المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ (1) لما ذَكَر (2) إعتاق الكُل، ذكر في - النهاية في شرح الهداية - السغناقي - جـ ١٠

[الحسام السغناقي]

فهرس الكتاب

‌بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ

(1)

لما ذَكَر

(2)

إعتاق الكُل، ذكر في هذا الباب إعتاق البَعض؛ إما لأنَّ الجُزء يَتْبَع الكُل، فَيتبعه في الذِكرِ أيضاً، أو لأن إِعتَاق البعض بمنزلةِ العَوَارِضِ

(3)

، لِقِلَّةِ وقُوعِهِ، فَأَخَّرَ ذكرَهُ عن ذكرِ الإعتاقِ الذي يَقعُ كثيرًا، أو لأن هذه المسألةَ مخُتَلَفٌ فيها، فَقَدَّم المُتَّفَق على المُخُّتلِفِ؛ لأن الأصلَ

(4)

هو الاتفاقُ؛ لأنه مبنيٌ على اتحادِ القضايا العقليةِ والشرعية، والأصل هو الاتحاد في القضايا العَقلية والشرعِيَّة.

(1)

العِتقُ: هو الخُرُوجُ من المَمْلُوكِيَّةِ الى الحُرية.

انظر: المغرب في ترتيب المُعرَب للمطرزي (1/ 303)، وفي الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري (4/ 1520)، (عتق). وفي عرف الفقهاء: قُوَّةٌ حُكمِيَّةٌ يَصِيرُ المَرءُ بها أَهلًا لِلشَّهَادةِ والوِلايَةِ والقَضاءِ. انظر: العناية شرح الهداية للبابرتي (4/ 429)، التعريفات للجرجاني (1/ 147).

(2)

"ذَكَرَ " الضمير يرجعُ إلى صاحب الهداية ظهير الدين المرغيناني. سبق ترجمته في المقدمة (ص 17).

(3)

الْعَوارض: جمع عرض والعرض هو: ما يطرَأ ويزُول من مرض ونَحوه.

انظر: المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية بالقاهرة (2/ 594)، تاج العروس (18/ 401)، كلاهما (عرض).

(4)

الأصل: (أصل) الشَّيْء أساسه الَّذِي يقوم عَلَيْهِ. وهو ما يبتنى عليه غيره.

انظر: المعجم الوسيط (1/ 20)، (أصل).

وفي عرف الفقهاء له أربعة معانٍ: "أحدها" الدليل كقولهم: أصل هذه المسألة الكتاب والسنة أي: دليلهما، ومنه أيضا أصول الفقه، أي: أدلته، "الثاني" الرجحان، كقولهم الأصل في الكلام الحقيقة، أي الراجح عند السامع هو الحقيقة لا المجاز، "الثالث" القاعدة المستمرة كقولهم إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل، "الرابع" الصورة المقيس عليها على اختلاف مذكور في القياس في تفسير الأصل.

انظر: نهاية السول شرح منهاج الوصول (1/ 8)، التحبير شرح التحرير (1/ 153).

والمعنى المناسب لتعريف كلمة (الأصل) هنا هو: الراجح، فيكون الأصل أي الراجح تقديم المتفق عليه وهو عتق الكل على المختلف فيه وهو عتق البعض.

ص: 1

قولَهُ رحمه الله

(1)

(وإِذَا أَعتقَ المولى بعضَ عبدِهِ) عتق ذلك القَدْرُ إلى آخِرِه.

قال صاحبُ الميزانِ رحمه الله

(2)

في طريقته: المعنى من قولنا الإعتَاقُ يتجَزَّى

(3)

ليس هو أنّ ذاتَ القولِ يَتَجَزَّى، أو حُكمَهُ يَتَجَزَّى؛ لأنّه مُحَالٌ، بل معنى ذلك أنَّ المحلّ في قبول حكم الإعتاق يَتَجَزَّى، فيتصوّر ثبوته في النِّصف دون النِّصف، وحاصلُ الخِلافِ رَاجِعٌ إلى أن إعتاق النِّصفِ، هل يُوجِبُ زَوَالَ الرِّقِّ

(4)

عن المحلّ

(5)

كلّه أم لا؟ عنده

(6)

لا يُوجِبُ، بل يبقى كلّ المحلِّ رقيقًا، ولكن زال الملكُ بقدرهِ،

(7)

وعندهما

(8)

يُوجِب زوال الرِّقِّ عن الكلِّ.

(1)

ظهير الدين المرغيناني صاحب الهداية.

(2)

صاحب الميزان هو محمد بن أحمد بن أبي أحمد، أبو بكر علاء الدين السمرقندي: فقيه، من كبار الحنفية. أقام في حلب، إمام فاضل في الفتوى والمناظرة والأصول والكلام. واشتهر صاحب الميزان بكتابه " تحفة الفقهاء، وله كتب أخرى، منها "الأصول ". توفي (539 هـ) ببخارى.

انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي (2/ 244)، المنتخب من معجم شيوخ السمعاني للسمعاني المروزي (1/ 1393)، الأعلام للزركلي (5/ 317).

(3)

هكذا في (أ) و (ب). عادة الناسخ في المخطوط ترك الهمزة المتوسطة والمتطرفة، فهو يحولها ألفا مقصورة إذا كانت تكتب على الألف، أو ياء إذا كانت تكتب على الياء، وهنا ترك الهمزة وحذف الياء، لأن الكلمة اسم منقوص آخرها ياء، وهي في موضع جر، والاسم المنقوص غير المحلى بالألف واللام في موضع الجر تحذف ياؤه. (أشرت الى هذا في المقدمة ص 67).

(4)

الرِّقُّ العُبودة، وقد رَقَّ فلانٌ أي: صار عبداً، سُمِّي الْعَبِيدُ رَقِيقاً لأَنهم يَرِقُّون لِمَالِكِهم ويَذِلُّون ويخضَعون.

انظر: لسان العرب لابن منظور (10/ 124)، تاج العروس (25/ 357) كلاهما (رقق).

وفي عُرف الفقهاء: عبارة عن عجز حكمي شرع في الأصل جَزاءً عن الكفر.

انظر: التعريفات (1/ 111)، التوقيف على مهمات التعاريف للحدادي المناوي القاهري (1/ 180).

(5)

المَحَلُّ المَوضِعِ والمكان.

انظر: لسان العرب (11/ 163)، تاج العروس (30/ 391)، كلاهما (محل).

والمقصود بالمحل هنا: محل الإعتاق، وهو العبد أو الأمة.

(6)

أي عند أبي حنيفة رحمه الله.

(7)

بقدره: (الْقَدر) الْمِقْدَار.

انظر: المعجم الوسيط (2/ 718)، (قدر).

(8)

يرجع الضمير (عندهما) إلى أبي يوسف ومحمد بن الحسن -رحمهما الله-.

ص: 2

وذكر في المبسوط

(1)

والأسرار

(2)

(أن من أعتق نصف عبده فهو بالخيار

(3)

في النِّصف الباقي، إن شاء أعتقه، وإن شاء استسعاه

(4)

في النّصف الباقي في نصف قيمته، وما لم يؤدّ السّعاية فهو كالمكاتب

(5)

وعند أبي يوسف

(6)

ومحمد

(7)

والشّافعي

(8)

رحمهم الله (يَعتُقُ كُلّه) ولا سعايةَ عليه. لقوله عليه السلام: «مَن أعتق شِقصًا من عَبَدٍ فَهُوَ حُرٌ كُلُّهُ ليس لله تعالى فيه شَرِيكٌ»

(9)

.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 103). وهو لشمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ وَهُوَ مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي سهل أَبُو بكر السَّرخسِيّ، وَتُوفِّي سنة تسع وَتِسْعين وأربعمئة.

انظر: أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون لرياض زَادَه الحنفي (1/ 41).

(2)

انظر: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي لعلاء الدين البخاري الحنفي (4/ 283 - 284).

الكتاب: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي ومؤلفه هو: عبد العزيز بن أحمد بن محمد، علاء الدين البخاري: فقيه حنفي من علماء الأصول. من أهل بخارى. له تصانيف، منها " شرح أصول البزدوي المسمى بكشف الأسرار، وله شرح الاخسيكتي وشرح الهداية إلى النكاح، تفقه على الإمام محمد المايمرغي، توفي سنة 730 هـ.

انظر: تاج التراجم في طبقات الحنفية لقُطلُوبغا السودوني (1/ 188 - 189)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 317)، الأعلام للزركلي (4/ 13).

(3)

الخيارُ: هو الاسمُ من الاختيارُ، وهو طلبُ خَير الأمرين، ويقال هو بالخيار يختار ما يشاء.

انظر: لسان العرب (4/ 310)، (خير)، رد المحتار على الدُّر المختار لمحمد أمين المعروف بابن عابدين (5/ 76).

(4)

استسعى العبد: إذا كَلَّفَهُ مِن العمل ما يُؤَدِّي به عن نفسه إذا عتق بعضُه ليَعتِق به ما بقي. والسِّعايةُ، بالكسر: ما كُلِّف من ذلك.

انظر: تاج العروس (38/ 281)، لسان العرب (14/ 386)(سعى).

وفي عرف الفقهاء: هي ما كلف العبد من العمل تتميما لعتق نفسه.

انظر: التعريفات الفقهية (ص 113)، النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير الجزري (2/ 370).

(5)

المعتق بعضه كالمكاتب: في أنه لا يباع، ولا يرث، ولا يورث ولا يتزوج، ولا تقبل شهادته، ويصير أحق بمكاسبه، ويخرج إلى الحرية بالسعاية والإعتاق، ويزول بعض الملك عنه كما يزول ملك اليد عن المكاتب، فيبقى هكذا إلى أن يؤدي السعاية.

انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)، (3/ 658).

والمكاتب: اسم مفعول من كاتب، يقال: كاتب عبده مُكاتبةً، والمُكاتَب: العبد الذي يكاتب على نفسه بثمنه، فإن سعى وأداه عُتق، مصدر كاتب.

انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (5/ 158)؛ المعجم الوسيط (2/ 775) مختار الصحاح (1/ 266)، أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء للقونوي الرومي الحنفي (1/ 61).

والمكاتبةُ في عرف الفقهاء: تحرير المملوك يدًا في الحال ورقبة في المآل، أي عند أداء البدل. قال الزيلعي:(وسمي هذا العقد كتابة ومكاتبة لأن فيه ضم حرية اليد إلى حرية الرقبة، أو لأن فيه جمعًا بين نجمين فصاعدًا، أو لأن كلاً منهما يكتب الوثيقة وهو أظهر).

انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ للزيلعي (6/ 167)، اللباب في شرح الكتاب عبد الغني الدمشقي الميداني الحنفي (2/ 117)، التعريفات (1/ 183).

(6)

الإمام القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه، من أئمة الفقه المجتهدين، وحفّاظ الحديث، وكان إليه تولية القضاء في المشرق والمغرب، أملى المسائل ونشرها، وبث عِلْم أبي حنيفة في أقطار الأرض وجلالته ووثاقته مشهورة مبسوطة. من مصنفاته: الخراج، والأمالي، والنوادر (ت 182 هـ) ببغداد.

انظر: الجواهر المضية (3/ 611)، تاج التراجم (1/ 315).

(7)

محمد بن الحسن بن فرقد أبو عبد الله الشيباني الإمام صاحب الإمام، أصله من قرية بدمشق يقال لها "حرستا" ومولده بواسط، تكرر ذكره في الهداية، صحب أبا حنيفة وأخذ عنه الفقه ثم عن أبي يوسف، ومن تلاميذه يحيى بن معين، وأبو سليمان الجوزجاني، ومعلى بن منصور، وصنف الكتب، ونشر علم أبي حنيفة ويروي الحديث عن مالك ودون الموطأ، ولى القضاء للرشيد توفي سنة سبع وثمانين ومائة وهو ابن ثمان وخمسين سنة في اليوم الذي مات فيه الكسائي فقال الرشيد دفنت الفقه والعربية ورثاهما.

انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 42)، تاج التراجم (1/ 327).

(8)

انظر: الأُم للشافعي (7/ 142) باب في الشركة والعتق وغيره. القول بأنه إذا أعتق المولى بعض عبده عتق جميعه عند الشافعي ليس على إطلاقه، فهذا إنما هو في حالة ما إذا كان المولى مالكا لجميع العبد موسرًا كان المولى أو معسرًا، وكذلك في حالة ما إذا كان العبد مشتركا بين اثنين فأكثر، وكان المعتق موسرًا، ويقوم على المعتق حينئذٍ نصيب شريكه يوم العتق، أما إذا كان معسرًا عتق نصيب المعتق فقط. انظر: التنبيه في الفقه الشافعي للشيرازي (1/ 144)، روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي (12/ 110 - 112).

(9)

عن أَبى الْمَلِيحِ، عن أبيه، أَنَّ رَجُلاً من هُذَيلٍ أَعْتَقَ شَقِيصًا له من مَمْلُوكٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هو حُرٌّ كُلُّهُ لَيس لِلَّهِ تبارك وتعالى شَرِيكٌ".

رواه الإمام احمد في المسند: (34/ 317) مسند البصريين، حديث أُسامة الهُذَلي، رقم (20716). والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 384)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 274) كتاب العتق، رقم (68)، بَابٌ: مَنْ أَعْتَقَ مِنْ مَمْلُوكِهِ شِقْصًا، رقم الحديث (21317).

وقال الألباني عن هذا الحديث: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

انظر: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للشيخ الألباني (5/ 359).

والشِّقْصُ والشَّقِيصُ: الطَّائِفَةُ من الشَّيْءِ والقطْعةُ من الأَرضِ.

انظر: لسان العرب (7/ 48)، (شقص)، الصحاح (3/ 1043).

وفي عرف الفقهاء بمثل ما جاء في اللغة: الشقص: القطعة من الأرض، والطائفة من الشيء.

انظر: البناية شرح الهداية للعيني (9/ 274).

ص: 3

والمعنى فيه أنّ العتق أي الإعتاق إسقاط الرّقِ، والرّق لا يتجزّى ابتداءً، وبقاءً فإسقاطه بالعتق لا يتجزى كما أن الحِلّ

(1)

لما كان لا يتجزى ابتداء وبقاءً.

فإبطالهُ بالطّلاقِ لا يتجزى وبَيَانُهُ أن قوله إعتاقٌ، فلا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِانْفِعَالِ العِتْقِ فِي المَحَلِّ، وبعد انفِعَالِ العِتقِ في بعضِ الشَّخصِ لو بقي الرّقُ في شيءٍ منه كان في ذلك تجزى الرّق في محلّ واحد، وذلك لا يجوز.

[400/ أ] فإنّ الرّق عقوبةٌ وجبت على الآدمي/ بسبب الكفر في الأصل، والعقوبة لا يتصوّر وجوبها على النّصف شايعًا

(2)

؛ لأنّ الذنب لا يتصوّر من النّصف دون النّصف؛ ولأن الذي يَنْبَنِي على العتق من الأحكام يُضَادُّ أحكام الرِّقِّ من الأهلية

(3)

، للشّهاداتِ

(4)

، والإرثِ

(5)

، والولاياتِ

(6)

، ولا يتصوّر اجتماع الضِّدَّيْنِ في محلّ واحد؛ ولأن اتّصال أحد النّصفين بالآخر أقوى من اتصال الجنين

(7)

بالأم؛ لأنّ ذلك بِغَرض الفصل، ثم إعتاق الأم يوجب عِتق الجنين لا محالة، فإعتاق أحد النّصفين أن يوجب عتق النّصف الآخر أولى).

(1)

الحل: الحلال، يقال: حل الشيء فهو حل وحلال، والمرأة: جاز تزوجها، والحلائل: النساء، والحليل: الزوج، والحليلة: الزوجة، والزوجان حليلان أي يحل كل واحد منهما لصاحبه.

انظر: الصحاح (4/ 1674)، المصباح المنير (1/ 147)، المعجم =الوسيط (1/ 193)، طلبة الطلبة لنجم الدين النسفي (1/ 41). والمقصود من كلمة الحل هنا: النكاح، وذلك لمقابلته بالطلاق.

(2)

شائع: أي متفرق، غير مقسوم، تقول: تقطر قطرة من لبن في الماء فتشيع فيه أي تفرق فيه.

وتقول: نصيب فلان شائع في جميع هذه الدار، ومشاع فيها، أي اتصل كل جزء منه بكل جزء منها، ليس بمقسوم ولا معزول.

انظر: جمهرة اللغة للأزدي (2/ 872)، الأزدي اللغة للهروي (3/ 40).

(شائع). كذا في (أ) و (ب)(شايعاً).

(3)

الأهلية في اللغة: الصلاحية، يقال: الأهلية لِلْأَمْرِ الصلاحية لَهُ. انظر: المعجم الوسيط (1/ 32).

وفي عرف الفقهاء: أهلية الإنسان للشيء: صلاحيته لصدوره وطلبه منه وقبوله إياه، وهي ضربان: أحدهما أهلية الوجوب أي صلاحيته لوجوب الحقوق المشروعة له، وعليه، والثانية أهلية الأداء أي صلاحيته لصدور الفعل منه على وجه يعتد به شرعا. انظر: شرح التلويح على التوضيح للتفتازاني (2/ 321)، التقرير والتحبير على تحرير الكمال بن الهمام لابن الموقت الحنفي (2/ 164)، تيسير التحرير لأمير بادشاه الحنفي (2/ 249).

(4)

الشهادات جمع شهادة والشَّهادَة خَبرٌ قاطعٌ تقولُ مِنهُ: شَهِدَ الرجلُ على كذا، ورُبَّما قالوا شَهْدَ الرجلُ، بسُكُونِ الهاء لِلتَّخفِيف؛ عن الأَخفش. وقولُهم: اشهد بكذا أي احلِف.

انظر: لسان العرب (3/ 139 - 240)، تاج العروس (8/ 252)، (شهد).

وعند الفقهاء: إخبار عن عيان بلفظ الشهادة في مجلس القاضي بحق للغير على آخر. انظر: التعريفات (1/ 129).

(5)

الارث في اللغة: الميراث، وأصل الهمز فيه واو، إنما هو: ورث، فقلبت الواو ألفا مكسورة، لكسرة الواو.

انظر: الصحاح للجوهري (1/ 272)، تاج العروس (5/ 155)، تهذيب اللغة (15/ 85)، (أرث).

وعند الفقهاء: انتقال مال الغير إلى الغير على سبيل الخلافة، فكأن الوارث لبقائه انتقل إليه بقية مال الميت. انظر: الاختيار لتعليل المختار (5/ 85).

(6)

الولاية: من الولي، وهي التي تُشعر بالتَّدْبير والقُدرة والفِعل، وما لم يَجْتَمِع ذلك فيها لم يَنطَلِق عَلَيه اسم الوَالِي.

انظر: لسان العرب: (15/ 407)، تاج العروس (40/ 242)، (ولي).

وعند الفقهاء: تنفيذ القول على الغير، شاء الغير أو أبى.

انظر: التعريفات (1/ 254)، انيس الفقهاء (1/ 98).

(7)

الجَنِينُ: الولد ما دام في بطن أمه لاستتاره فيه.

انظر: المحكم والمحيط الأعظم (7/ 213)، مختار الصحاح (1/ 62).

ص: 4

قوله رحمه الله: (وهو قول الشّافعي)

(1)

رحمه الله: أي فيما إذا كان المولى واحدًا، وكان المعتق موسرًا

(2)

فعند ذلك قولهُ

(3)

كقولهما

(4)

، وأمّا إذا كان معسراً

(5)

يبقى ملك السّاكت كما كان، حتّى يجوز له أن يبيع ويهب عنده

(6)

، على ما يجيءُ في الكتاب

(7)

وهما لا يتجزيان أي العتق والرّق أي لَّما لم يُتَجَزّ العتق والرّق، "ولا"

(8)

يتجزى الإعتاق ضرورة (ولأبي حنيفة رحمه الله حديث سالم

(9)

عن ابن عمر رضي الله عنهم أنّ النّبي عليه السلام قال: «مَن أَعْتَقَ شِقْصًا له في عَبدٍ فإن كان مُوسِرًا فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ وإلَّا فقد عَتَقَ مَا عَتَقَ، ورَقَّ ما رَقَّ»

(10)

وتأويل قوله عليه السلام: «فهو حُرٌ كُلُهُ» سَيَصِيرُ حُرًا كله بإخراج الباقي إلى الحُريّة بالسّعاية فيكون فيه بيان أنّه لا يُستدام الرّقُ فيما بقى منه، وهو مذهبنا

(11)

.

(1)

انظر: الأُم (8/ 5).

(2)

الموسر: ذو اليسار والغنى من الْيُسْرُ: وهو ضِدُّ الْعُسْرِ. وَقَدْ (أَيْسَرَ) الرَّجُلُ يُوسِرُ أَيِ اسْتَغْنَى.

انظر: الصحاح (1/ 349)، لسان العرب (5/ 296)، المعجم الوسيط (2/ 1064)، (يسر).

(3)

أي الشافعي رحمه الله.

(4)

أي أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-، بل قوله كقولهما أيضاً إذا كان المولى واحدا وكان المعتق معسرا.

انظر: التنبيه في الفقه الشافعي (1/ 144)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (12/ 110 - 112).

(5)

المعسر: نقيض الموسر. وأعسر، فهو معسر: صار ذا عسرة وقلة ذات يد، وقيل: افتقر.

انظر: المحكم والمحيط الأعظم (1/ 475)، الصحاح (1/ 208)، لسان العرب (4/ 563)(عسر).

(6)

قد مر بيان قول الشافعي ص 74 - 75).

(7)

في الكتاب المراد هو: كتاب المؤلف هذا "النهاية شرح الهداية". على ما يجيء في الكتاب مستقبلاً.

ولفظ الكتاب في المذهب الحنفي، المراد به مختصر "القدوري" أشهر متون الفقه عند الحنفية.

انظر: كشف الظنون لحاجي خليفة (2/ 1631)، اللباب للميداني (1/ 1) في المقدمة.

(8)

في (ب) فلا. وهو الصواب، وتكون العبارة وهما لا يتجزآن أي العتق والرق، فلا يتجزأ الإعتاق ضرورة.

(9)

سَالِمُ بنُ عبدِ اللهِ ابن أمِيرِ المؤمِنِينَ عُمر بن الخطَّاب العدويُّ، الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، الحافظُ، مُفتِي المَدِينة، أبو عُمر، وأَبو عبد الله القرشيُّ، العدويُّ، المدنيُّ، وَأُمُّهُ: أُمُّ وَلَدٍ، مولده: في خلافةِ عُثمان.

انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (4/ 457)، تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي ص (461).

(10)

أخرجه البخاري (3/ 144)، كتاب العتق رقم (49)، باب إذا أعتق عبدًا بين اثنَين، أو أمةً بين الشُّركاء رقم، رقم (2522)، ومسلم (2/ 1139)، كتاب العتق رقم (20)، باب من أعتق شركًا له في عبدٍ رقم (1)، رقم الحديث (1501).

(11)

هذا فيه مناقشة لوجه الاستدلال بحديث "من أعتق شقصاً من عبد فهو حرٌ كله" كما مر في ص (99).

ص: 5

والمعنى فيه، أن هذا إزالةَ ملك اليمين بالقول، فيتجزى في المَحَلِّ كالبيع، وتأثيره أنَّ تَصَرُّف المَالِكِ باعتِبار مِلكِهِ، وهو مالك للماليَّةِ دون الرِّقِّ، و الرِّقُّ: اسم لِضعفٍ ثابت في أهل الحرب مُجازاةً وعُقُوبةً على كفرهم، وهو لا يَحتمل التَّمَلُّكَ

(1)

كالحياةِ إلا أنّ بقاء مِلِكه لا يكونُ إلا ببقاء صفة الرّق في المحلّ، كما لا يكون إلا باعتبار صفة الحياة في المحلّ، وذلك لا يدلُّ على أنّ الحياة "مملوك"

(2)

له، وإذا ثبت أنّه يملك الماليّة، ومِلكُ المالية محتمل للتجزي؛ فإنّما يَزولُ بقدر "مُزِيلُهُ"

(3)

، ولهذا لا يُعتَقُ شيءٌ منه بإعتاق البعض عند أبي حنيفة رحمه الله بل هو كالمكاتب عنده).

(4)

وأمّا قولهم فالعتق غير متجز فلا يتجزّى الإعتاق "في نفسه"

(5)

فغير صحيح (لما أنّ العتق الذي ينبني على الإعتاق غير متجزٍّ والإعتاق في نفسه متجزٍّ حتّى يتصوّر من جماعة.

فالمعتق للبعض إنّما يُثبتُ شَطر العِلَّةِ

(6)

، فَيَتَوَقَّفُ عِتقُ المَحَلِّ على تكميلها، وهو نظير إباحة أداء الصّلاة تَنبني على غَسلِ أعضاءٍ هي متجزّيةٌ في نفسها، حتى يكونَ غاسلاً بعض الأعضاء متطهرًا بقدره، ثم يتوقف إباحة أداء الصّلاة على إكمال العلّة.

وحرمة المحلّ لا يتجزى، وإن كانت تنبني على طلقات هي متجزيّة، حتّى كان الموقع للتّطليقتين مطلقًا، ويتوقّف ثبوت الحرمة على كمال العلّة، وههنا أيضًا نزول العتق في المحلِّ يتوقف على تمام العلّة في المحلِّ بإعتاق ما بقي، وإن كان معتق البعض معتقًا؛ لأنّ الإعتاق يقتضي انفعال العتق كما قالوا

(7)

ولكن لا يقتضي الاتصال بالإعتاق بل يثبت الاستحقاق

(8)

بالإعتاق، ويتأخر ثبوته في المحلّ إلى إكمال العلّة)

(9)

وفي هذه الحالة له حكم المكاتب الذي هو بين الحرّ والعبد؛ لأنّه صار بينهما.

(1)

التملك: الملك، أو الملك قهرا، يقال: تملك الشيء: امتلكه أو ملكه قهرا، ملكه الشيء تمليكا، أي جعله ملكا له. انظر: الصحاح (4/ 1609)، المعجم الوسيط (2/ 886)، لسان العرب (10/ 492)، (ملك).

(2)

في (ب)"مَمْلُوكَةٌ" وايضاً المبسوط للسرخسي (7/ 103).

(3)

هكذا في الأصل ولعل الصواب ما يزيله أي يزيل ملك المالية بقدر ما يزيله المالك لها. جاء في المبسوط: "وملك المالية يحتمل التجزؤ فإنما يزول بقدر ما يزيله. انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 103).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 103).

(5)

قوله " في نفسه " ساقطة في (ب).

(6)

العِلَّةُ: السبب، يقال: هذا علة لهذا، أي سبب.

انظر: لسان العرب (11/ 471)، (عل)، المحكم والمحيط الأعظم (1/ 95).

وفي عرف الفقهاء: عبارة عما يجب الحكم به معه، وهي ما يتوقف عليه وجود الشيء ويكون خارجًا مؤثرًا فيه، وعلة الشيء: ما يتوقف عليه ذلك الشيء.

انظر: التعريفات (1/ 154)، كشف الأسرار (4/ 171).

(7)

كما قالوا: أي أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- ومن معهم في الدليل على قولهم، وكلمة "قالوا" هي في المبسوط "قال" (7/ 104) والصواب: قالوا؛ لأن القول المخالف قائله ليس واحدا، ولفظ "قالوا" تستعمل عند ابي حنيفة رحمه الله فيما فيه اختلاف مشايخ المذهب.

انظر: العناية (1/ 399) البناية (2/ 416)، الفوائد البهية للكنوي (ص 242).

(8)

الاستحقاق في اللغة: يقال استحق فلان الأمر: استوجبه.

انظر: مختار الصحاح (1/ 62)، المصباح المنير (1/ 78)، كلاهما (حقق).

وفي عرف الفقهاء: طلب الحق.

انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة للطوري (6/ 151)، تبيين الحقائق (4/ 99).

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 104).

ص: 6

واستدلَّ أبو حنيفة رحمه الله بدلالة الإجماع أيضًا، على أن إعتاق البعض ليس بإعتاق للكلّ، فإن المعتق إذا كان معسرًا لا يضمن، ولو كان إعتاقًا للكلّ وإتلافًا حكمًا يضمن موسرًا كان أو معسرًا، كما لو تلف بالسّيف أو بالشّهادة لإنسان، ثم رجع بعد القضاء؛ فإنّه يضمن موسراً كان أو معسرًا فالسّقوط بالعسر دليلٌ على أن للضّمان

(1)

حكم الصّلات

(2)

بوجه ولم يتمحض

(3)

ضمان إتلاف.

وإنّما يثبت حكم الصّلة من وجه إذا ثبت أنّه متجز؛ ليأخذ الضمان حكم العقوبة للعبد لما عرف في مسألة سقوط ضمان العتق بالموت.

(أمّا عتق الجنين عند إعتاق الأمّ، فليس لأجل الاتصال؛ ألا ترى أن إعتاق الجنين لم يوجب إعتاق الأم، والاتصال موجود ولكن الجنين في حكم جزء من أجزائها كيدها ورجلها، وثبوت الحكم في التبع بثبوته في المتبوع واحد النّصفين ليس ببيع للنّصف الباقي فلذلك لم يكن إعتاق أحد النّصفين موجباً العتق في النّصف الباقي) كذا في المبسوط

(4)

والأسرار

(5)

.

قوله: والرّق حقّ الشّرع لأنّه

(6)

استنكف أن يكون عبد الله فجازاه الله تعالى بأن صيّره عبد عبده، وهذا آية حق الشّرع أو حق العامة.

(1)

الضمان: الضَّمِينُ: هو الكَفيلُ. ضمن الشيء وبه ضَمناً وضَمَاناً: كفل به. وضَمَّنَه إياه: كَفَّلَه.

انظر: لسان العرب (13/ 257)، تاج العروس (35/ 333)، كلاهما (ضمن).

وفي عرف الفقهاء: ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الاصيل في المطالبة.

انظر: التعريفات (1/ 185)، المبسوط للسرخسي (19/ 160).

(2)

الصلات جمع صلة، والصلة في اللغة: يقصد بها صلة الأرحام وكل ما أمر الله به أن يوصل وذلك بالإكرام والبر وحسن المراعاة، تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم (1/ 413).

وفي عرف الفقهاء: عرفت بأنها: عبارة عن أداء ما ليس بمقابلة عوض مالي، كالزكاة، وغيرها من النذور، والكفارات.

وعرفت بأنها: البر على غير جهة التعويض.

انظر: القاموس الفقهي لغة واصطلاحا لسعدي أبو حبيب (1/ 380)، التوقيف على مهمات التعاريف (1/ 218)، والضمان له حكم الصلات؛ لأن التزام الضامن ليس بمقابلة عوض يجب للضامن على الطالب، أو المطلوب.

انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني (4/ 89)، المبسوط للسرخسي (30/ 147).

(3)

المَحْضُ من كُلِّ شيءٍ: الخالِصُ.

انظر: لسان العرب (7/ 227)، تاج العروس (19/ 45)، كلاهما (محض).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 104).

(5)

انظر: كشف الاسرار (4/ 239).

(6)

أي الكافر.

ص: 7

فإنّ الغانمين

(1)

يستغنمونه كما يستغنمون سائر الجمادات، من الأموال فصار في حقّهم بمنزلة الجماد/ ليصلوا إلى الانتفاع به فيبقى على الأصل، وهو أنّ الأصل أن يقتصر التصرّف بموضع إضافة التّصرف إليه فعملنا بالدّليلين.

[400/ ب] لمِا أنَّ زوال الملك عن النّصف يوجب ثبوت المالكية في الكل باعتبار العتق؛ لأنّه لا يتجزى، وبقاء الملك في النّصف يوجب ثبوت المالكيّة في الكلّ باعتبار الرّق، لأنّه لا يتجزى، فقد اجتمع في العبد ما يوجب ثبوت المالكية في الكلّ.

وما يوجب بقاء الملك في الكلّ، والعمل بالدليلين ممكن بأن يجعل مكاتبًا؛ لأنّ المكاتب بين المالكيّة والمملوكية، إلى هذا أشار في مبسوط شيخ الإسلام

(2)

رحمه الله.

أو (أنّ إضافة العتق إلى البعض) يوجب ثبوت المالكيّة في كلّه كما هو قولهما.

وبقاء الملك في البعض يمنع ثبوت المالكيّة في الكلّ كما هو قول أبي حنيفة رحمه الله فقلنا إنَّه حرٌ يدًا مملوكٌ رقبةً، كالمكاتب عملاً بالدّليلين

(3)

.

(1)

الغانمون جمع الغانم، وهو: آخذ الغنيمة. والغنيمة: ما أصيب من أموال أهل الحرب، وأوجف عليه =المسلمون بالخيل والركاب، وهي الفَوْزُ بالشيء بلا مشقة.

انظر: القاموس المحيط للفيروز آبادي (1/ 1143)، النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 389، 390)، لسان العرب (12/ 446).

والغنيمة في عرف الفقهاء: اسم لما يؤخذ من أموال الكفار على وجه القهر والغلبة.

انظر: الاختيار لتعليل المختار (4/ 126).

أو هي اسم لما يؤخذ من أموال الكفرة بقوة الغزاة، وقهر الكفرة. انظر: التعريفات (1/ 162).

(2)

كتاب المبسوط في الفروع لابي بكر خواهر زاده المتوفى سنة (أربع مائة وثلاث وثمانون) يقع في (خمسة عشر مجلدا). انظر: كشف الظنون (2/ 1580).

(3)

في الكلام سقط هنا يبينه ما جاء في الهداية بعد ما ذكر: "والسعاية كبدل الكتابة فله أن يستسعيه وله خيار أن يعتقه لأن المكاتب قابل للإعتاق غير أنه إذا عجز لا يرد إلى الرق لأنه إسقاط لا إلى أحد فلا يقبل الفسخ بخلاف الكتابة المقصودة لأنه عقد يقال ويفسخ. انظر: الهداية (2/ 301).

ويوضح المعنى ما جاء في البناية: لأن المكاتب قابل للإعتاق غير أنه). ش: هذا جواب عما يقال لو كان بمنزلة المكاتب لكان رقيقاً إذا عجز. أجاب بقوله غير أنه أي المستسعى. م: (إذا عجز لا يرد إلى الرق، =لأنه إسقاط لا إلى أحد). ش: والإسقاط لا إلى أحد ليس فيه معنى المعاوضة، لأنها إنما تتحقق بين اثنين،

م: (فلا يقبل الفسخ بخلاف الكتابة المقصودة). فإنه إسقاط من المولى إلى المكاتب إفرادًا على تحصيل بدل الكتابة، فكان فيها معنى المعاوضة. (لأنه عقد يقال ويفسخ).

انظر: البناية (6/ 35).

ص: 8

يقال ويفسخ

(1)

أي يصحّ الإقالة

(2)

والفسخ

(3)

ملكه بالضمان، فكمل الاستيلاد

(4)

لا باعتبار أن الاستيلاد غير متجزي عنده.

(فأعتق أحدهما نصيبه عتق)

(5)

فإن قيل كيف يصحّ قوله عتق وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يثبت شيء من العتق كما لا يثبت شيء من إباحة أداء الصّلاة عند غسل بعض أعضاء الوضوء.

قلنا المراد منه ثبت استحقاق العتق، أو زال ملك الشّريك

(6)

مع بقاء الرّق في كلّ العبد، وإنّما قيّد بقوله فأعتق أحدهما نصيبه، لأنّه لو أعتق أحدهما نصيب شريكه منه لم يعتق بالاتفاق؛ لأنّ ملك الغير ليس بمحلّ للعتق في حقّه، والسّراية

(7)

عندهما إنّما تكون بعد مصادفة العتق محله، وهو تصرف المتصرّف في ملكه، فإذا لم يصادف محلّه كان لغوًا.

(1)

الفسخُ: النقض، يقال: فسخ البيع والعزم فانفسخ أي نقضه فانتقض.

انظر: مختار الصحاح (1/ 239)، تاج العروس (7/ 319).

وفي عرف الفقهاء: الفسخ: رفع العقد من الأصل.

انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر لشيخي زاده (2/ 176)، تبيين الحقائق (4/ 197).

(2)

الإقالةُ في اللغة: الفسخُ. يقالُ تقايل المتبايعان، أي تفاسخا صفقتهما.

انظر: لسان العرب (11/ 690 - 691)، (قيل).

وعند الفقهاء: رفع العقد.

انظر: البحر الرائق (6/ 110)، تبيين الحقائق (4/ 70).

(3)

في الكلام سقط هنا يبينه ما جاء في الهداية: "والاستيلاد متجزي عنده حتى لو استولد نصيبه من مدبرة يقتصر عليه وفي القنة لما ضمن نصيب صاحبه بالإفساد ملكه بالضمان فكمل الاستيلاد". انظر: الهداية (2/ 301). وجاء في العناية توضيح لما ذكر: (

وأما الاستيلاد فهو متجز عنده حتى لو استولد نصيبه من مدبرة يقتصر عليه) حتى لو مات المستولد عتق من جميع ماله. فإن قيل: لو كان الاستيلاد متجزئا لا طرد في القنة أيضا. أجاب بأنه إنما لم يتجزأ في القنة؛ لأن المستولد لما ضمن نصيب صاحبه بالإفساد ملكه بالضمان فكمل الاستيلاد وصار كأنه استولد جارية نفسه لا أن الاستيلاد عنده غير متجز.

انظر: العناية (4/ 460).

(4)

الاستيلاد لغةً: طلبُ الولد، يقال: استولد الرجل طلب الولد.

وفي عرف الفقهاء: طلب الولد من الأمة.

انظر: البحر الرائق (4/ 291)، تبيين الحقائق (3/ 100). "سيأتي له باب خاص في هذا البحث بمشيئة الله".

(5)

"وإذا كان العبد بين شريكين" فأعتق أحدهما نصيبه عتق. هذا هو الصواب.

انظر: الهداية (2/ 301).

(6)

شرك: الشِّركةُ والشَّركة سَواءٌ: مُخَالطةُ الشَّريكين. يقال: اشتركنا بمعنى تشاركنا، وقد اشتَرَك الرَّجُلان وتشاركا وشارك أحدُهما الآخر؛ وأشرك فلانٌ فلانًا في البيع إذا أَدخله مع نفسه فيه.

انظر: لسان العرب (10/ 148 - 150)، (شرك).

(7)

السِّرَايَةُ في اللُّغة: يفهم معناها بالنظر إلى مشتقات المصدر، يقال: سَرَيتُ اللَّيل، وسَرَيتُ به سَريًّا إذا قطعتُهُ بالسَّير، وسرى فيه السم والخمر ونحوهما، وسرى عليه الهم أتاه ليلا وسرى همه ذهب.

وقول الفقهاء سرى الجرح إلى النفس معناه دام ألمه حتى حدث منه الموت وقطع كفه فسرى إلى ساعده أي تعدى أثر الجرح وسرى التحريم وسرى العتق.

انظر: المصباح المنير (1/ 275)، تاج العروس (38/ 261) كلاهما (سري).

وفي عرف الفقهاء لا يختلف عما هو في اللغة، فيقال: سرى الجرح في الصيد يسري سراية تعدى عن الجرح فصار قتلا وسرى الجرح إلى النفس: دام ألمه حتى حدث منه الموت.

انظر: طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (1/ 34)، القاموس الفقهي (1/ 171).

ومعناه أنَّ من أعتق نَصيبًا له في عبدٍ مُشتَركٍ بينه وبين غيره فإنَّهُ يُعتِقُ نصِيبَهُ من العبد ويَسرِي العِتقُ إلى الباقي.

انظر: المنثور للزركشي (2/ 200).

ص: 9

(وإن أعتق أو استسعى، فالولاء

(1)

بينهما)

غاية ما في الباب أن السّاكت

(2)

أعتقه بالبدل، والإعتاق على المال لا ينافي ثبوت الولاء. (فالشّريك بالخيار)

(3)

(إن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد، وليس له حق تضمين الشّريك

(4)

. إلا على قول بشر المريسي

(5)

.

(1)

الولاء: مصدر، والمولى مولى الموالاة وهو الذي يسلم على يدك ويواليك، والمولى مولى النعمة وهو المعتق أنعم على عبده بعتقه، والمولى المعتق.

انظر: لسان العرب (15/ 408)، مجمل اللغة لابن فارس (1/ 937).

وفي عرف الفقهاء: قرابةٌ حكميةٌ حاصلةٌ من العتق أو الموالاةِ. وقيل: وهو ميراث يستحقه المرء بسبب عتق شخص في ملكه، أو بسبب عقد الموالاة. انظر: المُنجِد في اللغة للأزدي (918 - 919)، (ولي)، التعريفات (1/ 255)، التوقيف على مهمات التعاريف (1/ 340).

وقوله: " فالولاء بينهما ": أي بين الشريكين. انظر: البناية (6/ 38).

وفي جعل الولاء بين الشريكين إشارة إلى أن الاختلاف في صفة السبب بأن يكون إعتاق أحدهما بمال وإعتاق الآخر بدونه لا ينافي ثبوت الولاء بينهما جميعا. انظر: العناية (4/ 462).

(2)

الساكت: يقصد به الشريك الذي لم يعتق نصيبه بلا بدل.

(3)

الشريك الساكت بالخيار موسرا كان أو معسرا. جاء في المبسوط للسرخسي: " إن كان المعتق موسرا فللساكت ثلاثة خيارات في قول أبي حنيفة رحمه الله: إن شاء أعتق نصيبه، وإن شاء استسعى العبد في قيمة نصيبه فإذا أدى السعاية إليه عتق، والولاء بينهما، وإن شاء ضمن المعتق نصف قيمته ثم رجع المعتق على العبد والولاء كله له، وإن كان المعتق معسرا فللساكت خياران

"

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 104).

(4)

هذا إذا كان المعتق معسرا. جاء في المبسوط للسرخسي: "

وإن كان المعتق معسرا فللساكت خياران: إن شاء أعتق، وإن شاء استسعى، وليس له حق تضمين الشريك إلا على قول

"

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 104).

(5)

بشر بن غياث بن أبي كريمة عبد الرحمن المريسي الْعَدوي المعتزلي الْمُتَكَلّم أَخذ الفقه عن أبي يوسف القاضي وبرع فيه ونظر في الكلام والفلسفة وله تصانيف وروايات كثيرة عن أبي يوسف وكان من أهل الوَرع والزهد غير أنه رغب الناس عنه في ذلك الزَّمان لاشتهاره بعلم الكلام ثم جرد القول بخلق القرآن ت 218 هـ. انظر: ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي (1/ 322)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 164)، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني (2/ 29).

ص: 10

والقياس

(1)

فيه إمَّا وجوب الضّمان على المعتق، موسرًا كان، أو معسرًا؛ لأنّه بإعتاق نصيبه مُفسد على الشّريك نصيبه، فإنّه يتعذّر عليه استدامة ملكه، والتّصرف في نصيبه، وضمان الإفساد لا يختلف باليسار والإعسار.

والقياس الثّاني: أن لا يجب ضمان على المعتق بحال؛ لأنّه متصرّف في نصيب نفسه، والمتصرّف في ملكه لا يكون متعدّيًا، ولا يلزمه الضّمان، وإن تعدّى ضرر تصرّفه إلى ملك الغير، كمن سقى أرضه فَنَزَّت

(2)

أرض جاره، أو أحرق الحصايد

(3)

في أرضه فاحترق شيء من ملك جاره.

ولكنّا تركنا القياس للآثار فمنها ما روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ فِي الْمَمْلُوكِ: إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يَسْعَى فِي حِصَّةِ الْآخَرِ»

(4)

وهكذا روى عروة عن عائشة رضي الله عنها كذا في المبسوط

(5)

.

(1)

القياس لغةً: تقدير الشيء بالشيء، من قاس الشيء يقيسه قيساً وقياساً.

انظر: الصحاح (3/ 968)، لسان العرب (6/ 178)، كلاهما (قيس).

وفي عرف الفقهاء: الحاق أمر بآخر في الحكم الشرعي، لاتحاد بينهما في العلة. والمقصود هنا هو: مساواة محل لآخر في علة حكم له شرعي لا تدرك من نصه بمجرد فهم اللغة.

انظر: غاية الوصول في شرح لب الأصول للسنيكي (1/ 116) التقرير والتحبير على تحرير الكمال بن الهمام (3/ 117)، التلخيص في اصول الفقه للجويني (3/ 146).

(2)

نَزَّت النَّزُ هو: النَّدَى السَّائِلُ الذي يخرج من الأرض، وهو ما اجتمع من رشح الأرض حتى يستنقع فيصير ماء، والنز: هو ما تحلب من الأرض من الماء.

انظر: جمهرة اللغة (1/ 131)، تهذيب اللغة (13/ 117)، المصباح المنير (2/ 600)، (نزز).

(3)

الحصائد: جمع واحدتها حصيد، وحصيدة، يقال: حصد الزرع: جزه فهو حصيد، والحصيد: الزرع المحصود، والحصيدة: الحصيد، أسافل الزرع التي تبقى لا يتمكن منها المنجل.

انظر: لسان العرب (3/ 153)، أساس البلاغة للزمخشري (1/ 192)، المعجم الوسيط (1/ 178)، (حصد).

(4)

الحديث ورواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أَعْتَقَ شِقصًا له في عبدٍ، أُعتِقَ كُلُّهُ، إن كان له مالٌ، وإلا يُستسعَ غير مشقُوقٍ عليهِ» ، في (3/ 141)، كتاب الشركة رقم (47)، باب الشركة في الرقيق، رقم (2504)، ومسلم (2/ 1140)، كتاب العتق، رقم (20)، باب ذِكر سِعَاية العبد رقم (1)، رقم الحديث (1503).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 104).

ص: 11

ثم اعلم أنّ السّاكت لما تخيّر بين الإعتاق والاستسعاء واختيار السّاكت أحدهما إبراء الآخر وكان هو نظير اختيار المالك تضمين أحد الغاصبين واختياره

(1)

أن يقول اخترت أن أضمنك أو يقول أعطني حقي، وأمّا إذا اختاره بالقلب فذاك ليس بشيء.

وإن كان السّاكت صغيرًا والمعتق موسرًا، فولي الصّغير، يخير بين التّضمين، والاستسعاء، عند أبي حنيفة رحمه الله والتّضمين أولى، وإن لم يكن له وليٌّ يُنتظر بلوغه كذا ذكره الإمام التمرتاشي

(2)

رحمه الله.

قوله: (ولا يرجع المعتق على العبد) على قولهما وعند أبي حنيفة رحمه الله يرجع المعتق على العبد إذا ضمن المعتق لما ذكروا من الدّليل من الطّرفين.

فإن قلتَ: كان القياسُ أن يرجع العبد بما سعى على المعتق، إذا أيسر على القولين كما في العبد المرهون، ولما أن المعتق هو الذي ورطه في هذه الورطة

(3)

؛ فإنه لولا إعتاقهُ لما وجب عليه الاستسعاء فيجب عليه أداءَ ضمانهِ، وهو قول ابن أبي ليلى

(4)

رحمه الله كالعبد المرهون، فإنّه يرجع على الراهن بما سعى.

[401/ أ] قلتُ: (إذا كانت عسرة المعتق تمنع وجوب الضمان عليه للسّاكت، فكذلك يمنع وجوب الضّمان عليه للعبد؛ وإنّما سعى العبد في بدل رقبته "ومالكيته"

(5)

وقد سلم له ذلك، فلا يرجع به على أحد بخلاف المرهون، فإنّ سعايته ليست في بدل رقبته بل في الدّين الذي هو ثابت في ذمّة الراهن، من كان مجبرًا على قضاء دين في ذمة/ الغير من غير "إلزامُ"

(6)

جهته يثبت له حقُّ الرجُوع به عليه كما في معير الرّهن)

(7)

. كذا في المبسوط

(8)

.

(1)

أي الشريك الساكت.

(2)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 76).

التُّمُرتاشي هو: الإمام أبو العباس ظهير الدين أحمد بن إسماعيل بن محمد، المعروف بالظهير التمرتاشي الخوارزمي الحنفي، إمام جليل القدر، له: شرح الجامع الصغير، الفتاوى (ت 610 هـ).

انظر: تاج التراجم (ص/ 108)، الفوائد البهية (ص/ 35)، الأعلام (1/ 97)، الجواهر المضية (1/ 61).

(3)

الْوَرْطَةُ: الهَلاكُ، وهي كُلِّ شدَّةٍ وأمرٍ شاقٍّ. انظر: المصباح المنير (2/ 655)، لسان العرب (7/ 425).

(4)

هو: مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار، وقيل: داود بن بلال. أنصاري كوفي. الْفَقِيه الْمُحدث من أصحاب الرأي، ولي القضاء 33 سنة لبني أمية، ثُمَّ لبني العباس. له أخبار مع أبي حَنِيفَةَ وغيره. الْمُتَوفَّى سنة 148 ثَمَان واربعين وَمِائَة. انظر: هدية العارفين (2/ 7)، التاريخ الكبير:(1/ 162)، الجرح والتعديل (7/ 322)، الأَعْلَام للزركلي (6/ 189).

(5)

"وماليته" هكذا في (ب). وكذلك في المبسوط للسرخسي (7/ 106)، والعناية (4/ 465)، والبناية (6/ 39)، وماليته هو الأقرب للصواب، فيكون العبد سعى في بدل رقبته وماليته أي مالية جزئه المتبقى لفكاك هذه الرقبة.

(6)

" إلزام " في (ب)"التزام" وهي كذلك في المبسوط للسرخسي (7/ 106)، والعناية (4/ 465)، والبناية (6/ 39)، وهو الصواب: أي من غير التزام من جهة من عليه الدين بسداده.

(7)

صورة مسألة معير الرهن: استعار إنسان من آخر شيئا ليرهنه بدين يأخذه من المرتهن، ثم أدى المعير الدين للمرتهن، يجبر المرتهن حينئذ على القبول؛ لحاجة المعير إلى استخلاص الرهن منه، وفي البناية (10/ 425)، بل ويلزم الراهن بسداد الدين للمعير، وإن لم يكن التزم بسداده له.

ومعنى الرهنُ في اللغة: مطلق الحبسِ ويأتي الرهن بمعنى الدوام والثبوت.

انظر: الصحاح (5/ 2128 - 2129)، (رهن)، لسان العرب (13/ 228)، (رهن).

وفي عرف الفقهاء هو: هو حبس شيءٍ بحقٍّ يمكن استِيفَاؤُهُ منه. انظر: المبسوط للسرخسي (21/ 63).

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 106).

ص: 12

قوله: كما إذا هبّت

(1)

الرِّيحُ بثوب إنسان إلى أن قال قيمة صبغ الآخر موسرًا كان أو معسرًا

(2)

.

فإن قيل: هذا القياس وقع معارضًا لحديث القسمة

(3)

وهو قوله عليه السلام: «إن كان غَنيًّا ضَمِنَ وإن كان فقيرًا سَعى العَبدُ»

(4)

وكل قياسٍ هو مخالف للنّص فهو مردود.

قلنا ذكر القسمة في الحديث بلفظ الشّرط، والشّرط يقتضي الوجود عند الوجود، ولا يقتضي العدم عند العدم، فإنّ النّبي عليه السلام علّق الاستسعاء بفقر المعتق، وهو لا ينافي في الاستسعاء عند عدم الفقر على ما هو أصلنا فجاز له أن يستسعى عند وجود الدّليل وإن كان موسرًا لما قلناه وهو قوله: وله

(5)

انَّه احتَبَسَت

(6)

مالِيَّةُ نَصِيبِهِ عند العَبدِ، ثم المُعتَبَرُ

(7)

يَسَارُ التَّيسِيرِ، وهو أن يَملِكَ من المال قَدرَ قِيمَةِ نَصِيبِ الآخَر لا يَسَارُ الْغِنَى.

ولم يستثن الكفاف في ظاهر الرّواية

(8)

وفي رواية الحسن استثنى، ويُعتَبَرُ قِيمَةُ العَبدِ في الضَّمان والسِّعَايةِ يوم الإِعتاق

(9)

، وكذا حال المعتق في يساره وإعساره

(10)

، وإن قال أعتقتُ وأنا مُعسر، وقال السّاكت بخلافه، نُظِر إليه

(11)

يوم ظهر العتق، كما في الإجارة

(12)

إذا اختلفا في انقطاع الماء وجريانه

(13)

، وإن مات العبد قبل أن يختار السّاكت شيئًا، لم يكن له تضمين المعتق إن كان موسرًا في رواية عن أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنّ التّضمين بشرط نقل الملك إلى المعتق، وقد فات النّقل بالموت، وفي ظاهر الرواية عنه له ذلك، لأنّ الضّمان يستند إلى حالة الإعتاق كما في تضمين المتلفات

(14)

، وعندهما الضّمان واجب، ولو باع السّاكت نصيبه من المعتق، أو وهب على عوض فالقياس أن يجوز كالتّضمين، وفي الاستحسان

(15)

لا؛ لأنّ هذا تمليك للحال وهو غير محلّ له، بخلاف التّضمين، فإنّه تمليك من وقت الإفساد وهو محلّ له، كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله وفي الجامع الصّغير

(16)

لقاضي خان

(17)

رحمه الله.

(1)

هبَّت الريح: أي هاجت. والهَبوبَةُ: الريح التي تثير الغَبَرَة.

انظر: الصحاح (1/ 236)، لسان العرب (1/ 778)، (هبب).

(2)

هذا القول من المصنف توضيح للدليل الذي يستدل به لأبي حنيفة رحمه الله على أن يسار المعتق لا يمنع سعاية العبد عنده.

وهو: أنه احتبست مالية نصيبه (أي الشريك الساكت) عند العبد فله أن يضمنه، إلا أن العبد فقير لم يمكن القول بتضمنه، فوجب الاستسعاء. انظر: البناية (6/ 39).

(3)

القسمة في اللغة: من قسم الشيء إذا جزأه، والقِسم بالكسر النصيبُ والحظُ.

انظر: لسان العرب (12/ 561، 562)، مختار الصحاح (1/ 253)، (قسم).

وفي عرف الفقهاء: تمييز الحقوق وإفرازُ الأنصباءِ. انظر: التعريفات (1/ 175).

(4)

سبق تخريجه في ص (101).

(5)

أي لأبي حنيفة رحمه الله، هذا الدليل على أن يسار المعتق لا يمنع سعاية العبد عنده. انظر: البناية (6/ 39).

(6)

احتبست: احتبس بمعنى حبس، والحبس: ضد التخلية، يقال: حبسه فاحتبس أي منعه فامتنع.

انظر: مختار الصحاح (1/ 65)، المعجم الوسيط (1/ 152)، لسان العرب (6/ 44)، (حبس).

(7)

المعتبر: أي في يسار المعتق الذي يجب به عليه الضمان. انظر: البناية (6/ 39).

(8)

كتب ظَاهر الرِّوَايَة السِّتَّة في المذهب الحنفي، وهي: الْمَبْسُوط (الاصل) والجامعان أَي الْكَبِير وَالصَّغِير والزيادات وَالسير الْكَبِير وَالسير الصَّغِير، ويُعبر عنها بكتب ظَاهر الرِّوَايَة وبالأصول وبظاهر المَذهب.

انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 560). والكفاف: هو المنزل والخادم وثياب البدن.

انظر: العناية (4/ 467)، أو هو الملبوس، ونفقة النفس ونفقة العيال. انظر: البناية (6/ 39).

(9)

لأن الإعتاق سبب الضمان. انظر: البناية (6/ 40).

(10)

يعتبر حال المعتق في يساره وإعساره يوم الإعتاق حتى لا يسقط الضمان إذا أعسر بعد اليسار ولا يثبت الضمان إذا أيسر بعد الإعسار. انظر: البناية (6/ 40).

(11)

أي: نُظِر إلى قيمته يوم العتق، جاء في المبسوط للسرخسي:"وإن قال المعتق أعتقت، وأنا معسر وقال الشريك بل أعتقت، وأنت موسر نظر إلى حاله يوم ظهر العتق إما؛ لأنه كالمنشئ للعتق في الحال، أو لأنه لما وقع الاختلاف فيما مضى يحكم الحال فإذا كان الحال موسرا فالظاهر شاهد لمن يدعي اليسار فيما مضى، وإن كان معسرا في الحال فالظاهر شاهد لمن يدعي العسرة فيما مضى". انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 112).

(12)

الإجارةُ في اللغة: من أجر يأجرُ، وهو ما أعطيتَ من أجر في عملٍ. انظر: لسان العرب (4/ 11)، (أجر).

وفي عند الفقهاء: هي بيع منفعةٍ معلومة بأجر معلومٍ، وقيل: هي تملك المنافع بعوضٍ. انظر: تبيين الحقاق (6/ 77).

(13)

إذا اختلفا في انقطاع الماء وجريانه، يحكم الحال، فإن كان في الحال منقطعا، فالقول قول المستأجر وإن كان جاريا فالقول قول المؤجر.

انظر: بدائع الصنائع (4/ 154)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/ 397).

وجاء في البناية بيانا لسبب تحكيم الحال فقال صاحب البناية: "يحكم الحال فيكون انقطاعه وجريانه في الحال دليلا على الماضي، لأن الحال يصلح دليلا على الماضي عند الاشتباه". انظر: البناية (10/ 344).

(14)

المتلفات: المهلكات، والتَّلَفُ: الهَلاكُ والعَطَبُ في كلِّ شيءٍ، يقال: تَلِف يتلَفُ تَلَفاً: أي هلك.

انظر: لسان العرب (9/ 18)، القاموس المحيط (1/ 794)، (تلف).

(15)

الاستحسان لغةً: عدّ الشيء حسناً، من الحسن، ضدّ القبح، يقال: فلان يستحسن الشيء، أي يعدّه حسناً.

انظر: الصحاح (5/ 2099)، معجم مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 57)، (حسن).

وعند الفقهاء: الاستحسان: هو القياس الخفي.

انظر: البحر الرائق (1/ 118)، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (4/ 2).

وعرف الاستحسان أيضا بأنه: القياس الخفي الذي يقابل الظاهر.

انظر: حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح للطحطاوي الحنفي (1/ 490).

(16)

انظر: البناية (4/ 60).

(17)

قاضي خان هو الإمام فخر الدين الحسن بن منصور الأوزجندي الفرغاني، المعروف بقاضي خان، من فقهاء الحنفية الكبار، له: الفتاوى، شرح الجامع الصغير، شرح الزيادات (ت 592 هـ).

انظر: الجواهر المضية (2/ 94)، تاج التراجم (ص/ 151)، الفوائد البهية ص (111).

ص: 13

وإن كان أعتقه أحد الشّريكين في مرض موته وهو موسر ثم مات لا يؤخذ ضمان العتق من تركته في قول أبي حنيفة رحمه الله بل يسقط؛ لأنّ الضّمان إنّما يجب عليه بطريق التّحمل والصّلة والصّلات تسقط بالموت قبل الأداء وعندهما يؤخذ الضّمان من تركته؛ لأنّ الضّمان واجب عليه بجهة الأصالة؛ لأنّه أتلف نصيب السّاكت وضمان الإتلاف يكون على المتلف ولا يسقط بموته وإنما عرف استسعاء العبد عند عسرته نصًا بخلاف القياس؛ لأنّ به أي بيسار التّيسير

(1)

.

قوله: والاستسعاء معطوف على "والتّضمين"

(2)

.

قوله: لما بيّنا

(3)

إشارة إلى قوله وله أنّه احتبست مالية نصيبه ولفظ احتَبَست بفتح التّاء والباء على بناء الفاعل هكذا كان مقيّدًا بقيد شيخي رحمه الله

(4)

.

وقد كان له ذلك بالاستسعاء، أي وقد كان للسّاكت الرجوع على العبد بالاستسعاء فكذلك للمعتق

(5)

؛ لأنّه قام مقام السّاكت كالمدبّر

(6)

إذا قتل في يد الغاصب

(7)

وضمن الغاصب كان له أن يرجع بما ضمن على القاتل، كذا في مبسوط شيخ الإسلام رحمه الله

(8)

.

(1)

المعتبر في يسار المعتق الذي يجب به عليه ضمان قيمة نصيب شريكه هو يسار التيسير؛ لأن بيسار التيسير يعتدل النظر من الجانبين بتحقيق ما قصده المعتق من القربة وإيصال بدل حق الساكت إليه.

انظر: الهداية (2/ 302).

(2)

إشارة إلى ما مر في قوله: "وإن كان السّاكت صغيراً والمعتق موسر، فولي الصّغير، يخير بين التّضمين، والاستسعاء، عند أبي حنيفة" سبق ذلك ص (114).

(3)

" لما بينا " الذي مر هو قوله " لما قلناه " وهو بمعناه، وهو يشير بقوله " لما بينا " إلى ما أشار إليه بقوله لما قلناه حيث قال " لما قلناه وهو قوله: وله: أنَّه احتَبَسَت مالِيَّةُ نَصِيبِهِ عند العَبدِ" سبق ذلك ص (116).

(4)

جاء في البناية (6/ 39)، قال السفناقي: هكذا كان مقيداً بخط شيخي.

(5)

في هذا إشارة إلى قول أبي حنيفة رحمه الله: يرجع المعتق بما ضمن على العبد؛ لأنه قام مقام الساكت بأداء الضمان وقد كان له ذلك بالاستسعاء فكذلك للمعتق.

انظر: الهداية (2/ 302).

(6)

المدبّرُ، المدبّرةُ: هو من أُعتق عن دُبُر. والتدبيرُ: تعليقُ العتقِ بالموت.

انظر: دُرر الحكام في شرح غُرر الأحكام لعلي حيدر خواجه أمين أفندي (2/ 17)، التوقيف على مهمات التعاريف (646).

(7)

وضمن الغاصب: أي: قيمة المدبر. انظر: العناية (4/ 469).

(8)

انظر: الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (4/ 648)، ويوجد ذلك بمعناه في العناية (4/ 469).

ص: 14

قوله: ضِمنًا في قوله: ولأنّه يَملكه بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ضِمنًا لجواب سؤال يرد على قوله: والمستسعى بِمنزلةِ المكاتب عنده.

فإنّه لما كان بمنزلة المكاتب كان ينبغي

(1)

أن لا يتملك بالضّمان؛ لأنّ المكاتب لا يقبل النّقل من ملك إلى ملك فأجاب عنه، وقال إنّما يملكه ضمنًا لأداء الضّمان لا قصدًا، والضمنيات لا تعتبر

وإن شاء استسعى

(2)

لما بينا وهو قوله: أنه احتبست مالية نصيبه والولاء له

أي للساكت وللمعتق أيضًا، فكان الولاء بينهما؛ لأنّ العتق حصل منهما، كما إذا كان المعتق موسراً فاختار السّاكت الإعتاق أو الاستسعاء فذكر هناك أن الولاء بينهما لوجود الإعتاق منهما.

فكذلك ههنا في الوجهين أي في الإعتاق والاستسعاء، ولا يرجع المستسعَى بفتح العين على صيغة اسم المفعول وهو العبد على المعتق.

بخلاف العبد المرهون، فإنّه إذا سعى يرجع على الرّاهن، وقد بيناه

(3)

بإجماع بيننا، وإنّما قيد به احترازًا عن قول ابن أبي ليلى، فإنّ عنده يرجع العبد بما سعى على المعتق، وقد ذكرناه وجوابه

(4)

.

وقال

(5)

في المُعسِرِ: يَبقى نصيبُ السَّاكِتِ على مِلكِهِ ويَتصرفُ فيه بما شاء.

[401/ ب] (فوجه قوله أن عسرة العبد أظهر من عسرة المعتق، لأنّه ليس من أهل ملك المال، فإذا لم يجب الضّمان على المعتق/ لعسرته.

(1)

لفظُ "ينبغي" له استعمالان عند فقهاء الحنفية هما: أ-يستعملُ بمعنى الواجبِ، وهذا عند الفقهاء المتقدمين-وهم من أدرك الأئمة الثلاثة. ب-يستعمل بمعنى المندوب، وذلك عند الفقهاء المتأخرين-وهم من لم يدرك الأئمة الثلاثة.

انظر: الكواشف الجلية عن مصطلحات الحنفية (93 - 94)، المذهب الحنفي لأحمد نقيب (1/ 327).

(2)

أي الشريك الساكت بالخيار إن شاء أعتق، وإن شاء استسعى العبد، وليس له حق تضمين الشّريك، ما دام معسرا.

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 104).

(3)

مر بيان ذلك ص (114).

(4)

مر بيان ذلك ص (114).

(5)

أي الشافعي رحمه الله. ذكر السرخسي قول الشافعي رحمه الله: إن كان المعتق موسرا يعتق كله، وهو ضامن لنصيب شريكه، وإن كان معسرا فللشريك أن يستديم الرق في نصيبه، ويتصرف فيه بما شاء، وقال لا أعرف السعاية على العبد. المبسوط للسرخسي (7/ 106)، ورأي الشافعي في كتب الشافعية هو كما ذكره السرخسي.

انظر: المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي (2/ 368)، الحاوي الكبير للماوردي (18/ 5).

ص: 15

فكذلك لا يجب على العبد بل أولى؛ لأنَّ المُعتِق مُعسرٌ جَانٍ

(1)

والعَبد مُعسرٌ غير جَانٍ، وهذا لأنّه لو لزمته السّعاية إنّما تلزمه في بدل رقبته، وليس للمولى ولايَةُ إلزامِهِ المال بدلًا عن رقبتِهِ في ذِمَّتِهِ كما لو كاتبَهُ بغير رضَاهُ فَلَأَنْ لا يكون ذلك لغير المالكِ أولَى.

وحُجَّتُنَا

(2)

في ذلك حديث بِشيرِ بن نَهِيكٍ

(3)

عن أبي هُريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعتَق شِقصًا من عبدٍ بينهُ وبين غيرهِ، قُوِّمَ عليهِ نَصِيبُ شرِيكِهِ إن كان موسِرًا قِيمَةَ عَدلٍ، وإلا يُستَسعَى العبد في نَصِيبِه غير مشقوقٍ عليه» .

(4)

أي غير مشتدّ عليه الأمر، والمعنى فيه أنَّ نصِيبَ الشَّريكِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وقد احتُبِس عِند العبد لما قلنا أَنَّ بعد إعتَاق البَعض يَمتنِعُ استِدَامَةُ المِلكِ فيما بقي لِوُجُوب تكمِيلِ العتق، والدَّليل عليه حالةُ اليسار فإنَّ حكم المحلِّ لا يختَلفُ بيسار المُعتِق، وعُسرته، ومن احتبس مِلك الغير عنده يكون ضامِنًا له مُوسِرًا كان أو مُعسرًا، وُجد منه أو لم يوجد، كما لو هبَّت الرِّيحُ بثوبِ إنسانٍ، وألقتهُ في صَبغِ إنسانٍ، فانصبغ

(5)

كان لصاحِبِ الصَّبغِ أن يرجع عليه بقيمة صَبغِه إذا اختار صاحبُ الثَّوب إمساك الثّوب، وكذلك إذا استولَدَ أحدُ الشَّريكينِ الجاريةَ

(6)

المشتركة، يضمنُ نصيبَ شريكِهِ مُوسِرًا كان أو مُعسرًا، لاحتِباس نصيبِ الشَّريكِ عنده، فكذلك هنا يجب على العبدِ السِّعايةُ في نصيبِ الشَّريكِ، وإن كان معسرًا لاحتباس نصيب الشّريك عنده، وهذا بخلاف بدلِ الكِتابةِ؛ لأن وجوبه بعقد يعتمد التَّراضي، ووجوب السِّعَايَةِ من طريق الحُكمِ للاحتِبَاسِ، وذلك متقدّر وإن لم يرض به العبد) كذا في المبسوط

(7)

.

(1)

جانٍ. الجاني: المذنب. يقال: جنى جناية: أذنب، والجناية: الذنب والجرم وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه العقاب أو القصاص في الدنيا والآخرة.

انظر: لسان العرب (14/ 154)، المعجم الوسيط (1/ 141)، (جني).

(2)

"وحُجَّتُنَا "أي: حُجة الحنفية على وجوب السعاية على العبد ولو معسرا إن كان الشريك معسرا.

(3)

بَشِيْرُ بنُ نَهِيْكٍ أَبُو الشَّعْثَاءِ البَصرِيُّ. العَالِم، الثِّقَةُ، تابعي.

انظر: سير أعلام النبلاء (4/ 480)، ميزان الاعتدال (1/ 331)، الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 223).

(4)

سبق تخريجه في ص (101).

(5)

الصِّبْغُ هو: ما يُصبغ به وتُلوَّن بِه الثِّياب. انظر: لسان العرب (8/ 437)، (صبغ).

(6)

الْجَارِيةُ: هي الامة صغيرة كانت أم كبيرة - البنت الصغيرة التي لم تبلغ.

انظر: معجم لغة الفقهاء (1/ 158). المغرب (1/ 81).

(7)

هو بنصه. انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 106).

ص: 16

ولا راضٍ به

(1)

أي العبد غير راضٍ بفعل الإعتاق؛ لأنّ الرضاء

(2)

لا يتحقق إلا بعد العلم والمولى منفرد بالإعتاق فلا يكون العبد عالمًا بالإعتاق فلا يكون راضيًا فلا يجب السّعاية، فتعيّن ما عيناه وهو عتق ما عتق ورق ما رق؛ لأنّه لا يفتقر إلى الجناية

(3)

أي لأنّ الاستسعاء لا يحتاج في وجوده إلى الجناية لا محالة، كما في إعتاق العبد المرهون والرّاهن معسر، فلا يصار إلى الجمع وهو جمع الضعف مع القوّة

(4)

هذا جواب

(5)

عن قوله

(6)

لأنّ على تقدير قوله وهو صحّة البيع والهبة

(7)

في نصيب السّاكت مع إعتاق المعتق نصيب يلزم الجمع بين العتق والملك في شخص واحد وهو لا يجوز، لما أنّ الاستسعاء ممكن باعتبار احتباس الماليّة فيه.

(1)

هذا توضيح للدليل الذي استدل به للشافعي رحمه الله على أنه ليس على العبد السعاية لشريك المعتق المعسر؛ لأنه لا وجه

إلى السعاية لأن العبد ليس بجان ولا راض به ولا إلى إعتاق الكل للإضرار بالساكت فتعين ما عيناه.

انظر: الهداية (2/ 302، 303).

(2)

"بالرضاء" في (ب) بالرضا، وكلمة الرضا تذكر في (ب) دائما بدون همز.

(3)

في هذا توضيح لما قيل في الاعتراض على الدليل الذي استدل به للشافعي رحمه الله، وإليك الاعتراض: قلنا: إلى الاستسعاء سبيل؛ لأنه لا يفتقر إلى الجناية بل تبتني السعاية على احتباس المالية فلا يصار إلى الجمع بين القوة الموجبة للمالكية والضعف السالب لها في شخص واحد.

انظر: الهداية (2/ 303).

والجنايةُ: اسم لفعل مُحرّم سواءً كان في نفس أو مال، لكن في عُرف الفقهاء يراد بإطلاق اسم الجناية: الفعلُ في النفس، والأطراف.

انظر: تبييت الحقائق (7/ 207).

(4)

جاء في الهداية: " فلا يصار إلى الجمع

" وذكر هنا " فلا يصار إلى الجمع

، وجاء في العناية والبناية توضيحا لذلك: "لا يصار إلى الجمع بين القوة الموجبة للمالكية الحاصلة من إعتاق البعض والضعف السالب لها بصحة البيع وأمثاله في شخص واحد.

انظر: العناية (4/ 470)، البناية (6/ 42).

(5)

إشارة إلى قوله: " فلا يصار إلى الجمع وهو جمع الضعف مع القوّة ".

(6)

أي قول الشافعي رحمه الله، إذا أعتق الشريك المعسر نصيبه في العبد المشترك، يصح البيع والهبة في نصيب الشريك الساكت. انظر: العناية (4/ 469).

(7)

الهبةُ في اللغة: رضي الله عنه العطيةُ الخاليةُ من الأعواض والأغراض.

انظر: لسان العرب (1/ 948)، (وهب).

وعند الفقهاء: هي تمليك العين بلا عوض.

انظر: تبيين الحقائق (6/ 48).

ص: 17

ولو شهد كل واحد من الشريكين على الآخر بالعتق

(1)

أي بالإعتاق في زعمه، أي في زعم كلّ واحد منهما عنده أي عند أبي حنيفة رحمه الله وحرم عليه الاسترقاق

(2)

، أي على كلّ واحد منهما فيصدق أي كل واحد منهما في حق نفسه؛ لأنّه مكاتبة أي على تقدير الصّدق أو مملوكة أي على تقدير الكذب كان من حق اللَّفِ والنَّشرِ

(3)

أن يقال صادقًا كان أو كاذبًا؛ لأنّه مكاتبه أو مملوكه.

(1)

يبدأ من هنا التوضيح لبعض العبارات التي جاءت في الهداية بدءا من قوله: " ولو شهد كل واحد من الشريكين على صاحبه بالعتق سعى العبد لكل واحد منهما في نصيبه موسرين كانا أو معسرين عند أبي حنيفة رحمه الله "، وكذا إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا لأن كل واحد منهما يزعم أن صاحبه أعتق نصيبه فصار مكاتبا في زعمه عنده وحرم عليه الاسترقاق فيصدق في حق نفسه فيمنع من استرقاقه ويستسعيه لأنا تيقنا بحق الاستسعاء كاذبا كان أو صادقا؛ لأنه مكاتبه أو مملوكه فلهذا يستسعيانه ولا يختلف ذلك باليسار والإعسار؛ لأن حقه في الحالين في أحد شيئين لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده وقد تعذر التضمين لإنكار الشريك فتعين الآخر وهو السعاية والولاء لهما؛ لأن كلا منهما يقول عتق نصيب صاحبي عليه بإعتاقه وولاؤه له وعتق نصيبي بالسعاية وولاؤه لي" " وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- إن كانا موسرين فلا سعاية عليه " لأن كل واحد منهما يتبرأ عن سعايته بدعوى العتاق على صاحبه؛ لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما إلا أن الدعوى لم تثبت لإنكار الآخر والبراءة عن السعاية قد ثبتت لإقراره على نفسه " وإن كانا معسرين سعى لهما " لأن كل واحد منهما يدعي السعاية عليه صادقا كان أو كاذبا على ما بيناه إذ المعتق معسر " انظر: الهداية (2/ 303).

(2)

الاسترقاق: ضرب الرق على الادمي الحر، ضرب الرق على أسرى الحرب أو السبي.

انظر: معجم لغة الفقهاء (1/ 61).

(3)

اللف والنشر أي المرتب. ومعنى اللف والنشر: هو أن تلف شيئين ثم تأتي بتفسيرهما جملة؛ ثقة بأن السامع يرد إلى كل واحد منهما ما له.

انظر: التعريفات (1/ 193)، التوقيف على مهمات التعاريف (1/ 290).

واللف والنشر قسمان: اللف والنشر المرتب، واللف والنشر المشوش.

انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا الهروي القاري (5/ 2173)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)، (2/ 76).

اللف والنشر المرتب هو أن يرجع الأول للأول والثاني للثاني.

انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/ 89)، نحو قوله تعالى:{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} ، سورة الجن آية (14 - 15)، واللف =والنشر المشوش، نحو. قوله تعالى:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} سورة آل عمران آية: (106).

ص: 18

وإنما تَيَقَّنَّا بحق الاستِسعَاءِ على التَّقديرينِ فإنّ المولى إذا كان كاذباً في قوله أعتق الشّريك يكون الكسب للمولى والمراد من الاستسعاء هو أن يكون الكسبُ للمولى.

وإذا كان صادقًا في قولِه: [أعتَقَ الشَّرِيكُ] يكونُ مُقِرًّا بأنَّ العبد صار مُكاتبًا باعتبارِ تَجَزِّي الإعتاق عند أبي حنيفة رحمه الله، فكان الاستِسعَاءُ حينئذٍ بِمنزِلَةِ أخذ بدل الكتابة وذلك أيضًا جائزٌ.

قوله: لأنّ حقّه في الحالين أي لأنّ حق المولى في حال اليسار والإعسار في أحد شيئين أي التّضمين أو الاستسعاء.

قوله: وقد تعذّر التّضمين لإنكار الشّريك ولا يقال لم يَتَعَذَّر التَّضمِينُ على تَقدِير التَّحلِيفِ فإِنَّه لمَّا أنكر يَحلِفُ، فإذا نَكَلَ

(1)

عن الحلف

(2)

يجب الضمان، لأنّا نقول: لما كان من اعتقاد كلّ واحد منهما أنّه أعتقه صاحبه يحلف، فلم يجب الضّمان على تقدير الحلف فيتعيّن السّعاية فلا فائدة في التحليف بل يتعيّن السّعاية بلا تحليف؛ لأنّ ماله إليه، إلا أن الدّعوى لم يثبت لإنكار الآخر، والبراءة

(3)

قد تثبت لإقراره على ما بيّناه؛ وهو قوله: لأنا تَيَقَّنَّا بحق الاستسعاء كاذبًا كان أو صادقًا.

[402/ أ] وذكر في المبسوط

(4)

(وإن شهد أحد الشريكين على صاحبه بالعتق، لم يجز شهادته؛ لأنّه في الحقيقة مدّعٍ إمّا الضّمان على شريكه أو السّعاية على العبد في نصيبه ولكن الرّق يَفسدُ بإقراره، لأنّه متمكن من إفساد الرّق بإعتاقه، فإذا أقرّ بفساد الرّق بإعتاق الشّريك يعتبر إقراره في ذلك، ثم يسعى العبد في قيمته بينهما في قول أبي حنيفة رحمه الله/ موسرين كانا أو معسرين أو كان أحدهما موسرًا والآخر معسرًا؛ لأنّ يسار المعتق عنده لا يمنع وجوب السّعاية، والشّاهد منهما يقول شريكي معتق ولي استسعاء العبد مع يساره والمشهود عليه يقول الشّاهد كاذب ولا ضمان لي عليه، ولكن لي حق استسعاء العبد لاحتباس نصيبي عنده) فمضى الغد

(5)

ولا يُدرى دخل أم لا وقال كلّ واحد منهما حنث صاحبي وهذا

(6)

قول أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- إلا أنّ عند أبي حنيفة رحمه الله يسعى لهما في نصف قيمته موسرين كانا أو معسرين أو كان أحدها موسرًا والآخر معسرًا؛ (لأنّ يسار المعتق عنده لا يمنع وجوب السّعاية على العبد)

(7)

(1)

نكِلَ: نَكَصَ وجبُن وامتنع. انظر: لسان العرب (11/ 807)، (نكل).

(2)

الحَلِفُ: القَسَمُ وهو اليمينُ. انظر: لسان العرب (9/ 53)، (حلف).

(3)

البراءة في اللغة: التباعد من الشيء، والتخلص منه.

انظر: معجم مقاييس اللغة (1/ 236)، لسان العرب:(1/ 38)، كلاهما (برأ).

وعند الفقهاء: لا يخرجُ معناها عن المعنى اللغوي، فهم يريدون بالبراءة في الديون، والمعاملات والجناياتِ: التخلّص، والتنزه، والإسقاط. انظر: دُرر الأحكام شرح غُرر الأحكام (1/ 22)، الموسوعة الفقهية (8/ 51).

(4)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 123).

(5)

الغَدوُ: أَصلُ الغد، وهو اليوم الذي يأْتي بعدَ يومِك. انظر: لسان العرب (15/ 117)، (الغدو).

وما ذكر بين القوسين جزء من مسألة هذا نصها بتمامها" ولو قال أحد الشريكين إن لم يدخل فلان هذه الدار غدا فهو حر وقال الآخر إن دخل فهو حر فمضى الغد ولا يدري أدخل أم لا عتق النصف وسعى لهما في النصف الآخر وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- وقال محمد رحمه الله يسعى في جميع قيمته" انظر: الهداية (2/ 303).

(6)

إشارة إلى ما جاء في الهداية " عتق النصف وسعى لهما في النصف الآخر " انظر: الهداية (2/ 303).

(7)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 118)، العناية (4/ 473).

ص: 19

فحالهما في استحقاق النّصف الباقي على السّواء.

وعند أبي يوسف رحمه الله إن كانا معسرين، (فكذلك وإن كانا موسرين لم يسع لواحد منهما في شيء؛ لأنّ كلّ واحد منهما يتبرى عن السّعاية، ويدّعي الضّمان على شريكه فإن يسار المعتق عنده، يمنع وجوب السّعاية، وإن كان أحدهما موسرًا والآخر معسرًا سعى في ربع قيمته للموسر منهما؛ لأنّ المعسر يدّعي الضّمان على شريكه، ويتبرى من سعاية العبد فيسقط حصّته

(1)

عنه.

والموسر يَدَّعي السِّعاية على العبد فيسعى له في حصَّته وعلى قول محمّد رحمه الله إن كانا معسرين يسعى في جميع قيمته بينهما نصفين وإن كانا موسرين لم يسع لواحد منهما في شيء.

وإن كان أحدهما موسرًا والآخر معسرًا، سعى في نصف قيمته للموسر منهما، لأنّ المعسر يتبرأ عن السّعاية، والموسر يدعيها، فإن يسار المعتق عنده يمنع وجوب السّعاية)

(2)

كذا في الجامع الصّغير لشمس الأئمة السرخسي

(3)

رحمه الله "وبهذا

(4)

يعلم أن ما ذكر في الكتاب"

(5)

(وقال محمّد رحمه الله يسعى في جميع قيمته)

(6)

أي إذا كانا معسرين لأنَّ المَقْضِيَّ عليه بسُقُوط حقِّهِ في السِّعَايَةِ وهو الحانث منهما مَجهُولٌ والقضاء على المجهولِ لا يجوز، وهو نظير ما لو شهد كلّ واحد منهما على صاحبه بالعتق في عبد مشترك بينهما، فإنّه يسعى لهما في جميع القيمة لجهالة المقضيّ عليه بسقوط السّعاية على ما مرّ آنفًا، فكذلك ههنا.

(1)

الحِصّةُ: النَّصيب من الطَّعام والشَّراب والأرض وغير ذلك. انظر: لسان العرب (7/ 14)، (الحصص).

(2)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 118 - 119).

(3)

شمس الدين أبو بكر مُحَمَّد بن أبي سهل السَّرَخْسِي له كتاب (المبسوط) حققه خليل محي الدين الميس وطبعته دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بلبنان من أصول المذهب الحنفي في الفقه.

يقول عن كتابه في المقدمة (فرأيت الصواب في تأليف شرح المختصر لا أزيد على المعنى المؤثر في بيان كل مسألة اكتفاء بما هو المعتمد في كل باب). توفي (438). انظر: كشف الظنون (1/ 569).

(4)

إشارة إلى ما جاء في كتاب الجامع الصغير للسرخسي.

(5)

أي كتاب الهداية، ونصه ما جاء بعد وهو قوله: قال محمد: يسعى

(6)

هنا بداية التوضيح لقول محمد رحمه الله ودليله ودليل أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-، والنص بتمامه "وقال محمد رحمه الله يسعى في جميع قيمته" لأن المقضي عليه بسقوط السعاية مجهول ولا يمكن القضاء على المجهول فصار كما إذا قال لغيره لك على أحدنا ألف درهم فإنه لا يقضي بشيء للجهالة كذا هذا ".

انظر: الهداية (2/ 203).

ص: 20

وَمَعَ

(1)

التَّيَقُّنِ بسُقُوطِ النِّصف كيف يُقضَى بوُجُوب الكُلِّ

(2)

وبه

(3)

فارق الشهادة بالعتق فهناك لم يتيقّن بسقوط شيء من السّعاية عن العبد، لجواز أن يكون كلّ واحد منهما كاذباً فيما يشهد به على صاحبه، ونظيره جارية في يدي رجل زعم أنّه نكحها بإذن مولاها، ومولاها يزعم أنّه باعها منه، لا يحلّ له وطئها وإن اتفقا على حلها نظرًا إلى ما يدعيه كل واحد منهما، لكن احتمال الكذب في دعوى كلّ واحد منهما ثابت فلا يثبت الحِلّ.

وأمّا في مسألتنا تَيَقَّنَّا بسُقُوط نصفِ السِّعايةِ عن العبدِ، على ما ذكرنا فلما سقط النّصف وزع عليهما دفعا للجهالة بقدر الإمكان "وهو

(4)

معنى قوله في الكتاب"

والجَهالَةُ ترتفعُ بالشُّيُوع والتَّوزيعِ.

(5)

فإن قيل: في التّوزيع فساد أيضًا؛ وهو إسقاط السّعاية عن حق غير المعتق وإيجابها للعتق.

قلنا: نعم لكن بطريق الضّرورة فإنا لو لم نقل بالتّوزيع، وقلنا بوجوب كلّ السّعاية كما قال محمّد كان فيه إبطال حق العبد من كلّ وجه ولو قلنا بالتّوزيع كان فيه إبطال حق غير المعتق من وجه فكان التّوزيع أولى، ولو حَلَفَا على عَبدينِ كُلِّ واحدٍ من العبدين لأحدهما فقال أحدهما إن دخل فلان الدّار غدًا فعبدي هذا حر وقال الآخر إن لم يدخل فعبدي هذا حرّ فمضى الغد ولا يُدرَى دخل أم لا لم يعتق واحد منهما؛ لأنّ عتق كلّ واحد منهما مشكوك فيه غير متيقّن فتمكنت الجهالة في موضعين في المعتِق والمعتَق فيترجّح جانب الجهالة على جانب العلم فتعذّر القضاء، بخلاف ما تقدم؛ لأنّ المقضي له بسقوط نصف السّعاية معلوم وهو العبد.

(1)

هذا جزء من دليل أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- وجوابهما على قول محمد رحمه الله، والنص بتمامه "ولهما أنا تيقنا بسقوط نصف السعاية لأن أحدهما حانث بيقين ومع التيقن بسقوط النصف كيف يقضي بوجوب الكل والجهالة ترتفع بالشيوع والتوزيع كما إذا أعتق أحد عبديه لا بعينه أو بعينه ونسيه ومات قبل التذكر أو البيان ويتأتى التفريع فيه على أن اليسار هل يمنع السعاية أو لا يمنعها على الاختلاف الذي سبق".

انظر: الهداية (2/ 303 - 304).

(2)

هذا جواب عن قول محمد رحمه الله، المقضي عليه مجهول. انظر: العناية (4/ 474).

(3)

الضمير يرجع إلى قوله " التيقن بسقوط النصف ".

(4)

الضمير يرجع إلى ما ذكر في العبارة السابقة: "فلما سقط النّصف وزع عليهما دفعا للجهالة بقدر الإمكان".

(5)

أي الجهالة ترتفع بتوزيع النصف الذي سقط على الموليين دفعا للجهالة بقدر الإمكان.

ص: 21

والمقضي به معلوم وهو نِصفُ السِّعاية، والمجهولُ واحدٌ، وهو الحانِث، فترجّح جانب العلم على جانب الجهالة، فتوزّع، ثم في مسألة العبدين إذا اشتراهما رجل جاز، وإن كان عالمًا يحنث أحد التّابعين؛ لأنّ كلّ واحد منهما يزعم أنّه يتبع العبد، وزعم المشتري قبل دخول العبد في ملكه غير معتبر، كما لو أقرّ بحريّةِ عبدٍ، ومولاه ينكر ثمّ اشتراه، صحّ وإذا صحّ الشّراء، واجتمعا في ملكه عتق عليه أحدهما؛ لأن زعمه معتبر، لأنّ لحصولهما في ملكه، ويؤمر بالبيان؛ لأنّ المقضي عليه معلوم.

[402/ ب] وكذا لو أقرّ بإعتاق البائع ثم مَلَكَهُ عَتُق عليه بإقرارهِ، ولو قال: عَبدُهُ حُرٌ إن لم يكن فلانٌ دخل هذه الدّارَ اليومَ، ثمّ قال امرأته طالق إن كان دخل اليوم عتق وطلقت؛ لأنّ اليمين

(1)

الأولى صار مُقرًّا بوجودِ شرطِ/ الطّلاق وباليمين الثّانية صار مقرًا بوجود شرط العتق.

وقيل:

(2)

لم يعتق ولم تطلق؛ لأنّ أحدهما معلّق بعدم الدّخول، والآخر بوجوده، وكلّ واحد من الشّرطين دائرٌ بين الوجودِ والعدم، فلا يَنزِلُ الجَزاءُ بالشَّكِّ.

وعن أبي يوسف رحمه الله يَعتِقُ ولا تطلق؛ لأنّ باليمين الثّانية صار مقرًا بنزول العتق ولم يوجد بعد الثّانية ما يُوجِبُ إقرارهُ بنزول الطّلاق كذا ذكره الإمام شمس الأئمة

(3)

وقاضي خان والتمرتاشي صاحب الفوائد

(4)

رحمه الله.

قوله: عتق نصيبه

(5)

أي زال ملكه عن حِصَّته، لما أنّه لا يثبت شيء من العتق، عند أبي حنيفة رحمه الله بإعتاق البعض ولا ضمان عليه أي لا ضمان على الأب سواء علم الشّريك أو لم يعلم، وكذا إذا ورِثَاهُ وصُورتُهُ امرأةٌ اشتَرَتْ ابن زوجِهَا فَمَاتَت عن أخٍ وزوجٍ كان النِّصفُ لِلزَّوجِ ويَعتِقُ عليهِ، أو كان لرجلين ابن عمّ وله جارية فزوجها أحدهما فولدت ولدًا ثم مات ابن العمّ فورثاه عتق الولد على الأب، أو امرأة لها زوج وأب ولها غلام وهو ابن زوجها، فماتت هذه المرأة صار غلامها ميراثًا بين زوجها وأبيها، ثم في صورة الإرث فلا خلاف بين أصحابنا

(6)

أنّه لا يلزمه الضّمان؛ لأنّه دخل في ملكه بغير فعله فلم يوجد منه إتلاف فلا يلزمه الضّمان، كذا وجدت بخط شيخي رحمه الله.

(1)

سيأتي مزيدًا من تفصيل اليمين لاحقا في كتاب الأيمان بمشيئة الله. واليمين في اللغة: القوة، وتأتي بمعنى الحلف والقسم، والجمعُ: أيمنٌ، وأيمانٌ. انظر: لسان العرب (13/ 570 - 571)، (يمين).

وعند الفقهاء: عبارة عن تأكيد الأمر، وتحقيقه بذكر اسم الله، أو بصفة من صفاته عز وجل. أو التعليق، فإن اليمين بغير الله ذكر الشرط والجزاء.

انظر: أنيس الفقهاء (172)، التوقيف على مهمات التعاريف (751).

(2)

المشهور أن: "قيل" وامثالها من صيغ التمريض، يشار بها الى ضعف القول أو القائل. والصحيح: أنه إن علم من المؤلف أنه يشير بذلك إلى الضعف أو عدم الرجحان، أو وجد قرينه تفيد ذلك حكمنا بالضعف أو عدم الرجحان، وإلا فالأولى عدم الجزم بذلك.

انظر: مقدمة عمدة الرعاية للكنوي (ص 17)، أدب المفتي للبركتي (ص 15).

(3)

انظر المبسوط للسرخسي (9/ 34).

(4)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 78).

(5)

في الهداية: عتق نصيب الأب، والمؤلف يبدأ من هنا التوضيح لبعض عبارات المسألة الآتية:" وإذا اشترى الرجلان ابن أحدهما عتق نصيب الأب " لأنه ملك شقص قريبه وشراؤه إعتاق على ما مر " ولا ضمان عليه "علم الآخر أنه ابن شريكه أو لم يعلم " وكذا إذا ورثاه والشريك بالخيار إن شاء أعتق نصيبه وإن شاء استسعى العبد" وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله، وقالا في الشراء يضمن الأب نصف قيمته إن كان موسرا وإن كان معسرا سعى الابن في نصف قيمته لشريك أبيه وعلى هذا الخلاف إذا ملكاه بهبة أو صدقة أو وصية، وعلى هذا إذا اشتراه رجلان وأحدهما قد حلف بعتقه إن اشترى نصفه لهما أنه أبطل نصيب صاحبه بالإعتاق لأن شراء القريب إعتاق وصار هذا كما إذا كان العبد بين أجنبيين فأعتق أحدهما نصيبه وله أنه رضي بإفساد نصيبه فلا يضمنه كما إذا أذن له بإعتاق نصيبه صريحا ودلالة ذلك أنه شاركه فيما هو علة العتق وهو الشراء لأن شراء القريب إعتاق حتى يخرج به عن عهدة الكفارة عندنا.

وهذا ضمان إفساد في ظاهر قولهما حتى يختلف باليسار والإعسار فيسقط بالرضا ولا يختلف الجواب بين العلم وعدمه وهو ظاهر الرواية عنه لأن الحكم يدار على السبب كما إذا قال لغيره كل هذا الطعام وهو مملوك للآمر ولا يعلم الآمر بملكه " وإن بدأ الأجنبي فاشترى نصفه ثم اشترى الأب نصفه الآخر وهو موسر فالأجنبي بالخيار إن شاء ضمن الأب " لأنه ما رضي بإفساد نصيبه " وإن شاء استسعى الابن في =نصف قيمته " لاحتباس ماليته عنده "، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله " لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده وقالا لا خيار له ويضمن الأب نصف قيمته لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما.

انظر: الهداية (2/ 304)، والضمير في قوله " نصيبه " يعود على الأب.

(6)

المراد بأصحابنا هم الأئمة الثلاثة (أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله

انظر: رد المحتار لابن العابدين (4/ 495)، غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر للحموي (1/ 27)، الفقه الإسلامي للزحيلي (1/ 57)، مقدمة في الفقه لأبي الخيل (117).

ص: 22

وقالا

(1)

في الشّراء: يضمن الأب نصف قيمته إنّما قيّد بالشِّراء لما ذكرنا أنّه لا يلزم في الإرث بالإنفاق.

قوله: وأحدهما قد حلف بعتقه إن اشترى نصفه وإنّما قيّد بالنّصف؛ لأنّه إذا حلف بعتقه ثمّ اشتراه بشركة الآخر، لا يعتق؛ لأنّ الشّرط "شِراء"

(2)

كل العبد ولم يوجد، وله

(3)

أنّه رضي بإفساد نصيبه، لأنّه شاركه في علّة العتق أي في علّة العتق

(4)

وهي الشِّراء فإن الشّرى علّة التملك والتملك في القريب علّة العتق، فالحكم يضاف إلى علّة العلّة، كما يضاف إلى العلّة، لما عُرف في قود الدّابة وَسَوقِهَا

(5)

كما إذا أذن له بإعتاق نصيبه صريحًا، بأن قال أعتق نصيبي فأعتق نصيبه، فإن قلت لا بل قبول كلّ واحد من المشتريين شرط لصحة قبول الآخر، فإن البائع إذا أوجب البيع من رجلين، فقبل أحدهما، دون الآخر، لا يصح الإيجاب في حق القَابل أيضًا؛ لأنّ قبول الآخر لم يوجد، وهو شرط صحّة قبول القابل، ثمّ مباشرة الشّريك شرط العتق لا تُسقِط حقّه في الضّمان، كما لو قال أحد الشّريكين لصاحبه إن ضربته سوطًا فهو حرّ، فضربه صاحبه، يجب الضّمان على الحالف، كما لو أعتق نصيبه ابتداء، ولم يسقط هناك مباشرة الشّريك شرط العتق الضّمان على الحالف فينبغي أن لا يسقط الضّمان عن الشّريك المشتري أيضًا.

قلت: إنّ شراء القريب إعتاق بواسطة الملك والمشتريان صارا في هذا الشراء

(6)

كشخص واحد لاتّحاد الإيجاب من البائع فلما كان كذلك فقد تحقَّقَت المشاركةُ في العلّة، إلا أنّ المشاركة في هذا السّبب يكون إعتاقًا في حق من يتمّ له العتق، لا في حقّ من لا يتمّ له علّة العتق، وإنّما يتمّ علّة العتق في حق القريب بهذا القبول، فكان هو المعتق دون شريكه ولكنّه لم يضمن لشريكه لوجود المشاركة معه في علّته فكان قبول كلّ واحد منهما جزءَ العلةِ لا شرطها.

(1)

أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-.

(2)

شِراء: في (ب)"شِرا" بدون همزه، والصحيح "شراء" على الأصل. ومثله باقي الكلمات في الآتي.

(3)

أي لأبي حنيفة رحمه الله.

(4)

"أي في علّة العتق" في (ب) ساقطة. والكلام يستقيم بدونها.

(5)

القَوْدُ: نَقِيضُ السَّوْقِ، فالقود للدابة يكون من الأمام، والسوق من الخلف، يقال: يَقود الدَّابّة مِن أَمامها، ويَسوقها من خَلْفِها.

انظر: المحكم والمحيط الأعظم (6/ 535)، تاج العروس (9/ 76)، (قود).

(6)

الشراء: في (ب)"الشِرى" هكذا بالألف المقصورة.

ص: 23

وإنّما قلنا ذلك؛ لأنّ الشّرع جعل البيع علّة واحدة وهو لا يتم إلا بالإيجاب والقبول، والعلّة الواحدة لا تحتمل التّقسيم ليحصل حكمها منقسمًا عليها "لو يجعل"

(1)

بعضها علة، وبعضها شرطًا بل إيجابهما جميعًا مع قبولهما علّة واحدة للزّوال والدّخول جميعًا ثم الحكم ينقسم عليهما بحكم المزاحمة فيصير هذا مُملِكًا وهذا مُتَملِّكًا، وإن قبل أحد المشترين

(2)

وحده

(3)

لم يصحّ، لأنّه إذا انفرد فهو غيره إذا انضمّ إلى قبول شريكه.

كالطّلقة غير الطّلقة من الطّلقتين على قول أبي حنيفة رحمه الله فيما إذا قال لها طلّقي نفسك واحدة فقالت طلقت نفسي ثلاثاً لم يقع عنده، بخلاف ما إذا قال إن ضربته سوطًا

(4)

فهو حرّ؛ لأنّ سبب العتق هناك قوله أنت حرّ وقد تفرّد به الحالف، فالضّارب لا يكون مشاركًا له في سبب العتق ولا راضياً بأصل السّبب بمجرّد مباشرة الشّرط فلهذا لا يسقط حقّه في التّضمين.

[403/ أ] فإن قلت: يشكل على هذا مسألة الفرار فإن الزّوج إذا علّق الطّلاق بفعلها الذي لها منه بُدّ ففعلت/ يكون راضيًا بحكم الشّرط لرضاها بمباشرة الشّرط فلا ترث فعلم بهذا أنّ الرضاء بالشّرط رضاء بحكم المشروط.

قلت حكم الفرار ثبت في أصله بشبهة العدوان

(5)

؛ ألا ترى أنّ الزّوج إذا علق الثّلاث بفعله في صحّته، ثم فعلهُ وهو مريض يصير فارًّا بمباشرة الشّرط، وأنّه شبهة عدوان لا حقيقة له، فلما ثبت الفرار بشبهة العدوان بطل

(6)

أيضًا بمعارضة شبهة الرضاء بفعل الشّرط، وهذا الضّمان واجب بحقيقة العدوان، وهو ضمان الإتلاف عندهما وضمان الحيلولة

(7)

والغصب

(8)

وقطع اليد عند أبي حنيفة رحمه الله فلم يبطل إلا بحقيقة الرضاء صريحًا أو بمباشرة العلّة دون الشّرط إلى هذا أشار شمس الأئمة

(9)

وفخر الإسلام

(10)

-رحمهما الله-.

(1)

لو يجعل: هكذا في (ب).

(2)

المشترين: في (ب) المشتريين، وهو الصواب.

(3)

وحده: في (ب)"واحده " والصواب ما في (أ).

(4)

" سوطاً " زائدة في (ب). وليس بها تغيير للمعنى.

(5)

العدوان من الاعتداء التخطي ومجاوزة الحد. انظر: معجم لغة الفقهاء (1/ 75).

(6)

الباطل لغة: نقيضُ الحق. انظر: لسان العرب (11/ 66)، (بطل).

وفي اصطلاح الحنفيةِ: الباطل هو الذي لم يكن منعقدا بأصله ولا بوصفه

انظر: غمز عيون البصائر (2/ 274).

وفي عرف الفقهاء: ما لا يكون مشروعا لا بأصله، ولا بوصفه.

انظر: البحر الرائق (6/ 75).

(7)

الحيلولة: مصدر من حال الشيء بيني وبينك: أي حجز. انظر: معجم لغة الفقهاء (1/ 189).

(8)

الغصبُ في اللغةِ: أخذ الشيء ظلماً.

انظر: لسان العرب (1/ 760)، (غصب).

وفي عرف الفقهاء: إزالة اليد المحقة بإثبات اليد المبطلة في مال متقوم محترم قابل للنقل بغير إذن مالكه.

انظر: تبيين الحقائق (5/ 222).

وعرف أيضاً بأنه: عبارة عن أخذ مال متقوم محترم بغير إذن المالك على وجه يزيل يده عنه.

انظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 338).

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 100).

(10)

فخر الإسلام هو الإمام علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد أبو الحسن المعروف بفخر الإسلام البزدوي الفقيه الإمام الكبير صاحب الطريقة على مذهب أبي حنيفة، توفي يوم الخميس خامس رجب سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة وحمل تابوته إلى سمرقند ودفن بها على باب المسجد، وبزدة قلعة حصينة على ستة فراسخ من نسف، ومن تصانيفه المبسوط، وشرح الجامع الكبير والجامع الصغير وله في أصول الفقه كتاب كبير مشهور ومفيد تعالى.

انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 372)، الوافي بالوفيات (21/ 283، 284).

ص: 24

لأنّ شراء القريب إعتاق حتّى يخرج به عن الكفارة

(1)

، بخلاف الإرث فإنّه عتق لا إعتاق حتّى لا يخرج به عن الكفارة.

قوله: وهذا ضمان إفساد

(2)

اعلم أنّ الضمان في باب العتق ضمانات التملّك وهو ضمان الاستيلاد؛ لأنّ الاستيلاد موضوع لطلب الولد، لا للعتق حتّى تحقق من غير عتق في المنكوحة فلا يمكن أن يجعل الواجب

(3)

به ضمان عتق وهو غير موضوع له، فجعلناه ضمان تملك ثم ضمان التملك لا يسقط بالرضاء إذا لم يكن الرضاء مصرحًا به، حتّى لو استولد أحد الشّريكين الجارية بإذن شريكه لا يسقط ضمانها، وأثر ضمان التملك أيضاً هو أنّه لا يختلف حكمه باليسار والإعسار.

والثّاني: ضمان الإتلاف ويقال له أيضًا ضمان الجناية وهو ضمان الإعتاق فعن أبي يوسف رحمه الله في رواية أنّ ضمان الإعتاق أيضًا ضمان تملّك حتّى لا يسقط حقّ الشّريك في التّضمين بالإذن.

(وأمّا ظاهر الرواية من أصحابنا فإن هذا الضّمان سببه الإفساد والإتلاف فكان ضمان إتلاف فيختلف حكمه باليسار والإعسار بالنصّ، بخلاف القياس على ما ذكرنا فيسقط بالإذن كضمان الإتلاف الحقيقي بل أولى؛ لأنّ هذا الضّمان يسقط بالإعسار بخلاف ضمان الإتلاف الحقيقي)

(4)

.

وأمّا ضمان التّدبير فهو أيضاً ضمان التملك كالاستيلاد في ظاهر الرواية؛ لأنّه تملك كسبه وخدمته فصار وجوب الضّمان بمقابلة البدن فيستوي فيه الموسر والمعسر كما في الاستيلاد هذا كلّه من المبسوطين

(5)

والفوائد الظهيريّة

(6)

ويظهر أثر هذه الأحكام في المسألة التي تلي هذه المسألة، وقيّد بقوله

(7)

في ظاهر قولهما لأنّه روى عن أبي يوسف رحمه الله أن هذا ضمان تملّك.

(1)

الكفارة: الكفارة: (الْكَفَّارَة) مَا يسْتَغْفر بِهِ الآثم من صَدَقَة وَصَوْم وَنَحْو ذَلِك.

انظر: المعجم الوسيط (2/ 792).

وفي عرف الفقهاء (الكفارة): بتشديد الفاء، ما يكفر: أي يغطى به الإثم.

انظر: معجم لغة الفقهاء (1/ 382).

(2)

جاء في البناية تعليقا على (وهذا ضمان إفساد): يجوز أن يكون جوابا عما يقال إنما كان الرضا مسقطا للضمان أن لو كان ضمان إفساد، وأما إذا كان ضمان تملك فلا يسقط به كما إذا استولد أحد الشريكين الجارية بإذنه فإنه لا يسقط به الضمان لأنه ضمان تملك إذ الاستيلاد موضوع لطلب الولد لا للعتق، فلا يمكن أن يجعل الواجب به ضمان عتق وهو غير موضوع له فكان ضمان تملك. انظر: العناية (4/ 477).

(3)

الواجب لغة: من الوجوب وهو اللزوم.

انظر: الصحاح (1/ 5642)، لسان العرب (1/ 793)، القاموس المحيط (1/ 141)، (وجب).

وفي عرف الفقهاء: ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه.

انظر: كشف الأسرار (1/ 119).

(4)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 74).

(5)

المبسوطين هما مبسوط السرخسي (17/ 149) وكتاب الاصل ويسمى المبسوط للشيباني.

(6)

الفوائد الظهيرية لمحمد بن احمد بن عمر ظهير الدين أبو بكر البخاري، المحتسب ببخارى، القاضي الفقيه الأصولي وهو فوائد على الجامع الصغير للحسام الشهيد سماها الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة في الفقه توفي حمه الله سنة تسعة عشر وست مائة هـ، وهي غير مطبوع، وله (الفتاوى الظهيرية-مخطوط).

انظر: الفوائد البهية (156)، كشف الظنون (2/ 1298)، الجواهر المضية (2/ 20)، معجم المؤلفين (8/ 303).

(7)

جاء في الهداية: وهذا ضمان إفساد في ظاهر قولهما.

انظر: الهداية (2/ 304)، فقول صاحب الهداية " وهذا ضمان إفساد " قيده بقوله " في ظاهر قولهما ".

ص: 25

فلا يختلف باليسار والإعسار ولا يختلف الجواب بين العلم وعدمه وهو ظاهر الرواية عنه

أي عن أبي حنيفة رحمه الله وإنما قيّد بظاهر الرواية عنه؛ لما أنّه روى الحسن بن زياد

(1)

أنّه فصل بين ما إذا كان الشّريك عالمًا بالقرابة وبين ما إذا لم يكن عالمًا بها في حكم الضّمان؛ لأنّ رضاه لا يتحقق إذا لم يكن عالمًا به، وفي ظاهر الرواية لا فرق بينهما؛ لأنّ الُمسقِط لحقه في الضّمان مشاركته في السّبب، أي العلّة وذلك لا يختلف بعلمه وجهله، ثم هو بهذه المشاركة مباشر سبب إسقاط حقّه في الضّمان فلا يختلف ذلك بعلمه وجهله بمنزلة الغاصب إذا أطعم المغصوب للمغصوب منه، فتناوله وهو لا يعلم أنّه طعامه لا يكون له أن يضمن الغاصب شيئًا كذا ذكره شمس الأئمة السّرخسي رحمه الله في الجامع الصّغير

(2)

.

وأمّا ما ذكر في الكتاب (من الأمر بأكل الطعام والطّعام طعام الآمر، والآمر لا يعلم أن هذا الطّعام طعامه فقال لغيره كل فأكله المخاطب فليس للآذن وهو الآمر المالك أن يضمن الآكل شيئًا، وإن لم يعلم أنّه له، بل إنّما أمره على ظنّ أنّه ليس له، وذكر شمس الأئمة السّرخسي رحمه الله هذا النّظر في المبسوط).

(3)

وما ذكرته من أنّ الطّعام طعام المأمور في الجامع الصّغير وكلاهما مستقيم في كونه نظيراً لمسألتنا في أنّ الرضاء بالسّبب رضاء بحكمه، وإن لم يعلم جِهة حكمه، ومعناه إذا اشترى نصفه ممّن يملك كلّه

(4)

، وإنّما قيّد به

(5)

لأنّه إذا اشترى نصيب أحد الشّريكين منه يضمن للسّاكت بالإجماع.

(1)

الإمام الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي، صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه، كان حسن الخُلق يقظًا، فطنًا، فقيهًا، تولى قضاء الكوفة، وكان حافظًا للروايات عن أبي حنيفة، كان محبًا للسنّة واتّباعها، حتى كان يكسو مماليكه مما كان يكسو به نفسه، وكان يقول: كتبت عن ابن جريج اثني عشر ألف حديث كلها يحتاج إليها الفقهاء، له: المجرد، الأمالي

(ت 204 هـ). انظر: الفوائد البهية (ص/ 104)، الجواهر المضية (2/ 56)، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (7/ 314).

(2)

شرح الْجَامِع الصَّغِير للشيباني فِي الْفُرُوع.

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير للشيباني (1/ 468).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 73).

(4)

هذا جزء من كلام صاحب الهداية مما جاء في نص هذه المسألة: "ومن اشترى نصف ابنه وهو موسر فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا يضمن إذا كان موسرا" ومعناه: إذا اشترى نصفه ممن يملك كله فلا يضمن لبائعه شيئا عنده والوجه قد ذكرناه. " انظر: الهداية (2/ 304).

(5)

شراء الأب لنصف ابنه ممن يملكه كله.

ص: 26

وقد ذكره

(1)

وهو قوله: وإن بدأ الأجنبي

(2)

فاشترى نصفه ثم اشترى الأب نصفه الآخر، وهو موسر إلى آخره

(3)

. والوجه قد ذكرناه

(4)

إشارة إلى قوله: لهما أنّه أبطل

(5)

.

[403/ ب] وقال:/ وله أنه رضي

(6)

فأرادوا الضّمان

(7)

هذا على طريق التّغليب حيث ذكر بلفظ الجمع لما أن المعتق لا يريد الضّمان أصلاً والمريد للضمان هو السّاكت والمدبّر لا المعتق لتعذّر الجمع شرعًا بين كونه معتقًا ومضمنًا غيره، ولا يُضمنه الثُّلث الذي ضمن، أي لا يضمن المدبّر المعتق ثلث القن الذي ملكه المدبّر بإزاء الضّمان إلى السّاكت؛ لأنّه لما ضمن السّاكت المدبّر كان المدبّر مالكًا نصيب السّاكت فلا يضمن المدبّر المعتق هذا الثلث، بل يضمن المدبّر المعتق ثلث قيمة العبد مدبّرًا، للمعنى الذي يذكر بعد بيان هذا

(8)

إن قيمة العبد لو كانت سبعة وعشرين دينارًا مثلاً فإن السّاكت يضمن المدبّر تسعة والمدبّر يضمّن المعتق ستة، وذلك لأنّ قيمة المدبر ثلثا قيمة القنّ، لما يذكر فبالتّدبير تلفت منه تسعة فكان الإتلاف بالإعتاق واقعًا على قيمة المدبّر وهي ثلثا قيمته القنّ وهو ثمانية عشر وثلث ثمانية عشر ستة، فيضمن المدبّر المعتق تلك الستة فقط ولا يضمنه التسعة التي هي نصيب السّاكت مع تلك الستة التي يضمنه إياها.

(1)

ذكره: أي صاحب الهداية.

(2)

الأجنبي: البعيد منك في القرابة أو في الغربة أو من ليس له علاقة بالشيء، يقال: هو أجنبي من هذا الأمر أي لا تعلق له به ولا معرفة. انظر: تاج العروس (2/ 187)، المعجم الوسيط (1/ 138)، معجم لغة الفقهاء (1/ 44).

والمعنى الأخير هو المعنى المراد هنا. فالأجنبي عن الشركة لا تعلق له بها.

(3)

النص بتمامه: " وإن بدأ الأجنبي فاشترى نصفه ثم اشترى الأب نصفه الآخر وهو موسر فالأجنبي بالخيار إن شاء ضمن الأب " لأنه ما رضي بإفساد نصيبه " وإن شاء استسعى الابن في نصف قيمته " لاحتباس ماليته عنده " وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله " لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده وقالا لا خيار له ويضمن الأب نصف قيمته لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما. انظر: الهداية (2/ 304).

(4)

هذه العبارة جزء من مسألة ذكرت بتمامها في نفس الصفحة، في الهامش السابق.

(5)

لهما أنه أبطل نصيب صاحبه بالإعتاق لأن شراء القريب .... مر بيان ذلك ص (134).

(6)

هذا دليل لأبي حنيفة على أن من اشترى نصف ابنه وهو موسر فلا ضمان عليه؛ لأنه رضي بإفساد نصيبه فلا يضمنه كما إذا أذن له بإعتاق نصيبه صريحا. انظر: الهداية (2/ 304).

(7)

هذا بداية مسألة ونصها بتمامها: " وإذا كان العبد بين ثلاثة نفر فدبره أحدهم وهو موسر ثم أعتقه الآخر وهو موسر فأرادوا الضمان فللساكت أن يضمن المدبر ثلث قيمته قنا ولا يضمن المعتق وللمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا ولا يضمنه الثلث الذي ضمن وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا العبد كله للذي دبره أول مرة ويضمن ثلثي قيمته لشريكيه موسرا كان أو معسرا ".

وأصل هذا أن التدبير يتجزأ عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما كالإعتاق لأنه شعبة من شعبه فيكون معتبرا به ولما كان متجزئا عنده اقتصر على نصيبه وقد أفسد بالتدبير نصيب الآخرين فلكل واحد منهما أن يدبر نصيبه أو يعتق أو يكاتب أو يضمن المدبر أو يستسعي العبد أو يتركه على حاله لأن نصيبه باق على ملكه فاسدا بإفساد شريكه حيث سد عليه طرق الانتفاع به بيعا وهبة على ما مر فإذا اختار أحدهما العتق تعين حقه فيه وسقط اختياره غيره فتوجه للساكت سببا ضمان تدبير المدبر وإعتاق هذا المعتق غير أن له أن يضمن المدبر ليكون الضمان ضمان معاوضة إذ هو الأصل حتى جعل الغصب ضمان معاوضة على أصلنا وأمكن ذلك في التدبير لكونه قابلا للنقل من ملك إلى ملك وقت التدبير ولا يمكن ذلك في الإعتاق لأنه عند ذلك مكاتب أو حر على اختلاف الأصلين ولا بد من رضا المكاتب بفسخه حتى يقبل الانتقال فلهذا يضمن المدبر ثم للمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا لأنه أفسد عليه نصيبه مدبرا والضمان يتقدر بقيمة المتلف وقيمة المدبر ثلثا قيمته قنا على ما قالوا ولا يضمنه قيمة ما ملكه بالضمان من جهة الساكت =لأن ملكه يثبت مستندا وهذا ثابت من وجه دون وجه فلا يظهر في حق التضمين والولاء بين المعتق والمدبر أثلاثا ثلثاه للمدبر والثلث للمعتق لأن العبد عتق على ملكهما على هذا المقدار وإذا لم يكن التدبير متجزئا عندهما صار كله مدبرا للمدبر وقد أفسد نصيب شريكيه لما بينا فيضمنه ولا يختلف باليسار والإعسار لأنه ضمان تملك فأشبه الاستيلاد بخلاف الإعتاق لأنه ضمان جناية والولاء كله للمدبر وهذا ظاهر. انظر: الهداية (2/ 304).

(8)

إشارة إلى قول صاحب الهداية " للمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا لأنه أفسد عليه نصيبه مدبرا والضمان يتقدر بقيمة المتلف " انظر: الهداية (2/ 304).

ص: 27

وقد أفسد بالتّدبير نصيب الآخرين فلكلّ واحد منهما أن يدبّر نصيبه إلى آخره.

فكان كلّ واحد منهما مختارًا بين ستّة أشياء على ما ذكر في الكتاب

(1)

وذكر الإمام قاضي خان رحمه الله بأنّه ثبت لكلّ واحد منهما خمسة خيارات

(2)

، ولم يذكر قوله أو يتركه على حاله، ثم قال وقولنا له خمسة خيارات أي يصحّ منه هذه التصرفات، أما لا يؤذن بالإعتاق والاستسعاء؛ لأن فيه إفسادَ نصيب المدبّر، لأنّ المدبّر كان متمكّنًا من استيفاء نصيبه على ملكه إلى وقت الموت، وبعد الإعتاق والاستسعاء لا يتمكّن

(3)

، لأن نصيبه باق على ملكه أي لأن نصيب كلّ واحد منهما

(4)

باق على ملك كلّ واحد منهما بإفساد شريكه، أي بإفساد شريك كلّ واحد منهما، وهو المدبّر حيث سدّ المدبّر على كلّ واحد منهما طرق الانتفاع بذلك العبد بيعًا وهبة.

قوله: على ما مرّ إشارة إلى قوله لأنّ المعتق جان عليه بإفساد نصيبه حيث امتنع عليه البيع والهبة إلى آخره ذكره في المسألة الأولى من هذا الفصل.

(5)

سببا ضمان تدبير المدبّر وإعتاق هذا المعتق أي تدبير المدبّر سبب الضّمان وكذلك إعتاق المعتق أيضًا سبب الضّمان وكلّ واحد منهما متعدّ في حق السّاكت؛ إلا أن للسّاكت ولاية تضمين المدبّر دون المعتق للأصل الذي ذكر في الكتاب وهو أنّ الأصل في الضّمانات أي يكون الضّمان ضمان معاوضة

(6)

، وهذا إنّما يتحقق في تضمين المدبّر لا في تضمين المعتق؛ وإنّما قلنا أنّ الأصل في الضّمان ضمان معاوضة، ألا ترى أنّ الملك للغاصب يثبت بطريق المعاوضة

(7)

؟ على أصلنا وإن كان هو في ابتدائه عدوانًا محضًا جريًا على الأصل المعهود وهو أن يكون الضّمان ضمان معاوضة.

(1)

الأشياء الستة ذكرها صاحب الهداية بقوله: "فلكل واحد منهما أن يدبر نصيبه أو يعتق أو يكاتب أو يضمن المدبر أو يستسعي العبد أو يتركه على حاله ". انظر: الهداية (2/ 304).

(2)

له خمسة خيارات إن كان موسراً إن شاء أعتق، وإن شاء ضمن، وإن شاء كاتب وإن شاء استسعى، وإن شاء دبر. انظر: البناية (6/ 36).

(3)

" يصحّ منه هذه التصرفات، أما لا يؤذن بالإعتاق والاستسعاء؛ لأن فيه إفساد نصيب المدبّر، لأنّ المدبّر كان متمكّنًا من استيفاء نصيبه على ملكه إلى وقت الموت وبعد الإعتاق والاستسعاء لا يتمكّن " ما بين القوسين بنصه نقلا عن قاضي خان في شرح الجامع الصغير. انظر: البحر الرائق (4/ 260).

(4)

أي الشريكين الآخرين المعتق والساكت. انظر: البناية (6/ 51).

(5)

ذكره: أي صاحب الهداية. في المسألة الأولى وهي: " وإذا كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه عتق فإن كان موسرا فشريكه بالخيار

". انظر: الهداية (2/ 301).

(6)

جاء في البناية: ضمان المعاوضة هو الأصل في الضمان، لأن الضمان يقتضي أن يصير المضمون ملكًا للضامن ولا يكون ذلك إلا في ضمان المعاوضة لا في ضمان الجناية، وإتلاف وضمان المدبر ضمان معاوضة. انظر: البناية (6/ 51).

(7)

المعاوضة: من العِوَضُ: وهو البَدَلُ. انظر: تاج العروس (18/ 449)، (عوض).

العوض: بكسر ففتح من عاض جمع أعواض، الخلف والبدل

الشيء الذي يدفع على جهة المثامنة =بعقد، وهو عام في النقود وغيرها، فالثمن في البيع بدل عن السلعة، والسلعة بدل على الثمن. انظر: معجم لغة الفقهاء (1/ 105 - 324).

ص: 28

والدّليل أيضاً على أنّ ضمان الغصب ضمان معاوضة أنّه (إذا غصب عبدًا وأبق

(1)

العبد من يد الغاصب وقضى القاضي على الغاصب بالقيمة ثم عاد العبد فللغاصب أن يبيع العبد مرابحة على القيمة التي أدّاها إلى مالكه والمرابحة

(2)

مخصوصة بالمعاوضات المحضة)

(3)

والمسألة في فتاوى قاضي خان

(4)

.

وكذلك الأصل في ضمان المدبّر هو ضمان معاوضة، ألا ترى أن من غصب مدبّرًا فاكتسب عند الغاصب كسبًا ثم أبق فلم يرجع من إباقه حتّى مات كان ذلك الكسب للغاصب، والمسألة في آخر باب النهي من أصول الفقه لشمس الأئمة السرخسي رحمه الله، وإنّما يكون له الكسب إذا كان المدبّر ملكًا للغاصب عند أداء الضّمان، فلما اعتبر ضمان المعاوضة في ضمان المدبّر مع أنّ المدبّر غير قابل للنقل لأجزاء الأصل المعهود وهو ضمان المعاوضة، فلأن نقول: ضمان ضمان المدبّر ههنا وهو تدبيره قابل للنقل ضمان معاوضة أولى.

[404/ أ] وذكر الإمام الكشاني

(5)

رحمه الله في أنّ ضمان الغصب ضمان معاوضة مسألة المأذون

(6)

وهي أن إقرار المأذون يصحّ مطلقًا وإن احتمل إقراره جهة الغصب وكذلك لو صرّح في إقراره بالغصب بأن قال: غصبت من فلان كذا يصحّ أيضًا مع أنّ الإقرار

(7)

بضمان الإتلاف مؤخّر إلى ما بعد العتق، وإذا كان الأصل في الضمانات ضمان معاوضة في الغصب/ وهو عدوانٌ، ففي الإعتاق وهو مشروع أولى، فلا يترك هذا الأصل إلى ضمان الجناية إلا لضرورة العجز، وحين دبر الأوّل كان نصيب السّاكت محتملاً للتّمليك فإن فقد

(8)

سبب الضّمان مُوجبٌ للملك

(9)

في المضمون، ثم بعد التّدبير لا يحتمل النقل إلى ملك غير المدبّر فلمّا أعتق الثّاني لم ينعقد ذلك للضّمان بشرط ملك المضمون؛ لأنّ نصيب السّاكت يوم أعتق لم يكن محلاً له، فلو لزم على المعتق ضمان للسّاكت لوجب من غير ملك المضمون فيصير خالص ضمان العدوان وذلك باطل إلا عند الضّرورة ولا ضرورة ههنا لإمكان تضمين المدبّر؛ لأنّه عند ذلك أي عند الإعتاق وقيمة المدبّر ثلثا قيمته قِنًا كذا ذكره القاضي الإمام علي السعدي

(10)

؛ لأنّ منفعة الوطئ والسّعاية باقية ومنفعة البيع زائلة وقيمة أم الولد ثلث قيمة القن.

(1)

أبق: الإِباقُ: هرَبُ الْعَبِيدِ وذَهابهم مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا كدِّ عَمَلٍ. انظر: لسان العرب (10/ 3)، (أبق).

(2)

المرابحةُ في اللغة: من ربح يربحُ ربحاً، وأربحتُهُ على سلعتِهِ، أي: أعطيتهُ ربحاً.

انظر: لسان العرب: (2/ 518 - 519)، (ربح).

وعند الفقهاء: بيع بالثًّمنِ الأول مع زيادةِ ربح. انظر: بدائع الصنائع (5/ 327).

(3)

المحضة: أَي الخالصَةُ. انظر: تاج العروس (19/ 44).

(4)

انظر: فتاوى قاضي خان (2/ 135).

(5)

الكشاني: بضم الكاف والشين المعجمة وفى آخرها النون هذه النسبة إلى كشانية بلدة من بلاد السغد بنواحي سمرقند نسبة الإمام مسعود بن الحسن بن الحسين بن محمد بن إبراهيم الكشاني أبو سعد ركن الدين الخطيب روى عن الشيخ سيف الدين أبي محمد عبد الله ابن علي الكندي والخطيب أبي نصر محمد بن الحسن الباهلي وشمس الأئمة السرخسي روى عنه الإمام الصدر الشهيد حسام الدين أبو المعالي عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازة والشيخ ظهير الدين أبو المحاسن الحسن بن علي بن عبد العزيز بن عبد الرزاق بن أبي نصر المرغيناني، مات سنة عشرين وخمس مائة له ثلاث وسبعون سنة.

انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 168، 341)، معجم المؤلفين:(12/ 226).

(6)

المَأذُونُ: عَبْدٌ أَذنَ لَهُ سَيِّده فِي التِّجارَةِ. انظر: تاج العروس (34/ 170)، (أذن).

(7)

الإقرارُ: هو إثبات الشيء باللسان أو بالقلب أو بهما أو بقاء الأمر على حالهِ.

انظر: الكُليَّات ص (160).

(8)

" فان فقد": هكذا في (ب) وفي (أ) فانفقد، والصواب ما في (ب).

(9)

للملك: في (ب) الملك. وكلاهما صواب.

(10)

علي السعدي (154 - 244 هـ) علي بن حجر بن اياس السعدي، المروزي محدث، حافظ، رحال، له ادب وشعر، من اهل خراسان، قدم، دمشق وسمع بها، وتوفي في منتصف جمادى الاولى، وقد أكمل التسعين، من آثاره: احكام القرآن، وفوائد في الحديث. انظر: معجم المؤلفين (7/ 57).

ص: 29

قوله: على ما قالوا إشارة إلى أنّ فيه اختلافًا.

وذكر شيخ الإسلام

(1)

رحمه الله في قيمة المدبّر اختلاف المشايخ

(2)

قال بعضهم: نصف قيمة القنّ؛ لأنّ قبل التّدبير كان له فيه نوعا منفعة منفعة البيع وما شاكله ومنفعة الإجارة وما شاكلها وقد زال أحدهما وهو البيع وبقي الآخر، وقال بعضهم: قيمته قيمة الخدمة ينظر بكم يستخدم هو مدّة عمره من حيث الحزر

(3)

والظن وما قاله شيخ الإسلام أصحّ وعليه الفتوى كذا في التتّمة

(4)

، وقيمة أمّ الولد ثلث قيمة القنّ؛ لأنّ البيع والاستسعاء قد انتفيا، فبقي ملك الإعتاق، وقيمة المكاتب نصف قيمة القنّ؛ لأنّ المكاتب حرٌ يدًا، وبقيت الرقبة والقنّ مملوك يدًا ورقبة، فكان الكاتب نصف القن، ولا يضمنه أي لا يضمن المدبّر المعتق قيمة ما ملكه بالضّمان، يعني لما أدّى المدبّر إلى السّاكت ضمان نصيب السّاكت، وهو ثلث قيمته قِنًا ملك المدبّر نصيب السّاكت، واجتمع ثلثا العبد في ملك المدبّر، ثم للمدبّر أن يضمن قيمة ما كان له في الأصل وهو الثلث مدبّرًا؛ لأن نصيبه بعد التّدبير كان منتفعًا من الوجه الذي ذكرنا وقد فسد بالإعتاق فيضمن، كمن غصب مدبرًا فأبق منه يضمن قيمته مدبرًا كذلك ههنا.

(1)

يُطلق هذا اللفظ على عدد من علماء المذهب الحنفي، وعند الإطلاق ينصرف إلى علي بن محمد الإسبيجابي، على ما صرح به القرشي في الجواهر المضية (4/ 407). أو يطلق على أبي بكر خواهر زاده على ماذكره ابن العابدين رحمهم الله كما في عطر الورود للأجراروي (ص 53).

(2)

المراد ب «المشايخ» في اصطلاح الحنفية من لم يدرك الإمام أبا حنيفة رحمه الله من علماء مذهبه، هذا هو الاصطلاح العام لدى علماء الحنفية، وقد يخرج بعضهم عنه، كصاحب الهداية رحمه الله، حيث يريد بقوله:«مشايخنا» علماء ما وراء النهر من بخارى وسمرقند.

انظر: رد المحتار لابن عابدين (4/ 495)، مقدمة عمدة الرعاية للكنوي (ص 15)، ومقدمة الهداية له (ص 3)، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (1/ 51)، مقدمة في الفقه لأبالخيل (ص 117).

(3)

الحزر: هو التقدير بالظن، يقال: حزر الشيء يحزره حزرا.

وفي عرف الفقهاء بمثل معناه في اللغة. انظر: لسان العرب (4/ 185)، تهذيب اللغة (4/ 208) حزر، طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (1/ 149).

(4)

التتمة: من كتب الحنفية: تتمة الفتاوى، للإمام برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز الحنفي، صاحب (المحيط)(ت 616 هـ)، ذكر أن الصدر الشهيد حسام الدين جمع ما وقع إليه من الحوادث والواقعات، وضم إليها ما في الكتب من المشكلات، واختار في كل مسألة فيها روايات مختلفة، وأقاويل متباينة ما هو أشبه بالأصول، غير أنه لم يترتب المسائل ترتيبا، وبعد ما أكرم بالشهادة قام بعضهم بترتيبها وتبويبها، وبنى له أساسا، وجعلها أنواعا، وأجناسا، ثم إن العبد الراجي محمود بن أحمد بن عبد العزيز زاد على كل جنس ما يجانسه، وذيل على كل نوع ما يضاهيه. انظر: كشف الظنون (1/ 343).

ص: 30

وإنّما يضمن المعتق للمدبّر قيمته مدبّرًا؛ لأنّ نقصان التّدبير كان حاصلاً قبل الإعتاق، وليس للمدبر أن يضمن المعتق قيمة الثلث الذي يملك على السّاكت بأداء الضّمان لوجهين:

أحدهما: أنه ملك المضمون مستندًا والمستند ثابت من وجه دون وجه فلا يظهر ثبوت الملك في حق المعتق.

والثّاني: أنّه لما انتقل نصيب السّاكت إلى المدبر قام المدبّر مقام السّاكت في ذلك الثلث، أو السّاكت كان لا يملك تضمين المعتق، فكذلك من قام مقامه، وللمدبّر أن يستسعى العبد في ذلك الثلث، لأنّ السّاكت كان يَملِكُ الاستسعاء فكذا من قام مقامه، وإذا مات المدبر عتق العبد، وكان ولاؤه بين المعتق وبين عصبة المدبّر أثلاثًا، ثلثاه لعصبة المدبّر وثلثه للمعتق، لأنّه عتق عليهما أثلاثًا كذا في الجامع الصّغير

(1)

لقاضي خان رحمه الله.

قوله: لأَنَّ مِلكَهُ ثَبت مُسْتَنِدًا وهو ثَابِتٌ من وجهٍ دُون وجهٍ

(2)

أي ثابت من وجه، من حيث إنّه ملك نصيب السّاكت بالضّمان، وليس بثابت من وجه من حيث إنه لم يكن مالكًا حالة التّدبير، فإذا كان كذلك لم يظهر في حق الثّالث بالتّضمين، فإن قيل: يُشكل بما إذا أعتق أحد الشّريكين وهو موسر يؤدّي المعتق الضّمان ثم يرجع على العبد بما ضمن للسّاكت مع أنّ العبد ثالثهما.

قلنا: المعتق بأداء الضّمان قام مقام الشريك وللشّريك ولاية استسعاء العبد فكذا للمعتق، أمّا ههنا المدبّر قام مقام السّاكت بأداء الضّمان إلى السّاكت وليس للسّاكت ولاية تضمين المعتق لما ذكرنا من تعيّن تضمين المدبّر لكون ذلك التضمين تضمين معاوضة وهو الأصل، فكذلك ليس للمدبّر أن يضمّن المعتق ما ملك من نصيب السّاكت.

[404/ ب] قلتُ: والدّليل على أنّ عدم تضمين المدبر المعتق ما ملك من نصيب السّاكت باعتبار أنّه ثابت له من وجه دون وجه حتى أن تملكه ذلك النصيب لو كان ثابتًا له من كلّ وجه كان له أن يضمن المعتق، وهو ما إذا كان إعتاقه بعد أداء المدبّر قيمة نصيب السّاكت إلى السّاكت فحينئذ كان هو نظير إعتاق أحد الشريكين حيث يرجع على العبد بالاستسعاء إذا أدّى نصيب الساكت

(3)

، فإنّه ذكر الإمام/ التمرتاشي رحمه الله ولو ضمن السّاكت المدبّر نصيبه ثم أعتقه الثاني كان للمدبّر أن يضمن المعتق ثلثي قيمته ثلثه مدبّرًا وثلثه قنًا؛ لأنّ الإعتاق وجد بعد تملك المدبّر نصيب السّاكت فله تضمين كل ثلث بصفته.

(1)

انظر: العناية (4/ 483).

شرح الْجَامِع الصَّغِير للقاضي خان. انظر: أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون (1/ 120).

(2)

قوله: لأن ملكه

تعليل لهذا القول: ليس للمدبر أن يضمن المعتق قيمة الثلث الذي تملك على الساكت بأداء الضمان.

(3)

"الساكت" هكذا في (ب) وهي ساقطة من (أ).

ص: 31

قوله: والوَلاءُ بَين المُعتِقِ والمُدبِّرِ أثلاثًا أي بين عصبة المدبّر والمعتق؛ لأنّه إنّما يعتق إذا مات المدبّر على ما ذكرنا من رواية قاضي خان.

قوله: لأنَّ العَبدَ عَتَقَ على مِلكِهِما على هذا المِقدَارِ، فإنّ المدبّر ملك ثلثيه أحد الثلثين ما ملكه من نصيب السّاكت بأداء الضّمان والثّلث الثّاني نصيبه، فإن قيل أداء الضّمان لو كان مثبتًا ملك نصيب الآخر فالمعتق أيضًا أدى الضّمان إلى المدبّر ثلث قيمته مدبّرًا، فينبغي أن يثبت له ثلثا الولاء أيضًا بهذا الطّريق.

قلنا: إن ضمان العتق إلى المدبّر هو ضمان إفساد وإتلاف لا ضمان معاوضة وتملك لما ذكرنا أن المدبّر غير قابل للنقل من ملك إلى ملك فلم يملك المعتق شيئًا بمقابلة أدائه الضّمان، وأمّا المدبّر فقد ملك نصيب السّاكت عند أداء الضّمان مستندًا إلى وقت التّدبير؛ لأنّه كان في ذلك الوقت قابلاً للنّقل، فصار كأنّه دبّر ثلثيه من الابتداء بطريق الاستناد فثبت له ثلثا الولاء، وللمعتق الثلث لما أنّ نصيب السّاكت بعدما انتقل إلى المدبّر لا ينتقل إلى المعتق، وكذلك نصيب المدبّر أيضًا بعدما دبّره لا ينتقل إلى العتق وإن أدّى المعتق الضّمان إلى المدبّر لما أنّ ذلك الضّمان ضمان إفساد لا ضمان تملك. إلى هذا أشار الإمام التمرتاشي رحمه الله

(1)

.

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّدْبِيرُ "مُتَجَزِّيًا"

(2)

إلى آخره يعني ما ذكرنا إلى ههنا كلّه قول أبي حنيفة رحمه الله، وأمّا عندهما فكُلُّهُ مُدَبَّرًا للمُدَبِّر؛ لأنّ التّدبير جزء من الحرية، فلا يتبعض عندهما، وَيَضمَنُ ثُلُثَي قِيمَتِهِ لِشَرِيكَيهِ مُوسِرًا كان أو مُعسِرًا؛ لأنّ ضمان التّدبير ضمان تملّك؛ لأنّه يملك كسبه وخدمته فلا يختلف باليسار والإعسار كضمان الاستيلاد كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله

(3)

. بخلاف الإعتاق؛ لأنّه ضمان جناية

(4)

، يعني لما كان ضمان جناية اختلف بين اليسار والإعسار، بخلاف ضمان التّمليك، فإن قلت من أيّ وجه ثبت أن ضمان الجناية يختلف باليسار والإعسار فكم من ضمان جناية "لم يختلف"

(5)

بهما كما لو كسر جرّة

(6)

إنسان مثلاً أو قارورته

(7)

أو أتلف ملكًا من أملاكه حيث يجب عليه ضمانه، وهو ضمان جناية، سواء كان موسرًا أو معسرًا.

(1)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 63).

(2)

"مُتَجزِّئاً " قلب الهمزة ياءً كذا في (أ) و (ب).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (22/ 114).

(4)

"جناية" هكذا في (ب) وهي سقط من (أ).

(5)

"لم يختلف" هكذا في (ب) وهي ساقطة من (أ).

(6)

الجَرَّةُ: إِناء من خَزفٍ كالفخَّار، وجَمعُها جَرٌّ وجِرَارٌ. انظر: لسان العرب (4/ 131)، (جر).

(7)

الْقَارُورَةُ: واحدة (الْقَوَارِيرِ) من الزُّجَاجِ. انظر: مختار الصحاح (1/ 250)، (قرر).

ص: 32

قلت: قد ذكرت أنّ المراد من هذه الضّمانات هي الضّمان الذي يتعلّق بباب الإعتاق، فكانت الجناية والتملك راجعين إليه، ثم ضمان الجناية التي تتعلّق بباب الإعتاق اختلف حكمه باليسار والإعسار بالنص، بخلاف القياس وهو قوله عليه السلام:«في الرجل يعتق نَصِيبه إن كان غنيًا ضَمِن وإن كان فقيرًا سَعى العبد في حِصّة الآخر»

(1)

فلا يقاس عليه غيره؛ لأنّ من شرط صحة القياس أن يكون النص موافقًا للقياس فهي موقوفة يومًا

(2)

أي يرفع عنها الخدمة يومًا ليس لها غير ذلك لا سبيل عليها أي لا سبيل عليها بالاستسعاء، واختلف مشايخنا في الخدمة للمنكر هل تخدم يومًا للمنكر عندهما؟ والصّحيح أنّها لا تخدم وقالا

(3)

: إن شاء المنكر استسعى الجارية في نصف قيمتها ثم هي حرّة هما يقولان إن مال المنكر احتبس عند الجارية على وجه لا يملك تضمين الغير فكان له حق الاستسعاء، كأم ولد النّصراني إذا أسلمت يخرج إلى العتق بالسّعاية؛ وإنّما قلنا ذلك؛ لأنّ المقرّ لو أقرّ على نفسه بالاستيلاد يصح فإذا

أضاف الاستيلاد إلى شخص يملك الاستيلاد

(4)

وأنكر ذلك الشّخص يُنَفَّذ على المقر كمن اشترى عبدًا ثم أقرّ أنّ البائع أعتقه قبل البيع، وأنكر البائع نفذ على المشتري

(5)

وكذلك أحد الشريكين إذا شهد على صاحبه بالإعتاق وأنكر صاحبه ينفذ على المقرّ،

(1)

سبق تخريجه في ص (101).

(2)

هذه عبارة من مسألة بدأ المصنف هنا في توضيح عباراتها: وَإِذا كَانَت جَارِيَة بَين رجلَيْنِ زعم أَحدهمَا أَنَّهَا أم ولد لصَاحبه وَأنكر ذَلِك الآخر فَهِيَ مَوْقُوفَة يَوْمًا وَيَوْما تخْدم الْمُنكر عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله وَقَالا إِن شَاءَ الْمُنكر استسعى الْجَارِيَة فِي نصف قيمتهَا ثمَّ تكون حرَّة لَا سَبِيل عَلَيْهَا وَإِن كَانَت أم ولد بَينهمَا فَأعْتقهَا أَحدهمَا وَهُوَ مُوسر فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ عِنْد أبي حنيفَة رحمه الله وَقَالا يضمن نصف قيمتهَا.

لهما أنه لما لم يصدقه صاحبه انقلب إقرار المقر عليه كأنه استولدها فصار كما إذا أقر المشتري على البائع أنه أعتق المبيع قبل البيع يجعل كأنه أعتق كذا هذا فتمتنع الخدمة ونصيب المنكر على ملكه في الحكم فتخرج إلى الإعتاق بالسعاية كأم ولد النصراني إذا أسلمت ولأبي حنيفة رحمه الله أن المقر لو صدق كانت الخدمة كلها للمنكر ولو كذب كان له نصف الخدمة فيثبت ما هو المتيقن به وهو النصف ولا خدمة للشريك الشاهد ولا استسعاء لأنه يتبرأ عن جميع ذلك بدعوى الاستيلاد والضمان والإقرار بأمومية الولد يتضمن الإقرار بالنسب وهذا أمر لازم لا يرتد بالرد فلا يمكن أن يجعل المقر كالمستولد ".

انظر: الهداية (2/ 305، 306).

(3)

أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله-.

(4)

" إلى شخص يملك الاستيلاد" هكذا في (ب) وهي ساقطة في (أ).

(5)

هذه العبارة: "وكذلك أحد الشّريكين إذا شهد على صاحبه بالإعتاق وأنكر صاحبه ينفذ على المشتري" زائدة في (أ).

ص: 33

[405/ أ] وإذا نفذ إقراره عليه لم يكن للمنكر أن يستخدمها، كما لو استولدها المقرّ وخرج نصيب المقر من أن يكون منتفعًا به ولا يمكنه تضمين المقرّ؛ لأن المُقِرّ ما أقر على نفسه بالاستيلاد، وسبب الضمان بقاء مال المنكر محتبساً عند الجارية/ ومنفعة الاحتباس تعود إليها، فكان له ولاية الاستسعاء، وإذا أدّت نصف القيمة عتق نصفها فيعتق كلّها؛ لأنّه لا يتجزى عندهما وليس للمقرّ أن يستسعى الجارية؛ لأنّه يدعي التملّك على الشّريك، أي

(1)

أنّ الشريك يملكها بالاستيلاد، ويتبرأ عن السعاية فلم يكن الاستسعاء لتبرئه عنه، وليس له ولاية الاستخدام أيضًا، لأنها أمّ ولد الغير في زعمه، ولأبي حنيفة رحمه الله تيقنًا بولاية الاستخدام للمنكر؛ لأن المقرّ إن كان صادقاً كانت الجارية أمّ ولد للمنكر فكان للمنكر كلّ الخدمة، وإن كان كاذباً كانت أمة بينهما، وإذا بقيت منتفعًا بها في حق المنكر لم يكن للمنكر ولاية الاستسعاء، بخلاف مسألة الشّهادة؛ لأنّ ثَمَّةَ لو كان الشّاهد صادقًا لا يكون نصيب المنكر منتفعًا به في حقّه فلم يتيقن بقيام المنفعة، فإذا تعذّر الملك ثَمَّةَ يخرج إلى السّعاية كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله

(2)

انقلب إقرار المقر عليه أي على المقر يجعل كأنه أعتق أي كأن المشتري أعتق.

كأم ولد النّصراني إذا أسلمت فإنها تخرج إلى العتق بالسّعاية؛ لأنها لما أسلمت لم يمكن إبقاؤها تحت النّصراني لإسلامها ولا يمكن أن يعتق مجاناً لملك النّصراني.

قوله: ولا خدمة للشّريك الشّاهد ولا استسعاء إلى قوله بدعوى الاستيلاء والضّمان لف ونشر أي يتبرى بدعوى الاستيلاء عن الخدمة ويتبرى بدعوى الضمان على صاحبه المنكر عن السّعاية، والإقرار بأمومية الولد هذا جواب عن قولهما وهو أن صاحبه إذا أنكر انقلب على المقرّ.

قلنا الإقرار بأمومية الولد يتضمّن الإقرار بثبوت النّسب

(3)

وهو أي ثبوت النّسب لا يرتد بالردّ، حتّى إنّ الرجل إذا أقرّ بنسب صغير لرجل وكذّبه المقر له ثم أقر المقرّ بنسب الصّغير لنفسه لا يصحّ لما أنّ النّسب لا يرتد بالرّد وإن كانت أم ولد بينهما

(4)

بأن ولدت جارية بين رجلين ولدًا فادّعياه وعلى هذا الأصل أي على أصل أنّ أم الولد لا تتقوم عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما تتقوّم تُبتَنَى عِدةٌ من المسائل منها:

(1)

" أي " سقط من (ب).

(2)

انظر: بدائع الصنائع (4/ 97).

(3)

النًّسَبُ: القرابةُ. انظر: لسان العرب (1/ 889)، (نسب).

(4)

" وإن كانت أم ولد بينهما " هذه بداية مسألة ذكرها المصنف، وهذا نصها بتمامها:"وإن كانت أم ولد بينهما فأعتقها أحدهما وهو موسر فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا يضمن نصف قيمتها" لأن مالية أم الولد غير متقومة عنده ومتقومة عندهما وعلى هذا الأصل تبتني عدة من المسائل أوردناها في كفاية المنتهى.

وجهُ قولهما: أنها منتفع بها وطأ وإجارة واستخداما وهذا هو دلالة التقوم وبامتناع بيعها لا يسقط تقومها كما في المدبر ألا ترى أن ولد أم النصراني إذا أسلمت عليها السعاية وهذا آية التقوم غير أن قيمتها ثلث قيمتها قنة على ما قالوا لفوات منفعة البيع السعاية بعد الموت بخلاف المدبر لأن الفائت منفعة البيع. أما السعاية والاستخدام فباقيان ولأبي حنيفة رحمه الله أن التقوم بالإحراز وهي محرزة للنسب لا للتقوم والإحراز للتقوم تابع ولهذا لا تسعى لغريم ولا لوارث بخلاف المدبر وهذا لأن السبب فيها متحقق في الحال وهو الجزئية الثابتة بواسطة الولد على ما عرف في حرمة المصاهرة إلا أنه لم يظهر عمله في حق الملك ضرورة الانتفاع فعمل السبب في إسقاط التقوم وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت.

وامتناع البيع فيه لتحقيق مقصوده فافترقا وفي أم ولد النصراني قضينا بتكاتبها عليه دفعا للضرر عن الجانبين وبدل الكتابة لا يفتقر وجوبه إلى التقوم.

انظر: الهداية (2/ 306).

ص: 34

أنّها إذا مات أحدهما حتى عتقت لم تسع للآخر عنده

(1)

وعندهما تسعى، ومنها أنها إذا ولدت فادّعاه أحدهما يثبت نسبه منه ولا شيء لشريكه عليه من الضّمان ولا السعاية على الولد عنده، وعندهما يضمن نصف قيمتها لشريكه إن كان موسرًا وسعى الولد في نصف قيمته إن كان معسرًا، ومنها أمة حبلى بيعت فولدت لأقل من ستّة أشهر بعد البيع ثم ماتت الأم عند المشتري فادّعى البايع الولد صحّ، وعلى البايع أن يرد جميع الثّمن

(2)

ولم يكن له أن يحبس بإزاء الأم شيئًا عنده

(3)

وعندهما يحبس ما يخصّها من الثّمن، ومنها إذا غصب أمّ ولد فهلكت عنده، لم يضمن شيئًا عنده خلافًا لهما

(4)

كذا في الفوايد الظهيريّة

(5)

.

(وذكر محمّد رحمه الله في الرّقيات

(6)

أن عند أبي حنيفة رحمه الله أم الولد يضمن بالغصب على نحو ما يضمن به الصبي الحر حتّى لو ماتت حتف أنفها، لم يضمن الغاصب ولو قَرَّبَها إلى مسبعة فافترسها السّبع يضمن؛ لأنّ هذا ضمان الجناية لا ضمان الغصب، ألا ترى أنّه يضمن الصبي الحرّ بمثله والذي يوضح كلام أبي حنيفة رحمه الله أن الباقي للمولى على أم ولده، ملك الخدمة والمنفعة والمتعة

(7)

، وملك المتعة والمنفعة لا يضمن بالإتلاف ولا بالغصب بخلاف المدبّرة

(8)

فالباقي عليها ملك المالية، حتّى يقضي دينه من ماليتها بعد موته، والمال يضمن بالإتلاف) كذا في المبسوط.

(9)

(1)

الضمير يرجع الى أبي حنيفة رحمه الله.

(2)

الثَّمنُ: بفتحتين: ما يُقدِّرُهُ العاقدان بكونه عوضاً للمبيع في عقد البيع.

انظر: كشَّاف اصلاحات الظنون (1/ 240).

(3)

عند أبي حنيفة رحمه الله.

(4)

أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله-.

(5)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 167).

(6)

الرقيّات: مسائل جمعها محمد بالرقة حين وَرَدها مع هارون الرشيد قاضيًا عليها، والرقة بفتح الراء المهملة وتشديد القاف، وقيل هي مسائل رواها ابن سماعة عن محمد بن الحسن في الرقّة.

انظر: فتوح البلدان (726) المذهب الحنفي (1/ 358)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (1/ 15)، والرقيات من كتب غير ظاهر الرواية لمحمد بن الحسن رحمه الله.

انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 560)، تبيين الحقائق (5/ 20).

" وسميت كتب غير ظاهر الرواية بهذا الاسم: لأنها لم ترو عن محمد بروايات ظاهرة ثابتة صحيحة ككتب ظاهر الرواية، وهي المبسوط والزيادات والجامع الصغير والسير الصغير والجامع الكبير، وإنما سميت بظاهر الرواية؛ لأنها رويت عن محمد بروايات الثقات، فهي ثابتة عنه إما متواترة أو مشهورة عنه.

=انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)، (1/ 69).

(7)

المُتعةُ: هي ما يجبُ للمنكوحة التي طُلِّقت قبل الدخول بها ولم يكن سمَّى لها زوجها مهرًا.

انظر: طلبة الطلبة (134).

(8)

"المدبرة" هكذا في (ب)، وفي (أ) المدبر، والصواب ما في (ب).

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 161).

ص: 35

وهذا هو دلالة التقوم؛ لأن حلّ الوطئ عند عدم ملك النكاح

(1)

لا يكون إلا بملك اليمين فإذا بقيت الماليّة والمنفعة بقي التقوم كحرمة بيع المدبّر، ولا مُعَارِضَ للتَّقوم إلا حق الحرية، ولا تَنَافي بين حق الحرية والتقوم، كأم ولد النّصراني إذا أسلمت، وكولد المغرور

(2)

إذا كانت الأمة أمّ ولد، فإنّ المغرور يضمن قيمة الولد عندنا كذا ذكره الإمام قاضي خان والإمام ظهير الدين -رحمهما الله-

(3)

.

[405/ ب] قوله: وبامتناع بيعها لا يسقط تقومها، لأن بعدم جواز البيع لا يفوت التقوم كبيع الآبق لا يجوز بيعه ومع ذلك أنّ التقوم باقٍ، (ولأبي حنيفة رحمه الله أن التقوّم بالإحراز، ألا ترى أنّ الصّيد قبل الإحراز لا يكون مالًا متقوّمًا، وبعد الإحراز يصير مالًا متقومًا، والآدمي باعتبار الأصل ليس بمال؛ لأنّه مخلوق لِيكون/ مَالكًا للمال لا ليصير مالًا، ولكن متى صحّ إحرازه على قصد التموّل صار مالًا متقومًا ويثبت به ملك المتعة تبعًا، فإذا حصنها واستولدها ظهر أن إحرازهُ لها كان لملك المتعة لا لقصد التموّل، فصار في صفة الماليّة كأن الإحراز لم يوجد أصلًا، فلا يكون مالًا متقومًا وملك المتعة ينفصل عن ملك الماليّة، ألا ترى أن للزوج على المنكوحة ملك المتعة دون ملك الماليّة؟) كذا في المبسوط

(4)

.

وهو الجزئية الثّابتة بواسطة الولد إلى هذا أشار عمر رضي الله عنه في حرمة بيعهنّ فقال: «كيف تَبِيعُوهُنَّ وقد اخْتَلَطَت لُحُومُهُنَّ بِلُحُومِكُم، ودِمَاؤُهُنَّ

(5)

بِدِمائِكُم؟»

(6)

فعمل السّبب أي سبب الحرية، وفي المدبّر ينعقد السّبب أي سبب الحرية بعد الموت، والإشكال ههنا هو أن التعليقات لم تنعقد سببًا عندنا فكيف انعقدت في حق المدبّر؟ نذكر جوابه في مسائل التدبير إن شاء الله.

(1)

النكاح في اللغة: الضمُ والجمعُ. وهو في الأصل: الوطءُ، وقيل: هو العقدُ لهُ، وهو التزويجُ، لأنه سببٌ للوطءِ. انظر: معجم مقاييس اللغة (5/ 475)، تاج العروس (4/ 240 - 241)، كلاهما (نكح).

وفي عرف الفقهاء: عقدٌ وضِع لتملّك المتعة بالأنثى قصداً.

انظر: فتح القدير (3/ 99)، تبيين الحقائق (2/ 444).

(2)

المغرور: من يطأ امرأة معتمدا على ملك يمين أو نكاح فتلد منه ثم تستحق.

انظر: الهداية (3/ 177)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)، (5/ 586).

وذكره الشلبي في حاشيته بما هو أوضح: المغرور: من يستولد امرأة معتمدا على ملك يمين أو نكاح على أنها حرة ثم يستحقها رجل بالبينة على أنها أمة.

انظر: حاشية الشلبي مطبوع مع تبيين الحقائق (4/ 335).

(3)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 83).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 160).

(5)

"ودِمَاؤُهُنَّ" في (ب)"ودماهن"، والصواب ما في (أ).

(6)

عن محمَّدُ بن عُبيد الله الثَّقفي: «إنَّ أبانا اشترى جاريةً بأربعة آلافٍ، قد أسقطت لرجلٍ سقطًا، فسمع عمر بن الخطَّاب بذلك، فأرسلَ إليهِ وكان صديقًا له، فلامهُ لومًا شَدِيدًا، وقال: إن كنت لأنزِّهك عن هذا، أو مثل هذا، قال: وأقبل على الرجل ضربًا بالدِّرَّةِ، وقال: الآن حين اختلطت لحُومُكُم، ولُحُومُهُنَّ، ودِماؤُكم ودِمَاؤُهُنَّ، تَبِيعُوهُنَّ تأكلون أثمَانَهُنَّ، قاتل اللهُ اليهودَ حُرِّمَت عليهم الشُّحُومُ فَبَاعُوها، ارددها، قال: فرددتها، وأدركت من مالي ثلاثةَ آلافِ دِرهَمٍ» .

أخرجها عبد الرَّزَّاق في مصنفه (7/ 296)، باب ما يعتقها السقط، رقم الحديث (13248)، وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 400)، باب في بيع أم الولد إذا أسقطت، رقم الحديث (21479)، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (3/ 87، 88)، رقم الحديث (2049)، التلخيص الحبير (3/ 469)، كتاب العدد (11)، رقم الحديث (1807).

ص: 36

فلما انعقد سبب الحريّة في حقّ المدبّر بعد الموت، وفي

(1)

حقّ أمّ الولد في الحال ظهر الفرق بينهما، وهذا الفرق أثر في حق أمّ الولد بإسقاط التقوّم، وفي حق المدبّر بالتّقوم ثم لما ثبت بهذه النكتة التقوّم في حق المدبّر ورد عدم جواز البيع فيه شبهة على هذا التّقرير فأجاب عنه بقوله: وامتناع البيع فيه لتحقيق مقصود المدبّر لا باعتبار سقوط التقوّم، بخلاف حرمة بيع أمّ الولد؛ فإنّها بسقوط

(2)

التقوم لتحقّق سبب الحريَّة فيها في الحال، وهو الجزئية الثّابتة في الحال فثبت بهذا كلّه فساد ما قالا، وهو أنّهما سوّيا حرمة بيع أمّ الولد وحرمة بيع المدبّر ثم قالا حرمة بيع المدبّر لم تدل على أن المدبّر غير متقوّم فكذا حرمة بيع أمّ الولد أيضاً لا تدلّ على أنّ أمّ الولد غير متقومة، قلنا لا بل بينهما فرق وهو ما ذكرنا.

وفي أمّ ولد النّصراني جواب عمّا قاسوا عليها قضينا بتكاتبها عليه وهو لم يجعلها مكاتبة، ولكن لما حكمنا بأنّها تخرج عن ملكه بأداء القيمة كانت في معنى المكاتبة، وإنّما فعلنا هكذا دفعًا للضّرر من الجانبين.

أمّا في حقّ أمّ الولد؛ فأن لا تبقى تحت نصراني وهي مسلمة، وأمّا في حق النّصراني فأن لا يبطل ملكه مجانًا، فلمّا كانت هي في معنى المكاتبة كان ما أدته في معنى بدل الكتابة، وبدل الكتابة لا يقتضي أن يكون ما يقابله متقوّمًا، لأنّ بدل الكتابة في أصله بمقابلة ما ليس بمتقوّم، لأنّ ما يقابله فكّ الحجر

(3)

لأن بدل الكتابة بدل لفكّ الحجر وفكّ الحجر غير متقوّم؛ لأنه إسقاط فلذلك قلنا إن تكاتُبَها لم يقتضِ تقوم أمّ ولد النصراني فاطرد ما قلنا وهذا معنى ما ذكر في الكتاب والله أعلم.

(وذكر في المبسوط

(4)

وإذا أسلمت أم ولد النّصراني، قومت عليه قيمة عدل فسعت في قيمتها، لأنّه تعذّر إبقاؤها في ملك المولى ويده بعد إسلامها وإصراره على الكفر فَتَخرُجَ إلى الحرية بالسّعاية كما بينا في معتق البعض، وهذا لأنّ ملك الذمي محترم فلا يمكن إزالته مجانًا، وهو إشكال لهما على أبي حنيفة رحمه الله في أنّ رق أمّ الولد مال متقوم، والعذر لأبي حنيفة رحمه الله من وجهين:

(1)

"وفي" هكذا في (ب) وفي (أ)"في"، والصواب ما في (ب).

(2)

" بسقوط " في (ب)" لسقوط "، وكلاهما صواب.

(3)

الْحَجْرِ: هو لُغَةً: المَنعُ مُطلَقًا، وشَرعًا: مَنعُ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ.

انظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 273)، الدر المختار (6/ 142).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 168).

ص: 37

أحدهما: أنّ الذميّ يعتقد فيها الماليّة والتقوّم ويُحرِزُهَا لِذلك؛ لأنّه يعتقد جواز بيعها وإنّما يبنى في حقّهم الحكم على اعتقادهم كما في مالية الخمر

(1)

.

والثّاني: أنّ ملكه فيها محترم وإن لم يكن مالًا متقومًا وقد احتبس عندها لمعنى من جهتها فيكون مضمونًا عليها عند الاحتباس، وإن لم يكن مالًا متقوّمًا كالقصاص فإنّه ليس بمال متقوّم ثم إذا احتبس نصيب أحد الشّريكين عند القاتل بعفو الآخر يلزمه بدله. والله أعلم).

‌بابُ عِتقِ أَحَدِ العَبدينِ

تناسب البابان من حيث إن في كلّ منهما عتق بعض المملوك، غير أن في الأوّل بعض مملوك وهو واحد، وفي هذا بعض مملوك وهو اثنان أو أكثر، فقدم الأوّل على هذا؛ لأنّ الواحد قبل الاثنين.

قوله: (ومَن كَان لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ إلى آخره)

(2)

فالمسألة على ثلاثة أوجه:

(1)

الخمرُ لغةً: ما خامر العقلُ وخالطهُ. وسميت الخمرُ خمرًا، لأنها تركت فاختمرت، واختمارها تغييرُ ريحها.

وقيل سميت بذلك، لمخامرتها العقلَ.

انظر: لسان العرب (4/ 296) وما بعدها، (خمر).

وعند الفقهاء: عرفها الحنفيةُ بقولهم: هي النّيءُ من ماء العنبِ المشتدِّ بعدما غلي وقذف بالزَّبد.

وعرفها الجمهور بقولهم: هي ما خامر العقلَ أي غطاه وستره. وكل شيء أسكر كثيره فقليله حرامٌ، وهو الراجح.

انظر: المبسوط للسرخسي (3/ 24)، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل للطرابلسي (3/ 232 - 233)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (34/ 199 - 200).

(2)

هذه بداية مسألة، وهذا نصها بتمامها " ومن كان له ثلاثة أعبد دخل عليه اثنان فقال أحدكما حر ثم خرج واحد ودخل آخر فقال أحدكما حر ثم مات ولم يبين عتق من الذي أعيد عليه القول ثلاثة أرباعه ونصف كل واحد من الآخرين عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- وقال محمد رحمه الله كذلك إلا في العبد الآخر فإنه يعتق ربعه " أما الخارج فلأن الإيجاب الأول دائر بينه وبين الثابت وهو الذي أعيد عليه القول فأوجب عتق رقبة بينهما لاستوائهما فيصيب كلا منهما النصف غير أن الثابت استفاد بالإيجاب الثاني ربعا آخر لأن الثاني دائر بينه وبين الداخل وهو الذي سماه في الكتاب آخرا فيتنصف بينهما غير أن الثابت استحق نصف الحرية بالإيجاب الأول فشاع النصف المستحق بالثاني في نصفيه فما أصاب المستحق بالأول لغا وما أصاب الفارغ بقي فيكون له الربع فتمت له ثلاثة الأرباع.

ولأنه لو أريد هو بالثاني يعتق نصفه ولو أريد به الداخل لا يعتق هذا النصف فيتنصف فيعتق منه الربع بالثاني والنصف بالأول وأما الداخل فمحمد رحمه الله يقول: لما دار الإيجاب الثاني بينه وبين الثابت وقد أصاب الثابت منه الربع فكذلك يصيب الداخل وهما يقولان إنه دائر بينهما وقضيته التنصيف وإنما نزل إلى الربع في حق الثابت لاستحقاقه النصف بالإيجاب الأول كما ذكرنا ولا استحقاق للداخل من قبل فيثبت فيه النصف.

قال: " فإن كان القول منه في المرض قسم الثلث على هذا " وشرح ذلك أن يجمع بين سهام العتق وهي سبعة على قولهما لأنا نجعل كل رقبة على أربعة لحاجتنا إلى ثلاثة الأرباع فنقول يعتق من الثابت ثلاثة أسهم ومن الآخرين من كل واحد منهما سهمان فيبلغ سهام العتق سبعة، والعتق في مرض الموت وصية ومحل نفاذها الثلث فلا بد أن يجعل سهام الورثة ضعف ذلك فيجعل كل رقبة على سبعة وجميع المال أحد وعشرون فيعتق من الثابت ثلاثة ويسعى في أربعة ويعتق من الباقيين من كل واحد منهما سهمان ويسعى في خمسة فإذا تأملت وجمعت استقام الثلث والثلثان، وعند محمد رحمه الله يجعل كل رقبة على ستة لأنه يعتق =من الداخل عنده سهم فنقصت سهام العتق بسهم وصار جميع المال ثمانية عشر وباقي التخريج ما مر " ولو كان هذا في الطلاق وهن غير مدخولات ومات الزوج قبل البيان سقط من مهر الخارجة ربعه ومن مهر الثابتة ثلاثة أثمانه ومن مهر الداخلة ثمنه " قيل هذا قول محمد رحمه الله خاصة وعندهما يسقط ربعه وقيل هو قولهما أيضا وقد ذكرنا الفرق وتمام تفريعاتها في الزيادات. انظر: الهداية (2/ 306، 307).

ص: 38

أحدها: (قال أحدكما حرّ) وبَيَّنَ العتق فيهما.

والثّاني: أنّه مات بعد هذا القول قبل البيان.

[406/ أ] والثّالث: أنّه مات العبد قبل البيان، والمذكور ههنا

(1)

هو الذي مات المولى قبل البيان فيعتبر فيه الأحوال والأصل/ في اعتبار الأحوال في حالة الاشتباه ما روي أنّ النبي عليه السلام «بعث أناسًا إلى بني خثعم للقتال فاعتصم ناس منهم بالسّجود فقتلهم بعض أصحاب النبي عليه السلام فلمّا بلغ ذلك إلى رسول الله عليه السلام قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف العقل»

(2)

باعتبار الأحوال، وذلك لأنّ السجود منهم كان محتملاً يُحتَمَل أن يكون لله؛ فكان إسلاماً فكان يجب عليهم بقتلهم جميع الديّة

(3)

ويحتمل أن يكون لا لله لكن كان تعظيمًا تقية من القتل على ما عليه دابهم في السجود تعظيمًا لعظمائهم تصونًا عن شرّهم، فباعتبار هذه الحالة لا تجب الديّة، فلمّا وجبت من وجه ولم تجب من وجه، أوجب النّصف وأسقط النّصف، وعلى هذا مسائل أصحابنا رحمهم الله.

فإن قيل: ما الفرق بين هذا وبين الخنثى؟

(4)

على قول أبي حنيفة رحمه الله فإنّه يعطيه أقلّ النّصيبين من غير اعتبار الأحوال.

(1)

أي في المسألة المراد توضيحها.

(2)

الحديث: عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرِيَّة إلى خثعم، فاعتصم نَاس منهم بِالسُّجُود، فأسرع فيهم القَتل، فبلغ ذلك النَّبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بِنصف العقل، وقال: "أَنا بَرِيء من كل (مُسلم) يُقيم بَين أظهر المشركين". قالوا: يا رسُول الله، بم؟ قال: "لا ترَاءى ناراهما".

أخرجه أَبُو دَاوُد: (3/ 45)، كتاب الجهاد، رقم (15)، باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود، رقم الحديث (2645)، وفي سنن الترمذي ت شاكر (4/ 155)، كتاب أبواب اليسر، رقم (19)، باب ما جاء في كراهِيةِ المُقام بين أظهر المشركين، رقم الحديث (1604)، وسنن النسائي (8/ 36)، كتاب القسامة، رقم (45)، القود بغير حديدة، رقم الحديث (4780)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، (8/ 225)، كتاب القسامة، رقم (52)، باب ما جاء في قسامة الجاهلية، رقم (16471).

حكم الألباني في الإرواء: (1207) صحيح دون الأمر بنصف العقل.

(3)

الدِّية: المالُ الذي هو بدلُ النّفسِ. انظر: التعريفات (1/ 106).

(4)

الخُنّثَى في عرف الفقهاء: هو من له فَرجٌ وذَكرٌ، أو ليس له شيء أصلاً. انظر: تبيين الحقائق (7/ 440).

ص: 39

قلنا: إنّما يجب المصير إلى اعتبار الأحوال في موضع يتحقّق فيه الاشتباه بصفة الاستمرار، كما فيما نحن فيه، وفي فصل الخنثى لا يتحقّق الاشتباه بصفة الاستمرار؛ لأنّه إذا بلغ مبلغ الرجال أو النساء لابدّ أن يَتَفَلَّكَ

(1)

لها ثدي أو تنبت لها لِحية وبهذا ارتفع الاشتباه كذا في الفوايد الظهيريّة

(2)

.

(عتق من الذي اعيد عليه القول) المراد من القول قوله (أحدكما حرّ)

(والذي اعيد عليه ذلك القول هو العبد الثّابت) فسمّى كلّ عبد من هذه الأعبد الثلاثة باسم الفعل الذي اتصف به من كونه خارجًا وداخلًا وثابتًا، ثم المولى يُؤمر بالبيان مادام حيًّا؛ لأنه أوجب العتق المبهم

(3)

فيرجع إلى بيانه، ويعتق الذي عينه، فإن بيّن الكلام الأوّل في الخارج عتق الخارج ويؤمر بالبيان في الكلام الثّاني ويعتق الذي عينه، وإن بيّن الكلام الأوّل في الثّابت عتق الثّابت، وبطل ثمّة

(4)

الكلام الثّاني؛ لأنّه صار خبرًا فلا يستحقّ به العتق، كما لو جمع بين حرّ وعبد وقال أحدكما حرّ لا يعتق العبد، ولا يقال بأنّ الثّابت لم يُعتَق بالكلام الأوّل؛ لأن الكلام الأوّل صادف المبهم، والثّابت معيّن وإنّما عتق الثّابت ببيانه، فكان البيان بمنزلة إعتاق مستقبل ولو أعتقه عتقًا مستقبلًا بعتق الدّاخل فلماذا لا يعتق الدّاخل؟

قلنا قوله: (أحدكما حرّ) مبهم من وجه دون وجه، مبهم من حيث أنّ المعتق منهما غير معلوم، ومن حيث إنّ المعتق فيهما لا يعدوهما ليس بمبهم، فكان البيان فيه إظهارًا من وجه إنشاءً من وجه، فلو كان إظهارًا كان الكلام الثّاني خبرًا لا يعتق به الدّاخل، وإن كان إنشاءً لا يكون الكلام الثّاني خبراً فيعتق الدّاخل فلا يعتق الدّاخل بالشّك، فإن بَدأ ببيان الكلام الثّاني إن قال: عنيتُ

(5)

بالكلام الثّاني الدّاخل عتق الداّخل ويؤمر ببيان الكلام الأوّل، وإن قال: عنيت بالكلام الثّاني الثّابت عتق الثّابت بالكلام الثّاني وتعيّن الخارج للكلام الأوّل فيعتق الخارج أيضًا كذا ذكره الإمام قاضي خان

(6)

رحمه الله.

(1)

يتفلك: يستدير، يقال: فلك ثدي الفتاة فلكا استدار فصار كالفلكة، والفَلْكةُ: أكمة من حجر واحد مستديرة. انظر: المعجم الوسيط (2/ 701)، العين (5/ 375).

(2)

انظر: العناية (4/ 494).

(3)

المبهم: يتناول واحد الأشياء لكن غير معين الذات. انظر: الفروق اللغوية للعسكري (1/ 59).

(4)

" ثمَّة " سقط من (ب).

(5)

عنيت: قصدت. يُقَال: عنيتُ فُلانًا أي قَصَدته. ومن تعني بقولك أي من تقصد.

انظر: لسان العرب (15/ 105)، (عنا).

(6)

انظر: العناية (4/ 490).

ص: 40

(إلا في العبد الآخر) وهو الداخل فيكون له أي للثّابت ولو أريد به أي بالإيجاب الثّاني ولمحمّد رحمه الله سوى ما ذكر في الكتاب، في أنّ الدّاخل يستحق الربع دون النّصف، هو أنّ الإيجاب الثّاني صحيح في حال دون حال؛ لأنّه لو أراد بالكلام الأوّل الخارج صحّ الكلام الثّاني، وإن أراد بالكلام الأوّل الثّابت كان الكلام الثّاني خبرًا غير موجب الحكم، فكان الكلام الثّاني صحيحًا في حال دون حال، ولو صح مطلقًا يعتق به رقبة بينهما، فإذا صحّ في حال دون حال يعتق به نصف

(1)

رقبة بينهما فيعتق من كل واحد منهما في الكلام الثّاني رُبعَهُ، ولهذا يعتق من الثّابت بالكلام الثاني ربعه، والدّليل عليه مسألة ذكرها في الزّيادات

(2)

رجل له ثلاث نسوة لم يدخل بهنّ، فقال لاثنتين منهنّ إحداكما طالق فخرجت أحدهما ودخلت الثّانية فقال إحداكما طالق (ثم مات قبل البيان يسقط من مهر الخارجة ربعه، ومن مهر الثّابتة ثلاثة أثمانه، ومن مهر الدّاخلة ثمنه).

[406/ ب] والثّمن

(3)

من الصّداق

(4)

بمنزلة الربع من العتاق، لأنّ ذلك الثّمن هو ربع النّصف السّاقط

(5)

فثبت أن حظ الدّاخلة

(6)

الربع دون النّصف، ولأبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- الكلام الثّاني في حق الدّاخل صحيح من كل وجه

(7)

لأنّ الكلام الأوّل تناول المبهم والثابت/ معيّن والعتق المبهم بين العبدين في حق المعيّن منهما

(8)

بمنزلة المعلّق بالبيان في حق غيرهما.

(1)

" نصف "هكذا في (ب) وساقطة من (أ) وما في (ب) هو الصواب.

(2)

الزيادات في فروع الحنفية للإمام محمد بن الحسن الشيباني، (ت 189 هـ).

انظر: كشف الظنون (2/ 962).

(3)

" والثمن "سقط من (ب).

(4)

الصداقُ: هو مهر المرأة ويجمع على أصدِقَةٍ وصُدُقٍ. انظر: لسان العرب (10/ 236)، (صدق).

(5)

" الساقط " هكذا في (ب) وفي (أ) الساقطة، والصواب ما في (ب)، ويوضح الزيلعي رحمه الله كون الثمن من الصداق بمنزلة الربع من العتاق فيقول:" لأن كل الساقط فيه النصف كما أن كل الواجب هناك الرقبة ". انظر: تبيين الحقائق (3/ 85).

(6)

" الداخلة " في (أ) و (ب) هكذا، والصواب أن تكون (الداخل) وليس الداخلة، لأن الداخلة يسقط من مهرها الثمن وليس الربع، والداخل حظه أن يعتق منه الربع وليس النصف، ويكون معنى هذه العبارة: فثبت أن حظ الدّاخل الربع دون النّصف: أي يعتق من العبد الداخل ربعه وليس نصفه كما هو عند محمد رحمه الله. والله أعلم.

(7)

وهو أن يعتق نصف الداخل عند الشيخين؛ لأنه عتق نصف الثابت والخارج بالإيجاب الأول الدائر بينهما ونصف الداخل بالإيجاب الثاني الدائر بينه وبين الثابت، وعتق ربع الثابت به؛ لأن النصف الذي أصاب الثابت شائع فما لاقى الحرية بطل وما لاقى الرق صح فيتنصف ذلك النصف فيعتق ربعه به.

انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 522).

(8)

"منهما" هكذا في (ب) وساقطة من (أ)، وذكرها زيادة إيضاح وبدونها يستقيم المعنى.

ص: 41

ولهذا لو قال لعبدين له: أحدكما حرّ فقطع إنسان يدهما كان على القاطع أرش العبدين، وإذا صحّ الكلام الثّاني في حق الدّاخل كان الكلام الثّاني في حق الدّاخل بمنزلة الكلام الأوّل في حق الخارج، فيعتق منه نصفه، وإنّما يعتق من الثّابت ربعه بالكلام الثّاني، لأنّ الكلام الأوّل عمل في حق الثّابت حتى تثبتَ له المطالبة بالبيان، ويتعيّن العتق إذا زالت مزاحمة الخارج بالموت ونحوه كالبيع والهبة

(1)

ويشيع العتق فيهما إذا مات المولى قبل البيان، لما ذكرنا بأن قوله أحدكما نكره من وجه دون وجه، فاعتبر العتق واقعًا في المحلّ في حقّهما ولم يعتبر تعليقًا، وإذا اعتبر الكلام الأوّل تنجيزًا في حقّهما؛ فإن أراد به الخارج صحّ الكلام الثّاني، وإن أراد به الثّابت لا يصحّ، فكان الكلام الثّاني متردّدًا في حق الثّابت فيعتق ربعه، وأمّا مسألة الزيادات فقيل: ذاك قول محمّد رحمه الله.

وأمّا على قولهما فللدّاخلة ثلاثة أرباع المهر

(2)

ولئن كان ما ذكر في الزيادات قول الكلّ فالفرق لأبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- أن الكلام الأوّل يعتبر تعليقًا في حق الدّاخل في حق حكم يقبل التعليق، ووقوع العتق يحتمل التّعليق، أمّا البراءة عن المهر ممّا لا يحتمل التّعليق فاعتبر الكلام تنجيزًا في حق هذا الحكم.

وإذا اعتبر تنجيزًا كان الكلام الثّاني متردّدًا، فأوجب سقوط ربع المهر؛ لأنّه لو كان صحيحًا من كلّ وجه يوجب نصف المهر، فإذا كان مترددًا يوجب الربع؛ لأنّه يوجب براءة النّصف إذا كان المراد بالإيجاب الأوّل الخارجة، ولا يوجب براءة شيء إذا كان المراد الثّابتة، فأوجب براءة ربع المهر بين الثّابتة والخارجة.

والفرق الثّاني لهما: هو أنّ الإيجاب الثّاني صحيح في حقّ الدّاخل والثّابت من كلّ وجه، أمّا في حق الدّاخل فلا شك، وكذا في حقّ الثّابت أمّا على قول أبي حنيفة رحمه الله فظاهر؛ لأنّ الثّابت قد عتق بعضه لا كلّه، ومعتق البعض محل للإعتاق، فصحّ اللّفظ الثّاني على كلّ حال بخلاف الطّلاق؛ لأنّه لا يتجزى.

(1)

هكذا في (ب) ويوجد هنا في (أ) عبارة زائدة لا توجد في (ب) وهي " ويشيع العتق فيهما إذا زالت مزاحمة الخارج بالموت ونحوه".

(2)

المَهرُ: عرف بتعريفات متعددة منها: أنه المذكور في العقد؛ لأنه اسم لما يملك به البضع. وعرف بأنه: المال يجب في عقد النكاح على الزوج في مقابلة منافع البضع.

انظر: بدائع الصنائع (2/ 286)، هو المهر. العناية (3/ 316).

وللمهر أسام أخر منها: النحلة والصداق والعقر والعطية والأجرة والصدقة والعلائق والحباء.

انظر: البحر الرائق (3/ 152).

ص: 42

وأمّا على قول أبي يوسف رحمه الله فإنّ الإعتاق وإن كان لا يتجزى لكن الثّابت دار بين أن يكون حرًا وبين أن يكون عبدًا فكان كالمكاتب، والمكاتب محلّ للعتق بخلاف الطّلاق؛ لأنّ ثمة ليس بين أن تكون المرأة طالق وغير طالق حالة ثالثة، هذا إذا كانت الإجابات في صحّة المولى، فإن كانت في مرضه ومات إن خرجوا من الثلث، فكذلك الجواب، وإن لم يكن له مال آخر ولم يجز الورثة قسم الثّلث بينهم على قدر سهامهم، فحق الخارج في نصف الرقبة وهو سهمان، وحقّ الثّابت في ثلاثة أرباعه وهو ثلاثة أسهم، وحق الدّاخل عندهما في نصف الرقبة وهو سهمان، فبلغ سهام العتق سبعة، اجعل هذا ثلث المال وثلثا المال أربعة عشر فيكون كل عبد سبعة عتق من الخارج سهمان ويسعى في خمسة.

ومن الثّابت ثلاثة ويسعى في أربعة ومن الدّاخل سهمان، ويسعى في خمسة فيكون سهام العتق سبعة، وسهام السّعاية أربعة عشر، فاستقام الثّلث والثلثان وعلى قول محمّد رحمه الله، حق الداخل في ربعه وهو سهم واحد، فكان سهام العتق عنده ستة، وثلث، المال ستة كل رقبة ستّة عتق من الخارج سهمان ويسعى في أربعة، ومن الثّابت ثلاثة، ويسعى في ثلاثة من الدّاخل سهم، ويسعى في خمسه فيستقيم الثلث والثلثان.

فإن قيل: في هذا المجموع سؤال كلي يرد على قول أبي يوسف ومحمّد -رحمهما الله- وهو أنّه كيف يتصوّر تجزئة العتق بالنّصف والربع وثلاثة الأرباع عندهما مع أنّ إعتاق البعض إعتاق الكلّ عندهما؟

[407/ أ] فكان ينبغي أن يعتق كلّ واحد منهم، ولا يسعى في شيء إذا كانوا يخرجون من الثلث أو لا يخرجون عندهما؛ لأنّه ثبت العتق في شيء من كل واحد منهم فكان/ ثابتًا في كلّ واحد منهم لما أنّ الإعتاق لا يتجزى عندهما.

قلنا: الإعتاق عندهما لا يتجزّى إذا صادف محلاً معلومًا، وأمّا إذا كان الإعتاق ثبوته بطريق التوزّع والانقسام باعتبار الأحوال فلا؛ لأنّ ثبوته حينئذ بطريق الضّرورة، إذ لا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر والثّابت بالضّرورة لا يعدو

(1)

موضعه. كذا في جامعي قاضي خان والتمرتاشي -رحمهما الله- والفوايد الظهيرية

(2)

.

(فباع أحدهما أو مات)

(3)

وفي الإيضاح

(4)

ولو أعتق أحدهما بعد قوله إحداكما حرّة ثم قال أردت به ذلك العتق فالقول قوله؛ لأنّ هذا اللّفظ يصلح إنشاء، فكذا يصلح للبيان الذي هو بمعنى الإنشاء، لأنّه لم يبق محلًا للعتق أصلًا بالموت.

(1)

" لا يعدو" في (ب)"لا يعودا" والصواب ما في (أ).

(2)

انظر: العناية (4/ 495).

(3)

هذه عبارة من مسألة بدأ المؤلف بإيضاحها، ونصها بتمامها:" ومن قال لعبديه أحدكما حر فباع أحدهما أو مات أو قال له أنت حر بعد موتي عتق الآخر لأنه لم يبق محلا للعتق أصلا بالموت وللعتق من جهته بالبيع وللعتق من كل وجه بالتدبير فتعين له الآخر " ولأنه بالبيع قصد الوصول إلى الثمن وبالتدبير إبقاء الانتفاع إلى موته والمقصودان ينافيان العتق الملتزم فتعين له الاخر دلالة وكذا إذا استولد إحداهما للمعنيين ولا فرق بين البيع الصحيح والفاسد مع القبض وبدونه والمطلق وبشرط الخيار لأحد المتعاقدين لإطلاق جواب الكتاب والمعنى ما قلنا والعرض على البيع ملحق به في المحفوظ عن أبي يوسف رحمه الله والهبة والتسليم والصدقة والتسليم بمنزلة البيع لأنه تمليك " وكذلك لو قال لامرأتيه إحداكما طالق ثم ماتت إحداهما " لما قلنا وكذلك لو وطئ إحداهما لما تبين. انظر: الهداية (2/ 307).

(4)

انظر: العناية (4/ 500).

كتاب الْإِيضَاحِ في شرح التجريد، لايزال مخطوط في ثلاث مجلدات مؤلفه عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن أميرويه، أبو الفضل الكرماني: فقيه حنفي مولده بكرمان ووفاته بمرو سنة (543 هـ).

انظر: الأَعْلَام للزركلي (3/ 327)، كشف الظنون (1/ 65).

ص: 43

فإن قلت: يُشكل هذا بما لو قال لأمتيه إحدى هاتين ابنتي؛ أو أم ولدي وماتت إحديهما لم تتعيّن الحرية والاستيلاد في الحية، والمسألة في الجامع الصّغير للإمام التمرتاشي رحمه الله

(1)

.

قلت: هو ليس بإيقاع له بصيغته بل إخبار، ويجوز أن يخبر هذا

(2)

عن الميّت والحي فيرجع إلى بيان المولى فأمّا الإنشاء فلا يصحّ إلا في الحي.

وأمّا في مسألتنا: فإنّما يتعيّن الآخر للعتق عند موت أحدهما؛ لأن البيان قائم بوصفين بوصف الإنشاء، وبوصف الإظهار. بيان ذلك أن قوله: أحدكما قاصر الدلالة عن

(3)

أحدهما بعينه فإذا لا يثبت العتق في واحد منهما بعينه، هذا معنى ما قيل العتق غير ثابت، فبالنّظر إلى هذا يكون البيان إنشاء ومن حيث إنّ العتق لا يعدوهما كان البيان إظهارًا ولهذا يعتبر البيان من جميع المال، وإن كان البيان في مرض الموت لوجود العتق المبهم في الصحّة، وإذا كان كذلك فإنما يصحّ البيان في محلّ يحتمل الإنشاء، والميّت لا يحتمل الإنشاء فتعيّن الآخر للعتق ضرورة كذا في الإيضاح

(4)

والفوايد الظهيرية.

وفي الجامع ما يصلح تعيينًا في الإعتاق المبهم المرسل، يصلح تعيينًا في الإعتاق المعلّق؛ بأن قال لعبديه: إذا جاء غدًا فأحدكما حرّ فمات أحدهما أو تصرف فيه تصرف الملاك ثم جاء الغد عتق الباقي لزوال المزاحم، ولو قال قبل مجيء الغد اخترت أن يقع العتق غدًا على هذا بعينه لم يعتبر ذلك؛ لأنّه

(5)

إخبار قبل وقت الخيار فلم يصح.

كما لو قال: أنت حرّ إن دخلت هذه الدّار وهذه

(6)

الدّار، ثم عتق أحدهما للحنث لم يصح تعيينه

(7)

ولو باع أحدهما اليوم ثم اشتراه ثم جاء الغد، أو باعهما ثم اشتراهما ثم جاء الغد عتق أحدهما؛ لأنّ البيع لا يغيّر حكم التّعليق كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله

(8)

.

(وكذا إذا استولد إحديهما بأن وطى إحديهما فعلقت منه؛ لأنّها صارت أم ولد له فمن ضرورة صحّة أمية الولد واستحقاق العتق بها انتفاء العتق المنجز عنها، وإذا انتفى عن إحديهما تعيّن في الأخرى لزوال المزاحمة) كذا في المبسوط.

(9)

(1)

انظر: البناية (6/ 62).

(2)

" بهذا " هكذا في (ب) وفي (أ)"هذا "، والصواب ما في (ب).

(3)

" عن " هكذا في (ب) وفي (أ)" من "، والصواب ما في (ب)، ويكون التقدير: قاصر الدلالة: عن عتق أحدهما.

(4)

انظر: العناية (40/ 499).

(5)

" لأنه " في (ب)" لا "، والصواب ما في (أ).

(6)

" وهذه " في (أ) وفي (ب)"أو هذه ".

(7)

" تعيينه "في (أ)، وفي (ب)"تعينه"

(8)

انظر: المحيط البرهاني (4/ 37).

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 86).

ص: 44

ولا فرق بين البيع الصّحيح والفاسد مع القبض

(1)

وبدونه، أي بدون القبض في البيع الفاسد يثبت البيان في أنّ المراد بالعتق الآخر؛ وإنّما لم يشترط اتصال القبض في البيع الفاسد للبيان؛ لأنّ انتفاء العتق عنه ما كان لضرورة ثبوت الحكم، ولكن لدلالة وجود تصرف يختص بالملك، ألا ترى أنّه لو ساوم بأحدهما تعيّن الآخر للعتق والسّوم

(2)

أدون في العقد الفاسد، وأمّا إذا حلف بعتق أحدها فقد علّق حرّيته بالشّرط، والمعلق عدم للحال فإذا ذكر ما يدلّ على انعدام العتق فيه تعيّن الآخر للعتق، وروي عن محمّد رحمه الله أن اليمين إذا كانت سابقة على الحريّة المجهولة

(3)

فَعَتِقَ

(4)

لوجود الشّرط تعيّن الآخر؛ لأنّه فات المحلّ فصار كما لو مات.

وذكر محمّد رحمه الله في الإملاء إذا وهب أحدهما وأقبضه

(5)

أو تصدّق وقبض

(6)

عتق الآخر، وقضيتُهُ مسألة البيع الفاسد أن يثبت العتق في الآخر بدون الإقباض وإنّما ذكر الإقباض هنا وفي البيع الفاسد على سبيل التأكيد، فعلى هذا كان ذكر التّسليم في قوله: والهبة والتسليم والصّدقة والتسلّم

(7)

بمنزلة البيع كان على وجه التأكيد لا على وجه الشّرط.

[407/ ب] فإن قلت: يشكل على ما ذكره من مسألة الموت ما ذكره في المبسوط

(8)

والإيضاح

(9)

/ (أنّه لو اشترى أحد العبدين

(10)

وسمّى لكلّ واحد منهما ثمنًا، وشَرط الخيار لنفسه ثمّ مات أحدهما تعيّن البيع في الهالك، وههنا يتعين العتق في القائم لا في الهالك، فكما أنّ إنشاء العتق يقتضي الحياة فكذلك إنشاء البيع والاختيار فيه يقتضي الحياة أيضًا، فمن أين وقع الفرق بينهما؟

(1)

القبض: الأخذ، يقال: قبضت الشيء قبضا: أخذته.

انظر: الصحاح (3/ 1100)، (قبض).

(2)

السَّوْمُ: عَرْضُ السِّلْعَةِ على البيعِ. ويقال: سُمتُ فُلانًا سِلعتي سَوماً إذا قلتَ أَتأْخُذُها بكذا من الثَّمَنِ؟

انظر: لسان العرب (12/ 310)، (سوم).

معنى العبارة: والمساومة دون البيع في العقد الفاسد.

انظر: بدائع الصنائع (1/ 103).

(3)

" المجهولة "في (أ) والمجهولة، والصواب ما في (ب).

(4)

" فعتق " في (أ)"يعتق"، والصواب ما في (ب).

(5)

" وأقبضه" وفي (أ)"وقبضه".

(6)

"وأقبض" وفي (أ)"وقبض".

(7)

"والصّدقة والتسلّم" سقط من (ب).

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 85).

(9)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 86).

(10)

في (ب)"العبد"، والصواب ما في (أ).

ص: 45

قلت: قال علي القمي رحمه الله

(1)

: وفي الحقيقة لا فرق بينهما؛ لأنّ الهالك يهلك على ملكه في الفصلين، والأصحّ أن نقول: هناك حين أشرف أحدهما على الهلاك تعيّن البيع فيه؛ لأنّه تعذّر عليه ردّه كما قبض؛ فإنّما يتعيّن البيع وهو حي لا ميّت، وههنا لو تعيّن العتق فيه تعيّن

(2)

بعد الموت؛ لأنّه بالإشراف على الهلاك لا يخرج من أن يكون محلًا للعتق، وبعد

(3)

الموت هو ليس بمحل للعتق فيتعيّن القائم ضرورة) كذا في المبسوط.

(4)

وله أنّ الملك قائم في الموطوءة

(5)

أي وإن وجد الوطئ

(6)

فيهما جميعًا ثم دليل قيام الملك فيهما جميعًا من حيث الحقيقة ومن حيث الحكم، أمّا من حيث الحقيقة، فهو ما ذكر في الكتاب بيان ذلك وهو أنّهما كانتا مملوكتين له

(7)

قبل إيجاب العتق؛ وإنّما أوجب العتق في نكرة وكلّ واحدة منهما بعينها معرفة والمُنَّكر غير المُعَرَّف

(8)

، فلا يجوز إيجاب العتق في العين قبل بيانه؛ لأنّه إيجاب به في غير المحلّ الذي أوجبه، وأمّا من حيث الحكم فإنّهما لو وطئتا بالشبهة

(9)

كان الواجب عقر مملوكتين

(10)

، وكان ذلك كلّه للمولى وإنّما يملك البدل يملك الأصل فعلم بهذا أنّ الملك فيهما جميعًا باقٍ، وعن هذا قالوا: فلمّا لم يكن استيفاء بدله بيانًا لم يكن استيفاء أصله بيانًا دليله قطع اليد؛ فإنّه لو قطع يد إحديهما لا يكون بيانًا؛ لما أنّه لو قطع يد إحديهما غيره وقبض المولى بدله لم يكن بيانًا فكذلك هنا. بخلاف المنكوحتين أو نقول إن حلّ الوطئ يُبتنى على ملك المتعة والعتق محلّه ملك الرقبة فلم يتحد المحلّ فلا يتحقق المنافاة بين حل الوطئ وبين العتق؛ لأنّ من شرط المنافاة اتّحاد محلّ الحكم، فإذا امتنع البيان من هذا الوجه لم يبق إلا وجه آخر وهو إثبات الضّرورة ولا ضرورة؛ لأنّ حل الوطئ يتصوّر ثبوته مع العتق وحلّ الضّرورة ما لا يقبل الفصل عنه بحال، فحلّ الوطئ مع ملك الرقبة ينفصل إن

(11)

وجودًا وعدمًا؛ أما وجودًا ففي فصل المنكوحة الحرّة، وأمّا عدما ففي أمته المجوسيّة

(12)

فلما كان كذلك لم ينتف ملك المتعة عند انتفاء ملك الرّقبة.

(1)

عَليّ بن مُوسَى بن يزْدَاد وَقيل يزِيد القمي صَاحب أَحْكَام الْقُرْآن إِمَام الحنيفة في عصره سمع مُحَمَّد بن حميد الرَّازِيّ وغيره روى عَنهُ أبو الفضل أَحمد ابن أَحمد الكاغذي وغيره وَتُوفِّي سنة خمس وثلاث مائة كذا ذكره السَّمْعَانِيّ قال أبو إِسحاق في الطَّبَقَات وَله كتب في الرَّد على أَصحاب الشَّافِعِي وله ترجَمة واسِعة.

انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 380)، الفهرست (1/ 207).

(2)

"تعين" سقط من (أ).

(3)

"وبعد" في (أ)"بعد"، والصواب ما في (ب).

(4)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 85).

(5)

"الموطوءة" في (ب) الموطوة بدون همز، والصواب ما في (أ).

(6)

"الوطئ" في (ب) الوطى بدون همز. والصواب " الوطء"

(7)

"له" في (ب)"وله"، والصواب ما في (أ).

(8)

"المعرف" في (ب) معرف، والصواب ما في (أ)

(9)

الشُّبهةُ: هي مالم يُتَيَقَّن كونه حراماً، أو حلالاً. انظر: التعريفات (1/ 124).

(10)

"مملوكتين" هكذا في (ب) وفي (أ) مملوكين والصواب ما في (ب).

(11)

"ينفصل إن" هكذا في (ب) وفي (أ) ينفصلان، والصواب ما في (ب) حيث إن الحل للوطء يوجد وينفصل عن الملك للرقبة كما في حل وطء المنكوحة الحرة، وعدم الحل للوطء ينفصل عن الملك الرقبة في حالة الملك للأمة المجوسية.

(12)

المجوسيُّةُ: عابدة النار، والمَجوسٌ: عبدةُ النَّار.

انظر: الِملل والنِحل للشهرستاني (1/ 278)، لسان العرب:(6/ 257 - 259)، (مجس) وما بعدها.

ص: 46

فإن قيل: لا يثبت ههنا ملك المتعة إلا بناء على مِلكِ الرّقبة، ومن ضرورة انتفاء ملك الرقبة انتفاء ملك المتعة الثّابت بسببه.

(قلنا: إن ما كان طريقه طريق الضّرورة يعتبر فيه الجملة لا الأحوال، ألا ترى أنّ الجارية المبيعة إذا جاءت بولد لأقلّ من ستّة أشهر فقطعت يد الولد وأخذ المشتري الأرش

(1)

ثم ادّعى البايع نسب الولد بطل المبيع، وحكم بحرية الأصل، وبقي الأرش سالمًا للمشتري، ولا سبب في هذا الموضع لملكه الأرش سوى ملك الرقبة ثمّ نظر إلى الجملة دون الأحوال، فقيل إنّ ملك الرّقبة سبب لملك الأرش الذي وجب للمملوك في الجملة فهو للمولى لوجود ملكه ظاهرًا، وإن لم يكن للمولى في هذه الصّورة ملك الرقبة، وكذلك لو اشترى لحمًا فأخبره عدلٌ أنّه ذبيحة

(2)

مجوسيّ يحرم عليه تناوله، وسبب الحلّ ههنا ملك العين، ولكن لما كان حلّ التناول يثبت في الطّعام في الجملة من غير ملكه نُظِرَ إلى الجملة دون الأحوال)

(3)

فقيل: لا يحلّ تناوله ولا يبطل ملكه حتّى لا يرجع على البايع بالثمن نظراً إلى الانفصال في الجملة كما في ملك الخمر كذا في المبسوط

(4)

والإيضاح لتعلّقه به أي لتعلّق العتق بالبيان فصار كالعتق المعلّق بدخول الدّار؛ فإنّ العتق فيه غير نازل قبل دخول الدّار.

فكذا ههنا أو يقال: نازل في المنكر هذه النكتة للفرق بين الطّلاق والعتاق في أنّ الوطئ معيّن في الطّلاق دون العتاق فيظهر في حق حكم يقبله كالبيع فإن المنكر يقبل البيع بأن اشترى أحد العبدين على أن المشتري بالخيار فيهما يصحّ، وأمّا المنكرة فلا تقبل الوطئ؛ لأن الوطئ أمر حسي فلا يقع في غير المعيّن فلم يمكن وطئ غير المعيّن لذلك فلا يكون الوطئ بيانًا في الأخرى.

[408/ أ] بخلاف الطلاق فإن بوطئ إحديهما في باب الطّلاق يأتي بما هو المعظم/ من المقاصد في باب النكاح فيصير بيانًا، كما لو باع إحديهما فيما نحن فيه؛ لأنّه أتى بالبيع بما هو المعظم من المقاصد في ملك اليمين والوطئ في ملك اليمين ليس من معظم المقاصد، ألا ترى أنّه يجوز شراء المجوسيّة وشراء من يحرم عليه وطئها

(5)

برضاع أو صهرية

(6)

بخلاف النكاح. كذا في الفوائد الظهيرية

(7)

.

(1)

الأرش: هو اسم للمال الواجب على ما دون النفس وقد يطلق على بدل النّفس، وحكومة العدل.

انظر: كشف اصلاحات الفنون (1/ 105).

(2)

"ذبيحة" هكذا في (أ)، وفي (ب)"ذبحه".

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 87).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (13/ 67).

(5)

" وطئها " هكذا في (أ) وفي (ب)"وطيها" والصواب كتابتها هكذا (وطؤها).

(6)

صهرية: الأصْهارُ: أهل بيت المرأة.

انظر: الصحاح (2/ 717)، مقاييس اللغة (3/ 315)، (صهر).

(7)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 35).

ص: 47

فإن قلت: يشكل على ما ذكر من أنّ الوطئ في الإماء ليس ببيان في حقّ استيفاء ملك اليمين مسائل ذكرها في المبسوط

(1)

(وهي أنّه لو باع جارية على أنّه بالخيار ثلاثة أيّام ثم وطئها في مُدة

(2)

الخيار يصير فاسخًا للبيع).

وكذلك لو باع إحدى الأمتين وسمّى لكل واحدة منهما ثمنًا، وشرط الخيار لنفسه ثم وطئ إحديهما فليس له أن يعيّن البيع فيها بعد ذلك، وكذلك لو كان المشتري بالخيار فوطئ إحديهما تعيّن البيع فيها لإثبات صفة الحلّ لفعله فما وجه الفرق بين هذه المسائل وبين ما نحن فيه؟

قلت: (ففي البيع بشرط الخيار لو لم نجعله فاسخًا للبيع بالوطئ لكان إذا جاز

(3)

البيع يملكه المشتري من وقت العقد حتّى لو وطئت بالشّبهة في مدّة الخيار، ثم أجيز البيع كان الأرش للمشتري، فتبيّن به أنّ البايع كان وطئها في غير ملكه؛ فلهذا جعلناه بيانًا، وههنا لو عيّن العتق في الموطوءة لا يتبيّن انعدام ملكه فيها سابقًا على الوطئ بدليل أنّها لو وطئت بشبهة يكون الأرش سالمًا للمولى، وإن عيّن العتق فيها مع أن فسخ البيع هناك يحصل بالجناية، وههنا لا يحصل بجنايته على إحديهما البيان فكذلك بالوطئ وكذلك في بيع إحدى الأمتين أمّا إذا كان الخيار للمشتري؛ فلأنّه لا يملك إحديهما إلا بعد تعيّن البيع فيها. وأمّا إذا كان الخيار للبايع فلأنّه لو عيّن البيع فيها بعد الوطئ يثبت الملك للمشتري من وقت البيع فيتبيّن أنه وطئها في غير ملكه فللتحرّز عن هذا تعيّن البيع في الأخرى ضرورة، بخلاف ما نحن فيه إذ بالتعيين لا يتبيّن انعدام ملكه فيها سابقاً على ما ذكرنا) كذا في المبسوط

(4)

.

(ومن قال لأمته إن كان أوّل ولد تلدينه)

(5)

إلى أن قال: (عتق نصف الأم ونصف الجارية).

وقال في المبسوط

(6)

: (وذكر محمّد رحمه الله في الكيسانيات

(7)

هذا الجواب الذي ذكر ليس جواب هذا الفصل بل في هذا الفصل لا يحكم بعتق واحد منهم ولكن يحلف المولى بالله ما يعلم أنّها ولدت الغلام أولًا، فإن نكل عن اليمين فنكوله كإقراره فإن حلف فهم أرقاء).

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 86).

(2)

"مُدَّة" هكذا في (ب) وفي (أ)"هذه" والصواب ما في (ب).

(3)

"جاز" وفي (ب) "أجاز: والصواب ما في (أ).

(4)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 88).

(5)

النص بتمامه كما جاء في بداية المبتدي (1/ 93)"وَمن قَالَ لأمته إِن كَانَ أول ولد تلدينه غُلَاما فَأَنت حرَّة فَولدت غُلَاما وَجَارِيَة وَلَا يدْرِي أَيهمَا ولد أَولا عتق نصف الْأُم وَنصف الْجَارِيَة والغلام عبد".

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 133).

(7)

قال المطرزي في المغرب: (وَكَيْسَانُ) من أسماء الرجال وإليه ينسب أبو عَمرٍو وسليمان بن شُعيب (الْكَيْسَانِيُّ) وهو من أصحابِ محمد رحمه الله ومُستَمليه (ومنه) قولهم ذكر محمد رحمه الله (الْكَيْسَانِيَّاتِ أو في إملاء الكيسانيِّ) وقيل هي: عبارة عن مسائل رواها سليمان الكساني عن محمد بن الحسن والله أعلمُ بالصَّوَابِ.

انظر: كشف الظنون (2/ 1525)، المغرب (ص: 419).

ص: 48

وأمّا جواب الكتاب ففي فصل آخر وهو ما إذا (قال المولى لأمته إذا كان أوّل ولد تلدينه غلامًا فأنت حرة) وإن كان جارية فهي حرّة، فولدتهما جميعًا ولا يُدرى أيّهما أوّل فالغلام رقيق والابنة حرّة، ويعتق نصف الأم؛ لأنها إن ولدت الغلام أولًا فهي حرّة والغلام رقيق، وإن ولدت الجارية أولًا فالجارية حرّة والغلام والأم رقيقان، فالأمّ تعتق في حال دون حال، فيعتق نصفها

(1)

والعبد عبد بيقين والجارية حرة بيقين، إما بعتق نفسها أو بعتق الأم.

قلت: وما ذكره في الكيسانيات هو الصّحيح لما أنّ الشّرط الذي لم يتيقّن في وجوده وهو ما إذا كان في طرف واحد كان القول قول من يُنكِرُ وُجُودَهُ باليَمِينِ، كما إذا قال لعبده: إن دخلت الدّار غدًا فأنتَ حرّ، فمضى الغد ولا يدرى أنّه دخل أم لا! لا

(2)

يَعتق؛ لأنّه وقع الشّك في شرط العتق فكذلك ههنا وقع الشك في شرط العتق وهو ولادة الغلام أولًا، وأمّا إذا كان الشّرط مذكوراً في طرفي الوجود والعدم كان أحدهما موجودًا لا محالة، فحينئذ يحتاج إلى اعتبار الأحوال كما في مسألة الكيسانيات فالقول قوله مع اليمين، لإنكاره شرط العتق ويحلف على العلم بالله ما يعلم أنّها ولدت الغلام أولًا؛ لأن هذا استحلاف على فعل الغير فيكون على العلم أصله حديث القسامة

(3)

.

ولو كانت الجارية كبيرة عتقت الأم بنكول

(4)

المولى خاصّة؛ لأنّ النكول يُجعل

(5)

حجة بطريق الضّرورة فيما وجد فيه الدّعوى، والدّعوى وجدت من الأم دون الجارية، فلا يظهر في حق الجارية كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله

(6)

؛ لأنّ دعوى الأم غير معتبرة في حق الجارية الكبيرة؛ لأنّها لما كانت كبيرة تدعي هي بنفسها، فلا تنوب دعوى غيرها عنها.

(1)

" نصفها " هكذا في (ب) وهو سقط من (أ).

(2)

" لا " سقط من (ب).

(3)

القسامة: هي أيمان تقسم على المتهمين في الدم.

انظر: التعريفات (1/ 175).

وبأنها: أيمان تقسم على أهل المحلة الذين وجد القتيل فيهم.

انظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 120).

وبأنها: اليمين بالله تعالى بسبب مخصوص وعدد مخصوص على شخص مخصوص على وجه مخصوص.

انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار): (6/ 625).

(4)

النكول: أي الامتناع من اليمين، يقال: نكل عن اليمين: امتنع منها.

انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 116)، القاموس الفقهي (1/ 362)، (نكل).

(5)

" يجعل " في (ب) جعل. وكلاهما صواب.

(6)

انظر: البناية (6/ 67).

ص: 49

[408/ ب] وأمّا إذا كانت صغيرة فدعوى الأم لا

(1)

تنوب عن دعوى الصّغيرة بولاية الأم على الصّغيرة، والنكول إنما يعتبر/ إقرارًا عند صحّة الدّعوى، فلذلك افترق حكم النكول بين كون البنت صغيرة وكبيرة، وكذلك لو كانت البنت الكبيرة هي المدعية دون الأمّ، فلا يصحّ دعواها في حقّ أمها، لما قلنا إن دعوى الغير نيابة عن الغير لا يصحّ إلا بولاية أو إنابة، ولم يوجد واحد منهما.

وبهذا القدر يعرف ما ذكرنا من الوجوه في كفاية المنتهى

(2)

وجميع الوجوه خمسة:

أحدها: ما ذكرنا وهو أنّهم أن يتصادقوا أنّهم لا يدرون أيهما أوّل وجواب

(3)

الكتاب

(4)

أنّه يعتق نصف الأم ونصف الجارية باعتبار الأحوال.

والثّاني: أن تدعي الأم أنّ الغلام أول وأنكر المولى ذلك وقال الجارية هي الأولى والجارية صغيرة، والجواب أنّ القول قول المولى مع يمينه لما ذكر في الكتاب.

والثّالث: أن يتصادقوا

(5)

أنّ الغلام أوّل، والجواب أنّه عتق الأم والبنت ورق الغلام؛ لأنّه لا حظ له من العتاق في عموم الأحوال، وذلك لأنّ العتق معلّق بولادة الغلام والمعلّق بالشّرط لا ينزل قبله والغلام انفصل منها، وهي أمة، فلا يظهر حرّيتها في حق الغلام، ويظهر في الجارية؛ لأنّها انفصلت بعد الحريّة فتكون حرّة.

والرّابع: أن يتصادقوا أن الجارية هي الأولى والجواب أنهم أرقاء.

والخامس: أن تدعي الأم أنّ الغلام، أول ولم تدع

(6)

الجارية شيئًا وهي كبيرة، حُلِّفَ المولى، فإن حَلِفَ لم يثبت شيء، وإن نكل عتقت الأم دون البنت؛ لأن النكول حجّة ضروريّة إلى آخر ما ذكرنا ولو ادعت البنت دون الأم.

فالجواب على عكس هذا

(7)

ولا يقال إنّ النكول على قولهما إقرار والإقرار بعتق إحديهما حكما

(8)

لليمين إقرار بعتق الأخرى ضرورة؛ لأنّا نقول أنه إقرار بطريق الضّرورة؛ ولهذا لا يثبت العتق بمجرّد النكول والدّليل عليه ما قاله محمّد رحمه الله في الأصل رجلٌ قال لغيره أنا كفيل بكلّ ما يقر لك به فلان فادّعى

(9)

المكفول له على فلان مالًا، فَأنكرَ فَحُلِّفَ فَنَكَلَ فَقُضِيَ عليه بالمال فلا يَصيرُ الكفيلُ كَفيلًا به، ولو كان إقرارًا من كلّ وجه لَصارَ كَفِيلًا به، كذا في الجامع الصّغير لقاضي خان رحمه الله والفوائد الظهيرية

(10)

.

(1)

" لا " هكذا في (ب) وفي (أ) لا ينوب. والصواب ما في (ب).

(2)

كفاية المنتهى: مخطوط المؤلف: علي بن ابي بكر بن عبد الجليل، المرغيناني صاحب "الهداية"(ت 593).

انظر: خزانة التراث (75/ 986)، كشف الظنون (2/ 2022).

(3)

" وجواب " هكذا في (ب) وفي (أ) وجوب، وما في (ب) هو الصواب.

(4)

المراد بالكتاب هو (مختر القدوري) أشهر متون الفقه عند الحنفية. انظر: كشف الظنون (2/ 1631).

(5)

في (ب) إن تصادقوا، والصواب ما في (أ) لأنه لا يحتاج إلى جواب شرط بخلاف ما في (ب) وهو لم يذكر.

(6)

في (ب) تدعي، والصواب ما في (أ) لأن (تدع) فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة.

(7)

جاء في تبيين الحقائق: والسادس أن تدعي البنت، وهي كبيرة أن الغلام هو الأول، ولم تدع الأم فتعتق البنت إذا نكل دون الأم لما ذكرنا هكذا فصلها في الكافي. انظر: تبيين الحقائق (3/ 88).

(8)

" حكما " هكذا في (ب) وفي (أ) حكمها، والصواب ما في (ب) ويكون المعنى: أن الإقرار بعتق إحديهما هنا إنما هو إقرار حكما من أجل اليمين.

(9)

" فادعى " هكذا في (ب) وفي (أ) وادعى، والصواب ما في (ب).

(10)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 88).

ص: 50

(وإذا شهد رجلان على رجل أنّه أعتق أحد عبديه) يعني "كواهي داده اندبرين كه بكي ازدو بنده رآاذا دكروه آست"

(1)

لا أنّهما إن شهدا على أنّه قال أحدكما حرّ، كذا كان بخطّ شيخي رحمه الله.

وأصل هذا أنّ الشّهادة على عتق العبد لا تقبل من غير دعوى عند أبي حنيفة رحمه الله، بخلاف الشّهادة على عتق الأمة، فإنّها تُقبل بدون الدّعوى بالإجماع وإنّما اختلف حكمها عند أبي حنيفة رحمه الله على هذا الطّريق، بناء على أنّ العتق من حقوق العباد عنده، ومن حقوق الشّرع عندهما

(2)

، فما كان من حقوق العباد لا تقبل الشّهادة فيها بدون الدّعوى، وما كان من حقوق الله تعالى تقبل الشّهادة بدون الدعوى.

(وأمّا عتق الأمة فمن حقوق الله تعالى بالاتفاق، فلذلك تقبل الشهادة فيها بدون الدّعوى وذلك لأنّ عتق الأمة يتضمن تحريم فرجها على مولاها، وذلك من حَقِّ الشّرعِ، وفيما هو حَقُّ الله تعالى الشّهادةُ تُقبلُ حِسبَةً من غيرِ دعوَى، كما في الشّهادة برؤية هلال رمضان وحَدِّ الزّنا

(3)

والشّرب والطّلاق، فإن قيل: فعلى هذا ينبغي أن يكتفى بشهادة الواحد؛ لأنّه أمر ديني وخبر الواحد فيه حجّة تامة. قلنا: خبر الواحد إنّما يكون حجّة في الأمر الديني، إذا لم تقع الحاجة إلى إلزام المنكر، وهنا الحاجةُ مَاسَّةٌ إلى ذلك؛ ولأن في هذا إزالة الملك والماليّة عن المولى وخبر الواحد لا يكفي لذلك فلهذا قلنا لابدّ من أن يشهد رجلان.

فإن قيل: فإذا كانت هي أخته من الرضاعة

(4)

قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ على عِتْقِهَا مع جُحُودِهَا، وليس فيه تحريم الفرج

(5)

ههنا؛ لأنّ تحريم الفرج ههنا ثبت بحكم الرضاع قبل شهادتهما بالإعتاق.

قلنا: بل فيه معنى الزّنا لأنّ فعل

(6)

المولى بها قبل العتق لا يَلزَمُهُ الحَدُّ

(7)

وبَعد العِتق يَلزَمُهُ الحَدُّ وبضعها

(8)

مملوك للمولى، وإن كان هو مَمنُوعًا عن وطئِهَا بالمَحرَمِيَّةِ.

(1)

باللغة الفارسية.

(2)

أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-.

(3)

الزنا هو: وطءٌ في قُبُلٍ خالٍ عن مِلكٍ وشبهتِهِ.

انظر: البحر الرائق (5/ 3)، تبيين الحقائق (3/ 163).

(4)

الرَّضاعُة: هي مَصُّ الرَّضيعِ من ثدي الآدميَّةِ في وقتٍ مخصوصٍ.

انظر: تبيين الحقائق (2/ 181)، البحر الرائق (2/ 238).

(5)

الفَرْجُ: اسْمٌ لِجَمْعِ سَوآت الرِّجالِ والنِّساء والفتيان وما حَوالَيْها، كُلُّهُ فَرْج وهي العورة.

انظر: لسان العرب (2/ 342)، (فرج).

(6)

" فعل " في (ب) جعل، والصواب ما في (أ).

(7)

الحدُّ في اللغة: المنعُ، وجمعهُ: حدودٌ. انظر: لسان العرب (3/ 172 - 173)، (حدد).

وعند الفقهاء: عقوبةٌ مُقدَّرَةٌ وجَبَت حقَّاً للهِ تعالى. انظر: بدائع الصنائع (7/ 33)، الاختيار لتعليل المختار (4/ 83).

(8)

" وبضعها " هكذا في (ب) وفي (أ) نصفها، والصواب ما في (ب).

ص: 51

ألا ترى أنّه يُزَوِّجُهَا؟ وأنَّ بَدل بضعِهَا يَكُونُ لهُ؟ فيزولُ ذلك الملك بإعتاقها؟ ولأنّ الأمة في إنكار العتق مُتَّهَمَةٌ لما لها من الحَظِّ في الصّحبة مع مولاها، ولا معتبر في إنكار من هو متّهم في إنكاره فَجَعلنَاها كالمُدّعية لِهذا.

[409/ أ] وأمّا الشّهادة على عتق العبد فلا تقبل/ مع جحود العبد في قول أبي حنيفة رحمه الله وتُقبل في قول أبي يوسف ومحمّد -رحمهما الله-، وجه قولهما أنّ المشهود به حق الشّرع وعدم الدّعوى لا يمنعُ قبول الشّهادة عليه كعتق الأمة وطلاق الزوجة، وبيان ذلك أنّ المشهود به العتق وهو حقّ الشّرع، ألا ترى أنّه لا يحتاج فيه إلى قبول العبد، ولا يَرتَدُّ بِرَدِّهِ أنّه يجوز أن يحلف به، وإنّما يحلف بما هو حقّ الشّرع، وأن إيجابه في المجهول صحيح، ولا يصحّ إيجاب الحق للمجهول ويتعلّق به حُرمةُ اسْتِرْقَاقِهِ، وذلك حقّ الشّرع قال النبي عليه السلام:«ثلاثة أنا خصمهم»

(1)

وذكر من جملتهم «من استرق الحرّ» ويتعلّق به حكم تكميل الحدود ووجوب الجُمُعَةَ، والأهليّة للولايات، والاسترقاق على أهل الحرب عقوبة بطريق المجازاة لهم حين أنكروا وحدانية الله تعالى، فجازاهم على ذلك بأن صيّرهم عَبِيدَ عَبِيدِه، فإزالته بعد الإسلام يكون حقًا للشّرع، ولهذا كان قُربةً تَتَأدّى به بعض الواجبات، والدّليل عليه أيضًا هو: أن التّناقض لا يمنع دعوى الحريّة، حتّى لو أقرّ بالرّق ثمّ ادّعى حريّة الأصل وأقام البيّنة

(2)

قبلت بيّنته، مع أنّ التّناقضَ يُعدِمُ الدّعوى.

(1)

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:" قَالَ اللهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ " أخرجه البخاري: (3/ 83) في كتاب البيوع، رقم (34) باب إثم من باع حراً، رقم الحديث (2227).

(2)

البَيِّنةُ في اللغة: قال ابن فارس: الباء والياء والنون أصلٌ واحد وهو بُعدُ الشيء، وانكشافُهُ. والبَينُ والفِراقُ، والبَيَانُ، الإفصاح مع ذكاء.

انظر: معجم مقاييس اللغة (1/ 327 - 328)، تاج العروس (18/ 82) كلاهما (بين).

والبَيّنةُ وفي عرف الفقهاء: اختلف الفقهاء في تعريفها إلى قولين: الأول: إن البينة هي الشهادة، وهذا مذهب الجمهور.

الثاني: إن البينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وابن فرحون وغيرهم وهذا هو القول الراجح.

انظر: المبسوط للسرخسي (16/ 99)، تبصرة الحكام (1/ 172)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشربيني الشافعي (4/ 461)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ان تيمية (35/ 394 - 395).

ص: 52

ولأبي حنيفة رحمه الله قوله عليه السلام: «ثم يفشوا الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد!»

(1)

فقد جعل أداء الشهادة قبل الاستشهاد من أمارات الكذب! فظاهره يقتضي أن لا يكون مقبولًا منه إلا حيث خُصَّ بدليل الإجماع. والمعنى فيه أنّه إزالة ملك اليمين بالقول، ولا يتضمّن معنى تحريم الفرج، فلا تقبل الشّهادة فيه إلا بالدّعوى كالبيع، وتأثيره أنّ المشهود به حق العبد؛ لأنّ الإعتاق إحداث قوّة المالكيّة والاستبداد فيتضمن انتفاء ذُلِّ المَملُوكِيَّة والرِّق، وذلك كله حقّ العبد، فأمّا ما وراء ذلك فمن ثمرات العتق فلا يعتبر ذلك، وإنّما يعتبر المشهود به.

وإذا كان حقًا للعبد يتوقف قبول البيّنة على دعواه، وَنَحن نُسَلِّمُ أنَّ في السَّبَب مَعنَى حَقِّ الشَّرعِ؛ ولِهذا لا يَتَوَقَّفُ على قَبُولِهِ، فلا يَرتَدُّ بِرَدِّهِ، ولكن هذا لا

(2)

يدل على قبول البيّنة من غير الدّعوى، كالعفو عن القصاص ثمّ العبد غير متهم في هذا الإنكار؛ لأنَّ العَاقِلَ لا يَجحَدُ

(3)

الْحُرِّيَّةَ لِيَسْتَكْسِبَهُ فَيُنفق عليه بعض كسبِهِ، وجعل الباقي لنفسه فصحّ إنكاره وصار به مُكَذِّبًا لِشُهُودِهِ، بخلاف الأمة، فإنّها مُتَّهَمَةٌ في الإنكار على ما قلنا، حتَّى لو كان العَبدُ مُتَّهَمًا بأن كان لزِمَهُ حَدُّ قَذفٍ أو قِصَاصٍ في طَرَفٍ فَأَنكر العتق، لم يلتفت إلى إنكاره، وقضى عليه ذلك بالبيّنة، وأمّا فصل التّناقض فالوجه الصّحيح فيه أن يُسلَكَ طَرِيقَةُ الشَّبَهَينِ: فيقول من حيث السّبب المشهود به حق الشّرع بمنزلة طلاق الزّوجة، وعتاق الأمة، ومن حيث الحكم المطلوب بالسّبب هو حق العبد كما بيّنا، وما تَرَدَّدَ بين الشَّبَهَيْنِ يُوَفِّرُ حظَّهُ عَلَيهِما فلِشِبهِهِ بِحُقُوقِ العِبَادِ.

(1)

رَوَاه ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ فِي خطبته وفيه: "ثم يفشوا الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى الْيَمِينِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ عَلَيْهَا، وَيَشْهَدَ عَلَى الشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ عَلَيْهَا

"، الحديث. أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (16/ 239)، في كتاب التاريخ: باب فضل الصحابة والتابعين رضي الله عنهم باب أخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون في أمته من الفتن والحوادث، رقم (7254)، ورواه الامام أحمد (1/ 18)، مسند عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، رقم (177)، والترمذي (4/ 465)، أبواب الفتن، رقم (31) باب ما جاء في لزوم الجماعة، رقم (7)، رقم الحديث (2165)، وهو عند الحاكم في المستدرك (1/ 197)، كتاب العلم، رقم (387)، والنسائي في "الكبرى" (8/ 284)، كتاب عشرة النساء، باب ذكر اختلاف الفاظ الناقلين لخبر عمر وفيه

، رقم الحديث (9177). حكم الألباني (صحيح).

انظر حديث رقم: (206) في صحيح الجامع (1/ 101)، سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/ 109).

(2)

"لا" سقط من (أ) والصواب ما في (ب).

(3)

الجُحُودُ والجَحدُ: هو إنكارُ الشيء مع العلمِ بهِ.

انظر: كشَّاف اصطلاحات الفنون (1/ 260)، المُنجِد في اللغة (79)، (جحد).

ص: 53

قلنا: الشّهادة لا تُقبل بدون الدَّعوى ولِشِبهِهِ بِحَقِّ الشَّرعِ، قلنا التّناقض في الدّعوى لا يمنع قبول البيّنة عليه) كذا في المبسوط.

(1)

لأنّ الدعوى من المجهول لا تتحقق فلا تقبل الشّهادة، وذلك لأنّه لو صورنا دعوى أحدهما من غير تعيين، كانت الدّعوى من المجهول وهي لا تصحّ، وكذا إذا ادّعيا أيضًا لا تصحّ، لأنّهما معينان، وصاحب الحق غير معيّن، فلم تكن دعوى أحدهما من صاحب الحق، ولأنّ الدّعوى حينئذ لا يكون مطابقاً للشهادة، لأنّ الشّهادة على أحد العبدين لا على العبدين.

وذكر رشيد الدّين رحمه الله

(2)

في فتاواه أن خلاف أبي حنيفة رحمه الله معهما في الشّهادة القائمة على العتق الحاصل من جهة المولى، أما لا خلاف أنّ الشهود إذا شهدوا أنّه حرّ الأصل؛ فإنّه تقبل شهادتهم بدون الدّعوى؛ لأنّ الشّهادة على حريّة الأصل شهادة على حرية أمَّة، والشّهادة على حُرية أمَّة شهادة على تحريم الفرج، وحُرمة الفرج حق الله تعالى، فتقبل الشّهادة فيه حسبةً من غير الدّعوى كما في عتق الأمة، ولكن (ذكر صاحب المحيط

(3)

أن الصّحيح أن دعوى العبد عند أبي حنيفة رحمه الله شرط في حريّة الاصل وفي العتق العارض، وأن التّناقض لا يمنع صحّة الدّعوى ولا صحّة الشّهادة لا في حرية الأصل ولا في العتق العارض) كذا في الفصول للإمام الاستروشني رحمه الله

(4)

لما أنّه يتضمن تحريم الفرج فيشابه الطّلاق.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 92 - 93 - 94).

(2)

رشيد الدين هو: محمد بن عمر بن عبد الله أبو بكر رشيد الدين النيسابوري، (ت 598 هـ).

انظر: الفوائد البهية (ص 183)، الجواهر المضية (2/ 103).

(3)

انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 30). وهو يقع في تسع مجلدات.

المحيط البرهاني في الفقه النعماني، للشيخ الإمام العلامة برهان الدين محمود بن تاج الدين أحمد بن الصدر الشهيد برهان الأئمة عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري الحنفي (ت 616 هـ)، وهو ابن أخي الصدر الشهيد حسام الدين، في مجلدات، ثم اختصره، وسماه الذخيرة. انظر: كشف الظنون (2/ 1619).

(4)

فصول الاستروشني "الفصول" لمحمد بن محمود بن حسين، مجد الدين الاستروشني، من المجتهدين، تلميذ صاحب الهداية، والفصول على ثلاثين فصلا، اختار فيها مسائل القضاء والدعاوى، وما يكثر دورها على القضاة، وله كتاب جامع أحكام الصغار، (ت 632 هـ).

انظر: (الفوائد البهية ص 200).

ص: 54

[409/ ب] وإنّما قلنا إن تحريم الفرج من حق الله تعالى فيقبل فيه شهادة الشّاهدين من غير دعوى/ لأنّهما يشهدان أن وطئه إياها بعد هذا زنا، والشّهادة على الزّنا تقبل بلا دعوى فكذا ما يتضمّن معنى الزّنا، فإن قيل على عتق العبد المعيّن وجب أن تستغني الشّهادة عن الدّعوى، لأنّ فيها تحريم الاسترقاق، وذلك حق الله تعالى فصار الله تعالى خصمًا، قلنا: تحريم الاسترقاق إنّما يثبت بعد تمام الشّهادة، وإن يثبت معنى تمام الشهادة

(1)

لا يجوز أن يجعل أصلًا في قبول الشّهادة، كما لو شهد الإنسان بمال وهو لا يدّعي فإنّه لا يقال تقبل لجواز أن يجب في ذلك المال زكوة

(2)

، وذلك حق الله تعالى كذلك هذا كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله

(3)

.

فإن قلت: لا تفاوت حينئذٍ بين تحريم الاسترقاق وبين تحريم الفرج فكلّ منهما يثبت بعد تمام الشّهادة بالحرية، فكيف جُعل تضمّن تحريم الفرج مجوّزًا لقبول الشّهادة من غير دعوى، ولم يجعل تضمن تحريم الاسترقاق مجوزًا لقبول الشّهادة من غير دعوى؟ قلت إنّما نشاء

(4)

الفرق بينهما من حيث إن الشّهادة بعتق الأمة قائمة مقام شهادتهما أنّهما يزنيان بعد هذا لو وطئها

(5)

مولاها والشّهادة على الزّنا مما ورد به الشّرع، وأمّا الشّهادة بعتق العبد لو قلنا بجوازها كانت قائمة مقام شهادتهما أنّه يَستَرِقُّهُ بَعد الحُريّة فهو ممّا لم يرد به الشّرع بل ذاك.

وقوله: إنّه أعتقه بمنزله

(6)

وفيه الخلاف المذكور؛ ولأنّ الاحتياط الرّاجع إلى أمر الفروج أشدّ رعاية من غيره، ألا ترى أن الإعتاق المبهم بين الأمتين وإن كان يجوّز وطئهما من حيث الدّليل على قول أبي حنيفة رحمه الله وهو أن الإعتاق المبهم لا ينزل في المعيّن قبل البيان؟ ومع ذلك لا يفتي بحلّ وطئهما

(7)

لرعاية الاحتياط في أمر الفروج

(8)

، وإذا كان كذلك فلم يلزم من قبول الشّهادة بعتق الأمة رعاية لجانب حرمة أمر الفروج، وإن كان ثبوته بطريق التضمن قبول الشهادة بعتق العبد رعاية لجانب حرمة الاسترقاق الثابت بطريق التضمين، لما أن حرمة الاسترقاق لا تساوي حرمة أمر الفروج في الأخذ بالاحتياط.

(1)

هكذا في (أ) و (ب)، وفي (أ) زيادة هذه العبارة في هذا الموضع وهي:"وأن يثبت معنى بعد تمام الشّهادة"

(2)

"زكوة" كذا في (أ) و (ب) بهذا الرسم. وهي " زكاة "

(3)

انظر: بدائع الصنائع (4/ 110).

(4)

" نشاء" هكذا في (أ) و (ب)، والصواب: نشأ.

(5)

" وطئها " هكذا في (أ) وفي (ب) وطها، والصواب: وطأها.

(6)

"وقوله إنّه أعتقه بمنزله" هكذا في (ب) وفي (أ) ويقال إنه أعتقة بمنزلة. والصواب ما في (ب).

(7)

"وطئهما" هكذا في (ب) وفي (أ) وطئها، والصواب ما في (ب).

(8)

"الفروج" في (ب) الفرج.

ص: 55

قوله على ما ذكرناه وهو قوله: وله أنّ الملك قائم في الموطوءة إلى قوله: ولهذا حلّ وطئهما

(1)

.

قوله: أمّا إذا شهدا أنّه أعتق أحد عبديه في مرض موته بيان قوله إلا أن يكون في وصية؛ لأنّ التّدبير حيث ما وقع وقع وصيّة، أي سواء وقع في حالة الصحّة أو في حالة المرض وللاستحسان وجهان:

أحدهما: أنّ الإعتاق في مرض الموت وصية والوصيّة إيجاب بعد الموت وإيجاب العتق بعد الموت إيجاب للعبدين؛ لأنّه أوجب العتق في أحدهما في حال عجزه عن البيان فكان إيجابًا لهما فيصح دعواهما.

والثّاني: أنّ الإعتاق في مرض الموت وصية وتنفيذ الوصايا حق الميّت فكان الميّت مدّعيًا تقديرًا فتقبل الشّهادة، وإن شهدا بعد موته أنّه أعتق أحد عبديه في صحّته لا نصّ فيه عن أبي حنيفة رحمه الله واختلف المشايخ فيه؛ قال بعضهم لا يقبل؛ لأنّ الإعتاق في الصحّة لا تكون وصيّة فلم يكن الميّت مدّعيًا تقديرًا.

وقال بعضهم يقبل؛ لأنّ العتق شاع فيهما بعد الموت فيصح دعواهما والله أعلم بالصّواب.

‌بَابُ الحَلِفِ بالعِتْقِ

(2)

لما فَرَغَ من أنواع التنجيز

(3)

من العتق شرع في بيان مسائل التّعليق منه إذ التعليق قاصر في السّببية عن التنجيز، فلذلك أخر ذكره، ثم المراد من الحلف بالعتق هو أن يجعل العتق جزاء حلفه.

(ومن قال إذا دخلت الدّار فكلّ مملوك لي يومئذٍ فهو حرّ، وليس له مملوك فاشترى مملوكًا ثم دخل عتق) لأنّه صرح به في كلامه بإيجاب العتق لما يكون في ملكه وقت الدّخول.

فقوله يومئذ عبارة عن الوقت؛ أي حينئذ وما استحدث الملك فيه بهذه الصّفة عند الدخول فصار هو عند الشّراء كأنّه علّق عتقه بدخول الدّار، كذا ذكره الإمام شمس الأئمة رحمه الله في الجامع الصّغير

(4)

.

فإن قيل: ينبغي أن لا يعتق هنا، وإن كان قال يومئذ؛ لأنّه ما أضاف العتق إلى الملك ولا إلى سبب الملك، كما إذا قال لعبد الغير إن دخلت الدّار فأنت حرّ فاشتراه ثمّ دخل الدّار لا يعتق لعدم الإضافة إلى الملك أو إلى سببه.

(1)

" وطئهما " هكذا في (أ) و (ب)، والصواب: وطؤهما.

(2)

أي هذا باب في بيان حكم الحلف بالعتق، والحلف بكسر اللام مصدر من حلف بالله يحلف حلفاً. والحلف أن يجعل العتق جزاء على الحلف بأن يعلق العتق بشيء. انظر: البناية (6/ 70).

(3)

التنجيز: هو التَّعْجِيلُ.

انظر: الصحاح (3/ 897)، المغرب (1/ 456)، طلبة الطلبة (1/ 58)، (نجز).

(4)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (1/ 248).

ص: 56

[410/ أ] قلنا إن لم يوجد الملك صريحًا هنا فقد وجد دلالة، لأنّ المملوك لا يكون بدون الملك فصار كأنّه قال إن ملكت مملوكًا فهو حرّ وقت دخول الدّار بخلاف تلك/ المسألة؛ لأنّه لم توجد الإضافة إلى الملك لا صريحًا ولا دلالة حتّى دخل عتق لما قلنا أن المعتبر قيام الملك وقت الدّخول.

(ولو لم يكن قال في يمينه يومئذٍ لم يعتق) أي لم يعتق ما اشترى بعد الحلف

لأنّ قوله كلّ مملوك لي للحال؛ لأنّ اللام للاختصاص والاختصاص إنما يكون بمملوك له في الحال، إذ لو لم يكن الملك له في الحال كان هو وغيره سواء وعمل الشّرط في تأخير الجزاء، كما لو قال كلّ مملوك لي حرّ غدًا، يتناول المملوك للحال كذا ذكره فخر الإسلام رحمه الله وغيره

(1)

.

وهذه اليمين لا تتناول الجنين ولا المملوك المشترك ولا المكاتب إلا أن يُعَيِّنَهُمْ ولا عَبِيدُ عَبْدِهِ التَّاجِرِ وهو قول أبي يوسف رحمه الله سواء كان على العبد دين أو لا، وعلى قول محمّد رحمه الله عتقوا نواهم أو لا عليه دين أو لا، وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله إن لم يكن عليه دين عتقوا إذا نواهم وإلا فلا، وإن كان عليه دين لم يعتقوا وإن نواهم، ويدخل المدبّر والمدبّرة وأمّ الولد وولدهما والذكر والأنثى؛ لأنّ اسم المملوك عام، وكذلك يدخل فيه العبد المرهون؛ لأنّ الملك لم يختل فيه، ولو قال عنيت به الذكور دون الإناث؛ لأنّ اللّفظ عام فلا يصحّ التّخصيص بمجرّد النيّة في الحكم ولو قال عنيت ما يستقبل عتق ما كان في ملكه وما سيملكه في المستقبل؛ لأنّه قصد تغيير ما يدلّ عليه ظاهر لفظه فلم يعتبر نيّته في إبطال حكم الظّاهر واعتبرنا اعترافه لإثبات العتق فيما يستقبل؛ لأنه قصد إثباته بلفظ محتمل كذا في الإيضاح

(2)

والجامع الصّغير للتمرتاشي

(3)

رحمه الله.

وفي قيام الحمل وقت اليمين احتمال أي احتمال عدم الولد ولهذا لا يملك بيعه منفردًا وكذا لا يجوز عن كفارة يمينه

(4)

إذا أعتقه عنها. (وإن قال كلّ مملوك أملكه حرّ بعد غد)، وقوله:(بعد غد) ظرف لقوله حرّ لا

(5)

لقوله أملكه فإن أملكه للحال.

(1)

انظر: الهداية (2/ 309).

(2)

انظر: تحفة الفقهاء (2/ 269).

(3)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 90).

(4)

كَفَّارة يمينه: كَفَّارة اليمين: هي أن يحلف الرجل على شيء فَيحنث. فَعليهِ أن يعتق رَقَبَة أو يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أَي ذلك فعل اجزاه فإن لم يجد شيئا من ذلك فَعليهِ أن يَصُوم ثلاثة أيام.

انظر: فتح القدير (4/ 365 - 366)، النتف في الفتاوى (1/ 144).

(5)

" لا " هكذا في (ب) وهي سقط من (أ) والصواب ما في (ب).

ص: 57

قوله: (ثم جاء بعدُ غدٍ عتق) ولفظ بعدُ بالرّفع دون النّصب هكذا كان مقيَّدًا بقيد شيخي رحمه الله لما أن بعدًا مُعرَب وليس بمبني، وإنّما انتصب في مواضع على الظّرفية فلما كان في موضع الفاعليّة هنا ارتفع، وكذا يستعمل له أي للحال على تأويل الوقت الحالي من غير قرينه، قال الله تعالى:{والله يعلم إنك لرسوله}

(1)

فالمراد به الحال وهذا التقرير يخالف رواية النّحو وهي أنّه مشترك بين الحال والاستقبال وقد ذكرناه في الطّلاق.

(والذي كان عنده مدبر) أي مطلق

(2)

(والآخر ليس بمدبّر)

(3)

أي ليس بمدبّر مطلق حتّى يجوز بيعه ولكن هو مدبّر مقيّد على قول أبي حنيفة ومحمّد -رحمهما الله- حتّى لو بقي إلى وقت موت المولى.

(يعتق من الثلث) طعن عيسى بن أبان رحمه الله

(4)

في هذه المسألة فقال ينبغي أن لا يعتق من حدث في ملكه بعد تلك المقالة؛ لأنّ اللّفظ لم يتناولهم؛ لأنّه للحال ولو تناولهم ينبغي أن لا يجوز بيعهم لتعلّق عتقهم بموت المولى، فكان فيه جمع بين الحكمين المتناقضين، ولكنّ الجواب ما ذكر في المتن ذكره فخر الإسلام رحمه الله في مبسوطه

(5)

.

وقال أبو يوسف رحمه الله في النّوادر

(6)

يعتق ما كان في ملكه أي بطريق التّدبير.

(1)

سورة المنافقين آية (1).

(2)

المدبر المطلق: هو من تعلق عتقه بمطلق موت المولى. انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (4/ 63).

والتَّدبِير المُطلَق: هو الذي يُعَلِّقُهُ المولى بمُطلقِ مَوتِهِ. انظر: تبيين الحقائق (3/ 99)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 106).

(3)

وَأما حكم الْمُدبر الْمُطلق فَنَقُول إِنَّه يعْتق فِي آخر جُزْء من أَجزَاء حَيَاته إِن كَانَ يخرج من الثُّلُث وَإِن لم يخرج يعْتق ثلثه وَيسْعَى فِي ثُلثَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي الْمُدبر الْمُقَيد إِنَّه يعْتق من الثُّلُث.

انظر: تحفة الفقهاء (2/ 278).

(4)

عِيسَى بن أبان بن صَدَقَة أَبُو مُوسَى الإِمَام الْكَبِير تفقه على مُحَمَّد بن الْحسن قيل إِنَّه لزمَه سِتَّة أشهر

(ت/ 221 هـ). انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 401)، رقم (1113).

(5)

انظر: المبسوط للشيباني (4/ 310).

(6)

النوادر هي: عبارة عن المسائل التي رويت عن أئمة المذهب الأوائل: أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن رحمهم الله في غير كتب الأخير المعروفة بكتب ظاهر الرواية بأن تكون مروية في كتب أخرى ك:«الجرجانيات» ، و «الرقيات» ، و «الكيسانيات» ، و «الهارونيات» .

انظر: مفتاح السعادة لكبري زادة (2/ 263)، رد المحتاج لابن عابدين (1/ 69)، الفقه الإسلامي لمحمد جابر (1/ 21).

ص: 58

ولهما أن هذا إيجاب عتق وإيصاء

(1)

أي اللّفظ الواحد إيجاب عتق وإيصاء أيضًا، فعملنا بموجبهما فأعملنا إيجاب العتق في المملوك الحالي وأعملنا الإيصاء فيه وفي المستحدث؛ وذلك لأن في الوصايا كما تعتبر الحالة الرّاهنة أي الحالة الحالية إنّما سميّت الحالية بالرّاهنة؛ لأنّ الرّهن هو الحبس لغةً والمرء محبوس فيها لا فيما قبلها ولا فيما بعدها، كذلك تعتبر الحالة المتربصّة أي المستقبلة ولهذا لو أوصى بثلث ماله يستحق الموصى له ثلث ما يملكه عند الموت فيدخل الحالي باعتبار الرّاهنة تحت كلامه للحال فيتدبّر في الحال.

والثّاني: باعتبار المتربصّة فيعطى له حكم المدبّر حال موت المولى.

قوله: والإيجاب إنّما يصحّ مضافًا إلى الملك جواب سؤال مقدّر وهو على وجهين:

أحدهما: هو أن يقال ينبغي أن لا يتناول الإيجاب المشتري أصلًا لا في الحال ولا في المآل؛ لأنّ التّناول إنّما يكون مضافًا إلى الملك أو إلى سببه وليس أحدهما في حقّه فأجاب عنه وقال إنما تناوله باعتبار الإيصاء لا باعتبار الإيجاب الحالي.

[410/ ب] والثّاني: هو أن يقال ينبغي أن يكون المشتري مدبّراً مطلقًا حال/ شرائه؛ لأنّ التّدبير في كلّ مدبّر إنّما يكون على وجه الإيصاء حتّى يعتبر من الثلث، وفي الإيصاء لا يتفاوت الحالي والمستحدث، كما لو أوصى بثلث ماله يدخل فيه المال المملوك حالًا، وما سيحدث فأجاب عنه بأنّ إيجاب التّدبير مطلقًا إنّما يكون عقد إضافة التّدبير إلى الملك أو إلى سببه ولم يوجد في حق المستحدث واحد منهما فلا يتحقّق في حقّه التّدبير المطلق

(2)

.

وذكر في المبسوط

(3)

(وهما يقولان علق بالموت عتق ما يملكه، فيتناول ما هو مملوك له عند الموت والذي استحدث الملك فيه مملوك له عند الموت كالموجود في ملكه؛ وهذا لأنّ الإضافة إلى ما بعد الموت وصية، وفي الوصيّة إذا لم يوجد التعيين من الموصي عند الإيصاء يعتبر وجوده عند الموت، كما لو أوصى بثلث ماله لإنسان يتناول هذا ما يكون ماله عند الموت فهذا مثله، إلا أنّ التّدبير إيجاب العتق كما قرّرنا فلا يصحّ إلا في الملك أو مضافًا إلى الملك، ففي حَقِّ الْمَوْجُودِينَ في ملكه وجِدَ الملك فصحّ إيجاب حق العتق

(4)

لهم، وفي حق الذينَ يستحدث الملك فيهم لم يوجد الإيجاب في الملك ولا الإضافة إلى الملك؛ إنّما وجدت الإضافة إلى الموت فلم يجب لهم حق العتق بنفس الملك؛ لأنّه لا يُدرى بقاؤهم في ملكه إلى وقت الموت، وباعتبار ذلك يتناولهم كلامه؛ فلهذا كان له أن يبيعهم وإذا لم يبعهم حتّى مات فقد تناولهم وصيّته فيعتقون من الثلث لهذا)، بخلاف قوله بعد غد على ما تقدّم يعني لا يعتق المشترى في قوله:(كلّ مملوك أملكه حرّ بعد غد)؛ لأنّ المشترى لا يدخل في غير الإيصاء لا بقرينة كما إذا (قال كلّ مملوك أملكه) إلى ثلاثين سنة حيث يدخل فيه ما يستفيده لا ما هو في الحال؛ لأنّه وقت والتّوقيت إنّما يكون في المستقبل.

(1)

الايصاء: هو إقامة الغير مقام النفس بعد الموت في استحقاق المال أو الاشراف على شأن من يخلفه الموصي من الاهل والمال. انظر: معجم لغة الفقهاء (1/ 98).

وأيضاً هو: طَلَبُ شيءٍ من غيره ليفعَلَهُ على غَيبٍ منه حال حياته وبعد وفاته. انظر: المغرب (1/ 487).

(2)

التَّدبِير المُطلَق: هو الذي يُعَلِّقُهُ المولى بمُطلقِ مَوتِهِ.

انظر: تبيين الحقائق (3/ 99)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 106).

(3)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 183).

(4)

" العتق " هكذا في (ب) وفي (أ) كالعتق، والصواب ما في (ب).

ص: 59

وأمّا في قوله: (كلّ مملوك أملكه حرّ بعد غد) ليس فيه دليل على الاستقبال فإن قوله أملكه للحال.

قوله أملكه

(1)

للحال تنحى عنه الاستقبال؛ لأنّ اللّفظ الواحد لا يكون للحال والاستقبال معًا، إلا إذا قدر فيه سببان مختلفان من إيجاب عتق ووصيّة وهو ما نحن فيه، فإن قلت: يشكل على هذا ما ذكره في الإيضاح

(2)

من قول محمّد رحمه الله

(3)

في الجامع الكبير

(4)

إذا قال كلّ مملوك أملكه غدًا فهو حرّ ولا نيّة له عتق ما اجتمع في ملكه في غد ممّن هو في ملكه في الحال وممّن يملكه الى الغد، ومن يملكه غدًا فقد تناول أملكه هذا للحال والاستقبال معًا كما ترى مع أنّه ليس فيه سببان مختلفان من إيجاب عتق ووصيّة قلت: قد جعل محمّد رحمه الله قوله (املكه غدًا) عبارة عمّا يجتمع في ملكه في الغد فقال: فأنا لا أجمع بين الحال والاستقبال ولكن أعين ما يجتمع في ملكه في الغد لإضافته الملك إلى ذلك الوقت وفي الاجتماع في ذلك الوقت لا يتفاوت بين أن مَلَكَ قبله أو في ذلك الوقت فكان هذا عملاً بعموم المجاز لا جمعًا بين الحقيقة والمجاز فرجع حاصل المسائل إلى ثلاثة أوجه:

أحدها: ما يتناول الحال لا غير وهو قوله: (كلّ مملوك أملكه فهو حرّ) ولا نيّة له، فهذا على ما يكون في ملكه يوم قال ذلك، ولا يعتق ما يستقبل وهو كثير النّظير.

والثّاني: ما يتناول المستقبل لا غير وهو قوله: (كلّ مملوك أملكه) إلى ثلاثين سنة، فهذا على ما يستفيده في الثلاثين من حين حلف في قولهم جميعًا ولم يدخل فيه ما كان في ملكه وكذلك إذا قال إلى سنة أو سنة أو أبدًا أو إلى أن أموت.

والثّالث: ما يتناول الحال والاستقبال معًا وهو في قوله: (كلّ مملوك أملكه غدًا فهو حرّ)

ولكن هو على قول محمّد رحمه الله خلافًا لأبي يوسف رحمه الله فإن على قول أبي يوسف رحمه الله يتناول المستقبل ولا يتناول الحال وعلى هذا الاختلاف أيضًا إذا قال كلّ مملوك أملكه رأس الشهر إلى هذا أشار في الإيضاح

(5)

. والله أعلم

(1)

"فلما كان قوله أملكه " سقط من (ب).

(2)

انظر: تحفة الفقهاء (2/ 269).

(3)

"من قول محمد رحمه الله " هكذا في (ب) وفي (أ)"محمّد رحمه الله فقال وقال محمّد رحمه الله " والصواب ما في (ب).

(4)

الجامع الكبير في الفروع للإمام المجتهد أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني الحنفي (ت 189 هـ).

انظر: كشف الظنون (1/ 569).

(5)

انظر: تحفة الفقهاء (2/ 270).

ص: 60

‌باب العِتق على جُعل

(1)

[411/ أ] أخّرَ العتق على جُعل في كتاب العتاق عن سائر الأبواب، كما أخر باب الخُلع

(2)

في كتاب الطّلاق عن سائر الأبواب، إذ المال في هذين الكتابين غير أصيل، فتأخير ما ليس بأصيل عمّا هو أصيل في الباب من باب المناسبة؛ لأنّ الأصل مقدّم على الفرع (ذكر في الصّحاح الجُعل بالضم ما جعل للإنسان من شيء على شيء يفعله/ وكذلك الجعالة بالكسر والجعلية)

(3)

.

قوله «ومن أعتق عبده على مال) أي من عُرُوضٍ أَو حَيَوَانٍ أو غير ذلك، أو باعه بنفسه أو وهبه على أن يعوّضه كذا فهو جائز، فإذا قبله

(4)

العبد فهو حرّ في جميع أحكامه لأنّه علّق عتقه بقبول المال) كذا في المبسوط

(5)

.

وذكر في الإيضاح

(6)

: وإذا قال لعبده أنت حر على ألف، أو بألف، أو على أن لِي عليك ألفًا، أو على ألف تؤدّيها، أو على أن تُعطيني ألفًا، أو على أن تجيئني بألف، (فقبل العبد)، فهو حرّ ساعةَ قبل وما شَرَطَ دَينٌ عليه؛ لأنّه أعتقه بعوض فتعلّق العتق بالقبول كما في البيع، بخلاف قوله إن أديت لأنّه علّق العتق بحصول العوض فلم يعتق قبله.

ومن قضيّة المعاوضة ثبوت الحكم، وهو العتق حتّى تصحّ الكفالة

(7)

به لأنّه يسعى وهو حرّ، بخلاف بدل الكتابة

(8)

، حيث لا تصح به الكفالة؛ لأنّه ليس بدين مطلق؛ لأنّه يسعى وهو عبد، والمولى لا يستوجب على عبده دينًا، وذلك لأنّ عقد الكتابة ثبت على خلاف القياس؛ لأنّ القياس ينفي أن يستوجب المولى الدّين على عبده فلما ثبت بخلاف القياس

(9)

لضرورة حصول الحريّة للمكاتب وحصول المال للمولى اقتصر على موضع الضّرورة، ولم يعد إلى الكفالة، أو لأنّ الكفالة إنّما تصح بدين صحيح، والدّين الصّحيح هو أن لا يخرج المديون

(10)

عن وجوبه إلا بالأداء أو بالإبراء وبدل الكتابة يصحّ سقوطه بدونهما بالتعجيز فلا تصحّ به الكفالة.

(1)

الْجُعل: ما يُجعَلُ للعامل على عمله. انظر: المغرب (1/ 84)، البحر الرائق (4/ 277)، تبيين الحقائق (3/ 308)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 528).

(2)

هو الفصل من النكاح وَقيل أَنْ تَفْتَدِي الْمَرْأَة نَفسهَا بِمَال ليخلعها بِهِ.

انظر: كنز الدقائق (1/ 294)، الدر المختار (1/ 234)، ملتقى الإبحار (1/ 101).

(3)

انظر: الصحاح (4/ 1656).

(4)

" قبله " هكذا في (ب) وفي (أ) قتله، والصواب ما في (ب).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 142).

(6)

انظر: المحيط البرهاني (4/ 24).

(7)

الكفالةُ لغةٌ: الضمانُ، والكفيلُ الضامنُ. انظر: المغرب (1/ 413)، لسان العرب:(11/ 701)، كلاهما (كفل). وعند الفقهاء: هي ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة.

انظر: الهداية (3/ 87)، العناية (7/ 167)، تبيين الحقائق (5/ 19).

(8)

الْكِتَابَةُ: عقدٌ بين المَولَى وعبده بلفظِ الكتابةِ وما يُؤَدِّي مَعناهُ من كُلِّ وجهٍ. انظر: العناية (9/ 152).

(9)

" لأنّ القياس ينفي أن يستوجب المولى الدّين على عبده فلما ثبت بخلاف القياس " سَقطٌ من (ب).

(10)

" المديون " في (ب) للديون، والصواب ما في (أ).

ص: 61

وإطلاق لفظ المال أي في قوله ومن أعتق عبده على مال فشابه النكاح والطّلاق والصّلح

(1)

عن دم العمد

(2)

، فلمّا شابهها جاز أن يثبت الحيوان دينًا في الذّمة ههنا، كما جاز ذلك في تلك العقود، إذا كان معلوم الجنس كما إذا أعتقه على مائة قفيز

(3)

حنطة صحّ، ولا تضرّه جهالة الوصف يعني وإن لم يقل إنّها جيدة أو رديّة ربيعية أو خريفية فإن جهالة الوصف لا تمنع صحّة التّسمية إذا كان عوضًا عمّا ليس بمال كالمهر.

وكذلك لو كان العوض شيئًا لغيره؛ لأن عدم الملك لا يمنع صحّة تسميته عوضًا، ألا ترى أنّه لو اشترى شيئًا بعبد مملوك للغير صحّ العقد فكذا ههنا، إلا أنّ ثمة إذا أبى المالك أن يُجِيزَ يُفسخُ العقد وهنا لا يُفسخ؛ لأن تعذّر التّسليم يوجب المصير إلى تسليم القيمة، والقيمة يجوز أن تكون أصلًا في حقّ التّسليم؛ فإنّه لو أعتق على حيوان فجاء بالقيمة، يجبر على القبول ولا مدخل للقيمة في باب البيع، فمن هذا الوجه افترقا كذا في الإيضاح

(4)

.

(ولو علّق عتقه بأداء المال صحّ) لأنّ الإعتاق من قبيل الإسقاطات فيصحّ فيه التّعليق. وذكر في المبسوط

(5)

(وإن قال لعبده إن أدّيت إليّ ألفًا فأنت حرّ لم يكن مكاتبًا ولم يعتق حتّى يؤدّي؛ لأنّ الكتابة تُوجب المال على المكاتب بالقبول فيثبت له بِمُقَابَلَتِهِ مِلكُ اليَدِ والمَكَاسِبِ، وههنا المال لا يجب على العبد، فلا يثبت له ملك اليد والمكاسب، ولكن هذا اللّفظ من المولى تعليق لعتقه بأداء المال، فيكون كالتّعليق بسائر الشّروط؛ ولهذا لا يحتاج إلى قبول العبد ولا يبطل بالرِدّة

(6)

، ولا يمتنع على المولى بيعه، ولكن إذا جاء بالمال عتق، وليس للمولى أن يمتنع من قبوله عندنا استحساناً، وفي القياس له ذلك وهو قول زفر رحمه الله

(7)

.

(1)

"والصلح " سقط من (ب) ومعنى الصلح في اللغة: اسم بمعنى المصالحة، وهو ضد الفساد.

انظر: لسان العرب (2/ 610)(صلح). وعند الفقهاء: هو عقدٌ يرفعُ النّزاع.

انظر: تبيين الحقائق (5/ 467).

(2)

أي قتل العمد: وهو تعمّد ضربه بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح في تفريق الأجزاء كالمحدد من الخشب والحجارة والنار. انظر: التعريفات (1/ 172).

(3)

الْقَفِيزُ: مِكْيَالٌ وهو اثنا عشر مَنًّا، وهو ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ والمكوك صاع ونصف.

انظر: المغرب (1/ 391)، الصحاح (3/ 892)، كلاهما (قفز).

(4)

انظر: المحيط البرهاني (4/ 25).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 143).

(6)

" بالردة " هكذا في (أ) و (ب)، وفي المبسوط للسرخسي وتبيين الحقائق "ولا يبطل بالرد ".

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 143)، تبيين الحقائق (3/ 94)، وهو الصواب، ويكون المعنى: لا يبطل حق العبد في العتق إن أدى المال فسخ المولى لما شرطه على نفسه. نقل بتصرف.

انظر: تبيين الحقائق (3/ 94).

(7)

زفر هو: زفر بن الهذيل العنبري، أحد الفقهاء والزهاد صدوق، وثَّقه غير واحد، صاحب أبي حنيفة، وفاته سنة (158 هـ)، ومات كهلاً، قال أبو نعيم: كان ثقة مأمونًا، أنظر: سير أعلام النبلاء (7/ 145).

ص: 62

ومراده التجارة دون التكدي

(1)

لأنّها هي المشروعة عند الاختيار.

وذكر في المبسوط

(2)

(ولم يرد به الاكتساب بالتكدي؛ لأنّه يدني المرء ويخسّسه) أنّه ينزل قابضًا أي المولى يصير قابضًا بعد التخلية ورَفعُ المانع سواء قبض أو لم يقبض يعنى ومعنى الإجبار هو أن ينزل قابضًا لا أن يكون معنى الإجبارِ في القبض ما هو المفهوم عند النّاس هو أن يكره على القبض بالتّراجم بالحبس أو بالضّرب.

إذ هو تعليق العتق بالشّرط لفظًا احتراز عن الكتابة؛ فإنّها ليست بتعليق لفظي فإنّه لو قال لعبده كاتبتك على كذا من المال صحّت الكتابة وليس فيه تعليق لفظي؛ لأنّ التّعليق اللّفظي إنّما يكون بألفاظ الشّرط.

قوله: ولهذا لا يتوقّف على قبول العبد إيضاح لقوله لأنّه تصرف يمين.

[411/ ب] وذكر فخر الإسلام والإمام التمرتاشي -رحمهما الله-

(3)

ومتى جاء به أجبر المولى على قبوله أي ينزل/ قابضًا إذا خلى بينه وبين الألف، والقياس أن لا يجبر لأنّ الحالف لا يجبر على الحنث وهذا حالف ولهذا يمكنه أن يبيعه قبل الأداء ولو تبرّع به غيره أو مات المولى فأدّى العبد إلى وارثه لم يعتق، ولو مات العبد وترك مالًا فللمولى، ولا يعتق، ولو حط عنه البعض بطلبه فأتى بالباقي لا يُعتق لعدم الشّرط.

ولو كانت أمةً فولدت ثمّ أدّت لا يعتق ولدها لعدم السّراية، ولو أبرأه عن هذا المال لا يعتق ولا يصير العبد أحق بإكسابه في الحال حتّى كان للمولى أن يأخذ من كسبه بغير رضاه بخلاف الكتابة في هذا كلّه، ولنا أنّه يمين ابتداء كما ذكر ومعاوضة انتهاء؛ لأنّ العتق يقابل بالمال عند الأداء فباعتبار جهة المعاوضة أجبرناه، ولهذا كان عوضًا في الطّلاق في مثل هذا اللّفظ بأن يقول إن أديتِ إليّ ألفًا فأنتِ طالق، وجعلناه معاوضة في الانتهاء عند الأداء.

فإن قيل: لا يمكن جعله معاوضة؛ لأنّ البدل والمبدل عند الأداء كلّه للمولى.

قلنا: لما ثبت عند الأداء معنى الكتابة من الوجه الذي بينا ثبت شرط صحته اقتضاء وهو أن يصير العبد أحق بالمؤدّى فيثبت هذا سابقًا على الأداء متى وجد الأداء، وصار كما إذا كاتب عبده على نفسه وماله، وكان اكتسب مالًا قبل الكتابة فإنه يصير أحق بذلك المال حتّى لو أدّى ذلك عتق كذا في مبسوط شيخ الإسلام رحمه الله

(4)

.

(1)

التَّكَدِّي: بمعنى الشِّحَاذَةِ. انظر: الدر المختار (4/ 331).

(2)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 147).

(3)

انظر: المحيط البرهاني (4/ 24).

(4)

انظر: الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (3/ 429).

ص: 63

فعلى هذا يدور الفقه وتخرّج المسائل أي فعلى العمل بالشبهين دار المعنى الفقهي وخرجت المسائل المتعارضة يعني أن قوله: (إن أدّيت إليّ ألف درهم فأنت حرّ) ألحق في بعض الأحكام بمحض التّعليق، وهي ما ذكرنا من مسائل القياس من يمكنه من البيع وغيره، وألحق في بعضها بالكتابة من جبر المولى على القبول؛ لأنّه لما كان هذا اللّفظ تعليقًا نظرًا إلى اللّفظ ومعاوضة نظرًا إلى المقصود عملنا بالشّبهين حتّى عملنا بشبه التعليق في حالة الابتداء وعملنا بشبه المعاوضة في حالة الانتهاء، كما في الهبة بشرط العوض فإنّه هبة ابتداء حتّى لم يجز في المشاع واشترط القبض في المجلس وبيع انتهاء حتّى لا

(1)

يتمكّن الواهب من الرجوع وجرت الشّفعة

(2)

في العقار.

وذكر في المبسوط

(3)

(وجه الاستحسان أنّه مملوك تعلّق عتقه بأداء مال معلوم إلى المولى فإذا خلى بين المال والمولى يعتق كالمكاتب، وتأثيره أنّ هذا اللّفظ باعتبار الصّورة تعليق، وباعتبار المعنى والمقصود كتابة؛ لأنّه حَثَّه على اكتساب المال ورغَّبه بما جعل له من العتق وليست الكتابة إلا هذا وهذا المال عوض من وجه، ألا ترى أنّ في زوجته الطّلاق بهذه الصّفة يكون بائنًا، وأن المولى لو وجد المال زيوفًا فردّه، كان له أن يستبدله بالجِياد، وما تردّد بيّن أصلين يوفر حظه عليهما؟ فوفرنا عليه حكم التّعليق في الابتداء لمراعاة

(4)

لفظ المولى ودفع الضّرر عنه، ووفرنا عليه معنى الكتابة في الانتهاء لدفع الضّرر والغرور عن العبد، فقلنا: كما وضع المال بين يدي المولى يعتق، وأمّا إذا باعه المولى ثم اشتراه فقد روى عن أبي يوسف رحمه الله أنّه إذا جاءه بالمال يعتق وهذا وما قبل البيع سواء؛ لأنّ التّعليق لا يبطل بالبيع وعلى ما ذكر في الزيادات أنّه لا يجبر المولى على القبول العذر واضح، فإنّ معنى التّعليق لا يبطل بالبيع ولكن معنى الكتابة يبطل بنفوذ البيع فيه، وإجبار المولى على القبول كان من حكم الكتابة، وقد بطل ذلك بنفوذ البيع فيه فلهذا لا يجبر على القبول بعده، فأمّا قبل البيع فمعنى الكتابة باقٍ) كما بينا.

(1)

" لا " في (ب)" لم "، والصواب ما في (أ).

(2)

الشُّفعةُ في اللغة: من الشَّفعِ، وهو الضَّمُّ، وتأتي بمعنى الزيادة حيث يُشَفِّعُكَ فيما تطلبُ حتى تضمُّهُ إلى ما عندك، فتزيدهُ. انظر: لسان العرب (8/ 217 - 219)، (شفع).

وعند الفقهاء: هي تملك البقعةِ جبرًا على المشتري بما قام عليهِ.

انظر: تبيين الحقائق (6/ 349) كنز الدقائق (1/ 583)، البناية (11/ 290).

(3)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 144).

(4)

" لمراعاة " في (ب) المراعاة، والصواب ما في (أ).

ص: 64

ولو أدّى البعض يجبر على القبول هكذا في الإيضاح

(1)

أيضًا.

وعلل فقال لأنّ هذا الذي أتى به بعض تلك الجملة فإذا ثبت الإجبار على القبول في الكلّ ظهر في البعض كما في الكتابة. وذكر في مبسوط شيخ الإسلام رحمه الله

(2)

(أنّه لا يجبر على قبول البعض؛ لأنّ معنى الكتابة عندنا يثبت من حيث أنّه عتق بمال أدّاه إلى المولى؛ وإنّما يعتق بأداء جميع المال فما لم يوجد أداء جميع المال لا يثبت معنى الكتابة).

[412/ أ] كما إذا حط البعض وأدّى الباقي بأن قال العبد/ للمولى حُط عنّي من الألف شيئًا فحط عنه المولى وأدى الباقي لم يعتق؛ لأنّ هذا يمين لفظًا فإذا حطّ عنه بعض الشّرط لم يعمل حطه، كما إذا قال: إن كلمت زيدًا وعمرواً فأنت حرّ ثم قال حططت

(3)

عنك كلام أحدهما؛ فإنّه لا يصح فإن الحط فسخ؛ لأن قدر المحطوط يخرج عن العقد واليمين لا يحتمل الفسخ كذا في مبسوط شيخ الإسلام رحمه الله

(4)

.

وذكر في المبسوط

(5)

(فلو حطّ عنه المولى مائة درهم وأدّى تسعمائة لم يعتق، ألا ترى أنّه لو أبرأه عن جميع المال لم يعتق؟ وهذا لأنّ الشّرط وجود أداء الألف فلا يتم بأداء تسعمائة، بخلاف الكتابة، فإن المال هناك واجب على المكاتب، فيتحقّق إبراؤه عنه سواء أبرأه عن الكلّ أو حط بعضه، وههنا لا مال على العبد فالحط والإبراء باطل، ولا يعتق ما لم يتم الشّرط وليس للعبد أن يستردّ من المولى ما أخذ منه؛ لأن كسبه مملوك لمولاه؛ وهو نظير ما لو قال له مولاه إذا أخدمتني

(6)

سنة فأنت حرّ، فخدمه أقلّ من سنة، وتجاوز المولى عمّا بقي لم يعتق؛ لأنّ الشّرط لم يتم).

رجع المولى عليه وعتق لاستحقاقها، وقوله لاستحقاقها

(7)

تعليل الرّجوع لا تعليل

(8)

العتق أي يرجع المولى على العبد بألف مثلها؛ لما أن تلك الألف التي أدّاها كانت مستحقة من جانب المولى؛ لأنّ التّقدير أن ذلك الألف كان حصل للعبد قبل هذا التّعليق، والعبد وما في يده لمولاه، فلما أدّى ملك المولى لمولاه وعتق لوجود شرط التّعليق وجب عليه ألف أخرى؛ لأنّ المولى إنّما رضي بعتقه بمقابلة ألف تحُصل له، ووضع هذه المسألة في المبسوط

(9)

في الأمة فقال (فإن أدت الألف من مال مولاها عتقت لوجود الشّرط، وللمولى أن يرجع عليها بمثله؛ لأنّ مقصود المولى لم يحصل بهذا؛ فإنّ مقصوده أن يحثها على الاكتساب لتؤدّي من كسبها فيملك المولى ما لم يكن له مالكًا قبل هذا، وبأداء مال

(10)

المولى إليه لا يحصل هذا المقصود فيرجع عليها بمثله دفعًا للضّرر عنه).

(1)

انظر: الهداية (2/ 311).

(2)

انظر: الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (3/ 429).

(3)

" حططت " في (ب) حطت، والصواب ما في (أ).

(4)

انظر: الهداية (2/ 311)، المحيط البرهاني (4/ 24).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 147).

(6)

" خدمتني " هكذا في (ب)، وفي (أ) أخدمتني، والصواب ما في (ب).

(7)

" لا ستحقاقها " سقط من (ب).

(8)

" لا تعليل " في (ب) لا تعليق، والصواب ما في (أ)

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 145).

(10)

" مال " في (ب) المال والصواب ما في (أ).

ص: 65

وذكر في الإيضاح

(1)

: وأمّا العتق فلوجود شرط الحنث لما أن كون الألف مستحقّة لا يمنع كونه شرط الحنث كما لو غصب مال إنسان وأداه عتق كذا ههنا.

ويرجع المولى عليه؛ لأنّه لم يسلم له العوض إن أديت يقتصر على المجلس.

ولا يقال: فلما أدّى في المجلس كان المجلس متبدّلًا؛ لأن مجلس الأداء غير مجلس التعليق، كما أن مجلس المناظرة غير مجلس التعليق، وهناك يتبدّل فكذا هنا؛ لأنّا نقول إنّما لزم هذا من ضرورة تحقيق أحد حكمي التّعليق وهو الحنث فكان مستثنى، كما أن ما لزم من ضرورة تحقيق الحكم الآخر للتّعليق

(2)

وهو البرّ في قوله: لا يلبس هذا الثّوب وهو لابسه صار قدر اللّبس الذي يوجد عند النزع مستثنى لتحصيل مقصود الحالف.

قوله: (فالقبول بعد الموت) إلى قوله: إلا أنّه لا يجب المال لقيام الرّق

(3)

لأن المولى لا يستوجب على عبده دينًا، فإن قيل: فلما لم يجب المال في المدبّر على الألف! ما الفائدة في تعليق التّدبير بالقبول؟

قلنا: هذا تعليق التّدبير بالقبول لا إيجاب المال بالقبول، فكان بمنزلة قوله إن قبلت ألف درهم فأنت مدبّر فقبل كان مدبرًا، فيجوز تعليق التّدبير بالقبول، وإن لم يجب المال كما لو علّق تدبيره بدخول الدّار فدخل كان مدبّرًا وإن لم يجب المال، ثم إنّما لم يجب المال مع قبوله لقيام الرق؛ لأن المدبّر ملك المولى والمولى لا يستوجب على مملوكه دينًا فيسقط المال ضرورة، بخلاف ما لو أعتقه على مال؛ لأن هناك المال يجب على المعتق والمولى يستوجب على معتقه مالًا كذا في الذّخيرة

(4)

.

ثمّ إنّما افترق وقت القبول، حيث اعتبر القبول في الحال في قوله: أنت مدبّر على ألف؛ لأنّه قابل الألف في التّدبير بحق الحريّة، وحق الحرية متحقّق قبل الموت، واعتبر القبول بعد الموت في قوله:(أنت حرّ بعد موتي على ألف)؛ لأنّه قابل الألف بحقيقة الحريّة، وحقيقة الحريّة بعد الموت، فيعتبر القبول بعد الموت أيضًا.

(1)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 144).

(2)

" للتعليق " في (ب) للتعيق، والصواب ما في (أ).

(3)

جاء في العناية: " فَالْقَبُولُ بعد الموتِ لإِضَافَةِ الإِيجاب إلى ما بعد الموت فصار كما إذا قال أنت حُرٌّ غَدًا بألفِ درهمٍ، بخلاف ما إذا قال أنت مُدَبَّرٌ على ألفِ درهَمٍ حيث يكون القَبُولُ إليهِ في الحالِ؛ لأنَّ إيجابَ التَّدبيرِ في الحالِ إلَّا أَنَّهُ لا يجبُ المالُ لِقيامِ الرِّقِّ ". انظر: العناية (5/ 11 - 12).

(4)

الذخيرة: ذخيرة الفتاوى المشهورة بالذخيرة البرهانية، للإمام برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري (ت 616 هـ)، اختصرها من كتابه المشهور بالمحيط البرهاني، كلاهما مقبول عند العلماء. انظر: كشف الظنون (1/ 823). وهو غير مطبوع.

ص: 66

[412/ ب] قالوا: لا يعتق في مسألة الكتاب وهي: (قول المولى لعبده أنت حرّ بعد موتي على ألف)، وإن قبل بعد الموت ما لم يعتقه الوارث أو الوصيّ أو القاضي كذا ذكره الإمام التمرتاشي

(1)

رحمه الله، وهذا صحيح أي قولهم أنّه لا يعتق ما لم يعتقه الوارث لما ذكر في الكتاب وهو أن الميّت ليس بأهل للإعتاق/ في ذاك الوقت.

فإن قلت: أهليّة المعلّق لذلك الحكم ليست بشرط حال وجود الشّرط؛ لأن اعتبار الأهلية إنّما كان وقت التّعليق، لا وقت وجود الشّرط.

وفي وقت وجود الشّرط إنّما يعتبر أهليّة المحلّ لذلك الحكم لا أهلية المعلّق، ألا ترى أن الرّجل إذا علّق طلاق امرأته أو عتاق عبده بدخول الدّار ثم جن فوجد الشّرط وهو مجنون يقع الطّلاق والعتاق؟ وكذلك يثبت العتق في مسألة المدبّر على ما يجيء بمجرّد الموت من غير وقف إلى إعتاق الوارث، علم بهذا أنّ الأهليّة ليست بمشروطة وقت وجود الشّرط.

قلت: الفرق بين مسألتنا هذه وبين تلك المسائل بوجهين:

أحدهما: أن اختلال الأهليّة في تلك المسائل في حق المعلق لا غير وفي مسألتنا الاختلال في موضعين في حق المعلّق، وفي حق المحلّ فإنّ المحلّ وهو العبد، صار للوارث فلم يمكن

(2)

تنفيذ ما علقه الميّت من الإعتاق في ملك الغير، أمّا في مسألة الجنون فإن ملك المعلق لم

(3)

يتغيّر فيراعي صفّة المعلق في وقت التّعليق؛ لأن ذاك وقت تصرّفه، وصفة المحلّ في وقت وجود الشّرط؛ لأن ذاك وقت اتصال الحكم به، فلما لم يتغيّر الملك فيه وقت وجود الشّرط وقع الطّلاق والعتاق، لما أن التعليق وقع صحيحًا وقت التّعليق، وأمّا في مسألة المدبّر فلما لم يتعلق عتقه بشيء آخر بعد العتق كان تصرف الميّت بالإعتاق نافذاً في ثلثه بغير توقّف إذا لم يكن له مال غيره وسعى في الثلثين.

وأمّا في مسألتنا تعلّق عتقه بعد الموت بقبوله الألف، فقبل أن يقبله دخل في ملك الغير فلذلك لم يصح عتقه من غير إعتاق ذلك الغير.

والثّاني: هو ما ذكره الإمام قاضي خان والتمرتاشي -رحمهما الله-

(4)

وإنّما لم يعتق ههنا

(5)

بدون إعتاق الوارث؛ لأنّ العتق تأخر عن الموت إلى أن يقبل، والعتق معنى تأخر عن الموت لا يثبت إلا بإثبات واحد من هؤلاء من الوارث والوصيّ والقاضي؛ لأنّه صار بمنزلة الوصيّة بالإعتاق، وذلك لأنّه لما كان لا يعتق إلا بالقبول لم يكن العتق معلّقًا بمطلق الموت، وفي مثل هذا لا يعتق إلا بإعتاق واحد من هؤلاء كما لو قال: أنت حرّ بعد موتي بشهر، بخلاف المدبّر؛ لأنّ عِتقه تعلق بنفس الموت فلا يشترط إعتاق أحد هؤلاء، (فقبل العبد فعتق ثمّ مات) أي العبد أو المولى على ما يجيء في الكتاب في آخر هذه المسألة.

(1)

انظر: العناية (5/ 13).

(2)

" يمكن " هكذا في (ب)، وفي (أ) يكن، والصواب ما في (ب).

(3)

" لم " في (ب) لا، والصواب ما في (أ).

(4)

انظر: البحر الرائق (4/ 281).

(5)

" ههنا " هكذا في (ب) وفي (أ) هناك، والصواب ما في (ب).

ص: 67

وذكر الإمام شمس الأئمّة السّرخسي رحمه الله

(1)

(ثم مات العبد من ساعتئذ فعليه قيمة نفسه في تركته) في قول أبي حنيفة الآخر رحمه الله وهو قول أبي يوسف رحمه الله، وفي قوله الأوّل وهو (وقول محمّد رحمه الله عليه

(2)

قيمة خدمته أربع سنين) ثم ذكر صورة المسألة في المبسوط

(3)

(وهي أن يقول المولى لعبده أنت حرّ على أن تخدمني سنة، فقبل فهو حرّ والخدمة عليه يؤخذ بها؛ لأنّه أوجب له العتق بقبول الخدمة) أمّا لو قال: إن خدمتني أربع سنين فأنت حرّ لا يعتق ما لم توجد الخدمة أربع سنين؛ لأنّه أوجب له العتق بوجود الخدمة ثمّ قال (فإن مات المولى فللورثة أن يأخذوه بما بقي من خدمة السنّة من قيمته في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله الآخر وهو قول أبي يوسف رحمه الله.

وفي قول محمّد رحمه الله: إنّما يأخذونه بما بقي من قيمة الخدمة. قال: عيسى وهذا غلط بل على قولهم جميعًا ههنا يأخذونه بما بقي من خدمة السنّة؛ لأنّ الخدمة دين عليه فَيَخلِفَهُ وارثه بعد موته كما لو كان أعتقه على ألف درهم واستوفى بعضها ثمّ مات كان للورثة أن يأخذوه بما بقي من الالف، ولكن في ظاهر الرواية يقول: النّاس متفاوتون في الخدمة وإنّما كان الشرط أن يخدم المولى فيفوت ذلك بموت المولى كما يفوت بموت العبد.

ولو مات العبد قبل تمام السنة فللمولى أن يأخذ من تركته بقدر ما بقي عليه من خدمة السنّة من قيمته في قول أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- وفي قول محمّد رحمه الله من قيمة الخدمة، وأصل المسألة في كتاب البيوع إذا باع نفس العبد منه بجارية فاستحقّت أو هلكت قبل القبض إلى آخره.

[413/ أ] إلا أن هذا أي التّعليل في قيمة العبد أو قيمة الجارية بأنّ النّاس متفاوتون في الخدمة ليس بقوي، فإن الخدمة عبارة عن خدمة البيت وهو معروف بين النّاس لا يتفاوتون فيه/ فلا يفوت بموت الولي ولكن الأصحّ أن يقول الخدمة

(4)

عبارة عن المنفعة والمنفعة

(5)

لا تورث فلا يمكن إبقاء عين

(6)

الخدمة بعد موت المولى فلهذا كان المعتبر قيمته أو قيمة الخدمة على حسب ما اختلفوا فيه)

(7)

.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (19/ 98).

(2)

" عليه " هكذا في (ب) وهي سقط من (أ).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 148).

(4)

" الخدمة " سقط من (ب).

(5)

" والمنفعة " سقط من (ب).

(6)

" عين " في (ب) عن، والصواب ما في (أ).

(7)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 148).

ص: 68

قوله: أما العتق فلأنّه جعل الخدمة في مدة معلومة عوضًا فيتعلّق العتق بالقبول لأنّ الحكم في الأعواض هكذا.

وذكر شمس الأئمة رحمه الله في الجامع الصّغير

(1)

فإنّ العتق بعوض ينزل بقبول العوض قبل الأداء كما لو أعتقه على مال آخر وقال في الفوايد الظهيرية:

(2)

إنّ

(3)

الإعتاق على الشّيء يقتضي وجود القبول لا وجود المقبول؛ لأنّه يصلح عوضًا؛ لأنّ المنفعة أخذت حكم الماليّة بالعقد ولهذا صلحت صداقًا مع أنّ الله شرع ابتغاء الأبضاع بالأموال.

وبقيمة نفسه عندهما كما هو الحكم في مبادلة مال بمال إذا تعذر تسليم العوض يجب ردّ المعوّض وقد تعذّر عليه ردّ المعوّض وهو ردّ رقبته فيلزمه قيمته وفي قول أبي حنيفة الأوّل رحمه الله وهو قول محمّد رحمه الله هذا في حكم مبادلة مال بما ليس بمال من حيث إنّ السّبب لم ينفسخ بهلاك العوض، وقد تعذّر تسليم المسمّى مع بقاء السّبب الموجب للتّسليم فيجب قيمته، كما في النكاح والطّلاق على مال بعينه، ثم المنفعة وإن لم تكن مالًا بنفسها فإنّها تأخذ حكم الماليّة بالعقد؛ ولهذا صلحت صداقًا فيمكن إيجاب قيمة أربع سنين عليه كذا في الجامع الصّغير لشمس الأئمّة رحمه الله

(4)

.

وهما يقولان في مسألة (إعتاق العبد على خدمته أربع سنين) إن هذا معاوضة مال بمال؛ لأنّ العبد مال، وكذلك المنافع بإيراد العقد عليها ولهذا لو نكح امرأة على منافع الدّار شهرًا يجوز ولو لم يكن مالًا في العقد لوجب مهر المثل، وإذا كان كلّ واحد منهما مالًا كان هذا معاوضة مال بمال فلما كان كذلك كان هذا بمنزلة ما لو باع عبدًا بجارية ثم استحقّت الجارية يرجع عليه بقيمة العبد لا بقيمة الجارية لكونه معاوضة مال بمال، غاية ما في الباب أنّ العبد لا يملك نفسه حكمًا لهذا الإعتاق لكن ذلك لا يقدح في كونه معاوضة مال بمال، ألا ترى أن من اشترى عبدًا قد أقرّ بحريته لا يثبت الملك له في رقبته ويكون معاوضة مال بمال؟ كذا في الفوايد الظّهيرية

(5)

.

(ومن قال لآخر أعتق أمتك على ألف درهم على أن تزوجنيها)

ولم يذكر في عامّة النسخ لفظ على قبل قوله على أن تزوجنيها وهو الموافق للفظ الجامع الصّغير لشمس الأئمة رحمه الله؛ ولأنّه يستفاد معنى الوجوب من غير ذكره والحق هو في بعض النسخ ليكون أدّل على المراد، ثم ذكر شمس الأئمة رحمه الله

(6)

أنّ المرأة لا تجبر على تزويج نفسها بعد العتاق في المسألتين؛ لأنّها صارت حرة مالكة أمر نفسها بمنزلة من أعتق أمته على أن تزوّج نفسها منه فقبلت الشّرط، ثم أبت التّزويج بعد العتاق لم تجبر على ذلك؛ لأن اشتراط البدل على الأجنبي في الطّلاق جائز، وفي العتاق لا يجوز، والفرق بينهما هو أنّ الأجنبي في باب الطّلاق كالمرأة، فإنّ المرأة بالطّلاق لا تملك شيئًا بل يسقط ملك الزوج عنها، ومع ذلك جاز استحقاق المال عليها شرعًا؛ فكذلك الأجنبي وإن كان لا يستحقّ بالطّلاق شيئًا يجوز استحقاق المال عليه إذا ضمن بخلاف العتاق، فإن الأجنبي في باب العتاق ليس كالعبد، فإن العبد بالعتاق يملك نفسه وتثبت له قوة حكمية لم تكن له قبل ذلك، فإنّ نفسه لم تكن مملوكة وإنّما كانت مملوكة لمولاه، فكان العتق على مال في معنى المعاوضة فاستحق عليه البدل لسلامة المُعوَّض له، والأجنبي لا يسلم له شيء بهذا الضّمان فلا يجوز استحقاق العوض عليه؛ لأن استحقاق جميع العوض على من لم يسلم له شيء من المعوض غير مشروع، كاشتراط الثّمن على غير المشتري، فلا يجوز استحقاق البدل على الآمر. إلى هذا أشار صدر الإسلام رحمه الله في الجامع الصّغير

(7)

. وقد قرّرناه من قبل أي في الخلع في مسألة خلع الأب ابنته الصّغيرة على وجه الإشارة.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (28/ 184).

(2)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 95).

(3)

" إن " في (ب) لأن، والصواب ما في (أ).

(4)

الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (1/ 252).

(5)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 96).

(6)

انظر: البناية (6/ 95).

(7)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (1/ 454).

ص: 69

(والمسألة بحالها أي قال على أن تزوجنيها ففعل فأبت أن تتزوّجه قسمت الألف على قيمتها ومهر مثلها فما أصاب القيمة أداه الآمر).

فإن قلت ههنا شبهتان موجهتان:

[413/ ب] أحدهما: هي أنّه وجب أن لا تُعتقُ الأمة قبل القبض؛ لأنّ البيع فاسد/ فيها؛ لأنّه بيع بما يخصها من الألف لو قسم عليها وعلى منافع بضعها، وأنّه فاسد، والفاسد لا يفيد الملك بدون القبض. ألا ترى أنّه لو قال اعتقها عَنِّي فأعتقها عنه كان العتق عن المأمور؟ لأنه استيهاب والهبة لا تفيد الملك بدون القبض.

والثّانية: أن العوض لو وجب في هذا

(1)

ينبغي أن يكون ذلك العوض القيمة لا ما يخصّها من الألف التي قسمت على قيمتها ومهر مثلها؛ لأن البيع فاسد لما ذكرنا أو لأنّه أدخل النكاح في البيع وإدخال الصّفقة

(2)

في الصّفقة مفسد للبيع، والبيع الفاسد موجب لقيمة المبيع كامله، والقول بما يخصّه من الثّمن موجب البيع الصّحيح، كما إذا جمع بين عبد ومدبّر أو بين عبده وعبد غيره

(3)

صحّ البيع في العبد بحصّته من الثّمن على ما يأتي في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى.

قلت: أما الأولى فقد ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله

(4)

في جوابها أنّ الأمة تنتفع بهذا الإعتاق فمن هذا الوجه تصير قابضة نفسها أدنى قبض، ولكن أدنى القبض يكفي في البيع الفاسد، ولا يكفي في الهبة كالقبض مع الشيوع فيما يحتمل القسمة ومع اتصال الثمار على رؤوس الأشجار، يكفي لوقوع الملك في البيع الفاسد دون الهبة، فبهذا اتضّح الفرق. كذا في الفوايد الظهيريّة

(5)

.

وأمّا الثّانية: فإن منافع البضع متقومة عند إيراد العقد عليها، وقران ما هو متقوم في نفسه غير مفسد للبيع، وإن كان يجب للمبيع ما يخصه من الثّمن على ما مر فيمن جمع بين عبد ومدبّر في البيع هذا على تقدير دعوى الفساد بسبب قران منافع البضع، وأمّا على تقدير إدخال الصّفقة في الصّفقة فنقول: النكاح ثبت ضمنًا للبيع ههنا فلا يلتفت لوجوده، فإن الأحكام في الضمنيات تثبت بشروط المتضمِّن لا بشروط المتضمِّن

(6)

وذكر فخر الإسلام والإمام الكشاني

(7)

-رحمهما الله- ولم يبطل البيع شرط النكاح؛ لأنه مدرج في الإعتاق فأخذ حكم الإعتاق فلم يبطل بالشّرط الفاسد كالإعتاق. فلو زوّجت أي في المسألتين لم يذكره أي في الجامع الصّغير أن ما أصاب قيمتها سقط لعدم صحة الضمان في الوجه الأوّل وهو ما إذا لم يقل فيه عني وهي للمولى في الوجه الثّاني أي حصّة القيمة للمولى في الوجه الذي قال فيه عني.

(1)

" في هذا " في (ب) وهذا، والصواب ما في (أ).

(2)

الصفّقة: ضرب اليد على اليد في البيع، ثم جعلت عبارة عن العقد نفسه. انظر: التعريفات (133).

(3)

" عبد ومدبّر أو بين عبده وعبد غيره " في (ب) العبد ومدبر وبين عبد وعبد غيره، والصواب ما في (أ).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 12).

(5)

انظر: المصدر السابق.

(6)

"لا بشروط المتضمّن" سقط من (ب).

(7)

الكشاني: سبق ترجمته (ص 122)

ص: 70

وما أصاب مهر مثلها كان مهرًا للأمة في الوجه الذي قال فيه عني أو لم يقل. وذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله

(1)

تزوجت فلها مهرها ولا يكون عتقها مهرًا؛ لأنّه ليس بمال، وعن أبي يوسف رحمه الله أنّه جعل العتق مهرًا لأنّه عليه السلام «أعتق صفية ونكحها وجعل عتقها مهرها»

(2)

.

قلنا: كان النبي عليه السلام مخصوصًا بالنكاح بغير مهر فإن أبت أن تنكحه فعليه قيمتها لأنّ الشّرط فات، وكذا لو أعتقت عبدًا على أن يتزوّجها؛ فإن فعل فلها مهرها وإن أبى فعليه قيمته. والله أعلم

‌باب التدبير

(3)

لمَّا فرغ من بيان ذَكَرَ الإعتاق المطلق

(4)

عن القيد، شرع في بيان الإعتاق المقيّد، وهو التّدبير، وذلك لمَّا فرغ سمعك مرارًا بأن المقيد بمنزلة المركب، والمطلق بمنزلة المفرد، والمركب بعد المفرد

(5)

لا محالة

(6)

.

ثم يحتاج ههنا إلى بيان التّدبير لغةً وشرعًا، وبيان الألفاظ التي يصير العبد بها مدبّرًا وبيان حكمه (ذكر في الصّحاح:

(7)

التّدبير في الأمر أن ينظر إلى ما يؤول إليه عاقبته، والتّدبير عتق العبد عن دبر: وهو أن يعتق بعد موت صاحبه). وهو العتق الواقع في دبر الإنسان: أي بعده مأخوذ منه، وحقيقته أن يعلق عتق مملوكه بموته على الإطلاق

(8)

.

(1)

انظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 17).

(2)

عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» صحيح البخاري (7/ 6) كتاب النكاح، رقم (67)، باب من جعل عتق الأمة صداقها، رقم الحديث (5086)، وصحيح مسلم (2/ 1045)، كتاب النكاح، رقم (16) باب فضِيلة إعتاقه أمته ثم يَتزوَّجُها، رقم (14)، رقم الحديث (85).

(3)

التَّدبِيرُ في اللغة: هو النَّظَرُ إلى عَاقِبَةِ الأمر. وعند الفقهاء: هو إيجَابُ العِتقِ الحاصل بعد موتِ الإنسان بألفاظٍ تَدُلُّ عليه صريحًا كقولِهِ دَبَّرتُكَ أو أنت مُدبَّرٌ أو دلالةً كقولِهِ إذا مِتّ فأنتَ حُرٌّ أو أنتَ حُرٌّ مع موتِي أو في موتِي، وَكقوله أوصَيت لك بِنفسِك.

انظر العناية مع فتح القدير: (5/ 18)، التعريفات الفقهية (ص 54).

(4)

الْمُطْلَقُ: هو اللَّفظُ الدَّالُّ على واحدٍ لا بِعينِهِ.

انظر: كشف الأسرار (2/ 287).

(5)

"والمركب بعد المفرد " سقط من (ب).

(6)

لما فرغ من العتق الواقع في حالة الحياة شرع في العتق الواقع بعد الموت، لأن الموت يتلو الحياة.

انظر: البناية (6/ 87).

(7)

الصحاح، في اللغة هو «الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية» للإمام، أبي نصر: إسماعيل بن حماد الجوهري، الفارابي. كان من فاراب. المتوفى: سنة (393). انظر: الصحاح (2/ 655).

(8)

" وهو العتق الواقع في دبر الإنسان: أي بعده مأخوذ منه وحقيقته أن يعلق عتق مملوكه بموته على الطلاق " تعريف التدبير شرعًا. وهو سقطٌ من (ب).

ص: 71

وفي المبسوط

(1)

(التدبير عبارة عن العتق الموقع في المملوك بعد موت المالك عن دبر منه، مأخوذ من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمّ الولد: «فهي معتقة عن دبر منه»)

(2)

هذا هو بيان اللّغة والشّرع فيه، وأمّا الألفاظ فقد ذكر في (التحفة والإيضاح فيصح التدبير المطلق بثلاثة ألفاظ:

أحدها: بصريح اللّفظ مثل أن يقول دبّرتك أو أنت مدبّر وروى هشام عن محمّد رحمه الله إذا قال لعبده أنت مدبّر بعد موتي أنّه يصير مدبرًا للحال؛ لأن المدبّر اسم لمن يعتق عليه عن دبر موته.

وقوله: أنت مدبر بعد موتي، وأنت حرّ بعد موتي، سواء وكذا إذا قال أعتقتك بعد موتي، أو أنت حر دبر موتي.

[414/ أ] والثّاني: بلفظ اليمين بأن قال: إن مت فأنت حرّ أو إن حدث بي حدث فأنت حرّ)

(3)

عتق بالموت، وكذلك إذا قال أنت حرّ مع موتي؛ لأنّ هذا تعليق العتق/ بالموت فإن اقتران الشّيء بالشّيء يقتضي وجوده؛ فكان إثباتًا للعتق في حال وجود الموت وكذلك لو قال في موتي؛ لأنّ حرف الظرف إذا دخل على الفعل يصير شرطًا، كقوله أنت طالق في دخولك الدّار، وكذلك إذا ذكر مكان الموت الوفاة أو الهلاك؛ لأن معنى الكلّ واحد.

والثالث: بلفظ الوصيّة بأن قال: أوصيت لك برقبتك أو قال أوصيت لك بعتقك أو بنفسك فالكلّ سواء وهو وصيّة بالعتق؛ لأنّ العبد لا يملك نفسه فكان الوصيّة بالنّفس وصيّة بالعتق في حق نفسه، وكذلك إذا قال أوصيت لك بثلث مالي؛ لأن رقبته

(4)

من جملة ماله فكان موصى له بثلث رقبته، والإيصاء للعبد أو برقبته

(5)

إزالة ملكة عن رقبته؛ لأنّه لا

(6)

يثبت له الملك في رقبته كبيع نفس العبد منه إعتاق فيصير كأنّه قال أنت حرّ بعد موتي.

(1)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 178).

(2)

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّما رجلٍ ولدت أَمَتُهُ منه، فهي مُعتَقَةٌ عن دُبُرٍ مِنه» .

ضعيف أخرجه ابن ماجة (2/ 841) كتاب العتق، رقم (19)، باب أمهات الأولاد، رقم (2)، رقم الحديث (2515)، والدار قطني (5/ 230)، كتاب المكاتب، رقم (19)، رقم الحديث (4230)، والبيهقي في السنن الصغير (4/ 228)، كتاب المكاتب، رقم (28)، باب عتق أمهات الأولاد، رقم الحديث (3493)، مسند أحمد مخرجاً (4/ 484)، مسند بني هاشم، عبد الله ابن عباس رقم الحديث (2759). كلهم من حديث ابن عباس. تعليق محمد فؤاد عبد الباقي في الزوائد في إسناده الحسين بن عبدالله بن عبيد الله بن عباس تركه ابن المديني وغيره. وضعفه أبو حاتم وغيره. وقال البخاري إنه كان يتهم بالزندقة. حكم الألباني: ضعيف. انظر: أرواء الغليل (6/ 185)، رقم الحديث (1771).

(3)

انظر: تحفة الفقهاء (2/ 277 - 278).

تحفة الفقهاء لمحمد بن أحمد بن أبي أحمد، أبو بكر علاء الدين السمرقندي (المتوفى: نحو 540 هـ).

(4)

" رقبته " في (ب) قبته، والصواب ما في (أ).

(5)

" أو برقبته " في (ب) أو رقبته، والصواب ما في (أ).

(6)

" لا " سقط من (ب).

ص: 72

وأمّا حكمه فهو ما ذكر في الكتاب بقوله: (ثم لا يجوز بيعه ولا هبته) إلى آخره فحاصله أن حكمه أن يعتق في آخر جزء من أجزاء حياته إن كان يخرج من الثلث فإن لم يخرج يعتق ثلثه ويسعى في ثلثه. وأمّا حكمه في حال حياة المولى: هو أن يثبت له حق الحرية فلا يجوز إخراجه عن ملكه إلا بالإعتاق أو بالكتابة، ولا يجوز فيه تصرف يبطل حقه، فأمّا ما لا يبطل حقه يجوز فلذلك (جاز تزويج المدبّرة وإجارتها ووطئها

(1)

واستخدامها)؛ لأنّ هذا تصرف في المنفعة ويصحّ هذه التصرفات مع حقيقة الحريّة فمع التّدبير أولى فإكساب المدبّر والمدبرة ومهرها وأرشها للمولى؛ لأنّ المدبّر باق على ملكه، ولا يجوز رهن المدبّر؛ لأنّ الثّابت بعقد الرّهن يد الاستيفاء، وحقيقة الاستيفاء ممتنعة في المدبّر، فكذا إثبات يد الاستيفاء.

وقال الشّافعي رحمه الله: يجوز

(2)

لأنّه (تعليق العتق بالشّرط وذلك لا يمنع جواز البيع، كما لو علّقه بشرط آخر من دخول الدّار أو مجيء رأس الشّهر؛ ولأن التّدبير وصيّة، حتّى يعتبر من ثلث المال بعد الموت، والوصيّة لا تمنع الموصي من التصرف بالبيع وغيره، كما لو أوصى برقبته لإنسان، وهذا لأنّ الوصيّة إيجاب بعد الموت فتمنع الإضافة ثبوت حكم الوجوب في الحال.

وحجّتنا حديث نافع

(3)

عن ابن عمر رضي الله عنهم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يباع المدبّر ولا يوهب»

(4)

هذا كله من المبسوط

(5)

.

(1)

" ووطئها "هكذا في (أ) وفي (ب) ووطها، والصواب كتابة الهمزة حينئذ على واو، فتكون هكذا: ووطؤها بالرفع لأنها معطوفة على فاعل.

(2)

مذهب الشافعية: أنه يجوز بيع المدبر وهبته والوصية به وسائر التصرفات، سواء كان بيعه في دين، أو في غير دين، سواء كان التدبير مطلقاً أم مقيداً. والمقصود بالتدبر المطلق: أن يقول السيد: متى مت، أو إذا مت فأنت حر، أو يقول له أنت مدبر، ففي أي زمان مات السيد، وعلى أي صفة مات من مرض، أو قتل، عتق بموته.

أما الدبير المقيد: فهو أن يقول السيد: إن مت من مرضي هذا، أو عامي هذا فأنت حر، فيكون تدبيره مقوداً بشرطه، فإن مات من هذا المرض، أو في هذا العام، عتق بموته. وإن لم يمت منها بطل تدبيره، ولم يُعتق بموته في غير ذلك المرض، ولا في غير ذلك العام.

انظر: الحاوي الكبير (18/ 101)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (12/ 187)، البيان في مذهب الامام الشافعي (8/ 385)، الوسيط في المذهب (7/ 495).

(3)

هو الإمام المفتي الثبت، عالم المدينة، أبا عبد الله القرشي مولى ابن عمر، وهو ديلمي الأصل، مجهول النسب، من أئمة التابعين بالمدينة، كان علامة في فقه الدين، كثير الرواية للحديث. روى عن: ابن عمر، وعائشة، وأبو هريرة رضي الله عنهم، توفي سنة (117 هـ) على الأصح وقيل: سنة (119 هـ). انظر سير أعلام النبلاء ط الرسالة (5/ 95).

(4)

عن نافعٍ، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَهُوَ حُرٌّ مِنَ الثُّلُثِ» . رواه الدار قطني في سننه (5/ 244) كتاب (المكاتب) رقم الحديث (4264)، وقال: لم يسنده غير عبيدة بن حسان، وهو ضعيف وإنما هو عن ابن عمر موقوف من قوله. انظر نصب الراية (3/ 433). وفي مصنف ابن أبي شيبة (4/ 325) كتاب البيوع والأقضية، في بيع المدبر، رقم الحديث (20664)، قَالَ:«الْمُعْتَقُ عَنْ دُبُرٍ، بِمَنْزِلَةِ الْمَمْلُوكِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ، فَإِنْ مَاتَ مَوْلَاهُ عُتِقَ» .

(5)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 179).

ص: 73

قوله: من ذلك إشارة إلى البيع والهبة؛ لأنّ الحرية تثبت بعد الموت أي بالإجماع ولا يثبت غيره أي غير التّدبير فيكون التّدبير سببًا في الحال، بخلاف سائر التّعليقات.

قوله: بخلاف سائر التعليقات متعلّق بقوله حال بطلان أهلية التصرّف، واليمين مانع أي لانعقاد السببيّة، فإنه يضاد أي وإن المنع يضاد وقوع الطّلاق؛ لأنّه يمنعه فلا يكون سببًا؛ لأن أدنى درجات السّبب أن يكون موصلًا، وهذا مانع فلا يكون سببًا بخلاف ما نحن فيه، مع إمكان تأخير السببيّة في سائر التعليقات إلى حال وجود الشّرط، ولو أخرنا السّببية ههنا إلى حال وجود الشّرط لكان إلغاء كلامه حينئذٍ من كلّ وجه لبطلان الأهلية في ذلك الوقت.

فإن قلت: وجود أهليّة المعلّق حال وجود الشّرط ليس بشرط، لما مرّ في باب العتق على جُعل أن الرجل إذا علّق طلاق امرأته أو عتاق عبده بدخول الدّار ثم جُنّ ثم وجد الشّرط وهو مجنون يقع الطّلاق والعتاق، فلما لم يشترط بقاء الأهلية في ذلك الوقت، كان هذا التعليق بمنزلة سائر التّعليقات وسائر التعليقات ليس لسبب في الحال، فيجب أن يكون هذا كذلك.

قلت: الفرق بينهما من وجهين:

أحدهما: أنّ الأهليّة فيما نحن فيه تبطل من كلّ وجه، وفي مسألة المجنون

(1)

تبطل الأهليّة من وجه دون وجه، فإن المجنون أهل للملك وزواله، وإن لم يكن هو أهلًا لإيقاع الطّلاق، ألا ترى أنّ وليه لو زوج له امرأة يصحّ النكاح ولو باشر هو بنفسه؛ لأسباب حرمة المصاهرة؟

يثبت حرمة المصاهرة ولو ارتدّ أبواه ولحقا به بدار الحرب

(2)

تثبت الفرقة بينه وبين منكوحته، وههنا تبطل الأهليّة بالموت من كل وجه، ألا ترى أن نفس التّعليق يبطل بالموت، ولا يبطل بالجنون، فلما كان كذلك لم يلزم من عدم اشتراط مثل تلك الأهليّة التي هي بطلان من وجه دون وجه عدم اشتراط مثل هذه الأهلية التي فيه بطلان الأهلية من كلّ وجه.

(1)

المجنون: هو من لم يستقم كلامه وافعاله، والمطبق من الجنون عند الامام: شهرٌ؛ لأنه يسقط به الصوم، وعند ابي يوسف: أكثره يوماٌ لأنه يسقط به الصلوات الخمس، وعند محمد حولٌ كامل وهو الصحيح؛ لأنه يسقط به جميع العبادات كالصوم والصلاة.

انظر: التعريفات (204).

(2)

دارُ الحرب: هي الدار التي تظهر فيها أحكام الكفرِ، ولا يأمن مَن فيها بأمان المسلمين سواءٌ أكانوا مسلمين أم أهل ذمة. وقيل: بلاد المشركين الذين لا صلح بينهم وبين المسلمين.

انظر: بدائع الصنائع (7/ 193 - 194)، وفي لسان العرب (1/ 357)، (حرب).

ص: 74

[414/ ب] والثّاني: أن فيما نحن فيه تعليق العتق ابتداء بحال بطلان الأهليّة من وقت التعليق فلو لم نقل أنّه سبب في الحال يلغو كلامه من كلّ وجه لبطلان الأهليّة/ حال وجود الشّرط قطعًا.

وأمّا في مسألة المجنون فقد صحّ التّعليق لصدوره من أهله مضافًا إلى محلّه، والظّاهر بقاء أهليّته وقت وجود الشّرط؛ لأنّ الظّاهر من كلّ موجود بقاؤه

(1)

واستمراره باستصحاب الحال، فلما صحّ التعليق لم يبطل بعروض الجنون بعده؛ لكون المجنون أهلًا من وجه لحكم التعليق على ما ذكرنا؛ ولأنّ المعلّق به ههنا وهو الموت قاصر في معنى الشّرطية، فلا يكون التّعليق به بمنزلة التّعليق بسائر الشّروط فلم يمتنع هذا التّعليق عن كونه سببًا في الحال، وإنّما قلنا ذلك؛ لأنّ الشّرط هو معدوم على خطر الوجود وللحكم تعلّق به على ما مرّ في الطّلاق من لفظ الكتاب، وإذا كان كذلك فالموت كائن لا محالة، فلا يكون التعليق به مثل التّعليق بسائر الشّروط فلا يمنعه عن السّببيّة في الحال.

فإن قيل: يشكل على هذا ما إذا قال أنتِ طالق إذا جاء غدٍ وهو ليس بسبب في الحال، مع أنّ مجيء الغد كائن لا محالة، كالموت؛ قلنا: لا نسلّم أنّه كائن لا محالة؛ فإنّه من الجائز أن تقوم القيامة قبل مجيء الغد، ولا يجوز أن يقال جاز أن تقوم القيامة قبل موت المولى، أو نقول إن الكلام في الأعم والأغلب، فإنّ الأعم في سائر التّعليقات أن لا يكون كائنًا لا محالة؛ لتحقيق معنى الشّرطية فلا يرد الأفراد مثل الغد علينا نقضًا وخصّ التّعليق بالموت في كونه سببًا بالحديث الذي ذكرنا، أو نقول وهو الأصحّ من الجواب، وهو أنّ التّعليق بمجيء الغد ليس بسبب في الحال؛ لأنّه ليس بسبب موجب للخلافة، والتّدبير فيه معني الخلافة؛ لأنّ فيه معنى الوصيّة على ما نذكر فلما لم يكن في التّعليق بالغد معنى الخلافة لم يصر سببًا في الحال، بخلاف التّدبير. إلى هذا أشار في المبسوط

(2)

؛ ولأنّه وصيّة، فإن قلت على تعليله بالوصيّة ترد شبهتان موجهتان:

إحديهما: أنّ التّدبير لو كان وصيّة للمدبّر كان ينبغي أن يبطل التّدبير إذا قتل المدبّر سيّده؛ لأنّ الوصيّة لا تجوز للقاتل سواء كان الجرح قبل الوصيّة أو بعدها، ولا يبطل التدبير ههنا بالقتل ذكره في وصايا الأسرار

(3)

.

(1)

" بقاؤه " هكذا في (ب) لكن بدون همز، وفي (أ) بقاءه والصواب ما في (ب) لأنها خبر أن.

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 171).

(3)

انظر: كشف الأسرار (4/ 321).

ص: 75

والثّانية: هي أنّ إلحاقه بالوصيّة في الدّعوى التي هو فيها لا يستقيم؛ لأن دعواه أنّه لا يجوز بيع المدبّر، وفي الوصيّة يجوز للموصى أن يبيع الموصى به، فكان هو رجوعًا منه على ما يأتي في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى. وقد ذكر هنا أيضًا في تعليل الشّافعي رحمه الله

(1)

أنّ الوصيّة لا تمنع البيع، فعلم بهذا أنّ التّعليل بالوصيّة لا يثبت ما ادّعاه.

قلت: أمّا الجواب عن الأولى فهو أنّ التّدبير إن كان وصيّة فهو تعليق العتق أيضًا بالموت، والموت يتحقق بالقتل، وفي وجود الشرط لا يتفاوت بين أن يكون الشّرط حرامًا محضًا أو مباحًا، فالقتل بغير حق يجوز أن يكون شرط عتق، وكذلك سائر المعاصي، وأمّا بطلان الوصيّة بالقتل فهو في الوصيّة المحضة، لا أن يكون الموت شرط شيء آخر سوى الوصيّة. إلى هذا أشار في الأسرار

(2)

.

وأمّا الجواب عن الثّانية: فإنّما يصحّ بيع الموصى به إذا لم يتعلّق

(3)

به حق الغير على وجه الخلافة، وأمّا إذا تعلّق به حق الغير فلا يجوز تصرّفه في ذلك بالإزالة عن ملكه، والمدبّر قد أثبت للمملوك في الحال الخلافة في رقبته بعد موته فيكون إيجابًا في باقي الحال باعتبار وجود سببه على وجه يصير محجورًا عن إبطاله، كما أنّ الموت لما كان موجبًا الخلافة للوارث في تركته، وسببه المرض ثبت نوع حق لهم بهذا السبب على وجه يصير المريض محجورًا عن التبرّع، وهذه الخلافة في العتق الذي لا يحتمل الإبطال بعد ثبوته، فيتقوّى هذا السّبب من وجهين:

أحدهما: أن المتعلّق به ما لا يحتمل الإبطال.

والثّاني: أنّ التعليق بما هو كائن لا محالة وهو موجب للخلافة ولهذه القوة.

قلنا: (لا يحتمل الإبطال والفسخ بالرجوع عنه لما أنّ تعليق العتق بسائر الشّروط لا يحتمل الفسخ، فبهذا الشّرط أولى ولهذه القوة تجب حق الحريّة له في الحال على وجه يمتنع بيعه) كذا في المبسوط

(4)

.

وإبطال السّبب أي إبطال سبب العتق لا يجوز وفي البيع وما يضاهيه من الهبة والإمهار

(5)

ذلك أي إبطال السّبب؛ لأنّ الملك فيه ثابت له حتى لو قال رجل كلّ مملوك لي فهو حرّ، يدخل في ذلك المدبّر وأمّ الولد وولدها ولا يدخل فيه المكاتب

(6)

إلى هذا اشار في فتاوى قاضي خان رحمه الله

(7)

لما روينا وهو قوله عليه السلام وهو حرّ من الثلث

(8)

.

(1)

انظر: نهاية المطلب في دراية المذهب للجويني الملقب بإمام الحرمين ت (478)، (11/ 132).

(2)

انظر: كشف الأسرار (4/ 148).

(3)

" يتعلق " في (ب) يعلق، وكلاهما صواب.

(4)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 180).

(5)

الإِمهار: أمهرَ الوليُّ المرأة: إِذا زوّجها على مهر. وقال بعضهم: أمهر المرأة بمعنى مهرها.

انظر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم للحميرى اليمني (9/ 6401).

(6)

" المكاتب " هكذا في (ب) وفي (أ) الكاتب، وما في (ب) هو الصواب.

(7)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (1/ 248).

(8)

الحديث حديث نافع عن ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يباع المدبّر ولا يوهب وهو حر من الثلث) سبق تخريجه ص (210).

ص: 76

[415/ أ](وولد المدبرة مدبّر) هذا هو/ الأصحّ من نسخ الكتاب فإن عامة النسخ هكذا.

وكذلك أيضاً رواية المبسوط

(1)

والإيضاح

(2)

وغيرهما ولا وجه لما وقع في بعض نسخ الكتاب من قوله وولد المدبّر مدبّر وذلك؛ لأنّ ولد المدبّر لا يخلو إمّا إن كان من أمة أو حرة فإن كان من أمة كان رقيقاً لمولاها، وإن كان من حرة كان حراً وإن كان من غيرهما من المدبّرة وأمّ الولد والمكاتبة كان على صفة أمه تبعًا لأمّه لا تبعًا لأبيه.

وذكر في المبسوط والإيضاح (وولد المدبّرة يكون مدبّراً؛ لأنّه وجب حق الحريّة لها في الحال فيسري إلى الولد كالاستيلاد وهو دليلنا على الشّافعي رحمه الله

(3)

وبعض أصحابه يمنعون سراية التّدبير إلى الولد وهو ضعيف جدًّا؛ لأنّه مخالف لقول الصّحابة والتّابعين وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه ولد المدبّرة مثل أمّه

(4)

وخوصم إلى عثمان رضي الله عنه في أولاد مدبّرة فقضى بأن ما ولدته قبل التّدبير عبد يباع وما ولدته بعد التّدبير فهو مثلها لا يباع)

(5)

.

والفقه فيه أن حقّ الحرية قد ثبت بوجود السّبب في الأصل، فيثبت في الفروع كالاستيلاد؛ وهذا لأنّ الفرع يحدث على وفاق الأصل، (ويجوز بيعه) لأنّ السّبب لم ينعقد في الحال.

فإن قيل: إذا لم ينعقد اللفظ سببًا في الحال ففي أي وقت ينعقد قبل الموت أو بعده؛ إن قلت بعده استقام كلام من يقول إنّ اللّفظ ينعقد سببًا بعد الموت، وقد ثبت

(6)

بطلانه لبطلان أهلية المعلق في ذلك الوقت؛ وإن قلت قبله فلماذا يجوز بيعه مع انعقاد السّبب كما في المدبّر المطلق؟

قلنا: ينعقد اللّفظ سببًا لا بعد الموت، ولا في الحال، بل ينعقد سببًا في آخرِ جزءٍ من أجزاء حياته؛ لأنّه إنما لم ينعقد سببًا في الحال للتردّد، فإذا بلغ آخر جزء من أجزاء حياته زال التردد، فيصير حينئذٍ كالمدبّر المطلق؛ لزوال التردّد فيصير سببًا. كذا في تعليقات أبي نصر الزّوزني لتردّد في تلك الصّفة، (لأنّه علق بما ليس بكائن لا محالة فيه، فربما يرجع من ذلك السّفر ويبرأ من ذلك المرض، وفقه هذا الكلام أنا إنّما نوجب حق الحريّة بالتّدبير في الحال بناءً على قصده القربة

(7)

بطريق الخلافة، وهذا القصد منه ينعدم إذا علّقه بموتٍ بصفةٍ؛ لأنّ القصد إلى القربة لا يختلف بالموت من ذلك المرض ومن غيره، فلانعدامِ هذا القصد لم يكن مدبّرًا بخلاف ما إذا علّقه بمطلق الموت؛ فإنّ القصد إلى إيجاب القربة هناك متحقّقٌ حين علّقه بما هو كائن لا محالة). كذا في المبسوط

(8)

، لأنّه تعلّق عتقه بمطلق الموت وهو كائن لا محالة يعني يكون مدبّرًا مطلقًا؛ لأنّ المدبّر المطلق موصوف بهذه الصّفة.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 180).

(2)

انظر: الهداية (2/ 313).

(3)

انظر: الحاوي الكبير (18/ 109).

(4)

سبق تخريجه ص (104).

(5)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 180).

(6)

" ثبت " هكذا في (ب) وفي (أ) أثبت، والصواب ما في (ب).

(7)

القُربة: ما يتقرب به إلى الله تعالى. والقُربان: بالضم: ما قُرِّب إلى الله تعالى، وتقَرَّب إلى الله بشيءٍ، أي طَلَبَ به القُربة عند الله تعالى.

انظر: لسان العرب (1/ 779)، (قرب) وما بعدها.

(8)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 181).

ص: 77

فإن قلت: يشكل على هذا ما إذا قال المولى لعبده أنت حرّ قبل موتي بشهر، ومضى شهر؛ (فإنّ العبد بعد هذا يعتق بمطلق موت المولى، ومع ذلك أنّه مدبّر مقيّد حتّى يجوز للمولى بيعه). ذكره في الأسرار

(1)

.

قلت: إنّما كان كذلك لأنّه يعتق بالشّهر قبل موته كما سمّاه، فيجب اعتباره بالعتق المضاف إلى غد، وأنّه لا يثبت حقًا للعبد للحال فكذا هنا، فإن قلت: يشكل بما إذا قال كلّ مملوك املكه فهو حرّ بعد موتي، وله مماليكٌ فاشترى مماليك

(2)

ثم مات عتقوا، فكان عتقهم متعلّقًا بمطلق موت المولى، ثم لو باع الذين اشتراهم صح ولم يدخلوا تحت الوصيّة بالعتق إلا عند الموت.

[415/ ب] قلت: الوصيّة إذا أضيفت إلى معدوم توقف على الموت كما إذا أوصى لولد عبد الله وله ثلاثة أولاد فمات واحد منهم بطل ثلث الوصيّة؛ لأنّ الوصيّة تناولهم

(3)

جميعًا فبطل بموت واحد منهم ما بإزائه من حصّة الوصية، ولو لم يكن له ولد فولد له ثلاثة أولاد، ثم مات واحد منهم، كان كلّ الوصيّة للباقين، لأن الثّالث لم يدخل تحت الوصيّة؛ لأنّهم كانوا معدومين عند الإيجاب فتناول ما يوجد عند الموت. ونظيره الوصيّة بالمال إذا أضافها إلى موجود تعلّقت به وبطلت بهلاكه، ولو أضافها إلى معدوم، لم يدخل تحت الوصية إلا ثلث ماله عند الموت. وإذا كان كذلك صحّ بيع الذين اشتراهم بعد الإيجاب؛ لأنّ إيجاب التّدبير لم يتناولهم/ ولو بقوا إلى الموت عتقوا بالموت؛ لدخولهم تحت الإيجاب وقت الموت وهذا لأنّ الوصية إيجاب سبب الخلافة للحال، ويجب حكمه عند الموت واستغنت عن المحل بين الإيجاب والموت لأنّه لا وقت الإيجاب ولا وقت حلول الحكم إلى هذا أشار في الأسرار

(4)

.

(وذكر في اختلاف زفر ويعقوب إذا قال لعبده إذا مت أو قتلت فأنت حرّ على قول زفر رحمه الله يكون مدبّرًا؛ لأنّ عتقه تعلّق بمطلق موت المولى حتّى يعتق إذا مات على أيّ وجه مات، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله لا يكون مدبّرًا؛ لأنّه علقه بأحد الشيئين الموت أو القتل، والقتل وإن كان موتًا فالموت ليس بقتل، وتعليقه بأحد الشيئين يمنع أن يكون عَزِيمةً في أحدهما خاصة فلا يصير مدبّرًا حتى يجوز بيعه.

وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أنّه إذا قال لعبده إذا مت وغسلت فأنت حرّ لا يكون مدبّرًا؛ لأنّه علّقه بالموت وبشيء آخر بعده، ثم إذا مات ففي القياس لا يعتق وإن غسل ما لم يعتق؛ لأنّه لما لم يعتق بنفس الموت انتقل إلى الوارث، فهو كقوله إن متّ ودخلت الدّار فأنت حر، وفي الاستحسان يعتق؛ لأنّه يغسل عقيب موته قبل أن يتقرّر ملك الوارث فيه، وهو نظير تعليقه بموت بصفة، فإذا وجد ذلك يعتق من ثلثه، بخلاف دخول الدّار، وذلك لا يتّصل بالموت فيتقرّر ملك الوارث فيه). كذا في المبسوط.

(5)

(1)

انظر: كشف الأسرار (4/ 321).

(2)

" فاشترى مماليك " سقط من (ب).

(3)

" تناولهم " في (ب) تناولتهم، وكلاهما صواب.

(4)

انظر الاسرار: (4/ 321).

(5)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 185 - 186).

ص: 78

(فإن مات المولى على الصِّفة التي ذكرها، عتق كما يعتق المدبّر)، (وإن برأ من مرضه أو رجع من سفره ثم مات لم يعتق؛ لأنّ الشّرط الذي علّق به العتق قد انعدم) كذا في المبسوط

(1)

.

قوله: بخلاف ما إذا قال إلى مائة سنة ومثله لا يعيش إليه في الغالب أي يصير مدبّرًا هذا الذي ذكره موافق لرواية الإيضاح ومخالف لرواية فتاوى قاضي خان رحمه الله

(2)

.

فقال في الإيضاح

(3)

: ولو قال إن مت إلى مائة سنة ومثله لا يعيش إلى ذلك الوقت في الغالب فهو مدبّر؛ لأن ذلك الموت كالكائن لا محالة، وفي فتاوى قاضي خان رحمه الله

(4)

رجل قال لعبده إن مت إلى مائتي سنة فأنت حرّ قال أبو يوسف رحمه الله هو مدبّر مقيّد، وقال الحسن بن زياد هو مدبّر مطلق

(5)

لأنّ على قول أصحابنا رحمهم الله إذا ذكر وقتًا طويلًا يعيش إلى تلك المدّة، أو لا يعيش يعتبر الوقت، ولا يكون ذكر هذا الوقت بمنزلة التأبيد، وعلى قول الحسن إن ذكر وقتًا لا يعيش إليه يكون ذكر الوقت للتأبيد، والعمر أصله ما عرف في كتاب النكاح إذا تزوّج امرأة إلى وقت يكون متعة عندنا طالت المدّة أو قصرت، وعلى قول الحسن إن كانا ذكرا وقتًا لا يعيشان إليه لا يكون متعة، ثم قال: صحيحٌ قال لعبده أنت حر قبل موتي بشهر ثمّ مات بعد شهر قال بعضهم (يعتق من ثلث ماله)، وقال بعضهم يعتق من جميع المال وهو الصّحيح؛ لأن على قول أبي حنيفة رحمه الله يستند العتق إلى أول الشّهر قبل الموت، وهو كان صحيحًا في ذلك الوقت، ثم على رواية الكتاب والإيضاح أنّه لو مات قبل المائة أو بعد المائة يعتق عتق المدبرة

(6)

فيما إذا قال إن مت إلى سنة أو عشر سنين.

لو مات قبل السنة في الأوّل أو قبل عشر سنين في الثّاني يعتق، ولو مات بعدهما لا يعتق؛ لأنّه لم يوجد الشّرط في المدبّر المقيد. والله أعلم.

(1)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 181).

(2)

انظر: البحر الرائق (4/ 290).

(3)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 100).

(4)

المحيط البرهاني (4/ 66).

(5)

لا يجوز بيعه، لأنه علم أنه لا يعيش إلى تلك المدة، فصار كأنه قال: إذا مت فأنت حر.

انظر: البناية (6/ 92).

(6)

" المدبرة " في (ب) المدبر.

ص: 79

‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

(1)

تناسب باب الاستيلاد بباب التّدبير ظاهرٌ؛ لما أنّ لكلّ واحد من المدبّر وأمّ الولد حَقَّ الْحُرِّيَّةِ لَا حَقِيقَتَهَا، وأن عِتق كل واحد منهما متعلّق بموت المولى، وأن في كل واحد منهما الملك كامل، والرق ناقص بخلاف المكاتب؛ لكن مناسبة التّدبير بالعتاق أكثر من الاستيلاد؛ لما أن كلّ واحد من التّدبير والعتاق يثبت بالقول نفسه إنشاءً.

[416/ أ] بخلاف الاستيلاد فإنّ دعوى الاستيلاد إنّما ثبت بناءً على وجود الولد على وجه الإخبار لا على وجه الإنشاء، فلذلك قدّم باب التّدبير على باب الاستيلاد ليكون أقرب ما هو أكثر نسبة بباب العتاق، والاستيلاد

(2)

وطلب الولد، فأمّ الولد من الأسماء الغالبة، كالصّغيرة والكبيرة في الصّفات الغالبة ومن/ الأسماء الغالبة أيضًا البيت للكعبة والنّجمُ للثريا، فكان في هذا كلّه خروج من العموم إلى الخصوص.

قوله: «لا يجوز بيعها)

(3)

وهو قول جمهور الفقهاء، وكان بشر المريسي وداود ومن تابعه من أصحاب الظّواهر يقولون يجوز بيعها

(4)

؛ لأنّ الماليّة والمحليّة للبيع قبل الولادة معلومة فيها بيقين، فلا يرتفع إلا بيقين مثله، وخبر الواحد لا يوجب علم اليقين، ولكنّا نقول في معارضة هذا الكلام: لما حبلت

(5)

من المولى امتنع بيعها بيقين، فلا يرتفع ذلك إلا بيقين مثله، ولا بيقين

(6)

بعد انفصال الولد، فإن

(7)

قال: إنما امتنع بيعها؛ لأنّ في بطنها ولدًا حرًا، وقد علمنا انفصاله عنها. قلنا: لا، كذلك بل امتنع بيعها لثبوت الحريّة في جزء منها؛ فإنّ الولد يعلّق من المائين حرّ الأصل، وماؤها جزء منها، وثبوت الحريّة بجزء منها مانع من بيعها، وهذا المعنى لا يرتفع بالانفصال.

وإليه أشار عمر رضي الله عنه فقال: «أبعد ما اختلطت لحومكم بلحومهنّ ودماؤكم بدمائهن؟»

(8)

وإنّما امتنع بيعها؛ لأنّها صارت منسوبة إليه بواسطة الولد؛ لأنّه يقال: أم ولده. وهذه النسبة توجب العتق، فتمنع البيع ضرورةً، وبالانفصال يتقرّر هذا المعنى، ولا يرتفع. ثم الآثار المشهورة تدل على ذلك، فمنها: حديث عكرمة

(9)

عن ابن عباس رضي الله عنهم أنّ النبي عليه السلام قال: «أي أمة ولدت من سيّدها فهي معتقة عن دبر منه»

(10)

ولما ولدت مارية

(11)

إبراهيم من رسول الله عليه السلام قيل لرسول الله عليه السلام: ألا تعتقها؟ قال: «قد أعتقها ولدها» .

(12)

ففي هذين الحديثين دليل استحقاق العتق لها، وذلك يمنع البيع كما في المدبّر). كذا في المبسوط

(13)

.

(1)

الاستيلاد: طلب المَولى الولد من أمته بالوطء.

انظر: درر الحكام (2/ 19)، البحر الرائق (4/ 291)، تبيين الحقائق (3/ 100)، بدائع الصنائع (4/ 123).

(2)

" والاستيلاد " في (ب) الاستيلاد.

(3)

إِذا ولدت الْأمة من مَوْلَاهَا فقد صَارَت أم ولد لَهُ لَا يجوز بيعهَا وَلَا تمليكها.

انظر: بداية المبتدي (1/ 95).

(4)

" يجوز " هكذا في (ب) وفي (أ) بيعهما، والصواب ما في (ب).

(5)

حبلت الحَبَلُ: هوالحَمْلُ. انظر: الصحاح (4/ 1665)، (حبل).

(6)

"ولا بيقين" هكذا في (أ) و (ب)، والصواب: يقين، كما جاء في المبسوط: ولا يقين بعد انفصال الولد.

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 149).

(7)

" فإن " في (ب) قال، والصواب ما في (أ).

(8)

سبق تخريجه ص (153).

(9)

مولى ابن عباس، أبو عبد الله المدني البربري الأصل المفسر، أحد الثقات الأثبات، توفي سنة سبع ومائة، وقيل: سنة عشرة ومائة. انظر: تهذيب التهذيب (7/ 263)، وتقريب التهذيب (242).

(10)

سبق تخريجه ص (207).

(11)

هي مَارية بنت شَمْعون القِبْطية، أُمّ إبراهيم وَلَد النبي صلى الله عليه وسلم. أهداها المقوقس صاحب إسكندرية مصر، ومعها أختها شيرين وخصي يقال له مأبور وبغلة، فوهب رسول الله شيرين لحَسَّان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن بن حَسَّان. توفيت مارية في خلافة عمر سنة ست عشرة في المحرم، وكان عمر بنفسه يخبر الناس لشهود جنازتها، وصلى عليها عمر ودفنت بالبقيع.

انظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة للأبو الحسن الشيباني (7/ 159)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب للقرطبي (4/ 1868).

(12)

عن عكرمة، عن ابن عبَّاسٍ، قال: لمَّا ولدت أُمُّ إبراهيم، قال: قال سول اللهِ صلى الله عليه وسلم «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» ، اللفظ للدار قطني (5/ 231)، كتاب المكاتب، رقم (19) رقم الحديث (4233)، والحديث في: سنن ابن ماجه = (2/ 841)، كتاب العتق، رقم (19) باب أمهات الأولاد، رقم (2)، رقم الحديث (2516)، المستدرك على الصحيحين (2/ 23)، كتاب البيوع، رقم الحديث (2191). وقد أخرجوه من طريق حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله ابن عباس عن عكرمة عن ابن عباس. وضعف الحديث البوصيري، والشوكاني، والألباني؛ لضعف حسين المذكور، وقال الحاكم في مستدركه عن هذا الحديث: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقبه الذَّهبي بأن حسينا متروك.

انظر: المستدرك على الصحيحين مع التلخيص للذَّهبي (2/ 2191)؛ مصباح الزجاجة (3/ 97)؛ نيل الأوطار (6/ 221)؛ إرواء الغليل (6/ 186 - 187).

(13)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 149).

ص: 80

وبقاء الجزئية حكمًا باعتبار النّسب وهو من جانب الرجل إلى آخره، جواب سؤال وهو أن يقال: النسبة ليست بمؤثرة في حق الحريّة، ألا ترى أن النّسبة مشتركة بين الأم والأب؟ لأن أبا الولد منسوب إلى المرأة بواسطة الولد، كنسبة الأم إلى الأب بواسطة الولد، ثم الاتصال إلى الأم بواسطة الولد من جانب الرجل ليس بمؤثر في إثبات حق الحريّة حال الحياة؛ فإنّها لو تزوّجت عبد

(1)

رجل فولدت منه ثم ملكت إياه لم يثبت حق الحريّة له حال حياة المرأة، ولا حقيقة الحرية بعد موتها، فيجب أن يكون في جانبها كذلك.

فأجاب عنه بما ذكر في الكتاب والدّليل على ما ذكرته من السؤال والجواب ما ذكره في الإيضاح فقال: الجزئية قد حصلت بين الواطئ والموطوءة بواسطة الولد.

إلا أنّه بعد الانفصال عنها لم يبق جزء حقيقة، فإذا ثبت النّسب بقي حكم الجزئية التي كانت، فكانت هذه جزئية منعدمة حقيقة مبقاة شرعًا، فضعف السّبب فأوجب حكمًا مؤجلاً إلى ما بعد الموت.

ثم قال: ولا يقال: لو كان السّبب ما ذكرتم لثبت الحكم من جانب الأب كما يثبت من جانب الأم ومع ذلك لا يثبت؛ فإن العبد لو تزوّج بحرة، ثم ملكته، لم يثبت له عتق مؤجّل إلى موتها، والجزئية تثبت من الجانبين لا معنى لهذا، لأنّا نقول: هذا حكم جزئية مؤكدّة بثبات النّسب، والأصل في ثبات النسب هو الأب، فإنّ الولد ينسب إلى أبيه، والأم إليه تنسب بواسطة الولد، ولهذا عرفت بأميّة الولد، فثبت أن جانب الأب أصل في النسب، ولو أثبتنا هذا الحكم في جانبه أيضًا لاحتجنا إلى أن ينسب الأب إليها بواسطة الولد، فيكون تغييرًا للحكم وهذا لا يجوز.

قوله: وكذا الحرية صحّ بالحاء جعله شيخي رحمه الله متن الكتاب بخطه وجعل الجزئية نسخة، والحرية بالحاء هو الأصحّ، وذلك لأن الجزئية كما تثبت في حقّهم كذلك تثبت في حقهن، بل في حقّهن أولى؛ لأنّ الولد يعرض منهن بالمقراض وقد ذكر في الكتاب تثبت في حقّهم لا في حقّهن، ولو حملتها على الجزئية بالجيم لكان لا تثبت الجزئية في حقهنّ، وليس كذلك، وأمّا وجه ما ذكر في الكتاب على تقدير الحرية بالحاء فمعناه

(2)

تثبت حرية النساء في حق الرجال، ولا تثبت حرية الرجال في حق النساء، كما دلّ على هذا المعنى مضمون ما ذكره في الإيضاح

(3)

على ما ذكرت.

قوله: لأن الاستيلاد لا يتجزى فإن قلت: فقد ذكر في باب العبد يعتق بعضه

(1)

" عبد " هكذا في (ب) وفي (أ) عند، والصواب ما في (ب).

(2)

" فمعناه " في (ب) فمعنى.

(3)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 101).

ص: 81

والاستيلاد متجزي عنده حتّى لو استولد نصيبه من مدبّرة يقتصر عليه إلى آخره فما وجه التوفيق بين هاتين الروايتين؟

[416/ ب] قلت: معنى قوله لا يتجزى: أي يتملك نصيب صاحبه بالضّمان مع ملك نصيبه فيكمل الاستيلاد/ على ما يجيء بعد هذا في هذا الباب؛ لأنّ نصيب صاحبه قابل للنّقل بضمان المستولد؛ لأنّ الاستيلاد وقع في القِنَّةِ، وهي قابلة للانتقال من ملك إلى ملك، وما ذكره هناك من تجزي الاستيلاد؛ إنّما فرض المسألة في المدبّرة، وهي غير قابلة للنقل، فكان الاستيلاد منحصرًا على نصيبه، فيتجزى الاستيلاد ضرورة، فكان دفع التّناقض باعتبار اختلاف الموضوع والمحال أو نقول: فالقول

(1)

بالتجزي عنده هناك بناء على أن الاستيلاد فرع الإعتاق، فلما تجزى الإعتاق عنده تجزى جميع شعبه من التّدبير والاستيلاد والكتابة، والقول بعدم التجزي هنا بناء على أن الاستيلاد فرع النّسب، والنّسب لا يتجزى، فكذا الاستيلاد. أو نقول: يحتمل أن يكون فيه روايتان عن أبي حنيفة رحمه الله وذلك لأنّهما جعلا الاستيلاد مقيسًا عليه في أنّه لا يتجزى، فكان مجمعًا عليه، ثم أجاب عنه أبو حنيفة

(2)

رحمه الله بأنّه متجز عنده في ذلك الباب، ومثل هذا كان لاختلاف الروايتين، فيعتبر بأصله، أي بأصل الاستيلاد، وهو النّسب، (وله تزويجها)؛ لأنّ الملك فيها قائم والفراش ضعيف، فإن قيل ينبغي أن لا يجوز التزويج؛ لأنّ احتمال شغل الرّحم بمائه كان ثابتًا، وتوهم الشغل مانع لجواز النكاح كما في المعتدة.

قلنا: محليّة جواز النكاح كانت ثابتة قبل الوطئ، وقد وقع الشك في خروجه فلا يخرج بالشّك، بخلاف النكاح، فإنّ ثمّة خرجت المنكوحة عن محليّة نكاح الغير، فلا تعود إلى المحليّة إلا بعد الفراغ حقيقة، وذلك بعد انقضاء العدة

(3)

فلا يجوز تزوجها ولكن الأفضل أن لا يزوّجها إلا بعد الاستبراء

(4)

لجواز العلوق منه. كذا في مبسوط شيخ الإسلام رحمه الله

(5)

.

(1)

" فالقول " سقط من (ب).

(2)

" أبو حنيفة " هكذا في (ب) وفي (أ) أبي حنيفة، والصواب ما في (ب)؛ لأنه في موقع الفاعل.

(3)

العِدةُ: هي تَربَّصٌ يلزمُ المرأةَ عند النِّكاح المتأكَّدِ او شُبهتِهِ. انظر: التعريفات (148).

(4)

الاستبراءُ في اللغة: طلبُ البراءة مطلقاً سواءٌ في الفروج أم في غيرها.

انظر: لسان العرب (1/ 39 - 40)(برأ).

وعند الفقهاء: طلبُ براءةِ رَحِمِ المرأةِ المملوكةِ. انظر: تكملة البحر الرائق (8/ 224).

(5)

انظر: العناية (5/ 38).

ص: 82

وذكر شمس الأئمة السّرخسي رحمه الله في المبسوط

(1)

(وإنّما جاز تزويج أمّ الولد؛ لأنّ الفراش الثّابت له عنها

(2)

سببه ملك اليمين، وذلك غير ملزم للمولى فلا يمنع صحّة تزويجه إيّاها)

(3)

.

(ولا يثبت نسب ولدها) أي الأمة رجوعًا إلى ما ابتدأ به أوّل الباب بقوله: (إذا ولدت الأمة من مولاها) لما أن ولد أمّ الولد يثبت نسبه من غير دعوة على ما يجيء في قوله: (فإن جاءت بعد ذلك بولد ثبت نسبه بغير إقرار) وحكم المدبرة كحكم الأمة في أنّه لا يثبت النّسب منها بدون دعوة المولى.

قوله: (لوجود المانع) وهو ذهاب التقوم على قول أبي حنيفة رحمه الله ونقصان القيمة عندهما، وقوله: عنه أي عن طلب الولد كالمعقودة أي: كالمنكوحة إلا أنّه إذا نفاه ينتفي بقوله أي

(4)

من غير لعانٍ.

وفي المبسوط

(5)

(وإنما يملك نفيه ما لم يقض القاضي به، أو لم يتطاول ذلك، فأمّا بعد قضاء القاضي فقد لزمه بالقضاء على وجه لا يملك إبطاله، وكذلك بعد التّطاول؛ لأنّه يوجد منه دليل الإقرار في هذه المدّة من قبول التّهنية

(6)

ونحوه فيكون كالتّصريح بالإقرار، واختلافهم في مدّة التّطاول قد سبق في اللّعان)؛ لأنّ فراشها ضعيف حتّى يملك نقله بالتّزويج، أي نقل الفراش من نفسه إلى غيره بالتزويج أي يملك أن يزوّج أمّ ولده من غيره.

بخلاف المنكوحة حيث لا يملك فيها ذلك، وهذا الذي ذكرناه حكم أي عدم ثبوت نسب الولد الأمة

(7)

بدون الدّعوى حكم قضاء القاضي، فأمّا الدّيانة أي الأمر فيما بينه وبين الله تعالى، فإن كان وطئها وحصّنها، المراد من التّحصين هو أن يحفظها عمّا يوجب ريبة الزنى يلزمه أن يعترف به وهذا بالإجماع؛ لأنّ الظّاهر أنّ الولد منه؛ لأنّ الظّاهر عدم الزنا خصوصًا عند وجود التحصن وعدم العزل.

(8)

وقد ولدته في ملكه فكان منه، والبناء على الظّاهر واجب فيما لا يعلم حقيقته؛ لأن هذا الظّاهر وهو أن يكون الولد من المولى باعتبار أنّ الظّاهر عدم الزنا.

(1)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 151).

(2)

" عنها " في المبسوط: عليها.

(3)

" وذكر شمس الأئمة السّرخسي رحمه الله في المبسوط: وإنّما جاز تزويج أمّ الولد لأنّ الفراش الثّابت له عنها سببه ملك اليمين وذلك غير ملزم للمولى فلا يمنع صحّة تزويجه إيّاها " سقط من (ب).

(4)

" أي " هكذا في (ب) وهي سقط من (أ).

(5)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 152).

(6)

" التهنية " بهذا الرسم في (أ) و (ب) والصواب " التهنئة "

(7)

" الولد الأمة ""الولد" سقط من (ب)، " الأمة " سقط من (أ) والصواب: ولد الأمة. وتمام العبارة كما جاء في العناية: عدم ثبوت نسب ولد الأمة بدون الدعوى. انظر: العناية: (5/ 39).

(8)

الْعَزْل: هُوَ أَن يُجَامع فإذا قارب الإنزال نزع ولا ينزل فِي الْفرج.

انظر: تحرير ألفاظ التنبيه (1/ 253).

ص: 83

يقابله ظاهر آخر، أي يعارضه ظاهر آخر، وهو أن يكون الولد من الزنا لوجود أحد الدّليلين، وهما العزل وعدم التّحصين وهذا مروي عن أبي حنيفة رحمه الله.

[417/ أ] قوله: وفيه روايتان أخريان والأصحّ آخران

(1)

عن أبي يوسف وعن محمد -رحمهما الله-

أي عن أبي يوسف رحمه الله رواية واحدة وعن محمّد رحمه الله، كذلك رواية واحدة وهو فائدة إعادة كلمة عن، وتلك الروايتان ذكرهما في المبسوط

(2)

بلفظ الوجوب فقال: (وعن أبي يوسف رحمه الله أنّه إذا وطئها ولم يستبرئها/ بعد ذلك حتّى جاءت بالولد فعليه أن يدعيه سواء عزل عنها أو لم يعزل حصّنها أو لم

(3)

يحصّنها تحسينًا للظن بها وحملاً لأمرها على الصّلاح ما لم يتبين خلافه؛ ولأن ما يظهر عقيب سبب يكون محالًا به عليه حتّى يتبين خلافه.

وعن محمّد رحمه الله قال: لا ينبغي له أن يدعي النّسب إذا لم يعلم أنّه منه، ولكن ينبغي له أن يُعتق الولد، ويستمتع بها ويعتقها بعد موته؛ لأن استلحاق نسب ليس منه لا يَحِلُّ شرعًا، فيحتاط من الجانبين، وذلك في أن لا يدّعي النّسب، ولكن يعتق الولد ويعتقها بعد موته، لاحتمال أن يكون منه) وذكر تلك الروايتين في الإيضاح بلفظ الاستحباب، فقال: وقال أبو يوسف رحمه الله: إذا كان يطاءها

(4)

ولم يحصنها وأحّب إليَّ أن يدعيه، وقال: محمّد رحمه الله: أحب إليَّ أن يعتق ولدها ويستمتع منها، فإذا مات أعتقها، فما ذكره أبو حنيفة هو الأصل؛ لأنّه إذا وطئها ولم يعزل وحصّنها فالظّاهر أنّ الولد منه، فيلزمه أن يدّعي، وإذا لم يحصّن أو عزل فقد وقع الاحتمال، فلا يلزمه الاعتراف بالشّك.

وإن كان النكاح فاسدًا، وإن هذه للوصل هذا جواب سؤال تقديري وهو أن فراش المولى كان ثابتًا على وجه الصحّة؛ لأنّه استولدها في ملكه فينبغي أن لا يزول بالنكاح الفاسد؛ لأنّ الفاسدة لا يعارض الصّحيح.

فأجاب عنه: بأنّ النكاح الفاسد ملحق بالصّحيح في حق الأحكام، فيعمل عمل النكاح الصّحيح، ومن الأحكام ثبوت النّسب، وعدم جواز البيع والوصيّة.

وذكر في الإيضاح

(5)

أراد بالفاسد ههنا ما إذا اتّصل به الدّخول، فهو حينئذ في إثبات النّسب ملحق بالنكاح الصّحيح، فكان الفراش فيه ما هو ثابت في النكاح الصّحيح، فكان أقوى من فراش أم الولد، فإن قلت: كيف تثبت أمية الولد ههنا مع أن نسب الولد لم يثبت من المولى؟ فينبغي أن لا تثبت أمية الولد؛ لأن أمية الولد ههنا مبنيّة على ثبوت النّسب بدعوة الولد، فلما لم يثبت الأصل وهو ثبوت نسب ذلك الولد بالدّعوة، لم يثبت الفرع وهو أمية الولد، بخلاف ابتداء الإقرار بالاستيلاد؛ لأن ذلك غير مبني على دعوة الولد؟

(1)

هذا رأي الشارح رحمه الله، والصواب عندي (أخريان) لأن (أخرى) مؤنث مثناها (أخريان).

(2)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 152 - 153)

(3)

" لم " هكذا في (ب) وهي سقط من (أ).

(4)

" يطاءها " هكذا في (أ) وفي (ب)" يطاها ".

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (17/ 99)، العناية (5/ 40).

ص: 84

قلت: مجرّد الإقرار بالاستيلاد كافٍ لثبوت الاستيلاد، وإن كان ذلك الإقرار في ضمن شيء لم يثبت ذلك الشّيء لمصادفة إقرار المولى في محلّه وهو الملك.

فإنّه ذكر في المبسوط

(1)

: (ولو زوّج رجل أمته

(2)

عبده، فولدت، فادّعاه المولى يعتق الولد، وتكون أمه بمنزلة أم الولد، ثم قال: وههنا نسب الولد غير ثابت من المولى، ومع ذلك الجارية تكون أمّ ولد له؛ وإنّما كان كذلك لاحتمال أن يكون الولد ثابت النّسب من المولى بعلوق سبق النكاح، أو شبهة بعد النكاح، إلا أنّ هذا الاحتمال غير معتبر في حق النّسب؛ لثبوت النّسب من الزّوج واستغنائه عن النّسب، فيبقى

(3)

معتبرًا في حق الأم؛ لأنّها محتاجة إلى حق أمية الولد، بخلاف ما إذا أقرّ بالاستيلاد بالزنا؛ لأنّه لا احتمال للنّسب مع تصريحه بالزّنا)، ولو ادعاه المولى إلى قوله وتصير أمه أمّ ولد له فيما إذا كانت أمه قنة لا أم الولد؛ لأنّ لأم الولد أمومية الولد قبل هذه الدعوة ثابتة فلا يستقيم حينئذ.

قوله: وتصير أمه أم ولد له هكذا نقل من فوائد مولانا الإمام حميد الدين الضّرير،

(4)

وأن لا يبعن وفي نسخة، وأن لا يسعين، والأوّل موافق لرواية الإيضاح، ولكن قوله لما روينا في دعوى نفي السّعاية، يدل على صحّة قوله وأن لا يسعين

(5)

.

ثم وجه قوله لما روينا في دعوى نفي السّعاية على تقدير رواية وأن لا يبعن هو أن عدم جواز البيع دليل على أنّ في أم الولد لم تبق المالية؛ لأنّ وجوب السّعاية بناء على بقاء الماليّة، وفي أمّ الولد لمن تبق الماليّة بموجب قوله عليه السلام:«أعتقها ولدها»

(6)

فلا تجب السّعاية، ولأنّ الحاجة إلى الولد أصليّة، ألا ترى أنّ الأب إذا ادّعى جارية الابن يثبت نسبه؟ كحاجة الأكل، فإن للأب أن يأكل مال ابنه بغير إذنه لرد جوعه؛ فكذلك له أن يستولد جارية ابنه بغير إذنه لحاجته إلى بقاء نسله، وإن كانت الحاجة إلى بقاء النسل أدنى من حاجته إلى بقاء نفسه بالأكل؟ حتى فرق بينهما بضمان قيمة الجارية، وبعدم ضمان قيمة المأكول، ولكن من حيث إنّهما من الحوائج الأصليّة فإنّهما يستويان.

(1)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 156 - 157).

(2)

" أمته " هكذا في (ب) وفي (أ) أمة، والصواب ما في (ب).

(3)

" فيبقى " في (ب) فبقي، وكلاهما صواب.

(4)

حميد الدين الضرير علي بن محمد بن علي، حميد الدين الضرير من أهل رامُش -بضم الميم-قرية من أعمال بخارى من علماء الحنفية، كان إمامًا فقيهًا أصوليًا محدثًا متقنًا، تفقه على شمس الأئمة الكردري. وتفقه عليه جماعة منهم صاحب الكنز حافظ الدين النسفي. انتهت إليه رئاسة العلم بما وراء النهر. من تصانيفه:"الفوائد" حاشية على الهداية علقت على مواضع مشكلة؛ و"شرح المنظومة النسفية"، و"شرح الجامع الكبير". انظر: الجواهر المضية: (1/ 373)، الفوائد البهية: ص (125).

(5)

" وأن لا يبعن وفي نسخة وأن لا يسعين والأوّل موافق لرواية الإيضاح ولكن قوله لما روينا في دعوى =نفي السّعاية يدل على صحّة قوله وأن لا يسعين " هذه العبارة موضعه في (ب) وفي (أ) موضعه قبل" ولو ادعاه المولى إلى قوله وتصير أمه أمّ ولد له"، وما في (ب) هو الصواب، يؤيده ما ذكر بعده.

(6)

سبق في صفحة (181).

ص: 85

[417/ ب] فلا يتعلّق بها حق الغرماء

(1)

/ كالقصاص يعني إذا مات من له القصاص وهو مديون فليس لأرباب الدّيون أن يأخذوا من عليه القصاص بدينهم، ويستوفوا منه ديونهم بمقابلة ما وجب عليه القصاص من مديونهم؛ لأنّ القصاص ليس بمتقوّم حتّى يأخذوا بمقابلته شيئًا متقوّمًا. وقيل: معناه أنّه إذا قتل المديون شخصًا لا يقدر الغرماء على منع ولي القصاص من استيفاء القصاص، وقيل معناه: إذا قتل رجل مديونًا والمديون قد عفا فلا يقدر الغرماء على منع المديون عن العفو.

(وإذا أسلمت أمّ ولد النّصراني فعليها أن تسعى في قيمتها)، فإن قلتَ: كيف يصحّ القول بالسّعاية عليها على قول أبي حنيفة رحمه الله مع أنّ أمّ الولد غير متقوّمة عنده؟ وقد مرّ. والقول بوجوب الاستسعاء قول بالتقوّم إذ السّعاية بدل ما ذهب من ماليته المتقومة، وهي في حالة الإسلام لم تكن متقوّمة على قوله فلا تكون الماليّة ذاهبة عنها.

قلتُ: أجاب عن هذا السؤال في الكتاب بقوله: ومالية أمّ الولد يعتقدها الذميّ متقوّمة إلى آخره، وقد ذكرنا تمام الجواب قبيل باب عتق أحد العبدين

(2)

، ولم يبين مقدار قيمتها، وهي أم ولد وهذا مشكل؛ فإنّها لو كانت بحيث تباع فلا نقصان في قيمتها، ولكن قيل قيمة المدبّرة

(3)

قدر ثلثي قيمتها قنة، وقيمة أم الولد قدر ثلث قيمتها قنة؛ لأنّ للمالك في مملوكه ثلاث منافع: الاستخدام، والاسترباح بالبيع، وقضاء ديونه من ماليته بالاستسعاء بعد موته، فبالتّدبير ينعدم أحد هذه المعاني وهو الاسترباح، ويبقى منفعتان، وبالاستيلاد ينعدم اثنان ويبقى واحد، وهو الاستخدام، فيتوزع القيمة على ذلك.

قوله: ومالية أمّ الولد جواب سؤال مقدر وهو الذي ذكرناه.

فيترك وما يعتقده أي مع ما يعتقده والواو بمعنى مع؛ ولأنّها إن لم تكن متقوّمة فهي محترمة، وهذا يكفي لوجوب الضّمان، فإن قيل: لو كان احترامها كافيًا لوجوب الضّمان ينبغي أن يجب الضّمان بغصب أمّ الولد، لما أنّها حرام التّعرض بالغصب، ومع ذلك لا يجب الضّمان على قول أبي حنيفة رحمه الله.

قلنا: إنما لم يجب الضّمان به على قوله؛ لأن مبنى ضمان الغصب على المماثلة لقوله تعالى: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}

(4)

؛ لأنّ الغصب من الاعتداء، ولا مساواة بين ما ضمن به من المال، وبين مالية أمّ الولد؛ لأنّها غير متقوّمة، فلما لم يجب المساواة بينهما لم يجب الضّمان، كما في غصب المنافع، لم يجب الضمان لهذا المعنى لقيام الموجب وهو إسلامها، فيلزم الدّور فلذلك لا تُرَدُّ قِنَّهٌ. (ومن استولد أمة غيره بنكاح، ثمّ ملكها صارت أم ولد له)، وقال الشّافعي رحمه الله: لا تصير أمّ ولد له،

(5)

لقوله عليه السلام: «أيما أمة ولدت من سيّدها»

(6)

شرط لثبوت حق العتق لها أن تلد من سيّدها، وهذه ولدت من زوجها لا من سيّدها، والمعنى ما ذكر في الكتاب، (وحجّتنا فيه أنّه ملكها وله منها ولد ثابت النّسب كانت أمّ ولد له، كما لو استولدها في ملكه، وتأثيره أن حق العتق يثبت لها بالاستيلاد، كما قال عليه السلام:«أعتقها ولدها»

(7)

والملك في المحلّ فإذا تقرّر السّبب قبل الملك توقف على وجود الشّرط.

(1)

الغُرمُ: الدَّين. ورجلٌ غارم: عليه دَين.

انظر: لسان العرب (12/ 509)، (غرم).

(2)

راجع ص (127) من هذا البحث.

(3)

" المدبرة " هكذا في (ب) وفي (أ) المدبر، والصواب ما في (ب). سبق تخريجه (ص 190).

(4)

سورة البقرة آية: (194).

(5)

انظر: الحاوي الكبير (6/ 68)، الوسيط (6/ 175)، روضة الطالبين (7/ 213).

(6)

سبق في صفحة (190).

(7)

سبق في صفحة (190).

ص: 86

ألا ترى أن في حرية الولد لما تقرّر السّبب قبل الملك، وهو النّسب توقف على وجود شرطه وهو الملك حتّى إذا ملكه يعتق؟ فكذلك في الأمّ؛ لأنّ حقّها تابع لحق الولد، بخلاف التّدبير والعتق قبل الملك؛ فإن ذلك لغو شرعًا فلا يظهر حكمه بعد الملك، وهذا السّبب متقرر شرعًا يوضحه أن حقّ العتق لأم الولد باعتبار أنّها منسوبة إليه بواسطة الولد؛ فإنّ للجزئية

(1)

تأثيرًا في النّسبة، والولد جزءٌ منها، فتصير هي منسوبة إليه باعتبار هذه الواسطة، حتى يقال أمّ ولده، وهذا متقرّر حتّى يثبت نسب الولد بنكاحٍ كان أو بملك، ولا معتبر بما قاله الخصم من حريّة الماء الذي هو في حكم الجزء؛ لأنّه لو أعتق ما في بطن جاريته لم يثبت لها حقّ العتق، ولا حقيقة العتق، فلو كان ثبوت العتق لها باعتبار الاتّصال والجزئية لثبت ههنا). كذا في المبسوط.

(2)

[418/ أ] فعلم بهذا أن معنى قوله عليه السلام: «أيما أمة ولدت من سيّدها فهي معتقة عن دبر منه»

(3)

وهي فيما إذا ولدت من سيّدها وهو

(4)

غير متعرّض لما إذا ولدت من زوجها ثم صار زوجها/ سيّدها ما حكمها؟ بل حكمها موقوف إلى قيام الدّليل وقد قام الدّليل على أنها تعتق أيضًا عتق أم الولد وهو ما ذكرنا من الدّليل فيجب القول به وذكر في الأسرار والإيضاح

(5)

والكلام ههنا يرجع إلى معرفة سبب هذا الحكم، وهو أمية

(6)

الولد، فإنّ هذا حكم في الشّرع معرف بهذا الاسم؛ وأنّه عبارة عن ثبوت حق العتق، وتأجل حقيقة العتق إلى ما بعد الموت، وسببه عندنا ثبوت نسب الولد.

وعند الشّافعي رحمه الله

(7)

السّبب علوق الولد حرًا، وإنما تتبيّن ثمرة هذا الأصل فيمن استولد أمة بنكاح، ثم اشتراها، هل تصير أمّ ولد له أم لا على ما ذكرنا؟ ثم ثبوت النّسب وأمية الولد عندنا، لا يتفاوت بين أن يكون من نكاح صحيح، أو فاسد، أو وطئ بشبهة.

قوله: وإنّما يعتق على الزّاني جواب سؤال مقدّر وهو أن يقال: لما لم يثبت النّسب من الزنا؟ ينبغي أن لا يعتق ولده المخلوق من الزنا إذا ملكه؛ لأنّه لا نسب بينهما شرعًا، فأجاب عنه وقال: إنّما يعتق باعتبار أنّه جزؤه حقيقةً بغير واسطةٍ، فكانت أمّ الولد بالزنا، نظير من اشترى أخاه من الزنا حيث لا يعتق لما أنّ ذلك إنّما يثبت باعتبار نسب الأخوة إليه، وهي غير ثابتة، فعلم بهذا أنّ المراد من الأخ ههنا الأخ لأب، أمّا الأخ لأم فإنّه يعتق عليه إذا ملكه، وإن كان من الزّنا؛ لأن النسبة ثابتة بينهما؛ لأنّه جزؤه حقيقةً بغير واسطةٍ، بخلاف حق الحرية للأم؛ لأنّ ذلك الحق إنّما يثبت بواسطة النّسبة، وهي معدومة في الزّنا، فلا تصير أم ولد له بواسطة نسبته إلى الوالد، وهي غير ثابتة، فلا يثبت العتق، فكذلك الواسطة ههنا قد انعدمت حين لم يثبت نسب ولدها بالزنا؛ فلذلك لا تصير أمّ ولد له.

(1)

" للجزئية " هكذا في (ب) وفي (أ) للحرية، والصواب ما في (ب).

(2)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 154 - 155).

(3)

سبق تخريجه في صفحة (190).

(4)

" وهو " هكذا في (ب) وفي (أ) وهي، والصواب ما في (ب).

(5)

انظر: العناية (8/ 297).

(6)

" أمية " في (ب) أمومية، وكلاهما صواب.

(7)

انظر: روضة الطالبين (12/ 312).

ص: 87

وكفر الأب، ورقه بمنزلة موته

(1)

، وكذا جنونه.

(فادّعاه أحدهما

(2)

في صحته أو مرضه فهو ابنه؛ لأنّه تملك جزءًا منها، وقيام الملك في جزء منها كقيام ملكه في جميعها في صحّة الدّعوى؛ فإنّ اعتبار جانب ملكه يثبت النّسب منه بالدّعوى، واعتبار جانب ملك شريكه يمنع من ذلك، فيغلب المثبت للنسب احتياطًا، ألا ترى أنّه يسقط الحد عنه بهذا الطّريق ويجب العقر

(3)

فكذلك يثبت النّسب منه بالدّعوة، ويضمن نصف قيمتها لشريكه يوم وطئها فعلقت؛ لأنّ أمية الولد تثبت لها من وقت العلوق فيصير متملكًا نصيب شريكه عليه من ذلك الوقت ولا يتملكها إلا بعوض؛ فلهذا يضمن نصف قيمتها من ذلك الوقت وعليه نصف عقرها؛ لأنّ أصل الوطئ حصل منه ونصفها ملك للشّريك وقد سقط الحدّ بشبهة فيجب العقر؛ وإنما قلنا ذلك؛ لأنّ تملك نصيب الشّريك ههنا حكم الاستيلاد لا شرطه، فإن قيام ملكه في نصفها يكفي لصحّة الاستيلاد وحكم الشّيء يعقبه وليس عليه من قيمة الولد شيء، لأن الولد علق حر الأصل باعتبار قيام الملك له في نصفها وقت العلوق؛ ولأنّه حين علق كان ماء مهينًا لا قيمة له وضمان نصف قيمتها عليه في حالتي اليسار والعسرة لأنّه ضمان التملك). كذا في المبسوط

(4)

.

فيتعقبه الملك في نصيب صاحبه هذا على اختيار بعض المشايخ، وأمّا الأصح من المذهب فالحكم مع علّته يقترنان، لما عرف في أصول الفقه.

قوله: بخلاف الأب إذا استولد متّصل بقوله: ويضمن نصف عقرها أي الأب لا يضمن عقر جارية الابن إذا استولدها، وأمّا في مسألتنا وهي استيلاد الجارية المشتركة أحد الشّريكين فيضمن نصف عقرها، والفرق بينهما هو أن الملك في مسألتنا يثبت متأخرًا عن الوطئ؛ لأنّه حكم الوطئ المعلّق؛ لأنه لما ثبت الاستيلاد ثبت الملك في نصيب الشريك بالضّمان فكان الوطئ مصادفًا ملك الغير في حق النّصف فيضمن نصف العقر، بخلاف الأب فإن وطئه مصادف ملك نفسه تقديرًا ضرورة تصحيح، الاستيلاد إذ المصحّح للاستيلاد حقيقة الملك، وهي ثابتة مقتضى لتصحيح الاستيلاد والمقتضي يثبت مقدمًا على المقتضى؛ لأنّه شرط صحّة المقتضى فلذلك قدم الملك على الاستيلاد، وهو الوطئ هناك فلما قدم الملك على الوطئ كان وطئ الأب مصادفًا ملك نفسه فلا يجب العقر.

(1)

هذه المسألة لم يتطرق المؤلف لها بالتفصيل و المسألة كاملة هي: " وإن وطئ أب الأب مع بقاء الأب لم يثبت النسب " لأنه لا ولاية للجد حال بقاء الأب "ولو كان الأب ميتا ثبت من الجد كما يثبت نسبه من الأب " لظهور ولايته عند فقد الأب وكفر الأب ورقه بمنزلة موته لأنه قاطع للولاية. انظر: الهداية (2/ 315).

(2)

المؤلف لم يبين المسألة من أولها وهي"وإذا كانت الجارية بين شريكين فجاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت نسبه منه" انظر: الهداية (2/ 315).

(3)

العقرُ: صداقُ المرأةِ إذا وطئت بشبهةٍ، وأصله أن واطيء البكر يعقرها: إذا افتضها، فسمّي ما تعاطاه للعقر عقراً، ثم صار عاماً لها وللثّيب، والجمعُ أعقار.

انظر: لسان العرب (4/ 185)، (عقر)، أنيس الفقهاء (151).

(4)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 156 - 157).

ص: 88

[418/ ب] قوله: لأنّ الملك هنالك يثبت شرطًا للاستيلاد فيتقدّمه فالضّمير المستكن في [فيتقدمه] راجع إلى الملك، والضّمير البارز فيه راجع إلى الاستيلاد أي يتقدّم/ الملك الاستيلاد.

قوله: معناه إذا حملت على ملكهما، وإنّما قيّد بهذا؛ لأنّه إذا كان الحمل على ملك أحدهما نكاحًا (ثمّ اشتراها هو وآخر فهي أم ولد له؛ لأنّ نصيبه منها صار أم ولد له، والاستيلاد لا يحتمل التجزي فيثبت في نصيب شريكه أيضًا). كذا في المبسوط

(1)

يرجع إلى قول القافة: هي جمع القائف كالباعة والحاكة في جمع البائع والحايك وهو الذي يتتبع

(2)

آثار الآباء في الأبناء من قاف أثره إذا اتبعه والقيافة في بني مدلج منهم المجزز

(3)

.

لا يتخلق من مائين

(4)

أي من ماء محلين، وقد سُر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول القائف في أسامة

(5)

وهو ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه دخل على عائشة رضي الله عنها وأسارير وجهه تبرق من السّرور فقال: «أما علمت أن مجززًا المدلجي

(6)

مرّ بأسامة وزيد وهما تحت قطيفة

(7)

قد غطى وجوههما وأرجلهما باديةً فقال إنّ هذه الأقدام بعضها من بعض»

(8)

ولو كان الحكم بالشّبه باطلًا لما جاز إظهار السرور، ولوجب عليه الردّ والإنكار كذا في الإيضاح

(9)

. وهو للباقي منهما

(10)

، أي الولد يكون للأب الباقي من الأبوين اللّذين كانا إذا مات أحدهما؛ حتّى يكون كلّ ميراث الابن للأب الحي، ولا يكون نصفه لورثة الأب الميّت، في سبب الاستحقاق وهو الملك، ولكن تتعلّق به أحكام متجزئة، كالنّفقة وولاية التصرف في ماله والحضانة، فما يقبل التجزئة كالإرث، وما لا يقبلها كالنّسب وهو ماله من الحق في نصيب الابن بفتح اللام في ماله أي لوجود المرجّح في حق الأب، وذلك المرجح ما أثبت الشّارع للأب من حقّ التمليك في نصيب الابن، وهو قوله عليه السلام:«أنت ومالك لأبيك»

(11)

. وسرور النبي عليه السلام إلى آخره

(12)

هذا جواب عمّا تمسّك به الشّافعي

(13)

رحمه الله وذكر في الإيضاح. وأمّا الحديث فإظهار السّرور إنما كان لزوال طعن الكفار؛ لأنّهم كانوا يطعنون في نسبه، وكانوا يعتقدون قول القافة حجة، ولا يضمن واحد من قيمة الأم شيئًا، لأنّ نصيبه بقي على ملكه، وأمّا العقر فقد أقر (كل واحد منهما لصاحبه بنصف العقر فيلتقيان قصاصًا) كانوا يطعنون بضم العين من باب نَصَرَ، فيصير نصيبه منها أمّ ولد له. (فإذا ثبت أنّها أم ولد لهما قلنا: تخدِم كلّ واحد منهما يومًا كما كانت تفعله قبل هذا؛ لأنّه لا تأثير للاستيلاد في إبطال ملك الخدمة، وإذا مات أحدهما عتقت، ولا ضمان للشّريك في تركة الميّت بالاتفاق؛ لوجود الرضاء منهما بعتقها

(14)

عند الموت، ولا سعاية عليها في قول أبي حنيفة رحمه الله، وعلى قول أبي يوسف ومحمّد -رحمهما الله- تسعى في نصف قيمتها للشّريك، ولو أعتقها أحدهما في حياته عتقت، ولا ضمان على المعتق للشّريك، ولا سعاية في قول أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما يضمن المعتق نصف قيمتها أم ولد لشريكه إن كان موسرًا، وتسعى في نصف قيمتها إن كان

(15)

المعتق معسرًا، وأصل المسألة أن رق أمّ الولد ليست بمال متقوّم) في قول أبي حنيفة رحمه الله، وعلى قولهما هو مال متقوّم، وقد ذكرنا في [باب العبد يعتق بعضه] الدلائل من الطّرفين كذا في المبسوط.

(16)

(1)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 159).

(2)

" يتتبع " هكذا في (ب) وفي (أ) يتبع، والصواب ما في (ب).

(3)

بنو مرة بن عبد مناة بن كنانة: مدلج، بطن، وفيهم القيافة والعيافة؛ فمن بني مدلج، سراقة بن مالك بن =جعشم بن مالك بن عمرو بن مالك بن تيم بن مدلج، الذي اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرده فظهرت فيه تلك الآية حتى صرفه الله تعالى عنه؛ ومجزّز المدلجي، الذي سر النبي صلى الله عليه وسلم بقيافته، وهو مجزّز ابن الأعور بن جعدة بن معاذ بن عتوارة بن عمرو بن مدلج؛ وابنه علقمة بن مجزز، له صحبة.

انظر: جمهرة أنساب العرب لابن حزم (1/ 187)، الأنساب للسمعاني (9/ 357)، نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب (1/ 416).

(4)

" مائين " هكذا في (ب) وفي (أ) ماين، والصواب: ماءين.

(5)

أسامة بن زيد ابن حارثة بن شراحيل بن عَبْدِ العُزَّى بنِ امْرِئِ القَيْسِ، المَوْلَى الأَمِيْرُ الكبير.

حب رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ومولَاهُ، وابن مولَاهُ. اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على جيشٍ لغزو الشَّام، وفي الجيشِ عُمَرُ والكبار، فلم يسر حتى تُوُفِّي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَبَادَرَ الصِّدِّيْقُ ببعثِهِم، فأغاروا على أبنى من ناحِيَةِ البَلْقَاءِ، وقيل: إِنَّه شهد يوم مُؤتَةَ مع والده، وقد سكن المزة مُدَّةً، ثُمَّ رجع إلى المدِينَةِ فمات بها، وقيل: مات بِوَادِي القُرَى. انظر: سير أعلام النبلاء (4/ 107)، الإصابة في تمييز الصحابة لبن حجر العسقلاني (1/ 202).

(6)

مجزّز المدلجي القائف. وهو مجزّز بن الأعور بن جعدة بن مُعَاذ بن عتوارة بن عَمرو بن مدلج الكناني المدلجي. وَإِنما قيل لَهُ «مجزز» ، لأنه كَانَ كلما أسر أسيرا جز ناصيته.

انظر: أسد الغابة (4/ 290)، الإصابة (5/ 575).

(7)

الْقَطِيفَةُ: دِثَارٌ مُخَمَّلٌ. انظر: المغرب (1/ 389)، الصحاح (4/ 1417)، (قطف).

(8)

عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عَلَيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ وهو مَسرُورٌ، فقال:" يا عائشة، ألم تَرَي أَنَّ مُجَزِّزًا المُدلِجِيَّ دخل عَلَيَّ فَرأى أسامة بن زيدٍ وَزَيدًا وعليهما قَطِيفَةٌ، قد غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وبدت أقدَامُهُمَا، فقال: إن هذه الأقدامَ بعضُها من بعضٍ ". صحيح البخاري (8/ 157) كتاب الفرائض، رقم (85) باب القائف، رقم الحديث:(6771)، وصحيح مسلم (2/ 1081)، كتاب الرضاع، رقم (17) باب العمل بإلحاق القائف الولد، رقم (11)، رقم الحديث:(1459). (القطيفة) ثوب له خمل.

(9)

انظر: العناية (5/ 50).

(10)

المسألة بتمامها (وَلَنَا كتابُ عمر - رضي اللَّهُ تعالى عنه - إلى شُرَيحٍ في هذه الحادِثة: لَبَّسا فلُبِّس عليهما، ولو بَيَّنَا لَبُيِّنَ لَهُما، هو ابنُهُما يرِثُهُما ويرثانِهِ وهو للباقي منهما، وكان ذلك بِمحْضرٍ من الصَّحابة رضي الله عنهم أجمعين) انظر: العناية (5/ 51 - 52).

(11)

عن جابر بن عبد الله، أن رجُلًا قال: يا رسول الله إن لي مالا وولدًا، وإِن أبي يُرِيدُ أن يَجتَاحَ مالي، فقال:«أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك» أخرجه ابن ماجه في سننه (2/ 769)، كتاب التجارات، رقم (12)، باب ما لِلرَّجُل من مال ولده، رقم (64)، رقم (2291) تعليق محمد فؤاد عبد الباقي في الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات على شرط البخاري.

حكم الألباني صحيح. انظر: ارواء الغليل (3/ 323)، رقم (838).

ورواه أحمد في مسنده مخرجا (11/ 503)، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبدالله بن عمرو بن العاص، رقم الحديث:(6902)، ومصنف ابن أبي شيبة (4/ 516)، في كتاب البيوع والأقضية، رقم (13)، في الرجل يأخذ من مال ولده، رقم الحديث (22694)، والبيهقي في الكبرى (7/ 789)، كتاب النفقات، رقم (49)، باب نفقة الأبوين، رقم الحديث (15748).

(12)

جواب لما تقدم قوله: (وقد سُرَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

(13)

قال الشَّافعِيُّ رضي الله عنه: فلو لم يَعتَبِر قوله لمنعَهُ من المُجازَفَةِ؛ لأنَّهُ صلى الله عليه وسلم لا يُقِرُّ على خطأٍ ولا يُسَرُّ إلَّا بحقٍّ) انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج لأحمد الهيتمي (10/ 348).

(14)

" الرضاء منهما بعتقها " هكذا في (ب) وفي (أ) الرضاء منهما بعتقهما، والصواب ما في (ب).

(15)

"موسرا وتسعى في نصف قيمتها إن كان" هكذا في (ب) وهو سقط من (أ).

(16)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 160).

ص: 89

قصاصًا بِمَالَهُ على الآخر

(1)

، وقال بمالَهُ بفتح اللام أي بالذي له (وترثان منه

(2)

ميراث أب

(3)

واحد)؛ لأنّ التعدد حقيقة في الأب محال، ويشتركان على السّواء لعدم إمكان التّرجيح، كما إذا قلنا: البينة يعني إذا أقاما البينة على شيء يكون ذلك الشّيء مشتركًا بينهما على السّواء، فكذا هنا أو إذا أقاما البينة على ابن مجهول النّسب فالحكم هكذا فكذا هنا.

وعن أبي يوسف رحمه الله أنّه لا يعتبر تصديقه أي تصديق المكاتب؛ بل يثبت بمجرّد دعوة المولى؛ كما في الأب والجامع بينهما أن جارية المكاتب كسب كسب المولى؛ فكذلك جارية الابن كسب كسب المولى،

(4)

هذا في المساواة. أو نقول: للمولى في المكاتب ملك الرقبة؛ وليس للأب على الابن ملك الرقبة ولا ملك اليد، بل للأب في مال الابن حقّ التملّك، وحق الملك أقوى من حق التملك، فلما ثبت للأب نسب الولد من جارية الابن بدون الملك على الابن وعلى جاريته بغير تصديق الابن، فَلَأن يَثْبُت للمولى نسب الولد من جارية المكاتب بغير تصديق المكاتب مع حقيقة الملك للمولى على المكاتب أولى. ألا ترى أن المولى لو أعتق المكاتب يصح مع أنّه لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم؟ فعلم أنّ الملك للمولى عليه ثابت.

ووجه الظّاهر وهو الفرق أي الفرق بين استيلاد جارية الابن/ حيث لا يشترط التّصديق وبين استيلاد جارية المكاتب حيث يشترط التّصديق هو (أنّ المولى حجر على نفسه عن التصرف في كسب المكاتب والدّعوة تصرف فلا تنفذ

(5)

إلا بتصديق المكاتب، بخلاف الأب؛ فإنّه ما حجر على نفسه عن التصرف في مال الولد عند الحاجة فلا يحتاج إلى تصديق الولد، ثمّ عند التّصديق من المكاتب (لا تصير الجارية أم ولد للمولى)؛ لأنّ حق الملك ثابت له في كسبه وذلك كاف لإثبات نسب الولد.

[419/ أ] ألا ترى أن

(6)

بعجزه ينقلب حقيقة ملك فلا حاجة به إلى التملك، وليس للأب في مال الولد ملك ولا حق ملك، ولا يمكن إثبات النّسب منه إلا باعتبار تملك الجارية؟ يوضحه أنّه ليس للمولى حق التملّك في كسب المكاتب عند الحاجة، وللأب ذلك في مال الولد) كذا في المبسوط.

(7)

(1)

العبارة كاملة (وعلى كل واحدٍ منهما نصف العقر قصاصًا بماله على الآخر، ويرث الابن من كل واحدٍ منهما ميراث ابن كاملٍ، وهما يرثان منه ميراث أبٍ واحدٍ). انظر: اللباب في شرح الكتاب (3/ 125).

(2)

" منه " سقط من (ب).

(3)

" أب " هكذا في (ب) وهو سقط من (أ).

(4)

" المولى " هكذا في (أ) و (ب)، وفي البناية: الأب، وهو الصواب.

(5)

" تنفذ " في (ب) ينفذ، وكلاهما صواب، ويكون التقدير على ما جاء في (أ) فلا تنفذ الدعوة إلا بتصديق المكاتب، ويكون على ما جاء في (ب) فلا ينفذ التصرف إلا بتصديق المكاتب.

(6)

" أن " هكذا في (ب) وهي سقط من (أ).

(7)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 176).

ص: 90

وذكر في الإيضاح

(1)

في وجه الظّاهر أنّ حق المولى وإن كان ثابتًا ولكن حق المولى محجوب بحق المكاتب، ألا ترى أنّه ليس له أن ينتزع من يده أصلًا فينزل

(2)

المولى من مال المكاتب فيما يثبت من التصرفات بمنزلة الأجنبي فلم يصح دعوته حتّى يتصل التصديق به؟

(وقيمة ولدها) أي وعلى المولى قيمة ولد جارية مكاتبه يوم ولد، يعني على تقدير تصديق المكاتب المولى في دعوة الولد، وإنّما وجبت قيمة الولد على المولى؛ لأنّ هذا يشبه ولد المغرور، فإن الملك في الأم ثابت من وجه دون وجه، فشابه المولى المغرور الذي له الملك ظاهرًا لا حقيقة، وولد المغرور حر بالقيمة، فكذا هنا. كذا في الإيضاح

(3)

.

حيث اعتمد أي المولى اعتمد دليلًا وهو أنّه كسب كسبه أي الولد حصل له من كسب كسبه، فإن المكاتب كسبه، والجارية كسب المكاتب فكان الولد حاصلًا للمولى من كسب كسبه، فيصلح أن يكون هذا دليلًا شرعيًا على أن يكون ولده حرًا، ولكن لما كان المولى في معنى المغرور وجب عليه قيمة الولد للمكاتب.

(فلو ملكه أي فلو ملك المولى يومًا) ولد جارية المكاتب الذي ادّعاه وكان (لم يثبت) نسبه عند الدّعوة بسبب تكذيب المكاتب فيثبت نسبه عند ملكه إيّاه.

وذكر في المبسوط:

(4)

(وإذا ملك المولى الجارية أي في صورة التصديق يومًا الدهر صارت أمّ ولد له؛ لأنّه ملكها وله منها ولد ثابت النّسب، وإن كذبه المكاتب (ثم ملكه يومًا ثبت نسبه منه)؛ لأنّ حق الملك له في المحلّ كان مثبتًا للنسب منه عند صحّة دعوته، إلا أن بمعارضة

(5)

المكاتب إياه بالتكذيب امتنع صحة دعوته، وقد زالت هذه المعارضة حين ملكه) لقيام الموجب وهو الإقرار بالاستيلاد.

والله أعلم بالصّواب.

‌كِتَابُ الأَيْمَانِ

لما قفَّى العبادات بالنكاح للمناسبة التي ذكرنا، ذكر بعده الأبواب التي تناسبه في الوصف الخاص، وهو أن الهزل والإكراه لا يؤثران فيها، والأيمان منها، إلا أنّه قدم الطّلاق لاقتضائه سبق النكاح للرّفع وأعقبه بالعتاق؛ لأنّه يشارك الطّلاق في عامّة الأوصاف من الإسقاط والسّراية واللّزوم، فتأخر ذكر الأيمان عنها لذلك.

ثم من محاسن شرعيّة الأيمان هي تصديق السّامع المتكلّم في إخباره؛ لأن السّامع كان متردّدًا قبل يمينه في قبول خبره؛ لكون الخبر في نفسه محتملًا للصّدق والكذب.

(1)

انظر: المحيط البرهاني (4/ 138).

(2)

" فينزل " هكذا في (ب)، وفي (أ) فنزل، والصواب ما في (ب).

(3)

انظر: العناية (8/ 314).

(4)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 176).

(5)

" بمعارضة " في (ب) بمعارضته، والصواب ما في (أ).

ص: 91

فباليمين ترجح جانب الصّدق، وفائدة الكلام هي إيقاع الصّدق في قلب السّامع، وإذا لم يقع صدقه في قلبه ضاع إخباره، والقول الضّايع ملحق بنعيق الغراب ونباح الكلب.

والله تعالى أيضًا أقسم مع أنّه لا يُتَصوَّرُ عنه الكذب لِيَدُل عِباده على شرع القسم، وأمر نبيّه عليه السلام بالقسم قال الله تعالى: (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ}

(1)

، ومن محاسنها أيضًا زينة الكلام بذكر اسم الله تعالى، إذ لا زينة كاملًا للكلام إلا بذكر الله تعالى.

ومن محاسنها أيضًا تعظيم اسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته، فإن من أقسم بشيء فقد عظمه وشرفه حتّى منع نفسه عن مرغوبها حِذَارَ هتك حرمة المقسم به.

[419/ ب] ثم نحتاج ههنا إلى معرفة معنى اليمين لغةً، وشرعًا، ومعرفة شرطه، وسببه، وركنه،/ وحكمه (أمّا اللّغة فمعناها القوّة ومنه قوله تعالى: (لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ}

(2)

.

وقال الشماخ

(3)

:

رأيت عرابة الأوسي

(4)

يسمو

إلى الخيرات منقطع القرين

إذا ما رايةٌ رُفِعَت لمجدٍ

تلقّاها عرابة باليمين

وأمّا معناها شرعًا: فهي عبارة عن عقد قوي بها عَزمُ الحالف على الفعل أو الترك وسمّى هذا العقد بها؛ لأن العزيمة

(5)

تتقوى بها. وأمّا شرطها ففي الحالف كونه عاقلاً بالغًا.

(1)

سورة يونس آية: (53).

(2)

سورة الحاقة آية: (45).

(3)

الشماخ بن ضرار بن حرملة بن سنان المازني الذبياني الغطفاني، شاعر مخضرم، وهو من طبقة لبيد والنابغة، توفي سنة 22 هـ. انظر: الأعلام (3/ 175)، الإصابة (3/ 185).

(4)

هو عرابة بن أوس بن قيظى الأوسي، صحابي ابن صحابي، شهد مع رسول الله غزوة الخندق، ولم يشهد أحدا، كانت سنه إذ ذاك أربع عشرة سنة وخمسة أشهر، فلم يأذن له رسول الله أن يشهدها لذلك.

انظر: الإصابة (3/ 286)، والبيتين في الشعر والشعراء (1/ 307)، والكامل في اللغة والأدب (1/ 108).

(5)

العزيمة لغة: عبارة عن الإرادة المؤكدة، وعند الفقهاء: عبارة عمّا شُرع من الأحكام ابتداءً، غير متعلق بالعوارض.

انظر: معجم مقاييس اللغة (4/ 308)، التعريفات (1/ 150)، لسان العرب (12/ 399)، (عزم).

وأصول السرخسي (1/ 117)، المذهب الحنفي مراحله وطبقاته لأحمد النقيب (286).

ص: 92

وفي الحلف كونه خبرًا محتملًا للصّدق والكذب ولا يكون ذلك إلا في المعقودة.

وأمّا الغموس

(1)

واللّغو

(2)

فليستا بيمين على الحقيقة على ما يأتي، وأمّا سببها فإرادة تحقيق ما قصده بها، ويدخل في هذا إرادة تحقيق ما قصد من إظهار صِدقهِ في قلب السّامع، وإرادة تحقيق ما قصده في نفسه من فعل شيء أو تركه، كدخول الدّار وغيره.

وأمّا ركنها فاللّفظ الذي ينعقد به اليمين.

وأمّا حكمها فالبر حال بقاء اليمين إذا

(3)

وجب تحقيق البر، والكفّارة عند فوات البر خلفًا عنه. وإنّما قيّدنا بقولنا: إذا

(4)

وجب تحقيق البر؛ لأن من الأيمان ما لا يجب تحقيق البرّ فيها بل يجب تحقيق الحنث ونقض اليمين. كما إذا حلف على معصيةٍ على ما يجيء، فالواجب هو الحكم بموجبه فلذلك لم يكن البرّ حكمًا في جميع الأيمان). إلى هذا أشار في المبسوط

(5)

والمنشور

(6)

وغيرهما.

قوله: (الأيمان على ثلاثة أضرب) فوجه الانحصار على هذه الثّلاثة ظاهر؛ لأنّ اليمين بالله لا تخلو إمَّا إن كانت فيها مؤاخذة أو لا، فإن كانت فيها مؤاخذة فلا تخلو إمّا إن كانت المؤاخذة دنياوية أو عقباوية.

فالأولى المنعقدة والثّانية الغموس وإن لم يكن فيها مؤاخذة لا دنياوية ولا عقباوية فهي اللّغو.

ثم ذكر في المغرب

(7)

(الصّواب أن يقال: ثلاث أضرب وإن كانت الرّواية محفوظة فعلى تأويل الأقسام). وذكر في الإيضاح

(8)

وهذه الأقسامُ الثلاثةُ التي ذكرها إنما تتأتّى في اليمين بالله.

(1)

الغموس مصدر للفعل غمس يقالُ غمَسَهُ في الماء غطَّهُ فيه وأدخَلَهُ فانغمس فيه بنفسِهِ واغتمس.

انظر: المغرب (1/ 346)، الصحاح (3/ 956).

اليمين الغموس هي: الحلف على أمرٍ ماضٍ، يتعمد الكذب فيه؛ فهذه اليمين يأثم بها صاحبها، ولا كفارة فيها إلا الاستغفار. وسميت غموسًا لأنها: تَغْمِسُ صاحبها في الإثم والنار.

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 127)، البناية (6/ 112)، اللباب في شرح الكتاب (4/ 3).

(2)

اللَّغوُ: الباطِلُ من الكَلَام. وفي الأيمان: ما لا يُعقد عليه القلب كقول الإنسان في كلامه: لا والله وبلى والله.

انظر: المغرب (1/ 425)، مختار الصحاح (1/ 283)، كلاهما (لغا)، البناية (6/ 115).

(3)

"إذا" في (ب) إذ وكلاهما صواب.

(4)

"إذا" في (ب) إذ وكلاهما صواب.

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 126).

(6)

المنشور في فروع الحنفية للإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن علي بن أبي القاسم بن أبي رجا القاعدي الخجندي. وهو غير مطبوع.

انظر: كشف الظنون (2/ 1861).

(7)

انظر: المُغرَب في ترتيب المُعرَب (1/ 515): لأبي الفتح ناصر الدين بن عبد السيد بن علي المطرّزي توفي سنة عشر وست مائة للهجرة.

(8)

انظر: البناية (6/ 111).

ص: 93

فأمّا الحلف بالطّلاق والعتاق وما أشبه ذلك فما يكون (على أمر في المستقبل) فهو كاليمين المعقودة، وما يكون على أمر في الماضي فلا يتحقق فيه اللّغو والغموس ولكن إذا كان يعلم خلاف ذلك أو لا يعلم فالطّلاق واقع، وكذلك الحلفُ بِنذرٍ؛ لأن هذا تَنجِيزٌ وتحقيق.

وذكر في المبسوط

(1)

(أن اليمين على نوعين: نوع يعرفه أهل اللغة وهو ما يقصد به تعظيم المقسم به ويسمون ذلك قسمًا إلا أنّهم لا يخصون ذلك بالله.

وفي الشّرع هذا النّوع من اليمين أي تعظيم المقسم به لا يكون إلا بالله تعالى، فهو المستحق للتّعظيم بذاته على وجه لا يجوز هتك حرمة اسمه بحال. والنّوع الآخر الشّرط والجزاء وهو يمين عند الفقهاء لما فيها من معنى اليمين وهو المنع أو الإيجاب.

ولكن أهل اللغة لا يعرفون ذلك؛ لأنّه ليس فيه معنى التّعظيم.

ثمّ بدأ الكتاب ببيان النّوع الأوّل فقال: الأيمان ثلاث

(2)

ولم يرد به عدد الأيمان فإن ذلك أكثر من أن تحصى وإنما أراد أنّ اليمين بالله عز وجل تنقسم في أحكامها ثلاثة أقسام.

يمين تُكَفَّر ويمين لا تُكَفَّر

(3)

(ويمين نرجو أن لا يُؤاخذ الله تعالى بها صاحبها)

فأمّا التي تُكَفَّر فهي اليمين على أمر في المستقبل؛ لإيجاد فعل أو نفي فعل وهذا عقد مشروع أمر الله تعالى به في بيعة نُصرةِ الحقِ، وفي المظالم والخصومات

(4)

وهي في وجوب الحفظ أربعة أنواع:

نوع منها يجب إتمام البرّ فيها، وهو أن يعقد على فعل طاعة أمر به أو امتناع من معصية، وذلك فرض عليه قبل اليمين وباليمين يزداد وكادةً، ونوع لا يجوز حفظها وهو أن يحلف على ترك طاعة، أو فعل معصية؛ لقوله عليه السلام:«من حلف أن يطيع الله فليطعه ومن حلف أن يعصي الله فلا يعصه»

(5)

. ونوع يتخير فيه بين الحنث والبرّ، والحنث خير من البرّ فيُندبُ فيه الحِنثُ

(6)

لقوله عليه السلام: «من حلف على يمين ورأى غيرها خيراً منها فليأت بالذي هو خير وليكفّر يمينه»

(7)

وأدنى موجبات الأمر النَّدب.

(1)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 126 - 127).

(2)

" ثلاث" هكذا في (ب) وفي (أ) ثلث والصواب ما في (ب).

(3)

" ويمين لا تكفر " سقط من (ب).

(4)

الخصومات جمع خُصُومة: وهو الجدال والنزاع.

انظر: لسان العرب (12/ 209)، مختار الصحاح (1/ 91) المعجم الوسيط (1/ 239)، كلاهما (خصم).

(5)

الحديث بهذا اللفظ في المبسوط للسرخسي (8/ 127)، بدائع الصنائع (3/ 17)، الاختيار لتعليل المختار (4/ 47).

وعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من نذر أن يُطِيع الله فليُطِعْهُ، ومن نذر أن يعصِيَهُ فلا يعصِهِ» أخرجه البخاري (8/ 142)، كتاب الأيمان والنذور، رقم (83)، باب النذر في الطاعة، رقم الحديث (6696).

(6)

" الحنث " هكذا في (ب)، وفي (أ) للحنث والصواب ما في (ب).

(7)

عن أبي هريرة، قال: أعتم رجل عند النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رجع إلى أهله فوجد الصِّبيَةَ قَد ناموا، فَأتاهُ أهلُهُ بطعامه، فحلف لا يأكل من أجل صبيته، ثُمَّ بدا له فأكل، فأتى رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«من حلف على يمينٍ، فرأى غيرها خيرًا منها، فليأتها، وليُكَفِّر عن يَمِينِهِ» رواه مسلم (3/ 1271)، كتاب الأيمان، رقم (27)، باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها، أن يأتي الذي هو خير، ويُكفِّر عن يمينه، رقم (3)، رقم الحديث (1650).

ص: 94

[420/ أ] ونوع يستوي فيه فعل البر والحنث في الإباحة فيتخيّر بينهما، وحفظ اليمين أولى لظاهر قوله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}

(1)

، وحفظ اليمين يكون بعد/ وجودها فعرفنا به أنّ المراد به حفظ البرّ، ومتى حنث في هذه اليمين فعليه الكفّارة).

قوله: يمين الغموس ذكر في المغرب (وفي بعض النسخ أو يمين الفاجرة وهو خطأ لغة وسماعًا)

(2)

يعني يجب أن يقال اليمين الغموس على وجه الصّفة والموصوف لا على وجه الإضافة؛ لأن إضافة الموصوف إلى صفة لا يجوز.

وبما ذكر في المغرب يعرف خطأ من يقول إن قولهم يمين الغموس كقولهم علم الطّب؛ فإنّه لا خلاف لأحد في صحّة هذه الإضافة ولما أن الطّب ليس بصفة والغموس صفة فكيف تكون هذه الإضافة مثل تلك الإضافة.

ثمّ ذكر في المغرب (وسميت غموسًا لأنّها تغمس صاحبها في الإثم ثمّ في النّار)

(3)

وكان بخط شيخي رحمه الله اليمين الغموس ويمين منعقدة كلاهما بلفظ الصّفة والموصوف، ويمين لغو بطريق الإضافة.

(فالغموس هي الحلف على أمر ماضٍ) وذكر المضي ليس على الشّرط؛ فإنّها تكون في الحال أيضًا فإنّه ذكر في الإيضاح والتحفة (فهي اليمين على أمر في الماضي).

(4)

(يتعمد الكذب فيه) والله ما فعلت كذا وهو يعلم خلاف ذلك أو اليمين على أمر في الحال نحو قوله: والله ما لهذا عَلىَّ دينٌ وهو يعلمُ خلافه.

وفي التحّفة: (وفي الحال نحو قوله: والله إنّه عمرو مع علمه أنّه زيد ونحوه)

(5)

وذكر في المبسوط

(6)

(واليمين الغموس ليست بيمين على الحقيقة؛ لأن اليمين عقد مشروع، وهذه كبيرة محضة، والكبيرة ضد المشروع ولكن سمّاه يمينًا مجازًا؛ لأن ارتكاب هذه الكبيرة باستعمال صورة اليمين كما سمّى النبي عليه السلام بيع الحر بيعًا مَجَازًا، لأن ارتكاب تلك الكبيرة باستعمال صورة البيع، ثم لا تنعقد هذه اليمين فيما هو حكمها في الدنيا عندنا ولكنّها توجب (التوبة والاستغفار).

وعند الشّافعي رحمه الله تنعقد موجبة للكفارة

(7)

فمن أصله محلّ اليمين نفس الخبر وشرط انعقادها القصد الصّحيح، وعندنا محلّ اليمين خبر فيه رجاء الصّدق؛ لأنّها تنعقد موجبة للبرّ ثم الكفارة خَلَفٌ عنه عند فوات البرّ؛ فالخبر الذي لا يتصوّر فيه الصّدق لا يكون محلًا لليمين والعقد لا ينعقد بدون محلّه، وحجته قوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}

(8)

فالله تعالى أثبت المؤاخذة في اليمين المكسوبة، والغموس بهذه الصفة؛ لأنها بالقلب مقصودة ثم فسر هذه المؤاخذة بالكفارة في قوله تعالى: (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}

(9)

، معناه بما قصدتم

(10)

؛ فالعقد هو القصد، ومنه سميت النيّة عقيدة، فأوجب الكفارة موصولة باليمين بقوله: (فَكَفَّارَتُهُ}

(11)

لأنّ الفاء للوصل وقال في آخر الآية: (ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}

(12)

، والكفارة بنفس الحلف؛ إنّما تجب في الغموس.

(1)

سورة المائدة آية: (89).

(2)

انظر: المغرب (1/ 346).

(3)

انظر: المغرب (1/ 346).

(4)

انظر تحفة الفقهاء: (2/ 294).

(5)

المصدر السابق.

(6)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 127 - 128 - 129).

(7)

انظر: الأُم (4/ 195)، (7/ 64)، المجموع شرح المهذب للنووي (18/ 13 - 14)، الحاوي الكبير (15/ 267 - 269 - 288).

(8)

سورة البقرة: (225).

(9)

سورة المائدة آية: (89).

(10)

" بما قصدتم " سقط من (ب).

(11)

سورة المائدة آية: (89).

(12)

سورة المائدة آية: (89).

ص: 95

والمراد بقوله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}

(1)

الامتناع عن الحلف، وحجّتنا فيه قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}

(2)

؛ فقد بيّن الله تعالى جزاء اليمين الغموس بالوعيد في الآخرة، فلو كانت الكفارة فيها واجبة لكان الأولى بيانها.

وقال عليه السلام: «خمس من الكبائر لا كفارة فيهن»

(3)

وذكر فيها اليمين الفاجرة، والمعنى فيه أنّها غير معقودة؛ لأنّ عقد اليمين

(4)

للحظر أو للإيجاب، وذلك لا يتحقق في الماضي والخبر الذي ليس فيه توهم الصدق، والعقد لا ينعقد بدون محلّه، كالبيع لا ينعقد على ما ليس بمال؛ لخلوه عن موجب البيع، وهو تمليك المال؛ ولأن الغموس محظور محض فلا يصلح سببًا للكفّارة كالزنا والردّة؛ وهذا لأنّ المشروعات تنقسم ثلاثة أقسام:

عبادة محضة وسببها مباح محض، وعقوبة محضة كالحدود وسببها محظور محض، وكفارات وهي تتردّد بين العبادة والعقوبة، فمن حيث إنها لا تَجِبُ إلاَّ جَزَاءً تُشبِهُ العُقُوبة، ومن حيث إنّه يُفتى بها ولا تتأدّى إلا بنيّة العبادة، وتتأدّى بما هو محض العبادة، كالصّوم تشبه العبادات، فينبغي أن يكون سببها متردّدًا بين الحظر والإباحة، وذلك المعقودة على أمر في المستقبل باعتبار تعظيم حرمة اسم الله تعالى باليمين مباح، وباعتبار هتك هذه الحرمة بالحنث محظور، ويصلح سببًا للكفارة.

[420/ ب] وأمّا الغموس فمحظور محض؛ لأنّ الكذب بدون الاستشهاد بالله محظور محض، فمع الاستشهاد بالله تعالى أولى، فلا يصلح سببًا للكفارة؛ ثم الكفارة تجب خلفًا عن البر الواجب باليمين؛ ولهذا لا يجب في المعقودة على أمر في المستقبل إلا بعد الحنث؛ لأن قبل الحنث ما هو الأصل قائم وهذا إنّما يتصوّر في خبر فيه توهم الصدق/ أنّه ينعقد موجباً للأصل ثم الكفارة خلفا عنه.

(1)

سورة المائدة آية: (89).

(2)

سورة آل عمران آية: (77).

(3)

عن عبدالله بن عمرٍو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَاليَمِينُ الغَمُوسُ "

انظر: صحيح البخاري (8/ 137) كتاب الأيمان والنذور، رقم (83)، باب اليمين الغموس، رقم الحديث (6675)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 540)، البناية (6/ 113)، العناية (5/ 60)، الاختيار لتعليل المختار (4/ 47)، المبسوط للسرخسي (8/ 128)، (كلهم ذكروا هذه العبارة قوله صلى الله عليه وسلم "خمس من الكبائر

" وذكر منها اليمين الغموس

)

(4)

" اليمين " سقط من (ب).

ص: 96

ومعنى قوله: (ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}

(1)

وحنثتم ومن أسباب الوجوب ما هو مضمر في الكتاب كما في قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}

(2)

معناه فأفطر فعدّة من أيّام أخَر، ثم إن الله تعالى أوجب الكفارة بعد عقد اليمين بقوله: (بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}

(3)

، وإنما يتصوّر الانعقاد فيما يتصوّر فيه الحل؛ لأنّه ضدّه. قال القائل:

خَطَرَاتُ الْهَوَى تَرُوحُ وَتَغْدُو

وَلِقَلْبِ الْمُحِبِّ حَلٌّ وَعَقْدُ

(4)

ولا يتصوّر ذلك في الماضي، والمراد بقوله تعالى: (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}

(5)

، المؤاخذة بالوعيد في الآخرة؛ لأن دار الجزاء في الحقيقة الآخرة، فأمّا في الدنيا فقد يؤاخذ المطيع ابتلاءً، ويُنَعَّم العاصي استدراجًا، والمؤاخذة المطلقة محمولة على المؤاخذة في الآخرة).

فلا تناط بها أي فلا تعلق الكفارة بالكبيرة، فإن قيل الظهار

(6)

منكر من القول وزور والزور

(7)

كبيرة ومع ذلك وجبت فيه الكفارة. قلنا: أنّ الكفارة تجب بالعود وهو الغرم على الوطئ لا بمجرّد الظّهار على ما مرّ، فإن قيل إذا أفطر الصّائم بالزّنا أو شرب الخمر تجب الكفّارة وهما كبيرتان. قلنا: الكفّارة هناك لا باعتبار أنّهما حرامان وكبيرتان؛ بل باعتبار الفطر في المشتهى حتّى إنّه لو زنا أو شرب الخمر ناسيًا لا يفسد صومه ولا يجب الكفارة ويجب الحدّ باعتبار أنهما في أنفُسِهما مباشرةُ كبيرةٍ، وأمّا اليمين الغموس فليست بيمين على الحقيقة؛ بل أطلق عليها اسم اليمين مجازًا، على ما ذكرنا فلا تجب الكفّارة.

(1)

سورة المائدة آية: (89).

(2)

سورة البقرة آية: (184).

(3)

سورة المائدة آية: (89).

(4)

الْخَطَرَاتُ: جَمع خطرةٍ وهي من خطر الشَّيء في قلبه من حَدِّ ضَرَبَ أي تَحَرَّكَ والهَوَى الْحُبُّ وتروحُ وتغدُو أي يقع ذلك مساءً وصباحًا ولِقلبِ المُحبِّ حَلٌّ وعقدٌ أي نقضٌ وإِبرامٌ فيما يَعزم عليه.

انظر: طلبة الطلبة (1/ 67).

(5)

سورة البقرة آية: (225).

(6)

الظِّهارُ في اللغة: مصدر ظاهر، يقالُ ظاهر الرجُلُ من امرأته مُظاهرةً وظِهاراً: إذا قال: هي عليَّ كظهرِ أمًّي. وإنما خصَّ الظهر بذلك؛ لأنه موضع الركوب والمرأة مركوبة إذا غُشيت، فكأنه إذا قال: أنت عليًّ كظهر أمي أراد: ركوبكِ للنكاح عليَّ حرام كركوبِ أمَّي للنكاح.

انظر: لسان العرب (4/ 607)، (ظهر).

وفي عرف الفقهاء: الظِّهَارُ: هو أن يُشبِّه امرأتَهُ أو عُضوًا من أعضائِها يُعَبِّرُ به عن جميعها أو جزءًا شائِعًا منها بمن تحرم عليه على التَّأبِيدِ.

انظر: تبيين الحقائق (3/ 197)، الجوهرة النيرة (2/ 62).

(7)

الزُّورُ: هو الكذبُ والباطلُ. انظر: لسان العرب (4/ 389)، مختار الصحاح (1/ 139)، كلاهما (زور).

وفي عرف الفقهاء: هي الشهادة بالكذب ليتوصَّل بها إلى الباطل من إتلاف نفس، أو أخذ مال، أو تحليل حرام أو تحريم حلال. انظر: خلاصة الكلام شرح عمدة الأحكام للحريملي النجدي (1/ 363)، الموسوعة الفقهية الكويتية (34/ 208).

ص: 97

ولو كان فيها ذنب فهو متأخر أي لو كان في المعقودة ذنب وهو الحنث يهتك حرمة اسم الله تعالى فهو متأخّر عن وقت اليمين فيرفع اليمين إذا وجد.

وأمّا الذّنب في الغموس وهو هتك حرمة اسم الله تعالى فمقارن فيمنعها عن الانعقاد فكانت اليمين في الغموس غير منعقدة؛ فلما كان كذلك لم يلزم عن وجوب الكفارة في المنعقدة وجوبها في الغموس؛ وهذه النكتة إشارة إلى ما ذكره في المبسوط

(1)

بقوله: (فلأنّه قارَنَها ما يَحلُّها ولو طرأ عليها رفعَها فإذا قارنها منع انعقادها كالردّة والرضاع في النكاح بخلاف مَسِّ السَّمَاءِ ونحوه؛ فإنّه لم يُقَارِنْهَا ما يَحِلُّهَا؛ لأنّها عُقِدَت على أمر في المستقبل فما يَحِلُّهَا انعدام الفعل في المستقبل، ولهذا يتوقت ملك اليمين بالتّوقيت).

إلا أنّه علقّه بالرّجاء هذا جواب سؤال وذكر في المبسوط

(2)

السؤال والجواب فقال:

(فإن قيل: فما معنى تعليق محمّد رحمه الله ففي المؤاخذة في هذا النّوع بالرجاء بقوله نرجو أن لا يؤخذ الله بها صاحبها، وعدم المؤاخذة في اليمين اللّغو منصوص وما عرف بالنّص فهو مقطوع به؟.

قلنا: نعم ولكن صورة تلك اليمين مُختَلفٌ فيها؛ فإنّما علق بالرجاء نفي المؤاخذة في اللغو بالضّرورة التي ذكرها؛ وذلك غير معلوم بالنصّ، مع أنّه لم يرد بذلك اللّفظ التعليق بالرّجاء إنّما أراد به التّعظيم والتبرك بذكر اسم الله تعالى كما مر، "ثمة"

(3)

رُوي أنّ النبي عليه السلام كان إذا مرّ بالمقابر قال: «عليكم السلام ديار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون»

(4)

وما ذكر الاستثناء

(5)

بمعنى الشك فإنّه كان يتيقّن بالموت قال الله تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}

(6)

ولكن معنى ذكر الاستثناء ما ذكرنا) للاختلاف في تفسيره.

(1)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 128).

(2)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 130).

(3)

"ثمة"سقط من (ب).

(4)

الحديث روي عن علي رضي الله عنه كان إذا أتى المقَابِر قال: «عَلَيْكُمْ السَّلَامُ دِيَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أَمَّا نِسَاؤُكُمْ فَقَدْ نُكِحَتْ وَأَمْوَالُكُمْ فَقَدْ قُسِمَتْ وَدِيَارُكُمْ فَقَدْ سُكِنَتْ فَهَذَا خَبَرُكُمْ عِنْدَنَا فَمَا خَبَرُنَا عِنْدَكُمْ»

انظر: تبيين الحقائق (3/ 157)«بهذا اللفظ» ، المبسوط للسرخسي (8/ 130).

ومن رواه عن علي ايضاً: في البناية شرح الهداية (6/ 244).

وعند مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى الْمَقْبُرَةَ، فَقَالَ:«السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» صحيح مسلم (2/ 671)، كتاب الجنائز، رقم (11)، باب مَا يُقالُ عند دُخُولِ القُبُور والدُّعاء لأَهْلِها، رقم (35)، رقم الحديث (975) عن سُليمان بن بُرَيدة، عن أَبيه.

(5)

الاستثناء في اللغة: من الثني وهو الكف والردَّ، لأن الحالف إذا قال: والله لا أفعل كذا إلا أن يشاء الله غيرَهُ، فقد ردَّ ما قاله بمشيئة الله غيرهُ.

=انظر: لسان العرب (14/ 153 - 154)، مختار الصحاح (1/ 50)، كلاهما (ثني).

وفي الشرع: هو بيان بإلاَّ أو أحد أخواتها أن ما بعدها لم يُرد بحكم الصَّدر. انظر: فتح القدير (4/ 459).

وايضاً: إخراج الشيء من الشيء؛ لولا الإخراج لوجب دخوله فيه، وهذا يتناول المتصل حقيقة وحكما، ويتناول المنفصل حكما فقط. انظر: التعريفات الفقهية (ص 23).

(6)

سورة الزُّمَر آية: (30).

ص: 98

وما ذكر في الكتاب من تفسير اللغو مرويّ عن زرارة بن أبي أوفى

(1)

، وعن ابن عبّاس في إحدى الروايتين، وروي عن محمّد قال هو قول الرجل في كلامه لا والله وبلى والله وهو قريب من قول الشّافعي

(2)

رحمه الله فإن عنده اللغو ما يجري على اللّسان من غير قصد في الماضي كان أو في المستقبل، وهو إحدى الروايتين عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، (وعائشة رضي الله عنها روت عن رسول الله رحمه الله أنّه قال في تفسير اللغو:«لا والله وبلى والله»

(3)

.

وتأويله عندنا فيما يكون خبرًا عن الماضي؛ فإن اللّغو ما يكون خاليًا عن الفائدة والخبر في الماضي خال عن فائدة اليمين على ما قرّرنا وكان لغواً، وأمّا في الخبر في المستقبل فعدم القصد لا يُعدم فائدة اليمين وقد ورد الشّرع بأنّ الهزل والجدّ/ في اليمين سواء) كذا في المبسوط

(4)

الناسي في اليمين أن يذهب عن التلفظ باليمين، ثم يتذكر أنّه تلفظ بلفظ اليمين ناسيًا، بأن يقول لغيره ألا تأتينا فيقول بلى والله غير قاصد لليمين.

[421/ أ] وفي بعض النسخ ذكر الخاطئ مكان النّاسي، وهو أن يريد أن يُسَبَّح فجرى على لسانه اليمين كذا في التقويم والشّافعي رحمه الله

(5)

يخالفنا في ذلك أي في المكره

(6)

والنّاسي فيقول لا تجب الكفارة فيهما. ولو كانت الحكمة رفع الذنب، هذا جواب سؤال مقدّر وهو أن يقال الكفّارة شرعت لأجل ستر الذّنب؛ ولا ذنب في المجنون ينبغي أن لا تجب الكفّارة إذا أتى المحلوف عليه حالة الجنون؟.

(1)

هو زرارة بن أبي أوفى قاضي البصرة وكان يؤم في بني قشير، فقرأ يوما في صلاة الصبح قوله تعالى:(فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير) فخر ميتا. له صحبة. ومات في زمن عثمان، وقيل تابعيّ معروف ثقة. انظر: تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف (13/ 151)، ومن رووه على انه (زارة بن أوفى) في: أسد الغابة ط العلمية (2/ 313)، سير أعلام النبلاء ط الحديث (17/ 300)، الإصابة (2/ 462)، الجرح والتعديل (3/ 603).

(2)

انظر: الأُم (7/ 66)، الحاوي الكبير (15/ 288 - 289).

(3)

عن عائشة رضي الله عنها: " أُنزِلت هذه الآية: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} البقرة: 225] في قَول الرَّجُلِ: لا والله وَبلى والله ". رواه البخاري (6/ 52)، كتاب تفسير القرآن، رقم (65)، باب قوله:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} رقم الحديث (4613).

(4)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 130).

(5)

انظر: أسنى المطالب في شرح روض الطالب للسنيكي (4/ 272).

(6)

كرهت الشيء أكرهه كراهية: ضد احببته، وهو من حُمِل على أمر وهو له كاره.

انظر: الصحاح (6/ 2247)، لسان العرب (13/ 662)، (كره).

ص: 99

فأجاب عنه وقال: الحكم وهو وجوب الكفّارة دائر مع دليل الذّنب، وهو الحنث لا مع حقيقة الذنب كوجوب الاستبراء، دائر مع دليل شغل الرّحم وهو استحداث الملك لا مع حقيقة الشّغل، حتّى أنه يجب وإن لم يوجد الشغل أصلًا، بأن اشترى جارية بكراً أو اشتراها من امرأة، وهذا كثير النّظير. والله أعلم بالصواب.

(باب ما يكون يمينًا وما لا يكون)

لما ذكر ضروب الأيمان شرع في بيان ما يكون يمينًا من الألفاظ وما لا يكون يمينًا.

(واليمين بالله

(1)

إلى قوله أو بصفة من صفاته التي يحلف بها كعزة الله)

والله اعلم أنّ المراد من الصّفة ههنا على خلاف ما أريد به من الصّفة في اصطلاح أهل النّحو، فإنّ الصّفة عندهم هي: ما يمكن أن يوصف به غيره سواء فيما كان لمسماه جثة كراكب وجالس أو فيما ليس لمسماه جثة كمفهوم ومضمر، فإنّه يصح أن يقال: رجل راكب ومعنى مفهوم فعلى هذا لا يكون العزّة (والجلال والكبرياء) صفة عندهم حيث لا يقال: الله العزّة والجلال، وأمّا ههنا فالاسم عبارة عن لفظ دال على الذّات مع صفته كالرّحمن والرّحيم والعالم.

والصّفة عبارة عن المصادر التي تحصل عن وصف الله تعالى بأسماء فاعلها كالرحمة والعلم والعزّة.

ولأنّه يذكر ويراد به المعلوم يقال: اللهم اغفر لي علمك فينا أي معلومك.

وذكر في المبسوط

(2)

(فالعراقيون من مشايخنا يقولون الحلف بصفات الذّات كالقدرة والعظمة والعزّة والجلال والكبرياء يمين.

والحلف بصفات الفعل كالرحمة والغضب لا يكون يمينًا، وقالوا: صفات الذّات ما لا يجوز أن يوصف بضدّه كالقدرة وصفات الفعل ما يجوز أن يوصف بضدّه، يقال رحم فلان فلانًا ولم يرحم فلانًا، وكذلك الغضب، وعلى هذا ينبغي أن يكون في القياس، وعلم الله يكون يمينًا؛ لأنه من صفات الذّات؛ فإنّه لا يوصف بضدّ العلم ولكنّهم تركوا هذا القياس؛ لأنّ العلم يذكر بمعنى المعلوم يقول الرّجل في دعائه اللّهم اغفر لنا علمك فينا أي معلومك ويقال علم أبي حنيفة أي معلومه.

فإن قيل: وقد يقال أيضًا: انظروا إلى قدرة الله، والمراد منه المقدور ثم قوله: وقدرة الله يمين؟. قلنا: معنى قوله انظروا إلى قدرة الله: أي إلى أثر قدرة الله، ولكن بحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه؛ فإن القدرة لا تعاين؛ ولكن هذا الطّريق غير مرضي عندنا؛ لأنّهم يقصدون بهذا الفرق الإشارة إلى مذهبهم أن صفات الفعل غير الله والمذهب عندنا أن صفات الله لا هو ولا غيره فلا يستقيم الفرق بين صفات الفعل وصفات الذّات في حكم اليمين.

(1)

العبارة كاملة: " واليمين بالله تعالى أو باسم آخر من أسماء الله تعالى كالرحمن والرحيم أو بصفة من صفاته التي يحلف بها عرفا كعزة الله وجلاله وكبريائه " انظر: الهداية (2/ 318).

(2)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 132 - 133).

ص: 100

ومنهم من تعلل فيقول: رحمة الله الجنّة قال الله تعالى (فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

(1)

، وإذا كانت الرحمة بمعنى الجنة والسّخط والغضب بمعنى النّار يكون حلفاً بغير الله وهذا أيضاً غير مرضي عندنا فإنّ الرحمة والغضب صفة الله تعالى.

والأصحّ أن يقول: الأيمان مبنية على العرف والعادة فما تعارف النّاس الحلف به يكون يمينًا وإلا فلا، والحلف بقدرة الله وكبريائه وعظمته متعارف وبرحمته وغضبه غير متعارف ولهذا (لم يجعل قوله وعلم الله يمينًا)؛ لأن الحلف بها غير متعارف

[421/ ب] ولهذا قال محمّد رحمه الله: وأمانة الله أنّه يمين ثم لما سئل عن معناه قال: لا أدري. فكأنه وجد العرب يحلفون بأمانة الله عادة، فجعله يمينًا، وفيه خلاف الطّحاوي

(2)

رحمه الله فوجه رواية الأصل أنّه يتعذّر الإشارة إلى شيء بعينه على الخصوص أنّه أمانة، والحلف به متعارف فعلمنا أنّهم يريدون به الصّفة فكأنّه قال والله الأمين) /

(ومن حلف بغير الله لم يكن حالفًا) إلى قوله فليحلف بالله أو ليذر.

فإن قلت: قد أقسم الله تعالى بغير ذاته وصفاته كقوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}

(3)

وقال (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى}

(4)

وقال: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ}

(5)

وغيرها من الآيات فهذا يؤذن على جواز أن يقسم بغير اسم الله وصفاته لما ذكرت أن اقسامه إذن بالإقسام، وذلك لأن ما عظمه الله تعالى فهو واجب التّعظيم، وفي الإقسام بالشّيء تعظيم للمقيم فلا يبعد أن يكون للعبد ولاية تعظيم ما عظمه الله تعالى بالقسم كالله تعالى فكيف جاء النّهي عنه؟

قلت: لا يصحّ هذا القياس؛ لأنّ لله تعالى ولاية الإيجاد والإعدام والأمر والنّهي والتّعظيم والتّحفيز فلما نهى الله تعالى عبده عن الحلف بغيره، لم يبق للعبد ولاية أن يحلف بغيره فإن الله تعالى مفترض الطّاعة واحترام اسمه فرض لا زوال له واحترام غيره مما له زوال؛ فإن حرمته لم يكن لذاته فمن الجائز إن زالت حرمته أو إن لم يزل لكن العبد لا يدري بأي وجه يجوز التّعظيم، فلما نهى الله تعالى العبد عن تعظيم غيره بوجه الإقسام، يجب على العبد أن ينتهي. وأمّا الله تعالى فله ولاية أن يثبت الحرمة لمن شاء بما شاء إلى أي وقت شاء وليس للعبد ذلك، وأمّا ما اعتاد النّاس من الحلف بجان سرتو فإن اعتقد أنّه حلف واعتقد أن البر به واجب يكفر. كذا في محاسن الشّرائع

(6)

وذكر في تتمة الفتاوى قال علي الرازي

(7)

رحمه الله: أخاف على من قال بحياتي وحياتك وما أشبه ذلك؛ أنّه يكفر. ولولا أن العامة يقولون ولا يعلمونه لقلت: أنّه شرك؛ لأنّه لا يمين إلا بالله، وإنّما جعل الله تعالى اليمين بالله ليرعوي الرجل؛ أي ليمتنع الرجل إذا ذكر الله فلا يحلف هو وإذا حلف بغير الله فكأنه أشرك معه، وقال ابن مسعود رضي الله عنه:«لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إلي من أن أحلف بغير الله صادقًا»

(8)

.

(1)

سورة آل عمران آية: (107).

(2)

مختصر الطحاوي في فروع الحنفية للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي الحنفي ألفه كبيرا وصغيرا، ورتبه كترتيب مختصر المزني (ت 321 هـ)، وقد أولع الناس في شرحه. انظر: كشف الظنون (2/ 1627).

(3)

سورة الليل آية: (1).

(4)

سورة الضحى آية: (1).

(5)

سورة الحاقة آية: (39).

(6)

انظر: البحر الرائق (4/ 311).

(7)

عَليّ بن أَحْمد بن مكي الرَّازِيّ الإِمَام حسام الدّين.

انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 353).

(8)

الحديث: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: لَأَنْ أَحْلِفَ بِاللهِ كَاذِبًا، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ (9/ 183)، من مناقب ابن مسعود رضي الله عنه، رقم الحديث (8902)، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ. (رواه موقوفاً). وأخرجه عبد الرزاق (8/ 468)، كتاب الأيمان والنذور، رقم (21) باب: الأَيمَانُ، ولا يُحلَفُ إلَّا بالله، رقم الحديث (15929). وصححه الألباني في الإرواء:(8/ 191)، رقم (2562)، وصحِيح التَّرغِيب والتَّرهِيب:(3/ 76)، كتاب الأدب وغيره، الترهيب من الحلف بغير الله سيما بالأمانة ومن قوله أنا بريء من الإسلام أو كافر ونحو ذلك) رقم الحديث (2953).

ص: 101

حروف القسم: الواو كقوله تعالى: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}

(1)

والباء كقوله تعالى: (بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}

(2)

والتاء كقوله تعالى: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ}

(3)

. (وقد يضمر الحرف) إلى أن قال: لأن حذف الحرف إلى آخره

(4)

.

ذكر لفظ الإضمار في الرواية ولفظ الحذف في التعليل بطريق المسامحة لما أن بينهما فرقًا. فإن المضمر هو ما يبقى أثره نحو قوله تعالى: (انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ}

(5)

أي يكن الانتهاء خيرًا، وقال: لهم إن خيرًا فخير، والمحذوف وهو ما لا يبقى أثره كقوله تعالى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}

(6)

.

ثم قيل ينصب وهو مذهب أهل البصرة. وقيل يخفض وهو مذهب أهل الكوفة كذا في المبسوط

(7)

هذا مستقيم، ولكن تعليله بانتزاع الخافض في النّصب وللدلالة على الكسرة في الجر ليس بمستقيم على ما عليه أهل النّحو، بل النصب لإيصال فعل احلف أو اقسم المقسم به عند حذف حرف الجرّ، فكان انتصابه على أنّه مفعول به وأمّا الجر فلإضمار حرف الجر، والعامل يعمل عمله عند الإضمار، بخلاف الحذف على ما ذكرنا.

وذكر في فتاوى قاضي خان رحمه الله

(8)

: (ولو قال بالله لا أفعل كذا، وسكن الهاء أو نصبها أو رفعها يكون يمينًا؛ لأنّه ذكر اسم الله تعالى بحرف القسم، والخطأ في الإعراب لا يمنع صحّة القسم)؛ لأنّ الباء تبدل بها أي باللام.

والمنكر يراد به تحقيق الوعد فصار كأنّه قال افعل هذا لا محالة؛ وأمّا وَالحَقِّ بحرف التعريف بأن قال والحَقِّ لا أفعل كذا فهو يمين بلا خلاف.

[422/ أ](كقوله والله) قال تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ}

(9)

(ولو قال: اقسم أو أقسم بالله إلى قوله فهو حالف) فإن قلت: اليمين هي ما كان حاملًا على فعل شيء، أو تركه موجبًا للبر، وعند فواته موجبًا للكفارة على وجه الخلافة عن البر، ثم قوله: أقسم ههنا لا يكون موجبًا من البر شيئًا بمجرّده؛ لأنّه لم يعقد يمينه على فعل شيء أو تركه، فكيف يكون هو يمينًا؟ ولأن الكفّارة إنّما تكون لستر الذّنب الذي وقع فيه بسبب هتك حرمة اسم الله تعالى، وليس في أقسم مجردًا هتك اسم الله تعالى فكيف يكون هو موجب للكفارة؟ ولأنّ قوله اقسم صيغة فعل مضارع فكما تكون هي للحال كذلك يكون للاستقبال فلو وجب الكفارة من حيث/ إنّها للحال فلا يجب من حيث إنّها للاستقبال، ولم تكن واجبة قبل هذا فلا يجب بالشّك خصوصاً في حق الكفّارة، فإنّها ملحقة بالحدود، حتّى إنّها إذا اجتمعت تداخلت كالحدود، قلت: الحق قوله أقسم بقوله على يمين فإنّ ذلك موجب للكفارة وذكره في الذّخيرة وغيرها فقال: ولو قال علىَّ يمين أو يمين الله فهو يمين وفي المنتقى

(10)

إذا قال عليّ يمين.

(1)

سورة الأنعام آية: (23).

(2)

سورة لقمان آية: (13).

(3)

سورة الأنبياء آية: (57).

(4)

كامل العبارة "وقد يُضمِرُ الحرف فيكُونُ حَالِفًا كقوله اللَّهِ لا أفعلُ كذَا لأنَّ حذف الحرف من عادة العربِ إيجازًا" انظر: العناية (5/ 70).

(5)

سورة النساء آية: (171).

(6)

سورة يوسف آية: (82).

(7)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 132).

(8)

انظر فتاوى قاضي خان (2/ 1).

(9)

سورة المؤمنون آية: (71).

(10)

المنتقى: للحاكم الشهيد الإمام أبو الفضل محمد بن محمد بن أحمد المروزي البلخي، الشهير بالحاكم الشهيد، العالم الكبير، الفقيه المحدث، شيخ الحنفية في زمانه، كان يحفظ الفقهيّات وستين ألفًا من الحديث الشريف، له: الكافي، المنتقى، توفي شهيدًا وهو ساجد عام (344 هـ).

انظر: الجواهر المضية (3/ 313)، تاج التراجم (ص/ 272)، الفوائد البهية (ص/ 305).

ص: 102

قال: لا كفارة لها هذا قول القائل بقوله علىَّ يمين، أي تجب عليه الكفارة بقوله عليَّ يمين وإن نفى الكفّارة صريحًا بقوله؛ لأن قوله َّعلى يمين لما كان موجبًا للكفارة لا يفيد قوله: لا كفارة، أمّا بعد ذلك

(1)

يريد به الإيجاب فعليه يمين لها كفارة؛ وإنّما كان كذلك؛ لأن كله علىَّ للإيجاب، فلما كان كذلك كان هذا إقرارًا عن موجب اليمين، فموجب اليمين البر إن أمكن وإلا فالكفارة حلف عنه ولم يمكن تحقيق البر ههنا؛ لأنّه لم يعقد يمينه على فعل شيء، أو تركه فكان إقرارًا عن موجب موجب اليمين، وهو الكفّارة على وجه الخلافة، وبالإقرار تجب الحدود، فكذا الكفارة وكذلك في قوله عليَّ نذر، ففيه كفّارة يمين على ما يجيء بعد هذا، فلما كان كذلك في قوله عليَّ يمين.

وفي قوله: عليَّ نذر كان في قوله: أقسم عند قران البينة بالقسم كذلك لما أن أصله الحال في استعمال الفقهاء، حتّى جعل في الشّرع قول المرأة أختار نفسي عند التخيير بمنزلة اخترت، وكذلك قول الموحد: أشهد أن لا إله إلا الله وقول الذي يشهد عند مجلس القضاء بقوله أشهد.

وحاصل ذلك أنّ قوله: أقسم لما كان عبارة عن الإقرار بوجوب الكفّارة بهذا التقرير الذي ذكرنا، خرج الجواب عن جميع السؤالات، فإنّه لما كان عبارة عن الإقرار بوجوب الكفارة، لم يحتج إلى وجوب البرّ ابتداء؛ ولا إلى تصوير هتك اسم الله تعالى ولا إلى جعل تلك الصيغة للاستقبال، ثم عندنا لا يتفاوت بين أن يقول: أقسم وبين أن يقول أقسم بالله فكلّ واحد منهما موجب للكفّارة.

وقال زفر رحمه الله بالفرق بينهما فأوجب اليمين والكفارة عند قران اسم الله تعالى ولم يوجب عند عدم قرانه، فكذلك قوله أحلف وأشهد عندنا يكون يمينًا بدون أن يقرن به اسم الله تعالى وعند زفر رحمه الله لا يكون يمينًا بدون ذكر اسم الله.

أمّا قوله: أقسم فقال زفر رحمه الله: لا يكون يمينًا؛ لأنّ هذا وعد بأن يقسم بهذا اللّفظ، وأنّا نقول هذا اللّفظ عند القِران به ذكر اسم الله تعالى أو عند عدم القِران به يكون يمينًا فيستدل فيه بقوله تعالى:(إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18)}

(2)

والاستثناء يكون في اليمين، وقال تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}

(3)

وكذلك أحلف أو أحلف بالله (قال الله تعالى: (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ}

(4)

وقال (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ}

(5)

، فدلّ أنّ كلّ واحد منهما يمين سواء ذكر قوله بالله أو اطلق؛ لأن الحلف في الظّاهر يكون بالله وكذلك قوله: أشهدا وأشهد بالله كلّ واحد منهما يمينٌ قال الله تعالى: (قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}

(6)

إلى قوله: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً}

(7)

فقد سمّى شهادتهم يمينًا وقال (أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}

(8)

واللّعان يمين قال عليه السلام: «لولا الأيمان التي سبقت لكان لي ولها شأن»

(9)

. (ولأنّ قول الشاهد بين يدي القاضي أشهد في معنى اليمين، ولهذا عظم الوزر في شهادة الزّور؛ لأنّها بمعنى اليمين الغموس) كذا في المبسوط.

(10)

(1)

" قال: لا كفارة لها هذا قول القائل بقوله على يمين، أي تجب عليه الكفارة بقوله عليَّ يمين وإن نفى الكفّارة صريحًا بقوله؛ لأن قوله على يمين لما كان موجباً للكفارة، لا يفيد قوله لا كفارة أمّا بعد ذلك " سقط من (ب).

(2)

سورة القلم آية: (18).

(3)

سورة النحل آية: (38).

(4)

سورة التوبة آية: (96).

(5)

سورة التوبة آية: (62).

(6)

سورة المنافقون آية: (1).

(7)

سورة المنافقون آية: (2).

(8)

سورة النور آية: (6).

(9)

عن عَمرِو ن شعيبٍ عن أَبِيهِ عن جدِّه أَنَّ رجُلًا من الْأَنْصَارِ من بني زريقٍ قذَف امرَأَتَهُ فأتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فردَّدَ ذلِكَ عليهِ أربع مرَّاتٍ فأنزل الله آيةَ الْمُلَاعَنَةِ فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيْنَ السَّائِلُ قَدْ نَزَلَ مِنَ اللهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ» فأبى الرَّجُل إِلَّا أن يُلَاعِنها وأَبَت إِلَّا أن تَدرَأَ عن نفسِها العذاب فتلاعنا فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا هِيَ تَجِيءُ بِهِ أُصَيْفِرَ أُخَيْنِسَ مَنْسُولَ الْعِظَامِ فَهُوَ لِلْمُلَاعِنْ، وَأَمَّا تَجِيءُ بِهِ أَسْوَدَ كَالْجَمَلِ الْأَوْرَقِ فَهُوَ لِغَيْرِهِ» فجاءت به أسود كالجمل الأَوْرَق فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله لعصبة أُمِّه وقال: «لَوْلَا الْأَيْمَانُ الَّتِي مَضَتْ لَكَانَ لِي فِيهِ كَذَا وَكَذَا» لَفظهما واحد.

انظر: سنن الدارقطني (4/ 414)، كتاب النكاح، باب المهر، رقم (3703)، مسند الشاميين للطبراني (1/ 288)، ما انتَهى إلَينا من مُسند ثَور بن يَزيد، رقم (501)، مسند الروياني (2/ 221)، رقم (1079)، المبسوط للسرخسي (7/ 55)، الإيماء إلى زوائد الأمالي والأجزاء (4/ 354)، رقم (3741).

(10)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 23).

ص: 103

ولهذا قيل لا يحتاج إلى النيّة وذكر اشتراط النيّة في الإيضاح فقال فإذا قال أقسم كان يمينًا؛ لأنّ هذه اللّفظة تستعمل للتحقيق وللإيجاب، كما تستعمل للإخبار عن المستقبل كما في كلمة الشّهادة يجعل إخبارًا عن الحال فإذا نوى اليمين فقد جعله إيجابًا.

وقيل: لابدّ منها، أي لابدّ من النيّة فيما إذا أطلق قوله أقسم وغيره عن ذكر اسم الله تعالى. لاحتمالِ العدةِ واليمينِ لغيرِ الله بكسر اليمين بالعطف على الاحتمال أي اشتراط النيّة معلّل بعلّتين هاتين، ولو قال:"سوكند خورم"

(1)

قيل لا يكون يمينًا.

وفي الذّخيرة ولو قال: "مي خورم أو خورمي"

(2)

يكون يمينًا وقيل "سوكند خورم" يمين أيضًا، مذكور في فتاوى النّسفي

(3)

ولو قال: "كند خورده ام" إن كان صادقًا كان يمينًا وإن كان كاذبًا فلا شيء/ عليه، ولو قال "مرا سوكند بطلاق است كه شراب بخورم" فشرب طلقت امرأته.

[422/ ب] وإن لم يكن حلف ولكن قال قلت لدفع تعرضهم لا يصدق قضاء، ولو قال "مراسو كند خانه است كه شراب بخورم" فشرب طلقت امرأته.

(وكذا قوله: لعمر الله) أي فهو يمين أيضًا، وهو معطوف على أصل المسألة وهو قوله:(قال أقسم) إلى آخره. وذكر في المغرب (العمر بالضم والفتح البقاء إلا أن الفتح غلب في القسم لا يجوز فيه الضّم)

(4)

. وفي المبسوط (لعمر الله يمين باعتبار المعنى قال الله تعالى: (لَعَمْرُكَ}

(5)

والعمر هو البقاء والبقاء من صفات الذّات فكأنه قال والله الباقي.

معناه أيمن

(6)

الله وهو جمع يمين وهذا مذهب نحوي الكوفة.

(1)

"سوكند خورم" فارسي.

(2)

كل ما بين علامات التنصيص في هذه الصفحة فارسي.

(3)

للشيخ أبي حفص عمر بن محمد النسفي (ت 537 هـ). انظر: (كشف الظنون 1/ 11).

(4)

المغرب (1/ 327).

(5)

سورة الحِجر آية: (72).

(6)

ذهب الكوفيون إلى أن قولهم في القسم "أيمن الله" جمع يمين. وذهب البصريون إلى أنه ليس جمع يمين، وأنه اسم مفرد مشتق من اليُمْن.

أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أن "أيمن" جمع يمين أنه على وزن أَفْعُل، وهو وزن يختص به الجمع، ولا يكون في المفرد، يدل عليه أن التقدير في قولهم "أيمن الله" أي: عليَّ أَيْمُنُ اللهِ، أي أَيْمَانُ اللهِ عليَّ فيما أُقسم به، وهم يقولون في جمع يمين "أَيْمُنٌ". انظر: الانصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين لأبو البركات، كمال الدين الأنباري (1/ 334).

ص: 104

وقيل: معناه والله وأيم صلة أي قوله وأيم صلة وهو قول البصريين) كذا في المبسوط

(1)

.

وجعل في المفصّل حذف نون أيمن وحذف همزته في الدارج من التّخفيف في القسم ففيه دليل على أن همزته عنده فهمزة قطع كما هو مذهب الفرّاء

(2)

فإنّه يزعم أنّه جمع يمين فهمزته همزة أفعل الذي للجمع وهي همزة قطع فإذا وصلت كان ذلك لأجل التّخفيف في القسم. وذهب سيبويه

(3)

إلى أنّها كلمة اشتقت من اليمين ساكنة الأول فاجتلبت الهمزة للنطق بالسّاكن كما اجتلبت في ابن وأشباهه فعلى هذا المذهب لا يكون الهمزة مخففة في الوصل لأجل القسم كذا في الإقليد.

وكذا إذا قال: علىَّ نذر أو نذر الله. اعلمْ أن ههنا أربع مسائل:

الأولى: أن ينذر نذرًا مطلقًا بأن (يقول لله عليَّ نذر أو نذر الله) فحسب فعليه كفارة يمين وهذا التزام لكفارة اليمين ابتداء بهذه العبارة.

قال عليه السلام: «من نذر نذرًا ولم يسم فعليه كفارة يمين»

(4)

.

(1)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 132).

(2)

يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، مولى بني أسد (أو بني منقر)، أبو زكريا المعروف بالفراء، إِمام الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب. كان يقال: الفراء أمير المؤمنين في النحو. توفي في طريقه إِلى مكة سنة (207) هـ. ومن كتبه: "معاني القرآن"، "اختلاف أهل الكوفة والبصرة في المصاحف"، "مشكل اللغة" وغير ذلك.

انظر: الفهرست (98/ 100)، معجم الأدباء لشهاب الدين الحموي (7/ 276)، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان أبو العباس الإربلي (6/ 176)، نزهة الألباء في طبقات الأدباء للإِنباري (81 - 84)، تاريخ بغداد (14/ 149 - 155).

(3)

هو عمرو بن عثمان بن قَنْبَر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب سِيبَويْه (ومعناه بالفارسية: رائحة التفاح) إِمام النحاة، وأول من بسط علم النحو. مولده بشيراز سنة 148 هـ وقدم البصرة فلزم الخليل بن أحمد الفراهيدي، وصنف كتابه المسمى "كتاب سيبويه" في النحو، لم يصنع قبله ولا بعده مثله. رحل إِلى بغداد، وعاد إِلى الأهواز فتوفى بها-وقيل: وفاته بشيراز-سنة 180 هـ وفي تاريخ وفاته خلاف.

انظر: تاريخ بغداد: (12/ 195)، وفيات الأعيان (3/ 463 - 465)، نزهة الألباء (54 - 58) وغيرها.

(4)

عن ابنِ عبَّاسٍ، أَنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطَاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ» =قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ وَكِيعٌ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْهِنْدِ، أَوْقَفُوهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ» سنن ابي داوود (3/ 241)، كتاب الأيمان والنذور، رقم (21) باب من نذر نذرا لا يطيقه، رقم الحديث (3322)، سنن ابن ماجة (1/ 687)، كتاب الكفارات، باب من نذر نذرا ولم يسمه، رقم (2128)، سنن الترمذي (4/ 106)، أبواب الأيمان والنذور، باب ما جاء في كفارة النذور ان لم يسم، رقم (1528)، وقال هذا حديث حسن صحيح غريب. انظر: نصب الراية (3/ 295).

حكم الألباني: فالصواب في الحديث وقفه على ابن عباس. والله أعلم. انظر: ارواء الغليل (8/ 211).

ص: 105

والثّانية: أن يقول [لله عليَّ صوم يوم الجمعة أو قال عليَّ نذر صوم يوم الجمعة] فعليه الوفاء به وهو الذي ذكر بعد هذا بقوله ومن نذر نذرًا مطلقًا فهو مطلق من حيث إنّه لم يعلقه بشرط، يعني لم يقل إذا جاء فلان أو إن شفى الله مرضي فلله عليّ صوم يوم الجمعة أو نذر صوم يوم الجمعة.

والثّالثة: إذا علّق نذره بشرط كما ذكرنا فعليه الوفاء بما سمّى.

والرابعة: أن يقول عليَّ نذر أن لا أفعل كذا أو عليَّ نذرًا لله أن لا أفعل كذا فهذا ينعقد يمينًا، وموجبه موجب اليمين، كذا ذكره الإمام بدر الدين الكردري

(1)

، رحمه الله ونذكر تمامه فيما بعد إن شاء الله تعالى (وإن قال إن فعلت كذا فهو يهودي) إلى آخره. ثم هل يكفر بهذه اليمين أم لا؟ فقال في المبسوط

(2)

: (وقد روي عن محمّد رحمه الله إذا قال هو يهودي إن فعل كذا هو نصراني إن فعل كذا هما يمينان، وإن قال هو يهودي هو نصراني إن فعل كذا فهو يمين واحدة؛ لأنّ في الأوّل كل واحد من اللّفظين تام يذكر الشّرط والجزاء، وفي الثاني كلام واحد حين ذكر الشّرط مرة واحدة.

ولو حلف على أمر في الماضي بهذا اللّفظ، فإن كان عنده أنّه صادق فلا شيء عليه، وإن كان يعلم أنّه كاذب فكان محمّد بن مقاتل

(3)

يقول يكفر؛ لأنّه علق الكفر بما هو موجود والتّعليق بالوجود تنجيز فكأنّه قال هو كافر.

وعن أبي يوسف رحمه الله أنّه لا يكفر اعتبارًا للماضي بالمستقبل ففي المستقبل هذا اللّفظ يمين يكفّرها كاليمين بالله، وفي الماضي هي بمنزلة الغموس أيضًا والصّحيح أنّه إن كان الرجل عالمًا يعرف أنّه يمين فإنّه لا يكفر به في الماضي والمستقبل.

[423/ أ] وإن كان جاهلًا أو عنده أنه يكفر بالحلف يكفر في الماضي والمستقبل؛ لأنّه لما أقدم على ذلك الفعل، وعنده أنّه يكفر قد رضي بالكفر، وقد أمكن القول بوجوبه أي بوجوب الامتناع. كما نقول في تحريم الحلال، فإنّه موجب للكفارة عندنا، وعند الشّافعي

(4)

رحمه الله لا يكون يمينًا إلا في النساء والجواري

(5)

، ثم وجه تشبيه يمين أنّه إن فعله يهوديّ بتحريم الحلال. (أن معنى اليمين في تحريم الحلال يتحقّق بالقصد إلى المنع أو الإيجاب؛ لأنّ المؤمن يكون ممتنعًا عن تحريم الحلال، فإذا فعل ذلك بيمينه علامة فعله عرفنا أنّه قصد منع نفسه من ذلك الفعل، فكذا في قوله هو كافر إن فعل كذا لأنّ حرمة الكفر حرمة تامة مصمتة كحرمة هتك لحرمة اسم الله تعالى، فإذا جعل فعله علامة/ لذلك كان يمينًا) كذا في المبسوط.

(6)

(1)

انظر: البناية (6/ 131).

هو خواهر زادة، محمد بن محمود بن عبدالكريم، الكردري، بدر الدين، أخذ عن خاله شمس الأئمة الكردري، الذي رباه أحسن تربية، ونشأ عنده نشأة طيبة، حتى بلغ من العلم والفضل، توفي سنة (651 هـ)

انظر: طبقات الفقهاء لكبري زاده ص (108)، الفوائد البهية للكنوي ص (200).

(2)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 134).

(3)

محمد بن مقاتل الرَّازيّ قاضِي الرّيّ. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 134)، ميزان الاعتدال (4/ 47)، لسان الميزان (5/ 388).

(4)

انظر: المجموع شرح المهذب (18/ 4).

(5)

الجواري: جمع جارية وهي الأمة. انظر: المعجم الوسيط (1/ 119)، تاج العروس (37/ 345)، (جرى).

(6)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 135).

ص: 106

لأنّ حرمة هذه الأشياء تحتمل الفسخ والتّبديل، أمّا الزنا والسّرقة

(1)

، فإنّهما لا يحتملان النّسخ

(2)

ولكن ذلك الفعل المقصود بالزّنا وذلك العين المقصود بالسّرقة بعينه جاز أن يكون حلالًا له بوجه النكاح، وملك اليمين، فسمّى احتمال انقلابهما من الحرمة إلى الحلّ بالسّبب الشّرعي نسخًا وتبديلًا، وأمّا الخمر والربا

(3)

فيحتمل النّسخ، أما الخمر فظاهر، فإنّها كانت حلالًا ثمّ انتسخ.

وأمّا الربا فيحتمل النّسخ في نفسه وإن لم يرد النّسخ في حقّه. ألا ترى أنّه يحل في دار الحرب؟ فإذا كان كذلك لم يكن حرمة هذه الأشياء في معنى حرمة اسم الله تعالى؛ لأن حرمته لا تحلّ في حال فلا يتحقّق اليمين بذكر هذه الأشياء، أو نقول: أنّه لا يكون زانياً ولا سارقًا بمجرّد قوله: (أنا زان أو سارق) فيما بَيَنَهُ وبَين الله تعالى، بدون الاتصال بالفعل بخلاف قوله: أنا يهودي أو نصراني، والأصحّ في التّعليل هو أن الحلف بهذه الأشياء من الزنا والسرقة غير متعارف فلا يكون يمينًا بخلاف قوله:(هو يهودي).

وذكر في الذّخيرة: والحاصل أن كل شيء هو حرام حرمة مؤبّدة بحيث لا يسقط حرمته بحال من الأحوال؛ كالكفر وأشباهه فاستحلاله معلّقاً بالشّرط يكون يمينًا، وكلّ شيء هو حرام بحيث تسقط حرمته بحال؛ كالميتة والخمر وأشباهها ذلك فاستحلاله معلّق بالشّرط لا يكون يمينًا. والله أعلم بالصواب

(4)

.

(1)

السَّرِقةُ في اللغة: أخذ الشيء من الغيرُ على وجهُ الخُفيةِ. انظر: لسان العرب (10/ 186)، (سرق).

وفي عرف الفقهاء: هي أخذُ العاقلِ البالغِ نصاباً محرزاً، أو ما قيمته نصاباً مِلكاً للغيرِ لا شبهة له فيه على وجه الخفيةِ. انظر: الاختيار لتعليل المختار (4/ 109).

(2)

النسخ عند الاصوليين: هو اللفظ الدال على انتهاء أمد الحكم الشرعي مع تأخير عن مورده. البرهان في اصول الفقه (2/ 246). وعُرف بتعريف آخر: رفعُ الحُكم الثَّابت بِخطابٍ مُتَقَدِّمٍ، بِخطابٍ مُتَرَاخٍ عنه.

انظر: شرح مختصر الروضة (2/ 256).

(3)

الرِّبَا فِي اللُّغَةِ: هُوَ الزِّيَادَةُ. انظر: لسان العرب (14/ 304)، التعريفات (1/ 109)، (ربا)، وعند الفقهاء: الرِّبَا: هو الفَضلُ الخالي عن العوض المشروط في البيع. انظر: المبسوط للسرخسي (12/ 109)، العناية (7/ 8).

(4)

" بالصواب " ساقطة من (ب).

ص: 107

‌فصل في الكفارة

(1)

لَّما ذكر المُوجِبِ

(2)

شَرع في بَيَانِ المُوجَبِ، وهو الكفارة لكن هو موجب اليمين عند الانقلاب؛ لأنّ اليمين لم تشرع للكفارة بل قد تنقلب موجبةً لها عند انتقاضها بالحنث. وقال الشّافعي رحمه الله: يخيّر لإطلاق النّص

(3)

فإن قلت: هو لا يعمل بالمطلق عند ورود النّصين من المطلق والمقيّد، بل يحمل المطلق على المقيّد فكيف لم يحمل ههنا مع ورود القرائن مطلقًا ومقيّدًا؟ قلت: فإنّه يقول اتجه ههنا أصلان متعارضان:

أحدهما: مقيّد بقيد التفرّق وهو صوم المتعة في الحج.

والثّاني: مقيد بقيد التتابع وهو صوم كفارة القتل والظّهار فلم يمكن لي إلحاق هذا المطلق بأحد المقيدين بعينه لئلا يترك النص المقيّد بالآخر، الذي معارضه فعملت بالمطلق على إطلاقه لذلك وقلنا: (صوم المتعة غير مقيد بالتّفرق، ولكن لا يجوز قبل يوم النّحر؛ لأنّه مضاف إلى وقت الرجوع بحرف إذا في قوله تعالى: (وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}

(4)

فلم يصح تعليله بالتفرّق) إلى هذا أشار في المبسوط

(5)

.

ولنا

(6)

قراءة ابن مسعود رضي الله عنه (فصيام ثلاثة أيّام متتابعات) وهي كالخبر المشهور

(7)

. وفي المبسوط

(8)

ولكنا (نوجب صفة التّتابع بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه فصيام ثلاثة أيّام متتابعات، ثم قال: فيحتاج إلى الفرق بين هذا وبين صدقة الفطر فقد ورد هناك حديثان:

(1)

الكفارة: (الْكَفَّارَة) ما يستغفر به الآثم من صدقة وصوم ونحو ذلك. انظر: المعجم الوسيط (2/ 792)، (الكفارة). بتشديد الفاء، ما يكفر: أي يغطى به الاثم. انظر: معجم لغة الفقهاء (1/ 382).

(2)

الموجِب بكسر الجيم وهو الحنث أي سبب اليمين.

(3)

"كفارة اليمين فإنها مخيرة ابتداء مرتبة انتهاء لأنه يخير ابتداء بين الإطعام والكسوة والإعتاق، فإن لم يقدر على هذه الخصال صام ثلاثة أيام". انظر: إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين للبكري (4/ 43).

مذهب الشافعية: أنه لا يجب التتابع في صوم الثلاثة أيام _ كفارة اليمين _ على القول الأظهر الجديد، والقول القديم: أنه يجب التتابع حملًا للمطلق في كفارة اليمين على المقيد في كفارة الظهار.

أنظر: الوسيط (7/ 218 - 219)، مغني المحتاج (2/ 198)، روضة الطالبين (11/ 21).

(4)

سورة البقرة آية: (196).

(5)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 4).

(6)

انظر: مختصر الطحاوي ص (307)، شرح فتح القدير (5/ 81)، البناية (6/ 33)، الدر المختار (3/ 727).

(7)

رواه عبدالرزاق في مصنفه (8/ 513)، كتاب الأيمان والنذور، رقم (21) باب (صيام ثلاثة أيام وتقديم التكفير) رقم الحديث (16102) عن عطاء قال: بلغنا في قراءة ابن مسعود: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات) قالة وكذلك كنا نقرؤها. وانظر السنن الكبرى للبيهقي (10/ 104)، كتاب الأيمان، رقم (63)، باب التتابع في صوم الكفارة، رقم الحديث (20012)، والحاكم في المستدرك (2/ 303)، كتاب التفسير، سورة البقر، رقم (3091) عن ابي بن كعب.

(8)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 144).

ص: 108

أحدهما قوله عليه السلام: «أدّوا عن كلّ حر وعبد»

(1)

.

والثّاني قوله عليه السلام: «أدّوا عن كلّ حر وعبد من المسلمين»

(2)

ثم لم يحمل المطلق على المقيّد هناك حتّى أوجبنا صدقة الفطر عن العبد الكافر، وهذا لأنّ المطلق والمقيّد هناك في السّبب ولا منافاة بين الشيئين، فالتّقييد في أحد الحديثين لا يمنع بقاء حكم الإطلاق في الحديث الآخر بناء على أصلنا أنّ التعليق بالشّرط لا يقتضي ففي الحكم عند عدم الشرط وههنا المطلق والمقيّد في الحكم وهو الصّوم الواجب كفارة وبين التّتابع والتفرّق منافاة في حكم واحد فمن ضرورة ثبوت صفة التّتابع بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه أن لا يبقى مطلقًا).

ثم المذكور في الكتاب في بيان أدنى الكسوة

(3)

وهو قوله في أوّل الفصل: وأدناه ما يجوز فيه الصّلاة وهو كالسّراويل وهو مروي عن محمّد رحمه الله. وفي رواية أخرى عنه أنّه قال إن أعطى المرأة لا يجوز وإن أعطى الرجل يجوز؛ لأن المعتبر رد العري بقدر ما تجوز به الصّلاة؛ لأنّ ستر العورة فرض لا يجوز الصّلاة بدونه، أمّا ما زاد عليه فَضلٌ يَصِيرُ للتجمل أو للتدفؤ فلا يؤخذ عليه في الكسوة كما لا يُؤَاخَذُ عليه الإدام

(4)

في الطّعام.

[423/ ب] إذا ثبت هذا فنقول/ إذا أعطى الرجل سراويل فقد أعطاه ما يستر به عورته فإذا أعطاه المرأة فلم يعطها ما تستر به عورتها كذا في الذّخيرة

(5)

.

لكن ما لا يجزيه عن الكسوة يجزيه عن الطّعام. فإنّه لو أعطى كلّ مسكين نصف ثوب لم يجزه من الكسوة؛ لأن الاكتساء به لا يحصل ولكنّه يجزيه من الطّعام

(6)

إذا كان نصف ثوب يساوي نصف صاع

(7)

من حنطة وكذلك لو أعطى عشرة مساكين ثوبًا بينهم وهو ثوب كثير القيمة نصيب كل مسكين منهم أكثر من قيمة ثوب لَمْ يُجْزِهِ من الكسوة؛ لأنه لا يكتسى به كلّ واحد منهم ولكن يجزيه من الطّعام) كذا في المبسوط

(8)

.

(1)

عن عبد الله بن ثَعْلَبَةَ قال: خطب رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاس قَبل الفِطرِ بيومٍ أو يومين فقال: «أَدُّوا صَاعًا مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ» .

رواه الدار قطني في سننه (3/ 84)، كتاب زكاة الفطر، رقم (10)، رقم الحديث (2118)، السنن الصغير للبيهقي (2/ 64)، كتاب الزكاة، رقم (5)، باب زكاة الفطر، رقم الحديث (1225 - 1227)، نصب الراية (2/ 406 - 412) كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر، المبسوط للسرخسي (8/ 144).

(2)

المصدر السابق.

(3)

الكُسْوَةُ: اللِّبَاسُ. انظر: لسان العرب (15/ 223)، المغرب (1/ 408)، كلاهما (كسى).

(4)

الإدامُ: ما يؤتدمُ به من الخُبز. انظر: لسان العرب (12/ 10)، مختار الصحاح (1/ 15)، كلاهما (أدم).

(5)

انظر: المحيط البرهاني (1/ 281).

(6)

" لو أعطى كلّ مسكين نصف ثوب لم يجزه من الكسوة؛ لأن الاكتساء به لا يحصل ولكنّه يجزيه من الطّعام " زيادة من (ب).

(7)

الصاعُ: مِكيالٌ لأَهل الْمَدِينَةِ يأْخذ أَربعة أَمدادٍ. وهو وصاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

انظر: لسان العرب (8/ 215)، المصباح المنير (1/ 350)، كلاهما (صوع).

(8)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 153).

ص: 109

فإن قلت: مثل هذا لا يصحّ في صدقة الفطر، فكيف صح ههنا؛ وهو أن كلّ واحد من الكسوة والطّعام منصوص عليه، وما كان منصوصاً عليه في باب لا يصلح بدلاً في ذلك الباب عن غيره، كالثّمر مع الحنطة

(1)

في صدقة الفطر فإنّه لو أدّى نصف صاع من تمر يبلغ قيمته قيمة نصف صاع من حنطة لا يجوز لما قلنا، وقد ذكرناه في صدقة الفطر؟

قلت: نعم كذلك، إلا أنّ أصحابنا رحمهم الله فرقوا بين الكسوة والطّعام وبين التّمر والحنطة فقالوا: إن الطّعام مع الكسوة شيئان مختلفان صورةً وهذا ظاهر ومعنى؛ لأنّ المطلوب من الكسوة في الكفارة ردّ العري، والمطلوب من الطّعام ردّ الجوع، فجاز أن يكون أحدهما بدلاً عن الآخر باعتبار القيمة كالدّراهم مع الطّعام، أما الثّمر مع الحنطة إن كانا شيئين صورة واحد معنى، لأنّ المقصود فيهما واحد وهو ردّ الجوع، فاعتبار الصورة إن كان يجوز أن يكون أحدهما بدلًا عن الآخر، كما في الدّراهم فاعتبار المعنى يمنع لأنّ الشّيء الواحد لا يتصور أن يكون بدلًا وأصلًا. ثم هل يشترط النيّة؟ ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في ظاهر الرواية يجزيه نوى أن يكون بدلًا عن الطّعام أو لم ينو، وعن أبي يوسف رحمه الله إذا نوى أن يكون بدلًا عن الطّعام يجزيه عن الطّعام وإن لم ينوه لا يجزيه، وقال زفر رحمه الله: لا يجزيه نوى أو لم ينو كذا في الذّخيرة

(2)

. لأنّه أداها بعد السّبب؛ لأنّها تضاف إلى اليمين والواجبات تضاف إلى أسبابها حقيقة. ومن قال: علَّيَ يمينٌ تلزمه الكفارة باعتبار أن التزام السّبب يكون كناية عن الواجب به، (وحجّتنا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرّحمن بن سمرة رضي الله عنه

(3)

: «لا تسأل الإمارة فإنّك لو أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطّيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين ورأيت غيرها خيراً منها فائت بالذي هو خير وكفِّر يمينك»

(4)

وما رواه الشّافعي رحمه الله محمول على التّقديم والتّأخير بدليل ما روينا وهذا المعنيين:

(1)

الحِنْطةُ: البُرُّ، أي القمح وَجَمْعُهَا حِنَطٌ. انظر: لسان العرب (7/ 278)، المصباح المنير (1/ 154).

(2)

انظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 195).

(3)

هو عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن مناف، أبو سعيد القرشير العبشمي، سكن البصرة ومات بها سنة خمسين ويقال سنة إحدى وخمسين. انظر: سير أعلام النبلاء ط الحديث (17/ 428)، أسد الغابة ط العلمية (3/ 450)، تهذيب التهذيب (6/ 190)، الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 262).

(4)

عن عبد الرحمنِ بن سَمُرَةَ قال: قال رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَسأَلِ الإِمَارة، فَإِنَّكَ إن أُعطِيتَهَا من غَيرِ مَسأَلَةٍ أُعِنتَ عَلَيها، وإن أُعطِيتَهَا عن مسأَلَةٍ وُكِلتَ إِلَيها، وإذا حَلَفتَ على يَمِينٍ، فَرأَيت غيرها خَيرًا منها، فَأْتِ الذي هو خَيرٌ، وكَفِّر عن يَمينك» . صحيح البخاري (8/ 147)، كتاب كفارات الأيمان، رقم (84)، باب الكفارة قبل الحنث وبعده، رقم الحديث (6722)، صحيح مسلم (3/ 1273)، كتاب الأيمان، رقم (27) باب ندب من حلف يمِينًا فرأَى غيرها خيرًا منها، أَن يأتِي الذي هو خيرٌ، ويُكَفِّرُ عن يَمِينه، رقم (3)، رقم الحديث (1652).

ص: 110

أحدهما: أنّ الأمر يفيد الوجوب حقيقة، ولا وجوب قبل الحنث بالاتّفاق.

والثّاني: أنّ قوله فليكفر أمر بمطلق التّكفير، ولا يجوز مطلق التكفير إلا بعد الحنث، وأما قبل الحنث عنده فيجوز بالمال دون الصّوم، وليس هذا من باب التخصيص؛ لأن ما يكفر به ليس في لفظه، والتّخصيص في الملفوظ الذي له عموم دون ما ثبت بطريق الاقتضاء، والمعنى فيه أن مجرّد اليمين ليس بسبب لوجوب الكفارة؛ لأن أدنى حد درجات

(1)

السّبب أن يكون مؤدّيًا إلى الحكم طريقًا له، واليمينُ مانعةٌ من الحنث مُحَرِّمَةٌ له، فكيف تكون موجبةً لما يجب بعد الحنث؛ ولأن الكفّارة لا تجبُ إلا بعد ارتفاع اليمين، فإن بالحِنثِ اليَمِينُ يرتَفِعُ، وما يكون سببًا للشيء فالوُجُوُبُ يَوقَفُ على تَقَرُّرِهِ لا على ارتفاعهِ، والدّليل عليه أن اليمين ليست بسبب للتكفير بالصّوم حتّى لا يجوز أداؤه قبل الحنث، وبعد وجود السّبب الأداء جائز بدنيًا كان أو ماليًا.

ألا ترى أنّ صوم المسافر في رمضان يجوز لوجود السّبب، وإن كان الأداء متأخرا إلى أن يدرك عدّة من أيّام أخر؟ وإضافة الكفّارة إلى اليمين؛ لأنّها تجب بحنث بعد اليمين كما تضاف الكفّارة إلى الصّوم والإحرام بهذا الطريق؛ ولئن سلّمنا أن اليمين سبب؛ فالكفارة إنما تجب خَلَفًا عن البر الواجب باليمين؛ ليصير عند أدائها كأنّه تم على برّة، ولا معتبر بالخلف في حال بقاء الأصل.

[424/ أ] وقبل الحنث ما هو الأصل باق وهو البر فلا تكون الكفارة خَلفًا كما لا يكون التيمم طهارة مع القدرة/ على الماء، يُقَرِّرُهُ أن الكفَّارةَ توبةٌ، كما قال الله تعالى في كفارة القتل: (تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ}

(2)

والتّوبة قبل الذنب لا تكون، وهو في عقدِ اليمينِ يُعَظِّمُ حُرمَةَ اسم الله تعالى، وإنّما الذنب في هتك حرمة

(3)

اسم الله بالحنث؛ فالتكفير قبل الحنث بمنزلة الطّهارة قبل الحدث، بخلاف كفّارة القتل فإنه جَزَاءُ جِنايَتِهِ، وجِنَايَتُهُ في الجَرحِ إذ لا صُنع له في زُهُوقِ الرُّوحِ.

(1)

" درجات " زائدة في (أ). لأن أدنى حد السبب. كما في المبسوط (8/ 148).

وفي (ب) ساقطة لفظة "حد" لأن أدنى درجات السبب. كما في تبيين الحقائق (3/ 113)، البناية (6/ 137). وفي كلا الحالين لا يتغير المعنى وان اجتمعت اللفظتان فحسن، ويقال: لأن أدنى حد درجات السبب أن يكون مؤدّياً إلى الحكم.

(2)

سورة النساء آية: (92).

(3)

هتك: الهَتْكُ: خرقُ السترِ عما وراءه.

انظر: الصحاح (4/ 1616)، مقاييس اللغة (6/ 32).

ص: 111

وبخلاف الزّكاة، فإنّه شكر للنّعمة، والنّعمة هي المال دون مضي الحول، فكان حولان الحول "باختلافه"

(1)

تأجيلًا فيه، والتأجِيلُ لا ينفي الوُجُوبَ، فكيف يَنفي تَقَرُّرَ السَّبَبِ؟) كذا في المبسوط

(2)

. لقوله عليه السلام: «من حلف على يمين»

(3)

أي المقسم عليه وهو الفعل أو تركه واليمين مركبة من يقسم به وهو الله ومن يقسم عليه وهو (ليقتلن فلاناً) مثلاً فذكر ههنا الكل وأراد به البعض، أو أراد باليمين محلّه، وهو القتل وغيره فكان من قبيل إطلاق اسم الحال على المحل.

وهذا كقوله تعالى: (وَلَا تَجْعَلُوا عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ}

(4)

أي حاجزًا لما حلفتم عليه وسمّى المحلوف عليه يمينًا لتلبّسه باليمين كما قال النبي عليه السلام لعبد الرحمن بن سمرة: «إذا حلفت على يمين»

(5)

الحديث. أي على شيء مما يحلف عليه.

(وقوله تعالى: (أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ}

(6)

عطف بيان لأيمانكم؛ أي للأمور المحلوف عليها التي هي البرّ والتّقوى والإصلاح بين النّاس) كذا في الكشاف

(7)

.

فليأت بالذي هو خير ثم ليكفر يمينه، وهما رواه الشّافعي فليكفر يمينه ثم ليأت بالذي هو خير، وقد ذكرنا قبيل هذا آنفًا أن ما روينا أولى لوجهين وقد ذكرناهما؛ ولأن فيما قلناه وهو تعقيب الكفارة عن الحنث؛ ولأن فيما قلناه وهو الإتيان بالكفارة بعد الحنث تفويت البر إلى جابر، وهو الكفارة لما أن الجابريقتضي سبق خلل المجبور، وهو خلل اليمين بالحنث فيما قلنا فَتَصلُحُ الكفارةُ جابرة، ولا جابر للمعصية في ضده الهاء راجعة إلى الموصول مع صلته وهو ما قلناه في قوله فيما قلناه أي لا جابر لمعصية الحنث فيما قاله الشّافعي رحمه الله لأن الحنث لما تأخر عن الكفارة لم تصلح الكفارة السّابقة جابرة لذلك الحنث؛ لأن الجابر لا يتقدم.

وعن هذا المعنى أخَّرَ سجدتا السّهو عن مقام السّهو إلى آخر الصّلاة مع أنّ العلّة يقتضي اتصال المعلول بها وجوباً وفعلًا؛ لما أنّه لو أتى بسجدتي السّهو حال سهوه ثمّ لو وقع سهو آخر بعده هل يسجد له أم لا؟ فإن سجد كان آتيًا بسجدتي السّهو مكررة وهو غير مشروع وإن لم يأت بهما بقي نقصان بلا جابر وهو أيضاً غير مشروع فصحّ ما ذكره شمس الأئمة السّرخسي رحمه الله في المبسوط

(8)

بقوله: (فالتكفير قبل الحنث بمنزلة الطهارة قبل الحدث) فإنّه إذا تطهر وهو متوضئ ثم أحدث لا يجدي له الطّهارة المتقدّمة على الحدث في حق جواز الصّلاة وغيره؛ فكذلك ههنا.

(1)

ساقط من (ب) وأيضاً في المبسوط (8/ 149).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 148).

(3)

سبق ص (246).

(4)

سورة البقرة آية: (224).

(5)

سبق تخريجه ص (273).

(6)

سورة البقرة آية: (224).

(7)

تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/ 267).

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 149).

ص: 112

(ومن حرم على نفسه شيئاً مما يملكه) بأن قال: حَّرمت علىَّ ثوبي هذا! أو طعامي هذا! (لم يصر محرمًا) أي بعينه (وعليه إن استباحه) بأن لبس ذلك الثوب أو أكل ذلك الطّعام (كفارة يمين). وبما ذكرنا من التّأويل بأنّه لم يصر مُحرمًا لعينه خرج الجواب عمّا يرد شبهة بأن قيل: كيف قال وإن استأجر أي عمل فيه معاملة المباح

(1)

وقد ذكر قبله لم يصر محرمًا ولما لم يصر محرمًا لم يصح فيه لفظ الاستباحة، ولا وجوب الكفارة، ولفظ الاستباحة؛ إنّما يذكر عند تناول الحرام

(2)

وكذلك وجوب الكفارة؛ إنّما يكون عند ارتكاب الحرام من وجه؟

قلنا: إنّه لم يصر مُحرمًا لعينه؛ أما هو صار محرمًا لغيره وهو اليمين الثّابت في قوله: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ}

(3)

، ومثل هذا يتحقق في جميع اليمين المنعقدة على المباح وعلى الطّاعة، بأن قال والله لا يذكر اسم الله فذكر اسم الله ليس بحرام لعينه؛ بل هو طاعة لكن صار حرامًا من حيث تضمنه هتك حرمة اسم الله تعالى، فكان فعله حرامًا لغيره؛ وهو في نفسه طاعة. فإن قلت: في تحريم الحلال لم يتحقّق شيء من ماهية اليمين، ولا يكون يمينًا، ولا يجب فيه ما يجب في اليمين؛ وذلك لأنّ اليمين منحصرة في نوعين ولا ثالث لهما وهما: إما يعظم المقسم به، وهو عند ذكر اسم الله تعالى، أو وقوع ما علقه وهو عند ذكر الشرط والجزاء، وليس في صورة تحريم الحلال التي ذكرناها شيء منهما فلا يكون يمينًا؛ ولأنّه لا ولاية للعبد في تحريم ما حلله الله تعالى؛ فيبطل من حيث يوجد؛ لأنّه لو اعتقد حرامًا للحلال الذي ثبت حله بالدّليل القطعي يكفر.

[424/ ب] قلتُ: نعم كذلك إلا أن كلّ معقول/ يتضاءل

(4)

عند ظهور النصوص السمعيّة

(5)

ويضمحلّ

(6)

كل قياس عند بروز أصل الحُجَجَ الشرعية

(7)

؛ وهو أنّ الله تعالى قال: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}

(8)

قيل إن النبي عليه السلام حرّم العسل على نفسه.

(1)

لفظ «المباح» اسم مفعول من «الإباحة» وهي تأتي بعنى الإحلال والإذن في الأخذ والترك.

واصطلاحاً: ما استوى فعله وتركه في الثواب والعقاب من أفعال المكلفين.

انظر: لسان العرب (2/ 416)، ميزان الاصول للسمرقندي (ص 45، 44)، (بوح).

(2)

الحرام لغةً: ضد الحلال، من حرُم عليه الشيء حُرُمًا، وحرمة، وحرامًا: إذا امتنع.

انظر: الصحاح (5/ 1895)، لسان العرب (12/ 119)، (حرم).

وعند الفقهاء: عبارة عما ثبت النهي عنه بدليل قطعي.

انظر: مجمع الأنهر لشيخي زاده (2/ 523)، مقدمة تحقيق فتح العناية لأبي غدة (ص 17).

(3)

سورة التحريم آية: (1).

(4)

تضاءل عن الشيء: أي ضَعُفَ وتقاصر عنه.

انظر: شمس العلوم (6/ 4036)، أساس البلاغة (1/ 571).

(5)

النصوص السمعيّة هي: ما دَلَّ السَّمْعُ القَاطِعُ من الكتاب والسُّنة على ثُبُوتِهِ.

انظر: الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (4/ 286).

(6)

يضمحلّ: بمعنى ذهب وتلاشى.

انظر: لسان العرب (11/ 396)، (ضمحل)، موت الألفاظ في العربية للصاعدي (1/ 422).

(7)

الحُجَجَ الشَّرْعِيَّة هي: الكتاب والسّنة والإجماع والقيَاس. انظر: أصول السرخسي (1/ 279).

(8)

سورة التحريم آية: (2).

ص: 113

وقيل حرم مارية

(1)

فيعمل بهما ولما ثبت بهذه الآية أن التحريم المضاف إلى الجواري يكون يمينًا بالاتّفاق، كذلك المضاف إلى سائر المباحات.

وعند الشّافعي رحمه الله

(2)

لا يكون هذا يمينًا إلا في الجواري والنّساء وقد ذكرنا التسوية بينهما من حيث النص؛ لأنّ النصّ لم يفصل بين أن يكون المحرم في الإماء أو في غيرها ولأن (معنى اليمين في هذا اللّفظ يتحقّق بالقصد إلى المنع و الإيجاب؛ لأنّ المؤمن يكون ممتنعًا عن تحريم الحلال؛ فإذا جعل ذلك يمينه علامة فعله عرفنا أنه قصد منع نفسه من ذلك الفعل، كما في قوله والله فإن الإنسان يكون ممتنعًا عن هتك حرمة اسم الله تعالى فإذا جعل فعله علامة هتك حرمة اسم الله تعالى كان يمينًا) إلى هذا أشار في المبسوط

(3)

.

(ولو قال: كل حلّ عليَّ حرام فهو على الطّعام والشّراب)

(4)

إلى أن قال ومشايخنا

(5)

قالوا يقع به الطّلاق من غير نيّة.

وذكر في التتمة

(6)

: ولو قال حلال الله عليَّ حرام أوقال حلال خداي أو قال حلال ايزد وله امرأة ينصرف إليها من غير نية وعليه الفتوى. وإن لم يكن له امرأة يجب عليه الكفارة في طلاق النّوازل واختلفوا في قوله: صرحه بدست راست كيرم بروي حرام ههنا ثلاثة ألفاظ ذكرها في التتمة.

(7)

وقال لو قال: [هرجه بدست راست كيرم بروي] حرام ينصرف إلى الطّلاق بلا نية بالعرف. ولو قال: [بدست جب] لا يكون طلاقًا لعدم العرف. ولو قال: [هرجه بدست كيرم] كان طلاقًا وأجابه إلى فتاوى نجم الدّين النّسفي.

(8)

رحمه الله.

ومن نذر نذرًا مطلقًا أي مطلقًا عن ذكر الشّرط ولم يقيّد بالشّرط، حيث قال: لله عليَّ صوم سنّة ولم يعلقه بشيء، كالمنجز عنده أي عند الشّرط ولو نجز النّذر

(9)

لم يخرج عنه بالكفارة فكذا هنا.

(1)

سبق ص (221).

(2)

انظر: الحاوي الكبير (10/ 185).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 135).

(4)

الشَّرابُ: النصيب من الماء. انظر: لسان العرب (1/ 567)، (شرب).

(5)

صاحب الهداية رحمه الله يريد بقوله: «مشايخنا» علماء ما وراء النهر من بخارى وسمرقند.

انظر: رد المحتار لابن عابدين (4/ 495)، مقدمة عمدة الرعاية للكنوي (ص 15) ومقدمة الهداية له (ص 3)، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (1/ 51)، مقدمة في الفقه لأبي الخيل (ص 117).

(6)

انظر: المحيط البرهاني (3/ 229).

(7)

انظر: المحيط البرهاني (3/ 229).

(8)

هو نجم الدين عمر بن محمد النسفي، مفتي الثقلين، له أكثر من مائة مصنف.

انظر: كشف الظنون (2/ 1686)، والفوائد البهية ص (149).

(9)

النذر في اللغة: جمعه نذور، تقول: نذرتُ أنَّذر نذرًا: إذا أوجبت على نفسك شيئاً تبرعًا من عبادة أو صدقةٍ ونحو ذلك.

انظر: لسان العرب (5/ 235)، (نذر).

وعند الفقهاء: إيجابُ عين الفعلِ المباحِ على نفسهِ تعظيمًا لله. انظر: التعريفات (240).

ص: 114

(وعن أبي حنيفة رحمه الله أنّه يرجع عنه) أي رجع عن تعيين الوفاء بنفس النّذر إلى القول بالتّخيير بين كفارة اليمين وبين الوفاء تعيّن ما التزم به، وحاصله أنّه إن علق النّذر بشرط يريد كونه كقوله: إن شفى الله مريضي، أو رد الله غائبي لا يخرج عنه بالكفارة. وإن علّق بشرط لا يريد كونه، كدخول الدّار ونحوه يتخير بين الكفارة، وبين عين ما التزم. هكذا رُوي عن محمّد رحمه الله وهو قول الشّافعي رحمه الله

(1)

في الجديد وكان يقول في القديم يتعيّن كفارة اليمين.

ورُوي أن أبا حنيفة رحمه الله رجع إلى التخيير أيضًا فإن عبد العزيز بن خالد الترمذي

(2)

رحمه الله قال: خرجت حاجًا فلما دخلت الكوفة قرأت كتاب النّذور والكفّارات على أبي حنيفة رحمه الله فلما انتهت إلى هذه المسألة قال: قف فإن من رأيي أن أرجع، فلما رجعت من الحج إذا أبو حنيفة رحمه الله قد توفي فأخبرني الوليد بن أبان

(3)

أنّه رجع قبل موته بسبعة أيّام. فقال: يتخير، وبهذا كان يفتي إسماعيل الزّاهد رحمه الله

(4)

. قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله

(5)

: وهذا اختياري أيضًا لكثرة البلوى به في هذا الزمان، فوجه قوله الأول إطلاق.

«قوله عليه السلام: من نذر نذرًا وسمّى فعليه الوفاء بما سمّى»

(6)

ولأن معنى اليمين لا يوجد ههنا؛ لأنّه ليس في معنى تعظيم المقسم به؛ ولأنّه جعل دخول الدّار علامة التزام الصّوم والصّدقة وفي هذا الالتزام معنى القربة، والمسلم لا يمتنع القربة، فلم يكن فيه معنى اليمين، فلا يكون له خيره حانث اليمين بالكفّارة (ووجه قوله الآخر قوله عليه السلام:«النّذر يمين وكفارته كفارة اليمين»

(7)

، فيحمل هذا على النّذر المعلّق بالشّرط وما رواه على النّذر المرسل، أو المعلق بما يريد كونه ليكون جمعًا بين الآثار. والمعنى فيه أن كلامه يشتمل على معنى النّذر واليمين جميعًا أمّا معنى النّذر فظاهر.

(1)

انظر: التنبية في الفقه الشافعي للشيرازي (1/ 84).

(2)

هو عبد العزيز بن خالد التِّرمذيّ من أصحاب الإِمام أخذ عنه الفِقه من أقرَان نوح بن أبي مَريم حكاهُ صَاحب التَّعلِيم. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 318)، تهذيب التهذيب (6/ 334)، تهذيب الكمال في أسماء الرجال (18/ 125).

(3)

هو: الوليدُ بن أَبَانِ بنِ بُوْنَةَ أَبُو العبَّاسِ الأَصبهَانِيُّ الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، العَلاَّمَةُ، صَاحِبُ (المُسْنَدِ الكَبِيْر) وَ (التَّفْسِيْر).

انظر: سير أعلام النبلاء ط الرسالة (14/ 288)، رقم (183)، ذكر أخبار أصبهان:(2/ 335 - 334).

(4)

هو إِسْمَاعِيل بن علي بن الْحُسَين بن محمد بن الحسن بن زنجويْه الرَّازِيّ أَبُو سعد السمان. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 156) أورده (إسمعيل)، الطبقات السنية في تراجم الحنفية (ص 179).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 136).

(6)

قال الزيلعي في نصب الراية (3/ 300): غريب. وفي الوفاء بالنذر أحاديث منها: ما أخرجه البخاري (11/ 585)، كتاب الأيمان والنذور، رقم (83)، باب النَّذرِ فيما لا يملِكُ وفي معصيةٍ، رقم الحديث (6700)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر ان يعصي الله فلا يعصه» . ا هـ ووافقه ابن الهمام، وقال ابن حجر في الدراية:(2/ 92)، رقم (632) لم أجده.

(7)

الحديث عن عُقْبَةَ بن عَامِرٍ، يقُول: سمعتُ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّمَا النَّذْرُ يَمِينٌ، كَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ "

حديث صحيح، لكن بلفظ:"كفارة النذر كفارة اليمين" رواه مسلم (2/ 1265) كتاب النذر، رقم (26) باب في كفَّارة النَّذر، رقم (5)، رقم الحديث (1645)، وهذا إسناد ضعيف، ابن لهيعة سيئ الحفظ، لكنه قد توبع، وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الصحيح.

انظر: مسند أحمد ط الرسالة (28/ 575) حديث عقبة بن عامر الجهني رقم الحديث (17340)، وأخرجه الطبراني في "الكبير (17/ 272) رقم (746) من طريق أبي صالح الحراني، عن ابن لهيعة، بهذا الإسناد. وفي مسند أبي يعلى الموصلي (3/ 283) رقم (1744). حكم حسين سليم أسد (المحقق): إسناده ضعيف.

ص: 115

[425/ أ]

وأمّا معنى اليمين؛ فلأنّه قصد به المنع عن إيجاد الشرط؛ لأن الإنسان يمتنع عن التزام هذه الطّاعات بالنّذر مخافة أن لا يفي بها فيلحقه الوعيد الذي ذكره الله تعالى بقوله: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا}

(1)

إلى قوله: (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}

(2)

، فإذا جعل دخول الدّار علامة التزامه، ويكون ممتنعًا من التزامه كان يمينًا/ وكذلك من حيث العرف يسمّى يمينًا. يقال: حلف بالنّذر فلوجود اسم اليمين ومعناها قلنا: يخرج بالكفارة ولوجود معنى النّذر. قلنا: لا يخرج عنه إلا بعين ما التزم، بخلاف النّذر الملتزم، فاسم اليمين ومعناها غير موجود فيه، وكذلك المعلّق بشرط يريد كونه؛ لأن معنى اليمين غير موجود فيه وهو القصد إلى المنع، بل قصده إظهار الرغبة فيما جعله شرطًا.

والتخيير بين القليل والكثير في الجنس الواحد باعتبار معنيين مختلفين جائز، كالعبد إذا أذن له مولاه بالجمعة، يتخير بين أداء الجمعة ركعتين أو الظّهر أربعًا، فهذا مثله) كذا في المبسوط.

(3)

إلى أي الجهتين شاء أي النّذر واليمين إذا كان فقيرًا يصوم ثلاثة أيّام أو يصوم صوم نذر سنة، وهذا التخيير جائز لاختلاف النّذر واليمين معنىً، وإن اتخذا صورة ومن حلف على يمين أي محلوف عليه من فعل شيء أو تركه. وقد ذكرناه وفي المبسوط.

(4)

(وإذا حلف على يمين أو نذر وقال: إن شاء الله متّصلًا به فلا شيء عليه عندنا وقال مالك رحمه الله

(5)

: يلزمه حكم اليمين والنّذر لأن الأمور كلّها بمشيئة الله تعالى، فلا يتغيّر بذكره حكم الكلام.

ولكنا نستدلّ بقوله تعالى: (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا}

(6)

ولم يصبر ولم يعاتب على ذلك والوعد من الأنبياء كالعهد من غيرهم. وعن ابن مسعود وابن عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم موقوفًا ومرفوعًا: «من حلف على يمين وقال: إن شاء الله فقد استثنى ولا حنث عليه ولا كفارة»

(7)

إلا أنّ ابن عبّاس رضي الله عنه كان يُجَوِّز الاستثناء وإن كان مفصولًا، لقوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}

(8)

يعني إذا نسيت الاستثناء موصولًا، فاستثن مفصولًا ولسنا نأخذ بهذا فإن الله تعالى بيَّن حكم الزّوج الثّاني بعد التطليقات الثلاث، ولو كان الاستثناء المفصول صحيحًا لكان المطلق يستثنى إذا ندم فلا حاجة إلى المحلّل، وفي تصحيح الاستثناء مفصولًا إخراج العقود كلّها من البيوع والأنكحة من أن تكون ملزمة، وإلى هذا أشار أبو حنيفة رضي الله عنه حين عاتبه الخليفة فقال: أبلغ من قدرك أن تخالف جدي؟ قال: في ماذا يا أمير المؤمنين؟ قال: في الاستثناء المفصول، فقال: إنّما خالفته مراعاة لعهودك، فإذا جاز الاستثناء المفصول فبارك الله لك في عهودك إذًا، فإنّهم يبايعونك ويحلفون ثم يخرجون ويستثنون، فلا يبقى عليهم لزوم طاعتك، فندم الخليفة وقال: استر هذا على تأويل قوله عز وجل: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}

(9)

أي إذا لم تذكر في أوّل كلامك فاذكره في آخر كلامك موصولًا بكلامك.

(1)

سورة الحديد آية: (27).

(2)

سورة الحديد آية: (27).

(3)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 136 - 137).

(4)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 143 - 144).

(5)

انظر: المدونة للإمام مالك (1/ 584).

(6)

سورة الكهف آية: (69).

(7)

عن نافعٍ، عَن ابن عُمر، يَبلُغُ به النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال:" من حَلف على يَمينٍ، فقال: إن شاء الله فقد استثنى " أخرجه أبو داود (3/ 225)، كتاب الأيمان والنذور، رقم (21)، باب الاستثناء في اليمين، رقم الحديث (3261)، والترمذي (4/ 108)، أبواب النذور والأيمان، رقم (18)، باب ما جاء في الاستثناء في اليمين، رقم (7)، رقم الحديث (1531)، والنسائي (7/ 25)، كتاب الأيمان والنذور، رقم (35)، باب الاستثناء، رقم الحديث (3829)، وابن ماجه (1/ 680)، كتاب الكفارات، رقم (11)، باب الاستثناء في اليمين، رقم (6)، رقم الحديث (2106)، وابن حبان (10، 182)، كتاب الأيمان، ذِكرُ إِباحةِ الاستثناء للحالف في يَمينهِ إذا أَعقبها إِيَّاه، رقم (4339)، والحاكم (4/ 336)، كتاب الأدب، كتاب الأيمان والنذور، رقم (7832)، والبيهقي (10/ 79)، كتاب الأيمان، باب الاستثناء في اليمين، رقم (19914) وأحمد (4/ 289)، مسند عبدالله بن عمر بن الخطاب، رقم (4510) من طرق كثيرة كلهم من حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا بألفاظ متقاربة والمعنى واحد.

قال الترمذي: حديث حسن، ولا نعلم أحدا رفعه غير أيوب وقال البيهقي: وقد روى من طريق حسان بن عطية، وكثير بن فرقد، وموسى بن عقبه عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ولا يكاد يصح رفعه إلا من جهة أيوب وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. قلت: قد توبع أيوب فقد أخرجه النسائي (7/ 25) والحاكم (4/ 336) وابن حبان في الثقات (2/ 251) كلهم من طريق كثير بن فرقد أن نافعا حدثهم به مرفوعا وصححه الحاكم، وأقره الذهبي، وهو كما قالا رجاله رجال البخاري، وقد صرح ابن فرقد بالتحديث. وتوبع كثير أيضا فقد أخرجه ابن حبان (4339) من طريق أيوب بن موسى المكي، وإسناده حسن وأيوب هذا غير السختياني، فداك ابن أبي تميمة. وجاء في نصب الراية (3/ 301) ما ملخصه، قال الدار قنطي: قد توبع أيوب السختياني على رفعه تابعه أيوب المكي والأوزاعي اهـ. وانظر تلخيص الحبير (4/ 168 - 167) وعلى كل حال، فمثله لا يقال بالرأي فالصواب أن ابن عمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وإن ذكره أحيانا فلم يرفعه. وأيوب وحده ثقة ثبت، وقد رفعه وتوبع عليه.

انظر: فتح القدير كتاب الأيمان ص (90).

(8)

سورة الكهف آية: (24).

(9)

سورة الكهف آية: (24).

ص: 116

ثم الاستثناء مبطل للكلام ومخرج له من أن يكون عَزِيمةً في قول أبي حنيفة ومحمّد -رحمهما الله-. وفي قول أبي يوسف رحمه الله هو بمعنى الشّرط) وقد ذكرناه في الطّلاق تقديرًا في يمينه، فإن قيل فلمَّا بطل اليمين بالاستثناء فكيف يتحقّق بره والبرّ إنّما يكون في اليمين المثبت لا في المبطل؟.

قلنا: أراد بالبرّ هنا عدم الانعقاد لا لبقائهما، أي البر وعدم الانعقاد في حق عدم وجوب الكفارة، وذلك لأنّ البرّ عدم الحنث، وعدم الحنث تارة يكون بتحقيق بر اليمين، وتارة يكون بعدم انعقاد اليمين، فكان معنى قوله:[فقد برّ في يمينه] أي فلم ينعقد. والله أعلم بالصّواب.

‌باب اليمين في الدّخول والسكنى

(1)

لما كان انعقاد اليمين على فعل شيء أو تركه؛ لم يكن بُدٌّ من ذكر أنواع الأفعال الواردة في اليمين محتسبة بالأبواب، بقي الكلام في تخصيص السكنى والدّخول بالتقديم على سائر الأفعال المهمة من الأكل والشرب وغيرهما، هو أن التّرتيب الوجودي يقتضي الترتيب الوضعي، وهو موجود ههنا وذلك أن الإنسان الذي يتحقّق من اليمين بعد وجوده فأوّل ما يحتاج إليه في حقّه المسكن الذي يدخل فيه ويسكن، ثم يتوارد عليه سائر الأفعال من الأكل وغيره، وإليه وقعت الإشارة في قوله تعالى:(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ}

(2)

[425/ ب] الدخول عبارة عن الانفصال من الظّاهر إلى الباطن، والسكنى عبارة عن الكونِ في مكان على سبيل الاستقرار والدّوام، فإن من جلس في المسجد أو بات فيه لا يُعد ساكنًا، والكون في مكان على سبيل الاستقرار/ والدّوام

(3)

إنّما يكون أن يسكن بنفسه وأهله ومتاعه إن كان له أهل ومتاع، وإن لم يكن فبالإقامة في ذلك المكان يومًا أو أكثر إلى هذا أشار في الذّخيرة

(4)

.

(1)

السكنى: من المسكن وهي الدار التي يأوي إليها ويستقر بها.

انظر: القاموس المحيط (1/ 1205)، المصباح المنير (1/ 282)، (سكن).

(2)

سورة البقرة آية: (22).

(3)

" فإن من جلس في المسجد أو بات فيه لا يعدّ ساكنًا والكون في مكان على سبيل الاستقرار والدّوام " هذه العبارة مكررة في (أ).

(4)

انظر: البناية (6/ 146).

ص: 117

وذكر في المغرب (وأمّا كنيسة اليهود والنّصارى لمتعبدهم فتعريب كنشت عن الأزهري وهي تقع على بيعة النّصارى وصلاة اليهود)

(1)

ويقال في الفارسيّة البيعة "كليسأ ترسابان" والكنيسة "كنشت جهوذان"؛ لأن المبيت ما أعد لبيتوتة، (فإن قيل أليس أن الله تعالى سمّى الكعبة بيتًا بقوله: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ}

(2)

وسمّى المساجد بيوتًا بقوله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}

(3)

؟

قلنا: قد بيّنا أن الأيمان لا تبنى على ألفاظ القرآن، وقد سمّى بيت العنكبوت

(4)

بيتًا، ثم هذا لا يدلّ على أن مطلق اسم البيتِ في اليمينِ يَتَنَاوَلُهُ) كذا في المبسوط

(5)

.

فإن قلت: يشكلُ هذا بما لو حلف لا يهدم بيتًا فهدم بيت العنكبوت؛ فإنّه يحنث

(6)

ذكره في الفوائد الظهيريّة

(7)

فقد أدخل بيت العنكبوت في تلك المسألة يجب مطلق اسم البيت ولم يدخل ههنا فما وجهه؟ قلت: وجهه وما يتلاحق به يأتي في مسألة من حلف لا يأكل الرؤوس في باب اليمين في الأكل بالبيان والشّافي والإيضاح الوافي إن شاء الله تعالى.

الدّهليز: ما بني للبيتوتة فيه سواء كان داخل البيت أو خارجه، وفي المغرب (وقول الفقهاء: ظلّة الدّار يريدون بها السدّة التي فوق الباب)

(8)

وعن صاحب الحصر هي التي أحد طرفي جذوعها على هذه الدّار وطرفها الآخر على حايط

(9)

الجار المقابل وذكر في الذّخيرة

(10)

ولو دخل ظلة باب دار ذكر في الكتاب أنّه لا يحنث، وأراد بالظّلة السّاباط

(11)

الذي يكون على باب الدّار ولا يكون فوقه بناء لأنّه لا ينطلق عليه اسم البيت؛ لأنّه لا يبات فيه وكذلك إذا كان فوقه بناء إلَّا أَنَّ مِفْتَحَهُ إلى الطّريق لا يحنث إذا كان عقد يمينه على بيت شخص بعينه؛ لأنّه ليس من جملة بيته.

(1)

انظر: المغرب (1/ 417).

(2)

سورة آل عمران آية: (96).

(3)

سورة النور آية: (36).

(4)

العَنْكَبُوتُ: دُوَيْبَّة تَنْسُجُ، في الهواء وعلى رأس البئر، نَسجًا رَقِيقًا مُهَلهلًا.

انظر: لسان العرب (1/ 632)، تاج العروس (3/ 445)، (عنكب).

(5)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 169 - 170).

(6)

" مِنْ الْمَشَايِخِ حَكَمَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ والمرغيناني في النهاية وَهُوَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا فَهَدَمَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَنَّهُ خَطَأٌ لأنه مخالف للأصل وللرواية "

انظر تبيين الحقائق (3/ 116)، البناية (6/ 150)، البحر الرائق (4/ 323).

(7)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 117).

(8)

انظر: المغرب (1/ 299).

(9)

الحائطُ: البُسْتانُ من النَّخْلِ إِذا كانَ عَلَيْهِ جِدارٌ.

انظر: تاج العروس (19/ 221)، لسان العرب (7/ 280)، (حائط).

(10)

انظر: بدائع الصنائع (3/ 38).

(11)

السَّاباطُ: سقيفةٌ بين حائطين تحتها طريقٌ. والجمعُ: سوابيط، وسابطاتٌ.

انظر: مختار الصحاح (120)، لسان العرب (7/ 351)، كلاهما (سبط).

ص: 118

(وإن دخل صُفَّةً حنث)، وقيل: هذا إذا كانت الصفة ذات حوايط أربعة وهكذا كانت صفافهم وفي المبسوط

(1)

(من أصحابنا من يقول هذا الجواب أي الجواب بالحنث بناء على عرف أهل الكوفة؛ لأنّ الصُفَّة عندهم اسم لِبَيتٍ يَسكُنُونَها صَيفًا، ومثلها في ديارنا تسمّى كاشانه

(2)

.

وأمّا الصّفة ففي عرف ديارنا غير البيت ولا يطلق عليه اسم البيت بل ينفي عنه فيقال: هذا صفة وليس ببيت فلا يحنث، والأصحّ عندي أن مراده حقيقة ما نسميه الصّفة.

ووجهه: أن البيت اسم لمبنى مسقف مدخله من جانب واحد وهو مبنى للبيتوتة فيه وهذا موجود في الصّفة إلا أن مدخلها أوسع من مدخل البيوت المعروفة فكان اسم البيت متناولًا لها فيحنث سكناها؛ إلا أن يكون نوى البيوت دون الصّفاف فحينئذ يصدق فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنّه خصّ العام ببينة).

قوله: وهو الصّحيح احتراز عن القول الثّاني وهو تقييد الصُفَّة بعرفهم، فإن الصّحيح هو الإطلاق، لوجود المعنى الذي هو البيتوتة في الصّفة وقد شهدت أشعار العرب بذلك قال لبيد

(3)

:

عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّها فَمُقَامُها

بِمنىً تَأَبّدَ غَوْلُها فَرِجَامُهَا

(4)

عفا يعفو لازم ومتعدّ وهنا لازم تأبّد المنزل أي أفقر وألقتة الوحوش.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 167 - 168).

(2)

كاشانه: هي بَيْتِ الضِّيَافَةِ الَّتِي تُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ (كاشأنه).

انظر: الفتاوى الهندية (4/ 387).

(3)

هو لبيد بن ربيعة من بني عامر بن صعصعة، وهي قبيلة مضرية، وأمه من بني عبس. كان في الجاهلية شريفاً جواداً شجاعاً شاعراً وقد أدرك الإسلام وأسلم، وعمر طويلاً حتى مات في خلافة معاوية عام 41 هـ.

وأكثر شعره قاله قبل الإسلام، فلما أسلم لم يقل إلا قليلا. وهو شاعر بدوي يصف في شعره حياة بدوية صحراوية ولاسيما في معلقته التي مطلعها: عفت الديار محلها فمقامها

بمن تأبد غولها فرجامها.

انظر: أشعار الشعراء الستة الجاهليين للأعلم أبو الحجاج (ص: 107).

عفا لازم ومتعد، يقال: عفت الريح المنزل وعفا المنزل نفسه عَفْوًا وَعُفُوًّا وعفاء، وهو في البيت لازم. الْمَحلّ من الديار: ما حل فيه لأيام معدودة، والمقام منها: ما طالت الإقامة به. منى: موضع بحمى ضرية غير منى الحرم، ومنى ينصرف ولا ينصرف ويذكر ويؤنث. تأبد: توحش، وكذلك أبِد يأبَدُ ويأبُدُ أبودًا. الغول والرجام: جبلان معروفان.

انظر: شرح المعلقات السبع للزوزني (ص: 171).

(4)

ديوان لبيد بن ربيعة العامري (1/ 107)، شرح ديوان المتنبي للواحدي (3/ 150).

ص: 119

العول والرجام موضعان يقول عفت ديار الأحباب ما كان منها للحلول وما كان منها لإقامة هذه الدّيار كانت بمنى وقد توحشت الدّيار الغولية والرّجامية.

وقال النابغة

(1)

:

يا دارَ مَيَّةَ بِالعَلياءِ فَالسَنَدِ

أَقوَت وَطالَ عَلَيها سالِفُ الأَبَدِ

وَقَفتُ فيها أُصَيلانًا أُسائِلُها

عَيَّت جَوابًا وَما بِالرَبعِ مِن أَحَدِ

إِلّا الأَوارِيَّ لَأيًا ما أُبَيِّنُها

وَالنُؤيَ كَالحَوضِ بِالمَظلومَةِ الجَلَدِ

[426/ أ] يخاطب دار هذه المرأة بالمكان المرتفع من الأرض والمسند ما قابلك من ارتفاع الوادي والجبل، ثم أخبر عنها فقالت: خلت عن أهلها أي ذهبوا وطال عليها مرور ما مضى من الزمان، ثم يقول: وقفت في هذه الدّار عشية أسألها عن أهلها أين ذهبوا؟ وأين حلو؟ فلم تقدر الدّار على الجواب ولم يكن فيها أحد يجيبني./ الأصيل الوقت بعد العصر إلى المغرب ومن جمعه أصلان مثل بعير وبعران ثم صغروا الجمع فقالوا أصيلان، ثم أبدلوا من النون لامًا فقالوا أُصَيلالٌ، ثم يخبر عن غاية دروسها وخرابها بقوله: إلا أواري الأرى محبس الدّابة لأيًا أي جهدًا يقال: فعل كذا بعد لأي أي بعد شدة وإبطاء. يقول: بعد جهدي عرفت الأداري، شبه النّوى وهي حفيرة حول الخباء لئلا يدخلها ماء المطر بالحوض، لما لم يكن متدفقًا صغيرًا بانهزام جوانبه.

وقوله: بالمظلومة الجلد أي بالأرض التي لا تحفر لصلابتها فجعلها مظلومة؛ لأنّها حفرت في غير موضع الحفر وقال أيضًا قائلهم

(2)

:

الدَّارُ دَارٌ وَإِنْ زَالَتْ حَوَائِطُهَا

وَالْبَيْتُ لَيْسَ بِبَيْتٍ بَعْدَ تَهْدِيمِ

وهذا ظاهر وعن هذا فرق بين قوله: لا تكلم هذا الشاب فكلمه بعدما صار شيخًا يحنث بخلاف ما إذا كلم شيخًا كان هو شابًا وقت يمينه؛ فإنّه لا يحنث لهذا المعنى. فإن قيل: لا كذلك فإن محمدًا رحمه الله ذكر في كتاب الوكالة أنّ الرجل إذا وكّل رجلًا بشراء دار فاشترى دارًا خربة، يقع الشراء للموكّل، وعلى ما ذكر في الكتاب يجب أن لا يقع للموكّل؛ لأنّ الصفة في الغَايِب المُنَّكر مُعتبرة.

(1)

النابغة الذبياني: هو زياد بن معاوية، ويكنى أبا أمامة، وهو من الطبقة الأولى المقدمين. وإنما لقب النابغة لنبوغه في الشعر بعد أن كبر. وكان يضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها. وكان مقدما عند النعمان، ومن ندمائه.

انظر: في ترجمته إلى: طبقات الشعراء لابن سلام (45 - 50)، والشعر والشعراء للدينوري (108 - 128).

(2)

لم اعثر على قائل البيت، لكن هذه بعض المراجع التي أوردتها بدون قائله.

العناية (5/ 97)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 199)، البناية (6/ 149)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 747)، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (4/ 2487)، كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم (1/ 778).

ص: 120

قلنا: الدّار في اليمين نكرة من كل وجه؛ لأنها لم تتعرف بوجه من الوجوه وفي الوكالة قد تعرفت من وجه؛ لأنّ التّوكيل بشراء الدّار إنما يصحّ عند بيان الثّمن وَالمَحَلَّة

(1)

. فإن قيل: البناء لا يخلو إمَّا إن كان داخلًا في المسمّى، أو لم يكن، فإن كان داخلًا وجب أن لا يختلف الحال بالغيبة والحضرة في أنّه يدخل كَعَرصتها

(2)

، وإن لم يكن داخلًا وجب أن لا يختلف الحال أيضًا في أنّه لا يدخل، كما إذا حلف لا يكلم رجُلًا لا يتقيد بيمينه برجل قاعد عالم، وكذا بسائر الصفات الخارجية عنه، وهذا لأنّ البناء وإن كان صفة فهو غير منصوص عليه، فلا يتقيد به وإن كانت غايبةً كما في النّظير وهذه شبهة حارت التحاذير في التقصي عنها. قلنا: البناء صفة متعيّنة للدّار فجاز أن يكون هو مرادًا بحكم العرف لتعينه. وفي الرجال التزاحُمُ في الصّفات ثابت من العلم والعقل والقدرة والصناعة والحسن والجمال وهذه الصفات بأسرها ممتنع عرفًا إرادتها عادة، وليس البعض أولى من البعض في الإرادة فتمتنع الإرادة أصلًا. كذا في الفوائد الظهيرية لأنّها لم تبق دارًا لاعتراض اسم آخر (فمن ضرورة حدوث اسم البيت لهذه البقعة زوال اسم الدّار) كذا في المبسوط

(3)

.

ألا ترى أن المعتكف

(4)

لا يفسد اعتكافه بالخروج إلى سطح المسجد، وكذلك لا يجوز التخلي

(5)

والتغوّط

(6)

على سطح المسجد ولا يجوز للجنب والحائض الوقوف على سطح المسجد؟ وذكر في الإيضاح

(7)

ولو كان فوق المسجد مسكن لم يحنث؛ لأنّ ذلك ليس بمسجد يعني فيما إذا عقد يمينه في أن لا يدخل المسجد، وقيل: في عرفنا لا يحنث.

(1)

الْمَحَلَّةُ: مَنْزِلُ القَومِ. انظر: مختار الصحاح (1/ 79)، تاج العروس (11/ 320)، (دور).

(2)

العرصة: هي كل بقعة ليس فيها بناء فهي عرصة. انظر: البناية (8/ 32)، البحر الرائق (7/ 34).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 171).

(4)

المعتكف من (عَكَفَ) على الشَّيءِ أَقبل عليه مُوَاظِبًا وهو الاحتِباسُ.

انظر: مختار الصحاح (1/ 216)، لسان العرب (9/ 255).

والاعتكاف عند الفقهاء: هو اللبث في المسجد مع الصوم ونية الاعتكاف. انظر: الهداية (1/ 129)، تبيين الحقائق (1/ 347).

(5)

التخلي: هو التفرد لقضاء الحاجة غائطا أو بولا.

انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي القاهري (1/ 135)، سبل السلام (1/ 109)، عون المعبود (1/ 9).

(6)

التغوط: يعنِي إتْيانِ الغَائِطِ وهو قضاء الحاجة.

انظر: فقه اللغة وسر العربية للثعالبي (1/ 204)، اصلاح المنطق لبن السكيت (1/ 224).

(7)

انظر: بدائع الصنائع (3/ 39).

ص: 121

وذكر الإمام قاضي خان رحمه الله في هذا القول في الجامع الصّغير

(1)

بخلاف ما قاله في فتاواه: فإنّه ذكر في الجامع الصّغير قيل: هذا في عرفهم، وأمّا في عرفنا الصّعود على السّطح والحائط لا يسمّى دخولًا فلا يحنث، ثم قال: والصّحيح جواب الكتاب يعني أنه يحنث، وذكر في فتاواه بعدما ذكر جواب الكتاب بأنّه يحنث هذا إذا كانت اليمين بالعربيّة، وإن كانت اليمين بالفارسية فارتقى شجرة في الدّار أو قام على الحائط منها أو صعد السّطح لا يحنث في يمينه وهو المختار؛ لأنّ هذا لا يعدّ دخولًا في العجم، وجه الاستحسان أن الدّخول لا دوام له؛ لأنّه انفصال من الظّاهر إلى الباطن ولم يوجد ذلك بعد يمينه؛ إنّما وجد المكث فيه وذلك غير الدّخول وهو واضح.

وذكر في المبسوط

(2)

(ولو قال والله لأدخلنه غدًا فأقام فيه حتّى مضى الغدُ

(3)

يحنث؛ لأَنَّ شَرْطَ بِرِّهِ وُجُودُ فعل الدّخول في الغد، ولم يوجد المكث فيه فإن نوى بالدّخول الإقامة فيه لم يحنث؛ لأنّ المنوي من محتملات لفظه فإن من الدّخول المقصود الإقامة، فكأنه جعل ذكر الدّخول كناية عما هو المقصود فلذلك لا يحنث)، وهذا بخلاف السّكنى؛ لأنّها مستدام؛ لأنه يضرب له المدة فكان لدوامه حكم الابتداء، وذكر في الفوايد

(4)

دليل فرق بينهما، فقال: ألا ترى أنّه يقال في المتعارف للساكن اسكن هنا كما يقال لغير السّاكن اسكن هنا، ولا يقال للّداخل ادخل هذه الدّار؟.

[426/ ب] وقال زفر رحمه الله: يحنث أي قياسًا. وعندنا لا يحنث أي استحسانًا، ولنا أن اليمين تعقد للبِّر؛ لأن البر مأمور به قال تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}

(5)

/ والحنث منهي عنه قال الله تعالى: (وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا}

(6)

.

فإن قيل: اليمين كما تعقد للبِرِّ فكذلك تعقد للحنث كما في قوله (لَمَسْنَا السَّمَاءَ}

(7)

ونحوه. قلنا: هناك أيضًا عقدت للبرّ لتصوّر البرّ حقيقة، وإن لم يتصوّر عادة ولهذا يصح التوقيت به؛ وإنّما يحنث بعد انعقاده للعجز عادة؛ لا أنّها عقدت للحنث، فإن تصوّره حقيقة كاف لانعقاد اليمين؛ لأن هذه الأفاعيل وهي اللبس والركوب والسّكنى لها دوام بحدوث أمثالها، فكان لدوامها حكم الابتداء، وعن هذا قالوا: لو قال لها: كلما ركبت فأنت طالق فمكثت ساعة تمكنها النّزول فيها طلقت، وإن مكثت ساعة أخرى طلقت أيضًا، لما ذكرنا أنّ للدّوام حكم الابتداء وكَلِمة كُلّمَا تَعُمَّ الأفعال، فيتكرر الجزاء

(8)

بِتَكَرُّر الشّرط.

(1)

انظر: البناية (6/ 151).

(2)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 170).

(3)

"لا" زيادة في (ب)، والصواب ما في (أ) ويؤيده ما في المبسوط (8/ 170)، وتبيين الحقائق (3/ 119)، والدر المختار (3/ 739).

(4)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 119).

(5)

سورة المائدة آية: (89).

(6)

سورة النحل آية: (91).

(7)

سورة الجن آية: (8).

(8)

"بتكرر الجزاء" مكررة، في (أ)، والصواب ما في (ب) ويؤيده ما في العناية (5/ 104)، "وكلمةُ كُلَّما تَعُمُّ الأفعال فَيَتكَرَّرُ الْجَزَاءُ بِتَكَرُّرِ الشَّرط".

ص: 122

فإن قيل: لا كذلك فإن الرجل لو قال: كلّما ركبت دابة فعلي أن أتصدّق بدرهم فركب دابة فعليه درهم، وإن طال مكثه في الركوب وعلى ما قلتم ينبغي أن يلزمه الزيادة على الدّرهم. قلنا: الاستدامة فيما يستدام بمنزلة الإنشاء إذا لم يكن الإنشاء بصفة الخلوص مراراً أمّا إذا كان فلا. ولهذا قلنا: إن في هذا الفصل إذا كان راكبًا زمان اليمين يلزمه في كلّ وقت يمكنه النزول والركوب درهم؛ لأنّ الإنشاء بصفة الخلوص غير مراد كذا في الجامع الصغير لقاضي خان والفوايد الظهيرية

(1)

. ولأنّا لو قلنا بلزوم الدّرهم في كل ساعة بدوامه في الركوب لا يفي له ماله وإن كثر فيلزم الحرج فكان الإنشاء غير مراد فيه لهذا المعنى.

قوله: لأنّه لا يقال دخلت يومًا بمعنى المدّة والتّوقيت إنما قيّد عدم الجواز في قوله يومًا بمعنى التّوقيت؛ لأنّه يقال في مجاري الكلام كثيرًا: فلما دخلت عليه يومًا قال لي كذا. وكذا ولما خرجت منه يومًا كان كذا، وكذا فيقرن الدّخول والخروج بقوله يومًا، لكن المراد منه ذكر مطلق وقت الدّخول والخروج ابتداء لا أن يكون المراد منه ذكر المدّة والتّوقيت. بخلاف اللبس والسكنى والركوب فإنّها تعرف بمعنى المدّة والتوقيت.

(ومن حلف لا يسكن هذه الدّار) إلى قوله حَنِثَ. وهذا إذا كان الحالف متأهّلًا؛ فإن كان ممّن يعوله غيره بأن كان ابنًا كبيرًا يسكن مع أبيه أو كانت امرأةً حَلَفت لا تسكن هذه الدّار فخرج بنفسه وخَلَّفَ أَهلَهُ

(2)

مَتَاعَهُ هُنالك لا يحنث.

وقال الفقيه أبو الليث

(3)

رحمه الله: هذا إذا عقد يمينه بالعربية أمّا إذا عقد يمينه بالفارسية.

(فلا يحنث إذا خرج بنفسه وخَلَّفَ أهله ومتاعه فيها) كذا في الفوايد الظهيرية

(4)

(وهذه المسألة في الحقيقة تَنَبنِي على أصلٍ في مسائل الأيمان بيننا وبين الشّافعي رحمه الله أن عنده العبرة بحقيقة اللفظ والعادة بخلافها لا تعتبر؛ لأنّ المجاز لا يعارض الحقيقة وعندنا العادة الظّاهرة اصطلاح طارئ على حقيقة اللغة، والحالف يريد ذلك ظاهرًا فَيُحمَل كلامه عليه. ألا ترى أن المديون يقول لصاحب الدّين: والله لأجُرَنَّكَ على الشَّوك، يحمل ذلك على شدة المطل دون حقيقة اللّفظ؟ وكان مالك رحمه الله يقول: ألفاظ اليمين محمولة على ألفاظ القرآن وهذا بعيد أيضًا؛ فإن من حلف لا يستضيء بالسّراج فاستضاء بالشّمس لا يحنث والله عز وجل سمّى الشّمس سراجًا) كذا في المبسوط

(5)

(1)

انظر: العناية (5/ 104).

(2)

" أهله " سقط من (ب).

(3)

هو: نصر بن محمد بن أحمد أبو الليث الفقيه السمرقندي، المشهور بإمام الهدى، (ت 373 هـ)، له تفسير القرآن، والنوازل، والعيون، والفتاوى، وخزانة الفقه، وبستان العرفين، وشرح الجامع الصغير، وتنبيه الغافلين، وغير ذلك. انظر: الفوائد البهية (ص 220).

(4)

انظر: البحر الرائق (4/ 332).

(5)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 163).

ص: 123

ولو كان اليمين على الُمصِر لا يتوقف البر على نقل المتاع

(1)

يعني لو حلف لا يسكن هذه البلدة فخرج وترك أهله ومتاعه فيها برّ في يمينه هكذا روى عن أبي يوسف رحمه الله؛ لأنّه لما خرج بنفسه انتقص سكناه لا يقال لمن كان بالكوفة وأهله ومتاعه بالبصرة هو من ساكني البصرة كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله

(2)

.

حتّى لو بقي وَتَدٌ

(3)

يحنث لأن السكنى قد ثبت بالكلّ، فإن قيل قد ينتفي الشيء بانتفاء البعض كما ينتفي بانتفاء الكل كمجموع العشرة والدينار مثلاً فلم لم ينتف السكنى ههنا بانتفاء البعض.

[427/ أ] قلنا: المجموع ينتفي بانتفاء البعض إذا كان المجموع من حيث الأجزاء كمجموع العشرة، أمّا إذا كان من حيث الإفراد لا ينتفي بانتفاء البعض كالرجال/ لا ينتفي بانتفاء بعض الرجال؛ لأن بعد ذلك يبقى الرجال، أمّا العشرة فعشرة باعتبار أجزائها، فما نقص منها شيء لا يبقى عشرة، والسكنى من قبيل الإفراد؛ لأنّه يقال ساكنًا باعتبار بقاء البعض، فإن السُوقِي عامة نهاره في السّوق ويقول اسكن سكة كذا، فصحّ الإخبار بالسّكنى فيها مع أنّ المخبر ليس هو فيها في عامّة أوقاته.

وذكر في المبسوط

(4)

: (فإنّ نقل بعض الأمتعة، فالمروي عن أبي حنيفة رحمه الله أنّه يحنث إذا ترك بعض أمتعته؛ لأنّه كان ساكنًا فيها بجميع الأمتعة فيبقى ذلك ببقاء بعض الأمتعة فيها، وهو أصل لأبي حنيفة رحمه الله حتى جعل بقاء صِفة السّكون في العصير مانعًا من أن يكون خمرًا، وبقاء مسلم واحد آمنًا في بلدة ارتدَّ أهلها مانعًا من أن تصير دار حرب؛ إلا أنّ مشايخنا رحمهم الله قالوا هذا إذا كان الباقي يتأتى به السكنى وأمّا ببقاء مكنسه أو وتدٌ أو قطعة حصير فيها لا يبقى ساكنًا فيها فلا يحنث.

وقال أبو يوسف رحمه الله: يعتبر نقل الأكثر، ومحمّد رحمه الله اعتبر ما يتأثث به؛ لأن السكنى به عادة تكون) والفتوى على قول أبي يوسف رحمه الله قالوا هذا الاختلاف في نقل الأمتعة، فأمّا الأصل فلابد من نقلهم بلا خلاف كذا في الفوايد الظهيرية

(5)

.

(1)

المتاعُ: كل ما ينتفعُ به من عوض الدنيا قليلها وكثيرها. نظر: لسان العرب (8/ 495)، (متع).

(2)

انظر: الجوهرة النيرة (2/ 208).

(3)

الوَتِدُ والوَتَدُ، والوَدُّ: مارُزَّ في الحائِطِ أو الأَرْضِ من الخَشَبِ، والجمعُ: أَوْتادٌ.

انظر: المحكم والمحيط الأعظم (9/ 414)، لسان العرب (3/ 444).

(4)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 163).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 164).

ص: 124

وفي الشّافي

(1)

إن لم يمكنه النّقل من ساعته بعذر الليل أو يمنع ذي سلطان أو عدم موضع آخر ينتقل إليه لم يحنث خلافًا لزفر رحمه الله؛ لأنّ حالة الضرورة مستثناة.

وكذا لو سُدَّ

(2)

عليه الباب فلم يَقدر على النُّقْلَةِ، أو كان شريفًا أو ضعيفًا لا يقدر على نقل المتاع بنفسه، ولم يجد أحدًا ينقلها، لم يحنث حتى يجد من ينقلها، ويلحق الموجود بالعَدَم للعذر. كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله

(3)

. فإن قلت: يشكل على ما ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله

(4)

من عدم الحنث في حالة العذر ما ذكره الشيخ الإمام أبو بكر محمّد بن الفضل

(5)

رحمه الله وهو (أن من قال إن لم أخرج من هذا المنزل اليوم فامرأته طالق فقيد أو منع من الخروج)، وكذا لو قال لامرأته وهي في منزل والدها إن لم تحضري الليلة منزلي فأنت طالق، فمنعها الوالد عن الحضور يحنث.

قلت: إنّما نشأ الفرق بينهما، من حيث إن شرط الحنث في مسألة الكتاب فعله من السكنى وهو أمر وجودي فيما ذكره الفضلي

(6)

شرط الحنث عدم الخروج وعدم الحضور والأمر العدمي لا يتوقّف تحقّقه إلى الاختيار، بل يتحقّق العدم بدون الاختيار، وأمّا السكنى من حيث الوجود إنما يكون فعله إذا حصّله باختياره، فلما أوثقوه وغلبوا عليه ولم يتحقّق منه الانتقال بعذر من الأعذار كان هو مسكنًا، ولا يكون ساكنًا، فلا يكون شرطًا يحنث متحققًا فلا يحنث. إلى هذا أشار في الفوايد الظهيرية

(7)

(1)

"الشافي في شرح الوافي" للشيخ، الإمام: حسين بن محمد السنيقاني، (السمنقاني) الحنفي، من آثاره: الشافي في شرح الوافي، وخزانة المفتين في فروع الفقه الحنفي فرغ منها سنة 740 هـ، وسمنقان بلدة من أعمال نيسابور، تسمى سملقان ولكن المحدثين يكتبونها بالنون.

انظر: معجم المؤلفين (4/ 52)، الأعلام للزركلي (2/ 256)، كشف الظنون (1/ 703).

(2)

سَدَّ: في (أ)"شهيد" والصحيح "سُدَّ" ووردة أيضاً في العناية (5/ 107) لو سُدَّ عليه الباب فلم يقدر على النُّقلَةِ. وسُدَّ بمعنى أغلق. كما في الدر المختار (3/ 751)، درر الحكام (2/ 46) أو أَغلَقَ عَلَيه الباب فَلَم يَستَطِع فَتحَهُ.

(3)

انظر: العناية (5/ 107).

(4)

انظر: البناية (6/ 156).

(5)

هو أبو بكر محمد بن الفضل بن العباس الحنفي البلخي (ت 319 هـ)، له الفتاوى وغيرها.

انظر: كشف الظنون (2/ 1219)، ذكره: في الفتاوى الهندية (1/ 430).

(6)

هو: محمد بن الفضل أبو بكر الفضلي الكماري، كان شيخا جليلا معتمدا في الرواية، مقلدا في الفتوى، (ت 381 هـ). انظر: الفوائد البهية (ص 184).

(7)

انظر: العناية (6/ 156).

ص: 125

فإن انتقل إلى السِّكَّةِ

(1)

أو المسجد قالوا لا يَبَرُّ دَليلهُ في الزيادات إلى آخره.

وقال في الجامع الصّغير لقاضي خان رحمه الله

(2)

اختلفوا فيه قال بعضهم لا يحنث؛ لأنّه لم يبق ساكنًا، وقال بعضهم يحنث؛ لأنّ سكناه لا تنتقص إلا بسكنى أخرى، واستدلّ بمسألة ذكرها في الزيادات

(3)

كوفي نقل عياله إلى مكة ليتوطّن فلما دخلها وتوطن بها بدا له أن يرجع إلى خراسان فمرّ بالكوفة، فإنّه يصلي بها ركعتين، لأنّ وطنه بالكوفة انتقض بوطنه بمكة، وإن بدا له في الطّريق قبل أن يدخل مكة أن لا يستوطن مكة ويرجع إلى خراسان، فمرّ بالكوفة فإنّه يصلي بالكوفة أربعًا؛ لأنّ وطنه بالكوفة قائم ما لم يتخذ وطنًا آخر كذا هنا والله أعلم بالصّواب

(4)

.

‌باب اليمين في الخروج والإتيان والركوب وغير ذلك

وذِكر الخروج هنا ظاهر التّناسب؛ لأن له مناسبة المضادّة بالدّخول وأمّا الإتيان والركوب فما يتحقق بعد الخروج فاستصحبهما ذكر الخروج.

[427/ ب](ومن حلف لا يخرج من المسجد) وكذا الحكم في البيت والدّار، لكن إنّما وضع المسألة في المسجد حملًا ليمينه على العبادة (ولو أخرجه مكرهًا) أي ولو أخرج الإنسان الحالف مكرهًا (لم يحنث) لأنّه لم يوجد من الحالف الفعل لا حقيقة وهو ظاهر ولا حكمًا؛ لأنه لم يأمر به. اعلم أنّ صورة/ المسألة في الإخراج مكرهًا ما إذا حَمَله إنسانٌ فأخرجه مكرهًا فحينئذ لم يوجد منه الفعل أصلًا؛ لأنّه لم يَخرُج بل أُخرِجَ فلا يحنث، وأمّا إذا هدّده غيره فخرج هو بنفسه خوفًا من المكره حنث، لوجود الفعل منه، كما لو حلف لا يأكل هذا الطّعام فأكل مكرهًا حنث، وإن أوجَرَ

(5)

في حَلقِهِ لم يحنث، كذا هنا، ثمّ في مسألة الحمل لما لم يحنث هل يَنحَلَّ اليمين ذكر في شرح القاضي عن السيّد أبي شجاع

(6)

قال يَنحَلَّ، وكذا لو حلف لا يدخل دار فلان فهبّت به الرّيح وألقتة فيها! لم يحنث وتنحَلُّ اليمين،

(7)

وقال غيره من المشايخ: لا ينحلّ، وهو الصّحيح كذا ذكره الإمام التمرتاشي والإمام قاضي خان -رحمهما الله-

(8)

.

(1)

السِّكَّةُ: الطَّرِيقُ الْمُسْتَوِي، وقيل: الزُّقاقُ سُمِّيَتِ الأَزِقَّةُ سِكَكًا لاصطِفَافِ الدُّور فيها كطرائِقِ النَّخل.

انظر: لسان العرب (10/ 441)، تاج العروس (27/ 202).

(2)

انظر: البناية (6/ 156).

(3)

انظر: العناية (5/ 107).

(4)

"بالصواب" سقط من (ب).

(5)

أوجر: الْوَجُورُ صَبُّ الماء أو اللَّبَنِ أَو الدَّوَاءِ أو شيء في الفَمِ.

انظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 141)، مراقي الفلاح شرح نور الايضاح (1/ 252).

(6)

أحمد بن الحسين بن أحمد الأصفهاني الشهير بأبي شجاع. ولد سنه 533 هجرية وتولى الوزارة ومات بالمدينة المنورة وله كتاب الإقناع المشهور في فقه الشافعية. توفي سنة 593 هجرية.

انظر: موسوعة الأعلام (1/ 299).

(7)

" ذكر في شرح القاضي عن السيّد أبي شجاع قال يَنحَلَّ، وكذا لو حلف لا يدخل دار فلان فهبّت به الرّيح وألقتة فيها، لم يحنث ويَنحَلَّ اليمين". ساقط من (ب).

(8)

انظر: العناية (5/ 108).

ص: 126

قوله: في الصّحيح احتراز عن (قول بعض المشايخ رحمهم الله فإنّهم قالوا أنّه يحنث؛ لأنّه لما كان متمكّنًا من الامتناع فلم يمتنع صار كالأمر بالإخراج) كذا في المبسوط

(1)

.

والمُضِيَّ بَعد ذلك ليس بِخُرُوجٍ؛ لأنّ الخروج عبارة عن الانفصال من الباطن إلى الظّاهر، وهو لم يوجد بل وُجد منه (الإِتيَانُ إلى حاجة أخرى) والإتيان غير الخروج؛ لأنّ الإتيان عبارة عن الوصول. (ولو حلف لا يخرج إلى مكة) ههنا ألفاظ ثلاثة:

أحدها: الخروج وقد ذكرنا الجواب عنه ويشترط للحنث فيما إذا عقد يمينه في الخروج إلى مكّة إن تَجَاوَز عُمْرَانَ مِصرِهِ على هذه العزيمة قال الله تعالى: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ}

(2)

وأراد به الانفصال دون الوصول.

والثّاني: الإتيان ويشترط للحنث فيه الوصول قال تعالى: (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ}

(3)

فالمراد به الوصول، وقال عليه السلام:«من أتى امرأته الحائض أو أتاها في غير مَأْتاها أو أتى كاهنًا وصدقه فيما قال فقد كفر بما أنزل على محمّد»

(4)

.

والثّالث: الذّهاب فقد اختلف فيه مشايخنا رحمهم الله قال نصير بن يحيى

(5)

هو بمنزلة الإتيان لقوله تعالى: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ}

(6)

وأراد به الإتيان، وقال محمّد بن سلمة:

(7)

الذّهاب بمنزلة الخروج وهو الصّحيح، قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}

(8)

والتمسك به أنّ الإذهاب أفعال من الذّهاب والإذهاب هو الإزالة وكونه إزالة لا يفتقر إلى وصول الزّائر إلى محلّ آخر، فلما كان الإذهاب إزالة كان الذّهاب زوالًا فلا يشترط فيه الوصول أيضًا؛ ولأنّ الرجل إذا قصد سمرقند

(9)

وخرج من بخارى

(10)

، صحّ أن قال ذهب إلى سمرقند، وهذا إذا لم ينو بالذّهاب شيئًا، وإن نوى به الإتيان أو الخروج صحّت نيته؛ لأنّه نوى ما يحتمله لفظه، ثم في الخروج والذّهاب يشترط للحنث الخروج عن قصد وفي الإتيان لا يشترط القصد للحنث بل إذا وصل إليه حنث قصدًا ولم يقصد كذا في الجامع الصّغير لقاضي خان رحمه الله والفوايد الظهيريّة

(11)

.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 171).

(2)

سورة النساء آية: (100).

(3)

سورة الشعراء آية: (16).

(4)

عن أبي هريرة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَتَى حَائِضًا، أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ كَاهِنًا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» . رواه الترمذي في سننه (1/ 242)، كتاب أبواب الطهارة، رقم (1)، باب ما جاء فِي كَراهِيةِ إِتيانِ الحائِض، رقم الحديث (135)، سنن ابن ماجه (1/ 209)، كتاب الطهارة وسننها، رقم (1)، باب النَّهي عن إِتيان الحَائِض، رقم (122) رقم الحديث (639)، مصنف ابن أبي شيبة (3/ 530)، كتاب النكاح، رقم (9)، ما جاء في إِتيان النِّساء في أَدبارِهِنَّ وما جاء فِيه من الكراهةِ، رقم (16809)، السنن الكبرى للنسائي (8/ 201)، كتاب عشرة النساء، رقم (51)، ذكرُ اختلافِ أَلفاظِ النَّاقِلِين لخبر أَبي هُريرة في ذلك، رقم الحديث (8968)

"حكم الألباني": صحيح. انظر: إرواء الغليل (7/ 68)، رقم الحديث (2006).

(5)

هو نصير بن يحيى وَقيل نصر الْبَلْخِي تفقه على أبي سُلَيْمَان الْجوزجَاني عَن مُحَمَّد روى عَنهُ أَبُو عتاب الْبَلْخِي مَاتَ سنة ثَمان وسِتِّين ومِائتين رحمه الله. انظر: الجواهر المضية (2/ 200) رقم (619).

(6)

سورة طه آية: (43).

(7)

هو محمد بن سَلمة الإِمام، المُحَدِّثُ، المُفتِي، أَبُو عبد الله الحرَّاني، تُوُفِّي في آخِر سنة إِحدى وتِسعِين ومائة، وقيل أَوَّل سنة (192). انظر: سير أعلام النبلاء ط الحديث (7/ 502)، رقم (1326)، الثقات لابن حبان (9/ 40) رقم (15068)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (7/ 276)، رقم (1494).

(8)

سورة الأحزاب آية: (33).

(9)

سمرقند هي: مدينة مشهورة بما وراء النهر قصبة الصغد؛ قالوا: أول من أسسها كيكاوس ابن كيقباذ، وليس على وجه الأرض مدينة أطيب ولا أنزه ولا أحسن من سمرقند. وأهل سمرقند لهم مكارم أخلاق ومحبة في الغريب وهم خير من أهل بخارى. انظر: آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ص: (535)، رحلة ابن بطوطة ط دار الشرق العربي (1/ 293).

(10)

بخارى: مدينة كبيرة عامرة من بلاد ما وراء النهر، ومقر ملك الشرق. وهي مكان رطب ذات فواكه كثيرة ومياه جارية. أهلها رماة وغزاة. ترتفع منها البسط والمصلّيات وثياب من الصوف تستحسن، والشورة التي تحمل إلى الآفاق. ومساحة بخارى اثنا عشر فرسخا في اثني عشر فرسخا، يحيط بها بأسرها سور، وبها قلعة ورباطات، وفي داخل هذا السور قرى. انظر: حدود العالم من المشرق إلى المغرب للسيد يوسف الهادي (1/ 126)، معجم البلدان (1/ 353).

(11)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 121).

ص: 127

وذكر في فصل الطّلاق بالكتاب من فتاوى قاضي خان رحمه الله

(1)

[اكربخانه ما درروي ترا طلاق] فذهبت إلى باب دارها ولم تدخل، اختلف المشايخ، والصّحيح أنّها لا تطلق؛ لأنّهم يريدون بهذا المنع عن الدّخول فلا تطّلق بدونه، فكان ذكر الصّحيح في الفتاوى على خلاف ذكر الصّحيح في الكتاب.

عَنَى استِطَاعَةَ القَضَاءِ

(2)

المراد باستطاعة القضاء: هو استطاعة القضاء والقدر؛ وهي الاستطاعة التي يُقارن الفعل عند أهل السنة والجماعة، وإنّما سمّى استطاعة القضاء؛ لأنّ ذلك الفعل يوجد بإيجاد الله تعالى وقضائه، فإنّه تعالى إذا قضى وجود ذلك الفعل أوجد قدرة العبد مع ذلك الفعل، ولو لم يوجد تلك القدرة لم يوجد ذلك الفعل، فكانت تلك القدرة قدرة مخلوقة لأجل ذلك الفعل المقتضى عليه بالوجود فكانت تلك القدرة أي الاستطاعة.

(استطاعة القضاء دِينَ فِيما بينهُ وبَين الله تعالى) حتى لا يحنث حينئذ أبدًا؛ لأنّه في أي حال لم يفعل فهو غير مستطيع حقيقة؛ لأنّها لا تشتق الفعل كذا في الجامع الصّغير

(3)

لفخر الإسلام رحمه الله ومبسوطه

(4)

.

[428/ أ] ويُطلقُ الاسم: أي اسم الاستطاعةِ على سَلامةِ الآلاتِ وصِحَّةِ الأسبابِ قال الله تعالى: (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}

(5)

وفسّره رسول الله عليه السلام بملك الزاد والرّاحلة

(6)

ويقال: فلان يستطيع كذا وفلان/ لا يستطيع، وَتَصِحُّ نِيَّةُ الأَوَّلِ دِيَانَةً وهو استطاعة القضاء؛ لأنّ الاستطاعة تذكر ويراد بها ذلك قال الله تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}

(7)

ولا تصدق قضاء؛ لأنّه خِلاف الظاّهر، وفيه تخفيف على نفسه، وفي رواية أخرى يصدق قضاء أيضًا؛ لأنّه نوى حقيقة مستعملة. كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله

(8)

قوله لما بينا إشارة إلى قوله: لأنّه نوى حقيقة كلامه.

(9)

ولابدّ من الإذن في كلّ خروج) والحيلة

(10)

في ذلك أن يقول لها كلّما أردت الخروج فقد أذنت لك فإن قال ذلك ثم نهاها لم يعمل نهيه عند أبي يوسف رحمه الله خلافاً لمحمد رحمه الله ولو أذن لها يخرجه ثم نهاها عن تلك الخرجة يعمل نهيه بالإجماع ثم في قوله إن خرجت إلا بإذني أو (لا تخرج امرأته إلا بإذنه)

(11)

فالإذن يتقيد بالنكاح، لأنّ الإذن إنّما يصحّ لمن له المنع وذلك بالنكاح، وكذا السّلطان يحلف رجلاً ليرفعن إليه كلّ داعر يعرفه يتقيد بقيام ولايته، كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله

(12)

.

(1)

انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 234) وردت هكذا: (رجل قال لامرأته أكرتوبخاته مادرروي ترا طلاق فذهبت إلى باب دارها ولم يدخل اختلف المشايخ والصّحيح أنّها لا تطلق لأنّهم يريدون بهذا المنع عن الدّخول فلا تطّلق بدونه).

(2)

لتتمة الكلام نذكر ما قبله " وَلَو حلف ليأتينه غَدا إن استطاع فهذا على استطاعة الصِّحَّة دون القُدرة وَفَسره في الجامع الصَّغِير وقال إِذا لم يمرض ولم يمنعهُ السُّلْطَان ولم يجيء أمر لا يقدر على إتيانه فلم يأته حنث وإن عَنى استطاعة الْقَضَاء

" انظر: بداية المبتدئ (1/ 98).

(3)

انظر: الجامع الصغير للشيباني (1/ 262 - 263)

(4)

انظر: البناية (6/ 161).

(5)

سورة آل عمران آية: (97).

(6)

عن أَنسٍ رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في قوله تبارك وتعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} آل. عمران: 97] قال: قِيل: يا رسول الله ما السَّبيلُ؟ قال: «الزَّادُ والرَّاحِلةُ» الحديث في المستدرك للحاكم قال: هذا حديثٌ صَحيحٌ على شَرط الشَّيخين، ولم يُخرِّجاه " وقَد تَابعَ حمَّادُ بن سلمة سَعيدًا على رِوايتِه، عن قتادة. انظر: المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 609)، كتاب الصوم، بِسم الله الرَّحمن الرَّحيم أَوَّلُ كِتاب المنَاسك، رقم الحديث (1613)، سنن الدار قطني (3/ 213)، كتاب الحج، رقم (12)، رقم الحديث (2413)، السنن الصغير للبيهقي (2/ 133)، كتاب المناسك، رقم (7) باب إثبات فرض الحجِّ على من استطاع إِليه سبيلًا، رقم الحديث (1454).

(7)

سورة النساء آية: (129).

(8)

انظر: العناية (5/ 110).

(9)

تتمة الكلام: "ومن حلف لا تخرج امْرَأَته إِلَّا بإذنه فَأذن لها مرّة فَخرجت ثمَّ خرجت مرّة أخرى بغير إذنه حنث، ولا بُد من الإذن في كل خُرُوج " انظر: بداية المبتدي (1/ 98).

(10)

الحِيلَةُ هي في اللغة: الحذق وجودة النظر في تدبير الأمور. انظر: القاموس المحيط (1/ 989)، المصباح المنير (1/ 157)، لسان العرب (11/ 186)، (حيل).

والمقصود بِحِيَل الفقه: إسقاط حكم شرعي أو قبله إلى حكم آخر بوجه من وجوه التسبب، كتمليك المال قبل الحول فراراً من وجوب الزكاة، وإنشاء السفر بقصد قصر الصلاة أو الأكل في نهار رمضان، وما أشبه ذلك. انظر: الموافقات للشاطبي (2/ 379)، الفكر السامي للحجوي (1/ 363).

(11)

" بإذنه " الإِذنِ هو: الرِّضَا.

انظر: بدائع الصنائع (3/ 46)، الاختيار لتعليل المختار (4/ 56).

(12)

انظر: الدر المختار (3/ 759).

ص: 128

لأنّ المستثنى خروج مقرون بالإذن؛ لأنّ تقدير كلامه لا تخرج امرأته إلا خروجًا مُلصَقاً بالإذن؛ لأنّ الباء للإلصاق فلابدّ من مُلصَقٍ ومُلصَقٍ به، وما وراءه داخل في الحظر أي ما وراء الخروج الملصق بالإذن باقٍ تحت قوله لا تخرج فإذا خرجت بدون الإذن تطلق؛ لأنّه وجد شرط الحنث وهو الخروج بغير الإذن.

وذكر في المبسوط

(1)

(لأنّه استثنى خروجًا بصفة وهو أن يكون بإذنه فإنّ الباء للإلصاق فكلّ خُروجٍ لا يكون بتلك الصّفة كان شرط الحنث موجودًا ومعنى كلامه إلا مُستأذنةً قال الله تعالى: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ}

(2)

أي مأمورين بذلك.

ونظيره [إن خَرَجتِ إلا بِقِنَاع] فإذا خَرجت بِغير قناعٍ مرّةً حنث) ولو نَوَى الإِذنَ مَرَّةً يُصَدَّقُ دِيَانَةً حتّى لا يحنث في المرّة الثّانية إذا خرجت بغير إذنه؛ لأنّه محتمل كلامه أي لأن ما نواه من إذنه مرّة محتمل قوله لا يخرج امرأته إلا بإذنه، وذلك لأن ما نواه من إذنه مرّة موجب الغاية المذكورة بعد هذا وهي أن يقول لا تخرج امرأته من الدّار حتّى يأذن لها، أو قال إلا أن آذن لها، فَبَيَنَ الغاية والاستثناء مناسبةٌ من حيث إن حكم كلّ واحد منهما بعد الاستثناء، والغاية يخالف ما قبلهما فصار قوله إلا بإذنه على تقدير حتّى يأذن لها.

(ولو قال لها إلا أن آذن لك) إلى آخره، وحاصل ذلك أن ههنا ثلاثة ألفاظ: إلا بإذني، وقد مرّ حكمه وحتّى يأذن لها، وإلا أن آذن لكِ، وحكم هذين واحد وهو أن اليمين ينتهي بالإذن مرّة وذلك لأنّ قوله (إلا أن بمعنى حتّى فيما يتوقت قال الله تعالى: (إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}

(3)

أي حتى يحاط بكم. ألا ترى أنّه لا يستقيم إظهار المصدر هنا، بخلاف قوله إلا بإذني فإنّه يستقيم أن يقول إلا خروجًا بإذني؟ فعرفنا أنّه صفة للمستثنى، وههنا لو قال: إلا خروجًا أن آذن لك فإن كلامًا محتملًا، فعرفنا أنّه بمعنى التّوقيت) كذا في المبسوط

(4)

.

فإن قيل: يشكل على هذا قوله تعالى: (لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ}

(5)

فهناك بالإذن مرّة لا تسقط حرمة الدّخول، بل الإذن يحتاج إليه في كل مرّة مع أنّه مذكور بكلمة [إلا أني] فيجب أن يكون الإذن مشروطًا في مسألة الكتاب أيضًا في كل خروج وإن كان مذكورًا بكلمةِ [إلاَّ أَنْ]، كما هناك.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 173).

(2)

سورة مريم آية: (64).

(3)

سورة يوسف آية: (66).

(4)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 173).

(5)

سورة الأحزاب آية: (53).

ص: 129

قلنا: تلك الآية لا تقتضي الإذن في كلّ مرّة من الدّخول بصيغة قوله [إلا أن يؤذن] بل اشتراط الإذن هناك في كلّ مرّة؛ إنّما علم بدليل آخر وهو أن دخول دار إنسان من الآدمي حرام بغير إذنه للاحترام ولقوله تعالى: (لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}

(1)

ووجوب الاستئناس في كلّ مرّة، فكيف في حق بيوت النبي عليه السلام الذي هو أفضل الخلائق وهو واجب التّعظيم وواجب الاجتناب عمّا يكرهه؟ أو نقول: إنَّ اشتراط الإذن هناك في كلّ مرةٍ من الدّخول إنّما عُلِمَ بآخر الآية وهو قوله تعالى: (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ}

(2)

ومعنى الإيذاء موجود في كلّ ساعة، فشرط الإذن في كلّ مرّة إلى هذا أشار في شروح الجامع فينتهي اليمين به أي بالإذن مرّة، وهذه تسمّى يمين الفور أي يمين الحال وهو في الأصل مصدر فارت القدر إذا غلت، فاستعير/ للسّرعة ثم سمّيت به الحالة التي لا ريث فيها ولا لبث، فقيل: جاء فلان وخرج من فوره أي من ساعته، وفي الصّحاح ذهبت في حاجة ثم أتيت فلانًا من فوري، أي قبل أن أسكن والتّحقيق الأوّل

(3)

كذا في المغرب.

[428/ ب] وذكر في الفوايد الظهيريّة يمين الفور مأخوذ من فوران القدر فسمّيت هي بهذا الاسم باعتبار فوران الغضب.

وتفرد أبو حنيفة رحمه الله بإظهاره أي لم يسبق أحد قبله باستنباط هذه اليمين فالنّاس قبله كانوا يقولون اليمين نوعان مؤبّدة ومؤقتة لفظًا ثم استنبط أبو حنيفة رحمه الله هذا النّوع الثّالث وهو المؤبد لفظًا والموقت معنى، وإنّما أخذه من حديث جابر رضي الله عنه وابنه «حين دعيا إلى نصرة رجل، فحلفا أن لا ينصراه ثم نصراه بعد ذلك ولم يحنثا»

(4)

واعتبر في ذلك العرف فإن الحالف في العادة يقصد بهذا اللّفظ منعها عن الخرجة التي تهيّأت إلا من الخروج على التأييد، فإذا عادت فقد تركت تلك الخرجة وانتهت اليمين، فلا يحنث بعد ذلك وإن خرجت.

وقد بيّنا أن العرف معتبر في اليمين، وعلى هذا إذا أراد الرّجل أن يضرب عبده فقال له رجل إن ضربته فعبدي حرّ فتركة، ثم ضربة فإنّه لا يحنث؛ لأنّ المقصود منعه من الضّرب الذي تهيّأ له وقصده. (وكذلك إذا قال للرّجل اجلس فتغدى

(5)

معي فقال إن تغديت إلى آخره) كذا في الجامع الصّغير لشمس الأئمّة السّرخسي رحمه الله

(6)

.

(1)

سورة النور آية: (27).

(2)

سورة الأحزاب آية: (53).

(3)

انظر: المغرب (1/ 367)، والصحاح تاج اللغة (2/ 783).

(4)

لم أجد هذا الأثر الا في العناية (5/ 114)، وتبيين الحقائق (3/ 124).

(5)

الأصل اللغوي (فتغدَّ) بحذف حرف العلة، لأنه جواب الشرط مجزوم بحذف حرف العلة، فإذا نطقه المتحدث وام يحذفه اعتبره الفقهاء ليس جواب الشرط.

(6)

انظر: الهداية (2/ 324).

ص: 130

لأنّه زاد على حرف الجواب فيجعل مبتدئًا، لا بائنًا على سؤاله تحرزًا عن إلغاء هذه الزّيادة، فإن قيل لا كذلك فإنّ الله تعالى قال:(وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)}

(1)

فقد زاد على قدر الجواب ومع ذلك جعل مجيبًا للسؤال لا مبتدئًا.

قلنا: كلمه [ما] تستعمل للسؤال عن الذّات؛ والسّؤال عن الصّفات فيما إذا استعمل في مقام السؤال، فاشتبه على موسى عليه السلام أن السؤال وقع عن الصّفة أو عن الذّات، فجمع بينهما ليكون مجيباً على كلّ حال إلى هذا أشار في الفوايد الظهيريّة

(2)

.

(ومن حلف لا يركب دابة فلان) إلى آخره، اعلم أنّ اسم الدّابة لغة تقع على كلّ ما يدب على وجه الأرض من الحيوانات أي يتحرك مشيًا، قال الله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}

(3)

. ثم ذكر في المبسوط

(4)

(ولو حلف لا يركب دابة فركب حمارًا أو فرسًا أو برذونًا

(5)

أو بغلًا

(6)

حنث، وكذلك إن ركب غيرها من الدّواب في القياس كالبعير والفيل؛ لأنّ اسم الدّابة يتناوله حقيقة وحكمًا فإنّ الدّابة ما يدب على الأرض. وفي الاستحسان لا يحنث، لعلمنا أنّه لم يرد التعميم في كل ما يدب على الأرض وقد عقد يمينه على فعل الركوب، فيتناول ما يركب من الدّواب في غالب البلدان وهو الخيل والبغال والحمير، وقد تأيَّدَ ذلك بقوله تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}

(7)

فإنّما ذكر منه الركوب في هذه الأنواع الثلاثة، فأمّا في الأنعام فذكر منفعة الأكل بقوله (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ}

(8)

وبأن كان يركب الفيل والبعير في بعض الأوقات فذلك لا يدلّ على أنّ اليمين تناوله، ألا ترى أن البقر والجاموس

(9)

يركب أيضًا في بعض المواضع ثمّ لا يفهم أحد من قول القائل ركب فلان دابة البقر؟ إلا أن ينوي جميع ذلك فيكون على ما نوى؛ لأنّه نوى حقيقة كلامه، وفيه تشديد عليه وإن عني الخيل وحدها لم يدين في الحكم؛ لأنّه نوى التّخصيص في لفظه العام، ولو قال: لا أركب ونوى الخيل وحدها، لم يُدَنْ في القضاء، ولا فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأن في لفظه فعل الركوب دون المركب، ونية التخصيص تصحّ في الملفوظ لا فيما لا لفظ له).

(1)

سورة طه آية: (17 - 18).

(2)

انظر: العناية (5/ 114).

(3)

سورة هود آية: (6).

(4)

انظر المبسوط للسرخسي (9/ 12 - 13).

(5)

يطلق على غير العربي من الخيل والبغال، من الفصيلة الخيلية.

انظر: موسوعة الطير والحيوان في الحديث النبوي (ص: 77).

(6)

البغل: وهو ابن الفرس من الحمار. انظر: المعجم الوسيط (1/ 64)، حياة الحيوان الكبرى (1/ 200).

(7)

سورة النحل آية: (8).

(8)

سورة النحل آية: (5).

(9)

الْجَامُوسُ: حَيَوَان أَهلِي من جنس الْبَقر. انظر: المصباح المنير (1/ 108)، المعجم الوسيط (1/ 34).

ص: 131

[429/ أ] قوله: إلا أنّه إذا كان عليه دين مستغرق لا يحنث وإن نوى، هذا استثناء من مقدر غير ملفوظ فإنه لما ذكر قبله (فركب دابةَ عبدٍ مأذونٍ لهُ مديونٍ أو غير مديونٍ لم يحنث) عند أبي حنيفة رحمه الله قدر فيه قوله هذا إذا لم ينو، وأمّا إذا نوى ركوب دابة العبد فيحنث حينئذ بركوب دابة العبد. إلا أنّه إذا كان عليه دين مستغرق لا يحنث، وإن نوى؛ لأنّه لا ملك للمولى فيه عنده. أي فيما ملكه عبده المديون حتّى/ لو أعتق المولى عبد عبده لا يعتق عند أبي حنيفة رحمه الله.

الحديث تمامه فما له لمولاه

(1)

وقال أبو يوسف رحمه الله في الوجوه كلّها يحنث إذا نواه المراد من الوجوه الأوجه الثلاثة وهي:

ما إذا لم يكن عليه دين أو دين غير مستغرق أو دين مستغرق. وقال محمّد رحمه الله يحنث أي في الوجوه كلّها وهي الوجوه الخمسة:

ما إذا لم يكن عليه دين أو كان عليه دين غير مستغرق أو دين مستغرق أو نواه أو لم ينوه. فوجه قول محمّد رحمه الله أنّه ركب دابة مملوكة للمولى فوجب أن يحنث؛ لأنّ العبد وما في يده ملك لمولاه على ما نطق به الحديث

(2)

، وأبو يوسف رحمه الله وافق محمّدًا رحمه الله في أن دين العبد لا يمنع وقوع الملك للمولى في كسبه، ووافق أبا حنيفة رحمه الله في أن مكاسب العبد يمتنع دخولها تحت اليمين في إضافة الدّابة إلى المولى بلا نية ووجه ذلك أن دين العبد عنده لا يمنع وقوع الملك للمولى إلا أنّه يضاف إلى العبد أيضاً فلا يدخل تحت مطلق الإضافة الى المولى إلا بالنيّة. وأبو حنيفة رحمه الله يقول فيما إذا كان الدين مستغرقًا أن الدّين بوصف الاستغراق يمنع ووقوع الملك للوارث والمولى كالوارث فيه؛ لأنّ المولى يحلف العبد في مكاسبه خلافة الوارث المورث؛ لأنّ حاجة العبد مقدّمة على حاجة المولى. ألا ترى أنّ حق العبد مقدّم على حق المولى في قضاء دينه، كما في الوارث مع المورث، وألا ترى أنّ حق العبد في مقدار النّفقة مقدّم على حقّ المولى، كما في الوارث مع المورث، والدّين بوصف الاستغراق مانع، ووقع الملك هنالك فيكون مانعًا وقوع الملك هنا وفيما إذا لم يستغرق فوجهه كما قيل في قول أبي يوسف رحمه الله كذا في الجامع الصّغير لقاضي خان رحمه الله والفوايد الظهيريّة

(3)

(1)

قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِمَوْلَاهُ» لم أجده بهذا اللفظ الا في العناية (5/ 115).

عن سالم بن عبد الله، عن أَبِيهِ رضي الله عنه، قال: سمعت رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ، وَمَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ» والحديث في صحيح البخاري (3/ 115)، كتاب المساقات، رقم (42) باب الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ مَمَرٌّ أَو شِربٌ فِي حَائِطٍ أَو فِي نَخلٍ، رقم الحديث (2379).

(2)

قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِمَوْلَاهُ» الحديث في المرجع السابق.

(3)

انظر: المحيط البرهاني (9/ 392).

ص: 132

‌باب اليمين في الأكل والشرب

وقد ذكرنا أنّ أوّل ما يحتاج إليه الإنسان المسكن، ثمّ بعده أوّل ما يحتاج إليه في حال البقاء الأكل والشرب، فشرع في بيان اليمين فيهما.

اعلم أنّ الأكل هو أن يوصل إلى جوفه ما يتأتى فيه المضغ

(1)

والهشم

(2)

سواء مضغه ثم ابتلعه أو ابتلعه غير ممضوغ، والشُّرب هو أن يوصل إلى جوفه ما لا يتأتى فيه الهشم في حال وصوله مثل الماء واللبن.

وإذا كان في فمه شيء فحلف أن لا يأكل فابتلع الذي كان في فيه ذكر في فتاوى أبي الليث مسألة تدل على الحنث، وذكر الإمام الزندوسي رحمه الله أنّ الأكل والشّرب عبارة عن عمل الشفاه والحلق، والذوق عبارة عن عمل الشّفاه دون الحلق والابتلاع عبارة عن عمل الحلق دون الشفاه. والمص

(3)

عبارة عن عمل اللهاة

(4)

خاصة، فعلى ما ذكره الزندوسي رحمه الله ينبغي أن لا يحنث بابتلاع ما كان في فمه وقت اليمين.

ولو حلف لا يأكل عنبًا أو رمّانًا فجعل يمضغه ويرمي بثفله

(5)

وابتلع ماؤه لم يحنث لا في الأكل ولا في الشرب؛ لأن هذا يسمّى مصّاء ولا يسمّى أكلًا ولا شربًا (ولو حلف أن لا يأكل هذا اللبن، فشربه لا يحنث، وإنما يحنث إذا ثرد

(6)

فيه، ولو حلف أن لا يشرب اللبن فثرد فيه فأكله لا يحنث، قالوا: هذا إذا كانت اليمين بالعربية فإن كانت بالفارسيّة فأكل أو شرب كان حانثًا وعليه الفتوى)

(7)

كذا في الذّخيرة وفتاوى قاضي خان رحمه الله

(8)

.

(1)

المضغ هو: من مَضَغَ الطعام يَمضغُهُ ويَمضُغُهُ مَضغاً. والمَضاغُ بالفتح: ما يُمضَغُ.

انظر: الصحاح (4/ 1326)، مقاييس اللغة (5/ 330).

(2)

الهشم: هو كسر الشيء اليابس. يقال: هشم الثريد. انظر: الصحاح (5/ 2058)، المغرب (1/ 504).

(3)

المص: عبارة عن عمل الشفة خاصة. انظر: التعريفات (1/ 216).

(4)

اللهاةُ: اللَّحْمَةُ المُشْرِفَةُ على الحَلقِ، أو ما بين مُنقَطَعِ أصل اللسان إلى مُنقَطَعِ القلبِ من أعلى الفَمِ.

انظر: القاموس المحيط (1/ 1333)، مجمل اللغة (1/ 796).

(5)

ثفله: هو ما يتخلّف عن الغذاء عند الهضم والنضج.

انظر: كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم (1/ 538).

(6)

ثَرُدَ: من الثَّرِيد وهو ما يُهشَمُ من الخُبزِ ويُبَلُّ بِمَاء القِدر وَغَيره.

انظر: تهذيب اللغة (14/ 63)، الصحاح (2/ 451)، (ثرد).

(7)

انظر فتاوى قاضي خان (2/ 27).

(8)

انظر: العناية (5/ 116).

ص: 133

قوله (فهو على ثمرها) حتّى إذا كانت النخلة

(1)

لا ثمر لها يقع يمينه على ثمنها فلو أكل من ثمنها حينئذ يحنث كذا نقل من مولانا حميد الدّين الضّرير رحمه الله لكن الشّرط أن لا يتغيّر بصنعةٍ جديدةٍ؛ لأن ما يصنعه من ذلك الثّمر ليس بثمر قال الله تعالى: (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ}

(2)

ألا ترى أنّه تعالى كيف عطف قوله: (وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ}

(3)

على الثمر والعطف يقتضي المغايرة؟.

قوله: والدبس

(4)

المطبوخ، فإن قلت: الدبس لا يكون إلا مطبوخًا فما معنى القيد به، قلت: هذا احتراز عمّا أطلق اسم الدّبس على ما يسيل من الرّطب

(5)

كما ذكره في بعض المواضع من الذّخيرة وغيرها، فقيد بالمطبوخ ليخرج ذلك الدّبس، فإن هناك يحنث.

[429/ ب] وذكر في الذّخيرة (إذا حلف لا يأكل من هذه النخلة) شيئًا فأكل من ثمرها أو طلعها أو بسرها

(6)

أو دبسها حنث، ثم قال وأراد من الدبس ما يسيل من الرطب، وإذا اتخذ من الدبس ناطفًا أو نبيذ ولا يحنث في يمينه/ لأن يمينه انصرف إلى ما يخرج من النخلة والنبيذ

(7)

والنّاطف

(8)

لم يخرجا من النخل كذلك، وكذلك لو حلف لا يأكل من هذا الكرم

(9)

شيئًا فأكل من عنبه أو زبيبه أو عصيره حنث في يمينه؛ لأنّ هذه الأشياء خارجة من الكرم، أمّا العنب والزّبيب

(10)

فظاهر. وأمّا العصير فلأنّه ماء العنب؛ إلا أنّه كان متمكّنًا من القشر، ولو أكل من خله لا يحنث؛ لأنّه ليس بخارج منه بهذه الصّفة.

(1)

النَّخلةُ: شجَرَةُ التَّمر. انظر: تهذيب اللغة (7/ 167)، لسان العرب (11/ 652)، (نخل).

(2)

سورة يس آية: (35).

(3)

سورة يس آية: (35).

(4)

الدِّبْسُ هو: عَسَلُ التَّمرِ وعُصارته، وهو عُصارة الرُّطَب من غير طَبخٍ، وقيل: هو ما يُسِيلُ من الرُّطَبِ.

انظر: المغرب (1/ 160)، لسان العرب (6/ 75)، (دبس).

(5)

الرُطب: هو نضيج البسر من قبل ان يتمر، واحدته رُطبه.

انظر: المغرب (1/ 190)، لسان العرب (1/ 419)، (رطب).

(6)

البسر: من أَبْسَرَ النَّخلُ صار ما عَلَيه بُسرًا.

انظر: مختار الصحاح (1/ 34)، لسان العرب (4/ 58)، (بسر).

(7)

النَّبِيذِ: وهو ما يعمَلُ من الأَشربة من التَّمر والزَّبِيب والعَسل والحنطة والشَّعير وغير ذلك.

انظر: المغرب (1/ 452)، لسان العرب (3/ 511)، (نبذ).

(8)

الناطف: نوع من الحلوى. انظر: المُطلِع على أبواب المُقنع (341)، لسان العرب (9/ 400 - 401)، (نطف).

(9)

الكَرمُ: شجر العنب واحدتها كرمةٌ. انظر: الصحاح (5/ 2020)، لسان العرب (12/ 606)، (كرم).

(10)

الزَّبِيبُ: ذاوِي العِنَب، مَعْرُوفٌ. انظر: لسان العرب (1/ 445).

ص: 134

الشيراز: هو اللّبن الرايب أي الخاثر إذا استخرج منه ماؤه حتّى صار الصقراط كالفالوذج

(1)

الخاثر؛ لأن صفة البشورة والرطوبة داعية إلى اليمين والرّطب (وإن كان من جنس البسر إلا أنّ الإنسان قد يمتنع من تناول البسر، ولا يمتنع من تناول الرّطب، وكذلك في الرّطب والتمر، والاصل أنّه متى عقد يمينه على عين بوصف يدعوه ذلك الوصف إلى اليمين تتقيد اليمين ببقاء ذلك الوصف فينزل منزلة الاسم فلذلك (لا يحنث من حلف لا يأكل من هذا الرّطب فأكله بعدما صار تمراً)؛ لأنّ صفة الرطوبة داعية إلى اليمين، فقد يمتنع الإنسان من تناول الرطب دون التمر وهذا بخلاف ما لو حلف لا يكلم هذا الشّاب، فكلّمه بعدما شاخ يحنث؛ لأنّ صفة الشباب ليست بداعية إلى اليمين) كذا في المبسوط.

(2)

لأن هجران المسلم بمنع الكلام منهي عنه فكان الدّاعي وهو الصّبا والشّباب المانع من الصّحبة مردودًا شرعًا؛ لأن الشّرع أمرنا بتحمل أخلاق الصبيان والنصح لهم فبطل الدّاعي بدليل شرعي. بخلاف قوله لا يأكل من هذا الرطب؛ لأنّه لا حجة عن هجران هذه الرطوبة "و"

(3)

الرّغبة فيها فوجب تقييده به كذا في الجامع لفخر الإسلام رحمه الله

(4)

.

فإن قلت: كيف يصحّ هذا التّعليل وهو قوله: لأنّ هجران المسلم إلى آخره في ترك ما دلّ عليه الكلام وهو الصّبا والشباب، مع أنّ اليمين تنعقد في الحرام المحض كما في قوله والله لتشربن الخمر اليوم، قلت: النّهي الشّرعي يصلح دليلًا على ترك الحقيقة فيما إذا كان الكلام محتملًا للمجاز حملًا لأمر المسلم على الصّلاح، وأمّا إذا عقد يمينه على الفعل الذي هو حرام محض قصدًا فينعقد فوجهه وما يقع به من الفرق بينه وبين النذر يأتي بُعَيد هذا.

(ومن حلف لا يأكل رطبًا أو بسرًا) إلى آخره (يقال بسر مذنب بكسر النون وقد ذنِبَ إذا بدا الإرطاب من قبل ذنَبِهِ وهو ما ينتقل من جانب القمع والعلاقة)

(5)

كذا في المغرب.

اعلم أنّ في الإيضاح وشروح الجامع الصّغير للإمام قاضي خان والتمرتاشي -رحمهما الله- والفوايد الظهيريّة وغيرها

(6)

ذكر قول محمّد رحمه الله مع أبي حنيفة رحمه الله في أنّه يحنث وذكر قول محمّد مع أبي يوسف -رحمهما الله- في الكتاب في أنّه لا يحنث والله أعلم بصحّته.

(1)

الفالوذج: ويقال لها الفالوذ أو الفالوذق وهو: اسم فارسي معرب، نوع من الحلوى المطبوخة.

انظر: الصحاح (2/ 568)، (فلذ)، المخصص لأبو الحسن المرسي (1/ 144).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 182).

(3)

في (ب)" أو"

(4)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (1/ 258).

(5)

انظر: المغرب (1/ 178).

(6)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 126)، العناية (5/ 120).

ص: 135

وهذه المسألة على أربعة أوجه:

الأولى: إذا حلف لا يأكل بسرًا فأكل بسرًا مذنِبًا، وهو الذي عامته بسرٌ وفيه شيء من الرطب، حنث في يمينه في قولهم، والثانية: إذا حلف لا يأكل رطبًا فأكل رطبًا مذنبًا وهو الذي عامته رطب وشيء فيه من البسر حنث في قولهم والثالثة: لو حلف لا يأكل

(1)

بسرًا فأكل رطبًا فيه شيء من البسر (يحنث في قول أبي حنيفة ومحمّد -رحمهما الله- ولا يحنث في قول أبي يوسف رحمه الله.

والرّابعة: إذا حلف لا يأكله رطبًا فأكل بسرًا فيه شيء من الرطب حنث عندهما وعند أبي يوسف رحمه الله لا يحنث، فالحاصل أنّ الغلبة إذا كانت للمعقود عليه يحنث عند الكل، وإن كانت الغلبة لغير المعقود عليه

(2)

يحنث عندهما وعند أبي يوسف لا يحنث، وجه قول أبي يوسف رحمه الله أنّ البسر المذنب يسمّى بسرًا، ولهذا لو حلف لا يأكل بسرًا، فأكل بسرًا مذنبًا حنث، وإذا كان بسرًا لا يكون رطبًا؛ لأنّهما شيئان مختلفان، ولهذا لو حلف لا يشتري رطبًا فاشترى بسرًا مذنبًّا لا يحنث، كذا في الجامع الصّغير لقاضي خان رحمه الله

(3)

.

قوله: (وقالا

(4)

لا يحنث في الرّطب) يعني بالبسر وفي البسر بالرطب المذنب

معناه: لا يحنث فيما إذا عقد يمينه في الامتناع من أكل الرّطب، بأن قال لا يأكل رطبًا. ثم أكل البسر المذنب لا يحنثا أيضًا فيما إذا عقد يمينه في الامتناع من أكل البسر بأن قال لا يأكل بسرًا ثم أكل رطبًا مذنِبًا.

[430/ أ] قوله: فيكون أكله أكل البسر والرّطب/ فلما كان كذلك، يحنث في الصّورتين؛ أي فيما إذا حلف على أن لا يأكل رطبًا أو حلف على أن لا يأكل بسرًا وإن كان أحدهما غالبًا والآخر مغلوبًا. ألا ترى أنّه لو تَمَّرَهُ فأكله يحنث إجماعًا، فكذا إذا أكل مع غيره؟ فإن قيل: هذا يُشكل بما إذا حلف لا يشرب هذا اللّبن فصبّ فيه ماء والماء غالب لا يحنث، وإن شرب المحلوف عليه وزيادة.

قلت أنّ اللّبن لما صب الماء فيه شاع وماع في جميع أجزاء اللّبن فصار اللّبن مستهلكًا ولهذا لا يرى مكانه، بخلاف ما نحن فيه؛ لأنّه يرى مكانه فكان قائمًا زمان التّناول.

(1)

"رطباً فأكل رطباً مذنباً وهو الذي عامته رطب وشيء فيه من البسر حنث في قولهم ولو حلف لا يأكل " سقط من (ب).

(2)

" يحنث عند الكل وإن كانت الغلبة لغير المعقود عليه " سقط من (أ) والصواب ما في (ب).

(3)

انظر: الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (3/ 305).

(4)

أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-.

ص: 136

وفيما قال من النظير في الكتاب فيمن حلف لا يأكل شعيرًا فأكل الحنطة فيها حبات شعير يحنث، نَظَرًا؛ لأنّه لما أكلهما حبةً حبّة كان أكلًا للشّعير منفردًا، فلو أكل في البسر المذنب أو الرّطب المذنب جزءًا فجزءًا منفردًا، بأن ميّز الرّطب المذنِب أجزاءً فأكل كلّ جزء منها منفردًا، يحنث بالاتفاق، فكذا في الحنطة مع الشّعير؛ فإذًا لا خلاف بينهم من هذا الوجه؛ وإنّما الخلاف في الأكل بصفة الاختلاط إلى هذا أشار في الفوايد الظهيريّة

(1)

الكباسة:

(2)

بسرٌ فيها رطَب.

(وإن أكل لحم خنزير

(3)

أو إنسان يحنث)؛ لأنّه لحم حقيقي.

فإن قيل: الكفّارة فيها معنى العبادة، فلا يناط وجوبها بالحرام المحض، فأكل لحم الخنزير والإنسان حرام محض، فكيف تعلّق وجوبها به؟ قلنا: الحلّ والحرمة إنّما يراعيان في السّبب لا في الشّرط والسّبب في وجوب كفارة اليمين في الحقيقة اليمينُ، وإن كان وجوب الكفارة متعلّقاً باليمين والحنث، ألا ترى أن ضمان نصف المهر على شهود اليمين، لا على شهود الشّرط إذا رجعوا بعد حكم القاضي بالطّلاق، فيمن قال لامرأته قبل الدّخول بها إن دخلت الدّار فأنت طالق، فوجوب الطّلاق في اليمين بالشّرط، والجزاء قائم مقام وجوب الكفارة في اليمين بالله؟

فعلم بهذا أن أصل وجوب الكفارة باليمين بالله لا بالحنث، وإنّما لم يجز تقديم الكفارة على الحنث ليكون سبب الكفارة موصوفاً بالإباحة مع الحظر، الإباحة هي اليمين والحظر هو الحنث فيها، ولكن فرق مع ذلك بين اليمين والنّذر في أنّ انعقاد اليمين يصح ابتداء في المعصية، بخلاف النّذر حتّى لو قال والله لَيَشرَبَنَّ الخمر في هذا اليوم فمضى اليوم ولم يشرب، تجب الكفارة فصار امتناعه عن المعصية بعد اليمين بالله سبباً للكفّارة، بخلاف النّذر فإنّه لا يصحّ في المعصية.

والفرق أن تمام وجوب الكفّارة في اليمين بالله ليس بعينها؛ بل لمعنى في غيرها؛ وهو هتك اسم الله تعالى، وهو لا يتفاوت بين أن يكون يمينه في الطّاعة أو في المعصية، فإن ذلك دائر بالهتك لا بكونه طاعة، ولا بكونه معصية بخلاف النّذر، فإنّه إيجاب على نفسه ممّا شرعه الله تعالى على العباد ولم يشرع الله تعالى المعاصي، فلم يصح نذره في المعاصي فلو نذر في المعصية لم يصادف نذره محلّه فلم ينعقد لذلك موجبًا للمنذور.

(1)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 126).

(2)

الْكِبَاسَةُ: هي عُنقُودُ التَّمرِ، القِنوُ وهو بالفارِسِيَّة خُوشَه خُرمًا.

انظر: المغرب (ص: 308)، طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 77).

(3)

خنزير: هُوَ من الوَحْشِ العادِي، وَهُوَ حَيوانٌ خَبيثٌ.

انظر: تاج العروس (11/ 156)، معجم اللغة العربية المعاصرة (1/ 701)، (خنزر).

ص: 137

ولأنّ النّذر موجب بنفسه وهو وفاء المنذور قال الله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}

(1)

واليمين توجب

(2)

للكفارة لمعنى في غيرها؛ وهو صيانة اسم الله تعالى عن الهتك، والهتك لا يتفاوت بين أن يكون في الطّاعة أو في المعصية، فوجبت الكفارة عند الهتك وإن كان انعقاد يمينه في المعصية، لوجود خاصيّة الشّحم فيه وهو الذّوب بالنّار فإنّ الشّحم كله يذوب بالنّار وشحم الظّهر أيضًا يذوب بالنّار فكان شحمًا.

وأمّا اللّحم فلا يذوب بالنّار، فيكون شحم الظّهر شحمًا، وأيّد ذلك صحّة الاستثناء في قوله تعالى: (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا}

(3)

والمستثنى من جنس المستثنى منه إلا أن في مسألة الشراء لا يحنث؛ لأن الشّراء لا يتم بالحالف وإنّما يكون مشتريًا للشّحم إذا اشترى ما يسمى بَايُعَهُ شَحَّامًا فأمّا الأكل يتم بالأكل وحده. ألا ترى أنّه لو حلف لا يشتري طعامًا فاشترى لحمًا لا يحنث وفي الأكل يحنث؟ وأبو حنيفة رحمه الله يقول ما على الظهر في عرف النّاس لا يسمّى شحمًا مطلقاً وإنّما سمّى لحمًا، ألا ترى أنّه يقال بالفارسيّة [فربهي لابيه]؟.

[430/ ب] ويستعمل استعمال اللّحم في اتخاذ الباجات

(4)

والقلايا

(5)

ولا يستعمل استعمال الشّحم، وكما أنّ الله تعالى استثنى شحم الظهر فقد استثنى الحوايا

(6)

وما اختلط بعظم/ وهو المخ

(7)

واحد لا يقول أن اسم الشّحم يتناول ذلك وقد بيّنا أنّ الأيمان لا تبتني على الأسامي الشّرعية كذا في الجامع الصّغير لشمس الأئمة السّرخسي رحمه الله

(8)

وذكر في الذّخيرة والصّحيح قول أبي حنيفة رحمه الله.

(القضم: الأكل بأطراف الأسنان من باب ليس منه، فإن قضم حنطة فأكلها: أي مضغها وكسرها وفي الحديث «أيدع يده في فيك تقضمها كأنها في فيِّ فحل»)

(9)

كذا في المغرب.

(1)

سورة المائدة آية: (1).

(2)

" يوجب " في (أ) وفي (ب)" موجبٌ "

(3)

سورة الأنعام آية: (146).

(4)

الباجات هي: أَلوانُ الأَطعمة. انظر: تاج العروس (5/ 407)، (باج).

(5)

القلايا هي: إنضاج الطعام على المقلاة. انظر: البحث اللغوي عند العرب (1/ 331)، (قلا).

(6)

الحوايا هي: مَا تحَوَّى من الأمعاء. انظر: الصحاح (6/ 2322)، (حوا)، المحكم والمحيط الأعظم (4/ 35)، (الحوية).

(7)

الْمُخُّ: الَّذي في العَظم.

انظر: الصحاح (1/ 430)، مختار الصحاح (1/ 291)، (مخخ).

(8)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 128).

(9)

انظر: المغرب (1/ 387).

الحديث: عن صَفوَانُ بن يعلى بن أُمَيَّة، عن أبِيه، قال: غَزَوتُ مع النَّبي صلى الله عليه وسلم العُسرَةَ، قال: كان يَعلى يقول: تلك الغَزوَةُ أوثقُ أعمالي عندي، قال عَطاء: فقال صَفوان: قال يعلى: فكان لِي أجِيرٌ، فَقَاتَل إِنسَانًا فَعَضَّ أحدهما يد الآخر، قال عطاء: فلقد أخبرَني صَفوان: أيُّهما عَضَّ الآخَر فَنَسِيتُهُ، قال: فانتَزَع المَعْضُوضُ يَدَهُ من فِي العَاضِّ، فانتَزَع إِحدى ثَنِيَّتَيهِ، فأتيَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فأهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، قال عَطَاءٌ: وحَسِبتُ أنه قال: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «أفَيَدَعُ يده في فِيكَ تَقضَمُهَا، كأنَّها فِي فِيِّ فَحلٍ يَقضَمُهَا»

انظر: صحيح البخاري (6/ 3) كتاب المغازي، رقم (64)، باب غَزوة تَبُوك وهي غزوةُ العُسرَة، رقم الحديث (4417)، صحيح مسلم (3/ 1301)، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، رقم (28) باب الصَّائِل على نفس الإنسان أَو عُضوِهِ، إذا دَفَعَهُ المَصُول عليه، فأَتلَف نفسهُ أَو عُضوَهُ، لا ضمان عليه، رقم (4)، رقم الحديث (1674).

شرح محمد فؤاد عبد الباقي: (أردت أن تقضمها كما يقضم الفحل) أي تعض ذراعه بأطراف أسنانك كما يعض الجمل قال: أهل اللغة القضم بأطراف الأسنان.

ص: 138

(ومن حلف لا يأكل هذه الحنطة، لم يحنث حتّى يقضمها) وإنّما وضع المسألة في الحنطة المعينة؛ لأنّه إذا عقد يمينه على أكل حنطة لا بعينها، ينبغي أن يكون الجواب على قول أبي حنيفة رحمه الله كالجواب عندهما

(1)

هكذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في أيمان "الأصل"

(2)

كذا في الذّخيرة والفوايد الظّهيريّة

(3)

.

ثم هذا الاختلاف الذي ذكر في قوله: لا يأكل هذه الحنطة فيما إذا أطلق ولم يكن له نية، وأمّا إذا حلف بهذه اليمين ونوى أن يأكلها حبًا كما هي من خبزها أو سويقها، لا يحنث بالإجماع؛ لأنّ المنوي حقيقة كلامه، فهو كالملفوظ فيتقيد اليمين بالحقيقة، وإن نوى أن لا يأكل ما يتخذ منها صحّت نيّته أيضًا، حتّى لا يحنث بأكل عينها، (وإن لم يكن له نية (فأكل من خبزها لم يحنث عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يحنث» كذا في المبسوط

(4)

والذّخيرة. ولأبي حنيفة رحمه الله إن عيَّنَها يؤكل مقليًا ومطبوخًا وكشكًا

(5)

فاقتصرت يمينه عليها كمن حلف لا يأكل هذا الثمر فأكل عصيدة

(6)

اتخذت منه، أو لا يأكل من هذه البقرة أو الشّاة فأكل من لبنها وزبدها وسمنها، أو لا يأكل من هذه البيضة فأكل من فرخها لا يحنث كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله

(7)

ولو قضمها بكسر الضاد وقد ذكرته يعني [خاييد مروبرا].

قوله: حنث عندهما هو الصّحيح احتراز عن رواية المبسوط فإنّه ذكر في المبسوط

(8)

(أنّه لا يحنث) وما ذكره من الحنث فهو رواية الجامع الصّغير. ثم رجح في الذّخيرة والفوايد الظهيريّة رواية المبسوط فقال في الذّخيرة والصّحيح ما ذكره في أيمان "الأصل"

(9)

وهو عدم الحنث عندهما بأكل عين الحنطة، ورجح في مبسوط شمس الأئمة والجامع الصّغير لقاضي خان -رحمهما الله- رواية الجامع الصّغير

(10)

.

(1)

أبي يُوسُف وَمُحَمّد -رحمهما الله-.

(2)

الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (3/ 295).

(3)

انظر: العناية (5/ 125).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 181).

(5)

الْكِشْكُ: مدقُوقُ الحِنطَةِ أو الشَّعِير يعمل مع اللبن، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (وَمِنْهُ) الْكِشْكِيَّةُ مِنْ الْمَرَقِ. وقيل ماء الشعير. انظر: المغرب (1/ 409)، المطلع على ألفاظ المقنع (1/ 473)، لسان العرب (10/ 481).

(6)

العصيدة هي: دَقيق يُلَتُّ بالسَّمن ويُطْبخ.

انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 246)، الصحاح (2/ 509)، (عصد).

(7)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 129).

(8)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 181).

(9)

الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (3/ 295).

(10)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 129).

ص: 139

ولو أكل من سويقها لم يحنث في قول أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- وكذلك قول محمّد رحمه الله فهما يحتاجان إلى الفرق بين الخبز والسويق، والفرق أنّ الحنطة متى ذكرت مقرونة بالأكل يراد بها الخبز دون السّويق، ولأنّ (من أصل أبي يوسف ومحمّد -رحمهما الله-، أنّ السويق جنس آخر غير جنس الدّقيق، ولهذا جوز بيع الدّقيق بالسّويق متفاضلًا، فما تناول ليس من جنس ما كان موجودًا في الحنطة التي عيّنها فلا يحنث، وعند أبي حنيفة رحمه الله يمينه تناولت الحقيقة فلا يحنث بأكل السويق) كذا في المبسوط

(1)

والفوايد الظهيريّة

(2)

(ولو حلف لا يأكل من هذه الحنطة) فزرعها وأكل ما خرج منها لا يحنث، والمعنى ما ذكرنا كذا في الذّخيرة

(3)

. يقال: سفّ الدّواء والسّويق وكلّ شيء يابس أكله من باب لبس ويقال استفّ السّفوف بفتح السّين وهو كل دواء يؤخذ غير معجون وقيل السّفوف: دواء يوضع على كف ويؤكل من غير مضغ.

قوله: (ولو استّفه كما هو، لا يحنث) هو الصّحيح احتراز عن (قول بعض مشايخنا رحمهم الله، فإنهم يقولون أنّه يحنث؛ لأنّه أكل الدّقيق حقيقة، والعرف وإن اعتبر فالحقيقة لا تسقط به وهذا لأن عين الدّقيق مأكول، والأصحّ أنّه لا يحنث؛ لأنّ هذه حقيقة مهجورة؛ ولما انصرفت اليمين إلى ما يتخذ منه للعرف سقط اعتبار الحقيقة، كمن قال لأجنبيّة إن نكحتك فعبده حرّ فزنا بها لم يحنث، لأنّ يمينه لما انصرفت إلى العقد لم يتناول حقيقة الوطئ، وإن كان عنى أكل الدقيق بعينه، لم يحنث بأكل الخبز؛ لأنه نوى حقيقة كلامه) كذا في المبسوط

(4)

.

(القطايف)[ناز كوزينة]، قوله: حتى لو كان بطبرستان

(5)

(1)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 181).

(2)

انظر: المحيط البرهاني (4/ 281).

(3)

انظر: الجوهرة النيرة (2/ 202).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 180 - 181).

(5)

طَبَرِستانُ: بفتح أوله وثانيه، وكسر الراء، قد ذكرنا معنى الطبر قبله، واستان: الموضع أو الناحية، كأنه يقول: ناحية الطبر، وهي بلدان واسعة كثيرة يشملها هذا الاسم، وهي المنطقة الجبلية التي تحيط بجنوب بحر الخزر (قزوين) وتضم بلدانا واسعة وحصونا كثيرة من أعيان مدنها آمل وهي قاعدة المنطقة وتعرف الجبال التي تمتد حولها بجبال البرز. ويطلق على طبرستان اسم (مازندران) أيضا وكانا اسمان مترادفين، ثم طغى اسم (مازندران) وشاع فلا تسمى المنطقة بغيره، وتقع شمال إيران اليوم، وخرج من نواحيها كثيرٌ من أهل العلم والأدب والفقه. منها الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري. انظر: معجم البلدان (4/ 13)، معجم ما استعجم من اسماء البلاد والمواضع (3/ 887)، تعريف بالأماكن الواردة في البداية والنهاية لابن كثير (2/ 112) فتوح البلدان:(745 - 746).

ص: 140

(الطبري بفتح الطّاء المهملة والباء المنقوطة بنقطة بعدها راء مهملة هذه النّسبة إلى طبرستان وهي آمل

(1)

وولايتها، وسمعت القاضي أبا بكر الأنصاري

(2)

ببغداد

(3)

: إنما هي/ تبرستان؛ لأنّ أهلها يحاربون بها يعني الفّاس فعرِّب، وقيل طبرستان والنّسبة إليها طبرى) كذا في الأنساب للإمام السّمعاني

(4)

رحمه الله وذكر في الذّخيرة

(5)

.

(1)

آمُلُ: بضم الميم واللام: اسم أكبر مدينة بطبرستان في السهل، لأن طبرستان سهل وجبل، وهي في الإقليم الرابع. انظر: معجم البلدان (1/ 57)، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع (1/ 93).

(2)

الشَّيْخُ الإِمَامُ العَالِمُ المُتَفَنِّنُ، الفَرَضِيُّ العَدْلُ، مُسْنِدُ العصرِ، القَاضِي، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الرَّبِيْعِ بنِ ثَابِتِ بنِ وَهْبِ بنِ مَشْجَعَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ اللهِ ابنِ شَاعِرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَحَدِ الثَّلَاثَةِ الَّذِيْنَ خُلِّفُوا كَعْبِ بنِ مَالِكِ بنِ عَمْرِو بنِ القَيْنِ، الخَزْرَجِيُّ، السَّلَمِيُّ، الأَنْصَارِيُّ، البَغْدَادِيُّ، النَّصْرِيُّ مِنْ مَحَلَّةِ النصرية، الحَنْبَلِيُّ البَزَّازُ، المَعْرُوفُ: بقَاضِي المَرَسْتَان، وَيُعْرَف أَبُوْهُ بِصِهر هِبَةَ. مَوْلِدُهُ فِي عَاشرِ صفرٍ، سَنَةَ اثنتين وأربعين وأربع مائة.

انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ط الحديث (14/ 437) رقم (4811)، والمنتظم لابن الجوزي (10/ 92)، والعبر (4/ 96)، ولسان الميزان (5/ 241).

(3)

بغداد: مدينة بناها الخليفة المنصور ودعاها مدينة السلام وبدأ في بنائها سنة 145 هـ وانتهى بناؤها سنة 149 هـ. ظلت عاصمة بني العباس حتى آخر خلفائهم وكانت في عهد أوائلهم تزهو على عواصم الدنيا بما جمعت من فنون العلم والأدب وما اجتمع فيها من العلماء والأدباء والشعراء في مدارسها، وهي اليوم عاصمة الجمهورية العراقية. انظر: تعريف بالأماكن الواردة في البداية والنهاية لابن كثير (1/ 319)، معجم البلدان (1/ 456).

(4)

انظر: الانساب للسمعاني (9/ 39)(طبرى)، رقم (2565) الكتاب: الأنساب المؤلف: عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني المروزي، أبو سعد (المتوفى: 562 هـ) المحقق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني وغيره.

(5)

انظر: البناية (6/ 177).

ص: 141

[431/ أ](وإذا حلف لا يأكل خبزًا) ولا نيّة له فأكل كليجة

(1)

أو جوزينجًا

(2)

أو نوالة

(3)

بزيدة

(4)

قال محمّد بن سلمة رحمه الله: لا يحنث في الوجوه كلها وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله: أنّه يحنث إذا أكل الكليجة أو النّوالة المقطوعة، أمّا الكليجة: فلأنّها خبز حقيقة وعرفًا واختصاصها باسم خاص للزّيادة لا للنقصان فلا يمنع دخولها تحت مطلق الاسم.

وأمّا النّوالة المقطوعة فلأنّها خبز يضم إليه شيئًا آخر.

وأمّا الجوزينج فلا يحنث بأكله؛ لأنّه لا يسمى خبزًا بل يسمّى قطايف ولا يسمّى خبزًا مطلقًا بل يسمّى خبزًا مقيّدًا يقال خبز الجوزينج كما يقال بالفارسية بأن [ذردالو]. وإذا حلف لا يأكل هذا الخبز فجفّفه ودقه ثم شربه بماء لم يحنث، لأنّ هذا شرب وليس بأكل وعن أبي حنيفة رحمه الله فيمن قال لامرأته: إن أكلت من هذا الخبر فأنت طالق فطلبت حيلة حتى تأكل ولا تطلق، قال: ينبغي لها أن تدق ذلك الخبز وتلقيها في عصيدة وتطبخ حتى يصير الخبز هالكًا فتأكل العصيدة ولا يحنث.

(فهو على اللّحم) أي ما لم ينو غيره؛ لأنّ النّاس يطلقون هذا اللّفظ على اللّحم عادة دون الفجل

(5)

والجزر

(6)

المشوي، إلا أن ينوي ما يشوى من بيض أو غيره كالسلق

(7)

والباذنجان

(8)

فتعمل نية لما فيه من التّشديد عليه.

(9)

فهو على ما يطبخ من اللّحم) استحسانًا أي ما لم ينو غيره وفي القياس يحنث في اللّحم وغيره ممّا هو مطبوخ، ولكن الأخذ بالقياس ههنا يَفحُشُ فإن المُسَهَّل من الدّواء مطبوخ، ونحن نعلم أنّه لم يرد ذلك فحملناه على أخص الخصوص، وهو اللّحم؛ لأنّه هو الذي يطبخ في العادات الظّاهرة، فإن الطّبيخ في العادة ما يتخذ من الألوان والباجات

(10)

وهو الذي يسمّى متخذ ذلك طباخًا؛ فأمّا من يطبخ الآجر المسمى لا يسمّى طباخًا.

(1)

كُليجة أو كَليجة: نوع من الخبز صغير معجون بالزبد.

انظر: المحيط البرهاني (4/ 281)، تكملة المعاجم العربية (9/ 126).

(2)

الجوزينج: وردة في "الأصل" المبسوط للشيباني (3/ 311)، وهي نوع من الطعام من غير الخبز.

(3)

نوالة: فارسية عُرِّبة معناها "الزماورد"، والعامة تقول: بزماورد: وهو طعام من بيض ولحم.

انظر: الصحاح (2/ 550)، المغرب (1/ 512)، القاموس المحيط (1/ 500).

(4)

"بزيدة" في (أ)، وأيضاً في البناية (6/ 177)، وفي (ب)"بديزه" لم يتضح لي معناها.

(5)

الْفُجْلُ: بَقْلٌ مَعرُوفٌ الواحِدة (فُجْلَةٌ) وهو من النباتات.

انظر: مختار الصحاح (1/ 234)، مجمل اللغة (1/ 712)، (فجل)

(6)

الجزرُ: للَّذي يُؤْكَلُ، وهو نوع من النبات كالقثاء والخيار.

انظر: تهذيب اللغة (10/ 319)، شمس العلوم (2/ 1080).

(7)

السِّلْقُ: النَّبْتُ الَّذِي يُؤْكَلُ.

انظر: مختار الصحاح (1/ 152)، المصباح المنير (1/ 258)، (سلق)

(8)

الباذنجان: من ذوات الفلقتين ذو ثَمر أسود أو أبيض مستطيل أو شبه مكوّر يُؤكلُ مطبوخًا أو مقليًّا.

انظر: معجم اللغة العربية (1/ 153)، (باذنجان).

(9)

تتمت الكلام " وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَبِيخًا، فهو على ما يطبخ من اللّحم " انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 178).

(10)

" والباجات " في المبسوط للسرخسي (8/ 178)" والمباحات " وهذا مغاير لما في (أ) و (ب) وخلاف الصواب.

ص: 142

قالوا: وإنّما يحنث إذا أكل اللّحم المطبوخ بالماء فأمّا القَليةُ اليابسةُ فلا يسمّى مطبوخًا) كذا في المبسوط

(1)

.

«فيمينه على ما يكبس في التنانير)

(2)

أي يُطعَمُ به التنور، أي يُدخَلُ فيه من كَبَسَ الرجلُ رأسه في جيبِ قَمِيصهِ إذا أدخله)

(3)

ذكره في المغرب.

(وَيُبَاعُ في الْمِصْرِ)

(4)

يعني يقع اسم الرأس على ما يتعارفونه رأسًا في البيع والشّراء، فلذلك لم يقع يمينه على رأس الجراد

(5)

أو العصفور

(6)

وإن كان رأسًا حقيقة فلما لم يرد به الحقيقة وَجَبَ اعتبار العرف، وهو ما يكبس في التّنانير ويُبَاعُ في السُّوقِ، فإن قيل: النّاس لا يبيعون لحوم الخنازير والأناسي في أسواقهم! ومع ذلك يحنث بالأكل إذا عقد يمينه على أكل اللّحم.

قلنا: الأصلُ في جنس هذه المسائل أن الإنسان متى عقد يمينه على فعل مضاف إلى شيء إن أمكن العملُ بحقيقتهِ يُعمل بحقيقته، وإن لم يكن متعارفًا، وإن لم يمكن تحقيقه يجب تقييدها بالمتعارف. بيانه إذا حلف لا يدخل بيتًا، فدخل كنيسةً

(7)

، أو بيعةً،

(8)

أو بيت نارٍ

(9)

، أو كعبةً، لا يحنث؛ لأنّه تعذّر العمل بحقيقة البيت، فإنّه لا يمكن الدّخول في بيت العنكبوت، وبمثله لو حلف لا يهدم بيتًا، فهدم بيت العنكبوت يحنث وإن كان لا يتعارض؛ لأنّه أمكن العمل بحقيقته في حق الهدم، ولا يمكن العمل بحقيقته في حق الدّخول، إذا ثبت هذا فنقول ففيما نحن فيه إذا عقد يمينه على أكل الرأس فالعمل بحقيقته هنا ممتنع؛ لأنّ الرّأس اسم للعظم واللّحم، وأكل الكلّ ممتنع وإذا عقد يمينه على اللّحم فالعمل بالحقيقة ممكن؛ لأنّ ما هو اللّحم يؤكل بجميع أجزائه فيتقيد اليمين بالحقيقة. وعن هذا يخرج الجواب عمّا ورد شبهة بيمين من حلف لا يركب دابّة حنث، لا يحنث بركوب الكافر وغيره، وإن كان دابة حقيقة وقد وَرَدَ به الشّرع، لما أنّ من الدّابة ما لا يمكن الركوب عليها أصلًا، وإن كان اسم الدّابة فيه حقيقة كالنملة فلما لم يمكن أجزاء يمينه في الدّواب كلّها، وجب تقييدها بالمتعارف وهو الحمار والبغل والفرس وقد ذكرناه.

(1)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 178).

(2)

التَّنَانِيرُ: جَمْعُ تِّنُّورُ، وَهو الَّذِي يُخْبَزُ فِيهِ.

انظر: مختار الصحاح (1/ 47)، المصباح المنير (1/ 77)، (تنر).

(3)

انظر: المغرب (1/ 399).

(4)

أي في الأسواق. انظر: البناية (6/ 178).

(5)

الْجَرَادُ: مَعْرُوفٌ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَالْوَاحِدَةُ (جَرَادَةٌ) الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ. سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجْرُدُ الْأَرْضَ أَيْ يَأْكُلُ مَا عَلَيْهَا. انظر: مختار الصحاح (1/ 56)، المصباح المنير (1/ 95)، (جرد).

(6)

الْعُصْفُور: هُوَ الطُّوَيْرُ الْمَعْرُوف، وَالْأُنْثَى (عُصْفُورَةٌ) انظر: المغرب (1/ 317)، مختار الصحاح (1/ 210)، (عصفر).

(7)

الْكَنِيسَةُ: متعبد الْيَهُودِ. انظر: العناية (5/ 96).

(8)

الْبِيعَةُ: مُتَعَبَّدُ النَّصَارَى. المصدر السابق.

(9)

بيبت النار: هو مَعْبَدُ الْمَجُوسِ. انظر تبيين الحقائق (6/ 29).

ص: 143

فإن قيل: هذا الأصل وإن كان يستقيم في الأكل فلا يستقيم في الشراء، فإن الرّأس يشتري بجميع أجزائه ويجوز الشّراء في الكلّ.

[431/ ب] قلنا: لا كذلك، فإن من الرؤوس ما لا يجوز إضافة الشراء اليه كرأس النّمل والذباب والآدمي إلى هذا أشار في الفوايد الظهيرية وهذا عند/ أبي حنيفة

(1)

رحمه الله أي هذا المجموع على هذا التّفصيل عند أبي حنيفة رحمه الله، هكذا لا على وجه الخصوص، فإن الحكم فيما وراء الثلاثة الأول وهي (العنب والرّمان والرّطب) عندهما أيضًا كالمذكور عند أبي حنيفة رحمه الله، زيادة على المعتاد أي على الغِذاءَ الأصلي حتى تسمّى النّار فاكهة والمراح فكاهة لوجود زيادة التنعّم فيهما، والرّطب واليابس فيه سواء يعني أن ما كان فاكهة لا فرق فيه بين رطبه ويابسه، ويابس هذه الأشياء لا تعد فاكهة فيجب أن يكون رطبها، كذلك القثاء خيار والخيار خيار بادريك. لأنّها من البقول

(2)

بيعًا فإن بايع البقول هو الذي يبيعهما لا غيره، وأمّا أكلاً فإنّهما يوضعان على الموائد حيث يوضع النعناع

(3)

والبصل

(4)

والجرجير

(5)

.

(فحاصل المسألة على ثلاثة أوجه: في وجه يحنث بالاتّفاق وهو: أن يقع يمينه على ثمر كل شجر سوى العنب والرّطب والرّمان ويستوي في ذلك الرّطب واليابس، وفي وجه لا يحنث بالاتّفاق: وهو أن يأكل الخيار والقثاء والحرجة

(6)

لأنها تؤكل مع البقول، وفي وجه اختلفوا فيه، وهو العنب والرّطب والرّمان إذا لم يكن له نية فعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يحنث، وعلى قولهما يحنث وإن نوى هذه الأشياء عند الحلف يحنث بالإجماع، ومشايخنا رحمهم الله قالوا هذا اختلاف عرف وزمان، فأبو حنيفة رحمه الله أفتى على حسب زمانه، فإنّهم لا يعدونها من الفواكه، فأفتى على عرف زمانه وتغير العرف في زمانهما وفي عرفنا ينبغي أن يحنث في يمينه أيضًا)

(7)

كذا في التحفة أن هذه الأشياء فما يتغذى بها أي بالعنب والرّطب ويتداوى بها أي بالرّمان، ولهذا كان اليابس منها من التوابل كيابس الرّمان، أو من الأقوات كيابس العنب، والتوابل

(8)

جمع التابل بفتح التّاء وكسرها ذكره في الدّيوان من توابل القدر ديك أفزاز.

(1)

لفظ «عند ابي حنيفة» تدل على انه مذهبه.

انظر: مفتاح السعادة لكبري زادة (2/ 266)، أدب المفتي للبركاتي (ص 15).

(2)

البقول: جمع البَقلُ: كل نبات اخضرت له الأرض، وقيل هو كل مالا ينبت أصله وفرعه في الشتاء.

انظر: مختار الصحاح (24)(بقل)، التوقيف على مهمات التعاريف (140).

(3)

النعناع: بقلة معروفة. ناعمة خضراء شديدة الخضرة تزرع في البساتين، لها رائحة طيبة وهي حارة يابسة.

انظر: الصحاح (3/ 1291)، لسان العرب (8/ 357)، (نعع). شمس العلوم (9/ 6447)، (النعناع).

(4)

البصل: معروف، الواحدة بصلة. ذو رائحة كريهة، وقد ذكر في القرآن الكريم.

انظر: الصحاح (4/ 1635)، المصباح المنير (1/ 50)، (بصل).

(5)

الجرجير: نبات بقلي معروف. انظر: الصحاح (4/ 1448).

(6)

الْحَرَجَةُ: الشَّجَرُ الْمُلْتَفُّ.

انظر: الدلائل في غريب الحديث (3/ 1033)، جمهرة اللغة (1/ 436).

(7)

انظر: تحفة الفقهاء: (2/ 320 - 321).

(8)

التوابل: هي الحوائج التي ترمى في القدر مع اللحم.

انظر البناية (6/ 182).

ص: 144

(وكل شيء اصطبغ به فهو إدام) وذلك كالخلّ

(1)

والزّيت والعسل والزّبد فالإدام هو ما يصلح به الخبز للأكل ويؤتدم به (ومدار التّركيب على الموافقة والملاءمة وهو أعني الإدام عام في المائع وغيره؛ وأمّا الصبغ فمختص بالمائع)

(2)

كذا في المغرب.

ولفظ اصُطُبغ بضم الطّاء على بناء المفعول هكذا كان مقيدًا بقيد شيخي رحمه الله الاصطباغ [نان خورش كرفتن] وتعدى بالباء.

وفي المغرب: (الصبغ ما يصبغ به ومنه الصبغ من الإدام؛ لأن الخُبز يُغمس فيه ويُلَّون به كالخلّ والزّيت ويقال: اصطبغ بالخلّ وفي الخلّ ولا يقال اصطبغ الخبز بالخلّ)

(3)

.

قوله: (والشّواء

(4)

ليس بإدام والملح إدام وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- وحاصل ذلك على ثلاثة أوجه (فالخلّ والزّيت واللّبن والزّبد وأمثالها ممّا يصطبغ به فهو إدام بالاتفاق، والبطيخ والتّمر والعنب وأمثالها ممّا يؤكل وحده غالبًا ليس بإدام بالاتّفاق، واختلفوا في الجبن والبيض واللحم، فجعلهما محمّد رحمه الله إدامًا باعتبار أنّ هذه الأشياء لا تؤكل وحدها غالبًا، فكانت تبعًا للخبز وموافقة له، وقال النبي عليه السلام للمغيرة بن شعبة

(5)

رضي الله عنه حين خطب امرأة: «لو نظرت إليها فإنّه أحرى أن يؤدّم بينكما»

(6)

أي يوافق.

(1)

الخل: ما حَمُضَ من عصير العِنب وغيره. انظر: المغرب (1/ 153)، لسان العرب (11/ 253)، (خلل).

(2)

انظر: المغرب (1/ 22).

(3)

انظر: المغرب (1/ 263).

(4)

الشِّوَاءِ: هِو ما يُشوى بالنَّارِ لِيسهل أكلُهُ. انظر: بدائع الصنائع (3/ 59).

(5)

هو المغيرة بْن شُعْبَة بْن أَبِي عَامِر بْن مَسْعُود بْن معتب بْن مالك بن كعب بن عمرو ابن سعد بْن عوف بْن قيس، وهو ثقيف-الثقفي. يكنى أبا عَبْد اللهِ. وقيل: أَبُو عِيسَى.

انظر: أسد الغابة ط الفكر (4/ 471) رقم (5064)، سير أعلام النبلاء ط الحديث (18/ 135).

(6)

عن المُغِيرة بن شُعبة، أَنَّهُ خَطبَ امرأَةً، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» صحيح. =اخرجه الترمذي (2/ 388)، كتاب أبواب النكاح، رقم (9)، باب ما جاء في النَّظر إلى المَخطُوبة، رقم (5)، رقم الحديث (1087)، والنسائي (6/ 69)، كتاب النكاح، رقم (26)، إباحة النضر قبل التزويج، رقم الحديث (3235)، وابن ماجة (1/ 599)، كتاب النكاح، رقم (9)، باب النَّظر إلى المَرأة إذا أراد أَن يَتَزوَّجَها، رقم (9)، رقم الحديث (1865)، والدارمي (3/ 1389)، كتاب النكاح، رقم (11)، باب الرُّخصة في النَّظر إلى المَرأَة عِند الخِطبة، رقم الحديث (2218)، وابن حبان (9/ 351)، كتاب النكاح، ذِكرُ الأمر لِلمرء إذا أرَاد خِطبَةَ امرأةٍ أن انظر إليها قبل العقد، رقم الحديث (4043)، المستدرك (2/ 179)، كتاب النكاح، رقم الحيث (2697)، من طرق كلهم من حديث المغيرة بن شعبة وصححه الحاكم على شرط الشيخين وهو صحيح كما قال رجاله كلهم ثقات معروفون اهـ.

ص: 145

(فما يؤكل مع الخبز غالبًا فهو موافق له) وهما يقولان: نعم كذلك إلا أنّه يشترط فيه تمام الموافقة وحقيقة التبعية، وذلك إنّما يكون عند الاختلاط بالامتزاج، وذلك أنّ الإدام ما لا يتأتى فيه أكله وحده كالملح فإنّه إدام، والخل واللّبن؛ لأنّه لا يتأتّى فيه الأكل وحده؛ لأنّ ذلك يكون شربًا لا أكلًا، فأمّا اللحم والجبن والبيض فيتأتى فيها الأكل وحدها، فلم يكن إداما) أشار في المبسوط.

(1)

وذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله

(2)

وهذه الأصناف على عكس اختلافهم فيمن حلف لا يأكل إلا رغيفًا

(3)

فأكل معه البيض ونحوه لم يحنث، وحنث عند محمّد رحمه الله وهو يقول: هذا قد يؤكل مقصودًا فلا يصير تبعًا للخبر بالشّك، وهما يقولان إدام من وجه؛ لأنّه قد يؤكل تبعًا، وقد يؤكل وحده فلا يحنث فيهما بالشك، (وأما العنب والبطيخ، فقيل: هو على الاختلاف.

وذكر الإمام السّرخسي

(4)

رحمه الله أنّه ليس بإدام بالإجماع وهو الصّحيح)، والبقل ليس بإدام بالإجماع لأنّ/ آكله لا يسمّى مؤتدمًا.

[432/ أ](فالغداء الأكل من طلوع الفجر إلى الظّهر) إلى آخره. هذا توسع في العبادة، ومعناه أكل الغداء والعشاء والسّحور على حذف المضاف وذلك؛ لأن (الغداء اسم لطعام الغداء لا اسم أكله، وكذلك العشاء بالفتح والمد اسم لطعام العشي)

(5)

كذا في المغرب، ثم لما كان الغداء اسمًا للطّعام من طلوع الفجر إلى الظهر.

(فلو حلف أنّه لا يتغدى) ثم أكل بعد الزّوال لا يحنث؛ لأنّ ذلك الطّعام ليس بغداء بل هو عشاء، وكذلك في قوله لا يتعشى لا يحنث إذا أكل الطّعام بعد نصف الليل، لأنّه لم يوجد التعشي. ولهذا سمي الظهر إحدى صلاتي العشاء في الحديث، فإنه ذكر في الإيضاح في باب الحلف على الغداء فقال: فإنه «ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إحدى صلاتي العشاء ركعتين يريد به الظّهر أو العصر»

(6)

وكذا أيضًا في شرح مختصر العامري

(7)

.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 176 - 177).

(2)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 132).

(3)

الرَّغِيفُ: الخبزُ والجمع أرغِفةٌ وُرغُفٌ ورُغفانٌ. انظر: مختار الصحاح (1/ 125)، لسان العرب (9/ 150)، (رغف).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 177).

(5)

انظر: المغرب (1/ 337).

(6)

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: صَلَّى النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِحْدَى صَلَاتَيِ العَشِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي العَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ المَسْجِدِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ رضي الله عنهما، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ؟ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذُو اليَدَيْنِ، فَقَالَ: أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ، قَالَ:«بَلَى قَدْ نَسِيتَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، فَكَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وكبر» .

رواه البخاري (2/ 68)، كتاب الصلاة، رقم (22) باب من يكبِّرُ في سَجدَتَي السَّهو، رقم الحديث (1229).

(7)

انظر: بدائع الصنائع (3/ 69).

ص: 146

ثم الغداء والعشاء ما يقصد به الشبع عادة (حتّى لو أكل لقمة أو لقمتين لا يحنث، ومقدار الغداء والعشاء أن يأكل أكثر من نصف الشّبع)

(1)

ويعتبر عادة أهل كل بلدة في حقّهم يعني إن كانت خبزًا فخبز وإن كانت لحمًا فلحم، حتّى أن الحضري لو حلف على ترك الغداء فشرب اللّبن، لم يحنث، والبدوي بخلافه

(2)

، لأنّه غَدَاءٌ في البادية، ولو أكل غير الخبز من أرز أو تمر حتى شبع، لم يحنث، وقال أبو يوسف ومحمّد -رحمهما الله-: الغداء في مثل الكوفة والبصرة على الخبز لما بيّنا أنّ المعتبر هو العادة، وكذلك الهريسة

(3)

والفالوذج يعتبر في ذلك عادة الحالف، والتَصَبُّحَ ما بين طلوع الفجر وبين ارتفاع الضّحى الأكبر؛ لأن التَصَبُّحَ تَفَعُّلٌ من الصّباح فيفيدُ زيادةً على ما يُفِيدُهُ الإصباح. وروي عن محمّد رحمه الله فيمن حلف لا يكلّمه إلى السّحر قال: إذا دخل ثلث الليل الأخير فكلّمه لم يحنث؛ لأنّ وقت السّحر ما قرب من الفجر وانتهت اليمين بدخول وقت السّحر. والمساء مساءان:

أحدهما: أنّه إذا زالت الشّمس، والآخر إذا غربت الشّمس.

فإذا حلف بعد الزّوال لا يفعل كذا حتى يمسي فهذا على غيبوبة الشّمس؛ لأنّه لا يمكن حمل اليمين على المساء الأولى، فيحمل على الثّاني كذا في الإيضاح

(4)

.

لم يُدَنْ في القضاء وغيره أي لا يصدق لا قضاء ولا ديانة؛ لأنّ النيّة إنّما تَصِحُّ في الملفوظ، والثّوب وما يضاهيه غير مذكور إلى آخره، فإن قيل: يشكل على هذا الأصل مسألتان:

أحداهما: قوله إن خرجت ونوى السّفر يصدَّق ديانةً مع أنّ السّفر أو الخروج غير مذكور لفظًا.

والثّانية: ما إذا حلف لا يساكن فلانًا، ونوى أن لا يساكنه في بيتٍ واحدٍ يصحّ نيّته مع أنّ المسكن غير مذكور، حتى لو ساكن معه في الدار لا يحنث.

قلنا أمّا المسألة الأولى: فممنوعةً، والمنع من القضاة الأربعة: هم القاضي أبو الهيثم

(5)

والقاضي أبو حازم

(6)

والقاضي أبو طاهر الدباس

(7)

والقاضي القمي رحمهم الله

(8)

.

(1)

سقط من (ب) والصواب ما في (أ).

(2)

أي يحنث.

(3)

الهريسة: من الهَرِيس الْحَبُّ الْمَدْقُوقُ بِالمِهرَاسِ قبل أن يُطبخ، فإذا طبخ فهو الهَريسة، وَسُمِّيَت الهريسة هريسةً لأن البُرَّ الذي هي منه يدق ثمَّ يطبخ.

انظر لسان العرب (6/ 247)، المصباح المنير (2/ 637)، (هرس).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (3/ 69).

(5)

القاضي أبو الهيثم هو: عتبَة بن خثيمَةَ بن مُحَمَّد بن حَاتِم بن خثيمَةَ بن الْحسن بن عَوْف بن حَنْظَلَة النَّيْسَابُورِي الإِمَام القَاضِي أَبُو الْهَيْثَم الْمَشْهُور بكنيته أستاذ الْفُقَهَاء والقضاة عديم النظير في الْفِقْه والتدريس وَالْفَتْوَى تولى الْقَضَاء سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة إِلَى سنة خمس وَأَرْبع مائَة فأجراه لحسن مجْرى وَمَات في سادس عشر جمادي الْآخِرَة سنة سِتّ وَأَرْبع مائَة تفقه على الْأُسْتَاذ أبي الْحُسَيْن قَاضِي الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْحَاكِم فَصَارَ أوحد عصره حَتَّى لم يبْق بخراسان قاض على مذهب الكوفيّين إلَّا وهو ينتمي إليه رحمه الله.

انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 342)، سير أعلام النبلاء (12/ 492).

(6)

القاضي أبو خازم هو: عبد الحميد بن عبد الْعَزِيز القَاضِي أَبُو خازم ذكره صَاحب الْهِدَايَة في الرَّهْن أَصله من الْبَصْرَة وَأخذ الْعلم عَن بكر الْعمي من الْعم هُوَ أَخ الْأَب، جليل الْقدر ولي الْقَضَاء بِالشَّام والكوفة والكرخ من مَدِينَة السَّلَام تفقه عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ وَأَبُو طَاهِر الدباس ولقيه أَبُو الْحسن الْكَرْخِي وَحضر مَجْلِسه وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى البردعي وَتَوَلَّى الْقَضَاء للمعتضد ثمَّ ابْنه المكتفي بعده وله معه قصص كثيرة مات سنة ثنتين وتسعين ومائتين، له من الكتب المحاضر والسجلات وكتاب أدب القاضي وكتاب الفرائض. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 296)، سير أعلام النبلاء (10/ 523).

(7)

القاضي أبو طاهر الدباس هو: مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُفْيَان أَبُو طَاهِر الدباس الْفَقِيه قَالَ ابْن النجار إِمَام أهل الرَّأْي بالعراق درس الْفِقْه على القَاضِي أبي خازم صَاحب بكر القمي وكان من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة صَحِيح المعتقد تخرج بِهِ جمَاعَة من الْأَئِمَّة، وَمن أَقْرَان أبي الْحسن عبيد الله الْكَرْخِي أَبُو طَاهِر الدباس كان يُوصف بِالْحِفْظِ وَمَعْرِفَة الرِّوَايَات وَولي الْقَضَاء بِالشَّام وَخرج منها إلى مَكَّة فَمَات بها قال ابْن النجار وَذكر بعض الْعلمَاء أَنه ترك التدريس في آخر عمره وسافر إِلَى الْحجاز وجاور بِمَكَّة وَفرغ نَفسه لِلْعِبَادَةِ إِلَى أَن أَتَاهُ أَجله رحمه الله. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 116)، الوافي بالوفيات (1/ 137).

(8)

القاضي القمي هو: الحسن بن العباس بن الحسن بن أبي الجن حُسين بن علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحُسين عليه السلام، القاضي أبو محمد الحُسينيُّ القُمِّيُّ، ولي قضاء دمشق من جهة قاضي الديار المصرية محمد بن النُّعمان الشيعي العُبَيْدي. وأصله من بَلَد قُم، فقدم أبوه الشام وسكن حَلَب، كان مقدماً أهل بيته ورئيسهم، وكان جوادا وصولا بارا بأهله رضي الله عنه. وتوفي القاضي أبو محمد بحلب في جمادى الاولى سنة أربعمائة ونقل الى دمشق ودفن بها.

انظر: تاريخ الإسلام (8/ 813)، بغية الطلب في تاريخ حلب للعقيلي (5/ 2415).

ص: 147

ولئن سلّمنا؛ فالفرق بينهما ثابت، وهو أن الخروج يتنوع إلى نوعين: مَدِيد وقَصِيرَ وهما مختلفان اسمًا وأحكامًا، فإنّ المديد يسمّى سفرًا وأحكامه على خلاف أحكام الخروج القصير، فإذا نوى أحد النّوعين صحّت نيّته، وذلك لأن الفعل يحتمل التّنويع، ولا يحتمل التّخصيص، ألا ترى أنّه لو حلف لا يتزوّج ونوى حبشية أو رومية يصدق، ولو نوى امرأة بعينها لا يصدّق؟ لأنّ الأوّل نوع والثّاني لا، فلما كان كذلك كان نيته السّفر في قوله إن خرجتُ نيَّةً في أحد نوعي الخروج فيصحّ حتّى لو نوى الخروج إلى مكان بعينه كبغداد مثلًا لم تصحّ نيّته؛ لأنّ المكان غير مذكور فلم تصح نيّة التّخصيص.

وأما الجواب عن المساكنة: فإنّه (إنما صحّت نية المساكنة في بيت واحد؛ لأنّه نوى أتم ما يكون من المساكنة، فإنَّ أعم ما يكون من المساكنة في بلده، والمطلق في المساكنة في العرف في دار واحدة وأتم ما يكون من المساكنة في بيت واحد، فهذه النيّة أيضاً يرجع إلى بيان نوع المساكنة الثابتة بصيغة كلامه) كذا ذكره الإمام السّرخسي

(1)

والتمرتاشي والمرغيناني رحمهم الله

(2)

.

[432/ ب] (الكرع: يتناول الماء بالفم من موضعه من غير أن يشرب بِكفيه ولا بإناء، يقال كرع الرجل في الماء وفي الإناء إذا مد عنقه نحوه ليشربه، ومنه كره عكرمة الكرع في النّهر؛ لأنّه فعل البهيمة يدخل فيه/ أكارعه والكراع مستدق السّاق كذا في الصّحاح

(3)

والمغرب

(4)

فكان معنى قوله: لم يحنث حتى يكرع منها كرعًا أي لا يحنث عنده

(5)

حتّى يضع فاه على دجلة

(6)

بعينها، ويشرب وهو الشّرط أي كونه منسوبًا إلى دجلة هو شرط الحنث، وهي مستعملة أي عرفًا وشرعًا أمّا عرفًا فظاهر.

(وأمّا شرعًا فهو ما جاء في الحديث أنّ النبي عليه السلام قال لقوم نزل عندهم: «هل عندكم ماء بات في الشن وإلا كرعنا»

(7)

وقد بينا أنّ الحقيقة متى كانت مستعملة فاللّفظ يُحمل عليها دون المجاز، والحقيقة مراده ههنا، فإنّه لو كرع يحنث وهو حقيقة الشرب من دجلة) كذا في المبسوط

(8)

.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 160).

(2)

انظر: البناية (6/ 187).

(3)

انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 1275).

(4)

انظر: المغرب (1/ 406).

(5)

أي عند ابي حنيفة رحمه الله.

(6)

دِجْلة اسمٌ مَعْرِفَةٌ لِنهر العراق، وفي الصِّحَاحِ: دِجْلة نَهْرُ بَغْدَادَ.

انظر: لسان العرب (11/ 236)، مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع لابن شمائل القطيعي (2/ 515).

(7)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخل على رَجُلٍ من الأَنصارِ ومعه صاحبٌ لهُ، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إن كان عندك ماءٌ بَاتَ هذه اللَّيلة في شَنَّةٍ وإِلَّا كَرَعنَا» قال: والرَّجل يُحَوِّلُ الماء في حَائِطه، قال: فقال الرَّجل: يا رسول الله، عندي ماءٌ بَائِتٌ، فانطلق إلى العَريش، قال: فانطلق بهما، فَسَكب في قَدَحٍ، ثُمَّ حلب عليه من دَاجِنٍ له، قال: فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ شرب الرَّجُلُ الَّذي جاء معه. رواه البخاري (7/ 110)، كتاب الأشربة، رقم (74)، باب شَوْبِ اللَّبَن بالماء، رقم الحديث (5613).

(صاحب له) هو أبو بكر رضي الله عنه (شنة) قربة بليت وذهب شعرها -لأنها في الأصل من جلد -من كثرة الاستعمال (كرعنا) من الكرع وهو تناول الماء بالفم من غير إناء ولا كف (يحول الماء) ينقله من مكان إلى مكان آخر ليعم أشجاره بالسقي (حائطه) بستانه من النخيل (داجن) الشاة التي تكون في البيوت ولا تخرج إلى المرعى.

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (8/ 187).

ص: 148

وهذا معنى قوله: ولهذا يحنث بالكرع إجماعًا

(1)

، فإن قيل: لا نسلم بأن الحنث في الكرع باعتبار الحقيقة، بل باعتبار العمل بعموم المجاز كما في قوله: لا يضع قدمه في دار فلان، ولما كان كذلك وجب أن يحنث فيما إذا شربه من دجلة بالاغتراف

(2)

بالإناء، لما أنّ الحكم في عموم المجاز كذلك.

قلنا: الكرع من الفرات

(3)

مستعمل، والحكم يترتب على الحقيقة دون المجاز إذا كانت الحقيقة مستعملة لما أنّ إضافة الحكم إلى الحقيقة أولى؛ لأنّها هي الأصل في الكلام.

بخلاف قوله: [لا يضع قدمه في دار فلان] فإنّ ذلك صار عبارة عن الدّخول في العُرَف، فلذلك لم يختلف فيه هيئة الدّاخل في الحنث، لوجود الدخول، لما أنّ هذا اللّفظ تجرّد استعاره للدّخول لا غير، حتّى إنّه لو كان مستلقيًا

(4)

أو قاعدًا أو خارج الدّار فأدخل قدميه فوضعهما في الدّار لا يحنث، لأن الرجل إنّما يسمى داخلًا؛ إذا كان معتمدًا على قدميه داخل الدّار قائمًا أو قاعدًا، أو لم يوجد فلا يحنث لعدم الدّخول. إلى هذا أشار في الذّخيرة

(5)

في فصل الخروج والإتيان.

وأمّا ههنا فقال: لا يشرب من دجلة، ومن للتبعيض، أو لابتداء الغاية فكانت حقيقته أن يضع فاه على بعض الدجلة فيشربه، أو أن يكون ابتداء شربه من دجلة وهي مستعملة على ما ذكرنا، فيجب أن تكون الحقيقة مرادة لا غير، لأنّ موضع الحقيقة حقيق بأن يراد فتنحى المجاز حينئذٍ؛ لأنّهما لا يجتمعان.

(1)

دعوى الإجماع فيها نظر، لأنه اختلف المشايخ في الكرع عندهما. قال الإمام العتابي في " شرح الجامع ": قال بعضهم: لا يحنث بالكرع عندهما لئلا يكون جمعًا بين الحقيقة والمجاز. وقال بعضهم: يحنث وهو الصحيح لعموم المجاز، وليس هو يجمع بين الحقيقة والمجاز فمنعوا، أي الحقيقة المستعملة، هذا إذا لم يكن له نية، فإن نوى الكرع فعندنا لا يحنث بالمجاز ديانة وقضاء، لأنه نوى حقيقة كلامه، وإن نوى العرف فعنده صدق ديانة، لأنه يحتمل ولا يصدق قضاء، لأنه خلاف الحقيقة.

انظر: البناية (6/ 188).

(2)

الْغُرْفَةُ: بِالضَّمِّ الْمَاءُ الْمَغْرُوف وَبِالْفَتْحِ الْمَرَّة مِنْ الْغَرْفِ. انظر: المغرب (1/ 339)، الصحاح (4/ 1409).

(3)

الفُراتُ: اسْمُ نَهَرِ الْكُوفَةِ، وهو نهر عظيم بجانب دجلة بالعراق.

انظر: لسان العرب (2/ 65)، معجم البلدان (4/ 241).

(4)

مستلقياً: "الاستلقاء": استلقى على قفاه: أي ألقى قفاه على الأرض.

انظر: مختار الصحاح (1/ 284)، (لقي)، شمس العلوم (9/ 6099)، (الاستلقاء).

(5)

انظر: الدر المختار (3/ 749).

ص: 149

(وإن حلف لا يشرب من ماء دجلة فشرب منها بإناء حنث)، نظيره هاتين المسألتين ما (لو حلف لا يشرب من هذا الكُوز)

(1)

فصب الماء الذي في الكوز في كوز آخر وشرب منه لا يحنث بالإجماع.

ولو قال: [لا أشرب من ماء هذا الكوز] فصّب الماء الذي في الكوز في كوز آخر وشرب منه حنث في يمينه؛ لأنّه عقد يمينه على الماء الذي في الكوز وبأن صب في كوز آخر لا يخرج من أن يكون ذلك الماء. بخلاف قوله: [لا أشرب من هذا الكوز]؛ لأنّ هناك عقد يمينه على الشّرب من الكوز المعيّن ولم يشرب من ذلك الكوز، ولو حلف لا يشرب من هذا الجب

(2)

أو من هذا البئر حكى عن أبي سهل الشرعي رحمه الله أنّه كان يقول: إذا كان الجب والبئر مَلآنَ يمكن الكرع فيه فيمينه على الكرع عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما على الاغتراف وإن لم يكن مَلآنَ فيمينه على الاغتراف فإن تكلف في هذه الصورة وكرع من أسفل البئر أو

(3)

من أسفل الجب اختلف فيه المشايخ، والصّحيح أنّه لا يحنث كذا في الذّخيرة

(4)

.

وليس في الكوز ماء لم يحنث؛ لأنّه لم ينعقد يمينه على قول أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- فلا يحنث، وذلك لأنّه عقد يمينه على خبر ليس فيه رجاء الصّدق إلا أنّه لا فرق ههنا بين أن يعلم أن الكوز لا ماء فيه أو لا يعلم؛ لأنّه عقد اليمين على شُرب الماء الموجود في الكوز، والله تعالى وإن أحدث في الكوز ماءً فليس هو الماء الذي كان موجودًا في الكوز وقت اليمين، لأنّ الماء الذي أضاف إليه الشرب لا يحتمل الوجود إذ الحادث غيره، بخلاف مسألة القتل: إذا كان يعلم بموت فلان؛ لأنّه عقد يمينه على فعل القتل في فلان فإذا أحياه الله تعالى فهو فلان كقوله تعالى: (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ}

(5)

فكان ما عقد عليه اليمين متوهمًا ووزان هذا من مسألة الكوز أن لو قال: والله لأ قتلن هذا الميّت، فإنّ يمينه لا تنعقد؛ لأنه لا تصوّر فيما حلف عليه فإنّه إذا أحياه الله تعالى حتّى يتحقق فيه فعل القتل لا يكون ميّتًا.

(1)

الكُوزُ: من الأَواني، عروفٌ، وهو مشتقٌّ من ذلك، والجمعُ أَكْوازٌ وكِيزانٌ وكوزَةٌ.

انظر: لسان العرب (5/ 402).

(2)

والجُبُّ: البئر، مُذَكَّرٌ. وقيل: هي البِئر لم تُطو. وقيل: هي البئر الكثيرة الماء البعيدةُ القَعر.

انظر: لسان العرب (1/ 250).

(3)

" من أسفل البئر أو " سقط من (أ).

(4)

انظر: المحيط البرهاني (4/ 301).

(5)

سورة البقرة آية: (259).

ص: 150

[433/ أ] واحتجّ أبو يوسف رحمه الله (بأن/ محلّ اليمين خبر في المستقبل سواء كان الحالف قادراً عليه أو عاجزًا عنه، ألا ترى أنّه لو قال والله لَأَمَسَّنَّ السَّماء أو لأُحوِلنَّ هذا الحَجَرَ ذَهَبًا انعقد يمينه؟ لأنّه عقد على خبر في المستقبل، وإن كان هو عاجزٌ عن تحصيله فهذا مثله، وقالا

(1)

: محل اليمين المعقودة خبر فيه رجاء الصدق، لأنّها تُعقدُ للحظرِ أو الإيجابِ أو الإظهارِ معنى الصدق، وذلك لا يتحقّقُ فيما ليس فيه رجاءُ الصّدقِ فلا ينعقدُ أصلاً كيمين الغموس) كذا في المبسوط

(2)

.

ولو كانت مُطلَقَةً بأن لم يذكر اليوم ففي الوجه الأوّل:

(بأن لم يكن في الكوز ماء وذكر اليوم)، وفي الوجه الثّاني: (وهو ما إذا لم يذكر اليوم وفي الكوز ماء فأهريق

(3)

قبل الليل، فأبو يوسف رحمه الله فرَّق بين المطلق والموقت أي في مسألة.

الوجه الثاني وهو ما إذا كان في الكوز ماء فأهراق قبل اللّيل فأبو يوسف رحمه الله يفرق في هذه المسألة بين المطلق والموقت، وأراد بالمطلق ما إذا لم يذكر اليوم وبالمؤقت ما إذا ذكر اليوم ففرق بينهما في الحكم فقال: في المطلق يحنث حال وقت الإراقة من غير توقف إلى الليل، وفي المؤقت: لا يحنث في الحال بل يتوقّف حنثه إلى آخر اليوم، فعند غيبوبة الشمس يحنث عنده، وهما

(4)

يفرِّقان بين المطلق والمؤقت أيضًا لكن بوجه آخر، ويقولان: إن في المؤقّت يبطل اليمين بالإراقة فلا يحنث لا في الحال ولا في آخر اليوم، وفي المطلق يحنث حال وقت الإراقة واحتج أبو يوسف رحمه الله في المسألة الثّانية وهي ما إذا كان (في الكوز ماء فأريق قبل اللّيل) فقال: إنّما يحنث لأنّه تحقّق فوات شرط البر، وذلك يوجب الحنث كما (لو كانت اليمين مطلقة) عن الوقت إلا أن تأثير التّوقيت في منع الحنث ما لم يمض الوقت، فإذا مضى الوقت حنث كما في قوله:[لأمسنّ السّماء اليوم] وهما يقولان شرط حنثه ترك فعل الشرب، ولا تصوّر لذلك إذا أراق الماء وكما لا ينعقد اليمين بدون محلّها لا يبقى بدون محلّها، وبالإجماع لا يحنث قبل الليل فعرفنا أن اليمين تسقط من غير حنث.

يوضحه أن موجب هذا اليمين ترك فعل الشرب مطلقًا، وذلك خلاف ما عقد عليه يمينه. كذا في الجامع الصّغير لشمس الأئمّة السّرخسي رحمه الله وهما فرق بينهما، أي بين المؤقّت والمطلق في الوجه الثّاني وهو ما إذا كان في الكوز ماء وأمّا في الوجه الأوّل فلا يحتاجان إلى الفرق؛ لأنّهما يقولان بعدم الانعقاد، وفرقا في الوجه الثّاني وقالا

(5)

لا يحنث في الموقّت ويحنث في المطلق، أمّا في المؤقت يجب البرّ في الجزء الأخير من الوقت أي يتأكّد وجوب البر وذلك لأنّ اليمين متى عقدت على فعل لا يمتد موقتًا باليوم، فإنّما يلزم انعقاده في آخر النّهار. مثل قوله: والله لأفعلنّ كذا اليوم، فإنّما يلزم انعقاده في آخر اليوم من قِبَل أنَّ الفعل الذي لا يمتد إذا أضيف إلى وقت يمتد صار الوقت ظرفًا له لا معيارًا له مثل صلاة الظّهر في وقت الظّهر، أنّ الوقت طرفه لا يتعيّن له على الثبات إلا في آخره على احتمال أن يكون كل جزء منه وقتًا لأدائه باختياره، فإذا لم يفعل تعين الآخر، فكذلك ههنا أضيف شرب الماء، وهو لا يمتد إلى اليوم المُعَرَّف، وهو اليوم القائم الممتدّ، فإذا لم يشربه في آخر النهار صار آخره متعيّنًا لانعقاد اليمين في حق وجوب البرّ، وفي ذلك الوقت الماء هالك فصار بمنزلة ابتداء العقد في آخر النّهار، والماء هالك فكانت هذه المسألة فرعًا لمسألة اليمين التي حلف ليشربنّ ماء هذا الكوز وليس فيه ماء وهناك الاختلاف هكذا. فكذا هنا إلى هذا أشار فخر الإسلام

(6)

رحمه الله.

(1)

أبو حنيفة ومحمد -رحمهما الله-.

(2)

انظر المبسوط للسرخسي (9/ 6).

(3)

أي فأريق، والهاء فيه زائدة. انظر: البناية (6/ 189).

(4)

أي عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-.

(5)

أبو حنيفة ومحمد -رحمهما الله-.

(6)

انظر: ملتقى الأبحر (1/ 300).

ص: 151

ومن فروع مسألة الكوز: ما إذا قال رجلٌ لامرأته إن لم تهيئي لي صداقك اليوم فأنت طالق وقال أبوها إن وهبتِ له صداقكِ فأُمِّك طالقٌ، فالحيلةُ في أن لا يحنثا هي أن يصالح أباها عن مهرها بثوب ملفوف فإذا مضى اليوم لم يحنث؛ لأنها لم تهب ولم يحنث الزّوج؛ لأنها عجزت عن الهبة عند الغروب؛ لأن الصّداق سقط من الزّوج بالصلح كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله

(1)

.

[433/ ب](انعقدت يمينه وحنث عقيبها) هذا إذا حلف مطلقًا، وأمّا إذا وقّت اليمين لم يحنث ما لم يحضر/ ذلك الوقت، وقال زفر رحمه الله يحنث حالًا كما في المطلق، ولنا أنّه لم يلتزم البر حالًا فلا يحنث بتركه حالًا وفي جمع الناطفي

(2)

إن تركت مسّ السّماء فعبدي حرّ لم يحنث؛ لأنّ التّرك لا يتصوّر في غير المقدور عادة كذا ذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله

(3)

.

ألا ترى الملائكة يصعدونه قال الله تعالى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا}

(4)

فلما كانت السّماء عينًا مَمَسُوُسَةً لِمخلوق كان المسّ متصوّرًا لمخلوق آخر لا مستحيلًا؟ لأنّ مستحيل الوجود في نفسه لا يختلف بين مخلوق ومخلوق، فكان مستحيل الوجود في حقّ الكل كاستحالة الجمع بين الحركة والسكون، وكذا تحوّل الحجر ذهبًا بتحويل الله، فإن قيل: لو قدرت تصوّره بمحض إيجاد الله تعالى، يجب أن يحنث أيضًا في اليمين الغموس؛ لأنّ إعادة الزّمان الماضي في قدرة الله تعالى أيضًا، وقد فعلها لسليمان عليه السلام فيجب أن تنعقد هي أيضاً بهذا الطّريق ثم يحنث الحالف عقيبه كما هنا، قلنا: إنّما لا ينعقد هناك (لأنّه أخبر عن فعل قد وجد منه وذلك لا كون له فإن الله عز وجل وإن أعاد الزّمان الماضي لا يصير الفعل موجودًا من الحالف حتى يفعله) كذا في المبسوط

(5)

(1)

انظر تبيين الحقائق (3/ 159).

(2)

أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر أَبُو الْعَبَّاس الناطفي ذكره صَاحب الْهِدَايَة في الطَّهَارَة بِلَفْظ الناطفي أحد الْفُقَهَاء الْكِبَار حنفي وَأحد أَصْحَاب الْوَاقِعَات والنوازل وَمن تصنيفه الْأَجْنَاس والفروق في مُجَلد والواقعات مَاتَ بِالريِّ سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة رحمه الله. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 113)، وكشف الظنون (1/ 22).

(3)

انظر: البحر الرائق (4/ 160).

(4)

سورة الجن آية: (8).

(5)

انظر المبسوط للسرخسي (9/ 7).

ص: 152

وإذا كان متصوّرًا ينعقد اليمين وذلك لأنّ الإيجاب من العبد معتبر بالإيجاب من الله تعالى، واليمين جهة في إيجاب البر والإيجاب من الله تعالى يعتمد التصوّر دون القدرة فيما له خَلَفٌ، ألا ترى أنّ الصّوم واجب على الشّيخ الفاني وإن لم يكن له قدرة، لمكان التصور والخلف؟ فكذلك ههنا حنث عقيب وجوب البر فوجب الكفارة للعجز الثّابت عادة كما وجبت الفدية هناك عقيب وجوب الصّوم كذا في الفوايد الظهيريّة

(1)

.

‌باب اليمين في الكلام

لما ذكر بيان أيمان السُّكنَى والدُّخُولِ والخُرُوجِ والأَكلِ والشُّربِ للمعنى الذي ذكرنا. شرع في بيان الفعل الجامع الذي يستتبع الأبواب المتفرّقة، وهو الكلام إذ اليمين في العتق والطّلاق والبيع والشّراء واليمين في الحج والصّوم والصّلاة من أنواع الكلام فذِكرُ الجِنس مقدم على ذكر النوع.

قوله: (ومن حلف لا يكلم فلانًا فكلّمه وهو بِحَيثُ يسمع إلا أنّه نائم حنث).

اعلم أن التّكليم عبارة عن إسماعه كلامه كما في تكليم نفسه، فإنّه عبارة عن إسماع نفسه إلا أن إسماع الغير أمر باطن لا يوقف عليه، فأقيم السّبب المؤدّي إليه مقامه، وهو أن يكون بحيث لو أصغى إليه إذنه ولم يكن به مانع من السّماع ليسمع ودار الحكم معه وسقط اعتبار حقيقة الإسماع كذا في مبسوط شيخ الإسلام رحمه الله

(2)

.

وذكر في الذّخيرة

(3)

: ولا يحنث حتّى يتكلّم بكلام مستأنف بعد اليمين منقطع عنها، فإن كان موصولًا لم يحنث، نحو أن يقول: إن كلمتكِ فأنتِ طالقٌ فاذهبي أو قومي؛ لأنّ هذا من تمام الكلام الأول، فلا يكون مرادًا باليمين، وكذلك إذا قال:[واذهبي] إلا أن يريد بهذا كلامًا مستأنفًا فعلى هذا لو قال الرجل لغيره: إن ابتدأتك بالكلام فعبدي حرّ فالتقيا وسلّم كلّ واحد منهما صاحبه معًا، لم يحنث الحالف فيه؛ لأنّ شرط الحنث كلام موصوف بصفة البداية والبداية بالسّبق والحالف إن كلمه بالسّلام إلا أنّه لم يسبقه، وتسقط اليمين عن الحالف بهذا الكلام حتّى لا يحنث أبدًا، بحكم هذه اليمين، لوقوع اليأس عن كلامه بصفة البداية؛ لأنّ كلّ كلام يوجد بعد هذا من الحالف إنّما يوجد بعد كلام المحلوف عليه.

وعن هذه المسألة قلنا: إن الرّجل إذا قال لامرأته إن ابتدأتك بكلام فأنت طالق، وقالت المرأة له: إن ابتدأتك بكلام فجاريتي حرّة، ثمّ إنّ الزوج كلّمها بعد ذلك، لا يحنث في يمينه؛ لأنّ المرأة كلمته بعد يمينه يحنث، قالت إن ابتدأتك بكلام فلا يكون الزّوج مبتدئاً لها، ثم المرأة بتكلّمها لا تحنث في يمينها أيضاً؛ لأنّها ما ابتدأت بالكلام.

(1)

انظر: العناية (5/ 142).

(2)

انظر: الأصل (3/ 380).

(3)

انظر: المحيط البرهاني (4/ 235).

ص: 153

(فصار كما إذا ناداه وهو بحيث يسمع إلا أنّه لم يفهمه لتغافله)(فإن هناك يحنث لأنّه أوقع صوته في إذنه، وإن لم يفهمه لتغافله. أي لغفلته فيحنث ألا ترى أنّه)

(1)

لو ناداه وهو بعيد يسمى هاذئًا ولو ناداه وهو قريب/ يسمّى مناديًا). كذا في المبسوط

(2)

.

[434/ أ] ولو حلف لا يكلّم فلانًا، فسلّم الحالف على قوم والمحلوف عليه فيهم حنث في يمينّه، قالوا: إلا أن لا يقصده بالسّلام، فيصدّق ديانة ولا يصدق قضاء، ولو قال السّلام عليكم إلا على واحد لا يحنث في يمينه هذا إذا سلّم خارج الصلاة فأمّا إذا سلّم وهما في الصّلاة ففيه تفصيل معروف.

ولو حلف لا يكلّم فلانًا، فدق فلان عليه الباب فقال: من هذا؟ حنث في يمينه. وإذا دقّ المحلوف عليه باب الحالف: فقال الحالف بالفارسيّة [كيست] لا يحنث. ولو قال [كي تو] يحنث.

ولو ناداه المحلوف عليه، فقال: لبّيك أو لبى يحنث، فلو كلمه الحالف بكلام لم يفهمه المحلوف عليه ففيه اختلاف الروايتين، ولو حلف لا يكلّم فلانًا فمرّ المحلوف عليه بالحالف، فقال الحالف: اصنع كذا يا حايط، لأمر قد وقع ووجد إسماع المحلوف عليه لا يحنث في يمينه. كذا في الذّخيرة

(3)

.

وفي بعض روايات المبسوط

(4)

(شرط أن يوقظه

(5)

فإنّه روي في رواية فناداه وأيقظه يحنث في يمينه، شرط في هذه الرواية الإيقاظ للحنث، وذكر في بعض الرّوايات فناداه أو أيقظه، فهذا يدلّ على أنّه متى ناداه يحنث لو كان يقظان يسمع صوته يحنث، وإن لم يوقظه كذا في المبسوطين

(6)

.

ثمّ ذكر في مبسوط شمس الأئمة السّرخسي رحمه الله

(7)

والأظهر أنّه لا يحنث؛ لأنّ النّائم كالغائب. فإذا لم ينتبه كان بمنزلة ما لو ناداه من بعيد بحيث لا يسمع صوته.

وقيل: هو على الخلاف عند أبي حنيفة رحمه الله يحنث؛ لأنّه يجعل النّائم كالمنتبه وعندهما لا يحنث، بيانهُ فيمن رمى سهمًا إلى صيد فوقع عند نائمٍ حيًّا ثم لم يدرك الرّامي ذكاته حتّى مات).

وأنّه

(8)

يتمّ بالإذن كالرضاء يعني إذا حلف لا يكلّم إلا برضاه فرضي المحلوف عليه بالاستثناء ولم يعلم الحالف فكلّمه لا يحنث، لما أنّ الرضاء يتمّ بالراضي فكذلك الإذن بالإذن، ولا كذلك الإذن على ما مرّ وهو قوله: لأنّ الإذن مشتق من الآذان الذي هو الإعلام ولا يتحقّق ذلك إلا بالسّماع.

(1)

سقط من (ب).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (9/ 22).

(3)

انظر: المحيط البرهاني (4/ 238).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (9/ 22).

(5)

اليقظة: خِلَافُ النَّوْمِ. انظر: المغرب (1/ 512).

(6)

انظر: الأصل (3/ 380)، المبسوط للسرخسي (9/ 22).

(7)

انظر: المبسوط للسرخسي (9/ 22).

(8)

وأنه: الضمير يرجع لكلام لم يورده المؤلف وهو «" ولو حلف لا يكلمه إلا بإذنه فأذن له ولم يعلم بالإذن حتى كلمه حنث " لأن الإذن مشتق من الأذان الذي هو الإعلام أو من الوقوع في الإذن وكل ذلك لا يتحقق إلا بالسماع وقال أبو يوسف لا يحنث لأن الإذن هو الإطلاق» وإنه يتم بالإذن كالرضا

انظر: الهداية (2/ 329).

ص: 154

فإن قيل: إذا أذن المولى لعبده والعبد لا يعلم يصحّ الإذن حتّى إذا علم يصير مأذونًا هذا هو أثر الصّحة والرواية في تتمة الفتاوى علم أنّ الإذن لا يحتاج إلى الإعلام.

قلنا: الإذن فك الحجر في حق العبد، والعبد يتصرف بأهلية نفسه ومالكيته، فيثبت بمجرّد الإذن، وأمّا في اليمين فلما حرم كلامه باليمين إلا عند الإذن صار الإذن مثبتًا لإباحة الكلام للحالف، فلابدّ من الإعلام لذلك.

(ولو حلف لا يكلمه شهرًا) إلى قوله بخلاف ما إذا قال والله لأصومن شهرًا فالإجارات والآجالُ نظير الكلام والاعتكافُ

(1)

نظيرُ الصّوم وحقيقة الفرق في هذه المسائل تبتني على شيئين:

أحدهما: أنّ الامتناع من كلام فلان يستطاع ليلًا ونهارًا مؤبّدًا ومؤقتًا، والصّيام والاعتكاف ليسا بهذه المثابة، فالأوّل يقع على الأبد نظرًا إلى نفي المسمّى وإمكان العمل بموجب هذا النّفي فيجب إخراج ما وراء الشّهر الذي يليه؛ لأنّ ما يلي اليمين من الزمان في الكلام موجود وما وراء الشّهر الذي يلي اليمين معدوم، ولا تعارض بين الموجود والمعدوم، فتعيّن الموجود مرارًا في حق نفي الكلام وهو الشّهر الذي يلي اليمين، فيبقى ما وراه

(2)

على الحل الأصلي، وفي الصّيام والاعتكاف تعذّر إيقاعهما على الأبد؛ نظرًا إلى عدم الإمكان، فإنّ الليالي غير صالحة للصّوم ولاحتمال يمينه هذه أن تكون بعد الزّوال، أو بعدما أكل قبل الزّوال، وفي اللّيل، وذكر الشّهر على وجه التنكير فيقع على شهر لا بعينه، عملًا بالتنكير عند عدم إمكان التّأبيد.

والثّاني: أنّ التّأجيل بصفة التّأبيد يبطل البيع والإجارة، وكذلك التّأجيل والإجارة بصفة الإبهام فاسد، فلابدّ من التعيين تحرّزًا عن الفساد، فنقول: تعيين ما كان موجودًا أولى، وهو الزّمان الذي يلي الإجارة والتأجيل لما ذكرنا أنّه لا تعارض بين الموجود والمعدوم إلى هذا أشار في الفوائد الظهيريّة

(3)

[434/ ب] عملًا بدلالة حاله وهي الغيظ الذي لحقه في الحال؛ لأنّه لو لم يذكر الشّهر لا يتأبد، إمّا لأنّه إثباتي، بخلاف قوله: لا يكلّمه فإنّه عدمي والعدمي يستغرق، بخلاف الإثباتي. ألا ترى أنّه كيف استغرق النّهي في قوله: لا يفعل ولا يستغرق الأمر في قوله افعل؟ وإمّا لأنّ الصّوم غير صالح للتأبيد لتخلّل الأوقات التي لا تصلح أن تكون محلاً/ للصّوم بخلاف الامتناع عن الكلام؛ فإنّ الأوقات كلّها سواء في حقّه، فكان ذِكرُه لتقدير الصّوم؛ فإنّه منكر فلم يتعيّن الشّهر الذي يلي اليمين، وبمثله إن تركت الصّوم شهرًا يتعيّن الشّهر الذي يليه ولو قال صوم شهر لا يتعيّن؛ لأنّ في الأوّل أدخل اللام فيه، فاقتضى ترك صوم العُمر فكان ذكر الشّهر لإخراج ما وراءه عن اليمين.

(1)

الاعتكاف في اللغة: من عَكفَ على شيء يَعكفُ، ويَعكِفَ عكفًا وعُكوفًا: أقبل عليه مُوَاظِبًا لا ينصفُ عن وجهَهُ. والعُكُوفُ: الإقامةُ في المسجدِ. والاعتكافُ: الاحتباسُ. انظر: لسان العرب (9/ 304 - 305)، (عكف). وعند الفقهاء: لبثُ صائمٍ في مسجدِ جماعةٍ بنيةٍ، وتفرّغُ القلبِ عن شغلِ الدنيا وتسليم النفسِ الى المولى. انظر: التعريفات (31).

(2)

في (ب)"وراءه".

(3)

انظر: العناية (6/ 276).

ص: 155

وفي الثّاني: أضاف الصّوم إلى الشّهر فصار الشّهر لتقدير الصّوم كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله

(1)

.

«وإن عني النّهار خاصة دين في القضاء)؛ لأنّه حقيقة مستعملة (ولو قال ليلة أكلم فلانًا فهو على اللّيل خاصة)؛ لأنّ اللّيل ضدّ النّهار قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً}

(2)

فكما أنّ النّهار مختصّ بزمان الضياء فكذلك الليل مختص بزمان الظُّلمة والسّواد) كذا في المبسوط

(3)

. وما جاء استعماله في مطلق الوقت، فإن قيل فكيف يقال هذا فقد يذكر اللّيل بمعنى الوقت؟

قال القائل

(4)

:

وكنّا حَسِبنَا كُل سَودَاء تَمرَةً

ليَالي لا قَينَا جُذَامًا وحميرًا

والمراد بها الوقت؟ قلنا: هذا القائل ذكر اللّيالي بعبارة الجمع، وذكر أحد العددين بعبارة الجمع يقتضي دخول ما بإزائه من العدد الآخر، وذلك أصل آخر. وإنّما كلامنا الآن في المذكور بعبارة الفرد كذا ذكره الإمام شمس الأئمة السّرخسي رحمه الله في الجامع الصّغير

(5)

.

قوله: لأنّه غاية أما في كلمة حتّى فظاهر لأنّها للغاية، قال الله تعالى: (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}

(6)

، وكذلك "إلا" أن قال الله تعالى: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ}

(7)

إلى أن قال: (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}

(8)

معناه والله أعلم حتّى تغمضوا فيه، فإن قيل كلمه إلا أن للشّرط، بدليل أنّه لو قال أنت طالق إلا أن يقدم فلان فهو بمنزلة قوله إن لم يقدم فلان.

قلنا: هي للغاية فيما يحتمل التّأقيت والطّلاق مما لا يحتمل التأقيت وما نحن فيه يحتمله، لأنّه يمين، واليمين يحتمل التّأقيت، ألا ترى أنّه لو قال لها أنت طالق إن كلمت فلانًا شهرًا؟ يتوقت وينقضي بانقضاء الشّهر، بخلاف ما لو قال أنت طالق شهرًا كذا في الفوايد الظهيريّة

(9)

.

(وإن مات فلان سقطت اليمين) أي فلأن الذي أسند إليه القدوم في قوله إلا أن يقدم فلان.

(1)

انظر: العناية (5/ 145 - 146).

(2)

سورة الفرقان آية: (62).

(3)

انظر المبسوط للسرخسي (9/ 19).

(4)

زفر بن الْحَارِث. انظر: جمهرة الأمثال (2/ 287).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (3/ 123).

(6)

سورة القَدْر آية: (5).

(7)

سورة البقرة آية: (267).

(8)

سورة البقرة آية: (267).

(9)

انظر: درر الحكام (3/ 297).

ص: 156

فإن قيل: فلم يسقط اليمين مع إمكان إعادة الحياة؟

قلنا: لو أحياه الله تعالى كانت الحياة الثّانية غير الأولى؛ لأنّها عرض فلا يتصوّر إعادتها حقيقة، والحياة ليست بالرّوح فإنّ الله حي وليس له روح كذا نقل عن فوائد مولانا حميد الدين

(1)

رحمه الله.

(ومن حلف لا يكلّم عبد فلان ولم ينو عبدًا بعينه) إلى آخره.

الأصل في جنس هذه المسائل أن الحالف متى عقد يمينه على فعل في محلّ منسوب إلى الغير بالملك يراعى للحنث وجود النّسبة وقت وجود الفعل المحلوف عليه، ولا معتبر بالنّسبة وقت اليمين إذا لم يوجد وقت وجود الفعل المحلوف عليه، ومتى عقد يمينه على فعل في محلّ منسوب إلى الغير ولكن لا بالملك يراعي وجود النسبة وقت اليمين، ولا معتبر بالنّسبة وقت وجود الفعل المحلوف عليه.

مثال الأوّل: إذا حلف لا يدخل دار فلان، فباع فلان داره، ودخلها الحالف لا يحنث في يمينه، ولو اشترى فلان دارًا أخرى ودخلها الحالف يحنث في يمينه، وفلان دارًا أخرى ودخلها اعتبارًا للنّسبة وقت وجود الفعل المحلوف عليه.

ومثال الثّاني: إذا حلف لا يكلّم زوجة فلان، فأبان زوجته، وتزوج أخرى، أو حلف لا يكلّم صديق فلان، فعادى صديقه واتّخذ صديقاً آخر، فإن كلم الأوّل يحنث في يمينه وإن كلّم الثّاني لا يحنث في يمينه اعتبارًا للنّسبة وقت اليمين، ووجه الفرق فيه هو أن الحامل على اليمين في الفصل الأوّل معنى في مالك هذه الأشياء لا معنى في هذه الأشياء؛ لأنّ هذه الاشياء ممّا لا يعادي عادة لمعنى فيها.

وفي الفصل الثّاني الحامل على اليمين معنى في هؤلاء؛ لأن هؤلاء ممّا يهجر ويعادى عادة لمعنى فيهم، فإن الأذى متصوّر منهم فكانت النّسبة للتّعريف لا للتقييد بها.

[435/ أ] فإن قيل: يشكل على هذا الفرق ما إذا حلف لا يكلّم عبد فلان فباع عبده واشترى عبدًا آخر، فإن كلّم الحالف العبد الأوّل لا يحنث في يمينه وإن كلّم/ العبد الثّاني يحنث في يمينه، مع أنّ العبد ممّن يقصد هجرانه

(2)

لعينه؛ لأنّه آدمي ويتصوّر منه الأذى كما في الزّوجة والصّديق، (قلنا ذكر ابن سماعة

(3)

في نوادره أن عند أبي حنيفة رحمه الله في العبد يحنث لهذا، ووجه ظاهر الرواية: أن العبد مملوك ساقط المنزلة عند الأحرار فالظّاهر أنّه إذا كان الأذى منه لا يقصد هجرانه باليمين؛ ولا يجعل له هذه المنزلة، ولكن إنّما يحلف إذا كان الأذى من ملكه) كذا في المبسوط

(4)

(1)

سبق ترجمته ص (88).

(2)

هِجرَانَه: الهَجرُ: خِلافُ الوَصلِ يُقالُ هَجَرَ أخاه إذا صَرَمَهُ وقطع كلامُهُ.

انظر: المغرب (1/ 500)، مختار الصحاح (1/ 324)، (هجر).

(3)

هو محمد بن سماعة بن عبيد الله الكوفي الحنفي، العلاّمة، قاضي بغداد. حدّث عن: الليث، والمسيب بن شريك وغيرهما. روى عنه: محمد بن عمران الظبِّي، والحسن بن محمد الوشّاء وعِدّة. توفي سنة (233 هـ) ومن آثاره: أدب القاضي، والمحاضرات والسجلاّتُ، والنوادر.

انظر: سير أعلام النبلاء (10/ 146 - 147)، الأعلام:(6/ 153).

(4)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 165).

ص: 157

فلا يشترط دوامها أي دوام إضافة المرأة إلى الزوج وإضافة العبد إلى الولي ليس بشرط للحنث، بل يحنث بعد زوال الزّوجية، وبعد بيع العبد، وبعد زوال الصّداقة، وتعلّق الحكم بعينه كما في الإشارة، بأن قال: لا أكلّم عبد فلان هذا، أو لا أكلّم زوجة فلان هذه، بحيث إذا وجد الشّرط بعد زوال ملك العبد والزّوجية، وجه ما ذكر ههنا وهو عدم الحنث في العبد والزّوجة والصديق إذا وجد الشّرط بعد زوال الزّوجية، (وإن حلف لا يدخل دار فلان هذه) إلى آخره، وعن محمّد رحمه الله لا يدخل دار رجل بعينه مثل دار عمرو بن حريث

(1)

وغيرها من الدّور المشهودة بأربابها (فباعها مالكها ثم دخل حنث)؛ لأنّ الإضافة لأجل النّسبة لا لأجل الملك، وكذا لا يأكل من طعام فلان وفلان يبيع الطّعام فاشترى منه فأكل يحنث، وفي الكفاية عن أسدٍ لا يتزوّج ابنة فلان، وليس له بنت فولدت له فتزوجها لا يحنث إجماعًا؛ لأنّ قوله ابنة فلان يقتضي ابنة موجودة في الحال كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله

(2)

.

فهو على هذا الاختلاف أي لا يحنث في قول أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-، ويحنث في قول محمّد وزفر -رحمهما الله-، ثم هذا الاختلاف في يمينه هذه فيما إذا لم يكن له نيّة في دوام الإضافة وعدمها، (وأمّا إذا نوى في أنّه لا يدخلها، وإن زالت الإضافة فله ما نوى؛ لأنّه شدد الأمر على نفسه بنيته وكذلك عند محمّد رحمه الله لو نوى أن لا يدخلها ما دامت لفلان فله ما نوى؛ لأنّ المنوي من محتملات لفظه) كذا في المبسوط

(3)

.

والإشارة أبلغ منها فيه أي من الإضافة في التّعريف لكونها قاطعة للشّركة؛ لأنّ في الإشارة لا يشاركه فيها غيره، وأمّا الإضافة فيشارك فيها غيره؛ لأنّه يحتمل أن يكون لذلك الفلان عبيد ودور تأخر؛ لأنّ هذه الأعيان وهي الدّابة والعبد والدار

(4)

، فإن قيل: يحتمل أن يكون الهجران باعتبار ذات الدّار والدّابة على ما قيل «الشّؤُمُ في الثلاث في الدّار والمرأة والفرس»

(5)

.

(1)

عمرو بن حريث ابن عمرو بن عثمان بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ بنِ مَخْزُوْمٍ المخزومي، أخو سَعِيْدِ بنِ حُرَيْثٍ، كَانَ عَمْرٌو مِنْ بَقَايَا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الَّذِين كانوا نزلوا الكوفة. مولده قُبيلَ الهجرة. له صحبَةٌ، وروايَةٌ. وروى أيضًا عن أبي بكرٍ الصِّدِّيق، وابن مسعُودٍ. توفِّي سنة خمسٍ وثمانين.

انظر: سير أعلام النبلاء (4/ 429)، الإصابة (4/ 510)، تهذيب التهذيب (8/ 17)، أسد الغابة (4/ 201).

(2)

انظر: بدائع الصنائع (3/ 80).

(3)

انظر المبسوط للسرخسي (8/ 265).

(4)

العبارة كاملة: "لأَنَّ هذه الأعْيَانَ: أي الدَّارُ والدَّابَّةُ والثَّوبُ لا تُهجَرُ ولا تُعادَى لِذواتِها، وكذا العَبدُ لسُقُوطِ منزِلَتِهِ". انظر: العناية (5/ 152).

(5)

عن ابن عمر، قال: ذكروا الشُّؤْمَ عند النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «إن كان الشُّؤمُ فِي شيءٍ ففي الدَّار، والمَرأةِ، وَالفَرَسِ» . رواه البخاري في كتاب النكاح، رقم (67)، باب ما يتقى من شؤم المرأة (7/ 8)، رقم الحديث (5094)، صحيح مسلم، كتاب السلام، رقم (39) باب الطِّيَرَةِ والفَأْل وما يكون فيه من الشُّؤمِ، رقم (34)، (4/ 1746)، رقم الحديث (2225).

ص: 158

قلنا: ذاك احتمال لم يقترن به العرف والعادة لما أن هذه الأعيان لا تهجر ولا تعادى عادة لذواتها، وما قلنا: وهو هجران هذه الأعيان بسبب ملاكها مؤيّد بالعرف فكان أولى. بخلاف ما إذا كانت الإضافة إضافة نسبة كالصّديق والمرأة أي وقد انضمّت الإشارة مع الإضافة، فحينئذ يحنث بالاتّفاق إذا تكلّم صديق فلان وإن كان بعد المعاداة وزوجة فلان، وإن كان بعد المفارقة، وأمّا إذا تجرّدت الإضافة عن الإشارة فهي المسألة الأولى، فوجد الشّرط بعد زوال الصّداقة والزّوجيّة لا يحنث عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- على رواية الجامع الصّغير، وقد ذكر [فكان الحنث بالكلام بعد زوال الصّداقة والزّوجية في صورة انعقاد اليمين عند انضمام الإشارة مع الإضافة] قولهم جميعًا، ووجه ذلك أن الحرّ يهجر لعينه، وقد يهجر لغيره، فإذا جمع بين الإضافة والإشارة تعيّن الهجران لعينه، إذ لو كان الهجران لغيره لاقتصر على الإضافة فكان المقصود من الإضافة ما هو المقصود من الإشارة وهو إظهار الغيظ من جهة المشار إليه، لا من جهة المضاف إليه، وإذا اتّحد المقصود اعتبرت الإشارة دون الإضافة؛ لأنّ الإشارة أقوى، على ما قلنا بخلاف المملوك إلى هذا أشار الإمام قاضي خان رحمه الله

(1)

، فصار كما إذا أشار إليه، أي إلى الصّاحب (في قوله لا يكلّم صاحب هذا الطّيلسان) بأن قال: لا يكلّم صاحب هذه الطّيلسان هذا، فإنّه يحنث هناك إذا وجد الشّرط بلا خلاف فكذا هنا ثم (الطّيلسان هو تعريب تالشان وجمعه طيالسة والهاء في الجمع للعجمة لأنّه فارسي معرّب وهو من لباس العجم مدور اسود، ومنه قولهم في الشتم يا ابن الطّيلسان يراد أنك عجمي وفي جمع/ التّفاريق الطّيالسة لحمتها وسداها صوف)

(2)

كذا في الصّحاح والمغرب.

[435/ ب] وهذه الصّفة ليست بداعية إلى اليمين، هذا جواب عن سؤال يرد على ما ذكر قبله وهو أنّه لما قال إذ الصّفة في الحاضر لغو ورد عليه ما إذا حلف بقوله لا يأكل هذا الرّطب، فأكله بعدما صار تمرًا؛ فإنّه لا يحنث مع أنّ هذا الأصل موجود هناك، وهو أن الصّفة في الحاضر لغو، فأجاب عنه بهذا وهذا الجواب هو الفرق بين تلك الصّورة وبين قوله (لا يكلّم هذا الشّاب). وهو أنّه إذا ذكر في اليمين من الصّفة ما يصلح داعيًا إلى اليمين يتقيّد يمينه بتلك الصفة، فسواء كانت تلك الصّفة في الحاضر أو في الغائب، كما في مسألة الرّطب والبسر، فإنّ من النّاس من يخيره الرّطوبة أو الحموضة فيتقيّد لذلك يمنه برطوبة الرّطب وحموضة البسر وإن ذكرنا في الحاضر. بخلاف قوله لا يأكل لحم هذا الحمل ولا يكلّم هذا الشّاب إلى آخره وقد مرّ ذكره

(3)

.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (3/ 79).

(2)

انظر: المغرب (1/ 292)، الصحاح (3/ 944).

(3)

انظر: ص (279) من هذه الرسالة.

ص: 159

‌فصل

ذكر الفصل ولم يذكر الباب؛ لما أنّ الفصل يدل على التبعية بعد دخوله مع ما قبله في الجنسية وهذا كذلك؛ لما أنّ مسائل هذا الفصل في الكلام أيضاً لما قبله إلا أن ما قبله في أيمان يتعلّق بالأعيان وهذا في الأزمان والأعيان قبل الأزمان لما أنّ الأزمان يعرف بالأعيان قال الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ}

(1)

فلذلك أخّر الأزمان عن الأعيان.

قوله: (فمن حلف لا يكلّم فلانًا حينًا أو زماناً أو الحين

(2)

أو الزمان) يعني ولا نية له على شيء من الوقت ولا يتفاوت بين ذكر الحين أو الزّمان مُعَرَفَاً أو مُنَكَّرَاً في إرادة ستّة أشهر؛ لأنّ ستّة أشهر لما صارت معهودة في الحين والزمان فالمُعَرَّفِ يَنَّصرِفُ إلى المعهودِ؛ (لأن الحين قد يذكر ويراد به الزّمان القليل قال الله تعالى: (حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}

(3)

والمراد به وقت الصّلاة قال الله تعالى: (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}

(4)

إنّه ستّة أشهر من حيث يخرج الطلع إلى أن يدرك التمر فعند الإطلاق يحمل على الوسط، من ذلك فإن خير الأمور أوساطها، ولأنا نعلم أنّه لم يرد السّاعة فإنّه إذا قصد المماطلة ساعة واحدة لا يحلف على ذلك) كذا في المبسوط

(5)

ولو سكت عنه يتأبد أي لو سكت عن ذكر الحين، وقال لا يكلم فلانًا يكون على الأبد

(6)

فلما ذكر حينًا مع ذلك وجب أن يستفاد منه معنى سوى المعنى الذي يستفاد عند عدم ذكره، وإلا لا يكون في ذكره فائدة، ثم تلك الفائدة منه، يجب أن لا يكون الزّمان القليل، لما ذكرنا ويجب أن لا تكون لأبدٍ؛ لأنّه حينئذ يكون ذكره كلها ذكره، ويجب أن لا يكون أربعين سنة؛ لأنّها في معنى الأبد فإن الرّجل لو أراد ذلك يقول أبدًا في المتعارف فلما لم يقل ذلك علم أنّه لم يرد ولا ما في معناه فتعيّن ما قلنا لذلك (وهو ستّة أشهر).

(وقال أبو حنيفة رحمه الله الدّهر

(7)

لا أدري ما هو) أي لا أدري دهراً المُنَّكِر كم مقداره من الزّمان؟ وإنّما توقف فيه أبو حنيفة! لأنّه وجد استعمال النّاس مختلفاً فيه، وقال أنا وجدنا استعمال الدّهر مخالفاً للحين والزّمان، ألا ترى أن مُعَرَّفَهُ

(8)

يقع على الأبد، بخلاف الحين والزّمان لأن مُعَرَفَهُمَا و مُنَكَّرُهُمَا

(9)

سواء يقال فلانٌ دُهرِي بضم الدّال إذا كان معمرًا ودهري إذا قال بالدَّهرِ، وأَنكَرَ الصَّانِعَ. وقال الله تعالى حكاية عنهم وقال: (وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}

(10)

وقال عليه السلام: «لا تسبوا الدّهر فإن الله هو الدّهر»

(11)

فهذا اسم مجمل فلم يقف على مراد المتكلم عند الإطلاق، والتوقف عند تعارض الأدلّة وترك التّرجيح من غير دليل لا يكون إلا من كمال العلم والورع.

(1)

سورة البقرة آية: (189).

(2)

الْحِينُ: الوقتُ يُقَالُ حِينَئِذٍ، وأيضًا يُطلق على المُدَّةُ.

انظر: مختار الصحاح (1/ 86)، المغرب (1/ 135)، (حين).

(3)

سورة الروم آية: (17).

(4)

سورة إبراهيم: (25).

(5)

انظر المبسوط للسرخسي (9/ 16).

(6)

الأَبَدُ: الدَّهْرُ الطَّوِيلُ، والدائم. انظر: المغرب (1/ 17)، مختار الصحاح (1/ 11)، (أبد).

(7)

الدَّهْرُ: وَالزَّمَانُ واحدٌ. وقيل الدَّهر: الزَّمَانُ الطَّوِيلُ. وقيل: الأبد.

انظر: المغرب (1/ 177)، مختار الصحاح (1/ 108)، (دهر).

(8)

أي عُرفاً.

(9)

مُنَكَّرُهُمَا: الْمُرَادُ بِالْمُنَكَّر ما لم تدخُلْهُ الْأَلِف واللَّام منهما. انظر: تبيين الحقائق (3/ 139).

(10)

سورة الجاثية آية: (24).

(11)

عن ابي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وانا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار» . اخرجه البخاري (6/ 133) في كِتَابُ تَفْسِيرِ القُرْآنِ، رقم (65)، بَابُ {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} ، رقم الحديث (4826)، ومسلم (4/ 1762) في كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، رقم (40)، باب النَّهي عن سب الدَّهر، رقم (1)، رقم الحديث (2246).

ص: 160

(روي أن ابن عمر رضي الله عنهما سئل عن شيء فقال: لا أدري ثم قال بعد ذلك: طوبى لابن عمر سئل عن شيء لا يدري فقال: لا أدري

(1)

، وقيل إنما قال: لا أدري! لأنّه حفظ لسانه عن الكلام في معنى الدّهر فقال جاء في الحديث أنّ النبي عليه السلام قال: «لا تسبّوا الدّهر فإن الله هو الدّهر»

(2)

معناه أنّه خالق الدّهر.

وفي حديثٍ آخر أنّ النبي عليه السلام قال فيما يُأثرُ عن ربه: «استقرضت من عبدي فأبى أن يقرضني وهو يسبني ولا يدري، يسب الدّهر ويقول وادهرآه وإنّما أنّا الدّهر»

(3)

فلظاهر هذه الآثار حفظ

[436/ أ] لسانه وقال لا أدري ما الدّهر/ وهو كما روي أنّ النّبي عليه السلام سئل عن خير البقاع فقال: «لا أدري حتى أسأل جبريل عليه السلام» فسأل جبريل فقال: «لا أدري حتى أسأل ربي» فصعد إلى السّماء ثم نزل وقال: «سألت ربي عن ذلك فقال: خير البقاع المساجد وخير أهلها من يكون أوّل النّاس دخولاً وآخرهم خروجًا»

(4)

فعرفنا أنّ التوقّف في مثل هذا يكون من الكمال من النّقصان) كذا في المبسوط

(5)

والجامع الكبير لفخر الإسلام والجامع الصّغير لقاضي خان -رحمهما الله-.

(1)

لم أجده الا في البناية (6/ 206)، المبسوط للسرخسي (9/ 17) باب الوقت في اليمين، تبيين الحقائق (3/ 140)، باب اليمين في الأكل والشرب وللبس.

(2)

سبق تخريجه أعلاه.

(3)

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبِيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربهِ عز وجل قال:«اسْتَقَرَضْتُ مِنَ ابْنِ آدَمَ فَلَمْ يُقْرِضْنِي وَشَتَمَنِي، يَقُولُ وَادَهْرَاهْ، وَاللهُ هُوَ الدَّهْرُ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنِ ابْنِ آدَمَ يأَكُلُهُ التُّرَابُ إِلَّا عَجَبُ ذَنَبِهِ فَإِنَّهُ يُخْلَقُ عَلَيْهِ حَتَّى يُبْعَثَ مِنْهُ» انظر: خلق أفعال العباد للبخاري، بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ يَذْكُرُهُ وَيَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عز وجل (1/ 95)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 579)، كتاب الزكاة، رقم الحديث (1526)، وقال:«هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» .

(4)

لم اجده بهذا اللفظ الا في البناية (6/ 206) والمبسوط للسرخسي (9/ 17) لكن له شواهد في:

المستدرك: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الْبِقَاعِ خَيْرٌ؟ فَقَالَ: «لَا أَدْرِي» فَقَالَ: أَيُّ الْبِقَاعِ شَرٌّ؟ فَقَالَ: «لَا أَدْرِي» فَقَالَ: سَلْ رَبَّكَ، قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إِنِّي سُئِلْتُ أَيُّ الْبِقَاعِ خَيْرٌ وَأَيُّ الْبِقَاعِ شَرٌّ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي " فَقَالَ: جِبْرِيلُ: وَأَنَا لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي، قَالَ: فَانْتَفَضَ جِبْرِيلُ انْتِفَاضَةً كَادَ أَنْ يُصْعَقَ مِنْهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ يَسْأَلُكَ مُحَمَّدٌ أَيُّ الْبِقَاعِ خَيْرٌ؟ فَقُلْتَ: لَا أَدْرِي، فَسَأَلَكَ أَيُّ الْبِقَاعِ شَرٌّ فَقُلْتَ: لَا أَدْرِي، وَإِنَّ خَيْرَ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ، وَشَرَّ الْبِقَاعِ الْأَسْوَاقُ ". انظر: المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 167)، كتاب العلم، رقم (306) و (2/ 9)، رقم (2149) التعليق-من تلخيص الذهبي (2149) صحيح، والسنن الكبرى، للبيهقي (3/ 92)، كتاب الصلاة، باب فضل المساجِد وفَضلِ عِمَارَتِها بالصَّلاة فيها وانتظار الصَّلاة فيها، رقم (4984)، صحيح ابن حبان (4/ 476)، كتاب الصلاة -المساجد، باب ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ خَيْرَ الْبِقَاعِ فِي الدُّنْيَا الْمَسَاجِدُ، رقم (1599).

(5)

انظر المبسوط للسرخسي (9/ 17).

ص: 161

وهذا الاختلاف في المنكر هو الصّحيح وهذا احتراز عن رواية بشر

(1)

عن أبي حنيفة رحمه الله أن المعرف والمنكر سواء في جواب التوقف.

فإن قلت فقد ذكر في الجامع الكبير وأجمعوا فيمن قال: إن كلمتك دهوراً أو أزمنة وشهوراً وسنين أو جُمعًا أو أيامًا يقع على ثلاثة من هذه المذكورات؛ لأنّها أدنى الجمع المتفق عليه فكان أبو حنيفة رحمه الله قائلاً أيضاً في دهور منكرة بثلاثة منها فكلّ دهر ستّة أشهر كما هو قولهما وبهذا نطق نظم الجامع الكبير بقوله:

وأطبقوا بثلاث في منكرّها

أنّ الثّلاثة أدنى الجمع في العدد

فلمّا درى أبو حنيفة رحمه الله معنى الدّهر المنكر في الجمع فكيف لم يدر معناه في المفرد مع أن دراية معنى الاسم في المجموع موقوفه على درايته في الإفراد.

قلت: هذا تفريع لمسألة الدّهر على من قول من يعرف معنى الدّهر، فكأنه قال إن وقف إنسان على معنى الدّهر يجب عليه أن يقول في الجمع المنكر منه بثلاثة كما في الأزمنة والشّهور فكان هذا نظير ما فرع من مسائل المزارعة مع أنّه لا يدري جوازها، وكذلك قال بالعشرة إذا كان يمينه بالدّهور على صيغة الجمع محلّى بالألف واللام كما هو أصله في السّنن والشّهور إلى هذا أشار الإمام التمرتاشي رحمه الله

(2)

.

ولو حلف لا يكلمه الشّهور إلى آخره، وحاصله أنّه إذا حلف وقال لا يكلّمه الأيّام أو الشّهور أو السّنين فعند أبي حنيفة رحمه الله ينصرف يمينه إلى العشرة ممّا سمّى من الأيّام والشّهور والسّنين، وعندهما إلى سبعة أيّام في الأيّام وإلى اثنى عشر شهراً في الشّهور وإلى العمر في السّنين وذلك (لأنّ الألف واللام للمعهود فيما فيه معهود والمعهود في الأيّام السّبعة التي تدور عليها الشّهور والسّنون كلما دارت عادت والمعهود في الشّهور اثنا عشر شهراً، وليس في السّنين معهود فيستغرق العمر وأبو حنيفة رحمه الله يقول الألف واللام للكثرة، فكأنّه قال أيامًا كثيرة وأكثر ما تناوله اسم الأيام مقرونًا بالعدد العشرة، لأنّه يقال بعده أحد عشر يومًا وكذلك في الشّهور في السنين فينصرف يمينه إلى العشرة ممّا سمّى) كذا في المبسوط

(3)

.

(1)

بشر بن الوليد: ابن خالد، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، قَاضِي العِرَاقِ، أَبُو الوليد الكندي، الحنفي. ولد في حدود الخمسين ومائةٍ، وسمِع من: عبد الرحمن بن الغَسيل-وهو أكبر شيخٍ له-ومن: مالك بن أنسٍ، وحمَّاد بن زيدٍ، وحشرج بن نباتة، وصالحٍ المُرِّيِّ، والقاضي أبي يوسفَ-وبه تَفَقَّه وتميَّز، كان إماماً واسِع الفقه كثير العلم صاحب حديثٍ وديانةٍ وتعَبُّدٍ، قيل: كان ورده في اليومِ مائتي ركعةٍ وكان يحافظ عليها بعد ما فلج واندك، رحمه الله. مات بشر سنة ثمان وثلاثين ومائتين.

انظر: سير أعلام النبلاء ط الحديث (9/ 66)، ميزان الاعتدال (1/ 326).

(2)

انظر: البناية (6/ 207).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (9/ 17).

ص: 162

فإن قيل أليس لو حلف لا يتزوّج النّساء لا ينصرف إلى عشرة؟ قلنا لقيام دلالة الإجماع أنّ المراد به الجنس لا معنى الجمع فصار كاسم الإنسِ والماءِ فانصرف إلى أقلّ ما يدخل تحت الاسم بالإجماع.

ألا ترى أنّ أبا حنيفة رحمه الله إن لم يصرف إلى العشرة فُهِمَا ما صَرفا إلى الكُل، بخلاف السّنين والجمع فعلم أن معنى الجماعة ساقط من النّساء بالإجماع.

فإن قيل ما ذكره من التّعليل لا يستقيم في الشّهور؛ فإنّه لا يقال ثلاثة شهور وإنّما يقال ثلاثة أشهر، قلنا بل يقال ثلاثة شهور أيضاً كما قال الله تعالى: (ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}

(1)

كذا في الأسرار

(2)

.

وذكر في الفوائد الظهيرية

(3)

قال رضي الله عنه

(4)

ولي في هذه المسألة إشكالات:

أحديها: أنّ اسم الجمع قد لا ينتهي بالعشرة، ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا}

(5)

ولم يقل سبطًا.

والثّانية: أن اسم الجمع إنّما ينتهي بالعشرة إذا كان مقرونًا بالعدد كما في عشرة أيّام، وأمّا إذا لم يكن مقرونًا به فلا، ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}

(6)

ولا يراد بها العشرة قصراً عليها إجماعاً.

والثّالثة: أجمعنا على أنّه لو قال لا نشتري العبيد أو لا نتزوّج النساء لا ينصرف إلى العشرة وإنّما ينصرف إلى الواحد، وكذلك المساكين ينصرف إلى ستّة في قوله لله عليّ أن أتصدق على المساكين، ثم قال وجواب هذه الإشكالات يأتي في الجامع إن شاء الله تعالى.

وقيل لو كان اليمين بالفارسية ينصرف إلى سبعة؛ لأنّه يذكر فيها أي في الفارسيّة بلفظ الفرد دون الجمع بيان هذا فيما ذكره الإمام صدر الإسلام أبو اليسر

(7)

في الجامع الصّغير

(8)

فقال بعد ذكر الاختلاف المذكور كما هو: وهذا الاختلاف بلسانهم، أمّا بلساننا فلا يجيء بل ينصرف إلى أيّام الجمعة وهي سبعة أيام بلا خلاف، حتّى لو قال لعبده اكر/ خدمتي كني مرار وزهاء بسيار تواذا ادمي إذا خدم سبعة أيّام ينبغي أن يعتق؛ لأنّ في لِساننا يُستعمل في جميع الأعداد لفظة روز فلا يجيء ما قال أبو حنيفة رحمه الله في العربية من انتهاء لفظ الجمع إلى العشرة فلذلك أريد في العربية أكثر ما ينطلق عليه اسم الأيّام؛ لأن بعد ذلك لا يقال أيّام بل يقال أحد عشر يومًا ومائة يوم وألف يومٍ والله أعلم.

(1)

سورة البقرة آية: (228).

(2)

انظر: كشف الأسرار (1/ 80).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (9/ 17).

(4)

محمد بن احمد بن عمر ظهير الدين أبو بكر البخاري.

(5)

سورة الأعراف آية: (160).

(6)

سورة آل عمران آية: (140).

(7)

القاضي أبو اليسر محمد بن محمد بن الحسين البزدوي الحنفي المعروف بصدر الإسلام، وهو أخو الإمام فخر الإسلام البزدوي أبي العسر، وكان أبو اليسر من الفقهاء الكبار بما وراء النهر، ومن فحول المناظرين، تولى القضاء بسمرقند، وكان يدّرس ببخارى، وكني بأبي اليُسر ليُسْر تصانيفه (ت 493 هـ).

انظر: الجواهر المضية (4/ 98)، تاج التراجم (ص/ 275)، الفوائد البهية (ص/ 210).

(8)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (1/ 266).

ص: 163

[436/ ب]

‌باب اليمين في العتق والطّلاق

قدّم هذا الباب على غيره؛ لأنّ الطّلاق والعتاق أكثر ما يُحلف بهما فكان معرفة أحكام ما هو أكثر وقوعًا أهم من غيره.

ويعتبر ولدًا في الشّرع

(1)

إلى آخره، ويبعث يوم القيامة ويُرجَى شفاعته قال النّبي عليه السلام: «إنَّ السَّقطَ

(2)

لَيَقُومُ مُحْبَنْطِيًا على باب الجَنَّةِ فَيَقُول لا أدخُلُ حتَّى يَدخُلَ أَبَوَايَ»

(3)

.

(1)

المؤلف رحمه الله بدأ في هذا الباب بقوله: "ويعتبر ولدا في الشرع" لا يستقيم المعنى بدون ذكر ما قبله من عبارة وهي: (ومن قال لِامرَأَتِه إذا ولَدْت وَلَدًا فأَنتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَت، وكذلك إذا قال لأمته إذا وَلَدت وَلَدًا فأنتِ حُرَّةٌ، لأنَّ المَوجُودَ مولودٌ فيكون ولدًا حَقِيقَةً ويُسمَّى به في العُرفِ، ويُعتَبَرُ ولَدًا في الشَّرع حتى تَنقَضِي به العِدَّةُ، والدَّمُ بعدَهُ نِفَاسٌ وَأُمُّهُ أُمُّ ولد له فتحقَّق الشَّرطُ وهو وِلَادَةُ الوَلَدِ). انظر: الهداية (2/ 331).

(2)

السَّقطُ: الولدُ الذي يسقُطُ من بطن أمه قبل تمامِهِ. انظر: لسان العرب (7/ 356 - 357)، (سقط).

(3)

الحديث في مسند أبي حنيفة رواية الحصكفي، رقم:(106)

عن عبد الملك، عن رجلٍ من أهل الشَّام، عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم:" إِنَّكَ لَتَرَى السِّقْطَ مُحْبَنْطَئًا، يُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: لَا، حَتَّى يَدْخُلَ أَبَوَايَ " وفي مصنف عبد الرزاق: عن هشام بن حسَّان، عن محمد بن سيرين قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: " دَعُوا الْحَسْنَاءَ الْعَاقِرَ، وَتَزَوَّجُوا السَّوْدَاءَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي أُكَاثِرُ بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى السِّقْطِ يَظَلُّ مُحْبَنْطِيًا، أَيْ مُتَغَضِّبًا، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: حَتَّى يَدْخُلَ أَبَوَايَ، فَيُقَالُ: ادْخُلْ أَنْتَ وَأَبَوَاكَ ". (6/ 159)، كتاب النكاح، باب نكاح الأبكار والمرأة العقيم، رقم (10343) قال عنه الالباني: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ ولكنه مرسل، وقد روي موصولاً من حديث ابن مسعود، وفي إسناده متهم بالوضع، وفي سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (12/ 816)، رقم (5893)، «دعوا الحسناء العاقر، وتزجوا السوداء الولود؛ فإني أكاثر بكم الأمم يوم القيامة، حتى السقط يظل محبنطئاً؛ أي: متغضباً، فيقال له: ادخل الجنة. فيقول: حتى يدخل أبواي. فيقال: ادخل أنت وأبواك» . قال عنه (ضعيف).

وقوله (محبنطئا) يروى بغير همز وبهمز فعلى الأول معناه المتغضب المستبطئ للشيء وعلى الثاني معناه العظيم البطن المنتفخ يعني يغضب وينتفخ بطنه من الغضب.

ص: 164

وقال محبنطياً أي منتفخًا من الغضب والضجر وقد روي مهموزًا وهو من أحبنطيت من حيط إذا انتفخ بطنه كاسلَنقَيَتُ مِن سَلَقَةُ إذا ألقَاهُ على ظَهرِه.

(وقالا: لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا)

(1)

؛ لأن الشّرط قد تحقّق بولادة الميّت فينحل اليمين، وذلك لأنّ الشّرط في اليمين ولادة مطلق الولد وقد وجدت، وانحلال اليمين لا يتوقف على نزول الجزاء أي ينحلّ اليمين وإن لم ينزل الجزاء.

ألا ترى أنّه لو قال لامرأته: إن دخلت الدّار فأنتِ طالقٌ فدخلت الدّار بعدما أبانها وانقضت عدتها، تنحل اليمين لا إلى جزاء؛ لأنّ الطّلاق معلّق بمطلق الدّخول وقد وجد، وصار هذا كما إذا كان المعلق به عتق عند آخر ولأبي حنيفة رحمه الله أن شرط انحلال اليمين وِلادة ولد حيّ نظراً إلى وصفه إياه بالحرية وبه فارق ما ذكرا من النّظائر لأن الجزاء هنالك ليس وصفاً للشّرط.

وفي الإيضاح

(2)

لو قال أوّل عبد يدخل عليَّ فهو حرّ فأدخل عليه عبد ميت ثم حي عتق الحي ولم يذكر خلافاً والصّحيح أنّه بالاتفاق؛ لأنّ اسم العبوديّة بعد الموت لا يبقى في التّحقيق؛ لأنّ الرّق يبطل بالموت، ولو قال أول عبد أملكه حرّ فاشترى عبدًا ونصفاً معًا عتق التّام، ولو قال أوّل كُرٍّ

(3)

أملِكُهُ هدي فملك كُرَاً ونِصفاً لم يهد شيئاً لأنّ النّصف يُزَاحِمُ كُلَّ نِصفٍ من الكُرِّ؛ لأنّه مع كُلَّ نصف منه كُرٌّ، بخلاف نصف العبد؛ فإنّه متّصل بالنّصف الآخر، فكمل العبد بنصفيه. كذا ذكره الإمام التمرتاشي والمرغيناني -رحمهما الله-

(4)

.

بِخِلَافِ جَزَاءِ الطَّلَاقِ وحُرِّيَّةِ الْأُمِّ (بأن قال: إن ولدت فأنت طالق أو قال لأمته إن ولدت فأنت حرّة)، فقوله: أنت طالق وأنت حرّة لا يصلح أن يكون مقيّدًا لكون الولد حيًّا؛ لأنّ الشّرط إذا كان لتحقيق الجزاء في غيره يشترط وجوده فقط، ألا ترى أنّه لو قال إن هبّت الريح فأنت طالق تطلق بهبوب الرّيح، ولا يتصوّر الحيوة

(5)

في الرّيح.

(1)

لا يتبين المعنى الا بذكر ما قبله وهو: (ولو قال إذا ولدت ولدا فهو حر فولدت ولدا ميتا ثم آخر حيا عتق الحي وحده عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا لا يعتق واحد منهما) انظر: الهداية (2/ 331).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (7/ 100).

(3)

الكُرُّا: مكيال لأهل العراق، وهو ستون قفيزاً، والقفيزُ: ثمانية مكاكيك، والمكوكُ: صاعٌ ونصف. وبما أن القفيز يعادلُ (26. 112) كجم جرام تقريباً، فيكون الكرُ = 60×26. 112= (1566. 72) كجم تقريباً والله أعلم.

انظر: الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان (87) لسان العرب (5/ 161)، (كرر)، تحويل الموازين والمكاييل الشرعية إلى المقادير المعاصرة (196).

(4)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 142).

(5)

الحيوة: وردة في (أ) و (ب) بهذا الرسم، وهي الحياة.

ص: 165

وأمّا الشّرط: إذا كان لتحقيق الجزاء في نفسه يجب أن يكون هو صالحًا لذلك الجزاء، وذكر شمس الأئمة السّرخسي رحمه الله في الجامع الصّغير

(1)

فكان تقدير كلامه ههنا إذا ولَدَت وَلَدًا حَيًّا؛ لأنّه جازاه بالحرية ولا يجاري به إلا الحي فكانت صفة الحيوة فيه ثابتة بمقتضى كلامه فينزل ذلك بمنزلة الملفوظ، وهذا لأنّ كلام العاقل محمول على الصحّة والفائدة وذلك لا يتحقق بدون إضمار الحيوة في كلامه.

ألا ترى أنّه لو قال: إذا ولدت ولدًا ميتًا فهو حرّ كان ذلك لغوًا منه بخلاف ما تقدّم فإنّه لا حاجة إلى إضمار الحيوة هناك، ألا ترى أنّه لو صرّح بالولد الميّت كان التّعليق صحيحًا.

فإن قلت: يشكل على هذا ما لو قال إذا اشتريت عبدًا فهو حرّ فاشترى عبدًا لغيره، انحلت اليمين حتّى إذا اشترى بعد ذلك عبدًا لنفسه لم يعتق، مع أنّه جعل اشتراء العبد شرطًا لحريّةِ ذلك العبد المشترى، فلم يقبض ذلك إضمار أن يكون الاشتراء لنفسه حتّى يصلح هو لتحقيق ذلك الجزاء الذي علّقه بالاشتراء وهو الحرية فإنّه كما يشترط للحريّة الحيوة فكذلك يشترط لها الملك.

[437/ أ] قلت: الفرق بينهما ثابت وهو أنّ الإضمار لتصحيح الكلام ولا حاجة هنا إلى إضمار المِلك حَسب حاجته إلى إضمار الحيوة، لما أن المشتري لغيره محلٌّ لإيجاب العتق له، وإن كان يتوقف نفوذه على إجازة المالك، والإضمَارُ لِتَصحِيحِ الكلام لا لِنُزُولِ الجزاء، فلم يُضمَرُ المِلك لصحّة الجزاء/ بدونه بخلاف الحيوة فإن تحريرا ما لا يتصوّر بدون الحيوة لا بطريق التوقّف ولا بطريق النفوذ فوجب إضمارها لتصحيح الكلام لا محالة إلى هذا أشار شمس الأئمّة السّرخسي رحمه الله في الجامع الصّغير

(2)

.

وإن كان

(3)

(قال: أوّل عبد أشتريه وحده فهو حرّ عتق الثّالث)، فإن قلت ما الفرق بين قوله وحده وبين قوله واحدًا حيث لا يعتق الثّالث في قوله أول عبدًا ملكه واحدًا فهو حرّ ويعتق الثّالث في قوله وحده مع أن معنى التفرّد فيهما على طريقة واحدة.

قلت: لا نُسلِّم كون التفرّد فيهما على طريقةٍ واحدةٍ فإنّ قوله: وحده يقتضي الانفراد في الفعل المقرون به وقوله واحدًا يقتضي الانفراد في الذّات وعن هذا وقع الفرق بينهما بالصّدق والكذب في قول القائل في الدّار رجل واحد وقال في الدّار رجل واحده فإن في قوله في الدّار رجل واحد لو كان معه امرأة أو صبي كان المتكلّم صادق، وفي قوله: في الدّار رجل وحده لو كان معه صبي أو امرأة كان كاذباً، وكذلك لو قال ما في الدار رجل واحد وفيها رجلان كان كاذباً، ولو قال ما فيها رجل وحده وفيها رجلان كان صادقاً وذكر الإمام قاضي خان رحمه الله في الجامع الكبير

(4)

أنّ قوله وحده يقتضي الانفراد في الفعل المقرون به دون الذّات فلذلك وقع الفرق بالصّدق والكذب فيما أريناك من النظير؛ لأنّ قوله وحده يقتضي نفي المشاركة في الفعل وهو الكينونة في الدّار.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (4/ 66).

(2)

انظر: العناية (5/ 162).

(3)

"كان" ساقطة من (ب).

(4)

انظر: المحيط البرهاني (4/ 16).

ص: 166

وقال: واحدًا يقتضي نفي المشاركة في الذّات، فإذا ثبت هذا فنقول ففي قوله واحد أضاف العتق إلى أوّل عبد مطلق فيراعي الأولية في الذّات وذلك بالسّبق والانفراد ولم يوجد.

وفي قوله: وحده أضاف العتق إلى أوّل عبد لا يشارك غيره في التملّك والثالث بهذه الصّفة وحقيقة المعنى ما ذكره شمس الأئمة السّرخسي رحمه الله في الجامع الكبير

(1)

وقال فإن قوله وحده ليس بصفة للعبد، ولكنّه بيان للحال وهو أن يكون دخوله في ملكه وحده وقد تحقّق هذا في العبد الثّالث فيعتق كمن يقول أوّل عبد أملكه شراء فهو حرّ فوهب له عبدان ثم اشترى ثالثاً عتق هذا الثّالث وهذا تَفَرَّعَ

(2)

إلى مسئلةٍ قالها النّحويون وهي أن من حقّ الحال أن يكون نكره

(3)

.

وقال وحده في قوله مررت به وحده وقع حالاً وإن كان معرفة صوره لإضافته إلى الضّمير لما أنّه قام مقام النكرة، فإنّ معنى قوله مررت به وحده مررتُ بهِ يَحِدُ وَحدَهُ فقوله يَحِدُ جمله في موضع الحال، وقوله: وحده قايم مقام

(4)

فأخذ حكمه في التنكير فيرجع معناه إلى قوله منفردًا في وقت المرور، فكذلك ههنا معناه منفردًا وقت التملك.

فقوله: وحده بيان هيئه المفعول؛ كما في قوله مررت به وحده والثّالث بهذه الصّفة فيعتق، بخلاف قوله: واحدًا فإنّه صفة للعبد فيقال عبدٌ واحدٌ، وهذا الإفراد ثابت بقوله أول عبد فهذا لا يفيد إلا ما أفاده لفظ الأول، (ويعتبر من جميع المال) أي إذا كان الشراء وقت الصحّة وعندهما على كل حال فكان الشّرط وهو عدم شراء غيره متحقّقًا عند الموت، فصار كأنّه صرّح بذلك وقال للعبد الثّاني إن لم أشتر عليك عبدًا فأنت حر إذ لا فرق بينهما في المعنى فإن صفة الآخرية إنّما يتحقّق فيه إذا لم يشتر غيره، فصار كأنّه صرّح بذلك وثمة يعتق مقصوراً على الموت بالاتفاق، فكذا ههنا لأنه في معناه.

[437/ ب] وفرق أبو حنيفة رحمه الله بين هذه الصورة وبين مسئلة الكتاب فقال: ففي تلك الصّورة جعل شرط العتق عدم الشراء منه في عمره، وذلك لا يتحقّق منه إلا بموته، وههنا جعل الشرط شراء عبد هو آخر شراء وقد وجد ذلك، كما لو اشتراه، وهذا لأنّه لما اشترى الثّاني بعد الأوّل يثبت صفة الآخرية فيه ولكن هذا الوصف يعرض أن يزول عنه بشراء غيره، فلا يحكم بعتقه ما لم يَتَيَقَّن فإذا مات ولم يشتر غير الثّاني لم يبطل صفة الأخرية منه، فيعتق من ذلك الوقت، كما لو قال لأمته إذا حِضتِ فأنتِ حُرَّةٌ فرأت الدّم لا تَعتِق لِجوازِ أن ينقطع الدم فيما دون ثلاثة أيّام، فإن استمرّ بها الدّم ثلاثة أيّام عتقت من حين رأت الدّم؛ لأنّه تبين أن ما رأته كان حيضاً حين رأت الدّم إلى/ هذا أشار الإمام السّرخسي رحمه الله

(5)

.

(1)

انظر: البحر الرائق (4/ 371).

(2)

في (ب)" يَنَزِعُ " وما في المتن هو الصواب.

(3)

المسئلة هي: والحال إن عرف لفظا فاعتقد

تنكيره معنى كـ"وحدك اجتهد"

وأسرعوا خمستهم" قد نقلا

بالنصب حالا، وبرفع بدلا

"ش": حق الحال أن يكون نكرة. انظر: شرح الكافية الشافية (2/ 734).

(4)

في (ب)"مقامه" وهي الصواب.

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (3/ 213).

ص: 167

وعلى هذا الخِلاف تعليق الطّلقات الثّلاث وفائدته تظهر في جريان الإرث وعدمه

فإنّه إذا قال آخر امرأة أتزوّجها فهي طالق ثلاثاً فتزوج امرأة ثم امرأة ثم مات عندهما يقع الطّلاق مقصوراً على الموت حتّى يستحق الميراث وعند أبي حنيفة رحمه الله يقع مستندًا إلى وقت التزوّج فلا يستحق فإنّه لما كان وقوع الطّلاق عند أبي حنيفة رحمه الله من وقت التزوّج وقد دخل بها كان لها المهر ونصف المهر وعدّتها بالحيض

(1)

بلا حِداد ولا ترث منه وعندهما تطلق في آخر حياته ولها مهرٌ واحد وعليها عدّة الطّلاق والوفاة وترث منه، وإن كان الطّلاق رجعياً فعليها عدّة الوفاه.

ولو قال آخر امرأة أتزوّجها طالق فتزوّج امرأة ثم أخرى ثم طلق الأولى وتزوّجها ثم مات لم تطلق وطلقت التي تزوّجها مرّة؛ لأن التي أعاد عليها التزوّج اتصفت بكونها آخراً كقوله آخر عبد أضربه حرّ فضرب عبدًا ثم آخر ثم أعاد الضّرب على الأوّل ثم مات عتق الذي ضربه مرة كذا ذكره الإمام قاضي خان والإمام التمرتاشي -رحمهما الله-

(2)

.

وتقييد الثّلاث جاز أن يكون لبيان الطّلاق الباين فإن في الطّلاق الباين يكون الزّوج فاراً عندهما فترث المرأة، ويشترط كونه ساراً بالعرف، وإنّما قيّد بالعرف لأنّ البشارة اسم لخبر غاب عن المخبر علمه سميت بذلك؛ لأنّه يتغير بها بشرة الوجه.

ألا ترى إلى قوله تعالى: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}

(3)

ولكنّ الأوّل وهو كونه اسمًا لخبر سار صدق غاب عن المخبر علمه تعين عرفاً وهو لا يتكرّر فهو على هذا التّفسير وجد من الأوّل دون الثّاني، بخلاف الخبر؛ فإنه لا يشترط فيه أن لا يكون المخبر به عالماً.

وأصله ما روي أنّ النبي عليه السلام مر بابن مسعود رضي الله عنه وهو يقرأ القرآن فقال: «من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد» فابتدر إليه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بالبشارة فسبق أبو بكر عمر بها فكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول متى ذكر ذلك بشّرني أبو بكر وأخبرني عمر

(4)

كذا في الفوائد الظهيريّة

(5)

(1)

الحيضُ في اللغة: السيلانُ، يقالُ: حَاضت المرأةُ حيضاً ومَحَضاً: إذا سال الدَّمُ منها في أوقات معلومةٍ، والجمعُ: حوائض وحُيَّض. انظر: لسان العرب (7/ 160)، (حيض).

وعند الفقهاء: اسم لدم مخصوص، وهو أن يكون ممتداً خارجاً من موضعٍ مخصوص، وهو القُبُل الذي هو موضعُ الولادةِ والمُبَاضعةِ بصفةٍ مخصوصةٍ.

انظر: المبسوط للسرخسي (3/ 136).

(2)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 143).

(3)

سورة آل عمران آية: (21).

(4)

أخرجه أبو يعلى (1/ 26)، مسند ابي بكر الصديق رضي الله عنه، رقم (16)، وابن ماجه (1/ 149)، فضل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، رقم (138)، وأحمد 1 مخرجا (7/ 287)، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، رقم (4255)، والطيالسي (1/ 261)، مسند عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، رقم (332)، كلهم من حديث ابن مسعود.

ومداره على عاصم بن أبي النجود، وهو صدوق له أوهام، وحديثه في الصحيحين مقرون ا هـ التقريب.

وتوبع في رواية أحمد (1/ 386 - 400 - 437) من طريق شعبة عن السبيعي عن أبي عبيدة عن ابن مسعود، وفيه انقطاع أبو عبيدة لم يسمع من أبيه. وود مختصرا من حديث أبي هريرة. أخرجه أبو يعلى (6106)، وأحمد (2/ 446)، وابن حبان في المجروحين (1/ 220) كلهم من طريق جرير بن أيوب، وهو رواه.

قال الهيثمي في المجمع (9/ 288): جرير بن أيوب متروك.

الخلاصة: فالحديث بمجموع هذه الطرق لا ينحط عن درجة الحسن. وفي رواية: "قال عمر: فسبقني أبو بكر فبشره"

قلت: ومن هذا اللفظ يفهم أن البشارة تكون من الأول.

وأما كلام ابن مسعود الأخير فلم أره، وتقدم ما يدل عليه والله أعلم.

(5)

انظر: العناية (5/ 165).

ص: 168

لأنّ الشّرط قران النّية أي شرط الخروج عن عهدة التكفير قران نية التكفير بعلّة العتق وهي اليمين فلم يوجد نية التكفير وقت يمينه «لأنّ الكلام فيه فأمّا الملك عند الشّراء شرط العتق ولا أثر له في استحقاق ذلك العتق فيكون معتقاً بيمينه)

(1)

ولم تقترن نيّة الكفارة بها حتّى لو اقترنت جاز) كذا في المبسوط

(2)

.

خلافاً لزفر والشّافعي -رحمهما الله- وهو قول أبي حنيفة الأول رحمه الله.

فأمّا العلّة هي القرابة؛ لأنّ العتق في القريب بطريق الصلة والقرابة هي العلة للصّلات كما في النّفقة والتزاور، (وحجّتنا في ذلك ظاهر الآية ففيها أمر بالتحرير وهو تصيير شخص مرقوق حراً كالسويد تصيير المحل أسود وقد وجد ذلك وهذا؛ لأن شراء القريب إعتاق قال النبي عليه السلام:«لن يجزي ولد والده»

(3)

الحديث.

وسماه بالشراء مجازياً وإنّما يكون مجازياً بالإعتاق، والدّليل عليه أنّه لو اشترى نصف قريبه يضمن لشريكه إن كان موسراً والضّمان الذي يختلف باليسار والإعسار لا يكون إلا عن إعتاق؛ ولأنّ العتق صلة وللملك تأثير في استحقاق الصّلة شرعًا حتّى تجب الزكاة باعتبار الملك صلة للفقراء؛ كما للقرابة تأثير في استحقاق الصّلة فكان كلّ واحد من الوصفين لكونه مؤثراً علة، ومتى تعلّق الحكم بعلة ذات وصفين يُحال به على آخر الوصفين وجودًا لأن تمام العلّة به وآخر الوصفين هنا الملك فيكون به معتقاً، ولهذا لو ادّعى أحد الشّريكين نسب نصيبه يضمن لشريكه، لأن آخر الوصفين وجود القرابة ههنا فيصير به معتقاً ولا يدخل على هذا شهادة الشّاهد الثّاني فإنّه لا يحال بالإتلاف عليها وإن تمت الحجة بها؛ لأنّ الشّهادة لا توجب شيئاً بدون القضاء والقضاء يكون بها جميعا.

وبهذا يتبين فساد قولهم أنّ العتق مستحق بالقرابة لأنّ الاستحقاق لا يثبت قبل كمال العلّة ولا معنى لقولهم أن في هذا صرف منفعة الكفّارة إلى أبيه؛ لأنّه لما جاز صرف هذه المنفعة إلى عبده.

[438/ أ] بخلاف الإطعام/ والكسوة فصرفه إلى أبيه أولى وكذلك إن وهب له أو تصدّق به عليه أو أوصى له به وهو ينوي عن كفارته فهو على الخلاف الذي قلنا، لأنّ الملك بهذه الأسباب يحصل بصنعه وهو القبول فأمّا إذا ورث أباه ينوي به الكفارة لا يجزيه؛ لأنّ الميراث يدخل في ملكه من غير صنعه وبدون الصّنع لا يصير محرراً والتكفير إنّما يتأدّى بالتّحرير ولهذا لا يضمن لشريكه إذا ورث نصفه قريبه) كذا في المبسوط

(4)

.

(1)

سقط من (ب).

(2)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 9).

(3)

اخرجه مسلم (2/ 1148)، كتاب العتق، رقم (20)، باب فضل عتق الوالد، رقم (6)، رقم الحديث (1510)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجزي ولدٌ والداً الا ان يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه).

(4)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 8).

ص: 169

لأنّ حريتها مستحقّة بالاستيلاد في هذا جواب لسؤال من سأل وهو أن يقال ما الفرق بين شراء القريب وبين شرى أمّ الولد مع أنّ الشرى في الفصلين جميعًا مسبوق بما يوجب العتق من وجه أمّا في شرى القريب؛ فلأنّ القرابة سابقة عليه وهي جهة في العتق وكذلك الاستيلاد سابق على الشّرى أيضاً وقد جاز التكفير في أحد هذين وهو شرى القريب دون الآخر، وهو شرى أمّ الولد مع مساواتهما في علّة عدم الجواز فأجاب عنه بهذا وتحقيق الفرق هو أنّ الاستيلاد ينزل منزلة الإعتاق لقوله عليه السلام:«أعتقها ولدها»

(1)

لكنه موقوف على الملك فصار كما لو قال: إن اشتريتك فأنت حر ثم اشتراه ناوياً عن كفارة يمينه لا يجوز وقد ذكرناه ولا كذلك القرابة فإنّها ليست بإعتاق إلى هذا أشار في الفوايد الظهيرية

(2)

.

(ومن قال إن تسرّيتُ جارية فيه حرة) اعلم أن للتَّسَرِّي

(3)

معنى لغوياً وشرعيًّا:

أمّا اللغة: فإن التَّسَرِّي مأخوذ من السّرية واحدة السراري وهي الأمة التي بَوَّءتَها بيتًا وهي فعلية منسوبة إلى السر وهو الجماع أو الإخفاء؛ لأنّ الإنسان يَسُرُهُ وإنّما ضُمَّت سِيِنُهُ؛ لأنّ الأبنِيَة قد تُغَيّر في النِسبَةَ خَاصَّةً كما قالوا في النِسبَةِ إلى الَدَهرِ دُهرِيٌ وإلى الأرض السهلة سُهلِي.

وكان الأخفش

(4)

يقول أنّها مشتقة من السرور؛ لأنّه يسر بها يقال تسرّرت جارية وتسرّبت أيضاً كما قالوا تظننت وتظنيت بقلبه إحدى النّونات ياء، (وقيل السّرية مأخوذة من السّرى وهو السيد؛ لأنّه إذا اتّخذها سرية فقد جعلها سيدة الجواري كذا في الصّحاح)

(5)

والفوايد الظهيريّة

(6)

.

(1)

سبق تخريجه ص (181).

(2)

انظر: بدائع الصنائع (5/ 100).

(3)

التَّسَرِّي فِي اللُّغَةِ: اتِّخَاذُ السُّرِّيَّةِ. يُقَال: تَسَرَّى الرَّجُل جَارِيَتَهُ وَتَسَرَّى بِهَا وَاسْتَسَرَّهَا: إِذَا اتَّخَذَهَا سُرِّيَّةً، وَهِيَ الأَمَةُ الْمَمْلُوكَةُ يَتَّخِذُهَا سَيِّدُهَا لِلْجِمَاعِ. وَهِيَ فِي الأْصْل مَنْسُوبَةٌ إِلَى السِّرِّ بِمَعْنَى: الْجِمَاعِ.

انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (11/ 294)، (تسري).

وحاشية ابن عابدين على الدر المختار (3/ 113)، وفتح القدير لابن الهمام على الهداية للمرغيناني (4/ 440 - 441).

(4)

أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء النحوي البلخي المعروف بالأخفش الأوسط؛ أحد نحاة البصرة، والأخفش الأكبر أبو الخطاب، وكان نحوياً أيضاً من أهل هجر من مواليهم، واسمه عبد الحميد بن عبد المجيد، وقد أخذ عنه أبو عبيدة وسيبويه وغيرهما. وكان الأخفش والأوسط المذكور من أثمة العربية، وأخذ النحو عن سيبويه.

انظر: وفيات الأعيان (2/ 380)، نور القبس:(97)، وانباه الرواة (2: 36).

(5)

انظر: الصحاح (6/ 2375).

(6)

انظر: البناية (6/ 217).

ص: 170

وأمّا معناه شرعًا: فإنّ التَّسَرِّي عبارة عن التحصين، والجماع طلب الولد أو لم يطلب في قول أبي حنيفة ومحمّد -رحمهما الله- وعلى قول أبي يوسف رحمه الله لابدّ من طلب الولد مع ذلك حتّى لو وطئها وعزل عنها لا يكون تسرّياً عنده، ولما ثبت هذا قلنا أن التَّسَرِّي على هذا التفسير كما يكون تمليك اليمين يكون تمليك النكاح فكان من ضرورته ملك المتعة لا ملك الرقبة فلا يصير ذاكراً ملك اليمين كما لو قال لجارية الغير إذا جامعتك فأنت حرّ فاشتراها فجامعها لا تعتق لما قلنا كذلك ههنا بخلاف الطّلاق؛ لأنّه لا يملك التّطليق إلا بملك النكاح فيصير ذاكراً ملك النكاح كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله

(1)

فإنّه يقول التَّسَرِّي لا يصحّ إلا في الملك فكان ذكره ذكراً للملك، فإن قيل هذا قول بالاقتضاء

(2)

وزفر رحمه الله لا يقول بالاقتضاء حتّى أن من قال لآخر أعتق عبدك عنّي بألف فأعتقه كان العتق واقعًا عن المأمور في قول لا عن الآمر والمسألة في المنظومة وغيرها.

قلنا: إثبات الملك هنا بدلالة اللّفظ لا باقتضاء والفرق بينهما هو أنّ الثّابت دلالة ما يكون مفهومًا من اللّفظ بلا تأمّل واجتهاد كما كان النّهي عن الضرب والشتم وسائر الأفعال المؤذية مفهومًا من النّهي عن التّأفيف ولا كذلك المقتضي لأن المقتضى لا يفهم من ذكر المقتضى ثم إذا قيل فيما نحن فيه عند فلان سريّة يراد بها جارية مملوكة من غير تأمّل فلمّا كان الملك مفهومًا من التَّسَرِّي بلا تأمّل واجتهاد كان الملك ثابتًا بطريق الدّلالة لا بطريق الاقتضاء ولكنّا نقول السّرية فعليه من البسر وهو الوقاع على ما ذكرنا وهو لا يفتقر في التحقّق إلى ملك اليمين فلا ينعقد اليمين كذا في الفوايد الظهيرية

(3)

.

وصَارَ كما إذا قال لأجنَبِيَّةٍ إن طلَّقتُك فَعَبدِي حُرٌّ، فكان تقديره إن تزوّجتك وطلقتك فعبدي حرّ فكذا هنا معناه إن ملكت جارية وتسريتها فهي حرّة، وَلَنَا أنَّ المِلكَ يصيرُ مذكُورًا ضَرُورَةٌ صِحَّةُ التَّسَرِّي بيان هذا أن إيجاب العتق لا يصحّ إلا أن يكون في الملك أو مضافاً إلى الملك أو سببه فواحد

[438/ ب] منها ليس بموجود ههنا فبطل قوله إن تسرّيت جارية فهي حرّة لانعدام ثبوت الملك من حيث العبارة/ والدّلالة فلو ثبت الملك هنا إنّما يثبت ضرورة صحّة التَّسَرِّي فحينئذ كان الملك ثابتًا بطريق الاقتضاء والثّابت بطريق الاقتضاء ثابت بطريق الضرورة وما كان ثابتًا بطريق الضّرورة يكون ثبوته بقدر الضّرورة ولا يثبت فيما وراء الضّرورة أصله قوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

(4)

.

(1)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 146).

(2)

الاقْتِضَاءُ: هو عِبارَةٌ عن قبضِ مالٍ مضمُونٍ من مِلكِ الغَيرِ. انظر: المبسوط للسرخسي (18/ 108).

(3)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 145 - 146).

(4)

سورة البقرة: (173).

ص: 171

وإذا كان كذلك كان تصحيحه بإدراج الملك؛ إنّما كان في حق نفسه وهو تصحيح الشّرط لا تصحيح الجزاء فلم يظهر الملك في حَقِّ صِحَّةِ الجَزَاءِ وهو حُرِّيَّةُ الجارية التي تسراها، فلما لم يظهر الملك في حق صحّة إضافة العتق إلى التَّسَرِّي لم يكن عتق هذه الأمة في الملك ولا مضافاً إلى سبب الملك فلا يصحّ اليمين في حقها فلا يعتق، فإن قلتَ لِمَ لَمْ يُقَيَّدْ التَّسَرِّي ههنا بِملكِ الرّقبةِ بدلالةِ قوله فهي حرّة كما يقيد الولد بكونه حياً في قوله: إذا ولدت ولدًا بدلالة قوله: فهو حرّ على قول أبي حنيفة رحمه الله وما الفرق بينهما؟

قلت: تثبت الحيوة ثمة لأجل صحّة العتق في الولد وهو شرط، فكذلك ههنا أثبتنا الملك لأجل

صحّة التَّسَرِّي وهو شرط فلا يظهر في حقّ العتق؛ لأنّ التَّسَرِّي ليس بسبب للملك، فلذلك لا يظهر العتق في الجارية التي اشترى؛ لأنّ قصد الحالف عدم العتق؛ لأنّ مثل هذا الشّرط إنما يذكر في منع نفسه من الإقدام بخلاف قوله: إذا ولدت ولدًا فهو حرّ، فمقصوده إثبات الحريّة؛ لأنّ مثل ذلك الشّرط إنّما يذكر للتّحريض على الولادة غير أنّ الحرية لا تتحقّق إلا في الحي فاشترط الحياة.

وكذلك ههنا يشترط الملك لصحّة التَّسَرِّي لا بصحّة الجزاء وهو الحرية؛ لأنّ ثبوت الملك في التَّسَرِّي بطريق الضرورة فلا يتعدّى اشتراط الملك فيه إلى صحة الجزاء.

وأمّا قوله لأجنبيّة إن طلقتك فعبدي حر إثبات التزوّج لأجل تصحيح الشّرط وهو قوله إن طلقتك لا لوقوع الجزاء وهو الحريّة فصار كما إذا قال لعبده إذا تزوجت امرأة فأنت حرّ فلم يكن مسألة الطّلاق وزان مسألة التَّسَرِّي؛ لأن الخصم أدرج الملك لأجل تصحيح الجزاء لا لأجل تصحيح الشّرط، ولا وجه لما قاله زفر رحمه الله وهو قوله إن تسريت بمنزلة قوله إن ملكتك ثم تسريت؛ لأنّه لو كان كذلك يجب أن لا يعتق الجارية التي كانت مملوكةً له وقت الحلف؛ لأنّه لم يملكها بعد الحلف، وقال: إن ملكت إنّما يتناول لما يملك بعد الحلف.

قوله: حتّى لو قال لها إن طلقتك فأنت طالق ثلاثاً فتزوجها وطلّقها لا تطلق ثلاثاً لأنّ الملك الضّروري لم يتعدّ إلى الجزاء، فأمّا العتق فيما ذكره إنّما صحّ لقيام الملك في الحال كذا ذكره فخر الإسلام رحمه الله

(1)

.

وحاصله أنّ اليمين إنما يعقد باعتبار الملك القائم في الحال، ولا ينصرّف إلى ما سيوجد من الملك إلا بالإضافة إليه أو إلى سببه وكلاهما لم يوجد فيما نحن فيه والملك لو صار مذكوراً إنّما يصير مذكوراً ضرورة صحّة التَّسَرِّي فصار الملك ههنا شرط التَّسَرِّي، والتَّسَرِّي شرط العتق وما كان شرط الشّرط لا يجعل مذكوراً في حق الجزاء المذكور، حتّى لو قال لأجنبيّة إن دخلت الدّار فأنت طالق فتزوّجها ثمّ دخلت لم تطلق فلا يجعل بمعنى إن تزوجتك ودخلت الدّار فأنت طالق.

(1)

انظر: العناية (5/ 171).

ص: 172

فهذه وزان مسألتنا من حيث أن في كل منهما شرط الشّرط لا يكون شرطًا للجزاء المذكور وذلك لأنّ التزوّج شرط صحّة الطّلاق كما أن الملك شرط صحّة التَّسَرِّي فكما لم يجعل التزوّج المدرج شرطًا للجزاء المذكور وهو قوله فأنت طالق ثلاثاً لا يجعل الملك المدرج في قوله إن تسريت شرطًا للجزاء المذكور وهو قوله فهي حرّة، وأمّا وزان مسألة زفر رحمه الله فهو أن يقول إن تسرّيت جارية فعبدي حرّ (فاشترى جارية فتسراها) عتق العبد لما أنّ الملك في العبد قائم في الحال فيصحّ تعليق عتقه بشرط سيوجد.

[439/ أ](ولو قال كلّ مملوك لي فهو حرّ تعتق أمهات أولاده ومدبّروه)، (ولو قال أردت الرجال بهذا اللفظ دون النساء ديّن فيما بينه وبين الله تعالى دون القضاء لأنّه نوى التخصيص في اللفظ العام وهذا بخلاف ما لو قال نويت السُّود دون البيض فإنّه لا يصدق في القضاء والديانة/ جميعًا؛ لأنّه نوى التّخصيص بوصف ليس في لفظه ولا عموم لما لا لفظ له فلا يعمل فيه نيّة التّخصيص وهنا نوى التخصيص فيما هو في لفظه؛ لأنّ المملوك حقيقة للذكور دون الإناث فإنّ الأنثى يقال لها مملوكة ولكن عند الاختلاط يستعمل عليهم لفظ التذكير عادة فإن نوى الذكور فقد نوى حقيقة كلامه.

ولكنّه خلاف المستعمل قيدين فيما بينه وبين الله تعالى دون القضاء، ولهذا قيل لو قال نويت النساء دون الرجال كانت نيته لغوًا، وكذلك لو قال لم أنو المدبرين لم يصدّق في القضاء.

وفي كتاب الأيمان يقول إذا قال لم أنو المدبّرين لم يدين فيما بينه وبين الله ولا في القضاء ففيه روايتان) كذا في المبسوط

(1)

ثم عطف الثّالثة على المطلقة؛ لأنّ العطف للمشاركة في الحكم فَيُختَصُ بِمحل الحكم

وهو المطلقة؛ لأنّ الكلام سبق لإيقاع الطّلاق وذكر أيضاً في كتاب الإقرار لو قال لفلان عليّ ألف أو لفلان وفلان كان نصف الألف للثّالث وله الخيار في النّصف الآخر إن شاء جعله للأوّل وإن شاء جعله للثّاني لما ذكرنا أنّ الثّالث معطوف بالواو على من وقع عليه الحكم.

فإن قلت: العطف كما يصحّ على من وقع عليه الحكم فيصحّ أيضاً على من لم يقع عليه الحكم والأصل عدم الحكم فيعطف على من لم يقع عليه الحكم، ألا ترى أن من قال والله لا أكلِّم فلانًا أو فلانًا وفلاناً إن كلم الأوّل حنث وإن كلّم أحد الآخرين لا يحنث حتّى يكلّمها ويكون الثّالث معطوفاً على الثّاني الذي لم يقع عليه الحكم منفردًا وهذا لأن الجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع فصار كأنّه قال هذه طالق أو هاتان فحينئذ كان هو مجيزًا في الطّلاق والعتاق إن شاء أوقع على الأولى وإن شاء أوقع على الأُخرَتَيَنِ.

(1)

انظر المبسوط للسرخسي (7/ 79).

ص: 173

قلت هذا الذي ذكرته هو رواية ابن سماعة عن محمّد رحمه الله.

وأمّا الذي ذكره في الكتاب فهو ظاهر الرواية ثم الفرق بين جواب ظاهر الرواية في الطّلاق والعتاق وبين قوله والله لا أكلم فلانًا أو فلانًا وفلانًا في أنّ الثّالث معطوف على الثّاني الذي لم يقع عليه الحكم، وهو مسألة الجامع وهو أن كلمة أو إذا دخلت بين شيئين يتناول أحدهما نكره، إلا أنّ في الطّلاق والعتاق الموضع موضع الإثبات والنكرة في موضع الإثبات يختص تناول أحدهما فإذا عطف الثّالث على أحدهما صار كأنّه قال إحداكما طالق وهذه ولو نص على هذا كان الحكم ما قلنا.

أمّا في مسألة الجامع الموضع موضع النّفي والنكرة في موضع النّفي نعم ويكون كلمة أو بمعنى لا قال الله تعالى: (وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}

(1)

أي ولا كفورًا، فصار كأنّه قال والله لا أكلّم فلانًا ولا فلانًا فلما ذكر الثّالث بحرف الواو صار كأنّه قال ولا هذين ولو نصّ على هذا كان الحكم هكذا فكذا هنا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله

(2)

.

‌بَابُ اليَمِينِ في الْبَيْعِ والشِّرَاءِ والتَّزَوُّجِ وغيرِ ذلك

أي من: الطَّلَاقَ والعَتَاقَ والضَّربَ، وهذه التَّصَرُّفَاتُ في الأَيمَانِ كثير

(3)

وقوعًا أيضاً بالنّسبة إلى اليمين في الحج والصّلاة والصّوم؛ فلذلك قدِّمَهُ على باب اليمين في الحج، ثم الضَّابِطُ في هذه التَّصَرُّفَاتِ لأصحابنا رحمهم الله يَحنَثُ بِفِعلِ المَأمُورِ، وفيما لا يَحنَثُ شَيئَانِ:

أحدهما: أَنَّ كُلَّ فِعلٍ تَرْجِعُ الحُقُوقُ فِيهِ إلى المُبَاشِرِ، فالحَالِفُ لا يَحنَثُ بِمُبَاشَرَةِ المَأمُورِ، وإن كانت الحقوق يرجع فيه إلى مَن وَقَعَ حكم الفعل له يحنث.

والثّاني: أَنَّ كُلَّ فِعلٍ يَحتَمِلُ حُكمُهُ الانتِقَالَ إلى غيرِهِ، فالحَالِفُ فيه لا يَحنثُ بِمُبَاشَرَةِ المَأمُورِ.

وإن كان لا يحتمل الانتقال يحنث، وقيل: كُلُّ ما يَستَغنِي المَأمُورُ في مُبَاشَرَتِهِ عن إضَافَتِهِ إلى الآمِرِ، فالآمِرُ لا يَحنَثُ بِمُبَاشَرَةِ المَأمُورِ، وإن كان لا يَستَغنِي عن هذه الإِضَافَةِ يَحنَثُ، والفِقهُ في ذلك: أنّ العقد متى رجعت حقوقه إلى من وقع العقد له فَمَقصُودُ الحَالِفِ من الحَلِفِ التَّوَقِّي عن حُكمِ العقدِ، وعن حُقُوقِهِ وكِلَاهُمَا يَرجِعَانِ إليهِ، ومتى رَجَعَت حُقُوقُهُ إلى العَاقِدِ لا إلى من وقع حُكْمُ العَقدِ له فَمَقصُودُهُ من الحَلِفِ التَّوَقِّي من رُجُوعِ الحُقُوقِ إليه وهي لا تَرجِعُ إليه فلا يحنثُ.

(1)

سورة الإنسان آية: (24).

(2)

انظر: المحيط البرهاني (4/ 239).

(3)

في (ب)"أكثَرُ" وهو الصواب.

ص: 174

[439/ ب] ثُمَّ مِما يحنثُ الحَالِفُ بِمُبَاشَرَةِ المَأمُورِ النِّكَاحُ والصُّلحُ عن دمِ العَمدِ والطَّلَاقُ والعَتَاقُ والهِبَةُ والصَّدَقَةُ والقرض

(1)

والاستِقرَاضُ

(2)

/ وضَربُ العبدِ والذَّبحُ والإِيدَاعُ وقَبُولُ الوَدِيعَةِ

(3)

والإِعَارَةُ والِاستِعَارَةُ وخِيَاطَةُ الثَّوبِ والبِنَاءُ، فإنّ الحالف كما يحنث فيها بفعل نفسه يحنث أيضاً بفعل المأمور.

وأمّا ما لا يحنث الحالف بمباشرة المأمور فهو البَيعُ والشِّرَاءُ والإِجَارَةُ والِاستِيجَارُ والصُّلحُ عن المال وكذلك القِسمَةُ

(4)

.

ومن المشايخ من ألحق الخصومة بهذا القسم كذا في الجامع الصّغير لقاضي خان رحمه الله والفوايد الظهيرية

(5)

.

إلا أن ينوي ذلك أي إلا أن ينوي أن لا يأمر غيره أيضاً فحينئذ يحنث وهذا الاستثناء متّصل بقوله: (فوكل من فعل ذلك لم يحنث) أي إلا أن ينوي ذلك فحينئذ يحنث أو يكون الحالف ذا سلطان لا يتولى العقد بنفسه فأمر غيره يحنث أي إذا باشره المأمور؛ لأنّه إذا كان الحالف ذا سلطان فمقصود الحالف بالحلف هو منع نفسه عمّا يعتاده وهو الأمر لغيره بالبيع والشراء فلما أمر غيره وفعل المأمور حنث حينئذ؛ لأنّه لما كان مقصود الحالف منع نفسه عن الأمر لغيره بدلالة الحال صار كأنّه قال والله لا آمر أحدًا بالبيع والشراء فلما أمر غيره حنث، ولكن مع ذلك لو فعل بنفسه يحنث أيضاً لوجود البيع منه حقيقة؛ فإن كان رجلاً يباشر ويوكل أخرى يعتبر فيه الغلبة ولو وكل رجلاً بالنكاح أو الطّلاق أو العتاق ثم حلف لا يفعل ثم فعل الوكيل حنث؛ لأنّه صار فاعلاً ذلك بفعل وكيله وهو بعد اليمين كذا في الجامع الصّغير للإمام التمرتاشي رحمه الله والفوايد الظهيريّة

(6)

.

(1)

القَرض في اللغة: القطعُ. وجمعه: قروضٌ. انظر: لسان العرب (7/ 243)، (قرض).

وعند الفقهاء: دفعُ جائز التصرفِ من ماله قدراً معلوماً يصّح تسلُمهُ لمثله بصيغةٍ لينتفع به ويرُّدُ بدلهُ.

انظر: التوقيف على مهمات التعاريف (580).

(2)

الِاسْتِقْرَاضَ: طَلَبُ الْقَرْضِ.

انظر: المبسوط للسرخسي (18/ 19)، تحفة الفقهاء (3/ 239).

(3)

الوديعةُ في اللغة: مشتقة من الوَدعِ وهو مطلق التَّركِ. انظر: لسان العرب (8/ 457)، (ودع).

وعند الفقهاء: ما يترك عند الأمين، والإيداعُ: تسليطُ الغيرِ على حفظ مالهِ. انظر: تبيين الحقائق (6/ 17).

(4)

الْقِسْمَةُ: هي جَمْعُ نَصِيبٍ شَائِعٍ فِي مُعَيَّنٍ انظر: البحر الرائق (5/ 95).

(5)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 147).

(6)

انظر: البحر الرائق (4/ 376)

ص: 175

لأنّ المالك له ولاية ضرب عبده فيملك توليته غيره وبهذا التّعليل وقع الاحتراز عمّن (يحلف على ضرب حر فأمر غيره بذلك فضرب المأمور لا يحنث؛ لأنّه لا ولاية له على الحرّ فلا يعتبر أمره فيه، ألا ترى أنّه لا يثبت في حق الضّارب حل الضّرب باعتبار أمره، بخلاف العبد فإنّه مملوك له وعليه ولاية فأمره غيره بضربه معتبر، ألا ترى أنّ الضّارب يستفيد به حل الضرب) كذا في المبسوط

(1)

.

بخلاف ما تقدّم من الطّلاق وغيره كالنكاح فإنّه لا يدين فيه قضاء ولكن يدين ديانة وهذا هو الفرق الذي وعده قبيل هذا بالإشارة إلى الفرق، والفرق هو أن فعل الوكيل في الطّلاق والنكاح وغيرهما مثل فعل الموكّل معنى وإن كان الوكيل فاعلاً صورة والاعتبار للمعنى لا للصّورة.

(ولهذا لو حلف لا يُطَلِّق) فجُنَّ فطلق لا يحنث، وإن كان مطلقاً صورة وإذا كان كذلك كان فِعل الوكيل كفِعل المُوِكَّلِ فكان فعل الوكيل حينئذ من أنواع فعل الطّلاق الذي دخل تحت عموم نفي فعل الطّلاق في قوله لا أطلق، فصار كأنّه قال لا أطلق بنفسي، ولا أمرت غيري بالطّلاق، فلما نوى بقوله لا أطلق أن لا أطلق بنفسي كان ناوياً الخصوص في موضع العموم وهو خلاف الأصل؛ لأنّ الأصل أن يجري العموم على عمومه فلم يصدق قضاء لذلك، أمّا الضّرب فَفِعلٌ حِسِّيٌ بأثره وهو الإيلام، فحقيقته عند أسناده إلى نفسه أن يفعله بنفسه وفعل الغير لا يكون حقيقة فعل نفسه ولا نوعًا من أنواع فعل نفسه بل نسبته فعل الفاعل إلى الأمر باعتبار التّسبيب والتّسبيب طريق من طرق المجاز فلو كان فعل غيره من أنواع فعل نفسه مع كونه مجازاً كان جمعًا بين الحقيقة والمجاز في لفظٍ واحدٍ، وهو لا يجوز فإذا نوى فعل نفسه فقد نوى حقيقة كلامه فَيُصَدَّقُ قضاء لما أنّه لما كان يصدق قضاء إذا نوى حقيقة كلامه وإن كان بعيدًا عن الاستعمال في قوله لا أشرب الماء إذا نوى جميع المياه لمصادفة نيته حقيقة كلامه لأن يصدق قضاء إذا صادفت نيته حقيقة كلامه فيما هو كثير استعمال حقيقته أولى وأحرى.

[440/ أ] وذلك لأنّ الحقيقة لما لم تكن مهجورة تصدّق الحالف في نيّة الحقيقة قضاء وديانة، وإن كان في ذلك تخفيف له؛ لأنّ الكلام يصرف إلى حقيقته، فعند قِران النيّة بإرادة حقيقته أولى وذكر الإمام صدر الإسلام رحمه الله

(2)

الفرق بينهما بأن المأمور في الطّلاق والعتاق رسول الأمر ولسان الرسول لسان المرسل بالإجماع فيكون التطليق بلسانه كالتّطليق بلسان نفسه فيكون ما عناه خلاف الظّاهر وهو متهم فيه فلا يصدّق، أمّا في مسألة الضرب/ فليس فعل المأمور كفعل الآمر لأنّ المأمور ليس رسول الأمر فيه؛ لأنّ الرسالة تجري في الأقوال لا في الأفعال فلما عنى ضرب نفسه فقد عنى حقيقة كلامه فيصدق؛ لأنّ منفعة ضرب الولد عائدة إليه أي إلى الولد؛ لأنّ الولد إنّما يُضرب ليتأدّب ويتعلّم وينزجر عن القبائح وإن كان فيه منفعة للوالد أيضاً؛ فذاك ليس بمقصود وفعل الإنسان إنّما ينتقل إلى غيره بحكم المنفعة فإذا لم يعد إليه المنفعة المقصودة لم ينتقل الفعل إليه، وأمّا العبد فإنّما يضرب لينقَاد له العبد ويأتمر بأوامره، فإذا كانت المنفعة تعود إليه كان ضرب غيره كضربه فيحنث بالأمر إذا ضربه المأمور كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله

(3)

.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (9/ 11).

(2)

انظر: العناية (5/ 173).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (3/ 82).

ص: 176

(ومن قال إن بعت لك هذا الثّوب فامرأته طالق فدس

(1)

المحلوف عليه ثوبه في ثياب الحالف)، أي إذا أخفى المحلوف عليه ثوب نفسه في ثياب الحالف (فباعه الحالف ولم يعلم به لم يحنث)، بخلاف ما إذا قال إن بعت ثوباً لك والمسألة بحالها حيث يحنث.

اعلم أن معنى قوله إن بعتُ لك هذا الثّوب بالفارسية اكرفر وشم اذ تواين جامه راو معنى قوله إن بعت ثوباً لك اكرفرو شم جامه راكه ملك تست ثم الفرق بين المسألتين بالحنث وعدمه وكذلك اختلاف المعنى إنما نشاء

(2)

من موضع اللام وذلك أنّ اللام للاختصاص في الصورتين، لكن لما دخلَ اللامُ على البيع أي قُرِنَ به وذُكِرَ بَعدهُ اقتضى اختصاصَ البيع بالمحلوف عليه، فاختصاص البيع بالمحلوف عليه من الحالف؛ إنّما يكون أَنْ لو كان ذلك البيعُ مَفعُولاً من جانب الحالف لأجل المحلوف عليه وفعل البيع لأجله؛ إنّما يكون أن لو كان قاصدًا لفعل البيع لأجله؛ وذلك إنّما يكون بالعلم، فلما أخفى ثوب المحلوف عليه في ثياب الحالفِ فباعه الحالف ولم يعلمه لم يكن البيع لأجل المحلوف عليه فلا يحنث، وأمّا إذا باعه لأجله وهو أن يبيعه بأمره فيحنث سواء كان المبيع ملكًا للمحلوف عليه أو لغيره وهذا الذي ذكرته في الفعل الذي يجري فيه النيابة كالبيع.

وأمّا إذا كان فعلاً لا يجري فيه النّيابة كالأكل يقتضي اختصاص العين الذي هو محل ذلك الفعل بالمحلوف عليه، فيحنث الحالف فيه بفعله إذا كان كذلك العين مِلكًا له سواء أدخل اللام على الفعل أو على العين وهو معنى قوله: فلا يفترق الحكم فيه في الوجهين ولما دخل اللام على العين أي قرن بذلك العين، وذكر بعده وهي المسألة الثّانية اقتضى اختصاصه ذلك العين بالمحلوف عليه واختصاصه بالمحلوف عليه إنّما يكون أن لو كان ذلك العين مُلكًا للمحلوف عليه، فكان شرط الحنث حينئذ بيع ثوب مملوك للمحلوف عليه، ولا يتوقّف حنثه إلى علمه وأمر المحلوف عليه فيحنث ببيعه سواء علم أن ذلك الثّوب الذي باعه ملك المحلوف عليه أو لم يعلم؛ لأن من فعل المحلوف عليه ناسياً يحنث في يمينه.

وذكر الإمام قاضي خان رحمه الله

(3)

فإن نوى بالثّاني الأوّل أو نوى بالأوّل الثّاني صَحَّت نِيَّتُه؛ لأنّه نوى ما يحتمله لفظهُ بالتّقديم والتّأخير.

(1)

الدَّسُّ: الْإِخْفَاءُ. انظر: المغرب (1/ 164)، الصحاح (3/ 923)، (دسس).

(2)

" نَشَاءَ " بهذا الرسم في (أ) و (ب). والصواب: نَشَئَ.

(3)

انظر: البحر الرائق (4/ 382).

ص: 177

قوله: وضرب الغلام المراد به العبد، وبه صرّح في الجامع الصّغير لقاضي خان رحمه الله

(1)

فقال لو قال إن ضربت لك عبدًا أو ضربت عبدًا لك فهو على ضرب عبد مملوك للمحلوف عليه لمكان العرف؛ ولأن الضرب ممّا لا يملك بالعقد ولا يلزم، ومَحَلُ الضرب يُملَك فانصَرَفَ اللام إلى ما يُملك، ويُؤخر المقدّم، وليس المراد به ضرب الولد لما ذكرنا في تعليل قوله لأنّ المالك له ولاية ضرب عبده وذكر في الفوائد الظهيرية المراد بالغلام الولد

(2)

.

(فباعه على أنّه بالخيار عتق) لوجود الشّرط وهو البيع؛ فإن قلت: هذا البيعُ غيرُ كافٍ! لما أن هذا بيعٌ ليس فيه إلا ذكر إيجاب وقبول من غير إفادة حكم البيع، لما أن خيار البائع يمنع خروج المبيع عن مُلكه فلو كان هذا كافياً في كونه بيعًا يجب أن يكون النكاح الفاسد أيضاً كافياً في كونه نكاحاً، لما أن فيه الإيجاب والقبول أيضاً من غير إفادة الحكم وليس هو بكافٍ بالاتفاق، حتّى لا يحنث به إذا كان العتق معلّقاً به فما الفرق بينهما؟

قلتُ: قد ذكر الفرق بينهما شيخ الإسلام خواهر زاده

(3)

فقال إن جواز البيع باعتبار المالية والمالية ليس فيها/ معنى يَنبُوَ عن قبول حكم الإيجاب والقبول وجواز النكاح باعتبار الإنسانيّة.

[440/ ب] ألا ترى أنّه يختص ببني آدم وفيها ما يَنبُو عن قبول حكم الإيجاب والقبول؛ لأنها تقتضي الحريّة والنكاح رق على ما جاء في الحديث فلا يحنث إلا إذا كان صحيحًا كذا في الفوايد الظهيريّة

(4)

.

يعني لما كان النكاح فاسدًا اعتَضَدَ فَسَادُهُ بما يخالف الدّليل ترجح جانب العدم فصار كأن النكاح لم يوجد أصلاً بخلاف البيع؛ لأنه يوافق الدّليل فكان البيع بيعًا وإن لم يُوجب حكمه بعد أن ورد الإيجاب والقبول في محلّ البيع وهو المال، وهذا على أصلهما ظاهر؛ لأنّ خيار المشتري لا يمنع ثبوت الملك للمشتري عندهما يثبت الملك سابقاً عليه أي على العتق، فإن قلت الفرق ثابت بين التّعليق والتّنجيز ههنا، فإن في التنجيز لو لم ينفسخ الخيار يبطل التنجيز أصلاً وأمّا تعليق العتق بالشّرى ههنا لو لم ينفسخ الخيار في الحال فيقع صحيحًا لثبوت العتق بعد مضي مدّة الخيار، وإذا كان كذلك لم يلزم من صحّة التنجيز صحّة حكم التعليق في الحال بانفساخ الخيار.

(1)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 149).

(2)

والصواب أن المراد بالغلام العبد لأنَّ ضَربَ العَبدِ يَحتَمِلُ النِّيَابَةَ.

انظر: العناية (5/ 177).

(3)

شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده هو الإمام أبو بكر محمد بن الحسين بن محمد البخاري الحنفي، المعروف ببكر خواهر زاده، ولفظة (خُوَاهر زاده) تُقال لجماعة من العلماء، كانوا أولاد أخت عالم، وهذا المذكور ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد بن أحمد البخاري (ت 433 هـ)، كان إمامًا فاضلاً، كبير الشأن، بحرًا في معرفة المذهب، من عظماء ما وراء النهر، له طريقة حسنة معتبرة ومفيدة، جمع فيها من كلّ فنّ، وهي أبسط طرق الأصحاب، وكان يحفظها، له: المبسوط، والمختصر، والتجنيس (ت 483 هـ).

انظر: الجواهر المضية (2/ 183) و (3/ 141)، تاج التراجم (ص/ 259)، الفوائد البهية (ص/ 270).

(4)

انظر: العناية (5/ 177).

ص: 178

قلت لما أمكن إيقاع العتق في الحال من وجه بفسخ الخيار لم يؤخر إلى مضي مدة الخيار؛ لأنّ العتق ممّا يحتاط في إثباته ومن الاحتياط تعجيله لا تأخيره، فإن قلت ما الفرق بين هذه المسألة على قول أبي حنيفة رحمه الله وهي ما إذا (قال: إن اشتريت هذا العبد فهو حرّ ثم اشتراه شرط هو الخيار يعتق) عند أبي حنيفة رحمه الله أيضاً وبين ما إذا اشترى قريبه بشرط الخيار حيث لا يعتق عنده ما لم يسقط الخيار.

قلت: قد ذكر الفرق الإمام قاضي خان رحمه الله فقال إن في شرى القريب لم يوجد كلمة الإعتاق بعد الشّرى حتّى يسقط خياره؛ وإنّما يعتق القريب على القريب بحكم الملك وخيار المشتري عند أبي حنيفة رحمه الله يمنع ثبوت الملك للمشتري فلا يعتق قبل سقوط الخيار، وأمّا ههنا فالإيجاب المعلَّق صار مُنَجَّزَاً عند الشّرط، وصار قائلاً أنت حرّ فينفسخ الخيار ضرورة لوجود دليل ما يختص بالملك وهذا بخلاف ما لو اشتراه على أنّ البايع بالخيار حيث لا يحنث المشتري، والفرق فيه هو أن المشتري متى كان الخيار له يتمكّن من إسقاطه، ومتى كان الخيار للبايع لا يتمكّن من إسقاطه، ثم إنّما وضع مسألة تعليق العتق بالبيع فيما إذا باعه على أنّه بالخيار؛ لبيان أنّه يعتق بمجرّد البيع؛ فكان هذا احترازًا عمّا لو باعه بيعًا باتًا حيث لا يعتق، وإن وجد البيع كذا ذكر في شروح الجامع الصّغير

(1)

.

وقال الإمام قاضي خان رحمه الله

(2)

: ولو قال إن بعت هذا العبد فهو حرّ فباعه بيعًا باتًا لا يعتق؛ لأنّه كما تمّ البيع زال العبد عن ملكه، والجزاء لا ينزل في غير الملك، قلت: وبهذه المسألة يعرف أن العلّة مع المعلول يقترنان في الوجود، وأمّا الشّرط مع المشروط فإنّهما يتعاقبان في الوجود، حيث يوجد الشّرط أولاً ثم يوجد المشروط؛ فإن البيع ههنا كما هو علّة لثبوت الملك للمشتري فهو شرط أيضاً لثبوت العتق لذلك العبد، فصار المعلول وهو ملك المشتري أسرع ثبوتًا من المشروط الذي هو العتق، حيث وجد ملك المشتري قبل وجود العتق، ثم قال في الجامع الصّغير

(3)

ولو باعه بيعًا فاسدًا فإن كان العبد في يد المشتري مضمونًا عليه، بأن كان غصبه لا يعتق كما في البيع الصّحيح الثّابت؛ لأنّه كما تم البيع يزول العبد عن ملكه، وإن كان العبد في يد البائع عتق؛ لأنّه لا يزول ملكه قبل التّسليم، ولو قال إن اشتريته فهو حرّ، فاشتراه شراءً فاسدًا، فإن كان العبد في يد البائع لا يعتق؛ لأنّه ملك البائع بعد البيع فيصير معتقاً ملك الغير، وإن كان العبد في يد المشتري على الوجه الذي ذكرنا يعتق؛ لأنّه صار معتقاً ملك نفسه؛ لأن الشّرط قد تحقق وهو عدم البيع؛ لأنّه كان علق الطّلاق بعدم البيع، فإذا وقع اليأسُ عن البيع لخروجه عن أن يكون محلاً للبيع بالإعتاق والتّدبير تحقق الشرط فتطلق، كما لو مات الحالف أو العبد، فإن قيل هذا الذي ذكره من فوات المَحَلَّيَةُ مُسَلَّمٌ في الإعتاق؛ وأمّا في التّدبير فغير مسلم؛ فإنّه يمكن بيع المدبّر إذا قضى القاضي بجواز بيعه،/ قلنا عند القضاء بجواز بيعه يُفسَخُ التَّدبِيرُ، ويكون البيعُ حينئذٍ بيعَ الْقِنِّ لا بَيعَ المُدَبَّرِ، وَفَوَاتُ الْمَحَلِّيَّةِ؛ إنّما كان باعتبار بقاء التّدبير، وقد قلنا أن بيع المدبّر لا يجوز، فكان الحلُّ فايتًا والحكم لا يُبنَى على ما يظهر عند قضاء القاضي في المجتهدات، إلى هذا أشار الإمام شمس الأئمة السّرخسي رحمه الله في الجامع الصّغير

(4)

.

(1)

انظر: الدر المختار (3/ 821).

(2)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 150).

(3)

البحر الرائق (4/ 384).

(4)

انظر: العناية (5/ 179).

ص: 179

[441/ أ] ولو كان مكان العبد جاريةً، والمسألة بحالها فكذلك الجواب، فإن قيل لا كذلك، فإنّه لم يقع اليأسُ عن بيعها هنا؛ لجواز أن ترتد فَتُسَّبَى بعد اللحاق بدار الحرب.

قلنا من مشايخنا من قال: لا تطلق باعتبار هذا الاحتمال والصّحيح أنها تطلق؛ لأنّه إنّما عقد يمينه على البيع باعتبار هذا الملك، وقد انتهى ذلك الملك بالإعتاق والتّدبير، ولو كان العبد ذمياً ينبغي أن يكون الجواب فيه على نحو ما قلنا أي من قول المشايخ رحمهم الله وصِحَّتِهِ الجواب بخلاف قولهم كذا في الفوايد الظهيرية

(1)

.

ووجه الظّاهر عموم الكلام وقد زاد على حرف الجواب؛ لأنّه لو أراد جوابه لكان يكفيه قوله إن فعلت فهي طالق فلما ذكر لفظ العموم صار مُبتَدِيَاً فَيُعمل بعموم اللّفظ، وقال بأن الغرض إرضاؤها وتطييب قلبها، قلنا كما يحتمل ذلك يحتمل أنّه قصد به إِيحَاشَهَا لما اعترضت عليه فيما هو مباح، فلا يترك العمل بعموم اللّفظ.

وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في الجامع الصّغير

(2)

أن ما ذكره أبو يوسف رحمه الله أصحّ عندي؛ لأنّه أخرج كلامه فخرج الجواب، والأصل أنّ ما تقدّم في الخطاب يصير كالمعاد في الجواب، فكأنّه قال كلّ امرأة أتزوّجها ما دامت حيّة فإنّها لا تدخل في لفظه ذلك، فكذلك ههنا والله أعلم بالصّواب.

(1)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (1/ 269).

(2)

انظر: العناية (5/ 180).

ص: 180