المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[كتاب الجهاد] ‌ ‌باب الغنائم وقسمتها ذَكَر باب الغنائم بعد فَصْل الأَمان لأنَّ - النهاية في شرح الهداية - السغناقي - جـ ١٢

[الحسام السغناقي]

فهرس الكتاب

[كتاب الجهاد]

‌باب الغنائم وقسمتها

ذَكَر باب الغنائم بعد فَصْل الأَمان لأنَّ الإمام بعد المحاصرة إمَّا أَنْ يُؤَمِّنهم، أو يقتلهم ويستَغْنِم أموالهم. فَلمَّا ذَكَر الأمان، بَدأ بِذِكر الغنائم وقِسْمتهالأنَّه أحد وجهَي الاختيار

(1)

.

"الغَنيمة" عن أبي عُبيد

(2)

: ما نِيلَ من أهل الشِّرك عَنوةً والحرب قائمةٌ، وحكمها أنْ يُخمَّس، وسائرها بعد/ الخُمس للغانمين خاصَّة

(3)

.

[تعريف الغنيمة والفيء والنفل]

والفَيء: ما نِيل منهم بعد ما تَضَع الحرب أوزارها، وتصير الدَّار دارَ الإسلام

(4)

، وحُكمه أنْ يكون لكافَّة المسلمين ولا يُخمَّس، وذلك كالخراج

(5)

والجزية

(6)

.

والنَّفْل: ما يُنَفَّل الغازي، أيْ: يُعطاه زائدًا على سَهْمِه، وهو أنْ يقول الإمام: من قتل قتيلا فله سلبه

(7)

؛ كذا في المواهب

(8)

(9)

.

(1)

في (ب) الاختيار.

(2)

في (أ) عبيد، والصحيح ما أثبته.

هو القاسم بن سلّام، الإمام أبو عُبَيْد البَغْداديُّ الفقيه الأديب، صاحب المصنَّفات الكثيرة في القراءات والفقه واللُّغات والشِّعر، وَكَانَ إِمَامًا، حُجَّةً، صَاحِبَ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ، [الوفاة: 221 - 230 هـ]، ينظر تاريخ الإسلام ت بشار (5/ 654)، سير أعلام النبلاء (10/ 490).

(3)

ينظر الأموال للقاسم بن سلام (ص: 323).

(4)

دار الإسلام: هي الأرض أو البلد التي تظهر فيها أحكام الله من إعلاء كلمته، ونشر دعوته، وتطبيق أحكامه، وتكون الغلبة والسيادة فيها لأحكام الإسلام، سواء كان معظم سكانها من المسلمين، أو غير المسلمين. ينظر اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية (1/ 117 - 118).

(5)

والخراج: الإتاوة تؤخذ من أموال الناس. وفي التنزيل: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} [المؤمنون: 72]. قال الزجاج: الخراج: الفيء، والخرج: الضريبة والجزية.

المحكم والمحيط الأعظم (5/ 4 - 5).

(6)

الجزية معناها في كلامهم: الخراج المجعول عليه. وإنما سمّيت جزية لأنّها قضاء منه لما عليه. أخذ من قولهم: قد جزى يجزي: إذا قضى. قال الله عز وجل: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] معناه: لا تقضي ولا تُغني. وقيل: ما يأخذه الإمام من أهل الذمة في كل عام، والجميع جزى، بكسر الجيم. ينظر الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 386)، شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (2/ 1079).

(7)

سلبه أي: كل شيء على الإنسان من اللباس فهو سلب، والفعل سلبته أسلبه سلبا إذا أخذت سلبه، وسلب الرجل ثيابه. لسان العرب (1/ 471).

(8)

قوله: "كذا في المواهب" ساقط من (ب)، وكتاب (مواهب الرحمن في مذهب أبي حنفية النعمان) لبرهان الدين إبراهيم بن موسى الطرابلسي (ت 922 هـ)، معجم المؤلفين (1/ 117)، ولم أقف على هذا الكتاب.

(9)

ينظر العناية شرح الهداية (5/ 510)، ودرر الحكام (1/ 285).

ص: 1

وذكرفي الذخيرة

(1)

: يَجِب أنْ تَعلَم بأنَّ الأنفالَ: الغنائمُ؛ قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] أيْ: الغنائم. وأصله في اللغة: الزِّيادة؛ ثم سُمِّيتْ الغنيمة نفلًالأنَّها زيادة على محلَّلات هذه الأمَّة، لأنَّ الغنائم لم تَكُنْ حَلالًا للأُمَم الماضية، وَأُحِلَّت لهذه الأمَّة

(2)

؛ أو لأنَّها زيادة على ما يحصل للغازي من المقصود الأصلي، وهو الثواب الباقي، إلا أنَّ المراد من استعمال لَفظ الأَنفال في عُرْف لسانِ الفقهاء: ما يُحرِّض الإمام بعض الغانمين بذلك

(3)

.

قوله: (عَنوَةً)(أي: قهرًا).

وقوله: "قهرًا" ليس بتفسير له لغةًلأنَّ"عَنا عُنُوّا" بمعنى ذَلَّ وخَضَع، وهو لازم، و"قَهَر" مُتَعَدٍّ، بل يكونهو تفسيره من طريق شُعور الذِّهن؛ لأنَّ من الذِّلَّة يلزم القَهْر، أو أنَّ الفتح بالذِّلة مستلْزِم للقَهْر

(4)

كذا وجدتُبخطِّ شيخي رحمه الله

(5)

.

(1)

هو ذخيرة الفتاوىالمشهورة: بـ (الذخيرة البرهانية)، للإمام، برهان الدين: محمود بن أحمد ابن عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاريـ، المتوفى: سنة 616 هـ، اختصره من كتابه المشهور بـ (المحيط البرهاني) كلاهما مقبولان عند العلماء، وهو مخطوط، والمحيط مطبوع.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب قول النَّبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورا، برقم (438) 1/ 95، صحيح مسلم (1/ 370) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي، كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صَلَّى حَيْثُ كَانَ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ"، ومسلم برقم (512) 1/ 370.

(3)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 114 - 115).

(4)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 248)، العناية شرح الهداية (5/ 469).

(5)

يقصد بشيخه حافظ الدين البخاري المتوفى سنة (693 هـ)، ذكر ذلك ابن تغري بردي في المنهل الصافي (5/ 165)، حيث قال: وكلما ذكر السغناقي هذا في شرح الهداية من لفظة الشيخ فالمراد به حافظ الدين.

ص: 2

[قسمة الغنيمة]

قوله: (إنْ شاء قَسَمه) أي: قسم البَلْدة؛ على تأويل البَلد.

[وهذا الحُكْم في أراضيهم]

(1)

، وأمَّا الحُكْم في رِقابهم، فهو ما يجيء بعد هذا بقوله:(وهو في الأسارى بالخِيار، وإِنْ شاء أقرَّ أهلَه عليه، وَوَضع على أراضيهم الخراج).

وهذا عندنا، وأمَّا عند الشافعي رحمه الله فلا يُقِرُّ أهلَه عليه، ولا يضع على أراضيهم الخراج، بل يُقسم أراضيَهم بين الغانمين، ولا يتركها في أيديهم بالخراج

(2)

على ما يجيء بعد.

(كذلك فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق

(3)

(4)

.

وبعض أصحاب الشافعي يُنكِر فتح السّواد

(5)

[عَنوة. قلنا: افتتح عمر السّواد]

(6)

عنوةً وقهرًا، وذلك مشهور في كتب المغازي، ثم منَّ عليهم برقابهم وأراضيهم، وجعل عليهم الجزية في رؤوسهم، والخراج في أراضيهم. وإنَّما فعل ذلك بعدما شاور الصحابة رضي الله عنهم على ما رُوِيَ أنَّه استشارهم مرارًا، ثم جمعهم فقال: "أما إنِّي تَلَوْتُ آيةً منكتاب الله تعالى استغنيت بها عنكم؛ ثُمّ تلى قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7] إلى قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] إلى قوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9]. هكذا في قراءة عمر رضي الله عنه، إلى قوله:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 1]

(7)

. قال: ثُمَّ أَرَى لِمَن بعدكم في هذا الفيء نصيبًا، ولو قسمتُها بينكم لم يَكن لمن بعدكم نصيب"؛ فمنَّ بها عليهم، وجعل الجزية على رؤوسهم، والخراج على أراضيهمليكون ذلك لهم ولمن يأتي بعدهم من المسلمين؛ ولم يخالفْه على ذلك إلا نَفَر يسير، منهم بلال، ولم يحمدوا على خلافه، حتّى دعا عليهم على المنبر فقال: "اللهم اكفني بلالًا وأصحابه"، فما حال الحَول ومنهم عين تطرف

(8)

؛ أي: ماتوا جميعًا

(9)

؛ كذا في المبسوط

(10)

.

(1)

ما بين المعقوفتين مكرر في (ب).

(2)

ينظر الأم للشافعي (4/ 298)، نهاية المطلب في دراية المذهب (3/ 272).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب السير، باب ما قالوا في الخمس والخراج كيف يوضع، برقم (32716) 6/ 436، أنّ عمر بن الخطاببعث عثمان بن حنيف على السواد فوضع على كل جريب عامر أو غامر يناله الماء درهمًا، وقفيزًا، يعني الحنطة والشّعير، وعلى جريب الكرم عشرة، وعلى جريب الرطاب خمسة. قال ابن الملقن: وهذا منقطع. ينظر البدر المنير (9/ 150).

(4)

وسواد العراق: ما بين الكوفة والبصرة وما حولهما من القرى والرساتق، وسمي سوادا لخصبه، فالزرع من الخصوبة يكون أخضر داكنا يميل إلى السواد، ولكثرة ما فيه من القرى. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 294)، معجم لغة الفقهاء (ص: 251).

(5)

قال الشافعي رحمه الله: لست أعرف ما أقول في أرض السواد إلا ظنًا مقرونًا إلى علم، وذلك أنّي وجدتُ أصح حديث يرويه الكوفيون عندهم في السّواد ليس فيه بيان، ووجدتُ أحاديث من أحاديثهم تخالفه منها أنّهم يقولون: السّواد صلح، ويقولون السّواد عنوة، ويقولون بعض السواد صلح وبعضه عنوة. الأم للشافعي (4/ 297).

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(7)

أحكام القرآن للجصاص (5/ 318).

(8)

عن جرير بن حازم، قال: سمعت نافعًا مولى ابن عمر يقول: أصاب النّاس فتح بالشام فيهم بلال، وأظنُّه ذكر معاذ بن جبل رضي الله عنه فكتبوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنّ هذا الفيء الذي أصبنا لك خمسه ولنا ما بقي، ليس لأحد منه شيء كما صنع النَّبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، فكتب عمر رضي الله عنه: إنّه ليس على ما قلتم ولكنّي أقفها للمسلمين، فراجعوه الكتاب وراجعهم يأبون ويأبى، فلمّا أبوا قام عمر رضي الله عنه فدعا عليهم فقال: اللّهم اكفني بلالًا وأصحاب بلال، قال: فما حال الحول عليهم حتّى ماتوا جميعا. أخرجه البيهقي في سننه، باب مَن رأى قسمة الأراضي المغنومة ومن لم يرها، برقم (18392) 9/ 233. وقال: والحديث مرسل، والله أعلم.

(9)

المبسوط للسرخسي (10/ 16).

(10)

هو مبسوط السرخسينحو: خمسة عشر مجلدا. وهو: لشمس الأئمة: محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي. المتوفى: سنة 483، أملاه: من خاطره، من غير مطالعة كتاب. ينظر كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1580)، وهو مطبوع.

ص: 3

(وقيل: الأولى هو الأوَّل عند حاجة الغانمين؛ كما فعل النَّبي عليه الصلاة والسلام بِخَيبَر

(1)

فإنَّه كان عند حاجة المسلمين، والثَّاني عند عدم الحاجة؛ كما فعل عمر بسواد العراق.

[المن في العقار]

(وهذا في العقار

(2)

أي: إقرار أهل بَلَد على بَلَدهم بالمنِّ عليهم.

(أمَّا في المنقول المجرَّد، لا يجوز المنُّ بالرد عليهم).

يقال: "منَّ عليه مَنّا" أي: أنعم. وذَكَر في التَّيسير

(3)

في قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} [محمد: 4] أي: فإمَّا أنْتَمنُّوا بعد ذلك بالإطلاق مجانًا. ثم هاهنا معنى المنِّ في المنقول هوأنْ يَدفَع لهم مجانًا، ويُنْعِم به عليهم

(4)

؛ وإنَّما قيّد بقوله "المجرَّد" لأنَّه يجوز المنُّ عليهم في المنقول بطريق التَّبعية بالعقار، وذلك في قوله بعد هذا:(وإنْ منَّ عليهم بالرّقاب والأراضي يَدفع إليهم من المنقولات بِقَدر ما يتهيأ لهم العمل).

قوله: (وفي العقار خلاف الشافعي رحمه الله

(5)

لأنَّ في المَنِّ

إلى أنْقال

(6)

: والحُجَّة عليه) مِن تعليل الشَّافعي. والدَّليل على هذا ما ذَكَره في المبسوطوالإيضاح

(7)

بمثل هذا، والتَّعليل في طرف الشافعي، فذكر فيالمبسوط: "فالشافعي يقول: قد تأكَّد حقُّ الغانمين في الأراضي، أَمَّا عندي، فقد ثبت الملك لهم بنفس الإصابة، وعندكم تأكَّد الحقُّ بالإحراز، فَقَد صارت مُحرَزة بفتح البلدة وإجراء أحكام الإسلام فيها، وفي المنِّ إبطال حقِّ الغانمينعما

(1)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، برقم (4236) 5/ 138، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه، قال:"لولا آخر المسلمين، ما فتحت عليهم قرية إلاقسمتها، كما قسم النَّبي صلى الله عليه وسلم خيبر".

(2)

العقار: عند العرب النخل، ثم كثر استعمالهم ذلك، حتى ذهبوا به إلى متاع البيت.

وقال الأصمعي: العقار: الأرض والمنزل والضياع. الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 46).

(3)

التيسير في التفسير، لنجم الدين، أبي حفص: عمر بن محمد النسفيالحنفي، المتوفى: بسمرقندسنة 537 هـ، وحقق جزء من الكتاب في رسائل دكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والمخطوط في مكتبة أحمد الثالث برقم (1756) ويوجد له نسخة على شكل مايكرو فيلم في جامعة الملك عبدالعزيز.

(4)

ينظر تفسير النسفي = مدارك التنزيل وحقائق التأويل (3/ 322)، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (18/ 204)، روح المعانى (13/ 198).

(5)

اختلف الفقهاء في الأرض المفتوحة عنوة، فذهب الحنفية إلى أنّ الإمام مخير بين قسمتها وبين إقرار أهلها عليها ووضع الجزية عليهم وعلى أراضيهم الخراج، وإذا بقيت في أيدي أهلها فقال الحنفية: هي مملوكة لهم يجوز بيعهم لها وتصرفهم فيها. ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 16).

والمعتمد عند المالكية أن هذه الأرض تكون وقفا على المسلمين، لا يجوز التصرففيها ببيع أو غيره ويصرفخراجها في مصالح المسلمين، إلا أن يرى الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة فإن له أن يقسم الأرض. الكافي في فقه أهل المدينة (1/ 478).

وقال الشافعية: تقسم الأرض المفتوحة عنوة بين الغانمين إلا أن يطيبوا نفسا بتركها فتوقف على مصالح المسلمين، والصحيح عندهم أن سواد العراق قسم بين الغانمين ثم بذلوه لعمر رضي الله عنه ووقف على المسلمين وصار خراجه أجرة تؤدى كل سنة لمصالح المسلمين، وليس لأهل السواد الذين أقرت الأرض في أيديهم بيعها أو رهنها أو هبتها لكونها صارت وقفا. ينظر روضة الطالبين وعمدة المفتين (10/ 275)، الوسيط في المذهب (4/ 542).

وقال الحنابلة: الإمام مخيّر بين قسمة هذه الأرض على الغانمين فتملك بالقسمة، ولا خراج عليها وبين وقفها للمسلمين فيمتنع بيعها ونحوه، ويضرب الإمام بعد وقفها خراجا مستمرا يؤخذ ممن هي في يده من مسلم ومعاهد يكون أجرة لها. الكافي في فقه الإمام أحمد (4/ 160).

(6)

وتمام كلامه: (إبطال حقّ الغانمين أو ملكهم فلا يجوز من غير بدل يعادله والخراج غير معادل لقلته بخلاف الرقاب لأن للإمام أنْ يبطل حقهم رأسًا بالقتل). الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 384).

(7)

كتاب الإيضاح لأبي الفضل عبد الرحمن بن محمد الكرماني المتوفى سنة 543 هـ، وهو شرح لكتاب التجريد للمؤلف نفسه. معجم المؤلفين (5/ 172)، وكتاب التجريد حقق في جامعة أم القرى، أما كتاب الإيضاح فهو مخطوط، ولم أقف عليه.

ص: 4

تأكَّد حقهم فيه، والإمام لا يملك ذلك؛ كما لو استولى على الأموال بدون الأراضي لم يكن له أن يُبطِل حقَّ الغانمين عنها بالردِّ عليهم، بخلاف الرِّقاب فالحق في رقابهم لم يتأكَّد/ بدليل أنَّ له أنْ يقتلهم، فكذلك يكون له أنْ يمُنَّ على رقابهم بجزية يأخذها. ثُمَّ حقُّ مصارف الخُمس ثابت بالنصّ، وفي المنِّ إبطال ذلك، ولهذا قلت أنا: تُخمَّس الجزية؛ لأنَّ فيالخمس في الرقاب كان حقًا لأرباب الخمس، فيثبت في بَدَل ذلك، وهو الجزية. وعلماؤنا يقولون: تَصرُّف الإمام وقع على وجه النظر، وبيانه: أنَّه لو قسمها بينهم اشتغلوا بالزّراعة وقعدوا عن الجهاد؛ يَكُرّ

(1)

عليهم العدو، وربما لا يهتدون لذلك العمل أيضًا، فإذا تركها في أيديهم وهم أعرف بذلك العملاشتغلوا بالزراعة، وأدّوا الخراج والجزية، ويصرف ذلك إلى المقاتلة، ويكونون مشغولين بالجهاد. وبهذا يتبين أنَّ فيه توفير المنفعةلأنَّ منفعة القِسمة، وإنْ كانت أعجل، فمنفعة الخراج أدوم"

(2)

.

وذكر في الإيضاح: وقال الشافعي: يقسِم الأراضي، ولا يتركها في أيديهم بالخراجلأنَّ الأراضي أموال، فصارت ملكًا للغانمينبالاستيلاء عليها، فلا يجوز إبطال ملكهم عنها إلا بِبَدَل يَعدِلها، والخراج لا يعدل الملك

(3)

.

قوله

(4)

: فوجبت القسمة؛ كما في المنقولات، وهذا بخلاف الرّقاب

(5)

لأنَّها خُلِقت في الأصل حُرًا، والملك يثبت بعارض، فالإمام إذا استرقّهم، فقد بَدَّل حُكم الأصل، فإذا جعلهم أحرارًافقد بقي حكم الأصل مكانًا حائزًا.

ولنا حديث فتح مكَّة

(6)

؛ فإنَّها فُتحت عنوة وقهرًا، وتُرِكت في أيديهم، وكذلك سواد العراقلما فُتِح في زمان عثمان

(7)

رضي الله عنه تركها في أيدي أهلها، وضرب عليها الخراج، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم. ونستدل بفصل الرقاب، فنقول: بأنه يجوز المنُّ عليهم في رقابهم بضرب الجزية، فكذا يجوز المنُّ عليهم في أراضيهم بضرب الخراج.

(1)

الكَرُّ: الرُّجُوعُ. يُقَالُ: كَرَّه وكَرَّ بِنَفْسِهِ. لسان العرب (5/ 135).

(2)

المبسوط للسرخسي (10/ 40).

(3)

ينظرالأم للشافعي (4/ 191)، و الحاوي الكبير للماوردي (14/ 259 - 260). وعلله الشافعي بقوله:"لأنّها قد صارت بلاد المسلمين وملكًا لهم، ولم يجُز له إلّا قسمها بين أظهرهم كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فإنّه ظهر عليها".

(4)

ساقط من (ب).

(5)

في (أ) الإقرار، ولعل ما في (ب) هو الصواب لموافقته سياق كلام.

الرقاب: أي العبيد الذين ثبت في رقابهم ديون الموالي بالكتابة. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 18).

(6)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى، وجعل الزبير على المجنبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة على البياذقة، وبطن الوادي، فقال:"يا أبا هريرة، ادع لي الأنصار"، فدعوتهم، فجاءوا يهرولون، فقال:"يا معشر الأنصار، هل ترون أوباش قريش؟ " قالوا: نعم، قال:"انظروا، إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا"، وأخفى بيده ووضع يمينه على شماله، وقال:"موعدكم الصفا"، قال: فما أشرف يومئذ لهم أحد إلا أناموه، قال: وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصّفا، وجاءت الأنصار فأطافوا بالصفا، فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسول الله، أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم، قال أبو سفيان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن"، فقالت الأنصار: أما الرّجل فقد أخذته رأفة بعشيرته، ورغبة في قريته، ونزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"قلتم: أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته، ورغبة في قريته، ألا فما اسمي إذًا؟ - ثلاث مرات - أنا محمد عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم"، قالوا: والله، ما قلنا إلا ضنا بالله ورسوله، قال:"فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم". أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب فتح مكة، برقم (1779) 3/ 1407.

(7)

الصواب أن سواد العراق فتح في زمن عمر رضي الله عنه، وليس في زمن عثمان، فإمّا أنه تحرف من "عمر" إلى "عثمان"، أو أنّه اختلط عليه في النقل؛ فإنّه قد ورد "أن عمر رضي الله عنه لما فتح سواد العراق تركها على أربابها وبعث عثمان بن حنيف ليمسح الأراضي وجعل عليها حذيفة بن اليمان مشرفا

". انظر: الاختيار لتعليل المختار (4/ 143).

ص: 5

قوله: (لأنَّ في المنّ إبطال حقِّ الغانمين) أي: عندَكُم (أو ملكهم) أي: عندي (والخراج غير معادل) أي: للعقار (بخلاف الرِّقاب) لأنَّ للإمام أنْ يُبطِل حقَّهم رأسًا بالقتل، فكذا له أنْ يُبطِل بالخلف، وهو الجزية.

(ما رويناه) أي: من فعل عمر رضي الله عنه؛ (ولأنَّ فيه) أي: في إقرار أهله عليه (كالأكرة) أي: المزارعين، (والمؤن مرتفعة) أي: مؤنة الزراعة مرتفعة عن الإمام والمسلمين.

(فقد جَلَّ مآلًا) يعني: الخراج، وَإِنْ كان قَليلًا في الحال صورةً، فَهو كثيرٌ من حيث المعنىلدوامه، وهو وجوبه في كل سنة.

[قوله: (يخرج عن حد الكراهة)]

(1)

فقد ذكر الإمام التمرتاشي

(2)

: "فإنْ مَنَّ عليهم برقابهم وأراضيهم، وقَسَم النِّساء والذُّرية وسائر الأموال جاز، ولكن يُكْرَه؛ لأنَّهم لا ينتفعون بالأراضي بدون المال، ولا بقاء لهم بدون ما يمكن به تزجية العُمر، إلّا أن يَدَعَ لهم ما يمكنهم به العمل في الأراضي"

(3)

.

[الحكم في الأسرى]

(وهو في الأسارى بالخيار إن شاء قتلهم) فقد أَطلَق القتل في الأسارى، وهو ليس بمجري على إطلاقهفإنّ اسم الأسير باقٍ في الذي أسلم بعد الأسر، ولا يجوز القتل في حقِّه على ما يجيء.

قوله: (لأنَّه عليه الصلاة والسلام قد قَتَل) وذكر في الإيضاح: فأمَّا الكلام في جواز القتل بعد حصولهم في أيدي الإمامفما رُوِي عن النَّبي عليه الصلاة والسلام أنَّه قتل عُقبة بن أبي مُعَيط

(4)

، والنَّضر بن الحارث

(5)

بعدما حصلا في يده

(6)

، وقتل بني قريظة بعد ثبوت اليد عليهم

(7)

. فإِنْ أسلموا سقط القتل عنهملأنَّها عقوبة وجبت للبقاء على الكفر، فإذا زال الكفر سقط القتل

(8)

.

(1)

ما بين المعقوفتين مكرر في (ب).

(2)

هو: الشيخ، الإمام، أبو محمد، ظهير الدين: أحمد بن أبي ثابت: إسماعيل بن محمد أيدغمش الحنفي، مفتي خوارزم. كذا سمى نفسه في أول: شرحه (للجامع الصغير)، المتوفى: سنة 600 وقيل 610 ينظر كشف الظّنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1221 - 1246).

(3)

ينظر العناية شرح الهداية (5/ 472 - 473)، البناية شرح الهداية (7/ 133).

(4)

عقبة بن أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وأم عقبة آمنة بنت كليب بن ربيعة وعقبة هذا عدو رسول الله صلى الله عليه وسلم، قُتل يوم بدر كافرًا. ينظر تهذيب الأسماء واللغات (1/ 337)، الوافي بالوفيات - النسخة المحررة (20/ 59).

(5)

في (أ)"النضر بن أبي سهل"، وفي (ب):"والنضر بن سهل"، والصحيح ما أثبته. ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 119). هو النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة القرشي من بني عبد الدار، عداده في الحجازيين، شهد حنينا، وأعطاه النَّبي صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل. ينظر معرفة الصحابة لأبي نعيم (5/ 2696)، أسد الغابة (5/ 301)، ثم ذكر ابن الأثير أن النضر لَهُ صحبة، وهو غلط، فإن النضر أسر يوم بدر، وقتل كافرًا، قتله عَليّ بن أبي طالب، أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. أجمع أهل المغازي والسير عَلَى أَنَّهُ قتل يوم بدر كافرًا، وإنّما قتله لأنه كَانَ شديدًا عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين.

(6)

رواه الطبراني في الأوسط، برقم (3801) 4/ 135، عن ابن عباس قال:"قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثلاثة صبرًا، قتل النضر بن الحارث من بني عبد الدار، وقتل طعيمة بن عدي من بني نوفل، وقتل عقبة بن أبي معيط" قال: الهيثمي وفيه عبد الله بن حماد بن نمير ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (6/ 90).

(7)

عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: "ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة قط من بني قريظة إلا امرأة واحدة، والله إنّها لعندي تضحك ظهر البطن، وإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتل رجالهم بالسيوف

". أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب المغازي والسرايا، برقم (4334) 3/ 38. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.

(8)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 119)، العناية شرح الهداية (5/ 473).

ص: 6

وحاصله أنَّ الإسلام لا ينافي بقاء حكم الاسترقاقلأنَّ الرقبة ثبتت بطريق التَّبعية، فبقاؤها يكون تَبعًا لما وجد في حقِّه حالة الكفر، ولكنَّ الإسلام ينافي بقاء حكم القتل؛ لأنَّالقتل في هذا جزاء الكفر الحقيقي، لا جزاء أثره؛ ولهذا لا يثبت حكم القتل بطريق التبعية.

(وإن شاء تركهم أحرارا) فإنْ قيل: ينبغي أنْ لا يثبت خيار ترك القتل لقوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [النساء: 89]، فعلى هذا استقرَّ أمر الجهاد على ما مرَّ ذكره. قلنا: خُصَّمن هذه الآية أهلالذِّمة

(1)

والمستأمنون

(2)

والنِّساء وغير ذلك، فيخصّ المتنازع عنها بفعل عمر رضي الله عنه بمحضر من الصحابة.

قوله: (لِما بيَّنَّا) إشارة إلى قوله: (كذلك فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق) إلى آخره.

" (وَالْمُفَادَاةُ) بَيْنَ اثْنَيْنِ، يُقَال فَادَاهُ: إذَا أَطْلَقَهُ وَأَخَذَ فِدْيَتَهُ"

(3)

كذا في المغرب

(4)

، ومنه قوله:(ولا يفادي بالأسارى عند أبي حنيفة)، أي: لا تؤخذ فدية بمقابلة إطلاق الأسارى التي في أيدي المسلمين، يعني:"فداكرفته نشورنه، بمال، ونه أسير مسلم در مقابلة إطلاق أسير/ كافران"

(5)

.

وما ذَكر ههنا موافِق لما ذَكر في الإيضاح، فقال فيه: الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله: لا يجوز مفاداة أساراهم بالأسارى ولا بغيرهم من المال

(6)

.

(1)

من أهل الذمة، معناه: من أهل العهد. قال الله عز وجل: {لا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذِمَّةً} (42) فالإِلّ: القرابة، والذمة: العهد. الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 480).

(2)

المُستأمِن: من الاستئمان وهو طلب الأمان من العدو حربيًا كان أو مسلمًا. أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء (ص: 66).

(3)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 353).

(4)

المغرب في ترتيب المعرب، في اللغة للإمام ناصر بن أبي المكارم عبد السيد بن علي المطرزي الملقب ببرهان الدين، المتوفى سنة 610 هـ، وهو شرح لكتاب "المعرب"، قال ابن خلكان:"وهو للحنفية بمثابة كتاب الأزهري للشافعية"، وقد تكلّم في كتابه عن الألفاظ التي يستعملها الفقهاء من الغريب، وهو مطبوع.

وفيات الأعيان (5/ 370)، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1556)، الأعلام للزركلي (7/ 348).

(5)

عبارة فارسية بمعنى: لا يطلق الأسير الكافر بمقابلة إطلاق الأسير المسلم. والله تعالى أعلم، أفادني بها الأستاذ/ أحمد فواز الحمير.

(6)

ينظر العناية شرح الهداية (5/ 474).

ص: 7

وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-: يجوز المفاداة بالأسارى، ولا يجوز بالمال

(1)

.

وجَعَل في السّير الكبير

(2)

ما ذكر من قولهما هنا ظاهرَ روايةِ أصحابنا، فقال: لا بأس بأنْ يُفادى أسرى المسلمين بأسرى المشركين الذين في أيدي المسلمين من الرِّجال والنِّساء، وهذا قول أبي يوسف ومحمد، وهو أظهر الرِّوايتين عند أبي حنيفة رحمه الله، وعنه في رواية أخرى أنَّه قال: لا يجوز مفاداة الأسير بالأسير.

ثم قال: وَجْه ظاهر الرّواية

(3)

أنَّ تخليص أسرى المسلمين من أيدي المشركين واجب، ولا يُتَوصَّل إلى ذلك إلا بطريق المفاداة

(4)

.

قوله: (لِمَا بيَّنَّا) إشارة إلى قوله: (أنَّ فيه معونة للكَفَرة؛ لأنَّه يعود حربًا علينا، وفي السّير الكبير أنَّهلا بأس به) أي: بالمفاداة بمال نأخذه منهم (استدلالًا بأسرى بدر)

(5)

.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 24_ 140)، تحفة الفقهاء (3/ 302).

(2)

السّير الكَبير، في الفقه. للإمام: محمد بن الحسن الشيباني، صاحب أبي حنيفة، وهو آخر مصنفاته، صنفه بعد انصرافه من العراق. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1013)، وهو مطبوع.

(3)

ظاهر الرواية: هي أقوال الأئمة الثلاثة والتي تضمنتها كتب محمد الستة، وهي "المبسوط، والزيادات، والجامع الصغير، والجامع الكبير، والسير الصغير، والسير الكبير". ينظر مصطلحات المذاهب الفقهية لمريم الظفيري ص (105).

(4)

ينظر شرح السير الكبير (ص: 1587).

(5)

قال أبو زميل، قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر، وعمر:"ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ " فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما ترى يا ابن الخطاب؟ " قلت: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان نسيبا لعمر، فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة - شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] فأحل الله الغنيمة لهم.

أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، وإباحة الغنائم، برقم (1763) 3/ 1383.

ص: 8

وذكر في الإيضاح: ولا دلالة فيه، فإنَّ سورة براءة آخر ما نزلت، وقد تضمنَّت وجوب القتل على كل حال، بقوله:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، فكان ناسخًا

(1)

.

وقال أبو يوسف رحمه الله: يجوز المفاداة بالأسرى قبل القسمة، ولا يجوز بعدها. وقال محمد رحمه الله: يجوز على كل حال

(2)

.

(ولا يجوز المَنُّ عليهم)(أي: على الأسارى).

المراد من المنِّ هو: الإنعام عليهم بأنْ يتركهم مجانًا من غير استرقاق ولا ذِمَّة ولا قتل.

وعلَّل في السّير الكبير بقوله: "لأنَّ في المنِّ على الأسير تمكينهمن أنْ يعود حربًاللمسلمين بعد الظُّهور عليه، وذلك لا يحِل"

(3)

، وقد بيَّنَّا أنَّ حكم المنِّ الثابت بقوله:{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} [محمد: 4]، قد انتسخ بقوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، والذي رُوي أنَّالنَّبي عليه الصلاة والسلام مَنَّعلى أَبي عزة الجمحي

(4)

يوم بدر

(5)

، فقد كان ذلك قبل انتساخ حكم المنِّ. ألا ترى أنَّه وقع أسيرًا يوم أحد، وطلب من رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يمُنَّ عليه،

(1)

ينظر العناية شرح الهداية (5/ 476).

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 140)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 120).

(3)

السير الكبير (3/ 1030).

(4)

عمرو بن عبد الله بن عثمان الجمحيّ: شاعر جاهلي، من أهل مكة. أدرك الإسلام، وأسر على الشرك يوم بدر، فامتنّ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فنظم قصيدة يمدحه بها، ثم لما كان يوم أحُد دعاه صفوان بن أمية، للخروج، فقال: إن محمدا قد من عليّ وعاهدته أن لاأعين عليه، فلم يزل به يطمعه حتى خرج وسار في بني كنانة، ونظم شعرا يحرض به على قتال المسلمين. فلما كانت الوقعة أسره المسلمون، فقال: يارسول الله منَّ عليَّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وأمر به عاصم بن ثابت، فضرب عنقه. توفي سنة (3 هـ) الأعلام للزركلي (5/ 80 - 81).

(5)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب السير، باب مايفعله بالرجال البالغين، برقم (18487) 9/ 65.

ص: 9

[قسمة الغنيمة في دار الحرب]

فَأبى، وقال: لا تحدّث العرب بأنّي خدعت محمدًا مرّتَين؛ ثم أمر به فقُتِل.

(وقال الشافعي لا بأس بذلك

(1)

.

وذكر في الإيضاح: وقال أبو يوسف: إنْ قُسِمتْفي دار الحرب

(2)

جاز

(3)

.

(ويبتني على هذا الأصل عدَّة من المسائل) وذكر في التحفة

(4)

: يتعلّق حق التَّملُّك أو حقُّ الملك للغزاة بنفس الأخذ والاستيلاء، ولا يثبت الملك به قبل الإحراز بدار الإسلام عندنا خلافًا للشافعي رحمه الله، فإنَّ عنده

(5)

، في قولٍ، يثبت الملك بنفس الأخذ، وفي قولٍ، بعد الفراغ من القتال وانهزام العدو. ويَبْتني على هذا الأصل فروع؛ منها:

أنَّ الإمام إذا باع شيئًا مِن الغنائم لا لحاجة الغزاة، أو باع واحدٌمن الغزاة، فإنَّه لا يصّح عندنا؛ لعَدم الملك؛ وكذا لو أتلف واحدٌ من الغزاة في دار الحرب، فإنَّه لا يضمن؛ ولو مات واحدٌ من الغزاة لا يُورَث سهمُه؛ ولو لحق المددُ الجيشَقبل القسمة في دار الحرب يشاركونهم في القسمة؛ ولو قَسَم الإمام في دار الحرب لا مجتهدًا ولا باعتبار حاجة الغزاة لا تصحُّ القسمة عندنا، وعند الشافعي يصح

(6)

.

وقال: هو بخلاف ما ذكرنا في هذه الفصول، وبيان ثبوت الحقِّ لهم أنَّ الأسير إذا أسلم قبل الإحراز بدار الإسلام، فإنَّه لا يكون حُرًّا، ولو أسلم قبل الأخذ يكون حرًالما أنَّه يتعلّق حقُّالغزاة بالأخذ.

وكذا لو أسلم أرباب الأموال قبل الإحراز بدار الإسلام، فإنَّهم لا يختصُّون بأموالهم، بل هم من جملة الغزاة في الاستحقاق بسبب الشّركة في الإحراز بدار الإسلام بمنزلة المدد.

وكذا ليس لواحدٍ من الغزاة أنْ يأخذ شيئًا من الغنائم من غير حاجة؛ ولو لم يثبت الحقّ لهم لكانت الغنائم بمنزلة المباح. ثُمَّ بعد الإحراز بدار الإسلام قبل القسمة، فإنَّ حقَّ الملك يتأكَّد ويستقِرُّ، ولكنْ لا يثبت الملك أيضًا. ولهذا قالوا: لو مات واحدٌ منهم يورَث نصيبُه، ولو قسم الإمام أو باع جاز، ولو لحِقَهُم مدد لا يشاركون، ويضمن المتلِف، ولكنَّ الملك لا يثبُت حتَّى لو أَعتَق واحدٌ من الغزاة عبدًا من عَبيد الغَنيمة لا يُعتَق؛ لأنَّه لا يثبت الملك الخاصُّ إلا بالقسمة

(7)

.

(1)

مذهب الشافعي: أنه يستحب أن تقسم الغنائم في دار الحرب، ويكره تأخيرها إلى دار الإسلام منغير عذر. ينظر الحاوي الكبير (14/ 165)، نهاية المطلب في دراية المذهب (11/ 503).

(2)

دار الحرب: هي الدار التي تظهر فيها أحكام الكفر، وتكون السلطة فيها لغير المسلمين. ينظر اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية (1/ 233).

(3)

ينظر السير الصغير ت خدوري (ص: 247) وقال: وأحبّ ذلك إلي أنْ يقسموها إذا خرجوا إلى دار الإسلام، وهو قول محمد كذلك. ينظر (ص: 109)، الاختيار لتعليل المختار (4/ 126).

(4)

التحفة هو: تحفة الفقهاءفي الفروع. للشيخ، الإمام، الزاهد، علاء الدين: محمد بن أحمد السمرقندي، الحنفي. زاد فيها: على (مختصر القدوري). ورتب أحسن ترتيب. ينظر كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 371)، وهو مطبوع.

(5)

قوله: "فإن عنده" ساقط من (ب).

(6)

ينظر الأم للشافعي (7/ 353).

(7)

ينظر تحفة الفقهاء (3/ 298 - 299).

ص: 10

وهذا الذي ذَكَر في التُّحفة معنى ما ذَكَر في المبسوط، فقال فيه بعدما ذكر قول الشافعي رحمه الله:"فأمَّا عندنا فالحقُّ يثبت بِنَفس الأخذ، ويتأكَّد بالإحراز/، ويُملَك بالقسمة كحقِّ الشُّفْعة يثبت بالبيع، ويتأكَّد بالطَّلَب، ويتِمُّ الملك بالأخذ. وما دام الحق ضعيفًا لا يجوز القسمةلأنَّه دون الملك الضّعيف في المبيع قبل القبض"

(1)

.

(والثَّانيمنعدِم) أَي: إثبات اليدالنَّاقلة إلى دار الإسلام (منعدم لقدرتهم) أي: الكَفَرة (ووجوده ظاهرًا) لكونِ المسلمين في ديارهم فكان قولهم. و"وجوده" بالجر عطفًا على قدرتهم.

(ثم قيل: موضع الخلاف تَرتُّب الأحكام على القِسمة إذا قَسَم الإمام لا عن اجتهاد)، أي: أنَّ موضع الخلاف فيما إذا صَدرت القسمة عن الإمام بدون الاجتهاد، فإنَّها هل يثبت حكم الملك لمن وقَعَت القسمة في نَصيبه مِن الأَكل والوَطْءِ وسائر الانتفاع أم لا؟ فَعَلى قَولٍ تَثبُت، وعندنا لا تَثبُت.

ثم علَّل بقوله: (لأنَّ حُكم المُلك لا يثبت بدونه) أي: بدون الملك؛ فلمَّاتثبتأحكام الملك عنده في الأكل والوطء وغيرهما بهذه القسمة الصَّادرة لا عن اجتهاد، عَلمنا أنَّ الملك كان ثابتًا له قبل القِسمة؛ كما إذاكانت التَّرِكة بين الورثة، فإنه إنَّما تثبت أحكام الملك في الانتفاعات إذا وقعت القسمة لثبوت نفس الملك قبل القسمة. فكذلك ههنا على قوله: وعندنا لا يَثبتُ بهذه القسمةِالصَّادرةِ لا عن اجتهادٍ في حكمٍ الملكُ؛ لأنَّ الملكَ يثبت قبل هذه القسمة، فلا يثبت حكم الملك من الانتفاع بهذه القسمة شيء، ثم إنَّما قيَّد القِسمة لا عن اجتهاد ليظهر موضِع الخلاف، فإنَّه إذا قسم مجتهدًا جاز بالاتفاق

(2)

.

وذكر في المبسوط: "وإنْ قسمها في دار الحرب جاز؛ لأنَّه أمضى فصلًا مجتهدًا فيه، وقضاء المجتهِد في المجتهَد فيه نافذ"

(3)

.

(وقيل: الكراهة

(4)

أي: حكم قسمة الغنائم في دار الحرب على مذهبنا الكراهة، لا عدم الجواز.

(1)

المبسوط للسرخسي (10/ 33).

(2)

ينظر مراتب الإجماع (ص: 118).

(3)

المبسوط للسرخسي (10/ 33).

(4)

الكراهة: قيل: الكُرْه بالضم المشقة، والكَرْه بالفتح تكليف ما يكره فعله، وقيل: هما لغتان في المشقة. أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء (ص: 99).

وقيل الكراهة هي: خطاب الله تعالى المتعلق بطلب الكف عن الفعل طلبًا غير جازم، وهي مقابل الاستحباب، فهي طلب الترك لا على سبيل الحتم والإلزام. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (3/ 143).

ص: 11

وذكر في المبسوط: "وقيل: من مذهبنا كراهة القسمة في دار الحرب لا بطلان القسمة؛ لما في القِسمة من قطع شركة المدد، فَيقِلُّ بها رغبتهم في اللُّحوق بالجيش؛ ولأنَّه إذا قسم تفرَّقوا؛ فرُبَّما يكثر العدو على بعضهم، وهذا أمر وراءما يتمّ به القسمة، فلا يمنع جوازها"

(1)

.

(ووجه الكراهة أنَّ دليل البطلان راجح) بدليل عَدَم الملك بمجرَّد الاستيلاء بالدَّليل الذي ذكرنا، أو أنَّ دليل البطلان محرِّم، والمحرِّم راجح على المبيح.

(إلا أنَّه تقاعدعن سلْب الجواز) أي: بالإجماع

(2)

، أمَّا الشافعي فقال بالجواز مطلقًا

(3)

، ونحن نقول به مع الكراهة.

(فلا يتقاعد عن إيراث الكراهة)؛ لأنَّ الدليل المرْجوح لمَّا لم يبطُلْ أصلًا حصل في معارضة الدَّليلين مِن الدَّليل الرَّاجح والمرجوح الكراهة، كما في سُؤر الهرّة. وَهذا الذي ذكره عند عدم الحاجة. أمَّا لو احتاج الغزاة إلى الانتفاع بالمتاع والثياب والدوابّ، قَسمها الإمام بينهم في دار الحرب لتحقُّق حاجتهم عليه شاركوهم فيها؛ خلافًا للشافعي

(4)

.

"وعند الشافعي لا شركة للمدد إذا لحِق الجيشَ بعد الإصابة

(5)

؛ بناءً على أصله أنَّ السبب هو الأخذ، والملك يثبت بنفس الأخذ. وَعندنا، السَّببُ هو القهر، وتمام القهر بالإحراز بدار الإسلام، فَإذا شارك المدد الجيش في الإحراز الَّذي به يتِمُّ السَّبب يشاركونهم في تأكُّد الحقِّ به، كما لو التحقوا بهم في حالة القتال"

(6)

، كذا في المبسوط.

[سهم أهل سوق العسكر]

(ولا حقَّ لأهل سوق العسكر

(7)

في الغنيمة)

وهذا اللَّفظ بإطلاقه يَتناول

(8)

نفيَالسَّهم والرَّضْخ

(9)

.

(1)

المبسوط للسرخسي (10/ 34).

(2)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 141).

(3)

ينظر الأم للشافعي (7/ 364).

(4)

المرجع السابق.

(5)

ينظر الأم للشافعي (7/ 361).

(6)

المبسوط للسرخسي (10/ 35).

(7)

يظهر أنّ المراد بأهل سوق العسكر: هم الذين يزاولون التجارة في العسكر، ويؤيده قوله:"لأن قصدهم التجارة لا إرهاب العدو وإعزاز الدين". والله أعلم.

(8)

ساقط من (ب).

(9)

والرضخ: رضخت له رضخا من باب نفع ورضيخا أعطيته شيئا ليس بالكثير. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 228).

الرضخ بالمعجمتين من قولهم، أرضخ فلان بفلان ماله إذا أعطاه قليلًا من كثير، والاسم الرضيخة يقال: أعطاه رضيخة من ماله ورضاخة كذا ذكره ابن دريد. البناية شرح الهداية (7/ 349).

ص: 12

وذكر في المبسوط: "وأَهْل سُوق العَسكر، إنْ لم يُقاتِلوا، فَلا سَهْم لهم ولا رَضخ؛ لأنَّ قصدَهم التِّجارة لا إرهاب العدو وإعزاز الدّين"

(1)

.

(فانعدم السَّبب الظَّاهر) وهو مجاوَزة الدَّرب على قصد القتال.

(وما رواه موقوف على عمر رضي الله عنه

(2)

وذلك ليس بحجَّة عند بعض مشايخنا؛ خصوصًا على أصل

(3)

الشَّافعي؛ فإنَّ عنده لا يُقلَّد الصَّحابي.

(4)

(1)

المبسوط للسرخسي (10/ 45).

(2)

وهو قوله "الغنيمة لمن شهد الوقعة"، أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الجهاد، باب ليس له شيئ إذا قدم بعد الواقعة، برقم (1، 2) 7/ 668.

وهو موقوف على عمر رضي الله عنه ينظر نصب الراية (3/ 408)، البدر المنير (7/ 355)، إتحاف المهرة لابن حجر (12/ 203)، التلخيص الحبير (3/ 222).

(3)

في (ب)"أهل".

(4)

قول الصحابي حجة على الأصح عند الأئمة الأربعة، أما نسبة القول بعدم حجية قول الصحابي إلى الإمام الشافعي فليس بصحيح، وقد غلط في هذه المسألة كثير من الناس، والتّحقيق خلافه؛ فقد قال الإمام الشافعي في الأمّ وهو من كتبه الجديدة:"ما كان الكتاب أو السنة موجودين، فالعذر على من سمعهما مقطوع إلا باتباعهما. فإنْ لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم أو واحد منهم. ثم كان قول الأئمة: - أبي بكر أو عمر أو عثمان رضي الله عنهم إذا صرنا فيه إلى التّقليد، أحب إلينا، وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدلّ على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة، فنتبع القول الذي معه الدلالة لأنّ قول الإمام مشهور بأنّه يلزمه الناس، ومن لزم قوله الناس كان أشهر ممن يفتي الرجل أو النفر، وقد يأخذ بفتياه ويدعها، وأكثر المفتين يفتون الخاصة في بيوتهم ومجالسهم، ولا يعتني العامة بما قالوا عنايتهم بما قال الإمام، وقد وجدنا الأئمة ينتدبون، فيسألون عن العلم من الكتاب والسنة فيما أرادوا وأن يقولوا فيه، ويقولون، فيخبرون بخلاف قولهم، فيقبلون من المخبر، ولا يستنكفون عن أن يرجعوا لتقواهم الله، وفضلهم في حالاتهم، فإذا لم يوجد عن الأئمة، فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين في موضع الأمانة، أخذنا بقولهم، وكان اتباعهم أولى بنا من اتباع من بعدهم". الأم (7/ 265). أمّا حجيته عند الأئمة الثلاثة فمتفق عليه. انظر: أخبار أبي حنيفة للصيمري ص: (10)، وإعلام الموقعين (4/ 120)، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص:(115).

ص: 13

(وتأويله أنْ يشهدها على قصد القتال)، أي: يشهد الوَقْعة، وهي القتال (على قصد القتال) أي: قاصدًا لقتال الكفار. أَلا ترى أنَّ الكفّار قد شهدوها أَيضًا للقتال، وليس لهم حقٌلأنَّهم لم يحضروها لقتال الكفار.

(وإن لم يكن للإمام حمولة) -بفتح الحاء- مَا يُحمَل عليه من بعير أو فرس أو بغل أو حمار.

قوله: (لأنَّه ابتداء إجارة) أي: مِن كلِّ وجه. هذا احتراز عن إجارةٍ مستأنفةٍ في حالة البقاء؛ فإنَّه يجبر على الإجارة بالاتفاق

(1)

؛ كما في مسألة السَّفينة. فإنْ استأجرسفينةً شهرًا، فمضت المدّة في وسط البحر، فإنَّهينعقد عليها إجارة أخرى بأجر المثل بغير رِضا المالك

(2)

، كذا في المحيط.

(ويجبرهم في رواية السير الكبير).

وَذَكَر في أواخِر الدَّفتر الأوَّل من السّير الكبير في "باب ما يحمل عليه الفيء وما يركبه الرجل من الدواب": "وإنْ رأى الإمام/ أنْ يستأجر الحمولة من أصحابها بأجرٍ معلوم؛ فذلك صحيح، ويكون الأجر من الغنائم، يبدأ به قبل الخمس، لأنَّ في هذا الاستئجار منفعة للغانمين؛ فهو كالاستئجار لسوق الغنم والرّمَك

(3)

. وحقُّ أصحاب الحمولة في ذلك لا يمنع صحّة الاستئجار؛ لأنَّه لا ملك لهم فيها قَبل الإحراز والقِسمة، وشركة الملكهي التي تمنع من صحّة الاستئجار لا شركة الحقّ؛ كما في مال بيت المال. ويستوي في ذلك إِنْ رضي به أصحابُ الحمولة، أو أبَوا، إذا كان بِهم غِنى عن تلك الحمولة؛ لأنَّهم بهذا الإباء قصدوا التعنُّت، فإنَّ في هذا الاستئجار منفعةً لهم من حيث أنَّه تحصل لهم الأجرة بمقابلة منفعة لا يبقى لهم بدون هذا الاستئجار، وفيه منفعة للغانمين أيضًا، فكانوا مُتَعنِّتين في الإباء، والقاضي لا يلتفت إلى إباء المتعنِّت. ولأنَّ ابتداء الاستئجار وبقاء الإجارة عند تحقُّق الحاجة صحيح من غير الأمير، فَمِن الأمير أولى، وبيانه في استئجار السّفينة على ما ذكرنا؛ وكذلك استئجار الأوعية لحَمْل المائع فيها مُدَّةً معلومةً إذا انتهت المدّة، وهم في المفازة، وكذلك إذا استأجر دابَّة لحمْل الأمتعة من موضِع إلى موضِع مدَّةً معلومةً، فانتهت المدّة، وهم في المفازة، أو مات صاحب الدَّابة، فإنَّه يبدأ العَقد بعد انتهاء المدَّة، ويبقى بعد الموت في هذه المواضع بأجْر المثْلِ، وبالمسمى في حالة البقاء، وكان ذلك لأجل الحاجة، فكذلك في الغنائم إذا تحقّقت الحاجة إلى حملها"

(4)

هكذا قرأتُشرح السير الكبير المنسوب إلى الشيخ الإمام

(5)

شمس الأئمة السَّرخسي

(6)

على شيخي.

(1)

ينظر: العناية شرح الهداية (5/ 483)، البناية شرح الهداية (7/ 144).

(2)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 437).

(3)

الرَّمَكَةُ: الْأُنْثَى مِنْ الْبَرَاذِينِ وَالْجَمْعُ رِمَاكٌ. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 239).

(4)

شرح السير الكبير (ص: 1044 - 1045).

(5)

في (ب)"الإمام الأجل".

(6)

شرح السير الكبير للإمام، شمس الأئمة: محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي المتوفى: سنة 483، في جزأين ضخمين، وقد أملاه محبوسًا. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1014).

ص: 14

[حكم تناول الطعام والعلف أخذ السلاح]

" عَلَفَ الدَّابَّةَ فِي الْمِعْلَفِ -بِكَسْرِ الْمِيمِ- عَلْفًا أَطْعَمَهَا الْعَلَفَ، وَأَعْلَفَهَا لُغَةٌ"

(1)

، كذا في المغرب.

فعلى هذا كان المفعول بهما محذوفين في قوله: (ولا بأس بأن يعلف العسكر في دار الحرب) أي: دوابهم العَلَف.

(وقد شرطها في رواية، ولم يشرطها في أخرى)

(2)

.

ذَكر في المبسوطإباحة الطَّعام والعَلَف من غير أنْ يحتاج إليه، فقال:"وإذا كان في الغنيمة طعام أو عَلَففاحتاج إليه رجلتناولبقدر حاجته".

ثم قال: "وقوله: "فاحتاج" مذكور على وجه العادة دون الشرط، فللمحتاج وغيره أنْ يتناول من ذلك".

ثم قال: "وهذا لأنَّهم لا يمكنهم مِن الطَّعام والعَلَف مقدار حاجتهم للذهاب والرجوع، ولا يجدون في دار الحرب من يشترونهامنه، وما يأخذونها يكون غنيمة، فللعلم بوقوع الحاجة إليه يصير مُستثنىً من شركة الغنيمة، فتبقى على أصل الإباحة، ولهذا أُحِلَّ للمحتاج وغير المحتاج ما لم يخرجوا إلى دار الإسلام"

(3)

.

وذَكَر في المحيط: فقد قيَّد محمَّدٌ في السّير الصّغير

(4)

الإباحة بطعام الغنيمة وعَلَفها بالحاجة

(5)

، وفي الكبير

(6)

أباح الانتفاع بحاجة وبغير حاجة

(7)

، فصار في المسألة روايتان.

فيما ذكره في السّير الصغير جواب القياس، وما ذكره في السّير الكبير جواب الاستحسان

(8)

، حتَّى أنَّ على رواية السّير الكبير يستوي فيه الغني والفقير في حِلِّ الانتفاع

(9)

.

(1)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 326).

(2)

وقد شرطها في رواية ولم يشترطها في أخرى: وجه الأولى أنه مشترك بين الغانمين فلا يباح الانتفاع به إلا للحاجة كما في الثياب والدواب. وجه الأخرى قوله عليه الصلاة والسلام في طعام خيبر "كلوها واعلفوها ولا تحملوها"، ولأن الحكم يدار على دليل الحاجة، وهو كونه في دار الحرب لأنّ الغازي لا يستصحب قوت نفسه وعلف ظهره مدّة مقامه فيها والميرة منقطعة فبقي على أصل الإباحة للحاجة. الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 386).

(3)

المبسوط للسرخسي (10/ 34).

(4)

السيرالصغير، في الفقه، للإمام: محمد بن الحسن الشيباني، صاحب أبي حنيفة، صنفه: بعد انصرافه من العراق. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1013).

(5)

ينظر السير الصغير ت خدوري (ص: 108)، ولم أجده في المحيط.

(6)

في (ب)"السير الكبير".

(7)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 34).

(8)

الاستحسان: وجود الشئ حسنًا، يقول الرجل: استحسنت كذا؛ أي: اعتقدته حسنًا على ضد الاستقباح، أو معناه: طلب الأحسن للاتباع الذي هو مأمور به، كما قال تعالى:{فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزُّمَر: 17]{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزُّمَر: 18]. أصول السرخسي (2/ 200).

(9)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 252).

ص: 15

ثم قال: وكما يجوز للغازي أنْ يأخذ من طعام الغَنيمة وعَلَفها بمقدار كفايتِه، يجوز له أنْ يأخذَ منها مقدار ما يكفي عَبيدَه الّذين دخلوا معه، ويقومون على دوابِّهم وحفظ رِحالهم، وكذلك يأخذون لنِسائهم وصبيانهم الّذين دخلوا معهم. ولو كان رجل دخل دار الحرب ليخدم بعض الجندي بأَجْر فلا يباح له أنْ يتناول شيئًا من الغنيمة، وكذلك من دخل دار الحرب للتِّجارة

(1)

.

قوله: (وعَلَف ظَهْرِه) أي: دابّته، ولفظ الظَّهر مُستعار لها.

"الميرةالطعام"

(2)

.

وهذان في المغرب، فيُعتبر حقيقتها إلى حقيقة الحاجة في السلاح.

(والدابَّة مثل السِّلاح) أي: يُعتبر فيهما حقيقة الحاجة، لكن هذا إذا اعتبر في الدابة الركوب، وأمَّا إذا اعتبر فيها الأكل، فكانت هي كالطعام على ما يجيء في رواية السّير الكبير، والإيضاح، والمحيط.

(والطَّعام كالخُبز) وفي المحيط: وإنْ وجدوا غَنَمًا فلا بأس بأنْ يذبحوها ويأكلوها ويرُدُّ جلودها في الغنيمة، وذكر هذا الحكم في السّير الكبير في الجزور

(3)

، وفي الإيضاح في البقر

(4)

.

فعُلِم بهذا أنَّ المراد مِن الطَّعام ما هو مُهَيأ للأكلوما هو غير مهيأ لهسواءٌ في إباحة التناول للغازي. وإنْ أصابوا سمسمًا أو زيتًا أو دُهن سمسم أو فاكهة يابسة أو رطبة أو سكّرًا أو بصلًا أو غير ذلك من الأشياء التي تُؤكل عادة للتّعيُّش؛ لا بأس بالتناول منها قبل القِسمة. ولا يجوز أنْ يتناول شيئًا من الأدوية/ والطيب

(5)

ودُهن البنفسج

(6)

أو دهن الخِيرِي

(7)

(8)

.

(1)

ينظر شرح السير الكبير (ص: 1182).

(2)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 451).

(3)

ينظر شرح السير الكبير (ص: 1187)، الفتاوى الهندية (2/ 209).

(4)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 124)، البناية شرح الهداية (7/ 147).

(5)

ينظر الفتاوى الهندية (2/ 209).

(6)

البَنَفْسَج: شجرة ذات قضبان تشبه العُلَّيْق، هو بارد في الدرجة الأولى؛ رطب في الثانية، يسهّل المرة الصفراء، وينفع من التهابها نفعًا عظيمًا، ودهنه وماؤه ينفعان من الصداع الحارّ. شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (1/ 638).

(7)

الخِيْرِيّ: شجر معروف، وهو المنثور معرب وهو الخزامى، وطبعه حار يابس في الدرجة الثانية، وهو صنفان وأفضله ما كان زهره أصفر، فأمّا الأبيض فضعيف لكثرة مائه. شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (1/ 638).

(8)

في (ب)"الحيربي".

ص: 16

وذكر في الإيضاح: إنَّما لا يجوز التَّناول منها؛ لأنَّ هذه الأدهان لا تؤكل ولا تستعمل للحاجة الأصلية، بل تستعمل للزِّينة، وكلُّ ما لا يؤكل ولا يشرب، فلا ينبغي أنْ ينتفع منه بشيء قلَّ أو كثُر

(1)

؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "أدّوا الخيط والمخيط"

(2)

.

ثم قال فيه: وما استهلكه في دار الحرب فما له قيمة، أو ليس له قيمة، فذلك هَدر

(3)

، لأنَّ الحقَّ، وإنْ كان ثابتًا، ولكنَّه ليس بمستقر. ألا ترى أنَّ المدَد يشاركونهم فيه، وإذ لم يكن مستقرًا لم يجب الضَّمان.

(ويرقحوا به الدابة).

تَوْقِيحُ الدَّابَّةِ: تَصْلِيبُ حَافِرِهَا بِالشَّحْمِ الْمُذَابِ إذَا حَفِيَ، أَيْ: رَقَّ مِنْ كَثْرَةِ الْمَشْيِ وَالرَّاءُ خَطَأٌ

(4)

، [كذا في المغرب]

(5)

. ولكنْصحَّح شيخي"ويُرقحوا" -بالراء

(6)

- من التَّرقيح

(7)

وهو الإصلاح، هكذا

(8)

نقل عن النّصِّ

(9)

أنَّه قال: هكذا قرأنا على المشايخ

(10)

.

قوله (وتأويله إذا احتاج إليه بأنْ لم يكن له سلاح) وإنَّما احتاج النَّص

(11)

إلى هذا التأويللأنَّه إذا احتاج الغازي إلى استعمال سلاح الغنيمة بسبب صيانة سلاحه، لا يجوز.

وذكرفي الإيضاح: ولا شَيئًا من السّلاح والدوابّ لِيبقى بذلك سلاحه ودوابّهلأنَّ الإطلاق كان باعتبار الحاجة، ولا حاجة مع وجود الملك

(12)

.

(وقد بَيَّنَّاه) إشارة إلى قوله: (بخلاف السّلاح لأنَّه يستصحبه)

(13)

إلى آخره.

(1)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 124)، العناية شرح الهداية (5/ 485).

(2)

أخرجه أحمد في مسند الشاميين، برقم (17154) 28/ 385. قال الهيثمي: وفيه أم حبيبة بنت العرباض، ولم أجد من وثقها ولا جرحها، وبقية رجاله ثقات. ينظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (5/ 337).

(3)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 147).

(4)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 491).

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(6)

في (أ)"ويزقحوا بالزاي"، والصحيح ما أثبته. ينظرالعناية شرح الهداية (5/ 485)

(7)

في (أ)"التزقيح"، والصحيح ما أثبته. ينظرالعناية شرح الهداية (5/ 485)

(8)

في (ب)"كذا".

(9)

في (ب)"المصنف رحمه الله".

(10)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 253)، البناية شرح الهداية (7/ 148).

(11)

في (ب)"المصنف".

(12)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 124)، العناية شرح الهداية (5/ 485).

(13)

وتمام كلامه: (فانعدم دليل الحاجة وقد تمسّ إليهالحاجة فتعتبر حقيقتها فيستعمله ثم يرده في المغنم إذا استغنى عنه). الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 386 - 387).

ص: 17

[حكم من أسلم في دار الحرب]

(يُباح له الانتفاع في الفَصلين)، أي: في فَصْل السِّلاح وفَصْل الثِّياب والدَّواب والمتاع.

قوله (ومن أسلم منهم)(معناه في دار الحرب) إلى آخره.

وإنّما احتاج في تأويل المسألة إلى هذا المعنى ليقع الاحتراز به عن مستأمن دخل دار الإسلام فأسلم في دار الإسلام، ثم ظَهَر المسلمون على دار الحرب، كان أولاد هذا المستأمن وأمواله كلّها فَيئًا.

وذكر في الفوائد الظهيرية

(1)

: وهنا مسائل أربع:

إحداها: إذا أسلم الحربي في دار الحرب، ولم يخرج حتَّى ظُهِر على الدَّار؛ والحكم فيها ما ذكر بأنّه لا يُغنم نفسه وأولادُه الصغار، وما كان في يده من المنقولات

إلى آخره.

والمسألة الثانية: الحربي إذا دخل دارنا بأمانٍ وأَسلم، ثُمَّ ظَهر المسلمون على داره وأهله وماله وجميع ما خَلَّفه في دار الحرب من أولاده الصغار فيء.

والثالثة: إذا أسلم الحربي في دار الحرب، ثم دخل دار الإسلام، ثم ظهر المسلمون على داره فجميع ماله هناك فيء إلّا أولاده الصغار.

والرابعة: إذا دخل المسلم دار الحرب بأمانٍ، واشترى منهم أموالًا وأولادًا استصحبهم مع نفسه في دار الحرب، ثم ظَهر المسلمون على الدّار، فالجواب فيه على نحو ما بَيَّنَّا في حربي أسلم في دار الحرب، ثُمَّ وقع الظُّهور على الدَّار إلا في فصلين:

أحدهما: أنَّ أولاده الكبار هنا لا يصيرون فيئًا لأنَّهم مسلمون.

والثاني: أَنَّ

(2)

ما كان وديعةً

(3)

له عند حربي لا يصير فَيئًا على رواية أبي سُليمان

(4)

لأنَّه بَدَلما كان معصومًا على

(5)

رواية أبي حفص

(6)

يصير فيئًا

(7)

.

(1)

الفوائد الظهيريةفي الفتاوى، لظهير الدين، أبي بكر: محمد بن أحمد بن عمر. المتوفى: سنة 619 هـ. جمع فيها: فوائد (الجامع الصغير الحسامي)، وأتمه: في ذي الحجة، سنة 618، وهي: غير (فتاوى الظهيرية). كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1298)، وهو مخطوط بمركز الملك فيصل برقم (69352)، وكذلك في مكتبة الشيخ عارف حكمت بالمدينة النبوية برقم (191/ 2054).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

الوَديعَةُ: واحدة الودائِع. قال الكسائي: يقال أوْدَعْتُهُ مالًا، أي: دفعته إليه يكون وديعة عنده، وأودعته أيضًا، إذا دفع إليك مالًاليكون وديعةً عندك فقبلتَها، وهو من الأضداد، واسْتَوْدَعْتُهُ وَديعَةً، إذا استحفظته إيَّاها. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 1296).

(4)

أبو سليمان: هو العلامة الإمام موسى بن سليمان. الفقيه أبو سليمان الجوزجاني، الحنفي [الوفاة: 211 - 220 هـ] صاحب أبي يوسف، ومحمد، روى عنهما، وعن ابن المبارك، كان صدوقا. ينظر تاريخ الإسلام ت بشار (5/ 468)، سير أعلام النبلاء (10/ 194).

(5)

في (ب)"وعلى".

(6)

أبو حفص: أحمد بن حفص، أبو حفص البخاري الفقيه الحنفي. (الوفاة: 211 - 220 هـ) عالم أهل بخارى في زمانه، ووالد شيخ بخارى أبي عبد الله محمد بن أحمد بن حفص الفقيه. رحل وتفقه بمحمد بن الحسن، وبرع في الرأي. تاريخ الإسلام ت بشار (5/ 259)، سير أعلام النبلاء (10/ 157).

(7)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 66 - 67 - 68)، البناية شرح الهداية (7/ 151).

ص: 18

(لأنَّ الإسلام ينافي ابتداء الاسترقاق)

لأنَّ ابتداء الاسترقاق يقع جزاءً لكفره مِن حيثأنَّهلمَّا استَنْكَف عن صيرورته عبدًا لله جازاه الله بأنْ صيَّره عبدَ عَبيده

(1)

، فلمَّا كان مسلِمًا وقتَ الاستيلاءلم يوجَد شرط الاسترقاق، وهو الاستنكاف

(2)

، فلا يوجد المشروط، وهو الاسترقاق.

وقيّد بمنافاة الإسلام ابتداءَ الاسترقاق للاحتراز في

(3)

حالة البقاء

(4)

لأنَّ الاسترقاق قد يَثْبُت بطريق التّبعية كما في ولد الأمَة من غير المولى، فيعتبر في حالة البقاء معنى التبعية.

[حكم أولاد ومال من أسلم في دار الحرب]

قوله: (وأولاده الصغار).

وقوله: (وكلُّ مال)، كلاهما بالنَّصب للعطف على قوله "بنفسه".

قوله: (لأنَّه في يد صحيحة) احتراز عَن يد الغاصب.

وقوله: (مُحترَمة) احترازعَن يد الحربي.

(وقيل: هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر).

وذكر شمس الأئمة السرخسي

(5)

رحمه الله في المبسوط، والجامع الصغير

(6)

: فما كان في يده من المال فهو لهإلَّا العقار، "فإنَّه في قول أبي حنيفة ومحمَّد. وقال أبو يوسف: أَستحسِنفي العقار أنْ أجعلَه لهلأنَّه ملك محترَم له كالمنقول، ولكنَّا نقول: هذه

(7)

بقعة من بقاع دار الحرب، فتصيرغنيمةً للمسلمين كسائر البِقاع، وهذا لأنَّ اليد على البقاع إنَّما تثبت حكمًا، ودار الحرب ليس بدار الأحكام، فلا مُعتبر بيده فيها قبل ظهور المسلمين عليها، وبعد الظُّهور

(1)

في (ب)"عبيد عبيده".

(2)

الاستنكاف: استنكف من الشيء: إذا أنف. ينظر شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (10/ 6754)، الكليات (ص: 28).

(3)

في (ب)"عن".

(4)

في (ب)"فإن الإسلام لا ينافي الاسترقاق في حالة البقاء" بعد قوله: "البقاء".

(5)

هو محمد بن أحمد بن أبي سهل أبو بكر السرخسي الإمام الكبير شمس الأئمة كان إمامًا علامة حجة متكلّمًا فقيهًا أصوليًا مناظرًا، صاحب المبسوط وغيره، أحد الفحول الأئمة الكبار أصحاب الفنون، توفي 483 هـ، وقيل 490 هـ.

الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 28)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 234)، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1580).

(6)

الجامع الصغير، في الفروعللإمام، المجتهد، محمد بن الحسن الشيباني، الحنفي. المتوفى: سنة 187. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 563).

(7)

في (ب)"في هذه".

ص: 19

[حكم ما في بطن الحمل]

يد الغانمين فيها أقوى من يده"

(1)

لغلبتهم، لا تَتبعه في الإسلاملأنَّ المسلم يتزوج الكتابية، وتبقى كتابيةً ولم تَصِر مسلمةً تَبَعًا لزوجهاإذ هو من باب الاعتقاد.

(خلافًا للشافعي) رحمه الله أي في الحمل لا غير، "فإنَّ ما في بطنها فَيء عندنا. وقال الشافعي: لا يكون فيئًا

(2)

؛ وقال: لأنَّما في بطنها/ مسلمٌ بإسلام أَبيه، والمسلم لا يُسترقُّ أبدًاكالولد المنفصِل. ولكنَّا نقول: الجنين في حكم جُزْء من أجزاء الأمِّ، وهي قد صارت فيئًا بجميعأجزائها. ألا ترى أنَّه لا يجوز أنْ يُستثنى الجنين في إعتاق الأمِّ كما لا يُستثنى سائر أجزائها؛ فكما أنَّ في الإعتاق لا يصير الجنين مستثنىً عند إعتاق الأمِّ بحال، فكذلك في الاسترقاق لا يصير الجنين مستثنىً بعدما ثبت الرِّق في الأم، وهذا لأنَّ الحكم في التّبع. قوله

(3)

: لا يثبت ابتداء، بل بثبوته في الأصل يظهر في التَّبَع، فيكون هذا في حقِّ التَّبع بمنزلة

(4)

بقاء الحكم، والإسلام لا يمنع بقاء الرِّق"،

(5)

كذا في المبسوط.

(والمسلم محلٌّ للتَّملُّك تبعًا لغيره) كما إذا تزوَّج المسلم أَمةَ الغير يكون الولد رقيقًا بتبعية الأمِّ، وإنْ كان الولد مسلمًا بإسلام أَبيه.

[ما يكون فيئا ومالا يكون فيئا]

(ومن قاتل من عبيده فيء).

ومن لم يقاتِلْنا من عبيده ليس بفيءٍلأنَّهم أتباعه

(6)

. كذا ذكره الإمام قاضي خان

(7)

.

(وما كان من ماله في يد حربي فهو فيء)(غصبًا كان أو وديعةً لأنَّ يدَه ليست بمُحترَمة).

فإنْ قُلتَ: أين ذهب قولكم: وما قام مقام غيرِه، يعمل هو بوصف الأصْل لا بوصف نفسه، كالتُّراب لمَّا قام مقامَ الماء عَمِلَ عَمَلالماء في التَّطهير، لا عمل نفسه التّلويث؛ فهاهنا أَيضًا لمَّا كان الحربي مُودَع المسلم كان قائمًا مقامه لما أنْ يد المُودَع كيد المُودِع، فيجب على هذا أنْ لا يُعتبر عدم احترام يد الحربي؛ بل الواجب أنْ يُعتبر يد مَن هو أصل له، وهو المودِع المسلم، كما لو كان المودَع مسلمًا أو ذميًا.

(1)

المبسوط للسرخسي (10/ 66).

(2)

ينظر الأم للشافعي (4/ 296)، نهاية المطلب في دراية المذهب (17/ 504).

(3)

ساقط من (ب).

(4)

في (ب)"عندنا".

(5)

المبسوط للسرخسي (10/ 66).

(6)

ينظر فتاوى قاضي خان (3/ 368)، العناية شرح الهداية (5/ 489).

(7)

قاضي خان حسن بن منصور بن محمود البخاري هو العلامة، شيخ الحنفية، أبو المحاسن حسن بن منصور بن محمود البخاري، الحنفي، الأوزجندي، صاحب التصانيف. بقي إلى سنة 589 هـ، فإنه أملى في هذا العام. وقيل توفي سنة 592 هـ. ينظر سير أعلام النبلاء (21/ 231)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 205).

ص: 20

قلت: العصمة في المال إنما تَثبتُ تبعًا لعصمة المالك، وأمَّا بالنّظر إلى نفسه فلا عِصمة فيه لما أنَّ المال في أصله كان على صفة الإباحة؛ ثُمَّ بِتَبَعيَّة المال للمالك في العصمة إنَّما يثبت أنْ لَو ثبت يد المالك المعصوم له حقيقةًأو حكمًا مع الاحترام؛ لما أنَّ في ثبوت يده حكمًا بدون الاحترام معارضة جهة الإباحة الأصلية، فلم يثبت العصمة؛ لأنَّ العصمة أمر عارض فلا يثبت عند معارضة الدليلين؛ ولأنَّ قيام يد المودَع في الوديعة حقيقي، وقيام يد المالك عليها

(1)

حُكمي، فاعتبار الحُكم إنْ أَوجب العِصمة واعتبار الحقيقة يمنع، والعصمة لم تكن ثابتة، فلا تثبت بالشّك

(2)

. إلى هذا أشار الإمام قاضي خان والإمام ظهير الدين

(3)

.

(وما كان غصبًا في يد مسلم أو ذمي فهو فيء عند أبي حنيفة، وقالا: لا يكون فيئًا).

(قال العبد الضعيف: كذا ذَكر الاختلاف في السّير الكبير، وذكروا في شرح الجامع الصَّغير قولَ أبي يوسف مَع قول محمد).

قلت: هكذا وقع لفظ الهداية في بعض النُّسَخ، وهو هكذا لا يَصِحُّ أصلًا؛ لأنَّه لو كان الاختلاف هكذا في ذينك الكتابينِلقال: كذا ذكر الاختلاف في السّير الكبير والجامع الصغير، ولما احتاج إلى ذكر قوله:(وذكروا في شرح الجامع الصغير قول أبي يوسف مع محمد)؛ لأنَّه حينئذ يكون تكرارًا محضًا مع تطويل بغير فائدة. وَوَقع في بعض نُسَخ الهداية: "وذَكروا في شرح الجامع الصَّغير قول أبي يوسف مع

(4)

أبي حنيفة"، ووقع في بعضِها: "وقال محمد: لا يكون فيئًا"، فكان قوله:(وقالا)، ومع قول أبي حنيفة فكان قوله (مع محمد)، ولكنِّي تَتَبَّعتُ بتوفيق الله تعالى الأقوال، فوجدتُّها

(5)

كما هو حقُّها في الكُتب، ثم وضعتُها كما يوضع الهِناء مواضع النُّقْب

(6)

. قلت: والصَّحيح من النُّسخ هو أنْ يقال: (وما كان غصبًا في يد مسلم أو ذمّي فهو فيء عند أبي حنيفة، وقال محمد: لا يكون فيئًا)

(7)

؛ لأنَّ رواية السّير الكبير هكذا. كذا ذكره الإمام الأجلّ شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في الدّفتر الثّاني من السِّير الكبير في "باب مالا يكون فيئًا وإن أُحرِز في دار الحرب"

(8)

، وهكذا أيضًافي المحيط، ولم يذكر فيها قول أبي يوسف

(9)

.

(1)

ساقط من (ب).

(2)

ينظر العناية شرح الهداية (5/ 489).

(3)

علي بن عبد العزيز المرغيناني الإمام أبو الحسن ظهير الدّين مات يوم الثلاثاء تاسع رجب سنة 506 هـ، وهو أستاذ العلامة فخر الدين قاضي خانالجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 364).

(4)

في (ب)"مع قول".

(5)

ساقط من (ب).

(6)

يقال للبليغ مِن الرجال: قد رد قالب الكلام، وقد طبق المفصل، ووضع الهناء مواضع النقب. لسان العرب (1/ 689).

(7)

ينظر شرح السير الكبير (ص: 2207).

(8)

ينظر شرح السير الكبير (ص: 1380)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 253).

(9)

لم أقف عليه في المحيط.

ص: 21

والصّحيح أيضًا في الثّاني هو أنْ يقال: (وذكروا في شرح الجامع الصغير قول أبي يوسف مع محمد)؛ لأنَّ الإمام فخر الإسلام البزدوي

(1)

ذكر في الجامع الصغير: ولو كان وديعةً عند حربي، أو غصبًا عند مسلم أو ذمّي أو ضائعًا، فهو فيء؛ وهذا قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يكون فيئًا. وهكذا ذَكر أيضًا في الجامع الصغير لقاضي خان والتمرتاشي

(2)

، وغيرهما

(3)

.

(ألا ترى

(4)

أنَّها ليست بمتقوِّمة) حتَّى لم يجب القصاص والدِّية على قاتلها في دار الحرب.

(إلَّا أنَّها محرَّم التّعرض في الأصل) هذا الاستثناء للفَرق

(5)

بين النَّفس والمال، هذا صفة النفس/. وأمَّا المال ليس بمحرَّم التَّعرُّض في الأصل لكونه مُهانًا، وأمَّا النّفس فهي محلُّ التَّكليف، وهو يقتضي حُرمة التَّعرض ليقوم على ما كُلِّف به، وذلك إنَّما يكون أنْ لَو كان معصومًا عن التَّعرُّض.

(وليست في يده حكمًا) أَنّث ضمير المال على تأويل الأمواللأنَّ قولَه: (وما كان غصبًا في يد مسلم) لفظٌ عامٌّ صالح لإرادة الأموال.

يحترز بهذا

(6)

عمّا إذا كانت الأموال في يد مسلم أو ذِمّي وديعةًلأنَّ يد المُودِع بمنزلة يد المُودَعحكمًا، فكانت معصومةً بعصمة المالك، وأمّا يد الغاصب فليست بثابتة عن يد المغصوب منه، فلا يكون ما في يد الغاصب في يد المغصوب منه حكمًا؛ فيُجعَل كأنَّه ليس في يد أحد، فكان فيئًا.

[لاتعلف الدواب من الغنيمة بعد الخروج من دار الحرب]

(معناه: إذا لم تُقسَم)، أي: إذا لم تقسَم الغنيمة (اعتبارًا المتَلَصّص)

(7)

فَإنَّه إذا دخل الواحد أو الاثنانِ دارَ الحرب مُغِيرين بغير إذنِ الإمام، فأخذوا شيئًا فهو لهم، ولا يخمَّس؛ لأنَّه ليس بغنيمة؛ لأنَّ الغنيمة هو المأخوذ قهرًا بإذن الإمام، بل هو مباح سبقت أيديهم إليه.

(1)

هو علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد أبو الحسن المعروف بفخر الإسلام البزدوي الفقيه الإمام الكبير بما وراء النّهر صاحب الطريقة على مذهب أبي حنيفة

توفي 482 هـ ـودفن بسمرقند. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 372)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 205).

(2)

ينظر الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 316).

(3)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 151).

(4)

ساقط من (ب).

(5)

في (ب)"المفرق".

(6)

في (ب)"بها".

(7)

في (أ)"المتلقص"، والصحيح ما أثبته. ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 388)،

الْمُتَلَصِّصُ: الْخَارِجُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ. شرح السير الكبير (ص: 632).

ص: 22

(وبعد القسمة تصدَّقوا به) أي: [إذا جاءوا بما فضل من طعام أو عَلَف أخذوا من الغنيمة بعد قسمة الإمام الغنيمة في دار الإسلام تَّصدقوا به]

(1)

بعينه، وإن كان قائمًا، أو بثمنه إذا

(2)

كانوا باعوه

(3)

؛ كذا في المبسوط. فقال: حاج يَحوج حوجا، إذا احتاج، وأَحوجَه إليه غيرُه، وأَحوج أيضًا بمعنى احتاج ورجل مُحوِج، وقوم مَحاويج

(4)

؛ كذا بخطِّ الإمام الزرنوجيّ، وذكر في المغرب:"الْمَحَاوِيجُ الْمُحْتَاجُونَ عَامِّيٌّ"

(5)

.

لتعذُّر الرَّدّعلى الغانمين لتفرُّقهم (وإنْ كانوا انتفعوا به بعد الإحراز) أي: وإن كانوا انتفعوا بما فضل من الغنيمة الذي معه بعد خروجهم إلى دار الإسلام بأكل أو شرب أو غيرهما في الاستهلاك (لقيام القيمة مقام الأصل فأخذ حكمه) أي: أَخذت القيمة حكمَ الأصل. ذَكَّر ضمير القيمة على تأويل ما يقوم، أي: لو كان فَاضل الغنيمة الذي كان معه، لو كان قائمًابعينه وهو فقير، كان يطلق له التّناول منه، فكذا يطلق له التّناول من قيمته لأنَّالقيمة تقوم مقام الأصل وتسميتها بالقيمة متأدية له، [والله أعلم]

(6)

.

‌فصل: في كيفية القسمة:

لما بيَّن أحكام الغنائم، لا بُدَّ من بيان كيفية قسمتها.

ذكر في الإيضاح: "القسمة عبارة عن جمع النّصيب الشّايع في مكان معين"

(7)

.

(استَثْنى الخُمس) أَي: أخرج الخُمس مِن أنْ يثبُتَ حقُّ الغانمين فيه، فكان استثناءً معنىً لا لفظًا، فأطلَق لفظ الاستثناء لوجود معنى الإخراج فيه، كما في الاستثناء اللفظي. ويحتمل أنْ يكون هذا مِن: استثنيتُ الشيء أي زَويته

(8)

لنفسي، وهو مِن ثَني العُود إذا حناه وعطفه، أي: استبقى الله تعالى الخمس لنفسه بقوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41].

(الغناء) -بالفتح والمد-: الإجزاء والكفاية.

(الكَرّ)

(9)

: الصَّولة والجولة.

(والفَرّ): بمعنى الفِرار [منه، والفرار]

(10)

إذا كان لأجل أنْ يكون الكَرُّ أشدَّ كان هو من الجهاد، والفِرار في موضِع الفرار محمودٌ لئلا يرتكِب النّهي المذكور في قوله:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].

(1)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(2)

في (ب)"إن".

(3)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 50).

(4)

ينظر العناية شرح الهداية (5/ 492).

(5)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 132).

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(7)

العناية شرح الهداية (5/ 492).

(8)

في (أ)"رويته"، والصحيح ما أثبته. ينظر البناية شرح الهداية (7/ 157).

(9)

في (ب)"الكرة".

(10)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

ص: 23

[سهم الفرسان]

(وإذا تعارَضت روايتاه) أي: روايتا ابن عمر رضي الله عنهما، وهي روايتهما عنه على وفق مذهبهما

(1)

، ورواية أبي حنيفة أيضًا على وفق مذهبه

(2)

.

(ترجَّح رواية غيره) وهو ابن عبَّاس رضي الله عنهما، بقوله "أنَّ النَّبي عليه الصلاة والسلام أعطى الفارس سَهْمين"

(3)

.

ومعنى قول (ترجَّح) أي: سَلِم رواية ابن عبَّاس

(4)

عن المعارضة فيُعمَل

(5)

بها؛ لأنَّللمترجِّح لا بدَّ من المرجِّح، وروايتا ابن عمر بعد التَّساقط بالتعارُض لا يصلح مرجِّحًا، والدَّليل على هذا ما ذكره في الأسرار بقوله: أو يحمل أخبار الفعل على التّعارض، فيبقى لنا قوله عليه الصلاة والسلام:"للرّاجل سهم وللفارس سَهمانِ"

(6)

من غير معارض

(7)

.

(1)

الرواية الأولى: لما روى ابن عمر رضي الله عنه "أن النَّبي عليه الصلاة والسلام أسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما". أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب سهام الفرس، برقم (2863) 6/ 79، ومسلم برقم (1762) 3/ 1383.

الرواية الثانية: روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النَّبي عليه الصلاة والسلام قسم للفارس سهمين وللراجل سهما" أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الجهاد، باب في الفارس كم يقيم له؟ من قال: ثلاثة أسهم، برقم (1) 7/ 661 والدارقطني في سننه، كتاب السير، برقم (4134) 4/ 52، وينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 388 - 389).

قال أبو بكر النيسابوري: هذا عندي وهم من ابن أبي شيبة، لأنأحمد بن حنبل، وعبد الرحمن بن بشر، وغيرهما رووه عن ابن نمير خلاف هذا، وكذلك رواه ابن كرامة، وغيره عن أبي أسامة خلاف هذا - يعني أنه أسهم للفارس ثلاثة أسهم -. نصب الراية (3/ 417 - 418).

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 19).

(3)

أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب فيمن أسهم له سهما، برقم (2736) 3/ 174.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في من أسهم لهم سهما، برقم (2736) 4/ 368.

عن مُجمّع بن جاريةَ الأنصاريِّ -وكان أحدَ القراء الذين قرؤوا القرآنَ- قال: شهدْنا الحُديبيةَ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرفْنا عنها إذا الناسُ يَهُزُونَ الأباعِرَ، فقالَ بعضُ الناسِ لبعضٍ: ما للناس؟ قالوا: أُوحِيَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فخرجْنا مع الناس نُوجِفُ، فوجدْنا النَّبي صلى الله عليه وسلم واقفًا على راحِلتِه عند كُراع الغَمِيمِ، فلما اجتمعَ عليه الناسُ قرأ عليهم:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] فقالَ رجل: يا رسولَ الله، أفَتْحٌ هو؟ قال:"نعم، والذي نَفْسُ محَمَدٍ بيَدهِ إنّهُ لَفَتْحٌ" فقُسمتْ خيبرُ على أهل الحديبيةِ، فقسَمها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على ثمانيةَ عشرَ سهمًا، وكان الجيشُ ألفًا وخمس مئةٍ، فيهم ثلاثُ مئةِ فارسٍ، فأعطى الفارسَ سهمَين، وأعطى الراجِلَ سهمًا.

قال الشيخ الأرنؤوط: إسناده ضعيف، سنن أبي داود ت الأرنؤوط (4/ 368).

(5)

في (ب)"نعمل".

(6)

سبق تخريجه.

(7)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 159).

ص: 24

(ولأنَّ الكَرَّ والفَرَّ مِن جنس واحد)؛ لأنَّ نفس الفِرار ليس بمستحسَن، بل الفَرَّ إنَّما حسُن إذا فُعِل لأجل الكَرِّ، فحينئذ يكونانِ مِن جنس واحدٍ

(1)

إذ الكلام فيه؛ كذا في طريقةِبعض المشايِخ

(2)

.

(ولأنَّه تعذَّر اعتبار مقدار الزيادة) أي: قد يَزيد الفَارس على فارس آخَر في الغناء والكفاية، وكذلك الرَّاجل على رَاجلٍ آخر، فلَم تُعتبر تلك الزِّيادة (لتعذُّر) الوقوف؛ لأنَّ تلك إنَّما تظهَر عند المسابقة والمقاتلة عند الْتقاء الصَّفَينِ، فكُلٌّ

(3)

منهم مشغول بشأن في ذلك الوقت، فيتعذَّر الوقوف عليه، فأُدير حُكم زيادة الغناء على السَّبب الظَّاهر، وهو مجرد كونه فارسًا وكونه راجلًا. وذكر في الأسرار: والزِّيادة لا تتعلّق بزيادة الغناءإذ بعضهم لا بدّ أنْ يكون أغنى من بعض، والشاكي

(4)

في السلاح أغنى من الأعزل

(5)

، يعني:/ مع أنَّ كلَّ واحدٍ منهما فارس، فلم يَفضُل أحد منهما على الآخر بزيادة الغنىاء، فَعُلِم أنَّ الحكم متعلِّق بالسَّبب الظاهر، لا بزيادة الغناء التي لا يُوقف عليها

(6)

.

(فلا يكون السَّبب الظاهر مُفضيًا إلى القتال عليهما) أي: فلا يكون مجاوزة الدَّرب بفَرَسينِ مفضيًا إلى القِتال على فَرَسين، فَلَم يُعتبر الفرس الآخر لذلك. وقال في الأسرار: فالمبْتَدَأ

(7)

معتبَر على مآل الآخِر من القتال، فإنَّ الإرهاب إنَّما يحصل لخوفهم عاقبةَ أمرهم من القتال معهم على الأفراس، والقتال لا يُتصوَّر إلا على فرس واحد، فإذا عُلِم ذلك حقيقةًلم تقع زيادة إرهاب بزيادة الفرس

(8)

.

" (كما أعطى سَلَمة بن الأكوع

(9)

رضي الله عنه سَهمَين وهو راجل)؛ لأنَّه أعطاه أحد السَّهمين على سبيل التنفيل لجِدِّه في القتال، فإنَّه قال: "خير رجالتنا سلمة بن الأكوع، وخير فرساننا أبوقتادة

(10)

"

(11)

.

(1)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 161).

(2)

يقصد العلماء الذين لم يدركوا الإمام أبا حنيفة.

(3)

في (ب)"وكل".

(4)

الشاكي: قلب الشائك، وهو ذو الشوكة والحد في سلاحه. شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (6/ 3520).

(5)

الأعزل: الذي لا سلاح معه. المحكم والمحيط الأعظم (1/ 520)، شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (7/ 4520).

(6)

ينظر العناية شرح الهداية (5/ 496)، البناية شرح الهداية (7/ 161).

(7)

في (ب)"فالمبدأ".

(8)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 255).

(9)

سلمة بن الأكوع: هو الصحابي الجليل سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع سنان بن عبد الله أول مشاهده الحديبيّة، وكان من الشّجعان، ويسبق الفرس عَدوا، وبايع النَّبي صلى الله عليه وسلم عند الشّجرة على الموت. رواه البخاريّ من حديثه، وقد روى أيضا عن أبي بكر وعمر وغيرهما. ونزل المدينة، ثم تحوّل إلى الرّبذة بعد قتل عثمان، حتّى كان قبل أن يموت بليال نزل إلى المدينة فمات بها، رواه البخاريّ، وكان ذلك سنة أربع وسبعين على الصّحيح. وقيل: مات سنة سنة أربع وستين. ينظر الإصابة (3/ 127).

(10)

أبو قتادة: أبو قتادة بن ربعي الأنصاري، المشهور أن اسمه الحارث، وجزم الواقدي، وابن القداح، وابن الكلبي، بأن اسمه النعمان، وقيل: اسمه عمرو، وأبوه ربعي هو ابن بلدمة بن خناس، بضم المعجمة وتخفيف النون، وآخره مهملة، ابن عبيد بن غنم بن سلمة الأنصاري الخزرجي السلمي، وأمّه كبشة بنت مطهّر بن حرام بن سواد بن غنم. اختلف في شهوده بدرا، واتّفقوا على أنه شهد أحدا وما بعدها، وكان يقال له فارس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. ثبت ذلك في صحيح مسلم، توفي بين الخمسين واالستين كما ذكره البخاري في الأوسط. ينظر الاصابة (7/ 272).

(11)

أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، باب غزوة ذي قرد وغيرها، برقم (1807) 3/ 1433.

ص: 25

وهذه المسألة نظير ما بيَّنَّا في النِّكاح أنَّ المرأةَ لا تستحقُّ النفَقة إلا لخادم واحدٍ عند أبي حنيفة ومحمَّد، وقال أبو يوسف: تستحقُّ النفقة لخادمَين"

(1)

كذا في المبسوط.

[حكم البراذين والعتاق]

البِرذَون: فرس العجم، والجمع: البَراذين، وخلافها العِراب، يقال: فرس عتيق، أي: رافع، والجمع: العِتاق ويقال: عِتاق الطَّير والخيل كرائمها.

والهجين: ما يكون أبوه من الكوادِن، وأمّه من العربي، والمقرِف ما يكون أبوه عربيًا وأمّه من الكوادن، فالكودن: البرذون، ويوكف ويُشبَّه به البليد، ثم قوله:(والبَراذينوالعتاق سواء) إنَّما ذكر هذا "لأنَّ أهل الشّام يقولون: لا يُسهم للبراذين، ورَوَوا فيه حديثًا عن رسولالله عليه الصلاة والسلام شاذًا"

(2)

(3)

، وَحجَّتُنا فيه ما ذكر في الكتاب

(4)

؛ كذا في المبسوط وغيره.

ورُوِي قوله: (وأَلْيَن عطفًا) -بفتح العين وكسرها- بمعنى الفتح: الإمالة، ومعنى الكَسْر: الجانب.

وهكذا روى ابن المبارك عن أبي حنيفة في الفَصل الثَّاني، وهو ما إذا دَخَل دارَ الحرب رَاجلًا ثم اشترى فرسًا وقاتَل فارسًا، روى ابن المبارك عن أبي حنيفة أنَّ له سَهمَ فارسٍ

(5)

. وفي ظاهر الرِّواية: لا يستحِقُّ سَهم الفُرسان

(6)

، كذا في المحيط؛ فعلى هذا كان قوله:(وهكذا)

(1)

المبسوط للسرخسي (10/ 46).

(2)

أخبرنا أبو عمرو الأديب، أنا أَبو بكر الإسماعيلي، أنا الحضرمي، ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، ثنا إسرائيل، عن الأسود بن قيس، عن كلثوم الوادعي، عن منذر بن عمرو الوادعي، وكان عمر رضي الله عنه بعثه على خيل بالشّام، وكان في الخيل براذين، قال: فسبقت الخيل، وجاء أصحاب البراذين، قال: ثم إن المنذر بن عمرو قسم للفرس سَهمين، ولصاحبه سهمًا، ثُمّ كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال:"قد أصبت السنة" وفي كتاب القديم رواية أبي عبد الرحمن عن الشافعي: حديث شاذان، عن زهير، عن أبي إسحاق قال: غزوت مع سعيد بن عثمان فأسهم لفرسي سَهمين، ولي سهمًا. قال أبو إسحاق: وبذلك حدثني هانئ بن هانئ عن علي رضي الله عنه، وكذلك حدثني حارثة بن مضرب عن عمر رضي الله عنه. السنن الكبرى للبيهقي (6/ 532).

(3)

المبسوط للسرخسي (10/ 42)، العناية شرح الهداية (5/ 498)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 267).

(4)

المرد بالكتاب مختصر القدوري، وعبارته فيه:"والبراذين والعتاق سواء، ولا يسهم لراحلة ولا بغل". ص (364).

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 44).

(6)

ينظر العناية شرح الهداية (5/ 499).

ص: 26

معطوفًا على قوله: (وجواب الشافعي

(1)

.

(أنَّ المعتبر عندنا حالة المجاوزة) أي: مجاوزة الدّرب

(2)

، وبه صرَّح في المبسوط؛ ولكنْ لما كثُر لفظ مجاوزة الدَّرب في استعمال أهل النَّظر حققُّوه بحذف المضاف إليه اكتفاءً بالشُّهرة، وسبْق أفهام السامعين إليه.

ثم تفسير الدَّرب: "وَقال الْخَلِيلِ: الدَّرْبُ الْبَابُ الْوَاسِعُ عَلَى رَأْسِ السِّكَّةِ، وَعَلَى كُلِّ مَدْخَلٍ مِنْ مَدَاخِلِ الرُّومِ وَدَرْبٌ مِنْ دُرُوبِهَا"

(3)

كذا في المغرب. لكنَّ المراد من الدَّرب ههنا هو البَرزخ الحاِجز بين الدَّارين أَي: دار الإسلام ودار الحرب، حتَّى لو جاوزت الَّدرب دخلتَ في حدِّ دار الحرب، ولو جاوز أهل دار الحرب الدَّرب دخلوا في حدِّ دار الإسلام.

(وعنده حال انقضاء الحرب) وَهو عام الحرب.

وهذا رواية عن الشافعي، والظاهر من مذهبه أنَّه يُعتبر مجرَّد شُهود الوقعة

(4)

.

(له أنَّ السبب) أي: سبَبُ استحقاق الغنيمة هو الأخذ، وإذا كان عند الأخذ راجلًا يستحقُّ سهْمَ الرَّجَّالة.

(فَيعتبِر حال الشَّخص عنده) أي: فَيُعتبر حال الغازي عند القتال.

(كالخروج من البيت) أي: الخروج من البيت للقتال.

(وَسِيلة إلى السَّبب) كالمجاوزة ثم عند تلك الوسيلة، وهي الخروج لأجْلِ القتال لا يُعتبر حالة

(5)

الغازي من كونه فارسًا وراجلًا، فكذا في هذه الوسيلة.

(وتعليق الأَحكام بالقتال)

إلى آخره. هذا جواب عن قولِنا الذي نقوله في تعليلنا بقولنا (ولأنَّ الوقوفَ على حقيقة القِتال متعسِّر)

إلى آخره.

فقال: ولو كان وقوف حالِ الغازي متعسِّرًا وقتَ شهود الوَقْعة، لما تعلَّقتْ الأحكام بوجود القتال في تلك الحالة. ومن الأحكام هيأنَّ الصَّبي إذا قاتل يُرضَخ لَه، وإنْ لم يقاتِل لا يُرْضخ، وكذا المرأة، والعبد، والذِّمي، فَعُلِم بهذا أنَّ القتال في تلك الحالة مما يمكن الوقوفُ عليه؛ هذا الجواب منه على طريق المنْع لوجودِ التعسُّر.

(1)

قال الشافعية: يسهم للفارس بسهم فارس إذا حضر شيئًا من الحرب فارسًا قبل أنْ تنقطع الحرب، فأمّا إنْ كان فارسًا إذا دخل بلاد العدو، أو كان فارسًا بعد انقطاع الحرب وقبل جمع الغنيمة، فلا يسهم له بسهم فارس، وقال البعض: إذا دخل بلاد العدو فارسًا ثم مات فرسه، أسهم له سهم فارس. ينظر الأم للشافعي (7/ 357)، الحاوي الكبير (8/ 421).

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 44).

(3)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 162).

(4)

ينظر الحاوي الكبير (8/ 425).

(5)

في (ب)"حال".

ص: 27

وقوله: (ولو تعذَّر أو تعسَّر إلى)

آخره، هذا جواب منه على طريق التَّسليم بأنَّالوقوف متعسِّر على حقيقة القتال في تلك الحالة فقال: فلمَّا تعسَّر وَجب أنْ يعلَّق حكم كونِه فارسًا أو راجلًا بحاله، وهي

(1)

أقرب إلى القِتال، وهي شهود الوَقْعة لا مجاوزة الدَّرب.

(وَلنا أنَّ المجاوَزةَ نفسَها قِتالٌ) / وهذا لأنَّ القتال اسمٌ لفِعل يقع به غَيظ العَدو، والخوف، ودخول دارِهِم عن شَوكة، وقوَّة سبب لإرهابهم وغيظهم وقهرهم، قال الله تعالى:{وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]. وقال: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} [التوبة: 120].

فثبت (أنَّ المجاوزة قِتال) فَمَتَى وُجِد أصلُ القتال فارسًا لم يتغيَّر حكُمه بتغيُّرِ أحوالهم بعد ذلك؛ لأنَّ ذلك حالة دوامِ القتال، والمنظور إليه أَصل القتال لا دوامه؛ "لأنَّه لا يمكن تعليق الحكم بدوامِه؛ لأنَّ الفارس لا يمكنه أنْ يقاتِل فارسًا دائمًا؛ لأنَّه لا بد له من أنْ ينزِل في بعض المضايق خصوصًا في المَشجَرة أو في الحِصن أو في البحر"،

(2)

كذا في مبسوط فخر الإسلام

(3)

.

ثم ما ذكر من تعليق الأحكام، قلنا ذلك في حكم الرضخ، و"الرضخ ليس نظير السهم، ألا ترى أنه غير مقدَّر بشيء فلا يستقيم اعتبار السّهم بما هو دونه"

(4)

كذا في المبسوط.

(وَلا مُعتبَر بها) أي بحالة الدَّوام بالإجماع

(5)

، فإنَّه يُعتبر الشُّهود فحسب.

وذكر في الأسرار في تعليل الشَّافعي: إلّا أنَّا لم نشترط قيام الفرس حال القتال والوغى؛ لأنَّ فعل القتال بعد الشُّهود ليس بشرط، ولو تركه استحقَّ السَّهم أي: بمجرَّد شهود الوَقْعة، فكذا إذا فات بِفَوت الفَرَس؛ فَأمَّا قبل الشُّهود لو تَرَك القتال، ولم يشهَد المعركة لم يستحقَّ السَّهم، فكذلك إذا فات بفَوتِ الفرس قبل الشهود.

(لَم يسقط سهم الفرسان) أَي: بالإجماع

(6)

. وذكر في المحيط: ومن جاوز الدَّرب بفرس لا يستطيع القتالَ عليه، إمَّا لكِبَر ذلك الفرس أو لصِغَره بأنْ كان مُهرًا لم يركب عليه، لا يستحقُّ سَهم الفرسان، وإنْ كان مريضًا فهو على التفصيل المذكور فيه

(7)

.

(1)

في (ب)"هي" بدل "وهي".

(2)

العناية شرح الهداية (5/ 500)، البناية شرح الهداية (7/ 166).

(3)

هو مبسوط فخر الإسلام لعلي بن محمد البزدوي. المتوفى: سنة 482، في: أحد عشر مجلدا. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1581).

(4)

المبسوط للسرخسي (10/ 43).

(5)

ينظر الإقناع في مسائل الاجماع (1/ 342).

(6)

ينظر الإجماع لابن المنذر (ص: 63).

(7)

وهو قوله: وإن كان مريضًا بحيث لا يستطاع القتال عليه بأنْ أصابه رهصة أو صلع، فجاوز الدّرب به، ثم زالالمرض، وبرأ وصار بحال يقاتل عليه، وكان ذلك قبل إصابة الغنائم في الاستحسان يسهم. ينظر الفتاوى الهندية (2/ 213).

ص: 28

(وتوهّم عجزه) أي: يحتمِل أنْ المكاتب يعجز عن أداء بَدَل الكتابة فيعود إلى الرِّقّ، فحينئذٍ يكون للمَولى ولاية المنع، فيمنع في الحال لوجود التوهُّم.

قوله: (لأنَّها عاجزة عن حقيقة القتال) فإنْ قيل: كيف تكون عاجزةً عنه مع أنَّه يصح أمانُها، والأمان إنَّما يصِحُّ ممَّن يُخاف عنه القتال لقدرته على القتال؟

قلنا: في لفظ الكتاب جوابٌ عن هذا، فإنَّها عاجزة عن حقيقة القتال، وليست بعاجِزة عن شبهة القتال بمالها وعَبيدها

(1)

والأمان ممَّا

(2)

يثبت بالشُّبهة، فيثبت أمَّانها لذلك. وأمَّا استحقاق السَّهم من الغنيمة فمتوقِّف على القدرة على حقيقة القتال أصالةً، وهي عاجزة عنها، فلا تستحقُّ السَّهم لذلك.

(ولا يبلغ به السَّهم) أي: لا يبلغ برضْخه سَهْم المسلم.

وقوله: (السَّهمُ) بالرفع؛ لأنَّك تقول: بلغ بعطائك خمسُ مائة، برفع "خمس مائة" لا بالنصب؛ إذ لو نَصَبتَ خرجت من كلام العرب، والأصل أنَّ المفعول به المتعدَّى إليه بغير حرف فضلًا على سائر المفاعيل في إسناد الفعل إليه.

(والأوَّل ليس من عَمَله) أي: الدِّلالة ليست من عمل الجهاد، ولما كان كذلك كانت الدِّلالة عَمَلًا كسائر الأعمال، فيبلغ أَجره بالغًا ما بلغ.

[تقسيم خمس الغنيمة]

(يدخل فقراء ذوي القربى فيهم) أي: في هذه الأصناف الثلاثةومعنى هذا القول، أي: أيتام ذوي القربى يدخلون في سهم اليتامى، ومساكين ذوي القربى يدخلون في سهم المساكين، وأبناء السّبيل من ذوي القربى يدخلون في سهم ابن السبيل، وسبب الاستحقاق في هذه الأصناف الثَّلاثة الاحتياج؛ غير أنَّ سببَه مختلف في نفسه من اليتيم والمسكين وكونه ابن سبيل؛ كذا قال الإمام بدر الدّين الكردري

(3)

.

ثم هذه الثلاثة مصارف الخُمس على قولنا، لا على سبيل الاستحقاق، حتَّى لو صُرِف إلى صِنف واحدٍ منهم جاز، كما في الصدقات

(4)

؛ كذا في التحفة.

(وقال الشَّافعي رحمه الله: لهم خُمس الخُمس).

وحاصله أنَّ الغنيمة إذا قُسمت أُفرز أولًا الخٌمس على ما قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41].

(1)

ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 390).

(2)

في (ب)"ممن".

(3)

هو محمد بن محمود بن عبد الكريم الكردري المعروف بخواهرزاده العلامة بدر الدين ابن أخت الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الستار الكردري شمس الأئمة تفقه على خاله شمس الدين الكردري توفي في ذي القعدة سنة 651 هـ. ينظر الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 131).

(4)

ينظر تحفة الفقهاء (3/ 302 - 303).

ص: 29

واختلفوا في الخمس كيف يُقسم. قال علماؤنا: على ثلاثة أسهم: لليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل. وقال الشافعي: على خَمسة أسهم: سهمٌ للإمام يصرِفه على مصالح الدّين على ما يرى، وسهم لذوي القربى، ثم الثلاثة

(1)

؛ لأنَّ الله تعالى قسمها على خمسةَ أسهُم في قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الآية؛ إلا أنَّ سَهم الله وسهم رسوله واحد، والله تعالى ذُكِر تبركًا به، كذا جاء في التفسير، فما كان لرسول الله عليه الصلاة والسلام كان بحقِّ الإمامة للأمَّة، فاستحقَّها من خلفه في الإمامة،/ وقال عليه الصلاة والسلام:"يا بني هاشِم إنَّ الله تعالى قَد حرَّم عليكم غُسالة الناسوأَوساخهم، وعوَّضكم منها بخُمس الخمس"

(2)

، فتبيَّن أنَّ سهم ذوي القربى ثابت، وإنَّ خمس الخمس وإنما يكون كذلك إذا قسم على خمسة أسهم

(3)

، كذا في الأسرار.

(لقوله تعالى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] من غير فصل بين الغني والفقير).

فإنْ قلتَ: كما أنَّ الله تعالى لم يفصل بين الغني والفقير في ذوي القربى، فكذلك لم يفصل في ذِكر اليتامى بين الغني والفقير، فبالاتفاق يشترط الفقر في اليتامى في استحقاق الخُمس، فيجب أنْ يكون في ذوي القربىكذلك، قلتُ: فرَّق الشافعي بينهما وقال: فاسم اليَتيم ما ينبئ عن الحاجة حتَّى لو أوصى ليتامى بني فلان، وهم لا يُحصَون فالوصية لفقرائهم، بخلاف ما إذا أَوصى لأقرباء فلان. وقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يعطي الأغنياء منهم، فإنَّه أعطى العباس، وقد كَان له عشرون عبدًا، كلُّ عبدٍ يتَّجر في عشرين ألف

(4)

.

"وعوضكم منها بخمس الخمس"

(5)

، (والعِوض إنَّما يَثبت في حقِّ من ثَبَت في حقِّه المعوَّض، وَهم الفُقراء) يعني: أنَّ المعوَّض، وهو الزكاة، لا يجوز في حقِّ الأغنياء، فكذلك يجب أنْ يكون عِوَض الزكاة، وهو الخُمس من الغنائم، أنْ لا يجوز على الأغنياء مِن ذوي القربىلأنَّ العِوض إنَّما َيثبت في حقِّ من فات عنه المعوَّض، وإلَّا لا يكون عِوضًا لذلك المعوَّض.

(1)

ينظر الحاوي الكبير (8/ 429)، المجموع شرح المهذب (19/ 369).

(2)

قال الزيلعي في نصب الراية: "غريب بهذا اللفظ". ينظر نصب الراية (2/ 403)، وروى مسلم في حديث طويل من رواية عبد المطلب بن ربيعة مرفوعا:"إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد" أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب ترك استعمال آل النَّبي على الصدقة، برقم (1072) 2/ 754.

(3)

ينظر البناية شرح الهداية (3/ 460).

(4)

ينظر حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (3/ 300).

(5)

سبق تخريجه.

ص: 30

فإنْ قيل: إنَّكم ما عمِلتم بموجِب هذا الحديث حَيثُ لم تَجعلوا الخُمس على خَمسة أسهُم، بَل جَعلْتُم عَلى ثَلاثةِ أسهُم، فكيف تتمسَّكون بهذا الحديث؟

قلنا: للحديث دلالتان:

إحداهما: إِثباتُ العِوض في المحلِّ الَّذي فَات عنه المعوَّض على ما ذكرنا.

والثانية: جعْلُه على خَمسة أسُهم، ولكنْ قام الدَّليل لنا على انعدام حُكم جعل الخُمس على خمسة أسهُم، وهو فعل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم على ثلاثة أسهم

(1)

. وَلم يَقُم الدليل على تغيُّر العِوَض، فمَنْ مات في حقِّه المعوَّض فَقُلنا به، ونظير هذا ما تمسَّك به الخَصم في تكرار صلاة الجنازة بحديث

(2)

أنَّالنَّبي عليه الصلاة والسلام صلّى على حمزة سبعين صلاةً

(3)

وَهُو لا يَقُل بالصَّلاة على الشهيد، ولكن يقول: للحديث دلالتانِ: فإحداهما باقيةٌ، وَإِن انتسخت الأُخرى

(4)

؛ فَعُلِم بهذا أنَّ الخَصم عَمِل هناك بمثل ما عملنا ههنا.

(1)

روى أبو يوسف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنّ الخمس الذي كان يقسم على عهده عليه السلام على خمسة أسهم: لله والرسول سهم، ولذي القربى واليتامى سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل سهم، ثم قسم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي على ثلاثة أسهم: سهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل قال في فتح القدير:"فإن الكلبي مضعف عند أهل الحديث". فتح القدير للكمال ابن الهمام (5/ 504).

وأخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار ما يدل عليه، كتاب وجوه الفئ وخمس الغنائم، برقم (5439) 3/ 309، عن محمد بن إسحاق، قال: "سألت أبا جعفر، قلت: أرأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث ولي العراق وما ولي من أمر الناس، كيف صنع في سهم ذوي القربى؟ قال: سلك به، والله، سبيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

".

(2)

في (ب)"لحديث".

(3)

أخرجه أحمد في مسنده، برقم (4414) 7/ 419 من حديث ابن مسعود "

فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حَمْزَةَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَجِيءَ بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَوُضِعَ إِلَى جَنْبِهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَرُفِعَ الْأَنْصَارِيُّ، وَتُرِكَ حَمْزَةُ، ثُمَّ جِيءَ بِآخَرَ فَوَضَعَهُ إِلَى جَنْبِ حَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ رُفِعَ، وَتُرِكَ حَمْزَةُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ صَلَاةً".

قال إمام الحرمين هذا خطأ لم يصححه الأئمة، وقال ابن حزم: قولهم إنه صلى على حمزة سبعين صلاة، أو كبر سبعين تكبيرة، باطل بلا شك. ينظر البدر المنير (5/ 250).

(4)

ينظر العناية شرح الهداية (5/ 505).

ص: 31

فإن قيل: لا نَسْخ بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، قلنا: نعم كذلك، ولكنْ لا بقاء للحكم بعد ذهاب العلَّة، فإنْ نُصْرةَالنَّبي عليه الصلاة والسلام أَينما ذَهب كانتْ فَرضًا حال حياته، وسقطت بعده لذهاب العلَّة، وهو رسول الله عليه الصلاة والسلام

(1)

؛ كذا في الأسرار.

"الشَّبك: الخلط والتَّداخل، ومنه تشبيك الأصابع"

(2)

؛ كذا في الصحاح.

(ودَلَّ أنَّ المراد من النَّص قُرْب النُّصرة لا قُرْب القرابة). وبهذا التقرير يندفع سؤال من سأل بأنْ قال: قال الله تعالى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41]؛ رتَّب الاستحقاق على لفظ مشتقٍّ، فكان موضِع الاشتقاق، وهو القرابة، عِلَّة لذلك الحكم، كما في الزاني والسارق، ثمَّ كلُّ مالٍ يُستحقّ بالقرابة يُقسَم قِسمة الميراث، كالتركات، فحينئذٍ يشترك فيه الغني والفقير.

فأجاب عنه بهذا وقال: نَعم، إن الحكم مرتب على لفظ مشتق وهو ذو القربى، لكن المراد منه قُرب النُّصرة لاقُرب القَرابة بدليل تعليل النَّبي عليه الصلاة والسلام ذلك بقوله:"أنَّهم لم يزالوا معي في الجاهلية والإسلام"

(3)

.

فإنْ قيل: الاستحقاق كان بالقرابة، ولكنْ بنو المطلِّب حُرِموا لسبَب خذلانهم رسول الله عليه الصلاة والسلام في الجاهلية، ويجوز أنْ يتعلَّق الحرمان بالخذلان كما أنً صلة الإرث يحرُم بالقتل الذي هو جناية في حق المورّث. قلنا: لو كان علَّة الاستحقاق القرابة لما شارك غير القريبِ القريبَ

(4)

بالاشتباك على وَجه المساواة في الاستحقاق؛ ألا تَرى أنَّ الحليف

(5)

مع القريب لا يتساويان في استحقاق الإرث.

(1)

ينظر الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة (ص: 171)، العناية شرح الهداية (5/ 509).

(2)

الصّحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1593).

(3)

أخرجه أبوداود في سننه، كتاب الخراج والفئ والأمارة، باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذوي القربى برقم (2980) 4/ 597، والنسائي فس سننه برقم (4137) 3/ 130 عن جبير بن مطعم قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى بين بني هاشم، وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم، أرأيت بني المطلب أعطيتهمومنعتنا، فإنَّما نحن وهم منك بمنزلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنّهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام، إنّما بنو هاشم، وبنو المطلب شيء واحد"، وشبك بين أصابعه.

أصله في البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، برقم (4229) 5/ 137.

(4)

ساقط من (ب).

(5)

الحليف: المعاهد يقال منه تحالفا إذا تعاهدا، وتعاقدا على أن يكون أمرهما واحدا في النصرة، والحماية. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 146)

ص: 32

فإن قيل: لا يجوز أنْ يكون الحكم بِعين النُّصرة لثبوت الاستحقاق للنِّساء والذَّراري وهم ليسوا بأَهل النُّصرة. قلنا: ما كانت هذه نُصرةَ قتال، وإنَّما كان هذا نصرة اجتماع، ومثل هذا يكون من النِّساء والولدان على أنَّ النساء والذراري تَبَع للرِّجال؛ أَلا ترى أنَّ أهل الذِّمَّة صاروا كالمسلمين في أحكام الدُّنيا بِبَذل الجزية، وثبت الحُكم للنِّساء والذراري تبعًا لهم مع أنَّه لا جزية عليهم

(1)

؛ إلى هذا أشار في الأسرار.

مثل (دِرع أو سَيف أو جارية) كما رُوي أنَّ ىالنَّبي عليه الصلاة والسلام اصطفى ذا

(2)

الفقار من غنائم بدر

(3)

، واصطفى صفية من غنائم خيبر

(4)

، وسقط/ ذلك بوفاته عليه الصلاة والسلام بالإجماع

(5)

.

(والحُجَّة عليه ما قدَّمناه) وهو قوله: (لأنَّه

(6)

عليه الصلاة والسلام كان يستحقُّ برسالته)

إلى آخره.

(بالنصرة لما رويناه)، أراد به قوله:(والنَّبي عليه الصلاة والسلام أَعطاهم للنُّصرة)

إلى آخره.

قال رحمه الله: (هذا الذي ذَكَره قولُ الكرخي

(7)

وهو قوله: (يدخل فقراء ذوي القربى فيهم).

وقوله: (لما رُوِّينا مِن الإجماع) إشارةً إلى قوله: (ولنا أنَّ الخلفاء الأربعة الرَّاشدين قَسَموه على ثَلاثة)، وجه الأوَّل، وهو قول الكرخي: وقيل: هو الأَصحُّ، وإنَّما لم يَقُل: وهو الأصح؛ لأنَّ في المبسوط اختار قولَ أبي بكر الرَّازي

(8)

على ما نَذكر، إنْ شاء الله تعالى، فكان الصَّحيح قول الكرخي قولًا قيل فيه، لا قولًا مُتَّفقًا على صحَّته.

(1)

ينظر السير الكبير (1/ 345).

(2)

في (ب)"ذو".

(3)

أخرجه الإمام أحمد في مسنده، في مسند عبد الله بن العباس برقم (2445) 4/ 259، والترمذي في سننه، كتاب أبواب السير، باب في النفل، برقم (1561) 4/ 130، وابن ماجه في سننه، كتاب أبواب الجهاد، باب السلاح، برقم (2808) 4/ 88، والطبراني في معجمه، برقم (10733) 10/ 303، قال الترمذي: حديث حسن غريب. ينظر البدر المنير (7/ 458).

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، برقم (4211) 5/ 135، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها، برقم (1365) 2/ 1045.

(5)

ينظر الإقناع في مسائل الاجماع (1/ 346).

(6)

ساقط من (ب).

(7)

هو عبيد الله بن الحسين الكرخي، أبو الحسن: فقيه، انتهت إليه رئاسة الحنفية بالعراق. ووفاته ببغداد 340 هـ. له "رسالة في الأصول التي عليها مدار فروع الحنفية" و"شرح الجامع الصغير" و"شرح الجامع الكبير". ينظر تاريخ الإسلام ت بشار (7/ 742)، سير أعلام النبلاء (15/ 426).

(8)

هو أحمد بن علي أبو بكر الرازي الإمام الكبير الشان المعروف بالجصاص وهو لقب، فاضل من أهل الري، سكن بغداد ومات فيها سنة 370 هـ. انتهت إليه رئاسة الحنفية، وخوطب في أن يلي القضاء فامتنع.

ينظر الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 84)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 96).

ص: 33

وذكر في المبسوط: "فأمَّا سَهم ذوي القربى فقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يصرفه إليهم في حياته، وهم صلبية بني هاشم وبني المطلب، ولم يبقَ لهم ذلك بعده عندنا. وقال الشَّافعي: هو مستحَقٌّ لهم، يُجمعون من أقطار الأرض، فَيُقسم بين ذكورهم وإناثهم بالتسوية

(1)

. وكان الكرخي يقول: إنَّما سقط بموته هذا السَّهم في حقِّ الأغنياء منهم دون الفقراء. والطحاوي

(2)

كان يقول: سَقط في حقِّ الفقراء والأغنياء منهم جميعًا. وكان أبو بكر الرَّازي يقول: لم يكُنْ لهم هذا السَّهم مستحقًا بالقرابة، بل كان لرسول الله عليه الصلاة والسلام يصرفه إليهم مجازاةً على النُّصرة التي كانت منهم، ولم يبقَ ذلك المعنى بعد رسول الله عليه السلام؛ قال: والاعتماد على هذا"

(3)

.

ثم قال: "ومِن مشايخنا مَن قال: إنَّ الاستحقاق للفقراء منهم دون الأغنياء، واستدلَّ بقوله تعالى:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7]؛ فبيَّن مصارِف الخُمس، ثمَّ بيَّن المعنى فيه، وهو أنْ لا يكون شيء فيه دُولةً بين الأغنياء تتداوله أيديهم، واسم ذوي القربى عام يتناول الأغنياء والفقراء، فيخصُّه، فَنحمله على الفقراء بهذا الدَّليل. ومَن قال: لا حقَّ للفقراء والأغنياء منهم جميعًا قال

(4)

: المراد بالآية بيان جواز الصَّرف إليهم، لا بيان وجوب الصّرف إليهم؛ وكان هذا مشكلًا، فإنَّ الصدقة لا تَحلُّ لهم، فكان يُشكل أنَّه هل يجوز صرف شيئًا مِن الخُمُس إليهم؟ ولم يزُلْ هذا الإشكال بِبَيان سَهم رسول الله عليه الصلاة والسلام لأنَّه ما كان يصرِف ما كان يأخُذ إلى حاجة نفسه، فأزال الله تعالى هذا الإشكال بقوله:{وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: 7]. وإنَّما حملنا على هذا لِإجماع الخلفاء الرَّاشدين

(5)

رضي الله عنهم على قِسمة الخُمُس على ثلاثة أسهُم، ولا يُظَنّ بهم أنَّه خَفي عليهم هذا النَّصّ، ولا أنَّهم منعوا حقَّ ذوي القربى؛ فعرفنا بإجماعهم أنَّه لم يبقَ استحقاق لأغنيائهم وفقرائهم.

(1)

ينظر الإقناع للماوردي (ص: 177)، الحاوي الكبير (8/ 429)، المجموع شرح المهذب (19/ 369).

(2)

هو أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزديّ الطحاوي، أبو جعفر: فقيه انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر، وتفقه على مذهب الشافعيّ، ثم تحول حنفيًا. توفي 321 هـ. ينظر تاريخ الإسلام ت بشار (7/ 439)، سير أعلام النبلاء (15/ 27)، طبقات الحفاظ للسيوطي (ص: 339).

(3)

المبسوط للسرخسي (10/ 9).

(4)

في (ب)"فإن".

(5)

ينظر: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (3/ 424)، والسير الصغير ص:94.

ص: 34

والشَّافعي رحمه الله يقول: لا إجماع. ويستدلُّ بالحديث الذي ذُكِر عن أبي جعفر محمد بن علي قال: "كان رَأي علي رضي الله عنه في الخُمُس رأي أهل بيته، ولكنْ كَرِه أن يخالف أَبا بكر وعمر رضي الله عنهما ". قال: والإجماع بدون أهل البيت لا ينعقِد، ولكنَّا نقول: ليس في هذا الحديث بيان مَن كان يرى ذلك من أهل البيت، وقد كان فيهم مَنْ لا يكون قولُه حجَّة، وإنما كره عليٌّ هذه المخالفةلأَّنَّه رأى الحجَّة معهما، فقد خالفهما في كثير من المسائل حين ظَهر الدَّليل عنده، وهذا لأنَّه كان مجتهدًا، ولا يحلُّ للمجتهد أنْ يدع رأي نفسِه برأي مجتهدٍآخر احتشاما له"

(1)

.

ثم وجدتُ بخطِّ شيخي في تحقيق قولنا: (وسهم ذوي القربى كانوا يستحقونه في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم بالنصرة)"أن النَّبي عليه الصلاة والسلام أعطى بني المطلب وحرم بني أمية"

(2)

، وهم إليه أقرب لأنَّ أمية أخو هاشم لأبِيه وأمِّه، والمطلِّب أخوه لأبيه، ولو كان الاستحقاق بالقرابة لكان بنو أمية أولى.

[ما لا يخمس]

(في الأصناف الثلاثة) أي: في اليتامى والمساكين وأَبناء السَّبيل.

(وإذا دخل الواحد أو الاثنان دار الحرب مُغِيرِينَ).

ولفظ "مغيرين" على لفظ الجمع بِدليل قوله: (فأخذوا)، مكان هذا نظير قوله تعالى:{إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135] في ردِّ الضَّمير إلى المعطوف والمعطوف عليه جميعًا في كلمة "أو"، وإِنْ كانت هي مقتضى أَحد الشيئين.

(إذ لو خَذَلهمكان فيه وَهَن المسلِمين) يقال: خَذَله خَذْلًا وخِذلانًا أَي: تَرك عونَه ونصرتَه من حدِّ نَصَر، والله أعلم.

‌فصل في التنفيل:

التَّنفيل نوع من أنواعِ قسمة الغَنائم، فلذلك أَلحقَهُ بها؛ يقال: نفّل الإمام الغازي، أي: أعطاه زائدًا على سِهمه بقوله: (من قتل قتيلا فله سلبه).

وذكر في السِّيَر الكبير: النَّفْل في أصل الوَضع الغنيمة، ومنه/ قول القائل:

إنَّ تقوى ربنا خَير نفل

(3)

وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1]، أي: الغنائم

(4)

.

(1)

المبسوط للسرخسي (10/ 10 - 11).

(2)

قال الشافعي في "الرسالة": "فقسم النَّبي صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى في بني هاشم، وبني المطلب، ولم يعط الآخرين شيئًا، وإن كانا أخوي هاشم والمطلب؛ لأجل الفرق الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو: أن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد، ولم يفارقوهم في جاهلية ولا إسلام، وحلوا معهم في الشعب دون بني أمية بن عبد شمس وبني نوفل. ينظر البدر المنير (7/ 319).

(3)

هو شطر من بيت للبيد بن ربيعة.

إنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيرُ نَفَلْ

وبإذْنِ اللّهِ رَيْثي وعَجَلْ.

ديوان لبيد بن ربيعة العامري (ص: 90).

(4)

ينظر السير الكبير (2/ 593).

ص: 35

قوله: (ولا بأس بأن ينفل الإمام

) إلى آخره

(1)

.

فَبهذا اللَّفظ يُعلم أنَّ ما قال البَعض: "وكلِمة "لا بأس" لنفي الشِّدة، واستعمالها إنَّما يكون فيما كان تركُه أولى" ليس بمجري على عمومه، بل قد تُستعمل هي في موضِع كان الإتيان به مستحبًّا؛ لأنَّ التنفيل قبل إحراز الغنيمة مستحبٌّ.

وذَكَر في المبسوط: "ويُستحب للإمام أنْ ينفِّل قبل الإصابة بحسب ما يَرى الصواب فيه للتَّحريض على القتال، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] "

(2)

.

وقوله: (من قتل قتيلًا) فيه تسميته الشيء باسم ما يؤوُل إليه، فكان هذا نظير قوله: تعالى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} [البقرة: 282]، وقوله تعالى:{إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36]؛ لأنَّ قتل المقتول لا يُتصوَّر، فكان معناه: مَن قَتل رجلًا يؤول أمره إلى القتل؛ والفاء في (فيقول) للتفسير.

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65]، فإن قيل: لِمَ لَم يكن التحريض واجبًا مع وجود الأمر، ومطلقُه منصرف إلى الوجوب؟ قلنا: في التَنْفيل ترجُّح بعض الغازي مع توهِين بعض الغازي الآخَر، فتوهِين المسلم حَرام خصوصًا في مثل هذا الوقت؛ ولأنَّ التَّحريض شيء مُبهَم، قد يكون ذلك بالتَّنفيل، وقد يكون ذلك بذكر ثَواب الآخرة، فَلو كان التَّحريض نفسُه واجبًا، لا يَلزم أنْ يكون التحريض المعيِّن للتنفيل واجبًا.

(ثم قد يكون التَّنفيل بما ذكر) وهو التنفيل بالسَلَب، (وقد يكون بغيره) نحو الذَّهب والفضة.

وفي الإيضاح: ويجوز التَّنفيل في سائر الأموال مِن الذَّهب وَالفِضَّة وغير ذلك. وكذلك يجوز في السَّلب، وغير ذلك نحو أنْ يقول الإمام: من قتل قتيلا فله سلبه، ومن أصاب شيئًا فهو له، أو قال: ما أَصبتُم فَلَكُم منه الرُّبع أو النِّصف

(3)

.

(إلَّا أنه لا ينبغي للإمام أن ينفّل لكل

(4)

المأخوذ).

وذكر في السِّيَر الكبير: وإذا قال الإمام لأهل العسكر جميعًا: ما َأصبتُم فهو لكم نفْلًا بالسَّوية بعد الخُمس، فهذا لا يجوز؛ لأنَّ المقصود من التَّنفيل التَّحريض على القتال، وإنَّما يحصل ذلك إذا خَصَّ البعض بالتَّنفيل، وأمَّا إذا عمَّهم فلا يحصل به ما هو المقصود بالتَّنفيل، وإنما في هذا إبطال السُّهمان التي أوجبها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإبطالُ تفضيل الفارس على الرَّاجل، وذلك لا يجوز. وكذلك [إذا كان]

(5)

قال: مَا أَصبتُم فَلَكُم، ولم يَقُل بعد الخُمس فهذا لا يجوز؛ [لأنَّ]

(6)

فيه إبطال الخُمُس الذي أوجبه الله تعالى في الغَنيمة، وإبطالًا لحقِّ ضعفاء المسلمين، وذلك لا يجوز، فقال عليه الصلاة والسلام:"وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم"

(7)

(8)

.

(1)

قوله: ولا بأس بأن ينفل الإمام في حالة القتال ويحرض به على القتال

الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 391).

(2)

المبسوط للسرخسي (10/ 49).

(3)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 115)، العناية شرح الهداية (5/ 511)، البناية شرح الهداية (7/ 180).

(4)

في (ب)"بكل".

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب)،

(6)

في (أ)"لأنه".

(7)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، برقم (2896) 4/ 36.

(8)

ينظر السير الكبير (2/ 615).

ص: 36

(فإنْ فعَله مع السَّرية جاز).

وفي المبسوط: "فالسَّرية عدد قليل يَسيِرون باللَّيل، ويكمنون بالنهار، فالجيش هو الجمع العظيم الَّذي يَجيش بعضهم في بعض؛ قَال عليه الصلاة والسلام: "خير الأصحاب أربعة وخير السرايا أربع مائة، وخير الجيوش أربعة آلآف"

(1)

"

(2)

، فكان التنفيل للسَّرية تنفيلًا لبعض الجيش، فيجوز.

(إلا من الخُمُس)(لأنَّه لا حقَّ للغانِمين في الخُمُس).

فإنْ قلتَ: إِنْ لم يكن فيه حقُّ الغانمين، وَلكن فيه حقّ الأصناف الثلاثة، فكان فيه إبطال لحقوق الأصناف الثلاثة، وَإِنْ لم يَكُن فيه إبطال حقِّ الغانمين، وذلك لا يجوز أيضًا على ما ذكرتَ من رواية السِّيَر الكبير.

قلت: "إنَّما جاز هذا باعتبار أَنَّ المنفَّل له جُعِل واحدًا من الأصناف الثلاثة، فَلَمْ يكن فيه حينئذٍ إبطال حقِّ الأصناف الثلاثة؛ إذ يجوز صرف الخُمُس على أَحَد الأصناف الثلاثة"

(3)

على ما ذكرنا من رواية التُّحفة

(4)

، وكذا أيضًا في المبسوط

(5)

.

والدَّليل على صحَّة هذا القول ما ذَكره الإمام شمس الأئمة السرخسي في السِّيَر الكبير: "لا بأس بأنْ يُعطي الإمام الرَّجلَ المحتاج، إذا أبلى، مِن الخُمُس ما يُعينه ويجعله نفلًا له بعد الغنيمةلأنَّه مأمور بصرف الخُمُس إلى المحتاجين، وهذا محتاج، وإذا جاز صرفه إلى محتاج لم يقاتِل، فَلَأَنْ يجوز صرفُه إلى محتاج قاتَل وأبلى بلاءً حسنًا كان أولى؛ وهو نظير مَن وَجد ركازًا

(6)

فرآه الإمام محتاجًا، وصَرف الخُمس إليه، فإنَّ ذلك يجوز"

(7)

.

قلت: فعلى هذا ينبغي أنْ لا يجوز التَّنفيل بالخُمس للأغنياء، وبه صرَّح في الذخيرة، فقال: ولا ينبغي للإمام أنْ يضَع ذلك في الغَني، ويجعل نفلًا له بعد الإصابة؛ لأنَّ/ الخُمسَ حقُّ المحتاجين، لا حقَّ الأغنياء، فجَعْله للغني إبطال حقِّ المحتاجين

(8)

.

(1)

أخرجه أبوداود في سننه، كتاب الجهاد، باب فيما يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا، برقم (2611) 4/ 252، والترمذي في سننه، باب ما جاء في السرايا، برقم (1555) 4/ 125، رواه أبو يعلى، وفيه حبان بن علي، وهو ضعيف وقد وثق، وبقية رجاله ثقات. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (5/ 258).

(2)

المبسوط للسرخسي (10/ 4).

(3)

ينظر العناية شرح الهداية (5/ 511)، البناية شرح الهداية (7/ 181).

(4)

ينظر تحفة الفقهاء (3/ 302 - 303).

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (3/ 18).

(6)

الركاز: قطع ذهب وفضة تخرج من الأرض أو المعدن. المحكم والمحيط الأعظم (6/ 739).

(7)

السير الكبير (2/ 607).

(8)

ينظر العناية شرح الهداية (5/ 511)، البناية شرح الهداية (7/ 181).

ص: 37

[بيان حكم السلب]

(وقال الشافعي: السَّلَب للقاتل).

وحاصله أنَّ القاتل لا يستحقُّ السلب بالقَتل عندنا مِن غير تنفيل الإمام.

وقال الشافعي: إذا قتله مقْبِلًا بين الصَّفَين على وجه المبارَزَة استحق سلَبَه. احتجَّ بقوله عليه الصلاة والسلام يوم بدر: "من قتل قتيلا فله سلبه"

(1)

.

ومثل هذا اللفظ في لسان صاحب الشَّرع لبيان السَّبب كقوله عليه الصلاة والسلام: "من بدل دينه فاقتلوه"

(2)

.

(فظاهِره لنَصْب الشَّرع فإنَّه بُعِث لذلك).

وما رواه، وهُو قولُه عليه الصلاة والسلام:"من قتل قتيلا فله سلبه"، يحتمل التنفيل، وهو الظاهر لأنَّ مثل ذلك إنَّما يكون لنَصب الشرع إذا قاله بالمدينة في مسجده. وَلم يُنقَل أنَّه قال ذلك إلَّا يوم بدر عند القتال للحاجة إلى التَّحريض، وقد كانوا أذلة، ويوم حنين

(3)

حين ولَّوا مُنهَزِمين للحاجة إلى التَّحريض. و [كما كان]

(4)

رسول الله عليه الصلاة والسلام قال ذلك يوم بدر، قال أيضًا:"من أخذ أسيرًا فهو له"

(5)

، ثُمَّ كان ذلك منه على وجه التنفيل، فكذلك في السَّلب

(6)

؛ كذا في المبسوط.

(1)

ينظر مختصر المزني (8/ 249).

والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب، برقم (3142) 4/ 92 عن أبي قتادة رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين

ثم إن الناس رجعوا، وجلس النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه

الحديث.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب لايعذب بعذاب الله، برقم (3017) 4/ 61.

(3)

حنين: هو واد قريب من الطائف، بينه وبين مكّة بضعة عشر ميلا، والأغلب عليه التذكير لأنّه اسم ماء.

وربّما أنّثته العرب، لأنه اسم للبقعة، وهو الموضع الذي هزم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن. معجم ما استعجم من اسماء البلاد والمواضع (2/ 472 - 473).

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(5)

قال الشيخ أبو الفتح اليعمري في "سيرته عيون الأثر" - في باب قصة بدر: والمشهور في قوله عليه السلام: "من قتل قتيلا فله سلبه" إنّما كان يوم حنين، وأمّا يوم بدر فوقع من رواية من لا يحتجّ به، ثم ساقه بسنده إلى محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح به سندًا ومتنا، قال: والكلبي ضعيف، وروايته عن أبي صالح عن ابن عباس مخصوصة بمزيد ضعف، انتهى. نصب الراية (3/ 430)

رواه الواقدي في "كتاب المغازي" حدثني عبد الحميد بن جعفر، قال: سألت موسى بن سعد بن زيد بن ثابت، كيف فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر في الأسرى، والأسلاب، والأنفال؟ فقال: نادى مناديه يومئذ، "من قتل قتيلا فله سلبه، ومن أسر أسيرًا فهو له".

(6)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 49).

ص: 38

(فنَحمِله على الثَّاني) أَي: فيحمَل ما رواه على التنفيل.

(لِما رُويِّناه) وهو قوله عليه الصلاة والسلام لحبيب بنمسلمة

(1)

: "ليس لك

" الحديث

(2)

؛ ولو حملنا (ما رواه على نَصب الشَّرع) يلزم التَّناقض.

قوله: (كما ذكرناه) إشارة إلى قوله: (ولأنَّه تعذَّر اعتبارُ مقدار الزِّيادة) أو إلى قوله: (ولأنَّ الكَرَّ والفَرَّ جِنس واحد) في فصل كيفية القِسمة؛ وذلك لأنَّه كَم مِن فارسٍ يترجَّح غناءً على فُرسان كثيرة، وكذلك الرَّاجل قد يزيد غناؤه على رَجَّالة كثيرة، فلا يُعتبر ذلك في زيادة استحقاق السَّهم لما أنَّ تلك الزيادة في جنس واحد.

قوله: (لِما مرَّ مِن قبل) إشارة إلى ما ذَكر في باب الغنائم وقسمتها بقوله: (ولأنَّ الاستيلاء إثبات اليد الحافظة والناقلة) فلمَّا لم يثبت الإحراز بدار الإسلام، لم يثبت الناقلة، فلا يثبت الاستيلاء؛ ولما لم يثبت الاستيلاء لم يثبت الملك.

(1)

حبيب بن مسلمة بن مالك الفهري القرشي، أبو عبد الرحمن، قائد من كبار الفاتحين، يقرنه بعضهم بخالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح. ولد بمكة ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج إلى الشام مجاهدًا في أيام أبي بكر، فشهد اليرموك، ودخل دمشق مع أبي عبيدة، وكانيقال له (حبيب الرُّوم) لكثرة دخوله بلادهم ونيله منهم. توفي في أرمينية سنة (42 هـ). سير أعلام النُّبلاء (3/ 188 - 189)، الإصابة في تمييز الصحابة (2/ 22).

(2)

قال عليه السلام لحبيب بن أبي سلمة: "ليس لك من سلب قتيلك إلا ما طابت به نفس إمامك"، قلت: هكذا وقع في "الهداية" حبيب بن أبي سلمة، وصوابه حبيب بن مسلمة، والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير برقم (3533) 4/ 20 - والوسط برقم (6739) 7/ 23 حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي، والحسين بن إسحاق التستري، وجعفر بن محمد الفريابي، قالوا: ثنا هشام بن عمارثنا عمرو بن واقد ثنا موسى بن سيار عن مكحول عن جنادة بن أبي أمية، قال:"نزلنا دابق، وعلينا أبو عبيدة بن الجراح، فبلغ حبيب بن مسلمة أن بنة صاحب قبرص، خرج يريد بطريق أذربيجان، ومعه زمرد، وياقوت، ولؤلؤ، وغيرها، فخرج إليه فقتله، وجاء بما معه، فأراد أبو عبيدة أن يخمسه، فقال له حبيب بن مسلمة: لا تحرمني رزقًا رزقنيه الله، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل السلب للقاتل، فقال معاذ: يا حبيب إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنّما للمرء ما طابت به نفس إمامه"، انتهى. نصب الراية (3/ 430 - 431).

قال الشيخ الألباني: ضعيف جداّ. ينظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (12/ 771).

ص: 39

قوله: (وَوُجوب الضَّمان بالإتلاف) بالرَّفع معطوف على قوله: (الملكُ عنده) أي: يثبت وُجوب الضَّمان بالإتلاف عند محمدٍ؛ يعني: إذا أَتلف غير المنفَّل له من الغزاة السلب الذي أصابه المنفَّل له يَضمن عند محمد، وعندهما لا يَضمن بناءً على أنَّ الملك يثبت له بنفس التَّنفيل عند محمدٍ، وعندهما لا يَثبت بدون الإحراز بدار الإسلام. فوجهُ قولِ محمَّدٍ أنَّه اختصَّ بملكها، فيحلُّ له وَطؤُها بَعد الاستبراء، كالمسلِم يشتري جاريةً في دار الحرب، يحِلُّ له وطؤها بعد الاستبراء، وهذا لأنَّ ملك المتعة سببه ملك الرَّقبة، وقد تحقَّق هذا السَّبب في حقِّه حتَّى اختصَّ بملكها بتنفيل الإمام؛ وهذا بخلاف اللِّصِّ في دار الحرب إذا أَخذ جاريةً فَاستبرأَها، فإنَّه لا يحلُّ له وَطؤُها؛ لأنَّه ما اختصَّ بملكها. أَلا ترى أنَّه لو التحق بجيش المسلمين في دار الحرب شاركوه فيها.

وأَبو حنيفة وأبو يوسف قالا: سبب الملك في المنفَّل هو القَهر فلا يتمُّ إلا بالإحراز بدار الإسلام، كما في الغنيمة في حقِّ الجيش؛ وهذا لأنَّه [قبل]

(1)

الإحراز قاهر

(2)

يدًا، مقهورٌ دارًا، فيكون السَّبب ثابتًا مِن وجه دون وجه، ولا أثر للتَّنفيل في إتمام القهر. إنَّما تأثير التَّنفيل في قطع شركة الجيش مع المنفَّل له، فأمَّا سبب الملك للمنفَّل له، ما هو السَّبب لولا التنفيل، وهو القهر؛ فأشبه مِن هذا الوجه ما أخذه اللِّصُّ في دار الحرب بخلاف المشتراة، فسبب الملك فيها تمَّ بالعَقد والقَبض. وعلى هذا الخلاف، لو قسَم الإمام الغنائم في دار الحرب فأصاب رجلٌ جاريةً فاستبرأها؛ لأنَّ بِقسمةِ الإمام لا ينعدم المانع من تمام القهر، وهو كونهم مقهورين دارًا، ومن أصحابنا من يقول: لما نُفِّذَت القِسمة من الإمام تصير هي بمنزلة المشتراة؛ لأنَّ مَن وَقَعت في سَهمه إنَّما يملك بالقِسمة، وقد تمَّت، فينبغي أنْ يحل الوطء عندهم جميعًا. والأوَّل أظهر

(3)

؛ كذا في المبسوط في "باب ما أصيب في الغنيمة".

فعلى هذا كان في مسألة القسمة في دار الحرب اختلاف أيضًا، كما في الضمان. (وقد قيل: هذا)

(4)

أي: وجوب الضَّمان، وفي نسخة بدون الواو [والله أعلم]

(5)

.

(1)

ساقط من (أ).

(2)

في (أ)"قاصر"، والصحيح ما أثبته. ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 72)

(3)

ينظرالمبسوط للسرخسي (10/ 72 - 73).

(4)

في (ب)"هنا".

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

ص: 40

‌باب: استيلاء الكفار:

لما ذكر استيلاءَنا على الكفَّار ذَكر في هذا الباب عكسَه؛ لأنَّ له أحكامًا مختلِفة أيضًا، فكان قوله:(استيلاء الكفار) من قَبيل إضافة المصدر إلى الفاعل، لكنْ بدأ الباب بذكر/ استيلاء الكفارُ الكفارَ فقال:(وإذا غلب الترك على الروم).

فالتُّرك: جَمع التركي، والرُّوم: جمع الرُّومي، فالمراد منه كفَّار الترك ونصارى الروم، فكلاهما كَافران

(1)

.

(حَلَّ لنا ما نَجِده من ذلك) أي: ما نجِدُه من الذي أخذه التُّرك من أهل الرُّوم، لأنَّ ذلك المأخوذ صار ملكًا للتُّرك كسائر أملاكهم.

(لأنَّ الاستيلاء محظور ابتداءً) أي: في دار الإسلام (وانتهاءً) أي: في دار الحرب عند الإِحراز بها، وجاز أنْ يكون قوله:(انتهاءً) احترازًا عمَّن رمى إلى مسلم، وارتد قبل الإصابة؛ فإنَّه لم يبق معصومًا.

(والمحظور لا يَنْتَهِض سَبَبًا للملك على ما عُرف [من قاعدة الخصم]

(2)

وتقيُّده بقاعدة الخصم إنَّما يصِحُّ في المحظور الذي هو محظور مِن وجه دون وجه، كما في البيع الفاسد. وأمَّا المحظور مِن كلِّ وجه بأنْ يكون محظورًا بأصْله ووَصْفه، كما في البيع البَاطل بأنْ باع شيئًا بمَيْتة أو دَم أو استولى المسلم على مالِ مسلمٍ، فإنَّه غير موجِب للملك بالاتِّفاق

(3)

.

ولنَا (أنَّ الاستيلاء وَرَد على مال مباحٍ فينعقِد سَببًا للملك) كما في الاصطياد والاحتطاب. وإنّما قلنا: أنَّ استيلاء الكفار ورد على مال مباح؛ لأنَّاستيلاءهم على أموالنا إنَّما يثبت الملك لهم إذا أحرزوها بدارهم، والكلام فيه، فبَعد الإحراز بدارهم يزول عصمة صاحِبها، ويصير مباح التَّملُّك، فلا يكون أخذُهم ذلك المال عدوانًا

(4)

؛ كذا في الأسرار.

(1)

قال في البحر الرائق: فَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ التُّرْكَ جَمْعُ التُّرْكِيِّ وَالرُّومَ جَمْعُ الرُّومِيِّ فَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى.

وفي شرحه منحة الخالق: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 102):

قَالَ فِي النَّهْرِ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الرُّومِ وَالتُّرْكِ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُفْرَدِهِ بِالْيَاءِ كَزِنْجٍ وَزِنْجِيٍّ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ التُّرْكَ الَّذِي هُوَ جَمْعُ تُرْكِيٍّ جَمْعٌ عَلَى أَتْرَاكٍ وَهَذَا لَا يَنْفِيه صَاحِبُ النِّهَايَةِ.

(2)

في (أ)"من ما عن لهم"، والصحيح ما أثبته. ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 392).

(3)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 4 - 5)، البناية شرح الهداية (7/ 187).

(4)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 5)، البناية شرح الهداية (7/ 189).

ص: 41

(وهذا لأنَّ العصمة

(1)

تثبت على مُنافاة الدليل) أي: هذا المدعَّى.

وهو [أن]

(2)

استيلاءَهم ورد على مال مباح، إنما هو كذلك لأنَّ العصمة في المال لِكلِّ مَن يثبت مِن المسلم والكافر، إنَّما يثبت على خلاف الدليل؛ فإنَّ الدليل يقتضي أنْ لا يكون المال معصومًا لأحَدٍ لقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] إلا أنَّ العصمة إنَّما تثبت لمن اختصَّ هو به لسَبَبٍ مِن الأسباب، من شِرىً أو إرث أو غيرهما، ليتمكن من الانتفاع به؛ إذ لو لم يكن مخصوصًا هو به بالعصمة نازعه آخر في الانتفاع به، فأثبت الشارع العصمة للمالك قطعًا للمنازعة وتمكينًا للمالك من الانتفاع؛ فلما زال تمكُّنه من الانتفاع بِسبب إحرازهم بدار الحرب لم يبقَ ما يوجب عصمتَه، وهو تمكين المالك من الانتفاع، عاد المال مباحًا، كما يقتضيه الدليل، فصار بمنزلة الصَّيد والحشيش. ثم لما وقع استيلاؤهم إياه في هذه الحالة، كان استيلاءً مباحًا، فأوجَب الملك لهم، وعن هذا وقع الفَرق بين أموالنا ورقابنا، فإن الرِّقاب كلها لم تخلق محلًا للتملُّك في الأصل؛ وإنما تثبت المحلية بعارض الكفر، وليس في رقابنا ذلك، فلذلك لا يملكون إحرازنا، وإن أحرزوها بدارهم، فكانت صِفة الأموال مَع الرقاب على طرفي نقيض.

(لأنَّه) أي: لأن الإحراز بالدار، (عبارة عن الاقتدار على المحلِّ حالًا ومآلًا). يعني: أنَّ الكفار إذا استوَلوا أموال المسلمين فهم

(3)

، ما داموا في دار الإسلام، لم يكن لهم الاستيلاء من كل وجه حيث لم يوجد استيلاؤهم مآلًا، لما أنَّ الظاهر أنَّ المسلمين يغلبون عليهم ويأخذون الأموال. وأما إذا أحرزوها بدار الحرب فلا يغلب المسلمون على الكافرين لانقطاع الولاية فلا يُؤخَذ منهم الأموال فيقتدرون حينئذٍ على الأموال حالًا ومآلًا.

(والمحظور لغيره إذا صلُح سببًا)

إلى آخره. جواب عن قول الخصم أنَّه محظور قلنا: نعم، هو محظور إلا أنَّه محظور لغيره، و

(4)

مباح في نفسه، لكونه سببًا لإقامة المصالح على ما ذكرنا، والمحظور لغيره لا يَمنع السبب عن كونه سببًا للملك، كالبيع وقت النداء، دل

(5)

عليه أن المحظور لغيره، وهو الصلاة في الأرض المغصوبة، تصلح سببًا لاستحقاق أعلى النِّعم، وهو الثواب في الآخرة، فلأنْ يصلح سببًا للملك في الدُّنيا أولى

(6)

؛ كذا في الطريقة العلانية

(7)

.

(1)

العصمة: الحفظ ودفع الشر. شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (7/ 4580).

(2)

ساقط من (أ)، ولعل الصحيح ما في (ب) لموافقته سياق الكلام.

(3)

في (ب)"وهم".

(4)

في (ب)"وهو".

(5)

في (ب)"ودل".

(6)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 261)، العناية شرح الهداية (6/ 6)، البناية شرح الهداية (7/ 190).

(7)

الطريقة العلانية: لمجد الأئمة، السرخكي. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1113).

ص: 42

فإنْ قلتَ: لو ثبت الملك في مال المسلم للكافر بالاستيلاء عند الإحراز بدار الحرب، لما ثَبتتْ ولاية الاسترداد للمالِك القديم من الغازي الذي وقع في قسمتها، ومن المشتري الذي اشتراه من أهل الحرب، بدون رضا الغازي والمشتري بالقيمة أو الثَّمن، كما لا يثبت للمالك القديم ولايةَ الاسترداد فيما إذا اشتراه المستأمن مِن أهل الحرب، وأدخَله في دار الحرب، ثم وقع في قسمة الغازي أو اشتراه المسلم.

قلت:/ إنَّ بقاء حقِّ الاسترداد بحقِّ

(1)

المالِك القديمِ لا يدُلُّ على قيام الملك للمالِك القديم. أَلا ترى أنَّ الواهب يَرجع في الهبة ويعيدها إلى قَديم ملْكِه بدون رضا الموهوب له مَع زوال مُلْك الواهب للحال

(2)

؛ كذا في الأسرار.

وكذا الشفيع يأخُذ الدَّار من المشتري بحقِّ الشُّفعة بدون رضا المشتري مع ثبوت الملك له.

وذكر في الإيضاح: ثم الملك، وإنْ زال عندنا، فللمالك القديم حقُّ إعادةِ الملك؛ لأنَّ الملك زال بدون رِضاه، فأوجب الشَّرع له حقَّ الإعادة نظرًا له، لكن مِن شرط النَّظَر له أنْ لا يؤدي إلى إلحاق الضَّرر بالغير، فيقول: إن وجده قبل القسمة أخذه بغير شيء، وإن وجده بَعد القسمة أخذه بالقِيمة

(3)

على ما يجيء.

(فَإن ظَهر عليها المسلمون) أي: على الأموال التي أخذها الكافرون منَّا، (فوجدها المَالكون قبل القسمة فهي لهم بِغير شيء) أي: وإنْ أحْرزها الغانمون بدار الإسلام.

وذكر في الإيضاح: فأمَّا إذا وَجَد قبل القسمة، فكان ينبغي أنْ يَأخُذ بالقيمة أيضًا

(4)

لأنَّ حقَّ الجماعة متعلِّق به، وقَد استحكم هذا بالإحراز بدار الإسلام. ألا ترى أنَّه لو أَتلف إنسان شيئًا من الغنيمة قبل القِسمة يضمن إلَّا أنَّا تركنا هذا الأصل بحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فإنَّه روى عنه أنَّ المشركين غلبوا على بَعير لرجلٍ ثم ظهر المسلمون عليه، فسأل النَّبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك فقال:"إن وجدته قبل القسمة"

(5)

الحديث؛ إلَّا أنَّ في الأخذ بعد القِسمة ضَرَرًا بالمأخوذ منه؛ لأنَّه

(6)

إذا كان بعد القسمة فَقَد تعلَّق به حقُّ مالك معيَّن، وإنَّما تعيَّن له هذا الحقُّ بإزاء ما انقطع مِن حقِّه عمَّا في أيدي الباقين، فإذا قطع حقّه عن هذا المعيَّن مجَّانًا أدَّى إلى الإضرار به؛ وقَد ذكرنا أنَّ النظر واجِب على وجه لا يضُرُّ بالغير، ولو اشتراه بعَرض أخذه بقيمة العَرض. أمَّا لو اشترى مسلمٌ من أهل الحرب عبدًا لمسلم بخَمر أو خِنزير أخذه صاحبه بقيمة العبد لأنَّه يأخذ بطِيبة نفسٍ منه لا بالبيع فصار كالهبة

(7)

؛ كذا في الإيضاح، لأنَّه ثبت له ملك خاص، فلا يزال إلا بالقيمة.

(1)

في (ب)"لحق".

(2)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 6)، البناية شرح الهداية (7/ 188).

(3)

ينظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 146).

(4)

ينظر تحفة الفقهاء (3/ 304).

(5)

قال عليه الصلاة والسلام: "إن وجدتَه قبل القسمة فهو لك بغير شيء، وإنْ وجدته بعد القسمة فهو لك بالقيمة"، قلت: أخرج الدارقطني، ثم البيهقي في "سننيهما" عن الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: فيما أحرز العدو فاستنقذه المسلمون منهم، إن وجده صاحبه قبل أن يقسم فهو أحق به، وإن وجده قد قسم، فإن شاء أخذه بالثمن، انتهى. قال: والحسن بن عمارة متروك، انتهى. نصب الراية (3/ 434).

قال ابن حجر: وفيه الحسن بن عمارة وهو واه. الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 129).

(6)

ساقط من (ب).

(7)

ينظر الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 265)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 653).

ص: 43

فإنْ قيل: هذا الملك ثبت للموهوب له بغير عِوض، بخلاف ما لو ثبت لأَحد الغزاة بالقسمة، لأنَّ هذا الحقَّ إنَّما تعيَّن له بإزاء ما انقطع من حقِّه عمَّا في أيدي الباقين على ما ذكرنا.

قلنا: ههنا أيضًا ثَبت له هذا الملك بالعِوض معنىً، لما أنَّ المكافأة مقصودةٌ في الهبة، وإنْ لم [تكن مشروطة]

(1)

، فجعل ذلك المعنى معتبرًا في إثبات حقِّه في القيمة

(2)

؛ إلى هذا أشار في المبسوط.

(ولو كان مغنومًا

(3)

، وهو مثلي) كالدراهم والدنانير والحنطة والشعير، أي: ولو كان الذي أخذه الكفار من المسلمين مِثليًا كما ذكرنا، ثُمَّ وقع ذلك المثلي في الغنيمة فلصاحبه القديم أنْ يأخذ قَبل القسمة بغير شيء، وإن كان بعد القسمة لم يأخذه؛ لأنَّه لا فائدة في أخذه لما ذكر في الكتاب

(4)

.

(لما بيَّنَّا) إشارة إلى قوله: (لأنَّ الأخذ بالمثل غير مفيد، وكذا إذا كان مشترىً بمثلِه

[ما وجد قبل القسمة وبعدها]

قدرًاووصفًا) أي: إذا كان الذي أخذَه الكفار من المسلمين شيئًا مثليًا

(5)

فاشتراه منهم مسلم بمثله قدرًا ووصفًا، ثم جاء صاحبه القديم ليس له أن يأخذه منهلأنَّه غير مفيد، وإنّما قيد بقوله:(قدرًا ووصفًا) احتراز عمّا لو اشتراه المسلم بأقلّ قدرًا منه، أو بجنس آخر، أو بجنسه، ولكن أردى منه وصفًا، فله أن يأخذه بمثل ما أعطاه المشتري.

وقال في الإيضاح: إلَّا أنْ يكونَ اشتراه منهم بخلاف جنسه، فيكون الأخذ مفيدًا، وكذلك لو اشتراه بجنسه بأقَلّ منه، فله أنْ يأخذ بمثل ما اشتراه، ولا يكون هذا ربًا؛ لأنَّه إنَّما فدى ليستخلِص ملكَه ويعيدَه إلى قديم ملكه

(6)

.

(وأمَّا الأَخْذ بالثمن فلِما قلنا) وهو قوله: (لأنَّه يتضرر بالأخذ مجانًا)؛

(لأنَّ الملك فيه صحيح) احتراز عن المشتري شراءً فاسدًا، فإنَّ الأوصاف هناك مضمونة على ما ذكر في الكتاب

(7)

.

(1)

في (أ)" يكن مشروط".

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 57).

(3)

في (أ)"معلوما"، و الصحيح ما أثبته. ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 393).

(4)

ينظر مختصر القدوري (ص 363). وعبارته فيه: " فإنْ ظهر عليها المسلمون فوجدوها قبل القسمة فهي لهم بغير شيء، وإنْ وجدوها بعد القسمة أخذوها بالقيمة إن أحبوا".

(5)

المثلي: ما كان مكيلًا أو موزونًا، وجاز السّلم فيه. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (3/ 215).

(6)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 129)، العناية شرح الهداية (6/ 8).

(7)

ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 393).

ص: 44

(لأنَّ الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن).

قيل: فيه نظر؛ لأنَّ الوصف إنَّما لا يقابل شيء من الثمن إذا لم يصِر مقصودًا بالتناول. ألا ترى أنْلو اشترى عبدًا ففقئت عينه ثم باعه مرابحة

(1)

؛ فإنَّه يحطُّ مِن الثمن ما يخصُّ العَين؛ لأنَّها صارت مقصودة بالتَّناول

(2)

؛ كذافي الفوائد الظهيرية.

(بخلاف الشُّفعة

(3)

؛ فإنَّ الأوصاف يقابلها شيء من الثَّمن في الشفعة، حتَّى لو استهلك المشتري من الدَّار شيئًا يُسقط حصتَّه من الثمن؛ لأنَّ المشتري في الذي وجبت

(4)

الشفعة (بمنزلة المشتري شراءً فاسدًا)، مِن حيث إِنَّ كلَّ واحد منهما/ واجب الرَّدِّ، والأوصاف تُضمن في المشترى شراءً فاسدًا؛ كما في الغصب بأنَّ غصب جارية، فذهبت إحدى عينيها يضمن نصف قيمتها.

أمَّا الجواب عن مسألة المرابحة المذكورة في الفوائد، قلنا: الشُّبهة في المرابحة ملحَقة بالحقيقة، وأمَّا ههنا فإلحاق الأطراف بالعَين شُبْهة، فلا يُعتبر، فلذلك لا يأخذ المالك القديم الأرش

(5)

.

(1)

بيع المرابحة: لغة: مأخوذة من الرّبح، وهو النّماء والزّيادة، تقول:"ربح في تجارته" إذا أفضل فيها، وأربح فيها بالألف: أى صادف سوقًا ذات ربح، وأربحت الرّجل إرباحًا: أعطيته ربحًا.

واصطلاحًا: عرّفها صاحب "الهداية": بأنّها نقل ما ملكه بالعقد الأوّل بالثمن الأوّل مع زيادة ربح.

وعرّفها ابن رشد: بأنّها أن يذكر البائع للمشتري الثمن الذي اشترى به السّلعة، ويشترط عليه ربحًا ما للدينار أو الدرهم. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (1/ 412)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 135).

(2)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 9)، البناية شرح الهداية (7/ 193).

(3)

الشفعة: الزيادة وهو أن يشفعك فيما تطلب حتّى تضمه إلى ما عندك فتزيده وتشفعه بها. وقال القتيبي في تفسير الشفعة: كان الرجل في الجاهلية إذا أراد بيع منزل أتاه رجل فشفع إليه فيما باع فشفعه وجعله أولى بالمبيع ممن بعد سببه، فسمّيت شفعة وسمي طالبها شفيعًا. ينظرغريب الحديث لابن قتيبة (1/ 202)، لسان العرب (8/ 184).

الشفعة: هي مأخوذة من الشفع وهو الضّم الذي هو خلاف الوتر؛ لأنّه ضم شيء إلى شيء وسمّيت الشفاعة بذلك؛ لأنّها تضم المشفوع إليه إلى أهل الثواب فلمّا كان الشفيع يضم الشيء المشفوع إلى ملكه سمي ذلك شفعة. الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 274).

(4)

في (ب)"وهبت"، والصحيح ما أثبته. ينظر العناية شرح الهداية (6/ 9).

(5)

الأرش: الذي يأخذه الرجل من البائع، إذا وقف على عيب في الثوب، لم يكن البائع وقفه عليه، سُمي: أرشًا، لأنه سبب من أسباب الخصومة والقتال والتنازع، فسُمي باسم الشيء الذي هو سببه. يقال: فلان يُؤرّش بين القوم: إذا كان يوقع بينهم الشر والفساد. الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 307)، لسان العرب (6/ 263.

ص: 45

فإن قيل: شراءُ التَّاجر هنا أيضًا بمنزلة شراء المشتري شراءً فاسدًا مِن حيث وجوب الرَّد. قلنا: إلحاق مسألة الشُّفعة بالمشتري شراءً فَاسدًا أولى مِن شراء التَّاجر مِن الكافر، من حيث أنَّ شراء المشتري بدون رضا الشَّفيع مكروه، بخلاف شراء التَّاجر بدون رضا المالك.

ثم اعلم أنَّ قوله: (بخلاف الشُّفعة) إنَّما يستقيم فيما إذا كان فوات الأوصاف في الشُّفعة بفعل قصدي، فحينئذٍ يقابل الأوصاف شيءٌ مِن الثَّمن في الشفعة، بخلاف مسألتنا، حيث لا يقابلها شيء من الثمن، وإن كان فواتها بفعل قصدي. وأمَّا إذا كان فوات الأوصاف بآفة سماوية في الشُّفعة بأنْ [جفّ]

(1)

شجرة البستان، فلا تقابل الأوصاف شيئًا من الثَّمن، فحينئذٍ لا تخالِف مسألةُ الشفعة لمسألتنا.

[شراء العبد المأسور]

(وللمشتري الأول أن يأخذه من الثاني بالثمن).

فإن قيل: لو أَثبتنا حقَّ الأخذ للَّذي اشتراه مِن العدو أولًا، لأضررنا بالمالك القديم؛ لأنَّه حينئذٍ يأخذ بالثَمَنَينِ. قلنا:"رعاية حقِّ من اشتراه من العدو أولًا أَولى؛ لأنَّ حقَّه يعود في الأَلف التي نقدها بلا عِوض يقابلها، والمالك القديم يلحقه الضرر، لكن بِعوض يقابله، وهو العبد، فكان ما قلناه أولى"

(2)

؛ كذا في الفوائد الظهيرية.

(وكذا إذا كان المأسور منه الثاني غائبًا) وهو المشتري الأوَّل، (وكذا من سواه)، أي: مَن سوى الحرّ، وهو المدبَّر

(3)

والمكاتَب وأمُّ الولد

(4)

، (بخلاف رقابهم) أي: رقاب أَحرار الكفّار، ومدبَّريهم، وأمهات أولادهم.

(ولا جناية من هؤلاء) أي: من مدبَّرينا وأمَّهات أولادنا، ومكاتَبينا وأحرارنا، فلا يملكهم الكفار، وإنْ استولوا عليهم. وإذا لم يملكهم الكفَّار لم يملكهم الغزاة، حتَّى لو كان أهل الحرب أخذوا من دار الإسلام مدبَّرًا لرجل وأمّ ولده أو مكاتبه، ثمَّ ظُهِر عليهم فهم لمالكهم، قَبل القِسمة وبعد القِسمةبِغير شيء، لأنَّ هذه المعاني تمنع التملُّك لمكان التشبيه

(5)

بالأحرار، والكفّار لا يملكونهم، فكذلك ههنا

(6)

؛ كذا في الإيضاح.

(1)

في (أ)"خف"، وما أثبت في من (ب).

(2)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 10).

(3)

المدبر: المدبر مِن العبيد وَالْإِمَاء مَأْخُوذ من الدبر لِأَنّ السَّيِّد أعْتقهُ بعد مماته وَالْمَمَات دبر الْحَيَاة فَقيل مُدبر وَالْفُقَهَاء المتقدمون يَقُولُونَ الْمُعْتق من دبر أَي بعد الْمَوْت. ينظر غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 224)، طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 26).

(4)

أمّ الولد: قال ابن عرفة: "هي الحرّ حملها من وطء مالكها عليه جبرًا".

قال في "دستور العلماء": هي الأمة التي استولدها مولاها كما هو المشهور أو استولدها رجل بالنكاح، ثمَّ اشتراها. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (1/ 289).

(5)

في (ب)"الشبه".

(6)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 11).

ص: 46

[العبد الآبق]

(وإذا أبق عبد لمسلم

) إلى آخره.

والعبد، بأنْ كان العبد لمسلمٍآبقًا فَيء، فإنَّه إذا كان لذمِّي فالحكم كذلك، فإنَّه ذكر الإمام أبو اليُسر في غنى الفقهاء

(1)

: العبد المسلم لمسلم أو لذمِّي إذا أبق إلى دار الحرب وأخذه الكفار

(2)

، لم يملكوه عند أبي حنيفة، حتى أنَّ مولاه متى وجد في يد إنسان بعد ذلك يأخذه بغير شيء.

وقال أبو يوسف ومحمد: يملكونه

(3)

؛ حتَّى لو وجَدَه المسلِم في يَد مَن استولى عليه بعدما أَسلم أو صَار ذمِّيًا، لا يأخذه منه؛ ولو وَجدُوه في يدِ غانم أو متملِّك بغير عوض يأخُذه بالقيمة.

لأبي حنيفة أنَّه آدمي ذو يد معتبرة بالإجماع حتَّى إذا أُودِع العبدُ وديعةً لم يكن لمولاه حقُّ القبض. فإنْ قالوا: الخلاف في عبد مسلم آبِق، أو في عبد مسلم ارتدَّ ولَحِق بدار الحرب، وفي عبد كافر لمسلم آبق خلاف واحدً، [فنقول]

(4)

: لا كذلك، بل المرتدّ يملكه الكفّار. وأمّا العبد الكافر، فهو ذمي تَبَعًا لمولاه وما بطلت الذِّمة باللُّحوق بدار الحرب، فلا يملكه الكفار. هكذا كان مكتوبًا بخطّ شيخي مُحال إلى غنى الفقهاء.

وذكر في طريقة مجد الأئمة السرخكي

(5)

: العبد إذا كان ذميًا ففيه قولان، وأمَّا إذا كان مرتدًا فأبق ولَحِق بدار الحرب يملكه الكفار بالإجماع

(6)

.

(لأنَّ سقوط اعتباره) أي: اعتبار يد العبد.

(فظهرت يده على نَفسه) لأنَّه حين دخل دار الحرب، فقد زالت يد المولى عنه، لا إلى من يخلفه، فيصير في يد نفسه وهي يد محترمةلأنَّه مسلم، يمنع ذلك إحرازًا لمشركين إياه وبدون الإحراز لا يملكونه.

فإن قيل: كيف تَظْهر يَد العَبد عَلى نفسِه، وقَد خلف يد المولى يد الكفرة بدون واسطة فور فوت يد المولى لأنَّ دار الحرب في أيديهم؟ قلنا:"لأنَّ بين الدَّارين حدًّا لا يكون في يد أَحَد، وعند ذلك تظهر يد العبد على نفسه؛ ولأنّ يد الدار/ يد حُكمية، ويد العبد يد حقيقية، فلا تندفع بيد الدار"

(7)

؛ إلى هذا أشار فخر الإسلام.

(1)

نصّ البداية: "لم يملكوه عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا يملكونه". ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 394).

(2)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 128)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 263).

(3)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ -29 30)، شرح السير الكبير (ص: 1301).

(4)

في (أ)"فيقول"، وما أثبت من (ب).

(5)

هو مجد الأئمة، أبو بكر: محمد بن عبد الله. المتوفى: سنة 518.

كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 164).

(6)

ينظر فتح القدير (6/ -12 13)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 106).

(7)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 12)، البناية شرح الهداية (7/ 197)، وقالا فيه نظر.

ص: 47

(بخلاف [المتردِّد]

(1)

أي: في دار الإسلام؛ لأنَّ يد المولى باقية في حقِّه حكمًا، "ولهذا لو وَهَبه لابنه الصّغير صار قابضًا له، فبقاء المانع حكمًا يمنع ثبوت اليد له في نفسه فيتم إحراز المشركين إياه. وأمَّا الآبق إلى دار الحرب، فلا يكون في يد مولاه حكمًا حتى لو وهبه لابنه الصغير لا يجوز؛ هكذا ذكره أبو الحسين قاضي الحرمين

(2)

عن أبي حنيفة"

(3)

، كذا في المبسوط والأسرار.

قوله: (يؤدِّي عِوَضه) أَي: فيما إذا وَجده المالك في يدِ مَن وقع في سهمه في الغنيمة بعد القسمة يؤدِّي الإمام عوضه إلى من أخذ منه المالك من بيت المال. وأمَّا في الصُّور الثلاث، وهي ما إذا كان موهوبًا أو مشترىً أو مغنومًا قبل القسمة، فلا يؤدِّي عوضه. وأمَّا في الشِّراء، فإنَّما لا يغرم للمشتري شيئًا مما قد أدَّى لأنَّه فَدى ملكه بغير أمره، إلا أن يكون أمره بالفداء، فحينئذٍ يرجع عليه بما

(4)

أدَّى. وعندهما يأخذه منه بالثمن، إنْ شاء، كما في العبد المأسور بالاتفاق، ثم إنّما يعوِّضه مِن بيت المال في المغنوم بعد القسمة لأنَّ نصيبه استُحِقَّ، فله أن يرجع على شركائه في الغنيمة، وقد تعذّر ذلك لتفرقهم، فيعوِّضه من بيت المال لأنَّ هذه من نوائب المسلمين، ومال بيت المال معدٌّ لذلك؛ ولأنَّه لو فضل من الغنيمة شيئًا يتعذّر قسمته كالجوهرة ونحوها، يوضع في بيت المال، فكذلك إذا لَحِق غُرم يجعل ذلك فيء

(5)

على بيت المال لأنَّ الغُرم يقابَل بالغُنم. وهكذا على أصل الكلِّ إذا كان المأسور مدبرًا أو أم مكاتبًا أو أم ولد، فإنَّ المالك القَديم يأخذُه بِغَير شَيءٍ بَعد القسمة، ويعوِّض الإمام لمن وَقع في سهمه قيمته من بيت المال لما قُلنا

(6)

؛ كذا في المبسوط.

(وليس له) أي: للغَازي أو للتَّاجر (لأنَّه عامل لنفسه)، والجُعل

(7)

إنَّما يجب إذا أخذه الآخِذ على قصد الرَّد إلى مالكِه.

(1)

في (أ)"المرتد"، والصّحيح ما أثبته. ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 394).

(2)

هو أحمد بن محمد بن عبد الله، القاضي أبو الحسين النيسابوري الحنفي، قاضي الحرمين وشيخ الحنفية في زمانه. ولي قضاء الحرمين بضع عشرة سنة، ثم قدم نيسابور وتقلّد قضاءها، وبها توفي سنة 351 هـ. ينظر تاريخ الإسلام ت بشار (8/ 28)، سير أعلام النبلاء (16/ 25 - 26)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 249).

(3)

المبسوط للسرخسي (10/ 56)، ينظر العناية شرح الهداية (6/ 12).

(4)

في (ب)"مما".

(5)

ساقط من (ب).

(6)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 56).

(7)

الجعل والجعالة، والجعيلة: التزام عِوض معلوم على عمل معلوم أو مجهول يعسر ضبطه.

وقيل: والجعل، والجعالة، والجعيلة: ما يعطاه الإنسان على أمر يفعله.

اصطلاحا: أنْ يجعل- جائز التصرف- شيئًا- متمولا معلوما لمن يعمل له عملًا معلومًا- كَردّ عبده في محل كذا أو بناء حائط كذا.

وقيل: عقد معاوضة على عمل آدمي بعوض غير ناشئ عن محله به لا يجب إلّا بتمامه. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (1/ 531).

ص: 48

(اعتبارًا لحالة الاجتماع بحالة الانفراد) يعني: إذا أَبَق العبد بِدون البَعير لا يملكونه عند أبي حنيفة

(1)

.

(وإذا نَدَّ بعير إليهم) بدون العبد يملكونه، فكذا إذا أَبَق العبد مَع البَعير أو مع شيء آخَر مِن المال، فيأخُذ المولى العبدَ بغَير شيء، ويأخذ المال بالثَّمن لما أنَّ الملك ثَبَت للكفار في المال دون العبد.

فإنْ قيل: على قول أَبي حنيفة ينبغي أنْ يأخذ المالك المتاع أيضًا بِغير شيء؛ لأنَّه لما ظَهر يد العبد على نفسه ظهرت على المال أيضًا، لانقطاع يد المولى َعن المال؛ لأنَّه في دار الحرب، ويد العبد أَسبق من يدِ الكفّار عليه فلا يصير ملكًا لهم.

[شراء العبد المسلم وإدخاله دار الحرب]

قلنا: ظَهَرت يد العَبد على نفسِه مع المنافي وهو الرقِّ، فكانت ظاهرة من وجه دون وجه، فجعلناها ظاهرة في حقِّ نفسه غير ظاهرة في حقّ المال.

(وإذا دخل الحربي دارنا بأمان فاشترى عبدًا مسلمًا وأدخله دار الحرب عتق عند أبي حنيفة، وقالا: لا يعتق).

وعلى هذا الاختلاف إذا كان العبد ذمّيًا؛ لأنَّه يجبر على بيعه ولا يمكَّن من الذَّهاب به إلى دار الحرب؛ كذا في

(2)

الإيضاح.

وأصل المسألة ما ذكره في المبسوط: "وإذا اشترى الحربي المستأمن في دار الإسلام عبدًا مسلمًا أو ذمّيًا أو أسلم بعض عَبيده الذين أدخلهم لم يُترك ليردَّه إلى دار الحربلأنَّه مسلم، ولا يُترك في ملك الكافر ليستذلَّه، ولكن يُجبر على بيعه من المسلمين بمنزلة الذِّمي يسلم عبده.

فإنْ قيل: الذِّمي مُلتزِم أحكامَ الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات، والمستأمَن غير ملتزِم لذلك. قلنا: المستأمن ملتزِم ترك الاستخفاف بالمسلمين، فإنّا ما أعطينا الأمان ليستذل المسلم؛ إذ لا يجوز إعطاء الأمان على هذا، فلهذا يجبُر على بيعه"

(3)

.

(لأنَّ الإزالةَ كانتْ مستحقةً بطريق معيَّن، وهو البيع) يعني: لا بالعِتق؛ لأنَّ مال المستأمن محترَم

(4)

؛ كذا ذكره صدر الإسلام.

(ولأبي حنيفة رحمه الله أنَّ تخليص المسلم عن ذُلِّ الكافر واجب).

ولكنَّ ذلك الكافرَ ما دام مستأمنًا في دار الإسلام يُزال بالعِوَض، وهو الإزالة بالبيع، ولا يزال بالعتق؛ لأنَّ مال المستأمن محترَم ما دام في الإسلام، فإذا أدخله دارَ الحرب انتهت الحرمَة بانتهاء الأمان، فاستحقَّ الإزالة بالعتق؛ لأنَّه لما انتهى أمانه بالعود إلى دار الحرب سقطتْ عصمة مالِه، فتعيَّن العِتق مخلِّصًا للعبد؛ أي: لو كان الإمام قادرًا على إزالة العبد هناك/ عن استيلائه، كان الواجب على الإمام، أنْ يجبره على الإعتاق لا على البيع لانعدام عصمة مالِه، فلَم يستحقّ الحربي العِوَض مقابلةَ إزالة مُلكه لسقوط حرمة ملكه، بخلاف ما إذا كان في دار الإسلام. ثُمَّ لما قَصُرت ولاية القاضي عن إزالة ملكه بالإعتاق، وهي العلَّة في زوال ملكه، فقام شَرط زوال عصمة مال المستأمن، الذي هو دخول دار الحرب مقام علَّة الزَّوال، وهي إعتاق الإمام عليه لما أنَّه قد يقام الشرط (مقام العلة) عند عَدَم إمكان إضافة الحكم إلى العلَّة؛ كما في حفر البئر على قارعة الطريق. وذكر الإمام الإسبيجابي

(5)

: وهذا بخلاف أمِّ ولد النَّصراني إذا أسلمت؛ حيث يقتضي

(6)

بالسِّعاية عليها، وتُعتق، وههنا يعتق مجانًا؛ لأنَّ ملك الذِّمي محترم، وملك الحربي غير محترم، ولا قيمة له

(7)

. ولا يقال: الإحراز بدار الحرب سبب لإثبات الملك فيما لم يكن مالكًا له. ألا ترى أنَّهم إذا أسروا عبدًا مسلمًا في دارنا ملكوه إذا أحرزوه بدارهم. فيستحيل أنْ يزول ملكه بالإحرازلأنَّ الإحراز لما صار سببًا لإثبات الملك ابتداءً، فأولى أنْ يبقي الملك الثابت كما كان وإلا يَلْزم أنْ يكونَ ما هو المثبِت للملك مزيلًا له، وهو مدفوع بمدةٍ.

(1)

ينظر السير الصغير ت خدوري (ص: 250).

(2)

ينظر السير الصغير ت خدوري (ص: 169).

(3)

المبسوط للسرخسي (10/ 89).

(4)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 14).

(5)

هو أحمد بن منصور، أبو نصر الإسْبيجابي، القاضيأحد شراح "مختصر الطحاوي".

كان من المُتبحرين في الفقه، ودخل سمرقند، وجلس للفتوى، وصار المرجع إليه في الوقائع، وانتظمت له الأمور الدينية، وظهرت له الآثار الجميلة. قال التميمي: وأما تاريخ وفاته فلم أقف عليه، لكن رأيت بخط بعضهم أنه بعد الثمانين وأربعمائة. والله تعالى أعلم.

ينظر: الطبقات السنية في تراجم الحنفية (1/ 154)، والجواهر المضية (1/ 127).

(6)

في (ب)"يقضى".

(7)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (4/ 132).

ص: 49

قلنا: ليس هذا كما أخذوا عبدًا في دارنا؛ لأنَّهم لا يملكونه بالأخذ حتَّى يستحق عليهم الإزالة بسبب الاستيلاء؛ وإنَّما يملكونه بالإحراز بخلاف ما نحن فيه؛ فإنَّهم ملكوه بالشراء، فاستحقّ عليهم الإزالة بالبيع ما داموا في دارنا. ولما أدخلوه في دارهم استحق الإزالة أيضًا بإقامة شرط الزوال مقام الإزالة على ما ذكرنا من انتهاءِ عصمة ماله بالإحراز بدار الحرب.

وذكر في المبسوط: "فإنْ قيل: بارتفاع الأمان زال صفة الحظْر لا أصل الملك؛ كمن أباح لغيره شيئًا لا يزول أصل ملكه به، فملكه المباح في دار الحرب إبقاءُ ما كان من الملك له لا إثبات ملك له فيه ابتداء.

قلنا: ما كان ملكه بعد إسلام العبد في دار الإسلام إلا باعتبار صفة الحَظر، فإنَّه لو لم يكن مستأمنًا لكان العبد المسلم قاهرًا له وكان حرًّا، فإذا زال الحظْر بزوال الأمان زال أصل الملك، أَلا ترى أنَّه في دار الحرب لو قَتَل مولاه، وأخذَ ماله، وخرج إلينا؛ كان حُرًّا، وكان ما خرج به من المال له"

(1)

.

قوله: (ولأنَّه أَحرز نفسه بالخروج إلينا) يتَّصل بقوله: (ثمُّ خرج إلينا).

وقوله: (أو بالالتحاق) يتَّصِل بقوله: (أو ظُهِر على الدار).

وقيَّد بقوله: بالخروج إلينا (مُراغمًا

(2)

لمولاه)؛ لأنَّه إذا خرج إلينا غير مراغِم، فهو عبدٌ لمولاه يبيعه الإمام، ويقِف ثمنه للمولى؛ لأنَّه لم يخرج على سبيل التغلُّب، فصار كمال الحربي الذي دخل به مستأمنًا إلى دارنا

(3)

؛ كذا في الإيضاح. والله أعلم

(4)

.

‌باب: المستأمن

(5)

.

لما ذكر مسائل الاستيلاء، والذي هو عبارة عن القَهر والغَلَبة؛ أعقبه باب المستأمِن؛ لأنَّ الاستئمان إنَّما يُحتاج إليه بعد تحقق القَهر والغلبة، فقدَّم استئمان المسلم على استئمان الكافر؛ لأنَّ المسلم هو المقدَّم فكذا ما يتعلق به.

(1)

المبسوط للسرخسي (10/ 90).

(2)

مُرَاغَمًا: أَيْ مُغَاضَبًا مُنَابَذًا وَالْمُرَاغَمُ بِالْفَتْحِ الْمَذْهَبُ وَالْمَهْرَبُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا} [النساء: 100]. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 44).

(3)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 15 - 16).

(4)

في (ب)"أعلم بالصواب".

(5)

المُستأمِن: من الاستئمان، وهو طلب الأمان من العدو حربيًا كان أو مسلمًا. أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء (ص: 66)، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (1/ 327).

ص: 50

(والغدر حرام) قال النَّبي عليه الصلاة والسلام: "لكلّ غادر لواء يركز عند باب استه يوم القيامة يعرف به غدرته"

(1)

.

(بخلاف الأسير) فإنَّ الأسرى إذا تمكَّنوا مِن قتل قوم من أَهل الحرب غِيلة

(2)

، وأخذ أموالهم من ذلك، "فإنْ فعلوا ذلك، ثم خرجوا إلى دارنا ولا مَنَعة لهم، فكلُّ مَن أخذ شيئًا، فهو له خاصة"

(3)

؛ كذا في السِّيَر الكبير في "باب ما يصيبه الأسرى".

(فيُباح له التعرُّض، وإنْ أطلقوه طوعًا) لما أنَّه لم يستأمِن صريحًا حتى يكون غادرًا بأخذ أموالهم.

(ملكه ملكًا محظورًا)

"وإن كانت جارية كرهت للمشتري أَن يطأها؛ لأنَّه قائم فيها مقام البائع، وكان يكره للبائع وطؤُها، فكذلك للمشتري. وهذا بخلاف المشتراة شراءً فاسدًا إذا باعها المشتري جاز للثاني وطؤها بعد الاستبراء؛ لأنَّ الكراهة في حقِّ الأوَّل لبقاء حقِّ البائع في الاسترداد، وقد زال ذلك بالبيع الثاني. وههنا الكراهة لمعنى الغَدر وكونه مأمورًا بردّها عليهم دينًا، وهذا المعنى

في حقِّ الثاني كهو في حقِّ الأول"

(4)

؛ كذا في المبسوط قبيل "باب المرتدِّين".

قوله: (على ما/ بيَّنّاه) إشارة إلى قوله في أوائل "باب استيلاء الكفار": (والمحظور لغيره إذا صلُح سببًا

(5)

لكرامة تفوق الملك

) إلى آخره.

[قضاء الدين والغصب بين الحربي والمسلم]

(فأدانه حربي أو أدان حربيًا) الإدانة: البيع بالدين، [و]

(6)

الاستدانة: الابتياع بالدَّين، وقولهم: ادَّان بتشديد الدال من باب الافتعال، أي: قَبِل الدَّين. والجواب في مسألة الإدانة قول أبي حنيفة ومحمدٍ؛ وعلى قول أبي يوسف القاضي يقضي على المسلم بالدَّين، وقولهما في المسألة مشكِل لالتزام المسلِم أحكامَ الإسلام مطلقًا، فصار

(7)

كما لو خَرجا

(8)

إلينا مسلمَينِ، غير أنَّ أباحنيفة اعتبر ديانةَ كلِّ واحد منهما عند القَضاء

(9)

؛ هذا كلُّه من الفوائد الظهيرية.

(1)

أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم الغدر، برقم (1738) 3/ 1361

عن أبي سعيد، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة".

(2)

الغِيلةُ: أن يخدع الرّجلُ الرّجلَ، حتّى يخرجه إلى موضِع يخفى فيه أمرهما، ثم يقتله. الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 15)، الصّحاح تاج اللغة وصحاح العربية (5/ 1787)، لسان العرب (10/ 473).

(3)

شرح السير الكبير (ص: 1271).

(4)

المبسوط للسرخسي (10/ 97).

(5)

ساقط من (ب).

(6)

ساقط من (ب).

(7)

في (ب)"وصار".

(8)

في (ب)"خرج".

(9)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 132 - 133)، فتح القدير (6/ 19).

ص: 51

(فلأنَّ القضاء) أي: حكم القاضي.

(ولا وقت القضاء على المستأمن؛ لأنَّه ما التزم أحكامَ الإسلام فيما مضى من أفعاله) وكما لا يُقضَى على الحربي، لا يُقضَى على المسلم أيضًا تحقيقًا للتَّسوية.

(وأما الغَصْب) فلأنَّ مال كلِّ واحدٍ منهما كان مباحًا وقتَ الغَصْب في حقِّه، فملكُه بالأخذ إلا أنَّ الغاصب إنْ كان هو المسلِم يُفتَى برَدِّ المغصوب على المالك، ولا يُقضَى عليه؛ لأنَّه لما دخَل دارهم بأَمان التزم أنْ لا يغدِر بهم، وفي أخذ مالهم على هذا الوجه غَدر وخيانة، فيُؤمَر بالردِّ ديانةً. وكذلك لو فعلا ذلك وهما حَربيانِ ثُمَّ خرجا مسلمَين أو مستأمِنَينِ، فهذا والفصل الأَّول سواء

(1)

؛ كذا ذَكَره الإمام قاضي خان.

(صار ملكًا للذي غَصَبه) أي

(2)

: سواء كان الغاصب كافرًا في دار الحرب أو مسلِمًا مستأمنًا فيها.

(على ما بيَّنَّاه)، أمَّا غصب الكافر فقد ذكر في مسألة الاستيلاء بقوله: (وَلنا أنَّ الاستيلاء ورد على مال مباح

) إلى آخره.

وأمَّا غصب المسلم ففيما إذا دخل الواحد أو الاثنان مُغيرين بغير إذن الإمام، فأخذوا شيئًا، فإنَّهم يملكونه.

(المداينة) (جيزي

(3)

بفام بكسي فروختن

(4)

، فلمَّا كانت المداينة بمعنى الإدانة التي ذكرنا، ذكر المداينة مقامَ الإدانة، إذ هذه تتميم تلك المسألة.

(فغصب حربيًا) أي: مال حربي (ثم خرجا

(5)

مسلمَين أمر بردِّ الغصب، ولم يقض عليه)، وهذا الجواب غير مختصّ بخروجهما مسلمَين، فإنَّ الحربي إذا خرج مستأمنًا فغَصب

(6)

مع المسلم الذي دخل دار الحرب مستأمِنًا، وقد كان غَصَب المسلم في دار الحرب، فالحكم كذلك على ما ذكرنا من رواية الإمام قاضي خان.

[قتل المسلم صاحبه في دار الحرب]

(وإذا دخل مسلمانِ

) إلى أنْ قال (فعلى القاتل الدية في ماله)

(7)

؛ أَي: في العمد والخطأ. هكذا ذكر من غير خلاف في عامّة النُّسخ من شروح الجامع الصغير. وذَكَر الإمام قاضي خان هذه المسألة في الجامع الصغير، وجعَل هذا الحكم قول أبي حنيفة ثم قال

(8)

: وقال أبو يوسف ومحمد: عليه القصاص في العَمد. لهما أنَّه قَتَل شخصًا معصومًا ليس من أهل دار الحرب، فيجِب ما يجب بقَتله في دار الإسلام. ولأبي حنيفة أنَّه تكثير سوادهم من وجه، ولو كان مكثِرًا سوادَهم مِن كل وجه بأنْ كان متوطِّنًا هناك لا يكون معصومًا. فإذا كان مكثَّرًا من وجه تمكنت الشُّبهة في قيام العِصمة، فلا يجب القصاص

(9)

.

(1)

ينظر الفتاوى الهندية (2/ 232)، العناية شرح الهداية (6/ 19 - 20).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

في (ب)"جرى".

(4)

جملة فارسية ترجمتها حرفيًا بمعنى: شيئ يعتمد على البيع المتزايد، أفادني بها الأستاذ/ أحمد فواز الحمير.

(5)

في (ب)"خرج".

(6)

ساقط من (ب).

(7)

نص الهداية: "إذا دخل مسلمان دار الحرب بأمان فقتل أحدهما صاحبه عمدًا أو خطًا فعلى القاتل الدّية في ماله"، الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 395).

(8)

ساقط من (ب).

(9)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 20)، البناية شرح الهداية (7/ 205)، فتح القدير (6/ 20).

ص: 52

وذكر الإمام الأجلُّ شمس الأئمة السرخسي هذه المسألة في الجامع الصغير، ثم قال: ورَوى أصحابُ الإملاء عن أبي يوسف قال: القِصاص في العمد

(1)

لأنَّ بدخول المسلم في دار الحرب لا ينتقِض إحرازه نفسه بدار الإسلام، فالمسلم من أهل دار الإسلام حيث ما يكون، والقصاص مَحض حق الولي ينفرد باستيفائه من غير حاجة فيه إلى ولاية الإمام، فلا فرق حينئذٍ بين الدارين.

وَجْه ظاهر الرِّواية أنَّ الإحراز باقٍ، ولكن دار الحرب دار إباحة الدم، فيصير ذلك شبهة مُسقِطة للعقوبة

(2)

؛ لأنَّ مجرَّد صورة الإباحة تَكفي لإسقاط العقوبة، وإنْ لم تَثبت حقيقةً كمَن يقول لغيره: اقتلني فيقتله.

(أما الكفارة فلإطلاق الكتاب

(3)

وهو قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92].

(على ما بيَّنَّاه) وهو قوله: (لأنَّ العصمة الثَّابتة بالإحراز بدار الإسلام لا تبطل بعارض الدخول بالأمان)، لما قلنا، وهو قوله: (لأنَّ العواقل

(4)

لا تعقل العمد؛ ولأبي حنيفة أنَّ بالأسر صار تبعًا لهم) فكان أهل الحرب الأصول، والأصول غير معصومين، فكذلك ما كان تبعًا لهم.

(وصار كالمسلم الذي لم يهاجِر إلينا)، فليس في قتله إلا الكفَّارة

(5)

، وفي الخطأ، فكذلك ههنا بجامع أنَّ كلَّ واحدٍ منهما تَبَع لأهل الدَّار بالتوطُّن، وبكونهما مقهورَينِ لهم بخلاف المستأمن؛ لأنَّه تمكَّن

(6)

من الخروج إلى دار الإسلام، ولا يكون تبعًا لهم، فلا يبطل العصمة

(7)

؛ إلى هذا أشار الإمام قاضي/ خان، والله أعلم.

(1)

المرجع السابق.

(2)

ذكر في الجامع الصغير: "مسلمان دخلا دار الحرب بأمان فقتل أحدهما صاحبه عمدًا أو خطأ، فعلى القاتل الدّية في ماله وعليه الكفارة في الخطأ". الجامع الصغير (ص: 316).

(3)

يقصد كلام الله عز وجل.

(4)

العاقلة: عاقلة الرجل عصبته، وهم القرابة من قبل الأب الّذين يُعطونَ دِيَةَ من قتله خطًا. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (5/ 1771).

وقال النَّسفي: الّذين يؤدّون الدّية جمع عاقل، وصار دم فلان معقلة بضمّ القاف أي دية والمعاقل جمعها. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 168).

(5)

في (أ)"الكفّار"، والصحيح ما أثبته، لموافقته سياق الكلام.

(6)

في (ب)"متمكن".

(7)

العناية شرح الهداية (6/ 21 - 22)، البناية شرح الهداية (7/ 206).

ص: 53

‌فصل:

" والعَيْنُ: الديدبان، والجاسوس"

(1)

"والعَوْنُ: الظهيرة على الأمر، والجمع الأعْوانُ"

(2)

.

"الميرَةُ: الطّعام يَمْتارهُ الإنسان؛ وقد مارَ أهلَه يَميرُهُمْ مَيْرًا"

(3)

.

"والجَلَبُ والأجلاب: الذين يجلبون الإبل والغَنَم للبيع"

(4)

؛ كذا في الصِّحاح.

وذكر في المغرب"جَلَبَ الشَّيْءَ: جَاءَ بِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لِلتِّجَارَةِ جَلْبًا؛ وَالْجَلَبُ الْمَجْلُوبُ؛ وَمِنْهُ: "نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ" "

(5)

.

(بعد تقدُّم الإمام إليه)"يُقَالُ تَقَدَّمَ إلَيْهِ الْأَمِيرُ بِكَذَا أَوْ فِي كَذَا إذَا أَمَرَهُ بِهِ"

(6)

؛ كذا في المغرب.

[حكم الحربي المستأمن في دار الإسلام]

قوله: (لأنَّه لما أَقام

(7)

سَنَة بعد تقدُّم الإمام إليه، صار ملتزمًا الجزية فيصير ذِمِّيًا)، ولفظ المبسوط يدُلُّ على أنَّ تقدُّم الإمام ليس بشرط لصيرورة الحربي المستأمن ذمِّيًا عند إقامتِه تمام السنة في دار الإسلام، بل يصير ذمِّيًا إذا أقام سَنَة فيها، وإنْ لم يتقدَّم إليه الإمام بقوله: إنْ أقمتَ تمَام السَّنة وضعتُ عليكَ الجزية؛ فإنه قال في المبسوط: "وينبغي للإمام أنْ يتقدَّم إليه ويأمُرَه بالخروج إلى دار الحرب على سبيل الإنذار والإعذار. وفي التقدُّم إليه إنْ بيَّن مدة فقال: إنْ خرجتَ إلى وقتِ كذا

وإلَّا جعلتُك ذِمِّيا، فإنْ خَرجَ إلى ذلك الوقت ترَكَه ليذهب. وإنْ لم يخرُج لم يمكِّنه من الخروج بعد ذلك وجعَلَه ذمِّيًالأنَّ مقامَه بعد التقدُّم إليه حتَّى مضَت المدَّة رضا مِنه بالمقام في دارنا على التأبيد. وإنْلم يقدِّر له مُدَّة فالمعتبر هو الحول، فإذا أقام في دارنا بعد ذلك حولًا لا يمكِّنه من الخروج؛ لأنَّ هذا لإبلاء العذر، والحَول لذلك حَسَن، كما في أجل العِنّين"

(8)

.

ولم يقدِّر الإمام قاضي خان بشيء من المدَّة وقال: ينبغي للإمام أنْ يتقدَّم إليه في أوانِ ما دخل، ويضرب له مدَّةً على قَدر ما يرى

(9)

.

(1)

الصّحاح تاج اللغة وصحاح العربية (6/ 2170).

(2)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (6/ 2168).

(3)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 821).

(4)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (1/ 101).

(5)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 86).

(6)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 374).

(7)

في (ب)"قام".

(8)

المبسوط للسرخسي (10/ 84).

(9)

ينظر الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 321).

ص: 54

(لِما قُلْنا) وهو قوله: (لأنَّه لمَّا أقام سَنَة بعد تقدُّم الإمام إليه صار ملتزمًا الجزية).

وَذكر الإمام قاضي خان رحمه الله: فإذا مَضت سَنَة بعد مُضيِّ المدّة المضروبة كان عليه الخراجلأنَّه إنَّما صار ذمِّيًا بمجاوزة المدّة المضروبة، فيُعتبر الحول بعدما صار ذميًا إلا أنْ يكونَ شَرَط عليه أنَّه إذا جاوز السَّنة يأخذ منه الخراج، فحينئذٍ يأخذه منه، وَإذا

(1)

وضع عليه الخراج فهو ذمي. وكذلك لو لَزِمه عَشْرٌ في قياس قول محمد بأن اشترى أرضًا عشرية

(2)

لأنَّهما جميعًا من مُؤَن الأرض

(3)

؛ كذا ذكره فخر الإسلام.

(لأنَّ خراج الأرض بمنزلة خراج الرَّأس) لأنَّ كلًّا منهما مِن أحكام دارنا، فلمَّا رَضِي بوجوب الخراج عليه رضي بأنْ يكونَ من أهل ديارنا

(4)

.

(فتعتبر المُدَّة مِن وَقت وجوبه) أَي: وجوب الخراج.

وقوله: (في الكتاب: فإذا وضع عليه الخراج فهو ذِمي، تصريح بشرط الوضع

(5)

أي: في جَعلِه ذمِّيًا، ومن المشايخ من قال: يصير ذمِّيًا بنفس الشِّراءلأنَّه لما اشترى أرض خراجٍ، وحكم الشَّرع فيها وجوب الخراج، صار ملتزِمًا حكمًا من أحكام الإسلام؛ كذا ذكره الإمام قاضي خان

(6)

.

وذكر في الفوائد الظّهيرية: والمراد مِن وضْع الخراج: التزام خَراج الأرض بمباشرة سَبَبه، وهو الزِّراعة، أو تعطيلها عنها مَع التمكُّن منها، وهو الصَّحيح. فدلَّت

(7)

المسألة على أنَّه لا يصير ذمِّيًا بنفس الشراء

(8)

.

(1)

في (ب)"فإذا".

(2)

الأراضي نوعان: عشرية وخراجية، أمّا العشرية فمنها أرض العرب كلها قال محمد رحمه الله: وأرض العَرب من العذيب إلى مكة وعدن أَبين إلى أقصى حجر باليمن بمهرة، وذكر الكرخي هي أرض الحجاز وتهامة واليمن ومكّة والطائف والبريّة، وإنّما كانت هذه أرض عُشر لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الرَّاشدين بعده لم يأخذوا من أرض العرب خراجًا فدلّ أنّها عشرية إذ الأرض لا تخلو عن إحدى المؤنتين ولأنّ الخراج يشبه الفيء فلا يثبت في أرض العرب كما لم يثبت في رقابهم والله أعلم. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 57).

(3)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 269)، ينظر العناية شرح الهداية (6/ 23).

(4)

في (ب)"دارنا".

(5)

الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 321).

(6)

يقصد بالكتاب هنا أي: الجامع الصّغير، ثُمّ نقل صاحب العناية قول الإمام قاضي خان، وعقب بقوله:"وليس بصحيح لما أشار إليه المصنف من قوله: لأنَّه قد يشتريها للتجارة". ينظر العناية شرح الهداية (6/ 24).

(7)

في (ب)"ودلت".

(8)

المرجع السابق.

ص: 55

وذكر في المبسوط: "وإنْ اشترى الحربي المستأمِن أرضَ خراج فزرعها، يوضَع عليه خراج الأرض والرَّأس. أمَّا خراج الأرض فإنَّه مُؤْنة الأرض النَّامية، وقد تقرَّر ذلك في حقِّه حين استَغَلَّ الأرض، ثم بالْتزام خراج الأرض صار راضيًا بالتزام أحكام دار الإسلام، فيكون بمنزلة الذِّمِّي؛ لأنَّ الذمِّي ملتزِم أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات، والالتزام تارة يكون نصًا وتارة يكون دلالة"

(1)

.

(فيَتخرَّج عليه) على بناء الفاعل (أحكامٌ جمَّة)، وهي المنع من الخروج إلى دار الحرب، وجَريانُ القِصاص بينه وبين المسلم، ووجوبُ الضَّمان في إتلاف خَمْرِه وخنزيره، ووجوب الدِّية لقتْله خطًا. وهذه الأحكام إنَّما

(2)

تثبُت بَعد كونِه ذمِّيًا لا قبله، وبوضْع الخراج يكون ذمِّيًا، فكذلك يجب أنْ لا يُغفل عن شرط الوضع.

[زواج الحربية من الذمي]

والضمير في (عنه) في قوله (فلا يغفل عنه

(3)

راجع إلى شرط الوضع.

(فَتزوَّجت ذمِّيًا صارت ذمية) فيُجرى عليها أحكام أهل الذِّمَّة من وضع الخراج في أرضها، ومنع الخروج إلى دار الحرْب وغيرهما.

(لأنَّ حكم الأمان باقٍ في ماله

(4)

فيُردُّ عليه أو على

(5)

وَرَثتِه) لأنَّ يدَالْمُودِعِ كيد الْمُودَعِ، فلمَّا لم يصِرْ/ نفس المودَع وماله مغنومًا ما لم تصِر وديعته مغنومة أيضًا تبعًا للمودَع لِما أنَّ يد الْمُودِعِ كيده.

فإنْ قيل: ينبغي أنْ يصير فَيئًا كما إذا أسلم الحربي في دار الإسلام وله وديعةٌ عند مسلم في دار الحرب، ثم ظُهِر على دار الحرب يكون فيئًا، فلا يكون يد المُودَع كيد المُودِع في تلك المسألة.

قلنا: يد المُودَع كيد المالك من وجه دون وجه، والعصمة ما كانت ثابتة في تلك المسألة لِما أنَّ دار الحرب لَيست بدار عصمة؛ فلا

(6)

تصير معصومةً بالشَّك. وأمّا ههنا العصمة كانت ثابتة وقت الإيداع، ولم يُظهَر على دار الحرب، فكانت العصمة باقيةً كما كانت إذ دار الإسلام دار العصمة

(7)

؛ إلى هذا أشار الإمام قاضي خان.

(1)

المبسوط للسرخسي (10/ 84).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

أي: عن شرط الخراج.

(4)

في (أ)"ملكه"، والصحيح ما أثبته. ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 397).

(5)

ساقط من (أ)، والصّحيح ما أثبته. ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 397).

(6)

في (ب)"ولا".

(7)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 210).

ص: 56

[ما أخذ من أموال أهل الحرب بدون قتال]

وجَفَ

(1)

الفرس أو البعير: غدا، وجيفًا، وأوجَفَه صاحبه إيجافًا.

وقوله: (وما أوجف المسلمون عليه) أي: أعملوا خيلهم وركابهم في تحصيله، " (وَالْجَلَاءُ) بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ، الْخُرُوجُ عَنْ الْوَطَنِ وَالْإِخْرَاجُ، يُقَالُ: جَلَا السُّلْطَانُ الْقَوْمَ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَأَجَلَاهُمْ فَجَلَوْا وَأَجْلَوْا أَيْ: أَخْرَجَهُمْ فَخَرَجُوا، كِلَاهُمَا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى"؛

(2)

كذا في المغرب.

قوله: (والجزيةِ) بالجرِّ عطفًا على قوله: (الأراضي)(أي: هو مثل الأراضي التي أجلوا أهلها)، ومثل الجزية.

(وقال الشّافعي فيهما

(3)

أي: في الأراضي التي أَجلوا أهلَها عنها وفي الجزية. وفي بعض النُّسخ "فيها" أَي: في الثَّلاثة وهي الأراضي؛ والجزية؛ والخراج.

(ولأنَّه مال مأخوذٌ) أَي: ولأنَّ ما أَوْجف المسلمون عليه مِن المالِ مالٌ مأخوذٌ بقوَّة المسلمين، (مِن غير قتالٍ) بل بوقوعِ الرُّعب في قلوب الكفَّار من قوَّة المسلمين.

(بخلاف الغَنيمة) فإنَّها مأخوذةٌ بِسبَبَينِ وهما: (مباشرة الغازي) القَتْل

(4)

(وقوَّة المسلمين). فلمَّا استُحِقَّ ما أَوجف المسلمون عليه بسبِبٍ واحد، وهو الرُّعب بقوة المسلمين، كانت جهته واحدةً، ولم يتبعَّض استحقاقُه لذلك، كما في مال الزكاة والعُشر، فلم يصِحَّ حينئذٍ اعتباره بالغنيمة.

(فاستحق الخُمُس بمعنىً)، وهو الرُّعب بقوَّة المسلمين، (واستحقَّه الغانمون بمعنىً) وهو مباشرة القتال.

(وفي هذا) أي: فيما أَوجَف المسلمون عليه (السَّبب) بالرفعُ على الابتداء واحدٌخبرُهُ

(5)

وهو الرُّعب من قوَّة المسلمين.

(1)

وجف: قال النَّبي عليه الصلاة والسلام: "إنّ البر ليس في إيجاف الخيل ولا في إيضاع الإبل"، يقال: وجف الفرس يجف وجيفًا إذا أسرع، وأوجفه راكبه إيجافًا أي: حمله على الإسراع قال الله تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6]. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 31)، لسان العرب (9/ 352.

(2)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 88).

(3)

مذهب الشافعي أنّ المال المأخوذ من الكفّار، منقسم إلى ما يحصل بغير قتال وإيجاف خيل وركاب، إلى ما هو حاصل بذلك، ويسمّى الأول: فيئا. والثاني: غنيمة وكلاهما مخمس. ينظر الحاوي الكبير (8/ 386 - 388)، نهاية المطلب في دراية المذهب (11/ 445)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (6/ 51).

(4)

ساقط من (ب).

(5)

في (أ)"جبره"، لعل ما في (ب) هو الصحيح لموافقته سياق الكلام.

ص: 57

(وهو ما ذكرنا) وهو قوله: (ولأنَّه مالٌ مأخوذٌ بقوَّة المسلمين لما قلنا من قَبْل) أي: في "باب الغنائم وقسمتها" وهو قوله: (وزوجتُه فَيء لأنَّها كافرةٌ حَربية لا تَتْبعه في الإسلام) وكذا حَمْلها فَيء؛ لأنَّه جزؤُها منها فيُرَقّ بِرقِّها.

(وما كان من مال أودَعَه مسلمًا أو ذمّيًا: فهو له) وإنَّما قيّد بالإيداعلأنَّه إذا كان غَصبًا في أيديهما يكون فَيئًا لعَدَم النِّيابة. وعند أبي يوسف ومحمدٍ يجب أنْ لا يكون فيئًا إلَّا ما كان غَصبًا عند حَربي على قياس الفَصل الثالث، وهو أنْ يُسلِم الحربي في دار الحرب فَلَم يخرج حتَّى ظُهِر على الدَّار؛ فالجواب

(1)

أنَّما كان وديعةً عند حربي أو غصبًا عند مسلم أو ذمِّي أو ضائعًا، فهو فَيء عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يكون فَيئًا

(2)

؛ كذا في الجامع الصَّغير لفخر الإسلام، وقد ذكرناه بـ"باب

(3)

الغنائم".

(لكونه مستجْلَبًا للكَرامة) لأنَّ العصمة تَثبتُ نعمةً وكرامةً، فيتعلَّق بماله أَثَر في استحقاق الكرامات، وهو الإسلام، إذ به يحصل السَّعادة الأبديَّة، لا بالدَّار التي هي جماد، فلا أَثَر لها في استحقاق الكَرامة.

(لِحصول أصلِ الزَّجر بها

(4)

أَي: لوجوب الزَّجر الَّذي هو الكفَّارة بالعصمة المؤثِّمة بالاتِّفاق

(5)

.

(والمقوّمة كمال

(6)

فيه) أي: في أصل العصمة، وذلك لأنَّه إذا وَجَب الإثم والمال كان ذلك أكملَ وأتمَّ مِن الذي وَجَب فيه الإثمُ دون المال، فكانت العصمة المقوَّمة وصفًا زائدًا على أصل العِصمة الَّتي هي المؤثمة.

(فتتعلَّق بما علّق به الأصل) أي: تُعلّق العِصمة المقوّمة كما

(7)

عُلّق به العصمة المؤثِّمة، وهو الإسلام. فلمَّا عُلِّقت المؤثِّمة بالإسلام، فينبغي أْن تُعلَّق العِصمة المقوّمة أيضًا بالإسلام، فيجب الدِّية والكفارة في قَتل الحربي الذي أَسلم في دار الحرب، ولَم يهاِجر إلينا لذلك.

(رجوعًا إلى حَرف الفاء) يعني: أنَّ الفاء دخَلت في جزاء الشَّرط، ثمَّ الجزاء إنَّما يكون جزاء للشَّرط أنْ لَو كان كُلُّ الجزاءِ مذكورًالأنَّه لا يكون غير المذكور جزاءً له حتَّى أنَّ الرَّجُل إذا قال لامراته: إنْ دخلتِ الدَّار فَأَنتِ طالق، وعَبدي حُرٌّ كان الجزاء طلاقها، وعِتق عَبده. ولَو لم يَقُل قولَه: وعبدي حُرٌ، لا يكون عِتق العبد الَّذي هو غير مذكور جزاءً له، بل الجزاء ينحصِر على طلاق المرأة، فإنَّ الشرط يعلَّق به الموجود لا المعدوم، كما في التعليق الحسي. فكذلك ههنا/ يتعلَّق بقتل هذا المؤمن الذي لم يهاجِر إلينا ما هو المذكور، والمذكور هو تَحرير الرقبة لا غير، فَيجب أنْ يكون كلُّ الجزاء ذلك أَو رجوعًا إلى (كل المذكور

(8)

، ههنا التّحرير لا غير. والموضع موضع الحاجة إلى البيانلأنَّه شرع في بيان الواجِب واقتصر بذكر التّحرير، فعُلِم به أنَّ الواجب هو التَّحرير لا غير، إذ السُّكوت في موضِع الحاجة إلى البيان بيانٌ؛ فإنَّما هو المذكور كلُّ الواجب وإلا يلزم الإخلال في بيان صاحب الشرع، وهو لا يجوز. وكان شيخي يقول: "بيان الشّارع على نوعين: بيان كفاية وبيان نهاية، فاختار ههنا بيان النهاية

(9)

لأنَّه ذكر أولًا حُكم قتل المؤمن الذي في دار الإسلام خطًا بأنَّه الكفارة والدِّية، ثمَّ قتل المؤمن الذي لم يهاجِر إلينا كحُكْمِهما، فَذكر فيه الكفارة دون الدِّية، ثم ذَكَر قَتل الذِّمي، وأوجب فيه الكفارة والدِّية فلو كان حكم المؤمن الذي لم يهاجر إلينا كحُكْمهما

(10)

لما ذَكَر حكمَه على خلاف حكمِهما في الموضع الذي اختار بيان النهاية".

(1)

في (ب)"فالجواب فيه".

(2)

ينظر الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 316).

(3)

في (ب)"في باب".

(4)

ساقط من (ب).

(5)

العناية شرح الهداية (6/ 28)، البناية شرح الهداية (7/ 214)، فتح القدير (6/ 27).

(6)

في (أ)"كحال"، والصحيح ما أثبته. ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 397).

(7)

في (ب)"بما".

(8)

في (ب)"لأن المذكور" بعد قوله "المذكور".

(9)

البناية شرح الهداية (7/ 215).

(10)

ساقط من (ب).

ص: 58

إلى هذا أشار أيضًا في الإيضاح، وقال: فهذه

(1)

الآية سيقت

(2)

لبيان أنواع القتل وموجباته، فذكر قتل المسلم في دار الإسلام وأَوجب بقتله الدِّية والكفَّارة، وذكر قتل الذِّمي وأوجب فيه الدِّية والكفَّارة، وذَكر المسلم الذي لم يهاجِر إلينا وأوجَب بقتله الكفَّارة، ولم يوجِب الدَّية، فدَلَّ على انعدام الوجوب؛ لأنَّ الآية سيقت

(3)

لبيان الحكم الواجب؛ فمتى جعلنا الدِّية واجبةولا ذِكر لها في الكتاب، كَان قاصرًا في البيان، وإنَّه لا يجوز. والفقه فيه أنَّ الأصل في التقوُّم غير الآدمي، والآدمي في هذا المعنى ملحَق بالأموال بخلاف العصمة؛ فإنَّ العصمة إنَّما تثبت للآدمي بطريق الأصالة، والأموال تابعةٌ لهلأنَّ معنى الجَبر يتحقَّق في الأموال دون النُّفوس، فصارت النُّفوس ملحَقةً بها في التقوُّم. وإذا كان كذلك، والتقوُّم للأموال إنَّما يثبت بالإحراز لأنَّ التقوُّم يبنى عن خطر المحل والخطر إنما يثبت إذا كان ممنوعًا عن الأخذ، فأمَّا إذا كانت الأيدي تصِل إليه مِن غير منازعة لم يكن خطيرًا كالماء والتراب، فعلَّقنا التقوُّم بالإحراز بمنعه، وأسقطْنا حكم الإحراز بمنعِه أهل الحرب بالشرعلأن الشَّرع سلَّطَنا على إبطالها، فلم

(4)

يَثبت التقوُّم بالإحراز

(5)

، قلنا: الإحراز لم يوجد ههنا فلا يثبت التقوُّم.

فأمَّا الإسلام فلا يؤثِّر في إفادة العِصمة المقوِّمةلأنَّ الدِّين ما وضع لاكتساب الدُّنيا وإنَّما وضع لاكتساب الآخرة، وأمَّا الكفارة فتَجِب بالنصَّ

(6)

.

قوله: (والقيامبها) أَي: بأعباء التَّكاليف

(7)

أي: بأثقاله

(8)

جمع عِبء، بالكسر، وهو الحَمل. فهذا يقتضي

(9)

أنْ يكون الآدمي مُحَرَّم التعرُّض إذ لو لم يكن مُحَرَّم التَّعرض لا يتمَكَّن من إقامة التّكليف، (والأموال تابعة لها) أي: للنَّفس الَّتي تثبت العِصمة المؤثمة فيها.

(1)

في (ب)"وهذه".

(2)

ساقط من (ب).

(3)

في (أ)"سبقت"، ولعل مافي (ب) هو الصحيح لموافقته سياق الكلام.

(4)

في (ب)"فلما".

(5)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 268)، البناية شرح الهداية (7/ 216).

(6)

النص هو قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)} [النساء: 92].

(7)

في (أ)"باعتبار التكليف"، والصحيح ماأثبته. ينظر البناية شرح الهداية (7/ 215).

(8)

في (أ)"بإقالة"، والصحيح ما أثبته. ينظر البناية شرح الهداية (7/ 215).

(9)

في (ب)"القبض".

ص: 59

(لأن التَّقَوُّمَ يُؤذِن بجبر الفائت) لأنَّ الفائت في ذوات الأمثال يُجبر بالصُّورة والمعنى، وفي ذوات القِيَم يُجبَر بالمعنى، وهو القيمة، وذلك لا يكون إلا في المال، فكان التَّقَوُّمَ في المال أصلًا، والعصمة المقَوَّمة في الأموال تثبت بالدار، وكذلك في النفوس والمرتدّ، والمستأمِن. هذا جواب شُبهةٍ تَرِدُ على قوله: (ثم العصمة المُقَوَّمة بالإحراز بالدَّار

) إلى آخره، بأنْ يقال: إنّهما مُحرزان بدار الإسلام ذاتًا، فينبغي أنْ يجِب لهما التَّقَوُّمَ ولم يجب حتَّى أنَّ في قتلهما لا يجب الدِّية مع أنَّهما في دار الإسلام.

(ومعنى قوله: للإمام أنّ حقّ الأخذ له) لا أَنْ تكون الدِّية ملكًا له، بل نأخُذها ونضعها في بيت المال.

[قتل المسلم عمدًا]

(وإنْ كان عمدًا فإنْ شاء الإمام قتلَه) وأَمَّا إذا كان المقْتول لَقيطًا، كان لِلإمام أنْيقتُل قاتلَه في قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف رحمه الله: ليس له ذلك

(1)

لأنَّ المولود في دار الإسلام لا يخلو عن الوارث، فَلَو أثبتنا الولايةَ للإمام كان فيه احتمال إثبات الحقِّ لغير صاحب الحقِّ، والقِصاص يمتنع بالشّبهات. ولهما أنَّ الحقَّ إنَّما يثبت للولي بطريق القيام مقامَ الميت نظرًا للميت، والمجهول الذي لا يمكِن الوصول إليه لا يُنتفع به الميت فلا يصلحوليًا

(2)

، فكان وجودُه بمنزلة العدم

(3)

؛ كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله.

قوله: (وهو العامَّة أو السُّلطان).

فإنْ قيل: تردُّد من له ولاية القصاصِ يوجب/ سقوط القصاص كما في المكاتَب إذا قُتِل عن وفاء وله وارث.

قُلنا: الإمام ههنا نائبٌ عن العامّة فصار كأن

(4)

الولي واحدٌ بخلاف مسألة المكاتب، والله أعلم بالصواب

(5)

.

‌باب: العشر والخراج:

لما ذَكر فيما قبل ما يصير الكافر به

(6)

ذمِّيًا، ذكر في هذا الباب ما يجِب على الذِّمي من الوظائف المالية، وهو الخراج؛ لكنْ لما ذكر الخراج استدعى ذلك ذِكر العُشر لأنَّ سببها الأرض النَّامية، فكان ذِكر الخراج هو الأصل إلَّا أَنَّه قدَّم ذكر العُشر عليه لأنَّ فيه معنى القُربة، وهو أيضًا من وظائف المسلمين، فكان هو بالتَّقديم

(7)

أحقَّ على الخراج.

(1)

ينظر الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 315).

(2)

في (أ)"ولنا"، والصحيح ما أثبته. ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 271).

(3)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 245)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 271).

(4)

في (أ)"كان"، ولعل ما في (ب) هو الصحيح لموافقته سياق الكلام.

(5)

ساقط من (ب).

(6)

ساقط من (ب).

(7)

في (ب)"التقدم".

ص: 60

اعلم أن العُشر، بضَّم العَين، لغةً: أحد أجزاء العَشَرة. والخراج: اسم لما يَخرج من غلَّة الأرض أو الغلام، ثم سُمي ما يأخذه السلطان خراجًا فيقال: أدَّى فلانٌ خراج أرضه، وأدَّى أهل الذِّمة خراج رؤوسهم، يعني: الجزية

(1)

؛ كذا في المغرب.

وذكر في المبسوط: "والخراج اسم لما هو صِلة قال الله تعالى: {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} [الكهف: 94]، {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} [المؤمنون: 72] "

(2)

.

[أرض العشر]

(أرض العَرب كلُّها أرض عشر) لا أرض خَراج، وهذا لأنَّ (من شرط الخَراج أن يُقَرّ أهلها على الكفر، ومشركو العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السَّيف)

(3)

لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب"

(4)

؛ فلمَّا لم يجُز وضعُ الخراج على أراضيهم كان ما وضع عليها العُشر.

وفي كتاب العُشر والخراج ذَكَر أبو يوسف في الأمالي

(5)

: حدود أرض العَرب ما وراء حدود الكوفة إلى أقصى صخر

(6)

باليمن

(7)

، وهو مهرة

(8)

.

(1)

ينظر المغرب في ترتيب المعرب (ص: 142).

(2)

المبسوط للسرخسي (10/ 80).

(3)

فأما مشركو العرب فلأنّه صلى الله عليه وسلم نشأ بين أظهرهم، والقرآن نزل بلغتهم، والمعجزة في حقهم أظهر؛ لأنهم كانوا أعرف بمعانيه.

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 277)، العناية شرح الهداية (6/ 49)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 274)، البناية شرح الهداية (7/ 245)، فتح القدير (6/ 49).

(4)

أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الجامع، باب ما جاء في اليهود، برقم (3323) 5/ 1314، عن ابن شهاب، فذكره مرسلا. ينظر التلخيص الحبير (4/ 316).

(5)

كتاب الأمالي من كتب النوادر في المذهب الحنفي التي أملاها أبي يُوسُف من مذهب أبي حَنِيفَةَ في الفقة، ولعله لايزال مخطوطًا.

وكتب الأمالي: وهي أن يقيد الشيخ فيملي على تلاميذه بما فتح الله عليه، ثم يجمعون ما أملاه عليهم في كتب. ينظر مصطلحات المذاهب الفقهية لمريم الظفيري ص (106).

(6)

في (أ)"حجر"، والصحيح ما أثبته. ينظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 113).

(7)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 113)، اللباب في شرح الكتاب (4/ 137)، فتح القدير (6/ 31).

(8)

مَهْرَةُ: بالفتح ثم السكون، هكذا يرويه عامة الناس، والصحيح مهرة بالتحريك وجدته بخطوط جماعة من أئمة العلم القدماء لا يختلفون فيه، ومهرة قبيلة وهي مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة تنسب إليهم الإبل المهريّة وباليمن لهم مخلاف يقال بإسقاط المضاف إليه، وبينه وبين عمان نحو شهر، وطول مخلاف مهرة أربع وستون درجة، وعرضه سبع عشرة درجة وثلاثون دقيقة، في الإقليم الأول. معجم البلدان (5/ 234).

ص: 61

وفي شرح القدوري قال الكرخي: أَرض العَرب كلُّها عُشرية، وهي أَرض الحِجاز وتُهامة واليمن ومكَّة والطائف

(1)

والبرية: يعني البادية، وقد ظَهر أنَّ من روى إلى أقصى حجْر باليمن، بسكون الجيم، وفسره بالجانب، فقد حرَّف لوقوع صخر موقعه.

[أرض الخراج]

" (والسواد) أي: أراضي سواد العراق"

(2)

، وبه صرَّح الإمام التمرتاشي. يقال: سواد الكوفة والبصرة أي: قُراهما. "وَسُمِّيَ (سَوَادَ الْعِرَاقِ) لِخُضْرَةِ أَشْجَارِهِ وَزُرُوعِهِ"

(3)

.

" (العذيب): ماء لتميم"

(4)

.

(وحلوان) اسم بلد.

" (وَالثَّعْلَبِيَّةُ) مِنْ مَنَازِلِ الْبَادِيَةِ وَوَضْعُهَا مَوْضِعَ الْعَلْثِ فِي حُدُود السَّوَاد خَطَأٌ"

(5)

.

" (الْعَلْثُ) -بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُون اللَّام-: قَرْيَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْعَلَوِيَّة وَهِيَ أَوَّلُ الْعِرَاقِ شَرْقِيَّ دِجْلَةَ"

(6)

.

" (عَبَّادَانُ) حِصْنٌ صَغِيرٌ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ"

(7)

؛ كذا في الصحاح والمغرب.

وقوله: (ما بين العذيب إلى عقبة حلوان) هذا عرضه، وقوله:(ومن الثعلبية إلى عبادان)

(8)

هذا طوله؛ إلى هذا أشار الإمام التمرتاشي.

والخراج أليَق به، لأنَّ في الخراج معنى العقوبة، ولأنَّ فيه تغليظًا حتَّى أنَّه يجب وإنْ لم يزرع، والكافر أليَق بالعقوبة، ومكَّة مخصوصة من هذا.

"وكان ينبغي في القياس أن تكون أرض مكَّة أرض خراج؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحها عنوة وقهرًا

(9)

، ولكنَّه لم يوظِّف عليها الخراج، فكما لا رقَّ على العَرب لا خَراج على أرضهم"

(10)

؛ كذا في "زكاة" المبسوط.

(وفي الجامع الصَّغير

(11)

) إلى قوله: (فهي أرض خراج)

(12)

أي: سواءً قُسّم بين الغانمين أو أُقِرَّ أهلها.

(1)

ينظر مختصر القدوري (ص 366)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 270)، البناية شرح الهداية (7/ 220).

(2)

العناية شرح الهداية (6/ 31).

(3)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 238).

(4)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (1/ 178).

(5)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 67).

(6)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 325).

(7)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 302).

(8)

ينظر المبسوط للسرخسي (3/ 8).

(9)

سبق تخريجه.

(10)

المبسوط للسرخسي (3/ 7).

(11)

الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 311).

(12)

نصّ الهداية: "وفي الجامع الصغير كل أرض فتحت عنوة فوصل إليها ماء الأنهار فهي أرض خراج". الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 399).

ص: 62

ثم اعلم أنَّ خراج الأراضي على نوعين:

خراج مُقَاسمة: وهو أنْ يكونَ الواجب شيئًا من الخارج نحو الخُمُس والسُّدُسوما أشبه ذلك.

وخراج وظيفة: وهو أنْ يكون الوَاجب شيئًا في الذِّمة يتعلَّق بالتمكُّن من الانتفاع

(1)

بالأرض في كلِّ جَريب

(2)

يصلح للزِّراعة في كل سنة قفيز

(3)

من الحنطة

(4)

أو الشّعير

(5)

ودرهم

(6)

؛ كذا في فتاوى قاضي خان.

[حكم ما أُحييَ من أرض الموات عشرا أو خراجا]

(ومن أحيى مواتًا فهي عند أبي يوسف معتبرة بحيزها).

هذا الإطلاق محمُولٌ على المقيَّد وهو ما إذا كان المحيي مسلِمًا، وأمَّا إذا كان المحيي ذمِّيًا فعليه الخراج.

(وإن كانت من حيز أرض العُشر)

(7)

إلى هذا أشار في "زكاة" المبسوط.

وذكر الإمام قاضي خان في الجامع الصغير: وليس على المجوس في داره شيئًا؛ عليه إجماع الصحابة. فإنْ جعَلَها بستانًا ففيه الخراج سواء سقاها بماء العُشر أو بماء الخراج، لأنَّ في

(8)

العُشر معنى العِبادة فلا يمكن إيجابها على الكافر

(9)

.

قوله: (وإن كانت من حيز أرض الخراج فهي خَراجية).

[لوح 496/ ب]

فإنْ قيل: هذه المسألة موضوعة في المسلِم، وقد ذكر محمد في سِيَر الزيادات

(10)

أنَّ المسلِملا يبتدئُ بتوظيف الخراج

(11)

؛ فإنَّما

(12)

قال شمس الأئمة السرخسي: معنى هذا أنَّه لا يبتدئ بتوظيف الخراج عليه إنْ

(13)

لم يكن منه صنيع

(14)

يستدعي ذلك، وهو السَّقي من ماء الخراج، إذ الخراج/ يجب جزاءً للمقاتَلة، فيختصُّ وجوب الخراج بما يُسقى بماء حَمَتْه المقاتلة، والماء الذي حَمَته المقاتلة ماء الخراج، فلهذا يجب الخراج إذا سقاه بماء الخراج

(15)

؛ كذا في الفوائد الظهيرية.

(1)

في (أ) زيادة "من".

(2)

الجَريب: مكيال قدر أَرْبَعَة أقفِزة والجَريب من الأَرْض - قدر مَا يُزرَع فِيهِ ذَلِك. ابْن دُرَيْد: وَلَا أَحْسبهُ عَرَبيا وَالْجمع أجرِبة وجُرْبان. لسان العرب (1/ 260)، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (3/ 338).

(3)

القفيز: مكيال، وهو ثمانية مكاكيك. والجمع أقْفِزَةٌ وقفزان. المخصص (3/ 440)، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 892)، النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 90).

(4)

الحنطة: البر، وليس له واحد من لفظه، والجمع: حنط. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (3/ 113).

(5)

الشَّعِيرُ: حَبٌّ مَعْرُوفٌ، قَالَ الزَّجَّاجُ: وَأَهْلُ نَجْدٍ تُؤَنِّثُهُ، وَغَيْرُهُمْ يُذَكِّرُهُ فَيُقَالُ هِيَ الشَّعِيرُ وَهُوَ الشَّعِيرُ. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 315).

(6)

ينظر فتاوى قاضيخان (1/ 133)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 62 - 63).

(7)

ينظر المبسوط للسرخسي (3/ 7)، مختصر القدوري (ص 367).

(8)

ساقط من (ب).

(9)

ينظر الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 132).

(10)

الزيادات: في فروع الحنفية، للإمام: محمد بن الحسن الشيباني، المتوفى: سنة 189، تسع وثمانين ومائة، وله:(زيادة الزيادات). كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 962).

(11)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 80).

(12)

في (ب)"قلنا".

(13)

في (ب)"إذا".

(14)

في (ب)"صنع".

(15)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 35).

ص: 63

(والبصرة

(1)

عنده عشرية) هذا جواب لإشكال يرِدُ على مذهب أبي يوسف، وهو أنّ ما يكون

(2)

مِن حَيِّز الأرض الخراجية فهو خراجي، وَالبصرة من حَيِّز الأرض الخراجية، ومع ذلك إنَّها عُشرية، فقال: ذلك حكم يثبت بإجماع الصَّحابة

(3)

بخلاف القياس

(4)

.

(كفناء الدَّار يعطى له حكم الدار) في حقِّ الانتفاع؛ يعني: وإنْ كان ذلك الفناء غَير مملوك له يجوز له الانتفاع به، لاتصاله بملكِه أُعطي له حكم الملك في حقِّ لانتفاع، فكذلك ههنا أعطي لهذه الأرض المحياة حكم جوازها لاتصالها به. وذَكر في باب ما يُحدثه الرَّجل في الطريق من "كتاب الجنايات" من الكتاب، "إذا قال المستأجِر للأُجراء: هذا فنائي، وليس له فيه حقُّ الحفر فحفَروا، فمات فيه إنسان فالضَّمان على الأُجراء قياسًالأنَّهم علموا بفساد الأمر فما غرَّهم. وفي الاستحسان الضَّمان على المستأجرلأنَّ كونَه فناءً له بمنزلةِ كونه مملوكًا له لانطلاق يده في التّصرف فيه من إلقاء الطِّين، والحطب، وربط الدابة، والركوب، وبناء الدكّان"

(5)

. وبهذا يُعلم أنَّ فِناء الدَّار في إطلاق التصرُّف لصاحب الدَّار، وإنْ لم يكن الفِناء ملكًا له بمنزلة الملك فيه.

وذكر في المبسوط: أَلا ترى أنَّ ما يقرُب من القرية في حقِّ الانتفاع، ومَنْع الإحياء بمنزلة فِناء الدَّار

(6)

، ولفظ المنع مِن الإحياء إنَّما يُذكر فيما إذا كان يصلُح للإنتفاع للعامة، وهو ليس مملوكًا لأحدٍ. وأمَّا في حقِّ المملوك فلا يستقيم ذكر المنع من الإحياء لأنَّ المنع إنَّما يتحقَّق فيما يتصوَّر فيه الإحياء لكن مَنَع لمانع.

(1)

البصرة: وهي في الإقليم الرابع، وبعدها عن خط المغرب أربع وستون درجة، وذلك من الأميال، أربعة آلاف وثمانمائة وأربعة وثمانون ميلا. والبصرة مدينة الدنيا، وقاعدة العراق، وموسم التجار. مستطيلة طول فرسخين في عرض فرسخ. آكام المرجان فى ذكر المدائن المشهورة فى كل مكان (ص: 39).

(2)

في (ب)"كان".

(3)

وقد جاء أنّ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وظف على البصرة العشر، وذاك بمحضر الصحابة ولم يعارضه أحد فكان إجماعا. ينظر الأحكام السلطانية للماوردي (ص: 266 - 267).

(4)

نص الهداية: "والبصرة عنده عشرية بإجماع الصّحابة رضي الله عنهم لأنّ حيز الشّيء يعطي له حكمه كفناء الدار يعطى له حكم الدّار حتّى يجوز لصاحبها الانتفاع به وكذا لا يجوز أخذ ما قرب من العامر، وكان القياس في البصرة أن تكون خراجية لأنّها من حيز أرض الخراج". الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 399).

(5)

الهداية في شرح بداية المبتدي (4/ 475 - 476).

(6)

ينظر المبسوط للسرخسي (3/ 7).

ص: 64

وقوله: (وكذا لا يجوز أخذ ما قرُب) وفي نسخة "إحياءُ ما قرُب" كما هو لفظ المبسوط، والمراد من الأخذ الإحياء أيضًا.

نَهر الملك

(1)

: على طريق الكوفة من بغداد.

يزدجرد

(2)

: ملك من ملوك العجم.

الجريب

(3)

: أرض طولها ستون ذراعًا، وعرضها ستون ذراعًا، بذراع الملك كسرى، يزيد هو على ذراع العامَّة بقبضة

(4)

؛ كذا ذكره الإمام التمرتاشي في "زكاة" الجامع الصغير.

وذكر في المغرب: "الذِّرَاعُ الْمُكَسَّرَةُ سِتُّ قَبَضَاتٍ وَهِيَ ذِرَاعُ الْعَامَّةِ وَإِنَّمَا وُصِفَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا نَقَصَتْ عَنْ ذِرَاعِ الْمَلِكِ بِقَبْضَةٍ وَكَانَتْ ذِرَاعُهُ سَبْعَ قَبَضَاتٍ"

(5)

، وقفيز هاشمي، وقد ذكرناه من فتاوى قاضي خان: إنَّه حنطة أو شعير، ولكنْ ذكر في شرح الطحاوي قفيز مما يزرع فيها

(6)

.

"الرطبة: الإسفست

(7)

ومنه حديث حذيفة وابن حنيف

(8)

" إلى آخره

(9)

كذا في المغرب.

(1)

نهرُ الملك: كورة واسعة ببغداد بعد نهر عيسى يقال إنه يشتمل على ثلاثمائة وستين قرية على عدد أيام السنة، قيل إن أول من حفره سليمان بن داود، عليهما السلام، وقيل إنه حفره الإسكندر لما خرب السواد وكذلك الصراة. معجم البلدان (5/ 324).

(2)

يزدجرد بن شهريار بن برويز المجوسي الفارسي، [المتوفى: 31 هـ]،

كِسْرَى زمانه. انهزم من المُسْلِمين في دار مُلْكه إلى مَرْو، وضَعُفَتْ دولة الأكاسرة وَوَلَّتْ أيامهم، فكان هذا خاتمتهم، ثار عليه أمراء مَرْو، وقيل: بل بَيَّتَهُ التُّرك وقتلوا خواصّه، فهرب والتجأ إلى بيت رجلٍ فقتله غدْرًا، ثمّ قُتِلَ به، والله أعلم. تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 201).

(3)

الجريب: بالفتح ثم الكسر: اسم واد عظيم يصبّ في بطن الرّمّة من أرض نجد قال الأصمعي وهو يذكر نجد الرّمّة: فضاء وفيه أودية كثيرة. معجم البلدان (2/ 131).

(4)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 36)، البناية شرح الهداية (7/ 226).

(5)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 174).

(6)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 36)، البناية شرح الهداية (7/ 227).

(7)

الرَطْبَةُ: وهي الإسْفِسْتُ بالفارسية. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (1/ 203).

(8)

حدثنا كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، أن عمر بن الخطاب بعث حذيفة بن اليمان، وسهل بن حنيف - قال أبو عبيد: هكذا قال كثير، وإنما هو عثمان بن حنيف - قال: ففلجا الأرض بالجزية على أهل السواد، وقالا:"من يأتنا فنختم في رقبته فقد برئت منه الذمة"، قال: فحشدوا وكانوا أول ما افتتحوا خائفين من المسلمين، قال: فختما أعناقهم، ثم فلجا الجزية: على كل إنسان أربعة دراهم في كل شهر، ثم حسبا أهل القرية وما عليهم، وقالا لدهقان كل قرية: على قريتك كذا وكذا، فاذهبوا فتوزعوها بينكم، قال: فكانوا يأخذون الدهقان بجميع ما على أهل قريته. الأموال للقاسم بن سلام (ص: 65).

(9)

تمام الكلام: "حَدِيثُ حُذَيْفَةَ وَابْنِ حُنَيْفٍ وَظَّفَا عَلَى كُلِّ جَدِيبٍ مِنْ أَرْضِ الزَّرْعِ دِرْهَمًا وَمِنْ أَرْضِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَفِي كِتَابِ الْعُشْرِ". ينظر المغرب في ترتيب المعرب (ص: 190).

ص: 65

(فالكرم

(1)

أخفُّها مؤنة) وأكثرها ريعًالأنَّه يبقى على الأبد بلا مُؤنة، والمزارع أقلُّها ريعًا وأكثرها مؤنةلأنَّها تحتاج إلى الزِّراعة وإلقاء البَذر في كلِّ عام.

(والرُّطاب

(2)

بينهما) لأنَّها تبقى أعواما، ولا تدوم دوام الكروم، فكانت مُؤنتها فوق مُؤنة الكرم، ودون مُؤنة المزارع. والوظيفة تتفاوت بتفاوت المؤَن لقوله عليه الصلاة والسلام:"ما سقته السَّماء ففيه العشر وما سُقي بغَرْب أو دالية ففيه نصف العشر"

(3)

.

(كالزَّعفران والبستان وغيرِه يوضع عليها بحسب الطاقة) أي: أرض الزَّعفران تُلحق بأرض الزَّرع أو الرَّطبة أو الكَرم، وبأيِّها كانت أشبهَ في قَدر الغَلَّة، فهو مبلَغ الطَّاقة كذا ذكره الإمام التمرتاشي

(4)

.

الاصطلام: الاستئصال؛ أزبن بركردن

(5)

.

(1)

قال تاج الشريعة: الكرم المتصل، والنخيلالمتصلة ما يصل بعضها ببعض على وجه تكون كل الأرض مشغولة بها. البناية شرح الهداية (7/ 227 - 228).

الكرم: هو شجر العنب. والمقصود بقوله أخفها مؤنة: أي أخف الأشياء المذكورة وهي الرطبة، والكرم والنخل، وريعه أكثر، فالواجب فيه أعلى وهو عشرة دراهم، وهذا لأنه يبقى دهر مديدا مع قلة المؤنة.

(2)

الرِّطَابُ: جَمْعُ رَطْبَةٍ كَالْقَصْعَةِ وَالْقِصَاعِ، وَالْجَفْنَةِ وَالْجِفَانِ، وَالْبُقُولُ غَيْرُ الرِّطَابِ فَالْبُقُولُ مِثْلُ الْكُرَّاثِ وَالْبَقْلِ وَالسَّلَقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالرِّطَابُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالْعِنَبِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 373).

وقال صاحب البناية: الرطبة هي التي يقولها أهل مصر البرسيم، وأهل البلاد التركية ينجا، بضم الياء أول الحروف وسكون النون وبالجيم مقصور. البناية شرح الهداية (7/ 227).

(3)

عن جرير عن محمد بن سالم عن أبي إسحق عن عاصم بن ضَمرة عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيما سقت السماء العشر، وما يُسقى بالغَرْب والداليَة ففيه نصف العشر". قال أبو عبد الرحمن: فحدثتُ أبي بحديث عثمان عن جرير فأنكره جدًا، وكان أبي لا يحدثنا عن محمد بن سالم لضعفه عنده وإنكاره لحديثه. أخرجه أحمد في مسنده، ت شاكر (1/ 29).

(4)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (2/ 343).

(5)

الاصطلام: الاستئصال، واصطلم القوم: أبيدوا، والاصطلام إذا أبيد قوم من أصلهم قيل اصطلموا. وفي حديث الفتن: وتصطلمون في الثالثة؛ الاصطلام افتعال من الصلم القطع.

الكرد: الْعُنُق وَأَصلهبالفارسة: كردن. غريب الحديث لابن قتيبة (2/ 340 - 341)، ترجمتها الحرفية: القطع من العنق. وهي ترجمة للاستئصال، وبعبارة فارسية أخرى: از بيخ بركردن.

ص: 66

[الأسباب التي توجب سقوط الخراج]

(أو اصطلم الزَّرع آفة فلا خراج عليه) لأنَّه مصاب فيستحقُّ المؤنَة، ولو أخذنا

(1)

بالخراج كان به استئصاله. وممَّا حمد من سِيَر الأكاسرة

(2)

أنَّهم كانوا إذا اصطلَم الزَّرع آفة يردُّون على الدَّهاقين

(3)

من خزائنهم ما أنفقوا في الأرض، و [يقولون]

(4)

التَّاجر شريك في الخسران كما هو شريك في الربح. فإن لم [نردّ]

(5)

عليه شيئًا فلا أقلّ من أن لا [آخذ]

(6)

منه الخراج. وهذا بخلاف الأجر، فإنَّه يجب بقَدْر ما كانت الأرض مشغولة بالزَّرع؛ لأنَّ الأجر عِوَض

[لوح 497/ أ]

المنفعة، فبِقَدر ما استوفى من المنفعة يصير الأجر دينًا في ذمّته. فأمَّا الخَراج فصِلَة واجبة بقدر ريع الأراضي، فلا يمكن/ إيجابه بعدما اصطلم الزرع آفةههنا أعطي لهذه الأرض المحياة حكم جوازها لاتصالها به. لأنَّه ظَهَر أنَّه لم يمكن من استغلال الأرض.

"فإذا عطَّل أرضه لم يسقُط عنه خراجها لأنَّه هو الذي اختار ترك الاستغلال والانتفاع بها، وقصد بذلك إسقاط حقِّمصارف الخراج، فرُدَّ عليه قصدُهبخلاف العُشر، فالواجب هناك جُزء مِن الخراج. والإيجاب بدون المحلِّ لا يتحقَّق، وههنا الواجب مال في ذمَّته باعتبار تمكُّنه من الانتفاع بالأرض، فلَم ينعدِم ذلك بتعطيله الأرض"

(7)

؛ كذا في المبسوط.

وذكر في الفوائد الظهيرية الفَرْق بين الأَجر والخراج مع أنَّ وجوب كلِّ واحدٍ منهما متعلِّق بالتمكُّن، هو أنَّ الأجر يجب شيئًا فشيئًا بمقابلة استيفاء المنفَعة، ولا كذلك الخراج؛ لأنَّه لا يجب شيئًا فشيئًا، فيُعتبَر المُكنة في المدَّة التي يحصل فيها الريع.

ثم قال: هذا إذا ذهب كلُّ الخارج، أمَّا إذا ذهب بعضُه، فإنْ بقي مقدار الخراج ومثله، بأنْ بقي مقدار دِرهمين وقفيزين يجب الخراجلأنَّه لا يزيد على نِصف الخارج، وإن بقي أقلُّمن مقدار الخراج يجب نِصفه

(8)

.

"قال مشايخنا: ما ذكر في الكتاب أنَّ الخراج يسقط بالاصطلام

(9)

محمولٌ على ما إذا لم يبقَ مِن السَّنة مقدار ما يمكن أنْ يُزرع الأرض ثانيًا. أمَّا إذا بقي فلا يسقُط الخراج"

(10)

.

(1)

في (ب)"أخذناه".

(2)

الأكاسرة: سمة لملوك الفرس، شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (9/ 5830).

(3)

الدهقان: التاجر، فارسي معرب، وهم الدهاقنة والدهاقين. لسان العرب (13/ 163).

(4)

في (أ)"ويقول".

(5)

في (أ)"يرد".

(6)

في (أ)"يأخذ".

(7)

المبسوط للسرخسي (10/ 82 _ 83).

(8)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (2/ 351).

(9)

ينظر مختصر القدوري (ص 367).

(10)

العناية شرح الهداية (6/ 39)، البناية شرح الهداية (7/ 232)، وأحاله إلى شرح الطحاوي.

ص: 67

(وإن عطّلها صاحبها فعليه الخَراج)(لأنَّ التمكُّن كان ثابتًا، وهو الذي فوّته)؛ هذا إذا كانت الأرض صالحةً للمزارعة

(1)

، والمالك مُمَكَّن

(2)

مِن الزِّراعة، فلَم يزرَعْها. أمَّا إذا عَجَز المالك عن الزِّراعة باعتبار عَدَم قوته وأسبابه فللإمام أنْ يدفعها إلى غيره مزارعةً

(3)

، ويأخذ الخراج من نَصيب المالك، ويمسك البَاقي له، وإنْ شاء آجَرها وأخَذَ ذلك من الأُجرة، وإنْ شاء زرعها بنفقة من بيت المال، فإن لم يتمكَّن ولم يجد مَن يقبل ذلك باعَها وأخذ من ثمنها الخراج، وهذا بلا خلاف

(4)

. وإن كان هذا نوع حَجر وفيه ضرر، ولكن هذا إلحاق ضرر بواحد للعامة.

"وعن أبي يوسف: تُدفع إلى العاجز كفايتُه من بيت المال ليعمل فيها قرضًا، وفي جمع الشَّهيد

(5)

باع أرضًا خراجية، فإنْ بقي من السَّنة مقدار ما [يتمكَّن]

(6)

المشتري من الزراعة والخراج عليه وإلا فعلى البائع"

(7)

؛ كذا ذكره الإمام التمرتاشي.

(قالوا من انتقل إلى أخسِّ الأمرين

) إلى آخره

(8)

؛ بأنْ كانتْ الأرض صالحةًللأعلى، وهو الزعفران

(9)

، فزَرَع الشَّعير، يجب الزعفران إلَّا أنَّ هذا [مما يُعلم]

(10)

ولا يفتى به.

(1)

في (ب)"للزراعة".

(2)

في (ب)"متمكن".

(3)

المزارعة لغة: مفاعلة من الزرع، والزرع له معنيان: أحدهما: طرح الزريعة وهي البذر، والمراد إلقاء البذر على الأرض. وثانيهما: الإنبات، والأول معنى مجازي، والثاني حقيقي.

وشرعا: عند الحنفية هي عقد على الزرع ببعض الخارج من الأرض، والمخابرة: مرادفة لها، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (3/ 266 - 267)، الهداية في شرح بداية المبتدي (4/ 337).

(4)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 275)، البناية شرح الهداية (7/ 233)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 118).

(5)

الكافي في فروع الحنفيةللحاكمالشّهيد محمد بن محمد الحنفي، المتوفى: سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، جمع فيهكتب محمد بن الحسن (المبسوط)، وما في جوامعه، وهو كتاب معتمد في نقل المذهب، شرحه السرخسي في المبسوط. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1378).

(6)

في (ب)"يمكن".

(7)

البناية شرح الهداية (7/ 233).

(8)

نص الهداية "

من غير عذر فعليه خراج الأعلى لأنه هو الذي ضيع الزيادة وهذا يعرف ولا يفتى به". الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 400).

(9)

الزعفران: هذا الصبغ المعروف، وهو مِن الطيب. وروي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنّه نهى أنْ يتزعفر الرجل، وجمعه بعضهم، وإنْ كان جنسًا، فقال جمعه زعافير. قال: الجوهري: جمعه زعافر مثل ترجمان وتراجم وصحصحان وصحاصح. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 670)، لسان العرب (4/ 324).

(10)

في (أ)"بعلم".

ص: 68

قوله: (كيلا

(1)

يتجرأ الظَّلمة على أخذ أموال النَّاس).

فإنْ قيل: كيف يجوز هذا، وهُم، لو أخذوا، كان أخذهم في موضعه لكونه واجبًا؟

قلنا: المعنى من ذلك أنَّا لو أفتينا بذلك يدَّعي كلُّ ظالِم في أرض ليس هذا شأنها، كانت هي قبل هذا يُزرع الزعفران والزّراجين

(2)

فيؤخذ منها خَراج الزعفران أو الزّراجين، وهذا منهم طَمَع في غير مطمَع، فيكون هذا ظُلمًا وعدوانًا

(3)

؛ كذا في الفوائد الظهيرية.

(ومن أسلم من أهل الخراج أخذ منه الخراج على حاله) بخلاف الجزية على ما يجيء. وقال مالك: يسقُط ذلك أيضًا

(4)

. وكذلك إذا باعها من مسلم، واعتبر خراج الأرض بخراج الرَّأس، فكَما لا يجب على المسلم بعد إسلامه ذلك، فكذلك خراج الأرض. ولكنَّا نقول: الخراج مُؤنة الأرض النَّامية كالعُشر، والمسلم من أهل التزام المؤنَة، وهذا لأنَّه بعد الإسلام لا تُخلَّى أرضُه عن مؤنَة، فإبقاء ما تقدَّر واجبًا أولى لأنَّاإنْ أسقطنا ذلكاحتجْنا إلى إيجاب العُشر بخلاف خراج الرَّأس، وإنَّا لو أسقَطنا ذلك عنه بعد إسلامه لا يحتاج إلى إيجاب مؤنة أخرى عليه.

(1)

في (ب)"لئلا".

(2)

الزراجين: جمع زرجون بفتحتين وهو شجر العنب وقيل قضبانه. المغرب في ترتيب المعرب (ص: 207).

(3)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 40)، البناية شرح الهداية (7/ 234).

(4)

اتفق الفقهاء على أنّ الخراج العنوي لا يسقط عن الأرض الخراجية بإسلام صاحبها ولا بانتقالها إلى مسلم لأنّ الأرض المفتوحة عنوة موقوفة على جميع المسلمين، والخراج المضروب عليها بمثابة الأجرة فلا يسقط بإسلام من بيده هذه الأرض ولا بانتقالها إلى مسلم.

واختلفوا في الخراج الصلحي (المضروبعلى الأرض التي صالح المسلمون أهلها على أن لهم الأرض وللمسلمين الخراج) هل يسقط بعد إسلام صاحبها، أو انتقالها إلى مسلم،

فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى سقوط الخراج الصلحي إذا أسلم صاحب الأرض، أو انتقلت إلى مسلم، لما روى العلاء بن الحضرمي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البحرين، أو إلى هجر، فكنت آتي الحائط يكون بين الإخوة يسلم أحدهم، فآخذ من المسلم العشر، ومن المشرك الخراج، ولأن الخراج الصلحي بمثابة الجزية التي تتعلق بالكفر، فإذا زال الكفر سقط الخراج كما تسقط الجزية.

وذهب الحنفية إلى عدم سقوط الخراج الصُّلحي قياسًا على الخراج العنوي؛ ولأنّالخراج مؤنة الأرض، والأصل فيها أنّها لا تتغير بتبدل المالك إلا لضرورة، فإذا أسلم صاحب الأرض الخراجية أو باعها من مسلم فلا ضرورة، لتغير المؤنة؛ لأنّ المسلم من أهل وجوب الخراج - أي في الجملة.

ينظر: مواهب الجليل 2/ 278، الكافي 1/ 482، الماوردي: الأحكام السلطانية ص 147، رحمة الأمة على هامش الميزان 2/ 174، الأحكام السلطانية ص 169، المغني 2/ 725. والمبسوط 10/ 80، فتح القدير 5/ 285، تبيين الحقائق 3/ 271، الخراج ص 63، 69، بدائع الصنائع 2/ 928.

ص: 69

قوله: (مِن غير كراهية) احتراز عمَّا يقولهالمتقَشِّفة

(1)

، فإنَّهم يكرهونه، ويستدلُّون بما رُوي أنَّالنَّبي عليه الصلاة والسلام رَأى شيئًا مِن آلات الحراثة فقال:"ما دخل هذا بيت قوم إلا ذلوا"

(2)

؛ ظنوا أن المراد الذّل بالتزام الخراج، وليس كذلك، بل المراد أنَّ المسلمين إذا اشتغلوا بالزِّراعة، واتبعوا أذناب البَقَر وقعدوا عن الجهاد كَرَّ

(3)

عليهم عدوُّهم فجعلوهم أذلةً. ولكنَّا نستدِلُّ بحديث ابن مسعود

(4)

-رحمه الله تعالى- أنَّه كان له أرض خراج بالسَّواد، فكان يؤدِّي فيها الخراج، وكذلك رُوي عن الحسن بن علي

(5)

، وأبي هريرة

(6)

-رحمهما الله تعالى-

(7)

.

(1)

في (أ)"المتفقهة"، والصحيح ما أثبته. ينظر العناية شرح الهداية (6/ 41)، وقال: هم طائفة من الصوفية.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المزارعة، باب مايحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع، برقم (2321) 3/ 103، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، قَالَ: وَرَأَى سِكَّةً وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الحَرْثِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الذُّلَّ".

(3)

في (ب)"تولى".

(4)

عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن: صحابي، من أكابرهم، فضلًا وعقلًا، وقربًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من أهل مكّة، ومن السّابقين إلى الإسلام، وأوّل من جهر بقراءة القرآن بمكة، وكان خادم رسول الله الأمين توفي سنة (32 هـ). الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 199 - 200).

(5)

الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام. يكنى أبا محمد، وعن أنس بن مالك قال: كان الحسن بن علي أشبههم وجهًا برسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي سنة (50 هـ). صفة الصفوة (1/ 299 - 300)، الإصابة في تمييز الصحابة (2/ 60).

(6)

عبد الرحمن بن صخر الدوسي، الملقب بـ أبي هريرة: صحابي، كان أكثر الصحابة حفظًا للحديث وروايةً له. نشأ يتيمًا ضعيفًا في الجاهلية، وقدم المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فأسلم سنة 7 هـ ولزم صحبة النَّبي، فروى عنه 5374 حديثا، توفي سنة (57) وقيل (59 هـ). صفة الصفوة (1/ 266)، الإصابة في تمييز الصحابة (7/ 348).

(7)

أخرجه أبو يوسف في كتاب الخراج (ص: 74)، وقد ذكر الزيلعي في نصب الراية (3/ 441)، وابن حجر في الدراية (2/ 131) عدة آثار تفيد هذا المعنى.

ص: 70

ثم معنى الصَّغار في ابتداء وَضْع الخراج دون البقاء، كما أنَّ معنى العُقود في ابتداء الاسترقاق دون البقاء حتَّى إذا أسلم الرَّقيق يبقى رقيقًا بخلاف خراج الرؤوس، فإنّه ذلّ ابتداءً وبقاءً، فلهذا لا يبقى بعد الإسلام

(1)

؛ كذا في المبسوط.

(في محلين بِسبَبَين مختلفَينِ) أي: في مَحلّين مختلفين بِسببَين مختلفين، وكذلك بمصرفَين مختلفين. أمَّا اختلاف المحلَّ، فإنَّ الخراج في ذمَّة المالك، والعُشر في الخارج. وأمَّا اختلاف السَّبب، فإنَّ سبب الخراج الأرض النَّامية تقديرًا، وسبب العُشر الأرض النَّامية تحقيقًا. وأمَّا اختلاف المصرِف، فإنَّ الخراج مصروف إلى المُقَاتِلَة، والعُشر مصروف إلى الفقراء.

(والوصفان لا يجتمعان) فإنَّ بينهما تنافيًالأنَّ الطَّوع ضِدّ الكُره الحاصل مِن القهر، فلمَّا لم يجتمِع السَّببان لم يثبت الحُكمان، ولهذا يُضافان إلى الأرض، فيقال: عُشر الأرض وخراج الأرض.

(وعلىهذا الخلاف الزَّكاة مع أحدِهما) أي: يجب العُّشر أو الخراج عندنا، ولا يجب الزَّكاة، صورته: "وإذا اشترى أرضَ عُشر أو خراج للتِّجارة لم يكن عليه زكاةُ التِّجارة عندنا. وعند محمدٍ -رحمه الله تعالى- أنَّ عليه زكاة التِّجارة مع العُشر والخراج، وهو قول الشَّافعي

(2)

-رحمه الله تعالى-. ووجهه: أنَّ العُشر محلُّه الخارج، والزَّكاة محلُّها عَين مال التجارة، وهو الأرض فلَم يجتمعا في محلٍّ واحد، فوجوب أحدهما لا يمنع وجوب الآخر، كالدَّين مع العشر.

وجه ظَّاهر الرِّواية أنَّ العُشر والخراج مُؤنَة الأرض النَّامية. ألا ترى أنَّه يقال: عُشر الأرض وخراج الأرض، وكذلك الَّزكاة وظيفة المال النَّامي وهي الأرض، فكُلُّ واحد منهما يجب حقًّا لله تعالى، فلا يجب بسبب ملك مالٍ واحدٍ حقَّانِ لله تعالى، كما لا تَجب زكاة السَّائمة، وزكاة التِّجارة باعتبار مالٍ واحد. وإذا ثبت أنَّه لا وجه للجمْع بينهماقلنا: العُشر والخراج صار وظيفةً لازمةً لهذه الأرض لا يسقط بإسقاط المالك، وهو أَسبق ثبوتا من زكاة التِّجارة التي كان وجوبها بِنِيتِه، فلهذا بَقِيَت عُشرية وخراجية كما كانت"

(3)

؛ كذا في المبسوط.

وقوله

(4)

في المبسوط: وكلُّ واحدٍ منهما يجِب حقًا لله تعالى؛ خرج الجواب عن وجوب الدَّين مع العُشر، فإنَّ الدَّين يجب للعَبد، والعُشر لله تعالى، فلا تنافي بينهما فيجبانِ، وإنْ كان بسبب ملك واحدٍ (لأنَّ عمر رضي الله عنه لم يوظِّفه مكرَّرًا)، ولأنَّ ريع عامَّة الأراضي في السَّنة يكون مرَّة واحدةً؛ وإنَّما يُبنى الحكم على العامِّ الغالب

(5)

؛ كذا في المبسوط، والله أعلم بالصواب

(6)

.

(1)

ينظر المبسوط للسّرخسي (3/ 5).

(2)

ينظر الحاوي الكبير (7/ 470)، المجموع شرح المهذب (5/ 534).

(3)

المبسوط للسرخسي (2/ 207).

(4)

في (ب)"وبقوله".

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 82).

(6)

ساقط من (ب).

ص: 71

‌باب: الجزية

(1)

:

لما ذكر خراج الأراضي ذكر في هذا الباب خراج الرؤوس، وهو الجزية، إلا أنَّه قد قدَّم الأوَّل لأنَّ العُشر يشاركه في سببه، وفي العشر معنى القُربة، وبيان القُرُبات مقدَّم.

الجزية: اسم لما يؤخذ من أهل الذمة، والجمع: الِجزَى

(2)

، مثل اللِّحية واللِّحَى. وإنَّما سميت بها لأنَّها تُجزيء عن الذِّمِّي أي: تَقضي

(3)

وتكفي عن القتل، فإنَّه إذا قَبِلها يسقط عنه القتل.

"أما خراج الرؤوس ثابت بالكتاب والسنة.

أمَّا الكتاب: فقوله سبحانه وتعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. وأمَّا السُّنة: ما روي "أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أَخَذ الجِزية مِن مجوس هَجَر

(4)

(5)

"وأخذ الحُلل من نصارى نجران"

(6)

، وكانت جزية، وقال:"سُنُّوا بالمجوس سُنَّة أهل الكتاب"

(7)

؛ يعني في أخذ الجزية منهم.

(1)

في (ب)"في الجزية".

(2)

في (ب)"الجزاي".

(3)

في (أ)"تعفي"، والصحيح ما أثبته. ينظر العناية شرح الهداية (6/ 44).

(4)

هجَر: بفتح أوله وثانيه، وفي اشتقاقه وجوه؛ فيجوز أن يكون من هجر إذا هذى، ويجوز أن يكون منقولًا من الفعل الماضي، ويجوز أنْ يكون من الهجرة، ومعنى هجر بلغة حِمِيَر والعرب العادية: القرية، وهناك هجر البحرين، وهجر نجران، وهجر جازان، والمراد هنا هجر البحرين، وهجر اسم لجميع أرضه، وبينها وبين يبرين سبعة أيام، والغالب على لفظة هجر التذكير والصرف، وربّما أنثت ولم تصرف، والنسبة إليها هاجري. معجم البلدان (5/ 393)، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع (4/ 1346)، تهذيب الأسماء واللغات (4/ 188)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (2/ 634).

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجزية، باب الجزية والموادعة من أهل الحرب، برقم (3157) 4/ 96.

(6)

نجران، بالفتح، ثم السكون، وآخره نون: بلدة معروفة كانت للأنصار، سمّيت بنجران من سبأ ولد قحطان لأنّه أوّل من عمَّرها، وكان أهلها يدينون بدين العرب، ثم انتقلوا إلى النّصرانية إلى أنْ فتحت في عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم وتقع بين مكّة واليمن على سبع مراحل من مكّة، وليست من بلاد الحجاز، إنّما من بلاد اليمن. معجم البلدان (5/ 266)، تهذيب الأسماء واللغات (4/ 176).

(7)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (1059)، 19/ 437.

وقال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم. ينظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (6/ 13).

ص: 72

وقد طعن بعض الملحدين وقالوا: كيف يجوز تقرير الكافر على الشِّرك الَّذي هو أعظم الجرائم بمالٍ يُؤخذ منه؟ ولو جاز ذلك جاز تَقرير الزَّاني على الزِّنى بمالٍ يُؤخذ منه.

[لوح 498/ أ]

والكلام في هذا يرجع إلى الكلام في إثبات الصَّانع، وأنَّه حكيم وإثبات النُّبوة، ثُمَّ نقول: المقصود ليس هو المال، بل الدُّعاء إلى الدِّين بأحسَن الوجوه؛ لأنَّه بعقْد الذِّمة يُترك القِتال أصلًا، ولا يقاتَل من لا يقاتِل ثُمَّ يَسكُن بين المسلمين فَيرى محاسِن الدِّين، ويعِظُه واعِظ، فربّما يُسلم، إلَّا أنَّه إذا سَكَن دارالإسلام، فما دام مُصِرًّا على كُفره لا يخلَّى عن صَغار وعقوبة، وذلك بالجزية الَّتي تُؤخذ منه ليكون ذلك دليلًا على ذلِّ الكافر، وعزِّ المؤمِن. ثُمَّ يأخذ المسلمون/ الجزية منه خَلَفًا عن النُّصرة التي فاتت بإصراره على الكفر لأنَّ مَن هو مِن أهل دار الإسلام فَعَلَيه القيام بنُصرة الدَّار، وأبدانُهم لا تصلُح لهذه النُّصرة؛ لأنَّهم يميلون إلى أهل الدَّار المعادية، فيشوِّشون علينا أهل الحرب، فيؤخذ منهم المال ليصرف إلى الغزاة الذين يقومون بنصرة الدّار.

ولهذا يختلف باختلاف حالِه في الغنى والفقر، فإنَّه معتبَر بأصل النُّصرة، والفقير، لو كان مسلمًا، كان ينصُر الدَّار رَاجِلًا، ووسَط الحال كان ينصُر الدار راكبًا، والفائق في الغنى يرْكَب ويُركِب غلامًا، فما كان خَلَفًا عن النُّصرة يتفاوت بتفاوُت الحال أيضًا"

(1)

؛ كذا في المبسوط.

وذكر في الفوائد الظهيرية: اعلم أنَّ أهل الذِّمَّة في حقِّ ما

(2)

يجب عليهم أنواعٌ ثلاثة: التَّغلُبي، والنَّجراني مِن النصارى، وسائر أهل الذِّمة. فالتَّغلُبي تؤخذ منه الصَّدقة مضاعفةً اتِّباعًا لعمر رضي الله عنه، والنَّجراني تُؤخذ

(3)

منه الحُلل اتِّباعًا لرسول الله عليه الصلاة والسلام.

وسائر أهل الذمَّة يؤخذ منهم الِجزى

(4)

على المقادير التي ذكرنا

(5)

في الكتاب

(6)

.

(1)

المبسوط للسرخسي (10/ 77 _ 78).

(2)

في (ب)"من".

(3)

في (ب)"يؤخذ".

(4)

في (ب)"الجزاي".

(5)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (2/ 355).

(6)

"وجزية يبتدئ الإمام وضعها إذا غلب الإمام على الكفّار وأقرّهم على أملاكهم فيضع على الغني الظاهر الغنى في كلّ سنة ثمانية وأربعين درهمًا، يأخذ منهم في كل شهر أربعة دراهم، وعلى وسط الحال أربعة وعشرين درهمًا، في كل شهر درهمين وعلى الفقير المعتمل اثني عشر درهما، في كل شهر درهما" بداية المبتدي (ص: 121).

ص: 73

وذكر في الصحاح والمغرب: " (ونجران) بلاد وأهلها نصارى"

(1)

، "والحلَّة إزار ورِداء، هذا هو المختار، ولا يُسمَّى حلَّة حتَّى يكون ثوبَينِ، وهي مِن الحُلول أو الحَلّ لما بينهما من الفرجة"

(2)

.

(ولأنَّ الموجب هو التراضي) فالموجب لوجوب الجزية في الأصل هو اختيارهم البَقاء على الكُفْر بعد أنْ غُلِبوا، لا التَّراضي، وإنَّما التَّراضي لتعيين ما رَضَوا عليه مِن الأَموال بَعد أنْ وَجبَ عليهم أصل الجزية بِسبَب الذي قُلنا، فصار هذا كوجوب الدِّية بالتَّراضي في القَتل العَمد، فإنَّ القتل عَمدًا غير موجِب للدِّية في أَصلِه، بل هو موجِب للقصاص، لكن للتَّراضي تأثير في العُدول عن القِصاص إلى الدِّية، فكذلك ههنا للتَّراضي تأثير في العدول عن مطلَق وجوبِ الجزية التي يختارها الإمام إلى ما عيَّنوه من المال بالتَّراضي.

(وعلى الفقير المعتمل) وَإنَّما قيّد بالاعتمال، وهو الاضطراب في العمل، أي: الاكتساب، لما أنَّه لو لم يعمَل بسبب المرَض لا يجب عليه الجِزية على ما يجيء.

وذكر في الإيضاح: ولو مَرِض الذِّمي السَنة كلَّها فلَم يقدِر أنْ يعمَل، وهو موسِر، أنَّه لا يجب عليه خراج رأسِه لما ذكرنا أنَّه يجب على الصَّحيح المعتمل. وكذا إن مرض نِصف السَّنة أو أكثرها، وإنْ صحَّ أكثر السَّنة فعليه خراج رأسه لأنَّ للأكثر حكم الكلِّ. وأمَّا لو ترك العمَل مَع القدرة عليه صار كالمعتمِل

(3)

، كمَن قدر على الزِّراعة فلَم يزرَع، يجب عليه الخراج.

(من كلّ حالم وحالمة) أي: من كل بالغ وبالغة أو (عدلَه مَعَافرَ) أي: أُوخذ مثل دينار بُردًا مِن هذا الجنس.

(ويقال: ثَوْبٌ مَعَافِرِيٌّ) مَنْسُوبٌ إلَى مَعَافِرِ بْنِ مُرٍّ أَخِي تَمِيمِ بْنِ مُرٍّ ثُمَّ صَارَ لَهُ اسْمًا بِغَيْرِ نِسْبَة

(4)

؛ كذا في المغرب.

"وذكر في الفوائد الظهيرية: معافر حيٌّ من هَمْدان يُنسب إليه هذا النَّوع من الثياب.

وعَدل الشيء -بالفتح-: مثله من خلاف جنسه و-بالكسر- مثله من جنسه"

(5)

. وهذا لأنَّه وجَب بَدَلًا عن النُّصرة بالنَّفس والمال، ولهذا صُرِفت الجزية إلى أهل الجهاد دون الفقراء والمساكين، ولهذا ضُرِبت الجزية على الصَّالحين للقتال الذين يَلزمهم القتال في سبيل الله لو كانوا مسلمين.

(1)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 456).

(2)

ينظر الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1673)، المغرب في ترتيب المعرب (ص: 126).

(3)

ينظر الفتاوى الهندية (2/ 244).

(4)

ينظر المغرب في ترتيب المعرب (ص: 320).

(5)

العناية شرح الهداية (6/ 46).

ص: 74

فإن قيل: هذا لا يجوزلأنَّ القتال فَرض كفاية والجزية فَرض عين. قلنا: إنَّ القتال في الأصل واجب على كلِّ إنسانٍ منَّا لكنَّه وَجَب للذَّب عَن الدَّار وكسر شوكة الكفَّار، فإذا حَصَل ذلك بالبَعْض سقط عن الآخرين، وهذا كالسعي، واجبٌ على كل مسلم إلى صلاة الجمعة، فإنْ حمله إنسانٌ كرهًا إلى المسجد سقط عنه ذلك؛ لأنَّه وَجب لإمكان الجمعة، وقد حصل بدون فِعله، فكذلك الجهاد حتَّى إذا لم يحصل ذلك لزِم على كلِّ إنسان ذلك.

"فإن قيل: النُّصرة طاعة لله تعالى، وهذه عُقوبة فَكيف تكون العُقوبة خَلَفًا عن الطاعة؟ قلنا: إنَّ الخَلَفية عن النُّصرة في حقِّ المسلمين لما فيه من زيادة القوَّة للمسلمين، وهم يُثابون على تلك الزِّيادة الحاصلة بسبب أموالهم بمنزلة ما لَو أعاروا دوابَّهم للمسلمين"

(1)

؛ كذا في الأسرار.

[بيان من تؤخذ منهم الجزية]

(وما رواه محمول على أنَّه كان صُلحًا) والدَّليل على ذلك أنَّه أمر بالأخذ من النِّساء، والجزية لا تَجب على النساء

(2)

؛ كذا في المبسوط.

(وتُوضع الجزية على أهل الكتاب) أطلق أهل الكتاب ولم يقيِّد بأنَّهم من الَعجم أو من العَرب ليتناول الفَريقين كلَّهم، فإنَّ وضع الجزية على أهل الكتاب من العرب جائز بخلاف المشركين/ مِن العرب على ما يجيء بيانه، إِنْ شاء الله تعالى.

(وعبدة الأوثان من العجم) بالجَرِّ عطفًا

(3)

على أهل الكتاب؛ وإنما قيَّد بقوله: (من العجم) احترازًا

(4)

عن عبَدة الأوثان من العَرب، فإنَّه لا يوضع عليهم الجزية على

(5)

ما ذكر في الكتاب، ثُمَّ قيَّد فيه بأنْ لا يوضع على عَبَدة الأوثان مِن العرب احترازًا

(6)

عن أهل الكتاب من العَرَب، فإنَّه يوضع عليهم.

(وفيه خلاف الشافعي)، وخلافه فيمن يُوضع عليه الجزية، وفيمَن يسترقّ، فكان خلافُه ههنا في موضِعَينِ. أمَّا فيمن يُوضع ففي عَبَدة الأوثان مِن العَجَم، فعندنا يوضع عليهم الجزية، وعنده لا يوضَع عليهم الجزية، بل يسترقَّون

(7)

. وأمَّا فيمن يسترقُّ فعندنا لا يسترقُّ مشركوا العرب وعنده يسترقون

(8)

.

(1)

العناية شرح الهداية (6/ 47).

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 79).

(3)

في (أ)"العطف"، والصّحيح ما أثبته. ينظر العناية شرح الهداية (6/ 48).

(4)

في (ب)"احتراز".

(5)

ينظر بداية المبتدي (ص: 121).

(6)

في (ب)"احتراز".

(7)

فعنده: لا تؤخذ إلّا من أهل الكتاب عربًا كانوا، أو عجمًا، ويلتحق بهم المجوس للآية في أهل الكتاب، وللحديث في أهل المجوس، وأمَّا عبدة الأوثان ونحوهم، فلا يقرون بالجزية سواء العربي، أو العجمي. ينظر الأم للشافعي (4/ 184)، الحاوي الكبير (14/ 155)، نهاية المطلب في دراية المذهب (18/ 9).

(8)

ينظر المجموع شرح المهذب (19/ 312).

ص: 75

وفي الأسرار: وقال الشافعي رحمه الله لا تُقبل الجزية إلَّا من أهل الكتاب، ويسترقُّ مشركوا العَرب والعَجم جميعًا

(1)

.

(إذ كلُّ واحدٍ منهما) أي: مِن الإسترقاق وضرب الجزية؛ فإنَّهما يتساويان فيجريان مجرىً واحدًا، فإنَّ الاسترقاق سَلْب النَّفس معنىً، وكذا أخذ الجزية؛ لأنَّه يعمل

(2)

ويؤدِّي ما يكتسِب إلى المسلمين، فكلُّ مَن

(3)

جاز إبقاؤه للاسترقاق، جاز إبقاؤه لأخْذ الجِزية

(4)

؛ كذا في الإيضاح.

ولا يلزم على هذا استرقاق الصِّبيان؛ لأنَّهم صاروا أتباعًا لأصولهم في الكْفر فلزمهم حكم الأصول أيضًا

(5)

؛ كذا في الأسرار.

فإن قيل: الجزية ليست بمساوية للاسترقاق، ألا ترى أنَّ المرأة تُسترقُّ، ولا يجوز ضرب الجزية عليها؟ قلنا: امتناع ضرب الجزية عليها لمانع لا يدلُّ على عَدم مساواتهما

(6)

. والجزية مشروعة لإسقاط القَتل، فكلُّ مَن يُقتل مِن الكفَّار باعتبار صلاحيتهم القتال يُؤخذ منهم الجزية، والمرأة لا تُقْتَل فلا يُؤخذ منها الجزية لذلك. وأمَّا المساواة بين ضَرب الجزية والاسترقاق فثابتةٌ لما ذكرنا، وبدليل ثبوت الخيار للإمام عند الظهور عليهم في رقابهم بين الاسترقاق وبين ضَرب الجزية على رقابهم.

(وإن ظهر عليهم) أي: على أهل الكتاب والمجوس وعبدة الأوثان من العجم.

(قبل ذلك) أي: قبل وضع الجزية، أي: الحُكم فيهم لو

(7)

لم توضَع الجزية عليهم، فهم بأجمعهم مِن الرِّجال والنساء والصِّبيان غنيمة للمسلمين.

[من لاتؤخذ منهم الجزية]

(ولا توضع على عبدة الأوثان من العرب) وإنَّما قيَّد بعبَدَة الأوثان مِن العرب لأنَّ وضع الجزية على أهل الكتاب من العرَب جائز، فإنَّه ذكر في شرح الجامع الصغير للإمامين العَلَمين في الإتقان الجبَلَينِ في التِّبيان، أعني: شمس الأئمة وفخر الإسلام: محمدٌ عن يعقوب عن أبي حنيفة في قومٍ عَرَب من أهل الكتاب أرادوا منَّا أنْ نأخذ منهم الخراج فيكونون ذمَّةً لنا، قال [نفعله]

(8)

ولا بأس به، وإنْ ظهَرنا عليهم قبل أنْ [يعطيَهم]

(9)

من ذلك شيئًا فهم رجالهم ونسائهم فيء

(10)

.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 118).

(2)

في (ب)"لا يعمل"، والصَّحيح ما أثبته بدليل قوله في الهداية:"منهم فإنّه يكتسب ويؤدّى إلى المسلمين"، فقوله يكتسب يلزم منه العمل لا عدمه.

(3)

في (ب)"ما".

(4)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 116).

(5)

ينظر شرح السير الكبير (ص: 1431).

(6)

في (ب)"مساواته".

(7)

في (ب)"ولو".

(8)

في (أ)"بفعله".

(9)

في (أ)"نعطيهم".

(10)

ينظر الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 303 - 304).

ص: 76

وأصله قول الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29]، ولم يُفصِّل، بل الظَّاهر أنَّها نزلَت في العَرَب؛ وأنَّ

(1)

النَّبي عليه الصلاة والسلام صالح أهل نَجران، وهم نصارى من العرب، على ألف ومائتي حلَّة

(2)

، "وأن عمر رضي الله عنه طَلَب الجِزية من بني تغلُب"

(3)

وهم نصارى العرب؛ ولأنَّ في كفرهم ضَرب خفّة

(4)

بسبب الكتاب، فصحَّ تقريرهم على كفرهم بالجزية. فإنْ

(5)

ظَهرنا عَليهم كانوا فَيئًا لأنَّه لما صحَّ تقريرُهم على كفرهم بالجزية صحَّ تقريرهم لضرب الرِّق لأنَّ في

(6)

كلِّ واحدٍ من الموضِعين إحياؤه بطريق فيه منفعة للمسلمين. وأمَّا عَبَدة الأوثان مِن

(7)

العَرب، لا يجوز أخذ الجزية منهم، فلا يجوز استرقاقهم أيضًا.

فإنْ قيل: أليس أنَّالنَّبي عليه الصلاة والسلام قال يوم أَوطاس

(8)

: "لو جرى رِقٌّ على عربي لجرى اليوم"

(9)

من غير تفصيلٍ بين عَبدة الأوثان منهم وبين أهل الكتاب؟ قلنا: مراده عربيُّالأصل، وأهل الكتاب، وإنْ سكنوا فيما بَين العَرب وتوالدوا، فهم ليسوا بعَرب في الأصل، وإنَّما العَرب في الأصل عَبَدة الأوثان، فإنّهم أُمِّيّون كما وصفهم الله تعالى به.

(1)

في (ب)"فإن".

(2)

أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الخراج والإمارة والفئ، باب في أخذ الجزية، برقم (3041) 4/ 648، عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشىعن ابن عباس، "قال: صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران على ألفي حلة". قال ابن الملقن إسماعيل هذا هو السدي الكبير وفيه مقال، قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال ابن معين: في حديثه ضعف. البدر المنير (9/ 195).

(3)

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب أهل الكتاب، باب لايهود مولود، ولاينصر، برقم (9974) 6/ 50، أخبرنا عبد الرزاق قال: عن ابن جريج، عن أبي إسحاق الشّيباني، عن كردوس التغلبي قال: قدم على عمر رجل من تغلب، فقال له عمر:"إنّه قد كان لكم نصيب في الجاهلية فخذوا نصيبكم من الإسلام"، فصالحه على أنْ أضعف عليهم الجزية، ولا ينصروا الأبناء.

قال ابن الملقن في البدر المنير (9/ 212): وهذا الأثر ذكره الشافعي فقال: قد ذكره حفظة المغازي وساقوا أحسن سياقة أن عمر

فذكره.

ومثله في التلخيص الحبير لابن حجر (4/ 233)، وساق حديث ابن أبي شيبة عن كردوس، وقال رواه البيهقي من طريق أبي إسحاق الشيباني وأتم منه.

(4)

في (أ)"حقه".

(5)

في (أ)"بأنْ".

(6)

ساقط من (ب).

(7)

في (ب)"و".

(8)

أوطاس: وادٍ في ديار هوازن فيه كانت وقعة حنين للنّبي صلى الله عليه وسلم ببني هوازن، أوطاس مِن النوادر التي جاءت بلفظ الجمع للواحد، وهو وادٍ في ديار هوازن جنوبي مكّة بنحو ثلاث مراحل وكانت وقعتها في شوال بعد فتح مكّة بنحو شهر. معجم البلدان (1/ 281)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (2/ 664).

(9)

أخرجه الطبراني في الكبير، برقم (355) 20/ 168،

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رِشْدِينَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْبَلَوِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَوْ كَانَ ثَابِتًا عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ رِقٌّ كَانَ الْيَوْمَ، إِنَّمَا هُوَ إِسَارٌ أَوْ فِدَاءٌ".

قال الهيثمي: فيه يزيد بن عياض وهو كذاب. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (5/ 332).

ص: 77

قوله: (وجَوابه ما قُلنا) وهو قوله: (لأنَّ كفرهما قد تغلَّظ).

(وإذا ظُهِر عليهم) أي: عَلى مشركي

(1)

العرب والمرتدِّين.

(فنِساؤهم وصبيانهم فُيء) إلَّا أنَّ ذراري المرتدِّين ونسائهم يجبرون على الإسلام، وذراري عَبَدة الأوثان من العَرَب ونساؤهم لا يُجبرون على الإسلام؛ لأنَّ أولئك لم يثبت في حقِّهم حكم الإسلام/؛ والإجبار على الإسلام يكون بعد ثُبوت حكم الإسلام في حقِّه، وذراري المرتدِّين قد ثبت حكم الإسلام في حقِّهم تَبَعًا لآبائهم، فيُجبَرون على الإسلام. وأمَّا المرتدَّاتُ، فقد كُنَّ مقِرّات بالإسلام، والجاحد بعد الإقرار مجبَر على العَود إلى الإقرار، والعربية لم يسبق منها الإقرار بالإسلام، فلا يُجبر على الإسلام بعد الاسترقاق

(2)

؛ كذا في الجامع الصَّغير للعلَّامتَين.

ويؤخذ الجزية من كل كافر سواء مشركي العرب.

وأما الصابئون

(3)

، قال أبو حنيفة رحمه الله: تُؤخَذ منهم الجِزية.

وقال صاحباه: لا تُؤخَذ. قالوا: إنَّما قال بذلك أبو حنيفة لأنَّه وقَع في رَأيه أنَّهم مِن أهل الكتاب. وأمَّا الزَّنادقة فأخذ الجِزية منهم بناءً على قبول التَّوبة منهم. قالوا: لو جاء الزِّنديق قبل أَنْ يؤخَذ فأقَرَّ أنَّه زنديق فتاب عن ذلك تُقبَل توبتُه، فإنْ أُخِذ ثم تاب لا تُقبل

(4)

توبتهلأنَّهم باطنية يُظهِرون شيئًا ويعتقدون في الباطن خلافَ ذلك، فيُقتلون، ولا تُؤخَذ منهم الجِزية، ولا تُقبل توبتُهم

(5)

؛ كذا في سِيَر فتاوى قاضي خان.

"حنيفة: أبو حيٍّ مِن العَرب، وهو حَنيفة ابن لُجَيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل"

(6)

؛ كذا في الصحاح. وقيل: المراد بِبني حَنيفة رَهْط مسَيلمة الكذَّاب

(7)

.

(1)

في (أ)"مشركين".

(2)

ينظر الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 304).

(3)

الصابئون: قوم يزعمون أنهم على دين نوح بكذبهم وقبلتهم من مهب الشمال عند منتصف النهار. المحكم والمحيط الأعظم (8/ 354).

(4)

في (ب)"يقبل".

(5)

ينظر الفتاوى الهندية (2/ 245).

(6)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1347).

(7)

هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي، أبو ثمامة: متنبئ، من المعمرين، وفي الأمثال "أكذب من مسيلمة"، ولد ونشأ باليمامة، في القرية المسماة اليوم بالجبيلة، بقرب "العيينة" بوادي حنيفة، في نجدوتوفي النَّبي صلى الله عليه وسلم قبل القضاء على فتنته، فلما انتظم الأمر لأبي بكر، انتدب له أعظم قواده "خالد بن الوليد" على رأس جيش قوي، وانتهت المعركة بظفر خالد ومقتل مسيلمة سنة (12 هـ). ينظر سيرة ابن هشام ت السقا (2/ 576)، تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس (2/ 157)، شذرات الذهب في أخبار من ذهب (1/ 151).

ص: 78

له إطلاق حديث معاذ

(1)

، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:"خذ من كلّ حالِم وحالِمة"

(2)

.

(لأنَّهم تحمَّلوا الزِّيادة بسبَبِهم) أي: صار مواليهم بسبَبِهم من صِنف الأغنياء أو وسَط الحال، فإنَّ عيسى بن أبان

(3)

فسَّر الغَني بأْن كان ما يملكه يكفِيه وعيالَه ويفضُل، فربَّما كان الرَّجل بكثرة غِلمانه وإكسابهم يكُون على هذه الصِّفة فيكون غَنيًا، وجزية الغني على ضِعف

(4)

جِزية الفقير، فكان تحمُّل زيادةِ الجزية بسبب الغِلمان؛ ثمَّ لو قلنا بأنَّه يؤدِّي عنهم أيضًا لكان وجوب الجزية مرَّتَين بسبب شيءٍ واحد، وذلك لا يجوز.

[إسلام من عليه جزية]

(ومن أسلم وعليه جِزية سقطت عنه) سواء كان

(5)

قبل استكمالِ السَّنَة أو بعدها، قبل أنْ يُؤخذ منه خَراج رأسِه سقَط عنه ذلك عندنا

(6)

.

وقال الشافعي: إنْ أسلَم بعد كمالِ السَّنة لم تَسقُط، وإنْ أسلَم قبل كمال السَّنة فله فيه وجهَان

(7)

. وكذلك إذا مات كافرًا، وكذلك إذا عَمِي أو صار مُقعَدًا أو زَمِنًا أو شيخًا كبيرًا لا يستطيع أنْ يعمَل أو صار فقيرًا لا يقدِر على شيء، وبقي عليه من جِزية رأسِه شيءٌ، سقَطَ ذلك البَاقي

(8)

؛ كذا في فتاوى قاضي خان.

(1)

هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن: صحابي جليل، كان أعلم الأمة بالحلال والحرام، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم، وشهد العقبة مع الأنصار السّبعين. وشهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، له 157 حديثا. توفي سنة (18 هـ). ينظر حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 228)، صفة الصفوة (1/ 185)، أسد الغابة (5/ 187).

(2)

قال عليه السلام لمعاذ: "خذ من كل حالم، وحالمة دينارًا أو عدله معافر"، قلت: أخرجه أبو داود، والترمذي والنسائي 3 "في الزكاة" عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم دينارًا أو عدله معافر، انتهى. قال الترمذي: حديث حسن، وذكر أن بعضهم رواه عن مسروق عن النَّبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، قال: وهو أصح، نصب الراية (3/ 445 - 446).

(3)

هو عيسى بن أبان بن صدقة، أبو موسى: قاض من كبار فقهاء الحنفية، كان سريعًا بإنفاذ الحكم، عفيفًا، خدم المنصور العباسي مدّة، وولي القضاء بالبصرة عشر سنين، وتوفي بها. سنة (221 هـ)، تاريخ الإسلام ت بشار (5/ 651)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 401).

(4)

في (ب)"صعف".

(5)

ساقط من (ب).

(6)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 80).

(7)

وإن مات، أو أسلم في أثناء السنة، يجب قسط ما مضى كالأجرة في أظهر القولين كما فيروضة الطالبين، وهو الأصح كما في التنبيه.

والقول الآخر: عدم الوجوب كالزكاة. ينظر التنبية في الفقه الشافعي (ص: 238)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (10/ 312)، منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه (ص: 313)، التذكرة في الفقه الشافعي لابن الملقن (ص: 137)، فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب (2/ 220)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (6/ 70).

(8)

ينظر فتاوى قاضيخان (3/ 370).

ص: 79

(وَجَبت بَدَلًا عن العِصمة أو عَن السُّكنى) وإنَّما ردَّد بينَهما لأنَّ العلماء اختلفوا في أنَّ الجزية وجبت بدلًا عمّاذا؟ قال بعضهم: بدَلًا عن العِصمة الثابتة بِعَقد الذِّمَّة؛ وبه قال الشافعي، فقال: لأنَّ الله تعالى أمر بالقِتال ومدَّهُ إلى غايةٍ، وهي إعطاء الجِزية

(1)

؛ كذا في الإيضاح.

وقال بعضهم: بَدَلًا عَن النُّصْرة الَّتي فَاتَت بإصرارهم على الكُفر لأنَّهم لما صاروا ِمن أهل دارِنا بقَبول الذِّمَّة، ولهذه الدَّار دارٌ معاديةٌ، وَجَبتْ عليهم القيام بنُصرتِها، ولا يصلح أبدانُهم لهذه النُّصرة، فالظَّاهر أنَّهم يميلون إلى أهل الدَّار المعادِية للموافَقة معَهم في الاعتقاد، فأَوجب الشُّرع عليهم الجزيةَ ليُؤخَذ منهم، فيُصرف إلى المقاتَلة، فيكون خَلَفًا عن النُّصرة. وقَال بعضهم: هي بَدَل عن السُّكنى في دار الإسلام لأنَّهم مع الإصرار على الشرك لا يكونون من أهل دارنا باعتبارِ الأَصل، وإِنَّما يصيرون مِن أهلِ دارِنا بما يُؤَدُّون مِن الجزية.

واخْتَار شمس الأئمة السرخسي أنَّها بَدَل عَن النُّصرة؛ ذكره في المبسوط، فقال: وهو الأصحُّ. أَلا ترى أنَّ الجزيةَ لا تُؤخذ مِن الأَعمى، والشَّيخ الفاني، والمعْتوه، والمقعَد

(2)

مع أنَّهم يشارِكون في السُّكنى، ولكنْ لا يلْزمُهم أَصل النُّصرة بِبَدنهم لو كانوا مسلمِين، وكذلك لا يُؤْخذ منهم ما هو خَلَف عنه

(3)

.

(ولأنَّها وَجَبَت عقوبة على الكُفر

) إلى آخره.

فإنْ قلتَ: الحقُّ ضَرْب الجزية فيما تقدَّم بالاسترقاق بالمعنى الجامع بينهما.

فقال: (ولنا أنَّه يجوز استرقاقهم، فيَجوز ضَرْب الجِزية عليهم إذْ كُلُّ واحِدٍ منهما يشتَمِلعلى سلْب النَّفس منهم)؛ ثمَّ كيف افترقا ههنا في البَقاء حيث يبقى العبد رقيقًا بعد الإسلام، ولا تَبقى الجِزية بعد الإسلام معَ أنَّ كلًا منهما في الابتداء ثبت بطريق المجازاة لكفرهم.

قلت: الفَرق بينهما ظَاهر، وهو أنَّ الجزيةَ كما تَجِب بطريق المجازاة تجب/ صلةً أيضًا، والصِّلات لا تَتِمُّ إلا بالقبض، وتبْطُل بالموت قبل التَّسليم كالنَّفقات. وكذا إذا أَسلَم فإنَّها تسقُط لما أنَّ وجوب الجِزية بطريق العُقوبة ابتداءً وبقاءً: أمَّا ابتداءً فظاهرٌ لأنَّها وَجَبت عند إصرارهم على الكُفْر؛ وأمَّا بقاءً فإنَّ إعطاءَ الجِزية فالجواب فيه أن يكون على وجه الصَّغار والمذلَّة. قال الله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].

(1)

ينظر الحاوي الكبير (14/ 301)، العناية شرح الهداية (6/ 53).

(2)

في (ب)"والأعمى" بعد قوله "والمقعد".

(3)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 79)، العناية شرح الهداية (6/ 53).

ص: 80

(وعقوبة الكُفر تَسقُط بالإسلام) لا محالةَ، كالقتل بخلاف الرِّق، فإنَّه في حالة

(1)

البَقاء مِن الأمور الحُكمية، لا مِن عقوبات الكُفر، حتَّى أنَّه يثبت بطريق التَّبعيَّة بخلاف الجزية، أو أنَّ لازِمَه أداء الجِزية لما كانت هي الصَّغار حتى لا يُقبل

(2)

أداؤها لو بعثها بيد نائبِه في أَصَحِّ الرِّوايات، فيُعطي قائمًا، والقَابِض منه يَقبِضه قاعِدًا، على ما يأتي في الكتاب، فانتفى بالإسلام شَرط الأَداء، وهو الأداء على وجه الصَّغار، فيبقى المشْروط، لأنَّ المشروط لا يتحقَّق بدون شرطِه

(3)

.

(والعصمه تَثْبُت بكونه آدميًا) جَوابٌ عن قوله: (أنَّها وَجَبَت بدلًا عن العِصمة) فيَمنع بهذا، ويقول: العِصمة كانت أمرًا أصليًا له، لا أنْ يثبت باعتبار الجزية، لأنَّ الآدمي في أصله خُلِق معصومًا، فلا يصح إضافةُ الأمر الأصلي إلى قبول الجِزية الذي هو طارئ.

وذكر شمس الأئمة في المبسوط: وقال: "وقد بيَّنا أنَّ الجزية ليست بدَين، ولا بدَل عن السُّكنى، ولا بَدَل عن حَقْن الدَّم، ولئِن سلَّمنا له ذلك، فإنَّما هي بَدَل عَن الحَقْن في المستقبَل لا في ما مَضَى، وقد استفاد الحَقن بالإسلام، فلا معنى لأخْذ الجزية بعد ذلك"

(4)

.

[اجتماع جزية الحولين]

(وإن اجتمعت عليه الحولان تداخلت).

ولفظ شرح الأقطع

(5)

: وإنْ اجتمَع حَولانِ تداخلت الجِزية

(6)

، فعلى هذا يجوز أن يكون تأنيث فِعل الحولَين على حذف المضاف، أيْ: إذا اجتَمعت جِزية الحَولين تداخلت. وقيل أَنَّث الحولَ على تأويل السَّنة كقوله: "ما هذه الصوت" على تأويل الصَّيحة.

(وقيل: لا تداخُلَ فيه بالاتفاق

(7)

والفَرق بينهما على هذه الرِّواية، فإنَّ خراج الأرض وَجَب مُؤْنة الأرض قائمًا مقام العُشر، والعُشر يتضاعَف، فكذلك هَذا؛ ولأنَّه لا عقوبةَ في الخراج بقاءً فاعتبِر، أو مؤنة

(8)

لا عقوبة فيها من نَفقة المرأة المفروضة، وصَدقة الفِطر

(9)

؛ إلى هذا أشار في الأسرار.

(1)

في (ب)"حال".

(2)

في (ب)"تقبل".

(3)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 81).

(4)

المبسوط للسرخسي (10/ 81).

(5)

هو شرح لمختر القدوري للإمام: أحمد بن محمد، المعروف: بأبي نصر الأقطع، في مجلدين، المتوفى: سنة (474 هـ)، قال الأقطع: رأيت أن أشرحه شرحًا لا أحيد عن حد الاختصار. وهو مخطوط، منه نسخة في الأزهرية، وإستانبول، ودار الكتب، وإحياء التراثالإسلامي برقم 263، ومكتبة الملك فهد الوطنية تحت الرقم 2614.

تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 103 - 104)، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1631)، الأعلام للزركلي (1/ 213).

(6)

ينظر اللباب في شرح الكتاب (4/ 146).

في (ب)"بعد ذلك" بعد قوله "الجزية".

(7)

الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 403)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 279).

(8)

في (ب)"بمؤنة" بدل "أو مؤنة".

(9)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 55)، البناية شرح الهداية (7/ 252)

ص: 81

التَّلبيب -بالفتح-: ما على موضِع اللَّبَب من ثيابه، واللَّبَب موضِع القلادة من الصدر؛

(1)

كذا في المغرب.

فيتداخل

(2)

إلى الجزية.

(مجريٌ على حقيقته) أَي: على حقيقة المجيء وهي الدُّخول، (والأصحُّ أنَّ الوجوب عندنا في ابتداء الحَول)

(3)

لقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]، فأمر بإسقاط القَتل عنهم بإعطاء الجزية، فدلَّ أنَّها تِجب بإسقاط القَتل، وذلك موجود في أوَّل الحَوْل، ولأنَّه مالٌ يجب بإسقاط القَتل، فكان وجوبُه حال سقوط القَتل كالصُّلح عَن دَم العَمد، فإنْ قاسوا على خراج الأَرَضِينَ قلنا: خراج الأَرَضين في مقابَلة الانتفاع بها، فما لم تُسلَّم

(4)

المنفعة لا يجب

(5)

؛ كذا في شرح الأقطع.

قوله

(6)

: (ولنا أنَّ ما وجَب

(7)

بدَلًا عنه لا يتحَقَّق إلَّا في المستقبَل)؛ وذلك لأنَّ المبدَل هُو القَتل في حقِّهم والنُّصرة في حقِّنا، إنَّما يتحقَّق في المستقبل لا

(8)

في الماضي لأنَّ القَتل إنَّما يُستوفى لحِراب قائم في الحال لا لحِراب ماضٍ؛ وكذا النُّصرة إنَّما تتحقَّق في المسقبَل لأنَّ الماضي وقعَتْ عنه الغَنيمة، وهو المراد من قوله:(على ما قرَّرنا).

ولما كان كذلك وجب أنْ يكونَ الحكم في بدَله، وَهُو الجزية، كذلك أَيضًا، وهو أنْ لا يجِب لنُصرة ماضية، وهي النُّصرة في السَّنَة الماضية. فلمَّا وجبت لنُصرة مستقبَلة ينبغي أنْ يجِب في أوَّل الحَول لأنَّه أوَّل إمكان الوجوب بَعد تحقُّق السَّبب، وهو وجوب النُّصرة عليهم بالمال لما أنَّهم لا يصلحون للنُّصرة بأنفسهم لأنّ أبدانهم لا تصلُح لذلك [لميلِهم]

(9)

إلى الكفَّار المحارِبين ظاهرًا لاتِّحاد اعتقادهم مَع اعتقادهم على ما مرَّ.

وأما الجواب عن اعتباره بالزكاة فقلنا: إنَّما وجبتْ الزَّكاة في آخر الحَول لأنَّ الزَّكاة إنَّما تَجب في المال النَّامي، وهو لأنَّ الحول هو الممكَّن مِن الاستنماءِ لاشتماله على الفصول الأربعة على ما مرَّ، فلا بُدَّ مِن اعتبار الحول ليتحقَّق شَرط وجوب الأداء (والله أعلم بالصواب)

(10)

.

(1)

ينظر المغرب في ترتيب المعرب (ص: 420).

(2)

في (ب)"فتتداخل".

(3)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 82).

(4)

في (ب)"يسلم".

(5)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 279).

(6)

في (ب)"قولنا".

(7)

في (ب)"وجب عنه".

(8)

في (ب)"كما".

(9)

في (أ)"لمثلهم".

(10)

ساقط من (ب).

ص: 82

‌فصل

لما ذكر أحكام مَا يجب من الجِزى عَلى أهل الرَّدى، ذَكر في هذا الفَصل معاملتَهم في دارِ الهدى.

الخِصاء/ -بالكسر والمد-، على فعال، مصدَر خَصاه يَخصِيه أي: نَزَع خِصيَتيه، [والإخصاء في معناه خطأ

(1)

؛ ذكره في المغرب]

(2)

.

يقال "كنيسة اليهود والنصارى" لمتعبَّدهم

(3)

، وكذلك البِيعة مطلقًا في الأَصل، وإنْ غَلَب استعمال الكَنيسة لمتعبَّد

(4)

اليهود والبِيعة لمتعبَّد

(5)

النصارى.

ثم المناسبة في الجمع بين الخصاء والكنيسة في الحديث

(6)

هي معنى الضَّعف فيهما، فإنَّ في الخصاء نَوع ضَعف ليس في الفَحْل، وكذلك بناء الكنيسة في دار الإسلام يورِث الضَّعف في الإسلام؛ أو في الخصاء تَغيير عمَّا هو عليه أَصل الخِلقة، فكذلك في إحداث الكَنيسة تغيير عمَّا هو عليه بناءُ دار الإسلام.

وذكر في الإيضاح معنى الحديث فقال: وأمَّا الخصاء فمعناه: لا يُخصى الرَّجل، وقيل ذلك في تأويل قوله تعالى:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119] إنَّما المراد الخصاء.

وقيل: المراد به التبتُّل والامتناع مِن النساء كما يفعله أهل الكتاب حتَّى يصير في ُحْكم

[حكم إحداث وبناء الكنائس والبيع]

الخَصيّ

(7)

.

(والمُراد إحداثُها) يعني: لا يُحدَث في دار الإسلام كنيسةٌ لم تكن.

(والصَومَعة

(8)

للمتخلِّي فيها بمنزِلةِ البِيعة) أي: لا يمكَّنون من إحداث الصَّومَعة الَّتي يتخَلَّون فيها أيضًا.

وفي الصحاح: يقال: "أتانا بثريدة مُصَمَّعَةٍ، إذا دُقِّقَتْ وحُدِّدَ رأسُها. وصَوْمَعَةُ النَّصارى: فَوْعَلَةٌ مِن هذا، لأنَّها دقيقة الرَّأس"

(9)

.

(1)

ينظر المغرب في ترتيب المعرب (ص: 147).

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(3)

في (ب)"لمعبدهم".

(4)

في (ب)"لمعبد".

(5)

في (ب)"لمعبد".

(6)

أخرجه البيهقي في سنن الكبرى، كتاب السبق والرمي، باب كراهية خصاء البهائم، برقم (19793) 10/ 41، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا إخصاء في الإسلام، ولا بنيان كنيسة". وضعفه ابن حجر ينظر الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 135).

(7)

ينظر المبسوط للسرخسي (15/ 134).

(8)

الصومعة: منارة الراهب، قال سيبويه: هو من الأصمع، يعني المحدد الطرف المنضم. وصومع بناءه: علاه، مشتق من ذلك. المحكم والمحيط الأعظم (1/ 460).

(9)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 1245).

ص: 83

(بخلاف موضِع الصَّلاة) أي: صلاة الذِّمِّي.

(في البيت) أي: يمكَّنون مِن اتِّخاذه.

(والمروي عن

(1)

صاحب المذهَب)

(2)

أي: عَن

(3)

أبي حنيفة، ويحتمل أنَّه إنَّما ذكره بهذا اللَّفظ ههنا دون غيره لأنَّه ذَكر قُرَى الكُوفة، وكونَ (أكثر أهلِها أهل الذِّمَّة) عَقيبه، فتبيَّن

(4)

بهذا أنَّه ليس هو كسائر أهل الكوفة، بَل هو وإنْ كان كوفيًا، فهو صاحب المذهَب المقدَّم فيه، إظهارًا لعلوِّ مَرتبتهِ، وإجلالًا لعِظَم منقبته رضي الله عنه وعن مُتَّبعيه، ثم المراد من (المَروي) قَوله:(وهذا في الأمصار دون القُرى)

"جَزَرَ الْمَاءُ": إذَا انْفَرَجَ عَنْ الْأَرْضِ أَيْ: انْكَشَفَ حِينَ غَارَ وَنَقَصَ، (وَمِنْهُ الْجَزِيرَةُ)، وَالْجَزَائِرُ، وَيُقَال: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ لِأَرْضِهَا وَمَحَلَّتِهَا لِأَنَّ بَحْرَ فَارِسَ وَبَحْرَ الْحَبَشِ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتَ قَدْ أَحَاطَتْ بِهَا

(5)

.

(الْكُسْتِيجُ) عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله تَعَالَى: خَيْطٌ غَلِيظٌ بِقَدْرِ الْأُصْبُعِ يَشُدُّهُ الَّذِي فَوْقَ ثِيَابِهِ دُونَ مَا يَتَزَيَّنُونَ بِهِ مِنْ الزَّنَانِيرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ، (وَمِنْهُ) "أَمَرَ عُمَرُ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِإِظْهَارِ الْكُسْتِيجَاتِ

(6)

"

(7)

؛ هذان من المغرب.

[تمييز أهل الذمة عن المسلمين]

قوله: (وفي الجامع الصغيرِ [ويؤخذ أهل الذِّمة بإظهار الكستيجات)

(8)

.

وإنَّما ذَكر لفظ الجامع الصَّغير ليُعلم أنَّما ذكره في الجامع الصَّغير تفسير لما ذَكره مِن رواية القدوري بقوله: (ويؤخذ أهل الذِّمة بالتَّميُّز من المسلمين)

(9)

أي: كيفية ذلك التميُّز، كما ذَكره في الجامع الصَّغير]

(10)

.

(1)

في (ب)"من".

(2)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 257).

(3)

ساقط من (ب).

(4)

في (ب)"فبين".

(5)

ينظر المغرب في ترتيب المعرب (ص: 82).

(6)

أخرجه القاسم بن سلام في كتاب الأموال، باب الجزية كيف تجتبى؟، برقم (138) 1/ 67

قَالَ عُمَرُ: يَا يَرْفَأُ، اكْتُبْ إِلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ: أَنْ تُجَزَّ نَوَاصِيهِمْ، وَأَنْ يَرْبُطُوا الْكُسْتَيْجَانَ فِي أَوْسَاطِهِمْ؛ لِيُعْرَفَ زِيُّهُمْ مِنْ زِيِّ أَهْلِ الْإِسْلَامِ.

قال الشيخ الألباني: سند ضعيف. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (5/ 106).

(7)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 407).

(8)

الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 534).

(9)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 60).

(10)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

ص: 84

(فلو لم تَكن لَه

(1)

علامة مميِّزة فلعله الذمي يعامَل معامَلة المسلِمين)، وربَّما يموت منهم أحَد فَجْأة، أي

(2)

: في الطَّريق، فإذا لم يَكُن معه عَلامة يظنُّونه مسلِمًا فيَصنعون به ما يصنعون بموتى المسلمين، والتَّحرُز عَن ذلك واجب في حقِّ الكفَّار.

فإنْ قيل: أليس أنَّالنَّبي عليه الصلاة والسلام لم يَأخُذ بذلك يهودَ المدينة ولا نَصارى نجران ولا مجوس هجر؟ قلنا: لأنَّهم في زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام كانوا معروفِينَ بالمدينة، لا يشتبِه حالُهم، فكان لا تقع

(3)

الحاجة إلى ذلك ثُمَّ في زَمَن عمر رضي الله عنه لما كثر [الناس]

(4)

ممَّن يُعرف وممَّن لا يُعرَف، ووَقعت

(5)

الحاجة إلى ذلك، وكان ذلك صوابًا فيه. وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام:"أينما دار عمر فالحقُّ معه"

(6)

(7)

كذا ذكره الإمام شمس الأئمة السرخسي في الجامع الصَّغير.

(وصيانة لِضَعَفَةِ المسلمين)

المراد مِن الضَّعف، هو الضَّعف في الدِّين لا الضَّعف في البَدَن، أي: إِنَّما أُخذ أهل الذِّمة بما يورِث عليهم الصَّغار والذِّلة بأنْ لا يركبوا الخيل ولا يحمل السَّلاح وبالركوب على الأُكُف دون سروج

(8)

الخيل، وتَرْك الابتداء بالسَّلام، وتضييق الطُّرق عليهم، لكي يُروا في أعيُن الَّذين لم يتصلبوا في دين الإسلام على وجه الصَّغار والذِّلة حتَّى لا [يقولوا]

(9)

أنَ الكفَّار يتقلبون في النِّعمة والدَّعة، والمؤمنين في المِحنة والضَّعة، وأنْ لا يميلوا إلى الكُفر [بسبَب]

(10)

سعتهم ورونَق

(1)

ساقط من (ب).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

في (ب)"يقع".

(4)

ما بين معقوفين من (ب).

(5)

في (ب)"ووَقفت".

(6)

قال العجلوني في كشف الخفاء (1/ 364): "الحق بعدي مع عمر حيث كان"، قال الصغاني: موضوع انتهى. وأقول رواه في الجامع الكبير عن الحكيم الترمذي، وابن عساكر عن الفضل بن عباس بلفظ "الحق بعدي مع عمر بن الخطاب حيث كان" انتهى.

أخرجه الطبرانى (18/ 280، رقم 718)، قال الهيثمى (9/ 26):"فيه من لم أعرفهم". وابن عساكر (44/ 126)، وأخرجه أيضًا: الطبرانيفى الأوسط (3/ 104، رقم 2629)، والديلمى (3/ 56، رقم 4147).

ويغني عنه ما أخرجه أبو داود (2961)، والترمذي وغيرهما: عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه". وقال ابن عمر: ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه، وقال فيه عمر، أو قال ابن الخطاب فيه، شكّ خارجة، إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر.

(7)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 281)، العناية شرح الهداية (6/ 61)

(8)

في (ب)"سرج".

السرج: رحل الدابة، والجمع: سروج، وأسرجها: وضع عليها السرج. والسراج: بائع السروج وصانعها،

وحرفته السراجة. المحكم والمحيط الأعظم (7/ 269).

(9)

في (أ)"تقولوا".

(10)

في (أ)"لسبب".

ص: 85

حالهم، وإليه أشار الله تعالى في قوله:{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] / الآية.

(والعَلامة يجب أن تكون خيطًا

) إلى آخره.

وذَكر الإمام التمرتاشي رحمه الله: فيُكتفى في كلِّ بَلد مِن العَلامة بِما تعارَفه أهلُهلأنَّ المقصود يحصُل بهذا، وبهذا يُعلم أنَّ الاقتصار على هذه العَلامة المخصوصة ليس بلازم

(1)

.

"الجفاء": هو الغلظ في العشرة والحرف في المعاملة وترك الرفق

(2)

،

ومنه قوله: (فإنَّه جَفاء في حقِّ أهل الإسلام)

أي: تَرك حُسْن العِشرة بأهل الإسلام لأنَّ في الأمر لأهل الذِّمَّة بتميُّزهم بما يوجب إغرارهم مِن اتخاذ الزُّنار

(3)

من الإبريسم

(4)

إهانة لأهل الإسلام لأنَّ مَن أَعزَّعدوَّ صديقِه فقد أَهان صديقَهمعنىً.

(الأحق أنْ لا يُتركوا ليركبوا إلا للضَّرورة) كالخروج إلى الرُّستاق

(5)

، وذهاب المريض إلى موضع يحتاج إليه.

(1)

قال التمرتاشي: ينبغي في كل بلد من العلامة ما تعارفه أهله لأنّه المقصود، ويعلم بهذا أن الأمصار على هذه العلامة المخصوصة لازم. البناية شرح الهداية (7/ 259).

(2)

ينظر معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (1/ 532)

(3)

الزنار والزنارة في اللغة: ما يشدّه المجوسي والنّصراني على وسطه، وهذا قريب مما ذكره الفقهاء.

ففي "الدسوقى": الزنار: خيوط متلونة بألوان شتّى يشد بها الذمي وسطه.

وفي "نهاية المحتاج": الزنار: خيط غليظ فيه ألوان يشد به الذمي وسطه، وهو يكون فوق الثياب.

الزنار: خيط غليظ بقدر الإصبع مِن الإبريسم يشد على الوسط، وهو غير الكستيج. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (2/ 215).

(4)

الإِبريسم: هو الحرير، وهو أعجمي معرّب بفتح الألف والراء، وقيل: بكسر الألف وفتح الراء، وقال ابن الأعرابي: هو الإبريسم بكسر الهمزة والراء وفتح السين، قال: وليس في الكلام: إفعليل، كإهليلج، وقيل: هو الحرير المنقوض قبل أن تخرج الدودة من الشرنقة. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (1/ 41).

(5)

الرستاق: معرّب ويستعمل في الناحية التي هي طرف الإقليم والرزداق بالزاي والدال مثله والجمع رساتيق ورزاديق، قال ابن فارس: الرزدق السطر من النخل والصف من الناس، ومنه الرزداق، وهذا يقتضي أنه عربي، وقال: بعضهم الرستاق مولد وصوابه رزداق. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 226).

ص: 86

(بالصّفة التي تقدَّمت) وهي قوله: (كهيئة الأُكُف).

ولا يركبون على السُّرج لأنَّ ذلك للغُزاة، ولهذا يُكره للنِّساء الرُّكوب عَلى السُّرجلأنَّهنَّ ليس من أهل الجهاد

(1)

؛ كذا ذَكره الإمام التمرتاشي رحمه الله.

[حكم سب النَّبي صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة]

(لأنَّه ينقُص إيمانُه) يعني: عَلى تقدير أنَّه لو كان مسلمًا.

(كان

(2)

سبّ النَّبي عليه السلام ينقض إيمانه، فكذا

(3)

هو ينقض أمانه وذمته وكذا في حكم ما حمله من مال) يعني: أنَّ الذّمي إذا نقض العَهد ولَحق بدار الَحرب وفي يده مالٌ ثُمَّ ظُهِر على دار الحرب يكون فَيئًا، كالمرتدّ إذا لحق بدار الحرب بماله ثُمَّ ظُهِر على الدَّار وماله فَيء.

وذكر في الإيضاح: وَلو لَحِق المرتدُّ بشيء مِن مالِه معه بدار الحرب ثُمَّ أُسِر المرتدُّ فمالُه الذي معه فَيء لأنَّه إذا لَحِق بدار الحرب مع نفسه امتَنَع ظُهور ملك الوَرَثة فيه. وأمَّا لو عاد إلى دار الإسلام بعد لِحاقه فأَخَذ طائفةٌ من ماله وأدخَله دار الحرب، ثُمَّ ظَهر عليه المسلمون، فالوَرثة أَحَقُّ به قبل القِسمة مجَّانًا، وبعدَ القِسمة بالقِيمة لأنَّ الملك ثَبَت للوَرَثة حين لَحِق المرتدُّ بدار الحرب، والمال في دار الإسلام، ثُمَّ لما وَقع الاستيلاء على ذلك المال كان واقعًا على ملك الوارِث فصار كمالٍ آخر. فإنْ عاد قَبل الحكم باللِّحاق فَفيه روايتان: في روايةٍ يكون فَيئًا، وفي رواية لا يكون فَيئًا بخلاف المرتدِّ، فإنَّه لا يسترقُّ بل يُقتَل إِنْ أصرَّ على ارتداده

(4)

، والله أعلم بالصواب

(5)

.

‌فصل:

ذكر نصارى بني تغلُب بفصل على حِدَة لأنَّ لهم أحكامًا مخصوصة بهم تخالِف أحكام سَائر النَّصارى.

(والمرأة من أهل وجوب مثله) أي: وجوب مثل مال وَجَب بالصُّلح.

(أَلا ترى

(6)

لا يراعى فيه شرائطها) أَي: لا يُراعي في المضاعَفَة مِن الزَّكاة شرائط الجزية مِن وصفِ الصَّغار كعَدَم

(7)

القَبول مِن يد النَّائب والإعطاء قائمًا والقَابض قاعدًا

(8)

، وأخذ التَلْبيب والهزّ.

(ويوضع على مولى التغلُبي) أي: على معتَق التغلُبي.

(1)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 260).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

في (ب)"وكذا".

(4)

ينظر فتح القدير (6/ 63)، العناية شرح الهداية (6/ 63).

(5)

ساقط من (ب).

(6)

في (ب)"يرى".

(7)

في (أ)" لعَدَم".

(8)

في (ب)"قاعد".

ص: 87

(بمنزلة مولى القُرشي

(1)

أي: لا يُؤخَذ الجزية وخراج الأرض مِن القُرَشي، ويؤخذ من معتَقِه، فكذلك ههنا تؤخذ الجزية من معتق التغلُبي، وإنْ

(2)

لم تؤخذ من التغلُبي.

(ولنا أنَّ هذا تخفيف) أي: أخْذ مضاعَف الزَّكاة تخفيف لما ذكرنا أنَّه ليس فيه وَصف الصَّغار بخلاف الجِزية فيه أي: في التخفيف.

(لأنَّ الغَني من أهلها) أي: من أَهل الصَّدَقة، وَإنْ كان فيه أوساخ الناس، ألا ترى أنَّالغَني إذا كان عاملًا في الزكاة يجوز له أخذ الزكاة.

وأما الهاشمي

(3)

فليس له أخذها، وإنْ كان عاملًا فيها، وأمَّا قولُالنَّبي عليه الصلاة والسلام:"فإنَّ مولى القوم منهم"

(4)

.

قلنا: قد تعذَّر إجراء هذا الحديث على عمومه، لانعقاد الإجماععلى أنَّ مولى الهاشمي لا يُنزَّل منزلةَ الهاشمي في الكفاءة، وكذلك مولى القرشي على ما ذكرناه

(5)

(6)

. وإذا تعذَّر إجراؤه على العموم يجِب تأويلُه على معنى التَّناصر والتَّعاون لأنَّه مِن لوازمه، فإنَّ الرَّجل متى كان مِن القوم يقوم بنُصرتهم. وأمّا حرمان مولى الهاشمي عن الصَّدقات باعتبار الاحترام والاستعظام، وقد ذكرنا أنَّ الحديث مؤوَّل

(7)

بمعنى التَّناصُر، ففي التناصُّر استعظام، فلذلك أُلحِق مولى الهاشمي بالهاشمي في ذلك المعنى

(8)

؛ كذا في الفوائد الظهيرية.

(1)

القرشي من كان من ولد النضر بن كنانة.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/ 534): هم - أي قريش- ولد النّضر بن كنانة، وبذلك جزم أبو عبيدة؛ أخرجه بن سعد عن أبي بكر بن الجهم. وروى عن هشام بن الكلبي عن أبيه كان سكّان مكّة يزعمون أنّهم قريش دون سائر بني النضر حتّى رحلوا إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فسألوه من قريش؟ قال: من ولد النضر بن كنانة. وقيل: إنَّ قريشًا هم ولد فهر بن مالك بن النضر، وهذا قول الأكثر وبه جزم مصعب، قال: ومن لم يلده فهر فليس قرشيًا.

(2)

ساقط من (ب).

(3)

الهاشمي: من كان من ولد هاشم بن عبد مناف.

(4)

أخرجه الحاكم في مستدركه بلفظ الجماعة كتاب الزكاة، برقم (1468) 1/ 561.

عن أبي رافع، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا من بني مخزوم على الصّدقة، فقال لأبي رافع: اصحبني كيما نصيب منها، فقال: لا حتّى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: "إن الصّدقة لا تحلُّ لنا، وإنّ موالي القوم مِن أنفسهم" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

(5)

في (ب)"ذكرنا".

(6)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 66).

(7)

في (ب)"مأوّل".

(8)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 66).

ص: 88

وذكر الإمام شمس الأئمة السرخسي: القياس في الكلِّ سواء، وهو أنْ لا يُلحق مولى القوم بهم، إلَّا أنَّ ورود الحديث كان في حُرمة الصَّدقة على مولى بني هاشم وهو ما رويأنَّأبا رافع

(1)

رضي الله عنه سأل رسول الله عليه الصلاة والسلام: أتحِلُّ له الصَّدقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا، أنت مولانا ومولى القوم من أنفسهم". والمخصوص مِن القياس بالنَّص لا يُلحَق به ما ليس في معناه من كلّ وجْه، وهذا ليس فيما ورد فيه النَّص لأنَّ ذلك كان لإظهار فضيلةِ قرابة رسول الله عليه الصلاة والسلام في إلحاق مولاهم بهم، ومولى التغلبي ليس من ذلك في شيء

(2)

.

(ومَن مات في نِصف السَّنة فلا ينْبني له في العطاء) والعَطاء: ما يُكتب للغُزاة في الدِّيوان، ولكلِّ مَن قام بأمرٍ مِن أمور الدِّين، كالقَاضي والمفتي والمدرِّس، وفي الابتداء كان يُعطى لكلِّ مَن كان له ضرب مزيَّة في الإسلام، كأزواج النَّبي عليه الصلاة والسلام وأولاد المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم. وكذا لو مات في آخِر السَّنة لا يورَث العطاء، لما قُلنا أنَّه صِلة، فلا يملَك قبل القَبض، كالمرأة إذا ماتت ولها نَفَقة مفروضة في ذمَّة الزَّوج تَسقط، كذا ههنا. وإنَّما وضع المسألة في نصف السَّنة لأنَّه لو مات في آخر السَّنة مستحبٌّ صرفُ ذلك إلى قريبه لأنَّه قد أوفى غناءه، فيُستحبُّ الصَّرف إلى قريبه ليكون أقرب إلى الوفاء. ثُمَّ قيل رزق القاضي يُعطى في آخر السَّنة، ولو أَخَذ في أولها ثم عُزِل قبل مُضيِّها قيل: يجب ردُّ ما بقي من السَّنة، وقيل على قياس نفقة الزَّوجة إذا عَجَل لها ثُمَّ ماتأحدهما قبل مُضيِّ المدة لم يَرجع عليها ولا في تركتها. وقال مُحمَّد: أُحِبُّ ردَّ الباقي لأنَّها أَخَذت المقصود، ولم يحصل ذلك؛ كما لو عَجَّل لها نفقة ليتزوجها فماتت قبل التزوُّج. ولهما أنَّها صِلة مِن وجه فينقطع الاسترداد بالموت كالرُّجوع في الهبة

(3)

، كذا ذكره الإمام قاضي خان، والإمام التمرتاشي -رحمهما الله-، والله أعلم.

(1)

أبو رافع القبطي مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقال اسمه إبراهيم، ويقال أسلم، وقال ابن عبد البرّ: أشهر ما قيل في اسمه: أسلم. وقال يحيى بن معين: اسمه إبراهيم. وقيل كان مولى العباس بن عبد المطلب، فوهبه للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فأعتقه لما بشّره بإسلام العباس بن عبد المطلب، والمحفوظأنه أسلم لما بشّر العباس بأنّ النَّبي صلى الله عليه وسلم انتصر على أهل خَيبر، وذلك في قصّة جرت. وكان إسلامه قبل بدر ولم يشهدها، وشهد أحدًا وما بعدها.

قال الواقديّ: مات أبو رافع بالمدينة قبل عثمان بيسير أو بعده. وقال ابن حبان: مات في خلافة علي بن أبي طالب.

انظر: الإصابة لابن حجر (7/ 113)، والطبقات الكبرى لابن سعد (4/ 73).

(2)

المرجع السابق.

(3)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 56)، العناية شرح الهداية (10/ 67).

ص: 89

‌باب: أحكام المرتدين

.

لما ذكر أحكام أهل الكُفر الأصلي ذَكر في هذا الباب أحكامَ أهل الكفر الطَّارئ لِما أنَّ الطارئ بعد الأصلي وجودًا، فكذلك

(1)

ذكرًا.

[ما يفعل بالمرتد]

قوله: (إلا أن العَرْض

(2)

على ما قالوا غير واجب) هذا هو ظاهر المذهَب

(3)

.

وذكر في الإيضاح: ويُستحبُّ عَرْض الإسلام على المرتدِّين

(4)

. هكذا روي عن عمر رضي الله عنه

(5)

؛ لأنَّ رجاء العَود إلى الإسلام ثابتٌ لاحتمال أنَّ الردة كانت باعتراض شُبهةٍ وتأويل.

الأَوَّل، وهو قوله:(ويحبُس ثلاثة أيام) أنَّه يستمهل فيُمهل ثلاثةَ أيَّام. وأمَّا إذا لم يطلُب، فالظَّاهر أنَّه متعنِّت في ذلك، فلا بأس بقتلِه إلا أنَّه يُستحب أن يُستتابلأنَّه بمنزلة كافر بَلَغته الدَّعوة. وإنْ ارتدَّ ثانيًا وثالثًا، فكذلك يُفعَل في كلِّ مرّة، فإذا أسلَم يخلَّى سبيلُه لقوله تعالى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5].

وكان علي وابن عمر يقولانِ: إذا ارتدَّرابعًا لا

(6)

تُقبل توبتُه بعد ذلك، ولكنْ يقتل على كلِّ حال؛ لأنَّه ظَهر أنَّه مستخِفٌّ مستهزئ وليس بتائب، واستدلوا بقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137)} [النساء: 137].

(1)

في (ب)"وكذلك".

(2)

يقصد بالعرض هنا عرض الإسلام على المرتد.

(3)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 98 - 99).

(4)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 134).

(5)

أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الأقضية، باب القضاء فيمن ارتد عن الإسلام، برقم (16) 2/ 737.

قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى الأشعري، فسأله عن الناس، فأخبره. ثم قال له عمر: هل كان فيكم من مغربة خبر؟ فقال: نعم، رجل كَفَر بعد إسلامه، قال: فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، فقال عمر:"أفلا حبستموه ثلاثا، وأطعمتموه كل يوم رغيفا، واستتبتموه لعله يتوب، ويراجع أمر الله"؟ ثم قال عمر: "اللهم إنّي لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني".

قال الشيخ الألباني رحمه الله الحديث معلول بمحمد بن عبد الله، فإنّه لم يوثقه غير ابن حبان، فهو فى حكم مجهول الحال. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (8/ 131).

(6)

في (ب)"لم".

ص: 90

ولكنَّا نقول: الآية في حقِّ من ازداد كفْرًا لا في حقِّ مَن آمن وأظهر التَّوبة، وإذا أسلم يجب قبولُه، وإن كان في الرَّابعة لقوله تعالى:{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} [النساء: 94].

"وعَن أبي يوسف أنَّه لو فعل ذلك مِرارًا يُقتل غِيلةً، وهو أنْ ينتظر فإذا أظهر كلمة الشرك قتل قبل أن يستَتاب لأنَّه ظَهر منه الاستخفاف. وقتل الكافر الَّذي بلَغَته الدَّعوة قبل الاستتابة جائز"

(1)

؛ كذا في المبسوط.

(فيُمهل ثلاثة أيام؛ لأنَّها مدَّة ضُربت لإبلاء

(2)

الأعذار).

فإنْ قيل: هذا نَصب الحكم بالرَّأي في الموضِع الذي لا مَدخَل للرَّأي فيه لأنَّه مِن المقادير، وفيها لا يجري الرأي. قلنا: هَذا مِن قَبيل إثبات الحكم بدلالة النَّص لأنَّ ورود النَّص في خيار البَيع بثلاثة أيام وَرَد

(3)

فيه المعنى الجامع بينهما بعَينه، وذلك لأنَّ التَّقدير هناك بثلاثة أيَّام للتأمُّل، والتقدير بها ههنا أيضًا للتَّأمل.

(ولأنَّه كافر حربي)؛ لأنَّه كافر، ولَيس بذمِّي ولا مستأمِن لأنَّه لا يُقبل منه قبول الجزية، وهو لم يطلُب الأمَان، فكان حَربيًا فيُقتل لإطلاق الدَّليل وهو قوله تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، وقوله عليه الصلاة والسلام:"من بدل دينه فاقتلوه"

(4)

.

(وكيفية توبته أن يتبرَّأ عَن الأَديان كلِّها)؛ ولكنْ بَعد الإتيان بكلمة الشَّهادتين

(5)

؛ كذا في المبسوط والإيضاح.

[ردة المرأة]

(وأما المرتدة فلا تُقتل) أمَّا لو قتَلها قاتل، فلَم

(6)

يضمَن شيئًا، سواء كانت حرَّة أو أمَة

(7)

؛ كذا في المبسوط

(وقال الشَّافعي رحمه الله: تُقتَل

(8)

لما روينا) وهو قوله:/ عليه الصلاة والسلام: "من بدل دينه فاقتلوه"

(9)

، وهذه الكَلِمة تعمُّ الرِّجال والنِّساء كقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، تبيَّن أنَّ الموجِب للقتل تبديل الدِّين لأنَّ مثل هذا في لسان صاحب الشرع لبيان العلَّة.

(1)

المبسوط للسرخسي (10/ 100).

(2)

لإبلاء الأعذار: أي لإظهارها. البناية شرح الهداية (10/ 441).

(3)

في (ب)"ورود".

(4)

سبق تخريجه.

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 112)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 284)، البناية شرح الهداية (7/ 269)، اللباب في شرح الكتاب (4/ 149)، فتح القدير (6/ 70).

(6)

في (ب)"فلا".

(7)

المرجع السابق.

(8)

مذهب الشافعية: أنه يستوي في القتل بالردة العبد والحر، والرجل والمرأة، فتقتل المرتدة كما يقتل المرتد، وسواء مسلمًا أصليا فارتد، أو كافرًا أسلم ثم ارتد.

ينظر الأم للشافعي (6/ 181)، مختصر المزني (8/ 367)، الحاوي الكبير (13/ 155)، نهاية المطلب في دراية المذهب (17/ 160).

(9)

سبق تخريجه.

ص: 91

(وردة المرأة تشارِكها فيها) أي: رِدَّة المرأة تشارك رِدَّة الرجال

(1)

في أنَّها جِناية مغلَّظة، فيَجِب أنْ تشارك رِدة الرَّجل في موجب ردّة الرّجل وهو القتل.

(ولأنَّ الأَصل تأخير الأجزية إلى دار الجزاء)، كشف هذا الكلام هُو أنَّ قتل المرتدِّ لا باعتبار الجزاء على الرِّدة لأنَّه مجازى عليها في الآخرة أيضًا بعد القتل على الرِّدّة، بل هو مستحَّقٌّ باعتبار الإصرار على الكُفر. ألا تَرى أنَّه لو أَسلم سقط لانعدام الإصرار، وما كان استحقاقه بطريق الجزاء لا يسقُط بالتَّوبة كالحدود، فإنَّه بعد ما ظهر سببُها عند الإمام لا تسقط بالتَّوبة. وقد أَجَبْنا عَن توبة قُطَّاع الطريق في موضِعه، وإذا ثَبت هذا، فنقول: إنَّ الكفر مِن أعظم الجِنايات، وهو جِناية بَين العبد وبين ربِّه، والجزاء عليه مؤخَّر إلى دار الآخرة، وما عُجِّل في الدُّنيا سياسةٌ مشروعةٌ لمصلحة تعود إلى العِباد، كالقِصاص والحدود. ثم المرتدُّ بالإصرار على الكفر يكون محارِبًا للمسلمين، فيُقتل لدَفع المحارَبة، وإذا كان كذلك فلا تُقتَل المرأة لأنَّ بِنيتَها ليستْ بصالحة للمحاربَة، فلا تُقتَل في الكُفر الأصلي، ولا في الطَّارئ.

"وأما قوله عليه الصلاة والسلام: "من بدّل دينه فاقتلوه"

(2)

فليس بمجري على ظاهره لأنَّ التَّبديل يتحقَّق مِن الكَافر إذا أسلَم، فعرَفنا أنَّه عامٌ لَحِقه خصوص فنخصَّه، ونحمله على الرِّجال بدَليل ما ذكرنا"

(3)

؛ كذا في المبسوط.

وذَكَر في الأسرار: أنّ المرتدَّة تسترقُّ عندنا إذا لَحِقَت بدار الحَرب

(4)

، فزالتْ

(5)

عِصمة دارنا كالمشركة العَربية، وإنَّما يتغلَّظ حكم قبولِ الإسلام بالالتزام فتُجْبَر عليه، وإنْ استرقَّت بخلاف الحَربية فإنَّها لا تُجبَر على الإسلام بعد الاسترقاق.

وقال الشافعي رحمه الله: لا تملك بالاسترقاق وإن لَحِقتْ بدار الحرب كالرَّجل. ألا ترى أنَّها لا تُسبى ما دامَت في دار الإسلام

(6)

، إلا أنَّا نقول إنَّها حَربية دينًا ودارًا فتُسبى كالكَافرة الأَصلية، بخلاف ما إذا دامت في دارنا لأنَّ حكم دارنا قائم فيها. ألا ترى أنَّ الملك لا يزول عنها بسبب عِصمة الدَّار بالإجماع، والأَمة يُجبِرها

(7)

مولاها.

(1)

في (ب)"الرجل".

(2)

سبق تخريجه.

(3)

المبسوط للسرخسي (10/ 109).

(4)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 139).

(5)

في (ب)"وزالت".

(6)

الأم للشافعي (6/ 181)، الحاوي الكبير (13/ 168)، نهاية المطلب (17/ 174).

(7)

في (ب)"تجبرها".

ص: 92

قال أبوحنيفة رحمه الله: "إذا ارتدَّت الأَمَة واحتاج المولى إلى خِدمتها دُفِعت إليه، وأمره القاضي أنْ يجبِرها على الإسلام

(1)

وأَرسل إليها القاضي كلَّ أيام يهدِّدها ويضربها أسواطًا، يصنَع بها حتَّى تَموتَ أو تسلِم"

(2)

لأنَّ المنافِع للمَولى لا

(3)

تسقُط حقُّه بكفرِها، وقَد أمكَن الجمع بين توفير حقِّ المولى والإجبار على الإسلام، فيفعل

(4)

؛ كذا في الإيضاح.

(بَينَ الحقَّين) أي: الجبر والاستخدام.

قوله: (ويُروى: تُضرب في كل أيام)

(5)

يعني: "درهر جند كاهي"

(6)

، كذا كان

(7)

بخطِّ شيخي رحمه الله.

[آثار الردة]

(ويزول ملك المرتدِّ عن أمواله بِردَّته زوالًا مراعىً) أي: محفوظًا وموقوفًا زوالُه إلى أنْ يتبيَّن

(8)

حاله؛ لأنَّ ردَّته توجِب زوال ملكِه

(9)

على قول أبي حنيفة رحمه الله، ثم لو أسلم فالمال

(10)

على ما كان.

(وإن مات أو قتل) فعمل السَّبب المزيل لملكه وقتَ الموت والقتل مستندًا إلى أوَّل السَّبب، وهو الرِّدة كما في البَيع بشرط الخيار، فإنَّه إذا أُجيز يَثبُت الملك مِن وقت العَقد حتَّى يستحقَّ المشتري البيع بزوائده المتَّصلة والمنفصِلة جميعًا. فعلى هذا الطريق يكون التَّوريث فيه توريثَ المسلم من المسلم. فإنْ قيل: زوال ملكِه إمَّا أنْ يكون قبل الرِّدَّة، أو معها، أو بعدها، والحكم

(11)

لا يسبِق السَّبب، ولا يقترن به بل يُعقِبه،

(12)

وَ

(13)

بعد الرِّدة هو

(14)

كافر. قلنا: نعَم، المزيل للملك ردَّته كما أنَّ المزيل للملك موتُ المسلم ثُمَّ الموت يزيل الملك عن الحيِّ، لا عن الميِّت، فكذلك الرِّدَّة تزيل الملك عن المسلم. وكما أنَّ الرِّدة تزيل مُلكَه، فكذلك تزيل عِصمة نفسِه، وإنَّما تزيل العِصمة عَن معصوم، لا عن غير معصوم، فعرَفنا أنَّه يتحقَّق بهذا الطَّريق

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 112)، العناية شرح الهداية (6/ 73).

(2)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 272).

(3)

في (ب)"لم".

(4)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 285).

(5)

الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 407).

(6)

بمعنى تضرب كل الأيام، والله أعلم.

(7)

ساقط من (ب).

(8)

في (ب)"نبين".

(9)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 101).

(10)

في (ب)"فالمال ماله".

(11)

في (ب)"فالحكم".

(12)

في (ب)"وهذا اختيار بعض المشايخ. أمّا الصحيح من المذهب أن يقترن الحكم مع العلة، وأراد بالسبب العلة هنا، ذكره في أصول الفقه" بعد قوله "يعقبه".

(13)

ساقط من (ب)،

(14)

في (أ) زيادة "و".

ص: 93

توريث المسلم من المسلم، فلهذا لا يرثه ورثتُه الكفَّار لأنَّ التَّوريث من المسلم، والكافر لا يرث المسلم

(1)

؛ كذا في المبسوط، لأنَّه مكلف، وكونُه/ مكلَّفًا يقتضي عدَم زوال ملكه لأنَّه لا يتمكَّن من إقامة موجِب التَّكليف إلا بالملك. وكونُه مكلَّفًا يُشعر بكمال الأهلية، وكمَال الأهلية لا يقتضي زوال الملك بل يقتضي تقدُّره

(2)

، فصار هذا كالمحكوم برهن

(3)

حيثُ لا يزول ملكه هناك.

قوله: (ومالكيتِه) بالجر للعطف على ملكه.

(فتوقَّفنا في أمره) أي: انتظرنا حتَّى

(4)

لو نظرنا إلى أنَّه حربي بدليل جواز قَتله لِما أنَّنفس الكُفر لا يجوِّز القتلَ بل الكفر المفضي إلى الحراب يجوِّز القتل. ألا ترى أنَّ الكافر الَّذي لا يقدر على الحواب في [بِنيتِه]

(5)

كالأعمى والمقعَد والشَّيخ الهرِم والمرأة مِن الكفَّار لا يجوز قتلُهم لعدم إفضاء كفرهم إلى الحراب؛ وههنا جاز قتلُ المرتدَّ؛ عُلم أنَّه لارتداده صار حربيًا، والحَربي المقهور في أيدينا مملوكٌ لنا، ولَيس بمالك شيئًا ينبغي أنْ يزول ملكُه قطعًا مِن غَير توقُّف، ولو نظَرنا إلى أنَّه يجبَر على الإسلام ينبغي أنْ لا يزول ملكه لأنَه مرجو العود إلى الإسلام، فتوقَّفنا في الزَّوال عملًا بالدَّليلين.

(جُعل العارض كأنْ لم يكُن في حقِّ هذا الحكم) أَي: جعل الارتداد كأنْ لم يوجَد في حقِّ بقاء ماله على ملكه، فكان ماله ملكه كما كان.

وإنَّما قيَّد بقوله: (في حقِّ هذا الحُكم) لأنَّ في إحباط عملِه مِن الطَّاعات كلِّها، وفي وقوع الفُرقة بينه، وبين امرأته، وفي فرضيته تجديد الإيمان لم يكن ارتداده كأنْ لم يكُن بل عمِل عملَه في حقِّ هذه الأحكام.

(ولم يُعمل بالسبب) أي: لم يُعمل السبب المزيل لملكه، وهو كونه حربيًا مقهورًا في أيدينا ونحن أيضًا لم نعمل بذلك السبب فلم نقل بزوال الملك.

(ثم هو مالٌ حَربيٍّ لا أمان له فيكون فيئًا) "فيوضَع في بيت المال ليكون للمسلمين باعتبار أنَّه مال ضائع. قلنا: المسلمون يستحقُّون ذلك بالإسلام وورثَتُه ساوَوا المسلمين في الإسلام، وترجَّحوا عليهم بالقرابة لأنَّ ذا السَّببين مقدَّم على ذي سببٍ واحد

(6)

، فكان الصَّرف إليهم أولى"

(7)

، كذا في المبسوط.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 100 - 101).

(2)

في (ب)"تعدده".

(3)

في (ب)"برجمه".

(4)

في (ب)"يعني".

(5)

في (أ)"نيته".

(6)

في (ب)"ألا ترى أن الأخ لأب وأم مقدّم على الأخ لأب في العصوبة" بعد قوله "سبب واحد".

(7)

المبسوط للسرخسي (10/ 101).

ص: 94

(على ما بيَّنَّاه) وهو قولُه: (لأنَّه مكلَّف محتاج

) إلى آخره، لأنَّ ما ذكرناه من المعاني تَجمع الكَسبينِ، وليس في الرِّدة أكثر من أنَّه صار مشرفًا على الهلاك، فيكون كالمريض والمكتسب في مرض الموت، كالمكتسب في الصحة في حكم الإرث.

(ويستند إلى ما قُبَيل ردَّته) أي: يستند التَّوريث

(1)

، وبه صرَّح في المبسوط، فيجعل كأنَّه اكتسبه في حال الإسلام فورثه وارثه منه من وقت الإسلام.

(أنَّه يمكن الاستناد

(2)

أي: استناد

(3)

التَّوريث.

(لوجوده قبل الرِّدَّة) أي: لوجود الكسب قبل الرِّدَّة.

(لعدمه قبلها) أي: لعدم الكسب قبل الرِّدَّة.

(ومن شرطه وجوده قبلَها) أي: ومن شرط إسناده التَّوريث وجود الكسبِ قبل الرِّدَّة ليكون فيه توريث المسلم من المسلم، لأنَّا لو قلنا بالتوريث فيما اكتسبه في حال الرِّدة يلزم توريث المسلم من الكافر، وذلك لا يجوز.

(وبقي وارثًا إلى وقت موته) حتَّى لو حَدَث وارثٌ له بعد الرِّدَّة لا يرثه كما إذا أسلم بعض قرابته بعد ردَّته أو وُلِد له من عَلوق

(4)

حادِثٍ بعد ردَّته، فإنَّه لا يرثه على هذه الرِّواية لأنَّ سبب التَّوريث الرِّدَّة، فمَن لم يَكُن موجودًا عند ذلك لم ينعقِد له سببُ الاستحقاق؛ ثُمَّ تمام الاستحقاق بالموت فإنَّما يتِمُّ في حقِّ مَن انعقَد له السَّبب، لا في حقِّ مَن لم ينعقِد له السَّبب، ثُمَّ في حقِّ مَن انعقد له السَّبب يُشترط بقاؤه إلى وقت تمام الاستحقاق، فإذا مات قبل ذلك يبطُل السَّبب في حقِّه، كما في البيع الموقوف

(5)

يتِمُّ الملك عند الإجازة، ولكنْيشترط قيام المعقود عليه عند الإجازة حتَّى إذا هلك قبل ذلك بطل السبب؛ هذه رواية الحسن عن أبي حنيفة. أمَّا

(6)

في رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله يُعتَبر وجودُ الوارِث وقتَ الردَّة

(7)

.

(1)

أنه يستند التوريث إلى أول الردة ليكون فيه توريث المسلم من المسلم. المبسوط للسرخسي (10/ 106).

(2)

في (ب)"الإسناد".

(3)

في (ب)"إسناد".

(4)

العَلوقُ: ما تَعْلَقُه الإبل، أي ترعاه. وقال الأعشى:

هو الواهب المائة المصطفاة لاط العلوق بهن احمرارا

يقول: رعين العلوق حتّى لاط بهن الاحمرار من السمن والخصب. ويقال أراد بالعلوق الولد في بطنها. الصّحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1530).

(5)

البيع الموقوف: فهو أن يوجد الرّكن مع وجود شرط الانعقاد والأهلية، لكن لم يوجد شرط النفاذ، وهو الملك والولاية، بيانه: أنّ الفضولي إذا باع مال غيره مِن إنسان أو اشترى لغيره شيئًا معينًا. تحفة الفقهاء (2/ 34).

(6)

في (ب)"وأما".

(7)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 102).

ص: 95

(ثم لا يبطُل استحقاقه بموته) قبل موت المرتدِّ لأنَّ الرِّدَّة في حكم التوريث كالموت، ومَن مات من الورثة بعد موت المورِّث قبل قِسمة ميراثه لا يبطُل استحقاقه، ولكن يُخلِفه وارثه فيه فهذا مثله.

فأمَّا رواية محمد عن أبي حنيفة -وهي الأصح- يُعتبر مَن يكون وارثًا له حين مات أو قُتِل سواءٌ كان موجودًا وقتَ الردَّة أو حدَث بعده لأنّالحادث بعد انعقاد السَّبب قبل إتمامه يُجعل كالموجود عند ابتداء العقد في أنَّه يصير معقودًا عليه بالقبض، ويكون له حصَّة مِن الثَّمن، فههنا أيضًا، مَن يحدُث بعد انعقاد السَّبب يُجعل كالموجود عند ابتداء السَّبب، ولو تصوِّر بعد الموت الحقيقي وَلَدٌ له/ من علوق حادث، لَكُنَّا نجعلُه كذلك أيضًا، إلَّا أنّ ذلك لا يتصوَّر. فأمَّا بعد الهلاك الحكمي فالزِّيادة يُتصوَّر فيُجعَل الحادث كالموجود عند ابتداء السبب

(1)

؛ كذا في المبسوط.

وحاصله أنَّ على رواية الحسن يُشترط الوَصفانِ، وهما كونه وارثًا وقتَ الردَّة، وكونه باقيًا إلى وقت الموت أو القَتل، حتَّى لو كان وارثًا ثُمَّ مات قبل موت المرتدِّ، أو حَدَث وارثٌ بعد الرِّدَّة

(2)

فإنَّهما لا يرثان. وعلى رواية أبي يوسف يُشترط الوصف الأوَّل دون الثَّاني وعلى روايةِ محمد يشترط الوصف الثَّاني دون الأول.

[الميراث في الردة]

قوله: (بل يخلُفه وارثه) أي: يخلف الوارثُ وارثَه.

(وترث امرأتُه المسلِمة إذا مات أو قُتِل وهي في العَّدة)؛ "لأنَّ النِّكاح بينهما، وإنْ ارتفع بنفس الرِّدَّة، ولكنَّه فارٌّ عَن ميراثها وامرأة الفارِّ ترثُ

(3)

، و

(4)

إنْ كانت في العدَّة عند موته. وعلى رواية أبي يوسف رحمه الله تَرِث وإنْ كانت منقضيةَ العدَّة عند أبي حنيفة لأنَّ سبب التَّوريث كان موجودًا في حقِّها عند ردَّته، وعلى تلك الرِّواية إنَّما يُعتبر قيام السَّبب عند أوَّل الردَّة"

(5)

، كذا في المبسوط.

فإن قلت: إسناد التوريث على قول أبي حنيفة رحمه الله إلى ما

(6)

قبل الرِّدَّة، فعلى ذلك يَجِب أنْ لا [يتَفاوت]

(7)

بينَ ما إذا كانتْ المرأةُ مدْخولًا

(8)

بها أَو غير مدخولٍ بها لأنَّ الرِّدَّة موتٌ حُكمي، وإذا مات أَحَد الزَّوجين وَرِث البَاقي عن الميِّت، وإنْ كان قَبل الدُّخول. وههنا لم تَرث المرأة إذا كانت قبل الدخول أو بعد انقضاء العدة. قلتُ: جعَل ردَّة الرَّجل كالموت لأنَّه يستحقُّ بها قتله، وليكون توريث المسلم من المسلم، وأمَّا هو حي حقيقة، ألا ترى أنّ امرأتَه تعتدُّ بثلاث حِيض لا بأربعة أشهر وعشر، وإذا كان كذلك فلا ترث المرأة الَّتي لم يدخل بها أو انقضت عدَّتها وقت الموت؛ "لأنَّ حكم التَّوريث إنَّما يتقرَّر بالموت، وإنْ كان يستند إلى أوَّل الردَّة؛ لأنَّه بعد الردَّة حيٌّ حقيقةً. وإنَّما يرث الحيُّ مِن الميت لا من الحيِّ. ولهذا يُعتبر بقاء الوارث وقتَ موتِه حتَّى لو مات ولده، وقبل موته لم يرثه، فكذلك يُعتبر قيام عدَّتها وقتَموتِه، فإذا انعدَم، لم يكن لها ميراث"

(9)

؛ إلى هذا أشار في المبسوط.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 102 - 103).

(2)

في (ب)"الولادة".

(3)

في (ب)"لا ترث".

(4)

ساقط من (ب).

(5)

المبسوط للسرخسي (10/ 103).

(6)

ساقط من (ب).

(7)

في (أ)"تتفاوَت".

(8)

الدخول بالمرأة: في عرف اللغة والشرع يراد به الوطء، قال الله -تعالى عز شأنه-:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ} [النساء: 23]. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 49).

(9)

المبسوط للسرخسي (6/ 163).

ص: 96

فإن قيل: إنَّ أبا حنيفة رحمه الله أَسند التَّوريث إلى ما قبل الرِّدة، [وقبل الردة]

(1)

هو صحيح حقيقةً وحكمًا، فكيف يصير بارتدادِه فارًّا عَن ميراث امرأتِه، وحُكم الفارِّ مخصوص بما إذا كان الطَّلاق في مَرض الموت أو فيما يقوم مقام مَرَض الموت من حيث إنَّه يفضي إلى الهلاك غالبًا. قلنا: قد ذكر في الفوائد الظهيرية بيان أنَّه

(2)

[صار فارًّا فقال:]

(3)

أمَّا إذا ارتدَّ الزَّوج وهو مريض، فلا إشكال. وإنْ كان صحيحًا فكذلك لأنَّ الردَّة بمنزلة المرض لأنَّها سببٌ للموت فيتعلَّق حقُّها بماله

(4)

. وهذا يعضِدُ قولُ محمَّد، فإنَّ عنده ينفَّذ تصرُّفه كما ينفَّذ من المريض

(5)

. وحاصله أنّ الفُرقة حكم الردَّة، وعلى قول بعض المشايخ الحكم يتعقَّب العلَّة، والردَّة مِن حين وُجدَت بمنزلة مَرض الموت لإفضائها إلى الهلاك، فكان هو مُبطلًا حقَّها بالارتداد فاعتُبِر لذلك بالفارّ.

(بخلاف المرتدِّ عند أبي حنيفة رحمه الله وأشار إلى الفُرق وقال: المرأة لا تُقتَل والرجل يُقتل، ومعنى هذا: أنَّ عصمة المال تَبَع لعصمة النفس، فبالردَّة لا تزول عصمة نفسها حتى لا تُقتل، فكذلك عصمة مالها، بخلاف الرجل فلمّا كانت عصمة مالها باقيةً بعد ردَّتها كان كلُّ واحد من الكَسْبَينِ مِلكها فيكون ميراثًا لورثتها

(6)

؛ كذا في المبسوط.

(ويرثها زوجُها المسلِم إنْ ارتدَّت، وهي مريضة) يعني: أنَّ المرأة إذا ارتدَّت وهي مريضة ثم ماتت المرأة، أَو لحِقَت بدار الحرب في العدَّة، ورثها زوجُها لقصدِها إبطال حقِّه، فكانت فارَّةً فيُردُّ قصدها عليها كما في جانب الرَّجل. فإنْ قلتَ: إنَّ فرار الزَّوج إنَّما كان يتحقَّق إذا مات الزَّوج وهي في العدَّة، ألا تَرى أنَّه لو طلَّقها قبل الدُّخول في مرَضه لم يكن لها الميراث

لأنَّها لَيست في عدَّته، ثُمّ ههنا لا عدَّة على الرجل فينبغي أنْ لا يرثها الزوج، ولأنَّها بنفس الردَّة قد بانت

(7)

/ منه وهي لا تُقتل؛ فلو قُلنا بالتَّوريث كان فيه توريث المسلم من الكافر.

(1)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(2)

في (ب)"أنه فار".

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(4)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 286).

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 105).

(6)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 111 - 112).

(7)

بانت المرأة من زوجها: أي انفصلت عنه ووقع عليها طلاقه. والطلاق البائن: هو الذي لا يملك الزوج فيه استرجاع المرأة إلا بعقد جديد. لسان العرب (13/ 64)، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (1/ 36).

ص: 97

قلت: هذا الذي ذكرتَه هو جواب القياس. وأمَّا جواب الاستحسان فله الميراث لأنَّه تعلَّق حقُّه بمالها بمرضها، فكانت بالردَّة قاصدةً إلى إبطال حقِّه فارَّة عن ميراثه، فيُردّ عليه قصدُها كما في جانب الزوج، بخلاف ما إذا كانت صحيحةً حين ارتدَّت لأنَّها بانت بنفس الرِّدة ولم تصر مشرفةً على الهلاك لأنَّها لا تُقتل بخلاف الرَّجل، فلا تَكون في حكم الفارَّة المريضة، فلا يرث زوجُها منها

(1)

. كذا ذكر المسألة في "كتاب الطلاق" والسِّيَر من المبسوط.

[لحاق المرتد بدار الحرب]

(ولنا أنَّه باللِّحاق صار مِن أهل الحرب) أي: حقيقةً وحكمًا. أمَّا حقيقةً فإنَّه بَين أَظهُرهم واعتقاده كاعتقادهم. وأمَّا حكمًا فإنَّه لما أَبطَل إحرازَه نفسَه بدار الإسلام حين عاد إلى دار الحرب صار حربًا للمسلمين، فأعطي له حكم أهل الحرب، والحربي في دار الحرب كالميت في حقّ المسلمين؛ قال الله تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122]، ولأنَّه قد خرج مِن يد الإمام حقيقةً، ولو كان في يده لموّتَه حقيقةً بأنْ يقتله فيقسم ماله، فإذا عجز عَن ذلك بخروجه مِن يدِه موّتَه حُكْمًا، فيقسِم ماله بَين ورثتِه، وحُكِم بعِتق أمهات أولاده

(2)

؛ كذا في المبسوط.

(وهي) أي: الأحكام (ما ذَكرناها) وهو قوله

(3)

: (عتق مدبروه وأمهات أولاده

) إلى آخره.

[قضاء ديون المرتد]

هذا (رواية عن أبي حنيفة)، وهي رواية زُفَر عن أبي حنيفة

(4)

.

(وعنه) أي: عن أبي حنيفة رحمه الله، (أنَّه يبدأ بكَسب الإسلام) وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة

(5)

.

(وعنه على عَكسه) بأنْ يبدأَ في قضاء الدَّين بكَسب الرِّدَّة، وهو رواية أَبي يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله

(6)

.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 112).

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 103).

(3)

في (ب)"قول".

(4)

روى زفر عن أبي حنيفة -رحمهما الله تعالى- أن ديون إسلامه تُقضى من كسب الإسلام، وما استدان في الرّدّة يقضى من كسب الرّدة لأنّ المستحقّ للكسبَين مختلف، وحصول كلُّ واحد من الكسبين باعتبار السبب الذي وجب به الدّين فيقضي كلّ دين من الكسب المكتسب في تلك الحالة ليكون الغرم بمقابلة الغنم، وبه أخذ زفر -رحمه الله تعالى-. المبسوط للسرخسي (10/ 107).

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 106).

(6)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 106).

ص: 98

(وَجْه الأَوَّل)، وهو قضاء الدَّين في حال الإسلام مِن كَسْب الإسلام وقضاء الدَّين في حال الرِّدَّة مِن كسب الرِّدَّة، وكذلك غيره في

(1)

الوجهَينِ.

قوله: (إلَّا إذا تعذَّر قضاؤه مِن محلٍّ آخر فحينئذٍ تقضى منه كالذِّمِّي

) إلى آخره؛

(2)

جواب إشكال

(3)

ورَد على قولِه: ليس بمملوك له؛ بأنْ يُقال: لمَّا لم يكن كسب الردَّة مملوكًا له، كيف يؤدِّى دَينه منه وإنْ لم يكن له كسب الإسلام؟ فقال: هذا غير بعيد هو أنْيُصرَف الكَسب إلى الدَّين، وإنْ لم يكن ملكًا له، كالذِّمِّي إذا مات ولا وارثَ له، فلَم يبقَ له ملك فيما اكتسبه، بل يكون ماله لعامَّة المسلمين، ومع ذلك لو كان له دَين يُقضى منه.

وذكر في المبسوط: "فعلى هذا لا يُنفَّذ تصرُّفه في الرَّهن وقضاءِ الدَّين مِن كَسب الرِّدَّة إذا كان في كَسب الإسلام وفاءً بذلك"

(4)

.

قوله (وكَسب الرِّدَّة خالصُ حقِّه) فإنْ قيل: هذا مناقِض لما ذَكر قبلَه في مواضع بقوله: (ويزول ملك المرتدِّ عَن أمواله بردَّته)، وقوله:(وهذا يوجِب زوالَ ملكه ومالكيته)، وقوله:(وأما كسب الردة ليس بمملوك له)، وخُلوص الحقِّ في المال إنَّما يُعرف بكونه مملوكًا له.

قلنا: المعنى من خلوص الحقِّ هنا: هُو أنْ لا يتعلَّق حقُّ الغَير به، كما يَثبُت التعلُّق في مال المريض، ثمَّ لا يلزم مِن كونه خالص حقِّه كونه ملكًا له. ألا ترى أنَّ كسب المكاتَب للمكاتب خالص حقِّه، وليس بملك له، وكذلك الذِّمِّي إذا مات ولا وارث له، على ما ذكرنا، هو خالص حقِّه ولا ملك له فيه.

[أقسام تصرفات المرتد]

(يجوّز ما صنع في الوجهين) أحدهما: الإسلام، والثاني: أحد الأوْجه الثلاثة من الموت، والقتل، واللُّحوق.

(نافذ بالاتفاق: كالاستيلاء والطلاق)

(5)

.

فإن قيل: بالارتداد وقعتْ الفُرقة بينهما ثُمَّ بعد ذلك كيف يُتصوَّر الطَّلاق من المرتدِّ؟

قلنا: قَد

(6)

فصَّلنا في آخر "باب نكاح أهل الشرك" من كتاب النِّكاح الفُرقة التي يَقَع بعدها الطَّلاق، والفُرقة التي لا يقع بعدها الطَّلاق، وقد ذكرنا مِن رواية المحيط أنَّ الفُرقة التي تَقع بالارتداد مِن قَبيل الفُرقة التي يقع بعدها الطَّلاق، فكان طَلاق المرتدِّ واقعًا بعد الفُّرقة بالارتداد، كما لو طلقها بعدما أبانَها بالطَّلاق البائن، على أنَّا نقول: يحتمِل أنْ يُوجَد الارتداد، ولا تقع الفُرقة به كما لو ارتدَّا معًا

(7)

.

(1)

في (ب)"من".

(2)

تمام كلامه "إذا مات ولا وارث له يكون ماله لجماعة المسلمين، ولو كان عليه دين يقضى منه كذلك ههنا". الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 408).

(3)

في (ب)"لإشكال".

(4)

المبسوط للسرخسي (10/ 107).

(5)

هذا القسم الأول من تصرفات المرتد.

(6)

ساقط من (ب).

(7)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 82).

ص: 99

(لأنَّه لا يفتقر إلى حقيقة الملك وتمام الولاية) هذا نشر لما لَفّ بقوله: (كالاستيلاد

(1)

والطَّلاق) أي: الاستيلاد لا يفتقِر إلى حقيقةِ الملك حتَّى صحَّ في جارية الابن، والطَّلاق لا يفتقِر إلى تمام الولاية حتَّى صحَّ مِن العبد مَع قصور ولايتِه على نفسه.

وذكر في المبسوط: "منها نافذ بالاتِّفاق، وهو الاستيلاد حتَّى إذا جاءت جاريتُه بولَد فادَّعى نسبَه يثبُت النَّسب منه، وورِثه هذا الوَلد مَع ورثتِه/، وكانت الجارية أمَّ ولد له لأنَّ حقَّه في ماله أقوى من حقِّ الأب في جاريةِ ولدِه، واستيلاد الأبِ صحيح، فاستيلاد المرتدِّ أولى؛ ولأنَّها موقوفة على حكم ملكه حتَّى إذا َأسلم كانت مملوكةً له، وحقُّه فيها أقوى مِن حقِّ المولى في كَسب المكاتَب، وهناك يصِحُّمنه دعوة النَّسب، فههنا أولى، إلَّا أنَّ هناك يحتاج إلى تصديق المكاتَب لاختصاصه بملك اليد والتصرُّف، وههنا لا يحتاج إلى تصديق الورثة لأنَّه لم يثبت لهم ملك اليد والتصرُّف في الحال"

(2)

.

(وباطل بالاتفاق: كالنكاح والذبيحة؛ لأنه يعتمد الملة ولا ملة له)

(3)

.

فإن قيل: أيش [تعني]

(4)

بـ"الملَّة"؟ إنْ عنيتَ بها ملَّة الإسلام فينتقِض بصحَّة نكاح أهل الكتاب، وإنْ عنَيتَ بها الملَّة السماوية فينتقِض

(5)

بصِحَّة نكاح المجوس، وأهل الشِّرك فيما بينَهم، وليس لهم ملَّة سماوية أصلًا، لا مقرَّرة ولا محرَّفة، وَمَع ذلك إنَّ نكاحَهم محكوم بالصَّحة، والدَّليل على صحَّة نكاحِهم وجوبُ الحكم على قاضي أهل الإسلام بالنَّفَقة، والسُّكنى، وجَرَيان التَّوارث بين الزَّوجين ولأنَّهم لو أسلموا على نكاحهم ذلك يقَرُّون عليه إذا لم يَكُن النِّكاح في ذات رحِم محرَّم منهم، وقال النَّبي عليه الصلاة والسلام:"وُلِدتُ مِن نكاحٍ لا مِن سِفاح"

(6)

.

(1)

الاستيلاد: قال في اللباب "هو لغةً: طلب الولد، وشرعًا: طلب المولى الولد من أمةٍ بالوطء" اللباب في شرح الكتاب (3/ 122).

(2)

المبسوط للسرخسي (10/ 104).

(3)

هذا القسم الثاني من تصرفات المرتد.

(4)

في (أ)"تعني".

(5)

في (ب)"فتنتقض".

(6)

أخرجه الطبراني في الأوسط، برقم (4728) 5/ 80.

عن علي، أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"خرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي".

قال الهيثمي: وفيه محمد بن جعفر بن محمد بن علي، صحح له الحاكم في المستدرك وقد تكلم فيه، وبقية رجاله ثقات. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (8/ 214).

ص: 100

قلنا: قال الإمام ظهير الدِّين في الفوائد: وقَد راجعتُ الفُحول في هذا فلَم أجِد لدَيهم ما يجدي نفعًا، وكنتُ في ذلك متَمَلْملًا حتَّى هَجَس في فؤادي والتاط بصغري

وَذكَر ما هجَس في فؤاده، وهو أنَّ المعني مِن تلك الملَّة هو الملَّة

(1)

الَّتي يتديَّنون بذلك النِّكاح المتوارث

(2)

ويُقرّون على ذلك لأنَّ عند ذلك يحصُل ما هو الغَرَض مِن النِّكاح، وهو التّوالُد والتَّناسُل، وينتظم مصالح النِّكاح، وإذا كان كذلك، فالمرتدُّ والمرتدَّة لَيسا على تلك الملَّة فلا يصِحُّ نكاحُهما، وذلك لأنَّ المرتدَّ يُستتاب بالسَّيف، والمرتدة تستتاب

(3)

بالحَبس، فكيف ينتظِم ما هو الغَرض مِن النكاح؟ فلمَّا لم يحصُل لهما هذا الغَرض لا يكون لهما ملَّة يتديَّنون بها التَّوارث فلا يصحُّ نكاحُهما.

(4)

فالحاصل أنَّ حِلَّ الذَّبيحة يقتضي ملَّةً تتلقَّى مِن الكتاب، وصحَّة النِّكاح يقتضي

(5)

ملَّة لو ماتَ مَن عليها يرِثُه مَنكان عليها بذلك النِّكاح. فلذا

(6)

جاز نكاح المجوس، ونكاح سائر المشركين لأنَّهم دانوا دِينًا لو مات مَن عليه يرِثه مَن كان عليه، ويقرُّون على ذلك الدِّين؛ فحينئذٍ ينتظِم مصالح النِّكاح فيصحُّ نكاحُهما بخلاف المرتدِّ والمرتدَّة على ما قلنا، فلا يصح نكاحهما.

(وموقوف بالاتفاق: كالمفاوضة)

(7)

فإنَّه إذا فَاوَض مسلمًا [توقَف]

(8)

، فإنْ أسلَم نُفِّذت المفاوضة، وإنْ مات أو قُتِل أو قضي بلحاقه بدار الحرب بطَلت المفاوضة بالاتفاق. ولكن عند أبي يوسف ومحمدٍ -رحمهما الله- تبقى

(9)

عنانًا

(10)

، وهو ما عدَدْناه، وهو قوله: (ما باعه أو اشتراه

) إلى آخره

(11)

على ما قرَّرناه وهو قوله: لأنَّه (مكلَّف محتاج)

(12)

.

(1)

في (ب)"أن الملة".

(2)

في (ب)"التوارث".

(3)

ساقط من (ب).

(4)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 282 - 283).

(5)

في (ب)"تقتضي".

(6)

في (ب)"فلهذا".

(7)

هذ القسم الثالث من تصرفات المرتد.

(8)

في (أ)"يوقف".

(9)

في (ب)"يبقى".

(10)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 199).

(11)

تماتم كلامه: "أو أعتقه أو وهبه أو رهنه أو تصرف فيه من أمواله في حال ردته فهو موقوف، فإن أسلم صحّت عقوده، وإن مات أو قُتل أو لحق بدار الحرب بطلت". بداية المبتدي (ص: 123).

(12)

في (ب)"محتاج إلى آخره".

ص: 101

(ولهذا لو وُلِد له ولد)، هذا لإيضاح أنَّ الملك للمرتدِّ باقٍ.

(ولو مات وَلده) أي: ولد المرتدِّ.

(بعد الرِّدَّة قبل الموت لا يرثه) هذا أيضًا لإيضاح أنَّ الردَّة ليست كالموت مِن كلِّ وجه، وأهلية المرتدِّ للملك باقيةٌ. وإنَّما قيّد بالولد المولود بعد الرِّدة، وإنْ كان الحكم في الولد المولود قبل الردَّة كذلك أيضًا، لدَفع شبهةٍ عسى تُرِدُ بأنْ يقال: إنَّما ورث المرتدُّ ولدُه المولود قبل الردَّة لأنَّه انتقل إليه إرثه.

(قبل المدَّة إلَّا أنَّ

(1)

عند أبي يوسف تصحُّ كما تصحُّ من الصحيح)؛ لأنّه متمكِّن من دفع الهلاك عن نفسِه بسبَب مستحقّ عليه مرغوب فيه، فلا تصير في حكم المريض كَمَن قصد أنْ يلقي نفسَه مِن شاهقِ جبلٍ لا يصير به في حكم المريض. يوضِّحه أنَّ المقضي عليه بالرَّجم والقصاص يصير كالمريض ما دام في السِّجن لتمكُّنه مِن دفع الهلاك عَن نفسه بادِّعاء بشبهة، فالمرتدُّ أولى لما أنً دعوى

(2)

الشُّبهة هناك متردَّد

(3)

في القبول، وههنا تُقبل قطعًا.

(وعند محمَّدٍ رحمه الله تصحُّ كما تصحُّ مِن المريض) لأنَّه لما أشرَف على الهلاك أعطي له حكم المريض في التصرُّف. ألا ترى أنَّ زوجته ترثه بحكم الفِرار، وذلك لا يتحقَّق إلا في المريض

(4)

؛ كذا في المبسوط.

(على ما قرَّرنا) وهو قوله: (أنَّه حربي مقهور

) إلى آخره

(5)

، (وصار كالحربي يدخل دارنا) إلى أنْ قال:(بتوقُّف تصرُّفاته لتوقُّف حاله) إلا أنَّ هناك يُتوقَّف حال الحربي بين الاسترقاق والقتل/ والمنِّ، وههنا بين القتل، والإسلام، ثم هناك إنْ استرقّ أو قُتل بطَل، وإنْ ترك نُفِّذ، فكذلك ههنا. يوضِّحُه أنَّ المرتدَّ هالك حكمًا، والهلاك الحقيقي ينافي مالكيته المال، ولا ينافي توقُّف المال على حقِّه كالتَّركة المستغِرقة بالدَّين، فكذا

(6)

الهلاك الحكمي

(7)

. وإذا تُوقِّف الملك توقِّف ما يَبتني عليه مِن التصرُّفات، كما في الحربي الذي ذكرنا، بخلاف المقضي عليه بالقصاص والرَّجم؛ فهناك لم يزَل ما به عِصمة المال والنَّفس، وهو الإسلام، وإنَّما استحق نفَسه بما هو مِن حقوق تلك العِصمة في حقِّ ولي القصاص، حتَّى لو قتله غير ولي

(8)

القصاص بغير إذنِه يُقتل القاتِل فيبقى مالكًا حقيقةً لبقاء عصمة ماله، وقد انعدم ههنا ما به كانت العصمة في حقِّ النَّفس في حقِّ الكلِّ، فكذلك في حقِّ المال لأنَّها تابعة للنَّفس في العصمة؛ ولأنَّ تأثير الردَّة في نفي المالكية فوق تأثير الرِّق، وإنَّ الرِّق ينافي مالكية المال، ولا ينافي مالكية النِّكاح والردَّة تنافيهما. فلمَّا لم يعتبر تصرُّف الرَّقيق باعتبار عدم مالكيته المال فههنا أولى

(9)

؛ كذا في المبسوطوالجامع الصغير لقاضي خان.

(1)

ساقط من (ب).

(2)

في (ب)"دعوة".

(3)

في (ب)"مترددة".

(4)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 104 _ 105).

(5)

"أنه حربي مقهور تحت أيدينا على ما قررناه في توقُّف الملك، وتوقف التصرفات بناء عليه، وصار كالحربي يدخل دارنا بغير أمان، فيؤخذ ويقهر وتتوقف تصرفاته لتوقف حاله". الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 409).

(6)

في (ب)"فكذلك".

(7)

هلاك حكمي: وهو أن يخرج من ملكه كله أو بعضه. البناية شرح الهداية (9/ 360).

(8)

في (ب)"مولى".

(9)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 105).

ص: 102

(لبطلان سبَب العِصمة) وسبب العصمة كونه آدميًا مسلمًا، وقد بطَل ذلك بالكفر فصار كالجماد (في الفصلين) وهما فصل الحربي، وفصل المرتدِّ. وذكر صدر الإسلام في الجامع الصَّغير: إلا أنَّ ما قاله أبو يوسف ومحمَّد أحسن لأنّ المرتدّ لا يقبل الرِّق، والقهر يكون قَهرًا حقيقيًا، ولا يكون حكميًا، والملك يبطُل بالقَهر الحكمي لا بالحقيقي، ولهذا المعنى لا يبطل ملك المقضي عليه بالرَّجم

(1)

.

[عود المرتد إلى الإسلام]

(وإذا عاد مسلمًا احتاج إليه فيقدَّم عليه) "لأنَّ الوراثة خلافَة والخلَف يسقُط اعتباره إذا ظهر الأصل، ولما جاء تائبًا فقد

(2)

صار حيًا حكمًا"

(3)

كذا في المبسوط.

وقال شمس الأئمة الحلواني في هذا: "و

(4)

لو كان هذا بعد موتِه حقيقةً بأنْ أحياه الله تعالى وأعاده إلى الدُّنيا كان الحكم فيه هكذا إلا خلاف العادة"

(5)

.

(بخلاف ما إذا أزاله الوارث عن ملكه) فإنَّه لا سبيل

(6)

عليه لأنَّه أزاله في وقت كان سبيل

(7)

مِن الإزالة

(8)

[الوارث عن ملكه، فإنَّه لا سبيل عليه لأنَّه أزاله في وقت إلى مقدرته الإزالة]

(9)

، ولا سبيل له على (أمهَّات أولاده ومدبَّريه) لأنَّ القاضي قَضى بعتقهنَّ عن ولايةٍ لأنَّه لو كان في دار الإسلام، كان له أنْيموّته حقيقةً، فإذا خرج عن ولايتِه كان له أن يموِّته حكمًا، فإذا قضى عَن ولاية ينفَّذ قضاؤه، والعتق بعد وقوعِه لا يحتمل النقض

(10)

، وهذه خلوة

(11)

حادثة، كذا

(12)

في الجامع الصَّغير لقاضي خان.

(لأنَّ القضاء قد صحَّ بِدليل مصحّح) وهو قضاء القاضي بلحاقه.

(فكأنَّه

(13)

لم يزَل مسلمًا) بفتح الزاي أي: كأنَّه لم يرتدَّ في حقِّ عدم زوال ملكه (لِما ذكرنا) إشارةً إلى قوله: (إلَّا أنَّه لا يستقِر لحاقُه إلا بقضاء القاضي) فلا بُدَّ مِن القضاء؛ يعني: إذا جاء مسلمًا قبل القضاء بلحاقه، فأمَّهات أولاده والمدَبَّرون على حالهم، أي: لا يُعتقون بقضاء القَاضي، وما كان عليه مِن الدُّيون فهي إلى أَجَله كما كانت لأنّ موته لا يتقرَّر قبل القضاء

(14)

؛ كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله.

(1)

ينظر فتح القدير (6/ 85).

(2)

في (ب)"قد".

(3)

المبسوط للسرخسي (10/ 104).

(4)

ساقط من (ب).

(5)

العناية شرح الهداية (6/ 85).

(6)

في (ب)"سبيل له".

(7)

في (ب)"بسبيل".

(8)

في (ب)"فنفدت الإزالة" بعد قوله "الإزالة".

(9)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(10)

ينظر المبسوط للسرخسي (28/ 186)

(11)

في (ب)"حيوة".

(12)

في (ب)"لنا".

(13)

في (ب)"وكأنه".

(14)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 85).

ص: 103

[حكم المولود في الردة]

(وإذا وطئ المرتد

) إلى قوله (فجاءت بولد لأكثر من ستَة أشهر)

(1)

.

وذكر في الجامع الصَّغير لفخر الإسلام، وقاضي خان، والتمرتاشي -رحمهما الله-: فجاءت به لستَّة أشهر؛ فألحقوا ستَّة أشهُر بالأكثر منها

(2)

. ثم فائدة التقييد لقوله

(3)

: (لأكثر من ستة أشهر) أنَّها إذا جاءت به لأقلِّ مِن ستة أشهر فالولد يرث من أبيه المرتدِّ، وإنْ كانت أمُه نصرانية؛ لأنَّا تيقنَّا حينئذٍ بوجوده في البطن قبل الردَّة، فيكون مسلِمًا تبَعًا للأب.

"وأمَّا إذا جاءت به لستَّة أشهر مِن وقت الرِّدة لم [نتيقن]

(4)

بعلوق الولد قبل الردَّة فلا يجعل الولد مسلمًا بإسلام الأب قبل الردَّة"

(5)

؛ كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله.

(فلِما قُلنا) وهو قوله: (لأنَّه لا يفتقِر إلى حقيقة الملك) فالوَلد تبَع له لقُربه إلى الإسلام.

فإن قيل: لِمَ لا يجعل مسلمًا باعتبار دار الإسلام كاللقيط؟ قلنا: لأن تَبعية الدّار عند عدم الأَبوين. فأمّا عند وجودهما فلا يُثبت

(6)

ابتداءً الإسلام للولَد باعتبار الدَّار كالصَّغير إذا سُبي ومعه أحد أبويه

(7)

؛ كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي، وقاضي خان.

[لوح 504/ ب]

فإنْ قلتَ: يُشكل على هذا الولد/ المولود بَين المسلمين إذا ارتدّ أبواه، فإنَّه يبقى الولد مسلمًا ما دام في دار الإسلام باعتبار الدَّار، فعُلِم بهذا أنَّ تبعية الدَّار معتبرة عند وجود الأبوين أيضًا.

قلت: إنَّما كان كذلك لأنَّ هناك قد يثبت للولد حكم الإسلام قبل ارتداد أبويه باعتبار تبعيتهما، فيبقى على ما كان باعتبار بقائِه في دار الإسلام بخلاف ما نحن فيه، فإنَّه لم يكن لهذا الولد حكم الإسلام، فلا يثبت ابتداءً الإسلام باعتباره إذا كان في يد أبوين كافرين، وإذا ثبت أنّه غير مسلم قلنا: المرتدُّ لا يرثه إلا ورثته المسلمون

(8)

(9)

؛ كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في الجامع الصغير، فعُلم بهذا أنَّ ترجيح تبعية الأبوين على الدَّار إنَّما هو في ابتداء وجود الولد لا في حالة البقاء.

(1)

"وإذا وطئ المرتد جارية نصرانية كانت له في حالة الإسلام فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر". الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 409).

(2)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 86).

(3)

في (ب)"بقوله".

(4)

في (ب)"يتيقن".

(5)

العناية شرح الهداية (6/ 86 - 87).

(6)

في (ب)"تثبت".

(7)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 63)، ينظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 146).

(8)

ساقط من (ب).

(9)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 101).

ص: 104

وأيَّد هذا أيضًا ما ذكره في الإيضاح فقال: وإنْ وُلد وَلَد وهما مسلمان، ثم ارتدَّ لم يُحكم بردته ما دام في دار الإسلام لأنَّ التّبعية قد تجوز

(1)

أنْ تثبت بحُكم الدَّار إلا أن تبعية الأبوين أولى من تبعية الدار، فلا يثبت حكم الإسلام ابتداءً بتبعية الدَّار ما دامت تبعية الأبوين قائمةً، فإذا حُكِم بإسلامه اعتبر الدَّار لإبقاء حُكم الإسلام دون الإثبات ابتداءً

(2)

.

وذكر في الفوائد الظَّهيرية بعد ذكر ورثة الولد فيما إذا كانت أمُّه مسلمةً، وقال:"وما قال في الكتاب أنَّ الإرث يستنِد إلى حالة الإسلام ليكون فيه توريث المسلم من المسلم فيما اكتسبه في حالة الرِّدَّة يضعُف بهذه المسألة لأنَّ الوَلَد هنا لم يكن موجودًا حال الإسلام، ومع هذا يرث؛ فعُلِم بهذا أنَّ الصحيح هو ما رواه محمد عن أبي حنيفة، فهو ما كان وارثًا عند موته سواءٌ كان موجودًا وقت الردة أو حدث بعد ذلك"

(3)

.

[حكم المال في الردة]

(ثم ظُهِر على ذلك المال فهو فَيء)[أي: فذلك المال فَيء]

(4)

دون نفس المرتدِّ. ويجوز أن يكون

(5)

فيئًا، ولا يكون نفسه فيئًا كمشركي العرب.

(فوجدته الورثة قبل القسمة رٌدَّ عليهم) وهذا إذا قضى القاضي بلحاقه، وقُسِم ماله بين ورثته، فيكون المرتدُّ في هذه الصُّورة آخذًا مال الوَرَثة لا مالَ نفسِه، والحربي إذا استولى على مال المسلمين، وأحرزه بدار الحرب، ثم وقع المال في الغنيمة كان للمالك القديم أنْ يأخذه قبل القِسمة بِغير شيء، كذلك ههنا. فإن كان القاضي لم يقضِ بلحاقه حتَّى عاد، وأخذ المال، وأحرزه بدار الحرب، ثم وقع في الغنيمة، "في ظاهر الرِّواية، وهو جواب هذا الكتاب، يُرَدُّ على الورثة أيضًالأنَّه متى لَحِق بدار الحرب فالظَّاهر أنَّه لا يعود، فكان ميِّتًا ظاهرًا"

(6)

. وفي بعض روايات السِّيَر يكون فيئًا لا حقَّ للورثة فيه لأنَّ الحقَّ لا يثبت للورَثَة إلا بالقضاء

(7)

، كذا في الجامع الصغير لقاضي خان.

(والولاء للمرتد الذي أسلم) بخلاف ما إذا رجع بعدما عتق المكاتَب، فإنَّ الولاءَ فيه للابن ليقودها بدليل متعدٍّ

(8)

، وهو قضاء القاضي باللُّحوق.

(1)

في (ب)"يتجوز".

(2)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 139).

(3)

ينظر فتح القدير (6/ 86).

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(5)

في (ب)"يكون ماله".

(6)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 289).

(7)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 289)، العناية شرح الهداية (6/ 87).

(8)

في (ب)"منفّذ".

ص: 105

وذكر الإمام شمس الأئمة السرخسي: وإنَّما صار الولاء للمرتدِّ الَّذي أسلَم في مسألة الكتاب لأنَّ ملك الوارث خَلَف عن ملك المُوَرِّث، وبالكتابة لا يزول ملك الرَّقبة، والأصل أنَّ المرتدَّ إذا جاء مسلمًا يُعاد إليه ما كان من ملكه لأنَّ الخلَف يسقط اعتباره إذا ظهر الأصل، ولكن لا تبطُل

(1)

الكتابة لأنَّه تصرُّف نفِّذ من الابن في حال قيام ولايته، فإذا عاد إلى المرتدِّ، وهو مكاتَب على حاله كان الابن كالثابت

(2)

عنه في الكتابة، فيستوفي المرتدّ مكاتبته، ويعتق على ملكه، فيكون الولاء له؛ بخلاف ما إذا رَجَع بعدما عتق المكاتب لأنَّ الملك الذي كان له غير قائم بعد أداء الكتابة؛ وبخلاف ما لو باعه الابن مِن غيره لأنَّ الملك الذي كان له ينقطع بالبيع، ويثبت ملك حادث للمشتري بسبَب متجدِّد. ولا يُقال: المكاتب لا يحتمِل النَّقل مِن ملك إلى ملك فكيف ينتقِل هنا مِن الإرث

(3)

إلى الأَب إذا رجع مسلمًا، لأنَّا نقول أنَّ هذا ليس بانتقال، بل هذا سُقوط ولاية الخلَف عند ظهور ولاية الأصل، فلا يكون ذلك انتقالًا من الخلَف إلى الأصل

(4)

.

(لأنَّ العواقل لا تعقل المرتدّ لانعدام النُّصرة) أي: التعاقُل إنَّما يكون باعتبار التناصُر واحد

(5)

، لا ينصر المرتد

(6)

، وتَكون

(7)

الدِّية في ماله كسائر ديونه.

قوله: (ماله فيء

(8)

.

(وعنده ماله) مبتدأ، المكتسب خبرُه لا صفتُه؛ لأنَّه لا يستقيم المعنى/ على تقدير الصِّفة.

[المرتدّ الذي قطعت يده]

(وإذا قُطعت يد المسلِم) أي: إحدى يديه، (أمَّا الأوَّل) وهو ما إذا مات على ردّته (فأُهدرت) أي: أُهدرت السِّراية لأنَّها لو لم تُهدر لَوجَب القصاص في العَمد، والدِّية الكاملة في الخطأ؛ لأنَّ قطع اليد صار نفسًا.

(بخلاف ما إذا قطع يد المرتدّ، ثم أسلَم فمات من ذلك) حيث لا يضمن القاطع شيئًا، وإنْ كان هو معصومًا وقتَ السراية.

(1)

في (ب)"يبطل".

(2)

في (ب)"كالنائب".

(3)

في (ب)"الابن".

(4)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 290).

(5)

في (أ)"واحدا"، والصحيح ما أثبته. ينظر العناية شرح الهداية (6/ 88).

(6)

في (أ)"لا بنصر المدة"، والصحيح ما أثبته. ينظر العناية شرح الهداية (6/ 88).

(7)

في (ب)"يكون".

(8)

لم أقف على هذا القول في متن البداية، ولا في متن الهداية.

ص: 106

(لأنَّ الإهدار لا يلْحقه الاعتبار) أي: إذا لَم يَقع معتبرًا لا يكون معتبرًا أبدًا لأنَّ غير الموجِب لا ينقلِب موجِبًا.

(أما المعتبر قد يهدر بالإبراء) وكذلك بالإعتاق وكذلك بالبيع. وقد ذَكر في الفؤائد الظهيرية: رجل قطع يدَ عبدِ إنسانٍ ثُمَّ باعه مولاه، ثُمَّ رُدَّ عليه بالعيب، ثُمَّ مات العَبد مِن القطع، فإنَّ الجاني لا يضمَن للبائع ضمانَ النَّفس

(1)

لأنَّه لما باعه قَد أَبرأَه عَن ضمَان السِّراية مِن حيث المعنى.

(ومعناه إذا قُضي بلحاقه).

وأمَّا إذا لم يقضِ القاضي بلحاقه حتَّى عاد مسلمًا، فالصَّحيح أنَّه على الخلاف لأنَّ قضاء القاضي إذا لم يتَّصل بلحاقِه فهو بمنزلةِالغَيبة في بقاء أملاكه، وحقوقه إنْ كان مسلمًا

(2)

؛ كذا ذكره الإمام شمس الأئمة السرخسي.

(فإنْ لم يلحق، وأسلم) أي: قطع يد المسلم، ثم ارتدّ ولم يلحق بدار الحرب، ثم أسلم (ثم مات

) إلى آخره

(3)

.

(لأنَّ اعتراض الردَّة أَهدر السِّراية فلا ينقلِب إلى الإسلام بالضَّمان) لأنَّ الردَّة معنى لو مات عليه لم يجب بالسِّراية شيء، وكذلك إذا لم يمت عليه كعبد قُطِعت يدُه ثُمَّ باعه المولى ثم اشتراه، أو تناقضا البيع ثم مات لم تَجب إلا دية اليد، كما لو مات على البيع؛ لأنَّ البيع معنى لو مات عليه لم يجب بالسِّراية شيء؛ ولأنَّ البيع معنى يقطع ملكه في النفس مع قيام النفس محترمة، والردَّة تبطل حقُّ النَّفس أصلًا؛ إلا أنَّا نقول:"إنَّ الردَّة لَيست بإبراء عن ضمان الجناية وضعًا ولا شرعًا، بل هي لتبديل الدَّين. ألا ترى أنَّها تصحُّ من غير إبراء إلَّا أنَّه إذا مات على ذلك لم يجب الضَّمان لهدر دمِه بالرِّدة بخلاف ما إذا باع العبد المجني عليه؛ لأنَّ البيع وضع لقطع ملكه، والضَّمان بدَل ملكه، فإذا قطع الأصل قصدًا فُقد قطع البدل أيضًا فصار كالإبراء"

(4)

؛ كذا في الأسرار.

(وحالة البَقاء بمعزِل من ذلك) أَي: مِن انعقاد السَّبب و [ثبوت]

(5)

الحكم، فلا يُعتبر بقاء العِصمة في هذه الحالة، كما لا يُعتبر في باب الزَّكاة نقصانُ النِّصاب في خلال الحول، وصار كقيام الملك في حال بقاء اليمين، فإنَّه إذا قال لعبده: إنْ دخلتَ الدَّار فأنتَ حرٌّ؛ ثُمَّباعه، ثُمَّ اشتراه، ثُمَّ دخل الدَّار عَتَق. أمَّا لو عدم الملك عند اليمين، أو عند الحنث لم يعتق. هذا هو الحكم في المقطوعة يده.

(1)

ينظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 148).

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 108).

(3)

تمام كلامه "فعليه الدية كاملة". الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 410).

(4)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 291)، ينظر العناية شرح الهداية (6/ 90).

(5)

في (ب)"بثبوت".

ص: 107

"وإنْ كان القاطع هو الذي ارتدَّ فقُتل، ومات المقطوعة يده من قطع اليد مسلمًا، فإنْ كان عمدًا فلا شيء له؛ لأنَّ الواجب في العمد القَوَد

(1)

، وقد فات محلُّه حين قُتِل على ردَّته أو مات. وإنْ كان خطأ فعلى عاقلة

(2)

القاطع دِيَة النَّفس؛ لأنَّه عند الجناية كان مسلمًا، وجناية المسلم، إذا كانت خطًا، على عاقلته، وتبيَّن بالسِّراية أنَّ جنايته كانت قتلًا، فلهذا كان على عاقلته دية النَّفس. وإنْ كانت الجناية منه في حال ردَّته كانت الدِّية في الخطأ في ماله لما بيَّنا أنَّ المرتد لا يعقل جنايته أحد"

(3)

؛ كذا في المبسوط.

(وهذا على أصلهما ظاهر) لأنّ كسب الردّة ملك المرتدّ، بمنزلة كسب الإسلام، وإنَّما يُشكل على قول أبي حنيفة لأنّ عنده كسب الردَّة لا يكون ملكًا للمرتدّ إذا كان حرّا، وجعله ملكًا إذا كان مكاتَبًا. وَوَجْهُه أنّ المكاتب إنّما اختصّ بإكسابه بعقد الكتابة، وعقد الكتابه لا يبطل بالردّة لأنّه لا يبطُل بحقيقة الموت، فلا يبطل باللِّحاق الذي هو شبهة الموت، وحاصله كونه في دار الحرب ككونه في دار الإسلام لأنّ قيام ملك المولى في رقبته يَمنع صيرورته حربيًا، ويجعله في حكم المتردِّد في دار الإسلام

(4)

؛ كذا في الجامع الصّغير لشمس الأئمة، وقاضي خان.

فإنْ قلتَ: سلَّمنا أنّ المكاتب يملك إكسابه وإنْ كان مرتدًّا، لكنْ لما قُتل عن وفاء كان حرًّا في آخِر جُزْء مِن أجزاء حياته، كما هو مذهبنا ثم تستنِد حريته إلى ما قبل الموت حتّى يحكم بِحُريّة أولاده الموجودين في حال كتابته، فيحينئذٍ كان ما اكتسبه في حال الارتداد كسب الحرّ المرتدّ، فيجب أنْ يكون فَيئًا

(5)

على قول أبي حنيفة.

قلتُ: ذلك جواب القياس، وأمّا جواب الاستحسان فهو ميراث لورثته لأنَّا حكمنا بِحُريته بالأداء/ بعد الموت في الحقوق المستحقَّة بالكتابة، وذلك حرِّيته، وحرية أولاده، وحقيقة الملك له في المكاسب، وفيما عدا ذلك يعتبر

(6)

ميتًا عبدًا. ألا ترى أنّه لا تُنفَّذ وصيتُه وإنْ مات عن وفاء لأنَّها ليست من الحقوق المستَحقَّة بالكتابة، وإذا كان كذلك فنقول في حقّ عدم صيرورته فَيئًا يجعل كأنّه مات عبدًا، وكسب العبد المرتدّ لا يكون فيئًا

(7)

؛ كذا في الفوائد الظهيرية.

(1)

القَوَدُ: القصاصُ، وأقَدْتُ القاتلَ بالقتيل، أي قتلته به. يقال: أقادَهُ السلطانُ من أخيه. واسْتَقَدْتُ الحاكمَ، أي سألته أن يَقيدَ القاتلَ بالقتيل. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 528).

(2)

عاقلة الرجل: عصبته، وهم القرابة من قبل الأب الذين يُعطونَ دِيَةَ من قتله خطًا. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (5/ 1771).

(3)

المبسوط للسرخسي (10/ 108).

(4)

ينظر المبسوط للسرخسي (7/ 235).

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (7/ 234).

(6)

في (ب)"تعتبر".

(7)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 291).

ص: 108

(فكذا بالأَدنى) وهو الردّة يعني: أنّ الرِّقّ أقوى مِن الردّة في المانعية من التصرُّف لأنّ بعض تصرُّفات المرتدِّ نافذة بالإجماع

(1)

كالاستيلاء. وعندهما عامّة تصرُّفاته نافذةكالبيع والشراء وغيرهما

(2)

. وأمّا العبد فممنوع عن التصرّفات كلِّها، ثُمّ لما لم يَتوقَّف تصرُّف المكاتب مع أنَّه رقيق لم يَتوقَّف تصرُّفه أيضًا مع أنَّه مرتدٌّ (بالطريق الأولى)

(3)

.

قلت لشيخي في هذا: لا يلزَم مِن عدم منع الرِّقّ المكاتب عَن التصرُّف عدم منع الردَّة عنه لأنَّه إذا لم يمنعه كلُ واحدٍ منهما عند الانفراد جاز أنْ يمنعاه عند الاجتماع لأنَّ للاجتماع تأثيرًا كما في الشَّاهدين؛ ثُمَّ اجتمع ههنا للمكاتب هذا ثلاثةُ أوصاف: كونه مكاتبًا ورقيقًا ومرتدًا، فَجاز أنْ يكون ممنوعًا عند اجتماع هذه الأوصاف.

قال: أمَّا الكتابة فهي مطلَقة للتصرُف لا مانعة، وأمّا الرقُّ والردّة فكلُّ واحدٍ منهما علَّة في المنع عن التصرُّف بانفراده، فلا يثبت الرِّجحان بزيادة العلّة كما إذا [أقام]

(4)

أحد المدَّعيين أربعةً من الشهود، بَل الرِّجحان إنّما يثبت بوصفٍ في العلَّة لا بالعلَّة نفسِها لِما عرف

(5)

.

(1)

للفقهاء في تصرفات المرتد وكونها موقوفة أو نافذة تفصيل حاصله أنها موقوفة عند أبي حنيفة ومالك والحنابلة ورأي عند الشافعية، فإن عاد إلى الإسلام نفذت تصرفاته بإجازة الشارع. والصاحبان من الحنفية والشافعية في رأي عندهم أن تصرفاته نافذة. ومبنى هذا الخلاف أن من قال بنفاذ تصرفاته قال: إنه أهل للتصرف وقد تصرف في ملكه ولم يوجد سبب مزيل للملك، وأن كل ما يستحقه هو القتل. أما الوجه الآخر فإنّهم يرون أنه بالردة صار مهدر الدم وماله تبع له، ويتريث حتى يستبين أمره. فبعض تصرفاتالمرتد هي المجمع عليها لا كلها.

حاشية ابن عابدين (3/ 301)، والمبسوط (10/ 104)، ومنح الجليل (4/ 469)، وحاشية الدسوقي (3/ 3)، والأم (6/ 151)، وحاشية الجمل (3/ 117 - 119)، (4/ 50)، ومنتهى الإرادات (2/ 503)، والمغني (6/ 476) ط الرياض، (4/ 10) ط المنار، وزوائد الكافي (ص 86).

(2)

المبسوط للسرخسي (19/ 14).

(3)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 91).

(4)

في (أ)"قام".

(5)

العناية شرح الهداية (6/ 91 - 92).

ص: 109

[ردة الرجل وامرأته]

(وإذا ارتدّ الرّجل وامرأته، والعياذ بالله، ولحقا بدار الحرب فحبلت المرأة في دار الحرب

) إلى آخره.

قيل: ذِكر دار الحرب وقع اتفاقًا، فإنَّها إذا حبَلت في دارنا ثم لحِقت به بدار الحرب فالجواب كذلك. ولعلَّه يشتمل على فائده، وهي أنّ العلوق متى كان في دار الحرب كان أبعَد عن الإسلام، ومتى كان في دار الإسلام كان أقرب إلى الإسلام باعتبار الدّار لكون الدّار جهة في الاستتباع فالجبر هناك يكون جبرًا

(1)

هنا بالطريق الأولى، وهذا هو الحكم في الحبل.

وأمّا إذا ارتدّ الزّوجان ولهما أولاد صغار فلحِقا بدار الحرب مع أولادهم الصِّغار فولد لأولادهما أولاد ثم ظهر عليهم، ذكر الكرخي في مختصره

(2)

أنّ على قول أبي حنيفة يُجَبر الأولاد الذين خرجا بهم مِن دار الإسلام. وأمَّا أولاد الأولاد، فإنْ أسلموا وإلَّا حبسوا. أّما الأولاد الذين لحق بهم لأنَّا حكمنا بإسلامهم إمَّا تبعًا للدّار [أو]

(3)

للأبوين فيُجبرون على الإسلام ولا يُقتلون لأنَّا حكَمنا بإسلامهم في حال لا تَلْحَقهم

(4)

العقوبة لضَعف حالهم، فيَمتنِع القتل، ولا يمتنع الجبر على الإسلام كالمرأة. وأمّا أولاد هؤلاء يُجبرون على الإسلام لأنَّهم أولاد من حكم بإسلامهم.

وقال أبو يوسف: لا يُجبر أولاد الأولاد على الإسلام لأنّه لو ثبت الجبر لَثبَت تَبَعًا للجَدّ، وذلك ممتنِع، والموجود في البطن حالةَ اللحوقِ بدار الحرب بمنزلةِ المولود في دار الإسلام لثبوت الإسلام له في البَطن

(5)

.

قوله: (ولا يُجبَر ولد الولد) وهو ظاهر الرِّواية. ووجهه أنّه لو كان مسلمًا تبعًا للجَدّ كان تَبَعًا لجدّ جدِّه، فحينئذٍ يكون

(6)

النَّاس كلُّهم مسلمِين بإسلام آدم، فلا يجبر على الإسلام تَبَعًا للجد. ولا يجبر أيضًا تَبَعًا لأبيه، وَهو الولد الأوَّل، لأنَّ التَّبع لا يَستتبِع غيرَه، والولدان فَيء. أمّا وَلد الولد فلأنَّه كافر أصلي، وأمَّا الولد الأوّل فلأنّه وَلد المرتدَّة، وولد المرتدَّة يُسبى تبعًا للأم لأنّ الولد يتْبَع الأم في الرِّقِّ والحرِّية

(7)

.

(1)

في (أ)"خيرا"، والصحيح ما أثبته. ينظر العناية شرح الهداية (6/ 92).

(2)

مختصر الكرخي، للإمام أبي الحسين عبد الله بن الحسين بن دلال بن دلهم الكرخي، المتوفى سنة 340 هـ، وشرحه الإمام أبو الحسين أحمد القدوري المتوفى سنة 428 هـ، والإمام أبو بكر أحمد بن علي الجصاص المتوفى سنة 370 هـ. وهو مخطوط.

الفوائد البهية (ص 108)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 200 - 201)، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1634).

(3)

في (أ)"و".

(4)

في (ب)"يلحقهم".

(5)

ينظر السير الصغير ت خدوري (ص: 215).

(6)

في (ب)"يصير".

(7)

ينظر السير الصغير ت خدوري (ص: 215)، المبسوط للسرخسي (10/ 115)، ينظر العناية شرح الهداية (6/ 92).

ص: 110

(وروى الحسن عن أبي حنيفة أنّه يُجبَر تبعًا للجدّ) لأنّ التّبعية في حقّ الأب للتفرُّع، والتفرُّع ثابت في حقِّ الجدّ، ولهذا كان بمنزلة الأب في النِّكاح وبيع مال الصَّغير

(1)

(2)

.

قوله: (كلُّها على الرِّوايتين) أي: في ظاهر الرِّواية لم يجعل الجدَّ بمنزلة الأب في تلك المسائل، وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله جَعَل الجد فيها بمنزلة الأب. أمّا صورة صيرورة الولد مسلمًا بإسلام جدِّه فهي ما ذكرناه

(3)

.

وأمَّا صورة (صدقة الفطر) فهي أنّ الأب إذا كان فقيرًا أو عبدًا والجدّ موسِر هل يجب فطرة الحافد عليه؟

وصورة (جرِّ الولاء) أنّه إذا أعتق الجدّ، والحافد حرٌ والأب رقيق، هل/ يكون ولاء الحافد لموالي الجدّ أم لا؟

وصورة (الوَصية للقرابة)[إذا]

(4)

أوصى رجلٌ لذي قرابته لا يدخل الوِالدان فيها، وهل يدخل الجد أم لا؟ ففي ظاهر الرِّواية يدخل، وفي رواية الحسن لا يدخل

(5)

؛ هذا كله من الجامع الصَّغير لقاضي خان والفوائد الظهيرية.

[ارتداد الصبي]

(ارتداد الصَّبي الذي يعقل ارتداد عند أبي حنيفة ومحمد

(6)

حتَّى يبطل نكاحه ويُحرم عن الميراث.

(ويُجبر على الإسلام) ولا يُقتَل وإنْ أدرك كافرًا، ولكنَّه يُحبَس

(7)

؛ كذا ذكره الإمام التمرتاشي.

"وذكر ابن أبي مالك عن أبي يوسف أنّ أبا حنيفة رحمه الله رجع عن قوله في ردّة المراهِق، وقال: ردّته لا تكون ردّة، وهو قول أبي يوسف"

(8)

؛ كذا في المحيط.

(في الإسلام أنّه تبَع لأبويه فيه فلا يجعل أصلًا) أي: يصحُّ إسلامه بطريق التَبَعية للأبوين فلا يصح بطرق الأصالة، إذ التبعية دليل العجز، والأصالة دليل القدرة، وبين القدرة والعجز تضادٌّ وتنافٍ. ثُمَّ إنَّ إسلامه يصح بطريق التَّبعية

(9)

بالإجماع

(10)

، فيجب أنْ لا يصح بطريق الأصالة

(11)

.

(1)

في (ب)"الغير".

(2)

ينظر حاشية ابن عابدين (4/ 257)، المبسوط للسرخسي (10/ 115)، بدائع الصنائع (7/ 139)، شرح السير الكبير (1/ 1986)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 292)، العناية شرح الهداية (6/ 93).

(3)

العناية شرح الهداية (6/ 93).

(4)

في (أ)"أو".

(5)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 292)، البناية شرح الهداية (7/ 293).

(6)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 122).

(7)

العناية شرح الهداية (6/ 94).

(8)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 150).

(9)

في (ب)"بطريق التبعية يصح".

(10)

ينظر اختلاف العلماء لابن هبيرة (2/ 67).

(11)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 94).

ص: 111

(وافتخاره بذلك مشهور) فإنَّ عليًا رضي الله عنه أَسلم وهو صَبي

(1)

، وحسُن إسلامه حتَّى افتخر به في شعره حتى قال:

سبقتكم إلى الإسلام طُرًا

غلامًا ما بلغت أوان حلمي

(2)

و [اختلفت]

(3)

الرِّواية في سِنّه حين أسلم وحين مات. قال جعفر بن محمد: أسلم وهو ابن خمس سنين، ومات وهو ابن ثمانٍ وخمسين سنة لأنَّالنَّبي عليه السلام دعاه إلى الإسلام في أوَّل مَبعثه، ومدّة البَعث ثلاثٌ وعشرون سنة، والخلافة بعده ثلاثون سنة، انتهت بموت علي رضي الله عنه. فَإذا ضَمَمْت خمسًا إلى ثلاث وخمسين يكون ثمانيًا وخمسين. وقال القتبي

(4)

: أسلم وهو ابن سبع سنين ومات وهو ابن ستين بهذا الطريق أيضًا

(5)

؛ ولأنَّه مع الصِّبا أهلٌ للرسالة. قال الله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12]، فعُلم ضرورةً أنّه أهل الإسلام؛ ثم بعد وجود الشيء حقيقةً إمّا أنْ يسقط اعتباره بحجْر شرعي، ولا يُظن ذلك ههنا إذ الحجر عن الإسلام كُفر، ولا يُحكم بصحته لضرر يلحقه، ولا تصوُّر لذلك في الإسلام؛ فإنَّه سبب الفوز

(6)

والسعادة الأبدية، فيكون محضُ منفعة في الدُّنيا والآخرة.

(1)

أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم، باب ذكر إسلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، برقم (4581) 3/ 120.

عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: "أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ أَوِ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً".

قال الشيخ الألباني رحمه الله: وهو منقطع أيضًا، وقال الحاكم عقبه:"هذا الإسناد أولى من الأوّل، وإنّما قدمت ذلك لأنى علوت فيه". إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (8/ 132).

(2)

الحماسة المغربية (1/ 568).

(3)

في (أ)"واختلف".

(4)

عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينَوَريّ، أبو محمد: من أئمة الأدب، ومن المصنفين المكثرين. ولد ببغداد وسكن الكوفة. ثم ولي قضاء الدينور مدة، فنسب إليها. وتوفي ببغداد. سنة (276) من كتبه "تأويل مختلف الحديث" - ط و "أدب الكاتب" - ط و"المعارف" - ط "وكتاب" المعاني - ط ثلاثة مجلدات، و "عيون الأخبار" - ط و "الشعر والشعراء" - ط و"تفسير غريب القرآن" وغيرها. وفيات الأعيان (3/ 42)

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 121)، شرح السير الكبير (ص: 202)، العناية شرح الهداية (6/ 95)، تاريخ دمشق لابن عساكر (42/ 569).

(6)

في (ب)"للفوز".

ص: 112

فإنْ قيل: لو صحّ إسلامه بنفسه كان ذلك منه فرضًا لاستحالة القول لكونه متنفلًا في الإسلام، ومِن ضرورة كونه فرضًا أنْ يكون مخاطبًا به، وهو غير مخاطَب بالاتفاق، فإذا لم يمكن تصحيحه فرضًا لم يصح بخلاف سائر العبادات، فإنَّه يَتردد بين الفرض والنفل

(1)

، وبخلاف ما إذا جُعل مسلمًا تبعًا لغيره لأنّ صفة الفرضية في الأصل مغنية عن اعتباره في التبع؛ ولأنَّه لو لم يصف الإسلام بعدما عقل لا تقع

(2)

الفرقة بينه وبين امرأته، ولو صار عقله معتبرًا في الدِّين لوقعت الفُرقة إذا لم يحسن أن يصف كما بعد البلوغ.

قلنا: إنَّما لم يكن مخاطَبًا بالأداء لدفع الحرج عنه إذا امتنَع، وهذا يدلُّ على أنَّه يحكم بصحَّته إذا

(3)

أدَّى باعتبار أنّ عند الأداء يُجعل الخطاب كالسَّابق للتَّحصيل

(4)

المقصود، و

(5)

كالمسافر لا يخاطب بأداء الجمعة، وإذا

(6)

أدَّى يقع ذلك منه فرضًا بهذا الطَّريق؛ وهذا لأنَّ عدم توجُّه الخطاب بالإسلام لدفع الضَّرر، ولا ضرر عليه إذا أدرج الخطاب بهذا الطريق، بل تتوفَّر عليه المنفعة مع أنَّه يحكم بإسلامه لوجود حقيقته مِن غير أنْ يتعرَّض لصفته وإنَّما لا تبين زوجته منه إذا لم يحسن أنْ يصف بعدما عقل لبقاء معنى التبَعية ولتوفير معنى المنفعة عليه.

و

(7)

أمَّا قوله: (أنّه تبَع لأبويه فيه فلا يجوز أصلًا) قُلنا: إنَّما جُعِل تبعًا لتوفير المنفعة عليه "وفي اعتبار معرفته بنفسه بطريق الأصالة مع إبقاء التَّبعية معنى توفير المنفعة؛ لأنَّه ينفتح عليه باب تحصيل هذه المنفعة بطريقين، فكان ذلك أنفع له. وإنَّما يمتنع الجمع بين معنى التَّبعية والأصالة إذا كان بينهما مضادة، فأمّا إذا تأيَّد أحدُهما بالآخر فذلك مستقيم، كالمرأة إذا سافرت مع زوجها ونَوَتْ السَّفر، فهي مسافرة بنيتها مقصودة، وتبعًا لزوجها أيضًا"

(8)

؛ هذا كلُّه في المبسوط.

ولا مردَّ للحقيقة (كما قُلنا في الإسلام).

فإنْ قلتَ: هذا قياس عند عدم شرط صحَّة القياس، فلا يصح. وذلك لأنّ الردّة ليست نظيرة الإسلام، وهو ظاهر، لأنّ الإسلام منفعة مَحضَة، والردَّة مضرَّة محضة، ولا يلزم مِن تحقُّق ما هو منفعة محضة تحقُّق ما هو مضرَّة محضة، وإنْ كان بعد وجود حقيقته ألا ترى أنّ قبول

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 120)، العناية شرح الهداية (6/ 96)، البناية شرح الهداية (7/ 295).

(2)

في (ب)"يقع".

(3)

في (ب)"إذ".

(4)

في (ب)"لتحصيل".

(5)

ساقط من (ب).

(6)

في (ب)"وإذ".

(7)

ساقط من (ب).

(8)

المبسوط للسرخسي (10/ 122).

ص: 113

الِهبة منه/ صحيح؛ لأنّه منفعة محضة وردُّها باطل لأنَّه مضرَّة فكيف يُقاس الردّة على الإسلام.

قلت: نَحكم بصحَّة ردَّته استحسانًا لِعلَّتها لا لحكمها، فإنَّ من ضرورة اعتبار منفعة الإسلام والحكم بصحته اعتبارَ ردَّته بناء عليه، وهذا منا اعتبار للشيء بعد وجود حقيقته، فبعد ذلك لا يُعتبر أنَّه منفعة للصَّبي أو مضرَّة. وهذا لأنّ الردَّة منه جهل بخالقه، وجهله في سائر الأشياء معتبَر حتَّى لا يُجعل عارفًا، فإذا علم جهله به، فكذلك جهله بربِّه؛ فبهذا يُعلم أنَّ قياس الردَّة بالإسلام صحيح مِن حيث أنّ في كلٍّ

(1)

منهما اعتبارًا للشيء بعد وجود حقيقته، وبعُذْر الصَّبى لا يجعل ما وجد منه حقيقةً أنَّه غير موجود. أَلا ترى أنَّ الصَّبي إذا صام ثم أَكل عَمدًا ينعدم الصَّوم لوجود حقيقة الأكل، ولا يعذر بعُذر الصّبا، ولأن مِن ضرورة كونه أهلًا للعقد أهلًا لرفعه، كما أنَّه لما صار

(2)

أهلًا بعقد الإحرام والصّلاة كان

(3)

أهلًا للخروج منه، وإنما لم يصحَّ منه ردُّ الهبة لِما فيه مِن نقل الملك إلى غيره. ألا ترى أنَّ ضرر الردَّة يَلْحقه بطريق التَبَعية إذا ارتدَّ أبواه ولَحِقا به

(4)

بدار الحرب، وضرَر ردِّ الهبة لا يلحقه مِن جهة أبيه، فيجب أنْ لا يلحَقه أيضًا من جهة نفسه

(5)

أيضًا، فبهذا يتضِّح الفرق بينهما

(6)

.

(إلا أنَّه يُجبَر على الإسلام ولا يُقتل) هذا جواب الاستحسان. وفي القياس يُقتَل لارتدادِه بعد إسلامه. جِنس هذه المسألة في أربعة مواضع:

أحدها: في الّذي أسلم تبَعًا لأبويه إذا بلغ مرتدًّا، ففي القياس يُقتل لما ذكرنا، وفي الاستحسان لا يُقتل لأنَّه ما كان مسلمًا مقصودًا بنفسه، وإنما يثبت له حكم الإسلام تبعًا لغيره، فيصير ذلك شبهةً في إسقاط القَتل عنه، وإنْ بلغ مرتدًّا.

والثاني: إذا أسلم في صِغَره ثم بلغ مرتدًّا فهو على هذا القياس والاستحسان لقيام الشبهة بسبب اختلاف العلماء في صحَّة إسلامه في الصِّغَر.

والثالث: إذا ارتدّ في صِغَره.

والرابع: المكرَه على الإسلام إذا ارتدَّ، فإنَّه لا يُقتل استحسانًا لأنّا حَكَمنا بإسلامه باعتبار الظَّاهر، وهو أنّ الإسلام مما يَجِب اعتقاده، ولكن قيام السّيف على رأسه دليلٌ على أنَّه غير معتقد، فيصير ذلك شبهة في إسقاط القَتل عنه، وفي جميع ذلك يجبر على الإسلام، ولو قتله قاتل قبل أنْ يسلم لا يلزمه شيء

(7)

؛ هذا كله من المبسوط.

(1)

في (ب)"كل واحد".

(2)

في (ب)"كان".

(3)

ساقط من (ب).

(4)

ساقط من (ب).

(5)

في (ب)"من جهة نفسه أيضا".

(6)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 122).

(7)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 123).

ص: 114

(ولا يُقتل؛ لأنَّه عقوبة والعقوبات موضوعة عن الصِّبيان مرحَمةً عليهم) "وفي هذا التّعليل نوع نظر وذلكلأنَّه أسقط عقوبة القتل عن الصَّبي المرتدّ باعتبار الرَّحمة لصباه، والله تعالى أرحَم الراحمين، وهو تعالى لم يرحم عليه حتى عاقبه في النار مخلدًا كسائر الكفار، وذلك منصوص عليه في الأسرار والجامع الصَّغير للإمام التمرتاشي عليه السلام ومشار إليه في المبسوط

(1)

"

(2)

.

أمَّا في الأسرار فقال في هذه المسألة: وأمَّا حكم سعادة الآخرة فمِمّا لا يُتصوّر بلا إيمان حقيقة، وقد زال الإيمان بالردَّة حقيقة

(3)

.

وأمّا رواية التمرتاشي: وإذا كمل عقل الصغير والصغيرة وتمكّن ثم مات قبل أنْ يستدلّ فيعرف ربَّه يعاقَب يوم القيامةلأنَّه كلّف المعرفة ومات مفرّطًا، فقد استحق النار أبدًا؛ وأحال هذه الرّواية إلى التبصرة

(4)

(5)

، وصرَّح فيها بالتأبيد في النَّار لمن

(6)

كفر من الصّغير والصّغيرة من غير ارتداد، فأولى أنْ يخلد في النّار المرتد منهما لأنّ كفر المرتدّ أغلظ

(7)

.

وقال في المبسوط: ولكنّه لا يُقتل استحسانًا لأنّ القتل عقوبة، وهو ليس من أهل أنْتلزمه العقوبة في الدنيا بمباشرة سببها

(8)

، فتخصيصه بالدُّنيا إشارة إلى أنّه مِن أهل العقوبة في الآخرة، فأولى ما يعلَّل به في عدَم قَتل الصبي المرتدّ ما ذكرنا من تعليل المبسوط وهو قوله:"لا يقتل لقيام الشبهة لسبب اختلاف العلماء في صحَّة اسلامه في الصغر"

(9)

، والله أعلم.

‌باب: البغاة

(10)

.

(1)

المرجع السابق.

(2)

العناية شرح الهداية (6/ 97 - 98).

(3)

ينظر كشف الأسرار للبخاري (4/ 252).

(4)

تبصرة الأدلة في الكلام، مجلد ضخم. للشيخ، الإمام، أبي المعين: ميمون بن محمد النسفيالمتوفى: سنة ثمان وخمسمائة. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 337).

(5)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 296)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 150)، فتح القدير (6/ 97).

(6)

في (ب)"كمن".

(7)

ينظر تبصرة الأدلة (2/ 1020).

(8)

المبسوط للسرخسي (10/ 123).

(9)

المبسوط للسرخسي (10/ 123).

(10)

بغى: ظلم، واعتدى، وسعى بالفساد.

لسان العرب (14/ 78)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 57)، المعجم الوسيط (1/ 64)، مجمل اللغة لابن فارس (ص: 130).

وشرعًا: أهل البغي كل فئة لهم منعة يتغلبون ويجتمعون ويقاتلون أهل العدل بتأويل ويقولون "الحق معنا" ويدعون الولاية، وإن تغلب قوم من اللصوص على مدينة فقتلوا وأخذوا المال وهم غير متأوّلين أخذوا بأجمعهم وليسوا ببغاة، لأن المنعة إن وجدت فالتأويل لم يوجَد. الاختيار لتعليل المختار (4/ 151).

ص: 115

أخَّر هذا الباب عن باب المرتدّ لقلّة وجوده؛ فالبغاة: جمع الباغي كالقضاة، والغزاة في جمع القاضي والغازي، وهذا قياس مطّرِد في جمع اسم الفاعل من المعتلِّ الَّلام/.

[دعوة البغاة وقتالهم]

ذكر في الصِّحاح يقال: "تغلب على بلد كذا: استولى عليه قهرًا"

(1)

.

(وإذا تغلَّب قوم من المسلمين على بلد وخرجوا عَن

(2)

طاعة الإمام، دعاهم إلى العَوْدِ إلى الجماعة).

ولكنْ هذا ليس بأمرٍ واجب فإنّ أهل العدل إذا لم يفْعلوا ذلك بل [قاتلوهم]

(3)

فلا شيء عليهملأنَّهم قد عِلموا ما يقاتلون عليه، فحالهم في ذلك كحال المرتدِّين وأهل الحرب الذين بلغتهم الدَّعوة. ولهذا يجوز قتالهم بكلِّ ما يجوز به قِتال أهل الحرب كالرَّمي بالنبل والمنجنيق وإرسال الماء والنار عليهم والبيات بالليل لأنّ قتالهم فرض كقتال أهل الحرب والمرتدّين

(4)

، كذا في المبسوط.

(لأنَّ عليًا رضي الله عنه فعل كذلك)

(5)

فإنَّه أنفذ ابن عباس رضي الله عنه، فدعا أهل حروراء

(6)

وناظرهم قبل قتالهم، فلذلك كان [

]

(7)

الأحسن أنْ يقدِّم ذلك على القتال لأنّ الكي آخِر الدَّواء

(8)

؛ كذا في المبسوط والإيضاح.

(1)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (1/ 195).

(2)

في (ب)"من".

(3)

في (أ)" بلوهم".

(4)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 128 - 129).

(5)

أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب قتال أهل البغي وهو آخر الجهاد، برقم (2657) 2/ 165. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَادَ، ثنا هِشَامُ بْنُ عَلِيٍّ السَّدُوسِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَبَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَهَا جُلُوسٌ مَرْجِعُهَا مِنَ الْعِرَاقِ لَيَالِي قُوتِلَ عَلِيٌّ إِذْ قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ شَدَّادٍ، هَلْ أَنْتَ صَادِقِيَّ عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ؟ حَدَّثَنِي عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ. قُلْتُ: وَمَالِي لَا أَصْدُقُكَ؟ قُلْتُ: فَحَدِّثْنِي عَنْ قِصَّتِهِمْ. قُلْتُ: إِنَّ عَلِيًّا لَمَّا كَاتَبَ مُعَاوِيَةَ وَحَكَّمَ الْحَكَمَيْنِ خَرَجَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ مِنْ قُرَّاءِ النَّاسِ، فَنَزَلُوا أَرْضًا مِنْ جَانِبِ الْكُوفَةِ يُقَالُ لَهَا: حروراء، وَإِنَّهُمْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: انْسَلَخْتَ مِنْ قَمِيصٍ أَلْبَسَكَهُ اللَّهُ وَأَسْمَاكَ بِهِ، ثُمَّ انْطَلَقْتَ فَحَكَّمْتَ فِي ديْنِ اللَّهِ وَلَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ. فَلَمَّا بَلَغَ عَلِيًّا مَا عَتَبُوا عَلَيْهِ وَفَارَقُوهُ، أَمَرَ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لَا يَدْخُلَنَّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا رَجُلٌ قَدْ حَمَلَالْقُرْآنَ، فَلَمَّا أَنِ امْتَلَأَ الدَّارُ مِنَ الْقُرَّاءِ دَعَا بِمُصْحَفٍ عَظِيمٍ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَطَفِقَ يَصُكُّهُ بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: أَيُّهَا الْمُصْحَفُ حَدِّثِ النَّاسَ، فَنَادَاهُ النَّاسُ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا تَسْأَلُهُ عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ وَرَقٌ وَمِدَادٌ، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِمَا رَأَيْنَا مِنْهُ فَمَاذَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أَصْحَابُكُمُ الَّذِينَ خَرَجُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ كِتَابُ اللَّهِ، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل فِي امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنِ امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ، وَنَقَمُوا عَلَيَّ أَنْ كَاتَبْتُ مُعَاوِيَةَ وَكَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَالَحَ قَوْمُهُ قُرَيْشًا فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" فَقَالَ سُهَيْلٌ: لَا تَكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ: "فَكَيْفَ أَكْتُبُ؟ " قَالَ: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اكْتُبْ" ثُمَّ قَالَ: "اكْتُبْ: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ" قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ نُخَالِفْكَ، فَكَتَبَ:"هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قُرَيْشًا" يَقُولُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: 21] فَبَعَثَهُ إِلَيْهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا تَوَسَّطْنَا عَسْكَرَهُمْ، قَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ إِنَّ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ، فَأَنَا أَعْرِفُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، هَذَا مَنْ نَزَلَ فِي قَوْمِهِ:{بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] فَرُدُّوهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَلَا تُوَاضِعُوهُ كِتَابَ اللَّهِ. قَالَ: فَقَامَ خُطَبَاؤُهُمْ فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَنُوَاضِعَنَّهُ كِتَابَ اللَّهِ، فَإِذَا جَاءَ بِالْحَقِّ نَعْرِفُهُ اسْتَطَعْنَاهُ، وَلَئِنْ جَاءَ بِالْبَاطِلِ لَنُبَكِّتَنَّهُ بِبَاطِلِهِ، وَلَنَرُدَّنَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ، فَوَاضَعُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ كُلُّهُمْ تَائِبٌ بَيْنَهُمُ ابْنُ الْكَوَّاءِ، حَتَّى أَدْخَلَهُمْ عَلَى عَلِيٍّ فَبَعَثَ عَلِيٌّ إِلَى بَقِيَّتِهِمْ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِنَا وَأَمْرِ النَّاسِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ فَقِفُوا حَيْثُ شِئْتُمْ حَتَّى تَجْتَمِعَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَتَنْزِلُوا حَيْثُ شِئْتُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ نَقِيَكُمْ رِمَاحَنَا مَا لَمْ تَقْطَعُوا سَبِيلًا أَوْ تُطِيلُوا دَمًا، فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ نَبَذْنَا إِلَيْكُمُ الْحَرْبَ عَلَى سَوَاءٍ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ. فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَا ابْنَ شَدَّادٍ فَقَدْ قَتَلَهُمْ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا بَعَثَ إِلَيْهِمْ حَتَّى قَطَعُوا السَّبِيلَ، وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ بِغَيْرِ حَقِّ اللَّهِ، وَقَتَلُوا ابْنَ خَبَّابٍ وَاسْتَحَلُّوا أهل الذمة فَقَالَتْ: آللَّهِ؟ قُلْتُ: آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. قَالَتْ: فَمَا شَيْءٌ بَلَغَنِي عَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ يَتَحَدَّثُونَ بِهِ يَقُولُونَ: ذُو الثُّدَيِّ ذُو الثُّدَيِّ، فَقُلْتُ: قَدْ رَأَيْتُهُ وَوَقَفْتُ عَلَيْهِ مَعَ عَلِيٍّ فِي الْقَتْلَى فَدَعَا النَّاسَ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَكَانَ أَكْثَرُ مَنْ جَاءَ يَقُولُ: قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَسْجِدِ بَنِي فُلَانٍ يُصَلِّي، وَرَأَيْتُهُ فِي مَسْجِدِ بَنِي فُلَانٍ يُصَلِّي، فَلَمْ يَأْتِ بِثَبْتٍ يُعْرَفُ إِلَّا ذَلِكَ، قَالَتْ: فَمَا قَوْلُ عَلِيٍّ حِينَ قَامَ عَلَيْهِ كَمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِرَاقِ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. قَالَتْ: وَهَلْ سَمِعْتَهُ أَنْتَ مِنْهُ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا. قَالَتْ: أَجَلْ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".

(6)

حروراء: قرية بظاهر الكوفة، وقيل: موضع على ميلين منها نزل به الخوارج الذين خالفوا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فنسبوا إليها. معجم البلدان (2/ 245)، لسان العرب (4/ 185).

(7)

مطموس في النسختين.

(8)

وفي المبسوط قال: "روي عن علي رضي الله عنه أنه بعث ابن عباس رضي الله عنهما إلى أهل حروراء حتى ناظرهم، ودعاهم إلى التوبة، ولأن المقصود ربما يحصل من غير قتال بالوعظ والإنذار فالأحسن أن يقدم ذلك على القتال؛ لأن الكي آخر الدواء". المبسوط للسرخسي (10/ 128).

ص: 116

قيل: في سبب خروجهم أنَّ عليًا رضي الله عنه لما حكَّم أبا موسى الأشعري

(1)

بينه وبين معاوية، خَرجت طائفة مِن المسلمين على علي رضي الله عنه وقالوا: القتال واجِبٌ بالنص، وعلي تَركَ القتال بالتّحكيم، فأرسَل علي عبدالله بن عباس ليكشِف شبهَتهم، فلمَّا ذكروا شبهتهم قال ابن عباس: هذه الحادثة ليست بأدنى من بَيض الحمام، وفيه التحكيم بقوله تعالى:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95]، فكان تحكيمُ عليٍّ موافقًا للنصّ، فألزمهم الحجة عليهم، فتاب البعض وأصرَّ قوم على ذلك.

"حروراء"، بفَتح الحاء المهملة يُمد وُيقصر: قرية بالكوفة كان بها أوّل تحكيم الخوارج واجتماعهم

(2)

؛ كذا في الصّحاح والمغرب.

قوله: (المعروف بخواهر زاده) وهو خواهر زاده القاضي الإمام أبي ثابت.

[اعتزال الفتنة]

" والمروي عن أبي حنيفة هو ما رَوى الحسن عَن أبي حنيفة أنّ الفتنة إذا وَقَعت بين المسلمين، فالواجب على كلِّ مسلم أنْ يعتزِل الفتنةَ، ويقعد في بيتِه لقوله عليه الصلاة والسلام: "من فرّ من الفتنة أعتق الله رقبته من النار"

(3)

، وقال عليه الصلاة والسلام لواحد من الصحابة

(4)

في الفتنة: "كُنْ حِلْسًا مِن أحلاس بيتك، فإنْ دخل عليك فكُن عبدالله المقتول أو عندالله"

(5)

معناه: كُن ساكنًا إلى بيتك لا قاصدًا، فإنْ كان المسلمون

(6)

مجتمعين على إمام، وكانوا آمنين به والسُّبل آمنة فخرج عليه طائفة مِن المؤمنين فحينئذٍ يجب على كل من يقوى على القتال أنْ يقاتل مَع إمام المسلمين الخارجين لقوله تعالى:{فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحُجُرات: 9]. والأمر حقيقة للوجوب؛ ولأنّ الخارجين قصدوا أذى المسلمين، وإماطة الأذى مِن أبواب الدِّين؛ وخروجهم معصية ففي القيام بقتالهم نَهيٌ عن المنكر وإنَّه فَرض"

(7)

، كذا في المبسوط.

(1)

في (أ) زيادة "أنّ أبا موسى".

(2)

ينظر الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 628)، ينظر المغرب في ترتيب المعرب (ص: 111).

(3)

كذا أورده السرخسي في المبسوط (10/ 124)، ولم أقف على من خرّجه أو ساق له سندًا.

(4)

في (ب)"أصحابه".

(5)

أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الفتن، باب النهي عن السعي في الفتنة، برقم (4258) 6/ 314، عن ابنِ مسعودٍ، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: فذكر بعض حديثِ أبي بَكرة، قال:"قتلاها كلُّهم في النارِ" قال فيه: قلتُ: متى ذلك يا ابنَ مسعود؟ قال: تِلكَ أيامُ الهَرْجِ حيثُ لا يأمنُ الرَّجُلُ جليسَه، قلتُ: فما تأمُرُني إن أدركني ذلك الزمانُ؟ قال: تكفُّ لِسَانَكَ ويدكَ، وتكونُ حِلْسًا مِن أحلاسِ بيتِك، فلما قُتِلَ عثمانُ طار قلبي مَطارَهُ، فركبتُ حتى أتيتُ دمشقَ، فلقيتُ خُريم بنَ فاتِكٍ الأسَديَّ فحدَّثته، فحلفَ بالله الذي لا إله إلا هو لسمعهُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كما حدَّثنيه ابنُ مسعودٍ. قال ابن الأثير: في سنده القاسم بن غزوان، لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات. جامع الأصول (10/ 13).

(6)

في (ب)"المسلمين".

(7)

المبسوط للسرخسي (10/ 124)

ص: 117

"الغناء" -بالفتح والمد-: الإجزاء والكفاية وقد ذكرناه لقول

(1)

"أَجْهَزْتُ على الجريح، إذا أسرعتُ قتلَه، وقد تَمَّمْتَ عليه"

(2)

كذا في الصحاح.

"أُجهِز" و"أُتبع" كلاهما على بناء المفعول، وكذلك "لم يجهَز" و"لا

(3)

يُتبَع".

"وَيَوْمُ (الْجَمَلِ) وَقْعَةُ عَائِشَةَ رضي الله عنها بِالْبَصْرَةِ مَعَ عَلِيٍّ رضي الله عنه سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأنَّها كَانَتْ عَلَى جَمَلٍ اسْمُهُ عَسْكَرٌ"

(4)

؛ كذا في المغرب.

[التعامل مع البغاة]

قوله: (ولا يُقتَل أسير) هو متّصل بقوله: (لقول عليٍّ)

(5)

، فإنَّ هذا مَقول علي رضي الله عنه.

(ولا يُكشف سِتر) أي: لا يسبي نساءهم. أَلا ترى أنَّ أصحاب عليٍّ سألوه قِسمة ذلك، فقال:"إذا قَسمت فلمن تكون عائشة رضي الله عنها ".

(القدوة) اسم للاقتداء، كالأُسوة اسم للاتِّساء

(6)

ثُمَّ يقال: فلان قُدوة أي: يُقتدى به.

(وقوله في الأسير) أَي: قول عليٍّ في عدم قتلِ الأسير لقوله

(7)

: (ولا يُقتل أسير) إنَّما كان فيما إذا لم يكن لأهل البغي جماعة كثيرة، وأمَّا إذا تجمَّعوا يُقتل الأسير منهم.

(وإنْ شاء حبَسه لِما ذكرنا) وهو قوله: (ويحبسهم) إلى قوله: (دفعًا للشّرّ).

أمَّا عدم القِسمة فلِما بينَّاه وهو قَول عليٍّ رضي الله عنه ولا يُؤخذ مال.

وقوله: (ولأنَّهم مسلمون)(وإن لم يكونوا صرفوه في حقِّه فعلى أهله) أي: فعلى أهل الحقِّ، وهم الذين وَجَب عليهم الحقُّ (لأنَّه يحميهم فيه) أي: في المستقبل مِن الزَّمان. (وأزعجوا) أَي: إذا أُقلِع أهل البغي مِن المِصر قبل أن تجري أحكامهم.

(1)

في (ب)"بقول".

(2)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 870).

(3)

في (ب)"ولم".

(4)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 91).

(5)

أخرجه البزار في مسنده، برقم (5954) 12/ 231. عن ابن عمر أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ياابن أم عبد هل تدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: لا يجهز على جريحها، ولا يقتل أسيرها، ولا يطلب هاربها، ولا يقسم فيئها.

وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النَّبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، ولا نعلم رواه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم إلا ابن عمر، ولا نعلم رواه عن نافع إلا كوثر بن حكيم. قال ابن حجر: وفي إسناده كوثر بن حكيم وهو واه. الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 139).

(6)

في (ب)"للإيتساء".

(7)

في (ب)"بقوله".

ص: 118

وفي المبسوط: "وإذا تاب أهل البغي ودخلوا مع أهل العدل لم يُؤخذوا بشيء مما أصابوا بحال يعني: بضمان

(1)

ما أتلفوا مِن النُّفوس والأموال، ومراده بذلك إذا أصابوا بعدما تجمَّعوا وصاروا أهل مَنَعة. فأمَّا ما أصابوا قبل ذلك فهم ضامنون لذلك لأنَّا أُمِرنا في حقِّهم بالمحاجّة والإلزام بالدَّليل، فلا يُعتبر تأويلهم البَاطل في إسقاط الضَّمان قبل أنْ يصيروا أهل مَنَعة. فأما بعدما صارت لهم منعة فقد انقطع ولاية/ الإلزام بالدَّليل حِسًّا، فيُعتبر تأويلُهم، وإنْ كان باطلًا في إسقاط الضَّمان عنهم كتأويل أهل الحرب بعد ما أسلموا. والأصل فيه حديث الزهري قَال: وقع الفتنة وأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام كانوا

(2)

متوافرين، فاتّفقوا على أن ّكلَّ دم أُريق بتأويل القرآن فهو موضوع، وكلُّ فرج استحِلّ بتأويل القرآن فهو موضوع، وكلُّ مالٍ أُتلف بتأويل القرآن فهو موضوع

(3)

"

(4)

.

[الميراث في قتال البغاة]

(لا يرث في الوجهين) أي: في الوجه الذي قال: أنا على الحق، وفي الوجه الثاني

(5)

قال: أنا على الباطللأنَّه قُتِل بغير حقٍّ فيحرم الميراث اعتبارًا بالخاطئ، وليس

(6)

الحقّ بالتّأويل الصَّحيح في حقّ دفع الضَّمان بقول الصَّحابة لا يجِب إلحاقُه بالصَّحيح في حقِّ استحقاق الميراث، وكَم مِن شيء يكفي للدَّفع ولا يكفي للاستحقاق، وهما يقولان إنّ تأويله معتبَر لدَفع الحِرمان الذي ثبَت جزاءً على الفعل ثُمَّ استحقاق الميراث يكون بالقرابة، ولكن إنَّما يرث إذا كان مُصِرًّا على تأويله الفاسد، فإنَّ ذلك التَّأويل عنده صحيح بخلاف الخاطئ، فإنَّ هناك تلزمه الكفَّارة والدِّية، والباغي لا تلزمه كفَّارة ولا دية، فعُلم بهذا أنَّه أُلحق بالصحيح كما إذا قتل العادل الباغي.

(1)

في (أ)"بزمان"، والصحيح ما أثبته. ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 127).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب قتال أهل البغي، باب مافات في الأموال من قتال أهل البغي، برقم (16724) 8/ 303. عن الزهري، قال: كتب إليه سليمان بن هشام يسأله عن امرأة فارقت زوجها، وشهدت على قومها بالشرك، ولحقت بالحرورية فتزوّجت فيهم، ثم جاءت تائبة، قال: فكتب إليه الزهري، وأنا شاهد: أمّا بعد، فإنَّ الفتنة الأولى ثارت وفي أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرًا، فرأوا أن يهدم أمر الفتنة، لا يقام فيها حد على أحد في فرج استحله بتأويل القرآن، ولا قصاص في دم استحله بتأويل القرآن، ولا مال استحله بتأويل القرآن إلا أنْ يوجد شيء بعينه، وإنّي أرى أن تردها إلى زوجها وتحد من قذفها.

إسناده صحيح، والزهري لم يدرك الفتنة المذكورة، انظر إرواء الغليل للألباني (8/ 116).

(4)

المبسوط للسرخسي (10/ 127 - 128)

(5)

ساقط من (ب).

(6)

في (ب)"ولئن".

ص: 119

وحاصله أنّ أصحابنا أجمعوا على أنَّ العادل إذا أَتلف مال الباغي أو الباغي إذا أتلف مال العادل لا يضمَن

(1)

. وقال الشافعي رحمه الله: يضمن الباغي

(2)

؛ كذا ذكره الإمام قاضي خان والإمام ظهير الدين -رحمهما الله-

(3)

.

(ولا التزام لاعتقاد الإباحة) أي: الباغي اعتقد إباحة أموال العادل بأنَّ العادل عصى الله ورسوله ولم يعمَل بموجِب الكتاب.

(ولهما فيه) أي: في قتل الباغي (فيعتبر الفاسد فيه) أي: في دفع الحرمان (لم يوجَد الدّافع) أي: التَّأويل الدَّافع للضَّمان.

(وليس بِبيعه بالكوفة من أهل الكوفة) إلى أنْ قال: (بأس)

(4)

. والحكم في غير الكوفة أيضًاكذلك إلَّا أنَّتقيّد الكوفة باعتبار أنّ البغاة خرجوا فيها أولًا.

(لا بَيع ما لا يقاتل به إلا بصنعة) كالحديد؛ لأنَّه إنَّما يصير سلاحًا بفعل غيره، فلا ينسب إليه.

(وعَلى هذا الخَمر مَع العنب) أي: لا يجوز بيع الخمر، ويجوز بيع العنب، ثُم الفرق لأبي حنيفة بَين مسألتنا هذه، وهي كراهة بيع السلاح مِن أهل الفتنة وَعَدم كَراهة بيع العَصير ممن اتَّخذه خمرًا، أنَّالمعصية هناك لم تقع بعين العَصير، وههنا [تقع]

(5)

بعَين السِّلاح. وقيل: الفَرق الصَّحيح بينهما أنَّ الضَّرر هنا يرجِع إلى العامة، وهناك يرجِع إلى الخاصّة

(6)

؛ كذا في الفوائد الظهيرية وغيرها

(7)

.

‌كتاب اللقيط

(8)

:

ذَكَرَ اللَّقيط واللُقَطَة بعد ذكر الجهاد لأنَّ الأنْفُس والأموال عَلى عَرضية الفوات في الجهاد، قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة: 111]، فكذلك

(9)

في اللَّقيط واللُقَطَة، إلَّا أنَّ ذِكر النَّفس مقدَّم، فلذلك قدَّم اللَّقيط على اللُّقَطَة، كما قدِّم في الآية؛ و

(10)

لأنّ الْتِقاط اللَّقيط واجبٌ عند خوف الضَّياع كوجوب الجهاد، فكان في إِقدام كُلِّ واحدٍ مِن الفِعلين، أعني: الجهاد والالْتقاط، مَنع لجنس بني آدم عن الهلاك؛ إِذ في الكُفر هلاكٌ أيَّ هلاك، والجهاد يمحو

(11)

ذلك الهلاك، أوْ لأنَّ كلّ واحدٍ منهما فرض من فروض الكفاية.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (9/ 182).

(2)

مذهب الشافعية: أن المستهلك بين أهل العدل وأهل البغي في غير ثائرة الحرب والتحام القتال من دماء وأموال فهي مضمونة على مستهلكها سواء كان استهلاكها قبل القتال أو بعد، فيضمن أهل البغي ما استهلكوه لأهل العدل من دماء وأموال ويضمن أهل العدل ما استهلكوه على أهل البغي من دماء وأموال. الحاوي الكبير (13/ 105).

(3)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 90)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 17)، فتح القدير (5/ 416).

(4)

تمام كلامه: (ومن لم يعرفه من أهل الفتنة بأس). الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 414).

(5)

في (أ)"يقع".

(6)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 310).

(7)

في (ب)"والله أعلم" بعد قوله "وغيرها".

(8)

في (ب)"بسم الله الرحمن الرحيم، باب اللقيط".

(9)

في (ب)"وكذلك".

(10)

في (ب)"أو".

(11)

في (ب)"لمحو".

ص: 120

ذكر في التُّحفة: أنّ اللَّقيط يساوي الصَّبي الَّذي لَيس بلَقيط في عامَّة الأحكام، ولَه أحكام أُخَر عَلى الخصوص منها أنَّ التقاطه واجِب على من وجده لأنَّ في تركه ضياعه، فتجب عليه صيانته، ومنها أنَّه إذا التقطَه فإنْ شاء تبرَّع بتربيته والإنفاق عليه، وإنْ شاء رفع الأمر إلى السُّلطان ليأمُر بتربيته أحدًا بمال بيت المال وأحكامٍ أُخر

(1)

.

[تعريف اللقيط]

وذكر في المبسوط: "اللقيط لغةً: اسمٌ لشيء منبوذ، فعيل بمعنى مفعول كالقتيل والجريح.

وفي الشريعة: اسم لحيٍّ مولود طَرَحه أهلُه خوفًا من العَيْلَةِ أو فرارًا من تُهمة الزّنية، مُضَيّعُةُآثِم، ومُحرِزه غانِم لِما في إحرازه مِن إحياء النّفس، فإنّه على شرف الهلاك، فإحياء الحيِّ بدفع سبب الهلاك عنه، قال الله تعالى:{وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، ولهذا كان رفعه

(2)

أفضل من تركِه لما في تركه مِن ترْك التَّرحُم على الصِّغار، وقال

النَّبي عليه الصلاة والسلام:/ "من لم يرحَم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا فليس منَّا"

(3)

.

وفي رفعه إظهار الشّفقة على الأطفال، وهو أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله تعالى على ما قيل:"أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله تعالى التعظيم لأمر الله، والشَّفقة على خلق الله"

(4)

"

(5)

.

(اللقيط حرٌّ) أي: في جميع أحكامه حتّى أنّ قاذفه يُحدُّ وقاذف أمِّه لا يحَدُّ؛ كذا في شرح الطحاوي

(6)

.

(لأنَّ الأصل في بني آدم هو الحرِّية) لأنَّهم مِن آدم وحواء، فكانوا أحرارًا لحرِّيتهما

(7)

إلّا أنّ الرقّ بعارِض الكُفر على ما ذكرنا والأصل عَدم العارض.

(1)

ينظر تحفة الفقهاء (3/ 351 - 352).

(2)

في (ب)"دفعه".

(3)

أخرجه الترمذي في سننه، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة الصبيان، برقم (1919) 4/ 321.

عن زربي، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: جاء شيخ يريد النَّبي صلى الله عليه وسلم فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم:"ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا" قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: هذا حديث غريب وزربي له أحاديث مناكير عن أنس بن مالك وغيره.

(4)

تفسير الرازي مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (8/ 191).

(5)

المبسوط للسرخسي (10/ 209).

(6)

العناية شرح الهداية (6/ 110).

(7)

في (ب)"كحريتهما".

ص: 121

(هو المروي عن عُمَر

(1)

وعلي

(2)

وروي عن علي رضي الله عنه أنَه قال: "اللَّقيط حُرٌّ وعقله وولاؤه للمسلمين"، وعن عمر مثله.

(والخراج بالضّمان) أي: له غُنمه وعليه غُرمه، أي: غلّة العبد المعيب للمشتري قبل الرَّدّلأنَّه قبل الردّ في ضمانه، يقال: خارَجَ غلامه إذا اتّفقا على ضريبة يؤديها إليه في وقت معلوم.

(فيه) أي: في بيت المال.

يقال: بَرع الرَّجل وبُرع

(3)

بالضَّم إذا فضُل على أقرانه، ومنه يقال للمتفضِّل: المتبرِّع.

(إلَّا أنْ يأمره القاضي به)؛ "وقد قال بعض أصحابنا: مجرَّد أمر القاضي [بالإنفاق عليه]

(4)

يكفي، ولا يشترط أنْ يقول: على أن يكون لك دَينًا عليه؛ لأنّ أمر القاضي نافذ عليه كأمره بنفسه أنْ لو كان مِن أهله، ولو أمَره غيره بالإنفاق عليه كان ما ينفِق دَينًا عليه، فكذلك إذا أمَر القاضي به. والأصحُّ ما ذكره في الكتاب، وهو: أنْ يأمُره على أنْ يكون دَينًا عليه

(5)

؛ لأنَّ مطلقه محتمل، [قد يكون]

(6)

للحثِّ والترغيب في إتمام ما شرع فيه من التبرُّع. وإنَّما يزول هذا الاحتمال إذا شرط أنْ يكون دَينًا عليه"

(7)

، كذا في المبسوط.

معناه: إذا لم يدَّعِ الملتقط نسبه؛ أمّا إذا ادَّعاه الملتقط، ورجلٌ آخر فالملتقِط أولىلأنَّهما استويا في الدَّعوى

(8)

، ولأحدهما يد، وكان صاحب اليد أولى. وكذلك لو كان صاحب اليد وهو الملتقِط إذا كان مِن أهل الذمَّة، فهو أولى به من المسلم الخارج، حتّى أنّصبيًا لو كان في يد ذمِّي يدَّعي أنَّه ابنُه، وَأقام الذي في يديه بينةً مِن المسلمين أنَّه ابنُه قضى للذِّمي وترجّح الذِّمي على المسلِم بحكْم يدِه، وأمَّا إذا كان المدَّعى للصبي خارجَين أحدهما مسلم والآخر ذمِّي، وأقام كلُّ واحدٍ منهما بينةً

(9)

مِن المسلمين قضى للمسلم. فالحاصل أنَّ الترجيح في باب النَّسب

(10)

أولًا باليد؛ كذا في الإيضاح والذخيرة

(11)

.

(1)

أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الأقضية، باب القضاء في المنبوذ، برقم (2733) 4/ 1068. "

فقال عمر بن الخطاب: اذهب فهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته". قال الشيخ الألباني رحمه الله: إسناده صحيح.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الفرائض، اللقيط لمن ولاؤه، برقم (31570) 6/ 295.

قال علي: "المنبوذ حر، فإن أحب أن يوالي الذي التقطه والاه، وإن أحب أن يوالي غيره والاه". لم أقف على حكم العلماء عليه.

(3)

ساقط من (ب).

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(5)

مختصر القدوري ص 204.

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(7)

المبسوط للسرخسي (10/ 211).

(8)

في (ب)"الفتوى".

(9)

ساقط من (ب).

(10)

في (ب)"السبب".

(11)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 314 - 315).

ص: 122

(وجه الاستحسان أنّه إقرار للصَّبي بما ينفعه

) إلى آخره؛ وكان دعواه كدعوى الملتقِط نَسَبه، ثُمّ يترجَّح هو على الملتقِط في الحفظ حكمًا لثبوت نسَبه منه. ومثل هذا يجوز أنْ يثبت حكمًا، وإن لم يثبت قصدًا، كما أنَّ النّسب

(1)

والميراث يثبت بشهادة القابلة على الولادة حكمًا، وإن كان لا يثبت المال بشهادتها قصدًا.

(ثم قيل: يصحُّ في حقِّه) أَي: في حقِّ النَّسب.

(وقيل: يُبنى عليه بطلان يده) لأنَّ مِن ضرورة ثبوت النَّسب له أنْ يكون هو أحقُّ بحفظ ولده من الأجنبي.

(ولو ادعاه الملتقِط) أي: ولو ادَّعى الملتقِط نسب اللَّقيط وقال: هو ابني بعد ما قال: إنَّه لقيط.

(والأصحُّ أنّه على القياس والاستحسان) أي: على اختلاف حكم القياس مع حكم الاستحسان، يعني: في القياس لا يصحُّ، وفي الاستحسان يصحُّ، كما في دعوى غير الملتقط؛ لكن وجه القياس ههنا غير وجه القياس في دعوى غير الملتقِط، فوجه القياس في دعوى غير الملتقِط هو تضمُّن إبطال حقِّ الملتقط، فلذلك لم تصحَّ

(2)

دعواه، ووجه القياس في دعوى الملتقط هو تناقُض كلامه؛ لأنَّه لما زَعَم أنَّه لقيط كان نافيًا نسبَه لأنَّ ابنَه لا يكون لقيطًا في يده، ثُمَّ ادَّعى أنّه ابنُه فكان مناقِضًا؛ ولأنَّ هذا إقرار على اللَّقيط وأنَّه

(3)

يلزمه أحكام النِّسبة، والإقرار على الغير لا يصح. وفي الاستحسان تصحُّ دعواه

(4)

لأنّ هذا إقرار على نفسه من وجهٍ مِن حيث إنَّه يلزمه نَفَقته، ويجب عليه أنْ يحفظه، فهو في هذا الإقرار يكتسِب له ما ينفعه، وبالالتقاط تثبت له هذه الولاية. وما قال: إنّه متناقِض؛ قلنا: نعَم، ولكنْ فيما طريقُه طريق الخَفاء، فقد يشتَبِه على النَّاس حال ولَدِه الصَّغير، ويظُنّ أنّه لقيط ثم يَتبيَّن بعد ذلك أنّه ولده. والتّناقض لا يمنع ثُبوت النّسب كالملاعِن إذا أكذَب نفسه

(5)

.

"فإذا مات اللّقيط وترك ميراثًا، أو لم يترك وادَّعى رجل أنّه ابنه لا تصح دعوته. فعلى هذا جواب الاستحسان/ فَرق بين حالة الحياة وبين حالة الموت لأنّ في حالة الحياة إنَّما صحَّت دعوته لأنَّه أقرَّ بما ينفع اللَّقيط مِن كلِّ وجهٍ، وهو النَّسب، وبالموت استغنى عَن النَّسب، بقي كلامه في دعوى الميراث فلا يُصدَّق فيه إلا بحجّة"

(6)

؛ كذا في المبسوط والذخيرة.

(1)

في (ب)"السبب".

(2)

في (ب)"يصح".

(3)

في (ب)"فإنه".

(4)

في (ب)"دعوته".

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 211).

(6)

المبسوط للسرخسي (10/ 214).

ص: 123

[الأولى باللقيط عند الإدعاء]

(وإن ادَّعاه اثنانِ ووَصَف أحدُهما علامةً في جسَده فهو أولى به) أي: يجب على الملتقِط أنْ يدفَع اللّقيط إلى الذي وَصَف علامةً في جسَدِه وأصاب في وصفه لأنّ ذلك الواصف أولى بذلك اللقيط.

فإنْ قلت: ما الفَرق بين هذا وبين اللُّقطة، فإنّ في اللُّقطة إذا تنازَع فيها

(1)

اثنانِ ووَصَف أحدهما وأصاب ولم يصِف الآخر، فإنَّه لا يقضى لصاحب الوصف بل إذا تفرَّد الواصف يحِلّ للملتقِط أنْ يدفعها إليه ولا يلزم، وههنا يلزم.

قلتُ: الفرق بينهما هو أنّ إصابة الوصف أمر محتمِل يحتمِل أنّه إنّما أصاب لأنّه له، ويحتمِل أنّه إنّما أصاب لأنَّهرَأَى في يد غيره. والمحتمِل لا يصلُح سببَ الاستحقاق على الغير أما يصلح ترجيحًا لما هو سبب الاستحقاق، كاليد في دعوى النِّتاج. إذا ثبت هذا، فنقول: في فصل اللَّقيط قد وُجِد ما هو سبب الاستحقاق وهو الدعوة؛ لأنَّ الدَّعوة

(2)

سَبب الاستحقاق في حقِّ اللّقيط. ألا ترى أنّه لو تفرَّد بدعوى اللّقيط قضى له به كما لو أقام البيِّنة فيُعتبر الوصف لترجيح سبب الاستحقاق. وأمّا في اللُّقطة فالدّعوى ليست بسببٍ للاستحقاق حتّى يترجّح بالوصف، فلو اعتبِر الوصف اعتبِر لأصل الاستحقاق، والوصف لا يصلح سببًا للاستحقاق، فافترقا

(3)

؛ كذا في الذخيرة؛ ولأنّ العلامة مما يُرجع إليه عند الاشتباه كما في قصّة يوسف عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [يوسف: 26]، وشريعة مَن قبلنا تلزَمنا إذا لم يلحقها التّنكير

(4)

.

وذكر في الإيضاح: قال أبو الحسن: إنْ وافق بعضَ العلامة وخالف البعضَ سقَط التّرجيح

(5)

لأنَّه ليس الرُّجوع إلى الموافقة أولى من المخالفة.

[أماكن وجود اللقيط]

(وإذا وجد في مِصر من أمصار المسلمين) "والمسألة في الحاصل على أربعة أوجه:

أحدها: أنْ يجدَه مسلمٌ في مكان المسلمين كالمسجد ونحوه، فيكون محكومًا له بالإسلام.

والثاني: أنْ يجدَه كافرٌ في مكان أهل الكفر كالبِيعة والكَنِيسة فيكون محكومًا به بالكفر لا يُصلَّى عليه إذا مات.

والثالث: أنْ يجده كافِر في مكان المسلمين.

(1)

ساقط من (ب).

(2)

مكرر في (ب).

(3)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 113).

(4)

في (ب)"النكير".

(5)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 299).

ص: 124

والرابع: أنْ يجدَه مسلم في مكان الكافرين ففي هذين الفصلين.

([اختلفت]

(1)

الرِّواية ففي كتاب اللَّقيط) يقول: العِبرة للمكان في الفصلين جميعًا، وفي رواية (ابن سماعة

(2)

عن محمد) العِبرة للواجد في الفصلين جميعًا"

(3)

، كذا في المبسوط.

(في بعض النسخ) أي: نُسخ دعوى المبسوط (ومَن ادَّعى أنّ اللقيط عبده)

(4)

وهذا اللَّفظ المطلَق يجب أنْ يُقيَّد بقَيدَينِ أي: ادَّعى المسلم الحرّ أو العبد، لكن لم يُضِف ولادة اللَّقيط إلى امرأته الَّتي هي الأمة

أمّا قيد المسلم فإنّه إذا كان المدّعي ذمِّيًا

(5)

ففي قبول بينتِه تفصيل: إنْ كان شهوده مسلمِين يُقبل ببيِّنة، ويُجعل اللَّقيط حرًّا مسلمًا، وإنْ كانوا كافرين لا يُقبل. ولهذا كان لفظ المبسوط هكذا حيث قال:"وإن ادَّعى مسلم". وأمّا قيد الحرِّ فإنّه إذا كان المدَّعي عبدًا وأضاف ولادته إلى امرأته الأمة، فإنَّ فيه خلافًا بَين أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- فإنَّه ذكر في الذّخيرة: وإذا ادَّعى اللَّقيط عبدٌ أنَّه ابنه مِن امرأته هذه، وهي أَمَة، ثبت النّسب استحسانًا، وكان الوَلَد حرًّا عند محمدٍ وعبدًا عند أبي يوسف

(6)

؛ فمحمّد يقول: تحت دعوةِ العبد شيئانِ: أحدهما للَّقيط، وهو النسب، والآخر عليه، وهو الرِّق، وأحدُهما ينفصِل عَن الآخر في الجملة، فيُعتبر دعواه فيما له، ولا يُعتبر دعواه فيما عليه، كما إذا ادَّعاه ذمِّي، وقد وُجِد في مصر المسلِمين. [و]

(7)

وَجه قول أبي يوسف أنّ المدَّعي صدِّق في حقّ ثبات النّسب فيصدَّق فيما كان من ضروراته تبعًا، ومِن ضرورة ثُبوت نسَب الوَلَد المولود بين رقِيقَين أنْ يكونَ رقيقًا، فيُحكم برقِّه تبعًا بخلاف مسألة الذِّمي لأنَّه ليس مِن ضرورة ثبوت النّسب

(1)

في (أ)"اختلف".

(2)

قاضي بغداد، العلامة، أبو عبد الله محمد بن سماعة بن عبيد الله بن هلال التيمي، الكوفي، صاحب أبي يوسف ومحمد. وقال أحمد بن عطية: كان ورده في اليوم مائتي ركعة، وقال محمد بن عمران: سمعته يقول: مكثت أربعين سنة لم تفتني التكبيرة الأولى، إلا يوم ماتت أمي. توفي سنة (233 هـ). سير أعلام النبلاء (10/ 646)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 58).

(3)

المبسوط للسرخسي (10/ 215).

(4)

المبسوط للسرخسي (10/ 213).

(5)

في (ب)"لو كان ذميا".

(6)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (5/ 428)، البناية شرح الهداية (7/ 319).

(7)

الواو ساقطة من (أ).

ص: 125

مِن الذِّمي أن يكون ذميًا بأنْ/ أسلمت امرأته.

(إلا أن يقيم البَيِّنة أنّه عبده) فحينئذ يُقضى له بأنّ اللّقيط عبده لأنَّه أثبت دعواه بالحجّة، وثبوت حريته كان باعتبار الظّاهر، والظاهر لا يعارِض البينة.

فإن قيل: كيف تُقبل

(1)

هذه البيّنة ولا خصْم عن اللقيط لأنّ الملتقِط ليس بوليٍّ فلا يكون خصْمًا عنه فيما يضرُّه والبيِّنة إنّما تقام على خصْمٍ منكِر. قلنا: الملتقِط خصم له باعتبار يده لأنَّه يمنَعه عنه ويزعُم أنّه أحقُّ بحفظه فلا يَتوصل المدعي إلى استحقاق يده عليه إلا بإقامة البيِّنة على رقِّه، فلهذا كان خصمًا عنه.

[الأولى في دعوى اللقيط]

وإنْ أقام الذِّمي البينة مِن أهل الذِّمة أنه ابنه لم تَجُز شهادتهم على المسلِمين، ومراده أنّه إذا ادَّعى الذِّمِّي ابتداءً أنَّه ابنه، وأَقام بينةً مِن أهل الذّمَّة فإنَّ النَّسب يثبت منه بالدّعوة، ولكنّه يُحكم له بالإسلام، فلا يبطل ذلك بهذه البيِّنة لأنّ هذه الشَّهادة في حُكم الدِّين، إنَّما تقوم على المسلم، وشهادة أهل الذِّمة بالكفر على المسلم لا تُقبَل، وإنْ كان شهوده مسلمِين قُضِي له به لأنَّه أثبت نسَبه فيه

(2)

، بما هو حجَّة على المسلم، فيصير تَبَعًا له في الدِّين

(3)

، كذا في المبسوط.

(والحرُّ في دعواه اللقيطَ أولى مِن العبد والمسلم أولى من الذمِّي) هذا إذا لم تَقع المنازَعة بين الملتقِط والخارج، فإنْ كانت هناك فلا يترجّح بالإسلام، بل باليد فإنَّ الملتقِط إذا كان ذمّيًا فهو أولى من المسلم الخارج، وقد ذكرناه. وكذا إذا كانتْ بينة الذمِّي أكثر إثباتًا فهو أولى من المسلم على ما نذكر.

وكذا إذا ادَّعى النّصراني أنّه ابنه، وادَّعى المسلم أنّه عبدُه، فهو ابن النّصراني، فيرجّح دعوى النَّصراني لأنّ فيه إثبات الحرّية، ولا يُرجّح دعوى المسلم باعتبار الإسلام لأنّ تحصيل الإسلام في يده، ولا كذلك الحرّية

(4)

؛ كذا في فتاوى قاضي خان.

ففي هذه الصُّور الثَّلاث لم يُرجّح دعوى المسلم بالإسلام، فعُلِم بهذا أنّ المذكور في الكتاب غير مجري على عمُومه، فبعد هذا نقول: إنَّ إطلاق إثبات أوْلَوية دعوى الحرِّ على العبد، وإثبات أَوْلَوية دعوى المسلم على الكافر في الدّعوى المجرَّدة عن إقامة البينة، وفي الدّعوى

(5)

المقرونة بالبيِّنة سواءٌ؛ حتّى أنّ المسلم والذمّي لو ادّعيا اللّقيط فهو ابن المسلم، وكذلك عند إقامة البيّنة، ولو شهِد للمسلِم ذمّيانِ وللذمِّي مسلمانِ قُضِيتْ للمسلم لأنّ بينة كلِّ واحدٍ منهما حجَّة في حقِّ الآخَر فاستويا، فكان المسلم أولى

(6)

؛ كذا في الإيضاح.

(1)

في (ب)"يقبل".

(2)

في (ب)"منه".

(3)

ينظر المبسوط للسرخسي (10/ 216).

(4)

ينظر فتاوى قاضي خان (3/ 242).

(5)

في (ب)"دعوى".

(6)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 115).

ص: 126

وذكر في الذَّخيرة: هذا إذا استويا في الإثبات. أمّا إذا كانت بيِّنة الكافر أكثر إثباتًا لا يُعتبر التّرجيح بالإسلام، حتّى أنّ ذمِّيًا لو ادّعى صبيًّا في يديْ رجُل أنّه ابنه وُلِد على فراشه، وأقَام على ذلك شاهدَينِ مسلمَينِ، وأقام عبدٌ بيّنة أنّ هذا الصَّبي ابنُه وُلِد على فراشه من هذه الأمَة قُضي الصَّبي للذِّمي، ولم يترجّح العبد بحكْم الإسلام، وإن كان خارجَين لأنّ بينة الذِّمي أكثر إثباتًالأنَّها تُثبِت النَّسب بجميع أحكامه

(1)

.

(فهو له)(اعتبارًا للظاهر) فإنْ قيل: الظَّاهر يكفي للدَّفع لا للاستحقاق فلو ثبت الملك للقيط بهذا الظّاهر كان الظّاهرمُثبِت للاستحقاق وليس له ذلك. قلنا: بهذا الظّاهر تُدفع

(2)

دعوى الغَير، ثمّ الظَّاهر أنْ يكون الأملاك في يد الملاك، وكذا الظّاهر يدلُّ على أنّ مَن وضعه ومعه المال، إنَّما وضعه لينفَق عليه منه.

(وكذا إذا كان مشدودًا) أي: إذا كان المال مشدودًا على الدَّابة.

(لِما ذكرنا) وهو قوله: (اعتبارًا للظّاهر) وكذا تكون الدّابة له، فقال في المبسوط:"وإذا وجد اللَّقيط على دابَّة فالدَّابة له لسَبق يدِه إليه، فإنَّ المركوب تَبَع لراكبِه، وهو كمالٍ آخر معه"

(3)

.

[حكم التصرف في مال اللقيط]

(ولاتَصَرّفه) أي: ولا يجوز تصرُّف الملتقِط في مالِ اللّقيط.

(والموجود في كلٍّ منهما، أحدهما) لأنّ الملتقِط له رأي كاملٌ، ولكنْ لا شَفَقة له، وللأم شفقة كاملة ولا رأي لها، بخلاف الأب لأنَّ له كِلَيهما جمعًا.

"التثقيف"

(4)

: تقويم المعوج بالثقاف، وهو ما يسوى به الرِّماح، ويُستعار للتّأديب والتَّهذيب.

(بخلاف الأم)؛ فإنّها تَملك استخدام ولَدِها وإجارته، والله أعلم بالصواب

(5)

.

[المال مع اللقيط]

‌كتاب اللقطة

(6)

تناسُب اللّقيط واللُّقطة ظاهرٌ، كأنّهما/ أَخَوان لأبٍ وأمّ لرجوعهما إلى أصل واحٍد في اللَّفظ والمعنى، فإنّ لفظ اللّقط مع معناه اللُّغوي، وهو الرَّفع، يجمعهما، وليس بِبِدَع أنْ يُتجاوز الأخوان لأب وأم، إلا أنَّ المنبوذ إذا كان من بني آدم خُصّ باللّقيط، وإذا كان مِن غيره خُصّ باللُقطة للفَرق بينهما.

(1)

المرجع السابق.

(2)

في (ب)"يدفع".

(3)

المبسوط للسرخسي (10/ 216).

(4)

متن الهداية (لأنه من باب تثقيفه). الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 416).

(5)

ساقط من (ب).

(6)

في (ب)"بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب اللقطة".

اللقطة: المال الواقع على الأرض سُميت بها لأنَّها تلتقط غالبًا أي تؤخذ وترفع والالتقاط الأخذ والرفع. وقيل: الالتقاط وجود الشيء من غير طلب. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 93).

ص: 127

فإن قلت: ما وجه التّخصيص بكلِّ واحدٍ منهما بذلك الاسم الذي له، ولِمَ لم يُعكَسْ مع حصول الفرق فيه أيضًا؟ قلت: الفُعَلَة -بضمِّ الفاء وفتْح العين-: نعْت المبالغة في الفاعل كالضُحَكَة واللُّعَنة

(1)

؛ كذا ذكره في التيسير في سورة الهمزة.

واللَّقيط بمعنى: المفعول بدَليل تفسيرهم إياه بالمنبوذ من بني آدم. ولمَّا كان كذلك كان تخصيص المال باللُّقطة

(2)

الدّال على الفاعلية أولى، لأنَّه لِزيادةِ مَيل الإنسان إلى رفعها، كأنّها تأمُر كلَّ مَن رآها بأنْ يرفَعها، وبهذا الأمر كانت هي رافعة نفسَها عَلى الإسناد المجازي كناقة حَلوب، ودابَّة رَكوب، كأنّها تحلِب نفسها وتركَب على نفسِها على وجه المبالغة لزيادة رغبة من رآها في الحَلب والركوب. وأمَّا الطفل المنبوذ، الذي هو اللقيط، ففيه ضَرر حاضِر بخلاف اللُقَطة، فإنَّ فيها نفعًا ظاهرًا لأنَّ في اللَّقيط الظَّاهر أنَّ أمَّه هي التي نبذَته قصدًا فِرارًا عن موته أو فرارًا عما يُتولَّد مِن إمساكه ما تكْرَهه كتُهمةِ الزّنى وغيرها، فكان في طبع الإنسان إباءٌ عن قبوله

(3)

، ورفعه فسُمي به على طريق التفاؤل ليؤول أمره إليه كالتّسليم والمفازة والقافلة للديغ والمهلكة والعير، فصارت التّسمية له بهذا الاسم، كأنها دعاء من الله تعالى أنْ يرزقه من يرفعه، وقد استجيب دعاؤه تفاؤلًا فيرفع لا محالة.

وذكر في المبسوط: "وإنّما سمُي لقيطًا باعتبار مآله وتفاؤلًا لاستصلاح حاله"

(4)

؛ وهذا المعنى إنَّما يستقيم بلفظ اللَّقيط، فلذلك اختُصّ هو به.

[حكم إلتقاط اللقطة]

قوله: (اللُّقطة أمانة)

ذكر في المغرب: " (اللُّقَطَةُ) الشَّيْءُ الَّذِي تَجِدُهُ مُلْقًى فَتَأْخُذُهُ"

(5)

.

وذكر في المبسوط: اختلف النّاس فيمَن وجَد لُقَطة، فالمتقشِّفة

(6)

يقولون: لا يحلُّ له أنْ يرفعها لأنَّه أَخْذ مال الغير بغيرِ إذنِ صاحبه، وذلك حرام شرعًا، فكما لا يحلُّ له تناول مالِ الغير بغيرِ إذنه لا يحلُّ له إثباتُ اليدِ عليه بغَير إذنه. وبعض المتقدِّمين مِن أئمة التَّابعين كان يقول: يحل له أَنْ يرفعها

(7)

والترك أفضل له لأنّ صاحبَها إنَّما يطلُبها في الموضِع الذي سقطتْ منه، فإذا تَرَكها وجدَها صاحبُها في ذلك الموضع.

(1)

ينظر فتح القدير للشوكاني (5/ 603).

(2)

في (ب)"باللقط".

(3)

في (أ)"قوله".

(4)

المبسوط للسرخسي (10/ 210).

(5)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 426).

(6)

المتقشفة: وهم طائفة من الصوفية. العناية شرح الهداية (6/ 41).

(7)

في (ب)"ترفعها".

ص: 128

والمذهب عند علمائنا وعامَّة الفقهاء أنَّ رفعها أفضل مِن تركهالأنَّه لو تركها لا يأمَن أنْ يصل إليها يدٌ خائنة فتكتُمها عَن مالكها، وإذا أخذَها هو عرَّفها حتّى يوِصلها إلى مالكها؛ ولأنَّه يلتزم الأمانةَ في رفعها والتزام أداء الأمَانة تعرُّض لنَيل الثَّواب لأنَّه يُثاب على أداء ما يلتزِمه مِن الأمانة، فإنّه يمتثل فيه الأمر. قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، وامتثال الأمر سبب لنيل الثواب

(1)

.

وذكر في الذخيرة أنّ اللقطة على نوعين: نَوع مِن ذلك يُفترض أخذُها، وهو ما إذا خاف ضياعَها؛ ونوعٌ مِن ذلك لا يُفترض، وهو ما إذا لم يخَف ضياعَها؛ ولكن يُباح أخذها، أجمع عليه العلماء، ثُمَّ اختلفوا فيما بينهم أنّ الأخذ أفضل أو التّرك

(2)

؛ ثُمَّ ذكر ما ذكره في المبسوط.

(وكذلك إذا تصادقا) أي: المالك والملتقِط (وصار كالبيِّنة) أي: يصير كأنَّ الملتقِط أقام البيِّنة على أنّه أخذها ليوصِلها إلى مالكها.

(ولو أقرَّ) أي: الملتقِط؛ لأنّ الظَّاهر شاهد لهلأنّ مطلق فعل المسلم محمولٌ على ما يحلُّ شرعًا، قال عليه الصلاة والسلام:"لا تَظننَّ بكلمة خرَجَتْ من في أَخيك سُوءًا وأنْت تَجد لها في الخير محمَلًا"

(3)

.

والذي يحلُّ له شرعًا الأخذ للردِّ لا لنفسه، فيُحمل مطلق فِعل المسلم

(4)

عليه، وهذا الدّليل الشرعي قائم مقام الإشهاد منه.

والثاني: أنَّ صاحبها يدّعي عليه سبب الضّمان ووجوب القيمة في ذمَّته، وهو منكِر لذلك، فالقول قولُه، كما لو ادَّعى عليه الغصْب وهما يقولان: كلُ حرٍّ عامِل لنفسه ما لم يظهر منه ما يدُلُّ على أنَّه عامِل لغيره، ودليل كونه

(5)

لغيره الإشهاد

(6)

، فإذا تركَه كان آخذًالنفسه باعتبار [الظاهر]

(7)

.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 2).

(2)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (5/ 433).

(3)

الصحيح أنه قول عمر رضي الله عنه: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: "لَا تَظُنَّنَ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ فِي امْرِئٍ مُسْلِمٍ سُوءًا وَأنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمَلًا".

أخرجه قوام السنة في الترغيب والترهيب (1620)، والخطيب في المتفق والمفترق (141)، والمحاملي في الأمالي (460)، وأبو طاهر المخلص في "المخلصيات"(4039)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(7992).

انظر: تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (1/ 280 - 281).

(4)

في (ب)"فعله" بدل "فعل المسلم".

(5)

في (ب)"كونه عاملا".

(6)

في (ب)"الإشهاد ههنا".

(7)

لفظ "الظاهر" ساقط من (أ).

ص: 129

والثاني: أنَّ أخذ مال الغير بغير إذنه سبب للضمان إلا عند وجود الإذن شرعًا والإذن شرعًا مقيد بشرط الإشهاد، وإذا

(1)

ترك كان أخذه سببًا للضّمان عليه شرعًا، فلا يُصدّق/ في دعوى المسقِط بعد ظهور سبب الضّمان كمن أخذ مالَ الغير وهلك في يده ثم ادَّعى أنّ صاحبه أودَعه لم يصدَّق في ذلك إلا بحجّة

(2)

؛ كذا في المبسوط.

وذكر في فتاوى قاضي خان هذا الاختلاف [في الإشهاد]

(3)

فيما إذا أمكنه أنْ يشهِد. أمَّا إذا لم يجد أحدًا يشهده عند الرَّفع أو خاف أنَّه لو أشهد عند الرَّفع فأخذ

(4)

منه الظَّالم فيترك

(5)

الإشهاد، لا يكون ضامنًا، وإنْ وجد مَن يشهده [فلم يشهده]

(6)

حتَّى جاوزه ضَمِن لأنَّه ترك الإشهاد مع القدرة عليه

(7)

.

[الانتفاع باللقطة]

(كالنواة وقشور الرُّمان) أي: في مواضِع مختلفة، فوَجَد مِن ذلك شيئًا كثيرًا فجمعها وصار بحكم الكثرة لها قيمة، فلا بأس بالانتفاع بها لأنّ كلَّ واحد منها

(8)

لا قيمة له؛ وإنَّما ظهرت القِيمة بالاجتماع، والاجتماع حصل بجمعِه، فالقيمة إنَّما ظهرت بصُنعه فجاز الانتفاع بها، إلّا أنّ صاحبها إذا وجدَها في يدِه بعد ما جمَعها فله أنْ يأخذها ولا يصير ملكًا للآخذ. وَوَجه ذلك أنّ إلقاء هذه الأشياء في الطُّرق قصدًا إذنٌ بالأخذ وإباحة الانتفاع بها عادةً. وليس بتمليك (لأنّ التمليك من المجهول) لا يكون، والإباحة لا تُزيل ملك المبيح، والمباح له ينتفع به على حُكم ملكه، فإذا وجَدها صاحبها في يده فقد وجَد عين ملكه فكان له الأخذ.

وذكر شيخ الإسلام

(9)

في شرح "كتاب الذبائح" أنّه ليس للمالك أنْ يأخذَها مِن يده بعد ما جمَعها وأخذها، ويصير ملكًا للآخذ، وكذلك الجواب في الْتقاط السَّنابل

(10)

، وبه كان يفتي الصّدر الشهيد كذا في الذخيرة.

(1)

في (ب)"فإذا".

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 12).

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(4)

في (ب)"يأخد".

(5)

في (ب)"فترك".

(6)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(7)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 120).

(8)

ساقط من (ب).

(9)

إذا أطلق شيخ الإسلام في كتب الحنفية فالمراد به خواهرزاده، وهو محمد بن حسينالبخاري، الحنفي، المعروف: ببكر خواهر زاده، المتوفى سنة (483)، له كتاب المبسوط في خمسة عشر مجلدا كما في كشف الظنون (2/ 1580).

(10)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (5/ 433).

ص: 130

وذكر في المحيط: إذا وَجَد النّواة وقشورَ الرّمان في مواضع متفرِّقة فالحكم هكذا. وأمّا إذا كانت مجتمِعةً في موضِع، فلا يجوز الانتفاع بها لأنّ صاحبها لما جمَعها فالظَّاهر أنه ما ألقاها بل إنَّما سقطت منه

(1)

.

وفي المبسوط: "وروى بشر عن أبي يوسف أنّ مَن ألقى شاة مَيتة له فجاء آخر وجزَّ صوفها كان له أنْ ينتفع به، ولو وجدَه صاحب الشاة في يده كان له أنْ يأخذ

(2)

منه، ولو سلَخها ودَبَغ جلدَها كان لصاحبها أنْ يأخذ الجِلد منه بعد ما يُعطيه ما زاد الدِّباغ فيهلأنّ ملكه لم يزُل بالإلقاء، والصُّوف مالٌ متقوّم مِن غير اتصال شيء آخر به، فله أنْ يأخذه مجانًا. وأمَّا الجلد فلا يَصير مالًا متقوّمًا إلا بالدباغ، فإذا أراد أخذه كان عليه أنْ يعطيه ما زاد الدباغ فيه"

(3)

.

[مجيء صاحب اللقطة بعدالتصدق بها]

(والملك يثبت للفقير قبل الإجازة)؛ لأنّ الملتقِط لما كان مأذونًا في التصدُّق شرعًا يملك الفقير بنفس الأخذ لأنّ الفقير يأخُذ الصّدقة مِن الله تعالى لما روي عن النَّبي عليه الصلاة والسلام أنّه قال: "الصّدقة تقع في كفّ الرّحمن قبل أن تقع في كفّ الفقير"

(4)

.

(فلا يتوقّف) أي: ثبوت الملك للفقير عند إجازة المالك.

(على قيام المحلّ) أي: قيام المال الذي تصدّق به على الفقير يعني: إذا اجاز المالك بعد هلاك اللقطة في يد الفَقير تجوز الإجازة، وقد ثَبَت الملك للفقير قبْل هذه الإجازة؛ لأنّ التصدُّق مِن أسباب الملك، فإذا تصدَّق الملتقِط بإذن الشَّرع ثبَت ما هو حكم التصدُّق، وهو ثبوت الملك للفقير.

(1)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (5/ 433).

(2)

في (ب)"يأخذه".

(3)

المبسوط للسرخسي (11/ 2 - 3).

(4)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، {أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104] قَالَ: إِنَّ "اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ، إِذَا كَانَتْ مِنْ طَيِّبٍ فَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَصَدَّقُ بِمِثْلِ اللُّقْمَةِ، فَيُرَبِّيهَا اللَّهُ لَهُ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَصِيلَهُ، أَوْ مُهْرَهُ فَيَرْبُو فِي كَفِّ اللَّهِ، أَوْ فِي يَدِ اللَّهِ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ". قَدِ اتَّفَقَ الشَّيْخَانُ عَلَى إِخْرَاجِ حَدِيثِ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ" أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب التفسير، باب تفسير سورة التوبة. برقم (3283) 2/ 363.

ص: 131

فإنْ قيل: لوثبت الملك للفقير قَبل الإجازة لما ثبَت للمالك حقُّ الأخذ إذا كان قائمًا في يد الفقير. قلنا: ثبوت الملك لا يمنع صحة الاسترداد كالواهب يملك الرُّجوع بعد ثبوت الملك للموهوب له، وكالمرتدِّ إذا عاد مِن دار الحرب مسلمًا بعد ما قُسمت أمواله بين ورثته فإنَّه يأخذ ما كان قائمًا منها بعد ثبوت الملك لهم.

(بخلاف بيع الفُضولي

(1)

بضَمّ الفاء. فإنّ الملك فيه للمشتري إنَّما يثبت بعد إجازة المالك بيعَ الفضولي؛ ونفاذ الإجازة

(2)

إنَّما يكون فيما إذا كان المحلُّ باقيًا وقت الإجازة

(3)

. فلذلك اشترط قيام المحلّ لنفوذ الإجازة

(4)

في بَيع الفضول.

وذكر في الفصول للإمام الأسروشني

(5)

: يشترط لصحَّة الإجازة

(6)

في بيع الفُضولي قيام أربعة أشياء وهي: البايع، والمشتري، والمالك، والمبيع، ولا يشترط قيام الثَّمن في يد البايع، فإنْهلك واحد من الأربعة لا تجوز الإجازة

(7)

، ويجيء تمامه في "البيوع" إنْ شاء الله تعالى. (وإن شاء ضمن الملتقِط) وحاصله أنَّ المالك إذا لم يُجِز التصدُّق فلا يخلو إمَّا أنْ كانت اللُقطة قائمةً في يد الفقير أو هالكة؛ فإنْ كانت قائمة يأخذها مِن الفقير، وإن كانت هالكة فله الخيار إنْ شاء ضمَّن الفقير، وإنْ شاء ضمَّن الملتقِط، وأيهما ضمَّن لا يرجع على صاحبه بشيء، فإنْ ضمَّن الملتقِط ملكها الملتقط مِن وقت الأَخذ فيكون الثَّواب له/.

وحُكي عَن القاضي الإمام أبي جعفر

(8)

أنَّه كان يقول: "ما ذكر في الكتاب محمول على ما إذا تصدّق بغير أمر القاضي، فأمَّا إذا تصدَّق بأمر القاضي فليس للمالك أنْ يضمَن الملتقِط"

(9)

، ولكن هذا ليس بصواب؛ لأنَّ تصدُّق الملتقط بأمر القاضي لا يكون أعلى حالًا من تصدُّق القاضي بنفسه، وهناك يضمَن القاضي فههنا أولى

(10)

؛ كذا في الذخيرة، وفتاوى قاضي خان.

(1)

بيع الفضولي: اصطلاحًا: من لم يكن وليّا، ولا أصيلًا، ولا وكيلًا. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (1/ 411).

(2)

في (أ)"الإجارة"، والصحيح ما في (ب) لموافقته سياق الكلام.

(3)

في (أ)"الإجارة"، والصحيح ما في (ب) لموافقته سياق الكلام.

(4)

في (أ)"الإجارة"، والصحيح ما في (ب) لموافقته سياق الكلام.

(5)

للشيخ، الإمام، مجد الدين، أبيالفتح، محمد بن محمود الأسروشني، الحنفي. المتوفى: سنة (632 هـ)، وهو (صاحب الفصول) المشهور، وقد سمي كتابه هذا:(بجامع الصغار)، لكنه لم يعرف به. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 1).

(6)

في (أ)"الإجارة"، والصحيح ما في (ب) لموافقته سياق الكلام.

(7)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 432).

(8)

أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن سليم بن سليمانابن حباب الأزدي الحجري المصري

أبو جعفر، الطحاويالإمام، الفقيه، الحافظ، المحدث، صاحب التصانيف الفائقة، والأقوال الرائقة، والعلوم الغزيرة، والمناقب الكثيرة. توفي سنة 321 هـ. الطبقات السنية في تراجم الحنفية (ص: 136).

(9)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (5/ 438).

(10)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 332).

ص: 132

(إلا أنَّه بإباحة من جهة الشرع وهذا لا ينافي الضمان) وهذا لجواب سؤال يرد على دليل الضَّمان، وذكر السُّؤال والجواب في المبسوط وقال: "فإن قيل: كيف يضمنها له وقد تصدق بها بإذن الشرع؟ قلنا: الشَّرع أباح التصدُّق بها، وما التزَمَه

(1)

ذلك، ومثل ذلك الإذنُ مسقطٌ للإثم عنه غَير مسقِطٍ لحقٍّ محترَم للغير، كالإذن في الرَّمي إلى الصيد، والإذن في المشي في الطريق، فإنّه يتقيَّد بشرط السَّلامة، وحقُّ صاحب المال في هذا المال مرعيّ محتَرم، فلا يسقط حقُّه عن هذا العَين بهذا الإذن، فله أنْ يُضَمِّنه إنْ شاء، والإذن ههنا دون الإذن لمن أصابته المخْمَصة في تناول مال الغير، وذلك غير مسقِط للضّمان الواجب لحقِّ المال"

(2)

.

(وإن شاء ضمَّن المسكين) قال في السِّير الكبير: والحكم الأصلي في اللُقَطة يجدها إنسان أو يجدها القاضي أنْ يمسكها على صاحبها، فيضَعها الإمام في بيت المال إلى أنْ يجيء صاحبها، وبعد ما تمَّمدة التَّعريف فالتصدُّق بها رخصةٌ إذا مالَ القاضي إلى التصدُّق وتصدَّق، كان في ذلك كواحِدٍ مِن الرعايا

(3)

، وهذا لأنّ التصدُّق بها غير داخل تحت ولايةِ الإمام؛ لأنَّه تصدُقٌ بمال الغير بغير إذنه، وهو ليس بداخل تَحت ولاية الإمام، وفي مثل ذلك

(4)

، فالإمام بمنزلة واحدٍ من الرعايا.

وإن كانت اللُقطَة شيئًا يُخاف عليها الفَساد فالقاضي فيها بالخيار؛ إنْ شاء تصدَّق بها على المساكين، وإنْ شاء باعها. فإن

(5)

حضر صاحبُها بعد ما باعها القاضي أخَذ الثَّمن، ولم يكُن له أنْ يضمِّن القاضي لأنَّ بيعه كان على وجه الحكم لأنَّه خاف الفساد على مال الغائب، وحفظ مال الغائب داخل تَحت ولاية القاضي بطريق النَّظر. وكلُّ تصرُّف في مال الغائب دخل تحت ولاية القاضي صار القاضي فيه كالنائب عن الغائب، وهناك لا ضمان على القاضي كذا ههنا، وبعد ما باع القاضي اللُّقطة وأخَذ الثَّمن كان حكم الثَّمن حكم المبيع يمسكُه القاضي إلى أنْ يجيء صاحبه، وإن رأى التصدُّق به فعل، وإنْ جاء صاحبه، ولم يُجِز صدقتَه كان له أنْ يضمِّنه على ما ذكرنا

(6)

؛ كذا في الذخيرة.

(1)

في (ب)"ألزقه".

(2)

المبسوط للسرخسي (11/ 3 - 4).

(3)

شرح السير الكبير (ص: 1145).

(4)

في (ب)"هذا".

(5)

في (ب)"وإن".

(6)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 11).

ص: 133

[حكم إلتقاط الأنعام]

(والإباحة) أي: إباحة الأخذ (وإذا كان معها) أي: مع اللُّقطة (ما يدفع به عن نفسها) كالقَرن في حقِّ البقر، وزيادة القوَّة في حقِّ البَعير بكَدمه

(1)

ونفحه

(2)

(فيقضي بالكراهة) أي: بكراهة الأخذ.

[الإنفاق على اللقطة]

(وإنْ كان للبهيمة منفعة) أي: البهيمة صالحة للإجارة والاستعمال.

([وفي هذا نظرمِن الجانبَين) أي: مِن جانب المالك بإبقاء عَين مالِه، ومِن جانب الملتقِط بالرّجوع على المالك بما أنْفق على اللُّقطة]

(3)

.

(فإذا لم يظهر يأمر ببيعها) "وإذا

(4)

باعها أعطاه القاضي مِن ذلك الثَّمن ما أنفَق بأمره في اليومَين والثَّلاثة لأنّ الثّمن مالُ صاحبها، والنّفقة دَينٌ واجب للملتقِط على صاحبها، وهو معلوم للقاضي فيقضي دَينه بماله لأنّ صاحب الدّين لو ظفَر بجنس حقِّه كان له أنْ يأخذه، فكذلك القاضي بعينه على ذلك، وإنْ لم يبِعها حتّى جاء صاحبها وأقام البيِّنة أنّها له قَضى له بها القاضي، وقضى عليه بنفَقة الملتقِط"

(5)

؛ كذا في المبسوط

(6)

.

(وفي الأصل شرط إقامة البيِّنة) أي: يقيم الملتقِط البيِّنة على أنَّ هذه الدابّة لُقَطة عندي.

(وليْست تقام للقضاء) أي: البيِّنة لا تقام ههنا للقضاء؛ هذا لجواب سؤال يرد على قوله: (في الأصل شرط إقامة البينة) بأنْ يقال: إنَّ البينة إنَّما ُتقام على المدَّعى عليه المنكِر، وليس ههنا مدَّعىً عليه، فعلى مَن يقيم البيِّنة؟ فقال: هذه البينة تقام لاستكشاف الحال بأنَّه لُقطة لا للقضاء على المدَّعى عليه.

وذكر في الذخيرة: ثُمَّ هذه البيِّنة مقبولة، وإنْ قامت قبل حضور صاحبها، ولا بدَّ لقبول البيِّنة مِن الخصم، فطريق قبولها أنَّ الإمام خَصم فيها عَن صاحبها. ألا ترى أنّ في الابتداء لو أقام بينةً عند القاضي أنَّه وجَد هذه الدَّابة ولا يدري لمن هي، وطلب مِن القاضي أنْ يأمره بالإنفاق، فالقاضي/ يقبَل هذه البيِّنة. وطريق قبولها أن ينتصب القاضي خصمًا عن صاحبها

(7)

كذا ههنا.

(1)

في (ب)"بلدمه".

الكَدْمُ: العضّ بأدنى الفم، كما يَكْدِمُ الحمار. يقال: كَدَمَهُ يَكْدُمُهُ ويَكْدِمُهُ. وكذلك إذا أثّرت فيه بحديدة، ويقال: ما بالبعير كَدَمَةٌ، إذا لم يكن به أُثْرَةٌ ولا وَسْمٌ. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (5/ 2019).

(2)

نَفْحَ الدَّابةِ برجْلِها، وَهُوَ رَفْسُها، كَانَ لَا يُلْزِم صاحِبَها شَيْئًا. النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 89).

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(4)

في (ب)"فإذا".

(5)

المبسوط للسرخسي (11/ 10).

(6)

في (ب)"وفي هذا نظر من الجانبين، أي: من جانب المالك بإبقاء عين ماله له، ومن جانب الملتقط بالرجوع على المالك بما أنفق على اللقطة" بعد قوله: "في المبسوط".

(7)

ينظر السير الكبير (1/ 218).

ص: 134

(وإنْ قال) أي: الملتقِط (لا بينة لي) على أنَّها لُقطة عندي، ولكن هي لُقَطة (يقول القاضي) للملتقِط (أنفِق عليه إنْ كنت صادقًا). إنَّما يقول بهذا الترديد احترازًا عن ما يحتمِل أحد الضّررين، إذ لو أمر بتضرٌّر المالك بسقوط الضَّمان على تقدير الغَصب، ولو لم يأمُر بتضرَّر الملتقِط على تقدير أنّها لقطة، وقد أنفق عليها.

وقال في الذَّخيرة: فلو أنَّ هذا الرَّجل حين جاء بالدَّابة إلى القاضي، قال للقاضي: وجدتُ هذه الدَّابّة، ولا أدري لمن هي إلّا أنّه لا بيِّنة لي على ذلك؛ فالقاضي لا يأمره بالإنفاق ولا بالبيع مرسلًا لجواز أنَّ الدَّابة غَصب عنده، وقد احتال بهذه الحيلة لتصير النّفقة دَينًا على المالك، وليُبَرِئَ نفسه عَن الضّمان بالبيع، فإنّ الغاصب إذا باع المغصوب بأمر القاضي يَبرأ عَن الضَّمان، كما لو باع بأمر المالك، ويجوز أن يكون الأمر كما قال هو. وعلى هذا التّقدير، لو لم يأمره القاضي بالإنفاق أو البيع، وهو لا يُنفق بغير أمر القاضي فخاف ضَياع مالِه، ولا يبيع بغير أمر القاضي مخافةَ لزوم الضَّمان، وإذا كان كذلك، فيأمره القاضي بالبيع أَو بالإنفاق مقيَّدًا، وصورة ذلك أنْ يقول القاضي بين يدي الثقات: أَمرتُه بالإنفاق عليها، أو بالبيع إنْ كان الأمر كما قال، وإن كان الأمر على خلاف ذلك فلا آمره بشيء

(1)

. وهذا احتياط من الجانبَين لأنَّه إذا

(2)

كان الأمر كما قال لا يضيع مال المالك، وإنْ كان الأمر بخلافه لا يَبرأ عن الضَّمان. وهذا كرجُل اشترى عبدًا، وغاب غَيبة قبل نقد الثَّمن، ولا يُدرى أين هو، فجاء البائع بالعبد إلى القَاضي وأخبره بالقصَّة، فإنَّ القاضي يأمره

(3)

بالبيع مقيَّدًا [فيقول]

(4)

: إنْ كان الأمر كما قلتَ أمرتُك بالبيع، وإنْ كان بخلافه فلا آمرك بشيء.

قوله: (إذا شرط) متَّصِل بقوله: (إنَّما يرجع) أي: إنَّما يرجع الملتِقط على المالك إذا شرط القاضي الرُّجوع على المالك، "وهذه هي الرواية الَّتي ذكرناها في مسائل اللَّقيط بقوله: والأصحُّ أنْ يأمُر القاضي الملتَقِط بالإنفاق على أنْ تكون

(5)

دَينًا على اللَّقيط، فحينئذ يرجع على اللقيط وإلا فلا، وهذا احتراز عن قول بعض أصحابنا فإنّهم يقولون: إنّ مجرَّد أمر القاضي بالإنفاق عليه يكفي للرجوع"

(6)

.

(1)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 305).

(2)

في (ب)"إن".

(3)

في (ب)"يأمر".

(4)

في (أ)"فنقول".

(5)

في (ب)"يكون".

(6)

العناية شرح الهداية (6/ 127).

ص: 135

قوله: (لما ذكرنا) إشارة إلى قوله: (لأنَّه جيء بنفقته) يقال: "نَشَدْتُ الضالَّة أنْشُدُها نَشْدَةً ونِشْدانًا، أي طلبْتُها. وأنْشَدْتُها، أَي عرَّفتها"

(1)

كذا في الصحاح.

[حكم لقطة مكة]

ثم معنى الحديث الذي ذكره الشافعي رحمه الله (ولا تحلُّ لُقَطتها)

(2)

أي: لُقَطة مكَّة (إلا لمنشدها) أي: لطالبها، وهو المالك عند الشافعي

(3)

، وعندنا المراد من المنشد المعرِّف

(4)

.

العِفَاصُ: الوعاء الذي تكون فيه النّفقة مِن جلد، أو خِرقة، أو غير ذلك، يقال: أوكى السِّقاء، شدَّه بالوكاء، وهو الرِّباط الذي يُشدُّ به.

(والتخصيص بالحرَم لبيان أنَّه لا يَسقط التَّعريف فيه لمكان أنَّه للغرباء ظاهرًا) ومعنى هذا: أنَّ هذا المال الملقى في الحرم لمَّا كان للغرباء ظاهرًا، وَهُم تفرَّقوا شرقًا، وغربًا، وقد ذكر فيما إذا كانت اللُّقطة عشرة دراهم، أَو أكثر عرَّفها حولًا فلا فائدة في التَّعريف ههنا حولًا، ينبغي أن يَسقُط التَّعريف فالنَّبي عليه الصلاة والسلام أزال هذا الوهم بقوله:"إلا لمنشدها"، أي: لمعرِّفها أي: لا يدفعها إلا من يعرِّفها، ثم يفعل بها ما يفعل بسائر اللُّقطات لعدم الدَّليل بالفصل، ولا يجبُر ذلك على الدَّفع إلى الذي أعطى علامتها.

(1)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 543).

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب جزاء الصيد، باب لايحل القتال بمكة، برقم (1834) 3/ 14، ومسلم برقم (1353) 2/ 986: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ: "لَا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ، فَانْفِرُوا، فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا"، قَالَ العَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ، قَالَ: قَالَ: "إِلَّا الإِذْخِرَ".

(3)

ينظر الحاوي الكبير (8/ 5)، نهاية المطلب في دراية المذهب (8/ 454).

(4)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (6/ 202)، البناية شرح الهداية (7/ 337).

ص: 136

[ادعاء اللقطة]

(ولنا أنّ اليد حقٌّ مقصود كالملك) بدليل أنَّه يجب الضّمان في غصب المدبَّر باعتبار إزالة اليد لما أنَّ المدبَّر غير قابل للنَّقل ملكًا.

(وهذا للإباحة عملًا بالمشهور).

وقوله: (عملًا) تعليل قوله: (للإباحة) أي: لم يكن الأمر في قوله عليه الصلاة والسلام "فادفعها"

(1)

للإيجاب، بل هو للإباحة عملًا بالحديث المشهور

(2)

؛ إذ لو كان ذلك للوجوب يلزم التّعارض بين موجبَي الحديثين، والأصل عدم التّعارض، فلذلك قلنا بإباحة الدّفع، ويأخذ منه كفيلًا.

ذكر في المبسوط: وله أنَّ يتوسَّع فيدفع إليه باعتبار الظّاهر، فإنْ دفعها إليهأخَذ منه بها كفيلانظرًا لنفسه، فلعلّه يأتي مستحقُّها فيضمِّنها إياه، ولا يتمكَّن مِن الرُّجوع إلى هذا الأخذ منه لأنَّه يخفي شخصهن، فيحتاط بأخذ الكفيل منه، فإنْ

(3)

صدَّقه فدفعها إليه، ثُمَّ

أقام الآخَر البيِّنة أنَّها له، فله أنْ يضمِّن الملتقِط. أمَّا بعد التّصديق يؤمَر بالدّفع إليهلأنّ الإقرار/ حجَّة في حقِّ المقرِّ، ولكنّ

(4)

الإقرار لا يعارض ببيِّنة الآخر [لأن البينة]

(5)

حجةٌ متعدِّية إلى النَّاس كافّة، فيثبت الاستحقاق بها للَّذي أقام البيِّنة. ويتبيَّن أنّ الملتقِط دفع ملكه إلى غيره بغير أمره فله الخيار، إنْ شاء ضمَّن القابض بقبضه، وإنْ شاء ضمَّن الملتقِط بدفعه، فإنْ ضمَّن الملتقط يرجِع على

(6)

المدفوع إليه لأنَّه، وإنْ صدَّقه بإصابته العلامة، فقد كان ذلك منه اعتمادًا على الظَّاهر، ولا بقاءَ له بعد الحكم بخلافه. والمقِرّ إذا صار مكذبًا في إقراره سقط اعتبار إقراره، كالمشتري إذا أقرَّ بالملك للبائع ثُمَّ استحقه إنسان مِن يده رجع على البائع بالثَّمن"

(7)

.

(1)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب في اللقطة، باب إذا أخبره رب اللقطة بالعلامة دفع إليه، برقم (2426) 3/ 124، ومسلم برقم (1723) 3/ 1350.

حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ، سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ، قَالَ: لَقِيتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رضي الله عنه، فَقَالَ: أَخَذْتُ صُرَّةً مِائَةَ دِينَارٍ، فَأَتَيْتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"عَرِّفْهَا حَوْلًا"، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقَالَ:"عَرِّفْهَا حَوْلًا" فَعَرَّفْتُهَا، فَلَمْ أَجِدْ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ ثَلَاثًا، فَقَالَ:"احْفَظْ وِعَاءَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا"، فَاسْتَمْتَعْتُ، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، أَوْ حَوْلًا وَاحِدًا.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرهن، باب إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه، فالبينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه، برقم (2514) 3/ 143.

عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَتَبَ إِلَيَّ: "إِنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنَّ اليَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ".

(3)

في (ب)"وإن".

(4)

ساقط من (ب).

(5)

ما بين معقوفين ساقط من (أ).

(6)

في (ب)"إلى".

(7)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 8).

ص: 137

وذكر في فتاوى قاضي خان: فلو دفعها إليه بالحلية أي: بسبب ذكر العلامة، ثُم جاء آخر، وأقام البيِّنة أنَّها له، فإنْ كانت اللُّقطة قائمة في يد الأوَّل يأخذها صاحبها منه إذا قدِر، وَلاشيء على الآخذ، وإنْ كانت هالكة، أو لم يقدِر على أخذها، فصاحبُها بالخيار إنْ شاء ضمَّن الآخذ، وإن شاء ضمَّن الدَّافع. وإنْ كان الملتقِط دفع بقضاء قاضٍ لا ضمان عليه، وإنْ كان الدّفع

(1)

بغير قضاء ضمن

(2)

.

(وهذا بلا خلاف) هذا احتراز عن أخذ القاضي الكفيل مِن الوارث أو الغريم، وهو قوله:(بخلاف الوكيل لوارث غائب عنده) أي: عند أَبي حنيفة. وردّ الضمير إليه وإن لم يسبق ذكره لشُهرة حكم تلك المسألة

(3)

، على ما ذكر من الاختلاف. فصورة ذلك: ميراث قُسِم بين الغرماء، أو بين الورَثة، لا يُؤخذ من الغريم، ولا مِن الوارث كفيل عند أبي حنيفة. وعندهما يُؤخذ

(4)

، والفرق لأبي حنيفة لأنَّ

(5)

حقُّ الحاضر ههنا ليس بثابت، ولهذا كان له أنْ لا

(6)

يدفع إليه المال؛ لأنَّ الكلام في الدَّفع إليه بذكر العلامة.

وأمّا في مسألة الوارث فحقُّ الحاضر معلوم، وحقُّ الآخر موهوم عسى يكون، وعسى لا يكون، فلا يجوز تأخير حقِّ الحاضر إلى وقت التّكفيل لأمر محتمَل لا أمارة عليه. هذا إذا دفع اللُّقطة

(7)

بذكر العلامة، وأمَّا إذا دفع اللُّقطة

(8)

بحكم أنَّ الحاضر أقام البيِّنة على أنَّها له ففي أخذ الكفيل روايتان عن أبي حنيفة

(9)

، والصَّحيح أنّه لا يأخذ كفيلًا

(10)

؛ كذا ذكره الإمام قاضي خان في "كتاب القضاء" من الجامع الصَّغير.

(وإذا صدَّقه قيل: لا يجبر على الدَّفع كالوكيل يقبِض الوديعة) بخلاف ما إذا [صدَّق]

(11)

المدْيون وكيلَ ربّ الدّين بقبض دينه حيث يُجبر على دفع الدين لأنّ المديون إنَّما يقضي الدَّين بملك نفسه، وإقراره في ملك نفسه ملزِم. وأمّا المُودِعُ يُقرُّ له بحق القبض في ملك الغير، وإقراره في ملك الغير ليس بملزم.

(1)

في (ب)"دفع".

(2)

ينظر فتاوى قاضي خان (3/ 237 - 238).

(3)

العناية شرح الهداية (6/ 130).

(4)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 306)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 397).

(5)

في (ب)"أن".

(6)

ساقط من (ب).

(7)

في (أ)"اللفظ"، والصحيح ما أثبته، ينظر العناية شرح الهداية (6/ 130).

(8)

في (أ)"اللفظ"، والصحيح ما أثبته، المرجع السابق.

(9)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 8).

(10)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 130).

(11)

في (أ)"صدقه".

ص: 138

(وقيل: يُجبَرلأنّ المالك ههنا غير ظاهر) فلمّا لم يكن ظاهرًا جاز أنْ يكون المالك هو الذي حضر. فلمَّا أقرَّ الملتقِط بأنَّه هو المالك كان إقراره ملزِمًا إياه الدّفعَ إليه، ثم في الوديعة إذا دفع إليه بعد ما صدَّقه، وهلَك في يده ثُمّ حضر المُودِعُ، وأنكر الوكالة وضمن المُودَعَ، ليس له أنْ يرجع على الوكيل بشيء. وههنا الملتقِط له أنْ يرجع على القابض لأنَّ هناك في زعم المُودَعِ أنَّ الوكيل عاملٌ للمُودِعِ في قبضه له بأمره، وأنَّه ليس بضامِن بَل المودع ظالم في تضمينه إياه، ومَن ظُلِم فليس له أنْ يظلم غيره، وههنا في زعمه أنَّ القابض عامل لنفسه وأنّه ضامن بعد ما ثبت الملك لغيره بالبيِّنة، فكان له أنْ يرجع عليه بما ضمن لهذا

(1)

؛ كذا في المبسوط.

[التصدق باللقطة]

(وكان من المياسير) أي: الأغنياء جمع الميسور ضدّ المعسور، وهما صفَتان عند سيبويه، ومصدران عند غيره

(2)

.

(حَملًا له على رفعها)

(3)

أي: ليكون حاملًا وباعثًا على رفعها إلا برضاه لإطلاق النُّصوص، لقوله

(4)

تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، وقوله:{وَلَا تَعْتَدُوا} [المائدة: 87]، وقوله:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194].

(والإباحة للفقير بما رويناه) وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "فليتصدّق به"

(5)

.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 9).

(2)

ينظر المفصل في صنعة الإعراب (ص: 277)، الشافية في علم التصريف والوافية نظم الشافية (1/ 29).

(3)

في (أ) عبارة: "أي: ليكون حاملًا له على رفعها" مكررة.

(4)

في (ب)"لقول الله".

(5)

أخرجه الطبراني في المعجم الصغير، برقم (72) 1/ 62.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ اللقطة فَقَالَ:"لَا تَحِلُّ اللقطة، مَنِ الْتَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرِّفْهُ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ فَلْيُخَيِّرْهُ بَيْنَ الْأَجْرِ وَبَيْنَ الَّذِي لَهُ" لَمْ يَرْوِهِ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ إِلَّا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُهُ عَنْهُ.

قال الهيثمي: وفيه يوسف بن خالد السمتي، وهو كذاب. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (4/ 168).

ص: 139

(جائز

(1)

بإذنه) أي: بإذن الإمام لأنَّه في محلّ مجتهد فيه، فإنَّ عند الشافعي يحلُّ الانتفاع للغني

(2)

.

وذكر في المبسوط، والأسرار في تأويل حديث أُبيّ

(3)

: يحتمِل أنَّالنَّبي عليه الصلاة والسلام علِم فقرَه، وحاجته لديون عليه فأذِن له في الانتفاع بها، ويحتمل أنَّ ذلك المال كان لِحربي لا أمَان له

(4)

، وذلك لأن دار الإسلام يومئذ/ لم يكن بها سعة، وقد عرَّف بها ثلاث سنين، فكان الظّاهر أنَّها لو كانت لمسلم لظَهر. فلمَّا لم يظهر علِم أنَّها كانت لكافر، وقد سبقتْ يدُه إليه فجعله أحقَّ به لهذا. وإليه أشار رسول الله عليه الصلاة والسلام بقوله:"فإنّه رزق ساقه الله إليك"

(5)

، ولكن مع هذا أمره بأنْ يعرِّف عددها، ووكاءَها حتّى لو جاء صاحبها يمكَّن

(6)

مِن الخروج مما عليه بدفع مثلها إليه لما فيه مِن تحقيق النَّظر مِن الجانبَين، وهو نظر الثواب للمالك، ونظر الانتفاع للملتقِط.

(1)

في (ب)"وجائز".

(2)

قال الشافعي: يأكل اللقطة الغني والفقير ومن تحلّ له الصّدقة ومن لا تحلّ له، فقد أمر النَّبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب، وهو أيسر أهل المدينة، أو كأيسرهم وجد صرة فيها ثمانون دينارًا أن يأكلها. الأم للشافعي (4/ 70).

(3)

سبق تخريجه.

(4)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 6).

(5)

أخرجه أحمد في مسنده، في مسند النساء، برقم (27069) 44/ 626.

حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنَا بَشَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ دِينَارٍ، عَنْ مَوْلَاتِهَا أُمِّ إِسْحَاقَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ، فَأَكَلَتْ مَعَهُ، وَمَعَهُ ذُو الْيَدَيْنِ فَنَاوَلَهَارَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَرْقًا، فَقَالَ: يَا أُمَّ إِسْحَاقَ أَصِيبِي مِنْ هَذَا فَذَكَرْتُ أَنِّي كُنْتُ صَائِمَةً، فَبَرَدَتْ يَدِي لَا أُقَدِّمُهَا، وَلَا أُؤَخِّرُهَا، فَقَالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم، مَا لَكِ؟ قَالَتْ كُنْتُ صَائِمَةً فَنَسِيتُ، فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ الْآنَ بَعْدَمَا شَبِعْتِ، فَقَالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم:"أَتِمِّي صَوْمَكِ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللهُ إِلَيْكِ".

قال الهيثمي: وفيه أم حكيم، ولم أجد لها ترجمة. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (3/ 157).

(6)

في (ب)"تمكن".

ص: 140

(لما ذكرنا) وهو قوله: (لِمَا فيه من تحقيق النَّظر في الجانِبَين، والله أعلم بالصواب)

(1)

.

‌كتاب الإباق

(2)

:

هذه الكُتُب أعني: اللَّقيط، واللُّقطة، والإباق، والمفقود كُتُب، متجانس بعضها بعضًا من حيث إنّ في كلٍّ منها عُرضة

(3)

الزّوال والهلاك.

وفي المبسوط: اعلم بأنَّ الإباق تمرُّد في الانطلاق، وهو مِن

(4)

سوء الأخلاق ورداءة الأعراق، يظهر العبد عن نفسه فرارًا ليصير ماليته فيه ضمارًا، فردَّه إلى مولاه إحسان، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان

(5)

.

[رد الآبق]

" الإباق": هو الهرب من بابي ضرَبَ ونصَرَ.

(من يقوى عليه) أي: يقدِر (لِما فيه مِن إحيائه)

(6)

لأنَّ الآبِق هالِك في حقِّ المولى فيكون الرَّد إحياءً له. ثُمَّ الفَرق بين الآبق، والضَّال: قيل الآبق هو المملوك الذي فرَّ من صاحبه قصدًا، والضال: هو الذي ضلَّ الطريق إلى منزله، وهو في ذلك غير قاصد.

(ثم آخذُ الآبق يأتي به إلى السلطان) هذا اختيار شمس الأئمة السرخسي

(7)

.

و

(8)

أمّا اختيار شمس الأئمة الحلواني أنَّ الرادَّ بالخيار، إنْ شاء حفظ بنفسه، وإنْ شاء رفعه

(9)

إلى الإمام. وكذلك الضَّال والضَّالة، [الواجد]

(10)

فيهما بالخيار

(11)

؛ كذا في الذخيرة.

[ما يجب للراد]

(والقياس أن لا يكون له شيء) فوجه القياس ظاهر، وهو أنّه تبرُّع بمنافعه في ردِّه على مولاه، ولو تبرَّع عليه بعين من أعيان ماله لم يستوجِب عليه عِوضًا بمقابلته، فكذلك

(12)

إذا تبرَّع بمنافعه؛ ولأنَّ ردَّ الآبق نهيٌ عن المنكر لأنَّ الإباق منكر، والنَّهي عن المنكر فَرض على كل مسلم فلا يستوجِب بإقامة الفرض جُعلًا.

(إلا أنَّ منهم مَنأوجب الأربعين، ومنهم مَن أوجب ما دونها، فأوجبْنا الأربعين).

فإنْ قيل: كان ينبغي أنْ يؤخذ بالأقل في المقدار؛ لأنَّه متيقَّن به. قلنا: إنّما لم نَأخذ

(13)

بالأقلَّ لأنّ التّوفيق بين أقاويلهم

(14)

ممكِن بأنْ يُحمل قول َمن أفتى بالأقلِّ على ما إذا رده بما دونه

(15)

مسيرة سفر. وقول مَن أفتى بالأكثر على ما إذا ردَّه مِن مسيرة سفر. وإذا أتى رجلٌ بعبد آبق فأخذه السُّلطان فحبسه فجاء رجلٌ، وأقام البيِّنة أنَّه عبده، فإنَّه يستحلفه بالله ما بِعته، ولا وهبتُه، ثُمَّ يدفعه إليه. وذلك لأنَّه لما أقام البيِّنة فقد أثبت مُلكَه فيه بالحجة إلا أنّه يحتمل أنْ يكون باعه، أو وَهَبه، ولا يعرف الشُّهود ذلك، فيستحلِفه على ذلك.

(1)

ساقط من (ب).

(2)

في (ب)"بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الإباق".

(3)

في (ب)"عرضية".

(4)

ساقط من (ب).

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 16).

(6)

في (ب)"إحياه".

(7)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 19).

(8)

ساقط من (ب).

(9)

في (ب)"دفعه".

(10)

في (أ)" الواحد".

(11)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 134).

(12)

في (ب)"وكذلك".

(13)

في (ب)"لا يؤخذ".

(14)

في (ب)"الأقاويل".

(15)

في (ب)"دون".

ص: 141

فإن قيل: كيف يستحلفه، ولَيس ههنا خَصم يدَّعى عليه ذلك؟ قُلنا: يستحلِفه صيانةً لقضاء نفسه، والقَاضي مأمورٌ بأنْ يصون قضاءَه عَن أسباب الخطأ بحسب الإمكان، أو يستحلِفه نظرًا لمن هُو عاجز عَن النَّظر لنفسه من مشترٍ، أو موهوب له، فإذا حَلَف دفعه إليه. وفي أخذ الكفيل منه الأصحُّ أنّ فيه روايتين، وإنْ لم يكن للمدِّعي بينة، ولكن أقرَّ العبد أنَّه عبده، فإنَّه يدفعه إليه، ويأخذ منه كفيلًا. أمَّا الدَّفع إليه فلأنَّ العبد في يد نفسه، وقد أقرَّ بأنّه مملوك له، ولو ادَّعى أنّه حرٌّ كان قوله مقبولًا، فكذلك إذا أقرَّ أنه مملوك له. وأمّا أخذ الكفيل، فإنَّ الدَّفع إليه بما لَيس بحجَّة على القاضي، فلا يلزَمه ذلك بدون التَّكفيل بخلاف الأوَّل، فالدفع هناك بحجّة ثابتة في حقِّ القاضي

(1)

؛ كذا في المبسوط.

التّلفيق بهم أورده

(2)

(دونها إلى صيانة الآبق) أي: دون الحاجَة أي: الحاجة في صيانة الضّال أقلُّ بالنسبة إلى الحاجة في صيانة الآبق

(3)

لما ذكر في الكتاب.

(وبقدَر الرضخ

) إلى آخره

(4)

. وهذه الأوجه الثّلاثة تفصيل لما ذكر قبلهبقوله: (وإنْ ردّه لأقلّ مِن ذلك فبحسابه) يعني: أنَّ ذلك الحساب قد يكون باصطلاح الرّاد والمالك، وقد يكون برأي القاضي، وقَد يكون بقِسمة الأربعين على الأيام الثلاثة. وتفسير ذلك ما ذكره في الذخيرة فقال: فيجب للرادِّ في مسيرة ثلاثة أيام أربعون درهمًا، فيكون بإزاء كل يوم ثلاثةَ عشرَ درهمًا وثُلث درهم، فيقضي بذلك إن ردّه مِن مسيرة يوم

(5)

. والأشبه هو الذي يفوّض إلى رأي الإمام، وبهذا التّقرير يندفع ما يتراءى في لفظ الكتاب من صورة التِّكرار، فإنّ الثّاني لما كان التّفصيل ما ذكره أولًا لا يلزم التِّكرار. وإذا كان الآبق بين رَجُلين فالجُعل عليهما على قَدر أنصبائهما، فإنْ كان أحد المولَيين حاضرًا، والآخر غائبًا فليس للحاضر أنْ يأخذه

(6)

حتّى يعطيه الجُعل كلَّه. وإذا أعطاه لم يكُن متطوِّعًا، ثُمَّ ذكر فيها مسألة عجيبة، وقال: وإذا قال الرَّجل لغيره: إنَّ عبدي قد أَبق فإنْ وجدتَه فخُذْه، فقال المأمور: نَعم. ثُم إنَّ المأمور وجدَه على مسيرة ثلاثة أيام، فأخذه وردَّه على المولى فلا جُعْل له لأن المولى قد استعان منه في ردّ الآبق، وقد وعد له الإعانة، والمعِين لا يستحقُّ شيئًا.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 20).

(2)

في (ب)"أوردني".

(3)

ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 421).

(4)

تمام كلامه: "في الرّد عما دون السفر باصطلاحهما أو يفوِّض إلى رأي القَاضي، وقيل: تقسم الأربعون على الأيام الثلاثة إذ هي أقل مدة السفر" المرجع السابق.

(5)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (5/ 446).

(6)

في (ب)"يأخذ".

ص: 142

[حكم أم الولد والمدبر]

(وأم الولد، والمدبَّر في هذا بمنزلة القنِّ

(1)

لأنَّهما مملوكانِ للمولى، وهو يستكسِبهما بمنزلة القنِّ.

فإنْ قيل: فأين ذهب قولكم إنّه يستوجِب الجُعل بإحياء المالية، ولا مالية في أمِّ الولد خصوصًا عند أبي حنيفة رحمه الله.

قلنا: نعم، ليس له فيها مالية باعتبار الرَّقَبة، ولكن له مالية فيها باعتبار كسْبها لأنَّه أحقُّ بكسبها، وقَد أَحيا الرَّادَّ ذلك بردِّه، فيستوجب الجُعل عليه بخلاف المكاتَب، فإنَّه أحقُّ بمكاسبته، فلا يكون رادُّه محييًا للمولى ماليته باعتبار الرَّقبة، ولا باعتبار الكَسب

(2)

، كذا في المبسوط.

(لأنَّهما يعتقان

(3)

بالموت) هذا التَّعليل بإطلاقه ظاهر في حقِّ أمِّ الولد وفي حقِّ المدبَّر الذي لا سعاية عليه. وأمَّا إذا كان على المدبَّر سِعاية بأنْ لم يَكن للمولى مالٌ سواه، فكذلك لا يستوجِب الجُعل على الورثة لأنَّ المستسعى بمنزلة المكاتَب عند أبي حنيفة رحمه الله، وحرٌّ عندهما عليه دَين، ولا جُعل لرادِّ المكاتب أو الحرِّ؛ فأمَّا إذا أوصلهما إلى المولى فقد تقرَّر حقُّه في الجُعل فلا يسقط بموت المولى وعتقهما بعد ذلك

(4)

؛ كذا في المبسوط.

[حكم الراد إن كان أبا أو ابنا]

(ولو كان الرَّاد أبا المولى أو ابنه وهو في عياله).

وقوله: وهو راجع إلى الرّادّ، والجملة في ذلك أنَّ الرادّ إذا كان في عيال مالك العبد، أي: في مؤنته ونَفقته، لا جُعل له، سواء كان ذلك الرادّ أبًا للمالك أو ابنًا له. وأمَّا إذا لم يَكُن في عياله فعلى التّفصيل: إنْ كان الرادُّ ابنَ المالك فلا جُعل له أيضًا، وإنْ كان أباه فلَه الجُعل

(5)

؛ إلى هذا أشار في الذَّخيرة وشرح الطحاوي.

وذكر في المبسوط: جواب القياس بأنَّ الرَّاد الذي هو ذو رحِم محرَّم من المالك، يستحقُّالجعل في جميع ذلك إذا لم يكُن في عياله، ثُمّ قال: ولكنَّه استحسن فقال: إذا وجد عبد أبيه

(6)

و ليس في عياله فلا جعل له؛ لأن رد الآبق على أبيه مِن جملة خدمته، وخدمة الأب مستحقَّة على الابن

(7)

. فأمّا

(8)

إذا وجد الأب عبد ابنِه، فإنْ كان في عيال ابنِه فلا جعل له؛ [لأنّ]

(9)

آبق الرّجل إنَّما يطلبه مَن في عياله عادةً، ولهذا ينفِق عليهم، فلا يستوجِب مع ذلك جُعلًا آخَر. وإنْ لم يكُن الأب في عياله فله الجُعل لأنَّ خدمة الابن غير مستحقَّة على الأب، فعلى هذا التَّقرير الذي ذكرنا

(10)

يحتاج ما ذكره في الكتاب مطلقًا إلى التَّقييد فكان قوله: (وهو في عياله) أي: اشتراط العِيال في حقِّ عدم وجوب الجُعل فيما إذا كان الرادُّ أبًا، لا

(11)

ابنًا، فإنَّ الجُعل لا يجب للابن سواء كان في عيال الأب أو لم يكن.

(1)

القِنُّ: العبدُ إذا مُلِكَ هو وأبواه، ويستوي فيه الاثنان والجمع والمؤنَّث. وربَّما قالوا عبيدٌ أقْنانٌ، ثمَّ يجمع على أقِنَّةٍ. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (6/ 2184).

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 30).

(3)

في (ب)"يعقبان".

(4)

المرجع السابق.

(5)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 351).

(6)

في (ب)"ابنه".

(7)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 33).

(8)

في (ب)"وأما".

(9)

في (أ)"لأنه".

(10)

في (ب)"قلنا".

(11)

في (ب)"أو".

ص: 143

(فلا يتناولهم إطلاق الكتاب) أي: لفظ الكتاب وهو قوله: (ومن ردّ الآبق على مولاه مِن مسيرة ثلاثة أيام).

(لكنْ هذا إذا أشهد) وإنْ ادَّعى أنّه أخذه للردِّ، ولكنْ ترك الإشهاد مع الإمكان فهو على الخلاف المذكور في اللقطة.

"هذا إذا علم أنّه كان آبقًا فإنْ أنكَر المولى أنْ يكون

(1)

العبد آبقًا فالقول قوله لأنَّالسَّبب الموجِب للضَّمان قد ظهر مِن الأخذ، وهو أخذ مال الغير بغير إذنه، فهو يدَّعي ما يسقطِه، وهو الإذن شرعًا لكون العبد آبقًا، ولو ادّعى الإذن من المالك له في أخذه وأنكَره

المالك كان القول قوله، فكذلك ههنا. وعلى هذا لو ردَّه فأنكر المولى أنْ يكون عبده آبقًا فلا جُعل له إلا أنْ/ يشهِد الشّهود بأنّه أبق مِن مولاه أو [أن]

(2)

مولاه أقرَّ بإباقه، فحينئذ يجب له الجُعل"

(3)

؛ كذا في المبسوط.

(وفي بعض النُّسخ) أي نُسخ المختصر للقدوري.

[حكم إعتاق الآبق أو بيعه]

(وَلو أعتقه المولى كما لقيه) أي: أَعتقه قبل أنْ يقبِضه وقتَ لقائِه (صار) بإعتاقه (قابضًا) له حتَّى يجِب الجُعل على المولى للرادِّ. وإنَّما قيَّدنا

(4)

(بالإعتاق) لأنَّه لو دبَّر مكان الإعتاق لا يصير قابضًا. والفَرق بينهما هو أنّ الإعتاق إتلاف للمالية فيصير به قابضًا، كما لو أعتق المشتري العبد المشترَى قبل القَبض يصير به قابضًا. وأمَّا التدبير فلا يتلف

(5)

به المالية، فلا يصير المولى قابضًا له إلا أنْ يصل إلى يده.

(وكذا إذا باعه من الرَّاد) أي: يصير قابضًا بالبيع مِن الرَّادِّ، وإنْ لم يصل إلى يده؛ وإنَّما قيِّد بالبيع لأنَّ الحكم في الهبة بخلاف ذلك حيث لا يصير بها قابضًا قبل الوصول إلى يده لأنّ في الهبة قبل القبض لم يصل العبد إلى يد المولى، ولا يد له، فلا يكون لها حكم القبض بخلاف البيع

(6)

؛ والمسائل في الذخيرة.

(والردّ وإنْ كان له حكم البيع

) إلى آخره

(7)

، هذا جوابٌ لإشكالٍ يرِدُ على ما ذكر قبله بقوله:(لأنَّه في معنى البائع مِن المالك)

(8)

فإنَّه لما جَعل المالك بمنزلةِ المشتري في تلك المسألة، ثُمَّ لو باع المالك ههنا مِن الرَّاد قبل أنْ يقبضه كان داخلًا تحت النَّهي الوارد في

(9)

الحديث: "نهى عن بيع ما لم يقبض"

(10)

فأجاب عنه بهذا، وقال: ذلك النَّهي فيما إذا كان البيع الأوَّل بيعًا مِن كل وجه، وههنا بَيع الرادِّ من المالك هو بَيع من وجه لا مِن كلِّ

(1)

في (ب)"بكون".

(2)

في (أ)"لأن".

(3)

المبسوط للسرخسي (11/ 22).

(4)

في (ب)"قيد".

(5)

في (ب)"تتلف".

(6)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 138).

(7)

تمام كلامه: "لكنّه بيع من وجه فلا يدخل تحتَ النّهي الوارد عن بيع مالم يقبض فجاز". الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 422).

(8)

ساقط من (ب).

(9)

في (ب)"من".

(10)

أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، برقم (9007) 9/ 21.

عن ابن عباس، أنّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال لعتاب بن أسيد:"إني قد بعثتك على أهل الله أهل مكّة، فإنّههم عن بيع ما لم يقبضوا، وعن ربح ما لم يضمنوا، وعن شرطين في شرط، وعن بيع وقرض، وعن بيع وسلف".

قال الهيثمي: وفيه يحيى بن صالح الأيلي؛ قال الذّهبي: روى عنه يحيى بن بكير مناكير. قلت: (أي الهيثمي): "ولم أجد لغير الذّهبي فيه كلامًا، وبقية رجاله رجال الصّحيح". مجمع الزوائد (4/ 85).

ص: 144

وجه، فلا يدخل المالك ببيعه مِن الرَّاد تحت النَّهي، فيصح بيع المالك من الرَّاد قبل أنْ يقبضه.

[حكم الأبق إن كان رهنا أو مديونا أو موهوبا]

(وهي حقّه) أي: وماليَّة العبد حقّ المرتِهن. ألا ترى أنَّه لو لم يردَّه رادٌّ حتى يحقق

(1)

التَّوَى

(2)

سقط دَين المرتهِن إذا كانت قيمته مثل الدَّين أو أكثر.

(إذ الاستيفاء منها) أي: استيفاء المرتهن دينَه مِن ماليَّة العبد المرهون لأنّ موجِب عقد الرَّهن ثبوت يد الاستيفاء للمرتِهن، فعرفنا أنَّه في الردّ عمل له، فكان الجُعل عليه، وهو نظير تخلِيصه مِن الجناية بالفداء، وذلك على المرتهن بالقدر المضمون منه، فكذلك الجُعل فكذلك

(3)

ثمن الدَّواء، فإنّه أيضًا ينقسِم على الرَّاهن والمرتِهن فيما كان زائدًا على قدر الدَّين فهو عَلى الرَّاهن وبقدر الدَّين على المرتهِن.

(وإنْ كان مديونًا) أي: العَبد الآبق إذا كان مديونًا بأنْ كان مأذونًا فلحِقَه الدَّين في التِّجارة أو استهلك مال الغير وأقرَّ به مولاه.

(وإن كان موهوبًا فعلى الموهوب له، وإنْ رجع الواهب) و"إنْ" هذه للوصل أي: يجب الجُعل على الموهوب له.

(وإنْ رجع الواهب في هِبته بعد الردّ) وإنَّما ذكر هذا الوصل لدفع شبهةٍ تَرِدُ على ما ذكر قبله بقوله: (فيجِب على مَن يستقِرُّ الملك له) وبقوله: (فعلى المولى إنْ اختار الفِداء لعود المنفَعة إليه) فعلى كلا التّقديرَينِ كان ينبغي أنْ يجب الجُعل على الواهب لوجود هذين المعنيين في حقِّه، فأجاب عنه بقوله: (لأنَّ المنفعة للواهب ما حصلت

(4)

بالردِّ) أي: برد الآبق.

(بل بترك الموهوب له التصرُّف فيما بعد الرَّد) مِن الهبة والبيع وغيرهما مِن التَّصرُف الذي يمنع الواهب عَن الرجوع في هبته، فلا يجِب الجُعل على الواهب لذلك.

فإن قيل: المنفعة حصلت للواهب بالمجموع، وهو ترك الموهوب له بالفعل وردِّ الرَّاد. قلنا: نعم ولكنَّ تَرْكَ الموهوبِ له الفعلَ آخرُهما وجودًا فيضافُ الحكم إليه، كما في القرابة

(5)

مع الملك فيضافُ العِتق إلى آخرهما وجودًا، كذا ههنا.

وذكر في المبسوط: فزوال ملكه بعد ذلك برجوع

(6)

الواهِب كزوال ملكه بموت العَبد، ولو مات بعدَ الرّدِّ لم يبطُل حقُّه في الجُعل الذي وجَبَ على الموهوب له، فكذلك إذا رجع فيه الواهب

(7)

.

(1)

في (ب)"تحقق".

(2)

التَّوى، مقصورٌ: هلاكُ المال. يقال: تَويَ المال بالكسر يتوى توى. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (6/ 2290)، المخصص (4/ 466).

(3)

في (ب)"وكذلك".

(4)

في (ب)"حصل".

(5)

في (ب)"العرابة"، والصحيح ما أثبته. ينظر العناية شرح الهداية (6/ 140).

(6)

في (ب)"لرجوع".

(7)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 34).

ص: 145

(لأنَّه هو الذي يتولَّى الردَّ) وكذلك إنْ كان اليتيم في حِجر رجلٍ، لقوله

(1)

: فجاء به ذلك الرجل فلا جعل له؛ لأنَّه هو الذي يطلُبه عادةً، وكذلك لا جُعل للسلطان إذا ردّ آبقًا، وكذلكرآه بان

(2)

وشَحْنَهُ

(3)

كاروان

(4)

، لا جعل لهما إذا ردّا المال مِن أيدي القُطَّاع

(5)

، كذا في المبسوط والذخيرة

(6)

.

‌كتاب المفقود

(7)

:

اعلم أنَّ المفقود "اسم لموجود هو حيٌّ باعتبار أوّل حاله، ولكنَّه خَفِيُ الأثرِ كالميت باعتبار مآله، أهله في طلبه يجدُّون، ولخفاء مستقَرِّه لا يجدونه، قد انقطع عنهم خبُره واستتر عليهم أثره، فبالجدِّ ربما يصلون إلى المراد، وربَّما يتأخَّر اللِّقاء إلى يوم التناد. والاسم في اللغة من الأضداد يقول الرَّجل: فقَدت الشَّيء أي: أضللته، وفقدته أي: طلبته، وكلا المعنيين متحقِّق في المفقود، فقد ضلَّ عن أهله وهم في طلبه.

وحكمه في الشَّرع: أنّه حيٌّ في نفسه حتّى لا يُقسم ماله بين ورثته، ميِّت في حقِّ غيره حتّى لا يرِث هو إذا مَات أحد مِن أقربائه؛ لأنَّ ثبوت حياته باستصحاب الحال، فإنّه عُلِم حياته فيستصحب ذلك مالم يظهَر خلافَه، واستصحاب الحال معتبَر في إبقاء ما كان على ما كان"

(8)

؛ كذا في المبسوط.

وذكر في الذخيرة: ولا يُحكم القاضي في شيء مِن أمره حتَّى يثبت موته أو قتله، وإنَّما يثبت موته إمَّا

(9)

بالبيِّنة أو بموت أقرانِه، وطريق قبول هذه البيِّنة أنْ يَجعل القاضي مَن في يده المال خَصمًا عنه أو ينصِب عنه قيّمًا فيقبَل عليه البيِّنة

(10)

.

(والمفقود بهذه الصِّفة) أي: عاجز عَن إقامة مصالحه.

(ويخاصِم في دَين وجب بعقده) أي: ويخاصِم من نصَبَه القاضي في حفظ مال المفقود بعقده، أي: بعقدِ منصوب القاضي.

(1)

في (ب)"يقوله".

(2)

رآه بان: وهو بالفارسية: مرشد الطريق. أفادني بها الأخ/ شاكر محمد عبد الظاهر.

(3)

الشحن: ملؤك السفينة وإتمامك جهازها كله. لسان العرب (13/ 234).

(4)

كاروان: وهو بالفارسية القافلة. النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 131)، لسان العرب (5/ 125).

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 33 - 34)، البناية شرح الهداية (7/ 356).

(6)

في (ب)"والله أعلم" بعد قوله: "والذخيرة".

(7)

في (ب)"بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب المفقود".

(8)

المبسوط للسرخسي (11/ 34).

(9)

ساقط من (ب).

(10)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (5/ 455 - 456).

ص: 146

(ولا في نصيب له في عقار) بأنْ كان الشّيء مشتركًا بين المفقود وغيره، لا يكون هو خصْمًا، أي: منصوب القاضي لا يكون خصمًا.

(إنَّما الخلاف في الوكيل بالقَبض مِن جهة المَالك في الدَّين) يعني: عند أبي حنيفة يملك الخصومة، وعند أبي يوسف ومحمد لا يملك الخصومة

(1)

.

(وإذا كان كذلك) يعني: وكيل القاضي لمَّا لم يملك الخصومة كان حكم القاضي بتنفيذ الخصومة قضاءً بالدّين للغائب، والقضاء على الغائب

(2)

وللغائب

(3)

لا يجوز عندنا

(4)

لأنَّ القضاء لقطْع الخصومة، والخصومة مِن الغائب غير ممكِن، فكيف يُتصوَّر القطع.

(إلا إذا رآه القاضي) أي: مصلحةً وقضى به فحينئذٍ يجوز لأنّ القاضي إذا قضى في فصْل مجتهَد فيه نفِّذ قضاؤه. فإنْ قيل: المجتهَد فيه نَفس القضاء، فينبغي أنْ يتوقف نفاذُه على إمضاء قاضٍ آخَر، كما لو كان القَاضي محدودًا في قَذف

(5)

، قلنا: لا كذلك، بل المجتهَد فيه سبب القَضاء، وهو أنّ البيِّنة هل تكون حجَّةً مِن غير خصم حاضر؟ فإذا رآها القاضي حجَّةً، وقضى بها نُفِّذ قضاؤه كما لو قضَى بشهادة المحدود في القذف

(6)

؛ كذا في الذخيرة.

(ثم ما كان يُخاف عليه الفساد) كالثِّمار ونحوها

(7)

؛ كذا في شروح

(8)

الطحاوي.

(ومعناه) وهو المالية فيحصُل ماليته في ثمنه، فلذلك يأمر بحفظ ثمنه.

(وهو ممكن) أي: (حفظ الصورة).

(وينفِق على زوجته وأولاده).

[النفقه على أقارب المفقود]

وفي المبسوط: "ومَن كان مِن ورثة المفقود غنيًا فلا نفقة له في ماله ما خلا الزوجة لأنَّ حياته كانت معلومةً، ولا يستحِقُّ أحدٌ مِن الأغنياء النَّفقة في مال الحي سوى الزَّوجة لأنَّ

(9)

استحقاق الزَّوجة بالعقد، فلا يختلِف باليَسار والعُسرة أَو بكونها محبوسةً لحقِّه، وذلك موجود في حقِّ المفقود. فأمّا استحقاق مَن سواها فباعتبار الحاجَة، وذلك ينعدِم بغناء المستحقّ"

(10)

.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (19/ 17).

(2)

في (ب)"للغائب" بدل "على الغائب".

(3)

في (ب)"وعلى الغائب".

(4)

ينظر المبسوط للسرخسي (17/ 39)، العناية شرح الهداية (6/ 142).

(5)

في (ب)"القذف".

(6)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 42).

(7)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 358).

(8)

في (ب)"شرح".

(9)

في (ب)"كان".

(10)

المبسوط للسرخسي (11/ 38).

ص: 147

[ضابط في الإنفاق]

(لأن القضاء حينئذ يكون إعانةً) لا إلزامًا؛ لأنّ اللُّزوم ثابت قبل القضاء فيكون القضاء إعانةً.

(فمِن الأوَّل) وهم الذين يستحقُّون النَّفَقَة بغير قضاء القاضي.

(ومِن الثَّاني) وهم الذين لا يستحقُّون النَّفقة بدون قضاء القاضي.

(الأخ والأخت والخال) فإنّه لا يجب عليه نَفَقتهم إلا بقضاء أو رضا؛ لأنَّه مجتهَد فيه، ولهذا لم يكُن لهم الأخذ من غير قضاء أو رضا

(1)

؛ كذا في نفقات الذخيرة.

(لأنَّه يصلح) أي: لأنالتِّبْر

(2)

يصلح.

(وهذا إذا كانت) أي: الدّراهم والدّنانير.

(وهذا إذا لَم يكونا ظاهرَين) أي: الدَّين والوديعة والنِّكاح والنَّسب. جَعَل

(3)

الدَّين والوديعةَ شيئًا واحدًا، والنِّكاح والنَّسب شيئًا واحدًا، فلذلك ذكرَهما بلفظ التثنية. والدَّليل على هذا ما ذكره بعده بقوله: (وإنْ كان أحدهما ظاهِر

(4)

: الوديعة والدَّيْن أو

(5)

النِّكاح والنَّسب يشترَط الإقرار بما ليس بظاهر) أي: إقرار المُودَع بأنَّ هذا وديعةُ فلان إذا لم تكُن الوديعة ظاهرةً عند القاضي أو إقرار المُودَع بأنَّ هذه زوجة ذلك الغائب، إذا لم تكن الزوجية ظاهرة عند القاضي.

(هذا هو الصحيح) هذا احتراز عن جوابِ القياس وهو قول زُفَرَ رحمه الله.

وذكر في المبسوط: "وقَال زُفَر: لا يُنفِق منها عَليهم، لأنَّ إقرار المُودَع ليس بحجَّة على الغيب، وهو ليس بخصم على الغائب، ولا يُقضى على الغائب إذا لم يكُن عنه خصمٌ حاضر. ولكنَّا نقول: المُودَعُ مقِرّبأنَّ ما في يده ملك الغائب وأنَّ للزَّوجة والولد حقُّ الإنفاق منه، وإقرار الإنسان فيما في يدِه مُعتبر فينتصب هو خصمًا باعتبار ما في يده ثم يتعدَّى القضاء منه إلى المفقود]

(6)

.

[حكم المفقود مع زوجته]

(لأنَّ عمر رضي الله عنه هكذا قضى في الذي استهوته الجن)

(7)

أي: جرَّته إلى المهاوي، وهي: المساقِط والمهالك، كما يقال: استغوَته أَي: جرَّتْه إلى الغواية

(8)

؛ كذا في التيسير.

(1)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 360).

(2)

التِّبْرُ: مَا كَانَ مِنْ الذَّهَبِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ فَإِنْ ضُرِبَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَيْنٌ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: التِّبْرُ مَا كَانَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ غَيْرَ مَصُوغٍ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: التِّبْرُ كُلُّ جَوْهَرٍ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ كَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَغَيْرِهِمَا. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 72).

(3)

في (ب)"وجعل".

(4)

في (ب)"ظاهرا".

(5)

في (ب)"و".

(6)

المبسوط للسرخسي (11/ 40 - 41).

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب النكاح، باب ومن قال: تعتد وتزوج ولا تربص، برقم (16720) 3/ 522.

عن ابن عيينة، عن عمرو، عن يحيى بن جعدة، أن رجلا استهوته الجن على عهد عمر، فأتت امرأته عمر، فأمرها "أن تربص أربع سنين، ثم أمر وليه بعد أربع سنين أن يطلقها، ثم أمرها أن تعتد، فإذا انقضت عدتها تزوجت، فإن جاء زوجها خير بين امرأته والصداق".

قال ابن حجر: وهذا منقطع. الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 142).

(8)

ينظر تفسير القرطبي (7/ 18).

ص: 148

وقصّته ما ذكر في المبسوط عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أَنا لقيت المفقود فحدَّثني حديثَه قال: أَكلتُحريرًا

(1)

في أهلي ثم خرجتُ، فأخذني نفَر مِن الجنّ، فمكثتُ فيهم ثم بدا لهم في عِتقي فأَعتقوني، ثم أَتوا بي قريبًا مِن المدينة، فقالوا: أتعرِف النَّخيل، فقلت: نَعَم. فخلَّوا عنِّي فجئتُ، فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أبان امرأتي بعد أربعِ سنين، وحاضَت وانقضَت عدتُّها وتزوّجَتْ، فخيَّرني عمر بين أنْ يردها عليَّ

(2)

وبين المهْر.

وأهل الحديث يروُون في هذا الحديث أنَّ عمر همَّ بتأديبِه حين رآه وجعل يقول: يغيب أحدُكم عَن زوجته هذه المدَّة الطويلة، ولا يبعث بخبره! فقال: لا تعجَل عليَّ يا أمير المؤمنين، وَذَكر له قصّتَه. وفي هذا الحديث دليلٌ لمذهب أهل السنة والجماعة في أنَّ الجن قد يتسلطون على بني آدم

(3)

، وأهل الزَّيغ ينكرون ذلك على اختلاف بينَهم، فمنهم من يقول المستنكَر دخولهم في الآدمي لأنّ اجتماع رُوحَين في شخص واحد لا يتحقَّق، وقد يُتصوَّر تسلُّطهم على الآدمي مِن غير أنْ يدخلوا فيه. ومنهم مَن قال: هُم أجسام لطيفة فلا يُتصوَّر أن يحملوا جسمًا كثيفًا مِن موضِع إلى موضع. ولكنَّا نأخذ بما ورد به الآثار قال النَّبي عليه الصلاة والسلام: "إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم"

(4)

.

(1)

في (ب)"خزيرا".

خَزِيرًا بِالزَّايِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ: مَرَقَةٌ تُطْبَخُ بِمَا يُصَفَّى مِنْ بَلَالَةِ النُّخَالَةِ. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 311).

وقيل: الخزيرة مرقة، وهي أن تصفى بلالة النخالة ثم تطبخ، وقيل: الخزيرة والخزير الحسا من الدسم والدقيق. لسان العرب (4/ 237).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

ممن أنكر دخول الجني في الإنسي طائفة من المعتزلة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة". (مجموع الفتاوى 24/ 276، وانظر أيضاً 24/ 277).

(4)

أخرجه الإمام أحمد في المسند، مسند المكثرين من الصحابة، برقم (12592) 20/ 46 - 47.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ، فَقَالَ:"يَا فُلَانُ هَذِهِ امْرَأَتِي"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ كُنْتُ أَظُنُّ بِهِ فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ بِكَ. قَالَ:"إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ".

قال الهيثم: رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (10/ 222).

ص: 149

وقال عليه الصلاة والسلام: "إنَّه يدخل في رأس الإنسان فيكون على قافية رأسه"

(1)

فنتبع الآثار ولا نشتغَل بكيفية ذلك

(2)

.

(اعتبارًا بالإيلاء

(3)

والعُنَّة

(4)

والجامع بينهما مَنع الزَّوج حقَّ المرأةِ ودفع الضَّرر عنها؛ فإنَّ العنِّين يفرَّق بينه وبين امرأته بعد مضيِّ سنةٍ لدفع الضَّرر عنها. وبَين المولي وامراتِه بعد أربعة أشهُر لدَفْع الضَّرر عنها، ولكنَّ عذر المفقود أظهَر مِن عذر المولي والعنِّين فيعتبر في حقِّه المدتان في التربُّص، وذلك في أنْ يُجعل مكان الشُّهور سِنينَ، فلهذا يتربَّص بأربع سنين.

(خرج بيانًا

(5)

للبيان المذكور في المرفوع) أَي: إلى النَّبي عليه الصلاة والسلام وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "حتَّى يأتيها البيان"

(6)

وهذا مُجمَل في أنَّ إتيان البيان بأي طريق يكون فبيَّن علي رضي الله عنه ذلك المجمل بقوله: "حتى يستبين موت أو طلاق"

(7)

.

(1)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب إذا عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل، برقم (1142) 2/ 52.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ".

ومسلم في صحيحه، برقم (207) 1/ 538.

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 36 - 37).

(3)

الإيلاء: الحلف، وقد آلى يؤلي إيلاء، فهو مؤلٍ، على وزن أفعل يُفعِل إفعالًا فهو مفعل أي: حلف، والألية اليمين، وجمعه الألايا على وزن البلية والبلايا. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 61).

(4)

العنة: صفة العنين وهو الذي لا يقدر على إتيان المرأة. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 47).

(5)

في (أ)"صرخ بأنا"، والصحيح ما أثبته. ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 424).

(6)

أخرجه البيهقي في السنن الصغرى، كتاب الإيلاء، باب امرأة المفقود، برقم (2834) 3/ 170.

عن المغيرة بن شعبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها البيان"، وسوار ضعيف.

قال ابن حجر: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُمْ. التلخيص الحبير (3/ 497).

(7)

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الطلاق، باب التي لاتعلم هلاك زوجها، برقم (12330) 7/ 90.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، أَنَّ عَلِيًّا، قَالَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ:"هِيَ امْرَأَةٌ ابْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَأْتِيَهَا مَوْتٌ، أَوْ طَلَاقٌ".

قال ابن حجر: وَهُوَ مُنْقَطِعٌ. التلخيص الحبير (3/ 503).

ص: 150

(ورجع عمر رضي الله عنه إلى قول علي رضي الله عنه

(1)

وذكر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنَّ عمر رجع عن ثلاثِ قضيات إلى قول علي: عن امرأة أبي كنف، والمفقود، والمرأة تزوجت في عدتِها

(2)

، فمسألة المفقود هي التي ذكرتُ، وأمَّا غيرها فمذكور في المبسوط.

(والعُنَّة قلَّما تَنحلّ) فلذلك أوجبت الفُرقة لأنّ الانحلال قليل بخلاف الغَيبة.

[المدة في الحكم بموت المفقود]

(فإذا

(3)

تم له مائة وعشرون سنة من يوم وُلِد: حكمنا بموته) وهذا يرجع إلى قول أهل الطبائع والنجوم، فإنّهم يقولون: لا يجوز أنْ يعيش أحدٌ أكثر من هذه المدّة لأنّ اجتماع النَّحسين يحصل بالطبائع الأربعة في هذه المدَّة، ولا بدَّ مِن أَنْ يضاد واحد مِن ذلك طبعه في هذه المدَّة فيموت

(4)

. ولكن خطأهم في ذلك قد تبيَّن للمسلمين بالنُّصوص الواردة في طُول عُمُر بعض مَن كان قبلنا كنوح -صلوات الله عليه- وغيره، فلا يُعتمَد على هذا القول.

(وفي ظاهر الرواية يقدَّر بموت الأقران)

(5)

فإنّه إذا لم يبقَ أحدٌ مِن أقرانه حيًّا يُحكم بموته لأنَّ ما يقع الحاجة إلى معرفته فطريقه في الشَّرع الرُّجوع إلى أمثاله كقيَم المتلفات ومهر مُثُل النِّساء، وبقاؤه بعد موتِ جميع أقرانه نادر، وبناء الأحكام الشرعية على الظّاهر دون النّادر.

(وفي المروي عن أبي يوسف رحمه الله بمائة سنة)؛ لأنّ الظّاهر أنَّ أحدًا لا يعيش في زماننا أكثرَ من مائة سنة، ويُحكى أنَّه لما سُئِل عن معنى هذا قال: أُبينه لكم بطريق محسوس، فإنَّ المولود إذا كان ابن عَشر سنين يدور حول أبويه هكذا، وعقد عشرًا، فإذا كان ابن عشرين فهو بين الصِّبا والشباب هكذا، وعقد عشرين، فإذا كان ابن ثلاثين يستوي بكرًا

(6)

، وعقد ثلاثين، فإذا كان ابن أربعين يحمل عليها

(7)

الأثقال، هكذا وعقد أربعين، فإذا كان ابن خمسين ينحني مِن كثرة الأثقال والأشغال هكذا، وعقد خمسين، فإذا كان ابن ستين ينقبض للشيخوخة هكذا، وعقد ستين، فإذا كان ابن سبعين يتوكَّأ على عصا هكذا، وعقد سبعين، وإذا

(8)

كان ابن ثمانين يستلقي هكذا/، وعقد ثمانين، فإذا كان ابن تسعين ينضمّ أمعاؤه هكذا وعقد تسعين، وإذا

(9)

كان ابن مائة سنة يتحوَّل مِن الدُّنيا إلى العقبى كما يتحوَّل الحساب من اليمنى إلى اليسرى. وهذا يُحمل من أبي يوسف على سبيل المطايبة، لا أنْ يكون يُعرَف الحكم بمثل هذا، وهو نظير ما نقل عن أبي يوسف أنَّه سُئِل عن بنات العَشر مِن النساء فقال: لهو الَّلاهين، فسُئِل عن بنات العشرين، فقال: لذَّة المعانقين، فسئِل عَن بنات الثلاثين، فقال: تنزو وتلين، فسئل عن بنات الأربعين فقال: ذات مال وبنين، فسُئل عَن بنات الخمسين، فقال: عَجوز في الغابرين، فسئِل عن بنات الستين فقال: لعنة اللاعنين.

(1)

قال ابن حجر: وأمّا رجوع عمر فلم أرَه. الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 143).

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 37).

(3)

في (ب)"وإذا".

(4)

هذا قول المعطلة الذّين يَزْعمُونَ أَن الْأَشْيَاء كائنة من غير تكوين وَأَنه لَيْسَ لَهَامكون وَلَا مدبّر وَأَن هَذَا الْخلق بِمَنْزِلَة النَّبَات فِي الفيافي والقفار يَمُوت سنة شَيْء وَيحيى سنة شَيْء وينبت شَيْء وَأَنَّهَا تغلب عَلَيْهَا الطبائع الْأَرْبَعَة فِي أبدانها فَإِذا غلبت إِحْدَاهُنَّ قتلته لِأَنَّهُ يَمُوت الصَّغِير وَيحيى الْكَبِير. التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع (ص: 91 - 92).

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (30/ 54).

(6)

في (ب)"هكذا".

(7)

في (ب)"عليه".

(8)

في (ب)"فإذا".

(9)

في (ب)"فإذا".

ص: 151

وكان محمد بن سلمة يفتي في المفقود بقول أبي يوسف حتى تبيَّن له خطؤه في نفسه، فإنه عاش مائةً وسبع سنين، فالأليق بطريق الفقه أنْ لا يقدَّر بشيء لأنَّ نصب المقادير بالرأي لا يكون ولا نصَّ فيه، ولكنْنقول: إذا لم يبقَ أحد من أقرانه يُحكَم بموته اعتبارًا لحاله بحال نظائره

(1)

، هذا كلُّه في المبسوط.

(والأقيس) تفضيل المقيس كالأشهر في تفضيل المشهور

(2)

، هكذا

(3)

كان بخطِّ شيخي: لا يُفضَّل عَلى المفعول إلا على طريق الشُّذوذ كقولهم: أشغَل مِن ذات النّحيين وهذا من تلك الشُّذوذ.

(والأقيس أنْ لا يقدَّر بشيء) أي: بشيء من المقدرات كالمائة والتِّسعين، ولكن يقدَّر بموت الأقران لأنَّه لو لم يقدَّر بشيء أصلًا يتعطَّل حكم المفقود.

(منْ ذلك الوقت) أي: من ذلك الوقت الَّذي يحكُم

(4)

القاضي بموته.

[حكم إرث المفقود وتوريثه]

(ومن مات قبل ذلك لم يرِث منه) أي: لم يرِث منه

(5)

الّذي مات قبل ذلك الحكم بموته مِن المفقود؛ لأنَّ المفقود

(6)

قبل الحكْم بموته حيٌ حكمًا فلا يَرِث أحد من الحيِّ الحكمي، كما لايرث مِن الحي الحقيقي.

(ولا يرث المفقود أحدًا مات في حال فقده) ولكن يُوقَف نصيبُه على ما يجيء عَلى ذلك مِن المسائل وذلك لأنَّ المفقود حيٌّ في مال نفسِه موقوفٌ على الحكم في حقِّ غيره.

[الوصية للمفقود]

(وكذلك لو أوصى للمفقود ومات الموصي) أي: لا يصحُّ الوصية بل يوقَف.

وذكر في الذخيرة: وإذا أوصى رجل للمفقود بشيء فإنّي لا أقضي بها ولا أبطلها حتَّى يظهر حال المفقود لأنّ الوصية أُخت الميراث، وفي الميراث يُحبَس حصَّة المفقود إلى أنْ يظهر حاله، فكذا في الوصية والمال في يد أجنبي

(7)

.

(وتصادقوا على فقد الابن) أي: تصادَق الورثة المذكورون والأجنبي. وإنَّما قيّد التصادُق

(8)

؛ لأنَّه إذا قال الأجنبي الذي في يده المال: قد مات المفقود قبل ابنه

(9)

فإنَّه يجبَر على دفع الثُّلثَين إلى الابنتَين؛ لأنَّ إقرار ذي اليد فيما في يده معتبَر، وقد أقرَّ بأنّ ثلثَي ما في يده للابنتَين، فيُجبر على تسليم ذلك إليهما. ولا يمتنِع صحّة إقراره بقول أولاد الابن: أبونا مفقود لأنَّهم لا يدَّعون لأنفِسهم بهذا القول شيئًا، ويوقَف الباقي على يد ذي اليد حتّى يظهر مستحِقُّه. هذا إذا أقرَّ مَن في يده المال، أمَّا لو جحَد أنْ يكون للميِّت المال في يده، فأقامت الابنتانِ البيّنة أنَّ أباهم مات وترك هذا المال مِيراثًا لهما ولأخيهما المفقود، فإنْ كان حيًّا فهو الوارث معهما، وإنْ كان ميتًا فولده الوارث معهما، فإنَّه يدفع إلى الابنتين النِّصف؛ لأنَّهما بهذه البينة تثبتان الملك، لأنَّهما في هذا المال، والأب ميِّت، واحدُ الورثة ينتصب خصمًا عن الميت، و

(10)

إثبات الملك له بالبيِّنة، وإذا ثَبت ذلك يدفع

(11)

إليهما المتيقَن وهو النِّصف، ويوقف النِّصف الباقي على يدي عدل؛ لأنَّ الذي في يديه جحد، فهو غير مؤتَمن عليه. هذا إذا كان المال في يدي أجنبي، وأمَّا لو كان في يدِ الابنتين والمسألة بحالها فإنَّ القاضي لا ينبغي له أنْ يحوِّل المال مِن موضعه ولا يقف منه شيئًا للمفقود.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 35 - 36).

(2)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 366).

(3)

في (ب)"هذا".

(4)

في (ب)"حكم".

(5)

ساقط من (ب).

(6)

في (ب)"المقصود".

(7)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (5/ 456).

(8)

في (ب)"بالتصادق".

(9)

في (ب)"أبيه".

(10)

في (ب)"في".

(11)

في (ب)"تدفع".

ص: 152

ومراده بهذا اللفظ أنَّه لا يخرج شيئًا من أيديهما لأنّ النِّصف صار بينهما بيقين والنِّصف الباقي للمفقود مِن وجه. ويريد بقوله: ولا يقِف منه شيئًا للمفقود أي: لا يجعَل شيئًا مما في يد الابنتين ملكًا للمفقود على الحقيقة. وكذلك لو كان المال في يدِ ولدَي الابن المفقود،

وطَلَبت الابنتان ميراثهما، واتّفقوا أنّ الابن مفقود، فإنّه يعطى للابنتين النِّصف، وهو أدنى ما يصيبهما، ويترك الباقي في يد ولدَي الابن المفقود من غير أنْ يقضي به/ لهما ولا لأبيهما لأنَّه لا يدرى من المستحقّ لهذا الباقي

(1)

؛ كذا في المبسوط والذخيرة.

(تُعطيان النصف؛ لأنَّه متيقن به) لأنّا لوقدَّرنا الابن المفقود ميِّتًا كان نصيبهما الثلثَين فكان

(2)

النّصف متيقنا به.

(ونظير هذا الحمل) أي: في حقِّ وقف النّصيب.

(على ما عليه الفتوى) هذا احتراز عمّا روي عَن أبي حنيفة أنَّه يوقف للحمل ميراث أربع بنتين

(3)

، واحتراز [عمّا روي]

(4)

عَن محمد، فإنَّه رُوِي عنه في ذلك روايتان: في رواية يوقَف نصيب ثلاثة بَنين، وفي رواية يوقَف نصيب ابنين، وهو إحدى الرِّوايتين عن أبي يوسف. وفي رواية أخرى عَن أبي يوسف أنَّه يوقف نصيبُ ابنٍ واحدٍ، وعليه الفتوى

(5)

؛ كذا في التتمة

(6)

.

(ولو كان معه وارث) أي: مع الحمل.

(ولا يتغيَّر بالحَمل يُعطى كلٌّ نصيبه) حتَّى إذا تَرك امرأةً حاملًا وجدّة فللجدّة السُّدس لأنَّه لا يتغيَّر فريضتها بالحمْل، وكذلك إذا ترك ابنًا وامرأة حاملًا، فإنّه تعطى المرأة الثُّمن لأنَّه لا يتغيَّر فريضتها.

(وإنْ كان ممَّن يسقط بالحمْل لا يُعطى) وذلك كابن الابن أو الأخ أو العمّ حتّى أنّه لو ترك امرأةً حاملًا أو أخًا أو عمًّا لا يُعطى الأخ والعمّ شيئًا لأنّ مِن الجائز أنْ يكون الحمْل ابنًا فيسقط معَه الأخ والعمّ. فلمّا كان ممّن يسقط بحال كان أصل الاستحقاق له مشكوكًا، ولا

(7)

يعطى شيئًا لذلك.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 46)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (5/ 459).

(2)

في (ب)"وكان".

(3)

في (ب)"بنين".

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (30/ 52).

(6)

تتمة الفتاوى: للإمام، برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز الحنفي، صاحب:(المحيد).

المتوفى: سنة 616. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 343).

(7)

في (ب)"فلا".

ص: 153

(وإنْ كان ممَّن يتغيَّر به يعطى الأقلُّ للتيقُّن به) كالزوجة والأم، فإنّه إنْ كان الحمل حيًّا يرِث الزّوجة الثُّمن والأمّ السُّدس، وإنْ لم يكُن حيًّا فهما ترثان الرُّبع والثُّلث فيُعطيان الثُّمن والسُّدس للتيقُّن.

(كما في المفقود)، وهو أنَّه إذا مات الرَّجل وترك جدَّة وابنًا مفقودًا فللجدَّة السُّدس كما ذكرنا في الحمل لأنّه لا يتغيَّر نصيبها. وكذلك لو ترك أخًا وابنًا مفقودًا لا يُعطى للأخ شيءٌ. وكذلك لو تَرك أُمَّا وابنًا مفقودًا، فإنَّه، إنْ كان المفقود حيًّا تستحقُّالأم

(1)

، وإن كان ميتًا يستحق

(2)

الثلث، كما في الحمل، والله أعلم بالصواب

(3)

.

‌كتاب الشَّرِكة

(4)

للشَّرِكة مناسبة للُّقطة والإباق والمفقود من حيث إنَّ المال أمانة في يد الشَّريك، كما أنَّ اللُّقطة والعبد الآبق أمانةٌ في يد الآخذ عند الإشهاد، ومال المفقود أمانة في يد من كان المال في يده. ولكن للشَّركة مناسبة خاصة للمفقود من حيث إنَّ قريب المفقود لو مات كان فيه اختلاط مال المفقود الحاصل من الإرث بمال غيره من الوارث على تقدير الحياة؛ وفي الشَّركة اختلاط المالين، فلذلك ذكرها عقيب المفقود دون غيره. وقدَّم المفقود عليها لأنّ للمفقود مناسِبة خاصّة للإباق مِن حيث شمول عرضية الفوت فيهما على ما ذكرنا، ثُم محاسن الشَّركة ما هو محاسن البيوع فنذكرها فيها، إن شاء الله تعالى.

اعلم أنَّ الشّركة: عبارة عن اختلاط النَّصيبين فصاعدًا بحيث لا يُعرَف أحَد النَّصيبين من الآخر، ومنها "الشَّرَك" -بالتحريك-: حبالة الصائد؛ لأنَّ فيه اختلاط بعض حبله بالبعض، ثُمَّ يطلق اسم الشِّركة على العقد، وهو عقد الشِّركة وإنْ لم يوجَد اختلاط النَّصيبين؛ لأنَّ العقد سبب له.

وركنها في شركة الملك اجتماع النَّصيبين، وذكر في العقد ركن شركة العُقود وشرطها. وأمَّا حكمها فهو الشّركة في الربح [مع الشركة في رأس المال فيما كان بناؤها على المال، وبهذا يقع الاحتراز عن حكم المضاربة]

(5)

.

[حكم الشركة]

قوله (الشَّرِكة جائزة).

وذكر في المبسوط: الأصل في جواز الشّركة ما روى السَّائب بن شريك أنَّه جاء إلىرسول الله عليه الصلاة والسلام فقال

(6)

: أتعرفني؟ فقال: "فكيف لا أعرفك وكنت شريكي وكنت خير شريك، لا تداري ولا تماري"

(7)

، أي: لا تلاجّ ولا تخاصِم.

(1)

في (ب)"السدس" بعد "الأم".

(2)

في (ب)"تستحق".

(3)

ساقط من (ب).

(4)

في (ب)"بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الشركة".

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(6)

في (ب)"قال".

(7)

أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، برقم (1522) 2/ 144 عن قيس بن السائب قال:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شريكي في الجاهلية، فكان خير شريك، لا يداري ولا يماري" لم يرو هذا الحديث عن إبراهيم إلا محمد بن مسلم، تفرد به عبد الرحمن.

قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (9/ 409).

ص: 154

وبُعِث رسول الله عليه الصلاة والسلام والنَّاس يفعلون فأقرَّهم عليه، وقد تعاملها الناس من لدُن رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا من غير نكير منكِر

(1)

.

(وهذه الشَّركة) أي: شركة الأملاك (تتحقَّق في غير المذكور في الكتاب) فإنَّ المذكور في الكتاب شيئانْ لا غير، أحدهما: العَين يرثها رجلانِ، والثَّاني: العين يشتريها الرَّجلان

(2)

.

[خلط المال]

(أو يخلطهما خَلطًا يمنع التمييز رأسًا) أي: أصلًا كخَلْط الحِنطة بالحنطة أو إلا بحرجٍ كخلط الحنطة بالشَّعير في جميع الصُّور مِن إرث الرَّجلين واشترائهما، وإثباتهما، واختلاط مالَيهما، وخلطهما ماليهما.

(إلَّا في صورة الخَلط والاختلاط فإنَّه لا يجوز إلا بإذنِه) أَي: لا يجوز البيع من الأَجنبي إلَّا بإذن شريكه.

(وقد بيَّنَّا الفَرق في كفاية/ المنتهى

(3)

.

"والفَرق هو أنَّ خَلط الجنس بالجنس على سبيل التَّعدّي سبب لزوال الملك من المَخْلُوط إلى الخالِط، فإذا حصل بغير تعدٍّ يكون سبب الزَّوال ثابتًا مِنوجه [دون وجه]

(4)

فاعتُبر نصيب كلِّ واحدٍ زائلًا إلى الشّريك في حقّ البَيع مِن الأجنبي، غير زائلٍ في حقِّه البيع مِن الشريك، كأنّه يَبيع ملك نفسه عملًا بالشَّبَهين"

(5)

؛ كذا في مبسوط شيخ الإسلام؛ ولأنَّ الشّركة إذا كانت من الابتداء بينهما بأنْ اشترَيا حِنطة أو ورثاها، كان كلُّ حبة يشار إليها مشترَكة بينهما، فبيع أحدِهما نصيبَه منها بيع نصيبه منها مشاعًا، فهو جائز، سواء كان بيعه مِن صاحبه أو مِن الأجنبي. أمَّا إذا كانت الشركة بينهما بسبب الخلْط أو الاختلاط، وكلُّ حبة يشار إليها ليست بمشتركة بينهما؛ لأنّ تلك الحبة بجميع أجزائها تَكون لأحدهما

(6)

لا محالة مِن غير اشتراك فيها، فلا يجوز البَيع في هذه الصُّورة مِن الأجنبيلأنَّه لا يقدِر على تسليم نصيبه منها لا جزءًا ولا كلًا لما أنَّ كلَّ حبَّة ليست بمشتركةٍ بينهما، فيَتوقف جواز بيعه من الأجنبي إلى إذن شريكه لاختلاط المبيع

(7)

مع غيره. و

(8)

أمَّا إذا كان بيعه من صاحبه فيمكن

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 151).

(2)

ينظر بداية المبتدي (ص: 126).

(3)

كفاية المنتهي: وهو مختصر، للشارح المرغيناني. ذكر فيه: أنه جمع بين: (مختصر القدوري)، و (الجامع الصغير). واختار: ترتيب (الجامع). قال: ولو وفقت لشرحه أرسمه: (بكفاية المنتهى)، وهذا الشرح ليس بموجود. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 227).

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(5)

العناية شرح الهداية (6/ 154).

(6)

ساقط من (ب).

(7)

في (ب)"البيع".

(8)

ساقط من (ب).

ص: 155

[شركة العقود]

التَّسليم؛ فيجوز

(1)

إلى هذا أشار في الفوائد الظهيرية في "كتاب القضاء".

(شاركتك في كذا وكذا) أي: في البزازي

(2)

أو في البقالي

(3)

أو في عموم التّجارات.

(وشرطه: أن يكون التصرُّف المعقود عليه عقد الشّركة قابلًا للوكالة).

وقوله: (المعقود عليه): صفة التّصرُّف.

(وعَقدَ) نُصِب على المصدر، و (قابلًا) نُصِب على أنَّه خبر كانَ؛ ثُمّ في قوله:(قابلًاللوكالة) احتراز عن الشّركة في التكدّيوالاحتشاش والاحتطاب والاصطياد؛ فإنَّ الملك في هذه الصُّورة يقع لمن باشَر سببَه خاصًّا، لا على وجه الاشتراك؛ أي: شركة العقود كلُّها متضمنة لعقد الوكالة، ثُم شركة المفاوضة مِن بينهما مخصوصة يتضمّن

(4)

عقد الكفالة. ثم علَّل تضمُّن هذه العقود الوكالة بقوله: (ليكون ما يُستفاد بالتّصرف مشتركًا بينهما فيتحقّق حكمه المطلوب منه) أي: مِن عقد الشّركة. وشرح هذا لأنّ

(5)

هذه العقود إنّما تضمنَّت الوكالةلأنّ مِن حكم الشّركة ثبوت الشّركة في المستفاد بالتّجارة، ولا يصير المستفاد بالتّجارة مشتركًا بينهما إلّا وأنْ يكون كلُ واحدٍ منهما وكيلًا عَن

(6)

صاحبه [في النّصف]

(7)

، وفي النّصف عامِلٌ لنفسه حتّى يصير المستفاد مشتركًا بينهما. فصار كلّ واحد وكيلًا عن صاحبه بمقتضى عقد الشّركة، وإنّما اختصّت المفاوضة من بينهما

(8)

بتضمّن الكفالةلأنَّها تقتضي المساواة فيما يتّصِل بالتّجارات مِن الضّرر والنّفع، وإنّما يستويان في الضرر أنْ لو صار

(9)

كلُّ واحدٍ منهما مطالبًا بسبب تجارة الآخر إذ لو طولب الذي باشر العقد دون الآخر لَفات المساواة

(10)

، كذا في

(1)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 313).

(2)

البز: بالفتح نوع من الثياب، وقيل: الثياب خاصة من أمتعة البيت، وقيل: أمتعة التاجر من

الثياب، ورجل بزاز والحرفة البزازة بالكسر. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 47).

(3)

البقل: البقل معروف، الواحدة بَقْلَةٌ، ويقال: كلُّ نبات اخضرّت له الأرضُ فهو بَقْلٌ. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1636).

(4)

في (ب)"بتضمن".

(5)

في (ب)"أن".

(6)

في (ب)"من".

(7)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(8)

في (ب)"بينها".

(9)

في (ب)"كان".

(10)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 155).

ص: 156

مبسوط شيخ الإسلام.

[أنواع شركة العقود]

(ثم هي أربعة أَوْجه) فوجه الانحصار فيها هو أنَّه: إمَّا أنْ يذكر المال في عقد الشركة أم لا. فإنْ ذكرا، فلا يخلو إمَّا أن يلزم اشتراط المساواة في ذلك المال في رأسه وربحه أم لا. فإنْ لزم فالمفاوضة، وإلا فالعِنان، وإنْ لم يذكر المال فلا يخلو إمَّا أنْ يشترطا العمَل فيما بينهما في مال الغير أم لا. (فالأوّل الصنائِع، والثّاني الوجوه).

قال قائلهم: لا يصلح النَّاس

البيت فالقائل به: الأفوَهُ الأودي

(1)

، وهو اسم شاعر وبعده شعر

(2)

:

تُهدَى الأمور بأهل الرأي ما صلحت

فإن تولت فبالجهال تنقاد

(3)

يقال: النَّاس فوضى في هذا الأمر، أي: سواءٌ لا تبايُن بينهم، و"السَّراة" جمع السَّريِّ لا يُعرف غيره، وهو جمع غير

(4)

أن يجمع فعيل على فعلة.

"والسرو: سخاء في مروءةٍ. يقَال: سَرا يَسْرو، وسَرْيَ - بالكسر - يَسْرى سَرْوًا فيهما. وسرو يسرو سراوة، أي: صار سَرِيَّا. وقال:

وتَرى السَرِيَّ من الرّجال بنَفْسه

وابنُ السَرِيِّ إذا سَرى أَسْراهُما"

(5)

كذا في الصحاح.

وجعل في المفصَّل

(6)

السّراة اسم جمع للسريِّ، كرَكب في راكب وسفْر في مسافر

(7)

.

ومعنى البيت: لا تصلُح

(8)

أمور النّاس حال كونهم متساوين إذا لم يكن لها أمراء وسادات، فإنّهم إذا كانوا مُتَساوين تتحقَّق المنازعة بينهملأنَّه إذا لم يكُن فيهم أمير يطاع في أمره ونهيه كان كلُّ واحدٍ منهم مستقلًّا برأيه، فتتحقَّق المنازعة، فكان معنى البيت إشارة إلى دلالة التوحيد/ المستفادة من قوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)} [الأنبياء: 22].

(1)

هو صلاءة بن عمرو بن مالك، من بني أود، من مذحج: شاعر يماني جاهلي، يكنى أبا ربيعة. قالوا: لُقّب بالأفوه لأنّه كان غليظ الشفتين، ظاهر الأسنان. كان سيد قومه وقائدهم في حروبهم. وهو أحد الحكماء والشعراء في عصره. أشهر شعره أبياته التي منها:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سراة إذا جهّالهم سادوا

توفي سنة 570 م. شعراء النصرانية (1/ 70)، الشعر والشعراء (1/ 217)، سمط اللآلي في شرح أمالي القالي (1/ 365).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

الشعر والشعراء (1/ 217)، التمثيل والمحاضرة (ص: 51)، المنتحل (ص: 172).

(4)

في (ب)"عزيز".

(5)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (6/ 2375).

(6)

المفصل في صنعة الإعرابللإمام أبي القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري المتوفى (538 هـ).

انظر: "المفصل"(ص: 244).

(7)

ينظر القاموس المحيط (ص: 1295)، تاج العروس (38/ 272).

(8)

في (ب)"يصلح".

ص: 157

[شركة المفاوضة]

وذكر في المبسوط: "وأمّا المفاوضة فقد قيل: اشتقاقها مِن التّفويض فإنَّ كلّ واحد منهما يفوِّض التَّصرُّف إلى صاحبه في جميع مال التِّجارة"

(1)

.

(ولا بدَّ من تحقيق المساواة ابتداءً وانتهاءً) لأنَّ المفاوضة مِن العقود الجائزةفإنَّ لكلِّ واحدٍ منهما ولايةَ الامتناع بعد عقد الشّركة، فكان لدوامها حكم الابتداء، وفي ابتداء عقد المفاوضة اشتُرِطت المساواة، فكذا في الانتهاء.

فقال في الإيضاح: وإذا زاد أحد المالَين على الآخر قبلَ الشّراء، يجوز أنْ يكون مال أحدهما دراهم والآخر دنانير، فازداد قيمة أحدهما بعد عقد المفاوضة قبل الشراء، والمفاوضة منتقضةلأنّ عقد الشّركة عقد جائز، وليس بلازم، وما كان جائزًا فلِبَقائه حكم الابتداء ما لم يتِمّ المقصود، والمقصود إنّما يتِمُّ بالشِّراء فإذا زال التّساوي قبل الشِّراء انتقض العقد

(2)

.

(وذلك) أَي: تحقيق المساواة.

(في المال)[أي: في المال]

(3)

، وفي التَّصرف، وفي الدّين على ما يأتي.

(والمراد به) أي: بالمال الذي يشترط في المساواة.

(ما تصحُّ الشّركة فيه) أي: ما يصحُّ لرأس مال الشّركة كالدّراهم والدّنانير.

(ولا يعتبر التفاضُل فيما لا تصحُّ فيه الشركة) كالعُروض والدُّيون.

وذكر في الإيضاح: ولا بدَّ من المساواة في المال الّذي يصلُح لانعقاد الشَّركة عليه؛ لأنّ أحدهما إذا انفرد بمال يصِحُّ فيه الشّركة زال معنى المساواة. أمَّا لو تفاضلا في الأموال التي لا يصحُّ الشركة فيها كالعُروض والعقار والدّيون جازت شركة المفاوضة؛ لأنّ الانفراد بذلك لا يبطِل التّساوي في عقد المفاوضة

(4)

.

وذكر في الذخيرة: "حتّى لو كان لأحدهما عروض أو ديون على النّاس لا يبطل المفاوضة ما لم تقبض الدّيون"

(5)

؛ لأنَّه لو ملك أحدهما تصرُّفًا لا يملكه الآخر لفات التّساوي، فلذلك لم ينعقِد بين الحُرِّ والمملوك، وكذلك لم ينعقِد بين الصَّبي والبالغ لتفاوتهما في التّصرّف على ما يجيء.

(1)

المبسوط للسرخسي (11/ 152).

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 174).

(3)

ما بين المعقوفتين مكرر في (أ).

(4)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 157)، البناية شرح الهداية (7/ 376).

(5)

العناية شرح الهداية (6/ 157).

ص: 158

[حكم كفالة المجهول]

(والكفالة لمجهول) باللام، الكفالة

(1)

بمجهول لمعلوم جائِزٌ كما في قوله: ما ذاب عليك فعليَّ، وإنما لا يجوز الكفالة للمجهول.

(وكلُّ ذلك بانفراده فاسد) أي: كلُّ ذلك مِن الوكالة والكفالة في المجهول فاسد حتَّى لو وكَّل رجلًا وقال: وكَّلتك بالشِّراء أو بشراء الثّوب فهو فاسد، وكذلك الكفالة للمجهول بالمعلوم باطِل، فالكفالة للمجهول بالمجهول أولى أنْ يكون باطلًا.

فإنْ قيل: الوكالة العامّة جائزة كما إذا قال لآخر: فوكّلتك في مالي اصنع ما شئت، يجوز له أنْ

(2)

يتصرَّف

(3)

في ماله.

قلنا: العموم ليس بمراد ههنا، فإنَّه لا تثبت الوكالة في حقّ شراء الطّعام والكسوة لأهله، فإذا لم يكن عامًّا يكون توكيلًا لمجهول الجنس، فلا يجوز.

(والجهالة متحملةٌ تَبَعًا كما في المضارَبة) يعني: الوكالة لمجهول الجنس موجودة في المضارَبة وهي جائزة هناك تبعًا، فكذا ههنا.

وذكر في المبسوط: فإنَّ التَّوكيل بشراء شيء مجهول الجنس لا يصحُّ مقصودًا، وأمَّا ضمنًا فيصحُّ حتّى صحّت شركة العِنان، وإنْ تضمَّنت ذلكلأنّ ما يشتريه كلُّ واحد منهما غير مسمّى عند العقد فكذلك المفاوضة

(4)

.

(لأنَّ المعتبر هو المعنى) دون اللفظ. ألا ترى أنَّ الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة، والحوالة بشرط ضمان الأصيل كفالة.

(لما قلنا) وهو قوله: (لتحقق التساوي) أي: في كونهما ذميينِ.

(ولا تجوز) أي: المفاوضة (بين الحر والمملوك ولا بين الصبي والبالغ) وكذلك لا يصحّ بين العبدين والمكاتبين والصَّبِيَّينِ على ما ذكر في الكتاب بعد هذا

(5)

.

(كالمفاوضة بين الشافعي)

(6)

المذهب (والحنفي)

(7)

، وهو منسوب إلى أبي حنيفة رحمه الله فالنِّسبة إلى فَعيْلَة فعَلي، بحذف ياء فعيلة، كمدني، وأما النسبة إلى الفَعيل

(8)

بدون الهاء كالحنيف فلا يغيَّر، يقال: حنيفي

(9)

؛ كذا في ذيل المغرب.

(ويتفاوتان في التصرّف في متروك التسمية) أي: عمدًا، فإنَّ الشافعي المذهب يعتقِد المالية في متروك التّسمية عمدًا

(10)

، والحنفي لا يعتقد

(11)

، ومع ذلك يجوز المفاوضة بينهما.

(1)

في (ب)"فإن الكفالة".

(2)

ساقط من (ب).

(3)

في (ب)"التصرف".

(4)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 153).

(5)

"ولا بين الصبي والبالغ، ولا بين المسلم والكافر، ولا تجوز بين العبدين، ولا بين الصبيين، ولا بين المكاتبين، وتنعقد على الوكالة والكفالة وما يشتريه". بداية المبتدي (ص: 126).

(6)

ينظر الحاوي الكبير (6/ 475).

(7)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 199).

(8)

في (ب)"فعيل".

(9)

ينظر المغرب في ترتيب المعرب (ص: 528).

(10)

ترك التسمية على الذبيحة عمدًا كتركها سهوًا عند الشافعية فيحل أكلها. انظر: الأم (3/ 610).

(11)

ذكر في المبسوط أنه الحنفي يعتقد المالية. المبسوط للسرخسي (11/ 197).

ص: 159

(إلا أنَّه يُكره) أي: مشاركة المسلِم الذِّمِّيَلأنّ الذِّمِّي لا يتوقَّى العقود الفاسدة فلا يؤْمَن أنْ يؤكِّله حرامًا

(1)

، كذا في الإيضاح.

[التساوي في التصرف]

(ولهما أنه لا تَساوي

(2)

في التصرَّف

) إلى آخره

(3)

.

فإنْ قيل: المفاوضة تصحُّ بين الكتابي والمجوسي/ مع أنَّهما لا يتساويانِ في التّصرُّف، فإنَّ المجوسي يتصرَّف في الموقوذةلأنَّه يعتقد فيها المالية، والكتابي لا يتصرَّف، وكذلك الكتابي يؤاجِر نفسه للذَّبح، والمجوسي لا يؤاجِر نفسه لذلكلأنّ ذبيحتَه لا تحلُّ، وكذلك شافعي المذهب مع الحنفي، مع أنَّهما متفاوتان على ما مرَّ.

قلنا: أمّا مسألة الموقوذة فإنَّ مَن يجعَل الموقوذة مالًا متقوِّمًا في حقِّهم لا يفصل فيه بين الكتابي والمجوسي فيتحقّق المساواة في التصرُّف، وأمَّا مسألة مؤاجَرة نفسه للذّبح فإنَّ المساواة بينهما ثابتة في ذلك معنىًلأنَّ كلَّ واحدٍ مِن الكتابي والمجوسي من أهل أن يَتَقبّل ذلك العمل على أنْ يقيمه بنفسه أو نيابةً

(4)

، أو

(5)

إجارة المجوسي نفسَه للذَّبح صحيحة يستوجِب بها الأجر، وإنْ كان لا تحلُّ ذبيحته. وأمّا مسألة الحنفي والشافعي فإنَّ المساواة بينهما ثابتةلأنّ الدّلالة قامت على أنَّ متروك التّسمية عمدًا ليس بمال متقوِّم، ولا يجوز التصرُّف فيه بين الحنفي والشافعي جميعًا لثبوت ولاية الإلزام بالمحاجّة، فيتحقَّق المساواة بينهما في المال والتصرُّف

(6)

؛ كذا في المبسوط.

وأمّا المسلم مع المرتدِّ، فلا يجوز الشّركة بينهما في قولهم. هكذا ذكَر أبو الحسن وذكَر في الأصل قياسُ قولِ أبي يوسف أنَّه يجوز

(7)

؛ كذا في الإيضاح.

قوله: (ولا بين الصّبيَّينِ) أي: وإنْ أذِن لهما أبوهمالأنَّ مبنى المفاوضة على الكفالة، وهما ليسا مِن أهل ذلك

(8)

؛ كذا في المبسوط.

(إذ هو) أي: العِنان. وبه صرَّح في المبسوط فقال: "إنَّ العِنان قد يكون عامًّا، وقد يكون خاصًا"

(9)

بخلاف المفاوضة فإنَّها عام لا غير.

(1)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (6/ 62).

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 197).

(3)

تمام كلامه: "فإن الذمي لو اشترى برأس المال خمورًا أو خنازير صحّ، ولو اشتراها مسلم لا يصح". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 6).

(4)

في (ب)"بنائبه".

(5)

في (ب)"و".

(6)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 197 - 198).

(7)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 315).

(8)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 198).

(9)

المبسوط للسرخسي (11/ 198).

ص: 160

وقال في الإيضاح: وكلُّ موضِع فقد شرط مِن شروط المفاوضة، وذلك ليس بشرط في العنان، كانت

(1)

الشركة عنان؛ لأنَّ شركة المفاوضة أعمُّ، أي: في الشروط من شركة العنان، فوقع التَّفاوت بينهما من حيث العموم والخصوص، فإذا بطل معنى العموم بقي معنى الخصوص فجاز إثبات العِنان بلفظ

(2)

العموم

(3)

.

[انعقاد المفاوضة]

وقوله: (ولا يشترط ذلك في العنان) من صوَر المسألة.

قوله: (وتنعقد على الوكالة والكفالة) أي: المفاوضة تنعقِد عليهما؛ ثمَّ اختصاص المفاوضة ههنا إنَّما كان بالكفالة لا غير. وأمَّا الوكالة فعامَّة في جميع شركة العقود.

ومعنى الكفالة ههنا: هو أنْ يطالب كلُّ واحد من شريكَي المفاوضة بما باشر به الآخر. وأما إذا كفل أحدهما عَن أجنبي بمال هَل يلزم الشريك الآخر؟ فهو مختلف فيه ويجيء ذلك بُعَيْدَ هذا.

وذكر في الإيضاح: أنَّ الوكالة ثابتة في كلِّ شركة، وإنّما اختصَّ هذا العقد، أي: عقد المفاوَضَة، بمعنىً وهو الكفالة، فإنَّ كل واحدٍ منهما يصير كفيلًا عن صاحبه بما يلزمه مِن الحقوق بما يَتّجِران فيهلأنَّ معنى العموم لا يظهر لأجل الوكالة؛ فإنَّ عقد العِنان يجوز أنْ ينعقد على كلِّ التِّجارات، وإنَّما يظهر معنى العموم [بالكفالة حتّى يؤاخِذ كلُّ واحدٍ منهما بما يعقِد صاحبه فيتحقَّق معنى العموم]

(4)

.

(على ما بيَّنَّا) أراد به قوله: (ليكون ما يستفاد بالتصرُّف مشتركًا لإطعام أهله وكسوتهم، وكذلك الإدام)، وكذلك

(5)

الخادمة التي يطؤها، فإنِّي أجعل ذلك لمن كان في يدِه، ولا أجعله في الشّركة استحسانًا. وفي القياس يدخُل هذا في الشَّركةلأنَّه مالٌ في يدِ أحدِهما، وهو حاصل بالتصرُّف، وكلُّ واحدٍ منهما في التّصرُّف قائم مقامَ صاحبه.

وجه الاستحسان أنَّ هذه الأشياء مستثناة مِن عقد الشّركة لعِلْمِنا بوقوع الحاجة لكل واحدٍ من المتفاوضَين

(6)

إليها مدَّة المفاوضة، ولهذا لو عاينّاه اشترى ذلك جعلناه مشتريًا لنفسه، وإذا صار مستثنىً لم يتناولْه مطلَق المفاوضة، فيبقى ظاهر الدّعوى والإنكار، ويجعل القول قول ذي اليد لإنكاره. وكذلك الخادم يطؤهالأنَّ فعله محمول على ما يحِل شرعًا، ولا يحِلُّ له الإقدام على وطئها إلَّا إذا كان مختصًا بملكها

(7)

؛ كذا في المبسوط.

(1)

في (ب)"وكانت".

(2)

في (ب)"المفاوضة كما يجوز إثبات معنى الخصوص بلفظ" بعد قوله: "بلفظ".

(3)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (6/ 62).

(4)

ما بين المعقوفتين مكرر في ب.

(5)

في (ب)"وكذا".

(6)

في (أ)"المتفاوضتين"، والصحيح ما أثبته. ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 188)

(7)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 188).

ص: 161

وقوله: (لأنَّ مقتضى العقد) تعليل المستثنى منه، وهو قوله:(يكون على الشّركة لما بينا). أراد به قوله: (لأنَّ مقتضى العقد المساواة

) إلى آخره

(1)

.

(وللبائع) أي: ولبائع الطعام والكسوة.

(أن يأخذ بثمَن الطعام والكسوة) أَي الشّريكين شاء، وإن لم يقع الطعام والكسوة على الشركة؛ لأنّ/ المشتري باشَر سببَ الالتزام، والآخر كَفيل عَنه ما لزِمَه بالشراء لسبب

(2)

شركة المفاوضة، وكان سببَ توجُّه المطالبة عَلى كلُّ واحِدٍ منهما موجودًا لسبب على حِدَة فيطالبه لذلك؛ ولأنَّ في عدم وقوع الطّعام والكسوة على الشّركة ضرورة، ولا ضرورة في أنْ لا يقع عقد أحد الشّريكين متضمِّنًا للكفالة، فتثبت الكفالة. فإذا أدَّاه أحدهما من مال الشّركة رجع المؤدّي على المشتري بقَدر حصَّته مِن ذلكلأنّ الثَّمن كان على المشتري خاصّة، وقد قضى من مال الشّركة

(3)

؛ إلى هذا أشار في المبسوط.

[ما يصح فيه الإشتراك]

(فمِّما يصحُّ فيه الاشتراك: الشّراء، والبيع، والاستئجار) هذا هو الصّحيح من النُّسَخ، فصورة الاستئجار غير مخصوصة في حقِّ ضمان الآخر

(4)

بأنْ يكون الاستئجار واقعًا على الشركة، بل إذا كان الاستئجار لحاجَة نفس المستأجِر خاصَّة يطالب الآخر بأداء أجرته أيضًا.

فقال في المبسوط: فصورة الاستئجار هي أنْ يستأجر أحد المتفاوضين أجيرًا في تجارتهما أو دابّة أو شيئًا من الأشياء، فللمؤاجِر أنْ يأخُذ بالأجر أيّهما شاء؛ لأنَّ الإجارة مِن عقود التِّجارة، وكل واحد منهما كفيل عَن صاحبه بما يلزمه مِن التِّجارة

(5)

. وكذلك إذا استأجر

(6)

لحاجة نفسه أو استأجر إبلًا إلى مكَّة يحجُّ عليها فَلِلْمُكاري أنْ يأخذ أيّتهما

(7)

شاء، إنْ شاء أخذ المستأجر لالتزامه

(8)

بالعقد، وإنْ شاء أخذ شريكه بكفالته عنه، إلا أنَّ شريكه إذا أدَّى مِن

(9)

خالص مالِه رجعَ به عليهلأنَّه أدَّى ما كفل عنه بأمره. وإنْ أدَّى مِن مال الشركة يرجع عليه بنصيبِه مِن المؤدَّى، وهو النصف. وأمّا في شركة العِنان فلا يؤاخَذ به غير الذي استأجرهلأنَّه هو الملتزم بالعقد، وصاحبه ليس بكفيل عنه

(10)

.

(1)

تمام كلامه: "وكل واحد منهما قائم مقام صاحبه في التصرف، وكان شراء أحدهما كشرائهما، إلا ما استثناه في الكتاب، وهو استحسان لأنه مستثنى عن المفاوضة للضرورة، فإنَّ الحاجة الراتبة معلومة الوقوع، ولا يمكن إيجابه على صاحبه ولا التصرف من ماله، ولا بد من الشراء فيختص به ضرورة". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 6).

(2)

في (ب)"بسبب".

(3)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 209).

(4)

في (ب)"الأجر".

(5)

في (ب)"بالتجارة" بدل "من التجارة".

(6)

في (ب)"استأجره".

(7)

في (ب)"أيهما".

(8)

في (ب)"بالتزامه".

(9)

في (ب)"من مال".

(10)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 200 - 201).

ص: 162

(ومن القسم الآخر: الجناية) أي: الجنَاية على بني آدم. وأمّا ضمان الغصب والاستهلاك فالآخر مطالَب به عند أبي حنيفة ومحمد على ما يجيء.

وذكر في المبسوط: "وإذا ادَّعى رجل على أحد المتفاوضَين جراحة خطًا لها أرش مقدَّر واستحلفه البيِّنة، فحلَف له، ثُمَّ أراد أنْ يستحلف شريكَهلم يكن له ذلك، ولا خصومة له مع شريكهلأنَّ كلَّ واحدٍ منهما كفيل عَن صاحبه فيما لزِمه بسبب التجارة، فأمَّا ما يلزم بسبب الجناية فلا يكون الآخر كفيلًا به. ألا ترى أنَّه لو ثبت الجناية بالبينة أو بمعاينة

(1)

السَّبب لم يكُن على الشَّريك شيء مِن موجبها، ولا خصومة للمجني عليه معه، فكذلك لا يُحلَّف عليه لأنَّ الاستحلاف لرجاء النُّكول، وإقراره بالجناية على شريكه باطل. وكذلك المهر والخلع والصلح مِن جناية العمد إذا ادَّعاه على أحدهما وحلَّفه عليه ليس له أن يحلِّف الآخر لما بيَّنَّا"

(2)

.

بخلاف ما إذا ادَّعى على أحد المتفاوضين بَيع خادم فجحَد ذلك المتفاوضان فللمدَّعي أنْ يحلِّف المدَّعى عليه البيع على البتات وشريكه على العلملأنَّ كلَّ واحد منهما لو أقرَّ بما ادَّعاه المدَّعي كان إقراره ملزِمًا إياهما، فإذا أنكر استُحلِف كلُّ واحد منهما لرجاء نكوله.

قوله: (والخلع) فصورته ما إذا كانت المرأة عقَدت عقدَ المفاوضة ثُم خالعت مع زوجها، فما لزِم عليها مِن بَدَل الخلع لا يلزم شريكها، وكذلك لو أقرَّت بِبَدل الخلع لا يلزم على شريكها.

[الكفالة من المريض]

(ولو صدر مِن المريض) أي: الكفالة على تأويل عقد الكفالة. وإنما قيِّد بصدور الكفالة حالة المرضلأنَّ المريض لو أقرَّ بالكفالة السّابقة في حالة الصّحة يعتبر ذلك من جميع المال بالإجماع

(3)

لأنَّ الإقرار بها يلاقي حال بقائها، وفي حال البقاء الكفالة مفاوضة على ما يجيء. والمسألة في الأسرار، وصار كالإقراض، ومسألة الإقراض مختلف فيها أيضًا، ذكرها في الإيضاح فقال: وقال أبو حنيفة: لو أقرض أحد المتفاوضين مالًا أوأعطاه رجلًا ثُمَّ أخذ سفتجة

(4)

كان جائزًا عليهما، ولا يضمَن؛ توِي

(5)

المال أو لم يَتْوَ. وفي قياس قول أبي يوسف أنَّ الذي أقرض وأخذ السّفتجة يضمَن حصّة شريكه، قال: وهذا فرع اختلافهم في ضمان الكفالة

(6)

، فمن مذهب أبي يوسف أنَّ ضمان الكفالة ضمان تبرُّع ولا يلزم الشريك، فكذا

(7)

القرض. ومِن مذهب أبي حنيفة أنَّ ضمان الكفالة يلزم الشّريك، والكفيل في حكم المقرِض. ولأبي حنيفة أنَّه تبرُّع ابتداءً ومفاوضة بقاءً كالهبة بشرط العِوَض، فإنَّه تبرُّع في الابتداء ثم إذا اتَّصل بها القَبض مِن الجانبين كان مفاوضة.

(1)

في (ب)"بمعاونة".

(2)

المبسوط للسرخسي (11/ 195).

(3)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 162)، البناية شرح الهداية (7/ 384).

(4)

السَّفْتَجَةُ: قِيلَ بِضَمِّ السِّينِ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا، وَأَمَّا التَّاءُ فَمَفْتُوحَةٌ فِيهِمَا، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: هِيَ كِتَابُ صَاحِبِ الْمَالِ لِوَكِيلِهِ أَنْ يَدْفَعَ مَالًا قَرْضًا يَأْمَنُ بِهِ مِنْ خَطَرِ الطَّرِيقِ وَالْجَمْعُ السَّفَاتِجُ. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 278).

(5)

والتَوى مقصورٌ: هلاكُ المال. يقال: تَويَ المال بالكسر يتوى توى، وأتواه غيره. وهذا مال تو على فعل. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (6/ 2290).

(6)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (6/ 75)، فتح القدير (6/ 162).

(7)

في (ب)"وكذا".

ص: 163

وذكر في المبسوط: أنَّ إقراض أحَد المتفاوضين يلزم شريكه عند أبي حنيفةلأنَّه مفاوضة، وعندهما لا يلزم شريكهلأنَّه تبرُّع، ثُمَّ قال: وإذا أقرض أحد المتفاوضَين فهو ضامِن نصفَ/ ما أقرض لشريكهلأنَّه متعدٍّ في نصيب شريكه بتصرُّفه في المال على غير ما هو مقتضى الشّركة

(1)

، ذكره في أول "باب بضاعة المفاوض".

(ولو سُلِّمَ فهو إعارة) أي: ولئن سلَّمنا أنَّ إقراض أحد المتفاوضين لا يلزم صاحبه قلنا: إنّما لا يلزمهلأنَّ الإقراض إعارةٌ لا معاوَضة بدليل جوازه، إذ لو كان معاوَضة لكان فيه بيع النّقد بالنسيئة في الأموال الرِّبوية، فعُلِم بهذا أنَّ لما يأخذه المقرِض بعد الإقراض حكم عَين ما أقرضه، لا حكم بدَلِه كما في الإعارة الحقيقية.

وقوله: (حتَّى لايصحُّ فيه الأجل) أي: لا يلزملأنَّ تأجيل الإقراض والعارية جائز، ولكن لا يلزم المُضي على ذلك التَّأجيل.

(ومطلق الجواب في الكتاب) أَي: قوله (ولو كفل أحدهما بمال عن أجنبي لزم صاحبه عند أبي حنيفة رحمه الله محمول على المقيَّد، وهو الكفالة بأمْر المكفول عنه وهو المدْيُونلأنَّه حينئذ يكون معاوَضة انتهاءً وإلَّا فهو تبرُّعٌ ابتداءً وانتهاءً، فلا يلزم شريكه؛ وضمان الغصب والاستهلاك، وكذلك ضمان الخلاف في الوديعة أو العارية والإقرار بهذه الأشياء أيضًا يلزم شريكه

(2)

؛ كذا في المبسوط والإيضاح.

ثم تخصيص قول أبي حنيفة في قوله: بمنزلة الكفالة عند أبي حنيفة رحمه الله إنَّما يصحّ في حقِّ الكفالة لا في حقِّ ضمان الغصْب والاستهلاك، فإنَّ في ضمان الغَصْب والاستهلاك محمدًا مع أبي حنيفة في أنَّه يلزم شريكَه، وفي الكفالة مع أبي يوسف كما ذكر في الكتاب لأبي يوسف رحمه الله في ضمان الغَصب والاستهلاك، وأنَّ هذا الضمان واجب لسبب

(3)

ليس هو تجارة، فلا يلزم شريكه كأرش الجناية؛ ولأنَّه بدَل المستهلَك والمستهلك لا يحتمل الشَّركة؛ وهما يقولان: إنَّ ضمان الغَصْب والاستهلاك ضمان تجارة بدليل صحّة إقرار المأذون به، وكونه مؤاخذًا به في الحال. وكذلك يصح إقرار الصّبي المأذون والمكاتَب به، وهذالأنَّه بدل مال محتمِل للشركةلأنَّه إنَّما يجِب بأصل التسبُّب

(4)

وعند ذلك المحلِّ قابل للملك

(5)

، ولهذا ملك المغصوب والمستهلَك بالضمان. ولما كان كذلك كان كلُّ واحد من شريكَي المفاوضة ملتزِمًا

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 180).

(2)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 164).

(3)

في (ب)"بسبب".

(4)

في (ب)"السبب".

(5)

في (ب)"للمالك".

ص: 164

[المال الذي تصح به الشركة]

له، فيجب عليه

(1)

؛ كذا في المبسوط والإيضاح.

(وإن ورث أحدهما مالًا) -بالتنوين- أي: المال الذي يصحُّ فيه الشركة كالدراهم والدنانير والفلوس النّافقة، بطَلت المفاوضة، ولدوامِه حكم الابتداء لكونه غير لازم، فإنَّ أحد الشريكين إذا امتنع عن المضيِّ على موجِب العقد لا يجبِره القاضي على ذلك.

فإنْ قلت: التَّعليل بعدم اللُّزوم في إثبات حُكم الابتداء لدوامه منقوض بمسائل الإجارات، فإنَّ الإجارة عقد لازم عند عامَّة العلماء خلافًا لشُريح

(2)

حتَّى لا يتفرَّد

(3)

كلُّ واحدٍ مِن المتعاقدين بالفسخ. ولو امتنع عن المضي على موجِب العقد يُجبره القاضي على المضيِّ على موجِب العقد، ومع ذلك إنَّ لدوامها حكمَ الابتداء حتَّى أنَّها لا تبقى بموت أحد المتعاقدين.

وذكر في المبسوط: "قال مشايخنا: إنَّ الإجارة عقود متفرِّقة يتجدَّد انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة"

(4)

، على ما يجيء، إنْ شاء الله تعالى. فعُلِم بهذا أنَّ كون العَقد لازمًا لا يمنع أنْ يكون لدَوام ذلك العَقد حكم الابتداء، فحينئذ كيف يصحُّ التعليل بعدم اللزوم بإثبات

(5)

مدَّعاه، وهو أن يكون لدوامه حكم الابتداء؟

قلت: القياس في الإجارة أنْ لا تكون لازمة كما هو مذهب شُريح لكون المعقود عليه معدومًا في الحال، فكانت بمنزلة العارية، إلا أنَّ عقد الإجارة عقد معاوضة، واللزوم أصل في المعاوضات تحقيقًا للنَّظر من الجانبين كما في البيع. وأما انتقاض عقد الإجارة بموت أحد المتعاقدَين، وإنْ كان لازمًا، لِما أنَّ المستحَق بالعقد المنافعُ التي يحدث

(6)

على ملك الآجر، وقد فات ذلك بموت الآجر، فيبطل الإجارة لفوات المعقود عليه؛ لأنَّ رقبة الدَّار ينتقل إلى الوارث، وكذا في موت المستأجرلأنَّه لو بقي بعد موته إنَّما يبقى ملك المنفعة لوارثه، والمنفعة المجردة لا تورث؛ ثم البطلان والانتقاض بالموتلأنَّه

(7)

لا يدلُّ على أنه لم يكن لازمًا. ألا ترى أنَّ الموصى له بالخدمة إذا مات تبطُل الوصيةلأنَّ المنفعة لا تورَث ولكن حال حياة الموصى له فالوصية

(8)

لازمة. فلمّا كان/ الأمر هكذا، كان تمكُّن انفراد أحد الشّريكين بالفَسخ دليلًا على أنَّ لدوام عقد الشركة حكم الابتداء؛ و

(9)

لأنَّه لما لم يُفسَخ في الزّمان الثاني مع تمكُّنه مِن الفَسخ صار كأنه عَقَد ثانيًا وثالثًا إلى أن يوجَد الفَسخ منهما أو مِن أحدهما فصحَّ التَّعليل به لكون ذلك هُو الأصل في العقود التي هي غير لازمة كما في الوكالة والعارية والمضاربة.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 191).

(2)

هو الفقيه، أبو أمية، شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، قاضي الكوفة، ويقال: شريح بن شراحيل أو ابن شرحبيل، ويقال: وهو من أولاد الفرس الذين كانوا باليمن. يقال: له صحبة، ولم يصح، بل هو ممن أسلم في حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم وانتقل من اليمن زمن الصديق. توفي سنة (78 هـ). الطبقات الكبرى ط العلمية (6/ 182)، سير أعلام النبلاء (4/ 100).

(3)

في (ب)"ينفرد".

(4)

المبسوط للسرخسي (15/ 75).

(5)

في (ب)"لإثبات".

(6)

في (ب)"تحدث".

(7)

ساقط من (ب).

(8)

في (ب)"الوصية".

(9)

ساقط من (ب).

ص: 165

(وإن ورث أحدهما عرضًا لا تفسد به المفاوضة) وكذا لو ورِث دَينًا، وهو دراهم أو دنانير، لا تفسد به المفاوضة مالم يقبض الدُّيون؛ لأنَّ هذه المفاوضَة لا تمنع ابتداءً فكذا لا تفسد بقاء ذلك

(1)

؛ كذا في الإيضاح، [والله أعلم بالصواب]

(2)

.

فصلٌ:

لما ذكر اشتراط المساواة في شركة المفاوضة في رأس المال وربحه، احتاج إلى بيان ما يصلح مِن الأموال لرأس مال الشّركة، فبيَّنه في هذا الفصل فقال:(ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة).

[ما تنعقد به الشركة]

فإنْ قلت: فقد ذكر في المبسوطأنَّ شركة الوجوه وشركة التقبُّل كلُّ واحد منهما يكون مفاوضة وعِنانًا

(3)

وأشار إلى ذلك في الكتاب أيضًا

(4)

، فبعْد ذلك كان ورود الشُّبهة من وجهين:

أحدهما: أنَّ هذا اللّفظ يقتضي أنْ لا تنعقِد

(5)

المفاوضة والعِنان بدون الدَّراهم والدّنانير؛ لأنَّهما مِن شركة العقود، فلمَّا جوّز المفاوضة والعِنان في المبسوط في شركة الوجوه والتقبُّل كان مجوِّزًا للمفاوضة والعِنان بدون الماللأنَّه لا يُشترط المال في شركة الوجوه والتقبُّل.

والثاني: أنَّ هذا اللَّفظ يقتضي أنْ لا يجوز شركة الوجوه، والتقبُّل بدون الماللأنَّهما من الشركة، وهذا اللفظ يقتضي استغراق عدَم الجواز في الشركات كلِّها بدون هذه الأموال المعينة. ولا يجوز العناية؛ بأنَّ المراد بقوله:(ولا تنعقد الشركة) أي: شركة المفاوضة وحرف التَّعريف للعهد لما أنّ السّباق والسّياق في ذكر المفاوضةلأنَّا نقول المفاوضة تجّوز في شركة الوجوه والتقبَّل، ولا يُشترط فيهما المال فضلًا عن الأموال المعينة، فلا فائدة إذًا في تعيين المفاوضة بهذا اللفظ.

قلتُ: المراد من قوله: (ولا تنعقد الشركة) أي: شركة المفاوضة؛ لأنَّ الكلام إلى هذا الفصل كان في أحكام المفاوَضة، ثُمَّ بدأ بعد هذا أيضًا ببيان شركة العِنان بقوله: (وأما شركة العِنان

) إلى آخره.

وذكر بعده (ولا يصحُّ) أي: شركة العِنان (إلا بما بينا) أنَّ المفاوضة تَصحُّ به، وهذا نصفي الباب على أنَّ المراد بقوله:(ولا تنعقد الشركة) شركة المفاوضة.

فبعد ذلك معنى قوله: (ولا تنعقد الشركة) أي: شركة المفاوضة، إذا ذكر فيها المال لا تنعقد إلا بهذه الأموال، وهي الدَّراهم والدنانير، لا أنْ يكون ذكر المال مشروطًا فيها لا محالة، بل معناه: إذا

(6)

ذكر فيها المال يجِب أنْ يكون ذلك المال مِن الدَّراهم والدَّنانير. فكان هذا نظير قوله عليه الصلاة والسلام: "لا مهر أقلّ من عشرة دراهم"

(7)

أي: لو ذكر المهر في النِّكاح يجب أنْ لا يذكر أقلّ مِن عشرة دراهم، لا أن يكون انعقاد النكاح موقوفًا إلى ذكر عشرة دراهم مِن المهر، بل معناه: لو ذكر المهر في النكاح.

(1)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 166).

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(3)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 167).

(4)

ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 12).

(5)

في (ب)"ينعقد".

(6)

في (ب)"وإذا".

(7)

أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب النكاح، باب المهر، برقم (3606) 4/ 360.

عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ:"لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ".

قال ابن عبد الهادي: غياث ابن ابراهيم قال عنه أحمد، والبخاري، والدارقطني إنه متروك، وقال ابن حِبَّان: يضع الحديث. تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (4/ 379).

ص: 166

وكذلك قول أهل النحو: لا يجوز الاقتصار على أحد المفعولين في أفعال الشَّك واليقين

(1)

معناه: لو ذكر مفعولها لا يجوز الاقتصار على أحَد المفعولَين، وأمَّا لو لم يذكر مفعولاها جميعًا فيجوز كما في قولهم: من يسمع يخَل

(2)

.

ثم الشرط هو أنْ يكون رأس المال حاضرًا في المجلِس أو غائبًا لكنْ يحضر عند الشِّراء ولا يصلح أنْ يكون رأس المال دَينًا

(3)

؛ كذا في فتاوى قاضي خان.

وذكر في الإيضاح: والشّركة بالأموال لا تَكون

(4)

إلّا بمال حاضر، عِنانًاكان أو مفاوضة، ولا يصحُّ بمال غائب ولا دَين. ثمَّ قال: وتأويله أنَّه لا بدَّ من وجود المال عند الشراء، ولا يُعتبر عند العقد. ألا تَرى أنَّه لو دفع إلى رجل ألفًا وقال: أخرِجْ مثلها واشترِ بهما

(5)

وبِع، فما ربحتَ فهو بيننا؛ فأقام المأمور البيِّنة أنَّه فعل جاز، وإن لم يكن المال موجودًا عند العقد، وإنّما وجد عند الشراء

(6)

.

(بخلاف المضاربة) يعني: أنَّ المضاربة مختصّة بالدّراهم والدّنانيرلأنَّ القياس يأبى جوازَ المضاربة لما فيها مِن ربح ما لم يضمَن، فإنَّ المال غير مضمون على المضارِب، فكان ما حصل من الرّبح ربح مالٍ غير مضمون، ولا يستحِقُّه ربُّ الماللأنَّه لم يعمل في ذلك الرِّبح، فلا يصحّ إلا فيما ورد الشَّرع به وهو الدّراهم والدّنانير. وأمّا في الشّركة فإنَّ كلَّ واحدٍ مِن الشّريكين/ يعمَل في ذلك المال فيستوي فيه العُروض والنقود، كما لو عمل كلُّ واحدٍ منهما في مالِ نفسِه مِن غير شركة فيصحُّ.

وذكر في المبسوط: "وعلى قول ابن أَبي ليلى ومالكٍ هي

(7)

صحيحة للتَّعامل وحاجة النّاس إلى ذلك ولاعتبار شركة العقد شركة الملك"

(8)

.

(1)

المفصل في صنعة الإعراب (ص: 346)، اللباب في علل البناء والإعراب (1/ 253).

(2)

ينظر الأمثال لابن سلام (ص: 290)

(3)

فتاوى قاضي خان (3/ 386)، ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 236).

(4)

في (ب)"يكون".

(5)

في (ب)"بها".

(6)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (6/ 60).

(7)

في (ب)"وهي".

(8)

المبسوط للسرخسي (11/ 160).

ص: 167

[ربح ما لم يضمن وما لم يملك]

(ولنا: أنّه يؤدّي إلى ربح ما لم يضمن؛ لأنَّه إذا باع

) إلى آخره

(1)

.

بيان هذا أنَّ الرّجلين لو عقدا عقدَ الشّركة في العروض، ثُمّ باع أحدهما رأس ماله بأضعاف قيمتِه، وباع الآخَر بمثل قيمته، فلو صحت الشركة كانا شريكَينِ في الرّبح الذي حصل في بيع أحدِهما، فحينئذ يأخذُ الذي باع رأس ماله بمثل قيمته من مال صاحبه. فيكون ذلك المال له رِبحٌ لم يضمن ولم يملك، وذلك لا يجوز بخلاف الأثمان؛ لأنَّ ما يشتري كلُّ واحدٍ منهما برأس المال لا يتعلّق به البّيع، بل يثبت وجوب الثّمن في الذِّمّة إذ الأثمان لا تتعيَّن بالتّعيين، فلما كان الثمن واجبًا عليهما في ذمِّتهما كان المثمَن والرِّبح الحاصل منه بينهما ضرورة، فكان الرِّبح ربح ما ضمن.

وذكر في الإيضاح: ولأنَّ الرّبح إنّما يطيب بالضمان، والضَّمان إنَّما يتحقَّق فيما لا يتعيَّن بالتَّعيين، فإنَّ الوكيل إذا اشترى بالدّراهم والدّنانير كان الثّمن مضمونًا عليه يطالَب بالإيفاء. فأمّا ما يتعيَّن بالتَّعيين، كالعبد وغير ذلك، فلا يكون مضمونًا على الوكيل؛ فإنَّه لو هلك لم يلزمه ضمان و

(2)

الربح لا

(3)

يطيب إلا بضمان، ولهذا المعنى اختصَّ عقد الشّركة بالدّراهم والدّنانير

(4)

.

(وتفاضُل الثمنان) أي: فضل أحد الثَّمنين على الآخر كما ذكرنا. وأمّا تفاضلهما معًا فمحال.

[حكم الشركة والمضاربة بالفلوس]

(وبيع أحدهما مالَه على أنْ يكون الآخر شريكًا في ثمنِه لا يجوز)؛ لأنَّ صحّة الشّركة باعتبار الوَكالة، ففي كلِّ موضِع لا تجوز الوكالة بتلك الصّفة، فكذلك الشّركة. ومعنى هذا أنَّ الوكيل بالبيع يكون أمينًا، وإذا

(5)

شرط له جزء من الرِّبح كان هذا ربح ما لم يضمن. وأمَّا

(6)

الوكيل بالشِّراء فهو ضامن للثَّمن في ذمَّته، فإذا شُرِط له بعض الرِّبح كان ذلك ربح ما قد ضمِن؛ ولأنَّ الشّركة في العروض تؤدِّي إلى جهالة الرّبح عندالقِسمة، فإنَّ الرِّبح لا يظهر إلا بعد سلامة رأس المال، والقيمة لا تُعرف إلا بالحزر والظّن

(7)

؛ كذا في المبسوط والإيضاح.

(قالوا: هذا قول محمّد) وذكر في الإيضاح: وأمَّا الفلوس فالمشهور عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- أنَّ الشّركة والمضاربة بها لا تجوز، وعند محمد رحمه الله تجوز

(8)

.

(1)

تمام كلامه: "لأنه إذا باع كل واحد منهما رأس ماله وتفاضل الثمنان فما يستحقه أحدهما من الزيادة في مال صاحبه ربح ما لميملك وما لم يضمن". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 7 - 8).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

في (ب)"ولا".

(4)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (6/ 59).

(5)

في (ب)"فإذا".

(6)

في (ب)"فأما".

(7)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 161).

(8)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 160).

ص: 168

(ولا يجوز بيع اثنين بواحدٍ بأعيانها) أَي: عند محمدٍ؛ لأنَّ مِن أصل محمّد أنَّ الثَّمنية تثبت باصطلاح الكلّ، فلا يبطل باصطلاحهما، وإذا بقي معنى الثَّمنية لم يتعيَّن

(1)

بالتّعيين فصلُحت رأس المال في الشّركات والمضاربات كالدّراهم والدّنانير. وعندهما أنَّ الثّمنية لَيست بلازمة لها وأنَّها تبطل باصطلاحهما، وإذا بطَلت بقيت عروضًا

(2)

؛ كذا في الإيضاح.

وقوله: (بأعيانها) إنّما قيِّد

(3)

ليظهِر ثمرة الاختلاف، لأنَّه لوباع فِلسَينِ بواحد من الفلوس نسيئةً لا يجوز بالاتفاق

(4)

فعندهما لوجود النّسيئة في الجنس الواحد، وعند محمد لهذا ولمعنى الثمنية. أمَّا

(5)

إذا كانت بأعيانها فعندهما يجوز، وعند محمد رحمه الله لا يجوز لما ذكرنا

(6)

.

(والأوَّل أقيس) وهو كون أَبي يوسف مع أبي حنيفةلأنَّهما لما اتّفقا في جواز بيع فِلس [بعينه]

(7)

بفلسين بعينهما كانا متّفقينِ أيضًا في عدم جواز الشّركة بالفلوس، وإن كانت نافقة؛ لأنَّ هذه المسألة مَبنية على تلك المسألة؛ لأنَّه لما جاز بَيع الواحد بالاثنين في الفلوس عندهما كان للفلوس حكم العروض، والعروض لا تصلح لرأس مال الشّركة فيهما أي: في الشّركة والمضاربة.

[حكم الشركة بمثاقيل الذهب والفضة]

(إلَّا أنَّ الأوّل أصحُّ) وهو رواية الجامع الصّغير بأنَّه لا يجوز الشّركة بالمثاقيل، وجعل ذلك في المبسوط ظاهرَ الرّواية

(8)

.

(لأنَّها) أي: لأنَّ مثاقيل ذهب أو

(9)

الفضّة.

(إلا أنْ يجري التّعامل باستعمالها ثمنًا) أي: باستعمال المثاقيل هذا استثناء عن قوله: (إلا أنَّ الأوّل أصحّ) يعني: أنَّ عدم جواز الشّركة بمثاقيل الذّهب والفضّة أصحّ إلّا أنَّ عند جريانِ التّعامل باستعمالها فحينئذ تجوز الشّركة بها.

وذكر في المبسوطـ، بعد ما ذكر ظاهر الرّواية، بأنَّ الشركة لا يجوز بالتِّبر فقال: فقد جعل التِّبر في "كتاب الصَّرف" كالنُّقود حتّى قال: لا يتعيَّن بالتّعيين/ ثُمَّ قال: فالحاصل أنَّ هذا يختلف باختلاف العُرف في كلِّ موضِع، فإنْ كانت المبايَعة بين النّاس في بلدة بالتِّبر فهو كالنُّقود ولا يتعيَّن بالتّعيين، وتجوز الشّركة به، وإن لم يكن في ذلك عُرف ظاهر فهو كالعروض، لا تجوز الشّركة به

(10)

.

(1)

في (ب)"تتعين".

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 160)، العناية شرح الهداية (6/ 170).

(3)

في (ب)"قيد بها".

(4)

مراتب الإجماع (ص: 85)، كتاب الإجماع للإمام ابن المنذر (ص: 30).

(5)

في (ب)"وأما".

(6)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 160)، العناية شرح الهداية (6/ 170)، البناية شرح الهداية (7/ 390).

(7)

ساقط من (أ).

(8)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 154).

(9)

في (ب)"و".

(10)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 159 - 160).

ص: 169

(ولا خلاف فيه بيننا قبل الخلط) أي: لا خلاف في عدم جواز الشّركة بالمكيل والموزون قبل الخلط.

(وثمرة الاختلاف تظهر عند التّساوي في المالَينِ، واشتراط التّفاضل في الرّبح) فعند أبي يوسف لا يستحِقّ زيادة الرّبح بَل لكلِّ واحِدٍ منهما مِن الرِّبح بقدر ملكه، وعند محمِّد الرّبح بينهما على ما شرطا، فوجه قول أبي يوسف أنَّ ما يصلح أنْ يكون رأسَ مالٍ في الشّركة لا يختلف الحكم فيه بالخلط وعدم الخلط كالنّقود، وكذلك ما لا يصلح أنْ يكون رأس مال في الشّركة لا يختلف بالخلط وعدم الخلط. وهذا لأنَّ قبل الخلط إنّما لا تجوز شركة العقد بها؛ لأنَّها متعيِّنة فتعيين رأس المال لا بدَّ منه في عقد الشّركة وأعيانها مبيعة، وأوَّل التّصرف بها يكون بيعًا، وهذا المعنى موجود بعد الخلط، بل يزداد تقررًا بالخلط؛ لأنَّ الخلط لا يتقرَّر إلا في معيَّن والمخلوط المشترَك لا يكون إلّا معيَّنًا فتقرُّر المعنى المفسِد لا يكون مصحِّحًا للعقد. ووَجْه قول محمّد أنَّ المكيل والموزون عَرض مِن وجه، ثمن من وجه. ألا ترى أنَّ الشّراء بها دينًا في الذّمة صحيح، فكان ثمنًا وأنَّ بيع عينها صحيح، فكانت مبيعةً وما تردَّد بين الأصلين يوفَّر حظّه عليهما فلشبهها بالعروض.

قلنا: لا تجوز الشركة بها قَبل الخلط ولشبهِها بالأثمان. قلنا: تجوز الشّركة بها بعد الخلط، وهذالأنَّ باعتبار الشّبَهَينِ تضعُف إضافة عقد الشّركة إليها

(1)

، فيتوقّف ثبوتها على ما يقوِّيها، وَهُو الخلط؛ لأنَّ بالخلط يثبت شركة الملك لا محالة، فيتأكّد به شركة العقد لا محالة، ومن جِنسَينِ مِن ذوات القيم. ألا ترى أنَّ من أتلف هذا المخلوط كان عليه قيمته، وإذا لم يَكن من ذوات الأمثال كان بمنزلة العروض. وأمّا إذا كان الجنس واحدًا فالمخلوط مِن ذوات الأمثال حتّى أنَّ من أتلف يضمَن مثلَه، فيمكن تحصيل رأس مال لكلِّ

(2)

واحدٍ منهما وقتَ القِسمة باعتبار المِثل

(3)

؛ وهذا كله من المبسوط.

[ربح مال مضمون]

(وإذا أراد الشَّركة بالعروض: باع كلُّ واحد منهما نصف ماله بنصف مال الآخر) وإنَّما يتبايعان على هذا الوجه احترازًا عن الفساد الذي ذكر في عقد الشّركة بالعروض، وهو أداؤه إلى ربح ما لم يضمنلأنَّ مالَ كلِّ واحد منهما عند صاحبه في العروض غير مضمون، وما استحقّه أحدُهما فضل ربح مال صاحبه كان ربح ما لم يضمن على ما ذكرنا، فلا يجوز. وأمَّا إذا باع كلُّ واحدٍ منهما نصف عرضه مِن صاحبه كان نصف مال كل واحد منهما على صاحبه مضمونًا بالثمن، فكان الرِّبح الحاصل من ماليهما ربح مال مضمون عليهما، فيجوز.

(1)

ساقط من (ب).

(2)

في (ب)"كل".

(3)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 161 - 162).

ص: 170

وذكر في الذّخيرة: ثم الحيلة في تجويز الشّركة بما يتعيَّن في العقود و

(1)

أن يبيع كلُّ واحد منهما نصف عرضه بنصف عرض صاحبه حتَّى صار مال كل واحد منهما مشتركًا بينهما شركة ملك، ثم يعقدان بعد ذلك عقد الشّركة، إن شاء مفاوضة، وإن شاء عنانًا. وكذلك لو باع [صاحب العرض]

(2)

نصفَ عرضه بنصف دراهم صاحبه، وتقابضا ثم

(3)

عقد الشركة مفاوضة وعِنانًا

(4)

، ويصير العروض رأس مال الشّركة والعروض بعد ما صار مشتركًا بينهما يصلح رأس مال الشركة. وإنْ كان قبل ذلك لا يجوز، ذكره الإمام خواهر زاده على هذا الوجه

(5)

.

(وتأويله: إذا كانت قيمة متاعيهما على السواء) وهذا التّأويل والّذي ذكر بعده إنّما يحتاج إليه ليكون كلُّ ما يجعلان رأس المال مضمونًا عليهما.

(ولو كان بينهما تفاوت يبيع صاحب الأقلِّ بقدر ما يثبت به الشركة)

بيان ذلك: هو أنْ يكون قيمة عرض أحدهما أربعمائة، وقيمة عرض الآخر مائة، يبيع صاحب الأقلِّ أربعة أخماس عرضه بخمس عرض الآخر، فيصير المتاع كلُّه أخماسًا، ويكون الرِّبح بينهما على قدر رأس ماليهما.

[شركة العنان]

و

(6)

العِنان مشتقٌّ من قول القائل

(7)

: (عنَّ لي كذا، أي: عرض) قال امرؤ

(8)

:

فعنَّ لنا سِربٌ كأنَّ نعاجَهُ

عذارى دواري في مُلاءٍ مُذيلِ

(9)

"السِرب": القطع من الظباء والبقر، والجمع:/ أسراب.

و"النِعاج": جمع نَعجة، وهي أنثى من

(10)

الوحش.

(1)

ساقط من (ب)،

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(3)

في (ب)"عقدا عليهما" بعد قوله "ثم".

(4)

في (ب)"جاز" بعد "عنانا".

(5)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (6/ 59)، فتح القدير (6/ 174).

(6)

ساقط من (ب).

(7)

في (ب)"قولهم" بدل "قول القائل".

(8)

في (ب)"امرؤ القيس".

امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، من بني آكل المرار: أشهر شعراء العرب على الإطلاق. يماني الأصل، مولده بنجد، أو بمخلاف السكاسك باليمن، اشتهر بلقبه، واختلف المؤرخون في اسمه، فقيل حندج وقيل مليكة وقيل عديّ. وكان أبوه ملك أسد وغطفان، وأمه أخت المهلهل الشاعر، فلقنه المهلهل الشعر. توفي سنة 497 هـ. تاريخ دمشق لابن عساكر (9/ 222)، معجم المؤلفين (2/ 320).

(9)

ديوان امرئ القيس ت المصطاوي (ص: 16).

(10)

في (ب)"الأنثى من".

ص: 171

و"العذارى": جمع العذراء من النّساء.

و"الدّوار" -بفتح الدال وضمها-: صنم كانت العرب تنصبه وتدور حوله.

و"المُلاء": جمع المُلاءة

(1)

.

و"المذيل": الطويل الذّيل، وإنّما ذكَّره حملًا على اللَّفظ. تقول: فظهر لنا قطيع من بقر الوحش، كأن إناث ذلك القطيع نساءً عذارى يطفنَ حولَ حجر منصوب في مُلاء طول ذيولها. شبَّه المهاء

(2)

في بياض ألوانها بالعذارى؛ لأنَّه لا يغير ألوانهن حرّ الشّمس وغيره، وشبَّه طول أذيالها

(3)

وسبوغ شعرها بالملاء المذيَّل، وشبَّه حسن ميلها بحسن تبختر العذارى في مِشيتهن

(4)

.

وزعم بعض أهل اللغة: أنَّ هذا شيء أحدثه أهل الكوفة، ولم يتكلَّم

(5)

به العرب وليس، كذلك فقد قال النابغة

(6)

:

وشاركنا قريشًا في تُقاها

وفي أحسابها شرك العنان

(7)

وقيل: هو مأخوذ من عِنان الدّابة على معنى أنَّ راكب الدّابة يمسك العِنان بإحدى يديه، ويعمل بالأخرى، وكلُّ واحِد مِن الشّريكَينِ يجعل عِنان التصرُّف في بعض المال إلى صاحبه دون البَعض الآخر

(8)

؛ أو على معنى أنَّ

(9)

للدّابة عنانين أحدهما أطول والآخر أقصر؛ أو من قولهم: عنَّ له إذا ظهر، سُمي عنانا؛ لأنَّ الشركة لا يثبت

(10)

على وصف العموم، وإنَّما تثبت في هذا القدر الذي يظهر لها

(11)

، كذا في المبسوط والإيضاح والمغرب.

(1)

في (ب)"الملاة".

(2)

في (ب)"المها".

(3)

في (ب)"أذنابها".

(4)

في (ب)"مشيهن".

(5)

في (ب)"تتكلم".

(6)

النابغة: هو النابغة الجعدي اسمه قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيع بن جعدة بن كعب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وقال القحذمي: اسمه حيان ابن قيس بن عبد الله بن وحوح بن عدس بن ربيعة بن جعدة. يكنى أبا ليلى وكان شاعرًا مفلقًا طويل البقاء في الجاهلية والإسلام، وكان أكبر من النابغة الذبياني، وبقي بعده بقاءً طويلًا، وهو أحد المعمرين يقال إنه عاش من العمر مائتي سنة، وقيل أقل من ذلك، وكف بصره بعد أن أسلم وحسن إسلامه وبلغ إلى فتنة ابن الزبير ومات بأصفهان. أسد الغابة (5/ 276)، الإصابة في تمييز الصحابة (6/ 308).

(7)

الأغاني (1/ 48).

(8)

ساقط من (ب).

(9)

ساقط من (ب).

(10)

في (ب)"تثبت".

(11)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 151)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 317 - 318)، المغرب في ترتيب المعرب (ص: 330).

ص: 172

(ويصح أن يتساويا في المال ويتفاضلا في الربح).

[اشتراط الربح]

وذكر في فتاوى قاضي خان: "فإن شرطا المساواة في الربح أو اشترطا لأحدهما فضل ربح، إن شرطا العمل عليهما، كان الرّبح بينهما على ما شرطا عمِلا جميعًا أو عمل أحدهما دون الآخر. وإنْ شرطا العمل على المشروط له فضل الربح جاز أيضًا، وإنْ شرطا العمل على أقلِّهما ربحا لايجوز"

(1)

.

وفي الذَّخيرة: والحاصل أنَّ

(2)

في هذه الشّركة حقوق العقد ترجع إلى العاقد لا غير، [و]

(3)

إذا شرطا في هذه الشّركة العمل عليهما، وشرطا التّفاوت في الرِّبح مع التّساوي في رأس المال جاز عند علمائنا الثلاثة، ويكون الرِّبح بينهما على ما شرطا، وإنْ عمل أحدهما دون الآخر. وأمَّا إذا شرط العمل على أحدهما إنْ شرط الرّبح بينهما على قدر رأس مالهما جاز، ويكون مال الذي لا عمل عليه بضاعة عند العامل، له ربحه وعليه وضيعته. وإن شرطا الرِّبح للعامل أكثر مِن رأس ماله يجوز أيضًا على الشرط، ويكون مال الدافع عند العامل مضاربة. ولو شرطا الربح للدافع

(4)

أكثر من رأس ماله لا يصحُّ الشرط، ويكون مال الدّافع عند العامل بضاعة، لكل واحد منهما ربح ماله والوضيعة بينهما على قدر رأس ماليهما

(5)

أبدًا.

والرّبح إنَّما يستحقّ بأحد معانٍ ثلاثة، ولا يستحق بغير ذلك

(6)

. والمعاني الثلاثة: العمل، والمال، والضّمان. ولهذا لو قال لغيره: تصدَّق

(7)

في ذلك

(8)

على أنَّ بعض الرّبح لي لم يَجُز لانعدام أحد هذه المعاني الثلاثة، ألا

(9)

ترى أنَّ المضارِب يستحق الرّبح بالعمل وربُ المال بالمال، والأستاذ إذا تقبَّل العمل وألقى على تلميذه بأقلّ مِن ذلك الأجر الذي أخذ يطيب له الفضل، وإنَّما يستحقّ ذلك بالضمان.

(ولأنَّ الشّركة عندهما في الرّبح للشّركة في الأصل) أي: في أصل المال. فلذلك يشترط الخلط عندهما. وعندنا: الشّركة في الرِّبح للشّركة في العقد، ولهذا قلنا: تثبت الشركة بعد العقد قبل الخلط

(10)

.

قوله: (كما في المضارَبة).

فإنْ قيل: إذا ألحقتُم هذا العقد بالمضاربة صار تقديره كأنَّه قال: اعمل في مالك وربحه لك، واعمل في مالي وربحه بيننا. وفي المضاربة إذا شرط عمل ربِّ المال فيها بطل العقد، وقد جوَّزتم هذه الشركة، وإن شرط عملهما.

(1)

فتاوى قاضي خان (3/ 387).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

ساقط من (أ).

(4)

في (ب)"للعامل".

(5)

في (ب)"مالهما".

(6)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 33).

(7)

في (ب)"تصرف".

(8)

في (ب)"مالك".

(9)

في (أ)"وألا".

(10)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 152).

ص: 173

قلنا: المضارَبة أمانة، وتمام الأمانةتقف على التّخلية بين الأمين والوديعة. فإذا شرط عمل ربّ المال لم يوجد التّخلية، فأمّا في الشّركة فكلُّ واحد منهما كالأجير في مال الآخر، فشرط عمل ربّ المال معه لا يبطل العقد، فإنَّ مَن استأجر أجيرًا ليعينه على العمل كان جائزًا

(1)

؛ كذا في الإيضاح.

[اشتراط جميع الربح]

(بخلاف اشتراط جميع الرّبح لأحدهمالأنَّه يخرج العقد به من الشّركة) لأنَّ الشّركة هي أنْ يكون الرّبح مشتركًا بينهما.

(ومِن المضارَبة أيضًا إلى قَرض) أي: يخرج العقدية مِن عقد المضارَبة أيضًالأنَّ المضاربة هي الشّركة في الرّبح، ثُمّ لو شرط جميع الرّبح لأحدهما بعد ذلك لا يخلو إمّاأنْ شَرط للعامل فاسمه القَرض، وإمّا إنْ شَرط لربّ المال فاسمه البضاعة. والضمير/ في "باشتراطه" في الموضِعَين راجع إلى الرّبح.

(وهذا العقد) أي: عقد شركة العِنان.

(ويشبه الشركة) أي: شركة المفاوضة.

(وقلنا: يصحُّ اشتراط الرّبح مِن غير ضمان) هذا جوابٌ عن قول الخصْم، [و]

(2)

هو أنَّ اشتراط زيادة الرّبح لأحدهما يؤدّي إلى ربح ما لم يضمَن. وقلنا: اشتراط زيادة الرّبح موجود في المضاربة، وهو جائز مَع ذلك بالإجماع

(3)

.

قوله: (ويشبه الشركة) أي: وعملنا يشبه الشركة فقلنا: بأنَّه لا يبطل هذا العقد باشتراط العمل عليهما.

(إذ اللّفظ لا يقتضيه) أي: لفظ العِنان لا يقتضي المساواة بتأويل الاستواء بخلاف لفظ المفاوضة.

(ومن الآخر سُود) أي: دراهم سُود، وهِي مِن النّقرة أيضًا.

[ما تبطل به الشركة]

(وإذا هلك مال الشركة أو أحد المالين

) إلى آخره

(4)

.

وذكر في الذّخيرة: وإذا اشتركا شركة عِنان ثُمَّ هلك أحد المالَين قبل الشّراء، وقبل الخلط هلك مِن مال صاحبه سواء هلك في يَد المالك أو هلك في يد صاحبه أو هلك في أيديهما؛ لأنَّ رأس مال كُلِّ واحدٍ منهما قبل الشّراء، وقبل الخلط باقٍ على ملكه، ويبطل الشّركة

(5)

.

(بخلاف المضاربة والوكالة المفردة) حيث لا يبطل عقد المضاربة وعقد الوكالة بهلاك الدّراهم على ما يجيء، إنْ شاء الله تعالى.

(1)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (5/ 56).

(2)

ساقط من (أ).

(3)

ينظرمراتب الإجماع (ص: 92)، العناية شرح الهداية (6/ 178).

(4)

تمام كلامه: "قبل أن يشتريا شيئا بطلت الشركة". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 10).

(5)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 16).

ص: 174

واحترز بقوله: (والوكالة المفرَدة) عَن الوكالة الثّابتة في ضمن عقد الشّركة وفي ضمن عقد الرهن، فإنَّ الوكالة فيهما يبطل ببطلان ما تضمُّنها مِن الشّركة والرّهن؛ لأنَّ المتضمَّن يبطل

(1)

ببطلان المتضمِّن تبعًا، وإنَّما يبطل

(2)

المتضمن، وهو الشركة ههنا، بهلاك المال قَبل الشّراء به؛ لأنَّ المال هو المعقود عليه، فيبطل العقد بهلاك المعقود عليه إذا كان قبل التّمام، كما إذا هلك المبيع في يد البائع؛ بخلاف الوكالة المفردة، فإنَّ الدّراهم لا تتعيَّن فيها، فلا تبطل الوكالة بهلاك الدّراهم حتّى لو وكَّل رجلًا بشراء العبد ودفعه دراهم، فهَلَكت الدّراهم لا تبطل الوكالة لما قلنا.

(لأنَّه ما رضي بشركة صاحبه) أي: الشَّريك الّذي لم يهلك ماله ما رضي بشركة صاحبه الّذي هلك ماله إلّا على تقدير بقاء ماله ليشركه في ماله كما يشرك هو في مال هذا.

(فالمشتري بينهما) وإنْ لم يصرِّحا بالوكالة في العَقد؛ لأنَّه حين وَقَع، وَقَع مشتركًا بينهما

(3)

؛ كذا في الإيضاح.

" (ثم الشّركة شركة عقدعند محمّد) حتّى إذا باعه أحدهما نفّذ بيعه في الكلِّ. وعند الحسن هِي شركة ملك حتّى لا ينفذ بيع أحدِهما إلا في حصّته؛ لأنَّ شركة العقد قد بطَلت بهلاك الدّنانير، كما لو هلكت قبل الشّراء بالدّراهم، وإنّما بقي ما هو حكم الشّراء -وهو الملك- فكانت شركتهما في المتاع شركةَملك.

وجه قول محمد أنَّ هلاك الدّنانير كان بعد حصول ما هو المقصود بالدّراهم -وهو الشّراء بها-؛ فلا يكون مبطلًا شركة العقد بينهما في ذلك كما لوكان الهلاك بعد الشّراء بالمالين جميعًا"

(4)

كذا في المبسوط.

ووضع المسألة في أنَّ الدّنانير

(5)

مِن أحد الجانبين والدّراهم

(6)

من الجانب الآخر.

(وقد بيَّنَّاه) وهو قوله: (معناه إذا أدَّى من مال نفسه

) إلى آخره.

و

(7)

إن صرَّحا بالوكالة في عقد الشّركة.

وذكر في المبسوط: "ذكر في بعض المواضع: المشتري بالمال الباقي بعد ذلك يكون لصاحبِه خاصة، وذكر في بعض المواضع: إذا اشترى الآخر بماله بعد ذلك يكون المشترى بينهما نِصفين. وإنّما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع، فحيث قال: يكون الثّاني مشتريًا لنفسه خاصّة وضع المسألة فيما إذا أطلقا الشّركة فيكون المشترى بمال أحدِهما مشتركًا بينهما عند الإطلاق مِن قضية عقد الشّركة، وقد بطلت بهلاك مال أحدهما، فيكون الآخر مشتريًا لنفسه. وحيث قال المشتري بمال آخر بينهما وضع

(8)

المسألة فيما إذا صرَّحا عند عقد الشركة على أنَّ ما اشتراه كلُّ واحد منهما بماله هذا يكون مشتركًا بينهما، وعند هذا التصريح الشركة في المشترى [مِن قضية الوكالة لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما قَد وكَّل صاحبه بالشّراء بماله نصًّا على أنْ يكون نصف المشترى له. والشركة وإن بطلت بهلاك أحد المالين فالوكالة باقية، فلهذا كان المشترى]

(9)

بينهما نصفين

(10)

، ويرجع المشتري على صاحبه بنصف الثَّمن؛ لأنَّه اشترى له النِّصف بحكم الوكالة، ونقد الثّمن مِن مال نفسه فيرجع به عليه"

(11)

.

(1)

في (ب)"تبطل".

(2)

في (أ)"تبطل".

(3)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 319).

(4)

المبسوط للسرخسي (11/ 164).

(5)

في (ب)"الدراهم".

(6)

في (ب)"والدنانير".

(7)

ساقط من (ب).

(8)

في (ب)"ووضع".

(9)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(10)

ساقط من (ب).

(11)

المبسوط للسرخسي (11/ 163 - 164).

ص: 175

[جواز الشركة إن لم يخلطا المال]

قوله: (لما بيَّنَّاه): إشارة إلى قوله: (لأنَّه وكيل من جهته).

(وإنَّه بالخلْط) أي: وإنَّ الشّركة في الأصل، على تأويل الاشتراك، إنَّما تكون بالخلط وذلك؛ لأنَّ الشّركة عبارة عن الاختلاط، وذلك/ إنَّما يتحقّق في الملك. والمعتبر في كلِّ عقد ما هو قضية اسم ذلك العقد كالحوالة والكفالة والصّرف. فإذا خلطا المالَينِ على وَجه لا يمكِن تمييز أحدِهما عَن الآخر، فقَد ثبتت الشّركة في الملك، فيَبْتَني عليها شّركة العقد

(1)

؛ كذا في المبسوط.

(ولهذا يضاف إليه) يقال: عقد شركة المال.

(ويشترط تعيين رأس المال) وما اعتبر التّعيين إلا لتكون

(2)

الشّركة في الثّمرة مسندة إلى المال

(3)

؛ كذا في الإيضاح.

(بخلاف المضاربة) يعني: أنَّ المضاربة تصح بدون الخلط حتّى يعتبر اتّحاد الجنس، حتّى لو كان رأس مال أحدهما دراهم، والآخر دنانير تنعقد الشركة بينهما صحيحة عندنا

(4)

، خلافًا لزُفَر والشّافعي

(5)

، وكذلك إنْ كان رأس مال أحدهما بيضاء، والآخر سوداء.

(ولا تجوز شركة التقبُّل) أي: على قول زُفَر والشّافعي: (إنَّ الشّركة في الربح مسندة إلى العقد دون المال)؛ لأنَّ موجِب هذا العقد الوكالة، فكان كلُّ واحد منهما موكِّلًا للآخر في نصيبه، فيتصرَّف كلُّ واحدٍ منهما في مال الشّركة كلِّه، في بعضهِ بطريق الأصالة، وفي بعضه بطريق الوكالة، وبتصرف

(6)

كل واحد منهما يحصُل الرّبح المشترك بهذا الطّريق، وهذه الوكالة إنَّما تثبت في ضمن عقد الشّركة، فلذلك يضاف الرّبح الحاصل إلى العقد؛ لأنَّ الحكم كما يضاف إلى العلّة، كذلك يضاف إلى علّة العلّة، وهذا كذلك؛ لأنَّ الرّبح حصل بتصرُّفهما على وجهِ الوكالة في نصيب الآخر، والوكالة تثبت بعقد الشّركة، فكان الرِّبح المشترك موجَب موجِب عقد الشّركة، فلذلك أضيفت الشّركة في الرّبح إلى العقد دون المال، ولمَّا كان كذلك كان الرِّبح فرع العقد لا فرع المال.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 152).

(2)

في (ب)"ليكون".

(3)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 404).

(4)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 152 - 153).

(5)

مذهب الشافعية: أنه يشترط لصحة الشركة خلط مال الشريكين خلطًا لا يمكن معه التمييز. فإنْ لم يخلطا ماليهما فهما غير شريكين، ومن ثم فلا شركة، وإن خلطاهما خلطًا يمكن معه تمييزهما فلا تصح، كما إذا أخرج أحد الشّريكين دراهم، والآخر دنانير، وهو اختلاف جنس، أو أخرج أحدهما دنانير صحاحًا، والآخر دنانير مكسرة، وهو اختلاف صفة، ففي مثل هذه الحالات لا تصح الشركة.

ينظر مختصر المزني (8/ 207)، الحاوي الكبير (6/ 481).

(6)

في (أ)"ويتصرف".

ص: 176

فإنْ قلت: فعلى قود هذا التَّقدير ينبغي أنْ لا

(1)

يبطل الشّركة بهلاك المال قبل أنْ يشتريا به شيئًا لما أنَّ الأصل هو العَقد دون المال عَلى ما ذكرت فكان بقاء المال وهلاكه بمنزلة، فإنَّ عقد الشّركة قد وُجِد والمال موجود فلا يبالى بعد ذلك ببقائه لانحطاط رتبته عن رتبة العقد.

قلت: العقد ركن في شركة العقود على ما مرَّ، والمال محلّ العقد فكان شرطًا؛ لأنَّ المحالَّ شروط لتوقُّف

(2)

صحة الرُّكن أي: وجودها؛ لكنّ الركن يبطل إذا هلك المحلّ قبل اتِّصال المقصود بذلك المحلِّ كالمبيع إذا هلك في يد البائع، فإنَّ لفظ البيع والشراء ركن عقد البيع، والمبيع شرط لصحَّة ذلك الرُّكن ثمَّ ذلك الرُّكن يبطل بهلاك المبيع قبل قبض المشتري لما أنَّ المقصود مِن البيع ثبوت الملك للمشتري على وجه ينتفع هو به، والانتفاع إنَّما يحصل عند اتِّصال القبض، ولما هلك قبل هذا المقصود بطل الركن، فكذلك هنا المقصود مِن عقد الشّركة الاستنماء والاسترباح مِن رأس ماليهما، وذلك إنَّما يكون بتصرُّف الشّراء بهما، فلمّا هلك رأس المال قبل هذا المقصود بطَل الركن كما في البيع، والجامع بينهما عدم إفادة الركن فائدته.

قوله: (في المستفاد به): أي: بالتصرُّف.

(بدونه) أي: بدون خلط المال.

(وصار كالمضارَبة) فإنَّ الشركة ثابتة في الرّبح في المضاربة، وإنْ لم توجَد الشّركة في أصل المال لا بالخلط ولا بغيره بل بالعقد، فكذا ههنا، ولما كان الأَصل هو العقد لا المال لم يشترط اتِّحاد الجنس ولا التّساوي في رأس المال، وصحّ شركة التقبُّل إذ المال ليس بأصل.

(ونظيره في المزارعة) وهو أنْ يشترطا أنْ يكون لأحدهما قفزان مسمّاة فهو باطل؛ لأنَّ به تنقطع

(3)

الشركة ومن شرط المزارعة أنْ يكون الخارج بينهما شائعًا.

قوله: (والتَّحصيل) بالرّفع؛ فإنَّه مبتدأ.

وقوله: (دونه) خبره.

(دونه) أي: الإبضاع أدنى من الاستئجار، وأقلُّ حالًا منه، لعدم المؤنة في الإبضاع أي: وتحصيل العمل الذي يحصل منه الرِّبح بغير عوض، وهو الإبضاع أدنى حالًا مِن استئجار الأجير على العَمَل فإنَّه أعلى مِن الإبضاع لوجوب الأُجرة على المستأجِر فلمّا ملك الأعلى كان أولى أن يملك الأدنى.

وذكر في المبسوط: "ولأنَّه لو استأجر من يتصرَّف في مال الشّركة جاز ذلك منه على شريكه، فإذا وجد من يتصرَّف بغير أجر كان له أَن يبضعه بالطريق الأولى"

(4)

.

(1)

ساقط من (ب).

(2)

في (ب)"التوقف".

(3)

في (ب)"ينقطع".

(4)

المبسوط للسرخسي (11/ 175).

ص: 177

[دفع المال بضاعة ومضاربة]

(لأنَّها دون الشّركة) أي: المضارَبة دون الشّركة. ألا ترى أنَّه ليس على المضارِب شيء من الوضيعة، وأنَّ المضارَبة لو فسدت لم يكن للمضارِب شيء مِن الرِّبح، فيمكن جعل المضاربة مستفادة بعقد الشركة/ لأنَّها دونها.

(فيتضمنَّها) أي: فتتضمن

(1)

الشركة المضاربة.

(لأنَّه نوع شركة) أي: لأنَّ عقد المضارَبة نوع شركةلأنَّه إيجاب الشّركة للمضارب في الرّبح فيكون بمنزلة عقد الشّركة، وليس لأحدِ الشّريكين أنْ يشارِك مع غيره بمال الشّركة، فكذلك لا يدفعه مضاربة.

(لأنَّ الشركة غير مقصودة) أي: في المضاربة.

(لأنَّه تحصيل بدون ضمان في ذمته) أي: لأنَّ عقد المضاربة سبب تحصيل الرِّبح بدون ضمان في ذمّة ربّ المال، فكان أولى أنْ يجوز.

وفي المبسوط: "وله أنْ يدفع من مال الشّركة مضاربةلأنَّ له أنْ يستأجِر من يتصرَّف في مال الشّركة بأجر مضمون في الذِّمة فلأنْ

(2)

يكون له أنْ يستأجر مَن يتصرف ببعض ما يحصل بعمله مِن غير أنْ يكون ذلك مضمونًا في الذِّمة أولىلأنَّ هذا أنفع لهما"

(3)

.

قوله: (لأنَّ الشيء لا يستتبع مثله).

فإن قلت: يشكِل على هذا مسائل فإنَّ للمكاتب أنْ يكاتِب عبده، وللمأذون أن يأذن عبده، والرِّواية في شرح الطحاوي وغيره، وكذا يجوز اقتداء المفتِرض بالمفترِض الذي يصلّي ذلك الفرض، وكذا يجوز اقتداء المتنفِّل بالمتنفِّل، وكلُّ واحدٍ منهما مثل الآخَر. والإمام يستتبِع قومَه في حقِّ جواز الصلاة وفسادها، فعُلم بهذه المسائل أنَّ المِثلية غير مانعة

(4)

للاستتباع؛ ولأنَّ مثل الشّيء يرفع المثل كالنّصِّ النّاسخ يرفع النّص المنسوخ، وهما مثلان

(5)

؛ فأولى

(6)

أن يستتبع مثله

(7)

.

قلت: أما المكاتَب والمأذون فإنَّهما لما أطلقا في اكتساب المال ملكا اكتساب المال من غير ضرَر يلزمهما بأيِّ وجه كان، والضّرر فيما إذا كان التّابع فوق المتبوع. ألا ترى أنَّ للمكاتب أن يبيع عبده، وقد يكون كتابة عبده أنفع له

(8)

من البيع؛ لأنَّه لا يزول الملك في الكتابة إلّا بعد وصول البَدَل إليه، والبيع يزيله قبله، ولهذا يملكه الأب والوصي. وكذلك المأذون يتصرَّف بأهلية نفسِه في اكتساب المال بعد فكِّ الحجر عنه، فعُلم بهذا أنَّ استتباع المثل في هذين الموضعين لم يكُن مقصودًا، بل يثبت

(9)

، ذلك لهما من ضرورة إطلاق الاكتساب، وفتح باب التجارة. أمَّا ههنا، لو

(10)

قلنابجواز الشّركة لأحد الشّريكين يلزم استتباع المثل مقصودًا، وذلك لا يجوز كما في التَّوكيل؛ فإنّه لا يجوز للوكيل أنْ يوكِّل غيره بمطلق التّوكيل؛ لأنَّ الثّاني مثل الأوَّل، فلا ينتظمه مقصودًا، ولكنْ ينتظمه ضِمنًا كالوكالة الثّابتة في ضمن الشّركة، فإنَّ لكلِّ واحدٍ مِن الشّريكين أنْ يوكِّل آخر في التصرُّف بمال الشّركة.

(1)

في (أ)"فيتضمن".

(2)

في (ب)"فلا".

(3)

المبسوط للسرخسي (11/ 175 - 176)

(4)

في (ب)"مانع".

(5)

في (ب)"وما هو مثلان" بدل "وهما مثلان".

(6)

في (ب)"أولى".

(7)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 407).

(8)

ساقط من (ب).

(9)

في (ب)"ثبت".

(10)

في (ب)"فلو".

ص: 178

وذكر في المبسوط: "ولكن هذا كلّه في حقّ الغير، أي: عدم جواز استتباع الشّيء مثله كما في الشركة والمضاربة، فأمّا في حقّ نفسه فيجوز أنْ يوجِب لغيره مثل ماله، ولهذا كان للمكاتب أنْ يكاتب وللمأذون أنْ يأذن لعبده؛ لأنَّه متصرِّف بنفسه بفكّ الحجر عنه"

(1)

.

وأمّا اقتداء المفترِض بالمفترِض فجوازه ثبت بالإجماع

(2)

، وبقوله عليه الصلاة والسلام:"الإمام ضامِن"

(3)

؛ ولأنَّ صلاة المقتدي مبنية على صلاة الإمام في حقّ الجواز والفساد بالحديث، لا أنْ تكون صلاة الإمام مستتبعة لصلاة المقتدي.

وأمّا النّاسخ فهو رافع صورة، ولكنْ هو في الحقيقة مبيِّن انتهاء حكم المنسوخ في أنَّ شرعيتَه كانت إلى هذا الوقت، فلم يكن رفعًا في الحقيقة فلا يرد نقضًا.

قوله (ويوكل من يتصرف فيه).

فإنْ قلت: لا شكّ أنَّ الحكم الثّابت مقصودًا أعلى حالًا مِن الحكم الثّابت ضِمنًا لشيء آخر وتبَعًا له، ولهذا تُرجَّح العبارة على الإشارة وغيرها، وكذلك النّهي الثّابت في ضِمن الأمر يوجب الكَراهة دون الحُرمة، والأَمر الثّابت في ضِمن النّهي يوجِب السُّنة دون الوجوب بخلاف الأمر والنهي المقصودين، فإنهما يثبتان الوجوب والحرمة؛ ثُمَّ ههنا وكالة كلُّ واحد مِن الشريكين من صاحبه ثابتة في ضمن عقد الشّركة، وليس للوكيل الثّابتوكالةً مقصودةً توكيل الآخر، مع علو رتبته لما ذكرنا، فكيف تثبت هذه الولاية للوكيل الثابتة

(4)

وكالته في ضمن عقد الشّركة.

قلت: قد قُرِع سمعُك مرارًا بقولهم: كم من شيء يثبت ضمنًا ولا يثبت قصدًا، كبيع الشرب وغيره، فلم يلزم من عدم ثبوته في الوكالة المقصودة عدم ثبوته في الوكالة الضّمنية، بل قد ثَبت لوجود الدليل. وقد دلَّ الدّليل على جواز توكيل الآخر ههنا

(5)

وهو أنَّ الوكالة الّتي تتضمنّها الشّركة بمنزلة الوكالة العامّة، ولهذا صحّت مِن غير بيان/ جنس المشترى وصفته، وفي الوكالة العامة للوكيل أنْ يوكِّل غيره، فإنَّه لو قال لوكيله: اعمل برأيك؛ كان له أنْ يوكِّل غيره به، وإنَّما قلنا: إنَّ الوكالة الثَّابتة هنا بمنزلة الوكالة العامّة؛ لأنَّ عقد الشّركة لتحصيل الرّبح، ولا يحصل

(6)

إلا بالتّجارة الحاضرة والغائبة، وكلُّ واحد منهما عاجِز عن مباشرة النّوعين بنفسه ولا يجد بُدًّا من أنْ يوكِّل غيره بأحد النّوعين ليحصل مقصودهما، وهو الرّبح، فيصير كلُّ واحد منهما كالإذن لصاحبه في ذلك دلالة. وهذا الذي ذكرنا مِن جواز التّوكيل لغيرهما جواب الاستحسان، وما ذكره من الشّبهة دليل القياس في عدم جواز توكيل الآخَر، كما في الوكالة المقصودة

(7)

؛ إلى هذا أشار في المبسوط.

(1)

المبسوط للسرخسي (11/ 176).

(2)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 407).

(3)

أخرجه أحمد في مسنده، مسند الأنصار، برقم (22238) 36/ 575.

حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِي حُسَيْنٌ يَعْنِي ابْنَ وَاقِدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو غَالِبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ".

قال الهيثمي: ورجاله موثوقون. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2/ 2).

(4)

في (ب)"الثابت".

(5)

في (ب)"هنا".

(6)

في (ب)"يحصل الربح".

(7)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 175).

ص: 179

قوله: (لا على وجه البَدل) احتراز عن المقبوض على سوم الشّراء؛ لأنَّ المقبوض على سوم الشّراء قبض لأجل أنْ يدفع الثّمن.

وقوله: (والوثيقة) احتراز عن الرّهن؛ فإنَّ المرهون مقبوض لأجل الوثيقة لا يفيد

(1)

مقصودهما، وهذا ظاهر.

وفي بعض النُّسخ: "مقصودها"، أضاف المقصود إلى الشّركة لتلبُّسها بمقصود الشّريكين إذ مقصود الشريكين، وهو تثمير مال الشّركة، إنّما يحصل بسبب عقد الشّركة، فكانت الشّركة سببًا لحصول هذا المقصود، فأضيف المسبب إلى سببه.

[شركة الصنائع]

(لأنَّ المقصود منه التحصيل) أي: تحصيل الرّبح، يعني: أن تحصيل الرّبح ليس منحصر بالمال، بل قد يكون ذلك بعمل التّوكيل بدون المال، وقد يكون بالمال وفي هذه الشركة لو لم يكن المال فالتّوكيل موجود فيحصل المقصود.

وفي المبسوط: ثم استحقاق الرّبح في طريق الشّركة يكون بالمال تارةً وبالعمل أخرى، بدليل المضارِب؛ فإنَّ ربّ المال يستحقُّ نصيبَه مِن الرّبح بماله، والمضارب بعمله. وذلك العقد شركة الإجارة بدليل أنَّها لا تلزم؛ وأنّه لا يحتاج فيها إلى بيان المدّة، فإذا صحَّ عقد الشّركة بين اثنين بالمال، فكذلك يصحُّ باعتبار العَمل؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يستحقّ به الرّبح، ولا يشترط فيه اتّحاد العمل والمكان، خلافًا لمالك

(2)

وزُفَر، فإنّهما يقولان: إنْ اتّفقت الأعمال كالقصَّارين والصبَّاغين إذا اشتركا يجوز، وإنْ اختلفتْ بأنْ اشترك صبَّاغ وقصَّار لا يجوز؛ لأنَّ كلَّ واحد منهما عاجز عن العمل الذي يتقبَّله صاحبه، فإنَّ ذلك ليس مِن صنعه، فلا يتحقّق ما هو مقصود الشّركة عند اختلاف الأعمال. ولكنّا نقول جواز هذه الشّركة باعتبار الوكالة، والتّوكيل بتقبُّل العمل صحيح ممّن يحسِن مباشرة ذلك العمل وممن لا يحسن؛ لأنَّه لا يتعيَّن على المتقبِّل إقامة العمل بيده، بل له أنْ يقيم بأعوانه وأجزائه، وكل واحد منهما غير عاجز عن ذلك، فكان

(3)

العقد صحيحًا

(4)

؛ كذا في المبسوط، إلا أنَّه لم يُذكَر فيه خلاف مالك.

فإن قلت: كيف يُتصوّر ههنا

(5)

قول زُفَرفي جواز الشّركة عند اتّحاد العمل، وقد ذكر قبل

(6)

: ويجوز الشّركة

(7)

وإنْ لم يخلطا المال.

(1)

في (ب)"تفيد".

(2)

ينظر الذخيرة للقرافي (8/ 31).

(3)

في (ب)"وكان".

(4)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 155).

(5)

ساقط من (ب).

(6)

في (ب)"قبل هذا".

(7)

ساقط من (ب).

ص: 180

(وقال زفر والشافعي رحمه الله: لا يجوز)

(1)

لأنَّ الرّبح فرع المال؛ إلى أنْ قال: (ولا تجوز شركة التقبُّل والأعمال) أي: على قول زُفَر والشّافعي، ثم زُفر لما لم يجوِّز الشّركة بدون المال، كما هو قول الشّافعي، كيف يُتصوّرقولهبالجواز في شركة التقبُّل عند اتّحاد العمل معَ صريح قوله، ولا يجوز شركة التقبُّل والأعمال.

قلت: عن زفر روايتان في اشتراط خلط المالَين في الشركة

(2)

ذكرهما في المبسوط.

ذكر في الكتاب في تلك المسألة حكم الرّواية التي تشترِط

(3)

خلط المالين

(4)

،

وذكر ههنا حُكم الرّواية الّتي لا يُشترَط

(5)

ولكن أطلق في اللفظ، ولم يذكر اختلاف الروايتين عنه فعن هذا تراآى مناقضةً.

قوله: (فيهما) أَي: في اتّحاد العَمل واتّحاد المكان. أمّا اتّحاد العمل فقد ذكرناه، وأمّا اتّحاد المكان فإنَّه لو عمل أحد الشّريكين في دكّان، والآخر في دكان آخر، يجوز عندنا

(6)

، خلافًا لهما.

(وهو ما ذكرناه)

(7)

وهو قوله: (أنَّ المقصود منه التّحصيل) وهو ممكن بالتّوكيل ففي حقّ صحّة التّوكيل لا يتفاوت اتّحاد العمل والمكان واختلافهما.

[حكم اشتراط العمل نصفين والمال أثلاثاً]

(ولو شرطا العمل نصفين) أي، في شركة التَّقبُّل.

(والمال) بالنّصب، وهو الرّبح أي: لو شرطا في شركة التّقبّل الرّبح أثلاثًا مع المساواة في العمل يجوز، وهذا الّذي ذكره فيما إذا

(8)

كانت شركة التقبل بينهما شركة عنان.

وأمّا إذ

(9)

كانت تلك الشّركة بينهما شركة مفاوضة، فلا يجوز التّفاوت بينهما فيما يحصل من الرّبح، وفي/ العِنان لا يجوز ذلك في شركة الوجوه إلّا أنْ يشترطا التّفاوت في ملك المشتري، وفي التّقبّل يصحّ منهما اشتراط التّفاوت في الرّبح مع المساواة في العمل، وقد بيَّنَّا أنَّ المفاوضة والعِنان يجريانِ في شركة التّقبّل والوجوه كما يجريان في الأموال

(10)

؛ إلى هذا أشار في المبسوط.

(1)

سبق.

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 154).

(3)

في (ب)"يشترط".

ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 11).

(4)

في (ب)"المال".

(5)

في (ب)"يشترطه".

(6)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 321)، البناية شرح الهداية (7/ 409).

(7)

في (ب)"ذكرنا".

(8)

في (أ)"إذ".

(9)

في (أ)"إذ".

(10)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 215).

ص: 181

(لأنَّ الضّمان بقدر العمل) أي: بقدر ما شرط عليه من العمل.

(فالزّيادة عليه ربح ما لم يُضمَن) وهو لا يجوز، وذلك لأنَّ الرّبح في الشّركة إنّما يُستحقّ إمّا بالمال أو بالعمل أو بالضّمان، ولا يُستحَقّ بغير ذلك. ألا ترى أنَّ من قال لغيره: تصرَّف في مالِكَ على أنَّ لي بعض الرِّبح لم يَجُز، وإنَّما يُستحقّ بالمال والعمل. ألا ترى أنَّ في باب المضاربة يستحِقُّه

(1)

ربُّ المال بسبب المال، ويستحقُّه

(2)

المضارِب بسبب العمل، وكذا يستحقه

(3)

بالضَّمان؛ لأنَّ الأستاذ إذا تقبّل وألقى على تلميذه بأقلّ منه طاب له الفضل؛ وإنّما يطيب بسبب الضّمان

(4)

؛ كذا في الإيضاح.

ثُمّ ههنا الزِّيادة على العمل ليست من هذه الأوجه الثلاثة فكانت ربح ما لم يضمن.

(لتأديته إليه) أي: لتأدية هذا العقد إلى ربح ما لم يُضمَن.

(وصار كشركة الوجوه) يعني: أنَّ التّفاوت في الرِّبح لا يجوز في شركة الوجوه، لكن هذا إذا كان المشترى بينهما على السواء، وأمَّا إذا اشترطا التّفاوت في ملك المشتري فيجوز التَّفاوت حينئذ في الرِّبح في شركة الوجوه أيضًا

(5)

؛ وقد ذكرناه من المبسوط.

(لأنَّ الرّبح عند اتّحاد الجنس) أي: الرّبح لا يظهر إلا عند اتّحاد الجنس، وعن هذا جعل رأس

(6)

مال الشّركة الدّراهم والدّنانير.

(فكان بدل العمل) أي: فكان ما يأخذه بَدَل العمل لا الرِّبح، فلا يلزم حينئذ كونه ربح ما لم يضمن.

[الفرق بن شركة التقبل والوجوه]

وذكر في المبسوط: "الفرق بينهما من وجهين:

أحدهما: أنَّ في التقبُّلهما تابعان للعمل، وقد يكون بينهما في العمل تفاوت فيصحُّ منهما اشتراط التّفاوت في الرّبح، فأمّا في شركة الوجوه فهما مشتريان بثمن في ذمّتهما، فمع المساواة في ملك المشتري لا يصحُّ شرط التّفاوت في الرِّبح. توضِّح الفرق، وهو الوجه الثاني: أنَّ المنافع إنّما يتقوّم

(7)

بالعقد، فمنْفعة كلِّ واحد منهما يتقوّم

(8)

بقدر ما شرط لنفسه من الرِّبح بخلاف عين المشتري، فإنَّه يتقوّم بنفسه، فلا يصحُّ مِن أحدهما اشتراط شيء من ربح مال صاحبه من غير رأس مال ولا ضمان"

(9)

.

(1)

في (ب)"يستحق".

(2)

في (ب)"يستحق".

(3)

في (ب)"يستحق".

(4)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 322).

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 154).

(6)

ساقط من (ب).

(7)

في (ب)"تتقوم".

(8)

في (ب)"تتقوم".

(9)

المبسوط للسرخسي (11/ 215).

ص: 182

قوله: (لأنَّ جنس المال متّفق) أي: في شركة الوجوه، وهو الثّمن الواجب في ذمّتهما، وهو الدّراهم أوالدّنانير، فكان الجنس متّفقًا فيظهر الرّبح، ثُمَّ لو جاز اشتراط زيادة في الرِّبح كان ذلك ربح ما لم يضمَن، وذلك لا يكون إلّا في المضارَبة، ولكن كان جواز ذلك فيها أيضًا لوقوعه بمقابلة العمَل في جانِب المضارب، ولوقوعه بمقابلة المال في جانب ربّ المال، وليس واحد منهما في شركة الوجوه، ولا الضّمان بمقابلة زيادة الرّبح فيلزم فيها ربح ما لم يضمَن مِن كلِّ وجه، فلا يجوز لذلك، وما يتقبّله كل واحد منهما من العمل يلزمه ويلزم شريكه.

وفي المبسوط: "وإذا تقبَّل العمل أحدهما، فإنْ كانا متفاوضين فلا إشكال أنَّ الآخر مطالَب بذلك، فأمَّا إذا كانت الشّركة بينهما مطلَقة؛ فقد ذكر في النوادر

(1)

- قياسًا واستحسانًا- في هذا الفصل: في القياس لا يطالَب به إلّا مَن يقبل

(2)

؛ لأنَّ الشركة بينهما عنان؛ وذلك لا يضمن الكفالة. ألا ترى أنَّه لو أقرَّ أحدهما بدَين لإنسان لا يطالب به الآخر، فكذلك إذا تقبَّل العمل. وفي الاستحسان أنْ يكون الآخر مطالبًا به؛ لأنَّ هذا التَّقبُّل مقصود بالشّركة، ففيما هو المقصود يقوم كلُّ واحد منهما مقامَ صاحبه، فيكونان فيه بمنزلة المتفاوضين.

وعلى هذا: إذا عمل أحدهما كان للآخر أنْ يُطالِب بالأجر - استحسانًا -؛ لأنَّه هو المقصود بعقدهما، وبيان كونه مقصودًا أنَّ الشركة الّتي بينهما لا تنفكّ عن هذا، بخلاف الإقرار بالدين"

(3)

.

[البراءة بالدفع]

قوله: (ويبرأ الدافع بالدفع إليه) يجوز أنْ يراد بـ "الدَّافع" دافع الأجرة إليه، أي: إلى كلِّ واحدٍ منهما، وهو الظاهر. ويجوز أنْ يراد بالدّافع كلُّ واحد منهما إليه، أي: إلى صاحب الثّوب مثلًا يعني: لو أخذ أحد الشّريكين الثّوب للصبغ، ثم دفع الثّوب المصبوغ إلى صاحب الثَّوب غير الذي أخذه من صاحبه يبرأ من الضّمان.

(فجرى مجرى المفاوضة في ضمان العمل واقتضاء البدل) وإنَّما قيد جريانه مجرى المفاوضة بهذين الشَّيئين؛ لأنَّ فيما عدا ذلك لم يجرِ هذا، العقد مجرى المفاوضة حتّى قالوا إذا أقرَّ أحدهما/ بدَين مِن ثمن صابون أو اثنان أو عمل مِن أعمال الفعلة أو أجر أجير، أو أجرة بَيت لمدة مضَت، لم يُصدَّق على صاحبه إلا ببيِّنة ويلزمه خاصَّة لأنَّ التنصيص على المفاوضة لم يوجد، ونفاذ الإقرار موجَب المفاوضة

(4)

؛ كذا في الإيضاح.

(1)

كتب النوادر: هذا الصطلاح، يطلق على الكتب التي حوت مسائل رويت عن الأئمة الثلاثة؛ كالكيسانيات، والرقيات، والجرجانيات، والهارونيات، وجميعها لمحمد بن الحسن، وكتب أخرى كالمجرد للحسن بن زياد، وكتب الأمالي، ومنها كتب الرّوايات كروايات ابن سماعة. مصطلحات المذاهب الفقهية لمريم الظفيري ص 106.

(2)

في (ب)"تقبل".

(3)

المبسوط للسرخسي (11/ 215 - 216).

(4)

ينظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 196).

ص: 183

[شركة الوجوه]

(وأنَّها تصحُّ مفاوضة) فالمفاوضة منها أنْ يكون الرّجلان من أهل الكفالة، وأنْ يكون ثمن المشترى على كلّ واحد منهما نصفه، وأنْ يكون المشترى بينهما نصفين، وأنْ يتلفَّظا بلفظ المفاوضة.

وأمّا العنانمنهما: فهو أنْ يجوز التّفاضل في ضمان ثمن المشترى بينهما، وينبغي أنْ يشترطا الرّبح بينهما على قدر الضّمان، وإنْ اشترطا الرّبح بخلاف الضّمان بينهما فالشّرط باطل، ويكون الرّبح بينهما على قدر ضمانهما

(1)

؛ كذا في شرح الطحاوي.

(في الأبدال) وهي الثّمن والمثمَن؛ لأنَّ مطلقه ينصرِف إليه؛ لأنَّ المعتاد فيما بين النّاس شركة العِنان فالمطلق ينصرِف إلى المعتاد كما إذا اشترى بدراهم مطلقة.

(والأستاذ الّذي يُلقي العمل على التّلميذ بالنِّصف) وذُكر النِّصف اتفاقي، فإنّه يجوز له أنْ يلقي بأقلّ من النصف، وقد ذكرناه.

(بالضّمان) أي: يطالب الأستاذ بتحصيل ذلك العمل، فكان العمل مضمونًا على الأستاذ.

(والوجوه ليست في معناها) أي: شركة الوجوه ليست في معنى المضاربة؛ لأنَّ في شركة الوجوه كلَّ واحد من الشّريكين مضمون عليه العمل، وأمّا المال فليس بمضمون على المضارب، وكذلك العمل ليس بمضمون على ربِّ المال بخلاف العنان؛ لأنَّه في معنى المضاربة مِن حيث إنَّ كل واحد من شريكي العِنان [يعمل في مال صاحبه كالمضارب]

(2)

، يعمل في مال صاحبه كالمضارب يعمل في مال ربّ المال، فجاز اشتراط زيادة الرِّبح في العنان، كما جاز في المضاربة، والله أعلم.

‌فصل في الشركة الفاسدة:

قدَّم الصّحيح على الفاسد؛ لما أنّ الصحيح موجود شرعا مِن كلّ وجه، وأمّا الفاسد فهو فائت لوصف الصحّة، فلم يكن موجودًا شرعًا مِن كلِّ وجه، فانحطّ من الصّحيح ذكرًا لانحطاط درجته شرعا.

(وعلى هذا الاشتراك في أخذ كلِّ شيء مباح) نحو احتشاش الحشيش، واجتناء الثّمار مِن الجبال والبراري مِن الجوز والفستق وغيرهما، فإنْ عملا ذلك، وخلطاه ثُم باعاه قسم الثّمن على كيل، وَوَزن ما كان لكلّ واحد منهما إنْ كان كيليًا أو وزنيًا؛ لأنّ كلّ واحد منهما كان مالكًا لما أصابه، والثّمن في البيع إنّما

(3)

يقسم على مالية المعقود عليه، ومالية المكيل والموزون تُعتبر بالكيل والوزن، فلهذا قسم الثّمن بينهما على ذلك. وإن لم يكن كيليًا أو وزنيا يقسم الثّمن على قيمة ما كان لكلّ واحد منهما؛ لأنّ معرفة المالية فيما لا يكال ولا يوزن بمعرفة القِيمة، وإنْ لم يعرف مقدار ما كان لكل واحد منهما صدَق كلُّ واحد منهما إلى النِّصف؛ لأنَّهما استويا في الاكتساب، وقد كان المكتسب في أيديهما، فكلُّ واحد منهما في دعواه إلى النِّصف إنَّما يدَّعي ما كان في يديه، والظاهر يشهد له في ذلك، فيُقبل قولُه ولايُصدَّق في الزِّيادة على النِّصف إلا ببيّنة؛ لأنَّه يدعي خلاف مايشهد الظّاهر له، وكذلك الشركة بنقل الطين وبيعه من أرض لايملكانها أو الجصّ أو الملح أو الكحل أو ما أشبه ذلك

(4)

؛ كذا في المبسوط.

(1)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (6/ 65).

(2)

ما بين المعقوفتين مكرر في (أ).

(3)

في (ب)"أن".

(4)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 217).

ص: 184

(والوكيل يملكه بدون أمره فلا يصلح نائبًا عنه) من قبل أن التّوكيل إثبات ولاية التّصرف فيما هو ثابت للموكِّل، وليس بثابت للوكيل، وهذا المعنى لايمكن تحقيقه هاهنا فَلم تثبت الشّركة

(1)

، كذا في الإيضاح.

فإن قيل: يُشكِل هذا بالتوكيل بشراء عبدٍ غير معيَّن، فإنّه يجوز مع أنَّ الوكيل كان يملك شراءه لنفسه قبل التّوكيل وبعده، فعُلِم بهذا أنّه لايشترط لصحّة التّوكيل أنْ لا يملك الوكيل

[الفرق بين التوكيل بالشراء والتوكيل بالاحتطاب]

ذلك التصرُّف قبل التّوكيل بل يجوز التّوكيل فيما يملكه الوكيل قبل التّوكيل.

قلنا: لا يشكل لما أنّ التّوكيل بالشّراء يخالف التّوكيل بالاحتطاب بوجهين:

أحدهما: أنّ في العبد المعيَّن لا يملك الوكيل أنْ يشتريه لنفسه بعد التّوكيل، وإنْ كان يملكه قبله، والتّوكيل بالاحتطاب في الحطب المعيَّن وغير المعيَّن سواء في أنّه لا يصحّ لوقوع التّوكيل في أمر مباح لهما.

والثاني: أن بالتّوكيل يلزم الثّمن في ذمّة الموكِّل، ولا يلزم قبله

(2)

، فلم يَكن

(3)

الوكيل قادرًا هناك على إلزام الثّمن في ذمّة الموكِّل قبل التّوكيل وبعده

(4)

فصحّ ما/ قلنا إنّ التّوكيل إنّما يصحّ فيما لا يملكه الوكيل قبل التّوكيل، ولكن الأوجه في التّعليل ماذكره الإمام المحقِّق شمس الأئمة السّرخسي في المبسوط، فإنّه أمتن تمشيةً وأقوى استقامةً، فقال:"لأنً الاحتطاب اكتساب، والاكتساب في المحلّ المباح يوجِب الملك للمكتسب، فحينئذ كان كلُّ واحدٍ منهما يشترط لنفسه بعض كسب صاحبه مِن غير رأس مال ولا ضمان له فيه، أو يصير كلُّ واحدٍ منهما كالمفاوض مع صاحبِه بنصف ما يكتسِب صاحبه، وهذا مفاوضة في المجهول فلا تكون صحيحة"

(5)

.

(فللمعيّن أجر مثله بالغًا ما بلغ عند محمد

(6)

لأنّ المسمّى مجهول الجنس والقدر فإنّه لايُدْرَى أَيّ نوع من الحطب يصيبان، وهل يصيبان شيئًا أم لا، والرّضا بالمجهول لا يصحُّ فإذا سقط اعتبار رضاه بَقِيَت منافعه مستوفاة بعقد فاسد، فله أجر مثلِه بالغًا مابلغ. ألا ترى أنّه إنْ

(7)

أعانه عليه فلَم يصيبا شيئًا استحقّ أَجر مثله بالغًا مابلغ، فإذا أصابا شيئًا أولى، بخلاف حمل الحنطة، فإنَّ القَفيز منها معلوم، فاعتبر رضاه في المعلوم، فلهذا لا يجاوِز به المسمّى.

(1)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 192).

(2)

في (ب)"قبله".

(3)

ساقط من (ب).

(4)

ساقط من (ب).

(5)

المبسوط للسرخسي (11/ 216).

(6)

المرجع السابق.

(7)

في (ب)"لو".

ص: 185

(وعند أبي يوسف لا يجاوز به نصف ثمن ذلك) لأنَّه قد رضي بنصف المسمّى فيعتبر رضاه في إسقاطه

(1)

حقّه في المطالبة بالزيادة على ذلك، ألا ترى أنه لو استأجر حمالا ليحمل له حنطة إلى موضع كذا بقفيز منها فحملها كان له أجر مثله، لا يجاوز به ما سمي، وهذا لأنّ تقوّم المنفعة باعتبار العقد والتّسمية إذ المنافع تتقوّم بنفسها بغير العقد، وفيما زاد على المسمّى لم توجد التّسمية

(2)

؛ كذا في المبسوط، ولكن أخّر دليل محمّد عن دليل أبي يوسف فيه، فتقديم قول محمّد في الكتاب على قول أبي يوسف وتأخير دليل محمد في المبسوط مع جوابه عمّا قاس عليه أبو يوسف، كما ذكرت، دليل على أنّ المختار قول محمد.

وقوله: (لا يجاوَز به) بفتح الواو على بناء المفعول.

وقوله: (نصف ثمن): بالرّفع لأنَّه قائم مقام الفاعل لقوله: (لا يجاوَز) لأنَّه مسند إلى قوله: (نصف ثمن) لأنّ الفعل إذا بُني للمفعول كان للمفعول به المتعدّى إليه بغير حرف مِن الفصل

(3)

على سائر ما بُني لهالرّاوية المزادة من ثلاثة جلود، وأصلها بعير السقاء لأنَّه يروي الماء، أي: يحمله.

(استوفى منافع ملك الغير وهو البغل) أي: إنْ كان المستقي صاحب الرّاوية

(4)

وكان متملكًا منفعة البغل فتجب الأجرةلأنّ الفاسد ملحَق بالصحيح، ففي الصّحيح يجب الأجر، فكذا في الفاسد.

(والرّاوية)

(5)

أي: إن كان المستقي صاحب البغل كان متملكًا منفعة الرّاوية

(6)

فيجب الأجرويبطل شرط التفاضللأنّ العقد صار مستحق النقض، وفي إبقاء شرط شُرِط في العقد تقرير له، وهو واجب الدفع دون التقدير.

[بطلان الشركة بموت أحد الشريكين]

" (الرَّيْعُ): الزِّيَادَةُ وَيُقَالُ هَذَا طَعَامٌ كَثِيرُ الرَّيْعِ وَقَوْلُهُ: إذَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ الْمَرْهُونَةُ رَيْعًا أَيْ: غَلَّةً لأنَّها زِيَادَةٌ"

(7)

كذا في المغرب.

(لأنَّه بمنزلة الموت على ما بينّاه من قبل) وهو ما ذكره في "باب أحكام المرتدين" في قوله: (وإن لحق بدار الحرب مرتدًا وحكم الحاكم بلحاقه) إلى قوله: (ولناأنّه باللّحاق صار من أهل الحرب، وهم أموات في حقّ أحكام الإسلام

) إلى آخره.

(1)

في (ب)"إسقاط".

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (11/ 216 - 217).

(3)

في (ب)"الفضل".

(4)

في (أ)"الرواية"، والصحيح ما أثبته. الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 13).

(5)

في (أ)"الرواية"، والصحيح ما أثبته. الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 13).

(6)

في (أ)"الرواية"، والصحيح ما أثبته. الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 13).

(7)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 204).

ص: 186

(لأنَّه عزل حكمي)"لأنّ موت الموكِّل موجِب عزل الوكيل حكمًا لتحوُّل ملكه إلى وارثه، فلا يتوقّف ثبوت حكمه على العلم به. ألا ترى أنّ الوكيل ينعزل بموت الموكِّل، وإن لم يعلم به بخلاف ما إذا عزله قصدًا"

(1)

؛ كذا في المبسوط.

(وإذا بطلت الوكالة بطلت الشّركة).

فإنْ قلتَ: فقد ذكر قُبيل هذا (لأنَّها) أي: لأنّ الشركة تتضمّن الوكالة فلمّا ثبت الوكالة في ضمن الشّركة كانت الوكالة تبعًا فيها، فلم يلزَم مِن بطلان التَّبَع بطلان الأصل، فكيف لزِم هنا بطلان الأصل، وهو الشّركة، ببطلان التَّبَع وهو الوكالة.

قلت: عنه جوابان:

أحدهما: أنّ لدوام عقد الشّركة حكمَ الابتداء لكونه غَير لازم على ما ذكر في الكتاب قُبيل الفصل الأول مِن "كتاب الشركة". ثم لو كان ابتداء عقد الشركة في شخصين لا يجوز التّوكيل بينهما، كالمجنونين، أو أحدهما، وكالصَّبِيَينِ اللّذَينِ لا يعقلان البيع والشراء أو أحدهما لا يجوز، فكذا بقاء لما قلنا. وهذا لأنّ صلاحية التّوكيل شرط صحّة الشركة ليفيد عقد الشّركة فائدته كصلاحية المعقود عليه عقد الشّركة قابلًا للوكالة شرط لصحة/ عقد الشّركة، فلذلك لم تصحّ

(2)

الشّركة في الاحتطاب والاحتشاش لعدم صلاحيتهما للوكالة. فلمّا كانت الوكالة شرط صحّته لم تبقَ الشركة عند فوات الوكالةلأنّ المشروط يفوت بفوت الشّرط.

والثاني: أنّ

(3)

الوكالة ثابتةٌ فيها ضِمنًا واقتضاءً فيبطل المقتضى عند بطلان المقتضي حتّى أنّ قوله: أعتِق عبدَك عني بألف درهم؛ لا يصحّ إذا كان الخطاب لغير مالك العَبد كما في العكس؛ لأنّ المقتضى شرط لصحّة المقتضي، فلمّا بطل المقتضى بطل المصحّح فبطل المقتضى لذلك ضرورة فكذلك هنا

(4)

؛ والله أعلم.

‌فصلٌ

لما كانت أحكام هذا الفصل أبعد عن مسائل الشّركة مِن قِبَل أنّها ليست من مسائل التِّجارة أُخِّر ذكرُها عن ذكر أحكام سائر الفصول.

(أما إذا أدّيا معًا ضمِن كلُّ واحدٍ منهما نصيب صاحبه) أي: عند أبي حنيفة. وعندهما لا يضمَن

(5)

؛ كذا في الزيادات للإمام العتابي

(6)

.

(1)

المبسوط للسرخسي (11/ 213).

(2)

في (ب)"يصح".

(3)

ساقط من (ب).

(4)

في (ب)"ههنا".

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (2/ 209).

(6)

الإمام العتابي هو: أحمد بن محمد بن عمر العتابي البخاري، أبو نصر أو أبو القاسم زين الدين، عالم بالفقه والتفسير، حنفي، من أهل بخارى ووفاته بها. من كتبه (جوامع الفقه) أربع مجلدات، منه أجزاء مخطوطة في استمبول و (التفسير) و (شرح الجامع الكبير) و (شرح الجامع الصغير) و (شرح الزيادات - خ) للشيباني، في فروع الحنفية. توفي سنة (586 هـ). الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 114)، الأعلام للزركلي (1/ 216).

ص: 187

[زكاة الشركين]

وذكر في زكاة المبسوطـ: و

(1)

إذا حالَ الحَول على مال الشّريكين المتفاوضين فأدَّى كلُّ واحدٍ منهما زكاةَ جميع المال، فإنْ أدَّى كلُّ واحد منهما بغير أَمر صاحبه ضمن لصاحبهلأنّ كلَّ واحدٍ منهما بسبب الشّركة صار نائبًا عن صاحبه في التِّجارات دون إقامة العبادات، وإنْ كان كلُّ واحد منهما قد أمِر بأداء الزكاة فهو على وجهين: إما أنْ يؤدِّيا معًا أو على التَّعاقب. فإنْ أدّيا معًا ضَمِن كلُّ واحدٍ منهما لصاحبه حصَّته مما أدَّى في قول أبي حنيفة رحمه الله ولم يضمَن عندهما. وإِنْ أدّيا على التّعاقب فلا ضَمان على المؤدِّي أولًا منهما لصاحبه، ويضمَن المؤدِّي آخرًا لصاحبه حصّته مما أدّى في قول أبي حنيفة، سواءٌ علم بأدائه أو لم يعلم. وعندهما: إنْ علِم بأداء صاحبه ضمِن وإلّا فلا؛ هكذا أشار إليه في "كتاب الزكاة".

وفي الزِّيادات يقول: لا ضمان عليه سواءٌ علم بأداء شريكه أو لم يعلم، وهو الصّحيح عندهما، وكذلك الخلاف في الوكيل بأداء الزّكاة إذا أدّى بعد أداء الموكِّل بنفسه، وكذلك الخلاف في الوكيل بعتق العبد عَن الظهار إذا أعتقه بعد ما كفّر الموكِّل بنفسه أو بعد ما عَمِي العبد عند أبي حنيفة لا ينفَّذ عتقه، وعندهما ينفَّذ سواء علِم بتكفير الموكِّل أو لم يعلَم على ما ذكره في الزِّيادات.

وجه قولهما أنّ أداء الزَّكاة بنفسه يتضمَّن عزل الوكيل فلا يثبت حكمه في حقِّه قبل العلم به.

وأمَّا رواية الزِّيادات فقالا: هو مأمور بدفع المال إلى الفقير على وجه يكون صدقةٌ وقُربة، وأداء الموكِّل بنفسه لا ينفي هذا المعنى، فلا يوجِب عزل الوكيل، وكان هذا في الأداء ممتثلًا أمره، فلا ضمان عليه، سواءٌ علِم بأدائه أو لم يعلَم

(2)

، فصار معزولًا علِم أو لم يعلَم؛ لأنَّه عزل حكمي.

فإن قلتَ: يُشكل على هذا الوكيل بقضاء الدّين، فإنَّ هناك إذا قضى الموكِّل بنفسه ثُمَّ قضى الوكيل فإنْ علم بأداء الموكِّل فهو ضامِن وإلا لم يضمَن شيئًا، فقد فرَّق هناك بين العلم وعدمه مع أنَّه حصل

(3)

العزل الحكمي هناك أيضًا بأداء الموكِّل.

قلت: "الوكيل بقضاء الدّين مأمور بأنْ يجعل المؤدّى مضمونًا على القابض على ما هو الأصل؛ لأنَّ الدُّيون تُقضى بأمثالها، وذلك يُتصوَّر بعد أداء الموكِّل فلم يكن أداؤه موجبًا عَزل الوكيل حكمًا. يوضِّح الفرق أنَّ هناك لو لم يوجِب الضَّمان على الوكيل لجهله بأداء الموكِّل لا يلحق الموكِّل فيه ضررلأنَّه يتمكّن من استرداد المقبوض مِن القابض وتضمينه إنْ كان هالكًا، وهاهنا لو لم يوجب الضّمان أدَّى إلى إلحاق الضّرر بالموكِّللأنَّه لا يتمكَّن من استرداد الصَّدقة من الفقير ولا تضمينه، والضَّرر مدفوع، فلهذا أوجب الضّمان بكل حال"

(4)

كذا في المبسوط.

(1)

ساقط من (ب).

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (2/ 209 - 210).

(3)

في (ب)"يتحصل".

(4)

المبسوط للسرخسي (2/ 210).

ص: 188

"وذكر الإمام المعروف بالقاضي الغني فيما إذا

(1)

أدّيا معًا حيث يضمَن الوكيل عند أبي حنيفة، فوجهه أنَّ أداء الموكِّل سابق على أدائه، وإنْ أدَّيا معًا مِن حيث الحكم والاعتبارلأنّالموكِّل بالأداء متصرِّف على نفسه، وتصرُّف الوكيل على الموكِّل، وتصرُّف الموكِّل على نفسه أقرب من تصرُّف الوكيل عليه فيصير سابقًا معنى كالوكيل بالبيع إذا باع وباع الموكِّل، وخرج الكلامان معًا ينفذ بيع الموكل"

(2)

.

[حكم الجارية في عقد الشركة]

(وقالا يرجع عليه) أي: على المأمور (لأنَّه أدّى دَينًا عليه) أَي: لأنّ المأمور أدّى دَينًا على نفسه وهذا لأنّالملك واقع له خاصّة، والدّليل على وقوع ملك الجارية له خاصَّة حل له وطؤها

(3)

. وذكر في الإيضاح: هما يقولان بأنّه لمّا اشتراها بإذنه لنفسه/ خاصَّة صارت ملحَقة بما لا بدَّ منه مِن الطّعام والكسوة، وهذا لأنّ الحاجة ماسّة لكنّها ليست بلازمة، فإذا أذِن له في ذلك فقد ألحقاه بالطّعام والكسوة، فوقع للمشتري خاصَّة، فصارت

(4)

مستثناة عن عقد الشّركة، وقد نفد من مال مشترك فيرجع عليه بالنِّصف

(5)

.

(وله أنّ الجارية دخلت في الشركة على البنات).

"فإن قيل: أليس يحلُّ له وطء هذه الجارية فكيف تكون على الشركة. قلنا: كما يَحِلُّ له وطؤها إذا وهب له نصيبه بعد الشِّراء بلا أمر. فإنْ قيل: فأَين الهبة ههنا؟ قلت: إنَّه لما قال له: اشترِ لنفسك لتطأها، ولا يملك الإخلاص له إلا مِن حيث إخراج هذا الشراء وحدَه عن الشركة، وإنَّما يملكه من حيث تضمين الهبة بعد الشِّراء ضمنًا للهبة في الأمر بالقبض لنفسه بعد الشراء.

ولو اشتريا جاريةً بينهما ثم قال أحدهما للآخر: اقبضها لنفسك كانت هبة، وكما إذا كان له على آخر دَين، فقال للآخر: اقبِض الدّين منه لنفسك، كانت هبة، وإذا قال لآخر: أدِّ عني زكاة مالي، فأدّى صار واهبًا للآمر ثُمَّ مؤدِّيًا عنه، وتثبت الهبة في ضمن قبض الفقير لنفسهلأنَّه أمَره بالتّسليم إليه زكاة عنه، ولا يصلح زكاة عنه إلّا أنْ يكون ملكًا للآمر، فأثبت الملك هبة في ضمن قبض الفقير، فلأنْ تثبت الهبة للمأمور ههنا في ضمن قبضه لنفسه ليطأها أولى".

(6)

كذا في الأسرار.

(1)

ساقط من (ب).

(2)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 324).

(3)

في (ب)"وطؤها له".

(4)

في (ب)"وصارت".

(5)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 25).

(6)

الأسرار (2/ 390 - 391).

ص: 189

(فأثبتناه) أي: أثبتنا ملك الجارية بالهبة الثّابتة في ضمن الإذن.

فإنْ قلت: يُشكل على هذا ما ذكره في أصول الفقه، وهو أنَّ الرّجل إذا قال لغيره: أعتِق عبدك عنّي بغير شيء، فأعتقه يقع العِتق عَن المأمور عند أبي حنيفة، ومحمّد خلافًا لأبي يوسف. هما يقولان: المقتضى تَبَع للمقتضي، والقبض فِعل ليس من جنس القَول فلا يثبت في ضمنه، ولا وجه لإسقاط القبض بطريق الاقتضاءلأنّ العمل بالمقتضى إنَّما يكون في إسقاط ما يحتمل السُّقوط دون ما لا يحتمِل، وشرط القبض بوقوع الملك في الهبة لا يحتمِل السّقوط بحالٍ بخلاف القبول في البيع فإنّه يحتمل السُّقوط بالتعاطي، وهنا أيضًا كذلك يجب أنْ لا تثبت الهبة في ضمن الإذن على قولهما أيضًا؛ لأنّ جميع ما ذكرا هناك موجود ههنا.

قلت: ذكر في الإيضاح: أبو حنيفة يقول بأنَّ القياس أنّ كلَّ ما يتصور أنْ يكون على الشّركة أنْ يقع مشتركًا بينهما إلّا فيما تمسّ الضرورة إليه مما لا بدّ منه، والجارية ليست من ذلك القَبيلفَوقع على الشركة، فوقوعه على الشّركة لايستدعي إذنًا جديدًا، فلم يبقَ لهذا الإذن تأثير إلّا في التّمليك، كأنّه قال: اشترِ جاريةً بينَنَا وقد وهَبْتُ لك نصيبي منها، فإذا اشترى وقَبَض صحّت الهبة فلا يرجع بشيء من الثّمن؛ لأنَّه نَقَد المال المشترَك فيما هو واقع للشّركة. وبهذا التّقرير يُعلم أنّ الهبة ههنا إنّما كانت بعد ثبوت الملك بينهما مشتركًا، وبعد القبض، وهبة المشاع فيما لا يحتمِل القِسمة جائزة سواء كانت للشّريك أو لغيره

(1)

.

وذكر في الفوائد الظّهرية بعد تقرير كلام موافق لهذا التّقرير، فقال: بقي هاهنا إشكالٌهائل، وهو أنّ الملك يثبت في نصيب الشّريك بالهبة حكمًا للإذن بالوطء، فإنَّ أصل المسألة هو أنْ يأذن أحد المتفاوِضين لصاحبه أن يشتري جاريةً فيطأها، ففعل فهي له، ولا يثبت الملك في الجارية بالهبة حكمًا للإحلال، فإنَّ الرَّجل إذا قال لغيره: أحللت لك وطء هذه الجارية فالجارية لا تصير ملكًا للمخاطَب حكمًا للهبة بالإحلال. وعلى قياسُ هذا وجب أنْيثبُت، ثُمّ قال: ولا وجه يُتراءى في التّقصّي عَن هذا الإشكال سوى أنّ نصيب الشّريك مِن الجارية المشتركة أقبل للتملُّك مِن جارية لم يكن للمخاطَب في شقص منها ملك، بدليل أنّ أحد الشّريكين يملك الجارية المشتركة بالاستيلاد، ومَن لم يكُن له ملك في شقص منها لا يملكها بالاستيلاد إذا لم يكُن له حقُّ التملُّك، ومن له حقُّ التملُّك كالأب والجدّ، فالرِّواية غير محفوظة أنَّه لا يثبت الملك له حكمًا للهبة بالإحلال

(2)

، ثُمّ قال: ويتحايل ههنا فرق آخر وهو أنّ قوله: أحلَلْتُك وطء هذه الجارية لا يمكن إثبات موجِبه على تقدير ثبوت الملك لوجوب الاستبراء على تقدير ثبوت الملك، وقولهفيما نحن فيه:"فيطأها"، يمكِن حمله

(3)

على

(1)

ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (6/ 74).

(2)

ينظر فتح القدير (6/ 199).

(3)

في (ب)"حملها".

ص: 190

الاستقبال لأنّ اللّفظ يحتمِله، ويمكن أنْ يجعَل الفاء للعطف

(1)

؛ ذكر هذه المسألة في الجامع الصَّغير المرتّب قبيل "كتاب الوكالة"، والله أعلم بالصواب

(2)

/.

‌كتاب الوقف

(3)

:

مناسة ذكر الوَقف بعد الشّركة من حيث إنَّ المقصود في كلًّ منهما الانتفاع بما يزيد على أصل المال لإزاحة البَلبال

(4)

، إذ المقصود مِن الشركةالانتفاع بربح زَيد على رأس المال ذي القرار، ومن الوقف أيضًا الانتفاع بالرّيع الزّائد على العقار، ثُمَّ محاسن الوقف ظاهرة، وهي المنفعة الدّارة على طبقات الإنس، وإفناء الخلق، وصرف الفوائد إلى رأب

(5)

بال

(6)

النِّكس

(7)

ورَفْو

(8)

الخرق، ثُمّ نحتاج ههنا إلى تفسير الوقف لغةً وشرعًا، وسببه وشرطه وركنه وحكمه.

[تعريف الوقف]

أما تفسيره لغةً فيقال: وقفتُ الدّابة، تقف وقوفًا، ووقفتها أَنا وقفًا، يتعدّىولا يتعدّى، ووقفت الدَّار للمساكين وقفًا، وأوقفتها بالألف لغةٌ رديئة، ثَّم قيل للموقوف "وقف" تسميةً بالمصدر، فلذا

(9)

يجمَع

(10)

على أوقاف، كوقْت وأوقات

(11)

؛ كذا في الصحاح والمغرب.

وأمّا تفسيره شرعًا فقد ذكره شمس الأئمة السّرخسي: "هو في الشّريعة عبارةٌ عن حبس المملوك عَن التّمليك مِن الغير"

(12)

.

وأما سببه: فما هو السّبب في نوافل العبادات، وهو طلب زيادة الزُّلفى في العقبى عند ربِّه الأعلى.

(1)

ينظر النافع الكبير شرح الجامع الصغير (ص: 402).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

في (ب)"بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الوقف".

(4)

البَلْبال، والبَلْبلَة: الحَركة وَالِاضْطِرَاب، وَهِي أَيْضا مَا يَجِده الرجلُ من حُزْن فِي قَلْبه. المخصص (1/ 264).

(5)

رأب: إصلاح الأمر. ينظر لسان العرب (1/ 440).

(6)

في (ب)"مال".

(7)

النِكْسُ: الرجل الضعيف. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 986).

(8)

في (ب)"ورفوء".

رفو: ورفأ الثوب، مهموز، يرفؤه رفأ: لأم خرقه وضم بعضه إلى بعض وأصلح ما وهى منه، مشتق من رفء السفينة، وربما لم يهمز. وقال في باب تحويل الهمزة: رفوت الثوب رفوا، تحول الهمزة واوا كما ترى. لسان العرب (1/ 87).

(9)

في (ب)"فلهذا".

(10)

في (ب)"جمع".

(11)

ينظر الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1440)، ينظر المغرب في ترتيب المعرب (ص: 492).

(12)

المبسوط للسرخسي (12/ 27).

ص: 191

وأمَّا شرطه: فما هو الشّرط في سائر التَّبرُّعات المطلقة مِن كونه حُرًا عاقلًا بالغًا، وهذا شرط عام.

وأمّا شرطهالخاصّ فعند أبي حنيفة: الإضافة إلى ما بعد الموت أَو الوصية

(1)

، خلافًا لهما. وعند محمّد التّسليم إلى المتولّي، وعدم الشُّيوع فيما يحتمِل القِسمة

(2)

خلافًا لأبي يوسف فيهما، وعند أبي يوسف يُكتفى بالإشهاد

(3)

. ومِن شرطه الخاصّ أيضًا أنْ يكون المحلّ عقارًا أو دارًا، ولا يصح وقْف المنقول إلا في الكراع والسلاح

(4)

.

وأمّا ركنه: فالألفاظ

(5)

يثبت بها الوقف كقوله: أرضي هذه صدقة، موقوفة، مؤبدة، على المساكين، يصير وقفًا بالإجماع

(6)

. وأمّا إذا لم يقُل مؤبّدة، فإنّه يصير وقفًا في قول عامّة مَن يجيز الوقف

(7)

(8)

؛ كذا في الأسرار والذخيرة.

وأمّا حكمه: فإنّه إذا صحّ يخرُج الوقف مِن ملك الواقف، ولا يدخل في ملك الموقوف عليه.

[زوال الملك بالقول]

قوله: (وقال أبو يوسف) (يزول ملكه بمجرد القول

(9)

يعني: يجوز الوقف بمجرّد قوله: وقفتُ، سواء كان مشاعًا، أو مَقسومًا، سلَّمه إلى المتولّي، أو لم يسلِّمه

(10)

، اشترط التأبيد فيه، أو لم يشترط.

وقال محمّد رحمه الله: لا يجوز إلا باستجماع شرائطه، وشرائطه ثلاث: أنْ يكون مقسومًا، مُخرَجًا عن يده ومسلَّمًا إلى المتولي، وأنْ يشترِط فيه التّأبيد، وهو أنْ يجعَل آخره إلى سبيل خير

(11)

لا ينقطع أبدًا، فحينئذ يجوز

(12)

؛ كذا في شرح الطحاوي.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 30).

(2)

ينظر شرح السير الكبير (ص: 949)، المبسوط للسرخسي (12/ 37).

(3)

ينظر شرح السير الكبير (ص: 2084).

(4)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 218).

(5)

في (ب)"فالألفاظ التي".

(6)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 436)، الإسعاف فى أحكام الأوقاف (ص: 10 - 11).

(7)

ينظر الأسرار (3/ 314).

(8)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 107).

(9)

ينظر بداية المبتدي (ص: 128)، فتاوى قاضي خان (3/ 159).

(10)

في (ب)"يسلم".

(11)

في (ب)"خير سبيل" بدل "سبيل خير".

(12)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 423).

ص: 192

[حكم الوقف]

قوله: (وهو الملفوظ في الأصل) أي: وهو المذكور في المبسوط، فقوله:(وهو راجع) إلى قوله: (فلا يجوز الوقف أصلًا عنده)، ولكِن لفظ المبسوط ليس بعَين ذلك اللّفظ، بل لفظه: فأمّا أبو حنيفة رحمه الله فكان لا يجيز ذلك، ثم قال: فمراده أنّه لا يجعله لازمًا، فأمّا أصل الجواز فثابت عنده

(1)

.

وكذا ذكر في فتاوى قاضي خان فقال: وذكر في الأصل: كان أبو حنيفة لا يجيز الوقف

(2)

، وبظاهر هذا اللفظ أخذ بعض النَّاس فقال: عند أبي حنيفة لا يجوز الوقف، وليس كما ظُنّ، بل هو جائز عند الكل إلّا أنَّ عند أبي يوسف ومحّمد إذا صح الوقف يزول عن ملك الواقف لا إلى مالك

(3)

، وعند أبي حنيفة رحمه الله يجوز الوقف جواز الإعارة تُصرَف المنفعة إلى جهة الوقف، وتبقى العين على ملك الواقف، فله أنْ يرجع، ويجوز بيعه ويورث عنه، ولا يلزم إلا بطريقين:

أحدهما: قضاء القاضي بلزومه لأنَّه مجتهد فيه.

والثاني: أن يخرج مخرج الوصية، فيقول أوصيتُ بِغَلَّة داري هذه، فحينئذ يلزم الوقف. وعندهما الوقف لازم بغير هذه التّكلُّفات، والنّاس لم يأخذوا بقول أبي حنيفة في هذا للآثار المشهورة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام والصحابة رضي الله عنهم، وتعامُل النّاس باتخاذ الرّباطات

(4)

والخانات، و

(5)

أوّلها وقف الخليل صلوات الله عليه

(6)

.

(إلا أنّه غير لازم بمنزلة العارية) فإنّ العارية جائزةٌ غير لازمة، فكذا الوقف، ولهذا قال: لو أوصى به بعد موته يكون لازمًا بمنزلة الوصية بالمنفعة بعد الموت.

[التحرز عن بطلان الوقف]

قال الإمام شمس الأئمة السرخسي: إذا خاف الواقف أنْ يبطل وقفه بعض القضاة فللتَّحرُّز عن ذلك طريقان:

أحدهما: أنْ يحكم القاضي بلزومه، وذلك أنّ الواقف بعد الوقف والتّسليم/ إلى المتولِّي يخاصِمه إلى قاضٍ يرى لزوم الوقف، فإذا قضى نفذ قضاؤه لأنَّه صدر عن اجتهاد في محلِّ الاجتهاد.

والثاني: أنْ يذكر الواقف بعد الوقف والتّسليم: فإن أبطله

(7)

القاضي أو غيره بوجه من الوجوه، فهذه الأرض بأصلها وجميع ما فيها وصيةٌ من فلان الواقف، يباع فيُتصدّق بثمنها على الفقراء والمساكين؛ لأن القاضي إنّما يبطل الوقف بعد موت الواقف عند خصومة الوارث أو الغريم ليصِل منفعة الوقف إليهم، وبما ذكر الواقف هذا وكتب ينعدم ذلك، فلا يشتغل أحد بإبطاله لعدم الفائدة، والوصية مما يحتمِل التّعليق بالشرط، وإذا

(8)

أبطله قاضٍ مِن القضاة ليصير وصيةً يعتبر من جميع ماله

(9)

كذا في فتاوى قاضي خان رحمه الله.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 27).

(2)

ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 325).

(3)

ينظر فتاوى قاضي خان (3/ 159).

(4)

في (ب)"الرباط".

(5)

ساقط من (ب).

(6)

ينظر فتاوى قاضي خان (3/ 159).

(7)

في (ب)"أبطل".

(8)

في (ب)"فإذا".

(9)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 44 - 45)، فتاوى قاضي خان (3/ 161).

ص: 193

(واللفظ ينتظمهما) أي: لفظ الوقف يتناول ما قاله أبو حنيفة وهو قوله: (إنّ الوقف حَبس العَين على ملك الواقف) ويتناول أيضًا ما قالاه (وهو أنّ الوقف حبس العَين على حكم ملك الله تعالى

(1)

. ولما كان كذلك لم يمكِن ترجيح أحد المذْهبَين بلفظ الوَقف إذا تناولهإياهما على السّواء، فلا بدّ في ترجيح أحد المذهبَين على الآخر بدليل آخر.

[دليل الوقف]

ثم ابتدأ ببيان دليلهما بقوله: (ولهما قوله عليه الصلاة والسلام لعمر رضي الله عنه

) إلىآخره

(2)

.

روى صخر بن جويرة عن نافع أنّ عمر بن الخطاب كانت له أرض تُدعى ثمغ

(3)

، وكانت نخلًا نفيسًا، فقال عمر: يارسول الله، إنّي استفدتُ مالًا، وهو عندي نفيس، أَمَا أتصدَّق

(4)

به. قال: تصدَّق بأصله لا يُباع، ولا يوهَب، ولا يورَث، ولكن ليُنفَقْ مِن ثمرته. فتصدَّق به عمر رضي الله عنه في سبيل الله، وفي الرِّقاب، والضّيف، والمساكين، وابن السّبيل، ولذي القربى

(5)

، ولاجناح على من وليه أنْ يأكل بالمعروف أو يؤكِّل صديقًا له غير متموِّل عنه. وهذه الأرض سَهم عمر بخيبر حين قسم رسول الله عليه الصلاة والسلام خيبر

(6)

بين أصحابه.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 28).

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب الشروط في الوقف، برقم (2737) 3/ 198.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبي صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُ بِهِ؟ قَالَ:"إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا" قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ، أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ، وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الفُقَرَاءِ، وَفِي القُرْبَى وَفِي الرقاب، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ ..

ومسلم، برقم (1632) 3/ 1255.

(3)

ثَمْغٌ: بالفتح ثم السكون، والغين معجمة، موضع مال لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حبسه أي: وقفه، جاء ذكره في الحديث الصحيح، وقيده بعض المغاربة بالتحريك، والثمغ، بالتسكين، مصدر ثمغت رأسه أي شدخته، وثمغت الثوب أي أشبعت صبغه. معجم البلدان (2/ 84 - 85).

(4)

في (ب)"أفأتصدق".

(5)

في (ب)"منه" بعد "القربى".

(6)

ساقط من (ب).

ص: 194

و"ثَمْغ": لقب لها، وقد كانت لأملاكهم ألقاب حتّى كان لرسول الله عليه الصلاة والسلام ناقةٌ يقال لها: عضباء

(1)

، وبغلة يقال لها: دُلدُل، وفرَس يقال لها: السَّكْب وحمار يقال له: يعفور وعمامة

(2)

تسمّى السحابة

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب ناقة النَّبي صلى الله عليه وسلم، برقم (2871) 4/ 32.

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَاقَةٌ تُسَمَّى العَضْبَاءَ، لَا تُسْبَقُ - قَالَ حُمَيْدٌ: أَوْ لَا تَكَادُ تُسْبَقُ - فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ حَتَّى عَرَفَهُ، فَقَالَ:"حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ".

(2)

أخرجه ابن عدي في الكامل في الضعفاء (8/ 128)، وإسناده واه كما في سير أعلام النبلاء (سيرة 2/ 414)، وقال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الاحياء (1/ 861) عند قول الغزالي: كَانَت لَهُ عِمَامَة تسمى السَّحَاب فَوَهَبَهَا من عَلّي فَرُبمَا طلع عَلّي فِيهَا فَيَقُول صلى الله عليه وسلم: "أَتَاكُم عَلّي فِي السَّحَاب"، ـ أخرجه ابْن عدي، وَأَبُو الشَّيْخ من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده وَهُوَ مُرْسل ضَعِيف جدا وَلأبي نعيم فِي دَلَائِل النُّبُوَّة من حَدِيث عمر فِي أثْنَاء حَدِيث: عمَامَته السَّحَاب

الحَدِيث.

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (11208) 11/ 111.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:"كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَيْفٌ قائمتُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَقُبْعَتْهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَكَانَ يُسَمَّى ذَا الْفَقَارِ، وَكَانَتْ لَهُ قَوْسٌ يُسَمَّى السَّدَادَ، وَكَانَتْ لَهُ كِنَانَةٌ يُسَمَّى الْجُمْعَ، وَكَانَتْ لَهُ دِرْعٌ مُوَشَّحَةٌ بِالنُّحَاسِ يُسَمَّى ذَاتَ الْفُضُولِ، وَكَانَتْ لَهُ حَرْبَةٌ تُسَمَّى النَّبْعاءَ، وَكَانَ لَهُ مِجَنٌّ يُسَمَّى الذَّقَنَ، وَكَانَ لَهُ تُرْسٌ أَبْيَضُ يُسَمَّى الْموجزَ، وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ أَدْهَمُ يُسَمَّى السَّكْبَ، وَكَانَ لَهُ سَرْجٌ يُسَمَّى الدَّاجَ، وَكَانَتْ لَهُ بَغْلَةٌ شَهْبَاءُ يُقَالُ لَهَا دُلْدُلٌ، وَكَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ تُسَمَّى الْقَصْوَاءَ، وَكَانَ لَهُ حِمَارٌ يُسَمَّى يَعْفُورَ، وَكَانَ لَهُ بِسَاطٌ يُسَمَّى الْكُرَّ، وَكَانَتْ لَهُ عَنَزَةٌ تُسَمَّى النَّمِرَ، وَكَانَتْ لَهُ رَكْوَةٌ تُسَمَّى الصَّادِرَ، وَكَانَتْ لَهُ مَرْآةٌ تُسَمَّى الْمُدِلَّةَ، وَكَانَ لَهُ مقراضٌ يُسَمَّى الْجَامِعَ، وَكَانَ لَهُ قَضِيبُ شَوْحَطٍ يُسَمَّى الْمُشَوِّقَ"

قال الهيثمي: فيه علي بن عروة، وهو متروك. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (5/ 272).

ص: 195

وفي هذا دليل على أنّ من قصد التَّقرب إلى الله فينبغي أنْ يختار لذلك أنفس أمواله وأطيبها

(1)

؛ كذا في المبسوط.

وذكر في المغرب ثَمْغ، بفتح الثاء وسكون الميم، بالغين المنقوطة: أرض لعُمر

(2)

، وكانت هي مقيدة بغير تنوين في نسخةِ شيخي.

(إذ له نظير في الشرع وهو المسجد)، فقالا: اتّخاذ المسجد يلزم بالاتّفاق

(3)

، وهو إخراج لتلك البُقعة عَن ملكه من غير أنْ يدخل في ملك أحد، ولكنها تصير محبوسة لنوع قُربة قصدها، فكذلك في الوقف. وبهذا تبيَّن أنّه ليس من ضرورة الحبس عَن الدُّخول في ملك الغير امتناع خروجه مِن ملكه، ثم للّناس حاجة إلى ما يرجع إلى مصالح معاشهم ومعادهم، فإذا جاز هذا النّوع من الإخراج والحبس بمصلحة المعاد، فكذلك لمصلحة المعاش كبناء الخانات والرّباطات، واتخاذ المقابر. ويستدلُّون بالعِتق أيضًا، فإنّه إزالة الملك الثّابت في العبد من غير تمليك، وصحّ ذلك على قصد التَّقرب، فكذلك في الوقف

(4)

؛ كذا في المبسوط.

[الحبس عن الميراث]

(لا حبس عن فرائض الله تعالى

(5)

والمراد من فرائض الله تعالى الميراث "أي: لا مال يُحبس بعد موت صاحبه عن القِسمة بين ورثته"

(6)

كذا في الطلبة بخط شيخي رحمه الله.

وذكر في المبسوط: وقال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم: "لا حبس عن فرائض الله تعالى"، ولكنّهم يحملون هذا الأثر على ما كان أنّ

(7)

أهل الجاهلية يصنعونه منالبحيرة، والسّائبة، والوصيلة، والحامي، ويقولون: الشّرع أبطل ذلك كله.

لكنّا نقول: النّكرة في موضع النّفي تعمّ فيتناول كلّ طريق يكون فيه حبس عن الميراث إلّا ما قام عليه دليل جاء محمد عليه الصلاة والسلام بِبَيع الحبس، فهذا بيان أنّ لزوم الوقف كان في شريعة مَن قبلنا وأنّ شريعتنا ناسخة لذلك

(8)

.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 31).

(2)

ينظر المغرب في ترتيب المعرب (ص: 69).

(3)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 206)، البناية شرح الهداية (7/ 426).

(4)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 29).

(5)

أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الفرائض، برقم (4062) 5/ 119.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ عز وجل". لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَخِيهِ وَهُمَا ضَعِيفَانِ.

قال ابن حجر: إسناده ضعيف. الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 145).

(6)

طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 105).

(7)

ساقط من (ب).

(8)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 52).

ص: 196

"السّائبة": هي النّاقة التي تُسيَّب لنذر، وكان الرّجل يقول: إذا قدِمت من سفري، أو برئتُ من مرضي فناقتي سائبة، وجعلها كالبَحيرة في تحريم الانتفاع، يعني: أنّ الوقف بمنزلة تسييب أهل

(1)

الجاهلية، مِن حيث إنّه لا يخرج به العَين مِن أنْ تكون مملوكةً منتفعًا بها، ولو سيّب دابَّته لم يخرج من ملكه، فكذلك إذا وقف أرضه، أو داره.

وقد استبعد محمّد قول أبي حنيفة في الكتاب، ولهذا سمّاه تحكُّمًا على النَّاس من غير حجَّة فقال: ما أخذ النّاس بقول أبي حنيفة سوى

(2)

أصحابه

(3)

إلا بتركهم التحكُّم على النّاس، فإذا كانوا/ هم الّذين يتحكَّمون على النَّاس بغير أثرولا قياس لم يقلدوا هذه الأشياء، ولم يحمد على ما قال. وقيل بسبب ذلك انقطع خاطره ولم

(4)

يتمكّن من تفريع مسائل الوقف، واستكثر أصحابه بعده من تفريع مسائل الوقف، كالخصاف

(5)

، وهلال، ولو كان أبو حنيفة في الأحياء حين قال ما قال

(6)

لدمّر عليه كما قال مالك: لرأيت

(7)

رجلًا لو قال: هذه الاسطوانة من ذهب لدل عليه، ولكن

(8)

كلُّمجرٍ بالخلاء يُسَر

(9)

؛ كذا في المبسوط.

وقوله: في لفظ المبسوط: كلُّ مُجْرٍ بالخلاء يُسَرّ، يقال: جرى العرس، وأجراه صاحبه، وتُروى كل مُجيد أي: صاحب جواد، وهذا مثَل يضرب لمن يفرح بماله من محمدة تُرى له عند عدم المعارض.

قوله: (إلّا أنْ يحكم به الحاكم) وصورة حكم الحاكم ما ذكر في فتاوى قاضي خان وهي: إنْ سلّم

(10)

الواقف ما وقفه إلى المتولّي ثم يريد أنْ يرجع عنه فينازعه بعلّة عدم اللُّزوم فيختصمان إلى القاضي، فيقضي القاضي بلزومه، وإنْ

(11)

حكَّما رجلًا فحكم بينهما بلزوم الوقف اختلفوا فيه، والصَّحيح أنّبحكم الحاكم لا يرتفِع الخلاف وللقاضي أن يبطِله

(12)

.

(1)

ساقط من (ب).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

في (ب)"وأصحابه".

(4)

في (ب)"فلم".

(5)

هو: أحمد بن عمر بن مهير الشَّيْبَاني، أبو بكر المعروف بالخصاف: فرضيّ حاسب فقيه. كان مقدما عند الخليفة المهتدي باللَّه، فلما قتل المهتدي نهب فذهب بعض كتبه، وكان ورعًا يأكل من كسب يده. توفي ببغداد سنة (261 هـ). له تصانيف منها (أحكام الأوقاف) و (الحيل) و (الوصايا) و (الشروط) و (الرضاع) و (المحاضر والسجلات) و (أدب القاضي) كما في تذكرة النوادر، و (النفقات على الأقارب) و (درع الكعبة) و (الخراج). الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 88)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 97)، الأعلام للزركلي (1/ 185).

(6)

قوله "ما قال" ساقط من (ب).

(7)

في (ب)"رأيته".

(8)

مكرر في (ب).

(9)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 28).

(10)

في (ب)"أن يسلم" بدل "إن سلم".

(11)

في (ب)"فإن".

(12)

ينظر فتاوى قاضي خان (3/ 159).

ص: 197

(والمراد بالحاكم المولى) أي: الّذي ولّاه الخليفة عمل قضاء، وأمّا المحكَم، وهو الذي فُوّض إليه الحكم في حادثةٍ معينة باتفاق المتخاصمينلأنّ التمليك من الله تعالى، وهو مالك الأشياء لا يتحقّق مقصودًا، إنّما يتحقَّق ضِمنًا، كما في الزكاة تكون تملّكًا

(1)

لله تعالى بواسطة كون المال ملكًا للفقير.

(وإذا صح الوقف على اختلافهم)

أمّا عند أبي حنيفة فإنّه جائز غير لازم إلّا عند حُكم الحاكم أو تعليقه بالموت، وعند أبي يوسف بمجرّد القول، وعند محمّد بالقول والتّسليم إلى المتولِّي أو بشروط ثلاثة على ما ذكرنا من رواية شرح الطحاوي

(2)

.

(خرج من ملك الواقف ولم يدخل في ملك الموقوف عليه) كإمام المسجد وغيره.

(بل ينفّذ بيعه) أي: بيع الموقوف عليه.

أي: لو دخل في ملكه لنفذ بيعه، فلا ينفذ بالاتفاق فيما إذا ثبت خروج الوقف عن مُلك الواقف بالاتّفاق

(3)

، وذلك عند حكم الحاكم؛ ولأنَّه لو ملكه لما انتقل عنه إلى قوله:(كسائر أملاكه) أي: كسائر أملاك

(4)

الموقوف

(5)

عليه. تفسير هذا الكلام أي: لو ملك الموقوف عليه يجب أنْ لا ينتقِل عنه إلى الفقراء بشرط المالك الأوّل، وهو الواقف بقوله: وهذا الوقف بعد هذا الموقوف عليه للفقراء، فإن شرطه هكذا يصحُّ بالاتِّفاق

(6)

على ما يجيء في قوله: (ولو وقف وشرَط البعض) إلى أنْ قال: (فإذا ماتوا فهو للفقراء).

وقوله: (خرج عن ملك الواقف) "فإنْ قيل: الوقف تصدُق بالغَلّة، لا خروج أصله عن ملك الواقف، فإنّه لو خرج أصله لما صح شرْطه في صرف الغَلَّة كما إذا أعتق

(7)

عبده بشرط أنْ يصرِف غَلَّته إلى كذا، أو جعل أرضه مسجدًا بشرط أنْ يصلي فيه فلان دون فلان، أو وَهَب بشرط أنْ لا يباع، والتصدُّق بالغَلَّة المعدومة لا يجوز إلَّا أْن تكون

(8)

وصيةً، وهو دليل على بقاء أصل الغَلّة وهو الأرض على ملك الموصي، فكذا هنا.

قلنا: إنّا وجدنا القربان يصير لله تعالى بالإراقة، ثُم صاحبه يتصرَّف فيه بالأكل، والإطعام، والتَّصدُّق به بتولية الشّرع لكونه هو المتقرَّب به، فكان جائزًا أنْ يكون إلى الواقف، ولأنَّه بيان المصارف لكونه هو الواقف لا لبقاء أصلِه على مُلكه بخلاف العتق؛ لأنّ العبد يصير مستحقًا بنفسه، ومالكًا لمنافعه، فلا يعمل فيه تصرُّف غيره وكذلك الهبة. وأمَّا المسجد فالأصل فيه الكَعبة والمسجد الحرام، وفيه سواء العاكف فيه والبادي، فعلمنا أنّ الله تعالى لم يُوَلّ التّخصيص إلى الّذي جعله مسجدًا وألحَقَه بالمسجد الحرام والكعبة"

(9)

؛ كذا في الأسرار.

(1)

في (ب)"ملكا".

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 34).

(3)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 210)، البناية شرح الهداية (7/ 432).

(4)

في (ب)"الأملاك".

(5)

ساقط من (ب).

(6)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 448).

(7)

في (ب)"أعتقه".

(8)

في (ب)"يكون".

(9)

الأسرار (3/ 306 - 307).

ص: 198

وقوله: (خرج عن ملك الواقف يجب أنْ يكون قولهما

) إلى آخره

(1)

.

فإنْ قلت: ذكر قبل هذا: لا يزول ملك الواقف إلّا أنْ يحكم به الحاكم، وهذا الاستثناء إنّما يحتاج إليه على قول أبي حنيفة في حقّ زوال الملك عن ملك الواقف مع أنّه صرَّح بأنّه قول أبي حنيفة رحمه الله في أوّل الكتاب. وأمّا على قولهما فيزول ملك الواقف بدون حكم الحاكم على ما ذكر، ثم هاهنا كيف يصحّ دعوى التّخصيص بقوله:

(يجب أن يكون خروج الوقف عن ملك الواقف قولهما).

قلت: الّذي ذكرته في اللُّزوم، وما ذكره في الكتاب بقوله (وإذا صح الوقف على اختلافهم) في الصحّة

(2)

غير اللزوم، فلا يلزم من وجود/ الصّحّة وجود اللُّزوم كالعقود الصَّحيحة غير اللّازمة ِمن العارية والمضارَبة والشّركة، فإنّها صحيحة غير لازم، ة فكان القول بخروج الوقف عن ملك الواقف إذا صحّ الوقف قولهما لا قول أبي حنيفة رحمه الله إلا إذا حكم به الحاكم، حينئذ كان خروج الوقف عن ملك الواقف قول الكلّ

(3)

.

[وقف المشاع]

" (لأنّ القسمة من تمام القبض) فإنَّ القبض للحيازة، وتمام الحيازة فيما يقسم بالقسمة"

(4)

؛ كذا في المبسوط.

(والقبض عنده ليس بشرط فكذا تَتِمتُه

(5)

وهي القسمة. وأمّا فيما لايحتمِل القسمة فيجوز مَع الشيوع. ألا ترى أنّه لو وقف نصف الحمام يجوز، وإنْ كان مشاعًا؛ لأنَّه لا يحتمِل القسمة فصار كهبة المشاع فيما لا يحتمِل القسمة، ثم الاختلاف بينهما في أنّ الشيوع فيما يحتمِل القسمة هل هو مانع لصحّة الوق، أمْ بناء

(6)

على أن القسمة فيما يحتمل القسمة من تمام القبض بالاتفاق؟ لكن أصل القبض فيما يحتمل القسمة ليس بشرط عند أبي يوسف فكذا إتمامه

(7)

لا يكون شرطًا، وعند محمد أصل القبض فيما يحتمل القسمة شرط

(8)

، فكذا ما يتِم به القبض. ولو وقف جميع أرضه أو داره ثم استحقّ نصفه أو ربعه أو ما أشبهه شائعًا بطل الوقف فيما بقي عند محمدلأنّ بالاستحقاق تبيَّن أنّ ما وقفه الواقف كان مشاعًا، ووقف المشاع فيما يحتمِل القسمة باطل عنده، وهذا بخلاف ما إذا

(9)

استحقّ شيء منه بعينه حيث لا يبطُل الوقف في الباقيلأنّ هناك لا يتبين الشُّيوع في الباقيلأنّ المستحق مميَّز فيما بقي فهو بمنزلة ما لو وقف دارَينِ فاستحقّ أحديهما، ومشايخ بلخ

(10)

أخذوا بقول أبي يوسف في وقف المشاع، ومشايخ بخارى

(11)

أخذوا بقول محمد

(12)

؛ كذا في الذخيرة.

(1)

تمام كلامه: "على الوجه الذي سبق تقريره". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 16).

(2)

في (ب)"والصحة" بعد قوله "الصحة".

(3)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 210).

(4)

المبسوط للسرخسي (12/ 37).

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 37).

(6)

في (ب)"أم لا بناء".

(7)

في (ب)"تمامه".

(8)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 37).

(9)

في (ب)"ما لو".

(10)

بلخ: من أجلّ مدن خراسان، وأَذكَرها، وأكثرها خيرًا، وأوسعها غلّة، تحمل غلّتها إلى جميع خراسان وإلى خوارزم. معجم البلدان (1/ 479).

(11)

بُخَارى: بالضم، من أعظم مُدُن ما وراء النّهر وأجلّها، ولا شك أنّها مدينة قديمة نزهة كثيرة البساتين واسعة الفواكه جيّدتها، قال ياقوت الحموي: عهدي بفواكهها تحمل إلى مرو. معجم البلدان (1/ 353).

(12)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 112).

ص: 199

(لأنَّه يعتبره بالهبة والصّدقة المنفذة) أي: الصّدقة الخاصّة المسلّمة إلى الفقير. هذا احتراز عن الصّدقة الموقوفة، وهي التي نحن فيها، فإنَّ الوقف صدقة أيضًا لكن ليس بخاصّة لعدم التّمليك من الفقراء ولصحّة تصرُّف الواقف فيه بعد الوقف. ولفظ الأسرار يدلُّ على هذا، وكذلك

(1)

لفظ الكتاب بقوله: "والصّدقة المملوكة"

(2)

تدلُّ على هذا يعني: لا تجوز الصّدقة الخاصة في الشائع الّذي يحتمل القسمة فكذا الوقف.

وذكر في الأسرار"واحتجّ محمد بأنّ الوقف صحته بلفظ الصحّة

(3)

، إمّا اقتضاء أو إفصاحًا، وتمام الصدقة بالقبض. دلّ عليهأنّ الصّدقة الخاصّة مجمع عليها، وهذا، أيْ: الوقف، فيه اختلاف، فلمّا لم يصح المجَمع عليه إلا بالقبض، فهذا أولى. ولأبي يوسف أنّ هذه الصّدقة لما تمّت بالإبطال دون التّمليك فارقت الصّدقة الخاصّة وأشبهت الطلاق والعتاق والإبراء عن الدَّين"

(4)

.

وقوله: (إلا في المسجد والمقبرة)

استثناء من قوله: (ووقف المشاع جائز عند أبي يوسف

(5)

فإنّه لا يتمُّ مع الشيوع فيما لا

(6)

يحتمل القسمة، بأنْ كان الموضِع صغيرًا لا يصلح لما أراده الواقف مِن اتّخاذ المسجد، واتّخاذ المقبرة على تقدير القسمة. وكتب شيخي رحمه الله بالفَارسية في هذا الموضع "بان كه صالح نماند مر نماز كردن رامرده را"

(7)

وحاصل ذلك أنَّ جعل المسجدوالمقبرة في المشاع الّذي لا يحتمِل القسمة لا يجوز أصلًا لا قبل القِسمة، وهو حال كونه مشاعًا، ولا بعد القسمة. أمّا قبل القسمة فلأنَّ

(8)

بقاء الشّركة يمنع الخلوص على ما يجيء في مسألة مَن جعل

(9)

مسجدًا تحته سرداب

إلى آخره، فلا يكون مسجدًا. وأمّا بعد القسمة، فلأنَّه لا يصلح لما أريد منه من اتّخاذ المسجد والمقبرة بعد القسمة لصغرهلأنّ الكلام فيه، فلا يكون مسجدًا، ولا مقبرة، فأمّا الوقف في الشّائع الّذي لا يحتمِل القسمة فيجوز بالاتّفاق. أمّا عند أبي يوسف رحمه الله فالشُّيوع غير مانع أصلًا، وأمّا عند محمّد رحمه الله فيجوز فيما لا يحتمِل القسمة لصلاحيته لما أراده الواقف، فإنّ الانتفاع بالشائع

(10)

ممكن إمّا

(11)

بطريق المهايأة

(12)

أو بطريق الاستغلال وقسمة الغَلَّة. وأما المسجد والمقبرة في مثل هذا الموضِع يؤدِّي إلى أمر قبيح، وذلك لأنَّا لو جوَّزناه وقعت الحاجة إلى المهايأة لعدم جواز الانتفاع بالاستغلال، وفي القول بالمهايأة يلْزم أنْ يقال نقبر

(13)

فيه الموتى في سنة ثم ينبش في السَّنة الثانية ويزرع لمراعاة حق المالك.

(1)

في (ب)"كذا".

(2)

الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 16).

(3)

في (ب)"الصدقة".

(4)

الأسرار (3/ 321).

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 36 - 37).

(6)

ساقط من (ب).

(7)

جملة فارسية بمعنى: الصلاة الى مشاهد الصالحين الموتى محظورة، والله أعلم، أفادني بها الأستاذ/ أحمد فواز الحمير.

(8)

في (ب)"فإن".

(9)

في (ب)"يجعل".

(10)

في (ب)"للشائع".

(11)

ساقط من (ب).

(12)

المهايأة، بالهمزة: في الدار ونحوها مقاسمة المنافع وهي أن يتراضى الشريكان أن ينتفع هذا بهذا النصف المفرز، وذاك بذاك النصف، أو هذا بكله في كذا من الزمان وذاك بكله في كذا من الزمان، بقدر مدة الأول. وقد تهايأ أي: فعلا ذلك، وهايأ فلان فلانًا، وأصله من قولك هيأته فتهيأ أي: أعددته فاستعد، وهاء يهيء إذا تهيأ وهيئة الشّيء قريبة من هذا. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 127).

(13)

في (ب)"يُقبر".

ص: 200

(ويصلِّي الناس في المسجد في وقت ويتّخذ اصطبلًا في وقت أخرى)

(1)

بحكم المهايأة لما قلنا، وذلك ممتنع

(2)

؛ إلى هذا أشار في المبسوط.

(وعلى هذا الهبة والصدقة المملوكة) / أي: المسلمة إلى الفقراء [فصارت مملوكة لهم.

(ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة ومحمّد حتى يجعل آخر لجهة لا تنقطع أبدًا])

(3)

.

وقال أبو يوسف (إذا سمَّى فيه جهة تنقطع جاز).

[اشتراط التأبيد في الوقف]

وفي المبسوط: "فالحاصل أنّ أبا يوسف رحمه الله توسَّع في أمر الصّدقة الموقوفة في قوله الآخر غاية التّوسع حتّى جوّزها غير مقبوض، فكذلك غير مقسوم. وفي قوله الأول ضيّق فيها غاية التَّضييق، كما هو قول أبي حنيفة، وقال لا يلزم في الحياة أصلًا. وتوسّط قول محمد في ذلك، ولهذا

(4)

أفتى عامّة المشايخ فيها بقول محمد ثُمّ قال: ومما توسّع فيه أبو يوسف أنّه لا يشترط التّأبيد فيه حتّى لو وقفها على جهة يُتوهّم انقطاعها يصحّ عنده، وإن لم يجعل آخرها للمساكين؛ ومحمد يشترط التأبيد فيها"

(5)

ثُمَّ قال: بعد أوراق: وإذا وَقَفها على أمَّهات أولاده جاز، وإنْ لم يحتجّ مَن بقي منهنّ

(6)

كان ميراثًا على فرائض الله تعالى. وهذا الشرط يجوز عند أبي يوسف في الحياة والموت لما بينّا أنّه يتوسّع في أمر الوقف فلا يشترط التّأبيد، واشتراط العود إلى الورثة عند زوال حاجة الموقوف عليه لا يفوِّت موجِب العقد عنده

(7)

.

(فأمَّا عند محمد رحمه الله فالتَّأبيد شرط للزوم) الوقف في الحياة. واشتراط العود إلى الورثة يُعدم هذا الشّرط، فيكون مبطلًا للوقف، فعلى هذا ما ذكره في الكتاب.

(وقيل: إن التَّأبيد شرط [بالإجماع

) إلى آخره؛ لا يصح، ولكنْ ذكر في الذّخيرة والتَّتمّة ما يوافِق المذكور في الكتَاب. وقال: والتّأبيد شرط]

(8)

عند محمّد حتّى لو وَقَف على جهة يُتوهّم انقطاعها بأنْ وقف على أولاده وأولاد أولاده، ولم يجعَل آخره للفقراء. لا يصحُّ الوقف. وعلى قول أبي يوسف رحمه الله التّأبيد ليس بشرط، حتّى أن في هذه المسألة يصحُّ الوقف عند أبي يوسف، وإذا ماتوا أو انقرضوا يعود إلى ملكه إنْ كان حيًّا، وإلى ملك ورثته إنْ كان ميِّتًا، والخلاف على هذا الوجه مذكور في شرح الطّحاوي وفي شرح شمس الأئمة السرخسي

(9)

.

(1)

في (ب)"آخر".

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 37).

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(4)

في (ب)"ولذلك".

(5)

المبسوط للسرخسي (12/ 41).

(6)

في (ب)"منه".

(7)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 47).

(8)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(9)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 111).

ص: 201

وقد ذكر محمّد رحمه الله في آخر "كتاب الوقف" أنّ الوقف المؤقَّت باطل، ولم يذكر فيه خلافًا، فيحمَل ذلك على أنّه قول محمّد. وإنْ كان على الوفاق، فهو إحدى الرّوايتين عن أبي يوسف رحمه الله، فقد روى الحسن بن أبي مالك عَن أبي يوسف أنَّ الوقف المؤقَّت باطل. وبعض مشايخنا قالوا: لا خلاف في أنَّ التّأبيد شرط صحّة الوقف وإنّما الخلاف في تلك المسألة في شيء آخَر أنّ عند أبي يوسف يثبت التَّأبيد بنفس الوقف مِن غير اقتران شيء آخر به، وعند محمد رحمه الله لا يثبت التَّأبيد بنفس الوقف ما لم يجعل آخره للمساكين والفقراء، ولما كان من مذهب أبي يوسف أن التَّأبيد يثبت بنفس الوقف، فإذا مات أولاده وانقرضوا حينئذ تصرَف

(1)

الغَلَّة إلى الفقراء.

وهذا القائل يقول ما ذكر في شرح الطحاوي وفي شرح شمس الأئمّة أنّه إذا مات أولاده يعود إلى ملكه خَطأ، وفي المنتقى: بِشر عن أبي يوسف: إذا وقف أرضه على ذي الحاجة مِن وَلَده ووَلَد ولَدِه ما تناسلوا أبدًا فذلك جائز، ولو وقفها على فقراء ولَده، ولم يجعلها لفقراء النَّسل منهم لم يجز. قال: لا يجوز من الوقف إلا الوقف المؤبّد، فإذا كان الوقف لقوم خاصٍّ لا يجوز الوقف عليهم؛ لأنَّه ينقطع

(2)

، فهذا تنصيص من أبي يوسف أنَّ التأبيد شرط؛ لأنّ الوقف على الولد ليس بوقف على الأبد، وإذا ذكر النَّسل فهو وقف أبدًا.

قوله: (لهما: أنّ موجب الوقف زوال الملك).

فإنْ قلت: يتناقض هذا الكلام بما قبله على قول أبي حنيفة رحمه الله فإنّه ذكر في أوّل "كتاب الوقف" من الكتاب، وهو في الشّرع عند أبي حنيفة: حبس العين على ملك الواقف، فلمّا كان موجِب الوقف عند أبي حنيفة رحمه الله عدم زوال [الوقف عن]

(3)

مُلك الواقف كيف يكون موجبُه عنده زوال [الملك عن]

(4)

ملك الواقف.

قلت: جعل في المبسوط والذخيرة والتَّتمة وغيرها هذا القول، وهو زوال الملك عن ملك الواقف بشرط التأبيد، قول محمد خاصَّة، لا قول أبي حنيفة

(5)

، فعلى ما ذكره في الكتاب جاز أنْ يكون عنه روايتان، فوقع التَّعليل في الموضِعين على حسب تينك الرِّوايتين، أو أراد ههنا ما إذا حكم الحاكم بصحّة الوقف ولزومه، فحينئذ يخرج الوقف عن ملك الواقف بالاتّفاق، لما ذكرنا أو فرع هذا الحكم على قول مَن يرى خروجه عن ملكه وهو/ قولهما كما في مسائل المزارعة.

(1)

في (ب)"يصرف".

(2)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 111).

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 41).

ص: 202

(وهو مُوَفرٌ عليه) أي: المقصود وهو التّقرب إلى الله تعالى موفِّر على جعل الوقف إلى جهة تنقطع أيضًا كما هو موفر على جعله إلى جهة لا تنقطع.

[وقف المنقول]

(وهذا على الإرسال) أي: على الإطلاق، أي: قوله في الكتاب: (ولا يجوز وقف ما ينقل ويحوَّل مطلقًا) مِن غير ذكر الخلاف محمولٌ على قول أبي حنيفة. وأمّا على قول أبي يوسف، إنْ كان تبعًا لغير المنقول فجائز، وعلى قول محمّد فجائز كيف ما كان بعد أن كان متَعارفًا، والدليل عليه ما ذكر في "وصايا" المبسوط: إذا أوصى بظهر دابّته للمساكين كان باطلًا في قول أبي حنيفةلأنّ مِن أصله أنّ وقف المنقول لا يجوز، وإنْ أضيف إلى ما بعد الموت، وهو قول أبي يوسف. وأمّا عند محمّد فوقف المنقول جائز فيما هو متعارَف

(1)

. وأما إذا أوصى بظهر دابّته لإنسانٍ معلوم يركبها في حاجته، فهو جائز بالاتّفاق

(2)

لأنَّه وصية بالإعارة منه.

"الأكرة": جمع أَكّار، وهو الزّارع، كأنّه

(3)

جمع آكِر

(4)

في التَّقدير.

(كالشّرب في البيع) أي: يجوز بيع الشّرب تبعًا للأرض، فكذلك ههنا يجوز وقف المنقول تبعًا لغير المنقول، وهو كثير النّظير، كالأضحية، والإقامة من الجندي أو العبد أو المرأة وهم في المفازة والأمير والمولى والزوج في المصر فَنَووا الإقامة، وكذلك البناء، وهو منقول يدخل في وقف الأرض الّتي عليها ذلك البِناء كوقف الرِّباطات والخانات.

(لأنَّه لما جاز إفراد بعض المنقول) أي: مِن غير أنْ يجعل تبعًا لشيء كما في المتعارَف كالفأس والقَدوم والمد عند محمّد، فكان أولى أنْ يجوِّز وقف المنقول عنده تبعًا لشيء آخر

(5)

.

(والقياس أن لا يجوز لما بينَّا) أي: من شرط التَّأبيد، والتّأبيد لا يتحقّق في المنقول.

"الكُراع": اسم لجمع الخيل، والكُراع في الغنموالبَقر بمنزلة الوَظيف في الفرس والبعير، وهو مستدَقُّ السّاقِ، يذكَّر ويؤنَّث، والجمع أكْرُعٌ ثمَّ أكارِعُ

(6)

؛ كذا في الصّحاح، ولكن المراد هنا [الأوّل، وهو]

(7)

الخيل.

""الْقَدُومُ" مِنْ آلَاتِ النَّجَّار، فَالتَّشْدِيدُ فِيهِ لُغَةٌ"

(8)

؛ وكذلك "المنشار"

(9)

للقَطع مِن نشرتُ الخشبة، أنشرها، إذا قطعتها بالمنشار

(10)

؛ كذا في المغرب والصّحاح.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (27/ 189 - 190).

(2)

ينظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (8/ 515).

(3)

في (ب)"كأنها".

(4)

في (ب)"أكار".

(5)

ينظر المبسوط للسرخسي (27/ 190).

(6)

ينظر الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 1275 - 1276).

(7)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(8)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 375).

(9)

في (ب)"من آلات النجار" بعد قوله "المنشار".

(10)

ينظر الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 828).

ص: 203

(إلحاقًا لها بالمصحف) أي: إلحاقًا للكُتب بالمصحف، والمصحف جائز فيه الوقف، فكذا يجوز في الكتب. وفي فتاوى قاضي خان:"اختلف المشايخ في وقف الكتب، جوَّزه الفقيه أبو الليث وعليه الفتوى"

(1)

.

(وقال الشَّافعي رحمه الله: كلُّ ما يمكِن الانتفاع به مع بقاء أصله

(2)

هذا احتراز عن الدَّراهم، والدَّنانير، فإنَّ الانتفاع الذي خُلِقت الدَّراهموالدَّنانير لأجله هو الثّمنية، لا يمكن الانتفاع

(3)

بهما مع بقاء أصله في ملكه.

وقوله: (ويجوز بيعه) معطوف على قوله: (يمكن الانتفاع) أي: كلُّ ما كان متَّصفًا بهذين الوصفين، وهما إمكان الانتفاع به، وجَواز البيع إيّاهيجوز وقفه، فكان قوله:(ويجوز بيعه) احترازًا عمَّا لا يجوز بيعه كحمْل الجارية ونتاج النّاقة، فإنّه لا يجوز بيعه فلا يجوز وقفه.

(ولا معارض من حيث السّمعولا من حيث التّعامل فبقي على أصل القياس) شرح هذا أنّ الوقف في المنقولات كلِّها ينبغي أنْ لا يجوز، وهو القياس لما أنَّ مِن شرط صحّة الوقف التّأبيد، والتّأبيد في المنقولات كلِّها لا يتحقّق، فكان دليل عدم الجواز شاملًا في الكلِّ إلّا أنَّ السّمع ورد في الكُراع، والسِّلاح، والتّعامل ورَدَ

(4)

في الفأس والمدّ والقدوم على ما ذكر، فكانت الكُراع، والسِّلاح بسبب السّمع، والفأس، والمدّ، والقدوم بسبب التّعامل مخصوصة

(5)

عن ذلك الدّليل الّذي يقتضي عدم الجواز في المنقولات كلِّها فبقي ما وراء الكُراع والسّلاح والفأس والمدّ والقدوم مِن المنقولات، كالعبيد والإماء مِن غير أنْ يكون تَبَعًا لشيء، والثِّياب والبسط وغيرها مِن المنقولات الّتي لم يرد السَّمع في حقِّها، ولم يَجُر التّعامل فيما بَين النّاس بالوقف بها على أصْل القياس مِن عدم الجواز فكان قوله:(ولا معارِض من حيث السّمع) احترازًا عن الكُراع والسِّلاح، وقوله:(ولامن حيث التَّعامل) احترازًا عن المدّ والفأس والقدوم.

(فبقي على أصل القياس) أي: فبقي وقف المنقول الذي تنازعنا فيه كالثِّياب والبسط وغيرهما مِن المنقولات الّتي لم يرِد السّمع ولم يجرِ التعامل على أصل القياس من عدم الجواز.

(1)

فتاوى قاضي خان (3/ 177).

(2)

مذهب الشافعية: أنه يجوز وقف كل عين معينة مملوكة، تحصل منها فائدة أو منفعة مقصودة دائمة مع بقاء أصلها. الحاوي الكبير (7/ 519)، المجموع شرح المهذب (15/ 326).

(3)

ساقط من (ب).

(4)

ساقط من (ب).

(5)

في (أ)"مخصومة".

ص: 204

(فكان معنى القُربة فيهما) أي: في العقار والجهاد أقوى للتَّأبيد/ في العقار ولكونِ الجهاد سنام الدّين، فلا يُلحَق بهما غيرهما، وهو القياس إلّا أنّ التّعارف أقوى مِن القياس، فيُترك به القياس، كالاستصناع فيما فيه تعامل لقوله عليه الصلاة والسلام:"ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن"

(1)

فلذلك ترك القياس في المدّ والقدوم وفيما فيه تعامل.

[بيع الوقف]

قوله: (إلا أن يكون مشاعًا) استثناء من قوله: (لم يجُز بيعه) على طريق التجوُّز والاتّساع؛ لأنّ القسمة ليست من أنواع البَيع، ولكنْ معنى المبادَلة راجح في العروض للتّفاوت بخلاف المكيلات والموزونات، فإنّ معنى الإفراز والتّمييز راجح فيها، ولما كان معنى المبادلة راجحًا في قسمة العَقار جوّز ذلك استثناؤها مِن البيع لوجود معنى البيع من وجْه.

(أمّا امتناع التّمليك فلما بيَّنا) وهو ما ذكر: ما قاله النَّبي عليه الصلاة والسلام لعمر رضي الله عنه: "تصدق بأصلها لا تباع ولا توهب"

(2)

وما ذكر من المعنى بقوله: (ولأنّ الحاجة ماسّة

) إلى آخره.

(فهو الذي يقاسم) أي الواقف يقاسم شريكه لا القاضي.

(وإنْ وقف نِصف عقار خالص له)، وقوله (خالص) صفة عقار، أي: لو كان له عقار مائة ذراع مثلًا فوقف نصفه خمسين ذراعًا يجِب أن يكون المقاسم ههنا غير الواقف، إذ لو كان هو مقاسمًا يلزم أنْ يكون الواحد مطالِبًا، ومطالَبًا في حقّ شيء واحدلأنّ مقاسم النّصف الّذي هو الوقف مطالب له من مالك النّصف الذي هو غير وقف، فكان مالك ذلك النّصف مطالَبًا عنه بذلك النّصف الذي هو وقف، وهو الواقف فعند كون الواقف مقاسمًا لذلك النِّصف الذي هو وقف يلزم أن يكون مطالِبًا ومطالَبًا في حقّه لا محالة.

(1)

أخرجه أحمد في مسنده، برقم (3600) 6/ 84.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:" إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ ".

قال الهيثمي: ورجاله موثقون. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1/ 178).

(2)

سبق تخريجه.

ص: 205

(ولو كان في القِسمة فضل دراهم) اعلم أنّ إدخال الدّراهم في القسمة لا يجوز إلا بتراضيهم أو وقعت الضّرورة إلى إدخالها بأنْ وقع البناء في أحد النّصيبَين أو كان أحد النّصيبين أجود، فحينئذ يجوز أنْ يعطي الدّراهم مَن وقع البناء في نصيبه أو وقع نصيبُه أجودَ لمن لم يقع البناء في نصيبه فيما روي عن أبي حنيفة، على ما يجيء في "كتاب القسمة"، إنْ شاء الله تعالى.

وقوله: (إنْ أعطى الواقف) هذا على إعرابين: بلفظ أعطى، على بناء الفاعل ونصْب الواقف، أو بلفظ أُعطي على بناء المفعول ورفع الواقف. ومعنى هذا الكلام: إنْ أعطى المشتري فضل الدّراهم الواقفَ لا يجوزلأن المشتري يأخذ بمقابلة الدّراهم شيئًا من الوقف، فيصير الواقف بائعًا للوقف في ذلك القدر، فلا يجوز.

(وأمّا إذا أعطى الواقف فضل الدّراهم المشتريَ جاز لأنّ الواقف حينئذ يصير مشتريًا شيئًا بمقابلة الدّراهم) وواقفًا لذلك الشّيء الذي اشتراه فيجوز. (ولأنّالخراج بالضّمان)

(1)

، وهذا في الأصل لفظ الحديث وهو من جوامع الكلم، وفي معناه الغُرم بإزاء الغُنم، [من تولّى جارها تولّى نارها، فلاستجراره]

(2)

معاني جمة جرى لفظ الحديث مجرى المثَل، واستعمِل في كلِّ مضرّة بمقابلة منفعة، ثم المراد مِن الخراج ما يخرج النفع من ملك إنسان كغَلَّة الأرض والغلام، والمراد من الضّمان المؤنة: أي كلُّ مَن كان له منفعة شيء كان عليه مضرّته، فكان معنى قوله:(الخراج بالضمان) أي: منفعة الغَلَّة لك بسبب أنْ ضمِنته.

وقيل: معناه أن يشتري العبد فيستغلَّه، ثم يجد به عَيبًا، فإنّه يردُّه والغَلَّة لهلأنَّه لو مات كان في ضمانِه؛ ولأجل هذا الخبَر نقض عمر بن عبد العزيز قضاءَه حين قضى بالغَلَّة للبائع.

(ثم إنْ كان الوقف على الفقراء لا يظفر بهم) أي: لا يُؤخذ الفقراء بعمارته لعدم تعنُّتهم وعسرتهم.

(وإنّما يستحقّ

(3)

العمارة عليه

(4)

بقَدْر ما يبقى الموقوف على الصّفة التي وقفه) ولا يستحقُّ زيادةَ العمارة على تلك الصّفة الّتي هي كانت في ابتداء الوقف. (فأمّا الزِّيادة على ذلك فليست بمستحقَّة) أي: زيادة العِمارة ليست بمستحقَّة عليه.

(1)

أخرجه الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا.

قال ابن حجر: وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَا يَصِحُّ. التلخيص الحبير (3/ 54).

(2)

في (ب)"من تولى حارها تولى قارها فاستجراره".

(3)

في (ب)"تستحق".

(4)

ساقط من (ب).

ص: 206

[إصلاح الوقف من غلته]

(والغَلّة مستحقة له) فلذلك يصرف على الموقوف عليه ما فضل من الغَلَّة الَّتي صُرفت على العمارة المستحقّة عليه، وهي مثل العمارة التي كانت هي وقت ابتداء الوقف، ولا يصرف إلى زيادة العمارة التي لم تكن وقفًا

(1)

ابتداء الوقف.

(ولو كان الوقف على الفقراء إلّا

(2)

على رَجُل بعينه فكذلك عند البعض) أي: لا يصرَف غَلَّة الوقف إلى زيادة عِمارة لم تكن وقت الوَقف بل تُصرَف إلى الفقراء.

(والأوّل أصّح) وهو أن يكون البناء/ الثّاني مثل الأوَّل لا زائدًا على الأوّل.

وَذكر في الذّخيرة: رَجُل وقف أَرضًا له على المساكين وقفًا صحيحًا، ولم يذكر عمارتَها، فإنّ عمارتها في غَلّة

(3)

هذه الأرض يبدأ القيم أو لا من الغَلَّة

(4)

بعمارتها، وما يصلحها وما فضل من ذلك يقسم على الفُقراء، وهذا لأنّ العمارة وإنْ لم تَكُن مشروطة في الوقف نصًّا فهي مشروطة اقتضاءًلأنّ مقصود الواقف إدرار الغَلّة مؤبَّدًا على المساكين، وهذا المقصود إنَّما يحصل بإصلاحها وعمارته، ا والثّابت اقتضاءً ثابت بطريق الضرورة والضرورة تندفع بهذا الذي ذكرنا

(5)

.

(الأوَّل

(6)

أولى) وهو إجارة الحاكم وعمارتها بأُجرتها ثُم ردّها إلى مَن له السُّكنى. والثاني: وهو ترك العمارة، واستفيد الثّاني هذا من قوله لأنَّه لو لم يعمرها ولا يكون امتناعه رضا منه ببطلان حقّه لتردده، فإنّ الامتناع يحتمل أن يكون [لبطلان حقّه، ويحتمل أنْ يكون]

(7)

لنقصان ماله في الحال، ولرجائه إصلاح القاضي وعمارته ثم ردّه إليه.

(ولا تصحُّ

(8)

إجارة مَن له السُّكنى) هذا مِن قَبيل إضافة المصدر إلى الفاعل.

(لأنَّه غير مالك) أَي

(9)

: لأنّ مَن له السُّكنى غير مالك للدّار، والإجارة تمليك المنافع بالعِوض والتّمليك لا يتحقَّق مِن غير المالك.

فإنْ قيل: إنَّ المستأجر لا يملك الدّار، ومع ذلك كان له أنْ يؤاجِرها مِن آخر للسُّكنى، وكذلك في كلِّ عملٍ لا تختلف العين باختلاف المستعمل.

قلنا: هناك ملك المستأجِر المنفعة وهنا أُبيحت المنفعة للموقوف عليه ليكون ثواب إباحةِ المنفعة راجعًا إلى الواقف حتّى لم يقُم ههنا عَين الوقف مقامَ المنفعة في ابتداء الوقف، لأنَّه لا يلْزم تمليك المنافع المعدومة، بخلاف الإجارة حيث أُقيمت الدّار مقام المنفعة وقتَ الإجارة، لئلا يلزم تمليك المنافع

(10)

المعدومة، فلمّا ملكها في الإجارة ملك أيضًا تمليكها من غيره.

(1)

في (ب)"وقت".

(2)

في (ب)"لا".

(3)

في (ب)"علة".

(4)

في (ب)"العلة".

(5)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 136).

(6)

في (ب)"والأول".

(7)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(8)

في (ب)"يصح".

(9)

ساقط من (ب).

(10)

ساقط من (ب).

ص: 207

[حكم ما انهدم من الوقف]

(وما

(1)

انهدم من بناء الوقف وآلته).

وقوله: (وآلته) يحتمِل أن تكون

(2)

مجرورة بالعطف على البناء يعني: ما انهدم من آلة الوقف بأن بَليَ

(3)

خشب الوقف وفسدت؛ ويحتمِل أنْ تكون مرفوعة بالعطف على ما الموصولة، وهو المنقول عن الثِّقاتلأنَّهلا يُقال انهدمت الآلة.

""النَّقْضُ": الْبِنَاءُ الْمَنْقُوضُ وَالْجَمْعُ نُقُوضٌ، وَعَنْ الْغُورِيِّ فِي "النِّقْضِ" بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ"

(4)

كذا في المغرب، وفي الصِّحاح، ذكره بالكسر لا غير

(5)

.

[حكم جعل الواقف الغلة أو الولاية لنفسه]

(ولا يجوز على قياس قول محمد

(6)

لأنّ التّسليم إلى المتولِّي عنده شرط، وقد عدم ههنا. وذكر في فتاوى قاضي خان وذكر الصّدر الشّهيد أنَّ الفتوى على قول أبي يوسف ترغيبًا للنّاس في الوقف. وقال الفقيه أبو جعفر: وليس في

(7)

هذا عن محمَّد رواية ظاهرة إلّا شيء ذكَره في "كتاب الوقف" وقال: إذا وقف على أمّهات أولاده جاز. قال الفقيه أبو جعفر: الوَقف على أمهات أولاده بمنزلة الوقف على نفسهلأنّ ما يكون لأم الولد في حال حياة المولى يكون للمولى

(8)

.

وقوله: (وهو قول هلال الرّازي

(9)

هكذا وقع في نسخ الفقه من المبسوط

(10)

، والذّخيرة وغيرهما

(11)

.

وذكر في المغرب"هِلَالُ الرَّأْيِ بْنُ يَحْيَى الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ الْوَقْفِ، وَالرَّازِيُّ تَحْرِيفٌ؛ هَكَذَا صَحَّ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَمَنَاقِبِ الصَّيْمَرِيِّ

(12)

، وَهَكَذَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ عَبْدُ الْغَنِيِّ"

(13)

.

(1)

في (أ)"وأما"، والصحيح ما أثبته. ينظر بداية المبتدي (ص: 129)

(2)

في (أ)"يكون".

(3)

في (أ)"بقي"، والصحيح ما أثبته. ينظر العناية شرح الهداية (6/ 224).

(4)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 473).

(5)

ينظر الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 1110).

(6)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 41).

(7)

ساقط من (ب).

(8)

ينظرفتاوى قاضي خان (3/ 183)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 329).

(9)

في (ب)"الراري".

(10)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 42).

(11)

ينظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 238).

(12)

من تصنيف الشيخ، الإمام، أبو عبد الله: حسين بن علي الصيمري، فرغ منه: في رمضان، سنة 404، أربع وأربعمائة. وتوفي: سنة 436، ست وثلاثين وأربعمائة. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1838).

(13)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 179 - 180).

ص: 208

قوله: (وهو الصّحيح) احتراز عن القول الأوّل، وهو القول بالجواز اتّفاقًا، ولكن هذا

(1)

الّذي ذكره من القَول الصَّحيح مخالِف لرواية المبسوط، والذّخيرة والتتمّة وفتاوى قاضي خان، فإنّ في تلك الرّوايات جعل جواز الوقف على أمّهات أولاده بالاتّفاق

(2)

.

وقال في المبسوط: "وإذا وقفها على أمهات أولاده في حال وقفِه، ومن يحدث منهن بعد ذلك، وسمَّى لكلِّ واحدة منهن كلّ سنة شيئًا معلومًا في حياة فلان وبعد وفاته، ما لم يتزوَّجن فهو جائز. وهذا على أصل أبي يوسف ظاهر فإنّ عنده لو شرط بعض

(3)

الغَلَّة أو كلَّها لنفسِه في حياته جاز، فلأمّهات أولاده أولى. وإنَّما الإشكال على قول محمد فإنَّه لا يجوز أنْ يشترط ذلك لنفسه

(4)

، واشتراطه لأمّهات أولاده في حياته بمنزلة الاشتراط لنفسه، ولكنّه جوّز ذلك استحسانًا للعُرف؛ ولأنَّه لابد

(5)

مِن تصحيح هذا الشّرط لهنَّلأنَّهن يعتُقْن

بموته، فاشتراطه لهنّ كاشتراطه لسائر الأجانب، فيجوز ذلك في حياته أيضًا تبعًا لما بعد الوفاة، كما قال أبو حنيفة رحمه الله في أصل الوقف/ إذا قال: في حياتي وبعد مماتي، يتعلّق به اللُّزوم، وكذلك إن سمَّى ذلك لمدبَّريه لأنَّهم يعتقون بموته كأمّهات أولاده، بخلاف العبيد والإماء على قول محمّد؛ وأبو يوسف رحمه الله يجوِّز ذلك"

(6)

.

(لأنّ اشتراطه لهم) أي: لأنَّ

(7)

اشتراط صرف غَلّة الوقف لأمّهات أولاده ومدَبّريه، فذكر بلفظ

(8)

ضمير جمع الذُّكور تغليبًا للمدبّرين على أمّهات الأولاد.

(كاشتراطه لنفسه) أي: كاشتراط صرف الغلّة إلى نفسه، ثم اشتراط صرف الغلّة لنفسه في ابتداء الوَقف جائز بدون واسطة عند أبي يوسف، فكذا يجوز اشتراط صرف الغلّة إلى نفسه انتهاء بواسطة اشتراط صرف الغلّة إلى أمّهات أولاده ومدبَّريه.

وذكر في المبسوط: "ولو وقف وجعل مصرِف الغلَّة نفسه مادام حيًّاجاز عند أبي يوسف اعتبارًا للابتداء بالانتهاءلأنَّه يجوز الوقف على جهة يتوَّهم انقطاعها، وإذا انقطعت عادت الغَلَّة إليه في الانتهاء، كما يجوز ذلك في الانتهاء، فكذلك في الابتداء يجوز أنْ يقدِّم نفسه على غيره في الغَلَّة، وهذا لأنَّ معنى التقرُّب لا ينعدِم بهذا [لأنَّ معنى التَّقرُّب لا ينعدم]

(9)

. قال عليه الصلاة والسلام: "نفقة الرَّجل على نفسه صدقة"

(10)

، وقال:"ابدأ بنفسك ثم بمن تعول"

(11)

.

(1)

مكرر في (ب).

(2)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 448).

(3)

مكرر في (ب).

(4)

في (ب)"لنفسه ذلك" بدل "ذلك لنفسه".

(5)

ساقط من (ب).

(6)

المبسوط للسرخسي (12/ 45 - 46)

(7)

ساقط من (ب).

(8)

في (ب)"لفظ".

(9)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(10)

أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب الحث على المكاسب، برقم (2138) 3/ 271

قال الشيخ الأرنؤوط: حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، إسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده، وهذا منها، وهشام بن عمار متابع. سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط (3/ 271).

(11)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، برقم (1427) 2/ 112.

عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ"، ومسلم برقم (1034) 2/ 717.

ص: 209

أمّا عند محمد، إذا جعله وقفًا على نفسه أو جعل شيئًا من الغَلَّة لنفسه مادام حيًّا فالوقف باطل، وهو مذهب أهل البصرة لأنّ التّقرُّب بإزالة الملك واشتراط الغَلّة أو بعضها لنفسه يمنع زوال ملكه، فلا يكون صحيحًا، وكذلك لو شرط الغلَّة لإمائه فهو كاشتراطه لنفسه"

(1)

.

(فصار كما في الصّدقة المنفذّة) أي: سلَّم قدرًا من ماله للفقير على وجه الصّدقة بشرط أنْ يكون بعضه لي، فإن الصّدقة بهذا الشّرط لا تجوز، هكذا كان بخطِّ شَيخي.

[الإشتراط في الوقف]

(وشرطِ) بالجر، بأنْ جَعَل بعض المسجِد لنفسه، فهو مانعٌ للجواز في الكُلِّ فقد جَعل ما صار مملوكًا لله تعالى لنفسِه كما في الصّيد والحشيش وسائر المباحات.

(وشرط أنْ يَنزله) بفتح الياء، من النُّزول على بناء الفاعل، (أو يُدفَن) على بناء المفعول.

(وعند محمّد الوقف جائز والشّرط باطل

(2)

لأنّ هذا الشّرط لا يؤثّر في المنع من زواله، والوقف يتم بذلك، ولاينعدم به معنى التّأبيد في أصل الوقف، فيتمُّ الوقف بشروطه، ويبقى الاستبدال شرطًا فاسدًا، فيكون باطلًا في نفسه كالمسجِد إذا شرط الاستبدال به أو

(3)

شرط أنْ يصلي فيه قوم دون قومٍ، فالشرط باطل واتّخاذ المسجد صحيح فهذا مثله.

(ولو شرط الخيار لنفسه في الوقف ثلاثة أيام جاز الوقف والشرط عند أبي يوسف

(4)

(5)

وإنّما قيد بقوله: "ثلاثة أيام" لتكون مدّة الخيار معلومة، حتّى لو كانت مجهولة لا يجوز الوقف على قول أبي يوسف أيضًالأنَّه ذكر في فتاوى قاضي خان: ولو شرط الخيار لنفسه في الوقف

(6)

قال أبو يوسف: إنْ عيَّن للخيار وقتًا معلومًا يجوز الوقف والشرط، كما في البيع، وإن كان الوقت مجهولًا لايجوز الوقف

(7)

.

وقال الفقيه أبو جعفر: ينبغي أنْ يجوز الوقف ويبطل الشرط.

وذكر في المبسوط: ولو شرط الخيار لنفسه في الوقف ثلاثة أيام فعلى قول أبي يوسف الوقف والشرط جائز كما هو مذهبه في التّوسع في الوقف، وقال هلال بن يحيى: الوقف باطل وهو قول محمد.

وقال يوسف بن خالد السّمتي

(8)

: الوقف جائز والشرط باطل؛ لأنَّه إزالة ملك لا إلى مالك فيكون بمنزلة الإعتاق واشتراط الخيار في العتق باطل والعتق صحيح، وكذلك في المسجد اشتراط الخيار باطل واتخاذ المسجد صحيح، فكذلك في الوقف. ومحمّد يقول: إنَّ تمام الوقف يعتمِد تمام الرّضا ومع اشتراط الخيار لا يتمّ الرّضا فيكون ذلك مبطلًا للوقف بمنزلة الإكراه على الوقف، ثُمّ تمام الوقف على مذهبه بالقبض، وشرط الخيار يمنع تمام القبض. ألا ترى أنّ في الصّرف والسَّلَم لا يتِم القبض مع شرط الخيار وبه فارق المسجد، فالقبض هناك ليس بشرط. إنَّما الشّرط إقامة الصّلاة فيه بالجماعة، وقد وجد ذلك مع شرط الخيار، فلهذا كان مسجدًا.

(1)

المبسوط للسرخسي (12/ 41).

(2)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 42).

(3)

في (ب)"و".

(4)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 42).

(5)

في (ب)"على قول أبي يوسف" بدل "والشرط عند أبي يوسف".

(6)

ينظر فتاوى قاضي خان (2/ 91).

(7)

ينظر الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (5/ 124).

(8)

يوسف بن خالد بن عمير السمتي، ويكنى أبا خالد. وكان قد طلب العلم، وكان له بصر بالرأي والفتوى والكتب والشروط، وكان الناس يتقون حديثه لرأيه، وكان ضعيفًا في الحديث. وقيل له السمتي للحيته وهيئته وسمته. وتوفي بالبصرة في رجب سنة (189 هـ) وهو ابن تسع وستين سنة. الطبقات الكبرى ط العلمية (7/ 214)، التاريخ الكبير للبخاري بحواشي محمود خليل (8/ 388)، أخبار أبي حنيفة وأصحابه (ص: 157).

ص: 210

وأبو يوسف يقول: الوقف يتعلّق به اللُّزوم، ويحتمِل الفَسخ ببعض الأسباب، واشتراط الخيار للفسخ، فيكون بمنزلة البيع في أنّه يجوز اشتراط الخيار فيه، وهذا/ في الحقيقة بناء على الأصل الّذي ذكرنا له فإنّه يجوز أنْ يستثني الواقف الغَلّة لنفسه مادام حيًّا، فكذلك يجوز أنْ يشترط الخيار لنفسه ثلاثة أيام ليروي النّظر فيه

(1)

.

وقوله: (وهذا بناء على ما ذكرنا) إشارة إلى أنْ جعل الواقف غَلّة الوقف لنفسه جائز عند أبي يوسف خلافًا لمحمد، وبهذا البناء صرَّح في المبسوط على ما بيَّنا، ثم لما لم يصحّ الوقف بشرط الخيار عند محمد لم ينقلب الوقف جائزًا بإبطال الخيار بعد ذلك بخلاف البيع إذا شرط فيه الخيار أكثر من ثلاثة أيام، ثم أبطل الخيار قبل الأيام الثلاثة ينقلب البيع جائزًا؛ لأنّالوقف لا يجوز إلا مؤبَّدًاو شرط الخيار يمنع التأبيد، فكان شرط الخيار شرطًا فاسدًا في نفس العقد. أمّا الخيار فلا يمنع جواز البيع وإنّما يفسد البيع إذا شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام لامتناع لزوم العقد بعد الأيام الثلاثة، فلَم يَكُن الفساد في صُلْب العقد؛ كذا في فتاوى قاضي خان

(2)

.

(وأمَّا فصل الولاية: فقد نصّ فيه

(3)

على قول أبي يوسف وهو قول هلال) أي: فقد نصّ في فصل الولاية بالجواز على قول أبي يوسف في الكتاب بقوله: (وإذا جعل الواقف) إلى قوله: (جاز عند أبي يوسف)

(4)

. وذكر في الذّخيرة والتتمة "ذكر هلال: إذا وقف الرّجل أرضه، ولم يشترِط الولاية لنفسه ولا لغيره أنَّ الوقف جائز والولاية للواقف"

(5)

.

وقوله: (وقال أقوام) أي: بعض المشايخ

(6)

: (إنْ شرط الواقف الولاية لنفسه كانت له، وإن لم يشترط لم يكن له ولاية)، قال مشايخنا: الأشبه أنْ يكون هذا قول محمد.

فإنْ قلت

(7)

: كيف يصحّ نسبة هذا القول إلى محمد، ومن مذهبه أنّ التسليم إلى المتولي شرط صحّة الوقف، فعلى هذا لايجوز أنْ يشترط

(8)

الواقف الولاية لنفسه على قولهلأنَّ هذا يمنع التّسليم إلى المتولي فكان على مذهبه يجب أنْ لا تكون له الولاية، شرط ذلك، أولم يشترط

(9)

؟

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 42).

(2)

ينظر فتاوى قاضي خان (3/ 172).

(3)

أي: فقد نص القدوري في فصل الولاية بالجواز. العناية شرح الهداية (6/ 230).

(4)

تمام الكلام: "وإذا جعل الواقف غلة الوقف لنفسه أو جعل الولاية إليه جاز عند أبي يوسف"، الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 19).

(5)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 134).

(6)

البناية شرح الهداية (7/ 450).

(7)

في (ب)"قيل".

(8)

في (ب)"يشرط".

(9)

في (ب)"يشرط".

ص: 211

قلتُ: نعم كذلك إلّا أنَّ تأويل هذا فيما إذا سلَّمه إلى المتولّي، وقد كان شرط الولاية لنفسه حين وقفه كان له

(1)

الولاية بعد ما سلَّمه إلى المتولّي؛ فإنّه ذكر في فتاوى قاضي خان بعد ما ذكر مذهب هلال كما ذكرنا فقال: وذكر محمد في السِّيَر أنّه إذا وقف ضيعة وأخرجها إلى القيّم لا يكون له الولاية بعد ذلك إلّا أنْ يشترط الولاية لنفسه. وأمّا إذا لم يشترط في ابتداء الوقف فليس له ولاية بعد التّسليم

[إلى أنْ قال: وهذه المسألة بناء على أنّ عند محمد التّسليم إلى المتولّي شرط لصّحّة الوقف فلا يبقى له ولاية بعد التسليم]

(2)

إلّا أنْ يشترط الولاية لنفسه، فأمّا على قول أبي يوسف فالتّسليم إلى المتولّي ليس بشرط، فكانت الولاية للواقف وإن لم يشترط الولاية لنفسه

(3)

، ومثل هذا الّذي ذكره في الكتاب مذكور في الذّخيرة والتّتمة

(4)

.

ويحتمل أنْ يكون معنى قوله: (إنْ شرط الواقف الولاية لنفسه كانت له) فيما إذا شرط الولاية لنفسه يعني: إذا شرط الولاية لنفسه يسقُط اشتراط التّسليم إلى المتولّي عنده أيضًالأنّ شرائط الواقف تراعى إذا شرطها، فمِن ضرورة رعاية شرطه كان سقوط اشتراط التّسليم، كذا وجدتُ في موضع ثقة

(5)

.

وذكر في فتاوى قاضي خان: لو قال: أرضي موقوفة إنْ شئت أو أحببتَ؛ كان الوقف باطلًا في قولهملأنّ هذا تعليق، وتعليق الوقف بالشّرط باطل في قولهم. ولو قال أرضي صدقة موقوفة إنْ شئتَ؛ ثُمَّ قال: شئتُ؛ كان الوقف باطلًا لما قلنا إنّه تعليق، ولو قال: شئت، وجعلها

(6)

صدقة موقوفة صحّ

(7)

لأنَّه ابتداء وقف

(8)

(9)

.

فصل:

لما كانت أحكام هذا الفصل مخالِفة لأحكام مسائل الوقف الّتي قبله في الشّروط، وعدم اشتراط التّسليم إلى المتولّي عند محمد، ومنع الشّيوع عند أبي يوسف، وخروجه عن ملك الواقف عند أبي حنيفة، وإنْ لم يحكم به الحاكم ذكرها بفصل على حِدة حتّى أَّن مَن اتّخذ مسجدًا لا يشترط تسليمه إلى المتولِّي بل الصّلاة فيه بمنزلة التّسليم والشّيوع مانع من اتّخاذ المسجد خلافًا لأبي يوسف في غير المسجد، ويخرج المسجد عن ملك من اتّخذه مسجدًا، وإنْ لم يحكُم به الحاكم عند أبي حنيفة.

(1)

ساقط من (ب).

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(3)

ينظر فتاوى قاضي خان (3/ 166).

(4)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 231).

(5)

ينظر شرح السير الكبير (ص: 2111)، فتح القدير (6/ 231).

(6)

في (ب)"وجعلتها".

(7)

في (ب)"صح موقوفة" بدل قوله "موقوفة صح".

(8)

في (ب)"والله أعلم" بعد قوله "وقف".

(9)

ينظر فتاوى قاضي خان (3/ 172).

ص: 212

[وقف المسجد]

(فإذا صلى فيه واحد زال عند أبي حنيفة عن ملكه

(1)

فرَّق أبو حنيفة بين الوقف والمسجد، فإنَّ الوقف إذا لم يكُن موصىً به، ولامضافًا إلى ما بعد الموت، ولم يجعله القاضي لازمًا كان له أنْ يرجع/ فيه، وأمّا في المسجد فليس له أنْ يرجع فيه ولا يبيعه ولا يورث منه.

والفرق أنّ في الوقف اجتمع لفظان: أحدهماالوقف، والآخرالصّدقة؛ لأنّ الوقف يُنْبئ عَن الحبس؛ كأنّه قال: حَبَست العين على ملكي، وتصدّقتُ بالغَلَّة على المساكين، ولو صرَّح بذلك لا يصح ما لم يوصِ بذلكلأنّ التصدُّق بالغَلَّة المعدومة لا يصح، فإذا أوصى به أو أضافه إلى ما بعد الموت يكون لازمًا بعد موته.

وأمَّا قوله: جعلتُ أرضي مسجدًا فليس فيه ما يوجب البقاء على ملكه، فإذا أزاله إلى الله تعالى لا يكون له أنْ يرجع كما لو زال بالإعتاق

(2)

؛ كذا في الجامع الصغير لقاضي خان.

(وعن محمّد أنّه يشترط الصلاة بالجماعة) وكذا عن أبي حنيفة

(3)

؛ ويشترط مع ذلك أنْ تكون الصّلاة بأذان وإقامة جهرًا لا سرًّا حتّى لو صّلى جماعة بغير أذان ولا إقامة سرًّا لا جهرًا، لا يصير مسجدًا عند أبي حنيفة ومحمد، فإنْ جعل للمسجد مؤذنًا وإمامًا وهو رجل واحد، فأذّن وأقام وصلّى وحده صار مسجدًا بالاتفاقلأنّ أداء صلاته على هذا الوصف كالجماعة. ألا ترى أنّ أصحابنا قالوا: مؤذّن مسجد إذا أذَّن وأقام وصلَّى وحده ليس لمن يجيء بعد ذلك

(4)

أنْ يصلي بالجماعة في ذلك المسجد، وبقبض

(5)

المتولِّي هل يصير مسجدًا مِن غير أنْ يصلَّى فيه، فقد اختلف المشايخ فيه

(6)

؛ كذا في الذخيرة.

(ويشترط تسليم نوعه) أي: يُشترط تسليم كلِّ شيء على ما يليق هو به، وما يليق لتسليم المسجد هو الصّلاة فيه.

(أولأنَّه لمّا تعذّر القبض) باعتبار أنّه إسقاط لملكه بالاتّفاق تعذّر القبض كما في سائر الإسقاطات من الطّلاق والعتاقولأنّ القبض إنّما يتحقّق بالغَلَّة

(7)

لا في الأوقاف الّتي هي لازمة كالإعتاق.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 34).

(2)

ينظر العناية شرح الهداية (6/ 233).

(3)

وعن أبي حنيفة فيه روايتان؛ في رواية الحسن عنه يشترط إقامة الصلاة فيه بالجماعة، وفي رواية غيره عنه قال: إذا صلى فيه واحد يصير مسجدًا، وإن لم يصل بالجماعة. المبسوط للسرخسي (12/ 34).

(4)

في (ب)"بعده" بدل قوله "بعد ذلك".

(5)

في (أ)"وبعض".

(6)

ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 205 - 206).

(7)

في (ب)"في الغلة".

ص: 213

[حكم السرداب تحت المسجد]

(ومن جعل مسجدًا تحته سِرداب) بكسر السين، وهو معرَّب من "سَرداب"، وهو بيت يتّخذ تحت الأرض للتّبريد.

(فله أن يبيعه) أي: لا يكون مسجدًا، وهو ظاهر الرّواية

(1)

لأنّ المسجد ما يكون خالصًا لله تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18]. أضاف المساجد إلى ذاته مع أنّ جميع الأماكن له، فاقتضى ذلك خلوصُ المساجد لله تعالى، ومع بقاء حقّ العباد في أسفله أوفي أعلاه لا يتحقّق الخلوص. أمّا إذا كان السّفل مسجدًافلأنّ لصاحب العلو [حقًا]

(2)

في السفل حتّى لا يكون لصاحب السّفل أنْ يحدث فيه بناء مِن غير رضا صاحب العلو. وأمّا إذا جعل العلو مسجدًافلأنّأرض العلو ملك لصاحب السّفل بخلاف مسجد بيت المقدس؛ لأن ثَمّة السرداب ليس بمملوك لأحد بل هو للعامّة، وما يكون للعامّة يكون لله تعالى ليس لغيره اختصاص به. أمّا إذا كان السّرداب مملوكًا لا يتحقّق الخلوص، وإذا لم يصِر مسجدًا كان له أنْ يبيعه.

وعن بعضهم: إن كان العلو مسجدًا والسّفل حوانيت موقوفة على المسجد أو على القلب لا بأس بهلأنّ الكلّ منقطع عن حقوق العباد. واختلف في اتّخاذ المسجد وتحته حوض للعامة على قول من يجوِّز اتخاذ العلو مسجدًا فلم يجوِّزه بعضهم قياسًا على الحوض الخاصّ، وجوَّزه بعضهم كما لوحفر في المسجد

(3)

بئرًا للاستقاء. والصحيح أنّه يجوز ذلك إلا أنه إنْ سبق اتّخاذ المسجد، فهو مسجد؛ وإن سبق اتّخاذ الحوض فالمسجد مستعار

(4)

؛ كذا في الجامع الصغير لقاضي خان والتمرتاشي.

(وعلى ظهره مسكن) أي: على سطحه بدليل تعليل هذه المسألة، وتعليل ما يقابِلها حيث علّل بالسّفل والعلو والفَوق، وذلك إنّما يتحقّق في السّطح لا في جانب الظهر بمعنى الخلف.

(وعن محمّد على عكس هذا) أي: إذا جعل العلو مسجدًا صحّ، وإذا

(5)

جعل السّفل مسجدًا

(6)

(7)

.

قوله: (وعن أبي يوسف جوّز في الوجْهين وعن محمّد أجاز ذلك كلّه

(8)

، وإنّما أعاد ذكر قول محمّد بهذا الطّريق ولم يقُلْ: وعن أبي يوسف ومحمد

مع أنّ هذين القولين منهما لم يصحّ سواء، ليتهيّأ له ما ذَكر لكلِّ واحد منهما مِن دخول مخصوص في مصر مخصوص، إذ في الحكْم

(9)

في غير الدُّخول

(10)

هذا اللفظ يلتبس

(11)

الدّخول بالإسناد

(12)

ولأنَّه ذكر زيادة التّعميم بلفظ الكلّ في قول محمّد.

(1)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 94).

(2)

ساقط من (أ).

(3)

ساقط من (ب)،

(4)

ينظر البناية شرح الهداية (7/ 455).

(5)

في (ب)"وإن".

(6)

في (أ) غير واضح، وفي (ب)"لم يصح".

(7)

وعن محمد قال: إن جعل السفل مسجدا، جاز، وإن جعل العلو مسجدًا دون السفل: لا يجوز. المبسوط للسرخسي (12/ 94).

(8)

المرجع السابق.

(9)

ساقط من (ب).

(10)

ساقط من (ب).

(11)

في (ب)"تلبيس".

(12)

في (ب)"في الإسناد".

ص: 214

(لما قُلْنا) أَي: مِن الضّرورة.

(وكذلك إن اتّخذ وسْط داره مسجدًا) بالسُّكون، هكذا كان مقيدًا بقيد شَيخي، ولأنّ هذا اسم مبهم لداخل صحن الدّار لا لشيء معيّن بين طَرفي الصّحن فكان ساكنًا.

(ولأنَّه أبقى الطّريق لنفسه فلَم يخلص لله تعالى) حتّى لو عزل بابه إلى الطّريق الأعظم يصير/ مسجدًا

(1)

؛ كذا ذكره الإمام قاضي خان.

[خراب ما حول المسجد]

(ولو خرب ما حول المسجد واستغني عنه) على بناء المفعول (يبقى مسجدًا عند أبي يوسف) إلى أنْ قال: (وعند محمّد يعود إلى ملك الباني

(2)

.

وفي الحقيقة هذه المسألة مبنية على ما بيَّنّا، فإنَّ أبا يوسف لا يشترِط في الابتداء إقامة الصّلاة فيه ليصير مسجدًا، فلذلك

(3)

في الانتهاء، وإنْ ترك النّاس الصّلاة فيه لا يخرُج مِن أنْ يكون مسجدًا، ومحمّد رحمه الله يشترط في الابتداء إقامة الصّلاة فيه بالجماعة ليصير مسجدًا، فكذلك في الانتهاء إذا ترَك النّاس الصّلاة فيه بالجماعة يخرج مِن أنْ يكون مسجدًا. وحُكي أنَّ محمدًا مرَّ بمزبلة فقال: هذا مسجد أبي يوسف؛ يريد به أنه لما لم يقل: يعود

(4)

إلى ملك الباني يصير مزبلة عند تطاوُل المدّة؛ ومرَّ أبو يوسف باصطبل فقال هذا مسجد محمّد، يعني أنه لما قال: يعود ملكًا فربما يجعله المالك اصطبلًا بعد أن كان مسجدًا، فكلُّ واحدٍ منهما استبعد مذهب صاحبه بما أشار إليه.

فمحمد

(5)

يقول: إنّه جعل هذا الجزء مِن ملكه مصروفًا إلى قُربة بعينها، فإذا انقطع ذلك عاد إلى ملكه، كالمحصَر إذا بعث بالهدي ثُمَّ زال الإحصارفأدرك الحجّ كان له أنْ يصنع بهديه ما شاء، وكذلك لو كفَّن ميتًا ثم افترسه السَّبع عاد الكفن إلى ملك صاحبه، وكذا إذا علَّق قنديلًا أو بسط حصيرًا في المسجد ثم خرب المسجد. وأبو يوسف يقول: بلى أزال ملكه بجهة ولكن لم تبطُل

(6)

تلك الجهةلأنَّه ما جعله مسجدًا ليصلِّي فيه أهل المحلّة لا غير، وإنّما جعله مسجدًا ليصلِّي فيه العامةلأن للعامّة حق إقامة الصلاة في المساجد. واستدلّ أبو يوسف بالكعبةفإنّ زمان الفترة قد كان حول الكعبة عبدة الأصنام، ثُمَّ لم يخرج موضع الكعبة به مِن أنْ يكون موضِع الطّاعة والقُربة خالصًا لله تعالى، فكذلك في سائر المساجد.

(1)

ينظر الفتاوى الهندية (2/ 455).

(2)

وتمام كلامه: "يبقى مسجدا عند أبي يوسف لأنه إسقاط منه فلا يعود إلى ملكه، وعند محمد يعود إلى ملك الباني". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 21).

(3)

في (ب)"فكذلك".

(4)

في (ب)"بعوده".

(5)

في (ب)"ومحمد".

(6)

في (ب)"يبطل".

ص: 215

وأمَّا هدي الإحصار فهو لم يزُل عن ملكه

(1)

قبل الذّبح، وكلامنا فيما إذا زال عن ملكه، وكذلك الكفن ليس بإزالة العَين عن ملكه، بل هو تبرُّع بالمنفعة لحاجة الميّت وكان بمنزلة العارية حالة الحياة، وقد وقع الاستغناء للمستعير فيعود إلى المعير. وأمّا الحصير فالصحيح من مذهب أبي يوسف أنه لا يعود إلى ملك متّخذه بخراب المسجد بل يحوّل

(2)

إلى مسجد آخر أو

(3)

يبيعه قيم المسجد للمسجد

(4)

؛ كذا في المبسوط والذخيرة.

[وقف السقاية]

(بخلاف المسجد) أي: حكم الحاكم، والإضافة ليسا بشرط في المسجد (في هذه الوجوه) أي: في السِّقاية والخان والرّباط والمقبرة.

"الكَنس": من حدّ ضرب.

"الحاج" اسم جمع بمعنى: الحُجَّاج كالسّامر بمعنى السّمّار في قوله تعالى: {سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67].

"الثغر": موضِع المخافة من فروج البلدان يقال: " (رابط الجيش) أقام في الثغر بإزاء العدو مرابطة ورباطا"

(5)

؛ كذا في الصحاح

(6)

(7)

والله أعلم.

قد انتهى بعون الله، جلّ ثناؤه وعزّ كبرياؤه، ما هويتُإلى منصف المشروح بالمعاني الموثّقة

(8)

الوضوح مبيِّنًا لما استبهم وأعضل، ومفتقًا لما قنع

(9)

من أفنان البيان، واعبل

(10)

ومرعبلًا أبهر الآتي بالخنفقيق

(11)

فيما سأل وملهزمًا

(12)

تفيهق

(13)

العفنقس

(14)

الصعندد فيما لج وختل

(15)

بأجوبة تتعاتق في الإيضاح تزايدًا وتتأنق في البيان ترافدًا

(16)

مؤسسة على قواعد أصول الفقه وفروعه ومنشقّة من شروق ضياء الشّرع وسطوعه، وها أنا أثني القَلم إلى شرح النِّصف الثاني من الكتاب، رافعًا للحجاب، وكاشفًا للنِّقاب، حامدًا على توفيق الملك الوهاب، ومصليًا على نبيه المصطفى سابق أولي الألباب راجيًا مِن الله الغفور البرّ الشكور أنْ يوفقني لإتمامه ويكرمني باختتامه إنّه على ما

(17)

يشاء قدير وبالإجابة جدير.

(1)

ساقط من (ب)،

(2)

في (أ)"تحول".

(3)

في (أ)"و".

(4)

ينظر المبسوط للسرخسي (12/ 42 - 43).

(5)

المغرب في ترتيب المعرب (ص: 181).

(6)

في (ب)"والمغرب" بعد "الصحاح".

(7)

ينظر الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 1127).

(8)

في (ب)"المونقة".

(9)

في (ب)"فنبع".

(10)

الأعبل: حجر أخشن غليظ يكون أحمر، ويكون أبيض، ويكون أسود. لسان العرب (11/ 421).

(11)

الخنفقيق: الداهية. يقال: داهية خنفقيق. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1470)

(12)

مُلَهْزِمُهْ واللِهْزِمَتانِ: عظْمان ناتئان في اللَحيينِ تحت الأذُنين. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (5/ 2038)

(13)

المتفيهق: الذي يتوسع في كلامه ويفهق به فمه. لسان العرب (10/ 314).

(14)

في (ب)"العقنقس".

العقنفس والعفنقس، جميعا: السيء الخلق. وقد عقفسه وعفقسه: أساء خلقه. لسان العرب (6/ 144).

(15)

ختل: خَتَلَهُ (3) وخاتَلَهُ، أي خدعَه. والتخاتل: التخادع. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1682).

(16)

في (ب)"تراودًا".

(17)

ساقط من (ب).

ص: 216

[قد وقع الفراغ من تنميق هذا الكتاب بعون الله الملك العزيز الوهاب في نصف شهر جماد الأول في يوم الأحد وقت الضّحى من شهور سنة تسع وأربعين وتسع مائة في شهر قسطنطنية -حماها الله عن الآفات والفترات- على يد العبد الضعيف المحتاج إلى رحمة ربّه

اللّطيف محمد بن حاجي توشة وارداري عفى عنهما الباري عزّ اسمه]

(1)

.

(1)

ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

ص: 217