقط عنه استعماله بالشك بخلاف الإناءين؛ لأن أحدهما نجس يقينًا والآخر وإن كان طاهرًا يقينًا، لكن عجز عن استعماله لعدم علمه به، وله خلف فيصار إليه.

والثالث: هو أن يقال: التعارض في الماء لا يوجب شكًّا فيه كما إذا أخبره عدل بطهارة الماء وعدل آخر بنجاسته فإنه يتوضأ به من غير ضم التيمم إليه.

(1)

هذه قاعدة فقهية: إذا اجتمع الحلال والحرام أو المبيح والمحرم غُلِّبَ جانب الحرام إحتياطًا].

أو [إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام]. انظر: المنثور في القواعد الفقهية (1/ 128)، المنهاج في علم القواعد الفقهية (1/ 12).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): «إذا» .

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): «القولين» .

(6)

في (ب): [فينبغي أن يوجد المزيل بيقين].

(7)

ساقطة من (ب).

ص: 152

قلنا: عند تعارض الخبرين هناك وجب تساقطهما فصارا كأنهما لم يخبرا فرجحنا كون الماء مطهرًا باستصحاب الحال

(1)

؛ لأن الحال تصلح للترجيح والماء كان مطهرًا قبل التعارض فيبقى كذلك بعد التعارض لانعدام الخبرين حكما بسبب التعارض، وها هنا إنما جاء التعارض من جانب الضرورة على معنى أن فيه ضرورة من وجه دون وجه فلو ثبتت الضرورة من كل وجه لقلنا بالطهارة، ولو لم تثبت من كل وجه لقلنا بالنجاسة على ما ذكرنا، فلما تعارضت جهتا الضرورة [تساقطنا]

(2)

للتعارض فأبقينا ما كان على ما كان أيضًا، ثم ما كان ثابتًا على حاله قبل التعارض شيئان جانب الماء وجانب اللعاب، وليس أحدهما بأولى من الآخر فوجب الشك.

والرابع: هو أن يقال: في استعمال الماء ترك العمل بالاحتياط من وجه آخر؛ لأنه إن كان نجسًا ففيه يتنجس العضو.

قلنا: إن معنى الشك في كونه مطهرًا لا في كونه طاهرًا وهو الصحيح فعلى هذه الرواية لا يرد السؤال، وعلى الرواية الأخرى: بأن كان الشك في طهارته.

قلنا: الاحتياط في استعماله لأن العضو طاهر بيقين فلا يتنجس بالشك والحدث ثابت بيقين فلا يزول بالشك، ويشترط اليقين في الطهارة ولا تيقن فيها إلا بضم التيمم إليه، وهذا البيان الواضح والكشف اللائح مقتبس من تلويحات شيخ الإسلام رحمه الله في «مبسوطه»

(3)

[بتقريره]

(4)

، ومن المسموعات من [في]

(5)

الأستاذ الشفيق رحمه الله.

‌وَلَنَا أَنَّ الْمُطَهِّرَ أَحَدُهُمَا فَيُفِيدُ الْجَمْعُ دُونَ التَّرْتِيبِ.

-قوله رحمه الله: (فيفيد [الجمع]

(6)

دون الترتيب) المراد أن لا تخلو الصلاة الواحدة عنهما وإن لم يوجد الجمع في حالة واحدة حتى أنه إذا توضأ بسؤر الحمار وصلى ثم أحدث وتيمم وصلى تلك الصلاة أيضًا جاز؛ لأنه جمع الوضوء به والتيمم في حق صلاة واحدة.

وفي «الجامع الصغير»

(7)

للإمام المحبوبي رحمه الله: وعن [نصر]

(8)

بن يحيى في رجل لم يجد إلا سؤر حمار قال: يهريق ذلك السؤر حتى يصير عادمًا للماء ثم يتيمم فعرض قوله هذا على

(1)

هذا هو استصحاب الحال عند الأصوليين، مثل: علاقة تميز الطاهر من النجس في الأواني والثياب، فإن عَلِمَ نجاسة أحدهما وطهارة الآخر تعارض اليقينان فلا سبيل إلى ترك"الإناءين أو الأخذ" بأحدهما، ولا سبيل إلى الترك فتعين الإجتهاد إذ ليس أحدُ الأصليين أولى من الآخر. انظر: المنثور في القواعد الفقهية (2/ 287).

(2)

في (أ): «تساقطا» والتصويب من (ب).

(3)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام.

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): «فم» .

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

الجامع الصغير للمحبوبي- مخطوط.

(8)

في (ب): «نصير» .

ص: 153

أبي القاسم الصفار

(1)

فقال: هو قول جيد.

وفيه أيضًا ذكر محمد رحمه الله في «نوادر الصلاة»

(2)

: لو توضأ بسؤر حمار وتيمم ثم أصاب ماءً نظيفًا ولم يتوضأ به حتى ذهب الماء ومعه سؤر الحمار فعليه إعادة [التيمم]

(3)

، وليس عليه إعادة الوضوء بسؤر الحمار؛ لأنه إن كان مطهرًا فقد توضأ به، وإن كان نجسًا فليس عليه الوضوء [و]

(4)

لا في المرة الأولى ولا في المرة الثانية.

(وَسُؤْرُ الْفَرَسِ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا) لأنَّ لَحْمَهُ مَأْكُولٌ (وَكَذَا عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ) لأنَّ الْكَرَاهَةَ لِإِظْهَارِ شَرَفِهِ.

قوله رحمه الله: (وكذا عنده في الصحيح)

(5)

احتراز عن سائر الروايات.

وفي «المحيط» : ففي سؤر الفَرَس عند أبي حنيفة أربع روايات [قال]

(6)

في رواية [واحدة]

(7)

: أحب إلي أن يتوضأ بغيره. وهو رواية البلخي [عنه]

(8)

. وفي رواية الحسن عنه: أنه مكروه كلحمه، وفي رواية قال: هو مشكوك كسؤر الحمار.

(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تَعَالَى: يَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ)

وفي رواية كتاب الصلاة قال: «هو طاهر. وهو الصحيح من مذهبه»

(9)

.

-قوله: (فإن لم يجد إلا نبيذ التمر) إلى آخره، إنما ذكر هذه المسألة في فصل الآسآر؛ لأنه لما ذكر سؤر الحمار والبغل باعتبار أنه سؤر ولنبيذ التمر مناسبة بسؤر الحمار خصوصًا على أصل محمد-رحمه الله

(10)

فإنه لما وقع الإشكال في أن خبر النبيذ مقدم أم لا وقع الشك فيه كما في سؤر الحمار فإنه لو كان مقدمًا على آية التيمم لكان منسوخًا بها، ولو كان متأخرًا وإنه من المشاهير كان زيادة على الكتاب والتاريخ مجهول فأوجب ذلك شكًّا فيه فوجب ضم التيمم إليه كما في سؤر الحمار، ثم الكلام في نبيذ التمر في ثلاثة مواضع:

(1)

أبو القاسم الصفار هو: أحمد بن عصمة، الملقب «حم» -بفتح الحاء-قال في الألقاب:«حم» لقب أحمد بن عصمة الصفار البلخي، الفقيه، المحدث، تفقه على أبي جعفر المغيدواني (الهندواني) والصفار بيت علماء، من مصنفاته: أصول التوحيد، (ت 336 هـ):، انظر: طبقات الحنفية (1/ 78)(2/ 263)، كشف الظنون (1/ 81).

(2)

نوادر الصلاة، للإمام أبي بكر: محمد بن يوسف المرغاسوني، الحنفي. كشف الظنون (2/ 1979).

(3)

زائدة في (أ) ساقطة من (ب) ولعلها بدونها أولى.

(4)

زائدة في (أ) وساقطة من (ب)، ولعلها بدونها أولى.

(5)

أي: عند أبي حنيفة في الصحيح المروي عنه.

(6)

ساقطة من (ب) وذكرت في المحيط (1/ 130).

(7)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(8)

ساقطة من (ب) وذكرت في المحيط (1/ 130).

(9)

المحيط البرهاني (1/ 130) الفصل الرابع في المياه التي يجوز التوضؤ بها.

(10)

لعله الإمام محمد الشيباني.

ص: 154

أحدها: في جواز [التوضي به]

(1)

.

والثاني: في الوقت.

والثالث: في نفس النبيذ.

-أما الأول: فعن أبي حنيفة رحمه الله[فيه]

(2)

ثلاث روايات:

ذكر في «الجامع الصغير»

(3)

والزيادات أنه يتوضأ به ولا يتيمم

(4)

.

وذكر في كتاب الصلاة أنه إن توضأ [به]

(5)

وتيمم أحب إلي

(6)

.

قال شيخ الإسلام

(7)

: وما ذكر في كتاب الصلاة إشارة إلى أنه لو توضأ به ولم يتيمم يجوز، ولو تيمم ولم يتوضأ به لا يجوز، والمستحب أن يجمع بينهما.

والثالثة: هي ما روى نوح بن أبي مريم والحسن بن زياد عن أبي حنيفة-رحمهم الله: أنه يتيمم ولا يتوضأ به، كذا في «الجامع الصغير» للإمام المحبوبي

(8)

رحمه الله، [وفيه]

(9)

: وحكي عن أبي طاهر الدباس أنه قال: إنما اختلفت أجوبة أبي حنيفة رحمه الله لاختلاف الأسئلة؛ فإنه سئل عن التوضي إذا كانت الغلبة للحلاوة. قال: يتيمم ولا يتوضأ. وسئل عنه أيضًا إذا كان الماء والحلاوة سواء ولم يغلب أحدهما على الآخر قال: يجمع بينهما.

قال الإمام التمرتاشي: قلت: وعلى هذه الطريقة لا يختلف الحكم بين نبيذ التمر وسائر الأنبذة.

وسئل عنه أيضًا ما إذا كانت الغلبة للماء فقال: يتوضأ به ولا يتيمم.

وذكر القدوري رحمه الله في «شرحه»

(10)

عن أصحابنا: أن التوضي بنبيذ [التمر]

(11)

لا يجوز إلا بالنية كالتيمم؛ لأنه بدل عن الماء كالتيمم حتى لا يجوز التوضي به حال وجود الماء، ولو توضأ بالنبيذ ثم وجد ماء مطلقًا نقض وضوءه كما ينقض التيمم بوجود الماء.

(1)

في (ب): «التيمم» .

(2)

ساقطة من (ب) وذكرت في المحيط (1/ 130).

(3)

الجامع الصغير للإمام أبي الحسن الشيباني (1/ 75) باب ما يجوز به الوضوء وما لا يجوز.

(4)

هذه الرواية الأولى.

(5)

ساقطة من (ب) وذكرت في المحيط (1/ 130).

(6)

هذه الرواية الثانية.

(7)

شيخ الإسلام لعله يقصد الإمام البزدوي.

(8)

الجامع الصغير، للمحبوبي -مخطوط- انظر: طبقات الحنفية (2/ 449) أسامي شراح الجامع الكبير.

(9)

ساقطة من (ب) وذكرت في المحيط (1/ 130).

(10)

شرح القدوري لعبد الرب بن منصور بن أبو المعالي الغزنوي (ت 500 هـ) وهو مخطوط. انظر: أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون (1/ 291).

(11)

ساقطة من (ب).

ص: 155

وأما الكلام في الوقت

(1)

قال أبو حنيفة-رحمه الله: كل وقت يجوز التيمم يجوز التوضي بنبيذ التمر وإلا فلا

(2)

.

وأما الكلام في نفس النبيذ

(3)

ذكر محمد-رحمه الله في «النوادر»

(4)

«أنه يلقى في الماء [تميرات]

(5)

فتخرج حلاوتها إلى الماء، فإن توضأ به قبل خروج الحلاوة يجوز؛ لأنه ماء، وإن خرجت الحلاوة إلى الماء وكان رقيقًا يسيل على الأعضاء يجوز التوضي به»

(6)

.

‌لِحَدِيثِ لَيْلَةِ الْجِنِّ، فَإِنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام تَوَضَّأَ بِهِ حِينَ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله: يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَمَلاً بِآيَةِ التَّيَمُّمِ لأنَّهَا أَقْوَى، أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِهَا لأنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، وَلَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ مَكِّيَّةً.

-قوله: (لحديث ليلة الجن) وهو ما روى أبو رافع

(7)

وابن المعتمر

(8)

/ 17/ أ/ عن ابن مسعود-رضي الله عنه: أن النبي-عليه السلام خطب ذات ليلة ثم قال: «لِيَقُمْ مَعِي مَن لم يكنْ في قَلبه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبر» . فقام ابن مسعود رضي الله عنه، فحمله رسول الله-عليه السلام-مع نفسه، فقال عبد الله بن مسعود: خرجنا من مكة فخط رسول الله-عليه السلام حولي خطًّا وقال: «لا تَخرُج عَنْ هَذا الخطّ، فإنّكَ إنْ خَرجْت عنْه لم تَلقَني إلى يَوم القيَامَة» . ثم ذهب يدعو الجن إلى الإيمان ويقرأ عليهم القرآن حتى طلع الفجر، [ثم رجع بعد طلوع الفجر]

(9)

وقال لي: «هَلْ مَعَكَ مَاء أتَوَضَّأ بِه؟» . فقلت: لا إلا نبيذ التمر في إداوة. فقال رسول الله-عليه السلام: «تمرَةٌ طَيِّبَة [وماء]

(10)

طهُور». [وأخذ] وتوضأ به وصلى الفجر

(11)

.

(1)

وهو الثاني حسب ما تقدم في مواضع الكلام في نبيذ التمر.

(2)

انظر في مذهب الحنفية: مختصر الطحاوي ص (15)، بدائع الصنائع (1/ 115)، شرح فتح القدير (1/ 118 - 120)، رد المختار (1/ 227).

(3)

وهو الثالث حسب ما تقدم في مواضع الكلام في نبيذ التمر.

(4)

انظر: الجامع الصغير للشيباني (1/ 75) باب ما يجوز به الوضوء وما لا يجوز.

(5)

في (ب): «تمرات» .

(6)

انظر: المحيط البرهاني (1/ 132).

(7)

هو نفيع، أبو رافع الصائغ المدني، نزل البصرة، مولى ابنة عمر بن الخطاب، وذكره أبو حاتم ابن حبان في كتاب «الثقات» ، وقال العجلي: من خيار التابعين، وكان عبدا فأعتق، وكان رجلا صالحا ثقة بصريا. طبقات الحفاظ (1/ 34) معرفة الثقات (2/ 319).

(8)

هو منصور بن المعتمر السلمي يكنى أبا عتاب كوفى ثقة ثبت في الحديث كان أثبت أهل الكوفة وكأن حديثه القدح لا يختلف فيه أحد متعبد رجل صالح أكره على قضاء الكوفة فقضى عليها شهرين ولاه يزيد بن عمرو، وكان فيه تشيع قليل ولم يكن بغال، توفي سنة:(132 هـ) وكان يجلس في مجلس القضاء فإذا جلس الخصمان بين يديه فقضى قضيتهما قال يا هذان انكما تختصمان الي في شيء لا علم لي به فانصرفا فاعفي عن القضاء وقالت فتاة لابيها يا ابة الإسطوانة التي كانت في دار منصور ما فعلت قال يا بنية ذاك منصور يصلي بالليل فمات. معرفة الثقات (2/ 299)، صفة الصفوة (3/ 112).

(9)

ساقطة من (ب).

(10)

في (ب): «مأها» .

(11)

الحديث رواه أبو داود في سننه (1/ 66) -كتاب «الطهارة» -باب الوضوء بالنيذ-حديث (84)، ورواه الترمذي في سننه (1/ 147) برقم (88)، وابن ماجة في سننه (1/ 135) برقم (384) كلهم عن ابن مسعود، قال أبو عيسى: وإنما روي هذا الحديث عن أبي زيد، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث؟ لا تعرف له رواية غير هذا الحديث. والحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجة برقم (84).

ص: 156

‌وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله: يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ لأنَّ فِي الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا وَفِي التَّارِيخِ جَهَالَةً فَوَجَبَ الْجَمْعُ احْتِيَاطًا.

قُلْنَا لَيْلَةَ الْجِنِّ كَانَتْ غَيْرَ وَاحِدَةٍ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ <وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَمِلَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم، وَبِمِثْلِهِ يُزَادُ عَلَى الْكِتَابِ.

/span>

-قوله: (لأن في الحديث اضطرابًا) وذلك لأن مداره على أبي زيد مولى عمرو بن الحريث

(1)

، روى عنه أبو فزارة

(2)

وكان نباذًا، روى هذا الحديث ليهون على الناس أمر النبيذ، وأبو زيد كان مجهولاً عند النقلة، ولأنه روي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنه قيل له: هل كان أبوك مع النبي-عليه السلام ليلة الجن؟ فقال: [لا]

(3)

، ولو ردت أن لو كان أبي صاحب رسول الله-عليه السلام. ولو كان هو مع النبي-عليه السلام لكان [فخرًا له عظيمًا ومنقبة ولعقبه بعده]

(4)

فكان لا يخفيها على ابنه.

قلنا: إن مداره كما كان على أبي فزارة كان مداره أيضًا على كبار الصحابة الذين لا طعن فيهم-رضي الله عنهم مع أن أبا فزارة غير مطعون، فإن مصنف الصحيح ذكر أن اسمه [كان]

(5)

راشد بن كيسان الزاهد، سمي زاهدًا لديانته، وبيع النبيذ لا يوجب طعنًا لجواز أنه باع نبيذًا اتفق الناس على إباحته.

وقوله: بأن [أبا]

(6)

زيد كان مجهولاً.

قلنا: لا بل هو من كبار أئمة التابعين وكان معروفًا.

وقوله: بأن عبد الله لم يكن مع النبي-عليه السلام.

قلنا: لا، [بل كان معه]

(7)

؛ فإن محمد بن إسماعيل البخاري أثبت كونه مع النبي-عليه السلام-باثني عشر وجهًا، ومعنى قول ابنه: إنه لم يكن أي: لم يكن معه حالة الخطاب والدعوة، والدليل على أنه كان معه فإنه روي أن ابن مسعود-رضي الله عنه رأى قومًا يلعبون بالكوفة فقال: ما رأيت قومًا أشبه بالجن الذين رأيتهم مع رسول الله-عليه السلام ليلة/ 17/ ب/ الجن من هؤلاء. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(8)

و «الجامع الصغير» للمحبوبي

(9)

-رحمهما الله-.

(1)

هو أبو زيد مولى عمرو بن حريث روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، روى عنه أبوفزارة سمعت أبي يقول ذلك نا عبد الرحمن قال وسمعت أبا زرعة يقول: أبو زيد هذا مجهول لا يعرف، ولا أعرف اسمه. انظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (9/ 373).

(2)

أبو فزارة هو: راشد بن كيسان العبسي وهو (ثقة). انظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/ 485).

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

في (ب): «فجزائه عظيما ومنفعته ونفقته بعده» .

(5)

زائدة في (ب) والصواب مافي (أ).

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

في (ب): «بل هو من كبار كان معه» .

(8)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، بل هو في بدائع الصنائع (1/ 17) أركان الوضوء.

(9)

الجامع الصغير للمحبوبي -مخطوط- كما سبق.

ص: 157

-قوله: (عملت به الصحابة رضي الله عنهم) هو ما روى الحارث

(1)

عن علي بن أبي طالب أنه قال: الوضوء بنبيذ التمر وضوء من لم يجد الماء.

وروي عنه من طرق مختلفة أنه كان لا يرى بأسًا بالوضوء بنبيذ التمر عند عدم الماء.

وروى عكرمة

(2)

عن ابن عباس أنه قال: [توضئوا بنبيذ التمر ولا تتوضؤوا باللبن.

وروي عنه من طرق مختلفة أنه كان يجوز]

(3)

الوضوء بنبيذ التمر عند عدم الماء.

وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يجوز التوضي بنبيذ التمر حال عدم الماء وهم كانوا من أئمة الفتوى، فيكون قولهم مقدمًا على القياس

(4)

.

وعن هذا قال أبو حنيفة رحمه الله: [إن]

(5)

اشتبه كون عبد الله مع رسول الله-عليه السلام-ليلة الجن قلنا: في الباب ما يكفي للاعتماد عليه، وهو رواية هذه الكبار من الصحابة-رضي الله عنهم، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(6)

.

(1)

هو الحارث بن ثوب الأسدي وثقة ابن حبان. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/ 70)، الثقات لابن حبان (4/ 129).

(2)

هو: عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما القرشي الهاشمي، أبو عبد الله أحد الأئمة الأعلام، وليَّ البصرة، قال صاحب: تقريب التقريب «كل من اسمه عكرمة: فهو ثقة، إلا ابن سلمة فهو مجهول» (ت 105 هـ). انظر: تقريب التقريب (ص 25)، لسان الميزان لابن حجر (9/ 373)، الكامل في الضعفاء لابن عدى (6/ 469).

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

هذه الأحاديث موقوفة عن الصحابة-رضي الله عنهم: رواها الدارقطني في سننه (1/ 28)، والبيهقي (1/ 12)، والترمذي في سننه (1/ 88) -كتاب الطهارة- باب ماجاء في الوضوء بالنبيذ-، قال البيهقي في الخلافيات (1/ 147، 187) في أسانيد هذه الأحاديث «الحجاج والحارث وأبوإسحاق عبدالله بن ميسرة وأبو ليلى ضعفاء، ويقال: أبو ليلى هو عبدالله بن ميسرة ويقال له: أبو إسحاق» . ا. هـ.

(5)

في (ب): «إنه» .

(6)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، بل هو في بدائع الصنائع (1/ 17) أركان الوضوء.

ص: 158

‌وَأَمَّا الاغْتِسَالُ بِهِ فَقَدْ قِيلَ يَجُوزُ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْوُضُوءِ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لأنَّ فَوْقَهُ، وَالنَّبِيذُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ حُلْوًا رَقِيقًا يَسِيلُ عَلَى الْأَعْضَاءِ كَالْمَاءِ، وَمَا اشْتَدَّ مِنْهَا صَارَ حَرَامًا لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَإِنْ غَيَّرَتْهُ النَّارُ فَمَا دَامَ حُلْوًا رَقِيقًا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ اشْتَدَّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ لأنَّهُ يَحِلُّ شُرْبُهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ لِحُرْمَةِ شُرْبِهِ عِنْدَهُ، وَلَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَنْبِذَةِ جَرْيًا عَلَى قَضِيَّةِ الْقِيَاسِ.

قوله: (وأما الاغتسال [به]

(1)

«واختلف مشايخنا في الاغتسال بنبيذ التمر عند أبي حنيفة رحمه الله، فمنهم من لم يجوزه؛ لأن الأثر في الوضوء خاصة والأصح أنه يجوز؛ لأن المخصوص من القياس بالنص يلحق به ما [هو]

(2)

في معناه من كل وجه»، كذا في «المبسوط»

(3)

.

-قوله: (ولا يجوز التوضي بما سواه من الأنبذة)

«وقال الأوزاعي

(4)

: يجوز التوضي بسائر الأنبذة بالقياس على نبيذ التمر، وعندنا لا يجوز؛ لأن نبيذ التمر مخصوص من القياس بالأثر فلا يقاس عليه غيره» كذا في «المبسوط»

(5)

، وعن اختلافهم في النبيذ ذكر مسألة في [المثاني]

(6)

يظهر [منها]

(7)

أيضًا ثمرة الاختلاف وهي أنه لو شرع في الصلاة بالتيمم ثم وجد النبيذ فعند محمد يمضي فيها، فإذا فرغ يتوضأ به ويعيدها، [وعند]

(8)

أبي يوسف رحمه الله يمضي فيها، ولا إعادة، وعند أبي حنيفة رحمه الله: يقطعها.

وفي وجود سؤر الحمار فيها جواب الكل كجواب محمد، كذا ذكره الإمام التمرتاشي

رحمه الله، [والله أعلم بالصواب]

(9)

.

‌باب التيمم

لما قدم شرط الصلاة الذي هو الطهارة على الصلاة للمعنى الذي ذكرنا قدم ما هو الأصل في باب الطهارة وهو الطهارة بالماء بجميع أنواعها من الصغرى والكبرى، وما يعترض عليها، ثم قفي عليها بخلفها؛ لأن الخلف أبدًا يقفو الأصل [و]

(10)

ابتدأ بالوضوء ثم ثنى بالغسل ثم ثلث بالتيمم تأسيًا بكتاب الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ

جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ

مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6].

(1)

المبسوط للسرخسي (1/ 89).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

هو الإمام الأوزاعي، أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الدمشقي ولد سنة:(88 هـ) أخذ علمه عن عطاء، وربيعة، والزهري، والتيمي، ويحي بن أبي كثير وغيرهم، فقيه الشام، سكن بيروت (ت 157 هـ):، انظر: مفتاح السعادة ومصباح السيادة (2/ 160)، الطبقات لخلفية بن خياط (1/ 586)، الثقات للعجلي ط: الباز (1/ 296).

(5)

لم أجده في المبسوط؛ بل هو في الجامع الصغير (1/ 75).

(6)

في (ب): «الشافعي» .

(7)

في (ب): «فيها» .

(8)

في (ب): «وعن» .

(9)

ساقطة من (ب).

(10)

في (ب): «أو» .

ص: 159

فإن قلت: [كيف]

(1)

ترك التأسي بكتاب الله تعالى في تقديم المسافر وخارج المصر على المريض مع أن الله قدم ذكر المريض على المسافر في قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43].

قلت: قال الشيخ [الإمام]

(2)

رحمه الله: إنما قدم المسافر وخارج المصر؛ لأن الحاجة إلى ذكرهما أمس لكونهما أعم وأغلب؛ فإن المسافر وخارج المصر أكثر من المرضى، أو لأن عدم وجدان الماء مطلق في الآية فيتناول الكامل والكمال في حق المسافر وخارج المصر؛ لأن العدم فيهما حقيقي، وفي المريض حكمي.

وأما تقديم المريض في الآية لأن فيه بيان الرخصة، وفي شرع الرخصة مرحمة للعباد [والمرضى]

(3)

أحق بالمرحمة.

قال الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: التيمم في اللغة القصد، ومنه قول [القائل]

(4)

:

وما أدري إذا [يممت]

(5)

أرضًا

أريد الخير أيهما يليني

أي: [قصدت]

(6)

.

وفي الشريعة

(7)

: عبارة عن القصد إلى الصعيد للتطهير والاسم شرعي فيه [معنى]

(8)

اللغة.

وثبوت التيمم بالكتاب والسنة:

أما الكتاب فقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، ونزول الآية في غزوة المريسيع

(9)

حين عرّس

(10)

رسول الله-عليه السلام ليلة فسقطت من عائشة قلادة [لأسماء]

(11)

فلما ارتحلوا ذكرت ذلك لرسول الله-عليه السلام، فبعث رجلين في طلبها فنزلوا ينتظرونهما، [فأصبحوا]

(12)

وليس معهم ماء، فأغلظ أبو بكر على عائشة-رضي الله عنها-وقال: حبستِ رسول الله-عليه السلام-والمسلمين على غير ماء؟ فنزلت آية التيمم. فلما صلوا [بالتيمم]

(13)

جاء أسيد بن الحضير إلى مضرب

(14)

عائشة-رضي الله عنها[فجعل]

(15)

يقول: ما أكثر بركتكم يا آل أبي بكر. وفي رواية: يرحمك الله يا عائشة ما نزل

(1)

في (ب): «فكيف» .

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): «المريض» .

(4)

في (ب): «الشاعر» . هذا البيت: للمثقب العبدي واسمه عائذ بن محصن، ولقب المثقب لقوله، في قصيدة أولها:

أَفَاطُمِ قَبْلَ بَيْنكِ مَتِّعينِى

ومَنْعُكِ ما سَأَلْتكِ أَنْ تَبينِى

ومنها:

وثقبن الوصاوصَ للعيون

انظر: لباب الآداب للثعالبي (1/ 123)، الشعر والشعراء (1/ 384).

(5)

في (أ): «تيممت» والتصويب من (ب) والمبسوط للسرخسي (1/ 106) باب التيمم.

(6)

انظر: الصحاح (5/ 2064)، لسان العرب (12/ 13) مادة [قصد].

(7)

أي: شرعاً، قال في طلبة الطلبة (1/ 9)«والتيمم التعمد» ، وقال في مختار الصحاح (1/ 349)«يتمم الصعيد للصلاة وأصله التعمد والتوخي» .

(8)

في (ب): «بمعنى» .

(9)

كتب في حاشية (أ): المريسيع: ماء بناحية قديد بين مكة والمدينة، روي بالعين والغين. وغزوة المريسيع هي غزوة بني المصطلق كانت قبل غزوة الخندق وبعد دومة الجندل حصن على خمس عشرة ليلة من المدينة. انظر: طبقات ابن سعد (2/ 63)، سيرة ابن هشام (3/ 247)، مغازي الواقدي (1/ 404)، صحيح البخاري (45/ 115)، تاريخ الطبري (2/ 604)، أنساب الأشراف (1/ 64)، تاريخ ابن كثير (4/ 156)، السيرة الحلبية (2/ 364).

والمريسيع: -بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانية بينهما مهملة مكسورة وآخره عين مهملة-، هو ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع مسيرة يوم. فتح الباري (7/ 430).

وكانت ديار بني المصطلق جهة (قديد) وهي على بعد 120 كيلا من مكة إلى جهة المدينة، انظر: معجم المعالم الجغرافية (ص 249)، ويبعد ماء «المريسيع» عن ساحل البحر قرابة (80) كيلاً تقريباً. المصدر السابق (ص 291)، وانظر: تحديد وتفصيل ديار بني المصطلق وخزاعة عموماً في رسالة (مرويات غزوة بني المصطلق) للشيخ/ إبراهيم القريبي من (ص 53 - 58).

(10)

عرّس: أي أقام، والتعريسُ: نزول القوم في السفر آخر الليل. انظر: الصحاح (3/ 948). مادة [عرس].

(11)

ساقطة من (ب).

(12)

ساقطة من (ب).

(13)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(14)

مضرب: المضرب هو الخَباء، أو المقيم في البيت، يقال: أضرب فلان في بيته، أي: أقام فيه. انظر: تهذيب اللغة (12/ 5)، جمهرة اللغة (1/ 314)، النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 359).

(15)

ساقطة من (ب).

ص: 160

بك أمرٌ تكرهينه إلا جعل الله فيه للمسلمين فرجًا

(1)

.

والسنة: ما روي عن النبي-عليه السلام-قال: «جُعِلَت لي الأرض مَسْجدًا وطهُورًا، أينَمَا أدْركتْني الصَّلاة تيمّمْت وصَلّيْت»

(2)

(3)

.

(وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَهُوَ مُسَافِرٌ)

قوله رحمه الله: (ومن لم يجد ماءً) أي ماء يكفي لرفع الحدث؛ لأن ما دون ذلك مستوٍ [في]

(4)

وجوده وعدمه إذ لا يثبت [به]

(5)

استباحة الصلاة فأُلحق بالعدم.

فإن قلت: الله تعالى ذكر ماء نكرةً في موضع النفي فيتناول كل جزء منه فيكون مخاطبًا في حق ذلك القدر بالاستعمال؛ لأن ذلك القدر ماء طهورًا حقيقةً وحكمًا:

أما حقيقة: فظاهر.

وأما حكمًا: فإنه إذا استعمله ثم أصاب ماءً آخر لم يجب عليه إعادة الأول فصار كالعاري إذا وجد ثوبًا يستر بعض عورته يلزمه استعماله بقدره، وكذلك إذا كانت [به]

(6)

نجاسة حقيقة فوجد ماءً لا يرفع جميعها؛ بل يرفع بعضها يجب عليه استعماله في ذلك القدر فينبغي أن يجب هنا أيضًا في النجاسة الحكمية استعمال ذلك القدر من الماء تقليلاً للنجاسة الحكمية كما هو مذهب الشافعي

(7)

.

قلت: إنا نقول: بموجب الآية أيضًا إن المراد منه ماء يكفيه للوضوء، وذلك لأن الآية سيقت لبيان الطهارة الحكمية فكان قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} أي: ماء طهورًا، أي: محلاً للصلاة باستعماله في هذه الأعضاء وبوجود ماء لا يكفي للوضوء لم يوجد ماء محلل للصلاة، وهذا لا شك فيه لأن باستعمال هذا الماء لم يثبت شيء من الحل يقينًا؛ بل الحل موقوف على الكمال فإنه حكم، والعلة غسل الأعضاء كلها وشيء من حكم العلة لا يثبت ببعض العلة كبعض النصاب في حق الزكاة فصار هذا كمن وجد بعض الرقبة في الكفارة دون الكمال حل له التكفير بالصوم كما لو عدم الرقبة أصلاً؛ لأن المراد من الرقبة رقبة تكون كفارة، وهذا بخلاف النجاسة الحقيقية وستر العورة؛ لأن الواجب الذي يزال فيهما أمر حسي لأنه عورة طاهرة ونجاسة حقيقية وإذا كان حسيًّا اعتبر الزوال حسًّا لا حكمًا، والزوال حسًأ يثبت بقدر الماء الذي معه، وبقدر الثوب الذي معه يزول إنكشاف العورة حسًا فيجب استعماله، وأما هنا الطهارة حكمية، فلا يثبت شيء من الحكم ببعض العلة كالطلاق لا يثبت شيء منه بقوله: أنت في قوله: أنت طالق. وكذلك في سائر العلل أشار إلى هذا في «الأسرار»

(8)

.

(1)

الحديث: رواه البخاري في صحيحه (5/ 29) باب فضل عائشة رضي الله عنها، ورواه مسلم في صحيحه (1/ 279) -3 كِتَاب الْحَيْضِ-باب التيمم-.

(2)

المبسوط للسرخسي (1/ 106) باب التيمم.

(3)

الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 435)(335) بإسناده عن جابر رضي الله عنه، -كتاب الطهارة- باب التيمم، ومسلم في صحيحه (1/ 370)(521) -كتاب المساجد ومواضع الصلاة.

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(6)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(7)

انظر: هذه المسألة في مذهب الشافعي في: نهاية المحتاج (1/ 229)، حاشية الجمل (1/ 162).

(8)

اتظر: الأسرار ص (418 - 423) باب التيمم.

ص: 161

[ولو قال]

(1)

الشافعي رحمه الله: «إن الضرورة لا تتحقق إلا بعد استعمال الماء فيما يكفيه» فهو كمن أصابته مخمصة ومعه لقمة من الحلال لا يكون له أن يتناول الميتة ما لم يتناول تلك اللقمة، ولا يبعد الجمع بين التيمم واستعمال الماء كما قلتم في سؤر الحمار.

«قلنا: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} ، والمراد: ماء يطهره، ألا ترى أن وجود/ 18/ أ/ الماء النجس لا يمنعه [من]

(2)

التيمم مع أنه وجد ماءً؛ [لأن]

(3)

الأصل لا يرقأ بالبدل؛ لأنهما لا يلتقيان كمالاً يكمل التكفير بالمال بالصوم، فلو قلنا به يلزم وفاء الأصل بالبدل، ولا نقول في مسألة المخمصة أنه يلزمه [مراعاة]

(4)

الترتيب فإنما معه من الحلال إذا كان لا يكفيه لسد الرمق، فله أن يتناول [معه]

(5)

الميتة، [ففي]

(6)

سؤر الحمار الجمع بينهما عندنا للاحتياط [لا]

(7)

لرفاء الأصل بالبدل» كذا في «المبسوط»

(8)

.

(أَوْ خَارِجَ الْمِصْرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ نَحْوُ مِيلٍ أَوْ أَكْثَرَ يَتَيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ) قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» )

-قوله: (أو خارج المصر) انتصابه على الحال بدليل المعطوف عليه؛ فإن قوله: وهو مسافر، جملة حالية [لكن]

(9)

لم يظهر الإعراب فيه لفظًا لكونه جملة، وهذا مفرد فظهر الإعراب فيه لفظًا، وهذا لأنه لما جاز عطف الجملة الحالية على المفرد من الحال في قوله تعالى:{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] أي: [و]

(10)

مضطجعين على جنوبهم جاز عكسه أيضًا، ويجوز أن يكون منصوبًا على أنه مفعول فيه؛ لأن المفعول فيه هو المنصوب [من]

(11)

زمان أو مكان بتقدير في، وهذا كذلك في المكان؛ لأن تقديره أو هو في مكان خارج المصر إلا أن الخارج ها هنا كان اسمًا لظاهر البلد.

وفي الأول فعل الخروج للمتيمم [لكن الأولى هو الوجه الأول؛ لأن نظير ذلك بعينه مذكور في «الكشاف»

(12)

على ذلك الوجه في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا} ]

(13)

[النساء: 43] وقال: ويقال: ولا جنبًا عطفًا على قوله: {وَأَنْتُمْ سُكَارَى} ؛ لأن محل الجملة مع الواو النصب على الحال؛ فكأنه قيل: لا تقربوا الصلاة سكارى ولا جنبًا. ثم قوله: أو خارج المصر. رد لقول من يقول: إنه لا يجوز التيمم إلا للمسافر ذكره في «المحيط»

(14)

. وقال: ومن الناس من قال: لا يجوز التيمم لمن خرج من المصر إلا إذا قصد سفرًا صحيحًا فكان معناه: أي يجوز لمن هو خارج المصر وإن لم يكن مسافرًا؛ [و]

(15)

فيه أيضًا بقي لجواز التيمم في الأمصار سوى المواضع المستثناة فكان موافقًا لما ذكره في «شرح الطحاوي»

(16)

حيث قال: إن التيمم في المصر لا يجوز إلا في ثلاث أحوال:

(1)

في (ب): «قوله: قال» .

(2)

في (ب): «عن» .

(3)

في (ب): «ولأن» .

(4)

في (ب): «جزاء» .

(5)

في (ب): «منه» .

(6)

في (ب): «وفي» .

(7)

في (ب): «ولا» .

(8)

المبسوط (1/ 113، 114) باب التيمم.

(9)

ساقطة من (ب).

(10)

ساقطة من (ب).

(11)

في (ب): «عن» .

(12)

انظر: الكشاف (1/ 546).

(13)

ساقط من (ب).

(14)

انظر: المحيط البرهاني (1/ 146).

(15)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).

(16)

انظر: حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح (1/ 115) باب التيمم.

ص: 162

أحدها: إذا خاف فوت صلاة الجنازة إن توضأ.

والثانية: إذا خاف فوت صلاة العيد.

والثالثة: إذا خاف الجنب من البرد بسبب الاغتسال وكذا ذكره الإمام التمرتاشي

(1)

فقال: من عدم الماء في المصر لا يجزئه التيمم؛ لأنه نادر [إلا أنه]

(2)

ذكر في «الأسرار»

(3)

جواز التيمم لعادم الماء في الأمصار فحينئذٍ كان قوله: أو خارج المصر [خرج]

(4)

على وفاق العادة على قول صاحب «الأسرار»

(5)

لما أن عدم الماء في الأمصار نادر عادةً، وأما لو تحقق فيجوز التيمم فيها أيضًا؛ لأن الشرط عدم الماء، فأينما تحقق العدم جاز التيمم، نص على هذا في «الأسرار» في مسألة خوف الهلاك من البرد [فقال]

(6)

: «ألا ترى أنه لو عدم الماء أصلاً في المصر يتيمم كما لو عدم في البر إلا أنهم بنوا الأمر على عادة الأمصار وأعرضوا عن ذكر الشذوذ»

(7)

.

-قوله: (نحو ميل أو أكثر) قبل ذكر قوله: أو أكثر للتأكيد كقوله تعالى: {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة: 13]؛ لأن معنى التأكيد هو أن يستفاد من الأول ما يستفاد من الثاني، وهذا كذلك فكان تأكيدًا.

أو لأن المسافة إنما تعرف بالحزر والظن فقال: لو كان في ظنه أن بينه وبين الماء نحو ميل أو أقل لا يجوز له التيمم، وإنما يجوز له التيمم أن لو تيقن أن بينه وبين الماء نحو ميل أو أكثر، أو لأن تقديرات الشرع على أنواع أربعة وتشهد القسمة العقلية عليها أيضًا؛ لأنها إما أن تمنع الأكثر لا الأقل كمدة النفاس أو على العكس كنصاب الزكاة، أو تمنعها كصلاة الفجر أو على العكس كقوله تعالى:{إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] فذكر قوله: أو أكثر ليعلم أن هذا من قبيل ما يمنع النقصان دون الزيادة كنصاب الزكاة لا من قبيلٍ سائرٍ، وذكر في «فتاوى قاضي خان»:«وقليل السفر وكثيره سواء في التيمم والصلاة على الدابة خارج المصر إنما الفرق بين القليل والكثير في ثلاثةٍ: في قصر الصلاة، والإفطار، والمسح على الخفين»

(8)

.

(1)

وجامعه -مخطوط- كما سبق.

(2)

ساقط من (ب).

(3)

انظر: الأسرار ص (443).

(4)

ساقط من (ب).

(5)

انظر: الأسرار ص (443).

(6)

ساقط من (ب).

(7)

الأسرار ص (444).

(8)

انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 54) فصل فيما يجوز له التيمم.

ص: 163

‌وَالْمِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمِقْدَارِ لأنَّهُ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ بِدُخُولِ الْمِصْرِ، وَالْمَاءُ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً

-قوله: (والميل

(1)

هو المختار [في]

(2)

المقدار).

وعن محمد رحمه الله: «أنه يجوز التيمم إذا كان الماء على قدر الميلين وهو اختيار الفقيه أبي بكر محمد بن الفضل، وعن الكرخي: إن كان [في]

(3)

موضع يسمع صوت أهل الماء فهو قريب، وإن كان لا يسمع فهو بعيد، وبه أخذ أكثر المشايخ»، كذا في «فتاوى قاضي خان»

(4)

.

وقال الحسن بن زياد: «إذا كان الماء أمامه يعتبر ميلين، وإن كان يمنةً أو يسرةً أو خلفه فميل واحد؛ لأن ميلاً للذهاب وميلاً للرجوع فكان ميلين» .

وقال زفر-رحمه الله: إذا كان بحيث يصل إلى الماء قبل خروج الوقت لا يجزئه التيمم، [وإن كان لا يصل إلى الماء قبل خروج الوقت يجزئه التيمم، وإن كان الماء قريبًا منه؛ لأن التيمم]

(5)

لضرورة الحاجة إلى أداء الصلاة في الوقت، ولكنا نقول: التفريط جاء من قبله بتأخير الصلاة، وليس له أن يتيمم إذا كان الماء قريبًا منه، كذا في «المبسوط»

(6)

، وفسر ابن شجاع رحمه الله الميل بثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع إلى أربعة آلاف ذراع، وفسر الغلوة

(7)

بثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة ذراع.

وعن أبي يوسف رحمه الله: أن الماء إذا [كان]

(8)

[بعيدا]

(9)

بحيث لو ذهب إليه وتوضأ [تذهب القافلة وتغيب]

(10)

عن بصره فهو بعيد، ويجوز له التيمم، وهذا حسن جدًّا، كذا في «الذخيرة»

(11)

.

(1)

الميل: مقياس للطول قدر قَدِيما بأَربعَة آلَاف ذِراع وهو الميل الهاشمي، وهو بري وبحري فالبري يقدر الْآن بما يساوِي (1609) من الأمتار، والبحري بما يُسَاوِي (1852) من الأمتار، انظر: المعجم الوسيط (1/ 930) لفظة (ميل)، ومعجم لغة الفقهاء ص (470).

(2)

في (ب): «من» .

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 54) فصل فيما يجوز له التيمم).

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

المبسوط للسرخسي (115) باب التيمم

(7)

الغلوة: «مقدار رمية بسهم» وقدرت بثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة، الصحاح (6/ 2448)، لسان العرب (15/ 132) مادة [غلا]، المغرب (2/ 111).

(8)

في (أ): «كانت» والتصويب من (ب).

(9)

أضفتها لضرورة السياق.

(10)

ما بين المعكوفين في (ب): «فذهبت القافلة وتغيبت» .

(11)

الذخيرة البرهانية -مخطوط-.

ص: 164

وذكر الإمام التمرتاشي فقال: الفرسخ اثني عشر ألف خطوة. وقيل: الغلوة مقدار رمية سهم.

‌وَالْمُعْتَبَرُ الْمَسَافَةُ دُونَ خَوْفِ الْفَوْتِ لأنَّ التَّفْرِيطَ يَأْتِي مِنْ قِبَلِهِ (وَلَوْ كَانَ يَجِدُ الْمَاءَ إلا أَنَّهُ مَرِيضٌ يَخَافُ إنْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ اشْتَدَّ مَرَضُهُ يَتَيَمَّمُ) لِمَا تَلَوْنَا، وَلأنَّ الضَّرَرَ فِي زِيَادَةِ الْمَرَضِ فَوْقَ الضَّرَرِ فِي زِيَادَةِ ثَمَنِ الْمَاءِ وَذَلِكَ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ فَهَذَا أَوْلَى.

-قوله رحمه الله: (والمعتبر المسافة دون خوف الفوت) هذا احتراز عن قول زفر رحمه الله فإنه يجوز التيمم إذا خاف فوت الوقت وإن كان الماء أقل من ميل على ما ذكرنا آنفًا.

-قوله: (ولأن الضرر

(1)

في زيادة المرض فوق الضرر في زيادة ثمن الماء)؛ لأن ثمن الماء مال والمال خلق لوقاية النفس فكان تبعًا فلما كان الحرج مدفوعًا عن الوقاية التي هي تبع لأن يكون مدفوعًا عن الموفى الذي هو أصل بالطريق الأولى؛ لأن الضرر لو تحقق إنما يصرف أولاً إلى التبع، ثم عند انعدامه إلى الأصل لا على العكس لما عرف في مسألة الزكاة والمضاربة.

‌وَلا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَدَّ مَرَضُهُ بِالتَّحَرُّكِ أَوْ بِالاسْتِعْمَالِ. وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله خَوْفَ التَّلَفِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِظَاهِرِ النَّصِّ.

-قوله: (ولا فَرْق بأن يشتدَّ مرضُه بالتحرُّك) كالمبطون [والمشتكي]

(2)

[من العِرق المدبّي

(3)

، (أو بالاستعمال) كالجدري والحصبة.

قوله رحمه الله: (وهو مردود بظاهر النص) لأن قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [المائدة: 6] يبيح التيمم لكل مريض من غير فصل، فلو [خلينا]

(4)

نحن، [وظاهر الآية]

(5)

لقلنا بأن يجزئه التيمم وإن كان لا يخاف زيادة مرض أو إبطاء برءٍ إلا أنه خرج هذا عن ظاهر الآية

(6)

/ 18/ ب/ وبقي الباقي على [ظاهره]

(7)

.

فإن قيل: قد قرن جواز التيمم بالعدم.

قلنا: ذلك في حق المسافر، فأما في حق المريض فالعدم ليس بشرط؛ لأن المرض سبب الموت، فإذا خاف زيادة المرض فقد خاف سبب التلف فجاز له التيمم، الدليل على أن الخوف عن سبب التلف يبيح له التيمم ما إذا كان معه ماء في السفر وهو يخاف العطش على نفسه فإنه يجوز له التيمم، فكذا هذا، «ولأن زيادة المرض بمنزلة خوف الهلاك في إباحة الفطر وجواز الصلاة قاعدًا أو بالإيماء فكذلك في حكم التيمم؛ وذلك لأن حرمة النفس لا تكون دون حرمة المال» إلى آخر ما ذكرنا، كذا في «المبسوطين»

(8)

.

(1)

في (ب): «الضرورة» .

(2)

في (ب): «والمستكن» .

(3)

ساقط من (ب).

(4)

في (ب): «جُلينا» .

(5)

ساقط من (ب).

(6)

يعني قول الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} . النساء [43]، المائدة [6].

(7)

في (ب): «ظاهرها» .

(8)

المبسوط للسرخسي (1/ 112) باب التيمم).

ص: 165

(وَلَوْ خَافَ الْجُنُبُ إنْ اغْتَسَلَ أَنْ يَقْتُلَهُ الْبَرْدُ أَوْ يُمْرِضَهُ يَتَيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ) وَهَذَا إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله خِلافًا لَهُمَا هُمَا يَقُولانِ إنَّ تَحَقُّقَ هَذِهِ الْحَالَةِ نَادِرٌ فِي الْمِصْرِ فَلا يُعْتَبَرُ. وَلَهُ أَنَّ الْعَجْزَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ.)

-قوله: (ولو خاف الجنب إن اغتسل يقتله البرد) ذكر خوف الجنب عن البرد في حق إباحة التيمم ولم يذكر خوف المحدث عن التوضي، ذكر في «الأسرار» أنهما سواء فقال: «رجل في المصر خاف الهلاك من البرد [لو]

(1)

اغتسل أو توضأ جاز له التيمم عند أبي حنيفة»

(2)

خلافًا لهما، ولكن ذكر في «فتاوى قاضي خان» «الجنب الصحيح في المصر إذا خاف الهلاك من الاغتسال يباح له التيمم في قول أبي حنيفة-رحمه الله، والمسافر إذا خاف الهلاك من الاغتسال جاز له التيمم في قولهم

(3)

.

وأما المحدث في المصر إذا خاف الهلاك من التوضي اختلفوا فيه على قول أبي حنيفة رحمه الله، والصحيح أنه لا يباح له التيمم.

ثم قال مشايخنا: في ديارنا لا يباح للمقيم أن يتيمم؛ لأن في [عرف]

(4)

ديارنا أجرة الحمام تعطى بعد الخروج فيمكنه أن يدخل الحمام فيتعلل بالعسرة»

(5)

.

وذكر في «المحيط» اختلاف الرواية في المحدث فجوزه شيخ الإسلام ولم يجوزه الإمام الحلواني-رحمه الله

(6)

.

(وَالتَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ يَمْسَحُ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى يَدَيْهِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ، ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ» وَيَنْفُضُ يَدَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَتَنَاثَرُ التُّرَابُ

-قوله: (التيمم ضربتان) فيه إشارة إلى أن من ضرب يديه على الأرض للتيمم فقبل أن يمسح بهما وجهه وذراعيه أحدث [فمسح بهما وجهه وذراعيه لا يجوز]

(7)

، كذا ذكره [السيد]

(8)

الإمام أبو شجاع رحمه الله؛ لأن الضربة من المتيمم.

(1)

في (ب): «إن» .

(2)

الأسرار ص (442).

(3)

انظر: في مذهب الأحناف لهذه المسألة: تحفة الفقهاء (1/ 38)، بدائع الصنائع (1/ 38)، شرح فتح القدير (1/ 121، 122)، البناية (1/ 480، 481)، فتاوى قاضي خان (1/ 58).

(4)

ساقط من (ب).

(5)

انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 58) في فصل فيما يجوز له التيمم.

(6)

انظر: المحيط البرهاني (1/ 148) الفصل الخامس في التيمم.

(7)

في (ب): «فلا يمسح بهما وجهه وذراعيه» .

(8)

ساقطة من (ب).

ص: 166

-قوله: قال-عليه السلام: «التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين»

(1)

.

وقد أتى ببعض التيمم ثم أحدث فينقضه كما ينقض الكل فصار كما لو حصل الحدث في خلال الوضوء ينقضه كما ينقض الكل بعد التمام، ولكن ذكر الإمام الأسبجابي

(2)

رحمه الله أنه يجوز كمن ملأ كفيه ماء للوضوء ثم أحدث ثم استعمله فإنه يجوز، كذا ذكره المصنف رحمه الله في التجنيس

(3)

.

(1)

الحديث رواه الدارقطني في سننه (1/ 140) كتاب الطهارة، باب التيمم، حديث (674) بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«وَالتَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ يَمْسَحُ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى يَدَيْهِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ» قال الدارقطني: كذا رواه علي مرفوعاً ووقفه يحيى بن القطان وهشيم وغيرهما وهو الصواب، ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 288) برقم (636).

والتيمم ضربة واحدة وهو الصحيح لما رواه الأئمة الستة في كتبهم: البخاري في صحيحه (1/ 528) كتاب التيمم، باب التيمم هل ينفخ فيهما؟ حديث (338) بإسناده عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب: (أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت فصليت، فذكرت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما كَانَ يَكْفيْك هَكَذا فضَربَ النبي صلى الله عليه وسلم بِكفّيه الأرض، ونَفَخ فيْهما، ثم مسَح بهمَا وجْهَه وكفَّيه» .

ورواه مسلم في صحيحه (1/ 280) برقم (368) -كتاب الحيض-باب التيمم-، وأبو داود في سننه (1/ 228) برقم (322) -23 بَاب التَّيَمُّمِ-، والنسائي في سننه (1/ 165) برقم (312) -كِتَاب الطَّهَارَةِ -95 بَاب التَّيَمُّمِ في الْحَضَرِ-، وابن ماجة في سننه (1/ 188) برقم (569)(باب ما جاء في التيمم ضربة واحدة).

(2)

هو: أحمد بن منصور القاضي، أبو نصير الإسبيجابي، الحنفي المتوفى سنة:(480 هـ)، فقيه، نسبته إلى إسبيجاب بلدة كبيرة من ثغور الترك، دخل سمرقند وأجلسوا للفتوى وصار للرجوع إليه في الوقائع من تصانيفه:«شرح مختصر الطحاوي» و «شرح الكائي» و «فتاوى» كلها في الفقه الحنفي. انظر: الجواهر المضيئة (1/ 27)، والفوائد البهية ص (42)، ومعجم المؤلفين (2/ 183).

(3)

كتاب التجنيس (1/ 318) المسألة (298) كتاب الطهارات، باب التيمم.

ص: 167

(كَيْ لا يَصِيرَ مُثْلَةً وَلا بُدَّ مِنْ الاسْتِيعَابِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْوُضُوءِ، وَلِهَذَا قَالُوا: يُخَلِّلُ الْأَصَابِعَ وَيَنْزِعُ الْخَاتَمَ لِيُتِمَّ الْمَسْحَ)

-قوله: (ولا بد من الاستيعاب في ظاهر الرواية): «والاستيعاب شرط في التيمم حتى إذا ترك شيئًا من ذلك لم يجز كما في الوضوء إلا في رواية الحسن عن أبي حنيفة قال: الأكثر يقوم مقام الكل؛ لأن في الممسوحات الاستيعاب ليس بشرط كما في المسح بالخف والرأس.

كذا في «المبسوط»

(1)

، وبهذا يعلم أن الباء في قوله تعالى:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [المائدة: 6] صلة دخلت على المفعول به كقوله تعالى:/ 19/ أ/ {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] فلا يقتضي [ببعض]

(2)

المحل لما أن بالتيمم سقط عضوان أصلاً وبقي عضوان على حالهما من اشتراط الاستيعاب في الوضوء كالصلاة في السفر لما سقط منها ركعتان [بقي]

(3)

الركعتان على حالهما بصفة الكمال فيما يرجع إلى أوصاف الفريضة.

(وَالْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ فِيهِ سَوَاءٌ) وَكَذَا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا: إنَّا قَوْمٌ نَسْكُنُ هَذِهِ الرِّمَالَ وَلا نَجِدُ الْمَاءَ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ وَفِينَا الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «عَلَيْكُمْ بِأَرْضِكُمْ» .

-قوله: (والحدث والجنابة فيه سواء) قال شيخ الإسلام في «المبسوط»

(4)

: وهو قول أصحابنا، وعليه [عامة]

(5)

العلماء [رضوان الله عليهم أجمعين]

(6)

.

وقال بعض الناس

(7)

بأنه لا يتيمم الجنب والحائض والنفساء، والمسألة مختلفة بين الصحابة: روي عن عمر وعبد الله بن عمر أنهم كانوا لا يبيحون التيمم للجنب، وعلي وابن عباس وعائشة كانوا يبيحون التيمم للجنب

(8)

.

(1)

في (ب): «والمستكن» .

(2)

في (ب): «تبعيض» .

(3)

في (ب): «ثبتت» .

(4)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام.

(5)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(6)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(7)

لعله يقصد بذلك (الحنابلة).

(8)

لم يبين من أخرج عنهم هذا، وكذا غيره من الشراح، فالمروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» بسنده عنه أنه قال:«لا يتيمم الجنب وإن لم يجد الماء شهراً» ، وروي أيضاً بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:(إذا كنت في سفر فأجنبت فلا تضلٍ حتى تجد الماء)، البناية شرح الهداية (1/ 529، 530).

ص: 168

وحاصل اختلافهم راجع إلى أن المراد من قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] ماذا؟ وكان عمر وعبد الله بن مسعود وابن عمر-رضي الله عنهم-يحملونه على المس باليد، وكانوا يقولون بأن الله تعالى أباح التيمم للمحدث فلا يباح للجنب؛ لأن القياس أن لا يكون التيمم طهورًا، وإنما عرف طهورًا في حق الحدث بخلاف القياس، والجنابة فوق الحدث فلا تثبت طهوريته في حقها، وعلي وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم يحملون الملامسة على الجماع، وكانوا يقولون بأن الله تعالى أباح التيمم للجنب كما أباح للمحدث، وأصحابنا-رضي الله عنهم أخذوا بقول علي وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، ورجحوا قولهم بسياق الآية وبأخبارٍ وردت موافقة لسياق الآية، أما سياق الآية فإن الله تعالى بين حكم الحدث والجنابة في آية الوضوء، ثم نقل الحكم إلى التراب حال عدم الماء وذكر الحدث الأصغر بقوله:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] فيحمل لامستم على الحدث الأكبر ليصير الطهارتان والحدثان مذكورين في آية البدل كما [ذكرهما]

(1)

في آية الوضوء ليكون آخر الآية موافقًا لأولها، ولأنه متى حمل على الجماع كان حملاً لهذا اللفظ على فائدة جديدة، ومتى حمل على المس باليد يكون بيانًا للحدث الأصغر فيكون تكرارًا؛ لأن الأصغر مذكور في قوله:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} في حق التيمم أيضًا، والسنة وردت بموافقة هذا وهو ما روي في حديث أبي هريرة: أن قومًا جاءوا إلى رسول الله عليه السلام إلى أن قال: «عَلَيْكُم بِأرْضِكُمْ»

(2)

.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

الحديث رواه البيهقي في سننه (1/ 216) كتاب الطهارة، باب ما روي في الحائض والنفساء أيكفيهما التيمم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنا نكون في الرمل وفينا الحائض والجنب والنفساء فيأتي علينا أربعة أشهر لا نجد الماء، قال:«عَلَيْكَ بِالتُّرابِ» ، يعني التيمم، هذا حديث يُرف بالمثنى بن الصباح بن عمرو، والمثنى غير قوي، وفي رواية عنده (1/ 217):«عَليْكم بالأرْض» . ويُعني عن هذا ما رواه البخاري في صحيحه (1/ 533) كتاب التيمم، باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء برقم (344) بإسناده عن عمران: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، قال:«ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟» قال: أصابتني جنابة ولا ماء. قال: «عَليْكَ بالصَّعيْد فإنه يَكفِيك» .

ورواه مسلم في صحيحه (1/ 474) برقم (682) كتاب المساجد، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، عن عمران بن حصين رضي الله عنه.

ص: 169

قلت: ثم الشافعي يرى التيمم للجنب [بدليل]

(1)

ما أشار إليه في «الخلاصة الغزالية»

(2)

، وبدليل التفريع على قوله ذلك في المنظومة بقوله:

والجنب المجروح ثلثاه [أعلم]

(3)

بغسل ما صح مع التيمم

(4)

.

ومع ذلك حمل الملامسة في الآية على المس باليد فكان هو مخالفًا للطائفتين من الصحابة، فإن كل من حمل الملامسة على المس باليد لم ير جواز التيمم للجنب، ومن حملها على الجماع رأى جواز التيمم على الجنب على ما حكينا، ثم شرع ببيان ما يصح به التيمم فقال:

(وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ -رَحِمَهُمَا اللَّهُ- بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، كَالتُّرَابِ، وَالرَّمَلِ، وَالْحَجَرِ، وَالْجِصِّ، وَالنُّورَةِ، وَالْكُحْلِ، وَالزِّرْنِيخِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لا يَجُوزُ إلا بِالتُّرَابِ وَالرَّمَلِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لا يَجُوزُ إلا بِالتُّرَابِ الْمُنْبِتِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} أَيْ تُرَابًا مُنْبِتًا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ زَادَ عَلَيْهِ الرَّمَلَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ.

-قوله: (ويجوز التيمم عند أبي حنيفة ومحمد بكل ما كان من جنس الأرض).

قيل: إن كل ما يحترق بالنار فيصير رمادًا كالشجر أو ينطبع ويلين كالحديد ليس من جنس الأرض، وما عدا ذلك فهو من جنس الأرض، كذا في «الزاد»

(5)

و «التحفة»

(6)

.

وقال في «المغرب»

(7)

: وهمزو «النورة»

(8)

[خطأوجعل]

(9)

جواز التيمم بالرمل على قول أبي يوسف قولاً له مرجوعًا عنه في «المبسوط»

(10)

وقال: وكان أبو يوسف يقول أولاً: لا [يجزئه]

(11)

التيمم إلا بالرمل والتراب، ثم رجع فقال: لا [يجزئه]

(12)

إلا بالتراب الخالص وهو قول الشافعي

(13)

.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

انظر: الخلاصة الغزالية ص (81، 82).

(3)

في (ب): «بأعلم» .

(4)

لم أقف على قائله فيما اطلعت عليه من كتب الشعر.

(5)

كتاب الزاد، للشيخ، الإمام علي الإسبيجاني -مخطوط- كشف الظنون (2/ 1422).

(6)

التحفة في الفقه للإمام علاء الدين السمرقندي -مخطوط- أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون (1/ 87).

(7)

المغرب (1/ 473).

(8)

النورة: ما يُطلى به، وهي: حجر الكلس (الجير)، ثم غلبت على أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره يُزال بها الشعر طلاء. انظر: المصباح المنير (2/ 974)، والمعجم الوسيط (2/ 100) مادة [ن و ر].

(9)

في (ب): «أنه خطأ وحصل» .

(10)

في المبسوط (1/ 108): «يوسف» .

(11)

في (ب): «يجوز» .

(12)

في (ب): «يجوز» .

(13)

مذهب الحنفية: أنه يجوز التيمم بكل ما يكون من جنس الأرض من تراب أو طين أو جص أونورة أو زرنيخ أو كحل أو حجر أو مما يكون من الأرض سوى ذلك، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد ابن الحسن وهو قول أبي يوسف القديم، وقال في الجديد: لا يجوز التيمم إلا بالتراب والرمل وبه أخذ الطحاوي، انظر: مختصر الطحاوي ص (20)، المبسوط (1/ 108)، تحفة الفقهاء (1/ 41)، شرح فتح القدير (1/ 127، 128)، بدائع الصنائع (1/ 53). ومذهب الشافعية: أنه لا يصح التيمم إلا بالتراب الطاهر الخالص الذي لا غبار، سواء كان أحمر أو أسود أو أصفر أوغيره، ولا يجوز التيمم بما عدا ذلك من أجزاء الأرض المتولدة عنها كالجص، والنورة، والزرنيخ، وسائر المعادن، والاحجارة الدقوقة، والقوارير المسحوقة وأشباهها. انظر: الأم (1/ 99)، الحاوي الكبير (1/ 287 - 291) الوسيط في المذهب (1/ 375)، روضة الطالبين (1/ 108، 109) المجموع (2/ 246 - 248) كفاية الأخيار (ص 61)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/ 116).

ص: 170

ثم قال في «المبسوط»

(1)

: وأبو [حنيفة]

(2)

ومحمد استدلا بالآية [فإن]

(3)

الصعيد هو الأرض، قال رسول الله-عليه السلام:«يَحْشُرُ الْعُلَمَاءُ في صَعيْدٍ وَاحِدٍ كَأنها سَبِيْكَة فضَّة، فيقُول الله تَعَالى: يا مَعْشَر العُلَمَاء إني لم أضَع عِلْمِي فِيْكم إلا بعِلْمِي بكم، إني لم أضَع حِكْمَتي فيْكم وأنَا أريْد أنْ أُعَذِّبَكُمْ، انْطَلقُوا مغفُورًا لَكُم»

(4)

. فدل أن الصعيد هو الأرض.

وقال-صلى الله عليه وسلم: «جُعِلَتُ لي الأرضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا»

(5)

.

ثم ما سوى التراب من الأرض أسوة للتراب في كونه مكان الصلاة فكذلك في كونه طهورًا وبين أن الله تعالى يسر عليه وعلى أمته وقد تدركه الصلاة في غير موضع التراب كما تدركه في موضع التراب فيجوز التيمم بالكل تيسيرًا

(6)

.

‌وَلَهُمَا أَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ سُمِّيَ بِهِ لِصُعُودِهِ، وَالطَّيِّبُ يَحْتَمِلُ الطَّاهِرَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ لأنَّهُ أَلْيَقُ بِمَوْضِعِ الطَّهَارَةِ أَوْ هُوَ مُرَادُ الإجْمَاعِ (ثُمَّ لا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ غُبَارٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله) لِإِطْلاقِ مَا تَلَوْنَا

-قوله: (أو هو مراد بالإجماع)

(7)

أي: الطاهر مراد بالطيب بالإجماع فيجب أن لا يكون المنبت مرادًا؛ لأن الطيب اسم مشترك بين الطاهر والمنبت، فلما أريد به هنا الطاهر إما بالإجماع أو بسياق الآية بقوله:{وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] لم يكن المنبت مرادًا؛ لأن المشترك لا عموم له خصوصًا في موضع الإنبات.

(1)

في المبسوط (1/ 108): «يوسف» .

(2)

في المبسوط (1/ 108): «يوسف» .

(3)

في (ب): «فقالا» .

(4)

أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (4/ 302) برقم (4264) والروياني في مسنده (1/ 353) برقم (542) والقرطبي في جامع بيان العلم وفضله (ت 463 هـ)(1/ 215) برقم (232) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَبْعَث الله العِبَاد يَوم القيَامة ثم يميز العُلمَاء ثم يقول لهم: يا مَعشَر العلماء إني لم أضَع علمِي

» الحديث، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 126): فيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف جداً، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 263)، وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1/ 16) برقم (62):(موضوع).

(5)

سبق تخريجه في (ص 320).

(6)

المبسوط للسرخسي (108، 109) باب التيمم.

(7)

أي: الإجماع على أنه إذا لم يجد الماء، أو التضرر بإستعماله، فإنه يتيمم بالصعيد الطيب. انظر: الأوسط في السنن والإجماع والإختلاف (2/ 58)، اختلاف الأئمة العلماء (1/ 61).

ص: 171

-قوله: (ثم لا يشترط عليه غبار) أي: على الصعيد الذي لم يلتزق به الغبار كالحجر والنورة

(1)

والكحل والزرنيح

(2)

.

وقال الإمام الولوالجي

(3)

رحمه الله: «ولو ضرب يده على صخرة لا غبار عليها أوعلى أرض ندية لم يتعلق بيده شيء يجوز التيمم عند أبي حنيفة-رحمه الله»

(4)

كذلك فإنه طين [مستحجر]

(5)

فهو كالحجر الأصلي، والتيمم بالحجر يجوز في قول أبي حنيفة رحمه الله وإن لم يكن عليه غبار.

[وعن محمد رحمه الله فيه روايتان في إحدى الروايتين: لا يجوز إلا أن يكون عليه غبار]

(6)

، وكذلك الطين عند أبي حنيفة رحمه الله يجوز التيمم به؛ لأنه من جنس الأرض [و]

(7)

في إحدى الروايتين عن محمد: لا يجوز التيمم بالطين

(8)

.

وذكر في «الأسرار» «قال الأصمعي: [الصعيد]

(9)

فعيل بمعنى فاعل أي: صاعد. وقال

الله تعالى: {صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] جاء في التفسير: حجرًا أملس فإن التراب لا يكون زلقًا»

(10)

.

فإن قيل: الله تعالى أخبر أنه خلق الأرض في يومين، ثم أخبر أنه جعل فيها رواسي من فوقها وقدر فيها أقواتها في يومين آخرين، فبين أن الجبال غير الأرض وهي أوتادها على ما قال الله تعالى:{وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)} [النبأ: 7].

(1)

سبق التعريف بالنورة (ص 332).

(2)

الزرنيخ: بكسر الزاي، حجر معروف وله أنواع كثيرة منه، أبيض، وأحمر، واصفر. لسان العرب (3/ 21) مادة [زرنخ]، تاج العروس (2/ 259) مادة [زرنخ].

(3)

هو عبد الرشيد بن أبي حنيفة بن عبد الرزاق، أبو الفتح ظهير الدين الولوالجي، (ت 540 هـ)، فقيه حنفي، عاش في ولوالج (ببدخشان) وتفقه ببلخ، من مصنفاته (الفتاوى الولوالجية). انظر: تهذيب التهذيب (6/ 310) والأعلام (3/ 253). وانظر: الفتاوى الولوالجية (1/ 68) للإمام عبدالرشيد الولوالجي، تحقيق: مقداد بن موسى فريوي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1424 هـ.

(4)

المراد بسبخ: من جنس الأرض، كما في المبسوط للسرخسي (1/ 109)، ولعلها الأرض السبخة والله أعلم. والأرض السبخة: واحدة السباخ أي: ذات ملح ونز. انظر: الصحاح (1/ 423).

والآجر: الطين المطبوخ، وهو الذي يبنى به، فارسي معرب. انظر: لسان العرب (4/ 11) مادة [أجر]، المغرب (1/ 30).

(5)

في (ب): «مستخرج» .

(6)

ساقط من (ب).

(7)

ساقطة من النسختين والتثبيت من المبسوط (1/ 109).

(8)

انظر: المبسوط (1/ 109).

(9)

ساقط من (ب).

(10)

الأسرار (ص 467).

ص: 172

قلنا: في الآية أن خلق الجبال بعد المدر ولكن لما خلقها جعلها رواسي من فوقها وركبها في الأرض على سبيل القرار، وصار الكل شيئًا واحدًا ويتناولها اسم الأرض فالمدر قبل ذلك كان أرضًا لا لأنه مدر، ولكن لأنه لما فتق من السماء لبني آدم والجبال [فيها صارت]

(1)

خلقة من الله تعالى فصارت أرضًا كالسقف اسمٌ لما علا على وجه الأرض فسمي سقفًا لكل ما ركب فيه علوًا، وقد يكون بحفر ما تحته إذا كان تركيبًا أصليًّا.

وأما الذهب والفضة والزجاج فليس في الآية أن الله تعالى ركبها جزءًا من الأرض خلقه بل هي مما يتولد من الأرض كالنبات؛ ولأن الأحجار من حيث أنها [لا]

(2)

تنطبع بالنار ولا تحترق احتراق الأشجار صارت من جنس الأرض.

(وَكَذَا يَجُوزُ بِالْغُبَارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّعِيدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) لأنَّهُ تُرَابٌ رَقِيقٌ

-قوله: (وكذا يجوز بالغبار) «بأن نفض ثوبه أو لُبدَه

(3)

وتيمم بغباره وهو يقدر على الصعيد أجزأه في قول أبي حنيفة ومحمد

(4)

-رحمهما الله-، ولا يجزئه عند أبي يوسف

(5)

رحمه الله إلا إذا كان لا يقدر على الصعيد، ووجهه أن الغبار ليس بتراب خالص ولكنه من التراب من وجه والمأمور به التيمم بالصعيد فإن قدر عليه لم يجز إلا بالصعيد، وإن لم يقدر عليه فحينئذٍ يتيمم بالغبار كما أن العاجز عن الركوع والسجود يصلي بالإيماء، وهما احتجا بحديث عمر رضي الله عنه فإنه كان مع أصحابه في سفر فمطروا بالجابية

(6)

(7)

فأمرهم أن ينفضوا لبودهم وسروجهم ويتيمموا بغبارها

(8)

.

(1)

في (ب): «صارت فيها» .

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

اللبد: أي الصوف، لسان العرب (3/ 386) مادة [لبد].

(4)

انظر: المبسوط (1/ 108).

(5)

انظر: المبسوط (1/ 108).

(6)

كتب في حاشية (أ): الجابية إحدى كور دمشق وهي المذكورة في حديث عمر رضي الله عنه: فمطروا بالجابية. «مغرب» .

(7)

الجابية: -بكسر الباء، وياء مخففة- وأصله في اللغة الحوض الذي يجبى فيه الماء، وهي: قرية من أعمال دمشق، وباب الجابية بدمشق منسوب إلى هذا الموضع. انظر: معجم البلدان (2/ 91).

(8)

لم أجد هذا الأثر، فيما اطلعت عليه من كتب الحديث، قال القاسم بن سلام: وحدثنا محمد بن ربيعة، عن محمد بن حمير، عن زيد بن حنين: قالا: أصاب الناس ثلج بالجابية، لما نزلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال عمر بن الخطاب:«أيها الناس إن الثلج لا يتيمم به» الطهور للقاسم بن سلام (1/ 319) برقم (271).

ص: 173

ولأن الغبار تراب فإن من نفض ثوبه يتأذى جاره من التراب إلا أنه دقيق فكما يجوز التيمم بالخشن من التراب على كل حال فكذلك بالدقيق منه»، كذا في «المبسوط»

(1)

.

وذكر المصنف في «التجنيس» : «إذا تيمم بغبار الثوب النجس لا يجوز إلا إذا وقع التراب بعد ما جف الثوب؛ لأنه حينئذٍ يكون الغبار ظاهرًا»

(2)

، ثم الشرط في التيمم بالغبار وهو المسح بيده بالغبار لا مجرد [إصابة]

(3)

الغبار مع النية ذكره في «الذخيرة»

(4)

. وقال في صلاة الأصل: لو أصاب وجهه وذراعيه [غبارٌ]

(5)

لم يجزه من التيمم.

قال أصحابنا رحمهم الله: تأويله أنه لم يمسح [به]

(6)

وجهه وذراعيه فأما

(7)

إذا مسح جاز نص على هذا التأويل المعلى

(8)

في كتاب الصلاة.

وذكر شيخ الإسلام في «المبسوط»

(9)

: فإن لم يكن على ثوبه غبار بأن كان أصابه المطر فتيمم بالثوب فإنه لا يجزئه بالإجماع؛ لأن التيمم إنما شرع بما هو من أجزاء الأرض والثوب واللبد ليسا من أجزاء الأرض بخلاف ما إذا تيمم على حجر أملس فإنه يجزئه على قول أبي حنيفة؛ لأنه من أجزاء الأرض فيجوز التيمم به سواء كان عليه غبار أو لم يكن.

ثم إذا لم يجد الغبار كيف يصنع؟

قال: يلطخ ثوبه بالطين حتى يجف فيتيمم به، وإنما أمره بالتلطخ احتيالاً للتوصل إلى إقامة

(1)

المبسوط للسرخسي (1/ 109)، المحيط (1/ 170).

(2)

كتاب التجنيس والمزيد (1/ 323) باب التيمم، مسألة (305) للإمام علي بن أبي بكر المرغيناني، صاحب الهداية، (ت 593 هـ)، تحقيق د/ محمد أكين مكي طبع باكستان، إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، الطبعة الأولى 1424 هـ.

(3)

في (أ): «أصابعه» والتصويب من (ب).

(4)

الذخيرة البرهانية، سبق ذكرها (ص 324).

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

في (أ): «فإنه» والتصويب من (ب).

(8)

هو معلى بن منصور الرازي أبو يعلى، حافظ، فقيه، حنفي، مفتي بغداد، صدوق، طلب للقضاء فأبى، صاحب سنة:(ت 211 هـ) انظر: سير أعلام النبلاء (10/ 366).

(9)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 3)، والبناية شرح الهداية (1/ 532، 533، 536) ما يتيمم به.

ص: 174

الصلاة؛ لأن الصلاة لا تقام إلا بالطهارة والطهارة إنما شرعت بأحد الأمرين: إما بالماء، أوبالصعيد، وقد عدمهما جميعًا في الحال لكن [إذا]

(1)

قدر على التيمم بالصعيد في [ثاني]

(2)

الحال من هذا الوجه فيؤمر به.

وذكر في «المحيط» : «وإذا تيمم بالرماد لا يجوز، أما إذا اختلط الرماد بتراب الأرض إن كانت الغلبة للتراب يجوز، وإن كانت الغلبة للرماد لا يجوز، وكذلك التراب إذا خالطه غير [الرماد]

(3)

مما ليس من أجزاء الأرض يعتبر فيه الغلبة»

(4)

.

(وَالنِّيَّةُ فَرْضٌ فِي التَّيَمُّمِ) وَقَالَ زُفَرُ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لَيْسَتْ بِفَرْضٍ لأنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ فَلا يُخَالِفُهُ فِي وَصْفِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْقَصْدِ فَلا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ، أَوْ جَعَلَ طَهُورًا فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَالْمَاءُ طَهُورٌ بِنَفْسِهِ عَلَى مَا مَرَّ (ثُمَّ إذَا نَوَى الطَّهَارَةَ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلاةِ أَجْزَأَهُ وَلا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ أَوْ لِلْجَنَابَةِ)

قوله رحمه الله: (أو جعل طهورًا في حالة مخصوصة) قال شيخ الإسلام

(5)

رحمه الله: الشرع جعل التراب طهورًا بشرطين: بشرط عدم الماء، وبشرط أن يكون التيمم للصلاة، فكما لا يفيد التيمم الطهارة حال وجود الماء فكذا لا يفيد حال عدم النية.

وإنما قلنا ذلك لأن قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] بناءً على قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]، والمراد به: فاغسلوا للصلاة، فكذا قوله:(فتيمموا للصلاة). ولو نص على هذا كان إرادة الصلاة شرطًا ليصير طهورًا فكذلك إذا ثبت هذا بدلالة صدر الآية.

هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

فإن قلت: هذا الذي/ 19/ ب/ ذكرته يقتضي أن تكون النية مشروطة في/ 20/ أ/ الوضوء أيضًا.

قلت: نعم كذلك إلا أن النية شرط [في]

(6)

الوضوء ليكون آتيًا لوضوء مأمور به إلا أنه مع هذا لو ترك النية فإنه تجزئه الصلاة؛ لأن الوضوء غير مقصود بنفسه والمقصود حصول الطهارة والطهارة كما تحصل بالوضوء المأمور به تحصل [بغير]

(7)

المأمور كستر العورة وتطهير الثياب فإنه مأمور بهما لقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31]، وقوله تعالى:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]، ومع ذلك لا تشترط النية؛ لأنهما غير مقصودين في [حق]

(8)

اشتراط الصلاة [بالأمرين]

(9)

؛ لأن الطهارة في الوضوء [حاصلة]

(10)

بطبع الماء فطبع الماء لا يتغير بالنية وعدم النية، وأما التراب فغير طهور بطبعه وإنما صار طهورًا شرعًا بخلاف القياس فلا يصير إلا بالشرط الذي ورد به النص كذا ذكر الجواب شيخ الإسلام-رحمه الله

(11)

.

(1)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (أ): «التراب) والتصويب من (ب).

(4)

المحيط البرهاني (1/ 145) الفصل الخامس في التيمم.

(5)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام.

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

في (ب): «به» .

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

(ب): «بالأمر الكافي» .

(10)

في (أ): «حاصل» والتصويب من (ب).

(11)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام.

ص: 175

-قوله: (هو الصحيح من المذهب)

(1)

هذا احتراز عما قال به أبو بكر الرازي

(2)

رحمه الله فإنه كان يقول: يحتاج إلى نية التيمم للحدث أو للجنابة؛ لأن التيمم لهما بصفة واحدة فلا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالنية، وظاهر ما يقول في الكتاب يدل على أنه يحتاج إلى نية الصلاة، وعن أبي يوسف: أن نية الطهارة تكفي كذا في «المبسوطين»

(3)

.

(فَإِنْ تَيَمَّمَ نَصْرَانِيٌّ يُرِيدُ بِهِ الإسْلامَ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ مُتَيَمِّمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ مُتَيَمِّمٌ) لأنَّهُ نَوَى قُرْبَةً مَقْصُودَةً، بِخِلافِ التَّيَمُّمِ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ لأنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ. وَلَهُمَا أَنَّ التُّرَابَ مَا جُعِلَ طَهُورًا إلا فِي حَالِ إرَادَةِ قُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ لا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ، وَالإسْلامُ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ تَصِحُّ بِدُونِهَا بِخِلافِ سَجْدَةِ التِّلاوَةِ لأنَّهَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ لا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ (وَإِنْ تَوَضَّأَ لا يُرِيدُ بِهِ الإسْلامَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ مُتَوَضِّئٌ) خِلافًا لَلشَّافِعِيِّ رحمه الله بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ.

-قوله: (والإسلام قربة تصح بدونها بخلاف سجدة التلاوة) قلت: في هذا اللفظ إشارة إلى أن الكافر لو نوى قربة بالتيمم لا تصح تلك القربة بدون الطهارة كان متيممًا، وليس الأمر كذلك فإن الكافر إذا تيمم للصلاة ثم أسلم لا تجوز الصلاة بذلك التيمم، نص على هذا شيخ الإسلام في «مبسوطه»

(4)

؛ بل المعول في التعليل أن يقال: إن الكافر ليس بأهل النية والتيمم لا يصح بدون النية فلذلك لا يصح منه التيمم.

(1)

مذهب الحنفية: أنه لا تشترط النية في الوضوء، فعدم أهلية الكافر لا يضر في طهارته، فإذا توضأ الكافر ثم أسلم فهو على طهارته، انظر: بدائع الصنائع (1/ 19)، شرح فتح القدير (1/ 132)، البناية (1/ 519، 520) ومذهب الشافعية: أن أهلية النية شرط، وعليه فلا يصح وضوء كافر أصلي ولا غسله على الصحيح، انظر: الوسيط (1/ 246)، روضة الطالبين (1/ 47)، المجموع (1/ 315).

(2)

هو أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص، ولد سنة:(305 هـ)، أخذ الفقه عن الكرخي

وغيره، وكان إمام الحنفية في عصره، له عدة مصنفات منها، أحكام القرآن -مطبوع- وشرح مختصر الطحاوي، وشرح الجامع الكبير، وغير ذلك، (ت 370 هـ) الفوائد البهية (ص 27)، الفهرست (ص 293)، طبقات الفقهاء للشيرازي (ص 144)، تاج التراجم (ص 6)، البداية والنهاية (11/ 333).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 117) باب التيمم.

(4)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، انظر: العناية (1/ 22) باب التيمم، البناية (1/ 542) نية التيمم للحدث أو الجنابة.

ص: 176

وعن هذا فرَّق أبو يوسف بين نيته للإسلام وبين نيته للصلاة، فقال: يكون متيممًا في الأول دون الثاني. وقال: لأن الإسلام يصح منه فيصح نية التيمم منه للإسلام بخلاف [ما]

(1)

لو تيمم بنية الصلاة؛ لأن الصلاة قربة لا تصح من الكافر، ولا تصح نية الصلاة فيجعل وجود هذه النية عدمها بمنزلة فيبقى التيمم من غير نية فلا يصح.

وقال في «المبسوط» في تعليلهما: «أن من شرط التيمم نية الصلاة به، والكافر ليس [من أهلها]

(2)

، والتيمم لا يصح بغير نية، ونيته للإسلام لا تعتبر في التيمم إنما تعتبر نية قربة [ونية القربة]

(3)

لا تصح إلا بالطهارة. ألا ترى أن المسلم إذا تيمم بنية الصوم أو الصدقة لا تصح، والكافر أولى»

(4)

.

(فَإِنْ تَيَمَّمَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى تَيَمُّمِهِ) وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله: بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لأنَّ الْكُفْرَ يُنَافِيه فَيَسْتَوِي فِيهِ الابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ)

-قوله: (وقال زفر رحمه الله: بطل تيممه) فإن قلت: كان من حقه أن ينعكس الحكم لانعكاس العلة فإن من حقه أن لا يبطل تيمم المسلم بارتداده على قول زفر لعدم احتياجه إلى النية [عنده كما في الوضوء، فإنه لا يبطل بالارتداد بالاتفاق

(5)

لعدم احتياجه إلى النية]

(6)

، وعنده التيمم كالوضوء في ذلك.

قلت: قال شيخ الإسلام

(7)

رحمه الله: وهذه المسألة من زفر رواية منه أن التيمم لا يصح إلا بالنية، وقد روي عن زفر أن التيمم يصح من غير نية فعلى هذا لا يبطل على مذهبه بالردة كالوضوء فكان [عن]

(8)

زفر روايتان: أن التيمم يتأدى من غير نية أم لا؟ وذكر في «الفوائد الظهيرية»

(9)

قيل له في الجواب عنه: إن التيمم الذي وقع النزاع في انتقاضه منوي؛ لأنه لو لم يكن منويًّا لا يتأتى الاختلاف، أو [نقول]

(10)

: عدم جواز التيمم للكافر عنده لا لاشتراط النية، [بل]

(11)

لأن الشارع جعل التراب طهور المسلم لا طهور الكافر للحديث: «التُّرَابُ طهُورُ المسْلِم»

(12)

.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

في (ب): «من» .

(3)

ساقطة من النسختين، والتثبيت من المبسوط (1/ 116) ليستقيم المعنى.

(4)

المبسوط للسرخسي (1/ 116) باب التيمم.

(5)

من ارتد عن الاسلام-والعياذ بالله- وهو طاهر ثم رجع إليه، هل يستأنف الوضوء، اتفق الفقهاء إلا الإمام أحمد على أنه لا إعادة عليه في الوضوء، وإن كان يتيمم فهو على تَيمُّمِه. انظر: الأوسط في السنن والإجماع والإختلاف (1/ 237)، اختلاف الأئمة العلماء (1/ 56).

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، انظر: العناية (1/ 22) باب التيمم، البناية (1/ 542) نية التيمم للحدث أو الجنابة.

(8)

في (ب): «من» .

(9)

الفوائد الظهيرية في الفتاوى، لظهير الدين، أبي بكر: محمد بن أحمد بن عمر (ت 619 هـ)، وكشف الظنون (2/ 1298).

(10)

في (ب): «يقول» .

(11)

ساقطة من (ب).

(12)

عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التُّرَابُ طُهُور المسْلم ولَو إلى عشْر حِجج مَا لم يَجِدِ الماء» رواه أبو داود في سننه (1/ 53)، والترمذي في سننه (1/ 17)، والنسائي في سننه (1/ 61)، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في نصب الراية (1/ 148) باب التيمم.

ص: 177

ولهذا لا يصح من الكافر، وبالارتداد ارتفعت طهوريته إلى هذا المعنى أشار الإمام التمرتاشي-رحمه الله.

قوله: (كالمحرمية في باب النكاح) بأن كانا رضيعين وقد زوج كل واحد منهما بالآخر أبواهما، ثم أرضعتهما امرأة يرتفع [النكاح]

(1)

، أو كانا كبيرين وقد مكنت المرأة ابن زوجها بعد النكاح حيث يرتفع النكاح فيهما بعد الثبوت كما لا ينعقد فيهما ابتداءً، والأصل فيه أن كل صفة منافية للأحكام يستوي فيه الابتداء والبقاء كالردة والحدث العمد في الصلاة، ولا يشكل على هذا ما إذا سبقه الحدث وهو في الصلاة، حيث لا تفسد به الصلاة ولا تنعقد به ابتداءً لما أن ذلك مخصوص بالنص بقوله عليه السلام:«مَنْ قَاء أوْ رعَفَ في صَلاته» الحديث

(2)

.

‌وَلَنَا أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ صِفَةُ كَوْنِهِ طَاهِرًا فَاعْتِرَاضُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ لا يُنَافِيه كَمَا لَوْ اعْتَرَضَ عَلَى الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا لا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ ابْتِدَاءٌ لِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْهُ. (وَيَنْقُضُ التَّيَمُّمَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) لأنَّهُ خَلَفٌ عَنْهُ فَأَخَذَ حُكْمَهُ (وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا رُؤْيَةُ الْمَاءِ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ) لأنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ الَّذِي هُوَ غَايَةٌ لِطَهُورِيَّةِ التُّرَابِ، وَخَائِفُ السَّبُعِ وَالْعَدُوِّ وَالْعَطَشِ عَاجِزٌ حُكْمًا

قوله: (فاعتراض الكفر لا ينافيه كما لو اعترض على الوضوء) فإن قيل: «أليس أن المراد يحبط بقوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [سورة المائدة: 5]، ووضوؤه من عمله.

قلنا: الردة تحبط ثواب العمل، وذلك لا يمنع زوال الحدث كمن توضأ على قصد المراءاة زال الحدث به، وإن كان لا يثاب على وضوئه»، كذا في «المبسوط»

(3)

. وتنقضه أيضًا رؤية الماء إضافة النقض إلى الرؤية فجاز لما أن الناقض هو الحدث السابق إلا أن عمل الناقض السابق يظهر عندها فأضيف إليه فكان حقيقة المعنى/ 20/ ب/ فيه، وينتهي كون التراب طهورًا عند رؤية الماء المقدور على استعماله كاملاً.

قوله: (لأن القدرة هي المراد بالوجود) يعني: أن المراد من الوجود المذكور في قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43]، ومن الوجود المذكور في قوله-عليه السلام:«التُّرَابُ طهُورُ المسْلِم مَا لم يَجِدِ الماءَ» . هو القدرة على الاستعمال لا الملك بخلاف الوجود المذكور في الكفارات في قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196]، وفي قوله:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92]،

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

سبق تخريجه في (ص 162).

(3)

المبسوط للسرخسي (1/ 117) باب التيمم.

ص: 178

فالمراد به الملك دون القدرة حتى أنه لو عرض عليه الماء لا يجوز له أن يتيمم، ولو عرض على الجانب في اليمين الرقبة يجوز له التكفير بالصوم كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله.

قوله رحمه الله: (هو غاية لطهورية التراب) وتسميته غاية إنما كانت من حيث المعنى لا من حيث الصفة؛ فإنه لم يرد فيه كلمة الغاية، وقوله-صلى الله عليه وسلم:«ولَو إلى عَشْر حِجَج» . ليس بغاية للتيمم حيث لم يقل: إلى وجوب الماء. بل وردت فيه كلمة المدة في قوله-عليه السلام: «التُّرَابُ طهُورُ المسْلِم مَا لم يَجِدِ الماءَ»

(1)

. أي: ما دام أنه غير واجد للماء، ولكن معناهما يلتقيان في أن الحكم بعد ذلك الوقت يخالف ما قبله فيسمى باسم الغاية.

-قوله: (وخائف السبع والعدو والعطش عاجز حكمًا) لأن صيانة النفس أوجب من صيانة الطهارة بالماء فإن لها بدلاً، ولا بدل للنفس، أو لأن هذا في معنى المريض بجامع أنه يفضي إلى الهلاك، وفي حق المريض جواز التيمم منصوص عليه

(2)

فألحق هذا به.

قلت: جاز أن تجب الإعادة بالوضوء على الخائف من العدو [بعد]

(3)

زوال العذر لما أن العذر جاء من قبل العباد، وقد ذكر المصنف رحمه الله في «التجنيس» والإمام الولوالجي رحمه الله في «فتاواه»

(4)

: «رجل أراد أن يتوضأ فمنعه إنسان عن التوضي بوعيد. قيل: ينبغي أن يتيمم ويصلي ثم يعيد الصلاة بعد ما زال عنه ذلك؛ لأن هذا عذر جاء من قبل العباد فلا يسقط فرض الوضوء عنه كالمحبوس في السجن إذا وجد التراب الطاهر ولم يجد الماء يتيمم ويصلي، وإذا خرج يعيد فكذا هذا»

(5)

،

(1)

سبق تخريجه في (ص 344).

(2)

بالآية في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} المائدة [6].

(3)

في (ب): «وبعد» .

(4)

الفتاوى الولوالجية (1/ 65) الفصل السابع في التيمم.

(5)

انظر: التجنيس (1/ 309، 310) باب التيمم، مسألة (285، 286).

ص: 179

ثم ذكر في «شرح الطحاوي»

(1)

: يخاف على نفسه أو على ماله.

وذكر الإمام الولوالجي: «متيمم مرّ على ماء في موضع لا يستطيع النزول إليه لخوف من عدو أو سبع على نفسه لا ينتقض تيممه؛ لأنه غير قادر»

(2)

.

‌وَالنَّائِمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَادِرٌ تَقْدِيرًا، حَتَّى لَوْ مَرَّ النَّائِمُ الْمُتَيَمِّمُ عَلَى الْمَاءِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ عِنْدَهُ، وَالْمُرَادُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ لأنَّهُ لا مُعْتَبَرَ بِمَا دُونَهُ ابْتِدَاءً فَكَذَا انْتِهَاءً (وَلا يُتَيَمَّمُ إلا بِصَعِيدٍ طَاهِرٍ)

قوله: (والنائم عند أبي حنيفة رحمه الله قادر تقديرًا) ذكر في «فتاوى قاضي خان»

(3)

: متيمم مر على الماء وهو نائم. ذكر في بعض الروايات [أن]

(4)

على قول أبي حنيفة ينتقض تيممه. ثم قال: وقيل: ينبغي أن لا ينتقض عند الكل؛ لأنه لو تيمم وبقربه ماء لا يعلم به يجوز تيممه

(5)

عند الكل.

وقال الإمام التمرتاشي-رحمه الله: [وفي «زيادات الحلواني»]

(6)

(7)

في انتقاض تيمم المتيمم النائم المار بالماء روايتان من غير ذكر الخلاف.

-قوله: (والمراد [ماء يكفي]

(8)

للوضوء)، وقد ذكرنا في أول الباب بيان هذا، وما يرد على هذا من الشبهة والجواب عنه

(9)

.

‌لأنَّ الطَّيِّبَ أُرِيدَ بِهِ الطَّاهِرَ فِي النَّصِّ وَلأنَّهُ آلَةُ التَّطْهِيرِ فَلا بُدَّ مِنْ طَهَارَتِهِ فِي نَفْسِهِ كَالْمَاءِ.

- قوله: (لأن الطيَّب أريد به الطاهر) أي في قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، وعن هذا قلنا: إن الأرض إذا نجست ثم جفت لا يجوز التيمم بها ويجوز الصلاة عليها لقوله-عليه السلام: «ذَكَاةُ الأرْض يبْسُهَا»

(10)

. لما أن اشتراط الطهارة في التيمم لما ثبت بعبارة النص لم يعارضه خبر الواحد.

(1)

انظر: بيان مشكل الآثار للطحاوي (6/ 98).

(2)

الفتاوى الولوالجية (1/ 66) الفصل السابع: في التيمم.

(3)

انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 61، 62) فصل فيما يجوز به التيمم.

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

جاء بعدها في (ب)«ثم قال: وقيل ينبغي» وهي مكررة حسب السياق.

(6)

زيادات الحلواني، لم أجده فيما أطلعت عليه من الكتب.

(7)

ساقطة من (ب).

(8)

في (ب): «ما يكفي» .

(9)

سبق، في باب الماء الذي يجوز به الوضوء.

(10)

رواه البيهقي في سننه (2/ 602) برقم (525) باب طهارة الأرض من البول، قال: روينا عن أبي قلابة وهو من التابعين أنه قال: «ذكاة الأرض يبسها» قال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 183) برقم (31) باب إزالة النجاسة فائدة: حديث «ذكاة الأرض يبسها» احتج به الحنفية ولا أصل له في المرفوع، ورواه عبد الرزاق عن أبي قلابة من قوله بلفظ «جفوف الأرض طهورها». وأيضًا قال: الزركشي والبخاري وابن الربيع الشيباني: «لا أصل له» انظر: الأسرار المرفوعة ص (124).

ص: 180

وأما اشتراط الطهارة في مكان الصلاة لما ثبت بدلالة النص جاز أن يعارضه خبر الواحد فلذلك لم يثبت خبر الواحد في التيمم وثبت حكمه في الصلاة.

فإن قلت: الحكم الثابت بدلالة النص كالحكم الثابت بعبارة النص في أن كل واحد منهما يوجب الحكم قطعًا حتى وجبت الحدود والكفارات بدلالات النصوص، فعلى هذا [ينبغي أن]

(1)

لا يعارض خبر الواحد دلالة النص [أيضًا]

(2)

.

قلت: نعم كذلك إلا أن حكم هذه الدلالة دخل فيه الخصوص حتى أن قدر الدرهم وما دونه لا يمنع جواز الصلاة فيجوز أن يخص فيما بقي بخبر الواحد؛ لأنه لم يبق قطعيًّا، واشتراط الطهارة في التيمم الثابت من العموم الحاصل من النكرة الموصوفة في قوله:{صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، لم يدخله الخصوص وكان قطعيًّا فلا يخص بخبر الواحد ابتداءً لما عرف، هكذا [قال]

(3)

الشيخ-رحمه الله.

‌(وَيُسْتَحَبُّ لِعَادِمِ الْمَاءِ وَهُوَ يَرْجُوهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلاةَ إلَى آخَرِ الْوَقْتِ، فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ تَوَضَّأَ وَإِلا تَيَمَّمَ وَصَلَّى لِيَقَعَ الْأَدَاءُ بِأَكْمَلِ الطَّهَارَتَيْنِ فَصَارَ كَالطَّامِعِ فِي الْجَمَاعَةِ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ التَّأْخِيرَ حَتْمٌ لأنَّ غَالِبَ الرَّأْيِ كَالْمُتَحَقِّقِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْعَجْزَ ثَابِتٌ حَقِيقَةً فَلا يَزُولُ حُكْمُهُ) إلا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ. (وَيُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله: يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ فَرْضٍ لأنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ. وَلَنَا أَنَّهُ طَهُورٌ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ فَيَعْمَلُ عَمَلَهُ مَا بَقِيَ شَرْطُهُ.

-قوله: (وصار كالطامع في الجماعة) قال الشيخ رحمه الله: هذه المسألة تدل على أن الصلاة في أول الوقت أفضل عندنا أيضًا إلا إذا تضمن التأخير فضيلة لا تتحصل تلك الفضيلة بدون التأخير كتكثير الجماعة والصلاة بأكمل الطهارتين.

-قوله: (لأن غالب الرأي كالمتحقق) حتى سمي غالب الرأي بالعلم قال الله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10]،/ 21/ أ/ وكذلك جواز التيمم للمريض، وجواز إجراء كلمة الكفر على المكره إنما كان لكون غالب الرأي بمنزلة المتحقق، ثم إنما [قيد]

(4)

المسألة بقوله وهو يرجوه؛ لأنه إذا كان لا يرجو وجود الماء لا يؤخر الصلاة؛ لأنه لا فائدة في التأخير، إذا كان الماء بعيدًا، وأما إذا كان قريبًا لا يتيمم وإن خاف خروج الوقت كذا ذكره في «التجنيس»

(5)

.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): «أفاد» .

(4)

في (ب): «قرر» .

(5)

كتاب التجنيس (1/ 327) المسألة (312) كتاب الطهارات، باب التيمم.

ص: 181

-قوله: (وعند الشافعي رحمه الله يتيمم لكل فرض) وحاصل الاختلاف يرجع إلى أن حكم التيمم حال عدم الماء.

ماذا قال علماؤنا؟: حكمه زوال الحدث [حتى تبقى الطهارة بعد خروج وقت الصلاة بخلاف طهارة سلس البول والمستحاضة]

(1)

مطلقًا من كل وجه ما بقي شرطه وهو العدم كما بالماء إلا أنه بالماء مقدر إلى وجود الحدث، وها هنا إلى [أحد]

(2)

شيئين: إلى الحدث، وإلى رؤية الماء.

وقال الشافعي-رحمه الله

(3)

: حكم التيمم رفع الحدث مقدرًا بالحاجة إلى الأداء كما في طهارة المستحاضة. [وقال: لأن التيمم طهارة [الضرورة]

(4)

فلا يتأدّى بها فرضان قياسًا على طهارة المستحاضة]

(5)

لا يتأدى بها فرضان في وقتين بالإجماع.

وإنما قلنا طهارة [ضرورة]

(6)

لأن الصعيد ليس بطهور في نفسه، ألا ترى أنه لا يطهر عند وجود الماء فطبعه لا يتبدل بعدم الماء، وإنما جعل طهورًا شرعًا لضرورة الحاجة، والحاجة في الفرائض تزول بفرضٍ واحدٍ، ولا تتجدد حاجة أخرى إلا [بمجيء]

(7)

وقت آخر بخلاف النوافل؛ فإن الحاجة إلى النوافل دائمة.

واحتج أصحابنا بظاهر قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]،

الله تعالى شرع التيمم حال عدم الماء فتبقى الطهارة ببقائه، وكذلك جعل النبي-عليه السلام طهارة التيمم ممتدًّا إلى غاية وجود الماء في الحديث، وكان في حال عدم الماء كالوضوء، ولأن بالفراغ من المكتوبة لم تنتقض طهارته بدليل جواز أداء النافلة له، وإذا بقيت الطهارة له أن يؤدي الفرائض بها؛ لأن شرط الأداء أن يقوم إليه طاهرًا وقد وجد وليس كالمستحاضة؛ لأن الشرع قدر طهارتها بالوقت نصًّا

(8)

فيقدر به، وأما ها هنا قدر بالعدم فلا يجوز التقدير بالأداء قياسًا؛ لأنه حينئذٍ يكون تركًا [لتقدير]

(9)

يثبت نصًّا، كذا في «المبسوطين»

(10)

.

(1)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).

(2)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).

(3)

مذهب الشافعية: أنه لا يجوز للمتيمم أن يجمع بين صلاتين مقروضتين بتيمم واحد، فإن فعل فلا تجرئه صلاته الثانية، ويجوز الجمع بين صلاتين إحداهما فرضًا والأخرى نفلًا، وسواء كان التنفل قبل الفريضة أو بعدها، في الوقت أو بعده. انظر: الأم (1/ 94)، مختصر المزني ص (12)، الحاوي الكبير (1/ 315، 316)، روضة الطالبين (1/ 110)، المجموع (2/ 259)، كفاية الأخيار (ص 63)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/ 119).

(4)

في (ب): «ضرورية» .

(5)

في (ب): «مكررة» .

(6)

في (ب): «ضرورية» .

(7)

ساقطة من (ب).

(8)

لحديث عائشة-رضي الله عنها قالت جاءت فاطمة بنت حبيش إلى النبي-صلى الله عليه وسلم فقالت: يارسول الله إني امرأة اُسْتَحَاضُ فلا أطهر أفاأدع الصلاة؟ فقال: رسول الله-صلى الله عليه وسلم: «لَا، إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بحَيْض، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حيْضَتُك فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صلي» . وقَالَ أُبَي: «ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ» رواه البخاري في صحيحه (1/ 55) برقم (228) -4 كِتَاب الْوُضُوءِ -باب غسل الدم-، ومسلم في صحيحه (1/ 180) برقم (679) - 3 كِتَاب الْحَيْضِ -باب المستحاضة-.

(9)

في (ب): «كالتقدير» .

(10)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 113)، والجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 24).

ص: 182

(وَيَتَيَمَّمُ الصَّحِيحُ فِي الْمِصْرِ إذَا حَضَرَتْ جِنَازَةٌ وَالْوَلِيُّ غَيْرُهُ فَخَافَ إنْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ أَنْ تَفُوتَهُ الصَّلاةُ) لأنَّهَا لا تُقْضَى فَيَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ (وَكَذَا مَنْ حَضَرَ الْعِيدَ فَخَافَ إنْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ أَنْ يَفُوتَهُ الْعِيدُ يَتَيَمَّمُ) لأنَّهَا لا تُعَادُ.

قوله: «(ويتيمم الصحيح في المصر إذا حضرت جنازة)، وكذلك من حضر العيد، وهذا عندنا

(1)

.

وقال الشافعي

(2)

رحمه الله: لا يتيمم لهما؛ لأن التيمم طهور شرعًا عند عدم الماء فمع وجوده لا يكون طهورًا، ولا صلاة إلا بطهور، ومذهبنا مذهب ابن عباس رضي الله عنهما قال:(إذا فجئتك جنازة فخشيت فوتها فصل عليها بالتيمم)

(3)

.

ونقل عن ابن عمر رضي الله عنهما في صلاة العيد مثله

(4)

.

وما روي أن النبي-عليه السلام رد السلام بطهارة التيمم حين خاف الفوت لمواراة المسلم عن بصره فصار هذا أصلاً أن كل ما يفوت لا إلى بدل يجوز أداؤه بالتيمم مع وجود الماء، وصلاة الجنازة تفوت لا إلى بدل؛ لأنها لا تعاد عندنا، وكان الخلاف مبني على هذا الأصل»، كذا في «المبسوط»

(5)

.

‌وَقَوْلُهُ وَالْوَلِيُّ غَيْرُهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله هُوَ الصَّحِيحُ، لأنَّ لِلْوَلِيِّ حَقُّ الإعَادَةِ فَلا فَوَاتَ فِي حَقِّهِ

-قوله رحمه الله: (وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله وهو الصحيح) هذا احتراز عن جواب ظاهر الرواية، وفي «الذخيرة»

(6)

فإن كان إمامًا أو كان حق الصلاة له جاز التيمم له أيضًا.

(1)

مذهب الحنفية: جواز التيمم لصلاة الجنازة والعيد، انظر: المحيط (2/ 204)، السعاية في كشف ما في شرح الوقاية (1/ 657).

(2)

مذهب الشافعية: عدم جواز التيمم لصلاة الجنازة والعيد إلا لمن خاف الفوات. انظر: الأم (1/ 69)، نهاية المحتاج (1/ 299).

(3)

قال ابن المنذر: «التيمم للصلاة على الجنازة إذا خاف فواتها واختلفوا في جنازة تحضر وخاف المرء فواتها إن تظهر بالماء، فقالت طائفة: يتيمم ويصلي، روينا هذا القول عن ابن عباس، وسالم، والشعبي، وعطاء، والزهري، وسعد بن إبراهيم، والنخعي، وعكرمة، ويحيى الأنصاري، وربيعة، والليث ابن سعد، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي» . الأوسط لابن المنذر (9/ 320) جماع أبواب الصلاة على الجنائز.

(4)

عن ابن عمر رضي الله عنهما «أنَّه أتي بجنَازة وهو عَلَى غَير وضُوء فتَيمّم وصلَّى عَليْهَا» الأوسط لابن المنذر (2/ 245) ذكر تيمم من خشي أن تفوته الصلاة على الجنازة.

(5)

المبسوط (1/ 118) هكذا أورده السرخسي في المبسوط ولم أقف على نص الحديث.

(6)

الذخيرة البرهانية -مخطوط- وسبق (ص 324).

ص: 183

وعن أبي حنيفة رحمه الله برواية الحسن: [لأنه]

(1)

لا يجوز له التيمم

(2)

.

قال شمس الأئمة-رحمه الله: الصحيح هذا فوجهه ما ذكر في الكتاب. وأما في ظاهر الرواية يجزئه التيمم، وذكر في «نوادر الصلاة» من «المبسوط»

(3)

: وجه ظاهر الرواية/ 21/ ب/ فقيل: وجه ظاهر الرواية حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (إذا فجئتك جنازة وأنت على غير وضوء فتيمم وصل عليها)

(4)

. ولم يُفصِّل.

ولأن الإمام قد يحتاج إلى ذلك كما يحتاج إليه القوم، فإن عند كثرة الزحام ربما يلحقه الحرج، ولأنه لا ينتظره الناس فيصلون [عليها]

(5)

ويدفنون الميت قبل أن يفرغ هو من الطهارة، ولأن صلاة الجنازة دعاءٌ [و]

(6)

ليست بصلاة على الحقيقة فكان ينبغي أن تتأدى بغير طهارة، ولكن لما سميت باسم الصلاة شرطنا لها الطهارة، وفي هذا لا فرق بين الإمام [والقوم]

(7)

وعلى هذا لو كان جنبًا في المصر تيمم وصلى عليها أيضًا.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

قال محمد بن الحسن: وبهذا نأخذ لا ينبغي أن يصلي على الجنازة إلا طاهر، فإن فاجأته وهو على غير طهور تيمم وصلى عليها وهو قول أبي حنيفة:. انظر: الموطأ رواية محمد بن الحسن (2/ 105) باب الرجل تدركه الصلاة على الجنازة.

(3)

المبسوط (2/ 126) باب الصلاة على الجنازة.

(4)

سبق (ص 350).

(5)

ساقط من (ب).

(6)

ساقط من (ب).

(7)

ساقط من (ب).

ص: 184

(وَإِنْ أَحْدَثَ الإمَامُ أَوْ الْمُقْتَدِي فِي صَلاةِ الْعِيدِ تَيَمَّمَ وَبَنَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالا: لا يَتَيَمَّمُ) لأنَّ اللاحِقَ يُصَلِّي بَعْدَ فَرَاغِ الإمَامِ فَلا يَخَافُ الْفَوْتَ.

وَلَهُ أَنَّ الْخَوْفَ بَاقٍ لأنَّهُ يَوْمُ زَحْمَةٍ فَيَعْتَرِيه عَارِضٌ يُفْسِدُ عَلَيْهِ صَلاتَهُ، وَالْخِلافُ فِيمَا إذَا شَرَعَ بِالْوُضُوءِ، وَلَوْ شَرَعَ بِالتَّيَمُّمِ تَيَمَّمَ وَبَنَى بِالاتِّفَاقِ، لأنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الْوُضُوءَ يَكُونُ وَاجِدًا لِلْمَاءِ فِي صَلاتِهِ فَيَفْسُدُ. (وَلا يَتَيَمَّمُ لِلْجُمُعَةِ وَإِنْ خَافَ الْفَوْتَ لَوْ تَوَضَّأَ، فَإِنْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ صَلاهَا وَإِلا صَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا) لأنَّهَا تَفُوتُ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الظُّهْرُ بِخِلافِ الْعِيدِ (وَكَذَا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ لَوْ تَوَضَّأَ لَمْ يَتَيَمَّمْ وَيَتَوَضَّأُ وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ) لأنَّ الْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الْقَضَاءُ.

-قوله: (ولو شرع بالتيمم

(1)

تيمم وبنى بالاتفاق) وذكر في «فوائد الظهيرية»

(2)

: فإن كان شروعه بالتيمم فسبق الحدث تيمم وبنى عند أبي حنيفة-رحمه الله-بلا إشكال، وأما على قولهما [فاختلف]

(3)

المتأخرون:

قال بعضهم: يتيمم ويبني كما هو قول أبي حنيفة-رحمه الله؛ لأنه لا يمكنه التوضي [للبناء]

(4)

[لما فيه]

(5)

من بناء القوي على الضعيف كما إذا وجد الماء في خلال الصلاة يستأنفها ولا يبني عليها.

وقال بعضهم: لا، بل يتوضأ ويبني.

ويجوز أن يكون ابتداء الصلاة بالتيمم والبناء بالوضوء كما قلنا في جنب معه من الماء قدر ما [يكفي]

(6)

لوضوئه فإنه يتيمم ويصلي، فإذا تيمم وتحرَّم للصلاة ثم سبقه الحدث يتوضأ بذلك الماء ويبني، فهذه صلاة ابتداؤها بالتيمم وانتهاؤها بالوضوء.

وقال

(7)

رحمه الله: لكن هذا لا يقوى؛ لأنه ليس فيه بناء القوي على الضعيف إذ التيمم ها هنا أقوى من الوضوء؛ لأنه يزيل الجنابة والوضوء لا يزيلها فلا بد من معنى آخر [فنقول]

(8)

: الطهارة الحاصلة بالتيمم مثل الطهارة الحاصلة بالوضوء بدليل جواز اقتداء المتوضئ بالمتيمم عند أبي حنيفة وأبي يوسف

(9)

، ويؤيد هذا ما ذكر القاضي الإمام فخر الدين

(10)

في فصل المسح من فتاواه: ماسح الخف إذا أحدث في صلاته فانصرف ليتوضأ ثم انقضت مدة من مسحه قبل أن يتوضأ كان له أن يتوضأ ويغسل رجليه ويبني على صلاته كالمصلي بالتيمم إذا أحدث في صلاته فانصرف، ثم وجد ماءً كان له أن يتوضأ ويبني على صلاته، والفرق بين هذا وبين ما إذا وجد المتيمم الماء في خلال صلاته حيث يستأنف الصلاة، وهنا لا يلزمه الاستئناف هو أن التيمم ينتقض بصفة الاستناد إلى ابتداء وجوده عند إصابة الماء؛ لأنه يصير محدثًا بالحدث السابق؛ إذ الإصابة ليست بحدث، ولأن القدرة على الأصل حال قيام الخلف قبل حصول المقصود بالخلف تبطل حكم الخلف، وفي مسألتنا لم ينتقض التيمم عند إصابة الماء بصفة الاستناد لانتقاضه بالحدث الطارئ على التيمم ولم يوجد القدرة على الأصل حال قيام الخلف قبل حصول المقصود بالخلف.

(1)

أي: ولو شرع في صلاة العيد مع الإمام وهو متيمم.

(2)

سبق وهو -مخطوط-.

(3)

في (ب): «ما اختلف» .

(4)

في (أ): «للنساء» والتصويب من (ب).

(5)

ساقط من (ب).

(6)

في (ب): «بلغ» .

(7)

أي: أبو حنيفة:.

(8)

في (ب): «فيقول» .

(9)

انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 142)، المبسوط للسرخسي (1/ 215)، مجمع الأنهر (1/ 112)، العناية شرع الهداية (1/ 367).

(10)

هو محمد بن علي بن عبد الكريم القاضي الإمام فخر الدين أبو الفضائل المصري ابن الأجل تاج الدين الكاتب، تفقه وبرع وكان من أذكياء زمانه، محاسنه جمة عزل نفسه من القضاء وتصدى للإفادة والإقراء. انظر: معجم المحدثين (ص: 246).

ص: 185

وذكر الإمام التمرتاشي

(1)

رحمه الله: والتيمم لصلاة العيد قبل الشروع فيها لا يجوز للإمام؛ لأن القوم ينتظرونه، وهل يجوز للمقتدي؟ نُظِر إن كان الماء قريبًا بحيث لو توضأ لا يخاف الفوت لا يجوز، وإلا فيجوز، فلو أحدث أحدهما بعد الشروع بالتيمم تيمم وبنى؛ لأن خوف الفوات بالبناء أكثر؛ لأن برؤية الماء يبطل تحريمته، فإن كان الشروع بالوضوء وخاف ذهاب الوقت لو توضأ فكذلك؛ لأنه [لا]

(2)

يمكنه أداء الباقي بعد الزوال فيفوته أصلاً، وإن كان لا يخاف ذهاب الوقت لو توضأ فكذلك عند أبي حنيفة خلافًا لهما.

وتفصيل آخر ذكره في «المحيط»

(3)

فقال: «وإذا سبق المؤتم الحدث في صلاة العيد في [الجبّانة]

(4)

فهذا على وجهين:

[الأول: إذا سبقه الحدث قبل الشروع في الصلاة وأنه]

(5)

على وجهين أيضًا إن كان يرجو إدراك شيء من الصلاة مع الإمام لو توضأ لا [يباح]

(6)

له [التيمم]

(7)

، وإن كان لا يرجو إدراك شيء [من الصلاة مع الإمام]

(8)

يباح له التيمم.

والوجه الثاني: إذا سبقه الحدث بعد الشروع في الصلاة فهذا على وجهين أيضًا:

الأول: إن [كان]

(9)

شروعه بالتيمم في هذا الوجه تيمم وبنى بلا خلاف، وإن كان شروعه بالوضوء إن كان يخاف زوال الشمس لو اشتغل بالوضوء يباح له التيمم بالإجماع

(10)

، وإن كان لا يخاف زوال الشمس، فإن كان [يرجو إدراك الإمام قبل الفراغ لا يباح له التيمم بالإجماع. وإن كان]

(11)

لا يرجو إدراك الإمام قبل الفراغ تيمم وبنى عند أبي حنيفة وقالا: يتوضأ ولا يتيمم فمن مشايخنا من قال: هذا اختلاف عصر وزمان وكان في زمن أبي حنيفة رحمه الله يصلى صلاة العيد في جبّانة بعيدة من الكوفة بحيث لو انصرف الرجل إلى بيته ليتوضأ زالت الشمس فكان [خوف]

(12)

الفوت قائمًا فأفتى على وفق زمانه.

(1)

في شرح الجامع الصغير للإمام التمرتاشي -مخطوط- كشف الظنون (1/ 563).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

المحيط (1/ 150، 151) الفصل الخامس في التيمم.

(4)

عرفها في حاشية (ب) بالصحراء، قال في الصحاح (5/ 2091) الجبانة بالتشديد الصحراء وأيضًا في لسان العرب (13/ 85) مادة [جبن].

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

في (ب): «لا يجوز» .

(7)

ساقطة من (ب).

(8)

في (ب): «معه» .

(9)

في (ب): «يكون» .

(10)

انظر: الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 96).

(11)

ساقطة من (ب).

(12)

ساقطة من (ب).

ص: 186

وفي زمانهما كان يصلى صلاة العيد في جبّانة قريبة بحيث لو انصرف الرجل إلى بيته ليتوضأ لا تزول الشمس فلم يكن خوف الفوت قائمًا فأفتيا على وفق زمانهما، فكان شمس الأئمة الحلواني وشمس الأئمة السرخسي

(1)

-رحمهما الله-يقولان: في ديارنا لا يجوز التيمم لصلاة العيد لا ابتداءً ولا بناءً؛ لأن الماء محيط بمصلى العيد فيمكن التوضي والبناء من غير خوف الفوت حتى لو خيف الفوت يجوز التيمم، ومنهم من قال: اختلاف حجة وبرهان فاختلفوا فيما بينهم.

قال أبو بكر الإسكاف

(2)

رحمه الله: هذه المسألة بناء على أن من شرع في صلاة العيد ثم أفسدها لا قضاء عليه عند أبي حنيفة-رحمه الله-فكان يفوته الصلاة على أصله لا إلى بدل فلذلك جاز التيمم.

وعندهما يلزمه القضاء فلا يفوته لا إلى بدل فلا يجوز له التيمم وقبل الشروع إذا فاته الأداء لا يمكنه القضاء بالإجماع فكان الفوات لا إلى بدل/ 22/ أ/ فيجوز التيمم، وغيره من

(1)

المحيط البرهاني (1/ 151)، البناية (1/ 561).

(2)

هو: محمد بن أحمد، أبو بكر الإسكاف البلخي، فقيه حنفي، إمام جليل القدر أخذ الفقه عن محمد ابن سلمة وعن أبي سليمان الجوزجاني، وتفقه عليه أبو بكر الأعمش محمد بن سعيد، وأبو جعفر الهندواني من تصانيفه (شرح الجامع الكبير للشيباني) في فروع الفقه الحنفي، (ت 336 هـ). الجواهر المضيئة (2/ 28، 239) الفوائد البهية ص (210) معجم المؤلفين (8/ 232).

ص: 187

المشايخ جعل هذا اختلافًا مبتدأً»

(1)

.

‌(وَالْمُسَافِرُ إذَا نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ ذَكَرَ الْمَاءَ لَمْ يُعِدْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يُعِيدُهَا) وَالْخِلافُ فِيمَا إذَا وَضَعَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَضَعَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ، وَذَكَرَهُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ سَوَاءً لَهُ أَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ فِي رَحْلِهِ ثَوْبٌ فَنَسِيَهُ، وَلأنَّ رَحْلَ الْمُسَافِرِ مُعَدٌّ لِلْمَاءِ عَادَةً فَيُفْتَرَضُ الطَّلَبُ عَلَيْهِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لا قُدْرَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ، وَمَاءُ الرَّحْلِ مُعَدٌّ لِلشُّرْبِ لا لِلِاسْتِعْمَالِ، وَمَسْأَلَةُ الثَّوْبِ عَلَى الاخْتِلافِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الاتِّفَاقِ فَفَرَضَ السِّتْرَ يَفُوتُ لا إلَى خَلَفٍ، وَالطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ تَفُوتُ إلَى خَلَفٍ، وَهُوَ التَّيَمُّمُ.

-قوله-رحمه الله: (والمسافر إذا نسي الماء) قيد بالنسيان لأن في الظن لا يجوز التيمم بالإجماع، ويعيد الصلاة. وقيد بقوله: أو وضعه غيره بأمره فإنه لو وضعه غيره وهو لا يعلم به يجزئه بالإجماع؛ لأن المرء قد لا يخاطب بفعل الغير، وإن وضعه بنفسه ولكن وقع عنده أنه فني الماء لا يجزئه التيمم بالإجماع؛ لأن الرَّحل معدن الماء عادة فيفترض عليه الطلب كما يفترض عليه الطلب في العمرانات، وظنه بخلاف العادة لا يعتبر، وإن وصفه بنفسه في الرحل ونسيه فهو على الخلاف المذكور.

وذكر الإمام الزاهد الخيزاخزى

(2)

رحمه الله: إن المسألة على ثلاثة أوجه: إما إن وضعه بنفسه ولم يطلب، أو وضعه غلامه أو أجيره وهو لا يعلم، أو وضعه هو بنفسه ولكن نسي.

ففي الأول: لا تجوز صلاته بالإجماع؛ لأن [التقصير]

(3)

جاء من قبله حيث لم يطلب.

وفي الثاني: يجوز بالإجماع؛ لأن المرء لا يخاطب بفعل الغير.

وفي الثالث

(4)

: وإن وضعه بنفسه ثم نسيه فهو على الاختلاف.

وعن محمد

(5)

في غير رواية الأصول: أن الفصول الثلاثة على الاختلاف.

ولو كان الماء في إناء على ظهره أو معلقًا في عنقه أو موضوعًا بين يديه فنسيه وتيمم لا يجزئه بالإجماع؛ لأنه نسي ما لا ينسى فلا يعتبر نسيانه.

وإن كان الماء معلقًا على الإكاف

(6)

فإن كان راكبًا والماء في مؤخرة الرحل يجزئه عندهما؛ لأنه نسى ما ينسى، وإن كان سابقًا فإن كان الماء في مقدم الرحل يجزئه عندهما، وإن كان في مؤخرته لا يجزئه بالإجماع، كذا ذكره الإمام المحبوبي في «الجامع الصغير»

(7)

.

وقول الشافعي

(8)

رحمه الله-في هذه المسألة مثل قول أبي يوسف-رحمه الله، فاحتج أبو يوسف والشافعي بظاهر قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، الله تعالى شرع التيمم حال عدم الماء وهذا واجد للماء؛ لأن النسيان يضاد الذكر ولا يضاد الوجود، وهذا واجد للماء فلا يجوز تيممه عملاً [بهذا الظاهر، وكذا]

(9)

أبوحنيفة ومحمد-رحمهما الله-احتجا [أيضًا بظاهر]

(10)

قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، ولا يريد بقوله:{فَلَمْ تَجِدُوا} [النساء: 43]، عدم الماء حقيقةً، وإنما المراد به لم يقدروا على استعمال الماء فتيمموا، ألا ترى أن المريض يتيمم مع وجود الماء حقيقةً لأنه غير قادر على استعماله وهذا غير قادر أيضًا على استعمال الماء فيجزئه التيمم عملاً بهذا الظاهر، والمعنى فيه أنه يتيمم وهو عاجز عن استعمال الماء بعذر سماوي فيجزئه [التيمم]

(11)

قياسًا على ما لو كان مريضًا، أو يخاف العطش [على]

(12)

نفسه، وكان عجز الناسي عن استعمال الماء أكثر من عجز المريض فإن المريض لو تكلف الاستعمال أمكنه، وهذا لا يمكنه فثبت أنه أعجز من المريض بعذر سماوي.

(1)

انتهى كلام صاحب المحيط.

(2)

هو أحمد بن عبد الله بن الفضل الخيزاخزى، نسبة إلى قرية خَيّزاخزى من قرى بخارى، كان فقيهًا، إمامًا، تفقه على والده. انظر:(الجواهر المضية)(1/ 181)، الفوائد البهية ص (24، 25).

(3)

في (ب): «التفريط» .

(4)

أضفتها للتوضيح.

(5)

انظر: البناية (1/ 563).

(6)

الإكاف: إكاف الحمار، ووكافُهُ، والجمع أكف، وقد آكفت الحمار وأوكفته أي: شددت عليه الاكاف. انظر: مختار الصحاح (1/ 20) مادة [أ ك ف]، الصحاح (4/ 1331)، لسان العرب (9/ 8) مادة [أكف].

(7)

شرح الجامع الصغير للإمام المحبوبي -مخطوط- طبقات الحنفية (2/ 449).

(8)

أي: يشترط لصحة التيمم عند الشافعي أن يكون المتيمم معذورًأ بفقد الماء أو العجز عن استعماله، وأن يكون بعد دخول الوقت، فلا يصح قبل ذلك، وهل يلزمه تعجيل الصلاة بعد التيمم مباشرة، الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي أنه يصح له تأخير الصلاة إلى آخر الوقت ولو كان التيمم في أول الوقت، وذلك لأن التيمم طهارة ضرورة، ولا ضرورة قبل الوقت. انظر: الأم (1/ 46)، الوسيط (1/ 431، 454)، المجموع (2/ 260 - 265)، الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (1/ 169). وهو مشهور مذهب المالكية، المدونة (1/ 43)، حاشية الخرشي علي خليل (1/ 193)، المنتقى (1/ 111)، إرشاد السالك مع شرحه أسهل المدارك (1/ 133). وهو الصحيح في مذهب الحنابلة كشاف القناع (1/ 161)، الإنصاف (1/ 263)، المبدع (1/ 206)، المغني (1/ 174). وفي مذهب الأحناف، لا يشترط له دخول الوقت ما دام عادمًا للماء، لإنه بدل مطلق ليس بضروري، قائم مقام الوضوء، رافع للحدث إلى وقت وجود الماء، ويصلي به ما شاء من النوافل والفرائض. انظر: مختصر القدوري مع شرحيه الجوهرة النيرة واللباب (1/ 30)، المبسوط (1/ 109، 117)، البناية (1/ 535)، فتح القدير (1/ 137)، مجمع الأنهر (1/ 40)، فتح باب العناية (1/ 175).

(9)

في (ب): «بظاهر هذه الآية وكذلك» .

(10)

ساقطة من (ب).

(11)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(12)

ساقطة من (ب).

ص: 188

وأما قوله بأن هذا واجد للماء لما أن النسيان يضاد الذكر لا الوجود.

قلنا: نعم كذلك إلا أن بدون الذكر لا تثبت القدرة على الاستعمال والعجز عن الاستعمال مما يطلق له جواز التيمم كالعدم، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام

(1)

رحمه الله»، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في حجة أبي يوسف فقال:«وهو واجد للماء فلا يجزئه التيمم كالمكفر بالصوم إذا نسي الرقبة في ملكه لا يجزئه لهذا. وقال: إن التكليف بحسب الوسع وليس في وسعه استعمال الماء قبل علمه به، وإذا لم يكن مخاطبًا باستعماله فوجوده كعدمه كالمريض بخلاف الرقبة فالمعتبر هناك ملكها حتى لو عرض عليه إنسان الرقبة كان له أن لا يقبل ويكفر بالصوم وبالنسيان لم ينعدم ملكه، وها هنا المعتبر القدرة على استعمال الماء حتى لو عرض عليه إنسان الماء لا يجزئه التيمم، وبالنسيان زالت هذه القدرة فجاز تيممه»

(2)

.

(وَلَيْسَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ طَلَبُ الْمَاءِ إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنَّهُ أَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءٌ)

-قوله: (وليس على المتيمم طلب الماء إذا لم يغلب على ظنه أن بقربه ماء) وقال الشافعي رحمه الله: الطلب شرط في المواضع كلها من غير طلب لا يجزئه، واحتج في ذلك بظاهر قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] ومعناه: بعد الطلب؛ لأنه لا يقال لغير الطالب: لم يجد، وإنما يقال: طلب ولم يجد؛ لأنه يقيس على ما لو كان بين العمرانات وعلى ما إذا كان مع رفيقه ماء فتيمم قبل الطلب وأصحابنا أيضًا احتجوا بظاهر قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] والوجود لا يقتضي الطلب فإنه يقال: فلان وجد ماله وإن لم يطلبه، وكذلك قال النبي-عليه السلام:«من وجد لقطة فليعرفها»

(3)

.

فقد سماه واجدًا وإن لم يوجد منه الطلب، ويقال: فلان يجد مرضًا في نفسه، وقال الله تعالى:{وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} ، [الضحى: 8] فقد ثبت أن الوجود يتحقق من غير طلب فالله تعالى جعل شرط الجواز عدم الوجود من غير طلب، فمن شرط الطلب فقد زاد،

(1)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 111)، والمحيط (1/ 149).

(2)

المبسوط للسرخسي (1/ 121، 122) باب التيمم.

(3)

ونص الحديث «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ اللُّقَطَةِ؟ فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْتَرَفْ فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ كُلْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ. أخرجه مسلم في صحيحه (9/ 131) برقم (3250) كِتَاب اللُّقَطَةِ.

ص: 189

والمعنى في المسألة أنه يتيمم حال عدم الماء من حيث الحقيقة وعدم الدليل فيجزئه كما بعد الطلب؛ وذلك لأن العدم ثابت من حيث الحقيقة فإنه ضد الوجود وقد عدم الدليل الدال على الوجود من حيث الظاهر؛ لأن الظاهر في الفلوات عدم الماء فكان العدم متحققًا من كل وجه، وليس كما إذا كان بين العمرانات لأن العدم وإن ثبت من حيث الحقيقة لم يثبت من حيث الظاهر، لأن كون الموضع في العمرانات دليل ظاهر على وجود الماء لأن قيام العمارة بالماء فكان العدم ثابتًا من وجه دون وجه، وشرط الجواز العدم المطلق وذلك لا يثبت في العمرانات إلا بعد الطلب، وكذا إذا كان مع رفيقه ماء فإن العدم فيه ثابت من وجه دون وجه، كذا ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في «المبسوط»

(1)

.

وقال أبو يوسف رحمه الله في «الإملاء»

(2)

: سألت أبا حنيفة رحمه الله عن المسافر لا يجد الماء أيطلب عن يمين الطريق وعن يساره؟ قال: إن طمع في ذلك فليفعل ولا يبعد فيضر بأصحابه أن ينتظروه، أو بنفسه إن انقطع عنهم. كذا في «المبسوط» ]

(3)

.

(1)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، انظر: المحيط (1/ 136، 140، 141) الفصل الخامس في التيمم.

(2)

الإملاء أو الأمالي لأبي يوسف -مخطوط مفقود- يقال: أكثر من ثلاثمائة مجلد كشف الظنون (1/ 164).

(3)

ساقط من (ب)، المبسوط للسرخسي (1/ 115) باب التيمم.

ص: 190

‌لأنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ الْمَاءِ فِي الْفَلَوَاتِ، وَلا دَلِيلَ عَلَى الْوُجُودِ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِدًا لِلْمَاءِ (وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ هُنَاكَ مَاءً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ حَتَّى يَطْلُبَهُ) لأنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ، ثُمَّ يَطْلُبُ مِقْدَارَ الْغَلْوَةِ وَلا يَبْلُغُ مِيلاً كَيْ لا يَنْقَطِعَ عَنْ رُفْقَتِهِ (وَإِنْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ طَلَبَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَيَمَّمَ) لِعَدَمِ الْمَنْعِ غَالِبًا، فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهُ تَيَمَّمَ لَتَحَقُّقِ الْعَجْزِ

(وَلَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الطَّلَبِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله) لأنَّهُ لا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَقَالا لا يُجْزِيه لأنَّ الْمَاءَ مَبْذُولٌ عَادَةً (وَلَوْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلا بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَعِنْدَهُ ثَمَنُهُ لا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ) لَتَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ وَلا يَلْزَمُهُ تَحَمُّلُ الْغَبَنِ الْفَاحِشِ لأنَّ الضَّرَرَ مُسْقِطٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

-قوله: (ولو تيمم قبل الطلب أجزأه عند أبي حنيفة رحمه الله) لم يذكر في عامة النسخ قول أبي حنيفة في هذا الموضع، بل قيل: لا يجوز التيمم قبل الطلب إذا كان في غالب ظنه أنه يعطيه مطلقًا من غير ذكر خلاف بين علمائنا الثلاثة في «الإيضاح»

(1)

.

وقال في «المبسوط»

(2)

: «وإن كان مع رفيقه ماء فعليه أن يسأله إلا على قول الحسن بن زياد فإنه كان يقول: السؤال ذل وفيه بعض الحرج، وما شرع التيمم إلا لدفع الحرج، ولكنا نقول: ماء الطهارة مبذول بين الناس عادةً، وليس في سؤال ما يحتاج إليه مذلة، فقد سأل رسول الله-عليه السلام-بعض حوائجه من غيره، فإن سأله فأبى أن يعطيه إلا بالثمن، فإن لم يكن معه ثمنه فإنه يتيمم بالإجماع لعجزه عن استعمال الماء، فإن كان معه ثمنه فهو على ثلاثة أوجه: أما إن أعطاه بمثل قيمته في ذلك الموضع أو بالغبن اليسير أو بالغبن الفاحش ففي الوجه الأول والثاني ليس له أن يتيمم؛ بل يشتري ويتوضأ، وفي بعض المواضع: إذا باعه بمثل القيمة أو بغبن يسير ومعه مال زيادة على ما يحتاج إليه في الزاد بمقدار ثمن الماء لا يتيمم بل يشتري الماء.

وفي الوجه الثالث: يتيمم.

وقال الحسن البصري-رحمه الله: يلزمه الشراء بجميع ماله، ونحن لا نأخذ بهذا، فإن حرمة مال المسلم كحرمة نفسه فإذا لحقه خسران في ماله ففرضه التيمم والغبن الفاحش خسران، وقد بين الغبن الفاحش في «النوادر»

(3)

فقال: إذا كان الماء الذي يكفي للوضوء يوجد في ذلك الموضع بدرهم فأبى أن يعطيه إلا بدرهم ونصف فعليه أن يشتري، وإن أبى أن يعطيه إلا بدرهمين يتيمم [ولا يشتري]

(4)

فجعل الغبن الفاحش في تضعيف الثمن، وإنما قلنا: إذا كان يعطيه بمثل القيمة فعليه أن يشتري؛ لأن قدرته على بدل الماء كقدرته على عينه كما أن القدرة على ثمن الرقبة كالقدرة على عينها في المنع من التكفير بالصوم.

وقال بعضهم: الغبن الفاحش هو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين كذا في «المبسوط»

(5)

و «المحيط»

(6)

، «وقيمة الماء إنما تعتبر في أقرب المواضع من الموضع الذي يعز فيه الماء» كذا في «فتاوى قاضي خان»

(7)

.

(1)

الإيضاح في الفروع للإمام أبي الفضل، عبد الرحمن بن محمد الكرماني، (ت 540 هـ) كشف الظنون (1/ 211).

(2)

المبسوط للسرخسي (1/ 115) باب التيمم.

(3)

النوادر للإمام محمد بن الحسن الشيباني -مخطوط مفقود- كشف الظنون (2/ 1851).

(4)

في (ب): «ولم يشتر» .

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 115 - 122) باب التيمم.

(6)

انظر: المحيط (1/ 137 - 144) الفصل الخامس في التيمم.

(7)

انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 55) في فصل فيما يجوز له التيمم.

ص: 191

وقال الشافعي-رحمه الله: الزيادة على ثمن المثل يصير عذرًا له في ترك الشراء قل ذلك أو كثر؛ لأنه لا يصل إلى استعمال الماء إلا بعد إتلاف شيء من ماله بلا عوض، ولا يفترض عليه استعمال الماء قياسًا على ما إذا كانت الزيادة كثيرة.

[قلنا]

(1)

: إن الشراء بالزيادة التي يتغابن [الناس]

(2)

في مثله شراء [بثمن]

(3)

المثل من وجه؛ لأن هذه الزيادة مما يدخل تحت تقويم المقومين، ومن [وجه]

(4)

لا يدخل فلم يكن بثمن المثل من ذلك الوجه فوجب من وجه ولم يجب من وجه، فأوجبناه احتياطًا بخلاف ما إذا كانت الزيادة مما لا يتغابن الناس [في مثله]

(5)

؛ لأنه لم يقدر على الشراء بثمن المثل، ألا ترى أن الأب والوصي معفوان في الغبن اليسير في مال الصغير دون الفاحش باعتبار أن الغبن اليسير ثمن المثل من وجه بخلاف الفاحش، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(6)

، وذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله رأى في صلاته رجلاً معه ماء إن وقع في أكبر رأيه أنه يعطيه فإنه يقطعها، وإن وقع في أكبر رأيه أنه لا يعطيه يمضي فيها، وإن شك أنه يعطيه أو لا وتساوى الظنان يمضي فيها فإن فرغ يسأله فإن أعطاه توضأ وأعاد/ 22/ ب/، وإن لم يعطه فصلاته ماضية، وكذا إن أبى أن يعطيه ثم أعطاه، ولو رأى رجلاً معه ماء فلم يسأله فإن أعطاه تبين أنه كان واجدًا للماء في الابتداء فعليه إعادة الصلاة بالوضوء فإن أبى أن يعطيه مضت صلاته أي: جازت، ولو سأله في الابتداء فمنعه ثم سأله بعد الصلاة فأعطاه مضت صلاته؛ لأنه وجده الآن فلم يؤثر فيما كان، ولو تيمم ولم يسأل من بحضرته عن الماء فصلى ثم سألهم فأخبروه بالماء فهو على هذه الوجوه [والله أعلم بالصواب]

(7)

.

(1)

في (ب): «وقلنا» .

(2)

ساقطة في (ب).

(3)

في (ب): «بثمن» .

(4)

ساقطة في (ب).

(5)

في (ب): «فيه» .

(6)

انظر: مبسوط شيخ الإسلام الشيباني (1/ 128) باب ما ينقض التيمم ومالا ينقضه.

(7)

ساقط من (ب).

ص: 192

‌باب المسح على الخفين

قفى على التيمم بالمسح على الخفين [إما]

(1)

لأن كل واحد منهما طهارة مسح غير أن أحدهما بالتراب والآخر بالماء، أو لأن كل واحد منهما بدل عن الغسل، أو لأن [كلاً]

(2)

منهما رخصة مؤقتة إلى غاية وهي وجدان [الماء]

(3)

في التيمم ويوم وليلة أو ثلاثة أيام في المسح.

ثم في المسح على الخفين نحتاج إلى معرفة خمسة أشياء:

أحدها: معرفة أصل المسح.

والثاني: معرفة مدة المسح.

والثالث: معرفة خف يجوز عليه المسح.

والرابع: معرفة ما ينتقص به المسح.

والخامس: معرفة صورة المسح.

أما أصل المسح فإنه فريضة ثبتت بالأخبار فرضيتها، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: «اعلم بأن المسح على الخفين جائز بالسنة فقد اشتهر الأثر فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً من ذلك حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: توضأ رسول الله عليه السلام في سفر وكنت أصبّ الماء عليه وعليه جبة شامية

(4)

ضيقة الكمين، فأخرج يديه من تحت ذيله ومسح على خفيه فقلت: يا رسول الله نسيت غسل القدمين. فقال: «بَلْ أنْتَ نَسِيْتَ، بهذَا أمَرَني رَبِّي»

(5)

(6)

.

ومن لم ير المسح جائزًا من الصحابة كابن عباس وعائشة رضي الله عنهم صح رجوعهم إلى قول عامة الصحابة-رضوان الله عليهم أجمعين-؛ فإن ابن عباس كان يقول أولاً: (لأن أمسح على ظهر عيرٍ في الفلاة أحب إلي من أمسح على الخفين)

(7)

. وقد صح رجوعه عنه، رواه عطاء بن أبي رباح

(8)

.

(1)

ساقط من (ب).

(2)

في (ب): «كل واحد» .

(3)

ساقط من (ب).

(4)

صنف معروف من اللباس يصنع من صُوفٍ وهومن جباب الروم. انظر: الفائق في غريب الحديث والأثر (2/ 108)

(5)

المبسوط للسرخسي (1/ 97) باب المسح على الخفين.

(6)

أخرجه الإمام أحمد في مسنده (30/ 77) برقم (18145) وضعفه شعيب الأرنؤوط، وأبو داود في سننه (1/ 40) برقم (156) -59 بَاب الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ-والطبراني في المعجم الكبير، ط مكتبة العلوم والحكم (20/ 416) برقم (1001). والحاكم في المستدرك (1/ 170) كتاب الطهارة: باب المسح على الخفين، وقال: إسناده صحيح، ووافقه الذهبي.

ويغني عن هذا الحديث المتفق عليه، فقد أخرجه البخاري في صحيحه -بشرح ابن حجر- كتاب الطهارة، باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان (1/ 309) برقم (206) عن عروة بن المغيرة عن أبيه قال:«كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأوهيت لأنزع خفيه، فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما» وأخرجه مسلم في صحيحه بشرح النووي -كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين (3/ 169 - 171) بعدة ألفاظ.

(7)

لم أقف فيما اطلعت عليه من الكتب، إلا أن السرخسي أورده في المبسوط (1/ 274).

(8)

هو عطاء بن أبي رباح أسلم، أبو محمد، المكي القرشي مولاهم، الإمام، وكان ثقة فقيهًا عالمًا كثير الحديث، من كبار التابعين وعلمائهم، توفى على المشهور سنة:(115 هـ). انظر: تهذيب الأسماء واللغات (1/ 333)، سير أعلام النبلاء (5/ 78) رقم (29).

ص: 193

وكانت عائشة رضي الله عنها[تنكر المسح]

(1)

وتقول: لأن تقطع قدماي أحب إلي من أن أمسح على الخفين. فقد صح رجوعها عنه، رواه شريح بن هانئ

(2)

، ولكثرة الأخبار فيه.

قال أبو حنيفة رحمه الله: ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهار

(3)

.

وقال أبو يوسف رحمه الله: خبر المسح يجوز نسخ الكتاب به لشهرته

(4)

.

وقال الكرخي رحمه الله: أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين؛ لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر

(5)

.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله: والدليل على أن من لم ير المسح على الخفين كان ضالاً مبتدعًا ما روي أن أبا حنيفة رحمه الله سئل عن مذهب أهل السنة والجماعة فقال: هو أن يفضل الشيخين يعني أبا بكر وعمر على سائر الصحابة رضي الله عنهم، وأن يحب الحَنتَنَينْ

(6)

عثمان وعليًّا، وأن يرى المسح على الخفين.

وروي أن قتادة

(7)

رحمه الله لما قدم الكوفة دخل عليه أبو حنيفة رحمه الله وهو

(1)

ساقط من (ب).

(2)

هو شريح بن هانئ بن يزيد بن نهيك الحارثي المذحجي ابن المقدام الكوفي، أدرك ولم ير، وهو من كبار أصحاب علي رضي الله عنه قتل مع أبي بكرة بسجستان سنة:(78 هـ). انظر: تهذيب التهذيب (6/ 124) فعن شريح بن هانيء قال: أتيت عائشة رضي الله عنها أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب فسله؛ فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه فقال: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» ، قال: وكان سفيان إذا ذكر عمرًا أثنى عليه، وفي رواية عن شريح بن هاني قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين فقالت: أئت عليًا، فإنه أعلم بذلك مني فأتيث عليًا فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله

أخرجه مسلم (1/ 445) برقم (661 - 663) - كِتَاب الطَّهَارَةِ - 4 بَاب التَّوْقِيتِ في الْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ-.

(3)

المبسوط للسرخسي (1/ 98)، البناية (1/ 554).

(4)

المبسوط للسرخسي (1/ 98).

(5)

المصدر السابق.

(6)

أي: زوجا ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم انظر: الصحاح (5/ 2107) مادة [ختن]، لسان العرب (13/ 138) مادة [ختن].

(7)

هو الإمام: قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز الحافظ العلامة أبو الخطاب الدوسي البصري، الضرير، الأكمه، المفسر، روى عن أبي عبيدة عامر بن الجراح، وعن أنس، قال عنه الإمام أحمد: وأصنب في مدحه، مات بواسط في الطاعون سنة:(118 هـ) وقيل: (117 هـ) وله سبع وخمسون سنة. انظر: الطبقات الكبرى (7/ 171) برقم (3139)، الثقات للعجلي ط الباز (1/ 389) برقم (1380)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (7/ 133) برقم (756)، سير أعلام النبلاء (5/ 269) برقم (132).

ص: 194

صبي فقال قتادة: من أين أنت؟ قال: من الكوفة. فقال: أنت من القوم الذين اتخذوا دينهم شيعًا. قال: لا، ولكني أفضل الشيخين وأحب الختنين وأرى الصلاة خلف كل برٍّ وفاجر، لا أكفر أحدًا بذنب، ولا أخرج أحدًا من الإسلام إلا من الوجه الذي دخل، وأرى المسح على الخفين. فقال له قتادة: أصبت فالزم. ثلاث مرات.

وقوله

(1)

: (إلا من الوجه الذي [دخل]) يعني دخل في الإسلام بالشهادة فلا يحكم بخروجه عن الإسلام إلا بجحودها.

(الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ) وَالْأَخْبَارُ فِيهِ مُسْتَفِيضَةٌ حَتَّى قِيلَ إنَّ مَنْ لَمْ يَرَهُ كَانَ مُبْتَدِعًا لَكِنَّ مَنْ رَآهُ ثُمَّ لَمْ يَمْسَحْ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ كَانَ مَأْجُورًا

-قوله: (لكن من رآه ثم لم يمسح آخذًا بالعزيمة كان مأجورًا) فإن قلت: يجب أن لا يكون مأجورًا لما أن المسح على الخفين من النوع الرابع من الرخص والحكم في ذلك النوع هو أن لا تبقى العزيمة مشروعة أصلاً كما لم يبق شرعية اشتراط العينية في باب السلم وشرعية الصبر [عن]

(2)

تناول الميتة وشرب الخمر في حالة الاضطرار لخوف الهلاك من الجوع والعطش أو للإكراه بحيث يفسد اشتراط العينية [لعقد]

(3)

السلم ويأثم الصابر عن التناول إذا هلك، وعن هذا قالوا: هذه الرواية مأخوذة على المصنف لمخالفتها رواية أصول الفقه.

قلت: ليس كذلك بل المصنف أصاب الحق وطبق الفصل، وذلك لأن المسح على الخفين إنما كان من النوع الرابع من الرخص ما دام المكلف به متخففًا فأما إذا نزع خفيه أو أحدهما لم يعمل دليل الرخصة في حقه والنزع مشروع له لحقه فلا يكون حينئذٍ من ذلك النوع، وإنما قلنا ذلك لأن النوع الرابع من الرخص هو الذي خرج السبب الموجب للعزيمة من أن يكون موجبًا لها؛ [فلذلك]

(4)

سقط حكم العزيمة أصلاً حتى أن وقت الظهر مثلاً خرج عن موجبية الشطر الثاني في حق المسافر فسقط عنه أصلاً، وقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] خرج عن موجبية التحريم في حق المضطر فسقطت عنه الحرمة أصلاً؛ لأن السفر والاضطرار منعاهما عن الموجبيَّة فلم يثبت حكم العزيمة في حقهما، وها هنا أيضًا السبب الموجب لغسل الرجل في حق المحدث المتخفف خرج عن كونه موجبًا للغسل أصلاً لمنع الخف سراية الحدث إلى الرجل [شرعًا]

(5)

فلم يثبت حكم الغسل في حقه أصلاً لانعدام السبب؛ لأن المسح ناب مناب الغسل؛ لأن الغسل لم يجب في أصله فكيف ينوب المسح عنه، ولما سقط وجوب الغسل عنه وهو العزيمة بسبب انعدام السبب الموجب للغسل كان من النوع الرابع في الرخص، ولكن له ولاية نزع الخف فلما نزع سقط سبب الرخصة في حقه أيضًا كما سقط عنه سبب العزيمة عند اللبس، فكان هذا نظير من ترك السفر سقط عنه سبب رخصة سقوط شطر الصلاة، كما سقط عنه سبب العزيمة في [ذلك حال السفر، وليس لأحد أن يقول: إن تارك السفر آثم لعمله بالعزيمة في موضع كان سقط عنه العزيمة]

(6)

بالسفر كما أن الصابر عن الميتة آثم عند الهلاك لعمله بالعزيمة لما أنه ليس للمضطر ولاية الصبر عن [تناول]

(7)

الميتة للاستثناء المذكور في قوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، والاستثناء من الحرمة يقتضي الإباحة فصار كأنه امتنع عن مال نفسه [اختيارًا]

(8)

حتى مات جوعًا فإنه مؤاخذ [بتركه]

(9)

فكذلك في المضطر.

(1)

يعني بذلك كلام أبي حنيفة: السابق، والمتأمل في كلام أبي حنيفة: يجد فيه بيانًا واضحًا لعقيدته في الصحابة وغيرها من مسائل الاعتقاد وهي عقيدة أهل السنة والجماعة.

(2)

في (ب): «من» .

(3)

في (ب): «بعد» .

(4)

في (ب): «فكذلك» .

(5)

ساقط من (ب).

(6)

ساقط من (ب).

(7)

في (ب): «ولاية» ولعله تصحيف.

(8)

في (ب): «أحيانًا» ولعله تصحيف.

(9)

في (ب): «بدمه» ولعله تصحيف.

ص: 195

وأما فيما نحن

(1)

بصدده فله ولاية نزع الخف ثم يتوجه [عليه]

(2)

سبب العزيمة كالمسافر له، ولاية ترك السفر، ثم يتوجه عليه سبب العزيمة فحينئذٍ لم يشرع عليهما إلا العمل بالعزيمة فكيف يكونان آثمين [بالعمل]

(3)

بالعزيمة مع تعين العمل بها، ثم إنما صار [مأجورًا]

(4)

بالعمل بالعزيمة هنا مع شرعية الترخص باستدامة اللبس إما لأنه عمل بالعزيمة والعمل [بها]

(5)

أولى من العمل بالرخصة إذا كانت العزيمة مشروعة كما في صوم المسافر، وقد بينا أن له ولاية نزع الخف شرعًا من غير إثم يلحقه فكان العمل بالعزيمة مشروعًا له بواسطة النزع [فأينما كانت]

(6)

شرعية العمل بالعزيمة موجودة حال جواز العمل بالرخصة كان العمل بالعزيمة أولى كما في الصبر عن إجراء كلمة الكفر وعن إتلاف مال الغير وكصوم المسافر، أو هو عمل بما يقتضيه العقل مع العمل بالكتاب أو [صفة أبعد]

(7)

من الخلاف وإن كان [ذلك]

(8)

الخلاف غير معتبر وهذا اللفظ أعني قوله: كان مأجورًا مذكور في «مبسوط شيخ الإسلام»

(9)

أيضًا فعلم بهذا أن المصنف رحمه الله لم يأت ببدع لم يأت به أحد قبله بل أتى به من هو مقتدى أهل الإسلام، ولكني وجدت رواية على خلاف هذا ذكرها صاحب «الذخيرة»

(10)

في [الذخيرة]

(11)

وقال: وفي «فوائد الإمام الزاهد»

(12)

أبي الحسن الرستغفني

(13)

رحمه الله: سئل عن المسح على الخفين يراه الرجل إلا أنه يحتاط وينزع خفيه عند كل وضوء ولا يمسح عليهما فقال: أحب إلي أن يمسح على خفيه، إما لنفي التهمة عن نفسه لأن الروافض لا يرونه فالناس يتهمونه أنه من جملة من لا يرى المسح على الخفين، وإما لأن الآية وهي قوله تعالى:{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] قرئت بقراءتين: بالنصب والخفض، فينبغي أن يغسل رجليه حال عدم اللبس [ويمسح]

(14)

على الخفين حال اللبس ليصير عاملاً بالقراءتين، ولكن أتى بما يوافق رواية «الهداية» الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبو بكر المعروف بخواهر زاده

(15)

رحمه الله وكفى به قدوة.

(1)

في (أ)«فيه» والصواب بدونها.

(2)

ساقط من (ب).

(3)

ساقط من (ب).

(4)

في (ب): «مأمورًا» ولعلها تصحيف.

(5)

في (ب): «بالعزيمة» .

(6)

في (ب): «فإن» .

(7)

في (ب): «هو أخذ» .

(8)

ساقط من (ب).

(9)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام.

(10)

الذخيرة البرهانية -مخطوط- سبق (ص 324).

(11)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(12)

الزوائد والفوائد -مخطوط- الجواهر المضية (1/ 362)، كشف الظنون (2/ 1422).

(13)

هو علي بن سعيد، أبو الحسن الرُسْتُغْفني، نسبة إلى «رُسْتُغْفن» قرية من قرى سمرقند، له كتاب «إرشاد المهندي» وكتاب «الزوائد والفوائد» (ت 345 هـ): الجواهر المضية (2/ 310)، تاج التراجم (2/ 15)، طبقات الحنفية (1/ 362)، الأعلام للزركلي (4/ 291).

(14)

في (ب): «والمسح» .

(15)

هو محمد بن الحسين بن محمد البخاري، لقبه: بكر بخواهر زاذه، ومعناه: ابن أخت عالم، فهو ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد بن أحمد البخاري، سمع أباه أبا علي وأبا الفضل منصور بن نصر الكاغدي، وطائفة وروي عنه عمرو بن محمد بن لقمان النسفي، وأبو عمر، وعثمان بن علي البيكندي وغيرهم، توفى ببخارى سنة:(483 هـ):. انظر: طبقات الحنفية (2/ 49)، سير أعلام النبلاء (19/ 15).

ص: 196

‌وَيَجُوزُ (مِنْ كُلِّ حَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ) خَصَّهُ بِحَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ لأنَّهُ لا مَسْح مِنْ الْجَنَابَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمحدَثٍ مُتَأَخِّرٍ لأنَّ الْخُفَّ عُهِدَ مَانِعًا

-قوله: (ويجوز من كل حدث موجب للوضوء) احتراز عن الجنابة فإن المسح لا يجوز عن الموجب للجنابة على ما يجيء وإسناده موجبية الوضوء إلى الحدث مجاز على ما مر.

قوله: ([ومحدث]

(1)

متأخر) أي: [وخصَّه بحدث متأخر وهو معطوف على قوله: خصه بحدث موجبٍ]

(2)

.

‌وَلَوْ جَوَّزْنَاهُ بِحَدَثٍ سَابِقٍ كَالْمُسْتَحَاضَةِ إذَا لَبِسَتْ عَلَى السَّيَلانِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَالْمُتَيَمِّمُ إذَا لَبِسَ ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ كَانَ رَافِعًا.

-قوله: (كالمستحاضة) أي: كالمستحاضة التي سال دمها وقت الوضوء واللبس أو وقت الوضوء دون اللبس، أو على العكس فإنها لا تمسح بعد خروج الوقت.

وأما إذا كان منقطعًا وقت [الوضوء]

(3)

واللبس فإنها والصحيحة سواء، وحاصله أنها لا تمسح في ثلاثة أحوال وتمسح في حال واحدة، هذا إذا خرج الوقت، وأما ما دام الوقت باقيًا فإذا أحدثت حدثًا آخر تمسح في [أي]

(4)

وجه كان كذا في «الجامع الكبير»

(5)

لقاضي خان، وهو المذهب عندنا احتراز عن قول الشافعي

(6)

رحمه الله فإنه يشترط اللبس على [طهارة]

(7)

لجواز المسح ولكن ما ذكره من نتيجة اختلاف المذهب بقوله: حتى لو غسل رجليه ولبس/ 23/ أ/ خفيه ثم أكمل الطهارة إلى آخره. لا يصلح نتيجة لما ذكر من اشتراط [اللبس على طهارة فإن عدم جواز المسح هنا باعتبار ترك الترتيب في الوضوء لاعتبار اشتراط]

(8)

الطهارة الكاملة وقت اللبس، وإنما تظهر ثمرة الاختلاف فيما ذكره في «المبسوط» وهو ما قال، «ولو توضأ وغسل إحدى رجليه ولبس الخف ثم غسل الرجل الأخرى [ولبس الخف]

(9)

ثم أحدث جاز له المسح عندنا.

وقال الشافعي

(10)

رحمه الله: إن لم ينزع الخف الأول لا يجوز له المسح، وإن نزعه ثم لبسه جاز له المسح؛ لأن الشرط أن يكون لبسه بعد إكمال الطهارة ولكنا نقول: هذا اشتغال بما لا يفيد بنزع ثم بلبس من غير أن يلزمه فيه غسل وهو ليس [من]

(11)

الحكمة فلا يجوز [اشتراطه]

(12)

»

(13)

.

(1)

في (ب): «وبحدث» وكذا في الهداية.

(2)

في (ب): «ولسبب حدث متأخر وهو معطوف على قوله: من كل حدث موجب» وكلا المعطوفين عليه في الجملتين موجودة في أصل نسخة الهداية.

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

شرح الجامع الكبير لقاضي خان -مخطوط- سبق.

(6)

انظر: في مذهب الشافعي: الأم (1/ 49)، مختصر المزني (8/ 103)، الحاوي الكبير (1/ 361)، المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي (1/ 49)، الوسيط (1/ 406)، المجموع (1/ 481)، روضة الطالبين (1/ 125).

(7)

في (ب): «الطهارة» .

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

ساقطة من (ب).

(10)

المصادر السابقة في مذهب الشافعي (ص 373) هامش (5).

(11)

ساقطة من (ب).

(12)

في (ب): «الاشتراط» .

(13)

المبسوط للسرخسي (1/ 99، 100) باب المسح على الخفين.

ص: 197

وذكر شيخ الإسلام

(1)

في حجة الشافعي رحمه الله بأنه يشترط كمال الطهارة وقت اللبس وقال: إنه لبس الخف قبل تمام الطهارة فلا يجزئه المسح قياسًا بما لو أحدث فيما بين ذلك، وهذا لأن وقت اللبس حال انعقاد العلة؛ لأنه سبب منع سريان الحدث، [و]

(2)

وقت الحدث حال ثبوت الحكم فيشترط الطهارة في الطرفين كما في ملك النصاب يشترط كمالُه في طرفي الحول.

واحتج علماؤنا بأن الحدث تأخر عن كمال الطهارة واللبس فيجزئه المسح كما لو أتم الطهارة أولاً ثم لبس خفيه، وهذا لأنه إنما يحتاج إلى المسح بعد تمام اللبس إذا أحدث، فأما إذا لم يحدث فإنه لا يحتاج إلى المسح فلذلك يراعي تمام الطهارة وقت الحدث لا وقت اللبس لما أن الخف اعتبر مانعًا من سريان الحدث إلى الرجلين لا رافعًا حدثًا قبله فإنما يصير مانعًا إذا كانت الطهارة كاملة وقت الحدث، وأما إذا كانت الطهارة ناقصة عند الحدث يصير الخف رافعًا حدثًا كان بالرجلين من حيث الحكم، وإن لم يكن من حيث الحقيقة وهو شرع مانعًا لا رافعًا.

وأما قوله

(3)

بأن [وقت]

(4)

اللبس حال انعقاد العلة [سببًا]

(5)

: ليس كذلك؛ لأن انعقاد العلة لا يتصور بدون محلها، ومحلها الحدث؛ لأن محل العلة محل حكمها، وحكمها منع الحدث فيكون محل الحكم [هو]

(6)

الحدث، والحدث معدوم حالة اللبس، وأما هو فليس [حال]

(7)

حلول الحكم وهو ظاهر فكان حال اللبس غير حال الانعقاد وغير حال حلول الحكم فحينئذٍ كان هو أشبه بما بين طرفي الحول وكمال النصاب فيه ليس بشرط فكذا هنا.

(1)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام.

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

أي: قول الشافعي المتقدم.

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): «فقلنا» والتصويب من (ب).

(6)

في (ب): «وهو» .

(7)

في (ب): «بحال» .

ص: 198

‌وَقَوْلُهُ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ لا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الْكَمَالِ وَقْتَ اللِّبْسِ بَلْ وَقْتَ الْحَدَثِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا، حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَكْمَلَ الطَّهَارَةَ ثُمَّ أَحْدَثَ يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ، وَهَذَا لأنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ حُلُولَ الْحَدَثِ بِالْقَدَمِ فَيُرَاعَى كَمَالُ الطَّهَارَةِ وَقْتَ الْمَنْعِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ نَاقِصَةً عِنْدَ ذَلِكَ كَانَ الْخُفُّ رَافِعًا (وَيَجُوزُ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا»

-قوله رحمه الله: (ويجوز للمقيم يومًا وليلةً وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها) ذكر في «الأسرار» : «قال عامة العلماء مدة مسح الخف مقدرة، وقال مالك

(1)

: [بأن مدة المسح]

(2)

غير مقدرة»

(3)

ذكره من غير فصل بين المقيم والمسافر كما ترى.

وقال شيخ الإسلام في «مبسوطه»

(4)

: وقال مالك بأن مدة المسح في حق المسافر غير مؤقت، بل يمسح عليهما كما شاء إذا لبسهما على الطهارة وجعل هذا القول الإمام السرخسي

(5)

رحمه الله: قول الحسن البصري: وقال: وكان الحسن البصري يقول: المسح مؤبدٌ للمسافر، ثم قال: وكان مالك يقول: لا يمسح المقيم أصلاً ويمسح المسافر ما بدا له، واحتج من ادعى [التأبيد]

(6)

للمسافر بحديث عمار بن ياسر

(7)

قال: قلت: يا رسول الله [أمسح]

(8)

على الخفين يومًا؟ قال: «نَعَم» . فقلت: يومين؟ قال: «نَعَم» . حتى انتهيت إلى سبعة أيام فقال: إذا كنت في سفر فامسح ما بدا لك، وتأويله [عندنا]

(9)

أن [مراده]

(10)

صلى الله عليه وسلم

(1)

مذهب المالكية: أن المسح على الخفين لايقيد بمدة، فلا يجب نزعهما بعد مرور يوم وليلة كما عند الشافعية. انظر: حاشية الصاوي على الشرح الصغير=بلغة السالك لأقرب المسالك (1/ 154)، وفقه العبادات على المذهب المالكي (1/ 76).

(2)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(3)

الأسرار ص (196).

(4)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام.

(5)

المبسوط للسرخسي (1/ 98) باب المسح على الخفين.

(6)

في (ب): «التأكيد» ولعله تصحيف.

(7)

الصحيح: هو أُبي بن عمارة الأنصاري رضي الله عنه صحابي، روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد. انظر: الإستيعاب (1/ 31)، تهذيب التهذيب (1/ 187) رقم (349)، نصب الراية (1/ 177)، تهذيب الأسماء واللغات (1/ 107). وهذا الحديث، أخرجه أبو داود في سننه (1/ 109) برقم (158) كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح، عن أبي بن عمارة أنه قال:(يا رسول الله، أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَالَ «نَعَمْ». قَالَ يَوْمًا قَالَ «يَوْمًا». قَالَ وَيَوْمَيْنِ قَالَ «وَيَوْمَيْنِ». قَالَ وَثَلَاثَةً قَالَ «نَعَمْ وَمَا شِئْتَ) ثم ساق رواية أخرى عنه قال فيه: (حتى بلغ سبعًا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ وَمَا بَدَا لَكَ). قال أبو داود: وقد اختلف في إسناده وليس هو بالقوي

أ هـ. وابن ماجة في سننه (1/ 185) برقم (557) كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في المسح بغير توقيت، والدارقطني في سننه (1/ 198) كتاب الطهارة، باب الرخصة في المسح على الخفين، وقال هذا الإسناد لا يثبت، وقد اختلف فيه علي يحيى بن أيوب اختلافًا كثيرًا، وعبد الرحمن ومحمد بن يزيد، وأيوب ابن قطن مجهولون. أهـ.

(8)

في (ب): «أأمسح» .

(9)

ساقطة من (ب).

(10)

في (ب): «مراد» .

ص: 199

بيان أن المسح مؤبد غير منسوخ لا أن ينزع خفيه في هذه المدة والأخبار المشهورة لا تترك بهذا الشاذ، وأما عامة العلماء احتجوا بما روي عن صفوان بن عسال المرادي

(1)

رضي الله عنه-أنه قال: أتيت رسول الله-عليه السلام-فقال لي: «مَا جَاء بِكَ؟» . فقلت: طلب العلم. فقال رسول الله-عليه السلام: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ، [فعمَّاذا جئت] تسأل؟» . قال: فسألته عن المسح على الخفين فقال: «لِلْمُقِيمِ يَومٌ ولَيْلَة، ولِلْمُسَافِر ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا»

(2)

. كذا في «المبسوط» لشيخ الإسلام

(3)

رحمه الله/ 23/ ب/.

‌قَالَ: (وَابْتِدَاؤُهَا عَقِيبَ الْحَدَثِ) لأنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ سِرَايَةَ الْحَدَثِ فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْمَنْعِ

قوله: (وابتداؤها) أي: وابتداء مدة المسح عقيب الحدث.

وقال بعض الناس: يعتبر مدة المسح من وقت اللبس؛ لأن جواز المسح بسبب اللبس فتعتبر المدة من وقت اللبس.

[وقال بعضهم: من وقت المسح؛ لأن التقدير لأجل المسح]

(4)

فيعتبر المدة من وقت المسح.

واحتج علماؤنا رحمهم الله بأن جواز المسح بسبب منع الخف [سريان]

(5)

الحدث إلى القدمين بدليل أنه إذا لبسهما وهو محدث [ولم]

(6)

يغسل قدميه فإنه لا يجزئه فيجب أن يعتبر المدة من [وقت]

(7)

المنع والمنع إنما يثبت من حين وجود الحدث بعد اللبس لا وقت [اللبس]

(8)

؛ لأن الحدث معدوم فلا يتصور منعه، فإنما منع من حين [الحدث]

(9)

فيعتبر أيضًا من وقت الحدث.

ومن قال: يعتبر المدة من وقت اللبس يؤدي إلى أنه إذا مضى يوم وليلة على المقيم ولم يحدث يجب أن ينزع الخف ولا يجزئه المسح بعد ذلك وهو محال.

(1)

هو صفوان بن عسال بمهملتين مثقل المرادي، له صحبة مشهور روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث روى عنه زر بن حبيش وعبد الله بن سلمة وغيرهما وذكر أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة عزوة. انظر: الاستيعاب (2/ 724)، الإصابة (3/ 436).

(2)

الحديث رواه مسلم في صحيحه (1/ 232) كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين، الحديث رقم (276).

(3)

انظر: مبسوط شيخ الإسلام (1/ 97) باب المسح.

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): «سراية» .

(6)

في (ب): «ثم» .

(7)

ساقطة من (ب).

(8)

في (ب): «

الحدث».

(9)

في (ب): «أحدث» .

ص: 200

ومن قال: يعتبر من وقت المسح [فإنه يؤدي إلى]

(1)

أنه إذا لبس خفيه وأحدث ولم يمسح ثم أغمي عليه بعد ذلك أسبوعًا أو شهرًا أنه لا ينزع خفيه ويمسح عليهما، وهذا محال أيضًا. كذا في «المبسوط» لشيخ الإسلام رحمه الله

(2)

.

-قوله رحمه الله: (لأن الخف مانع سراية الحدث)[أي]

(3)

: وصول [الحدث]

(4)

وبلوغه إلى الرجلين.

وذكر في «المغرب» : «وقولهم العفو عن القطع لا يكون عفوًا عن السِّراية، وَسَرَى الجرح إلى النفس أي أثر فيها حتى هلكت [لفظةٌ]

(5)

جارية على ألسنة الفقهاء إلا أن كتب اللغة لم تنطق بها»

(6)

.

قلت: جاز أن يكون [هذا]

(7)

من سرى [بالليل]

(8)

سرى، من باب ضرب بمعنى سار ليلاً، وأسرى مثله، ومنه السرية [لواحدة السرايا]

(9)

؛ لأنها تسري في خفية وها هنا أيضًا [وقيل الخف]

(10)

أريد به باطنًا وحكمًا لا ظاهرًا وحسًّا فكانا ملتقيين في معنى الخفية.

(1)

في (أ) مكررة والتصويب من (ب).

(2)

انظر: مبسوط شيخ الإسلام (1/ 97) باب المسح على الخفين.

(3)

في (ب): «إلى» .

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): «لفظ» .

(6)

المغرب (1/ 225) مادة [س و ر].

(7)

ساقطة من (ب).

(8)

في (ب): «الليل» .

(9)

ساقطة من (ب).

(10)

في (أ): «وصل إلى ما» والتصويب من (ب).

ص: 201

(وَالْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ، يَبْدَأُ مِنْ قِبَلِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى خُفَّيْهِ وَمَدَّهُمَا مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى أَعْلاهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الْمَسْحِ عَلَى خُفِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ» ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الظَّاهِرِ حَتْمٌ حَتَّى لا يَجُوزَ عَلَى بَاطِنِ الْخُفِّ وَعَقِبِهِ وَسَاقِهِ لأنَّهُ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَالْبُدَاءَةُ مِنْ الْأَصَابِعِ اسْتِحْبَابٌ اعْتِبَارًا بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْغَسْلُ (وَفَرْضُ ذَلِكَ مِقْدَارُ ثَلاثِ أَصَابِعِ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ) وَقَالَ الْكَرْخِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اعْتِبَارًا لِآلَةِ الْمَسْحِ.

قوله رحمه الله: ([والمسح]

(1)

على ظاهرهما خطوطًا بالأصابع) ففي قوله: على ظاهرهما احتراز عن قول الشافعي رحمه الله[سنة]

(2)

ثم وفي قوله: «خطوطًا» احتراز عن قول عطاء.

قال الإمام السرخسي رحمه الله في «المبسوط» : «فإن مسح باطن الخف دون ظاهره لم يجز فإن موضع المسح ظهر القدم لما روي من حديث المغيرة رضي الله عنه

(3)

.

وقال الشافعي

(4)

: المسح على ظاهر الخف فرض وعلى باطنه سنة

(5)

.

[ولنا]

(6)

: حديث علي-رضي الله عنه-أيضًا قال: «لوكان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره، ولكني رأيت رسول الله-عليه السلام-يمسح على ظاهر الخفين دون باطنهما»

(7)

، ولأن باطن الخف لا يخلو عن لوث عادةً فيصيب يده ذلك اللوث وفيه بعض الحرج والمسح مشروع لدفع الحرج.

وقال فيه أيضًا: ومسح الخف مرة واحدة.

وقال عطاء: ثلاثًا كالغسل.

ولنا: حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: «كأني أنظر إلى أثر المسح على ظهر خف رسول الله-عليه السلام خطوطًا بالأصابع»

(8)

، وإنما تبقى الخطوط إذا لم تمسح إلا مرة واحدة؛ ولأن في كثرة إصابة البلة إفساد الخف، وفيه حرج فيكتفى فيه بالمرة.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب). مذهب الشافعية: أن استيعاب مسح الخف أعلاه وأسفله، ليس بسنة على الأصح. انظر: روضة الطالبين (1/ 130)، اسنى المطالب في شرح روض الطالب (1/ 97)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/ 76).

(3)

عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنْتُ مَعَ النَّبي صلى الله عليه وسلم في سَفَر، فأهْويْت لأنزع خُفّيه، فقال:«دَعْهُمَا، فإني أدخَلتُهمَا طَاهِرتَين» فمسح عليهما.

رواه البخاري في صحيحه (1/ 52) حديث (206) -4 كِتَاب الْوُضُوءِ-باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان-.

(4)

قال الشافعي: أخبرنا ابن أبي يحيى عن ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة بن شعبة «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسَح أعْلَى الخُفِّ وأسْفله» واحتج بأثر ابن عمر رضي الله عنهما (أنه كَان يمسَحُ أعْلَى الخُفّ وأسْفَله). قال الماوردي: وهذا صحيح. الحاوي الكبير (1/ 369) باب كيف المسح على الخفين، مختصر المزني (8/ 102).

(5)

المبسوط للسرخسي (1/ 101) باب المسح على الخفين.

(6)

في (ب): «وأما» .

(7)

أخرجه أبو داود في سننه (1/ 114) برقم (162) - 63 بَاب كَيْفَ الْمَسْحُ-، وقال الحافظ في "التلخيص " (2/ 392) - بعد أن عزاه للمصنف-:" وإسناده صحيح " وهذا الحديث صححه الألباني في الإرواء (1/ 140) برقم (103).

(8)

الحديث رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 214) كتاب الطهارات باب من كان لا يرى المسح برقم (14) بإسناده عن المغيرة بن شعبة، قال:«رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَالَ، ثُمَّ جَاءَ حَتَّى تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى خُفِّهِ الْآيْمَنْ، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى خُفِّهِ الْآيْسَرِ، ثُمَّ مَسَحَ أَعْلَاهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً، حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْخُفَّيْنِ» . ويقرب منه ما رواه ابن ماجة في سننه (1/ 183) برقم (551) عن جابر رضي الله عنه قال: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ يَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ خُفَّيْهِ فَقَالَ بِيَدِهِ كَأَنَّهُ دَفَعَهُ «إِنَّمَا أُمِرْتَ بِالْمَسْحِ» . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ هَكَذَا مِنْ أَطْرَافِ الأَصَابِعِ إِلَى أَصْلِ السَّاقِ وَخَطَّطَ بِالأَصَابِعِ» وهذا الحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجة برقم (12) وقال: ضعيف جدًا.

ص: 202

وفي «فتاوى قاضي خان رحمه الله» : «وصورة المسح على الخفين أن يضع أصابع يده اليمنى على مقدم خفه الأيمن ويضع أصابع يده اليسرى على مقدم [خفه]

(1)

الأيسر ويمدهما إلى الساق فوق الكعبين ويفرج بين أصابعه، وإن بدأ من أصل الساق ومد إلى الأصابع جاز»

(2)

.

[وقوله]

(3)

: خطوطًا نصب على الحال أي: مخططًا.

(وَلا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ فِيهِ خَرْقٌ كَبِيرٌ يُبَيِّنُ مِنْهُ قَدْرَ ثَلاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ جَازَ)

قوله: (ولا يجوز المسح على خف فيه خرق

(4)

[كثير]

(5)

روي بالثاء المنقوطة بالثلاث الفوقية وبالباء المنقوطة بالواحدة التحتية، ولكن قوله فيما بعده: وإن كان أقل من ذلك جاز ينبئك على أن الرواية هي الأولى إذ لو كانت الرواية الثانية [لقيل]

(6)

: وإن كان أصغر من ذلك جاز

(7)

، ثم ها هنا مذاهب أربعة عندنا بالفصل بين الخرق القليل والكثير وهو استحسان.

‌وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لا يَجُوزُ وَإِنْ قَلَّ لأنَّهُ لَمَّا وَجَبَ غَسْلُ الْبَادِي وَجَبَ غَسْلُ الْبَاقِي. وَلَنَا أَنَّ الْخِفَافَ لا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ خَرْقٍ عَادَةً فَيَلْحَقُهُمْ الْحَرَجُ فِي النَّزْعِ وَتَخْلُو عَنْ الْكَبِيرِ فَلا حَرَجَ، وَالْكَبِيرُ أَنْ يَنْكَشِفَ قَدْرُ ثَلاثَةِ أَصَابِعِ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ أَصْغَرُهَا هُوَ الصَّحِيحُ لأنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَدَمِ هُوَ الْأَصَابِعُ وَالثَّلاثُ أَكْثَرُهَا فَيُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ، وَاعْتِبَارُ الْأَصْغَرِ لِلِاحْتِيَاطِ وَلا مُعْتَبَرَ بِدُخُولِ الْأَنَامِلِ إذَا كَانَ لا يَنْفَرِجُ عِنْدَ الْمَشْيِ، وَيُعْتَبَرُ هَذَا الْمِقْدَارُ فِي كُلِّ خُفٍّ عَلَى حِدَةٍ فَيُجْمَعُ الْخَرْقُ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ وَلا يُجْمَعُ فِي خُفَّيْنِ لأنَّ الْخَرْقَ فِي أَحَدِهِمَا لا يَمْنَعُ قَطْعَ السَّفَرِ بِالْآخِرِ، بِخِلافِ النَّجَاسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ لأنَّهُ حَامِلٌ لِلْكُلِّ وَانْكِشَافُ الْعَوْرَةِ نَظِيرُ النَّجَاسَةِ.

وقال زفر والشافعي

(8)

: قليله وكثيره سواء في منع جواز المسح بعد أن يرى شيء من [الرجل]

(9)

وهو قياس.

وقال سفيان الثوري بمقابلته قليلة وكثيرة سوءا لا يمنع جواز المسح بعد أن ينطلق عليه اسم الخف؛ لأن الخف جعل مانعًا سريان الحدث إلى القدمين، فما دام ينطلق عليه اسم الخف يمنع سريان الحدث.

(1)

في (أ): «خفيه» والتصويب من (ب).

(2)

فتاوى قاضي خان (1/ 48) فصل في المسح على الخفين.

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

الخَرق: -بالفتح-: المصدر، و-بالضم-: الاسم، قال ابن عابدين (2/ 209) «الخُرق: -بضم الخاء-: الموضع، ولا يصح هنا الفتح لأنه مصدر، ولا يلائمه الوصف بالكبير، ثم المراد به: ما كان تحت الكعب، فالخرق فوقه لا يمنع» أ. هـ.

(5)

في (أ): «كبير» .

(6)

في (ب): «لكان قال» .

(7)

أي: إذا كان الخرق صغيرًا جاز المسح على الخف.

(8)

مذهب الشافعية: في جواز المسح على الخف المخروق قولان: القديم: جواز المسح ما الم يتفاحش الخرق، بأن لا يتماسك في الرجل، ولا يتأتى المشي عليه، وقيل التفاحش: أن يبطل اسم الخف. والجديد الأظهر: لا يجوز المسح إذا ظهر شيء من محل الفرض وإن قلّ. انظر: الوسيط في المذهب (1/ 398)، روضة الطالبين (1/ 125)، المجموع (1/ 495 - 497)، حلية الأولياء (1/ 133 - 134).

(9)

في (ب): «النظر» .

ص: 203

وقال الأوزاعي: يغسل ما ظهر من القدم ويمسح ما لم يظهر؛ لأن [مقدار]

(1)

ما كان مستورًا لا يسري الحدث إلى ما تحته وبقدر ما كان مكشوفًا سرى إليه الحدث فيجب غسل المكشوف والمسح على غير المكشوف، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(2)

.

وقال الإمام السرخسي: «ولكنا استحسنا وقلنا: لا يمنع القليل؛ لأن الخف لا يخلو عن قليل الخرق فإنه وإن كان جديدًا فآثار الزرور والأشافي

(3)

خرق فيه ولهذا يدخله التراب فجعلنا القليل عفوًا لهذا»

(4)

وما ذكره من اعتبار أصابع الرجل هو رواية الزيادات؛ لأن الممسوح عليه الرجل واعتبار الأصابع باعتبار أنها أصل في الرجل والقدم تبع ولهذا قالوا بأن من قطع أصابع رجل إنسان فإنه يلزمه [جميع]

(5)

الدية والثلاثة [لكثرتها]

(6)

فيقوم مقام الكل.

-قوله: (قدر ثلاثة أصابع الرجل أصغرها وهو الصحيح) هذا احتراز عن قول من لا يعتبر أصابع الرجل، وعن قول من لا يعتبر أصغر الأصابع

(7)

.

أما الأول فقد ذكر في «المبسوط» فقال: «وفي [رواية]

(8)

الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله قال: ثلاث أصابع من أصابع اليد، لأن الممسموح به اليد»

(9)

وأما الثاني فقد ذكر/ 24/ أ/ الإمام ظهير الدين في «فتاواه» [وقال]

(10)

.

قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: المعتبر في الخرق أكبر الأصابع إذا كان الخرق عند [أكبر]

(11)

الأصابع، وإن كان عند أصغر الأصابع يعتبر أصغر الأصابع.

وفي «مبسوط شيخ الإسلام»

(12)

: فقد اعتبر في حق الخرق ثلاثة أصابع الرجل، وفي حق المسح ثلاثة أصابع اليد، والفرق بينهما هو أن الخرق إذا كان مقدار ثلاثة أصابع إنما [منع]

(13)

جواز المسح؛ لأنه مما يمنع قطع السفر [و]

(14)

دون ذلك لا يمنع، والمشي إنما يتحقق من الرجل فيعتبر ثلاثة أصابع الرجل.

(1)

في (ب): «المقدار» .

(2)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام. انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 72).

(3)

الزِّرُّ: -بالكسر-: الذي يوضع في القميص، جمعها (أزرار وزرور)، والأشافي: جمع الإشفى وهو المخرز. انظر: مختارالصحاح (1/ 19) مادة [زر]، القاموس المحيط (1/ 399)، تاج العروس (11/ 419)[زر]، المغرب (1/ 254).

(4)

في المبسوط للسرخسي (1/ 100).

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

في (ب): «أكثر» .

(7)

انظر في مذهب الحنفية: مختصر الطحاوي ص (22)، المبسوط (1/ 100 - 101)، بدائع الصنائع (1/ 11)، شرح فتح القدير (1/ 130)، ملتقى الأبحر (1/ 35)، البناية (1/ 581 - 582).

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

المبسوط للسرخسي (1/ 100) باب المسح على الخفين.

(10)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(11)

في (ب): «أكثر» .

(12)

انظر: مبسوط شيخ الإسلام (1/ 89، 92، 106) باب المسح على الخفين.

(13)

في (ب): «يمنع» .

(14)

ساقطة من (ب).

ص: 204

وأما فعل المسح إنما يوجد من اليد فاعتبر بأصابع اليد، ولا معتبر بدخول الأنامل.

وذكر في «المحيط» «وقال: إذا كان يبدو قدر ثلاثة أنامل من أصابع الرجل هل يمنع جواز المسح؟

قال بعضهم: يمنع [وإليه مال شمس الأئمة السرخسي.

وقال بعضهم: لا يمنع، ويشترط أن يبدو قدر ثلاثة أصابع بكمالها]

(1)

، وإليه مال شمس الأئمة الحلواني، وهو الأصح»

(2)

.

وقال فيه أيضًا

(3)

: «ثم الخرق [الكبير]

(4)

إنما يمنع جواز المسح إذا كان منفرجًا يرى ما تحته، فأما إذا كان لا يرى ما تحته فإن كان [الخف صلبًا]

(5)

إلا أنه إذا دخل فيه الأصابع يدخل منها ثلاثة أصابع لا يمنع جواز المسح، وإن كان يبدو قدر ثلاثة أصابع حالة المشي لا في حالة وضع القدم على الأرض يمنع جواز المسح؛ وإن كان يبدو لأن الخف يلبس للمشي»

(6)

، وكذا في «المبسوط»

(7)

أيضًا.

وعن هذا قال في الكتاب: إذا كان لا ينفرج عند المشي

(8)

.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

المحيط (1/ 173) الفصل السادس في المسح على الخفين.

(3)

أي: في المحيط (1/ 173).

(4)

في (ب): «الكثير» .

(5)

في المحيط (1/ 173)«الخرق جليًا» .

(6)

المحيط (1/ 173).

(7)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 100) باب المسح على الخفين.

(8)

لعله يقصد «بالكتاب» مختصر القدوري، وهذه العبارة (إذا كان لا ينفرج عند المشي) لم أجدها في نسخة الكتاب الذي بين يديَّ، ولعلها في مخطوطة أخرى قال في الكتاب (ولا يجوز المسح على خف فيه خرق كبير يبين منه مقدار ثلاث أصابع

) الكتاب ص (33).

ص: 205

(وَلا يَجُوزُ الْمَسْحُ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ) لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا إلا عَنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ نَوْمٍ» وَلأنَّ الْجَنَابَةَ لا تُكَرَّرُ عَادَةً فَلا حَرَجَ فِي النَّزْعِ، بِخِلافِ الْحَدَثِ لأنَّهُ يَتَكَرَّرُ.

-قوله رحمه الله: (ولا يجوز المسح لمن وجب عليه الغسل) لأن الجنابة لما ألزمته غسل جميع البدن كان الحدث ساريًا إلى القدم فلا ينوب المسح عنه لما أن المسح إنما يعمل عمل الغسل باعتبار [أن الحدث حل ظاهر]

(1)

الخف لم يسر إلى القدم، وها هنا سرت الجنابة فلا يعمل عمله، ولأنه لا يتأتى الاغتسال مع وجود الخف ملبوسًا، وهذا التقدير يغني عن التصوير [الذي يذكر في أكثر الكتب.

وفي «التحفة»

(2)

: أما الحدث الأكبر فالمسح فيه غير مشروع؛ لأن الجواز باعتبار الجرح ولا جرح في الحدث الأكبر؛ لأن ذلك يندر خصوصًا في السفر]

(3)

.

وقيل: صورته [رجل]

(4)

توضأ ولبس الخف ثم أجنب ثم وجد ماء يكفي للوضوء ولا يكفي للاغتسال فإنه يتوضأ ويغسل رجليه ولا يمسح ويتيمم للجنابة.

(1)

في (ب): «حدث حل بظاهر» .

(2)

كتاب التحفة في الفقه الحنفي -مخطوط- لمؤلف مجهول محفوظ بتونس، دار الكتب الوطنية، رقم الحفظ (2896) انظر: خزانة التراث، فهرس المخطوطات (97/ 755) أو لعله التحفة في الفقه للإمام علاء الدين السمرقندي، أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون (1/ 87).

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

ساقطة من (ب).

ص: 206

(وَيَنْقُضُ الْمَسْحَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) لأنَّهُ بَعْضُ الْوُضُوءِ (وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا نَزْعُ الْخُفِّ) لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ حَيْثُ زَالَ الْمَانِعُ، وَكَذَا نَزْعُ أَحَدِهِمَا لِتَعْذِرْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ فِي وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ (وَكَذَا مُضِيُّ الْمُدَّةِ) لِمَا رَوَيْنَا (وَإِذَا تَمُتْ الْمُدَّةُ نَزَعَ خُفَّيْهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَصَلَّى وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ) وَكَذَا إذَا نَزَعَ قَبْلَ الْمُدَّةِ لأنَّ عِنْدَ النَّزْعِ يَسْرِي الْحَدَثُ السَّابِقُ إلَى الْقَدَمَيْنِ كَأَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْهُمَا،

-قوله: (وليس عليه إعادة بقية الوضوء) هذا احتراز عن قول الشافعي

(1)

رحمه الله فإنه يقول: عليه أن يعيد الوضوء.

وقال ابن أبي ليلى

(2)

بأنه لا يعيد شيئًا من الوضوء، ويجوز أن تكون هذه المسألة بيننا وبين الشافعي رحمه الله مبنية على مسألة الموالاة فإن الموالاة والجمع بين الأعضاء في الغسل شرط في أحد قوليه في الوضوء

(3)

.

واحتج الشافعي في المسألة وقال: إن طهارة الرجلين قد انتقض بمضي مدة المسح وانتقاض الطهارة مما لا يتجزأ، فإن انتقض بعضه انتقض كله كما لو انتقض بالحدث، واحتج ابن أبي ليلى بأن المسح على الخفين قائم مقام غسل القدمين فصار المسح كغسل القدمين، ولو غسل قدميه ثم لبس خفيه ثم نزع لم يجب عليه غسل الرجلين فكذا هذا.

وأصحابنا احتجوا بما روي عن عبد الله بن عمر

(4)

رضي الله عنهما أنه كان في غزوة فنزع خفيه وغسل قدميه ولم يعد الوضوء، وهكذا روي عن أصحاب [النبي عليهم السلام]

(5)

، ولأن الخف شرع مانعًا من سريان الحدث إلى القدمين [ما دام وقت المسح باقيًا، فإذا مضى الوقت سرى الحدث إلى القدمين]

(6)

وقد غسل عن ذلك الحدث سائر الأعضاء ولم يغسل قدميه فكان عليه غسل القدمين [كما لو لم يكن لابس الخفين أصلاً، ولم يحدث فيما بين ذلك لا يجب عليه إلا غسل القدمين]

(7)

، كذا ها هنا.

(1)

قال الشافعي: «فإذا وجب الغسل وجب نزع الخفين وغسل جميع البدن» الأم (1/ 50).

(2)

هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قاضي الكوفة وأحد فقهائها، ولد سنة:(74 هـ) من شيوخه: الشعبي والحكم بن عتيبة، ومن تلاميذه: سفيان الثوري، والحسن بن صالح بن حي، توفي سنة:(148 هـ). انظر: طبقات الحنفية (2/ 547)، طبقات الفقهاء (1/ 84)، مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار (3/ 357)، تهذيب التهذيب (9/ 301)، لسان الميزان (7/ 266)، ديوان الإسلام (4/ 103) للغزي المتوفى (1167 هـ) تحقيق: سيد كروي حسن، نشر: دار الكتب -بيروت، ط (1) 1411 هـ.

(3)

الجوهرة النيرة (1/ 103).

(4)

لم أجده عن ابن عمر رضي الله عنهما وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 187) غير المحققة، والبيهقي في سننه (1/ 289) كتاب الطهارة، باب من خلع خفيه بعد ما مسح عليهما، بإسناديهما عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يمسح على خفيه ثم يبدو له فينزعهما، قال: يغسل قدميه. أ. هـ، وفي إسناده مقال ذكره البيهقي. وروى البيهقي أيضًا (1/ 289) عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة المسح قال:«وكان أبي ينزع خفيه ويغسل رجليه» .

(5)

في (ب): «رسول الله» .

(6)

ساقط من (ب).

(7)

ساقط من (ب).

ص: 207

وأما قوله: انتقاض الطهارة لا يتجزأ.

قلنا: نعم، انتقاض الطهارة لا يتجزأ إلا أنه يمضي مدة المسح [ليس]

(1)

(2)

تنتقض الطهارة؛ لأن الطهارة إنما تنتقض بالحدث، والحدث اسم لخارج نجس ولم يوجد، وإنما سرى حدث وجد قبل مضي المدة إلى الرجلين لا غير؛ لأنه [وجد]

(3)

غسل سائر الأعضاء لذلك الحدث فلا يجب غسلها ثانيًا ما لم يوجد الحدث في حقها.

وأما الجواب عن قول ابن أبي ليلى: إنما أقيم المسح مقام الغسل شرعًا في وقت مقدر فإذا مضى ذلك الوقت لا يقوم مقامه كطهارة التيمم لما قدرت إلى وقت وجود الماء لم يبق بعده فكذا هذا، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(4)

ولكن ذكر في «الخلاصة الغزالية» : «فإن نزع الخف فالأولى استئناف الوضوء، فإن اقتصر على غسل القدمين جاز»

(5)

.

قلت: في هذا التعليل إشارة إلى [أن]

(6)

انتقاض المسح بمُضي المدة ونزع الخف إنما كان بالحدث السابق فكان معنى قوله: وينقضه أيضًا نزع الخف، وكذا مُضي المدة [أي]

(7)

بالحدث السابق.

وقال أيضًا بعد هذا: لأن عند النزع يسري الحدث السابق إلى القدمين، [ويُبن على هذا الأصل أنه لو كان خروج الخف أو مضي المدة في خلال الصلاة أنه يستقبل الصلاة ولا يبني بعد غسل القدمين]

(8)

كما في [رؤية]

(9)

الماء في خلال الصلاة في حق التيمم.

فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا مسح الرأس ثم حلق الشعر حيث لا يلزمه إعادة المسح، وهنا [يلزمه]

(10)

إعادة الغسل بعد النزع.

قلت: إن الشعر من الرأس خلقة فإذا مسح الشعر فقد مسح الرأس فلا يلزمه إعادته [بإزالته كما لو مسح الخف ثم حكه أو غسل وجهه، ثم فسرت الجلدة من وجهه لا يلزمه إعادة]

(11)

المسح والغسل، أما [هنا]

(12)

الخف ليس من الرجل لكنه مانع سراية الحدث إلى ما تحته شرعًا، فإذا زال المانع سرى الحدث إليه لزوال المانع كذا ذكره الإمام الولوالجي

(13)

.

(1)

ساقط من (ب).

(2)

هكذا وردت ولعلها «فلا» .

(3)

ساقط من (ب).

(4)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 105) باب المسح على الخفين.

(5)

الخلاصة الغزالية ص (76) الباب السابع: في المسح على الخفين.

(6)

ساقط من (ب).

(7)

ساقط من (ب).

(8)

ساقط من (ب).

(9)

في (ب): «رواية» .

(10)

في (ب): «يلزم» .

(11)

ساقط من (ب).

(12)

في (ب): «هاهنا» .

(13)

الفتاوى الولوالجية (1/ 62).

ص: 208

وفي «فتاوى قاضي خان» : «ماسح الخف إذا انقضت مدة مسحه في الصلاة ولم يجد ماء فإنه يمضي على صلاته؛ لأنه لا فائدة في قطع الصلاة؛ لأن حاجته بعد انقضاء المدة إلى غسل الرجلين، فلو قطع الصلاة وهو عاجز عن غسل الرجلين فإنه يتيمم ولا حظ للرجلين من التيمم فلهذا يمضي على صلاته ومن المشايخ من قال: تفسد صلاته والأول أصح»

(1)

.

‌وَحُكْمُ النَّزْعِ يَثْبُتُ بِخُرُوجِ الْقَدَمِ إلَى السَّاقِ لأنَّهُ لا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي حَقِّ الْمَسْحِ

-قوله: (وحكم النزع يثبت بخروج القدم إلى الساق) قال شيخ الإسلام

(2)

: إذا توضأ الرجل ولبس خفيه ثم بدا له أن ينزعهما فأخرج رجليه إلى الساقين ثم بدا له أن يعيدهما فأراد أن يمسح على الخف بعد ذلك ليس له ذلك، وإنما عليه أن يغسل رجليه في قول علمائنا

(3)

.

وقال الشافعي رحمه الله: له أن يمسح على خفيه لما أنه لم يظهر من محل الفرض شيء فلا يلزمه غسل الرجلين

(4)

.

واحتج أصحابنا بأن ما اعترض من الحالة مما يمنع قطع السفر فيبطل مسحه قياسًا على ما لو نزع إحدى خفيه فإن المسح يبطل على الخف القائم؛ لأن هذه الحال تمنع ابتداء المسح فيمنع البقاء.

وأما قوله: [لم يظهر شيء من محل الفرض]

(5)

فيشكل بما لو أخرج الخفين عن رجليه وعلى الرجلين لفافة فإنه يبطل المسح وإن لم يظهر من محل الفرض شيء.

(وَكَذَا بِأَكْثَرِ الْقَدَمِ هُوَ الصَّحِيحُ)

-قوله: (وكذا بأكثر القدم هو الصحيح) هذا هو المروي عن أبي يوسف فإنه قال: لا ينتقض المسح حتى يخرج أكثر القدمين من مكانه، وهو قول الحسن بن زياد رحمه الله

(6)

-.

(1)

فتاوى قاضي خان (1/ 50) فصل في المسح على الخفين.

(2)

انظر: مبسوط شيخ الإسلام (1/ 101) باب المسح على الخفين.

(3)

مذهب الحنفية «إذا نزع خفيه غسل قدميه لا غير» المبسوط (1/ 102)، مجمع الأنهر (1/ 48)، بدائع الصنائع (1/ 107)، وهو مذهب مالك إلا أن أخر ذلك استأنف الوضوء. الاستذكار (1/ 279)، بداية المجتهد (1/ 37)، المنتقى (1/ 80).

(4)

مذهب الشافعي في القديم أنه يتوضأ، لأن سراية الحدث لا تتجزأ، وأحد قوليه في الجديد، وفي القول الآخر في الجديد كمذهب الأحناف، قال النووي:«وهو الأصح المختار» المجموع (1/ 570)، نهاية المحتاج (1/ 209)، الوسيط (1/ 469). وذهب الحنابلة في أشهر الروايتين عن الإمام أنه تبطل الطهارة ويلزمه الوضوء. الإنصاف (1/ 190)، المغني، تحقيق التركي (1/ 367).

(5)

عبارة الإمام الشافعي السابقة وهي «لم يظهر من حل الفرض شيء» .

(6)

انظر في مذهب الالحنفية: الدر المختار (1/ 247)، فتح القدير (1/ 108)، الفقه الإسلامي وأدلته (1/ 330).

ص: 209

وقال في «الإملاء»

(1)

: إذا أخرج نصف القدم إلى الساق بطل المسح فكان عليه غسل الرجلين.

وقال بعضهم: إذا كان بحال يمكنه المشي مع ذلك القدر من النزع فإنه يجزئه المسح على الخفين، وإذا لم يمكنه المشي لا يجوز، وإذا لم يخرج القدمين إلى الساق ولكن حركهما عن مكانهما وارتفع العقب عن الخف إذا بقي في الخف من الرجل مقدار ثلاثة أصابع فإنه يجزئه المسح، هكذا روى ابن سماعة

(2)

عن محمد -رحمهما الله-.

وروي عن أبي حنيفة

(3)

رحمه الله: إذا أخرج أكثر العقب من موضعه إلى الساق فإنه يبطل مسحه، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام

(4)

رحمه الله».

قلت: إنما يبطل المسح زوال العقب عن مكانه على قول من يقول به إذا بدا له نزع الخف فحركه للنزع حتى زال عقبه، وأما إذا زال عقبه باعتبار سعة الخف أو لمعنى آخر، وليس من نيته نزع الخف لا يبطل المسح إجماعًا بدليل وضعهم المسألة فيمن بدا له أن ينزعهما وإلا وقع الناس في الحرج البين مع أن الرواية منصوصة في «المحيط»

(5)

.

و [في]

(6)

«فتاوى قاضي خان»

(7)

وغيرهما في أنه لا يبطل به المسح فإنه ذكر في «المحيط»

(8)

: إذا كان صدر القدم في موضعه والعقب يخرج ويدخل لا ينتقض مسحه، وكذا لو كان الخف واسعًا إذا رفع/ 24/ ب/ القدم ترتفع القدم حتى يخرج العقب، وإذا وضع القدم عادت العقب إلى موضعها لا ينتقض، ذكره أبو علي الدقاق

(9)

رحمه الله.

(1)

أي: في إملاء أبو حنيفة على تلاميذه، انظر: المبسوط (1/ 105) باب المسح على الخفين.

(2)

هو: محمد بن سماعة بن عبد الله بن هلال التميمي، أبو عبد الله، القاضي الفقيه، الحافظ للأحاديث. أخذ العلم عن أبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة، وكتب «كتب النوادر» عن محمد، ولاه المأمون القضاء ببغداد، وبقي فيه حتى ضعف بصره في أيام المعتصم فاستعفاه منه، فأعفاه، وكان يقول بالرأي، على مذهب أبي حنيفة. كان ثقة، عابدًا، ورعًأ. جاوز المائة، وهو في كامل القوة، من مصنفاته:(أدب القاضي) و (المحاضر والسجلات) و (النوادر) توفى سنة: (233 هـ):. انظر: الفوائد البهية (ص 170)، الجواهر المضية (2/ 58)، أخبار أبي حنيفة وأصحابه (ص 154)، تاج التراجم (ص 54)، طبقات القفهاء (ص 138)، الأعلام (7/ 37).

(3)

أي: في إملاء أبي حنيفة على تلاميذه، انظر: المبسوط (1/ 105) باب المسح على الخفين.

(4)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، انظر: المحيط (1/ 178) الفصل السادس في المسح على الخفين.

(5)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، انظر: المحيط (1/ 178) الفصل السادس في المسح على الخفين.

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 48، 49) فصل في المسح على الخفين

(8)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، انظر: المحيط (1/ 178) الفصل السادس في المسح على الخفين.

(9)

هو الحسن بن علي بن محمد، الاستاذ: أبو علي الدقاق، الرازي، الفقيه الحنفي، من شيوخه: موسى ابن نصر الرازي، ومن تلاميذه: أبو سعيد البردعي، وابو القاسم القشيري (الشافعي)، والدقاق نسبة لبيع الدقيق وعمله، وسماه طاش كبرى زادة: الشهيد، ومن مصنفاته كتاب «الحيض» توفي سنة:(412 هـ):. انظر: الفوائد البهية (ص 146)، تاج التراجم (ص 89)، أخبار أبي حنيفة وأصحابه (ص 159)، مفتاح السعادة (2/ 108، 109، 322، 327).

ص: 210

(وَمَنْ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ وَهُوَ مُقِيمٌ فَسَافَرَ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَسَحَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا) عَمَلاً بِإِطْلاقِ الْحَدِيثِ، وَلأنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَقْتِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ آخِرَهُ، بِخِلافِ مَا إذَا اسْتَكْمَلَ الْمُدَّةَ لِلإقَامَةِ ثُمَّ سَافَرَ لأنَّ الْحَدَثَ قَدْ سَرَى إلَى الْقَدَمِ وَالْخُفُّ لَيْسَ بِرَافِعٍ (وَلَوْ أَقَامَ وَهُوَ مُسَافِرٌ إنْ اسْتَكْمَلَ مُدَّةَ الإقَامَةِ نَزَعَ) لأنَّ رُخْصَةَ السَّفَرِ لا تَبْقَى بِدُونِهِ (وَإِنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ أَتَمَّهَا) لأنَّ هَذِهِ مُدَّةُ الإقَامَةِ وَهُوَ مُقِيمٌ.

قوله: (ومن ابتدأ المسح وهو مقيم) هذا لا يخلو من ثلاثة أوجه: في [وجه]

(1)

تتحول مدته إلى مدة السفر بالاتفاق، وهو أنه إذا سافر قبل أن تنتقض الطهارة [التي]

(2)

لبس عليها الخفين وانتقضت الطهارة وهو مسافر فإنه تتحول مدته إلى مدة السفر بالاتفاق، وفي وجه: لا تتحول إلى مدة السفر بالاتفاق وهو أنه إذا سافر بعد ما أحدث، وبعد ما استكمل مدة المقيم.

وفي وجه اختلفوا فيه:/ 25/ أ/ وهو أنه إذا سافر بعد ما أحدث قبل استكمال مدة المقيم فإنه يتحول مدته إلى مدة السفر عندنا، وعند الشافعي لا يتحول. كذا في «شرح الطحاوي»

(3)

.

وقال الشافعي

(4)

رحمه الله: أتم مدة المقيم لأن المسح عبادة فإذا شرع فيها على حكم الإقامة لم يتغير بالسفر [كالصوم يشرع فيه ثم يسافر، وكالصلاة يشرع]

(5)

فيها في سفينة في المصر ثم تسير فيصير مسافرًا في صلاته وصلاته لا تتغير؛ لأن حال الإقامة حال عزيمة وحال السفر حال رخصة، فإذا اجتمعتا في عبادة غلبت العزيمة الرخصة فإنا نقول: إنه سافر والمدة باقية [فيتغير]

(6)

إلى مدة السفر قياسًا على ما لو لم يكن أحدث أو أحدث ولم يمسح فإنه يتغير إلى مدة السفر، وهذا لأن السبب إذا وجد يثبت حكمه إلا لمانع، ولا مانع ها هنا فتغير إلى مدة السفر كما لو أحدث ولم يمسح بخلاف ما لو سافر بعد استكمال المدة [لأن]

(7)

السفر وجد بعد ما سرى الحدث إلى القدمين، وليس كالصلاة والصوم؛ لأن الصلاة الواحدة والصوم الواحد مما لا يتجزأ، فاعتبار الإقامة في أوله لا يبيح الفطر، واعتبار السفر في آخره يبيح فيترجح جانب الحرمة، وكذلك في الصلاة حيث [يرجح]

(8)

جانب الإقامة للاحتياط لما أنهما لا يتجزئان فيُغلب جانب التكميل.

(1)

في (ب): «قول» .

(2)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(3)

لم أجده فيما أطلعت عليه من كتب الحنفية إلا في: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (1/ 51) قال: هذه المسألة على ثلاثة أوجه: وجه يتحول مدته إلى مدة السفر بالاتفاق وهو لوسافر قبل انتقاض الطهارة. ووجه: لا يتحول إليها بالاتقان وهو لو سافر بعد استكمال مدة الإقامة. ووجه: اختلف فيه وهو ما لو سافر بعد الحدث قبل استكمال المدة. أ هـ. وانظر: الهداية (1/ 29)، المبسوط (1/ 103)، مجمع الأنهر (1/ 48).

(4)

انظر: في مذهب الشافعي: في هذه المسألة: الأم (1/ 35)، الوسيط للغزالي (1/ 468)، روضة الطالبين (1/ 131).

(5)

في (ب): «كصوم شرع فيه ثم سافر وكالصلاة شرع» .

(6)

في (ب): «فتتغير» .

(7)

في (أ): «أن» والتصويب من (ب).

(8)

في (ب): «ترجح» .

ص: 211

وأما الوقت [فمما]

(1)

لا يتجزأ بعضه عن بعض فلم تجتمع الإقامة والسفر في وقت واحد فكان الاعتبار لما وجد وهو السفر، ألا ترى أنه لو وجد ولم يمسح فإنه تتغير المدة وإن انعقدت المدة على حكم الإقامة، «ولأن المدة ليست بعبادة إنما هي وقت والحكم المتعلق بالمدة عدم سريان الحدث إلى الرجل دون المسح، وليس هو بعبادة بخلاف صلاة واحدة؛ لأنها عبادة وهي لا تتجزأ، فإذا اجتمعا تدافعا فغلبت الإقامة السفر، وها هنا لما اقتصرت الإقامة حيث [وجدت]

(2)

، والسفر كذلك، لم تثبت المعارضة والتدافع»، كذا في «الأسرار»

(3)

ومبسوط شيخ الإسلام رحمه الله

(4)

.

‌قَالَ (وَمَنْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ فَوْقَ الْخُفِّ مَسَحَ عَلَيْهِ) خِلافًا لَلشَّافِعِيِّ رحمه الله فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْبَدَلُ لا يَكُونُ لَهُ بَدَلٌ.

وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ»

-قوله: (ومن لبس الجرموق

(5)

فوق الخف مسح عليه) ولكن إنما يجوز المسح على الجرموقين إذا لبسهما فوق الخفين قبل أن يحدث، وأما إذا أحدث ومسح على الخف ثم لبس الجرموق فليس له أن يمسح على الجرموق؛ لأن حكم المسح استقر على الخف، وكذلك لو أحدث بعد لبس الخف ثم لبس الجرموق قبل أن يمسح على [الخفين]

(6)

[فليس له أن يمسح على الجرموق أيضًا؛ لأن ابتداء مدة المسح من وقت الحدث وقد انعقد ذلك في الخف]

(7)

فلا يتحول إلى الجرموق بعد ذلك، «ثم لو مسح على الجرموقين ثم نزع أحدهما مسح على الخف الظاهر وعلى الجرموق الباقي، وفي بعض روايات الأصل قال: ينزع الجرموق الباقي ويمسح على الخفين.

وقال زفر رحمه الله: يمسح على الخف الذي نزع الجرموق [منه]

(8)

وليس عليه في الآخر شيء؛ لأن الاستتار باقٍ، وكان الفرض المسح فيزول المسح بقدر ما زال بخلاف ما إذا خلع إحدى خفيه.

(1)

في (ب): «مما» .

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

الأسرار (ص 205).

(4)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام.

(5)

الجُرمُوق: أعجمي معرب، وليس الجرموق مطلق الخف فوق الخف؛ بل هي شيء يشبه الخف فيه اتساع يلبس فوق الخف في البلاد الباردة، والفقهاء يطلقون أنه الخف فوق الخف، لأن الحكم يتعلق بخف فوق خف سواء كان فيه اتساع أو لم يكن. انظر: المجموع (1/ 531). وقال في الفقه الإسلامي وأدلته (1/ 329) الجرموق: هو الجلد الذي يلبس على الخف ليحفظه من الطين ونحوه، على المشهور ويقال له: الموق وليس غيره.

(6)

في (أ): «الخف» والتصويب من (ب).

(7)

ساقطة من (ب).

(8)

(ب): «معه» .

ص: 212

ووجه ما ذكر في بعض النسخ [أن]

(1)

نزع أحد الجرموقين كنزعهما كما أن خلع أحد الخفين كخلعهما.

[ووجه الظاهر]

(2)

أنه في الابتداء لو لبس الجرموق على أحد الخفين كان له أن يمسح عليه وعلى الخف الباقي فكذلك إذا نزع أحد الجرموقين إلا أن حكم الطهارة في الرجلين لا يحتمل التجزيء فإذا انتقض في أحدهما بنزع الجرموق ينتقض في الآخر فلهذا مسح على الخف الظاهر وعلى الجرموق الباقي»، كذا في «المبسوط»

(3)

.

(وَلأنَّهُ تَبَعٌ لِلْخُفِّ اسْتِعْمَالاً وَغَرَضًا فَصَارَا كَخُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ لا عَنْ الْخُفِّ، بِخِلافِ مَا إذَا لَبِسَ الْجُرْمُوقَ بَعْدَمَا أَحْدَثَ لأنَّ الْحَدَثَ حَلَّ بِالْخُفِّ فَلا يَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْجُرْمُوقُ مِنْ كِرْبَاسَ لا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لأنَّهُ لا يَصْلُحُ بَدَلاً عَنْ الرِّجْلِ إلا أَنْ تَنْفُذَ الْبَلَّةُ إلَى الْخُفِّ.)

-قوله: (ولأنه تبعٌ للخف استعمالاً) أي: من حيث المشي والقيام والقعود والانخفاض والارتفاع فإنه أين ما دار الخف باستعمال اللابس في هذه الوجوه يدور معه الجرموق فكان تبعًا للخف في الاستعمال وكذلك في الغرض فإن الخف كما هو وقاية للرجل كان تبعًا لها فكذلك الجرموق وقاية للخف كان تبعًا له، وكلاهما تبعٌ للرجل وكذلك في غرض الاستدفاع ودفع الأذى عن الرجل كلاهما معًا تبع للرجل فلا يفرد الجرموق بحكم على حده.

-قوله: (فصار كخف ذي طاقين)

(4)

فإن قيل: لو كان الجرموق مع الخف بمنزلة خف ذي طاقين ينبغي أن لا يجب المسح على الخفين عند نزع الجرموقين كما في خفٍّ ذي طاقين إذا مسح عليه ثم نزع أحد طاقيه فإنه لا يجب المسح على ما ظهر تحته، وكذلك إذا مسح على خفه فقشر جلد ظاهر الخفين، وكذلك إذا كان الخف مشعرًا فمسح على ظاهر الشعر ثم حلق الشعر فإنه لا يلزمه إعادة المسح، و [ها]

(5)

هنا يجب إعادة المسح فعلم أنه ليس بمنزلة خف ذي طاقين.

قلنا: الجرموق ليس تبع للخف من كل وجه بل كل واحد أصل بنفسه، وإنما جعلناه تبعًا للخف من حيث الغرض والاستعمال فاعتبرنا تبعيته عند وجودهما، وإنما يكون ذلك عند قيام الممسوح على حال، فإذا زال الممسوح فقد زالت التبعية حقيقةً وحكمًا [فيحل]

(6)

الحدث بما تحته فيجب إعادة المسح.

(1)

في (ب): «لأن» .

(2)

في المبسوط «ووجه ظاهر الرواية» .

(3)

المبسوط للسرخسي (1/ 103) باب المسح على الخفين.

(4)

ذوطاقين، أي: مخيطين ملتصقين. انظر: المعجم الوسيط (1/ 537)، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (2/ 253).

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

في (ب): «فيجعل» .

ص: 213

وأما الخف ذو الطاقين فكل واحد من الطاقين متصل بالآخر، من [كل]

(1)

وجه فيصيران بحكم الاتصال كالشعر مع بشرة الرأس فكان المسح على أحد الطاقين مسحًا على ما تحته من حيث الحكم فكان الممسوح على حاله حكمًا وإن زال الطاق الممسوح وهو بدل عن الرجل لا عن الخف.

فإن قيل: أليس أنه لو نزع الجرموقين يلزمه المسح على الخفين فلا يجب غسل القدمين، ولو كان الجرموق بدلاً عن الرجل لوجب غسل القدمين عند نزعهما كما [في]

(2)

نزع الخفين.

قلنا: عدم سريان الحدث إلى [الرجلين]

(3)

[لا]

(4)

لأن الجرموق [كانه]

(5)

بدلاً عن الخف بل لأن الخف لم يكن محلاً للمسح حال قيام الجرموق عليه لما بينا، وإنما صار الخف محلاً للمسح بعد نزع [الجرموقين]

(6)

؛ [لأن]

(7)

الحدث ما لم يحل بالخف لا يعتبر الخف بدلاً عن الرجل؛ لأنه لا حاجة إلى البدل قبل حلول الحدث [فقبل حلول الحدث]

(8)

على الخف لا يعتبر محلاً وإذا لم يكن محلاً لم يكن الجرموق بدلاً عنه، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(9)

.

(وَلا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله إلا أَنْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْنِ أَوْ مُنَعَّلَيْنِ، وَقَالا: يَجُوزُ إذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ لا يَشِفَّانِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ ((النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ))، وَلأنَّهُ يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِيهِ إذَا كَانَ ثَخِينًا، وَهُوَ أَنْ يَسْتَمْسِكَ عَلَى السَّاقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْبَطَ بِشَيْءٍ فَأَشْبَهَ الْخُفَّ

وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْخُفِّ لأنَّهُ لا يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ فِيهِ إلا إذَا كَانَ مُنَعَّلاً وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى

-قوله: (ولا يجوز المسح على الجوربين)[المسح على الجوربين]

(10)

على ثلاثة أوجه:

في وجه: يجوز المسح بالاتفاق وهو ما إذا كانا ثخينين منعلين.

وفي وجه [آخر]

(11)

: لا يجوز بالاتفاق وهو أن يكونا غير ثخينين وغير منعلين.

وفي وجه: اختلفوا فيه وهو أن يكونا ثخينين غير منعلين. كذا في «شرح الطحاوي»

(12)

.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): «الرجل» .

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

في (أ): «كأن» والتثبت من (ب).

(6)

في (ب): «الخفين» .

(7)

في (ب): «كان» .

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، انظر: البناية شرح الهداية (1/ 607) باب المسح على الجوربين.

(10)

في (ب): «وهذا» .

(11)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(12)

انظر: حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح (1/ 128) باب المسح على الخفين. المبسوط للسرخسي (1/ 102) باب المسح على الخفين).

ص: 214

«وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز المسح على الجوارب وإن كانت منعلة»

(1)

كذا في «الأسرار»

(2)

يقال: أنعل الخف ونعله جعل له نعلاً وجورب منعل [وتنعل]

(3)

وهو الذي وضع على أسفله جلدة كالنعل للمقدم.

شف الثوب: رق حتى رأيت ما وراءه من باب ضرب، ومنه إذا كانا ثخينين [لا شفاف]

(4)

، ونفي الشفوف تأكيد للثخانة.

وأما ينشفان فخطأ، كذا في «المغرب» وقال المؤلف: وكتب بخطه يعني خطًا رواية، لا لغةً كذا وجدت بخط الإمام تاج الدين الزرنوجي رحمه الله وذكله لأنه ذكر في «المغرب» في باب النون: نشف الماء أخذه من أرض أو غدير بخرقه من باب ضرب

(5)

، ومنه: كان للنبي عليه السلام خرقةً ينشف بها إذا توضأ. وبهذا صح قوله في غسل الميت: ثم ينشفه بثوب. [أي]

(6)

: ينشف ماءه حتى يجف.

(وَلا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْبُرْقُعِ وَالْقُفَّازَيْنِ) لأنَّهُ لا حَرَجَ فِي نَزْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالرُّخْصَةُ لَدَفْعِ الْحَرَجِ.

«والقفاز بالضم والتشديد [شيء]

(7)

يعمل لليدين يحشى بالقطن ويكون له أزرار تزر على الساعدين من البرد تلبسه المرأة في يديها» كذا في «الصحاح»

(8)

.

-قوله: (والمسح على العمامة والقلنسوة

(9)

لا يجوز).

وقال بعض أصحاب الحديث: وقيل: إنه أحد قولي الشافعي فإنه يجزئه احتج المخالف بما روي عن النبي عليه السلام بعث سرية فأمرهم أن يمسحوا على المشاوذ والتساخين

(10)

. والمشاوذ هي العمائم، والتساخين هي الخفاف

(11)

.

(1)

فيه نظر: فنص الشافعي في الأم (1/ 34) «فإذا كان الخفان من لبود أو ثياب أو طخي- خوض المقل- فلا يكونان في معنى الخف حتى ينعلا جلدًا أو خشبًا أو ما يبقى إذا توبع المشي عليه، ويكون كل ما على مواضع الوضوء منها صفيقًا لا يشف، فإذا كان هكذا مسح عليه، وإذا لم يكن هكذا لم يمسح عليه.

(2)

الأسرار (ص 210).

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

في (ب): «لا يشفان» .

(5)

المغرب (2/ 304) مادة [نشف].

(6)

في (ب): «له» .

(7)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(8)

الصحاح (3/ 892) مادة [ق ف ز].

(9)

هي: الكمة وجمعه الكمام. انظر: النهاية في غريب الأثر (1/ 348).

(10)

أخرجه أحمد في مسنده (37/ 66) برقم (22383) عن ثوبان قال: «بَعَثَ الله صلى الله عليه وسلم سَريّة فأصَابهم البَردَ فلمَّا قَدمُوا على النبي صلى الله عليه وسلم شَكوا إليه مَا أصَابهم من البَرد فَأعْرضَهُم أن يمسَحُوا على العصَائبَ والتَّسَاخين» قال المحقق الأرنؤوط: «إسناده صحيح» .

(11)

الصحاح (5/ 2134)، طلبة الطلبة (1/ 9)، المغرب (1/ 258)، لسان العرب (3/ 1967) مادة [خف] وانظر: النهاية في غريب الحديث (2/ 352).

ص: 215

والدليل عليه: لو سجد على كور العمامة فإنه يجزئه فكان وضع العمامة كوضع الجبهة هناك فكذا هنا. وأما عامة العلماء احتجوا فيه، [بظاهر]

(1)

قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] قال: الله تعالى أمر بمسح الرأس ولم يمسح الرأس إنما مسح على العمامة، ألا ترى أن من حلف لا يمسح رأس فلان فمسح على عمامته لا يحنث فيكون [الأمر]

(2)

بالمسح باقيًا عليه لما أن العمامة ليست من الرأس؛ ولأنه ثبت في الرأس نوع رخصة وهو المسح [فلا يثبت أخرى]

(3)

وتأويل الحديث أن رسول الله عليه السلام خص به تلك السرية لعذرٍ بهم فقد كان يخص [بعض]

(4)

أصحابه [بأشياء]

(5)

كما [أجاز]

(6)

لعبد الرحمن لبس الحرير

(7)

، وخص خزيمة بشهادته وحده

(8)

، كذا في «المبسوطين»

(9)

.

(وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ وَإِنْ شَدَّهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لأنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَهُ وَأَمَرَ عَلِيًّا بِهِ، وَلأنَّ الْحَرَجَ فِيهِ فَوْقَ الْحَرَجِ فِي نَزْعِ الْخُفِّ فَكَانَ أَوْلَى بِشَرْعِ الْمَسْحِ، وَيَكْتَفِي بِالْمَسْحِ عَلَى أَكْثَرِهَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ رضي الله عنه-وَلا يَتَوَقَّتُ لِعَدَمِ التَّوْقِيتِ بِالتَّوْقِيتِ (وَإِنْ سَقَطَتْ الْجَبِيرَةُ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ لا يَبْطُلُ الْمَسْحُ) لأنَّ الْعُذْرَ قَائِمٌ)

-قوله: (ويجوز المسح على الجبائر)

(10)

.

(1)

في (أ): «فظاهر» والتصويب من (ب).

(2)

في (ب): «الأثر» .

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): «ما شاء» .

(6)

في (ب): «اختار» .

(7)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي-صلى الله عليه وسلم «رخَّصَ لعَبدالرحمن بن عوف والزبير في قَمِيص من حَرير من حَكَّة كَانَتْ بهمَا» . رواه البخاري في صحيحه (3/ 1069) الحديث رقم (2762) -60 كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ -باب الحرير في الحرب-. ورواه مسلم في صحيحه (6/ 143) حديث رقم (5480) -37 كِتَاب اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ-باب الرخصة في لبس الحرير للحكة أو الوجع-.

(8)

عن زيد بن ثابت-رضي الله عنه-قال: نسخت الصحف في المصاحف ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقرأ بها فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله-صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين وهي قوله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} . رواه البخاري في صحيحه (3/ 1033) حديث رقم (2652) -60 كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ - باب قول الله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} .

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 101) باب المسح على الجوربين.

(10)

مسألة المسح على الجبائر، اختلف القول فيها بين أبي حنيفة وصاحبيه، فنقل عن أبي حنيفة أن المسح على الجبائر سنة، وعنها أنه واجب، وعنها أنه فرض ونقل الاتفاق على الوجوب، وغير ذلك. قال ابن عابدين: والصحيح أنه عنده واجب لا فرض، فتجوز الصلاة بدونه، فقد اتفق الإمام وصاحباه على الوجوب بمعنى عدم جواز الترك، لكن عندهما يفوت الجواز بفوته فلا تصح الصلاة بدونه أيضا، وعنده يأثم بتركه فقط مع صحة الصلاة بدونه، ووجوب إعادتها، فهو أراد الوجوب الأدنى، وهما أرادا الوجوب الأعلى» والله أعلم. انظر: رد المحتار (1/ 279)، المبسوط (1/ 74)، فتح القدير:(1/ 158)، البحر الرائق (1/ 194)، بدائع الصنائع (1/ 110).

ص: 216

وفي «فتاوى قاضي خان» : إنما «يجوز المسح على الجبائر إذا كان يضره المسح على الجراحة.

وأما إذا كان لا يضره المسح على الجراحة لا يجوز [له]

(1)

المسح على الجبائر»

(2)

.

وفي «المحيط» ذكر هذا القيد «عن أبي علي [ابن]

(3)

الحسن بن الخضر النسفي

(4)

رحمه الله ثم قال: كان يقول: ينبغي أن يحفظ هذا فإن الناس عنه غافلون»

(5)

.

-قوله: (ويكتفى بالمسح على أكثرها) قاله شيخ الإسلام في «مبسوطه»

(6)

: إذا مسح على بعض الجبائر دون البعض هل يجزئه أم لا؟ لم يذكر هذا في ظاهر الرواية، وقد ذكر في «إملاء الحسن بن زياد» قال: إن مسح على الأكثر أجزأه، وإن مسح على النصف أو أقل منه لا يجزئه وفرق بين هذا وبين مسح الرأس والمسح/ 25/ ب/ على الخفين حيث لا يشترط فيهما الأكثر، وإنما كان كذلك لأن مسح الرأس إنما يثبت شرعه بالكتاب، والكتاب أوجب مسح البعض لما بينا من أن الباء دخلت في المحل فأوجب تبعيضه، والمسح على الخفين إما أن يقال: إنه ثبت بالكتاب عطفًا على الرأس فكان حكم المعطوف عليه حكم المعطوف أو هو مشروع بالسنة، والسنة أوجبت مسح البعض.

فأما المسح على الجبائر فإنما يثبت بحديث علي

(7)

رضي الله عنه وليس فيه ما ينبئ عن المسح عن البعض إلا أن القليل سقط اعتباره دفعًا للحرج وأقيم الأكثر مقامه.

(1)

ساقطة من (أ) والتثبت من (ب).

(2)

فتاوى قاضي خان (1/ 51) فصل في المسح على الخفين.

(3)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(4)

هو القاضي، أبو علي الحسين بن الخضر النسفي، المولود سنة:(344 هـ)(ت 424 هـ) من شيوخه محمد بن الفضل أبو بكر الفضلي الكماري وغيره، ومن تلاميذه عبد العزيز بن أحمد بن نصر الحلواني وغيره. انظر: الجواهر المضية (2/ 107)، حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر (1/ 1342)، سير أعلام النبلاء (18/ 177).

(5)

المحيط (1/ 183) الفصل السادس في المسح على الخفين.

(6)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، انظر: العناية شرح الهداية (1/ 158) باب المسح على الخفين.

(7)

حديث علي صلى الله عليه وسلم «أنه كُسِرَت إحْدى يَديه فَجَبرهَا، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسْح بالجبَائر» رواه ابن ماجة في سننه (1/ 215) برقم (657)، والدارقطني في سننه (1/ 226) -كلاهما في كتاب الطهارة، باب المسح على الجبائر-، والبيهقي في سننه (1/ 228) كتاب الطهارة، باب المسح على العصائب والجبائر. جميعهم من طريق عمرو بن خالد الواسطي، قال عنه الدارقطني:«متروك، وقال البيهقي: «عمرو بن خالد الواسطي معروف بوضع الحديث، كذبه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما من أئمة الحديث، ونسبه وكيع بن الجراح إلى وضع الحديث، ثم ساق طرقًا أخرى لا تخلو من مقال وبين ما فيها، ثم قال: «ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء .... » إلخ أ هـ. نصب الراية (1/ 186). فحديث علي رضي الله عنه ضعيف جدًا.

ص: 217

وقال في «تتمة الفتاوى»

(1)

: والمسح على الجبائر يخالف المسح على الخفين في ثلاثة أحكام:

أحدها: جواز المسح عليها وإن شدها على غير وضوء.

والثاني: أن المسح على الخفين ينتقض بانقضاء مدة المسح ومسح الجبير، ولا ينتقض إلا بالحدث كالغسل.

والثالث: ماسح الخف إذا خلع أحد خفيه يلزمه غسل الرجلين، وإذا سقطت الجبائر لا عن يرء لا يلزمه الغسل أصلاً.

‌وَالْمَسْحُ عَلَيْهَا كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا مَا دَامَ الْعُذْرُ بَاقِيًا (وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ بَطَلَ) لِزَوَالِ الْعُذْرِ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلاةِ اسْتَقْبَلَ لأنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

-قوله رحمه الله: (والمسح عليها كالغسل لما تحتها ما دام العذر باقيًا) حتى لو مسح على جبيرة إحدى الرجلين لا يجوز المسح على خف الرجل الأخرى لئلا يكن جامعًا بين الغسل حكمًا وبين المسح، ولذلك لم يبطل بالسقوط.

وذكر في «شرح الطحاوي»

(2)

: فإنما [يتبين]

(3)

هذا بمسائل ذكرها في الزيادات

(4)

منها: أن الرجل إذا كانت [أحد]

(5)

رجليه مجروحة والأخرى صحيحة فغسل رجله الصحيحة ولبس عليها الخف وربط الجبائر على الأخرى ومسح عليها [ثم أحدث بعد ذلك وتوضأ فإنه يمسح على الجبائر ولا يمسح على خفه، ولو أنه إذا غسل رجله الصحيحة وربط على الأخرى الجبائر ومسح عليها]

(6)

ثم لبس الخفين ثم أحدث فإنه يمسح عليهما؛ لأن إحديهما مغسولة حقيقةً والآخرى مغسولة حكمًا.

-قوله رحمه الله: (لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل) فصار هذا كالمتيمم [وَجَدَ]

(7)

الماء في خلال الصلاة فإنه يستقبل [بهذا]

(8)

المعنى فإن قيل: يشكل على هذا ما إذا صلى ركعة أو ركعتين بالتحري ثم [تبينت]

(9)

جهة الكعبة فإنه يبني ولا يستقبل مع أن جهة التحري بدل عن جهة الكعبة.

قلنا: ذلك بطريق النسخ لما قبله لما أن أصله كان بطريق النسخ [فيبقى]

(10)

في حق المتحري كذلك، والنسخ يظهر في حق القائم لا في حق الفائت فلذلك يبني ولا يستقبل، [والله أعلم]

(11)

.

(1)

لم أجده فيما اطلعت عليه من كتب الأحناف.

(2)

لم أجده في شرح الطحاوي، انظر: تبيين الحقائق (1/ 52)، المحيط (1/ 182)، مجمع الأنهر (1/ 76).

(3)

في (ب): «تبي» .

(4)

سبق بيان ذلك (ص 400).

(5)

في (ب): «احدى» .

(6)

ساقط من (ب).

(7)

في (أ): «حدد» والتصويب من (ب).

(8)

ساقط من (ب).

(9)

في (ب): «ثبتت» .

(10)

في (ب): «فينبغي» .

(11)

ساقط من (ب).

ص: 218

‌باب الحيض [والاستحاضة]

(1)

(أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «أَقَلُّ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي التَّقْدِيرِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يَوْمَانِ وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ إقَامَةٌ لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ.

قُلْنَا هَذَا نَقْصٌ عَنْ تَقْدِيرِ الشَّرْعِ (وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ) لِمَا رَوَيْنَا، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي التَّقْدِيرِ بِخَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا ثُمَّ الزَّائِدُ وَالنَّاقِصُ اسْتِحَاضَةٌ، لأنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ يَمْنَعُ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ (وَمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ) حَتَّى تَرَى الْبَيَاضَ خَالِصًا (وَقَالَ أَبُويُوسُفَ رحمه الله: لا تَكُونُ الْكُدْرَةُ حَيْضًا إلا بَعْدَ الدَّمِ) لأنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الرَّحِمِ لَتَأَخَّرَ خُرُوجُ الْكَدِرِ عَنْ الصَّافِي.

وَلَهُمَا مَا رَوَى أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها جَعَلَتْ مَا سِوَى الْبَيَاضِ الْخَالِصِ حَيْضًا وَهَذَا لا يُعْرَفُ إلا سَمَاعًا وَفَمُ الرَّحِمِ مَنْكُوسٌ فَيَخْرُجُ الْكَدْرُ أَوَّلاً كَالْجَرَّةِ إذَا ثُقِبَ أَسْفَلُهَا، وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ تَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْغِذَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لا تَرَى غَيْرَ الْخُضْرَةِ تُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْمَنْبَتِ فَلا تَكُونُ حَيْضًا

لما قدم ذكر الأحداث التي يكثر وقوعها من الأصغر والأكبر والأحكام المتعلقة بها أصلا وخلفًا لما أن الأهم هو المقدم إذ أكثر وقوعه كان أهم معرفته، رتب عليه ذكر الأحداث التي يقل وقوعها بالنسبة إليها، وهو باب الحيض وباب النفاس، ولهذا المعنى قدم الحيض على النفاس، وليس لأحد أن يقول: إن تأخير باب الحيض باعتبار أنه طهارة [عن الأنجاس]

(2)

لما أن إزالة النجاسة يبيح الدخول في الصلاة وقراءة القرآن [وغيرهما]

(3)

بالوضوء عند الأصغر وبالاغتسال عند الأكبر، وهذا لا يبيحه علم أن هذا ليس بإزالة النجاسة الحقيقية، ولا يصح أيضًا تسمية النجاسة باعتبار أن الدم نجس نجاسة غليظة لما أن البول والغائط يشاركانه في هذا الحكم والطهارة عنهما طهارة عن [الأحداث، فكذا الطهارة عن الحيض يجب أن يكون طهارة في غير]

(4)

الحدث، ولأن الأحكام المذكورة في هذا الباب هي الأحكام المختصة بالأحداث لا بالأنجاس كحرمة قراءة/ 26/ أ/ القرآن والطواف ودخول المسجد وغيرها.

(1)

ساقط من (ب).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

ساقط من (ب).

ص: 219

اعلم أن معرفة مسائل الحيض من أعظم الواجبات؛ لأن عظم منزلة العلم بالشيء بحسب منزلة ضرر الجهل به وضرر الجهل بمسائل الحيض أشد من ضرر الجهل بغيرها، وذلك لأن المرأة إذا لم تعلم ذلك ربما تترك الصلاة والصوم في وقت الوجوب، وتأتي بهما في وقت وجوب الترك، وكلاهما أمر حرام وضرر عظيم، ولأن ضرر هذا الجهل يختص ويتعدى بخلاف الجهل فيما سواه، أما المختص فهو ما ذكرنا، وأما المتعدي فهو غشيان الرجل في حالة الحيض وذلك [أمر]

(1)

حرام بالنص، والاعتقاد بحله كفر. قال النبي عليه السلام:«مَنْ أتَى امْرَأتَهُ الحائِضَ فَقَدْ كَفَرَ بمَا أنْزل عَلَى محمَّد»

(2)

. أي: مستحلاً.

وحكي أن هارون الرشيد

(3)

تزوج من بنات الأشراف ولها جهاز عظيم ما لا يعد ولا يحصى، فلما زفت إليه ودخل هو معها في الفراش وهم بها دميت في تلك الحال فقالت: يا أمير المؤمنين {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1]. فقال الخليفة: والله ما سمعت منك خيرٌ من الدنيا وما فيها

(4)

.

‌معنى الحيض لغة

ثم الكلام ها هنا في عشرة مواضع: في تفسير الحيض لغةً، وفي تفسيره شريعةً، وسببه، وركنه، وشرطه، وقدره، وألوانه، وأوانه، ووقت ثبوته، والأحكام المتعلقة به.

أما تفسيره لغةً فهو عبارة عن الدم الخارج، ومنه يقال: حاضت السمرة حيضًا وهي شجرة يسيل منها كالدم، ويقال: امرأة حائض وحائضة أيضًا عن الفراء وأنشد:

(1)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(2)

الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أتى حائضًا أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» أخرجه أبو داود في سننه (4/ 390)، والنسائي (1/ 87)، والترمذي (1/ 29)، وابن ماجة (1/ 639)، والبيهقي في سننه (7/ 198)، والدارمي في سننه (1/ 259)، وأحمد في سننه (2/ 408، 476) وصححه الألباني في إرواء الغليل (7/ 69).

(3)

هو: أمير المؤمنين الخليفة العباسي، هارون الرشيد بن محمد المهدي بن منصور العباسي، أبو جعفر: خامس خلفاء الدولة العباسية، ولد بالريّ سنة:(149 هـ)، ونشأ في دار الخلافة ببغداد، وكان يحج سنة ويعزو سنة، استمرت ولايته أكثر من ثلاث وعشرين سنة، (ت 193 هـ): انظر: تاريخ بغداد (5/ 14)، البداية والنهاية (10/ 213)، الأعلام للزركلي (8/ 61، 62). ولم أقف على هذه القصة فيما اطلعت عليه من كتب التأريخ والسير.

(4)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق (1/ 199) باب الحيض.

ص: 220

كحائضة يزنى بها غير طاهر

(1)

‌معنى الحيض شرعا

وهو في الشريعة اسم لدم مخصوص وهو أن يكون ممتدًّا خارجًا من موضع مخصوص وهو القبل الذي هو موضع الولادة

(2)

. وقيل: هو عبارة عن الدم الذي ينفضه رحم المرأة السليمة عن الداء والصفر. وقوله: السليمة عن الداء احتراز عن الاستحاضة والنفاس

(3)

.

‌سبب الحيض:

وأما سببه في الابتداء فقد قيل: [إن]

(4)

أمنا حواء حين تناولت من شجرة الخلد فابتلاها الله بذلك وبقي هو في بناتها إلى يوم التناد بذلك السبب.

‌ركن الحيض:

وأما ركنه [فامتداد]

(5)

ورود الدم من قبل المرأة؛ لأن ركن الشيء ما يقوم به ذلك الشيء فالحيض يقوم به.

‌شرط الحيض:

وأما شرطه: [فيقدم]

(6)

نصاب الطهر حقيقةً أو حكمًا، وفراغ الرحم عن الحبل الذي [تنفس بوضعه؛ لأن الحامل لا تحيض وإنما قيد بقوله]

(7)

تنفس لأنه إذا سقط منها شيء لم يستبن خلقه فما رأت قبل ذلك يكون حيضًا؛ لأنه لا يعلم أنه حبلٌ بل هو لحم [سقط]

(8)

من الباطن فلا تسقط الصلاة بالشك.

‌قدر الحيض:

فأما قدره فنوعان: الأقل والأكثر.

وأما قدره الأقل وقد اختلف فيه العلماء عن خمسة أقوال: فعندنا أقل مدة الحيض ثلاثة أيام ولياليها.

وقال ابن سماعة-رحمه الله عن أبي يوسف رحمه الله: يومان.

والأكثر من اليوم الثالث لما أن الأكثر من اليوم الثالث يقام مقام الكل لمعنى وهو أن الدم من المرأة لا يسيل على الولاء؛ لأن ذلك يضنيها ويجحفها لكنه يسيل تارةً وينقطع أخرى.

وروى الحسن عن أبي حنيفة

(9)

رحمه الله ثلاثة أيام بما يتخللها من الليالي وذلك ليلتان؛ لأن في الآثار ذكر التقدير بالأيام [فجعلنا]

(10)

الثلاثة من الأيام أصلاً وما يتخللها من الليالي، وذلك ليلتان تبعها ضرورةً.

(1)

وصدره: رأيت حيون العام والعام قبله. انظر: الصحاح (3/ 1073) مادة [حيض]، المغرب (1/ 236) مادة [حيض].

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (3/ 147) كتاب الحيض والنفاس.

(3)

الهداية في شرح بداية المبتدي (1/ 32) باب الحيض.

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

في (ب): «فتقدم» .

(7)

مكررة في (ب).

(8)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(9)

انظر: في مذهب الحنفية: مختصر الطحاوي (ص 22، 23)، المبسوط (1/ 142)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 26)، البناية (1/ 614)، تبيين الحقائق (1/ 55).

(10)

في (أ): «يجعلنا» والتصويب من (ب).

ص: 221

وقال مالك

(1)

: بقدر ما يوجد ولو بساعة؛ لأن هذا نوع حدث فلا يتقدر أقله بشيء كسائر الأحداث أقربها دم النفاس، لكنا نقول في الفرق بينهما: أن دم النفاس يخرج عقيب خروج الولد فيستدل بما تقدمه على أنه من الرحم فجعلنا العلامة فيه الامتداد ليستدل به على أنه ليس بدم عرق وقدر الشافعي

(2)

بيوم وليلة تحرزًا عن الكثير فقال: لما استوعب السيلان جميع الساعات [عرفنا]

(3)

أنه من الرحم فلا حاجة إلى الاستظهار بشيء آخر.

واحتج أصحابنا بما روى أبو أمامة الباهلي-رضي الله عنه: أن النبي-عليه السلام قال: «أقلُّ الحيض ثَلاثَة أيَّام، وأكثَرهُ عشَرة أيَّام»

(4)

وهو مروي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وعثمان بن [أبي]

(5)

العاص وأنس بن مالك-رضي الله عنهم.

والمقادير لا تعرف قياسًا فما ثقل عنهم كالمروي عن رسول الله-عليه السلام، ثم ذكر الأيام يستتبع الليالي كما في قصة زكريا-عليه السلام-حيث قال الله تعالى في موضع:{ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196]، وفي موضع:{ثَلَاثَ لَيَالٍ} [مريم: 10]، والقصة واحدة، فلو لم تستتبع إحدهما الأخرى ما بازائها

(6)

من عدد الأيام والليالي لما صح ذكر العدد مقدرًا بهذا.

(1)

مذهب المالكية: لا حَدَّ لأقل الحيض. انظر: إرشاد السالك (1/ 11)، الذخيرة للقرافي (1/ 373)، بداية المجتهد (1/ 56)، التلقين في الفقه المالكي (1/ 32)، البيان والتحصيل (5/ 384)، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 367)، الثمر الداني (1/ 33)، الخلاصة الفقهية (1/ 51).

(2)

مذهب الشافعية: أن أقل الحيض يوم وليلة. انظر: الأم (1/ 122)، الحاوي الكبير (1/ 53)، روضة الطالبين (1/ 134)، المجموع (2/ 402)، كفاية الأخيار (ص 82)، حاشية القليوبي وعميرة (1/ 99)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/ 146).

(3)

في (ب): «عرف» .

(4)

الحديث رواه الدارقطني في سننه (1/ 72) برقم (835) عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَحِيضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ثَلَاثٌ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَحِيضِ عَشْرَةُ أَيَّامٍ فَإِذَا رَأَتِ الدَّمَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ فَهِىَ مُسْتَحَاضَةٌ .... » وقال: عبد الملك هذا رجل مجهول، والعلاء هو ابن كثير، وهو ضعيف الحديث، ومكحول لم يسمع من أبي أمامة شيئا. ورواه في (1/ 173) برقم (836) عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقلُّ الحيض ثَلاثَة أيَّام، وأكثَرهُ عشَرة أيَّام» وقال: ابن منهال: مجهول، وحمد بن أحمد بن أنس ضعيف.

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

إزاء: مقابل وأمام، محاذ، تجاه، انظر: المعجم الوسيط (1/ 16).

ص: 222

وأما قدره الأكثر فعشرة أيام ولياليها عندنا

(1)

.

وقال الشافعي

(2)

: خمسة عشر يومًا. وهو قول أبي حنيفة-رحمهما الله-الأول؛ لقوله عليه السلام في نقصان دين المرأة: «تَقْعُد إحْداهُنَّ شَطر عُمرِهَا لا تَصُومُ ولا تُصَلِّي»

(3)

. والمراد زمان الحيض والطهر والحيض يجتمعان في الشهر عادةً، ولهذا جعل الله عدة الآيسة والصغيرة ثلاثة أشهر مكان ثلاثة قروء فيتعين شطر كل شهر للحيض وذلك خمسة عشر يومًا ولكنا نقول: ليس المراد حقيقة الشطر؛ لأن في عمرها زمان الصغر ومدة [الحبل]

(4)

وزمان الإياس، ولا تحيض في شيء من ذلك فعرفنا أن المراد به ما يقارب الشطر حيضًا، [وإذا قدرنا العشرة بهذه الآثار فقد جعلنا ما يقارب الشطر حيضًا]

(5)

.

‌ألوان الحيض

وأما ألوانه فستة: السواد، والحمرة، والصفرة، والكدرة، والخضرة، والتربية.

[و]

(6)

أما السواد فغير مشكل أنه حيض؛ لقوله-عليه السلام: «دَمُ الحَيْض أسْودٌ/ 26/ ب/ عبيْط

(7)

محتَدم»

(8)

. العبيط الطري، المحتدم

(9)

: شديد الحمرة إلى السواد كأنه نار تحتدم أي تلتهب.

(1)

انظر: مختصر الطحاوي ص (23)، تحفة الفقهاء (1/ 33)، شرح فتح القدير (1/ 161 - 163)، بدائع الصنائع (1/ 40)، البناية (1/ 620 - 623)، حاشية رد المختار (1/ 284).

(2)

مذهب الشافعية: أن أكثر مدة الحيض خمسة عشر يومًا. انظر: الوسيط في المذهب (1/ 141)(1/ 141)، روضة الطالبين (1/ 134)، المهذب مع المجموع (2/ 375 - 380)، حلية العلماء (1/ 219).

(3)

هذا الحديث، قال عنه البيهقي في معرفة السنن والآثار (2/ 143) برقم (2157)«وأما الذي يذكره بعض فقهائنا في هذه الرواية من قعودها شطر عمرها، وشطر دهرها لا تصلي، فقد طلبته كثيرًا فلم أجده في شيء من كتب أصحاب الحديث ولم أجد له إسناد بحال والله أعلم» أ هـ. وقال عنه ابن الجوزي في التحقيق في مسائل الخلاف (1/ 263) برقم (306)« .... وهذا لفظ لا أعرفه» . وقال الزيلعي في نصب الراية (1/ 193) «

قال: وهذا حديث لا يعرف» وقال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 56)«الرواية: «شطر عمرها -أو شطر دهرها- لا تصلي» فقد طلبته كثيرًا فلم أجده في شيء من كتب أصحاب الحديث، ولم أجد له إسنادًا بحال». لكن ورد في صحيح البخاري في صحيحه (3/ 35) برقم (1951) - 36 كِتَاب الصَّوْمِ -باب الحائض تترك الصوم والصلاة-، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألَيْسَ إذَا حَاضَتْ لم تُصلِّ ولم تَصُمْ، فذَلك نقْصَان ديْنِها» .

(4)

في (ب): «الحمل» .

(5)

ساقط من (ب).

(6)

ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).

(7)

عَبَطَ الثوب يَعْبِطُهُ، أي: شقه فهو مَعْبوطٌ وعَبيطٌ؛ والجمع عبط. الصحاح (3/ 1141) مادة [عبط].

(8)

أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 154) برقم (2729) أورد هذا الحديث ثم قال الطحاوي: «غير أنا كشفنا عن إسناد هذا الحديث، فلم نجد أحدًا يرويه عن عائشة إلا محمد بن المثنى

» ورواه النسائي في سننه (1/ 185) برقم (363) -كِتَاب الطَّهَارَةِ -38 بَاب الْفَرْقِ بين دَمِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ-، والدارقطني في سننه (1/ 207) برقم (4)، والبيهقي في سننه الكبرى (1/ 326) برقم (1450) قال البيهقي:(بعد أن ساق سند الحديث) قال: عبد الملك هذا مجهول، والعلاء هو: ابن كثير ضعيف الحديث، ومكحول لم يسمع من أبي أمامة شيئًأ، أنا بذلك» أ هـ.

(9)

احتدم الدم: اشتدَّتْ حمرته حتى يسواد. الصحاح (5/ 1894)، مادة [حدم].

ص: 223

والحمرة كذلك فهو اللون الأصلي للدم إلا أن عند غلبة السّواد [يضرب إلى السواد]

(1)

وعند غلبة الصفراء يرق فيضرب إلى الصفرة، ويتبين ذلك لمن افتصد

(2)

.

والصفرة كذلك حيض؛ فإنها من ألوان الدم إذا رق، وقيل: هي كصفرة السن أو كصفرة القز.

وأما الكدرة فلونها كلون الماء الكدر، وهي حيض في قول أبي حنيفة ومحمد-رحمهما الله- سواء [رأته]

(3)

في أول أيامها أو في آخر أيامها.

وقال أبو يوسف: إن رأت الكدرة في أول أيامها لم يكن حيضًا، وإن رأت في آخر أيامها يكون [حيضًا. قال: لأن الكدرة من كل شيء تتبع صافيه، فإذا تقدمها دم أمكن جعل الكدرة]

(4)

حيضًا تبعًا، وأما إذا لم يتقدمها دم فلو جعلناها حيضًا كانت مقصودة لا تبعًا؛ ولأن الكدرة مشتبه اللون فيشببه حكمها أيضًا، فإن كانت في حالة الطهر فهي طهر، وإن كانت في حالة الحيض فهي حيض؛ لأن الأصلي في المشتبه [هو]

(5)

الرجوع إلى [المحكم أو إلى الأصل]

(6)

، فإن تقدم الطهر كان الأصل هو الطهر فكان هو طهرًا أيضًا، وإن تقدم الحيض كان الأصل هو الحيض فكان هو حيضًا أيضًا، وهما يقولان ما يكون حيضًا إذا رأته المرأة في آخر أيامها يكون حيضًا إذا رأته في أول أيامها كالسواد والحمرة؛ لأن جميع مدة الحيض في حكم [واحدٍ]

(7)

؛ ولأن [المتكدر]

(8)

فيه هو الشيء المختلط بأجزاء الدم [ثم أجزاء الدم]

(9)

إذا خرجت بانفرادها تكون حيضًا، فكذلك إذا خرجت مع شيء آخر، وما قاله أبو يوسف فيما إذا كان الثقب في [أعلى الطرف، فأما إذا كان الثقب في]

(10)

أسفله فالكدرة تسبق خروجها أيضًا، وها هنا الثقب من الأسفل فجعلنا الكدرة [حيضا ابتداءً، كان شيخي رحمه الله يقول: إن من خاصية الطبيعة أنها تدفع الكدر]

(11)

أولاً وهو محسوس في الاقتضاء والتغوّط.

وأما الخضرة فقد أنكر بعض مشايخنا وجودها حتى قال أبو نصر بن سلام رحمه الله حين سئل عن الخضرة كأنها أكلت [قصيلاً]

(12)

على طريق الاستبعاد.

(1)

ساقط من (ب).

(2)

الفصد: قطع العِرْقِ، وقد فصدت وافتصدت، وانفصد الشيء وتفصد: سال. الصحاح (2/ 519) مادة [فصد].

(3)

في (أ): «رأت» والتصويب من (ب).

(4)

ساقط من (ب).

(5)

ساقط من (ب).

(6)

في (أ): «الحكم وإلى الأصل» والتصويب من (ب).

(7)

ساقط من (ب).

(8)

في (ب): «المنكدر» .

(9)

ساقط من (ب).

(10)

ساقط من (ب).

(11)

ساقط من (ب).

(12)

القصيل: هو الشعير يُجزُ أخضر لعلف الدواب، والفقهاء يسمون الزرع قبل إدراكه قصيلًا وهو مجاز المغرب (2/ 183) مادة [قصل].

ص: 224

وذكر أبو علي الدقاق الخضرة نوع من الكدرة.

والجواب فيها على الاختلاف الذي بينا.

-وأما التربية فهو ما يكون لونه كلون التراب وهي نوع من الكدرة. وقد روي عن أم عطية-رضي الله عنها

(1)

وكانت غزت مع رسول الله-عليه السلام-ثنتي عشرة غزوة قالت: (كنا نعد الترّبيّة حيضًا). التربية على النسبة إلى الترب بمعنى التراب

(2)

.

وروي: الترئتة بوزن التّريعة، والترئيُّة بوزن التّرعية، وهي لون خفي يسير أقل من صفرة وكدرة، وقيل: من الرئية

(3)

؛ لأنها على لونها وكل ذلك من الحيض لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] وجميع هذه الألوان في حكم الأذى سواء.

‌أوان الحيض

وروي أن النساء [كن]

(4)

يبعثن [الكراسف]

(5)

إلى عائشة رضي الله عنها لتنظر إليها فإذا رأت كدرة قالت: (لا حتى ترين القصة البيضاء)

(6)

. قيل: هي شيء يخرج من أقبال النساء بعد انقطاع الدم شبه الخيط الأبيض

(7)

، وقيل: حتى تخرج الخرقة كالجص الأبيض فإن القصة هي الحيض وفي الحيض العمادي

(8)

ويعتبر اللون حين ترفع الخرقة وهي طرية لا بعد ما تجف؛ لأن اللون يتغير بالأسباب.

(1)

أم عطية الأنصارية اسمها نسيبة -بنون وسين مهملة وباء موحدة مصغر- وقيل: -بفتح النون وكسر السين- معروفة باسمها وكنيتها وهي بنت الحارث وقيل: غير ذلك. انظر: الاستيعاب (4/ 1947)، الإصابة (8/ 261).

(2)

لم أجده بهذا اللفظ، ولكن، رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 90)، برقم (998)، قال حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي رائدة، عن هشام، عن حفصة، عن أم عطية قالت «كنا لا نرى التَّريَّة شيئًا» ورواه الدارمي في سننه (1/ 634) برقم (893) بلفظ «كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا» قال المحقق الدارمي: حسين الدارني -إسناده صحيح-.

(3)

ولعلها «التريَّةُ: ما تراه المرأة من الحيض صفرة أو غيرها. انظر: مجمل اللغة لابن فارس (1/ 404)، مقاييس اللغة (2/ 473).

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): «الكرسف» وهو القطن. انظر: الصحاح (4/ 1421) المعجم الوسيط (2/ 783) المغرب (2/ 216) مادة [كرسف].

(6)

رواه البخاري في صحيحه (1/ 71) كتاب الطهارة، باب إقبال المحيض وإدباره، قال: وكن نساءٌ يبعثن إلى عائشة رضي الله عنها بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة، فتقول:«لا تَعْجلنَّ حتى تَرينَّ القَصَّة البيضَاء» تريد بذلك الطهر من الحيضة قال الألباني: في إرواء الغليل (1/ 219) برقم (198)«هذا الحديث علقه البخاري (1/ 356، فتح)» أ هـ. ورواه مالك في الموطأ (1/ 104) برقم (150) عن علقمة عن أمه أن النساء كن يرسلن بالدرجة فيها الشيء من الصفرة إلى عائشة فتقول: «لا تَعْجلنَّ حتى تَرينَّ القَصَّة البيضَاء» قال الألباني: صحيح مختصر إرواء الغليل (1/ 40) برقم (198).

(7)

القصة البيضاء: ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض. انظر: الزرقاني (1/ 171)، المحكم والمحيط الأعظم (6/ 103).

(8)

لعله كتاب «الحيض» للقاضي: عماد الدين، كشف الظنون (2/ 1414) أو كتاب «الحيض العمادي» لشمس الدين محمد بن محمد بن العمادي الكردري (ت 642 هـ).

ص: 225

وأما أوانه: فنقول: الصغيرة جدًّا إذا رأت الدم لا يكون حيضًا.

واختلفوا في أدنى مدة يحكم ببلوغها إذا رأت الدم فيها:

قال أبو نصر بن سلام رحمه الله: بنت ست سنين إذا رأت الدم وتمادى بها ثلاثة أيام. [وبعضهم قدره بسبع سنين]

(1)

، ومحمد بن مقاتل قدره بتسع سنين، وأبو علي الدقاق بثنتي عشرة سنة.

وأكثر المشايخ على ما قاله محمد بن مقاتل.

وأما إذا رأت الدم في حالة الكبر ذكر محمد في «نوادر الصلاة»

(2)

أنه يكون حيضًا، ولم يرو عن أصحابنا المتقدمين خلاف ذلك.

ومحمد بن مقاتل والزعفراني

(3)

قال: إذا [حكم]

(4)

بإياسها ثم رأت الدم لا يكون حيضًا.

وقال محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله: إذا رأت دمًا سائلاً كما كانت ترى قبل ذلك في أيام حيضها يكون حيضًا، والبلة [اليسيرة]

(5)

من بين الرحم لا تكون حيضًا.

وقت ثبوت الحيضواختلفوا في حد الإياس، والاعتماد على خمس وخمسين سنة وإليه ذهب أكثر المتأخرين.

وأما وقت ثبوته فنقول: حكم الحيض والنفاس لا يثبت إلا بالبروز.

وعن محمد: أنها إذا [حست]

(6)

بالبروز حكم الحيض والنفاس أما حكم الاستحاضة فلا يثبت إلا بالبروز.

وفي ظاهر الرواية: لا يثبت عند محمد رحمه الله حكم الحيض والنفاس أيضًا إلا بالبروز

(7)

.

وثمرة الاختلاف تظهر فيما إذا توضأت المرأة ووضعت الكرسف ثم أحست أن الدم نزل من الرحم إلى الكرسف قبل غروب الشمس، ثم رفعت الكرسف بعد غروب الشمس الصوم تام عندهما وعند محمد تقضي الصوم، ثم البروز إنما يعلم مجاوزته موضع البكارة اعتبارًا بنواقض الوضوء والاحتشاء يسن للثيب ويستحب للبكر حالة الحيض. وأما في حالة الطهر فيستحب للثيب دون البكر، ولو صامتًا بغير كرسف جاز.

الأحكام المتعلقة بالحيض: وأما أحكامه فاثنا عشر ثمانية [يشترك]

(8)

فيها الحيض والنفاس وأربعة مختصة بالحيض دون النفاس:

(1)

في (ب): كررها أيضًا بعد «بنت ست سنين» .

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (3/ 149، 150) كتاب الحيض والنفاس.

(3)

هو الإمام، حسن بن أحمد، أبو عبد الله، الزعفراني، فقيه، حنفي من مصنفاته: أمالي الزعفراني في الحديث (ت 610 هـ) تقريبًا:. انظر: الجواهر المضية (1/ 189، 190)، الطبقات السنية في تراجم الحنفية (1/ 222)، كشف الظنون (1/ 164، 563) و (2/ 1434).

(4)

في (ب): «حكمنا» .

(5)

في (ب): «البشرية» .

(6)

في (ب): «أحست» .

(7)

أي بروز الدم وخروجه ورؤيته.

(8)

في (ب): «يستوي» .

ص: 226

فأما الثمانية: فترك الصلاة [لا إلى]

(1)

قضاء، [وترك]

(2)

الصوم إلى قضاء، وحرمة الدخول في المسجد، وحرمة الطواف بالبيت، وحرمة قراءة القرآن، وحرمة مس المصحف، وحرمة جماعها. والثامن: وجوب الغسل عند انقطاع الحيض.

وأما الأربعة المخصوصة: فانقضاء العدة، والاستبراء، والحكم ببلوغها، والفصل بين طلاقي السنة.

فالسبعة الأولى تتعلق ببروز الدم عندهما و [بالإحساس]

(3)

عند محمد على ما ذكرنا، والثامن وهو الحكم ببلوغها يتعلق بنصاب الحيض، لكن يستند إلى ابتدائه.

والأربعة الباقية تتعلق بانقضائه وهي: وجوب الاغتسال مع الثلاثة من الأربعة المخصوصة. هذا الذي ذكرت من أصول [متفرقة]

(4)

معتمد عليها «كصحاح اللغة»

(5)

، و «المغرب فيما فيه اللغة»

(6)

، و «المبسوط»

(7)

ونسخ الحيض فيما يتعلق به من الأحكام الشرعية وقدمته ليكون الوسائل المضبوطة معلومة قبل المقاصد.

(وَالْحَيْضُ يُسْقِطُ عَنْ الْحَائِضِ الصَّلاةَ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهَا الصَّوْمَ وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ) لِقَوْلِ -عَائِشَةَ رضي الله عنها: «كَانَتْ إحْدَانَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا تَقْضِي الصِّيَامَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ»

وَلأنَّ فِي قَضَاءِ الصَّلاةِ حَرَجًا لِتَضَاعُفِهَا وَلا حَرَجَ فِي قَضَاءِ الصَّوْمِ

-وأما قوله: (والحيض يُسْقطُ عن الحائض الصلاة) والإسقاط يقتضي سابقة الثبوت فواقع على اختيار بعض المشايخ منهم القاضي أبو زيد رحمه الله

(8)

فإنه ذكر في التقويم

(9)

وقال: «لا خلاف/ 27/ ب/ أن الآدمي يخلق وهو أهل لإيجاب الحقوق عليه كلها، فإنه يخلق وعليه عشر أرضه وخراجها بالإجماع، وعليه الزكاة على قول أهل الحجاز. وإنما أضافوا فيما سقط عنه تعذر الصبي كما سقط عن الحائض الصلاة بعذر الحيض لا لأنها ليست بأهل للإيجاب عليها؛ فإن الصوم لزمها بل لدفع الحرج» .

(1)

في (ب): «إلى غير» .

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): «بالاحتشاء» .

(4)

في (أ): «معرفة» والتصويب من (ب).

(5)

الصحاح (4/ 1421).

(6)

المغرب (2/ 216).

(7)

المبسوط (3/ 146) وما بعدها كتاب الحيض والنفاس.

(8)

هو القاضي أبو زيد، عبد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي، نسبة إلى بلدة دبوسية بين بخارى وسمرقند، وهي البلدة التي ولد فيها من شيوخه: والده عمر بن عيسى الدبوسي، وأبو جعفر الأسروشني، وزيد بن الياس وغيرهم، من تلاميذه: القاضي علي علاء الدين المروزي، وعمر القاضي الجمال من مصنفاته: الأسرار، الأمالي، تأسيس النظر، وكتاب التقويم في أصول الفقه أوتقويم الأدلة، وغيرها (ت 430 هـ):. انظر: تاج التراجم في طبقات الحنفية (ص: 12)

(9)

كتاب التقويم في أصول الفقه، طبع باسم «الأسرار في الأصول والفروع في تقويم أدلة الشرع» دراسة وتحقيق: محمود العواطلي» (3/ 129). باب القول في حين أهلية الآدمي لوجوب الحقوق المشروعة عليه وهي الأمانة التي حملها الإنسان.

ص: 227

-قوله رحمه الله: (وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة) «لما روي أن امرأةً قالت [لعائشة]

(1)

رضي الله عنها: ما بال [إحدانا]

(2)

تقضي صيام أيام الحيض ولا تقضي الصلاة. فقالت: أحرورية

(3)

أنت؟ كنا على عهد رسول الله-عليه السلام-نقضي صيام أيام الحيض ولا نقضي الصلاة

(4)

. وأنكرت عليها السؤال لشهرة الحال، ونسبتها إلى حروراء وهي قرية كان أهلها يسألون سؤال التعنت في الدين، كذا في «المبسوط»

(5)

.

والمعنى فيه: أن اشتراط الطهارة عن الحيض والنفاس في حق الصوم ثبت نصًّا بخلاف القياس بدليل تحققه وشرعيته من [الجنب والمحدث]

(6)

حسب تحققه من الطّاهر فلذلك أثر في الأداء دون القضاء، واشتراط الطهارة عنهما في حق الصلاة ثبت على وفق القياس فلذلك أثر في حق الأداء والقضاء؛ لأن النص الذي هو معقول المعنى يتعدى من موضعه إلى غير موضعه بخلاف النص الذي لا يعقل معناه؛ فإن حكمه ينحصر في الموضع الذي ورد فيه النص.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

في (ب): «إحدينا» .

(3)

الخوارج: هم الذين خرجوا على عليّ-رضي الله عنه مَمّن كان معه في حرب صفين، وكبار الفرق منهم: المحكمة، والأزارقة، والنجدات والبهيسية، والعجاردة، والإباضية، والصفرية، والباقون فروعهم، ويجمعهم القول بالتبري من عثمان وعلي-رضي الله عنهما، ويكفرون أصحاب الكبائر، ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة حقًا واجبًا، إلى غير ذلك. انظر: الملل والنحل للشهرستاني (1/ 114)، الفرق بين للبعداني ص (54 - 92)، والفرق الإسلامية للكرماني تحقيق: سليمة عبد ربه الرسول (ص 61 - 62)، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين لفخر الدين الرازي (ص 46 - 51).

(4)

الحديث رواه الأئمة الستة في كتبهم: البخاري في صحيحه (1/ 501) كتاب الحيض، باب لا تقضي الحائض الصلاة، برقم (321)، عن معاذة أن امرأة قالت لعائشة: أتجزي إحدانا صلاتُها إذا ظهرت؟ فقالت: أحرورية أنت؟ كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به. أو قالت: فلا نفعله». ومسلم في صحيحه (1/ 265) كتاب الحيض باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، حديث رقم (335).

(5)

المبسوط للسرخسي (3/ 152) فصل: الأحكام التي تتعلق بالحيض.

(6)

في (ب): «المحدث والجنب» .

ص: 228

فإن قلت: وجوب القضاء يقتضي سابقه وجوب الأداء حتى أن حكمًا من الأحكام لما [لم يجب أداء]

(1)

لم يجب قضاء فكيف تخلف هذا في حق الصوم هنا حيث لم يجب أداءً ووجب قضاءً؟

قلت: هذه نهايات في الأحكام فينتهى إلى ما أنهانا إليه الشرع مع أن المعنى الفقهي يساعد لأن يكون الحكم على هذه الصفة لما قلنا من المعنى، وهو أن اشتراط الطهارة عن الحيض والنفاس لما ثبت نصًّا بخلاف القياس في الصوم صار كأن الوجوب متحققٌ في حق الحائض فصح بناء القضاء على الوجوب التقديري الذي في الأداء واشتراط الطهارة في حق الصلاة لما [بينا]

(2)

على وفق القياس، وليس في وسع المرأة اكتساب صفة الطهارة عنهما بخلاف الجنابة والحدث لم يكن جعل الوجوب تقديرًا حالة الأداء، ثم لو قلنا مع ذلك بوجوب القضاء والحال أن أداء/ 27/ أ/ الصلاة لم يكن واجبًا عليها لا تحقيقًا ولا تقديرًا يلزم بناء الحكم على المعدوم؛ لأن بناء وجوب القضاء على وجوب الأداء إذ القضاء خلف الأداء فمتى لم يجب الأصل لا يجب [الخلف]

(3)

فكان صحة [بناء]

(4)

قضاء الصوم هنا على الوجوب التقديري في الأداء نظير صحة بناء النافلة على الصلاة المظنونة، وعدم صحة قضاء الصلاة هنا نظير عدم صحة اقتداء البالغين على الصبي في التراويح لما أن عدم الضمان في المظنونه يعارض ظن [يخص]

(5)

الإمام جعل الضمان موجودًا تقديرًا بخلاف صلاة الصبي؛ فإن عدم الضمان فيه أصلي لأصالة الصبي فلم يجعل موجودًا تقديرًا فلم يصح البناء لذلك عند عامة المشايخ، وإلى هذا المعنى أشار فخر الإسلام رحمه الله في عوارض أصول الفقه

(6)

.

(وَلا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ) وَكَذَا الْجُنُبُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «فَإِنِّي لا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلا جُنُبٍ» . وَهُوَ بِإِطْلاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي إبَاحَةِ الدُّخُولِ عَلَى وَجْهِ الْعُبُورِ وَالْمُرُورِ (وَلا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ) لأنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ (وَلا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}

-قوله رحمه الله: (وهو بإطلاقه حجة على الشافعي في إباحته الدخول على وجه العبور والمرور)

(7)

وقال في «المبسوط» : «مسافر مر بمسجد فيه عين ماء وهو جنب [ولا]

(8)

يجد غيره فإنه يتيمم لدخول المسجد؛ لأن الجنابة تمنعه من دخول المسجد على كل حال عندنا سواء كان قصد المكث فيه أو الاجتياز، وعند الشافعي: له أن يدخله مجتازًا لظاهر قوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]. ولكن أهل التفسير قالوا: إلا ها هنا بمعنى ولا، أي: ولا عابري سبيل]

(9)

. وهذا محتمل، [فيبقى]

(10)

المنع لقوله: {لَا تَقْرَبُوا} [النساء: 43] وهو عاجز عن الماء قبل دخول المسجد فيتيمم ثم يدخل المسجد فيستقي منه»

(11)

.

(1)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(2)

في (ب): «ثبت» .

(3)

في (ب): «البدل» .

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): «تحقق» .

(6)

انظر: أصول البزدوي (1/ 329 - 338).

(7)

انظر: شرح فتح القدير (1/ 165)، البناية (1/ 636 - 638)، حاشية رد المحتار (1/ 291) ومذهب الشافعية: أن الحائض إذا أرادت العبور في المسجد، إن خافت تلويثه لعدم إحكامها الشد، أو لغلبة الدم، حرم عليها العبور، ولا يختص هذا بها، بل المستحاضة، والسلس، ومن به جراحة نضاخة، يحرم عليهم العبور إذا خافوا التلويث، فإن أمنت الحائض التلويث، جاز لها العبور على الصحيح، كالجنب ومن عليه نجاسة لا يخاف تلويثها. انظر: الوسيط في المذهب (1/ 413)، روضة الطالبين (1/ 135)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/ 413).

(8)

في (ب): «ولم» .

(9)

ساقطة من (ب).

(10)

في (ب): «فبقي» .

(11)

المبسوط للسرخسي (1/ 118) باب التيمم.

ص: 229

وذكر شيخ الإسلام في «مبسوطه»

(1)

فقال: وأما علمائنا فقد أثبتوا حرمة دخول المسجد للجنب بالسنة، والسنة لم تفصَّل بين الدخول للمرور وبين الدخول [للمقام]

(2)

فيه؛ فإنه روي أن النبي عليه السلام قال: «سدُّوا الأبْوَابَ فَإني لا أحِلّهَا لجنُبٍ ولا لحَائِضٍ»

(3)

.

ولأن حرمة الدخول بسبب الجنابة وهي موجودة حالة المرور كما هي موجودة حالة القرار فتوجب الحرمة في الحالين كما في مس المصحف لما ثبتت الحرمة بسبب الجنابة أو الحدث، فسوى بين الأخذ للإمساك وبين الأخذ ليناول غيره؛ لأنه قاس في الحالين.

وأما تعلقه بالآية: قلنا: المراد به حقيقة الصلاة؛ لأن الصلاة في الحقيقة اسم لفعل [الصلاة لا لمكانها]

(4)

، ومتى ذكرت وأريد بها المكان كان مجازًا، والكلام لحقيقته حتى يقوم الدليل على مجازه.

وقوله: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43]. أي: إلا مسافرين، والمسافر يسمى عابرًا فيكون معناه: إلا مسافرين، فإنه يباح لهم الصلاة قبل الاغتسال بالتيمم.

(1)

لم أجده في مبسوط شيخ الإسلام، انظر: المبسوط للسرخسي (1/ 118)، (3/ 153)، المحيط (1/ 88)، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب لجمال الدين المنبجي (ت 686 هـ). (1/ 129).

(2)

في (ب): «للمنام» .

(3)

الحديث رواه أبو داود في سننه (1/ 157) كتاب الطهارة باب في الجنب يدخل المسجد، حديث رقم (232) عن عائشة رضي الله عنها تقول: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: «وجهوا هذه البيوت عن المسجد» ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن تنزل فيهم رخصة، فيخرج إليهم بعد فقال:«وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أرحل المسجد لحائض ولا جنب» ورواه ابن ماجة في سننه (1/ 212) برقم (645) -كِتَاب الطَّهَارَةِ وَسُنَنِهَا - 26 بَاب في ما جاء في اجْتِنَابِ الْحَائِضِ الْمَسْجِدَ- عن أم سلمة نحوه، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص (ص 21) برقم (40) وضعيف سنن ابن ماجة (ص 48).

(4)

في (ب): «إلا لصلاة ولا لمكانها» .

ص: 230

(وَلَيْسَ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالنُّفَسَاءِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رحمه الله فِي الْحَائِضِ، وَهُوَ بِإِطْلاقِهِ يَتَنَاوَلُ مَا دُونَ الْآيَةِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الطَّحَاوِيِّ فِي إبَاحَتِهِ

-قوله رحمه الله: (وهو حجة على مالك

(1)

في الحائض) فإنه يجوز للحائض قراءة القرآن دون الجنب. قال: [لأن]

(2)

الجنب قادر على تحصيل صفة الطهارة بالاغتسال فيلزمه تقديمه على القراءة والحائض عاجزةً عن ذلك، وكان لها أن تقرأ.

ولنا: حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أن النبي-عليه السلام-كان ينهى الحائض والجنب عن قراءة القرآن»

(3)

.

ثم عجزها [عن تحصيل صفة الطهارة يدل على تغلظ ما بها من الحدث فلا يدل على إطلاق القراءة لها.

وذكر الطحاوي رحمه الله: أنها إنما تمنع]

(4)

عن قراءة آية تامة ولا تمنع عن قراءة ما دون [ذلك]

(5)

؛ لأن المتعلق بالقرآن حكمان وجواز الصلاة، ومنع الحائض عن قراءته، ثم في حق أحد الحكمين يفصل بين الآية وما دونها، فكذلك في الحكم الآخر.

«وقال الكرخي: تمنع عن قراءة ما دون الآية أيضًا على قصد قراءة [القرآن]

(6)

كما تمنع عن قراءة الآية التامة؛ لأن الكل قرآن»، كذا في «المبسوط»

(7)

، وذكر في «الجامع» [من الحيض]

(8)

لنجم الدين الزاهدي، وأطلق الطحاوي ما دون الآية للحائض والنفساء والجنب وهو رواية ابن سماعة عن أبي حنيفة وعليه الأكثر، ولكن المصنف رحمه الله ذكر في التجنيس:«ويستوي في القراءة الآية وما دونها هو الصحيح»

(9)

يعني في الحرمة، «ولكن هذا إذا قصدت القراءة كما ذكرنا، فإن لم تقصدها نحو أن يقرأ الحمد لله شكرًا للنعمة فلا بأس به، وإذا حاضت المعلمة فينبغي لها أن تعلم الصبيان كلمة كلمة، وتقطع بين الكلمتين على قول الكرخي، وعلى قول الطحاوي تعلم نصف آية وتقطع ثم تعلم نصف آية ولا يكره لها التهجي بالقرآن، وكذا لا يكره قراءة [دعاء]

(10)

القنوت: اللهم إنا نستعينك. كذا في «المحيط»

(11)

، وذكر الحلواني عن أبي حنيفة: [لا بأس للجنب أن يقرأ الفاتحة على وجه الدعاء.

(1)

مذهب المالكية: أنه يجوز للحائض قراءة القرآن حال استرسال الدم عليها. انظر: شرح بداية المجتهد (1/ 111)، مواهب الجليل (1/ 375)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 174).

(2)

في (ب): «فإن» .

(3)

الحديث رواه الترمذي في سننه (1/ 236) برقم (131) عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقرأ الحائض، ولا الجنب شيئًا من القرآن» وابن ماجة في سننه (1/ 196) برقم (596) عنه، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجة ص (46) برقم (131) وقال:«منكر» . فمذهب الحنفية: لا يجوز للحائض قراءة القرآن. انظر: شرح فتح القدير (1/ 167)، البناية (1/ 643)، حاشية رد المحتار (1/ 293).

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): «الآية» .

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

المبسوط للسرخسي (3/ 152) فصل الأحكام التي تتعلق بالحيض.

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

كتاب التجنيس (1/ 187) مسألة (112) كتاب الطهارات، باب الحيض.

(10)

ساقطة من (ب).

(11)

المحيط (1/ 217) الفصل الثامن في الحيض.

ص: 231

قال الهندواني

(1)

: لا أفتي بهذا وإن روي عنه.

وفي «العيون»

(2)

: لا بأس للجنب أن يقرأ [الفاتحة]

(3)

على سنن الدعاء أو شيئًا من الآيات التي فيها معنى الدعاء

(4)

، وهذا إشارة إلى أنه يتغير بقصده حكمها، كذا ذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله، وذكر أيضًا، وحرمة قراءة الآية إن كانت طويلة فظاهر،، وإن كانت قصيرة يجري مثلها في اللسان من غير قصد كقوله:«ثم نظر» . وقوله: «لم يلد» لم يحرم.

(وَلَيْسَ لَهُمْ مَسُّ الْمُصْحَفِ إلَّا بِغِلَافِهِ، وَلَا أَخْذُ دِرْهَمٍ فِيهِ سُورَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ إلَّا بِصُرَّتِهِ وَكَذَا الْمُحْدِثُ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ إلَّا بِغِلَافِهِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» ثُمَّ الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ حَلَّا الْيَدَ فَيَسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِ الْمَسِّ وَالْجَنَابَةُ حَلَّتْ الْفَمُ دُونَ الْحَدَثِ فَيَفْتَرِقَانِ فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ وَغِلَافُهُ مَا يَكُونُ مُتَجَافِيًا عَنْهُ دُونَ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ كَالْجِلْدِ الْمُشْرَزِ هُوَ الصَّحِيحُ)

-قوله رحمه الله: (وليس لهم مس المصحف إلا بغلافه) وكذلك «ليس لهم مس اللوح المكتوب عليه آية تامة من القرآن لقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}، [الواقعة: 79] وهذا قرآن قيل في تأويله لا ينزله إلا السفرة الكرام البررة فظاهره يفيد منع غير الطاهر من مسه» ، كذا في «المبسوطين»

(5)

.

(1)

هو: محمد بن عبد الله بن محمد البلخي، أبو جعفر، الهندواني (نسبة إلى باب هندوان محلة ببلخ) وهو فقيه، زاهد، ورع، يقال له (أبو حنيفة الصغير) من شيوخه: أبو بكر الأعمش ومحمد بن عقيل البلخي وغيرهما، ومن تلاميذه: أبو الليث السمرقندي وغيره، (ت 362 هـ):. الفوائد البهية (ص 179) الجواهر المضية (1/ 99)، الوافي بالوفيات (2783)، سير أعلام النبلاء (18/ 194).

(2)

كتاب العيون في الفقه (مخطوط) لأبي الليث، نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (ت 373 هـ) انظر: الجواهر المضية (2/ 264)، تاج التراجم (2/ 118)، الوافي بالوفيات (27/ 54)، الأعلام للزركلي (8/ 27)، أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون (1/ 71).

(3)

في (ب): «القراءة» .

(4)

انظر: البناية شرح الهداية (1/ 648).

(5)

المبسوط للسرخسي (3/ 152) فصل: الأحكام التي تتعلق بالحيض.

ص: 232

-قوله: (وغلافه ما كان متجافيًا عنه) أي: ما كان متباعدًا عن المصحف بأن يكون شيئًا ثالثًا بين الماس والممسوس ولا يكون تبعًا لأحدهما كالكم في [حق]

(1)

الماس والجلد [المشَّرز]

(2)

في حق الممسوس، وعن هذا قالوا: لا بأس بأن يحمل خرجًا فيه مصحف.

وقال بعضهم: يكره.

وزاد بعضهم فيه أيضًا حتى قال: يكره أخذ زمام الإبل التي عليها المصحف قاصدًا حمل المصحف.

ولكن ما قالوه بعيد حتى لو أجنب الحاج في المفازة لا يلزمه أن يلقي هميان الدنانير التي كتب عليها اسم الله. كذا ذكره الإمام المحبوبي.

وذكر أيضًا: ولا يستحب مس كتب الفقه؛ لأنها لا تخلو عن آيات القرآن، ولا بأس مسه بالكم بالاتفاق لعموم البلوى

(3)

.

‌وَيُكْرَهُ مَسُّهُ بِالْكُمِّ هُوَ الصَّحِيحُ لأنَّهُ تَابِعٌ لَهُ بِخِلَافِ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ لأهْلِهَا حَيْثُ يُرَخَّصُ فِي مَسِّهَا بِالْكُمِّ لأنَّ فِيهِ ضَرُورَةٌ، وَلَا بَأْسَ بِدَفْعِ الْمُصْحَفِ إلَى الصِّبْيَانِ لأنَّ فِي الْمَنْعِ تَضْيِيعَ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَفِي الْأَمْرِ بِالتَّطْهِيرِ حَرَجًا بِهِمْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ

-قوله: (ويكره مسه بالكم وهو الصحيح).

[و]

(4)

في «المحيط» : «قال [بعض]

(5)

مشايخنا: يكره للحائض مس المصحف بالكم وعامتهم على أنه لا يكره»

(6)

.

وفي «الجامع الصغير» للإمام التمرتاشي: وقيل: لو مسه بالكم جاز.

وعن محمد رحمه الله: فيه روايتان.

وفي «شرح عتابٍ»

(7)

: الكم تبع للحامل. ألا ترى أنه لو بسط كمه على النجاسة وسجد عليه لا يجوز. وكذا لو قام متخففًا أو متثقلاً على النجاسة، وكذا لو حلف لا يجلس على الأرض فجلس على ثيابه على الأرض يحنث.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

المشرَّز، معناها: أي: اللصوق به، فيقال: مصحف مشرز أجزاؤه أي: مسد وبعضها من الشيرازة وليست بعربية، وفي " العباب " مصحف مشرز أي: مضموم الكراريس والأجزاء بعضها إلى بعض، مضموم الطرفين، البناية شرح الهداية (1/ 652).

(3)

معنى (عموم البلوى): شمول التكليف لجميع المكلفين أو أكثرهم عملا. إجابة السائل شرح بغية الأمل (1/ 109) الباب الثاني في الأدلة.

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

المحيط (1/ 58) ومدة الحيض.

(7)

كتاب «شرح عتاب» لم أجد مؤلفه، وقد ذكره بعض الأحناف في كتبهم، انظر: رد المحتار (5/ 48)، شرح فتح القدير (1/ 1415)، حاشية ابن عابدين (1/ 650)، درر الحكام (1/ 109) ولعله يقصد الفتاوى العتابية لأبي نصر العتابي (ت 586 هـ) قال في الجواهر المضية (1/ 114) عند ترجمته «وله جوامع الفقه أربع مجلدات» والله أعلم.

ص: 233

وفي «الإيضاح»

(1)

: يمنع الكافر عن مسه عند أبي يوسف رحمه الله وإن اغتسل.

وفي «الفوائد الظهيرية»

(2)

: والنظر إلى المصحف لا يكره للجنب والحائض؛ لأن الجنابة لا تحل العين، ألا ترى أنه لا يفترض إيصال الماء إليها.

وأما مس ما فيه ذكر الله تعالى سوى القرآن فقد أطلقه عامة مشايخنا ذكره بعضهم.

-قوله: (هو الصحيح) واختلفوا فيما إذا كان المصحف مجلدًا فمنهم من قال: لا بأس بأخذه؛ لأن المس يلاقي جلده.

قال شمس الأئمة السرخسي

(3)

رحمه الله: الأصح أنه يمنع منه إذا كان الجلد ملصقًا به؛

لأن الجلد متصل به فكان تبعًا كذا ذكره الإمام المحبوبي

(4)

رحمه الله.

وفي «التحفة»

(5)

قيل: المكروه من المكتوب لا مواضع البياض، ذكره الإمام التمرتاشي.

‌(ولا َبأسَ بِدَفْعِ الْمُصْحَفِ إلَى الصِّبْيَانِ لأنَّ فِي الْمَنْعِ تَضْيِيعَ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَفِي الْأَمْرِ بِالتَّطْهِيرِ حَرَجًا بِهِمْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ

-قوله: (ولا [بأس]

(6)

[بدفع]

(7)

المصحف إلى الصبيان) أي: لا بأس بأن يعطى الصبيان المصاحف وإن كان الصبيان [محدثين]

(8)

، وإنما ذكر هذه المسألة مع أن الصبيان غير مخاطبين بشيء من التكليف لشبهة ترد وهي وإن لم يكن الصبيان مخاطبين بالتكليفات ولكن الدافع البالغ إلى الصبي المحدث يجب أن يكون مكلفًا بأن لا يدفع المصحف إليه كما هو مكلف بأن لا يلبس الذكر من الصبيان الحرير، وأن لا يسقى الخمر، وأن لا يوجه الطفل الصغير إلى جهة القبلة عند قضاء حاجة الطفل الصغير، وليس معنى الكلام ولا بأس للمحدث البالغ [الكبير]

(9)

بدفع المصحف إلى الصبيان لما أن ذلك الدفع مكروه، وإن كان قليلاً من المدة لما ذكرت من الرواية التي ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله في تعليل حرمة دخول الجنب المسجد على وجه العبور في قوله: كما في مس المصحف لما [يثبت]

(10)

الحرمة

(1)

سبق التعريف بها (ص 254).

(2)

سبق التعريف بها (ص 342).

(3)

لم أجده عندهما، انظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 31) باب الحيض.

(4)

لم أجده عندهما، انظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 31) باب الحيض.

(5)

سبق التعريف به (ص 333) هامش (4).

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

في (ب): «يدفع» .

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(10)

في (ب): «ثبت» .

ص: 234

بسبب الجنابة أو الحدث [يسوّي]

(1)

بين الأخذ للإمساك وبين الأخذ لتناول غيره.

ولأن ذكر [الجمع]

(2)

في قوله: حرجًا عليهم. راجع إلى لفظ الصبيان؛ لأن لفظ الصبيان مذكور ولفظ المدافعين غير مذكور، ولأن الإمام المحبوبي رحمه الله صرّح بهذا فقال: وأما مس الصبيان المصاحف والألواح في المكتب وغيره فلا بأس به؛ لأنهم [لا]

(3)

يخاطبون بالطهارة وإن أمروا به تخلقًا واعتيادًا.

ثم قال: ولا يقال: البالغ مخاطب بأن لا يتناوله المصحف مع العلم بحاله كما يخاطب بأن لا يسقيه الخمر وأن لا يلبس الذكور من الصبيان الحرير، وهذا لأن حكم مس المصحف مع الحدث أخف من [حكم]

(4)

شرب الخمر ولبس الحرير مع التعلق بالأمر الديني وهو حفظ القرآن.

-قوله: (وفي الأمر بالتطهير حرجًا عليهم) ولم يقل: سقط الأمر عنهم؛ لأنهم [غير]

(5)

مكلفين لما أن عموم قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} ، [الواقعة: 79] يتناولهم ويتناول دافعهم، [ثم]

(6)

إن الصبيان لو لم يخاطبوا يجب أن يخاطب أولياؤهم كما في إلباس الحرير، [وبهذا]

(7)

التعليل استدل من كره ذلك فقال فخر الإسلام رحمه الله في «الجامع الصغير» : ومن مشايخنا من كره تعليم الصبي بأن يدفع إليه مصحف أو لوحٌ عليه كلام الله، وعن هذا القول احترز بقوله في الكتاب: وهذا هو الصحيح.

‌قَالَ (وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ لأقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ) أويمضي عليها وقت صلاة كامل لأنَّ الدَّمَ يَدِرُّ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى)

-قوله: (وإذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة أيام لم يحل وطئها حتى تغتسل) هذا إذا انقطع [دمها]

(8)

فيما دون العشرة عند تمام عادتها، وأما إذا كان الانقطاع أقل من عادتها وأقل من العشرة فيكره وطئها وإن اغتسلت على ما يجيء بعد هذا في قوله ولو كان انقطع الدم دون عادتها.

وقال في «المحيط» : وإن كانت معتادة وانقطع الدم فيما دون العادة ولكن بعد ما مضى ثلاثة أيام واغتسلت أو مضى عليها الوقت كره للزوج قربانها، [وكره]

(9)

/ 28/ أ/ لها التزوج بزوج آخر حتى تأتي عادتها وتغتسل، ولو كانت أيام حيضها دون العشرة فانقطع الدم على رأس عادتها أخرت الاغتسال إلى آخر الوقت.

(1)

في (ب): «سوى.

(2)

في (ب): «الجميع» .

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

في (ب): «وهذا» .

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

في (ب): «ولكن» .

ص: 235

[قال]

(1)

الفقيه أبو جعفر

(2)

: تأخير الاغتسال في هذه [الصورة]

(3)

على سبيل [الاستحباب]

(4)

دون [الإيجاب]

(5)

، وفيما إذا انقطع الدم فيما دون عادتها، [وباقي]

(6)

المسألة بحالها فتأخير الاغتسال بطريق الإيجاب

(7)

.

قوله: (أو يمضي عليها وقت صلاة كامل)

(8)

فإن قلت: قوله: كامل إن كان صفة لوقت يجب أن يكون مرفوعًا، وإن كان صفة لصلاة يجب أن يقال: كاملة. فما وجهه؟

قلت: هو صفة لوقت وانجراره للجوار كما في حجر ضب خرب. كذا قال شيخي

(9)

رحمه الله. ثم المراد من كمال الوقت هنا أن يقع موجبًا الصلاة عليها بأن يقع هذا الانقطاع في آخر وقت الصلاة موجب عليها الصلاة، وأما مضي كمال الوقت على معنى أنه انقطع دمها في أول الوقت [ودام]

(10)

الانقطاع حتى مضى الوقت فليس بمشروط لكونها من الطاهرات في حق [حل]

(11)

القربان ووجوب الصلاة، [وقد ذكر في حيض الإمام نجم الدين الخوارزمي

(12)

في هذا الموضع: أو يمضي عليها أدنى وقت الصلاة]

(13)

وهو ما يسع الاغتسال والتحريمة ليتأكد الانقطاع المحتمل بحكم من أحكام الطاهرات.

(1)

في (ب): «فإن» وهو خطأ.

(2)

لعله يقصد الطحاوي، أو أبو جعفر الهندواني.

(3)

في (ب): «الصلاة» .

(4)

في (ب): «الاستحسان» .

(5)

في (ب): «الوجوب» .

(6)

في (ب): «وأما» .

(7)

المحيط (1/ 218) الفصل الثامن من في الحيض.

(8)

كذا في بعض النسخ، ونصها في الهداية (ومضى عليها أدنى وقت الصلاة) طبعة دار السلام وهي نسخة مصورة في دار الكتب المصرية تحت رقم (575) فقه حنفي.

(9)

لعله شيخه الإمام محمد البخاري (ت 693 هـ). أو جلال الدين البخاري (المعشر).

(10)

في (أ): «دم» والتصويب من (ب).

(11)

ساقطة من (ب).

(12)

هو: يوسف بن أحمد بن أبي بكر الخوارزمي، جمال الأئمة، نجم الدين الخاصّي نسبة إلى قرية الخاصّ في خوارزم، فقيه حنفي من مصنفاته الفتاوى الصغرى، الفتاوى الكبرى. (ت 634 هـ):. الجواهر المضية (2/ 223)، هدية العارفين (2/ 542)، الأعلام للزركلي (8/ 214).

(13)

ساقطة من (ب).

ص: 236

‌فَلا بُدَّ مِنْ الاغْتِسَالِ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الانْقِطَاعِ (وَلَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَمَضَى عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ الصَّلاةِ بِقَدْرِ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةُ حَلَّ وَطْؤُهَا) لأنَّ الصَّلاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا فَطَهُرَتْ حُكْمًا، (وَلَوْ كَانَ انْقَطَعَ الدَّمُ دُونَ عَادَتِهَا فَوْقَ الثَّلاثِ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ) لأنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ فَكَانَ الاحْتِيَاطُ فِي الاجْتِنَابِ (وَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ حَلَّ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ) لأنَّ الْحَيْضَ لا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ إلا أَنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ قَبْلَ الاغْتِسَالِ لِلنَّهْيِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالتَّشْدِيدِ

-قوله: (وإن انقطع الدم لعشرة أيام حل وطئها قبل الغسل) وحل الوطء ليس بمتوقف ها هنا إلى انقطاع الدم، ولكن [ذكره]

(1)

بمقابلة قوله أولاً: وإذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة أيام فإن الانقطاع والغسل شرط هناك لحل الوطء وليس بشرط ها هنا، ثم ذكر ها هنا تفاوت حل الوطء في الصورتين ولم يذكر تفاوت وجوب الصلاة عليها عند إدراك جزء من وقت الصلاة، وحاصله أنه يشترط يمكن الاغتسال والتحريمة في الوقت في الصورة الأولى وهي ما دون العشرة دون [الأخيرة]

(2)

وهي تمام العشرة.

وقال في «المبسوط» : «وإذا طهرت من الحيض وعليها من الوقت ما تغتسل فيه كان عليها قضاء تلك الصلاة وإن [كان عليها من الوقت ما لا تستطيع أن تغتسل يه فليس عليها قضاء تلك الصلاة، وهذا إذا كان أيامها دون العشرة، فأما إذا كان أيامها عشرة فانقطع الدم وعليها من الوقت شيء قليل أو كثير فعليها قضاء تلك الصلاة؛ لأنه إذا كان أيامها عشرة فبمجرد انقطاع الدم تيقنا بخروجها من الحيض، فإذا أدركت جزءًا من الوقت يلزمها قضاء تلك]

(3)

الصلاة سواء تمكنت فيه من الاغتسال أو لم تتمكن. وأما إذا كانت أيامها دون العشرة [فمدة]

(4)

الاغتسال من جملة حيضها، ولما كان كذلك قلنا: إذا أدركت من الوقت مقدار ما يمكنها أن تغتسل فيه وتفتتح الصلاة وقد أدركت جزءًا من الوقت بعد الطهارة فعليها قضاء تلك الصلاة وإلا فلا»، كذا في «المبسوط»

(5)

.

ثم حِلْ القربان قبل الاغتسال عند الانقطاع لتمام العَشَرة مذهبنا خلافًا لزفر والشافعي؛ فإنهما يشترطان الاغتسال في الصورتين فخلاف زفر مذكور في «المبسوط»

(6)

، وخلاف الشافعي

(7)

رحمه الله مذكور في نسخ الحيض والمنظومة.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

في (ب): «الآخرة» .

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

في (ب): «فهذا» .

(5)

المبسوط للسرخسي (2/ 15) باب صلاة المستحاضة.

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (3/ 146 - 208).

(7)

قال الشافعي-رحمه الله"ولم يذكر في حديث عائشة-رضي الله عنها الغسل عند تولي الحيضة وذكر غسل الدم فأخذنا بإثبات الغسل من قول الله-عزوجل- {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] ".

ص: 237

‌قَالَ (وَالطُّهْرُ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَوَجْهُهُ أَنَّ اسْتِيعَابَ الدَّمِ مُدَّةَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالإجْمَاعِ فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ كَالنِّصَابِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَهُوَ رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ: هُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ أَنَّ الطُّهْرَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لا يُفْصَلُ، وَهُوَ كُلُّهُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي لأنَّهُ طُهْرٌ فَاسِدٌ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ، وَالْأَخْذُ بِهَذَا الْقَوْلِ أَيْسَرُ، وَتَمَامُهُ يُعْرَفُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ)

-قوله: (والطهر إذا تخلل بين الدمين إلى آخره) «روى محمد عن أبي حنيفة-رحمهما الله-: أن الشرط أن يكون الدم محيطًا بطرفي العشرة، وإذا/ 28/ ب/ كان كذلك لم يكن الطهر المتخلل فاصلاً بين الدمين وإلا كان فاصلاً، وعلى هذه الرواية لا يجوز بداية الحيض ولا ختمه بالطهر.

قال: لأن الطهر ضد الحيض، ولا يبدأ الشيء بما يضاده ولا يختم به، ولكن المتخلل بين الطرفين يجعل تبعًا لهما كما قلنا في الزكاة [أن]

(1)

كمال النصاب في أول الحول وآخره شرط لوجوب الزكاة ونقصانه في خلال الحول لا يضر، وبيان هذا من المسائل مبتدأة لو رأت يومًا دمًا وثمانية طهرًا ويومًا دمًا فالعشرة كلها دم لإحاطة الدم بطرفي العشرة، ولو رأت يومًا دمًا وتسعةً طهرًا ويومًا دمًا لم يكن شيء منه حيضًا، كذا في «المبسوط»

(2)

.

-قوله: (وعن أبي يوسف رحمه الله) إلى آخره، الأصل عند أبي يوسف

(3)

وهو قول أبي حنيفة الآخر: إن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان أقل من خمسة عشر يومًا لا يصير فاصلاً، بل يجعل كالدم المتوالي، ومن أصله أنه يجوز بداية الحيض بالطهر، ويجوز ختمه به بشرط أن يكون قبله وبعده دم، وإن كان بعده دم ولم يكن قبله دم يجوز ختم الحيض بالطهر ولا يجوز بدايته، وإن كان قبله دم ولم يكن بعده دم يجوز بداية الحيض بالطهر ولا يجوز ختمه به. ومن أصله أنه يجعل زمانًا هو طهر كله حيضًا بإحاطة الدمين به، وحجته في ذلك أن الطهر الذي هو دون خمسة عشر لما يصلح للفصل بين الحيضتين، وكذلك للفصل بين الدمين؛ لأن أقل مدة الطهر الصحيح خمسة عشر يومًا فما دونه فاسد، وبين صفة الصحة والفساد منافاة، [والفساد]

(4)

لا يتعلق به أحكام الصحيح شرعًا فكان كالدم المتوالي، وبيانه من المسائل مبتدأة رأت يومًا دمًا وأربعة عشر طهرًا ويومًا دمًا فالعشرة من أول ما رأت عنده حيض يحكم ببلوغها به، وكذلك إذا رأت يومًا دمًا وتسعة طهرًا ويومًا دمًا، وعند محمد رحمه الله: لا يكون شيء منه حيضًا، ويأتي ما هو الأصل عنده.

واحتج [محمد]

(5)

في الكتاب فقال: الدم المرئي في اليوم الحادي عشر لما كان استحاضة كان بمنزلة الرعاف، فلو جاز أن يجعل أيام الطهر حيضًا بالدم الذي هو ليس بحيض لجاز بالرعاف، ولأن ذلك الدم ليس بحيض بنفسه فكيف يجعل باعتباره زمان الطهر حيضًا.

(1)

في (ب): «لأن» .

(2)

المبسوط للسرخسي (3/ 156) فصل: الطهر المتخلل بين الدمين.

(3)

انظر: لقول أبي يوسف: في المبسوط للسرخسي (3/ 154)، بدائع الصنائع (1/ 40)، المحيط البرهاني (1/ 223)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 26).

(4)

في (ب): «والفاسد» .

(5)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

ص: 238

وقال أبو يوسف رحمه الله: إنه خارج من الفرج فلا يكون كالرعاف. ثم قال: قد يجوز أن يجعل الزمان الذي هو حيض كله صورة طهرًا حكمًا فكذلك يجوز أن يجعل الزمان الذي هو طهر كله صورة حيضًا بإحاطة الدمين به، وإذا كان جواز هذا في جميع المدة ثبت في أولها وآخرها بالطريق الأولى، لكن إذا وجد شرطه وهو أن يكون قبله وبعده ليكون الدم محيطًا بالطهر، وبيان هذا الأصل من المسائل على قوله في امرأة [أيام]

(1)

عادتها في أول كل شهر خمسة فرأت قبل أيامها بيوم [يومًا]

(2)

دمًا ثم طهرت [خمستها]

(3)

ثم رأت يومًا دمًا، فعنده خمستها حيض إذا جاوز المرئي عشرة لإحاطة الدمين بزمان عادتها وإن لم تر فيه شيئًا، وأما إذا لم تجاوز العشرة فيكون جميع ذلك حيضًا، وكذلك لو رأت قبل خمستها يومًا دمًا ثم طهرت أول يوم من خمستها، ثم رأت ثلاثة دمًا ثم طهرت آخر يوم من خمستها، ثم استمر بها الدم فحيضها خمستها عنده وإن كان ابتداء الخمسة وختمها بالطهر لوجود الدم قبله وبعده.

والأصل عند محمد رحمه الله

(4)

وهو الأصح وعليه الفتوى: أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان دون ثلاثة لا يصير فاصلاً، وهذا بالاتفاق، فإذا بلغ الطهر ثلاثة أيام أو أكثر نظر فإن استوى [الدم]

(5)

بالطهر في أيام الحيض أو كان الدم غالبًا لا يصير فاصلاً أيضًا، وإن كان الطهر غالبًا يصير فاصلاً فحينئذٍ [ننظر]

(6)

إن لم يمكن أن يجعل واحد منهما بانفراده [حيضًا لا يكون شيء منه حيضًا، وإن أمكن أن يجعل أحدهما بانفراده]

(7)

حيضًا أن المتقدم والمتأخر يجعل ذلك حيضًا وإن أمكن أن يجعل كل واحد منهما حيضًا بانفراده يجعل الحيض أسرعهما إمكانًا، ولا يكون كلاهما حيضًا إذ لم يتخللهما طهر تام وهو لا يجوز بداية الحيض ولا ختمه به سواء كان قبله أو بعده دم أو لم يكن، ولا يجعل زمان الطهر زمان الحيض بإحاطة الدمين [به]

(8)

؛ لأن الطهر يعتبر بالحيض فكما أن ما دون الثلاث من الحيض لا حكم له، ويجعل هو كحالة الطهر فكذلك ما دون الثلاث من الطهر لا حكم له فيجعل كالدم المتوالي، وإذا بلغ ثلاثًا فصاعدًا فإن كان الدم غالبًا فالمغلوب لا يظهر في مقابلة الغالب، فإن كانا سواء فكذلك لما أن اعتبار الدم يوجب حرمة الصوم والصلاة واعتبار الطهر يوجب حل ذلك، وإذا استوى الحلال والحرام [يُغلب]

(9)

الحرام كما في التحري في الأواني إذا كانت الغلبة للنجاسة أو كانا سواء لا يجوز التحري فهذا مثله، بيان هذا مبتدأة رأت يومًا دمًا ويومين طهرًا ويومًا دمًا فالأربعة حيض؛ لأن الطهر المتخلل دون الثلاث، ولو

(1)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): «خمسًا» .

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (3/ 156)، البناية (1/ 657).

(5)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(6)

في (ب): «نظر» .

(7)

ساقطة من (ب).

(8)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(9)

في (أ): «تغلبُ» والتثبت من (ب).

ص: 239

رأت يومًا دمًا وثلاثة طهرًا ويومًا دمًا لم يكن شيء منها حيضًا؛ لأن الطهر وهو ثلاثة أيام غالب على الدمين.

وإن رأت يومًا دمًا وثلاثة طهرًا ويومين دمًا فالستة كلها حيض؛ لأن الدم استوى [بالطهر]

(1)

فغلب الدم، وإن رأت ثلاثة دمًا وخمسة طهرًا ويومًا دمًا فحيضها الثلاثة الأولى؛ لأن الطهر غالب فصار فاصلاً، والمتقدم بانفراده يمكن أن يجعل حيضًا فجعلناه حيضًا، ولو رأت [ثلاثة]

(2)

دمًا وخمسة طهرًا وثلاثة دمًا فحيضها الثلاثة [الأخيرة لما بينا، ولو رأت ثلاثة دمًا وستة طهرًا وثلاثة دمًا فحيضها الثلاثة]

(3)

الأولى؛ لأنه أسرعهما إمكانًا.

فإن قيل: قد استوى الدم بالطهر ها هنا فلماذا لم يجعل كالدم المتوالي.

قلنا: استواء الدم بالطهر إنما يعتبر في مدة الحيض، وأكثر الحيض عشرة، والمرئي في العشرة ثلاثة دم وست طهر ويوم دم فكان الطهر غالبًا فلهذا صار فاصلاً.

(وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا) هَكَذَا نُقِلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَأَنَّهُ لا يُعْرَفُ إلا تَوْقِيفًا (وَلا غَايَةَ لأكْثَرِهِ) لأنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ فَلا يَتَقَدَّرُ بِتَقْدِيرٍ إلا إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَاحْتِيجَ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ

-قوله: (وأقل الطهر خمسة عشر يومًا)، وفي هذا الاختلاف بيننا وبين الشافعي.

«وقال عطاء رحمه الله: أقله تسعة عشر يومًا. قال: لأنه يشتمل الشهر على الحيض والطهر عادةً، وقد يكون/ 29/ أ/ الشهر تسعة وعشرين يومًا، فإذا كان أكثر الحيض عشرة بقي الطهر تسعة عشر يومًا.

ولنا: أن مدة [الطهر]

(4)

نظير مدة الإقامة من حيث أنها تعيد ما كان سقط من الصوم والصلاة، وقد ثبت بالأخبار أن أقل مدة الإقامة خمسة عشر يومًا فكذلك أقل مدة الطهر، ولهذا قدرنا أقل مدة الحيض بثلاثة أيام اعتبارًا بأقل مدة السفر، فإن كل واحد منهما يؤثر في الصوم والصلاة» كذا في «المبسوط»

(5)

.

(1)

في (ب): «الطهر» .

(2)

في (أ): «يومًا» والتصويب من (ب).

(3)

ساقط من (ب).

(4)

في (ب): «الحيض» ولعله تصحيف.

(5)

المبسوط للسرخسي (3/ 148) كتاب الحيض والنفاس.

ص: 240

-قوله: (ولا غاية لأكثره) معناه ما دامت ترى الطهر تصلي وتصوم وإن استغرق عمرها.

وذكر في «[حيض]

(1)

الخوارزمي»: الطهر نوعان: كامل، وناقص. فالكامل نوعان: صحيح وفاسد، أما الكامل فهو ما ذكرنا، وأما الناقص فهو ما لا يبلغ خمسة عشر يومًا.

ثم الصحيح من الكامل هو ما لا يشوبه دم تؤمر فيه بالصلاة، والفاسد بخلافه، مثاله: مبتدأة رأت ثلاثة دمًا وخمسة عشر طهرًا، ثم استمر [بها الدم فحيضها ثلاثة وطهرها خمسة عشر يومًا، وهو صحيح لخلوصه، ولو رأت ثلاثة دمًا وخمسة عشر طهر أو يومًا دمًا وخمسة عشر طهرًا ثم استمر]

(2)

فطهرها بقية الشهر سبعة وعشرون لفساد كل واحد من الطهرين لثبوت دم الاستحاضة به.

قوله: (فلا يتقدر [بتقدير]

(3)

إلا اذا استمر بها الدم) صورته: امرأة بلغت فرأت ثلاثة دمًا وسنة [أو]

(4)

سنتين طهرًا، ثم استمر بها الدم. قال أبو عصمة سعد بن معاذ المروزي رحمه الله: طهرها ما رأت وحيضها ثلاثة أيام.

وقال محمد بن إبراهيم الميداني: طهرها سنة إلا ساعة؛ لأن أقل المدة التي يرتفع الحيض فيها ستة أشهر وهو أقل مدة الحبل، إلا أن ما عليه الأصل أن مدة الطهر أقل من مدة الحبل فنقصنا منه شيئًا يسيرًا وهو الساعة.

وذكر في «المحيط»

(5)

بيان هذا فقال: مبتدأة رأت عشرة دمًا وستة طهرًا ثم استمر بها الدم.

قال أبو عصمة: حيضها وطهرها ما رأت حتى أن عدتها تنقضي إذا طلقها زوجها بثلاث سنين وثلاثين يومًا.

وقال الإمام الميداني: إن عدتها تنقضي بتسعة عشر شهرًا إلا ثلاث ساعات لجواز أن يكون وقوع الطلاق عليها في حالة الحيض فيحتاج إلى ثلاثة أطهار كل طهر ستة أشهر إلا ساعة، وكل حيض عشرة أيام.

وقيل: طهرها أربعة أشهر إلا ساعة؛ لأنه أقل مدة استبانة الخلق ونقصنا ساعة لما قلنا، والحاكم الشهيد قدره بشهرين.

قال الإمام برهان الدين عمر بن علي بن أبي بكر رحمه الله

(6)

: والفتوى على قول الحاكم الشهيد؛ لأنه أيسر على المفتي والنساء.

(1)

في (ب): «الحيض» ولعله تصحيف.

(2)

ساقط من (ب).

(3)

في (ب): «إلا بتقدير» ولعل «إلا» زائدة.

(4)

في (ب): «و» .

(5)

انظر: المحيط (1/ 210) الفصل الثامن في الحيض.

(6)

هو الإمام برهان الدين، عمر بن علي بن أبي بكر بن محمد بن بركة، تفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة:. ودرس وأفتى وحدث، وله نظم حسن وخط جيد، (ت 669 هـ) بالقاهرة:. الجواهر المضية (1/ 393) برقم (1088).

ص: 241

(وَدَمُ الاسْتِحَاضَةِ) كَالرُّعَافِ الدَّائِمِ لا يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَلا الصَّلاةَ وَلا الْوَطْءَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «تَوَضَّئِي وَصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» وَإِذَا عُرِفَ حُكْمُ الصَّلاةِ ثَبَتَ حُكْمُ الصَّوْمِ وَالْوَطْءُ بِنَتِيجَةِ الإجْمَاعِ (وَلَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ) وَلَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ دُونَهَا رَدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا، وَاَلَّذِي زَادَ اسْتِحَاضَةٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» وَلأنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ يُجَانِسُ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَيُلْحَقُ بِهِ)

-قوله: (ولأن الزائد على العادة يجانس [ما زاد]

(1)

على العشرة فيلحق به) وهذا لأن [المقدر]

(2)

العادي مثل [المقدر]

(3)

الشرعي، ألا ترى أنها إذا بلغت واستمر بها الدم فيجعل عشرة وعشرين. وكذلك إذا رأت حالة البلوغ ثلاثة أيام ثم استمر بها الدم في المرة الثانية تجعل حيضها من كل شهر ثلاثة أيام.

وقال الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «المبسوط» : «لأن الحيض لا يكون أكثر من عشرة فتيقنا فيما زاد على العشرة أنه استحاضة وتيقنا في أيامها بالحيض وبقي التردد فيما زاد إلى تمام العشرة، فإن ألحقناه بما قبله كان حيضًا، وإن ألحقناه بما بعده كان استحاضة فلا تترك الصلاة فيه بالشك؛ لأن وجوب الصلاة كان ثابتًا بيقين فلا يترك إلا بيقين مثله

(4)

، وكان إلحاقه بما بعده أولى؛ لأنه ما ظهر إلا في الوقت الذي ظهر فيه الاستحاضة متصلاً به»

(5)

، [هذا الذي ذكره في المعتادة بما دون العشرة فجاوز الدم في المرة الثانية من العشرة.

(1)

في (ب): «على ما زاد» ولعل «على» زائدة.

(2)

في (ب): «المقدار» .

(3)

في (ب): «المقدار» .

(4)

هذه قاعدة (ماثبت بيقين لايرتفع إلا بيقين)

ومعناها: أن اليقين إذا لم يزول بالشك فهو يزول ويرتفع بيقين مثله. مثل: إذا شك في ترك مأمور في الصلاة: قالوا يسجد للسهو، أو شك في ارتكاب فعل منهي عنه وهو في الصلاة فلا يسجد؛ لأن الأصل عدم الفعل. أو سها وشك هل سجد للسهو؟ يسجد، لأن الذمة أعمرت بيقين، والسجود مشكول فيه، فعليه باليقين وهو السجود فعلاً. الوجيز في ايضاح قواعد الفقه الكلية (1/ 182).

(5)

المبسوط للسرخسي (2/ 16) باب صلاة المستحاضة.

ص: 242

وأما إذا كانت المرأة معتادة بما دون العشرة بأن كانت عادتها خمسة أيام مثلاً فرأت في المرة الثانية في اليوم السادس أيضًا دمًا فقد اختلف المشايخ فيه.

قال أئمة بلخ

(1)

: إنها تؤمر بالاغتسال والصلاة؛ لأن حال الزيادة متردد بين الحيض والاستحاضة فلا يترك الصلاة مع التردد، ولأن هذه الزيادة لا تكون حيضًا إلا بشرط وهو الانقطاع قبل أن تجاوز العشرة وذلك موهوم فلا تترك الصلاة باعتبار شرط هو موهوم.

وكان محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله يقول: لا تؤمر الاغتسال والصلاة وهو الأصح؛ لأنا عرفنا حائضًا بيقين، وفي خروجها من الحيض شك، ودليل بقائها حائضًا ظاهر وهو رؤية الدم، وهذه الزيادة لا تكون استحاضة إلا بشرط الاستمرار حتى تجاوز العشرة وذلك الشرط غير ثابت في الحال فتيقناها حائضًا، ولا تؤمر بالاغتسال والصلاة حتى يتبين أمرها، فإن جاوز العشرة فحينئذٍ تؤمر بقضاء ما تركت من الصلوات بعد أيام عادتها واعتبر هذه المدة بالمبتدأة لا تؤمر بالاغتسال والصلاة مع رؤية الدم ما لم يجاوز العشرة في كتاب الحيض للإمام عماد الدين أبي بكر النسفي

(2)

رحمه الله]

(3)

.

وقال شيخ الإسلام في «مبسوطه»

(4)

: وقال الشافعي بأن المرأة إذا استحيضت ولها أيام معلومة في الحيض فإنها تميز باللون فيما زاد على أيامها، فإن كان أسود عبيطًا أو أحمر خالصًا يجعلها حيضًا ولا عبرة للأيام وإن لم يكن أسود كان دم الاستحاضة وإن لم يكن التميز باللون بأن لم يكن أسود خالصًا أو أحمر خالصًا بل يشبه هذا وهذا حينئذٍ يعتير الأيام

(5)

.

(1)

بلخ: مدينة مشهورة بخراسان، تقع على الشاطئ الجنوبي لنهر جيحون وهي اليوم من بلاد الأفغان وينسب إليها كثير من العلماء منهم الحافظ، أبو بكر عبد الله بن جياش البلخي، والحسن بن شجاع، أبو علي علي البلخي المحدث وأبوإسحاق إبراهيم بن يوسف الباهلي البلخي، وجلال الدين الرومي الزاهد المتصوف وغيرهم. انظر: تعريف بالأعلام الواردة في البداية والنهاية لابن كثير (1/ 332) من إصدار موقع الإسلام.

(2)

هو الإمام عماد الدين أبو بكر محمد بن الحسن بن منصور النسفي تلميذ الاستاذ شمس الأئمة أبي محمد عبد العزيز بن أحمد الحلواني -رحمهما الله- الانساب للسمعاني (9/ 160).

(3)

ساقط من (ب).

(4)

انظر: مبسوط شيخ الإسلام، للشيباني (1/ 462 - 488).

(5)

انظر: الحاوي الكبير (1/ 398)

ص: 243

‌وَإِنْ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ لأنَّا عَرَفْنَاهُ حَيْضًا فَلا يَخْرُجُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

-قوله: (وإن ابتُدئت مع البلوغ مستحاضة) قال الشيخ رحمه الله: وإن ابتُدئت بضم التاء بدلالة قوله: وهي مبتدأة، ولم يقل: مبتدئة. وكذلك الاستحاضة أيضًا تستعمل على بناء [المفعول]

(1)

كجُنّ وأغمي لما أنه لا اختيار لها.

وفي «الصحاح» : «استحيضت المرأة أي استمر بها الدم بعد أيامها»

(2)

.

-قوله: (مستحاضة) بالنصب على الحال المقدرة كقوله تعالى: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73] أي: مقدرين بالخلود، والخلود ليس حالة الدخول، وإنما يثبت تقديرًا حالة الدخول كما في قوله: مررت بزيد بالصقر صائدًا أي مقدرًا الاصطياد في الغد، وكذلك ها هنا لم تثبت الاستحاضة حال ابتداء رؤيتها الدم، وإنما تثبت بالزيادة على العشرة، ولكن يعلم عند زيادته على العشرة أنها [مقدرة كانت]

(3)

الاستحاضة عند ابتداء رؤيتها الدم، -والله أعلم-.

‌فصل في المستحاضة ومن به سلس البول

(4)

(وَدَمُ الاسْتِحَاضَةِ) كَالرُّعَافِ الدَّائِمِ لا يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَلا الصَّلاةَ وَلا الْوَطْءَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «تَوَضَّئِي وَصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» وَإِذَا عُرِفَ حُكْمُ الصَّلاةِ ثَبَتَ حُكْمُ الصَّوْمِ وَالْوَطْءُ بِنَتِيجَةِ الإجْمَاعِ (وَلَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ) وَلَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ دُونَهَا رَدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا، وَاَلَّذِي زَادَ اسْتِحَاضَةٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» وَلأنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ يُجَانِسُ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَيُلْحَقُ بِهِ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ لأنَّا عَرَفْنَاهُ حَيْضًا فَلا يَخْرُجُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ذكر المستحاضة للمعنى الذي ذكرنا من أن الدماء المختصة بالنساء ثلاثة: حيض واستحاضة ونفاس. ذكر أيضًا من هو في حكم المستحاضة وهو من به سلس البول والرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ، فقدم ذكر الحيض لما قلنا أنه أكثر وقوعًا فكان أمس حاجة إلى معرفة أحكامه، ثم قدم الاستحاضة على النفاس إما لأن الاستحاضة موقوفة إلى عارضة فردة وهي خلاف ما تراه الحائض من الدم، والنفاس موقوف إلى عارضتين وهما: خروج الولد، وخروج الدم، والواحد قبل الاثنين. أو لأن الاستحاضة أكثر وقوعًا باعتبار كثرة أسبابها فإنها تكون مستحاضة كما إذا رأت الدم حالة الحبل أو زاد الدم على العشرة، أو زاد على معروفتها وجاوز العشرة، أو رأت ما دون الثلاث أو رأت قبل تمام الطهر، أو رأت قبل أن تبلغ تسع سنين على ما عليه العامة، كذا في نسخ الحيض، بخلاف النفاس فإن سببه شيء واحدٌ، ثم المصنف فسر الاستحاضة في آخر هذا الفصل بقوله: والمستحاضة هي التي يمضي عليها وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه [قبل]

(5)

.

(1)

في (ب): «الفاعل» .

(2)

الصحاح (3/ 1073) مادة [حيض] وانظر: المغرب (1/ 236).

(3)

في (ب): «كانت مقدرة» .

(4)

سلس: شيء سلس، أي سهل، ورجلٌ سَلِسٌ، أي: لين منقادٌ بين السَلَسِ والسَلاسَة. وفلانٌ سَلِسُ البول، إذا كان لا يستمسكه. الصحاح (3/ 938) مادة [سلس].

(5)

يقصد الكتب التي صنفها بعض فقهاء (الحنفية) عن (الحيض) مثل: أبي علي الدقاق الرازي. انظر: أخبار أبي حنيفة وأصحابه (1/ 165)، طبقات الفقهاء (1/ 141)، الجامع في الحيض للزاهدي (ت 658 هـ)، كشف الظنون (1/ 577) وكتاب الحيض للكرماني (ت 543 هـ)، كشف الظنون (2/ 1414).

ص: 244

والصحيح فيه أن يقال: المستحاضة هي من لايخل وقت الوضوء أو بعده في الوقت عن الحدث الذي ابتليت بدوامه وذلك لأنه يرد على قول الأول ما إذا رأت الدم في أول الوقت ثم انقطع فتوضأت ودام الانقطاع حتى خرج الوقت لا تنتقض طهارتها، ولو كان تفسير الاستحاضة ما قيل في الوجه الأول لا تنتقض طهارتها؛ لأن طهارة المستحاضة تنتقض بخروج الوقت.

ولا بد من العناية في التفسير الأول بأن يقال: المراد من وجود الحدث في وقت الصلاة هو أن يوجد في الوضوء في وقت الصلاة أو بعد الوضوء في وقت، يوضح هذا المعنى ما ذكره شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «الجامع الكبير»

(1)

وقال: إذا توضأت المستحاضة في وقت العصر والدم منقطع وصلّت ركعتين ثم دخل وقت المغرب ثم سال الدم فعليها أن تتوضأ وتبني على صلاتها؛ لأن انتقاض الطهارة كان بالحدث لا بخروج الوقت، ولم يوجد منها أداء شيء من الصلاة بعد الحدث فجاز لها أن تبني، وهذا لأن خروج الوقت عينه ليس بحدث ولكن الطهارة تنتقض عند خروج الوقت بسيلان مقارن للطهارة أو موجود بعده ولم يوجد فلا ينتقض بخروج الوقت.

ثم قال: وحاصل هذا الكلام أن الناقض لطهارة المستحاضة شيئان: سيلان الدم، وخروج الوقت.

ثم لو تجرد سيلان الدم عن خروج الوقت لم يكن ناقضًا، فكذلك إذا تجرد خروج/ 29/ ب/ الوقت عن سيلان الدم؛ لأن الحكم المتعلق بعلة ذات وصفين ينعدم بانعدام أحد الوصفين، يقال: شيء سلس أي: سهل، ورجل سلس أي: لين منقاد بين السلس والسلاسة، قد سَلِسَ البول إذا كان لا يستمسكه

(2)

.

[والرعاف]

(3)

: الدم الذي يخرج من الأنف رقاء [الدم]

(4)

سكن/ 30/ أ/ أي: ودم [الجرح]

(5)

الذي لا يسكن.

(وَالْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَالرُّعَافُ الدَّائِمُ وَالْجُرْحُ الَّذِي لا يَرْقَأُ يَتَوَضَّئُونَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلاةٍ فَيُصَلُّونَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ فِي الْوَقْتِ مَا شَاءُوا مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ)

-قوله رحمه الله: (ما شاءوا من الفرائض والنوافل) وهذا ليس بمحضر فيهما [بل]

(6)

كما يصلّون الفرائض والنوافل، كذلك تصلّون النذور والواجبات أيضًا ما دام الوقت باقيًا عند الشافعي رحمه الله

(7)

تتوضأ لكل صلاة مكتوبة.

(1)

شرح الجامع الكبير -مخطوط- وذكر نحو هذا الكلام في المبسوط للشيباني (1/ 342)، والمبسوط للسرخسي (2/ 143).

(2)

الصحاح (3/ 938) مادة [سلس].

(3)

في (ب): بدن واو.

(4)

في (ب): «كدم» ..

(5)

في (ب): «الجروح» .

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

مذهب الشافعية: أن المستحاضة حكمها حكم سلس البول، فعليها أن تتوضأ لكل فريضة، ولها ما شاءت من النوافل بعد الفريضة، ويجب أن تكون طهارتها بعد الوقت على الصحيح. انظر: الوسيط في المذهب (1/ 416)، روضة الطالبين (1/ 137)، المجموع (2/ 535)، حلية العلماء (1/ 134). وانظر في مذهب الأحناف: مختصر الصحاوي ص (22)، شرح فتح القدير (1/ 189)، البناية (1/ 672 - 682)، حاشية رد المحتار (1/ 306).

ص: 245

وقال مالك

(1)

: المستحاضة لا تتوضأ

(2)

؛ لأن مايناقض الوضوء يقارنه فلافائدة في الاشتغال به.

وقال بعض الناس

(3)

: بأنها تغتسل لكل صلاة.

وكان إبراهيم النخعي رحمه الله يقول: تغتسل في آخر وقت الظهر فتصلي الظهر في آخر الوقت والعصر في أول الوقت بغسل واحد، ثم تغتسل في آخر وقت المغرب فتصلي المغرب في آخر الوقت والعشاء في أول الوقت بغسلٍ واحد، وكذلك في العشاء مع الفجر.

(وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: تَتَوَضَّأُ الْمُسْتَحَاضَةُ لِكُلِّ مَكْتُوبَةٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ» وَلأنَّ اعْتِبَارَ طَهَارَتِهَا ضَرُورَةُ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ فَلا تَبْقَى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا. وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلاةٍ» وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ لأنَّ اللامَ تُسْتَعَارُ لِلْوَقْتِ، يُقَالُ آتِيك لِصَلاةِ الظُّهْرِ: أَيْ وَقْتِهَا وَلأنَّ الْوَقْتَ أُقِيمَ مَقَامَ الْأَدَاءِ تَيْسِيرًا فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ)

وهذا الاختلاف بيننا وبين الشافعي في المستحاضة ومن به سلس البول واستطلاق البطن وانفلات الريح من الدبر، فأما في حق صاحب الجرح السائل والرعاف الدائم فالخلاف بيننا وبينه بوجه آخر:[لما]

(4)

أنه لا يرى الخارج من غير السبيلين حدثًا.

-قوله: (فلا يبقى بعد الفراغ منها) أي: لا يبقى للمكتوبة. وأما تبقي طهارتها للنوافل عنده أيضًا لأن حاجتها لم ترتفع في حق النوافل؛ لأنها خير موضوع في كل وقت، ونظير هذا ما قال أبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله فيمن حضرته جنازة وهو محال لو اشتغل بالوضوء تفوته صلاة الجنازة فإنه يتيمم ويصلي، فإن صلى وليس له جنازة أخرى انتقض تيممه، وإن كان هناك جنازة أخرى لم ينتقض تيممه [فثبت]

(5)

بهذا أن وجود الماء عمل عند عدم الضرورة ولم يعمل عند الضرورة، كذا ذكره الإمام المحبوبي؛ لأن اللام تستعار للوقت يقال: آتيك لصلاة الظهر أي: وقتها، أو لأن الصلاة تذكر ويراد بها الوقت.

(1)

مذهب المالكية: أن المستحاضة حكمها حكم الطاهرة إلى أن يتغير الدم إلى صفة الحيض، وذلك إذا مضى لاستحاضتها من الأيام ما هو أكثر من أقل أيام الطهر، فحينئذ تكون حائضًا. انظر: بداية المجتهد (1/ 60)، المدونة (1/ 120)، التلقين في الفقه المالكي (1/ 125)، الكافي في فقه أهل المدينة (1/ 186)، البيان والتحصيل (1/ 151)، الذخيرة للقرافي (1/ 391).

(2)

أي: لا تتوضأ لكل صلاة.

(3)

لعله أراد بهم الحنابلة لأنه ذكر المذاهب الأخرى.

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): «فدل» .

ص: 246

[قال شيخ الإمام

(1)

: المراد بالصلاة المذكورة في الحديث الوقت؛ فإن الصلاة تذكر ويراد بها الوقت]

(2)

، وذلك بالكتاب والسنة ومتعارف الناس:

-أما الكتاب فقوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} [مريم: 59] أي: أوقات الصلاة.

-والسنة: ما روي عن النبي-عليه السلام أنه قال: «جُعِلَت لي الأرض مَسْجدًا وطهُورًا، أينَمَا أدْركتْني الصَّلاة تيمّمْت وصَلّيْت»

(3)

. وأراد بذلك وقت الصلاة لا نفس الصلاة؛ لأن الصلاة فعله وفعله لا يسبقه ولا يتأخر عنه، وكذلك يقال في مبتذل الكلام: آتيك صلاة الظهر أي: وقت صلاة الظهر، فحملنا الصلاة المذكورة في الحديث على الوقت تحرزًا عن التعارض وتوفيقًا بين الحدثين، وإنما لم يعكس الحمل لما أن في هذا الحمل ترجيح المفسر على النص المحتمل وهو صحيح.

قوله: (ولأن الوقت أقيم مقام الأداء تيسيرًا) وقال شمس الأئمة [السرخسي رحمه الله]

(4)

في «الجامع الصغير»

(5)

: ثم في تقدير طهارتها بالصلاة بعض الجهالة والحرج؛ لأن الناس يتفاوتون في أداء الصلاة، فمنهم مطول بها ومنهم غير مطول فلم يمكن ضبطه فقدرنا طهارتها بالوقت دفعًا للحرج، ولأن المواقيت في الأصل مشروعة ليتمكن المكلف من أداء الصلاة فيها.

(وَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ وَضْؤُهُمْ وَاسْتَأْنَفُوا الْوُضُوءَ لِصَلاةٍ أُخْرَى)

-قوله رحمه الله: (وإذا خرج الوقت بطل وضوءهم واستأنفوا الوضوء لصلاة أخرى) فإن قلت: ما الفائدة في قوله: واستأنفوا الوضوء لصلاة أخرى إذ بطلان الوضوء مستلزم لاستئناف الوضوء لصلاة أخرى لا محالة.

قلت: قال شيخي رحمه الله

(6)

في جوابه: جاز أن يبطل الوضوء لحق صلاة ولا يبطل لحق صلاة أخرى، ولا يجب عليهم الاستئناف في حق تلك الصلاة كما قال الشافعي رحمه الله

(7)

ببطلان طهارة المستحاضة للمكتوبة بعد أداء المكتوبة وبقاء طهارتها للنوافل، وكذلك قوله في التيمم أيضًا وكما قال أصحابنا في حق المتيمم لصلاة الجنازة في المصر ببقاء تيممه في حق جنازة أخرى لو حضرت هناك على وجه لو اشتغل بالوضوء تفوته صلاة [الجنازة]

(8)

وتبطل في حق غيرها.

(1)

لعله أراد به شيخه الإمام محمد البخاري.

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

سبق تخريجه في (ص 320) هامش (1).

(4)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(5)

لعله (شرح الجامع الصغير) -مخطوط- كشف الظنون (1/ 563، 569).

(6)

لعله يقصد (المرغيناني) أو (محمد بن محمد بن نصر البخاري) -رحمهما الله- كشف الأسرار (4/ 434).

(7)

سبق بيان هذه المسألة في (ص 444) هامش (6).

(8)

ساقطة من (ب).

ص: 247

وقوله: (وإذا خرج الوقت بطل وضوءهم) إضافة بطلان الوضوء إلى خروج الوقت مجاز على ما يجيء بعد هذا بقوله أي: عنده بالحدث السابق أي: إنما يظهر أثر الحدث السابق عند خروج الوقت فأضيف البطلان إلى الخروج مجازًا فكان هذا نظيره أسند النصب إلى الواو في «المصباح»

(1)

في قوله: وأما ما ينصب المفرد فسبعة: الواو بمعنى مع إلى آخره، ولا شك أن الناصب هو الفعل المتقدم لا الواو، ولكن ذلك الفعل إنما يعمل ذلك العمل عند وجود هذا الواو فأسند النصب إليه لما عرف في أصول الفقه أن الشرط قد يقام مقام العلة في حق إضافة الأحكام إليه.

وقال فخر الإسلام في «الجامع الصغير»

(2)

: والصحيح أنها لا تنقض بدخول ولا خروج؛ لأن ذلك ليس بحدث، وإنما ينقضها الحدث لكن الوقت مانع، فإذا زال ظهر أثر الحدث فينسب إلى الخروج مجازًا ولا يعقل معنى النقض بنفس الوقت بحال؛ لأن ذلك ليس من صفات الإنسان فضلاً عن الحدث.

(وَهَذَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلاثَةِ. وَقَالَ زُفَرُ: اسْتَأْنَفُوا إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ (فَإِنْ تَوَضَّئُوا حِينَ تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَجْزَأَهُمْ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُ الظُّهْرِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ أَجْزَأَهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ طَهَارَةَ الْمَعْذُورِ تُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ: أَيْ عِنْدَهُ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَبِدُخُولِهِ فَقَطْ عِنْدَ زُفَرَ)

-قوله: (بالحدث السابق) حتى أن المستحاضة لا تمسح خفيها بعد خروج الوقت إذا كان الدم سائلاً وقت الوضوء واللبس أو عند أحدهما؛ لأن طهارتها إذا انتقضت بخروج الوقت يستند الانتقاض إلى السيلان السابق لا إلى الخروج؛ لأن خروج الوقت ليس بسبب لانتقاض الطهارة.

فإن قيل: لو استند الانتقاض إلى الحدث السابق عند خروج الوقت لوجب أن يقال: إذا شرعت في التطوع ثم خرج الوقت [وجب]

(3)

أن لا يلزمها القضاء؛ لأنها حينئذٍ يعلم أنها شرعت بدون الطهارة.

قلنا: هذا بطهور من كل وجه بل هو طهور من وجه اقتصارٌ من وجه، فأظهرنا الاقتصار في القضاء والظهور في حق المسح كذا في «الذخيرة»

(4)

.

(1)

المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (2/ 676).

(2)

لعله (شرح الجامع الصغير) -مخطوط- كشف الظنون (1/ 563، 569).

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

الذخيرة البرهانية -مخطوط-.

ص: 248

قلت: إنما لم يعكس الاقتصار والظهور فيما ذكرناه ليكون عملاً بالاحتياط، وفي عكسه لا يكون عملاً به تأمل تفهم.

وفي «الجامع الصغير»

(1)

لقاضي خان: أن انتقاض الطهارة بخروج الوقت يخالف انتقاض الطهارة بسبق الحدث من وجهين:

أحدهما: في منع البناء.

والثاني: في حق المسح إذا توضأ على السيلان ولبس الخف ثم أحدث حدثًا آخر له أن يمسح في الوقت لا خارج الوقت.

‌(وَبِأَيِّهِمَا كَانَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَفَائِدَةُ الاخْتِلافِ لا تَظْهَرُ إلا فِيمَنْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الزَّوَالِ كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ

لِزُفَرَ أَنَّ اعْتِبَارَ الطَّهَارَةِ مَعَ الْمُنَافِي لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ وَلا حَاجَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلا تُعْتَبَرُ.

وَلأبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَاجَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْوَقْتِ فَلا تُعْتَبَرُ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ)

-قوله: (وبأيهما كان عند أبي يوسف) وذكر في «الفوائد الظهيرية»

(2)

: والمحققون من مشايخنا قالوا: على قول أبي يوسف لا تنتقض طهارتها بدخول الوقت بلا خروج، وإنما تنتقض بخروج بلا دخول كما هو قولهما، ثم فيما إذا توضأت قبل الزوال ودخل وقت الظهر إنما تحتاج إلى الطهارة لأجل الظهر عنده لا لأن طهارتها انتقضت بدخول الوقت عنده، ولكن لأن طهارتها طهارة ضرورية ولا ضرورة في تقديم الطهارة على الوقت.

قلت: كأنه أراد به فخر الإسلام، ومن تابعه فإنه رحمه الله هكذا ذكره في «الجامع الصغير»

(3)

، وكذلك [ذكر]

(4)

فخر الإسلام أيضًا في طرف زفر وقال: فظن السائل أن فيه لم يجعل الخروج حدثًا، بل جعل الدخول حدثًا، وليس كذلك بل الصحيح من مذهبه أن شيئًا من ذلك ليس بحدث، وإنما لم تنتقض الطهارة بطلوع الشمس؛ لأن قيام الوقت جعل عذرًا وقد بقيت شبهة حتى لو قضى صلاة الفجر قضى معها سنتها فكان كمال الخروج بدخول وقت آخر ولم يوجد [فبقيت]

(5)

شبهته فصلحت لبقاء حكم العذر تخفيفًا.

قلت: وبهذا التقرير يعلم أن العلماء الأربعة

(6)

كلهم متفقون على أن الحدث السابق إنما يعمل عند خروج الوقت لا غير إلا [أن]

(7)

عند أبي يوسف رحمه الله-تقديم الطهارة على الوقت غير معتبر لعدم الحاجة فيجب عليها الوضوء ثانيًا بعد دخول الوقت.

(1)

لعله (شرح الجامع الصغير) لقاضي خان -مخطوط- كشف الظنون (2/ 1581).

(2)

سبق التعريف بها (ص 344) هامش (3).

(3)

لعله (الجامع الصغير) لفخر الإسلام البزدوي -مخطوط- -كشف الظنون (1/ 569).

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(6)

العلماء الأربعة (أبو حنيفة، ومحمد، وأبو يوسف، وزفر).

(7)

ساقطة من (ب).

ص: 249

وعند زفر رحمه الله لم يوجد الخروج من كل وجه ما لم يدخل وقت مكتوبة أخرى على ما ذكر فلذلك يجب عليها الوضوء بعد دخول الوقت عنده أيضًا.

-قوله رحمه الله: (ولا حاجة قبل الوقت فلا يعتبر) أي: لا تعتبر الطهارة قبل الوقت.

فإن قلت: فلما لم تعتبر الطهارة قبل الوقت عنده فكيف يوصف بالانتقاض عند دخول الوقت.

قلت: عدم الاعتبار قبل الوقت باعتبار أن الحاجة المتعلقة بأداء الوقتية منعدمة في حق تلك الطهارة لا أنها غير معتبرة أصلاً بل هي معتبرة في حق النوافل وقضاء الفوائت فكانت طهارة في نفسها فتنتقض بالدخول.

‌وَلَهُمَا أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَى الْوَقْتِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ كَمَا دَخَل الْوَقْتُ، وَخُرُوجُ الْوَقْتِ دَلِيلُ زَوَالِ الْحَاجَةِ، فَظَهَرَ اعْتِبَارُ الْحَدَثِ عِنْدَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ وَقْتُ الْمَفْرُوضَةِ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ الْمَعْذُورُ لِصَلاةِ الْعِيدِ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِهِ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لأنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلاةِ الضُّحَى، وَلَوْ تَوَضَّأَ مَرَّةً لِلظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ وَأُخْرَى فِيهِ لِلْعَصْرِ فَعِنْدَ هُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ بِهِ لِانْتِقَاضِهِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْمَفْرُوضَةِ، وَالْمُسْتَحَاضَةُ هِيَ الَّتِي لا يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلاةٍ إلا وَالْحَدَثُ الَّذِي اُبْتُلِيَتْ بِهِ يُوجَدُ فِيهِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ هُوَ فِي مَعْنَاهَا وَهُوَ مَنْ ذَكَرْنَاهُ وَمَنْ بِهِ اسْتِطْلاقُ بَطْنٍ وَانْفِلاتُ رِيحٍ لأنَّ الضَّرُورَةَ بِهَذَا تَتَحَقَّقُ وَهِيَ تَعُمُّ الْكُلَّ.

-قوله رحمه الله: (ليتمكن [من]

(1)

الأداء كما دخل الوقت) الكاف للمفاجأة لا للتشبيه أي: ليفاجئ تمكن الأداء دخول الوقت فعندهما ليس له أن يصلي العصر [أي]

(2)

: عند أبي حنيفة ومحمد-رحمهما الله-، وإنما خصهما بالذكر مع أن الحكم عندهم جميعًا كذلك لما أن الشبهة تأتي على قولهما؛ لأن عندهما له أن يقدم الطهارة على الوقت ولا ينتقض بالدخول، ومع ذلك ليس له أن يصلي العصر بهذه الطهارة لما أن هذا دخول مشتمل للخروج فإنه [إن]

(3)

لم تنتقض طهارته من حيث الدخول لكن تنتقض من حيث الخروج.

-قوله: (والمستحاضة هي التي لا يمضي عليها وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه) وهذا ما ذكرناه من حد المستحاضة في [حق]

(4)

الدوام [والبقاء]

(5)

وأما في حق الابتداء فاستيعاب الوقت كله بالحدث شرط لتصير مستحاضة فإنه ذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله في «الجامع الصغير»

(6)

: المستحاضة من لا تجد وقت/ 30/ ب/ صلاة بلا عذر. [ثم]

(7)

قال: هذا في حالة البقاء، وفي الثبوت يشترط دوام السيلان من أول الوقت إلى آخره اعتبارًا بالسقوط، فإنه لا يتم حتى ينقطع [الدم]

(8)

[في الوقت]

(9)

كله، [والله أعلم]

(10)

.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

ساقطة من (ب).

(4)

في (ب): «حد» .

(5)

في (أ): «القضاء» والتصويب من (ب).

(6)

لعله يقصد (شرح الجامع الصغير) للتمرتاشي -مخطوط- كشف الظنون (1/ 563).

(7)

ساقطة من (ب).

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

ساقطة من (أ) والتثبيت من (ب).

(10)

ساقطة من (ب).

ص: 250